


تاريخ المستقبل
إننا نعيش فترة أيام حاسمة في تأريخ
الشرق الأوسط والمنطقة الإسلامية بل والعالم أجمع ، ونحن في هذا الکتاب نتناول هذه الفترة من تأريخ العالم والتي تبدو خطيرة جداً بما تنطوي عليه من احتمالات وامکانيات للمستقبل القريب والبعيد ، نتناولها من زاوية فيها قدر من الطرافة إلى جانب قدر مهمّ من الجدّية. وجانبُ الطرافة في هذه النظرة إنها تأتي من خلالِ رؤيةٍ تنبؤيةٍ لشخصٍ عاش في القرن السادس عشر ( ١٥٠٣ ـ ١٥٦٦ ) فرأى ماً سيحصل للعالم على مدىً من الزمن يزيد على أربعة قرون.
ولقد جاءت تنبؤاته صادقةً في کثير من
الأمور کما ظهر ذلک من خلال تتبّع الأحداث التأريخية السابقة مما حصل بالفعل وکان قد تنبأ أو رأى بأنه سوف يحصل ( کما سيتضح فيما بعد ). ذلک الشخص هو مايکل دي نوسترادمس ، وإن کانت شهرته باسمه الأخير ؛
نوسترادمس. أما تنبؤاته هذه فقد وضعها في عشرة فصول وسمّى کلَّ فصلٍ منها قرناً ، فهي تتکون من عشرة قرون. ولا علاقة لهذه القرون بالقرون المعهودة عندنا حيث يتکون القرن من مائة سنة ، ولکنه إنما سمّى کل فصل قرناً لأنه يتکوّن من مائة قطعة ( باستثناء الفصل السابع الذي احتوى على ٤٢ قطعة ولم يتممها مائةً لسبب ما ) وهذه القطع وضعها علي هيئة رباعيات منظومة شعراً ، فکل قطعة هي رباعية شعرية إستعمل فيها لغةً خاصة وفريدةً من نوعها ، إذ هي خليط من اللاتينية والإغريقية والبروڤانسية ( مقاطعة فرنسية ) والفرنسية والإيطالية والإسبانية ، وهناک من يقول بأن لغته هذه هي اللغة الفرنسية القديمة القريبة من أصولها اللاتينية والإغريقية.
ولقد صدرت أول طبعة من کتابه هذا ( القرون
) أثناء حياته في سنة ١٥٥٥ ولکنه لم يکن يحتوي على الفصول العشرة کلها وإنما احتوى على الفصول ( القرون ) الثلاثة الأولى ونصف الرابع ، ولم يتمّ نشر المجموعة کاملةً إلا بعد وفاته بستين أي في سنة ١٥٦٨ ، وقد إعتمدتُ في کتابي هذا على ترجمات إلى اللغة الإنکليزية من الکتاب الأصلي وبلغته الأصلية الذي صدر سنة ١٥٦٨.
وإلى جانب الرباعيات المنظومة شعراً فقد
احتوى
کتاب القرون على بعض المنشورات والسداسيات الشعرية المتفرقة إضافة إلى رسالتين ؛ الأولى مُوجَّهةٌ من نوستردامس إلى إبنه ( قيصر ) والثانية موجهة منه إلى الملک هنري ملوک فرنسا.
أما تنبؤات نوستردامس فقد عرفتها أوربا
منذ يوم صدورها وإلى يومنا هذا ولم يتوقّف الکتاب عن الصدور والنشر منذ تلک الأيام البعيدة عندما کان الکتاب ترفاً لا يقدر على اقتنائه إلا أغنياءُ الناس وإلى أيامنا هذه وإن کانت معرفة إخواننا من قراء العربية بهذا الرجل قليلة بالقياس إلى شهرته العريضة في أوساط الأوروبيين.
وقد أستُغَلَّت هذه التنبؤات لأغراض
سياسية وعسکرية على مدى الزمن ، ففي الحرف العالمية الثانية اکتشفت زوجة غوبلز ( أحد کبار أعوان هتلر ) الکتاب سنة ١٩٣٦ ونبّهت زوجها إليه والذي عرف بدوره قيمته الإعلامية فرتّب الأمر مع وزارة إعلام هتلر وقاموا بتوظيف منجّم سويسري اسمه ( أرنست کرافت ) الذي قام بالتعرف على الرباعيات والمقاطع المفيدة إعلامياً لأغراض الحرب النفسية وتوطيد إذهان الناس لغزو أوروبا واحتلالها.
وابتداءاً من شهر مايس سنة ١٩٤٠ قاموا
بالقاء منشورات من الطائرات على الأهالي في فرنسا وغيرها
تستخدم فيها نبوءات نوستردامس بما يخدم أغراضهم. ولم تقف المخابرات البريطانية على عهد تشرتشل مکتوفة الأيدي أمام هذا النصر الإعلامي النازي فقاموا بدورهم باستخدام نبوءات نوستردامس في حملةٍ إعلامية مضادة وقاموا بالقاء منشوراتهم من الطائرات على أهالي فرنسا وبلجيکا وإن کان ردُّ فعلهم هذا قد جاء متأخراً إذ أنهم جاؤوا بذلک سنة ١٩٤٣ وصرفوا عليه ما لا يقل عن ٨٠٠٠٠ باوند إسترليني وهو مبلغ ضخم جداً في ذلک العهد إضافة إلى حالة الإفلاس التي کانت تعيشها بريطانيا آنذاک.
وبالمقابل فإن کتاباً صدر حول هذه
النبؤات في فرنسا وفيه تفسير لبعض مقاطعها ورباعياتها ينبيء بهزيمة هتلر فقام الغستابو ( البوليس السري النازي ) بمصادرة الکتاب وحتى تذويب الواح الحروف الطباعية وذلک سنة ١٩٤٤.
من
هو نوستردامس
ولد نوستردامس ( مايکل دي نوستردامس )
في مقاطعة [ پووڤانس Provance
] الواقعة جنوب فرنسا ظهيرة يوم ١٤ کانون أول ( ديسمبر ) من سنة ١٥٠٣ وهو مسيحي کاثوليکي ، ويقال بأن آباءه وأجداده کانوا على دين اليهودية وهو أمر يصعب إثباته فقد کان جده لأبيه ، وهو
تاجر حبوب ، متزوجاً من فتاة مسيحية وکذلک فعل ابنه ( والد نوستردامس ) إذ تزوج من فتاة مسيحية کاثوليکية وهو الذي يدّعون بأنه تحول إلى الديانة النصرانية في سنة ١٥١٢ أي عندما بلغ ابنه البکر مايکل دي نوستردامس تسع سنوات من عمره ، وقد کان لنوستردامس أربعة إخوة آخرين کان هو أکبرهم سناً. وقد اعتنى جده بتثقيفه وتعليمه ، فعلمّه شيئاً من الرياضيات وعلم النجوم إضافة إلى اللغات اللاتينية واليونانية. وعندما توفي جده عاد الفتى نوستردامس إلى بيت أبويه واستمر هناک في تعليمه.
وفي سنة ١٥٢٢ أرسله أبواه إلى کلية [ مونتبليه
Montpelleier ] لدراسة الطب وله من العمر ١٩ عاماً ، وبعد ثلاث سنوات حصل على البکالوريوس وبدأ في ممارسة الطب ، وکان ذلک وقت وباء الطاعون الذي اجتاح فرنسا وخصوصاً جنوبها ، وقد کان نوستردامس الطبيب معروفاً بعدم اکتراثه في مواجهة مرضى الطاعون عندما کان غيره يهربون منهم خشية العدوى ، وکان قد ابتکر وصفة خاصة لعلاج المصابين بالطاعون أعطته شهرةً في قدرته على الشفاء ( وقد أصدر کتاباً في الطب سنة ١٥٥٢ کان يحتوي على عدد من وصفاته الخاصة ). وخلال السنوات الأربعة التالية صار يتنقل بين عدد من
المدن بين فرنسا وإيطاليا واطّلع في أثناء رحلاته هذه على عدد کبير من الکتب الخاصة بالسحر والتنجيم ، عاد بعدها إلى کلية الطب في ( مونتبليه ) لإکمال الدکتوراه في سنة ١٥٢٩ وکان معروفاً عنه في هذه الفترة أن له إتجاهات في العلاج تخالف ما هو متعارف عليه وخصوصاً مخالفته لإستعمال الحجامة في العلاج.
وبعد حصوله على الدکتوراه في الطب سنة
١٥٢٩ إستقر به المقام في مدينة [ آجين Agen
] في فرنسا حيث تزوج هناک من فتاة وجاءه منها ولد وبنت ، وتأتي موجة جديدة لوباء الطاعون فتجتاح المنطقة التي هو فيها وليموت فيها ولداه وزوجته ، وحيث لم يکن في قدرته إنقاذهم فقد کان ذلک کارثة عليه وعلى عمله هناک ، وزاد في الطين بلّة أن والدي زوجته أقاما عليه دعوة قضائية يطالبانه فيها بإرجاع مهر إبنتهم إليهما ، ولم تقف سلسلة مشاکله عند هذا الحد وإنما جاءه أمر من محاکم التفتيش التابعة للسلطة الکنسية الکاثوليکية القائمة آنذاک بالمثول أمامها في مدينة [ تولو Toulouse
] الفرنسية بتهمة الکفر ، وهي تهمة خطيرة جداً في ذلک الوقت ، وذلک بسبب ملاحظة کان قد أبداها قبل ذلک بسنوات عندما وقف أمام أحدهم ، وهو صانع تماثيل ، وهو يصب تمثالاً من البرونز لمريم العذراء فقال له : (إنک إنما تصنع شياطين) ، وتم
رفع التقارير بذلک إلى السلطات الکنسية التي قررت مواجهته بهذه التهمة واستدعائه لمحاکمته ولکنه لم يمتثل للأمر خشية أن يؤدي به الأمر إلى إدانته ومن ثم إلى سجنه أو إعدامه فهرب من مدينته وتنقل متخفياً حتى وصل إلى مدينة [ سالون Salon ] الفرنسية سنة ١٥٤٤ وتزوج فيها بأرملة ثرية وجاءه منها عدد من الأولاد وفي هذه المدينة قضى ما تبقى من حياته في دار مازالت موجودة إلى يومنا هذا. وکان قد اتخذ أعلى غرفة في هذه الدار مقراً لدراسته واشتغاله بکتب التنجيم والسحر والباطنية والتي أحرقها فيما بعد کما سيأتي ذکره. ويعتقد أن من أهم مصادر الهامه کان کتاباً يدعي [ الأسرار المصريه De
Mysteriis Agyptorum ]. وفي غرفته هذه ابتدأ في وضع نبوءاته ومنذ سنة ١٥٤٧ ونشرها لأول مرة في سنة ١٥٥٥ وبشکل غير کامل حيث احتوت على أول ثلاثة قرون ( فصول ) ونصف الرابع کما سبق ذکره ، وانتشر صيته في کل مکان واتصل خبره بزوجة ملک فرنسا ( کاترين دي مديسي ) فأرسلت إليه ليحضر إلى البلاط في باريس وهيأت له الجياد اللازمة لسفرته تلک والتي إستغرقت مدة شهر ( وهي تستغرق عادة مدة شهرين بدون مثل تلک الإعدادات ) وقابلته کما قابله الملک وأنعما عليه بشيء بسيط من المال ومکث عندهم لمدة إسبوعين عاد بعدها إلى مدينته سالون. وکانت له زيارة
أخرى أطال فيها المکوث في البلاط الملکي الفرنسي وکان التحقيق جارياً من جانب الکنسية حول ممارسته للسحر مما جعله يختفي مرة ثانية ويعتزل في داره ، وقد عاش بعدها مع مرض مفاصله المعروف بداء النقرس وهو يمارس کشف الطالع لزواره وخصوصاً الأغنياء منهم ، ومن الملاحظ أن التنجيم قد بلغ ذروة انتشاره في ذلک الوقت.
وفي سنة ١٥٦٤ تقرر زوجة الملک کاترين أن
تقوم بجولة ملکية في أنحاء فرنسا مع عائلتها وقد استمرت جولتها هذه سنتين وکان من جملة محطاتها هي بيت نوستردامس في مدينة سالون حيث زارته في بيته بصحبة أبنائها وتناول معه الجميع طعام الغداء.
في يوم ٢ / ٧ / ١٥٦٦ توفي نوستردامس ودفن
قائماً في حائط کنسية في سالون ، وأثناء الثورة الفرنسية نبش بعض الجنود قبر نوستردامس وأخرجوا نعشه ولکن رُمَّتَه دُفِنت مرة ثانية في کنسيةٍ أخرى في سالون (کنسية سانت لورن St. Laurent) حيث لا يزال قبره موجوداً مع رسم له يعلو الضريح.
معاني
مختلفة في رؤية المستقبل
إننا ککائنات بشرية نعيش أکثر الوقت في المستقبل ، حاضرنا غالباً ما ينساق وراء رؤيتنا لمستقبلنا ، وتجري الذات الإنسانية بشکل مستمر في سبيل تحقيق أهدافٍ تتصورها لمستقبلها ، وکلما کان تصورنا لأهداف المستقبل أوضح وأجلي في تفاصيله وجزئياته ، کلما کانت همتنا وعزيمتنا وإصرارنا أقوى کلما کان بالإمکان تحقيق هذه الأهداف المرغوبة والمطلوبة بدرجة أعلى من الإمکانية. کذلک فإننا في خطوات حياتنا المهمة نحاول أن نتعرف على إمکانيات المستقبل واحتمالات ما سيحصل لنا فيما لو اتّخذنا هذه الخطوة أو تبنّينا هذه السياسة أو تلک ، فإن کانت تحفُّها المخاطر في المستقبل لأي سبب من الأسباب ترکناها وإن کانت إمکانية النجاح والسعادة فيها أخذنا بها وتبنّيناها ، ويساعدنا على هذا المنهج في حياتنا کبشر هو أن کل ما يجري من حولنا إنما يجري وفق نواميس وقوانين ، دائماً هناک علاقة قانونية أو علاقة السبب بالأثر والمقدمة بالنتيجة ، مما يعطي الإنسان قدرة فائقة للغاية في السيطرة على الطبيعة والبيئة التي تحيط به بکل أنواعها والتحکم بدرجة التأثير التي يبغيها من هذا السبب أو ذاک.
هذا الأمر إذن يدخل کجزء من ترکيبتنا
الخاصة
کبشر ، ونمارسه کلنا ولکن بدرجات تختلف کبراً وصغراً بحسب کبر أو صغر هممنا وعزائمنا. ولکن هناک نوع آخر من الرؤية المستقبلية وهي ما نحن بصدده في هذا الکتاب ، وهي أن يشاهد أحدهم حوادث ستجري بعد عشرة سنوات أو بعد مائة سنة من ساعة رؤيته ، وهي قدرة ثبت وجودها لدى عدد من الناس وبدرجات متفاوتة ، ويبدو أنها قريبة من ملکة أخرى أکثر شيوعاً منها وهي ما يعرف بالإستبصار [ Clairvoyance
] والتي يقال عنها بأنها موجودة لدى کل واحد منا ولکنها إنما تنمو وتتطور لدى فئة صغيرة من الناس دون البقية منهم لعلَّةٍ غير معروفة.
والاستبصار هو الإحساس بحوادث تجري
بعيداً ولمسافات قد تطول أو تقصر ويتمّ إدراکها من دون استعمال أعضاء حسٍّ معروفة وهي إما أن تکون قد حصلت في اللحظة التي تم بها إدراکها من جانب الشخص المُستبصِر أو أنها بعد لم تحصل دائماً يتم حصولها في يوم أو يومين أو أکثر من ذلک من ساعة الإحساس بها. ومن الشائع أن تجد بعض الناس ممن يحصل لديهم إحساس مفاجيء أو ومضة معرفة حول أمر يحصل بعيداً عنهم ( مثل حادث أصاب أحد أهلهم أو أصدقائهم ) ، وقد يکون هذا الإحساس أو الإدراک
الفجائي على هيئة حلم مما يراه النائم أو أثناء حالة تشبه حلم اليقظة أو أن تکرن إحساساً بديهياً أولياً.
وهى تشبه بدورها ملکة [ التلپاثي Telepathy ] أو القدرة على الإتصال على البعد أو قل أنهما من معدن واحد وينبعان من موهبة واحدة ، ولکن الفرق بينهما هو وأن التِلِپاثي أو الإتصال على البعد هو عبارة عن إنتقال فکرة أو صورة من شخص إلى آخر أو هي قدرة أحدهما على تسلم ما يدور في ذهن الآخر ، أما الإستبصار [ Clairvoyance ] فهو إدراک مباشر لحادثة وقعت في مکان آخر. وهناک عدد من التجارب التي أجريت منذ سنة ١٩٣٠ وإلى اليوم وهي تشير إلى أن الاستبصار هو قدرة بشرية موجودة بالفعل. وتشير التجربة إلى أن کلاً من الاستبصار والتلپاثي هما في الأساس إمکانية واحدة ، الأول هو إدراک فوق الحسّي لحوادث أو لحالات موضوعية والثاني هو إدراک لحالات فکرية أو نفسية أو تصوّرية عند الآخرين کما ذکرنا. ويبدو من هذه التجارب أن هذه القابلية موجودة عند البشر بشکل واسع ، وقد اکتشفوا في خصوصها عوامل تقوّيها إلى جانب عوامل أخرى تضعفها ، فمن جملة ما يضعفها هو : ـ الملل ، إنشغالُ الذهن وشروده ، إستعمال المواد المخدّرة ، الرتابة. کما أن من العوامل التي تؤدي إلى شحذ هذه
الطاقة وتقويتها هو : ـ إثابة ومکأفاة من يمارسها ، التعاون معه ، ظروف مختبرية مناسبة.
کما أن من غير المعروف ما هي طبيعة ونوعية
الخصائص الشخصية والنفسية التي تصلح أن تکون دليلاً على من يمتلک هذه القدرة بشکلها النامي المتطوّر.
ومن الواضح أننا نتحدث هنا عن قدرة أو
ملکة تختلف تماماً عن مسألة التنّبؤ المنطقي والعقلاني لما يمکن أن يأتي به المستقبل في مختلف المجلات العلمية منها أو السياسية أو الإجتماعية والتي مارسها المفکرون على مرّ التأريخ ، وقد اشتهر منهم في التأريخ القريب الکاتب الروائي أچ. جي. ويلز المتوفى سنة ١٩٤٦ والذي کتب عن تصوراته للمستقبل على مدى خمسين عاماً من حياته وتوقع فيها بناء الغواصة والمرکبة الفضائية ووصول الإنسان إلى القمر وغير ذلک ، کما اشتهر منهم الکاتب الروائي جورج أوروِل وخصوصاً في روايته التي إسمها (١٩٨٤) والتي کتبها سنة ١٩٤٣ ووضع فيها جملة تصوراته عن مستقبل العالم في الثمانينات ، وغيرهما.
وکما ذکرنا فقد کثرت الدراسات والبحوث
في العقود الأخيرة حول هذا الموضوع وحول تفسير هذه الظاهرة ، وبالإضافة إلى ذلک فإن عدداً ممّن امتلک هذه
الموهبة ووجد في نفسه هذه القدرة الغربية على استکشاف المستقبل ورؤيته قد کتب في تجربته هذه وفي طبيعة ما يجري له أثناء عملية الرؤية هذه.
ويتخلص ما ذکروه في أن وعي المستبصِر وذاته
تنشطر إلى شطرين ، شطرٌ يبقى مع جسمه وشطر يتسامى ويعلو ، وتتمثل في هذا الشطر الثاني القدرة على الاستبصار وعلى استکشاف العالم الخارجي بشکل أوسع وأعمق وأقرب إلى معدن المعرفة وهو يحسّ في نفس الوقت بأن کلا الشطرين يعودان له وأنهما مازالا من الأنا. ومن الحالات التي يعيشها هذا الوعي الثاني العُلوي هو أن يکون في حالة يکون فيها الزمان والمکان وحدةً واحدةً مما يجعله يحسّ بأنه « حرّ في البعد الزمني للفضاء » بحسب تعبير أحدهم ، فهو يحسّ بأنه قادر على رؤية مساحة زمنية أوسع من الحاضر. وهذا يقودنا إلى نظرية تحاول أن تفهم معنى الزمن وتستکشف طبيعة إدراکنا له فنقول بأن الزمن ليس هو کما يبدو لنا سلسلة متتالية من النقاط ، ثانية تتلوها ثانية ودقيقة بعد دقيقة ، وإنما هو منبسط على مساحة واسعة يجري فيها الماضي والحاضر والمستقبل بشکل متوازٍ وإنما هو وعينا الذي يتنقل بين هذه المستويات ، إننا نفهم الحاضر على أنه هذه اللحظة التي نکون فيها في وعينا اليقظ على العالم
الخارجي والداخلي ، أنه هذه الثانية التي ستصير ماضياً بعد ثانية أخرى من الحاضر. ولکن وحسب هذه النظرية فإن ما نسميه حاضراً سوف ينبسط ويمتد ويتمطّى إلى درجة کبيرة أثناء النوم حتى أن مساحته قد تشمل شهوراً أو سنين من الزمن مما هو ماضي ومستقبل وحاضر على السواء ، ومن هنا صار للأحلام والرؤى التي يراها النائم دوراً في کشف المستقبل لدى الکثيرين. وبموجب هذه النظرية فإن وعينا على الحاضر وفهمه کنقطة واحدة أو کلحظة واحدة ما هو إلا بسبب ترکيزنا لإنتباهنا على هذه اللحظة بسبب طبيعة الحياة التي نعيشها والتي تفرض علينا عملية الترشيح هذه بحيث أنها صارت عادة الجهاز العصبي عندنا أن يستبعد کل شيء ما عدا هذه اللحظة التي نکون فيها.
ومن الواضح أن هذا کله لا يصلح تفسيراً
لهذه الظاهرة وإنما هو تحليل ووصف لها ويبقى أمرها مستغلقاً شأنها في ذلک شأن الفکر وشأن العقل والحس. فإننا عندما نقول «إدراک» «فکر» «تقييم» فإننا نتحدث عن أشياء هي موجودة عندنا بالفعل أو هي ملامح من وجودنا کموجودات ولکننا لا نعرف لها ماهيّةً ولا نعرف ما هي طبيعتها ، الفکر لا يعرف ما هو الفکر والفهم لا يفهم ما هو الفهم والإدراک لايدري ما هو الإدراک ، والعقل لا
يفهم ما هو العقل ، إنها أشياء وجودها هو ذاتُ نشاطِها وعملها ، فإذا أراد الإنسان أن يفهمها وجد أنها قد اختفت بمجرد أن يستدير الفکر إلى نفسه ليدرک طبيعته وليفهم ذاته ، أو لوجد أَنه إنما يشرّح جثة هامدة بلا حياة ، إنها قوى موجودةً بالفعل ، ونشاطها وعملها هو عينُ وجودِها ، وهي في نفس الوقت تأبى الإدراک والفهم على الأطلاق ، فهي من المجاهيل المستغلقة حقاً.
کيف
توصل نوستردامس الى نبوءاته ومن کلامه
الذي يعنينا في هذا المقام کما لا يخفى
هو أن نستمع إلى نوستردامس نفسه وهو يتحدث عن کيفية توصُّله إلى نبوءاته تلک والأسلوب الذي اتبعه في هذا السبيل ، ويأتي ذلک على لسانه في أول رباعيتين من کتابه ( القرون ) إضافة إلى ما قاله لإبنه قيصر في رسالته إليه والتي تشکل مقدمة کتابه في النبوءات ، وهذه الرسالة هي في أغلبها توجيهات له وکأنّه کان قد أعدّه إعداداً مسبقاً لممارسة مثل هذه النشاطات الباطنية. فهو يقول له أولاً إنها نور إلهي ينوّر به بصيرةَ من يتصدّى لهذا الأمر وثانياً إنها موهبة ولطف إلهي وثالثاً إنها مطالعةٌ ورصدٌ للنجوم ولحرکتها ، وحساب ذلک واستلهامه.
ويشير من طرف خفي إلى جانب رابع وهو استعمال وممارسة السحر والعلوم الخفية ( Occult
) التي
برع بها وطوّرها الحکماءُ الأقدمون في مصر وبابل واليونان وذلک عندما أخبره بأنه قد أحرق عدداً من الکتب الخاصة بها ، وقد بات من المؤکد عند الکثيرين من دارسي هذا الرجل بأنه کان يقتني من تلک الکتب العدد الکثير. وقد کاد أن يصرح باستعماله للسحر عندما قال لإبنه ( في النص الذي سنذکره أدناه ) بأنه يجب أن يتجنب استعمال السحر المقيت الذي استنکره الکتاب المقدس ، وهو کلام يحمل معنىً ضمنيّ وهو أن من السحر ما هو مطلوب مباح وجائز في نظره ولکنه خشي من أن تقع هذه العلوم بيد من يسيء إستعمالها أو تخلط عنده الأمور ولذلک فإنه أحرق الأخضر واليابس وتخلص منها.
يقول نوستردامس في رسالته لإبنه قيصر : ـ
[ قبل کلِّ شيء تجنّب الباطل في ذلک
السحر المقيت الذي استنکره الکتابُ المقدس ، واستثن فقط إستعمال التنجيم المرخَّص به ، لأنني بواسطة الأخير وبمساعدة الکشف والوحي الإلهي والحسابات المستمرة فقد وضعتُ تنبؤاتي. وخشيةَ أن تُدانَ فلسفةُ المعارف الخفيّة هذه وتُتَّهمَ بسوء فإنني لم أرغب في أن أجعل مضمونها المرعب الرهيب مکشوفاً أو معلوماً. وکذلک فخوفاً من أن تُکشَف تلک الکتب العديدة التي أُخفيت
لقرون عديدة وما قد يحصل نتيجة قراءتها فإنني قد أحرقتها. أحَلتُها إلى رماد حتى لا تُغري أحداً باستعمال الأعمال السحرية الخفية للبحث عن الصيغة الکاملة لتحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة (Transmutation) أما بخصوص ذلک التمييز أو الإدراک الذي يمکن تحصيله بمراقبة النجوم والکواکب فأُحبُّ أن أُنبِّهک إلى التالي : بتحاشي أية تصورات تنبع عن الهوى ، فإنک ومن خلال الحکم الصائب قد تحصل على بصيرة في رؤية المستقبل إذا التزمت بأسماء الأماکن التي تتناسب مع التشکيلات الکوکبية. وبالإلهام فإن الأماکن والهيئات سوف تعطي الخصائص الکامنة وأعني بذلک تلک القوة التي بحضورها فإن الماضي والحاضر والمستقبل يمکن أن تُدرک کأبدية والتي بتجلّيها للعيان فإنها تحتوي عليها جيمعاً ].
وهذا الکلام الأخير يعيد إلى أذهاننا ما
سبق وإن ذکرناه عن تجربة بعض المستبصِرين المتأخّرين ممن حاز تلک الموهبة على رؤية المستقبل ( أو الماضي مما لم يطّلع عليه ) فيما نقلوه من أنهم يصيرون في حالة ينبسط فيها وعيُهُم على مساحة أوسع من الزمن حتى لتشمل الماضي والحاضر والمستقبل.
ويقول نوستردامس لأبنه في مکان آخر من
رسالته إليه : ـ
[ هناک عنصران يکوّنان عقلية العرّاف ، الأولى هي عندما يملأ الضّياءُ الروحي ذلک الشخص الذي يتنبأ بواسطة علم النجوم فينوّره. أما الثاني فإنه يتيح له التنبؤ من خلال الإيحاءات الإلهامية ، والتي هي فقط جزء من اللانهائية الإلهية وحيث يأتي هذا العرّاف المتنبّيء ليرى ما قدّمته له هذه الطاقة الإلهية وبواسطة عظمة الله وبهذه الموهبة الطبيعية ، فيرى بأن هذا الذي أنذر به حقيقة ، ومن مصدر أبديّ. ومثلُ هذا النور أو اللهب الضيئل له فعّاليةٌ وأثرٌ عظيم ولا يقلُّ وضوحاً عن الطبيعة نفسها ].
وهو يفتتح کتابه في التنبؤات برباعيتين
يرسم فيهما صورة عن نفسه وهو يمارس تلک الطقوس والشعائر التي تشحذ قدرته تفتح أمامه آفاق النظر في المستقبل. فرباعيته الأولى من القرن الأول تقول : ـ
|
«
جالس لوحده ليلاً في مکتب سري.
إنه
من نحاس موضوع على حامل ثلاثي الأرجل.
لهبُ
ضيئل يخرج من الفراغ.
وينجح
ذاک الذي يجب أن لا يُصدَّقَ به عبثاً.
|
ثم يقول في الرباعية الثانية من القرن
الأول : ـ
|
«
الصَولجان باليد يوضَعُ في وسط الحامل الثلاثيّ الأرجل.
بالماء
يرش أهداب ثوبه وأقدامه.
صوتٌ
، خوفٌ ، إنه يرتجف وسط ردائه.
إشراق
إلهي ، الربّ جالس في مکان قريب ».
|
هاتان الرباعيتان تصفان طريقة نوستردامس
في العرّافة والتکهّن. إنها أساليت استعملت منذ القرن الرابع الميلادي کما بين قواعدها [ لامبلکس Lamblicus ] في کتابه الأسرار المصرية المذکور آنفاً والذي نشر في ليون ( فرنسا ) سنة ١٥٤٦ والذي من المؤکد أن نوستردامس کان قد اقتناه واستعمل أساليبه إلى جانب غيره من الکتب التي نصّ في رسالته لإبنه بأن الأجيال کانت تتوارثها خفية وسراً ولقرون من الزمن ، وهي التي أحرقها وأحالها إلى رماد.
وفي الرباعيتين المذکورتين أعلاه نجد
بعض عناصر ومکونات ممارسة السحر. الوقت ليل ونوستردامس جالس لوحده في غرفة دراسته وأمامه إناء من نحاس فيه ماء وهو موضوع على حامل صغير ثلاثي
الأرجل ، ويحدِّقُ العرّافُ في الماء حتى يرى الماء وقد تعکّر وتضبّب وتبدأ صور المستقبل بالظهور. يضع صولجانه ( عصاه ) في وسط الماء ، ويبلّله ويرش منه الماء على أهداب ثوبه وقدميه ، يحس بالخوف من تلک الطاقات التي إستثارها في داخله ، يسمع صوتاً ويرى إشراقاً إلهياً نورانياً ويکتب ما يراه إلهاماً وکشفاً.
أعتقد بأنه قد صارت لدينا صورة واضحة عن
طبيعة عمل نوستردامس ، فهو عرّافة أو کهانة وتنجيم مع ممارسة السحر وغيره مما يعرف بالعلوم الخفية أو السرّية ( Occult ) فنمها ما کان مباحاً
مقبولاً لدى الکنيسة الکاثوليکية التي کانت هي المسيطرة على السياسة وعلى العقول في آن واحد في ذلک الزمان. فالتنجيم کان أمراً عادياً ولم يکن بلاط أحد من الملوک خلواً من منجّم يستشيره في أمور حربِه أو سلمِه ، إدارتِه أو حياتِه الخاصة ، ولکن من هذه العلوم أو الممارسات التي استعملها نوستردامس ما کان محرَّماً أشدَّ التحريم ويعاقَبُ عليه من يمارسه بالإعدام حرقاً ، وذلک هو ممارسة السحر ، وهو ما کان نوستردامس يخشاهُ أشدَّ الخشية ، ولهذا فإنه کتب کتابه بذلک الخليط اللُّغوي الغريب ونثر تنبؤاته نثراً عشوائياً وبدون تسلسل زمنيّ محدد. وقد صرح بذلک لإبنه قيصر وقال له في موضع من رسالته إليه
بأنه قد استعمل الإبهام والتعمية دون الوضوح والصراحة لکي يفوّت الفرصة على الحکام والمسيطرين فلا ينالونه بسوء. لقد کان يخاف أن يُتَّهَم بالسحر فيعاقَب على ذلک بالإعدام حرقاً بالنار إلى جانب إتلاف نتاجه هذا الذي نحن في صدده ، کتاب القرون. لقد لفّ أکثر کلامه بالغموض والإبهام واستعمل الرمز والإلغاز ولم يذکر تواريخ محدده للوقائع التي يذکرها إلا في مواضع نادرة أبرز فيها التأريخ عناية منه للإشارة إلى أهمية وخطورة هذه الواقعة أو هذا الظرف المعين.
من جانب آخر فإنه من الممکن جداً أن
يکون نوستردامس قد أطلع على کتب المسلمين ( ما وصل إلينا منها وما لم يصل ) من أخبار الملاحم والتي زخرت بالأحاديث النبوية الشريفة التي تخبر عما ستأتي به الأيام في مستقبل الزمان واستنسخ منها ما شاء له المقام.
خط عريض في کتاب نوستردامس
إن کتاب ( القرون ) وإن کان مجموعة ضخمة
من التنبؤات التي تغطي مدة حوالي ٤٥٠ سنة من توقعات ورؤى نوستردامس لمستقبل العالم. إلا أننا نستطيع أن نکتشف فيها خطاً عريضاً أو خيطاً مُتَّصلاً ينتظم أغلب نبوءاته تلک ، وذلک أن نوستردامس کان فرنسياً من ناحيةٍ وکان مسيحياً کاثوليکياً من ناحية ثانية ، ولهذا فقد انصبَّ أکثر اهتمامه في نبوءاته على فرنسا وعلى الکنيسة الکاثوليکية ومقام البابويّة ، واعتبرها العمود الفقري للحضارة الغربية ومجدها ورکّز کثيراً على المناطق التي تمثّل الکنيسة الکاثوليکية مثل اسبانيا وإيطاليا ، وقد کان هذا المعنى فيما يبدو مستقراً في خلفية ذهنه في رؤاه المستقبلية ويشکّل بذلک الخط العريض الذي يبرز أمامک في أغلب ما کتبه ، وکتعبير عن ذلک فقد اعتبر سنة ١٧٩٢ بدايةً لعهد جديد وذلک في رسالته إلى الملک الفرنسي هنري الثاني مشيراً بذلک إلى أهمية تلک السنة وخطورتها ، وهي سنة إعلان الجمهورية الفرنسية وهي
التي تُعتبر بداية النهاية لعصر السلطة الکنسيّة الکاثوليکية والمسيحية بشکل عام في العالم الغربي ، وهي واحدة من نبوءاته التي تحققت وواحدة من النبوءات النادرة جداً التي يذکر فيها تأريخاً محدّداً لحادثة ما ، وکما ترى فإنها تدلّ على عناية خاصة بفرنسا وبالکنيسة دون غيرهما.
الحادثة الثانية التي يذکر لها تأريخها
محدّداً والتي هي امتداد أو تعبير آخر عن نفس الخط المذکور هي ما ذکره في رسالته لولده قيصر مشيراً بها إلى الکاتب الفرنسي ( جان جاک روسو ) حيث يقول له : ( حيث أنه بحسب العلامات السماوية فإن العصر الذهبي سوف يعود بعد فترة اضطرابات ستقلب کل شيء والتي ستأتي من لحظة کتابتي لهذا بعد ١٧٧ سنة وثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً والتي ستجلب معها فساد الأفکار والأخلاق والحروب والمجاعات الطويلة ... ). وقد کتب رسالته هذه في مارس من سنة ١٥٥٥ حسب التأريخ المذکور في ذيلها ، فإذا أضفنا إليها عدد السنوات التي ذکرها فإن النتيجة ستکون سنة ١٧٣٢ وهي السنة التي وصل فيها جان جاک روسو ( Rousseau
) إلى باريس ، وروسو هو صاحب نظرية العقد الإجتماعي المعروفة والتي تُشکِّل إلى قدرٍ کبير أَساسَ وفلسفة نظام الدولة الأوروبية الحديثة وقد کان لکتاباته وأفکاره تأثيراً واسعاً وعميقاً على
دول العالم الغربي في السياسة والاجتماع والتعليم ، حتى أن المباديء والأفکار التي جاء بها في روايته المعروفة باسم ( أميل ) کانت هي الأساس في وضع المنهج التربوي القائم في مدارس الدول الأوروبية إلى يومنا هذا وصياغةِ مبادئه ، کما أنه يعتبر فيلسوف وملهم الثورة الفرنسية ، ويعتبرُهُ نوستردامس أساسَ الفکرِ الثوريّ والإلحاديّ. وقد وُلِد روسو في جنيف سنة ١٧١٢ ، وعاش طفولة تعيسة ، وکتب أهم کتبه التي ألهمت العالم الغربي وهو في سنّ الخمسين ، وتوفي سنة ١٧٧٨ وحيداً فريداً وفي أشدِّ حالات الفقر والعوز.
ونوستردامس يتوقع لهذه الإضطرابات والتقلّبات
أن تسود العالم ابتداءاً من ظهور روسو ومجيء الثورة الفرنسية على مسرح التأريخ وإلى نهاية القرن العشرين حيث تصل تلک التحولات إلى ذورةٍ من الشدة والعنف في النصف الثاني من سنة ١٩٩٩ ( وهو تأريخ آخر ذکره بالتحديد ) والتي اعتبرها هي موعد النهاية الفعلية للکنيسة وللبابويّة وللسيطرة الغربية والتي سيأتي بعدها العصر الذهبي الذي جاء على ذکره في رسالته إلى ابنه في النص المذکور وستتضح أبعاد ذلک أکثر عند ذکرنا لنبوءاته حول مستقبل هذا القرن.
کذلک فإنه رأى بأن تأريخ الحضارة
الغربية
والنصرانية يرتبط بقوة بتأريخ بني إسرائيل وبفلسطين التي هي مسقط رأس السيد المسيح (ع) ومنطلق النصرانية.
وللعالم الإسلامي والعربي أعظم الخطر وأحسم
المواقف في تنبوءاته ، وقد ورد ذکر المسلمين بتسميات مختلفة ، تارة باسم أقوامهم وشعوبهم المختلفة وتارة باسم بلدانهم ومناطق تواجدهم المعروفة ، فهو يسمّيهم بالأندلسيين ( Moors
) والبرابرة ( نسبة إلى ساحل البربر الذي هو ساحل شمال إفريقيا وخصوصاً في منطقة مراکش وتونس والجزائر ) ، والعرب ، والفرس ، والإسماعيليين ، والمحمديين ، أو يقول فاس والجزائر وترکيا وقرطاجة والعراق وفلسطين ... الخ ، حيث جاءت هذه التسميات فيما لا يقل عن (١١٠) رباعية من رباعيات الکتاب أي فيما يزيد على ١ / ١٠ من مجموع نبوءاته.
الطبعات القديمة من الکتاب
الطبعات القديمة من کتاب القرون
لنوستردامس موجودة في مکتبات المتاحف الأوروبية بشکل واسع ، ويوجد عدد منها في متبة المتحف البريطاني على سبيل المثال. وأقدم نسخة يمکن العثور عليها في المتحف المذکور يعود تأريخ طبعها إلى سنة ١٥٨٩ وهي مطبوعة في فرنسا وتقع تحت رقم ٣٢٤ / ١٦٠٦ بحسب فهارس مکتبة المتحف. وهناک نسخة أخرى طبعت في فرنسا سنة ١٦٥٠ تحت رقم ١٤٨١-de.٢٠ ، ونسخة ثالثة طبعت سنة ١٦٦٨ تحت رقم ٢٠٠٠٩.d.٢٠ کما توجد هناک أقدم ترجمة للکتاب إلى اللغة الإنکليزية صدرت سنة ١٦٧٢ وطبعت في لندن ( رقمها ٧١٨.i.١٦ ) وقام بترجمتها والتعليق عليها طبيب اسمه ثيوفلس دي غارنسيرز ( Theophilus de Garencieres
) ، ولعلة ما نجد أن کثيراً ممن اعتنى بالکتاب وبالتعليق عليه هم من الأطباء ( وکاتب السطور طبيب أيضاً ) وقد يکون منشأ ذلک هو طبيعة إشتغال الطبيب في مهنته وما يتضمنه ذلک من
ممارسة مستمرة لتفسير الظواهر والعلامات ومحاولات متصلة للتکهُّن وللتنبؤ بما سوف يحصل سواء أکان ذلک على مستوى سير المرض الطبيعي أو على مستوى إختيار العلاج وماقد ينتج عن ذلک من تأثيرات مما يجعله يعيش في عالم قريب جداً من عالم نوستردامس وأمثاله ( ولا ننسى أن نوستردامس نفسه کان طبيباً ).
منهج کتابنا هذا
لقد کان عملي في هذا الکتاب انتقائياً
حيث أخترتُ من بين الرباعيات التي وردت في کتاب القرون لنوستردامس ، والتي بلغ عددها ٩٤٢ رباعية ، عدداً محدوداً تکاد أن تکون نماذج في بابها ، فمثلاً فيما يخصّ نبوءاته عن نابليون بونابرت کان هناک ما لا يقل عن خمسين رباعية بينما أوردتُ منها تسع رباعيات فقط وترکت الباقي حيث أن فيه ذکر الکثير من التفاصيل التي توقعت أنها قد تکون مُمِلَّة. کما أن عدداً کبيراً من الرباعيات هو مما يحتمل عدة تأويلات ، أو أنه مما ينطبق على أي شيء فکنت أترکها ولا آخذ إلا بما له دلالة واضحة ، ومن بين التي لها دلالة واضحة هناک عدد کبير يتعلّق بحوادث تأريخية جزئية مما حصل في أوروبا ومنذ أزمنة سحيقة وهي بعيدة عن إهتمام وعناية القاريء العربي.
وقد ابتدأتُ بايراد نبوءات لنوستردامس
مما تم
تحقُّقه وشهد العالم حصوله وذلک لکي نستکشف مقدار مصداقية الرجل في رؤاه للمستقبل ، فلما استوفيتُ هذا الغرض صرت أعرض لنبوءاته التي خَصَّها بمستقبل هذا القرن العشرين وما جرى مجراها مما يحتمل المستقبلية ، وسلکتُ نفس المنهج الانتقائي هنا أيضاً ، حيث أن هناک رباعيات کثيرة تتعرض لتفاصيل ما سوف يصيب الدول والمدن الأروبية في مستقبل هذا القرن لم أتعرض لها وإنما اکتفيت ببعضها الذي يشير إلى نفس الدول والمناطق. ثم إنني أوردتُ ما يحتاجُه شرح النصوص من فذلکة تأريخية أراها ضرورية لفهم الموضوع الذي تتعرض له الرباعية ، أو أنها ضرورية لتضعنا في الجو المناسب ، مع توضيح توسّطتُ فيه بين الأختصار والأسهاب عند التعرض لأسماء بعض المدن وخصوصاً ذات التأريخ منها ، فلا أقول مثلاً أن المدينة الفلانية تقع في البلد الفلاني ولکني أذکر بضع کلمات في خصوصها.
وقد راعيت في ترجمة النص الأصلي منتهى الدقة ، فکنت أعرض مختلف الترجمات التي صدرت له باللغة الإنکليزية بعضها على البعض الآخر لکي أکتشف إن کان هناک موضع اضطراب أو خلل ، فإن کان هناک شيء من ذکل رجعتُ إلى أًل الکلمات اللاتينية أو
اليونانية التي استعملها ، لغرض فهمها بالضبط ، فإن وجدت أن الإضطراب الموجود ليس بالإمکان حلَّة کنت أترکُ النصَّ وأَهمله تماماً ولا أورد إلا ما وثقت من سلامته.
وقد کان من جملة أساليب نوستردامس في
التعمية والإبهام هو أن يأتي بإسم مدينة أو قرية صغيرة ليشير بها إلى دولة کبيرة أو إلى منطقة واسعة ، أو أنه يأتي بأسماء قديمة جداً عُرفت بها هذه المناطق أو الدول ، فکنت إما أن أذکر المدينة في ترجمة النص کما وردت في الأصل ثم أذکر بعد ذلک في الشرح موقعها وما أشارت إليه ، أو أنني أذکر الدولة المشار إليها في ترجمة النص ثم أعود في شرحه إلى ذکر ما ورد في النص الأصلي من عبارة تخصّها.
وقد کان منهجي هو أن آتي بترجمة
الرباعية ثم أن أذکر موضعها من کتاب (القرون) ويتلو ذک رقمها ، فمثلاً عندما يأتي في ذيل الرباعية عبارة [ الثامن ـ ١٣ ] فهي تعني أنها الرباعية رقم (١٣) من القرن الثامن ، ثم أتي بعد ذلک بشرح دلالتها وتفسير ما يحتاج إلى تفسير منها.
تاريخ
فيمايلي نستعرض شطراً من نبوءات
نوستردامس ممّا طوته صفحاتُ التأريخ وکشفت لنا عن معانيها
ومضامينها ، لنرى فيها مقدار ما أصاب فيه الرجل في توقعاته ورؤاه لمستقبل الأيام وهو يشاهد ويکتب في منتصف القرن السادس عشر. ونراعي فيها تسلسلها التأريخي على الرغم من أنها جاءت أصلاً في کتاب ( القرون ) مبعثرة نثراً عشوائياً وبدون ترتيب على الإطلاق ، ونشير إلى موضع کل رباعية ومکانها من الکتاب الأصلي.

مقتل ملک فرنسي
|
«
الأسد الشاب سيقهر الأسد الأکبر منه
سوف
يفقأ عينه وهي في قفصها الذهبي
في
نزال من بين النزالين في ساحة المعرکة
ثم
سوف يموت موتةً شنيعة ».
الأول ـ ٣٥
|
هذه نبوءة تحققت في حياة نوستردامس ، وکان
قد تنبأ بها وأثبتها في کتابه الذي صدر في جزئه الأول سنة ١٥٥٥ وکان يتکون کما ذکرنا سابقاً من الفصول ( القرون ) الثلاثة الأولى ونصف القرن الرابع ، وثم تحققت النبوءة ( کما سنرى تفاصيل ذلک ) في ١٠ / ٧ / ١٥٥٩ أي بعد أربع سنوات من تثبيتها في کتاب نبوءاته. وهي تخص الملک هنري الثاني ، ثاني ملوک فرنسا ، والقصة أن هذا الملک شارک في مباراة بين الفرسان مما کان يعقد في القرون الوسطى حيث يحصل النزال على شکل منازلات أو جولات بين فارسين يمتطي کل منهما جواده وهو في أتم قيافته الحربية وهذا يعني أن يکون متسربلاً
بالحديد من قمة رأسه إلى أخمص قدميه ، وتستعمل فيها رماح مسطحة النهايات يقارع بها بعضهم البعض الآخر في عرض للقوة والمهارة والکفاءة القتالية والفائز هو الذي يسقط خصمه من على سرج حصانه الذي يمتطيه وکانت أمثال هذه المباريات تقليد جار في أوروبا الغربية.
وکانت المناسبة خاصة للغاية ، إذ کانت هناک
حفلة زواج مزدوج حيث کانت أخته ستتزوج من ملک أسبانيا ، وفي نفس الوقت کانت ابنته ستتزوج من ( دوق ساقوى ) وکان ذلک في صيف سنة (١٥٥٩) واستمرت المهرجانات لمدة ثلاثة أيام آنذاک وکانت المنازلات بين الفرسان جزء من مثل هذه الإحتفالات ، وشارک هذا الملک الفرنسي المذکور فيها.
وفي صباح ذلک اليوم من حزيران ( يونيه )
کان الملک يفوز المرة تلو الأخرى على من ينازله حتى حلّ منتصف النهار ، وکان الجو حاراً جداً فطلب منه أعوانه أن يکف عن القتال ولکنه أصر على الإستمرار ، وکان خصمه هذه المرة أحد قواد الحرس الشباب وتقارعا بالرماح ، ولکن الرمحين تکسرا ولم يسقط واحد منهما عن جواده. وأصر الملک على جولة ثانية معه ، ورمى کل واحد منهما برمحه المکسور واتسبدله برمح جديد ، ومرة ثانية تتکسر الرماح ولايقع واحد منها عن جواده. ويزداد إصرار الملک على الإستمرار رغم نصيحة حاشيته له ،
ويتهيأ لجولة ثالثة ، ويستبدل رمحه المکسور بآخر سليم ، ولکن غريمه قائد الحرس ينسى أن يستبدل رمحه المکسور فيبقى بيده ، وللرمح نهاية حادة قد تؤدي إلى مقتل غريمه وهو أمر لا تسمح به قوانين مثل هذه المنازلات ولهذا فإنهم يضعون محکّمين أو مراقبين ليلاحظوا حصول مثل هذه الأخطاء وعنئذ ينفخون في البوق للتنبيه على أن خطأ ما قد حصل ليتوقف الخصمان المتنافسان عن المباراة.
ويأخذ کل من المنتافسين موقعه في ساحة
النزال ويعدو کل من الفارسين باتجاه الآخر ، ولکن لا أحد يسمع صوتاً للبوق ولا خبر من نافخة ، وعندئذٍ يدفع قائد الحرس برمحه ذي الطرف المکسور في صدر الملک فينزلق الرمح على درع الملک ويدفع بالجزء المتحرک من خوذته الذهبية اللامعة ويدخل عينه اليمنى ويخرج من أذنه.
ولا يخفى عليک ما يتلو أمثال هذه الجروح
من ألم وعذاب وقد مات الملک بعد ذلک بأقل من شهر يوم ١٠ / ٧ / ١٥٥٩ وتحققت نبوءة نوستردامس بحذافيرها ، وقد أکسبه ذلک شهرة عريضة في فرنسا وجعل له مصداقية وأهمية في أوساط مجتمع کان يأخذ مسألة التنجيم مأخذاً جدياً ويحسب لأقوال المنجمين حسابها.
تنبؤات نوستردامس حول الثورة الفرنسية
ما
هي الثورة الفرنسية ؟
إنها صراع طويل استمر حوالي العشر سنوات
، من سنة ١٧٨٩ إلى سنة ١٧٩٩ ، أدّى إلى سقوط الملکية في فرنسا وقيام النظام الجمهوري. ولقد کان سببها هو النظام المالي المتهرّيء للحکومة الفرنسية الملکية وحالة من الرفض الشعبي لطبقة النبلاء کما شجّع وساعد على هياج الناس واندلاع الثورة في فرنسا وهي الثورة التي قامت في أمريکا آنذاک وکذلک انتشار موجة من المباديء والأفکار التي تتحدث عن الحرية وعن دور الحکومة وموقعها من المجتمع وبالعکس ، وغير ذلک مما يسمى بأفکار التنوير ( Enlightment ). وکانت فرنسا
تُدار قلبها من جانب الملک من خلال رجال مسؤولين أمامه مباشرة ، ولم يکن فيها برلمان مثلما هو الحال اليوم وإنما کان لفرنسا مجلس تتمثل فيه طبقات المجتمع ، فکان يتکون من ثلاث طبقات طبقة النبلاء وطبقة رجال الدين وطبقة
العوام ، والأخيرة تمثل التجار والمهنيين ( مثل المحامين والفلاحين والعمال ) وکان الفلاحون في مزارعهم والعمال داخل المدن من الفقر والحاجة بدرجة قاسية جداً حيث کان عليهم أن يدفعوا ضرائب باهضة للأقطاعيين والبنلاء في الوقت الذي لم يکن فيه على هؤلاء النبلاء شيء يذکر من الضرائب ، وکانت حياتهم کسلاً وترفاً وبذخاً ولم يکن لهم في الغالب من عمل معين يقومون به وإنما کانوا يعيشون من أراضيهم ومن عطاءات الملک. وفي سنة ١٧٨٩ کانت الحالة الإجتماعية قد بلغت درجة هائلة من التدهور وکانت خزينة الملک قد أفسلت ، فقرر أن يستدعي مجلس الطبقات ذاک للانعقاد واعداً بإجراء بعض التغييرات إذا ما تمکن المجلس من تدبير بعض المال للملک. وکانت آخر مرة ينعقد فيها هذا المجلس هي قبل ذلک اليوم بفترة ١٧٥ سنة !!! أي أن أعضاءه لم يکونوا غير أسماء فيه طيلة هذه المدة ولم ينعقد خلالها إلا هذه المرة وفي هذا الإجتماع طالبت طبقة العوام بوضع دستور يخضع له الجميع حتى الملک نفسه ، وکثُر الإحتجاج واللغط والنقاش من جانب الطبقتين الأخريين ، ثم قرر الملک أن يحلّ المجلس من أساسه فقد صار باباً للمتاعب بعد أن لم يکن شيئاً مذکوراً ، ولکن ممثلو طبقة العوام أقسموا أن لا ينفضّ جمعهم حتى يتمّ لهم إعطاء فرنسا دستوراً شرعياً
وأطلقوا على أنفسهم إسم مجلس النواب الوطني ، وبعد حوالي ثلاثة أشهر من ذلک الإجتماع انقضّت الجماهيرُ الهائجة على سجن الباستيل وعمّت ثورةُ الشعب على سادته کلَّ أنحاء فرنسا واتخذت شعارَ الحرية والمساواة الذي أعلنه مجلس النواب الوطني في وثيقة حقوق الإنسان ، وآل الأمر إلى ثورة دموّية سيطر فيها الإرهاب وتزعمّها عدد من البرجوازيين المعتدلين ، وقبضوا على الملک [ لويس السادس عشّر وعائلته وحاشيته وتمّ إعدامُ غالبيتهم فيما بعد ، کما أعطى مجلسُ النواب حقَّ التصويت لکلّ رجل بالغ وحاول الثوار ولعدة مرات إنشاءَ دولةٍ جمهورية يسودها الإستقرار لتمسک بزمام الأمور بعد أن عمّت حالة من الفوضى والإضرابات والمسيرات الجماهيرية وثوراتٌ ضدّ ثورات ، ولکنها کانت تفشل في کل مرة ، حتى انتهى الأمر بتکوين قنصلية أو نظام قنصلي [ Consulate ] على يد نابليون زعيمهم العسکري العظيم ، وهي سلطةٌ دکتاتورية تتکون من ثلاثة قناصل ( جمع قنصل ) يرأسها القنصل الأول الذي هو نابليون بونابرت نفسه.
وکان ذلک سنة ١٧٩٩ وتعتبر هي السنة التي
انتهت فيها المرحلة التأريخية للثورة الفرنسية ، وقد خاضت فرنسا أثناء فترة ثورتها هذه عدةَ معارک ضد بريطانيا والنمسا.
١
ـ سقوط الباستيل يوم ١٤ ـ ٧ ـ ١٧٨٩
|
«
قبل الحرب سيسقط الجدارُ الکبير
الملک
سيتمّ إعدامه ، موتُه سريعٌ وفاجع
إنها
لم تتمّ حتى الآن ولکنها قطعت الشوط الأکبر
قرب
النهر ستَصبغُ الدماءُ الترابَ »
الثاني ـ ٥٧
|
الحربُ التي يتحدث عنها إنها هي ثورةُ
الشعب الفرنسي على سادته المتسلطين عليه والتي أنهى بها الفرنسيون عهد الحکومة الملکية وأسقطوا الملکَ لويس السادس عشر عن عرشه ثم قطعوا رأسه ورأسَ الملکة ورؤوس عدد کبير من أعيان البلد.
وقد کان هجوم الناس على سجن الباستيل
قبل انقضاضهم على الملک وعائلته وحاشيته. وقد أَشار نوستردامس إلى الباستيل بعبارة : الجدار الکبير ، وکان الهجوم عليه في يوم ١٤ / ٧ / ١٧٨٩ وهو يوم عيد وطني في فرنسا إلى يومنا هذا باعتباره رمزاً لإنتهاء العهد القديم وبداية العصر الجديد ، وکانت هذه الحادثة هي شرارة اندلاع الثورة العارمة وانتشارها ، وبإعدام الملک لويس سنة ١٧٩٢ تکون الثورة الفرنسية قد قطعت شوطاً بعيداً
في مسارها ولکنها لم تنتهِ بعد إذ ذلک إنقلابات وقطع رؤوس في ضمن الثورة نفسها وفي ضمن زعاماتها ، ثم جاء نابليون سنة ١٧٩٩ وساد نوعٌ من الاستقرار داخل فرنسا في ظل حکمه ، وهو الأمر الذي عناه في السطر الثالث عندما قال بأن الحرب لنت تمّ بإعدام الملک ولکنها ستکون قد قطعت الشوط الأکبرَ والأهمَّ من طريقها.
النهرُ هو نهر [ السينّ ] الذي تقع عنده
مدينة پاريس العاصمة.
الباستيل کان في أصله حصناً عسکرياً
بُنيَ سنة ١٣٧٠ في باريس ولکنه صار بعد ذلک سجناً خاصاً بالملک ومن ثم صار رمزاً للسلطة العشوائيةِ التي کان يمارسها. وعندما اجتاحتْهُ جماهيرُ الشعب آنذاک فإنهم إنما کانوا يبحثون عن السلاح والذخيرة ولم يکن فيه من السجناء غير سبعة أنفار.
٢
ـ رسالة بدون ختم :
کان الملک لويس السادس عشر قد قام بعدة محاولات فاشلة لتهدئة الأوضاع ولم ينجح وحاول الهرب سنة ١٧٩١ مع عائلتهِ المالکة وأفراد حاشته ولکن الثوار أمسکوا بهم وسجنوا الملک مع عائلته وکبار حاشيته ، وفي نفس الوقت حاولوا الإعلان عن حکومة ملکية
دستورية ، وتطور الأمر فقرَّ قرارُهم على إعلان جمهورية أو الإعلان عن نظام جمهوري في السنة التالية. ومن ثم قُدِّم الملکُ للمحاکمةً واتُّهم بالتآمر مع جهات أجنبية ضدّ فرنسا وتمَّ إعدامه بالمقصلة مع زوجته ( مارى أنطوانت ) وقد کان من جملة أدلّة الإدانة التي قدمت في المحکمة ضد الملک هي بعض الأوراق التي وجدوها في قصره وکانت موضوعة في خزانةٍ حديدية مدفونة في أحد الجدران. وکان من جملة تلک الأوراق رسالة لا تحمل ختماً کما ينبغي وعلى ما هو المألوف وکانت تلک الرسالة عبارة عن ( عقد للدفاع ) وفيها ذکرٌ لمبلغٍ من المال ، وسألوه عنها فأنکر معرفته بتلک الخزانة وبما تحتويه من أوراق ، وأنکر معرفته بتلک الورقة التي تخص إتفاقاً بينه وبين طرف آخر أجنبي واعتبروا ذلک تآمراً منه على فرنسا.
يقول نوستردامس :
|
«
الرسالة الموجودة في خزانة الملک ستُکشف
من
دون ختم ولا إسم لکاتبها
الشرطة
سوف تُخفي القوائم المالية
وکذلک
ستُخفي من هو المستفيد المجهول »
الثامن ـ ٢٣
|
وهناک بالفعل من يقول بأن الذين قاموا
بالتفتيش في قصر الملک وکسرَ الخزانة الحديدية المدفونة في حائط قصره قد أتلفوا أو أخفوا بعضَ الأوراق التي تثبت براءته من التهمة الموجَّهةِ إليه من قبيل قائمة مصروفاته ومدخولاته والتي قد تُبيِّن المغزى فيما سبق وأن وجدوه في تلک الرسالة الخالية من الختم.
وکما ترى فإن نوستردامس يذکر هذه
الحادثة التي ما هي إلا زاوية التأريخ وبدقّة متناهية وکل ذلک قبل مائتي سنة من حدوثها وهو أمر غاية في الغرابة.
٣
ـ المقصلة تاخذ براس الملک
|
«
وسط اضطراب هائل فإنّ بوقَ الصيد سيصوِّت
إتّفاق
سابقٌ سوف يُلغى
رافعاً
بالرأس إلى السماء ، الثغُر يسبحُ بالدّم
الوجهُ
الممسوحُ بالحليب والعسل مرميٌّ به إلى الأرض »
الأول ـ ٥٧
|
بوقُ الصيد معروف في مراسيم صيد الثعالب
وغيرها في أوروپا حيث ينفخون فيه إشارةً لبدءِ عملية الصيد وغير ذلک ، فالسطر الأول يشير إلى الثورة الشعبية
العارمة التي صارت بالتدريج إلى مطاردة العائلة المالکة لإصطياد أفرادها وقطع رؤوسهم.
ويقال أن الجلاّد الذي قطع رأس الملک
لويس السادس عشر بالمقصلة أمسک بالرأس ورفعه إلى السماء ليُريهُ للناس المحتشدين حول المقصلة وکان الدم يصب من عند منحر جثته ، ثم رمى بالرأس في سلّة کبيرة موضوعة عند قاعدة المقصلة. وکما تلاحظ فإن وصف نوستردامس لهذا المشهد کان دقيقاً في نبوءته.
وهو يقول أن الوجه مَمسوحٌ بالحليب والعسل
وهذا إشارة إلى أنه رأس ملک لأن هذا جزءٌ من عملية تتويج ملوک فرنسا حيث يمسحون رأسَ الملکِ المتوِّج بالحليب والعسل.
٤
ـ ثلاثون وريثا
|
«
يجتمعُ الناسُ ليروا شيئاً لا سابقة له
ملوکٌ
، أمراء ، حاشية ملکية
الأعمدة
والجدران تهدمّت ، ولکن معجزة
الدمُ
الملکيّ سيبقى إلى حدِّ ثلاثين من الورثة »
السادس ـ ٥١
|
الأمر الذي لاسابقة له هو هذا الحشد من
العامة الذي يقف حول المقصلة ليَرى الرؤوسَ الملکية تهوي واحداً بعد آخر وهو أمرٌ فريد من نوعه في بلاد أوروپا بصورة عامة حيث يتمتّع المقام الملکي بحصانة خاصة ويتسربل بنوعٍ من القداسة ، حالة لم تکن تدور في خلد أحد من الناس في يوم من الأيام.
الأعمدة والجدران التي تهاوت هي تلک
التي لسجن الباستيل والتي لقصر الملک.
أما المعجزة فهي بقاء وريث العرش
الفرنسي ، الملک الأمين ( لويس ١٧ ) الذي به يتمّ ثلاثون من ورثة العرش الفرنسي منذ عهد المدعوّ ( روبرت القوي ) وهو الجدّ الأکبر لهذه السلالة التي تمسى بال ( کاپت Capet ) ، وذلک حيث أن الثوار
کانوا قد ألقوا القبض على الملک ( لويس ١٦ ) وزوجته ( ماري أنطوانيت ) وأخت الملک ( أليزابيث ) وابنه ( لويس ١٧ ).
وقد تمّ إعدامُ الجميع ما عدا إبنه
فإنهم أبقوا عليه وقد مات فيما بعد في السجن وإن کان هناک البعض ممن اعتنى بتدوين تأريخ تلک الفترة من يقول بأن ( لويس ١٧ ) قد تمکن من الهرب من السجن واختفى في مکان ما. على کل حال فإن مسألة الإبقاء عليه في وسط تلک الفوضى التي خلقت بحيرةً من الدماء تعتبر معجزة حقاً.
٥
ـ القاتل يقتل
|
«
من دون دعمٍ فإن عائلة [ کاپت Capet العظيمة ستضطرب
سيتقدم
الحمر لإبادتها
سوف
يغمرها الموتُ تقريباً
الحمرُ
المتطرّفون سوف يقتلون الشخصَ الأحمرَ وغيرَه من الحمر »
الثامن ـ ١٩
|
هذه العائلة المشار إليها هي سلالة ملوک
فرنسا وآخرهم کان [ لويس ١٧ ] وهو الملک الثلاثون منهم ، وقد صحّ خبُره. وقوله : سيغمرها الموت تقريباً کان في محله لأن الإبادة لم تشملهم جميعاً.
وهو يشير باللون الأحمر إلى الثوار
الفرنسيين الفعليين.
وقد شخّص من بينهم شخصاً بعينه وسماه [ الشخص الأحمر ] وهو من غريب التنبؤات عندما نعلم بأنه کان يشير إل [ روبسبير ] ومعنى اسمه حرفياً هو [ الصخرةُ الحمراء ] ، وکان رأساً خطيراً من رؤوس الثوار ولکنّه تمّ إِعدامه على أيدي رجالِ الثورة فيما بعد مع (٢٢) شخصاً من مؤيديه وذلک سنة (١٧٩٤).
روبسبير هذا کان محامياً وکان هو زعيمُ
الحزب المعروف بحزب [ اليعقوبيين ] ، وکان هذا الحزب على شکل آلاف من اللّجان الثورية التي انتشرت على کل الأرض الفرنسية ، وکان لهم دورٌ رياديٌّ فعال في الثورة الفرنسية وفيما سمي فيما بعد بسلطة الرّعب التي قامت مع قيام أول جمهورية فرنسية سنة (١٧٩٢) ، روبسبير کان هو رأسهم ويقع على عاتقه کثير من المجازر والدمار الذي حصل أثناء تلک الفترة ، وکان قد سعى حثيثاً لإعدام الملک وحاشيته. ولکنه وفي النهاية ألقي عليه القبض مع حشد من مؤيديه وأنصاره ، وفي أثناء ملاحقته لإلقاء القبض عليه أصابته رصاصةٌ في فکّه فهشّمته وفي نفس المساء أُخذ إلى المقصلة وقُطع رأسه مع (٢٢) من أتباعه ، وفي اليوم التالي قُطعت رؤوس (٨٣) شخصاً آخرين.
وإلى هذا تشير نبوءة نوستردامس حيث قال
أن الشخص الأحمر ( روبسبير ) سوف يقتلُه الحمرُ أي الثوار إلى جانب قتلهم لثوارٍ آخرين.
رؤوس
من الشمع
ولقد کان من جملة ما يفعله الثوار
بالرؤوس المقطوعة هو أن يأخذوها إلى إمرأة عرفت بمهارتها في نحت التماثيل من الشمع لکي تصنع نماذج على
صورتها ، وکان من بين الرؤوس التي نحتت لها : رأس الملک لويس وزوجته ماري أنظوانت ورأس روبسبير وغيرهم.
هذه المرأة هي مدام توسود Tussaud ( ١٧٦١ ـ ١٨٥٠ ) التي أنشأت متحف الشمع في لندن المعروف بإسمها حتى اليوم ، وهي فرنسية تعلمت من خالٍ لها کيفية صناعة التماثيل من الشمع واشتغلت بصنعتها هذه للعائلة المالکة الفرنسية ثم انتقلت إلى لندن في بريطانيا في سنة ١٨٠٢ وأخذت معها مجموعة أعمالها من الشمع وأقامت معرضاً لها هو الذي صار نواة للمتحف القائم اليوم ، وما زال ورثتها هم القائمون على إدارته إلى يومنا هذا.
نبوءات ( نوستردامس ) حول نابليون بونابرت
لقد جاء نوستردامس بنبوءات مدهشة للغاية
في خصوص نابليون وسوف نأتي بها تباعاً ضمن الشرح المناسب لما تتعلق به هذه النبوءات لکي يکون مغزاها واضحاً.
من
هو نابليون بونابرت : ـ
ولد سنة ١٧٦٩ وتوفي سنة ١٨٢١.
إمبراطور فرنسا من ١٨٠٤ إلى ١٨١٤. من
أعظم الغزاة في التأريخ ، خلق إمبراطورية قصيرة العمر لفرنسا إشتملت على کل القارّة الأوروبية تقريباً ، وساعد على نشر الفکر التحرري الذي جاءت به فرنسا وکان له أثر مهمّ في قيام أوروبا الحديثة.
ولد في ( کورسيکا ) في فرنسا وعمل ضابط
مدفعية في جيش فرنسا في عهدها الملکي وذلک سنة (١٧٨٥) ، وقامت الثورة الفرنسية وأُعلن عن قيام الجمهورية
الفرنسية الأولى التي صار لها جيشها الخاص وخدم نابليون في جيش الجمهورية في تلک الفترة ، وأرسلت فرنسا حملةً عسکرية على إيطاليا وأعطى الثوارُ الجمهوريون قيادةَ هذه الحملة إلى نابليون وکان ذلک سنة ١٧٩٦ وقد نجح فيها نجاحاً باهراً مما جعل منه بطلاً قومياً في فرنسا.
وفي سنة (١٧٩٨) بدأ حملةً على مصر واحتل
مدينة الإسکندرية في شهر تموز ( يوليه ) واشتبک مع جيش المماليک هناک فهزمهم وذلک في نفس الشهر ( تموز ) وواجهَ بعدها الأسطولَ البريطاني في نهر النيل ولکنه انهزم أمامهم ، وکان ذلک نهاية شهر تموز ( يوليه ). وتحالف الإنکليزُ مع روسيا والدولة العثمانية والنمسا والبرتغال ، کلّهم ضد نابليون الذي هاجم الدولة العثمانية هذه المرة في سوريا في شهر شباط ( فبراير ) من سنة ١٧٩٩ أي بعد حوالي ستة أشهر من حملته الفالشة على مصر ، وفشل في هذه المرة أيضاً ، واستمر بعد ذلک في عدة معارک واشتباکات هنا وهناک ورجع بعدها إلى فرنسا منتصف ذلک العام (١٧٩٩) ليجد الحکومة الجمهورية في فرنسا ضعيفة منهکة القوى فأسقط الحکومة القائمة هناک في التاسع من شهر تشرين ثاني ( نوڤمبر ) سنة ١٧٩٩ واستولى هو على السلطة وسمى نفسه ( قنصل ) لفرنسا
التي صار يعرف نظامها الآن بالقنصلية ( Consulate
) وذلک قبل أن تصير إمبراطورية بعد ذلک بحوالي أربع سنوات. وبعد أن استمکن واستقرت له الأمور في پاريس رجع إلى حروبه التي استمرت من ١٨٠٠ وإلى سنة ١٨١٥ عندما تمت هزيمته التامة في معرکة ( واترلو ).
وننظر الآن إلى ما قاله نوستردامس وکيف
تنبأ ببعض تلک الأحداث قبل حدوثها بما يزيد على مائتي سنة :
١
ـ نهاية الثوار على يد نابليون
|
«
أعداءُ السلام سوف يُقهَرون
بعد
أن يکون قد قهرَ إيطاليا
هذا
المتعطِّشُ للدماء سيصلُ إلى تسويةٍ مع الحمر
ومن
خلال الحرب سيجعل الدماءَ تسيلُ وتصبغُ الماءَ »
السادس ـ ٣٨
|
فأعداءُ السلام والحمرُ هم الثوريون أو
رؤساؤهم أثناء فترة الفتن والاضطرابات التي جاءت مع الثورة الفرنسية وقيام الجمهورية الفرنسية الأولى ، وهو يتنبأ بأنهم سوف يقهرون وإن الذي سيقهرهم هو ذلک الذي
قهر إيطاليا والمتعطش إلى الدماء ، وهو يشير بذلک إلى نابليون الذي عاد من حملته الإيطالية والمصرية وغيرها إلى فرنسا ليصل إلى تسوية مع زعماء الثورة وليسيطر على حکومة فرنسا ويعلن نفسه قنصلاً ، والسطر الأخير يشير إلى ما تلا ذلک من حروب ذهب ضحية لها مئات الآلاف من البشر.
٢
ـ صعود نجمه
|
«
من جندي بسيط سيصل إلى إمبراطور
من
الرداء القصير سينمو ليلبس رداءاً طويلاً
باسلٌ
في الحرب ، جريءٌ على الکنيسة
يشاکسُ
الرهبان ، مثل الماء الذي يملأ الإسفنجة »
الثامن ـ ٥٧
|
في سنة ١٨٠٤ جرت محاولةٌ لإغتيال
نابليون ولکنها فشلت فوجد نابليون بأن الظرف مناسب لإجراء بعض التغييرات فأعلن نفسَه إمبراطوراً واتخذ لنفسه هذا اللقلب إثر هذا الحادث مباشرة بعد أن کان يسمّي نفسه ب ( القنصل ) وکان آنئذ يلبس بالفعل أرديةً قصيرةً نسبةً بما صار يرتديه فيما بعد من أردية طويلة تناسب مقامٍ الإمبراطورية على حد تصوره. وقد کان بالفعل ضابطاً
صغيراً في الجيش وإذا به يصعد إلى هذا المقام الجديد ، مقام الإمبراطورية.
شجاعتهُ وبسالته في الحرب معروفة ، وسِعَةُ
فتوحاتِه وغزواته التي کان يقودها هو بنفسه هي خيرُ شاهد على ذلک ، وفي نفس الوقت فقد عُرِف عنه جرأتهُ على الکنيسة الکاثوليکية وسلطتها في ( روما ) إذ أنّه ألقى القبض على البابا پايس السادس ( Pius
) وأخذه إلى فرنسا وأودعه السجنَ هناک سنة ١٧٩٨ أي قبل وصوله إلى سدّة الحکم في فرنسا. وبعد أن أعلن نفسه إمبراطوراً وإثر بعض الخلافات مع البابا ( پايس Pius السابع ) الذي جاء على کرسي البابوية بعد البابا المذکور أعلاه ، فإن نابليون ألقى القبض على هذا البابا وأودعه السجن واستولى على الولايات والمقاطعات التابعة للفاتيکان وضمَّها إلى نفسه ، فإذا کان هذا فعله بکبير الکنيسة فما ظنک به مع من هم دون مقام البابا.
ونوستردامس يستعمل التشبيه هنا فيأتي
بصورة الماء الذي يدخل الإسفنجة فلا يبقى له جرم واضح وهو ما فعله نابليون برجال الدين حث امتصّ وجودَهم وتأثيرهم الإجتماعي الواسع وما عادوا إلى ما کانوا عليه في السابق.
٣
ـ ملک بلقب جديد
|
«
بأسم لم يحمله ملکٌ فرنسي من قبل
صاعقةً
مرعبة لم يکن لها مثيلٌ من قبل
إيطاليا
، أسبانيا ، بريطانيا ترتجف منه
وسوف
يلاطف امرأة أجنبية »
الرابع ـ ٥٤
|
کان ملوک فرنسا يستعملون القاباً أو
أسماء معينة وهي تتکرر بشکل مستمر ، فنهاک ( لويس ) وقد تسمى به ستة من الملوک وهناک ( هنري ) وقد تسمى إثنان ، و ( تشالز ) وتسمى به إثنان وهکذا ، ولکن لا وجود للقب ( بونابرت ) الذي حمله [ نابليونّ فهو إسم مستجدّ لا سابقة له ].
وقد وصفه بأنه صاعقةٌ مرعبة ، وهذا وصف
دقيق لنابليون لأنه لم يُلقِ السلاحَ طيلة فترة سلطته ، کان رعباً دائماً لکل العالم القائم آنذاک.
ولقد کانت بريطانيا عدوّته اللدودة التي
حاول إخضاعها ولکنه لم يتمکن من ذلک تماماً وذلک بسبب قوة أساطيل بريطانيا الحربية التي سعت لبنائها على مدى قرنين من الزمن ، فقام بحرب اقتصادية ضدها بحضْرِ التجارة مع بريطانيا في کل الدول الأروبية التي سيطر
عليها ومنَعَ التبادل التجاري معها في کل الموانيء الأوروبية.
ولکن البابا الذي کان يتمتع عندئذ بسلطة
قوية ( البابا پايس Pius السابع ) وله مقاطعات کبيرة تحت سيطرة رفض المشارکة في هذه المقاطعة الإقتصادية ، وکذلک فعل ملک البرتغال.
فکانت استجابة نابليون لذلک بأن ضمّ
الولايات التابعة للبابا بالقوة إلى أمبراطوريته وقبض على البابا وسجنه ، وقرر أن يهاجم البرتغال وعبر جيشه إسبانيا لهذا الغرض.
فأنت ترى أن النبوءة قد وصفت الأمر کله
وبربط وبتسلسل لا بأس به. أما تلک المرأة الأجنبية المشار إليها في السطر الأخير فهي ( ماري لويس ) التي تزوجها سنة ١٨١٠ بعد أن طلق زوجته الأولى ( جوزفين ) ، وکانت ( ماري لويس ) نمساوية وهي أمُّ ولده نابليون الثاني ، وهي أجنبية بالنسبة لنابليون الفرنسي کما تلاحظ.
٤
ـ مسقط راس القصاب
|
«
إمبراطورٌ سوف يولَد بالقرب من إيطاليا
|
|
وسوف
يکلِّف الإمبراطورية ثمناً باهضاً
وسوف
يقول عنه الناس عندما يرون عدد حلفائه
بأنه
کان قصاباً أکثر منه أميراً »
الأول ـ ٦٠
|
السطر الأول هو إشارة إلى مسقط رأس
نابليون وهي ( کورسيکا ) ومن لطيف الإشارات وغريبها هو قوله ( بالقرب من إيطاليا ) وذلك أن ( كورسيكا ) کانت بالأصل جزء من إيطاليا وتابعة لها في زمن نوستردامس وإنما صارت تابعة لفرنسا في زمن الملک ( لويس الخامس عشر ) (١٧١٠ ـ ١٧٧٤) وذلک بأن اشتراها شراءاً وضمّها إلى فرنسا وکان ذلک قبل سنتين من مولد نابليون فصارت بذلک خارج إيطاليا وفي ضمن حدود الدولة الفرنسية. وأنت تلاحظ أنه لم يقل في إيطاليا أو في فرنسا ولکنه قال بأنها بالقرب من إيطاليا.
وقد کان الثمن الذي دفعته فرنسا باهضاً
بالفعل دماءاً وأموالاً وحتى أرضاً ، فعندما حلّت سنة ١٨١٥ تنازلت فرنسا عن کل الأقطار والممالک التي تم احتلالها وصارت في رقعتها أصغر حتى مما کانت عليه قبل بداية حروب نابليون.
ولقد کان نابليون قصاباً بحقّ کما سيتضح
ذلک في الفصول التالية ، وهو وصف يصحُّ إطلاقه على الکثيرين ممن خلّد التأريخ أسماءَهم بوصفِهم فأتحين أو أباطرة عظماء ولم يکونوا في حقيقة أمرهم غير جزّارين جناة جرت بسببهم الدماءُ أنهاراً من أجل مغانم أو أمجاد أو جاه سلبه الموتُ منهم وکان الله عز وجل هو الوارث بحق للأرض وما عليها.
٥
ـ اسمه المروع
|
«
إنه سيأتي ، وبأسمٍ مروِّع
وکأن
اسمه هو [ الأخوات الثلاثة ]
ومن
خلال کلامه وأفعاله سينقُصُ الناسُ
وأکثر
من أي شخص آخر سيکون مشهوراً »
الأول ـ ٧٦
|
کلمة ( نابليون ) تعني باللغة اليونانية
( المُبيد الجديد ) من الإبادة والإفناء ، وهو إسم مروّع کما قال الرجل في نبوءته.
وقد کان لخطاباته وکلامه لجنوده من
الأثر ما هو مشهور عنه ، کان خطيباً مؤثراً للغاية.
أما الأخوات الثلاثة فهن من عالم
الأساطير القديمة إذ تحکي عنهن هذه الأساطير أنّهنّ أخوات ثلاث دَورُهن
في هذا العالم هو أن يقطّعن خيوطَ آجالِ الناس فيصّرن بذلک من أعمارهم ، فهنّ بذلک نذيراتٌ وعلامات للدّمار والتخريب ، وقد کان نابليون کذلک بإسمه وبفعله.
وتنقيصُه للناس يعني بوقوع القتل والإفناءِ
فيهم حتى يقلُّ عددُهم.
لقد بلغ نابليون قمة مجده حوالي سنة
١٨٠٨ عندما أصبحت القارة الأوروبية کلها تقريباً تحت سلطته. روسيا القيصرية کانت قد دخلت في حلف مع پروسيا [ پروسيا هي الدولة الألمانية القديمة التي کانت تضم الشطرين الشماليين من المانيا وپولندا إضافة إلى کاليننغراد ] سنة ١٨٠٦ وأعلنت الحرب على نابليون وحصلت عدة معارک وانتصر نابليون على پروسيا واحتل عاصمتها برلين.
ثم بدأ حملتَه لغزو روسيا في حزيران ( يونيه
) من سنة ١٨١٢ وحشد ٦٠٠٠٠٠ جندي لهذا الغرض وسار شرقاً باتجاه موسکو ودخل روسيا واستمر في زحفه من دون مقاومة تذکر إذ کان الجيش الروسي ينسحب أمامه حتى إذا ما اقترب من موسکو قام الروس بإحراقِ عاصمتهم موسکو بأيديهم وقد کانت من أکبر ومن أجمل عواصم الدنيا آنذاک ، وکان ذلک في منتصف شهر أيلول ( سبتمبر ) فوصلها نابليون وهي خرائب وبقي فيها حوالي
الشهر ثم أمر جيشه بالإنسحاب من موسکو والعودة إلى فرنسا في ١٩ تشرين أول ( أوکتوبر ) وفي طريق إنسحابهم بدأت القواتُ الروسية بالتعرُّضِ لهم وإرباک صفوفهم ، وجاء الشتاء الروسيّ القارص بثلوجه وانجماده فأُصيب الجيشُ الفرنسي بضعف حقيقي ووصل في انسحابه إلى نهر [ برزينا Berezina
] الروسي في ٢٦ / ١١ وکان لا بد لهم من عبوره ، وکان عليه جسرٌ ، فاستغلَّت القوات (٣) الروسية ذلک وبدأت بمشاغلتهم ، وتکبّد جيشُ نابليون على هذا الجسر خسائر عظيمة وتَمَّموا عبورهم له في يومين.
وعندما وصل نابليون إلى باريس يوم ٥ / ١٢
لم يکن معه غير ٣٠٠٠٠ جندي ونجا من جيشه حوالي ٢٠٠٠٠ آخرون فيکون مجموع من بقي من جيشه الهائل هو ٥٠٠٠٠ جندي فقط ، وکانت حملتُه على روسيا هي نکستُه الکبرى إذ بدأت بعدها حروبُ تحريرٍ واسعة لأکثر المناطق والبلدان التي کان قد ضمّها إلى إمبراطوريته. وصار حلفاؤه بالأمس يتحالفون ضده الواحدُ بعد الآخر حتى أُلقيَ القبضُ عليه في ١١ / ٤ / ١٨١٤ ونُفي إلى جزيرة [ ألبا Elba
] الواقعة غربَ البرِّ الإيطاليّ بين ساحلها وجزيرة کورسکا وجاؤوا بأحدهم ونصبوه ملکاً على فرنسا وأعطوه لقب لويس الثامن عشر. وفي
شهر مايس من نفس السنة أُعيدت الدول الأوروبية إلى نفس حدودها التي کانت عليها قبل سنة ١٧٩٢.
ولکن ذلک لم تکن فيه نهاية نابليون لأنه
استطاع في السنة التالية من الهرب من جزيرة منفاه والعودِة إلى باريس في ٢٠ / ٣ / ١٨١٥ وليحاول إستعادة إمبراطوريته وعرشه.
ويهرب الملک لويس وتنهض فرنسا وراء
نابليون ويقومُ بلجيکا في حزيران ( يونيه ) من تلک السنة وينتصرُ جيشُه منتصف حزيران ولکنه يعود ليواجه قوات متحالفة من بريطانيا وپروسيا [ الدولة الألمانية القائمة آنذاک ] ويشتبک معها في معرکة طاحنة عند منطقةٍ في بلجيکا جنوب مدينة ( بروسل ) تسمى ب ( واترلو Waterloo ) وبعد عدة مناورات تصيبه الهزيمة التامة ويتکبد جيش نابليون من القتلى والجرحى حوالي ٢٥٠٠٠ ، ويتکبّد الجيشُ المتحالفُ ضده ٢٣٠٠٠ إصابة وکانت هذه هي نهاية نابليون حيث أُخِذ بعدها ونُفي إلى جزيرة ( سانت هيلينا ) في المحيط الأطلسي الجنوبي في ٢٢ / ٦ / ١٨١٥ ليبقى في منفاه حتى موته سنة ١٨١٢. وتسمى تلک الفترة من حياته التي قضاها من المنفى الأوّل إلى المنفى الجديد بفترة المائة يوم ، وإليها يشير نوستردامس في نبوءته التالية :
٦
ـ عودته بعد نفيه
|
«
الأمير المغلوب في إيطاليا
سيعبر
البحر إلى ( جنوا ) ويتجه إلى ( مارسيل )
بعد
جهد عظيم ستغلبه القوات الأجنبية
سيحصل
على برميلٍ بدلاً من العسل »
العاشر ـ ٢٤
|
فالأمير المغلوب هو نابليون وهو سجينٌ
في جزيرة ( البا ) التابعة لإيطاليا ، [ جنوا ] مدينةٌ إيطالية على البحر وصلها نابليون في طريقِ هربهِ واتجّه منها إلى مدينة ( مارسل ) الفرنسية الواقعة إلى الغرب منها وعلى البحر أيضاً ليذهب منها إلى باريس ليحشد جيشه ويذهب به إلى مواجهة قوات الحلفاء الپروسية ـ البريطانية الذين هم أجانت بالنسبة لنابليون ( وبالنسبة إلى نوستردامس الفرنسي أيضاً ) ، وأنت تراه وهو يتنبأ بأن هذه القوات الأجنبية سوف تغلبه بعد جهد عظيم.
والبرميل هو إشارة إلى برميل البارود وهو
وصف شعري ( ولاننسى أن نوستردامس کتب نبوءاته على شکل رباعيات منظومة شعرياً ) لإندحاره العسکري بعدما کان يرجوه من حلاوة الملک رمز إليه بالعسل ، کما إن
العسل کان يستعمل في مراسيم تتويج الملوک في فرنسا ، فسعيه للحصول على العسل يعني سعيه للحصول على تاج المُلکَ.
کما أنه جاء بوصفٍ لمعرکة [ واترلوا ] التي
کانت بها نهاية نابليون وبشکل لا بأس به فقال :
٧
ـ واترلو بعد مائة يوم
|
«
في الشهر الثالث ، عند ارتفاع الشمس
الپروسيُّ
والانکليزيُّ يلتقيان على ساحةَ المعرکة
الإنکليزيُّ
المُتعَبُ ينظر تلقاءَ السماء
ولکنه
لا يرى غير نسرٍ مقاتلٍ تجاه الشمس »
الأول ـ ٢٣
|
وقولُه في الشهر الثالث يقصد به الشهر
الثالث بعد هربه من منفاه الأولى في جزيرة ألبا ، وهو مطابقٌ للواقع تماماً مع فارق بسيط لأنّ نوستردامس يجعلها بذلک حوالي تسعين يومياً بينما هي في الحقيقة مائة يوم وهي الفترة المعروفة تأريخياً بفترة المائة يوم ، والتي عاد فيها نابليون إلى السلطة مرة ثانية قبل دحره نهائياً في هذه المعرکة التي نحن في صددها ومن ثم نفيُه إلى جزيرة نائية قضى فيها نحبه.
وقد حصلت هذه المعرکة ( معرکة واترلوا )
في ١٨ حزيران ( يونيه ) من سنة ١٨١٥ وکان الأنکليز بقيادة [ ولنکدون Wellington
] قد تحالفوا مع الپروسيين بقيادة [ بلوشر Blucher ] ووقعت عند سفح جبل قرب مدينة واترلو. وهو اليوم يأتي بجيش قوامه ١٢٥٠٠٠ جندي في مقابل جيش الإنکليز الذي تعداده ١٠٠٠٠٠ جندي إضافة إلى جيش الپروسيين البالغ عدده ٢٥٠٠٠٠ جندي ، وبدأت المعرکة من فجر ذلک اليوم وکانت القوات الپروسية قد تأخرت في وصولها ، ونزلت قواتُ نابليون من أعلى الجبل متجهةً شمالاً وهي تحمل راياتها التي عليها صورة النسر الإمبراطوري الذي کان يتخذه نابليون شعاراً له ، قواتُ الجيش الإنکليزي کانت تواجه الجنوب وکانت تنظم نفسها على شکل مربَّعات وظلّت قواتُ نابليون تکيل الضربات الموجعة للجيش الإنکليزي طيلة ذلک اليوم وعندما قارب النهارُ نهايته جاء المدد الذي کانوا ينتظرونه واستطاعوا من دحر نابليون وجيشه وأخذوه أسيراً ولهذا الموقف رباعية أخرى لنوستردامس نصفه بدقة أيضاً ولکني ترکته خوف الأطالة.
وکما ترى فإنه في السطر الأول أشار إلى
المائة يوم وإلى موعد بداية المعرکة ، وفي السطر الثاني أشار إلى التحالف العسکري بين الدولتين المذکورتين ، وفي
السطر الثالث نراه يقول بأن الإنکليزي سيصيبهم ما يصيبهم وإن قائدهم سيکون متعباً وإنه ينظر إلى السماء کإشارة إلى أنه ينتظرُ شيئاً أو أنه يأمل بمخرج من هذا المأزق الذي هو فيه حيث تأخرت قوات حلفائه عن الإنضمام إليه ولکنه لا يرى غير النسور المرسومة على رايات نابليون وهي تخفق متراقصةً أمام قرص الشمس وهو مشهدٌ حيّ لواقعِ المعرکة خصوصاً مع ملاحظة أن جيش الإنکليز کان يتجه نحو الجنوب.
وله بعد ذلک رباعيةٌ أخرى يأتي فيها على
ذکر ما آل إليه أمرُ نابليون في آخر المطاف فيقول :
٨
ـ منفاه النهائي
|
«
القائدُ الذي حشد حشداً عظيماً بعيداً عن آفاقهم
سينتهي
عند جزيرةٍ صخريّةٍ وسط البحر
مع
خمسة آلاف نسمة ، بعاداتٍ ولغةٍ مختلفة
القائد
الذي سيحاول الهرب سيُحجَر في إسطبل »
الأول ـ ٩٨
|
هذا القائد هو نابليون ، وحشدُه للناس
يعني
أخذهم في حملات عسکرية لغزو أقطار نائية بعيداً عن وطنهم الأصليّ ( أُفُقهم ) ، وهو وصفٌ للحملات الحربية التي قادها نابليون. والجزيرةُ الصخريّة هي جزيرةُ [ سانت هيلينا ] التي هي بالفعل جزيرةٌ برکانية صخريّة واقعة في المحيط الأطلسي الجنوبي وهي تبعد حوالي ١٩٠٠ کم عن السواحل الغربية لأفريقيا وفي موازاة دولة ( أنغولا ) الحالية ، وتسکنها أُمّةٌ من الأفارقة الذين يختلفون طبعاً في لغتهم وعاداتهم عن نابليون ويقال إنَّ عدد نفوسها في ذلک الوقت الذي حلَّ فيه نابليون بينهم کان ٥٠٠٠ نسمة ، وقد جعل له الإنکليز لمقرِّه وسکناه بيتاً خشبياً هناک کان في الأصل اسطبلاً للخيول تابعاً لإحدى المزارع. وقد قضى بها نابليون حوالي ست سنوات حتى توفي فيها سنة ١٨١٢.
٩
ـ معرکة الطرف الاغر Trafalgar
|
«
بالطرادات والبوارج من حول سبع سفن
ستقع
معرکةٌ ضارية
القائدُ
الأسباني سوف يُجرَح
إثنتان
تهربان ، تعود بهما إلى البرّ خمسة أخرى »
السابع ـ ٢٦
|
هذه نبوءة دقيقة جداً وهي تصف مشهدا من
معرکة الأغر التي وقعت بين الأسطول البريطاني وبين الأسطول الفرنسيّ ـ الأسبانيّ المتحالف سنة ١٨٠٥ في زمن نابليون وحروبه.
والطرفُ الأغرّ هو أبعدُ نقطةٍ في
أسبانيا عند الجنوب الغربي وحوالي ٦٠ کم غرب جبل طارق ، وبالقرب من سواحل هذه المنطقة حصلت المعرکةُ المذکورة ، وابتدأت في الساعة السابعة صباح يوم ٢١ / ١٠ / ١٨٠٥ وانتهت مساءاً قبل الساعة السادسة بإنتصار الأسطول البريطاني وهزيمة فرنسا وأسبانيا ، وقد ضمن هذا سيطرة بريطانيا على البحار حتى نهاية ذلک القرن وقطع أطماعَ نابليون بغزوِ البريطانية.
کان الأسطول البريطاني بقيادة الأدميرال
نيلسون ، وکان نابليون قد دخل في حلفٍ مع أسبانيا التي شارکت ب (١٥) قطعة بحرية بقيادة الأدميرال الأسباني [ کراڤينا Gravina ] ودخل تحت إمرةِ قائدِ القطعات البحرية الفرنسية الأدميرال الفرنسي [ ڤقلينف Villeneuve ] وکان عدد القطعات التي لفرنسا ( ١٨ ) ، فيکون مجموعُ سفنِ الأسطول الفرنسي ( ٣٣ ) قطعة بحرية بين طرّادات وبوارج [ البارجة أکبر من الطّراد ] ومن ضمنها أربع سفن من ذات الطوابق الثلاث ، بينما کان الأسطولُ الإنکليزيّ
يتکوّن من ٢٧ قطعة بحرية من ضمنها سبعُ سفنٍ ضخمة من ذات الطوابق الثلاث.
مجموعُ المدافع الفرنسية المحمولة على
قطعهم البحرية کان ٢٨٥٦ مدفعاً ، ومجموعُ المدافع الإنکليزية کان ٣٢١٤ مدفعاً وقد تمّ في نهاية ذلک اليوم تدميرُ عشرين قطعة بحرية فرنسية ـ أسبانية مع أسرِ بعض قطعهم من قبل الجانب البريطاني ، ولم يخسر الإنکليزُ شيئاً من سفن أسطولهم ولکنّ قائدهم الأميرال نيلسون قُتل برصاص قناص فرنسي ، کان عددُ القتلى والجرحى في الجانب الفرنسي حوالي ٧٠٠٠ ومثلهم من الأسرى. وقد أُصيب قائد البحرية الأسبانية الأدميرال کراڤينا بجروح أثناء المعرکة وتوفي نتيجتها بعد عدة أشهر.
في اليوم التالي ليوم المعرکة في ٢٢ / ١٠
إستطاع أحدُ ضباط البحرية الفرنسية أن يترک المنطقة بخمسة من قطع البحرية الفرنسية واستطاع في نفس الوقت أن يخلّص إثنتين مع قطعهم التي کامت قد وقعت في الأسر البريطاني فيسترجعها ويعود بها اکلها إلى مواقعها.
فأنت تلاحظ أن نوستردامس هنا يذکر
أرقاماً دقيقة إلى درجة مدهشة وکأنه يتفرج على مشهد المعرکة من على شاشة تلفزيون ، أنه يذکر عدد السفن الضخمة للبحرية البريطانية وهي سبعة وتحيط بها قطعٌ أصغر من
بوارج ومن طرّادات ، ثم يقول بأنّ القائد الأسباني سوف يجرَح ثم يذکر أن إثنتين من القطع البحرية سوف تهرب وأنّ خمسة أخر ستعود بها إلى البر ، وهو يتنبأ ويرى حصول ذلک قبل حصوله بحوالي ٢٤٠ سنة.
ولنوستردامس عدد کبير من النبوءات
الخاصة بنابليون يصف فيها إنتصاراته وهزائمه وبکثير من التفاصيل التي أضربتُ عن ذکرها واخترت منها أبرزها ، وفيها کفاية للتدليل على مصداقية الرجل في رؤاه وأرى بأننا وإلى حد الآن نستطيع أن نأخذ بما سيقوله عن مستقبل هذا القرن بشيء من الأعتبار.
بريطانيا العظمى
|
«
ستکون لأنکلترا إمبراطوريةٌ عظيمة
وتکون
أقوى قوة لأکثر من ٣٠٠ سنة
قواتٌ
عظيمة تعبر البرَّ والبحر
وسوف
لن يرضي ذلک البرتغاليين »
العاشر ـ ١٠٠
|
يتنبأ نوستردامس هنا عمّا سيؤول إليه
أمر بريطانيا وبشکل غريب للغاية ، إذ يعتبر المؤرخين أن بداية عهد التوسع البريطاني الذي أدّى إلى نشوء الأمبراطورية البريطانية ( أو ما يعرف ببريطانيا العظمى ) کان قد بدأ سنة ١٦٠٠ على عهد الملکة اليزابيث الأولى ، ففي عهدها نشط العمل التجاري ( إلى جانب الخلافات المذهبية بين الکاثوليک والپروتستانت ) ونشأت عدةُ شرکات ذات امتيازات خاصة وذات حصانة ملکية خاصة. وأهمّ هذه الشرکات کانت الهند الشرقية التي أُنشئت سنة ١٦٠٠ للحصول على حصة في تجارة التوابل في شبه
الجزيرة الهندية إلى جانب البرتغاليين والفرنسيين وغيرهم.
الملكةُ هي التي أَعطت الشركةَ
امتيازاتِها للعمل في آسيا فركّزت الشركةُ نشاطتها في الهند وتغلّبت على البرتغاليين وطردتهم منها. ثم جاء الملكُ الإنكليزي تشارلز الثاني ليمنحَ الشركةَ سلطاتٍ سياسيةً أيضاً سنة ١٦٦٨ واستمر نفوذُها هناك بالتوسع حتى تم طرد الفرنسيين من تلك المناطق بعد حوالي مائة سنة ( سنة ١٧٦٠ ) وسيطرت الشركة سيطرةً فعلية على الهند سنة ١٧٦٥. ويحصلُ تمرُّدٌ قويّ لدى الشعب الهنديّ ضد الإدارة التي كانت تمارسها الشركة هناك وعندها تسيطر قوات الحكومة البريطانية على الإدارة بنفسها سنة ١٨٥٨ وتمَّ حلُّ الشركة قانونياً سنة ١٨٧٣.
إذن فالقرن السابع عشر شهد بدايات
التوسع البريطاني وذلك من خلال عمليات الإستكشاف وحركةِ الأساطيل ومن خلال التجارة والمال ، ومما ساعد بريطانيا على توسُّعِها وتقويةِ إستمكاناتها هو أن أوروبا كانت عندئذ في أزمنات متواصلة وثورات واضطرابات ، وكانت الدولةُ العثمانية ( القوة العظمى آنذاك ) قد سارت شوطاً بعيداً في تدهورها.
وانتهت الحرب العالمية الثانية تاركةً
بريطانيا في
حالةٍ من الأنهاك الإقتصادي وفي حالةٍ من التأزُّم الإجتماعي والأخلاقي ، أما سياساً فإنها كانت قد دخلت في صفِّ الولايات المتحدة الأمريكية في عداءٍ مستحكم ضدَّ الإتحاد السوقيتي مما زاد في حدة التوتُّرات التي تعيشها ، وصارت تتنازل بالتدريج عن مناطق نفوذها للولايات المتحدة.
إذن فعمر الأمبراطورية البريطانية ( بريطانيا
العظمى ) يمكن تقديرُه بأنه ٣٤٥ سنة ( من سنة ١٦٠٠ إلى سنة ١٩٤٥ ) وهو أكثر من ٣٠٠ سنة كما قال صاحبنا.
أما البرتغال فإنها لم تكن في السابق
كما نعرفها اليوم فالبرتغال وبعد إندحار الدولة الإسلامية في الأندلس في القرن السادس عشر الميلاديّ إستحالات إلى إمبراطوريةٍ إستعمارية إمتد نفوذُها على الكثير من مناطق آسيا وأفريقيا شديدة من جانب الإنكليز وقد رأيتَ فعلَهم بهم في الهند ، وهنا أيضاً تأتي نبوءةُ نوستردامس في محلها عندما قال : إنّ إمتدادَ النفوذ البريطاني سوف لن يُرضي البرتغاليين.
نبوءات نوستردامس حول الجنرال
الاسباني [ فرانكو ]
نحن الآن ندخل مع نوستردامس في قرننا
الحالي ( العشرين ) وقد طوينا على عجل ثلاثة قرون غطّتها بعضُ نبوءاته.
ونلاحظ نوستردامس وبكلّ وضوح فيما تنبّأ
به أنه قد إعتنى عنايةً مفرطةً وخاصةً بالقرن العشرين لأنه رأى بأن هذا القرن سوف يشهد في أثنائه ، وبالذات في نهايته ، من التحوّلات ومن التغيّرات ما سيكون له أحسم الأثر وأقواه في تقرير المصير ليس في أوروبا وفي العالم المسيحي وحسب ولكن في العالم كله وكما سنشاهد ذلك فيما يأتي من هذا الكتاب.
ومن أبرز ما تنبأ به عن أحداث القرن
العشرين هو أحداث أسبانيا وخصوصاً أبّان ثورتها الأهلية والتي لعب فيها الجنرال الأسباني [ فرانكو ] دوراً مهمّاً جداً.
وقد سبق أن ذكرنا سرَّ اهتمام نوستردامس
بكل من فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وقلنا بأن الرجل مسيحيّ كاثوليكيّ فرنسيّ وأن جُلَّ اهتمامه كان حول مصير وتقلّبات هذه الكنيسة ، والدول الثلاثة المذكورة تمثّل معاقل الكاثوليكية في العالم.
ولابد لنا من إلقاء بعض الأضواء على
خليفة أسبانيا التأريخية لكي تتكون لدينا صورةٌ فيها شيء من العمق حول ما نحن في صدده. فأسبانيا كما هو معروف كانت موطن حضارة إسلامية راقية ( الأندلس ) ، وفي أواخر العهد الإسلامي فيها في القرن الخامس عشر الميلادي كان للمسيحيين ممالك ومقاطعات كانت بينها خلافات وتنافس شديدين. وعندما جاءت سنة ١٤٦٩ تزوج الملك [ فردناند ] من الملكة [ ايزابيللا ] لتكون النتيجة هي توحيد أكبر مملكتين من بين تلك الممالك , وفي سنة ١٤٩٢ يهاجم جيشُ المملكتين مدينة غرناطة آخر معقل للمسلمين وليستوليا عليها وليعملا بعئذ على توحيد أسبانيا ، وكان من جملة أساليب التوحيد هو التوحيد الديني والذي اقتضى طرد اليهود من أسبانيا ولكنّ الأهمّ من ذلك كان مطاردة كل المسلمين وإبادتهم أما بالقتل أو بالتهجير ، وقد كانت المجاوزر رهيبة بحق المسلمين ، واستمرت عملية مطاردة ومحاصرة المسلمين
وإبادتهم لأكثر من مائة سنة حتى تمّ التخلص منهم نهائياً سنة ١٦٠٩.
وفي نفس سنة الاستيلاء على غرناطة (١٤٩٢)
قام الملك والملكة المذكوران أعلاه بتمويل الرّحالة الإيطالي ( كرستوفر كولمبس ) للقيام برحلته الاستكشافية المعروفة التي أدّت إلى اكتشاف القارة الأمريكية ( العالم الجديد ) وفَتَحا بذلك ، وبدون علم منهما ، باباً للثروة والرفاه والغنى لأسبانيا تسيطر على أكثر مناطق أمريكا الجنوبية وتستنزف ثرواتها من الذهب وغيره من المعادن النفيسة ولتصبح واحدة من أغنى دول أوروبا. وفي نهاية القرن التاسع عشر بدأت مستعمراتها في أمريكا الجنوبية بالاستقلال عنها الواحدة تلْوَ الأخرى.
وفي سنة ١٩٣١ نشأت الجمهورية الأسبانية
الثانية وغلب عليها التحرريون والاشتراكيون المعتدلون [ حزب الجمهوريين ] بينما كان يقف في خط المعارضة جماعة من دعاة المَلَكيّة والارستقراطيين ورجال الكنيسة وكبار رجال الجيش [ وهم تشكلية الحزب المعارض ويسمى بحزب الوطنيين ] ، وأدّى الخلاف بينهم الخلاف بينهم إلى قيام الحرب الأهلية الأسبانية سنة ١٩٣٦.
وكان الروس الشيوعيون يقدّمون مساعداتهم
للجمهوريين ، وبرغم ذلك فإن الأنشقاق في صفوفهم كان شديداً وكان هو السبب الرئيس في إضعافهم. الحزبُ الوطني من جانب آخر كان أكثر تماسكاً واتحاداً وكان ذلك بجهود الجنرال [ فرانكو ] وقد ساعده الحزب الفاشي الأيطالي بزعامة موسوليني والحزب النازي الألماني بزعامة هتلر بالمال والسلاح والرجال وقد قُتل في هذه الحرب الطاحنة حوالي ٧٥٠٠٠٠ شخص أو يزيد ، وانتهت الحرب الأهلية هذه في سنة ١٩٣٩ بدخول [ فرانكو ] مدينة مدريد في ١ / ٤ / ١٩٣٩ وتسلمه سلطة البلاد.
وإلى جنرال فرانكو يشير المقطع التالي
من نبوءات نوستردامس.
١
ـ مسقط راسه وسيطرته
|
«
ضابط يأتي من أقصى أسبانيا
وسوف
يذهب إلى تخوم أوروبا
باللحظة
تصل الإضطرابات إلى بحر [ لينز Lines ]
وعصبة
الثوّار سوف تُهزَم بواسطةِ جيشِه العظيم »
العاشر ـ ٤٨
|
ولد الجنرال فرانكو في منطقة [ كاليسيا Galicia ] وهي المنطقة الواقعة في الطرف الشمالي الغربي من إسبانيا وفي السطر الأول من الرباعية يشير نوستردامس إلى مسقط رأسه هو بالفعل في أقصى نقاط إسبانيا إلى الشمال الغربي.
وجبل طارق الذي هو جزء من شبه القارة
الأسبانية يمثّل أقصى نقطة للقارة الأروبية وقى قضى فرانكو فترة طويلة هناك وفي شمال أفريقيا أثناء خدمته العسكرية.
[ لينز Lianes ] هي إحدى موانيء الصيد على الساحل الشمالي لأسبانيا وهو إنما يريد الإشارة إلى منطقة السواحل الأسبانية الشمالية ومن باب الإلغاز والتعمية أو باب تسمية الكل باسم الجزء ، وهو يشير بذلك إلي الثورة الأهلية الطاحنة التي عمّت كلَّ أرجاء شبه الجزيرة الأسبانية.
أما الثوار الذين سيهزمهم فهم
الجمهوريون الذين حاربهم وهزمهم ودخل مدينة مدريد واستولى على السلطة.
تعريف
بالجنرال فرانكو
ولد سنة ١٨٢٩ وحكم أسبانيا منذ سنة ١٩٣٩
حتى وفاته سنة ١٩٧٥. كان فرانكو في شبابه شديد
القصر ، شديد النحافة حتى كان أقرانُه يطلقون عليه لقب عود الكبريت ، وكان آباؤه وأجداده ضباطاً في البحرية الأسبانية على مدى قرنين من الزمن ، وسلك هو نفس السبيل فانضمّ إلى الجيش ، وكان زملاؤه يسخرون من صغر حجمه ويعبثون به حتى أنهم أعطوه يوماً بندقية مقطوعة السبطانة ليقولوا له بأن بندقيه كهذه هي التي تناسب حجمك وليس البندقية العادية. ولكنه كان جريئاً على الموت ، وأثناء مشاركته في المعارك الأسبانية في شمال أفريقيا كان يواجه الرصاص بدون مبالاة وفي مواقف يخشى كلُّ واحد من أصحابه أن يرفع رأسه فيها ، فتقدم بسرعة في الترتيب العسكري حتى صار أصغر جنرالات الجيش عمراً في أسبانيا وفي أوروبا كلها نتيجة بلائِه الحسن ، وقامت الحرب العالمية الأولي ولم تنضم أسبانيا الملكية آنذاك إلي أي جانب من جوانب المتحاربين. وتنازل الملك الفونسو الثامن سنة ١٩٢٣ عن السلطة لأحى الجنرالات العسكريين المدعو [ پرايمو دي ريڤيرا ] الذي حكم حكماً دكتاتورياً حتى سنة ١٩٣٠ حيث ترك السلطة وقامت علي أنقاض حكمه حكومه جمهورية يسارية استولت على أملاك الكنيسة والغت مدارسها والغت الأمتيازات التي كان يتمتع بها العسكريون وبدأوا بإصلاح الأرضي الزراعية وغير ذلك من التعديلات الإصلاحية كما أنهم أبعدوا الجنرال
فرانكو بصحبة زوجته وابنته إلى جزر الكناري ( تابعة لأسبانيا ) الواقعة في المحيط الأطلسي الشمالي عند السواحل المراكشية ووضع تحت الرقابة المشددة.
وعندما ثار الإنقلاب العسكري ضد الحكومة
اليسارية دعاه زعماء الإنقلاب إلي الإنضمام إليهم ، فوافق وساعدت بيطانيا ( بطلب من الإنقلابيين ) في نقله على متن إحدى طائراتهم إلي مراكش ، ومن هناك اتصل بكل من هتلر وموسوليني لمساعدته بالسلاح ولنقلَ القوات التي اجتمعت تحت إمرته عبر مضيق كانت ما زالت تحت سيطرة الحكومة الجمهورية اليسارية ، وتمّ له ذلك وكانت تلك أول عملية إنزال لقوات محمولة جواً في التأريخ ، واتجه فرانكو إلى أشبيلية ثم إلى مدينة القصر ثم قرر زعماء الجيش اختياره رئيساً لأركان الجيش ، فتسلم بذلك أسبانيا كلها نحلة شخصية واستأثر بالحكم وبالرأي. وقد حافظ على اتصلاته بهتلر وموسوليني ، وفي غضون الحرب العالمية الثانية وعندما كان هتلر قي قمة من قمم السلطة وقد سقطت فرنسا في قبضته وصارت بريطانيا في أضعف حالاتها سافر هتلر بالقطار إلى الحدود الفرنسية الأسبانية للقاء فرانكو والتباحث معه حول مجالات التعاون بينهما ، وقد تمّ اللقاء في عربة
هتلر الخاصة في القطار الذي جاء به. ولا يُعرف بالضبط ماذا جرى بينهما إلاّ أن هناك روايتان ، الأولى هي الرواية. الرسمية والتي أدلى بها فرانكو نفسه ويقول فيها بأن هتلر التمس إليه ورجاه بالأنضمام إلى المانيا وحلفائها في الحرب إلا أن فرانكو رفض ذلك.
والرواية الثانية هي ما ذكره أحد مرافقي
فرانكو من الأسبان والذي كان موجوداً أثناء اللقاء المذكور ، وقد جاء في روايته بأن فرانكو معكوسة وذلك أنه هو الذي كان يعرض على هتلر أن يقدم له كل ما في وسعه وأن يقف إلى جانبه في الحرب رسمياً ولكن على شرط وهو أن يتعهد له هتلر بإعطائه مراكش ومساحات حددها له من الساحل الأفريقي الشمالي ثمناً لذلك. ثم يذكر هذا المرافق الراوي أن كل ما كان يفعله هتلر أثناء عروض فرانكو عليه هو أنه كان يتثاءب.
وانتهت الحرب العالمية الثانية ولم
تشارك أسبانيا مشاركة فعالة في الحرب وكرّس فرانكو شخصه كمعبود للجماهير ووثق علاقته بالكنيسة الكاثوليكية إلى أبعد الحدود وبنى صليباً من الحجارة يؤيد ارتفاعه على برج إيفل في باريس وصار هو رمز أمجاد النصرانية الكاثوليكية وفارسها الذي سيعيد لاسباينا أمجادها التالدة ، وأغلق حدود أسبانيا وعاش في عزلة داخلية لفترة من الزمن حتى
اضطره التدهور الأقتصادي في بلاده إلى الانفتاح على العالم وقام الرئيس الأمريكي ايزنهاور بزيارة رسمية إلى أسبانيا وتعهّد بتقديم الدعم المالي اللازم لأسبانيا في مقابل السماح بإقامة القواعد العسكرية الأمريكية على الأراضي الأسبانية تحت غطاء مواجهة المدّ الشيوعي.
وقد عُرف عن الجنرال فرانكو عداؤه
الشديد جداً للماسونية ومنظماتها ومحافلها. وتوفي سنة ١٩٧٥ ودفن عند الصليب الحجري الذي أقام نصبه في إحدى مدن أسبانيا.
٢
ـ اسمه بالنص
|
«
فرانكو سيأتي من مجلس حكومي في [ كاستل ]
الممثّل
لن يرضى وسيُسبّب انقساماً
أولئك
الذين مع [ دي ريڤيرا ] سيكونون معه
وسيرفضون
الدخول في خليج المحنة »
التاسع ـ ١٦
|
هذه نبوءة غريبة في بابها ، فإنّ
نوستردامس قد أتى بأسمين واقعيين الأول هو فرانكو والثاني هو دي ريڤيرا.
والواقع فإن هذا المجلس الحكومي الذي
يتحدث عنه نوستردامس قد تمّ تشكليه بالفعل من عدد من
جنرالات الجيش وكان فرانكو من ضمنهم ولكنه لم تكن له الزعامة فيه وإنما ساعدته الظروف فيما بعد للأخذ بزمام الأمور. وكان اجتماعهم في مدينة [ برغوس Burgos ] وهي مدينة في أسبانيا تقع في منطقة [ كاستل
Castile ] واسم الأخيرة هو الإسم الذي أورده نوستردامس. وكاستل هو في الأصل إسم مملكة أسبانيّة قديمة وهو اليوم إسم المنطقة الوسطى في أسبانيا وتعتبر لغتها هي اللغة الأسبانية النقيّة.
دي ريڤيرا هو [ پرايمو دي ريڤيرا
Primo de Rivera ] وهو جنرال في الجيش الأسباني أيضاً ، قاد انقلاباً عسكرياً سنة ١٩٢٣ واستولى على حكومةِ أسبانيا بعد أن تنازل له الملك الفونسو عن الحكم وحكم حكماً دكتاتورياً استبدادياً طيلة سبع سنوات حتى اضطر لترك السلطة بسبب انتشار المعارضة ضد حكمه. فنوستردامس يشير إلى أن من كان مع هذا الدكتاتور من أتباع ومؤيدين سينضوون تحت لواء [ فرانكو ] وهو ما حصل فعلاً.
والسطر الأخير في الرباعية النبوءة يشير
إلى وقوف فرانكو على الحياد أثناء الحرب العالمية الثانية وعدم خوضه بحر الفتنة والبلاء الذي اجتاح العالم آنذاك ، وذلك على الرغم من أن أطراف المحور [ المانيا النازية وإيطاليا الفاشية ] كانوا إلى جانبه أيام الحرب الأهلية في
أسبانيا وساعدوه بالسلاح والمال والرجال كما ساعدوه على المجيء إلى رأس السلطة إلا أن أسبانيا وقفت على الحياد أثناء قيام الحرب العالمية الثانية على عهد الجنرال فرانكو.
الحرب العالمية الثانية
هناك العديد من نبوءات نوستردامس في
خصوص الحرب العالمية الثانية وقد اخترت منها النبوءة التالية التي تشير إلى تحالف المانيا مع إيطاليا وإلى الإنزال في منطقة [ النورماندي ] الفرنسية وإلى المقاومة الفرنسية.
|
«
أهل كمبريا [ Cimbrians ] يتحالفون مع جيرانهم
وسوف
يأتون إلى أسبانيا ويسببون دمارها
الناس
المتّحدون في [ كوين Guyennd ] و [ ليموزين Limouzin ]
سيشكلون
عصبة ويأخذون الساحة ضدهم »
الثالث ـ ٨
|
أهل كمبريا هم قبائل جرمانية كانت تسكن
السفح الأيمن من جبال الألب وهو إشارة إلى الألمان لأن هؤلاء هم من أجدادهم ، وهذا من أساليب الإبهام التي يستعملها نوستردامس كثيراً في نبوءاته. وجيرانهم هم
الإيطاليون ، وقد كان هتلر قد تحالف مع الزعيم الإيطالي موسوليني تحالفاً مصيرياً. أما مجيؤهم إلى أسبانيا وتدميرها فهو إشارةٌ إلى دورهم في الحرب الأهلية الأسبانية حيث قَدّموا معونات جمّة إلى الجنرال الأسباني فرانكو مما ساعد على إدامةِ طاحونة الحرب هناك وإراقة المزيد من الدماء وتعميم الدمار.
وأما الناس المتحدون فإنه يتحدث هنا عن المقاومة الفرنسية أثناء الحرب العالمية الثانية وهو يتنبأ هنا عما سيحصل بعد موتِه بمئات السنين عند ساحل [ النورماندي ] شمال غرب فرنسا حيث تمّ إنزال جيوش الحلفاء لغزو القوات الأمانية وبقية قوّات المحور المتواجدة على الأرض الفرنسية وقد كانت هذه العملية من أيام الحرب الحاسمة التي مهّدت الطريق لإلحاق الهزيمة التامّة بهتلر ، وقد قام الألمان يومها بتحريك قواتهم الإحتياطية في ( تولوس ) باتجاه القوات المهاجِمة ولكن كتيبتين من كتائب المقاومة الفرنسية وهما من المنطقتين المذكورتين في النص وحّدتا جهودهما لتعويق وصول هذه القوات الألمانية للوصول إلى ساحل النورماندي.
[ كوين ] هو إسم المنطقة الواقعة جنوب
غرب فرنسا و [ ليموزين ] هو إسم منطقة أخرى تقع إلى الشمال من الأولى.
نبوءات نوستردامس في خصوص هتلر
التعريف
بهتلر
ولد في مدينة على الحدود بين ألمانيا والنمسا
وعاش فترة طويلة في مقتبل عمره في مدينة ڤينا ( النمسا ) وعمل في البداية رسّاماً ولكنه لم يستمر على هذا الخط ودخل الخدمة العسكرية في الحرب العالمية الأولى. إنضم إلى حزب العمّال الألمان سنة ١٩١٩ في إقليم [ بڤاريا ] الذي هو أكبر أقاليم ألمانيا ويقع على حدود النمسا ، فأعاد تنظيم هذا الحزب وصار يعرف بعدها بالحزب الوطني الإشتراكي وذلك سنة ١٩٢١ وجعل منه نظاماً شبه عسكري.
وفي سنة ١٩٢٣ حاول الإستيلاء على السلطة
في [ بڤاريه ] ولكنه فشل في ذلك وتمّ أعتقاله وسجنه ، وفي السجن ألّف كتابَه الذي وضع فيه معالمَ خطّتِه للحزب النازيّ ومباديء أفكاره وقد توسع الحزب كثيراً فيما بعد
وقوي مركزُه في المجلس التشريعيّ الألماني [ Reichstag ] ورشّح هتلر نفسه لإنتخابات الرئاسة في ألمانية سنة ١٩٣٢ ولم ينجح ، ولكن الرئيس الجديد عيّنه رئيساً لوزرائه أو مستشاراً [ Chancellor ] كما جرت عليه العادة في تسمية رئيس الوزراء في ألمانيا.
وفي أحد الأيام من عام ١٩٣٣ احترقت
بناية المجلس التشريعي الألماني ، ويقول البعض بأن هتلر هو الذي أوعز بإحراقه بنفسه ، واتّهم الشيوعيين بارتكاب هذا العمل وأعلن حالةَ الطوارىء وتعطيلَ العملية التشريعية وشلَّ أعمال المجلس التشريعي وأحاله إلى مجرد رمز ، ونشأ بذلك [ الرايخ الثالث ] وهو الإسم الذي أُطلق على الحكومة الألمانية تحت زعامة هتلر والحزب النازي من سنة ١٩٣٣ إلى سنة ١٩٤٥.
وعندما مات الرئيس الألماني المنتخَب [ هايدنبرغ
] سنة ١٩٣٤ أصبح هتلر هو رئيس ألمانيا وابتدأ بتوسيع رقعة ألمانيا ، إحتلّ [ أرض الراين Rhineland ] سنة ١٩٣٦ ضم النمسا سنة ١٩٣٨ إحتل بشكوسلوڤاكيا ١٩٣٨ ، وغزا بولندا سنة ١٩٣٩ ، وبغزوه لبولندا فقد أشعل نارَ الحرب العالمية الثانية ونجح فيها نجاحاً فائقاً في البداية وانتهى هتلر عندما غزت روسيا مدينة برلين سنة ١٩٤٥.
١
ـ مسقط راسه
|
«
قُربَ [ الراين Rhine ] وفي جبال [ نوركَم Noricum ]
سيولد
قائدٌ عظيم للناس وسيأتي متأخراً
وسيدافع
عن نفسه أَمامَ روسيا وهنكاريا
وما
سيحصُل له سيكون مجهولاً »
الثالث ـ ٥٨
|
الراين Rhine هو من أنهار أوروبا الرئيسية وينبع في جبال سويسرا ويتجه نحو الشمال ويجري في الأراضي الألمانيا من الجنوب إلى الشمال الغربي حيث يدخل هولندا ثم ينتهي هي البحر. وهو يشير بذلك إلى ألمانيا أنّ [ الراين ] نهرٌ ألمانيّ بشكل رئيسي.
و [ نوركَم Noricum ] هو إسمٌ قديم لمنطقةٍ هي اليوم جزءٌ من النمسا ومن [ بڤاريا Bavaria ] وباڤاريا هي أكبر مقاطعات ألمانيا وتقع في الزاوية الجنوبية الشرقية على تخوم النمسا وتشكوسلوڤاكيا ، وجبالُها هي جبال الألب.
وكان والد هتلر موظفَ كمارك يعمل على
الحدود ووُلد هتلر في مدينةٍ على الحدود الباڤارية ـ النمساوية سنة ١٨٨٩ وقد جاءت نبوءة نوستردامس عن مسقط رأسه
دقيقة إلى درجة كبيرة بإشارة إلى منطقةٍ حدودية متوسطة ومشتركة بين كل من ألمانيا والنمسا.
ولقد كان هتلر قائداً بكل ما في الكلمة
من معنى وبغض النظر عن إنحراف أفكاره ومبادئه في كثير من جوانبها.
وكما أنه واجه مقاومة عنيفة من لَدُنِ
هنغاريا فإنه واجَهَ روسيا في ضمن الدول التي تحالفت ضده في كل أقطار الدنيا ، وكان دخولُ الجيش الروسي إلى مدينة برلين عام ١٩٤٥ هو ساعة انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وقد أصاب نوستردامس في السطر الأخير
عندما أشار إلى مصيره المجهول وذلك أن رواية دول الحلفاء المنتصرة حول نهايته هي أنه إنتحر بإطلاقِ رصاصة في فمه بعد أن قتل زوجته [ إيڤابراون ] وكان قد أمر قبلها بأن تُحرَقَ جثّتَه وجثةَ زوجتِه ، ويقال مع ذلك بأن شيئاً من بقايا جثتيهما لم يمكن العثور عليها وبقي الدليل على موته غير مؤكد.
وفي مؤتمر صحفي عقده المارشال الروسي [ زوكوف ] يوم ٩ / ٦ / ١٩٤٥ قال عندما سُئل عن موت هتلر : ـ الظروف كانت غامضة ، لم نستطعٍ التعرُّفَ على جثةِ هتلر ولا أستطيع أن أُعطي جواباً قاطعاً عن مصيره. لقد وجدنا عدة جثث وقد تكون جثةُ هتلر واحدةً منها
ولكننا لا نستطيع تأكيدَ موته ). واعترف نفس المارشال في اليوم التالي بأن الجنود الروس لم يجدوا أثراً لهتلر.
٢
ـ المذهب النازي
|
«طرزٌ
جديد من الفلاسفة
يحتقرون
الموتَ والذهبَ والجاه
سيولدون
عند الحدود الألمانية
ومن
سيتبعهم سيحضى بالدعم والتأييد »
الثالث ـ ٦٧
|
هنا إشارة إلى الحزب النازي بكل فروعه ومجاميعه.
في النمسا ، وبالذات في مدينة ڤينا
، تبلورت مفاهيم النازية عندما عاش هتلر هناك ودرس. وهتلر هو الذي كان يقول عن ڤينا أنها أصعبُ مدرسة في حياته ولكنها أكثرها ثمرة.
هناك تبلورت عنده الخطوط العامة لأفكاره
، وفي مقاطعة [ بڤاريا ] الحدودية نشأت بذرةُ الحزب النازي ، وهذا هو معنى ما قاله بأنهم سيولدون عند الحدود الألمانية ، لأن النمسا تحدّ ألمانيا من الجنوب ، وبڤاريا هي المقاطعة الألمانية المتاخمة للنمسا.
وكان هتلر يأخذ عهداً من جمعية شباب
الحزب
النازي. المعرف بال ( S.A
) ببذل الغالي والرخيص وببذل حياتهم في سبيل تحقيق أهداف الحزب الكبرى. وهو الذي عناه نوستردامس باستهانتهم بالموت والذهب والجاه.
ومن جملة أساليب دعم أفكار ومباديء حزبه
كان ، كما هو معهود ، أسلوبُ الثواب والعقاب ، فمن تابعهم وجاراهم فهُم له أعوان وتسهّلت حاجاته ، ومن كان ضدّهم وجد العناء والأذى أينما وَلّى وجهه ، وهو المقصود بالسطر الأخير ، وهي سياسة جرى عليها هتلر بكل دقّة وكان لوزير إعلامه ( هملر ) دورُ مهم في دعمها وترسيخها.
٣
ـ وثينة جديدة
|
«
طوائفُ متنوعةٌ ستبرز في ألمانيا
وتقتربُ
إلى حدّ كبير من الوثنيّة السعيدة
القلبُ
أسير ، المردودُ الماليّ قليل
وسيجعلُهم
ذلك منهوبين بالتالي »
الثالث ـ ٧٦
|
هذه الطوائف المذكورة هي مختلف تجمعات وتشكيلات الحزب النازي مثل اتحاد شباب الحزب النازي ( SA ) وشباب هتلر ( SS ) ، واقترابُهم من الوثينة
هو بتركهم بعضَ الطقوس والشعائر المسيحية واستبدالها بطقوس والشعائر بديلة ، منها ما هو موروث من القبائل الجرمانية القديمة ( الوثنية ) ، وذلك من قبيل طقوس الزواج ؛ حيث صاروا بدل أن يذهبوا إلى الكنيسة لعقد الزواج فإن العريس والعروس يقفان أمام قائدِ مجموعتِهم الحزبيّة ويتابدلان الأختام ويقوم قائد المجموعة بإعطائهما خبزاً وملحاً ، إلى غير ذلك.
كذلك فإن هتلر نصب من نفسه وثناً يُعبَد
ويُفَدّى بالأرواح. مثال ذلك بطاقات التهنئة التي تسلمها في عيد ميلاده في ٢٠ / ٤ إذ جاء فيها : ( أُقسمُ أمامك أدولف هتلر ، قائدي ، بأن إخلاصي وبسالتي لك ، وأَعِدُك وأَعِدُ كلَّ من تُعينُهُ ليقودني ، بالطّاعةِ حتى الموت ).
٤
ـ اسم هتلر تقريبا
|
«
وحوشٌ مسعورونَ جوعاً يعبُرون الأنهار
[
هستر Hister ] سيُسيطر على مناطقَ أوسع
ألقائدُ
العظيم سوف يُسحَب في قفص من حديد
حينما
لا يَرعى إبنُ ألمانيا أيَّ قانون »
الثاني ـ ٢٤
|
ما أقرب [ هستر ] إلى [ هتلر ] ولكن
يبدو أنه ( أي
نوسترادمس ) تسلم الإسمَ بطريقةٍ مضطربة مُشَوَّشة ، أو لعلها من أساليب التعمية التي درج عليها نوستردامس في نبوءاته أو أنها غلطةٌ إملائية كما يحلو لبعضهم أن يقول. أما أولئك الذين كتبوا عن نوستردامس قبل سنة ١٩٣٠ فإنهم كانوا يذهبون في تفسير كلمة [ هستر Hister ] إلى مذهبين ، الأول يقول أنها مشتقة من الإسم اللاتيني لنهر الدانوب وهو [ Ister
] ، ويقول الثاني أنها كلمةٌ منحدرة من لغةِّ إحدى الشعوب القديمة التي سكنت غربي إيطاليا وتعني [ الممثل الكوميدي ]. ولكن ومع مجيء هتلر وبروزه على مسرح التأريخ بدا لها هذا المعنى الجديد.
وهذه الرباعية تشير إلى الإحتلال
النازيّ لفرنسا سنة ١٩٤٢ وقد كانت حملةُ إحتلالها في الواقع هي معركة وعمليات عبور أنهار ، وهو يصف الجنودَ الألمان في عبورهم بأنهم كالوحوش الكاسرة الجائعة والباحثة عن فريسةٍ تلتهمُها ، فهو يريد أن يُبيِّن شدةَ بأسِهم وحماسِهم واندفاعهِم في وحشيةٍ وعنف.
والقائدُ العظيم قد يكون المقصود منه [ پتان
Petain ] الفرنسي الذي كان مجلسُ النوّاب الفرنسي
قد مَنَحه سلطات مطلقة سنة ١٩٤٠ لإدارة أمور البلاد حتى حين ، ثم أنه تنازل عن سلطته تحت الضغط الألماني سنة ١٩٤٢.
السطر الرابع يشير في الظاهر إلى هتلر
بالذات أو إلى أبناء الشعب الألماني عموماً.
٥
ـ معالم في حياة هتلر
|
«
سيموت الكثيرون قبل موتِ النقاء وبعد ستمائةٍ وسبعين شهراً سيجدُ مستقرَّهُ وعندما تمرُّ السنوات ١٩١٥ ، ١٩٢١ ، ١٩٣٩
في
سنة ١٩١٥ سيقع فريسة المرض
سنة
١٩٢١ سيحمل السيف والنار
سنة
١٩٣٩ سيكون هدفاً لمطرٍ من نار »
السداسية ـ ٥٣
|
هذه سُداسيّة وليست رباعية ، وهي من
ملحقات القرون التي اشتمل عليها نوستردامس ، وهي واحدةٌ من (٥٨) سداسية كان قد كتبها ووضع نبوءاته فيها وجعلها خارج نظم الرباعيات لعلة ما.
ولكن وكما تلاحظ فإن فيها أرقاماً غريبة
حقاً.
العنقاء Phoenix هي طائرٌ خرافيّ على هيئة النسر ( من غريب الأمور أن النّسر كان شعار هتلر الرسمي ) وهي خرافةٌ مصريّةٌ فرعونية قديمة ويقولون عن هذا الطائر أنه يعيش لعدةِ قرون وأنه يُحرق نفسه بأن يتّخذ لنفسه
عشّاً من أغصان الأشجار ثم يفرز سائلاً خاصاً ويعرّض نفسه لأشعة الشمس ، وبعد أن يتحول إلى رماد فإنه يعود إلى الحياة شاباً قوياً.
فهذا الطائر الخرافي يشير إذن إلى هتلر
، وإذا صحّ خبر قوات الحلفاء بأنه قد انتحر وأُحرقت جثته فإن وجه الربط بين هذا الطائر الخرافيّ وبين هتلر سيكون أكثر ذكاءاً ودقة.
ولادته كانت سنة ١٨٨٩ وموتُه ( المعلَن
) كان سنة ١٩٤٥ في شهر نيسان ( إبريل ) وعمر هتلر يكون بذلك ٥٥ سنة وهو قريب جداً من الفترة التي ذكرها نوستردامس ( ٦٧٠ شهراً ).
سنة ١٩١٥ جرح هتلر مرتين عندما كان
جندياً. وهو ما أشار إليه بقوله أن هتلر يقع فريسة المرض.
سنة ١٩٢١ كانت فترةُ قوةٍ وتألُّق للحزب
النازي في هيئتة الأولى وكان عددُ أعضائه قد بلغ حدود الستة الآف وسنة ١٩٣٩ كانت هي بداية الحرب العالمية الثانية التي دامت حتى سنة ١٩٤٥. وهي المقصودة بأنه سيكون هدفاً لمطرٍ من نار.
٦
ـ زعيم الرايخ الجزار
|
«الأوّلُ
في الثالث سيكون أَسوأُ من [ نيرو Nero ]
سيكون
باسلاً في إراقةِ الدماء البشرية
سيُعيدُ
بناءَ الأفران وسينتهي العصرُ الذهبي
وسيسبِّبُ
هذا الملكُ فضائحَ عظيمةً »
التاسع ـ ١٧
|
الثالث هي إشارة واضحة إلى [ الرايخ
الثالث ] وهو الإسم الذي يطلق على حكومة المانيا تحت زعامةِ هتلر والحزبِ النازيّ من سنة ١٩٣٣ ـ ١٩٤٥ ، والأوّل تعني الشخصَ الأول في هذه الحكومة وهي أفضل تعبير عن موقع هتلر في هذه الحكومة فهو الأوّل وحسب.
( نيرو ) هو القيصر كلوديوس نيرو ( ٣٧ ـ
٦٨ ) بعد الميلاد وكان أمبراطور روما ، قتل زوجتَه سنة ٥٩ ثم قتل أُمَّه سنة ٦٢ وأحرق مدينة روما سنة ٦٤ ، واتّهم أتباعَ المسيح (ع) بأنهم هم الذين أحرقوها واتخذ ذلك ذريعة للأشتداد في مطارتهم ، أعاد بناء المدينة وبنى قصره الذهبي فيها ، قام حرسُه وجيشُه بالتمرّدِ وثاروا عليه فانتحر سنة ٦٨.
هتلر قام بعملية مشابهة لما فعله نيرو
بروما ، لقد
أحرق المجلس التشريعيّ الألماني سنة ١٩٣٣ واتهم الشيوعيين بإحراقه فضرب عصفورين بحجر واحد ، الأول أنه وجد المبرّر لإطلاق يده في السلطة بعد أن أصدر قانونه بتعطيل العمليّة التشريعية ، والثاني أنه جَسّد للناس ولأتباعه الخطر الشيوعيّ الذي نذر نفسه لمحاربته. وَجْهُ الشبه بين الإثنين واضح واختيار نوستردامس لهذه المقارنة أو لهذا التشبيه يثير الأعجاب فعلاً.
أما الأفران فهي الأسلوب الذي اشتهر به
هتلر كوسيلة للأبادة الجماعية السريعة.
٧
ـ افران البشرية
|
«
نيرو الجديد سيأتي بثلاثة أفران
وسيرمي
بالشباب فيها ليحترقوا أحياءَ
سعيدون
أولئك الذين هم بعيدون عن هذا
ثلاثةٌ
من عائلته سيُباغِتونَه لقتلِه »
التاسع ـ ٥٣
|
[ نيرو ] سبقت الإشارة إليه في الرباعية
السابقة ، ونيرو الجديد يشير به إلى هتلر. والأفران كانت وسيلة للإبادة الجماعية للتخلّص من بعض الفئات التي إرتأى هتلر والحزبُ النّازيّ بأنه يجب التخلص منهم وإفناؤهم بشكلٍ جماعيّ وقد وُضعت خطتُها في مؤتمرٍ برئاسة
[ هيدراك ] الألماني عُقد قرب مدينة برلين في ٢٠ / ١ / ١٩٤٢ ورأوا فيها حلاًّ لكثير من المشاكل ومنها مشكلة اليهود في أوروبا حيث كانوا قد وصلوا في إفسادهم وسيطرتهم الخبيثة على مقدّرات الناس إلى درجة بعيدة. وطريقة أفران الغاز كانت واحدة من أساليبهم وقد كان منها ثلاثة ، أشهرُها الفرن الموجود في معتقل [ أوشوتز Aushwitz
] ، والثاني هو فرن [ داتشو Dachau ] والثالث هو فرن [ بركنو Birkenau ].
قرب نهاية الحرب بدأت عدة جماعات مضادّة
للحزب النازي ولهتلر بالظهور وقد كانت أهداف ودوافع هذه الجماعات مختلفة.
وتعرّض هتلر لمحاولة إغتيالٍ مهمة قام
بها ثلاثةً من كبار أتباعه وهم [ كارل كوردلر ] ، الجنرال [ بك Beck ]. والكولونيل [ فون ستوفنبرغ ] حيث وضعوا
قنبلة في مقرّ هتلر في ٢٠ / ٧ / ١٩٤٤ وانفجرت القنبلة أثناء اجتماعٍ كان يرأسُه هتلر مع بعض كبار أعوانه ، ولكنه لم يُصَب بغير جروح طفيفة.
وهذا هو الذي عناه في نبوءته بأن ثلاثة
من عائلته سوف يُباغتونه لقتله وقد أصاب في هذه إصابة دقيقة.
نبوءات في شؤون اسيوية
١
ـ تركيا ومصطفى اتاتورك
|
«
في كل أصقاع آسيا سيكون نفيٌ ومصادرات
كذلك
في [ ميسيا ] و [ لسيا ] و [ پامفيليا ]
حيث
سيُراقُ الدمُ بأسم الأنعتاق
بواسطةَ
قائدٍ مسلم مليء بالغدر »
الثالث ـ ٦٠
|
[ ميسيا Mysia ] هي مدينة تقع إلى الشمال من آسيا الصغرى ( تركيا ) ، كانتُ عاصمة مملكة [ مسياً القديمة وواحدة من أكبر المراكز الحضارية في المدنيّة الهيلينيّة.
[ لسيا Lycia ] و [ پامفيليا Pamphilia ] هما منطقتان واقعتان في تركيا أيضاً.
وكلمة [ مسلم ] الوارد في السطر الرابع
جاءت في
أصل كتاب النبوءات بعبارة [ Noir
] وهي تعني الأسود أو اللون الأسود حيث يرى كثيرون ممن نظروا في نبوءات نوستردامس بأنها إشارة منه إلى المسلمين لأن السواد أو اللون الأسود كان شعارُ بني العباس أيامَ حكمهم وأنه إذا ما وَصف شخصاً بالسواد فهو إنما يشير إلى أنه مسلم ، ولا ننسى أن نوستردامس لم يكن بعيد العهد جداً بحكم الدولة العباسية وهو الذي ولد وعاش على تخوم الدولة الإسلامية في الأندلس وإن كانت يومئذ تعيش العقود الأخيرة من عمرها حيث تم طرد آخر المسلمين فيها حوالي سنة ١٦٠٩. ولكن من ناحية أخرى فإننا لو لاحظنا بأن الأروبيين كانوا يطلقون إسم [ مور Moor ] على المسلمين الذين فتحوا شبهَ الجزيرة الأسبانية [ الأندلس ] وسكنوها ، وكلمة Moor هي كلمة أسبانية تعني الأسود أو الداكن اللون وهو اللون الغالب على العرب والبربر ممن دخل فاتحاً لأسبانيا ، لصار من الواضح ما هو السرّ في رمز نوستردامس باللون الأسود للإشارة إلى المسلمين.
وفي هذه النبوءة فإني أظُنه يشير إلى
ظرف تأريخي عام وينتقل منه إلى ظرف تأريخي خاص مما سيأتي به المستقبل. ففي السطر الأول يشير إلى أن آسيا بجميعِ أصقاعها سوف تشهد في المستقبل حالات نفيٍ
ومصادرات على نطاق واسع وملحوظ ، ثم ينتقل بعد ذلك إلى آسيا الصغرى أو تركيا حيث يشير إليها من خلال ذكرِه لمناطق موجودة فيها ومن باب تسمية الكلّ باسم الجزء وليتوسّع في وصفه لما يراه من مستقبل هذه المنطقة.
وأرى أن لهذه الرباعية تعلقٌ
بمصطفى كمال أتاتورك ( ١٨٨١ ـ ١٩٣٨ ) مؤسس تركيا الحديثة والذي امتدّت رئاستُه من سنة ١٩٢٣ إلى ١٩٣٨ وكان بالأصل ضابطاً في الجيش ثم عُيِّن قائداً لفرقةٍ عسكرية في سنة ١٩٢١ واسقط السلطنة العثمانية في الأوّل من تشرين ثاني ( نوڤمبر ) سنة ١٩٢٢ وتولى رئاسة الجمهورية التركية في السنة التالية.
وكانت ظروفُ إسقاط السلطان العثماني
كالتالي ، فإن الدوله العثمانية كانت قد دخلت في تحالف مع الألمان ضد روسيا وحلفائها ( بريطانيا وفرنسا ) وذلك وفق معاهدةٍ سرّية كان قد وقّعها معهم وزيرُ الدفاع العثماني أنور باشا ، ولم يكن لكثيرٍ من رجال الدولة علمٌ بها ، وعلى كل حال فقد دخلت بذلك الدوله العثمانية في الحرب العالمية الأولى ولم يكن لجيشها كبيرُ خَطرٍ فيما عدا بعض المعارك وخصوصاً معركة [ غاريبالدي ] التي صَدَّ فيها الجيشُ العثماني قوةً عسكرية ضخمة من
البريطانيين والفرنسيين كان غرضُها هو فتح الطرق البحرية أمام القوات الروسية القيصرية عن طريق مضيق الدردنيل. وخسر رهانُ العثمانيين على ألمانيا بسقوطها في الحرب وانتصار قوات الحلفاء وكل ذلك كان على عهد السلطان محمد السادس ، وخرجت أرمينيا والدول العربية من السيطرة العثمانية وصارت اسطنبول والمضائق البحرية تحت سيطرة الحلفاء ، بل أن تركيا خسرت إستقلاليتها بالفعل. وهنا جاء دور البطل المغوار مصطفى كمال أتاتورك الذي أكمل الشوط وجعل السقوط العسكريَّ سقوطاً حضارياً تاماً وعلى مستوى رسمي وصارت تركيا لعبة بيد الغرب الصليبيّ ، وعلى يده وعلى يد أتباعه ثم تدمير البلاد وإفساد المجتمع التركيّ باسم الانعتاق من رواسب الماضي والالتحاق بركب الحضارة الغريبة ، وما زالت تركيا إلى يومنا هذا تئنُّ من آلام ضرباته الخبيثة التي أحالت الإنسانَ والمجتمعَ هناك إلى كيانات بدون هوّية فلا هي إسلامية ولا هي غريبة ولا هي أيّ شيء آخر وأنما هي كيانات ممسوخة معلَّقة في فضاء فارغ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
وهذا الذي أصاب تركيا هو الذي تشير إليه
هذه الرباعية كظرف تأريخي خاص في ضمن ظرف أو حالة عامة تصيب كلَّ أصقاع آسيا وهو ما شهدته حقبةُ القرن
العشرين بالفعل أبّان الثورة الشيوعية وما صاحبها وما تلاها من نفي ومصادرات أملاك وحريات وإراقة دماء حيثما حطّت برحالها المشؤومة وكل ذلك باسم العدالة الاجتماعية وباسم الحرية والانعتاق وباسم القوانين المادية الحتمية للتأريخ.
٢
ـ زمرة هرمس في روسيا
|
«
كم انتطروه في أوروبا
ولكنه
لن يعود إليها ، أنه سيظهر في أسيا
شخصٌ
من الزمرة المنحدرة عن [ هرمس Hermes ]
وسوف
يسيطر على كل القوى في أقطار آسيا »
العاشر ـ ٧٥
|
[ هرمس Hermes ] هو أحدُ آلهةِ اليونان ( الإغريق ) وهو عندهم رسول الآلهة وإله الطرق والتجارة والبلاغة والمكر واللصوصية فهو مثيلُ الإله الروماني [ مركَري Mercury ] أو هما واحد ولكن باسمين مختلفين حسب عقيد الوثينة الرومانية واليونانية.
وهو يَصفُ هذا الشخص القياديّ الذي
سيظهر في آسيا ويسيطر عليها بأنه من الزمرة التي أصلُ شجرتها هو
هذا الإله المذكور ، فهو إذن يصفه بأنه عذْبُ اللسان ماكرٌ ، وهو لصٌّ قاطعُ طريق في نفس الوقت ، إلى جانب ذلك فإنه ذو عقلّيةٍ تجارية يعرف كيف يضارب ومتى يتنازل عن بعض المكاسب وذلك عندما يتوقع أن تكون النتيجة البعيدةُ مكاسبَ أعظم ، وهو يذكّرني بالعقلية اليهودية ، ولو أن لليهود إله يُعبَد غير الله عز وجل لكان هذا الإله بالذات لأنّه يمثّل الكمال في هذا الباب ويصلح أن يكون مثَّلَهم الأعلى.
ولكن ما معنى أن أوروبا تنتظره وترتقب
مجيئه وأنه لا يعود إليها ولكنه يظهر في آسيا ، فيمارس في آسيا وسائل مكره ولصوصيته ويسيطر بذلك على كل القوى في آسيا !!!
أنا شخصياً أرى فيه ( كارل ماركس
) وحاملَ لوائه ( لينين ) لأنهما كلاهما يهوديان يحملان هذه العقلية المتميزة بالمخاتَلَة والنفعيّة ولأنهما كلاهما من أوروبا ولأن ( ماركس ) كان يعتقد حسب نظريته بأن ثورة الطبقة العاملة ودكتاتوريتها [ دكتاتورية البروليتاريا ] سوف تظهر في أوروبا وبالذات في انكلترا بموجب قوانينه الحتمية في التأريخ ، ولكنها لم تظهر هناك وإنما ظهرت في آسيا ، ليس لأن قوانين التأريخ إقتضت ذلك ولكن لأن رجلاً من نفس السلالة وعلى نفس المنط من العقلية تبنّى
نظرية ماركس وخدع بها المساكين في أقطار أسيا وصار يعدهم بالجنة والرضوان وبمجتمع من الملائكة في خاتمة المطاف ، وذلك هو لينين وهو يهودي آخر ، ولكن ولله الحمد فقد أخزاهم ولم تدم كذبتهم تلك طويلاً.
ومما يجدر ذكره في هذا المقام هو أن أول
لجنة مركزيه للحزب الشيوعي السوڤيتي كانت تتكون من أحد عشر عضواً وقد كان تسعة من هؤلاء الأعضاء يهوداً ، إذن عبارة واحدة من الزمرة جاءت في محلها تماماً. أما فيما بعد فقد صار إثنان من كل خمسة من أعضاء الكرملين من اليهود.
نبوءات في شؤون فلسطينة
١
ـ مستوطنات يبنيها القادمون الجدد
|
«
القادمون الجدُدُ سيبنون موضعاً بلا دفاعات
يحتلّون
مكاناً لم يكن مأهولاً حتى ذلك الحين
وبلذّةٍ
وبسرور سيأخذون الحقول والبيوت والأرض والمدن
بعدها
مجاعة ، وباء ، حرب ستُزرَعُ فيها لمدة طويلة »
الثاني ـ ١٩
|
يعتبر [ ثيودور هرتزل ] ١٨٦٠ ـ ١٩٠٤ هو
مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة ، وهو صحفي يهودي ، نمساوي المولد ، وجد في زمانه بأن اليهود لامكان لهم في أوروبا وبدأ يدعوا إلى إنشاءِ وطن خاص بهم.
وعُقد أول مؤتمر صهيوني برئاسته سنة
١٨٩٧ في
مدينة [ بازلّ ] في سويسرا. وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى فإن بريطانيا أظهرت دعمها لمطالب الصهيونية وتمّ إختيار فلسطين كوطن لليهود في وعد بلفور سنة ١٩١٧.
وبعد الحرب العالمية الثانية كان
التأكيد أشدّ على مسألة إنشاء الوطن الخاص باليهود المشردين في كل أقطار المعمورة وجاء إنشاء إسرائيل بقرار من الأمم المتحدة عندما قررت تقسيم فلسطين إلى مناطق عربية وأخرى يهودية مع جعل القدس منطقة عالمية غير خاضعة لأيّ من الطرفين وذلك في ٢٩ / ١١ / ١٩٤٧.
وفي ١٤ / ٥ / ١٩٤٨ ثمّ الأعلانُ عن
ولادة دولة باسم «إسرائيل» وتكون عاصمتها تل أبيب.
كان عدد اليهود في فلسطين قبل إندلاع
الحرب العالمية الثانية يبلغ ٨٥٠٠٠ أي ١٠ % من السكان في مجموعهم الكلّي ، وارتفع إلى ٤١٦٠٠٠ عند اندلاعها ، وارتفع عدد المستوطنات اليهودية التي أنشئت هناك من ٧٩ إلى ٢٠٠ مستوطنة.
وكما تلاحظ فإن هذه الرباعية تتنبأ بشكل
لا بأس به عن حالة الأراضي الفلسطينية التي يأتيها قادمون جُدَد فيبنون مواضع بلا حدود واضحة وفي أماكن من الأراضي لم تكن مأهوله في السابق وهذا هو حال المستوطنات اليهودية التي هي في ازدياد واتّساع
مستمرين ، وهناك وصف صحيح للحقد والخبث والتشفّي الذي يغمر قلوبهم وهم يرون أولئك الفلسطينيين المساكين وهم يُطردون من حقولهم ومن قرارهم وبيوتهم ويُساقون سَوْقَ النعاج إلى المخيمات التي صارت دارهم الجديدة ، لذّة ساديّة وسرورٌ يغمر القلوب السوداء لليهود وهم يُذِلّون هؤلاء الأبرياء الآمنين ويسحقون كرامتهم بأقدامهم ويهشّمون عزة نفوسهم.
المجاعةُ والوباء والحرب لم تخلُ منها
فلسطين منذ أن جاءتها جيوش الكفر في أثناء الحربين العالميتين ووطئتها اقدام اليهود الوافدين. ولن تجد نهاية لها إلى يوم معلوم لا بد وأنه أت.
حرب الايام الستة ١٩٦٧
واحتلال
الجولان والضفة الغريبة وغزة
|
«
بقانونٍ جديد فإن مقاطعات جديدة سوف تُحتل
باتجاه
سوريا ، الأردن وفلسطين
القوة
العربية سوف تتهاوى
قبل
الإنقلاب الشمسي الصيفي »
الثالث ـ ٩٧
|
هذا القانون الجديد هو ولا شك إشارةٌ
إلى نظرية أو مبدأ الأمن الأسرائيلي الذى ترى الدوله الصهيونية بموجبة بأن لها الحق في احتلال ما تشاء من الأراضي التي من حولها من أجل حماية حدودها وحمايه كيانها وهو ما وضعته موضع التنفيذ وعلى نطاق واسع في هجومها على الأردن ومصر وسوريا فيما يعرف بحرب الأيام الستة الذي بدأ بهجوم كاسح يوم ٥ / حزيران
(يونيه ) / ١٩٦٧ تمّ فيه تدمير كامل القوة الجوية المصرية آنذاك ودام لمدة ستة أيام إحتلت فيها إسرائيل كلاًّ من الضفة الغربية لنهر الأردن والجولان ( سوريا ) وغزة ( فلسطين ) ومنطقة صحراء سيناء.
وفي النص الأصلي جاءت عبارة ( الأمبراطورية
البربرية ) بدل ما أثبتُّه في ترجمة النص بعبارة [ القوة العربية ] والذي دعاني لذلك هو أن لفظة الأمبراطورية قد تعني في عرف نوستردامس معنى السلطة الحكوميّة أو الدولة ، والبربرُ هم سكان الساحل البربري الذي هو ساحل شمال أفريقيا وفي ذلك إشارة واضحة إلى دولة مصر لأنها دولة شمال ـ أفريقية. على كل حال فإن نوستردامس استعمل كلمة البربر في كثير من المواضع للإشارة إلى العرب أو إلى المسلمين بشكل عام.
والإنقلاب الشمسي الصيفي يحصل في ٢١ / حزيران ( يونيه ) من كل عام ، وكما ترى فإنه تنبؤ مذهل عن حرب الأيام الستة التي بدأت يوم ٥ / حزيران ( يونيه ) أي قبل حصول هذا الإنقلاب الشمسي بقليل وقد تهاوت فيه قوة مصر بشكل خاص وقوة العرب بشكل عام. والرباعية كلها تثير الإعجاب حقاً.
نبوءات في شؤون ايرانية
١
ـ الثورة الاسلامية في ايران والامام الخميني
|
«
هياجُ ، مجاعةٌ وحرب لا تتوقّف في فارس
إندفاعٌ
عظيم سوف يفضح المَلِكَ
نهايتُه
سوف تبدأ في فرنسا
من
قِبَل الكاهن الساكن في مكان معزول »
الأول ـ ٧٠
|
الملك : هو الشاهُ الإيرانيّ ، وكلمةُ
شاه تعني بالفارسية الملِكَ ، فارس : هو الإسم القديم الذي عُرفت به إيران ، والكاهن هي إشارةٌ إلى آية الله الخميني ، والمكان المعزول هو تلك القريةُ الفرنسية الصغيرة التي كانت آخر محطة له في منفاه الطويل خارج بلده إيران وتمسى [ نوفل لوشاتو ] ، وكان ذلك بعد أن أخرجته حكومة صدام حسين من مدينة النجف في العراق ، وقد كانت عودتُه إلى إيران من هذه القرية ، وبدأ بذلك عملُه
لأقامة الحكومة الإسلامية هناك على أنقاض النظام الملكي الشاهنشاهي. وأنت ولا شك تشاركني. العجب من هذه النبوءة التي جاء بها هذا الرجل قبل أربعة قرون لتُبلغنا هذا الخبر عن ذلك الإندفاع الشعبيّ الهائل في إيران والذي أدّى إلى خلع الشاه وإنهاء دولته وإفتضاح دوره في المنطقة الإسلامية ( ناهيك عن فضائح أنظمة كثيرة سقطت عن وجوهها الأقنعة وشاهدناها عياناً فيما بعد ) ، وكان آية الله الخميني في تلك الفترة الحاسمة يسكن داراً في قرية فرنسية لا يعرفها أحد ولم يسمع باسمها من قبل أحد في العالم الخارجيّ ، وكان يرسل برسائله الصوتية والمكتوبة إلى داخل إيران ويتصل بزعماء الثورة هناك يحرّض الناس على إسقاط الطاغوت الإيراني وعلى أن لا يترددوا في التضحية بدمائهم في سبيل نصرة الله والإسلام.
وقد كانت نهايةُ الشاه من فرنسا بالفعل
وعلى يد هذا الذي سمّاه بالكاهن الساكن في بقعة معزولة.
وبعد أن قامت دولة جديدة على أرض إيران وأعلنت بأنّها لن ترضى بغير القرآن الكريم دستوراً لها وبالفقه الإسلامي قانوناً وبدأوا أول الخطوات في طريقهم لمحاولة إحياء إسلام حقيقي في بقعة واحدة على الأقل في هذا العالم الإسلامي الوسيع خشي العالم الغربي
وعلى رأسه أمريكا من أن يخرج الماردُ الإسلامي من قُمقمِهِ فيكتسحَ كل مصالحهم ويضع حداً لجشعهم فحاربوا إيران بمختلف الوسائل سياسياً واقتصادياً وإعلامياً حتى وصلوا إلى ذروة تصدّيهم لهذه الموجةِ الجديدة بأن أعلنوها حرباً طاحنة ضدها وجعلوا صدام حسين وجيشه يحارب بالنيابة عنهم وجعلوا من العراق ، البلد الإسلامي العريق ، سدّاً منيعاً أمام أي نوع من المدّ الإسلامي ، وتستمر الحرب ضد إيران لمدة ثمان سنوات شهدت إيران خلالها من المصاعب والحرمان والشدّة شيئاً فظيعاً للغاية.
بقي أن نشير إلى مسألة لها دلالتها
المهمة في هذا المقام وهي أن نوستردامس جاء في رباعيته بنصّها الأصلي بعبارة [ Augur
] فيما ترجمناه بكلمة الكاهن في السطر الرابع ، وهي كلمة لاتينية تعني بالضبط الكاهن أو رجل الدين الذي يتنبأ بالمستقبل ، فإذا ما عرفنا بأن آية الله الخميني كان يكرّرُ القولَ بأنّ التسعينات من هذا القرن سوف تشهد غَلَبَة المستضعفين على المسنكبرين وأن القرن العشرين سيشهد في النهاية هزيمةَ القوى الاستكبارية ، لكان لهذا المعنى أهمية بالغة وليدخل في تناغم وانسجام تام مع ما سيأتينا فيما بعد من نبوءاته عن مستقبل هذا القرن وبشكل يزيد من أعجابنا بما يقوله
الرجل ويبعث قدراً مهماً من المصداقية في نبوءاته.
٢
ـ دور رجال الدين في ايران
|
«
عصياناً للملك وهو في حالة ضعف
يُصيبُه
الأذى وهو يتبجّح بجيشه
الأب
يستعرض قدرة إبنه
عنئذ
سيفعل الزعماءُ الروحيّون في [ فارس ] ما فعلون بالسابق »
العاشر ـ ٢١
|
هذا وصف رائع لما سيحصل في إيران أيام
ثورة شعبها على الشاه المخلوع ، وهو يبدأ بذكر عصيانٍ وتمرد وثورة الشعب الإيراني بكل فئاته ضد الشاه الذي صارت حصانته تضعف يوماً بعد آخر ولجأ إلى إرهاب الشعب وتخويفه بالجيش الشاهنشاهي الذي اندفع بدباباته ومصفحاته إلى الشارع لإخماد الهياج الشعبي العام.
كانت حركةٌ من الشاه يريد بها إظهار
عزته ومنعته وسلطته دولته أمام جماهير الناس الذين لم يَعرف لهم من قبل من دور إلا أن يكونوا خدماً له لا يعرفون غير الطاعة والرضوخ وتقبيل الأيدي والإقدام الملكيّة ، ولكنه لم يزد على كونه تبجُّحاً واستعراضاً ولم يؤدّ إلى أية نتيجة لأن أجَلَه قد حلّ بلا رحمة.
عبارة ( الزعماء الروحيون ) التي
أوردتُها في الترجمة جاءت في النص الأصلي لنوستردامس بعبارة [ Mage ] وهي كلمة يونانية تعني الواحد من طبقة خاصة من رجال الدين الذين ظهروا في فارس القديمة والذين صاروا يُعرفَون لدى الغربيين فيما بعد باسم [ ماجي Magi ] ، وهذه الطبقة كانت على زمن الديانة الزرادشتية التي كانت سائدة في بلاد فارس القديمة قبل الإسلام ، وكان هؤلاء يعيشون حياة غاية في التقشّف والصعوبة ، وكانت لهم من الفضائل والقوى ( أما أنّها موجودةٌ فيهم بالفعل أو أن الناس يعزونها لهم ) مما جعل لهم سلطة قوية جداً على عقول الناس وقلوبهم عموماً وبضمنهم طبقة النبلاء وكان الملك نفسه يفتخر بأنه تلميذ لهم ، وكان كثيراً ما يستشيرهم في بعض الأمور.
إذن نوستردامس يشير في هذه العبارة إلى
الزعماء الروحانيين ( أي الدينيين ) الإيرانيين بالذات ، وهو يتنبأ بأنه ستكون لهم سلطةٌ قوية داخل المجتمع الإيراني في مستقبل الأيام تشبه تلك التي كانت لتلك الطبقة المذكورة في سالف الأيام ، وقد أصاب كما نعلم ذلك حيث أن السلطة السياسية ناهيك عن الدينية هي اليوم بيد رجال الدين وهم المسيطرون على معظم مرافق الدولة في إيران.
٣
ـ الحرب ضد ايران
|
«
الأمير العربي ، المريخ والشمس والزهرة ، برج الأسد
شريعة
الكنيسة ستخضع من خلال البحر
باتجاه
إيران قرابة المليون جندي
بيزنطة
ومصر ، حيّة حقيقية ، تهاجم »
الخامس ـ ٢٥
|
الكواكب والبرج المذكورة تشير إلى تأريخ
محدّد ، وقد حصل اقتران المريخ والشمس والزهرة في برج الأسد آخر مرة في ٢١ / آب ( أوغسطس ) من سنة ١٩٨٦.
وقد جاء إسم إيران في الأصل بعبارة [ فارس
] ؛ إسمها القديم الذي لم يتغير حتى سنة ١٩٣٥ حيث تمّ استبداله بإسمها الحالي.
[ بيزنطة ] هو الإسم القديم لمدينة
اسطنبول الحالية وهو إشارة إلى تركيا ككل.
والأمير العربي يبدو بما لا شك فيه أنه
صدام حسين خصوصاً وأنه هو الذي صار يُطلقُ على نفسه هذا اللقب في جملة ألقابه التشريفية التي تربو على المائة
والتي حاول فيها أن يضاهي تعداد الأسماة الحسنى لله عز وجل.
وقد كان تعداد الجيش العراقي وفق
المصادر العراقية الرسمية والمصادر الغربية هو قرابة المليون عسكري وهو نفس الرقم الذي ذكره صاحبنا.
فهذه الرباعية تقول لنا بأنه في سنة ١٩٨٦
سيكون هناك أمير عربي وسوف يدفع بجيش تعداده قريب من المليون جندي بإتجاه إيران ( فارس ) ، ثم أنه يصف تركيا ( بيزنطة ) ومصر بأنهما سوف تهاجمان أيضاً بلاد فارس ولكن كالأفعى أي بطريقة فيها مكرٌ وشيطنة ، وكأنه يشير إلى الدعم المادي والإعلامي والسياسي الذي كانت تقدمه هاتان الدولتان إلى صدام حسين أثناء حربه ضد إيران ( إضافة إلى قدر مهم من العسكري بالرجال والسلاح كانت تقدمه مصر إليه ووقوف قوات تركيا على أهبة الاستعداد لإسناده ).
وفي ذلك الوقت كانت مياه الخليج العربي
تزخر بالأساطيل الحربية الغربية من كل جنسية فكانت هناك الأمريكية والبريطانية والفرنسية والإيطالية والنرويجية .. الخ في تعبئة عالمية ضد إيران وذلك لأن إيران كانت قد خرجت على قواعد لعبة الشطرنج فأخلّت بموازين المعادلة الدولية التي تقررها الدول الكبرى ، وما
كان خروجها هذا الذي أقام الدنيا كلها عليها غير أَنّ شعبها قال كلمته واختار لنفسه من دون تدخل أحد من الخارج ، ثم إنّ شعب إيران لم يقف عند هذا الحد بل تجرأ على الغرب والشرق وأعلن بأنه يريد أن يتخذ من الإسلام ( دين الله ) قانوناً وشريعة حاكمة فيه ، وبهذه الخطوة الخطيرة وقّع الملايين من أبناء هذا الشعب على أوامر أعدامهم التي أصدرتها محكمة المجتمع الدولي والعادلة وذلك لأن هذا الأمر هو من الجرائم الممنوعة التي لا يجوز لأحد من المسلمين ارتكابها.
وما جاء في السطر الثاني هو في خصوص هذه
الأساطيل حيث وصف نوستردامس هذا التحشد الضخم بأنه إهانةٌ لشريعة الكنيسة وإخضاعٌ لها ، وما شريعة الكنيسة المسيحية ولُبُّ رسالتها إلا الدعوة إلى إشاعة المحبة والخير والتسامح بين بني الإنسان ، والذي فعلته تلك الأساطيل الصليبية وكل الذين باركوا لها من رجال الكنيسة ثم غضّوا الطرف عن كل تلك المآسي الدامية التي جرت في تلك الحرب المجنونه والتي سعّر نارها الصليبيون وأشرفوا على إدامتها وتغذيتها بكل ما وسعهم من حيلة ومكر ، الذي فعلوه بذلك كله إنما هو إهانة وسحق لرسالة المسيحية التي يدّعونها وإخضاع لصوتها.
والتأريخ الذي أعطاه نوستردامس لهذه
الحملة
على إيران وهو سنة ١٩٨٦ كان عجيباً في دقّته ، لأن الحرب التي دامت ثماني سنوات بدأت سنة ١٩٨٠ وانتهت سنة ١٩٨٨ وكانت سنة ١٩٨٦ تشهد بعضاً من أشد المعارك ضرواة بين الجانبين.
نبوءات في شؤون عراقية
١
ـ طاغية داعر
|
«
شرّيرٌ ، بغيضٌ ، مغمور ، سوف يدخلُ
ويستبدّ
طغياناً في العراق
كلهم
أصدقاء لجمهورية داعرة
الأرض
سترتعب من ملامح وجهِهِ الكريهة »
الثامن ـ ٧٠
|
جاء إسم العراق في النصّ الأصلي باسمه
اليوناني القديم [ بلاد ما بين النهرين Mesopotamia ] ، أن الشخص الذي يصفه نوستردامس هنا ويرسم ملامحه هو صدام حسين بلا منازع وبلا ريب ، واحد من أبغض الطواغيت الذين عرفهم التأريخ.
نبذه
من تأريخ حياة صدام حسين :
ولد سنة ١٩٣٧ في قرية العوجة من أعمال
مدينة تكريت الواقعة شمال بغداد من عشيرة البيكات التي
يُعتقد بأنها من العشائر التركية أصلاً. وقد عُرفت عشيرته هذه بين بقية عشائر المنطقة بجلافةٍ وبقسوةٍ شديدتين في مجال تعاملها معهم. ولما بلغ صدام الحادية عشرة من عمره قام الأب بطرد أمّه من البيت فلجأت مع ابنها إلى دار أحد أقاربهم ، وشهد صدام أباه وهو يحاول أن يقتلَ أمَّه فيما بعد في ذلك الدار بعد أن شاعت في خصوصها التُهَم ، ولم يتمكن الأب من فِعلته وتركها مع إبنها حتى وافاه الأجل ، وتزوجت الأم من شخص آخر كان له عدد من سيارات الأجرة تعمل بين تكريت وبغداد وصار صدام في رعاية زوج أمّه وصار يعمل على خط النقل هذا ، وصار له أخ من أمّه اسمه بَرَزان ( وهو الذي شغل منصب إدارة جهازات المخابرات الرهيب فيما بعد ) إضافة إلى أخوين اثنين آخرين من أمه هذه هما وطبان وسبعاوي ، وفي هذه الفترة ، وصدام في العقد الثاني من عمره ، قَتَلَ بيده إبنَ عمٍّ له ثأراً منه. وانتقل إلى بغداد ودخل هناك المدرسة الثانوية ( إعدادية الكرخ للبنين ). وفي نهاية الخمسينات تشكّلت في بغداد عصابة لها ارتباط قوي جداً بعصابات المافيا العالمية ويُعتقَد بأنها فرع من فروعها وكانت هذه العصابة تُعرف باسم عصابة حُنَيْن وتُعرف أيضاً باسم آخر وهو عصابة قَنِيّ ، فانضمّ صدام إليها ثم سرعان ما صارت له الصّدارة فيها ( وقد تطورت هذه العصابة بالتدريج فيما بعد عندما استحكم صدام في
السلطة إلى جهاز حماية خاص به ومن ثم إلى جهاز مخابرات واسع جداً حكم العراق بالإرهاب والدم ) ، وقد كان انضمام صدام إلى حزب البعث في فترة مقاربة وذلك حوالي سنة ١٩٦٠.
وكان للسفارة البريطانية في بغداد علاقة
مهمّة بهذه العصابة وبالذات عن طريق النائب الأول في السفارة المدعو جورج رِمِنكتون ، وقد استخدموا أفرادها في محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم حاكم العراق آنذاك والذي كان يتمتع بشعبية واسعة فيه. وفشلت تلك المحاولة فهرب صدام الذي كان أحد المشاركين فيها إلى مصر وعاش هناك تحت رعاية خاصة ، وقد التقى به بعضهم هناك ونقل بأنه كان يثير القرف والاشمئزاز لإستهتاره وإفراطه في الرذيلة وصُحبته لأكثر الناس شراً.
وبعد سقوط قاسم سنة ١٩٦٣ في انقلاب شارك
فيه البعثيون عاد صدام حسين إلى العراق وإلى عصابة حنين ليصير بعدها مسؤول الحرس القومي في قاطع الرصافة ( قسم بغداد على الضفة الشرقية من نهر دجلة ) وقد مارس الحرسُ القوميّ وبصورة رسمية من عمليات الأرهاب والتعذيب والإبادة والاعتداء على الحُرُمات مما جعل شخص في العراق يشمئزّ ويرتعب من إسم حزب البعث ( وهو الذي جعلهم يُخفون
هويتهم لفترة طويلة نسيباّ بعد أن عادوا إلى الحكم في انقلاب ١٧ تموز ( يوليو ) ١٩٦٨ ) واستمر على نشاطاته في نفس الوقت مع عصابة حنين التي كانت تقوم بعمليات سطو مسلح على بيوت الأثرياء وكان صدام يشارك فيها بنفسه ويمزق ضحاياه بالسكاكين. وفي تلك الفترة من حياته عُرف عنه بأنه قد ذهب مع عشرين من أفراد عصابته هذه إلى ألمانيا الغربية لمدة عشرة أيام من كل شهر ولفترة من الزمن للتدريب على حرب العصابات والشوارع وأساليب إنتزاع الإعترافات والتعذيب.
وكانت رئاسة الجمهورية العراقية في
انقلاب ١٩٦٣ قد صارت إلى أحد الضباط العراقيين وهو عبدالسلام عارف ، فانقلب هذا بدوره على البعثيين وأزاحهم من سلطة في السنة التالية وسجن الكثيرين منهم وبضمنهم كان صدام حسين التكريتي ، وقد جمعه السجن بعدد من الأشخاص من مختلف الإتجاهات السياسية والعقائدية ، فعاشروه وعرفوه عن كثب نظراً لما تمتاز به بيئة السجون وما تفرضه على نزلائها من احتكاك مباشر وقريب ، ونقل هؤلاء فيما بعد شيئاً من انطباعاتهم عنه ، فكان مما قالوه عنه أنه كان قذر اللسان إلى درجة غير معهودة ولا يعرف في مناقشاته معهم غير لغة التهديد والوعيد فهذا يدفنه حياً وذاك يقطع يديه ورجليه وغير ذلك مما جعله مثار السخرية فأنّما هو يومذاك عضو
عصابة تافه مغمور ، وكان يدخّن الحشيشة في السجن ، منظره كئيب مُقرِف ، عاداته قبيحة تثير الإشمئزاز. وصدام هذا الذي يُمزّق فرائسه تمزيقاً عندما صارت إليه السلطة لم يتحمّل نفسُهُ ضربةً واحدة أثناء التحقيق عندما سألوه عن رفاقه في التنظيم الحزبي فأعطى أسماء كل بعثيّي العراق من الذين كان يعرفهم من أول صفعة تلقّاها أثناء التحقيق معه. وخلاصة كلامهم أنه لم يكن فيه ما يجعلك تحترمه حتى شاع عنه أنه حيوان غبي بين رفاق سجنه.
وبعد انقلاب ١٧ / ٧ / ١٩٦٨ الذي جاء
بالبعثيين مرة ثانية إلى الحكم وصل صدام إلى منصب نائب رئيس الجمهورية ، وفي سنة ١٩٧٩ وبعد سلسلة لقاءات تمّت في الأردن والسعودية وغيرها بين صدام و ( فانس ) وزير خارجية كارتر و ( برجنسكي ) سكرتير شؤون الدولة ومستشار كارتر إضافة إلى مباحثات أخرى في نطاق حلف شمال الأطلسي تمّ المجيء بصدام رئيساً على العراق خلفاً لأحمد حسن البكر الذي تَمَّت تصفيتُه بعد ذلك ، وقد حكم صدام أهل العراق كرئيس عصابة لصوص وقتله بالفعل وليس كرئيس دولة أو حكومة مما هو معهود في باقي دول العالم.
تأريخه أسود ملطخ بالدماء والإرهاب قبل
وبعد
تسلمه لسلطة الرعب والدم في بغداد ، كتبوا عنه ما لا يقل عن عشرة كتب وسيظهر منها المزيد في الأيام التالية ، أقرأ عنه واسمع العجب فإنه من الظواهر البشرية البشعة جداً وسترى إلى أي منحدر قد يصل الإنسان وسترى أيضاً أيّ كائن صبور هو ابن آدم وأي قدرة له على التكيف عندما ترى الشعب العراقي وقد عاش كل هذه السنوات في مثل تلك الأجواء القاتمة الأرهابية.
جمهورية صدام جمهورية داعرة حقاً تبيع
نفسها لمن يدفع الثمن ، هكذا فعلت في حربها مع إيران نيابة عن الغرب وهكذا فعلت عندما حاربت الشعب العراقي نفسه الذي صار أسيراً لديها وعندما جعلت من أفراده عبيداً وخولاً لها نيابة عن الغرب أيضاً كما أن المعسكر الغربي هو الذي جاء بصدام إلى سدة الحكم لحماية مصالحه في هذا البلد البائس الشقيّ. وجمهورية صدام أيضاً شجعت على الدعارة ( بمعناها الأخلاقي الشائع ) وغذّتها وتبنتها كسياية داخلية من أجل تهديم الأخلاق التي بتهديمها سيكون بالأمكان السيطرة على الإنسان بأفراغ ذاته وفكره ومن ثم تحوير ذلك كلّه بما يحلو لهم.
وتبنّت جمهورية صدام الدعارة الأدبية والإعلامية
والصحفية حيث تنفخ أبواق الباطل والدجل بما يحلو لها ولكن كل شيء بثمن ، دولارات نجسات تدخل جيوب
الشعراء والصحفيين والأدباء ، دعارة وعُهر من الطرز الأول.
ولقد ارتعبت الأرض من ملامح وجهه
الكريهة وحلّ الدمار في كل موضع وطئته أقدامه أو أقدام أنصاره وهذه الكويت شاهد حيّ يراه كل إنسان في أقطار الأرض.
٢
ـ حزب البعث العربي الاشتراكي والصراع العراقي السوري
|
«
العصابةُ الكبيرة التابعة لطائفة الصليبيين
سوف
تظهر في العراق [ Mesopotemia ]
الرفاقُ
الأقلُّ الذين عند النهر القريب
سيعتبرون
قانونَهم ( نظامهم ) عدائياً لهم »
الثالث ـ ٦١
|
نبذه عن تأريخ ومنشأ حزب البعث وظهوره
في العراق : ـ
أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية ( ١٩٣٩
ـ ١٩٤٥ ) كانت أجواء المثقفين العرب مشبعة بفكرةِ ضرورةِ تغيير النظام الإجتماعي في العالم العربي على أساس القومية والإشتراكية ، وفي سوريا قام كل من ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار في ضمن آخرين
بتقديم صيغة إيديولوجية لهذه المفاهيم والتي كانت تركز بشكل أساسي على مسألة الخروج عن التيار الإسلامي الذي يسود الحياة في المجتمع العربي وينبع من أعماق ضمير الناس وصاروا يبشرون لذلك في داخل سوريا ولبنان. وقد دخلت الأفكار البعثية إلى العراق حتى قبل الإعلان عن تشكيل الحزب بشكل رسمي في سنة ١٩٤٧ ، ففي سنة ١٩٣٩ تمَّ ضمُّ منطقةِ الإسكندرونة السورية إلى تركيا فهاجر منها جماعةٌ من أهلها إلى العراق وكان هؤلاء جميعاً تقريباً يحملون فكراً قومياً متحمساً وكان بعض منهم على مذهب عفلق والبيطار ، فانضموا إلى مدارس وكليات العراق ، منهم الطلبة ومنهم المدرّسون ، وصاروا يبشرون بدعوتهم في العراق وأهمّ هؤلاء الطلبة كان فيض إسماعيل ( طالب قانون وأكثر الطلبة نشاطاً في العراق وقد عاد إلى سوريا سنة ١٩٥٠ وصار عضواً في حزب البعث وشغل مقعداً وزارياً سنة ١٩٧٣ ) وأحمد مصطفى ( عاد إلى سوريا وعمل في السياسة ) وسليمان العيسى ( عاد إلى سوريا وهو شاعر وأديب ) وزكي الأسوزي ( الذي يرى البعثيون السوريون اليوم أنه هو الذين الهمهم مبادىء حزبهم وأنه هو الذي صاغ إيديولوجية حزب البعث وليس ميشيل عفلق حتى أنهم أقاموا له تمثالاً قرب بيته في دمشق ).
كما نشط في العراق بعثيون آخرون من غير الإسكندرونة ، فمن الأردن جاء عدنان لطفي ويوسف خُريز ومصطفى خصواني ، ومن تونس جاء أبو القاسم محمود كارو ومن السعودية جاء طه علي رشيد ( درس في بغداد وعاد ليعمل في وزارة الخارجية السعودية سنة ١٩٥٢ ). ولم تكن هذه هي القناة الوحيدة لدخول أفكار البعث إلى العراق ولكن كان هناك الطلبة العراقيون الذين ذهبوا إلى سوريا ولبنان للدراسة ومنهم عبدالرحمن الضامن وعبدالرزاق الغريري اللذين حضرا المؤتمر التأسيسي الأول الذي أُعلن فيه عن إنشاء حزب البعث سنة ١٩٤٧ وصارا عضوين فيه وعادا إلى العراق لتشكيل حزب البعث العراقي بصورة رسمية. وقد كان من هؤلاء الطلبه العراقيين الذين انضموا إلى الحزب في الخارج : عزت مصطفى ( درس الطب في جامعة دمشق وشغل منصب وزير صحة في العراق ) وسعاد خليل إسماعيل وسعدون حمادي ( الجامعة الأمريكية في بيروت وشغل الأخير منصب رئيس الوزراء العراقي سنة ١٩٩١ ). وقد بدأ تنظيم خلايا حزب البعث في العراق منذ ذلك الوقت وقد إنضمّ إليهم من الضباط في ذلك الوقت : أحمد حسن البكر ، صالح مهدي عمّاش ، عبدالله سلطان ، فؤاد الركابي ( سعدون غيدان ، حسن النقيب ، حردان التكريتي وآخر انضموا إلى الحزب انضموا إلى الحزب بعد ثورة ١٩٥٨
التي أطاحت بالنظام الملكي ). وقد تسلم هؤلاء جميعاً مناصب رفيعة جداً في الدوله بعد ١٩٦٨ كما تمّت تصفية غالبيتهم العظمى فيما بعد.
ولقد كان دور حزب البعث في وسط العالم
العربي جزءاً من الحملة الصليبية الجديدة التي هي امتداد للحملات الصليبية القديمة ، وهذه الموجة الصليبية الجديدة هدفُها كان بوضوح هو إشغال الناس عن دينهم وإسلامهم ومحوه من قلوبهم ومن ضمائرهم ، وقد أتّخذ الصليبيون الجُدُد لذلك أساليب متعددة تختلف باختلاف المجتمع الإسلامي الذي يعملون فيه ويكيدون ، فواحدهم يخاطب الإيراني بغير ما يخاطب به التركي أو الأندنوسي ويخاطب الأفريفي بإسلوب يختلف عن خطابه للآسيوي. حزب البعث جاء لإلغاء أثر الدين الإسلامي ودوره في حياة المجتمع العربي ، وكانت سياستُه أن لا تُسفِّه الإسلامَ وتُسقِطه في مواجهة مباشرة وحادّة لعقيدته ولكن بأن تدّعي بأن الإسلام هو إفرازُ العروبة في جانبها الإنساني المتمثّل بشخص محمد (ص) وأنه ظرف تأريخي مضى انتهى دوره وأن في استطاعة الأمة العربية أن تُنجبَ محمداً ثانياً وثالثاً وبرسالة جديدة ومتجدّدة في كل عصر وأن محمد هذا العصر هو ميشيل عفلق ورفاقه من أمثال صدام حسين وقد اتخذ هذان الإثنان دور ومهمة الأنبياء والرُسُل بالفعل.
وعلى الرغم من غموض عبارة العروبة وجانبها
الإنساني ، فإن عفلق ورفاقه سلكوا لشرحها ولإثباته مذاهب سريالية ورمزية معقدة تُنبيء عن قلب مريض حقيقة وعن فكر ملتوٍ معوجّ أبعد ما يكون عن العقل الفطري السليم ، ولكنهم مع ذلك جعلوا من أحاديثهم الفارغة تلك قرآناً يجب على كلّ من وقع تحت رحمتهم أن يتلوَهُ آناء الليل وأطراف النهار ، وصار هدفهم أن يجعلوا من إيمان الناس بحزب البعث بديلاً عن إيمانهم بالإسلام.
وقد جاء نوستردامس في نبوءته هذه بالعجب
العُجاب ، لأنه أشار بالعصابة التابعة لطائفة الصليبيين التي ستظهر في العراق إلى حزب البعث العربي الإشتراكي الذي حكم العراق منذ سنة ١٩٦٨ وإلى حد الآن ، وقبلها لحوالي السنة وذلك في سنة ١٩٦٣ ، ولم يكونوا غير عصابة من القتلة واللصوص الذي لم يتركوا حرمة إلا انتهكوها ولا فاحشة إلا وفعلوها. وقد سمّى العراق باسمه اليوناني القديم وهو ( ميزوبوتيميا ) والذي يعني أرض ما بين النهرين.
والنهر القريب هو نهر الفرات ، والرفاق
الذين عنده هم حزب البعث السوري حيث أن الفرات يجري في الأراضي السورية قبل دخوله الأراضي العراقية. وقد أشار
في السطر الرابع بوضوح إلى مسألة الانشقاق الذي حصل في حزب البعث العربي الإشتراكي عندما حاول الزعماء السوريون طرد ميشيل عفلق من القيادة القومية وذلك عندما تبنّى صلاح جديد السوريّ اتجاهاً ماركسياً واضحاً فانقسم البعثيون بين مؤيّد لعفلق ومؤيّد لجديد وصاروا بذلك يميناً ويساراً وصار كل منهما عدواً للآخر.
٣
ـ هجوم الحلفاء ضد صدام
|
«
ملكُ أوروبا سيأتي كالنسر
مصحوباً
بأولئك أَهلَ الشمال
وسوف
يقودُ جيشاً عظيماً من الأحمر والأبيض
وسوف
يذهبون ضدّ ملك [ بابل Babylon ]
العاشر ـ ٨٦
|
[ بابل ] مدينةٌ قديمة تقع في العراق
عند مدينة الحلّة الحالية وحوالي ٩٠ كيلومتراً عن بغداد العاصمة ، وقد أُنشئت بابل في الألف الثالث قبل الميلاد وقامت فيها عدة ممالك على مدى تأريخها السحيق الموغل في القدم ، ومن مشاهير ملوكها الملك البابلي ( نبوخذ نصر ) الذي حارب المصريين على عهد الفراعنة وهزمهم سنة (٦٠٥) قبل الميلاد وأسس إمبراطوريةً إمتدت من العراق
إلى سوريا إلى فلسطين ، وفي هذه الفترة غزا أورشليم ( القدس الحالية ) سنة ( ٥٨٦ ) ق. م ودمّر هيكلها وسوّاها بالأرض وأسَر عظماء اليهود وكبارهم وأخذهم إلى بابل عاصمة ملكه ، وتمّ على عهد دولته بناء الجنائن المعلَّقة التي كانت تعتبر إحدى عجائب الدنيا السبعة في ذلك الوقت.
والملك تبوخذ نصر هذا هو الذي حاول صدام
حسين طاغية العراق الحالي أن يستعير إسمَه أو أن ينسب نفسه إليه بنوع من النسبة فصار يطلق على نفسه مختلف الألقاب « البايلية » ، فهو نبوخذ نصر العراق الجديد وهو سلالة نبوخذ نصر وحفيده المخلص وهو نبوخذ نصر الثاني أو الثالث .. الخ في محاولة لتضخيم حجمِهِ كطاغية صغير ولتكريس صنميَّتِهِ من خلال مثل هذه الأساليب الإعلامية.
ولهذا فيمكن القول بأن صدام حسين هو
بالذات المقصود بعبارة ( ملك بابل ) التي وردت في السطر الأخير وبما لا يقبل الشك.
ولما لم يكن لأوروبا ملكٌ بعينه ، ولما
كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة العسكرية الأعظم في عالم اليوم ( والعظمة لله وحده ) إضافة لما لها من سيطرة ونفوذ خاص على أوروبا ناهيك عن تسلطها
الأهوج على شعوب العالم الأخرى واستكبارها في الأرض بغير الحق فإننا نستطيع أن نجعل تأويل ملك أوروبا على أنه الولايات المتحدة أو رئيسها وبالتالي فإنه جورج بوش بالذات ويكون بذلك هو المقصود بهذه الكلمة.
والشمال لا شك أنه شمال الكرة الأرضية وأهلُه
هم أهل أوروبا وأمريكا الشمالية ، وقد رأينا كيف جاء ( بوش ) بجيش عرمرم من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا ... الخ في تحالف عسكري هائل من حوالي ثلاثين دولة لقتال صدام حسين ، ونُصِرُّ على أنه كان قتالاً ضد صدام لأن الصراع كان شخصياً بين قوى استكبارية تلعب دور شرطة للعالم وترى من حقها أن تنصّب هذا الحاكم أو تعزل ذاك بحسب هواها وبحسب ما تقتضيه مصالحها.
وبين عميل موظفٍ لديها ولكنه تمرد على التعليمات أو أنه يقوم بدوره في لعبة أخرى تنفذها قوى الاستكبار هذه ضد عالم العرب والمسلمين ( ولا تغرنك حفنة صواريخ هي أشبه بلعب الأطفال بمقاييس عالم اليوم سقطت على إسرائيل فإنها قد تكون جزءاً من لعبة تحقيق السلام » في المنطقة ) ، وإلا فأيُّ شأن لصدام بالعراقيين وما شأن العراقيين به !! ، فإن صدام نصفه
أمريكي ونصفه الآخر إنكليزي ولا علاقة له بالعراقيين غير أنه شاء سوء طالع هذا الشعب المظلوم أن يقع تحت رحمته وبتنصيبٍ مباشر من نفس أولئك الذين جيّشوا الجيوش لحربه وليس لأهل العراق ناقةً ولا جمل في الأمر كله ، بل هم الضحية الأولى والأخيرة في ذلك الصراع الدامي الطويل الذي ما فتيء فيه الشعبُ في معسكر والنظامُ الحاكم في معسكر آخر وعلى مدى ٢٤ سنة وحتى يومنا هذا. ومما يثير عجبي هو أن نوستردامس أيضاً يجعل الحرب وكأنها أمرٌ شخصي بين طرفين أو بين شخصين وهما ملك أوروبا وملك بابل.
ولنوستردامس إستدراك في محله على عناصر
ذلك الجيش ، إذ أن ما سيتبادر إلى الذهن هو أنه ملك أوروبا سوف يأتي بجيش من أهلها من ذوي البشرة البيضاء ولكننا نراه يقول بأن ملك أوروبا سيقود جيشاً عظيماً من الأحمر والأبيض ، وهذا هو الذي حصل ، فإن ( جورج بوش ) قد حشد بالفعل جيشاً يزيد على نصف مليون جندي فيهم الأبيض وغير الأبيض من سمر العرب والآسيويين ومن سود أمريكا وأفريقيا.
كذلك فإن لكلمة ( النسر ) موقع خاص هنا
إذا ما لاحظنا ما كان للقوة الجوية الأمريكية والأوروبية من دور
جوهري وحاسم في هذه الحرب ، ولا ننسى أن النسر يكاد أن يكون شعاراً عالمياً للقوة العسكرية.
والطريف في أمر هذه الرباعية من نبوءات نوستردامس أنني وجدت كل من كتب عن نبوءات هذا الرجل وهو يذهب في تأويلها كل مذهب ومن دون أن يخطر على باله أو أن يتجرأ فيقول أن أمراً كهذا الذي شهدناه في تأريخنا المعاصر يمكن له أن يحصل وبالكيفية التي تنبأ بها وصوّرها صاحبنا هذا ، ولكنها حصلت كما رأينا وإلى درجة كبيرة من الصحة ، وهذا مما يزيد في مصداقيته ويجعلنا نعطيه مزيداً من الاعتبار في خصوص ما سيتنبأ به عن مستقبل هذا القرن.
الحرب الباردة
|
«
الآلهة ستُظهِر الأمرَ للناس
وكأنّهم
يدبِّرون لحربٍ عظيمة
قبلَها
السماءُ صافيةٌ من أسلحةِ البر والجو
الضررُ
الأعظمُ سيصيب اليسار »
الأول ـ ٩١
|
الآلهة هم حكام الغرب والشرق ، أو ليسوا
هم الأرباب الذين يقسمون حظوظ الناس من السعادة والشقاء !! فهذا شعب تجوز إبادته حتى ولو كان يتكون من عدة ملايين ولكن من الممكن الاستغناء عنهم ، وهذا شعب يستحقّ العيش المرفَّهَ الناعم ، تلك أمة من الناس تقتضي حاكماً جائراً يأخذهم بألوان الضيم والاستعباد ، وتلك أُمة سنمنحُها الحريةَ والديمقراطية وسنُعطيها حقَّ الإنسان الطبيعي في التفكير الحرّ والتعبير الحرّ. إنهم آلهة من صنف تلك الآلهة التي عرفتها أساطير الأقدمين.
وكلنا يعرف فترة الحرب الباردة بين
المعسكرين
الشرقي والغربي ، أو اليسار واليمين ولم تكن الحرب الباردة غير خطاب مستمر يتوجّه به هؤلاء الحكام إلى الناس يقولون لهم فيه بأن هناك خطرُ حربٍ وشيكة وأننا يجب أن نأخذ حذرنا ونستعد لإحتمال هجوم برّي وبحري وجوي ونووي .. الخ من الجانب الآخر ، هذه كانت دعوى كل من الطرفين الشرقي والغربي وعلى مدى حوالي أربعين سنة وهذا هو المقصود من أن هذه « الآلهة » ستجعل الأمور تبدو للناس وكأنهم يخططون ويدبرون ويتهيؤون لحرب عظمى وقد صدق في ما تنبأ به من أن الدائرة ستدور أول ما تدور على اليسار أو الشرق وقد رأينا بأم أعيننا كيف تداعي الإتحاد السوڤيتي وتهاوى وهو لا يملك حيلة ولا مخرجاً من أزمته هذه وقد كان للضغط الإقتصادي الذي خلّفته فترة الحرب الباردة عليه أثراً مهماً في الوصول إلى هذه النتيجة ، وسنرى في نبوءة تالية أن الغرب سيضعف أيضاً وسوف ينهار وهو أمر غير مستبعد على الإطلاق في ظل المخاضات العالمية الجديدة.

مستقبل
ما برح نوستردامس يكتب تأريخ المستقبل ،
وقد تناولنا إلى حد الآن قسماً مختاراً من نبوءاته التي يبدو فيها وكأنه رأى المستقبل وشاهده عياناً وأتى على ذكرها قبل حصولها بمئات السنين ، ما ذكرناه إلى حد الآن قد صار تأريخاً فمنه ما أكل الدهر على صفحاته وشرب ومنه ما عاصرناه وشاهدناه أو ما زلنا نشاهده.
وهناك قسم آخر من نبوءاته لم تتحقق إلى
حد الآن وهي تخصّ زماناً ما زال مطوّياً عنا خبره ، كما أن منها ـ كما سنرى فيما بعد ـ ما يتحدث عن ظرف تأريخي معاصر ، أي أننا نعيش جزءاً من منطق النبوءة وننتظر تحقق باقي أجزائها.
والملاحظة المهمة التي يجب أن نسجلها
هنا هي أنه إذا ما كان نوستردامس صادقاً في كل هذا العدد من النبوءات فإن الجدير بنا أن نأخذ كلامه بشيء من الأعتبار
عندما يتطرق فيه إلى حديث المستقبل الذي ينتظر جيلنا هذا لأنه قد يحتمل الصدق والتحقق.
صدام حسين
|
«
صدّام سوف يموت بعدها
وسيأتي
دمارٌ رهيب يصيب الناس والحيوانات
فجأة
سوف يظهر الثأر ويحلّ
مائة
يد ، عطش وجوع ، عندما يمرّ المذنَّب »
الثاني ـ ٦٢
|
في موضع كلمة [ صدام ] جاء في الأصل
كلمة [ Mabus ] وهي كلمة جاءت إشارة إلى إسم علم ولكنها لا تعني شيئاً مطلقاً لا لغوياً ولا غيره ، إلا إذا قلبنا الكلمة قلباً تامّاً من ناحية ترتيب حروفها لكي تصير [ Subam ] أو صدام ولكن باختلاف حرف واحد هو ( b
) بدل ( d ) والذي هو عكسه تماماً. وهو أسلوب استعمله نوستردامس في مواضع عديدة من نبوءاته وذلك إمعاناً في التعمية على أغلب الظن من أجل أن تبقى مثل هذه
البرقيات التي يرسلها من تلك الأزمنة السحيقة في قدمها ، أن تبقى في طيّ الكتمان حتى يحين حينها وتنكشف لأهل زمانها ، وإيراده لهذا الإسم في ضمن الظروف التي يذكرها في رباعيته هذه هو في الواقع من غرائب نوستردامس في أن تكون لديه هذه القدرة على تسلم مثل هذه الرؤى والرسائل من المستقبل وبهذه الصورة العجيبة للغاية.
وصدام حسين يعرفه الجميع وهو اليوم على
كل لسان في الشرق والغرب ، عند العرب وعند العجم ، عند المسلمين وعند الكافرين ، إذن فهو كبقية مخلوقات الله له أجل موعود ، وليس هذا كشفاً بحد ذاته ولكن ما سيحلّ بعده هو الجدير بالنظر ، دمارٌ ورعب وهول ، وسوف يسود الثأر ويحلّ الانتقام.
وأيّ ثأر وأيّ انتقام !! إنه ثأر الشعب
العراقي من جلاّديه وسالبي نعمته وأمنه وقاتلي أبنائه ومشرديهم. وهو انتقامهم من الطواغيت الكبار الذين أشرفوا على عملية التّدمير والأبادة الجماعية لهذا البلد المنكوب بنفطه وثرواته الطبيعية والحضارية وبقدراته البشرية والاستراتيجية.
لقد واجه صدام حسين قوات الحلفاء بإسم الشعب العراقي وبأسم المحرومين والمستضعفين من
أبناء العالم الإسلامي ودارت حربٌ على الأثير تلفزيونياً وإذاعياً بين الجانبين ، وإذا به يبرز أمام جماهير البؤساء بطلاً عبقرياً جادّت به رحم الزمان في ساعة عسرة وحرج ، أنه بطل أحلامهم الذي تحدّى إسرائيل ووقف بوجه أمريكا ، حتى إذا جدّ الجدّ وآ أوان الضربة القاتلة في نحر المستكبرين والتي كان يمنّيهم بها وكانوا يتوقّعونها منه إذا بالبطل ينسحب فجأة ويجعل البلد عُرضةً لدمارٍ شامل عمّ كل شيء ، وإذا به يرضى بكل شروط الحلفاء ويوقّع موافقاً على كل مطاليبهم وبذُل وخنوع غريبين جداً.
وبعد هزيمة جيشه المخزية تلك أحسّ الشعب
العراقي المكبوت بضعف النظام القمعي ووجد الناس والأهالي بأن الرياح تجري معهم فثاورا ضدّ جزّارهم وثاروا للثأر من هذا النظام الصليبيّ الطاغوتيّ الذي أذاقهم المرّ والهوان وسلبهم نعمة الحياة الإنسانية الكريمة ، وذلك عندما سحب العالمُ إعترافه بهذا النظام ولو ظاهرياً وسحب مساعداته عنه ولو مؤقتاً ، وتركه لوحده في مواجهة أمام إرادة الشعب وأختياره ، وهو الأمر الذي كان أبناؤه يحملون بحصوله في يوم من الأيام ليأخذوا بزمام الأمور بأيديهم ، وإذا بقوات جيش صدام التي لم نسمع بأنها قد اشتبكت في أية معركة مهمّة ضدّ
الأمريكان وحلفائهم تنشط من عُقال فتُهيّء وتستعدّ لمهاجمة المدن العراقية الآهلة بالسكان ، وإذا بنا نراها وهي ترسم الخطط وتتقدم وفق محاور وخطط عسكريّة فنّية لمهاجمة أبناء العراق من سكان هذه المدن وبمختلف أنواع الأسلحة من دبابات ومدفعية ميدان وصواريخ أرض ـ أرض وطائرات هليكوبتر وغيرها فدمرّوا مدناً بكاملها وقتلوا عشرات الآلاف من الأهالي وأسروا منهم آلافاً ، وكان مصير غالبية الأسرى هو القتل أما بالرصاص أو شنقاً أو بأحراقهم جماعياً بالبنزين في داخل الغرف والقاعات أو بالقائهم من شاهق من طائرات الهلكوبتر ، إنها حرب بكامل صورها وأبعادها شنّها صدام حسين ضدّ شعب العراق ومدنه. وتحوّلت الأزمة الخليجية من مشكلة إحتلال الكويت إلى مشكلة لاجئين عراقيين.فأي ثأر وأيّ انتقام سيظهر إذا ما تهاوى النظام بموت رأسه ؟!! إنّها مائة يد ، إنّها مائة ضربةٍ بكلّ ضربة سلفت ، إنها مائة بركان متفجّر.
أما الجوع والعطش التي يتنبأ بها
نوستردامس لأهل هذا البلد فهي واقع مشهود اليوم في العراق وقد بلغ هذا الأمر إلى درجة مأساوية حقاً وقد يستمر ذلك إلى وقت لا يُعرف مداه إلا الله ؟!!.
المذنَّب المذكور هو مذنّب [ هالي Haley ] الذي
مرّ بالقرب من الكرة الأرضية وبشكل واضح سنة ١٩٨٦ ولعلك تشاركني الرأي بأن نوستردامس قد أصاب الفترة الزمنية بدقة لا بأس بها عندما نضع في حسابنا أنه كتب هذه النبوءة منذ أكثر من أربعة قرون في سنة ١٥٥٥ إذ تضمنها الجزء الأول من كتابه هذا في النبوءات ( القرون ) والذي صدر في فرنسا في التأريخ المذكور.
طاغية يقضى عليه
|
«
الطاغيةُ سوف يُحكَمُ عليه بالموت في ميناء إسلاميّ
ولكن
ذلك سوف لن يسترجع الحرية
حرب
جديدة سوف تندلع بسبب الضغينة والثأر
الجمهورية
الفرنسية ستقبض رعباً بواسطة القوة »
الأول ـ ٩٤
|
كلمة ( إسلامي ) في السطر الأول جاءت في
النص الأصلي بعبارة ( Selin
) وهي كلمة يونانية تعني ( الهلال ) ، وهو تعبير تردد في عدة مواضع لدى نوستردامس للإشارة إلى الإسلام أو إلى المسلمين ، والهلال شعار معروف لهم لدى الغريبيين بصورة عامة.
واعتقد أن لهذه النبوءة صلةٌ وثيقة
بالنبوءة التي سبقتها والتي تحدثت عن صدام بالإسم ، وكأن هذه تشير
إلى صدام حسين مرة ثانية ، وكأني بنوستردامس يعني بالميناء إمارة الكويت بالذات ، فبعد أن تمّت حرب الحلفاء بقيادة أمريكا ضدّ صدام تعالت الصيحات في كل أرجاء العالم بضرورة إزالة هذا الطاغية ومحاكمته أو حتى اغتياله على يد المخابرات السّرية ، لقد أصبحت الحالة بمثابة إصدار حكم بأعدامه ولعل هذا هو المقصود بالسطر الأول. ولكن وكما هو المتوقع فأن هلاك هذا الطاغية أو غيره من الطواغيت الصغار سوف لن يكون إيذاناً بالحرية وبالانعتاق لأهل العراق أو لغيرهم من شعوب دول العالم المستضعَف ، وذلك أن المشكلة لا تقوم ولا تقف عند حدّ هؤلاء الجلاّدين الصغار ، ولكن مشكلتنا الحقيقية هي في من يقف وراءهم من الطواغيت الكبار في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وأمثالها ، وسوف لن نجد طعم الحرية والأمان والكرامة في أوطاننا إلا بأنهيار وموت قلب الطغيان والاستكبار في العالم الذي يضخّ السموم والشقاء والحرمان في كل أرجاء الأرض من خلال شرايينه ( الأنظمة السياسية والاقتصادية والأمنية والإعلامية .. الخ ) التي يقوم بها كيانه البشع ، القلب الذي يغذّي ويُديم وجود هؤلاء الجلادين الصغار من أمثال صدام حسين.
فإذا كان المقام في هذه النبوءة مقاماً
عراقياً وفي
شأنٍ عراقي فإن نوستردامس هنا ينتبأ بحربٍ جديدة باعثُها الأساس هو الضغائن التي تركتها حرب الخليج التي لم تكن حرباً عادية مطلقاً لأنها حرب من جانب واحد بدل أن تكون حرباً بين جيشين أو بين قوتين ، إنها عاصفة من القنابل والصواريخ والقذائف من كل لون وصنف هبّت على العراق من قبل قوات الحلفاء وعلى رأسهم أمريكا لتحيل العراق إلى ركام وخرائب وأشلاء من القتلى من رجال وأطفال ومن شباب وعجائز والغريب فيها أن الحلفاء الأجانب قَدِموا في الموجة الأولى ثم قالوا انتهينا وانتهى دورنا لتبدأ موجة الخراب الثانية والتي قادها هذه المرة النظام الطاغوتي القائم في العراق ليتمّم عمل قوات الحلفاء وليدمر ما تبقى وليتمّم هزيمة هذا الشعب المنكوب الأسير. والباعث اللآخر هو الثأر. وأي ثأر !! إنه جمر يتلظى في القلوب.
أما فرنسا التي قدمت لنا ميشيل عفلق وبقية
جوقته والتي لعبت أهم دور في دعم صدام وإسناد نظامه الطاغوتي فستقبض الثمن ولكنه لن يكون غير الرعب والخوف. هكذا تقول هذه الرباعية وما علينا إلا الانتظار لنرى حكم الله تعالى.
ضد المسيح Autichrist ( المسيح الدجال )
|
«
المسيحُ الدجّال سوف يُبيد الثلاثة عاجلاً
حربُه
سوف تدوم سبعة وعشرون عاماً
يقتل
من ينشق على عقيدته ، يسجنه ، ينفيه
دماء
من الاشلاء تصبغ الماء ، الأرض مثقَّبة بالضربات »
الثامن ـ ٧٧
|
إن عبارة المسيح الدجال أو ضد المسيح ( Autichrist ) تعني ذلك الذي يُنكِر أو يعارض السيد المسيح (ع) وقد جاءت بهذا المعنى في رسائل يوحنا وإنجيل متى ، أما في كتاب ( النبوءات ) من العهد القديم فقد جاءت بمعنى [ الوحش Beast
]. وقد كانت هذه العبارة تطلق على الإمبراطور الروماني نيرو الذي بالغ في محاربة المسيحية في وقته ، ثم صارت بعد ذلك تهمةً يَرمي بها بعضُ الساسة أو بعضُ رجال الكنيسة بعضَهم الآخر وصارت في نهاية عهد الإصلاح وذلك نهاية القرن
الخامس عشر هي التهمة الموجَّهة إلى البابا رئيس الكنيسة الكاثوليكية بهدف تسقيطه والتقليل من شأنه ولأمور أخرى. وعلى زمن نوستردامس أصبح معناها فيما يبدو هو ذاك الذي سيدمّر الكنيسة الكاثوليكية أو يحاول أن يقضي على سلطتها.
والثلاثة التي سيبيدها هي على أغلب الظن
ثلاثة أقطار أو ثلاث دول ، وهو ما يتناسب مع مستوى الدمار الذي سيُحلقه هذا الشخص بالعالم. وعبارة ( من ينشقّ على عقيدته ) هي في الأصل كلمة ( Heretique ) وهي تعني المهرطِق ( من الهرطَقَة ) أو ذاك الذي ينشق على عقيدة سائدة ، وبشيء من التوسّع فإنها سوف تعطي المعنى الذي أوردناه فتكون بمعنى من يُبدي رأياً مخالفاً لا يرضاه هذا المسيح الدجال.
أما الثقوب التي تصيب ظاهر الأرض فلا
أراها إلا إشارة صريحة إلى القنابل والصواريخ التي يتّضح لكل من رأى أثار ضرباتها وخصوصاً عندما يكون ذلك بكثافة شديدة كيف أنها تترك الأرض مثقَّبة كالغربال ، وإشارتُه هذه تجعلك تتصور الرجل وكأنه جالس في مقعد على متن طائرة تحلق عالياً في الفضاء وتشرف على ما تحتها من آثار الدمار الذي خلّفته المعارك وصاحبنا يرى ويسجّل ذلك يراه بدقّة لا يدرك مغزاها إلا ابن
زماننا هذا.
إن هذا المسيح الدجال سوف يشنّ حروباً
متتاليه تدوم لمدة سبعة وعشرين عاماً وهو لا يعرف غير القتل والسجن والنفي لكل من يُبدي رأياً مخالفاً لرأيه أو يحكم بما لا يرضاه ولا يُخلّف غير الأشلاء فوقها أشلاء فوقها أشلاء ، ظلماتٌ بعضُها فوقَ بعض ، الدماءُ تجري حتى إنها لتصبغُ الماءَ بلونها الأحمر ، قذائفُ وقنابل وصواريخ تتساقط وتجعل سطح الأرض مثقَّباً كأنَّه غربال !! ولكن من يكون هذا ؟ من تحتمل أنه يعني بذلك ؟!.
إنه يعود إلى ذكر هذا المسيح الدجّال أو
ضدّ المسيح في رباعية أخرى من فصل ( قرن ) آخر من فصول كتابه ، فهو يقول :
|
«
رئيسُ لندن تسنُده قوةُ أمريكا
عندما
يُحيل البردُ منطقة إسكتلنده إلى جمادٍ كالحجر
زعيمُ
الحُمُر سيكون عنده مسيحٌ دجّال
مرعبٌ
إلى درجة وسوف يجرّ الجميع إلى المشاكل »
العاشر ـ ٦٦
|
رئيس لندن لا شك وأنه رئيس وزراء
بريطانيا.
ولقد نصّ نوستردامس على إسم أمريكا بالحرف ، ولم يكتفَ بأن يقرنَها ببريطانيا وحسب ولكنه جعل لها قوة يحتاج إليها رئيس الوزراء البريطاني لدعمه وإسناده ، وأرى أن هذا أمر مدهش للغاية أن يتنبّأ هذا الرجل بالدور الخطير الذي ستلعبه أمريكا في مستقبل الزمن وبالصورة التي نعرفها اليوم في وقت لم تكن فيه أمريكا شيءٌ يُذكر على عهده ، بل مجرد أرض لم يسمع بإسمها الكثيرون ، بل إن أوّل مستوطنة أُقيمت فيما عُرف فيما بعد بالولايات المتحدة الأمريكية كان سنة ١٦٠٦ في منطقة فرجينيا على يد شركة تجارية إنكليزية وبتخويل من لَدُن الملك جيمس الأول الإنكليزي ، أي بعد وفاة نوستردامس بسنوات طويلة.
وزعيم الحمر لا شك أنه رئيس الإتحاد
السوڤيتي ، ونحن نرى هنا في هذه الرباعية بأن المسيح الدجّال مرتبط بنوع من الإرتباط بالإتحاد السوڤيتي وبيدو أن هناك نوع من الإلتزام الذي يفرض على حكومة الحمر القيام بدعم هذا الشخص أو مداراته ونصرته.
هذه النبوءة إذن تعطينا صورة عن مشهد
تأريخي مما سيأتي به المستقبل ومركز الحوادث فيها وقطب رحاها هو هذا المسيح الدجّال الذي يصفه بأنه مرعب للغاية وبأنه هو الذي سيجرّ جميعَ الأطراف المشتركة في
المتاعب والمشاكل. وهذه الأطراف الثلاثة التي تلعب الأدوار الرئيسية في هذا الظرف هي بريطانيا وأمريكا والإتحاد السوڤيتي ( أو روسيا ) ، كما نلاحظ وهو يعطي رئيس الوزراء البريطاني دورَ المباردرة والتقدّم الفعلي في المشاركة وتقوم أمريكا بدعمه وإسناده ونصرته.
ولا يخلو هذا المشهد من توقيت من نوع ما
وذلك عندما نراه يذكر في السطر الثاني أن هذه الوقائع ستحدث عندما تأتي موجة من البرد القارص الذي سيضرب شمال الجزر البريطانية في منطقة اسكتلندا فيُحيلها إلى جليد كالحجر.
ويعود نوستردامس في رباعية أخرى من
القرن التاسع إلى ذكر الدجّال ولكنّه يصفه هنا بأنه ناقص ولا يسميه بالمسيح الدجّال حيث يقول فيها :
|
«
الدجّالُ الناقص يصلُ إلى قمة قوته عاجلاً مسبباً نكسة لأهل [ لورين Lorraine ]
الحمر
سوف يضعفون في مرحلة إنتظار الملك الجديد
ومرة
أخرى فإنهم المسلمون الذين يجب خشيتهم »
التاسع ـ ٥٠
|
[ لورين Lorraine ] هو إسم منطقة تقع شمال شرق فرنسا على حدودها مع ألمانيا الغربية وهي بذلك إشارة إلى فرنسا وإلى أهلها. ونفس هذا الإسم يطلق على مدينتين أخريين الأولى تقع في الولايات المتحدة ( ولاية كنساس ) والثانية تقع في كونيزلاند. ولكنه يشير إلى الأولى على أغلب الظن لأسباب ذكرت سابقاً.
والحمر هم الشيوعيون. أما كلمة ( المسلمون
) فقد جاءت في النص الأصلي بعبارة [ البرابرة Barbaris ] وهم سكان الساحل البربري الواقع شمال أفريقيا وهي إشارة إلى المسلمين عموماً على أقوى الإحتمالات كما أنها قد تحتمل الإشارة إلى سكان ذلك الساحل بالذات وحسب ولكننا رجحنا ترجمتها إلى كلمة ( المسلمين ) لما لاحظناه من خطة نوستردامس العامة في رمزه وإشارته إلى المناطق الجغرافيه وإلى طوائف المختلفة.
ولنفس الأسباب فإن النكسة المشار إليها
قد لا تختصّ بأهل فرنسا وحسب ولكن وقد يكون المقصود بها أنها ستصيب الجانب الفرنسي بكل متعلقاته من أحلاف ومعاهدات سياسية وعسكرية من قبيل حلف الناتو الذي تشكل فرنسا إحدى عضواته.
وواضح أن لهذه الرباعية صلة بسابقتها وهي
تضيف بعداً جديداً لطبيعة هذا الظرف التأريخي الذي
نحن بصدده ، فهذا الشخص الذي يصفه بأنه ناقص وبأنه دجّال سيصل إلى ذروةٍ من قوته وأنه بذلك سوف يسبب نكسة للمعسكر الغربي ، وهي نكسة لا نعرف طبيعتها أو حقيقةَ أبعادِهما ولكنها لن تكون في صالح المعسكر الشيوعي إذ أن هؤلاء سيصيبهم الضعف بدورهم ، وذلك كله سيكون في ال [ Interrgnum
] ، وهي التعبير الذي جاء في السطر الثالث في النص الأصلي وترجمناها بعبارة [ مرحلة إنتظار الملك الجديد ] إذ أنها كلمة تعني الفترة التي تلي موتَ ملك أو رئيسَ دولة حيث لم يتمّ بعد تعين ملك جديد أو جلوسه على العرش حيث تحصل حالة فيها نوع من تعليق الأحكام أو ضعف العمل بها ، وهي الكلمة التي وردت في الأصل. وهذا إشارة إلى أن العالم سيكون في هذا الظرف في انتظار حاكم جديد ، ملك جديد ، سلطة جديدة أو نظام جديد أما من يكون هذا الملك وما طبيعة هذه السلطة التي سوف يمارسها فإني أراه يشير إليها في السطر الأخير عندما يقول بأن المسلمين ومرة أخرى هم الذين تجب خشيتهم والحذر منهم ، وكأنه يقول بذلك إن القوة ستكون لهم بعئذ وأن الحاكم المنتظر سيكون من هذه الطائفة من الناس وأن الصراعات العالمية سوف تؤدي في نهاية المطاف إلى أن يكونوا هم أولياء الأمور.
ولكن من هو هذا المسيح الدجّال الناقص
الذي سيكون قطب الرحا في هذه الصراعات والخلافات العالمية !!
إننا ومن خلال الظرف التأريخي المعاصر
نستطيع أن نضع إصبعنا عليه ونقول بأنه صدام حسين حاكم العراق كما نستطيع أن نقول بأن هذه نبوءات تخص عصرنا الحاضر. فالمسيح الدجّال الذي ذكره نوستردامس هو صدام حسين ، نعرف ذلك من خلال دراستنا للظرف التأريخي الذي نعيشه اليوم فإنه نصدُقُ عليه مقولة أنه يقتل كل من يبدي رأياً مخالفاً أو يسجنه أو ينفيه وواقع العراقيين اليوم يشهد بذلك ، وله معاهدة صداقة ودفاع مشترك مع الأتحاد السوڤيتي سابقاً ، وهو ما أُشير إليه بكونه موجود لدى الحمر فهناك التزام روسيّ بحمايته ، وهو الذي يترك ركاماً من الأشلاء حيثما حلّ ونزل بوجوده المشؤوم وتشهد بذلك مئات الآلاف من الجثث في داخل العراق وإيران والكويت ، أما الأرض التي هي كالغربال من أثر سقوط القنابل والصواريخ فهي أرض العراق من شماله إلى جنوبه بعد أن سقطت عليها ملايين الأطنان من قنابل الطائرات الأمريكية والبريطانية وغيرها ولعل الأرض ستشهد منها المزيد. وقد مضى عليه في السلطة قرابة أربع وعشرين عاماً كانت كلها حرباً على
شعب العراق بكامله من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه وكان منها ثماني سنوات حرب ضد إيران وحوالي سبعة أشهر حرب على أهل الكويت ويبدو إذا ما صحت هذه النبوءة أننا سنرى منه المزيد لسنوات أخرى قادمة.
أما الثلاثه التي يبيدها فقد تحقق منها
اثنان وهما الكويت والعراق وقد يمكن أن نضيف إليها إيران أو بعض أقاليم إيران مثل غرب وجنوب إيران إذا فسرنا الثلاثه على أنها دول ، وقد تكون إشارة إلى مدن فتكون بذلك مدن المحمرة الإيرانية والكويت والبصرة على سبيل المثال ، وقد نرى في المستقبل تفسيراً آخر لها.
وبالنسبة للشيوعيين فقد رأينا ضعفهم
واضحاً جلياً ومن ثم انهيارهم وزوال دولتهم في روسيا. ولعلنا سنرى المزيد ، والبشارة أننا سنرى المعسكر الغربي وهو ينتكس نكسة يكون فيها خلاص كل المستضعفين في العالم وتحررهم ، أي أننا نعيش اليوم مرحلةَ إنتظار نرى فيها القوانين والأنظمة التي سادت العالم لحقبة طويلة من الزمن وهي تضعف وتتلاشى شيئاً فشيئاً ليبزُغَ بعدها فجرُ عالم جديد وأنّ شمسَه سوف تطلع من بين المسلمين ، وتشمّ رائحة عدم الارتياح والقلق من جانب نوستردامس وهو يقول لك ذلك ولكنه يقول لك هنا ـ كما سيقوله لك فيما بعد وكما سنراه من رباعياته التالية بعونه تعالى ـ بأنه
أمر رآه وأنه سيحصل على رغم أنوف الجميع.
إذن فنحن نستطيع أن نقول بأن هذه
النبوءات الخاصة بالمسيح الدجّال إنما تتحدث عن ظرف تأريخي معاصر نعيشه اليوم وسوف نرى له تتمَّةً فيما يلي من عصرنا هذا.
ولسوف نتناول في هذه المرحلة من الكتاب رباعيات من كتاب نوستردامس ضمَّنها تنبؤاته مما يتصل بعصرنا هذا وما سوف يليه.
النظام المالي والتضخم
|
«
ما يُمثّلُ الذهبَ والفضةَ ، ضحايا للتضخّم
بعد
سرقة الرخاء سيُرمى بها في النار
مُنهكَةً
ومضطربةً بالديُون العامة
الطاحونة
تنزع اللُّب من النقد والسندات »
الثامن ـ ٢٨
|
أولاً مسألة [ ما يمثل الذهب والفضة ] ،
فالعبارة اللاتينية التي استعملها نوستردامس وجاء بها قبل كلمة الذهب والفضة هي [ Simulachres
] وهي تعني الصورة أو النسخة أو المُمثِّل لشيء ما ، وتصير العبارة بذلك هي على ما ورد ذكره في ترجمة النص أي ما يمثل الذهب والفضة. وهي رؤية عجيبة للمستقبل حيث أنها تعني الأوراق النقدية المتداولة في يومنا هذا والتي لم تكن معروفة على زمن نوستردامس وإنما كان التعامل يتمّ على عهده باستعمال قطع النقود من مسكوكات الذهب والفضة وغيرها.
ولبيان معنى كون الأوراق النقدية التي
نستعملها اليوم إنها تمثيل للذهب والفضة فإننا نحتاج إلى التوضيح التالي : فنحن نتداول هذه الأوراق النقدية بيننا بيعاً وشراءاً ونستعملها لتحصيل مختلف المنافع والمصالح ، فمن أين صارت لها قيمتها ولماذا صارت مقياساً لقيمة السلع والبضائع على اختلاف أنواعها وثمناً ندفعه لمختلف الخدمات .. الخ ؟ الواقع هو أن الأوراق النقدية إنما اكتسبت قيمتها المالية من كون أنها تمثّل مقداراً معيناً من معدن الذهب ينبغي أن يكون مُودَعاً في المصرف المركزي ، وهذا الرصيد من الذهب هو الذي يجعل للورقة النقدية قيمة ، ولكن مع ملاحظة مسألة مهمة وهي أن ما هو مودَعٌ فعلياً في المصرف من معدن الذهب ليس إلاّ جزءٌ من المقدار الحقيقي المحدَّد لتلك العملة أو لتلك الورقة النقدية ( مثلاً عشرة بالمائة فقط من قيمتها من الذهب ) وأما ما تبقّى من مقدار الذهب فإنه غير موجود كرصيد فعليّ في المصرف ومع ذلك فإننا نستعمل تلك الأوراق النقدية « وكأنها » تمثّل بالفعل رصيدَها المُفتَرض من الذهب مستودَعاً في المصرف المركزي. فمن أين اكتسبت النقود بقيةَ قيمتها الحقيقية ؟ الواقع أن ما تبقّى من القيمة الحقيقية للنقود هو عبارة عن ثقة الناس والمؤسسات المختلفة بالدولة التي أصدرت تلك العملة وعبارة عن إطمئنان إلى قدرتها على تسديدِ
كامل كمية الذهب التي تمثّلها وتعادلها ، الأمر الذي يجعل من هذه الأوراق النقدية بمثابة التعهّد أو الضمان الذي يقدّمه المصرف المركزي في تلك الدولة لحامل تلك الورقة بتسديد ما يعادل قيمتَها أو ما يمثّلها من الذهب. وتقوم هذه الثقة على أساس القدرة الصناعية والانتاجية للدول المختلفة وقدرتها على تحصيل الثروات أو مدى استقرارها السياسي والاقتصادي وغير ذلك من عوامل.
هذا هو النظام النقدي السائد في عالم
اليوم وهذا هو الذي يمثل الذهب والفضة. وهو أمر يصدق بالذات على العملات الصعبة كالدولار الأمريكي والمارك الألماني والباوند الأنكليزي وأما بقية دول العالم وخاصة الثالث منها فإن قوتها النقدية تعتمد على خزينها من هذه العملات الصعبة أو خليط من الذهب ومن العملات الصعبة.
وقد رأى نوستردامس أن هذه الأوراق
النقدية ستكون ضحية للتضخم وهي رؤية صادقة تماماً وهو أمر لا يخفى على أحد اليوم كما لا يخفى أن التضخم ينتقل من سيء إلى أسوأ وأنه آفة اليوم التي تعصف بكل شيء ولا تنفع معها حيلة مطلقاً. الضخم والديون العامة ستكون كالطاحونة التي تنتزع اللّب من هذه النقود ومن
السندات بمعنى أنها ستفقد العناصر التي تجعل لها قيم وأنها سوف تستحيل إلى مجرد أوراق ، وهو يتضمن أيضاً إشارة إلى معنى تخفيض قيمتها الحقيقية ( Devaluation ).
وهناك إشارة قوية إلى أن هذا النظام
سيخلق رخاءاً ورفاهاً ولكن هذا الرخاء سوف يُسرَق فيتكدّس الثراء في بعض الأيدي وتُحرَم منه أكثر الأيدي وسيؤول الأمر إلى أن يُلقى بهذه الأوراق في النار بعد أن يأتي يوم تفقد فيه هذه الأوراق قيمتها سواء في ذلك دولارها أو ماركها أو غيرها. ولا بد لنا هنا من وقفة ، إذ كيف يمكننا أن نتصور أن يفقد الدولار الأمريكي مثلاً قيمته فلا يعود أثمن من الورقة التي طُبع عليها ؟ الجواب يكمن في ما سبق أن ذكرناه حول مصدر القيمة في الأوراق النقدية وأن مقداراً خطيراً من ذلك إنما هو عبارة عن ثقة ، وهو أكثر عناصر قيمة العملة عرضة للإهتزاز والسقوط ، هنا يقع مقتل العملات النقدية ومن هنا ستؤتى.
ومسألة الثقة بالدولة التي تُصدرُ
العملة له علاقة وثيقة جداً بأحداث العالم وأوضاع السياسة واستقرار الأنظمة ، فعلى سبيل المثال إذا ما رضي المسلمون بالخنوع وبالذل وبالعبودية فسيبقى الدولار الأمريكي قوياً منيعاً وسيبقى المسلمون يدورون في فلكه لأن رفاههم
الرخيص سوف يقتضي ذلك من أجل أن يعيشوا ما يتصورونه دنيا وما هي إلا مسخٌ من الدنيا أو نسخة زائفة ومشوّهة منها ، وأما إذا ما أرادوا العزة والحياة الحقيقية والدنيا الحقيقية واختاروا أن يكونوا سادة لا عبيداً فسيسقط الدولار الأمريكي في مستنقع لا مخلص له منه وسيكون لعبةً سهلة بأيديهم.
ونوستردامس يتنبأ هنا بحالة من الفوضى
الأقتصادية العالمية سوف تجتاح العالم كجزء من حالة الأنهيار الذي سيصيب المعسكر الغربي أو كعنصر أساس في تسبيب ذلك وهي الحالة التي يذكرها في رباعية أخرى سنأتي عليها يقول فيها بأن الغرب كالشرق سوف يضعف وبأنهما كلاهما سوف يسقطان من خلال العَوَز ( القرن الثامن ـ ٥٩ ) ، وذلك في جملة أخرى من النبوءات التي يتوقع منها للغرب سقوطه وانهياره.
وله رباعية أخرى في القرن الثالث تبدو وكأنها
تتمّة لهذه أو توسُّعُ فيها ، وهي تقول :
|
«
الملوكُ والأمراءُ سيختلفون نسخَ زائفة
عرّافون
سيأتون بنوءات فارغة
سيذهب
الصفاءُ ضحيةً وسيتبعهُ العنف
النبوءات
سوف يتم تفسيرها »
الثالث ـ ٢٦
|
وهذه النسخ الزائفة قد تعني الأوراق
النقدية مرة ثانية ولكنها هنا يبدو وكأنها تطبع بدون تغطية مناسبة من رصيد الذهب أما نتيجة لإفلاس الدول أو نتيجة للزيف الذي يعم كل شيء ، والملوك ولأمراء هو إشارة بالطبع إلى رؤساء الدول وكبار معاونيهم. أما هولاء العرافين أو المتكهنين فما هو إلا السّاسة وخبراء الاقتصاد الذين يرشقونك ليل نهار بوابل تنبوءاتهم عن مستقبل الاقتصاد وعن الرفاه والعدل الذي سيأتي به الغد والتي نادراً ما يصيبون فيها ناهيك عن مدى عنايتهم بمحتواها وبصدقها. ويرى بأن هذا هو موعد زوال الرفاه والصفاء الذي يخيمّ على سماء عالم هؤلاء وإن هناك عنفاً وشدة سوف تتبع.
وكأني به يشير في السطر الأخير إلى أن
تنبوءاته حول مستقبل هذا القرن سوف يتم فهمها عند تحقق هذا الذي يذكره أي أن هذه الفترة من التأريخ التي يصفها هنا ستحمل معها تفسيرات نبوءاته التي سيلي ذكرها في هذا الكتاب فيما بعد إنشاء الله تعالى.
كما وله رباعية أخرى في موضع آخر تتعلق بالموضوع بنوع من التعلُّق تقول :
|
«
عندئذ بعد كسوف المعدنين اللامعين
الذي
سيظهر بين أبريل ومارس
|
|
آه
أي حرمان ، ولكنّ اثنين من أصل كريم
سيأتيان
بالنجدة بالبرّ وبالبحر »
الثالث ـ ٥
|
والمعدان اللامعان هما بلا شك الذهب والفضة
، ولعله يعني بالكسوف الذي سيحل بهما هو نقصانهما أو استحواذ فئة محدودة عليهما بحيث يغيبان عن تداول أكثرية الناس فيكون ذلك لهما مثل كسوف الشمس. وإبريل ( نيسان ) هو بداية السنة المالية في العصور الحديثة وكما ترى فإنه أصاب قوية في ربطه للمال بهذا الشهر من السنة.
إذن فهذه نبوءة أخرى عن المستقبل
الأقتصادي للعالم يمكن ربطه بما مضى وهي صورة قاتمة عن العوز والحرمان.
ولا أعرف تفسيراً لهذين الإثنين من
الأصل الكريم ولعلها مما ستكشف عنها الأيام فيما يأتي به المستقبل.
اقتصاد اللصوص
|
«
الاقتصاد في تدهور ، بؤسٌ عظيم
يصيب
الغربَ ومنطقة [ ميلان ]
نارٌ
في السفينة ، وباءٌ وأسر
تجارةٌ
ولصوصية في [ موناكو ] تُدمّر رخاءَها »
الثاني ـ ٦٥
|
[ ميلان Milan ] هي ثاني أكبر مدن إيطاليا وتقع في وسط السهول الشمالية وعلى بعد ٧٥ ميلاً شمال ميناء جنوا. وتقع عندها مجموعة من الأنفاق التي تربط إيطاليا ببقية أنحاء أوروبا. وهي مدينة ذات تأريخ عريق وكانت مركزاً فنياً وعلمياً وأدبياً لفترة طويلة كما وتوالى على حكمها عدد من الشعوب حتى سنة ١٨٥٩ حيث دخلت في الوحدة الإطالية تحت لواء [ فكتور إيمانويل ] أول ملك على إيطاليا الموحّدة.
موناكو هي تلك الإمارة الصغيرة الواقعة
على الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط ، وعاصمتُها
تُعرف باسم موناكو أيضاً. ويوجد في القاطع الشمالي الشرقي منها المنتج المشهور [ مونتي كارلو ] المعروف بموائد القمار العامرة وبالفنادق والمنتزهات الراقية جداً.
ونرى هنا نبوءةً بفاجعةٍ اقتصادية
مدمّرة تصيب الغرب بصورة عامة وتصيب إيطاليا بشكل خاص ، كما أن إيطاليا قد لا تكون غير إشارة إلى ما حولها من مناطق أوروبية.
أما النار التي في السفينة فإنها تحتمل
عدة تأويلات : الأولى ، أنها إشارة إلى حادثة بعينها ، أي حادثةَ إحتراقِ سفينة ، من قبيل تلك النار التي شبّت في ناقلة نفط في النصف الأول من شهر نيسان ( إبريل ) ١٩٩١ جنوب ساحل جنوا في مياه البحر الأبيض المتوسط والتي كانت واحدة من أكبر الكوارث البيئية التي شهدتها تلك المنطقة ، وتكون هذه الحادثة بذلك عَلَماً من معالم هذا الظرف التأريخي الذي يتحدث عنه ومشهداً من جمله مشاهد التي رآها مما يتعلق بفترة التدهور الاقتصادي هذه ، وتصح بذلك أشبه ما تكون باعطاء تأريخٍ تقريبيّ أو توقيت من نوع ما.
الثاني ، أنه إنما يرمز بالسفينة إلى ما
هو أوسع منها في بابها كوسيلة للمواصلات والتنقل فتصير السفينة بذلك كل طرق المواصلات ويصير المقصود بالنار التي فيها هو
حالة إنهيار ودمار يُصيب طرقَ الموصلات هذه في هذا الظرف.
الثالث ، أنه قد يكون قد رمز بالسفينة
إلى جملةَ ما يعرفُه الإنسان ويستعملُه من وسائل النجاة مما يوصله إلى برِّ الأمان والسلامة ، ويؤول المعنى بذلك إلى أن الناس سيعيشون حالة من البؤس والضنك لا مَخلَصَ لهم منها حتى تنقطع بهم السبل وحتى لا مخرج لهم مما هم فيه ، يأسٌ شامل وإنهيارٌ تام.
وإلى جانب ذلك فإنه يتحدث عن وباء يصيب
هذا الغرب في بؤسه العظيم ، وأي وباء يمكن أن يكون هذا غير وباء ال [ أيدز AIDS
] الذي يعصف بالعالم الغربي هذا اليوم ولا يجد له مانعاً من استشرائه وفتكه بأهله.
ثم إنه يتحدث عن أَسْرٍ من نوع ما ، فليت
شعري أيَّ أسرٍ أراد ، هل هو أسر المعارك والحروب ، أم هو أسر الحياة المادية التي لا تعرف رحمةً لأحد ولا تأخذُها رأفة بالبشر فتُحيلُهم إلى عبيد أرقّاء لمن يملك الدينار والدرهم !!؟
ألراجع عندي أنه أراد الأمر الثاني لأن
المقام هو مقام الحديث عن الاقتصاد والمال والتجارة واللصوصوية.
وفي السطر الأخير يذكر معنى اللصوصية
المختلفة بالتجارة ولكن نوستردامس لم يأتَ بهذا اللفظ بهذه الصورة المباشرة ولكنه سلك إلى هذا المعنى مسلكاً ملتوياً كالعادة في كثير من أبيات رباعياته الشعرية فقال : ( الإله مَركَري في موناكو يدمّر رخاءها ) ، والإله [ مَركَري Mercure ] أو عطارد هو أحد الآلهة التي عبدها
الرومان وهو عندهم ربّ الفصاحة والبلاغة والتجارة واللصوصية إضافة إلى كونه رسول الآلهة وابن كبيرها [ جُوبِتر ] ، ولكن محور طبيعة هذا الإله هو التجارة واللصوصية ويتفرعُ عن ذلك بلاغته وفصاحته ، فنوستردامس إذن يريد أن يقول بأن التجارة واللصوصية في موناكو ستجلب إليها الدمار والخراب ، وموناكو ـ كما هو معروف ـ هي واحدة من أهم مراكز القمار وبيوته في العالم ، وليس كالقمار لصوصية في تجارة ، فإذا ما علمنا بأن أولَ رخصة صدرت لنصب موائد القمار في ( مونتي كارلو ) كانت قد صدرت في سنة ١٨٦١ لرأينا أيّ أمر عجيب جاء به صاحبنا عندما أخبر في نبوءته عمّا سيؤول إليه أمرُ هذه المنطقة وبقي أن ننتظر بقية الخبر حيث سيحلّ الخراب التام فيها.
يد للسلام ويد للحرب
|
«
يتوصّلون للسلم بيد وللحرب باليد الأخرى
لم
يحصل أن تمّ تعقُب الإثنين بهذه الدرجة الكبيرة
سيبكون
الرجالَ والنساءَ ، ودماءٌ بريئة على الأرض
وسيكون
هذا في كل أنحاء فرنسا »
التاسع ـ ٥٢
|
في خصوص السطرين الأولين ، أليست هذه بالضبط هي سلوكية وصِيغة دول الإستكبار العالمي في هذه الأيام ؟؟
أليس هو تعبير آخر يصف فيه حالة الدجل السياسي الذي تمارسه دول العالم الاستكبارية هذه حيث تضع أمامك حلولاً لمشاكل العالم ومشاريعَ ظاهرها رحمة وخير وسلام وباطنها عذاب ونقمو وحرب حاقدة
على من تتوجّه إليهم بهذه المشاريع !!
إنك ترى العالم الإستكباري في إعلامه وفي
شعاراته التي يرفعها وفي مشاريعه التي يخطط فيها للعالم المستضعف المغلوب على أمره وهو يقول لك بأنه أكبر داعية للسلم وللمحبة ولكنه في نفس الوقت ينهج ويعيش حالة حرب هوجاء ضد هؤلاء من أجل سرقة وابتلاع خيراتهم وجهودهم ومن أجل استعبادهم وتسخيرهم لخدمته ولا يهمّه في سبيل تحصيل ذلك أن يسحق عشرات الملايين بل ومئاتها من البشر لأنه يرى أن الإنسان هو مما يمكن الاستغناء عنه أمام ضروريات شهواتِه وإستعلائه في الأرض ، ويرى العالمُ الإستكباري في هذا الكيد المرعب إشباعاً لغروره ولكنه لن يجني من ذلك غير المآسي والعذاب في الدنيا قبل الآخرة سُنَّةَ من خلا من قبل ولن تجد لسُنّة الله تحويلاً ولا تبديلا.
ونرى نوستردامس وهو يذهب في رؤيته
المستقبلية إلى هذه النتيجة ، فإن أهل تلك الدول المستكبرة سيبكون قتلى الرجال والنساء بينهم وأن الدماء ستراق على الأرض ، منها دماءُ الجُناة ومنها دماءُ الأبرياء ذلك بأن عذاب الله تعالى إذا ما حلّ بقوم فإنه لا يُصيب الذين ظلموا بخاصة ولكنه عذابٌ شاملٌ حارقٌ ما حق ، وهو يرى أن هذا سيحل في فرنسا بالذات وكلنا يعرف ما هي
فرنسا وما هو كيدها في العالم.
ولنوستردامس مقطع آخر أو رباعية أخرى في
موضع آخر من كتابه تشير إلى نفس المعنى ولكن في شيء ما من التفصيل حيث يقول :
|
«سوف
لن يلتزموا بمعاهدات السلم
سوف
يتّهم حكامُ الدول بعضُهم البعضَ بالخديعة
في
البرّ والبحر ترتفع إعلانات السلام
وسوف
ينشَط الجيش إلى حدود برشلونه »
السادس ـ ٦٤
|
ونراه هنا يشير في جملة إشاراته إلى
نشاطٍ عسكريّ واسع في أوروبا على ما يبدو فيشمل عديداً من دولها ويصل إلى حدود برشلونه في أسبانيا والتي يمكن اعتبارها أقصى تخوم القارة الأوروبية.
غلبه الغرب
|
«
الميزانُ سوف نراه يحكم في الغرب
مملكتُه
ستحكم في السماء وفي الأرض
ولكن
قوات آسيا سوف لن ترى الدمار
ما
دام هناك سبعةٌ يمسكون بسلطة هرميّة »
الرابع ـ ٥٠
|
الميزان أو برج الميزان هو رمز العدالة.
فهو يقول بأن العدالة سوف نراها حاكمة سائدة في الوسط الغربي ، وأن هذا الغرب سوف يحطم ويسيطر على السماء والأرض وأراها بمعنى سلطته العسكرية ( الجوية منها والبرية والبحرية ) وسلطته السياسية ، وكلا الأمرين كما ترى واقعيّ وصحيح فهناك حرية واحترام لحقوق الإنسان في الغرب وبمقدار يتّفق عليه الجميع خصوصاً مع مقارنته بما يجري في أجزاء أخرى من العالم وخصوصاً ما تُسمّى بالإشتراكية منها ، إضافة إلى وضعٍ عام من سيادة القانون ومؤسساته وبالذات القضائية والتشريعية
منها ، والغرب كذلك يسيطر على أكثر بلدان العالم الأخرى ويفرض سلطته عليه كشرطي عالمي وكأَنّ العالم بأرضه وسمائه ، وببشره وبحيوانه ، بمعادنه وبأشجاره وكل شيء آخر إرث أرثوه عن آبائهم فهم في حلّ تامّ منه.
أما السبعة المذكورة في السطر الأخير
فواضح أنها سبعة دول أو أقطار وكما يبدو فإن لها نوع من الأرتباط « بقوات آسيا » المذكورة في السطر الثالث وتكون بذلك إشارة صريخ إلى دول حلف وارشو المؤلفة من سبع دول وهي : الاتحاد السوڤيتي سابقاً ، ألمانيا الشرقية ( سابقاً ) بولندا ، رومانيا ، هنغاريا ، تشكوسلوڤاكيا ، بلغاريا. وحلف وارشو ـ كما هو معروف ـ هو إتفاقية دفاع متبادل لأقطار أوروبا الشرقيه وقد وُقِّعت في مدينة وارشو سنة ١٩٥٥ وكانت تضمّ آنذاك ألبانيا إضافة إلى الأقطار السبعة المذكورة إعلاه ولكن ألبانيا انسحبت منها سنة ١٩٨٦. والسلطة في هذه الدول تقوم بالفعل على أساس هرمي ويكون حكم الجماهير العريضة التي فيها بيد حفنة من الناس من المتربّعين على قمة هذا الهرم.
« قوات آسيا » طبعاً ما هي إلا إشارة
إلى المعسكر الشيوعي الحاكم في الشرق ونوستردامس يتنبأ بأن هذه القوات الآسيوية سوف لن تتدمر أو تضعف حتى يزول أو يضعف حكم تلك الأقطار السبعة ، وأرى أن قدراً كبيراً
من هذه النبوءة قد حصل بالفعل في عصرنا هذا حتى شاهدنا تداعي هيبة القوة الشيوعية وزعزعة أركان النظام الإستبدادي الذي أقامته ، وقد كان الايذان بذلك هو سقوط الأنظمة القمعية في دول أوروبا الشرقية الأعضاء في حلف وارشو الواحد تلو الآخر وانفراط عقدها.
ونرى نوستردامس وهو يتنبأ بهذا المصير
للدول السبعة المذكوره وذلك في الرباعية التالية :
|
«
أخبار جديدة ، مطر ثقيل غير متوقع
يحجز
فجأة بين جيشين
من
السماء تسقط أحجارٌ ملتهبة تصنع بحراً
موت
السبعة يأتي فجأة في البر والبحر »
الثاني ـ ١٨
|
فإذا علمنا بأن المطر هو رمز الثورة والهياج
الشعبي لدى نوستردامس وقد درج على استخدام هذا المعنى في نبوءاته بشكل مستمر لرأينا مقدار الصحة والإصابة في رؤيته هذه ، ومفتاح الحل في تفسير هذه النبوءة نجده في السطر الرابع عندما يشير إلى السبعة التي ستموت فجأة ، وقد رأينا بالفعل أن شعوب تلك الأقطار الأوروبية الشرقية وكثيراً من شعوب الإتحاد السوڤيتي تخرج في تظاهرات عارمة تؤدي إلى تغيرات جوهرية في أنظمة ومناهج تلك الدول بل وإلى انقلابات جذرية في بعضها مثل ألمانيا
الشرقية وقد حصل ذلك في شهور معدودة وبمجرد أن أرخى الأتحاد السوڤيتي من قبضته وسحب تأييده وذلك تحت وطأة الضغط الاقتصادي بالخصوص ، وقد كانت أخبار مفاجئة جداً ولم تكن في حسبان أحد ، وقد أدّت هذه الثورات والتغيرات إلى أن يتحاجز بالفعل جيشان أو قوتان عظيمتان هما قوات المعسكر الاشتراكي من جانب وقوات المعسكر الرأسمالي من الجانب الآخر.
وفي السطر الثالث يقول أن هناك أحجاراً
ملتهبة سوف تتساقط من السماء وترجم الأرض وتصنع عليها بحراً من الحجارة ، فما هو المقصود بذلك ؟ لست أدري بالضبط ولكن لعله يقصد بأن هذا الظرف التأريخي المذكور في هذه الرباعية سوف يشهد حصول مثل هذا الأمر والذي قد يكون ظاهره طبيعية من قبيل سقوط نيازك على الأرض وبكثرة ، أو قد يكون رمزاً لضربات صاروخية عنيفة وكثيفة سوف تشهدها مناطق الثورة تلك.
وهناك رباعية أخرى تجدها في فصل آخر من الكتاب تبدو وكأنها تتمة أو تكميل لهذا الموضوع ، وهي تقول : ـ
|
«
في يوم ما سيبقى واحد من بين القائدين العظميين
قوتهما
سوف تشاهَد وهي تزداد
|
|
الأرض
الجديدة ستكون في ذروة قدرتها
بالنسبة
للرجل الدموي فإن الأرقام ستصله »
الثاني ـ ٨٩
|
إذ لا شك أن المقصود بهذين القائدين
العظميين هو الاتحاد السوڤيتي والولايات المتحدة الأمريكية أو رئيسا هذين البلدين وقد شاهد العالم الدرجة الرهيبة التي وصل إليها كل منهما في قوة تسليحه على مدى سنوات التسابق بينهما في تحصيل أعلى قدرة تدميرية ممكنة. ثم شاهدنا ذلك اليوم الذي رآه نوستردامس حيث لم يبق من بين ذينك الإثنين غير واحد أو كاد ، وهذا الواحد أشار إليه في السطر الثالث إشارة واضحة عندما قال بأن الأرض الجديدة ستكون في ذروة قدرتها ، والأرض الجديدة هي أمريكا بطبيعة الحال وقد كان هذا الوصف مما هو معروف على زمن نوستردامس للإشارة إلى القارة الأمريكية. وقد أصاب الرجل مرة أخرى في رؤيته المستقبلية لأننا نرى الولايات المتحدة اليوم وهي تكاد أن تتفرد بالسلطة الاستكبارية في العالم وبلا منازع مهم بينما استحال الأتحاد السوڤيتي إلى متسول يتكفّف الغرب.
السطر الرابع مهم جداً في مجال نبوءات
هذا الرجل الخاصة بمستقبل هذا القرن من الزمان لأنه يقول
بأن الأرقام أو المعلومات والتطورات والمكائد والمشاريع إلى آخر ذلك مما يُعتبَر أرقاماً تخصّ الوضع العالمي سوف تصل إلى الرجل الدموي » ، هذا الرجل الدموي يبدو جلياً في هذه المرحلة أنه هو نفس الشخص الذي سيأتي بذكره فيما بعد والذي سوف يسمّيه ب ( ملك الرعب ) ، ونراه ( أي الرجل الدموي ) هنا وهو يرصد ما يجري من حوله ويراقب ويحسب حساباته ويستعد ليوم نهضته ، وهو يتكتّم على أمره ويخفي عن العيون شأنه.
ضعف الغرب والشرق
|
«
مرتان يرتفع في القوة ، مرتان يهبط
الغربُ
كالشرق سوف يضعف
خضمُه
بعد عدة معارك سوف يُطارَد
بالبحر
، وسوف يسقط من خلال العَوَز »
الثامن ـ ٥٩
|
هذه رباعية تتنبأ بأن الضعف سيلحق الغرب
كما أنه لحق الشرق ، ويبدو أن نوستردامس يرى هذا الضعف وقد حل بكل من المعسكرين الإشتراكي ( الشرق ) والرأسمالي ( الغرب ) بعد أن يرى كل منهما فترات أربعة ، إثنتان فيهما هبوط واثنتان صعود ، ويبدو أنه يتحدث عن الرؤوس أي الإتحاد السوڤيتي وأمريكا وحليفاتها ولكن لا يبعد أنه يعني الذيول أيضاً.
وليس الغرب بلداً واحداً بالطبع ولكل
بلد من بلدانه تأريخ يختلف عن البلد الآخر في بعض الجوانب ، وما يكون هبوطاً في واحد منها قد يكون ارتفاعاً في بلد
آخر منها كما لاحظناه مثلاً بالنسبة لبريطانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية عندما بدأت إمبراطوريتها التي لا تغرب عنها الشمس تتداعي وصارت مناطق نقوذها تتساقط بالتدريج لتقع في أيدي الأمريكان ولتبدأ أمريكا.
بالصعود إلى ذروة من ذُرى القوة والجبروت
في الوقت الذي صارت فيه بريطانيا تنزل إلى الحضيض وهم اليوم مستمرون في انحدارهم. ولكن ما أشبه اليوم بالبارحة إذ نرى أمريكا وهي تشهد اليوم انحداراً لا توقّف فيه سواء أكان ذلك على المستوى الاقتصادي أو على المستوى الاجتماعي والسياسي ، فمثلاً الديون التي على أمريكا هي اليوم من الضخامة إلى درجة تجعل منها أكثر بلدان العالم ديوناً بعد أن كانت من أكبر الدول الدائِنة في العالم ( أي أنها كانت تعطي ديوناً للدول الأخرى الأقل حظاً منها في ثرائها ) وهي اليوم مَدينةٌ في الغالب لليابان وألمانيا. وقد كشفت الحرب الأمريكية الأخيرة ضد صدام حسين عن مدى الانهاك الذي أصاب هذه القوة العظمى عندما رأينا كيف أنهم لم يتمكنوا من شنّ هذه الحرب وأدامة عجلتها إلا بمساعدات ماليه ضخمة جداً من السعودية والكويت والإمارات العربية واليابان وألمانيا وغيرها ، كما ورأينا الساسة الأمريكان والبريطانيين وهم في جولات تسوّليه إلى هذا البلد أو ذاك.
ولكننا مع ذلك كله نستطيع أن نعمّم
فنقول بأن هناك ارتفاعان وهبوطان في الغرب سبق وتلا كُلاً من الحربين العالميتين الأولى ( ١٩١٤ ـ ١٩١٨ ) والثانية ( ١٩٣٩ ـ ١٩٤٥ ).
وفي السطر الثالث فإن الضمير في ( خصمه
) يعود إلى كل من الشرق والغرب أي بمعنى آخر أنه يقول : كل منهما بعد عدة معارك سوف يطارَد وسوف يسقط لأسباب اقتصادية فتقتله الحاجة والعَوَز. وأما هذه المعارك المذكورة فقد يراد بها معارك بين هذين الطرفين بالذات ومباشرة من قبيل ذلك الصراع الإيديولوجي بين الشيوعية والرأسمالية أو من قبيل حرب الجواسيس والاستخبارات ، أو أن يُراد بهذه المعارك ما جرى نيابة عن هذه القوى العظمى بين مختلف دول العالم الأخرى ، ومهما كان المقصود بها فإن علّة السقوط والإنهيار في العالم الغربي والشرقي ستكون هي العَوَز والفاقة وقد رأينا ذلك يحصل في المعسكر الشرقي ويبدو أن شيئاً من هذا القبيل سيحصل في المعسكر الرأسمالي أيضاً ، وقد سبق ذكر التدهور الاقتصادي المتوقع في العالم الغربي آنفاً.
وهناك نبوءة أخرى لنوستردامس تدخل في
نفس هذا الباب حيث يقول :
|
«
في الأرض التي مناخُها خلاف الذي في
|
|
بابل
ستكون
إراقةٌ عظيمةٌ للدماء
ستبدو
الأقدار وكأنها غير عادلة ، في البر والبحر والجو
الدولُ
فيها طائفية ، مجاعة ، أوبئة ، تخبط
الأول ـ ٥٥
|
بابل هي مدينة أثرية عريقة جداً تقع في
وسط العراق الذي يعتبر مهد الحضارات البشرية ، وهو بذلك يريد أن يقول إذاً : مناخَ العراب ، ومناخه يغلب عليه الحرّ فهو يريد إذاً أن يشير إلى أراضٍ باردة مثل روسيا أو بلدان شمال أوروبا أو الدول الاسكندناڤية أو كندا أو غيرها. ومن جانب آخر فلعل المناخ المذكور هو مما لا علاقة له بالحرارة والبرودة والطقس وإنما هو المناخ الإجتماعي أو الفكري أو المنهج السياسي والاقتصادي السائد ، فإذا ما عرفنا بأن المناخ السائد في العراق هو مناخ الكبت والقهر والاستعباد ومصادرة الحريات وتدمير الإنسان وإنكار كل القيم الإنسانية الفاضلة وبطريقة منهجية مُبرمَجة وعلى يد الحكومة المتسلطة على رؤوس العباد هناك وذلك بدلاً من أن تعمل على رعاية مصالح الأهالي وتيسير أمور عيشهم وتذليل صعوبات الحياة أمامهم وصون كراماتهم ، لعرفنا بأنّ المناخ المضادّ لهذا
هو ذلك الذي نراه قائماً في كثير من الدول الغربية حيث الحرية الفردية محترمة إلى درجة لا بأس بها وحيث تقوم الحكومات برعاية مصالح رعاياها وغير ذلك من نقائض وأضداد مناخ بابل ذاك.
وأنا شخصياً أعتقد أن المعنى الثاني هو
المقصود من المناخ ويكون العالم الغربي بذلك هو موضوع ومادة هذه النبوءة التي تنذر بالويل والثبور وبفوضى لا يقوم لها شيء.
أوضاع عالمية
|
«
عندما يتّحد معاً أولئك أهل القطب الشمالي
سيكون
في الشرق خوف عظيم ورعب
شخصٌ
جديد سوف يُنتخَب تسنده رجفه عظيمة
[
رودس ] وبيزنطة سوف تصطبغ بالدم البربري »
السادس ـ ٢١
|
تكفيك نظرة إلى خارطة الكرة الأرضية
لتدرك بأن المقصود من أهل القطب الشمالي هو بالذات الأتحاد السوڤيتي سابقاً والولايات المتحدة الأمريكية ، وإتحادهما هو تقاربهما وتعاونهما على إدارة شؤون هذا العالم وستأتي فيما بعد نبوءات أخرى تخص هذا الموضوع.
وهو يرى بأن هذا التقارب أو الاتحاد سوف
تصحبه تحولات مرعبة في الشرق مع خوف وشدة وهي حالة
شهدناها في كل ما حصل في الصين وجمهوريات الأتحاد السوڤيتي وجمهوريات أوروبا الشرقية من ثورات جماهيرية عارمة وقمع وعنف من جانب السلطات الحاكمة ، وقد بلغت الذروة هي هذه التحولات المخيفة في أزمة الخليج العربي واحتلال صدام حسين للكويت ثم حرب الإبادة ضد العراقيين من جانب قوات الحلفاء. وعلى العموم فإن ما اصطُلح على تسميته بالشرق يعيش اليوم حالة خوف عظيم ورعب لجملة من الأسباب منها سياسة ومنها اقتصادية ومنها اجتماعية أو طبيعية.
ثم أنه يقول بأن شخصاً سوف يُنتخَب ، ولسنا
ندري من أي بلد ولا من أية كتلة أو معسكر سيكون هذا الشخص ، فإذا أُريد له أن يكون من الشرق فإنه أمرٌ خلاف المألوف تماماً وإلى عهد قريب جداً ، أن نرى شخصاً يُنتخب انتخاباً حراً من جانب الناس ليقوم بوظيفة اجتماعية أو سياسية إلا الّهم أن تُعزز تلك التحولات التي ستحصل تغييراً جذرياً يجعل من مثل هذا الأمر شيئاً ممكناً ، خصوصاً إذا ما التفتنا إلى ما يذكره من أن رجفة عظيمة سوف تسنده ، تغييراً كهذا الذي نشهده اليوم على أرض ما كان يعرف بالأتحاد السوڤيتي ، ولست أرى كلامه هذا إلا إشارة إلى حدث يجري أو سوف يجري في هذا الظرف من العالم ، إنه وصف لظرف يعيشه كل واحد منا في يومنا هذا.
[ رودس Rhodes ] هي واحدة من أكبر الجزر التابعة لليونان وتقع في البحر الأبيض التوسط على بعد عشر أميال من البرّ التركي.
وأقدم المستوطنات التي فيها يرجع
تاريخها إلى حوالي سنة ١٤٠٠ ق. م. وقد استوطنها اليونانيون في حدود سنة ٤٠٨ ق. م. ، وكانت هذه الجزيرة تحتوي على واحدة من عجائب الدنيا السبعة يومئذ وهو تمثال برونزي لإله الشمس [ هليوس Helios
] يبلغ إرتفاعه حوالي ٣٢ متراً وقد تهدم تماماً سنة ٢٢٤ ق. م. أثر هزة أرضية ضربت الجزيرة. ويقال أن أول قانون للملاحة البحرية في التأريخ كان قد صدر فيها حوالي سنة ٩٠٠ ق. م.
[ بيزنطة Byzentium ] هي مدينة أنشأها اليونانيون حوالي سنة ٦٦٠ ق. م. وهي المدينة الوحيدة في العالم المبنية على قارتين ، أوروبا وآسيا ، ودخلت تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية فاختارها الإمبراطور قسطنطين عاصمة للملكته بدلاً من روما العاصمة الأصلية وأطلق عليها إسماً جديداً فسمّاها القسطنطينية نسبة إلى نفسه وذلك سنة ٣٣٠ م ، فلما قهر الأتراكُ العثمانيون الأمبراطورية الرومانية الشرقية سنة ١٤٥٣ واستولوا على هذه المدينة أعادوا تسميتها فجعلوا إسمها إسطنبول. وقد
كانت القسطنطينية عاصمة للأمبراطورية الرومانية لمدة ألف سنة ثم صارت عاصمة للإمبراطورية العثمانية لمدة خمسمائة سنة ، وبنهاية دولتهم جاء مصطفى كمال أتاتورك فنقل العاصمة التركية إلى أنقرة سنة ١٩٢٣.
وكما سبق أن ذكرنا فإن نوستردامس يشير
بالبرابرة غالباً إلى العرب أو إلى المسلمين بصورة عامة. فهو هنا يتنبأ بحرب أو بمعارك تُراق فيها دماء العرب والمسلمين على أرض تركيا واليونان في أثناء الظرف التأريخي الذي يحصل فيه اتحاد أهل القطب الشمالي والذي يتّسم بخوف عظيم ورعب في الشرق إلى آخره ، وهو إشارة إلى ظرفنا الحالي بلا شك.
صلح بعد عراك
|
«
البَلَدان اللذان يتعاركان بينهما سوف يتّحدان
عندما
ستُجَرّ أكثُر البُلدان إلى دخول حرب
الدولةُ
الأفريقية الكبرى سوف ترتجف
وحكومة
الإثنين هذه سيتمّ تعقّبها وتشتيتها »
الخامس ـ ٢٣
|
نحن هنا ما زلنا مع قضية التقارب
الأمريكي السوڤيتي ، بلدان كانا في صراع بينهما ثم يتّحدان ، ولكن ما أكثر ما الدول التي تصارعت فيما بينها ثم اصطلحت وعلى مدى القرون الأربعة التي تفصلنا عن نوستردامس فلما أذن هذا التخصيص ولماذا هذا التشخيص بالذات ؟ الدليل على ما ذهبنا إليه يأتي من ذكره لحكومة الإثنين الذي ورد في السطر الرابع لأنه يشير بذلك إلى ظرف تأريخي استثنائي جداً لم نجد له شبيهاً فيما سبق من تأريخ هذا العالم وذلك أن عالمنا
المعاصر تحكمه أساساً حكومتان ، الأتحاد السوڤيتي إلى عهد قريب والولايات المتحدة الأمريكية ، وما غالبية بقاع العالم الأخرى غير مقاطعات تابعة لواحدة منهما يفعلون بها وبشعوبها ما يشاؤون ، وهم لا يقومون فقط بتنصيب هذا الحاكم نائباً عنهم هنا أو عزل ذلك الحاكم هناك وإنما هم يقومون أيضاً على تعيين ما هو العدل وما هو الظلم ، ما هو الحق وما هو الباطل ، ما الصواب وما الخطأ ، قَبِل عقلُك ما يرونه أو رَفَضه ، ويرسمون للعالم وشعوبه دستوراً ويُسمُّونه بالقانون الدولي وهم الذين يفسّرونه على ما يحبّون ، ويُعيّنون مساحة تطبيقة وزمانه ، وهم الذين يقرّون ما هو الممنوع وما هو الجائز ... الخ.
كل هذه الأمور إنما يتمّ تعيينها من قبل
هاتين الحكومتين وبسلطة لم يسبق لها نظير في تأريخ العالم الذي نعرفه وذلك أساساً بسبب هذا التقدم التكنولوجي الذي لا نظير له والذي يجعل من مثل هذه السيطرة الفريدة أمراً ممكناً.
ولا شك أن الصراع المذكور بينهما هو
إشارةٌ إلى الحرب الباردة التي كانت تشكّل تقريباً قوام النظام العالمي ولمدة أكثر من أربعين عاماً حتى أن بعضهم كان يسميها مجازاً بالحرب العالمية الثالثة.
وقد تمّ وضعُ نهايةٍ رسمية لهذه الحرب
في مؤتمر قمة واشنطن سنة ١٩٨٧ بين ريغان وغورباتشوف والتي يمكن أن نسميها صلحاً أو تقارباً أو قد يمكن تسميتها اتحاداً كما فعل نوستردامس خصوصاً إذا ما لاحظنا سلوك المعسكرين الشرقي والغربي الحالي في تخطيطهم للنظام العالمي الجديد.
وقد رأى نوستردامس بأن هذا الاتحاد سوف
يكون إيذاناً وموعداً لحرب تَنجَرُّ إليها أكثر بلدان ، وقد أصاب في نبوءته حقاَ فإنما هي إشارة صحيحة إلى حرب الخليج الأخيرة بين قوات الحلفاء وصدام حسين والتي جُرَّت إليها عشرات الدول جرّاً بفعل التأثير الاستكباري السائد في العالم.
وأما ما جاء به في السطر الرابع من أن
حكومة الإثنين هذه ( روسيا وأمريكا ) سوف تُطارَد وتتفتّت وتتشتّت فقد رأينا بالفعل تحقّق شطر من هذه النبوءة عندما جرى ما جرى في ما كان يعرف إلى وقت قريب بالأتحاد السوڤيتي وشاهدنا الأمبراطورية الروسية وهي تتفكك وتنتهي وما زلنا نعيش أحداثها ولا ندري إلى أي مدى ستصل بها الأيام ، فإذا كان نوستردامس قد أصاب في هذه وبكل دقة أحراه بأن يكون مصيباً في الشطر الباقي فنرى في يوم قريب تفكك وانهيار الأمبراطورية
الأمريكية ونرى نهاية سلطتها الأستعلائية في الأرض.
ويبدو أن المقصود بالدولة الأفريقية
الكبرى التي سوف ترجف هي مصر بدلالة رباعي أخرى يتوسّع فيها فيصف إلى جانب ذكره للرجفة في مصر حرباً شعواء ترتجُّ لها الأرض في حوض البحر الأبيض المتوسط مما قد يشهده مستقبلنا ، جاء في هذه الرباعية ما يلي :
|
«
الأسطول سيتحطّم قرب بحر الأدرياتيك
الأرض
ترتجف ، تندفع في الهواء ثم تقع ثانية
مصرُ
ترتجف وتسند المحمديّين
القائد
العام سيُطلَب منه التسليم »
الثاني ـ ٨٦
|
بحر الأدرياتيك هو ذلك الجزء من البحر
الأبيض المتوسط الذي يتمد بين يوغسلاڤيا وإيطاليا ، والمحمديون هم المسلمون طبعاً وهي عبارة شائعة عند الغربيين أن ينسبوا المسلمين إلى رسولهم الكريم محمد (ص). والمشهد كما ترى يصف رجفة مرعبة تصيب المنطقة.
مدة التحالف
|
«
سوف لن يبقى الإثنان متحالفين لمدة طويلة
من
خلال ثلاث عشرة سنة يستسلمون للقوة البربرية
سوف
يكون قدر عظيم من الخسائر بين الطرفين
حتى
أنّ أحدكم ليدعو للسفينةَ ومَلاّحِها »
الخامس ـ ٧٨
|
مرةً أخرى الإثنين المذكورين هما روسيا وأمريكا وهو يتنبأ هنا بأن التحالف المذكور بينهما سوف يستمر لمدة ثلاث عشرة سنة ينتهي بعدها بصورة ما ، وفي أثناء هذه الفترة فإنهما سوف يستسلمان بالتدريج ويتنازلان للقوة البربرية التي هي إشارة إلى القوء العربية أو الإسلامية.
فإذا ما علمنا بأن نوستردامس يرى بأن
موعد الطامه
الكبرى التي سيكون فيها اندحار الاستكبار العالمي هو حوالي سنة ٢٠٠٠ ( كما سنرى فيما بعد ) فإنه يكون بذلك قد أتى بأمر عجب في رؤيته هذه ، لأنك إذا رجعت ١٣ سنة إلى الوراء من هذا الموعد ( أي سنة ٢٠٠٠ ) فإن التأريخ الذي سيحصل عندك هو سنة ١٩٨٧ وهي السنة التي عُقدت فيها قمة واشنطن بين الرئيس الأمريكي ريغان والرئيس الروسي غورباتشوف والتي وضعت نهاية للحرب الباردة بين الطرفين وآذنت ببداية عصر جديد من الصداقة والتحالف بينهما ، ثم تبعتها قمة ثانية في موسكو سنة ١٩٨٨ ثم قمة مالطا سنة ١٩٨٩ ثم قمة واشنطن سنة ١٩٩٠.
فهو إذاً إنما يقول بأن التحالف بين
البلدين سيبدأ سنة ١٩٨٧ وهو ما حصل. فنحن إذا ما جمعنا بين النصوص التي يتنبأ فيها نوستردامس عن مستقبل هذا القرن نجد بأنه في الواقع قد ذكر تأريخاً محدداً لحصول هذا التحالف بين الدولتين المتصارعتين مثلما أنه وضع تأريخاً محدداً لنهاية سيطرتهما وحكومتهما العالمية ، ووجود هذا النوع من الترابط بالإضافة إلى دقّة لا بأس بها في توقعاته يجعلنا نطمئن أكثر إلى مصادقية الرجل في قدرته على رؤية مستقبل هذا القرن. وقد شاهدنا في تنبؤاته إلى حد الآن بأن سلطة هذين البلدين سوف
تستلمها القوى الإسلامية والعربية.
ويحكي في السطر الثالث عن قدر عظيم من الخسائر بين الطرفين ، ولسنا ندري في هذه المرحلة من هو المقصود بالطرفين ، هل هما روسيا وأمريكا أم أنهما طرف الحكومة الاستكبارية العالمية الحالية كطرف مقابل لطرف القوة الإسلامية والعربية ، وإنما هو أمر ستكشفه لنا الأيام ، ولكنه سيكون صراعاً تدميرياً رهيباً يجعل الفرد من الناس يتمنى لو أنه كان في مكان آخر من هذا العالم غير المكان الذي هو فيه وذلك من هول ما يراه من حوله ، وهو المعنى الذي أراده عندما قال في السطر الرابع بأن أحدهم سيدعو للسفينة ولملاّح السفينة التي سوف تنقله إلى طرف آخر من العالم ، أو يدعو الله تعالى أن ينقذه فيبعث له بسفينة تُنجيه ، أو أنه ببساطة يغبط من هو على متن سفينة في عرض البحار بعيداً عن تلك المآسي التي سيرتجف لها العالم كلّه.
فرنسا والمحمديون
|
«
بسبب الخلافات الداخلية والإهمال في فرنسا
سيُفتَح
الطريق أمام المحمديين
أرضُ
السين وبحرُها سوف تغرق بالدم
وميناء
[ مارسل ] تغطيه السفن والأشرعة »
الأول ـ ١٨
|
نبوءة أخرى عن تفسُّخ وتلاشي العالم
الغربي في واحدة من أعرق وأشرس دولِهِ وأكثرها مكراً بالإسلام ، وقطب من أقطاب الاستكبار العالمي ، فرنسا ، ونلاحظ أن نوستردامس الفرنسي غير مرتاح على الإطلاق في كل ما يتنبأ به لمصير هذا العالم الصليبي ولكنه يراه ويشاهد قوة المسلمين ( المحمديين ) تزداد وتتسع وتسيطر.
[ السين Seine ] هو النهر الرئيسي في شمال فرنسا وتقع عليه مدينة باريس ويبلغ طوله حوالي ٧٧٥ كيلومتراً ويتجبه شمال غرب ليصبّ في القنال الإنكليزي ( بحر
المانش ) الذي هو البحر الفاصل بين فرنسا وبريطانيا ، ويعني بأرض السين حوض نهر السين ، أما بحرُه فقد يكون المقصود به ماؤه أو قد يكون المقصود هو البحر الذي يصب فيه وهو القنال الإنكليزي ( بحر المانش ).
[ مارسل ] هي ثاني أكبر مدن فرنسا وأكبر
موانئها وتقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، وهي مدينة أنشأها الفينيقيون ( سكان لبنان الأصليون ) وسكنها بعد ذلك اليونانيون حوالي ٦٠٠ ق. م.
وهذا النص يتنبأ بغزوٍ إسلاميّ لفرنسا وتصحبُهُ
إراقةُ دماءٍ من الفظاعة إلى درجةَ أنّ الأرض والبحر سوف تغرق بالدم.
ولما كانت مارسل هي ميناء أصلاً ولا
غرابة في مسأله وجود السفن فيها فإن المقصود هنا لابد وأن يكون سفن حربية إسلامية وغير إسلامية خصوصاً وأن الجو جو قتال والحرب ، أما الأشرعة فقد تكون أقرب عبارة ممكنة توصل إليها نوستردامس القرن السادس عشر ليصف بها الطائرات.
المذنب والزعماء الثلاثه
|
«
عندما يُشاهَد ظُهورُ المذنَّب
الزعماءُ
الكبار الثلاثة سيصيرون أعداءاً
ضرباتٌ
تأتي من السماء ترتجف لها الأرض
[
پو Pau ] ، التايبر ، هائجة ، حيّة على الشاطىء »
الثاني ـ ٤٣
|
هذا المذنَّب هو مذنّب هالي المعروف وكان
قد ظهر سنة ١٩١٠ قبل نشوب الحرب العالمية الأولى بحوالي أربع سنوات ، ثم عاد إلى الظهور سنة ١٩٨٦.
[ پوPau ] هي مدينة تقع جنوب فرنسا.
[ تايبر Tiber ] هو ثالث أكبر أنهار إيطاليا يجري في وسطها وتقع على ضفافه مدينة روما ، وعليه وعلى الوديان المحيطة به نشأت الأمبراطورية الرومانية القديمة ، كما وتقع على ضفته اليمنى دويلة الڤاتيكان التي لا تتجاوز مساحتها النصف ميل مربع والتي تقع داخل حدود مدينة روما نفسها.
فهو يقول بأن جنوب فرنسا وإيطاليا سوف
تشهد هياجاً وثورة وأن حيّة تقف منتصبة على شاطيء النهر الإيطالي التابير ، وليس واضحاً ماذا أراد بالحية ، هل هو يشير بها إلى ما ترمز إليه الحية في أساطير العهد القديم من الكتاب المقدس حيث تعني إبليس أو الشيطان ، فيكون ما يريده بذلك هو أن شراً عظيماً سيكون في تلك المنطقة ، أم أنه يشبه بها شيئاً ما يكون على هيئتها أو صفتها من قبيل القطار أو الغوّاصة أو ما شابه.
كذلك فمن غير المعلوم من هم هؤلاء
الزعماء الثلاثة ، فقد يكونون أي ثلاثة من بين الزعماء الأوروبيين أو غيرهم ، ولكن السطر الثاني يشير إلى أن هؤلاء الزعماء الثلاثة أو دولهم التي يتزعمونها سوف تُرمى من السماء بما ترتجف له الأرض ولا شك أنها صواريخ أو قنابل تلقي بها طائرات من الجو وهو أمر يشكّل تنبؤاً غريباً من رجل القرن السادس عشر.
الجامعة العربية ؟
|
«
[ أوكميون Ogmion ] سوف يتقرب من القسطنطينية العظيمة
سيتم
طرد عصبة وتحالف البرابرة
وسوف
يسقط من القانونين الوثني منهما
البرابرة
والرجل الحر في نزاع دائم »
الخامس ـ ٨٠
|
[ أوكميون ] أو [ أوكميوس ] هو إحدى
شخصيات الأساطير القديمة من خرافات الأوروبيين إذ هو إسم إله من آلهة سكان بلاد الغال التي هي فرنسا الحالية وهو آله البلاغة والفصاحة والشعر ويصورونه كشيخ يحمل قوساً وهراوة ويرمي من فمه شباكاً من الكهرمان والذهب يصطاد بها ألوان مختلفة من الناس.
ونوستردامس يرمز به إلى فرنسا على أغلب
الظن وذلك لأنه إله قديم لسكان فرنسا القدماء من ناحية ومن ناحية أخرى فهو لما اشتهر تأريخياً عن فرنسا وبلاطها من
عناية مفرطة بتنميق الكلام وتدبيجه إلى الدرجة التي تصبح فيه الفصاحة والبيان اللفظي هي المقصودة بالذات بغض النظر عن المضمون أو عقلانية النتائج ، وهذا مثل آخر على التعقيد الموجود في النص الأصلي إذ أنه أراد أن يقول فرنسا ولكنه سلك إلى ذلك كل هذا المسلك الوعر.
والقسطنطينية هي الإسم القديم لمدينة
اسطنبول التركية وهو يشير بها إلى تركيا ككل.
والبرابرة هم سكان الساحل الشمالي
لأفريقيا ، وهنا فهو إما أن يريد بهم سكان تلك المناطق بالذات أو العرب بصورة عامة ( وهو ما أُرجِّحه ) أو المسلمين. ولقد اختص سكان هذا الساحل بهذه التسمية لدى الأوروبيين منذ القرن السادس عشر الميلادي ولكنه كان قبل ذلك إسماً مشتركاً بينهم وبين فئة أخرى من الناس إذ كان أيضاً تسمية يطلقها أهل الأمبراطورية الرومانية المقدسة ( وهي كيان سياسي في وسط أوروبا وتشتمل على دولتي النمسا والمانيا الحاليتين وامتدت في تأريخ وجودها من القرن العاشر إلى القرن التاسع عشر الميلادي ) على قبائل الشمال التي كانت تغزو حدودهم الشمالية من أن لآخر.
وما ترجمناه بعبارة ( الرجل الحر ) جاء
في الأصل
بعبارة [ Franche ] وهي كلمة لاتينية تعني [ الرجل الحر Freeman ] وقد تعني أيضاً [ الشخص الفرنسي French ] أو يمكن تأويها إلى [ البنّاء الحرّ Freemason
] وهي الكلمة الأنكليزية للواحد من المنتمين إلى التنظيم الماسوني السري الذي يحكم العالم من طرف خفي ومن وراء الكواليس للسيطرة عليه. وبأيّ هذه التأويلات أو المعاني أخذتَ فإن المعنى سيأتي مستقيماً وموافقاً للواقع ، فالعالم العربي والإسلامي هو حقاً في صراع دائم مع العالم الغربي الذي يدعي بأنه حرّ ، وكيد فرنسا بالعرب وبالمسلمين معروف ، والماسونية شر مستطير يخيم على العالم كله ، وهذا هو الذي أراده نوستردامس في السطر الرابع من رباعيته هذه والتي نرى فيها بالواقع أربع نبوءات ، واحدة في كل سطر ، ففي السطر الأول يقول بأن فرنسا سوف تتقرب إلى تركيا ، وأرى أن هذا يشير إلى انضمام تركيا إلى حلف الناتو ، ومعلوم أن فرنسا كانت من أوائل الدول الأطلسية التي وقَّعت إتفاقية هذا الحلف العسكري في ٤ / ٤ / ١٩٤٩ وتم انضمام تركيا إليه في سنة ١٩٥٢ وهو يرى في السطر الثاني رؤية عجيبة من رجل عاش قبل أربعة قرون وهي أن سيكون للعرب ( البرابرة ) عصبة أو تحالف والتي هي ما يعرف اليوم بالجامعة العربية والتي لم يفارق مقرها منطقة الساحل البربري الذي هو ساحل إفريقيا الشمالي فمن
مصر إلى تونس ومن تونس إلى مصر ، وهو يتنبأ لها بالطرد وهو أمر يحتمل أموراً كثيرة ، فقد يكون طرداً حقيقياً وقد يكون طرداً معنوياً بمعنى العزل والأهمال. وعلى كل حال ففي رسالة نوستردامس إلى الملك هنري ثاني ملوك فرنسا والتي تضمنها كتاب نوستردامس يقول له في تنبؤ عن مستقبل العرب فيقول : ( والطائفة البربرية سوف تُبتَلى إبتلاءاً شديداً وتُطرَدُ وتُنفى من جانب بقية الأمم ) وهو توقّع صادق إلى درجة بعيدة لأن العربي اليوم لا يرى من الشرق والغرب غير الرفض والاستهجان الذي يصل إلى حد الاحتقار في كثير من الأحيان سواء في ذلك ما كان على مستوى تعاملهم مع الدول أو على مستوى تعاملهم مع الأفراد من أبناء هذه الأمة المتَبلاة الممتَحنة.
وفي السطر الثالث يبدو لي أنه ما زال في
رؤيته العجيبة في المنطقة العربية فيقول بأن هناك قانونين واحد منهما وثني وذلك يعني ضمناً أن القانون الثاني توحيديّ يجعل من مسألة عبادة الله تعالى وحده لا شريك له هو المركز والبداية والنهاية في شأنه كله ، يكون فيه الحكم والأمر لله تعالى وتكون فيه الطاعة والخضوع لرب العباد وبارئهم وحده. ولا شك هنا أن القانون الوثني هو النظام السياسي والاجتماعي والعقائدي وبضمنه القضائي الذي
يدين بلون من الشرك والصنميّة وألوان من العبودية لغير الله تعالى مما يتجاوز الحصر ، فعندنا مثلاً صنم الغرب وحضارته ، وصنم الهوى ، وطغاة صغار هنا وهناك جعلوا من أنفسهم أوثاناً تُعبَد ولهم عُباد كثيرون يجذبهم إليهم بريق الأبيض والأصفر وحب الجاه والملذات ، هذه وثنية أكيدة. إذن فعباد الرحمان هم الفائزون وأن كلمة الله تعلو ولا يَعلا عليها ولا حاجة لنا بنوستردامس ليقول لنا هذا فإنما هو وعدُ من لا يخلف وعده.
وأرى أنّ هناك خيطاً متصلاً يربط هذه
النبوءات الأربعة وكأنه يريد أن يقول بأن هذه الأمور ستجري في مرحلة من مراحل التأريخ بشكل متقارب يتداخل بعضها في بعض وهذا يجعلنا نتفاءل بخصوص قانون التوحيد الذي سترتفع راياته قريباً بعونه تعالى وهذه نبوءة تَصبُّ في مجرى نبوءته الكبرى عن نهاية هذا القرن كما سنرى.
ولقد أورد نوستردامس ذكراً للعلاقة بين
القوة الإسلامية وبين فرنسا في مكان آخر من كتابه في الفصل ( القرن ) السادس فقال :
|
«
[ أوكميون ] ستكون له السيطرة
تتخلى
له عنها القوة الإسلامية العظيمة
وسوف
يمدُّ سيطرته على عموم إيطاليا
|
|
وأنها
سوف تُحكَم بزيف بارع دقيق »
السادس ـ ٤٢
|
وقد رأينا كيف أن [ أوكميون ] هو ما رمز
به إلى فرنسا. وقد رمز إلى الإسلام بالهلال في النص الأصلي فقال : ( قوة الهلال العظيمة ) حيث أن الهلال هو واحد من الرموز أو الشعارات العريقة للعالم الإسلامي.
وهو يقول هنا بأن هذه القوة الإسلامية
العظيمة الواسعة سوف تتخلى عن مكانها ، عن دورها في الحياة ، عن سيطرتها وحكمها حتى على نفسها ، عن تقرير مصيرها ، تتخلى عن السيطرة وتجعلها إلى فرنسا وإلى من تمثله فرنسا في عالم الغرب.
وفي السطر الثالث يقول أن فرنسا سوف
تمدّ سيطرتها على عموم إيطاليا ولعل في هذا شيء من معنى الإنضمام معها في حلف الناتو.
وفي السطر الرابع يبدو أنه يشير إلى حال
( القوة الإسلامية العظيمة ) وقد تخلت عن السيطرة إلى فرنسا وما تمثله وهي راضية متسلمة فصارت بذلك إلى أن تُحكَم بالزيف ، وتزوير وتزويق بارع ودقيق.
ومما يثير عجبي هو أن حزب البعث العربي الإشتراكي هو حزب جاء من فرنسا وأن التزييف البارع
الذي أتى به والذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وشملها بزيفه وتزويره هو أصدق شاهد على كلام نوستردامس يخطر على البال وهو حيّ ماثل في عصرنا.
الدول العربيه تعيد تقييم منهجها
|
«
أهل [ رودس ] سيبطلون المساعدة
مخذولون
بسبب إهمال ورثتهم لهم
الأمبراطورية
العربية ستُعيد تقييمَ منهجها
قضيّتُها
تنشط من جديد بواسطة الغرب »
الرابع ـ ٣٩
|
[ رودس Rhodes ] هي جزيرة يونانية تقع في البحر الأبيض المتوسط يفصلها عن البر التركي مضيق يبلغ عرضه عشر أميال فقط ، وقد أستوطنها اليونانيون حوالي سنة ٤٠٨ ق. م. ثم استولى عليها الرومان حوالي سنة ٤٣ ق. م. ثم صارت تابعة للإمبراطورية العثمانية سنة ١٥٢٢ م إلى أن تم تفكيك هذه الأمبراطورية فتمّ تسليمُ هذه الجزيرة إلى إيطاليا ، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية صارت الجزيرة جزءاً من دولة اليونان الحالية.
فأهلُ رودس هم اليونانيون بالدرجة
الأولى والرومان بالدرجة الثانية ، أما ورثتهم فهم أهل المدينة
الغربية الحديثة بلا أدنى ريب ، بل أن هذه هي دعوى الغربيين أبد الدهر ، فهم يعتبرون أن الحضارة اليونانية القديمة كانت صاحبة التأثير الأعظم عليهم من بين ما عداها من حضارات سابقة ويليها في التأثير عليهم المدنية الرومانية القديمة.
والأمبراطورية العربية أما أن تكون
مقصودة بالذات أو أن تكون إشارة إلى الأمبراطورية الإسلامية ، وليس للعرب ولا للمسلمين إمبراطورية في يومنا هذا ، فلا بد وأن يكون معنى هذه اللفظة هو عالم العرب أو عالم المسلمين وإن كانت لفظة إمبراطورية لا تخلو من إشعارٍ بوجود أواصر قوية من الترابط والتجاذب بين شعوب هذا العالم تجعل لهم نوعاً من الوحدة.
وهو يتنبأ بأن هذا العالم سوف يُعيد
تقييم منهجه ، سوف ينظر نظرة جديدة إلى نفسه وإلى موقعه من هذا العالم وإلى ما يجري في داخله ومن حوله ، إنه لن يبقى مسلوب الإرادة ، مثل الكرة يتلاقفها هذا وذاك ، لن يبقى مستعبداً يكدح دهره لإمتاع المترفين وأشباع شهواتهم وهو لا يعرف معنى الحياة ولا كيف يعيشها ، سوف يُعيد تقييم نفسه وجميع مناهجه ، وستكون أفعال الغرب وتصرفاته مع هذا العالم العربي والإسلامي هي الباعث على إحياء قضيته برُمَّتها.
وفي هذه الرباعية وصف آخر للوضع العالمي
القادم ، ويبدو إلى جانب ما ذكرنا أن المعسكر الغربي سيشهد حالة من التفك والتشتُّت بحيث أن بعض أطرافه يخذل بعضها الآخر لأن لكلٍّ منهم يومئذ شأنٌ يعنيه ، حالةٌ من الصراع الحامي والدامي بين الغرب وبين القوة الإسلامية أو العربية أو القوة العربية وهي تتزعّم القوة الإسلامية ( والأخيرة هي الأصحّ إذا ما جارينا نوستردامس في رؤاه وكما سنرى فيما بعد ) يُثير البلبلةَ والاضظراب في كل مكان. وهنا حالة خاصة يذكرها وهي أن أهل اليونان ( أو ما يحيطها من دول البلقان ) سيصيبهم شيء ما يجعلهم يستنجدون بأحلافهم من الدول الغربية ولكن هؤلاء سوف يخلُفون معاهداتهم ومواثيقهم معهم ويخذلونهم ، يلاحظ أن اليونان هي من أعضاء حلف شمال الأطلسي ( حلف الناتو ) منذ سنة ١٩٥٢ وفي هذا الأمر من الدلالات ما لا يخفى.
العربي العظيم
|
«
العربي العظيم سوف يتقدم إلى الأمام
وسوف
يخذله البيزنطيون
[
رودس ] القديمة ستتقدم للقائه
إنه
سيتكبد أذى أشدّ من الهنغاريين »
الخامس ـ ٤٧
|
كانت هنغاريا على حياة نوستردامس ( ١٥٠٣
ـ ١٥٦٦ ) تحت سلطة العثمانيين إذ كانت قد وقعت في يد السلطان سليمان الأول سنة ١٥٤٦ ، وبقيت تحت سلطتهم لمدة ١٥٠ سنة حتى طردهم منها النمساويون ، بل أن الأمبراطورية العثمانية على حياة نوستردامس كانت قد بلغت ذروة من القوة والسيطرة ، ففي عهده حكم السلطان سليم الأول ( ١٥١٢ ـ ١٥٢٠ ) وأعلن نفسه خليفةً على المسلمين ووريث الخلفاء السابقين ، واحتل سوريا ومصر والجزائر واحتلّ بعض أجزاء بلاد فارس. وجاء سليمان الأول ( ١٥٢٠ ـ ١٥٦٦ ) وجاء بكثير من
الأصلاحات القانونية وشجع الآداب والفنون وبنى الأسطول العثماني وغزا بلغراد ورودس وانتصر على الملك الهنغاري لويس الثاني سنة ١٥٢٦ وسيطر بعدها على بلغاريا ، وحاصر ڤيينا ( عاصمة النمسا ) ولكن جيشه تراجع عنها سنة ١٥٢٩ ، وغزا العثمانيون أثناء حكمه العراق وما جاوره من بلاد فارس سنة ١٥٣٠ ، بل أن العثمانيين تحالفوا على حياة نوستردامس مع ملوك بلده فرنسا ضد حكام النمسا والامبراطورية المقدسة وهي معاهدة استمرت بعد ذلك لقرون من الزمن.
وفي آخر أيام نوستردامس كان السلطان
سليم الثاني قد جاء ألى الحكم ( ١٥٦٦ ـ ١٥٧٤ ) فاحتل قبرص وسيطر على تونس. على كل حال فقد بدأت على عهد هذا السلطان حالةٌ من الضعف تصيب مقام السلطان وتأثيره بسبب دخول بعض التأثيرات الجديدة وشهدت سنة ١٥٧١ معركة بحرية مهمة هي معركة [ ليپانتو ] التي كانت أول هزيمة مهمة للتوسع العثماني أوقفتهم فيها عند حدِّهم.
على كل حال ففي هذه الرباعية صارت
الصورة أكثر تفصيلاً عن توقّعات نوستردامس لمستقبل العالم الإسلامي والعربي ، فنحن هنا نرى هذا الرجل الإسلامي العظيم وهو يتقدم كما يفعل الفاتحون ، أنه يتقدم غرباً
باتجاه هنغاريا ( قلنا أن هنغاريا كانت على عهد نوستردامس تحت سيطرةٍ محكمة من جانب الأمبراطورية العثمانية التي كانت في أوج قوتها وفي كلامه هذا شيء من مصداقية أنّ الرجل إنما يرى مشاهد من المستقبل بالفعل ) وسوف يشتبك معهم ويلقى أذى أشدّ من هذا الذي سيلقاه من جانب أهل اليونان الذين سيتقدمون أيضاً لصدّه ولرفع قواته ، كما يبدو بأن الأتراك ( أهل بيزنطة ، وبيزنطة هي الإسم القديم لمدينة إسطنبول التركية ) سوف تكون بينه وبينهم معاهدة أو اتفاق أو أنه على الأقل يتوقع منهم العون والنصرة ( حيث أنهم مسلمون ) ولكنهم يخذلونه. ولا ننسى أن كلاً من تركيا واليونان هما عضوتان في حلف الأطلسي ( الناتو ) وقد انضمتا كلتاهما إليه في سنة ١٩٥٢ ويبدو أن هذا التحالف التركي سيكون السبب وراء خذلانهم لهذا الزعيم المسلم. كذلك فإن هنغاريا كانت إحدى الدول الأعضاء في حلف وارشو منذ تأسيسه سنة ١٩٥٥.
قائد عربي قوي
|
«
في المنطقة العربية الغنّية
سوف
يولد شخصٌ قوي في شريعةِ محمد
إنه
سوف يُربك أسبانيا ويقهر غرناطة
إضافة
إلى الشعب اللّيغوريّ بواسطة البحر »
الخامس ـ ٥٥
|
إذا أخذنا بالتعميم فإن الشعب اللّيغوري
هو إشارة إلى الشعب الإيطالي وذلك لأن [ ليغوريا Liguria ] هو إسم المنطقة الإيطالية الساحلية المجاورة للساحل الفرنسي على البحر الذي يعرف بنفس الإسم ( والذي هو طبعاً جزء من البحر الأبيض المتوسط ) ومركزها هو مدينة جنوا.
غرناطة هي المدينة الإسلامية الأندلسية
العريقة الواقعة في أسبانيا وهي على بعد ١٩٥ كيلومتراً شمال شرق جبل طارق وتحوي على آثار باقية من العهد الأندلسي وأهمها قصر الحمراء الذي بُني في حدود
سنتي ١٢٤٨ ـ ١٣٤٥ م. وهناك مدينة ثانية باسم غرناطة تقع في نيكاراغوا في أمريكا الوسطى وتعتبر أقدم مستوطنات أسبانيا في نيكاراغوا أيام عصر توسعها وقد بُنيت هناك في حدود سنة ١٥٢٣ م.
وواضح أن نوستردامس يتحدث هنا عن نفس القائد العربي المسلم الذي كما في صدده آنفاً ولكننا أصبحنا نعرف بأنه عربي بالفعل يولد في المنطقة العربية ، ليس هذا وحسب ولكنه من المنطقة العربية الغنية من بين المناطق العربية الأخرى ، ولا شك أنها إشارة إلى مناطق النفط وهذا يعني بالتأكيد منطقة الجزيرة العربية والعراق حيث يوجد أضخم احتياطي للنفط في الكرة الأرضية كلها. من هذه البقعه من الأرض مهبط الأنبياء والرسل ، التي بارك الله تعالى فيها أيّما بركة ومنذ فجر الأنسانية الأول ، سوف يأتي شخص ليس قوياً فقط ولكنه قويّ أيضاً في شريعة الإسلام ( التي يسميها صاحبنا بشريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يقل في النص الأصلي بأنه شخص قوي على شريعة محمد (ص) ولكنه قال بأنه شخص قوي في شريعة محمد (ص) ، وأرى أن لهذا دلالة قوية جداً لأنه كان يستطيع أن يقول بأنه سيكون عارفاً أو عالماً بالشريعة الإسلامية أو أنه مسلم وحسب إذا كان يريد الإشارة إلى هذا المعنى ،
ولكنه قال بأنه قويّ في الشريعة المحمدية لأنه يقصد بأنه سوف ينهج منهجاً يريد به أن يُمضي هذه الشريعة على أصولها التي جاء بها الرسول العظيم محمد (ص) وبدون أية حلول توفيقية ، لا تأخذه في الله الحق لومة لائم ، وأن شريعة الإسلام تعني عنده شريعة الإنسان وحكم فطرته التي فطره الله عليها وأن أمر العالم والإنسانية سوف لن يستقيم إلا بها.
ثم إننا هنا أمام مشهد جديد فيه تطور
على ما سبقه حيث أننا نرى الزعيم العظيم وهو يتوسّع في فتوحه غرباً ونراه يغزو إيطاليا عن طريق البحر ، ونراه يفتح مدينة غرناطة الواقعة جنوب أسبانيا ويخضعها ليسطرته ويسبّب بذلك أرباكاً للدولة كلها.
الاسماعيلي العظيم
|
«
حرب البرابرة تصل البحر الأسود
إراقة
دماء تجعل [ دلماشيا ] ترتجف
الأسماعيليّ
العظيم يصل ذروتَه
المُتذمّرون
يرتجفون مع عون من البرتقال »
التاسع ـ ٦٠
|
الإسماعيليّ تعني بطبيعة الحال العربي ،
وهي نسبة إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام حيث أن جميع العرب هم من نسل هذا النبي الكريم. قد شاعت هذه النسبة لدى الغربيين خصوصاً في أدبياتهم الدينية القديمة.
[ دلماشيا Dalmacia ] هو الإسم التقليدي القديم لما يعرف اليوم بجمهورية [ كرواتيا Croatia ] إضافة إلى النصف الجنوبي مما يعرف اليوم بجمهورية بوسنيا ـ هوسكوفينا وهما إحدى الجمهوريات الستة الصغيرة التي تشكل بمجموعها جمهورية يوغسلاڤية القديمة ، وتقع
[ دلماشيا ] على ساحل بحر الأدرياتيك الشرقي مقابل البر الإيطالي ، كرواتيا وبوسنيا هما الجمهوريتان اللتان ثارت فيهما الاضطرابات في يومنا هذا نتيجة مطالبتهما الحازمة بالاستقلال عن يوغسلاڤيا.
لم تعرف يوغسلاڤيا باسمها هذا إلا
في سنة ١٩٢٩ ، وهي إحدى دول شبه جزيرة البلقان ( والتي هي عبارة عن الزاوية الجنوبية الشرقية من أوروبا وتشمل بالإضافة إلى يوغسلاڤيا كلاً من ألبانيا واليونان ورومانيا وبلغاريا ) وقد كانت أرضها في الأصل جزءاً من الأمبراطورية الرومانية ثم استولت عليها القبائل المعروفة بأسم [ السلاڤ Slav ] في القرن السابع الميلادي. وبدأ تأريخها الفعلي مع نشوء الدولة الصربية في بداية القرن الرابع عشر الميلادي والتي وحّدت بقية الأقوام السلاڤية وبدأت تغزو بقية مناطق البلقان. ولكن لم ينته القرن الرابع عشر إلاّ وتقع أراضي يوغسلاڤيا تحت سيطرة الأتراك العثمانيين الذين قاموا بغزوها سنة ١٣٨٩ وبقيت تحت سيطرتهم التامة حتى سنة ١٨٧٨ ( أي أنها كانت تحت حكم العثمانيين المسلمين على حياة نوستردامس ) حيث ضعف وجودهم فيها ، وجاءت النمسا لتضم المنطقة الوسطى حيث جمهورية ( بوسنيا ـ هرسكوڤينا )
إليها سنة ١٩٠٨ ، وهي منطقة تسكنها غالبية عظمى من المسلمين ، ولم يتم خروج الأتراك تماماً من صربيا وبقية أنحاء المنطقة إلا سنة ١٩١٢ أثناء حرب البلقان. وفي حزيران من سنة ١٩١٤ قام طالبان من الصرب بأغتيال ولي عهد النمسا في مدينة [ سراييڤو ] مركز منطقة المسلمين وهي الحادثة التي يقال بأنها أشعلت فتيل الحرب العالمية الأولى ، ومع نهاية هذه الحرب برزت على أرض يوغسلاڤيا الحالية دولة جديدة باسم مملكة الصرب والكرواتيين والسلاڤيين ، وقد شهد عصر هذه المملكة تصاعداً مستمراً في التعصب العرقي والوطني لدى كلٌّ من الصرب والكرواتيين مما أدى بأحد ملوكها المعروف باسم الأسكندر أن يعلن في سنة ١٩٢٩ عن تبديل إسم المملكة إلى يوغسلاڤيا بدلاً من إسمها القديم وحاول أن يوحّد ويجمع كلمة أهالي المقاطعات المختلفة بأن يجعل ولاءهم متوجهاً نحو الدولة ( بأسمها الجديد ) بدل أن يكون نحو العرق أو المنشأ ، ولكنه لم ينجح وانتهى الأمر باغتياله سنة ١٩٣٤. ونشبت الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٣٩ وحاول الألمان أيامها أن يدفعوا يوغسلاڤيا للأنضمام إلى معسكرهم ولكنها رفضت ، فقامت كل من ألمانيا وإيطاليا وهنغاريا وبلغاريا بغزو يوغسلاڤيا فاجتاحوها واقتسموها فيما بينهم. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية نشأت مقاومة يوغسلاڤية عنيفة
ضد المانيا وإيطاليا في فصائل متعددة كانت تقاتل المحتلّين من جانب وتتقاتل فيما بينها من جانب آخر ، وكانت هناك مذابح وكان نصيب المسلمين اليوغسلاڤ منها هو إثناء عشر ألف قتيل ، وبرز من بين تلك الفصائل فصيلة الحزب الشيوعي بقيادة تيتو. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٥ كان الحزب الشيوعي اليوغسلاڤي قد أحكم سيطرته على الجيش والشرطة ومن ثم بسط حكمه على عموم المنطقة حتى تم الإعلان عن تأسيس جمهورية يوغسلاڤيا نهاية سنة ١٩٤٥ وتمّ جعلها من مقاطعتين وست جمهورايت صغيرة تتمتع كل منها بحكم ذاتي مع سيطرة محكمة من جانب الحكومة المركزية بزعامة المارشال تيتو. ومع موت تيتو سنة ١٩٨٠ عادت الصراعات العرقية القديمة إلى الظهور على السطح من جديد وخصوصاً بين صربيا وكرواتيا وبلغت القمة في أيامنا هذه في هذا الصراع الدامي الذي نشهده على أرض كرواتيا وبوسنية ( دلماشيا ). ويشكل المسلمون خمس سكان يوغسلاڤيا البالغ عددهم خمس وعشرون مليوناً ويتركزون في وسط يوغسلاڤيا في جمهورية بوسينا ـ هرسكوڤينيا المذكورة أعلاه وهي تنحصر بين صربيا شرقاً وبين كرواتيا غرباً ، وتعتبر عاصمتها ( سراييڤو ) مركزاً للثقافة الإسلامية اليوغسلاڤية.
وقد بالغت السلطات اليوغسلاڤية
على عهد تيتو ومن جاء بعده في اضطهاد المسلمين بشكل عنيف جداً حتى انهم صلبوهم على أبواب المساجد وحتى أنهم حصدوهم بالدبابات حصداً ناهيك عن تخريب جوامعهم وبيوتهم والتشريد بهم والتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثالثة ، وخصوصاً على أيدي الصرب الذين يسيطرون على البلاد.
أما البحر الأسود فإنه يشكل فاصلاً
طبيعياً بين قارتي آسيا وأوروبا وتحيط به من الغرب رومانيا وبلغاريا ومن الجنوب تركيا ، وعبر الأراضي التركية ومياه بحر مرمرة يتصل البحر الأسود بمياه البحر الأبيض المتوسط من خلال مضائق البسفور والدردنيل ، وإلى الشرق من البحر الأسود تقع جمهورية جورجيا وإلى شماله تقع أوكرانيا وهما جزء من الإتحاد السوڤيتي بصورته القديمة. كما تمتد إلى الشرق من البحر الأسود أراضي المسلمين الواقعة تحت النفوذ الروسي وهي أذربيجان ( تقع فيها أكبر حقول النفط في الأتحاد السوڤيتي ) ، اوزبكستان ، كازخستان ، تركمانستان ، تترستان.
وفي الواقع فإنني عندما انتهيت من تأليف
هذا الكتاب حوالي نهاية الشهر الخامس من سنة ١٩٩١ لم تكن أحداث كرواتيا ومن بعدها أحداث جمهورية بوسنية
قد برزت إلى السطح كحدث عالمي مهم وكنت قد كتبت حول هذه الرباعية نبوءة عن أحداث عارمة ستجري في يوغسلاڤيا تجعلها ترتجف ولكن سرعان ما بدأت الأحداث تتصاعد فيها وتنمو بشكل غريب مما جعلني أعيد كتابة هذا الفصل مرة ثانية ( كما فعلت في مواضع أخرى كانت الأحداث المتسارعة تلقي أضواء جديدة عليها ) وارتجفت أخيراً.
ويبدو لنا نوستردامس هنا وهو يستلم
لقطات من المستقبل بدون أن يضعها في تسلسل تأريخي معيّن ، فنحن نرى أحداث كرواتيا ( دلماشيا ) مثلاً ولكننا لا نرى أثراً للإسماعيلي العظيم الذي يذكره ، كما أننا نرى الأضطرابات الشاملة التي تحيط بمنطقة البحر الأسود في سلسلة ما يجري فيما كان يعرف بالأتحاد السوڤيتي ودول أوروبا الشرقية ، ولكننا لا نرى أثراً ملموساً لنهضة التغييرات الكبرى الإسلامية ( حرب البرابرة ) في الوقت الحاضر ناهيك عن وصولها إلى منطقة البحر الأسود ، هذا إذا ما أردنا تفسير عبارة البرابرة على أنها تعني المسلمين. ولكن وجه الأهمية في هذه النبوءة عدا كونها تحققت في جزء منها وهو أرتجاف كرواتيا ومن بعدها بوسنية بدرجة أفضع وأقسى وأراقه الدماء فيهما هو أنها تعطينا ما يشبه التوقيت أو تعيين الفترة الزمنية التي
ستحصل فيها بقية أجزاء النبوءة ، وبمعنى آخر أن اليوم الذي ستحصل فيه رجفة دلماشيا وإراقة الدماء فيها سنرى فيها وصول حرب المسلمين إلى البحر الأسود وسوف نرى فيها الإسماعيلي العظيم وهو يصل إلى ذروة قوته إلى آخره.
ويبدو من جملة المشهد بأن سبل الحيلة
ستنقطع بطوائف من الناس في الشرق والغرب ويشيع فيهم تذمرّ في هلع وأن عوناً من نوع ما سيصل عن طريق البرتغال لأغاثة هؤلاء المتذمرين ، ويبدو أنه يشير إلى قوة بحرية ستأتي من الغرب عبر البرتغال وكأنيّ بها أساطيل أمريكا وحلفائها من دول المحيط الأطلسي ، والبرتغال عضوة في هذا الحلف منذ تأسيسه سنة ١٩٤٩ ، بل ما هي غير إشارة واضحة جداً إلى القوات التي تبعث بها اليوم دول حلف شمال الأطلسي تحت عنوان قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام وتأمين وصول المعونات.
ولنوستردامس رباعية أخرى في موضع آخر
يبدو أن لها علاقة بأحداث البحر الأسود هذه يقول فيها :
|
«
بسببِ حرارةٍ كحرارة الشمس
فإن
السمك في البحر الأسود سيُطهى نصف طهو
سكانه
سوف يُتلفونه
|
|
بينما
في رودس وجنوا هناك عوز للطعام »
الثاني ـ ٣
|
هذه الحرارة الرهبية التي تطبخ السمك
الذي يسبح في أعماق البحر الأسود قد تكون بسبب عوامل بيئية ، أي بمعنى أن تكون ظرفاً مناخياً استثنائياً ، أو أنها تحصل بفعل نوع السلاح الذي سيستخدم في تلك الحرب ، وفي نفس الوقت فإنه يشير إلى مجاعة تصيب اليونان ( رودس ) وإيطاليا ( جنوا هي مدينة إيطالية عريقة تقع على سواحل البحر الأبيض التوسط ) ، وقد يكون قصده أوروبا كلها من شرقها إلى غربها ، ولا يبعد أن يكون ذلك جزءاً من المجاعة العالمية التي يتنبأ بها في أكثر من موضع.
الرجل العظيم من اسيا
|
«
من فاس ستمتد السلطة إلى ممالك أوروبا
المدُن
تحترق ، السيفُ يقطع
الرجلُ
العظيم من آسيا يأتي بجيشٍ هائل بالبر والبحر
ومعه
أناسٌ شاحبة ألوانهم كالموتى يسوقون الصليب إلى الموت »
السادس ـ ٨٠
|
فاس هي مدينة في مراكش وفيها مسجد
القرويّين الذي هو واحد من أكبر المساجد في العالم وهو في نفس الوقت من أقدم جامعات العالم وقد أنشيء حوالي سنة ٨٥٠ ميلادي ، ونفس مدينة فاس أنشئت سنة ٨٠٨ م بواسطة مولاي إدريس الثاني وبلغت ذروةُ مجدها في القرن الرابع عشر حيث صارت تجتذب طلاب العلوم المختلفة من كافة أقطار العالم الإسلامي وبعض أقطار أوروبا.
إن نوستردامس يتنبأ هنا عن هولٍ عظيم ، إنه
فتحٌ واسع عريض سوف يبدأ من أرض المسلمين العرب وبزعامة هذا الرجل العظيم الذي سيقود جيشاً هائلاً يأخذ البر والبحر حتى يدخل به مدن أوروبا الواحدة تلو الأخرى وستلتهب النيران فيها وسوف يأخذ أهلها بالسيف يقطع به رؤوساً طالما علت واستكبرت في الأرض بغير الحق وطالما أفسدت وبثّت البؤس والتعاسة بين عباد الله الآمنين ولم تعرف غير لغة القوة والعنف والإبادة وسحق الشعوب بلا رحمة.
ومن الذي سيكون معه في جيشه الجرّار ذاك
!! إنهم فئة من الناس يقول عنهم أنهم شاحبةٌ ألوانهم وكأنها ألوان الموتى ، إنهم جياعٌ آسيا وأفريقيا والعالم الثالث والعاشر ، إنهم جموع البؤساء والمحرومين الذين جاؤوا للثأر لكرامتهم الإنسانية ولأخذ حقوقهم المُغتصبَة وللانتقام من المتخمين المترفين. ومن ثم فإنهم سوف يسوقون الصليب إلى الموت ، الصليب الذي طالما إستتر وراءه هؤلاء اللصوص القتلة لبثّ الشقاء والدمار بين شعوب العالم المستضعفة ، كم أراقوا من دماء وكم أشاعوا من دمار بإسم الصليب وبمباركة البابا في مدينة الفاتيكان في روما وعلى مدى القرون من دون أن تأخذهم تقوى الله في خلقه والسيد المسيح عليه السلام
براءٌ منهم ومن شنائعهم. إن هؤلاء وبقيادة هذا الزعيم العظيم سيضعون نهاية لهذه اللعبة الصليبية وسوف يطهّرون إسم هذا الرسول الكريم عيسى المسيح (ع) من الدنس الذي لحقه منهم.
وأرى أن اختياره لمدينة فاس إنما جاء
للإشارة إلى نور الحضارة الإسلامية ( وهي حضارة بكل ما في الكلمة من معنى دون ما يسمونه اليوم حضارات ) الذي سيغمر أوروبا فيما بعد ، وذلك بالنظر لموقع هذه المدينة الحضاري والعلمي الرفيع لقرون مديدة من الزمن في وقت كانت فيه جاراتها من البلدان الأوروبية غارقة في ظلمات الجهل والبؤس الذي اختاروه اختياراً وكانوا يرفضون الخروج منه بكل شدة.
ولا ننسى أن مدينة فاس هي من أعرق مراكز
الساحل البربري الذي طالما ركزّ نوستردامس عليه في نبوءاته ، وفي هذا دلالة واضحة على مدى ضخامة الدور الذي سيلعبه سكان هذا الساحل وأهله من البربر في مستقبل هذا العالم.
ولكن
متى ؟؟
|
«
في السنة ١٩٩٩ وسبعة أشهر
من
السماء سوف يأتي ملكُ الرعبِ العظيم
إنه
سيُعيد إلى الحياة ملك [ أونكوموا
|
|
Angoumois ] العظيم
قبل
ذلك وبعده ستسود الحرب كما يشاء لها الحظ »
العاشر ـ ٧٢
|
إذن هذا هو موعد الطّامّة الكبرى التي
يتوقعها نوستردامس للسيادة الغربية الإستعلائية والتي بانهيارها سيدخل العالم عصره الذهبي الجديد.
شهر تموز ( يوليو ) من سنة ١٩٩٩ سوف
يأتي من السماء ملكٌ عظيم ، ولكن أيّ ملك !! إنه ملك الرعب. ولا بد وأن عرّافنا أو كاهننا نوستردامس هذا قد رأى القرن العشرين بصورة ما فشاهد زعماء المعسكرات الشرقية والغربية ورأي زعماء أمريكا وبريطانيا وروسيا وفرنسا وبيدهم صولجان الارهاب وسلطانه ، إنهم كبراء هذا الفن البشع وأساتذته وإن كانوا يرمون هذا وذاك بهذه التهمة على قاعدة حكيمنا العربي ( رمتْني بدائها وانسلّت ) ، ولكن يبدوا أنه رأى ذلك كله وكأنه شيء بسيط إذا ما قورن بما سيراه العالم من هذا الشخص ، فإنه ملك عظيم للرعب ، أنه سيد الرعب ، أنه أفضل من سيُلقِّن هذه الفراعنة « المتصنّمة » درساً من العذاب يصبُّه عليهم صَباً قبل أن يُلاقوا رباً لا يفوته في حسابه لهم مثقال حبة من خردل فيجزيهم الجزاء الأوفى ، إنه هو ذلك
الإسماعيلي العظيم القوي في دين محمد (ص) الذي سيولد في المنطقة العربية الغنيّة.
أما مجيؤه من السماء فقد يكون المقصود
منه أنه يأتي رحمة لأهل الأرض من رب السماء جل وعلا ، أو أنها بمعنى أنه يأتي جواً بطائرة من نوع ما ، أو أن المراد به الإثنان معاً.
والسطر الثالث يحتاج إلى شيء من التوضيح
في خصوص ملك [ أونكوموا ] لأن الأمر يهمنا أن نعرف كل شيء بخصوص هذه الرباعية.
[ أونكوموا Angoumois ] هي مقاطعة قديمة في جنوب غرب فرنسا الحالية ، وكانت عاصمتها هي مدينة [ أنكوليَم Angouleme
] في وقت لم تكن فيه فرنسا قد عُرفت بعد بهذا الإسم ولا كان لها كيان سياسي مترابط كما حصل فيما بعد ، وكانت تحت سيطرة الأمبراطور الروماني في ضمن الأجزاء الأخرى من بلاد الغال ( التي صارت تعرف فيما بعد بفرنسا ) منذ حوالي سنة ٥٠ ق. م. وحتى بداية القرن الخامس الميلادي عندما صارت مسرحاً لعدد من الغزوات ولتصير تحت سلطة عدد من الملوك والفاتحين ، ونحتاج أن نأتي الموضوع بشيء من التسلسل حصوصاً وإن ذلك سيلقى بعض الضوء على القصد النهائي من ذلك.
ففي بداية القرن الرابع الميلادي كانت
هناك قبائل بدوية تسكن جنوب وشرق البحر الأسود وتعرف بقبائل [ الهان Huns
] وكانوا على شبه كبير بالجنس المغولي حتى أن بعضهم يعتبرهم فرعاً منهم ، وكانوا مقاتلين في منتهى الشراسة وبارعين للغاية في الفروسية وفي استعمال القوس والنشّاب وصاروا يغزون أطراف الهند وفارس ومن ثم صاروا يتقدمون غربا ليحتلوا أجزاء من أوكرانيا وأوروبا الشرقية حيث كانت تسكنها قبائل من أصل اسكندناڤي تعرف بال [ كوث Goth ] وذلك في حدود سنة ٣٧٠ م وصار هولاء يهربون من وجه الهان ويهيمون في الأرض من فرط الرعب الذي أصابهم نتيجة غزو الهان لأطرافهم الشرقية واتجهت غالبيتهم غرباً إلى حدود الدولة الرومانية أنذاك واحتموا بإمبراطورها الذي سمح لهم بالإقامة داخل حدوده تحت حمايته ولكنه فرض عليهم ضرائب عالية جداً جعلتهم يثورون في وجهه ومن ثم أن يهجموا على مدينة روما عاصمة الأمبراطورية وينهبوها سنة ٤١٠ م وصاروا بعدها يهاجرون غرباً فاستقر قسم منهم في منطقة [ أونكوموا ] وتسلطوا عليها وحكموها واستقر القسم الآخر جنوباً في أسبانيا. وكان ذلك في سنة ٤١٧ م. أما سلطتهم في بلاد الغال فقد انتهت سنة ٥٠٧ على يد قبائل جرمانية تعرف باسم [ فرانك Frank ] وهم الذين أعطوا فرنسا إسمها الحالي بعد إسمها
الروماني القديم ( الغال ) وأما سلطة القسم الثاني من قبائل الكوث في أسبانيا فقد انتهت سنة ٧١١ م على يد الفاتحين المسلمين الذين أسسوا الدولة الإسلامية في الأندلس.
ثم صارت منطقة [ أونكوموا ] جزءاً من
إمبراطورية تشارلمان ثم صارت تابعة لملك انكلترة ثم حكمها دوقات مختلفون قبل أن تصبح جزءاً من فرنسا ككل. وقد كانت هذه المقاطعة ومركزها مدينة [ أنكوليم ] نقطة نزاع بين إنكلترة وفرنسا أثناء حرب المائة عام التي استمرت من ١٣٣٧ إلى ١٤٥٣. وفي أواخر القرن السادس عشر وعلى حياة نوستردامس كانت مسرحاً لحروب دينية بين طائفتي الرومان الكاثوليك والبروتستانت مورسَتْ فيها ألوان الإضطهاد والعنف.
وقد كان لقب دوق أنكولَيم يطلق على
ثلاثه أشخاص ممن حكمها. كذلك فإن فرعاً من العائلة المالكة الفرنسية المعروفة بسلالة أو بعائلة [ ڤالوا Valois
] كان قد عرف باسم عائلة [ أنكوليم Angougeme ] وحكموا هذه المقاطعة بين سنتي ١٥١٥ و ١٥٧٤ أثناء فترة الحروب الدينية.
ونعود إلى قبائل الهان ، فإنهم وبعد
غزوهم واحتلالهم للقسم الشرقي من أوروبا وبعدما أحدثوه من
موجات عظيمة للهجرة حوالي سنة ٣٧٠ م صاروا يتقدمون غرباً حتى احتلوا أوروبا الوسطى وحتى وصلوا إلى حدود الدولة الرومانية الشرقية وفرضوا الجزية على إمبراطورها سنة ٤٣٢ م على زمن ملك الهان [ روغيلاس Rugilas ] ، فلما توفى الأخير جاء من بعده [ عطيل Attila ] سنة ٤٣٤ م وورث عنه ملكه ، وكان عطيل يُعرف عند الغربيين وعلى مدى القرون التي تلت ذلك بلقب ( عذاب الله ) ، وعلى عهده بدأ الهان يهاجمون الدولة الرومانية ، وقام عطيل بقيادة ثلاث حملات في داخل الأمبراطورية الرومانية في السنوات ٤٤١ ، ٤٤٧ ، ٤٥١ تغلغل في الأولى في داخل أمبراطوريتهم حتى حدود القسطنطينية وكاد أن يحتلها ، وفي الثانية جاز خلال دول البلقان ووصل إلى اليونان ، وفي الثلاثة حاول الاستيلاء على بلاد الغال ( فرنسا الحالية ) وكاد أن يستولى على [ أونكوموا ] ولكنه لم يفلح في ذلك حيث تحالف الرومان مع قبائل الكوث القاطنة فيها والحاكمة فيها لصد هجومه فهزموه سنة ٤٥١ وتراجع ولكنه مع ذلك هجم على إيطاليا في طريق عودته فاحتلها لفترة قصيرة وخرّبها ونهبها. وقد توفى عطيل سنة ٤٥٣ بعد حفلة أقامها بمناسبة زواجه لتتفكك بعده مملكة الهان الواسعة وليتشتت قومه وليرث الله الأرض ومن عليها. وقد كان عمر عطيل يوم مات ٤٧ عاماً.
فأيّ هؤلاء الملوك الذين تعاقبوا على
أونكوموا هو المقصود بكلام نوستدامس ؟! لا شك أنه أراد الأخير ، عطيل وقومه وغيره من ملوكهم ، مع أنه لم يملك أونكوموا بالفعل وإنما وصلها وكاد يحتلها لو لا أنهم دفعوه عنها ، وذلك لأن المقام هو مقام تمثيل أو تشبيه لدرجة الرعب التي سيسببها ملك الرعب العظيم المذكور ، وقد رأينا أي رعب أصاب ممالك أوروبا من جانب قبائل الهان بحيث أن شعوباً بكاملها كانت تترك أوطانها أمام زحفهم بحثاً عن المجأ الآمن ، كما رأينا أيّ مقاتل شرس ومرعب كان عطيل حتى أن اللقب الذي صار يعرف به لدى العالم الغربي وعلى مرّ التأريخ هو ( عذاب الله ).
ويضيف نوستردامس بأن حالة الحرب ستسود العالم قبل هذا التأريخ وبعده وكما يشاء لها القدر.
ونوستردامس كان نادراً ما يعطي تأريخاً
واضحاً وبالارقام لأية نبوءة يعطيها وهذه الرباعية هي من تلك النوادر. وكان قد أعطى تأريخاً محدداً لإنتهاء العهد الملكي في فرنسا وأصاب فيه تماماً وذلك في رسالته إلى ملك فرنسا هنري الثاني والتي تضمنها كتاب ( القرون ) هذا والتي قال له فيها : ( إن الملكية ستبقى حتى سنة ١٧٩٢ وهي التي ستعتبر بداية عهد جديد ). وهي بالفعل
السنة التي قامت فيها الجمهورية الفرنسية وانتهى بذلك عهد النظام الملكي الذي كان سائداً ( وهو أمر سبقت الإشارة إليه بشيء من التوسع ) ، كما أنها السنة التي يمكن اعتبارها نهاية عهد السيطرة الكنيسة على الدولة وسياستها في فرنسا وفي بقية دول العالم المسيحي فيما بعد ، وهذا هو وجه الأهمية الذي جعل نوستردامس يولي لهذا التأريخ عناية خاصة فيذكره بالتحديد ، ومن نفس المنطلقات نراه في هذه الرباعية وهو يذكر تأريخاً محدداً جداً إلى درجة أنه يعيّن حتى الشهر الذي يتوقع فيه لهذا الحدث الهائل أن يحصل ، أي أن الحدث إنما يكتسب أهمية لدي نوستردامس من مقدار تأثيره على سلطة وهيبة الكنيسة الكاثوليكية من ناحية وسيادة فرنسا والغرب من ناحية ثانية ، فكما كان للثورة الفرنسية من آثار واسعة على العالم الغربي فكذلك سيكون للثورة العالمية القادمة من الآثار على الغرب وعلى العالم ما سيرسم له ملامح جديدة تماماً.
رعب الجنس البشري
|
«
رجلٌ سيُحيي آلهةَ هانيبال الجهنمية
إنه
رعبٌ للجنس البشريّ
ولن
تنقل الجرائدُ مطلقاً أنّ رعباً أعظم حصل قبلَها
من
هذا الذي سيُصيب الرومان من خلال بابل »
الثاني ـ ٣٠
|
هانيبال أو هانيبعل هو أعظمُ قائد
قرطاجيّ عرفه تأريخ قرطاجية. وقرطاجة هي مدينة عريقة أنشئت بالقرب من مدينة تونس الحالية قبل الفينيقيين الذين قدموا إليها من لبنان حوالي سنة ٨١٤ قبل الميلاد ، ثم نمت هذه المدينة وصارت دولة قوية ثم صارت تنافس الأمبراطورية الرومانية للسيطرة على غربي البحر الأبيض المتوسط ، وخاضت ضدها ثلاث حروب رئيسية بين ٤٦٤ و ١٤٦ ق. م. أي على مدى أكثر من ثلاثة قرون
من الزمن ، وانتهت الحرب الأخيرة بتدمير مدينة قرطاجة وإبادتها تماماً ، ثم أعاد الرومان بناءها بعد ذلك بمائة عام لتصبح مركزاً إدارياً لهم في شمال أفريقيا ، وكانت قرطاجة تسيطر على أجزاء واسعة من شمال أفريقيا إضافة إلى جزر سسلي وسردينيا ومالطا في البحر الأبيض المتوسط إضافة إلى منطقة واسعة جنوب إسبانيا.
هانيبال ( ٢٤٧ ـ ١٨٣ ق. م ) كان ابن
قائد قرطاجي كبير فأنشأه نشأة عسكرية ، وعندما بلغ من العمر ٢٦ عاماً صار قائداً للقوات القرطاجية في أسبانيا ، فهجم على مدينةٍ أسبانية كانت تحت سيطرة الرومان واستولى عليها في وقت كانت بين الإثنين معاهدة سلام فاعتبر الرومان ذلك خرقاً للمعاهدة وبدأت بذلك الحرب القرطاجية الثانية ، وهنا قام هانيبال بحملة لغزو الرومان في عُقر دارهم تعتبر واحدة من مفاخر الحملات العسكرية في التأريخ ، إذ أنه أخذ جيشاً من أربعين ألف جندي بين مشاة وفرسان ومعه قطار من الفيله لحمل المؤَن والمعدات وانطلق بهم من أسبانيا واتجه شمالاً وعبر سلسلة الجبال التي تفصلها عن فرنسا ودخل جنوب فرنسا وعبر بهم نهر الرون وبقي يتجه شمالاً ليخفي نواياه عن الرومان ، فلما اطمأن إلى أنه قد خدعهم عن قصده إستدار جنوباً وعبر بجيشه جبال الألب وسط الثلوج ( وكان
الفصل شتاءاً ) ودخل شمال إيطاليا وأوقع هزائم منكرة بالرومان وبخطط عسكرية محكمة ولكنه لم يدخل مدينة روما العاصمة ، وبقي داخل الدولة الرومانية حتى صيف تلك السنة ( ٢١٨ ق. م ) ليقود حولة أخرى ضدهم متوغّلاً في داخل بلادهم وتمكن من دحرهم مرة أخرى. وبعد سنة أخرى قاد حملة ثانية ضدهم وهزمهم فيها أيضاً. ولكنه وفي معركة حصلت سنة ٢٠٢ ق. م. هُزم أمام الرومان ولاحقته الهزائم حتى اضطر للألتحاق بملك سوريا [ انتيوكس Antiochus ] وتحالف معه ولكنه تركه بعدها وذهب إلى آسيا الصغرى ( تركيا ) حيث مملكة [ بثنيا Bithynia
] وتحالف مع ملكها لحرب الرومان ، ولكن هذا الملك خسر حربه معهم هذه المرة أيضاً وكاد هانيبال أن يقع أسيراً بيد الرومان فتناول سماً كان يخفيه في خاتم في أصبعه كان طالما قد حمله معه لساعة كهذه ومات حوالي سنة ١٨٢ ق. م. عن عمر يناهز الخامسة والستين عاماً.
أما ألهة قرطاجية التي ورد ذكرها ، فإن
القرطاجيين كانوا تقريباً على دين أسلافهم الفينيقيين من عبادة الأوثان ، وكان إلههم الرئيسي هو [ بعل ] الذي ورد ذكره في التوراة ، ثم تأتي بعده في الأهمية إلهة السماء وهي أثنى إسمها [ تانيت Tanit ] أو تأنيث.
وكان من مظاهر ديانتهم هو تقديم
القرابين البشرية لآلهتهم يطلبون بها رضاها وخصوصاً أيام الشدة والمحن ، ويقال أن من أساليب تقديم القربان كان برمي ذلك الشخص في نار تستعر بين رجلي الصنم الهائل الحجم.
فالسطر الأول هو تمثيل شعري لما سيكون
عليه الرجل الذي يُخبِر عنه نوستردامس ويقول عنه بأنه رعبٌ للجنس البشري ، فإنه سيكون شأنُه ومسلكه تجاه العالم الغربي كشأن وكمسلك هانيبال. وهانيبال رجل شرق أوسطيّ من أصل فينيقي ، والفينيقيون هم قبائل سامية سكنت سوريا ولبنان ، والرومان هم سادة العالم الغربي ورمز قوته وسيطرته وهم الذين سادت أمبراطوريتهم وحكمهم على حوض البحر الأبيض المتوسط وأكثر أوروبا لمدة حوالي إثنى عشر قرناً.
هذا الرجل الذي يصفه بأنه رعبُ الجنس
البشري هو نفسه ذلك العربي الإسماعيلي القوي في دين محمد (ص) والذي سماه من قبل بملك الرعب ، وسيفعل فعل هانيبال بعالم سيطرة الغربية وسوف يصل إلى ما يريد ولو بتقديم القرابين تلو القرابين من البشر في سبيل الوصول إلى هدفه الكبير في تطهير العالم من أرجاسه ، وهذا هو ما أراده نوستردامس بأنه سوف يحيي آلهة
هانيبال الجهنمية ، فكما أن هانيبال وقومه كانوا يسعون لإرضاء آلهتهم بالقرابين البشرية فإن هذا الرجل وقومه سوف يسعون لتحقيق أهدافهم الكبرى وإرضاء ربهم العظيم جل وعلا مهما كلف الثمن ونلاحظ نوستردامس هنا وكأنه قد رأى شيئاً جعل الدماء تنشف في عروقه وأفقده صوابه فلا نحسّ به مرتاحاً على الإطلاق إلى ما ستؤول إليه الحال ببلاد الغرب وبالصليب المعبود.
ثم يأتي في السطر الثالث بعبارة الجرائد
أو الصحف اليومية وهو أمر غريب ، لأن الجرائد لم تكن معروفة في وقته ، نعم كانت هناك على آخر سنوات حياته نشرة صغيرة تصدر على نحو غير منتظم في مدينة ڤنس الإيطالية وذلك في سنة ١٥٦٦ ، وهي من أوائل ما عرف من نشرات خبرية في أوروبا بعد اكتشاف الطباعة سنة ١٤٤٤ ، ولكنها لم تكن جريدة بالمعنى الذي نعرفه ، ويُعتقد أن صدور أول صحيفة مُنتظمة في أوروبا كان في المانيا سنة ١٦٠٩ ، وصدرت أول صحيفة باللغة الأنكليزية سنة ١٦٢٠ ولكنها لم تكن تصدر في بريطانيا نفسها وإنما كانت تصدر في أمستردام في هولندا ويتم إرسالها إلى بريطانيا عن طريق البحر. وأما في فرنسا ، وطن نوستردامس ، فإن أول صحيفة يومية صدرت فيها وكانت في سنة ١٧٧١ بإسم ( جورنال دي پاريس ). وعلى
كل حال فإن الجرائد لم ولن تنقل خبراً عن شيء يشبه هذا الذي سيصيب الرومان ( العالم الغربي ) على يد هذا الزعيم العظيم ، أن الكارثة التي ستحلّ بهم على يده ستكون من الفظاعة إلى درجة لم يسبق لها مثيل ولن يكون لها مثيل فيما بعد وإلى يوم الدين.
ثم يأتي أمامنا شيء جديد هنا يلقي بعض
الضوء على منشأ هذا الرجل أو من سيكون مقدمه أو نقطة انطلاقه في فتوحه العظيمة ، وذلك عند ذكره لمدينة بابل الواقعة في وسط العراق ، فهو يقول بأن سوط العذاب الذي سيقع بالرومان على يد هذا الزعيم الإسلامي سيأتي من خلال بابل ، وبشيء من التوسع ، من خلال العراق. وهذا قد يعني على الأقل بأن هذا الرجل سيأتي من العراق ، أي أن ملك الرعب هذا ، الإسماعيلي العظيم الذي يأتي من المنطقة العربية الغنية والقوي في دين محمد (ص) والذي سيظهر سنة ١٩٩٩ في شهر تموز ( يوليو ) سيكون مركز حكمه ومنطلق فتوحاته ( ولعله حتى مكان نشأته ونموّ دعوته ) هناك من العراق أو بالأحرى وسط العراق الحالي ، وأنه سوف يمدّ ذراعيه القويّتين من هناك ليحتوي بهما العالم كله ، وأن سيفه سوف يسبب من الرعب والرهبة للطواغيت وللظلمة اللصوص ما لا مثيل له وما لم ولن يُسمَع بشبيه له من قبل.
أما بابل نفسها فلعلها أعرق مدينة في
تأريخ العالم كله ، فقد في الألف الثالث قبل الميلاد وما زال مكانها يعجّ بالحياة إلى اليوم حيث تقوم مدينة الحلة في العراق عند موقعها وهي تبعد عن بغداد العاصمة بحوالي ٩٠ كيلومتراً وقد قامت فيها على مر تأريخها عدة ممالك ، منها مملكة حمورابي سنة ١٨٣٠ قبل الميلاد واستمرت لمدة ثلاثه قرون ، وحمورابي هو الملك المشهور بقانونه الذي كتبه نقشاً على صخر كبيرة وفيه مواد لنظم أمر المجتمع فيما يعرف بمسلّة حمورابي ، ثم مملكة الكاشيين التي جاءت على أعقاب مملكة حمورابي سنة ١٥٣٠ ق. م. وبقيت حتى سنة ١١٥٠ ق. م. ثم الآراميين ( ١١٠٠ ـ ١٠٠٠ ق. م ) ثم الأشوريين الذين جاؤوها من شمال العراق من منطقة الموصل الحالية واحتلوها وأخضعوها لمملكتهم في القرن العاشر ق. م. ثم جاء الملك البابلي [ نابو پلصر ] الذي أنهى الحكم الأشوري في بابل سنة ٦٢٥ ق. م. وتحالف مع الميديّين لإحتلال مدينة نينوى عاصمة الأشوريين سنة ٦١٢ ق. م ، ولما توفي هذا الملك ورثه ابنه [ نبوخذ نصر ] الملك البابلي المشهور الذي هزم فرعون مصر سنة ٦٠٥ ق. م. وقامت عندها أمبراطورية ضخمة باسم الدولة الكلدانية وامتدت من العراق إلى سوريا إلى فلسطين إلى سيليسيا. وفي خلال هذه الفترة
بُنيت الجنائن المعلقة في بابل وكانت تُعتبر واحدة من عجائب الدنيا السبعة ، ونبوخذ نصر هو الذي سبى وخرّب مدينة أورشليم وأخذ اليهود أسرى إلى بابل وأبقاهم هناك عبيداً أرقاء لمدة سبعين سنة ، حتى جاء الملك الفارسي [ كورش Cyrus ] في غزو لبابل وبدأ هجومه عليها سنة ٥٤٧ ق. م ولم تسقط بيده إلا بعد تسع سنوات من ذلك التأريخ ، وهو الذي أطلق سراح اليهود الأسرى في بابل وسمح لهم بالرجوع إلى أورشليم ( القدس ) وإعادة بناء هيكلهم هذا شيء من التأريخ القديم لهذه المدينة العجيبة وفيه كفاية للتعريف بعراقتها.
القلب القرطاحي
|
«
من الشرق سيأتي القلبُ القرطاجي
فيؤذي
بحرَ الأدرياتيك وورثة روميَلس
يصحبه
الأسطولُ الليبيي
معابدُ
مالطا والجُزُرِ القريبة ستكون مهجورة »
الأول ـ ٩
|
إنه يتحدث في هذه الرباعية عن نفس الشخص
الذي ذكره في المقطع السابق والذي شبّهه بهانيبال قائد قرطاجة العظيم ، وهو يؤكد هنا ما ذهب إليه هناك من أنه سيغزو الغرب فاتحاً وقلبه ينطوي على ما انطوت عليه قلوب أهل قرطاجة القدماء من رغبة عارمة في الثأر من الرومان وكسر شوكتهم وتأديبهم رغم ما كان يبدو للعيان من قوة الرومان ومنعتهم وسلطتهم التي لا تُضادّ.
[ رومْيُلس Romulus ] هو بطلُ أسطوره من أساطير الرومان ، وهو فيها الملكُ الذي بنى مدينة روما وأنشأها
بعد أن لم تكن موجودة ، وحسب الخرافة الرومانية فإنه كان إبن زنا ، أُمُّهُ هي بنت أحد ملوك المقاطعات الإيطالية القديمة وكان قد نذرها لتكون راهبة في أحد المعابد ، أما أبوه فهو الآله مارس آله الحرب الذي أطلع على تلك الفتاة فاعجبته فزنا بها ، وكان له أخ توأم من نفس السِّفاح وإسمه [ ريمُس Remus
] ، فلما وضعتهما أمهما أخذهما جدُّهما فوضعهما في جُرْن خشبي وألقاهما في مياه نهر التايبر ( النهر الذي تقع عليه مدينة روما ) فألقى بهما التيار إلى الشاطيء فعثرت عليهما ذئبةٌ ، وبدل أن تأكلهما فإنها أخذتهما وصارت ترضعهما من حليبها حتى كبر التوأمان ، وتمضي القصّةُ الخرافةُ على هذا المنوال حتى تصل إلى أنَّ التوأمين يقرران أن يبنيا مدينةً خاصة بهما ويتمّ أختيار موضعها في المكان الذي كانت الذئبة ترضعهما من حليبها فيه ، ويبدأ العمل ببناء الأسوار وفي الأثناء يبدأ ريمس بالسخرية من أخيه لأنه جعل الأسوار واطئة الارتفاع وصار يقفز فوقها ساخراً منه فاستشاط ورميلس منه غضباً وقام إليه فقتله وأتمّ بناء المدينة وأسوارها ولكنها كانت خالية من السكان فصار يجتذب إليها من يستوطنها وكان معظم من أتاها هم من المشرّدين والصعاليك والهاربين المطاردين لسبب أو لآخر ، ولكنهم كانوا بلا نساء فدبّر روميلس خطّة لتلافي ذلك فدعا أفراد قبيلة إيطالية مجاورة إلى مأدبة ضخمة
بنسائهم ورجالهم ، ولما صاروا عنده صار يشغل الرجال ببعض الألعاب فلما غفلوا عن نسائهم هجم عليهن أتباعُ روميلس من الصعاليك واختطفوهن واحتموا داخل أسوار المدينة الجديدة ، فثارت تلك القبيلة لحربه ولكنه صالحهم وسالمهم. وهكذا تم إنشاء مدينة روما حسب أسطورة روميلس هذه.
وورثة روميلس على هذا هم الرومان أو أهل
إيطاليا الحاليون ، أو هم أهل أوروبا والغرب بشكل عام وبشيء من التوسّع في المعنى.
مالطا هي جزيرة في البحر الأبيض المتوسط
تقع على بعد حوالي ٦٠ ميل جنوب سيسلي الإيطالية ، وتقع بالقرب منها جزيرتان أخريان أصغر منها وتابعتان لها. وتوجد في مالطا معابد وأضرحة قديمة جداً بنيت على كتل صخرية ضخمة ويعود تأريخها إلى سنة ٢٣٠٠ قبل الميلاد ولا يُعرَف على وجه التأكيد من هم الذين بنوها.
وقد استوطن مالطا شعوب متعددة منها
اليونانيون والفينيقيون والرومان والعرب.
بحر الأدرياتيك هو ذلك الجزء من البحر
الأبيض المتوسط الذي يمتد بين كل من إيطاليا غرباً ويوغسلاڤيا وألبانيا شرقاً.
والمشهد يروي لنا هنا كيف أن الملك
الإسماعيلي العظيم سوف يمخر بقواته عباب البحر الأبيض المتوسط ويصحبه أسطول ليبيا ، موكب هائل يسير والرعب يسير أمامه حتى أن مالطا التي تُعتبر اليوم من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية سوف تخلو من الناس ، وهذا يُذكّرنا بهجمات قبائل الهان الآسيوية على أوروبا التي سببت موجات الهجرة لشعوب بكاملها والتي سبق ذكرها ، أنه سوف يدمر كل من يقف في وجهه وسيؤدي ذلك إلى حصول أذى شديد في بحر الأدرياتيك وحوضه ، في إيطاليا ويوغسلاڤيا وألبانيا ، وخاصة في إيطاليا. وهناك رباعية أخرى سبق ذكرها تصلح لأن تكون تتمة لهذا المشهد من حوض البحر الأبيض المتوسط في المستقبل القريب :
|
«
الأسطول سيتحطم قرب بحر الأدرياتيك
الأرض
ترتجف ، تندفع في الهواء ثم تقع ثانية
مصر
ترتجف وتسند المحمديين
القائد
العام سيُطلب منه التسليم »
الثاني ـ ٨٦
|
وكما ترى فإن هذا الجيش المحمدي بقيادة
هذا الإسماعيلي العظيم سوف يسنده شعب ليبيا ومصر في
وسط رجفة مرعبة حقاً تندفع فيها الأرض في الهواء ثم تقع ثانية ، والقائد الذي سيطالب بالتسليم هو ولا شك قائد القوات المعادية لهذا الزجف المحمدي الذي سيأخذ الغرب كله.
ويتصل حديثه حول حركة الأساطيل
الإسلامية والبربرية في موضع آخر من قرنه الأول فيقول :
|
«
ميناء [ دي بوك ] سيخشى الأسطول البربريّ لوهله
بعدَها
بوقت طويل سيصلُ الأسطولُ الغربيّ
خسائرٌ
عظيمةٌ في الحيوانات والبشر والممتلكات
أيّةُ
معركة ضاربة ستكون بين بُرجَي الثور والميزان »
الأول ـ ٢٨
|
ميناء [ دي بوك Port-de-Bouc
] هو ميناء على خليج [ فوس Fos ] في فرنسا بالقرب من مدينة مارسل على شواطىء البحر الأبيض المتوسط.
وأبراج السماء ، كما هو معلوم ، هي
عبارة عن خط وهمي رسمه الفلكيون البابليون القدماء لمسار الشمس عبر القبة السماوية على مدى السنة الواحدة وقسّموا
مسارها هذا إلى إثنى عشر قسماً أو بُرجاً وجعلوا إسم كل واحد من هذه البروج بإسم المجموعة الكوكبية التي تقع فيه ، وبرج الثور من بين هذه الأبراج يمثّل الفترة الزمينة بين ٢٠ نيسان ( إبريل ) إلى ٢٠ مايس ( مايو ) ، وبرج الميزان هو الفترة بين ٢٣ أيلول ( سبتمبر ) إلى ٢٢ تشرين أول ( أوكتوبر ). وما بين نيسان وتشرين أول يتوقع صاحبنا أن تحصل معارك ضارية في البحر الأبيض المتوسط عند الشواطيء الفرنسية وغيرها.
والأسطول البربري هو الأسطول الإسلامي
أو العربي أو الشمال أفريقي ( وبضمنه الأسطول الليبي السابق الذكر ) أو كلها مجتمعة معاً.
والمشهد يصف لنا كيف أن هذا الأسطول الإسلامي سوف يهدد الموانيء الفرنسية وأن القوات الفرنسية ( فرنسا عضوة في حلف شمال الأطلسي ) سوف تبقى تراقب ما سيؤول إليه الأمر خائفةً مذعورةً وتُرسِلُ إلى حلفائها من قوات حلف المحيط الأطلسي في طلب العون والمساعدة وتصل هذه المعونه ولكن بعد وقت طويل وستحصل معارك ضارية في البر والبحر ( والجو ) تؤدي إلى خسائر عظيمة في الممتلكات وفي الحيوانات ( في عرف نوستردامس فإن الآليات والمكائن والعجلات كلها حيوانات أيضاً ) ناهيك عن الخسائر البشرية.
وكما ترى فإنه يجعل لهذا الأمر توقيتاً
يمتدّ على مدى ستة أشهر ، ويقع شهر تموز ( يوليو ) في وسطها ، وهذا يذكّرنا بما سبق ومرّ بنا من نبوءته التي حدّد فيها شهر تموز من سنة ١٩٩٩ كموعد حاسم لأحداث تغيرية ضخمة تجتاح العالم ، وقد تكون هذه من تلك كما يمكن أن تكون في معزل عنها.
رجل الشرق
|
«
رجل الشَرق سوف يخرجُ من مقرِّه
ويعبرُ
ال [ أپيننز ] إلى فرنسا
إنه
سيرحل عبر السماء والبحار والثلوج
وسيضربُ
الجميعَ بساريةِ رايتِهِ »
الثاني ـ ٢٩
|
هذه الرباعية تتحدث عن نفس الشخص الشرقي
الذي نحن في صدده.
[ أپيننز Appenines ] هي سلسلة جبال تمتد من شمال إيطاليا إلى جنوبها وتشكل ما يشبه العمود الفقري لشبه الجزيرة الإيطالية التي تشبه في شكلها شكل الحذاء ( البوت ) ، وإلى الشمال توجد هناك أراضٍ سهليةٍ واسعة ثم يأتي إلى الشمال من هذا السهل سلسلة جبال الألب التي تشكّل قوساً يشكّل الحدود الطبيعية والسياسية التي تفصل إيطاليا عن فرنسا وسويسرا والنمسا.
فرجل الشرق هذا سوف يخرج من مقره والذي
قلنا
بأن نوستردامس رأى بأنه سيكون في وسط العراق ويتجه غرباً فيقهر اليونان وهنغاريا ويصل براً وبحراً وجواً إلى حوض بحر الأدرياتيك ويدخل إيطاليا ثم يعبر سلسلة الجبال التي تمتد وسطها ويعبر سلسلة جبال الألب ليصل إلى فرنسا.
ولا شك أن السطر الثالث يشكل رؤية
مستقبلية ملموسه لنا جميعاً لأنه يذكر عن رجل الشرق هذا بأنه سيرحل عبر السماء وهي وسيلة مواصلات ( أو حرب ) لم تكن تدور في خيال أحد إنها ممكنه في يوم من الأيام قبل قرننا الحالي إلا في قصص الأوّلين وأساطيرهم عن الآلهة والسعالي.
إنه سوف يرحل جواً وبحراً وبراً وسوف
يعبر المناطق الجبلية الوعرة التي تغطيها الثلوج من جبال الألب وغيرها ، وسوف يقهر الجميع ولا يقف لزحفه أحد حتى يبسط سلطانه على كل بقعة من بقاع أوروبا ( أو العالم ) وهذا هو الذي عناه بأنه سوف يضرب الجميع بسارية رايته التي سوف تعلو على كل الرايات.
الزعيم المرعب الجديد
|
«
القائد من اسكتلندة مع ستّة ألمان بارزين
سيقبض
عليهم رجالُ بحريّةٍ شرقيّون
سيعبرون
بهم جبل طارق وأسبانيا
ثم
يُقدَّمون في إيران إلى الزعيم المرعب الجديد »
الثالث ـ ٧٨
|
[ إسكتلندة ] هي الأقليم الشمالي من
الجزيرة البريطانية ، والقائد منها يعني بأنه قائد بريطاني ، وليس من الواضح إن كان هذا القائد هو من صنف القادة السياسيين أو العسكريين أو غير ذلك.
وتوجد في هذه الرباعية إشارةٌ إلى أن
ملك الرعب الذي سيظهر على مسرح التأريخ في نهاية هذا القرن قد يكون متواجداً في إيران في مرحلةٍ من مراحلِ جهاده الذي سيكتسح به العالم كلّه.
وكما ترى فإن نوستردامس ينقل لنا هنا
خبراً من
أخبار المستقبل ويقول بأن قائداً أو زعيماً بريطانيا سوف يتمّ القبضُ عليه مع ستةٍ من الألمان البارزين ، ويكون ذلك بواسطة رجال من القوة البحريّة الإسلامية الذين سمّاهم برجال البحريّة الشرقيين وذلك في مكان ما من أوروبا ثم سوف يقودونهم عبر أسبانيا ومضيق جبل طارق متجهين بهم إلى إيران حيث يقدّمونهم إلى ملك الرعب الجديد ، إلى الزعيم المرعِب الجديد الذي يحلّ في إيران في ذلك الوقت أو في أثناء ذلك الحدث ، وواضحٌ من هذا الأمر أن رجل الشرق هذا الذي سيلقى منه أحفاد الرومان من أهل الغرب ما يلقون سوف يعيش في عالم إسلامي لا يعرف الحدود ، إنه اليوم في إيران وقد كان البارحة في العراق وسيكون غداً في مكان آخر ، ليس هناك أمامه حدودٌ دولية « مُعترفٌ بها » لأنه لا قائمة اليوم لمن حدّد الحدود ولمن « إعترف بها » ولأنه لا وجود اليوم ولا كلمة لمن إعتاد ان يشرّع للمسلمين وللمستضعفين قوانين دولية يعاقب بها من يشاء ويعفو عمّن يشاء ، إنه يحلّ حيثما يشاء وأينما يحبّ وحسبما تقتضي الضرورة والحاجة.
وغير واضح ما هي علّة أو خلفية هذا
الحدث المذكور في هذه الرباعية ولكنه ينبأك عن مدى السلطة والهيبة والقدرة التي ستكون لهذا الإسماعيليّ العظيم
القوي في دين محمد (ص) والذي سيأتي من المنطقة العربية بحيث أن ذراعه القوية تستطيع أن تصل إلى أيّ هدف يريد ، وتقدر على جلب أيِّ إنسان كائناً من كان إلى حضيرة الطاعة فيحكم بما يراه ولا حكم لطاغوت أو لجبّار عليه.
وعندما نرى بأن رجال هذا الزعيم يلقون
القبض في أوروبا على قائد بريطاني وعلى ستة آخرين من كبار رجال ألمانيا ثم يأتون بهم عبر أسبانيا وعبر حوض البحر الأبيض المتوسط ويصلون بهم إلى إيران ليقدّموهم إليه فإننا نستطيع أن نتصور مدى السلطة التي ستكون لهذا الرجل ونستطيع أن نرى أنّ سيطرته ستكون تامّة وشاملة على تلك الأجزاء من العالم حتى أنه سيكون لرجاله تمام الحرية في التنقّل بين أطرافها فلا نرى أثراً لأسطول سادس أو سابع ولا نرى حاكماً آخر يضاهيه في حكمه ، وهذه الرباعية تشكل بذلك امتداداً لما سبق أن ذكره نوستردامس حول هذا الرجل العظيم من آسيا الذي ستمتدّ سلطته من فاس إلى ممالك أوروبا.
انذارات
|
«
الطائر الملكي فوق مدينة الشمس
سيُطعي
انذارات مظلمة قبل سبعة أشهر
الجدار
الذي في الشرق سوف يسقط
في
رعدٍ وبرق ، الأعداد يصلون البوابات في سبعة أيام »
الخامس ـ ٨١
|
مدينة الشمس هي [ هيلوبولس Heliopolis ] وهي مدينة مصرية قديمة كانت مركز عبادة إله الشمس ( رع ) ، وكانت مركزاً علمياً مهماً حتى برزت مدينة الاسكندرية على مسرح التأريخ سنة ٣٣٢ ق. م. فغطّت عليها ، وهي تبعد حوالي ١١ كيلومتراً شمال شرق القاهرة فتكون بذلك إشارة إلى مدينة القاهرة نفسها. وهذا الطائر الملكي ما هو إلا طائرة تجسسية تحلّقُ في الهواء لغرض الرصد وتقديم الإنذارات المبكرة حول أية تحركات معادية وشبيهة بطائرة ( الأيواكس ) وهي تابعة لإحدى
الممالك التي وأن تكون الإمبراطورية الأمريكية وهذا ما يجعل منها « طائرة ملكية » وهي تبثُّ إنذارات متلاحقة عن تحشدات عسكرية مريبة تحصل هنا وهناك حول القاهرة وهذا يعني منطقة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي قاطبة ولا بد أن هذا الأمر هو من أحداث الحرب العالمية الكبرى وأنه مما يتوقع حصوله قبل سبعة أشهر من نشوب الكارثة العظمى أي في بداية سنة ١٩٩٩.
وأما هذا الجدار الذي سوف يسقط في الشرق
فإنه يحتمل تفسيرين :
أولهما هو أنه حائط برلين الذي يفصل
شرقيّها من غريبها وهو يقع إلى الشرق نسبة إلى فرنسا ، البلد الذي قطنه نوستردامس وكتب نبوءاته فيه وقد سقط هذا الجدار فعلاً ، والتفسير الثاني وهو الذي يرجح عندي هو أن هذا الجدار إنما هو جدارٌ رمزي يشير به إلى حالة معينة. إنها حالة الهزيمة الحضارية والنفسية التي يحس بها المسلمون والعرب تجاه الحضارة الغربية وعالمها ، إنها حالة الأكبار والتضخيم للغرب ولمنجزاته والتي تصل إلى حد التقديس ، إنه الخضوع لعالم الغرب ولحضارته وإنه الإستسلام له كربٍّ جديد يعلو لا يمكن لهم أن يعلو عليه ، ربٌّ تتمثل فيه كل المثل العليا التي يكدح الإنسان
كدحاً لبلوغها ، ولهذا فإن الجمال والفضيلة والحق والصواب هو ما رآه الغربيون على أنه كذلك وليس ما ندركه نحن بعقولنا الفطرية وليس هو ما نحكم به نحن ونراه نحن. إنه ما تعلمناه في مدارسنا وجامعاتنا وأجوائنا الثقافية من أننا لا شيء في هذا العالم وأن العالم الغربي وقيمه وأفكاره وسلوكه وفعله وتركه هي كل شيء ، وأن كل ما بقي لدينا هو أن نستعيد أمجاد الماضي ونعيشها لحظة بلحظة مما أحالنا إلى موجودات أثرية لا أثر لها في واقع الحياة المعاصر ولا تأثير.
هذا هو الجدار الذي سوف يسقط في الشرق وسوف يكون سقوطه في ظرف رعد وبرق ، ظرف ثورات وانقلابات جذرية ونيران حرب وسيصل الأعداء الذين هم أهل الشرق من المسلمين ودول العالم الثالث والرابع والعاشر إلى بوابات أوروبا والغرب في سبعة أيام ، وواضحٌ أن ما هو مقصود من سبعة أيام قد يكون سبعة شهور أو سبع سنوات.
الزمان يتبدل
|
«
اخرجوا ، اتركوا جنيڤ كل واحد منكم
[
ساتَرْن ] سوف يتبدل من ذهبٍ إلى حديد
أولئك
الذين هم ضدّ الزعيم الإيراني سيُبادون
قبل
الخروج الصاخب ستعرض السماء علامات »
التاسع ـ ٤٤
|
دعنا أولاً نعرض لمدينة جنيڤ
لنرى أيَّ موقع خاص لها في عالم اليوم.
جنيڤ هي مدينة تقع في أقصى غرب
سويسرا وإلى الغرب من بحيرة تعرف باسمها ( بحيرة جنيڤ ) ، وهي الجزء السويسري الذي ينطق أهلُه فيه اللغةَ الفرنسية ، وكما هو معلوم فإن سويسرا ليس فيها لغة خاصة بها وإنما يستعمل ٧٠% من أهلها اللغة الألمانية ، ١٩% يستعملون اللغة الفرنسية ( المنطقة الغربية أعلاه ) ،
٩% الإيطالية ، وواحد بالمائة يستعملون لغة لاتينية قديمة تسمى رومانش ، ويُجيد أكثر السويسريين لغتين على الأقل. وقد كانت هذه المدينة تابعة للرومان ثم صارت مدينة مستقلّة غير تابعة لأية دولة حتى استولى عليها الفرنسيون سنة ١٧٩٨ أيام حروب الثورة الفرنسية وبقيت على ذلك في زمن نابليون ، وبعد هزيمة الأخير سنة ١٨١٥ صارت جنيڤ جزءاً تابعاً لسويسرا. وقد اكتسبت هذه المدينة صبغة عالمية منذ سنة ١٥٣٦ عندما اتخذ منها زعيم الإصلاح المسيحي ( جون كالڤن ) مقراً لدعوته إلى الپروتستانتية وصار أتباع هذه الطائفة من كل أنحاء أوروبا ينزحون إليها خشية الاضطهاد في الغالب ، وصارت لهم مثل روما بالنسبة للكاثوليك ، ثم أن منظمة الصليب الأحمر تم إنشاؤها فيها سنة ١٨٦٥ كما أنشيء فيها مكتب العمل العالمي. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى تم اختيارها لتكون مقراً لعصبة الأمم التي بدأت أعمالها هناك في ١٠ / ١ / ١٩٢٠ وكان هدفها الأساس هو منع حصول حرب مدمرة كالتي شهدها العالم أثناء الحرب العالمية الأولى وكان الذين خططوا ووضعوا معالم ومكونات عصبة الأمم هم رئيس أمريكي ولورد إنكليزي وجنرال جنوب أفريقي !! ، وكان نشوب الحرب العالمية الثانية ضربة قاصمة لعصبة الأمم ولأهم أهدافها فتمَّ حلُّها لتنبثق محلها منظمة الأمم المتحدة بعد الحرب
العالمية الثانية في ٢٤ / ١٠ / ١٩٤٥ ولتتخد من نيويورك مقراً لها ولكن جنيڤ بقيت مقراً للكثير من المنظمات الفرعية للأمم المتحدة ومؤسساتها مثل منظمة الصحة العالمية ، وتتواجد فيها اليوم أكثر من (٢٠٠) منظمة عالمية كما أنها مقر إتحاد الكنائس العالمي ، وهي المركز الذي تعقد فيه الكثير من المعاهدات والمحادثات والمباحثات والصفقات السياسية والتجارية والعسكرية إلى آخره. فهي مركز دولي للمؤتمرات العالمية ، وجنيڤ بالتالي لها موقع معنوي خاص في هذا العالم ، إنها وكرٌ من أوكار الشيطان ، إنها مركز للدسائس والمكائد التي تحاك ضد الشعوب وقد إمتد دورُها هذا لمدة طويلة من الزمن.
[ ساترن Saturn ] هو كوكب زحل ، وهو بالنسبة للرومان إله البذور والزراعة ورمز الزمان وأوقات السنة ، وتبدُّله من ذهب إلى حديد يعني به أن زمان أهل جنيڤ وأهل الغرب سوف يتغير من أيام الرخاء والرفاه والسعادة إلى أيام حرب وشدة وشقاء.
أما عبارة الزعيم الإيراني التي وردت في
نص الرباعية فإنها جاءت في الأصل بعبارة [ Raypoz ] وهي لا تعني شيئاً على الإطلاق ، وإنما هي في الحقيقة قلبٌ عكسيّ لكلمة [ Zopyra ] وهي إسم للواحد من النبلاء
الفرس الذين كان على يدهم قتل أحد ملوك بلاد فارس القدماء والذي كان يدعى سمردس الكذّاب ونصّبوا بدلاً منه الملك داريوس الأول ، وبهذا فإنها تعطي معنى القائد أو الزعيم أو الرئيس الإيراني. وكما ذكرنا فإن هذا الأسلوب من إشاعة الألغاز والتعمية في كلامه هو مما درج عليه نوستردامس في نبوءاته من أجل أن لا يكتشف رجال محاكم التفتيش على وقته شيئاً من طبيعة ممارساته فيتهمونه بالسحر وتداوله حيث أن عقوبة مثل هذه التهمة هي الإعدام حرقاً بالنار.
إذن فنوستردامس يصرخ بكل من هو موجود في
جنيڤ أن يخرج وأن يترك المدينة ، وقد رأينا أن جنيڤ هي مدينة عالمية وذات صبغة خاصة تجعل منها مقرّاً لإدارة شؤون أجزاء كبيرة أخرى من العالم ، فكأنه عندما صرخ وقال : ( كل واحد منكم ) فإنه يخاطب كل من أَلِف الجلوس على موائد المفاوضات والمحادثات فيها وليس أهلها ( بمعنى مواطنيها المحليين ) فقط ، ثم إنه يخبرهم بأن أيامهم الذهبية الرائقة سوف تتبدّل إلى أيام بؤس وشدّة وحديد سلاح وحرب. وقد أتى على ذكر زعيم إيرانيّ يقف الكثيرون من أهل جنيڤ وغيرها ضدّه ، ومن تراه يكون هذا الزعيم الإيراني غير آيه الله الخميني رحمه الله تعالى عليه ، وهو الذي صرخ في وجه الغرب
والشرق أن « لا » ، كفانا ذلاًّ وتبعية وهواناً ، وأراد للإسلام وللمسمين أن يعيشوا بعزّة وشموخ مرفوعي الرأس يحكمون أنفسهم بأنفسهم ويقرّرون لنفسهم المصير الذي يريدون ولا دخل لشرق ولا لغرب في أي شيء من ذلك كله ، وما لكم ولنا !! أتركونا لحالنا ندبّر أمرنا ونعيش حياتنا كما نريد ونختار. صرخ بدعوته هذه فوقف العالم بأسره على قدمية ضدّه ، وكان لمدينة جنيڤ وأولئك الذين ألفوا الأجتماع فيها أخطر الأدوار في تدبير المكائد ضد هذه الموجةِ الجديدة التي لم يكن قدومها وانتشارها السريع في حسبانهم وذلك من أجل احتوائها. وتأتي هنا نبوءة من نوستردامس في شأن مستقبل يبدو قريباً فإن أولئك الذين وقفوا ضدّ الزعيم الإيراني سوف يواجهون مصيراً أسود بائساً للغاية ، إنهم سوف يُبادون إبادةً ، ويبدو لي أن بعض هذه النبوءة بالإبادة قد تحقّق فعلاً عندما شاهدنا ما حصل للجيش العراقي في حرب الخليج الأخيرة ، فأفراد هذا الجيش وإن كانوا في الغالب من المغلوبين على أمرهم إلاّ أن الجيش العراقي ببعض فصائله الخاصة كان من أهم الأدوات القمعية والارهابية التي بيد صدام ومن هم وراءه لضرب أبناء الشعب العراقي أنفسهم ، وكان هذا الجيش هو الأداة الرئيسية طبعاً لضرب الإيرانيين على عهد زعامة آية الله الخميني أيام الحرب العراقية ـ الإيرانية ، وقد شاهدنا ما لا يقل
عن ٢٠٠٠٠٠ من إفراد الجيش العراقي وهم يُحرقون بنار القوات الأمريكية وحلفائها في أبشع مجزرة في التأريخ المعاصر وبلا رحمة من أحد ، ولكن بقي تحقق الجزء الأهم من هذه النبوءة وهو إبادة الرؤوس الحقيقية التي تقف وراء إثارة الحروب وإشاعة الدمار والشقاء في العالم.
أما الخروج الصاخب المذكور في السطر
الرابع فهو إشارة إلى خروجين ؛ أولهما هو خروج أهالي جنيڤ وقد تبدل الزمان واستحال النعيم إلى جحيم ، وثانيهما هو خروج تلك الحشود الهائلة من الجياع والمستضعفين الطالبين بالثأر وباسترجاع الحقوق وإقامة العدل والسلام في ربوع العالم وبقيادة ملك الرعب ، الإسماعيلي العظيم ، القوي في دين محمد (ص) ولن يقف أمام زحفهم أحد.
وعلامات السماء أمرٌ خافٍ علينا في هذه
المرحلة.
قلب لا يعرف الرحمة
|
«
دموعٌ ، صراخ ، نحيب ، وَلولةٌ ورعب
قلبٌ
لا يعرف الرحمة ، قسوة سوداء ، مرعب
بحيرة
جنيڤ ، الجُزُر ، رؤساء جَنَوا
دماءٌ
تصبّ ، جوع وبرد ، لا رحمةَ لأحد »
السادس ـ ٨١
|
سبقت الإشارة إلى جنيڤ وبحيرتها
، وجَنَوا هي أكبر الموانيء الإيطالية على البحر الأبيض المتوسط وهي مركز مقاطعة [ ليغوريا ] التي وردت علينا فيما قبل ، الجزُرُ المذكورة هي الجزر البريطانية على أقوى التقادير بدلالة رباعيات أخرى سترد علينا.
إنه هنا يصف ملك الرعب العظيم وما
سيفعله وما سيترك وراءه في حملته الكبرى لتطهير الأرض من الرّجس الذي يدنّس إسمَ الإنسان ، الإنسان الذي كرّمه الله تعالى في البر والبحر وجعل منه خليفةً له على هذه
الأرض ، وإذا به يستحيل اليوم إلى صنفين ، صنفٌ من الوحوش دونها وحوش الفَلَوات قُدَّتْ قلوبهم من الصّخر أو ما هو أشد وأصلب ، وصنف من الحشرات التي لا قيمة لها ولا حُرمة والتي من حقّ الصنف الأول أن يسحقها بالأقدام وبدون كثير عناية أو تأمّل.
إن ملك الرعب هذاله قلب لا يعرف الرحمة
، قسوتُه مرعبة ، لا رحمة عنده لأحد. وكيف لك أن تتعامل مع من لا يعرف الرحمة إلاّ بضرب لا رحمة فيه ولا هوادة ؟! وهل يفلُّ الحديدَ إلا الحديد ؟! من الذي يرمي بملايين الأطنان من الحبوب والمراد الغذائية في البحر من أجل الحفاظ على أسعارها وإلى جواره الملايين من الأطفال الذين يموتون من الجوع موتاً ؟! أليس هو الغرب الذي يتباكى على حرية والأنسانية !! وما زال حيّاً أمامي مشهد ذلك الطيّار الأمريكي الذي كان قد عاد لتوّه من قصف مدينة بغداد في العراق في حرب الخليج الأخيرة في جملة أسراب الطائرات التي قصفت المدينة بملايين الأطنان من القنابل ، يتحدث أمام كاميرات المراسلين على أرض الجزيرة العربية وهو نشوان مسرور ويقول بأنهم دمروا كل شيء وأشعلوا النيران في كل مكان وبأنه كان يرى بغداد من طائرته مضاءةً بنيران قنابلهم في ظلام الليل الحالك وكأنها شجرة كرسمس ( شجرة عيد الميلاد
التي يزينونها بالأضوية ليلة عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام ) ، أية قسوة وأي وجه بشع يحمله هؤلاء المجرمون القتلة ، يبيدون البشر بملايينهم ولا يرفّ لهم طرف ويَرون أن ذلك إنسانية وخدمة للسلام والحرية والديمقراطية. كيف تتعامل مع من لا يعترف بحقّ الحياة والوجود والحرية ( وهي أبسط حقوق الإنسان وأكثرها بداهة وأوّلية ) إلا لنفسه فلا يعون بذلك أصلاً أهمية وجود البشر في مواقع العالم الأخرى ، لا رحمة لأحد من هؤلاء ومن أشياعهم. وستكون نتيجة أفعالهم تلك مجاعةً ونقصاً في الوقود ( برد ) ودماءاً تصب صبّاً ، ويلٌ وثبور ، صراخٌ ودموع ورعب يتلوه رعب ، فكما نسيتنا أول مرة فكذلك اليوم تُنسى.
وقد ذكر بحيرة جنيڤ والجزر البريطانية
وإيطاليا وهي في تباعد أطرافها تصلح أن تكون إشارة إلى أن هذا البلاء سيكون عاماً منتشراً في أوروبا أو في الغرب بصورة عامة.
حشد يتلوه حشد
|
«
بعد تحشدٍ بشريّ عظيم يتمّ تحضيرُ تحشّدٍ أعظم
عندها
تتجدّدُ الدورةُ العظيمة للقرون
ثورةٌ
، إراقةُ دماء ، مجاعة ، حربٌ ووباء
سوف
تُشاَهد نارٌ في السماء تَسحبُ وراءها ذيلاً من الشَّرر »
الثاني ـ ٤٦
|
إن نوستردامس يبدو في رؤيته المستقبلية
هذه كأنه ينظر إلى شاشة تلفزيون ، هل تراه رأى حشود الجيش الأمريكي وغيره من جيوش الحلفاء تتوالى على أرض الجزيرة العربية حشداً يتلوه حشد من عشرات الألوف من الجنود والآليات ، وتقابلها حشود تلو حشود من جانب الجيش العراقي وهي تجتمع على أرض الكويت ، هل تراه رأى صواريخ ( سكد ) و ( توم كروز ) وغيرها وهي تجوز الفضاء تجر وراءها ذيلاً من نار متجهة إلى أهدافها ،
يطلقها هذا الجانب أو ذاك في الحرب الخليجية الأخيرة ؟! وما السطر الأخير إلا إشارة واضحة إلى صواريخ أرض ـ أرض أو بحر ـ أرض إلى آخر القائمة ( كما يمكن أن تكون إشارة إلى صورايخ اكتشاف الفضاء التي لم تُعرف إلا في قرننا هذا ) ، ثم ما صاحب هذه الحرب وما تلاها من مجاعة لا سابق لها في أرض العراق ، وأراقه دماء أكثر من ربع مليون من أبناء العراق والأوبئة التي تهدده بسبب الدمار الذي أصاب منشآت المياه والمجاري والكهرباء وشحة الدواء واللقاحات !! أم تراه يتحدث عن مستقبل لم نره بعد !! أنا شخصياً أراه يصف حرب الخليج التي مرت بنا قريباً. وهو على كل حال يرى هذه الحوادث كمؤشرات لفترة تجدد القرون وهناك إشارة واضحة إلى أنه يتحدث عن سنواتنا هذه وما سيليها حتى تمام القرن العشرين ودخولنا في القرن الحادي والعشرين بدليل بسيط هو ذكره للنار التي تسحب وراءها ذيلاً من الشررو التي هي الصواريخ سواء منها الحربية أو الفضائية الاستكشافية والتي لم يُعرف لها مثيل في التأريخ إلا في قرننا هذا وبالذات في النصف الثاني منه.
تحولات بعد قرن طويل
|
«
ذروةُ أيريز ، جوبتر وساترن
أيةُ
تحولات سيُحدثها الأله الأزليّ
عنئذ
ستعود الأيامُ السيئةُ بعد قرن طويل
أيُّ
اضطراب في فرنسا وإيطاليا »
الأول ـ ٥١
|
هنا أيضاً تنبؤ عن حصول تغيّرات وتحوّلات
كبرى في العالم في نهاية هذا القرن.
السطر الأول في هذه الرباعية يحتمل
تفسيرين وسنأتي إليهما تباعاً ، وأعتقد أنّ كلا التفسيرين صحيح وأنّ هذا السطر يتضمنهما معاً ويعنيهما معاً.
[ أيريز Aries ] هو برج المنجنيق من الأبراج الفلكية ويعرف أيضاً باسم برج الحمل. والمنجنيق هو تلك الآلة الحربية القديمة التي كانت تستعمل في رمي أسوار المدن بالحجارة لتهديمها أو إحداثِ ثَلمةٍ فيها كمقدمة لغزو الجنود.
[ جوبتر Jupiter ] أو كوكبة المشتري ، هو إسم إله عبدته كل الشعوب الرومانية وكان يمثل بالنسبة لهم النور وكلَّ الظواهر السماوية.
[ ساتَرن Saturn ] أو كوكبة زُحل ، هو إله البذور والزراعة عند الرومان ورمز الزمان والخصب والرفاه عندهم.
والتفسير الأول يأتي من زاوية فلكية ، فإذا
كان مُراد نوستردامس هو أن يعطي تأريخاً معيناً للأحداث التي سيذكرها في نبؤته من خلال حركة الكواكب في أبراجها الفلكية ، فإن إقتران المشتري وزحل في برج المنجنيق ( الحمل ) سيكون في ٢ / ٩ / ١٩٩٥.
والتفسير الثاني هو من خلال ما ترمز
إليه تلك الكواكب والبروج بحسب ما ذهب إليه قدماء الرومان في أساطيرهم وعقائدهم الوثنية. وعنئذ فإن [ أيريز ] سوف يرمز للقوة الآلية العسكرية من ناحية تكنولوجية ويرمز [ جوبتر ] إلى التنوّر والقدرة العلمية التي تُفيد في إستخدام الطبيعة من خلال معرفة قوانينها ، ويرمز [ ساترن ] إلى الخصب وزمان الرفاه وحالة الرخاء.
وعنئذ وبموجب التفسير الثاني يصير معنى
السطر الأول وما يليه : في ذروة القدرة العسكرية التكنولوجية وذروة التقدم العلمي الطبيعي وفي ذروة الرفاه والرخاء
عند عالم الرومان ستحدث تحوّلات هائلة في كذا وكذا بعد قرن طويل من التطوير والفتوحات العلمية والطبيعية الهائلة والذي هو القرن العشرين لأنه بالفعل هو القرن الذي بلغت فيه القدرات العسكرية التكنولوجية والعلوم الطبيعية والرخاء لدى العالم الغربي ( عالم الرومان ) إلى درجة لم يبلغونها في أي قرن من القرون السابقة. وعنئذ وهم في اطمئنانهم وكفرهم بأنعُم الله ، وهم آمنون إلى أن جنّتهم دائمة لهم وأن كل شيء إنما جاءهم بعلمٍ من عندهم ، وقتذاك سوف يأتيهم عذاب الله عز وجل وسيُحدث هناك من التحوّلات الجذريّة والتغييرات الأساسية ما يشاء فتعود لهم الأيام السيئة الخالية وكأنهم لم يغنَوا بالأمس وكذلك الله يُمهل ولا يُهمل. فإذا جمعنا التفسيرين معاً حصلنا على جواب السؤال : ومتى سيكون ذلك ؟؟ إنه سيكون في ١٩٩٥ أو قريباً من ذلك وهذا التوقيت ينسجم تماماً مع ما أعطاه من تأريخ واضح وبالأرقام مما ذكرناه قبل هذا وهو شهر تموز من سنة ١٩٩٩ ، وهذا يجعل من السنوات القليلة القادمة أيام حاسمة في تأريخ العالم سيكون فيها بؤس وشقاء عظيمين وخصوصاً في العالم الغربي ( فرنسا وإيطاليا ) ولا حاجة لذكر بقية أقطار العالم لأنها غارقة بالفعل بمتاعب لا حدّ لها وهي تسير من سيء إلى أسوأ.
شمس الشرق
|
«
دمٌ يشاهَد وهو يمطر على الجبال شمس
الشرق تبذر وتزرع الرعب حربٌ قرب [ أورغون ] ،
شرّ
عظيم يُشاهد قرب روماسُفنٌ يتمُّ إغراقها ويُؤخَذَ حاملُ الرمح الثلاثيّ الرؤوس »
الخامس ـ ٦٢
|
[ أورغون Orgon,
Oregon, Orgun ] هو إسم يطلق على عدد من المدن والمناطق في العالم ، أوّلها هو ولاية أورِغون الأمريكية إحدى الولايات الخمسين في الولايات المتحدة الأمريكية وتقع إلى الشمال الغربي على محيط الباسفيك وعاصمتها [ سالم Salem ]. والثانية مدينة أمريكية أيضاً تقع إلى غرب مدينة شيكاغو. والثالثة هي مدينة على ضفاف نهر ديورانس في فرنسا في مقاطعة پروفنس الواقعة جنوب شرق فرنسا قرب حدودها
مع إيطاليا وهي المقاطعة التي ولد فيها نوستردامس. والرابعة هي مدينة صغيرة تقع قرب الحدود بين أفغانستان وباكستان.
وأغلب الظن أنه يريد بها المدينة
الفرنسية لأنها تنسجم مع ما يتنبأ به من الهجوم المتوقع على فرنسا ( أو واحد منها على الأقل ) من جانب القوات الإسلامية بقيادة الإسماعيلي ملك الرعب العظيم والذي سيأتي من جانب إيطاليا.
الرمح الثلاثي الرؤوس ويسمى [ ترايدنت Trident
] هو الرمح الذي يحمله [ نبتون Neptune ] إله البحر عند الرومان وعند اليونان ، وحاملُ رمحه يرمز إلى من يملك السلطة والسيطرة على البحار ، وتقليدياً وعلى مدى قرنين أو ثلاثة من الزمن فإن بريطانيا كانت هي كذلك ، وقد ارتبط إسمها إلى درجة كبيرة بنبتون هذا وبرمحه ، أما في عالم اليوم ، عالم التكتّلات والأحلاف الضخمة ، فإن الإشارة لا بد وأن تكون بذلك إلى أمريكا وحلفاتها من دول حلف شمال الأطلسي ( الناتو).
أمّا الشمس فقد صوّرها القدماء على أنها
حاكمة العوالم العليا والسّفلى وواهبة الحياة والنور لكل الكون ، مصدر العدل والحكمة ( لأنها مصدر النور والضوء ) فهي رمز الهيمنة والسلطة والعدل والحكمة والإحسان.
ونوستردامس يحدّث في بنوءته هنا بأن هذا
كلّه الذي ترمز إليه الشمس عند الأقدمين سوف يبزغ في الشرق ومن ثم فإنه سيأتي إلى عالم الغرب فيبذر فيه بذوراً جديدة لتنمو فيه حياة من نوع جديد ، إنه ذلك الإسماعيلي العظيم القادم من الشرق ، من أرض الجزيرة العربية ومن أرض العراق ، الذي سيعيد إنشاء الغرب بنشأة جديدة كلّها خير وعدل وإحسان ، وفي السبيل إلى ذلك كله سيكون هناك شرّ عظيم بالقرب من روما وكذلك في فرنسا ، وسوف يتم إغراق سُفُن تابعة لبريطانيا ولغيرها من دول حلف الناتو ( أي لصاحب السلطة على البحار ) وسوف يتمّ إسقاط النفوذ الاستكباري القائم في عالم اليوم ، وهو ما عناه بأسْرِ أو بأخذ حامل الرمح.
أما الدم الذي يُشاهد وهو يمطر على
الجبال فأمره غير واضح.
اوضاع العالم اثناء الحرب الكبرى
نأتي فيما يلي على ذكرِ أحوال وأوضاع
المناطق والدول التي رأى نوستردامس في نبوءاته عن المستقبل بأنها سوف تشملها الحرب والاضطرابات والتحولات الجذرية في شهر تموز ( يوليو ) من سنة ١٩٩٩ أو أنها سوف تسبق أو تلي هذا التأريخ وقد جاء ذكر بعضها. ويمكن اعتبار أغلبها كمشاهد من الحرب الكبرى التي سيقودها ذلك الإسماعيلي العظيم الذي سماه ( ملك الرعب ) والذي سيمهد بحربه هذه لقيام دولة عدل عالمية قوية وذلك على أنقاض دولة الأستكبار العالمي الحالي وسيطرته.
هجوم
بحري
|
«
نبتون العظيم يُؤتى من أعماق البحر
يختلط
الدم الفرنسي بدم رجال قرطاجة
الجُزُر
تَدمى بسبب الشخص المُتمكِّث
|
|
إنّ
هذا أشدُّ سوءاً من إخفاء سرِّهم »
الثاني ـ ٧٨
|
[ نبتون Neptune ] هو إله البحار الروماني ، وكما سبق ذكره فإنه يُعتبر رمزاً للسلطة البحرية وللسيطرة على البحار ، وقد كان ولمدة قرون من الزمن يرمز ويشير إلى بريطانيا في قوة أساطيلها وسعة نفوذها على البحار ، أما في عالم اليوم فإنه لا يتعدّى أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية وبقية أطراف حلف شمال الأطلسي ( والتي بضمنها بريطانيا وفرنسا طبعاً ) في تفوّقها البالغ في القدرة العسكرية سواء أكان ذلك في البحريه منها أو غيرها ، هذه القوات التي تحكم البحار والمحيطات سوف تتمّ مهاجمتها من أعماق البحر ، وهذا يعني أن الهجوم سيأتي عن طريق غواصات مثلاً. وسوف تجري معارك ضارية تُراق فيها دماء الفرنسيين ودماء المسلمين من العرب ومن غيرهم ، وقد يكون ذلك على أرض فرنسا أو في مكان آخر ، كذلك فإن الفرنسيين قد يرمزون هنا إلى غيرهم من حلفائهم أيضاً. وقرطاجة هي مدينة أسسها الفينيقيون بالقرب من مدينة تونس الحالية ، وقد قدموا إليها من السواحل اللبنانية حيث موطنهم الأصلي ، وقد يكون المقصود برجالها هو عموم العرب والمسلمين أو أن يكون المقصود هو أهل تونس وما يحيطها من الجزائر ومراكش
بالذات ، وقد تكرّر هذا المعنى كثيراً من نبوءات نوستردامس ، فإذا ما شاء الله تعالى فإن الدور الذي سيلعبه سكان هذه المناطق العريقة في مستقبل العالم سيكون من الخطورة بدرجة. الجُزُر مرة أخرى هي الجزر البريطانية وسوف تدمى ، وإدماؤها قد لا يكون حتماً بحصول معارك على أرضها ولكن بمعنى إصابتها بمقتل حتى إنها لَتدمى من جرّاء ما سيصيبها من أذيً ، وسيكون ذلك بسبب شخص متوانٍ كثير التردد في أَتّخاذ موقف معين ( متمكِّث ) وأبطأ مما ينبغي في إختيار القرارات الحاسمة ، وسوف لا يمكنهم في بريطانيا أن يُغيّروا من الحقائق شيئاً بأباطيلهم وتزويقاتهم وتحريفهم للوقائع باللعب على الكلمات وباللّف والدوران حول معناها ومغزاها كما هو مألوفهم وذلك أنّ الخَطْب سيكون من الضخامة ومن الشناعة إلى درجة تُلغي كل باطل ولا ينفع منه تزريق أو ترفيع وسيكون أشدُّ أذىً وسوءاً من إمكانية التستُّر عليه. ذلك هو يوم شؤمهم الذي سوف لن ينفع معه شيء.
وحول ظهور الغوّاصات في مستقبل الأيام واستعمالها في الحروب نجد أن نوستردامس قد تنبأ بحصول هذا الأمر كما هو واضح من الرباعية التالية والتي من المحتمل أن تكون في خصوص هذه الحرب الكبرى
التي نحن في صددها.
|
«
عندما تكون الأسلحة والوثائق مضمومةً داخل سمكة
يخرج
منها رجلٌ سوف يثير حرباً
سيكون
أسطوله قد سافر بعيداً عبر البحر
لكي
يظهر قرب الشاطيء الإيطالي »
الثاني ـ ٥
|
وأرى أن وصف السمكة هو أقرب ما يمكن
لإنسانٍ عاش قبل أربعة قرون أن يصف به غواصة ، ونحن نعرف أنه يعني ذلك بقرينة ما يذكره من أنها تضُمُّ في داخلها بشراً وأسلحةً وثائق ، وهو يقول بأنها سوف تصل في ضمن أسطول يكون قد أتى من نقطة بعيدة إلى الشواطيء الإيطالية ، وأن ذلك سيكون إيذاناً بنشوب حرب يشعل شرارتها ويثيرها أحد أولئك الوافدين ضمن هذا الأسطول وسوف يخرج من غواصة.
وفي رباعية أخرى نرى نوستردامس وهو يصف
آليةً تبدو وكأنها قطعة برمائية فيقول :
|
«
السمكةُ التي ترحل براً وبحراً
عندما
ترتفع إلى الشاطيء بموجه عظيمة
شكلها
غريب ، ناعم ومرعب
|
|
ومن
البحر يصل العدو إلى الأسوار عاجلاً »
الأول ـ ٢٩
|
إنه يبدو لك وكأنه إنسان من كوكب آخر
يحاول أن يصف لك شيئاً بحسب ما تستوعبه الألفاظ التي يعرفها ، وهي أوصاف وأن كانت تبدو مضحكة بالنسبة لنا لأننا جميعاً نعرف ما هي الغواصة أو الآلية البرمائية ولا بد وإن واحدنا قد شاهد ولو صورة فوتوغرافية لها إلا أنها شكلاً وهيئة في منتهى الغرابة لإنسان يعيش في عالم مختلف تماماً عن عالمنا وهو يتسلّم هذه الرؤوس العجيبة عن عالم المستقبل.
خط
العرض ٤٥ درجة
|
«
السماءُ سوف تلتهب عند خطّ عرض ٤٥ درجة
النار
تصل إلى المدينة الجديدة العظيمة
في
لحظة سينتثر متصاعداً لهبٌ هائل
عندما
يريدون أن يختبروا ال [ نورمان ] »
السادس ـ ٩٧
|
إنّه يصوّر لنا هنا مشهداً رهيباً من
مشاهد حرب التحرير الكبرى القادمة والتي ستدول بها دولة الاستكبار القائمة اليوم.
خط العرض ٤٥ يمرّ بالولايات الشمالية من
الولايات المتحدة الأمريكية ويمرّ بفرنسا وإيطاليا ويوغسلاڤيا ورومانيا والأتحاد السوڤيتي ( سابقاً ) والصين.
وأما النار التي يذكرها فهي نارٌ تنبعث
من ضربات صاروخية أو جوّية أو من يدري فلعلّها أن تكون نوويّة ، فهو يقول بأن لهباً هائلاُ سوف يتصاعد منتثراً في لحظة واحدة ، وهو وصف قريب جداً لإنفجارات الصواريخ والقنابل. ولكن أيّ رعب وأي هول هو هذا الذي يأتي صاحبنا على وصفه ، أن آفاق المساء سوف تلتهب بهذه النار عند خط العرض المذكور ، وتمتد النار وتنتشر حتى تصل إلى المدينة الجديدة العظيمة.
والمدينة الجديدة التي ذكرها تحتمل أن
تكون إشارة إلى عدد من المدن ، ولا يغرب عن بالنا أن معظم المدن الواقعة في الولايات المتحدة الأمريكية هي مدن جديدة بالنسبة إلى عصر نوستردامس ، ومن بين هذه المدن فأن أرجح الاحتمالات هو أن تكون مدينة نيويورك ، وهي المدينة والولاية الأمريكية الرئيسية والتي تعتبر في نفس الوقت واحدة من أكبر المدن وكذلك من أكبر الموانيء التي في العالم كله ، وهي تقع عند خط العرض ٤١. وكلمة نيويورك تتألف من مقطعين؛ [ نيو New
] وتعني الجديد ، و [ يورك York ] وهي إسمُ علم
نسبةً إلى دوق يورك الأنكليزي والذي هو أخو الملك في وقته ، وذلك أن هذه المدينة كانت أوّل إنشائها مستعمرةً خاصة بالهولنديين وكانوا قد أطلقوا عليها إسم [ نيو أمستردام ] نسبة إلى عاصمتهم أمستردام ، وكانوا بالأصل قد اشتروا الأرض التي أقاموا عليها مستعمرتهم هذه من الهنود الحمر سكانها وسكان أمريكا الأصليين مقايضةً ببعض الأقمشة والخزر وبما لا تزيد قيمته على ٢٤ دولاراً ولكنها صارت فيما بعد موضع نزاع بينهم وبين الأنكليز حيث أن الأخيرين كانوا يعتبرونها جزءاً من منطقة [ ڤرجينيا ] الواقعة تحت سيطرتهم والتي سبق لهم أن احتلّوها ، فصاروا يحاولون إخراج الهولنديين منها ، وفي سنة ١٦٦٤ قام الملك تشالز الثاني الإنكليزي بإعطائها لأخيه [ دوق يورك ] الذي قام بدوره بإرسال الأسطول البريطاني إليها لدعم مطالب بريطانيا فيها بالقوة ، ولكن الهولنديين تركوها للإنكليز بدون مقاومة فصارت لهم بصورة « رسمية » وتمّت إعادة تسميتها فصارت تعرف باسم نيويورك نسبة إلى ذلك الدوق بدل إسمها القديم [ نيو أمستردام ].
كذلك فإن المدينة الجديدة العظيمة قد
تكون إشارة إلى مدينة أخرى هي مدينة جنيڤ في سويسرا ، حيث أنها تقع على خط العرض ٤٦ ، كما أن أصل معنى
كلمة جنيڤ عند أرجاع هذه اللفظة إلى أصلها اللاتيني الذي جاءت منه ( وهي اللغة التي أكثر نوستردامس من استعمالها في كتابه ) هو المدينة الجديدة ، أي أن المعنى الحرفي لكلمة جنيڤ هي المدينة الجديدة.
فالمدينة الجديدة التي ستلتهمها تلك
النار تحتمل أن تكون أية واحدة من بين هاتين المدينتين المذكورتين أو غيرهما.
أما ال [ نورمان Norman
] فإنها تحمل معنيين ، لغوي واصطلاحي عَلَمي ، فمن الناحية اللغوية فإنها لفظة لاتينية الأصل وتعني [ أهل الشمال ] ، وأما المعنى الإصطلاحي فهي إسم عَلَم يُطلق على سكان شمال غرب فرنسا وهي المقاطعة التي تسمى بمقاطعة النورماندي.
فعلى المعنى الثاني يصير المقصود هو أن
هؤلاء الذين سيقومون بأشعال النار في السماء عند خط العرض ٤٥ وفي تلك المدينة الجديدة سيكون عندهم في نفس الوقت غرضٌ معين وهو اختبار أهل فرنسا وفحص ردّة فعلهم وتقدير مدى قوتهم ، وعلى هذا يكون المقصود من المدينة الجديدة هو مدينة جنيڤ على الأرجح.
فإذا كان قصده من النورمان هو أهل
الشمال فإن عملية الأختبار تلك ستكون موجَّهة إلى أهل الشمال
الذين هم أهل شمال الكرة الأرضية من روسيا وأوروبا وأمريكا ، وعلى هذا المعنى فإن المقصود من المدينة الجديدة العظيمة سيكون مدينة نيويورك.
ويبدو أن عملية الأختبار هذه هي من باب التكتيكات العسكرية المستعملة في الحروب عندما يقوم أحد الطرفين المتحاربين بإستعمال هجمات وضربات يحاول بها أن يقيس ويقدّر احتمالات وعنف ردود الفعل التي سيبادر خصمه إلى اتخاذها إذا ما أراد ذلك الطرف أن يقوم بهجمة رئيسية له ويريد بها أن يحقق نصراً أكيداً.
المدينة
الجديدة
|
«
حديقةُ العالم قرب المدينة الجديدة
في
طريق الجبال الجوفاء
سوف
يُستَولى عليها وتوضع في الصهريج
وتُجبَر
على شرب ماء مسموم بالكبريت »
العاشر ـ ٤٩
|
المدينة الجديدة المذكورة هنا في هذه
الرباعية الغريبة هي مدينة نيويورك الأمريكية. ونيويورك هي أكبر مدينة وأكبر ميناء وأهم مركز ماليّ في أمريكا كلها ، وهي في نفس الوقت إحدى الولايات الخمسين التي تتكون منها الولايات المتحدة الأمريكية وتقع على الساحل
الشرقي وتطل على المحيط الأطلسي ، وتتكون من خمسة أقسام إدارية ، أقدمها وأهمها هو القسم المركزي واسمه [ مانهاتن ] وتتركز فيه أهم المصارف والمؤسسات المالية في أمريكا وبالذات في أحد الشوارع المعروف باسم [ وول ستريت Wall Street ] ، وفي مانهاتن تتركز تلك البنايات العملاقة التي تسمى ناطحات السحاب ، وفي وسط مانهاتن تقع واحدة من أكبر الحدائق في العالم ببحيراتها وغاباتها وهي البارك المركزي ، والظاهر أنّ حديقة العالم المذكورة في النص أعلاه هي إشارة إلى هذا البارك المركزي بالذات أو قد تكون إشارة إلى ولاية [ نيوجرسي ] الواقعة الى جوار ولاية نيويورك وكلهما مدينة جديدة [ إسماً وواقعاً تاريخياً ] إضافة الى أن نيوجرسي تعرف أيضاً باسم شعبي شائق وهو [ الولاية الحديقة Garden
State ] والجبال الجوفاء قد يكون هو أقرب وصف ممكن لرجل القرن السادس عشر لناطحات السحاب التي اشتهرب بها مدينة نيويورك والتي يبلغ ارتفاع أعلى واحدة فيها حوالي ٤٤٢ متراً وهي باسم ( بناية ولاية الأمبراطورية ) حيث أن ولاية الامبراطورية هو اللقب الشائع لولاية نيويورك بين أهاليها. فناطحات السحاب في ارتفاعها الهائل تبدو وكأنها الجبال ولكنها جوفاء تقريباً لما فيها من الغرف والأقسام التي تشبه الكهوف والمغارات ، وهذا وصف صادق ودقيق لها. كذلك فإن الذي يريد الوصول إلى
حدائق مانهاتن الكبرى في نيويورك فلا بد له من المرور بناطحات السحاب الواقعة في الطريق.
هذه المنطقة المذكورة سوف يتم الاستيلاء
عليها لتوضَع في صهريج وهذا التعبير الأخير قد يكون المقصود منه هو تمام الإستيلاء عليها وإخضاعها أو قد تكون إشارة إلى شيء آخر لا نعرف ماذا يمكن أن يكون ولكن سوف يتبين معناه فيما بعد.
وإجبارها على شرب ماء مسموم بالكبريت
يشير إلى حالة تلوث مياه عام وشائع يجعل من مسألة تناوله أمراً لا مناص منه ولا مجال لتفاديه وهذا بحد ذاته أما إشارة إلى كارثة في البيئة المحيطية أو إلى حالة حرب تستعمل فيها المواد الكيمياوية.
حر
وجفاف وحرب
|
«
عند خط العرض ٤٨ درجة.
حتى
نهاية السرطان ، سيكون جفافٌ عظيم
السمك
في البحر والأنهار والبحيرات تغلي
[
بيرن ] و [ بيغور ] في شدّةٍ بسببِ نار في السماء »
الخامس ـ ٩٨
|
إنه يتوقع هنا جفافاً رهيباً يصيب الدول
والمناطق
المحصورة بين خط العرض ٤٨ درجة ومدار السرطان وعددها كثير حقاً ونذكر منها ما يلي : الولايات المتحدة الأمريكية كلها تقريباً ، المكسيك ، فرنسا ، أسبانيا ، سويسرا ، إيطاليا ، رومانيا وهنغاريا ويوغسلاڤيا ( سابقاً ) وبلغاريا واليونان ، البلاد العربية قاطبة ، تركيا وإيران ، الهند والباكستان وأفغانستان ، الصين والمناطق الجنوبية من ما كان يعرف بالأتحاد السوڤيتي.
هذه المناطق سوف يشملها جفاف عظيم تصحبه
حرارةٌ من الشدة والقسوة ما يجعل المياه تغلي في البحار والأنهار والبحيرات ، حرارة من الأرتفاع إلى درجة تطبخ السمك طبخاً وهو يسبح في أعماق المياه ، ويبدو أنه يتنبأ هنا عن تغيُّرات بيئية عنيفة ستؤذي إلى هذه الحالة ، وليس هذا بالأمر المستبعد في ظل الدراسات الواسعة والمتعددة في مجال البيئة والتحولات المناخية ، حيث تشير نتائج هذه الدراسات إلى وجود عاملين رئيسيين في خصوص التأثير على درجة حرارة محيط الأرض ، العامل الأول هو كثافة غاز ثاني أوكسيد الكاربون في الهواء والعامل الثاني هو جريان تيارات المحيطات ، والموضوع في حاجة إلى شيء من التوضيح ؛ ففي خصوص العامل الأول نلاحظ أنه في الأحوال الطبيعية البعيدة عن حالة تلوث الجو بأن أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض سيتمّ إمتصاص قسم منها عند سطح الأرض وسيتمّ
إنعكاس قسم آخر عنها وانفلاته في الجو وبالقدر المناسب للإبقاء على الدرجة الحرارية الملائلة للحياة على الأرض ، أما في الظرف الراهن فإن هناك حالة غير طبيعية وهي أن كثافة غاز ثاني أوكسيد الكاربون ( وغازات أخرى بدرجة أقلّ ) في الجو أصبحت عالية جداً وهي في تصاعد مستمر بحيث أن هذا الغاز صار يشكل طبقةً تلفّ كرتَنا الأرضية ، ولهذه الطبقة الغازية خصوصية معينة من ناحية تأثيراتها وهي أنها تسمح للأشعة الحرارية القادمة من الشمس بأن تعبر من خلالها متجهةً إلى الأرض ولكن من ناحية أخرى فإنها تمنع مرور الأشعة الحرارية المنعكسة عن سطح الأرض والتي من الضروري إنفلاتها إلى الفضاء الخارجي للإبقاء على الحرارة المناخية المناسبة وتكون النتيجة هي الحالة التي تسمّى بتأثير البيت الزجاجي حيث تحتبس الأشعة الحرارية في محيط الأرض وتؤدي إلى الأرتفاع التدريجي في معدل حرارة الجوّ ، وقد لوحظ أن الأزدياد المستمر في كثافة هذا الغاز يرجع إلى سببين مهمين وهما :
١ ـ كثرة إحراق الوقود لغرض توليد
الطاقة الكهربائية ولغرض تشغيل المعامل الصناعية المختلفة ولغرض تشغيل وسائل النقل بمختلف أشكالها مما يؤدي إلى الإلقاء بكميات هائلة جداً من هذا الغاز في جو
الأرض ( ملايين الأطنان سنوياً ).
٢ ـ الأشجار والنباتات لها دور جوهري في
الحفاظ على توازن ومستوى هذا الغاز في الجو حيث أنها تستهلكه لغرض صنع الغذاء في أوراقها. ويبرز هذا الدور بشكل واضح في مناطق الغابات الكثيفة الي تنمو في مناطق تساقط الأمطار الأستوائية الغزيرة. والذي حصل ويحصل هو أن هذه الغابات تقع في بلاد الفقراء والمستضعفين من أبناء هذا العالم الذين اضطرتهم ديونهم وفوائد ديونهم لبنوك ومؤسسات المترفين والمتجبرين في الطرف المستكبر من العالم إلى الهجوم على هذه الغابات قطعاً وتحريقاً في أشجارها وبشكل واسع جداً إما لغرض بيع أخشابها أو لغرض استمعال الأرض التي تنمو عليها هذه الغابات للزراعة. وقد أدّى ذلك إلى خلل كبير في توازن البيئة وإلى ارتفاع مستويات الغاز المذكور بسبب نقص كثافة الأشجار التي من المفروض أن تستهلكه في صنع غذائها.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد وحسب ، ولكن
تأثير بعض المعامل والصناعات الحديثة تعدّى هذا الأمر إلى أمر خطير آخر وهو أنها تؤدي إلى الإلقاء بكميات هائلة من المواد الكيمياوية في الجو تحمل تأثيراً آخر على طبقات الجو العليا وخصوصاً طبقة غازية تحيط بالأرض
إسمها طبقة الأوزون ، وفائدة هذه الطبقة الغازية الموجودة بصورة طبيعية هي أنها تمنع وصول الاشعاعات الفضائية الضارّة إلى الكائنات الحية الأرضية ( وبضمنها البشر ) ، هذه المواد اليكمياوية الصناعية تؤدي إلى تلف في هذه الطبقة وإلى إحداث ثغرات فيها تؤدي إلى تسرّب هذه الإشعاعات الضارّة إلى سطح الأرض مما يسبب ارتفاع نسبة الأمراض وخصوصاً السرطانية منها وإلى ظهور أمراض جديدة بسبب تأثير تلك الإشعاعات على الطبيعة الداخلية للكائنات الحية ومن جملتها طبعاً الميكروبات والڤيروسات.
هذا فيما يخص العامل الأول المؤثر على
درجة حرارة محيط الأرض والمناخ السائد فيها ، أما العامل الثاني فهو حركة التيارات المائية التي تجري وسط المحيطات ، وقد برزت الأهمية القصوى لهذه التيارات من خلال بعض البحوث الحديثة التي جرت في القطب الشمالي وفي مياه المحيط الأطلسي الشمالي وبالذات التيارات التي تحمل المياه الدافئة من ناحية خط الإستواء وباتجاه القطب الشمالي ، وكان الهدف من هذه الدراسات هو إستكشاف العوامل التي أدّت إلى إنتهاءِ آخر عصر جليدي في الكرة الأرضية والذي عمّ الأرض قبل حوالي إثني عشر ألف سنة ( ١٢٠٠٠ سنة ) ، وقد
دلّت حساباتهم وكشفياتهم على عدد من الأمور ، ومنها أن نهاية العصر الجليدي الأخير تزامنت بالضبط مع إبتداء ظهور وجريان تلك التيارات الدافئة التي سبقت الإشارة إليها بين خط الاستواء والقطب الشمالي عبر المحيط الأطلسي ، وقد لوحظ وجود علاقات متبادلة بين درجة حرارة المناخ وبين سرعة جريان هذه التيارات ، تغير مناخ الأرض باتجاه ارتفاع عمومي في الحرارة سوف يؤثر على سرعة حركتها أما باتجاه الزيادة أو النقصان ، هبوط سرعة التيارات يؤدي إلى برد قارص في النصف الشمالي من الكرة الأرضية وزيادة سرعتها يؤدي إلى حرّ شديد. ونفس الشيء يقال عن تغيّر اتجاه هذه التيارات وليس سرعتها وحسب. وقد كان الاعتقاد السائد هو أن مثل هذه التحولات سوف تحتاج إلى وقت طويل لكي تحصل ولكن أهمّ ما دلّت عليه هذه البحوث الجديدة هو أن مثل هذه التغيّرات قد ينقدح زنادها في أي لحظة وأن مثل هذه التغيرات المناخية قد يحصل بصورة حادّة وسريعة جداً مما يؤدي إلى أن تدخل الأرض بحرارة إستوائية عالية جداً.
بناءاً على ما تقدم وكما هو واضح فإن
حصول مثل هذه الانقلابات التي وردت في هذه النبوءة هو أمر ممكن
تماماً إن لم يكن متوقعاً على ضوء ما نراه في أيامنا هذه من كوارث مناخية في كل مكان.
[ بيرن Bearn ] هو إسم مقاطعة في جنوب فرنسا بالقرب من حدودها مع أسبانيا. ونفس الإسم يطلق على مدينة أخرى في مقاطعة [ كويبك Quebec ] في كندا. والمقصود هو الأولى.
[ بيغور Bigorre ] هو إسم منطقة فرنسية أيضاً وتقع إلى جوار مقاطعة [ بيرن ] المذكورة أعلاه.
ويشير السطر الرابع من هذه الرباعية إلى
مسألة أخرى غير مسألة الجفاف التي ساقها في البداية حيث يقول هنا بأن جنوب فرنسا سيكون في شدّة بسبب ما يبدو وكأنه هجمات بالصواريخ عليها وذلك لما ذكره عن النار التي في السماء والتي يمكن أن تكون تصويراً لصواريخ تسحب وراءها ذيولاً من نار وهي تجوز الفضاء متّجهة إلى أهدافها. ونستطيع أن نلمس نوعاً من الترابط بين المسألتين إذ يمكن أن نفهم من قوله هذا أن ظرف الجفاف والحرارة الشديدة سيكون متواقتاً مع حرب مدمّرة تشهد فرنسا طرفاً منها ، كما قد يكون في ذكره للصواريخ أو للنار التي في سماء فرنسا إشارة من طرف خفيّ إلى أن ظرف الحرارة والجفاف إنما هو بسبب استعمال أسلحة يكون لها هذا الأثر في جملة آثارها التدميرية.
وإلى جانب ذلك وفي رباعية أخرى من فصل ( قرن ) آخر نجد نوستردامس وهو يتوقع حصول مجاعة عالمية لا تبقى ولا تذر ، فهو يقول :
|
«
إن المجاعة العظمى التي أُحسُّ بها تقترب
سوف
تدور كثيراً حتى تعمُّ العالم كلّه
عظيمة
وطويلة إلى درجة
حتى
ينتزعوا الجذور من الأشجار والأطفال من الأثداء »
الأول ـ ٦٧
|
فهو يقول بأنه هذه المجامعة التي
يتوقّعها للعالم سوف تبدأ بالظهور هنا وهناك وبشكل متفرق وعلى ما هي الحال التي نجدها اليوم ، فالمجاعة تارة في أثيوبيا والصومال وأخرى في السودان ثم تتحول إلى العراق وهكذا تدور في موطن إلى آخر ، ولكنها سوف يأتيها اليوم الذي تعمُّ فيها العالم كله حتى أن الناس من فرط شحّة الغذاء ليأكلون جذور الأشجار بعد أن يفنى كل ما بين أيديهم حتى حشائش الأرض وهوامها ، وحتى أن الأطفال لا يجدون ما يشربونه من أثداء أمهاتهم ، بل أن الأمهات في شأن آخر يشغلهنّ عن أمر أطفالهنّ ، إنها مجاعة عالمية بشعة للغاية تلك التي يراها صاحبنا.
أوروبا في قبضة السيف
|
«
أنوح على [ نيس ] ، [ موناكو ] و [ پيزا ] و [ جنوا ]
[ ساڤونا ] و [ كاپوتا ] و [ سين ] و [ مودينا
] و [ مالطا ]
التي
سوف يغطيها الدم وهي في قبضة السيف
نار
، الأرض ترتجف ، غرق ، تعاسة غير مرغوب فيها »
العاشر ـ ٦٠
|
مشهد رهيب لدمار واسع يصيب الدول
الأوروبية عموماً وبالذات فرنسا وإيطاليا التي يركز عليهما نوستردامس كثيراً في نبوءاته بالإضافة إلى أسبانيا لأنها في نظره معاقل الكنيسة الكاثوليكية التي كان ينتمي إليها ويتحمس لها ويرى فيها العمود الفقري للعالم الأوروبي في وجوده الحضاري وفي تكوينه الفكري وتكوين شخصيته.
[ نيس Nice ] مدينة فرنسية وهي في الأصل مدينة إيطاليا تابعة لمملكة ساردينيا فاحتلتها فرنسا سنة ١٨٦٠ وضمّتها إلى أراضيها منذ ذلك العهد.
[ موناكو Monaco ] هي أصغر دولة في العالم حيث أن مساحتها هي نصف ميل مربع تقريباً وتقع على الساحل الجنوب الشرقي لفرنسا على البحر الأبيض المتوسط وعاصمتها تحمل نفس الإسم موناكو وتوجد فيها مونتي كارلو الشهيرة بكازينوهات القمار وبفنادقها الفاخرة جداً والتي تحيط بها حدائق غنّاء. ومع أن موناكو هي تحت الحماية الفرنسية وأن اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية فيها إلاّ إنها دولة مستقلّة بنفسها لها جيشها وشرطتها محاكمها الخاصة ويحكمها أميرٌ من عائلة [ غريمالدي ] التي جاءت في الأصل من مدينة جنوا الإيطالية المجاورة والتي تتوارث الحكم عليها منذ القرن الخامس عشر. وهي الدولة الوحيدة في أوروبا التي لا تأخذ ضرائب كمركية والتي لا يدفع فيها سُكانها ضرائب من أيّ نوع وذلك أن عوائد الدولة من السياحة ومن موائد القمار التي فيها تغنيها عن أخذ الضرائب.
[ پيزا Pisa ] مدينة نهربة في إيطاليا ، وهي التي يوجد فيها البرج المائل الشهير ( برج بيزا ) وهو برج يوجد في أعلاه ناقوس ويبلغ ارتفاعه ٥٥ متراً ويميل بمقادر
خمس درجات ونصف وقد تمَّ بناؤه بين سنتي ١١٧٣ ـ ١٣٥٠.
[ جنوا Genoa ] ميناء إيطالي يقع في الشمال الغربي من إيطاليا وقد كان من أهم الموانيء التجارية والحربية في العصور الوسطى ، والمدينة هي مسقط رأس كرستوفر كولمبس مكتشف القارة الأمريكية وقد اشتهرت بصناعات الصلب والسفن ولكنه الآن في تدهور مستمر.
[ ساڤونا Savona
] إسم مقاطعة ومدينة في إيطاليا ، كما أنه إسمٌ يطلق على مدينتين أخريين الأولى في كولومبيا البريطانية والثانية في ولاية نيويورك الأمريكية ، والظاهر أن المقصود هو الأولى.
[ كاپوا Capua ] مدينة جنوب إيطاليا قرب مدينة نابولي.
[ سين ] هو النهر الفرنسي الذي تقع عليه
مدينة باريس ويبلغ طوله ٧٧٥ كيلومتراً [ مودينا Modena ] هي مقاطعة كبيرة في إيطاليا ، كذلك هو إسم مدينة في أمريكا وإسم منطقة في ولاية نيويورك.
[ مالطا Malta ] هي جزيرة في وسط البحر الأبيض المتوسط وإحدى دول الكومنولث وتبعد حوالي ٦٠ ميلاً عن جزيرة سردينيا الإيطالية ، وتعتبر مالطا من أكثر دول
العالم في الكثافة السكانية.
وتستمر أنباء هذه الهزيمة الأوروبية
الشنيعة في رباعيات أخرى نأتي على ذكر بعضها.
هجرة واسلاب
|
«
من موناكو إلى سسلي
كل
الشريط الساحلي سيبقى مهجوراً
سوف
لن يبقى ريفٌ أو مدينة
لم
ينهبها أو يسلبها البرابرة »
الثاني ـ ٤
|
[ سسلي Sicily ] هي الجزيرة المثلثة الشكل تقريباً التابعة لإيطاليا ، وهي أكبر جزر البحر الأبيض المتوسط ويفصلها عن طرف البر الإيطالي مضيق ضغير ، وهي ذات كثافة سكانية عالية جداً. وقد سبق ذكر ( موناكو ) وغرقها بالدماء ومن قبل ذلك خرابها الاقتصادي. ونرى هنا مشهد عاصفة عربية إسلامية هو جاء لا تُبقي ولا تذر ، إن الرعب الذي سيسببه ذلك الإسماعيلي العظيم لهو من الشدة إلى درجة أن يترك الناس أوطانهم ويهجرونها إلى مواضع أخرى ، وسوف تغنم الشعوب المسحوقة كل ما كان في أيدي وحوزة أولئك.
باريس مهجورة وهجوم ضد بريطانيا
|
«
ستبقى غير مأهولة لمدة طويلة
المنطقة
التي عند التقاء نهري [ السين ] و [ مارن ]
يهاجم
الجنود نهر [ التايمس ]
ينخدع
حرّاسُه بأنّهم صَدّوهم »
السادس ـ ٤٣
|
نهر [ السين Seine
] ونهر [ مارن Marne ] يقعان في فرنسا ، وعند ملتقاها تقع مدينة باريس ، منطقة باريس وما حولها سوف تبقى مهجورة غير آهلة بالسكان ولمدة طويلة من الزمن بسبب الحرب الكبرى المتوقَّعة سنة ١٩٩٩ ـ ٢٠٠٠.
نهر [ التايمس Thaims
] يقع في برطانيا ، وهو ينبع في غرب انكلترا ويتجه شرقاً وجنوباً ليمرّ في وسط مدينة لندن حيث يطل عليه البرلمان البريطاني ، ويصب فيما بعد في البحر شمال القنال الأنكليزي ( المانش ). وهنا مشهد عن هجمة عسكرية ضد بريطانيا وهي جزء من
تلك الحرب الكبرى المتوقعة ، ويبدو أن الغزو المتوقّع سيمر عبر فرنسا ومن ثم القنال الأنكليزي إلى شواطيء بريطانيا عند مصب نهر التايمس وأن الأمر سيكون مفاجئاً حيث سيتصور الجيش البريطاني بأن هجوم القوات المعادية قد تمّ صدّه ولكنهم سيكونون مخطئين في ذلك حيث ستصلهم قوات الغزو في عقر دارهم ، ولعل للنفق الجديد الذي سيتمّ إنشاؤه وافتتاحه في السنوات القليلة القادمة والذي يمر تحت سطح البحر ويربط البر الفرنسي بالبر الانكليزي عند موانيء لندن دورٌ في هذه العملية. وهناك إشارة إلى مدينة عظيمة يبدو على الأرجح أنها باريس مع إشارة إلى هجرة أهلها منها وإخلائها من سكانها تأتي في الرباعية التالية :
|
«
المدينة العظيمة سوف تُهجَر تماماً
لن
يبقى منها ولا واحد من سكّانها
الجدار
، المعبد ، الجنس ، العذراء ، تُنتهَك كلها
سيموت
الناس من الوباء وقذائف المدافع »
الثالث ـ ٨٤
|
فأما الجدار فما هو إلاّ رمز لكل ما هو
بناء عمراني من مساكن وفنادق وغيرها من منشآت ، وأما المعبد فأنّه إشارة إلى الكنائس وما شابهها ، الجنس هو رمز للذكور
والأناث أو للرجال والنساء ، العذراء هو إشارة إلى النساء وإلى حديثات السنّ منهن خاصة. هذه كلها سوف يتمّ إنتهاكها إي إنها سوف تسقط عنها الحرمة ولن يكون لها من يحميها من هذه القوة التي ستأتي بقذائف المدافع ، وكل هذا يعني حصول حرب طاحنة يشير إليها في السطر الرابع ، والمعنى يتضمن أن هذه المدينة العظيمة أو دولتها ستكون بلا حول ولا قوة فيشيع الموت في الناس بسبب الوباء وبسبب القتل ، قتل وآسر في الرجال وفي النساء والعذارى. يشيع الدمار والخراب في الأبنية والمنشآت العمرانية وفي الكنائس وأماكن العبادة بسبب الغزو وبسبب الهجرة التامة والدمار الشامل.
ونفس المعنى ، ولكن بتفصيل وتوضيح أكثر
، يأتي في رباعية أخرى : ـ
|
«
السفن ممتلئة بالأسرى من كلّ الأعمار
الأيام
التعيسة بدلَ الطّيبة ، مُرُّها بدلَ حلوها
يقعون
فرائس للبرابرة المستعجلين للرؤية
وتذهب
الشكوى كريشة في مهبّ الريح »
العاشر ـ ٩٧
|
البرابرة هي إشارة إلى سكان الساحل
الأفريقي الشمالي وبالذات تونس ومراكش والجزائر ، وتكون إشارة إلى العرب وإلى المسلمين بصورة عامة.
وقد استعمل للفظ السفن عبارة [ Trireme
] وهي سفن امتاز الفينيقيون بالذات باستمعالها وكانت ذات ثلاثة سطوح وتستعمل فيها المجاذيف ، وكما عرفنا فإن الفينيقيين هم سكان لبنان وسوريا الأصليون وإشارة من نوستردامس إلى أهل الشرق الأوسط عموماً على أغلب الظن ، فالسفن القادمة التي سوف تمتليء بالأسرى والسبايا هي من تلك الجهة من العالم.
والمشهد هنا هو عن هجوم إسلامي وعربي
كاسح يفترس كل ما يواجهه ، ويقع كل شيء في قبضة هؤلاء المسلمين ( البرابرة ) ولا يفلت منهم شيء حتى البشر يصبحون ملك يمينهم ويستحيل الطغاة إلى عبيد وإلى إماء ، من كل الأعمار ، يقعون فرائس في أيدي هؤلاء الغزاة وعيونهم تتفرس في الوجوه بحثاً عما هو أفضل وعما هو أحسن من الغنائم على عجلة من أمرهم لأن هناك الكثير ينتظرهم من أمامهم ومن ورائهم. أما من يشتكي فإن شكواه تذهب أدراج الرايح ، وماذا نفعت من قبل شكاوى المستضعفين وأنين المظلومين !! بل إنها كانت وكأنها إغراء للفراعنة بمزيد من الظلم وبمزيد من الإيذاء والنكاية. إنه يوم جديد ينقلب فيه كل شيء رأساً على عقب وتستحيل أيام هؤلاء الحلوة الطيبة إلى مرارة وتعاسة ، وكذلك تقلُّب الأيام بين الناس والعاقبة للصابرين المتقين.
اهل العراق غاضبون
|
«
سكّان العراق وأهلُه
غاضبون
على حلفاء أسبانيا
لعبٌ
، طقوس ، حفلات ومآدب ، كلُّهم نائمون
البابا
عند [ الرون ] ، مدينتُه يتمّ احتلالها وكذلك إيطاليا »
السابع ـ ٢٢
|
لقد جاءت الإشارة إلى أسبانيا في النص
الأصلي بإسم إحدى مقاطعاتها وهي [ تَراغونا Tarragona ] الذي هو إسم مقاطعة ومدينة قديمة في أسبانيا تقع على البحر الأبيض المتوسط على بعد ٩٥ كيلومتراً جنوب غرب ميناء برشلونه ، وتوجد فيها آثار رومانية قديمة.
وقد جاء إسم العراق أصلاً بعبارة [ ميزوبوتيميا
Mesopotamia ] وهي التسمية اليونانية القديمة لما يُعرف اليوم بأرض العراق وهي تعني من ناحية لفظها « بلاد ما
بين النهرين » ، وهي بلاد ذات حضارة عريقة جداً تعود إلى أكثر من ستة آلاف سنة وقد توالت عليها حضارات ومدينات مختلفة كما توالت على حكمها شعوب مختلفة من فرس ويونانيين ومغول وأتراك وإنكليز إلى آخره ، وقد تم تدميرها وتدمير منشآتها على يد المغول سنة ١٢٥٨ والذين قاموا بتخريب جسورها وقنوات الريّ فيها وغير ذلك مما أحالها إلى صحراء قاحلة ، وجاء الأمريكان وحلفاؤهم إلى العراق في ١٧ / ١ / ١٩٩١ فدمروا كل منشآت البلاد الحيوية وأحالوا مدنه إلى خرائب وأنقاض فأرجعوا البلد بذلك إلى عهود القرون الوسطى. وحيث أنها كانت مكيدة دبّروها لغاية معينة فإن أهل العراق سوف ينتبهون إلى كامل أبعاد تلك المكيدة فيغضبون لأنفسهم غضبةً سوف يكون لها دور مهمّ في مستقبل العالم والمنطقة. ولم تكن تلك الحرب غير خطة أمريكية بالدرجة الأولى دبّرتها مع حليفاتها وبالاتفاق مع صاحبهم وربيب نعمتهم وصنيعة يدهم صدام حسين ، مخططوا لحربٍ مضمونة النتائج يخوضونها من جانب واحد ويقررون لها سلفاً من الذي سيكون الطرف الرابح فيها ومن سيكون الخاسر وعلى نفس النمط المألوف عندهم في مباريات المصارعة الحرة وبحسب الاتفاق !! وما كان ذلك إلا من أجل الوصول إلى بعض الأغراض التي يمكن إجمالها بما يلي :
١ ـ محو عقدة ڤيتنام وجرحها
الدامي الذي لم يندمل في ضمير المجتمع الأمريكي ، ولقد قالوها صريحة بلا رتوش وعلى لسان رئيسهم بوش في خطابه الذي أعلن به عن نهاية عمليات عاصفة الصحراء حيث قال ( لقد تحررنا بعون الله من ڤيتنام للمرة الأخيرة وإلى الأبد ).
٢ ـ محاولة اليأس للخروج من حالة الركود
الاقتصادي والانحسار الذي عمّ كل مرافق الحياة الاقتصادية في أمريكا وبريطانيا وغيرهما من دول العالم الغربي ناهيك عن بقية أطراف العالم الثاني والثالث.
٣ ـ توجيه لكمة عنيفة للنزعة التحررية
بين أبناء شعوب العالم الثالث وخاصة الإسلامية منها بعد شيوع حالة من إحترام الذات هي أقرب إلى التمرّد على القيم الاستكبارية السائدة وذلك بعد إنتهاء فترة الإنبهار بالمدينة الغربية وبعد إنكشاف الخدعة الماركسية مع حالة من الوعي والانفتاح يصحبها إحساس شديد بالحيف والمظلومية أمام القوى الفرعونية التي علّت في الأرض بغير الحق ، فأراد هؤلاء المستكبرون إلحاق هزيمة نفسية عنيفة بأبناء هذا العالم الثالث وتلقينهم درساً قاسياً بأن ما يحلمون به من حرية وإنعتاق هو مما لا سبيل إليه ( ما بلّ بحرٌ صوفة ) وما دامت السماوات والأرض ، وأن لا مفرّ
لأحد من الإستسلام والخضوع لأمريكا أو لبريطانيا أو لفرنسا وللغربيين عموماً. وكانت خطتهم هي بالضبط ما حصل ، إذ صنعوا من صدام بطلاً أسطورياً يواجه قوى العالم أجمع مواجهة حدّية فاجأة الناس جميعاً ، فأحسّ بعضهم باللعبة وقال كلاّ لا يمكن أن يكون هذا هو صدام الذي نعرفه وما هذا بردائه ولا هذا هو حجمه أو خلقه ، إنه يتحرك ويتكلم وفق دور يلعبه في لعبة كبيرة ، بينما أغفلت عنها الغالبية العظمى التي رأت في صدام فارس أحلامها فتعلّقت به القلوب والآمال لأنه واجه أمريكا وتحدّى الغرب الذي يبغضونه جميعاً ، وصاروا ينتظرون ساعة النزال الذي سيسوّد وجوه الأمريكان بعد أن يتلقوا من الضربات الموجعة على يد هذا البطل الجديد ما يكسر من كبريائهم وإستعلائهم. وإذا بفارس الأحلام صدام لا يرفع سيفاً ولا عصا ولا يصول ولا حتى صولة واحدة على فرسه الأشهب بل إنه لم يرفع رأسه ولا حتى للخطة بل أنه إنتظر العاصفة حتى سكنت فانكبّ على أحذية الأمريكان والإنكليز يقبّلها صاغراً راضياً بكل ما يملونه عليه ، وكانت صاعقة تنزل على رؤوس المخدوعين بالسّراب فتنسف الآمال والأمنيات وتدفع بالكثيرين إلى حالة من الدهشة والخواء أو حتى الذلة والهوان.
٤ ـ أرادوا بتدمير العراق وتمريغ أنف
خادمهم صدام بالتراب أن يجعلوا منه نموذجاً ومضرب مثل بالنسبة للدول الإسلامية ودول العالم الثالث الأخرى ورؤسائها لترتدع حتى عن التفكير بأي عمل فيه خروج عن الإرادة الأمريكية أو فيه تجاوز للحدود المرسومة لها وذلك في جملة ترتيباتها لفرض النظام الدولي الجديد في أركان الدنيا. وقد كان ذلك على الصورة التي صارت مألوفة لدينا منهم وهو أسلوب الصعقة الماحقة الشديدة التي تشرد بلبّ الآخرين وتجعلهم دائخين مُنقادين.
٥ ـ كان يجب التخلص من فائض السلاح الموجود لدى جيش صدام لأنه إنما كان وديعة عنده إلى حين إنتهاء حربه مع إيران والتي خاضها نيابة عن المستكبرين ، فهل يكون إتلاف هذا السلاح هكذا بهدوء وببساطة أم أن يكون تدميره بطريقة فنّية فيها ضجّة وصخب وهول ولغرض إستراتيجي ماكر ؟! خصوصاً وأن لدى المعسكر الغربي أيضاً من فائض العتاد ما يجب تدميره والتخلص منه بسرعة بعد أن حصل التقارب السوڤيتي الأمريكي ( قبل أن يتفكك الأتحاد السوڤيتي وينتهي بالفعل ) ، خصوصاً وأن هذا العتاد المتطوّر هو من النوع الذي يحتوي على كميات من اليورانيوم المشعّ كجزء من تركيبته والتي يكلّف إتلافها قدراً جسمياً من
المال والجهد والحيلة ، فكانت حرب الخليج هي أفضل قناة للتخلص منه بإلقائه على من لا يُغني شيئاً من عرب العراق والخليج حتى بلغ مقدار اليورانيوم المشعّ الذي خلّفه القصف الجوي والصاروخي الذي جرى أثناء حرب الخليج ما يقدّر بحوالي الأربعين طنّاً. وهكذا قدّروا بأن الأجدر بهم هو جنايةُ بعض الفوائد من هذا العتاد المخزون بدل أن تذهب أموالهم دخاناً في الفضاء ، وقد جاءتهم بالفعل بلايين الدولارات من أجل تخريبهم للعراق والكويت وفي بثّ الشقاء والتعاسة بين أهله ما لم يُصرف أتفه اليسير منه على راحة ورفاه شعوب العالم الثالث مجتمعة أو لإنقاذها من فقرها أو من تخلّفها.
٦ ـ خلق المبرر الكافي الذي يعطي غطاءاً
« شرعياً » أو عقلانياً لتواجد القوات العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج بشكل فعليّ وعلى المكشوف وبكثافة عالية من أجل ضمان السيطرة المباشرة على منابع النفط ومصادر الطاقة من قبل أمريكا لتأمين حاجاتهم من ناحية ولأبتزاز الدول الصناعية الأخرى مثل اليابان وألمانيا وفرض السيطرة علهيم والتحكّم بهم من ناحية ثانية.
٧ ـ كانت هذه الحرب حقل تجارب لأسلحة جديدة لم تستخدم قبلها ، وكانت ساحة الحرب معرضاً حياً للأسلحة المتطورة المسموح ببيعها وكانت أفضل
وسيلة إعلامية لمصانع إنتاجها. كما كانت تجربة إختبارية للدور الجديد الذي ستلعبه قوات حلف الناتو ( شمال الأطلسي ) بقيادة أمريكا بعد إنحسار الخطر الروسي.
هذا إلى جانب فوائد أخرى جناها
الأمريكان خاصة والغربيون عامة أو أرادوا أن يجنونها ولكنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ، إذ ما أكثر ما ينقلب السحر على الساحر ، ولم يفلحوا حتى في هذه الجريمة الكبرى أو بالأحرى هذه المسرحية الإجرامية الكبرى وبالذات في خصوص ما كانوا يأملونه من تحسُّن التدهور الاقتصادي الذي يعيشونه إذ أنهم لم يرتقوا بعدها درجتين في السلّم حتى إنحدروا إلى نفس المستوى الذي كانوا عليه أو إلى ما هو أدنى ، ذلك بأن يومهم قد اقترب وذلك بأن الحيلة لم تعد تنقع في إصلاح كل ما أفسدوا وأن غداً لناظره لقريب.
لقد استباحوا العراق لمدة ثلاثه أشهر وعاثوا
فيه فساداً ، حتى إذا أتمّوا مهمتهم وانتهى كل طرف من الأطراف من لعب دوره وبدأ المخرجون بأسدال الستار على خشبة المسرح إستفاق أهل العراق على حجم الكارثة التي حلّت بهم ، ثم انتبهوا إلى أن سيف جلاّدهم المسلّط على رقابهم قد سقط من يده ولأيام معدودات ،
فإذا بهم يثورون بملايينهم ثورة رجل واحد وذلك في النصف الأول من شهر آذار ( مارس ) من سنة ١٩٩١ يطلبون الحرية والانعتاق من قيود الاستعباد ، وترنّح الطاغوت في العراق وكاد أن يهوي من على عرشه وإذا بأمريكا وبقوى العالم الاستكباري تمسك به لئلا يسقط وتسنده وتعينه على ملايين الناس الواقعة في أسره ، فاستأسد صدام والأشقياء الشّقاة من أصحابه على شعب العراق فصار يحصدهم بالدبابات وبالطائرات ، بالمدفعية وبالرشاشاة ، وبالعتاد الكيمياوي والعادي ، وسقط منهم عشرات الآلاف يسبحون في بحر من الدم ، وصار العالم يتستّر وبكل صلافة على إبادته الجماعية للبشر من أهل ذلك البلد الذي يتسلّط عليه ، ولما صارت روائح الجثث تزكم الأنوف وما عاد بالأمكان الإغفال عما يحصل هناك جعلت القوى العالمية تُسلّط الأضواء على مشاكل مهّدوا هم لظهورها ولإبرازها بشكل مكثّف للغاية في سبيل التعمية على ما هو أبشع وأفضع مما يجري هنا وهناك من مجازر رهبية بكل ما في الكلمة من معنى ، وهم بذلك يستطيعون أن يدّعوا بأنهم مهتمّون بالوضع الداخلي للعراق وبأن عينهم لم تغمض عما يجري هناك وبأنهم قالوا كذا ونقلوا كذا وكذا.
سوف ينتبه أهل العراق إلى أن الأمر إنما
كان خطة
مدبَّرة لتدمير هذا البلد وتعويقه وشلِّة تماماً وإخضاعه بطريقة لا رجعة فيها للسيطرة الاستكبارية العالمية وبأسلوب في منتهى القسوة والهمجية التي لا رحمة فيها ، عند ذلك فإن أهله المعروفين بإبائهم وبعزّةٍ لا تُضام سوف يعيشون حالة غضب على حلفاء أسبانيا وأصدقائها من أعضاء حلف الناتو الذي جرّوا إليهم من المآسي ما لا يحتمل وما لا يمكن أن ينسونه أو أن يغفرونه ، وكانت أسبانيا قد انضمت إلى دول حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) في سنة ١٩٨٢ ، وما حلفاؤها المذكورون إلا الدول الاعضاء في هذا الحلف وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ، وأما عن بقية أعضاء الحلف فهم : بلجيكا ، كندا ، الدانمارك ، إيطاليا ، هولندا ، إيسلندا ، لوكسمبرغ ، النروج ، البرتغال ، تركيا ، اليونان ، وبالإضافة إلى أسبانيا التي كانت آخر من انضمّ إلى الحلف ، وقد شاركت جميع هذه الدول بشكل أو بآخر في تلك الحرب ضد أهل العراق. وغضبُ أهل العراق هذا ، والذي يتنبأ به نوستردامس منذ تلك القرون السحيقة وبهذه الروية الغريبة جداً ، سوف يؤدي إلى هجوم غاضب يبدو أن لأهل العراق دور مهمّ فيه على دول الغرب التي هي في جملة أصدقاء وحلفاء أسبانيا يأخذهم على حين غرّة عندما يكون الجميع نائمين آمنين ، أو يأخذونهم على حين غفلة وهم سادرون في
لهوهم ولعبهم ومُتَعهم وحفلات رقصهم ومآدبهم ، أو وهم في غرورهم بما هم فيه مشغولين بشعائر تشريفاتهم وبحفلاتهم وطقوس توزيع الجوائز ومنح الأوسمة التقديرية الباردة.
في هذا الظرف المشحون بالغضب والهياج
سوف يقوم البابا بمغادرة دولة الڤاتيكان التي هي مقرّه الرسمي إلى منطقة ما عند نهر [ الرون Rhone ] ، ونهر الرون ينبع في جبال الألب في سويسرا وهو يجري في قسمه الأعظم في الأراضي الفرنسية حتى مصبّه في البحر الأبيض المتوسط ، والظاهر هو أن البابا سوف يخرج من محل إقامته في الڤاتيكان ويتّجه إلى منطقة ما من فرنسا بينما يتمّ احتلال دولة الڤاتيكان ( التي تقع وسط مدينة روما الإيطالية ) من قبل القوات الإسلامية والعربية وسوف يكون لأهل العراق دور أساسيّ في هذا الأمر.
ويبدو أيضاً أن لهذا الظرف التأريخي
إشارة أخرى تأتي في رباعية أخرى تقول :
|
«
النجمةُ العظيمة تحترق لمدة سبعة أيام
من
خلال الغَمام تبدو الشمسُ مزدوجةً
كلبُ
[ الماستِف ] يعوي طوال الليل
عندما
يغيّر البابا محل إقامته »
الثاني ـ ٤١
|
كلب [ الماستف Mastiff
] هو فصيلة من الكلاب ستعملت في بريطانيا لحراسة وللقتال ولمدة لا تقلّ عن ألفي عام ، وطالما أُشير به إلى تشرتشل ( رئيس الوزراء البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية ) وإلى الإنكليز بصورة عامة ، فهو يريد أن يقول هنا بأن الرئيس البريطاني سوف يعوي طوال الليل ، وعواؤه هو خطاباته وتهديده أو وعيده وإنذاره .. الخ.
وهذه النجمة المحترقة قد تكون مذنَّباً أو
تكون شيئاً آخر مما لا يُعرف كنهه الآن ( خصوصاً وأنها قد تثير دخاناً ) وعلى كل حال فإنها ستكون لها من شدة الأنارة والضوء ما يجعلها تبدو وكأنها شمس ثانية تسطع في السماء.
ونشاهده هنا أيضاً وهو يتوقع لبابا الڤاتيكان
أن يخرج من محل إقامته ويتخذ لنفسه مكاناً آخر ، ولا بد أن يكون ذلك عند نهر الرون في فرنسا كما سبق ذكره. ومسألة خروج البابا من الڤاتيكان واتخّاذه من مكان آخر مقاماً ومركزاً له هو من الحوادث النادرة جداً في التأريخ ومن أمثلتها هو ما حصل على عهد نابليون بونابرت الذي قام بإخراج البابا [ بايس Pius ] السادس ومن بعده بايس السابع بالقوة من مقرهما في الڤاتيكان ، واعتقل كلاً منهما وأودعه السجن واستولى على بعض الأملاك التابعة للكنيسة الكاثوليكية كما سبق ذكره في أخبار نابليون.
الخليج العربي
|
«
ليلاً سيظهر قوسُ قَزَح قرب [ نانس ]
المهارات
البحرية ستُنزلُ مطراً
وفي
الخليج العربي فإن أسطولاً عظيماً سيتبعثر
في
ألمانيا سيولد شرٌّ عظيم بسبب روسيا و [ تْروي ] »
السادس ـ ٤٤
|
( قوس قزح ) هو بمعنى النبأ العظيم أو
العلامة الواضحة.
[ نانس Nantes ] هي مدينة وميناء غرب فرنسا عند مصب نهر ال [ لوار Loire ] في المحيط الأطلسي.
وقد ذكر إسم الخليج العربي بهذا الإسم
على خلاف المعهود والمألوف من جانب الغربيين من استعمال عبارة الخليج الفارسي للإشارة إليه.
أما ألمانيا فقد أشار إليها في النص
الأصلي باسم
إحدى مقاطعاتها الكبيرة وهي [ ساكسونيا Saxony ] الواقعة شمال غرب ألمانيا حيث سكنت قبائل السكسون الجرمانية والتي هاجر عدد كبير منهم إلى الجزر البريطانيا فيما بعد.
[ تْروي Troy ] هو إسم لمنطقة قديمة في تركيا ( ويكون بذلك إشارة إلى تركيا القائمة اليوم ) حيث قامت حضارة قديمة جداً يعود تأريخها إلى ما يزيد على ٣٠٠٠ سنة ودارت حولها الملحمة الشعرية الشهيرة المعروفة بالألياذة والتي كتبها الشاعر اليوناني القديم ( هومر ). وقد اكتشفت آثار هذه المملكة من قبل رجل أثار ألماني نهاية القرن التاسع عشر. كذلك فإن ( تروي ) هو إسم لعديد من المدن في الولايات المتحدة الأمريكية لا يقل عددها عن اثنتي عشرة مدينة ( فتكون إشارة إلى أمريكا ، فهي بذلك أما أن يكون المقصود بها أمريكا أو تركيا وإن كانت تركيا هي الأرجح ).
إذن فنوستردامس يقول بأن أحداثاً هامة
جداً سوف تشهدها فرنسا أو بالذات ميناؤها المعروف باسم [ نانس ] قرب مياه المحيط الأطلسي حيث تنزل عليها القنابل والصواريخ وألوان الدمار كالمطر المنهمر بواسطة قوات بحرية متطورة فنياً وعسكرياً والتي أشار إليها بعبارة المهارات أو الفنون البحرية.
وسوف يشهد الخليج العربي تواجد الأساطيل
البحرية الكثيفة ، وقد صار هذا أمراً مألوفاً لنا اليوم إذ أن الخليج العربي صار ساحة مفتوحة لكل من هبّ ودبّ يأتونه متى ما شاؤوا ويعيثون به وبشعوبه فساداً كما يريدون ، هناك في الخليج العربي سيكون مصير أسطول عظيم بين الأساطيل أن يتناثر متخبّطاً وأن يتبعثر.
ثم أن شراً مخيفاً سيتولد في ألمانيا
بسبب كل من روسيا وتركيا ( أو أمريكا ) وهو أمر لا علم لنا به الآن وهو ما ستكشف لنا عن كُنهه الأيام.
تونس والجزائر وايران
|
«
سوف تُهاجَم فرنسا من خمسة أطراف بسبب إهمالها
تونس
والجزائر يستشير هما الإيرانيون
[
ليون ] و [ أشبيليه ] و [ برشلونه ] سوف تسقط
ولن
يمكن إنقاذُها بواسطة جيش الڤينيسيين »
الأول ـ ٧٣
|
[ ليون Leon ] هو إسم مدينة في أسبانيا ، كما أنه إسم يطلق على مدينة أخرى تقع في المكسيك وأخرى في نيكاراغوا. ونفس اللفظه ولكن بهجاء مختلف [ ليون Lyon ] هو الإسم الذي يطلق على ثاني أكبر
مدن فرنسا بعد باريس ولكن ما جاء في النص هو الإسم الأول والظاهر أنه يقصد المدينة الأسبانية [ أشبيلية Seville ] ميناء أسباني ومدينة إسلامية عريقة التأريخ وفيها قصر شاهق بناه مسلموا الأندلس ويسمونه [ القصر Alcazar ].
[ برشلونه Barcelona ] ميناء ومدينة صناعية في
أسبانيا وهي ثاني أكبر مدنها بعد العاصمة مدريد ، وفيها بقايا رومانية من القرن الرابع عشر ق. م.
[ ڤنس Venice
] أو مدينة البندقية ، هي ميناء ومدينة مشهورة في إيطاليا وهي مُقامة على عدد كبير من الجزر يبلغ عددها حوالي المائة جزيرة صغيرة تربط بينها الجسور وتكثر فيها القنوات والممرات المائية التي تستعمل كطرق للمواصلات. وكان قد أنشأها الرومانيون الهاربون من هجوم وقع عليهم من الشمال ثم صارت جمهورية في القرن التاسع الميلادي وعندها صارت ولمدة خمسة قرون أقوى دولة بحرية أوروبية.
وجيش أهل ڤنس هو الجيش الإيطالي
ومن باب تسمية الكل باسم الجزء ، وإيطاليا هي من أعضاء حلف الناتو منذ تأسيسه في ٤ / ٤ / ١٩٤٩.
ونراه هنا وهو يقول بأن الإيرانيين سوف
يستشيرون أهل تونس والجزائر ويحرّضونهم على ما يبدو للمشاركة في هذه الحملة التي ستشمل فرنسا وأسبانيا والتي سوف تتم على خمسة محاور ضد فرنسا لوحدها وبسبب من إهمالها وعدم التفاتها إلى ما يتبغي أن تلتفت إليه ، إنها عملية غزو عسكري ضخم للغاية وسوف يحاول الجيش الإيطالي وحلفاؤه من دول حلف شمال الأطلسي التدخل لحماية هاتين الدولتين العضوتين في نفس الحلف ولكن
بدون جدوى لأن الخطب سيكون أعظم مما يمكن احتواؤه.
ويبدو أن نوستردامس يرى أنه سيكون
للإيرانيين وللجزائر وتونس ومراكش وليبيا ومصر دوراً أساسياً ومهماً جداً في ثورة التغيير الكبرى القادمة وحروبها ، ولا ننسى عدد المرات التي ذكر فيها البرابرة ودورهم في إسقاط الهيمنة الاستكبارية العالمية القائمة اليوم بكل ما فيها من ظلم وحيف وتخريب ، وكما ذكرنا فإن عبارة البرابرة صارت تطلق على سكان الساحل البربري وهو في الأصل ساحل الجزائر وتونس ومراكش على البحر الأبيض المتوسط ، ثم صار الساحل البربري هو ساحل أفريقيا الشمالي كله ، ثم صارت عبارة البرابرة تطلق على العرب بصورة عامة ثم المسلمين بصورة خامة.
ايران
تغزو
|
«
مشعلٌ ملتهب سوف يُرى في السماء ليلاً
بالقرب
من منبعِ ومصبِّ نهر [ الرون ]
مجاعةٌ
وسلاح ، المعونة تأتي متأخرة جداً
إيران
سوف تتحرك وتغزو مقدونيا »
الثاني ـ ٩٦
|
أشار إلى إيران باسمها القديم وهو بلاد
[ فارس Persia
].
[ مقدونيا Macedonia ] هي أرض واسعة تبلغ مساحتها حوالي ٢٦٠٠٠ كيلومتراً ، والجزء الأكبر منها وهو الشمالي يشكِّل المناطق الجنوبية من يوغسلاڤيا الحالية ، أما الجزء الباقي من مقدونيا فهو داخل الحدود السياسية لدولة اليونان الحالية ، فهي إذن مقتسمة بين دولتين معاصرتين.
نهر ال [ رون Rhone
] ينبع في جبال الألب في سويسرا ويجري غرباً فيمر وسط بحيرة جنيف ثم يدخل فرنسا مستمراً على إتجاهه حتى يصل مدينة [ ليون Lyon
] الفرنسية حيث يستبدر جنوباً متجهاً نحو البحر الأبيض المتوسط حيث يصب فيه قرب ميناء [ مارسل ] الفرنسي.
وقد يكون المشعل الملتهب هو إشارة إلى
هجمة صاروخية عنيفة جداً بحيث تشاهد نيران الصواريخ على هذا الإمتداد الواسع من الأرض المتوسط ، أو لعله إشارة إلى تلك الظاهرة التي سبق وأن ذكرناها في خصوص نجمة تحترق سبعة أيام يكون ضوؤها من الشدة بحيث تبدو لنا وكأنها شمس ثانية ، أو أنها أمر آخر خافٍ علينا في الوقت الحاضر. ولكن هناك حالة حرب واستعداد لها وأسلحة الدمار منتشرة في كل مكان ويصاحب ذلك كله مجاعة والمعونات تأتي متأخرة بسبب حالة عامة من
الفوضي والشلل. وتصل قوات إسلامية من جهة إيران لتغزو منطقة مقدونيا جنوب يوغسلاڤيا وشمال اليونان ، إذن المشهد ينسجم مع بقية النبوءات والتي تخص حرباً واسعة في حوض البحر الأبيض المتوسط وأوروبا الوسطى.
جيوش
ايرانية
|
«
القائد الإيراني يتحشد في أسبانيا الكبرى
أسطول
من السفن ضد الرجال المحمديين
من
[ پارتيا ] و [ ميديا ] ، ويسلبون اليونان
بعدها
انتظار طويل في الميناء ال [ أيوني ] الكبير »
الثالث ـ ٦٤
|
[ پارثيا Perthia ] إسم دولة قامت في إيران ( الدولة الپارتية وسط قرن الثالث قبل الميلاد لتبلغ قمة القوة والتوسع في القرن الأول ق. م. حتى تمَّ دحرُها من جانب الرومان حوالي سنة ٣٩ ق. م. إلى أن استطاع أردشير الأول أن يستعيدها ويُنشيء الدولة الساسانية.
[ ميديا Media ] إسم منطقة قديم تقع شمال غرب إيران كانت تحت سيطرة الأمبراطورية الأشورية ثم استقلت لنفسها ثم صارت جزءاً من الأمبراطورية الفارسية على زمن كورش ( سايرس ) في القرن السادس ق. م.
والمقصود إذن من ذكر هاتين المنطقتين الإيرانيتين هو إيران ككل.
[ والبحر الأيوني Ionian Sea ] هو جزء البحر الأبيض المتوسط المحصور بين رأس إيطاليا وبين اليونان. والإشارة هي إلى أحد الموانيء القائمة عليه.
وقد أشار إلى اليونان ببعض جزرها
المسماة [ سايكلدز Cyclades
] والرجال المحمديون هم طبعاً المسلمون أتباع محمد (ص).
وأمّا القائد الإيراني فقد سمّاه في
الأصل بالقائد الفارسي حيث أن فارس هي الإسم القديم المعروف عن إيران الحالية ولم يطلق عليها إسم إيران إلا بعد سنة ١٩٣٥ ، وليس واضحاً لنا ماذا يمكن أن يكون هذا القائد الإيراني ، فإن من المحتمل له أن يكون أحد قوّاد أو أعوان الإسماعيلي العظيم الذي سيملأ العالم رعباً في سنة ١٩٩٩ ، أو أنه قد يكون أحد أبطال الحوادث التي سوف تسبق الحرب الكبرى المذكورة أو تليها ، على كل حال فإن نوستردامس يرى بأنه سوف يجمع قواه ويتحشّد في أسبانيا الكبرى ، ولا وجود لأسبانيا الكبرى في يومنا هذا فهو ولا شك أنه يعني بذلك أسبانيا وأطرافها من دول أوروبا ، ويبدو أن هذا القائد الإيراني سوف يأتي بجيش من مسلمي إيران ( الذين سمّاهم بالرجال المحمديين من
پارثيا وميديا ) وفي ضمنهم أسطول بحريّ ، ولكن إسطولاً معادياً سوف يخرج لملاقاتهم ولأيقاف زحفهم.
ثم يأتي بعدها على ذكر سَلبٍ لليونان وعلى
إنتظار طويل في أحد الموانيء اليونانية أو الإيطالية ( ميناء البحر الأيونيّ ) ، وليس في كلامه ما يوضّح أيَّ الطرفين يعني بذلك ، هل هو طرف الجيوش الإسلامية القادمة من إيران في زحف واسع على أوروبا أم هو طرف الأسطول أو القوات المعادية لها والتي تحاول أن توقف زحفها.
سيطرة اسلامية شاملة
|
«
بالنار والحديد ، ليس بعيداً من البحر الأسود
تأتي
قوات من إيران لتحتل [ طرابزوند ]
[
فاروس ] و [ مثلين ] ترجفان ، سيطرةٌ شاملة
بحرٌ
الأدرياتيك يغطّيه الدم العربي »
الخامس ـ ٢٧
|
[ طرابزوند Trebizond ] هي مدينة تقع إلى الجنوب الشرقي من البحر الأسود في تركيا الحالية ، قامت فيها مملكة قديمة سنة ١٢٠٤ وبنفس الإسم ، أنشأها الرومان البيزنطيون وبقيت حتى سنة ١٤٦١ حيث استولت عليها الأمبراطورية العثمانية.
[ فاروس Pharos ] هي جزيرة عند مدخل ميناء الاسكندرية في مصر كان يقوم عليها فنار لإرشاد السفن إلى الميناء أُنشيء في القرن الثالث قبل الميلاد وكان يعتبر واحداً من عجائب الدنيا السبعة في العالم القديم
وكان ارتفاعه حوالي ٦٠ متراً وهو على شكل دوائر أسطوانية يعلو بعضها وفي قمّته نار تشتعل باستمرار وقد تمّ خرابه تماماً سنة ١٣٥٠ م إثر زلزال أصاب الجزيرة.
[ مَثِلين Methilene ] هي جزيرة تابعة لليونان حالياً وتقع في البحر الأبيض المتوسط ( البحر الأيجي ) على بعد عشر كيلومترات من الساحل التركي وتحمل إسماً ثانيا وهو [ لسبوز Lesbos ] وهي مسقط رأس أكبر شاعرة يونانية [ ساڤو Sappho ] والتي قيل عنها أن شِعرها العاطفيّ كان موجَّهاً إلى بنات جنسها فهي من الشاذّات جنسياً ، وكلمة [ Lesbian ] المستعملة عند الغربيين للإشارة إلى النساء من هذا القبيل هي نسبة إلى هذه الجزيرة التي تنتسب إليها هذه الشاعرة.
بحرُ الأدرياتيك هو ذلك القسم من البحر
الأبيض المتوسط الذي يمتدّ بين إيطاليا غرباً ويوغسلاڤيا وألبانيا شرقاً.
والرباعية هذه تقول بأن جيشاً إسلاميا
يأتي زاحفاً من جهة إيران متّجهاً إلى تركيا ( الدولة العضوة في حلف شمال الأطلسي ) ليحتلّ شمالها حيث موضع مملكة طرابزوند الرومانية القديمة ، وقد يكون المقصود من هذه الممكلة هو أن تكون رمزاً للتدخّل الغربي وللسيطرة
الغربية على عالم المسلمين لأن مملكة طرابزوند وكما ذكرنا هي ممكلة أنشأها الرومان من أسلاف الغربيين على أراضي تركيا الحالية ، فيكون معنى الهجوم الإيراني هذا هو الهجوم على مثل هذا النوع من السيطرة والتحكم الغربي.
وعلى كل حال فإن الأمر لا يقف عند هذا
الحدّ فيما يبدو وإنما سيكون هناك وفي نفس الوقت زحف إسلامي عربي على مناطق أوروبا الوسطى والجنوبية في عمليات هجومية تكون فيها مقتلة عظيمة يذهب ضحيتها الكثير من هؤلاء المسلمين حتى أن مياه البحر الأبيض المتوسط ( أو جزءه المسمّى ببحر الادرياتيك ) لتغطّيها دماؤهم التي تراق فيه ، وليس واضحاً أمامنا إن كان ذلك في عملية زحف واحدة تأتي من إيران ويشارك فيه العرب أم أنّ هناك زحفين يجري كل منهما على حده. ولكننا نلاحظ بأنه يجعل كلاًّ من اليونان ومصر ( أشار إلى كل منهما بإسم جُزُر تابعة لهما ) في منزلة واحدة بحيث يكون لهما ردّ فعل واحد ، وفي هذا من المغزى ما لا يخفى ، فاليونان هي دولة محسوبة على المعسكر الغربي وعضوة في حلف الناتو ( شمال الأطلسي ) وفي مصر تقوم حكومةٌ لها علاقة متينة جداً بأمريكا وحليفاتها وسوف ترتجف كلتاهما ( مصر واليونان ). وهناك احتمال آخر هو أن تكون
الرجفة في هذا البلد غير الرجفة في ذاك من حيث طبيعتها وعواملها. وقد سبق ذكر مثل هذه المشاهد والروى في نصوص سابقة من هذا الكتاب ، إلاّ إن المشهد الذي أمامنا في هذه الرباعية يصف حالة من ثورة عارمة ومن هجوم كاسح يأتي من أصقاع المسلمين بعربهم وبعجمهم فلا يقف في طريقهم شيء حتى تكون لهم السيطرة الشاملة وحتى تكون لهم اليد العليا وتكون أيدي المستكبرين والطواغيت هي السفلى ، أنه بركان يتفجّر في شرق الأرض فترتجّ له كلّ الأرض.
الدور اليهودي ومصيره
شيء
من تأريخ بني إسرائيل واليهود :
إسرائيل هو إسم يعقوب النبي (ع) ، وبنوه
هم يوسف وبنيامين وإخوته الذين غدروا به وألقوه في الجبّ وباعوه كعبدٍ مملوك ، وقد سكنوا مصر بعد أن جاء بهم يوسف الصدّيق (ع) إليها وهو عزيز مصر زمن المجاعة آنذاك ، ومنهم إنحدرت قبائل بني إسرائيل الإثنتي عشرة وكثر عددُهم وإزدهرت أحوالهم إلى أن صار فرعون مصر يضطهدهم ويستضعفهم فخرجوا بزعامة موسى عليه السلام حوالي سنة ١٥٠٠ قبل الميلاد من مصر إلى صحراء سيناء ومنها إلى أرض كنعان ( فلسطين ) وعاشوا هناك متفرّقين كلٌّ في حدود منطقته ، لا قدرة لأحد على جمع كلمتهم ، حتى جاء صاموئيل فنجح في توحيدهم ومهّد لقيام مملكتهم هناك والتي أُنشئت سنة ١٠٢٥ قبل الميلاد داود (ع) ملكاً وورثة إبنُه سليمان (ع) ، وبوفاة النبي
سليمان (ع) سنة ٩٣٣ ق. م. انتهت الممكلة أو الدولة الوحيدة التي عرفها اليهود في تأريخهم قبل قيام إسرائيل الحالية ، لأنه وبعد وفاته مباشرة انقسمت المملكة إلى شطرين ؛ شمالي ( سوماريا ) وفيه عشرة من قبائلهم ، وجنوبي ( جوديا ) مركزه أورشليم وفيه قبيلتان. فجاء الآشوريون من العراق إلى الجزء الشمالي منهما بعد عشرة سنوات فقط فخربوه وقتلوا أهله وشتّتوهم في كل أقطار المعمورة. وبعد ذلك بمائة عام جاء البابليون من العراق أيضاً فغزوا الجزء الجنوبي المتبقّي منهما وفي موجتين فدمروا هيكل سليمان ومحوا مدينة أورشليم ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك أبداً.
وقد انتشرت الديانة اليهودية في بعض
أقاليم أوروبا الجنوبية والشرقية وفي الشرق الأوسط ولكنها كانت محدودة الإنتشار ، ولا نعرف كم بقي من بني يعقوب ( إسرائيل ) اليوم بعد كل ما شهدته هذه الملّة من عمليات إبادة وتدمير على مرّ التأريخ.
والشيء الذي يثير أشد الغيظ هو أن
اليهود وعلى طول تأريخهم لم يجدوا الرحمة والأمن والاستقرار إلا في ربوع المسلمين والعرب ومع ذلك لم يجد منهم المسلمون والعرب إلا كلّ كيد وأذى وحقد عندما تكون الدولة لهم وعندما يتمكنوا من رقاب المسلمين ، وهذا
غاية الخبث واللؤم. فعلى زمن الدولة الإسلامية في الأندلس ( في شبه الجزيرة الأسبانية ) كانت الأندلس ملجؤهم من الإضطهاد الذي كانوا يلقونه في كل أطراف العالم فازدهرت حياتهم هناك وعاشوا في أمن وسلام حتى جاء سقوط الحكم الإسلامي في أسبانيا على أيدي النصاري فعادوا إلى تشردهم وهوانهم وتم طردهم من أسبانيا سنة ١٤٩٢ م واتجه معظمهم هذه المرة أيضاً إلى أحضان المسلمين في المناطق التي تسيطر عليها الدولة العثمانية آنذاك. وقبل ذلك وفي سنة ١٢٩٠ قام الملك أدوارد الأول الإنكليزي بطردهم من بريطانيا ولم يتمكنوا من الرجوع إليها إلا بعد ذلك بأربعمائة عام على عهد رجل الدولة البريطانية ( كرومول ) [ ١٥٩٩ ـ ١٦٥٨ وكان من شأن كرومول هذا أن الملك تشارلز الثاني أمر بنبش رُمَّتِه وتعليقها بعد موته بثلاث سنوات ، أي أنهم شنقوا جثتَه البالية ] ، بل إنّ الصليبيين كانوا يذبحونهم ذبح النعاج ويخربون بيوتهم في مناطق تواجدهم على طريق موجات الجيوش النصرانية الذاهبة بمباركة البابا إلى فلسطين لمهاجمة المسلمين وحربهم.
ثم أنظر بعد ذلك إلى ما فعلوه بسكان
فلسطين الآمنين من العرب والمسلمين بعد أن قدروا عليهم وتمكنوا منهم حيث صاروا يدخلون عليهم بيوتهم
فيخرجونهم منها ويحتلّونها أو يُحيلونها إلى أنقاض وصاروا يطردون السكان من مزارعهم وقراهم إلى خارج البلاد ويعذبون من بقي تحت رحمتهم أو يقتلونه أو يمثّلون به وصاروا يسومونهم ألوان الخسف والعذاب والإهانة والتحقير بلا رحمة لطفلٍ أو لشيخ ، لأمرأةٍ أو لرجل وبقلوب أشد قسوة من الحجر الصلد.
ولقد امتاز قرنُنا العشرين هذا بسمة
خاصة جداً وهي بروز اليهود على مسرح التأريخ بروزاً فاحشاً لم يسبق له نظير ، فبعد ما لا يقل عن ثمانية وعشرين قرناً من الزمن يعودون فيسيطرون على مرافق الحياة في العالم كله من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه وذلك من خلال المنظمات السرية مثل الماسونية ونادي روتاري وغيرهما ، ومن خلال سيطرتهم على الإقتصاد والإعلام والجنس ، فالمؤسسات المالية والشركات التجارية والصناعية الكبرى والبنوك العالمية وشركات النقل العالمية ، إضافة إلى شبكات الدعارة بكل ألوانها من توفير المومسات على مختلف المستويات إلى أفلام الجنس ومجلاته وكل ما يرتبط بذلك من أجواء الفضائح وعمليات الابتزاز ، وبالإضافة إلى الإعلام بكل صوره من جرائد ومجلات عالمية وأفلام سينمائية وشركات إنتاجها ودور النشر وشبكات التلفيزيون المحلّية منها والعالمية
( اقمار الصناعية ) كل ذلك تحت سيطرة يهودية خالصة تقريباً ولا مجال للنفوذ إليها من جانب غيرهم إلا بموافقتهم ومباركتهم لذلك. ولم يكن قيامُ دولة إسرائيل وبقائها إلى حد الآن إلا إفرازاً لهذه السيطرة ونتاجاً فرعياً لها وليس هو بالحدث المنعزل أو المنفرد ، وإن كان قيام إسرائيل بحد ذاته هو حدث تأريخي فريد للغاية بعد إنتهاء دولة بني إسرائيل قبل ما يزيد على ثمانية وعشرين قرناً.
ويرى نوستردامس في نبوءاته بأن كل هذا
إلى زوال مع نهاية هذا القرن وبقيام حرب التغييرات الجذرية الكبرى ونرى ذلك في بعض رباعياته التي نختار منها ما يلي ، ولا ننسى أنه كتب رباعياته تلك في وقت كان فيه اليهود في أدنى حضيض من التشرد والتشرذم وضعف تأثير.
١
ـ طوفان يهودي
|
«
طوفان حبرون سيصل [ پو ] ، [ تاكس ] ،
[
تايبر ] وروما وعند بحيرة جنيف و [ أريزو ]
المدنيتان
الرئيستان العظيمتان في [ غارون ]
تؤخذان
وتموتان غرقاً ، الغنائم البشرية تُقتَسمَ »
الثالث ـ ١٢
|
[ حبرون ] هي مدينة الخليل الواقعة في
الضفة الغربية من نهر الأردن وتقع ٣٥ كيلومتراً جنوب غرب القدس ( أورشليم ) وهي واحدة من أقدم مدن العالم وقد كانت عاصمة الملك داود قبل انتقاله إلى أورشليم وجعلها عاصمة لمملكته.
ويوجد فيها قبر إبراهيم الخليل عليه
السلام وإسحاق ويعقوب وسارة (ع). ونفس الإسم [ جبرون Hebron
] يطلق على ما لا يقل عن ثمان مدن أمريكية في الولايات المتحدة.
[ پو Po ] هو نهر يجري وسط السهول الواقعة شمال إيطاليا ويتجه شرقاً ليصب في بحر الأدرياتيك ويبلغ طوله حوالي ٢٦١ كم.
[ تاكس Tagus ] هو أطول أنهار شبه الجزيرة الأسبانية ( ٣٥١ كم ) ينبع في الجبال الواقعة شرق مدريد ويجري إلى البرتغال حيث يصب في المحيط الأطلسي عند مدينة لشبونه التي تعتبر من أجمل موانيء الدنيا.
[ تايبر Tiber ] هو ثالث أكبر نهر في إيطاليا ( ١٥٢ كم ) وتقع عليه مدينة روما ودولة الڤاتيكان بالقرب من مصبّه في البحر الأبيض المتوسط.
[ أريزو Arezzo ] مدينة تقع في مقاطعة تسكانيا في
وسط إيطاليا ، وهي مقاطعة ذات تأريخ قديم وتشكل مدينتا فلورنس وبيزا مدنها الرئيسية ، فتكون أريزو إشارة إلى إيطاليا أو إلى وسطها بالذات.
[ غارون Garrone ] نهر ينبع في جبال [ بايرنيز ] جنوب فرنسا ويجري في الأراضي الفرنسية بالاتجاه الشمالي الشرقي ليصب في خليج يؤدي إلى المحيط الأطلسي ويبلغ طوله ٥٧٥ كيلومتراً والمدينتان الرئيسيتان الواقعتان عليه هما [ تولوس ] و [ بوردو ].
حبرون المدينة العتيقة جداً التي كانت
عاصمة مملكة بني إسرائيل على زمن الملك داود قبل انتقاله إلى عاصمته الجديدة أورشليم هي إذن إشارة إلى « إسرائيل » الدولة القائمة في يومنا هذا والتي هي بدورها رمز السيطرة اليهودية العالمية في عالمنا المعاصر. وطغيان مملكة اليهود هذه وطوفانها سوف يصل إلى فرنسا وأسبانيا وسويسرا وإيطاليا والتي هي إشارة إلى عموم أوروبا والعالم الغربي. هذا الطوفان اليهودي سيكون من جملة العوامل التي ستؤدي إلى نشوب الحرب الكبرى القادمة وسوف يؤدي ذلك إلى غزو فرنسا والإستيلاء على بعض مدنها وإغراقها وأسر بعض أهلها وأخذهم كغنائم هم وما يملكون.
وتأتي إشارة أخرى في نبوءات نوستردامس
إلى
الدور اليهودي في إثارة المشاكل وإشاعة الفساد وخلق الأجواء العالمية المريضة المسمومه والتي ستكون من جملة العوامل التي ستؤدي إلى حرب التغييرات الكبرى في عالم المستقبل القريب ، وهو ما يذكره في جملة الرباعية التالية.
٢
ـ الايمان القرطاجي والبغل
|
«
الإيمان القرطاجي يشطر الشرق
يهودي
كبير يسبب تغيرات في [ الرون ] ، [ لوا ] ، [ تاكس ]
حينما
يتمّ إشباع نَهَم البغل
الأسطول
يتبعثر والجثث تسبح بالدم »
الثاني ـ ٦٠
|
[ لوا Loire ] هو أطول أنهار فرنسا ( ١٠٢٠ كم ) ويسمى واديه جنة فرنسا وهو يصب في خليج ضيق عند مدينة [ نانس ] الفرنسية وهو يؤدي في النهاية إلى المحيط الأطلسي.
[ الرون Rhone ] نهر ينبع في جبال الألب في سويسرا ويجري في فرنسا ويصب في البحر الأبيض المتوسط عند ميناء مارسيل الفرنسي.
[ تاكس Tagus ] هو نهر إيطالي سبقت الإشارة إليه للتوّ.
والإيمان القرطاجي يحتمل تأويلين ، فهو
إما أن يكون المقصود منه الدين الإسلامي باعتبار أن قرطاجة بلد إسلامي ويسكنها مسلمون وإيمان أهلها هو الإيمان بدين الإسلام وهو من باب الإستعارة أو الكناية أو أن المقصود به هو الأيمان الذي هو على مذهب أهل قرطاجة القدماء من أهل المدينة القرطاجية التي سبق ذكرها ويكون مذهبهم بذلك هو حالة العداء والتنافس مع الأمبراطورية الرومانية التي كانت قائمة على عهدهم والتي اشتبكوا معها في حروب دامت لثلاثة قرون كما كان من مذهبهم أو تفكيرهم الاستراتيجي هو أنهم لكي يقهروا الرومان ويتخلّصوا من شرهم فلا بد لهم من أن يغزوهم في عقر دارهم وأن يحاربوهم على أرضهم وفي داخل حدودهم وهو ما فعلوه تكراراً وبلغوا الذروة في تطبيق هذا المذهب الإستراتيجي على عهد قائدهم التأريخي هانيبعل الذي دخل وسط إيطاليا ومركز الأمبراطورية الرومانية في حملته الشهيرة التي سبق ذكرها لكي يلحق بهم واحدة من أعظم هزائمهم التي شهدوها في تأريخهم الطويل الذي دام اثني عشر قرناً.
فنوستردامس يقول بذلك أن الإيمان
القرطاجي ( وعلى كلا التفسيرين ) سيؤدي إلى حصول إنقسام في الشرق بين مؤيد ومعارض ، متحمِّسيٍ له وناكصٍ عنه ، بين من يسلك هذا المذهب ومن يقف ضده ويدفعه وفي السطر
الثاني فإننا لا نعرف باضبط أيَّ اليهود الكبار يعني فهم كثيرون من عائلتي روتشفيلد وروكفلر الأمريكيين إلى مردوخ الإسترالي إلى ماكسول وشامير ومن لف لفّهم ، المهم أن يهودياً بارزاً سوف يكون له دور مهم في تغييرات مهمة تحصل في فرنسا وإيطاليا أو في أوروبا والغرب بصورة عامة. والذي يغلب على ظني هو أن ماكسويل هو هذا اليهودي الذي أشار إليه نوستردامس ، وقد شاهدنا جميعاً تلك الضجة العالمية التي ثارت بعد وفاته. وعبارة البغل النَهِم الجشِع التي وردت في السطر الثالث هي أفضل تشبيه لليهود في صفاتهم العامة ، عناد إلى درجة حَرَن البغل وشموسه ، وصبر على تحمل المشاق في سبيل الوصول إلى هدفهم في التحكّم بالعباد والبعث بهم وتسييرهم كالبهائم وفق إرادتهم ، إضافة إلى جشع وحبّ جمّ للمال وجمعه بأيّ سبيل كان ، فهل يمكن إشباع هذا النهم وإسكات هذا الجوعْ ! وكيف يكون ذلك لإبن آدم وهو الذي إذا أعطي جبلاً من ذهب لقال أريد الآخر ولو أعطي جبلاً آخر لقال أريد الآخر ، لا يملأ فم ابن آدم وعينه إلا التراب على حسب ما نقل عن رسولنا الكريم (ص) من حديث بهذا المضمون ، فكيف به إذا كان ابن آدم هذا يهودياً !!
ليس هناك من سبيل لإشباع الجشع الطاغي
إلا بأن تملأ فاه بحجر وتملأ يديه بالتراب ، لن يشبع نهم
هذا البغل إلا بقوة وبشدة توقفه عند حده وتمنعه من التمادي في طغيانه وشره ، وهذه إشارة قوية أخرى إلى الإسماعيلي العظيم الذي يتوقع له نوستردامس أن يأتي نهاية هذا القرن لتطهير الأرض من أرجاسها ، وهو يشير مرة أخرى إلى أن ذلك الأمر إنما يتم في أجواء حرب وصراعات دامية تغرق فيها الأساطيل في البحار وتنتشر الجثث في كل مكان وهي تسبح بالدماء.
٣ـ
قيام اسرائيل وسقوطها
|
«
[ السِنِكوك ] العقيم بدون أية ثمرة
سوف
يحلُّ بين الكفّار
ابنة
أولئك المضطهدين في بابل
بائسة
، تعيسةٌ وسوف يقصّون أَجنحتها »
الثامن ـ ٩٦
|
[ السِنِكوت Synagogue ] هو إسم يطلق على المجتمع اليهودي المحلِّي في مدينةٍ أو منطقة ما ، وهو أيضاً محل عبادة اليهود ( الكنيس أو الكنيست ) ، وهو ها هنا إما إشارة إلى تجمعهم في فلسطين تحت إسم إسرائيل أو أنه إشارةٌ إلى الصهيونية عموماً كحركة تهدف ليس إلى جمع اليهود في وطن قوميّ لهم وحسب ولكن إلى السيطر اليهودية الجميعة على مقدَّرات الناس والشعوب في كلّ أرجاء المعمورة.
والكفار المذكرون هنا هم العرب والمسلمون
لأنهم لا يؤمنون بما يدين به اليهود والنصارى فهم كفار بالنسبة لهم ، وقد حصل بالفعل أن حلّ هذا التجمع اليهودي بين العرب المسلمين. المُضطَهَدون في بابل هم اليهود أنفُسُهم وهي إشارة إلى ما فعله الملك البابلي [ نبوخذ نصر ] في القرن السادس قبل الميلاد حيث أنه غزا أورشليم ودمَّر هيكل اليهود سنة ٥٨٦ قبل الميلاد وأسر عظماء وكبار اليهود وأخذهم أسرى إلى بابل عاصمة مملكته وسبى نساءهم وذريتهم واتخذ منهم عبيد أرقّاء يعملون في بابل ، واستمر أسرهم هذا لمدة سبعين سنة حتى جاء الملك الفارسي الفاتح كورش [ سايرس ] وأسقط الدولة القائمة في بابل سنة ٥٤٧ قبل الميلاد وسمح عندئذ لليهود بالرجوع إلى أورشليم. ويُعتقَد بأن ابتداء نشوء المعابد أو المحافل الدينية اليهودية المعروفة بالسنكوك كان في فترة أسرهم وسبيهم في بابل. كما إنّ أحبارَ اليهود بدأوا كتابة ( التلموذ ) هناك أيضاً وهو كتابهم المقدس الذي دوّنوا فيه حكمة بني إسرائيل المتوارثة شفهياً وعلى شكل مرويّات.
وإشارة نوستردامس إلى الكيان اليهودي
القائم اليوم على أرض فلسطين باسم دولة إسرائيل على أنها إبنة أولئك الذين سباهم نبوخذ نصر هي بحق إشارة
ذكية ، فهذه الدولة بنت لأولئك ليس سياسياً فقط وبمعنى أن هؤلاء المشردين هم أبناء أولئك المشرّدين ولكن في وراثة هؤلاء لأحقاد أولئك ولضغائنهم تجاه العرب والبشرية ناهيك عن الإسلام والمسلمين.
ولكن هناك فيما يخبر به في رباعيته هذه
بشارةٌ فيما يبدو ، وهي أن البؤس والشقاء سوف لن يفارق هذه الأمة الملعونه جزاء فعلهم المنكر وأكلهم السحت وأنهم مهما فعلوا من أفاعيل المكر والخبث فإن العقم سيكون نصيبهم ولن يجنوا ثمرة ما زرعوه وأن أجنحتهم سوف يقصّها أولئك « الكفّار » الذين حلّوا بينهم سواء من الذين اغتصبوا منهم أرضهم وقراهم وشرّدوا بهم واستابحوا حرماتهم أم من الذين من حولهم من المغلوبين على أمرهم من أبناء العرب المسلمين.
وقد صدق الرجل فيما أخبر به في قسمة
الأول الخاص بقيام ونشوء إسرائيل وهو ما يجعل لبقية الخبر قدراً مهماً من الاعتبار لأنه يحمل إمكانية التحقّق وبنفس الدرجة التي حملها صدرُ الخبر.
٤ـ
المنشأة اليهودية تتهاوى
|
«
على ميادين ميديا والجزيرة العربية وأرمينيا
جيشان
عظيمان سوف يتحشّدان ثلاثاً
|
|
قرب
شواطيء نهر الآراس
أُسرة
سليمان العظيم سوف تهاوى إلى الأرض »
الثالث ـ ٣١
|
ميديا هي منطقة إيرانية تقع شمال غرب
إيران وقد سبق ذكرها.
أرمينيا هي إحدى جمهوريات الإتحاد السوڤيتي
سابقاً وتقع كل من تركيا وإيران على حدودها الجنوبية.
ونهر الآراس هو نهر ينبع في جبال أرضروم
في تركيا ويتجه شرقاً ليكوّن الحدود الطبيعية والسياسية بين جمهورية أرمينيا إلى الشمال وبين إيران وتركيا إلى الجنوب وهو يصب في النهاية في البحر الكاسيبي ( بحر الخزر).
سليمان العظيم هو نبي الله سليمان بن
داود (ع) ملك بني إسرائيل العظيم الذي ورث الملك عن أبيه داود (ع) حوالي سنة ٩٧٣ قبل الميلاد واستمر حكمه لمدة أربعين سنة ، ويقال أنه ورث أباه على مملكة بني إسرائيل وله من العمر عشرون عاماً ، وقد قام ببناء عدة مدن عامرة وأحاط عاصمة ملكه أورشليم ( القدس ) بسور محكم وبنى قصره الملكي فيها بالإضافة إلى المعبد الشهير المعروف بإسم هيكل سليمان الذي اكتسب صفة
مقدّسة للغاية عند اليهود فيما بعد. وهو عند اليهود مؤلف كتاب أناشيد سليمان وكتاب الأمثال وغيرها من كتب العهد القديم. وقد ألصق الهيود بهذا النبي الكريم ألوان الفواحش والتهم والمعاصي حتى جعلوا منه كافراً مشركاً ، فقد حدّثوا عنه أنه كان يعبد الآلهة والأصنام التي كانت تعبدها زوجاته اللاتي تزوج بهنّ من أمم وشعوب مختلفة.
وأُسرة سليمان العظيم هم اليهود كما هو
ظاهر. وهذه الرباعية تصف ظرفاً تأريخياً يكون فيه تحشيدٌ عظيم للجيوش على أراضي كلٍّ من أرمينيا وإيران والجزيرة العربية ويكون ذلك على ثلاث مراحل ، هذه الجيوش العظيمة ستمثل معسكرين متخاصمين يواجه كل منهما الآخر وسوف يلتقيان عند ضفاف نهر الآراس الذي تجري مياهه بين أرمينيا من طرف وبين تركيا وإيران من الطرف الثاني والمقابل ، وستكون محصِّلة نتيجة هذا التصادم بين هذين المعسكرين هي أن تتهاوى المنشأة اليهودية إلى الأرض وينتهي دور اليهود ( أسرة سليمان ) في السيطرة على مقدرات العالم والتحكم به وابتزازه ، وهو يعني ضمناً سقوط إسرائيل الدولة وانتهائها كوجود ، إن هذا بحدِّ ذاته يعني أن أحد المعسكرين سيكون هناك للدفاع عن مصالح اليهود والإسرائليين وحمايتهم وهو بلا
شك معسكر الاستكبار والطغيان العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها حلفاؤها الصغار والكبار ، وأما المعسكر المقابل فيضم جيوش الجزيرة العربية وإيران وهو بمعنى أنه معسكر الإسلامي الذي سيكون النصر له وستكون الدولة له على الكافرين ، وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى ذلك البركان الذي سوف يتفجّر في السنوات القليلة القادمة فيزلزل الأرض من أقصاها إلى أقصاها حسب ما تنبأ به صاحبنا نوستردامس قبل أكثر من أربعة قرون.
في الختام
إنني أسأل الله تعالى أن تكون نبوءة
نوستردامس صادقة فيرى جيلنا هذا نهاية وانهيار العالم الغربي لأن في ذلك انعتاق آلاف الملايين من البشر الذين كبّلتهم أيدي الغرب وقيدت عقولهم وحكمت مشاعرهم ومسالكهم وأفكارهم ، لقد كانت مدنيّة المجتمع الغربي نصراً عظيماً للعقلية الإنسانية وتجلّياً لإمكانيات الإنسان وقدراته ولكنها كانت بلا قيم نبيلة تَتّسم بالتسامح الشديد في قبول تلك المجتمعات لإستعباد المجتمعات الأخرى وذلك لأن المجتمع الغربي نفسه مُستعبَدٌ لفئات قليلة من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة وهم الذين تقف حكومات العالم الغربي على قدميها في خدمتهم بجيوشها الجرّارة وبأداراتها الضخمة وبجيوش رجال الاستخبارات والخدمات السرية. هذا كله بالإضافة إلى أنانيّة شديدة وحرص على إبقاء ما يسمى بالعالم الثالث في حاجة مستمرة وعَوَز دائم إلى دعم الغرب وإلى صَدَقاته وهِباته بينما يقف إبنُ العالم الثالث خانعاً ذليلاً
مادّاً بيده مستجدياً ومستطيعاً سيّدَه الأمريكي أو الانكليزي أو الفرنسي تحكُمُه الحاجةُ حيناً ويحكمه الهوى حيناً آخر.
إن عالم الغرب لم يخلُ يوماً من روحِ
التجبّر والاستكبار والطغيان ، ولا يرضى إلا بأن يصوغَنا على صورته أو على وفق ما يريد ، كما أنهم يسرقون أموالنا وخيرات بلادنا ثم يعودون إلينا فيبيعوننا ما سرقوه من بضاعتنا بأفدح الأثمان وهم مع ذلك أهل المِنّة والفضل.
إنهم يحاصروننا من كل جانب ويدفعون بنا
دفعاً إلى الأسفل في سلّم الرقيّ الإنساني والمدنيّ لكي يجدوا ما يتبجّحون به وما يفخرون به على غيرهم من بني الإنسان ، ولكي تكتمل حالة الاستعلاء في الأرض لديهم فإنهم جعلوا من بلداننا متاحف وآثار حية يزورونها ليشاهدوا فيها هيئة الإنسان المتخلّف الذي ما زال يعيش كما فعل أسلافه منذ مئات السنين في تلك الأصقاع من الأرض وليجعلوا من مجتمعاتنا الإنسانية حدائق حيوان يذهبون إليها ويتجولون في أطرافها لمشاهدة أحوال هذه الكائنات الغريبة وليزدادو زهواً بما هم فيه من رفاه وخدمات وتسهيلات.
لقد أرادوا أن يهزموننا ولا يمكن أن
نُهزم إلا إذا ما قبلنا بالهزيمة ، وهو ما يحصل في أغلب الأحيان ، إن
هزيمتنا إنما تحصل عندما نؤمن بأننا قد هُزمنا ، وعندها تتحقق التبعيّة الفكرية والحضارية والخُلُقية والتي تجعل من الإنسان الغربي مثلاً أعلى لنا دون الله عز وجل ( وله المثل الأعلى ) فتصير أمنيتنا هي أن يرضون عنا وأن يعترفوا بوجودنا ، ويصير الخير هو ما إختاروه وتصبح الفضيلة ما جعلوه فضيلة وتصير أساطيرهُم ومختلقاتهم وأمجادهم المصطنعة حلماً نسعى إلى تحصيله والفخر باقتنائه.
من ثمار التجربة
معيار القوة في عالم اليوم هو قدرة
الشعوب الاقتصادية بالدرجة الأولى ، ومن كان عنده المال فإنه يستطيع أن يشتري به كل شيء. وينقسم العالم إلى معسكرين ، معسكر المستكبرين ومعسكر المستضعفين ، وجوهر الصراع بينهما هو صراع إرادات ، وهو صراع حضاري ( بما يتضمنه معنى الحضارة من قيم وتصورات ) يصل إلى حد الصراع بين الوجود أو الفناء. وأعتقد بأن أعظم الثمار التي حصل عليها العالم الإسلامي والعربي في تجربته مع المدينة الغربية هي إدراك إنسان اليوم بأنه لا بديل له عن حريته وعن اختياره الحرّ ، لأن هذا الأمر هو الذي يجلسه على عرش إنسانيته ويجعله في أقرب حالاته من الله عز وجل ، وفي أحسن حالاته لإكتساب الفيض الإلهي من رب الوجود.
لقد إنتهت فترة الإنبهار بالغرب والدهشة
بإنجازات مدنيته.
إننا اليوم أقدر مما مضى على الوقوف
أمام تيارات المفاهيم والقيم التي تردنا من الغرب لننقد ولنحلّل وليس فقط أن نتسلم ونقبل بكلّ شيء ، ووقفاتنا التحليلية هذه لا تتناول بالنقد مسائل ثانوية أو كمالية من حياتنا ولكنها تتناول أساسيات من الأمور من قبيل ثقل وجودنا وحجمه في هذا العالم ، خصوصاً عندما نصطدم بمقادر التفاهة والتبعية للغرب في كل شيء تقريباً التي تلفّ وجودنا هذا. إن إنسان اليوم يستطيع أن يضع في كفّتي ميزان ، عبوديته للغرب ومنجزاته في كفّه ، وتسليمه لله تعالى الذي هو حربته وإنطلاقته في كفه أخرى ، فيرى بأن الكفة الثانية هي الأرجح بلا نزاع. وذلك أنه سيجد بأن بإمكانه أن يستغني بالفانوس عن مصباح الكهرباء وبالأعشاب الطيبة عن الحبوب والحقن ، وبالنظافة وبالعيش النظيف عن الأمصال والحقن المضادة ، وبالخيل والبغال عن السيارات والقاطرات ، ولكنه لن يطيق أن يتخلّى عن حرية قراره وعن كرامته ولن يطيق أن يبقى على الذل والهوان يلعب به وبمصيره صبيان الغرب ولصوصه ويقررون له سير حياته واتجاهها ، يسلبون منه أرضه ويسرقون ثرواته ويدمرون زراعته وريّه ويفسدون عليه بيئته ومحيطة وهم ينتفخون ويتبجحون في نفس الوقت بأنهم المتفضلون عليه وبأنهم هم أهل الخير وبأنهم هم أرباب الكرم والجود. وأيّة لذّة في أن أعيش
في أفخم القصور وأن أركب أفره السيارات وأن أكل ألذّ الطعام في صحون من ذهب إذا ما كنت من قوم لا يحترمهم أحد ولا يقيم لهم أحد وزناً وهم في الدنيا والآخرة من الخاسرين ، أي لذّة في عيش مترف كهذا وأنا منتهك العرض مهدور الكرامة ، أقبّل أيادي الجبابرة الطغاة الملطخين بدماء الملايين من بني الإنسان وامسّح أحذيتهم من أجل أن يعطوني حقاً غصبوه مني أو أتوسل إليهم أن يعترفوا بوجودي في هذا العالم وأن يعطوني وثيقة يعترفون فيها بقيمتي وبجدوى وجودي هذا. وما كان لأهل الغرب أن يفعلوا بنا ذلك كله بدون موافقتنا نحن وبدون مطاوعتنا لهم ، فنحن وأياهم كالإنسان مع الشيطان إذ دعاه إلى الشرك فأشرك وما كان عليه من سلطان إلا أن دعاه فاستجاب. لقد كنا للغرب عونا على أنفسنا ، بعناله أنفسنا وديننا ودنيانا وتطوّعنا أن نكون له عبيداً وخدماً ووضعنا القيود بأختيارنا في أيدينا وصرنا نرضى بشتى ألوان الأعذار والتبريرات ، فمرة الغرب هو القوة الغالبة وأن ما نحن فيه سنة طبيعية يتبع فيها المغلوبُ الغالبَ وينحني فيها المهزومُ للمنتصر فيخضع له ويجري على منواله. ومرة أننا يجب أن نقلّدهم ونجري على خطتهم في حياتهم وبموجب تصوراتهم عن العالم حتى نصير مثلهم في التقدم التكنولوجي والمدني والثقافي وآل الأمر إلى الأخذ بالقشور وترك اللباب
وخسرنا رهاننا هذا أو أنكشفت شبهتنا هذه لنا وتبيّن لنا بأن واحدنا إذا لم يحترم نفسه ولم يحترم عقله وقيّمه التي يدركها إدراكاً فطرياً فإنه لا يمكن له أن يرى الخير والسعادة لا في الدنيا ولا في الآخرة. ومع ذلك فإننا لم نفلت تماماً من شباك الشيطان الغربي وشراكه فقد نصب لنا فخاًّ جديداً إسمه الديمقراطية الغربية وأوهم العالم بأن تجربته الديمقراطية هي الحرية المنشودة بعينها ونصب من نفسه وبزعامة أمريكا حامياً وشرطياً للديمقراطية في كل أرجاء المعمورة ، وأن شئت فقل أنه الدين الجديد الذي بدأت أمريكا وأوروبا الغربية تبشّر به ويرفع انبياؤهما لواء الدعوة إليه وإلى النظام العالمي الجديد ، وصار هذا المبدأ هو أداته الجديدة في إسباغ الشرعية على إفساده في الأرض ولصوصيته وإذلاله للناس وإبادته للشعوب ، يقتل حرية الشعوب بإسم الحرية التي يدعو إليها تحت إسم الديمقراطية. وما هي إلاّ شبهة أحسن شياطين الغرب صياغتها. الديمقراطية الغربية ليست هي الحرية كما أن للحرية من الوسائل التي تعبّر بها عن نفسها ما هو أفضل بمئات المرات من الوسيلة التي عرفها الغربيون والتي أسموها بالدميقراطية. وفي الواقع فإن في ديمقراطية الغرب من الأستبداد ومن فرض آراء وتصورات وأهواء أنفار معدودين من المجتمع على مئات الملايين من أبنائه ما يجعل منها واحدة من أشنع صور الظلم
والاستغلال وأقبحها ، وما الديمقراطية الغربية إلا دكتاتورية بشعة مقنّعة بألوان مبهرجة وبألوان زاهية من ممارسات هي في الغالب من نوع صمّامات الأمان التي يبيحونها للناس لغرض التنفيس من ناحية ولغرض خداعهم بحرية ممسوخة من ناحية ثانية. وسلكت ديمقراطية الغرب إلى فرض سلطتها الاستبدادية مسالك ملتوية تعتمد إثارة الشبهات وخلق حقائق مصطنعة بإسم العلم مرة وبأسماء أخرى مرات أخر ، وتعمد الإقناع عن طريق الإعلام المكثف والمتواصل ناهيك عن أساليب شتى في الخبث الشيطاني والإجرام الصريح.
اما انسان واما قرد
إن فراعنة العصر الحديث يريدون لبني
الإنسان أن يستحيلوا إلى قردة ترقص على أنغامهم ، بل إنهم أعدّوا لذلك عدّته منذ زمن بعيد عندما حاولوا إقناع الناس بأنهم نسانيس ، وبأنهم إنما أنحدروا من القردة ، فالقرود هم أجدادنا أو أبناء عمومتنا ولا بأس بأن نحذوا حذوهم وأن نتخلّق بأخلاقهم. وإنسان اليوم يجد نفسه أمام واحد في خيارين : إما الموت وإما الحياة. فهو إما أن يختار لنفسه أن يكون كمية مهملة لا ووزن لها ولا قيمة وهو التلاشي والخسران وأما أن يختار أن يكون إنساناً حراً كريماً في المقام الذي أراده له الله تعالى حيث جعله خليفة له في أرضه ، وهذه هي الحياة. فإذا كان إختياره هو الأخير وأراد أن يحسن الخلافة والقيام بها فإنه لن يجد أمامه عندئذ عالماً يتمكن من التكيّف معه ومعايشته ، لأن معايشة الفراعنة المستكبرين تعني أَن يستحيل أمامهم إلى قرد كما أرادوا له ، ولأن التكيّف معهم يعني السجود أمامهم ،
وكلتا الحالتين لا تتفقان مع اختياره لنفسه وسوف لن يجد في النهاية بداً من تغيير هذا العالم الذي يريد أن يحيا فيه وأن يكون له وجود فيه.
ولكن هل بامكاننا تغيير العالم ؟!
الجواب هو نعم. ليس هذا وحسب ، بل أن كل
ما آمنا بأنه ممكن فإنه ممكن. فإذا آمنا بأننا قادرون على تحقيقه فقد جعلنا من مسألة تحقيقه مسأله وقت ليس إلاّ.
وكما هو واضح فإن عملية التغيير لا يمكن
لها أن تأتي من جانب القوى الاستكبارية والطاغوتية لأنها تريد أن تُبقي على الأمور كما هي اليوم وتقاوم أي تغيير في ميزان القوة مما قد يؤدي بها إلى أن تخسر شيئاً من مكاسبها أو من مواقعها التي كسبتها إلى حد الآن مما هو عنوان وأساس استعلائها في الأرض. بل إن التغيير لا يمكن أن يأتي إلا على أيدي المستضعفين وبالذات على أيدي المسلمين منهم الذين يحملون كل عناصر ومقومات الدور الرياديّ في عملية تغيير كبرى تقلب الدنيا رأساً على عقب.
أما السبيل إلى التغيير فإنه يبدأ
بالإنسان مثلما أنه
سينتهي إلى الإنسان ، فمن أجل أن تغيّر العالم يجب أن نعرف أولاّ ماذا نريد أن يكون عليه العالم ، أي ما هو العالم الذي نهدف إلى تحقيقه ، أي ما هو هدف حركتنا ، وهو أمر يبدأ في عالم الفكر وبالذات في التصور أو في التصوير. إطلق خيالك من كل القيود التي تمسكه ، هذه القيود قد تكون أحكام على نفسك وعلى قومك وعلى مجتمعك أمنت بها نتيجة بعض التراكمات من أشياء سمعتها أو رأيتها أو تسرّبت إليك من فلم شاهدته أو مقالة قرأتها ثم جعلتها من المسلّمات التي لا تقبل الخطأ ، أنها قد تكون تصورات عن نفسك بالنقص والدونية وبعدم الكفاءة وبضعف الحول والقوة ، أنها قد تكون تصورات عن العالم الغربي « المتمدّن » تراه فيها ضخماً إلى درجة هائلة وقوياً إلى درجة مرعبة وأنه لا يقبل الهزيمة أو الدفع ، إنها قد تكون صورة ترى فيها نفسك أو ترى فيها قومك في مقابل الرجل الغربي وقومه وتكون أنت وقومك فيها صغاراً ضعافاً بلا حول ولا قوة أمام قوم ضخام الأجسام والعقول يفيضون قوة وحيوية وجبروتاً وترى فيها نفسكَّ غير قادر على شيء ، غير قادر على الأخذ بالثأر لنفسك أو للانتقام للجياع والمظلومين والمحرومين أو للأخذ بحقك وانتزاعه من أيديهم. هذه وغيرها من الصور التي نتبناها ونؤمن بها ونجدها جزءاً لا يتجزأ من طريقة حكمنا على الأشياء ومن توقعاتنا من
الحياة ومن مستقبل الحياة هي السمّ الذي يقتل الهمم وهي الداء الخبيث الذي ينخر في عظامنا وفي أرواحنا منذ أجيال ، وهي القيود التي نضعها على أحلامنا وعلى آمالنا ، الآن أرجو أن نطرحها جميعاً وأن ننظر إلى العالم نظرة إنسان حر الفكر يحترم نفسه وتملؤه العزة والقوة والكرامة وتقوى الله عز وجل وحبه ، ثم أحلم حلماً كبيراً جداً وبلا حدود ، أحلم بالعالم كما تحب أن يكون عليه وارسم لنفسك صورة عنه في طبيعة ونوع العلاقة بين شعوبه وأقوامه المختلفة وفي موقع الفرد من بني الإنسان فيه. الصورة التي سوف تتكون قد تختلف في جزئيات ملامحها بين هذا الشخص وذاك ولكن بلا شك فإن هناك قواسم مشتركة وأن هناك ملامح أساسية سوف يشترك في إرادتها والرغبة بها الغالبية العظمى منا ، فنحن نريد أن نعيش عالماً كله عدل وإنصاف وخير وصلاح لا يضيع فيه حق ولا ينجو فيه مجرم جانٍ كائناً من كان ، أمريكيا أو إنكليزياً هندياً أم أفريقياً ، عالم يتم في الاقتصاص من مصّاصي دماء الشعوب حتى لا يبقى لأمثالهم مكان فيه ولا كلمة ، عالم تكون فيه كرامة الإنسان مصونة ومحفوظة كائناً من كان ، أبيض أم أسود ، عربياً أو انكليزياً ، سيراليونياً أم سويسرياً. لا فضل لأحد على أحد في حقوقه كإنسان وليس لهذا الإنسان قيمة أعلى أو حق أكبر في صيانة كرامته ولذاك الآخر حق أقل في صيانتها
واحترامها ، وبهذا فقط يتحقق السلام. نريد أن نعيش في عالم لا رباً فيه ولا مرابين ، كله عدل وحب ومودة ، لا يموت فيه أحد من الجوع ، يكون الحكم فيه لله تعالى بكل ما يمثله وجوده من قيم ومعاني تبتعد عن الذهب والفضة فتجعل من المال مسألة ثانوية جداً في مقابل التقوى والفضيلة والخير والعدالة ناهيك عن أحكام شرعه التي تقطع دابر الربا وتضمن العدالة في توزيع الثروة وهذا في جملة أمور تجعل المال موفوراً لا يعجز عنه أحد. عالم لا ينال إنساناً فيه ذلٌّ ولا خزيٌ إلاّ بسبب أنه بعيد عن الله تعالى أو بسبب أنه لا تقوى له الله تعالى في نفسه أو في غيره من عباده تعالى.
فإذا اكتملت الصورة لديك عندها يبدأ
العمل ، فإذا عملت فاطرح الشك جانباً ولا تظنّن بنفسك الظنون ، ظنون العجز والخبيثة ، ولا تسمحنَّ للصور القاتمة أن تتسرَّب إلى ذهنك من قبيل أن ترى نفسك دون غيرك من البشر أو تشاهد قدراتك وإمكاناتك أقل منهم أو أضعف ، إطرح الريب والتردد ، تردد الهيبة والخوف من أن تضعف أو أن تفشل ولا تنظرنّ إلاّ إلى هدفك وآمن به وآمن بأنه واقع لا محالة ، وسترى بأنك قد وضعت بقدميك على طريق الخلاص وبأن حلمك الكبير قد صار أقرب بكثير مما كنت تتصور في السابق.
ولو كان لجيلنا هذا من أمة العرب وقفة
أمام الله تعالى في يوم الحساب وسألنا رب العزة والقوة فقال : لماذا أذللتم أنفسكم للكفرة ولمن ناصبني وناصب ديني العداء من أهل الشرق والغرب ولماذا طأطأتم لهم رقابكم يدوسون عليها بأقدامهم وأنتم ساكتون خانعون ، ولماذا تتركونهم يقتلون الروح والعزة والكرامة في أبنائكم وبناتكم ورجالكم ونسائكم وينتهكون حرماتكم ويستبيحون أرضكم ويحضرون عليكم الحرية ولا يرضون منكم بغير التقييد والكبت والإذلال وأنتم راضون بذلك وتختلقون لأنفسكم العذر تلو الآخر. فبماذا سنجيب ؟ قد يكون جوابنا هو : أن هؤلاء كانوا قد غلبونا بعلومهم وبتكنولوجيتهم التي جعلتهم أقوياء في كل شيء في الميدان العسكري والطبي وفي وسائل المواصلات وفي توليد الطاقة وغيرها فأحسسنا أمامهم بالدونية وبأننا لا شيء وبأنهم كل شيء فوقفنا أمامهم موقف العاجز الفاشل المهزوم وتركنا لهم أن يفعلوا بنا ما يشاؤون. وهنا ماذا ترى الله سبحانه وتعالى سيقول !؟ إنه قد يجيبنا : بئس ما فعلتم ، أنا لا أترك أحداً من عبادي خلواً من أي حول ولا قوة ، ماذا عن النفط مثلاً ألم أجعله بين أيديكم ؟! وماذا سيفعل الغرب بقضّة قضيضُّه وبكل التكنولوجيا التي عنده بدون النفط الذي أودعته لديكم لو شئتم أن تمنعونه عنهم لأنتزاع حق من حقوقهم أو لجلب
منفعة لكم !! وعندها سنجيب : لقد مكروا بنا وخوّفونا بأساطيلهم وبجيوشهم وبطائراتهم وبالملذات التي سيحرموننا منها لو أقدمنا على ذلك. وعندها قد يقول عز من قائل : أما مكرهم
فقد كان أجدر بكم أن تمكروا بهم كما مكروا بكم ، أو لستم ترون مكري وأني خير الماكرين ؟ وأما الملذّات فقد
صدق عليكم المثل القائل رُبّ أكلةٍ منعت أكلات ، فقد أشتريتم أرخص اللذات وأقلّها بلذائذ ومتع لا حصر لعددها ولا لحجمها كانت مفتوحة أمامكم في الدنيا وفي الآخرة تنتظر فقط من يمد يده لينالها ولكنكم خفتم وتهيبتم وأخذكم التردد والشك بأنفسكم وبربكم وبما أعدّه لكم في دنياكم وآخرتكم فيما لو عزمتم وأقدمتم ، وأخذكم الرعب من عدو الله وعدوكم من أولياء الشياطين وأعوان إبليس. وأما تخويفهم فما كان ينبغي لكم أن تخافوا وإنما هو الشيطان يخوّف إولياءه ويصوّر لهم صور النتائج المرعبة والمفزعة فيما لو فعلوا هذا أو أقدموا على ذاك وما كان لكم أن تستجيبوا له. ولو كانت لكم همة وعزيمة ثم لم يكن عندكم غير الحجارة والعصيّ لأستطعتم أن توقفوهم عند حدهم ولعشتم في عزة وكرامة ولما سخر منكم أحد ولا استضعفكم أحد.
تكميل
نظرة
قرانية في حرية الانسان وفي نواميس حركة المجتمع التاريخية
لقد أجرى الله تعالى هذا الكون في ضمنه المجتمع البشري وفق نواميس وقوانين هي من باب قضائه وقدره ، وهو الذي يطلق عليه إسم القضاء التكويني ، ويشتمل على كلّ ما له علاقة بتكوين وبطبيعة الأشياء ، كما أن له تعالى قضاءاً تشريعياً وهو ما قضاه وقدّره من أمور الأحكام الدينية التي تخصّ الفرد والمجتمع من ثم أحكام العلاقات بين أفراده من ناحية وبين أفراده والطبيعة وأجزائها من ناحية ثانية وذلك من قبيل وجوب الصلاة والصوم وأحكام الثروات الطبيعية ووجوب توزيعها بالعدل والإنصاف وفق مقاييس وأحكام وضعها لذلك مع إقامة الحدود على من يخالف تلك الأحكام عند اجتماع شروط تلك المخالفة وإلى آخر ذلك مما هو قانون تشريعي ينظم أمور المجتمع وأفراده.
وقد شاء الله تعالى أن يجعل هذا الإنسان
حراًّ مختاراً مريداً ، ولكن حريته هذه وإرادته ليست مطلقة ومن دون قيود أو ضوابط ، قال تعالى : (
إِنَّ
هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً
) الإنسان ـ ٢٩
، وقال : ( اعْمَلُوا مَا
شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
) فصلت ـ ٤٠ ،
ولكنه تعالى يقول في مقابل ذلك وعلى سبيل المثال في آية أخرى : ( وَمَا تَشَاءُونَ
إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ) الإنسان ـ ٣٠ ، فالإنسان وإن كان حراًّ
مختاراً إلاّ أنه إنما يتقلّب بين الضرورة والحتم من كل جوانبه وذلك لأن القوانين والنواميس تحيط به من كل جانب وتشمله باطناً لظاهر وما هذه القوانين غير ضروريات وجبر. فهو يتقلب بين الجبر والاختيار ، وهذا أيضاً في قضاء الله وقدره ، فاختيار الإنسان وحريته ومشيئته لا تخرجه عن مشيئة الله ولا عن سلطان الله تعالى وإليه يعود الأمرُ كلُّه. فإنّ الواحد منا إذا ما اختار شيئاً ( وتلك هي حرّيته وإرادته ) فقد وضع قدميه على طريق سوف يؤدي به إلى نتيجة ، والذي خطّ هذا الطريق وربط المقدّمة بالنتيجة وعيّن الأسباب وحدّد سُبُلها هو الله عز وجلّ ، وهذا هو قضاء الله تعالى وقدره.
وقد بيّن الله تعالى في كتابه الكريم أن
له في المجتمع سنن وقوانين تحكم حركة وتطوّر ذلك المجتمع
ممّا يجعل منها نواميس تؤثر في صنع تأريخه وتعيين مصيره ، والمجتمعات الإنسانية مأمورةٌ بملاحظتها وبمجاراتها لأنَ في ذلك سعادة كلّ منها وفلاحه كمجموع من البشر ، حتى أن القرآن الكريم جعل لكل مجتمع من المجتمعات المختلفة ( الأُمم ) كتاباً خاصاً بكلّ واحد منها يحصي عليه أعماله كما إن للفرد الواحد كتاباً يحصي عليه أعماله ، فقال تعالى : (
وَتَرَى
كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ. هَذَا
كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) الجاثية ـ ٢٨ / ٢٩. وهي ناضرة إلى حساب
جماعي للمجتمعات ، كلُّ أمَّةٍ على حِدَه. وهي في قبال الآية الكريمة التي تقول : (
وَكُلَّ
إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا.
اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا
) الإسراء ـ ١٣.
وهي تنظر إلى حساب فردي حيث يحاسَب كل فرد على حِدَه. وكأن القرآن الكريم يخبرنا بأن كل فرد منّا سيمثل أمام الله تعالى مرتين ، فمرّة يمثُل كفرد ويأتي بما قدّم من عمل كفرد فينجو من آمن وعمل صالحاً وجاء الله بقلب سليم ، ثم أنه يمثل مرّة ثانية كجزء من أمّة ، يقف موقفاً ثانياً يكون فيه وسط مجتمعه وقومه ليحضر حساباً من نوع آخر يُسأل فيه عما قدّم من عمل يكون له تأثير على
يترك بصماته على المجتمع بشكل عام فيصوغ ملامحه ويعطيه شخصية جمعيّة فيجعل منه أمّة مؤمنة تعمل الصالحات أو يجعل منه أُمَةً تتّخذُ آيات الله هُزُواً وتعمل السيئات مغرورة بالحياة الدنيا ناسيةً لله تعالى ، وكلَّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيته ، كما قال رسول الله (ص) ، أعمالٌ تصبّ في النهاية في مجرى السّنن والنواميس التي تحكم حركة وتطوّر المجتمع.
ومن هذه السُّنَن يبرز نوعان أساسيان ، الأول
منهما هو ما يعتبره القرآن الكريم إتجاهاً ومساراً للمجتمع لا مناص له عنه ، قانون أو ناموس قد يقبل التحديّ والمقاومة ولكن ليس إلى غير نهاية ، بل أن مخالفته ستصل إلى حدود ثم يضطر المجتمع إلى الانسياق مع هذا القانون ومسايرته ، فإذا أصر على ماقاومته فإنه سوف يتحطم ويتلاشى أشبه ما يكون بالطائرة التي تحلّق في الجو وهي تقاوم جاذبية الأرض ، فلقد انتبه الإنسان لوجود قوة أو ظاهرة إسماها بالجاذبية الأرضية واكتشف قوانينها ثم استطاع أن يتغلب على جاذبيتها باستخدام قوانين ميكانيكية الحركة والمقاومة وتأثير إختلاف الضغط على السطوح المختلفة فصنع طائرة واستخدم فيها الوقود ، وتغلب على جاذبية الأرض وقاومها ولكن إلى حدّ توفّر الوقود في الطائرة ، فإذا لم تهبط عند نفاد الوقود
وأصر ربّانها على مقاومة جاذبية الأرض فإنه ساقط بها لا محالة وسيتحطم كل شيء ويُباد كل من فيها بتأثير قانون طبيعي هو جاذبية الأرض ، وكذلك الحال مع بعض قوانين وسنن الحياة الاجتماعية وأبرز مثال على ذلك هو الدين كناموس من النواميس التي تُعتبر اتجاهاً ومساراً لا بد لأي مجتمع إنساني من أن يمضي فيه وأن يتخذه سبيلاً ، يقول عز وجل : (
فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ
) الروم ـ ٣٠
وهو ينصّ هنا نصّاً على أن الدين هو جزء من أجزاء الإنسان خلقةً وتكويناً وانتزاعه منه أمر لا يستقيم مع الخلقة الفطرية له. أن مجتمعاً ما قد يحاول أن يلغي الدين تحت أي شعار وتحت أية مَقولةٍ كانت ، فمرة شيوعية ومرة تقدُّميه ومرة أخرى تحت راية العلم والمدنيّة والتحضُّر ، وقد يستمر في تحدّيه هذا لأَمَدٍ قد يطول أو يقصر ولكنه لن يستطيع الإستمرار في تحديه هذا لأن طبيعة الأشياء سوف تحكم بالحكم الذي أودعه الله تعالى فيها وسيّرها ونظم أمرها بموجبه. وقد كانت نظرة الدين الإسلامي إلى المجتمع الإنساني هي أن الله تعالى قد خلق الأرض والإنسان ومن ثم استخلف الإنسان على الأرض وما فيها ليقوم بدور الخليفة لله تعالى فيها. وكما تلاحظ فقد كان هناك إنسان وطبيعة منذ أن جاء الإنسان
واستوطن الأرض ولكن على مرّ التأريخ كانت لتلك العلاقة التي تربطه بالطبيعة وبأخيه الإنسان تختلف اختلافاً واسعاً تجدها في ألوان الملكية والاستغلال لموارد الطبيع المختلفة وتجدها أيضاً في أشكال السيطرة والاستعباد التي مارسها الإنسان على أخيه الإنسان وهو الأمر الذي جرّ ألواناً من الأذى والشقاء والبؤس للجماعات البشرية على مرّ التأريخ ، بينما ترى القرآن الكريم يقول : (
وَإِذْ
قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ
مَا لا تَعْلَمُونَ ) البقرة ـ ٣٠ ، ونرى هذه الآية وهي تضع الحق في نصابه ، وترسم صورة ما يجب أن تكون عليه الأمور ، فليس هناك مُلك مطلق للإنسان وليس له حقُّ إستعباد امتلاك أخيه الإنسان بل هو خليفة لا يملك غير ما خوّله الله تعالى من ثروات ومن قدرات وهو تاركُها وراءه لا محالة فيعود كل شيء إلى من يملك الأشياء حقيقة الملكية وهو الله عز وجل ، وإنما كان كل واحد منا على طيلة حياته التي امتدت لبضع عشرات من السنين قد أُعطي حقَّ التصرف فيما يُسمّيه ملكاً له ( وليس كذلك في عين الواقع ) تخويلاً من الله تعالى ، بل أن وجوده كله كان استخلافاً من جانب الله تعالى ، وواضح أن هذا المعنى الجديد الذي يقدمه القرآن الكريم وهذا التقييم
في معنى وماهيّة دور الإنسان وموقعه في العالم الأرضي سوف يُضفي نظره جديدة تماماً على كل شيء في هذا العالم وبالصورة أو الهيئة التي أرادها خالقُها ومكوّنُها أن تكون عليه لكي تستقيم أمورها وتجري في مسارها الطبيعي الذي يحقق للبشرية سعادتها وخيرها.
والنوع الثاني من السُّنن التي تحكم
تأريخ وتطور المجتمع والتي ورد ذكرها في القرآن الحكيم هو ما جاء على صورة القضيَّة الشرطية ، هناك مقدمة ونتيجة ، فإذا تحققت المقدمة فقد تحققت النتيجة وذلك من قبيل الآية الكريمة : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ
الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم
بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) الأعراف ـ ٩٦ ، وقوله تعالى : ( وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا
) الجن ـ ١٦. ومن هذا الباب قوله تعالى : (
إِنَّ
اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ
) الرعد ـ ١١
فهذه الآية الكريمة تضع قانوناً يربط دخيلة الإنسان بعالمه الخارجي ، إنها تبيّن بأن حركة المجتمع ( القوم ) إنما تتبع قوامهم النفسي كجماعة وما يفكرون به وما يريدونه ويختارونه ويسعون إليه من أهداف وما يشكّل بواعثهم ودوافعهم في ذلك كله. عالمنا الخارجي ، حالتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، إنما هي أصداء وتَبَع
لهمّتنا ، لعزيمتنا ، لشجاعتنا ، لمقدار الثقة التي عندنا بأحكامنا وبتقييمنا للأمور ، لنظرتنا المطلِقة الحرة المفتوحة على آفاق الحق والصواب والجمال والفضيلة ، لأحلامنا وحجمها وضخامتها ، ( ولقد قال رسول الله (ص) : « لو تعلقت هِمّة أحدكم بالثريا لنالها » ). فإذا كانت أحلامنا وآمالنا صغيرة كانت النتائج التي نحصل عليها صغيرة ، وإذا كانت آمالنا وأفكارنا كبيرة جداً حصلنا على نتائج كبيرة جداً.
إن هذه الآية الكريمة صرخة تدوّي عبر
القرون تدعو بني الإنسان إلى ممارسة تلك الحرية الخلاقة الإبداعية التي أودعها الله تعالى في أصل تكوينهم من أجل تهيئة الجو العام الملائم لإقامة مجتمع فاضل سعيد. فلا تتوقّعنّ حصول المعجزات ، لا تنتظرنّ من الله تعالى أن يأتي إلى الظالم المستبدّ فيضربه على رأسه بعصاه كفعل الشُرطيّ ، أو أن يأتي إلى المظلوم فينتزع له حقَّه من ظالمه بتدخل مباشر ، نعم إن الله تعالى مع عباده المؤمنين بالتأييد والنصر ولكن ليس بمعنى أن يجلسوا في سكون وهدوء يتلُون الدعاء تلو الدعاء حتى يأتي نصر الله تعالى ، أنظر قوله تعالى : (
أَمْ
حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ
الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
مَعَهُ
مَتَى
نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ
) البقرة ـ ٢١٤
، إن النصر قريب ولكنه ليس بمعنى أن تجلس في مكانك وتنتظر أن يأتي الله تعالى بأفواج الملائكة لتصارع ولتكافح بدلاً منك ثم تأتيك بنصر هاديء وديع فتضعه بين يديك ، ولكنه يقول لك بأن سبيل النصر طريقه قريب منك فابحث عنه وامض فيه ، فهي بهذا المعنى تكون قريبة من معنى الآية الكريمة : (
وَالَّذِينَ
جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
) عنكبوت _ ٦٩.
وانظر إلى قوله تعالى : ( ... وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الحَقِّ ظَنَّ الجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ
هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ
... ) آل عمران ـ ١٥٤ والآية تتحدث عن طائفة من المسلمين الأوائل كانوا يرون أن اتّباعهم لدين الله بحد ذاته إضافة إلى وجود رسوله (ص) بينهم سيكون ضميناً لهم عند الله بالنصر وبدون قيد أو شرط ، فلما هُزموا في معركة أحُد صاروا يتشككون ويقولون هل لنا من الأمر شيء !! فسمّى ظنهم هذا ظنّ الجاهلية بالله بغير الحق وهو إشارة إلى العقيدة الوثنية عند العرب التي سادت فيهم وفي غيرهم من الأمم قبل الإسلام والتي كانت ترى لكل حادثة من حوادث الحياة وحالاتها كالمال والخصب والحب والحرب والبلاغة وغيرها إلهاً خاصاً وكذلك لكل ظاهرة
من ظواهر الطبيعية واقسامها كالأرض والبحر والمطر والزلزال والفيضان وغير ذلك ، لكل منها ربٌ فوّض إليه الله تعالى إدارة أمور ما فُوِّض إليه وأعطاه شطراً من ملكه وسلطانه فهو وإليه وراعي شؤونه والناس تعبد هذه الأرباب المختلفة وتتضرع إليها وتقدم إليها القرابين والهدايا من أجل جلب خيرها ودفع شرّها كلُّ في باب تأثيره وولايته. فمن ظن أن مجرد انتمائه إلى هذا الدين هو أمر جعل الله فيه النصر والغلبة بنوع من التفويض فقد سار على درب وعقيدة الجاهلية الأولى وظنهم ذاك بالله بغير الحق. فالله عزوجلّ هو الذي وضع الأسباب والمسبَّبات وخطّ سُنَّتها فكيف لنا أن نتوقع منه أن يُلغيها !! وأية حكمة في ذلك !! ما كان سببه أقوى صار وقوعُه أرجح سواء أكانت الغاية حقاً أم باطلاً ، عدلاً أو ظلماً ، ولا فرق بين مؤمن أو كافر.
كل ذلك يصرخ بالإنسان وبالمجتمع
الإنساني أن يعمل وأن ينشط وأن يختار لنفسه مصير نفسه ، ذلك بأن الله أبى أن يجري الأمور إلا بأسبابها ، وما المعجزات إلا استثناء للقاعدة عندما يكون لها محلّها من قبيل إثبات رسالة رسول أو حفظ الحق من الضياع التام وما أشبه ، ولكننا من أجل بلوغ هدف من الأهداف فلا بد لنا من الوصول إليه من طريق أسبابه ، هذه سُنّه الله تعالى وهذا
حكمه وهذا قضاؤه وقدره وإلا لكان الله قد أغنى أكرم الخلق محمداً (ص) عن كل ذلك الجهد والكفاح وعلى مدى ٢٣ عاماً وجد فيها من الغناء والشدة والأذى والجهد ما وجد من أجل تثبيت دعائم الدين وهو رسولُه وحاملُ رسالته ومبلّغ كلامه ومهبط وحيه وأقرب الحلق إليه.
وما من أمّة ضاقت أحلامُها إلا وضعت
كيانُها وانتهت إلى شبح أمة وما من أمّة كبرت أحلامها ولم تعرف الحدود فيما تريد إنجازه وبلوغه من كمال ومجد ورفعة إلا وهي أمّة حيّة نامية قد يصبح في مقدورها أن تبلغ كل مبلغ. وقد كان جديراً بالأمة الإسلامية وهي تؤمن بالله العظيم أن لا تتخلف كل هذا التخلّف وتضيع كل هذا الضياع وتذل كل هذا الذل وتهون هذا الهوان وكيف يكون ذلك وهي تعبد الله عز وجل ، وهو المطلق في كل شيء ، إنه خير مطلق وكمال وجمال مطلقين وعدل مطلق وقوة لا نهائية وقدرة بلا حدود وعلم بلا حدود. وإيمان هذه الأمة بهذا الإله وخضوعها له واعتصامها به لو كان إيماناً حقيقياً لأخذ بها إلى آفاق في العلم والقدرة والقوة والفضيلة أوسع بكثير جداً مما نراه اليوم عند أرقى الشعوب وأكثرها تقدماً ورفاهاً مع عدل وانصاف وخير عميم. وذلك لأن عبادة الله ليست هي صوم وصلاة وحسب ولكنها خضوع وخشوع واستسلام له
ليس بمعنى ظاهر الخشوع والاستسلام ولكن بمعنى حقيقة المتابعة وأن تتخذ سبيلاً وطريقاً إلى الله تعالى ، وماذا يمكن أن يكون السبيل إلى الله تعالى إلا أن تتخلق بأخلاقه وتجعل من أسمائه الحسنى رائداً عملياً لك ، وتكون غايتك وهدفك من ذلك ومن كل عمل تعمله هو الله تعالى والتقرب إليه ، فتكون قادراً إلى أبعد الحدود على أن تزيل من دربك كل عائق فكري أو نفسي يقف في سبيل انطلاق قدراتك وتناميها لأن للإنسان من القدرات والامكانات ما لا يعلم حدودها إلا الله تعالى وإنما هو الفرد من الذي يحدّدها ويضع عليها القيود ويحبسها ويقفل عليها في خزانة من حديد. وإطلاق القدرات والأمكانات الحبيسة لدى الإنسان هو سبيل إلى الله تعالى لأنّه أخذٌ بصفة من صفاته وتخلّقٌ بواحد من أخلاقه. ثم أن تكون وليّاً معيناً وناصراً لأخوانك ولأفراد المجتمع الذي أنت فيه حتى أنك لتلي صاحبك في أموره وتعمل له وكأنه هو الذي يعمل لنفسه ، وهذا سبيل آخر إلى الله تنحو فيه منحى الله عز وجل في ولايته ونصرته وتأييده لعباده ووكالته لهم.
وأن تكون جواداً سمح اليد ومعطاءاً
تواسي أخوانك بأموالك فتتخلّق بأخلاق الله تعالى وهو الرّزاق الكريم فلا ترجو لذلك شكراً ولا جزاءاً ولا تجعل فيه مِنّةً
ولا أذى. وهذه سبيل أخرى إلى الله تعالى.
أن تكون ودوداً رحيماً بالناس ، أن تكون
متيناً في ذاتك قوياً ، عدلاً على طريق سويّ وأن تفعل كفعل الله تعالى فتكون للظالمين بالمرصاد وأن لا تدع لهم سبيلاً على العباد الآمنين ، وأن تنصر المظلومين وتكون يداً معهم ، وأن تنتقم من الجبابرة والطواغيت والمستكبرين وتذلّهم وتمرّغ أنوفهم في التراب ، وأن تنتصر منهم وتأخذ الحقوق للمستضعفين وتضع الحق في مواضعه ولا تأخذك لائمة في الله تعالى.
هذه كلها سبل إلى الله تعالى وهي تؤدي
بك إلى الصراط المستقيم ، والصراط الذي هو الطريق الواسع العريض الذي يجمع ويحتوي ويبتلع كل الطرق والسبل الأخرى ( التي ذكرنا أمثلة عليها فيما سبق ) حتى تصير به طريقاً واحداً قائماً يؤدّي بك إلى ربّ العزّة والجمال إلى الله العظيم.
بعض
الخرائط التي تبين مواقع الأحداث التي تكلم عنها نوستردامس.






مصادر الكتاب
- De Fontbrune, Jean-charle, Nostradamus, Countdown to Apocalypse. 1983
- Erika cheetham, The pprophecies of
Nostrada-
mus. 1983
- Laver , Nosterdamus or the Future Foretold.
- Colin Wilson , Afterlife.
- Colin Wilson , The book of time
- Encyclopedia Britanica.
- Collier 's Encyclopedia.
- Bruse wellerau , world history , Concise
Diction ary of.
- Reader's Digest Guide to places of the
world.
Longman , Illustrated companion to world
his-
- tory.
- The Time Aylas of the world.
- Majid Khadduri-Socialist Iraq. 1978.
ـ محمد باقر الصدر ـ المدرسة القرآنية.
ـ محمد حسين الطباطبائي ـ تفسير الميزان
للقرآن الكريم.
ـ من هو صدام حسين التكريتي.
محتويات الكتاب
مقدمة .................................................... ٥
خط عريض في کتاب
نوستردامس ........................... ٢٧
الطبعات القديمة من
الکتاب ................................ ٣١
منهج کتابنا هذا .......................................... ٣٣
مقتل ملک فرنسي ........................................ ٣٩
تنبؤات نوستردامس حول
الثورة الفرنسية ..................... ٤٣
نبوءات نوستردامس حول
ناپليون بونابرت ................... ٥٥
بريطانيا العظمى .......................................... ٧٥
نبوءات نوستردامس حول
الجنرال الأسباني ( فرانكو ) ......... ٧٩
الحرب العالمية
الثانية ....................................... ٩١
نبوءات نوستردامس في
خصوص هتلر ........................ ٩٣
نبوءات في شؤون آسيوية
................................. ١٠٧
نبوءات في شؤون
فلسطينة ................................ ١١٥
حرب الايام الستة ١٩٦٧
واحتلال الجولان والضفة الغريبة وغزة ............................................ ١١٩
نبوءات في شؤون
ايرانية .................................. ١٢١
نبوءات في شؤون عراقية
.................................. ١٣١
الحرب الباردة ........................................... ١٤٧
توقعات في المستقبل ...................................... ١٤٩
صدام حسين ............................................ ١٥٣
طاغية يقضى
عليه ....................................... ١٥٩
ضد المسيح ( المسيح
الدجال ) ............................ ١٦٣
النظام المالي والتضخم
.................................... ١٧٣
اقتصاد اللصوص ......................................... ١٨١
يد للسلام ويد للحرب ................................... ١٨٥
غلبه الغرب ............................................. ١٨٩
ضعف الغرب والشرق .................................... ١٩٥
أوضاع عالمية ............................................ ٢٠١
صلح بعد عراك ......................................... ٢٠٥
مدة التحالف ............................................ ٢٠٩
فرنسا والمحمديون ........................................ ٢١٣
المذنب والزعماء
الثلاثه ................................... ٢١٥
الجامعة العربية ........................................... ٢١٧
الدول العربيه تعيد
تقييم منهجها ........................... ٢٢٥
العربي العظيم ............................................ ٢٢٩
قائد عربي عظيم ......................................... ٢٣٣
الإسماعيلي العظيم ........................................ ٢٣٧
الرجل العظيم من آسيا ................................... ٢٤٥
رعب الجنس البشري ..................................... ٢٥٥
القلب القرطاحي ........................................ ٢٦٣
رجل الشرق ............................................ ٢٧١
الزعيم المرعب الجديد ..................................... ٢٧٣
إنذارات ................................................ ٢٧٧
الزمان يتبدل ............................................ ٢٨١
قلب لا يعرف الرحمة ..................................... ٢٨٧
حشد يتلوه حشد ........................................ ٢٩١
تحولات بعد قرن طويل ................................... ٢٩٣
شمس الشرق ............................................ ٢٩٧
أوضاع العالم اثناء
الحرب الكبرى .......................... ٣٠١
أوروپا في قبضة السيف ................................... ٣١٩
هجرة وأسلاب .......................................... ٣٢٣
پاريس مهجورة وهجوم ضد
بريطانيا ...................... ٣٢٥
أهل العراق غاضبون ...................................... ٣٢٩
الخليج العربي ............................................ ٣٤١
تونس والجزائر وإيران .................................... ٣٤٥
سيطرة إسلامية شاملة .................................... ٣٥٣
الدور اليهودي ومصيره ................................... ٣٥٧
في الختام ................................................ ٣٧٣
من ثمار التجربة .......................................... ٣٧٧
أما إنسان وأما قرد ....................................... ٣٨٣
ولكن هل بامكاننا
تغيير العالم ؟! .......................... ٣٨٥
تكميل ................................................. ٣٩١
خرائط تفصيلية .......................................... ٤٠٥
مصادر الكتاب .......................................... ٤١١
محتويات الكتاب ......................................... ٤١٣
|