تعليقات على

الجزء الأوّل والثاني والثالث

« مباحث الدليل اللفظي »

البحوث اللفظية التحليلية

مبحث الأمر

مبحث النهي ـ المفاهيم ـ العام والخاص



الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد :

من نعم الله سبحانه وتعالى ومِنَنه عليَّ أن وفقني للتعليق على كتابنا

( بحوث في علم الاصول )

الذي هو تقرير لأبحاث استاذنا الشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمّد باقر الصدر 1 ، وذلك خلال اشتغالي بتدريسها وإلقائها على طلاّبنا الأفاضل ضمن دورتين اصوليتين في الحوزة العلمية بقم المقدّسة ، فرأيت أن أجمعها والحقها في دراسة مخصّصة بالأجزاء السابقة من ( بحوث في علم الاصول ) فتكتمل هذه الموسوعة الاصولية عشرة أجزاء.

وقد حاولت أن تكون مشتملة على توضيح ما هو مغلق من عبارات التقرير


واضافة ما ينبغي اضافته من أقوال واستدلالات وما خطر ببالي من نكات أو مناقشات.

ولا شكّ أنّ ما أحرزته المدرسة الاصولية الحديثة في الفقه الإمامي اليوم يعتبر من الانجازات البديعة والتطوّرات الهائلة لمسائل هذا العلم وبحوثه ممّا أعطته مكانة سامية بين العلوم وجعلت منه علماً له طبيعته ومنهجه المتميّز والمستقل رغم تنوّع مسائله واختلاف موضوعاته من بحوث لغوية تحليلية إلى مسائل عقلية نظرية أو عملية وقواعد تشريعية ، إلاّأنّها جميعاً ترتبط بمحور واحد أساس ، وهو الأدلّة والعناصر المشتركة في عملية الاستنباط الفقهي ، واستخراج الأحكام ومعطيات الشريعة الغرّاء.

ومن هنا صار هذا العلم اليوم مفتاحاً لسائر علوم الشريعة ومنطقاً لعلم الفقه على وجه الخصوص ، يوزن به مدى سلامة عملية الاستنباط الفقهي واستنتاج أحكام الشريعة ومعطياتها عن مصادرها وأدلّتها التفصيليّة.

وقد كان لسيّدنا الشهيد الصدر 1 من بين فقهائنا وأعلامنا المعاصرين الدور الأمثل في توسيع نطاق هذا العلم وتوضيح معالمه ومناهجه ودوره وتأثيره على علم الفقه وعلوم الشريعة الاخرى.

فقد استطاع بنبوغه وفكره العملاق أن يجدّد كثيراً من نظريات هذا العلم ، ويطوّر من بحوثه ومسائله في المضمون والمنهج وطريقة العرض ، بما لا يمكن اليوم أن يستغني عنه كل من يقصد الورود إلى مباحث هذا العلم ويمارس تعليمه أو تعلّمه أو التأليف فيه.

ولا غرو إذا قلنا انّ الحواضر والحوزات العلمية اليوم تتطلّع إلى نظريات وآراء


سيدنا الشهيد الاصولية بشوق بالغ ، وتطالب الأساتذة بعرضها في بحوثهم ومحاضراتهم وتعتبرها أعمق وأحدث ما وصلت إليه المدرسة الاصولية المعاصرة في فقه أهل البيت :.

وقد كان هذا أحد الأسباب لاحساسي بضرورة الشرح والبسط لما قرّرناه من بحوث استاذنا الشهيد رغم ما طبع بعد ذلك من تقريرات اخرى ولكنّها ليست بكاملة ولا وافية بأداء آخر ما انتهى إليه الفكر الاصولي للسيد الشهيد 1.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمّد استاذنا الشهيد بوافر رحمته ويسكنه الفسيح من جنّاته مع أجداده الطاهرين المعصومين ، وأن يوفقنا للسير على نهجه القويم في خدمة الإسلام والمسلمين ، والحمد لله ربّ العالمين.

قم المقدّسة

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

شهر رمضان المبارك ١٤٣٠ ه‍



تعليقات على الجزء الأول

البحوث اللفظية التحليلية

الدلالة اللفظية

نظرية الاستعمال

علامات الحقيقة والمجاز

الحقيقة الشرعية

الصحيح والأعم

الحروف

الهيئات

المشتق



بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

ص ٢١ قوله : ( إلاّأنّ هذا ليس تصحيحاً موفقاً ... ).

أضف إلى ذلك أنّ الوظيفة العملية هي نفس القاعدة الاصولية الشرعية أو العقلية لا ما يستنبط منها.

ومنه يعرف أنّ ما صنعه السيد الخوئي على ما في بعض تقريرات بحثه من جعل الانتهاء إلى الوظيفة العملية أو تحصيل العلم بها هو التعريف ؛ لكونه جامعاً بين موارد العلم بالحكم أو بالوظيفة غير تام أيضاً.

ص ٢١ قوله : ( وهذه المحاولة صحيحة في التغلّب على الاعتراض الأوّل ... ).

وليس البحث في المدلول اللغوي للاستنباط لكي يقال أنّ ارادة هذا المعنى منه خلاف ذلك ، وهذا واضح.

ثمّ إنّ جملة من الأعلام الآخرين حاولوا علاج هذا الاعتراض بحذف كلمة الاستنباط عن التعريف وتبديلها بالحجة ، فالمحقّق الاصفهاني 1 عرّف الاصول بأنّه ( ما يبحث فيه عن القواعد الممهِّدة لتحصيل الحجة على الحكم


الشرعي ) (١). والمحقّق الايرواني عرّفه : ( بالعلم الباحث عن الحجة على الحكم الشرعي ) (٢).

إلاّأنّ التعريف المشهور أحسن وأولى منهما ؛ إذ الحجة على الحكم الشرعي نفس القاعدة الاصولية لا النتيجة المستحصلة منها ، كما أنّ المقصود من العلم الباحث عن الحجة لو كان البحث عن كبرى الحجّية فقط خرجت مباحث الدلالات اللفظية ؛ لأنّها تبحث عن صغرى الحجة على الحكم ـ وهو الظهور ـ لا كبراها ، فلا يكون التعريف جامعاً من هذه الناحية.

على أنّ تعريف المشهور فيه دلالة على عملية الاستنباط الفقهي وانّ القاعدة الاصولية تقع في طريقها بنحو الكبرى أو الصغرى ، وهذه حيثية مهمة لابد من الاحتفاظ عليها في التعريف ، وسيأتي أهمّيتها أيضاً في دفع سائر الاعتراضات على التعريف بينهما لا يحفظ ذلك بوضوح في التعريفين المذكورين.

وإن شئت قلت : انّ علم الفقه أيضاً يبحث عن الحجّة على الحكم الشرعي ؛ لأنّه العلم بالحكم الشرعي عن أدلّتها التفصيلية ، والذي يعني تحصيل الأدلّة والحجة على الحكم الشرعي ، وهذا بخلاف التعريف المشهور بعد تعديله بما سيأتي.

ولعلّ صاحب الدرر أيضاً كان يريد دفع الاعتراض الأوّل أيضاً عن التعريف عندما غيّره فعرّف الاصول ( بالقواعد الممهّدة لكشف حال الأحكام ـ الكلية ـ

__________________

(١) نهاية الدراية ١ : ٤٢.

(٢) الاصول في علم الاصول ١ : ٦.


الواقعية المتعلّقة بأفعال المكلفين ) (١).

ويلاحظ عليه : انّ كشف الحال مبهم ، فإنّ القواعد الاصولية تثبت نفس الحكم الكلي تنجيزاً أو تعذيراً ، لا أنّها تكشف حالة فيه ، على أنّ الأحكام المستكشفة تنجيزاً أو تعذيراً بالقواعد الاصولية لا يشترط فيها أن تكون واقعية ، بل يمكن أن تكون ظاهرية أيضاً ، كما أنّه لا يشترط فيها أن تكون متعلّقة بأفعال المكلّفين ، بل يمكن أن تكون أحكاماً وضعية متعلقاً بالأعيان الخارجية كالطهارة والنجاسة.

وكلّ هذه المحاولات لا داعي لها ، بل لا سلاسة ولا وضوح فيها ، كما في التعريف المدرسي المشهور بعد التوجّه إلى ما يراد من الاستنباط فيه كما شرحناه ، والأمر سهل.

ثمّ إنّه ورد في بعض التقريرات انّه لا موجب لأخذ الحكم الكلّي في التعريف وتخصيص المسألة الاصولية بما يثبت الحكم في الشبهة الحكمية لا الشبهة الموضوعية ؛ لأنّ الوجه في أخذه في تعريفات القوم هو التحرّز عن دخول كثير من المسائل الفقهية في علم الاصول ؛ إذ لولا أخذه وكون المسألة الاصولية مما يتوصل بها إلى حكم شرعي كليّاً كان أو جزئياً يلزم دخول أكثر موارد الفقه في الاصول للتوصل بالقواعد الفقهية إلى أحكام جزئية ، كوجوب الصلاة ونحوه ، وبزيادة قيد التوصل إلى الحكم الكلّي تخرج هذه المسائل.

ولا يخفى أنّ هذا المحذور لا يتأتى على ما ذكرناه من ضابط المسألة كما هو

__________________

(١) درر الفوائد ١ : ٢.


ظاهر جدّاً ، فلا موجب لأخذ الوصول إلى الحكم الكلّي في ضابط المسألة الاصولية.

والضابط الذي ذكره أنّ المسألة الاصولية ما كان نظرها إلى رفع التردد والحيرة في مقام العمل لا إلى الواقع المحتمل وما يرفع التحيّر والتردّد في مقام العمل ، امّا أن يرفعه ابتداءً كالاصول العملية أو يرفع منشأه وهو الاحتمال كالامارات أو الاستلزامات العقلية المستلزمة للقطع بالحكم ، وهذه مسائل اصولية ، وما يكون نظره إلى الحكم المحتمل نفسه بمعنى انّ مفادها نفس الحكم المحتمل تكون قاعدة فقهية (١).

ويلاحظ على ما ذكر :

أوّلاً ـ انّ تخصيص القواعد الاصولية بما يقع في طريق اثبات الحكم الكلّي في الشبهة الحكمية لا الحكم الجزئي أو الموضوعات في الشبهة الموضوعية ليس من جهة عدم ورود النقض بالقواعد الفقهية أصلاً ، بل من أجل انّ علم الفقه هو العلم بالأحكام والجعول الشرعية الكلية لا احراز موضوعاتها في الخارج ، ومن الواضح انّ اصول الفقه هي أدلّة الفقه وقواعدها المشتركة ، وهذا واضح.

وثانياً ـ ما ذكر في ضابط المسألة الاصولية غير صحيح ، فإنّ ما يرفع التردد إن اريد به رفعه حقيقة بأن يعلم بالحكم الشرعي وجداناً فهذا هو الذي ذكر في أصل الاعتراض الأوّل أنّه لا يعمّ جميع المسائل الاصولية ؛ لأنّ اثبات الحكم بالقواعد التعبدية ليس اثباتاً وجداناً ، وإن اريد به رفعه تعبداً وبالحجة أي تنجيزاً

__________________

(١) منتقى الاصول ١ : ٣٢.


وتعذيراً ، فهذا نفس الجواب المتقدم ـ من أنّ المراد من الاستنباط الاثبات التنجيزي والتعذيري لا خصوص الاثبات الوجداني ـ فلماذا هذا التمحّل والتغيير في التعريف.

وثالثاً ـ رفع التحيّر والتردد لا يختصّ بالمسائل الاصولية ، بل المسائل الفقهية أيضاً ترفع التحيّر والتردّد كالقواعد الاستظهارية الخاصة ببعض الأبواب الفقهية ، بل تحديد ما هو ظاهر ، وكلمة الصعيد أيضاً يرفع التحيّر في الحكم ، وكذلك علم الرجال والحديث فإنّها تشكّل صغرى قياس الاستنباط الذي يرفع التحيّر ككبرى حجّية الظهور وخبر الثقة ، وهذا واضح.

ص ٢٢ قوله : ( وأمّا الاعتراض الثاني فقد ذكر في مقام دفعه وجهان ... ).

وقبل هذين الوجهين عن السيّد الخوئي 1 ذكر الشيخ والميرزا وجهاً آخر للفرق بين القاعدة الفقهية والاصولية ، بأنّ المسألة الاصولية تطبيقها بيد المجتهد ولا تنفع العامي ؛ لأنّه لا يتمكن من تشخيص صغراها ، بخلاف الأحكام والمسائل الفقهية فإنّها تلقى إلى المقلّدين فيطبقونها على موضوعاتها الخارجية (١).

وهذا الجواب واضح الضعف ـ كما أشار إليه السيّد الخوئي 1 نفسه في بعض كلماته ـ فإنّه مضافاً إلى انّه لا يبرز نكتة موضوعية وفنّية لضابط المسألة الاصولية ، انّ من القواعد الفقهية ما لا يمكن القائها إلى المقلّدين كقاعدة ( لا ضرر ) و ( لا حرج ) ، بل وحتى قاعدة ( ما يضمن وما لا يضمن ) فضلاً عن

__________________

(١) فوائد الاصول ٤ : ٣٠٩. أجود التقريرات ٢ : ٣٤٥.


مثل ظهور الأمر بالغسل في الارشاد إلى النجاسة ، كما أنّ من القواعد الاصولية ما يمكن القائها إلى المقلّدين ولو في الشبهات الموضوعية كالبراءة والاستصحاب في الشبهات الموضوعية ، بل وحتى الحكمية كما في أصالة الاحتياط في موارد العلم الإجمالي بالتكليف فإنّ المقلّد أيضاً يمكنه تطبيقها على نفسه قبل التقليد ؛ لأنّه يعلم إجمالاً بوجود تكاليف في الشريعة ، وهذا يعني انّ اصولية المسألة ليست مربوطة بهذه النكتة ، بل بالنكات الاخرى التي ستأتي في الأجوبة الاخرى.

ص ٢٤ قوله : ( الأوّل : ما ليس قاعدة بالمعنى الفني ... ).

قد يقال : انّ الوحدة الاثباتية أو العنوانية كافية لصيرورة المسألة قاعدة ولا مبرّر ولا داعي لاشتراط أكثر من ذلك.

وإن شئت قلت : انّ هنا أيضاً توجد نكتة واحدة ثبوتاً وهي أنّ الشارع على أساس ملاك التسهيل والارفاق بالعباد لا يجعل الأحكام الضررية والحرجية ، وهذه كمصلحة التسهيل في الترخيصات الظاهرية الشرعية نكتة وملاك ثبوتي واحد وكالملازمة والاقتضاء في بحث الاستلزامات. نتيجتها نفي إطلاق مجعولات أو جعول متعددة ، فهذا المقدار يكفي لدرجها ضمن القواعد الاصولية لكونها نكتة ثبوتية واحدة يستند الفقيه اليها لنفي تلك الأحكام الشرعية المتنوعة في الشبهات الحكمية ، وإلاّ لاتّجه النقض بمثل أصل البراءة التي هي أيضاً تجميع لرفع إطلاق جعول عديدة ـ ولو ظاهراً وبمعنى رفع ايجاب الاحتياط والاهتمام بها ـ فلا تكون قاعدة بالمعنى المصطلح.

والجواب : المقصود أنّ مثل قاعدة ( لا ضرر ) إن كان مفادها حرمة الاضرار


فهذه قاعدة فقهية كأي حكم كلّي فقهي تحريمي آخر ، وإن كان مفادها نفي الأحكام الضررية كما هو كذلك في ( لا حرج ) فهذا مضمون ومفاد اخباري بحسب الحقيقة مرجعه إلى أخذ قيد وشرط في الأحكام الشرعية الالزامية ، نظير قيد البلوغ والقدرة وعدم الاضطرار أو الاكراه أو التقية ، فكما يشترط البلوغ والقدرة وعدم الاضطرار والاكراه في كل تكليف كذلك يشترط عدم لزوم الحرج أو الضرر منه ـ عدا ما خرج بالتخصيص ـ فليس هذا المفاد لا حكماً واقعياً آخر غير تلك الأحكام ولا حكماً ظاهرياً أو قاعدة لفظية أو عقلية تكشف عن حكم شرعي آخر ، فحالها حال سائر أدلّة القيود العامة كدليل رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ، أو المجنون حتى يفيق ، أو رفع الاضطرار والاكراه وما لا يطيقون وأمثال ذلك ، فكما لا تكون أدلّة تلك القيود العامة قواعد اصولية بل وليست قاعدة ثبوتاً وإنّما القاعدة نفس الأحكام الشرعية الكلية المقيّدة بقيودها العامة والخاصة ، فكذلك قاعدة ( لا ضرر ) و ( لا حرج ).

ومنه يظهر اندفاع النقض بقاعدة البراءة الشرعية ، فإنّها حكم ظاهري وحداني مجعول شرعاً ، وهو غير التكليف الواقعي المشكوك الذي يرفعه تنجيزاً وتعذيراً ، وهذا واضح جدّاً.

ويمكن ارجاع جواب السيد الشهيد هنا إلى جوابين :

أحدهما : أنّ ( لا حرج ) و ( لا ضرر ) ليست قاعدة ؛ لأنّها لا وحدة ثبوتية لها ، وإنّما لها وحدة اثباتية ، أي في مقام التعبير والابراز ، أبرزت قيد التكاليف والأحكام المتعددة بمبرز واحد ، وهذه ليست قاعدة.

والثاني : انّه لو فرض وجود وحدة ثبوتية ولو بلحاظ ملاك النفي وكفاية ذلك


في تسميته بالقاعدة فهذا ليس حكماً آخر غير تلك الأحكام الواقعية المقيدة ، فتكون نسبتها إلى نفي الوجوب الحرجي والضرر مثلاً نسبة التطبيق لا التوسيط ، أي الحكم المستنبط مجعول نفس هذا الجعل لا جعل آخر.

ثمّ إنّ السيّد الشهيد 1 قد ذكر في دورته الاولى وجهاً آخر لخروج قاعدة نفي الضرر والحرج عن علم الاصول ، وقد عدل عنه في الدورة الثانية.

وحاصل ذاك الوجه : انّ قاعدة نفي الضرر والحرج قد اخذ فيها مادة معينة من مواد الفقه ، وهي الضرر والحرج ، فتكون كالأحكام المخصوصة بالمواد الخاصة في الأبواب الفقهية كالطهارة والصلاة والصوم ، غاية الأمر تلك المواد عناوين أولية ، وعنوان الضرر أو العسر والحرج عناوين ثانوية ، وسيأتي انّ المقصود من القواعد الممهدة في التعريف القواعد العامة السيَّالة في الفقه غير المختصّة بباب دون باب ، وبمادة غير مادّة ، فخروج مثل هذه القواعد عن علم الاصول يكون بنفس النكتة التي سيأتي ذكرها لاخراج مثل قاعدة الطهارة عن علم الاصول.

إلاّأنّ هذا الوجه غير تام ؛ لأنّه إنّما يصحّ إذا كان مفاد قاعدة ( لا ضرر ) حرمة الاضرار كعنوان ثانوي ، وأمّا إذا رجع إلى نفي جعل الحكم الضرري والحرجي ـ كما هو متعين في قاعدة ( لا حرج ) وهو الظاهر والمشهور في قاعدة ( لا ضرر ) ـ فلا يتمّ فيه هذا الجواب ؛ إذ لا إشكال في انّ هذا المفاد والمضمون السلبي والنافي للحكم الضرري والحرجي سيّال في تمام الأبواب الفقهية والتكاليف الالزامية ، ويكون الثابت بها رفع كل تلك الأحكام المختلفة موضوعاً ومحمولاً في الأبواب الفقهية المتنوّعة ، والميزان تنوّع وسيولة الأحكام المستكشفة بالقاعدة في الأبواب الفقهية وعدم اختصاصها بمادة أو باب فقهي معيّن ، وهذا محفوظ في ( لا حرج ) و ( لا ضرر ) كما هو واضح.


ص ٣٢ قوله : ( الثالثة ـ أن يكون هذا العنصر المشترك مرتبطاً بطبيعة الاستدلال الفقهي ... ).

لا حاجة إلى هذه الخصيصة ؛ لأنّ مسائل علم المنطق ترتبط بشكل قياس الاستنباط لا بموادّه ، والقواعد الاصولية ترجع إلى مواد قياس الاستنباط.

وهو المراد بوقوعها في طريق الاستنباط في التعريف ، على أنّ هذه الخصيصة إذا أخذناها لزم خروج أكثر المباحث الاصولية التي تقع في أقيسة علوم اخرى ، كمباحث الألفاظ ومباحث الأحكام العقلية المستقلة وغير المستقلة ، وهذا واضح.

ص ٣٤ قوله : ( وبهذه الصياغة للتعريف قد استغنينا عن ادخال كلمة « الاستنباط » ... ).

قد عرفت أنّ المراد من الاستنباط والتوسيط إن كان تغاير القاعدة مع الجعل الشرعي المستنبط إمّا بأن لا تكون القاعدة الاصولية حكماً شرعياً أصلاً أو إذا كان حكماً شرعياً لابد وأن يكون غير الجعل المستنبط ، والمراد اثباته التنجيزي والتعذيري ، فهذا مطلب صحيح مستفاد من التعريف ومقبول عند السيّد الشهيد 1 أيضاً.

ص ٥٧ قوله : ( المقترح في تقسيم علم الاصول ... ).

الأصح تقسيمه على أساس نوع الدليلية إلى :

١ ـ الدليل اللفظي ، ويبحث في مقدمته البحوث اللغوية التمهيدية.

٢ ـ الدليل العقلي البرهاني ، غير المستقلات العقلية وهي بحوث


الاستلزامات والتي تحتاج دائماً إلى ضم مقدمة شرعية.

٣ ـ الدليل العقلي الوجداني ، ويشمل غير المستقلات العقلية ( التحسين والتقبيح العقليين ) والأدلّة القطعية الاستقرائية كالتواتر والسيرة والإجماع.

( ويبحث مقدمة لهذا النوع من الدليل العقلي حجّية القطع ).

٤ ـ الدليل التعبدي الشرعي ( الحجج والاصول العملية ) ، ويبحث مقدمة عن امكان التعبد وحقيقة الحكم الظاهري.

٥ ـ الدليل العقلي العملي أو الاصول العملية العقلية ، ويبحث في ذيل هذين النوعين من الدليلية عن النسبة بين الامارات والاصول العملية فيما بينها.

وخاتمة في حالات التعارض بين الأدلّة.

وهذا التقسيم منسجم مع الوضع التاريخي لعلم الاصول ، ويكون مبنى التقسيم فيه نوع الدليلية ، والتي هي المهم في البحث الاصولي والمرتبط بالغرض منه ، لا ما يكون خارجاً عنه ومربوطاً بعلم الفقه ـ كما في التقسيم الآخر ـ.

كما انّه لا يوجب تكرار البحوث كما في تكرار بحوث حقيقة الحكم الظاهري في الدليل الشرعي والاصول العملية في التقسيم الآخر ، إلى غير ذلك من المميزات.


الدلالة اللفظيّة

ص ٦٧ قوله : ( تقسيم البحث ... ).

ينبغي تجميع وتنظيم البحوث التمهيدية والتحليلية للمباحث الاصولية اللفظية التي تعرّض لها الاصوليون في ( مقدمة ) ضمن فصول عديدة بالنحو التالي : ابتداءً يعرّف الدلالة اللفظية ويذكر أنّها تحتوي على دلالات ثلاث طولية :

١ ـ الدلالة الوضعية ، ومدلولها ذات المعنى.

٢ ـ الدلالة الاستعمالية ، ومدلولها المراد الاستعمالي أو قصد التفهيم.

٣ ـ الدلالة الجدية ، ومدلولها المراد الجدي.

ويذكر انّ الاولى دلالة تصورية على المشهور المنصور. والثانية والثالثة تصديقيتان.

الفصل الأوّل : في الدلالة الاولى أو دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي والمجازي ، ويبحث فيه عن حقيقة العلقة الوضعية بين اللفظ والمعنى الحقيقي تارة والمجازي اخرى ، وفيه يبحث عن الوضع وحقيقته ، ومن هو الواضع ، وعن نظرية المجاز والدلالة الذاتية بين المعنى الحقيقي والمجازي ومرآتية الدلالة اللفظية التصورية ، وهذه بحوث تحليلية ثبوتية.


كما ويبحث اثباتاً عن علامات الحقيقة والمجاز لتشخيص المعنى الحقيقي عن المجازي.

الفصل الثاني : في الدلالة الثانية أي الدلالة الاستعمالية وحقيقة الاستعمال ، ويبحث فيه عن الامور التالية :

أ ـ حقيقة الاستعمال ، وما ورائه من الارادة الاستعمالية ( الاخطار الشأني ) والارادة التفهيمية الفعلية والارادة الجدية ( ويبحث هنا عن الفروق بين الدلالتين الاستعمالية والجدية ).

ب ـ مقومات وشروط الاستعمال ، وهي خمسة في الكتاب كالتالي :

١ ـ صلاحية اللفظ للدلالة على المعنى المستعمل فيه.

٢ ـ تغاير اللفظ ( الدال ) مع المعنى ( المدلول ).

٣ ـ مرآتية اللفظ في الاستعمال أو تقوّم الاستعمال بالمرآتية ( وفيه يبحث عن حقيقة المرآتية ، وينبغي أن يذكر هنا انّ المرآتية ليست من شؤون الاستعمال بل من شؤون أصل الدلالة اللفظية الوضعية التصورية وتخصيصه بالاستعمال خطأ ).

٤ ـ استحضار المستعمل للحيثية المصحّحة للدلالة على المعنى المستعمل فيه.

٥ ـ الحاجة إلى الوضع أو اجازة الواضع ( اللغة ) لصحة الاستعمال.

ويبحث أنّه لا يشترط في صحة الاستعمال عدا الأوّل وهو الصلاحية


بمعنى عام يشمل حتى الاستعمال الايجادي فإنّه استعمال صحيح عرفاً ، فالشروط الاخرى زائدة ، والصلاحية تكون امّا بالوضع أو بالمناسبة التي هي أمر ذاتي وليس جعلياً ، وهذه نكتة مهمة ينبغي الالتفات إليها ، وهي التي تجعل الاستعمال في غير المعنى الموضوع له مستغنياً عن الوضع النوعي.

ب ـ أنواع الاستعمال الاخطاري ( الحكائي ) أو الايجادي ، والفرق بينهما وكلمات الاصوليين.

ج ـ استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، ويبحث عن إمكانه أوّلاً وصحته ثانياً وكونه حقيقةً أو مجازاً إذا كان صحيحاً ثالثاً.

الفصل الثالث : في الدلالة الثالثة ، أي الدلالة على المراد الجدّي التصديقي ، ويبحث هنا عن منشأ الدلالات اللفظية التصديقية بقسميها.

الفصل الرابع : دور القرينة المتصلة والمنفصلة وتأثيرها على الدلالة اللفظية ، ويبحث في ذلك عن أنحاء تأثير القرينة على كل من الدلالات اللفظيّة الثلاث ورفعها لأصل الدلالة الاولى أو الثانية أو الثالثة أو لحجيّتها ، وهذه بحوث مهمّة أساسية ، وفيها مسالك مختلفة.

الفصل الخامس : تعريف الحكم الشرعي وتقسيماته ومقوّماته.

وأمّا البحث عن الحقيقة الشرعية والصحيح والأعم فهما بحثان في تحديد المدلول الشرعي لألفاظ معينة كالبحوث الاصولية التحديدية ، فالمناسب جعلهما ضمن البحوث اللفظية الاخرى ، فإنّ الألفاظ التي يدّعى فيها الحقيقة


الشرعية أو أسماء العبادات أو المعاملات التي يبحث عن اختصاصها بالصحيح أو الأعم وإن كان كل واحد منها مادة خاصّة معينة وليست سيّالة في كل الأبواب الفقهية.

إلاّأنّ البحث في الحقيقة الشرعية عن نوع الألفاظ المخترعة من قبل الشارع ؛ لكونها مخترعة من قبله ، وكذلك في الصحيح والأعم البحث عن مطلق أسامي العبادات والمعاملات لانقسامها إلى صحيح وفاسد.

فبهذا الاعتبار يمكن ادراج هذين البحثين أيضاً في المسائل الاصولية ؛ لكون النوع عاماً ، وملاك البحث سيّالاً في الأبواب الفقهية ، فلا وجه لادراج هذين البحثين في المقدّمة واخراجهما عن المسائل الاصولية.

نعم ، لو اشترطنا في القاعدة الاصولية التي تقع صغرى قياس الاستنباط ـ كما في بحث الظهورات العامة ـ أن تكون ناظرة مباشرة إلى الحكم الشرعي ومرتبطة بمقام جعل الحكم إمّا بأن تكون دالة على أصل الحكم كالوجوب والحرمة أو نفيه كالمفهوم أو عمومه كالعام والخاص والمطلق والمقيّد خرج البحث عن المشتق والمعاني الحرفية والصحيح والأعم والحقيقة الشرعية عن هذا المعيار ؛ لأنّها وإن كانت تستلزم سعة الحكم أو ضيقه ولكنه بتبع سعة المفهوم الافرادي المستقل عن الحكم ، فيمكن جعل البحث عنهما ضمن فصل سادس من البحوث التمهيديّة.


ص ٧٣ قوله : ( وقد اعترض على المذهب الأوّل في كلمات السيّد الاستاذ ... ).

كأنّ المقصود انّ السيّد الخوئي يعترض على هذا المسلك ـ والذي ينسب إلى المحقّق العراقي ـ بأنّ السببية التي هي أمر تكويني إن كانت مجعولة مطلقاً حتى لغير العالم باللغة فهذا واضح البطلان ، وإن جعلت لخصوص العالم ومقيداً بالعلم بالوضع فيلزم الدور والتهافت ؛ لأنّ السببية سوف تكون متوقفة على العلم بها توقف المحمول على موضوعه ، والعلم بالسببية أيضاً متوقف عليها توقف العلم على معلومه ، وهذا دور.

وأجاب عليه السيد الشهيد بامكان أخذ العلم بالجعل بمعنى الوضع في موضوع السببية فلا دور ، نظير ما يقال في باب الأحكام الاعتبارية ، أو يؤخذ العلم بالسببية الضمنية بين اللفظ والمعنى ، أي موضوعيته الضمنية جزءً آخر في موضوع السببية فلا دور ولا تهافت.

فالصحيح في الاشكال منع أصل امكان ايجاد السببيّات التي هي امور واقعية بالجعل والاعتبار فإنّه غير معقول.

إلاّأنّه ليس نظر السيد الخوئي إلى جعل السببية الواقعية وايجادها بالوضع أصلاً ، بل مقصوده انّ السببية ليست هي الوضع بل نتيجة مترتبة عليها أي هي العلقة الوضعية والوضع منشأ لها ، ولابد من تشخيص حقيقة الوضع المسبِّب للعلقة.

فالظاهر أنّ القول بأنّ الوضع عبارة عن ايجاد السببية بمعنى انشائها تكويناً بالوضع وبالمباشرة لا قائل به ، وإن نسب إلى المحقّق العراقي 1 ، وإنّما لابد


من جعل البحث في حقيقة الوضع بعد الاعتراف بأنّه أمر اعتباري أو تعهّدي أو حقيقي يتسبب منه حصول تلك الملازمة أو السببية بين اللفظ والمعنى ، والتي هي العلقة الوضعية ونتيجة الوضع لا الوضع نفسه. فيذكر في حقيقة الوضع المباني الثلاثة :

١ ـ الاعتبار.

٢ ـ التعهد.

٣ ـ القرن الأكيد ، والذي هو أمر تكويني واقعي ، كما انّ الملازمة التصورية الحاصلة به أمر تكويني واقعي.

ثمّ إنّ البحث ليس في مفهوم الوضع أو التسمية ليستشهد بالآيات ونحوها ، وإنّما البحث ثبوتي تحليلي عن حقيقة الوضع الذي يحقق التلازم التصوري بين اللفظ والمعنى.

ومسلك الاعتبار يدعي أنّ العملية الاعتبارية الانشائية البحتة هي الوضع ، وهي التي يلزم منها تحقق الملازمة التصورية ، فهي نتيجة ذلك الوضع الاعتباري ، ومسلك التعهّد يقول أنّ الوضع عبارة عن التعهّد وايجاد قضية تعليقية تعهدية ، وهي ملازمة تصديقية بين استعمال اللفظ وارادة المعنى منشأه التعهّد والالتزام من قبل كل مستعمل.

واشكالات مسلك التعهّد مشروحة في الكتاب بالتفصيل ولا زيادة مهمّة عليها.

وأمّا مسلك الاعتبار فهناك صياغات متعدّدة للاعتبار الوضعي :

منها : اعتبار اللفظ عين المعنى ومتحداً معه ـ اعتبار الهوهوية بينهما ـ


وبهذا يفسّر انتقال حسن المعنى وقبحه إلى اللفظ.

ومنها : اعتباره وجوداً تنزيلياً للمعنى.

ومنها : وضعه على المعنى نظير وضع العلامة والنصب ، إلاّأنّ ذاك وضع حقيقي خارجي ، وهذا اعتباري جعلي.

ومنها : اعتباره آلة أو علامة أو ملازماً مع المعنى.

وقد استشكل في كلمات المحقّقين باشكالات غير أساسية وشكلية على كلّ واحدة من هذه الصياغات من قبيل الاشكال بأنّها امور دقيقة والوضع أسهل من ذلك.

أو الاشكال بأنّ المعنى لابد وأن يكون موضوعاً عليه لا موضوعاً له ، وانّ في وضع العلامة توجد امور ثلاثة ، وهنا يوجد أمران لفظ ومعنى ، ومن قبيل لغوية الاعتبار المذكور ؛ لأنّ اللفظ لا يدلّ على وجود المعنى لا في الخارج ولا في الذهن.

وهذه الاشكالات كلّها غير فنية ، ويكفي في دفعها أنّه لا دقة في الوضع ، كيف وفي وضع أسماء الأعلام قد يوضع الاسم على الشخص بمثل هذه الصياغات ، كما وأنّ تسمية المعنى بالموضوع له لا ينافي كونه موضوعاً عليه للدلالة على ارادته ، فتكون فيه حيثيتان كما ذكر في الكتاب ، فاللفظ وضع على المعنى ليدل عليه تصوراً أو وضع علامة للمعنى ليدل عليه تصوراً لا تصديقاً ، كما انّه لا لغوية بعد وضوح انّ المقصود تحقّق الدلالة التصورية لا التصديقية على الوجود.

والاشكال الفنّي انّه إذا اريد من الوضع بمعنى الاعتبار ـ بأيّه صيغة كانت ـ ايجاد الدلالة التصديقية على الوجود الخارجي أو الذهني للمعنى فهذا غير


معقول وغير مقصود أيضاً لأصحاب هذا المسلك وغير حاصل خارجاً.

وإن اريد الدلالة التصديقية العرفية على ارادة المعنى من استعمال اللفظ ـ وهي دلالة تصديقية بين فعلين للفاعل المختار ـ فهذا متوقف على التعهّد ، وإن اريد ايجاد الدلالة التصورية بين اللفظ والمعنى فهذه فرع الملازمة بين اللفظ والمعنى تصوراً ، وقد ذكرنا أنّ الملازمات سواء التصديقية بين وجودين أو التصورية بين صورتين ذهنيّتين امور واقعية تكوينية لا يمكن تحقيقها بالاعتبار والوضع ، بل لابد امّا أن تكون ذاتية نفس أمرية وهي مفقودة هنا ـ أو تحصل بسبب تكويني واقعي ـ كما سيأتي في شرح نظرية القرن الأكيد ، ومنه يعرف أنّ نظرية القرن الأكيد تندرج في المسلك القائل بأنّ الوضع وأثره كلاهما أمران واقعيان ـ والشاهد على عدم تحقّق الملازمة بالوضع والاعتبار انّنا إذا اعتبرنا الطواف صلاةً لا تحصل الملازمة التصورية ولا التصديقية بينهما ، فاعتبار العلامية والملازمة والهوهوية بين شيئين وجوديين خارجيين أو بين تصورين لا يحقق تلازماً بينهما لا تصوراً ولا تصديقاً. كما أنّه يرد النقض بالوضع التعيّني ، فإنّه ليس فيه اعتبار ولا تعهّد واضح.

ص ٨٠ قوله : ( ٢ ـ انّ الدلالة اللغوية على أساس هذه ... ).

كون التعهد خلاف الوجدان زائداً على ما ذكر من الاشكالات واضح جداً ، كيف والامّ تعلّم أبنائها في الصغر الألفاظ ومعانيها من دون وجود عهد أصلاً ، وإنّما الدلالة الوضعية تصورية يستفيد منها المستعمل في مقام الاخطار للمعاني والمجاورة ، بل الدلالة التصديقية الاستعمالية أيضاً ليست على أساس التعهد بل من باب الظهور الحالي كالدلالة التصديقية الثانية وهي كالدلالات الطبيعية والتكوينية لا التعهدية.


ص ٨١ قوله : ( الرأي المختار في حقيقة الوضع ... ).

نظرية القرن المؤكد لا اشكال في صحتها وتعينها ، ويدل عليها أيضاً عدم إمكان تخريج الوضع التعيني والوضع بالاستعمال والوضع بالتلقين كما في الأطفال إلاّعلى أساس ذلك لا نظرية التعهّد ولا الاعتبار فإنّه ليس فيه إلاّكثرة الاستعمال من دون اعتبار ولا تعهّد.

إلاّأنّنا نخالف تعبير السيد الشهيد 1 في تحليل هذه النظرية ، فنرى أنّ الاقتران الشرطي يتحقق بين الاحساس باللفظ والمعنى لا تصور اللفظ والمعنى ، ففرق بين باب تداعي المعاني كالنوفلي والسكوني وبين باب دلالة الألفاظ حيث انّه في باب تداعي المعاني يكون كل معنى ملحوظاً مستقلاًّ غير فانٍ في الآخر ، بخلاف اللفظ فإنّ تصوره آلي فانٍ في المعنى ، ومن هنا قيل بتنزيله منزلة المعنى أو جعله عينه ومتّحداً معه ويسري حسن المعنى وقبحه إلى اللفظ ، فكأنّه نفس المعنى ، وهذا تحليله أنّ الاقتران والرمزية يحصل بين الاحساس الباطني باللفظ والمعنى ابتداءً فيحذف تصور اللفظ من البين.

ونختلف مع السيّد الاستاذ الشهيد 1 أيضاً في أنّ مجرد القرن الأكيد الشديد ليس وضعاً ، فما أكثر الاقترانات الأكيدة التي تحصل بين الأصوات ومعانٍ خارجية ، ولكن ذلك لا يحقق وضعاً ما لم يتبانَ العرف وأهل اللغة على ذلك ، ولعلّ مسلك التعهّد كان ينظر إلى هذه الحيثية ، ولكن لا بالنحو الذي شرحه السيّد الخوئي 1 من وجود التزام من قبل كل مستعمل بقضية تعليقية انّه كلما جاء باللفظ أراد تفهيم المعنى الخاص لتكون الدلالة الوضعية تصديقية ، بل بمعنى قبول العرف وتوجههم واعترافهم بذاك الاقتران في لغتهم ، وإن شئت قلت : مقبولية ومعروفية ذلك الاقتران الأكيد.


فالوضع مزيج من القرن المؤكد وقبول أهل اللغة الواحدة بذلك ولو ضمناً ومن خلال الاستعمال باستخدام ذلك اللفظ لافهام ذاك المعنى ، وليس أمراً تكوينياً وقرناً أكيداً محضاً ولا هو تبانٍ عرفي محض بل مزيج منهما ، أي قرن أكيد بين اللفظ والمعنى متبنّى من قبل العرف ـ ولو عملياً ـ باستخدامه كثيراً في مقام المحاورة وتفهيم المعنى ـ كما في الوضع التعيّني ـ أو بالتباني عليه ـ كما في الوضع التعييني ـ ولهذا بعض الأصوات التي تكون لها منبهيّة واقتران طبيعي أو شرطي مع معنى خاص قد تكون فيها نفس الدلالة والارتباط الثابتة بين الألفاظ ومعانيها ، كأصوات الحيوانات الموجب تصوّرها وسماعها للانتقال إلى تصوّر ذلك الحيوان ، ولكنها ليست دلالة لفظية بل يكون استعمالها لاخطار ذاك الحيوان غلطاً بحسب الأعراف اللغوية.

وكذلك الألفاظ التي هي من لغات اخرى ويعرفها أهل هذه اللغة أيضاً في الجملة ، فإنّه لا يكفي ذلك لاعتبارها من هذه اللغة ؛ لكونها لا تنسجم مع قواعد هذه اللغة واصولها. نعم ، الأعلام الشخصية لا فرق فيها بين لغة ولغة ، لمقبوليتها العامة ، وكون أمرها بيد صاحبها.

فالحاصل : لابد زائداً من حصول الاقتران الأكيد بين اللفظ والمعنى من المقبولية النوعية اللغوية ، وهي التي تحصل بكثرة الاستعمال أو بالوضع التعييني ، والله الهادي للصواب.

ص ٩٠ قوله : ( وأمّا الجامع بالنسبة إلى أفراده بالعرض ... ).

لبّ المقصود أنّ الذهن يمكنه أن ينتزع مفهوماً انتزاعياً عن الخصوصيات والأفراد لمفهوم آخر بما هي خواص فيمكنه أن يحكى عنها بذلك المفهوم


الانتزاعي بحيث يكون متحداً معها بما هي خواص كمفاهيمها الخاصة التفصيلية المنطبقة عليها فقط ، وهذه براعة الذهن البشري وقدرته على إمكان انتزاع مفاهيم انتزاعية تنطبق على المتباينات بل المتناقضات بما هي متباينة كانتزاع مفهوم الشيء مثلاً ولا يرد اشكال صدور الواحد عن الكثير ولا اتحاد الواحد مع الكثير لكون المفهوم انتزاعياً ذهنياً.

والصحيح انّ كلا الاعتراضين المذكورين يمكن الاجابة عليهما بما تقدّم في أصل تقريب امكان القسم الثالث من الوضع من انّه يكون من خلال عناوين كلية عامة ، ولكن تحكي الخصوصية والتي تكون بالحمل الأولي خاصاً أو جزئياً أو نسبياً وبالحمل الشائع عاماً واسمياً ، فيكون وجهاً للخاص بهذا الاعتبار ، فإنّ هذه النكتة بنفسها تفي بدفع كلا الاشكالين ، أمّا اشكال التباين بين مفهوم العام والخاص ـ الاشكال الأوّل ـ فلأنّ هذا التباين هنا محفوظ ؛ لأنّ مفهوم النسبة أو الخاص بالحمل الأولي غيره بالحمل الشائع فلا يقاس بمفهوم الإنسان وزيد.

وإن شئت قلت : انّ هذا المفهوم العام منتزع من نفس تلك الحيثية الخاصة المراد وضع اللفظ لها بالحمل الأولي.

وأمّا اشكال التجريد وعدم حكاية المفهوم الجزء عن الكل والمركّب ـ الاشكال الثاني ـ فلأنّ هذا لا يصدق على مثل هذه العناوين المنتزعة من الخصوصية والفردية ، فتكون بالحمل الأولي منطبقة على الخاص بما هو خاص ، وإن كانت بالحمل الأولي عاماً وكلّياً ؛ ولعلّ روح المطلب واحد.


ص ٩٧ قوله : ( ٣ ـ الوضع بالاستعمال ... ).

أمّا على مسلك القرن المؤكد فباعتبار تحقق القرن والاقتران الخارجي بالاستعمال كما يتحقق بالوضع بجنبته التكوينية قهراً ، فإذا كان مؤكداً أثر لا محالة في ايجاد العلقة الوضعية والسببية لقانون المنبهات الشرطية فيمكن أن يتوصل بهذا الفعل التكويني إلى ذاك الأمر ، أي الملازمة التصورية النفس الآمرية وهو حقيقة الوضع. وأمّا على التعهّد أو الاعتبار فالاستعمال حقيقته قصد اخطار المعنى خارجاً بذكر اللفظ وحده أو مع القرينة ـ كما في المقام ـ وتحقيق ذلك خارجاً ، وهذا فعل آخر غير فعل التعهّد أو الاعتبار ولا يكون كاشفاً عنه بل لو فرض ارادة المستعمل للاعتبار أو التعهّد أيضاً زائداً على الاستعمال كان لابد وأن يفعله ويأتي بما يدل عليه فيكون من قبيل ضم فعلين وكاشفين أحدهما إلى الآخر ، وهذا وإن كان ممكناً إلاّأنّه ليس من الوضع بالاستعمال دقةً وحقيقة ، بل الوضع حاصل بفعل النفس ، ويكون الاستعمال مجرد مبرز عن ذلك لمن يتعقّل ذلك ويمكنه كشف مثل هذه الامور الاعتبارية أو التعهديّة ، مع انّ الوضع بالاستعمال أبسط من ذلك جزماً ، وهذا بنفسه يكون أقوى شاهد على صحة نظرية القرن لوضوح وقوع الوضع بالاستعمال كثيراً كما في موارد تلقين الطفل بالألفاظ وتعليمه اللغة أو في موارد وضع الاصطلاحات في الفنون والأصناف الخاصة.

ولكن الشهيد الصدر 1 ذكر تخريجين بناءً على مسلك الاعتبار لتصوير الوضع بالاستعمال نصرة لصاحب الكفاية.

١ ـ بناءً على ايجادية المعاني الانشائية يقال بأنّ الوضع ينشأ بنفس الاستعمال.


وقد ناقشه مبنىً باعتبار عدم صحة ايجادية المعاني بالألفاظ وما يقال في المسببات الاعتبارية في المعاملات ليست بمعنى الانشائية أيضاً ، بل بمعنى التسبب إلى تحقق موضوع الاعتبار العقلائي أو الشرعي بنفس ابراز الاعتبار الشخصي باللفظ وهو غير ايجادية المعاني.

إلاّأنّ الصحيح منقاشته بناءً أيضاً ، فإنّ الاستعمال اخطار فعلي تكويني للمعنى باللفظ ولو مع القرينة ، وهو تسبّب تكويني باللفظ إلى خطور المعنى وكاشف عن قصده في نفس المستعمل أيضاً ، وهذا لا يصلح لايجادية وضع اللفظ واعتباره عين المعنى وأداة له والذي هو مقولة اخرى ، لا يتحقّق باخطار المعنى باللفظ بالفعل ، فلا يصلح أن ينشأ بهذا ذاك.

وإن شئت قلت : إنّ جعل اللفظ للمعنى بناءً على مسلك الاعتبار معنى انشائي اعتباري أجنبي عن باب الاستعمال وإلاّ كان كل استعمال انشاءً للاعتبار ، فليس الاستعمال الخارجي للفظ من أجل اخطار معناه قالباً صالحاً لانشاء الوضع بمعنى اعتبار العينيّة بين اللفظ والمعنى به بل ذاك يحتاج إلى ما يدل على ايجاد ذاك الفعل الانشائي المباين مع الاستعمال وما يكشف عنه من قصد اخطار المعنى.

٢ ـ بناءً على مسلك صاحب الكفاية من التعبير عن الوضع بتخصيص اللفظ وربطه بالمعنى امّا اعتباراً أو حقيقة وتكويناً يقال بأنّ الاستعمال ايجاد وتحقيق لمصداق هذا الربط فهو يكفي لتحقيق العلقة الوضعية فيكون من الوضع بالاستعمال بلا حاجة إلى عناية اخرى نظير انشاء المبادلة بين المالين بالعقد وايجادها خارجاً بالمعاطاة فتحصل العلقة الوضعية بذلك كما تحصل بالتخصيص الاعتباري.


وقد اعترض عليه السيد الشهيد 1 :

أوّلاً ـ انّ هذا تخصيص لشخص اللفظ أي سماعه الجزئي في هذا الاستعمال وربطه بمعنى ايجاد الحظور الشخصي للمعنى في ذهن السامع في هذا الزمان والمكان وهو غير الوضع الذي هو تخصيص نوع اللفظ بالمعنى وربطه به بنحو القضية الحقيقية الكلية النفس الآمرية والذي هو المنشأ بالتخصيص الاعتباري.

ودعوى انّ اللفظ ينظر إليه بما هو كلي لا بخصوصيته لا ربط له بالمقام فإنّ اللفظ في الاستعمال لا ينظر إليه إلاّبما هو جزئي والانتقال منه إلى تصور الكلي مطلب آخر أجنبي عن هذا المبنى ، كما انّ مبنى القرن الذي يكتفى فيه بالاقتران بين اللفظ الجزئي والمعنى دائماً أجنبي عن مبنى صاحب الكفاية ، الذي يرى الوضع تخصيصاً اعتبارياً انشائياً وحكماً باللفظ على المعنى غايته يقول انّه كانشاء المبادلة بين المالين يمكن ايجاد مصداقه خارجاً بالمعاطاة فيشكل عليه بأنّه لا يحقق مصداق المنشأ والتخصيص الوضعي وهو التخصيص بين طبيعي اللفظ والمعنى.

فلا يوجد تخصيص حقيقي إلاّبين الجزئيّين أي شخص اللفظ المستعمل وشخص المعنى المتصور وهو لا يجدي في ايجاد الاختصاص الكلي النفس الأمري إلاّبالاعتبار والجعل وهو أمر آخر وعناية اخرى.

وثانياً ـ الوضع تخصيص اللفظ المجرد بالمعنى بحيث يكون طبيعي اللفظ أداةً لخطور المعنى منه بلا قرينة وهذا لا يتحقق مصداقه خارجاً باستعمال اللفظ حتى مع قصد التخصيص لأنّ اللفظ مهمل بحسب الفرض فلا يمكن أن يخطر به


المعنى إلاّمع القرينة من اشارة أو غيره إلى المعنى وإلاّ كانت الدلالة ذاتية وهي واضحة البطلان ، فالدلالة والاقتران والتخصيص التكويني لا يقع بين اللفظ المجرد والمعنى الذي هو مصداق التخصيص الوضعي وما يقع لا يكون مصداقاً للتخصيص الوضعي ، ومجرد إرادة ذلك وقصده لا يكون كافياً لتحققه ولا يكون وضعاً وإلاّ لاكتفى الواضع بارادة التخصيص.

والحاصل : دلالة اللفظ على المعنى بنفسه خارجاً ومصداقاً لا يتحقق لكي يكون مصداقاً للوضع وتخصيصاً خارجياً بين ذات اللفظ والمعنى وإن أراده وقصده المستعمل وإنّما هو جمع وقرن بين تصور اللفظ وبين تصوّر المعنى الذي افهم بدال آخر عليه. والمفروض انّ هذا ليس حقيقة الوضع عند أصحاب هذا المسلك وإنّما حقيقته التخصيص وكونه مخطراً للمعنى.

ص ١٠٠ قوله : ( ثمّ انّه قد يعترض ... ).

هذه الاعتراضات عامة ترد حتى على المسلك الصحيح المختار في حقيقة الوضع وانّه القرن المؤكّد. ومن هنا لابد من الاجابة عليها :

الأوّل : لزوم تصور اللحاظ في جانب اللفظ والحكاية وهو محال ؛ لأنّ الاستعمال يلحظ فيه اللفظ أداةً لاخطار المعنى والوضع يلحظ فيه استقلالاً ليحكم على المعنى من دون حكائية فعله وهذان لحاظان لقضيتين وعمليتين لا تجتمعان في قضية وعملية واحدة.

وإن شئت قلت : أنّ اللفظ في الوضع يلحظ استقلالاً ؛ لأنّه محكوم به كما أنّ حكايته ودلالته على المعنى يلحظ لحاظاً اخبارياً لا ايجادياً بخلاف عالم الاستعمال.


وحاصل جواب السيد الشهيد 1 عليه : أنّ المبنى غير تام وهو لزوم كون اللفظ ملحوظاً استقلالاً في مقام الوضع لكونه محكوماً به. فإنّه إنّما يتم على مسلك القوم ، أمّا على مسلكنا فلا حاجة إليه فيكفي اللحاظ الأدائي أو الآلي للفظ لحصول العلقة الوضعية ، لأنّه قرن مؤكّد بين تصور اللفظ والمعنى ، بل لابد وأن يلحظ مرآةً لكي يتحقق الاقتران بين اللحاظ الآلي له والمعنى.

وأمّا على مسلك القوم في حقيقة الوضع فإذا أرادوا في المقام التسبّب بهذا الاستعمال إلى تحقق الوضع لا أنّه بنفسه الوضع أمكن الجواب عليه بما عن العراقي 1 انّ الملحوظ آلياً شخص هذا اللفظ والملحوظ استقلالياً طبيعي اللفظ في القضية الانشائية الوضعية الايجادية أو الابرازية المنكشفة بالاستعمال فلم يجتمع اللحاظان على ملحوظ واحد ، بل هناك قضيتان وفعلان لكل منهما لحاظاته ، إلاّأنّ هذا هو العناية الزائدة الفائقة على الاستعمال ويكون ضم الاستعمال إليه كضم الحجر إلى الإنسان ، فاشكال الميرزا 1 الأوّل تعبير فني لأصحاب مسلك الاعتبار إذا أرادوا تحقيق الوضع بالاستعمال بلا عناية زائدة.

وأمّا إذا اريد جعل الاستعمال بنفسه وضعاً كما يقول صاحب الكفاية 1 فهذا الاشكال إنّما يتم لو اريد به منع المصداقية للوضع بأن يقال أنّ الوضع هو الاختصاص بين اللفظ الملحوظ استقلالاً والمعنى وانّ هذا هو الذي يحكم به وينشئه الواضع.

وامّا إذا قيل بأنّ الواضع ينشىء الاختصاص بين اللفظ الملحوظ أداةً أو مطلق


تصور اللفظ والمعنى سواء كان ملحوظاً استقلالاً أو أداة وان الأداتية تنشأ في طول الوضع بين تصور اللفظ كذلك والمعنى وإن كان حين الوضع يتصور اللفظ مستقلاًّ فلا يرد هذا الاشكال لتحقق المصداقية للمنشأ بالاستعمال.

الثاني : خروج هذا الاستعمال عن الحقيقة والمجاز معاً فيكون غلطاً.

وأجاب عليه في الكفاية بجواب والشهيد الصدر بجواب آخر أيضاً كما في الكتاب.

الثالث : اشكال الدور وجواب العراقي مع جوابه في الكتاب.

ثمّ إنّه يمكن إضافة تقسيم آخر إلى التقسيمات الثلاثة المتقدمة للوضع ، وهو تقسيمه إلى الوضع المطلق والوضع المشروط ، أي المقيّد فيه نفس العلقة الوضعية بقيد كما ذكره المحقّق الأصفهاني 1 في تفسير مختار المحقّق الخراساني 1 لشرطية اللحاظ الاستقلالي في الأسماء واللحاظ الآلي في الحروف ، حيث أرجع اللحاظين قيداً للعلقة الوضعية لا للمعنى الموضوع له.

وهذا معقول بناءً على مسلك التعهّد والذي تكون الدلالة الوضعية بناءً عليه تصديقية تعهّدية ، وأمّا على مسلك القرن المؤكّد فغير معقول ؛ لأنّ القرن فعل تكويني خارجي لا يعقل فيه الإطلاق والتقييد ، ونتيجته أيضاً أمر تكويني هو التلازم التصوّري أمره دائر بين الوجود والعدم.

وبناءً على مسلك الاعتبار إذا افترضنا أنّ النتيجة المطلوبة من الوضع التلازم التكويني التصوري فهذا أيضاً لا يعقل فيه الإطلاق والتقييد ، وإن كانت النتيجة أمراً انشائياً وضعياً كما في سائر الامور الانشائية أمكن التقييد فيه.


ص ١٠٦ قوله : ( نعم يعقل أن يكون التعهد مشروطاً بطبيعي القصد ... ).

إذا قبلنا مسلك التعهد فلا ينبغي التشكيك في اختصاصه بمقام المحاورة أي أنّ كل مستعمل إنّما يتعهد بقصد اخطار المعنى الحقيقي عند إرادته لأصل التفهيم والمحاورة والمخاطبة لا مطلقاً ، ولو كان في مقام تجربة صوته مثلاً أو غير ذلك. فالتبعية بهذا المعنى على مسلك التعهد متعيّن.

ثمّ إنّ العلمين نظرهم إلى الدلالة الاستعمالية وأنّ اللفظ المشترك بين المعنى المركب وجزئه كالرقبة لا تجتمع دلالته المطابقية مع التضمنية في مورد واحد ؛ لأنّ المستعمل امّا يستعمله في المركب أو في جزئه فيكون تابعاً لارادته ، وهذا لا ربط له ببحث التبعيّة التي خاضها الاصوليون.

ص ١٠٧ قوله : ( وثانياً : انّ الارادة ... ).

هذا جواب مبني على القول بكون الدلالة اللفظية تصورية ، وعلى مسلك القرن فقط لا الاعتبار الذي بناءً عليه ذكر السيد الخوئي لغوية الجعل المطلق.

والصحيح إمكان الجواب عليه حتى على مسلك الاعتبار ، وذلك لأنّ الغرض وإن كان هو المحاورة واخطار المعاني بالألفاظ إلى الاذهان ، إلاّأنّ هذا هو الغرض الأقصى والذي بناءً على كون الدلالة الوضعية تصورية أي تلازماً بين تصور اللفظ وتصور المعنى ، والملازمة التصورية لا يمكن أن يكون أحد طرفيها إلاّ التصور لا الوجود العيني التصديقي فلا محالة يضطر الواضع أن يتوصل إلى غرضه الأقصى بايجاد تلك الملازمة التصورية بالاعتبار ولا تناقض ولا خلف غرض في ذلك كما هو واضح.


نظرية الاستعمال

ص ١١٩ قوله : ( وقد يتوهم : انّ ذلك ... ).

هناك جواب آخر أفضل من هذا الجواب ، وهو انّ المجاز في المقام ليس من المجاز في الكلمة بل من المجاز في الاسناد والمسند هو الحيوان المفترس ، ومدعى السكاكي رجوع المجاز في الكلمة إلى الادعاء والمجاز العقلي ، وأمّا المجاز في الاسناد فلا شك عند أحد في كونه من المجاز في الادعاء والتطبيق.

نعم ، يمكن دعوى ان ( رأيت أسداً يرمي ) أيضاً أبلغ وآكد من رأيت رجلاً شجاعاً يرمي. وجوابه : ان ( رأيت أسداً ) يعني رأيت شجاعاً كشجاعة الأسد ، فيكون آكد وأبلغ من رأيت شجاعاً.

ص ١٣٥ قوله : ( الثاني : أن يكون هناك تغاير ... ).

لا وجه لاشتراط ذلك في الاستعمال إلاّإذا خصصنا الاستعمال بالاخطار الحكائي والانتقال من تصور إلى تصور آخر دون الأعم منه ومن الايجادي كما في استعمال اللفظ وارادة شخصه ، ولا وجه للتخصيص المذكور ، فإنّ الايجادي أيضاً من استعمال اللفظ. فلا يشترط غير الشرط الأوّل شيء آخر في صحة الاستعمال.


ص ١٣٨ قوله : ( ولكن هذا التفسير لا يشمل كل الحالات ... ).

يمكن دعوى انّ الاحساس قابل للانحفاظ والذكر كالتصور وهو غير التصور ، فالمتكلم في نفسه أيضاً ينتقل من الاحساس إلى تصور المعنى ، كما انّ الاشتراط يحصل ابتداءً بين الاحساس السمعي باللفظ وتصوره وبين تصور المعنى فلا حاجة إلى افتراض الانسحاب إليه من خلال الاقتران بين تصور اللفظ وتصور المعنى.

ص ١٣٨ قوله : ( الخامس : ويمكن أن يعتبر بوجه ... ).

المغفولية ليست هي المرآتية وذلك :

أوّلاً ـ لأنّ الألفاظ ملتفت اليها حين الاستعمال وليست مغفولاً عنها سواء بلحاظ السامع أو المتكلم.

وثانياً ـ انّه لماذا لم يحصل ذلك في باب العلامات مع انّ الغرض منها أيضاً مقدّمي وأداتي في الانتقال الثاني أي للمتكلم؟

وثالثاً ـ كيف نفسّر انّ الإنسان حينما يفكر مع نفسه يفكّر بلغته أي يستذكر المعاني بالألفاظ وكأنّه يتكلّم بلغته مع نفسه؟ والمرآتية محفوظة فيه أيضاً. والذي نراه أنّ المعاني تربط بالاحساس السمعي للألفاظ بجانبه الذاتي فتكون تلك الاحساسات التي هي انفعالات داخلية ذاتية للانسان بمثابة الرموز على المعاني وهي غير تصور اللفظ وأجنبي عنه وإن كان بالتوجه اليها قد نتصور اللفظ أيضاً كالفرق بين الاحساس بحالة الخوف وبين تصور الخوف فليس بابه أصلاً باب التداعي التصوري بل باب الاستجابة للاحساس السمعي باللفظ ، فالمرآتية مفسّر بالوجه الرابع بعد تعديله بما ذكرناه وهي من خصوصيات نفس العلقة


والدلالة اللفظية لا الاستعمال إذ حقيقة تلك العلقة إنّما تكون بين الاحساس باللفظ بجانبه الذاتي والمعنى لا بين تصور اللفظ والمعنى ، مع قطع النظر عن الاستعمال وقبله ، فتدبر جيداً.

ص ١٤٢ السطر الآخر قوله : ( نعم لو بني ... ).

لا وجه له حتى لو بني على ذلك لأنّ الموضوع له المجاز بالوضع النوعي هو واقع المشابه لا المشابه بما هو مشابه فلماذا يشترط استحضار المستعمل لحيثية المشابهة؟

وهكذا يتضح أنّه لا يشترط لصحة الاستعمال إلاّالشرط الأوّل من الشروط الخمسة المذكورة في الكتاب.

ص ١٤٦ قوله : ( وأمّا الجزء الثاني من المدعى ... ).

الصحيح بناءً على ما تقدم من أنّ الدال على المعنى ليس تصور الفظ بل الاحساس السمعي به. وهو غير مقولة التصور الذهني فإنّ التصورات من مقولة المعنى بخلاف الاحساس يتضح انّ استعمال اللفظ سواء كان في شخصه أو نوعه وصنفه أو مثله كلها تكون من اخطار المعنى بمعنى التصور بايجاد الاحساس السمعي باللفظ وكله من الاستعمال الاخطاري. وان الايجاد للاحساس لا التصور وإنّما ينتقل السامع والمتكلم منه إلى تصور اللفظ ، فبالدقة الاخطارية محفوظة هنا أيضاً.

نعم ، هذا لا ينافي أن نسمي هذا الاخطار بالايجادي بمعنى انّه تصور ذهني قائم على أساس المنبه الطبيعي الواقعي وهو الاحساس بالشيء وليس قائماً على أساس الربط بين اللفظ والمعنى أصلاً. ولا مشاحّة في الاصطلاح ، وهذه


الخصوصية قد توجب صحة إطلاق الاستعمال الايجادي على كل أنواع استعمال اللفظ في اللفظ ، فإنّ الانتقال من التصور الجزئي إلى الكلي أو إلى مثله أيضاً من المنبه الطبيعي لا الشرطي الوضعي.

ص ١٤٨ قوله : ( الجهة الاولى : في تحرير محلّ النزاع ... ).

في المقام أربعة معان لاستعمال اللفظ في أكثر من معنى اثنان منهما لا اشكال في جوازهما والثالث لا إشكال في استحالته والرابع هو محلّ النزاع ؛ وتفصيل ذلك كالآتي.

١ ـ أن يستعمل اللفظ في معنى هو جامع بين تلك المعاني بأن يقول مثلاً جئني بعين ويراد به المسمّى بالعين المنطبق على كل واحد منها.

٢ ـ أن يستعمل في معنى يعمّ ويشمل جميع تلك المعاني ، أي في مجموعها أو جميعها كالعام المجموعي أو الاستغراقي كما إذا أراد بالعين كل معانيها معاً ، وهذان النحوان لا إشكال في امكانهما إلاّانهما ليسا من الاستعمال في أكثر من معنى بل في معنى واحد يكون كل واحد من المعاني مراداً استعمالياً ضمنياً لا استقلالياً.

٣ ـ أن يستعمل في كل من المعنيين مستقلاًّ ، ونريد بالاستقلال أن لا يكون معه لحاظ لمعنى آخر أصلاً ، وهذا لا اشكال في استحالته لأنّه تناقض وخلف فرض الاستعمال في معنيين فإنّه يفترض تعدد المعنى الملحوظ لا محالة.

٤ ـ أن يستعمل في كل من المعنيين مستقلاًّ أي بما هو لا بما هو في ضمن


معنى آخر ـ وهذا تعبير السيد الشهيد 1 ـ وإن شئت قلت : بأن يكون اللفظ دالاًّ على كل منهما مستقلاًّ كما في الاستعمال مرتين بحيث يكون هناك دلالتان وكشفان ويكون هذا الاستعمال بمنزلة استعمالين في استعمال واحد ـ وهذا تعبير صاحب الكفاية 1 ـ. وهذا هو محلّ النزاع.

ثمّ إنّ الاستقلالية والضمنية في الاستعمال غيرهما في الحكم كما أفاد السيد الشهيد ودفع به اشكال المحقق الاصفهاني ؛ وتمام النكتة انّ استعمال اللفظ في المجموع لا يعني تقيد الطبيعة في كل معنى بالطبيعة الاخرى الذي هو سبب التقييد والضمنية في الحكم بل يعني ارادة مجموع الطبيعتين المهملتين أي الجامعتين بين المطلق والمقيد ، وعندئذٍ يمكن أن يكون كل منهما موضوعاً مستقلاًّ للحكم كما في العام الاستغراقي.

لا يقال : التصور واللحاظ الواحد لمجموع الطبيعتين يستلزم تقيد احداهما بالاخرى لا محالة وهو يستلزم ضمنيتهما في مقام الحكم على هذا المجموع أيضاً.

فإنّه يقال : وحدة اللحاظ والتصور لا تستلزم تقيّد الملحوظ به وإلاّ لاستحال تصور العموم الاستغراقي ، وإنّما ينشأ التقييد والضمنية من وحدة المتصور والملحوظ.

ص ١٥٢ قوله : ( الثالث ما جاء في كلمات المحقق الاصفهاني 1 ... ).

صريح كلامه في الحاشية النظر إلى ايجاد المنزل عليه بالوجود التنزيلي ـ كما في تعبير الحاشية ـ أو العرضي والمجازي ـ كما في تعبير المنهج الجديد ـ فليس نظره إلى أصل التنزيل والجعل الذي يتحقق بالوضع.


كما انّه ليس مقصوده من الوجود التنزيلي للمعاني الوجود الانشائي للمعنى باللفظ لكي يقال ـ كما عن بعض المتأخرين ـ بانكار ذلك المبنى.

وإنّما صريح كلامه النظر إلى مصطلح فلسفي مرتبط بأنحاء الوجود للشيء والماهية من كونه خارجياً تارة وذهنياً وكتبياً ثالثة ، ومنها الوجود اللفظي أي الوجود باللفظ ـ ولو كان هو من العرض والمجاز ـ.

وعلى هذا يرجع محصّل مرامه ( زيد في علوّ مقامه ) إلى انّ الاستعمال ايجاد ولو بهذا المعنى من الوجود أي ايجاد للفظ حقيقة وللمعنى تنزيلاً والاستقلال فيه بلحاظ كل من المعنيين يستلزم تعدد الوجود التنزيلي للمعنى لاتحاد الايجاد والوجود وتعدد الموجود التنزيلي يستلزم تعدد الوجود الحقيقي للفظ.

والاشكال الذي ذكر في الكتاب إنّما هو على المقدمة الأخيرة بحسب الحقيقة وحاصله : انّ تعدد الوجود التنزيلي لا يستدعي تعدد الوجود الحقيقي ؛ لأنّ الوحدة والتعدد بلحاظ كل وجود مضاف إلى عالمه وصقعه وفي المقام الوجود التنزيلي للمعنى أمر اعتباري تنزيلي مربوط بعالم الجعل والاعتبار ووحدته وتعدده مربوط به أيضاً وحيث انّ هناك تنزيلين فيه فلا محالة يكون هناك تعدد في الوجود التنزيلي ولا ربط لذلك بالوجود الحقيقي المنزّل وحدة وتعدداً ، فالحاصل وحدة الوجود التنزيلي وتعدده منوط بوحدة التنزيل وتعدده لا وحدة الوجود الحقيقي للفظ الذي هو مربوط بعالم آخر.

وما ورد في ذيل كلامه 1 من انّ التفرد والاستقلال في الوجود التنزيلي يوجب التفرد والاستقلال في الوجود الحقيقي وإلاّ لكان ايجاداً لهما معاً لا لكل منهما منفرداً.


إن اريد به ما تقدم من انّ اتحاد الوجود التنزيلي للمعنى مع الوجود الحقيقي للفظ يقتضي الملازمة المذكورة فقد عرفت جوابه ، وإن اريد به انّ كون الوجود التنزيلي يوجد بالوجود الحقيقي خارجاً بما له من سنخ الوجود التنزيلي فهذا امّا أن يقصد به الآلية في مقام الاستعمال فهو رجوع إلى ما تقدم عن الكفاية وما ردّه هو ، وامّا ان يقصد مجرد كون الوجود التنزيلي في طول التنزيل يتحقق بالوجود الحقيقي فهذا قد عرفت جوابه من انّ تعدّد الوجود التنزيلي الذي يتحقق بالوجود الحقيقي تابع لمقدار التنزيل سعة وضيقاً ووحدة وتعدداً ولا يرتبط بوجه أصلاً بحقيقة الوجود الحقيقي من حيث الوحدة والتعدد.

ص ١٥٥ قوله : ( ثمّ إنّ ما ذكرناه إنّما نقصد به نفي خروج ... ).

الظاهر أنّ مخالفة استعمال اللفظ في أكثر من معنى لا يمكن تفسيرها على أساس مجرد مخالفة الظهور الحالي للمتكلم ، بل هي ذات نكتة أعمق من ذلك ؛ ولهذا لا يقع في أية لغة ومحاورة ، ولا يكون كالاستعمالات المجازية أو المخالفة للظهورات الحالية الاخرى والتي تقع كثيراً في اللغة ، بل يلحظ أنّ الذهن حتى في مرحلة المدلول التصوري قبل الاستعمال لا ينسبق إلى ذهنه أكثر من معنى واحد حتى من الألفاظ المشتركة أو يتردد بين معانيها ولا ينسبق جميعها إلى الذهن ، فمجموع هذه النكات وغيرها يجعل المحذور أعمق ممّا ذكر.

والذي أتصوره أنّ العلاقة الوضعية التصورية حيث تتحقق بين اللفظ وكل معنى مستقلاًّ ووحده في مقام الانسباق إلى الذهن أي من خلال انسباق واحد لا انسباقين فلا يحصل انسباقان من إطلاق اللفظ معاً إلى الذهن حتى في مرحلة


المدلول التصوري قبل الارادة الاستعمالية التصديقية ؛ ولهذا حتى إذا سمعنا اللفظ من الجدار لا يحصل انسباقان عرضيان منجّزان ، بل يحصل نحو تردد أو إجمال حتى في مرحلة الانسباق التصوري إذا لم تكن قرينة معيّنة نظير عدم انسباق شيء من المعاني المجازية المتعددة حين سماع اللفظ مع القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي.

وهذا مطلب صحيح قابل للتفسير بناءً على مبنانا في حقيقة الوضع والعلقة الوضعية ، فإنّ كيفية الاقتران بين التصورين من حيث الوحدة والتعدد أيضاً من حدود وخصوصيات المنبّه الشرطي ، فإذا كانت العلقة التصورية الحاصلة بنحو علاقة واحد بواحد تصوراً لا واحد باثنين فلا يحصل بالمنبّه الشرطي وقانونه التكويني إلاّنفس الكيفية من العلاقة التصورية كما انّ علاقة واحد باثنين مستقلين أيضاً علاقة وسببية تصورية ذهنية غير علاقة واحد بواحد بحيث لو تحققت بين اللفظ ومعنيين مستقلين كان اللفظ دائماً يوجب انسباق الاثنين باللفظ فلا يصح استعماله في واحد.

والارادة الاستعمالية أيضاً ليس إلاّقصد استخدام نفس المنبّهية الشرطية الحاصلة بالوضع لا استحداث منبهيّة شرطية جديدة ، ومن هنا يكون الاستعمال في معنيين مستقلين معاً باستعمال واحد خلاف طبيعة العلقة الوضعية فهو يشبه استعمال اللفظ المهمل في معنى والذي لا يصلح ولا يكون استعمالاً لغوياً حتى إذا فرض إمكان افهام ذلك المعنى به بأي شكل من الاشكال.

ولعلّ هذا مقصود من قال بأخذ قيد الوحدة في المعنى ، ومنه يعلم أنّ عدم صحة استعمال اللفظ في أكثر من معنى ليس لخصوصية مربوطة بعالم الاستعمال


والدلالة الاستعمالية التي هي دلالة تصديقية وإنّما هو ـ كالمرآتية على ما تقدّم منّا ـ مربوط بمرحلة الدلالة التصورية الوضعية فإنّها حاصلة على نحو علاقة واحد بواحد تصوراً ، بل هذا من شؤون مرآتية الدلالة بالمعنى الذي تقدّم في تحليلها ؛ ولهذا أيضاً ربط القائلون بامتناع استعمال اللفظ في أكثر من معنى ذلك بمبنى الفنائية ومرآتية الاستعمال.

لا يقال : لا يعقل الترديد في انسباق المعنى من اللفظ في عالم الذهن لأنّ الفرد المردّد ممتنع خارجاً وذهناً. نعم ، المردد قد يعقل بلحاظ المدلول الاستعمالي كما في الكتاب في الجهة القادمة من البحث ، فلابد من فرض أحد شقوق :

إمّا عدم انسباق معنىً أصلاً من اللفظ المشترك إلى الذهن عند سماعه فكأنّه لفظ مهمل ، وهذا خلاف الوجدان. أو انسباق أحد المعنيين دون الآخر ، وهو ترجيح بلا مرجح ، في الامور التكوينية وهو محال. أو انسباق كلا المعنيين الحقيقيين إلى الذهن معاً فيكون كاللفظ المختص غير المشترك على مستوى الدلالة اللفظية الوضعية التصورية ، فلابد وأن يكون المخالفة بلحاظ الظهورات الحالية التصديقية لا الظهور التصوري الوضعي.

فإنّه يقال : يعقل التردد بمعنى آخر لا يساوق وجود الفرد المردد الذهني لكي يكون محالاً ، بل بمعنى التوقف والابهام في ربط المعنى باللفظ وتحقّق الاستجابة الذهنية منه ، فإنّ هذا غير الوجود الذهني ليستحيل فيه الترديد ، بل هو من سنخ الفعاليات الذهنية فيبقى الذهن متردداً فيه ، نظير ما إذا نسى الإنسان أنّ اسم زيد هل كان لابن عمرو أو ابن خالد ، فإنّه عند سماعه من الجدار لا يكون كسماع اللفظ المهمل كما لا يحس بارتباطه بكليهما ، بل يتردد ذهنه بين أحد الشخصين لا مفهوم أحدهما ، فإنّه لم يوضع له ، وليس علماً بل واقع أحدهما


أي يتردد ذهنه في مقام الانسباق بين تصور ابن عمرو وتصور ابن خالد ، فكذلك الحال في سماع اللفظ المشترك مع عدم القرينة المعينة على مستوى الدلالة التصورية ، أو كاللفظ مع القرينة الصارفة عن معناه الحقيقي ووجود معاني مجازية متعددة له ، فإنّ الذهن أيضاً لا ينسبق إليه شيء منها بل يبقى متردداً بينها رغم انّه ليس كالمهمل المحض.

فالحاصل كون العلاقة الحاصلة من الاقتران مع المعنى علاقة واحد بواحد لا واحد باثنين والاستجابة الاقترانية الشرطية تكون بنفس الخصوصية التصورية حتى من حيث حدود التصورين المقترنين بحيث لو تغيّرت ولو كان المتصور واحداً لما تحققت نفس الاستجابة ، يؤدّي إلى التردّد بين المعنيين فلا يستقرّ الذهن على شيء منهما ، والاستعمال لا يكون إلاّاستخدام نفس الاستجابة والصلاحية المذكورة ، فإذا لم يكن اللفظ صالحاً على مستوى الدلالة التصورية إلاّلاخطار أحد المعنيين فلا يكون استعماله في اخطار كليهما استعمالاً صحيحاً ، وإن أمكن إفهام ذلك بالقرائن ونحوها ، إلاّأنّه ليس بالطريقة والآليّة الوضعية.

ثمّ انّ هناك محذوراً آخر على مستوى الدلالة التصورية في استعمال اللفظ في أكثر من معنى ينشأ من وحدة التصور الذي يكون بازاء المحمول والمحكوم به على المعنيين ، وكذلك وحدة النسبة التي هي بازاء هيئة الجملة التامة أو الناقصة ، فإنّها تصورات واحدة لا متعددة ، فلا يمكن أن تربط بالتصورين والمعنيين المستقلين للمشترك بما هما مستقلان ، كما إذا قال زيد جاء وأراد به كلا الزيدين مستقلاًّ ، فإنّه ممتنع من دون وجود ما يدل على تكرار النسبة والمحمول كما في موارد العطف ، وهذا يعني انّ العملية التصورية لابد وأن


تكون علاقة واحد بواحد بلحاظ جميع مفردات وأبعاض الكلام الواحد على مستوى المدلول التصوري للألفاظ حتى المشتركة.

وإن شئت قلت : هذا خلف وحدة الأطراف الاخرى في التراكيب والجمل دالاًّ ومدلولاً وعدم تعددها ، فإن اريد استعمال اللفظ في أكثر من معنى بنحو الاستقلال بحيث يكون كل معنىً منها طرفاً في نسبة مستقلة مع الطرف الآخر فهذا محال ؛ لأنّ تعدد النسبة في الذهن تستلزم تعددها وتعدد لحاظ طرف كل منها عن الاخرى ، وإن اريد ذلك بنحو بحيث يكون في قوّة تكرار النسبة والطرف المشترك فهذا معقول ، إلاّأنّه ليس من استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، بل من التقدير بحرف عطف ونحوه ، وهو من تكرار الدال والمدلول وخارج عن هذا البحث.

والحاصل : استعمال اللفظ في أكثر من معنى لا يعقل إلاّبنحو تكرار النسبة وهو من التقدير أو الجمع بينهما في طرف النسبة الواحدة ، وهو من الاستعمال في المجموع ، وما يذكر من الأمثلة على الاستعمال في أكثر من معنى ، من قبيل : ( مررت بعينين جارية وباصرة ) أو الشعر المعروف :

أي المكان تروم ثمّ من الذي

تمضي له فأجبته المعشوقا

ويريد بالمعشوق قصر المتوكّل بسامرّاء ، ومعناه الاشتقاقي وهو معشوقه معاً ، كلّها ترجع إلى التكرار والتقدير ، حيث انّ هناك نسبتين في الجملة تحتاج كل واحد منها إلى طرف مستقل ، فيكون تعدد النسبة التامة في المثال الثاني والناقصة الوصفية في المثال الأوّل قرينة على تكرّر المعنى والاستعمال ، وكلّ منهما في معنى واحد أيضاً لا أكثر ؛ ولهذا لا يفهم وقوع المعنيين معاً طرفاً لكلتا النسبتين ، مع انّ الاستعمال في معنيين يقتضي ذلك ، فتدبّر جيداً.


ص ١٥٥ قوله : ( استعمال المثنى أو الجمع في أكثر من معنى ... ).

صاحب المعالم ذهب إلى انّ استعمال المفرد في أكثر من معنى مجاز لانثلام قيد الوحدة المأخوذة فيه. وأمّا المثنى والجمع فلا محذور في ارادة فردين أو أفراد كل منها من أحد المعنيين ، ويكون حقيقياً لا مجازياً ، لأنّ ذلك في قوة أن يقال جئني بعين وبعين ويراد بكل منهما معنى غير الآخر.

ولا شك في انّ الوجدان اللغوي لا يرى صحة ذلك في تثنية أسماء الأجناس ونحوه ممّا تكون مادة التثنية والجمع مفهوماً كلياً له مصاديق متعددة أي في غير أسماء الأعلام والإشارة والموصولات ونحوها ، بل المستظهر ارادة فردين من معنى واحد لا مطلق فردين ، ولو من معنيين.

ولتوضيح البحث ينبغي التكلم في مقامين :

الأوّل : في الوجوه التي يمكن على أساسها تخريج وتحليل مدعى صاحب المعالم في التثنية والجمع وأنها هل تكون من باب الاستعمال في أكثر من معنى أم لا؟

الثاني : في كيفية تخريج التثنية والجمع في أسماء الأعلام والإشارة ونحوه.

أمّا المقام الأوّل : فتارة نبني على وضع واحد للمثنى والجمع كالمفرد ، واخرى نبني على انّه من باب تعدد الوضع وتعدد الدال والمدلول أي المادة موضوعة لمعناها والهيئة أو حرف التثنية والجمع موضوعة للمتعدد من ذلك المعنى.


أمّا على المعنى الأوّل : فقد يقال انّ المثنى والجمع موضوعان للمتعدد ـ اثنان في المثنى وثلاثة فأكثر في الجمع ـ الأعم من معنى واحد أو أكثر ، ومن هنا يكون إرادة ذلك حقيقياً.

والجواب : مضافاً إلى عدم صحة هذا المبنى بل الوضع في أمثال المقام من باب تعدد الدال والمدلول وتعدد وضع المادة والهيئة والتركيب بينهما ، انّ هذا لو سلّم فهو من الوضع لمعنى واحد جامع ، ويكون من الاستعمال في معنى واحد دائماً لا في معنيين. وإنّما يكون من الاستعمال في معنيين لو اريد بمعنيين فردان من الباصرة وفردان من الجارية معاً ، وهذا ما لا يقبله صاحب المعالم أيضاً.

وأمّا على الثاني : فلا يمكن توجيه وتخريج مقالة صاحب المعالم لأنّ المادة لو استعملت في معنى واحد سواء كان أحد المعنيين أو الجامع بينهما أو المسمّى باللفظ أو المجموع فهذه كلها من الاستعمال في معنى واحد لا في معنيين ؛ لأنّ المفهوم بأزاء المادة فيها جميعاً مفهوم واحد لا أكثر ، وهو خارج عن البحث.

وإن استعملت في معنيين فاريد بالعين في ( عينين ) كل من الباصرة والجارية مستقلاًّ لزم الاستعمال في معنيين إلاّانّه حينئذٍ يلزم استعمال الهيئة أيضاً في معنيين ـ كما انّه لابد وأن يكون مجازاً على مبنى صاحب المعالم ، لأنّ المادة مأخوذ فيها قيد وحدة المعنى بهذا المعنى.

أمّا الثاني فواضح ، وأمّا الأوّل فلأنّ الهيئة سوف يقتضي ارادة فردين من كل من المعنيين المستقلين ، وهو من استعمال الهيئة في معنيين ؛ لأنّ المعنى


الحرفي النسبي المضاف إلى كل من المفهومين المستقلين غيرها بلحاظ المفهوم الآخر حيث أنّ الحروف موضوعها لمعانيها النسبية الآلية بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص ، فبتعدد الخاص والمعنى المنتسب تتعدد النسبة فيتعدد المعنى الحرفي لا محالة.

ومنه يظهر بطلان ما في المحاضرات من قياس ذلك بالعشرين والطائفتين ونحوها ، فإنّ المادة في تلك الأمثلة كلها مستعملة في معنى واحد لا في معنيين مستقلين.

وقد يقال : انّ حروف التثنية والجمع حيث انها موضوعة للدلالة على المتعدد فيلغى بذلك قيد الوحدة المأخوذة في المادة إذا كانت مفردة فكأنّ المادة الجامعة بين المفرد والمثنى والجمع موضوعة لذات المعنى ، ومع هيئة الافراد موضوعة لها بقيد الوحدة ، ومع التثنية والجمع بلا ذلك القيد فيمكن إرادة المتعدد من المعنيين بأن يكون فرد من هذا وفرد من الآخر.

وفيه : الوحدة والتعدد المفاد بالتنوين وبحروف التثنية والجمع إنّما هي الوحدة والتعدد المصداقي الوجودي لا المفهومي ، فهذا التقريب فيه خلط بين معنيين للوحدة كما هو واضح.

وقد يقال : انّ حروف التثنية والجمع تكون بمثابة تكرار المادة ، فكأنّه قال : ( جئني بعين وعين ) فيمكن أن يراد بأحدهما الباصرة والاخرى الجارية مثلاً.

وفيه : أوّلاً ـ هذا لو سلّم فليس من الاستعمال في أكثر من معنى بل استعمال كل لفظ في معنى واحد.


وثانياً ـ غير صحيح في نفسه ؛ لأنّ هذا معناه تجريد هيئة التثنية والجمع عن المعنى رأساً وجعله علامة وإشارة إلى تكرار اللفظ في مقام الاستعمال أي يتصور اللفظ مرتين بحيث يخطر بكل منهما معنىً غير الآخر إلى الذهن ، وهو مقطوع الفساد ؛ لأنّه لم يسمع اللفظ إلاّمرة واحدة ، وما لم يتكرّر اللفظ لا يتكرّر الاستعمال ولا تتكرّر الاستجابة الذهنية التي هي الآليّة الوضعيّة اللغويّة.

وهكذا يظهر انّه لا يوجد تصوير معقول لمقالة صاحب المعالم 1 يكون من باب استعمال التثنية والجمع في أكثر من معنى وإنّما يعقل ذلك بأن تستعمل المادة في المسمّى أو الجامع بين المعنيين ـ لو كان بينهما جامع حقيقي ـ وهو من الاستعمال في معنى واحد كما انّه مجاز جزماً. وعليه فلا فرق بين المفرد والمثنى أو الجمع في عدم صحة استعمالها في أكثر من معنى واحد.

وأمّا المقام الثاني : وهو في كيفية تخريج وتحليل تثنية أسماء الأعلام ونحوها وجمعها كالزيدين وهذين واللذين ، وهذا بحث لا ربط له بالاستعمال في أكثر من معنى ، بل هو بحث مستقل حيث يوجد اشكال في التعدد المصداقي لمعاني هذه الأسماء في نفسه لعدم إمكان ذلك فيها. فقد ذكر عدة وجوه لتخريج ذلك :

منها ـ ما في الكتاب من استعمال المادة في هذه الأسماء في المسمّى ، فالزيدان يعني فردان ممن يسمّى بزيد وهذا مفهوم مجازي كلي قابل للتكثر المصداقي ، وقد يشهد عليه طروّ لام التعريف فيقال : ( جائني الزيدان ) بينما لا يقال ( جائني الزيد ).


وناقش فيه السيد في الكتاب تارة : بأنّ هذا إن صحّ في أسماء الأعلام فلا يصح في اسم الإشارة والموصول والضمير. وتوجيه العراقي غير وجيه كما في الكتاب. واخرى : بأنّه خلاف ارتكازية علمية الاعلام حتى في موارد التثنية والجمع ومجرد دخول الألف واللام عليه لا يدلّ على كونه نكرة وأنّ المراد من المادة المسمّى بل الدلالة على نحو من التعيين المتناسب مع التثنية والجمع وهذا وجداني.

ومنها ـ ما في الكتاب بعنوان الثاني مع جوابه مضافاً إلى عدم احساسنا بالتردد في الاعلام وأسماء الإشارة ونحوها. نعم ، هذا قد يناسب أسماء الأجناس بأن يراد فردين من أحد المعنيين بنحو الترديد.

ومنها ـ ما في الكتاب بعنوان الثالث ، وقد ارتضاه السيد رغم ايراده على التعميق الذي في كلام الأصفهاني.

إلاّ أنّه غير تام أيضاً لأن لو اريد به فردين من لفظ عين ـ بناءً على استعماله في نوعه ـ فهو لا يوجب تعدد المعنى أصلاً ، بل تصور فردين من لفظ عين من دون الانتقال من العين إلى معناه بل لا استعمال للمشترك هنا أصلاً نظير موارد استعمال اللفظ في اللفظ والذي لا يكون اللفظ المنتقل إلى الذهن باللفظ مستعملاً في معناه ، وهذا واضح.

وإن اريد انّ الألف والنون علامة تكرار اللفظ تصوراً فهذا ليس بابه باب الدلالة على المعنى أصلاً كما أشرنا في ذيل المقام الأوّل ، وغير معقول لوضوح أنّا لا نتصور ولا نحسّ بالمادة إلاّمرّة واحدة لا مرتين ، وباب الدلالة


والاستعمال باب السببية التكوينية بين الاحساس باللفظ وتصور المعنى كما ذكرنا مراراً. فما لم يتعدد اللفظ سواء كان مادة أو هيئة احساساً واستعمالاً لا يخطر في الذهن تصوران منه. على أنّ تكرار اللفظ في الجميع لابدّ وأن يكون مشخّصاً عدده وليس كالمعنى الذي يمكن أن يراد بالهيئة ما زاد على الثلاث منه.

مضافاً إلى أنّ هذا خلاف الوجدان البديهي ، وخلاف ما هو مسلّم من دلالة التثنية والجمع على إرادة المتعدد من معنى المادة لا لفظها.

وإن اريد انّ هيئة التثنية والجمع كواو العطف ، فجوابه انّ العطف معناه ربط المعطوف بحكم المعطوف عليه ، ونسبته التامة أو الناقصة إلى طرفه ، وهذا لا يتعقل في المعاني الافرادية والجمع والمثنى كالمفردات من المعاني الافرادية وخلاف الوجدان القطعي فيما هو معنى التثنية والجمع.

ومنها ـ ما ذكره البعض من أنّ هيئة التثنية والجمع تدل على المتعدد من مدخولها سواء أكانا معنيين بأن يكونا مشتركين في اللفظ فقط دون المعنى أم فردين بأن يكونا مشتركين في اللفظ والمعنى معاً (١).

وفيه : انّ هذا رجوع إلى استعمال المادة والمدخول في المسمّى في أسماء الأعلام والذي لم يقبله. فإنّ فردين مشتركين في اللفظ فقط لا معنى له إلاّذلك ولا أدري كيف جمع بين المطلبين.

__________________

(١) المباحث الاصولية ١ : ٣٤٢.


ومنها ـ أنّ هيئة التثنية والجمع لم توضع لفردين أو أفراد من الطبيعة ليقال بعدم تعقل ذلك في أسماء الأعلام والإشارة ونحوها ، بل للمتعدد من معنى المادة ، فإن كانت المادة اسم جنس فالمتعدد منه يعني عددين من الإنسان مثلاً في الذهن نكرتين ، وإن كانت المادة اسم علم فالمتعدد منه يعني عددين من خصوص المعاني العلمية لا مطلق المسمّى ، وهو يلازم تصور المعاني العلمية فقط من دون أن تكون المادة مستعملة في المسمّى ، بل ابتداءً تأتي تلك المعاني العلمية إلى الذهن ، ومن هنا لا تكون نكرةً محضةً ، وإن كانت المادة اسم إشارة أو موصول يكون المتعدّد منه بمعنى تعدّد النسبة الإشارية الذهنية لمفردين مذكرين أو مؤنثين المستلزم تبعاً لتعدد المشار إليه ، وما لا يقبل التكثير والتعدّد إنّما هو المشار إليه لا النسبة الاشارية الذهنية والتي هي الاستجابة الوضعية الذهنية في أسماء الإشارة والموصولات والضمائر.

وهذا البيان لعلّه أنسب البيانات ، وهو ليس من الاستعمال في معنيين أيضاً ، بل من باب إرادة مجموع المعنيين العلميين أو مجموع الاشارتين ، غاية الأمر استفيد ذلك من الجمع بين المادة وأدوات الجمع والتثنية بنحو تعدد الدال والمدلول كما في اسم الجنس أيضاً فإنّه يفهم من رجلين مجموع رجلين أي صورة ذهنية واحدة لاثنين لا صورتان مستقلتان لكل من الرجلين ، فتدبر جيداً.


علامات الحقيقة والمجاز

كان الأنسب البحث عن طرق اثبات الظهور والدلالات اللفظية بأقسامها وأقسام الشك والتردّد فيها ، وهو بحث أوسع من علامات الحقيقة والمجاز ، يرجع إلى اثبات صغرى الظهورات التي هي أهم الأدلّة الشرعية وأوسعها ، وفيها نكات وجهات مهمّة وقواعد عامّة لا يستغني عنها الفقيه ، وهذا بحاجة إلى تحرير وتوفيق جديد لا يسعه هذا المجال.

ص ١٦٨ قوله : ( والصحيح عدم إمكان استعمالها ... ).

الظاهر أنّ المراد من صحّة الحمل والسلب وعدم صحتهما ليس ما ذكره الاصوليون من فرض معنيين أحدهما في طرف الموضوع والآخر في طرف المحمول وايقاع النسبة الحملية الذاتية أو الصناعية بينهما ليقال أنّ ذلك أعم من كون اللفظ في طرف المحمول مستعملاً في ذلك المعنى بنحو الحقيقة أو المجاز ، فإنّ هذا واضح.

وإنّما المقصود صحّة عقد القضية اللفظية بما للفظ المحمول من المعنى الارتكازي في الذهن ـ نتيجة الوضع لدى العارف باللغة ـ مع المعنى الواقع موضوعاً للقضية ، فإذا صحّ في الذهن ذلك بنحو الحمل الأولي دلّ على انّه المعنى الموضوع له ، وإذا صحّ بنحو الحمل الشايع دلّ على انّه حقيقة فيه أيضاً ، وهذا من نتائج القرن والتلازم التصوري بين اللفظ والمعنى بسبب الوضع.

وبتعبير القوم من نتائج العلم الارتكازي بالمعنى الذي تتبدل إلى العلم


التفصيلي بمنبهية صحة عقد القضية الحملية أو عدم صحة سلبها والعكس بالعكس.

فالحاصل كما أنّ ذلك العلم الارتكازي أو بالتعبير الدقيق التلازم الواقعي التصوري الحاصل نتيجة القرن اللغوي يوجب إمكان المنبهية من طرف اللفظ نحو المعنى عند اطلاقه ، وهو المعبر عنه بالتبادر كذلك يوجب إمكان المنبهية من طرف المعنى بأخذه في طرف الموضوع واجراء اللفظ عليه من خلال قضية حملية موجبة أو سالبة بنحو الحمل الذاتي أو الشائع الصناعي فينتبه الذهن إلى تمام المعنى في الذاتي وإلى اطلاقه في الشائع الصناعي.

وبعبارة اخرى : لا نتصور أوّلاً معنى الإنسان ونحمله على الحيوان الناطق أو الرجل الشجاع فنحمله على زيد الشجاع من خلال لفظ أسد ليقال بأنّ هذا أعم من استعماله فيه بنحو الحقيقة أو المجاز. بل نعلم انّ زيداً رجل شجاع كما نعلم انّه ليس الحيوان المفترس ، ولكن لا ندري أنّ أسد اسم للثاني بالخصوص أو للأعم فنقول : زيد الشجاع أسد بما له من المعنى المرتكز في الذهن أو ليس بأسد كذلك ، فإن صحّ الأوّل ثبت الحقيقة في الرجل الشجاع وإن صحّ الثاني ثبت المجاز. وهذا واقعه التبادر ولكن من خلال منبهية صحة الحمل والسلب ، لا من خلال اللفظ المجرد فإنّه ربّما لا يكفي اللفظ المجرّد للمنبهيّة لأنّ الاقترانات في باب اللغة إنّما تكون من خلال الاستعمالات التركيبية في الكلام لا المفردات المحضة أي من خلال الجمل الحمليّة ونحوها. فقد لا يتحقق التبادر والمنبهية من إطلاق اللفظ المفرد ولكن يتحقق من خلال الجملة الحملية الموجبة أو السالبة. بل في صحة السلب للفظ بما له من المعنى الارتكازي المردّد يثبت انّ المعنى المتبادر منه لا يشمل الموضوع ، وهذا الجانب السلبي لم يكن يمكن


استفادته من علامية التبادر للفظ المجرد ؛ إذ عدم التبادر لمعنى محتمل لا يدل على عدم كونه معنىً حقيقياً للفظ ، وإنّما التبادر علامة الحقيقة في الجانب الاثباتي لا أكثر ، كما هو واضح. إذاً فعلامية صحة الحمل فضلاً عن علامية صحة السلب على المجازية أو الخروج عن المعنى الحقيقي مستقلة عن علامية التبادر ، وإن كانت نكتتهما الثبوتية مشتركة ، فتدبر جيداً.

ص ١٧١ قوله : ( الأثر العملي لعلامات الحقيقة ... ).

ويمكن الجواب أيضاً : انّ الظهور اثباتاً ونفياً قد يكون بدوياً بحيث بالرجوع إلى مفردات الكلام وما يتبادر لكل واحد منها من المعنى الحقيقي أي تطبيق علامات الحقيقة عليها يتغير الظهور النهائي المستقر من ذلك الكلام ؛ كما انّه ربما لا يكون ظهور بدواً وإنّما يحصل بعد التأمل والتبادر من اللفظ.

وأمّا الجواب الذي ذكره السيد 1 فحاصله : انّ فائدة تشخيص المعنى الحقيقي بالتبادر ونحوه احراز الظهور النوعي ؛ لأنّ الأصل تطابق الفهم اللغوي أي الظهور التصوري الشخصي مع الفهم النوعي وبذلك نحرز الظهور النوعي التصوري ومن ثمّ التصديقي الاستعمالي للكلام.

لا يقال : يكفي التطابق بين الظهور التصديقي والاستظهاري الشخصي مع الظهور التصديقي النوعي بلا حاجة إلى التبادر وكون هذا الظهور حقيقياً أو مجازياً.

فإنّه يقال : أصالة التطابق لا يجري بلحاظ الظهور التصديقي ؛ لأنّه قضية خارجية ومتأثرة بالعوامل والقرائن المقامية والحالية والشخصية ، وإنّما مجرى الأصل المذكور الظهور التصوري اللغوي.


ص ١٧٢ قوله : ( تعارض الأحوال ... ).

هذا بحث مهم ولا يرجع بتمام شقوقه إلى أصالة الظهور ـ كما ذكره المحقّق الخراساني 1 وتابعه عليه السيّد الخوئي 1 فلم يتعرّضا له ـ فإنّ أصالة الظهور مربوط بتشخيص المدلول الاستعمالي أو الجدّي عند الشك فيهما لا المدلول الوضعي التصوري ، وبعض موارد الشك والدوران للأحوال المذكورة ترجع إلى المدلول الوضعي وكيفية تشخيصه ـ كما هو مشروح في الكتاب ـ فإذا كان فيها أصل لفظي عقلائي لرفع الشك والترديد في المعنى الموضوع له فهو لا يرجع إلى أصالة الظهور بل أصالة الظهور متفرّع على تشخيص المعنى الحقيقي الموضوع له اللفظ في المرتبة السابقة وهذا واضح ، فلابدّ من تنقيح وتوضيح هذه الاصول اللفظية في كل نوع من أنواع الحالات المتعارضة والتي يمكن تصنيفها إلى ما يلي :

١ ـ الاصول اللفظية الجارية لتعيين المدلول والمعنى الوضعي.

٢ ـ الاصول اللفظية الجارية لتعيين المدلول الاستعمالي.

٣ ـ الاصول اللفظية الجارية لتعيين المدلول الجدّي.

وفيما يلي نوضّح كل نوع من هذه الأنواع إجمالاً :

١ ـ أمّا النوع الأوّل : فقد تقدّم في البحث السابق انّ طرق تشخيص المعنى الحقيقي عن المجازي يكون بالرجوع إلى أهل اللغة أو الاستفادة من علامات الحقيقة ، أي التبادر وصحة الحمل والاطراد.

إلاّأنّه قد ذكرنا هناك بأنّ ذلك لا يكفي لدفع احتمال نشوء التبادر عن انس ذهني شخصي ، وقد عالجنا هذا الاشكال بالرجوع إلى أصل لفظي عقلائي


سمّيناه بأصالة التطابق بين التبادر والفهم الشخصي من اللفظ مع الفهم النوعي العرفي منه ، وبذلك أثبتنا التبادر أو الظهور اللغوي العام للفظ. وهذا اثبات للمعنى الحقيقي الوضعي بأصل لفظي عقلائي.

ونفس الشيء نحتاجه في موارد الشك في النقل أو الاشتراك عند دوران اللفظ بين أن يكون منقولاً إلى معنى جديد أو باقياً على معناه الأوّل أو مشتركاً بين المعنيين أو مختصّاً بمعناه الأوّل ، والمعروف التمسك في ذلك بأصالة عدم النقل وعدم الاشتراك لنفي كل من الاحتمالين ، وهي أيضاً أصل لفظي عقلائي.

وقد اختلف في حقيقة هذا الأصل اللفظي وملاكه كما اختلف في موارد جريانه فبالنسبة لملاك هذا الأصل ومبناه يظهر من الكتاب أنّ السيد الشهيد 1 يرجع هذا الأصل إلى الأصل اللفظي السابق ، أي أصالة التطابق بين ذهن الفرد وذهن العرف الذي يعيش فيه ؛ لأنّ احتمال النقل يعني احتمال زوال الظهور النوعي فينفى ذلك بوجدانيّة بقاء الظهور الشخصي الفعلي بمقتضى أصالة التطابق. كما أنّ وجدانيّة ظهور اللفظ في معنى واحد لدى الفرد يقتضي أنّ ذهن العرف والدلالة النوعية كذلك أيضاً ، وهذا مساوق لنفي الاشتراك.

وهذا التحليل مما لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك :

أوّلاً ـ لأنّ هذا معناه تطبيق أصالة التطابق بلحاظ طرف السلب وعدم التبادر الشخصي ، وهذا محل اشكال بل منع ، فإنّه في طرف الاثبات أي ما يتبادر إلى ذهن الفرد من اللفظ المجرّد عن القرينة لا منشأ له عادة ـ بعد أن لم تكن الدلالة ذاتية ـ سوى الوضع النوعي العام وأمّا في طرف السلب أي حينما لا يتبادر إلى ذهن الفرد معنى من اللفظ لا يمكن أن يكون ذلك كاشفاً عن عدم تبادر العرف


العام أيضاً ؛ إذ قد لا يكون الفرد مطّلعاً على تمام دقائق اللغة وسعة معانيها ، وهذا واضح.

وثانياً ـ انّ ذهن الفرد قد لا يتبادر إليه المعنى المختص أيضاً بل يبقى متردداً بينه وبين المعنى الآخر المحتمل صيرورة اللفظ مشتركاً بينهما ، ففي مثل ذلك لا يمكن اجراء أصالة التطابق ، وكذا في مورد احتمال النقل إذا فرض انّ المعنى الثاني أيضاً صار معنىً حقيقياً للفظ ـ كما في مورد الحقيقة الشرعية ـ ولكن يشك في مهجورية المعنى اللغوي الأوّل ـ الذي هو المراد بالنقل ـ وعدمه فإذا فرض انّ ذهن الفرد لم يكن يتبادر إليه إلاّالمعنى الثاني كان مقتضى أصالة التطابق بينه وبين الذهن العرفي العام اثبات النقل لا نفيه ، وهذا على خلاف أصل عدم النقل.

والتحقيق : انّ ملاك أصالة عدم النقل والاشتراك هو أصالة الثبات وبقاء العلاقات والدلالات اللغوية الوضعية وندرة التبدّل والتحوّل السريع فيها.

وقد صرّح السيد الشهيد 1 بذلك في بعض الموارد ، وهذه الغلبة معتبرة عند العقلاء ، فما لم يثبت وقوع التغيير في العلقة الوضعية سواء في ذلك زوال العلقة الاولى ومهجوريتها ـ كما في موارد النقل ـ أو توسعتها وتحقق علقة وضعيّة جديدة ـ كما في موارد الاشتراك ـ فالأصل اللفظي العقلائي يقتضي بقاء العلقة الوضعيّة على حالها.

وهذا يعني انّ أصالة عدم النقل والاشتراك ترجع إلى أصالة الثبات في اللغة ، وهي أصل لفظي آخر غير أصالة التطابق بين الظهور الشخصي والنوعي.

وأمّا موارد جريان أصالة عدم النقل أو بتعبير أدق أصالة الثبات في اللغة ، فقد اختلف في ذلك أيضاً ، والاحتمالات المتصورة فيه ثلاثة :


١ ـ أن يكون جارياً في خصوص ما إذا لم يعلم بأصل النقل ، وهذا مختار السيد الشهيد 1.

٢ ـ أن يكون جارياً في مورد عدم العلم بأصل النقل ، وكذلك في مورد العلم به والشك في تاريخه ، مع العلم بتاريخ صدور النصّ الشرعي الوارد فيه ذلك اللفظ ، فيجري أصل عدم النقل إلى ذلك التاريخ المعلوم ، وهذا مختار المحقّق العراقي 1 (١).

٣ ـ أن يكون جارياً حتى في موارد الجهل بتاريخ صدور النصّ الشرعي طالما يكون احتمال عدم تحقّق النقل حين صدوره موجوداً.

ومبنى السيد الشهيد 1 في ارجاع أصل عدم النقل إلى أصالة التطابق يقتضي اختيار الاحتمال الأوّل ؛ لأنّه مع العلم بانثلام التطابق وتحقّق النقل لا معنى لاجراء أصالة التطابق بين ذهن الفرد والذهن العام ، ولكنّك عرفت أنّ أصل عدم النقل لا يرجع إلى ذلك ، بل يرجع إلى أصالة الثبات في العلقة الوضعيّة ، وهذا الأصل اللفظي كما يجري في موارد الشك في أصل النقل وتغيّر العلقة الوضعيّة يجري في موارد العلم بأصله والشك في تاريخه ، فإنّ الثبات وعدم التغيير كلّما كان أكثر وزمانه أطول فهو أقرب إلى تلك الغلبة النوعية.

نعم ، في موارد الجهل بتاريخ صدور النصّ الشرعي وتردّده بين زمان تحقّق النقل أو قبل ذلك خصوصاً إذا كان تاريخ النقل معلوماً ومشخصاً لا انطباق للغلبة المذكورة ؛ لأنّ الشك بحسب الحقيقة هنا في تأخر النص وتقدمه ، لا في ثبات اللغة وعدمه ولو بحسب نظر العرف.

__________________

(١) مقالات الاصول ١ : ١٢٦ ( ط ـ مجمع الفكر الإسلامي ).


ونفس الوجوه والاحتمالات تجري في أصالة عدم الاشتراك ؛ لأنّها ترجع إلى أصالة الثبات في اللغة أيضاً ، فلو علم بتحقق الاشتراك وشك في تاريخه جرى فيه البحث المتقدّم.

وربّما يضاف هنا فرض آخر لا تجري فيه أصالة عدم الاشتراك ، وهو ما إذا شك في الاشتراك من أوّل الأمر ـ كما في تشكل اللغة من اجتماع قبائل متعددة واندماجها في لغة واحدة ـ فإنّه هنا لا موضوع لأصالة الثبات ؛ إذ الشك في الاشتراك من أوّل الأمر. نعم ، لو أرجعنا أصالة عدم الاشتراك إلى أصالة التطابق ـ كما هو مبنى السيد الشهيد هنا ـ جرى أصل عدم الاشتراك ؛ لنفي المعنى المحتمل اشتراك اللفظ بينه وبين المعنى الآخر المتيقن ، وهذا أيضاً من الفروق العمليّة بين المبنيين.

٢ ـ وأمّا النوع الثاني : أعني الاصول اللفظية الجارية لتعيين المدلول الاستعمالي فأهمّها أصالة الحقيقة ، والتي تعني إرادة المتكلم للمعنى الحقيقي كلّما استعمل اللفظ بلا قرينة.

ومبنى هذا الأصل اللفظي الكاشف عن المدلول الاستعمالي ـ وهو مدلول تصديقي ـ يمكن أن يكون الظهور الحالي والطبعي للمتكلم الملتفت في مقام المحاورة ، ويمكن أن يكون مبناه نحو تعهّدٍ وتبانٍ عرفي عام ، فإنّ التعهّد يمكن أن يكون مبنىً للدلالات التصديقية ـ كما تقدّم في بحث الوضع ـ.

وهذا الأصل اللفظي لا يجري في موارد احتمال قرينية شيء محفوف بالكلام ، وأمّا موارد احتمال وجود قرينة لم يلتفت إليها أو حذفت من الكلام فالمشهور جريان أصالة الحقيقة فيها أيضاً.


وقد ناقش في ذلك السيد الشهيد 1 بأنّ مرجع الأصل المذكور إلى كاشفية الظهور المتقدّم بيانه لا الأصل التعبّدي ، فإنّ العقلاء ليست لهم اصول تعبّدية ومع احتمال القرينة لا يحرز الظهور ، فلا تجري أصالة الحقيقة. نعم ، يمكن التمسّك بأصالة عدم الغفلة لنفي احتمال غفلة السامع عن القرينة وبظهور شهادة الراوي السلبية على عدم حذفه للقرينة ؛ لأنّه على خلاف أمانة النقل والشهادة. وتفصيله في محلّه.

ومن جملة الاصول اللفظية من هذا النوع أصالة عدم الاضمار أو الاستخدام ؛ لأنّه أيضاً خلاف الوضع الطبيعي لارجاع الضمير أو لاستعمال الهيئات والجمل ؛ ولعلّهما يرجعان إلى نحو تجوّز في النسبة وفي هيئة ارجاع الضمير في الجملة ، فيرجع الأصل فيهما إلى أصالة الحقيقة أيضاً.

ويمكن ارجاع هذه الاصول في هذه المرحلة إلى أصل لفظي أعم جامع لها ولغيرها وهو أصالة التطابق بين المدلول التصوّري النهائي للكلام وارادة المتكلّم وقصده الاستعمالي في مقام الافهام والمحاورة ، وهذا التطابق نكتته ما تقدّم من الظهور الحالي أو التعهّد ، وقد لا يلزم من عدم التطابق مجازية في الكلام.

هذا في الدوران بين المجاز ، أو قل ما يخالف المدلول النهائي التصوري للكلام وعدمه ، وأمّا إذا علم بالتخلّف ودار الأمر بين المجاز أو الاضمار أو الاستخدام ، أو دوران الأمر بين اعمال ذلك في طرف الموضوع أو المتعلّق أو الحكم ، أي تردّد اعماله بين أكثر من جانب من الكلام ، فإذا فرض ذلك في كلام واحد متصل فالميزان فيه ملاحظة مقتضي الظهورين وتقديم الأقوى على الأضعف منهما ، أو ما يجعله العرف قرينة ـ على ما يأتي تفصيله في بحوث التعارض ـ ومع عدم وجود ذلك يصبح الكلام مجملاً لا محالة ، وإن كان ذلك في


كلامين منفصلين فالظهور متحقّق فيهما معاً ، ويكون التعارض بين دليلين وفيه اصول لفظية للجمع العرفي تأتي في بحوث التعارض غير المستقر ، إلاّأنّها لا توجب تغييراً في المدلول الاستعمالي لشيء من الدليلين وإنّما يوجب الكشف عن المراد الجدّي وهو النوع الثالث من الدلالة.

٣ ـ وأمّا النوع الثالث : أي الاصول اللفظية الجارية لتعيين المدلول الجدّي فهي أصالة الجدّ النافية لاحتمال الهزل والتقية ونحوها ، وأصالة العموم والإطلاق بناءً على ما هو الصحيح من عدم لزوم التجوّز من التقييد والتخصيص المتصل ، وإنّما يكون ارادة الخصوص والمقيّد من العام والمطلق عند الدوران بينه وبين عدمه مخالفة لظهور ايجابي أو سلبي سكوتي دال على نفي التخصيص والتقييد ، فمبنى الاصول اللفظية في هذه المرحلة أيضاً إلى الظهور الحالي في الارادة الجدية لما هو الظاهر النهائي للكلام ، وأنّ ما قاله يريده وما لم يقله وسكت عنه لا يريده ـ الظهور الايجابي والسلبي معاً ـ وعند الدوران بين ظهورين في هذه المرحلة أو الدوران بين التجوّز ومخالفة الظهور الاستعمالي وبين مخالفة الظهور الجدّي إذا كان في كلام واحد متصل يقع التزاحم بين مقتضي الظهورين ، فإذا كان أحدهما أقوى من الآخر أو قرينة عليه قدّم في مقام التأثير والاقتضاء وانعقد الظهور النهائي على طبقه ، كما في تقديم الظهور الايجابي على الظهور السلبي السكوتي ـ وإلاّ أصبح الكلام مجملاً. وإذا كان ذلك في كلامين منفصلين فالظهورات متحققة ، ويكون من التعارض ، وقد أشرنا إلى أنّ فيه اصولاً لفظيّة لحلّ التعارض واعمال الجمع العرفي إذا تمّ شيء منها ارتفع التعارض من البين ، وإلاّ كان التعارض مستقراً ، وسيأتي تفصيل ذلك كلّه في بحوث تعارض الأدلّة.


الحقيقة الشرعية

ص ١٨١ قوله : ( وقد يطور هذا التقريب بنحو يسلم من الاعتراض ... ).

الظهورات التي تكون موضوع حجّية الظهور لابد وأن ترتبط بباب الدلالة وقصد الافهام للمعنى.

وأمّا الظهور الحالي على قصد أمر تكويني لا ربط له بمدلول الكلام ، فليس مشمولاً لحجية الظهور ، كما لو كان ظاهر حال متكلم عندما يخطب أنّه على صحة جيدة ، أو انّه قد شرب دوائه ، فإنّ هذا الظهور لا يكون حجة من باب حجّية الظهورات الحالية.

والمقام من هذا القبيل ؛ لأنّ قصد الوضع بالاستعمال يعني قصد تحقق أمر تكويني ، وهو حصول الاقتران بنفس الاستعمال في ذهن السامعين والذي هو حقيقة الوضع ، وهذا الظن الناشىء من ظهور الحال ليس مشمولاً لأدلّة حجّية الظهورات ، بل قد لا يوجب الظن بتحقق الاقتران والوضع.

نعم ، لو اريد ظهور استعماله في انّه كلما اطلق اللفظ بلا قرينة يريد افادة ذلك المعنى فقد يكون هذا مشمولاً لحجية الظهورات والدلالات ، إلاّأنّ صغراه ممنوع ، فإنّه لا يوجد ظهور كذلك وإنّما غايته دعوى ظهور استعماله في انّه يريد تحقق الاقتران في ذهن السامعين.


الصحيح والأعم

ص ١٨٩ قوله : ( ودعوى : تعسُّر معرفة مفاد القرينة العامة ... ).

ما ذكر من إمكان معرفة مفاد القرينة العامة عن طريق التبادر إن اريد به تبادر المتشرعة فهو لا يقتضي ذلك ؛ إذ لعلّ كثرة استعمال المتشرّعة كان سبباً لذلك ، لا استعمالات الشارع ، وإن اريد به التبادر في زمن الشارع فأنّى لنا إثبات ذلك ، ولو أمكن إحرازه كان دليلاً على الحقيقة الشرعية.

فالحاصل : تبادر المتشرّعة في أزمنتنا لا يكون معلولاً لمفاد القرينة العامة أو لظاهر حال الشارع في استعمالاته ، وإنّما يكون متولداً ومسبّباً عن كثرة الاستعمال ، فلعلّ الشارع قد استعمل اللفظ مجازاً في كل من الصحيح تارة والأعم اخرى ، ومن مجموع ذلك حصل في ذهن المتشرعة ـ ولو باضافة استعمالات المتشرعة أيضاً ـ الاقتران بين اللفظ والمعنى الأعم ؛ لأنّ الاستعمال في الصحيح أيضاً ينفع لايجاد الاقتران بين اللفظ وبين المعنى الأعم كما لا يخفى.

ص ١٩٠ قوله : ( ومنه يعرف انّ التمامية من حيث الاجزاء ... ).

الظاهر انّ مقصود السيّد الخوئي 1 ليس نفي كون الصحة مفهوماً اضافياً ، وإنّما ينفي كونها منتزعة بالاضافة إلى ترتّب الأثر أو سقوط الأمر أو موافقته ؛ لأنّها كلها حيثيات في طول تعلّق الأمر وترتّب الأثر مع انّ الصحة والتمامية


محفوظة قبلها ومأخوذة في متعلّقها أو موضوعها ، فلا يمكن أن تكون هذه الاضافة هي المقوّمة للتمامية والصحة ، وإنّما المقوّم لها الاضافة إلى المركب والعنوان المجموعي الملحوظ في متعلّق الأمر أو موضوع الأثر الشرعي ، فبلحاظ المجموع من الاجزاء والشرائط التي لاحظها الشارع في المركّب الذي شرّعه من عبادة أو معاملة أو غيرهما كالتذكية والتطهير من الخبث وغير ذلك تنتزع التمامية مع قطع النظر عن تعلّق الأمر أو ترتّب الأثر الشرعي عليه وإن كان أخذ ذاك التركيب وايجاده يكون لغرض تعلّق الأمر به في العبادات أو ترتيب أثر عليه في المعاملات ، وهذا مطلب صحيح لا غبار عليه.

ص ١٩١ قوله : ( وأمّا قصد القربة والوجه ... ).

ما ذكر غير تام ، فإنّ البرهان على عدم إمكان أخذ قصد الأمر في متعلق الأمر يرتبط بعالم الثبوت لا الدلالة الاثباتية الاستعمالية ، فيمكن أخذ الصحّة من ناحية قصد الأمر في المسمّى أيضاً ، غاية الأمر البرهان المذكور يكشف عن عدم انبساط الأمر على هذه القيود المفادة بالمسمّى ثبوتاً وجداً مع أخذها في المسمّى استعمالاً ، فلا يصحّ الاشكال في هذه الشروط أيضاً.

ص ١٩٥ قوله : ( الثاني ـ ما حاوله الخراساني 1 ... ).

وهناك جواب آخر عليه ذكرته مدرسة الميرزا 1 ، وهو متجه عليه أيضاً ، ولا أدري لماذا حذفه السيد 1 ، وحاصله : انّه لو اريد وضع الاسم لنفس عنوان الناهي عن الفحشاء والمنكر أو المؤثر للأثر المخصوص فهذا من الواضح انّه مفهوم انتزاعي عرضي لا يحتمل أن يكون هو الموضوع له.

وإن اريد وضعه لما يشار إليه بهذا العنوان والبرهان إلى الجامع الذاتي


البسيط المؤثر ، فإن اريد الإشارة إلى واقعه العيني الخارجي ، فهو لا يمكن أن يكون المسمّى ؛ إذ الاسم لا يجعل للوجود الخارجي ، وإن اريد الإشارة إلى مفهومه فلا يوجد في الذهن إلاّمفهوم الاجزاء والقيود المركبة وليست هي المسمىّ بحسب الفرض وإلاّ كان تركيبياً ولا يوجد مفهوم آخر في الذهن ليشار به إليه.

نعم ، ربما يوجد مفهوم بسيط كذلك في ذهن المشرع ، إلاّانّه لا يحتمل أن يكون المسمّى مفهوماً لا يعيشه أحد من الناس غير المشرِّع الأقدس ، وهذا واضح.

ص ١٩٦ قوله : ( رابعاً : النقض بالقيود الثانوية ... ).

هذا النقض لا يختصّ بالقبول بالجامع البسيط ، بل يرد على القول بالمركب أيضاً ، كما انّه يجري على القول بالأعم أيضاً ، لأنّ مثل قصد القربة أو عنوان الواجب البدوي قيد ركني لا يتحقق الصلاة أو الصوم ونحوهما بدونه فيلزم محذور عدم امكان وقوعه متعلق الأمر.

وجوابه ما تقدم منّا فلا تغفل. بل بناءً على الجامع البسيط وكون القيود محققات ومحصلات أو علل لذلك الجامع وكون الأمر متعلقاً بذلك الجامع قد يرتفع أصل إشكال الاستحالة في أخذ القيود الثانوية ، لأنّ الاشكال مبتنٍ على أخذها بعناوينها في متعلّق الأمر لا أخذ ما يلازمها كما سيأتي في محلّه.

فهذا الاشكال والنقض لا مجال له أصلاً.


ص ٢٠٩ قوله : ( ٤ ـ دعوى تبادر المعنى الأعم. وفيه : لو سلم ... ).

ما ذكر من عدم جريان أصالة عدم النقل في موارد يكون مقتضي النقل مؤكداً محل اشكال ، فإنّه إذا علم أو اطمئن به فلا اشكال ، وإلاّ جرى الأصل العقلائي المذكور وهو كالاصول العقلائية اللفظية ـ كحجّية الظهور ـ ليست مقيدة بعدم الظن والقرينة النوعية على الخلاف ، وإلاّ أشكل اثبات المعاني للألفاظ في زمان الصدور بالتبادر في زماننا. فالتبادر المذكور أيضاً يمكن جعله دليلاً على الوضع للأعم.

ثمّ إنّ القائل بالأعم قد استدلّ أيضاً بما لعلّه المشهور من صحّة نذر ترك العبادة المكروهة كالصلاة في الحمام أو صوم يوم عاشوراء وحصول الحنث إذا فعلها المكلّف رغم فساد عبادته ، ممّا يعني أنّ المسمّى هو الأعم المنطبق على الفاسد لا خصوص الصحيح ، وإلاّ لما تحقّق الحنث ولما صحّ النذر لاشتراط مقدورية المنذور والصحيح غير مقدور بعد النذر ، فيلزم من صحّة النذر عدم صحته ، بل ومن الحنث عدم الحنث ، وكل ما يلزم من وجوده عدمه فهو محال.

ويجاب على ذلك :

أوّلاً ـ بأنّ هذا لا ربط له بمسمّى أسامي العبادات ، بل حتى على القول بالأعم لا يمكن أن ينذر المكلّف ترك العبادة الصحيحة المكروهة ؛ للزوم نفس المحذور ، فسواء كان المسمّى هو الصحيح أو الأعم لابد وأن يتعلّق النذر بالصحيح من غير ناحية حنث النذر.


وثانياً ـ ما يفتي به المشهور حصول الحنث بالاتيان بالعبادة الصحيحة من سائر الجهات لولا النذر ، وهذا لا يناسب مدّعى الأعمى ، بل يناسب القول بالصحيح أيضاً ؛ لأنّه لا يقول بأخذ ما لا يمكن أخذه في المسمّى من القيود الطولية كقصد الأمر ومنها عدم الحرمة من ناحية الحنث في المقام ، فيكون هذا بنفسه قرينة على ارادة الصحيح النسبي لا المطلق.

على أنّ الاستعمال كما أشرنا مراراً أعم من الحقيقة.

ثمّ إنّه قد يورد على صحة هذا النذر فقهياً بوجوه :

١ ـ انّه نذر باطل ؛ لاشتراط رجحان متعلّق النذر والعبادة المكروهة لا رجحان في تركها ، إذ لا حزازة ولا مبغوضية في فعلها ، وإنّما كراهتها بمعنى قلّة ثوابها بالنسبة إلى سائر أفرادها.

والجواب : هذا مبني على اشتراط الرجحان المطلق في صحّة النذر وعدم كفاية الرجحان النسبي ، وأيضاً على عدم معقولية الحزازة والكراهة الحقيقية في العبادات وكلاهما محل بحث لا مجال للدخول فيه الآن. نعم ، لابدّ من فرض عدم ضيق الوقت وعدم تعيّن الصلاة في الحمام عليه ، كما إذا لزم من خروجه للصلاة فوت وقتها ، فإنّه يجب عليه حينئذٍ أن يصلّي فيه وينكشف بذلك بطلان نذره في حقّه ، وهذا خارج عن البحث.

٢ ـ إذا كان متعلّق النذر ما يكون صحيحاً بقطع النظر عن حرمة الحنث فهذا وإن لم يلزم منه محذور عقلي ، إلاّأنّه لا كراهة فيه ، فإنّ ظاهر دليل العبادة المكروهة ثبوتها في العبادة الصحيحة لا الفاسدة ولو كان فسادها


من ناحية حرمة الحنث ، وإن كان متعلّق النذر الصحيح الفعلي ومن جميع الجهات فصحته غير معقول ؛ للزوم عدم مقدورية المخالفة ، ويشترط في صحة النذر مقدورية متعلقه فيلزم من صحته عدم صحته ومن الحنث به عدم الحنث ، وهو محال.

والجواب : ما هو شرط في صحة نذر عدم فعل مقدوريته بقطع النظر عن وجوب الوفاء بالنذر امّا ارتفاع المقدورية في طول تعلّق النذر فلا محذور فيه إذا كان المنذور هو الترك ، حيث يكون ببركة صحة هذا النذر المرجوح منتركاً قهراً لا يتمكن منه المكلّف وهذا ليس لغواً ، فهو نظير تحريم الصلاة على الحائض الموجب لعدم تمكنها منها ، وسوف يأتي في بحث النهي عن العبادة انّه لا محذور عقلي ولا عقلائي في ذلك ، بل يكون هذا نظير شرط أو نذر أن لا يبيع المال وقلنا بأنّ ذلك يوجب قصور سلطنته عليه فلا يصحّ منه البيع.

هذا مضافاً إلى ما سيظهر من ثبوت المقدورية في الجملة في المقام.

٣ ـ استحالة صحة نذر ترك العبادة الصحيحة ؛ لأنّه يستلزم اجتماع الأمر والنهي ؛ إذ صحة العبادة فرع تعلّق الأمر بها ، وهو لا يمكن أن يجتمع مع حرمة الحنث المنطبق على نفس العبادة والمتحد معها خارجاً وإن كان عنواناً ثانوياً ، وهذا يعني انّ شمول وجوب الوفاء لهذا النذر محال في نفسه ، لا من ناحية عدم مقدورية المنذور ، بل لاستحالةٍ في نفس الشمول ؛ لأنّ شموله للصحيح مع ثبوت الأمر به محال ، وشموله له من دون أمر به ليس متعلّق النذر ، فيكون جعل وجوب الوفاء لمثل هذا النذر محالاً في نفسه.

وإن شئت قلت : هذا معناه انّ حرمة الحنث تتعلّق بالصلاة غير المحرّمة حتى


بشخص هذه الحرمة وهو تهافت في نفسه وتناقض فلا يمكن جعلها ، وإنّما المعقول النهي عمّا يكون غير منهي عنه من ناحية غير شخص هذا النهي وهو معنى الصحيح من سائر الجهات.

وهذا الاشكال يتم في العبادات المكروهة الانحلالية كصوم يوم عاشوراء ؛ لامتناع الأمر الانحلالي بالفرد المحرّم ، وأمّا العبادة التي يكون الأمر بها بدلياً كالفريضة في الحمام فامتناعه مبني على القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي فيه أيضاً ، وأمّا على القول بامكانه حتى إذا كان التركيب اتحادياً كالأمر بالصلاة والنهي عن الصلاة في الحمام لأنّ الأمر بالجامع بنحو صرف الوجود لا يسري إلى الفرد المحرم فعندئذٍ لا محذور في تعلّق النذر بترك الصلاة في الحمام من ناحية الاجتماع ؛ إذ لا تهافت بين حرمة الفرد ووجوب الجامع بنحو صرف الوجود ، وبالتالي حصول الامتثال بالفرد المحرّم إذا كان الواجب توصلياً أو كان تعبدياً ولكن تمكن المكلّف من قصد القربة نتيجة جهله بنذره أو نسيانه ـ كما في الصلاة في الدار المغصوبة جهلاً ـ فيتحقّق الحنث عندئذٍ أيضاً مع صحّة الصلاة على القاعدة ، كما إذا كان الواجب توصلياً ، غاية الأمر قد يكون المكلّف معذوراً إذا لم يكن جهله منجّزاً عليه ، وهذا هو ما أشرنا إليه من انّ جعل حرمة الحنث ووجوب الوفاء هنا لا يوجب عدم المقدورية مطلقاً ، بل في الجملة ، أي في حق المتذكّر الملتفت إلى نذره ولا محذور فيه ؛ لكونه في طول تعلّق النهي والحرمة كما أشرنا ، فلا يكون جعل الحرمة لغواً.

ثمّ إنّ هذا المقدار من عدم المقدورية حاصل حتى على القول بتعلّق النذر بالصلاة الصحيحة لولا النذر ، أي لولا الحرمة الناشئة من الحنث ؛ لأنّ الملتفت إلى نذره سوف لا يتأتّى منه قصد القربة ولا تقع منه الصلاة بلا قصد القربة حنثاً ؛


لأنّه ليس تمام أجزاء الصلاة الذي تعلّق نذره بتركه. نعم ، لو كان متعلّق نذره ترك الأجزاء غير التامة أيضاً تحقّق الحنث بذلك ، ولكنه من الواضح خروجه عن متعلّق النذر ، وهذا يعني انّ نذر ترك الصلاة الصحيحة بالفعل ومن جميع الجهات أو الصحيحة لولا النذر على نحو واحد من ناحية عدم المقدورية في حال العلم وعدم النسيان ، وإنّما يختلفان في حال الجهل والنسيان للنذر ، حيث يكون الصحيح لولا النذر مقدوراً فيه ، ولكن الصحيح الفعلي لا يكون مقدوراً فيه إلاّ على القول بعدم امتناع اجتماع الأمر والنهي.

ص ٢٠٩ قوله : ( المختار في الصحيح والأعم ... ).

لا شكّ في أنّ المسمّى هو الأعم ، سواء بالبيان الفنّي الذي ذكره السيد الشهيد 1 بالرجوع إلى بحث الحقيقة الشرعية ، أو بالتبادر ووجدانية صحّة إطلاق أسامي المركبات المذكورة على الفاقد لبعض قيود الصحة ، أو بمراجعة استعمالات الشارع والفقهاء والمتشرعة والتي ما أكثرها في المعنى الأعم ، بحيث لا يحتمل أن يكون كل ذلك من باب المجاز ، حيث يلزم أن تكون استعمالات مجازية بناءً على الاختصاص بالصحيح ، بخلاف العكس ، والمجاز وإن كان واقعاً ولكن لا بهذا الحدّ ، والذي قد يوجب لغوية العلقة الوضعية.

إلاّأنّه كان ينبغي البحث في ذيل هذا المقام عن تحديد المعنى الأعم ، وما يكون مأخوذاً فيه من القيود الثابتة ، فهل هي الأركان لا بشرط من حيث زيادة سائر الأجزاء ـ كما يقول المحقّق القمي والسيد الخوئي ـ أو معظم الأجزاء ـ كما ذكره صاحب الكفاية ـ أو غير ذلك؟

فإنّه يرد على كلا الاحتمالين النقض بصدق الصلاة حتى الصحيحة منها على


فاقد بعض الأركان كالصلاة على الميت الفاقدة لأكثرها وهي صلاة في الذهن المتشرعي ، بل وفي استعمالات الشارع قطعاً ، وكذلك صلاة الغريق أو صلاة الخوف والمطاردة ، كما أنّها ليست معظم الأجزاء. ولو فرض أخذ القدر المتيقن اللازم في تمام الموارد من التكبير والدعاء وقصد القربة مثلاً لزم صدق الصلاة على من يأتي بهذا المقدار بعنوان الفريضة وفي حال الاختيار ، مع انّه قد لا يطلق عليه الصلاة حتى عند الأعمى.

ولعلّه لمثل هذا الاشكال ادّعى المحقّق الاصفهاني 1 أنّه لابدّ على القول بالأعم أيضاً أن نجعل المسمّى هو المعنى المبهم من حيث الشرائط والأجزاء كمّاً وكيفاً ؛ لعدم تعيّن شيء منها.

ولكنك عرفت امتناع الابهام الثبوتي ، والابهام الاثباتي لا يدفع الاشكال.

ويكون حلّ هذا الاشكال بالالتفات إلى ما ذكرناه في تصوير الجامع التركيبي على القول بالصحيح من أخذ القيود المردّدة والمقيّدة بحالاتها الخاصة في الجامع التركيبي الأعم أيضاً بنحو التخيير والعطف بـ ( أو ) مع تقييده بحالته الخاصة ، فأصل قصد الصلاة والدخول فيها أي افتتاحها والذكر والدعاء وقصد القربة قيود مأخوذة حتى على القول بالأعم ؛ لأنّها قوام الصلاة في تمام موارد اطلاقها ، فإنّ من يركع ويسجد ويقرأ بدون قصد الصلاة والدخول فيها لا يطلق عليه أنّه يصلّي حتى عند الأعمى مهما كثرت أعماله ، وأمّا سائر القيود والأجزاء فيكون معظمها أو مقدار منها مأخوذة بنحو اللابشرط من حيث الكمّ والكيف في حال الاختيار أو أن يكون الفاقد لجميعها مقيداً بالحالة الخاصة كالغرق أو الخوف والمطاردة أو على الميت أو غير ذلك ، وبهذا يندفع الايراد المذكور ، والله الهادي للصواب.


ص ٢١٢ قوله : ( الجهة الثالثة ... ).

ثمّ انّ هنا بحثاً في الكفاية لا بأس بالتعرض له فإنّه يجزي في التمسك بالإطلاق على القول بالصحيح أيضاً ، وحاصله : انّه بناءً على الوضع للصحيح يلزم أن يختلف الموضوع له شرعاً عن الموضوع له عرفاً ، وهذا خلاف ما يعرف من انّ الشارع في باب المعاملات جرى مجرى العرف وليس له استقلال في الوضع.

وبتوضيح منّا : إن قيل بالوضع لمفهوم الصحيح فهو واضح البطلان لعدم ترادفها مع كلمة الصحيح وإن قيل بالوضع لواقع الصحيح لزم تعدد المعنى لاختلاف واقع الصحيح عند العرف عنه عند الشرع بل عند عرفين أيضاً ، وهو أيضاً خلاف الوجدان.

وأجاب عنه : بأنّه موضوع للسبب المؤثر للأثر الشرعي أو القانوني غاية الأمر يكون الاختلاف بين العرف والشرع في المصداق.

وقد فسّر هذا الكلام بالتخطئة في المصداق نظير الامور الواقعية كما إذا وضع لفظ للدواء المسهل مثلاً فشخص طبيب انّ المادة الفلانية ليست هي المسهلة.

إلاّ أنّ هذا أيضاً واضح البطلان لعدم كون الامور الاعتبارية القانونية في باب المعاملات واقعية ومسألة المصالح والمفاسد والاقتضاءات أيضاً أجنبية عن المسميات القانونية الاعتبارية. هذا مضافاً إلى انّه لو اخذ مفهوم المؤثر فغير محتمل ، ولو اخذ واقعه فمتعدد بحسب الفرض.

ويمكن دفع الاشكال بأنّ الموضوع له هو السبب المؤثر في ترتب الأثر الاعتباري كالمبادلة في الملكية في البيع مثلاً لا بمعنى أخذ مفهوم المؤثر ليلزم المحذور بل بمعنى التمليك أو المبادلة في الملك القانوني.


إلاّ انّ الملكية حيث انها اعتبارية فلا محالة يختلف باختلاف القوانين والأنظمة الحقوقية ، ولكنه من تغير المصداق لا مفهوم البيع تماماً كالمفاهيم الاعتبارية كمفهوم الملك نفسه ، فإنّه موضوع للاختصاص الاعتباري القانوني وهو يختلف من قانون إلى آخر فمن يعتبره في مورد يوجد مصداقاً له ، وعندئذٍ يكون ظاهر أخذه في لسان دليل ارادة المحقق لذلك الأثر القانوني بحسب نظر ذلك القانون لا محالة ، مع كون المعنى اللغوي والمفهوم للفظ واحداً عند الجميع ، فتدبر جيداً.

ص ٢١٣ قوله : ( وهذا التقريب وإن كان أحسن حالاً ... ).

ويمكن ذكر تقريب ثالث حاصله : انّ أدلّة الامضاء للمعاملات حيث انها بصدد الامضاء واثبات الحلية الوضعية لها فيكون هذا المقام بنفسه قرينة على ارادة الأعم أو الصحيح عند العرف لا الصحيح الشرعي ، فإنّه لا يناسب هذا المقام ، وهذا مطلب عرفي ، ولعله إليه يرجع كلمات بعض المحققين كالميرزا 1 فراجعها وتأمل.

وهناك تقريب رابع ذكرناه في بحث المكاسب وجعلناه أحسن التقريبات حاصله : انّه إذا كان مفهوم البيع هو العقد المؤثر في التمليك وانّ ما يعتبره الشارع أو أي قانون وضعي خاص في ترتيب الأثر عليه يرجع إلى ايجاد مصداق الأثر القانوني ولا يرجع إلى المفهوم ، فلا محالة يتم الإطلاق في دليل الامضاء حتى إذا كان اسماً للصحيح ؛ لأنّه لا شك في الاسم والمفهوم ، وإنّما الشك في تحقيق مصداقه من ناحية ترتب الأثر القانوني ودليل الامضاء بنفسه يكون دليلاً على ترتيب الأثر وتحقيق المصداق بحسب الفرض بلسان حلية البيع أو وجوب الوفاء بالعقد. نعم ، لو شك في أخذ خصوصية في مفهوم البيع من غير ناحية


ترتّب الأثر من قبيل كون المبيع عيناً لا منفعةً لم يصح التمسك بالاطلاق للشك في الصدق لا محالة.

ص ٢١٤ قوله : ( ولكنك عرفت ... ).

وحاصل الاشكال على الانحلال انّه إن اريد المسبب الشخصي فقد عرفت انّه السبب لا المسبب القانوني ، وإن اريد المسبب الشرعي فلا انحلال بلحاظه ؛ إذ لو اريد الانحلال بلحاظ أفراده في الخارج فالمفروض الشك في الصحة وبالتالي في وجود المسبب الشرعي خارجاً في مورد الانشاء الفاقد للشرط المشكوك ، وإن اريد الانحلال بلحاظ عالم المفاهيم والحصص المفهومية المضافة إلى الأسباب أي استفادة حلية المسبب الشرعي الحاصل بالمعاطاة والحاصل بالسبب الفلاني ... الخ فهذا واضح البطلان لأنّ الإطلاق ليس جمعاً للقيود وإنّما يعني ملاحظة ذات الطبيعة مجردة عن كل قيد ، وهذا واضح.

ص ٢١٤ قوله : ( وعلى هذا الأساس يتضح وجه عدم الإطلاق اللفظي ... ).

أقول : إذا كان مفاد دليل حلية البيع مجرد الترخيص وإعطاء القدرة لتمّ ما ذكر ، نظير قولنا : ( لا يجوز بيع الصبي ولكن يجوز بيع البالغ ) فإنّه لا إطلاق له بالنسبة إلى شرائط صحّة البيع ، إلاّ انّ الانصاف انّ دليل الامضاء مفاده أكثر من ذلك وهو الامضاء ، والحكم بتحقّق التمليك الذي هو فعل تسبيبي للعاقد فيكون مقتضى إطلاق حليته له إطلاق تحققه بتسبيبه.

فالحاصل : لو كان معنى ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) ( أجاز الله التمليك بعوض ) ـ ولو وضعاً ـ فهذا لا يدلّ على أكثر من التجويز للتمليك بعوض ، وعدم كونه ممنوعاً وضعاً ، فلا إطلاق له بلحاظ شروط تحققه ، وأمّا إذا كان معناه امضاء ما يتسبّب


إليه المتعاقدان ويقصدانه من ايجاد المسبّب الشرعي أو العقلائي أي التمليك بعوض خارجاً ، فسوف يكون التمليك بعوض ملحوظاً بما هو موضوع للحكم بالحلية ، لا بما هو متعلّق فينحلّ الحكم بالحلية الوضعية بلحاظه لا محالة ، ويتكثّر بتكثّر موارد وأسباب التسبّب خارجاً إلى ايجاد ذلك ؛ لأنّ الإطلاق في طرف موضوعات الأحكام وما يؤخذ مفروغاً عنه ليحكم عليه بحكم انحلالي دائماً على ما حققناه في محلّه.

ص ٢١٤ قوله : ( ٣ ـ قصد التسبّب ... ).

قد يقال : لا وجه لاشتراط ذلك زائداً على المدلول التصديقي الذي هو المنشأ والمسبّب الشخصي ، بل مثل الغاصب أو العالم بفساد معاملة شرعاً وعقلائياً كيف يتأتّى منه هذا القصد.

والجواب : انّ المتعاقدين يقصدان جزماً التسبّب إلى تحقق المضمون القانوني المشرّع خارجاً ، وليس مقصودهما مجرّد إنشاء أمر اعتباري مجعول لهما وأجنبي عن المضمون القانوني العرفي أو الشرعي ، والظاهر أنّ الامور الاعتبارية القانونية باعتبارها انشائية فلابدّ من قصد التسبّب إلى إيجادها أو انشائها ، وأمّا إنشاء البيع ونحوه من الغاصب أو العالم بفساده فهو لا ينافي ذلك ؛ لأنّه أيضاً ينشئ ببيعه نفس ما ينشئه الآخرون ويقصد التسبّب إليه رغم كونه غاصباً كما لا يخفى على المتأمل.

ص ٢١٥ قوله : ( وعلى هذا الأساس يتبيّن انّه لا تقابل ... ).

ليس المقصود من وضع أسماء المعاملات للمسببات انّ البيع مثلاً اسم للملكية الحاصلة بعوض ، بل المقصود انّه اسم للتمليك بعوض ، أي ايجاد


الملكية بعوض ، فإذا اريد به المسبب القانوني العقلائي أو الشرعي فلا يكون التمليك حاصلاً إذا كان البيع فاسداً ، بخلاف ما إذا كان اسماً للسبب ، وهذا واضح.

ثمّ انّه قد يقال بأنّ الأسماء موضوعة للمسببات لا الأسباب ؛ لأنّ السبب أمر تكويني وليس انشائياً ، بخلاف المسبّب مع وضوح انّ المعاملات تنشأ فيقال :

( بعت ) بمعنى إنشاء البيع واعتباره ، وهذا لا يكون إلاّإذا كان اسماً للمسبب.

ولوحظ عليه : بأنّ لازمه عدم صحّة إطلاقه على البيع الفاسد ؛ لأنّ أمر المسبّب دائر بين الوجود والعدم ، مع انّه يقال هذا بيع فاسد ، على انّه لو كان اسماً للسبب المؤثر الصحيح ـ كما يقول صاحب الكفاية أيضاً كان انشائياً بمعنى انّه يوجده في مقام الإنشاء بقوله : ( بعت ) نظير قوله : ( آمرك ) في مقام الإنشاء.

وقد يقال بالتفكيك بين ( بعت ) في مقام الانشاء فيكون بمعنى المسبب ، و ( بعت ) في مقام الإخبار كما في قولنا : ( هذا بيع فاسد ) فيكون بمعنى السبب.

ولوحظ عليه : بأنّ هذا لازمه الاشتراك اللفظي ، وهو خلاف الوجدان اللغوي.

وقد اختار السيّد الشهيد أنّها أسامي للمسببات ولكن الأعم من المسبب الشخصي أو القانوني ، وبذلك يكون أمراً انشائياً ، كما انّه يصدق في موارد الاخبار أيضاً على المعاملة الفاسدة لتحقّق المسبب الشخصي فيها وإن لم يتحقّق المسبب القانوني ، بل ادّعى 1 أنّ المسبّب القانوني بحسب نظر العرف المسامحي تطوير للمسبب الشخصي ونموّ له.


وهذا كلام وجيه ، إلاّانّه بحاجة إلى تمحيص ، فإنّه لا إشكال أنّ أسامي المعاملات معانيها حَدَثيَّة وليست جامدة ، فالبيع والايجار والطلاق وغيرها من أسامي المعاملات أسامي للعقود والايقاعات التي هي أفعال انشائية وتعهدات ، وليست اسماً لنفس الأثر المنشأ بانشاء شخصي أو قانوني ، فالبيع معناه التمليك بعوض ، أي ايجاده وانشائه لا نفس الملكية بعوض ، غاية الأمر إذا كان اسماً لايجاد المنشأ والتمليك العقلائي أو الشرعي فلا يصدق على العقد الفاسد ؛ لأنّه لا يوجد فيه ذلك الأثر ، فيدور أمره بين الوجود والعدم وإن كان اسماً لانشاء المسبب الشخصي أو الأعم منه ومن المسبب العقلائي أو الشرعي صدق على العقد الفاسد أيضاً.

وبهذا يتضح انّ دعوى الوضع للمسبّب العقلائي أو الشرعي ـ لا المسبّب الشخصي الذي هو عين السبب ـ يمكن أن يكون نفس دعوى الوضع للسبب المؤثر الذي اختاره صاحب الكفاية إذا قصد بذلك انّه اسم لايجاد المسبب والأثر لا لنفس الانشاء بقيوده المؤثرة من دون ملاحظة حيثية ايجاد ذلك الأثر.

كما انّ دعوى الوضع للمسبب الشخصي أو الأعم منه ومن العقلائي والشرعي يمكن أن يكون نفس دعوى الوضع للسبب الأعم ؛ لأنّ المراد بالسبب الانشاء والمنشأ معاً. وهذا يعني انّ البحث عن الوضع للمسببات أو للأسباب يكون عبارة اخرى عن البحث عن الوضع للصحيح أو الأعم وليس بحثاً آخر.

كما يظهر أيضاً انّ المنشأ بقوله : ( بعت ) ليس هو نفس الأثر بل ايجاده وانشائه ، أي العقد والتعهد ، فكأنّه قال : أتعهّد واعتبر بحيث يكون السبب أي الانشاء والايجاد مستبطناً في مادة البيع ؛ لأنّه يتحقق به بحسب الحقيقة ، وإلّإ


يلزم تعدّد معنى المادة في الانشاء والاخبار وهو خلاف الوجدان اللغوي الذي أشرنا إليه.

كما أنّ هناك نكتة اخرى لا بأس بالإشارة إليها ، هي أنّ العقود والمعاملات كما تصدق على السبب حدوثاً بلحاظ ما يوجد من الأثر كذلك تصدق عليه بقاءً إذا كان مؤثراً وصحيحاً ، حيث انّ العرف يلغي البعد التكويني للانشاء والتعهد ويلحظ البعد الاعتباري والانشائي فيه ، ويحتفظ به إذا كان موضوعاً للأثر وصحيحاً ، فيقال : ( البيع باق ما لم يفسخه المتعاقدان ).

نعم ، هذه التوسعة غير ثابتة في مورد العقد الفاسد ، وهذا قد يجعل دليلاً على الوضع للسبب المؤثر قانوناً ، أي ايجاد المسبب القانوني كما اختاره صاحب الكفاية ، ويكون اطلاقه على ايجاد المسبب الشخصي غير المؤثر قانوناً من باب المجاز ، أو لأنّه بيع بلحاظ نظره واعتباره الشخصي إذا اعتبرنا أنّ للُامور الاعتبارية مفهوماً واحداً والاختلاف في ايجاد المصداق حسب اختلاف الانظار الاعتبارية.


الحروف

ص ٢٣٥ قوله : ( وإذا تمّ هذا الجواب أمكن على ضوئه ... ).

بل لا يمكن ؛ لأنّ المناسبة المصحّحة للاستعمال يكفي فيها ما هو أقل من ذلك ، فحتى اللفظ المهمل يصحّ استعماله بمناسبة كاستعماله في نفسه في مثل ( ديز لفظ ). بينما في المقام لا يصح بل لا يمكن استعمال أحدهما مكان الآخر حيث تختل القضية المعقولة ولا تتشكل أصلاً ، وهذا يكشف عن تباين المعنى ، وهذا هو مقصود الميرزا 1. وهو برهان واضح في دفع مقالة الخراساني 1.

وإن شئت قلت : انّ حاق اشكال الميرزا 1 ليس هو غلطية الاستعمال بمعنى عدم المجازية أو ركتها بل عدم امكان استعمال الاسم مكان الحرف وبالعكس حتى بنحو ركيك مما يعني انّ الفرق بينهما ذاتي وأعمق من مسألة عدم المناسبة.

ثمّ انّ في بعض الكلمات صور اشتراط الواضع بنحو ثالث غير النحوين المذكورين في الكتاب ، وحاصله : ربط اللحاظ الآلي والاستقلالي بالموضوع له لكن لا بنحو التقييد بل بنحو يكون الموضوع له في الحرف هو ذات المعنى ولكن في حال تعلّق اللحاظ الآلي به وفي الاسم أيضاً ذات المعنى في حال تعلّق اللحاظ الاستقلالي به ، فالموضوع له هو الذات ونفس الماهية بلا دخل للتخصص الخاص فيه وإن كان طرف العلقة هو المتخصص لكن بذاته ، فاللحاظ الآلي أو الاستقلالي خارج عن الموضوع له ولكنه لازم له لا ينفك عنه ، ونظيره ثابت في مثل حمل نوع على الإنسان في قولنا ( الإنسان نوع ) فإنّ الموضوع


والمحمول عليه إنّما هو الماهية بنفسها بلا دخل للحاظ فيه مع انّ اللحاظ لا ينفك عنه ، إذ حمل النوع على الإنسان أو غيره موطنه الذهن إذ لا يصح حمل النوع على الإنسان الخارجي ، ومعه لا ينفك المحمول عليه عن اللحاظ ، وظاهر انّ ما يحمل عليه النوع هو نفس الماهية بلا تقييدها باللحاظ ؛ إذ المقيدة باللحاظ جزئي ذهني لا نوع فكيف يصح حمل نوع عليها مقيدة باللحاظ (١).

وهذا كلام غريب ؛ إذ يرد عليه بأنّ حمل النوع على الإنسان حمل على ماهية الإنسان الملحوظة بالحمل الأولي لا بالحمل الشائع الصناعي ، أي بما هي مفهوم الإنسان وذات لا بما هي طبيعة في الخارج نظير قولنا : ( الإنسان كلّي ) أي مفهومه كلّي ، وهذان ملحوظان ذهنيان متباينان لا محالة ، فكذلك في المقام اللحاظ الآلي والاستقلالي إذا أوجبا تبايناً في المفهوم الملحوظ بكل منهما اختلف وتباين المعنى الحرفي عن الاسمي ذاتاً ، وإلاّ لم يكن طرف العلقة المتخصّص ، بل ذات المعنى الملحوظ والخصوصية اللحاظية خارجة عنه كما هو في سائر المعاني.

ص ٢٣٧ قوله : ( الصحيح في تفنيد هذا الاتجاه ... ).

بل الصحيح في تفنيده ما تقدّم من الميرزا من عدم لزوم امتثال شرط الواضع وعدم إمكان تقييد العلقة الوضعية ، وعدم امكان استعمال أحدهما مكان الآخر بما له من المعنى مما يكشف عن اختلافهما ذاتاً.

إلاّ انّه لابد وأن يعلم أنّ هذا التباين الذاتي لا يرجع إلى عالم تحديد المفهوم بل تحليله يعني أنّ ( الظرفية ) و ( في ) ليس الفرق بينهما من حيث خصوصية

__________________

(١) منتقى الاصول ج ١ ص ٩٢.


مفهومية بحيث يكون في أحدهما مفهوم زائد على الآخر أو مباين ، بل الفرق بينهما كالفرق بين المفهوم والمصداق وكالفرق بين مفهوم الجزئي وواقع الجزئي حيث انّ مفهوم الجزئي يُري حيثية الجزئية لا شيء آخر ، إلاّ انّه بنفسه ليس جزئياً بل كلي ، فكذلك مفهوم النسبة وواقعها فالحرف موضوع لواقع الارتباط بين المفاهيم بأنحائها والمفاهيم الاسمية المعادلة لها منتزعة عنها انتزاعها يباينها من حيث الذات وإن كانت تحكي نفس الحيثية فهي ليست نسباً وإن كانت تحكيها.

ص ٢٣٩ قوله 1 : ( ٣ ـ اننا نلاحظ ثلاث نسب ... ).

هذا روح البرهان على انّ النسب والمعاني الحرفية لا تقرر ما هوي ولا جامع ذاتي لها لكي يكون قابللاً للوجود الذهني تارة والخارجي اخرى كما في المعاني الاسمية فلا محالة تكون ايجادية لا اخطارية.

وحاصل البرهان : انّ النسبة متقومة بشخص وجود طرفيها فإذا لم يجرد عن ذلك لم يمكن انتزاع الجامع ، ومع التجريد لها عنهما تنتفي النسبة لانتفاء مقومها الذاتي ، فلا محالة يكون لحاظها الذهني من خلال وجود طرفين لها في الذهن ، وهما الوجودان الذهنيان للطرفين ، فلا محالة تكون نسبة اخرى مماثلة للنسبة الخارجية لا نفسها ولا ماهية منتزعة عنها بل نسبتها اليها نسبة الفرد إلى الفرد والمصداق إلى المصداق.

وهذا البرهان سوف يرجع عن نتيجتها السيد الشهيد 1 بمعنى انّه يقضي أن تكون في الذهن مصداق النسبة وواقع النسبة الظرفية مثلاً أو الاستعلائية أو الابتدائية ، وحيث انّ ذلك محال وجودها في الذهن بل لا معنى لكون مفهوم أو وجود ذهني ظرفاً لوجود ذهني آخر وأيّة نسبة واقعية اخرى في الذهن لا ربط


لها بالظرفية لا صلاحية لها لكي تحكي عن الظرفية الخارجية التي هي مدلول الحروف على كل حال ، فمن هنا اختار السيد الشهيد فيما يأتي أنّ النسب الحرفية التي لها ما بأزاء في الخارج تحليلية في الذهن لا واقعية ، وإلاّ فليس في الذهن إلاّصورة وحدانية للحصة الخاصة ، ومن هنا يلتقي هذا المسلك مع مسلك السيد الخوئي القائل بوضع الحروف للتحصيص. والواقع انّ هذا المنهج لا يمكن المساعدة عليه ، إذ كل من البرهان والنتيجة المنتهى اليها غير قابل للقبول.

أمّا البرهان : فيمكن الإجابة عليه بأنّ النسب وإن كانت متقومة بطرفيها في وجودها الواقعي وبالحمل الشائع سواء كان في الخارج ـ كما في النسب الخارجية بين الأشياء ـ أو في الذهن كما في النسب الواقعية في الذهن بين وجودين ذهنيين ، إلاّ انّ هذا لا يعني عدم امكان لحاظ النسبة الخارجية بلحاظ تصوري يكون جامعاً ذاتياً ماهوياً لها أعم من شخص النسبة الخارجية وشخص طرفيها. بل يمكن ذلك فيها أيضاً كما في المعاني الاسمية.

والوجه في ذلك انّ النسبة ـ واقع النسبة ـ كالظرفية بين الماء والكوز وجودها الخارجي العيني متقوم بشخص وجود الطرفين إلاّ انّ ذلك ليس مقوماً للحاظ النسبة الظرفية الواقعية بل المقوم للحاظها الماهوي اللحاظ الماهوي لطرفيها الذي هو كلي أيضاً ، فلا يعقل لحاظها بلا طرفين ولكن لا يشترط في لحاظها وجود الطرفين بل يكفي لحاظ مفهوم الطرفين ولو الكلي والجامع كلحاظ جامع الماء وجامع الكوز والظرفية بينهما في قولنا : الماء في الكوز ، ولهذا تكون هذه الجملة الناقصة جامعاً قابلاً للصدق على كل ماءٍ في الكوز ، ومن هنا قيل أيضاً بأنّ المعاني الحرفية كلية وليست جزئية حقيقية وإنّما جزئيتها بمعنى نسبيتها واحتياجها إلى الأطراف.


وتمام الفذلكة في ذلك أنّ النسبة الخارجية كالأعراض والأوصاف الخارجية الاخرى وإن كانت متقومة بالوجود الشخصي لطرفيها ولمعروضها إلاّانها تضاف إلى الموجود بذلك الوجود وتنسب له ؛ فكما انّ البياض العارض على الجسم الخارجي أو الذي هو حد له يعتبر وصفاً متقوماً بشخص ذلك الجسم الخارجي ولكنه مع ذلك في عالم اللحاظ مضاف إلى الجسم الأبيض كذلك نسبة الظرفية أو الاستعلائية أو الابتدائية تعرض على الطرفين كالماء والكوز ، وترى في عالم اللحاظ والتجريد والانتزاع الذهني نسبة بين الموجودين لا الوجودين العينيين كيف وواقع الوجود العيني غير قابل للادراك واللحاظ أصلاً ، ومن هنا يكون لحاظ النسبة الظرفية متقوماً بلحاظ مفهوم طرفيها الشخصيين أو الكليين وتلحظ من خلال لحاظهما حقيقة فيكون كيفيّة انتزاع الجامع الذاتي الماهوي للنسبة الظرفية الخارجية من خلال لحاظ الطرفين وهما مفهوم الماء والكوز والنسبة الظرفية بينهما بنحو يكون أحدهما ظرفاً للآخر فتلحظ نسبة الظرفية بذلك حقيقة.

وهذا يصلح أن يكون جامعاً ذاتياً لكل ظرفية بين طبيعي الماء والكوز إذا كان الطرفان كلّيين. نعم ، ليست هذه الظرفية نسبة لغير الماء والكوز من المظروفات الاخرى ، إلاّ انّ هذا من جهة عدم استقلاليتها عن الطرفين لا من جهة عدم كونها ذات النسبة الظرفية ولا مشاحة في الاصطلاح ؛ إذ ليس البحث عن مصطلح الجامع الذاتي عند المنطقيين.

وهذا معناه انّ النسبة مفهوم اخطاري ، إلاّ انّ اخطاريتها متوقف على لحاظ طرفيها ومقيدة في الصدق بهما لا محالة ، بخلاف المعاني الاسمية ، وامّا مفهوم الظرفية الاسمي فهو مفهوم عرضي مشير لا غير كمفهوم بعض المبهمات وليس


خطور نسبة الظرفية ضمن الماء والكوز في الذهن بمعنى وجود النسبة في الذهن بل بمعنى خطورها كخطور المعاني الاسمية الاخرى غايته خطور بالغير ومتوقف على خطور الطرفين لها ، وإلاّ لا يعقل خطورها ولحاظ حقيقتها وهي خطور للنسبة القائمة بين المفهومين للطرفين في الذهن لا الوجودين الذهنيين للطرفين في الذهن ليتوهم كونها نسبة بالحمل الشائع في الذهن.

وبهذا البيان يظهر الجواب على ما جاء في ص ٢٥٥ فراجع وتأمل.

وأمّا النتيجة التي انتهى اليها السيد الشهيد 1 في مقام التخلص عن اشكال امتناع وجود نسبة الظرفية أو الاستعلائية أو غيرها في الذهن وبين المفاهيم من كونها نسبة تحليلية فأيضاً غير قابل للقبول لوجدانية انّ الملحوظ في الذهن مفاهيم ثلاثة من طرفين ونسبة الظرفية بينهما وليس مفهوماً واحداً مضيقاً أو مجملاً لا لحاظ لتفاصيله ، وامّا انّ الوجود الذهني لهذه المفاهيم الثلاثة كيف يكون وهل يكون على شكل ثلاثة وجودات وأعراض في عالم النفس أو على شكل وجود وعرض واحد فذاك خارج عن البحث اللغوي ومربوط بحقيقة الوجود الذهني من الناحية الفلسفية كما لا يخفى.

وهكذا يتضح اننا في المعنى الحرفي نسلك مسلك الاخطارية لحقيقتها كسائر المعاني ، إلاّأنّها في نفس الوقت تكون آلية بمعنى أنّه سنخ معنى لا يمكن خطوره في الذهن إلاّمن خلال خطور مفاهيم أطرافه ، بخلاف المعاني الاسمية وتكون في الصدق مقيدة بهما أيضاً ، وهذا هو روح الفرق بينهما لا الايجادية ، فحرف ( في ) مثلاً موضوع لمفهوم النسبة الظرفية لا لوجودها الخارجي أو الذهني غير المعقول ، وهو مفهوم اخطاري إلاّ انّ هذا المفهوم لا يمكن أن يلحظ إلاّ من خلال لحاظ الطرفين ، أمّا مفهوم الظرفية الاسمي فهو مفهوم عرضي يشير


إلى جامع ذلك المعنى الحرفي النسبي مع قطع النظر عن طرفيه ، ومن هنا يكون اسمياً لا نسبياً ، وإنّما كان عرضياً لأنّه كمفهوم الجزئي ليس مصداقاً لطبيعة نفسه ، فنقصان المعاني الحرفية أو آليتها من حيث انّ اخطارها في الذهن يتوقف على اخطار أطرافها بخلاف المعاني الاسمية وليست هذه تساوق الايجادية أو وجود تلك النسبة بالحمل الشائع في الذهن كما في كلمات الأصحاب في المقام ، فراجع وتأمل.

ص ٢٥١ قوله : ( ٤ ـ وضع الحروف للأعراض النسبية ... ).

الواقع انّ ما يذكره المحقق طبق الوجدان من حيث انّ الحروف وإن كانت معانيها ربطية بالحمل الشايع إلاّأنّها ذات خصائص مختلفة ومتمايزة فيما بينها ، فليست لمطلق الربط بالمعنى الشائع ، فالنسبة الظرفية والنسبة الاستعلائية والابتدائية وهكذا تستفاد من الحروف ، وهذا وجداني ، وحيث لا تقرر ماهوي ولا جامع ذاتي لحاظي للمفاهيم الربطية بالحمل الشائع فهذا التباين المفهومي بين النسب من أين ينشأ؟ فلابد إمّا من القول باختلاف معاني النسب والربط بالحمل الشائع رغم عدم تقرر ماهوي لها ـ وهذا خلاف البرهان المتقدم في حقيقة النسبة ـ أو القول بكونها منتزعة بلحاظ أطراف النسبة التي هي معاني اسمية وهو خلاف الوجدان من استفادتها من دلالة الحروف لا أطرافها ، أو القول بأخذها ولو ضمناً في المعنى الحرفي زائداً على واقع الربط والنسبة الذي لا ماهية ولا جامع ذاتي له ، وهو مطلب المحقق العراقي 1. والحاصل : هذا الوجدان يثبت ما اخترناه من انّ المعاني الحرفية النسبية اخطارية في الذهن وليست ايجادية ، فهي تخطر خصوصية النسبة في الذهن لا محالة.


الهيئات

ص ٢٦٨ قوله : ( كيف تكون النسبة ناقصة أو تامة؟ ... ).

البحث تارة عن نكتة التمامية والنقصان في النسب التركيبية ، واخرى عن الفرق بين النسب التامة الاسمية والفعلية ، وثالثة عن الفرق بين الخبرية والانشائية ( الخبر والانشاء ) ، ورابعة عن أقسام النسب الناقصة والفروق فيما بينها.

هذه أهم الجهات المبحوثة في الكتاب ، ولكن مع شيء من التشويش والاضطراب.

أمّا البحث الأوّل ـ وهو بحث مهم لم يتعرّض له بشكل مستوعب في كلمات الأصحاب ، فالمستفاد من مجموع الكلمات انّ هناك ثلاث مسالك في توضيح الفرق بين النسب التامة التي يصحّ السكوت عليها والنسب الناقصة التي لا يصح السكوت عليها.

الأوّل ـ ما ذهب إليه السيد الخوئي 1 من انّ الجملة التامة تدل على قصد الحكاية أي نفس الحكاية والأخبار أو الانشاء وابراز الاعتبار النفساني ، بخلاف النسب الناقصة الدالة على التحصيص.

وقد بناه على مسلكه في الوضع وانّه التعهد وانّ التعهد لابدّ وأن يكون أمراً اختيارياً وهو قصد الاخبار أو الانشاء.


ويلاحظ عليه ما ذكره السيد الشهيد :

١ ـ انّ التحصيص إنّما يكون في طول النسبة ولا يعقل من دونها كما ذكرناه في معاني الحروف.

٢ ـ أنّ التحصيص أو النسبة في الجمل الناقصة والحروف أيضاً أمر غير اختياري ، فعلى مسلك التعهد يرد الاشكال فيه أيضاً.

٣ ـ أنّ المدلول التصديقي الاختياري في الجميع واحد وهو قصد الاخطار والذي هو المدلول التصديقي الأوّل ـ أي الاستعمالي ـ وأمّا الأخبار والانشاء فهما مدلولأنّ تصديقيان جديان ، والدال عليهما دائماً الظهورات الحالية السياقية لا الوضع بشهادة صحة الاستعمال في موارد الهزل وعدم الجدّ.

والظاهر أنّ السيد الخوئي إنّما ربط الدلالة في الجمل التامة بالمدلول الجدي والتصديقي الثاني لكي يستطيع أن يفسّر بذلك التمامية والنقصان ؛ لأنّ قصد الاخطار مشترك بين النسب الناقصة والتامة معاً ، فلا يمكن أن يكون مفرّقاً بينهما.

إلاّ انّ هذا الالتجاء واضح الضعف كما عرفت.

بل حتى إذا فرض إمكان التفرقة بينها في الجمل التامة المقصود منها الإخبار أو الانشاء فماذا يقال في موارد ورود الاستفهام على الجملة التامة ، كقولك : ( هل زيد قائم ) أو غير ذلك كقولك : ( أخبرني زيداً أنّ عمراً قائم ) مما لا يكون فيه مدلول جدي ولا قصد الإخبار بازاء النسبة التامة وإنّما القصد الجدي بازاء الاستفهام أو اخبار زيد.


مع انّه لا يمكن استعمال الناقصة في موردها مكان النسبة التامة مما يعني ثبوت فرق بينهما مع قطع النظر عن مرحلة المدلول التصديقي الجدي أي قصد الإخبار أو الانشاء ، فلابد من بيان وجه للفرق بينهما على مستوى المدلول التصوري لكل منهما.

الثاني ـ ما نسب إلى المشهور وهو ظاهر عبارات المحقق العراقي 1 المتعرض لهذا البحث بشيء من العناية ، وحاصله : أنّ الجملة الناقصة تدل على النسبة في ذاتها وفي نفسها ، بينما الجملة التامة تدل على ايقاع النسبة أو انّ الجملة الناقصة تحكي عن النسبة في نفسها بينما الجملة التامة تحكي عن النسبة بلحاظ وجودها.

وفي تعبير آخر عن المشهور : أنّ الجملة التامة تدل على ثبوت النسبة وتحققها أو عدم ثبوتها وعدم تحققها.

والمستفاد من هذه الكلمات أنّ النسبة واحدة في الجملتين ، فمثلاً ( زيد العالم ) و ( زيد عالم ) النسبة واحدة فيهما إلاّ انّه في إحداهما يلحظ ايقاعها أو ثبوتها أو لا ثبوتها ، وفي الاخرى تلحظ بنفسها ، وحيث انّ الايقاع أو الثبوت واللاثبوت يمكن تعلّق التصديق به أو تكون نتيجة مفيدة للسامع فيصح السكوت عليه فتكون تامة ، بخلاف الناقصة.

وهذا التفسير أيضاً غير تام :

أوّلاً : لما سوف يأتي من تغاير النسبتين ذاتاً.

ثانياً : لو كانت النسبة واحدة والاختلاف في لحاظ الثبوت أو الايقاع معها


وعدمه لكان اللازم إمكان استعمال إحداهما مكان الاخرى مع اضافة الايقاع أو الثبوت واللاثبوت اليها ، مع انّه ليس كذلك ، بل قد لا يكون لحاظ الايقاع أو الثبوت والتحقق في الجملة التامة الواقعة في سياق الاستفهام أو مدلول تصديقي آخر كما ذكرنا في النقض على السيد الخوئي.

وثالثاً : ـ وهو المهم ـ انّ المقصود من الايقاع أو الثبوت والتحقق إن كان مفهوم ذلك فمن الواضح انّ مفهوم الايقاع أو الثبوت والتحقق غير مفاد بالجملة التامة ، وليس هذا المفهوم إلاّمفهوماً افرادياً آخر اضافته إلى مفاد النسبة لا توجب تغييراً في محتواها ، وإن اريد واقع الثبوت والايقاع فمن الواضح أنّ واقع الثبوت أمر تصديقي خارجي لا يمكن أخذه في معاني الألفاظ ، إذ الألفاظ موضوعة لذوات المعاني مع قطع النظر عن وقوعها في الخارج أو الذهن ، وهذا مسلم لدى الكل.

فهذا التفسير أيضاً لا يبرز فذلكة الفرق بين النسبتين.

الثالث ـ ما ذكره السيد الشهيد الصدر 1 ، وللسيد الشهيد 1 تعبيران :

١ ـ انّ الجملة الناقصة مفادها النسبة التحليلية الذهنية ، والجملة التامة مفادها نسبة واقعية موطنها في الذهن ، وبتعبير آخر كل نسبة موطنها عالم الوجود والعين تأتي إلى الذهن على شكل نسبة ناقصة تحليلية غير واقعية لعدم إمكان ذلك في عالم الذهن والمفاهيم ، فالذي يرد دائماً مفهوم افرادي يمكن تحليله إلى طرفين ونسبة وكل نسبة موطنها الذهن لا الخارج ـ كالنسبة التصادقية والانشائيات ، إذ ليس في الخارج نسبة ومنتسبين ولا انشاء ـ فهي نسبة تامة والنسبة الوصفية أيضاً منتزعة طولياً عن عالم الذهن بما هو عين فيكون كانتزاع


النسبة عن الخارج تحليلياً.

والنقض بالنسب الناقصة في موارد العطف والاضراب اجيب عليه بأنّ تلك النسب تامة يصح السكوت عليها ولكن مع ملاحظة أطرافها الاخرى من المعطوف والحكم المعطوف بلحاظه.

إلاّ انّ هذا الجواب واضح الدفع لأنّ الموجود هنا هيئة تامة تتألف بين المعطوف والحكم وهي الدالة على النسبة التامة وأداة العطف أو الاضراب الدال على معنى زايد ليس له ما بازاء في الخارج مع انّه ليس تاماً مما يعني انّ مجرد كون النسبة أو الحالة واقعية في الذهن أو موطنها في عالم المفاهيم لا يكون هو مصدر التمامية بل أساساً لا معنى لأن نربط التمامية بحالة واقعية في الذهن فلماذا تكون الواقعية الذهنية موجبةً للتمامية؟ وهل هذا أمر تعبدي؟

هذا مضافاً إلى أنّ النسب التامة لها حكاية عن الخارج وليست حالات ذهنية فقط ، صحيح انّه ليس في الخارج طرفان ونسبة إلاّ انّ تصادق الموضوع والمحمول واتحادهما في الخارج أمر واقعي وليس مجرد نسبة موطنها الذهن كالاضراب والعطف ، فلابد من إبراز الفرق بين الجملة الناقصة والتامة على مستوى المتصوّر والمحكي بالذات مع قطع النظر عن خصوصيات نفس المفهوم وعالم الوجود الذهني ، وهذا واضح ، والبيان المذكور لا يوضح ذلك بوجه أصلاً.

٢ ـ التقريب الثاني ـ ما يستفاد من عبارات السيد الشهيد في ( ص ٢٨٩ ) في بحث الفرق الدقيق بين الخبر والانشاء من انّ النسبة التامة لها ركن ثالث وهو الوعاء والظرف الخارج عن الذهن والذي يلحظ التصادق أو غيره من


النسب في ذلك الوعاء وهو وعاء التحقق أو التمني أو الترجي أو الطلب إلى غير ذلك. وهذا يعني انّ حقيقة النسبة المفادة بالجملة التامة هي ملاحظة أطرافها فانية في خارج الذهن بنحو التصادق أو غير ذلك.

وهذا الاتحاد والتصادق وإن كان أمراً واقعياً ثابتاً في الخارج وإلاّ لم تصح الحكاية عنه بالجملة التامّة إلاّ انّه في الخارج ليست نسبة وإنّما تكون نسبة في الذهن حينما نجرّد وننتزع مفهومين عن الذات الخارجية التي لها العلم مثلاً فنقول : ( زيد عالم ) فالنسبة تتشكل بين المفهومين في الذهن ، وهذا بخلاف النسب الناقصة التي تكون في الخارج.

وبتعبير آخر : في موارد الجمل التامة يوجد لحاظ غير موجود في الجملة الناقصة وهو الإشارة بالمفهوم إلى خارج عالم الذهن والتصور امّا للحكاية عنه أو لانشاء شيء فيه ، وهذه الإشارة والفعالية الذهنية بلحاظ ما وراء الذهن غير موجود في النسب الناقصة ، وهذا يغير من حقيقة النسبة ذاتاً وجوهراً من حيث انّ النسب الناقصة كالحروف والهيئات الافرادية مفاهيم مركبة أو محصصة ليس إلاّ ـ سواء قلنا باخطارية النسب الخارجية في الذهن كما هو الصحيح أو ايجاديتها وتحليليتها. وقد تقدم هذا البحث في المعنى الحرفي ـ.

وإن شئت قلت : أنّ كلّ نسبة بين شيئين ينتزع الذهن تصوراً عنها وتكون النسبة قبل التصوّر فهي ناقصة وتحليلية ، أي تأتي إلى الذهن كمفهوم افرادي محصّص لأنّ طرفها منتسب ومتقيّد بتلك النسبة فلا ينتقش في الذهن إلاّ محصّصاً كالجامع المقيّد ضمن الفرد ، وهذا هو معنى التحليلية هنا.

وأمّا النسب التامة فليست مفاهم ولا نسب مفهومية في نفسها وإنّما فعالية ذهنية واشارة بالمفاهيم إلى وعاء خارج الذهن اخباراً أو انشاءً.


وإن شئت قلت : انّها نسبة في طول انتزاع الطرفين وتصوّرهما مستقلاًّ ومطلقاً في الذهن ؛ ولهذا لا يتحقّق تحصيص لطرفيها في الذهن ، ومن هنا يكون موطن هذه النسبة في الذهن ، وتكون نسبة واقعية بين مفهومين ؛ لأنّ تصوّر الطرفين قبل النسبة فيستحيل تحصّصهما وخروجهما عن التصوّر المطلق إلى الحصّة ، فكلّما كانت النسبة في طول تصوّر طرفيها كانت واقعية وكان طرفاها مستقلّين مطلقين وكان موطنها الذهن ، وبهذا نستطيع أن نجمع بين البيانين للسيّد الشهيد 1 ، كما انّه بذلك يندفع النقض على البيان الأوّل بالنسبة الوصفيّة الناقصة والتي لا موطن لها في الخارج وليست منتزعة وجداناً من عالم الذهن ، بل كالنسبة الخبرية منتزعة من الخارج ، وكذلك النقض بالنسبة التامة الواقعة صلة أو وصفاً لموصوف بنحو النسبة الناقصة ، فإنّ هذه الموارد كلّها تكون النسبة فيها قبل التصوّر ، والتصوّر متعلّق بالمنتسب فيكون مفهوماً افرادياً مضيّقاً لا محالة.

وهذا هو التحليل الفني لما قاله المشهور من أنّ النسب التامة ايقاعية أو لوحظ فيه تحقق النسبة وثبوتها أو لا ثبوتها ؛ ولهذا يصحّ السكوت عليها ، كما يمكن التصديق بها ، بخلاف الناقصة فإنّها لا تحكي إلاّمفهوماً افرادياً.

ص ٢٧٢ قوله : ( الجملة الخبرية الفعلية ... ).

ما هو ظاهر العبائر لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ كون النسبة التامة موطنها الذهن لا يستلزم أن نرجعها إلى النسبة التصادقية دائماً ، بل التمامية والنقصان ينشآن من الإشارة بالمفاهيم الذهنية إلى وعاء التحقّق والثبوت خارج عالم الذهن وكيفية افنائها وتطبيقها فيه.

ووعاء التحقق والثبوت أعم من اتحاد شيء مع شيء المعبّر عنه بالنسبة التصادقية أو بثبوت شيء لشيء ، أو تحقق حالة في شيء كما في الماء في


الكوز فإنّ الإشارة فيه إلى مظروفية الماء في الكوز وثبوت هذه الهيئة والنسبة الظرفية للماء خارجاً ، لا اتحاد الماء مع ما هو كائن في الكوز ـ كما هو ظاهر الكتاب ـ أو تكون النسبة إشارة إلى تحقق الفعل وصيرورته في الخارج كما في ( ضرب زيد ) فإنّ الإشارة إلى خارج الذهن هنا مركزه ومصبه واقعية الفعل وتحققه وصيرورته لا الاتحاد والتصادق بين شيئين ـ كما هو ظاهر الكتاب ـ.

فالحاصل وعاء خارج الذهن والواقعية التي هي قوام الجمل الخبرية التامة أعم من التصادق بين مفهومين أو تحقق هيئة أو نسبة ناقصة في شيء أو تحقق حركة لمسمّى ، والذي هو المناسب لتحقق الفعل وواقعيته كما في الجمل الفعلية.

كما أنّ الفرق بين ( زيد ضرب ) و ( ضرب زيد ) أنّ الاولى تحكي تحقق حركة الضرب من زيد بينما الثانية تحكي تحقق حركة الضرب في الخارج فاعله زيد ، فمركز الإخبار والإشارة يختلف فيهما.

وبهذا أيضاً يمكن أن يفسر عدم صحة زيد وعمر ضرب بل ضرباً ؛ لأنّ مركز الحكاية إذا كان هو زيد وعمر في الجملة الاولى الاسمية واريد الإخبار والحكاية عن صفة أو حركة لهما فلابد من ملاحظتهما معاً فلابدّ من التثنية في الفعل أيضاً بخلاف ضرب زيد وعمر ... لأنّ مركز الإخبار تحقق حركة الضرب والفعل في الخارج امّا من يكون فاعله وانّه متعدد أو واحد فلا أثر له في الإخبار عن تحقق حركة الفعل وصيرورته في الخارج ، والله الهادي للصواب.

ص ٢٨٨ قوله : ( ٣ ـ الجمل التامة الانشائية ... ).

لا ينبغي الاشكال في انّ الانشائية والاخبارية إنّما تكون بلحاظ المدلول التام فالمداليل والنسب الناقصة لا تتصف بالانشائية والاخبارية.


كما انّه لا ينبغي الشك في انحفاظ الفرق بين الجملة الانشائية والاخبارية بلحاظ مرحلة المدلول التصوري بناءً على ما هو الصحيح من انّ المداليل التصديقية خارجة من المداليل الوضعية والاستعمالية ، ولهذا نجد وجداناً الفرق بين الجملتين حتى إذا سمعناهما من لافظ غير ذي شعور.

ولا اشكال أيضاً في عدم صحّة الانشائية بالمعنى الأوّل أي ايجاد المعنى باللفظ لا في المعاني التكوينية ولا التشريعية ، فإنّ اللفظ ليس من مبادىء شيء منهما.

ولا يصحّ أيضاً تفسير الانشائية بلحاظ ما سيتولد في طول الكلام من مصداق المعنى خارجاً سواء كان تكوينياً كالطلب أم اعتبارياً كالعقود والايقاعات ؛ لأنّ هذا المصداق إنّما يوجد في طول الاستعمال للفظ في معناه متأخراً عنه فلابد من ثبوت المعنى المستعمل فيه في المرتبة السابقة وهو معنى اخطاري لا محالة وليس ايجادياً ومجرد العلم بأنّه سيوجد مصداق له خارجاً في طول اخطاره في ذهن المخاطب لا يخرجه عن الاخبارية والاخطارية كما إذا علم انّه في طول اخطار معنى سيوجد مصداق له في الخارج أيضاً ، على انّ هذا المعنى لا يتم في جميع المعاني الانشائية وإنّما قد يتم في مثل الطلب والعقود.

وعليه فلابد من تفسير للانشائية يجمع كل هذه الوجدانات.

والذي يخطر ببالي القاصر : انّ الذهن له وظيفتان كلتاهما في مرحلة المدلول التصوري :

١ ـ وظيفة التصور للمفاهيم والمعاني في نفسها سواء كانت افرادية أو نسبية


ناقصة أو نسبية تامة بالمعنى المتقدم لها.

٢ ـ وظيفة التوجه والتعامل الذهني مع المدرك التصوري من تصديق واذعان به أو استفهام عنه أو ترج أو تمنٍ أو طلب أو الفات ونداء ونحو ذلك ، فإنّ هذه الأعمال والفعاليات الذهنية لحاظية ، أي مفهومة وملحوظة تصوراً من قبل النفس ، لكن لا بلحاظ تصوري مستقل بأن تنطبع صورتها في الذهن ، بل بأن يتحقق واقعها فيه ، فهو حاضر لديه وملتفت إليه بالعلم الحضوري.

وإن شئت قلت : انها من خصائص النسبة التصورية المنطبعة عن الخارج في الذهن أو نحو من وجودها فيه ، والغرض اللغوي يقتضي الوضع بأزائها أيضاً ، فالتجرد عن أدوات الانشاء أو لفظة ( است ) و ( استين ) في اللغات الاخرى موضوعة للدلالة على الفعالية الذهنية الاولى أعني الإخبار عن تحقق النسبة التصادقية وواقعيتها والأدوات الاخرى الانشائية كل منهما موضوعة لواحدة من تلك الفعاليات وهذه الفعاليات بعضها تتعلّق بالنسبة التصورية ـ التصادقية ـ كالاخبار والاستفهام والترجي والتمني ولهذا تدخل عليها ، وبعضها لا تحتاج إلى النسبة التصادقية أو متعلق بالنسبة الفعلية أو المفهوم الافرادي كالنداء والطلب.

ولعلّ هذا هو روح مقصود السيد الشهيد 1 فيما سيأتي من انّ الاختلاف راجع إلى وعاء التحقق والطلب والاستفهام ونحوه بقرينة قوله في الذيل ( وإن شئت قلت حصص مختلفة من النسبة التصادقية في الذهن ... ) فالانشائية والاخبارية راجعتان إلى كيفية لحاظ النسبة التصورية في الذهن وكونها في موقع التصديق بها أو الاستفهام عنها أو نحو ذلك.


وإن شئت قلت : انّ الاستجابة الذهنية التصورية الحاصلة بأدوات الانشاء تختلف عن الاستجابة الذهنية الحاصلة بأدوات الاخبار ، ففي مورد الطلب مثلاً يحس السامع ذهنياً باستجابة الدفع والارسال كما لو دفعه شخص ، وفي مورد النداء استجابة النداء والترجي والرجاء وهكذا ... ومن هنا قيل انها ايجاد المعنى باللفظ ، وفي موارد الاخبار تكون الاستجابة استجابة ارائة شيء في الواقع والحكاية عنه ، وكل هذه الاستجابات الذهنية في مرحلة التصوّر ، أي ليست متقوّمة بوجود مدلول تصديقي ؛ ولهذا تحصل في الذهن حتى إذا سمعت الجملة الخبرية أو الانشائية من الجدار.

ويتضح ممّا تقدم امور :

منها ـ انّ الاخبار أيضاً ايجاد للحكاية الذهنية عن الخارج تصوّراً ، إلاّ انّه حيث انّ متعلقه تحقق النسبة التصادقية والتصديق بها فيقبل أن يتصف متعلقه بالصدق والكذب ، وهذا بخلاف المعاني الانشائية الاخرى.

ومنها ـ انّ هذا المعنى محفوظ حتى مع عدم الجدية لأنّ هذه الفعاليات الذهنية تحصل قهراً في مواردها بأي داعٍ كان ايجادها في الذهن كما هو واضح.

ومنها ـ الفرق بين الجملة الانشائية الطلبية أو الندائية والجملة الانشائية الاستفهامية ونحوها من أدوات الانشاء التي تدخل على النسبة التصادقية ، فإنّ هذا ملحوظ تصوراً أيضاً باعتبار انّ النداء والطلب لا يتوقف على ملاحظة نسبة تصادقية بخلاف مثل الاستفهام والترجي والتمني.


ومنها ـ انّ الجملة الخبرية المستعملة في مقام الانشاء خارجة عن ذلك المعنى للانشاء رأساً وإنّما هي نظير الإخبار عن انّه يأمره فعلاً حيث يتحقق به مصداق الأمر حقيقة في الخارج فهو يخبر عن انّه يبيع مثلاً لأنّه متحقق به فهذا سنخ آخر من الانشاء وبلحاظ التقسيم المتقدم للاخبار والانشاء هو اخبار في الحقيقة يتحقق به مصداق له.

ومنها ـ انّ نقصان النسبة التصادقية حينما تدخل عليه أدوات الانشاء كالاستفهام والترجي والتمني أو الطلب ليس بلحاظ المدلول التصوري وانقلابها إلى نسبة ناقصة ولهذا لا يصحّ جعل نسبة وصفية أو اضافية في محلها مدخولاً لأدوات الانشاء ، بل بمعنى عدم لحاظها في وعاء التحقق وموقع الإخبار عنها الذي كان مفاداً بالدال العدمي وهو التجرد عن أدوات الانشاء أو بلفظة ( است ) و ( استين ) في بعض اللغات الاخرى ، ولهذا لا توجد مجازية ولا تصرف في مدلول الجملة لأنّ الدالّ على ذلك الوعاء واللحاظ إنّما هو دالّ آخر لا نفس الجملة ونفس الشيء يقال في الجملة الشرطية ، فإنّ أدوات الشرط تدلّ على أنّ النسبة التصادقية لا يراد الإخبار عنها بالفعل كما لو جاءت مجردة عن أداة الشرط وإنّما الملحوظ التلازم بين صدقها وتحققها وصدق جملة الجزاء.

ومنها ـ انّ ما ذكره الاصوليون في المقام وصوروه من أنحاء من النسب كالنسبة الاستفهامية والطلبية ونحوها مما لا يرجع إلى محصل ، إذ مضافاً إلى ما ذكره السيد الشهيد 1 من انّ هذه المعاني أو النسب خارجية فلا يمكن أن تكون في الذهن نسب تامة بل ناقصة تحليلية.


أقول : زائداً على ذلك يرد عليه انّ الاستفهام والترجي والطلب معان عرضية ذاتية وليست نسباً أي ليست عين الربط والنسبة كالظرفية والابتدائية وإنّما هي وجودات في نفسها ولكنها عرضية تعرض على النفس كالأعراض الاخرى كالعلم مثلاً والحب والبغض ، ومجرد كونها ذات اضافة وتعلق لا يجعلها نسبة ووجوداً ربطياً كما هو واضح.

فما ذكر في كلمات الأعلام والسيّد الشهيد 1 أنّها موضوعة للنسبة الارسالية أو الاستفهامية أو نحو ذلك لا يمكن المساعدة عليه ، وكأنّهم صاروا إلى اختيار ذلك باعتبار تصور انّ كل مدلول غير اسمي لابد وأن يكون نسبياً ، وهو غير تام. والله الهادي للصواب.

ص ٣٠٦ قوله : هيئة الفعل ... الخ.

الذي يخطر بالبال انّ مفاد الجملة الفعلية ليس هو النسبة التصادقية والتي مفادها اتحاد المحمول مع الموضوع أو صدقه فيه بل نسبة اخرى ولنسميها بالنسبة التحققية بمعنى انّ الذهن يتصور منها تحقق الحدث وخروجه إلى الفعلية ومن العدم إلى الوجود والحدوث ـ بأنحائه المختلفة من الحلول أو الصدور أو الوقوع أو غيرها ـ ولا ضير في أن تكون هذه النسبة التحققية كالتصادقية نسبة تامة ـ خلافاً لما في الكتاب ـ إذ ليس المراد أخذ مفهوم التحقق بل واقعه وليس واقعه تحصيصاً في المفهوم بل كالتصادق والصدق أمر مربوط بكيفية افناء المفهوم ولحاظه في خارج الذهن ، فما ورد في الكتاب من انّ النسبة الصدورية لابدّ وأن تكون ناقصة ثمّ التفتيش عن كيفية ذلك كله مما لا مأخذ له.

ثمّ انّ الظاهر انّ هذه النسبة التحققية التامة مفاد هيئة الفعل نفسها فإنّها


تدلّ على التحقق في الماضي أو الحال والمستقبل لا أنّها مفاد هيئة الفعل والفاعل والدليل على ذلك مضافاً إلى الوجدان القاضي بتبادر التحقق من نفس هيئة الفعل بمجرد سماعه بلا انتظار إلى سماع الفاعل ما نجده من أخذ التقدير للفاعل كلما لم يكن ظاهراً ، مما يعني انّ هيئة الفعل بنفسها تقتضيه أي تدلّ على معنىً تقتضي فرض فاعل بالدلالة الالتزامية ، فتكون الفرضية الثانية في الكتاب هي الأوفق بالوجدان اللغوي مع التطوير الذي ذكرناه ، ويمكن ابطال الفرضية الاولى باشكالات اخرى لا داعي إلى التطويل فيها ، فراجع وتأمل ، والله الهادي للصواب.

ص ٣١٤ قوله : ( هيئة المصدر ... ).

وقع البحث عندهم في ما اشتهر من انّ المصدر أصل في الاشتقاقات بعد افتراض انّ المراد معناه لا لفظه وهيئته فإنّها لا تكون محفوظة في المشتقات جزماً ، فذهب بعض ـ كالميرزا 1 ـ إلى انّ المصدر أيضاً ليس بالدقة أصلاً ؛ لأنّ فيه مادة وهيئة لكل منهما معناه وكذلك اسم المصدر فهما في عرض سائر الاشتقاقات ، وإنّما الأصل هو المادة السيالة السارية في جميع المشتقات ، وهي كالقوة والمادة الفلسفية التي لا تتحقق إلاّبالصورة النوعية ، فكذلك المادة هنا لا تكون إلاّضمن هيئة معينة. ومن هنا وقع البحث في وضع هيئة المصادر وأسمائها لمعنى زائد وعدمه.

والمصدر واسم المصدر قد يكون لهما صيغتان كالغُسل والغسل وكثيراً ما يكونان بصيغة مشتركة.

ويمكن أن يكون المقصود من كون المصدر أصلاً انّه بلفظه أصل ولكن


لا بمعنى الهيئة الخاصة الموجودة في المصدر بل الأعم منه ومما في المشتقات أي مطلق الحروف الثلاثة في الضرب مع كون الضاد منها قبل الراء والراء قبل الباء سواءً مع الفصل بحروف اخرى كما في سائر الاشتقات أو بدونه فتكون الحروف الثلاثة بهذه الهيئة المشتركة في جميع المشتقات موضوعة للحدث.

ولعلّ هذا هو المقصود من المادة أيضاً في كلمات الاصولي.

ص ٣١٦ قوله : ( ٤ ـ .... مع الغض عن كونه خلاف الوجدان والذوق العرفيين ... ).

يمكن أن يكون الوجه في كونه خلاف الوجدان والذوق العرفي انّه لا يناسب طريقة تعدد الدالّ والمدلول العرفية لأنّ المصدر عندئذٍ لا يدلّ سماعه على شيء بل لابدّ من الانتظار ليرى هل يأتي مستقلاًّ أو مضافاً فيكون استقلاله واضافته جزء الدال على المعنى ، وهذا خلاف طريقة تعدد الدال والمدلول.

وبتعبير آخر : انّ دلالة المصدر على النسبة يستلزم دلالته التزاماً على طرفها أيضاً لأنّ النسبة بلا منتسبين لا يتصور ، وحيث انّ الكلام في المدلول التصوري وحيث انّ النسبة الناقصة تحليلية لابد وأن ترجع إلى صورة ذهنية واحدة لا محالة ، فإذا كانت الهيئة دالّة على النسبة الناقصة فلا محالة هناك دلالة تصورية على طرفها أيضاً وهو الذات المبهمة لا محالة فيرجع المحذور المبين في الاشكال الثاني ـ المفارقة الثانية ـ.

وهذه نكتتة كلية حاصلها : انّه لا يمكن أن تكون الهيئة دالّة على النسبة بلا طرفها في النسب الناقصة.

نعم ، يمكن أن تكون الهيئة مع المضاف إليه المصدر دالّة على النسبة إليه


بنحو تعبد الدالّ والمدلول وتكون الهيئة مجردة دالّة على ذات الحدث بلا انتساب.

إلاّ انّ هذا معناه أنّ الدال على النسبة إنّما هو هيئة المصدر مع الاضافة أي مجموع الهيئتين مع كون احداها موضوعة لذلك فيكون لغواً ، بل على خلاف الطريقة العرفية في وضع هيئات المفردات لمعاني في موادها مع قطع النظر عن الهيئة التركيبية التامة أو الناقصة لأكثر من مفردة. بل بناءً على ما هو التحقيق من انّ الدلالة الوضعية تصورية وانها عبارة عن أمر تكويني ينشأ من القرن الذي هو أيضاً أمر تكويني لا يعقل ذلك لأنّ هيئة الاضافة مطلقاً إذا كانت موضوعة أي بمثابة العلّة لتصور النسبة التقييدية الناقصة فجعل هيئة المصدر لنفس المعنى غير معقول لأنّ جعلها مطلقاً خلف المفروض وجعلها مقيدة بهيئة الاضافة معناه وضع الخاص مع كون العام موضوعاً وهو أشبه باجتماع علتين على معلول واحد.

ص ٣١٨ قوله : ( وهذا الوجه لو تم لكفى في أداء حقه ... ).

الظاهر انّ هذا الجواب هنا خطأ ومحله الجواب على الوجه الثاني القادم تحت عنوان ( ومنها ـ انا نرى الفرق عرفاً ... ).

ص ٣١٨ قوله : ( فالبيان المذكور ينفع لتصوير الفرق بين مدلول المصدر ومدلول اسم المصدر لا لبيان انّ هيئة المصدر لها مدلول قد وضعت لافادته ).

يعني : لعلّ الفرق المذكور بلحاظ أخذ الخصوصية في مدلول المادة المشتركة بين المصدر وبين سائر المشتقات ، فالمصدر كسائر المشتقات يدلّ على المبدأ بما هو حدث صادر من فاعله بخلاف اسم المصدر لا انّ هيئة المصدر موضوعة لمعنى زائد.


ص ٣١٨ قوله : ( إلاّأن يقال انّ مرجع هذا إلى ذاك ).

يعني أنّ هذه الزيادة لابد وأن تكون مأخوذة في الهيئة لا المادة المشتركة بين المصدر واسم المصدر وسائر المشتقات وإلاّ لزم التناقض والتهافت في اسم المصدر لثبوت المادة السارية فيه أيضاً ، فلابد وأن تكون المادة في ضمن هيئة المصدر وسائر المشتقات دالّة على ذلك ، وهذا معناه دلالة الهيئة ضمناً على خصوصية فيكون اسم المصدر أقل مدلولاً من المصدر وسائر المشتقات ، ولهذا يكون أسبق على ما سنشير إليه.

ص ٣١٩ قوله : ( والاخراج بازاء نفي خاص منه وهو الخروج التحميلي ... ).

بل تحميل الخروج وهو فعل آخر غير نفس الخروج ومن هنا يكون فاعله المخرج لا الخارج بخلاف الخروج.

ص ٣١٩ قوله : وفيه : انّا بيّنا آنفاً ... الخ.

أي انّ الخروج موضوع لحدث الخروج الذي فاعله القابل له وامّا الموجب لخروج الغير فهو فاعل حدث الاخراج.

ص ٣١٩ وهكذا يتضح ... الخ.

لم يتضح لي الفرق بين المصدر واسم المصدر بالنحو المذكور الذي وافق عليه السيد الشهيد 1 ، والفرق بين الغَسل والغُسل لا يبعد أن يكون من ناحية انّ الأوّل لوحظ بما هو حدث وصفة للغاسل ـ الفاعل ـ بينما الثاني لوحظ بما هو صفة للقابل فأكثر من هذا المقدار لا أفهم فرقاً بين المصدر واسم المصدر بل قد لا يكون معقولاً ثبوتاً ، والله العالم بالحقائق.


ص ٣٢٠ قوله : ( ٣ ـ هيئة المشتقات ... ).

هذا المبحث منشأ البحث المنطقي بين صاحب الحاشية على شرح المطالع ـ المحقق الهمداني ـ وشارحه وهو كما في الكتاب بحث منطقي لا ربط له بالبحث الاصولي اللغوي التحليلي ، ولم يكن ينبغي مزج أحدهما بالآخر كما فعله الأصحاب ، فإنّ البحث هناك عن الماهيات والطبايع والفعل الحقيقي لا معاني الألفاظ وما وضعت له ولا ملازمة بينهما كما أنّ البحث المنطقي أو فهم المناطقة لا دخل له باسلوب البحث اللغوي أصلاً ، وهذا كله واضح ، فينبغي ايراد البحث بالشكل اللغوي الأصيل. والاستدلال على النفي أو الاثبات فيه حسب مناهج البحوث اللغوية وبأدلتها من التبادر والوجدان اللغوي وغير ذلك معرضين تماماً عن كلمات الدواني واشكالات صاحب الفصول وأجوبة اشكالات صاحب الكفاية على الفصول ونحو ذلك.

وتحرير محل البحث أنّ المشتقات المشتملة على هيئة ومادة يقع البحث في تركيبها وبساطتها في عالم المفاهيم المدلولة لها. وعلى كل من التقديرين أيضاً يبحث انّ مركز الثقل في جريها وانتزاعها هل هو الذات المتلبسة بالمبدأ أو المبدأ المنتسب إلى الذات ، فالصور أربعة عقلاً كما انّ الأقوال كذلك كما في الكتاب.

وقبل البحث عن أدلّة الطرفين وتهذيبها ينبغي تحرير النزاع في المراد من البساطة والتركيب ، فقد ذكر السيد الخوئي وتابعه الشهيد الصدر أنّ المراد من التركيب ليس هو التركيب والتعدد في المفهوم والتصور الذهني ؛ إذ لا يتبادر من المشتقات إلاّمفهوم وحداني لا مفاهيم متعددة.


وقد حلّلها السيد الشهيد بأنّ النسب الناقصة الخارجية الواقعية تحليلية في الذهن وليست واقعية وإلاّ كانت تامة ، ولا إشكال انّ المشتقات على القول بالتركيب نسبها ناقصة وخارجية فتكون في الذهن تحليلية.

فمدعي التركيب ـ ومنهم السيد الخوئي والشهيد ـ يدعي التركيب التحليلي العقلي لا التركيب في الوجود الذهني التصوري ، وصاحب الكفاية المدعي للبساطة أيضاً يدعي انّ القائل بالبساطة يدعي البساطة بحسب المفهوم واللحاظ الذهني لا بحسب التعمّل والتحليل العقلي ، كيف والأسماء الجامدة أيضاً مركبة من الجنس والفصل بحسب التحليل العقلي.

ومن هنا ذكر السيد الخوئي أنّ مدعى الخراساني بحسب الحقيقة لا ينافي القول بالتركيب وانّ ما يدعيه من البساطة مسلم لا نقاش فيه عند أحد ، وأنّه قائل بالتركيب واقعاً ويسميه بساطة بلحاظ الوجود الذهني.

إلاّ انّ الظاهر انّ التركيب الذي يدعي صاحب الكفاية امكانه وعدم منافاته مع البساطة التي اختارها غير التركيب الذي يدعيه السيد الخوئي والسيد الشهيد 1 ، إذ مراد الكفاية من التركيب التركيب الثابت في تعريف الطبايع وتحليل الماهيات من حيث هي ماهيات ، ولا ربط لها بالمعاني والمداليل أصلاً ، بينما التركيب الذي يدعيه العلمان وقبلهما المحقق الاصفهاني 1 إنّما هو التركيب بحسب المفهوم ، ومن هنا يرون مرادفة المشتق مع قولنا ذات لها المبدأ. أو أيّة نسبة وصفية ناقصة ، وهذا ينكره الخراساني 1 ويدعي بساطة مدلول المشتقات في عالم المفهوم كالجوامد ، فتدبر جيداً.


ص ٣٢٥ قوله : ( وهذا الاعتراض لا مأخذ له نقضاً وحلاً ... ).

محصّل الاشكال : انّ ما أفاده السيد الخوئي من انّه مع التعدد في الوجود لا يصح العمل بمجرد كيفية لحاظ المفهوم وإن كان صحيحاً ، إلاّ انّ ما أفاده من انّه مع الاتحاد وجوداً يصح الحمل ولا يمنع عنه كيفية لحاظه غير تام للنقض بالمصادر الجعلية المنتزعة عن موجود واحد ، فالانسان والانسانية وجود واحد في الخارج وإنّما الاختلاف في كيفية اللحاظ ، وكأنّ الذهن يحلّله إلى شيء له الانسانية فينتزع المصدر الجعلي في هذه المرحلة والتي من خلالها يرى شيئين فلا يصح الحمل لا محالة.

ص ٣٢٦ قوله : إلاّ انّ الالهام الفطري للانسان ... الخ.

ويمكن الاجابة بجواب آخر حاصله : انّه حتى إذا قبلنا وحدة الوجود الخارجي للعرض ومعروضه إلاّ انّ الميزان في وحدة المفهوم وتعدده وحدة منشأ انتزاعه وتعدده ، فإذا كان الوجود الواحد في الخارج ينتزع الذهن منه انتزاعين من جهتين مختلفتين لم يصح حمل أحدهما على الآخر وكان المفهومان متباينين مفهوماً وصدقاً وانّ اتحدا وجوداً ، والمصدر والمشتق كذلك ، إذ الأوّل منتزع عن الحدّ والكيفية فيكون بأزاء العرض بينما المشتق منتزع عن المحدود والذات فيكون بأزائه فلا يصح حمل المصدر على ما انتزع من الذات.

والدليل عليه المصادر الجعلية التي يقبل الالهام الفطري وحدة الوجود الخارجي فيها ، فلا ينبغي ربط المسألة بتعدد الوجود الخارجي للعرض وموضوعه أصلاً ، كيف والحمل والاشتقاق ليس مخصوصاً بالأعراض


الوجودية الخارجية أصلاً بل هما جاريان في الاعدام والأعراض الانتزاعية والاعتبارية الواقعية النفس الآمرية كالامكان والامتناع للماهية أو الوضعية كالطهارة والزوجية والملكية.

ص ٣٢٦ قوله : ( والصحيح في مناقشة هذا التفسير للابشرطية ... ).

أجوبة أدلّة الميرزا على نفي التركيب واضحة ، كما أنّ اشكالات السيد الخوئي على البحث الاثباتي لمدعى الميرزا واضحة المناقشة كما في الكتاب. إلاّ أنّ روح الاشكال على القسم الاثباتي لمدعى الميرزا والذي يفهم من كلمات السيد الخوئي والسيد الشهيد أنّ الوجدان الفطري يرى تعدد المبدأ والذات المحمول عليه المشتق امّا في الوجود كما في الأعراض الخارجية أو في منشأ الانتزاع والادراك بحيث لا يرى اتحادهما وهذا ثابت حتى في المصادر الجعلية المنتزعة عن الجوامد.

نعم ، هذا المطلب لا يثبت التركيب بل ينسجم مع قول صاحب الكفاية بالبساطة المنتزعة عن الذات لا المبدأ.

والسيّدان يدعيان التركيب على أساس الوجدان وأضاف السيد الشهيد بأنّ المفهوم البسيط المنتزع إن كان الانتزاع فيه بمعنى الادراك لما في الواقع خارج الذهن فمن الواضح وجود ذات ومبدأ ونسبة فيه ، وهو معنى التركيب وإن كان الانتزاع بمعنى اختراع مفهوم وحداني بسيط والباسه للذات في الخارج فهذا خلاف الوجدان القاضي بأنّ المشتقات طبايع خارجية وليست اختراعية ذهنية فلابدّ من القول بالتركيب من ذات مبهمة لها المبدأ.


ويمكن أن يستدل أيضاً على مدعي التركيب بوضوح تعدد وضع الهيئة والمادة في المشتقات أي لا إشكال في اللغة العربية على الاستفادة من وضع الهيئات والمواد بالوضع النوعي لمعانيها المختلفة ، وهذا لا يناسب القول بالبساطة بل لازمه التركيب ووجود ثلاث مداليل ـ ولو تحليلية كما في الحروف ـ وهي المبدأ والنسبة والذات ، ويضيف السيد الشهيد 1 في ذيل هذا البحث : انّ المشتق الاصولي ـ لا النحوي ـ كالسيف والزوج والحر أيضاً معناه مركب ، إلاّ انّ المأخوذ فيه مصداق الشيء لا مفهومه ، أي الطبيعة الخاصة ، فالسيف للحديد المجعول بنحو خاص ، والزوج أو الحر للانسان المتصف بالوصف الخاص ، وهكذا.

إلاّ انّ هذا الوجدان المدعى من قبلهم يقابله الوجدان الذي يدعيه الخراساني على البساطة ، بمعنى الفرق بين قولنا : ( عالم ) و ( ذات لها علم ) فإنّهما يختلفان حتى بلحاظ المرئي والمحكي والمتصوّر ، وإن كان وجودهما في الذهن واحداً ، فإنّ ( عالم ) ليس في محكيه إلاّعنوان ومحكي واحد ، بخلاف ذات لها العلم فإنّها محكيّات ثلاثة ولو ضمن صورة ذهنية واحدة.

بل وهناك أمر آخر لا يمكن تفسيره على القول بالتركيب ، وحاصله : أنّه لو كان معنى ( عالم ) ( من له العلم ) وكانت المادة دالّة على المبدأ والهيئة على النسبة فأين الدال على الذات؟ وهذه نقطة هامّة سنحلّلها عند بيان قول الخراساني 1 فانتظر.

كما أنّ دعوى التركيب في مثل الزوج والحر والسيف غير قابل للقبول ، فإنّها كأسماء الجوامد الاخرى ، بل لو كان كما ذكر السيد الشهيد كان لابدّ من


الاحساس بالتكرار في قولنا : ( الإنسان حرّ ). أي انسان له الحرية مع وجدانية عدم ذلك.

ص ٣٢٧ قوله : ( القول الثاني ومناقشته ... ).

لا وجه لحصر دليل هذا القول في هذا الوجه الذي يكون توجيهاً للجهة الاثباتية من مدعى النائيني 1 ، بل ينبغي طرحه مستقلاًّ والاستدلال عليه.

ويمكن الاستدلال له عليه تارة : بما في الكفاية في ذيل مناقشاته مع صاحب الفصول من انّ القول بتركيب معنى المشتق إذا اريد به تركبه من واقع الشيء الذي له المبدأ يلزم استفادة التكرار في مثل قولنا : ( الإنسان كاتب ) أي الإنسان انسان له الكتابة ، وهو خلاف الوجدان. وأضاف السيد الخوئي بامتناع ذلك لأنّ الذوات التي يجري عليها المشتق متنوعة غير متناهية فكيف يمكن أخذها جميعاً.

وهذا البيان لا ينفي التركيب الذي يدعيه المحقق الاصفهاني والسيد الخوئي والشهيد الصدر من أخذه ذات مبهمة في المشتقات.

واخرى : يمكن أن يستدل عليه بأنّ أخذ مفهوم الذات أو الشيء الذي له المبدأ يلزم منه الاشتراك اللفظي في المشتقات بلحاظ جزء معانيها وهو الشيء أو الذات وهو أيضاً خلاف الوجدان.

ويمكن أن يجاب بالمنع عن كونه خلاف الوجدان ، كيف والوجدان يشهد بأنّ المشتقات كلها تجري على الذوات وأوصاف لها وإنّما الاختلاف في المبادىء والنسب المفاد عليها بالمادة والهيئة وهما مختلفان من مشتق لآخر.


وثالثة : يمكن أن يستدل على مدعى صاحب الكفاية بوجدانية الفرق بين قولنا من له العلم وقولنا عالم حيث يتصور الذهن في الأوّل مفهوماً مركباً من قبيل ( غلام زيد ) الذي يلحظ فيه ( غلام ) و ( زيد ) مستقلاًّ ذهنياً رغم كون النسبة بينهما ناقصة خارجية. بينما في الثاني لا يتصور الذهن إلاّمفهوماً واحداً بسيطاً منتزعاً عمن له العلم.

وهذا الوجدان لا ينبغي إنكاره ، فإنّ الالهام الفطري للانسان يشهد وجداناً أننا نتعامل مع المشتقات كما نتعامل مع الأسماء الجامدة ، بمعنى أننا نجدها في عالم الذهن والتصور مفاهيم وحدانية منطبقة على مصاديقها الخارجية كانطباق الإنسان والحيوان على مصداقهما الخارجي ، أي عناوين منتزعة عن المصاديق الخارجية ومجعولة في الذهن لنفس تلك الوجودات ، غاية الأمر يختلف عن الجوامد في انّ انتزاع الجامد كأنّه انتزاع مطلق عن تلك الذات ، وليس بلحاظ جهة طارئة عرضية بخلاف المشتق حيث يكون هذا الانتزاع فيه بلحاظ وجود المبدأ الذي هو أمر عرضي زائل مع انحفاظ الذات ، فكأنّها عناوين منتزعة ما داميّة لا مطلقة ، بخلاف الجوامد إلاّما يكون منها كالمشتقات كالسيف والزوج.

والحاصل الذات والنسبة والمبدأ في جملة من له العلم الناقصة ملحوظ مستقلاًّ بخلافه في العالم فإنّه ليس كذلك وجداناً وإنّما يتبادر منه إلى الذهن تصور الموجود الخارجي للعالم كالانسان والحجر. نعم ، مبدأ العلم ملحوظ أيضاً بما هو حالة خاصة وحيثية تعليلية لانتزاع العنوان الاشتقاقي المنطبق على الذات التي لها العلم.


وهذا هو الذي جعل كلاًّ من العلمين النائيني والخراساني ومن تبعهما يتفقان على البساطة ولكنهما اختلفا في كيفية تحليله.

فالميرزا لاحظ المبدأ بما هو حالة عارضة فعبر عن المشتق بأنّه موضوع للمبدأ لا بشرط من حيث الحمل ، أي بما هو يعكس ويظهر موصوفه ومعروضه ، والخراساني لاحظ الذات ولكنه لم يأخذه كمفهوم عرضي في مدلول المشتق ، بل ادّعى انّ المشتق منتزع من الذات المتلبسة بالمبدأ على حد انتزاع الأسماء الجامدة من معانيها ، إلاّانّها منتزعة بلحاظ ذاتها ومطلقاً بينما المشتقات تنتزع بلحاظ المبادئ العارضة وما دامت كذلك.

ومنه يظهر أنّ مفهوم الذات أيضاً لم يؤخذ في المشتقات وإنّما المشتقات كالجوامد منتزعة عن مصاديقها الواقعية في الخارج أي عن الوجود العيني الخارجي وليس هذا بمعنى أخذ مفهوم الوجود العرضي في مدلولها ، فكما لا يكون مفهوم الوجود العرضي مأخوذاً في الجوامد كذلك لا يكون مفهوم الذات مأخوذاً في المشتقات وإنّما هي كالجوامد منتزعة عن الوجود العيني الخارجي المتصف بالمبدأ ما دام متصفاً لا أكثر.

وممّا يؤكد ذلك وجدانية البساطة في المشتق الاصولي أي الزوج والحر والسيف ، فإنّه كأسماء الجوامد من حيث البساطة مع أنّ خصوصية المشتق ثابتة فيه.

ويمكن أن يستدل أو يذكر كمنبّه وجداني على نفي التركيب أيضاً أن المشتق لو كان مركباً من ذات لها المبدأ فلماذا لا دال على الذات فيه حيث انّ الهيئة لا إشكال في وضعها ـ بناءً على التركيب ـ للنسبة والمادة للمبدأ فأين الدال


على الذات.

ودعوى الدلالة الالتزامية قد عرفت في الكتاب عدم معقوليتها في المعاني النسبية ، فإنّها متقومة بالطرفين تقرراً وذاتاً ، فلا يمكن أن يتحقق تصور لها قبل تقرر طرفيها ذهناً ، لكي تتشكل له دلالة التزامية. على أنّ الدلالات اللفظية الوضعية تصورية لا تصديقية والتلازم المذكور تصديقي لا ربط له بالمقدم.

ويمكن أن يقال : انّ هذا الاشكال يواجه القائل بالبساطة أيضاً بنحو آخر إذ لا إشكال أنّ الهيئة لها وضع نوعي وكذلك المادة ، وأنّ المشتقات من باب تعدد الدال ، وهذا لا يمكن أن يجتمع مع القول ببساطة معنى المشتق بل يساوق التركيب.

والتحقيق أن يقال : بأنّ هيئات الأسماء المشتقة ليست موضوعة للدلالة على النسبة ، بل للدلالة على الذات المتلبسة بالمبدأ وكيفية التلبس هيئة وحالة للذات المتلبسة ، وهي تختلف باختلاف أنحاء التلبس ، وقد وضعت هيئة فاعل للذات التي لها حالة صدور أو حلول المبدأ منه ومفعول للذات الواقع عليها المبدأ ، وهكذا.

وهذا يمكن أن يكون بنحو الانتزاع البسيط بل لابد وأن يكون كذلك وإلاّ كان أحد الأجزاء لا دال عليه ، ولا ينافي ذلك تعدد الوضع والدلالة في المادة والهيئة للمشتق لأنّ الهيئة لما كانت صالحة لدخولها على المواد المختلفة فلتسهيل الوضع استفيد من الوضع النوعي فيها وفي المادة وتكون المادة الدالة على المبدأ حيثية تعليلية لانتزاع وادراك المفهوم البسيط وهو على حد الطبائع في أسماء الجوامد.


وإن شئت قلت : كما انّ الذهن يضع الاسم الجامد لمفهوم الإنسان والحجر والحيوان المنتزع من الوجودات الخارجية المعنية كذلك يضع مفهوم عالم عادل قائم ... الخ لمفهوم يأتي إلى الذهن من تصور الموجود الخارجي في حالة القيام أو العالمية والعادلية وهكذا من دون فرق بينهما إلاّمن ناحية التوسعة في الوضع من ناحية أنّ الهيئة يمكن وضعها النوعي بالاضافة إلى المواد المتنوعة التي يمكن أن تدخل فيها والتي هي حيثيات تعليلية لحالة المتلبس بها ، وهذا لا يستلزم التركيب ، ففرق بين مفهوم ذات لها القيام ومفهوم قائم كالفرق بين مفهوم ذات لها الانسانية أو الشيئيّة وانسان أو شيء من حيث تركب الأوّل وبساطة الثاني. وبهذا نستطيع أن نجمع بين الوجدانات العرفية المتعددة في المقام ، فتدبر جيداً.

ص ٣٣٠ س ١٠ قوله : ( وقد وضعت المشتقات بحسب النوع بأزاء هذا المعنى وإن كانت قد تدخل على ما يكون ذاتياً بحسب الدقة كالممكن مثلاً ، ولعلّه باعتبار عرضيته بحسب الفهم العرفي ).

أقول : الواقع انّ الوضع اللغوي للمشتقات ليس مربوطاً بحيثية عرضية المبدأ أو ذاتيته للموضوع ، بل مربوط بما ذكرناه من اختلاف جهة انتزاع المفهوم ، فالذهن قد ينتزع مفهوماً عن الحد والكيفية وقد ينتزعه عن الشيء الذي له الكيفية سواءً كانت تلك الكيفية في الواقع أو بحسب مصطلح الفيلسوف ذاتياً أم عرضياً مستقلاًّ في الوجود أو متحداً ، فكل هذا النهج الفلسفي من البحث أجنبي عن الوضع اللغوي للمشتقات والمبادىء. وعلى هذا الأساس لا فرق بين الامكان والممكن أو البياض والأبيض من هذه الناحية.


ص ٣٣٥ قوله : ( التحقيق انّ أنحاء التلبس ... ).

هذا الاشكال لا ربط له بأصل البحث فإنّ مفاد هيئة المشتق مدلول حرفي لا بأس بالالتزام فيه بالوضع العام والموضوع له الخاص وليس هو خارجاً عن متحد المعنى ، ولهذا لا يقال في الحروف بأنّها من المشتركات فيعقل أن يؤخذ جامع التلبس الاسمي عنواناً مشيراً من أجل الوضع لتمام أنحاء مصاديقه.

والجهة الأصلية للبحث هي تحقيق أنّ التلبس المأخوذ في مدلول المشتق هل اخذ بنحو لابد وأن يفترض فيه الاثنينية بين المبدأ والذات مفهوماً ووجوداً ـ كشرط زائد فيه ـ وهذا هو مختار صاحب الفصول ونتيجته مجازية إطلاق المشتقات على ذات الباري تعالى لعدم الاثنينية فيه.

أو لا يشترط فيه أكثر من الاثنينية بين الذات والمبدأ مفهوماً وإن لم يتعددا وجوداً ، وهذا هو مختار صاحب الكفاية ـ وهو لا يتنافي مع قوله ببساطة المشتق لأنّه يرى انّ ذلك المفهوم البسيط لا ينتزع إلاّعن الذات المتلبسة ، فالتلبس لابد منه عنده أيضاً لتصحيح الانتزاع ، فيقال بأنّه لا يشترط لصحة الانتزاع أكثر من التلبس ولو كانا بوجود عيني واحد ـ فيكون الصدق على الباري تعالى حقيقياً.

أو لا يشترط هذا المقدار من الاثنينية أيضاً فيمكن أن يصدق المشتق على نفس المبدأ في مثل البيان أبيض والسواد أسود والضوء مضيء. وهذا هو مختار المحقق الاصفهاني 1 وتابعه عليه السيد الخوئي 1 بدعوى انّ التلبس المأخوذ في مدلول المشتق مطلق الواجدية التي تصدق على وجدان الشيء لذاته ، فإنّه آكد من وجدانه لعرضه المفارق إذ الأوّل ثابت له بالضرورة.


والصحيح ما اختاره صاحب الكفاية لا ما اختاره الفصول ولا ما ادعاه العلمان.

أمّا الأوّل فلما تقدم من أنّ اثنينية المبدأ والذات في الوجود وإن كان مطابقاً مع الفهم العرفي في جملة من الأعراض والمبادىء إلاّ انّه لا ربط له بمدلول المشتق أصلاً ، وليس شرطاً في صدقه ، إذ المأخوذ فيه ليس إلاّالذات التي لها المبدأ بأحد أنحاء النسب الاتصافية على أنحائها المختلفة.

وقد ذكرنا انّ اللازم كون الحيثية المنتزع منها المشتق غير الحيثية المنتزع منها المبدأ ، فإنّ الأخير ينتزع من حدّ الشيء وكيفه بخلاف المشتق فإنّه منتزع بسيطاً أو مركباً من الذات المتحيثة والمتكيفة بتلك الكيفية ، وهذا صادق حتى في المصادر الجعلية كالانسانية والجسمية والشيئية ، فالتعدد في الوجود العيني بين الذات والمبدأ لا ربط له بمدلول المشتق أصلاً.

وعليه فيكون صدق الصفات المشتقة على الباري تعالى حقيقياً ؛ لأنّ حيثية انتزاع العالم منه غير حيثية انتزاع العلم وإن اتحدا في الوجود العيني ، وقد تقدم انّ تعدّد حيثية الانتزاع لا يوجب التركب في الوجود لأنّه قد يكون ذلك مربوطاً بكيفية الانتزاع الذهني للمفهوم فحسب.

وأمّا الثاني فلأنّ اتحاد المبدأ والذات مفهوماً مخالف لما تقدم من تغايرهما ذاتاً ، فإنّ قولنا البياض أبيض لو كان صادقاً كان معناه اتحاد معنى المبدأ والمشتق ، إذ الأبيض فيه مبدأ البياض أيضاً وهو خلف ، فلابد من فرض عناية في البين ولو بأن يكون المراد بالبياض في طرف الموضوع ملاحظة المبدأ بما هو ذات وشيء ـ أي اسم المصدر لا المصدر ـ فيكون مغايراً مع المبدأ الملحوظ في المشتق.


والشاهد على هذه العناية مضافاً إلى وجدانيتها ما نراه من عدم اطراد ذلك في سائر المبادىء والمشتقات فلا يقال القيام قائم والجلوس جالس والضرب ضارب ... وهكذا.

فالتلبس بمعنى مطلق الواجدية وإن كان كافياً في صدق المشتق ، إلاّ انّه لابد فيه من حفظ المغايرة الذاتية والمفهومية بين المشتق والمبدأ.

ص ٣٣٦ قوله : ( الأسماء المبهمة ... ).

لا صحّة لما ذكره المحقّق الخراساني من انّ هذا موضوع للمفرد المذكر حتى إذا اخذت الإشارة الخارجية قيداً في العلقة الوضعية لأنّه لا ينبغي الشك في استفادة معنى الإشارة من أسماء الإشارة وأخذ الإشارة قيداً في العلقة الوضعية لا يحقق ذلك ؛ إذ اللفظ لا يدلّ إلاّعلى المعنى الموضوع له لا على قيد الوضع ، بخلاف أخذ آلية لحاظ المعنى أو استقلاليته قيداً للوضع لأنّ الآلية خصوصية في المعنى هناك وليست معنىً آخر. ففرق بين المقام وبين ذاك البحث.

ولعل هذا روح مطلب السيد الخوئي 1 واعتراضه على الخراساني ، وحاصله : انّ الإشارة إذا استفيدت من اسم الإشارة فهو معنى أخذها في الموضوع له وإلاّ بأن كانت قيد الوضع لزم وجود دال آخر عليها ليدل اسم الإشارة على المفرد المذكر ، وهذا معناه الحاجة إلى دال آخر على الإشارة وهو واضح البطلان.

وهذا بخلاف باب الحروف ، فالإشارة معنى ومفهوم زائد لابد في افادتها من أخذها في مدلول اسم الإشارة.


ص ٣٣٨ قوله : ( وامّا الثالث ... ).

توجد هنا تصورات عديدة ـ بعد بطلان ما ذكره المحقق الخراساني بما تقدم منّا وبما ذكره السيد الشهيد 1 من عدم صحة كبرى قيد الوضع وعدم ترادف هذا مع الفرد المذكر ـ نوردها فيما يلي :

١ ـ ما يظهر من كلمات بعض المتأخرين من انّ اسم الإشارة موضوع لنفس الإشارة الذهنية نظير الإشارة الخارجية باليد ، غاية الأمر حيث انّ الإشارة تلحظ بنحو طريقي إلى المشار إليه فلا يكون ملحوظاً مستقلاًّ كما في سائر الأفعال ، وقد ادعي انّ هذا مما قام عليه الوجدان.

وفيه : أوّلاً ـ انّ هذا يلزم صيرورة اسم الإشارة كأدواة النداء أداةً لنفس التوجه والإشارة إلى شيء فيكون أمراً انشائياً صرفاً مع وضوح انّه ليس كذلك بل هو على حدّ سائر المفاهيم الاخطارية الاسمية.

وثانياً ـ انّ فعل الإشارة الخارجي أو الذهني بنفسه لا يوجد انطباع مفهوم في الذهن يمكن أن يحمل عليه أو به ، وإنّما هو سبب تكويني لالتفات الذهن إلى المشار إليه التكويني الخارجي وانطباع مفهومه وصورته في الذهن من مشاهدته ثمّ الحكم عليه ، بينما نحن نجد انّ مدلول أسماء الإشارة والمبهمات في نفسها تصورات تامة ـ وإن كانت مبهمة من حيث التفاصيل ـ صالحة في نفسها ، ومع قطع النظر عن ملاحظة غيرها للحكم عليها أو بها ، فلا تكون قنطرة وسبباً لانطباع مفهوم آخر في الذهن لكي يحكم على ذلك.

نعم ، هي مفاهيم اجمالية وليست تفصيلية ، إلاّ انّ الإجمال بلحاظ


الخصوصيات الخارجية وإلاّ فكل مفهوم اجمالي أو تفصيلي هو مبيّن ومشخص في عالم المفهومية ـ كما هو مقرر في محلّه ـ فالتفسير المذكور مما لا يمكن المساعدة عليه بوجه أصلاً.

٢ ـ ما يظهر من كلمات السيد الخوئي 1 من انّ اسم الإشارة موضوع لواقع المفرد المذكر لا لمفهومه بقيد الإشارة إليه خارجاً ، ومن هنا يكون من الوضع العام والموضوع له الخاص.

وفيه : أوّلاً ـ ما أفاده السيد الشهيد 1 من لزوم كون المدلول الوضعي تصديقياً ، لأنّ واقع الإشارة اخذ قيداً فيه.

وثانياً ـ انّ واقع المفرد المذكّر لا مفهومه ليس إلاّالمصداق والوجود الخارجي للمفرد المذكر ، وهو يستحيل كونه الموضوع له على ما نقحه السيد الخوئي 1 نفسه أيضاً في محلّه ، بل لابد وأن يكون المعنى الموضوع له هو المفهوم مع قطع النظر عن وجوده خارجاً أو ذهناً.

نعم ، لو كان مقصوده واقع المفهوم المفرد المذكر أي واقع كل مفهوم مفرد مذكر لم يرد هذا الاشكال حيث صار هذا العنوان مشيراً إلى المفاهيم المفردة المذكورة ـ كما في تعبير السيد الشهيد في الوجه القادم ـ ولعلّه مقصوده ، والتعبير قاصر.

٣ ـ ما يظهر من الكتاب من الوضع لكل مفهوم مفرد مذكر واقع طرفاً للنسبة الاشارية التصورية فيكون من الوضع العام والموضوع له الخاص وتكون الإشارة مفادة بنحو المعنى الحرفي كالنسب الاخرى.


ويلاحظ على هذا البيان : بأنّنا إذا سلّمنا كون الإشارة نسبة كالمعاني النسبية فلا شك أنّ النسبة تحليلية وهي على ما تقدم لا تأتي إلى الذهن إلاّمن خلال المفهوم المحصّص والمنتسب ، وفي المقام لا يكون المفهوم المذكور موجوداً في الذهن إذ ليس هو مفهوم المفرد المذكر وإلاّ لرجعنا إلى كلام صاحب الكفاية ، وواقع المفهوم المفرد المذكر لا تصور له في الذهن لكي يوجد باسم الإشارة محصّصاً ، فكيف توجد النسبة الاشارية التصورية في الذهن؟ على انّ الإشارة ليست نسبة وإنّما لها نسبة واضافة إلى المشار إليه ككل فعل أو وصف يضاف إلى متعلقه وموضوعه كما أشرنا أوّلاً.

ويمكن أن يكون مقصود السيد الشهيد انّ اللفظ كما يمكن أن يوضع لمعنى ومفهوم معين تفصيلي يمكن أن يوضع لمفهوم مردّد بمعنى انّه يوضع من خلال عنوان انتزاعي كعنوان المفهوم المشار إليه لا بمعنى انّ هذا العنوان هو المفهوم الموضوع له بل هذا عنوان مشير نظير مفهوم النسبة الابتدائية في الحروف ويكون الموضوع له واقع ذلك المفهوم المشار إليه غير المعلوم لدى السامع إلاّ بحيثية كونه مشاراً إليه أي طرفاً للاشارة وكونه مفهوماً لمفرد مذكر ، وهذا يعني انّ المعنى الموضوع له لهذه الأسماء يكون معنى مردداً مبهماً في الذهن يتصور الذهن أوصافه من انّه مفهوم لمفرد مذكر مشار إليه ، ومن هنا يأتي الابهام في هذه الأسماء ؛ لأنّ واقع ذلك المفهوم لا يأتي إلى الذهن منها إلاّبدوال اخرى في الجملة كمرجع الضمير أو الصلة أو غير ذلك ، وامّا عنوان المفهوم المشار إليه فليس هو المدلول وإنّما هو مشير إليه ، وبهذا تكون هذه الأسماء أشبه بالرموز والألفاظ المشيرة إلى المفاهيم التفصيليّة ، ومن هنا تكون مستبطنة للإشارة ، والله العالم.


المشتق

ص ٣٦٣ قوله : ( المشتق عند الاصوليين ... ).

لا يبعد أن يكون المشتق المبحوث عنه عند الاصوليين مطلق موارد ثبوت حكم على عنوان وصفي سواء كان من خلال اسم اشتقاقي أو جامد متضمن لذلك أو نسبة اضافية كغلام زيد مثلاً ، أو معنى حرفي متضمن لذلك كقوله تعالى : ( نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَ ) أو غير ذلك حيث يبحث عن شمول مثل هذه العناوين لمن كان له ذلك الاتصاف ، فتدبر جيداً.

ص ٣٧٣ قوله : ( وهكذا يتضح عدم إمكان تصوير معنى جامع ... ).

هذا البرهان منشأه الميرزا ، وحاصله أنّه لو اريد أخذ الجامع بين زمان الحاضر والحال فهذا معناه أخذ الزمان في مدلوله ، وهو خلاف ما تقدم مسلّميته. وإن اريد انتزاع عنوان نسبي عام يشمل مطلق الاتصاف في أحد الزمانين فمن الواضح انّ هذا لا يمكن أن يكون من ناحية ما يدلّ على النسبة ، لأنّها معنى ايجادي خاص لا جامع ماهوي بين أفرادها ، فلا محالة لابد وأن يكون من خلال توسعة مفهومية للمبدأ المتصف به الذات ، وهذا خروج عن موضع النزاع كما ذكر أيضاً إذ لا اشكال في انّ المباديء مختلفة من حيث ارادة الفعلية أو الشأنية أو الحرفة أو المبدأ الآني أو صرف الوجودي أو الحلولي ومطلق الوجود أو غير ذلك. وفي جميع تلك الموارد لابد من ملاحظة انقضاء المبدأ بالنحو المأخوذ ، وهذا البرهان أو التحليل لا بأس به.


تعليقات على الجزء الثاني

بحوث الأوامر

دلالات مادّة الأمر

دلالات صيغة الأمر

الاجزاء

مقدمة الواجب

مبحث الضد

حالات خاصة للأمر

كيفيّات تعلّق الأمر



دلالات مادّة الأمر

ص ١١ قوله : ( ١ ـ مادة الأمر ... ).

ينبغي عقد جهة أو جهتين اخريين :

احداهما : فيما ذكره صاحب الكفاية من انّ مادة الأمر موضوع للطلب الانشائي لا الحقيقي.

وتفصيل ذلك :

انّ مجرد الارادة النفسانية للفعل من الغير ليس أمراً جزماً بل لابد من السعي نحو تحقيقه منه من خلال ابرازه بمبرز ، إلاّ انّ ما ذكر من انّه للأمر الانشائي إن اريد به انّه من المعاني التي تنشأ باللفظ فقد تقدم انّه لا معنى معقول لذلك ، وإن اريد انّه لابد من ابراز الارادة التشريعية لكي يصدق الأمر فلا يكفي ثبوتها في افق النفس وحده ، فهذا صحيح.

ثمّ إنّ صدق الأمر على مجرد ابراز الارادة وانشائها مع عدمها واقعاً كما في موارد الأوامر الامتحانية مجاز جزماً فإنّه نظير سائر موارد عدم الجدية من حيث انّه لا أمر واقعاً. نعم ، أمر بالمعنى الاصطلاحي أي استعمال لصيغة الأمر فما عن بعض المتأخرين في المقام غير تام.


الثانية : انّ المعنى الاصطلاحي الاصولي لمادة الأمر هو نفس الصيغة أو ما يقوم مقامها من أدوات انشاء الأمر كما انّ معناها الاصطلاحي النحوي خصوص صيغ الأمر الحاضر والغايب لا غيرها من الأدوات وكلاهما معنى جامد اصطلاحي.

ص ١٨ قوله : ( امّا القول الأوّل فدليله التبادر ... ).

أقول : لابد من احراز كون التبادر حاقياً وليس بملاك الإطلاق ومقدمات الحكمة ، كما انّه لابد من دفع الاشكالات التي تذكر بأزاء دعوى الوضع لخصوص الوجوب ، والمهم منها اثنان :

أحدهما ثبوتي : وحاصله : انّ مدلول صيغة الأمر ليس إلاّالبعث والارسال بنحو المعنى الحرفي ، وهو مفهوم مشترك بين تمام الموارد وأمره دائر بين الوجود والعدم لا الانقسام إلى الوجوبي والاستحبابي.

فالحاصل : الوجوب والندب خارجان عن مفاد صيغة الأمر ، ولا يمكن تنويعها إلى الوجوبي والندبي ، فكيف يمكن أن تكون الصيغة موضوعة لذلك ، فلا محالة يكون الوجوب مستفاداً ومفاداً بدالّ آخر.

والجواب : لو سلّمنا عدم صحّة انقسام الارسال بنحو المعنى الحرفي إلى مرتبتين كالمعنى الاسمي ، فيمكن دعوى التحصيص بلحاظ حيثية خارجة عنها وهي منشأ الارسال وداعيه ، فبلحاظه ينقسم إلى الوجوب وهو الارسال الناشىء من ارادة شديدة والاستحباب وهو الناشىء من ارادة ضعيفة ، فيقال بوضع الصيغة للحصة الاولى دون الثانية إلاّبنحو طولي كما في سائر المجازيات.


نعم ، لو اريد استبعاد ذلك فهذا مطلب صحيح سوف يأتي ، ولكنه لا يستوجب تعين مسلك حكم العقل.

والآخر اثباتي : وهو ما ذكره في الكفاية من كثرة استعمال الأمر في الندب فيلزم كثرة المجاز.

وأجاب عليه بأنّه مع القرينة ولا بأس به كما قيل ما من عام إلاّوقد خصّ ، مع انّه حقيقة في العموم.

إلاّ انّ هناك فرقاً بين العام المخصص وبين الأوامر الاستحبابية من ناحية انّ تخصيص العام لا يستلزم المجازية بخلاف المقام فإنّه بناءً على الوضع للوجوب يلزم كثرة المجازات.

هذا مضافاً إلى وجدانية عدم العناية في الاستعمال في موارد الاستحباب ، بل والأوامر الارشادية أو توهم الحظر وإنّما التخلف والعناية بلحاظ المدلول التصديقي ، وهذا معناه انّ الدلالة على الوجوب مربوطة بمرحلة المدلول الجدي والتطابق بين الاثبات والثبوت لا بلحاظ المدلول التصوري لصيغة الأمر ، وهذا يعني انّ الدلالة على أصل الطلب فضلاً عن الوجوب اطلاقية وليست وضعية ، وسيأتي مزيد توضيح لهذه النقطة وبيان حقيقة هذه الدلالة.

ص ١٨ قوله : ( وامّا القول الثاني ... ).

هناك بيانان لمدرسة الميرزا لتقريب مطلبها لابد من ذكرهما :

أحدهما : ما هو ظاهر تقريرات الفوائد ، وحاصله :

انّ الموجود في موارد انشاء الأمر بالصيغة بعث ونسبة ارسالية ، وهذا كما


ذكرنا مشترك بين الوجوب والندب ولا تنويع فيه ، وارادة تشريعية وهي أيضاً مشتركة إذ المراد منها ما يكون تلك المرتبة التي تساوق هجمة النفس في الارادة التكوينية وهي أيضاً مشتركة بين الوجوب والندب ، فما قيل من انّ الفرق بين الوجوب والندب بالشدة والضعف كما عن بعض الأساطين غير صحيح ، كما انّ ما ذكره القدامى من انّ الفرق بينهما انّ الوجوب مركب من طلب الفعل مع عدم الترخيص في الترك والاستحباب مركب منه مع الترخيص في الترك أيضاً غير تام ، لوضوح بساطتهما وعدم التركيب.

فلا يبقى إلاّالمبادئ من المصلحة والمفسدة وهي لو فرض اختلافها في المرتبة والدرجة فلا ينبغي الشك في خروجها عن مدلول الأمر والوجوب والندب. ومن هنا حكم الميرزا 1 بأنّ الوجوب ينتزعه العقل من نفس طلب المولى وأمره حينما لا يكون معه إذن في الترك.

وهذا التقريب مضافاً إلى ورود ما أورده السيد الشهيد على أصل هذا المسلك في الكتاب يرد عليه :

أوّلاً ـ ما تقدم من انّ مفاد الصيغة يمكن تصنيفها بلحاظ منشئها إلى صنفين.

وثانياً ـ ما ذكره من انّ الارادة التشريعية واحدة في الوجوب والندب خطأ وخلط بين الارادة التشريعية للفعل والغرض التكويني للمولى من أمره بالسعي لتحصيل المراد التشريعي من خلال أمره للغير ، فإنّ ما يساوق هجمة النفس وهو واحد في الموردين الوجوب والندب إنّما هو الغرض والارادة التكوينية للآمر من أمره لا ارادته التشريعية المتعلقة بفعل الغير ، فإنّه لا اشكال في انقسامها إلى شديدة وضعيفة وما يرضى الآمر بمخالفته وما لا يرضى ، فليست هي المساوقة


مع هجمة النفس في الارادة التكوينية.

ثانيهما : ما أفاده السيد الخوئي على ما في تقريرات بحثه ( المحاضرات ) وحاصله : انّ تفسير الصيغة مرّة بالطلب ومرة اخرى بالبعث وثالثة بالارادة التشريعية لا يرجع إلى معنى محصل بل لا معنى نتعقله للارادة التشريعية أصلاً ، ولا يعقل الشوق والشدة والضعف فيما لا يعود لمصلحة فيه إلى المولى ، وإنّما صيغة الأمر لابراز الاعتبار النفساني أي ابراز اعتبار الفعل في ذمة الغير ويكون هذا الابراز بنفسه مصداقاً للبعث ، وامّا الوجوب فيستفاد من حكم العقل حينما لا يكون معه ترخيص في الترك.

ويلاحظ عليه مضافاً إلى الوجوه القادمة في الكتاب والتي هي مشتركة على التقريبين والبيانين :

أوّلاً ـ ما تقدم من بطلان مسلك التعهد في الوضع فلابد من تصوير معنى تصوري للصيغة ، بل حتى على ذلك المسلك أيضاً لابد من فرض معنى تصوري لها ، كما سيأتي في مبحث صيغة الأمر.

وثانياً ـ انّ كون مدلول الأمر اعتباراً نفسانياً مما لا يمكن قبوله ، كيف ولا اعتبار في الأوامر الشخصية بل مدلول الأمر ثابت في المجتمعات قبل ظهور الانشائيات والاعتباريات كما في أمر الامّ لطفلها ، وقد تقدم في محله انّ الاعتبار ليس قوام الحكم أصلاً وإنّما هو أمر صياغي فضلاً من أن يكون مدلول صيغة الأمر.

وثالثاً ـ لا اشكال في انّ الوجوب والندب في عالم الاعتبار يرجعان إلى اعتبارين مختلفين ، فلو ربطنا بين الأمر والاعتبار النفساني كان دعوى الدلالة


الوضعية أيسر وأوضح من المسلك القائل بوضعها للنسبة الارسالية.

ورابعاً ـ ما يأتي وتقدم من صحّة الارادة التشريعية وتقسيمها إلى الشديدة والضعيفة ، فإنّ نفس الأمر النفساني المتحقق في مورد الارادة التكوينية للفعل يحصل بلحاظ فعل الغير في الارادة التشريعية ولا يلزم أن يفسّر بالحب والشوق ونحو ذلك من العبائر فإنّها ليست لازمة حتى في التكوينية فضلاً عن التشريعية ، فانكار أصل الارادة مكابرة.

ثمّ إنّ هذه الأقوال الثلاثة موطن بحثها ومحلّها صيغة الأمر لا مادته ؛ لأنّ المادة موضوعة لمفهوم اسمي حكائي لا انشائي ـ وإن كان يمكن الانشاء به كالانشاء بالجملة الاخبارية ـ وعندئذٍ يتعين أن يكون موضوعاً لغة إمّا لجامع الطلب أي سواء كان معه ترخيص في الترك أم لا ، أو لخصوص الطلب الذي ليس معه ترخيص في الترك ؛ لأنّ الاهمال في الوضع غير معقول ، فإذا كان الأوّل كان مدلوله الوضعي جامع الطلب ، وهو خلف الفراغ عن استفادة الوجوب من المادة ، بل ادعى انها أوضح دلالة على ذلك من الصيغة.

وإن كان الثاني كان مدلوله الطلب المقيّد باللزوم والوجوب ، فيكون استعماله في الطلب الندبي أي مع الترخيص في الترك مجازاً لا محالة ، لأنّ استعمال اللفظ الموضوع للخاص والمقيد في المطلق مجاز ، فالبحث في مادة الأمر لابد وأن يكون بحثاً عن المدلول اللفظي الوضعي ، وإنّما الأقوال الثلاثة معقولة في صيغة الأمر أو مادته المستعملة في مقام الانشاء ، أي كلما كان هناك انشاء للطلب والأمر حيث يمكن أن يقال فيه بأنّ استفادة الوجوب قد يكون بحكم العقل أو بالاطلاق.


وأمّا الصيغة أو أي شيء استعمل في مقام انشاء الطلب لم يستعمل إلاّفي الطلب أو النسبة الطلبية وهي واحدة في الوجوب والاستحباب والوجوب والاستحباب أمران زائدان على الطلب بحكم العقل أو بالاطلاق ومقدمات الحكمة.

والظاهر أنّ محط نظر القائلين بالقولين الثاني والثالث أيضاً مقام الانشاء بصيغة الأمر ونحوه وليس بحثهم عن مادة الأمر ، فتدبر جيداً.

ص ١٩ قوله : ( ويرد عليه : أوّلاً ... ).

حاصل الاشكال أنّ الترخيص في الترك لو اريد به انشاء الترخيص أو ابرازه فمن الواضح أنّه لو علم المكلف من دون إبراز ذلك انّ غرض المولى وطلبه النفساني في المبرز ليس شديداً أو يرضى بتركه ولا يتأذّى من تركه لم يحكم عقله بالوجوب ، ولو اريد به نفس هذه الخصوصية الثبوتية للطلب ، والتي قد يعبر عنها بشدة الطلب ، وقد يعبّر عنها بعدم الرضا بالترك ، فهذا معناه انقسام الطلب والارادة التشريعية إلى صنفين ، ولا يراد بالوجوب إلاّذلك ، ولا يكون طريق إلى استكشاف الطلب الشديد إلاّالدلالة اللفظية من الوضع أو الإطلاق ومقدمات الحكمة ، أي الدلالة الايجابية أو السلبية السكوتية ، فينهدم القول الثاني.

ويمكن أن نضيف على ذلك بأنّ حكم العقل بالوجوب وجوب عقلي عملي أي حسن الطاعة وقبح المعصية ، وهذا لا ربط له بالوجوب التشريعي ، بمعنى الطلب الذي يجعله الآمر لزومياً ، فإنّ انقسام الطلب إلى القسمين اللزومي وغير اللزومي لا يختص في اللغة بالموالي فضلاً من أن يكون مربوطاً بحكم العقل في


باب أوامر الله سبحانه والمولى الحقيقي ، فهذا خلط بين باب الأحكام العقلية وباب الأغراض والمداليل اللغوية.

ومما ينبه على ذلك انّه لا إشكال في استفادة التحريم من النهي مع أنّ حكم العقل بوجوب اطاعة المولى وعدم مخالفته وعصيانه لا فرق فيه بين بابي الأمر أو النهي ، فلابد وأن يقال هناك انّ العقل في النواهي لا يحكم بوجوب الطاعة بل بحرمة المعصية ليتطابق مع دلالة النهي على التحريم وهو كما ترى.

وظني أنّ أصحاب القولين الثاني والثالث حيث لاحظوا في باب صيغة الأمر انّ مدلولها النسبة الارسالية أو الطلبية وكذلك مدلول النهي النسبة الزجرية ، ولاحظوا أنّ النسبة واحدة ومحفوظة سواء كان الطلب وجوبياً أو استحبابياً ولاحظوا انّه لا يلزم التجوّز من استعمالها في موارد الاستحباب والكراهة اضطروا إلى تفسير ذلك امّا على أساس حكم العقل ـ القول الثاني ـ أو على أساس الدلالة الاطلاقية ومقدمات الحكمة ـ القول الثالث ـ وسوف يأتي في بحث الصيغة إمكان تصوير دلالة لفظية اثباتية أي وضعية بنحو لا يلزم منه التجوّز في موارد استعمال الصيغة في الاستحباب أو الكراهة ، وذلك بأنّ مقتضى التطابق بين مقام الاثبات والثبوت سد تمام أبواب العدم كما هو مقتضى النسبة الارسالية أو الزجرية ، فإنّ الارسال والزجر الخارجيين كذلك فالدلالة على الوجوب والحرمة في صيغة الأمر والنهي اثباتية لا سلبية سكوتية ، ومع ذلك لا يلزم التجوّز إذا ورد قرينة على الترخيص والرضا بالترك ، لأنّ المعنى المستعمل فيه الصيغة هو النسبة المذكورة وهي محفوظة على كل حال والتطابق والتناسب المذكور إنّما هو بلحاظ المدلول التصديقي.


ص ٢٠ قوله : ( الأوّل ما ذكره المحقق العراقي ... ).

أورد عليه مدرسة المحقق النائيني باشكالين آخرين لم يشر اليهما الشهيد الصدر :

أحدهما : انّ الشدّة والضعف في الارادة إنّما يكون فيما إذا كانت المصلحة في المأمور به راجعة إلى الآمر ولا يعقل في الأوامر الشرعية التي تكون المصلحة والملاك فيها راجعة إلى المكلفين أنفسهم ، فإنّه لا شوق ولا ارادة فيها لمولانا أصلاً.

وفيه : انّه خلط بين تعلق الارادة في الارادة التشريعية بنفس الفعل وبين تعلقه بالفعل الصادر عن المكلف ، فإنّ الارادة التشريعية تعني تعلّق الشوق والارادة بحصول الفعل من الغير لا بنفس الفعل. وهذا لا إشكال في ثبوته في كل الأوامر حتى الصادرة من الشارع الأقدس ولو لم يكن في ذات الفعل أيّة مصلحة للآمر ، فالمصلحة العائدة للمكلف يجعل المولى محباً لصدور الفعل منه لا انّه سبب لحب نفس الفعل لكي يقال بأنّه متوقف على وجود مصلحة فيه عائدة إليه وهو محال في مولانا الحقيقي ، وحب صدور الفعل من المكلّف لا شكّ في انقسامه إلى الوجوبي والندبي أي الشديد الذي لا يرضى بتفويته والضعيف الذي يرضى بمخالفته.

الثاني : انّ الوجوب والارادة الشديدة في النفس كالارادة الضعيفة أيضاً له حدّ خاص به ، وليس صرف الطلب والارادة ، لأنّ كلاًّ منهما صفة عرضية ومرتبة في النفس ممكنة الوجود وكل ممكن له حدّ لا محالة. وكل منهما ضد للآخر في مرحلة الفعلية والوجود فلا يمكن التمسك باطلاق الصيغة لاثبات أحدهما في قبال الآخر بل خصوصية كل منهما بحاجة إلى بيان.


وهذا الاشكال بهذا المقدار قابل للدفع لأنّ المحقق العراقي يقول انّ الخصوصية للوجوب حيث انّه من سنخ مدلول الصيغة وهو الطلب والارادة فلا يحتاج إلى بيان زائد لو كان مقصوداً بخلاف الندب.

نعم ، يمكن أن يكون المقصود انّ مدلول الأمر إنّما هو جامع الارادة وصرف وجودها فلا يكون ذكرها مقتضياً لكونه في مقام البيان إلاّبمقدار هذا الجامع وأصل الارادة ، وامّا خصوصيته المتحققة في ضمنها هذا الجامع فبحاجة إلى مقام بيان زائد ، وليس ذاك الفرد مساوقاً مع الجامع كما يقال في المطلق والمقيّد ليكفي بيان الجامع عن بيانه كما انّه ليس المتكلم في مقام بيان شيء زائد على مدلول اللفظ عادة ولو فرض العلم بوجوده زائداً على الجامع كما سيأتي في ردّ الوجه الثاني والثالث في الكتاب فهو أمر آخر زائد على الإطلاق.

ثمّ إنّ هنا اشكالاً ثالثاً قد يستفاد من بعض كلمات مدرسة الميرزا على العراقي قدس سرهما حاصله : انّ الارادة والكراهة والحب والبغض خارجان عن مدلول صيغة الأمر رأساً فكيف يمكن اثبات الشدة والضعف فيهما بالاطلاق ومقدمات اصول الحكمة.

ويمكن الجواب عليه : بأنّ الارادة التشريعية تستفاد من الصيغة ولو بالدلالة الالتزامية التصورية فيمكن اجراء الإطلاق فيها بهذا الاعتبار.

والانصاف انّ هذا المقدار لا يكفي في الجواب ، فإنّ الإطلاق ومقدمات الحكمة إنّما تجري بلحاظ المدلول المستعمل فيه للفظ لا كل مدلول تصوري والمدلول الالتزامي التصوري ليس مما يستعمل فيه اللفظ. نعم ، هذا الاشكال غير متجه على التقريب الرابع الذي يختاره السيد الشهيد 1.


ثمّ انّ التقريب الذي اختاره السيد الشهيد 1 معناه دلالة الأمر على الوجوب والالزام بالاطلاق أي بأصالة التطابق بين المدلول الاستعمالي والمدلول الجدي ، إلاّ انّه أظهر من الإطلاق فإنّ المراد بالاطلاق هو الدلالة السكوتية أي دلالة عدم الذكر اثباتاً على عدم وجود القيد ثبوتاً ، وامّا هذه الدلالة فهي ثبوتية مؤدّاها انّ ما ذكره قصده وأراده جداً ، لأنّ الصيغة موضوعة للدلالة على البعث الانشائي ، أو قل النسبة الارسالية بنحو المعنى الحرفي المساوق تصوراً مع اللزوم وسد تمام أبواب العدم وهو الوجوب ، غاية الأمر قد يتخلف المدلول التصديقي الجدي للمولى فلا يكون غرضه وداعيه من هذا البعث الانشائي الالزام بل قد لا يكون مقصوده الطلب أصلاً بل الامتحان أو الارشاد أو رفع الحظر ولو انّ كل ذلك لا يقدح بالمدلول التصوري والاستعمالي للصيغة في النسبة الارسالية والبعث الانشائي ، وإنّما نظير ما إذا لم يرد من العام عمومه جدا رغم استعماله لأدوات العموم ، فكما انّ دلالة العام على العموم وضعية وليست اطلاقية كذلك دلالة صيغة الأمر على الطلب اللزومي وضعية ، لأنّ النسبة الارسالية أو البعث الانشائي مساوق مع اللزوم تصوراً بحيث يكون قصده الجدي مساوقاً مع الطلب الوجوبي ، إلاّإذا نصب ما يدل على انّ داعيه خلاف ذلك فيكون القرينة قرينة على تخلف الداعي والمراد الجدي لا المجاز ، تماماً نظير ارادة الخاص من العام جداً بقرينة متصلة أو منفصلة.

وتمام النكتة في ذلك انّ مدلول الصيغة أمر انشائي هو البعث والارسال بنحو المعنى الحرفي النسبي ـ أي شيء كانت حقيقة الانشاء ـ وهو محفوظ في تمام موارد استعمالات صيغة الأمر.

وبهذا يعرف الوجه في عدم العناية في الاستعمال وعدم المجازية في موارد


ارادة الندب أو الامتحان أو الارشاد من الأمر كما هو في العمومات المخصّصة.

كما انّه يمكن المصالحة بين مسلك الوضع ومسلك الإطلاق بمعنى انّه من حيث كون الدلالة المذكورة على اللزوم اثباتية فهي كالدلالات الوضعية لا الاطلاقية ، ومن حيث انّ هذه الدلالة تصديقية لا تصورية بمعنى أنّ المدلول التصوري للصيغة محفوظة في تمام الموارد وإنّما التخلف في المدلول الجدي فهي كالدلالات الاطلاقية.

والشاهد على صحّة هذا المطلب انهم اتفقوا على دلالة الصيغة على الطلب ولم يناقش فيه حتى القائلين بعدم الوضع للوجوب مع انّ الأمر فيه أيضاً كذلك ، وامّا ما ذكرناه في هامش الكتاب من الاشكال فجوابه : ان قصد الارسال الجدي يساوق اللزوم والارادة الشديدة بالنكتة المبينة في التقريب من انّ الارسال يساوق سدّ تمام أبواب العدم ومن هنا يكون ارادة الندب جداً كارادة الترخيص في مورد الحظر أو الامتحان تخلفاً لهذا الظهور الحالي لا محالة.

ص ٢٣ قوله : ( هذا ويمكن لأصحاب هذا المسلك ... ).

والجواب الأصح والأولى من كلا الجوابين يظهر مما ذكرناه من انّ الظهور المذكور اطلاقي بالمعنى الاثباتي لا السلبي وهو مقدم على عموم العام وإطلاق المطلقات لكونه ظهوراً اثباتياً قوياً كالظهورات اللفظية الوضعية.

ص ٢٤ قوله : ( ومنها : انّه على مسلك الوضع ... ).

هذه الثمرة لا تتم بظاهرها لأنّ مجرد احراز الملاك والشوق الشديد لا يكفي لثبوت الوجوب ما لم يتصد المولى لطلبه بالأمر من المكلّف كما هو مقرر في محلّه.


فمجرد كشف ذلك بالملازمة لا يكفي ولو اريد الملازمة بين الأمر بهذا والأمر بالآخر بأن يعلم بصدور الأمر منه كذلك فهذا المدلول محقق لصغرى حكم العقل على المسلك الآخر أيضاً فلا ثمرة.

ويمكن أن يكون المقصود ثبوت الأمر بالآخر ولكنه مجمل محفوف بما يصلح أن يكون ترخيصاً في الترك ، وقيل في المسلك المذكور بأنّ هذا مانع عن حكم العقل بالوجوب فتتم الملازمة المذكورة على مسلك الوضع والإطلاق دون مسلك حكم العقل ، إلاّ انّه أيضاً غير تام لأنّه على ذاك المسلك قد يجعل المدلول الالتزامي المذكور قرينة على عدم كون الإذن المحتمل المحفوف في الخطاب الآخر اذناً في الترك حتى إذا سلّمنا الاصول الموضوعية لهذا البيان ، فالأولى ترك هذه الثمرة.

ص ٢٤ قوله : ( ومنها ـ ثبوت دلالة السياق ... ).

فرق هذا عمّا يأتي بعده انّه هنا توجد أوامر عديدة ولكن علم بأنّ المراد من بعضها الاستحباب فبناءً على الوضع للوجوب بنحو بحيث يكون في موارد الاستحباب مستعملاً في غير ما وضع له مجازاً يلزم ما ذكر من اختلال ظهور الباقي لأنّ السياق ظاهر في وحدة المعنى المستعمل فيه تمام الصيغ المجتمعة في ذاك السياق بخلافه على مسلك الإطلاق فضلاً عن حكم العقل.

نعم ، لو كانت وحدة السياق ظاهرة في وحدة المراد الجدي من الأوامر لا خصوص المدلول الاستعمالي اختلّ ظهور الباقي في الوجوب حتى على مسلك الإطلاق ، وهذا قوي خصوصاً في الثمرة القادمة أعني الأمر الواحد مع تعدد المتعلّق.


اتحاد الطلب والارادة :

بحث في الكفاية في مادة الأمر عن جهة تحت عنوان اتحاد الطلب والارادة وتغايرهما ناسباً إلى الأشعري القول بتغايرهما وإلى المعتزلي باتحادهما ، ثمّ حاول الجمع بينهما بدعوى انّ النزاع لفظي وانّ القائل أراد التغاير بين الارادة بوجودها الحقيقي الذي هو منصرف لفظها مع الطلب بوجوده الانشائي المنصرف إليه لفظه أيضاً والقائل بالاتحاد أراد الاتحاد بين الارادة والطلب بوجودهما الحقيقي. واختار هو اتحادهما مفهوماً وحقيقة وانشاءً ، ثمّ أفاد بأنّ اختلاف المعنى الانصرافي لكل منهما ألجأ بعض أصحابنا إلى الميل إلى ما ذهب إليه الأشاعرة من المغايرة بين الطلب والارادة خلافاً لقاطبة أهل الحق والمعتزلة من اتحادهما ، ثمّ تصدّى للبحث عن المغايرة والاتحاد والكلام النفسي والجمل الخبرية المستعملة في الانشاء والجبر والاختيار.

أقول : الأشاعرة لهم في المقام بحثان كلاهما بحثان كلاميان :

الأوّل : في ثبوت الكلام النفسي في النفس وهو غير الكلام اللفظي المتجدد الموجود والحادث المنصرم ، وقد التزموا بذلك لتصحيح متكلمية الله سبحانه وقدمها كسائر صفات الله القديمة كي لا يلزم قيام الحادث بالقديم المحال.

الثاني : انّ الارادة الأزلية الالهية لا يمكن أن تتخلف عن المراد ، ومعه لا يمكن أن يكون العاصي الذي لم يرد الله صدور الفعل منه مطيعاً ولا المطيع عاصياً ، وهذا هو الجبر في أفعال العباد ، ولازم ذلك أن لا تكون ارادة من قبل الله سبحانه في حق العاصي أن يفعل وإلاّ لزم تخلفها عن المراد مع انّه مأمور به ومطلوب منه تشريعاً فلا محالة تكون الارادة غير الطلب.


وواضح انّ كلا هذين البحثين كلاميان وثبوتيان لا ربط لهما بالبحث الاصولي عن مدلول الأمر وهو الطلب ، وانّه متحد مع الارادة مفهوماً ومصداقاً أو مغاير معها ، واستفادة هذا الأخير من البحثين الكلاميين من الخلط في المنهجة بين الأبحاث الثبوتية العقلية والبحوث اللغوية.

توضيح ذلك : انّ البحث اللغوي بحث عن تحديد معنى اللفظ وما وضع له ويدلّ عليه ، بخلاف البحث العقلي الكلامي ، ففي المقام قد يختار انّ لفظي الطلب والارادة موضوعان لمعنى واحد ومع ذلك يختار انّ هناك كلاماً نفسياً لتصحيح متكلمية الله وقدمها كما قد يختار تعدد المفهومين في البحث اللغوي ، ومع ذلك يختار في البحث الكلامي عدم وجود شيء اسمه الكلام النفسي ، فلا ربط للبحثين أحدهما بالآخر.

وكذلك البحث الكلامي الثاني ، لوضوح انّ مراد الأشعري بالارادة الارادة الأزلية التكوينية الفاعلة والتي تكون علة لايجاد الأشياء ، وهذا ليس هو المراد من الطلب والارادة التشريعية جزماً حتى عند القائل بوحدتهما ، فالأشعري لا ينكر وجود الارادة التشريعية المساوقة للطلب ، كما انّه ليس نظره إلى البحث عن المدلول اللغوي للفظي الارادة والطلب الاسميين ولا للأمر مادة أو صيغة أصلاً فلا ينبغي خلط الأبحاث بعضها ببعض.

فالصحيح البحث أوّلاً عن مدلول الارادة والطلب ، ولا اشكال في تغايرهما مفهوماً ، بل وتباينهما مصداقاً أيضاً ، لأنّ الارادة اسم لصفة في النفس هي الشوق المؤكد أو فعل للنفس هو هجمة النفس وعزمه على العمل بينما الطلب اسم للسعي والتحرك الخارجي نحو شيء ، وإنّما يصدق الأمر على الطلب من الغير باعتبار كون أمره للغير بنفسه مصداق للطلب والسعي من قبل الآمر نحو تحقق


المطلوب من الغير. وبهذا يعرف انّ الطلب مباين مع الارادة مفهوماً ومصداقاً.

ثمّ يأتي البحث عن الكلام النفسي وعدمه وهذا هو البحث الكلامي الأوّل ولم يعرف انّ الأشعري يدعي انّه مدلول اللفظ بوجه أصلاً ؛ بل لعل الدلالة عليه دلالة عقلية التزامية عنده مع كون المدلول هو المدلول التصوري أو التصديقي بمعنى قصد الإخبار والحكاية أو الاعتبار أو غير ذلك (١). وهذا بحث كلامي صرف ، ثمّ البحث عن الجبر والاختيار وهو بحث كلامي فلسفي أيضاً.

ونقول بلحاظ البحث الثبوتي الأوّل :

أوّلاً ـ انّ صفات الله سبحانه تنقسم إلى صفات الذات وصفات الفعل ، أي المنتزعة عن العقل ومنها التكلم ، وهذا النوع لا محالة يكون حادثاً لحدوث الفعل نظير الخالقية والرازقية وغيرها ، والميزان في تشخيص ذلك موكول إلى محله من الأبحاث. فلا ملزم لأصل البحث المذكور.

وثانياً ـ وضوح ووجدانية عدم وجود شيء في النفس في موارد الكلام غير التصور والتصديق يمكن أن نسميه بالكلام النفسي ، وكل ما يذكر من الشواهد والمؤيدات شعرية لا محصل لها.

وثالثاً ـ لو فرض وجود شيء فلا اشكال في انّ عنوان الكلام والمتكلمية لا ينتزع إلاّعن الفعل الجارحي المعبر عنه بالنطق بالأصوات والذي تحققه لا يتوقف على شيء أكثر من التلفظ وقصد المعنى ، فأصل هذا البحث لغو لا طائل تحته.

__________________

(١) والشعر المعروف أيضاً لا يقتضي أكثر من ذلك.


وأمّا بلحاظ البحث الثبوتي الثاني أعني الجبر والتفويض فقد بحثه الشهيد 1 في الكتاب ضمن المسألتين الكلامية والفلسفية. أي تارة من جهة انّ الفعل هل هو منتسب إلى الإنسان أو إلى الله أو اليهما معاً بنحو طولي أو عرضي ، وقد سمّاه بالبحث الكلامي. والجهة الاخرى في الجبر والاختيار وهي الجهة المهمة للبحث وإن كان بينها وبين الجهة الاولى ارتباط في الجملة كما بيّن في الكتاب.

ونحن نقول : انّ منشأ شبهة الجبر أحد امور ثلاثة :

الأوّل : أن يقال في البحث عن الجهة الاولى ـ من يصدر عنه الفعل ـ أنّ أفعال الإنسان تصدر من الله سبحانه وانّ الإنسان ليس إلاّمحلاً وعلّة مادية نظير الخشب عندما يصنعه النجار سريراً ، ولعلّ هذا هو مدعى الأشعري.

وفيه : ما هو واضح بالبداهة والوجدان من الفرق بين حركة قلب الإنسان أو معدته وحركة يده أو رجله الاختيارية من حيث انّ للانسان واختياره دخلاً في صدوره وانّه ليس مجرد محل لايجاد الغير هذه الحركة فيه.

الثاني : شبهة انّ الله عالم بمعصية العاصي واطاعة المطيع وعلمه لا يمكن أن يتخلّف عن المعلوم لاستحالة الجهل في حقه ، وهذا يعني استحالة عدم تحقق العصيان من العاصي وعدم تحقق الاطاعة من المطيع ، وانّ صدور تلك المعصية وهذه الاطاعة ضرورية وهو مساوق مع الجبرية والحتمية وهذا هو المعبر عنه في شعر خيام ( گر مى نخورم علم خدا جهل بود ).

وفيه : ما هو واضح من انّ العلم ليس دوره إلاّالكشف لا التأثير في وقوع المعلوم وعدم وقوعه واستحالة الجهل في علم الله عزوجل لا تعني كونه علّة لتحقق الواقع المنكشف به ، وأي ربط لأحدهما بالآخر ، فإذا استحال مثلاً العلم


بأمر ممكن أو وجب العلم به لم يكن ذلك سارياً إلى المنكشف بأن يصير ذلك الممكن واجباً أو ممتنعاً ، وهذا واضح أيضاً.

الثالث : ـ وهو المهم والأساس ـ وهو الشبهة الفلسفية التي بيّنها السيد الشهيد 1 ضمن المقدمتين في المسألة الثانية. ويمكن تقريرها بنحو آخر حاصله : انّ الفعل الصادر من الإنسان عرض ممكن الوجود فما لم يجب لم يوجد فلابد من تحقق علته وهي الشوق المؤكد المستتبع لتحريك العضلات ، وهذا بدوره ممكن كذلك فلابد وأن ننتهي إلى الارادة الأولية الواجبة الذات ، وهذا هو الجبر.

واجيب عليه بما في الكتاب فلا نعيد ؛ إذ لا زيادة عليه.

ثمّ إنّ هذا الحل الاصولي بالتقرير الفني الذي ذكره السيد الشهيد 1 فتح كبير ، تظهر ثمرته وبركاته في بحوث فلسفية وكلامية كثيرة :

منها ـ البحث الكلامي المتقدم ، أعني الأمر بين الأمرين حيث يكون الفعل المباشري الصادر من الإنسان منسوباً إليه واختيارياً في الوقت الذي لا يكون فيه تفويض لأنّ نفس السلطنة والقدرة بل الوجود آناً فآناً من قبل الله سبحانه لأنّ الممكن محتاج إلى الفاعل حدوثاً وبقاءً لا حدوثاً فقط ؛ لأنّ نكتة احتياجه وافتقاره إنّما هو في ذاته. فيكون نظير حركة اليد المشلولة بعد ايصال الطبيب للسلك الكهربائي إليه ليصبح سالماً.

ومنها ـ حلّ مشكلة قدم العالم ، فإنّه بناءً على تفسير الاختيارية بالسلطنة ووضوح كون أفعال الله سبحانه اختيارية فلا موضوع لشبهة قدم العالم ، فإنّها مبنية على قانون الشيء ما لم يجب لم يوجد وتفسير صدور المخلوقات عن الله


بقانون العلية بمعناها الفلسفي. ومن هنا أيضاً اضطروا إلى القول بالعقول العشرة وانّ المخلوق الأوّل هو العقل الأوّل ثمّ العقول الاخرى بحسب الترتيب إلى أن ينتهي الأمر إلى النفوس الفلكية ثمّ إلى عالم الطبيعة فإنّ كل ذلك مبني على قاعدة الوجوب والعلية بالتفسير الفلسفي.

ومنها ـ انّ تحقيق صغرى قانون العلية الفلسفية كون الموجودات صادرة به يصبح مشكوكاً فيه بهذا البيان وبما حققه السيد الشهيد في بحث الاسس المنطقية بل لا يثبت أكثر من وجود فاعل ونكتة مشتركة لتحقق الأشياء والمخلوقات فلعلها عبارة عن الارادة الالهية المباشرة أو الملك الموكل بالخلق المعين وبذلك يمكن الأخذ والحفاظ على ظواهر الآيات والروايات والتصورات المستفادة منها في تفسير الخلق والمبدأ والمعاد فينهار كثير من البناءات الفلسفية في هذه المجالات كالعقول العشرة والحركة الجوهرية وغير ذلك من البحوث.

وهذا منهج جديد في بناء الفلسفة الإسلامية بحاجة إلى كثير بحث ونقد وتمحيص بحيث قد يمكن على أساس ذلك اعطاء التفسير المنطقي والفلسفي الرصين للظواهر القرآنية والروائية بلا حاجة إلى التأويلات التي وقع فيها بالفعل الفلاسفة فيكون مثلاً قوله تعالى : ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً ... ) (١) قابلاً للقبول بتمام ظاهره من انّ النار أصبحت غير حارّة وغير محرقة.

وقوله تعالى : ( ... أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (٢) يؤخذ بظاهره ، وكذلك يمكن تفسير المعاجز والكرامات بلا مشكلة أصلاً.

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٦٩.

(٢) سورة يس : ٨٢.


ص ٤٢ قوله : ( وهكذا يتلخص انّه في غالب الفروض ... ).

التحقيق هو التفصيل بين ما إذا كان المسافر من نيّته أن يرجع قبل العشرة وإنّما يريد مجرد النية لكي يتم في صلاته ويصوم ثمّ يرجع عن نيته فهذا لا تتأتى منه النية جداً على المسالك الثلاثة في تفسير النية.

وبين ما إذا لم يكن له مثل هذه النية بل المكث عشرة أو أقل في حقه سيّان ، إلاّ انّه لا غرض له فيه وإنّما تمام غرضه منحصر في تصحيح الصوم والاتمام ومثل هذا المكلف الوجدان يشهد بأنّه يتأتى منه النية والقصد خارجاً ، وما أكثر ما يبتلى بذلك بلا حاجة

إلى أي نذر أو شيء ، وهذا الوجدان تفسيره يكون بأحد أمرين :

١ ـ أن يكون المكلّف غافلاً عن كون غرضه يتحقق بنفس النية والقصد والذي يتحقق قبل زمان الفعل المنوي فلا حاجة له إلى فعله ، ومع غفلته عن ذلك يتصور توقف غرضه على المنوي فيقصده أو يشتاق إليه ويريده جداً ، وهذا واضح.

٢ ـ أن يكون المكلّف مدققاً محققاً ملتفتاً إلى ما ذكرناه ومع ذلك يتأتى منه النية ، وذلك لأنّه متوجه حينئذٍ إلى أنّ النية والقصد المذكور لا يكون جدياً منه إذا لم يبن فعلاً على المكث عشرة أيّام فهو ينوي المكث عشرة أيّام جداً رغم علمه انّه في زمان الفعل المنوي لن يحتاج إليه لغرضه في هذا السفر ولكنه يحتاج إليه لكي تكون نياته جزمية جدية في أسفاره الاخرى ، وإلاّ لما أتت نية منه حقيقة ، وهذا الغرض وإن كان مقدمياً ولكنه يكفي في حصول القصد والنية بل والشوق بمعنى الارادة اللازمة عقلاً للأفعال. نعم من لا يبني على هذه النكتة لا تتأتى منه النية والقصد الجدي للاقامة عشرة أيّام كما أفاده السيد الشهيد 1.


دلالات صيغة الأمر

ص ٤٧ قوله : ( ولابد من أن نستبعد ... ).

بل يرد على مدعى السيد الخوئي 1 زائداً على الاشكال في المبنى اشكالان بنائيان آخران :

أحدهما : ما تقدّم من أنّه بناءً على مسلك التعهد يكون المدلول الوضعي هو المدلول التصديقي الأوّل ، وهو قصد الاخطار التصوري لا المدلول التصديقي الثاني ، وهو الاعتبار النفساني بدليل صحة الاستعمال في موارد فقدان الداعي الجدّي أيضاً وعدم وجود عناية فيه أصلاً. وقد تقدم سنخ هذا الاشكال عليه في بحث النسب التامة.

الثاني : انّ أصحاب مسلك التعهد أيضاً لابد لهم من تصوير مدلول تصوري اخطاري أو ايجادي للفظ ، غاية الأمر يدعون انّه دلالة حاصلة من الانس وليست هي الدلالة الوضعية ، وإنّما الدلالة الوضعية هي القصد وارادة اخطار ذلك المعنى التصوري ، ومن الواضح أنّ صيغة الأمر وأدوات الانشاء عموماً لابد لها من مدلول تصوري. وهذا لم يبرزه السيد الخوئي 1 ، فإذا لم يكن لها أي مدلول تصوّري فهذا خلف كونها موضوعة لمعاني وليست مهملة ، وإن كان لها معنى تصوري فلابد من إبرازه وإبراز الفرق بينه وبين سائر الصيغ كصيغة فعل الماضي والمضارع وتفسير وجه عدم إمكان استعمال صيغة الأمر في مقام الاخبار بخلاف الماضي والمضارع حيث يمكن استعمالهما في مقام الاخبار والانشاء


معاً. فهذه نقطة فراغ لابد من ملئها على كل المسالك في حقيقة الوضع.

ص ٤٩ قوله : ( الاحتمال الثاني ... ).

ما ذكر في الهامش من الاعتراضات كلّها صحيحة.

وتحقيق الحال في الانشاء أن يقال : قال المشهور انّه ايجاد المعنى باللفظ ، وقيل في قبالهم بأنّه غير معقول ، فإنّ المعنى والمفهوم سواء كان محكيه خارج الذهن أو في الذهن والنفس ـ كالاعتباريات ـ ليس اللفظ من أسباب ايجاده أصلاً ، ومن هنا قالوا بأنّ الانشاء عبارة عن إبراز الاعتبار الذي هو أمر نفساني أو أي حالة نفسانية اخرى كالطلب والارادة والتمني والترجي ونحوها ، إلاّ انّ هذا يجعل الجملة الانشائية إخباراً عما في النفس من الحالات الاعتبارية أو الحقيقية ـ بحيث لو استعمل بدلاً عن الجمل الانشائية جملة خبرية كاشفة وحاكية عمّا في النفس من تلك الحالة كان المدلول واحداً مع وضوح عدم وحدة المدلولين ، بل قد لا يتحقق المعنى الانشائي بالثاني في كثير من الموارد ، كما انّه لا يشخص ما هو المدلول التصوري لأدوات الانشاء ، وفرقه عن المدلول التصوري للجملة الخبرية ـ كما أشرنا في الاشكالات ـ.

والصحيح انّ أدوات الانشاء إنّما تكون موضوعة لايجاد سنخ معانٍ ومفاهيم بطبيعتها تتحقق بالاستعمال واللفظ والابراز ، سواء كانت معاني اعتبارية كالعقود والمعاملات أو تكوينية كالترجي والتمني والطلب والنداء ونحوها ، فإنّ هذه المعاني ليست حقيقتها الاعتبارات والمجعولات ، فاعتبار تمليك مال بمال في عالم النفس ثمّ الاخبار عنها لا يكون بيعاً ما لم يحقق القرار المعاملي الانشائي الذي هو أمر ذهني وليس خارجياً ، أي الاستجابة الذهنية الحاصلة بالتعاقد والتوافق أو بالايقاع ويكون اللفظ صالحاً لايجادها ، وهكذا التمني والترجي


والأمر والنهي.

ومن هنا تأتي الانشائية لهذه المعاني ويصح كلام المشهور من أنّ أدوات الانشاء وضعت لايجاد أو انشاء المعنى باللفظ في مثل هذه المعاني من دون محذور ، إلاّ انّ هذه الايجادية غير ايجادية الحروف والنسب ، فلا ينبغي الخلط بينهما ، وقد شرحنا ذلك أيضاً في تعليقاتنا على الجزء الأوّل.

وأمّا المدلول الوضعي للجمل والأدوات المتمحّضة في الانشاء بناءً على مسلك المشهور والمختار من كون الحاصل بالوضع إنّما هو الدلالة التصورية لا التصديقية ، فالمدلول لها نفس ايجاد تلك المعاني ، كالإشارة باليد أو السحب الخارجي مثلاً في الطلب ، ومن هنا ما يقال من الوضع للنسبة الطلبية أو الارسالية بلا موجب ، بل الموضوع له نفس ايجاد الارسال كالسحب باليد ، إلاّ أنّ هذا الارسال حالة شعورية وليست خارجية فحسب ، فيمكن أن نقول انّ الموضوع له تلك الاستجابة الحسية ـ وإن شئت سمّها بالتصورية ـ الحاصلة لشعور الشخص بالسحب والانسحاب وشعور المرسل بالتسبيب والدفع ، وهذه الاستجابة الشعورية تختلف عن تصور فعل الارسال المستعمل فيه اللفظ في موارد الاخبار عنه ، كما أنّها تختلف عن تصوّر مفهوم الارسال سواء كان مفهوماً اسمياً أو حرفياً ، ولكنها حالة ذهنية شعورية على كل حال ، فيمكن أن يكون الاحساس باللفظ سبباً لحصولها في النفس على حدّ حصول تصوّر المعاني الخارجية في النفس عند سماع الألفاظ الحاكية عنها ، وكما يكون ظاهر حال المتكلم عند اخطار تصوّر المعاني الخارجية باللفظ في ذهن السامع أنّه قاصد لها جداً ، كذلك في الجمل الانشائية يكون ظاهر حال من يوجد تلك الاستجابات في ذهن المخاطب انّه قاصد لها جداً.


وهذه نقطة مهمة ودقيقة ، وقد تجعل الفرق بين النسبة الانشائية والاخبارية ثابتة حتى في مرحلة التصور ، بمعنى الاستجابة الذاتية التي تحصل باللفظ في احساس الإنسان ، وقد شرحناها سابقاً في تعليقات الجزء الأوّل فراجع.

ومن هنا لا يصح استعمال الجمل والأدوات المتمحّضة للانشاء في مقام الاخبار ، بخلاف الجمل الخبرية فإنّها قابلة للاستعمال في مقام الانشاء لما أشرنا إليه من انّ نفس الحكاية والابراز ربّما يحقق المعنى الانشائي ـ وهو التصدي والتسبب لايجاد ذلك المعنى ـ كما يمكن أن يكون مقام الانشاء قرينة على اللحاظ التسبيبي للجملة الخبرية وجعلها مدخولها ومتعلقاً للتسبيب ، حيث أنّ النسبة الخبرية التصورية صالحة لهذه النظرة التسببية ، فإنّ الانشاء والتسبيب الشعوري لابد وأن يتعلق بالنسب التصورية التامة بين الفعل المرسل إليه وفاعله.

ثمّ إنّ التحليل المذكور هنا للجملة الفعلية من قبل السيد الشهيد 1 يختلف عمّا ذكره في الجزء الأوّل ، وما ذكره هناك هو الأدقُّ والأمتن ، فراجع وتأمل.

ص ٥١ قوله : ( الاولى ... ).

التعبير بالدلالة الالتزامية على الارادة غير فني ، فإنّه لو اريد الدلالة التصورية فواضح العدم ، وإن اريد الدلالة التصديقية فهو فرع وجود مدلول تصديقي ، والكلام في المدلول التصوري الوضعي لصيغة الأمر.

ولعلّ المقصود انّ الارسال أو النسبة الارساليّة والطلبية تناسب الارادة وتطابقها لا التعجيز والاستهزاء ، فيكون مقتضى التطابق الذي هو أيضاً ظهور حالي ولكنه ايجابي لا سلبي ـ كما في الوجه الثاني ـ وجود داعي الطلب والارادة ، كما في الحاشية.


ص ٥٣ قوله : ( امّا مسلك الإطلاق ... ).

الاشكال في تمامية الإطلاق اللفظي لا المقامي ، فيقال بأنّ اللفظ في صيغة الأمر إذا لم يكن دالاً على الطلب أو الارادة ، فلا يمكن اجراء الإطلاق اللفظي لاثبات الوجوب أو الطلب الشديد ؛ لعدم التعرض لفظاً للطلب أو الارادة.

والجواب : بأنّ المفروض دلالة صيغة الأمر على الطلب والارادة لفظاً ، امّا بالملازمة التصورية التي يدعيها السيد الشهيد 1 ـ وهو بعيد جداً ـ أو باعتبار أنّ البعث والارسال يناسب الطلب والارادة فتكون كالدلالات اللفظية ، فتجري مقدمات الحكمة بلحاظ الطلب المنكشف بأحد التقريبات المتقدمة للاطلاق المثبت لوجوبية الطلب في بحث مادة الأمر. بل قلنا هناك بأنّ تلك التقريبات إنّما تتم في دلالة صيغة الأمر لا مادته.

ص ٥٤ الهامش :

جوابه امّا بالنسبة للاطلاق اللفظي فقد عرفته. وأمّا بالنسبة للوضع فلا وجه لاستبعاد التحصيص على أنّه يمكن القول بأنّ التناسب للارسال والبعث الانشائي إنّما هو الارادة اللزومية لا الاستحبابية.

وإن شئت قلت : المنشأ بالصيغة ـ بالمعنى المعقول الذي تقدم ـ إنّما هو الارسال الالزامي الشديد المساوق للوجوب لا انشاء مطلق الارسال.

ص ٥٧ قوله : ( وأقرب هذه النكات ما لم تكن قرينة معينة لأحداها النكتة الاولى ... ).

بل النكتة الأخيرة أي قوله ( يعيد ) مستعمل في نفس النسبة التصادقية أو الصدورية الفعلية ، ولكن بقصد التسبب وارسال المكلف نحو تحقيقه نظير


( بعت ) الانشائي. لأنّ النكتة الاولى أي الاخبار عن وقوع الاعادة عمن يلتزم بالشريعة فيه التواء وعناية كبيرة إذ من أين يفهم المكلف ما هو الشريعة إلاّمن نفس هذا الخطاب ، مضافاً إلى أنّه لا ظهور لمقام الانشاء في أصل الأخبار ليقال بأنّه أقوى من الظهور في الإطلاق وعدم التقييد فإنّه ظهور حالي وهو في غير مقام الانشاء الذي مفروض في مثل هذه الجمل ، فالمستظهر هو الوجه الأخير لا الأوّل ولا الوجهان المتوسطان لوضوح عدم جريان نكتتهما في المقام كما يظهر بالتأمل.

ص ٥٥ قوله : ( الاولى ... ).

يمكن المناقشة فيها : بأنّ هذه الملازمة مبنية على أن تذكر الصفة المستلزمة للانتقال إلى الأمر الشرعي كعنوان المتشرع المطبق لحكم الشارع على أفعاله ، ومثل هذه الدلالة بحاجة إلى ما يدلّ عليه في مرحلة الاثبات ، ولا يكفي مجرد عدم الإطلاق والتضييق لافادة الملازمة.

هذا مضافاً إلى انّ الوجدان العرفي لا يساعد هذا التخريج ، فإنّ المتكلم عندما يقول : ( يعيد ... ) لا يلاحظ مثل هذا العنوان جزماً.

ومنه يظهر عدم عرفية النكات الثانية والثالثة فإنّهما مترتبان على ذلك. وامّا النكتة الرابعة فيمكن المناقشة فيها بأنّ النسبة الصدورية الناقصة يمكن تعلّق الارادة والطلب بها إلاّانها ليست النسبة الخبرية وإنّما النسبة الخبرية هي النسبة التصادقية التامة وهي لا تتعلق بها الارادة لأنّها إنّما تتعلق بما لا تحقق له.

نعم ، هناك معنى آخر سيأتي لعلّه المراد من هذه النكتة ، إلاّ انّه سوف يجعلها وجهاً ونكتة للمسلك الثاني لا لهذا المسلك على ما سنوضح.


ص ٥٧ قوله : ( المسلك الثاني ... ).

التحقيق انّ هذا المسلك معقول على مبنى المشهور من كون الدلالة الوضعيّة تصورية لا تصديقية ، وذلك بتقريب انّ النسبة الخبرية في عالم اللحاظ والتصور لها لحاظان : لحاظ تصوري ينظر فيه إلى النسبة بما انّه مفروغ عن تحققه ، ولحاظ انشائي تلحظ فيه النسبة بما انّه يطلب ويسعى إلى ايجاده وتحقيقه ، وقد ذكر السيد الشهيد 1 ذلك في بحث الخبر والانشاء في مثل جملة بعت اخباراً وانشاءً ، وهذا كما يعقل في الجمل الخبرية الدالّة على الامور الاعتبارية كذلك يعقل في الجمل الخبرية الاخرى ، فيمكن أن تلحظ نسبة الاعادة إلى الفاعل بنظر ايجادي يسعى إلى تحقيقه ، ولعلّ لام الأمر الداخل على فعل المضارع يجعله بهذا المعنى ، وهذا هو الذي يجعل فعل المضارع مناسباً لهذه النظرة لا الماضي إلاّإذا وقع في سياق الشرط فانقلب إلى المضارع معنىً ولا الجملة الاسمية إلاّفي مقام الدعاء الذي ليس طلباً للايجاد من المخاطب.

وعلى هذا الأساس يكون الفرق بين الجملة الخبرية في مقام الانشاء معها في مقام الاخبار بلحاظ المدلول التصوري وهو كيفية لحاظ النسبة الخبرية. نعم ، أصل النسبة التصادفية محفوظة فيهما. ولعلّه بهذا يقع تصالح بين المسلكين والاتجاهين ، فكل منهما لاحظ جانباً من الدلالة التصورية ، فتدبر جيداً.

ص ٦٤ قوله : ( المسألة الاولى ... ).

منشأ الاشكال عند مدرسة الميرزا على ما في كلمات السيد الخوئي 1 يرجع إلى البيان التالي :

انّ الأمر إذا اريد تعلّقه بالأعم من فعل المكلّف وفعل الغير بما هو فعل صادر


عن الغير بلا ارتباط له بالمكلّف فهذا غير معقول ثبوتاً لأنّ فعل الغير لا يعقل أن يتعلّق به تكليف الإنسان وإن اريد تعلقه بالأعم من فعله والتسبيب إلى فعل الغير ، فهذا وإن كان يعقل ثبوتاً تعلّق التكليف به إلاّ انّه خلاف الظاهر للزوم كون المتعلّق هو الجامع بين الفعل والتسبيب ولزوم كون مجرّد التسبيب كافياً لتحقق الامتثال ولو لم يفعل الغير بعد وهذا خلف.

وهذا البيان أجاب عليه السيد الشهيد بجوابين كما في الكتاب ؛ وتوضيحهما :

أوّلاً ـ انّ الجامع بين فعل المكلّف وفعل الغير الصادر منه بلا تسبيب من المكلّف يعقل تعلّق التكليف به ، لأنّه جامع بين الفعل الاختياري وغير الاختياري وهو اختياري على ما سيأتي من السيد الخوئي نفسه.

لا يقال : ليس الاشكال هنا من ناحية عدم المقدورية ليقال بأنّ الجامع بين المقدور وغير المقدور مقدور ، وإنّما الاشكال من ناحية عدم صحّة تعلّق تكليف شخصٍ بفعل غيره من دون انتساب ذلك الفعل إلى المكلّف أصلاً لأنّ هذا خلف توجه التكليف إلى هذا المكلّف.

وبتعبير آخر : انّ نفس توجه التكليف إلى شخص يكون مقيداً لبياً لمتعلق الأمر بكونه الحصة المنتسبة إليه لا المنتسبة إلى غيره والأجنبية عنه بالمرة أي لا تنتسب إليه حتى بنحو التسبيب. وهذا نظير سائر قيود الوجوب التي تكون قيوداً للواجب أيضاً ثبوتاً.

فإنّه يقال : هذه النكتة إن اريد منها نكتة اثباتية لأخذ التقييد بالانتساب المذكور فهو صحيح ويقبله السيد الشهيد كما في الكتاب ، وإن اريد بها نكتة ثبوتية للتقييد فغير صحيح ؛ إذ لا محذور ثبوتي في أن يكون روح الحكم أو


الاعتبار متعلقاً بالجامع بين فعله وفعل الغير ، فالمولى يريد هذا الجامع أو يعتبره على ذمّة المكلّف.

وثانياً ـ لو تنزلنا عن ذلك قلنا انّه لا مانع أن يتعلّق الأمر بالجامع الأعم من فعل المكلّف أو فعل غيره الصادر منه بتسبيب المكلّف ، وما ذكر من انّ لازمه كون التسبيب عدلاً للفعل ومجزياً وهو خلاف الظاهر. مدفوع بأنّ المتعلق هو الفعل الصادر بالتسبيب لا نفس التسبيب.

وإن شئت قلت : انّ المحذور الثبوتي المذكور إنّما يقتضي تقييد إطلاق متعلق الأمر بمقدار فعل الغير غير المنتسب إلى المكلّف ولو بالتسبيب ، وامّا غيره من حصص المتعلّق فيبقى تحت إطلاق المتعلّق ولازمه الاجتزاء بفعل الغير المتسبب إليه من قبل المكلف ، وهذا لا يتحقق إلاّبصدور الفعل من الغير خارجاً.

ثمّ انّ ادخال بحث النيابة في هذه المسألة خلط بين التسبيب والنيابة وبينهما عموم من وجه إذ النيابة متقومة بالاتيان بالفعل بنية الغير سواءً كان بتسبيبه أم لا ، بخلاف التسبيب فإنّه يصدق حتى لو جاء به الغير بنية نفسه كما هو واضح ، فمسألة النيابة أجنبية عن هذا البحث.

ص ٧٠ قوله : ( الثاني لو سلم انعقاد إطلاق المادة ... ).

ما ذكر في الهامش غير تام لأنّ مدلول الهيئة لا يكون مقيداً لبّاً بعدم تحقق الملاك كيف وإلاّ لزم عدم إمكان التمسك باطلاق الهيئة كلما شك واحتمل وفاء غير المأمور به بالملاك واجزائه عنه لكونه من التمسك بالمطلق في الشبهة المصداقية له ، بل إطلاق الأمر بنفسه نافٍ لوفاء غير المأمور به بالملاك واجزائه


فإذا ثبت خلافه في مورد كان تخصيصياً وتقييداً لاطلاق الأمر لا محالة لا تخصّصاً.

ص ٧٠ قوله : ( الملاك الثاني. انّه وإن لم يكن الأصل ... ).

هذا نظير ما إذا ورد : أكرم كل عالم ، ويحرم اكرام فساق العلماء ، وورد في دليل ثالث : لا يحرم اكرام زيد الفاسق منهم ، فإنّ الأولين لو كانا منفصلين رجعنا في زيد الفاسق بعد تخصيص دليل حرمته بالقيد الثاني إلى عموم العام لاثبات وجوب اكرامه كالعالم العادل ، وامّا إذا كان المقيّد الأوّل متصلاً بالعام فلا يصح ذلك ؛ لأنّ العام لم ينعقد عموم له بالنسبة للفساق من العلماء ، وهذا واضح.

ص ٧٠ قوله : ( ثانياً ـ النقض بسائر موارد التقييد ... ).

يمكن دفع النقض بأنّ دليل التقييد الشرعي يدل بالملازمة على عدم سقوط الأمر والوجوب إلاّبالاتيان بالمقيّد فينفي بنفسه الاجتزاء بالمطلق ، أي الاتيان بفاقد القيد ، وإلاّ كان لغواً ولم يكن شرطاً ، وهذا بخلاف المورد الذي يكون عدم إطلاق المادة لمحذور عقلي في خصوص اطلاقها لحصة وفرد كما في المقام وموارد الاجتماع مع احتمال وفاء الفاقد بالملاك والاجتزاء به ، فإنّه لا دليل على عدم الاجتزاء به عندئذٍ إلاّإطلاق الأمر نفسه.

هذا ، إلاّ انّ الصحيح أنّ أصل النقض وارد على المحقّق العراقي 1 ، فإنّه لا إشكال في الرجوع فقهياً إلى إطلاق الأمر في موارد تقييد متعلقه ولو بمقيّد منفصل بقيد ، وبه يثبت عدم الاجتزاء بفاقد القيد ولزوم الاتيان بالمقيّد لا بدليل القيد. ومن هنا نحتاج إلى جواب حلّي للشبهة المذكورة في هذا البيان ؛ ولهذا لم يكتف السيد الشهيد 1 بهذين الجوابين وتصدّى لحلّ الشبهة بجوابين آخرين.


ص ٧١ قوله : ( ثالثاً ... ).

حاصل هذا الوجه ـ والذي هو أحد الأجوبة الحلّية على الشبهة ـ أنّ تحقق الواجب والامتثال لا يكون عدمه شرطاً في الايجاب والأمر امّا بنحو الشرط المتأخر بحيث يستكشف به عدم الأمر من أوّل الأمر فواضح جداً ؛ إذ يلزم أن لا يكون ما حققه المكلّف واجباً وامتثالاً وهو تهافت ، وامّا بنحو الشرط المقارن أي سقوط الأمر بقاءً بالامتثال ، فهذا مضافاً إلى عدم صحته فإن فعل المحبوب لا يخرجه عن المحبوبية حتى بقاءً غير ضار في المقام ؛ إذ بالمقيد نستكشف انّ الايجاب الفعلي قبل الامتثال متعلقه الحصة المقيّدة أي الاختيارية ، فيكون مقتضى إطلاق الهيئة الفعلي قبل تحقق الحصة غير الاختيارية والمتعلق بالمقيّد ولو بالدليل المنفصل لزوم الاتيان به ، بل بقائه وعدم سقوطه بمقتضى هذه الدلالة الالتزامية بين ثبوت الايجاب المتعلّق بالمقيّد حدوثاً وبين بقائه إذا لم يتحقّق المقيّد ، وإن لم يكن إطلاق لهيئة الأمر بلحاظ مرحلة البقاء ابتداءً.

فالحاصل ما جاء في هذه الشبهة يسقط إطلاق الهيئة بقاءً فقط فعلية أو فاعلية لا حدوثاً ، فإذا ثبت تقييد متعلّق الوجوب الفعلي حدوثاً كان لازمه بقاء الوجوب وعدم سقوطه ، وهذه الدلالة لا إجمال فيها.

لا يقال : الوجوب الفعلي حدوثاً بدليل الأمر هو ايجاب الجامع الأعم من واجد القيد وفاقده ، لا خصوص المقيّد ، وهذا لا يلازم بقاء الفعلية أو الفاعلية ولزوم الاتيان بالمقيّد بعد تحقق فاقد القيد ودليل التقييد المنفصل لا ينافي ذلك ؛ لأنّه وإن كان يكشف انّ الواجب لا يشمل الفاقد إلاّ انّه لا يدل على بقاء الوجوب


بحسب الفرض ، ويحتمل كون الفاقد محققاً للغرض الموجب لعدم فعلية أو فاعلية الأمر بالمقيّد بقاءً بعد تحقّق الفاقد.

فإنّه يقال : هذا خلف فرض عدم تعلّق الايجاب والأمر بالجامع المنطبق على فاقد القيد ، فإنّ المفروض انّ دليل التقييد ولو المنفصل دلّ عقلاً أو شرعاً على عدم الإطلاق في متعلّق الأمر للفاقد ، فالايجاب الفعلي حدوثاً لا محالة يكون متعلقاً بالمقيّد لا المطلق والجامع ، وهذا واضح.

فالجواب الثالث تام.

بل ظهر من هذا التقرير له تماميته حتى على تقدير القول بسقوط فعلية التكليف بالامتثال كما هو المشهور.

ص ٧١ قوله : ( رابعاً ـ انّ من يرى ... ).

قد يقال : إن اريد بالامتثال ما يعمّ تحقيق الغرض من الأمر الذي لا إشكال في كونه امتثالاً بحكم العقل فهذا يوقعنا في المحذور الذي ذكرناه وانّه لا يصحّ التمسك باطلاق الأمر كلما احتملنا الاجتزاء وحصول غرضه بغير المأمور به وإن اريد به خصوص الاتيان بالواجب ـ مع انّه بلا موجب بعد كون اتيان الغرض امتثالاً أيضاً ـ فإن اريد الواجب الذي هو متعلق الهيئة أي مدلول المادة رجع الاشكال ، وإن اريد الواجب الواقعي كما هو ظاهر الكتاب فلازمه أيضاً انّه لو احتملنا انّ الواجب الواقعي هو الأعم لم يصح التمسك باطلاق الهيئة ، فلو دلّ دليل على وجوب عتق الرقبة المؤمنة واحتملنا انّ قيد الايمان ليس واجباً واقعاً بل استحبابي لم يصح التمسك باطلاق الهيئة لأنّه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، وهو واضح البطلان.


وإن اريد جعل عدم احراز الامتثال قيداً فمن الواضح انّ الاحراز وعدم العلم ليس قيداً في التكاليف الواقعية ، وإنّما يكون قيداً في الأحكام الظاهرية.

فإنّه يقال : ـ هذا الاشكال الذي ذكرناه في الدورة السابقة ـ غير وارد ، بل هذا الجواب جواب آخر حلّي غير ما قرّرنا به الجواب الثالث ، والذي هو الجواب الحلّي الأوّل.

وحاصله : انّ الإطلاق للهيئة بقاءً أيضاً غير ساقط لمن يأتي بفاقد القيد بحيث لا نحتاج إلى التمسك بالدلالة الالتزامية لاطلاق الهيئة بلحاظ الحدوث ـ كما في الجواب السابق ـ وذلك لأنّ ما هو المقيّد للهيئة والايجاب ليس هو إطلاق المادّة ، بل حكم العقل مثلاً بعدم بقاء الايجاب بعد امتثاله ولزوم سقوطه ، وهذا مقيّد كلّي متصل بكل الخطابات الشرعية والأوامر وبهذا العنوان وكلّ من إطلاق المادة ومتعلق الأمر لحصة أو تقييدها بقيد يحرز أو ينفي تحقق صغرى الشرط والقيد المذكور المأخوذ لبّاً في مفاد الهيئة من دون أن يوجب اضافة تقييد أو إطلاق أو إجمال فيه.

وليس عنوان الامتثال مشيراً إلى العنوان المأخوذ في المادة بل واقع الامتثال واتيان ما تعلّق به الايجاب ثبوتاً ، فيدلّ هذا الإطلاق في مفاد الأمر على بقاء الأمر والايجاب كلما لم يتحقق امتثاله الواقعي وإطلاق المادة للحصة الفاقدة للقيد لو كان حجة يثبت تحقق الامتثال وبالتالي سقوط الإطلاق المذكور بقاءً وتقييد المادة بقيد سواء كان بدليل متصل أو منفصل إذا ثبت يكون دالاً على تحقق شرط الإطلاق وفعليته لا محالة.

وما ذكر من اشكال التمسك بالشبهة المصداقية لا يرد إذا كان المتعلّق مطلقاً أو


مقيداً ـ كما في المثال المذكور في الاشكال ، فإنّ ظاهر الأمر بعتق الرقبة المؤمنة انّ الواجب والمتعلّق للوجوب هو الرقبة المؤمنة لا مطلق الرقبة.

نعم ، لو فرض إجمال المادة والمتعلّق بحيث لم يمكن إثبات اطلاقه ولا تقييده فلا يمكن إثبات الأمر بالمقيّد أيضاً بالخطاب وهو مسلّم ، بل لابد من الرجوع فيه إلى الاصول اللفظية أو العملية الاخرى ، فهذا الاشكال غير متّجه ، والجواب الرابع تام أيضاً.

ص ٧١ قوله : ( ولو كانت الحرمة بعنوان آخر ... فيتمسك باطلاق الهيئة لاثبات عدم الاجتزاء ... ).

وهنا يجري كلام المحقق العراقي من انّ إطلاق الهيئة مقيّد بالمادة ، وهنا لا يتمّ الجواب الأوّل من الأجوبة الأربعة المتقدمة.

ص ٧٣ قوله : ( وكأنّ المحقّق العراقي 1 حاول ... ).

بل هذا وارد أيضاً في كلمات السيّد الخوئي وتقريرات بحثه ، كما انّه لا يختصّ بالوجه الأوّل ، بل جعل الانحلال إلى الأوامر الضمنية منشأ للاجابة على الوجوه الأربعة الاولى ـ التي هي الوجوه الأصلية الأولية قبل التصحيح من قبل السيد الشهيد 1 لها وتطويرها ـ فينبغي ايرادها كذلك والاجابة عليها ، فراجع وتأمل.

كما أنّ الوجوه الأربعة ترجع إلى ايراد الدور أو المحذور في ثلاث مواضع الأوّل منها بلحاظ الجعل وعروض الأمر ، والثاني بلحاظ عالم فعلية الحكم ، والثالث بلحاظ عالم قصد الامتثال وداعوية الأمر ، والرابع أصله مربوط به عالم


الفعلية ، إلاّ انّه بتبع المحذور فيه يسري المحذور إلى القضية الحقيقية أيضاً.

والوجوه الاصلاحية التي ذكرها السيّد الشهيد أيضاً تعديل من أجل تسجيل المحذور في أحد هذه العوالم أو المراحل الثلاث.

ص ٧٩ قوله : ( الوجه الأوّل ... ).

الجواب عليه بما في الهامش ، وتوضيحه انّ المحذور المذكور في أخذ الوصول في موضوع شخص الحكم مبني على أخذه كذلك ، فلو لم يؤخذ ذلك ولا الأمر بوجوده الواقعي ، وإنّما يؤخذ في الموضوع القدرة على الامتثال المأخوذ عموماً ، والقدرة اللازمة أي صدق القضية الشرطية بالنحو المتقدّم فلا دور ولا تهافت ، كما انّ الشك في القدرة منجز عقلاً على المكلّف على ما هو ثابت في محلّه ، فلا وجه لأخذ الوصول أو العلم في موضوع المجعول الفعلي ولا في الجعل ، وإنّما المأخوذ المقدورية فحسب ، وليس فيه دور ولا تهافت.

نعم ، يلزم عندئذٍ عدم شمول الخطاب للقاطع بالعدم والغافل ونحوهما ، إذ لا يتمكن من قصد الامتثال والتقرّب ، كما لا يلتفت إلى جهله لكي يتعلّم إذا لم يكن مقصراً في المقدمات.

إلاّ انّ هذا اشكال مستقل برأسه لابد له من جواب مستقل وهو امّا بالالتزام بعدم فعلية التكليف في حقه من جهة عدم القدرة على الامتثال حتى رجاءً أو من جهة عدم امكان الداعوية ، كما التزم بذلك بعض والتزم الميرزا في مثل الناسي


والغافل بنكتة اخرى أو الالتزام باطلاق الخطاب للجاهل المركب أيضاً لأنّ القدرة المأخوذة في التكاليف عقلاً أو بالظهور الاثباتي ليس بأكثر من عدم العجز الثابت لو جعل التكليف ووصل إليه لا العجز الذي يرتفع بوجود التكليف وفي طوله ؛ لأنّ هذا العجز مما يرتفع بالتكليف ويتسبب إليه المولى بنفس التكليف ، إذ الغرض منه إنّما هو التحريك والذي يكون بالوصول لا بالوجود الواقعي للتكليف ، فهذا الإطلاق ثابت حتى للجاهل المركب كما هو داخل في غرض المولى من جعل التكليف فلا يكون قيداً فيه.

هذا ، مضافاً إلى أنّه لا مانع من أخذ العلم بالجعل وموضوعه الملازم مع العلم بفعلية المجعول في موضوع المجعول وهو كافٍ في المقدورية.

فالحاصل : فرق بين أن يكون الوصول ابتداءً مأخوذاً في موضوع المجعول فيلزم الدور أو يكون أخذه من جهة دفع محذور التكليف بغير المقدور فإنّه يمكن أخذ ما يلازم العلم بالمجعول الفعلي عندئذٍ ، وليس فيه دور ، وبه يندفع محذور التكليف بغير المقدور ؛ لأنّه يساوق ويلازم المقدورية.

كما انّه يمكن أخذ وصول الحب والارادة التي هي روح الحكم ولا يشترط تعلقها بالمقدور كما في المجعول ، ويكون العلم باطلاقها أيضاً موجباً للمقدورية كما هو واضح ، بلا لزوم دور ولا تهافت لا من ناحية أخذ العلم بالمجعول في موضوعه لعدم أخذه فيه ولا من ناحية عدم المقدورية ، والله الهادي للصواب.

ص ٨١ قوله : ( يمكن أن نضيف نكتة ... ).

ما في الهامش من الجواب صحيح ، وقد ذكره السيد 1 في الأبحاث القادمة.


ويمكن أن يضاف عليه بأنّ لحاظ الأمر في طرف المتعلّق لحاظ مستقل عن لحاظه في طرف انشاء الأمر ، فهناك لحاظان وملحوظان أحدهما حكائي مشير إلى ما سيحدث من الأمر ، والآخر انشائي ايجادي للأمر ، ولا محذور في ذلك.

ص ٨١ قوله : ( الوجه الثالث ... ).

هذا بيان لاثبات لغوية الأمر الضمني بقصد الأمر ، بل عدم كونه أمراً حقيقياً بل ارشاد إلى عدم سقوط الأمر بذات الفعل بدون قصد الأمر.

والجواب عليه : بما في الهامش صحيح ويمكن تقريره بنحو آخر ، وحاصله :

انّ قابلية الأمر للداعوية وإن كانت شرطاً في جعل الأمر ، بل قيل انّه روح الحكم وحقيقته ، فكما لا أمر في مورد عدم امكان الانبعاث للعجز كذلك لا أمر في مورد عدم قابلية الأمر للتحريك بحيث يكون وجوده وعدمه سيان من هذه الناحية.

إلاّ انّ هذا لازم في الأمر الاستقلالي بحيث لولاه لزم لغوية جعله ، وامّا الضمني فلا يشترط في حصص الأوامر الضمنية داعوية ومحركية مستقلة إلى متعلقاتها بل يمكن أن يكون الغرض منها حفظ داعوية الأمر الاستقلالي نحو ما هو مطلوب المولى من الأمر الاستقلالي.

بل الصحيح أن يقال : بأنّ هذه أيضاً داعوية ومحركيّة للأمر الضمني بقصد الأمر ؛ لأنّه يوجب عدم اكتفاء المكلّف بالاتيان بذات الفعل إذا جاء به بلا قصد الأمر واعادة المكلّف للفعل مع قصد الأمر ، وهذه داعوية ومحركيّة زائدة حقيقةً وإن كان يمكنه قصد الأمر أيضاً لو كان متعلقاً بذات الفعل فقط ، إلاّ انّ هذا لا يعني عدم محركية الأمر بالقيد المذكور.


نعم ، القيود الاخرى كالطهارة والاستقبال لو لم تؤخذ في المتعلق لا يمكن للمكلف التحرك نحوها بالأمر بذات الفعل ، بخلاف هذا القيد ـ أعني قصد الأمر ـ إلاّ أنّ امكان التحرك والانبعاث لولا الأمر الضمني بهذا القيد لا يعني عدم المحركية والداعوية له ؛ لأنّه لا الزام بهذا الامكان وإنّما يأتي الالزام والالتزام بقصد الأمر الاستقلالي من قبل أخذ هذا القيد والأمر الضمني بقصد الأمر ، وهذه داعوية ومحركية واضحة زائدة لم تكن موجودة لولا التقييد ومجرد إمكان الانبعاث لولاه لا يساوق هذه الداعوية والمحركية كما هو واضح.

كما انّ امكان تحصيل هذه المحركية بالاخبار عن بقاء غرض الأمر المتعلق بذات الفعل وعدم سقوطه بلا قصد الأمر لا يجعل تحصيل ذلك بتعلق الأمر بقصد الأمر لغواً أو مغايراً مع حقيقة الأمر ، فإنّه لا يشترط في قابلية محركيّة الأمر انحصار المحركيّة فيه وعدم امكان طريق آخر ، كيف وإلاّ أصبح كل أمر لغواً ، لامكان تحصيل غرضه بالاخبار عن الغرض والحب والارادة بلا جعل أمر أصلاً.

فالنتيجة أنّ الأمر الضمني بقصد الأمر أو قل أخذ قصد الأمر في متعلق الأمر تكون له محركيّة زائدة لم تكن موجودة لولا هذا الانبساط والزيادة في متعلّقه أي لم يكن تفي به داعوية ومحركية الأمر بذات الفعل لأنّه أمر توصلي يكفي في محركيته قابليته للداعوية ولو بالاتيان بالفعل لغرض دنيوي فيسقط ، أي محركيّته بمقدار أن يأتي به المكلّف إذا لم يأت به بداعٍ دنيوي لا ما إذا أتى به بداعٍ دنيوي بينما المطلوب اقتضاء محركيّة أكثر بحيث يأتي المكلّف به حتى إذا كان قد جاء به أوّلاً بداعٍ دنيوي ؛ لأنّ غرض المولى لم يتحقق ، وهذا الاقتضاء الزائد للمحركية من شؤون أخذ قصد الأمر في متعلّق الأمر ، فلا لغوية من هذه الناحية.


ص ٨٢ قوله : ( الوجه الرابع ... ).

هذا تتميم للوجه الثالث المتقدم أيضاً بوجه آخر هو استحالة محركيّة الأمر الضمني بقصد الأمر ، حيث قيل هناك انّ الأمر بالمركب لا يمكن أن يدعو إلى الاتيان بالفعل بقصد امتثال أمره ، لأنّ الأمر لا يدعو إلاّإلى ما تعلق به ، فلو اريد داعوية الأمر بالمركب إلى المركب والذي جزؤه نفس قصد الأمر وداعويته لزم داعويته إلى داعويته وهي كعلية الشيء لعلية نفسه ، ولو اريد داعوية الأمر بالمركب نحو ذات الفعل فقط فهو موقوف على تعلّق الأمر بذات الفعل لا بالمركب ، وهو خلف أو غير مقدور لعدم الأمر بذات الفعل.

وقد أجاب عليه بكلا شقيه السيد الخوئي بالقول بالانحلال إلى الأوامر الضمنية وكون الأمر الضمني الثاني متعلقاً بقصد امتثال الأمر الضمني الأوّل المتعلّق بذات الفعل ، فلا يلزم الخلف أو التلكيف بغير مقدور ، كما انّ الأمر الضمني بقصد الأمر ليس تعبدياً بل توصلي ، فلا يلزم داعوية الأمر إلى داعوية نفسه بل إلى داعوية الأمر الضمني المتعلّق بذات الفعل.

وهذا البيان يوجد عليه جوابان :

أحدهما : أن يقال بأنّ الأمر الضمني لا داعوية له أصلاً ، وإنّما الداعوية للأمر الاستقلالي ، إذ ملاك الداعوية ونكتتها هو الاطاعة والعصيان وهما مترتبان على الأمر الاستقلالي لا الضمني حتى إذا قيل بالانحلال إلى الأوامر الضمنية.

وإن شئت قلت : انّ الأمر الاستقلالي الواحد داعٍ واحد ولا يمكن أن يكون دواع عديدة ليتصور فيه داعوية بعضها إلى امتثال البعض الآخر. وبهذا فلو اريد داعوية الأمر بالمركب من الفعل وقصد الامتثال الذي هو عبارة اخرى عن


داعوية الأمر نحو الامتثال لزم داعوية الأمر المذكور نحو داعويته وهو محال بحسب الفرض.

إلاّ انّ هذا الجواب غير تام ؛ لأنّ مقصود السيّد الخوئي 1 داعوية الأمر بالمركب نحو تحقيق ذات الفعل ، أي جزء متعلقه وهو معقول ، فإنّ الأمر بالمركب يدعو إلى جزئه ، بل إلى مقدماته أيضاً ، فإذا كان المأخوذ في المركب قصد الأمر الاستقلالي وداعويته إلى جزء متعلقه لاتمامه لم يلزم داعويته إلى داعويته فلا محذور.

الثاني : ما ذكره السيد الشهيد في الكتاب من انّ داعوية الأمر يعني سببيته في قدح الارادة نحو متعلق الأمر في نفس المكلف ، وفي المقام إذا سبب الأمر انقداح الارادة في نفس المكلف نحو ذات الفعل فحيث انّ هذه الارادة المنقدحة بسبب الأمر هو الجزء الآخر من متعلق الأمر فلو اريد تعلقها بنفسها بسبب الأمر فهو محال ، وإن اريد انقداح ارادة اخرى نحو ارادة الفعل ثمّ تتحقق ارادة الفعل بنحو طولي فهذا حتى لو فرض معقوليته وامكانه إلاّ انّه خلف عرضية الأمرين الضمنيين في الداعوية ، فتكون ارادة الفعل متحققة من أوّل الأمر بداعوية الأمر الضمني المتعلّق به. وإن لم يكن هذا الأمر محركاً إلاّنحو اتيان ذات الفعل فقط كان معناه انّ الأمر الضمني الثاني ليس قابلاً للمحركيّة نحو متعلقه أو قل الأمر الاستقلالي ليس قابلاً للمحركية نحو الجزء الثاني لمتعلقه ، وهذا خلف حقيقة الأمر لا من جهة ما ذكر السيد الخوئي من انّه أمر توصلي وليس تعبدياً بل لا يكون أمراً ؛ لأنّه لا يقبل المحركيّة نحو متعلقه إلاّإذا أمكن محركيته نحو محركيّته أو تعلّق الارادة بنفسها وهو محال كما قرّر في أصل الاشكال.


فهذا الوجه والوجه السابق تصحيحان للوجه الثالث أحدهما من ناحية لغوية الأمر بقصد الأمر لعدم داعوية زائدة فيه على الأمر بذات الفعل ، والآخر من ناحية امتناع داعويته ونتيجة الوجهين واحدة ، وهي عدم قابلية المحركية والداعوية في الآمر الضمني بقصد الأمر زائداً على محركيّة وداعوية الأمر بذات الفعل ، فإذا كانت قابلية الداعوية قوام الأمر لم يعقل انبساط الأمر الضمني على هذا القيد ، فلا يعقل أخذه في متعلق الأمر ، بخلاف سائر القيود.

نعم ، يمكن أخذه ارشاداً إلى بقاء الأمر بذات الفعل إذا جييء به بلا قصد الأمر ، وهذا مدلول اخباري وليس أمراً ، فأخذ قصد الأمر في متعلّق الأمر ثبوتاً غير معقول.

وجواب هذا الوجه أيضاً ظهر مما تقدم في ردّ الوجه الثالث من أنّ المراد بقابلية المحركية والداعوية ما يوجد في الأوامر التوصلية أيضاً أي ما يصلح لحفظ غرض المولى وتحريك المكلّف من قبل الأمر كلما لم يتحقق مطلوبه بفعل العبد ولو لأنّه جاء به لغرض آخر ، وليس المقصود من الداعوية خصوص قصد الأمر ، وإلاّ لانقلبت الأوامر التوصلية تعبدية ، وهذا المقدار محفوظ في المقام أيضاً ؛ لأنّ فائدة الأمر بقيد قصد الأمر وأخذه تحت الأمر انّه إذا جاء بالفعل بلا قصد أمره أعاده مع قصد الأمر وداعويته نحو ذات الفعل الذي فرضنا أنّه ممكن ، وهذه محركيّة زائدة لحفظ غرض المولى ومطلوبه لم تكن لو كان الأمر متعلقاً بذات الفعل مطلقاً وبلا قيد ، أي لو كان الأمر توصّلياً.

لا يقال : هذا معناه أنّ الأمر الضمني بالقيد أي قصد الأمر هو الذي حرّكه وأصبح داعياً له نحو الاتيان بالمركّب ، والذي بضمنه قصد الأمر الذي لا يراد به


إلاّ داعوية نفس الأمر فيلزم داعوية الأمر إلى داعويته ، وهو محال بحسب الفرض.

وهذا هو فرق هذا البيان عن البيان السابق حيث كان الاشكال هناك اللغوية في الأمر الضمني لعدم محركيّة زائدة فيه لا لاستحالته ، فأمكن الاجابة عليه بوجود محركيّة زائدة على الأمر بذات الفعل ، والذي محركيّته توصلية تسقط بالاتيان به بغرض دنيوي.

أمّا في هذا الوجه يقال بأنّ هذه المحركية الزائدة مستحيلة ؛ لأنّ معنى أنّ الأمر الضمني بقصد الأمر أو الأمر بالمركب هو الذي يدعوه ويحركه إلى الاعادة والاتيان بالفعل بقصد أمره ـ ولو الضمني المتعلّق بذات الفعل بناءً على ما تقدم من امكانه ـ أنّ هذا الأمر الضمني أو الأمر بالمركب صار هو داعيه على ذلك ، وهذا معناه أنّ الأمر دعاه إلى الداعوية وقصد الأمر وهو محال.

فالجواب السابق لا يفيد هنا ، كما انّ جواب السيد الخوئي 1 أيضاً لا يتمّ ؛ للزوم تعدد الارادتين والداعويتين الطوليتين أو تعلّق الارادة بنفسها ، وكلاهما كان فيه محذور كما تقدّم.

والجواب : أنّ هذه المحركية للأمر الضمني محركية نحو اتيان ذات الفعل بقصد الأمر الاستقلالي لا نحو متعلقه الذي هو نفس الداعوية.

وإن شئت قلت : محركيته نحو اتيان الفعل بقصد الأمر الاستقلالي ممن كان قد أتى به بلا قصد الأمر ، وهذا ليس فيه محذور ـ كما تقدّم في توضيح بيان السيد الخوئي 1 ـ وكافٍ في تصحيح الأمر الضمني بقصد الأمر ، ولا نحتاج إلى أكثر من ذلك.


وإن شئت قلت : حفظ محركية الأمر الاستقلالي بلحاظ تعلقه بذات الفعل كافٍ أيضاً في الأوامر الضمنية ، ولا يشترط في معقوليتها وصحّتها وانشائها أن تكون لها صلاحية الداعوية نحو خصوص متعلقها إذا كان في انشائها وأخذها ضمن الأمر الاستقلالي حفظ غرض المولى ولو من ناحية استلزام ذلك بقاء الأمر الاستقلالي بالمركب وعدم سقوطه وحفظ الداعوية فيه.

نعم ، هذا لازمه توصلية الأمر الضمني بقصد الأمر ، بل عدم امكان تعبديته بلحاظ متعلقه ولا محذور فيه ، ومجرّد امكان الوصول إلى نفس المحركية والداعوية بالأمر بذات الفعل مع الإرشاد إلى عدم سقوطه بالاتيان بالفعل بقصد غير الهي لا يجعل الأمر الضمني بقصد الأمر ممتنعاً أو لغواً ، فإنّ هذا أيضاً طريق آخر لحفظ غرض المولى وايجاد الداعي المولوي ـ بلحاظ الأمر الاستقلالي بالمركب ـ نحوه كيف وإلاّ لزم لغوية جعل سائر الأوامر أيضاً لامكان الاستغناء عنها بالاخبار عن الملاك والمحبوبية ، والوجدان خير شاهد على صحّة الأمر بهذا القيّد كسائر القيود ، والله الهادي للصواب.

ص ٩٢ قوله : نعم هنا اشكالان آخران على هذه الصياغة ... الخ.

الواقع الاشكالان يرجعان إلى اشكال واحد على تقدير واشكالان على تقدير آخر ؛ وذلك لأنّ المهملة امّا أن يقال بأنّها في قوّة المطلقة فهناك اشكال واحد ، أو في قوّة الجزئية فهناك اشكالان.

أمّا على التقدير الأوّل : فالاشكال هو رجوع هذا إلى صياغة صاحب الكفاية فيرد عليه ما أوردناه لا ما ذكره في الكفاية.

توضيح ذلك : انّه في الكفاية اورد على تعدد الأمر أي أمر بذات الفعل وأمر


آخر بالاتيان به مع قصد أمره بأنّ الأمر الأوّل امّا أن يسقط لو جيىء بذات الفعل بلا قصد القربة أم يبقى ، فإن قيل بالسقوط لزم سقوط الأمر الثاني المتمم للجعل وهو خلف التعبدية ولزوم الاعادة ، وإن قيل بعدم السقوط وبقائه فليس ذلك إلاّ من جهة بقاء غرض الأمر ، وهذا وحده كاف في لزوم الاعادة فعلاً بلا حاجة إلى أمر ثانٍ متمم فإنّه لغو عندئذٍ.

وأجابوا عنه بأنّ بقاء الأمر الأوّل إنّما يكون بمتمم الجعل ، والأمر الثاني بحيث لولاه لم يكن وجه للاحتياط بل تجري البراءة عن احتمال دخل قصد الأمر في الغرض والذي يلزم على المولى بيانه ولو بأمر آخر ، على انّه لو فرض انّ العقل كان يحكم بالاحتياط فهذا لا يوجب لغوية الأمر الثاني الذي يكون محركاً مولوياً ومبيّناً لكون الغرض مقيداً متعيناً.

والصحيح ما ذكرناه من انّ عدم سقوط الأمر ولو من جهة بقاء الغرض في نفسه يستحيل إذ هو تحصيل الحاصل ، فلا معنى لبقاء شخص الأمر المنطبق على ما حققه المكلّف خارجاً ـ سواء اريد بالسقوط سقوط الفعلية أو الفاعلية كما هو واضح ـ نعم المعقول سقوط الأمر وتجدد أمر آخر بالطبيعة غير ما حقّقه المكلّف ، وهذا هو التفسير المتعين بناءً على استحالة أخذ قصد الأمر في متعلّق الأمر الواحد.

وأمّا على التقدير الثاني ، أي كون المهملة في قوّة الجزئية والمقيدة فهنا اشكالان هما المذكوران في الكتاب.

وقد يناقش فيهما معاً :

أمّا في الأوّل منهما ـ فبأنّ المهملة وإن كانت في قوّة الجزئية إلاّ انّ ذلك


من باب الاجمال والأخذ بالقدر المتيقن ، فللمولى أن يبيّن كون الغرض والأمر ولو المتمم متعلقاً بالمقيّد تعييناً على أنّه قد يفرض جريان البراءة والأصل المؤمن عن القيد ولو في مورد عدم تمامية الإطلاق في مدلول الصيغة والوجوب فيكون المتمم من أجل المنع عن ذلك.

وأمّا في الثاني منهما ـ فلأنّ الأمر الأوّل إذا كان مهملاً من حيث المتعلّق بلحاظ قيد قصد الأمر كان مهملاً من حيث الموضوع أيضاً ، لأنّ الاستحالة عند الميرزا من ناحية أخذ الأمر أو وصوله في موضوع الأمر الأوّل بحسب الحقيقة فيكون الإطلاق من ناحيته أيضاً مستحيلاً ، وإنّما المتيقن ثبوت الحكم والوجوب في حق العالم بالأمر الأوّل من دون أخذه في موضوعه ليلزم المحذور.

وإن شئت قلت : انّ المتعلّق المهمل الذي هو في قوّة القضية المقيدة إنّما يستحيل الأمر به إذا كان الأمر به مطلقاً من حيث الموضوع ، حيث يلزم التكليف بغير المقدور ، أو مقيداً بفرض وصوله أو فعليته حيث يلزم منه الدور ، وامّا إذا كان وجوبه والأمر به مهملاً من هذه الناحية أيضاً ، فلا برهان على الاستحالة والاهمال في المتعلّق ملازم مع الاهمال في الموضوع لا محالة ويرتفع بالمتمم.

والجواب على كلا الاشكالين بما تقدّم في محلّه من انّ اجمال متعلّق الأمر وعدم اطلاقه يوجب تمامية إطلاق الأمر ومدلول الصيغة ، فتكون النتيجة الأمر بالمقيّد وفيه محذور الدور ، كما انّه لا يحتاج إلى أمر آخر لو كان ممكناً ؛ لأنّه أمر بالمقيّد بقصد الأمر ، فأيّ حاجة إلى أمر آخر ، وهذا واضح.


ص ٩٣ قوله : ( وأمّا الصياغة الثالثة لتعدّد الأمر ... ).

ما ذكر إنّما يلزم لو كان الأمر متعلقاً بالممكن والمقدور من ذات الفعل وقصد الأمر بنحو الإطلاق الشمولي الانحلالي ـ أي مطلق الوجود ـ وأمّا إذا كان مأخوذاً بنحو العموم المجموعي أي مجموع المقدور منهما له أمر واحد ، فلا يلزم تعدد الأمر بل أمر واحد ، كما انّه يندفع بذلك الدور ؛ إذ لا يلزم أخذ الوصول في موضوعه بل أخذ القدرة وما هو المقدور والفعل مقدور ، يعلم بتعلق الأمر به ، امّا أمر ضمني أو استقلالي ، وهذا لا يتوقف على مقدورية قصد الأمر لكي يلزم أخذ وصول الأمر في موضوعه وبوصوله يكون قصد القربة مقدوراً أيضاً.

نعم ، يرد عليه الاشكالان الثالث والرابع ، كما يرد اشكال لزوم تغاير أمر من لا يقدر على قصد الأمر ولو لجهله المركب عن أمر من يقدر عليه ولعلّ هذا هو مقصود السيد الشهيد 1 من الاشكال.

ص ٩٥ الهامش ...

يمكن الاجابة عليه امّا على كيفية تعدد المجعول وتجدده فبأن يقال : انّ المولى ينصب قرينة على انّ أمره بذات الفعل يتجدد كلما لم يأت بقصد القربة بالطبيعة ضمن فرد آخر ، وامّا على النقض بعدم العصيان فبأنّ العصيان يلزم من ناحية تفويت الغرض المعلوم اهتمام المولى به بأوامره المتجددة اضطراراً.

إلاّ انّ هذا معناه انّ بيان الغرض ودخل قصد الأمر فيه يكفي كالأمر به للمحركية والمنجزية عقلاً ، ومعه فأي حاجة إلى تجديد الأمر بالطبيعة ، بل يبيّن المولى دخل قصد الأمر في غرضه وبقاء الغرض ما لم يأت بذلك وسقوط الأمر المتعلّق بذات الفعل لا يقدح بامكان الامتثال والاعادة بلحاظ بقاء الغرض في


أصل الفعل.

هذا مضافاً إلى أنّ مسألة الأمر بهذا المعنى يكون بحثاً لفظياً صياغياً ، إذ لو كان اخبار المولى عن ذلك ممكناً ومؤثراً في المنجزية والمحركية فلا نريد بروح الأمر إلاّذلك ، وهل يكون الاشكال في الصياغة القانونية الاعتبارية أو اللفظية عن هذا الاهتمام المولوي المتعقّل والممكن بحسب الفرض ؛ ولعمري البحث هنا غريب جداً عندي.

بل هذا التصوير من أردأ الوجوه ، وذلك :

أوّلاً ـ لما في الكتاب من لزوم تعلّق الأمر بأوسع مما فيه الملاك والغرض والحب والارادة المولوية ، وهذا بنفسه محذور ، وما في جواب الكتاب غير وافٍ ؛ لأنّ ما ذكر من كفاية الوفاء بالملاك في طول المحركية وداعوية الأمر غير كافٍ ؛ لأنّ فرض التحرك بداع دنيوي أيضاً سوف يكون مشمولاً لاطلاق متعلّق الأمر ، مع انّه غير واجد للملاك.

نعم ، قد يوجّه ذلك بأنّه بناءً على امتناع أخذ قصد الأمر في المتعلق يكون هذا المقدار هو الممكن جعله من الأمر نظير تكليف الامّي بالاتيان بما في الرفّ من الكتاب إلى أن يحصل الكتاب المطلوب.

وثانياً ـ التجدد في الأمر بمعنى الانشاء والاعتبار مشروط بتعقل جعل كذلك ، ومن الواضح انّ تجدد الجعل غير معقول ، وتجدد المجعول بمعنى انحلاله إلى مجعولات عديدة أيضاً لا توجد له صيغة معقولة إلاّبأن يقول مثلاً يجب تكرار الفعل ما دام لم يأت بقصد القربة ، فيكون عدم الاتيان بقصد الأمر شرطاً للوجوب.


ومن الواضح انّ هذا مضافاً إلى سخفه خلاف المقصود ؛ إذ لازمه وجوب التكرار والعقوبة على عدمه ، كما انّه إذا كرّر الفعل في تمام الوقت بلا قربة كان مطيعاً وهو خلف ، وأمّا ما ذكر من انّه ينصب قرينة على تجدد الأمر كلّما لم يأت بقصد القربة مضافاً إلى انّه لا يدفع الاشكال الذي ذكرناه الآن لا معنى له على مستوى عالم الجعل والاعتبار ، فإنّه لابد وأن يرجع إلى صياغة معقولة لتجدد الجعل أو المجعول ، فإنّ الأمر بمعنى الانشاء والاعتبار لا يتجدد بمجرد نصب قرينة كهذا ما لم يرجع إلى ما ذكرناه من تكرر الجعل أو انحلال المجعول.

نعم ، يعقل اعتبار بقاء الأمر الأوّل وعدم سقوطه أو تجدّده اعتباراً ما لم يأت بقصد القربة ، إلاّ انّ هذا اعتبار البقاء والتجدد لا واقعه ، أو قل بقاء اعتباري للأمر المجعول وليس بقاءً حقيقياً له ، ولا منجزية له إلاّبملاحظة روح الأمر وملاكه ، والذي هو تصوير آخر بحسب الفرض وليس بحاجة إلى هذا التطويل ولا إلى مجعول اعتباري أصلاً كما هو واضح.

فمبنى صاحب الكفاية مع التعديل الذي صنعه السيد الشهيد 1 لا يمكن المساعدة عليه بوجه. بل كلّ هذا البحث لا موجب له ، فإنّه بعد أن كان تعلّق مبادئ الحكم وروحه بما فيها الارادة والحب والشوق بالمقيّد ممكناً ومعقولاً ، وبعد أن كان وصول ذلك للمكلّف وانكشافه له موجباً لقدرته على تحقيق الفعل بقصد قربي والهي فأيّ محذور في أن يكشف المولى عن ارادته هذا بالأمر بالمقيّد بقصد القربة أو الأمر؟ فإنّ الأمر الاثباتي إذا جعلناه كاشفاً عن نفس الارادة لا أكثر فالأمر واضح ، وإذا جعلناه كاشفاً عن الاعتبار والانشاء الذي هو مجرّد صياغة قانونية فأيضاً لا محذور فيه ؛ لأنّ الاعتبار سهل المؤونة ، وجعل مثل هذا الاعتبار ليس فيه محذور الاستحالة الذاتية في نفس عالم الجعل ـ بعد


أن أجبنا عن الوجه الأوّل من وجوه الاستحالة ـ وإنّما المحاذير المذكورة ترجع إلى اللغوية وعدم المحركيّة الراجع إلى اللغوية أيضاً ، ومن الواضح عدم اللغوية في الجعل المذكور ، بل فيه تمام الفائدة وهو دفع المكلّف نحو ايجاد المقيّد وعدم الاكتفاء بذات الفعل كما هو الحال في سائر قيود الواجب ، فلا حاجة إلى كلّ هذه التمحّلات والتعسّفات ، والله الهادي للصواب.

ص ١٠٠ الهامش.

لا يرد شيء من الاشكالين المذكورين ، فلابد من حذفهما.

أمّا الأوّل : فلأنّه لا وجه لتخصيص الاستحالة بعملية التقييد ، كيف وأصل الاستحالة المبرزة من قبل الميرزا في التقييد بقصد الأمر راجع إلى الأمر لا عملية التقييد بما هو تقييد في عالم اللحاظ والتصوّر ، وهذا واضح.

وأمّا الثاني : فلأنّ إطلاق الأمر الثاني للحصة غير القربية بمعنى شموله لها مهملاً من حيث شمول الحصة القربية أيضاً مستحيل لأنّه في قوّة الجزئية عند صاحب هذا المبنى ، فيكون فيه محذور التقييد.

وإنّما يمكن هذا الإطلاق إذا كان الجعل مطلقاً من حيث الحصة القربية أيضاً وهو خلف ، فكلا الجوابين غير تامين.

نعم ، يمكن جعل الأمر الثاني مقيداً بالحصة القربية فيدور الأمر بين الاهمال والتقييد ـ بناءً على امكان الاهمال المفهومي ـ فيقال بأنّ عدم ذكر القيد يكون نفياً لارادة التقييد ، وحيث يمتنع الاهمال الثبوتي أو خلاف الظاهر فيستكشف ولو بدلالة الاقتضاء الإطلاق وشمول الحكم للحصة غير القربية أيضاً ، أو يقال بأنّ دلالة الأمر على تعلقه بالحصة القربية من متعلقه لا نحتاج فيه إلى الإطلاق ،


بل هو القدر المتيقن من مدلول الأمر وفي طوله يكون الإطلاق للحصة غير القربية ممكناً أيضاً ؛ إذ لا يلزم منه الاهمال الذي يكون في قوّة الجزئية ممتنعاً.

ولعلّ روح الاشكال الثاني في الهامش راجع إلى هذا المعنى.

ص ١٠٢ قوله : ( وهكذا اتضح انّه على مسلك صاحب الكفاية لا يتمّ الإطلاق اللفظي ... ).

يمكن أن يقال : انّه على هذا المسلك أيضاً يتم الإطلاق اللفظي عرفاً لا دقة ، بدعوى انّ التعبير العرفي لبيان دخل قصد الأمر في الغرض والملاك بالجملة الخبرية إنّما هو التقييد وأخذه في المتعلق أو الأمر الارشادي به ، فمع عدمه يستكشف عدمه كما يقال بذلك على مسلك متمم الجعل أو تجدد الأمر ، فكل هذا البحث الدقي أجنبي عن المدلول العرفي للخطابات.

ص ١٠٦ قوله : ( الأوّل ـ عدم الجزم بالسقوط ... ).

امّا بدعوى حكومة الأصل السببي وهو البراءة عن الأكثر على الشك في السقوط ، أو بتقريب أنّ الشك في السقوط الناشئ من تردد التكليف ودورانه بين ما يسقط وما لا يسقط لا يكون مجرىً للاشتغال العقلي ، وهذا البيان لا يجري هنا ؛ لعدم الدوران في التكليف وإنّما الشك في سقوطه مع العلم به تفصيلاً كموارد الشك في الامتثال ، حيث يكون الواجب فيه معلوماً تفصيلاً لا مردداً ، والجواب ما في الكتاب.

ص ١٠٦ قوله : ( الثاني ... ).

وقد يذكر هنا جواب آخر : وهو انّه لا فرق بين احتمال أصل وجود غرض مولوي أو تكليف نفسي محتمل على تقدير وجوده لا يمكن للمولى بيانه ، وبين


احتمال دخل شيء ضمناً في غرض المولى أو تكليفه ولا يمكنه بيانه ، فكما يجري في الأوّل البراءة كذلك في الثاني.

ولكنه ليس بصحيح امّا البراءة العقلية فمن الواضح عدم جريانها في مورد قصور المولى عن بيان مطلبه وغرضه حتى إذا قيل بأصل البراءة العقلية ، وامّا أدلّة البراءة الشرعية فأيضاً لا إطلاق لها لمثل هذه الفرضية خصوصاً بملاحظة ما ورد في بعض أدلّتها من التعبير بقوله 7 : « حتى يرد فيه نهي » أو ( حتى نبعث رسولاً ) أو « حتى تعرف انّه حرام » مما يعني امكان تبيين المولى لغرضه ولكنه لم يصل إلى المكلّف.

فهذا الجواب غير تام ، وإنّما ينحصر الجواب بما في الكتاب.

ص ١٠٦ قوله : ( الثالث ... ).

حاصله : أنّ البراءة الشرعية إذا جرت عن الأكثر المشكوك فكما تنفي التبعية والعقاب والتنجّز عن التكليف تنفي ذلك عن روحه ومباديه من الغرض والارادة ؛ إذ لا معنى لرفع التنجيز عن التكليف بما هو انشاء. فتؤمّن البراءة الشرعية عن احتمال دخل القيد في الغرض أيضاً ، وهذا بخلاف المقام حيث لا مجرى للبراءة الشرعية فيه ، والبراءة العقلية غير جارية بحسب الفرض.

وهذا الجواب قد أجاب عليه السيد الشهيد بجوابين كما في الكتاب.

ونضيف جواباً ثالثاً حاصله : جريان البراءة الشرعية هنا أيضاً عن التكليف المتعلّق بالفعل ، بنحو لا يسقط بالاتيان به بلا قصد القربة ، فإنّ المقام بالدقّة أيضاً فيه علم إجمالي بأحد تكليفين ، لكلّ منهما تشخّص ولكن من غير


ناحية المتعلّق ، بل من ناحية نوع الوجوب وكونه يسقط باتيان متعلقه ـ إذا كان توصلياً ـ أو لا يسقط ـ إذا كان تعبدياً ـ.

وإن شئت قلت : من ناحية المنشأ وكيفية غرضه الموجب لتنوعه من حيث سقوطه باتيان متعلقه وعدم سقوطه به ما لم يأتِ بشيء زائد عليه. وهذا العلم الإجمالي دائر بين أحد تكليفين متعلقين كلاهما بالفعل ، ولكنهما مختلفان من حيث نوع الحكم ومنشأه ، وهما متباينان وليسا دائرين بين الأقل والأكثر ، إلاّ انّه علم اجمالي منحلّ حكماً ؛ لعدم جريان البراءة عن النوع التوصلي ؛ إذ ليس فيه مؤونة زائدة على أصل لزوم الاتيان بالفعل المعلوم تفصيلاً عدم جواز تركه لكونه معصيةً على كل تقدير ، بخلاف البراءة عن النوع التعبدي.

وبهذا يعرف انّ ما ذكر في الكلام الأوّل من عدم جريان الوجهين الأوّل والثاني للاحتياط في المقام أيضاً غير تام ؛ إذ المقام أيضاً فيه علم اجمالي ، بل هو أقرب للاحتياط منه هناك ؛ لأنّه علم اجمالي بين متباينين ليس فيه شبهة الانحلال الحقيقي ، بخلاف العلم بين الأقل والأكثر.

كما أنّ الوجه الثاني أيضاً يتم هنا إذا أرجعناه إلى نكتة تعلق العلم بالواقع لا الجامع وتنجيزه لكلا طرفيه المحتملين ـ مقالة العراقي ـ كما أنّه يظهر عدم صحة ما ذكر في الفرق الأوّل من عدم وجود الأصل السببي الحاكم على أصالة الاشتغال في الشك في السقوط في المقام ، فإنّ الشك في السقوط بالاتيان بمتعلقه ناشئ عن الشك في نوع الوجوب وكونه مما يسقط أم لا يسقط ، فإذا جرت البراءة عنه كانت حاكمة على الأصل الجاري في الشك في السقوط ـ مع قطع النظر عن اشكال المثبتية ـ.


كما انّ الفرق الثاني أيضاً غير تام ، فاننا إذا افترضنا امكان بقاء الأمر وعدم سقوطه بشخصه مع الاتيان بمتعلقه إذا كان القيد دخيلاً في الغرض أصبح التصدّي لتحصيله بالانشاء أيضاً ممكناً ، وذلك من خلال جعل أمر لا يسقط باتيان متعلقه مع تبيين ذلك ، فإنّ هذا بحسب الحقيقة مزيد أمر وتصدٍّ انشائي لا اخباري.

فالوجوه الثلاثة للفرق كلّها غير تامة موضوعاً فضلاً عن الأجوبة المبينة في الكتاب.

نعم ، يبقى وجه واحد للفرق وهو مبني على مسلك صاحب الكفاية 1 من جريان البراءة في الجزئية والشرطية لا الأمر بالأكثر فإنّه إن تمّ ذلك هناك ـ ولا يتم ـ لم يجر هنا ، وهذا واضح ، وهو مقصود صاحب الكفاية من الفرق.

ثمّ إنّ هنا بيانات لاثبات انّ الأصل في الأوامر أو الواجبات منها التعبدية كقاعدة ثانوية ثابتة بادلة خاصة من بعض آيات أو روايات وهي باعتبار وضوح عدم تماميتها لم يتعرّض لها السيد الشهيد 1 وحذفها.

ص ١١١ قوله : ( الجهة الخامسة ... ).

لا وجه لتقييد العنوان بالوجوبات ، فإنّ الأمر الأعم من الوجوبي والاستحبابي ينقسم إلى النفسي والتعييني والعيني ؛ ولعلّه من جهة ظهور الأمر في الوجوب من دون قرينة أو كون المهم في الفقه الوجوب.

ثمّ انّ اثبات النفسية قد تكون باستظهار ذلك من مفاد الأمر ابتداءً وبالمطابقة ـ وهذا ما تكفله الوجهان الأخيران في الكتاب ـ وقد يكون من جهة لزوم ذلك من إطلاق في مفاد هيئة الأمر أو مادته كما في التقريبات الثلاثة الاولى في الكتاب.


لا يقال : انّ مقتضى الإطلاق نفي القيد وبالتالي ارادة الجامع والطبيعة بلا قيد من الخطاب وهو يقتضي التوسعة وأن يكون الأمر دالاً على الجامع الأعم من النفسي أو الغيري لا التضييق ، فإنّ هذا إنّما يكون إذا لم يكن إطلاق في مدلول الهيئة أو المادة يقتضي سعة الوجوب أو الواجب المستلزم لكون الأمر خصوص النفسي لا الأعم ، فالتوسعة في جهة اخرى اقتضت التضييق بالملازمة ، أو يكون ظهور في نفس خطاب الأمر يقتضي بمقتضى أصالة التطابق ارادة خصوص النفسي أو يعرف عدم ارادة الجامع بين الوجوبين لامتناع انشائه ولزوم وجود قيد في المنشأ كما في المقام على ما يأتي في التقريب الرابع والخامس.

وبهذا يعرف انّ الإطلاق والسكوت عن القيد من جهة قد يقتضي التضييق في جهة اخرى ، وهذه من مصاديق اقتضاء الإطلاق للتضييق لا التوسعة كما انّ من مصاديقها الانصراف المدّعى في بعض المطلقات. وتفصيل ذلك في محلّه.

ص ١١٢ قوله : ( الثالث : ... ).

ويلاحظ عليه : مضافاً إلى ابتنائه على مسلك اختصاص الوجوب الغيري بالحصة الموصلة فلا يتم على مسلك مثل صاحب الكفاية القائل بوجوب مطلق المقدمة انّه لا يتمّ فيما إذا كان الأمر المشكوك مقيداً بفعل ذلك الواجب واحتمل كونه واجباً غيرياً له أو بنحو الواجب في واجب الذي هو واجب نفسي لا غيري فإنّه عندئذٍ لا يكون إطلاق في متعلّق الأمر للحصة غير المقرونة بذلك الواجب لكي نثبت به بالملازمة النفسيّة.

وبهذا يظهر أنّه باجراء الإطلاق ومقدمات الحكمة في مدلول الصيغة أو المادة


لا يمكن اثبات النفسيّة في تمام الحالات والموارد ، وانّ التقريبات الثلاثة الاولى للاطلاق ـ وهي ظاهر الكفاية والمشهور ـ لا تتم في تمام الحالات ، ومن هنا احتيج إلى اثبات النفسية بأحد التقريبين الرابع أو الخامس بنحو الدلالة المطابقية ، أي بالنظر إلى ذات الأمر المنشأ وخصوصيته من حيث هو أمر لا بلحاظ اطلاقه الأحوالي لصيغته أو مادّته ، نظير ما تقدّم في اثبات الوجوب من إطلاق الطلب والأمر ، لكون الاستحباب قيده وحدّه عدمي ، بخلاف الطلب الوجوبي ، فيكون مقتضى السكوت أو أصالة التطابق ارادة الوجوب لا الاستحباب ما لم ينصب قرينة عليه.

إلاّ انّ كلا هذين التقريبين ـ لو تمّا من حيث نفسيهما ـ فإنّما يتمّان في مورد يرجع فيه القيد الوجودي والعدمي إلى نفس الطلب ، ومفاد الأمر لا شيء خارج عنه ، وفي المقام كون الطلب الغيري ترشحياً ناشئاً عن أمر وطلب آخر أو غير ناشئ منه لا يرجع إلى خصوصية في مفاد الأمر والطلب نفسه ، بل إلى منشئه وملاكه وهو أمر أجنبي عن مفاد الأمر ، ولا يكون إطلاق الأمر متكفلاً للكشف عنه بوجه أصلاً. فلا يصح قياس المقام بالأمر الاستحبابي والوجوبي اللذان يرجعان إلى شدة وضعف نفس الأمر ولو عرفاً ، فهذان التقريبان أيضاً لا يمكن المساعدة عليهما.

وأمّا ما جاء في بعض الكلمات من أنّ الغيرية والتعيينية والعينية كالوجوب يثبت بحكم العقل أو العقلاء فهو كما ترى لا يرجع إلى محصَّل.

والصحيح أن يقال : حيث انّ الأمر أو الارادة الغيرية على القول به ليست له محركيّة أصلاً ـ كما سيأتي في محله ـ وحيث انّ الأوامر الشرعية ظاهرة في التحريك المولوي نحو متعلقاتها فهذا الظهور يناسب الأمر النفسي لا الغيري ؛


ولعلّ هذا مقصود السيد الشهيد 1 من التقريب الخامس. ونفس هذه النكتة هي السبب في حمل الأوامر الغيرية على الإرشاد إلى الشرطية والقيدية ، فتدبر جيداً.

ص ١١٧ قوله : ( وهذا الكلام بهذا المقدار ... ).

المقصود انّ ظاهر كلام السيد الخوئي ـ كما في المحاضرات ـ انّه على جميع المباني لا ظهور في الأمر عقيب الحظر أو توهمه في ارادة الوجوب ، وهذه العبارة معناه انّ الظهور التصديقي الكاشف عن المراد غير موجود ، ومن هنا أشكل عليه السيد الشهيد 1 بأنّ مجرد احتمال عدم إرادة الوجوب تصديقاً وعدم الظهور فيه لا يمنع عن التمسك بأصالة الحقيقة في المدلول الاستعمالي ، وأصالة الجدّ في المدلول الجدّي ؛ لعدم قصور في حجيتها إلاّفي مورد يعلم بالمراد الجدّي ، ومجرد عدم الظهور لا يعني العلم بعدم إرادة الوجوب جدّاً ، وهذا واضح.

إلاّ انّه من القريب أن يكون مقصود السيد الخوئي 1 من عدم الظهور عدم الظهور الاستعمالي لا الجدّي من قبيل موارد احتفاف الكلام بالقرينة على المجاز في مرحلة المدلول التصوري أو الاستعمالي وعدم تمامية مقدمات الحكمة.

ص ١١٧ قوله : ( والتحقيق : انّ الأمر ... ).

امّا على تقدير الوضع للوجوب فلأنّ نفس مقام توهم الحظر يصلح أن يكون قرينة معتمدة مؤثرة في عدم استقرار الظهور في ارادة المعنى الحقيقي ، امّا على مستوى المدلول التصوري بناءً على ما تقدم منّا في نظرية المجاز من إمكان تصوير القرينة في هذه المرحلة أيضاً ، وهذا معناه انّ مقتضى القرينة في انسباق


صورة المعنى المجازي أقوى أو مساوٍ لاقتضاء انسباق المعنى الحقيقي الوضعي من اللفظ. أو على مستوى المدلول التصديقي الاستعمالي ، فلا يكون ظاهراً في ارادة الوجوب بل ولا الطلب.

إلاّ انّ هذا المسلك بنفسه غير محتمل لما تقدم من عدم الاحساس بالعناية والمجازية في استعمال الصيغة في هذه الموارد ، وما تقدّم من انّ أصل الدلالة على الوجوب ليس وضعياً بل اطلاقي أو ما يشبهه أي بلحاظ المدلول التصديقي لا التصوري الاستعمالي للأمر.

وامّا على المسلك الآخر فبما هو مذكور في الكتاب.

ص ١٢١ قوله : ( الجهة السابعة ... ).

الفرق بين هذا البحث وبحث تعلّق الأوامر بالطبيعة أو الأفراد واضح ؛ إذ البحث هنا عن كون مقتضى الأمر التعدد أو كفاية المرة بمعنى الدفعة أو الفرد بينما البحث هناك بعد الفراغ عن التعدد أو المرة في انّ ما هو متعلّق الأمر ذات الطبيعة أو انّ الخصائص الفردية أيضاً داخلة تحت الأمر ، أي البحث هناك عن سريان الأمر إلى الفرد من الطبيعة وعدمها ـ سواءً كان اللازم فرد واحد أو تمام الأفراد ـ ولهذا يكون ذاك بحثاً ثبوتياً عن سريان وجوب الطبيعة سواء ثبت وجوبه بالدليل اللفظي أو اللبّي ، بخلاف البحث هنا فإنّه بحث اثباتي دلالي عن مقدار الواجب.

ومنه يعرف بطلان ما في الفصول من انّ البحث هنا فرع اختيار تعلّق الأمر بالأفراد في تلك المسألة.

كما انّ الثمرة لمسألتنا لزوم التكرار وعدمه في مقام الامتثال ، بينما الثمرة


لتلك المسألة امتناع اجتماع الأمر والنهي ونحو ذلك من الثمرات.

نعم ، البحث عن الانحلالية بمعنى الشمولية أو البدلية في المتعلّق يمكن أن يكون مربوطاً بمسألتنا ، فإنّ القول بالمرة أو التكرار تارة يكون على أساس دعوى الدلالة اللفظية الوضعية على لزوم التكرار أو المرة ، واخرى على أساس الدلالة الاطلاقية ، ومقتضى اجراء مقدمات الحكمة في المتعلّق كما صنعه السيد الشهيد ، فما عن السيد الخوئي من انّ البحث عن المرة والتكرار أجنبي عن مسألة الانحلال في غير محلّه.

ثمّ انّ عدم انحلالية الطبيعة في متعلقات الأوامر قد تفسر بنكتة اثباتية من قبيل لزوم تكرار المتعلق والواجبات ودوام الاتيان بها ، وهو متعسر أو غير ذلك.

إلاّ أنّ هذا لا يفي بتفسير الفرق بين الطبيعة الواقعة موضوعاً للأوامر والتي يكون الأمر بلحاظها انحلالياً كما في ( أكرم العالم ) وبين الطبيعة الواقعة متعلقاً للأمر.

من هنا تصدّى السيد الشهيد ببيان نكتة ثبوتية للانحلال العقلي الراجع إلى عالم التطبيق وانطباق الطبيعة بتحقق أفرادها بلحاظ الموضوع المأخوذ مفروغاً عنه ومقدّر الوجود ، بخلاف المحمول والمتعلّق للأمر أو النهي كما هو مذكور في الكتاب.

وهناك انحلال آخر يرجع إلى تعدد الجعل ووحدته في انشاء المولى من خلال ما يدلّ عليه كأدوات العموم كما إذا قال : ( أكرمه بكل اكرام ) أو نكات نوعية كما في انحلالية النهي بلحاظ الأفراد الطولية في عمود الزمان ، وهذا انحلال بملاك اثباتي يرجع إلى لحاظ المولى للكثرة والتعدد والانحلال في جعله.


وقد يناقش في ذلك تارة : بأنّ لازم ما ذكر من النكتة الثبوتية العقلية عدم امكان الانحلالية في المتعلقات حتى مع القرينة ؛ لأنّه خلف لحاظها بما هي مفاهيم يراد ايجادها أو الإخبار عن وجودها في الخارج ، فكيف يعقل فيها الانحلال والتكثّر ثبوتاً.

واخرى : بالنقض بمثل ( أحلّ اللهُ البَيع ) ، أو قولنا : ( البيع جائز ) فإنّه لا إشكال في انحلالية الجواز والحلية بلحاظ كل بيع ، بخلاف جملة ( البيع واجب ) وهكذا ( اكرام العالم جائز ) و ( اكرام العالم واجب ) فإنّ الأوّل انحلالي بخلاف الثاني مع انّ مقام الترخيص وجعل الحلية كجعل الوجوب لابد وأن يلحظ المتعلق فيه كمفهوم غير مفروض الوجود ، وإلاّ كان جعل الحكم له لغواً وتحصيلاً للحاصل.

والجواب : امّا عن الأوّل : فبما في الكتب بعنوان ( ثالثاً ) فإنّ الممتنع تحقق الانحلال العقلي بلحاظ مرحلة انطباق الطبيعة على وجودها الخارجي لا الانحلال في مقام الجعل وتعدد الحكم ، فإنّه يمكن من خلال ملاحظة الأفراد المتعددة من الطبيعة مفهوماً والأمر بايجادها ، فإنّ هذا ليس بممتنع ولكنه بحاجة إلى لحاظ الأفراد المتكثرة للطبيعة ووجود ما يدلّ عليه كأدوات العموم ونحوها.

ومنه يعرف انّه بلحاظ انحلال الموضوعات يوجد انحلالان بحسب الحقيقة : أحدهما : عقلي لا يحتاج إلى أكثر من لحاظ الطبيعة بنحو مفروغاً عن وجودها ومقدر الوجود. والآخر : عرفي فيما إذا لوحظت أفراد الطبيعة متكثرة.

وأمّا عن الثاني : فبأنّ الجواز أيضاً مضاف إلى الطبيعة بنحو صرف الوجود ، إلاّ أنّ جواز الطبيعة بنحو صرف الوجود يستلزم جواز كل فرد من أفراده العرضية عقلاً ، وبالنسبة لأفرادها الطولية توجد نكتة اثباتية نظير ما في انحلال النهي إلى


نواهي بلحاظ أفراد الطبيعة الطولية.

ثمّ انّه كان ينبغي التعرّض للأصل العملي أيضاً عند الشك وإن كان من الواضح جريان البراءة عن الأكثر من المرة لكونه من الشك في التكليف الزائد الاستقلالي ـ إذا كان بنحو الانحلال والشمولية ـ أو الارتباطي ـ إذا كان بنحو المجموعية بأن كان مجموع الأفراد المتكررة تكليفاً واحداً ـ.

نعم ، لو اريد من المرّة شرطية المرّة بنحو بشرط لا عن التكرار وعلم بأنّ الواجب امّا كذلك أي الطبيعة المقيدة بالمرّة أو الطبيعة المقيدة بالتكرار كان من العلم الاجمالي الدائر بين محذورين بلحاظ هذا القيد ، وحيث لا يمكن الموافقة القطعية ولكن يمكن المخالفة القطعية بأن لا يأتي بالواجب أصلاً اقتصر على المخالفة الاحتمالية دون القطعية.

ثمّ إنّه إذا كان الواجب المردد ضمنياً كالتسبيحات في الأخيرتين من الصلاة وجب الاحتياط بتكرار العمل ( المركّب ) مرتين ، وهذا كلّه واضح.

ص ١٢٧ قوله : ( وهل يمكن تبديل الامتثال من فرد بفرد آخر ... ).

لابدّ من البحث في مسألتين :

إحداهما ـ انّه هل يمكن جعل الفرد الثاني مع الفرد الأوّل امتثالاً فيما إذا كان الواجب هو الطبيعة بنحو صرف الوجود ـ كما في الفردين العرضيين ـ أي الامتثال عقيب الامتثال أم لا يمكن.

الثانية ـ انّه إذا فرض عدم امكان ذلك أو فرض أخذ قيد الوحدة مثلاً في المأمور به بأن كان المطلوب فرداً واحداً لا أكثر اتجه البحث عن امكان تبديل الامتثال بالامتثال حينئذٍ.


أمّا المسألة الاولى : فظاهر كلمات المحققين ومنهم السيد الاستاذ 1 عدم امكانه لسقوط الوجوب بالفرد الأوّل ، فعلية أو فاعلية ، فلا يمكن أن يتصف الفرد الثاني الطولي في عمود الزمان بصفة الوجوب والامتثال ، وهذا بخلاف الفردين العرضيين في الزمان.

إلاّ انّ هذا الاستدلال لا يمكن المساعدة عليه ، لأنّ سقوط الوجوب إن كان بمعنى عدم الالزام والمحركية والرفع للمكلف نحو تحقيق فرد آخر فهو مسلم إلاّ انّه لا يلازم سقوطه بمعنى عدم دخول الفرد الآخر لو أراد أن يحققه المكلّف مع الفرد الأوّل تحت العنوان المأمور به إذا كان عنواناً صالحاً للانطباق عليهما معاً كما إذا كان المأمور به الطبيعي المتحقق ضمن القليل والكثير ، نظير ما إذا أمره برسم طبيعي خط أعم من قصير أو طويل فإنّه إذا رسم الخط وقبل أن ينهيه يمكنه أن يقف على المسافة القصيرة أو يمده إلى المسافة الطويلة فيكون كلّه امتثالاً رغم انّ الزيادة لم يكن ملزماً بها وواجبة عليه بحيث كان يمكنه رفع اليد عنها ، وكذا إذا أمره بالماء الأعم من القليل والكثير ، ومجرد كون الفرد المتحقق واحداً من حيث حدّه وأمده في هذين المثالين بخلاف الفرد والفردين في المقام لا يمكن أن يكون مفرقاً بعد فرض أنّ الميزان والمعيار امكان انطباق العنوان المأخوذ في المأمور به خارجاً ، والمفروض انطباقه إذا كان المأخوذ هو الطبيعي بنحو صرف الوجود بلا أخذ قيد الوحدة المصداقية والفردية فيه ، فكما ينطبق الجامع المذكور على الفردين العرضيين معاً بلحاظ وجود الطبيعي بهما معاً كذلك الحال في الفردين الطوليين في زمان معيّن كالطبيعي بين الحدين الزمانيين.

فالحاصل المعيار في المسألة الاولى إمكان انطباق العنوان المأمور به لا سقوط الأمر أو محركيته.


ودعوى : لزوم وجود الأمر لكي ينطبق والمفروض سقوطه بالفرد الأوّل.

مدفوعة : بأنّ سقوطه فرع أن لا ينطبق المأمور به على المجموع ، وإلاّ كان يسقط به لا بالأوّل فقط.

ودعوى : انّ أخذ الطبيعي بنحو صرف الوجود يوجب انطباقه على أوّل الوجود فقط دون الوجود الثاني حتى مع ضمّه إلى الأوّل.

مدفوعة : بأنّه ليس كذلك ؛ إذ لا اشكال في امكان لحاظ الطبيعة بين الحدّين بنحو صرف الوجود بحيث ينطبق على الأفراد المتعددة المتحققة فيهما انطباقاً واحداً كما كان ينطبق على الفرد الواحد لو كان موجوداً وحده بين الحدين.

ويشهد على صحة ما نقول قياس المقام بمورد الارادة التكوينية فيما إذا كان مراد الإنسان ومطلوبه التكويني في الأعم من فرد واحد أو أكثر في عمود الزمان بحيث يكون نسبتهما إلى طلبه وارادته على حدّ واحد وانكار امكان هذا مكابرة واضحة ، فإذا صحّ ذلك في المراد التكويني صحّ في التشريعي أيضاً.

وعلى هذا الأساس لا يصحّ ما جاء في كلمات المحققين من عدم إمكان الامتثال عقيب الامتثال إذا اريد منه جعل المجموع امتثالاً واحداً. نعم لو اريد جعل كل من الفردين الطوليين امتثالاً مستقلاًّ فهو ممتنع لتوقفه على تعدد الأمر وهو خلف.

كما يظهر امكان التخيير بين الأقل والأكثر بلا رجوعهما إلى المتباينين إذا اريد به التخيير العقلي ؛ وذلك بأخذ عنوان في المأمور به ينطبق على مجموع الفردين حين انضمام الفرد الثاني ولا ينطبق على الفرد الأوّل إلاّحين الانفراد ، بل


ويمكن التخيير الشرعي أيضاً إذا كان الأقل ضمن الأكثر جزء العلّة لتحقق غرض المولى إذ أي مانع من التخيير الشرعي حينئذٍ.

نعم ، هذا ملاكاً راجع إلى التخيير العقلي ، ولكنه بحسب الخطاب تخيير شرعي ، ولا محذور فيه. وما يقال من انّ لازمه تعلّق الأمر الضمني الزائد بأحد النقيضين وهو لغو. جوابه انّه يكفي لدفع لغوية جعله امكان جعل المجموع امتثالاً لكون الغرض متحققاً به لا بالأقل ضمن الأكثر ، وهذا واضح.

هذا ، ولكن التحقيق انّ هذا وإن كان ممكناً ثبوتاً ، إلاّ انّه خلاف ظاهر الأمر اثباتاً ، بحيث يحتاج إلى قرينة ودال عليه ؛ لأنّ ظاهر الأمر كما تقدم ملاحظة متعلقه بنحو صرف الوجود في مقام ايجاب ايجاد الطبيعة في الخارج ، وايجاد الطبيعة بنحو صرف الوجود يتحقق بالوجود الأوّل ـ ولو كان ضمن فردين ـ لا الوجودين الطوليين في عمود الزمان ، فلا يكون الايجاد للفرد الثاني الطولي ايجاداً للطبيعة بنحو صرف الوجود ؛ لأنّها موجودة بحسب الفرض بالوجود الأوّل ، إلاّإذا اضيف الايجاد إلى مجموع الوجودين أو الوجودات الطولية بين الحدّين ، وهذا غير ذات الطبيعة الملحوظة بنحو صرف الوجود في متعلّق الأمر ، فيكون بحاجة إلى دالّ عليه كما إذا صرّح بذلك وانّ المأمور به عنوان عام ينطبق على الفرد والأفراد الطولية على حدّ واحد ، ولابد من فرض أنّ ذلك العنوان بتحققه ثانياً يهدم مصداقية الفرد الأوّل لوحده لذلك العنوان.

ولعلّ هذا يجعله الشهيد الصدر 1 من هدم الامتثال ، إلاّ انّه لا مشاحّة في الاصطلاح ، والمقصود امكان تحقق الامتثال بفردين طوليين كالعرضيين.


وامّا المسألة الثانية : فبلحاظ الأمر لا يعقل تبديل الامتثال لسقوط شخص الأمر كما ذكره السيد الشهيد ، والمعيار فيه ملاحظة الأمر لا الغرض ولكن بلحاظ روح الأمر والغرض المولي منه لو فرض احرازه واحراز انّه لا يترتب على امتثال الأمر ترتب المعلول على علته وانّه يبقى مجال لاتيان فرد آخر يتحقق به غرض المولى من أمره ، فلا مانع من الالتزام بامكان تبديل الامتثال رغم أنّ تحقيق الغرض خارج عن عهدة العبد وتسميته بالامتثال ليس بلحاظ الأمر لسقوطه بل بلحاظ الغرض وروح الأمر ، نظير الامتثال بفعل يحقق الغرض ولكنه ليس مأموراً به لسبب من الأسباب ، فكما يعقل تحقق الامتثال بلحاظ روح الحكم وغرضه بما ليس مأموراً به كذلك يمكن تبديل الامتثال بلحاظ روح الحكم لو فرض احراز انّ الغرض من وراء الأمر سنخ غرض لا يتحقق فوراً ، وبمجرّد امتثال الأمر ـ رغم تحقق امتثال الأمر وارتفاع عهدة المكلّف تجاه المولى بذلك وسقوط أمره ـ ولكن الغرض يحتاج إلى ضمّ أمر آخر إليه ، فما دام لم ينضم ذلك الأمر يمكن تبديل الامتثال بتقديم فرد آخر ينضم إليه ذاك الأمر.

نعم ، في مثل هذه الموارد المولى سوف يجعل أمره امّا على عنوان جامع قابل للانطباق على مجموع الفردين ـ إذا كانا معاً محققين للغرض وقد سمّيناه بالامتثال عقيب الامتثال ـ أو على عنوان ينطبق على الفرد الأخير الذي ليس بعده فرد ـ إذا كان أحدهما فقط يحقق الغرض وقد سمّاه السيد الشهيد 1 بهدم الامتثال الأوّل ورفع شرطه المتأخر والذي يكون معقولاً في الواجب لرجوعه إلى التحصيص بالحصة الخاصة ـ ويمكن جعل الأمر على الفرد الواحد مع تقييده بما يختاره ويعيّنه المكلّف للامتثال ـ وهو أيضاً من هدم الامتثال ـ وهذا هو مقصود السيد الشهيد من الاشكال على صاحب الكفاية 1.


والواقع أنّه بالدقة كما لا يعقل تبديل الامتثال بالامتثال لا يعقل هدم الامتثال بالامتثال ، وإنّما المعقول المنع عن تحقق الامتثال بالفرد الأوّل ؛ لاشتراط قيد وشرط متأخر فيه ، فيتحقق بالفرد الثاني ، فلم يتحقق امتثال بالفرد الأوّل بعد ليصدق بالدقة التبديل أو الهدم للامتثال ، بل هو مراعى على تحقق شرطه المتأخر ، فإذا لم يتحقق انكشف عدم كونه امتثالاً من أوّل الأمر ، ويتحقق الامتثال بالفرد الثاني وإن كان لولا تحققه لكان الفرد الأوّل امتثالاً لتحقق شرطه المتأخر بذلك. إلاّ انّ الظاهر انّ مقصود القائل بتبديل الامتثال هذا المعنى وإن كان في العنوان مسامحة كما هو كذلك في عنوان هدم الامتثال.

ويتلخّص من مجموع المسألتين انّ الامتثال بعد الامتثال بأنّ يكون مجموع الفردين أو الأفراد الطولية امتثالاً معقول ثبوتاً ، وذلك فيما إذا كان الفرد الأوّل ضمن الفردين أو الأفراد غير محقق لعنوان الواجب ، وإنّما يتحقق بالمجموع وإن كان محققاً له إذا كان وحده فيعقل الأمر بذلك العنوان ، ويكون من التخيير العقلي بين الفردين الأقل أي الفرد الواحد بشرط لا عن الزيادة أو الأكثر كما يعقل التخيير الشرعي بينهما بلا محذور اللغوية كما تقدم شرحه.

وأمّا تبديل الامتثال بفرد آخر أو هدمه وجعل الفرد الثاني وحده امتثالاً فهذا لا يعقل إلاّبمعنى الكشف عن بطلان الفرد الأوّل بانتفاء قيده وشرطه المتأخر وتحقق الامتثال بالفرد الثاني ، وإن كان لولا الفرد الثاني لكان الفرد الأوّل صحيحاً وامتثالاً ، وهذا لا فرق فيه بين الامتثال بلحاظ عالم الأمر والخطاب الشرعي أو عالم الغرض والملاك ، فإنّ الملاك والغرض أيضاً مقيّد بأن لا يلحقه فرد آخر يكون به تحقق الملاك والغرض المولوي ، وهذا كلّه واضح.


ص ١٣٢

( ملاحظة : الظاهر أنّ الجهة الثامنة من البحث ساقطة في هذا الموضع ، وهو البحث عن دلالة الأمر على الفور أو التراخي. فنستدركه هنا ونقول ) :

الجهة الثامنة : في دلالة الأمر على الفور أو التراخي أو عدم دلالته على شيء منهما ، والبحث حول ذلك يقع في امور :

الأمر الأوّل : في صور الفور والتراخي ، فإنّه ثبوتاً يمكن أن يقيّد المأمور به بالفور أو التراخي أو يطلق من ناحيتهما ، كما أنّه على الفور يمكن أن يكون على نحو وحدة المطلوب ، بحيث يسقط التكليف نهائياً إذا لم يأت به فوراً ، ويمكن أن يكون على نحو تعدّد المطلوب امّا برجوعه إلى وجوبين أحدهما متعلّق بذات الفعل ، والآخر بالاتيان به فوراً أو فوراً ففوراً أو رجوعه إلى واجبات عديدة بعدد آنات امكان وقوع الفعل فيها ، ويكون كل واجب متأخر منها مشروطاً بترك المتقدّم ، فالوجوب ينحلّ إلى وجوبات عديدة بعدد الأفراد الطولية ، إلاّ انّ لازم هذا أنّه لو تركها جميعاً يكون عاصياً لأوامر عديدة.

الأمر الثاني : فيما تقتضيه صيغة الأمر ، ولا ينبغي الاشكال في عدم اقتضائها الفور بالخصوص ولا التراخي بالخصوص ؛ لأنّها لا تدلّ إلاّعلى الوجوب بالمعنى الحرفي ، وهي النسبة الارسالية ، ومتعلّقها أيضاً لا يدلّ إلاّعلى الطبيعة الجامعة بين الأفراد الطولية والعرضية وشيء منهما لا يقتضيان الفورية أو التراخي بالخصوص ، ولهذا لا نشعر بعناية ولا مجازية فيما إذا صرّح بعدم فوريّة الأمر أو فوريته.


وهذا معناه عدم أخذ الفورية ولا التأخير والتراخي قيداً في الأمر ، إلاّ انّ نتيجة الإطلاق من ناحية كلا القيدين جواز التراخي وكون الواجب موسّعاً.

ولو فرض إجمال الأمر وعدم الإطلاق فيه كان المرجع الأصل العملي ، وهو أصالة البراءة المقتضية نفي وجوب كل من القيدين ، فيثبت جواز التراخي أيضاً.

وقد يقرّب دلالة الأمر على الفور بأنّ الارسال والبعث التشريعي موازٍ عرفاً وارتكازاً للانبعاث التكويني ، فكما يكون التحرّك والانبعاث التكويني في الإرادة التكوينية فورية فكذلك يناسب أن يكون البعث والارسال التشريعي الذي هو مدلول الأمر كذلك ، فتتشكل دلالة التزامية أو اطلاقية عرفية بملاك التطابق بين الارادة التكوينية والتشريعية تقتضي الفورية.

وفيه : أنّ التحرّك التكويني في الإرادة التكوينية ليست من باب الفورية وبملاكها ، بل من باب خارجية الحركة وجزئيّتها ، وهذا غير موجود في التحريك التشريعي والأمر ؛ لأنّه متعلّق بحسب الفرض بمدلول المادة الدالّة على طبيعي الفعل في عمود الزمان ، وهذا واضح.

الأمر الثالث : في استفادة الفور بدليل آخر ، حيث ادّعي استفادة ذلك في الأوامر الشرعية من آية الأمر بالمسارعة إلى المغفرة واستباق الخيرات أو المغفرة (١) ؛ لصدق المغفرة والخير على الأوامر الشرعية قطعاً ، وظهور

__________________

(١) قال تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ ) ، آل عمران : ١٣٣.

وقوله تعالى : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ) ، البقرة : ١٤٨ ، المائدة : ٤٨.

وقوله تعالى : ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ ... ) ، الحديد : ٢١.


المسارعة والاستباق في الفورية ، فتكون هذه دلالة عامة على فورية الأوامر الشرعية إلاّما خرج منها بالدليل.

واجيب على هذا الاستدلال بوجوه :

١ ـ انّها من قبيل الأوامر بالاطاعة لابد وأن تحمل على الإرشاد إلى حكم العقل بحسن المسارعة إلى المغفرة والخيرات ، كما نحمل الأمر بالاطاعة على الإرشاد إلى حكم العقل بحسن الاطاعة أو وجوبها.

وفيه : أوّلاً ـ لا يحكم العقل بحسن المسارعة والفورية إذا كان أمر المولى ورغبته إلى الأفراد الطولية على حدّ سواء.

وثانياً ـ لو فرض ذلك فلا وجه لحمل الأمر الشرعي بذلك على الارشادية ؛ إذ لو كان منشأه مجرّد تحسين العقل ذلك فهذا لا يوجبه ، فإنّه ما أكثر ما يحسّنه العقل ويأمر به الشرع مولوياً خصوصاً وانّ هذا التحسين العقلي ليس على نحو اللزوم عقلاً ، فيعقل الأمر الوجوبي به شرعاً ، وإن كان منشأه ما يقال في مثل الأمر بالاطاعة من لزوم ارشاديته وإلاّ لزم التسلسل أو اللغوية وتحصيل الحاصل. فمن الواضح أنّ هذا غير موجود هنا ؛ لأنّ هذا المحذور لا يلزم في المقام ؛ لأنّ هذا حُسن آخر في عنوان المسارعة ، غير أصل الاطاعة للمولى كما لا يخفى.

٢ ـ انّها محمولة على الاستحباب ، وإلاّ يلزم تخصيص تمام المستحبات وأكثر الواجبات منها ، وهو تخصيص الأكثر المستهجن ، وقد وافق على ذلك السيد الخوئي 1 (١).

__________________

(١) محاضرات في اصول الفقه ٢ : ٢١٦ ( ط ـ النجف الأشرف ).


وفيه : انّه لا يتمّ على مبناه في كون دلالة الأمر على الوجوب بحكم العقل حينما لا يرد ترخيص في الترك ؛ لأنّه بناءً على ذلك لا يلزم تغيير أو تخصيص في دليل الأمر بالمسارعة أصلاً ؛ إذ الحكم المحمول عليها ليس إلاّأصل الطلب الجامع بين الاستحباب والوجوب ، وهو محفوظ حتى في المستحبات.

٣ ـ ما ذكره المحقّق العراقي في مقالاته (١) من أنّ ظاهر الأمر بالمسارعة إلى الخير والمغفرة كون المادة التي تتعلّق بها قابلة للاسراع فيها والتراخي عنها ، فيؤمر بالمسارعة فيها وعدم تأجيلها ، وهذا لا يكون إلاّمع استحباب الفورية ، وأمّا إذا كان الواجب فورياً سقط الخير عن الخيرية على تقدير التأجيل.

وفيه : أنّ هذا إنّما يلزم إذا قيل بالوجوب الشرطي للفورية ، أي بنحو المطلوب المقيّد ، بحيث يسقط أصل الواجب بالتأجيل ، وهذا لا موجب له ، فإنّه يمكن أن يكون بنحو تعدد المطلوب أو المطلوبات العديدة كما تقدّم في الأمر الأوّل.

نعم ، لو كان النظر إلى تمام الواجبات والأوامر حتى الأمر بالمسارعة لزم ذلك في خصوص الأمر بالمسارعة ، إلاّ انّ هذا الخطاب لا يكون ناظراً إلى نفسه بل إلى سائر الأوامر ولو بلحاظ هذه النكتة ، فهي توجب سقوط اطلاقها لنفسها فقط لا أكثر ، بل سيأتي عدم سقوط هذا الإطلاق أيضاً.

٤ ـ انّ الآيتين ليستا ناظرتين إلى مسألة الفورية والتراخي أصلاً ، بل آية الأمر بالاستباق ناظر إلى تشويق الناس وترغيبهم إلى التسابق والتنافس ، نظير قوله

__________________

(١) المقالات : ٢٥٨.


تعالى : ( وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) (١) ، ومن الواضح انّ هذا الاستباق والتنافس استحبابي لا وجوبي ؛ لأنّه لا يمكن فيه سبقة الجميع ، بل لا محالة يسبق بعض ويتأخر الآخرون ، بل كون الاستباق ملحوظاً بالنظر إلى الآخرين لا اتيان الواجب في نفسه قرينة أيضاً على ارادة التشويق والترغيب لا ايجاب الفورية في الأعمال في نفسها ، سواء كان آخرون في البين أم لم يكونوا.

وكذلك الأمر بالمسارعة إلى المغفرة من الله تعالى والتي يشتاق إليها كلّ انسان بطبعه.

هذا ، مضافاً إلى أنّ المغفرة إنّما تكون بالتوبة عن الذنوب والمعاصي المرتكبة ، وهي واجبة فوراً ففوراً عقلاً ، والأمر الشرعي بها لا يناسب إلاّأن يكون إرشاداً إلى ذاك الحكم العقلي لا ايجاب شرعي مولوي آخر ليلزم من ترك الفورية تراكم ذنوب ومعاصي اخرى على العبد ، فإنّ هذا لا يناسب سياق امتنانية الآية والدعوة إلى غفران الله سبحانه وتعالى.

الأمر الرابع : بناءً على وجوب الفورية فهل يسقط الواجب رأساً بترك الفورية أو يبقى ذات الفعل واجباً موسعاً ، أو يجب الاتيان به فوراً ففوراً؟ وجوه ثلاثة ، كل منها معقول ثبوتاً ومحتمل في نفسه كما ذكرنا تصوير ذلك في الأمر الأوّل.

وأمّا اثباتاً فإذا قلنا بالفورية على أساس استفادة تقييد المادة ولو باقتضاء الأمر بها تقييدها بالحصة الفورية ، فالظاهر عندئذٍ الاحتمال الأوّل ؛ لأنّ كل أمر ظاهر في انّه وجوب واحد متعلّق بمتعلّقه ، فإذا كان المتعلّق مقيداً بالحصة الفورية سقط الوجوب لا محالة بانتفاء القيد وفواته.

__________________

(١) المطفّفين : ٢٦.


وإذا قلنا باستفادة الفورية بالدلالة الالتزامية أو الاطلاقية العرفية على أساس المناسبة بين الارادتين التشريعية والتكوينية فلعلّ هذه الدلالة العرفية على القول بها تكون على نحو الاحتمال الثالث ، أي الاتيان بالمأمور به فوراً كلما كان أصل الأمر باقياً ، وحيث انّ الأمر بالجامع يقتضي بقائه فيكون نتيجة الجمع بين الدلالتين هو الاحتمال الثالث ، أي الاتيان به فوراً ففوراً.

وأمّا إذا قلنا باستفادة الفورية من آية الأمر بالاستباق والمسارعة فأيضاً لا وجه للقول بسقوط الأمر بأصل الفعل بترك الفورية ؛ لأنّ تلك الآيات لا تدلّ على الوجوب الشرطي للمسارعة والفورية ـ كما ذكرنا آنفاً ـ بل هو واجب آخر ، فيكون الواجب الأوّل باقياً بمقتضى إطلاق المادة فيه.

أمّا هل تجب الفورية بقاءً أيضاً والذي يعني انّ الواجب لابد من الاتيان به فوراً ففوراً أو يصبح واجباً موسّعاً؟ ظاهر المحقّق العراقي 1 في أحد تقريري بحثه (١) الثاني ، وفي الآخر الأوّل (٢).

وحاصل ما ذكره في التقرير الأوّل : انّ الأمر بالواجب لا يقتضي إلاّكون الواجب موسّعاً ، وعنوان المسارعة امّا يفرض انها لا تصدق إلاّعلى الفرد الأوّل من الفورية أو يفرض انّها تصدق على مصاديق طولية عديدة لاتيان الواجب في عمود الزمان ما عدا الفرد الأخير ، فإن فرضنا الأوّل كانت النتيجة سقوط هذا الواجب وبقاء الواجب الموسّع على سعته ، وإن فرضنا الثاني كانت النتيجة عدم وجوب الفور من أوّل الأمر ؛ إذ المسارعة المأمور بها بالأمر الثاني ليست

__________________

(١) بدائع الأفكار ١ : ٢٥٣ ( ط ـ النجف الأشرف ).

(٢) نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ٢١٩ ( ط ـ جامعة المدرسين ).


منحصرة في الفرد الأوّل منها ، والأمر بها أمر بجامع المسارعة وهذا خلف ، فلابد وأن تكون المسارعة ملحوظة بالنحو الأوّل المنحصر في الاتيان بالواجب ضمن الفرد الأوّل من عمود الزمان ، وقد فاته بترك الفورية ، فلا يبقى إلاّ الأمر بأصل الواجب الموسّع.

ويرد عليه :

أوّلاً ـ انّ الأمر بالمسارعة على التقدير الثاني ينحل إلى أوامر عديدة بعدد الأفراد الطولية للمسارعة في الاتيان بالواجب في آنات الزمان ؛ إذ يكون بلحاظ كل واحد منها خير جديد فتجب المسارعة إليه ، وهذا نظير الانحلال المدّعى في بحث حجّية خبر الواحد بالنسبة للأخبار مع الواسطة في القضايا الحقيقية.

وثانياً ـ انّ عنوان المسارعة انطباقها على الفرد الثاني الطولي إنّما يكون في طول عدم الاتيان بالفرد الأسبق منه وفواته من المكلّف ، وليست هذه الأفراد الطولية في عرض واحد مسارعة واحدة لكي يقال انّ مقتضى الإطلاق في متعلّق الأمر بالمسارعة البدلية فيها والاكتفاء بواحدٍ منها ، بل مثل هذا المفهوم ينتزع طولياً في كلّ فرد متأخر عند فوات الفرد المتقدّم ، وهذه الخصوصية تجعل الأمر به أيضاً منحلاً إلى أوامر طولية ، وهو معنى استفادة الأمر بالمسارعة فوراً ففوراً.

وإن شئت قلت : انّ كلّ فرد من الواجب الموسّع في عمود الزمان خير مستقل بنفسه ، فيشمله الأمر بالمسارعة إليه ، فما دام لم يسقط الواجب بامتثال فردٍ من تلك الأفراد الطولية يكون كل فرد من تلك الأفراد في عمود الزمان خيراً مشمولاً لإطلاق الأمر بالمسارعة ، وهذا مساوق مع الوجوب فوراً ففوراً.


الاجزاء

ص ١٣٥ قوله : ( الفصل الثالث ـ في الاجزاء ... ).

البحث عن الاجزاء لابد وأن يحرَّر على أنّه بحث عن دلالات الأمر الاضطراري والظاهري وأنّه هل يقتضي الاجزاء عن الأمر الاختياري أو الواقعي عند امتثالهما أم لا يقتضي ذلك ، وبذلك يتضح وجه ذكر بحث الاجزاء ضمن مبحث الأوامر من مسائل علم الاصول ، وعلى هذا الأساس يكون موضوع المسألة ومحلّ النزاع فيه ما إذا كان الأمر الاضطراري أو الظاهري فعلياً وشاملاً للمكلّف حين اتيانه بالعمل الاضطراري أو الظاهري لكي يعقل البحث عن اجزائهما ففرض عدم إطلاق الأمر الاضطراري واختصاصه بالمستوعب عذره لتمام الوقت ـ في الاجزاء بلحاظ الاعادة لا القضاء ـ وكذلك فرض العلم الوجداني غير المطابق للواقع أو موارد جريان الأصل العقلي دون الشرعي ـ كالبراءة العقلية على القول بها ـ ثم انكشاف الخلاف كلّها خارجة عن بحث الاجزاء موضوعاً.

وقد يحرَّر بحث الاجزاء بنحو آخر أوسع وهو اجزاء الفعل المأتي به بعنوان الوظيفة العملية في مقام الخروج عن عهدة التكليف الواقعي والاختياري فيعم اجزاء الفعل المأتي به بالقطع بكونه مطابقاً للواقع أيضاً أو بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وكذلك موارد توهم الأمر الاضطراري ، كمن يتصور استمرار عذره إلى آخر الوقت ثمّ ينكشف ارتفاعه في الأثناء ، أو حتى من أوّل الأمر فتدخل كل


تلك الفروض في مبحث الاجزاء فيبحث عن الاجزاء وعدمه تارة في فرض إطلاق دليل الأمر الاختياري والواقعي ، واخرى في فرض عدم اطلاقه وما يقتضيه الأصل العملي.

إلاّ انّ هذا البحث لعلّه واضح الحكم ، فإنّه مع فرض الإطلاق للأمر الواقعي والاختياري كما هو المفروض وعدم فعلية أمر ظاهري ولا اضطراري من الواضح والبديهي عدم الاجزاء وعدم موجب له. كما انّه مع فرض عدم إطلاق للأمر الاختياري في حق من صدر منه فعل اضطراري ولو لم يكن مأموراً به ، وكذلك عدم إطلاق الأمر الواقعي ـ وإن كان هذا مستلزماً للتصويب الباطل ـ من الواضح جريان الأصل العملي المؤمن فيه عن الأمر الواقعي أو الاختياري المشكوك بحيث لا يستحق البحث.

كما انّ الأنسب جعل أصل البحث عن اقتضاءات إطلاق الأمر الاضطراري وكذلك الظاهري من حيث الاجزاء وعدمه ، فإنّه المناسب مع مبحث الأوامر ، كما انّ نكات الاجزاء الثبوتية تكمن في دلالات الأمر الشرعي واقتضاءاته ، فمن مجموع ما ذكر أرى انّ الأجدر تحرير البحث بالنحو الأوّل وإن كان بالنحو الثاني البحث أوسع.

ثمّ إنّ إطلاق الأمر الاضطراري أو الظاهري في نفسه لا ينافي إطلاق الأمر الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الواقعي مع الظاهري فيجتمعان بلا محذور ، وهذا واضح.

والقول بالاجزاء مبتنٍ امّا على افتراض عدم اطلاقهما ـ أي الأمر الاختياري أو الواقعي ـ في حق من صدر منه الفعل الاضطراري أو الظاهري ، أو اثبات


التنافي بين فعليتهما وفعلية الأمر الاضطراري أو الظاهري بحيث لابد من تقييد اطلاقهما أو التعارض والتساقط والرجوع إلى الأصل المقتضي للاجزاء فمنهج البحث انّ الأمر الاضطراري أو الظاهري في نفسه لا يقتضي الاجزاء ولا يستلزمه ما لم يضمّ إليه عناية وضميمة برهان واستلزام عقلي أو استظهاري أو شرعي يقتضي التنافي بين الأمرين والاطلاقين ، أو يفترض قصور إطلاق الأمر الاختياري أو الواقعي في حق من صدر منه الامتثال بالفعل الاضطراري أو الوظيفة الظاهرية.

كما أنّ بحث الاجزاء لا يتوقف على افتراض وجود امرين استقلالين بمركبين أحدهما الفعل الاختياري والآخر الفعل الاضطراري أو الظاهري ، بل يعم ما إذا كان هناك اطلاقان أحدهما في دليل القيد المتعذر والآخر في دليل بدله أو ما يدلّ على جواز تركه وكذلك في القيد المشكوك ، بحيث تكون النتيجة تعلّق أمر واحد استقلالي بالجامع بينهما ، فبعض الاشكالات والتعبيرات في جملة من التقريرات اشكالات لفظية لا دخل لها بأصل المطلب وروحه ، فراجع وتأمل.

ص ١٤١ قوله : ( ينكشف انّه لا أمر اضطراري واقعاً ليبحث عن اجزائه ... ).

ولكن يمكن البحث عن اجزاء الفعل الاضطراري فيه على مستوى الأصل العملي لو فرض عدم الإطلاق في دليل الأمر الاختياري أيضاً ، فلا ينبغي اخراج هذا الفرض نهائياً عن بحث الاجزاء.

إلاّ انّ هذا ليس مقصود الكتاب أيضاً ، بل مقصوده عدم مقتضي البحث عندئذٍ عن الاجزاء بلحاظ الأصل اللفظي ، امّا بحث الاجزاء بلحاظ الأصل العملي فهو مطلق متّجه على كلا فرضي إطلاق الأمر الاضطراري وعدمه كما سوف يأتي.


ص ١٤٣ قوله : ( وثانياً ـ انّه من الجائز ثبوتاً ... ).

ما ذكرناه في الهامش لا غبار عليه إذا فرضنا وحدة الغرض من الفريضة وارتباطية مراتبه حيث لا يصحّ عندئذٍ الأمر بالجامع ، لأنّ لازمه صحة الاتيان به ضمن الفرد الاضطراري وحده بدون الاختياري اختياراً لوفائه بغرض لزومي سواءً جاء بالاختياري بعده أم لا. وهذا قد يقال انّه غير محتمل فقهياً واثباتاً.

وإن شئت قلت : على تقدير لزوم الاتيان بالاختياري آخر الوقت يعلم بأنّ الفعل الاضطراري في أوّل الوقت لا يكون وحده صحيحاً ومأموراً به ومحققاً لجزء من الفريضة ، فإنّ هذا غير محتمل اثباتاً لمكان الارتباطية ووحدة الفريضة ، بل امّا ليس فيه ملاك أصلاً أو إذا كان فيه ملاك فهو في فرض فعل الاختياري آخر الوقت معه ، وهذا يعني انّ الأمر بالجامع تخييري بين الفردين بنحو الأقل والأكثر وهو محال.

هذا مضافاً إلى ما في ذيل الهامش من مخالفته لظاهر الأمر الاضطراري فإنّه وإن لم يكن تعينياً في قبال الاختياري آخر الوقت إلاّ انّه على هذا التصوير يلزم أن يكون أمره مستقلاًّ عن الأمر بالحصة الاختيارية لأنّ الأمر بالجامع مستقل عن الأمر بالحصة وليس بدلاً عنه فلا يعقل الأمر التخييري به وبالحصة بنحو يكون عدلاً وطرفاً لها لا أمراً آخر مستقلاًّ إلاّبنحو التخيير بين المتباينين وهو يقتضي الاجزاء أو التخيير بين الأقل والأكثر وهو ممتنع بحسب هذا المنهج.

ص ١٤٣ قوله : ( الثاني ـ انّ غاية ... ).

لأنّ النسبة بين أدلّة الأمر الاختياري والاضطراري عموم من وجه ؛ لعدم شمول دليل الاختياري للعذر المستوعب امّا لفظاً كما في مثل الأمر بالطهور


المائي لواجد الماء وغير المريض ، أو لبّاً لأخذ قيد القدرة في كل خطاب عقلاً بمثابة القرينة والقيد المتّصل ، وعدم شمول الاضطراري للمختار في تمام الوقت ، فالاشكال بأنّ دليل الأمر الاضطراري كالأخص عرفاً غير صحيح ما لم نرجع إلى احدى النكات الاستظهارية.

نعم ، يمكن أن يقال في دفع هذا الاشكال عن السيد الخوئي 1 بأنّ مقصوده اسقاط إطلاق الأمر الاختياري بعد رفع العذر في الوقت المقتضي لعدم الاجزاء ولو بالتعارض ، وبعده يرجع إلى الأصل العملي المقتضي للاجزاء.

فالحاصل : المهم هو التخلّص عن الإطلاق المقتضي للاجزاء بوجه استلزامي عقلي ، وهذا حاصل بالمنهج الذي سلكه السيد الخوئي 1.

ص ١٤٣ قوله : ( الثالث ... ).

التخيير بين الأقل والأكثر تارة يقال بعدم امكانه لأنّه بتحقيق ذات الأقل يتحقق الامتثال فيسقط الأمر فلا يقع الزائد امتثالاً.

واخرى يقال بعدم إمكانه لأنّه يلزم منه لغوية الأمر الضمني بالزائد لأنّه أمر بالجامع بين شيئين أحدهما قهري التحقق فيكون من تحصيل الحاصل.

والمحذور الأوّل هو الذي يندفع بأخذ طرفي التخيير الأقل بحدّه ، أي بشرط لا عن الزيادة والأكثر بحدّه ، أي بشرط الزيادة حيث يكونان من المتباينين لا محالة فلا يكون ذات الأقل ضمن الأكثر امتثالاً.

إلاّ انّ هذا المحذور في المقام غير موجود من أساسه لأنّه إنّما يكون إذا كان الأقل متحققاً قبل الأكثر كما في مثال التسبيحة الواحدة والأكثر ، وامّا إذا كان


بالعكس كما في المقام ومثال العتق للرقبة الكافرة حيث يكون الأقل هو الاختياري آخر الوقت أي بعد الفعل الاضطراري فلا موضوع لهذا الاشكال فيه.

إذ تكون الزيادة متحققة قبل تحقيق الأقل الذي به يتحقق الامتثال فيكون الامتثال متحققاً بالأكثر لا محالة.

وإن شئت قلت : انّ الامتثال بذات الأقل ضمن الأكثر لا يعقل في هذه الفرضية لكي يسقط به الأمر فلا تقع الزيادة امتثالاً بل دائماً يتحقق الامتثال بالأقل بحده أو بالأكثر ، ولعلّه لهذا تصوّر السيد الخوئي بوجدانه إمكان التخيير في مثال عتق الرقبة الكافرة أو الأعم المؤمنة أو عتق المؤمنة ابتداءً إلاّ انّه جعله خلاف الظاهر.

وامّا المحذور الثاني فجوابه ما ذكرناه في الهامش لص ١٤٤ فإنّه متين.

ص ١٤٤ قوله : ( امّا المنهج الاستظهاري ... ).

ويرد على التقريب الثاني أيضاً : انّ إطلاق البدلية بلحاظ الملاكات غير عرفي. نعم ، لو اريد من هذا التقريب الحكومة بمعنى تحقيق الشرط وهو الطهور فذاك رجوع إلى تقريب آخر سنذكره.

كما يرد على التقريب الثالث ( وهو للمحقّق العراقي 1 ) أيضاً : أنّ الظهور الوضعي المزعوم فيه في طول إطلاق الأمر الاضطراري لغير مستوعب العذر فتكون النتيجة تابعة لأخسّ المقدمتين.

على انّ الأمر الاضطراري لا اشكال في كونه موسعاً وتخييراً في مورد الكلام على كل حال ؛ إذ لا يحتمل عدم جواز تأخير الصلاة إلى آخر الوقت والاتيان بالاختياري فيه ، فأصل هذا التقريب لا أساس له.


ويرد على التقريب الرابع ( وهو للمحقّق الأصفهاني 1 ) أيضاً انّه يوجب التعارض لا التقديم ، إلاّأن يكون مقصوده التساقط والرجوع إلى الأصل في اثبات عدم الاجزاء ، فإنّ المهم اسقاط الأمر الاختياري المقتضي لعدم الاجزاء ولو بالمعارضة.

ويمكن اضافة تقريبات اخرى :

منها ـ ما في أجود التقريرات : من انّ الأمر بالاضطراري إذا كان شاملاً وثابتاً في حقّ من اضطرّ في أوّل الوقت ولو ارتفع عذره في آخره فهو يقتضي الاجزاء لا محالة للاجماع على عدم وجوب صلاتين في وقت واحد ، والمفروض انّه جاء بصلاة واجبة فلا تجب الاخرى جزماً.

وفيه : أوّلاً ـ انّ الإجماع على عدم أكثر من واجباً واحد لو سلّم فنسبته إلى الاطلاقين في دليلي الأمر الاضطراري والاختياري لمن كان في أوّل الوقت مضطراً وفي آخره مختاراً على حدّ واحد فلا موجب لترجيح الإطلاق الأوّل على الثاني بل يقع التعارض بينهما لا محالة.

نعم ، قد يثبت الاجزاء بالأصل العملي حيث انّ المهم اسقاط الإطلاق في الأمر الاختياري الموجب لعدم الاجزاء ولو بالمعارضة.

وثانياً ـ انّ القائل بعدم الاجزاء أيضاً لا يقول بوجوب أكثر من صلاة واحدة وإنّما يقول بوجوب الجامع بين الصلاة الاختيارية في آخر الوقت فقط أو الاضطراري مع الاختياري ، فلا تجب صلاتان في وقت واحد تعييناً ، وهذا ليس خلاف الإجماع المذكور لأنّ الإجماع ينفي وجوب صلاتين تعينيين في وقت واحد.


وثالثاً ـ لو سلّمنا ذلك أيضاً فهذا مخصوص بباب الفرائض اليومية لا غيرها من الواجبات الاختيارية والاضطرارية.

ومنها ـ ما ذكره المحقق الاصفهاني 1 في حاشيته على نهاية الدراية المطبوعة أخيراً ـ وتبعه بعض المعاصرين في تقريرات بحثه ـ من أنّ دليل الأمر الاضطراري لو كان محققاً للشرط المأخوذ في الأمر الاختياري في حال الاضطرار كان دالاًّ على الاجزاء لا محالة بملاك تحقق المأمور به الواقعي حقيقة ، كما إذا فرض انّ الشرط في الصلاة هو الطهور ، وقد دلّ الدليل على انّ التيمم بالتراب عند عدم وجدان الماء طهور فاطلاق الأمر الاختياري لمن كان مضطراً في أوّل الوقت لا ينافي مفاد دليل الأمر الاضطراري ولا يعارضه في هذه الحالة أصلاً ، وهذا وإن لم يكن من أجزاء أمر عن أمر آخر وإنّما هو من باب اجزاء المأمور به عن شخص أمره. إلاّ انّ بحث الاجزاء أعم من ذلك.

ولعلّ ظاهر أدلّة طهورية التيمم والتراب من هذا الباب بأن يكون الشرط في الصلاة الطهارة لا الوضوء أو التيمم ، غاية الأمر تتحقق الطهارة مع وجدان الماء بالوضوء لا التيمم ، ومع فقدانه بالتيمم فإذا كان دليله مطلقاً شاملاً لمن اضطر في أوّل الوقت فقط كان دالاًّ على تحقق الطهارة به ما دام مضطراً وإن فرض زوالها بزوال العذر.

ومثل هذا البيان دعوى انّ دليل الأمر الاضطراري يرفع شرطية الشرط الاختياري في حال الاضطرار لا أصل الأمر بالمشروط.

والجواب : أوّلاً ـ انّ المفروض انّ دليل الشرط الاختياري موضوعه مطلق أيضاً يشمل المتمكن الواجد للماء ولو في بعض الوقت فيدلّ لا محالة على


الشرطية وعلى انّ الطهارة لا تتحقق إلاّبالغسلات والمسحات مثلاً فيقع التعارض.

فالحاصل : المفروض في موضوع هذه المسألة تمامية الإطلاق لدليل الوظيفة الاختيارية لمن صلّى أوّل الوقت بالوظيفة الاضطرارية ؛ لأنّه متمكن في الوقت على الشرط الاختياري بالنسبة للواجب وهو صرف الوجود بين الحدّين ، فسواء كان مفادهما الأمر بأصل المركب أي الأمر بالمشروط ، أو الإرشاد إلى الشرطية ، أو إلى تحقق الشرط وهو الطهارة ، وقع التعارض بينهما ، بلحاظ ذاك المفاد لا محالة ما لم نقدم أحدهما على الآخر بالحكومة ونحوها ، فهذه الخصوصيات لا تغيّر المسألة شيئاً ما لم نرجع إلى أحد التقريبات الاخرى.

نعم ، تتحقق المعارضة عندئذٍ بين إطلاق دليل مطهرية التيمم للمتعذر في أوّل الوقت وإطلاق دليل مطهرية الغسل أو الوضوء للمتمكن من الماء ولو في آخر الوقت ( بعض الوقت ) فليس حال هذين الاطلاقين كالاطلاقين للأمرين بالمركب الاضطراري في أوّل الوقت والاختياري بلحاظ آخر الوقت ، حيث يمكن فعليتهما معاً بنحو التخيير بين الأقل والأكثر ، أو الأمر بالجامع والحصة بلا تعارض ، بخلافه هنا حيث انّ الطهور لمن يتمكن في بعض الوقت يكون بالماء ، فلا يكون التيمم في حقّه أوّل الوقت محققاً للطهور أصلاً ، فتكون النتيجة الاجزاء امّا لكون إطلاق الأمر الاضطراري حينئذٍ مقيداً أو حاكماً على الاختياري أو لكونه معارضاً معه ، وبعد التساقط تكون النتيجة الاجزاء بالأصل العملي.


نعم ، لو فرض ورود دليل على انّ فاقد الماء لابد وأن يفحص أو ينتظر لو كان يحتمل حصوله عليه ولو في آخر الوقت ـ كما لا يبعد استفادته من بعض الروايات ـ كان ذلك مقيداً بحسب الحقيقة لاطلاق الأمر الاضطراري في المقام ، وذاك بحث متروك إلى محلّه من الفقه.

وكذلك لو قلنا بأنّه بناءً على شرطية الطهور عند التعارض يكون مقتضى الأصل الاحتياط ولزوم احراز الشرط ، وهو لا يكون إلاّبالفعل الاختياري. إلاّ أنّه بلا موجب أيضاً ، لما هو محقق في الفقه من انّ الطهور منطبق على نفس الوضوء والتيمم لا انّه حالة مسببة عنهما ، فيرجع الشك إلى كون الأمر الضمني متعلقاً بالوضوء تعييناً أو الجامع بينه وبين التيمم حال الاضطرار ، وهو من الدوران بين التخيير والتعيين الذي تجري فيه البراءة عن التعيين ، وهكذا يتضح انّ منهج البحث يختلف في مثل هذه الأوامر الاضطرارية.

وثانياً ـ انّه لا يتمّ في الوظائف الاضطرارية التي ليس لها بدل محقّق لقيد الواجب ، بل يكون مرجعها إلى الأمر بالمركب الناقص كالصلاة من جلوس أو من دون سورة ونحوها لما دلّ على انّ الصلاة لا تسقط بحال أو قاعدة الميسور أو نحو ذلك.

ودعوى : انّ المأمور به في هذه الموارد أيضاً عنوان واحد وهو الصلاة ، ودليل الأمر الاضطراري يدلّ على انّ المركّب الناقص مصداق للصلاة المأمور بها خصوصاً بناءً على امكان الوضع للجامع الصحيح.

مدفوعة : بأنّ هذا لا يوجب التعارض بين إطلاق الأمر الاضطراري وإطلاق الأمر الاختياري ؛ إذ بناءً على امكان التخيير بين الأقل والأكثر أو الأمر بالجامع


والحصة يكون كلا الفعلين صحيحين ومصداقين للصلاة المأمور بها ، وهذا بخلاف دليل طهورية الماء والتيمم ، فإنّ ظاهرهما الطهورية لفعل واجب واحد لا لفعلين ، فتدبر جيداً.

وثالثاً ـ لا يتمّ هذا البيان حتى في دليل الطهور وبدلية التراب عن الماء ؛ لأنّ مفاد أدلّة بدلية التراب عن الماء قضية شرطية هي انّه كلما كانت الصلاة في وقت مأموراً بها بأمر تعييني أو تخييري أو تعييني ثانوي كالاضطرار بسوء الاختيار ولم يكن المكلّف واجداً للماء كان التراب طهوراً له ، وهذا لا ينافي عدم الاجزاء ؛ إذ لعلّ الأمر بالفعل الاضطراري تخييري بنحو التخيير بين الأقل والأكثر ـ بناءً على امكانه أو بنحو الأمر بالجامع والحصة.

وليس مفاد دليل مطهرية التراب توسعة الطهور في دليل الواجب المقيّد به بحيث يكون القيد هو جامع الطهور الأعم من الماء أو التراب في حال فقدان الماء ليكون دالاً على الاجزاء بملاك وحدة الأمر بالجامع ـ وهو الملاك الأوّل من ملاكي الاجزاء ـ لأنّ لازمه امكان ايقاع الإنسان نفسه في الاضطرار بصبّ الماء مثلاً فيتيمّم ويصلّي من دون أن يكون عاصياً ـ كما في صلاة التمام والقصر ـ مع انّه لا إشكال في عدم جوازه وكونه عاصياً. كما لا إشكال في انّه بعد عصيانه وتفويته للصلاة مع الطهور المائي يكون التراب طهوراً له أيضاً كالمضطر لا بسوء الاختيار ، وهذا يعني أنّ بدلية التراب بدلية طولية وليست عرضية ، أي في طول سقوط الأمر بالوضوء. وحينئذٍ امّا أن يحمل ذلك على انّ موضوعه فرض سقوط الأمر بالمبدل فلا إطلاق للأمر بالبدل إلاّفي حق المستوعب عذره في تمام الوقت ؛ لأنّه الفرض الذي يسقط فيه الأمر بالمبدل ، وهذا خروج عن الفرض ، أو يفرض له إطلاق للمضطر في بعض الوقت ولكنه لا بمعنى توسعة الشرط المبدل


في عرضه ، بل بمعنى انّه كلّما كان أمر أولي أو ثانوي بالصلاة في وقت وزمان ولو بنحو موسّع تخييري ولم يمكن امتثال ذاك الأمر بالطهور المائي كان التيمم طهوراً لذلك الأمر ، ومثل هذا الأمر لا يمكن أن يستفاد من اطلاقه لمورد إلاّ مشروعية تلك الصلاة وأصل الأمر بها ، أمّا انها بنحو التوسعة للأمر الأوّل وجعله على الجامع بين الفعلين أو بنحو أمر آخر بالجامع أو بنحو التخيير بين الأقل والأكثر كل ذلك محتمل ، ومثل هذا الإطلاق لا يستلزم الاجزاء.

ومنها ـ ما في نهاية الدراية من انّ مقتضي إطلاق الأمر الاضطراري من جهتين ارتفاع العذر في الوقت وعدم تقييد الأمر بالتخيير كما هو ظاهر الأمر عند اطلاقه الاجزاء وعدم الاعادة. وجوابه واضح. وقد تفطن له بنفسه في حاشيته على الحاشية فإنّ الظهور في التعيينية في الأمر الاضطراري في أوّل الوقت غير محتمل بل الأوامر الاضطرارية ليست تعيينية في قبال الاختياري داخل الوقت لو كان ممكناً لوضوح امكان ترك الاضطراري إلى الاختياري آخر الوقت ، أي هي أوامر موسّعة لا مضيّقة.

ثمّ انّه يمكن أن نقسّم الأوامر الاضطرارية إلى ثلاثة أقسام من حيث ما هو الواقع فقهياً لا على سبيل الحصر العقلي.

١ ـ أن يكون ثبوت الوظيفة الاضطرارية بأدلّة العذر أو رفع التكليف العامة كلا حرج ولا ضرر وانّ الله أولى بالعذر ونحو ذلك بعد ضمها إلى ما يدل على عدم سقوط أصل الواجب بتعذّر قيد من قيود المركبات الواجبة من قبيل قاعدة الميسور أو الصلاة لا تسقط بحال.

وهذا الطريق لثبوت الأمر الاضطراري من الواضح عدم امكان اثبات الاجزاء


به ، بل يثبت فيه وجوب الاعادة داخل الوقت باطلاق دليل التكليف الاختياري لو فرض إطلاق فيه ؛ لأنّ الدليل على الاضطرار فيه مشروط بتعذر الاختياري في تمام الوقت ، وإلاّ لم يصدق العسر أو الحرج أو العذر أو الضرر بلحاظ ما هو الواجب وهو صرف الوجود ، فلا موضوع للأمر الاضطراري مع عدم تعذّر صرف الوجود.

٢ ـ أن تكون الوظيفة الاضطرارية ثابتة بما يدلّ على عمل آخر بدلاً عن قيد الاختياري عند تعذره كما في الأمر بالتيمم بدلاً عن الوضوء عند عدم وجدان الماء.

وهذا النحو من الأوامر الاضطرارية لو فرض إطلاق في دليل الأمر الاضطراري فيها لمن كان عذره في أوّل الوقت فقط ، وعدم وجود مقيّد له في الأخبار البيانية ، فلا يبعد ثبوت الاجزاء به بأحد التقريبات الاستظهارية المتقدمة ، ولا أقل من الأولين منهما حيث انّ ظاهر دليل البدلية النظر إلى مقام الاجتزاء عمّا هو الواجب المشتغل به ذمة المكلف فيكون حاكماً على إطلاق الأمر الاختياري لو فرض شموله لآخر الوقت.

٣ ـ أن تكون الوظيفة الاضطرارية ثابتة بلسان الأمر والحثّ ابتداءً على العمل الفاقد لبعض القيود في الواجب الاختياري لمصلحة ونكتة فيها كما في أوامر التقية الواردة في باب الصلاة ـ لا أدلّة التقية العامة التي هي ظاهرة في مجرد نفي التكليف كأدلّة العذر الاخرى ـ فإنّ تلك الأوامر ظاهرة في الحثّ والترغيب والتأكيد ابتداءً على أن يصلّي المؤمن معهم وانّ من صلّى خلفهم كان كمن صلّى خلف رسول الله 6 في الصفّ الأوّل. ومثل هذا اللسان يستفاد منها الاجزاء ،


فإنّ التقريب الأوّل ـ وهو الإطلاق المقامي ـ تام فيها جزماً ، مضافاً إلى تمامية التقريب الثاني وهو دعوى النظر إلى الخروج عن عهدة الفريضة ومقام الاجتزاء منها. بل مثل هذا الحثّ والأمر والترغيب منافٍ عرفاً مع فرض كونه مجرّد تظاهر بحيث يجب بعد ذلك الاعادة والذي لعلّه أسوأ نتيجة من عدم الصلاة معهم أصلاً ، فمثل هذه الأوامر واضحة الدلالة على الاجزاء والاكتفاء بالفعل الاضطراري ، بل أجدريته وأولويته من الاختياري.

ص ١٥٠ قوله : ( وقد ذكر صاحب الكفاية 1 انّ مقتضى الأصل العملي هو الاجزاء ... ).

حيث انّ السيد الشهيد 1 يرى جريان البراءة عن التعيين عند الدوران بينه وبين التخيير ، كما انّ الاستصحاب التعليقي سوف يأتي عدم صحته ، فهو موافق مع صاحب الكفاية في انّ مقتضى الأصل العملي هو الاجزاء والبراءة عن وجوب الفعل الاختياري بعد الاتيان بالاضطراري.

إلاّ انّ هذا على اطلاقه غير تام ، بل لابد له من استثنائين :

١ ـ إذا كان المكلّف في أوّل الوقت قادراً على الفعل الاختياري ولكنه لم يأت به لكون الواجب موسعاً ، فعرض عليه الاضطرار في الأثناء فجاء بالاضطراري ثمّ ارتفع عذره قبل خروج الوقت ، فإنّه سوف يشك في الاجزاء وعدمه ، وهنا مقتضى الأصل عدم الاجزاء ؛ لأنّ الفعل الاضطراري كان متعيناً عليه أوّل الوقت وفعلياً ، غاية الأمر لو كان تأخير الامتثال منه لتصور انّه يبقى قادراً فهو معذور ، إلاّ أنّ تكليفه الاختياري تعييني واقعاً ؛ ولهذا لو كان يعلم بطروّ العذر كان يجب عليه البدار ويحرم عليه تفويت الاختياري ، وهذا معناه أنّ الوظيفة الاختيارية


كانت متعيّنة عليه حدوثاً والشك في سقوطه بالفعل الاضطراري ، وعدم سقوطه به فيستصحب بقاؤه ، وهذا استصحاب تنجيزي حاكم على البراءة.

لا يقال : نحتمل انّ من لا يعلم بأنّه سوف يبتلي بالاضطرار في أثناء الوقت من أوّل الأمر مكلّف بالجامع ؛ لأنّ تفويته للفعل الاختياري ليس بسوء الاختيار.

نعم ، من يعلم بذلك ومع ذلك لم يصلّ عمداً حتى عرض عليه الاضطرار ففاته الاختياري بسوء الاختيار يكون عاصياً ومعاقباً ، وهذا يعني فعلية الأمر الاختياري عليه تعييناً في أوّل الوقت ، فإذا ارتفع اضطراره بعد ذلك مجدداً وكان قد صلّى مع الاضطرار جرى في حقه الاستصحاب المذكور ، فالاشكال لابدّ من تخصيصه بهذا الفرض فقط ، وفي هذا الفرض لا يكون احتمال الاجزاء إلاّبملاك التفويت.

فإنّه يقال : أوّلاً ـ التفويت بسوء الاختيار تام ومنجز مع الشك أيضاً واحتمال زوال الاختيار ، ولا يجدي استصحاب بقاء القدرة والاختيار كما قلناه في استصحاب الحياة في المستقبل ، بل لابدّ من الاطمئنان بذلك.

وثانياً ـ هذا يعني اختصاص التكليف التخييري بالجامع بمن لا يفوّت الفعل الاختياري المتمكّن منه في أوّل الوقت بسوء اختياره ، وهو من يعلم خطأً أنّه ليس مضطراً إلى آخر الوقت ، وهو غير محتمل فقهياً وهو غير مفيد له ؛ لأنّه يعلم انّه مكلّف بالحصة الاختيارية تعييناً ، بل فيه محذور اللغوية ؛ لأنّه ما لم ينكشف له الخلاف يكون لغواً في حقه.

٢ ـ من أوقع نفسه في أوّل الوقت في الاضطرار بسوء الاختيار فصلّى


اضطراراً ثمّ ارتفع الاضطرار في الوقت ، فإنّه ينكشف انّ الأمر الاختياري التعييني كان فعلياً عليه واقعاً ، ويحتمل سقوطه بعد الفعل الاضطراري بتفويت الملاك فيستصحب بقاؤه كما لا يخفى.

ص ١٥١ قوله : ( ولنا على كلّ من الفرضين كلام ... ).

ينبغي تغيير تقرير البحث والاشكال بالنحو التالي :

تارة يفرض انّ الأمر الاضطراري له إطلاق شامل للفعل المذكور ، واخرى يفرض عدمه ؛ للاجمال أو للتعارض مع إطلاق الأمر الاختياري.

فعلى التقدير الأوّل ـ والمفروض عدم استفادة الاجزاء منه ـ يكون الأمر التخييري محرزاً ، وإنّما الشك في أمر تعييني آخر بالاختياري أو الدوران بين التخيير بنحو التخيير بين الأقل والأكثر ، أو التخيير بين المتباينين وفي كلاهما تجري البراءة حتى عند من يرى الاحتياط في موارد الدوران بين التعيين والتخيير ؛ إذ على الأوّل يكون من الشك في تكليف تعيني زائد ، وعلى الثاني يكون من الدوران بين الأقل والأكثر ؛ لأنّ أصل الأمر التخييري معلوم والشك في كونه بنحو التخيير بين المتبائنين أو الأقل والأكثر ، ولا شك انّ الثاني أكثر من الأوّل ، فيكون أقل وأكثر.

وأمّا على التقدير الثاني فالحق مع العراقي عندئذٍ ؛ لأنّ احتمال عدم الاجزاء وبطلان العمل الاضطراري رأساً وارد بحسب الفرض ، فيكون التكليف المعلوم بالاجمال مردداً بين التخيير والتعيين ، سواء كان يحتمل وجود أمرين ( بالجامع والحصة ) أو التخيير بين الأقل والأكثر ـ بناءً على امكانه ـ أم لا ، فإنّ وجود احتمالات غير منجزة لا تشفع ولا تنفع في دفع التنجيز من ناحية احتمال التعيين


في الأمر الواحد المعلوم بالاجمال على كلّ حال ، وهذا واضح.

ولعلّ السيد الشهيد يفترض التقدير الأوّل ، وعندئذٍ إن قلنا بامكان الأمر بالجامع والحصة أو التخيير بين الأقل والأكثر ـ بناءً على عدم الاجزاء ـ لم يتمّ مقالة العراقي ؛ لعدم كونه من الدوران بين التعيين والتخيير لاحراز الأمر التخييري وإن قلنا بعدم امكان ذلك ـ كما هو مبنى السيد الخوئي 1 ـ لابد من فرض التعارض بين الإطلاق الاضطراري والاختياري لتصل النوبة إلى الأصل العملي ، وإلاّ كان مقتضى إطلاق الأمر الاضطراري الاجزاء ، وبعد التعارض يكون من الدوران بين التعيين والتخيير.

ص ١٥٢ ( الهامش ... ).

الاشكال المذكور فيه وارد ، فإنّ الوضيفة الاضطرارية في أوّل الوقت ان افترض مشروعيته وتعلّق الأمر به بعنوان الفريضة كما هو مقتضى إطلاق دليله ، فهذا لا يتم على مسلك مدرسة المحقق النائيني 1 إلاّمع الاجزاء ـ كما تقدم في المنهج العقلي ـ وإن فرض الشك في ذلك كما إذا فرض عدم الإطلاق في دليل الأمر الاضطراري أو كان فيه إطلاق إلاّ انّه لم يكن مفاده أكثر من أصل مشروعيته ولو كعمل مستحب لا ربط له بامتثال الواجب الفريضة نظير الاعادة جماعة مثلاً ، فعندئذٍ يتم ما ذكر على المسلك المزبور ولكنه لا يتم ما ذكر على المسلكين الاخريين إذ لا يحرز فيه أصل الأمر بالجامع أو الأمر التخييري بل يكون من الشك في وجود تكليف تخييري ـ على الاجزاء ـ أو تكليف تعييني بالاختياري أو تكليفين أحدهما بالجامع والآخر بالفرد أو تكليف تخييري بين الأقل والأكثر ـ على عدم الاجزاء ـ وهذا الشك حاله حال الشك بين التخيير والتعيين من حيث عدم جريان البراءة عن التعيين بناءً على مسلك صاحب الكفاية كما هو واضح.


ثمّ انّه ينبغي تغيير وتصحيح كيفية الاشكال على المحقّق العراقي 1 بالنحو التالي :

إذا فرض احراز مشروعية الفعل الاضطراري وتعلّق الأمر الموسّع به ـ بنحو لا يستفاد منه الاجزاء ـ فمن الواضح عدم كون الشك من الدوران بين التعيين والتخيير ، بل الأمر التخييري محرز على كلّ تقدير ، ويشك في أمر آخر تعيني بالحصة الاختيارية أو كون التخيير بين الأقل والأكثر والذي يكون الفعل الاختياري لازماً فيه ، وكلاهما ليسا من الدوران بين التخيير والتعيين ، بل الأوّل من الشك في تكليف تعيني زائد ، والثاني من الدوران بين الأقل والأكثر كما شرحناه سابقاً.

وإذا فرض عدم احراز الأمر بالفعل الاضطراري فهنا شقوق ثلاثة :

١ ـ أن يدور الأمر بين الاجزاء بملاك الوفاء بالملاك وعدمه.

٢ ـ أن يدور الأمر بين الاجزاء بملاك التفويت وعدمه.

٣ ـ أن يدور الأمر بين الاجزاء بأحد الملاكين وعدمه.

ففي الشقّ الأوّل لا إشكال على العراقي 1 إلاّمن حيث المبنى ؛ لأنّه من الدوران بين التعيين والتخيير ، ومجرّد احتمال ومعقولية الأمر بالجامع والحصة أو التخيير بين الأقل والأكثر بناءً على عدم الاجزاء لا يغيّر الموقف ؛ لأنّ البراءة عن احتمال تعيين التكليف المعلوم بالاجمال غير جارٍ امّا في نفسه ـ بناءً على العلية ـ أو للمعارضة مع البراءة عن أصل التخيير المحتمل والذي هو طرف للعلم الإجمالي ـ بناءً على الاقتضاء ـ وهذا واضح.


فالترديد الموجود في الكتاب بين المسالك بلا وجه إلاّإذا اريد فرض العلم بأنّه على تقدير عدم الاجزاء يكون بنحو الأمر بالجامع والحصة ، أو بنحو التخيير بين الأقل والأكثر ، ولكنه بلا وجه ؛ إذ يحتمل عدم الملاك في الفعل الاضطراري أصلاً.

وفي الشق الثاني ـ والذي لعلّه اشكال بنائي من العراقي حتى على القائلين بجريان البراءة عن التعيين حيث أراد ابراز منجّز آخر وهو الملاك اللزومي المحرز والشك في القدرة على تحصيله ـ يرد عليه :

أوّلاً ـ إذا فرض احتمال الأمر بالاضطراري ولو لوجود مصلحة اخرى فيه جابرة للمصلحة اللزومية الفائتة فهذا رجوع إلى الشقّ الأوّل لبّاً وروحاً ؛ إذ لا يراد بالملاك إلاّالغرض النهائي بعد الكسر والانكسار وهو هنا في الجامع.

وثانياً ـ إذا فرض احتمال الأمر بالاضطراري بملاك الترخيص في التفويت ورفع الحظر العقلي ، فمثل هذا الملاك لا يكون منجزاً لما قيل سابقاً من انّ الملاك الذي يرخص المولى في تفويته لا يكون منجزاً فلو احتمل ذلك في المقام لم يكن الملاك المحرز في الاختياري منجزاً.

وثالثاً ـ إذا فرض العلم بعدم رضا الشارع بالتفويت على تقدير مفوتيّة الفعل الاضطراري فهذا معناه عدم احتمال المشروعية أو الأمر بالاضطراري حتى تخييراً وانّ التكليف والملاك اللزومي في خصوص الحصة الاختيارية غاية الأمر يشك في كونه في خصوص الحصة المقيّدة بعدم سبق الاضطراري أو في مطلق الفعل الاختياري ، وهذا من الدوران بين الأقل والأكثر بلحاظ هذا القيد والذي يجري فيه البراءة حتى عند المحقّق العراقي والخراساني قدس سرهما ، وفي هذا الفرض


يكون تنجيز الحصة الاختيارية لمن جاء بالفعل الاضطراري سابقاً ليس من باب الشك في القدرة على تحصيل الملاك اللزومي فيه ، كيف وهذا ليس من الشك في الامتثال ولا في القدرة على الامتثال بل من الشك في كون الملاك في الحصة والفعل المقدور أو في الحصة والفعل غير المقدور ـ وهو الاختياري غير المسبوق بالاضطراري ـ وهذا من الشك في التكليف ومصبه ، سواء اريد بالتكليف الخطاب أو الملاك ، فلا تتم مقالة العراقي حتى هنا.

وإنّما الوجه في عدم جريان البراءة عن وجوب الحصة الاختيارية لمن جاء بالفعل الاضطراري مع احتمال سقوطه بالتفويت من جهة منجزية العلم الإجمالي بوجوب الاختياري امّا مطلقاً أو مشروطاً ومقيداً بعدم سبق الاضطراري بنحو قيد الواجب ، وهذا العلم كسائر موارد الدوران بين الأقل والأكثر ينجّز الأقل ، وهو ذات الفعل الاختياري.

هذا ، مضافاً إلى جريان استصحاب بقاء التكليف الأعم من الضمني أو الاستقلالي المتعلّق بذات الفعل الاختياري ، وهذا استصحاب منجّز ؛ لأنّ متعلقه وهو الفعل الاختياري لم يتحقق ، فلا يقاس باستصحاب بقاء وجوب الأقل لمن فعل الأقل والذي ليس منجزاً ؛ لكونه مردداً بين ما يكون ممتثلاً وساقطاً بالامتثال وما يكون باقياً ـ كما ذكرناه في بحث الأقل والأكثر ـ وهذا الاستصحاب ينفع للمكلّف الذي كان يقطع ببقاء عذره أو يستصحب بقائه في أوّل الوقت بحيث لم يتشكل له ذلك العلم الإجمالي الدائر بين الأقل والأكثر ، وإن كان ثبوت هذا العلم الإجمالي للفقيه في الشبهة الحكمية ـ كما هو المفروض في هذا البحث ـ أيضاً كافياً لتنجيز فتواه بحق المكلّفين مطلقاً ، فتدبر جيداً.


وامّا الشقّ الثالث فهو ملحق بالشق الأوّل ؛ لعدم احراز الملاك التعيني في الحصة الاختيارية ، فيكون التكليف خطاباً وملاكاً دائراً بين التعيين والتخيير.

وبهذا يظهر أنّه إذا أحرزنا عدم الاجزاء بملاك الوفاء بتمام الغرض من الواجب الاختياري كما لعلّه يستظهر مما ثبت في الفقه في الصلاة من عدم جواز إلقاء النفس في الاضطرار بسوء الاختيار وانّه يعاقب على تفويته للاختياري وإن كان مكلفاً بالاضطراري على كل حال فدار الأمر بين عدم الاجزاء أو الاجزاء بملاك التفويت فقط مع عدم رضا المولى به كان مقتضى الأصل العملي عدم الاجزاء أيضاً ، للعلم بوجوب الاختياري عليه تعييناً ، فيكون منجزاً عليه وإن كان فعل الاضطراري عليه أيضاً جائزاً في حقه كما تقدم ، أو لاستصحاب بقاء الوجوب التعيني بعد رفع الاضطرار ؛ لأنّه كان ثابتاً عليه في أوّل الوقت ، وإنّما يحتمل سقوطه بالاضطراري من أجل التفويت ، فهذا أيضاً وجه آخر لعدم الاجزاء ووجوب الاعادة في مثل هذه الموارد.

ص ١٥٣ قوله : ( الاعتراض الثاني ... ).

ويرد على الاستصحاب التعليقي المذكور أيضاً أنّه قضية تعليقية ليست هي المجعولة ، بل منتزعة بالملازمة عقلاً من خطاب وجوب الاختياري على المختار الذي لم يأت قبله بالفعل الاضطراري في حال الاضطرار.

وإن شئت قلت : انّه قضية تعليقية محققة للموضوع وليست حكمية ، فإنّ الاضطرار لو كان مرفوعاً قبل الفعل الاضطراري كان محققاً لموضوع من يجب عليه الاختياري تعينياً ـ مع قطع النظر عن الجواب الآخر الموجود في الكتاب ـ


أي كان محققاً لعنوان المختار الذي لم يأت بالاضطراري ، ومثل هذه القضايا التعليقية كالقضايا التعليقية في الموضوعات لا تكون جارية حتى عند من يقول بجريان الاستصحاب التعليقي.

ص ١٥٤ قوله : ( أمّا البحث في النقطة الاولى ... ).

إذا كان القضاء بالأمر الأوّل من باب تعدد المطلوب فلا إشكال في وجوب القضاء لاطلاق الأمر الأوّل المتعلّق بذات الفعل الاختياري ما لم نستفد من دليل الأمر الاضطراري داخل الوقت سقوط القضاء أو تعلّق الأمر الأوّل بالجامع بين الاختياري والاضطراري وتعلّق الأمر الثاني بايقاع متعلّق الأمر الأوّل في الوقت بنحو تعدد المطلوب.

وإذا كان القضاء بأمر جديد فإن كان موضوعه فوت الفريضة الفعلية على المكلّف في الوقت فلا فوت ، وإن كان موضوعه فوت الفريضة الأولية الواقعية فإن استفيد من دليل الأمر الاضطراري في الوقت انّ التكليف الأولي بالجامع بين الفريضتين ـ ولو في حق غير من أوقع نفسه في الاضطرار ـ فأيضاً لا فوت ، وإلاّ فإن كان الأمر بالأختياري فعلياً في الوقت خطاباً أو ملاكاً ، كما في حقّ من أوقع نفسه في الاضطرار عمداً صدق الفوت بالنسبة إليه في القضاء ، ما لم نستفد من الأمر الاضطراري الاجزاء وإن لم يكن فعلياً كالمستوعب عذره بلا سوء اختيار فأيضاً لا يصدق الفوت بالنسبة للخطاب ؛ لأنّ صدقه فرع فعلية الخطاب ، ومع العذر لا فعلية له ، فلا يصدق الفوت ، فلا يجب القضاء.

لا يقال : على هذا لا يجب القضاء لذوي الأعذار حتى إذا تركوا الوظيفة الاضطرارية في الوقت ، وهو كما ترى.


فإنّه يقال : يمكن أن يكون الموضوع فوت أحدهما ، أي فوت ما كان مكلفاً به في الوقت ، وذوي العذر لو ترك الاضطراري أيضاً صدق في حقّه فوت ما كان مكلّفاً به في الوقت.

ثمّ انّ كلا هذين الاحتمالين مرجعهما إلى فرض واحد ـ كما في الكتاب ـ وهو انّ الموضوع هو الفوت أو ترك التكليف الذي يكون فعلياً في الوقت ، وهذا الفرض يلزم منه عدم وجوب القضاء على ذوي العذر عن أصل الصلاة كالنائم أو المغمى عليه أو الناسي في تمام الوقت أو فاقد الطهورين بناءً على سقوط الصلاة عنه ، مع انّه لا إشكال في وجوب القضاء فيها أيضاً ، ومن هنا قالوا : انّ الموضوع فوت أو ترك ما هو الفريضة ، بقطع النظر عن الأعذار الطارئة. إلاّ انّ هذا لازمه وجوب القضاء على المضطر الممتثل للأمر الاضطراري في الوقت كما في الكتاب.

نعم ، لو كان الموضوع فوت أو ترك الغرض فمع احتمال تحققه بالاضطراري لا يمكن التمسك بدليل الأمر بالقضاء ؛ لكونه شبهة مصداقية.

ويمكن فرض آخر : وهو أن يكون موضوع القضاء فوت ما هو الفريضة مع قطع النظر عن الأعذار بتمام مراتبه وأركانه ، فإذا كانت أركان الفريضة واجبة وأتى بها المكلّف كما في الوظيفة الاضطرارية فليس هذا فوتاً ولا تركاً للفريضة.

وأمّا فوت الملاك اللزومي فإن أحرزنا مع سقوط الخطاب الاختياري وجود ملاك لزومي فيه ، لا في الجامع بينه وبين الفعل الاضطراري ( وهذا يعني عدم وفاء الاضطراري بتمام الملاك ) وقلنا بكفاية فوت بعض الملاك في وجوب


القضاء ثبت الفوت ووجوب القضاء أيضاً ، وإن لم نحرز وجود ملاك لزومي في الاختياري خاصة ، وإنّما احتملنا ذلك واحتملنا وفاء الاضطراري به والذي يعني وجود الملاك في الجامع بينهما ، فكما لا يحرز الفوت فلا يمكن التمسك بدليل القضاء ؛ لكونه شبهة مصداقية له ، كذلك لا يمكن أن يحرز عدم الاتيان به وتركه بالاستصحاب حتى إذا كان الموضوع للقضاء الترك وعدم الاتيان لا الفوت ؛ لأنّه لا يحرز وجود ملاك لزومي في الاختياري خاصة لكي يستصحب عدم الاتيان به ، فما في الكتاب من جريان هذا الاستصحاب غير تام.

لا يقال : إذا أحرزنا انّ القدرة ليست شرطاً للاتصاف ـ كما هو المفروض ـ فالغرض اللزومي في الفعل الاختياري الساقط خطابه بالعجز وعدم القدرة عليه ثابت على كل حال أوّلاً ويشك في تحققه بتمامه بالفعل الاضطراري وعدمه فيستصحب عدم تحققه ، كما كان قبل الاتيان بالفعل الاضطراري ، فينقح موضوع وجوب القضاء.

فإنّه يقال : هذا لا يكفي في المقام أيضاً لأنّنا نحتمل بحسب الفرض وفاء الفعل الاضطراري بتمام الغرض ، ونحتمل عدم وفائه إلاّببعض الغرض ، وهذا يعني أنّنا نعلم بوجود غرض في الجامع وقد تحقّق ، ونشك في وجود غرض زائد في الحصة الاختيارية من أوّل الأمر ، وهذا يكون من استصحاب الكلي من القسم الثالث إذا اريد استصحاب بقاء الجامع وكلّي الغرض الذي يكون في الاختياري ؛ لأنّ واقعه مردّد بين ما هو مقطوع التحقق ومقطوع الارتفاع وبين ما هو مشكوك الحدوث.


ص ١٥٤ قوله : ( وامّا البحث في النقطة الثانية ... ).

وجه أوضحية الاجزاء بلحاظ القضاء إذا قلنا به بلحاظ الاعادة فلعدم احتمال كون المصلحة المتبقية في الفعل الاختياري غير قابل للتدارك في داخل الوقت مع امكان تداركه في خارجه كما انّ احتمال الفرق بين الفعل الاضطراري من مكلّف عذره مستوعب عمّن عذره غير مستوعب غير موجود أيضاً ، فإذا استفيد الاجزاء في الثاني بلحاظ الاعادة كان لازمه الاجزاء بلحاظ القضاء أيضاً حتى بالنسبة لمن عذره مستوعب فضلاً عن غير المستوعب.

ثمّ انّ الوجه الذي أضفناه في الاجزاء بلحاظ الاعادة يجري هنا حتى إذا لم يتم في المسألة السابقة وهو انّه لو استفيد من دليل الفعل الاضطراري تحقق القيد اللازم في الواجب بالعمل الاضطراري كالتيمم وحصول الطهور به حال الاضطرار أو استفيد سقوط الشرطية لا الأمر بالمشروط فهذا يتم في المقام ويثبت الاجزاء عن القضاء لعدم فوت الواجب الواقعي بل تحققه منه حقيقة بعدما كان قيد الواجب هو الجامع بين الوظيفتين ولا يقع تعارض بين دليلي تحقق القيد ـ كالطهور ـ بالنحو الذي كان في المسألة السابقة ؛ لأنّ المفروض استيعاب العذر هنا وشمول دليل الوظيفة الاضطرارية داخل الوقت دون الاختيارية جزماً ، وهذا واضح.

وكان ينبغي ذكر هذا الوجه في المسألتين.

اللهم إلاّأن يكون مقصود السيد الشهيد 1 من التقريب الثاني وهو إطلاق البدلية ما يعم هذا الوجه فإنّ البدلية تارة تكون بلحاظ أصل الواجب الاختياري والاضطراري واخرى بلحاظ الشرط والقيد ، فتدبر جيداً.


ثمّ انّ الإطلاق المقالي هنا لعلّه أوضع منه في الاجزاء بلحاظ الاعادة ؛ لأنّ المكلّف المضطر داخل الوقت سوف يرتفع اضطراره في خارج الوقت عادةً ، فلو كان يجب عليه القضاء ولا يلتفت إليه عرفاً كان ينبغي على الإمام أن يذكره ، فسكوته عنه مع انّه تكليف تابع للأداء ومتمم له حتى إذا كان بأمر جديد يوجب انعقاد الإطلاق المقامي على نفيه ، وهذا بخلاف المضطر في أوّل الوقت والذي قد يرتفع عذره في الأثناء.

ثمّ انّ دليل الأمر الاضطراري للمستوعب عذره كالأخص بالنسبة لدليل القضاء ؛ لأنّه المتيقن من الأوامر الاضطرارية ، فهذا الوجه هنا أيضاً أوضح منه هناك ، كما أنّ الوجه الذي ذكره الميرزا 1 ( الوجه الاستلزامي ) يمكن تقريره بشكل آخر فني وهو انّ دليل الأمر بالبدل أو دليل نفي العسر والحرج والعذر مدلوله تقييد جزئية أو شرطية القيد المتعذر في فرض استيعاب العذر ، فيدل ولو بضم دليل الأمر بأصل المركب على انّ الفريضة في حقه هو الفعلي الاضطراري فيكون وارداً ورافعاً لموضوع دليل القضاء حتى إذا كان بالأمر الأوّل ، فتدبّر جيداً.

ص ١٦٠ قوله : ( وفيه أوّلاً ... ).

الورود في المقام معناه جعل الطهارة الواقعية لمشكوك الطهارة والنجاسة ـ كما احتمله صاحب الحدائق ـ إذ ليست الطهارة إلاّأمراً اعتبارياً محضاً كالملكية والزوجية ، فلو اعتبرت في مورد حقيقة بحيث تحقق مصداقه وجداناً ـ الذي هو الورود ـ كان معناه تخصيص دليل النجاسة الواقعية ، فلا يقاس بجعل العلمية والطريقية بنحو الحكومة الميرزائية التي هي نوع من الورود ، فإنّ فيه توسعة لمفهوم العلم لا لواقعه.


ولعلّ هذا هو نكتة عدم قبول الميرزا 1 في المقام ذاك النحو من الحكومة والتي قبلها في باب الطرق والأمارات لتصحيح قيامها مقام القطع الطريقي والموضوعي معاً ، فتدبر جيداً.

وبهذا يندفع جواب السيد الشهيد على الاشكال الثاني للميرزا والسيد الخوئي 1 ، فراجع وتأمل.

ص ١٦٠ قوله : ( وثانياً : ... ).

الموجود في الهامش يغير إلى ما يلي :

حيث انّ حقيقة الحكم الظاهري انّه حكم مجعول بملاك التزاحم الحفظي بين الأحكام الالزامية الترخيصية المشتبهة وهذا لا يكون إلاّفي الأحكام والآثار المترتبة لا نفس الطهارة والنجاسة كحكم وضعي ، والجعل الظاهري فيه يكون استطراقاً بلحاظ آثاره التكليفية فلا محالة يتعيّن في دليل التنزيل بأي لسان كان أن يلحظ فيه تلك الآثار التكليفية المترتبة على الحكم الوضعي المنزل عليه محفوظة واقعاً ومتزاحمة تزاحماً حفظياً إذا كان يراد الجعل الظاهري في مورده ، وهذا نظر مناقض لا يجتمع مع فرض ارادة التوسعة الواقعية لآثار المنزل عليه.

فالحاصل : التهافت في كيفية لحاظ الأثر التكليفي المترتب على الطهارة بين فرض ارادة التوسعة الواقعية وفرض ارادة التوسعة والحكومة الظاهرية لا ينبغي انكاره ، فلا يمكن الجمع بينهما معاً في خطاب واحد.

لا يقال : هذا إنّما يلزم إذا اريد الجمع بين اللحاظين في أثر تكليفي واحد كالشرطية مثلاً ، فلا يمكن اعمال التوسعتين فيها للتهافت بينهما ، وامّا مع فرض


تعدد الآثار وكون بعضها وهو المترتب على الطهارة كالشرطية ملحوظاً فيه التوسعة الواقعية وبعضها الآخر وهو المترتب على النجاسة كالمانعية وانتفائها في مورد الطهارة يكون ملحوظاً فيه التوسعة الظاهرية فلا يلزم اجتماع لحاظين متهافتين في حكم واحد.

فإنّه يقال : المفروض انّ كل أثر يكون مترتباً على الطهارة يراد ترتيبها وتوسعتها واقعاً في مورد مشكوك الطهارة وهذا لازمه كون القاعدة حكماً واقعياً صرفاً ، فلا موضوع ولا ملاك لاستفادة طهارة ظاهرية منها ليقال بأنّه بالملازمة يفهم انتفاء النجاسة أيضاً للتلازم بينهما حتى في مرحلة الظاهر ، فإنّ هذا التلازم فرع كون التوسعة بلحاظ أحكام الطهارة ظاهرية لا واقعية ، وأمّا إذا كانت واقعية امّا بجعل الطهارة الواقعية أو تنزيل مشكوك الطهارة والنجاسة منزلة الطاهر الواقعي في آثار الطهارة أي الشرطية ، فالأوّل يلزم منه انتفاء النجاسة الواقعية ويكون مفاد القاعدة ما اختاره صاحب الحدائق ، وهو خلف المفروض ، والثاني لو فرض انّ له لازماً فلازمه نفي آثار النجاسة الواقعية واقعاً ، كما في مورد المنزَّل عليه ، وهو الطاهر الواقعي ، فلا معنى حينئذٍ لاستفادة الحكم الظاهري من القاعدة إلاّبلحاظ الحكم الوضعي ، وهو غير معقول.

والحاصل : إذا كان الملحوظ في جعل الطهارة على مشكوك النجاسة والطهارة خصوص الآثار المترتبة على الطهارة وتوسعتها واقعاً فلا يستفاد من دليل القاعدة إلاّحكماً واقعياً واحداً حقيقته توسعة الشرطية لا الطهارة الظاهرية ، وإذا كان الملحوظ ترتيب تلك الآثار المترتبة عليها بل وعلى انتفاء النجاسة في موردها ظاهراً فهذا لا يجتمع مع فرض ارادة التوسعة الواقعية ؛ للتهافت بينهما ، وإن كان الملحوظ ترتيب آثار الطهارة الواقعيّة واقعاً ونفي آثار


النجاسة الواقعية ظاهراً من باب الملازمة ، فهذا أيضاً غير صحيح ؛ لعدم وجه لهذه الملازمة

ص ١٦٢ الهامش.

ما ذكر فيه لا يكون صحيحاً على ضوء ما ذكرناه من انّ الورود غير معقول في المقام إلاّبتخصيص النجاسة الواقعية بموارد العلم بها ، ففرضية الورود خارجة عن المفروض أساساً ؛ ولعلّه لهذا لم يذكرها السيد الشهيد في جوابه وإنّما ذكر أنّه امّا أن نستفيد من دليل القاعدة الطهارة الواقعية وتخصيص النجاسة الواقعية بصورة العلم بها فهذا خارج عن موضوع بحث الاجزاء حينئذٍ تخصّصاً ، أو نستفيد منه الطهارة الظاهرية والذي يعني تنزيل المشكوك منزلة المعلوم ، وهذا إذا كانت توسعة واقعية كتنزيل الطواف منزلة الصلاة فهو مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر في أمثال المقام ـ كما في الكتاب ـ فلا يمكن أن يستفاد منها طهارة ظاهرية لا بلحاظ آثار الطهارة الواقعية لأنّ المفروض التوسعة الواقعية بلحاظها ولا بلحاظ نفي آثار النجاسة ؛ لعدم دالّ على ذلك لا مطابقة ولا التزاماً ـ كما أشرنا ـ وإن كانت توسعة ظاهرية ـ كما هو الظاهر ـ لم يثبت الاجزاء.

ص ١٦٤ قوله : ( وفيه : انّ المصلحة السلوكية ... ).

المقصود انّ الأمر الأدائي وإن كان مباناً مع الأمر القضائي وكان مخصوصاً بداخل الوقت والذي سلوك الامارة أدّى إلى تفويته ـ خصوصاً إذا كانت سنخ مصلحة مغايرة مع ما يحققه القضاء خارج الوقت ـ إلاّ انّه مع ذلك يكون إطلاق دليل القضاء دالاًّ على فعلية الأمر على القضاء في حقه ؛ لأنّ موضوعه من فاته الفريضة الواقعية ، وهذا محفوظ وصادق على المكلّف الذي سلك الامارة داخل


الوقت ؛ لأنّ فريضته لم يكن بالجامع بل بخصوص العمل الواقعي الذي لم يأت به وقد فاته وعندئذٍ يكون مقتضى التمسك بهذا الإطلاق انّ ما انجبر من المصلحة الفائتة ليس بأكثر من مصلحة الوقت وامّا مصلحة أصل الفعل فتنجبر بالقضاء سواءً كان من سنخها أم من غير سنخها ، أي استيفائية ـ فتكون روحاً وملاكاً من قبيل ما إذا كان القضاء بالأمر الأوّل ـ أو تداركية فإنّ المقيد اللبي لا يقتضي أكثر من هذا المقدار كما هو واضح.

وإن شئت قلت : انّ قبح التفويت لا يقتضي أكثر من وجود مصلحة سلوكية بالمقدار الذي تفوت من الملاكات الواقعية التي لا يمكن تحصيلها بوجه أصلاً ، وهي في المقام بمقدار مصلحة الوقت فقط لا المصلحة الموجودة في العمل الواقعي ، فلا موجب لرفع اليد عن إطلاق الأمر الواقعي الأدائي في الوقت ، فتثبت فعليته في الوقت إن كان المكلّف معذوراً في تركه ومحصّلاً لمقدار من المصلحة فيه بالسلوك وهو مصلحة الوقت فقط ، مع احتمال بقاء مصلحة الفعل ولو بالمقدار الذي ينجبر بالقضاء عند فوته في الوقت ، وهذا لا يستلزم سقوط الأمر الأدائي والتصويب ، أي الأمر بالجامع بين الواقع والظاهر ، بل يكون الأمر بالعكس ، فإنّ احتمال ذلك موجب لصحة التمسك باطلاق الأمر الأدائي وفعليته في الوقت ، وبتبعه فعلية الأمر القضائي خارج الوقت الذي موضوعه فوت الأداء أو تركه ؛ لأنّ هذا هو مقتضى الخطابات الواقعية ، وإنّما يرفع اليد عنه بمقدار ما يحرز فيه التفويت بالسلوك ، وهذا غير محرز هنا ، فالاحتمال بصالح عدم التصويب وعدم الاجزاء.

وهذا هو مقصود السيد الشهيد 1 من أنّ المقيّد العقلي المذكور لا يقتضي أكثر من ذلك.


ص ١٦٤ قوله : ( وفيه بالامكان فرض التخيير ... ).

بل يمكن فرضه قيداً للوجوب أيضاً ، ومع ذلك يدفع اشكال اللغوية بأنّه فرع عدم امكان تنجز التكليف بالجامع ، وهو ممكن بالعلم الإجمالي المنجز ، فإنّ المكلّف سوف يعلم ـ حتى بناءً على كون القيد للوجوب لا للواجب ـ بأنّه مكلّف في مورد الأمارة بالمؤدّى امّا لكونه الواقع المأمور به أو لكونه موضوعاً للتكليف بالجامع ، وهذا المقدار يكفي لدفع اللغوية.

ص ١٦٤ قوله : ( الثاني : انّ الجامع ... ).

لا ينبغي أن يكون المقصود عدم تقرّر الجامع المذكور تصوراً في نفسه لكي يقال في جوابه انّه مقرّر لامكان تصوّر الجامع بين حكم واقعي ومؤدّى امارة مخالفة له وانّ غاية الأمر انّه لا يمكن ايجاد أحد طرفيه خارجاً إلاّبعد تعلّق الأمر بالواقع تعينياً ، ويقال عندئذٍ بأنّ هذا في نفسه محال من جهة اخرى ، وهي امتناع انبثاق الارادة والأمر عن مصلحة في نفسها أو ما يترتب عليها.

وإنّما المقصود انّه لا يمكن أن يكون هذا الجامع متعلقاً للحكم الواقعي ؛ لأنّ تعلّق الحكم الواقعي به ووقوع هذا الجامع متعلّقاً له بنفسه تناقض وتهافت في اللحاظ في عالم الجعل ؛ إذ ليس لنا حكمان واقعيان ، بل حكم واقعي واحد وهو نفس هذا الأمر المتعلّق امّا بالجامع أو بالواقع التعيني ولا يمكن أن يكون متعلقاً بالجامع ؛ لأنّه في معنى الأمر بشيء لا يكون مأموراً بنفس هذا الأمر وهذا تهافت تصوري لحاظي ، فهذه استحالة وامتناع في عالم اللحاظ وتعلق الحكم لا عالم امتثال أحد طرفي الجامع خارجاً ، وهو المقصود من عدم التقرر ، أي عدم تقرر الجامع المتعلّق للأمر الواقعي بما هو متعلّق له وهذا صحيح.


كما انّ التعبير في الوجه الثالث بأنّه يلزم من وجوده عدمه أيضاً صحيح بلحاظ علام الفعلية وشمول الجعل للمؤدّى ، فإنّ شموله له يستلزم عدم شموله له ، فالجواب المذكور في الكتاب بعنوان الجواب الحلّي على الوجه الثالث والذي هو الجواب أيضاً عن الوجه الثاني غير تام.

فيكون وجه تعلّق الأمر الواقعي بالواقع التعييني لا الجامع رغم كون الملاك فيه لا في خصوص الواقع التعييني امتناع تعلّق الأمر الواقعي بمثل هذا الجامع ـ بخلاف ما إذا كان الملاك في مطلق مؤدّى الأمارة ـ وحيث انّه لابد للمولى من الأمر ، فلا محالة يجعله على العدل الذي يمكن تعلّق الأمر به ؛ لكونه محققاً لغرض المولى ، وليس فيه المحذور الذي ذكره السيد الشهيد 1 ؛ إذ ليس هذا التعلّق من أجل مصلحة في نفس الارادة بل في المراد وإنّما تعلّق بالمعين لعدم امكان أكثر من ذلك ، ففي خصوص المقام لابد وأن يتعلّق بالمعيّن ؛ لأنّه الطريق الوحيد لوصول المولى إلى غرضه بلحاظ كلا شقي الجامع ، فتأثير هذا الأمر التعيني في المقام بالخصوص لتحقيق مراد المولى في قوّة الأمر بالجامع من حيث محركيّته للمكلّف نحو ما فيه مراد المولى فيتعين ذلك حتى إذا كان يمكن الأمر بالجامع في نفسه ؛ لأنّه يفوّت على المولى غرضه بلحاظ الجامع.

والصحيح في الاجابة عن الوجه السابع أن يقال بأنّه لو اريد من وجود الملاك في مؤدّى الأمارة المخالفة للواقع الأمارة المخالفة لروح الحكم وهو الملاك والارادة فهذا الفرض بنفسه مستحيل ؛ لاستلزامه التناقض في اللحاظ ؛ إذ فرض وجود الملاك الواقعي في مؤدى الأمارة المخالفة مع نفس هذا الملاك تهافت لحاظي ، وإن اريد بالأمارة المخالفة للواقع المخالفة مع الحكم بمعنى الجعل والاعتبار بالخصوص فهذا معقول وممكن كما ذكرناه ، إلاّ انّه لا يدفع اشكال


التصويب بلحاظ روح الحكم وإنّما يدفعه بلحاظ عالم الانشاء والاعتبار فقط ، وهو أيضاً تصويب باطل.

ص ١٦٧ قوله : ( فإنّه يقال : يمكن اختيار كلا الشقين ... ).

لا إشكال في عدم التصويب بناءً على الطريقية المحضة وكون المصلحة في نفس الجعل كما هو حال سائر موارد تفويت الواقع بالظاهر. وامّا على السببية ووجود مصلحة في مؤدى الامارة ـ أو في سلوكها ـ فقد يقال : انّ مجرد تعيينية المصلحتين المتضادتين لا يكفي لانتفاء التصويب ، إذ بعد فرض تساويهما في الأهمية مع التضاد بينهما يقع الكسر والانكسار بينهما لا محالة فيكون الأمر الشرعي لا محالة تخييرياً بينهما تماماً كما إذا كان المؤدى يستوفي نفس المصلحة الواقعية فكون المصلحة في المؤدّى استيفائية بمعنى انها من سنخ نفس المصلحة الواقعية أو تداركية من غير سنخها لا يؤثر في لزوم التصويب.

وما ذكر في الكتاب من عدم المحذور في بقاء الأمر بالواقع تعييناً لأنّه من التزاحم لا التعارض لا يكفي لدفع الاشكال ، لأنّ إطلاق الأمر بالواقع لحال ثبوت الحكم الظاهري بقيام الامارة لغو ، لأنّه صرف عن مصلحة إلى مصلحة اخرى مساوية لها في الأهمية وفعليّة بحسب الفرض ولا يقاس بالمشروط بالقدرة العقلية بالنسبة إلى المشروط بالقدرة الشرعية لأنّ اطلاقه يوجب عدم فوات شيء من الفرضين إذ بفعله يكون قد استوفى أحدهما وارتفع موضوع الآخر بخلاف المقام ، فإنّ المصلحة الظاهرية فعلية على كل حال ، فالمكلّف لو احتاط وترك العمل بالحكم الظاهري كالصلاة في مستصحب الطهارة يكون قد فوّت المصلحة في الحكم الظاهري مع فعليته بفعلية موضوعه.


وأوضح منه الشبهة الحكمية كما إذا قام الحكم الظاهري على وجوب الجمعة وكان الواقع وجوب الظهر من حيث لغوية الأمر بهما معاً تعينياً ومطلقاً مع كون الملاك في كلّ منهما مقيداً بوقوعه قبل الآخر. وهذا معناه انّه لابد من التقييد في إطلاق الحكم الواقعي فيكون تخييرياً.

والجواب : انّ الخطاب والأمر الواقعي بالظهر مثلاً مقيد بعدم الاتيان بالجمعة التي قامت عليه الأمارة بقاءً ؛ إذ لا ملاك فيه بعد الاتيان بالجمعة ، وأمّا حدوثاً فاطلاقه لا يلزم منه المطاردة مع الأمر الظاهري بالجمعة لأنّه بوصوله يرتفع موضوع الأمر الظاهري كالمشروط بالقدرة العقلية بالنسبة إلى المشروط بالقدرة الشرعية فيكون الغرض من اطلاقه أن يصل ويرفع موضوع المصلحة الظاهرية ، فلا يكون فوات لشيء من المصلحتين تماماً كالمشروط بالقدرة العقلية بالنسبة للمشروط بالقدرة الشرعية ، فليس هناك ملاك فعلي في كل من الحصتين المقيدتين بالاتيان به قبل الآخر كما ذكر في الاشكال ، فإنّ هذا إنّما يصحّ في المشروطين بالقدرة العقلية لا ما إذا كان أحدهما مشروطاً بالقدرة الشرعية أو بعدم وصول الآخر وتنجّزه.

كما انّ ما ذكر من فعلية المصلحة في الحكم الظاهري عند ثبوته إنّما هو كفعلية مصلحة المشروط بالقدرة الشرعية عند عدم وصول أو تنجّز المشروط بالقدرة العقلية لا يمنع عن إطلاق المشروط بالقدرة العقلية واقعاً ؛ لأنّ الغرض من الإطلاق هو الصرف على تقدير الوصول والتنجيز وهو يوجب ارتفاع موضوع المصلحة في الخطاب المشروط بعدم وصول الآخر أو تنجزه أي بالقدرة الشرعية كما هو مذكور في هامش الكتاب ، ولعمري هذا واضح لا أدري كيف أوجب توهم هذه المناقشة.


ص ١٦٧ قوله : ( وامّا إذا انكشف خلاف الحكم الظاهري بالتعبد ... ).

ينبغي أن يقسّم هذا البحث إلى قسمين :

١ ـ أن ينكشف الخلاف للحكم الظاهري مع كونه تاماً وفعلياً في وقته ، أي قبل انكشاف الخلاف. كما إذا تبدل تقليد المقلّد بعد موت مقلَّده الأوّل. أو مثال الامارة المذكورة في الكتاب بعد فرض جريان الاستصحاب قبل تحصيل الخبر حقيقة ؛ لأنّه كان قد استفرغ وسعه مثلاً ، أو كانت الشبهة موضوعية استصحب فيها الطهارة أو أجرى قاعدتها ثمّ قامت بيّنة أو خبر ثقة على النجاسة ، أو كان يجري فيه قاعدة الطهارة ثمّ حصل له يقين سابق فجرى فيه استصحاب النجاسة ، فإنّه في مثل هذه الموارد يكون انكشاف الخلاف للحكم الظاهري السابق بنحو التخطئة له لا بنحو الكشف عن عدم ثبوته وكونه تخيلياً ، وفي مثله يجري الوجهان السابقان لاثبات الاجزاء على تقدير تماميتها.

٢ ـ أن يكون انكشاف الخلاف بنحو الكشف عن الخطأ في أصل جريان الحكم الظاهري ، كما في الأمثلة الاخرى في الكتاب للانكشاف بالأصل ، ومنه بعض موارد تبدل رأي المجتهد في الشبهة الحكمية حينما يلتفت إلى خطأ في مدرك حكمه الأوّل لاشتباه في السند أو الدلالة أو نحوهما ؛ وهذا لا ربط له ببحث اجزاء الحكم الظاهري وإن كان ينبغي البحث في موطنه الفقهي عن وجوب الاعادة أو القضاء فيه أيضاً.

وحيث انّ الصحيح عدم تمامية شيء من البيانين في اجزاء الحكم الظاهري وانّ مقتضى القاعدة عدم الاجزاء من هنا لم يفكك بينهما السيد الشهيد 1


في مقام الأمثلة.

ثمّ انّ البحث عن الاجزاء ووجوب الاعادة والقضاء إنّما يرد فيما إذا لم يكن دليل الحكم الواقعي من أوّل الأمر قاصراً عن الإطلاق لمورد الحكم الظاهري أو التخيلي ـ الترك غير العمدي ـ امّا لعدم الإطلاق فيه أو لوجود مقيد له كما في مثل حديث لا تعاد. وإلاّ لم يكن موضوع للبحث عن الاجزاء والاعادة أو القضاء كما هو واضح ، فلا ينبغي جعل ذلك البحث من مصاديق بحث اجزاء الحكم الظاهري ، كيف والقصور في أدلّة الشرطية والجزئية في هذه الموارد لا تختصّ بموارد قيام حكم ظاهري على خلافها ، بل يعم موارد الجهل المركّب والنسيان وغيرهما كما هو محقّق في محلّه.

كما انّ البحث عن حصول اجزاء العمل بالاجتهاد الأوّل أو تقليد المجتهد الأوّل والأدلّة الخاصة التي ذكروها فيه موكول إلى بحث الاجتهاد والتقليد من الفقه ، وإن كان البحث الذي ذكره السيد الشهيد في المقام من حيث امكان اثبات الفوت وعدمه في الصور العديدة بالأصل أيضاً بحث فقهي لا اصولي ؛ ولعلّ الأولى أن يبحث كبرى عدم اجزاء الحكم الظاهري المتبدّل مطلقاً أو في خصوص باب التقليد أو اختلاف رأي المجتهد وتبدّله في المقام وتذكر أدلّته من قبيل الإجماع ونفي الحرج وسيرة المتشرعة ونحو ذلك كما فعل السيد الخوئي 1 وغيره هنا.

ص ١٧١ قوله : ( الرابعة إذا كان ... ).

ذكر هنا أنّه لا يجري خصوص الوجه الخامس مما تقدم في الصورة السابقة لاثبات وجوب القضاء ؛ لانحلال العلم الإجمالي بوجوب قضاء الأكثر عليه الآن


أو وجوب الأقل عليه في زمن الفريضة القادم ، إذ وجوب الأقل في الزمن القادم معلوم تفصيلاً ، فلا يجري فيه الأصل الترخيصي ليكون معارضاً مع الأصل الترخيصي عن وجوب قضاء الأكثر عليه الآن.

وهذا صحيح ، وهو يوجب عدم جريان الوجه الثالث من الوجوه المتقدمة أيضاً ؛ لأنّ العلم الإجمالي داخل الوقت بأنّه يجب عليه الأقل داخل الوقت أو الأكثر خارج الوقت قضاءً إذا كان عازماً على ترك الأكثر في الوقت أيضاً علم إجمالي منحلّ بنفس البيان ، فكان ينبغي استثناؤه.

كما انّ البحث في هذه الصورة لابدّ وأن يكون عن وجوب القضاء خارج الوقت لمن لم يأت إلاّبالأقل داخل الوقت عمداً ، أي الفرض الأوّل من الصورة الثالثة ، لا عن وجوب الاعادة ؛ إذ لا اشكال فيه داخل الوقت مطلقاً ، أي حتى إذا حصل له هذا الشك المنجّز بعد الاتيان بالأقل طبقاً للحكم الظاهري الأوّل ؛ لأنّه شك في تحقيق الغرض وسقوطه أو سقوط أمره الذي كان فعلياً في حقه فيجب عليه الخروج عن عهدته بلا حاجة إلى شيء من الوجوه الخمسة ، وإنّما نحتاج إلى أحد الوجوه الخمسة بلحاظ وجوب القضاء لو لم يأت بالأكثر داخل الوقت سواء كان التبدّل المذكور حاصلاً له قبل العمل بالأقل أو بعده.

فما في الكتاب في هذه الصورة من قوله ( لاثبات الاعادة أو القضاء ) سهو ؛ لأنّ وجوب الاعادة في الوقت لا يحتاج إلى شيء من تلك الوجوه والمباني ، بل لابد من تخصيص البحث في الصورة الرابعة بالقضاء خارج الوقت لمن لم يأت بالأكثر داخل الوقت ، سواء كان التبدّل حاصلاً له في الوقت أو خارجه ، فتدبّر.


مقدّمة الواجب

ص ١٨٠ قوله : ( وامّا بلحاظ عالم المجعول ... ).

يوجد بيان آخر للسيد الخوئي 1 في المقام لا بأس به ويمكن أن يرجع روحاً إلى ما ذكرناه ، حاصله : أنّ المعتبر أمر فرضي انشائي وليس حقيقياً وأمره بيد المعتبر ، فكما يمكنه أن يفرضه ويجعله على أمر مقدّر الوجود مقارن كذلك يمكن أن يجعل على أمر مقدّر الوجود متقدم أو متأخر زماناً ، فيكون المجعول منوطاً بتحققه.

ص ١٨١ قوله : ( وامّا بلحاظ عالم الملاك ... ).

ويمكن أن يكون الشرط المتأخر غير دخيل في الاتصاف بل في وجود المصلحة والفعل وإنّما اخذ شرطاً في الوجوب لكونه غير اختياري كما في اشتراط القدرة على آخر جزء من الواجب التدريجي الوجود فإنّها شرط متأخر لايجاب ذلك الفعل التدريجي من قبل ، وهذا واضح.

ص ١٨٥

من المناسب البحث في تقسيمات المقدمة عن المقدمة الداخلية أيضاً كما بحثها الاصوليون ، وقد بحثوا عنها في عدّة مقامات :

المقام الأوّل : في صدق المقدمة على الاجزاء ، وهذا بحث لفظي اصطلاحي ، فإنّه لو اريد بالمقدمة ما يكون سبباً وعلة لايجاد ذي المقدمة فهذا يقتضي التعدد


في الوجود وهو مفقود بين الاجزاء ، والمركب الكل ؛ لأنّ الكل عين الاجزاء بالأسر ، وإن اريد بها التقدم الطبعي أي التوقف في الصدق والتجوهر فهو حاصل في الجزء ؛ لتوقف صدق الكل وتحققه على تحقق الجزء وصدقه دون العكس.

المقام الثاني : في دخول المقدمة الداخلية في محلّ النزاع ، أي وجوبها الغيري أيضاً على القول بوجوب المقدمة. واختار جملة من المحققين عدم دخولها في محلّ النزاع ؛ وذلك بأحد بيانين ودليلين : أحدهما : برهاني ، والآخر : وجداني.

ولابدّ وأن يُعلم انّ موضوع البحث في الاجزاء الخارجية للمركبات الاعتبارية أو الصناعية لا الاجزاء التحليلية العقلية للجواهر والأعراض من الأجناس والفصول ؛ لأنّها بسائط بلحاظ الوجود الخارجي وتركبها تحليلي واجزائها متحدة في وجود واحد خارجاً.

كما انّه ليس البحث فيما إذا كان المأمور به النفسي أمراً انتزاعياً أو اعتبارياً أو خارجياً متولّداً من الاجزاء المتركبة خارجاً كالطهور بناء على كون الغسل أو الوضوء محصلاً له لا متحداً معه ، فإنّ هذا يجعل تلك الأفعال كالغسلات والمسحات مقدمات خارجية لا داخلية كما هو واضح. والبرهان الذي يذكر كمانع عن وجوب المقدمة الداخلية يمكن تقريبه بأحد وجوه :

الأوّل : لزوم اجتماع المثلين وهو محال ؛ لأنّ الاجزاء واجبة بالوجوب النفسي الضمني ، فإذا كانت واجبة أيضاً بالوجوب الغيري لزم اجتماع الوجوبين على معروض وفعل واحد ، وهو محال.

ولا يقال : بأنّ متعلّق الوجوب الغيري عنوان المقدمة ومتعلّق الوجوب النفسي عنوان الفعل الواقعي.


لأنّه يقال : بأنّ الواجب الغيري معروضه واقع المقدمة وعنوان المقدمية حيثية تعليلية للوجوب ، وقد يجاب بأنّ معروض الوجوب النفسي هو الكل والمركب ، بينما معروض الوجوب الغيري هو الجزء الملحوظ لا بشرط ، وهما لحاظان ذهنيان مختلفان ، فلم يلزم الاجتماع.

وفيه : الكل ليس إلاّالاجزاء بشرط الانضمام ، وهي نفس الاجزاء لا بشرط أي لا فرق بينهما إلاّفي حد اللحاظ والتصوّر لا المتصوَّر ، فالعنوان واحد فيهما ، على أنّه يكفي وحدة المعنونين لامتناع تعدد الوجوب فيه ؛ ولهذا يقال بالتأكّد في ( أكرم العالم ) و ( أكرم الهاشمي ) بالنسبة إلى العالم الهاشمي.

والصحيح في جواب الاشكال : انّه لا يلزم اجتماع المثلين المحال ، أمّا بلحاظ الوجوب بمعنى الاعتبار فلعدم التقابل بين الاعتبارات ، على أنّ الوجوب الغيري ليس وجوباً اعتبارياً انشائياً أصلاً كما سيأتي.

وأمّا بلحاظ روح الحكم ومبادئه وهو الارادة والشوق فللزوم التأكّد ، نظير تأكد وجوب اكرام العالم الهاشمي ، وتأكّد وجوب صلاة الظهر الواجب نفسياً وغيرياً للعصر بالنسبة إلى الذاكر ، ولا محذور فيه أصلاً.

الثاني : انّ تعدد الوجوبين يوجب اجتماع المثلين ووحدتهما على سبيل التأكد غير معقول في المقام ؛ لأنّ الوجوب الغيري في طول الوجوب النفسي ، ومترشح منه ، فهما في مرتبتين ، فلا يعقل وجوب الاجزاء بالوجوب الغيري.

واجيب عليه بأنّ المانع عن التأكد إنّما هو الطولية في عمود الزمان لا الرتبية.

وهذا الجواب غير فني ؛ لأنّه لو سلّمنا السببية بين الوجوب النفسي والغيري كما هو مفروض المستشكل كان التأكّد بينهما محالاً ؛ لأنّ التأكد يقتضي وحدة


الوجود وهو مستحيل بين العلّة والمعلول.

ولكنّ الصحيح في الاجابة أن يقال بأنّ الترشح ليس بمعنى السببية والعلية ، بل بمعنى الملازمة في الوجود ولو بوجود علّة مشتركة لهما على ما سيأتي شرحه ، وعليه فلا مانع من حصول التأكّد في الارادة والشوق بوجود ارادة واحدة مؤكّدة.

الثالث : لغوية الوجوب الغيري بعد فرض الوجوب النفسي للجزء.

وفيه : انّ اللغوية مانع عن الانشاء والاعتبار والفعل الاختياري للمولى ، وليس الوجوب الغيري انشائياً اعتبارياً على ما سوف يأتي ، بل هو أمر نفساني تكويني ، والذي نعبر عنه بروح الحكم ومبادئه ، وهي الارادة والشوق ، فإذا كانت علتها فعلية تحققت لا محالة ، سواء كان يترتب عليها أثر أم لا.

وهكذا يتّضح عدم تمامية شيء من الوجوه البرهانية التي ساقوها لاثبات خروج المقدمة الداخلية عن محلّ النزاع.

وأمّا الوجه الوجداني فقد ذكره في الدراسات بنحو ساذج ، حاصله : حكم الوجدان بالفرق بين المقدمة الخارجية والداخلية ، وانّ الأولى يترشح عليها الارادة والشوق الغيري ، بخلاف الثانية ، سواء في ذلك الارادة التكوينية أو التشريعية.

وهذا الوجدان لا ريب فيه ، ويمكن صياغته بصورة برهان حاصله : أنّ الارادة الغيرية إنّما تنقدح في النفس ـ سواء في التكوينية أو التشريعية ـ للتوصل إلى المراد النفسي ـ على ما سوف يأتي في شرح حقيقة الوجوب الغيري ـ وهذا فرع خروج المقدمة عن متعلّق الارادة النفسية ، وإلاّ كانت هي المراد النفسي


المطلوب أصالةً ، فلا يعقل ارادة الاجزاء للتوصل بها إلى نفس الاجزاء ، وهذا واضح. كما انّه لا يعقل في المقام التأكد في ارادة الاجزاء ؛ إذ التأكّد فرع شدّة الملاك النفسي أو تعدده ، وهو مفقود في المقام ؛ إذ لا يوجد إلاّملاك نفسي واحد هو منشأ الوجوب النفسي ، فمن أين يحصل التأكّد في الارادة الحاصلة منه ، وهذا بخلاف صلاة الظهر التي فيها ملاك نفسي وملاك غيري لملاك نفسي آخر وهو العصر.

وبهذا التحليل يظهر وجه الضعف في كثير مما ذكره الاصوليون في المقام وفي أصل منهجة بحثهم.

المقام الثالث : في ثمرة القول بالوجوب الغيري للاجزاء ، وقد ذكر ذلك المحقّق العراقي مدعياً انّه على القول بالوجوب الغيري للاجزاء لا تجري البراءة في موارد الدوران بين الأقل والأكثر ؛ لعدم انحلال العلم الإجمالي بوجوب التسعة مثلاً نفسياً أو وجوبها غيرياً ، وامّا على القول بعدم وجوب الاجزاء إلاّ نفسياً جرت البراءة عن وجوب الجزء العاشر المشكوك ؛ لانحلال العلم بالوجوب النفسي وتردده بين تعلّقه بالتسعة والعشرة والتسعة واجبة ضمنها على كلّ حال.

وفيه : أوّلاً ـ إنّما يتمّ لو كان القول بوجوب الاجزاء غيرياً مساوقاً لعدم وجوبها النفسي ، أمّا على القول بالتأكّد واجتماع الوجوبين في وجوب واحد مؤكد فالانحلال الحقيقي محفوظ بلحاظ ما تجري عنه البراءة ، وهو متعلّق ذات الوجوب النفسي لا حدّه.

وثانياً ـ تمامية الانحلال الحكمي على ما قرر في محلّه ، حتى إذا لم يتمّ الانحلال الحقيقي.


ص ١٩١ قوله : ( والتحقيق في تفسير حقيقة الارادة المشروطة ... ).

يلاحظ على ما ذكره السيد الشهيد بأنّ تصدّي المولى لتحصيل غرضه أيضاً كالوجوب معلّق على تحقق الشرط ؛ لأنّه بمقدار الجعل ، وهو مشروط ومعلّق بحسب الفرض ، فالمولى لم يتصدّ لتحصيل الغرض والفعل مطلقاً ، بل مشروطاً ومعلّقاً على فرض تحقّق الشرط ، وهذا لا محذور فيه ؛ لأنّ التصدّي وتحميل المسؤولية على المكلّف أيضاً فعل اختياري للمولى ، وهو روح الحكم ، ويكون بمقدار المجعول ومنتزعاً عنه لا أكثر ، فلا محذور على هذا الأساس في الواجب المشروط لا بلحاظ مرحلة الجعل والاعتبار ولا بلحاظ مرحلة الارادة بمعنى التصدّي المولوي لتحصيل الفعل من المكلّف والتي هي روح الحكم ، ولا بلحاظ الملاك ، وأمّا الارادة بمعنى الشوق المؤكّد الذي هو منشأ التصدّي والجعل وهو مشترك بين الارادة التكوينية والتشريعية فلا وجه لدعوى وجدانية فعليته قبل تحقق الشرط والعلم به ، وإنّما الموجود مجرّد العلم بأنّه إذا تحقّق الشرط ففي الفعل مصلحة أو حسن وانّه يشتاق إليه ويريده ، فليس قبل تحقق الشرط إلاّهذا العلم بأنّه إذا تحقّق الشرط فسوف يحتاج إلى الفعل ويشتاق إليه ـ ولو بعد احرازه أو الاحساس بالحاجة إليه ـ وهذا بابه باب العلم بالقضية الشرطية التعليقية لا القضية المقيّدة ، ففرق بين العلم بالمقيّد أو ارادته وبين العلم بالقضية التعليقية المذكورة ، والذي لا يستلزم العلم بطرفيها ، وهذا العلم بالقضية التعليقية والذي هو علم بالشرطية والملازمة بحسب الحقيقة كافٍ في تبرير انشاء الجعل المشروط.

فلا حاجة أساساً إلى كلّ هذا التطويل ، لوضوح انّ تمام النكتة في ذلك تبرير انشاء الحكم والقضية الحقيقية وجعلها قبل تحقق الشرط والجعل مقدمة تكوينية


لتحقق غرض المولى لابد في صدوره من المولى من فعلية الارادة ، فلو لم تكن فعلية فكيف صدر منه؟

والجواب : انّه يكفي في تبرير ذلك علمه بأنّه عند تحقق الشرط سوف يكون مريداً للفعل أو يكون الفعل محققاً للمصلحة أو حسناً في ذلك الفرض ، وهذا العلم كافٍ في انشاء الجعل المشروط أو القضية الحقيقية والتصدّي المشروط ، بل لا يعقل فعلية ارادة قبل تحقق الشرط لا بنحو الارادة المتعلّقة بالمقيّد بأخذ الشرط قيداً في المراد للزوم التهافت التي أشار إليه السيّد الشهيد ، فإنّ ارادة المقيّد ارادة لقيده لا محالة في مرحلة الارادة وإن لم يوجبه المولى ؛ لكونه غير اختياري أو أخذ وجود الاتفاقي قيداً ، ففرض كون القيد مما لا تترشّح عليه الارادة تهافت ، ولا بنحو الارادة المتعلّقة بالقضية التعليقية قياساً على العلم بالقضية التعليقية كما قيل ؛ لأنّ الارادة ليست كالعلم ، فإنّ العلم كشف الواقع والتصديق به ، وهو يعقل تعلّقه بمفاد الشرطية التي هي الملازمة والنسبة التصادقية بين جملتي الشرط والجزاء ، وهذا بخلاف الارادة فإنّها لا تتعلّق إلاّ بالأفعال ، ولا بنحو الارادة المتعلّقة بالجامع كما أفاده السيد الشهيد 1 ؛ لعدم الحاجة اليها ، بل وعدم وجودها وجداناً.

وكأنّ السيد الشهيد انتهى إلى ذلك لتبرير صدور الجعل للقضية التعليقية الحقيقية ، وقد عرفت توجيه ذلك. والوجدان قاضٍ بعدم تعلّق إرادة في النفس لا في التكوينية ولا في التشريعية المشروطتين بالجامع قبل تحقق الشرط.

ومما يشهد على الوجدان المذكور انّ ارادة الجامع فرع وجود مصلحة واحدة في الجامع أو مصلحتين متساويتين في الأهمية في كل من الفردين لا يمكن الجمع بينهما ، وليس في موارد الارادة المشروطة شيء من هذا القبيل ، فأي


مصلحة في أن لا يكون الإنسان مستطيعاً أو أن لا يجيء زيد في ارادة الحج على تقدير الاستطاعة أو ارادة اكرام زيد على تقدير مجيئه؟

ويمكن أن نصوغ برهاناً على عدم تعلّق الارادة بالجامع بين عدم الشرط وفعل المشروط المقيّد بالشرط في موارد الارادة المشروطة ، وحاصله : انّ لازم تعلّق الارادة بالجامع بين أمرين انّه إذا أصبح أحد عدلي الجامع مبغوضاً فسوف يسري الحب المتعلّق بالجامع إلى الفرد والعدل الآخر لا محالة ـ على ما سيأتي في بحث اجتماع الأمر والنهي ـ فمن أراد اكرام أحد الشخصين زيد أو عمرو ثمّ عاداه زيد بحيث أبغض اكرامه فسوف ينصب شوقه وارادته لاكرام أحدهما على عمرو ، فيحبّ اكرامه بالخصوص منهما.

وهذا ينتج في المقام أنّ المولى إذا أصبح عدم الشرط مبغوضاً لديه كما إذا كان الشرط لواجب فعل واجب آخر كما إذا قال له : ( إذا صلّيت الظهر فتصدّق بدرهم ) انقلب الواجب المشروط عنده إلى واجب مطلق بحسب عالم الارادة ، أي أصبحت ارادته للصدقة المقيّدة بالصلاة مطلقة لا مشروطة ؛ لأنّ ترك الصلاة ـ أي عدم الشرط ـ مبغوض له ، وهو واضح البطلان ، بل تبقى ارادة الصدقة مشروطة حتى مع فرض مبغوضية ترك الشرط.

فالحاصل : مبغوضية أو محبوبية فعل الشرط أو تركه لا يؤثر على الارادة المشروطة أصلاً ، وهذا برهان على عدم وجود ارادة فعلية متعلّقة بالجامع المذكور.

فالصحيح : ما تقدّم من انّه لا محذور في الواجب المشروط لا على مستوى الجعل ولا الارادة ولا التصدّي المولوي ولا الملاك.


ثمّ انّك عرفت أنّ روح الحكم ليست ذات الشوق والارادة التي هي صفة للمفس ، بل هي الارادة بمعنى التصدّي المولوي والذي يكون من مقولة الفعل كهجمة النفس في الارادة التكوينية ، وهي مشروطة بتحقق الشرط ؛ لأنّها منتزعة من الجعل بلحاظ فعلية مجعوله ، فحتّى إذا افترضنا الارادة بما هي صفة للنفس مطلقة أو متعلّقة بالجامع فهي أجنبية عن حقيقة الحكم ، وليست موضوعاً لحكم العقل بالطاعة ، فلا حاجة إلى أصل هذا البحث ، إلاّإذا اريد تحليل حقيقة الارادة التشريعية أو التكوينية المشروطتين بما هما صفتان في عالم النفس.

ص ١٩٨ قوله : ( والجواب : انّه يوجد بحسب الحقيقة قيدان ... ).

قد يناقش بأنّ أخذ قيد القدرة على الواجب في وقته بنحو الشرط المتأخر مستلزم لأخذ قيد الوقت أيضاً لأنّه وإن كان مبايناً معه عنواناً إلاّ انّه أخص ممنه تحققاً ، إذ لا قدرة على الواجب في الوقت إلاّمع فرض تحقق الوقت وحياة المكلف فيه وأخذ الأخص قيداً أخذ للأعم لا محالة. نعم عنوان الوقت أو وجود المكلّف أو سلامته مثلاً في ذلك الوقت لم يؤخذ قيداً إلاّ انّ البحث ليس عن العناوين كما انّه لا أثر مترتب على ذلك بل واقع الوقت ولو من خلال القيد الأخص وهو القدرة على الواجب في الوقت قد اخذ قيداً للوجوب فيكون الواجب مشروطاً بالنتيجة بتحقق الوقت ـ كما يقول صاحب هذا الاعتراض وهو السيد الخوئي 1 ـ فتسميته بالمعلق كقسم من أقسام الواجب المطلق في قبال الواجب المشروط غير صحيح بل هو قسم من الواجب المشروط ـ وهذا الاعتراض في الواقع اعتراض على صاحب الفصول في تسميته ذلك بالمعلّق وجعله في قبال المشروط ، بأنّه قسم منه لا انّه قسم له ، وليس اعتراضاً على أصل امكان تقدم الوجوب وتأخر الواجب ، كما في الاعتراضات القادمة.


والجواب : ما في عبارة الكتاب من انّ المقدار الذي يؤخذ هو القدرة على الواجب من غير ناحية الزمان ، أي القضية الشرطية وهي انّه لو دخل الوقت كان حياً قادراً وامّا الوقت فيبقى التكليف مطلقاً من ناحيته لأنّه متحقق على كل حال ، فلا يؤخذ نفس دخول الوقت ولا القدرة على القيدية من ناحية دخوله قيداً حتى ضمناً بل حتى قيد الحياة والسلامة والقدرة في الوقت بالخصوص ليس شرطاً في التكليف بل الشرط أعم من ذلك.

وتوضيح ذلك : انّ القدرة على الواجب في الوقت الشرط عقلاً في كل وجوب يكفي فيه القدرة على حفظ القدرة على الواجب في الوقت ولو لم تحفظ فيه لوضوح انّ القدرة على ذلك قدرة على الواجب ويكفي عقلاً لصحة تكليف العبد به بحيث إذا ما لم يحفظ قدرته أو سلامته في الوقت مع تمكنه عليه قبل ذلك كان معاقباً وعاصياً ؛ لأنّه عجز نفسه بسوء اختياره ، وهذا بخلاف ما إذا اخذت القدرة أو الحياة أو السلامة على الواجب في الوقت قيداً وشرطاً للوجوب فإنّه عندئذٍ يجوز له تعجيز نفسه في الوقت لأنّه بذلك يرفع موضوع الوجوب ، فالواجب المعلّق يراد به ما يكون مطلقاً حتى من هذه القدرة أو السلامة في الوقت وليس مشروطاً به وإنّما الشرط في ايجابه المقدار اللازم من القدرة عقلاً والذي يكفي فيه القدرة على حفظ الحياة والسلامة والمقدمات قبل الوقت ولو بشرب دواء أو نحو ذلك قبل الوقت يجعله حيّاً قادراً في الوقت ، فيتنجز الوجوب وتجب كل تلك المقدمات من قبل بما فيه مقدمة حفظ القدرة والسلامة على الواجب في الوقت.

فكأنّ نظر صاحب الفصول إلى انّ الوجوب قد يكون مشروطاً بالحياة والسلامة والقدرة على الواجب في الوقت بالخصوص فيكون من الواجب


المشروط وقد يكون مطلقاً من هذه الناحية فلا يكون مشروطاً بها وإن كان مشروطاً بأصل القدرة الجامع بين القدرة في الوقت والقدرة على حفظها فيها قبل الوقت ، وهذا وإن كان متوقفاً على تحقق الوقت الاستقبالي ؛ لأنّ هذا الجامع لا يتحقق إلاّبتحقق الوقت الاستقبالي في عمود الزمان.

إلاّ انّ تحقق الزمان لا يؤخذ شرطاً حتى بنحو الشرط المتأخر بل يكون الوجوب مطلقاً من ناحيته ومشروطاً بالقدرة من ناحية سائر الجهات كحفظ الحياة والسلامة ونحوها فلا يكون الزمان الاستقبالي قيداً للوجوب حتى بنحو الشرط المتأخر لا بعنوانه ولا من خلال أخذ قيد القدرة شرطاً في عموم التكاليف ، فتدبر جيداً.

ص ١٩٩ قوله : ( وكلا التقريبين لهذا الاعتراض غير تام ... ).

التقريب الأوّل منهما للنهاوندي ، والثاني منهما للأصفهاني قدس سرهما.

والأولى في الاجابة على التقريب الأوّل أن يقال : بأنّه لو اريد من الارادة التكوينية الشوق والحب الذي هو صفة نفسانية فنمنع المقدمة الثانية ، وهي عدم تعلّق الشوق التكويني بأمر استقبالي ، كيف وقد تقدّم امكان تعلّقه بأمر مستحيل وغير مقدور أيضاً.

وإن اريد بها مقولة الفعل كهجمة النفس أو الاقدام وحركة العضلات فنمنع المقدمة الاولى ، فإنّ الارادة التكوينية بمعنى الحركة والاقدام على العمل غير موجود في التشريعية أصلاً ، وإنّما الموجود فيها الشوق النفساني ، والطلب أو الانشاء أو الابراز أو التصدي المولوي بقانون العبودية لتحصيل الفعل من قبل المكلّف ، وكلّها أفعال غير متعلقة بالفعل المأمور به أصلاً ، فلا مانع من كون


المأمور به الذي لابد وأن يصدر من المكلّف استقبالياً ، وهذا هو الجمع الفني بين ما في متن الكتاب وما في الهامش.

ص ٢٠١ قوله : ( وقد تفطن صاحب الاشكال ... ).

الموجود في الحاشية على الكفاية نقضان :

أحدهما : النقض بالواجب المنجز التدريجي التحقق كالمركبات ، فإنّ الركعة الثانية قبل تحقق الركعة الاولى لا يمكن ايجادها مع انّ وجوبها فعلي ، فيلزم انفكاك البعث عن الانبعاث.

وأجاب عليه : بالالتزام بتدريجية فعلية الوجوب أيضاً في مثل ذلك.

وفيه : وضوح بطلانه ؛ لأنّ الوجوب واحد وليس في البين وجوبات استقلالية متعددة ، والوجوب الواحد ليس له إلاّفعلية واحدة.

الثاني : النقض بالواجب المقيّد بقيود أو المتوقف على مقدمات ما لم تتحقق لا يتحقق الواجب ، كالصلاة المقيّدة بالطهور قبلها ، فلا يمكن أن يكون وجوبها فعلياً.

وأجاب عليه : ـ ولعلّه جواب منه أيضاً على كلا النقضين ـ في الحاشية على الكفاية ( نهاية الدراية ) بالفرق بين مورد النقض وبين الواجب المعلّق بأنّ المعلّق قبل زمانه لا امكان وقوعي فيه ، بخلاف الصلاة المقيدة أو المتوقفة على مقدمة أو قيد ، فإنّه يمكن وقوعها في كل آن ولو بتحقيق القيد أو المقدمة قبل ذلك الآن.

وقد رجع عنه في الحاشية على الحاشية ، حيث تفطن إلى عدم الامكان الوقوعي أيضاً في مورد النقض ـ كما ذكر السيد الشهيد 1 في الكتاب ـ فإنّ


الواجب المقيّد بقيد زماني وإن كان ممكناً في عمود الزمان وقوعاً ولكن وقوعه الآن دفعة واحدة لكونه تدريجياً مستحيل ، فغير المتوضي أو من لم يأت بالركعة الاولى يستحيل منه وقوع الركعة الثانية أو الصلاة المقيدة بالطهور في هذا الآن ، فلا يمكن أن يكون ايجابه عليه في هذا الآن فعلياً.

ومن هنا أجاب على النقض في الحاشية على الحاشية بأنّ الفرق بالامكان الاستعدادي وإن كان صدوره خارجاً بحاجة إلى التدرّج في عمود الزمان بخلاف الواجب المعلّق.

وفيه : ما في الكتاب من انّه إذا اريد بالامكان الاستعدادي قابلية الفاعل ـ أي عدم العجز من ناحيته ـ فهذا موجود في الواجب المعلّق أيضاً ، وإذا اريد منه ما يعمّ قابلية القابل وامكان وقوعه خارجاً فهذا رجوع إلى اشتراط الامكان الوقوعي ، والذي اعترف بعدم ثبوته في مورد النقض أيضاً.

ويمكن أن يجاب على النقضين بجواب ثالث ـ لعلّه هو مقصوده ـ وهو انّ اللازم امكان وقوع الشروع في الانبعاث نحو أصل الواجب بقيوده ومقدماته المستلزمة له لا امكان وقوع كل جزء جزء من أجزائه ؛ إذ لو لزم ذلك لما صار الوجوب والبعث فعلياً أصلاً ليتحقق الانبعاث والتحريك ، فهذا المقدار لابد من الاكتفاء به في امكان فعلية التكليف وايجاد الداعي والبعث والتحريك المولوي ، وهذا مفقود في موارد الواجب المعلّق دائماً أو غالباً ؛ لعدم توقفه على مقدمة أو قيد يستلزم تحصيله قبل الوقت ، كما هو واضح.

فالصحيح في الجواب هو الجواب الحلّي من أنّ البحث ليس عن مفهوم البعث والتحريك والداعي ونحو ذلك ، بل عمّا هو موضوع حكم العقل بالاطاعة


وامكان فعليته ، ولا اشكال في انّه عبارة عن تصدي المولى لتسجيل مراده ، ولو كان زمانه استقبالياً على المكلّف من الآن بانشاء أو اخبار ، والذي هو تحريك مولوي وبقانون حق الطاعة للمولى ، وليس تحريكاً تكوينياً ، وهذا لا اشكال في كفايته في حكم العقل بلزوم الطاعة ، بحيث لو قصّر الآن ففاته الواجب في وقته الاستقبالي كان عاصياً.

ص ٢٠٢ قوله : ( ثلاثة شروط ... ).

لا يقال : مع كون الشرط مضمون التحقق يمكن للمولى أن يجعل حكمه مطلقاً من ناحيته فيكون من ناحية هذا الشرط القضية خارجية كما ذكرنا في الواجب المعلّق فيكفي الشرط الأوّل حتى إذا كان الشرط والقيد من شرائط الاتصاف.

فإنّه يقال : لا يراد بالحكم مجرد لقلقة الجعل والاعتبار بل روحه التي هي الارادة من ورائه وهنا يعلم بتقيد الارادة وعدم اطلاقها ، لأنّ ما يكون شرطاً للاتصاف بالمصلحة يكون شرطاً للاتصاف بالحب والارادة أيضاً ، وإلاّ يلزم ترشّح الحب والارادة نحو الشرط ، وهو واضح البطلان كما تقدم شرحه في الواجب المشروط.

وهذا بخلاف ما إذا كان من قيود الترتب حيث تكون الارادة فعلية فيه حتى بلحاظ قيده في مرحلة الارادة والشوق ؛ لما تقدّم من امكان الشوق نحو غير المقدور ، وإنّما التحريك والجعل المولوي كان يجب تقييده بالمقدور ، فإذا كان قيد الترتب غير المقدور محقّق الوجود ـ كما هو المفروض بحكم الشرط الأوّل من الشروط الثلاثة ـ أمكن جعل الوجوب من ناحيته مطلقاً ، فتدبر جيداً.


ثمّ انّ الشرط الثالث قد يقال بعدم لزومه امّا لعدم اشتراط القدرة في التكليف بل في التنجيز أو لكون الشرط المتأخر بلحاظ قيد القدرة بهذا المقدار يقبله حتى القائل باستحالة الشرط المتأخر لوضوح اشتراط بقاء القدرة على الفعل إلى آخر الوقت في وجوبه في أوّله.

إلاّأن يقال انّ مقصود السيد الشهيد بيان شرائط الواجب المعلّق في نفسه لا تخريج المقدمات المفوّتة بالخصوص ، وإن كان ذلك من ثمرات القول بالواجب المعلّق. ومن هنا لعلّ الأنسب ذكر هذه الشروط الثلاثة في أصل البحث عن الواجب المعلّق وامكانه ، خصوصاً مع ملاحظة انّ هذا التنقيح لم يرد في كلام صاحب الفصول الذي هو صاحب نظرية الواجب المعلّق.

بل لعلّ ظاهر كلامه انّ الواجب المعلّق هو ما كان الوجوب فيه حالياً والواجب مقيداً بقيد استقبالي ، سواء كان من قيود الترتب أو الاتصاف.

وأيضاً ما ورد في كلام السيد الخوئي من ارجاع الواجب المعلّق المدّعى من قبل صاحب الفصول إلى الواجب المشروط بالشرط المتأخر فجعله قسماً من الواجب المشروط لا قسماً من الواجب المطلق.

ص ٢٠٤ ( الهامش الأوّل ).

غير صحيح بكلا أمريه ، وهو واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان ، فإنّ الاتصاف بالمصلحة غير المنكسرة لا يتوقف على تحقق الوقت خارجاً بل على فرض ثبوته في زمانه ، أي انّه من شرائط الترتب لا الاتصاف ، وإنّما اخذ شرطاً للوجوب لكونه غير اختياري ، هذا بالنسبة إلى الأمر الأوّل.


وأمّا الأمر الثاني فأخذ الزمان الاستقبالي شرطاً إنّما كان لدفع التكليف بغير المقدور واستحالة الواجب المعلّق أو للاستظهار من الدليل أو لأي سبب آخر ولم يكن من أجل التحرز عن إطلاق التكليف للحصة غير النهارية من الصوم لكي يشكل عليه باللغوية. كيف وهذا الأمر لو تمّ لأبطل الشرط المتأخر في المقام على كلّ حال فليس هذا اشكالاً مربوطاً بالوجه الثاني من الوجهين كما لا يخفى.

ص ٢٠٤ قوله : ( الجواب الثالث ... ).

هذا الجواب فيه مخالفة لظاهر دليل الواجب حيث انّه يؤلِّه إلى ايجاب سدِّ أبواب العدم في عرض واحد ـ كما بيّن في الهامش ـ فهو إنّما يصار إليه إذا لم يتم وجه آخر من الوجوه السبعة والتي يحفظ فيها على ظهور تعلّق الأمر النفسي بنفس العنوان الوجودي الواجب.

ثمّ إنّ هنا جواباً آخر ذكره المحقق الخراساني 1 في الكفاية وهو القول بالوجوب النفسي التهيئي للمقدمات المفوّتة قبل الوقت ، فالوجوب نفسي وإن كان الغرض والملاك منه التهيؤ لأداء الفعل الاستقبالي في وقته.

وهذا الجواب امّا أن يرجع إلى ما سيذكره الميرزا 1 من متمم الجعل في الوجه السادس أو لا يكون صحيحاً.

توضيحه : انّه إذا كان هذا الايجاب النفسي منوطاً بالواجب الآخر لبّاً وروحاً وملاكاً وإن لم يكن منوطاً به خطاباً فهذا هو متمم الجعل الذي يجعل الخطابين واحداً روحاً ولبّاً وإن تعددا خطاباً وتحريكاً وبعثاً ، وإن فرض استقلاله عنه فهذا غير صحيح إذ لا إشكال في انّه إذا لم يكن يجب عليه الواجب النفسي الاستقبالي


في وقته لم تجب المقدمات المفوّتة.

فهذا الجواب لابد في توجيهه وتخريجه من ارجاعه إلى الجواب السادس بتقريب الميرزا 1 لا السيد الخوئي 1 ؛ ولعلّه لهذا لم يذكره السيد الشهيد 1 مستقلاًّ.

ثمّ انّ ما يذكره السيد الشهيد 1 حلّ لاشكال وشبهة هي انّه كيف تنقدح ارادة نحو المقدمة المفوّتة في الارادة التكوينية قبل فعليتها حيث انّ الزمان الاستقبالي شرط للاتصاف ولأصل الارادة مع اعتراف الوجدان ـ كما صرّح به الميرزا ـ بأنّ الفاعل يريد المقدمات المفوّتة في هذه الموارد ، ومن هنا كبرى وجوب المقدمة المفوّتة شرعاً أو عقلاً على الأقل لا ينبغي التشكيك فيه وجداناً لوجدانية تحرك المولى نحوه لو كانت ارادته تكوينية في الغرض فيتنجز لا محالة في التشريعية. وإنّما اشكال عقلي مستلزم لانهيار الوجوه المتقدمة كلها إذا فرض عدم امكان جعلها بأن التزمنا خلافاً للوجدان بأنّ المولى لا يمكن أن يتحرك نحو المقدمات في الفرض إذ ما لا يحرّك المولى لو كان مراداً تكوينياً لا ينجز على عبده لا محالة كما قرر في محلّه. فالمسألة واقعها هكذا.

وجواب السيد الشهيد علاج لهذه المشكلة التكوينية ، ولهذا لا ينبغي أن يتوهم انّ روح الواجب والارادة التشريعية سوف تكون بالجامع بل ليس الحكم والارادة التشريعية إلاّارادة الجزاء على تقدير الشرط لأنّ التصدي المولوي للتسجيل على ذمة العبد بالجعل والخطاب ليس بأكثر من ذلك ، وامّا الباقي فمجرد ارادة تكوينية بالجامع أو بحب الذات لتصحيح امكان جعل الخطاب المشروط الذي هو فعل تكويني للمولى قبل فعلية الارادة المشروطة ـ كما تقدم


في البحث السابق ـ وأيضاً لتصحيح وجوب شرعي غيري متعلق بالمقدمة المفوّتة قبل الوقت رغم عدم فعلية الوجوب المشروط لأنّ الوجوب الغيري لا يراد به إلاّالارادة الغيرية للمقدمة وهي مترشحة من ارادة فعلية بالجامع.

وقد عرفت في ذاك البحث انّ هذا لا حاجة إليه ، بل العلم بأنّه سوف يبتلى بالعطش في المستقبل وحاجته إلى الماء يكفي لأن يتحرّك نحو اعداد وتحصيل المقدمة المفوّتة له قبل الوقت ، فالعلم بل الاحتمال كافٍ لهذا المقدار من التحرك في الارادتين معاً.

ودعوى : انّه لولا حبّه لذاته فعلاً وتألمه وانزجاره من ابتلائه بالحاجة من دون امكان رفعها لما أقدم على ذلك ، فالعلم لا يكفي بل لابد من ثبوت الحب الفعلي المذكور.

مدفوعة : بأنّ هذا ليس حباً وألماً بالفعل ، بل ادراكاً بأنّه سوف يتألّم في المستقبل.

ودعوى : أنّ ارادة المقدمة المفوّتة قبل الوقت في الارادة التكوينية لا يمكن أن تكون نفسية ؛ لوضوح عدم ملاك نفسي فيها فلابد وأن تكون غيرية ومترشّحة من ارادة نفسية فعلية ، وليست هي إلاّارادة الجامع.

مدفوعة : بمنع لزوم ذلك ، بل نقول في الفاعل المختار المطّلع على المستقبل يكفي علمه بل احتماله بأنّه سوف يريد في وقته الفعل الفلاني المتوقف على مقدمة مفوّتة قبل الوقت في انبثاق ارادة غيرية نحو مقدمته قبل الوقت ، وبهذا يعرف انّ المقدمات المفوّتة كغير المفوّتة من حيث تعلّق الوجوب الغيري بها ، بلا حاجة إلى خطاب نفسي بعنوان متمّم الجعل كما ذهب إليه الميرزا 1.


فلا حاجة إلى كلّ هذا التطويل ، بل ليس بصحيح ؛ لما تقدّم من وجدانية عدم تعلّق حبّ له بعدم العطش ولو بنحو أحد عدلي الجامع ، بل قد يحب الشرط ويبغض عدمه ، فيلزم أن يصبح حبّه نحو الجزاء فعلياً طبقاً لما اعترف به السيد الشهيد 1 من تحقّق هذا الانقلاب في المقام ؛ لكون هذه الأشواق والارادات غيرية لا نفسية ، مع كونه خلاف الوجدان جدّاً.

ثمّ انّ هنا بحثاً مهماً اثباتياً كان ينبغي التعرّض إليه ، وهو انّ ثبوت وجوب المقدمات المفوّتة قبل زمان فعلية الوجوب بحاجة إلى دليل في مقام الاثبات ، ولا يكفي حتى الوجه الأخير العقلي لاثبات وجوبها قبل الوقت ؛ لاحتمال كون القدرة على الواجب في زمان فعلية الوجوب من شرائط الاتصاف ، حيث لا يمكن استظهار خلافه من دليل الخطاب ، لاشتراط القدرة في الخطابات جميعاً وسقوط الدلالة على الملاك بسقوط الخطاب.

نعم ، لو قلنا بكفاية القدرة قبل الوقت في فعلية الخطاب وعدم اشتراط العقل لأكثر من ذلك كان لازمه فعلية الخطاب في الوقت مع العجز ؛ لكونه عجزاً بسوء الاختيار. وكذلك لو قبلنا إطلاق المادة بلحاظ الملاك ـ مبنى الميرزا ـ أو كون القدرة أساساً قيداً في التنجيز لا الفعلية أو استظهار انّ القدرة عرفاً شرط في الاستيفاء لا الاتصاف.

ص ٢١٢ قوله : ( الفرض الثاني : أن يعلم ... ).

في هذا الفرض لا فرق بين علمه بأنّه إذا لم يتعلّم فسوف تفوته فرصة التعلّم في المستقبل أو احتماله ذلك ، فإنّه أيضاً منجّز ، فإنّ التكليف المنجّز في المستقبل يجب حفظه ، وتفويته الاحتمالي مع القدرة على حفظه أيضاً موجب لاستحقاق العقوبة ، وهذا كان ينبغي ذكره في الكتاب.


ص ٢١٣ قوله : ( واخرى بما عنه أيضاً ... ).

ظاهر كلام السيد الخوئي في تقريرات الفياض انّ روايات التعلم واردة في موارد احتمال الابتلاء بحيث لا يمكن تخصيصها بمورد العلم أو الاطمئنان بالابتلاء ، فلو جرى الاستصحاب في هذه الموارد لم يبق تحت عمومات التعلّم إلاّ موارد نادرة فتتقدم عليه لا محالة.

وقد أجاب السيد الشهيد عليه بأنّ الموارد الباقية ليست بالنادرة إذ يبقى تحتها مورد العلم بالوجوب مع الجهل بخصوصيات الواجب وموارد عدم جريان الاستصحاب والأصل المؤمن للعلم الإجمالي بالابتلاء.

ويمكن أن نضيف مورد العلم بالصغرى والجهل بالكبرى بناءً على ما هو الصحيح من عدم جريان الاستصحاب والاصول المؤمنة قبل الفحص في الشبهة الحكمية لقصور في إطلاق أدلّتها لا لمانعية دليل وجوب التعلّم.

إلاّ انّ هذا الجواب وإن كان يدفع هذا الوجه ، إلاّ انّه لا يتم بناءً على مبنى السيد الشهيد بحق الطاعة والاحتياط العقلي ؛ لأنّ غايته التعارض بنحو العموم من وجه بين دليل الأصل المؤمن الشرعي ودليل وجوب التعلّم ـ الطريقي ـ وبعد التساقط يكون المرجع الاحتياط العقلي.

نعم ، لو قلنا بأنّ دليل حجّية الأصل المؤمن يكون وارداً على وجوب التعلّم حيث لا يراد به تعلّم خصوص الحكم الواقعي بل الأعم منه ومن الحجة والمؤمن الظاهري ، أو قلنا بأنّ الاستصحاب المذكور موضوعي حاكم على دليل التعلّم ؛ لأنّه ينفي صغرى التكليف ، تمَّ هذا الجواب حتى على مسلك حق الطاعة ، ويتلخص في انّه إذا كان يبقى لدليل التعلم مورد افتراق معتد به قدم دليل


الاستصحاب ـ أو أي أصل مؤمن ـ بالحكومة وإلاّ كان بحكم الأخص والمقيد لاطلاق دليل الاستصحاب ، وحيث انّ الأوّل هو الصحيح فلا يتم الوجه الذي ذكره السيد الخوئي 1.

ص ٢١٤ قوله : ( ورابعة بما يمكن أن يكون مقصود المحقق النائيني 1 ... ).

تارة : يدعى انّ وجوب التعلّم حكم نفسي موضوعه الشك وعدم العلم كما عن المحقق الأردبيلي 1. فعندئذٍ لا يجري الاستصحاب الموضوعي المذكور إلاّ بناءً على المبنى الذي تقدم في ردّ الوجه الثالث المتقدم من قيامه مقام القطع الموضوعي حتى إذا لم يكن له أي أثر طريقي.

واخرى : يدعى انّه حكم طريقي أي تنجيز أو ايجاب احتياط تجاه الحكم الواقعي المشكوك قبل الفحص والتعلّم ـ كما هو الصحيح ـ ولا شك انّ مفاد هذا الحكم عندئذٍ انّ الجهل بالحكم قبل الفحص والتعلّم ليس عذراً ، وهذا لا ينفي معذرية الجهل بالموضوع لأنّه خارج عن دائرة التعلّم كما هو واضح ، ومن هنا تجري البراءة في الشبهة الموضوعية حتى إذا كان حكمه أيضاً مجهولاً قبل الفحص والتعلّم كما تقدّم في الفرضية الرابعة.

وعندئذٍ قد يقال في المقام : انّ المكلّف قبل ابتلائه جاهل بالموضوع بحسب الفرض بمعنى انّه بلحاظ حاله قاطع بعدم فعلية الموضوع وبلحاظ المستقبل جاهل بتحققه فيجري في حقه الأصل الموضوعي المؤمن عنه فهو عذره الآن وعند الابتلاء به يكون غير قادر بحسب الفرض فهو عذره عندئذٍ ولا يحتاج إلى اثبات شيء آخر بعد ثبوت المؤمّن والعذر عليه في الحالتين ولا يحتاج إلى اثبات عنوان عدم الوقوع في المخالفة من ناحية الجهل.


وهذا نظير نفي وجوب سائر المقدمات المفوّتة عليه إذا كان يشك في ابتلائه بموضوع التكليف في المستقبل كما إذا شك في انّه سيمرّ على صحراء لا ماء فيه في طريقه أم لا مثلاً فإنّه لا شك في جريان الأصل الموضوعي لنفي وجوب تحصيل المقدمات المفوّتة من قبل وعند الابتلاء وتحقق موضوع التكليف يكون غير قادر ومعذوراً لا محالة.

وملخص جواب السيد 1 عن الاشكال أنّ مفاد أخبار التعلّم تنجز الواقع بمعنى عدم رضا الشارع بمخالفة التكليف نتيجة ترك التعلّم ، وهذا معناه انّ كل تعلّم يحتمل أن يكون مؤثراً في أداء التكليف وامتثاله يكون منجزاً على المكلّف. والمفروض انّ دليل التعلّم مقدم على اطلاقات الاصول العملية بالأخصية أو الحكومة حتى إذا فرض جريان الأصل النافي للابتلاء وعدم كونه مثبتاً ، وهذا الاحتمال في المقام موجود بخلاف الفرض الرابع أو سائر المقدمات المفوّتة ، لأنّ المكلّف يحتمل ابتلاءه بالواجب بنحو بحيث لا يمكنه تعلم كيفيته عند الابتلاء فيفوته ، وهذا الاحتمال منجز بحسب الفرض والأصل المؤمن من استصحاب استقبالي أو براءة لا يؤمن من ناحية هذا الاحتمال وإنّما يؤمن من ناحية احتمال فوات التكليف واقعاً نتيجة الجهل بالموضوع.

فالحاصل قبل الابتلاء توجد ناحيتان للتنجيز لابدّ من التأمين عنهما :

احداهما : فوات التكليف واقعاً من ناحية الجهل بتحقق موضوعه ، وهذا يؤمن عنه الاستصحاب الاستقبالي أو أي أصل مؤمن آخر يكون جارياً بلحاظه.

والاخرى : فوات التكليف نتيجة عدم تعلمه بحيث لو كان قد تعلّمه لم يكن


يفته في وقته ، وهذا مشمول لدليل التعلّم بحسب الفرض وخارج عن اطلاقات الاصول المؤمنة ، وليس عنوان فوت التكليف موضوعاً لوجوب التعلّم ليجري استصحاب عدم الفوت في المستقبل ، بل الموضوع التكليف المحتمل ، واستصحاب العدم الموضوعي الاستقبالي أو أي أصل آخر حتى إذا قيل بقيامه مقام القطع الموضوعي لا يجدي في التأمين عن هذه الناحية ، إمّا لكونه مثبتاً أي لا ينفي احتمال فوت التكليف من هذه الناحية إلاّبالملازمة العقلية أو لتقدّم إطلاق أخبار التعلّم عليه بالحكومة أو الأخصّية ، أو لأنّ نظر الاصول المؤمّنة إلى التفويت من ناحية الجهل لا من ناحية ترك التعلّم المحتمل أدائه إلى ترك الواجب كما أشرنا إليه ، فيجب التعلّم بالخصوص من المقدمات المفوّتة على المكلّف.

نعم ، إذا كان يعلم بأنّه سوف يبقى شاكّاً في الصغرى حتى في المستقبل وأنّ الحكم الظاهري الفعلي في حقّه عند زمان الابتلاء أيضاً هو الترخيص الشرعي الجاري في الشبهات الموضوعية مطلقاً ، فلا يجب عليه التعلّم عندئذٍ ؛ لأنّه من قبيل مورد العلم بعدم ابتلائه بالموضوع مستقبلاً وللعلم بعدم التفويت من هذه الناحية.

وكذلك الحال إذا فرض انّ القدرة على الامتثال حتى من ناحية التعلّم كان من شرائط الاتصاف في وقت الابتلاء ، فإنّه أيضاً على القاعدة لا يجب التعلّم من المقدمات المفوّتة.

ص ٢١٧ السطر الأخير قوله : ( ويتمّ إطلاق الهيئة ... ).

بيانه الفني : أنّ هذا بحسب الحقيقة بابه باب مقيدية العلم بعدم شمول المادة للحصة الواقعة قبل القيد ، والعلم مقيديته تكون بمقداره لا أكثر ولا علم بأكثر


من انخرام إطلاق المادة وعدم شمولها للحصة الواقعة قبل تحقق القيام ، وامّا إطلاق الهيئة فلا علم على خلافه فيكون مقتضيه تاماً ومانعه وهو العلم بالخلاف مقطوع العدم ، وهذا بخلاف الحالة الثالثة والتي يكون المانع واقع القرينة والقيد المتجه إلى الهيئة أو المادة ، فإنّه أمر موضوعي محتمل ، فيوجب احتماله الاجمال لا محالة ، كما هو واضح.

ص ٢٢٦ قوله : ( وقد ذكر المحقّق النائيني 1 ... ).

وجهة قياسه بالصورة الثانية من حيث انّ ترك الوضوء معلوم كونه مخالفة ومعاقباً عليه ، امّا لنفسه أو لأدائه إلى ترك واجب نفسي آخر ، فلا تجري البراءة عنه ، ويشك في تقيّد الواجب الآخر به فتجري البراءة عنه بلا معارض.

واشكال السيد الخوئي 1 عليه أنّه فرق بين الصورتين ، فإنّه في الصورة الثانية لم يكن يعلم بوجوب الزيارة فلم يكن إلاّعقوبة واحدة في البين ، بينما في المقام على تقدير كون الوضوء واجباً نفسياً يوجد واجبان نفسيّان فتجري البراءة عن وجوب الوضوء النفسي لنفي العقوبة الزائدة فيتعارض مع البراءة عن التقيّد.

ص ٢٢٦ السطر الأخير قوله : ( توضيح ذلك : انّ أصالة البراءة ... ).

حاصل المرام : انّ الاصول المؤمنة إنّما تجري عن التكليف المشكوك فيما إذا كان يترتب عليه نفي عقوبة محتملة لا ما إذا لم يترتب عليه ذلك امّا لكون العقوبة مقطوعة أو لكونها مقطوعة العدم ، وهذا شرط مصحح لجريان أي أصل ترخيصي.

وبناءً عليه نقول : في المقام البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء مثلاً لنفي


عقوبة زائدة إنّما تجري في فرض ترك الصلاة ، وامّا في فرض فعلها فلا تجري للقطع بالعقوبة في هذه الحالة على ترك الوضوء امّا لكونه واجباً نفسياً أو لكونه واجباً غيرياً يكون تركه موجباً لترك التقيد وبالتالي العقوبة على مخالفة الواجب النفسي الآخر من ناحية ترك التقيد ولا يحتمل أكثر من عقوبة واحدة في هذه الحالة على ترك الوضوء إذ ليس واجباً نفسياً وغيرياً. ففي هذا التقدير لا مجرى لأصالة البراءة عن الوجوب النفسي المحتمل للوضوء ـ كما هو في الصورة الثانية ـ وامّا البراءة عن التقيد فلا تجري إلاّفي فرض فعل ذات الصلاة ، وإلاّ كانت العقوبة من ناحية هذا التكليف معلومة على كل حال لترك ذات الواجب على كل حال ، وهذا يعني عدم جريان البراءة عن الطرفين في عرض واحد بحيث يمكن الاستناد اليهما معاً فتجري البراءة عن التقيد في حال الاتيان بالصلاة كما تجري البراءة عن الوجوب النفسي للوضوء لمن ترك الصلاة لنفي عقوبة زائدة على تركه من دون معارض لعدم جريان البراءة عن التقيد لمن يترك أصل الصلاة للعلم بالعقوبة من ناحية التكليف النفسي بها على كل حال.

وهذا نظير ما يقال في الشبهة غير المحصورة من عدم إمكان ارتكاب تمام الأطراف معاً لكثرتها فلا تجري الاصول المؤمنة فيها جميعاً في عرض واحد. وإن كان بينهما فرق من ناحية انّ الشبهة غير المحصورة لا يمكن فيها المخالفة القطعية أي ارتكاب الأطراف جميعاً امّا الابتلاء بكل طرف في نفسه وارتكابه فمقدور وفعلي فيكون مجرىً للأصل في نفسه ، ومن هنا نقض عليه السيد الخوئي بمورد عدم امكان الجمع بين طرفي شبهة محصورة وقال بأنّ المحذور هو الترخيص القطعي في المخالفة لا الترخيص في المخالفة القطعية (١) ، بينما

__________________

(١) يراجع بحث الشبهة غير المحصورة.


هنا عدم الاستناد إلى الأصل في الطرفين معاً لعدم اجتماع جريانهما معاً في فرض واحد فلا يلزم حتى الترخيص القطعي في المخالفة ، أي شرط الجريان لكل من الأصلين لا يجتمع مع شرط جريان الآخر ليلزم الترخيص في المخالفة القطعية.

فليس الاشكال من ناحية عدم امكان المخالفة القطعية كما في العلم الإجمالي بحرمة أحد الضدّين ليقال بأنّ ذلك ليس مانعاً عن جريان البراءة في الطرفين وتعارضهما ، بل ذاك الاشكال غير متّجه هنا لتحقق المخالفة القطعية للمعلوم بالاجمال حين يترك كلا الواجبين ، ولا ينافي ذلك حصول العلم التفصيلي بمخالفة التكليف بالصلاة من غير ناحية التقيّد بالوضوء ، فإنّ التكليف المعلوم بالإجمال والمردّد بين وجوب التقيّد النفسي أو وجوب الوضوء النفسي أيضاً يعلم بمخالفته ، وهو يكفي في ايقاع المعارضة حتى عند القائلين بأنّ المانع هو الترخيص في وقوع المخالفة القطعية ـ كالميرزا 1 ـ وإنّما الاشكال عدم اجتماع الأصلين الترخيصيين معاً في الجريان ليلزم الترخيص في المخالفة ؛ إذ لو أراد المكلّف ترك كليهما جرى الأصل الترخيصي عن وجوب الوضوء النفسي ؛ لأنّه له أثر وهو نفي العقاب الزائد ، إلاّ انّه لا موضوع لجريان الأصل عن التقيّد للعلم بترتب العقوبة من ناحية وجوبه النفسي على كل حال ، فلا أثر لجريان البراءة عنه ، وإن أراد المكلّف فعل الصلاة وأراد اجراء الأصل المؤمّن عن التقيّد ليستطيع تركه في هذا الحال جرى الأصل عن التقيّد ، ولكنه لم يجر عن الوجوب النفسي للوضوء ؛ لأنّه في هذه الحالة يعلم بعدم ترتب عقوبة زائدة على تركه وعقوبة واحدة في تركه معلومة تفصيلاً فلا يجتمع الأصلان معاً ، وهذا مطلب دقيق حقيق بالتأمل فيه.


ص ٢٢٨ قوله : ( الثانية ... ).

المقصود من قوله : ( إذ يمكن حينئذٍ المخالفة القطعية للتكليف النفسي المعلوم بالاجمال على كلّ تقدير ... ).

أي في زمانه مستقلاًّ عن الآخر. والأولى تغيير التعبير بالقول :

( إذ لا تكون مخالفة الوجوب النفسي مستلزمة للمخالفة القطعية حتى لا يجري الأصل عنه ) لوضوح انّ هذا هو سبب الانحلال وجريان الأصل عن التقييد بلا معارض ، فإذا فرض تقيد زمان الوجوب النفسي بمقدار أقل من زمان وجوب التقيد ـ الوجوب الغيري ـ فلا محالة لا تكون مخالفة الوجوب النفسي المحتمل في الوضوء مساوقة للمخالفة القطعية فيكون جريان البراءة عنه لنفي لزوم الاتيان به في ذلك الوقت الأخص فيعارض البراءة عن التقيد وإن كان ذات الفعل في الوقت الأعم معلوم ترتب العقاب على تركه فيكون في كلّ من طرفي العلم الإجمالي بالوجوب النفسي أو التقيد ـ الوجوب الغيري ـ مؤنة ثقل زائدة منفية بالأصل المؤمّن فيقع التعارض بينهما.

ثمّ انّه قد يقال بعدم صحة ما في ذيل هذا الاستثناء من جريان الانحلال عكسياً في الصورة الرابعة ، إذ يترتب على جريان البراءة عن التقيد امكان الاتيان بالوضوء بعد الصلاة في الوقت الأخص وعدم الالتزام بالاتيان به قبل الصلاة فيكون معارضاً مع الأصل الجاري لنفي الوجوب النفسي في الزمن الأخص.

وإن شئت قلت : حسب التعبير الآخر انّ البراءة عن التقيد بفرض الاتيان بالصلاة دون وضوء ليس مخالفة قطعية للتكليف المعلوم بالاجمال إذا كان


الاتيان بالصلاة قبل الوضوء في الوقت الخاص فهذه مخالفة لوجوب التقييد المحتمل بلا أن تكون مخالفة قطعية للعلم الإجمالي.

والجواب : بعين ما تقدم في الصورة الرابعة على اشكال السيد الخوئي 1 فإنّ الأصلين المذكورين لا يستند اليهما المكلّف في عرض واحد ، إذ الاستناد إلى البراءة عن الوجوب النفسي في الزمن الخاص إنّما يكون لمن يريد تركه في ذلك الزمان بالخصوص فيكون تركه للوضوء قبل الصلاة بعد ذلك الوقت مخالفة قطعية حتى لو جاء به بعدها ، وهذا يعني انّ المكلّف إنّما ينفي التقيد بالوضوء في الوقت الخاص في فرض الاتيان بالوضوء فيه وإلاّ كان مخالفة قطعية في تركه للوضوء في ذلك الوقت مع اتيانه بذات الصلاة فيه فالبراءة عن التقيد في الوقت الخاص إنّما تجري في فرض الاتيان فيه بذات الوضوء والذي لا مجرى فيه للبراءة عن الوجوب النفسي وفي الفرض الذي يجري فيه البراءة عن الوجوب النفسي لا مجرى للأصل عن التقيد.

كما انّه لابد من فرض انّ القيد أصل فعل الوضوء قبل الصلاة لا حفظه إلى حين الصلاة وإلاّ كانت مخالفة التقيّد من دون مخالفة الوجوب النفسي للوضوء ممكنة بالوضوء في الوقت الخاص ثمّ الحدث ثمّ الصلاة من دون وضوء. فلابد من فرض انّ القيد تحقق ذات الوضوء قبل الصلاة أو كون الواجب النفسي الوضوء غير الملحوق بحدث إلى حين الصلاة ، فتدبر جيداً.

ص ٢٣١ قوله : ( الوجه الثالث ـ لو لم يكن يترتب ثواب مستقل ... ).

روح الجواب على كلام السيد الخوئي 1 ـ سواء بلحاظ ما يذكره من الحل الذي هو الوجه الثاني أو النقض الذي هو الوجه الثالث ـ انّ تحقّق الانقياد


والتعظيم للمولى بفعل المقدّمة بقصد التوصل إلى ذي المقدمة والمطلوب النفسي مما لا اشكال فيه وهو موجب لحسن الثواب أو استحقاقه.

إلاّ انّ الكلام في انّ انقيادية فعل المقدمة ليست بلحاظ فعل المقدمة بل بلحاظ كونه انقياداً لفعل المطلوب النفسي وشروعاً في التوصل إليه من أجل المولى ، فكما أنّ ترك المقدمة بما أنّه مؤدٍّ إلى ترك المطلوب النفسي يكون معصية وقبيحاً كذلك فعل المقدمة أو الجزء بما هو انقياد واطاعة للمطلوب النفسي يكون حسناً وتعظيماً للمولى ، وهذا العنوان ـ الانقياد بلحاظ المطلوب النفسي ـ لا يتعدّد بلحاظ تعدد المقدمة وذي المقدمة أو تعدد الاجزاء وتكثّرها ، وإنّما هو نفسه عندما يتحقق المطلوب النفسي بعد فعل المقدمات والاجزاء ، أي ليس كالكلي والأفراد بل كالكل والجزء ، فلا يكون هناك انقيادان وتعظيمان للمولى ، بل تعظيم وانقياد واحد طويل أو قصير ، شاق أو سهل ، فهو يقتضي إثابة واحدة ـ وإن اختلف حجمها ـ وليس من قبيل اطاعة تكليفين مستقلّين للمولى.

وهذا يشبه ما نقوله في التجري والمعصية والانقياد والطاعة ، من انّ المعيار في استحقاق العقوبة هو الخروج عن زي الرقية والعبودية ، وهي واحدة في التجرّي والمعصية ولا تتعدّد باصابة اعتقاد المكلّف للواقع ، وكذلك استحقاق الثواب إنّما هو للانقياد وتعظيم المولى الذي لا يتعدد باصابة اعتقاد المكلّف للواقع.

ففي المقام الشروع في التحرك لتحقيق المطلوب النفسي للمولى انقياد وتعظيم للمولى بلحاظ تحقيق مطلوبه النفسي لا الغيري ، ولا الجزء بما هو جزء ،


وحيث انّ المطلوب النفسي واحد ، فالتحرك كلّه من أوّله إلى آخره انقياد وتعظيم واحد لا متعدد ، وإن كان متحداً ومنطبقاً على المقدمة والجزء حين الاتيان بهما ، وليست انقيادات متعدّدة ، بل يستحيل ذلك لوحدة المطلوب النفسي وعدم تعدّده.

وعلى هذا الأساس يكون مورد النقض الذي ذكره السيد الخوئي 1 يشبه الانقياد في مورد الجهل المركب وعدم اصابة اعتقاد المكلّف بما يعتقد وجوبه للواقع من حيث انّه قد تحقق التحرك لأجل امتثال وتحقيق المطلوب النفسي للمولى بفعل المقدمة أو الجزء منه ، وإن ظهر في الأثناء عدم امكان الوصول إلى فعل المطلوب النفسي أو الكل ، كما إذا ظهر خطأ اعتقاد المكلّف في مورد الاطاعة ، إلاّ انّ هذا الثواب ليس هو ثواب فعل المطلوب النفسي ، بخلاف الانقياد في موارد الجهل المركب الذي ثوابه نفس ثواب الاطاعة ، وهذا روح مقصود السيد الشهيد 1.

ولكن هذا لعلّه يقبله السيد الخوئي 1 ، فإنّ المهمّ عنده اثبات تحقق الانقياد والتعظيم الموجب للثواب بفعل المقدمة وصدقه عليه ، من دون تحقق المطلوب النفسي ، ولو كان من جهة كونه انقياداً بلحاظ امتثال المطلوب النفسي بحيث لو كان يتحقق المطلوب النفسي لم يكن انقيادان بل انقياد واحد ، فتمام كلامه انطباق وصدق هذا العنوان الذي هو موضوع للثواب على المقدمة والجزء مع عدم تحقق المطلوب النفسي في الخارج حتى بحسب علم المكلف واعتقاده ، فإنّه يعلم بعدم تحقق المطلوب النفسي بعد ، وهذا بخلاف العقاب ، فإنّه يكون على ترك ذي المقدمة لا المقدمة.


إلاّ انّ هذا التفصيل أيضاً غير تام ؛ لأنّ هذا لا يختصّ بالثواب والانقياد ، بل جارٍ في طرف المخالفة والتجرّي أيضاً لمن يترك المقدمة بقصد أو مع العلم بأنّه يوجب ترك الواجب ، أو يرتكب مقدمات الحرام من أجل التوصل إلى فعل الحرام ثمّ لا يرتكب الحرام حين الوصول إليه ، فإنّه أيضاً يكون متجرياً وفعله قبيحاً عقلاً ، وإن كان معفواً عنه شرعاً ـ كما حقق في مبحث التجرّي ـ فلا فرق بين العقاب والثواب على المقدمات من هذه الناحية أيضاً ، فما يظهر من السيد الخوئي 1 من التفرقة في غير محلّه.

وامّا النقض الذي ذكره السيد الشهيد 1 في ذيل البحث وهو عدم تحقق موضوع الحسن والثواب المولوي لمن يتراجع بنفسه بعد فعل المقدمات أو الاجزاء عن تحقيق المطلوب النفسي لأنّ ذلك مأخوذ في موضوع حكم العقل بنحو الشرط المتأخر ، فمما لا يمكن المساعدة عليه لشهادة الوجدان بالفرق بين هذا المكلّف ومن لم يفعل ولم يتحرك نحو تحقيق مطلوب المولى النفسي أصلاً وأساساً تطبيق فكرة الشرط المتأخر بهذا النحو في مدركات العقل العملي التي هي امور واقعية غير واضحة الصحة ، ولهذا لو كان قربياً فلا شك في تحقق قصد القربة بذلك وصحة العمل إذا كان عبادياً ولو رجع بعد ذلك عن فعل ذي المقدمة.

فهذا النقض غير وارد ولا حاجة إليه.

ص ٢٣٢ قوله : ( المقام الثاني ... ).

يناسب أن يبحث قبله في ذيل المقام الأوّل عن الأدلّة الواردة الظاهرة في ترتب الثواب على فعل بعض المقدمات كما ورد في ثواب كل خطوة لمن مشى إلى الحج أو زيارة الإمام الحسين أو أمير المؤمنين 8 أو المجاهد في بعض الآيات.


والجواب عنه في الكفاية بالتفضل تارة وبأنّه من باب أشقية وأحمزية فعل ذي المقدمة ، ويمكن الاجابة ثالثاً : باستظهار الثواب على ذلك مستقلاًّ لانطباق عنوان راجح نفسي على المقدمة كالتعظيم للشعائر أو الخشوع والخضوع أو غير ذلك ، ولهذا قد رتب هذا الثواب على كيفيةٍ في المقدمة وهو السير لا على أصله وهذا واضح من ألسنة تلك الروايات فراجع.

ص ٢٣٢ قوله : ( المقام الثاني ـ في امكان التقرب بالأمر الغيري ... ).

المقصود امكان داعوية ومحركية الأمر الغيري مستقلاًّ عن محركية الأمر النفسي بذي المقدمة وقصد التوصل بالمقدمة إلى امتثاله.

ص ٢٣٢ قوله : ( الوجه الثاني ... ).

ما ذكر في الهامش من الاشكال غير وارد ، فإنّ المقصود انّ الوجوب الغيري بناءً على تعلّقه بالحصة الموصلة ليس فيه مزيد محركية مولوية ، لا بلحاظ المتعلق أي فعل ذات المقدمة وحدها ؛ لعدم تعلقه بها بحسب الفرض ، ولا بلحاظ تشديد الارادة المولوية كما في موارد وجوبين نفسيين أو وجوب واحد مؤكّد ، حيث يمكن للمكلّف أن لا ينبعث من الأمر غير المؤكد وإنّما يحرّكه الأمر المؤكّد أو وجود أمرين مولويين ، فإنّ هذا أيضاً غير موجود في المقام حتى عند القائل بوجوب المقدمة ، وهذا هو معنى عدم وجود محركية مستقلّة للوجوب الغيري بناءً على اختصاصه بالحصة الموصلة.

لا يقال : هذا معناه أنّ الأمر الغيري لا يمكن أن يضيف محركيّة وداعوية جديدة أو زائدة على ما للأمر النفسي من المحركية نحو المقدمة ، إلاّ انّه لا ينفي امكان محركيته بدلاً عن الأمر النفسي وفي عرضه ، أي لا ينفي أصل صلاحيته


وقابليته للمحركية ، وبالتالي للمقربية ما لم نضمّ ما سيأتي في الوجه القادم.

فإنّه يقال : بل ينفي ذلك أيضاً ؛ لأنّ محركيّة ومقربية الأمر النفسي ثابتة وفعلية ، فلو فرض أنّ الوجوب الغيري المترشح منه صالح للمقربية والمحركية مستقلاًّ وفي نفسه مع قطع النظر عن الأمر النفسي لزم التعدد ، وبالتالي اشتداد المحركيّة لا محالة وهو خلف ، فالقول بالوجوب الغيري للحصة الموصلة أو عدمه لا يمكن أن يؤثّر شيئاً في عالم المحركيّة المولوية بحكم هذا البرهان.

ص ٢٣٣ قوله : ( الوجه الثالث ... ).

قد يقال : بأنّ المسألة عكسية بمعنى انّ ترتب الثواب فرع امكان المحركية والداعوية فكيف جعلت المحركية متوقفة على ترتب الثواب وهل هذا إلاّدور ، ولهذا نجد في الحلقات انّ السيد الشهيد جعل ترتب الثواب من آثار امكان المحركية والداعوية.

والجواب : انّه لا ترتب في المسألتين بل يمكن أن يقال بترتب الثواب على فعل المقدمة مستقلاًّ ولكن إذا جيىء بها بقصد قربى وهو قصد التوصل وامتثال الأمر النفسي فقط كما قال السيد الخوئي ، فترتب الثواب لا يلازم محركية الأمر الغيري ومقربيته ، وكأنّه وقع خلط بينهما. نعم ملاك المسألتين ومبناهما شيء واحد وهو تحديد ما به الانقياد والطاعة أو المخالفة للمولى أي تشخيص مركز الانقياد والمخالفة فهل هو فعل ذي المقدمة بالخصوص بقصد امتثال الأمر النفسي ، أو كل منه ومن المقدمة مستقلاًّ ، وهذا لا ربط له بمقربية الأمر الغيري.

وقد بيّن بنحوين :

أحدهما ـ انّ ملاك الثواب والعقاب أو الانقياد والعصيان إنّما يكون بقصد


امتثال ما فيه الفائدة والمطلوبية للمولى الموضوع للثواب والعقاب الانفعاليين ، وهو الواجب النفسي لا الغيري ، فلا محركية لغيره.

وإن شئت قلت : المقصود من داعوية الأمر ومحركيته الاتيان بمتعلقه من أجل المولى ومضافاً إليه والاضافة إلى المولى وكون الفعل لأجله ولخاطره إنّما تكون بلحاظ ما هو موضوع انفعاله بما هو مولى فعلاً وتركاً وهو الواجب النفسي لا محالة.

الثاني ـ انّ معنى المحركية والداعوية جعل العبد نفسه وارادته محل المولى بما هو مولى وارادته وتحركه فهو يقوم بدلاً عن المولى بما يريده ، ومن الواضح انّ المولى لو كان يتحرك بنفسه كان فعله للمقدمة بتحريك مطلوبية ذي المقدمة لا أمر آخر فتكون ارادة العبد لها من أجل المولى كذلك أيضاً ، أي متطابقاً مع ذلك.

ص ٢٣٦ قوله : ( ثمّ انّ صاحب الكفاية ... ).

هناك أجوبة ثلاثة في تفسير وتحليل قربية الطهارات : أحدها للشيخ والآخر لصاحب الكفاية والثالث للميرزا 1 ، وكان ينبغي ذكر موقف الميرزا 1 كما فعله في الدراسات والمحاضرات ، ولا أدري لماذا حذفه السيد الشهيد 1 ، كما أنّ موقف كل من الشيخ والميرزا وصاحب الكفاية لو تمّ كان جواباً على الاشكالات الثلاثة معاً لا بعضها كما هو ظاهر الكتاب.

بل الاشكال الأوّل والثالث اشكال واحد ، فالأولى الاقتصار على اشكالين الثاني والثالث ، وذكر مواقف الأعلام الثلاثة ( الشيخ وصاحب الكفاية والميرزا ) والتي هي تصلح لأن تكون جواباً على كليهما ، ثمّ التعليق عليها مع ذكر الجواب


الصحيح من انّ العبادية ناشئة من كونها بما هي عبادة مقدمة ( جواب الاشكال الثاني ) ومن انّ عباديتها تحصل بقصد التوصل لا قصد الأمر الغيري ( جواب الاشكال الثالث ).

ص ٢٣٧ قوله : ( ثانيهما ... ).

الظاهر انّه ليس المقصود موارد التزاحم ، فإنّه لا يضرّ بالصحّة وثبوت الأمر الاستحبابي بالطهور بنحو الترتّب وإنّما يقصد تعلّق الكراهة بالطهور أو الأمر الاستحبابي أو الوجوبي لولا المقدمية بالترك ، فلا يعقل فيه الترتب ، فلا محالة يرتفع الاستحباب النفسي عن الطهور ، بخلاف الوجوب الغيري.

والاشكال برجوع الاستحباب وصحّة التمسك بدليله بعد ثبوت الوجوب الغيري وعدم امكان احراز الملاك ومبادئ الكراهة أو استحباب الترك المانع عن الاستحباب النفسي للطهور.

جوابه ما ذكر في الكتاب من الجوابين.

وقد يناقش في الجواب الثاني أي فرض عدم الانحصار بدعوى انّه لا نقبل امكان التقرب بالمقدمة المكروهة أو المستحب تركها حتى مع قصد التوصل بها إلى الواجب النفسي ، بشهادة انّه لو كان محرماً لم يصح الاتيان به كذلك ، فكذلك إذا كان مكروهاً أو تركه مستحبّاً أهم. والوجه فيه انّه مع عدم الانحصار لا توقف للواجب النفسي على فعل تلك الحصة فيكون المولى قادراً على حفظ كلا غرضيه فلا يكون الاتيان بالمقدمة المكروهة أو المستحب تركها امتثالاً لأوامر المولى حين الشروع في المقدمة بل مخالفة له لأنّه تفويت لغرضه الفعلي القابل للجمع مع الغرض في الواجب النفسي.


هذا ولكن الصحيح انّه يمكن اضافتها إلى المولى بلحاظ كونها موصلة ومحققة للواجب النفسي والنقض بالمقدمة المحرمة مع المندوحة في غير محله لأنّه هناك تكون الحرمة موجبة لتحقق العصيان ، ومعه يكون الفعل قبيحاً عقلاً فلا يمكن أن يتصف بالحسن والعبادية أصلاً ، بخلاف فرض الكراهة أو استحباب الترك ، فتدبر جيداً.

ص ٢٤٧ قوله : ( وثانياً ـ بالحلّ بأنّ الأمر الغيري وكذلك الأمر الضمني ... ).

قد يقال : ما ذكر تام في الأمر الضمني فإنّ امتثاله ليس مستقلاًّ عن امتثال الأمر الاستقلالي لأنّه أمر واحد له امتثال واحد ، فعلى القول بسقوط فعلية الأمر بالامتثال لا يكون له إلاّسقوط واحد كما لا يكون له إلاّفعلية واحدة.

فالحاصل : وحدة الأوامر الضمنية في الفعلية تستلزم وحدتها في السقوط ، وهذا لا ربط له بمسألة اشتراط أن لا يكون متعلق الوجوب الضمني حاصلاً في الخارج وإن طلب الحاصل فيها لغو أيضاً كما في الهامش ، فإنّ ذلك مسألة اخرى مربوط بلغوية انبساط الأمر على جزء حاصل خارجاً في مقام الجعل ، وليس مربوطاً بمرحلة الفعلية كما لا يخفى بالتأمل.

إلاّ انّ هذا البيان تام في الأوامر الضمنية دون الغيرية لأنّها مستقلة عن الأمر النفسي في التعلّق والفعلية.

نعم ، الصحيح أن يقال انّه بناءً على القول بالمقدمة الموصلة يكون الأمر الغيري المتعلّق بذات المقدمة أمراً ضمنياً غيرياً فلا يسقط إلاّبتحقق امتثال الأمر الغيري المستقل أي الاتيان بالعلة التامة والمقدمة الموصلة ، فالاشكال مندفع بأنّ عدم سقوطه لكونه ضمنياً لا لكونه غيرياً.


والجواب : انّ نفس ما يقال في الأوامر الضمنية يصحّ في الأوامر الغيرية ؛ لكونه تابعة للوجوب النفسي ، فحتى إذا فرضنا حيثية التوصل خارجاً عن متعلّق الأمر الضمني بالمقدمة الموصلة ـ كما هو الصحيح على ما سيأتي ـ مع ذلك نقول بأنّ الوجوب الغيري لذات المقدمة الموصلة وواقعها أيضاً يكون سقوطها بسقوط الأمر النفسي من خلال امتثاله وتحقق ذي المقدمة خارجاً ، وإلاّ فما دام الوجوب النفسي فعلياً يكون الوجوب الترشحي الغيري فعلياً أيضاً ؛ لكون متعلقه ما يكون مساوقاً مع تحقق ذي المقدمة والواجب النفسي.

نعم ، بناءً على ما هو الصحيح من عدم سقوط فعلية الأمر بالامتثال أصلاً وإنّما الساقط فاعليته لا موضوع لاشكال صاحب الكفاية حيث لا فاعلية للأوامر الغيرية أصلاً ، ولا موضوع لاشكال تحصيل الحاصل فيها.

ص ٣٥١ قوله : ( التصوير الرابع ... ولكن لا بعنوان المقدمية العلية ... ).

المقصود انّ متعلّق الوجوب الغيري مجموع الأجزاء بعناوينها الواقعية التفصيلية المحققة لما يساوق العلّة التامة بحيث يستلزم ولو من باب السلطنة والاختيار تحقق ذي المقدمة.

لا يقال : تلك الأجزاء والعناوين التفصيلية أيضاً لابدّ من تقييدها بالايصال وإلاّ لزم الإطلاق.

فإنّه يقال : انّ تلك الأجزاء من جملتها ارادة ذي المقدمة وهي مساوقة لتحققه بلا حاجة إلى أخذ قيد الايصال ، هذا إذا لم تكن المقدمة سبباً توليدياً كالالقاء في النار ، وإلاّ فلا موضوع ولا حاجة إلى أخذ الايصال والعلية فيه ؛ لأنّ العنوان التفصيلي تحققه مساوق لتحقق الواجب النفسي ، إلاّ انّ السبب التوليدي


يكون هو الواجب النفسي لا الغيري.

وقد يناقش هذا التصوير بأنّ هذا يجعل مجموع المقدمات وجوباً غيرياً واحداً لا انّ كل مقدمة لها وجوب غيري مستقل ، وظاهر الأصحاب حتى القائلين بوجوب المقدمة الموصلة الثاني لا الأوّل.

وفيه مضافاً إلى عدم مأخذ للاستظهار المذكور في مثل هذه المسألة العقلية : انّ القول بالمقدمة الموصلة تستلزم ذلك ، لأنّ كل جزء من المقدمة أيضاً مقدمة فهل يقال بوجوبات غيرية لا نهائية ، بل لابد أن يقال بوجوب واحد غيري ؛ لأنّ المقدمة الموصلة واحدة لا تتحقق إلاّبتحقق جميعها. نعم ، على القول بوجوب مطلق المقدمة يمكن أن يمتثل الواجب الغيري بأشكال مختلفة فيعمل بعض المقدمات دون بعض ، وكأنّه وقع خلط بين المطلبين.

وأشكل عليه أيضاً بأنّ المقدمات قبل الارادة ليست جزءً من العلّة التامة فلا يترتب عليها ذو المقدمة وإنّما الذي يترتب عليها ذو المقدمة إنّما هو الارادة فقط ، والقول باختصاص الوجوب الغيري بها معناه خروج المقدمات عن محط الوجوب الغيري ، وهذا خلف المقصود ، بل المطلوب اثبات وجوب تلك المقدمات ، ولهذا أصرّ صاحب الكفاية على انّ الأثر المترتب على المقدمة والملاك للايجاب الغيري هو التمكن من ذي المقدمة أي الأعداد والقرب منه لكي يريده فيفعله ، وهذا الأثر يقتضي ايجاب مطلق المقدمة لأنّه أثر لمطلقها كما هو واضح ...

وفيه : أوّلاً ـ ما تقدم من انّ المراد ليس عنوان العلّة التامة بمعناه المعقولي بل ما يكون تحققه مساوقاً مع تحقق الواجب النفسي ، ولا اشكال في كون


المقدمات مع الارادة كذلك سواء سماه الفيلسوف بالعلة التامة أم لا.

وثانياً ـ ما تقدم أيضاً من انّ التمكن والتقرب لا يمكن أن يكون ملاكاً للايجاب الغيري ، ولعمري هذه الكلمات ليست إلاّدليل الخبط في أصل فهم البحث السابق ، فراجع وتأمل.

ص ٢٥٥ قوله : ( ثمّ انّ صاحب الكفاية ... ).

وتعبير آخر غير اشكال تحصيل الحاصل وهو انّه على تقدير ترك ذي المقدمة تكون المقدمة محرمة وبالتالي الواجب النفسي ممنوعاً عنه شرعاً وغير مقدور ، فلا وجوب له ولا يجب على المكلف تحصيل مقدمات الوجوب بل يمكنه رفع موضوع الوجوب عن نفسه بلا أن يكون آثماً. فهو يترك الواجب النفسي ليرتفع وجوبه بذلك.

ص ٢٥٦ قوله : ( أمّا الجهة الاولى ... ).

لا تخلو العبائر هنا عن اجمال ، والمقصود أنّ الوجوب النفسي لذي المقدمة لا ينافي حرمة المقدمة غير الموصلة ولا يزاحمها لكي ترتفع فهي تكون فعلية على كل حال ، وامّا حرمة الحصة الموصلة فلا موضوع لها لأنّ خطاب الحرمة مقيد بعدم الاشتغال بالضد الأهم ومع الايصال يكون الاشتغال بالضد الأهم فلا موضوع للحرمة. ومنه يعرف انّه لا إطلاق لمتعلّق الحرمة أيضاً للحصة الموصلة إذا كان الواجب أهم أو مساوياً لأنّ إطلاق المتعلّق فرع إطلاق الحكم ، فليس اختصاص الحرمة بالحصة غير الموصلة من باب تقييد متعلق خطاب الحرمة بل من باب تقيدها في نفسه ـ لأنّ تقييد مفاد الحرمة يؤدي إلى تقيد متعلقها أيضاً ـ فالتزاحم في خطاب الحرمة مع الواجب الأهم يؤدي إلى تقيد متعلقها وبالتالي


فعلية الحرمة للحصة غير الموصلة بلا حاجة إلى الترتب ؛ لعدم المزاحمة.

وإن شئت قلت : بعد أن لم يكن للحرمة إطلاق لغرض الاشتغال بالواجب النفسي الأهم أو المساوي على القاعدة لكونها لغواً كان متعلقها مقيداً بالحصة غير الموصلة ، ومعه لا وجه لسقوط إطلاق الحرمة وتقييده علاوة على ذلك بنحو الترتب بعدم الاشتغال بالأهم أو المساوي ، بل يكفي التقييد في الحرام ، وهذا يعني اننا في باب التزاحم بين الواجب والحرام لا نحتاج إلى الترتب أصلاً ، فتدبر جيداً.

هذا إذا كان الواجب أهم أو مساوقاً ، وأمّا إذا كان الحرام أهم فالحصة الموصلة أيضاً محرمة ـ لاطلاق التكليف بالأهم ـ إلاّ انّ هذا الإطلاق لا ينافي وجوب ذي المقدمة ؛ لكونه مشروطاً بترك الأهم ـ كما هو في سائر موارد التزاحم بناءً على امكان الترتب ـ فلا منافاة ولا مطاردة بين التكليف الأهم المطلق مع المهم المشروط بعصيان الأهم.

وأمّا الوجوب الغيري للمقدمة الموصلة فأيضاً لا يوجب تنافياً مع الحرمة ، وذلك لأنّه إذا فرض انّ الواجب أهم أو مساوٍ فالحرمة فعلية في خصوص الحصة غير الموصلة ، ولا تعمّ الحصة الموصلة ، فلا مانع من وجوبها الغيري مطلقاً.

نعم ، في فرض مساواة الواجب في الأهمية مع الحرام واحراز ثبوت ملاك الحرمة في الحصة الموصلة يكون إطلاق الوجوب النفسي والغيري لغواً ـ كما هو في سائر موارد التزاحم ـ وهذا معناه أنّ فعل المقدمة ـ أي عدم الاشتغال بترك الحرام ـ شرط في الوجوب النفسي ، فيكون من مقدمات وشرائط الوجوب النفسي ، فلا يترشّح عليه الوجوب الغيري ـ كما تقدّم في محلّه ـ.


ومن هنا قد يقال : بأنّه لا محرز لثبوت ملاك الحرمة في الحصة الموصلة حتى في فرض التساوي بعد أن كان دليل الحرمة مقيداً بالحصة غير الموصلة ، أي انّ الحرام خصوص الحصة غير الموصلة ، فيكون إطلاق دليل الوجوب محكماً ومثبتاً بالملازمة عدم الملاك والموضوع للحرمة في الحصة الموصلة ، وهذا يعني انّ ملاك الحرمة مرتفع بالاشتغال بالواجب النفسي وانّ القدرة فيها شرعية بهذا المعنى ، وفي مثله لا بأس باطلاق دليل الواجب حتى إذا كان مساوياً ؛ لأنّه يحفظ كلا الملاكين.

إلاّ انّ هذا المطلب غير تام ؛ لأنّ إطلاق دليل الحرمة أيضاً يقضي عدم تقيّد الحرام بغير الموصلة إذا كان يحتمل ارتفاع ملاك الوجوب النفسي بالاشتغال بامتثال الحرمة والنهي وإن كان مساوياً معه في الأهمية وبالتالي حرمة المقدمة الموصلة أيضاً فيسقط الاطلاقان أو لا وجود لهما من أوّل الأمر ؛ لأنّ هذا الإطلاق بحسب الحقيقة مقيد في كل منهما بأن لا يكون الاشتغال بالآخر أيضاً رافعاً لملاك الأوّل ، وإلاّ كان هذا الإطلاق لغواً أيضاً ، فإنّ المشروطين بالقدرة الشرعية كذلك ـ بحيث يرتفع ملاك كل منهما بفعل الآخر ـ لا إطلاق لشيء منهما أيضاً لحال الاشتغال بالآخر ، وحيث انّ هذا غير محرز في شيء منهما فلا يمكن التمسّك بشيء من الاطلاقين ، وتفصيل ذلك في محلّه من بحوث التزاحم.

وإذا فرض أهمية الحرام على الواجب كانت الحرمة فعلية ومطلقة لكلتا الحصتين من المقدمة ولم يكن وجوب للمقدمة أصلاً ؛ لأنّ وجوب ذي المقدمة مشروط بفعل الحرام أي المقدمة فتكون من شرائط الوجوب لذي المقدمة ؛ فلا يترشّح عليها الوجوب أصلاً.

وهكذا يثبت انّه لا تنافي على القول بالمقدمة الموصلة أو إمكان تخصيص


الوجوب الغيري بها بين دليل حرمة المقدمة ودليل وجوب ذيّها في تمام الصور لا من ناحية الوجوب النفسي لذي المقدمة لامكان الترتب بينه وبين حرمة المقدمة. وبتعبير أدقّ لاختصاص الحرمة بالحصة غير الموصلة في فرض أهمّية الواجب أو مساواته مع الحرام ، فلا تضاد ولا تزاحم بينهما ولاشتراط وجوب ذي المقدمة بنحو الترتب بفرض عصيان الحرمة في فرض كونها أهم ومتعلقة بالمقدمة مطلقاً ، فلا تنافي بينهما كما هو مقرّر في بحث الترتّب.

ولا من ناحية الوجوب الغيري ـ الذي لا يعقل الترتب بينه وبين الحرمة لكونهما في موضوع واحد ـ لارتفاع الحرمة عنها ـ إذا كانت مساوية أو مرجوحة بالنسبة للوجوب النفسي ـ أو يكون فعل المقدمة من شرائط الوجوب النفسي لذي المقدمة ، فلا يترشح وجوب غيري عليها ـ إذا كانا متساويين أو كانت الحرمة أهم من الوجوب ـ وهذا يعني انّه في فرض أهمية الوجوب ، المقدمة الموصلة واجبة وليست بمحرمة ، وفي فرض المساواة ليست واجبة ولا محرمة ، وفي فرض أهمية الحرمة محرمة وليست واجبة.

هذا كلّه بناءً على وجوب المقدمة الموصلة ، وأمّا على القول بوجوب مطلق المقدمة ، فإذا فرض امكان تقييده بالموصلة كان الأمر كما هو على القول بوجوب الموصلة ، أي لا وجه لرفع اليد عن الحرمة في غير الموصلة ، وأمّا بناءً على عدم امكان التقييد لبراهين الاستحالة المزعومة فلا محالة يقع التعارض والتنافي بين الوجوب النفسي لذي المقدمة المستتبع لوجوب مطلق مقدمته مع الحرمة إذا كان الوجوب أهم ، أي مطلقاً وغير مشروط بفعل الغصب لما في الكتاب ، ومن هنا كان لازمه القول بجواز ارتكاب الغصب بلا انقاذ الغريق ؛ لامتناع حرمته مع كونه واجباً غيرياً ، وهو التوالي الفاسدة لذاك المبنى.


لا يقال : الوجوب الغيري الفعلي لمطلق المقدمة وإن كان مانعاً عن فعلية حرمتها حتى في الحصة غير الموصلة ، إلاّ انّه على هذا المبنى لصاحب الكفاية أن يقول بثبوت حرمة مشروطة للمقدمة ، وهي يمكن أن تجتمع مع الوجوب المطلق ـ كما في سائر موارد التزاحم ـ وتصبح الحرمة فعلية عند عصيان الواجب المطلق ، فإذا ترك المكلف ذا المقدمة حتى انتهى وقته انكشف حرمة المقدمة التي جاء بها فيكون معاقباً عليها.

فإنّه يقال : هذا يعقل إذا كان ترك الواجب النفسي الأهم شرطاً مقدماً أو مقارناً مع فعلية الحرمة ، وأمّا إذا كان شرطاً متأخراً كما هو في المقام فلا يعقل ؛ لأنّه يلزم اجتماع الوجوب والحرمة على المقدمة غير الموصلة في الوقت ، وهذا واضح.

ثمّ انّ صاحب الحاشية على المعالم ـ أخو صاحب الفصول ـ بعد أن اختار استحالة تقييد الوجوب الغيري بالحصة الموصلة اختار انّ الواجب ذات المقدمة من حيث الايصال ومن أجله ، أي لغرض الايصال ، فيكون مهملاً لا إطلاق له لغير الموصلة وإن لم يكن الايصال قيداً في متعلّقه لامتناعه.

وقرره الميرزا 1 بعد أن وافقه على استحالة التقييد بما تقدم من محاذير الدور والاستحالة ، بأنّ متعلق الوجوب الغيري يبقى مهملاً من حيث الإطلاق والتقييد بالموصلة لأنّه كلما استحال التقييد استحال الإطلاق ، وهذا الاهمال من حيث قيود الواجب والوجوب معاً امّا الأوّل فلاستحالته بحسب الفرض ، وامّا الثاني فلأنّ وجوب المقدمة أيضاً لا يمكن تقييده بالايصال وهو فعل الواجب النفسي لاستحالة تقييد وجوب الواجب النفسي بفعله ، فيستحيل اطلاقه أيضاً ، فيكون مهملاً من حيث الايصال ، فكذلك يكون الوجوب الغيري ؛ لأنّه تابع للنفسي في


شرائط الوجوب بمقتضى التبعية والترشحية (١).

وهذا المقدار من البيان الاشكال على مبانيه واضح ، حيث انّه ظهر عدم استحالة التقييد بالموصلة كما انّ الاهمال الثبوتي غير معقول وأنّ التقييد إذا استحال تعيّن الإطلاق لأنّ التقابل بينهما تقابل السلب والايجاب ، وهذا كلّه قد تقدّم.

ثمّ فرّع على ذلك الميرزا 1 انّه على القول بالاختصاص كما هو مقالة صاحب الفصول تكون المقدمة المحرمة حصتها غير الموصلة محرمة مطلقاً بلا ترتب وحصتها الموصلة واجبة بالوجوب الغيري بلا تزاحم ولا تعارض ولا ترتب ، وامّا على مقالة صاحب الحاشية فقد ذكر صاحب الحاشية انّ المقدمة إذا كانت محرمة فسوف يقع التزاحم بين حرمتها ووجوبها فيحكم بحرمتها على تقدير عدم الايصال بنحو الترتب على عصيان الواجب ، وعدم الاتيان بالمقدمة الموصلة.

وأشكل عليه الميرزا 1 بأنّ الترتب لا يعقل بين الخطابين المتعلقين بموضوع واحد ، وهما في المقام حرمة المقدمة ووجوبها من حيث الايصال ، وإنّما يعقل الترتّب في المقام بناءً على هذه المقالة بين الوجوب النفسي لذي المقدمة وحرمة المقدمة فتحرم المقدمة بنحو الترتب على تقدير عصيان الواجب النفسي الأهم أو المساوي.

واعترض عليه السيد الخوئي 1 على ما في تقريرات الوالد 1 (٢) بايرادين :

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٣٥٠ ، ط ـ مؤسسة صاحب الأمر.

(٢) دراسات في علم الاصول ١ : ٣٤١.


١ ـ انّه مبني على القول بالشرط المتأخر بأن يكون عدم الايصال شرطاً لحرمة المقدمة والايصال شرطاً لجوازها.

٢ ـ انّه يلزم منه أن يكون جواز المقدمة مشروطاً بالايصال أي بفعل ذي المقدمة لأنّ أحد الحكمين الضدين إذا تقيد بشرط تقيد ضده بنقيض ذلك الشرط لا محالة. فيلزم ما تقدم من صاحب الكفاية من أن يكون وجوب ذي المقدمة المشروط بامكان مقدمته شرعاً وعقلاً مشروطاً بفعل الايصال فيكون تحصيلاً للحاصل ، وأيضاً يلزم جواز تركه ورفع موضوعه حيث لا يجب تحقيق موضوع الوجوب.

وفي تقريرات الفياض جعل الاشكال بنحو آخر حاصله :

انّه لا يعقل الترتب في المقام حتى بين الوجوب النفسي وحرمة المقدمة رغم تعدد متعلقهما ؛ لأنّ حرمة المقدمة إذا كانت مشروطة بعصيان الوجوب النفسي لذي المقدمة فبطبيعة الحال يكون وجوبها مشروطاً بعدم عصيانه واطاعته لاستحالة كون شيء واحد في زمان واحد واجباً وحراماً معاً.

وإن شئت قلت : انّه لا يعقل أن يكون وجوبها مطلقاً وثابتاً على كل تقدير مع كونها محرمة على تقدير عصيان الأمر بذي المقدمة ، كيف فإنّه من اجتماع الوجوب والحرمة الفعليين في شيء في زمن واحد ، فإذا كان وجوب المقدمة مشروطاً بعدم عصيان وجوب الواجب النفسي فعندئذٍ لابد من النظر إلى انّ وجوب الواجب النفسي أيضاً مشروط بعدم عصيانه واطاعته أم لا ، فعلى الأوّل يلزم طلب الحاصل لأنّ مردّ ذلك إلى انّ وجوب الواجب النفسي مشروط باتيانه واطاعته وهو مستحيل ، وعلى الثاني يلزم التفكيك بين وجوب المقدمة


ووجوب ذيّها من حيث الإطلاق والاشتراط وهو غير ممكن على القول بالملازمة بينهما كما هو المفروض (١).

وكل هذه الكلمات مشوشة من جهات ، وتوضيح ذلك :

أوّلاً ـ ما ذكر من انّه على مقالة صاحب الفصول تحرم المقدمة غير الموصلة مطلقاً وتجب الموصلة بلا ترتّب إذا اريد به أنّ الحرمة لا تكون مشروطة بعصيان الواجب النفسي بل فعلية ولكن متعلّقها الحصة غير الموصلة فهذا صحيح ، إلاّ انّ هذا ليس بمعنى عدم الترتب فإنّ هذا التقييد للحرام بالحصة غير الموصلة هو نتيجة الترتب وكون خطاب الحرمة أيضاً مشروطاً بعدم الاشتغال بالأهم أو المساوي ، كما يكون الواجب النفسي أيضاً وجوبه مشروطاً بفعل الحرام إذا كانت الحرمة أهم أو مساوية في الملاك معه ـ كما تقدم ـ وامّا عدم كون الحرمة للحصة غير الموصلة مشروطة بل مطلقة ـ على تقدير أهمية الواجب أو مساواته للحرام ـ فنكتته انّ قيود الحكم دائماً توجب تقيد المتعلّق لذلك الحكم بها أيضاً ، سواءً في ذلك الوجوب أو الحرمة ، غاية الأمر في الوجوب لا يمكن أن يكون الوجوب فعلياً ومطلقاً من جهة ذلك القيد ؛ إذ يلزم وجوب تحصيل قيده عندئذٍ وهو خلف كونه شرطاً للوجوب ، بينما في طرف الحرمة لا مانع من إطلاق الحرمة وكون الحرام الحصة الخاصة أي ارجاع القيد إلى الحرام لا الحرمة ، فليس المقام خارجاً عن الترتب روحاً وحقيقةً ، وإنّما نتيجة التزاحم بين الحرمة والوجوب هذا النحو من التقييد ، وهو تقييد الحرام لا الحرمة بلا حاجة إلى الترتّب.

__________________

(١) محاضرات في اصول الفقه ٢ : ٤٢٤.


وثانياً ـ بناءً على استحالة التقييد واستحالة الإطلاق وبقاء متعلق الوجوب الغيري مهملاً أيضاً لا نحتاج إلى الترتب بل تكون الحصة غير الموصلة محرمة وذات المقدمة مهملة واجبة بالوجوب الغيري ولا محذور في ذلك ؛ لأنّ اختصاص التحريم بغير الموصلة لم يكن فيه محذور وإنّما المحذور في اختصاص الوجوب بالموصلة كما انّ وجوب المهملة لا تنافي حرمة المقيدة وإنّما يكون التنافي لو كان متعلق الوجوب مطلقاً ؛ فلا فرق بين المسلكين في المقام ، إلاّإذا قيل بأنّ المهملة في قوّة الكلية وهو باطل.

وأمّا بناءً على كلام صاحب الحاشية من انّ الواجب ذات المقدمة لغرض الايصال ومن أجله ، فإذا لم يرجع هذا إلى التقييد في متعلّق الوجوب ولا الاهمال كان حاله حال مبنى صاحب الكفاية كما هو واضح.

وثالثاً ـ ما ذكره السيد الخوئي 1 من الاشكالات كلّها قابلة للدفع ؛ أمّا اشكال لزوم شرط المتأخر فدفعه بأخذ التعقب شرطاً ـ كما أشار إليه بنفسه أيضاً ـ أو ما عرفت من امكان أن يكون عدم الايصال قيداً في الحرام بدون ترتّب ولا محذور فيه ، وإنّما المحذور في أخذ الايصال قيداً في الواجب الغيري.

وأمّا اشكال صاحب الكفاية على تقدير أخذ الايصال شرطاً متأخراً للجواز فقد عرفت الجواب عليه فيما تقدم من انّه يعقل الأمر بذي المقدمة حتى إذا كان الايصال قيداً وشرطاً للجواز فضلاً عمّا إذا كان قيداً للجائز.

نعم ، قد يرد محذور اجتماع الأمر والنهي على الحصة غير الموصلة إذا كان متعلّق الوجوب الغيري مطلقاً ، ولكنه خلف مبنى الاهمال ، وأمّا ما ذكر في المحاضرات من انّ الوجوب الغيري إذا لم يكن مشروطاً بالايصال لزم اجتماع


الأمر والنهي في الحصّة غير الموصلة وإن كان مشروطاً به لزم أحد المحذورين المذكورين فغير تامّ :

أوّلاً ـ لأنّه لا وجه لأخذ عصيان الوجوب النفسي شرطاً في الحرمة بنحو الترتّب ، بل يكفي تخصيص الحرمة بالمقدمة غير الموصلة بلا ترتّب مع وجوب المقدمة المهملة التي هي في قوّة الجزئية ، أي وجوب الموصلة منها ، فإنّه لا تنافي بينهما.

وثانياً ـ حتى إذا افترضنا اشتراط الحرمة بنحو الترتب بعصيان الواجب النفسي لم يلزم محذور أيضاً ؛ لأنّ قيود الحرمة قيود للحرام أيضاً ، أي تمنع عن إطلاق الحرام لفاقد القيد ، فلا يكون الحرام أكثر من الحصة غير الموصلة وحرمتها لا تنافي وجوب المقدمة المهملة.

ص ٢٦٠ الهامش.

ما جاء في الهامش الأوّل ليس بصحيح ، وما ذكر فيه إن صحّ فهو من جهة عدم الملازمة بين حرمة شيء وحرمة علته ، كما لا ملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ، أمّا إذا قبلنا ذلك فلا فرق بين ما هو علّة للحرام النفسي أو الغيري.

وأمّا ما جاء في الهامش الثاني وما بعده من الهوامش المربوطة به فقابل للقبول ، والله الهادي للصواب.

ص ٢٦٣ قوله : ( ولذلك ناقش المحقق الاصفهاني 1 ... ).

هذا الذي ذكره هذا المحقق 1 لا يعدو أن يكون مجرد تفسير للمراد من


الرفع في مصطلح الفلسفة بنحو بحيث يكون الفعل نقيض الترك والوجود نقيض العدم بمعنى رفعه به بالمعنى المفعولي ، ويتمّ عندئذٍ الفرق بين الفعل مع مطلق الترك والفعل مع الترك الخاص فيكون الأوّل نقيضاً ؛ لأنّه مرفوع به دون الثاني حيث انّ الفعل مرفوع بذات الترك دون دخل خصوصية الايصال فيه فيتم كلام صاحب الكفاية.

إلاّ انّه يمكن تقريب المطلب بنحو يخرج عن كونه مجرد تفسير للمصطلح بل يكون نكتة ثبوتية فنية للتفرقة بين الفعل مع مطلق الترك والفعل مع الترك الخاص ـ أي الموصل للازالة ـ وحاصله : انّ المراد بالرفع في قولهم نقيض كل شيء رفعه هو العدم والنفي وعندئذٍ يقال انّ الوجود والفعل نقيضه العدم والترك وامّا الترك والعدم فنقيضه الفعل والوجود لا عدم العدم أو ترك الترك لأنّ العدم لا يضاف إلى العدم بل يضاف إلى الماهية ، وكذلك الترك بالمعنى المقصود في المقام وإلاّ لزم وجود واسطة بين الوجود والعدم في الخارج أو يلزم وجود واجبين قديمين.

نعم ، يعقل تصوير مفهوم ذهني محض للعدم واضافة العدم إليه لكنه مفهوم ذهني لا واقعية له. راجع للتفصيل بحث الضد ، برهان الدور ، ومناقشة الأصفهاني فيه. وعليه فلا معنى لافتراض أن ينقض عدم شيء عدم عدمه أو ترك فعل ترك تركه ، وهذا واضح. فلا محالة يكون نقيض العدم والترك الوجود والفعل.

وأمّا الترك والعدم الخاص فحيث انّه اخذ فيه قيد وخصوصية بحيث يكون الملحوظ المقيد بتلك الخصوصية فلا محالة تكون هذه حيثية وجودية ولو اعتباريّة فيكون اضافة العدم إليه معقولاً فيكون نقيضه عدم الترك الخاص أو العدم الخاص لا الفعل ، وهذا يعني انّ الواجب لو كان مطلق الترك كان الفعل


نقيضاً له وإذا كان الترك الخاص كان نقيضه عدم الترك الخاص ، وهو ملازم مع الفعل لا نفسه.

نعم ، البيان المذكور في ذيل هذا البحث من انّ المهم ملاحظة ملاك الملازمة واقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضدّه العام وانّ هذا الملاك جارٍ على كلا المبنين مطلب قابل للقبول ، بمعنى أنّ الفعل كما يناقض مطلق الترك كذلك يناقض الترك الخاص أي حصة من الترك بمعنى أنّ النفس البشرية إذا أرادت فعل شيء فلا يمكن أن تريد تركه أيضاً ، بل كأنّ ارادة الفعل يعني ارادة انتقاله من العدم إلى الوجود ، فهو يستبطن الابتعاد عن العدم وبغضه ، وهذا كما هو ثابت بلحاظ مطلق تركه كذلك ثابت بلحاظ حصة من تركه فهو يبغض تلك الحصة من الترك أيضاً ؛ لأنّ فيها عدم محبوبه على كل حال ، وكذلك الأمر حينما يريد الترك الخاص فهو لا يمكن أن يريد الفعل ؛ لأنّه مناقض مع الترك والعدم الذي يريده ولو مع خصوصية فيه ، إلاّ انّ هذا فرع قبول أصل الملازمة ، وسيأتي في مبحث الضد.

ص ٢٦٦ س ٢٠ قوله : ( هذا إذا كانت الدلالة على وجوب المقدمة التزامية لفظية ... ).

بل حتى إذا كانت لفظية فلا تعارض ، لأنّ هذه الدلالة اللفظية بنفس ملاك الملازمة المدعاة عقلاً لا أكثر ، غاية الأمر لبداهتها ووضوحها تكون عرفية أيضاً ، والمفروض انّ نكتتها لا تقتضي أكثر من كون المقدمة مقتضية للوجوب الغيري بحيث تتقيد بالمباحة مع وجود الحرمة لبعض أفرادها. ففرق بين كون الوجوب للجامع مدلولاً مطابقياً للفظ أو التزامياً قائماً على أساس نكتة مع وضوح نكتة الملازمة ، فكما انّ بداهة الملازمة تجعلها عرفية ومنشأ لتشكّل


دلالة التزامية بيّنة لفظية ، كذلك بداهة نكتتها ، وكون هذه النكتة مقيّدة بما إذا لم تكن المقدمة محرمة ولها أفراد مباحة ، وإلاّ اقتضت وجوب الجامع بين أفرادها المباحة لا الجامع بينها وبين المحرمة تجعل الدلالة الالتزامية اللفظية أيضاً مقيدة بأن لا تكون بعض الأفراد من المقدمة محرّمة فلا تتشكل دلالة التزامية نافية للحرمة ليكون من التعارض ، ولا يقاس بالدلالة المطابقية للأمر النفسي بجامع الصلاة مع النهي عن الغصب. فالتعارض لا يثبت حتى على القول بالدلالة الالتزامية اللفظية ، إلاّإذا قيل باستحالة التقييد بجامع الأفراد المباحة ، أو بظهور دليل الوجوب في التعرّض للوجوب الفعلي لمقدمة الواجب النفسي وتجويز فعلها ضمن أيّة حصة ، وكلاهما بلا موجب ، فلا تتم الثمرة لا في هذا الشق ولا الشق الثالث ، أي لا في شق عدم الانحصار في المحرمة ولا في شق الانحصار فيها ، فتصوير هذه الثمرة بلحاظ وقوع التعارض بين دليل وجوب الواجب النفسي وحرمة المقدمة غير تام على المختار في الشقين معاً.

ثمّ انّ مراد من عبّر عن هذه الثمرة بدخوله على القول بالملازمة في باب الاجتماع ـ كصاحب الكفاية ـ هو تحقق التعارض بناءً على الامتناع ، فإنّ أحد وجوه وقوع التعارض هو القول بالملازمة والقول بالامتناع مطلقاً أو في خصوص المقام لتعلّق الوجوب الغيري بالمعنون ، فلا تغفل.

ومنه يظهر ما في كلمات بعض الأعلام من انّ الثمرة بناءً على الدخول في باب الاجتماع صحّة المقدمة بناءً على الجواز أو عدم الملازمة وبطلانها بناءً على الامتناع ؛ ولهذا لابد من فرض الثمرة في خصوص المقدمة العبادية لا التوصلية لسقوط الغرض المقدمي بها وإن كانت محرمة.

فإنّ هذا التحرير للثمرة غير فنّي فإنّه :


أوّلاً ـ لا وجه للتخصيص ، بل المقدمة التوصلية أيضاً بناءً على الامتناع تدخل في التعارض ، فلو قيل بتقديم جانب الأمر ارتفعت الحرمة عنها ، وهي ثمرة فقهية كما هو واضح.

وثانياً ـ فساد المقدمة إذا كانت عبادة ، بناءً على حرمتها لا ربط له بالقول بالملازمة ، بل بناءً على عدمها أيضاً تفسد العبادة إذا كان التركيب اتحادياً ؛ لعدم امكان قصد التقرب.

نعم ، مع الجهل بالحرمة يتأتى قصد التقرب ويبقى البطلان من جهة عدم شمول الأمر له مع تعلّق النهي به واقعاً وصحة العبادة واجزائها بحاجة إلى شمول الأمر لها أيضاً.

إلاّ انّ هذه الثمرة أيضاً ترجع إلى مسألة التعارض بين دليل الحرمة ودليل الأمر بذي المقدمة ، فالثمرة لابدّ من تحريرها بلحاظ كبرى التعارض.

ص ٢٦٨ س ١ قوله : ( أو تعلّقهما بالمعنون الواحد ... ).

الصحيح أن يقال : أو تعلّق الوجوب الغيري بالمعنون فإنّه حتى إذا كانت الحرمة حينئذٍ متعلقة بعنوان آخر غير العنوان الواقعي للمقدمة كان من التعارض لا الاجتماع بلحاظ ما سيذكر في جواب ( إن قلت ) أي يلزم التنافي بلحاظ مقدمة المقدمة ، وهو ارادة المقدمة التي هي بضميمة عدم ارادة ذي المقدمة بمثابة العلة التامة لفعل الحرام ، وهو الاجتياز غير الموصل في المثال المعروف ، فيكون واجباً وحراماً ضمنياً وهو محال.

وكذلك الحال بناءً على امكان التخصيص بالموصلة إذا كانت الدلالة على الوجوب الغيري بالدلالة اللفظية.


والجواب على هذه التفرقة بما في الهامش ، فإنّه صحيح ، فإنّ حرمة المجموع ليس بمعنى طلب تركهما معاً ، بل طلب ترك أحدهما وهو يجتمع مع طلب فعل أحدهما المعيّن كما سيأتي في محلّه.

ص ٢٦٩ الهامش.

ظاهر الحلقة الثالثة انّه إذا أصبح فعل واجب سبباً وعلة تامة لتحقق حرام ، فبناءً على عدم الملازمة وامكان الترتّب يقع التزاحم بين الواجب والحرام كما في سائر الموارد ، وأمّا بناءً على الملازمة فإذا كان الواجب أهم كان وجوبه مطلقاً وفعلياً ، والحرمة مشروطة بعدم الاشتغال بالواجب ، فإذا لم يشتغل به المكلّف أصبحت الحرمة فعلية أيضاً ، فيلزم اجتماع الوجوب والحرمة في الواجب ، فيقع التعارض بين دليليهما.

وكأنّه إنّما خصّص ظهور الثمرة بفرض أهمية الواجب لأنّه لو كان مساوياً أو الحرام أهم فعدم الاشتغال بالواجب معناه امتثال الحرمة وترك الحرام وهو رافع لموضوع الوجوب ، فلا يلزم الاجتماع.

ويمكن افتراض انّ هناك فعلاً واحداً أو فرد من الحرام له علتان تامتان احداهما الواجب أو افتراض انّ الحرام بنحو صرف الوجود والجامع كما في الافطار العمدي ، فإنّه يتحقق بأوّل الوجود ، والفرد الثاني منه بعد الأوّل لا يكون مفطراً ، فلو كان حفظ شخص أو قوم من الغرق علّة للارتماس المفطّر كان مصداقاً لما ذكر ، بل يمكن افتراض حرمة الجامع بنحو الإطلاق الشمولي الانحلالي أيضاً ، فإنّ حرمة الجامع الشامل للحصة الحاصلة بالواجب مشروطة بعدم الاشتغال بالواجب الأهم أو المساوي ، وإن كانت حرمة سائر أفراد الحرام


وحصصه غير مشروطة بذلك ، وأثره حفظ كلا الغرضين وعدم تفويت الواجب لمن يريد ارتكاب الحرام بأن يرتكبه بالواجب ، فما في الهامش من لزوم عدم الانحلالية غير صحيح.

ولكن نلاحظ على هذه الثمرة أنّها غير تامة لا في فرض أهمية الواجب ولا في فرض تساويهما ، وإنّما يتم في فرض أهمية الحرام وإطلاق حرمته ، وتوضيح ذلك :

أمّا في الفرض الأوّل ـ والذي هو المذكور في الحلقة الثالثة ـ فلأنّ الحرمة سوف تكون مشروطة بعدم الاشتغال بالواجب ، وقد ذكرنا انّ قيد الحرمة قيد في الحرام ، وانّه في موارد التزاحم بين الحرام والواجب يتقيّد الحرام بالحصة غير المقرونة مع الاشتغال بالواجب مع بقاء الحرمة على اطلاقها ، وارتفاع الحرمة عن الحصة المقرونة بالواجب الأهم أو المساوي ، وبناءً عليه لا تكون الحصة من الحرام المتحققة بالواجب والمقرونة به محرّمة أصلاً لكي يلزم ـ بناءً على الملازمة ـ سريان الحرمة منها إلى الواجب. وكذلك الحال في فرض التساوي بين الحرام والواجب ـ الفرض الثاني ـ فلا تعارض بين الخطابين حتى بناءً على الملازمة ، فلا تظهر الثمرة في هذين الفرضين.

وأمّا في الفرض الثالث فتظهر فيها الثمرة ؛ لأنّ الحرمة فيه مطلقة وغير مقيدة لا بلحاظ نفسها ولا بلحاظ متعلقها ، أي الحصة المتولدة منه بالواجب أيضاً تكون محرمة فتسري الحرمة ـ بناءً على الملازمة ـ منها إلى الواجب إذا أصبح وجوبه فعلياً بعصيان الحرمة بفعل الحرام بنحو الشرط المتأخر فيلزم بناءً على الملازمة اجتماع الوجوب والحرمة ـ وهذا هو روح ما ذكرناه في الهامش ـ.


لا يقال : بالامكان النهي عن الجامع حتى مطلقاً والأمر بفرد منه بنحو الترتّب مشروطاً بعصيان حرمة الجامع ـ كما يشهد به الوجدان ـ إذ قد يكون مفسدة أهم في الجامع مع وجود مصلحة في أحد فرديه ، فإنّه في مثل ذلك للمولى أن ينهى عن الجامع مطلقاً ويأمر بالفرد مشروطاً لمن يريد ارتكاب الجامع.

وأثره أنّ المكلّف الذي يريد مخالفة النهي على كل حال ولكنه لا يريد مخالفة تكليفين سوف يرتكب الجامع من خلال الفرد الواجب فيحفظ المصلحة الأقل فيه للمولى كما هو في سائر موارد التزاحم.

فإنّه يقال : يلزم من ذلك اجتماع الوجوب والحرمة والحب والبغض في الفرد ؛ لأنّ حرمة الجامع انحلالية فتسري إلى الفرد فيكون مبغوضاً ومحبوباً ومطلوباً فعله وتركه في آن واحد ، وهذا محال حتى إذا قلنا بعدم سريان الوجوب في صورة العكس من الجامع إلى الفرد المبغوض ؛ لكون الواجب بدلياً ـ كما سيأتي في بحث الاجتماع ـ فالامتناع هنا مسلّم عند الجميع ، وما يفعله المولى في مورد الغرضين المذكورين إنّما هو تحريم الجامع وتحريم الفرد الآخر ـ غير الفرد الواجب لولا الحرمة ـ بحرمة اخرى نظير الأمر بالجامع وأمر آخر بحصّة منه لملاك زائد فيها على مصلحة الجامع ؛ لأنّه بحسب الحقيقة توجد مفسدة فعلية ومبغوضية في الجامع ـ ولو بعد الكسر والانكسار مع مصلحة الواجب الأقل ـ ومفسدة أكثر ومبغوضية أشد في الفرد الآخر ، وهذا يقتضي جعل حرمتين كذلك ، وتكون نتيجته نفس النتيجة ، أي من يمتثل تمام تكاليف المولى سوف لا يرتكب الجامع أصلاً ، فلا مخالفة له أصلاً ، ومن يريد ارتكاب الجامع ولكنه لا يريد مخالفة زائدة أي مخالفة تكليفين فسوف يرتكب الجامع من خلال الفرد الواجب ـ لولا النهي ـ فيحصل المولى على أحد غرضيه.


وإن شئت قلت : لا يحصل على ضررين بل ضرر واحد ، كما في موارد الترتّب ؛ لاستلزام محذور امتناع الاجتماع المسلّم عند الكلّ ؛ لأنّ النهي وحرمة الجامع يسري قطعاً إلى الفرد لكونه انحلالياً ، فلا يمكن أن يجتمع مع الأمر والمحبوبية فيه.

نعم ، لو أنكرنا تقوّم الوجوب والحرمة بالحب والبغض وقلنا انّ روح التكليف من مقولة الفعل الاختياري للمولى ، وهو الارادة التشريعية والتصدّي المولوي لتحميل فعل أو ترك على ذمّة المكلّف ، سواء كان خلفه حب أو بغض أو لم يكن ، وإنّما المهم كون ذلك أفضل بحال المولى وأوفر تحصيلاً لأغراضه ، عندئذٍ يمكن أن يقال بأنّ المولى يمكنه أن ينهى عن الجامع ، أي يأمر بتركه مطلقاً ، ولكن على تقدير ارادة المكلّف للمخالفة وارتكاب الجامع يأمره في طول فرض عزمه على المخالفة على أن يأتي بالفرد الواجب ، فإنّ الوجدان قاضٍ بامكان الجمع بين هذين الجعلين والتصدّيين للمولى ، وليس من قبيل : أن يأمر وينهى عن فعل واحد في زمن واحد ، بل أمره في طول فرض مخالفة المكلّف لنهي المولى بنحو الشرط المتأخر وبنائه على المخالفة وجداناً ، فكأنّه يقول : إذا أردت المخالفة للجامع فخالفه من خلال هذا الطريق ، وهذا لا استحالة فيه.

إلاّ انّ هذا خلاف مباني المشهور ، بل لازمه انكار الملازمة ، فإنّه سوف يأتي انّ مدّعيها إنّما يدّعيها بلحاظ مبادئ الحكم من الحب والبغض لا بلحاظ الارادة التشريعية التي هي فعل اختياري للمولى ، فهذه الثمرة بناءً على الملازمة تامة ولكن في فرض أهمية الحرام لا أهمّية الواجب أو مساواته للحرام ـ كما هو مذكور في الهامش ـ.

ويلحق بنفس المثال ما إذا فرض وقوع واجب علّةً لترك واجب آخر أهم منه


بناءً على انّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه العام ، كما إذا كان قد نذر الاغتسال ليلة شهر رمضان وكان اغتساله علّة لمرضه وتركه للصوم في نهار شهر رمضان ، فإنّه لا فرق بين كون الحرام المسبب عن الواجب نفسياً أو غيرياً في جميع ما ذكرناه.

فإذا كان واجب علة تامة لترك واجب آخر أهم فعندئذٍ بناءً على عدم الملازمة يكون من باب التزاحم بمعنى انّه يمكن أن يكون الواجب العلّة للحرام مأموراً به أيضاً بنحو الترتب على تركه للواجب الأهم فهو من التزاحم بلا تعارض في البين وامّا على القول بالملازمة فسوف يحرم ترك الواجب الأهم وتسري الحرمة من ترك الواجب الأهم إلى فعل الواجب العلة للترك فلا يمكن الأمر به حتى بنحو الترتب فيقع التعارض بين الجعلين.

وامّا إذا كان الواجب العلة هو الأهم أو المساوي مع الآخر فحرمة ترك الواجب الآخر تكون مشروطة بترك الأهم أو المساوي ، ومعه لا تسري الحرمة منه إلى فعل الأهم لأنّها مشروطة بتركه فيكون من قبيل شرائط الوجوب التي لا تسري اليها الوجوب الغيري ففي المقام ترك الأهم أو المساوي شرط في حرمة ترك المهم فلا يمكن أن يكون مطلوباً بها حتى على الملازمة كما لا يخفى.

وهذه الثمرة سواءً بالصيغة التي ذكرها الاستاذ 1 في الحلقة الثالثة أو بالنحو الذي ذكرناه نفس الثمرة التي ذكرها صاحب الكفاية بين القولين في وجوب المقدمة والتي ذكرنا هناك انّه لا فرق بين القولين في ذلك ؛ لأنّه إذا توقف كل من الضدين على عدم الآخر كان وجود كل ضد علّة تامة لعدم الآخر ، فبناءً على حرمة الضدّ العام تسري الحرمة إلى الضدّ العبادي فيفسد ، بل ويقع تعارض بين دليل الواجبين بناءً على الملازمة ، بلا فرق بين القولين.


فهذه الثمرة نفس تلك الفرضية بعد تعديلها بافتراض وقوع واجب حقيقةً علّة تامة لحرام نفسي أو غيري هو ترك واجب آخر.

ص ٢٨٣ الهامش.

إجمالاً يمكن أن يقال : الوجدان شاهد على عدم وجوب المقدمة حتى بمعنى الحب والشوق ، ويشهد له ما ذكر في الهامش.

والظاهر انّ السبب في هذا الالتباس إنّما هو الخلط بين الارادة والحب والشوق ، فإنّ ما هو وجداني انّ الإنسان إذا أراد شيئاً وتوقف على مقدمة وعلم بها فسوف يريدها أيضاً للوصول إلى المطلوب النفسي ، إلاّ انّ الارادة ليست حباً وشوقاً مؤكداً كما قيل ، بل عبارة اخرى عن اعمال القدرة كما تقدم في بحث الطلب والارادة ، وفي الارادة التشريعية والتكاليف الارادة المولوية ليست إلاّ الطلب وهو ما يتصدى لتحصيله من العبد ودفعه إليه بقانون العبودية سواء بصيغة انشائية أو اخبارية ، وسواء كان وراءه حب وشوق في نفس المولى تجاه ذلك الفعل أم لا ، فإنّ هذا كلّه أجنبي عن حقيقة الحكم وروحه والطلب بهذا المعنى لا ملازمة بين تحققه تجاه فعل وتحققه تجاه مقدماته كما هو واضح.

وامّا وقوع التعارض ولو في المولى العرفي بين خطاب الأمر بذي المقدمة أو تحريم المقدمة بلحاظ المبادىء بناءً على الملازمة فجوابه ما في الهامش من وجدانية التزاحم بينهما كالضدين ، كما إذا فرض توقف واجب أهم على ترك واجب مهم ، وهذا يكشف امّا عن عدم الملازمة حتى في عالم الحب والشوق أو عدم كون الحب والشوق قوام الحكم وروحه بحيث يمكن للمولى أن يأمر بما هو مبغوض لديه لملاك ومصلحة ، وكلاهما صحيح.


مبحث الضد

ص ٢٩٣ قوله : ( الضد الخاص ... ).

كان الأولى تقديم البحث عن الضد العام أوّلاً ـ كما فعله السيد الخوئي في الدراسات ـ لابتناء أدلّة اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضده الخاص على ثبوت ذلك بالنسبة للضد العام في المرتبة السابقة.

والمراد من الضد مطلق ما لا يجتمع مع المأمور به ويمانع ، سواء كان بنحو التناقض والتقابل بالسلب والايجاب أو لا ، وسواء كان مصداقاً للتعريف الفلسفي أو المنطقي للضد أو لا ، فالفعلان أو التركان أو الفعل والترك اللذان لا يجتمعان في زمان واحد داخل في هذا البحث الاصولي وإن لم يكن التقابل بينهما بحسب مصطلح علم آخر تقابل التضاد.

وهذا البحث من أهم أبحاث الاستلزامات العقلية ـ غير المستقلات ـ من مسائل علم الاصول والتي يترتب عليها استنباط الحكم الشرعي بالتعارض أو التزاحم بين الأدلّة على ما سيأتي مفصلاً ، بل هذا البحث منشأ فتح باب التزاحم في علم الاصول ، وفرقه عن باب التعارض وأحكامه وقوانينه والتي لها آثار مهمّة في استنباط الأحكام الفقهية ، فالمسألة من امّهات المسائل الاصولية.

ومنه يظهر ضعف ما ذكره المحقّق العراقي 1 على ما في تقريرات بحثه من


أنّه يمكن أن تكون مسألة الضد من المبادئ الاحكامية لعلم الاصول الراجعة إلى البحث عن لوازم وجوب الشيء ، وأنّه هل من لوازمه حرمة ضدّه أم لا ، فإنّه بعد الفراغ عن دلالة الصيغة على الوجوب اقتضت المناسبة البحث عن لوازمه بأنّه هل من لوازم وجوب الشيء هو حرمة ضدّه أم لا؟ أو وجوب مقدّمته أم لا كما تقدّم.

وأمّا احتمال كونها من المسائل الفرعية نظير ما قيل في مقدمة الواجب فبعيد جدّاً (١).

وجه الضعف ظاهر ، فإنّ ميزان المسألة الاصولية وضابطتها وقوع المسألة في طريق استنباط الحكم الشرعي في الشبهة الحكمية ، وقد ذكرنا مراراً أنّ الانتهاء إلى التعارض بين الأدلّة وعدمه من أهم موارد الانتهاء إلى استنباط الجعل الشرعي في الشبهات الحكمية ، ناهيك عن أبحاث باب التزاحم ومرجحاته وأحكامه المهمّة في الفقه ، المستنبطة من مبحث الضد.

وأمّا توهم كون المسألة فرعية فواضح البطلان ؛ إذ ليست الملازمة حكماً شرعياً ، وكأنّ هذه التعابير من رواسب المنهج القديم ، المنسوخ لطرح هذه المسائل الاصولية.

كما أنّ السبب في ادراج البحث عن الاستلزامات العقلية ضمن مباحث الألفاظ من علم الاصول عاملان عامل تاريخي وعامل فنّي.

أمّا العامل التاريخي فلأنّ البحث عن هذه الاستلزامات لم يكن منقّحاً تاريخياً

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ٣٥٩.


كما هو اليوم ، وإنّما كانت تبحث بشكل آخر ، وهو البحث عن دلالة الأمر بشيء على وجوب مقدمته أو حرمة ضدّه بالدلالة الالتزامية ، فكأنّ البحث عن دلالة لفظية التزامية للأمر ، ولهذا كان يبحث عنه ضمن دلالات الأمر ومباحث الألفاظ.

إلاّ انّ هذا النحو من البحث الاصولي بالتدريج قد نسخ وصار البحث عن كبرى الملازمة الثبوتية بين وجوب شيء ووجوب مقدمته أو حرمة ضده أو إمتناع وجوب شيء مع حرمته ولو بعنوان آخر وهكذا ، سواء كان الدال على الحكم لفظاً أم لا ، ولكن بقي البحث في محلّه من مباحث الألفاظ وهذا هو العامل التاريخي.

وأمّا العامل الفنّي فلأنّ قواعد الاستلزامات العقلية ليست مستقلة ، أي تحتاج دائماً إلى ضمّها إلى دليل على الحكم الملزوم لكي يثبت بها حكم شرعي آخر أو ينتفي ، وهذا إنّما يظهر أثره ويتحقق في الأدلّة اللفظية ، حيث يوجب ضمّها اليها تحقق دلالة التزامية معارضة أو مزاحمة مع دليل حكم آخر.

وأمّا الأدلّة القطعية فلا يعقل التعارض فيما بين دليلين قطعيين وإنّما لا يوجدان ، كما أنّ الاصول العملية لا تكون لوازمها حجة ؛ ولهذا كان المناسب أن يبحث عن بحث الاستلزامات ضمن مباحث الألفاظ من علم الاصول ؛ لكون آثارها وثمراتها المهمة المفيدة في الفقه ، إنّما تظهر في الأدلّة اللفظية عادة.

ص ٢٩٣ قوله : ( وهناك مسلكان لاثبات حرمة الضدّ الخاص ... ).

قد طبق كل من المسلكين بنحوين ، أي تارة من ناحية نفس المأمور به ـ وهو إزالة النجاسة عن المسجد مثلاً ـ حيث انّه متوقف أو ملازم بنحو مساوي أو


أخصّ مع عدم ضدّه ، واخرى من ناحية نقيض المأمور به وكونه ملازماً أو معلولاً لفعل الضد مع اشكال في تطبيق مسلك الملازمة بالتطبيق الثاني ، حيث قد لا يكون عدم المأمور به ملازماً مع فعل الضد إذا كان يوجد ضد ثالث ، والاجابة عليه بأجوبة عديدة ـ كما هو مذكور في الكتاب ـ.

وظاهر السيد الشهيد ابتناء كلا المسلكين وفي كلا التطبيقين على القول بحرمة الضد العام للمأمور به ـ ولو على مستوى مبادئ الحكم من الحب والبغض والإرادة والكراهة ـ.

ولنا هنا كلمات :

الأوّل : عدم الحاجة إلى مبنى حرمة الضد العام للمأمور به على كلا المسلكين. أمّا على مسلك الملازمة فلأنّ كلاًّ من الضدّين مستلزم ـ بنحو مساوي أو أخص ـ لعدم ضدّه الآخر ، وهذا يكفي لسريان الوجوب بناءً على الملازمة من كل منهما إلى عدم الآخر ومن الطرفين فيقع التنافي بينهما ، وهو من طلب النقيضين في الطرفين وهو محال ذاتاً ، أي لا ينفع فيه الترتب ، فيقع التنافي والتعارض بين الأمرين وهو المطلوب من حرمة الضد. وقد صرّح السيد الشهيد 1 بهذه النكتة في الحلقة الثالثة.

نعم ، في فرض الترتّب من الجانبين سوف يكون عدم كل منهما شرطاً في وجوب الآخر ، والوجوب إنّما يمكن أن يسري من أحد المتلازمين إلى ملازمه الآخر فيما إذا لم يكن شرطاً في ايجابه ، فإذا كان عدم الضد شرطاً في ايجاب الضد الآخر لم يسر الوجوب منه إلى عدم الضد الآخر حتى إذا قبلنا مسلك السراية فلا يلزم طلب النقيضين.


إلاّ انّ هذا الإشكال مشترك الورود في الترتّب من الجانبين ، حتى إذا قلنا بحرمة الضد العام للواجب ، وحتى على مسلك المقدمية ؛ لأنّ مقدمة الواجب سوف تنقلب إلى مقدمة الوجوب ، كما أنّ فعل المانع سوف لا يكون علّة للحرام بل رافعاً للحرمة ، وسوف نورد هذا الإشكال في بحث الثمرة.

وأمّا على مسلك المقدمية فأيضاً لا نحتاج في التطبيق الأوّل له إلى حرمة الضد العام للواجب ؛ لأنّ عدم الصلاة إذا صار واجباً بالوجوب الغيري امتنع الأمر بالصلاة حتى بنحو الترتّب ولو لم تكن محرّمة ؛ لأنّه من طلب النقيضين وهو محال ، كاجتماع الأمر والنهي ـ على ما سنشرحه في بحث الضد العام ـ.

نعم ، التطبيق الثاني نحتاج فيه إلى حرمة الضد العام للمأمور به ؛ لأنّ الملحوظ فيه كون الصلاة علةً تامة لنقيض الإزالة المحرّم ، فلولا القول بحرمته بناءً على حرمة الضد العام لا يلزم محذور ؛ إذ الوجوب لا يسري من العلّة إلى المعلول ، وإنّما بالعكس ، فلا يلزم طلب النقيضين في طرف الإزالة ، كما كان في التطبيق الأوّل في طرف الصلاة ، وهذا واضح.

الثاني : انّنا حتى إذا قبلنا مقدمية عدم الضد لفعل الضد مع ذلك لا يتم التطبيق الأوّل لمسلك المقدمية ؛ لأنّ عدم الصلاة بناءً على المقدمية إنّما تجب الحصة الموصلة منه ، وهو عدم الصلاة المقرون مع إرادة الإزالة لا مطلق عدم الصلاة ، ولا مانع من وجوب عدم الصلاة المقرون مع إرادة الإزالة ووجوب الصلاة ؛ لأنّهما ليسا نقيضين بل ضدّان ، بل لو قيل بحرمة الضد العام أيضاً لا محذور من ذلك ، وما تقدّم في بحث المقدمة من انّ مجرد كون التقابل بينهما بالسلب والايجاب يكفي في استلزام البغض ممنوع ، كيف وأصل الاستلزام المذكور غير واقعي ، فلو فرض قبوله فهو مخصوص بموارد تعلّق المحبوبية بالنقيض مطلقاً


لا مقيداً بحصة خاصة منه قابلة للارتفاع مع الآخر. نعم ، بناءً على تطبيق المقدمية من طرف علّية الضد ـ وهو الصلاة ـ لترك الإزالة المحرّم سوف يقع التنافي والتعارض بين حرمة الصلاة ووجوبها ـ ولعلّ نظر السيد الشهيد 1 إلى هذا التطبيق وهو متوقف على القول بحرمة الضد العام ـ. إلاّ انّ فرض اشتغال المكلّف خارجاً بالضد وهو الصلاة هو فرض عدم إرادة الإزالة ، وهو يعني عدم وجود المقتضي لها ، ومع عدم المقتضي لا يكون عدم المعلول ـ وهو الإزالة ـ علّته وجود المانع ـ وهو الصلاة ـ لأنّ المانع إنّما يكون مانعاً عند وجود المقتضي لا عند فقده ، فلا تكون الصلاة علّة لترك الإزالة ، وهذا جار في تمام موارد التضاد ، وهذا يعني عدم وقوع الضد علّة للحرام في موارد التزاحم بين الأضداد.

نعم ، هذه النكتة بحسب الحقيقة نكتة عدم المقدّمية ومنعها ، وأمّا لو فرضت العلية واستناد عدم المعلول لوجود المانع لم يمكن الأمر به حتى بنحو الترتب.

الثالث : الوجدان يحكم في الأفعال الاختيارية ـ التي هي متعلقات التكاليف ـ بأنّ ارادة المأمور به أو ضده لا يتوقّف على ارادة ترك الآخر ـ كما هو في موارد التوقف ـ وانّ اختيار أحد الطريقين أو الفعلين المتضادّين كاختيار أحد الرغيفين والفعلين المتضادّين من حيث عدم توقف ارادته على ارادة ترك الآخر ، وإنّما لا يجتمعان معاً ، كما أنّ حبّ الوقوف بعرفة مثلاً لا يستلزم بغض زيارة الحسين 7 وجداناً بل يحبّهما معاً ويتمنّى الجمع بينهما ، وهذان الوجدانان كافيان للاستغناء عن براهين الامتناع ونفي التعارض بين الأمرين بنحو الترتب ، بل الميزان عدم الاحساس الوجداني بالتوقف المذكور في عدم التعارض بينهما ؛ لأنّ ملاك التعارض الاحساس باجتماع الحبّ والبغض في الضد ، فإذا كان الاحساس به وقع التعارض بناءً على تقوّم الأمر بالحبّ حتى إذا تمّت براهين عدم المقدّمية.


ص ٢٩٨ قوله : ( المقام الثاني ـ في البراهين التي اقيمت ... ).

يوجد هنا بيان ساذج ذكره في الكفاية وهو قياس التمانع في الضدين بالتمانع بين النقيضين ، فكما لا يكون ذلك سبباً لتوقف أحد النقيضين على عدم نقيضه كذلك الضدان.

والجواب بالفرق ، فإنّ الضدين وجوديان فيمكن أن يكون أحدهما متوقفاً على عدم الآخر ، كما في الممنوع والمانع بخلاف النقيضين فإنّ رفع أحدهما عين الآخر.

ص ٢٩٩ الهامش.

جوابه : امّا استحالة ارتفاع الأضداد فهو غير تام وجداناً وبرهاناً وما يذكر من مثال الحركة والسكون من النقيضين لا الضدين ، بل لو فرض ذلك لزم وجوب وجود أحد الأضداد دائماً ، وهو مستلزم لتعدد واجب الوجود ، فإذا كان اجتماع المقتضيين المتساويين ممكناً ـ مع انّه واقع وجداناً في مثل إرادة شخصين متساويين لفعلين ضدين ـ كفى ذلك للبرهان المذكور ؛ إذ معناه انّه في فرض تحقّق ذلك يكون ذات المقتضي المساوي مانعاً لاستحالة تأثيرهما معاً ، أو تأثير أحدهما دون الآخر.

ثمّ إنّ هذه البراهين ترجع إلى إحدى نكات ثلاث أساسية :

١ ـ لزوم الدور أو تقدّم الشيء على نفسه. وإلى هذا يرجع البرهان الثالث والسابع.

٢ ـ انّ المانع عن الضد إنّما هو مقتضي الضد المساوي أو الأقوى ، فيستحيل أن يكون نفس الضد مانعاً أيضاً. وإليه يرجع البرهان الأوّل والرابع.


٣ ـ انّ الضد ممتنع الوجود في رتبة وجود ضده الآخر ذاتاً ، فيستحيل أن يكون الثاني مانعاً عنه ، فإنّ المانع إنّما يمنع عن المعلول الممكن لا الممتنع.

نعم ، لو كانت المانعية غير مقيدة بهذا الفرض وهذه الرتبة كانت ممكنة ، وأمّا المقيّدة بذلك فهو غير معقول. وكذلك لو كان الضد واجباً على تقدير عدم الآخر استحال توقفه عليه ، وإلى هذا يرجع البرهان الخامس والثامن.

وأمّا البرهان الثاني والتاسع فهما تفسيران لكلام ورد في الكفاية ، وكلاهما غير تامّين ، والبرهان السادس لابدّ وأن يرجع إلى البرهان الأوّل ، وإلاّ لم يكن تاماً كما هو مبيّن في الكتاب.

وما نسب إلى الخونساري من توقّف الضد المعدوم على عدم الموجود فقط ـ وهو يكفي لاثبات حرمة الضد الخاص ـ لو تمّ ـ وليس بتام للزوم استغناء الممكن عن العلة بقاءً ـ إنّما ينفي النكتة الاولى لا النكتة الثانية والثالثة.

ص ٣٠٧ قوله : ( وقد نوقش في هذا الاستدلال بمناقشتين ... ).

قد يقال : انّ المناقشة الاولى لا تختص بالبيان الثالث بل تجري على الأولين أيضاً ، أي مناقشة في أصل البرهان السابع بكل تقريباته حيث انها تمنع فعلية التوقف من الطرفين وتدعى انها فعلية من طرف الضد الموجود دون المعدوم فإنّ التوقف فيه شأني فلا دور. وبهذا يكون البرهان الثالث أيضاً مناقشاً فيه فلماذا فصله السيد 1.

والجواب : انّ الصحيح اختصاص المناقشة الاولى أيضاً بالبيان الثالث وعدم جريانها في غيره لأنّ المبرهن عليه في البيان الأوّل استحالة مانعية الضد ، وفي البيان الثاني استحالة تأثير عدم الضد في نفسه مع قطع النظر عن تحققه في الخارج ، وهذا لا يتوقف على أكثر من قبول التوقف من طرف كل من الضدين


على عدم الآخر في نفسه ، وهذا يقبله الخصم حتى إذا ادعى انّ الضد الموجود عند وجوده لا يكون مانعاً عن المعدوم. فيقال : بأنّ الشيء المتوقف على عدم شيء آخر كيف يعقل أن يكون مانعاً عن وجوده ، فإنّه تهافت في الرتبة.

وبعبارة اخرى : لنفرض انّ الضد الموجود ليس مانعاً عن المعدوم فلا يكون عدم المعدوم متوقفاً على وجوده ليلزم الدور وإنّما التوقف من طرف واحد وهو الضد الموجود على عدم المعدوم ولكنه يقال مع ذلك انّ هذا التوقف من الطرف الواحد محال أيضاً إذا كان بنحو المانعية ـ وبنحو آخر أيضاً أي تأثير العدم في الوجود محال أيضاً كما تقدم ـ لأنّ ذاك الضد المعدوم المانع كيف يعقل مانعيته عن الموجود مع انّ وجوده في طول عدمه فإنّه تهافت في الرتبة ؛ لأنّ المانع متقدم على عدم الممنوع.

بل هنا يتم بيان آخر حاصله : انّه هل يكون الممنوع مانعاً عن الموجود في فرض عدمه أو في فرض وجوده؟ لا إشكال في استحالة الأوّل ؛ لأنّ المانع إنّما يمنع في فرض الوجود ، والثاني أيضاً خلف لأنّ المفروض انّه عند وجوده لا يكون مانعاً عن المعدوم فيستحيل مانعية الضد المعدوم والضد الموجود أيضاً ليس مانعاً فلا مانعية في البين.

ومن هنا يعرف انّ البيان الأوّل مبني على فرض المانعية وهو مبني على فرض الضد الموجود مانعاً ، فلا موضوع للمناقشة فيه.

ثمّ انّ المناسب جعل المناقشة مناقشات :

إحداهما ـ ما عن الميرزا وجوابه :

الثانية ـ ما عن صاحب الكفاية من عدم تعلق الارادة الازلية وجوابها :


أوّلاً ـ ما ذكر من انّ الارادة الأزلية قد تتعلق بالمقتضي مع المانع إذ ليست الأشياء توجد بها مباشرة.

وثانياً ـ ما يأتي من انّ امتناع تحقّق الضد المعدوم بالغير لا ينافي توقّفه على عدم مانعه الموجود أيضاً وثبوت الدور في عالم التوقّف فإنّ الدور ممتنع ذاتاً.

وهذا بخلاف مناقشة الميرزا ، فإنّه كان يدّعي الامتناع الذاتي لمانعية الضد الموجود ؛ ولهذا كان جوابه انّه مستلزم لامتناع مانعية الضد المعدوم أيضاً.

الثالثة ـ ما ذكره السيد الخوئي في تقريب المناقشة وهو بيان عرفي لا بأس بذكره من انّه في الأفعال الاختيارية للانسان حينما يفعل أحد الضدين لا يكون له ارادة للضد الآخر فلا مقتضي له ، ولو فرض الكلام في شخصين وامكان ارادتهما معاً فلا محالة يكون الشرط منتفياً وهو عدم القدرة على الايجاد مع تعلّق الارادة القوية بخلافه من أحدهما.

والجواب : أوّلاً ـ الجواب الأصلي الذي ذكرناه.

وثانياً ـ الارادة بمعنى الحب والشوق يمكن تجاه الضدين ، وبمعنى اعمال القدرة ليس إلاّعين الفعل والقدرة بمعنى عدم العجز الذي هو الشرط محفوظ في ارادة الشخصين.

ص ٣١٨ قوله : ( الفرضية الرابعة ... ).

هنا عدّة تعليقات :

الأوّل : انكار أصل الفرضيتين الثالثة والرابعة ، لعدة منبهات وجدانية :


منها ـ انّ لازم ذلك الالتزام بأنّ النهي عن شيء يستلزم وجوب نقيضه على مستوى الحب والبغض الذي هو روح الحكم ؛ إذ لا وجه للتفرقة بين الحب والبغض من هذه الناحية ، ولازم ذلك التسلسل حيث يلزم من بغض الترك حب الفعل من جديد حباً غيرياً وهكذا ، وهذا التسلسل وإن لم يكن محالاً لأنّه ـ كما تقدّم في بحث المقدمة ـ تابع لمقدار لحاظ موضوعه ، إلاّ انّه نعم المنبّه الوجداني على عدم الاستلزام المدعى ، بل القول بالاستلزام المذكور يؤدّي إلى عدم انفكاك محبوب عن مبغوض ، وحب عن بغض ؛ إذ كل محبوب سوف يكون نقيضه مبغوضاً في نفس الوقت ، وكل مبغوض يكون نقيضه محبوباً في نفس الوقت مع وجدانية تباين الحب وانفكاكه عن البغض في عالم النفس وعدم وجود مثل هذا التلازم الدائمي بينهما ، بحيث لا يتصوّر محبوب بلا مبغوض في مورده.

ومنها ـ لزوم ذلك في الأوامر والنواهي غير اللزومية أيضاً فالأمر الاستحبابي بشيء يستلزم كراهة نقيضه وكراهة شيء يستلزم استحباب نقيضه ، وهو أيضاً خلاف الوجدان. ودعوى الاختصاص بالتكاليف اللزومية بلا وجه.

ومنها ـ قياس الحب والبغض بالحسن والقبح والكمال والنقص فإنّ الايثار والاحسان حسن وكمال ، ولكن تركه ليس قبيحاً ومنقصة ، والبخل قبيح ومنقصة ولكن عدمه ليس حسناً وكمالاً وإنّما عدم نقص.

فالحاصل فرق بين الحسن والكمال والقبح والمنقصة ، وكذلك الحب والبغض.

ومنها ـ قياس ذلك بحب الأعيان وبغضها فإنّ من يحب شخصاً ليس معناه انّه


لو لم يحضر يكون ذلك مبغوضاً لديه كما إذا حضره من يبغضه وإنّما لم يحضر محبوبه فلا يلتذ ولا ينشرح لا انّه يتنفر وينزجر.

ومنها ـ وهو منبه تحليلي حلّي انّ صفة الحب يعني نحو انشراح وانبساط في النفس من شيء يلائمها أو ينسجم معها مع مقتضياتها وفطرتها وعلى العكس المبغض صفة نفسانية تعني الانقباظ والنفرة والانزجار مما فيه حزازة وايلام وايذاء لها ، وهما صفتان وجوديتان متضادتان لكل منهما ملاكه وعلته المؤثرة. ومن الواضح وجداناً انّ عدم الملاك لأحدهما يوجب انتفاء تلك الصفة لا حصول الصفة الاخرى المضادة ، إذ ليسا من قبيل الضدين اللذين لا ثالث لهما ، بل يعقل لهما الثالث وهو عدم تحقق شيء منهما ، ومعه لا موجب لافتراض أن يكون في النفس بغض وكراهية وانزجار من ملاحظة نقيض العنوان الذي يرى فيه الانشراح والحب والملائمة مع النفس.

الثاني : انّنا وإن لم نقبل الملازمة بين حب شيء وبغض نقيضه ، إلاّ انّ هناك مطلباً آخر نقبله ، وهو ينتج نفس النتيجة المطلوبة من هذا الاستلزام.

وحاصله : دعوى وجدانية عدم امكان تعلّق الحب والبغض بالنقيضين ، أي انّ النفس إذا اشتاقت وأحبّت الفعل فمن المستحيل لها أن تحب نقيضه وتركه في نفس الوقت ، وكذلك في طرف البغض ، بحيث لو فرض وجود ملاك ومصلحة في الفعل ومصلحة اخرى في الترك وقع بينهما الكسر والانكسار تماماً ، من قبيل المصلحة والمفسدة في الفعل الواحد ، والذي يوجب الكسر والانكسار بينهما ، لا تعلّق الحب والبغض به لامتناعه ، فكذلك في النقيضين فليس النقيضان كالضدين الوجوديين والذي يمكن تعلّق الحب بهما معاً ، غاية الأمر لا يمكن التحرك نحوهما معاً في الارادة والتكوينية والأمر بهما معاً مطلقاً في الارادة


التشريعة ، نظير حبّ أمر غير مقدور يتمنّاه الإنسان ولكن لا يمكنه أن يتحرّك نحوه أو يأمر به عبده.

ويمكن اقامة صورة برهان على ما ذكرناه حاصله : أنّ تعلّق الحب بشيء يقتضي في عالم اللحاظ ايجاده ، فكأنّ الشوق والحب متعلّق بخروجه من كتم العدم إلى الوجوب ، وتعلّق البغض به أو تعلّق الحب بنقيضه عكس ذلك في عالم اللحاظ ، ونفس أيّ حبّ عدم وجوده ، وهذان اللحاظان متهافتان لا يمكن اجتماعهما معاً كذلك في الصفات ذات الاضافة ، فهو نظير العلم بوجود شيء وعدمه الذي يستحيل تحقّقه في النفس.

فإذا كان هذا وجدانياً كفى ذلك فيما هو المهمّ في المقام ، وهو وقوع التنافي والتعارض بين الأمر بأحد الضدين مع الأمر بضده الآخر ـ بناءً على مقدمية ترك كل ضدّ بفعل الآخر ـ حيث يكون ترك الصلاة في وقت الازالة محبوباً بالحب الغيري ، وهو لا يمكن أن يجتمع مع محبوبية فعل الصلاة والأمر به ، كامتناع اجتماع المبغوضية والمحبوبية فيها بناءً على الاستلزام المدّعى في المقام عند السيد الشهيد 1 وجملة من الأعلام ، فيقع التعارض بين دليل الأمرين ، ولا يكون بينهما تزاحم ؛ لامتناع اجتماع مبادئ الحكمين الضدين حتى بنحو الترتّب كما هو محقّق في محلّه.

وهكذا يتضح أنّنا إذا قبلنا تقوّم الحكم الشرعي بالمحبوبية والمبغوضية وكونهما من مباديه بل روحه ـ كما يدّعيه المحقّق العراقي 1 ـ فلا نحتاج في بحث الضد العام إلى اثبات استلزام حب شيء لبغض نقيضه ، بل يكفينا قبول امتناع تعلّق الحب بالنقيضين والفعل والترك معاً.

الثالث : انّ حقيقة الحكم إن اريد به ما يبرزه الآمر فقد يكون اعتباراً قانونياً ،


وقد يكون الحب والارادة وقد يكون مجرد الغرض اللزومي والملاك. وإن اريد به نفس الابراز والدلالة فقد يكون بصيغة الأمر والانشاء وقد يكون بجملة خبرية. إلاّ انّ هذه الخصوصية لا تكون دخيلة في موضوع حكم العقل بوجوب الطاعة ، وإنّما موضوع حكم العقل بلزوم الطاعة وقبح المخالفة هو الارادة اللزومية المتعلقة بالفعل أو الترك أي تصدّي المولى لتحصيله من عبده لزوماً بحيث لا يرضى بخلافه. وهذا من مقولة الفعل المولوي ـ كما في الهامش ـ وليس وجود العناصر المتقدمة ثبوتاً أو اثباتاً دخيلاً فيه وفي موضوعيته لحكم العقل ، وإن كان قد يكون ظاهراً عرفاً في ثبوت بعضها في نفس المولى العرفي.

ومن الواضح أنّه لا يوجد إلاّتصدٍ وارادة واحدة في موارد الوجوب لا ارادتان وتصديان بل يستحيل ذلك في الأفعال الاختيارية المباشرية.

والمنبه على ما نقول مضافاً إلى وجدانية كون الحكم من مقولة الفعل انّه لو فرض كون آمر ومولى لا تتحقق في نفسه صفة الحب والبغض أصلاً ـ كما قد يقال بذلك في حق الواجب تعالى ـ فإنّه مع ذلك إذا أمر عبده كان واجب الاطاعة عقلاً.

نعم ، هنا لا يعقل الأمر بالفعل والأمر بضده العام ـ الترك ـ فيكون بينهما تعارض على كل حال ، بالنكتة التي ذكرناها من امتناع تعلّق الحب والبغض بالنقيضين معاً ، فإنّ ذاك التهافت ثابت في الأمر بهما أيضاً.

إلاّ انّ هذا كما هو واضح لا يجري في الضد الخاص ، فيمكن للمولى أن يأمر به أيضاً على نحو الترتب لكي لا يفوته كلا الغرضين ، حتى إذا كان مبغوضاً ـ كما هو كذلك بناءً على الاستلزام ومقدمية أحد الواجبين لترك الآخر ـ فيكون من قبيل موارد دفع الأفسد بالفاسد ودفع أشدّ الضررين بارتكاب أخفّهما ، ولا يمنع


ثبوت المبغوضية عن إمكان التقرّب به إذا كان مأموراً به شرعاً ؛ لأنّ ملاك التقرّب بتحقيق ما يتصدّى المولى لتحصيله بحسب أغراضه لا بالمبغوضية والمحبوبية المجردتين عن التصدّي المولوي والمخالفتين معه.

ثمّ انّا إذا لم نقبل ما ذكرناه فلا يجدي نفي مانعية أحد الضدين للضد الآخر ، وأنّ المانع مقتضيه لا نفس الضد في اخراج الأمر بالضد عن التعارض ـ بناءً على الاستلزام في الضد العام أو النكتة التي ذكرناها ـ فينهار باب التزاحم وينتفي في الفقه.

والوجه في ذلك : انّ المقتضي للضد المهم ـ ولنفرضه ارادة الصلاة مثلاً في وقت الازالة ـ سوف يكون مانعاً عن تحقق الواجب الأهم وهو الازالة فيكون محرماً لا محالة ـ بناءً على وجوب المقدمة ـ ومعه يستحيل الأمر بالصلاة ولو بنحو الترتب لأنّ الأمر بها يستلزم وجوب هذه الارادة ومحبوبيتها الغيريّة ؛ لكونها علّتها الموصلة وهو خلف حرمتها أي مبغوضيتها الغيريّة ، فيلزم الاجتماع المحال.

وبهذا يعرف عدم الحاجة إلى اثبات عدم التمانع بين الضدين ، بل تكفي مانعية مقتضي أحد الضدين المساوي أو الأقوى في وقوع التعارض وعدم امكان التزاحم.

بل يمكن افتراض توقف فعل الأهم على ترك الواجب المهم في بعض الموارد ، كما إذا كان اشتغاله بالصلاة موجباً لضعفه وعدم قدرته على الإزالة ، فهل يحكم في مثل هذه الموارد بالتعارض وعدم جريان التزاحم بين الواجبين؟ لا أظنّ التزام أحد بذلك ، وسوف يأتي مزيد تنقيح لهذا البحث.


ص ٣١٩ قوله : ( ثمرة مسألة الضد ... ).

الثمرتان ثمرة واحدة في فرعين فقهيين ، وكلتاهما تطبيقان للثمرة الكلية التامة في الأوامر التعبدية والتوصّلية ، وهي وقوع التزاحم بين الأمر بكل من الضدين بناءً على عدم الاقتضاء ووقوع التعارض بينهما بناءً على الاقتضاء ؛ للزوم اجتماع الأمر والنهي في الضد. فما في كلمات الاصوليين من جعل الثمرة في الفرعين فقط في غير محلّه ، بل لابدّ في بحث الثمرة البحث عن وقوع التعارض وعدمه بين دليلي الأمر بالضدين ، بناءً على الاقتضاء وعدمه.

والصحيح : انّه لا يقع تعارض بين الأمرين على كلّ حال ، وذلك :

أوّلاً ـ لعدم الاقتضاء كما تقدّم.

وثانياً ـ لو قيل بالاقتضاء فإنّما هو على مستوى الحب والبغض لا الارادة التشريعية التي هي من مقولة الفعل وهي المحركية والتصدي المولوي لطلب الفعل أو الترك وهو روح الحكم وقوامه.

وثالثاً ـ لو قيل بالاستلزام بلحاظ المحركية والتصدّي المولوي أيضاً فلا ينبغي الشك في أنّه نهي غيري لا نفسي ، والحكم الغيري ليست له محركية أصلاً ، ولو كانت فليست بأكثر من محركية الحكم النفسي التابع له ، فإذا كانت محركية الأمر النفسي بالضد الأهم غير مناقض مع الأمر بضده المهم على نحو الترتب لم يكن تنافٍ بين مثل هذا النهي الغيري والأمر الترتبي بالضد المهم ؛ لأنّ التنافي بين الأمر والنهي إنّما هو بلحاظ اقتضائهما ومحركيّتهما على ما سيأتي في بحث الاجتماع ، والمفروض عدم التضاد بينهما ، كما أنّ النهي الغيري ليس في مخالفته عصيان وقبح أو تمرّد على المولى لكي ينافي قصد القربة إذا كان الضد عبادياً.


ثمّ انّ الأولى ـ كما ذكرنا سابقاً ـ عقد مسألتين :

احداهما ـ اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضده.

الثانية ـ امكان الأمر بالضدين.

فما في الكتاب وغيره من جعل بحث الترتب والتزاحم من ثمرات بحث مسألة الاقتضاء ليس مناسباً.

ص ٣٢٢ قوله : ( وعلى ضوء هذين الأمرين يمكن أن يجاب ... ).

هذا الجواب قد لا يقبله المحقّق النائيني 1 ؛ لأنّ الإطلاق إذا كان ممتنعاً يسقط ، لا أنّه يكشف عن أخذ قيد زائد لا دالّ عليه في الكلام.

نعم ، لو ورد دليل خاص على الواجب المعلّق في مورد كشفنا بدلالة الاقتضاء ذلك. وفي المقام القول بفعلية الوجوب في الآن الأوّل على الطبيعة والجامع يستلزم الواجب المعلّق ؛ لأنّ الوجوب حينئذٍ مشروط بالقدرة على أفراده المستقبلية بنحو الشرط المتأخر حتى إذا كان المتعلّق مطلقاً ، والمفروض استحالته عند الميرزا 1 ، ولا دافع لهذا الاشكال إلاّالالتزام بامكان الشرط المتأخر ، أو القول بكفاية القدرة في ظرف العمل على صحّة التكليف به قبل ذلك ، فليست شرطية القدرة كشرطية سائر قيود الواجب كالزمان المتأخر في الواجب المعلّق ، فلو كان المتعلّق مقيداً بالحصص الاستقبالية من العمل كان من الواجب المعلّق والمشروط بشرط متأخر استقبالي وهو الزمان ، وأمّا إذا كان الواجب مطلقاً من حيث قيد الزمان إلاّ انّ القدرة عليه تحصل متأخراً فلا محذور في فعلية التكليف به من قبل ، كيف والقدرة على أكثر الواجبات الزمانية تكون تدريجية لا دفعيّة ، فمثل هذا ليس من الشرط المتأخر عند الميرزا 1.


ص ٣٢٥ قوله : ( الثالثة ـ انّ القائلين ... ).

هذا الجواب غير تام ؛ لأنّه بناءً على عدم امكان الأمر الترتبي يكون تعارض بين خطاب الأهم والأمر بالمهم فيكون سقوطه بالمقيد المنفصل بناءً على تقديم خطاب الأهم ولا يجدي كون القدرة مقيداً لبياً متصلاً.

نعم ، يصحّ ذلك على القول بامكان الترتب وعدم التعارض وهو مغاير مع مبنى هذا الجواب ، إذ لا حاجة معه إلى قصد الملاك بل هو رجوع إلى الجواب الثاني.

ص ٣٢٧ الهامش.

ما ورد في الهامش رقم (٢) تام ، فإنّ النهي أو البغض الغيري كما لا ينافي الأمر بالضد المهم ـ كما شرحناه سابقاً ـ لا ينافي المقربية أيضاً ؛ لأنّ مخالفته ليس تمرداً ولا قبيحاً عقلاً ، كما أنّ عدم المحبوبية فعلاً للملاك من جهة البغض الغيري لا يمنع وجداناً عن إمكان اضافته إلى المولى.

وبالنسبة لما ورد في الهامش رقم (٣) لا ينبغي الشك في وجدانية امكان الترتب والأمر بالواجب المهم حتى إذا وقع اتفاقاً تركه مقدمة لفعل واجب أهم في سلسلة علله ، فإنّه لا شك في أنّه سوف يريده المولى على تقدير ترك الأهم لكي لا يفوت عليه كلا الملاكين ـ بناءً على امكان الترتب ـ وهذا الوجدان على حدّ وجدانية امكان الترتب بين الضدين بل وجدانية حب الضدين الأهم والمهم في المقام أوضح من الأمر الترتّبي ؛ لأنّ الحب يتعلق بغير الممكن أيضاً فلا ينبغي الشك في انّ المولى يحب في المقام كلا الواجبين والملاكين بحيث لو كان الجمع ممكناً لأمر بهما مطلقاً.

وهذا الوجدان في قباله ما يذكره السيد الشهيد من برهان استحالة اجتماع


الضدين أعني الأمر والنهي حتى الغيريين ؛ وذلك بلحاظ امتناع اجتماع مبادئهما ، وهو الحب والبغض في موضوع واحد بناءً على وجدانية الملازمة أي قبول الحب الغيري للمقدمة.

وعندئذٍ لابد من وجه للجمع بين هذين الوجدانين. ويمكن أن يذكر في المقام بعض الوجوه :

١ ـ أن ننكر ما تقدم من السيد الشهيد 1 من انّ الترك الموصول نقيض الفعل فنقول : بأنّ الواجب الغيري إنّما هو ترك المهم الموصول إلى الأهم وهو لا يقتضي بغض الفعل ، فيمكن أن يكون الفعل محبوباً بل ومأموراً به مشروطاً بترك الأهم.

إلاّ انّ هذا لا يكفي ؛ لأنّ الواجب المهم بنفسه أو بمقتضيه علة تامة لنقيض الأهم في المقام ، فبناءً على مبغوضية نقيض الواجب يقع التنافي والتعارض بين الخطابين على كلّ حال ؛ للزوم اجتماع الحب والبغض في المهم أو في مقتضيه ولا يجري فيه الترتّب كما أشرنا سابقاً.

٢ ـ أن نقول بأنّ الملازمة بمستوى الاقتضاء لا أكثر بحيث إذا فرض وجود ملاك نفسي في نقيض المقدمة فلا يترشح حب غيري نحوها نظير ما قلناه في المقدمة المحرمة مع وجود المباحة.

إلاّ انّ هذا معناه انكار أصل الملازمة هنا ، إذ لا تبقى مقدمة محبوبة في البين ، مع انّه لا اشكال في شدة محبوبية فعل الأهم المستلزم بناءً على الملازمة حب ترك المهم ولو الموصل ، أو قل لبغض فعل المهم أو مقتضيه لكونه علة تامة للحرام الغيري.


٣ ـ أن يقال بأنّ الحب الغيري يختلف عن الحب النفسي من حيث أنّ المحبوب النفسي محبوب على كل حال بخلاف المحبوب الغيري فإنّ محبوبيته حيث انها غيرية أي من أجل التوصل إلى تحقيق المحبوب النفسي لا أكثر ، فلا محالة لا يكون المحبوب إلاّعنوان التوصل ولا يكون مبغوض إلاّعدم الوصول إلى الواجب النفسي الأهم ، وهذا النحو من البغض لا ينافي محبوبية الضد أو الواجب المهم في نفسه. إلاّ انّ هذا أيضاً يرجع بالدقة إلى انكار البغض الغيري لعلّة الحرام ، وهو مساوق مع انكار الملازمة.

وهكذا يتضح انّ وجدانية قبول التزاحم في هذه الموارد لا يمكن تفسيره إلاّ بالالتزام بعدم الملازمة بين حبّ شيء وحبّ مقدماته وبغض نقيضه ـ كما هو مختار السيد الخوئي 1 ـ أو عدم تقوّم الحكم بمبدأ المحبوبية والمبغوضية وتقوّمه بنفس التصدّي المولوي لتحصيل فعل أو ترك من المكلّف ، وهو فعل اختياري للمولى كالجعل ، سواء كان من جهة محبوبية ذلك أو كونه أنفع بأغراضه ولو من باب دفع الضرر والمبغوض الأشد أو الأكثر بالأقل ، وهذا وجداني لا ينبغي التردّد فيه ، بل لو تصدّى المولى لترك الضد والنهي عنه أيضاً فهو نهي من أجل فعل الأهم لا لذاته ، أي تصدٍّ غيري لا نفسي ، وهو لا ينافي الأمر بالضد بنحو الترتّب ؛ لأنّ التنافي بين الأمر والنهي بلحاظ محركيّتهما ، ولا محركيّة للحكم الغيري أكثر من محركيّة الحكم النفسي المترشّح منه ، والمفروض عدم منافاته مع الأمر الترتّبي بضده.

فالحاصل : لا امتناع حتى على تقدير قبول الاقتضاء في أن يكون الضد مأموراً به بنحو الترتب لأنّ هذا الأمر لا يتنافى مع النهي الغيري عنه لا من ناحية المبادئ ؛ لعدم تقوّم الحكم بالحبّ والبغض ، ولا من ناحية محركية الأمر والنهي


لأنّه نهي غيري لا محركية له ولو فرض وجودها ، فهي محركيّة كمحركيّة الأمر بالأهم لا أكثر ، فإذا لم يكن الأمر بالأهم منافياً مع الأمر بالمهم لكون هذا الأخير مشروطاً بفرض ترك الأهم فكذلك النهي.

ولو لم نقبل كلّ ذلك وقلنا بتقوّم الحكم بالحبّ والبغض لزم التعارض بين الأمر الترتبي بالمهم مع الأمر المطلق بالأهم على كلّ حال ؛ للزوم اجتماع الحب والبغض في المهم ـ إذا كان مانعاً عن الأهم بنفسه ـ أو مقتضيه وهو محال حتى بنحو مشروط. وبهذا يعرف أنّ سقوط الأمر بالضدّ أو وقوع التعارض بين دليلي الأمر بالضدين إنّما يترتب بناءً على القول بالاقتضاء فيما إذا قلنا بالنهي النفسي عن الضد ـ ولا قائل به ـ أو قلنا بأنّ قوام الحكم التكليفي وروحه بالحب والبغض ـ وقد عرفت عدم صحّته ـ فلا أثر ولا ثمرة للبحث عن مسألة الاقتضاء ، والله الهادي للصواب.

ص ٣٣١ قوله : ( ثانيهما : أن لا يكون الأمر بالشيء مقتضياً للنهي عن ضده ).

اتضح مما سبق عدم لزوم هذا الشرط ، لأنّ النهي الغيري لا يكون مانعاً عن صحّة الأمر الترتبي ؛ لأنّه لا محركيّة له أكثر من محركية التكليف النفسي المترشّح منه ، ولا تضادّ بين الأمر والنهي إلاّبلحاظ محركيّتهما لا بلحاظ الحبّ والبغض ؛ لعدم كونهما قواماً للحكم.

نعم ، من يرى تقوّم الحكم بالحبّ والبغض يلزمه هذا الشرط في إمكان الترتب ، إلاّ انّه حينئذٍ لابدّ له من انكار الحبّ والبغض الغيري للمقدّمة والضد العام للواجب ، ولا يكفي منع التمانع بين الضدين بالبراهين المتقدّمة كما هو ظاهر جملة من الأعلام ومنهم السيد الشهيد 1 ؛ لأنّه لا يدفع التضاد بلحاظ مقتضي الضد الواجب فيحصل التعارض بين الأمرين كما شرحنا ذلك فيما سبق.


ص ٣٣٢ قوله : ( الجهة الثانية ... ).

يتعرض في هذه الجهة إلى مقدار التقييد اللازم في الخطاب المزاحم بخطاب آخر أهم أو مساوٍ على كلا القولين من استحالة الترتب وامكانه ، فهذا هو عنوان هذه الجهة.

فيقال : على القول بامكان الترتب يتقيد التكليف بعدم امتثال الضد الواجب المساوي أو الأهم ، وهذا التقييد سوف نثبته على القاعدة بنفس قيد القدرة العقليّة المأخوذ في كل خطاب ، بلا حاجة إلى دليل من الخارج ، وبلا تعارض بين اطلاقي الخطابين أصلاً.

وبهذا يكون الخطاب الأهم أو المساوي وارداً على الآخر بامتثاله ، والورود ليس من التعارض ، وقد شرح السيد الشهيد أقسام الورود ، وهذا واضح.

وامّا على القول باستحالة الترتب فهذا المقدار لا ينفع بل لابد من تقييد أكثر لاطلاق الخطاب المزاحم بالأهم أو المساوي ، وهنا مطلبان ذكر السيد الشهيد أحدهما :

١ ـ في مقدار التقييد فهل يقيد بعدم واقع الخطاب الآخر الأهم مثلاً كما في موارد الاجتماع بناءً على الامتناع أو يقيد بعدم تنجزه وإن كان ثابتاً واقعاً.

٢ ـ انّ هذا التقييد هل يمكن تخريجه على القاعدة بنفس قيد القدرة المأخوذة لبّاً في كلّ خطاب فيكون الخطابان في موارد التزاحم من ورود أحد الخطابين على الآخر ولكن بتنجزه لا بامتثاله ، فيرتفع التعارض من البين حتى بناءً على امتناع الترتّب أم لا.


أمّا البحث الأوّل والذي تعرض له السيد الشهيد فقد أفاد ما محصله : انّ التنافي هنا ليس في المبادىء بل في مقتضيات الحكم أي التحريك ، حيث لا يمكن التحريك نحو الجمع بين الضدين لكونه غير مقدور وحينئذٍ إن لم تكن القدرة قيداً في التكليف أصلاً. فلا موضوع لهذا البحث حيث يبقى الخطابان على اطلاقيهما ، ولهذا جعلنا ذلك شرطاً في البحث عن الترتب ، وإن كان قيداً للخطاب فإن كان بحكم العقل من باب قبح الالجاء في المخالفة والعصيان أو اللغوية فهذا من الواضح انّه يكفي فيه التقييد بعدم تنجز الآخر ، حيث لا عصيان في فرض عدم التنجز فلا إلجاء كما لا لغويّة.

وإن كان من باب مقيدية الظهور في التحريك والبعث الذي هو غرض تكويني للمولى من وراء الجعل والخطاب فهذا الغرض لو اريد به التحريك الفعلي المطلق ـ الاحتمالان الأوّل والثاني ـ فهو غير معقول نحو الضدين ، إلاّ انّ هذا غير محتمل ؛ للزوم عدم توجّه المولى إلى أنّ العاصي والجاهل لا يتحركان بالفعل من الخطاب ، أو تخصيص الخطاب بالمطيع والعالم ، فلابد وأن يكون المقصود من داعي التحريك للمولى التحريك الاقتضائي اللولائي ، أي لو وصل إليه وتنجز عليه وكان مطيعاً لمولاه لتحرك ، وصدق القضية الشرطية لا تستلزم صدق طرفيها ـ وهذا هو المراد من الاحتمال الثالث ـ وهذا النحو من التحريك لا ينافي التحريك نحو الضدين إذا كان أحدهما غير منجز عليه ، وهذا يعني انّه يكفي تقييد الخطاب المزاحم بعدم تنجز الآخر لا عدم واقعه.

وقد ذكر السيد الشهيد هنا نحواً خامساً لداعي الانبعاث وهو انبعاث كل مكلف حسب درجة انقياده ، فإذا كان ينقاد من احتمال التكليف غير المنجز مع ذلك كان المولى من غرضه بعثه وتحريكه ، وهذا المعنى لا يمكن أن يكون نحو


الضدين وان لم يتنجز أحدهما عليه إذا كان بنحو من الاحتمال الذي يتحرك منه المكلف لأنّه يلزم منه التحريك نحو الضدين وهو غير ممكن.

إلاّ انّ هذا الداعي للانبعاث مضافاً إلى انّه غير صحيح في الخطابات المجعولة بنحو القضايا الحقيقية أي على جميع المكلفين بنحو واحد لا يمنع عن إطلاق الخطاب المهم لحال عدم تنجز الأهم غير الواصل ، لأنّ أصل وجود الخطاب الأهم مشكوك للمكلف بحسب الفرض ، فلا لغوية في أن يريد المولى تحصيل الخطاب والملاك المعلوم فعليته في قبال ما يكون مشكوكاً أصل ثبوته وإن كان أهم على تقدير وجوده.

وإن شئت قلت : انّ المكلّف في فرض عدم وصول الأهم إليه ووصول المهم لا يتحرك إلاّنحو المهم ، ففعلية المهم في هذا الحال أيضاً لا تنافي محركية الأهم الاقتضائي اللولائي. هذا كلّه في البحث الأوّل.

وأمّا البحث الثاني فقد يقال : إذا أمكن تقييد الخطاب المهم بعدم تنجز الأهم بنحو يكون من الورود بالتنجز وأمكن تخريج ذلك من خلال تفسير قيد القدرة بالنحو المتقدم فيخرج التزاحم عن باب التعارض حتى على القول باستحالة الترتب لأنّه بوصول الأهم أو تنجزه ترتفع القدرة ـ بعد تعميمها لما يشمل المانع الشرعي واعتبار الأهم مانعاً شرعياً فيكون عدمه لا محالة مأخوذاً قيداً لبياً في الخطاب كما سيأتي ذلك على الترتب أيضاً ، وبه نرفع التعارض بناء عليه ـ ومع عدم تنجزه لا مانع من إطلاق خطابه فلا تعارض على القاعدة فلماذا جعل عدم التعارض من ثمرات القول بامكان الترتب ، فيكون الصحيح في البحث في الجهة الاولى جعل الثمرة ما فعلته مدرسة المحقق النائيني من صحة الضد العبادي


والاجتزاء به أو الأعم منه ومن التوصلي بناءً على الترتب لا المعارضة بين الخطابين.

والجواب : أوّلاً ـ انّ هذا لا يتم في الخطابين المتساويين فلا محالة يقع التعارض بين اطلاقيهما إذ لو كان قيد القدرة بمعنى عدم تنجز الأهم لزم فعلية الخطابين المتساويين عند وصولهما معاً فيلزم طلب الجمع بين الضدين وإن كان القيد عدم وصول الأهم أو المساوي يلزم ارتفاعهما معاً.

وإن شئت قلت : يلزم الدور وانّ كلا منهما يكون مشروطاً بعدم الآخر وتنجزه وهو في نفسه محال فيلزم التعارض لا محالة ، وهذا بخلافه على القول بالترتب.

وثانياً ـ لا يصحّ أصل هذا الكلام حتى في الخطابين الأهم والمهم ؛ لأنّ التقييد بعدم القدرة الشرعية أي عدم المانع الشرعي ، وهو الأمر بالضد الأهم قيد زائد بحاجة إلى مقيّد خاص ، وإلاّ فاطلاق كل خطاب ينفيه ، وهذا بخلاف التقييد بالقدرة العقلية التكوينية ، فإنّ الخطاب لا يمكن أن ينفيه ، بل بالعكس كل خطاب مقيّد لبّاً به.

ويترتّب على ذلك أنّه بناءً على إمكان الترتّب يكون إطلاق كل خطاب بالضد منافياً مع إطلاق الخطاب الآخر لحال الاشتغال بالآخر لا مع أصله ـ أي حتى إذا لم يشتغل به ـ فامّا أن يحكم بتساقط الاطلاقين معاً بالتعارض ـ كما سيأتي عن المحقّق النائيني 1 ـ فيثبت الترتّب من الجانبين أو يحكم بسقوط إطلاق خصوص الخطاب المهم أو غير محتمل الأهمية للقطع بسقوطه دون إطلاق الأهم ومحتمل الأهمية فيؤخذ به ، أو يقال من أوّل الأمر بأنّ المقيّد اللبّي بالدقة


عدم الاشتغال بالضد المساوي أو الأهم أو محتمل الأهمية فلا إطلاق فيما لا يكون أهم ولا محتمل الأهمية ـ كما هو الصحيح والمبيّن في باب التزاحم من كتاب التعارض ـ فلا تعارض في البين أصلاً.

وهذا لا يتمّ إذا قلنا بامتناع الترتّب فإنّه سوف يقع تعارض بين أصل الخطابين عند وصولهما معاً ؛ إذ سوف يكون كل من الخطابين حتى لو فرض أحدهما أهم على تقدير ثبوته نافياً لأصل الخطاب الآخر بالملازمة ؛ لأنّ التقييد بعدم المانع الشرعي تقييد زائد منفي باطلاق نفس الخطاب ، فيقع التعارض بينهما لا محالة ، وهذا واضح.

ص ٣٤٤ قوله : ( وإن كان ذلك من أجل ما يقال من انّ الامتثال علة لسقوط الأمر والطلب ... ).

والجواب عليه :

أوّلاً ـ بما سيأتي في الكتاب من انّ سقوط الأمر في طوله وطول العصيان زماناً.

وثانياً ـ انّ الامتثال ليس مسقطاً للأمر أساساً على المبنى الصحيح من انّ تحصيل المحبوب ليس مسقطاً للحب وإنّما تنتهي فاعليته.

ص ٣٤٩ قوله : ( وإذا كان الفعل الأهم مما يعقل صدوره بلا اختيار ... ).

لابد من اضافة جملة هنا وهي ( وتكون الحصة غير الاختيارية منه واجدة للملاك الأهم أيضاً ) وإلاّ لم يكن وجه لتقييد الأمر بالمهم بالقيد الزائد كما هو واضح.


ص ٣٤٩ قوله : ( نعم بناءً على انّ ملاك امكان الترتب ... ).

والظاهر من المحاضرات انّ هذا هو الملاك عند الميرزا لامكان الترتب.

ثمّ انّه كان ينبغي البحث الصغروي أيضاً ، أي انّ المأخوذ قيداً بناءً على الترتب هل هو العزم على العصيان أو العصيان أو ترك الأهم؟ والصحيح هو الأخير ـ بناءً على نكتة امكان الترتب ـ إذ لا موجب لأخذ أكثر من ذلك بعد أن كان القيد اللبي هو القدرة ، فإنّها محفوظة بنفس ترك الضد الآخر وعدم الاشتغال به والعناوين الاخرى امّا فيه تقييد زائد أو فيه أخذ عنوان زائد.

ص ٣٥٩ قوله : ( الجهة السادسة ... ).

يمكن بيان الاشكال في امكان الترتب بأحد نحوين :

الأوّل : انّ ذلك يستلزم طلب الجمع بين الضدين ولو في حال واحد وهو من طلب غير المقدور.

وفيه : انّه لا يلزم ذلك ؛ لأنّه لو اريد الأمر بالجمع بين الضدين ، فمن الواضح عدم الأمر به وإنّما بكل منهما بخصوصه وهو في نفسه مقدور وإن اريد انّه يلزم من الجمع بين الطلبين والأمرين بالضدين ذلك بحسب النتيجة قلنا انّه لا يلزم لأنّ الأمر بأحدهما ـ على الأقل ـ مشروط بترك الآخر مما يعني انّ طلبه في فرض عدم تحقيق الآخر لا للجمع بينهما ، ولهذا لو فرض امكان الجمع بينهما لم يكن المطلوب إلاّأحدهما وهو الأهم لا كليهما ، فليس هذا من طلب الجمع بل من الجمع في الطلب.

وهذا هو الوجه الذي لعله يشير إليه الميرزا في مقدمته الخامسة والذي أجاب


عليه السيد الشهيد بأنّه كوجه وجداني مقبول ، وامّا كبرهان فيمكن للخصم أن يقول بأنّ فعلية الأمر بالضدين في حال عصيان الأهم يستلزم طلب الجمع في هذا الحال لا محالة.

وما ذكر من انّه لو أمكن الجمع بينهما لم يقعا معاً على صفة الوجوب. جوابه انّه لا يقع ذلك ؛ لأنّ أحدهما مقيد بعدم الآخر ولو من جهة تقييد مدلول الهيئة ـ كما ذكر في الكتاب ـ فلا يمكن فرض الجمع بينه وبين المطلوب بالطلب الآخر إلاّ بفرض امكان اجتماع النقيضين ، ومع فرضه يكون موضوع الأمر الثاني متحققاً أيضاً فيكونان معاً مطلوبين.

إلاّ انّ الانصاف انّ هذا الجواب جدلي لأنّه يمكن أن يقال بأنّ القيد المذكور وإن كان مأخوذاً بالنتيجة في متعلّق المهم إلاّ انّه ليس به أمر وإنّما الأمر بذات المهم ، وامّا تقييده فيستحيل أن يترشح عليه الأمر لأنّه مأخوذ قيداً في الوجوب فما هو المأمور به في الأمرين بالضدين أي ما وقع تحت الطلب منهما ذات الضدين ، وهذان الطلبان لا يلزم من الجمع بينهما طلب الجمع بين الضدين بدليل انّه لو جمع بينهما لم يكن الواجب إلاّأحدهما وهو الأهم ، فالحاصل الاشكال لم يكن هو لزوم طلب الجمع بين النقيضين بل الضدين في حال تحقق شرط فعلية الأمر الترتبي ، وهذا لا يلزم بالبرهان المذكور.

الثاني : لزوم المطاردة بين الأمرين من حيث التأثير والتحريك والفاعلية حيث انّ الأمرين يصبحان فعليين في حال تحقق شرط الأمر الترتبي فيكون كل منهما مقتضياً من حيث المحركية ما يمانع مع محركية الآخر ؛ إذ صرف المكلف لقدرته في أي واحد منهما يستلزم طرد الآخر فيقع التطارد بينهما في التأثير.


وهذا الاشكال هو الذي تصدى المحقق النائيني 1 الاجابة عليه بما في المقدمة الثانية والرابعة من نفي المطاردة ، ويمكن بيانهما بأحد أنحاء :

١ ـ ما في الكتاب في الجهة السابعة البيان الأوّل.

وقد يناقش فيه : بأنّ الأمر الأهم وإن كانت محركيته الفعلية غير موجودة حين تركه فلا مانع فعلي خارجي عن محركية الأمر بالمهم إلاّ انّ اقتضاء التحريك التشريعي والمولوي محفوظ في هذا الحال للأهم بحسب الفرض فيلزم التطارد بين الأمرين الشرعيين في المحركية التشريعية المولوية.

والجواب : انّ اقتضاء التحريك إنّما يكون ممتنعاً إذا كان منتهياً إلى محركيتين فعليتين متمانعتين ، فإذا لم يكن كذلك فلا محذور في تحقق مقتضيهما التشريعيين لا محالة ، وهذا واضح.

٢ ـ انّ محركية الأمر بالأهم لا يمكن أن تمنع عن محركية الأمر بالمهم ؛ لأنّها إنّما تمنع عنها من خلال التحريك نحو فعل الأهم المستتبع لترك المهم لا مستقلاًّ ، ومثل هذه المحركية يستحيل أن تكون مانعة عن محركية المهم ؛ لأنّها بتحققها يرتفع موضوع الأمر بالمهم وكل أمر على تقدير محركيته يستلزم ارتفاع موضوع الأمر الآخر يستحيل أن يكون مانعاً عنه في التأثير والمحركية فالتأثير الذي لو وقع وتحقق لا يقع موضوع الأمر الآخر يستحيل أن يكون مانعاً عن تأثيره.

وامّا عدم مانعية الأمر بالمهم عن تأثير الأمر بالأهم فواضح بما في الكتاب من التعبير بلزوم الدور ، أو بتعبير آخر : انّ الحكم لا يدعو نحو


تحقيق موضوعه. وهذا البيان معناه عدم التمانع بين المقتضيين للأمرين.

٣ ـ ما يمكن جعله بياناً فنياً لما رامه الميرزا 1 من دفع المطاردة بلحاظ المقتضيين وحاصله : انّ مقتضى الأمر بالأهم ليس مطلق عدم المهم بل عدمه المستلزم لوجود الأهم أي عدم المهم المقيّد بتحقق الأهم ، والأمر بالمهم لا يقتضي هدم هذه الحصة من عدم المهم وإنّما يقتضي هدم عدم المهم على تقدير عدم فعل الأهم لما تقدم من انّ قيود الهيئة مأخوذة في المادة لا محالة.

ولا يرد ما في الكتاب (١) من انّ الأمر بالأهم بالاطلاق أو الحفظ الذاتي يكون ثابتاً في تقدير عدم الأهم أيضاً فيكون هادماً للمهم في هذا الحال أيضاً ؛ لأنّ الأهم وإن كان فعلياً في هذا الحال إلاّ انّ متعلقه هو فعل الأهم وما يستلزم من فعله من عدم المهم وليس متعلقاً بعدم المهم ابتداءً.

وإن شئت قلت : انّ هذا الاقتضاء من باب المدلول الالتزامي لمقتضى الأهم ـ بالفتح ـ وما هو مدلول التزامي له إنّما هو عدم المهم المقيد به لا مطلقاً فبمقدار ما يقتضيه فعل الأهم من انهدام في المهم يكون مقتضياً للهدم وهو لا يقتضي أكثر من هدم المهم المقيّد هذا الهدم بهذا التقدير بنحو قيد الواجب لا الوجوب ، وهذه الحصة من عدم المهم لا يقتضي خلافه الأمر بالمهم أصلاً ، لأنّه أمر بالمهم على تقدير ترك الأهم لأنّ قيود الهيئة ترجع إلى المادة أيضاً فيكون مقتضاه هدم عدم المهم في هذا التقدير بنحو قيد الواجب.

__________________

(١) ص ٣٥٨.


فالحاصل : هناك حصتان من عدم المهم :

احداهما ـ عدم المهم المقيّد بفعل الأهم وهذا هو الذي يقتضيه الأمر الأهم ولا ينافيه ولا يمنع عن تحققه الأمر بالمهم ؛ لأنّه مقيد وجوباً وواجباً بترك الأهم.

الثانية ـ عدم المهم المقيد بترك الأهم وهذا هو الذي يقتضي الأمر بالمهم هدمه وخلافه ولا يقتضي الأمر الأهم تحقيقه لأنّه يقتضي ترك المهم بمقدار ما يستتبعه فعل الأهم لا أكثر.

والظاهر انّ هذا البيان تام لا غبار عليه أيضاً.

٤ ـ ما ذكر في الكتاب بعنوان البيان الثاني ولا يرد عليه ما في الهامش امّا لانكار وجود ارادتين وإنّما ارادة واحدة ومقدار التنجيز والتسجيل منه في الذمة يكون مشروطاً ، أو لو فرض انقداح ارادة اخرى مشروطة تعينية إلاّ انّه من الواضح انّ محركية هذه الارادة التعينية المشروطة ليست أكثر من محركية الأمر التخييري بالجامع بين عدم الشرط أو فعل الجزاء على تقدير الشرط ، أي الأمر التخييري بأحد الضدين ، ولا إشكال في عدم المطاردة بينه وبين الأمر بأحدهما المعيّن أيضاً إذا كان أهم ملاكاً مما في الجامع.

فالحاصل : لا نحتاج إلى ارجاع الارادة المشروطة إلى ارادة الجامع بين عدم الشرط وفعل الجزاء على تقدير الشرط ، بل يكفي كون محركيّة الارادة والوجوب المشروط بشرط اختياري ـ كما في موارد الترتب ـ ليس بأكثر من تحريك المكلّف نحو الجامع المذكور ، فتكون محركية الأمر الترتبي كمحركية


الأمر بالجامع بين الضدين ، فإذا كان ذاك غير مطارد ولا مزاحم للأمر التعيني بأحدهما مطلقاً فكذلك الأمر الترتبي ، ولعمري هذا واضح جداً.

٥ ـ وجدانية امكان الترتب ويمكن اقامة منبهات عليها نذكر فيما يلي ثلاثة منها :

١ ـ ما هو واقع في العرف من الأمر بدفع الضرر الأهم وإلاّ فالضرر الأقل عند دوران الأمر بينهما بحيث لا يمكن دفعهما معاً.

٢ ـ وضوح امكان التخيير الشرعي في كل مورد يعقل فيه التخيير العقلي مع وضوح صحّة الأمر بأحد الضدين بنحو التخيير العقلي بأن يقال افعل أحدهما فيصح الأمر بكل منهما مشروطاً بترك الآخر ـ بناءً على رجوع التخيير الشرعي إلى ذلك ـ وليس هو إلاّالترتب من الجانبين ومعه يصح الترتب من جانب واحد أيضاً إذا قيل بالتلازم بينهما في المحذور ونكتة الامتناع.

٣ ـ وقوع ذلك في الشرع فيما إذا نذر أن يزور الحسين 7 في عرفة إذا لم يحج ، وأن يحج إذا لم يزر الحسين 7 في عرفة ، فإنّه لا إشكال في عدم بطلان شيء من النذرين بل صحتهما ، وكذلك إذا نذر الزيارة على تقدير عدم الحج ثمّ استطاع فوجب عليه الحج ، فإنّه لا شكّ في وجوب الوفاء بنذره إذا لم يحج ولو عصياناً.

ولا يرد هنا ما أوردناه في الكتاب على الأمثلة التي ذكروها في مقام النقض على القائلين بالامتناع لوجود التضاد الذاتي بين الفعلين هنا ، فيمكن سرد مثل هذه الأمثلة الفقهية كمنبهات وجدانية.


ص ٣٧٠ س ١٣ قوله : ( إلاّ انّ أصل هذا الاشكال إنّما جاء ... ).

هذا المقطع كان من الهامش ادرج في المتن اشتباهاً وقد جعلناه في الهامش في الطبعة الجديدة وأجبنا عليه بأنّ إطلاق الخطاب الأولي للعالم بوجوب التمام أيضاً محال للزوم أخذ العلم بالحكم في موضوع شخصه ، بل ولعدم محركية هذا الأمر الثابت بهذا الإطلاق في حقه ؛ لأنّه يرى نفسه موضوعاً لغيره.

إلاّ انّ هذا الاشكال يمكن دفعه بوجهين :

١ ـ امّا اشكال أخذ العلم في موضوعه فجوابه ما تقدم مراراً من امكان أخذ العلم بالجعل في موضوع فعلية المجعول ، وظاهر الأدلّة في المقام ذلك أيضاً حيث ورد انّه من لم تقرأ عليه آية القصر وظيفته التمام.

وامّا اشكال عدم المحركية لكونه دائماً يرى نفسه موضوعاً لاطلاق خطاب التمام لمورد عدم وجوب القصر عليه واقعاً وانّه لو لم يكن له دليل على ذلك تشكل له علم اجمالي وتنجز عليه القصر فخرج عن موضوع الحكم بالتمام فقهياً.

فهذا الاشكال أيضاً يمكن دفعه بأنّه يكفي انّه يكون موجباً لشدة المحركية وسعتها الواقعية إذ سوف يعلم بأنّه يكون عليه التمام واقعاً على كل حال ، امّا لصدق ما دلّ مثلاً على وجوب التمام على من عمله في السفر دون القصر ، وامّا ـ لو فرض خطأه في هذا الفهم أو عدم صدور تلك الرواية ـ لأنّ من كان مثله فالتمام صحيح منه واقعاً ـ لو لم يأت بالقصر لعدم تنجزه عليه ـ بحكم الروايات


الدالّة على الاجزاء أي يحصل له علم بأنّه داخل في أحد اطلاقي جعل وجوب التمام ، وهذا كافٍ في المحركية اللازمة للخطابات ولا يشترط امكان وصوله التفصيلي.

٢ ـ انّ الإطلاق المذكور لو سلمنا انّه لا يكون قابلاً للوصول إلى المكلف لتحريكه ، إلاّ انّ هذا المقدار لا يكفي ؛ للغويته واسقاطه ما دام يترتب عليه فائدة مهمة وهو الاجتزاء بما فعله المكلف وعدم لزوم الاعادة والقضاء عليه.

نعم ، لو كان أصل الخطاب كذلك أمكن أن يقال انّه خلاف الظهور التصديقي الحالي في داعي التحريك والبعث إلاّ انّ هذا الظهور ليس بلحاظ كل جزء جزء من إطلاق الخطاب ، وإنّما هو بلحاظ أصله.

ثمّ انّ الاستاذ 1 ذكر هذا الاشكال وموافقته عليه أيضاً في آخر بحث وجوب الفحص في جريان الاصول العملية راجع ج ٥ ص ٤٢٨.


حالات خاصّة للأمر

ص ٣٨٠ س ٨ قوله : ( لا اشكال في صحة الجعل وجوازه في الأوّل إذ هذا مطابق مع ما هو الغرض من الجعل ... ).

كأنّ نكتة البحث عن الصحة والعدم هو الاستهجان الناشىء من لغوية الجعل مع العلم بانتفاء الفعلية لعدم تحقق موضوعه وعندئذٍ يقال بأنّ الاستهجان واللغوية لا يكون في الموردين المذكورين ، وإن كان الغرض المولوي عندئذٍ في الموردين إنّما هو في عدم تحقق الشرط باختيار المكلف لا تحقيق المأمور به على تقدير تحقق الشرط بالخصوص كما هو ظاهر الأمر به.

وحاصل هذا الفصل انّ الأمر مع العلم بانتفاء شرطه لو اريد به شرط الأمر أي الجعل ومبادئه فهو مستحيل لأنّه من وجود المعلول بلا بعض أجزاء علته وهو محال. وإن اريد به شرط المجعول فإن كان انتفاؤه من باب الضرورة وعدم امكان التحقق ولو في طول الجعل فأيضاً لا يصح الجعل للغويته ، والغرض الآخر في نفس الجعل لا يكون مصححاً للجعل فإنّ المصحح له ينحصر فيما فيه تحريك واطاعة للمكلف أي أثر تحريكي عليه. وإن كان عدم التحقق باختيار المكلّف فعندئذٍ قد ترتفع اللغوية من البين إذا فرض سنخ أمر كان يترتب عليه منع المكلف عن تحقيق الشرط كالكفارة على المحرم ـ المورد الأوّل ـ أو التعبد بتركه كالمورد الثاني وامّا إذا لم يكن يترتب على الأمر ذلك كما إذا لم يكن في الأمر صعوبة رادعة للمكلف فاللغوية باقية على حالها كلما علم بذلك سواء في


القضايا الخارجية أو الحقيقية ، وهذا واضح. ولا يترتب على هذه المسألة ثمرة أصلاً وإنّما ذكرت لوجودها في كتب الاصول القديمة.

ص ٣٨٦ قوله : ( والجواب على هذا الاشكال ... ).

هذا الجواب مبني على أن يراد بالاباحة بالمعنى الأخص مجرد عدم الأحكام الأربعة الاخرى حيث يكون دليل الوجوب بل أي حكم من الأحكام الأربعة بالمطابقة نفياً للاباحة بالمعنى المذكور وامّا انتفاء الأحكام الثلاثة الاخرى فيكون مدلولاً التزامياً لدليل الوجوب ، فإذا ضم اليها مدلول الدليل الناسخ النافي للوجوب ثبت الاباحة بالمعنى المتقدم أي انتفاء الأحكام الأربعة.

إلاّ انّ هذا المعنى للاباحة ليس مقصوداً لكونه مقطوع العدم لأنّ هذا إن اريد به السالبة بانتفاء الموضوع كما إذا لم يجعل شيء من الأحكام فهذا المدلول مقطوع العدم للعلم بجعل شرعي لكل واقعة في الشريعة وإن اريد به انتفاء الأحكام الأربعة مع وجود تشريع في الواقعة المستلزم للاباحة بالمعنى الأخص بمعنى جعلها أي جعل تساوي الطرفين وجواز الفعل والترك بلا رجحان والذي هو حكم وجودي والذي هو الاباحة بالمعنى الأخص بعد ثبوت التشريع ونزوله على النبي 6 في كل واقعة ، فهذا المعنى منفي بدلالة التزامية رابعة لدليل الوجوب المنسوخ لا المطابقية فتكون معارضة مع هذه الدلالات الأربع لا محالة.

فالحاصل لو اريد نفي الأحكام الأربعة فقط بلا اثبات الاباحة بالمعنى الأخص الذي هو حكم وجودي فهذا مقطوع البطلان بعد نزول التشريع لكل واقعة وإن اريد اثبات ذلك ولو بالملازمة بمجموع هذه الدلالات الأربع فهذا معارض مع دلالة التزامية رابعة لدليل الوجوب المنسوخ على نفيه ، وهذا واضح.


على انّ القائل باثبات الجواز من الواضح انّه لا يريد اثبات الاباحة بالمعنى الأخص بعد نسخ الوجوب لوضوح انّه لا يمكن اثباته بدليل الوجوب فإنّه كان دالاًّ على نفيه لا على ثبوته وإنّما يقصد اثبات الجواز بالمعنى الأعم أي نفي الحرمة الذي كان ثابتاً قبل نسخ الوجوب أيضاً.

ص ٣٨٦ قوله : ( التقريب الثاني ـ مبني على القول بحجية الدلالة التضمنية ... ).

الايراد على هذا التقريب لا ينحصر بمنع المبنى وهو تركب الوجوب ، بل يرد عليه أيضاً بأنّ مجرد تركب المعنى لا يكفي ما لم تكن الدلالة متركبة أي دلالات تضمنية عديدة ، فلو قال مثلاً : رأيت سريراً ، ثمّ علم بأنّه لم ير سريراً كاملاً ولكنه يحتمل أن يكون قد رأى خشبة مثلاً التي هي جزء من السرير فهل يقال بأنّ الخطاب يبقى حجة عليه؟ كلا جزماً.

ومنه يعرف انّه لا يمكن تصحيح هذا التقريب حتى لو جعلنا روح الحكم وحقيقته الارادة والحب ـ كما هو مبنى السيد الشهيد 1 ـ وقلنا بأنّ الوجوب في هذه المرحلة هو الارادة والحب الشديد وأنّ زوال مرتبته لا ينافي بقاء ذاته ، فإنّ هذا التركيب الثبوتي لا يكفي لاثبات أصل الطلب والحب اثباتاً من دليل الوجوب بعد نسخه لعدم التكثر في الدلالة اثباتاً.

ولعلّ هذا هو المقصود من لزوم كون الدلالة التضمنية تصديقية لا تحليلية وإن كان ظاهر التحليلية هو الكلي والفرد لا اجزاء المعنى المركب الواحد.

وامّا الاشكال الثالث للسيد الخوئي فحاصل الجواب عليه كما في آخر الص ٣٨٨ انّ الدلالة التضمنية إنّما يمكن الأخذ بها لو لم تدخل في المعارضة ،


وبناءً على عدم امكان بقاء الجنس كالجواز أو ذات الارادة بعد زوال النوع ـ وهذا يعني انّ الجواز مع الوجوب غير الجواز مع الاستحباب أو الاباحة أو الكراهة ـ تدخل الدلالة على الجواز التضمنية في المعارضة أيضاً ، أي تكون منفية بالدليل الناسخ. نعم ، تبقى الدلالة التصورية التضمنية لا التصديقية وهي لا تكون حجة.

إلاّ انّ هذا الجواب لا يتم إذا فرضنا تكثّر الدلالات التضمنية اثباتاً ؛ لأنّ معناه انّ كل دلالة تضمنية تصورية تكون بأزائها دلالة تصديقية مستقلة عن الاخرى ، على ما سيأتي في وجه حجّية الدلالة التضمنية بعد سقوط المطابقية.

فالحاصل النكتة وجود دلالات تضمنية تصديقية مستقلة ، وهذه لو كانت ـ ولو كان لازمها ثبوت فرد آخر من الجنس غير ما كان ثابتاً مع النوع المنسوخ ـ كانت حجة ، فلا ربط بين المسألتين فإنّ هذه اثباتية اصولية وتلك فلسفية ثبوتية.

ثمّ انّ هنا مطلباً آخر يمكن أن يقال ، وحاصله : انّ التقريبات المذكورة إنّما تتم لو قبل مبناها بناءً على انّ النسخ تخصيص في الأزمان كما هو المشهور ، وامّا إذا تعقلنا النسخ الحقيقي على مستوى الجعل والانشاء بأن يكون الجعل الأوّل مطلقاً غير مقيد زماناً إلاّ انّ الشارع يلغيها بقاءً ، فعندئذٍ لا يكون الدليل الناسخ معارضاً أصلاً لدلالات الدليل المنسوخ وإنّما يلغي مدلوله مع الاعتراف باطلاق الجعل المفاد به واقعاً ، وعندئذٍ لا يكون للدليل المنسوخ نظر إلى الحكم المجعول بعد فرض نسخ الحكم المنسوخ ؛ لأنّه خارج عن مفاده ، فما هو المجعول من الحكم على تقدير نسخ ذلك الحكم خارج عن مداليل الدليل المنسوخ حتى التزاماً فضلاً عن المدلول المطابقي له أو الالتزامي ، ومعه فلا موضوع للتقريبات المتقدمة.


كيفيّات تعلّق الأمر

ص ٣٩٨ قوله : ( القسم الخامس : ... ).

الفرق بين هذا القسم والقسم الرابع انّه في الرابع يكون الطبيعة المشار بها إلى واقع معين في الخارج متعلقاً للحب بخلاف القسم الخامس الذي يكون فيه الطبيعة بالحمل الأولي متعلقاً والطبيعة بالحمل الأولي يبقى كلياً ، وهذا واضح.

ص ٤٠٢ قوله : ( وقد استبعد الميرزا 1 ... ).

للميرزا اشكال آخر كالعقلي وهو احتياج تعلّق الطلب بشيء إلى تقدير ( أو ) بمقدار أفراده العرضية والطولية مع عدم تناهيها غالباً.

وهذا الاشكال يمكن ارجاعه إلى اشكال صحيح من انّ أي عنوان يؤخذ فإن كان جامعاً بدلياً بين الأفراد قابلاً للانطباق على كل واحد منها كان من التخيير العقلي لا محالة ، وامّا التخيير الشرعي فلا يمكن إلاّبافتراض ملاحظة كل فرد فرد مستقلاًّ مع العطف بينها بأو وهذا غير ممكن من خلال عنوان واحد خصوصاً في ما تكون أفراده غير متناهية.

وأمّا ما في الكتاب من الاشكال المضاف فهو تام إذا فرضنا عدم امكان الإشارة إلى الوجود العيني من خلال مفهوم ذهني قبل وجوده وإلاّ لم يتم على ما سنبيّنه فيما يأتي.


ص ٤٠٢ قوله : ( الصياغة الثانية ـ ما أفاده الميرزا 1 ... ).

قد أشكل على هذه الصياغة السيد الخوئي بأنّ التشخص بالوجود لا بالصفات والعوارض الاخرى والتي كل واحدة منها طبيعة مستقلة تشخصها بوجودها المباين مع وجود الجوهر ، وهذا واضح.

إلاّ انّه ليس اشكالاً على الميرزا لأنّ الميرزا يقبل بطلان عروض الوجود على الماهية الشخصية ، وهذا اشكال على مبنى عروض الوجود على الماهية الشخصية بحسب الحقيقة وانّ قولهم الشيء ما لم يتشخص لم يوجد لا يراد به التشخص الوجودي بل التشخص العلِّي ، فالصحيح في الاشكال على الميرزا ما ذكره السيد الشهيد 1.

ص ٤٠٤ قوله : ( الصياغة الرابعة ... ).

يمكن الاشكال فيها بأنّ فرض كون متعلّق الأمر المركب من مجموع الطبائع ـ الجوهر والأعراض ـ بعيد غايته حتى لو قبلنا انّ مفهوم الفرد ـ كمفهوم ـ زيد كذلك في عالم الذهن والمفهوم. على انّ أصل هذا التحليل لمفهوم الجزئي حتى بلحاظ عالم الذهن غير تام بل الجزئية في المفاهيم تنشأ من الاشارة والإشارة الفعلية وإن كانت في طول الوجود العيني ، إلاّ انّ الذهن يمكنه أن يجرد الإشارة أيضاً عن وجود المشار إليه بالفعل فيتصور المفهوم الجزئي مجرداً عن وجوده في الخارج ولنسميه بالاشارة الشأنية أو التعليقية.

وبهذا يمكن أن يطوّر الصياغة الرابعة إلى أنّ المراد بتعلّق الأوامر بالأفراد تعلقها من خلال الطبيعي إلى ما يمكن أن يتحقق من المصاديق وجزئيات الطبيعي في الخارج أي يشار به إلى تلك المصاديق الفرضية التقديرية


التعليقية فلا يكون في طول الوجود ليلزم طلب الحاصل ولا يكون في نفس الوقت متعلّق الأمر الطبيعة بل واقع كل فرد بخصوصيته وتشخّصه ، وهذا يترتب عليه تعلّق الأمر وسريانه إلى الفرد فيفيد في بحث اجتماع الأمر والنهي للقول بالامتناع.

ص ٤٠٩ قوله : ( النظرية الثانية ... ).

عبارة الكفاية فيها مطالب اخرى زائدة مربوطة بقانون الواحد لا يصدر منه إلاّ الواحد وتطبيقه على باب الأعراض والواحد النوعي وقد تصدى السيد الخوئي 1 للتعليق عليه ، إلاّ انّ هذه امور خارجة عن حقيقة البحث الاصولي ، فمن هنا حذفها السيد الشهيد ، كما انّ ظاهر عبارة الكفاية أنّ الوجوب التخييري سنخ وجوب يتعلّق بكل عنوان من البدائل بنحو يجب ويجوز ترك أحدها إلى بدل لا مطلقاً.

وهذا قد فسّره السيد الشهيد بالوجوب المشروط ، وإلاّ فعبارته ليست صريحة في ارادة هذا المعنى بل هو يشبه كلام المحقق الاصفهاني القادم. إلاّ انّه على ما سيأتي في التعليق على نظرية المحقق الاصفهاني بناءً على كون الوجوب مجعولاً شرعياً لا محالة يكون الترخيص المذكور تقييداً في جعل الوجوب امّا من حيث المتعلق فيرجع إلى ايجاب الجامع ولو الانتزاعي أو من حيث الايجاب فيرجع إلى الايجاب المشروط ، وإلاّ كان من التناقض.

ثمّ انّه قد يقال بأنّ الايجاب المشروط بعدم فعل الآخر إن كان بنحو الشرط المقارن فهو يوجب فعلية الوجوب حتى إذا جاء بالآخر بعد الآن الأوّل وإن كان بنحو الواجب المشروط بالشرط المتأخر ابتنى على امكان الشرط المتأخر


ويلزم أن يكون الاتيان بهما معاً موجباً لعدم وجوب شيء منهما وهو واضح البطلان.

والجواب : انّ هذا الاشكال في الصياغة فيمكن أن يجعل الشرط عدم الاتيان بأحدهما منفرداً ، كما انّ مشكلة الشرط المتأخر تقدم حلها.

ص ٤١٤ قوله : ( فكان ينبغي أن يجعل هذه الاعتراضات كلها اعتراضاً واحداً ... ).

وفي المحاضرات اشكال آخر حذفه السيد الشهيد حاصله : انّ فرض وجود مصلحة في التسهيل معناه مزاحمة ذلك مع المصلحة الملزمة في كليهما فلا يكون في البين إلاّمصلحة واحدة مطلوبة بعد الكسر والانكسار لا مصلحتان لزوميتان فلا يمكن أن يكون في البين إلاّوجوب واحد لا وجوبان.

وهذا الاشكال صحيح إذا كان النظر إلى عالم روح الحكم ومبادئه بمعنى انّه لا يمكن أن يكون هناك عقابان ومعصيتان لو تركهما معاً ، بخلاف فرضية التضاد بين الملاكين إذا فرض انّ ترك أحدهما من شرائط الاتصاف.

نعم ، على مستوى عالم الجعل والانشاء يمكن أن يقال : حيث انّ مصلحة التسهيل في الجامع لا في ترك أحدهما المعين كان الترخيص بدلياً والالزام تعينياً.

إلاّ انّ الميزان ملاحظة عالم الروح وهو يرجع إلى ايجاب الجامع ـ النظريّة الخامسة ـ لا إلى كلام صاحب الكفاية ـ النظرية الثانية ـ فما في الكتاب من رجوع كلامه إلى كلام صاحب الكفاية في غير محلّه.


ص ٤١٦ قوله : ( وهكذا يتضح انّ تصوير الواجب التخييري لا ينحصر ... ).

ظهر انّه على مستوى الانشاء بناءً على كون الوجوب مجعولاً شرعياً لا محالة يكون الترخيص البدلي مناقضاً مع الايجابين التعينيين المطلقين في الطرفين ، فلابدّ من تقييد امّا لمتعلّق الجعلين ـ التقييد بأو ـ والذي مرجعه إلى ايجاب الجامع الحقيقي أو الانتزاعي بينهما أو تقييد الايجاب بما إذا لم يفعل الآخر ، فيكون من الواجبين المشروطين.

هذا تحليل الواجب التخييري بلحاظ عالم الجعل والانشاء ، وامّا بلحاظ عالم روح الحكم ومبادئه ، فيتصور بنحوين أيضاً :

١ ـ أن يكون هناك غرض الزامي واحد في الجامع الحقيقي أو الانتزاعي ويلحق به فرضية المحقق الاصفهاني لأنّ المصلحة غير المنكسرة في الجامع لا أكثر أي مصلحة واحدة ملزمة لا أكثر.

٢ ـ أن يكون هناك غرضان الزاميان بينهما تضاد بحيث لا يمكن ايجادهما معاً ، وهنا توجد ارادتان وشوقان تعينيان ، وعندئذٍ إن فرض انّ ترك أحدهما من شرائط الاتصاف أي القدرة عليه من شرايط الاتصاف والعجز عنه رافع للحاجة إليه فلا محالة لابد وأن يجعل المولى جعلين مشروطين ولا يصح جعل الجامع ، وذلك لكي يكون فرض تركهما معاً فيه مخالفتان وعقوبتان بخلاف ما إذا جعل ايجاب واحد على الجامع.

وإن فرض انّ القدرة ليست من شرائط الاتصاف كان المولى مخيراً في مقام الانشاء بين جعل ايجاب واحد على الجامع أو ايجابين مشروطين ؛ لأنّهما بحكم الايجاب الواحد من حيث النتيجة.


ومن هذا ظهر ثمرة اخرى بين الصيغتين هي انّه على تقدير استفادة وجوبين مشروطين يكون تركهما معاً فيه مخالفتان وعصيانان وبالتالي فيه عقوبتان إلاّإذا احرز أنّ الشرط من شرائط الوجود لا الاتصاف وإلاّ فمقتضى احتمال ذلك وفعلية كلا الوجوبين تحقق مخالفتين وعصيانين بخلافه على تقدير وحدة الوجوب أي ايجاب الجامع.

لا يقال : مع فرض الشك في تفويت غرضين لزوميين للمولى تجري البراءة عن العقوبة الزائدة.

فإنّه يقال : البراءة إنّما تجري عن التكليف والوجوب والمفروض تعددهما وفعليتهما فيكون في تركهما مخالفتان لتكليفين فعليين يحتمل امكان تحصيل ملاكيهما معاً أي عدم تفويت شيء منهما ، وهذا كاف لحكم العقل بتنجزهما معاً.

ص ٤١٨ قوله : ( وقد أوضح المحقق الاصفهاني هذا الجواب ... ).

قال هذا المحقق : لا يخفى انّ حلّ الاشكال تارة يكون بلحاظ فردية الأكثر كالأقل للطبيعة ، واخرى بلحاظ ترتب الغرض على الأقل بشرط لا وعلى الأكثر ، فإن كان بلحاظ فردية الأكثر كالأقل للطبيعة كما يومي إليه التنظير برسم الخط فلا محالة يبتني على التشكيك في الماهية أو في وجودها والأكثر حينئذٍ فرد للطبيعة كالأقل.

ثمّ بدأ ببيان بعض الاشكالات والاجابة عليها ... إلى أن قال :

وأمّا توهم عدم اجداء التشكيك للزوم استناد الفرض إلى الجامع بين الأقل


والأكثر لا اليهما بما هما أقل وأكثر لتباينهما امّا من حيث مرتبة الماهية أو من حيث مرتبة الوجود خصوصاً على مسلكه 1.

فمدفوع : بأنّ الحق جريان التشكيك في وجودات تلك المقولات لا في ماهياتها ، فلا محذور لا من حيث انّ الوجود بسيط يكون ما به الافتراق فيه عين ما به الاشتراك فلا يلزم من استناد الغرض الواحد سنخاً إلى مرتبتين من وجود مقولة واحدة استناده إلى المتباينين بل لأنّه لا ينافي التخيير العقلي لاندراج المرتبتين تحت طبيعة واحدة وهو ملاك التخيير العقلي ، وإلاّ فالاختلاف في المراتب ملاك اختلاف الآثار والأحكام ، فالمرتبة من حيث انها مرتبة لا دخل لها في الغرض بل من حيث اندراجها تحت الجامع. بخلاف ما إذا كان التشكيك في الماهية فإنّ مبناه على انّ ماهية واحدة تارة ضعيفة واخرى شديدة من دون جامع بينهما ، فالأقل بحده وإن كان فرد الجامع كالأكثر إلاّ انّه فرد الجامع الضعيف والأكثر فرد الجامع الشديد من دون جامع آخر يجمعهما فالتخيير شرعي حينئذٍ. ( انتهى كلامه رفع مقامه ).

ومنه يظهر انّ القول بالتشكيك الخاص في الوجود هو مبنى تصوير التخيير العقلي بين الأقل والأكثر لا أصل التخيير أي أن يكون الغرض واحداً في الجامع فإنّه لا يمكن أن يكون الغرض الواحد صادراً من ماهيتين مختلفتين ولو من حيث الشدة والضعف ـ بناءً على التشكيك الماهوي ـ.

وامّا إذا كان هناك غرضان مختلفان فيتصور التخيير الشرعي بينهما ، ولكنه يكون من التخيير بين متباينين بالدقة ؛ لأنّ كل ماهية غير الاخرى في المرتبة.


ونلاحظ هنا :

أوّلاً ـ انّ هذا بالدقة وإن كان من الاختلاف في الماهية بحسب المرتبة وهو من التخيير الشرعي وبين متباينين لكنه من التخيير العقلي عرفاً لأنّ كلاًّ من الفردين نسبته إلى الطبيعة والعنوان واحد ، فبلحاظ عالم الخطاب والجعل يكون التخيير العقلي ممكناً هنا أيضاً ولا يتعين على الشارع أن يجعل خطابين.

هذا لو قبلنا أصل قاعدة عدم امكان صدور الغرض الواحد من الكثير بالنوع الذي هو مسلك صاحب الكفاية في باب الأحكام وأغراضها الشرعية.

وثانياً ـ الاشكال على أصل الجواب الأوّل الذي صوّره صاحب الكفاية للتخيير بين الأقل والأكثر ، فإنّه يرد عليه : انّ الأقل لو لم يؤخذ بشرط لا عن الزائد أي عدم انضمامه إلى ما يتقوم به وجود الأكثر فلا محالة بمجرد تحققه وقبل تحقق حده الوجودي يسقط الأمر فلا يقع حده أي الزيادة التي يتقوم بها الأكثر على صفة الوجوب لا محالة وإن اخذ ذلك رجع إلى الجواب الثاني وكان من التخيير بين المتباينين لا الأقل والأكثر.

وهذا الاشكال أورده المحقق الاصفهاني نفسه في صدر البحث (١) ، والغريب ما في الكتاب في ص ٤٢٠ س ٢ ما ظاهره اندفاع هذا الاشكال وانّه مختار المحقق الاصفهاني في شرحه وتوضيحه لكلام استاذه ؛ وأيّاً ما كان فهذا الذي ذكر من انّ الأكثر وجود واحد مستقل لا وجودات عديدة صحيح إلاّ انّه لا ينافي تحقق أصل وجود الطبيعة ضمن ذات الأقل حينما شرع في رسم الخط

__________________

(١) راجع كلامه في نهاية الدراية : ج ٢ ، ص ٢٧٤ ، ط ـ آل البيت.


وقبل أن ينتهي ، فإنّ دعوى عدم تحقق ذات طبيعة الخط بعد في الخارج واضح البطلان والسخف وإن فرض أنّ شخص الوجود الحاصل بالخط يبقى عند تحقق حده وانّه ليس هناك وجودان في الخارج. والحاصل الامتثال يتحقق بأصل وجود الطبيعة في الخارج لا بوجودها الاستقلالي إذا كان الغرض مترتباً على ذاتها.

اللهم إلاّأن يقال بأنّ الامتثال أيضاً لا يستقل ويتشخص إلاّبتحقق الوجود الواحد فيكون امتثالاً واحداً لا أنّ قسماً منه امتثال وقسم منه وهو حده وما يتقوم به الأكثر ليس امتثالاً.

وإن شئت قلت : انّ وجود الغرض كوجود الطبيعة المحققة له لا يتحقق فرد منه في الخارج إلاّبتحقق وجود الطبيعة فإذا كان وجودها واحداً كان وجود الغرض واحداً أيضاً فالتخيير عقلي لا محالة.

ص ٤٢٠ قوله : ( وهذا الايراد لو تمّ بأن افترضنا ... ).

بل هنا جواب أولى وهو انّ الحدّ والخصوصية ليس فيه زيادة عنوانية ومفهومية ليلزم اللغوية وطلب الحاصل بل تعلّق الأمر بذات الجامع والطبيعة ـ طبيعي الخط ـ بنفسه يقتضي التخيير العقلي بين الأقل والأكثر.

وبعبارة اخرى : طلب ايجاد ذات الطبيعة يقتضي بنفسه التخيير بين الأقل والأكثر عقلاً ؛ لأنّ الأكثر بحده وجود وايجاد واحد وامتثال واحد للطبيعة لا أكثر ، فليست الاستقلالية في الوجود فيها مؤنة وقيد اضافي لمتعلق الأمر لكي يقال بأنّه ايجاب ضمني لغو لكونه تحصيلاً للحاصل.


ص ٤٢٠ قوله : ( وهكذا اتضح ... سواءً افترض أمر واحد بالجامع أو أمران مشروطان ... ).

لا معنى لهذا التعميم هنا إذ المقصود في الوجه الأوّل تصوير التخيير العقلي أي فردية الأكثر كالأقل للطبيعة على حدّ واحد ، وامّا التخيير الشرعي ووجود أمرين مشروطين فهو فرع وجود عنوانين وهنا لا يوجد إلاّعنوان واحد وهو الطبيعة ، وامّا الفردان بما هما فردان فهما متباينان وليسا أقل وأكثر كما هو واضح.

والظاهر انّ هذه العبارة من سهو التقرير فإنّه يناسب ذيل الجواب الثاني الذي هو من التخيير الشرعي بين الأقل والأكثر لا العقلي.

ص ٤٢٢ قوله : ( كما انّه إذا افترضنا فرضية الأمرين التعينين المشروطين ... ).

ولكن على هذا التقدير يرد اشكالان آخران :

أحدهما : انّه في فرض تركهما معاً يكون كلا الأمرين أي الأمر بالأقل وبالأكثر فعليين وهو من التكليف بالضدين فيكون محالاً ، وهذا بخلاف ما تقدم في الواجب التخييري الشرعي بناءً على هذه الفرضية حيث لم يكن تضاد بين الواجبين والعدلين بل بين الغرضين فيهما.

وفيه : انّ هذا لا محذور فيه بناءً على امكان الترتب. نعم ، يرد هذا الاشكال بناءً على استحالته كما هو مسلك صاحب الكفاية الذي هو صاحب هذا الجواب وأمّا بناءً على امكانه فلا تطارد بينهما لأنّ كل واحد منهما يرفع بامتثاله موضوع فعلية الآخر فهو من الترتب من الجانبين.


الثاني : انّه في هذا الفرض يلزم اجتماع الأمر والنهي والذي لا يشفع له امكان الترتب لأنّه سوف يكون فعل الزيادة وتركها معاً مطلوبين ، أي يلزم أن يكون ذات الأقل مطلوباً على كلّ حال ويطلب فعل الزيادة وتركها ، وهذا بنفسه محال لاستحالة تعلق الطلب بالنقيضين أو قل لاستلزام طلب الفعل حرمة النقيض فيلزم اجتماع الأمر والنهي فيه ، ولا ينفع في دفعه امكان الترتب كما هو واضح.

وهذا الاشكال لا دافع له إلاّباخراج الوجوبين المشروطين بحسب المبادىء وعالم الثبوت لا الانشاء عن الوجوبين المشروطين إلى وجوب أحدهما لا محالة أي وجوب ذات الأقل وأحد القيدين والحدين حتى إذا كان هناك غرضان متباينان تعيينيان لا يمكن الجمع بينهما للتضاد بين الأقل بحده والأكثر.

نعم ، إذا أنكرنا تقوّم الحكم بالارادة والحب والشوق وكفاية الغرض في المبادئ للانشاء والجعل أو كان الحب متعلقاً بالغرضين وهما ضدان لا نقيضان ولم يشترط في روح الحكم وقوامه تعلقه بالفعل المأمور به لم يرد هذا الاشكال أيضاً ، إلاّ انّ ذلك خلاف مسلك السيد الشهيد 1.

ص ٤٢٤ قوله : ( الاتجاه الأوّل ـ ما حققناه نحن في تفسير ... ).

ويلاحظ عليه :

أوّلاً ـ انّه خلاف ظاهر الدليل في الواجبات الكفائية بل في مطلق الواجبات حيث انّ ظاهره أخذ الانتساب إلى الفاعل تحت الطلب وقد اعترف السيد الشهيد 1 بهذا الظهور في الخطابات فهذا الاتجاه يستلزم تأويلاً في الخطابات إلاّ ما يعلم منها انّه كذلك من الخارج بحيث لا يرضى الشارع بتركه بأي شكل ، ولعلّ ذلك يثبت في بعض الواجبات العينية أيضاً.


ثانياً ـ انّ لازمه تحقيق الامتثال ممن دفع غيره ورغّبه في القيام بالفعل بحيث بصدور الفعل منه يصدق تحقق الامتثال من قبلهما ، وهذا أكثر مما هو مفروض في الواجب الكفائي ، وكذلك لازمه انّه إذا كان مكلّف عاجزاً عن العمل بنفسه ولكنه كان يمكنه أن يدفع غيره لأن يعمل وجب عليه ذلك بحيث لو لم يعمل كان عاصياً ، وهذا أيضاً أكثر من حقيقة الوجوب الكفائي.

وكأنّ هذا نوع من الواجب الكفائي وهو ايجاب فعل واحد بلا أخذ اضافته إلى شخص معين منهم على المجموع وجعله في عهدتهم بحيث يجب عليهم النتيجة سواءً بأن يتصدى واحد له أو أكثر أو يقوم المجموع به بأن يقوم كل واحد ببعض العمل أو بعض المقدمات والنوع الآخر من الواجب الكفائي ما يكون فيه أفعال عديدة بعدد المكلّفين أي اضافة الفعل إلى كل مكلّف يكون تحت الطلب والأمر إلاّ أنّ الواجب أحدها من أحدهم ، فلو فرض انّ الأوّل داخل في الواجب الكفائي ـ ولا مشاحة في الاصطلاح ـ فلا ينبغي الاشكال بأنّ الواجب الكفائي أعم من ذلك بحيث يكون الفرض الثاني أيضاً منه فيكون التفسير المذكور أخص من المدعى بحيث نحتاج في هذا النحو من الواجب الكفائي إلى تفسير آخر لا محالة وهو الاتجاه الثاني القادم.

ص ٤٢٥ س ٥ قوله : ( وفيه : ... ).

ويمكن جواب آخر حاصله : انّ وحدة الملاك لا تنافي تعدد الخطاب بلحاظ المكلفين إذا كان تحصيله من كل واحد على حدّ سواء وإنّما تنافي تعدد الحكم بلحاظ المكلّف به كما هو واضح.


ص ٤٢٥ س ١٩ قوله : ( كان الآخر قد جاء بالواجب ولكن لا مطلقاً ... ).

حاصل الاشكال انّه يلزم إطلاق وجوب العمل على من يكون مقدماً على العمل على تقدير فعل الآخر ، ولا شك في عدم الوجوب عليه بحيث لو ترك العمل لم يكن عاصياً ، بل مثل هذا الإطلاق فيه محذور تحصيل للحاصل.

وقد يقال : انّ هذا اشكال في الصياغة فيمكن حلّه بافتراض انّ الشرط عدم اتيان الآخر بالعمل وحده بنحو القضية التعليقية أي لو لم يأت هذا لم يكن العمل متحققاً من الآخر وحده وهذه القضية غير صادقة في المقام على الأوّل فلا وجوب عليه وإن كان صادقاً في حق الآخر ولا محذور فيه بل هو مطابق مع الغرض والتحريك المولوي إذ لو لم يأت لم يتحقق الامتثال حتى من الأوّل لأنّ اتيانه تعليقي بحسب الفرض.

وقد يناقش فيه : بأنّ هذا يلزم منه عدم اتصاف شيء منهما بالوجوب والامتثال إذا كان كل منهما قد جاء بالعمل لنفسه واتفقا معاً ؛ لأنّه سوف لا تصدق القضية الشرطية المذكورة في حق شيء منهما وهو خلاف الخصيصة المتقدمة للواجب الكفائي.

فالحاصل : إذا كان القيد عدم الاتيان بالعمل وحده بنحو القضية التعليقية رجع الاشكال فيما إذا جاءا معاً به كل منهما لنفسه حيث ينتفي الوجوب عنهما معاً وإن كان بنحو القضية الفعلية الصادقة في مورد اتيانهما معاً لزم الاشكال في مورد تعليق اتيان أحدهما على الآخر بالنحو المذكور في المتن.

والجواب : إن اريد بهذا الاشكال انّ إطلاق الوجوب للمكلف الخاص الذي يجعل عمله معلقاً على عمل الآخر لغو فهذا جوابه :


أوّلاً ـ لا لغوية فيه بل حاله حال من يأتي بالعمل في نفسه مع الآخر من حيث انّه مكلف بالعمل في هذا الفرض لأنّ الوجوب فعلي عليهما إلى ما قبل تحقق العمل منها خارجاً والمفروض انّه تحقق الواجب بعمليهما فيكون كلاهما امتثالاً.

بل لا موجب لاخراج هذا المكلف عن الوجوب بدليل انّه لو لم يفعل الأوّل فلم يفعل الثاني كانا معاً معاقبين وعاصيين كما هو مقتضى خصائص الوجوب الكفائي ، فلا فرق بين هذا وبين من يأتي بالعمل لنفسه فيقترن مع الآخر.

وثانياً ـ بالامكان جعل القيد بنحو يخرج هذا المكلّف ـ لو اريد اخراجه ـ أيضاً وذلك بأن يكون الشرط عدم اتيان الأوّل أو على تقدير اتيانه لا أن يكون اتيان الثاني معلقاً على اتيانه ، فالشرط للايجاب تحقق أحد الأمرين وكلاهما منتفٍ في حقه بخلاف من يأتي بالعمل لنفسه.

وإن اريد ـ كما هو المظنون ـ انّ اشتراط الايجاب على كل مكلف بعدم اتيان الآخر بالعمل وحده مستلزم لاطلاق الوجوب وشموله كل مكلف في صورتين وحالتين :

احداهما : أن لا يأتي الآخر بالعمل أصلاً.

والاخرى : أن يأتي به ويأتي الملكف الأوّل به أيضاً وإطلاق الوجوب للحالة الثانية لغو ، لأنّه أكثر من اقتضاء الواجب الكفائي وغرضه ، بل فيه اشكال تحصيل الحاصل لأنّ معناه انّه لو أتى به يكون مكلفاً به ، ففي طول اتيانه به يكون مكلفاً باتيانه وينكشف انّه كان واجباً عليه ، وهذا تحصيل للحاصل. وهذا الاشكال لا يختص بمن يأتي بالعمل معلقاً على اتيان الآخر.

ففيه : مع انّ روح هذا الاشكال مشترك جارٍ في الواجب التخييري أيضاً


بلحاظ المتعلق ، انّه في فرض فعلهما معاً حيث انّ الغرض يتحقق بفعلهما معاً فلا وجه لجعل الايجاب على أحدهما دون الآخر فلا منافاة بين وحدة الغرض وكفائيته وكون الوجوب عليهما معاً في هذه الحالة.

كما انّه ليس تحصيلاً للحاصل لأنّ الايجاب عليه ليس مشروطاً بفعله بل بعدم تحقق الفعل والغرض من الآخر منفرداً ، وهذا لا يتوقف على فعله إلاّإذا كان الآخر قد جاء به في نفس الزمان أيضاً فليس الشرط إلاّالجامع وهو غير مستلزم لتحقق الفعل ، والتعليق على الجامع ليس تعليقاً على ما يلازم أحد شقيه وفرديه كما هو واضح. وهكذا يتضح صحّة تصوير الوجوب المشروط بترك الآخرين في الواجب الكفائي كما كان في الواجب التخييري.

ص ٤٢٦ قوله : ( الاتجاه الرابع ... ).

هذا الاتجاه خلاف ظاهر الوجوب والأمر أيضاً وليس تعبيراً عرفياً عنه جزماً.

ص ٤٢٦ الهامش قوله : ( فإنّه يقال : نختار الأوّل ... ).

أي انّ الفعل متصف بالمطلوبية المجامع مع الترخيص في الترك فيهما معاً غاية الأمر حيث انّ الترخيصين مشروطان فلا يلزم منهما الترخيص في تركهما فلا محذور.

ويمكن اختيار الثاني أيضاً ، والجواب بأنّ فعل الأمر شرط للترخيص بنحو قيد الواجب لا الوجوب أي الترك المقرون بفعل الآخر مرخص فيه والترخيص فعلي من أوّل الأمر ، وهذا واضح الصحة والمعقولية.


ص ٤٢٧ س ٣ قوله : ( وهكذا يتضح ... ).

هذا بلحاظ عالم الانشاء والجعل ، وامّا بلحاظ عالم الحب والملاك فحاله حال الواجب التخييري من حيث انّه قد يكون هناك غرض واحد في جامع الفعل بنحو صرف الوجود ، وقد يكون أغراض عديدة فيما بينها تضاد في الوجود أو في الترتب وعلى الثاني

سوف يكون تركهم جميعاً فيه تفويت لأغراض عديدة على المولى لا غرضاً واحداً فإذا كان فعل واحد منهم رافعاً لأصل الحاجة والاتصاف بالغرضية كان العقاب عليهم أشد من الفرض الأوّل ، لأنّ كل واحد يكون قد فوّت على المولى أكثر من ملاك وغرض.

ثمّ انّه يترتب فروق وآثار بين التفسيرات المذكورة أشرنا إلى بعضها ونشير إلى غيره أيضاً :

منها ـ انّه إذا شك في فعل الغير وعدمه فعلى الاتجاه الذي اختاره السيد الشهيد 1 يجب على المكلّف العمل لأنّه من الشك في الامتثال. بينما على الاتجاه المختار يكون من الشك في التكليف ـ مع قطع النظر عن الاستصحاب ـ.

ومنها ـ إذا شك في كون الواجب عينياً أو كفائياً فعلى مبنى السيد الشهيد يكون الشك في أخذ قيد المباشرة وانّ الذي جعل عليه هل هو خصوص فعله أو الأعم منه وفعل غيره فيكون من الشك الدائر بين الأقل والأكثر ، وعلى المختار يكون من الشك في التكليف وانّه عند اتيان الغير به هل عليه تكليف بالصلاة مثلاً أم لا وهو من الشك في التكليف.

ثمّ إنّ في الكفاية وكلمات المحقق العراقي ترسيماً آخر للوجوب التخييري أو الكفائي بالوجوب الناقص المتعلّق بفعل كل واحد من المكلّفين بنحو


لا يقتضي إلاّالمنع عن بعض أنحاء تروكه وهو تركه في حال ترك بقية المكلفين.

وهذا لا نفهمه ما لم يرجع إلى أحد التحليلات والتفسيرات المذكورة في الكتاب أو تأويل الأمر وتحويله إلى النهي عن الترك في حال ترك الآخرين.

ص ٤٣٣ قوله : ( امّا الصورة الاولى فهي خارجة ... ).

هذا صحيح من حيث انّ متعلق دليل التقييد ليس هو نفس مدلول دليل الأمر إلاّ انّه مع ذلك يمكن فرض اجمال دليل الوقت من حيث كونه تقييداً لنفس الوجوب أو بياناً لوجوب آخر ففي فرض الشك يتمسك باطلاق دليل الوجوب المنفصل لاتيانه خارج الوقت وبالتالي اثبات تعدد الوجوب ، فكان الأولى ذكره.

ومثله الصورة الثانية ، فإنّ دليل الأمر وإن لم يكن دالاًّ على مراتب الوجوب ولكن لو أجمل دليل الوقت المنفصل ودار بين كونه تقييداً للمرتبة الأكيدة من الوجوب لا أصله وبين كونه تقييداً للوجوب صحّ التمسك باطلاقه لاثباته خارج الوقت وبالتالي اثبات الصورة الثانية.

ص ٤٣٤ قوله : ( والصحيح عدم تماميته أيضاً كسابقه ... ).

حاصل ما يستفاد من هذا الاشكال أنّ ظاهر دليل الوجوب انّه جعل واحد لا جعلان مستقلان ، وعندئذٍ إذا كان القيد راجعاً إلى المتعلّق في بعض الحالات كالوقت لمن كان قادراً عليه بحيث يكون الواجب داخل الوقت هو المقيد وخارجه ذات المطلق فهذا يستلزم تعدد الجعل إذ لا جامع بينهما إلاّالمطلق وهو خلف.

وإن شئت قلت : المقيد والمطلق متناقضان من حيث أخذ القيد مع الجامع في الأوّل وعدمه في الثاني فلا يمكن اجتماعهما في جعل واحد في طرف المتعلق


وبلحاظ حالاته فلابد من وجود جعلين لافادتهما وهو خلف الظهور المذكور وخلاف فرض رجوع القيد إلى نفس مدلول دليل الوجوب لا غيره. وما ثبت في مثل وجوب الجهر على خصوص الرجال أو الثنائية في السفر والرباعية في الحضر يرجع إلى الأمر بالجامع بينهما مع تقيد كل شق بموضوعه من كونه في النساء مثلاً أو كونه في السفر أو الحضر ، وهذا لا يمكن في المقام بالنحو المطلوب والذي هو وجوب المقيد في الوقت على كل مكلف ووجوب ذات الفعل خارجه.

نعم ، يمكن أن يكون التكليف بالجامع بين المقيد أو ذات المطلق لمن لم يكن قادراً على الوقت من أوّل الأمر كمن لا يكون قادراً على الواجب في الوقت أصلاً. إلاّ انّ هذا أقل من التبعية المطلوبة.

وهذا الكلام يلزم منه انّه في غير المقام أيضاً يجب أن لا يتمسك باطلاق دليل الواجب ، فمثلاً لو كان الدليل على شرطية الطمأنينة في الصلاة أو القيام لبياً قدره المتيقن القادر لا العاجز ، فلا يمكن اثبات وجوب الصلاة على الذي يعجز عنها بعد أن كان قادراً عليها ولم يصلّ باطلاق الأمر بسائر الأجزاء أو بالصلاة ، مع انّ الظاهر اثباته به سواء في باب الصلاة التي لا تسقط بحال أو في غيره من الأبواب والواجبات.

والتحقيق عدم صحة هذا الاشكال ، وذلك :

أوّلاً ـ لأنّه استشكال من حيث الصياغة فيمكن تصوير الجعل الواحد في المقام بتحويل الواجب إلى ايجاب المقدور من المقيد والمطلق في كل آن على كل مكلّف ، فإذا كان في الوقت فالمقدور إنّما هو المقيد فيجب عليه ، فإذا لم


يفعله ولو عصياناً كان له بعد الوقت مقدور آخر واجب عليه أيضاً فيجب عليه بنفس الجعل. فالحاصل كل من ذات الفعل والفعل في الوقت إذا أصبح مقدوراً للمكلّف كان واجباً في حقه ، وهذا في الوقت يكون المقيد بالوقت فيجب وفي خارجه يصدق على ذات الفعل فيجب عليه لمن لم يأت به في الوقت وهو خطاب وجعل واحد غاية الأمر أصبح المقدور منهما موضوعاً للايجاب بنحو الشمول لا بنحو صرف الوجود ولا ضير فيه بعد كونه جعلاً واحداً قام الدليل عليه.

وثانياً ـ لا ملزم لأصل هذا الكلام ، فإنّ دليل التقييد بقيد تارة يرجع إلى تمام مدلول دليل الواجب فيكون مقيداً لتمامه أو في تمام الحالات ، واخرى يرجع إلى قطعة من مدلوله فقط فيقيده لا أكثر ويبقى الباقي على اطلاقه وإن استلزم تعدد الجعل ثبوتاً كما إذا افترضنا انّ وجوب الصلاة الجهرية على الرجال مجعولة بجعل ووجوب مطلق الصلاة الأعم من الجهرية والاخفاتية مجعول على النساء بجعل آخر غاية الأمر استكشفناهما من مجموع المطلق والمقيد ؛ إذ لا اشكال في عرفية مثل هذا التقييد وعدم توقفه على تصوير ذاك الجامع الكذائي البعيد عن ذهن الإنسان العرفي فكذلك في المقام إطلاق الايجاب للطبيعة في داخل الوقت ـ وهو حال القدرة على القيد ـ جزء من مدلول الأمر يمكن رجوع القيد إليه بالخصوص وإن استلزم استكشاف تعدد الجعل ثبوتاً ، فإنّ هذا الظهور أعني الظهور في وحدة الجعل طولي أي في طول عدم وجود ما يدلّ على تعدده اثباتاً فيصلح دليل التقييد للكشف عن ذلك وليس هذا خلفاً ؛ لأنّ المفروض رجوع القيد إلى نفس ما هو مدلول دليل الواجب ، غاية الأمر إلى قطعه من مفاده واطلاقه ، فالميزان وحدة المفاد وعدم تغيّره لا وحدة الجعل وعدم تعدده.


تعليقات على الجزء الثالث

بحوث النواهي

دلالات صيغة النهي

اجتماع الأمر والنهي

اقتضاء النهي للفساد

المفاهيم

العام والخاص

المطلق والمقيّد

المجمل والمبيّن



دلالات صيغة النهي

ص ١٢ قوله : ( أقول ما نسبه إلى المعترضين بهذا المقدار من البيان لا يكون برهاناً على ردّ مقالة السابقين ... ).

وفي أجود التقريرات أضاف نقضاً حاصله أنّه في بعض الواجبات يكون المطلوب الترك كالصوم مع انّه يعد منها لا من المحرمات.

ويمكن الإجابة عليه أيضاً بأنّ المطلوب في الصوم ليس ترك الطبيعة بل مجموع التروك المتصلة من الفجر إلى المغرب وهو أمر وجودي.

وإن شئت قلت : انّ مفهوم الصوم والامساك الذي هو أمر وجودي وفعل من الأفعال ينتزع ويتحقق من مجموع التروك المذكورة ، فما هو متعلق الأمر والطلب في باب الصوم عنوان وجودي لا محالة وإن كان تحققه من مجموعة تروك بقصد خاص. فالنقض غير وارد.

ثمّ إنّ بعضهم ادّعى قيام برهان على انّ المنشأ في باب النواهي لابد وأن يكون هو البعث نحو الترك مستدلاًّ عليه بقوله : انّ التكليف إنّما هو لجعل الداعي وللتحريك نحو المتعلّق بحيث يصدر عن ارادة المكلف ؛ ومن الواضح انّ ما يقصد اعمال الارادة فيه في باب النهي هو الترك وعدم الفعل ولا نظر إلى اعمال الارادة في الفعل كما لا يخفى جداً ، وهذا يقتضي أن يكون المولى في مقام


تحريك المكلف نحو ما يتعلّق به اختياره وهو الترك ويكون في مقام جعل ما يكون سبباً لاعمال ارادة المكلّف في الترك (١).

ويلاحظ عليه :

أوّلاً ـ انّ ما يقال من انّ التكليف لجعل الداعي والتحريك مربوط بباب الغرض التكويني للآمر من أمره وليس مربوطاً بالمنشأ في الجمل الانشائية والذي لابدّ وأن يكون مربوطاً بما هو مدلول اللفظ وضعاً ولغة وهذا خلط واضح.

وثانياً ـ انّ العبارة المذكورة مجرّد تعبير فيمكن أن يقال انّ التكليف يكون لجعل الداعي والتحريك في الأوامر وللمنع والزجر في النواهي. بل لا يشترط في امتثال الحرام ارادة الترك بل يكفي عدم إرادة الفعل واختياره في تحقق امتثال الحرام.

ص ١٦ قوله : ( وهذا الكلام فيه عدّة مواضع للنظر نقتصر فيه على نكتتين ... ).

كلتا النكتتين اثباتيتان قابلتان للمناقشة وعدم القبول من قبل السيّد الخوئي 1 وكان الأولى الاشكال على مطلبه في المقام باشكال ثبوتي هو الأساس ، وحاصله : انّ ما ذكره في متعلقات النواهي من القرينة العقلية على نفي البدلية غير صحيح ؛ إذ ليس المراد بالاطلاق البدلي هنا أن يكون الحرام أحد أفراد الكذب مثلاً بدلاً ليقال بأنّ مقتضى طبع المطلب أن يترك الإنسان كذباً واحداً على الأقل وانّه ضروري التحقق وإنّما المراد بالبدلية في متعلّق النهي أن يكون النهي واحداً أي متعلّقاً بالطبيعة بنحو صرف الوجود مرة واحدة بحيث

__________________

(١) منتقى الاصول ٣ : ٦.


لو عصاه لم تكن الطبيعة الموجودة بعد الوجود الأوّل منهياً عنها ، وهذا ممكن وليس غير معقول ولا محذور فيه كما هو واضح.

فالحاصل المراد بالانحلالية المبحوث عنها في النواهي شمول النهي للطبيعة الثانية المتحققة بعد تحقق الاولى وامّا ما ذكر من أن يكون فرداً واحداً من الكذب محرماً بدلاً فهذا خلف القاعدة العقلية المربوطة بالجهة القادمة من انّ الطبيعة بنحو صرف الوجود لو تعلّق بها نهي فلا يتمثل إلاّبترك تمام أفرادها ، فكأنّه وقع خلط هنا بين مدلول القاعدة العقلة وبين انحلالية النهي وكونه نواهٍ عديدة.

وبعبارة اخرى : البدلية بالمعنى المذكور تقييد لمتعلّق النهي بالطبيعة والفرد الواحد ينفيه الإطلاق في طرفي الأمر والنهي معاً وإنّما يكتفى في طرف الأمر بالفرد الواحد لأنّ ذات الطبيعة بنحو صرف الوجود حينما يتعلّق به الأمر تتحقق بذلك لا أنّ الوحدة مأخوذة في متعلقه وفي طرف النهي بالعكس لا ينزجر المكلّف عن ذات الطبيعة إلاّبترك تمام أفرادها.

ص ١٨ قوله : ( وتوضيح ذلك : انّ هناك ... ).

في النفس من هذا التحليل ـ المتقدم أيضاً في بحث المرة والتكرار ـ اشكال وقد ينبّه إليه وجدانية انّ الانحلالية في طرف النهي بالمعنى المتقدم شرحه آنفاً أوضح عرفاً ولغة من النكتة المذكورة في تفسيرها بحيث كأنّ ارادة نهي واحد متعلّق بالطبيعة مرة واحدة فيه تقييد لمتعلق النهي بينما النكتة المذكورة هي ظهور تصديقي حالي ـ على أفضل تقدير ـ تقتضي ملاحظة شيء زائد على ذات الطبيعة الملحوظة بنحو صرف الوجود وهذا خلاف الوجدان.

وبعبارة اخرى : البدلية بمعنى ملاحظة الطبيعة بنحو صرف الوجود


والانحلالية بمعنى ملاحظتها فانية في كل فرد فرد لحاظان ذهنيان للطبيعة ولا ربط له بمرحلة التطبيق فيكونان أسبق من الإطلاق ومقدمات الحكمة بمعنى نفي أخذ القيد ثبوتاً للسكوت عنه اثباتاً ، إذ هما كيفيّتان في لحاظ الطبيعة وتصورها الذهني ؛ ففي طرف موضوعات الأحكام وكذلك متعلّق النواهي بل الأمر بالترك والاجتناب أيضاً تلحظ الطبيعة فانية في تمام أفرادها المقدرة بخلاف لحاظها في متعلق الأمر بالطبيعة أو النهي عن تركها. ولابدّ من التفتيش عن نكتته الفنية الدقيقة فتأمل جيداً.

ص ٢٢ قوله : ( التنبيه الثاني ... ).

هذا التنبيه الأولى حذفه ؛ لأنّه غير صحيح ، فإنّه إذا قيل لا توجد أحدهما بحيث كان عنوان الأحد والواحد منهما تحت النفي أو النهي كان لا محالة دالاًّ على انتفائهما معاً ، وإنّما قد يستفاد خلافه لأنّ عنوان الأحد أو الواحد يلحظ في طول تعلّق النهي والعدم أي أحد العدمين لا كليهما. فالحاصل النكتة في هذا التنبيه عروض العدم والنفي على عنوان الأحد تارة فيدل على انتفاء تمام الأفراد والعكس اخرى فلا يدلّ ؛ ولا ربط لذلك بالمسألة المنطقية المذكورة في مقام التعليل ، بل صدور ذلك من سيدنا الشهيد 1 غريب ، لوضوح انّ المنطق الرمزي أو الوضعي أجنبي عن هذه المسألة اللغوية الأدبية ، ووضوح انّ هذه العناوين الانتزاعية من حيث هي مفاهيم كالمفاهيم الاخرى.

وما ذكر من البرهان في الذيل أيضاً غير تام ، لأنّ انطباق هذه العناوين الانتزاعية على الخصوصية بما هي خصوصية إنّما يصحّ لأنّ الجهة المشتركة في هذا المفهوم الانتزاعي تكون بدرجة من السعة والابهام والكلية بحيث تنطبق على النقيضين فكيف بالخصوصية فهذا لا ينافي التجريد ، والله العالم بالحقائق.


اجتماع الأمر والنهي

ص ٢٨ قوله : ( وهذا رغم كونه وجدانياً يمكن البرهنة عليه بأحد بيانين ... ).

حاصل البيان الأوّل : انكار انحلال مبغوضية المركب بلحاظ أجزائه ، بأن يكون جزء المركب مبغوضاً ضمناً ؛ لأنّ هذه المبغوضية إذا كانت لا تقتضي شيئاً فهو خلف فرض فعلية البغض ، وإذا كانت تقتضي اعدام ذلك الجزء كان معناه زيادة اقتضاء البغض الضمني على البغض الاستقلالي ، وانّه لابد من اعدام جميع الأجزاء ، وهو غير معقول وخلف المطلب ، وإن كانت تقتضي اعدم المجموع فهذا هو المبغوض الاستقلالي لا الضمني.

إن قلت : يمكن افتراض انّ البغض الضمني يقتضي اعدام الجزء مشروطاً ومقيداً بفرض تحقق الأجزاء الاخرى للمركب ، فهو بغض مشروط ، وهذا نظير ما سيأتي قبوله من السيد الشهيد من انّ حب الجامع يستلزم حب الفرد مشروطاً بانتفاء سائر الأفراد.

قلنا : هذا أيضاً غير معقول ؛ لاستلزامه فعلية بغض كل الأجزاء حين تحققها جميعاً لتحقق شرط مبغوضيّة جميعها ، فيكون أكثر من البغض الاستقلالي المتعلّق بالمجموع ، وهذا محال أيضاً ، فإنّ تحقّق المبغوض لا يوجب تبدّل المبغوضية من المجموع إلى الجميع.


وهذا البيان غير تام ، بل الصحيح معقولية البغض الضمني ، أي انحلال البغض كالحب بلحاظ اجزاء متعلّقه فيكون كلّ جزء مبغوضاً ضمناً كما في الحب ، إلاّ انّ الفرق بينهما انّ الحبّ الضمني للجزء مطلق ، بخلاف البغض الضمني للجزء ـ كما أشرنا ـ فإنّه مشروط بتحقق سائر الأجزاء ، وما ذكر من اشكال لزوم فعلية بغض كلّ الأجزاء حين تحققها غير صحيح ؛ لأنّ تحقق المبغوض يوجب زوال البغض فعلية أو فاعليةً واقتضاءً على الأقل ، فلا يلزم أن يكون اقتضاء المبغوض الضمني أكثر من الاستقلالي ، وهذا واضح. بل لا معنى لانكار انحلال البغض المتعلّق بالمركب بلحاظ اجزائه ضمناً ، فإنّ هذا الانحلال عقلي بديهي ، وانكاره يستلزم التناقض والخلف ؛ لأنّ فرض كون المتعلّق مركباً مساوق مع وجود اجزاء لمعروض البغض ، فيكون كل جزء منه أيضاً معروضاً لعرض البغض ، وغير هذا خلف ومحال.

والصحيح قبول روح البيان الثاني بتوضيح انّ البغض الضمني حيث انّه مشروط فعليةً أو فاعلية واقتضاءً بتحقق سائر الأجزاء فلا محالة يكون متعلقه مقيداً أيضاً بسائر الأجزاء لا مطلقاً ـ لأنّ قيود الحرمة قيود للحرام أيضاً ـ فلا ينافي تعلّق البغض الضمني بالطبيعة المقيدة مع تعلّق الحب بجامع تلك الطبيعة لتعدد المحبوب والمبغوض بالذات ، فإنّ الجامع والطبيعي في الذهن بنحو صرف الوجود غير الفرد والحصة المقيدة منه ، كما أنّ اقتضاء حب الجامع لا ينافي مع اقتضاء بغض الحصة المقيدة والفرد ، فلا تنافي بينهما لا بلحاظ المعروض ولا بلحاظ الاقتضاء ، ومنه يعرف انّه لا نحتاج إلى جعل التضاد بين الحب والبغض بالعرض وبلحاظ اقتضائهما لا نفسيهما ـ كما هو ظاهر البيان الثاني في الكتاب ، ولا يبعد صحته أيضاً ـ والنتيجة إلى هنا انّه لا محذور في تعلّق الحب بالجامع بنحو صرف الوجود والبغض بحصة مقيدة وفرد منه.


ص ٣٠ قوله : ( وعليه فلا اجتماع للمحبوبية والمبغوضية على مركز واحد ... ).

ينبغي أوّلاً تحرير محلّ النزاع وجهة البحث وملاكاته :

أمّا جهة البحث : فلا إشكال في عدم إمكان الأمر بعنوان والنهي عن نفس ذاك العنوان كما في صلّ ولا تصلّ للزوم اجتماع الضدين فيه امّا للتضاد بين نفس الأحكام بما هي ارادة وتصدٍّ من المولوي أو بلحاظ مباديها من الحب والبغض والمصلحة التامة والمفسدة التامة غير المنكسرتين ، والتضاد في نفسه محال ، من غير ارتباط بمرحلة الامتثال والقدرة عليه والتي هي مرحلة متأخرة عن الحكم ومشروطة بفرض وصول الحكم ، ولهذا يكون بين دليليه التعارض لا التزاحم.

وهذا المحذور لا شك في ارتفاعه إذا فرض تعدد العنوان والمعنون ولو فرض تلازمهما في الوجود ، حيث قد يرد فيه محذور من ناحية اخرى كعدم القدرة على الامتثال إلاّ انّه أجنبي من جهة البحث في باب اجتماع الأمر والنهي وهو لا يوجب التعارض أصلاً كما في التلازم الاتفاقي الذي يدخل في باب التزاحم ، وقد يوجبه ولكنه أجنبي عن جهة البحث في المقام ، كما في التلازم الدائمي كالضدين الذين لا ثالث لهما.

وأمّا محلّ البحث فهو ثبوت هذا المحذور أو عدم ثبوته إذا فرض تعدد متعلّق الأمر والنهي بأحد النحوين التاليين :

١ ـ أن يتعدَّد العنوان المنطبق على مجمع واحد كما في صلّ ولا تغصب.

٢ ـ أن يتحد العنوان ولكن الأمر يتعلّق بالجامع بنحو صرف الوجود والنهي


يتعلّق بفردٍ منه كما في صلّ ولا تصلّ في الحمام.

وظاهر كلمات جملة من الأعلام انّ البحث مختص بالمورد الأوّل وانّه بحث صغروي بعد الفراغ كبروياً عن عدم امكان اجتماع الأمر والنهي في معنون واحد إذا كان واحداً أي التركيب بينهما اتحادياً فيبحث عن ان تعدد العنوان هل يوجب تعدد المعنون فيكون كالفعلين المتلازمين فيكون التركيب انضمامياً أم لا يوجب ذلك ، فيكون التركيب بينهما اتحادياً فلا يجوز الاجتماع.

وقد اهتم الباحثون المتأخرون على هذا الأساس بتنقيح البحث عن أنواع العناوين الاشتقاقية والماهوية والانتزاعية وانّ أيّاً منها يلزم من تعدده تعدد المعنون ، وأيّاً منها لا يلزم منه ذلك ، ولكن الصحيح انّ هذا وجه واحد وملاك من ملاكات الجواز وفي قباله ملاكان آخران مهمّان :

أحدهما ـ انّ نفس تعدد العنوان كافٍ للجواز وإن كان التركيب اتحادياً في المعنون.

الثاني ـ انّ تعلّق الأمر بالجامع بنحو صرف الوجود والبدلية يكفي لجواز الاجتماع مع الحرمة المتعلقة بالفرد حتى مع وحدة العنوان ، فضلاً عن تعدّده.

والبحث في هذين الملاكين كبروي ـ كما هو واضح ـ ولو تمّ أحد هذين الملاكين فسوف لا يدع مجالاً للحاجة إلى البحث الصغروي عن الملاك الذي ذكره المشهور للجواز وهو تعدّد المعنون ، كما أنّ الملاك الثاني من هذين الملاكين أوسع مورداً من الأوّل ، حيث يوجب شمول البحث للمسألة الاولى في الكتاب ، أي فرض وحدة العنوان كالأمر بالصلاة والنهي عن الصلاة في الحمام ، ولهذا جعل السيد الشهيد البحث بالنحو المذكور في المسألة الاولى ، فلابدّ من


ملاحظة الملاكين المزبورين.

أمّا الملاك الأخير للجواز ـ وهو الأوّل بحسب ترتيب الكتاب ـ ففي قباله تقريبات ثلاثة للامتناع.

١ ـ لزوم اجتماع الحرمة الضمنية والوجوب الاستقلالي في الجامع وهو كالحرمة الاستقلالية والوجوب الضمني ممتنع اجتماعهما في عنوان واحد ولو مشروطاً بشرط.

وجوابه ما تقدّم من عدم وحدة معروضيهما لا بالذات ولا بالعرض ، وعدم التمانع بين اقتضائيهما ، فلا محذور.

٢ ـ لزوم التضاد بلحاظ لازم ايجاب الجامع وهو الاباحة والترخيص في تطبيقه على كلّ فرد حتى الفرد المحرّم ، وهو ضد الحرمة فيلزم اجتماع الضدين فيه.

وجوابه ما في الكتاب.

٣ ـ ما ذكره السيد الشهيد واختاره من استلزام حبّ الجامع بنحو صرف الوجود حبّ الفرد أي سريان الحب اليه ولكن مشروطاً بترك الأفراد الاخرى ولو اختياراً ، فيلزم التضاد في مبادئ الحكمين وروحهما ولو مشروطاً وهو محال ، فإنّ اجتماع الضدين حتى مشروطاً وفي حال واحد أيضاً محال ، فلابد وأن يتقيد متعلق الأمر وهو الجامع بغير الفرد المحرم وهو معنى الامتناع.

وفيه : أوّلاً ـ ما أفاده السيد الشهيد خارج البحث وذكرناه في الهامش المذكور في ص ٣٩.


وحاصله : انكار تقوّم الأمر أو النهي بالمحبوبية والمبغوضية. نعم ، لو قيل أنّه ظاهره العرفي إذا كان خطاباً لفظياً ، فالامتناع عرفي اثباتي لا ثبوتي ( راجع الهامش ).

ونضيف عليه انكار الظهور العرفي للأمر والنهي في المحبوبية والمبغوضية أصلاً. نعم ، قد يدّعى ظهور دليل حرمة الفرد والحصة المقيّدة في تقييد الأمر بالجامع بغير ذاك الفرد في نفسه ومن غير ناحية الامتناع العقلي ، وذاك بحث آخر.

وثانياً ـ انكار السراية المذكورة امّا من أصلها ـ كما هو الصحيح ـ فإنّ حب الجامع لا يرجع إلى حب الفرد مشروطاً فإنّ التخيير العقلي لا يرجع إلى التخيير الشرعي حتى في عالم المبادىء فلا وجه لما يترائى من كلمات المحقق العراقي في المقام ، وكأنّه وافقه السيد الشهيد في باب الحب ، أو في خصوص مورد يكون فيه الفرد محرماً ومبغوضاً ـ لوجود مفسدة تامة فيه ـ فيبقى حب الجامع على حاله ، ولا منافاة بينهما ، نظير ما يقال في بحث الملازمة بين حب شيء وحب مقدمته من عدم سريان الحب إلى المقدمة المحرمة مع وجود المباحة واختصاصها بالمباحة.

وممّا يمكن الاستشهاد به على عدم سراية الحبّ من الجامع بنحو صرف الوجود إلى فرده أنّ هذا لو تمّ في المحبوب الاستقلالي لابدّ وأن يقال به في المحبوب الضمني أيضاً ؛ لأنّ المحبوب الضمني أيضاً تعلّق الحبّ به مطلق كالاستقلالي ، وهذا لازمه انّه لو ورد الأمر بجامع مقيّد بقيد كما إذا قال : ( أكرم عالماً عادلاً ) وورد النهي والتحريم على نفس الجامع ولكن مقيداً بقيد مباين مع قيد الواجب ، كما إذا قال : ( يحرم اكرام العالم الفاسق ) لزم الامتناع ؛ لسراية


حبّ اكرام عالم الضمني من جامع اكرام عالمٍ إلى فرده وهو العالم الفاسق ، وهو واضح البطلان. والتفكيك في دعوى السراية بين متعلّق الحبّ الاستقلالي والضمني مع كونهما معاً مطلقين لا وجه له ، فالصحيح عدم السراية فيهما معاً.

وعلى هذا الأساس لا مجال للكسر والانكسار في مبغوضية الفرد أيضاً بين مصلحة الجامع المنطبق فيه ومفسدة الفرد ، خلافاً لظاهر كلام الاستاذ الشهيد المنقول عنه في الهامش.

والظاهر أنّ ذلك منه مبني على قبول سراية الحبّ إلى الفرد ، فيلزم الكسر والانكسار فيه ، امّا إذا أنكرنا ذلك فلا وجه للكسر والانكسار لا في الفرد المبغوض ولا الجامع المحبوب ؛ لعدم التنافي بين تأثيريهما في الحبّ والبغض لا بلحاظ نفس حبّ الجامع وبغض الفرد ، ولا بلحاظ اقتضائهما لفعل الجامع وترك الفرد ، وهذا واضح.

وبهذا يثبت الجواز بالملاك الأوسع الشامل للمسألة الاولى ، بحيث يتعقل حرمة الفرد ووجوب الجامع بنحو صرف الوجود ، غاية الأمر المكلّف امّا أن يأتي بالجامع بنحو صرف الوجود في غير الفرد المحرم ويترك ذلك الفرد ، فيكون ممتثلاً لكليهما ، أو يأتي بالجامع في ضمن الفرد المحرم فيكون عاصياً للحرمة وممتثلاً للوجوب.

ثمّ انّ البيان الذي ذكره المحقق العراقي 1 في المقام للامتناع في تقريرات بحثه (١) يتألف من مقدمتين :

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ : ٤٢٥ ـ ٤٢٧.


الاولى ـ سريان الحب والارادة من الجامع إلى الأفراد بلحاظ حدها الجامعي المقوّم للأجناس والفصول العالية المنطبقة عليها دون حدودها الشخصية المقومة لسافلها وجزئيتها لأنّ هذا الحد والحيثية في الأفراد عين الطبيعي والقدر المشترك.

الثانية ـ إذا كان في الجامع مصلحة وفي الفرد مفسدة فلا محالة يقع بينهما التنافي في مقام التأثير وعروض الأمر والنهي والمحبوبية والمبغوضية حيث انّه بلحاظ الحد الجامعي والحيثية المشتركة لا يمكن طروّ الصفتين المتضادتين من المحبوبية والمبغوضية للزوم التضاد ، وحينئذٍ لو كانت مفسدة النهي أقوى من مصلحة الأمر فقهراً تصير الجهة المشتركة بجميع حدودها بمقتضى المفسدة العالية مبغوضة محضاً لا محبوبة فيمتنع شمول الأمر لها.

نعم ، إذا كانت مصلحة الأمر أقوى من المفسدة جاز الاجتماع فيما إذا كان الأمر بنحو صرف الوجود حيث تكون الحيثية والحد الجامعي في الفرد محبوبة لأقوائية المصلحة وغلبتها للمفسدة فيه وفي نفس الوقت يكون الفرد بحدوده السافلة المشخصّة للجامع مبغوضة بالفعل حيث لا تزاحمها المصلحة لكونها في الحد الجامعي وسمّى ذلك بجواز الاجتماع على أساس اختلاف الحدود.

وهذا البيان فيه مواقع للنظر :

الأوّل : المقدمة الاولى مبنية على القول بالسراية والذي قبله السيد الشهيد 1 أيضاً ، وقد عرفت عدم صحته.

إلاّ انّ ظاهر بيان هذا المحقّق أنّ السريان من جهة العينية بين الجامع والفرد بحدّه الجامعي ، وهذا قد تقدّم في بيانات السيد الشهيد 1 بطلانه ، فإنّ الصورة


الذهنيّة والمعروض بالذات للجامع غير الفرد ، فلا اجتماع على معروض واحد ؛ ولهذا لم يقبل هذا الاستدلال السيد الشهيد 1 وإنّما وافق على السراية من باب رجوع التخيير العقلي إلى الشرعي في عالم المحبوبية والمبغوضية ، وادّعى وجدانية ذلك كما تقدّم ، وتقدّم عدم شهادة الوجدان بذلك بل بخلافه.

الثاني : ما تقدم أيضاً من انّه لو سلمنا السراية والكسر والانكسار بلحاظ عالم الحبّ والبغض ، فلا وجه لسقوط الخطاب والأمر بالجامع ؛ لعدم تقوّم الأمر والنهي بالحبّ والبغض في المتعلّق ، سواءً كانت المفسدة في الفرد غالبة أم مغلوبة لمصلحة الأمر بلحاظ الفرد.

الثالث : لو سلّمنا السراية فلماذا يفترض في صورة غلبة المصلحة الجواز وبقاء المبغوضية في الفرد بحدودها الشخصية السافلة والمحبوبيّة في الفرد بحدّه الجامعي ، فإنّ المفروض كون المفسدة في الفرد بجميع حدودها العالية والسافلة لا خصوص حدودها السافلة التي تعني الخصوصية فإنّها لم تكن فيها المفسدة وإنّما المفسدة في المتخصص ، كما انّ ظاهر دليل النهي مبغوضية الفرد أيضاً ، كما انّ مقتضى السراية محبوبية الفرد ، فلابد من القول بالامتناع في هذه الصورة أيضاً.

الرابع : لو سلّمنا كلّ هذا الطراز من التحليل وقبلنا التفصيل المذكور في كلامه ، فنتيجة هذا المسلك عملياً هو القول بالجواز مطلقاً ؛ إذ يكون مقتضى القاعد التمسك باطلاق الأمر والنهي في الفرد ؛ إذ لا مانع منهما وبهما يستكشف أقوائية مصلحة الجامع ومحبوبيته في الحد الجامعي مع بقاء مفسدة الفرد ومبغوضية في حدّه الشخصي من دون تناف وتعارض بينهما.


نعم ، في خصوص فرض الانحصار في الفرد المحرّم يقع التعارض والتساقط بين الدليلين ؛ لعدم امكان امتثالهما معاً ، وذاك خارج عن هذا البحث ، كما انّ عدم امكان قصد التقرّب بالفرد المحرّم وبالتالي بطلانه إذا كان عبادياً أيضاً خارج عن هذا البحث.

وأمّا الملاك الثاني ـ وهو كفاية تعدد العنوان للجواز فقد أفاد السيد الشهيد 1 ابتداءً بأنّه قد يتوهم كفاية تعدد الوجود الذهني للجواز حتى إذا كان العنوان واحداً بعد المفروغية عن انّ الأحكام بمباديها يستحيل أن تعرض على الخارج وتكون من اعراضه بل هي من أعراض النفس والصور الذهنية ـ وهذا ما يبرهن عليه في الكتاب بعدة تقريبات فنية ـ ومعه فيكفي تعدد التصور والوجود الذهني حتى للعنوان الواحد للجواز لتعدد المعروض وهو الوجود الذهني.

والجواب : ما أفاده من انّ الوجود الذهني له حيثيتان ولحاظان لحاظه بالحمل الشايع وحقيقته من كونه وجوداً في النفس أو الذهن وهو بهذا اللحاظ متعدد حتى مع وحدة العنوان كلما تعدد التصور والوجود في الذهن ولحاظه بالحمل الأولي أي لحاظ الصورة المنطبعة والموجودة بذاك الوجود الذهني ـ وهذه من مختصات الوجودات الذهنية بهذا المعنى ـ وهذا واحد مع وحدة العنوان والأمر والنهي ـ بل وكل الصفات النفسانية ذات الاضافة ـ إنّما تتعلّق بالعناوين والصور الذهنية بهذا اللحاظ لها ، أي ان تلك الصفات مضافة إلى الصور الذهنية بالحمل الأولي لا بالحمل الشايع ، فمع وحدة الصورة الذهنية بالحمل الأولي يلزم التهافت في الأمر بها والنهي عنها لا محالة ، فلابد من تعدد العنوان.


وأمّا كفاية ذلك وعدم الحاجة إلى تعدد المعنون ـ كما شرطه مشهور المحققين ـ فقد أثبته السيد الشهيد ببيان انّ الوجه في توهم الحاجة إلى تعدد المعنون ما قد يترآى من كلماتهم من انّ الأحكام متعلقة بالعناوين بما هي فانية في الخارج وحاكية عن الواقع لا بما هي هي في الذهن فلا محالة لابد من تعدد الخارج والمعنون.

إلاّ انّ هذا مغالطة يكشف السيد الشهيد 1 الوجه عنه ببيانين :

أحدهما : أنّ فناء العنوان في المعنون ليس إلاّعبارة اخرى عن لحاظ العنوان بالحمل الأولي ولا يعقل فيه معنى آخر ، إذ لو اريد أنّ الذهن يتخذ العنوان قنطرة لجعل الحكم على الخارج فهذا خلف ما تقدم من البراهين وما هو بديهي من استحالة عروض الحكم على الخارج. وإن اريد أنّ الذهن من خلال العنوان يدرك المعنون فيجعل الحكم عليه فهذا واضح البطلان ؛ إذ لا يوجد ادراك آخر للذهن غير نفس العنوان ، بل لا يعقل ادراك المعنون إلاّبادراك عنوانه.

إذاً فلا حقيقة للفناء والحكاية والمرآتية إلاّما أشرنا إليه من انّ كل عنوان بالحمل الأولي يرى كأنّه الخارج. إلاّ انّ هذا مجرد رؤية وإلاّ فالفاني والمفني فيه شيء واحد ليس إلاّ ، وليس الخارج إلاّالمفني فيه بالعرض لا بالحقيقة. وعليه فمع تعدد العنوان يتعدد المفني فيه لا محالة ، فلا اجتماع للضدين على معروض واحد.

الثاني : أنّنا لو سلّمنا سريان الحكم من خلال العنوان إلى محكيه في الخارج مع ذلك لا يلزم تعدد المعنون ، لأنّ كلّ عنوان لا يحكي عن الخارج إلاّبمقداره ، ولا يمكن أن يحكي الحيثية المحكية بالعنوان الآخر ـ كما تقدم في بحث الوضع


العام والموضوع له الخاص ـ فالمحكي والمفني فيه الخارجي أيضاً متعدد مع فرض تعدد العنوان ، ولا موجب لتوهم سراية الحكمين المتضادين من أحدهما إلى الآخر سواءً كان وجودهما العيني متحداً أو متعدداً ، أي سواء كان التركيب بينهما اتحادياً أو انضمامياً ، فلا محذور من ناحية المعروض بالذات وبالعرض للحكمين.

وأمّا ما تقدم من الوجهين السابقين للامتناع في المسألة الاولى فهما أيضاً لا يجريان هنا ؛ لأنّ الحصة التي يسري اليها الحب من الجامع أو يستلزم الترخيص فيه إنّما هو حصة عنوان الصلاة وهي غير الحصة من عنوان الغصب ، فلا سراية للحبّ من متعلقه إلى متعلّق البغض في الفرد المبغوض أيضاً ، والنتيجة جواز الاجتماع في مثل ( صلّ ولا تغصب ) رغم عدم الجواز في مثل ( صلّ ، ولا تصلّ في الحمام ).

ثمّ ذكر تحفظات ثلاثة لهذا الملاك للجواز بعد قبوله :

أحدها ـ أن لا يكون الواجب عبادياً ، وإلاّ بطل لعدم امكان قصد التقرب بالمحرم ولو بعنوان آخر إذا كان واصلاً ، وهذا بخلاف ما إذا فرض تعدد المعنون.

الثاني ـ أن لا يكون العنوان المأمور به مشيراً ومعرفاً إلى عنوان آخر كما في العناوين الذهنية الاختراعية كعنوان أحد الخصال ، فإنّ المأمور به عندئذٍ هو نفس العناوين التفصيلية بنحو التخيير الشرعي فيمتنع النهي عنها.

الثالث ـ أن لا يكون بين العنوانين مفهوم وجزءٌ عنواني مشترك بل لابد من تباينهما مفهوماً ، وإلاّ لزم الاجتماع بلحاظ العنوان المشترك لوحدته. ويقرب من أصل هذا الملاك للجواز في روحه ما رأيته للسيد الامام 1 في كتابه المطبوع


بقلمه الشريف أخيراً بعنوان ( مناهج الاصول ج ١ ) وكذلك ما في الدرر للشيخ الحائري 1 فراجع.

ولنا في المقام تعليقان :

أحدهما ـ على ما أفاده من عدم جريان كلا الوجهين السابقين للامتناع في المسألة الاولى هنا. فإنّ الوجه الذي قبله السيد الشهيد لا يجري هنا ؛ لأنّ رجوع التخيير العقلي إلى الشرعي إنّما يكون من خلال نفس العنوان لا العنوان الآخر ولكن الوجه الثاني أي وجه الميرزا 1 يجري هنا ، إذ مقتضى إطلاق الواجب للفرد المتحد مع عنوان الغصب جواز تطبيق الواجب عليه وهو منافٍ مع تحريمه ولو بعنوان آخر كالغصب لا محالة.

نعم ، لو أنكرنا أصل الدلالة على الجواز العقلي ـ كما هو الصحيح ـ وان المدلول للاطلاق إنّما هو الجواز الوضعي أو الحيثي أي من حيث كونه حلاً لا بأي عنوان آخر لم يجر هنا.

إلاّ انّ هذا اشكال في أصل هذا الوجه وكبراه. ولعلّه لذلك في الحلقات (١) فصل السيد الشهيد بين الوجهين.

ثانيهما ـ وهو العمدة ـ الاشكال في أصل هذا الملاك للجواز ، فإنّ ما ذكر فيه من انّ الفنائية والمرآتية لا يراد بها جعل الحكم أو عروضه على الخارج وإن كان صحيحاً كما انّ عدم حكاية العنوان لعنوان آخر أي لغير الحيثية المحكية به مطلب صحيح تام ، إلاّ انّ كلّ ذلك لا يكفي لاثبات الجواز وكفاية تعدد العنوان

__________________

(١) الحلقات ج ١ ص ٤٠١ الثالثة.


فيه إذا لاحظنا مطلباً يمكن استفادة كونه مصادرة مفروغاً عنها في كلمات المحققين المتأخرين ، وحاصله : انّ العنوانين المتعددين إذا كان بحسب نظر الذهن متصادقين ، أي مما يمكن أن ينطبق ويصدق أحدهما على الآخر بالحمل الشائع وإن كانا متباينين مفهوماً وبالحمل الأولي فلا يعقل تعلّق الحب بأحدهما مطلقاً والبغض بالآخر كذلك ، للزوم التهافت في مورد التصادق بحسب لحاظ الآمر ونظره من امكان تصادقهما في واحد ، حيث انّه سوف يرى انّه يحب ويبغض فعلاً واحداً وحركة واحدة ، إلاّإذا فرض تعدد المعنون والفعل في الخارج ، وهذا هو الملاك الثالث للجواز الذي سلكوه.

والحاصل : تعدد العنوان يفيد في أن يلاحظ الجاعل تعدد المفهومين والملحوظين بالذات لا بالعرض بمعنى محكيّهما في الخارج ، وحيث انّ الأمر والنهي والحبّ والبغض يتعلقان بالعناوين بما هي حاكية عن الخارج فهذا وحده كافٍ لعدم إمكان جعل الأمر والنهي عليهما على اطلاقيهما الشامل لصورة انطباقهما وتصادقهما على فعل واحد خارجي ، والبرهان على ذلك امتناع جعل الأمر الشمولي بنحو مطلق الوجود على أحدهما مع النهي عن الآخر جزماً مع قطع النظر عن مسألة القدرة على الامتثال فإذا قلنا باستحالة الأمر بالجامع بنحو صرف الوجود وسرايته إلى الفرد كان الامتناع ثابتاً فيه أيضاً.

نعم ، لو كان المقصود عدم سراية الحبّ من الجامع بنحو صرف الوجود إلى ما هو الفرد والمعروض للعنوان المحرّم فهذا صحيح ، إلاّ انّه لا يكفي لدفع غائلة الامتناع إذا قبلنا سراية الحب من الجامع إلى الفرد والحصة الخاصة للعنوان الواجب ، فإنّ تلك الحصة في المقام متحدّ مع الفرد والحصة للعنوان المحرّم ، فيلزم نفس الاجتماع الموجود في الواجب الشمولي بنحو مطلق الوجود مع


الحرام ، وهو ممتنع بالاتفاق ، فمن يقبل تلك السراية ، أي سراية الحبّ من الجامع بنحو صرف الوجود إلى الفرد وعلى أساسه يقول بالامتناع في ( صلّ ، ولا تصلّ في الحمام ) لابدّ وأن يقبل الامتناع في فرض تعدد العنوان أيضاً مثل ( صلّ ، ولا تغصب ).

ولعلّ هذه هي المصادرة المفروغ عنها في كلمات المحققين والتي جعلتهم يبحثون عن تعدّد المضمون من تعدّد العنوان لاثبات الجواز مع الفراغ عن الامتناع بناءً على وحدة المعنون.

لا يقال : في موارد تعدد العنوان حتى بناءً على سراية الحب من الجامع إلى الفرد يكون معروض الحب والبغض متعدّداً في الفرد ، أي تكون حيثية سجودية هذا الفعل غير حيثية غصبيته لأنّهما عنوانان متباينان وإن اتحدا في الوجود ، وكل من العنوانين والحيثيتين تقييديتان في متعلّق الأمر والحب والنهي والبغض فلا يلزم اجتماع الأمر والنهي والحبّ والبغض في عالم العروض على محل واحد ، وإنّما لا يمكن تفكيكهما في الوجود الواحد ، وهذا محذور مربوط بمرحلة القدرة نظير عدم امكان تفكيك الوجودين المتلازمين والمعنونين المتعدّدين خارجاً بناءً على كون التركيب انضمامياً والذي يسلم فيه بالجواز.

فإنّه يقال : أوّلاً ـ بالنقض بموارد الواجب الشمولي الانحلالي مع الحرام المتعلّقين بعنوانين في مورد كالعمين من وجه.

وثانياً ـ الحلّ ، وحاصله : انّ الأمر والنهي لم يتعلقا بالحيثية بل بالمتحيّث ، أي بالفعل الذي يكون سجوداً ويكون غصباً ، بل عنوان السجود والغصب اسم للفعل لا للمبدأ والحيثية ، وعليه فيكون الفعل الذي هو سجود محبوباً ومطلوباً ،


والفعل الذي هو غصب مبغوضاً ومحرماً ، فإذا كان الاسمان والعنوانان متصادقين على وجود واحد وفعل واحد بحيث يحمل أحدهما على الآخر في ذلك المورد كان من طلب المحرم عند من يرى هذا التصادق لا محالة ، وهو من اجتماع الضدين الممتنع مع قطع النظر عن مسألة القدرة على الامتثال.

وممّا ينبّه إلى ذلك ما سيأتي في التحفّظات من انّه إذا كان هناك مفهوم مشترك بين العنوانين أو كان أحد المفهومين انتزاعياً أو اختراعياً ذهنياً مشيراً به إلى الخارج كان من الامتناع ، فإنّ هذه الاشارية والمرآتية إلى الخارج محفوظة في تمام المفاهيم حتى الحقيقية ، فإذا كان يرى الذهن انطباق المفهومين وتصادقهما خارجاً على شيء واحد كان من الامتناع وتعلّق الحكمين بموضوع واحد من خلال العنوانين ، سواء كانا حقيقيين في مصطلح الفلسفة والمنطق أم لا ، فإنّ هذه الخصوصية لا توجب فرقاً من ناحية محذور الاجتماع ما لم يؤدّ إلى تعدّد المعنون في الخارج.

فالصحيح أنّ تعدد العنوان وحده لا يكفي لاثبات الجواز ، بل لو قيل بسراية الأمر من الجامع بنحو صرف الوجود إلى الفرد أو كان الأمر بنحو مطلق الوجود كان من الامتناع ما لم يثبت تعدد المعنون وكون التركيب في المجمع انضمامياً.

ثمّ انّ الملاك الأوّل للجواز لا يبعد فيه التفصيل عرفاً واثباتاً بين المسألة الاولى والمسألة الثانية أي بين ما إذا كان النهي عن الفرد بنفس عنوان الأمر كالصلاة والصلاة في الحمام وبين ما إذا كان بعنوان آخر كالصلاة والغصب ، فإنّه في الأوّل قد يقال بالتعارض عرفاً واعتبار النهي قيداً في متعلّق الأمر ولو لم يكن النهي ارشادياً ، وهذا بخلاف الثاني ، أي ما إذا كان النهي متعلّقاً بعنوان آخر. فتعدد العنوان يوجب ارتفاع ملاك التنافي العرفي.


والوجه في المنافاة العرفية يمكن أن يكون ما ذكره الميرزا من ظهور الأمر في جواز تطبيق الجامع على كلّ فرد فيقال بأنّ هذا الجواز فعلي لا حيثي ، ولكن بمقدار نفس العنوان لا العناوين الاخرى.

وإن شئت قلت : انّ الجواز الحيثي أيضاً منفي عرفاً بالنهي عن الصلاة في الحمام ، فكأنّه قال : لا يجوز تطبيق الصلاة والاتيان بها ضمن هذا الفرد.

ثمّ انّ المحقق العراقي 1 تفطن إلى الملاك الأوّل ، لكن حاول أن يرده في المقالات ببيان واضح الضعف ، وفي التقريرات بتفصيل بين كون الأمر بنحو صرف الوجود أو مطلق الوجود ، حيث أرجع الأمر بالجامع بنحو صرف الوجود إلى التخيير الشرعي والأمر بكل فرد مشروطاً بترك غيره وهو ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، راجع كلامه وتأمل.

كما أنّه ظهر ممّا تقدّم أنّ من يقول بسراية الحبّ وإرادة الجامع بنحو صرف الوجود إلى فرده ولو مشروطاً بترك الأفراد الاخرى وعلى أساسه يقول بالامتناع في مثل : صلّ ولا تصلّي في الحمام ( المسألة الاولى ) يحتاج إلى البحث الصغروي الذي طرقه المشهور في موارد تعدد العنوان ( المسألة الثانية ) وأنّه متى يوجب تعدّد المعنون ومتى لا يوجبه.

ص ٤٢ قوله : ( وأيّاً ما كان فقد ذكر المحقق الخراساني 1 ... ).

أشكل عليه مدرسة الميرزا أنّ هذا دليل إمكان الاتحاد لا ثبوته فقد يكون متعدداً ، والظاهر أنّ دليله على الاتحاد هو صحّة الحمل الشائع الذي ملاكه الاتحاد في الوجود ، وما ذكره لدفع توهم أنّه كيف ينطبق عناوين عديدة مع وحدة الوجود ، والله العالم.


ص ٤٢ قوله : ( والمحقق النائيني ذكر ... ).

عبارات الميرزا 1 وتعبيراته في تقريريه مختلفة ، وروح مقصوده انّ العنوانين المنطبقين على فعل المكلّف إذا كانا من قبيل المشتقين فهذا لا يوجب تعدد المعنون ولو كانت النسبة بينهما عموم من وجه ، لأنّ صدق المشتق على مصداقه بالذات بلحاظ الذات المأخوذة فيه والصادقة على الماهيات والمقولات المتعددة ، وليس اختلافها بالحقائق حيثية دخيلة في صدقها ، وإنّما تمام الحيثية الدخيلة في الصدق تلبسها بالمبدأ فيكون المبدأ أيضاً حيثية تعليلية لصدقها على الذات.

وأمّا إذا كان العنوانان من قبيل العناوين المبدئية لا الاشتقاقية فالعنوان الحقيقي المبدئي صدقه على مصداقه بالذات إنّما يكون باعتبار أنّ فيه تمام حقيقته وذاته فتكون تلك الحقيقة حيثية تقييدية في الصدق ، وعندئذٍ إذا كان بينهما عموم من وجه أي افتراق من كل جهة لزم أن يكون وجودهما في المجمع بنحو التركيب الانضمامي بين وجودين لا الاتّحادي ( والتركيب الانضمامي عند الميرزا أشد من التركيب بين العرض ومحله أو الاعراض في محل واحد على ما سيأتي توضيحه ) لاستحالة الاتّحاد بينهما ، امّا بتعبير لزوم أن يكون لوجود واحد ماهيتان عرضيتان وهو محال ، وإنّما يعقل ذلك في الماهيات المتداخلة الطولية ، أو بتعبير أنّ كون حيثيّة صدقٍ تقييدية يعني انّ تلك الحيثية تمام حقيقة ذلك العنوان وذاته ، وعندئذٍ لو كان بينهما افتراق مع وحدة الحقيقة لزم الخلف.

أو بتعبير أنّ تلك الحيثية هي جهة الصدق بنحو التقييد فإذا افترقا كان معناه تعددها ، فسواء كان جوهراً أو عرضاً أو مقولة انتزاعية اضافية لزم تعددهما في المجمع ، أي وجود احدى الجهتين والمقولتين غير الاخرى أو واقعيتها غير


الاخرى ( بناءً على واقعية الاضافات وامكان الحمل المواطاتي فيها ).

ولا ينقض بالجنس والفصل ؛ لأنّ الجنس مما يتقوّم بالفصل ويتحصل به ، وهو لا يكون في العامين من وجه. أو بتعبير انّ المبادئ مقولات بسيطة في الخارج لا مركبة من مادة وصورة ، ومن هنا يكون ما به الاشتراك فيما بينها عين ما به الامتياز ، وليس عنوان الماهية أو المقولة أو الحركة إلاّعنواناً انتزاعياً لها ، وحينئذٍ لا يعقل التركيب الاتحادي فيما بينها إذ يلزم أن يكون ما به امتيازها في الجمع غير ما به اشتراكها وهو خلف.

هذه تعابير مختلفة لمطلب الميرزا 1 روحها واحدة.

ومنه ظهر جواب الاشكال عليه من قبل السيد الخوئي في العناوين الانتزاعية فإنّه لا فرق في روح هذا البيان بين المقولات والماهيات المتأصلة والانتزاعية إذا قبلنا حمل المواطاة فيها كما نقبل فإنّ التقدم غير المتقدم.

وأمّا الاعتراضان اللذان سجلهما السيد الشهيد 1 على الميرزا ، فالأوّل منهما صحيح ، إلاّ انّ الميرزا لعلّه كان يلاحظ مرحلة الاثبات أيضاً ، فإنّه من أين نثبت انّ العنوانين عرضيان وليسا متداخلين وطوليين إذا كانا متساويين في الصدق أو بينهما عموم من وجه.

وأمّا الثاني منهما ـ وهو انّ عنوان الفعل مأخوذ ومستتر بحسب النظر الاصولي في كل عنوان مأمور به أو منهي عنه فيكون اشتقاقياً بالدقة وإن كان مبدئياً بحسب كلام اللغوي. فهذا من الخلط بين الفعل بمعناه العرفي والفعل بمعناه المقولي.

وتوضيح ذلك : انّ عنوان الفعل والحركة ونحو ذلك عنوان عرفي انتزاعي


منتزع من مقولات متعددة لأفعال المكلفين ، فالنية فعل والسجود فعل والمشي فعل للملكف وهي من مقولات متعددة متباينة بحيث يستحيل اتحادها في الوجود ، بل هي عوارض متعددة على المكلّف الفاعل لها ، وقد يكون بينها تركيب انضمامي واجتماع في مورد ، ولكن كل فعل منه غير الآخر في الوجود والحقيقة والعين. وعنوان الفعل أو الحركة ليس مقولة حقيقية بل عنوان منتزع كعنوان الذات والشيء يصدق على الأضداد والمتباينات بل الحركة في كل مقولة عين تلك المقولة.

وعندئذٍ يقال : إن كان المدّعى انّ العناوين المبدئية المأمور بها والمنهي عنها كلها من سنخ فعل مقولي واحد للمكلفين فهو واضح البطلان ، وإن اريد انّ هذه العناوين كلّها قد اخذ فيها مفهوم الفعل العرفي الانتزاعي والحيثيات المبدئية حيثيات تعليلية فتكون كالعناوين الاشتقاقية. فهذا بلا موجب ، بل خلف فرض مبدئية هذه العناوين وتقييدية جهة الصدق فيها.

وإن اريد انّه لا يمكن أن يتعلّق أمر أو نهي إلاّبعنوان الفعل العرفي غير المقولي فهذا أيضاً واضح البطلان ، إذ كما يمكن الأمر به يمكن الأمر بأيّة مقولة اخرى حقيقية قابلة للصدور عن المكلّف ، أي يتمكن المكلّف من ايجاده.

ومنه يظهر عدم تمامية ما فُرّع عليه من ثبوت الامتناع بناءً على الملاك الثاني للجواز المختار عند سيدنا الشهيد 1 وهو كفاية تعدد العنوان في الجواز لصدق التحفظ الثالث وهو اشتراك العنوانين في مفهوم واحد ، وهو الذات أو الفعل الذي له الاضافة ، فيكون من الامتناع ، فإنّ هذا غير صحيح ، إذ لا اشتراك كذلك بين العناوين المبدئية البسيطة.


هذا ، مضافاً إلى ما في هامش الكتاب من انّه لا اشتراك بين المشتقات في جزء مفهومي ، فإنّ مفهوم الذات مفهوم انتزاعي يشار به إلى الوجود الخارجي ، وليس مفهوماً عنوانياً مشتركاً بين العنوانين ، وهذا واضح.

وأمّا مقالة الميرزا 1 فالاشكال عليه :

أوّلاً ـ أنّ هذا يؤدي إلى أن يكون العنوانان متباينين في الوجود والحقيقة غاية الأمر قائمان بموضوع واحد هو المكلف مثلاً لكون كل منهما عارضاً عليه وحينئذ لا يصح حمل أحدهما على الآخر كما لا يصحّ حمل أي عرض على آخر وإن اجتمعا في معروض واحد.

وهذا لا اشكال في جوازه وخروجه عن محلّ البحث ، نظير النظر إلى الأجنبية والصلاة أو التكلم في الدار المغصوبة فإنّ التكلّم أو التفكير في الدار المغصوبة ليس غصباً ، وهذا بخلاف الصلاة أو السجود فيها ، فإنّه بنفسه غصب وتصرّف في مال الغير ، لا أنّه فعل ومقولة اخرى مقارنة معه عارضة على المكلّف.

والحاصل : العنوانان امّا أن يكونا صادقين على مقولة واحدة فهذا لا يمكن في العناوين المبدئية عند الميرزا أو يكونان صادقين على مقولتين عارضتين على المكلّف أو يكونان صادقين على مقولتين احداهما عارضة على الاخرى ولا شقّ رابع. والأخير غير معقول ، لأنّ عروض أحد الأعراض المقولية على الاخرى مستحيل بل لابد وأن يكون أحدهما جوهراً ولا جوهر في المقام غير المكلّف بحسب الفرض ، ولو سلّم امكانه فهو كالثاني خارج عن البحث ؛ إذ لا تركيب بينهما ولا يصح حمل أحدهما على الآخر ، فهما كالنظر إلى


الأجنبية والصلاة. وهذا الاعتراض التفت إليه الميرزا 1 حيث سلّم بأنّه لا تركيب بين العرض والموضوع أو الأعراض لموضوع واحد ، وحاول الاجابة عليه في كل من تقريريه بما يرجع إلى أحد جوابين :

الأوّل : انّ التركيب والصدق في المقام إنّما يكون لأجل تشخص كل من الصلاة والغصب بالآخر ويجري كل منهما بالنسبة إلى الآخر مجرى المشخِّص فتكون الصلاة متشخصة بالغصب ويكون الغصب متشخصاً بالصلاة ، ومن المعلوم انّ كل طبيعي يوجد في الخارج لابد أن يكون محفوفاً بمشخصات عديدة من مقولات متعددة والتشخص بذلك يكون في رتبة وجودهما ويكون من المشخص للصلاة هو الفرد الغصبي وبالعكس (١).

وفيه : أنّ تشخص الكلي والطبيعي لا يكون بالماهيات والمقولات الاخرى بل بالوجود على ما حقق في محلّه.

ولو فرض أنّه بذلك فهذا لا يمكن أن يكون في رتبة وجود الطبيعي إلاّفي الجنس والفصل ولا يعقل في الأعراض كما هو المفروض في المقام ، بل وجود العرض المشخص لماهية غير وجود تلك الماهية جزماً ، ومن هنا لا يصحّ حمل أحدهما على الآخر ، فليست العدالة زيداً أو انساناً وليس زيد أو الإنسان عدالة. فلا معنى لفرض كون المشخص للصلاة هو الفرد الغصبي وبالعكس إلاّالعروض فيرجع لا محالة إلى أحد الفرضين المذكورين والذي تقدم خروجهما عن محل البحث مع كون الأخير منهما غير معقول في نفسه.

__________________

(١) فوائد الاصول ج الأوّل والثاني ص ٤١٤ ( ط ـ جامعة المدرسين ).


الثاني : وهذا له تعبيران : أحدهما : انّ التركيب بينهما يجيء من جهة وحدة فعل المكلف بالمعنى العرفي بمعنى وحدة الايجاد للمقولتين حيث انهما يصدران عنه بايجاد واحد.

والتعبير الآخر : انّ الحركة والفعل العرفي الصادر من المكلّف خارجاً كحركة اليد ووضعها أو الرأس والرجل ووضعهما واحد ولكن الموجود بها حركتان مقوليتان الحركة الصلاتية والحركة الغصبية ، وهما متعددتان لا محالة بالبرهان المتقدم ، فوحدة الفعل العرفي أو الايجاد هو مصحح الحمل والتصادق وهو منشأ التركيب الانضمامي رغم تعدد المقولتين.

والجواب : امّا بالنسبة إلى التعبير الأوّل ، فالايجاد عين الوجود ولا فرق بينهما إلاّبالاعتبار ، فإذا كان الوجود متعدداً كان الايجاد كذلك لا محالة ، وامّا عن التعبير الثاني فالفعل العرفي إن كان نفس الفعل المقولي الصادر منه استحال أن يكون واحداً مع فرض تعدد الفعل المقولي وان كان فعلاً آخر مقدمة للفعل المقولي خرج عن محلّ البحث لأنّه خلف صدق الفعل المقولي عليه حقيقة ، على انّه يلزم اجتماع الأمر والنهي في المقدمة بناءً على وجوب المقدمة وإن كان موضوعاً ومعروضاً لكل من المقولتين العرضيتين والمأمور به والمنهي عنه إنّما هو الاضافة والخصوصية الصلاتية أو الغصبية في فعل المكلف ، فهذا خارج عن البحث أيضاً كما ذكره السيد الشهيد لتعدد المأمور به والمنهي عنه ، هذا كلّه في الايراد الأوّل على مقالة الميرزا.

وثانياً ـ لو سلّمنا تعدد المعنون بالدقة في موارد صدق العنوانين المبدئيين على فعل واحد للمكلف بالبرهان المتقدم منه مع صحّة الحمل والصدق على الفعل والحركة الواحدة من المكلّف فهذا لا يكفي لاثبات الجواز ؛ لأنّ محذور


الامتناع إنّما كان من جهة استحالة انطباق المأمور به والمنهي عنه على فعل واحد من أفعال المكلّفين بحسب نظر الآمر ، وهذا محفوظ في المقام وإن استطاع الميرزا 1 ببرهان عقلي أن يثبت تعدد المعنون واقعاً فيه ، فإنّ هذه المداقة لا تنفع بعد أن كان ملاك الاستحالة انّ المولى لا يمكنه أن يأمر بفعل بحسب نظره وينهى عنه في نفس الوقت ، مع حمل أحدهما على الآخر واتحادهما عرفاً ، وليس هذا من باب الخطأ في التطبيق ليقال بأنّ فهم العرف ليس بحجة فيه ، وإنّما من جهة انّ ملاك الاستحالة يكمن في التطابق والتصادق على فعل واحد وحركة واحدة في الخارج ، فاننا تارة لا نقبل هذه المصادرة ونكتفي بتعدد العنوان في الجواز إذاً لا موضوع لهذا البحث ، ولا حاجة لاثبات تعدد المعنون ، بل حتى مع وحدة وجود العنوانين جاز الاجتماع.

واخرى نقبلها ، ومن هنا احتجنا إلى اثبات تعدد المعنون ، فعندئذٍ يكون الميزان أن لا يرى الآمر العرفي امكان تصادق العنوانين على واحد خارجي.

ثمّ انّ السيد الشهيد 1 بعد أن اعترض على الميرزا بالمناقشة الثانية وأرجع العناوين المبدئية غير الاشتقاقية إلى العناوين الاشتقاقية بحسب المنظور الاصولي أفاد أنّ النسبة بين هذا الملاك والملاك الثاني المختار عنده للجواز عموم مطلق ، فإنّه في كل العناوين الاشتقاقية الأدبية والاشتقاقية الاصولية يثبت الامتناع على المسلكين ، أي حتى على المسلك الثاني لمجيء التحفظ الثالث المتقدّم فيها ، وهذا يشمل جميع العناوين إلاّمثل الجنس والفصل حيث يكون الفصل مبايناً مع الجنس من دون اشتراك في شيء منهما مفهوماً. ومثل له بالأمر برسم الخط والنهي عن انحنائه ، ومن الواضح امكانه وجوازه فيكون دليلاً على صحة الملاك الثاني.


ونلاحظ على هذا الاستنتاج اموراً :

الأوّل : ما تقدم من انّه لا اشتقاق في العناوين المبدئية أصلاً.

الثاني : ما تقدم من عدم صحّة إجراء التحفظ الثالث على القول به في المقام.

الثالث : عدم صحّة أصل هذا التحفظ ـ أي الثالث ـ لأنّ مجرد الاشتراك في جزء مع التغاير والتعدد في قيد العنوان المشترك الموجب لتعدد العنوانين المقيدين وتباينهما أو العموم من وجه بينهما لا يوجب اجتماع الأمر والنهي في عنوان واحد ، وذلك لأنّه لو اريد لزوم اجتماعهما في جزء المفهوم المشترك فهذا واضح البطلان ، لأنّ المعروض هو المقيد بما هو مقيد لا ذاته وهما متغايران ، بل قد يكونان متباينين في الصدق كما إذا كان القيدان كذلك ، فلا وجه لتوهم السراية في الجامع المحبوب ضمناً حتى لو قبلناها في الجامع المحبوب مستقلاًّ ، فلو قال المولى : ( أكرم عالماً ، ويحرم اكرام الفاسق ) ، فأكرم عالماً فاسقاً لم يكن وجه للقول بالامتناع بناءً على المسلك الثاني للجواز ، فإنّ الواجب عنوان اكرام العالم بنحو صرف الوجود وهو غير عنوان اكرام الفاسق المحرم ، ولا يكون الثاني مرئياً بالأوّل أصلاً ، واشتراكهما في جزء المدلول كالانسان أو الذات وكونه محبوباً ضمنياً لا يوجب سراية الحبّ الضمني إلى الفرد والحصة المحرّمة ، كيف وإلاّ وجب الامتناع حتى إذا كان القيدان متباينين ، كما إذا قال : ( أكرم عالماً عادلاً ، ويحرم اكرام العالم الفاسق ) ، وهذا واضح البطلان كما أشرنا إليه سابقاً.

والمثال الذي في الكتاب ليس بفني ؛ لأنّه من تعدد الاكرام بتعدد المكرم ، فهو خارج عن البحث موضوعاً ، وهو من الواضح كونه من التزاحم ، حيث انّ فعل اكرام زيد العالم هناك يلازم مع فعل آخر محرم هو اكرام عمرو الفاسق.


نعم ، الفعلان يحصلان بسبب واحد ، وهو قيام المكلّف لهما ، فلو قيل بوجوب مقدمة الواجب وحرمة مقدّمة الحرام لزم الإجماع في السبب وهذا خارج عن البحث.

الرابع : لم نفهم الوجه في عدم كون عناوين الجنس والفصل الصادقة على أفعال المكلّفين من المشتقات بحسب النظر الاصولي فإنّها أيضاً تتضمن نكتة الاشتقاق المستتر التي استند اليها السيد الشهيد في اثبات الامتناع ، فإنّ المراد بالفصل المنهي عنه إذا كان نفس الحيثية والاضافة ، فهذا متعدّد في العناوين المبدئية الاخرى أيضاً ، وخارج عن محل البحث وإن كان المراد به الفعل المتحيِّث بتلك الحيثية كان مشتقاً لا محالة.

والمثال الذي جعل جوازه واضحاً إنّما يجوّز لو كان بالنحو الأوّل والذي تقدم جوازه في تمام العناوين.

ويتلخص من مجموع ما ذكرناه وحققناه انّ الصحيح من الملاكات الثلاثة هو الملاك الأوّل ، إذ الثاني وهو تعدد العنوان غير كافٍ للجواز مع تصادق العنوانين على فعل واحد إذا لم نقبل الملاك الأوّل للجواز ، والثالث وهو تعدد المعنون بتعدد العنوان غير تام ، فالصحيح في ملاك جواز الاجتماع هو الأوّل والذي يختص بما إذا كان الأمر بدلياً أي متعلقاً بالطبيعة بنحو صرف الوجود لا مطلق الوجود.

وقد اتضح مما تقدم جواز الاجتماع عقلاً في المسألتين الاولى والثانية معاً ، إلاّ انّه قد يقال بالظهور العرفي في التقييد في المسألة الاولى ولو بالنكتة المتقدمة عن الميرزا 1.


ص ٥٠ قوله : ( وهكذا يتضح انّ هذه البيانات لم تنجح لتصوير مركز ... ).

الانصاف انّ هذه مداقات غير عرفية ، وإلاّ فالعرف يرى انّ من أنحاء التصرف في المكان المتعلّق بالغير هو اشغاله بفعل من الأفعال التي تحتاج إلى مكان خارجي لايقاعها فيه ، ومنها الصلاة ، فإنّ القيام والقراءة والركوع والسجود وسائر ما هنالك من الأفعال المحققة للصلاة تقع في مكان مغصوب فتكون بنفسها تصرفاً عرفاً واشغالاً لملك الغير بعمل فيحرم بدون إذنه ، فلا يكون المركز للاجتماع خصوص السجود.

ودعوى : تقوّم السجود بالخصوص من أفعال الصلاة بوضع الثقل على الأرض وعدم كفاية المماسة مع الجبهة وأنّ الغصب من مقولة الأين ، أو انّ التصرف في المغصوب إنّما هو الكون فيه أو الاحاطة عليه أو وضع الثقل فيه أو تغييره وتحويره وشيء منها لا يكون من أجزاء الصلاة وأفعالها المأمور بها إلاّفي السجود بناءً على أخذ وضع الثقل في مفهومه.

مدفوعة : بأنّ هذا ممّا لا يساعد عليه العرف ، بل العرف يرى انطباق النهي على مطلق التصرف في المال المغصوب وانّ نفس الأعمال والأفعال الصلاتية مصداق عرفي حقيقي لعنوان التصرف لا أنّ كون المكلّف أو وضع ثقله على الأرض أو اشغاله له هو التصرف فقط.

والشاهد على ذلك تأثر العرف بنوع الفعل الشاغل ، فلو أشغله بالعبادة غير ما إذا أشغله بالفساد والإثم بحيث قد يرضى بأحدهما ولا يرضى بالآخر ، وليس ذلك من باب عدم الرضا بالكون إذا كان فعله شنيعاً ، بل يرى العرف أنّ نوع الفعل أيضاً تصرّف في المحلّ وبحاجة إلى إذن به ، وأنّه داخل في سلطان المالك ومن


حقّه ، لا انّه شرط لاذنه فيما هو من حقه ؛ ولهذا قد تختلف قيمته وثمنه أيضاً ، وليس ذلك من أجل ازدياد قيمة الكون.

وللمحقق العراقي 1 كلمات في المقام لا تخلو من اشكالات يمكن مراجعتها في تقريرات بحثه والتأمل فيها لكي تظهر.

ص ٥٣ قوله : ( ثمّ انّ الصحيح عدم الامتناع عرفاً في كل مورد ... ).

هذا صحيح إذا لاحظنا نفس القضية التي حكم العقل بعدم الامتناع فيها كما إذا رأى العقل امكان اجتماع الأمر والنهي على عنوان واحد أو على عنوانين مع وحدة المعنون أو امكان اجتماع الحب والبغض كذلك ، فإنّ العرف أيضاً سوف يرى امكانهما لعرفية مواردهما وكثرة ابتلاء العرف بذلك ، فلو لم يكن محذور عقلي فلماذا يرى العرف امتناعه مع كونه ممكناً وواقعاً خارجاً ، وهذا واضح.

ولكن قد يكون الامتناع العرفي في النتيجة ولكن من جهة اخرى لا من جهة الاختلاف بين العرف والعقل في الكبرى ، وهذا ما يمكن تصويره بأحد وجوه :

الأوّل : ما تقدّم عن الميرزا 1 فلو قلنا انّ خطاب الأمر بالجامع بنحو صرف الوجود ظاهر عرفاً في جواز تطبيقه فعلاً على كل فرد فرد من مصاديق ذلك الجامع وعدم المحذور فيه من ناحية ذلك الجامع لا العناوين الاخرى كان بين الأمر بالجامع والنهي عن حصة منه ـ المسألة الاولى ـ تمانع عرفي لا محالة ، وإنّما يكون امتناعاً عرفياً لا عقلياً لأنّه لو كان دليل وجوب الجامع لبياً مثلاً لم يكن بينه وبين دليل النهي تمانع وتعارض.

الثاني : ما تقدم في الهامش في الكتاب عن السيد الشهيد 1 من انّه إذا قلنا


بعدم تقوّم الأمر والنهي عند شارعنا على الأقل بالحب والبغض بل بالملاك والمصلحة التامة والمفسدة كذلك غير انّ ظاهر الأمر والنهي عرفاً المحبوبية والمبغوضية وقلنا بامتناع اجتماع الحب والبغض على شيء واحد بعنوان واحد ـ المسألة الاولى ـ أو حتى بعنوانين لزم الامتناع العرفي دون العقلي ، بمعنى انّه إذا كان الدليلان لفظيين كانا متمانعين متعارضين لا محالة ، لأنّ كلا منهما بالدلالة الالتزامية العرفية ينفي المدلول المطابقي ـ وهو الحكم ـ في الآخر.

الثالث : أن يرى العرف وحدة المجمع وجوداً في الخارج ، لكن يقيم الفلسفة مثلاً برهاناً على تعدد واقع الوجود العيني في الخارج رغم عدم ادراك العرف لتعدده ، فإنّ هذا الخطأ العرفي أيضاً يكفي لايقاع التعارض بين اطلاقي دليلي الأمر والنهي إذا كانا لفظيين.

ص ٥٣ قوله : ( التنبيه الثالث ... ).

ويرد على مقالة صاحب القوانين أيضاً : انّ مجرد اختلاف موضوع المسألتين من حيث العموم من وجه أو المطلق لا يكفي لتعدد المسألة إذا كانت حيثية البحث والمحمول فيهما واحداً كما تقدّم مفصّلاً.

ص ٥٤ قوله : ( من هنا ذكرت مدرسة المحقق النائيني 1 ... ).

الظاهر أنّ مقصودهم من السراية ليس مجرد تعلق النهي بنفس العنوان المأمور به لينقض عليه بالمسألة الاولى ـ بناءً على الملاك الأوّل للجواز ـ وإنّما مقصودهم من السراية الاجتماع في الواحد الممتنع لسراية الأمر من الجامع إلى الفرد ولوحدة المعنون ، فالحاصل مقصودهم أنّ البحث عن اقتضاء النهي للفساد بعد فرض السراية وارتفاع الأمر فيبحث في انّه هل يقتضي الفساد أم لا بينما


البحث هنا عن أصل السراية المستلزمة لارتفاع الأمر وعدمه.

والجواب عندئذٍ بأنّ البحث عن الاقتضاء أعم من ذلك ، فإنّه يتم حتى على القول بالاجتماع من جهة عدم امكان التقرب بالحرام أو المبغوض ، فإنّ هذا أحد أهم براهين اقتضاء النهي للفساد على ما سيأتي فلا طولية ولا تفريع بين المسألتين.

هذا مضافاً إلى انّ هذا معناه البحث عما يترتب على السراية من نتائج والتي احداهما زوال الأمر والاخرى الفساد ، فلا ينبغي جعلهما مسألتين بعد أن كانت النكتة واحدة ، فهناك أثران مترتبان يدوران مدار السراية وعدمها فهي مسألة واحدة لا محالة وليست مسألتين.

والمحقق العراقي أشكل على الميرزا بأنّ البحث في مسألة الاجتماع عن السراية الموجبة للفساد بملاك التزاحم وعدم إمكان التقرب بالمبغوض ولذلك يختص بحال وصول النهي مع فعلية الملاك فيه بينما البحث في المسألة القادمة عن اقتضاء النهي للفساد لا من جهة عدم امكان التقرب ، بل من ناحية الكشف عن عدم الملاك في مورد النهي ، ولهذا يكون من التعارض لا التزاحم ، فليست مسألة الاجتماع حتى على الامتناع محققة لصغرى مسألة اقتضاء النهي للفساد.

وفيه : أوّلاً ـ انّه بناءً على الامتناع يكون تعارض بين الدليلين لا التزاحم بكلا معنييه. نعم لو قيل بعدم تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الحجّية قد يمكن اثبات الملاك فيكون من التزاحم الملاكي ؛ إلاّ انّ هذا يجري في سائر موارد التعارض أيضاً لو قيل بعدم التبعية على ما سيأتي ، والصحيح هو التبعية فلا موضوع لهذه التفرقة.


وثانياً ـ انّ من جهات وبراهين البحث عن اقتضاء النهي للفساد أيضاً عدم إمكان التقرب بالمبغوض وإن كان فيه ملاك فلا وجه لاخراج ذلك عن بحث الاقتضاء وتخصيصه بما إذا كان من التعارض بلحاظ الملاك.

ومحصّل الجواب : انّ التمايز بين المسألتين والفرق بينهما بتمايز المحمول في المقام مع كون النسبة بينهما عموماً من وجه ، أي كون النكتة والحيثية التعليلية لكل منهما غير نكتة الاخرى وقابلة للانفكاك عنها.

فالمحمول في المقام منافاة النهي للوجوب والأمر كحكم تكليفي والنكتة فيه السراية ولزوم اجتماع الضدين في واحد.

والمحمول في المسألة القادمة منافاة النهي للصحة كحكم وضعي ، واقتضائه بطلان العمل العبادي ، والنكتة فيه عدم تحقق الامتثال لا خطاباً ولا ملاكاً أو عدم إمكانه ، فالمراد بعدم تحققه ما يعم عدم إمكانه. وهما نكتتان مختلفتان بينهما عموم من وجه ، حيث قد يكون اجتماع ولكن يقال ببطلان العبادة لعدم امكان قصد القربة وقد يقال بعدم الاجتماع والصحة من جهة احراز الملاك وإمكان قصد التقرّب ، فلو كان المحمولان متلازمين بأن تكون الحيثية التعليلية لهما واحدة أو متلازمة لم يكن يناسب جعلهما مسألتين كما لا يخفى.

ص ٥٧ قوله : ( والمحقق النائيني 1 أفاد : ... ).

الموجود في تقريرات فوائد الاصول المطبوعة بقم ص ٤١٦ وفي أجود التقريرات ص ٣٤٤ ج ١ خلاف ذلك تماماً ، بل يصرح الميرزا 1 بأنّه على تقدير القول بتعلق الأوامر بالأفراد بمعنى المشخصات فهذا يؤثر في البحث. نعم لعلّ كلامه ليس مستوعباً لتمام المحتملات ، إلاّ انّ ما نسب إليه هنا غير تام.


ص ٦١ قوله : ( وأيّاً ما كان فالمستند لهذه الشرطية ... ).

الظاهر من المقدمتين الثامنة والتاسعة في الكفاية المتعرض فيهما لما في هذا التنبيه انّ الذي يأخذه صاحب الكفاية شرطاً ليس هو احراز الملاكين بل ثبوتهما الواقعي ، فإنّه يبيّن ما هو مقتضى الثبوت أوّلاً ثمّ ما هو المستظهر في مقام الاثبات ففي المقام الأوّل يقول ( لا يكاد يكون من باب الاجتماع ، إلاّإذا كان في كل واحد من متعلقي الايجاب والتحريم مناط حكمه مطلقاً حتى في مورد التصادق والاجتماع كي يحكم على الجواز بكونه فعلاً محكوماً بالحكمين ، وعلى الامتناع بأنّه محكوم بأقوى المناطين ... الخ ) وهذا مطلب صحيح بمعنى انّ بحث الاجتماع عبارة اخرى عن انّ كلا المناطين للوجوب والتحريم على تقدير وجودهما ـ بنحو القضية الشرطية لا الفعلية ـ هل يمكن أن يؤثرا في ايجاد مقتضاهما أم لا؟ فالبحث عن مانعية النهي عن الأمر ثبوتاً فرع تمامية مقتضاهما وعدم التمانع بين نفس المقتضيين ، فالطولية بهذا المقدار مقبول ولا يرد عليه ما في الكتاب في ردّ المستند الأوّل كما لا يخفى ، فيكون التقيد والشرط عدم احراز ارتفاع أحد الملاكين.

وهذا المطلب إنّما يذكره الخراساني مقدمة لمطلب أهم اثباتاً وهو اخراج باب الاجتماع عن باب التعارض وان دليلي الوجوب والحرمة إن كانا متنافيين بلحاظ الملاك كما إذا كانا متعلقين بعنوان واحد بينهما عموم من وجه أو عموم وخصوص مطلق ـ لنكتةٍ ستأتي ـ كان من التعارض ، وامّا إذا لم يحرز ذلك فيهما كما إذا كانا متعلّقين بعنوانين ـ كما في مسألة الاجتماع ـ كان من التزاحم الملاكي ؛ لامكان اثبات الملاك فيهما ولو بالدلالة الالتزامية بعد سقوط المطابقية.


والحاصل : مقصودهم اخراج باب الاجتماع حتى بناءً على الامتناع عن باب التعارض وادخاله في باب التزاحم بحسب مصطلحهم الذي هو أوسع من التزاحم الامتثالي الميرزائي وتطبيق أحكام التزاحم فيه ، وهو تقديم أقوى المناطين في التأثير في فعلية مقتضاه. وجواب هذا عندئذٍ هو انّ هذا النحو من التزاحم تعارض بحسب الحقيقة على ما سيأتي في بعض الجهات القادمة.

ص ٦٢ قوله : ( الجهة الثانية : في طريق اثبات فعلية الملاكين ... ).

أقول : فعلية الملاك له أثران :

أحدهما ـ الاجتزاء عن المأمور به إذا كان توصلياً بالاتيان به ، أو أمكن قصد القربة به ، وهذا يختص بما إذا كان الأمر بدلياً لا شمولياً كما لا يخفى.

الثاني ـ ايقاع التزاحم الملاكي بين ملاك الأمر وملاك النهي وتطبيق قوانينه من قبيل ترجيح الملاك الأقوى مثلاً والحكم على طبقه ـ لو أمكن ذلك ـ وهذا يختص بما إذا كان الأمر شمولياً أو كان بدلياً ولكن لم يكن مندوحة في البين وإلاّ ففي البدلي مع المندوحة يكون ملاك النهي مقدماً ولازم الحفظ مهما كان أضعف من ملاك الأمر لعدم التزاحم وعدم الكسر والانكسار بينهما ، وهذه نكتة مهمة سوف نستفيد منها ، كما سيأتي.

ص ٦٢ الهامش ...

أقول : ما ورد فيه لا يمكن قبوله ؛ لأنّ التعارض المستقر والقرينية على عدم الملاك خارج عن البحث وكذلك التعارض بين النفي والاثبات لحكم واحد ، وإنّما البحث عن التعارض بين الدليلين من جهة دلالة أحدهما على الحرمة والآخر على الوجوب وكانا شموليين ـ ليكون خارجاً عن مسألة الاجتماع على


التحقيق ـ فإنّه في مثله يكون اثبات الملاك بالدلالة الالتزامية في المجمع مفيداً بلحاظ الأثر الثاني المتقدم أي تقديم أقوى الملاكين وإن لم يكن يعقل فيه الأثر الأوّل ، مع انهم لا يلتزمون فيه بذلك بل يحكمون فيه بالتعارض والتساقط.

وما ذكر في الهامش لا يرجع إلى محصل لأنّ المدلول الالتزامي لدليل الأمر سواء كان بدلياً أو شمولياً واحد ، وهو ثبوت الملاك التام بمعنى المقتضي لفعلية الأمر فيه ـ بدلاً أو شمولياً ـ لولا النهي ، وامّا الملاك التام بالفعل الباعث على الأمر به والمؤثر بالفعل ـ فهو مفقود فيهما معاً ، ولا موجب لأخذ عنوان المؤثرية في الغرض المطلوب من احراز الملاك ، كما انّه لو اريد انّ الموجود في المجمع من ملاك الأمر مساوٍ لما هو ثابت في غيره من حيث الأهمية فهو أيضاً ثابت في الأمرين الشمولي والبدلي بحسب ظاهر الدليل والجعل الواحد. فإذا كان أحد الملاكين أقوى رتّب أثره لا محالة سواءً كان شمولياً أو كان بدلياً مع فرض عدم المندوحة كما تقدم.

وهكذا يتضح انّ انكار أصل الدلالة الالتزامية على الملاك في مورد التعارض المذكور كما في الهامش في غير محلّه.

نعم ، هناك محاولتان لاثبات وقوع التعارض بين الدليلين في مدلوليهما الالتزامي أيضاً :

أحدهما ـ يختص بموارد التعارض غير مسألة الاجتماع والآخر عام لجميع الموارد ، امّا الأوّل منهما فهو ما ذكره المحقق العراقي 1 وقد بيّنه السيد الشهيد على ما في الكتاب مع جوابين تامين.

ولا يورد على ثانيهما بما يستفاد من تقريرات بحث العراقي 1 من انّ النهي


عن المقيّد المركب من الطبيعة والتقيد يدل على انتفاء الملاك في المركب ، ولازم انتفاء الملاك في المركب انتفائه في جزئه ، وهو ذات الطبيعة أيضاً ، وهو خلف الأمر بها الكاشف عن وجود ملاك فيها فيقع التعارض بينهما بلحاظ الملاك فيه.

فإنّه يقال : بأنّه لا ينافي وجود الملاك في جزء المركب أي ذات الطبيعة بدلاً وبنحو صرف الوجود وإنّما ينافي وجودها فيه تعييناً كما إذا كان شمولياً وهو خارج عن موضوع المناقشة الثانية ، فما في الكتاب من إطلاق المناقشة الثانية لما إذا كان الأمر شمولياً غير دقيق.

وأمّا الثاني ـ فما ذكره بعض الأعلام من الاشكال على أصل اثبات الملاك بالدلالة الالتزامية أو باطلاق المادة من انّ دليل صلّ له مدلولان التزاميان : أحدهما الملاك في الصلاة ، والآخر عدم وجود ملاك أقوى في تركها.

وإن شئت قلت : انّه إذا كان في ترك الصلاة ملاك فليس بغالب على ملاك الصلاة ، وإلاّ لم يكن يؤمر بها ، ودليل لا تصلّ الذي ينفي وجوب الصلاة بالملازمة يدلنا على انتفاء أحد المدلولين الالتزاميين المذكورين ، لأنّنا نعلم اجمالاً ( على تقدير صدق لا تصلّ ) امّا لا ملاك في الصلاة أو إذا كان فيه ملاك فملاك الترك غالب عليه ، فيكون معارضاً مع مجموع الدلالتين الالتزاميتين اللتين احداهما دلالة على أصل الملاك في الصلاة فتسقط الجميع فلا تبقى دلالة على أصل الملاك في الصلاة أيضاً ، وقال انّ هذا كما يتم في صلّ ولا تصلّ يتم أيضاً في مثل صلّ ولا تغصب ـ موارد الاجتماع ـ وصلّ وأزل ـ موارد الضدين لو فرض عدم امكان الترتب ـ لأنّه بعد فرض عدم امكان فعلية الأمرين فلا محالة لابد من هذا الحساب لدى المولى والأمر بأحدهما يكون كاشفاً عن فقدان الآخر لملاك أقوى.


وهذا بيان يفيد في بحث عدم التبعية بين الدلالتين لاثبات التبعية من جهة سريان التعارض إلى المداليل الالتزامية دائماً.

وفيه : أوّلاً ـ انّ المدلول الالتزامي الثاني ليس ما ذكر من انّه ليس في النقيض ملاك أقوى ، كيف وإلاّ أمكن اجتماعهما وعدم تكاذبهما بأن يكونا متساويين ، فليس في نقيض كل منهما ملاك أقوى من الآخر ، وهذا لا يكفي لفعلية الأمر بأي منهما بل لابد فيه من أن يكون ملاكه أقوى ، وهذا يعني انّ المدلول الالتزامي الثاني انّه لو كان في النقيض ملاك فملاك الأصل أقوى ، وحيث يعلم بعدم امكان أقوائية الملاكين في النقيضين أو الضدين فلا محالة يقع التكاذب بينهما ؛ لأنّ احداهما كذب لا محالة لاستحالة صدق الشرطين معاً ، وهو من العلم الإجمالي بكذب احدى الدلالتين الالتزاميتين المذكورتين على كل حال ، فالعلم الإجمالي ثنائي لا ثلاثي الأطراف فلا وجه لادراج الدلالة الالتزامية الاولى لكل منهما على أصل الملاك وذاته في المعارضة.

وإن شئت قلت : انّ للدليلين مفادين : أحدهما : فعلية ملاكين تامين بالمعنى المتقدم أي لولا التمانع والتضاد لكان مؤثراً في فعلية الحكم. والآخر : انتفاء المانع وفعلية التأثير ويعلم اجمالاً كذب أحد المفادين الثانيين في الدليلين على كل حال لاستحالة فعلية التأثيرين في المجمع. وأمّا فعلية الملاكين التاميين بالمعنى المتقدم ، فلا موجب لاسراء التعارض اليهما. فليست الشرطية المذكورة إلاّ انتزاعاً عن مؤثرية الملاك في كلّ منهما وهي لا يمكن صدقها في الطرفين.

وثانياً ـ لو سلمنا صحة هذه المقالة في موارد التعارض فلا نسلمها في مثل صلّ ولا تغصب أي موارد كون الأمر بالجامع بدلياً وبنحو صرف الوجود لما قلناه


من عدم الكسر والانكسار فيه ، فالنهي لا يدلّ على عدم وجود ملاك غالب للأمر في صرف الوجود أصلاً كما هو واضح ، فلا موضوع لهذا الكلام هناك.

نعم ، هنا مطلب آخر مهم على هذا الأساس وهو انّ إطلاق الأمر البدلي بناءً على الامتناع ينفي أصل الملاك للنهي ، لأنّ وجوده في المجمع بأية درجة كان أي حتى إذا كان مغلوباً لملاك الأمر يستدعي فعلية الحرمة فيه وعدم إطلاق الأمر له ، أي تقيده بغيره لعدم الكسر والانكسار مع وجود البدل وكون الأمر بنحو صرف الوجود ، وهذا يعني عكس ما رامته مدرسة المحقق الخراساني من انّه بناءً على الامتناع إذا كان الأمر بدلياً ـ كما هو الصحيح في مسألة الاجتماع على ضوء ما تقدم ـ لا يمكن اثبات ملاك النهي في الجمع حتى بالدلالة الالتزامية ، لأنّ وجوده فيه منافٍ لا يجتمع مع فعلية الأمر البدلي واطلاقه للمجمع ، فالمدلول المطابقي لدليل الأمر البدلي ينافي ويعارض المدلولين المطابقي والالتزامي لدليل النهي معاً فتسقط الجميع بالمعارضة وتبقى الدلالة الالتزامية لدليل الأمر على الحجّية بلا معارض ولا مزاحم.

إلاّ انّ هذا لا يمكن جعله اشكالاً على كلام مدرسة الآخوند 1 في المقام لأنّه بصالحهم من حيث امكان اثبات ملاك الأمر في مورد الاجتماع الذي هو المهم عندهم هنا.

نعم ، هو يضر بما فرضوه من التزاحم الملاكي وتطبيق قواعد باب التزاحم من تقديم أقوى المناطين والملاكين ونحو ذلك.

ثمّ انّ هنا اشكالاً آخر قد ذكره السيد الشهيد 1 في كتاب التعارض وهو ايقاع المعارضة بين الدلالة الالتزامية وإطلاق المادة الدال على الملاك في المجمع


ـ بناءً على قبولهما ـ ومن إطلاق الهيئة لدليل الأمر لما بعد الاتيان بالمجمع إذ يدلّ هذا الإطلاق بالملازمة على عدم وفاء المجمع بالملاك وإلاّ فلو كان وافياً به لزم تقيد الوجوب لا محالة بغير من أتى بالمجمع فيسقط الجميع ، فلا يبقى ما يثبت الملاك.

وهذا البيان اطلاقه غير تام ، لأنّ إطلاق الهيئة هذا فرع ثبوت تقيد المادة بغير الفرد المحرم وهو فرع وجود المقيد أو تقديم دليل النهي ، ولا يصحّ في مورد التعارض ـ كما لعلّه هو محلّ كلام المحقق الاصفهاني ـ فلا يحرز موضوع إطلاق الهيئة. ولهذا يكون المرجع في موارد التعارض وعدم ترجيح الإطلاق المعارض عند الاتيان بفاقد القيد المشكوك الرجوع إلى الأصل العملي كالبراءة لا إطلاق الهيئة.

نعم ، لو قيل بأنّ مفاد الهيئة ايجاب ما هو الحجة من مدلول المادة بالفعل تمّ الإطلاق فيها ، إلاّ انّه من الواضح عدم صحته ، فإنّه إذا فرض تقيد الهيئة بعدم الاتيان بالمادة فهو مقيد امّا بعدم الاتيان بما تصدق عليه المادة أو بما هو المراد منها والمتعلق للهيئة واقعاً أي ما يكون امتثالاً وهو هنا مشكوك وشبهة مصداقية له ، إذ لعلّ المجمع امتثال واقعاً مع فرض التعارض بين الأمر والنهي فلا يتمّ التمسك باطلاق الهيئة لكي يعارض به المدلول الالتزامي أو إطلاق المادة بلحاظ الملاك.

وكأنّه أجاب على هذا الكلام السيد الشهيد 1 في كتاب التعارض بما حاصله : انّ إطلاق خطاب النهي للمجمع بضمه إلى إطلاق الهيئة يثبت انّ متعلّق الأمر غير الحرام وانّ المجمع غير واجد للملاك ومعارضة النهي مع إطلاق الأمر ،


غاية ما يلزم منه أن تكون المعارضة بينهما من جهة محذورين : أحدهما التضاد ، والآخر التكاذب في اثبات الملاك ونفيه.

وبتعبير آخر : انّ إطلاق النهي يعارض إطلاق المادة بلحاظ الوجوب بنحو التضاد ، ويعارض المجموع من إطلاق الهيئة والدلالة على الملاك في المجمع بالعلم الاجمالي بكذب أحدهما ، لأنّ لازم إطلاق خطاب النهي للمجمع تقيد متعلّق الأمر ثبوتاً وبالتالي إطلاق الهيئة لمن أتى بالمجمع وهو منافٍ لوجود الملاك فيه ، فاطلاق خطاب النهي للمجمع يعارض بمعارضتين عرضيّتين إطلاق مادة الأمر للمجمع بلحاظ الوجوب بالتضاد ومجموع إطلاق الهيئة والدلالة على الملاك في المجمع بالعلم الاجمالي بكذب أحد الثلاثة ، فتسقط الجميع لعرضيّة المعارضتين واشتراكهما في طرف وهو إطلاق خطاب النهي.

إلاّ انّ هذا البيان غير دقيق ، والصحيح الطولية بين المعارضتين ، لأنّ الإطلاق في الهيئة لما بعد الاتيان بالمجمع متوقف وجوداً وتحققاً على حجّية إطلاق خطاب النهي ورفعه لاطلاق المادة بلحاظ الوجوب في المجمع ، لأنّ إطلاق الهيئة موضوعه عدم تحقق الامتثال ، وإطلاق مادة الأمر بلحاظ الوجوب للمجمع يثبت انّه امتثال ، وإطلاق خطاب النهي يثبت انّه ليس امتثالاً ، فمع التعارض بينهما لا يحرز أصل موضوع الإطلاق في الهيئة لكي يجعل معارضاً مع الدلالة على الملاك في المجمع الفعلية على كل حال ، فالمقام من الشك في وجود المعارض ، وليس من قبيل معارضة دليل مع دليل في طرف وهو منضماً إلى اطلاق الهيئة مع دليل آخر في طرف آخر لكي تكون المعارضتان عرضيتين.

وتمام النكتة في ذلك انّ هذا الدليل وهو إطلاق خطاب النهي ليس هو الدال


على عدم الملاك بالملازمة ولا هو مع إطلاق الهيئة يدلان بمجموعهما على انتفاء الملاك ، وإنّما إطلاق خطاب النهي يحقق صغرى القيد المأخوذ لباً في إطلاق الهيئة وهو عدم الامتثال ، فيكون حجّية إطلاق الهيئة هي النافية للملاك ، فيكون معارضاً مع الدلالة الالتزامية ، وهذا فرع احراز موضوع هذه الحجّية والمعارض الآخر نافٍ له فتكون هذه المعارضة متوقفة على عدم المعارضة الاولي ، فتدبر جيداً.

هذا مضافاً إلى أنّ هذا البيان خاص بما إذا كان الواجب بدلياً ليتم فيه إطلاق الهيئة بلحاظ الجامع بنحو صرف الوجود المتعلّق للأمر ولا يتم في الواجب الشمولي كما هو واضح.

ص ٦٥ قوله : ( وثانياً ـ لو تنزلنا ... ).

العبارة لا تخلو من اجمال ، وما في المجلد السابع ص ١٤٨ أوضح ، وحاصله : أنّ التقييد لو كان راجعاً إلى المادة ـ كما هو الصحيح ـ فلا موضوع للتمسك باطلاقه وهذا هو الجواب الأوّل. وإن كان راجعاً إلى الهيئة كما في موارد العجز أو الاجتماع مع فرض عدم المندوحة وقلنا بعدم تقييد المادة بقيود الهيئة فأيضاً لا يمكن اثبات الملاك ، لأنّ المثبت له إطلاق الهيئة وفعلية الوجوب لأنّها الكاشف عن شرائط الاتصاف لا إطلاق المادة ، فإنّه ينفي دخل القيد في تحقق الملاك وايجاده لا أصل اتصاف الفعل به ، فلعلّ المولى في هذا الحال لا يريد الفعل المذكور حتى لو تحقق لانتفاء الحاجة إليه في هذا الحال ، فلا يمكن اثبات الملاك حتى في فرض عدم المندوحة.

وهذا البيان يمكن الاجابة عليه بأنّ المحقق الاصفهاني لا يقصد اثبات شرائط


الاتصاف وليس بحاجة إليه وإنّما الذي يفيده نفي دخل قيد عدم الاتحاد مع الحرام في تحقق الملاك المحتاج إليه والذي معناه انّ الملاك المحتاج إليه محفوظ في مورد الاجتماع أو الحصة الصادرة بلا اختيار من الفعل. وإذا ثبت هذا في مورد المندوحة كفى في ثبوته في مورد عدم المندوحة لأنّه يثبت أنّ الملاك المحتاج إليه المولى مطلق وثابت حتى في حال العجز وعدم المندوحة.

فليس الاشكال عليه إلاّ انّ المادة بعد أن كانت مقيدة لباً وثبوتاً فلا معنى لاطلاق المادة ولا فرق في ذلك بين الكشف عن التقييد بدليل لفظي أو عقلي.

نعم ، قد يكون الدليل اللفظي كاشفاً عرفاً عن دخل القيد في الملاك أيضاً ، وأمّا العقلي فلا يكشف عن ذلك ، إلاّ انّه لا إطلاق في المادة لنستكشف إطلاق الملاك على كلّ حال.

ويمكن أن نستخلص مما تقدم أنّ الأمر لو كان بدلياً فلا وجه لادراجه في باب التزاحم الملاكي حتى إذا قيل بعدم التبعية بين الدلالتين في الحجّية أو إطلاق المادة ، لأنّه مع المندوحة لا تزاحم بين الملاكين ؛ إذ ملاك النهي مهما كان ضعيفاً يوجب فعلية خطابه وتقيد الأمر بغير الفرد المحرم بناءً على الامتناع ، وهذه النكتة تارة تجعل نكتة عرفية وملاكاً لتقديم دليل الأمر على النهي كجمع عرفي حيث انّ العرف يرى انّه إذا كان هناك غرض لزومي تعييني ـ كما في النهي ـ وآخر لزومي بدلي في الأمر ، فالمولى يقيّد أمره بغير الفرد المحرم لا محالة. فسوف يتقيد الأمر بغير الفرد المحرم ، ومعه يتم إطلاق الهيئة فيعارض تلك الدلالة على الملاك في المجمع.

وإذا ضمّ إلى ذلك عدم احتمال الفرق عرفاً في وجدان الملاك بين فرض


المندوحة وعدمها سرى التعارض إلى فرض عدم المندوحة أيضاً ، فلا يمكن احراز ملاك الأمر في المجمع أصلاً.

وإن فرضنا عدم صحّة الجمع العرفي المذكور كان إطلاق دليل الأمر لمورد الاجتماع نافياً لأصل الملاك في طرف النهي لأنّ تلك النكتة ـ أعني عدم التزاحم بين الملاك التعييني والملاك التخييري يوجب سريان التعارض إلى الدالّ على الملاك في دليل النهي لا محالة. وإن كان الدالّ على الملاك في دليل الأمر سليماً عن المعارض إلاّ انّه مع ذلك لا يدخل المقام في التزاحم الملاكي ، وفرض المندوحة وإن كان منه إلاّ انّه مبني على عدم الملازمة العرفية المشار اليها.

وهكذا يتضح انّه لا مجال للتزاحم الملاكي في موارد اجتماع الأمر والنهي والذي تقدم منّا انّه مخصوص بما إذا كان الأمر بدلياً ، سواء كان هناك مندوحة أم لا ، فلا تصل النوبة إلى تطبيق المرجحات فيه.

وأمّا فرض كون الأمر شمولياً ـ والذي أدخله المشهور في بحث الاجتماع أيضاً ـ فالتزاحم الملاكي فيه مبني على تمامية أحد التقريبات الثلاثة المتقدمة لاثبات الملاك.

ثمّ انّا نحوّل البحث عن الجهة الثالثة إلى بحوث التعارض كما هو مذكور بتفصيل أكثر في كتاب التعارض.

ص ٦٩ الهامش.

يرد عليه : مضافاً إلى انّ ثبوت الملاك ليس أمراً تحليلياً بل مهم جداً كالخطاب ، أنّ هذا لا ربط له بالمقام ؛ إذ ليس المراد الجمع الدلالي بين الظهورين


بالحمل على الملاك لكي يقال بأنّه غير عرفي ، وإنّما المراد انّ التكاذب بين الظهورين في المدلول المطابقي مع حجّية المدلول الالتزامي يمنع عن سريان التعارض والاجمال إلى دليل حجّية السند نظير موارد العامين من وجه. وهناك نكات اخرى مذكورة في بحث التعارض فراجع.

ص ٦٩ قوله : ( التنبيه السادس ... ).

الأولى جعل عنوان التنبيه تخريجات التفصيل المشهور من صحة العمل العبادي كالصلاة في الغصب والاجتزاء به إذا جيىء بمورد الاجتماع جهلاً بالحرمة والبطلان في صورة العلم بالحرمة.

والتخريجات المذكورة جملة منها واضحة الاندفاع لا نكتة مهمة لذكرها ، وهي الأوّل والثاني والسابع والثامن. والخمسة الباقية أيضاً ينبغي توزيعها على نكاتها الفنية وهي ثلاث نكات ونضيف اليها نكتة اخرى فتكون أربعة ، كما يلي :

النكتة الاولى : ما ذكره في الكفاية بناءً على الامتناع وتغليب جانب النهي من تصحيح العمل في المجمع على أساس الملاك المحرز بمثل الدلالة الالتزامية عليه. فإنّه عندئذٍ تصح العبادة مع الجهل بالحرمة لامكان قصد القربة بخلاف فرض العلم بالحرمة وتنجزها فلا يتأتى قصد القربة حتى لو احرز وجود الملاك فيه.

وهذا قد يوسع ويقال به حتى إذا أنكرنا امكان اثبات الملاك بالدلالة الالتزامية ـ كما لو بنينا على التبعية ـ على أساس انّه عندئذٍ يشك في تقيد الوجوب بغير من أتى بالمجمع ؛ لاحتمال وجود الملاك فيه الموجب لتحققه مع الجهل بالحرمة فيكون من الشك في أصل التكليف ، فتجري البراءة عنه ، وهذا


مبني على عدم صحة التمسك باطلاق الهيئة عند دوران الأمر بين تقييده وتقييد المادة.

النكتة الثانية : وهي مبنيّة على القول بالجواز والقول بأنّ متعلّق الأمر لابد وأن يكون الحصة المقدورة عقلاً وشرعاً ، فالفرد المتحد مع الحرام لا يكون مقدوراً شرعاً ، فلا يمكن شمول الأمر له لا من جهة الامتناع بل من جهة قيد القدرة. نعم ، يمكن شموله له بنحو الترتب إذا كان الترتب ممكناً ولكنه ليس بممكن في المقام عند الميرزا على ما تقدم في محله ، فلا يمكن تصحيح العمل به بالأمر كما لا يمكن احراز الملاك بعد سقوط الخطاب.

هذا في صورة تنجز الحرمة ، وامّا في صورة عدم تنجزها فالمقدورية الشرعية محفوظة في المجمع كما هو واضح ، فيشمله الأمر بلا تعارض ـ للقول بالجواز بحسب الفرض ـ ولا تزاحم ـ لانحفاظ القدرة ـ وقد نعبر عن هذا بالتزاحم بين الخطابين والذي لا يكون إلاّمع فرض تنجز الحكمين ، وهذه النكتة هي مبنى الوجه الخامس في الكتاب ، وجوابه بطلان المبنيين.

النكتة الثالثة : وهي مبتنية على القول بالجواز أيضاً والقول بأنّ المحرم وإن كان مصداقاً للواجب لا يمكن التقرب به لعدم تأتي قصد القربة أو عدم الصلاحية للمقربية على ما سيأتي في بحث اقتضاء النهي للفساد ، وهذا يختص بما إذا كانت الحرمة منجزة على المكلّف أيضاً فيثبت التفصيل.

وهذه النكة تتم إذا قبلنا مبناه على الملاك الأوّل والثاني للجواز ، وامّا بناءً على الملاك الثالث فحيث انّ الفعل متعدد في الخارج فلا يتم فيه ، وهنا يأتي بيان الميرزا بالقبح الفاعلي والايجادي حتى لو قيل باطلاق الأمر وعدم التزاحم أو


ثبوت الملاك في المجمع ، ويكون الجواب ما في الكتاب ، وهذه النكتة مبنى التخريج الرابع والسادس.

النكتة الرابعة : أن يكون مبنى التفصيل الامتناع وتقيد الواجب بغير الفرد المحرم ، ولكن مع ذلك يقال بالصحة مع الجهل تمسكاً بحديث لا تعاد بناءً على اطلاقه لذلك على ما نقحناه في مبحث قاعدة لا تعاد.

ص ٧٩ قوله : ( التنبيه الثامن : ... ).

في الكفاية والمحاضرات جعل البحث في مقامات وأقسام ثلاثة ، ثالثها ما إذا كان متعلّق النهي عنواناً آخر بينه وبين العبادة عموم من وجه كالصلاة في مواضع التهمة بناءً على انّ الكون فيها مكروه ومنهي عنه.

والسيد الشهيد 1 إنّما حذفه لأنّه لو كان الأمر بدلياً كان كالمقام الأوّل ولو كان شمولياً كان كالثاني ، فلا خصوصية ولا بحث زائد فيه ليفرد له مقام ثالث ، ولهذا في المحاضرات أيضاً عطف الكلام فيه على المقامين السابقين.

إلاّ انّ هناك نكتتين من الفرق لا بأس بالاشارة اليهما :

إحداهما ـ انّه لا يمكن في المقام الثالث حمل النهي على الارشاد إلى أقلية الثواب ؛ لأنّ متعلقه ليس خصوص العبادة بل أعم ويشمل ما ليس عبادة ، وهو هناك دالّ على الحزازة والكراهة بحسب الفرض ، ولا يمكن أن يراد بالنهي الواحد الارشادية والمولوية معاً كما هو واضح.

الثانية ـ انّه مع تعدد العنوان والقول بأنّه يوجب تعدد المعنون يمكن قصد التقرب في مورد الاجتماع بناءً على الجواز لتعدد الفعل ، بينما في المقام الأوّل سوف يأتي الاشكال في ذلك.


ص ٧٩ قوله : ( امّا القسم الأوّل فالقائلون بجواز الاجتماع ... ).

على القول بالجواز وعدم سراية الأمر ولا الحب من الجامع إلى الفرد وإن لم يكن محذور التضاد موجوداً ولكن يبقى محذور قصد القربة بالفرد المبغوض ولو بغضاً كراهتياً.

وتوضيح ذلك : انّه لعله لا اشكال في عدم امكان التقرب بالفرد المنهي عنه من العبادة إذا كان النهي تحريمياً حتى إذا قلنا بجواز الاجتماع بالملاك المتقدم ؛ لأنّ الفعل الواحد إذا كان معصية فكيف يمكن اضافته إلى المولى والتقرب به وإن كان بلحاظ تحقق الجامع به يكون محبوباً ومطلوباً بحدّه الجامعي. إلاّ انّ وحدة الفعل الخارجي يمنع عن امكان اضافته بما هو فعل وحركة واحدة في الخارج إلى المولى مع فرض مبغوضيته اللزومية ووصوله إلى المكلّف ووجود المندوحة ، وهذا مبني على افتراض لزوم اضافة الفعل والوجود الخارجي إلى المولى في قصد القربة المعتبر في العبادة وانّه المستفاد من أدلّة اشتراط قصد القربة. وعندئذٍ يقال بأنّ الكراهة والبغض غير اللزومي في الفرد إذا كان غالباً على المحبوبية لا مغلوباً لها فلا يصح قصد التقرب بالفرد المكروه فلا يقع عبادة فإنّ المبغوض الفعلي لا يمكن اضافته إلى المولى أيضاً وإن كان مبغوضيّته بدرجة غير لزومية ، فإذا استظهرنا لزوم اضافة الفعل الخارجي إلى المولى في قصد القربة المعتبر في العبادات بطلت العبادة المكروهة من هذه الناحية فلا محالة لابد على القول بالجواز من انكار البغض الفعلي في الفرد أيضاً كما هو على القول بالامتناع فنحتاج إلى أحد الأجوبة القادمة.

ويمكن الاجابة على هذا الاشكال بأنّ الكراهة والنهي التنزيهي ليست كالحرمة. وتوضيح ذلك : انّ التقرّب بالفرد باعتبار تحقق الجامع المطلوب به


تمنع عنه الحرمة والمعصية باعتبارها قبيحة وموجبة لاتصاف الفعل بالقبح المانع عن العبادية وحسن الفعل ، وهذا بخلاف الكراهة والنهي التنزيهي فإنّه حيث لا توجب مخالفته قبحاً ولا بعداً عن المولى فلا يمنع عن امكان التقرب بالفعل بلحاظ تحقق الجامع المطلوب للمولى به. فتنزيهية النهي تنفع في هذا المقام وإن كانت غير نافعة لدفع غائلة التضاد بناءً على الامتناع والموجب لارتفاع الأمر ـ إذا غُلّب جانب النهي ـ وبطلان العبادة من هذه الناحية.

ولعلّ ما يظهر من مدرسة الميرزا 1 من القول بالجواز في المقام والامتناع في الوجوب والحرمة ناشىء من الخلط بين المطلبين ، فراجع وتأمل.

وعلى هذا الأساس يظهر صحة الكراهة في العبادات بمعناها الحقيقي في هذا القسم بلا حاجة إلى تصرف وتأويل في دليل النهي لا بلحاظ ظهوره في تعلقه بالمتخصص لا الخصوصية والتقيد ولا بلحاظ ظهوره في المولوية ولا بلحاظ ظهوره في المبغوضية الفعلية والحزازة غير اللزومية.

ولعلّ وجدانية عدم تعامل الفقهاء مع النهي الوارد في العبادات في هذا القسم بعدم تقييد الأمر بها بغير الفرد المنهي عنه ابتداءً وبلا مراجعة اجماع ودليل على صحة العبادة في الفرد المنهي عنه من الخارج بنفسه مؤيد وشاهد على جواز الاجتماع بحسب ارتكازهم ، وإلاّ فيقال بأنّه إن لم يتم اجماع من الخارج فالمتعين التقييد وتخصيص الأمر بغير الفرد المنهي عنه ، لا رفع اليد عن أحد الظهورات الثلاثة الاخرى ، فإنّ التقييد أخفّ مؤنة والإطلاق أضعف الظهورات. اللهم إلاّأن تذكر نكتة عامة في خصوص النواهي في العبادات.

ولعلّ الأنسب جعل البحث في مقامين : تارة في تفسير صحة العبادة المكروهة بعد فرض قيام اجماع أو ضرورة على صحّة العبادات المكروهة ،


واخرى : فيما هو مقتضى القاعدة لو ورد نهي كراهتي عن عبادة فهل يخصِّص إطلاق دليل الأمر بدليل النهي على القاعدة أم لا ، أي ما هو مقتضى الجمع العرفي بين دليل الأمر بتلك العبادة ودليل النهي الكراهتي عن بعض أفراده ؛ لأنّ دليل النهي حتى الكراهتي ظاهر في امور ثلاثة :

١ ـ ظهوره في تعلّقه بالمتخصِّص لا الخصوصية.

٢ ـ ظهوره في كونه مولوياً لا إرشاداً إلى أقلّية الثواب أو أفضليّة سائر الأفراد.

٣ ـ ظهوره في فعلية المبغوضية والكراهة في متعلّقه.

فلو جمعنا بين هذه الظهورات الثلاثة وقلنا بامتناع اجتماع الأمر والنهي وقع التعارض بين إطلاق دليل الأمر بتلك العبادة مع دليل النهي الكراهتي عن أفرادها لا محالة ، فلو قدّم النهي أو حكم بالتعارض والتساقط كانت العبادة باطلة من جهة انتفاء الأمر. وهذا بخلاف ما إذا قلنا بالجواز وعدم سراية الحبّ والأمر من الجامع إلى الفرد حتى إذا كان مبغوضاً.

وبهذا يتّضح انّ القائلين بالامتناع لابدّ لهم في بحث العبادات المكروهة من رفع اليد عن أحد الظهورات المذكورة كما سيأتي شرحه.

إلاّأنّك عرفت فيما سبق انكار ظهور الأمر حتى عرفاً في نشوئه عن محبوبية متعلّقه بالخصوص ، فكذلك في المقام ننكر ظهور النهي في فعلية المبغوضية في متعلّقه ، وهذا يوجب القول بالجواز وعدم الامتناع بحسب الحقيقة ، وبالتالي صحّة العبادة المكروهة على القاعدة ؛ لعدم مبغوضيتها وفعلية الأمر بها وامكان التقرّب أيضاً.


ص ٨٠ قوله : ( وإنّما يتجه الاشكال بناءً على المسلك القائل بالامتناع ... ).

أي بناءً على سريان الأمر ولو بمبادئه المقوّمة له ، وهي الحب إلى الفرد أي رجوع التخيير العقلي إلى الشرعي ولو بلحاظ المحبوبية والارادة ، فلا يمكن الاجتماع ؛ ، للزوم تعلّق الارادة والحب مع الكراهة والبغض بالفرد والحصة وهو محال.

ومجموع ما ذكر من العلاجات عندئذٍ خمسة :

١ ـ ما ذكره صاحب الكفاية من حمل النهي على الإرشاد إلى أفضلية سائر الأفراد.

٢ ـ ما ذكره السيد الشهيد 1 من جعل متعلقه التقيد لا المقيد.

٣ ـ ما ذكره أيضاً من رفع اليد عن ظهوره في المبغوضية ، فالفرد محبوب ومبغوض ، لكن مبغوضيته مغلوبة ومندكة في قبال محبوبية الجامع السارية إلى الفرد.

٤ ـ ما ذكره السيد الخوئي 1 من عدم منافاة النهي التنزيهي لاطلاق الأمر وعدم تقييده به ، وهذا الجواب قد عرفت عدم صحته لو قيل بالامتناع والسريان للأمر أو للحب من الجامع إلى الفرد.

٥ ـ ما ذكره السيد الخوئي 1 أيضاً من اجراء الجواب الذي سيذكره الخراساني 1 في القسم القادم هنا ، أي انّ ترك الفرد والحصة ولو بعنوان وجودي منطبق عليه فيه مصلحة وملاك للمطلوبية ولا يحتاج هنا إلى امكان التزاحم ـ كما سيأتي هناك ـ لأنّ الأمر بالجامع البدلي الموسع بحسب الفرض


فلا يزاحم طلب ترك الفرد.

وإن شئت قلت : لا تضاد بين فعل الجامع وبين ترك الحصة والفرد أو فعل العنوان المنطبق في فرض الترك ، نعم لو لم يكن مندوحة بأن لم يتمكن من الصلاة في غير الحمام وقع التزاحم عندئذٍ.

وهذه الأجوبة ما عدا الجواب الرابع الذي عرفت ابتنائه على القول بالجواز في المقام ، وإن كانت صحيحة في نفسها ، إلاّ انّه من الواضح انّ فيها تأويلاً للنهي ، بحيث لا يصار إليه ابتداءً لمجرد المنافاة بين الأمر بالجامع والنهي عن الفرد ، بل المتعين التقييد كما هو في سائر موارد التنافي بين دليل النهي والأمر.

نعم ، لو قام اجماع أو ضرورة على صحة تلك العبادة في مورد النهي كان لابد من ارتكاب أحد هذه الوجوه ـ ولعلّ أخفّها عندئذ ما ذكره السيد الشهيد 1 ثانياً ـ مع انّا نلاحظ انّ الفقهاء في الفقه يحملون النهي عن أفراد بعض العبادات المأمور بها بنحو البدل على أحد هذه الوجوه ابتداءً وبلا مراجعة اجماع على الصحة وعدم تقيد تلك العبادة بغير ذلك الفرد ، وهذا يكشف امّا عمّا ذكرناه من ارتكازية جواز الاجتماع بالملاك الأوّل ، أو وجود قرينة عامة على انّ النهي التنزيهي في العبادات لا يراد به الكراهة والمبغوضية غير اللزومية.

ويمكن أن تكون النكتة العامة هي ظهور النواهي المذكورة في انها متعلقة بالعبادة بما هي عبادة أي بعد الفراغ عن وقوعها عبادة لو جاء بها المكلّف مما يعني انحفاظ أمرها وأصل محبوبيتها.


ص ٨٢ قوله : ( وحاول السيد الاستاذ دفع هذا الاعتراض ... ).

هذا كلام كلي للسيد الخوئي به يحاول تصحيح الأمرين بالفعل والترك معاً بنحو الترتب في كل مورد إذا كان أحدهما عبادياً لأنّه بذلك سوف تكون الحالات ثلاثة : الترك والحصة العبادية من الفعل والحصة غير العبادية من الفعل أو الفعل والحصة العبادية من الترك والحصة غير القربية منه فيمكن الأمر باثنين منها بنحو الترتب ولا يلزم تحصيل الحاصل بل فائدة الأمر الترتبي منع المكلّف من الحالة الثالثة الفاقدة للمصلحتين معاً ، وعلى هذا علّق في حاشيته على العروة في مبحث الصوم انّ من ابتلع في الليل ما يجب تقيئه في النهار بصحة صومه إذا لم يتقيأ رغم وجوب التقيؤ ؛ لامكان الأمر بالامساك عنه بقصد القربة ـ وهو الصوم ـ بنحو الترتب.

وهذا الكلام يرد عليه مناقشات عديدة :

احداها ـ ما ذكره الاستاذ من استحالة مثل هذا الأمر الترتبي لأنّه لا يمكن أن يكون داعياً إلاّلداعوية الأمر ووقد تقدم بحث ذلك سابقاً.

الثانية ـ انّ هذا مبني على القول بجواز تعلق الحبّ حتى إذا كان ضمنياً بشيء وبنقيضه وضده العام مع انّه قد تقدم في بحث انّ الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده العام انّه كما يستحيل أن يجتمع في نفس المولى حب شيء وبغضه كذلك يستحيل أن يجتمع عنده حب شيء وحب تركه ونقيضه وهذا محذور التضاد واجتماع الضدين في نفس المولى مع قطع النظر عن مسألة الامتثال فلا يحلّ بالترتب وإلاّ لحلّ الامتناع بالترتب.

نعم ، هذا المحذور لا يجري فيما إذا كان المطلوبان ضدين لا ثالث لهما


بخلاف المناقشة الاولى.

الثالثة ـ لو فرض انكار السيد الخوئي لعدم إمكان حب شيء وحب نقيضه ، فننقض عليه بلزوم هذا المبنى للقول بجواز اجتماع الأمر مع النهي أيضاً في باب العبادات لأنّنا ننكر ظهور النهي في مبغوضية الفعل كما أنكرنا ذلك على الاستاذ في بحث سابق وإنّما غايته ظهوره في مرجوحية الفعل من الترك سواء كان ذلك باعتبار مفسدة ومبغوضية في الفعل أو محبوبية وملاك أهم في الترك ـ أي ارجاعه إلى طلب الترك ـ وعليه فلا موجب للقول بالامتناع فيما إذا كان أحدهما عبادياً من غير فرق بين كون الواجب بنحو صرف الوجود أو مطلق الوجود لامكان الأخذ بدليل الأمر والنهي معاً غاية الأمر يقع بينهما التزاحم وهو ليس من التعارض.

نعم ، لو كان النهي واصلاً لما أمكن قصد القربة ، بخلاف مورد الجهل بالنهي ، وذاك محذور آخر غير الامتناع الموجب لبطلان العمل حتى في مورد الجهل.

الرابعة ـ ما سوف نشير إليه من أنّ قصد التقرب بالفعل وهو الصوم في المثال غير معقول ، إذ لو اريد قصده في قبال الترك فالمفروض انّه أولى للمولى من الفعل ولو اريد قصده في قبال تركهما معاً فهو محال لاستحالة تركهما معاً وإن اريد قصده في قبال أن لا يقصد فهو محال أيضاً لأنّ القصد لا يمكن أن يكون لغرض في نفسه وإنّما يكون دائماً لغرض في متعلقه وهو المقصود على ما تقدم في موضعه من بحث الواجب المطلق والمشروط.

وهذه المناقشة وإن كانت روحها ما أبرزه الاستاذ في المناقشة الاولى ، إلاّ انّه أبرزه لابطال الأمر الترتبي وبلحاظه ، ونحن أبرزناه بلحاظ قصد التقرب ، ولو


فرض عدم الحاجة إلى الأمر فهذا كأنّه تطوير وتوسعة لتلك المناقشة وليست نكتة جديدة.

كما أنّ ما ذكره الميرزا على الكفاية غير وارد لوجهين :

الأوّل : ما أفاده الاستاذ من أنّ مقصود الكفاية التزاحم الملاكي لا الامتثالي.

الثاني : انّه لو كان النظر إلى التزاحم الامتثالي فعدم إمكان الترتب لعدم الثالث لا يضرّ بصحة العبادة ولو باعتبار كشف الملاك بالاجماع والضرورة القائمين على صحة العبادة.

نعم ، الاشكال الأساسي على الكفاية إنّما هو عدم إمكان التقرب ولزوم بطلان العمل على الأقل لمن يعلم بالنهي فلابد من توجيه آخر.

لا يقال : مع فرض وجود حالة ثالثة وهي الامساك بلا قصد القربة يكون التقرب بالفعل ممكناً كما في سائر موارد التزاحم والاتيان بالمهم ، ولو فرض عدم الخطاب والأمر لعدم إمكان الترتب فلا يقاس بما إذا كان في الفعل مفسدة أرجح من مصلحته.

فإنّه يقال : حيث انّه لا يمكن التقرب بالفعل الواقع على كل حال فلا يمكن التقرب في المقام إذ لو اريد التقرب بالامساك في قبال تركه فالمفروض انّ مصلحة الترك أقوى وإن اريد التقرب به في قبال تركهما معاً فهو محال بحسب الفرض لأنّ الامساك على تقدير ترك الترك ضروري فلا معنى للتقرب والاتيان به من أجل المولى.

وبهذا يظهر انّه لا يمكن قربية الفعل أو الترك في موارد رجحان الطرف الآخر


حتى لو أحرز الملاك في الحصة القربية ، فالمحذور ليس في مرحلة الخطاب ولغوية الأمر فحسب ، بل المحذور في عدم إمكان تحقيق الملاك المهم في الحصة القربية ، وهذا اشكال آخر يرد على السيد الخوئي.

نعم ، لو كان المكلف جاهلاً برجحان الترك تأتّى منه قصد التقرّب بالفعل وكان صحيحاً عندئذٍ ، ومنه يعرف انّه في موارد الضدين الذين لا ثالث لهما يمكن الأمر بالضد المهم إذا كان الأهم غير منجز وكان المهم عبادياً ؛ لأنّ فائدته تحريك المكلف نحو فعل الضد المهم بقصد القربة لكي لا يقع في محذور فعله بلا قصد القربة ويكون الأمر مطلقاً لا مشروطاً بترك الأهم ليكون من اللغو. نعم ، يكون مشروطاً بعدم تنجز الأهم ، وبذلك يرتفع لزوم التكليف بما لا يطاق وطلب الضدين من المكلف ، فتأمل جيداً فإنّ هذا يغفل عنه عادة حيث يقال في الفقه بالتعارض في موارد الضدين الذين لا ثالث لهما مطلقاً.

ص ٨٣ الهامش.

هذا اشكال على كلام الميرزا 1 مذكور في المحاضرات والدراسات ، ويمكن أن يكون روح مقصود الميرزا ـ كما قد يظهر من تقرير الفوائد ـ أنّ المنهي عنه هو حيثية التعبد بمعنى التقيد والالتزام بهذه العبادة كما كان يفعله بنو اميّة أو عبدة الشمس في الصلاة عند طلوع الشمس فهي المنهي عنها ، وعندئذٍ يرجع هذا الكلام بروحه إلى انّ العبادة المأمور بها وإن كان لا بدل لها بلحاظ ذلك الوقت أو اليوم لكن لها بدل بلحاظ حالاتها في ذلك الوقت من الاتيان بها تارة بنحو التقيد والالتزام والتعبد بها واخرى بلا هذه الصفة والنهي التنزيهي عن هذه الحصة في الإطلاق الأحوالي البدلي ، فيرجع إلى القسم السابق ، فيتم فيه


جواب مدرسة الميرزا المتقدم في ذلك القسم من عدم منافاة النهي التنزيهي مع الأمر.

إلاّ انّ هذا الجواب لا يحتاج عندئذٍ إلى الأمثلة والكلمات الفقهية والتنظير بباب الوفاء بالنذر ، وفرقها عن الوفاء بالاجازة وما شاكلها من البحوث الفرعية الأجنبية عن النكتة الأصلية التي ذكرناها ، كما انّه لعله يكون خلاف ظاهر دليل النهي فقهياً.

ص ٨٥ قوله : ( الوجه الأوّل ـ ما نقله عن السيد الاستاذ ... ).

الظاهر انّ مقصود الميرزا التمييز بين مثل موارد التزاحم والذي يكون فيها الأمر المهم مشروطاً ومقيداً بعدم الأمر الأهم فبسقوطه أو عدم تنجزه يكون فعلياً وبين موارد الاجتماع حيث لا يمكن أن يكون الوجوب مقيداً بعدم الحرمة ثبوتاً لأنّه من تقيد أحد الضدين بعدم الآخر وهو محال ، بل لابدّ وأن يكون التقييد بعدم فعلية ملاك النهي وكذلك في طرف النهي والحرمة ، وهذا يعني انّ ملاك النهي والحرمة في عرض واحد رافع للوجوب ومثبت للحرمة ، لا انّه يثبت الحرمة أوّلاً ثمّ يرتفع الوجوب بها كما في موارد التزاحم.

وعندئذٍ يضم إليه مقدمة اخرى وهي انّ الدلالة الالتزامية غير تابعة للمطابقية في الحجّية ، فدليل النهي الدالّ على الحرمة والملاك في صورة الاضطرار وإن سقط عن الحجّية بلحاظ مدلوله المطابقي وهو الحرمة إلاّ انّه باقٍ على الحجّية بلحاظ المدلول الالتزامي وهو الملاك ، فيدلّ على تقييد الأمر لأنّه لم يكن التقييد له طولياً أي في طول الحرمة ؛ لأنّ المقيد للوجوب لم يكن هو ثبوت الحرمة بل ملاكها.


وبهذا البيان يظهر كيف انّ الاشكال من قبل السيد الخوئي على المقطع الأوّل والمقدمة الاولى من هذا البيان غير فني ، لأنّ الميرزا لا يريد الطولية الاثباتية ليقال له بأنّ الدلالة الالتزامية طولية بالنسبة للمطابقية ، فكأنّه حملها على الخلط بين الاثبات والثبوت وانّه أراد العرضية في الدلالتين ، وعندئذٍ يكون الايراد الثاني عليه غير وارد ، إذ لا اشكال في عدم التبعية مع فرض العرضية.

والصحيح عندئذٍ الاشكالان المذكوران من قبل السيد الشهيد.

وثانيهما واضح. وأمّا أولهما فحاصله : انّ تقيد أحد الحكمين الضدين بعدم الآخر وإن كان غير معقول لعدم الطولية بينهما إلاّ انّ هذا لا يعني تقيد كل منهما بعدم ملاك الآخر ، بل بعدم الملاك المؤثر في ايجاد الآخر إذ يستحيل أن يكون ملاك كل ضد مقتضياً لايجاد الضد المقتضى له واعدام الضد الآخر لاستحالة تأثير الوجود في العدم ، بل انعدام الآخر بنفس تأثير الملاك الأقوى في ايجاد الضد المقتضى له ، فليست هناك عمليتان والملاك المؤثر في ايجاد الحرمة مع فرض سقوط الحرمة وعدم تحققها منتفٍ قطعاً ، فلا محذور في التمسك باطلاق دليل الأمر والوجوب.

ص ٨٩ قوله : ( والحق مع صاحب الجواهر ... ).

وهناك منشأ ثالث للقول بالبطلان وهو أنّ الصلاة فيها اعتماد وافتراش أكثر للأرض المغصوبة وإن كان من حيث اشغال الحيّز في الفضاء المغصوب لا زيادة ، إلاّ أنّ الاعتماد والتماسَّ مع الأرض المغصوبة أيضاً محرم ، والساجد والجالس أكثر تماساً واعتماداً على الأرض من الواقف.

والجواب : عدم كون هذا تصرفاً زائداً عرفاً بلحاظ أنّ الواقف وإن كان أقل


اعتماداً وتماساً مع الأرض ولكنه بثقل أكثر بخلاف الجالس أو المضطجع فإنّ ثقله في كل نقطة من التماس مع الأرض لعلّه أقل ، فبحسب النتيجة لا زيادة في التصرّف.

ص ٨٩ قوله : ( الحالة الثالثة ... ).

هنا كلام للمحقق العراقي 1 فيما إذا كان الوقت الذي تشغله الصلاة المختارة بدلاً عن الخروج ليس بأكثر من وقت الخروج ، حاصله : انّه لا وجه للبطلان بل الحق هو الحكم بالصحة ، لأنّ الوقت المذكور ولنفرضه عشرة دقائق لابد وأن يكون المكلّف في الغصب سواء صرفها في الخروج أو في الصلاة ، فتكون حرمتها ساقطة ، فلا محذور من ناحية الاجتماع.

نعم ، يجب عليه صرفها في الخروج تخلصاً من الغصب الزائد ، إلاّ انّ الخروج مضاد للصلاة ، فلو عصى الأمر بالخروج وصرفها في الصلاة كانت صحيحة ؛ لامكان الأمر الترتبي بها إذا كان مضيقاً ، وإطلاق الأمر لها إذا كان موسعاً ، فلا وجه للقول بالبطلان في هذه الحالة.

وفيه : انّ حرمة الغصب انحلالية بلحاظ كل زمان زمان وبلحاظ كل نقطة نقطة من الأرض المغصوبة ، ومن الواضح انّه بعد إلقاء المكلف اضطراراً في الأرض المغصوبة تكون العشرة دقائق من الغصب المستغرقة للخروج مضطراً اليها ولكن بنحو الانحلال ، أي انّ حرمة الكون في كل نقطة وكل آن في تلك النقطة من نقاط الغصب المتلاحقة إلى باب الخروج حرمة مستقلة عن الاخرى ، والمقدار الاضطراري منها ما يحتاجه ويستلزمه الخروج منها ، فأي مقدار زائد من المكث والبقاء فيها كون غصبي زائد محرم ، فلا يمكن أن يقع مصداقاً للصلاة.


ولا يقال : بأنّ هذا الآن الزائد من الكون في تلك النقطة هو أو الكون في ذلك الآن في النقطة الثانية بالدخول اليها اضطراري أي الجامع بينهما اضطراري ، فتكون حرمته ساقطة.

لأنّه يقال : انّ الدخول في النقطة الثانية التالية إلى الخروج لا يكون بدلاً عن الكون الزائد في النقطة الاولى ، بل يكون زائداً عليها ، لأنّه على كل حال مضطر إليه من أجل الخروج حتى إذا مكث في مكانه الأوّل.

والحاصل : الكون الخروجي المضطر إليه إنّما هو خصوص الأكوان المتتابعة المستلزمة في مقام العبور من نقاط الغصب إلى أن يخرج ، فأي مقدار زائد من المكث في أية نقطة منها يكون هو الكون الغصبي الزائد لأنّ ما بعده من النقاط على حالها من حيث الاضطرار إلى ارتكابها للخروج ، فلا يكون المكث الزائد بدلاً عنها حتى إذا كان بمقدارها زماناً ، وهذه هي نقطة المغالطة في كلام العراقي 1.

نعم ، لو كان هذا المقدار بدلاً عنها كما إذا دار أمره بين أن يخرج في هذه الدقائق العشر بالعبور إلى خارج الأرض المغصوبة أو يبقى فيها مستقلاًّ بذكر أو عمل تكون نتيجته الكون خارج الأرض المغصوبة بانتهاء الدقائق العشر بنحو طي الأرض مثلاً أو بقدرة قادر صحت صلاته عندئذٍ.

إلاّ انّ هذا بحسب الحقيقة من مصاديق الحالة الثانية لا الثالثة ؛ لأنّ معناه انّه يعلم انّه على كل حال يكون في الدار المغصوبة بمقدار هذه الدقائق العشر سواء خرج أم بقي واشتغل بذلك الذكر مثلاً ، وهذا واضح.


ص ٩٠ قوله : ( المرحلة الاولى في حكم الخروج ... ).

الأولى التعرّض إلى ذكر الأقوال الخمسة في المسألة أوّلاً ، وملاحظة مدرك كل قول ولو بعد البحث عن الجهتين الاولى والثانية في الكتاب ، وهي كما يلي :

١ ـ ما ذهب إليه العراقي من انّ الخروج حرام شرعاً وليس بواجب شرعاً حتى غيرياً وإن كان لازماً عقلاً.

٢ ـ ما ذهب إليه المحقق القمي 1 من انّه حرام شرعي وواجب شرعي.

٣ ـ ما ذهب إليه صاحب الفصول من انّه واجب شرعي وليس بحرام شرعي فعلاً ، وإن كان حراماً قبل الدخول ومحرماً عقلاً ، أي يعاقب عليه.

٤ ـ ما ذهب إليه صاحب الكفاية 1 من انّه ليس بحرام شرعي ولا واجب وإنّما فيه الحرمة عقلاً ، أي استحقاق العقوبة عليه واللزوم العقلي.

٥ ـ ما ذهب إليه الميرزا ونسب إلى الشيخ الأعظم من وجوبه الشرعي وعدم حرمته حتى عقلاً ، أي انّه لم يكن محرماً حتى قبل الدخول.

ص ٩٠ قوله : ( لابد من الالتزام بأنّ النهي عن الخروج وحرمته يسقط بالدخول ... ).

وجّه السيد الخوئي عدم الحرمة بأنّه لو كان حراماً لزم التكليف بما لا يطاق ؛ لأنّ البقاء أيضاً حرام فإذا حرم الخروج كان تكليفاً بما لا يطاق ، لأنّه من تحريم الضدين الذي لا ثالث لهما.

وهذا جوابه واضح ، فإنّ الخروج والبقاء ليسا بعنوانيهما حرامين وإنّما الحرام الغصب في الآن الثاني كالآن الأوّل الذي هو آن الدخول. وقد كان اختيارياً


بالنسبة إليه بعدم الدخول فلم يكن تكليفاً بما لا يطاق ، ومن هنا عدل عن هذا التعبير السيد الشهيد 1 وذكر بأنّ الحرمة وإن كانت فعلية ملاكاً وروحاً ولكن النهي والخطاب ساقط بالدخول من أجل لغوية بقائه لعدم إمكان محركية وزاجريته إلاّ انّ سقوطه سقوط عصياني كما في سائر موارد التعجيز بسوء الاختيار ، وبهذا يختلف هذا القيد للخطاب والنهي عن قيد القدرة الرافع للخطاب من أوّل الأمر عند فقدانه كما لا يخفى ، ومن هنا يكون روح الحكم ومبادئه فعلية ، والعصيان متحققاً لا من جهة مخالفة روح الحكم أي المبغوضية فحسب ، بل من جهة تحقق العصيان للخطاب والنهي أيضاً بلحاظ زمان فعليته ؛ لأنّه كان تكليفاً فعلياً غير مشروط بارتفاع القدرة بقاءً بالدخول وإن سقط بعده ، وهذا يعني انّ التكليف في الواقع بتحقيق ذاك الفعل أو الترك بمجرد تحقق القدرة عليه في أيّ زمان ، فلو لم يحققه كان عاصياً لا محالة وإن سقط الخطاب بقاءً.

إلاّ انّ في النفس شيئاً من دعوى سقوط إطلاق الخطاب والنهي أيضاً ؛ لأنّ المقيد لهذا الإطلاق إنّما هو الظهور الحالي في كون الخطاب للتحريك وهذا لا يقتضي أكثر من امكان المحركية نحو المطلوب من فعل وترك لا بقائه إلى حين العمل ، ففي جميع موارد التعجيز يكون الخطاب فعلياً أيضاً وساقطاً بالعصيان على حد سائر موارد العصيان ، فلا وجه للتفكيك بين الحرمة وروحها.

ولعلّ مقصود سيدنا الشهيد سقوط محركية النهي لا الحرمة ، فالخروج حينما يقع خارجاً يكون حراماً بما هو غصب ، بل سيأتي أنّ ما فيه حلّ الاشكال وعلاج المسألة سقوط محركيّة الحرمة بعد الدخول ، وبه يرتفع محذور التضاد ، أمّا إذا لم نقبل ذلك واشترطنا سقوط الحرمة لرفع التضاد ، فالسقوط العصياني بعد الدخول لا يدفع محذور التضاد بين الحرمة المطلقة الفعلية للغصب


الخروجي قبل الدخول والوجوب المشروط بالدخول ؛ لأنّهما متضادان ، سواء تحقق الدخول أم لا ، وهو كافٍ للامتناع ، وهذا واضح.

ثمّ انّه يعقل الأمر بالخروج ـ لو تم ملاكه نفسياً أو غيرياً ، وهذا ما يبحث عنه في الجهة الثانية ـ مع تحريم الغصب في الزمان الثاني المستلزم لحرمة الغصب الخروجي أيضاً ـ لكون الحرمة انحلالية ـ بلا لزوم محذور اجتماع الأمر والنهي ، وذلك بأحد وجوه :

١ ـ أن تكون الحركة الخروجية كالحركة الصلاتية غير الغصب فإنّه عبارة عن اشغال الحيّز والقاء الثقل في المكان المغصوب والخروج حركات في الإنسان الغاصب فهي ملازمة مع اشغال الحيّز والغصب وليست نفسها فيجوز الأمر بها ، ولا يلزم منه التكليف بالتفكيك بين المتلازمين ، لأنّ المفروض انّ الأمر بالخروج مشروط بالدخول وتحقق الغصب ولو بسوء اختياره كما هو واضح.

٢ ـ لو افترضنا انّ الخروج منطبق على نفس الحركة الغصبية مع ذلك نقول بأنّه يمكن الأمر به مشروطاً بالدخول وتحقق أصل الغصب إذا كان على وزان الأمر بالجامع والنهي عن الخصوصية لا المتخصِّص ، فالنهي متعلق بجامع الغصب حتى الخروجي ولكنه لو تحقق الجامع ولو عصياناً يمكن للمولى أن يأمر بالخصوصية أي بايجاد التخصّص والتقيد ـ أي لا تغصب وإذا أردت أن تغصب فاجعله غصباً خروجياً ـ وحيث انّه أمر مشروط بتحقق الجامع لا الفرد المأمور به فلا يلزم منه محذور تحصيل الحاصل كما لا يلزم محذور اجتماع الأمر والنهي حتى على مستوى الحب والبغض لتعدد مصبّهما عنواناً ومعنوناً أو عنواناً فقط ، وكفاية ذلك في الجواز أو لكون المحرّم من الفرد حيثية الجامع المنطبق فيه ، وحيث انّه شرط في الوجوب فلا يترشّح عليه الوجوب ، وإنّما يتعلّق


بالخصوصية فقط.

٣ ـ لو تنزلنا وفرضنا انّ الوجوب للمتخصّص أي الفرد المحرّم إلاّ انّه لا مانع من اجتماع الوجوب والحرمة ، أي تعلّقه بالغصب الخروجي المحرّم ؛ لأنّه وجوب مشروط بالدخول ، والدخول يوجب سقوط محركيّة الحرمة ، وقد تقدّم أنّ التضاد بين الحرمة والوجوب ـ وكذلك الحب والبغض ـ إنّما يكون بلحاظ اقتضائهما ومحركيّتهما المتعاكسة ، فإذا كانت الحرمة ساقطة بعد الدخول من حيث المحركيّة فلا محذور في تعلّق الوجوب المشروط بالخروج المحرّم بمثل هذه الحرمة التي لا محركيّة لها بعد الدخول ، وأمّا محركيّتها قبل الدخول فليست مضادة مع الوجوب ؛ لأنّه مشروط بالدخول فلا محركيّة له قبل الدخول ، وهذه هي فذلكة الموقف في هذه المسألة الفنيّة.

وظاهر الأقوال الخمسة المتقدمة الفراغ عن وحدة متعلق الحرمة والوجوب على تقدير القول بأي منهما ، أي انّ الخروج بما هو غصب خروجي يكون حراماً وواجباً أو أحدهما أو لا حراماً ولا واجباً ، فالوجه الأوّل والثاني يكون بحسب الحقيقة قولاً ومبنى سادساً غير الأقوال الخمسة ، وينتج نتيجة قول المحقق القمي 1. كما انّه لو قبلنا الوجه الثالث أيضاً تم مقالة المحقق القمي 1.

والقول بعدم مقتضٍ للوجوب الغيري امّا مطلقاً أو في خصوص المقام يؤدي إلى قبول قول المحقق العراقي 1 ، والقول به مع القول بسقوط النهي والحرمة بملاك اللغوية يثبت مقالة صاحب الكفاية ، والقول بالأخير دون الأوّل يثبت مقالة صاحب الفصول ، والقول بعدم مقتضٍ للحرمة مع ثبوت مقتضي الوجوب يثبت مقالة الشيخ والميرزا قدس سرهما.


ثمّ إنّ مدرسة الميرزا والمحقق الاصفهاني اعترضا على المبنى القائل بحرمة الخروج قبل الدخول وسقوطه بالدخول وارتفاع حرمته بعد الدخول كل منهما بنحو ، فالأوّل أشكل عليه بلزوم الجهل كما هو مبين في الكتاب في الجهة الثالثة ، والثاني أشكل عليه بلزوم التضاد واجتماع الأمر والنهي في موضوع واحد ، لأنّ الميزان ليس بوحدة زمان التعلق بل بوحدة زمان المتعلّق وهو هنا واحد.

والغريب أنّ هؤلاء الأعلام بعد ذلك ناقشوا في صغرى مقدمية الخروج لواجب أو كونه مصداقاً للواجب النفسي وهو التخلية وتخليص مال الغير مما يعني انّه لو كان مصداقاً لذلك لكان فيه مقتضي الوجوب والمحبوبية ، بل صرّح في المحاضرات امكان أن تكون هناك مصلحة نفسية أو غيرية في الفعل المضطر إليه بسوء الاختيار مشروطاً بفعل تلك المقدمة بسوء الاختيار كالدخول إلى دار يترتب عليه لزوم حفظ حياته بشرب الخمر مثلاً ، فإنّ فرض معقولية ذلك مساوق مع تحقق التضاد أو الجهل مما يعني انّ هذه الشبهة لها جواب لا محالة.

وإن شئت قلت : انّ القول بوجود مقتضٍ للوجوب الشرعي النفسي أو الغيري في الخروج مشروطاً بالدخول يستلزم عند من يرى استحالة مقالة صاحب الفصول من باب لزوم الجهل أو التضاد اختيار قول الميرزا بعدم الحرمة من أوّل الأمر لاستحالة حرمته عندئذ ولو قبل الدخول على هذا المبنى ؛ ولعلّه لهذا اختار الشيخ والميرزا قدس سرهما عدم الحرمة والوجوب المشروط من أوّل الأمر ، وبهذا لا يكون مصداقاً لقاعدة الاضطرار بالاختيار أيضاً لعدم موضوع للحرمة بالنسبة للخروج من أوّل الأمر.

والصحيح بطلان هذا الاعتراض ، فإنّه لا مانع من تعلّق الحرمة بالخروج قبل


الدخول والوجوب الشرعي به مشروطاً بالدخول ؛ لأنّ مرجعه إلى انّه يريد تركه بترك الدخول ولا يريد تركه بعد الدخول بالبقاء في المغصوب فلترك الغصب الخروجي بابان أحدهما الوجوب المولوي ومن هنا حرّمه حرمة مطلقة لأنّه يحقق غرض المولى وهو عدم تحقق المفسدة بترك الدخول ولا تفوته مصلحة لأنّ المصلحة في الخروج بعد الدخول لو فرضت مشروطة بالدخول ، فبعدمه يرتفع موضوع المصلحة فلا تفويت لشيء.

والباب الآخر ليس مطلوباً بل عدمه مطلوب للمولى لما فيه من تحصيل المصلحة المشروطة بعد فعليتها بتحقق شرطه.

فهذا التحريم روحه الأمر بترك الغصب الخروجي بترك الدخول وبكون ترك الدخول من باب قيد الواجب لا الوجوب فلو لم يتركه كان عاصياً لفعلية الأمر والخطاب في حقه ، وهذا لا ينافي الأمر به مشروطاً بالدخول ، لأنّ هذا الأمر ليس أمراً بفعله مطلقاً بل أمر به مشروطاً بالدخول ، وهو ليس منافياً مع النهي لأنّه يمنع عن تحقق الترك المقرون بالدخول لا الترك المقرون بعدم الدخول الذي هو المأمور به والمطلوب من النهي ، فلا تنافي بين الأمر المشروط والتحريم قبل الدخول من حيث المحركية.

لا يقال : هذا تأويل للنهي فإذا اريد الحفاظ على ظاهره لزم الاجتماع مع الأمر على فعل واحد.

فإنّه يقال : هذا ليس تأويلاً بل بيان لعدم التنافي بين النهي المطلق قبل الدخول والأمر المشروط بالدخول من حيث المحركية فيرتفع محذور التضاد ؛ لأنّ التضاد بين الأمر والنهي إنّما يكون بلحاظ محركيتهما ، والوجدان خير شاهد على ذلك.


وبعبارة اخرى : كما تقدم في بحث الأمر بالجامع والنهي عن فرده ـ بناءً على سراية الحب من الجامع إلى الفرد ـ عدم التنافي بينهما في مقام المحركية المولوية كذلك في المقام لا منافاة بين تحريم مطلق الغصب حتى الخروجي مطلقاً وايجاب فرد منه بعد تحقق الدخول المساوق مع تحقق جامع الغصب في الآن الثاني من حيث المحركية ، بل لكون الأمر والوجوب في المقام مشروطاً بالدخول ، وفرض الدخول هو فرض سقوط محركية النهي ، فلا تنافي بين النهي والأمر من حيث المحركية جزماً.

إن قلت : هذا لا ينفي لزوم محذور التضاد بلحاظ مبادىء الأمر والنهي من المحبوبية والمبغوضية.

قلنا : يمكن الاجابة عليه : أوّلاً ـ بما ذكرناه وتقدّم عن الاستاذ الشهيد 1 سابقاً أيضاً من انّ التضاد بين الحب والبغض إنّما يكون بلحاظ التضاد بين اقتضائهما لا نفسيهما ولا محركية للحرمة بعد الدخول بحسب الفرض.

وثانياً ـ يكفي أن يكون ملاك التحريم انّ المولى يريد تركه المقرون بترك الدخول مطلقاً وهو لا ينافي ارادة فعله بعد الدخول وهكذا يتضح انّه يعقل النهي عن فعل مطلقاً والأمر بفرد منه مشروطاً بارتكاب جامع ذلك الحرام. وهذه نكتة كبروية كلية فإنّه كما يعقل الأمر بالجامع والنهي عن فرده جمعاً بين المصلحة المتحققة في الجامع والمفسدة المتحققة في الفرد ونتيجته انّه لو جاء بالجامع ضمن ذلك الفرد يكون ممتثلاً وعاصياً ، كذلك يعقل النهي عن جامع ـ وهو انحلالي ـ والأمر بفرد منه مشروطاً بارادة ارتكاب ذلك الجامع المحرم جمعاً لدفع المفسدة الغالبة وجلب المصلحة المغلوبة على تقدير ارادة الحرام برغم انّ ذلك الفرد يقع مبغوضاً في الموردين لغلبة المفسدة فيه ؛ لأنّ الأمر لا يشترط فيه


أن يكون ناشئاً عن محبوبية متعلّقه دائماً ـ كما تقدّم ـ وإن كان قد يدّعى ظهوره العرفي في ذلك ، وهو خارج عن المنظور إليه في هذا البحث كما هو واضح.

ثمّ انّ الميرزا 1 استدل على عدم كون المقام داخلاً في كبرى قاعدة الاضطرار بالاختيار لا ينافي الاختيار بوجوه أربعة حملت جميعاً في المحاضرات على انّه من الخلط والاشتباه بين كيفية تطبيق هذه القاعدة في باب المحرمات وكيفية تطبيقها في باب الواجبات. والظاهر وقوع التباس في تقرير مطلب الميرزا 1.

والصحيح أنّ الوجوه الأربعة التي يذكرها واحد منها وهو الوجه الثالث قد يرجع إلى ما ذكر فإنّه قد ذكر فيه : أنّ مورد القاعدة وما نحن فيه متعاكسان فإنّ ايجاد المقدمة فيما نحن فيه أعني الدخول في الغصب يوجب سلب القدرة وسقوط الخطاب بترك الخروج وفي مورد القاعدة يوجب تحقق القدرة على المكلف به فكيف يمكن دخول المقام تحت القاعدة.

فإنّ هذا التقرير جوابه ما افيد من انّ المطلوب في المحرمات هو الترك فكما يكون ترك مقدمة الواجب كالحج موجباً لامتناع امتثاله بسوء الاختيار وهو لا ينافي الاختيار خطاباً وعقاباً أو عقاباً فقط كذلك يكون فعل سبب الحرام وهو الدخول في المقام موجباً لامتناع امتثال الحرمة وهو ترك الغصب الخروجي بسوء الاختيار وهو لا ينافي الاختيار والميزان ملاحظة الامتناع والقدرة بالنسبة إلى الامتثال في البابين.

وأمّا سائر الوجوه التي ذكرها فهي لا ترتبط بهذا الخلط بل ترمي إلى رفع الخلط الذي وقع فيه المحققون في منهجة هذا البحث من حيث كون حرام واحد


مضطراً إليه وواجباً في نفس الوقت ، وتوضيح ذلك أنّ الوجوه الثلاثة الاخرى للميرزا ينبغي تحريرها كالتالي :

الوجه الأوّل : انّ موضوع القاعدة ما إذا عرض الامتناع والاضطرار على متعلق التكليف بسوء اختيار المكلف وعمله كما إذا ترك المسير إلى الحج فامتنع عليه الحج وفي المقام وإن كان الدخول بسوء اختيار المكلف إلاّ انّ خروجه من الدار ليس ممتنعاً عليه بالدخول بل هو متمكن من فعله وتركه بالبداهة فلا يكون موضوعاً لتلك القاعدة.

وقد اعترض عليه في المحاضرات بأنّه ممتنع شرعاً بعد تسليم انّه ليس بممتنع عقلاً والممتنع الشرعي كالممتنع عقلاً وجه الامتناع الشرعي ما تقدم منه من انّ البقاء حيث انّه محرم على الداخل فيكون ترك الخروج ممتنعاً عليه شرعاً.

ويرد عليه : أوّلاً ـ ما اتضح مما تقدم من أنّ المراد لو كان حرمة عنوان البقاء بما هو بقاء ومكث أو مشي في الغصب مثلاً فهذه العناوين ليست بمحرمة وإنّما المحرم هو الغصب الجامع بين المكث والمشي والخروج وإن كان المراد حرمة البقاء بما هو غصب فجامع الغصب نسبته إلى كل من البقاء والخروج في الآن الثاني على حد واحداً فلا معنى لملاحظة هذا الجامع بلحاظ أحد فرديه وهو المشي فيحكم بحرمته ثمّ يقال بأنّ فرده الآخر وهو الخروج يكون تركه ممتنعاً شرعاً أو فعله مضطراً إليه شرعاً أو فعله مضطراً إليه شرعاً فلماذا لا يعكس ويقال لأنّ الخروج غصب فيكون محرماً شرعاً ومعه يكون البقاء مضطراً إليه شرعاً فلا يحرم ، ودعوى انّه بعدما جاز ارتكاب الجامع ضمن فرد واحد لا أكثر من جهة الاضطرار يتعين أن يكون هو الغصب الخروجي مدفوعة : بأنّه خلط بين


الاضطرار إلى الجامع وجواز الجامع ، فالجامع المضطر إليه وهو الغصب سواء تحقق بفرد الخروج أو البقاء كان محرماً عقلاً أو شرعاً وعقلاً من دون أن يوجب أن يكون كل من فردية مضطراً إليه عقلاً أو شرعاً.

ولعلّ هذا من الواضحات ، وإنّما الصحيح أن يقال أنّ جامع الغصب بأي فرد تحقق تركه ممتنع عقلاً وامّا كل من خصوصيتي الخروج أو المكث أي الفردين فليس تركه ممتنعاً فما ذكره الميرزا من انّ الخروج ليس اضطرارياً فلا يكون موضوعاً لقاعدة الامتناع حتى الشرعي صحيح. ولكن يكون جواب كلامه أنّ هذا الفرد من الغصب وهو الخروج بما هو فرد وإن كان اختيارياً إلاّ انّ جامع الغصب المنطبق عليه يكون اضطرارياً ، والحرمة ثابتة لعنوان الغصب فبلحاظ ما هو حرام وهو الغصب المنطبق على الخروج ـ لكون الحرمة انحلالية دائماً ـ يكون الخروج موضوعاً للقاعدة لا محالة ، وهذا لا ينافي مع كون الخروج بما هو فرد وخروج خارجاً عن موضوع القاعدة فيمكن أن يكون فيه مقتضي الوجوب عقلاً أو شرعاً مع قطع النظر عن محذور الامتناع.

وثانياً ـ عدم صحة قياس الممتنع الشرعي على الممتنع العقلي في هذه القاعدة أعني قاعدة انّ الاضطرار بالاختيار لا ينافي الاختيار ولعمري هذا الكلام لم يكن ينبغي صدوره من مثله.

توضيح ذلك : انّ المراد من هذه القاعدة اثبات فعلية التكليف امّا خطاباً وعقاباً أو عقاباً فقط في موارد تحقق المخالفة من المكلّف اضطراراً رغم كونه اضطرارياً ولا يعقل من المكلف الامتثال فيه فيراد بهذه القاعدة توسعة التكليف ولو عقاباً على الأقل حتى لموارد العجز والاضطرار إذا كان بسوء الاختيار ،


وهذا يختص بالاضطرار التكويني لا الشرعي فإنّه في الاضطرار الشرعي إلى ترك شيء لوجوب ضده مثلاً حتى إذا كان لا بسوء الاختيار يعقل فعلية التكليف والمحركية ، ولهذا يعقل الأمر بالضد المهم بنحو الترتب رغم انّه مكلف شرعاً بفعل الأهم ولهذا لو تركها كان معاقباً على ترك المهم أيضاً رغم انّه كان ممتنعاً عليه شرعاً.

نعم ، لا يعاقب عليه لو تركه بفعل الأهم إذا لم يكن التزاحم بسوء اختياره ويعاقب عليه إذا كان بسوء اختياره ، والظاهر انّ هذا مقصود المحاضرات ، إلاّ انّه من الواضح انّ هذا من الامتناع والاضطرار التكويني لا الشرعي ؛ لأنّ امتناع أحد الضدين على تقدير الاتيان بالآخر ممتنع عقلاً لا شرعاً وهو غير حاصل في المقام ، فإنّ المراد اثبات الامتناع الشرعي أو الاضطرار إلى الخروج بنفس تحريم البقاء لا بامتثاله.

الوجه الثاني : انّ موضوع القاعدة ما إذا كان ملاك التكليف فعلياً على كلّ حال وغير مشروط بفعل المكلّف أو تركه للمقدمة وإلاّ لم يكن تفويتاً لغرض فعلي بل رفع لموضوعه فلا يكون من سوء الاختيار أصلاً ، وفي المقام الأمر كذلك حيث يكون الدخول محققاً لملاك ومصلحة في الخروج غالبة على مفسدة الغصب فلا يكون ملاك الحرمة فعلياً للخروج بعد الدخول.

وواضح انّ هذا البيان أيضاً لا ربط له بما اعترض به على الوجوه الأربعة في المحاضرات جميعاً من انّه خلط بين باب الواجبات والمحرمات.

والجواب الصحيح : انّه لو اريد مشروطية ملاك وجوب الخروج على القول به بالدخول فهذا صحيح إلاّ انّ تطبيق القاعدة لم يكن بلحاظ الوجوب بل بلحاظ


الحرمة وإن اريد انّ ملاك الحرمة ومفسدتها ترتفع بالدخول فهو ممنوع بل يكون الملاك فعلياً غاية الأمر باعتبار الكسر والانكسار على القول بالوجوب يقال بعدم تأثيره في الحرمة إلاّ انّ ذلك لا ينافي انطباق القاعدة لأنّ المكلّف كان بامكانه أن يتجنب مفسدة الغصب الخروجي بترك الدخول ، فمهما تكون المفسدة مغلوبة وضعيفة في نفسها لا تزاحم مصلحة الوجوب المشروط فيكون تفويتها من المكلف بالاضطرار غير منافٍ مع الاختيار عقاباً أو عقاباً وخطاباً ـ لو فرض عدم محذور الاجتماع ـ.

الوجه الثالث : انّ الخروج واجب بحكم العقل على الأقل وهو يكشف عن كونه مقدوراً ومن المعلوم انّ كلما يكون واجباً ولو بحكم العقل لا يدخل في كبرى القاعدة لأنّ موضوعها الفعل الممتنع بينما موضوع حكم العقل بالوجوب هو الفعل المقدور فيستحيل انطباقهما على مورد واحد.

وهذا بحسب الروح يرجع إلى إشكال التهافت الذي أثرناه في صدر البحث بين فرض اضطرارية الخروج الموجب لسقوط حرمته مثلاً ووجوبه ويكون الجواب ما ذكرناه من أنّ المضطر إليه هو الغصب المحرم الجامع بين الخروج والبقاء والمشي ، وأمّا الواجب المبحوث عنه فهو الخروج بما هو خروج أي فرد من الغصب بعد الدخول ، واضطرارية الغصب الجامع لا تستلزم اضطرارية الفرد الذي يمكن أن يقع ذلك الجامع ضمنه أو ضمن فرد آخر ، كما هو واضح.

وهكذا يتضح في هذه النقطة أنّ الخروج من حيث هو غصب موضوع لقاعدة الامتناع بالاختيار ، ومن حيث هو خروج وحركة خاصة في الغصب ليس اضطراراً ، وأنّ الصحيح انّ هذا لا يوجب سقوط الخطاب من أوّل الأمر فضلاً عن


العقاب كسائر موارد العصيان ، وإنّما يوجب سقوط محركية الحرمة بعد الدخول ؛ ولهذا لا يمتنع اجتماعهما مع الوجوب المشروط بالدخول كما لا يلزم الجهل ، فكلا الاشكالين مندفعان.

ثمّ انّ المستظهر من كلمات الميرزا في المقام انّه يدعي عدم انطباق قاعدة ( الاضطرار بالاختيار لا ينافي الاختيار ) في المقام لا بلحاظ الغصب الخروجي ، ولا بلحاظ الغصب بالبقاء أو غيره من التصرفات ولا بلحاظ جامع الغصب ، امّا بلحاظ الغصب الخروجي فلأنّ الاضطرار إلى الجامع ليس اضطراراً إلى الفرد وأمّا بلحاظ الفردين الآخرين فلأنّ الاضطرار إلى الجامع بين الخروج الواجب بحكم العقل أو الشرع وبين المكث في الغصب أو المشي فيه المحرمين جزماً ـ لعدم ضرورة تقتضيهما ـ ليس اضطراراً إلى الحرام فإنّه كالاضطرار إلى جامع شرب الماء النجس أو الطاهر فإنّه ليس من الاضطرار إلى النجس والحرام.

وهذا الكلام من الغرائب ، فإنّ البحث عن مقتضي كون الغصب الخروجي حراماً ولو عقلاً وعقاباً فقط باعتباره غصباً وحرمة الجامع انحلالية دائماً فافتراض أنّ الخروج واجب في المرتبة السابقة ، ثمّ اضافة الاضطرار إلى الجامع بين الواجب والحرام ؛ ودعوى انّه ليس اضطراراً إلى الحرام أشبه بالتلاعب بالألفاظ إذ المفروض انّ الغصب كما ينطبق على المشي أو المكث في دار الغير ينطبق على الخروج أيضاً فيكون المكلف مضطراً إلى الغصب فإذا تحقق ضمن أي واحد من أفراده كان حراماً ولو بلحاظ العقوبة وكان مورداً لقاعدة الاضطرار بالاختيار لا ينافي الاضطرار سواءً كان مقتضي الوجوب شرعاً أو عقلاً ثابتاً في الخروج أم لم يكن فثبوت الوجوب للخروج لا ينافي الاضطرار إلى جامع الغصب الحرام المنطبق فيه لكون الحرمة انحلالية.


ثمّ كيف طبق عنوان الغصب المحرم على الفردين الآخرين والتزم بفعلية الحرمة فيهما دون هذا الفرد مع انّ الحرام عنوان الغصب لا المشخصات الفردية ونسبة الجامع والغصب إلى الأفراد الثلاثة على حد واحد ، وكأنّه وقع خلط عندهم بين اضطرارية جامع الغصب المنطبق حتى على الخروج وبين وجود مقتضي الوجوب فيه بما هو فرد مع وضوح انّ ثبوت مقتضي الوجوب للخروج على تقدير القول به لا يعني عدم انطباق القاعدة بلحاظ جامع الغصب المتحد معه بوجه أصلاً. نعم ، لو قيل بأنّ الغصب الخروجي باعتباره رداً للمال إلى صاحبه أو تخلية ليس حراماً من أوّل الأمر ولو كان بسوء اختياره تخصيصاً لأدلّة حرمة الغصب فلا موضوع عندئذٍ لقاعدة الاضطرار إلى الحرام في المقام كما هو واضح. ويمكن جعل هذا وجهاً آخر للميرزا 1.

ولكنه لا وجه لذلك ، فإنّه إذا اريد بذلك دعوى تخصيص في أدلّة الغصب فهو غير تام وإذا اريد استفادة ذلك من نفس وجوب ردّ المال إلى صاحبه ـ بناءً على قبوله كوجوب شرعي نفسي ودعوى انطباق ذلك على نفس الخروج ـ فهذا لا يستلزم التخصيص بل يستلزم اجتماع مقتض الأمر والنهي في المقام والذي هو محل بحثنا ، ولابد من الجمع بينهما بعد تمامية مقتضيهما معاً.

ثمّ انّ للمحقق الاصفهاني 1 اشكالاً آخر على مقالة الفصول ، أعني فعلية الوجوب شرعاً بعد الخروج مع سقوط الحرمة قبل الدخول ، وحاصله عدم جدوى تعدد زمان التكليفين في رفع التضاد بينهما لأنّ ملاك التضاد وحدة متعلقيهما بحسب لحاظ المولى وفي المقام الوجود الشخصي الواحد للغصب الخروجي يقع متعلقاً للحرمة والوجوب في لحاظ المولى ولا يمر الزمان على الفعل الشخصي مرتين ، فهذا الخروج وحداني الزمان متعلّق للوجوب والحرمة ،


وسبق زمان تحقق التحريم على زمان تحقق الايجاب لا يجدي في رفع التضاد من حيث المتعلق.

فالحاصل : من يقول بالتضاد بين الوجوب والحرمة لا يقول به من حيث قيامهما بالمولى في زمان واحد أو قيامهما خارجاً بالوجود الخارجي ، بل يقول به من حيث قيامهما بعنوانين ملحوظين فانيين في المعنون الواحد وهو حاصل في المقام بين الحرمة قبل الدخول والوجوب بعد الدخول ، وإن فرض سقوط الحرمة بعد الدخول.

وهذا الايراد تام ، بمعنى انّه لابدّ في مقام دفع محذور الامتناع والتضاد من سلوك أحد الطرق الثلاثة التي ذكرناها ، وأمّا ما ذكره صاحب الفصول من اختلاف الزمان وحرمة الغصب الخروجي قبل الدخول ثمّ سقوطها بعد الدخول لا يرفع المحذور ؛ لأنّه قبل الدخول كان محرّماً مطلقاً أي لم يكن الغصب المقيّد بعدم الدخول محرماً بل مطلقه كان محرماً ، وهذا لا يجتمع مع محبوبيته ولو مشروطاً بالدخول ، ولهذا ذكر الميرزا انّ هذا التبدّل يستلزم الجهل.

وبهذا يعرف انّ الالتزام بسقوط الحرمة عن الغصب الخروجي بعد الدخول مع كونه محرماً قبل الدخول لا يجدي في دفع محذور التضاد ، وإنّما اللازم الالتزام بأحد الامور والعلاجات الثلاثة المتقدّم شرحها لدفع اشكال التضاد.

ص ٩٤ قوله : ( وامّا البحث عن الكبرى ... ).

الانصاف انّه مع الانحصار لو قلنا بالملازمة بين حب شيء وحب مقدمته لا محالة تسري المحبوبية الغيرية إلى المقدمة فلا يقاس بمورد المقدمة المحرمة مع عدم الانحصار.


ص ٩٩ قوله : ( فعلى الأوّل يتعين على المكلف ... ).

الصحيح لزوم الصلاة مع السجود إذا لم يلزم منه مكث زائد ، وذلك بأحد تقريبين :

١ ـ انّ الدليل على بقاء الأمر بالصلاة عند تعجيز المكلف نفسه عن الواجب بقيوده إنّما هو الإجماع على انّ الصلاة لا تسقط بحال وإلاّ كان مقتضى القاعدة سقوط الأمر ، فإذا ثبت بالاجماع فعلية الأمر بالصلاة أمكن التمسك باطلاق أدلّة الجزئية لتمام الاجزاء والقيود المعتبرة لأنّه لا محذور في اطلاقها والأمر بها في هذا الحال بحسب ما تقدّم ما لم يلزم غصباً زائداً محرماً بحرمة فعلية قابلة للتحريك ، وهذا نفس البيان الذي سيذكره السيد الشهيد 1 في الشق الثالث في هذه الفرضية فلا أدري لماذا فرّق بينهما.

٢ ـ انّه بناءً على ما تقدم من عدم التنافي بين النهي عن الغصب والأمر بفرد منه على تقدير عصيان الجامع وتحققه بالاضطرار بسوء الاختيار ـ والذي هو فرض سقوط محركية النهي عن جامع الغصب على ما تقدم شرحه ـ يمكن التمسك باطلاق أصل الأمر بالصلاة للصلاة الاختيارية إذا لم يلزم منه مكث زائد بلا حاجة إلى الإجماع على انّ الصلاة لا تسقط بحال ؛ لأنّ هذه الحصة من الصلاة المتحدة مع الغصب لا مانع من إطلاق الأمر وشموله له بحسب الفرض.

لا يقال : المفروض تقيد متعلّق الأمر بغير الفرد المحرم والمبغوض وهذا الفرد منه لكونه بسوء الاختيار وإلاّ لم يكن امتناع ، ولهذا نحتاج إلى أمر آخر كما في التقريب السابق.


فإنّه يقال : حيث انّ المقيّد المذكور عقلي وهو الامتناع فيقدر بقدره لا أكثر وهو ما إذا كان حين تحقيق المأمور به النهي المتعلق به فعلياً خطاباً ومحركيةً لا ما إذا كان ساقطاً قبل ذلك امّا خطاباً ومحركيةً أو محركيةً على الأقل ، فإنّ المفروض انّ هذا قد فرغنا عن امكانه فيما سبق فيكون تقيد متعلق الأمر بناءً على الامتناع ما لا يكون حراماً بالفعل حين الاتيان به حرمة محرّكه ، وهذا باطلاقه يمكن أن يشمل المقام ولا يكون الأمر بهذا الجامع منافياً مع حرمة الغصب كما لا يخفى.

والحاصل بناءً على امكان الأمر بالفرد المحرم ـ كالخروج إلى الصلاة في المغصوب ـ مشروطاً بسقوط النهي عنه بالاضطرار ولو بسوء الاختيار يعقل التمسك بنفس دليل الأمر الأوّل لاثبات الوجوب في هذا الحال لارتفاع المحذور ، فلا نحتاج إلى دليل ثانوي.

وهذا الوجه تام أيضاً لو لم نستظهر من دليل الأمر الأوّل بالصلاة عرفاً فعلية المحبوبية ومن النهي فعلية المبغوضية ، وقد عرفت عدم صحّة مثل هذه الاستفادة في محلّه.

والسيد الشهيد لأنّه قبل الاستظهار المذكور احتاج إلى أمر جديد لأنّ النهي يقيد الأمر عندئذٍ بغير المغصوب لا غير الحرام.

ص ٩٩ قوله : ( وقد ذكر جملة من المحققين هنا بأنّ هذا الدليل بنفسه يدل على عدم مبغوضيتها ... ).

هذا كلام السيد الخوئي 1 في المحاضرات ، وهذا على مبناهم من امتناع


الأمر بالخروج مع حرمته ولو الساقطة قبل الدخول متعين إذ لولاه يلزم الاجتماع.

وإن شئت قلت : انّ الأمر الثاني المستكشف من الإجماع على انّ الصلاة لا تسقط بحال كالأمر الأوّل لا يمكن أن يجتمع مع النهي والحرمة الفعلية ولو بمبادئها أي المبغوضية ، فلابد من الالتزام بارتفاعها إذا قيل بفعلية الأمر.

ومن الواضح انّ لازم ذلك ارتفاع المبغوضية من أوّل الأمر فتكون الصلاة في الغصب بسوء الاختيار مشمولاً للأمر الأوّل ولم يكن عليه عقاب أصلاً لا من حيث كونه غصباً لعدم حرمته ولا من حيث كونه تعجيزاً لعدم كونه منهياً عنه من أوّل الأمر ، وهذا من لوازم ذلك المبنى أيضاً.

ص ١٠١ قوله : ( وامّا إذا قلنا بوجوب الخروج نفسياً ... ).

الظاهر من هذه العبارة انّ السجود ولو لم يلزم منه مكث زائد يكون باطلاً على هذا التقدير ؛ لأنّ التصرّف السجودي في الغصب ليس دخيلاً في الخروج ولا ملازماً معه لكي تكون هذه الأكوان غير محرمة لأنّها ملازمة مع الخروج.

ومن هنا يفصّل بين مبنى اتحاد السجود مع الغصب بالخصوص واتحاد تمام الصلاة معه.

والجواب : انّ المفروض انّ الجامع بين وضع الثقل بالسجود أو بأي نحو آخر حين الخروج ـ الذي لا يكون أحدهما اضطرارياً في حقه ـ جائز له ؛ لأنّه لازم


الكون الخرجي المباح له ، ولهذا لو سجد لا للصلاة حال الخروج من دون مكث زائد كان جائزاً أيضاً ، فلا فرق بين الفرضين على هذا المبنى ـ أي مبنى الميرزا ـ أيضاً كما لم يكن يصح الفرق بين الفرضين على مبنى الحرمة لما عرفت من المناقشتين.

نعم ، ما ذكر من كون الأمر الأوّل فعلياً على مبنى الميرزا يصح إذا كانت الصلاة حال الخروج اختيارية على ما سنذكره بعد قليل.

فالصحيح انّه على جميع التقادير كلما لم يلزم من الصلاة الاختيارية غصب ومكث زائد كان هو الواجب على جميع الفروض الثلاثة في الفرضية الاولى ، وإلاّ فلا تجب إلاّالصلاة الاضطرارية ، ولو جاء بالاختيارية تبطل على القول بالامتناع ، بخلاف القول بالجواز ـ المبنى الأوّل ـ فالفرق منحصر بذلك. ومن غير فرق في ذلك بين مبنى حرمة الخروج ولو ملاكاً وعقاباً ومبنى الميرزا والشيخ بينهما بعدم حرمته من أوّل الأمر ، وكان الأولى أن يجعل الفرق نظرياً لا عملياً ، فيفصّل بين امكان الصلاة الاختيارية حال الخروج بلا استلزام مكث زائد وعدمه.

فعلى الأوّل تثبت الصحة بالأمر الأوّل على مبنى الميرزا ومبنانا.

وعلى مبنى السيد الشهيد من ظهور الأمر الأوّل في المحبوبية لكونه لفظياً يثبت ذلك أيضاً بالأمر الثاني بعد سقوط الأمر الأوّل بالعصيان والتمسك باطلاق أدلّة الجزئية ، وفي فرض عدم إمكان الصلاة الاختيارية من دون مكث زائد تجب الاضطرارية بالأمر الثاني على كل حال وتبطل الاختيارية إلاّعلى القول بالجواز.


ص ١٠١ قوله : ( وإنّما يختلف هذا القول عن المختار في انّ الصلاة حال الخروج ... ).

ظهر مما تقدم عدم صحة هذا الفرق ـ بناءً على ما هو المختار عندنا من انكار ظهور الأمر في المحبوبية الفعلية ـ حيث انّه يصحّ التمسك باطلاق دليل الأمر الأوّل على كل حال بلا حاجة إلى دليل خاص إذا كانت الصلاة الاختيارية لا تستلزم مكثاً زائداً حتى إذا كان الخروج محرماً ومبغوضاً لفرض سقوط حرمته وامكان شمول الأمر له. كما انّه إذا كانت الصلاة حال الخروج بنحو لا يلزم منه مكث زائد اضطرارية فلا يمكن اثبات صحّته بالأمر الأوّل على كل حال أي حتى إذا قلنا بعدم حرمة الخروج ، لأنّ الأمر الأوّل كان يقتضي الوظيفة الاختيارية والتي كانت مقدورة على المكلف ، وإنّما عجّز نفسه عنها بسوء اختياره ، فالانتقال إلى الاضطرارية بعد سقوطها عصياناً بحاجة إلى الدليل الخاص.

نعم ، على مختار السيد الشهيد من استظهار المحبوبية لدليل الأمر اللفظي يتمّ الفرق بين المبنيين في خصوص ما إذا كانت الصلاة اختيارية حال الخروج لأنّ القيد للواجب سوف يكون عدم المبغوضية لا عدم الحرمة ، والمفروض فعلية المبغوضية.

ص ١٠١ قوله : ( وأمّا لو لم يتمكن من صلاة أكمل وأحسن ... ).

اتضح مما سبق من أنّ الأمر الأوّل ـ وإن كان لفظياً ـ والذي هو أمر بالوظيفة الاختيارية يشمل الصلاة الاختيارية حال الخروج إذا لم يلزم منه مكث زائد ، ومعه يتعين ذلك فيما إذا كان ممكناً حال الخروج سواء كانت صلاته خارج


الغصب اختيارية أو اضطرارية.

وامّا إذا كانت وظيفته حال الخروج الصلاة الاضطرارية أي بالايماء إلى السجود أو الركوع للزوم مكث زائد في الركوع والسجود الاختياريين ، فإن كانت الصلاة خارج الغصب اختيارية أو أكمل فلا إشكال في تعينه وبطلان الاضطرارية ، وإلاّ فبناءً على القول بالجواز لا يتعيّن عليه الصلاة الاختيارية في الغصب بالخصوص لكنه لو فعله كان صحيحاً بخلافه على الامتناع.

وهل تصحّ منه الاضطرارية لو صلاها حال الخروج أو تجب الصلاة الاضطرارية خارج الغصب؟

الصحيح أيضاً صحة الصلاة الاضطرارية حال الخروج ؛ لأنّ المفروض انّ الصلاة خارج الغصب ليس أحسن حالاً منه ، أي انّ السجود والركوع فيها أيضاً بالايماء لضيق الوقت ، فدليل الصلاة لا تسقط بحال من اجماع أو نحوه شامل له ولو بأن يأتي بالصلاة الاضطرارية خارج الغصب ، وليس خروجه شرطاً للايجاب وشمول الإجماع له بدليل انّه لو لم يخرج كان عاصياً للأمر المذكور جزماً ، فإذا كان الوجوب فعلياً في حقه أمكن التمسك باطلاق أدلّة الجزئية والشرطية لشمول الصلاة حال الخروج لامكان شمول الأمر لها بحسب الفرض إذا كانت متساوية مع الصلاة خارج الغصب فتكون مجزية ، وإذا كانت اضطراراً تعين ووجب ، وهذا يعني انّ الصلاة حال الخروج إذا كانت أقل اضطراراً تعين وإذا كانت كالصلاة خارج الغصب صحّ وأجزأ وإذا كانت أكثر اضطراراً لم تصحّ.

والتفصيلات المذكورة في المقام من قبل السيد الشهيد كأنّه مبتنية على


ما يستظهره من الأوامر والنوهي اللفظية من الظهور في نشوئهما عن المحبوبية والمبغوضية الفعلية ، وعندئذٍ لا يمكن شمول الأمر للفرد المحرم في المقام ، وإن كانت حرمته ساقطة سابقاً بالدخول للاضطرار ؛ لأنّه سقوط عصياني لا ينافي فعلية المبغوضية ، فتكون منافية مع شمول الأمر ، فنحتاج إلى أمر جديد.

والحاصل على مبنى السيد الشهيد تتقيد الصلاة الواجبة بغير المبغوض لا غير المحرّم حرمة فعلية ، والمفروض ثبوت المبغوضية في المقام بمقتضى إطلاق دليل النهي الساقط قبل الدخول. فلا يمكن أن يشمله الأمر الأوّل بل يكون سقوطه بالعصيان لا محالة ، وامّا الأمر الثاني فحيث انّه بالاجماع الذي هو الدليل اللبي فيقال بعدم شموله للمورد الذي يتمكن المكلف من الصلاة خارج الدار المغصوبة ولو كانت اضطرارية وكانت الصلاة حال الخروج اختيارية فلا اجماع على صحة الصلاة منه في الغصب.

إلاّ انّ هذا الكلام غير فني ـ حتى إذا قبلنا الاستظهار المذكور ـ لأنّنا لسنا بحاجة إلى اثبات صحة الصلاة داخل الغصب بالاجماع لكي يناقش في شموله لمن له القدرة على الصلاة خارج الوقت. وإنّما نثبت ذلك باطلاق أدلّة الجزئية والشرطية والتي لا محذور في اطلاقها للمقام وإنّما المحذور في شمول الأمر الظاهر عرفاً في المحبوبية ـ كما تقدم من الاستاذ نفسه التمسك به في المبنى الثالث من الفرضية الاولى ـ وامّا الإجماع فنثبت به فعلية أصل الأمر بالصلاة وعدم سقوطه عن هذا المكلّف وهو هنا فعلي بحسب الفرض.

لا يقال : هذا مبني على أن يكون الوجوب فعلياً عليه حال كونه في الغصب ،


وامّا إذا قلنا بأنّه يصبح فعلياً عليه عند الخروج فلا يمكن التمسك باطلاق أدلّة الجزئية والشرطية لاثبات صحة الصلاة حال الخروج ، وحيث انّ دليل الوجوب لبي فلا يمكن اثبات ذلك ، فالقدر المتيقن ثبوت الوجوب عليه بعد الخروج.

فإنّه يقال : مضافاً إلى وضوح انّ الإجماع المذكور ناظر إلى قيود المتعلق وأجزائه لا قيود الوجوب وشرائطه فهي باقية على حالها من حيث عدم تقيد الوجوب بقيد زائد على ما هو قيد في الوظيفة الاختيارية وهو الوقت والشروط العامة.

أقول : مضافاً إلى امكان دعوى الجزم بهذا ، لا إشكال في انّ المكلّف لو كان قادراً من صلاة أكمل خارج الدار المغصوبة بحيث يكون اتيان مثلها في الدار المغصوبة تستلزم مكثاً زائداً مبطلاً للصلاة فلم يفعل بل تأخر في الدار المغصوبة أكثر كان عاصياً ، وهذا يعني انّ وجوب الصلاة التي يتمكن منها خارج الأرض المغصوبة فعلي في حقه من أوّل الأمر لا بعد الخروج.

والنتيجة في الفرضية الثانية انّه على فرض عدم استلزام الصلاة الاختيارية حال الخروج لمكث زائد وجبت وصحت على مبنى الميرزا ومبنانا في باب الأوامر اللفظية بنفس الأمر الأوّل فلا تتعيّن الصلاة بعد الخروج حتى إذا كانت اختيارية ، وعلى مبنى السيد الشهيد من استظهار المحبوبية في الأوامر اللفظية يجب الانتظار إلى ما بعد الخروج وتبطل الصلاة داخل الغصب.

وعلى فرض كون الصلاة حال الخروج اضطرارية ، فإن كانت في خارج الغصب اختيارية ، أو أحسن حالاً أي اختيارية بمقدار أكثر مما في الغصب ، تعيّن ذلك أيضاً ولم تصحّ الاضطرارية داخل الغصب ؛ لامكان الاختيارية الأكثر.


وإلاّ بأن كانا متساويين أو الصلاة حال الخروج أكثر اختيارية ، وجب الانتظار على أساس كلام السيد الشهيد في الكتاب ، وقد عرفت اشكاله ، والصحيح تعين الصلاة حال الخروج إذا كانت أكثر اختيارية وامكان الصلاة حاله إذا كانا متساويين تمسكاً باطلاق أدلّة الجزئية حتى على مبنى استظهار السيد الشهيد من الأوامر اللفظية.

ثمّ انّه يناسب أن يعقد تنبيهاً أو تتميماً يبحث فيه عن حكم الشك في جواز الاجتماع فنقول : تارة يكون الشك في كبرى جواز الاجتماع واخرى يكون الشك في صغراه بعد فرض الامتناع كبروياً أي الشك في ثبوت الحرمة وعدمها في مورد الاجتماع لتعارض إطلاق دليله مع دليل الوجوب وعدم ثبوت المرجح ، امّا الشك بالنحو الأوّل فالصحيح فيه التمسك باطلاق كل من دليل الوجوب والحرمة وإثبات الاجتزاء بالمجمع إلاّإذا كان الواجب عبادياً فيبطل من ناحية انتفاء قصد القربة أو حسن العمل وهو يختص بما إذا كان النهي واصلاً للمكلف.

ومجرد احتمال الامتناع والاستحالة لا يمنع عن صحة التمسك باطلاق الحكم وحجيته كما ذكر الشيخ في جواب شبهة ابن قبة في جعل الحكم الظاهري بل صحة التمسك هنا أوضح منه هناك ، لأنّ المحذور المحتمل وهو الامتناع على تقدير ثبوته يختص بالامر والنهي بوجوديهما الواقعيين ، وأمّا حجّية إطلاق دليل الأمر والاجتزاء به في مورد الحرمة الواقعية فغير ممتنع جزماً.

وأمّا الشك بالنحو الثاني فقد ذكر المحقق الخراساني انّه يرجع فيه إلى أصالة البراءة عن الحرمة فتصح العبادة لانتفاء المانع.


وناقش فيه المحاضرات بأنّ البراءة رفع ظاهري فلا يثبت الصحة واقعاً. نعم ، يثبته ظاهراً حيث يرجع إلى الشك في مانعية هذا المكان فتجري البراءة عنها لكونها انحلالية بناءً على جريانها في المركبات الارتباطية.

وفيه : انّ هذا يتمّ فيما إذا كان الشك في موضوع الحرمة بنحو الشبهة الموضوعية لغصبية المكان ، وأمّا في الشبهة الحكمية والشك في حرمة الغصب الصلاتي للتعارض بين إطلاقي الأمر والنهي والذي هو موضوع بحثهما فيكون المرجع إطلاق هيئة الأمر المتعلق بالصلاة في غير الغصب بعد سقوط اطلاقه في مورد الاجتماع وهو يقتضي الاتيان بالصلاة في المكان غير المغصوب.

نعم ، لو قيل بأنّ دليل الحرمة يقيد متعلق الأمر بغير الفرد المحرم بعنوان المحرم كان من الشبهة المصداقية للمانع فتجري عنه البراءة ، إلاّ انّه كما ترى واضح البطلان فإنّ دليل حرمة الغصب يقيد دليل الأمر بالصلاة بغير الغصب أي واقع الحرام لا عنوان الحرام الأمر المنتزع في طول ثبوت الحرمة وتمامية التقييد ، بل هو غير معقول لاستحالة أخذ عدم أحد الضدين في موضوع الآخر ، على ما حقق في محلّه.

والحاصل إذا كان القيد عنوان الحرمة ، والشبهة مصداقية ـ وإن كان هذا باطلاً ـ فأصالة الاباحة والحل تثبت الحلية وتثبت القيد كأصالة الطهارة فلا حاجة إلى أصالة البراءة عن المانعية الزائدة المشكوكة فيكون الحق مع صاحب الكفاية في عدم الحاجة إلى جريان الأصل في الأقل والأكثر ولا يكون مثبتاً وإن كان القيد واقع الحرام لم تجر البراءة عن المانعية الزائدة لأنّ مقتضى إطلاق الهيئة لزوم الاتيان بالواجب في غير مورد الاجتماع فتدبر جيداً.


اقتضاء النهي للفساد

ص ١٠٧ قوله : ( الكلام في اقتضاء النهي للفساد يقع في مسألتين ... ).

ينبغي تقديم امور :

الأمر الأوّل ـ انّ البحث في هذه المسألة عن الملازمة بين النهي عن العبادة أو المعاملة وبين فسادهما فيكون موضوع المسألة ما يتصور فيه الفساد والصحة ، والصحة في العبادة تعني الاجزاء وعدم الاعادة والقضاء ، وفي المعاملة تعني النفوذ وترتب الأثر الوضعي المطلوب عليها ، ويكون محمول المسألة الملازمة بين النهي والفساد.

وأمّا البحث عن انّ الصحة والفساد ـ بالمعنى المتقدّم ـ هل هما مجعولان شرعيّان أو أمران واقعيان منزعان عقلاً أو يفصل بين الصحة والفساد في العبادة فهما واقعيان وفي المعاملة فهما مجعولان شرعيان فهذا غير مرتبط بما هو المهم والمقصود في هذه المسألة.

وقد اختار في المحاضرات القول الأخير أعني التفصيل بين العبادات والمعاملات بدعوى انّ صحة المعاملة تعني حكم الشارع بترتب الأثر عليها وفسادها تعني عدم حكمه بذلك فتكون نسبة المعاملة إلى الحكم الوضعي الشرعي نسبة الموضوع إلى الحكم فتكون الصحة فيها مجعولاً شرعياً ، وهذا بخلاف العبادة ، فإنّ صحتها وفسادها تعني مطابقتها للمأمور به وعدمها فيكونان


وصفين للعبادة في مرحلة ما بعد الجعل أي في مرحلة الامتثال والانطباق الخارجي التي هي مرحلة حكم العقل وانتزاعه فلا تتصف العبادة بالصحة والفساد في مقام الجعل والتشريع لتكون الصحة مجعولاً شرعياً.

وهذا الكلام غير تام ؛ لأنّه من الواضح انّ مفهوم الصحة ليس هو المجعول الشرعي لا في باب العبادة ولا المعاملة ، وإنّما المجعول في العبادة هو الأمر وفي المعاملة هو الحكم الوضعي بالملكية أو الزوجية أو غيرها ، والصحة والفساد فيهما معاً ينتزعان عقلاً في طول الجعل الشرعي بلحاظ ترتّب ذاك المجعول الشرعي وعدمه ، فإذا كانت العبادة أو المعاملة مشمولة لاطلاق ذلك الجعل من تكليف أو وضع كانت صحيحة ، وإلاّ كانت فاسدة ، فمعنى الصحة والفساد في المقامين واحد ، كما انّهما منتزعان من شمول الجعل الشرعي وعدم شموله للمعاملة أو العبادة كما أفاده المشهور. وأمّا القضاء والاعادة فهما حكمان شرعيان آخران رتّبهما الشارع في موارد خاصة على بعض العبادات دون بعض ، فليسا من لوازم الفساد ولا دخل لهما في مفهومه ولا منشأ انتزاعه.

الأمر الثاني ـ انّ المراد بالنهي هنا النهي التكليفي لا الإرشادي إلى المانعية والبطلان ، فإنّه خارج عن موضوع البحث ولا كلام في استفادة البطلان منه وإن كان ربما يقع بحث صغروي فيه يأتي في تنبيهات المسألة. كما انّ البحث عن اقتضاء النهي التكليفي للفساد بحث كبروي فما عن المحقق العراقي من انّ البحث صغروي لا وجه له.

وهل يختصّ هذا البحث بالنهي التحريمي أو يعمّ التنزيهي أيضاً؟

الصحيح هو التفصيل بين ملاكات الاقتضاء ، فإنّه لو كان المبنى للاقتضاء


الامتناع وارتفاع المحبوبية والأمر بالمبغوضية والكراهة فهذا يعمّ النهي التنزيهي أيضاً وإن كان المبنى للاقتضاء عدم إمكان التقرب ونحوه فهو يختص بالتحريمي.

ومن هنا كان الأفضل منهجياً ما صنعه الاستاذ من طرح البحث بلحاظ النهي التحريمي أوّلاً ثمّ البحث عن النهي التنزيهي ضمن التنبيهات.

الأمر الثالث ـ انّ هذه المسألة اصولية ؛ لأنّها من العناصر المشتركة في الاستنباط الفقهي حيث لا تختص نتيجتها بباب دون باب ويستنبط منها حكم شرعي كلي بنحو التوسيط ـ ولو بلحاظ التعارض كما تقدم في مسألة الاجتماع ـ وتكون مربوطة بالشارع وهي المعالم الثلاثة الرئيسية للقاعدة الاصولية وهي مسألة عقلية ؛ لأنّها بحث عن الاستلزام العقلي أي الملازمة بين النهي والفساد سواءً افيد باللفظ أو بغيره ، وهذا واضح أيضاً.

وبعد توضيح هذه المقدمات الثلاث ندخل في صميم البحث ضمن مسألتين :

المسألة الاولى ـ اقتضاء النهي لفساد العبادة :

وقبل الشروع في بيان البراهين والملاكات لاقتضاء النهي فساد العبادة ينبغي التأكيد على مقدمتين :

المقدّمة الاولى ـ ما جاء في الكتاب ( ص ١٠٧ ) من أقسام النهي التحريمي الخمسة من حيث كونه نفسياً خطاباً وملاكاً أو خطاباً فقط أو لا خطاباً ولا ملاكاً أو كون المصلحة في نفس جعل النهي بأحد معنيين أحدهما غير معقول في نفسه.

المقدّمة الثانية ـ ما ذكر في الكتاب أيضاً ( ص ١٠٩ ) من انّ الفساد قد يكون


بملاك الامتناع والقصور في العبادة ، أي عدم وجدانها للملاك ، وقد يكون بملاك قصور قدرة المكلّف على الاتيان بها صحيحة جامعة لشرائطها ؛ لانتفاء شرط قصد القربة ونحوه بسبب تعلّق النهي ، وهذا يعني أنّ هناك نكتتين وملاكين للبطلان وتختلف النكتتان في النتائج والآثار أهمها أنّ النكتة الاولى واقعية تؤدي إلى بطلان العبادة حتى إذا لم يصل النهي عنها إلى المكلّف بخلاف الثانية.

وبعد ذلك نستعرض البراهين السبعة على الاقتضاء ملاحظين في كل واحد منها ما يقتضيه من البطلان الواقعي وبالنكتة الاولى أو البطلان بالنكتة الثانية المنتفية مع الجهل بالنهي كما انّه نلاحظ جريان كل برهان منها على جميع الأقسام المتقدمة للنهي التحريمي أو اختصاصه ببعضها دون بعض.

وأمّا البراهين فهي سبعة :

البرهان الأوّل : يبتني على فرض منافاة المفسدة مع المصلحة ، وهو لو تمّ فيتم في كل واجب حتى غير العبادي ويثبت القصور الذاتي والبطلان حتى مع الجهل ، ولكنه لا يتمّ إلاّفي القسم الأوّل من النهي.

البرهان الثاني : يبتني على عدم إمكان التقرب بمعنى عدم صلاحية التقرّب بالمفسدة العالية ، لأنّ المولى يتأذى ، وهذا يتم في غير القسم الرابع والثالث من النهي وهو يثبت القصور من ناحية قصد التقرّب فتختصّ بالعبادات.

ويردّه انّ الميزان التقرّب العقلي وهو يحصل بالمصلحة ولو المغلوبة.

البرهان الثالث : انّ التقرب الفعلي لا يكون إلاّبالأمر أو الحب لا بالملاك والمصلحة إمّا لعدم معقوليته ثبوتاً إذ لا يرجع إلى المولى أو لاشتراط قصد الأمر اثباتاً ، وهذا يتم حتى في الرابع إذا قلنا بالامتناع كما هو مبنى القائل بالرابع ،


ولكنه يختص بالعبادات.

وفيه : كفاية اهتمام المولى بالملاك للتقرّب ثبوتاً ، وعدم الدليل على لزوم الأكثر منه اثباتاً في التقرب.

البرهان الرابع : عدم إمكان احراز الملاك مع النهي فتجري أصالة الاشتغال ، وهذا يتمّ في كلّ واجب ، لأنّه يثبت القصور الذاتي ظاهراً وفي تمام أقسام النهي بناءً على امتناع اجتماعها مع الأمر.

وفيه : انّه إذا كان لدليل الأمر إطلاق بلحاظ مدلول الهيئة فهو يوجب البطلان واقعاً وبدليل اجتهادي لا ظاهراً وإن لم يكن كذلك فتجري البراءة لكونه من الشك في التكليف كما انّه مبني على الامتناع.

وأفاد السيّد الشهيد بأنّ البراهين الثلاثة السابقة أيضاً مبنية على القول بالامتناع إذ على القول بالجواز بأي ملاك من الملاكات الثلاثة له تثبت مصلحة الأمر فينتفي البرهان الأوّل ، ولابد وانّ كون المصلحة غير مندكة وغير مغلوبة فينتفي البرهان الثاني ، ومع فعلية الأمر يمكن قصده فينتفي البرهان الثالث وتستكشف المصلحة وتحرز فينتفي البرهان الرابع.

وهذا الكلام سديد فيما عدا البرهان الثاني فإنّه قد تقدم انّه لا يلزم من فعلية الأمر وجواز الاجتماع بالملاك الأوّل عدم اندكاك ملاك الأمر وغلبة المفسدة عليه بل يمكن أن تكون غالبة ومع ذلك يبقى الأمر على الجامع لعدم المزاحمة بين اقتضائهما ، نعم بناءً على تعدد المعنون ينتفي هذا البرهان أيضاً.

البرهان الخامس : ويرتكز على عدم امكان التقرب بالمبغوض لأنّ حال المولى عند الترك أحسن فلا يمكن الاتيان بالمبغوض لأجله. وهذا يختص


بالتعبّديات المشروطة بقصد التقرب كما انّه يعمّ أقسام النهي عدا الرابع كما انّه يتم حتى على القول بالجواز بالملاك الأوّل كما انّه يختص بصورة العلم بالنهي ؛ لأنّ المنظور هنا القرب العقلي المنوط بحالة المكلّف وعدم إمكان تقربه.

وفيه : ما أفاده السيد الشهيد 1 من انّ المقربية والمبعدية ليست بالعمل الخارجي ، بل بالدواعي النفسانية المحركة نحو العمل ، فهي سبب البعد والقرب بالعمل ، ولهذا يتحقق حتى لو تخيل وقوع الفعل ولم يقع فعل خارجاً أصلاً ، أو كان فعلاً مبغوضاً للمولى واقعاً ، فكلما تعقلنا داع مولوي محرك كان القرب وكلما كان هناك داع مبعِّد عن المولى وحقّه كان البعد ، فلو أمكن وجود داعيين الهي وشيطاني تحقق البعد والقرب ؛ لأنّه يمكن اجتماع الداعيين ويكون من باب تعدد الداعي الذي كل منهما مستقل في الداعوية.

وهذا ممكن إذا كانت المصلحة ومطلوب المولى في الجامع والمفسدة في الفرد ، لا ما إذا كانت المصلحة أيضاً في الفرد أو الحصة من الجامع الموجودة فيه بالخصوص ، كما هو مشروح في الكتاب.

لا يقال : إن اريد من هذا البرهان عدم إمكان التقرب بالمبغوض واقعاً رجع إلى البرهان الثاني ، وإن اريد عدم تأتي قصد التقرب والداعي للمكلف إذا كان عالماً بالنهي لكون الفعل عندئذٍ معصيةً وقبيحاً فهذا يرجع إلى البرهان القادم ، وهو فرع أن تكون المبغوضية صالحة للتنجز فلا يتم في النهي الغيري ، وهذا ما هو مذكور في هامش الكتاب.

فإنّه يقال : الملحوظ في هذا البرهان انّ علم العبد بالمبغوضية للمولى يمنع عن إمكان اضافة الفعل إليه بملاك انّه يكون أسوأ حالاً من تركه بلحاظ أغراضه


المعلومة والمنكشفة للمكلّف لا من ناحية القبح العقلي. بينما في البرهان السادس والسابع الملحوظ قبح الفعل لكونه معصية فلا يصح للمقربية العقلية لكون الفعل قبيحاً ، وهاتان نكتتان مستقلتان.

وجواب الأوّل إمكان الاضافة مع كون المصلحة في الجامع لأنّ حال المولى بلحاظ تحقق الجامع أحسن من عدمه. وجواب الثاني انّ المبعد والمقرب العقلي ليس هو الفعل الخارجي ، بل هو مع الداعي النفساني لتحقيقه ، فإذا أمكن تعدد الداعي في الفعل الواحد وهو الحصة بلحاظ جهتين فيها كان الفعل الواحد مبعداً من جهة ومقرباً من جهة اخرى فلا محذور كما سيأتي بيانه.

البرهان السادس : ويرتكز على عدم إمكان التقرب بالمعصية فيتم حتى في القسم الرابع من النهي لكونه معصية بحسب الفرض. إلاّ انّه لا يتم في الغيري ، وقد غفل عن الإشارة إلى ذلك في الكتاب.

وقد أبطله الاستاذ بما تقدم من أنّ سبب القرب والبعد هو الداعي لا الفعل الخارجي ليقال بلزوم اتحاد المبعد والمقرب وهو محال والداعي متعدد كلما تعدد الأمر والنهي في الفرد بنحو جاز اجتماعهما فيكون له داعي امتثال الجامع المنطبق فيه لأنّ حال المولى عند تحققه أحسن من عدم ايجاده ، ولهذا كان يحققه حتى لو لم يكن له الداعي الآخر وهذا داع الهي ، ويكون له في نفس الوقت داعي تحقق الحصة والفرد المحرم وهو داع شيطاني ؛ نعم لو كان متعلق المصلحة والأمر الحصة أيضاً لم يمكن اجتماع الداعيين إلاّ انّه في مثله لا يمكن اجتماع الأمر والنهي أيضاً ، وهذا يعني انّه كلما جاز الاجتماع ولو بالملاك الأوّل للجواز بأن كان الأمر متعلقاً بصرف الوجود والجامع والنهي متعلقاً بالفرد


والحصة جاز تعدد الداعيين الرحماني والشيطاني فيكون الابتعاد بلحاظ أحدهما والاقتراب بلحاظ الآخر.

وهذا الذي أفاده الاستاذ صحيح إذا فسرنا العبادية بمجموع أمرين :

١ ـ ايقاع متعلق الأمر خارجاً ـ تحقق الامتثال ـ.

٢ ـ أن يكون للمكلف حين ايقاعه داعٍ الهي أي أن يكون دافعه امتثال الأمر المتعلق بما ينطبق على ما حققه خارجاً.

فإنّ كلا هذين الأمرين في المقام متحقق رغم وجود الداعي الشيطاني والعصيان بما حققه بناءً على الاجتماع.

وأمّا إذا قلنا بأنّ العبادية صفة للفعل المأمور به أي أن يكون ما يحقّقه تعبداً وخضوعاً وقرباً للمولى ـ نظير ما يقال في باب التشريع من انّه صفة لنفس الفعل الواقع خارجاً بنية التشريع لا مجرد النية ـ فمن الواضح أنّ التعبد والتقرب بهذا المعنى الخارجي ليس صفة للداعي وحده لكي يقال بتعدده في المقام بناءً على الجواز ، بل صفة للعمل والفعل الصادر من المكلف خارجاً وهو فعل واحد وايجاد واحد لا فعلين ، فإذا كان هذا الايجاد الواحد ولو من ناحية واحدة معصية وقبيحاً فلا يتّصف بكونه انقياداً وتقرباً عملياً للمولى ؛ لأنّ اتصاف الفعل الخارجي بكونه قبيحاً يكفي فيه أن يكون كذلك من جهة واحدة لا من جميع الجهات ، وهذا غير ما يأتي في البرهان السابع من أنّه يشترط أن لا يكون إلى جانب الداعي الالهي داعٍ شيطاني.

البرهان السابع : ويرتكز على مبنى فقهي وهو اشتراط أن لا يكون إلى جانب الداعي الرحماني داع شيطاني ، أي الخلوص من داعٍ شيطاني ، فإنّ الله لا يطاع


من حيث يعصى ، ويدعى انّ هذا داخل في معقد الإجماع على اشتراط القربية في العبادات وهذا يختص كالسابق بفرض وصول النهي وكونه نفسياً ، ويثبت البطلان بملاك عدم إمكان التقرب لا القصور الذاتي ، وهو يتم حتى على القول بجواز الاجتماع بالملاك الأوّل والثاني دون الثالث.

إلاّ انّ هذا البطلان والفساد بنكتة فقهية خاصة بالعبادات وليست بنكتة اصولية. والظاهر من الاستاذ الموافقة عليها.

وقد تلخص من مجموع ما تقدم : اننا تارة نبني على امتناع اجتماع الأمر والنهي ، واخرى نبني على الجواز بالملاك الثالث ـ الجواز الميرزائي ـ وثالثة نبني على الجواز بالملاك المختار من إمكان الأمر بصرف الوجود والنهي عن الفرد.

فعلى الأوّل يلزم من ثبوت النهي بطلان العبادة المتعلق بها النهي للقصور الذاتي حيث يرتفع الأمر عن الفرد المنهي عنه لا محالة ، ومعه لا محرز للملاك أيضاً فتبطل العبادة واقعاً تمسكاً باطلاق الهيئة في دليل الأمر المقتضي للاعادة أو القضاء ، وهذا هو البرهان الرابع الأعم من البراهين الاخرى ؛ لأنّه يثبت البطلان الواقعي ـ بمعنى عدم الاجتزاء به ولزوم الاعادة مع الامكان والقضاء خارج الوقت إذا كان فيه قضاء ـ حتى في صورة الجهل بالنهي ، كما انّه يثبته حتى في الواجبات التوصلية.

كما أنّ هذا يتم في تمام الأقسام الخمسة للنهي إذا كان التضاد بين الأمر والنهي الموجب للامتناع بلحاظ نفس الأمر والنهي وأمّا إذا كان بلحاظ مبادئهما أي المحبوبية والمبغوضية فهو لا يتم في القسم الرابع من النهي لعدم المبغوضية في


متعلقه ليمتنع اجتماعه مع محبوبية الأمر فيه.

وعلى الثاني لا تبطل العبادة إذا كان متعلق النهي عنواناً آخر بينه وبينها العموم من وجه ـ لأنّ هذا هو مورد الجواز الميرزائي ـ في جميع الأقسام للنهي ولا يتم عندئذٍ شيء من البراهين السبعة المتقدمة أيضاً ؛ لأنّه يكون من قبيل النظر إلى الأجنبية حين الصلاة.

وعلى الثالث تبطل العبادة بالبرهان السادس أو السابع وهو يوجب البطلان في حال العلم بالنهي وتنجزه لأنّه بملاك عدم إمكان التقرب لا القصور الذاتي فتكون العبادة في صورة عدم تنجز النهي صحيحة واقعاً لاطلاق الأمر وتحقق القربة كما انّه يتم في الأقسام الخمسة للنهي عدا الثالث وهو النهي الغيري لعدم منجزيته أو مبعديته.

ص ١٢١ قوله : ( إذاً فالمبغوضية الفعلية لهذا الفرد ... ).

يمكن أن يناقش في ذلك بأنّ الكراهة والمبغوضية غير اللزومية قد تكون ناشئة عن مفسدة لو كانت وحدها كانت لزومية ، ولكنه للكسر والانكسار مع مصلحة الواجب المقدار الباقي منها غير لزومي فأوجبت الكراهة بناءً على الامتناع والسراية إلى الفرد ، فهي تجتمع مع انحفاظ ذات مصلحة الواجب في الفرد ، فلا يكون النهي كاشفاً عن عدمها فيه.

والجواب : انّ المفسدة في الفرد لو كانت لزومية كانت موجبة لحرمة الفرد قطعاً لا كراهته لامكان الجمع بينها وبين المصلحة اللزومية في الجامع ، وذلك بالآمر بالجامع ضمن فرد آخر بناءً على الامتناع ، نعم يمكن جعل هذا منبهاً على عدم سراية الحب من الجامع البدلي إلى الفرد المبغوض وعدم وقوع الكسر


والانكسار بين ملاك النهي في الفرد وملاك الأمر في الجامع البدلي وهو مبنى الجواز بالملاك الأوّل كما تقدّم في محلّه.

ومنه يعرف انّ ما في الهامش في المقام غير تام ؛ لأنّه خلف فرض السراية والامتناع.

ص ١٢٢ قوله : ( التنبيه الثاني ... ).

ينبغي التفصيل في ردّ كلام الميرزا كالتالي :

تارة يقصد بطلان العبادة باعتبار مانعية الجزء المحرّم ، واخرى يراد بطلان العبادة من ناحية عدم إمكان التقرب بالمركب الذي وقع ضمنه الحب المحرم وكلاهما باطل.

أمّا الأوّل فلوضوح أنّ حرمة الجزء لا تستلزم مانعيته ، وتقيد المركب بعدمه إذا جيىء بالجزء غير المحرم في مقام التدارك ، وما ذكره الميرزا هنا من الحيثيات الفقهية كلزوم القران أو الزيادة مضافاً إلى انها نكات فقهية لا اصولية ، ومختصة بباب الصلاة لا كل عبادة غير تامة في نفسها ، وتفصيلها في الفقه.

وأمّا الثاني فلأنّ التقرب إنّما يكون بالأجزاء المحققة للمركب العبادي وليس منها الجزء المنهي عنه ، ومجرد اقترانه معها لا يمنع عن التقرب بها ، هذا إذا فرض عبادية المركب بما هو مركب المساوق مع عبادية تمام أجزائه ، وإلاّ كانت العبادية لخصوص الأجزاء العبادية ، ولا مجال لتوهم عدم إمكانها لمجرد اقترانها بفعل محرم ، فحاله حال النظر إلى الأجنبية ضمن الصلاة ـ بل لو فرض الجزء المنهي عنه توصلياً وقيل بالجواز صحّ التقرب بالمركب المشتمل عليه أيضاً ؛ لأنّ المقصود من التقرب بالمركب بما هو مركب عندئذٍ هو قصد التقرب بتمام


المركب وهي حيثية اخرى غير الجزء المأتي به المحرم.

وأمّا الشرط إذا تعلّق به النهي فقد ذكر السيد الشهيد انّه إذا كان عبادياً كالوضوء يبطل ، وإلاّ فلا يبطل.

والصحيح : انّه لابد من التفصيل بين عبادية الشرط بمعنى اشتراط قصد القربة فيه فهذا لا يمنع من التمسك باطلاق الشرطية في موارد الجهل بالنهي وحصول قصد القربة والتوصّل بالشرط إلى الواجب النفسي لعدم لزوم الاجتماع ؛ إذ الأمر بالتقيد لا القيد ، وهذا هو المقصود ممّا ذكرناه في هامش الكتاب وبين ما إذا كان بمعنى أنّ ما يكون عبادة في نفسه شرط في الصلاة فاطلاق الشرطية لا يثبت العبادية عندئذٍ لعدم الأمر بالشرط بعد فرض تعلّق الحرمة به بناءً على الامتناع.

والمحققون أضافوا النهي عن الوصف وبحثوا فيه كالنهي عن الجهر في القراءة وحاله حال النهي عن الشرط بل أحسن منه لعدم الأمر به ، لأنّ الوصف غير الموصوف فيعقل النهي عنه مع الأمر بذات الموصوف حتى على القول بالامتناع ولا يدخل في باب الاجتماع. نعم ، قد يدخل في باب التزاحم إذا كان الوصف ملازماً مع الموصوف. كما انّه إذا فرض الوصف متحداً خارجاً مع الموصوف بحيث يرى عرفاً فعلاً وعملاً واحداً واشترط التقرب العملي في ذلك الفعل فإذا تعلّق به النهي والتحريم قد يبطل العمل من ناحية القربة ، وقد حذف السيد 1 في الدورة الثانية هذا القسم وهو الأولى.

ص ١٢٣ قوله : ( فنقول : لو افترضنا انّ المكلّف كان يعلم ... ).

ظاهر العبارة أنّ من يعلم بعدم الأمر لا يمكنه الاتيان بالعمل مع قصد التشريع ،


إلاّ انّ هذا غير صحيح ، فإنّ التشريع المحرّم في حق العالم بالعدم معقول أيضاً ، بل أشدّ حرمة ؛ لأنّه افتراء أشد على الله سبحانه وتعالى من التشريع في مورد الشك واحتمال الأمر.

وكأنّ المقصود بيان أنّ العمل تارة يبطل لعدم تأتي قصد القربة فيه كمن يعلم بعدم الأمر ، واخرى يبطل مع امكان قصد التقرّب به ؛ لاحتمال الأمر وامكان قصده رجاءً ، إلاّ انّ المكلّف يقصد الأمر بنحو الجزم واليقين ويسنده إلى الشارع فيكون تشريعاً فيبطل العمل من جهة الحرمة التشريعية ومانعيتها عن صحّة العبادة بأحد الوجوه الثلاثة المذكورة.

وهنا وجه رابع غير الوجوه الثلاثة ، وحاصله : أنّه إذا سلّمنا عدم حرمة التشريع وعدم قبحه العقلي مع ذلك لم يكن الفعل المأتي به بقصد الأمر الجزمي التشريعي عبادة صحيحاً لأنّ هذا ليس قصداً قربياً ، أي ليست اضافة حقيقية للمولى ومن أجله ، وإنّما اضافة صورية إذ المراد بنية القربة أن يكون داعيه أمر المولى ومن يعلم انّه يدعي عليه أمراً لا يعلم بثبوته ـ والمفروض انّه لا يقصد الرجاء ـ فهو ليس داعيه امتثال أمر المولى إلاّاسماً وصورةً لا واقعاً وحقيقة.

فالحاصل الداعي المولوي المعقول إنّما هو قصد الرجاء فإذا لم يكن متحققاً منه فلا يعقل في حقه داعٍ الهي آخر إلاّصورة فتبطل العبادة لعدم الداعي القربي ، الحقيقي لا لمانعية قصد التشريع وحرمته.

ثمّ إنّ هنا تنبياً آخر ذكره السيد الشهيد في دورته السابقة وحذفها في هذه الدورة وهو موجود في الكفاية ، حاصله : انّ النهي التحريمي الذاتي في العبادة إن اريد به النهي عن ذات العبادة أي العمل فهو معقول وموجب لبطلانها بأحد البيانين والبرهانين من البراهين المتقدمة ، إلاّ انّه غير ملتزم به فقهياً عادة في


موارد ثبوت الحرمة الذاتية كصوم العيدين مثلاً. وإن اريد به النهي عن العبادة بما هي عبادة فهذا ممتنع ويمكن أن يذكر في وجه الامتناع عدة تقريبات :

الأوّل : ما ذكره في الكفاية من انّ تعلّق النهي والحرمة الذاتية بالعبادة بما هي عبادة مستلزم لاجتماع حرمتين وهو من اجتماع المثلين لأنّ العبادة إذا كانت منهياً عنها فلا أمر بها فلا يعقل التعبد بها إلاّبقصد التشريع وهو محرم في نفسه بحرمة التشريع فلو كان محرماً بحرمة ذاتية أيضاً لزم اجتماع المثلين وهو محال.

الثاني : ما ذكره المحقق النائيني انّ فرض العبادية يلازم فرض المقربية ، كما انّ فرض النهي الذاتي يلازم فرض المبعدية ويمتنع أن يكون شيء واحد مقرباً ومبعداً ، وهذا يعني انّه يستحيل تعلّق النهي التحريمي بالعبادة بما هي عبادة للزوم التضاد أو التناقض.

الثالث : قد يذكر من انّ تعلّق النهي بالعبادة بما هي عبادة يوجب امتناع تحقق المتعلّق لامتناع التعبد والتقرّب بعد فرض تعلّق النهي والحرمة ، ومعه يمتنع النهي أيضاً لاستحالة أن يكون محركاً وزاجراً بعد أن أصبح متعلقه ممتنعاً خارجاً ، فلو اريد أن يكون مانعاً عن فعل العبادة فالمفروض امتناعه ، وإن اريد أن يكون مانعاً وزاجراً عن غيرها فهو محال أيضاً ؛ لأنّ التكليف يحرك نحو متعلقه لا غيره مع انّه غير مقصود في المقام ، ولعلّه لهذه النكتة ذهب أبو حنيفة على ما نسب إليه من انّ النهي في العبادة يقتضي صحّتها.

الرابع : قد يذكر أيضاً من انّ التعبد والتقرب كلما أمكن كان حسناً ذاتاً فلا يعقل النهي عنه شرعاً ، فإنّه كالأمر بالمعصية ممتنع ؛ لأنّ حسن الطاعة والانقياد كقبح المعصية حكم عقلي تنجيزي لا يعقل الردع والمنع عنه شرعاً.


ويمكن الجواب عن هذه الاشكالات بوجوه :

الأوّل : ما ذكره الكثيرون ـ من أنّ المراد تعلّق النهي التحريمي بما هو عبادة لولا النهي والمقصود أنّ البحث عن اقتضاء النهي التحريمي للفساد مرجعه إلى انّه لو تعلّق نهي تحريمي بعبادة بالمقدار الممكن والمعقول لتعلقه به ولو بتعلقه بذات العبادة ـ فهذا يوجب فسادها وعدم وقوعها صحيحة بأحد الوجهين المتقدمين من ارتفاع الأمر وعدم امكان قصد القربة.

فالتنافي بين النهي التحريمي والأمر أو بين النهي والمقربية مستفاد من نفس هذا البحث ، فليس البحث لغواً. وامّا هل ثبت ذلك في مورد من الفقه ويمكن الالتزام به في بعض النواهي عن العبادات بحملها على النهي التحريمي بذات العمل أو لابدّ من حملها على الارشادية فذاك بحث فقهي غير ضائر بالبحث الاصولي ، فإنّ تمام هدف البحث الاصولي اثبات هذه الملازمة والممانعة بين النهي التحريمي ولو عن ذات العبادة والصحة وتسميته بالاقتضاء وانّ النهي هو الذي دلّ على الفساد لأنّه لولا النهي كان صحيحاً لفعلية الأمر تمسكاً باطلاق دليله وإمكان قصد القربة فليس النهي متعلقاً بفعل لم يكن متعلقاً للأمر ولا عبادة ليقال بأنّه لغو ، فارتفاع عباديته في طول تعلق النهي ، وكفى بذلك أثراً في البحث الاصولي.

وثانياً : يمكن افتراض تعلّق النهي التحريمي بالفعل المأتي به بقصد الأمر ، وما ذكره صاحب الكفاية من لزوم اجتماع المثلين لأنّ قصد الأمر عندئذٍ تشريع محرم ممنوع حتى إذا قيل بحرمة الفعل المأتي به تشريعاً شرعاً.

إذ مضافاً إلى عدم توقف ذلك على قصد التشريع في تمام الصور كما إذا لم يصل إليه التحريم فإنّه يمكنه قصد الأمر ولو الاحتمالي رجاءً.


نعم ، يرد عندئذٍ انّ مثل هذا التحريم لا يمكنه أن يصل إليه إلاّويمتنع عليه متعلقه وهذا اشكال آخر سيأتي التعليق عليه.

أقول : مضافاً إلى ذلك لا مانع من اجتماع حرمتين في الفعل المأتي به مع قصد الأمر التشريعي لاجتماع حيثيتين محرمتين فيه فيكون فيه حرمتان فعليتان احداهما حرمة التشريع والآخر كونه عبادة أي ذاك الفعل مع قصد الأمر نظير حرمة شرب الماء المغصوب والنجس والنسبة بينهما عموم من وجه في المقام أيضاً كما اتّضح ، فلا وجه للاندكاك.

وثالثاً : يمكن افتراض تعلّق النهي التحريمي بالعبادة بما هي عبادة بحيث لا يكون ذات الفعل محرماً ويكون ارتفاع الأمر وعدم امكان التقريب من جهة هذه الحرمة الذاتية للعبادة الفعلية.

وما يقال من امتناع ذلك للزوم اجتماع الضدين أو سائر الوجوه المتقدمة ممنوع بمعنى انّه لا اجتماع للضدين لا بلحاظ مبادىء النهي والحرمة وهي المبغوضية الذاتية للعبادة بما هي عبادة ولا بلحاظ المنتهى ومرحلة الامتثال لأنّ العبادية لا تتوقف على ثبوت واقع الأمر ليلزم تعلّق المبغوضية بالمحبوب ، بل تتوقف على أن يعتقد أو يحتمل المكلّف الأمر لكي يتأتى منه الانقياد وقصد القربة ولو لم يكن أمر واقعاً.

نعم ، لو كان النهي والبغض متعلقاً بالعبادة بمعنى الفعل مع قصد أمره الواقعي لزم التناقض بناءً على الامتناع ، ولكنّ العبادية ليست متوقفة على ذلك كما لا تضاد بلحاظ المنتهى ومقام العمل والامتثال كما لعله ظاهر كلام الميرزا حيث قال في الوجه المتقدم لزوم اجتماع المقربية والمبعدية فإنّ المقرب إنّما هو الفعل الذي يأتي به المكلّف بقصد الأمر الرجائي أو القطعي ، حيث لا يعلم بالنهي


المولوي ولم يصل إليه ، وليس العمل عندئذٍ إلاّمقرباً وإن كان مبغوضاً ، نظير من قتل ابن المولى بتصور انّه صديقه فإنّه انقياد وحسن وليس المقصود بالقرب إلاّ ذلك لا الانبساط النفساني للمولى ، كما انّه بعد وصول النهي المولوي لا يكون الاتيان بالعمل إلاّمبعداً فلم يلزم اجتماع المبعدية والمقربية في فعل واحد ، وهذا واضح. وبناءً عليه فيعقل أن تكون العبادة الفعلية مبغوضةً للمولى ـ كما إذا فرض انها كانت تشبهاً ببعض مخالفي المولى وأعدائه أو لأي سبب آخر أوجب بغض المولى لتعبد المكلف بذاك الفعل لا بغضه لذات الفعل من دون تعبد ، فإنّه لا إشكال وجداناً في معقولية ذلك غاية الأمر هذا البغض لو وصل إلى المكلّف امتنع عليه متعلقه ، وليس منه قصد التشريع كما توهمه صاحب الكفاية لما تقدم من انّ التشريع ليس فيه تعبد واضافة للمولى.

إلاّ انّ هذا ليس محذوراً ثبوتياً منافياً مع روح التحريم وحقيقته وإنّما هو مخالف لظاهر خطاب التحريم في المحركية والزاجرية حيث لا يعقل ذلك عندئذٍ بل يكون الممنوع شرعاً ممتنعاً تكويناً في طول النهي والمبغوضية المولوية فيكون النهي اخباراً عن المبغوضية المولوية وإن كانت نتيجته عجز المكلف عن تحقيقه إذا كان النهي المذكور واصلاً إليه ، أي إذا علم بهذه المبغوضية. فلا يلزم اجتماع الضدين لا الأمر والنهي ولا المبعدية والمقربية.

كما انّه لا محذور في عدم محركية النهي إلاّاثباتاً لا ثبوتاً ، وامّا ما ذكر من انّ الانقياد والطاعة حسن ذاتاً وعقلاً فجوابه واضح ، وهو انّه بعد وصول البغض المولوي المذكور يرتفع موضوع التعبد والانقياد الحسن عقلاً وهو الأمر الذي كان يتوهمه المكلف ، وقبل وصوله يكون حسناً ولكنه مبغوض ولا محذور فيه ، نظير من انقاد للمولى فقتل صديقه بتصور انّه عدوّه ، لامكان اجتماع حسن


الانقياد مع الحرمة والمبغوضية الواقعية من جهة أغراض المولى ومنافعه.

فالاعتراضات المذكورة بتمامها مندفعة ، والله العالم.

وأمّا ما ذكره صاحب الكفاية وتابعه عليه بعض آخر من امكان تعلّق النهي التحريمي بالعبادة الذاتية كالسجود لله فهذا لا يجدي في حلّ الاشكال ، لأنّ ما هو عبادة ذاتاً بمجرد تعلّق النهي به ووصوله للمكلف يخرج عن كونه عبادة حقيقة أي مقرّباً للمولى وإن سمّي باسم العبادة أو السجود لغة ، فإنّ البحث ليس لفظياً وعن الأسماء بل عن واقع العبادة الفعلية التي لا تكون إلاّبالانقياد والتقرّب ، وهذا ممتنع مع تعلّق الحرمة بالسجود ، كما هو واضح.

ثمّ إنّ هنا بحثاً آخر حذفه السيد الشهيد موجود في الكفاية والمحاضرات وغيره من كتب الاصول ـ في مقدمات بحث اقتضاء النهي للفساد ـ عنوانه ما يقتضيه الأصل في المسألة عند الشك.

وقد ذكر في الكفاية انّه لا أصل في المسألة الاصولية أي في الاقتضاء وعدمه عند الشك فيه ، وامّا المسألة الفرعية أي صحّة العبادة أو المعاملة المشكوكة فالأصل العملي يقتضي الفساد لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة ، وامّا العبادة فكذلك لعدم الأمر بها مع النهي عنها كما لا يخفى.

وتابعه في المحاضرات بتوضيح انّه لا أصل في المسألة الاصولية ؛ لأنّ الملازمة على تقدير ثبوتها أزلية فليست لها حالة سابقة عدمية ليستصحب عدمها ، وامّا المسألة الفرعية ففي العبادة الأصل الفساد لانتفاء الأمر بتعلّق النهي وعدم امكان اثبات الملاك ، فالأصل يقتضي الاشتغال.

والواقع انّ هنا اشكالاً في هذه المنهجة أساساً ، إذ الأصل في المسألة


الاصولية لا ينبغي أن يراد به عنوان الملازمة أو الاقتضاء كيف ولو كانت للملازمة حالة سابقة عدمية أيضاً لم يكن يجري استصحابه ؛ لأنّه لا يثبت اللازم والحكم الشرعي إلاّبنحو الأصل المثبت ، وإنّما المراد بالملازمة نكتة وبرهان الاقتضاء فلابدّ من أن يراد من الشك في المسألة الاصولية الشك في صحة البرهان الرابع أو السابع أي الشك في انّ تعلّق النهي هل يوجب ارتفاع الأمر أم لا أي الشك في امتناع اجتماع الأمر مع النهي وعدمه أو الشك في منافاة النهي مع قصد القربة المعتبرة في العبادة.

ومن الواضح انّ هذا الشك شك في المسألة الاصولية الكلية ونكتتها العامة ، وليس شكاً في مورد عبادة أو معاملة معينة نظير الشك في امكان جعل الحجّية والحكم الظاهري وعدمه ، فلا وجه لما قاله الكفاية وتبعه الآخرون من افتراض عدم امكان اجتماع الأمر مع النهي ، وبالتالي عدم احراز الملاك وانّ الأصل في المسألة الفقهية فساد العبادة ، فإنّ هذا بنفسه أحد أدلّة وبراهين الاقتضاء كما ذكره السيد الشهيد في البرهان الرابع قبل تعديله.

وعلى هذا نقول : انّه إذا كان الشك في اقتضاء النهي للفساد في العبادة فإن رجع إلى الشك في امتناع اجتماع الأمر والنهي كان مقتضى الأصل عدم الامتناع ، أي بقاء إطلاق الأمر وشموله للفرد المحرم أيضاً وبالتالي الاجتزاء به رغم حرمته وتعلّق النهي به.

وإن كان مرجعه إلى الشك في امكان التقرب مع فرض جواز الاجتماع فهذا مرجعه بالنحو المعقول للشك إلى الشك في اشتراط ذلك المعنى من قصد القربة المتقدم في البرهان السابع أي القربة الخالصة عن داع شيطاني معه ، وهذا أيضاً يكون مقتضى الأصل اللفظي والعملي فيه الصحة ؛ امّا اللفظي فبالتمسك باطلاق


دليل الأمر بعد أن كان مقيده بقصد القربة مجملاً لا يقتضي أكثر من شرطية أصل وجود قصد النهي سواء كان في مورده قصد شيطاني أم لا.

وامّا العملي فبالبراءة عن شرطية أو جزئية القصد المذكور.

وأوضح من العبادة حال المعاملة حيث انّ الشك في اقتضاء الحرمة لفساد المعاملة معناه الشك في كون دليل الحرمة مقيداً لدليل الصحة وعدمه والأصل فيه هو الصحة وبقاء دليل الصحة على عمومه.

فالحاصل المسألة الاصولية هي استلزام النهي لارتفاع الأمر العبادي أو امكان التقرب في العبادة واستلزامه لارتفاع الصحة في المعاملة ، وهذا إذا فرض مفروغاً عنه في أي منهما فهو عين ثبوت الملازمة والاقتضاء للفساد بأحد البراهين والوجوه فيه ، فلا معنى لفرض الشك وان فرض الشك فيه فلا معنى لافتراض ارتفاع الأمر في العبادة ، بل معناه الشك في ارتفاعه وتقييد الأمر العبادي أو الصحة والامضاء المعاملي بغير الفرد المحرم ، والأصل فيه يقتضي عدم التقيد وهذا هو مقتضى الأصل في نفس المسألة الاصولية عند الشك فيها ، نظير ما يقال في بحث امكان جعل الحكم الظاهري انّه لو شك في امكانه واستحالته فالأصل امكانه.

ص ١٣١ قوله : ( هذا تمام الكلام في الجهة الثانية ... ).

أقول : كان المناسب ذكر الوجه الذي ذكره صاحب الكفاية وقبله من دلالة النهي التكليفي في المعاملة بمعنى المسبب على الصحة تبعاً لما نسب إلى الشيباني وأبي حنيفة ، فإنّ المعاملة لو كانت اسماً للمسبب الشرعي لا الاعتبار الشخصي أو العقلائي ـ فإنّ الأوّل جزء من السبب كما ذكرناه في بحث الصحيح


والأعم والثاني أجنبي عن غرض الشارع أصلاً ، ولا وجه أيضاً لحمل اللفظ وأسامي المعاملات عليه ـ فالنتيجة ظهور النهي عنها في صحتها باعتبار ظهور النهي المولوي في مقدورية متعلقه حيث لا محذور عقلي فيه ـ كما في النهي عن العبادة بما هي عبادة ـ فالصحيح ما عليه صاحب الكفاية.

وامّا ما في المحاضرات من انكار معقولية النهي عن المسبب الشرعي فقد عرفت جوابه في الكتاب هنا ، وفي بحث الصحيح والأعم وفي تضاعيف كلماته اشكالات اخرى ، فراجع وتأمل.

ص ١٣١ قوله : ( وامّا الجهة الثالثة ... ).

ما ذكر في هذه الجهة إن اريد به مثل : ( يحرم ثمن الميتة ) بمعنى يحرم التصرف فيه مثلاً ، فدلالته على الفساد من باب كونه ارشاداً إلى عدم حصول الملكية والانتقال ، حيث انّ لازم الانتقال والملكية جواز التصرف في الملك ، فبيّن عدم الملزوم بنفي لازمه ، أي انّه اخبار عن ثبوت الحرمة بملاك حرمة التصرف في مال الغير وليس انشاءً لحرمة اخرى. وإن اريد ما إذا انشئت حرمة اخرى على التصرّف في الثمن أو المثمن غير حرمة التصرف في مال الغير فدلالته على الفساد حتى إذا كانت حرمة جميع التصرفات ممنوعة لامكان اجتماعها مع الانتقال كما إذا كان ناذراً أن لا يتصرف في الثمن مثلاً ، فإنّ هذا لا يلزم منه ارتفاع الملكية ؛ لأنّ الملكية كحكم وضعي وإن كانت مجعولة أو منتزعة بلحاظ الآثارالتكليفية المترقبة في المورد ولكنه إنّما تكون بلحاظ الآثار التكليفية بعنوانها الأولي ، فلا يقدح ثبوت الحرمة في كل التصرفات بعنوان آخر. فالأولى حذف هذه الجهة رأساً.


المفاهيم

ص ١٤١ الهامش ...

يمكن الجواب على الاشكالات المذكورة بأنّ الخصوصية المقتضية للمفهوم أي للمدلول الالتزامي لابد وأن تكون خصوصية لفظية أي يكون في الكلام ما يدلّ عليها زائداً على أصل أطرافها الأصلية من الموضوع والمحمول سواء كانت الخصوصية راجعة إلى الهيئة والمعنى الحرفي كالشرطية والوصفية والغائية والاستثنائية أو إلى معنى اسمي كالعدد وسواء كانت الخصوصية عامة أو خاصة بمادة معينة كما في مفهوم الموافقة. ولعلّ هذا مقصود المحقق الاصفهاني بل والخراساني.

فالحاصل المفهوم في المصطلح الاصولي ما إذا كانت نكتة الملازمة ومنشأها مبيناً ومذكوراً في اللفظ سواء بنحو المعنى الاسمي أو الحرفي ، وهذه غير نفس الملازمة ليقال انّه صار منطوقاً ، وأيضاً غير الملازمة العقلية التي لا يكون المذكور منها في اللفظ إلاّالملزوم كما في عكس النقيض أو وجوب المقدمة وحرمة الضد. وهذه النقطة كأنّها المقصودة في كافة الكلمات وإن كانت عبارة كل واحد من الأعلام تختلف عن عبارة الآخر وبيانه.

ص ١٤٢ الهامش ...

ما في هذا الهامش وإن كان صحيحاً على ما سيأتي من التعليقات على الكتاب ، إلاّ انّ موضعه ليس هنا ؛ إذ المقصود في هذه النقطة ليس بأكثر من


انّ اقتناص المفهوم لا يتوقف من حيث ركنه الأوّل على أكثر من اثبات الارتباط والالتصاق بين الجزاء والشرط لا اللزوم ، فضلاً عن العلية والانحصارية ، وهذا صحيح كما سيأتي في المتن أيضاً عند بيان طرق اقتناص المفهوم في الاستنتاج الأخير في هذه الجهة.

ص ١٤٨ قوله : ( اقتناص المفهوم يمكن أن يكون أحد امور ثلاثة ... ).

إثبات المفهوم بأحد الطرق الثلاثة متوقفة في المرتبة السابقة على الإشارة إلى نكتة هي الفذلكة الأساسية للفرق بين الجملة الشرطية والجملة الوصفية أو اللقبية حيث أمكن استفادة المفهوم من الاولى بخلاف الثانية بحيث لو لم تتم تلك النكتة لا يمكن إجراء شيء من الضوابط والطرق الثلاثة المذكورة وتلك النكتة هي : أن يكون الحكم تاماً محمولاً وموضوعاً بقطع النظر عن القيد والشرط ، وامّا إذا كان القيد ملحوظاً في طرف موضوع الحكم في المرتبة السابقة وقبل عروض الحكم وانّه يعرض على الموضوع المقيد بالوصف أو اللقب فلا مجال لشيء من هذه الطرق الثلاثة فيه.

والحاصل إبراز هذه النكتة ضروري عند البحث عن ضابط المفهوم وملاكاته.

ص ١٤٨ قوله : ( والكلام في ذلك يقع ضمن نقاط ثلاثة ... ).

النقطة الاولى والتي هي في تحقيق مفاد الجملة الشرطية ذكرت ، والثالثة التي هي في اثبات اللزوم والعلية الانحصارية على مستوى المدلول التصوري أو التصديقي أيضاً ذكرت تحت عنوان ( النقطة الثانية ص ١٦٣ ) ، إلاّ انّ النقطة الثانية وهي البحث عن اثبات انّ المعلّق سنخ الحكم وطبيعيّه لم تذكر ، وكأنّه اكتفي في ذلك بما تقدّم في بحث ضابطة المفهوم.


ص ١٥٢ قوله : ( فلابدّ من حلّ آخر ... ).

هذا الحلّ خلاف المدلول التصوّري للجملة الشرطية ، ويتوقف على وجود مدلول تصديقي للكلام وصدوره من متكلّم عاقل ملتفت قاصد ، مع أنّ المعنى المذكور مستفاد من الجملة حتى إذا سمع من جدار بلا تكلّف وعناية وحاجة إلى فرض وجود مدلول تصديقي ، كما أنّ هذا الاشكال لا يختصّ بجملة الاستفهام المعلّق على الشرط ، بل يجري في سائر أنحاء الانشاء المعلّق على الشرط ، ومنها الأوامر والنواهي ، أي الأحكام المعلّقة على شرط ، فهذا الحلّ لا يمكن المساعدة عليه.

وقد يقال : بأنّ الاستفهام المعلّق على تقدير الشرط يكشف عن جهل المتكلم على تقدير الشرط ، وهو يلازم جهله الآن أيضاً فيكون منتظراً للجواب وبحاجة إليه لا محالة من الآن ، وهذا توجيه آخر غير ما ذكر الاستاذ في الكتاب.

ولكنه أيضاً فيه عناية ومؤنة حيث يلزم أن لا يكون الجواب الآن مطلوباً بالذات بل بالملازمة ، وقد لا يريده في مورد من الموارد مع انّ كل ذلك خلاف الوجدان.

وقد يقال بأنّه على تفسير المحقق الاصفهاني يكون الانشاء في كلّ من الجزاء الطلبي والاستفهامي فعلياً لأنّه منوط بنفس الفرض والتقدير وهو فعلي ولكنه في الجزاء الطلبي حيث يوجد زائداً على الانشاء والجعل الوجوب المجعول فيعقل أن يكون منوطاً بتحقق واقع الشرط ، وهذا بخلاف الجزاء الاستفهامي فإنّه لا يعقل فيه جعل ومجعول بل ليس الاستفهام إلاّالانشاء الكاشف عن حقيقة الاستفهام فلا يكون هناك ما يترتب على تحقق الشرط خارجاً. وهذا بخلاف


مبنى المشهور فإنّه بناءً عليه لابد من تعليق في الجملة فإذا لم يكن تعليق في مورد الاستفهام كان ذلك دليلاً على صحّة ما ذهب إليه المحقق الاصفهاني.

وفيه : أوّلاً ـ كما يوجد في انشاء الطلب انشاء وهو فعلي وطلب وجوبي وهو معلق كذلك يكون في انشاء الاستفهام انشاء وهو فعلي يتحقق بنفس الشرطية ومنشأ وهو طلب الافهام أو الانفهام وهو معلق على الشرط خارجاً فيكون الاستفهام المنشأ تعليقياً أيضاً.

والحاصل إذا لوحظ الجعل والمجعول بمعنى الانشاء والمنشأ بما هما أمران اعتباريان فهذا معقول في الاستفهام أيضاً كما هو معقول في الطلب وإذا لوحظ الأمر التصديقي الموجود في نفس المتكلم من حالة الطلب والاستفهام فهي على حد واحد في الجملتين أيضاً.

وثانياً ـ لو فرض انّ نفس فرض الشرط من أجل انشاء الاستفهام أو الطلب في الجزاء وكلاهما يكون فعلياً فمن أين يستفاد إذاً اناطة الجزاء وهو الطلب المجعول بتحقق الشرط خارجاً أو كونه ثابتاً في فرض تحققه خارجاً إذ لا دالّ عليه غير أداة الشرط وهي إذا كانت ملحوظة بما هي فرض وتقدير فعلي لا بما هو مرآة للمجييء الخارجي فلا وجه لاستفادة تحقق الطلب على تقدير وفي فرض تحقق المجيىء الخارجي الحقيقي وإذا كانت ملحوظة بما هي مرآة للمجيىء الخارجي لزم كون الاستفهام غير فعلي لا محالة واستفادة الأمرين منها معاً غير معقول فالمشكلة باقية حتى على مبنى الاصفهاني 1.

والصحيح : انّ هذه المشكلة محلولة بناءً على مبنى الاصفهاني 1 ، أي إذا قلنا بأنّ المدلول التصديقي يكون بأزاء جملة الجزاء الانشائية والمتكلم ينشىء


بالفعل الطلب أو الاستفهام أو الترجي أو غير ذلك ، غاية الأمر ينشىء طلباً مشروطاً واستفهاماً مشروطاً لا مطلقاً مع فعلية الانشاء الذي هو المدلول التصديقي ؛ إذ يكون المدلول التصديقي لكل من الجملة الطلبية والاستفهامية كاملاً ومنتهياً فيكون بحاجة إلى الجواب في الاستفهام لا محالة ؛ إذ لا يكون هناك تعليق في المدلول التصديقي الذي هو الاستفهام الحقيقي ، وليس ذلك مخالفاً مع المدلول التصوري للشرطية بناءً على تفسير المحقّق الأصفهاني 1 ، إذ ليست الشرطية دالّة على التعليق أو التوقف ، وإنّما تدلّ على تقييد النسبة الاخبارية أو الانشائية في جملة الجزاء بفرض وتقدير تحقق الشرط والنسبة التامة على مستوى المدلول التصوري والتصديقي معاً بازاء جملة الجزاء ، فيكون الاستفهام والسؤال فعلياً والمسؤول عنه هو تحقّق الجزاء على تقدير تحقق الشرط كما هو واضح.

وما ذكر من انّ هذا لا يجري في مثل ( إذا جاء زيد فكيف حالك ) غير صحيح ، فإنّ الجزاء هنا أيضاً جملة ويكون السؤال عن كيفية حاله على تقدير الشرط فعلياً.

وكذلك يمكن حلّ المشكلة بناءً على تفسير المشهور ، فإنّ المشهور لم يدّعوا أنّ النسبة التامة والمدلول التصديقي لا تكون بازاء جملة الجزاء ليقال بأنّ الانشاء لمدلول الجزاء ليس فعلياً ، بل يكون معلّقاً وإنّما غاية ما ذكروه دعوى دلالة الشرطية على نسبة اخرى بين الجزاء والشرط ، وهي نسبة اللزوم أو التوقف والتعليق والترتّب ، وسوف يأتي أنّ هذا المقدار كافٍ لاقتناص المفهوم من الشرطية ، فيكون انشاء الجزاء ـ سواء الاستفهام أو الطلب أو غيرهما ـ فعلياً إلاّ أنّ المنشأ ملتصق أو معلّق على الشرط ، وليس مطلقاً ، فلا يمكن جعل ما ذكر


من الأمثلة دليلاً على بطلان تفسير المشهور وتعيّن مبنى المحقّق الأصفهاني 1.

وما في هامش الكتاب هنا من الفرق بين جملة ( هل ان جاء زيد تكرمه؟ ) وجملة ( إن جاء زيد فهل تكرمه؟ ) غير صحيح ؛ إذ لا فرق بين الجملتين ، كما أنّ ما جاء فيه من الشاهد الثاني والثالث لنصرة كلام الأصفهاني والايراد على المشهور غير تام ؛ لأنّ المشهور لا يدعون تفريغ الجزاء عن المدلول التصديقي الانشائي أو الاخباري ، فلا يلزم خبرية الشرطية الانشائية ، كما انّ ما في الشاهد الثالث من أنّ استفادة اللزوم أو التوقف بحاجة إلى دخول أدوات العموم فغير صحيح ؛ إذ يكفي الإطلاق لاثبات ذلك كما تقدم في البحث عن الركن الثاني لضابطة المفهوم.

ص ١٥٣ قوله : ( والاحتمال الأوّل يناسب ... ).

المقصود أنّ جملة الشرط ليس مفادها حتى بعد دخول أداة الشرط مدلولاً افرادياً ، بل مدلول اخباري تام في نفسه ؛ ولهذا يكون لها مدلول تصديقي ، بمعنى انّه يصدق ويتحقق في الخارج ، ويكون ذلك سبباً لتحقق الجزاء ، بلا كلام عند أحد ، وعندئذٍ يقال : إذا كان مفادها باقياً على النسبة التامة كما انّ الجزاء فيه نسبة تامة كذلك فلابد من الارتباط بين مدلوليهما التامّين ، وليس ذلك إلاّاللزوم أو النسبة التصادقية أو التعليق والتوقف ونحو ذلك من النسب والارتباطات المعقولة بين نسبتين تامتين في نفسيهما ، وهذا هو مقالة المشهور.

وهذا المطلب غير تام كما اشير إليه في هامش الكتاب هنا ، فإنّ الأصفهاني يقبل تمامية نسبة جملة الجزاء ، وانّ الشرط ليس قيداً في طرف جملة الجزاء ، بل هناك ربط بين النسبة التامة في نفسها لجملة الجزاء مع النسبة التامة في نفسها


لجملة الشرط ، إلاّ انّ هذه النسبة ليست نسبة اللزوم والتوقّف أو التصادق بل نسبة الفرض والتقدير ، فإنّها أيضاً نسبة ذهنية ، بل سيأتي انّ المتعيّن هذا التحليل والتفسير للارتباط النسبي والمعنى الحرفي القائم بين الجملتين.

ثمّ إنّ عبارة المحقق الاصفهاني هكذا : ( إنّ اسناد هذه المعاني إلى أداة الشرط غفلة عن ان شأنها جعل متلوّها واقعاً موقع الفرض والتقدير فقط ، وقد ظهر حال الجملة بتمامها ، فإنّ غاية مفادها ترتيب أمر على أمر مفروض الثبوت بلا دلالة على لزوم بينهما أو على ترتب بنحو العلية فضلاً عن المنحصرة ) (١).

ومن الواضح من هذه العبارة انها بصدد نفي استفادة اللزوم أو الترتب من مدلول أدوات الشرط الذي على أساسه استفيد المفهوم من الشرطية من بعض تقريباته ، وليس في مقام نفي أصل الترابط والنسبة بين جملة الجزاء وجملة الشرط ؛ لوضوح انّ ترتيب شيء على شيء مفروض الثبوت يوجب ارتباطه به لا محالة ، وإلاّ لم يبق معنى للفرض والتقدير وكان لغواً وهذا واضح.

نعم ، هذا يفتح باب البحث في نفسه عن انّ المدلول التصوري الوضعي لأداة الشرط هل هو الفرض والتقدير لاثبات الجزاء فيه أو انّ مدلوله نسبة معنية بين جملة الشرط وجملة الجزاء هي النسبة الالتصاقية أو التوقف أو التعليق أو الترتب أو التلازم في الصدق أو النسبة الايجادية ـ أي نسبة ارتباطية بينهما شئت فعبّر ـ.

والذي يفهم من كلمات السيد الشهيد 1 أنّه ينسب إلى المشهور من المحققين

__________________

(١) نهاية الدراية ج ٢ ، ص ٤١٣.


الثاني ، ومنشأ هذا أنّهم عبروا بدلالة الشرطية على اللزوم بين الجزاء والشرط ، ومن هنا وقع البحث بينهم في انّ هذا اللزوم هل يكون بنحو العلية الانحصارية أم لا؟ وإن أنكر بعضهم حتى الدلالة على اللزوم الثبوتي لصدق الشرطية حتى في القضايا الاتفاقية إذا كانت متكررة اتفاقاً. بل استدلّ السيد الشهيد في الدورة السابقة على نفي دلالتها على اللزوم بصدقها في الوقائع الماضية مع عدم معنى للزوم فيها كما في قولك : ( ان كنت تأتينا بالأمس لكنت تأكل طعاماً شهياً عندنا ) وليس مقصود السيد الشهيد اثبات دلالة الشرطية على اللزوم لاثبات المفهوم.

وإنّما مقصوده اثبات المفهوم من نفس دلالة الجملة الشرطية على الالتصاق والربط المخصوص بين جملتي الجزاء والشرط ، ولو لم يكن هو اللزوم ولكن شريطة أن يكون مفاد الشرطية وأدوات الشرط الالتصاق بين جملة الجزاء وجملة الشرط ، ويعبّر عنه بالنسبة التصادقيّة ولو الاتفاقية بينهما ، فإنّه يصحّ حينئذٍ اجراء الإطلاق في الجزاء لاثبات انّ طبيعيه ـ بمعنى صرف وجود الحكم ـ ملتصق بالشرط وصادق كلّما صدق الشرط ـ وهذا مجموع اطلاقين بحسب الحقيقة ، إطلاق في الجزاء وإطلاق في النسبة التصادقية ، ولازمهما انتفاء سنخ الحكم عند انتفاء الشرط ؛ إذ لو كان يثبت الحكم في غير فرض الشرط فهذا امّا يكون من جهة انّ المرتبط شخص الحكم كالحكم في الجملة الوصفية أو ان ارتباط سنخ الحكم مقيّد بغير ذلك الفرض فلابدّ من تقييد أحد الاطلاقين لا محالة.

وهكذا يمكننا أن نستخلص انّ اقتناص المفهوم تارة يكون من جهة استفادة اللزوم العلّي الانحصاري للشرط ، سواء كان ذلك على أساس دعوى دلالة الأداة على ذلك أو على أساس تقريبات اخرى اطلاقية ـ أي بلحاظ المدلول التصديقي


بحسب تعبير السيد الشهيد 1 ـ واخرى يكون على أساس دعوى دلالة الجملة الشرطية على الارتباط بين مفاد الجزاء والشرط أي الالتصاق والتوقف بينهما في مقام الصدق ولو لم يكن في البين علية بل ولا لزوم ثبوتي وهذا المقدار وحده يكفي في اثبات المفهوم باجراء الإطلاق في كل من مفاد الجزاء ومدلول الشرطية. وهذا ما يسلكه السيد الشهيد 1.

ومقالة الاصفهاني ذكرها لنفي الطريق الأوّل لو ادعي بلحاظ مرحلة المدلول التصوري الوضعي ، ولكنه لو تم ينفي الثاني أيضاً.

ومن هنا يتصدى الشهيد 1 لابطاله. فليس البحث بين السيد الشهيد وبين المحقق الاصفهاني في استفادة اللزوم من أدواة الشرط وضعاً فضلاً عن العلية الانحصارية بل بحثه معه في تحديد مفاد الشرطية ودلالتها على الارتباط بين الجملتين ، وكيفية هذا الارتباط ، والسيد الشهيد يدّعي انّ هذا الارتباط لابدّ وأن يكون بنحو النسبة التصادقية أو الترتب والتعليق بين النسبتين في جملتي الجزاء والشرط ، وانّ هذا هو مفاد الشرطية الكبرى ، وحينئذٍ يمكن اجراء الإطلاق فيها واثبات إطلاق الارتباط فيثبت المفهوم بذلك.

والسيد الشهيد يستدل على مدعاه بدليلين :

١ ـ دعوى الوجدان والتبادر على انّ مفاد الشرطية إنّما هو هذا الارتباط والالتصاق بين جملتي الشرط والجزاء المعبّر عنه بالنسبة الالتصاقية أو التوقفية أو اللزوم.

٢ ـ دخول الاستفهام أو النفي على هذا الارتباط كما في قولك : ( هل إن جاء زيد تكرمه ) ، أو ( ليس كذلك إذا جاء زيد أكرمته ) ، فإنّ المسؤول عنه أو المنفي


نفس النسبة والملازمة لا نسبة الجزاء كما في قولك : ( إذا جاء زيد فلا أكرمه ) ، بل قد يكون نفي الجزاء كذباً بحيث إذا جاء زيد فقد يكرمه اتفاقاً ، رغم صدق نفي الملازمة ، وهذا يدلّ على أنّ للشرطية مفاد تام مستقلّ عن جملة الجزاء وهو الارتباط والالتصاق بين الجزاء والشرط فيجري فيه الإطلاق.

إلاّ انّ كلا الوجهين غير تامين.

أمّا الوجه الأوّل فيمكن أن يناقش فيه :

أوّلاً ـ بأنّ الترابط والربط الخاص المستفاد وجداناً بين الشرط والجزاء ليس بمعنى كون الجزاء موضوعاً للتعليق والالتصاق بالشرط ليجرى الإطلاق فيه ويقال بأنّه مطلقاً معلّق على الشرط فيثبت المفهوم ، بل المستفاد منه انّ الشرط مستتبع للجزاء ومستلزم لصدقه ، سواء في الجملة الخبرية أو الانشائية وانّ تحقق الشرط يجرّ الجزاء خلفه ويستتبعه ، وهذا المقدار لا يكون اجراء الإطلاق فيه مستلزماً للمفهوم بل هو إطلاق الاستتباع من طرف الشرط للجزاء وهو لا ينفي وجود استتباع آخر لشرط وموضوع آخر مع الجزاء.

فالحاصل : مجرّد استتباع الشرط للجزاء المستفاد من الشرطية لا يعني ملاحظة الجزاء موضوعاً للحكم عليه بالتعليق والالتصاق أو الترتب على الشرط ليجري فيه الإطلاق ويثبت المفهوم ، ففرق بين أن نقول : ( اكرام زيد معلّق وملتصق بمجيئه ) أو نقول : ( مجيىء زيد مستتبع وموجب لاكرامه ) ، والمعنى الأوّل هو المفيد لاثبات المفهوم دون الثاني.

إلاّ انّ الشرطية ظاهرة في الثاني دون الأوّل ، بل لعلّ المعنى الأوّل فيه نوع قلب للشرطية ، حيث يستلزم لحاظ الجزاء موضوعاً مفروغاً عنه للتعليق على


الشرط ، وهو خلاف الوجدان جداً ، وإنّما الملحوظ مفروغاً عنه في الشرطية جملة الشرط والجزاء بمثابة المحمول الذي يراد الاخبار عنه أو ايجاده وانشائه على تقدير الشرط ، فإذا اريد استفادة نسبة تصادقية بين الشرط والجزاء فهي استتباع الشرط للجزاء لا تعليق الجزاء على الشرط ، فحينما نقول مثلاً : ( إذا كان في البلد أميران فسدت الامور ) مفاده انّ تعدد الرئاسة يستتبع الفساد ، لا أنّ الفساد معلّق على هذا التعدد ، بحيث لو كان الأمير واحداً فلا تفسد الامور. كيف ، ومن الواضح انّه أيضاً قد تفسد الامور من جهة عدم لياقته ، وهكذا سائر موارد الشرطية سواء كانت خبرية أو انشائية يكون الالتصاق والترابط المستفاد منها من طرف الشرط للجزاء لا من طرف الجزاء بالشرط.

نعم ، إذا كان استتباع الشرط للجزاء بمعنى استتباعه لطبيعي الحكم ، بمعنى مطلق وجوده لا صرف وجوده كان لازمه المفهوم والانتفاء عند الانتفاء ، إلاّ انّه من الواضح ـ والذي وافق عليه السيد الشهيد 1 أيضاً ـ انّ الإطلاق في الجزاء لا يعني ذلك ، بل يعني طبيعي الجزاء ، بمعنى صرف الوجود ؛ لأنّ الجزاء بمثابة المحمول في الشرطية لا الموضوع ، وهذه هي النكتة الأساسية في البحث.

وثانياً ـ انّ الارتباط بين الجزاء والشرط لو اريد به مفهوم الربط والالتصاق الاسمي فهو واضح البطلان لأنّه معنى اسمي ولو اريد به واقع ما يكون ربطاً ونسبة ـ كما هو شأن المعاني الحرفية والنسب ـ فإن اريد به نسبة وربطاً خارجياً كالنسبة الظرفية والاستعلائية فهي نسب ناقصة افرادية على ما تقدم تنقيح ذلك مفصلاً في محلّه. وقد صرّح السيد الشهيد انّ هذه النسبة لا يمكن أن تكون مدلولاً تاماً ولا بأزائها مدلول تصديقي.


وإن اريد به نسبة حقيقية في عالم الذهن أي قائمة بين المفاهيم في عالم الذهن والادراك لها ـ كالنسبة التصادقية في الحملية أو العطف والاستثناء ـ وهذا هو المناسب مع كون الشرطية نسبة تامة ومع كون طرفها نسبة ذهنية تامة أيضاً ومع ما يريده السيد الشهيد من دعوى انّ المدلول التصديقي يكون بأزائها ـ. فالنسبة الذهنية الحقيقية بين الشرط والجزاء لا نتعقلها إلاّبالنحو الذي ذكره المحقق الأصفهاني ، أي الفرض والتقدير ، فإنّ التقدير كالعطف والاستثناء نسبة ذهنية ولا واقع له في الخارج.

وتوضيح ذلك : أنّ عالم الذهن عالم النسب التامة بين المفاهيم وعالم الخارج ، عالم النسب التحليلية والتي هي كالمفاهيم الأفرادية والتقييدية ، وجملة الجزاء لا إشكال في كونها مشتملة على نسبة تامة اخبارية أو انشائية قائمة بين موضوعها ومحمولها على حدّ الجملة غير الشرطية وأدوات الشرط تأتي لتقييد وتحديد هذه النسبة الذهنيّة ، وانّ تلك النسبة إنّما تكون في فرض تحقق جملة الشرط ، فتكون الشرطية بحسب الحقيقة تحديداً وتقييداً للنسبة التامة المفادة بالجزاء ، فتكون ذهنية أيضاً.

أمّا التعليق والاستلزام أو التوقف والالتصاق فهذه كلّها مفاهيم اسمية ونسب خارجية منتزعة في طول ذاك التحديد للنسبة التامة الذهنية الجزائية ، فإنّ النسب الخارجية التحليلية على ما ذكرنا مفصلاً في محلّه أعمّ ممّا ينتزع عن الخارج أو عن الذهن في طول وجود المفاهيم والنسب فيها ، فإنّها أيضاً خارج بالنسبة للمفهوم المنتزع عنها ، فالملازمة والتوقف والتعليق والالتصاق كلّها معاني واقعية خارجية ، وإذا كانت نسبة فهي تحليلية وليست نسبة ذهنية ، فلا يمكن أن تكون هي مدلول النسبة الشرطية ، بخلاف نسبة الفرض والتقدير.


لا يقال : كما تكون النسبة التصادقية بين الموضوع والمحمول في الحملية ذهنية كذلك يمكن أن تكون النسبة التصادقية بين جملة الجزاء وجملة الشرط ذهنية ، وأيّ مانع عن تصوير ذلك؟

فإنّه يقال : لا تعقل النسبة التصادقية بين جملتي الشرط والجزاء ، امّا الاستلزام في الصدق وانّه كلّما صدق هذا صدق ذاك فهذه حقيقة خارجية ـ بالمعنى الأعم من الوجود والواقع ـ وليست نسبة ذهنية ، وهذا بخلاف النسبة بين المحمول والموضوع ، فإنّها من شؤون المفاهيم في الذهن ، وليس في الخارج طرفإنّ ونسبة أصلاً كما حقّق في محلّه.

فإن قيل : تكفي دلالة الشرطية على كون الشرط موقع الفرض والتقدير ، أي النسبة التقديرية والفرضية في اقتناص المفهوم إذا أمكن اجراء الإطلاق فيها وفي الجزاء بمعنى صرف وجود الحكم ؛ لأنّ ارتباط مطلق الحكم بمعنى صرف وجوده بذاك الفرض والتقدير مطلقاً وفي تمام الحالات يستلزم انتفاء طبيعي الحكم بانتفاء ذاك التقدير كما نقوله في النسب التصادقية أو الالتصاقية.

قلنا : فرض الشرط لانشاء صرف وجود الحكم في ذلك التقدير لا يستلزم انتفاء فرد آخر من الحكم على تقدير شرط آخر ، إلاّإذا كان الإطلاق بمعنى مطلق الوجود وتمام حصص الحكم ، أو كان الارتباط والنسبة بين الشرط والجزاء بمعنى التلازم في الصدق والتصادق أو التعليق والتوقف ، وقد عرفت انّ الأوّل لا يستفاد من الإطلاق الجاري في طرف الحكم والجزاء ، والثاني بحاجة إلى دالّ عليه مفقود في الجملة الشرطية ما لم تكن قرينة عليه ، فليس مفاد الشرطية إلاّالأخبار أو الانشاء للجزاء على تقدير وفي فرض صدق جملة الشرط ، وهذا لا يستلزم المفهوم أصلاً.


وثالثاً ـ هذا التحليل لمفاد الجملة الشرطية يواجهنا مع مشكلات لا يمكن حلّها :

منها ـ عدم امكان تقسيم الجملة الشرطية إلى خبرية وانشائية طلبية إذا كان مفادها ومدلولها التام والذي يكون بازائه المدلول التصديقي النهائي للمتكلم هو النسبة التصادقية أو اللزوم والتعليق بين نسبتي الجزاء والشرط ، فإنّه من الواضح عندئذٍ انّ هذا المفاد مفاد اخباري صرف ، وليس انشائياً وطلبياً ، ومجرّد كون طرف هذه النسبة التامة نسبة في نفسها انشائية لا تجعل الجملة الشرطية انشائية ؛ إذ لا مدلول تصديقي بلحاظ مفاد جزائها ، وإنّما تلحظ جملة الجزاء كنسبة تامة في نفسها كما في جملة الشرط ، فكما لا تكون الشرطية اخباراً عن جملة الشرط ولا قصد ولا مدلول تصديقي بازائها كذلك سوف تكون جملة الجزاء ، وهذا يخرجها عن الانشائية والدلالة على جعل الحكم وانشائه إلاّبنحو الملازمة والكشف بالتبع ، فيكون قولنا : ( إن جاءك زيد فأكرمه ) انشاءً بمعنى ( إن جاءك زيد ثبت عليك وجوب الاكرام ) اخباراً.

ولو قيل بأنّ المدلول التصديقي الفعلي للمولى قصد انشاء وجوب الاكرام لا الاخبار عن النسبة التوقفية التصادقية الاخبارية بحسب ذاتها ، كان ذلك رجوعاً إلى مقالة الأصفهاني من انّ جملة الشرط ليست إلاّبمثابة الفرض والتقدير لانشاء الجزاء ؛ إذ لا يعقل وجود مدلولين تصديقيين جدّيين في الشرطية الواحدة للمتكلم انشاء الحكم والاخبار عن تلازمه مع الشرط.

لا يقال : ينشىء المتكلم بالشرطية الانشائية حكماً ملصقاً ومعلّقاً بالشرط ،


وحيث انّ الإطلاق يجري فيه ويثبت انّ صرف وجوده معلّق وملصق بالشرط فيثبت المفهوم مع كون المدلول التصديقي بازاء جملة الجزاء في الشرطية وهو انشائي.

فإنّه يقال : أوّلاً ـ هذا خلاف ظاهر كلام السيد الشهيد 1 وإذا كان هو المقصود لم يكن بحاجة إلى جملة مما تقدم في تحليل الجملة الشرطية في النقطة الاولى من فرض محور الشرطية التلازم والتصادق بين الشرط والجزاء وكونهما بمثابة طرفين للنسبة الشرطية ، وكون المدلول التصديقي بازائها لا بازاء جملة الجزاء.

وثانياً ـ هذا يمنع عن اجراء الإطلاق حينئذٍ في النسبة الشرطية ؛ لعدم كونها النسبة الحكمية ، بل غايته الدلالة على انّ الحكم المنشأ بجملة الجزاء مربوط بالشرط ، وليس المدلول التصديقي افادة هذا الارتباط بين طبيعي الحكم في الجزاء ـ ولو بنحو صرف الوجود ـ وبين الشرط ليجري فيه الإطلاق فنثبت به ارتباط مطلق وجود الحكم بالشرط أو توقف صرف وجود الحكم وتعليقه على هذا الارتباط ما لم تفرض عناية زائدة في الجملة الشرطية على النظر إلى هذا الارتباط لا أصل الجزاء.

ومنها ـ عدم امكان تفسير ما سيأتي من الفرق بين الجمل الشرطية الخبرية ، حيث قبل السيد الشهيد عدم المفهوم لها ، وبين الجمل الشرطية الانشائية ، وسيأتي مفصلاً تحقيقه.

ومنها ـ انّ نظرية كون الشرط في الشرطية لمحض التقدير وتحديد فرض صدق الجزاء لا أكثر ينسجم مع مدلول الشرطية بتمام أقسامها ، أي ما يكون


الشرط فيها مسوقاً لبيان الموضوع وما لا يكون كذلك ، وما فيه مفهوم من الجمل الشرطية وما ليس فيه مفهوم ، بينما تفسير الشرطية بأنّها تدلّ على اللزوم أو النسبة التصادقية بين الجملتين لا يصدق في تلك الموارد كالشرطية المسوقة لبيان الموضوع ، فإنّه لا يناسب التعليق أصلاً ، وكذلك ما لا مفهوم فيه رغم انحفاظ الموضوع كما في قولك : ( إن أفطرت فكفّر ) فإنّه لا يدلّ على نفي وجوب الكفارة إذا لم يفطر ولكنه ظاهر زوجته مثلاً ، مع انّه لو كان المقصود تعليق وجوب الكفارة على الافطار لكان ينبغي استفادة المفهوم من الجملة.

وأمّا الوجه الثاني :

فجوابه : انّ الاستفهام أو النفي أو الترجي والتمنّي الداخل على الشرطية لا إشكال في انّها تتعلّق بالنسبة الشرطية لا بنسبة الجملة الجزائية. إلاّ انّ البحث في انّ النسبة الشرطية التي دخل عليها الاستفهام والنفي ونحوه هل هي استتباع الشرط للجزاء أو تعليق الجزاء على الشرط ودخول الاستفهام والنفي ونحوه على النسبة الشرطية لا يعيّن أحد المعنيين في قبال الآخر ، وقد تقدّم توضيح ذلك سابقاً في بعض المقدمات التي ذكرناها.

نعم ، يتضح مما تقدم مطلب تحليلي مهم وهو أنّه حيث يكون التقدير والفرض ، وإن شئت قلت النسبة التقديرية أو الترتبية الشرطية نسبة ذهنية وتامة فيكون صالحاً لاجراء الإطلاق فيها بخلاف النسبة الوصفية الناقصة بمعنى أنّ المتكلم وإن كان في مقام ترتيب الجزاء واثباته في فرض تحقق الشرط ، وعلى هذا التقدير وهذا وحده لا يستلزم نفي ثبوته وترتبه في فرض وحال آخر ، إلاّ انّه حيث انّ هذا الفرض والتقدير تحديد لثبوت الجزاء وصدقه بحيث لولاه لكان


ثابتاً مطلقاً أي سواء تحقق مفاد الشرط أم لا ، وحيث انّ الجزاء طبيعي الحكم لا شخص الحكم في مورد الشرط لخروج الشرط عن جملة الجزاء ، فعندئذٍ إذا كان الإطلاق في طرف الجزاء يثبت طبيعي الجزاء بنحو صرف الوجود ، كما هو مقتضى الإطلاق الجاري في طرف المحمول ، وما يكون بمثابته كالجزاء فلا مفهوم ؛ لأنّ استتباع الشرط لطبيعي الجزاء بمعنى صرف وجوده لا ينفي استتباع شرط آخر أيضاً لطبيعي الجزاء بهذا المعنى ، وإن كان الإطلاق الجاري في طرف الجزاء يثبت إرادة طبيعي الجزاء بمعنى مطلق وجوده أو استفيد من الشرطية ولو بقرائن خاصة الترتب والتعليق لطبيعي الحكم ـ ولو بمعنى صرف وجود ـ على الشرط مطلقاً ثبت المفهوم عندئذ ، فالمفهوم يمكن اقتناصه من الجملة الشرطية باثبات إطلاق ارتباط الجزاء بالشرط بهذا المعنى ، ومثل هذا الإطلاق لا مجال له ، ولا يمكن في الجملة الوصفية بالنسبة إلى الوصف والقيد ؛ لكونه قيداً للحكم ، أي لا تتم النسبة الحكمية إلاّبه ، بخلاف جملة الجزاء في الشرطية.

ولعلّ هذا هو وجه ذهاب جملة من الفقهاء إلى ثبوت المفهوم للشرطية.

ونلخّص ما تقدّم في مفاد الجملة الشرطية ضمن امور :

الأمر الأوّل : لا إشكال في وجود الارتباط بين جملتي الجزاء والشرط بنحو يجعلها جملة واحدة كبرى لها مدلول تصديقي واحد لا جملتان مستقلتان لكل منهما مدلول تصديقي مستقل عن الآخر ، وهذا الارتباط ثابت على مستوى المدلول التصوري الوضعي للجملة بدليل ثبوته واحساسنا به حتى إذا سمعناها من جدار.


الأمر الثاني : تقدم في بحث المعاني الحرفية الفرق بين النسب التركيبية الناقصة والنسب التامة وانّ النسبة الناقصة نسب حقيقية في الخارج تحليلية في الذهن ، ومن هنا تكون حصيلتها مفاهيم افرادية بخلاف النسب التامة فإنّها نسب حقيقية في الذهن بين مفهومين مستقلين ، ومن هنا يمكن أن يتعلق بها مدلول تصديقي من قصد الاخبار أو الانشاء بخلاف النسب الناقصة.

وهذا يعني انّ النسب الناقصة ذاتاً لا يمكن أن يكون بأزائها مدلول تصديقي ويسكت عليها بخلاف النسب التامة سواء كان بالفعل بأزائها مدلول تصديقي أم لم يكن ، فعدم السكوت الفعلي على نسبة ـ كجملة الشرط ـ لا يعني كونها ناقصة إذا كانت ذاتاً مما يمكن أن يكون بأزائها مدلول تصديقي.

الأمر الثالث : انّ التقييد والتعليق والتحصيص ونحو ذلك من الامور إنّما يتعقل بلحاظ المداليل التصورية أي المفاهيم لا المداليل التصديقية ، أي القصد والارادة لأنّ المداليل التصديقية وجودات حقيقيّة ، والوجود يساوق التشخص والجزئية ويستحيل فيه التعليق أو التحصيص.

نعم ، قد يسند التعليق إلى المدلول التصديقي كالجعل والانشاء بالعرض والمجاز باعتبار انّ المجعول والمنشأ به ـ الذي هو مدلول تصوري ـ مقيد أو معلّق فيقال الجعل مقيد أو معلّق على كذا.

وبهذا يعرف انّ ما جاء في كلمات السيد الشهيد 1 في المقام من التعليق في المدلول التصديقي للجزاء على الشرط لا يقصد به تعليق قصد الإخبار أو الانشاء الفعلي من جملة الجزاء على شيء إذا كان المدلول التصديقي بازاء جملة الجزاء ، فإنّ هذا غير معقول ، وإنّما المقصود من تعليق المدلول التصديقي للجزاء على


الشرط تعليق مدلول النسبة التامة في الجزاء ومحكيها الخارجي أو مجعولها الانشائي على الشرط ، مع كون قصد الاخبار أو الانشاء المتعلق بالمحكي فعلياً منجزاً ، وهذا بخلاف ما إذا كان المدلول التصديقي بازاء الشرطية والتعليق أو اللزوم بين الجزاء والشرط ، فإنّ التعليق المحكي والمتعلّق للقصد الجدّي فعلي لا معلّق.

وبهذا يعرف انّه لم يكن ينبغي اخراج الجملة الشرطية الواقعة موقع الاستفهام عن هذا البحث ـ كما في ذيل الصفحة ١٥٦ من الكتاب ـ فإنّه أيضاً يكون هناك مدلول تصديقي بازاء الجملة الشرطية بناءً على تفسير السيد الشهيد ، ولكنه مدلول تصديقي انشائي ، وهو الاستفهام عن التعليق لا الإخبار عنه ، وبناءً على تفسيرنا يكون الاستفهام عن الجزاء المفروض في تقدير الشرط ويكون المدلول التصديقي الاستفهامي فعلياً والمستفهم عنه معلّقاً.

وبتعبير السيد الشهيد : المدلول التصديقي للجزاء بمعنى المحكي يكون فيه معلّقاً على الشرط ، فلا وجه لاخراج هذا الفرض.

الأمر الرابع : لا إشكال في انّ جملة الشرط في الشرطية لا يكون بأزائها مدلول تصديقي بمعنى قصد الإخبار أو الانشاء ؛ إذ لا يقصد الاخبار عنها جزماً ، وإنّما هو واقع موقع الفرض والتقدير على كلّ حال. وإنّما المدلول التصديقي للشرطية لابدّ وأن يكون بأزاء جملة الجزاء أو الشرطية الكبرى ، ولا يمكن أن يكون بازاء كليهما ؛ إذ لا تتحمل الجملة الواحدة أكثر من مدلول تصديقي واحد كما هو محقّق في محلّه.

وقد ظهر مما تقدّم انّه لا يمكن الالتزام بأن يكون قصد الإخبار أو الانشاء


بازاء النسبة الشرطية ، بل لابد وأن يكون بازاء النسبة المفادة بجملة الجزاء ، فلو كان ما تقدم عن السيد الشهيد 1 في تحليل مفاد الجملة الشرطية وأدوات الشرط في النقطة الاولى من بحث مفهوم الشرط من أجل اثبات هذه النتيجة فلا يمكن المساعدة عليه بوجه أصلاً ، وقد تقدم شرحه مفصلاً.

وأمّا إذا كان المقصود انّ المدلول التصديقي يكون بازاء جملة الجزاء في الشرطية وبلحاظ ذلك أيضاً يصحّ تقسيم الشرطية إلى انشائية وخبرية ، غاية الأمر هذا لا يمنع عن لحاظ تلك النسبة معلّقة وملتصقة بالشرط بنحو يجري فيه الإطلاق المثبت للمفهوم ، فهذا وإن لم يكن بتلك المثابة من عدم الوجاهة إلاّ انّه غير تام أيضاً ؛ لما تقدّم من أنّ مفهوم التعليق ما سمّيناه بالنسبة التقديرية ، أي الإخبار أو الانشاء لمفاد الجزاء على فرض وتقدير صدق جملة الشرط ، وهذا لا يقتضي أكثر من الارتباط بين الجزاء والشرط في الصدق بنحو استتباع الشرط للجزاء ، والذي قد عبّر عنه السيد الشهيد بالنسبة الايجادية ، وهو لا يستلزم المفهوم ما لم نضمّ عناية ودلالة زائدة على النظر إلى التعليق أو الانحصار أو أنّ مطلق وجود الحكم وتمام حصصه يكون مشروطاً ومقيداً بالشرط ، وكل ذلك عنايات زائدة بحاجة إلى قرينة ، ولا تدلّ على شيء منها الشرطية.

نعم ، الجملة الشرطية يمكن فيها اعمال احدى تلك العنايات بسهولة ، بخلاف الجملة الوصفية واللقبية ، وبهذا تختلف الشرطية عنها كما أشرنا مفصلاً.

وهذا التحليل مطابق مع وجداناتنا العرفية والأدبية من دون وقوع في التكلّفات الأدبية غير المفهومة عرفاً ولغوياً ، والله الهادي للصواب.


ص ١٥٤ قوله : ( المرحلة الثانية ... ).

المقصود هنا تحديد انّ المدلول التصديقي في الجمل الشرطية هل يكون بأزاء الشرطية نفسها أو بأزاء جملة الجزاء والتقييد أو الالتصاق والتعليق على الشرط بمثابة التقييد والنسبة الناقصة لجملة الجزاء ، وسيظهر انّ هذه أهم نقطة في إثبات المفهوم للشرطية بالتقريب الذي يرومه السيد الشهيد بعد بطلان التقريبات الاخرى التي ستأتي في النقطة القادمة ؛ لأنّه يسمح باجراء الإطلاق ومقدمات الحكمة في التعليق أو الالتصاق بالشرط ، وأيضاً اجراء الإطلاق في طرف هذه النسبة وهو الحكم في الجزاء.

وما جاء هنا في الكتاب امور ثلاثة :

أوّلها ـ أنّ الارتباط والالتصاق المذكور ثابت على مستوى المدلول التصوري ، فالنسبة في الجزاء مربوطة بالشرط بحسب المدلول التصوري.

وهذا صحيح بناءً على انّ المدلول الوضعي تصوري والوجدان أيضاً قاض به ويشهد له دلالة الشرطية على ذلك عند سماع الشرطية من الجدار أو في موارد عدم وجود مدلول تصديقي بأزاء الشرطية كمورد الاستفهام عنها.

نعم ، من لا يرى الدلالة الوضعية إلاّتصديقية لابدّ له من دعوى وضع المركب للمدلول التصديقي الاستفهامي. وهذا لازم عام لهذا المسلك يجري في موارد كثيرة.

ولا فرق في صحة هذا الأمر بين تفسير السيد الشهيد لمدلول أدوات الشرط أو تفسيرنا لها كما لا يخفى.


وثانيها ـ انّ التعليق والتلازم أو التقدير والفرض هل يسري إلى المدلول التصديقي أيضاً أم لا؟

وقد أفاد هنا في الكتاب أنّه يجري في مورد يكون للشرطية مدلول تصديقي لا مثل الاستفهام عنها الذي يكون المدلول التصديقي بأزاء أداة الاستفهام لا الشرطية فإنّها كالحملية الداخل عليها الاستفهام.

إلاّ انّ هذا الاستثناء لا وجه له ـ كما شرحناه سابقاً ـ فإنّ المدلول التصديقي في هذه الجملة أيضاً إذا كان بازاء جملة الجزاء فسوف يكون معلقاً على الشرط ـ بالمعنى الذي سيأتي لهذا التعليق ـ إذ لا فرق بين أن يقول : ( هل إن جاءك زيد تكرمه ) أو يقول : ( إن جاءك زيد فهل تكرمه ) كما أنّه بناءً على انّ المدلول التصديقي يكون بازاء النسبة الشرطية فلا تعليق في المدلول التصديقي الاستفهامي ، كما لا تعليق في المدلول التصديقي الاخباري أو الانشائي في موارد عدم دخول الاستفهام على الشرطية ، فلا فرق بينهما أصلاً.

ثمّ إن كان المدلول التصديقي بأزاء نفس الشرطية بأن كان المقصود للمتكلم الإخبار عن الملازمة أو التعليق أو الالتصاق بين جملتي الجزاء والشرط فلا مدلول تصديقي بأزاء جملة الجزاء ليكون فيها تعليق وما يكون بأزائه مدلول تصديقي هو نفس التعليق والربط لا المعلّق والربط والتعليق ليس معلقاً كما هو واضح.

وأمّا لو كان المدلول التصديقي موازياً لمفاد جملة الجزاء لا أصل الشرطية فهنا يكون ظاهر الشرطية التعليق فيه أيضاً لأنّ المدلول التصوري للجزاء معلق بحسب الفرض على الشرط فمقتضى التطابق بينه وبين المدلول التصديقي تعليق


المدلول التصديقي أيضاً.

وثالثها ـ انّ ظاهر الجملة الشرطية إنّما هو الاحتمال الأوّل لا الثاني أي انّ المدلول التصديقي فيها بأزاء الشرطية لا جملة الجزاء.

ولا يمكن أن يعين الثاني بأصالة التطابق المتقدمة لأنّها تثبت التطابق بين المدلولين بعد فرض ثبوت المدلول التصديقي بأزاء الجملة ـ كما في البحث السابق ـ ولا يمكن بالأصل المذكور إثبات أصل المدلول التصديقي وانّه بازاء أيّ من النسبتين النسبة الشرطية الكبرى أو النسبة الحملية في جملة الجزاء ، كما هو واضح.

فالصحيح هو الاحتمال الأوّل ؛ لأنّ ظاهر الشرطية أنّ النسبة المنظور اليها والتي يراد الإخبار عنها أو إبرازها إنّما هو هذه النسبة لا النسبتين في جملتي الشرط والجزاء فإنّهما طرفان تابعان للنسبة الشرطية الكبرى فيكون مقتضى التطابق بين المدلول التصوري والتصديقي أيضاً ذلك أي لحاظ النسبة في الجزاء والشرط بنحو الطرفية والتبعية لا الأصالة والمحورية.

أقول : الأمر الأوّل من هذه الامور الثلاثة واضح لا غبار عليه كما ذكرنا.

والأمر الثاني منها لا يمكن المساعدة على ظاهره بوجه أصلاً ، فإنّ التعليق والتقييد في المدلول التصديقي سواءً كان عبارة عن قصد الإخبار أو الجعل والانشاء غير معقول لأنّه وجود حقيقي تصديقي يدور بين التحقق وعدم التحقق فلا يعقل فيه التقييد أو التعليق وإنّما التعليق أو التقييد دائماً يكون بلحاظ المدلول التصوري وهو مدلول النسبة في جملة الجزاء ، فإذا كان انشائياً كان المجعول معلقاً ، وإذا كان اخبارياً كان صدق النسبة المخبر بها معلقاً. وكون المجعول عين


الجعل لا ينافي هذا الفرق لأنّ العينية بينهما بالنظر التصديقي ولكنهما مختلفان بالنظر التصوري ، وهذه الخصوصية من شؤون كون النظر إلى مجعول نظراً بالحمل الأولي.

وما في الكتاب في المقام لا يخلو من تشويش ، حيث جعل قيد المجعول وتعليقه على الشرط تعليقاً لنفس الجعل ، فإنّ هذا لا معنى له ، ولا فرق بين الشرطية التي يكون جزائها اخباراً أو انشاءً من هذه الناحية كما هو مشروح في هامش الكتاب أيضاً.

نعم ، يمكن أن يكون المقصود انّ المدلول التصديقي الفعلي يكون متعلقه صدق الجزاء المقيّد بالشرط ، وعلى تقديره يكون التقييد والشرط قيداً لصدق النسبة في الجزاء لا مأخوذاً في أحد طرفيها في قبال أن يكون المدلول التصديقي متعلقه الملازمة بين صدق الجزاء وصدق الشرط أو الالتصاق والترتب والتعليق بينهما.

إلاّ انّ هذا ليس بمعنى تعليق المدلول التصديقي كما هو واضح ، بل المدلول التصديقي لكل جملة تامة دائماً يكون فعلياً ومنجزاً ، كما انّ تفسير المحقّق الأصفهاني لا يقتضي ذلك.

والظاهر أنّ مقصود السيد الشهيد في هذه المرحلة بيان أنّ أصالة التطابق بين المدلول التصوري للجملة الشرطية الدالّة تصوراً على التعليق ـ على ما فرضه في المرحلة الاولى ـ وبين المدلول التصديقي للجملة لا تقتضي أن يكون المدلول التصديقي بازاء جملة الجزاء وانّه المعلّق على الشرط ؛ لأنّ التطابق بين المدلولين فرع اثبات انّ المدلول التصديقي بازاء تلك النسبة التصورية التامة في


المرحلة السابقة ، فلا يمكن اثبات ذلك بأصالة التطابق ، وهذا كلام صحيح في نفسه. فاثبات انّ المدلول التصديقي بازاء جملة الجزاء ليكون تعليقياً بالمعنى الذي ذكرناه أو بازاء الشرطية والنسبة التصادقية فلا تعليق فيه لابد من اثباته بالاستظهار من الجملة لا بأصالة التطابق.

وقد استظهر السيد الشهيد في الأمر الثالث الاحتمال الثاني ، إلاّ انّ الفرق بينهما ليس من حيث موقع المدلول التصديقي في الجملة كما هو ظاهر الكتاب ، بل يكون بين الاحتمالين فرق من حيث المدلول التصوري أيضاً ، فإنّ الاحتمال الأوّل يكون النظر فيه إلى النسبة الخبرية أو الانشائية في جملة الجزاء ويكون تقدير الشرط وفرضه قيداً لتلك النسبة وطرفاً لها بخلافه على الاحتمال الثاني حيث يكون النظر إلى نفس الشرطية أي الملازمة أو التعليق أو الالتصاق بين النسبتين في جملتي الجزاء والشرط بحيث تنقلب الجملتان في الطرفين كالمفهومين الافراديين في طرفي نسبة تامة هي النسبة التعليقية أو اللزومية أو الالتصاقية ، وهذا مفهوم ونسبة تصورية اخرى تختلف عن النسبة المدلول عليها بجملة الجزاء ذاتاً ، أي تصوراً وتصديقاً.

والمظنون قوياً انّ اصرار السيد الشهيد على هذا التحليل والاستظهار من أجل امكان اثبات المفهوم باجراء الإطلاق في التعليق ـ كما أشرنا إليه فيما سبق من التعاليق مبسوطاً ـ لأنّه بناءً على هذا يكون الحكم في الجزاء ملحوظاً طرفاً وموضوعاً بحسب الحقيقة للحكم عليه بأنّه لازم أو معلق أو ملتصق بالشرط فيمكن اجراء الإطلاق فيه لاثبات انّ طبيعي وجوب اكرام زيد مثلاً ملتصق أو معلّق على مجيئه وفي تمام الحالات فيثبت المفهوم ؛ لأنّ الإطلاق إنّما يجري دائماً في أطراف النسب التامة والتي بازائها مدلول تصديقي.


وهكذا يتضح أهمية ما يرمي إليه السيد الشهيد 1 في هذه الدورة الاصولية في اقتناص المفهوم من اثبات انّ مفاد الشرطية هو الدلالة على النسبة اللزومية أو الالتصاقية بين الشرط والجزاء وانّ المدلول التصديقي يكون بأزائها لا بأزاء الجزاء ، فإنّ هذا هو الحجر الأساس لهذا التقريب في اثبات المفهوم باجراء الإطلاق في المعلّق ـ وهو طبيعي الحكم في الجزاء ـ وفي التعليق نفسه.

وتعليقنا على هذا البيان :

أوّلاً ـ ما تقدم مفصلاً من انّ الوجدان اللغوي والبرهان التحليلي المتقدمين يدلان على انّ المدلول التصديقي بازاء جملة الجزاء وانّ جملة الشرط مجرد فرض وتقدير لثبوته ، وانّ التحليل المذكور يواجه مشكلات لا حلّ لها إلاّ بتكلّفات فائقة غير مقبولة لا لغةً ولا عرفاً.

وثانياً ـ انّ امكان اجراء الإطلاق المثبت للمفهوم لا يتوقف على افراغ جملة الجزاء التامة في نفسها عن المدلول التصديقي ، وجعل المدلول التصديقي للجملة الشرطية بازاء نسبة الجزاء إلى الشرط ، فأصل هذه المرحلة الثانية في الكتاب غير لازم زائداً على انّه غير صحيح ، بل يمكن افتراض المدلول التصديقي بازاء جملة الجزاء ، ولكن حيث انّ النسبة الشرطية تامة في نفسها أيضاً ، أي تدل على أنّ ثبوت النسبة التامة في جملة الجزاء بما هي نسبة حكمية مربوطة وملتصقة بصدق جملة الشرط أمكن اجراء الإطلاق فيها أيضاً ؛ لأنّ هذه النسبة الحقيقية الذهنية أيضاً طرف للمدلول التصديقي والنسبة التامة الحكمية ، فإذا فرض امكان دلالة النسبة الشرطية على التعليق والتوقف من طرف الجزاء على الشرط كان مقتضى كون المعلّق طبيعي الحكم ، بمعنى صرف وجوده وكون


التعليق على الشرط مطلقاً انتفاء سنخ الحكم وطبيعيّه بانتفاء الشرط ؛ لكون النسبة الشرطية تامة أيضاً في نفسها وصالحة لاجراء الإطلاق فيها ، بخلاف النسب الناقصة التقييدية في الجمل الوصفية.

ص ١٦٦ قوله : ( وثالثاً ... ).

ويرد على هذا التقريب رابعاً : أنّ المتعلّق لا إطلاق له قبل تعلّق الوجوب به ، فلو فرض تعدد الوجوب والحكم عند الشرط واجتماعهما وتقيد كلّ منهما بفرد من المتعلّق غير الآخر فلا يلزم من ذلك تقييد بل تقيّد على ما سيأتي عن الميرزا والسيد الشهيد في بحث التداخل.

ص ١٦٧ قوله : ( التقريب الخامس ... ).

هذا التقريب جاء في الكفاية ببيان ، وفي كلمات الميرزا 1 ببيان آخر.

أمّا بيان الكفاية فهو انّ المستفاد من الشرطية بعد أن كان هو الترتب على العلّة وعلّية الشرط للجزاء فهذا له سنخان : علّية انحصارية ، وعلّية غير انحصارية ، أي ترتب الجزاء على علّته المنحصرة وترتبه على علّته غير المنحصرة التي لها عدل وبدل والإطلاق ينفي الثاني كما ينفي الوجوب التخييري في قبال التعييني.

ثمّ أجاب عليه : بأنّ الوجوب التعييني يختلف سنخاً ـ أي مدلولاً وتصوراً ولو بالإطلاق والتقييد ـ عن الوجوب التخييري ، وهذا بخلاف الترتب على الشرط المنحصر أو غير المنحصر فإنّ وجود شرط آخر يترتب عليه نفس الجزاء لا يغيّر من حقيقة الترتب والعلّية ولا يغيّر من حقيقة الحكم والترتب الأوّل ، فلا يمكن نفيه بالإطلاق.


ولهذا غيّر المحقق النائيني البيان فذكر أنّ الشرطية لا تدلّ على الترتب بنحو العلية أصلاً ولا حاجة إليها لكي يقال بأنّ الترتب لا يختلف سنخه بل الشرطية تدل على تقييد الحكم التام محمولاً وموضوعاً ـ في غير الشرطية المسوقة لتحقق الموضوع ـ بالشرط لا محالة وهذا التقييد ثبوتاً يتصور بأحد أنحاء ثلاثة امّا التقييد بالشرط وحده تعييناً أو التقييد بالمجموع منه ومن غيره أو التقييد بالجامع بينه وبين غيره أي أحدهما ، والإطلاق ينفي كلّ هذه الأنحاء الثلاثة إلاّ ما ذكر في مقام الإثبات وهو الأوّل لا محالة فينفى التقييدان الثاني والثالث وهو يساوق الانحصار لا محالة.

ومنه يظهر انّ بيان المحقق النائيني 1 لا يتوقف على إثبات الترتب فضلاً عن العلّية ـ أي المقدمة الثانية لا يحتاجها المحقق النائيني وإن وافق هو على دلالة الشرطية على الترتب بالمعنى الأعم بأصالة التطابق بين مقام الإثبات والثبوت ـ.

وقد أشكل عليه في المحاضرات باشكالات ثلاثة لا يتجه شيء منها :

أحدها ـ النقض بالتقيد بالوصف في الجملة الوصفية واللقبية.

الثاني ـ انّ ذكر قيد تعييناً لازمه عدم جعل الحكم على الإطلاق وانّه مقيّد بذاك القيد لا انحصار الحكم به.

الثالث ـ انّ المتكلم ليس في مقام البيان من ناحية انحصار العلّة والمؤثّر وعدمه في القيد المذكور وإنّما تدل على مطلق ترتب الجزاء على الشرط فلا تدل على انّه على نحو ترتب المعلول على علته فضلاً عن الترتب على علته المنحصرة.


وهذه الأجوبة واضحة الاندفاع ، أمّا الأخير فواضح ؛ لأنّ الميرزا 1 لا يدعي دلالة الشرطية على ذلك ، كيف وقد نفاه بنفسه ، وإنّما يتمسك باطلاق الحكم من ناحية التقييد بأحد القيدين ( بالواو ) و ( بأو ) ، والمفروض انّ الشرطية في مقام بيان أصل تقييد الجزاء وانّه ليس مطلقاً بل له قيد ، فلابد وأن يكون بأحد الأنحاء الثلاثة لا محالة ، فأي منها كان فيه تقييد زائد كان منفياً بالاطلاق المقابل له ، فالاشكال الثالث غريب.

والثاني جوابه أنّ القيد إذا كان راجعاً إلى النسبة الحكمية في الجزاء لا موضوعها أو محمولها وكان وجود سبب آخر لنفس النسبة مستلزماً لتقييد زائد في جملة الشرط فلا محالة يكون الإطلاق نافياً لذلك ولا يدور النقض بالجملة الوصفية والقيود فيها ؛ لأنّها ترجع إلى الموضوع أو شخص الحكم ، وليس قيداً للنسبة الحكمية التامة ، فلا يكون اجراء الإطلاق فيها دالاًّ إلاّعلى انتفاء شخص ذلك الحكم لا شخص حكم آخر ، وهذا واضح.

وأمّا الأوّل فقد ظهر حاله مما بيّناه في دفع الاشكال الثاني ، فإنّه إذا فرضنا أنّ النسبة الحكمية إذا كان لها سبب وشرط آخر كان ذلك تقييداً في منطوق الشرطية بلحاظ الشرط المذكور فيه ، فالمتكلّم في مقام البيان من ناحيته لا محالة ، فيجري فيه الإطلاق ، وحيث انّ المقيّد النسبة الحكمية ـ وبتعبيرنا طبيعي الحكم وصرف وجوده لا شخصه ـ فيدلّ على انتفاء النسبة الحكمية ، أي سنخ الحكم ، وهذا بخلاف الجملة الوصفية.

والصحيح في الجواب ما ذكره السيد الشهيد 1 من انّ تعدد القيد أي وجود فرض آخر يتحقق فيه نفس الحكم لا يكون تقييداً زائداً على الشرط المذكور في منطوق الشرطية إذا كان مفاد الشرطية مجرد الاستلزام وأنّه إذا وجد هذا الشرط


تحقق طبيعي الجزاء.

وبعبارة اخرى : على فرض وجود العدل وكفاية أحدهما أيضاً يصدق انّه إذا وجد الشرط الأوّل وجد الجزاء ، وإذا وجد الشرط الثاني وجد الجزاء ، فليس في ذلك مؤنة زائدة بلحاظ ما افيد بالشرطية من الاستلزام والارتباط بين جملتي الشرط والجزاء ، فالتقييد ( بأو ) ليس تقييداً في الشرطية أو جزائها لكي ينفيه الإطلاق. نعم ، التقييد بالواو قيد زائد في الشرطية منفي باطلاق المنطوق ، وهو واضح.

ثمّ انّ هنا تقريبين آخرين :

أحدهما ـ للسيد الخوئي في المحاضرات.

والآخر ـ للسيد الشهيد في دورته السابقة ـ الاولى ـ.

أمّا الأوّل منهما :

فحاصله بناء المفهوم على مسلكه من التعهّد ودلالة الجملة على قصد الإخبار في الخبرية واعتبار الفعل على ذمة المكلّف في الانشائية وانّ الشرطية بناءً على هذا المسلك إذا كان الجزاء إخباراً يدل على قصد الحكاية والإخبار عن وجود التالي على تقدير وجود المقدم فيدل بالالتزام على انتفاء الإخبار عنه على تقدير انتفائه ، وإذا كان انشائياً تدل على أنّ اعتبار الفعل في ذمة المكلّف لا يكون مطلقاً بل على تقدير خاص وهو تقدير تحقق الشرط ، ولازم ذلك دلالتها على عدم اعتباره على تقدير عدم تحققه (١).

__________________

(١) راجع المحاضرات : ص ٧٥ ـ ٨٠.


وهذا البيان واضح الضعف فإنّه يكفي في ردّه أنّ قصد الإخبار على تقدير أو اعتبار فعل على ذمة المكلّف كذلك لا يدلّ إلاّعلى انتفاء قصد الإخبار وذاك الاعتبار عند انتفاء المعلّق عليه لا الإخبار عن انتفاء المخبر به أو انتفاء اعتبار آخر. كما هو واضح جداً. كيف ويرد النقض أيضاً بالجملة الوصفية.

هذا مضافاً إلى الاضطراب في تعبيرات التقرير بالنسبة للمدلول التصديقي للشرطية الخبرية وانّه الإخبار عن الملازمة أو الإخبار عن الجزاء على تقدير تحقق الشرط فراجع وتأمل.

وقد يكون مقصوده انّ الشرط في الشرطية حيث كان تقييداً لاطلاق جملة الجزاء بحيث لولا الشرط كان الجزاء ثابتاً في تمام الحالات ، فلا محالة يستفاد من التقييد بخصوص حال مجيئه خروج سائر الحالات عن شمول الحكم وثبوته فيدل على الانتفاء عند الانتفاء.

وهذا جوابه واضح وهو أنّ مدلول التقييد بالشرط إنّما هو ثبوت الجزء في هذا التقدير والسكوت عن غيره من الحالات لا الدلالة على عدم ثبوت الجزاء فيها. نعم ، لو كان ثابتاً في جميع الأحوال كان لغواً وتلك دلالة احترازية القيود وهي غير المفهوم والثابتة بها السالبة الجزئية لا الكلية.

وأمّا الثاني ـ فهو مؤلّف من مقدمتين :

١ ـ انّ الأداة لا تدلّ حتى على اللزوم بل على مجرّد الربط بدليل صحّة استعمالها بلا عناية في موارد الفعل الماضي الواقع سابقاً فقط مع عدم معقولية الملازمة فيها كما في قولك : ( إن جئتني بالأمس أكرمتك ) ؛ لأنّه قضية خارجية ولا لزوم فيها حتى إذا كانت استقبالية.


٢ ـ اثبات المفهوم في الجمل الشرطية الانشائية بالخصوص على أساس إثبات انّ الشرط علة منحصرة للحكم ، أي اثبات اللزوم والعلية والانحصارية ، أمّا اللزوم ففي القضايا المستقبلية الخبرية يثبت بالاطلاق بنكتة انّه لو كان اتفاقياً لا على أساس اللزوم بين الشرط والجزاء لزم أن يكون المتكلم عالماً بالربط اتفاقاً في تمام ما سيقع على أساس علم الغيب وهو خلاف الظاهر.

وأمّا العلية في الجملة الانشائية فلأنّ الشرط بمثابة الموضوع للحكم المنشأ فيكون الحكم دائراً مداره ولا نقصد بالعلية في باب الأحكام إلاّذلك لا العلية الفلسفية.

وأمّا الانحصارية فتستفاد من كون المعلّق طبيعي الحكم وسنخه لا شخصه فنجري الإطلاق في الحكم المقيّد بالشرط ونثبت انّه بانتفائه ينتفي الطبيعي وهو المفهوم بنحو السالبة الكلية.

وهذا البيان ـ وهو يشبه كلام العراقي 1 في نهاية الأفكار ـ أيضاً غير تام ؛ لأنّ المراد بسنخ الحكم إن كان مطلق وجوده فقد تقدم انّ هذا لا يثبته الإطلاق ومقدمات الحكمة في الجزاء ، وإن كان المراد طبيعيّه وصرف وجوده فترتبه على الشرط لا يقتضي الانحصار وانتفاء فرد آخر منه عند انتفاء هذا الشرط وتحقق شرط آخر ما لم نقحم في مدلول الشرطية التلازم والتعليق والالتصاق والتوقف ونجري الإطلاق فيه ، ولا يكفي دلالة الشرطية على أصل الارتباط والاستتباع ولو من طرف الشرط لايجاد الجزاء.

وإن شئت قلت : إنّ كون الشرط بمثابة الفرض والتقدير والسبب لايجاد الحكم ليس إلاّبمعنى انّه إذا تحقق تحقق الحكم ، وهذا لا يقتضي المفهوم كما تقدّم شرحه.


ص ١٧١ قوله : ( فمن ناحيته نحسّ وجداناً ... ).

ملخص مرامه 1 دعوى وجدانية المفهوم للجملة الشرطية الانشائية إذا لم يكن الشرط مسوقاً لتحقق الموضوع. وانّ على هذا عمل الفقهاء في الفقه حتى الذين أنكروا منهم المفهوم للشرطية في البحث الاصولي.

وهذا الوجدان مع الوجدانات الثلاثة الاخرى حاول السيد الشهيد تفسيرها في نظرية تفسيرية وليست استدلالية حاصلها دلالة الجملة الشرطية وضعاً على التعليق والتصاق الجزاء وتوقفه على الشرط وحيث انّ المعلّق سنخ الحكم بمعنى طبيعيه وجامعه وحيث انّ الشرطية مطلقة وغير مقيدة بحال دون حال فالنتيجة انتفاء جامع الحكم عند انتفاء الشرط وإلاّ لزم تقييد أحد الاطلاقين.

وبهذا التفسير يمكن الجمع بين الوجدانات الأربعة ما عدا الرابع منها والذي فسّره على أساس انّ المعلّق في الجملة الخبرية النسبة الذهنية لا الخارجية فيكون المنتفي بانتفاء الشرط إخبار المخبر لا المخبر به. وهذا بخلاف الشرطية الانشائية رغم انها نسبة تامة ذهنية أيضاً ، فإنّ انتفائها يساوق انتفاء الحكم ، إذ ليس للحكم الإنشائي وجود في غير الذهن.

ولنا هنا كلامان : أحدهما مع النظرية التفسيرية ، والآخر مع الوجدان المدعى على أصل المفهوم.

أمّا الأوّل : فقد اتضح من مجموع ما تقدم بعضه وتفصيله ما يلي :

أوّلاً ـ لا نسلّم أصل دلالة أدوات الشرط على التوقف أو التعليق أو الملازمة أو الالتصاق والربط بين الشرط والجزاء في الصدق بل الصحيح انّ أدوات الشرط


أو هيئة الشرطية للدلالة على ترتيب الجزاء وإثباته على تقدير فرض الشرط أي تدل على النسبة التقديرية والفرضية لصدق الجزاء وهي نسبة ذهنية كحروف العطف والاستثناء.

نعم ، هذا الترتيب في ذاك الفرض والتقدير قد يكون على أساس الارتباط ونكتة استلزام بين جملة الشرط وجملة الجزاء ثبوتاً غالباً ، ومن هنا قد ينتزع ويفهم هذا التلازم والارتباط ـ لا بمعناه الفلسفي الدقي بل العرفي ـ من الكلام ، إلاّ أنّ هذا ليس هو مدلول أدوات الشرط وإنّما مدلولها ما ذكر وهذا لازم منتزع منه.

وممّا يشهد على ذلك أنّ الفرض والتقدير قد يكون إثباتياً محضاً ، كما إذا قلت : إن كذبوك فاعلم انك صادق ، ومنه قوله تعالى : ( وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ ) (١). وقد يكون الجزاء انشاءً فعلياً كما في الشعر المعروف :

إن كان دين محمّد لا يستقيم

إلاّ بقتلي فياسيوف خذيني

وهذا لا يجري فيه ما ذكره السيد الشهيد في الشرطية الاستفهامية ـ وقد تقدم عدم معقولية الوضع للنسبة التوقفية أو الالتصاقية بحسب التحليل والمباني المختارة للسيد الشهيد في تحليل النسب التامة والناقصة. ويمكن أن يستشهد بشواهد على صحّة ما ذكره المحقق الاصفهاني منها ما تقدم في الشرطية التي جزائها انشاء كجملة النداء أو الاستفهام أو التمني ، ومنها : الشرطية المسوقة لبيان الموضوع كقولك إن رزقت ولداً فاختنه فإنّ التعليق أو التوقف بل الاستلزام

__________________

(١) سورة فاطر : الآية ٤.


في مثله ركيك لا معنى له بخلاف الفرض والتقدير ، وقد تقدمت الإشارة إلى بعض ذلك فيما تقدّم.

وثانياً ـ الاستلزام المذكور لو فرض انّه مدلول أدوات الشرط أو الهيئة الشرطية مباشرة فليس هو التعليق والتوقف بل مجرد أن تحقق الشرط يوجب تحقق الجزاء ويستلزمه ، أي ما عبر عنه السيد الشهيد 1 بالنسبة الايجادية والتوقف والتعليق والالتصاق إن اريد بها هذا المعنى فمن الواضح انّه لا يستلزم المفهوم وإن اريد بها معنى أزيد ـ كما هو الظاهر ـ فهو كمفهوم الانحصار أو الدوران مدار الشرط خارج عن مفاد الجملة الشرطية جزماً.

وثالثاً ـ بالنسبة لما ذكر في الفرق بين وجداني ثبوت المفهوم للجملة الشرطية التي جزائها انشائي وعدم ثبوته للجملة الشرطية التي جزائها اخباري لا يرجع إلى محصل فإنّه مضافاً إلى وجدانية عدم الفرق بينهما ولهذا لم يفرق بينهما أحد في حدود ما أعلم ؛ يرد عليه :

١ ـ انّ النسبة الحملية التصادقية وإن كانت ذهنية إلاّ انّه لها محكي ومدلول تصوري وهو صدق الاتحاد والتصادق ويكون هو المعلّق على الشرط لا محالة لا النسبة الذهنية فإنّها مدلول تصديقي موجود بالفعل ولا يعقل فيها التعليق.

٢ ـ إن اريد تعليق شخص النسبة التامة الحكمية في الجزاء فهذا انتفائه لا يستلزم انتهاء سنخ الحكم كما هو واضح ، وإن اريد تعليق سنخها وطبيعها فهذا مضافاً إلى ما تقدم من انّه لا معنى لاجراء الإطلاق فيه بعد أن كان مدلولاً تصديقياً جزئياً ، يستلزم انتفاء سنخ الإخبار عن الجزاء في الشرطية الخبرية أيضاً مع انها لا تدلّ على ذلك ، فإنّ الجملة الخبرية الشرطية لا تدلّ على انتفاء


إخبار آخر للمتكلم في فرض انتفاء الشرط كما لا يدل على انتفاء الجزاء.

٣ ـ وجدانية عدم الفرق في بيان الجملة الشرطية التي جزائها حكم بين أن يكون بيانها بصيغة انشائية أو إخبارية ، بل بعض الأحكام بطبيعتها تكون إرشادية ، بل لو فرض إخبار العادل أو المفتي عن الحكم الشرعي بجملة شرطية خبرية أيضاً كان لها مفهوم مع انها إخبار حقيقي وليس ورائه قصد الانشاء أصلاً.

اللهم إلاّأن يدّعى انّ ظاهر ذلك بيان صياغة الجعل الشرعي الانشائي وهو كما ترى.

وأمّا فيما يرجع إلى أصل الوجدان المدّعى من قبل السيد الشهيد 1 على المفهوم للجملة الشرطية والاستشهاد عليه باستدلالات الفقهاء في الفقه بالمفاهيم ، فيمكن أن يقال :

أوّلاً ـ هذا الوجدان لو سلّم فهو مخصوص بحقل الفقه وأدلّة الأحكام الشرعية فيها ، ولا يعمّ الاستعمالات اللغوية للشرطية.

وهناك نكتة سوف نذكرها لتبرير وتحليل هذا الوجدان الفقهي والذي دعى السيد الشهيد إلى الاصرار على ثبوت المفهوم للجملة الشرطية الانشائية فقط.

وثانياً ـ وجدانية عدم المفهوم للجملة الشرطية التي جزائها مستقل عن الشرط بمعنى أنّ الشرط ليس حالاً من حالات موضوع الحكم في الجزاء من قبيل قولك إن ظاهرت فكفّر ، وإن استطعت فحج ، وإن سافرت فتصدق ، فإنّه من الواضح عدم المفهوم في مثلها لما إذا لم يظاهر ولكن أفطر مثلاً ، أو لم يستطع للحج ولكن نذر الحج أو استؤجر له ، أو لم يسافر ولكن رزق ولداً مثلاً ، فإنّ


ثبوت الأحكام في هذه الموارد لا يتوهم أحد انّها تستلزم تقييداً في إطلاق مفهوم الجمل الشرطية المذكورة ؛ لأنّه لا مفهوم للجمل الشرطية المذكورة مع أنّها ليست مسوقة لبيان الموضوع لانحفاظ موضوع الجزاء فيها ، فلو كانت الشرطية تدلّ على التوقف والتعليق لطبيعي الحكم على الشرط لزم القول بذلك في أمثال هذه الجمل الشرطية أيضاً.

وكذا وجدانية عدم المفهوم في الجملة الشرطية التي يكون جزائها نهياً ، كما إذا قلت : ( إذا جاءك زيد فلا تكرمه ) فإنّه لا يدلّ على انّه لو لم يجيئك لا يحرم إكرامه ، بحيث لو دلّ دليل على حرمة اكرامه في فرض آخر كان منافياً مع مفهوم هذه الشرطية.

والصحيح أنّ هذا الوجدان لعلّه ينشأ من انّ الجمل الشرطية في آيات الأحكام والروايات حيث تكون بصدد بيان الحكم الشرعي وتحديد حدودها وشروطها التي كان الرواة والفقهاء متصدين للسؤال عنها في أسئلتهم عن المعصومين : عادة فقد ينعقد للشرطية في بعض أو أكثر هذه الأحاديث والأدلّة ظهور في انها بصدد التحديد وبيان حدود الجعل الذي يتصدى المعصوم 7 لبيانه فينعقد لها الدلالة على المفهوم بمقتضى هذا المقام ، أعني مقام التحديد ، وهذا وإن كانت قرينة خاصة إلاّ انّه حيث أنّها في القضايا الصادرة عن المعصومين : كثيرة فقد تصبح بمثابة قرينة عامة نوعية ولو في صنف من الأحكام وأدلّتها ، وهي التي يفرغ فيها عن ثبوت أصل حكم وتشريعه ويراد تبيين وتحديد موضوعه وشروطه كما في مثل : ( إذا خفي الأذان فقصّر ) أو ( إذا بلغ الماء الكر لم ينفعل ) ، فالنظر هنا إلى تحديد مبدأ الحكم بالقصر في الصلاة والاعتصام في الماء ، وهذا بخلاف مثل : ( إذا ظاهرت فكفّر ) أو ( إذا سافرت


فتصدّق ) أو ( إذا استطعت فحجّ ) أو ( إذا ظهر غبن فله الخيار ) ، إلى آخر الموارد الاخرى التي يكون النظر فيها إلى تشريع حكم جديد بسببه وموجبه ، والله الهادي.

ص ١٧٧ قوله : ( التنبيه الأوّل ... ).

ما ذكر في الهامش صحيح ، فإنّ استفادة النسبة التعليقية أو التصادقية بين جملة الجزاء والشرط لا يكون مناسباً في موارد الشرطية المساوقة لتحقيق الموضوع ، بخلاف أن يكون جملة الشرط لمجرّد الفرض والتقدير ، فإنّه معنى واحد منسجم مع جميع أقسام الشرطية.

ص ١٧٨ قوله : ( التنبيه الثاني ... ).

تفسير جريان الاطلاقين معاً الإطلاق المنطوقي المثبت لكون الواجب مطلق الاكرام مثلاً على تقدير الشرط والإطلاق المفهومي المثبت تعليق مطلق وجوب الاكرام على الشرط يتوقف على أن يكون المدلول التصديقي للجملة الشرطية بأزاء الجزاء مع كون النسبة بين مفاده ومفاد الشرط نسبة ذهنية حقيقية ، وهي نسبة التقدير والفرض كما ذكرنا نحن ، وأمّا إذا افترضنا أنّ المدلول التصديقي بأزاء مفاد التعليق مع كون الجزاء مدلولاً تصورياً بحتاً جرى الإطلاق الثاني دون الأوّل.

ودعوى : أنّ الشرطية متكفلة أيضاً لاثبات التصاق الجزاء بالشرط في طرف المنطوق وبيان حدوده.

مدفوعة : بأنّ هذا لا يصحح الإطلاق لأنّ الاشكال لم يكن من ناحية عدم


مقام البيان بل من ناحية ثبوتية هي استحالة اجراء الإطلاق في طرف المدلول التصوري ، بل لابد من اجرائه في أطراف المدلول التصديقي دائماً ، فلا معنى لاجراء الإطلاق في مفهوم وجوب الاكرام بلحاظ الاكرام لأنّه قيد تصوري لا طرف لنسبة تصديقية.

اللهم إلاّأن يفترض وجود مدلول تصديقي آخر التزامي لانشاء أصل الحكم ، ولكن اجراء الإطلاق في طرفها واضح الضعف ؛ مضافاً إلى أنّ كون إطلاق المنطوق مدلولاً التزامياً ، والمفهوم مطابقياً بنفسه خلاف الوجدان ؛ وهذه كلّها من نتائج القول بالمفهوم على أساس كون المدلول التصديقي بأزاء النسبة التعليقية لا الجزاء.

ثمّ إنّ روح الجواب يرجع إلى أنّ المعلّق على الشرط ليس هو المدلول التصديقي للجزاء بل المدلول التصوري لمفاد الجزاء ، وقد تقدم استحالة أن يكون المدلول التصديقي معلّقاً ، وعلى تقديره لا يثبت المفهوم لأنّه شخص هذا الجعل وإنّما المعلّق دائماً المدلول التصوري لمفاد الجزاء ، وهذا يؤدي إلى أن يجري في الجملة الشرطية على تقدير المفهوم اطلاقان في عرض واحد الإطلاق في طرف التعليق وانّه طبيعي وجوب الاكرام المنطبق على وجوب الاكرام الخاص أيضاً. والآخر الإطلاق في الاكرام بلحاظ وقوعه طرفاً للنسبة الارسالية التامة.

ومنه يعرف انّ ما في جواب السيد 1 من ابتناء الجواب الفني على الاشكال بأن يكون المدلول التصديقي للجملة بأزاء التعليق لا الجزاء غير تام ، بل قد عرفت انّه على هذا التقدير يقع الاشكال في إمكان اجراء الإطلاق المنطوقي.


ص ١٨٠ قوله : ( التنبيه الثالث ... ).

الظاهر انّ المقصود من المجموعية ما يقابل الاستغراقية أوّلاً ، وهي غير المجموعية المذكورة في الشقّ الثالث من الفرض الثاني ثانياً ، وإلاّ لزم التداخل والخلل.

والمقصود من المجموعية في الأوّل أن يكون هناك حكم واحد موضوعه المجموع بحيث إذا لم يمتثل في واحد لم يكن ممتثلاً أصلاً بينما المقصود من المجموعية في الثاني وجود أحكام عديدة ـ كما صرّح به في ص ١٨٠ بقوله :

( لوحظ فيه مجموع الأحكام كمركب واحد ) ـ غاية الأمر الأحكام العديدة لوحظت كمجموع ومركب واحد فهذا بحسب الحقيقة من تعليق العموم المجموعي على الشرط ، ولهذا يكون بحاجة إلى قرينة على أنّ مجموع الأحكام العديدة بما هي مجموع معلقة على الشرط.

فالحاصل : المجموعية إذا كانت في موضوع الحكم في الجزاء فالحكم واحد لا أحكام عديدة ، وإذا لم تكن في موضوعه بل كان الحكم متعدداً فتارة يكون تعلّق الحكم في الجزاء بعموم أفراد الموضوع معلقاً فيكون العموم معلقاً لا أصل العام واخرى يكون العام معلقاً وعندئذٍ أيضاً تارة يلحظ مجموع الأحكام المتعلقة بالأفراد الاستغراقية بما هو مجموع أحكام معلقاً فلا ينتفي ثبوت الحكم للبعض ـ إلاّإذا قيل بالمفهوم بنكتة استفادة العلية الانحصارية ـ واخرى يكون المعلّق ذات الأحكام العديدة ، وهذا واضح.

وما ذكر صحيح ، ولكنه ليس كلياً ، إذ قد يكون العموم بالحرف ومع ذلك يكون المستفاد انّ المعلّق هو العموم والاستيعاب لا ذات العام كما في : ( إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجّسه شيء ).


ص ١٨٢ قوله : ( التنبيه الرابع ... ).

لا إشكال في فرض كون الحكم في الجزاء حكماً واحداً على مجموع العنوانين ؛ إذ مفهومه انتفاء سنخ هذا الحكم الواحد المتعلّق بالمجموع ، كما إذا قال : ( إذا رزقت ولداً وجب الصدقة على فقيرين أو مجموع الأمرين من الصدقة والصلاة ) ، ومثله ما إذا كان أمراً واحداً متعلقاً بأحد أمرين ، فإنّ هذا لا ينافي ثبوت الوجوب لأحد العنوانين تعييناً في صورة انتفاء الشرط ، فالكلام فيما إذا كان الجزاء منحلاً إلى حكمين والبحث في انّ المعلّق حينئذٍ هل هو كل منهما أو مجموع الحكمين ، فلا ينافي ثبوت أحدهما بالخصوص عند انتفاء الشرط.

ص ١٨٣ قوله : ( التنبيه الخامس : ... ).

هذا التنبيه كأنّه إشكال على مثل مبنى الميرزا من انّه إذا كان الشرط قيداً للحكم يثبت المفهوم بالاطلاق المقابل للتقييد بأو ، حيث يقال أيُّ فرق بين كون قيد الحكم بنحو الشرط أو بنحو التقييد كما في مثل : ( أكرم زيداً عند مجيئه ) بناءً على رجوعه إلى الحكم والنسبة التامة لا الموضوع.

والجواب : أمّا على مسلك السيد الشهيد في المفهوم فواضح ؛ لأنّه مبني على قبول ركنين في الشرطية : أحدهما : دلالتها على النسبة التوقفية التعليقية بين الجزاء والشرط. والثاني : كون المعلّق سنخ الحكم ومطلقه باجراء الإطلاق فيه بلحاظ التعليق.

وكلا الركنين مفقود في المقام ، أمّا الأوّل فواضح. وأمّا الثاني فلأنّ جريان الإطلاق في الحكم فرع كونه طرفاً وموضوعاً لنسبة تامة ، وهذا يتمّ في الشرطية دون الحملية لأنّ الحكم بنفسه المدلول التصديقي ، وليس طرفاً لنسبة تامة ، فلا


يجري الإطلاق فيه ، بخلاف الحكم في الشرطية فإنّه طرف وموضوع للنسبة الشرطية التامة.

وأمّا على المسلك المختار والذي أنكرنا بناءً عليه المفهوم ولكن قلنا انّه يمكن دلالة الجملة الشرطية عليه ، بخلاف الجملة الوصفيّة ، فباعتبار ما ذكرناه من تمامية النسبة الحكمية في الجزاء ، بقطع النظر عن الشرط وكون النسبة الشرطية نسبة تامة في نفسها راجعة إلى تحديد وعاء صدق الجزاء فيمكن النظر إليها واجراء الإطلاق المثبت للمفهوم فيها بلحاظ طبيعي النسبة الحكمية إذا كان المتكلّم في مقام البيان من ناحيتها ، وهذا لا يمكن في الجملة الوصفية ، وقد تقدّم شرح ذلك.

ص ١٨٤ قوله : ( التنبيه السادس ... ).

هذا التوجيه يصحّ إذا كانت ( من ) موصولة وأمّا إذا كانت شرطية فمفادها أنّ الشرط إنّما هو الجملة الواقعة بعدها فتكون في قوّة قولنا : ( إن أكرمك أحد فأكرمه ).

وبعبارة اخرى : مدلول هذه الشرطية انّه أكرم الذات التي أكرمتك إذا أكرمتك ، فالمعلّق عليه اكرامه لك لا نفس المكرم فلا يكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

وهذا الاشكال يمكن دفعه بأنّه بالدقة وإن كان كذلك إلاّ انّه بحسب مقام الإثبات والدلالة العرفية حيث انّ ( من ) مبهمة فلا محالة يكون تعينها بالشرط بحسب الاثبات فيكون موضوع الجزاء خصوص الذي أكرمك لا ذات الموصول فيكون من السالبة بانتفاء الموضوع كما في ( إن رزقت ولداً فاختنه ). فالميزان


في تشخيص ما هو موضوع الحكم في الجزاء من حيث أخذ الشرط قيداً فيه أم لا هو العرف لا الدقة العقلية.

وعلى هذا الأساس قد لا يكون مفهوم للشرطية حتى في مثل إن جاءك أحد فأكرمه ومثله إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا فإنّ الأحد والنبأ يتعين بالشرط في مثل هذه الأمثلة اثباتاً فيكون الشرط قيداً في موضوع الحكم في طرف الجزاء لا محالة وهذا بخلاف مثل أكرم زيداً إن جاءك فإنّ مجيئه ليس محققاً لموضوع وجوب الاكرام وهو زيد.

فالحاصل : تعيين ما هو موضوع الجزاء ودخل للشرط فيه إنّما يكون بحسب مقام الإثبات وما يستظهر من القضية عرفاً لا بالدقة العقلية.

وهذه النكتة صحيحة وقابلة للقبول إلاّانها لا ترتبط بكون أدوات الشرط اسماً أو حرفاً بل هي نكتة مستقلة في تشخيص صغرى ما ذكر في التنبيه الأوّل فقد تكون الأداة حرفية ومع ذلك يستظهر قيدية الشرط لموضوع الجزاء كما في آية النبأ وقد تكون اسمية ومع ذلك يستفاد المفهوم كما لا يبعد في مثل : ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) حيث انّ الحكم رتب أوّلاً وبصورة مستقلة على كل انسان ثمّ عطف عليه بالشرط أي قوله تعالى : ( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) مما يوجب استظهار انّ المعلّق عليه خصوص الشرط وهو الاستطاعة وانّ موضوع الحكم كل فرد من الناس.

لا يقال : إذا كان موضوع الجزاء هو المقيد بالشرط في مثل ( من أكرمك أكرمه ) كانت ( من ) موصولة عندئذٍ لا شرطية أي في قوّة قولك أكرم الذي أكرمك.


فإنّه يقال : بل تبقى شرطية إلاّ انّ الشرط تحقق الموضوع المقيد للجزاء فهو في قوّة قولك : ( إن وجد من يكرمك فأكرمه ) نظير قولك : ( إذا رزقت ولداً فاختنه ).

ص ١٨٦ قوله : ( وثانياً ... ).

بل لا يجري استصحاب بقاء وجوب التمام حتى إذا كان قد دخل عليه الوقت وهو في البلد ؛ لأنّ الذي يصبح فعلياً بدخول الوقت هو الجامع بين التمام المقيّد بالحضر والقصر المقيد بالسفر المقيد بالخروج كذا مقدار من البلد ، وهذا الوجوب للجامع مقطوع الفعلية لا شك فيه لكي يستصحب ، وإنّما الشك في تحقق قيده إذا صلّى تماماً أو قصراً ، فيكون من الشك في الامتثال والعلم الإجمالي بلزوم أحدهما.

ص ١٨٧ قوله : ( القطع الثالث ... ).

ينبغي تحرير البحث بالنحو الثاني :

تارة يفرض انّ الحكم في الجزاء لا يقبل التكرار كما في مثال القصر في الفريضة ، واخرى يفرض انّه يقبل التكرار كما في مثال ( إن ظاهرت فكفّر ) أو ( إن استطعت فحج ) أو ( إن ظهر العيب كان له الخيار ) أو ( إن خفي الجدران فتصدق ، وإن خفي الأذان فقصّر ) وغير ذلك من الأدلّة.

والفرض الأوّل يلاحظ عليه :

أوّلاً ـ انّه لا ينبغي ربطه مطلقاً ببحث مفهوم الشرط أصلاً ؛ لأنّه حتى إذا كانت الجملة حملية لا شرطية وقع التعارض بين الدليلين ؛ لأنّ الحكم الواحد


الذي لا يقبل التكرار في أمثال المقام حكم شخصي واحد فلا يتحمل موضوعين فلا محالة يقع التعارض بين ظهورهما ولو كانا ضمن جملتين حمليتين فإنّ انتفاء شخص الحكم ثابت حتى في الجملة اللقبية وليس هو المفهوم.

وبعبارة اخرى : انّ الجملتين ظاهرتان في تحديد مبدأ التقصير وهو إمّا أن يكون أحدهما المعيّن بخصوصه أو الجامع بينهما أو مجموعهما ، وكل منهما ظاهره أنّه يبدأ التقصير به لا بغيره وانّه مبدأ التقصير ولا تقصير قبله ، وهذا ليس من ناحية المفهوم المصطلح بل من ناحية انّ مبدأ الحكم الواحد وهو التقصير في الفريضة الرباعية لابدّ وأن يكون موضوعاً واحداً فلا يقبل التعدد لا محالة وهو مردد بين الاحتمالات الثلاثة.

ومنه يظهر انّ هذا المثال المعروف وما يكون من قبيله ليس من تطبيقات مسألة تعدد الشرط واتحاد الجزاء وبالتالي ليس من تطبيقات تعارض مفهوم الشرط في احدى الشرطيتين مع منطوق الاخرى.

نعم ، مجرد عدم قابلية الجزاء للتكرار لا يستلزم وحدة الجعل والحكم كما في مثل المسافر إذا نوى عشرة أيّام أتمّ والمسافر إذا كان شغله في السفر أتم فإنّهما جعلان رغم عدم إمكان تعدد وجوب التمام في الفريضة الواحدة ، وفي مثل ذلك لابد من فرض المفهوم والدلالة على النفي ليقع التعارض وإلاّ كانا جعلين مثبتين معاً على موضوعين ولا تنافي بينهما بوجه أصلاً وهذا بخلاف مثال خفاء الجدران والأذان مما يكون النظر في الدليلين إلى جعل واحد وهو مبدأ التقصير للمسافر.

وثانياً ـ من ناحية حكم المسألة لا إشكال في انّ الاحتمال الأوّل وهو كون


أحدهما المعيّن بخصوصه هو الشرط دون الآخر يلزم منه إلغاء أحد الدليلين في أصل ظهوره ، وهذا لا يصار إليه لأنّ ظهور الدليل في أصله أقوى وكالصريح فلا يمكن إلغائه ، ومثله حمله على المعرفية للآخر بخلاف تقييد إطلاق كل منهما بفرض وجود العدل وانّ الشرط أحدهما أو مجموعهما.

اللهمّ إلاّأن يكون قرينة على ذلك أو لا يمكن غير ذلك كما إذا كان بين العنوانين عموم مطلق بحيث يكون تحقق خفاء الجدران مثلاً ملازماً خارجاً مع خفاء الأذان بخلاف العكس فإنّه لا محالة يتعين أن يكون أحدهما بالخصوص معيناً هو الميزان والمبدأ للقصر وهذا خارج عن البحث.

وإذا دار الأمر بين تقييد كل منهما بالعدل أي رفع اليد عن الإطلاق الأولي ـ وهو تام الأركان في المقام بخلاف الجملة الشرطية لوحدة الحكم بحسب الفرض ـ أو رفع اليد عن الإطلاق الواوي فقد يقال بتقديم الإطلاق الواوي على الإطلاق الأوي ـ كما لعله المشهور ـ لأنّ التقييد بالواو أشدّ عناية عرفاً من التقييد بأو.

ويمكن أن يقرب وجهه تارة بأنّه يوجب الخلل والنقص في أصل الحكم المبيّن بالكلام حيث لا يكون ما ذكر تحققه كافياً في ترتب الحكم ، وهذا تغرير للمخاطب بخلاف ما إذا كان كافياً ، غاية الأمر هناك عدل آخر لو تحقق أيضاً كان نفس الحكم متحققاً. فكأنّ ذاك حكم آخر. واخرى بأنّ التقييد بالواو يجعل المفهوم مجموع العنوانين وهو مباين عنواناً مع أحد العنوانين أي كأنّه مخالفة لظهور اثباتي لا سلبي ، وهذا بخلاف التقييد بأو فإنّه ليس كذلك عرفاً وإن كان دقة.


فالحاصل : العرف يرى أقوائية ظهور الجملة في انّ ما ذكر فيه موضوعاً للحكم تمام الموضوع من ظهوره في عدم وجود عدل آخر له وانّ أحدهما يكفي في تحقق الحكم.

وأمّا الفرض الثاني :

فما ذكره السيد الشهيد في المقام من دخول إطلاق متعلّق الجزاء في المعارضة غريب ، فإنّه مضافاً لما سيأتي في بحث التداخل من أنّ تعدد المتعلّق نتيجة تعدد الحكم وفي طوله ليس فيه مخالفة أصلاً. انّ تقييد متعلّق الوجوب وفرض تعدده لا يرفع التعارض بين المفهوم لاحدى الشرطيتين والمنطوق للُاخرى ؛ لأنّ المفهوم نفي سنخ الحكم المتعلّق بذلك المتعلّق ولو مقيداً بفرد آخر منه ـ كما تقدم وجهه الفني في التنبيه الثاني ـ كيف وإلاّ انهدم المفهوم فإنّ انتفاء شخص الحكم الواحد ليس من المفهوم.

هذا لو كان المقصود إطلاق متعلّق الجزاء ، وأمّا لو كان المقصود إطلاق نفس الحكم وأنّه السنخ لا الشخص فالمفروض انّ الإطلاق الأوي المثبت للمفهوم هو الذي يجري بلحاظ سنخ الحكم لا شخصه وإلاّ لم يكن له مفهوم ، ففرض تعدد الحكم بتعدد السبب هو رفع اليد عن الإطلاق الأوي لا محالة في تقريب الميرزا للمفهوم.

والصحيح هنا أيضاً ما تقدم من تقديم الإطلاق الواوي على الآوي ، أو إطلاق التعليق ـ بناءً على ثبوت المفهوم للشرطية ـ لأقوائيته بالتقريبين المتقدمين ، ويمكن أن نضيف تقريباً ثالثاً للأقوائية حاصله : انّ الإطلاق المنطوقي الواوي يثبت في فرض انفراد أحد الشرطين نتيجة تكون أخصّ عرفاً من مدلول


الإطلاق المثبت للمفهوم ، فإنّ مدلوله الانتفاء بنحو السالبة الكلية والإطلاق المنطوقي نتيجته اثبات فرد آخر من حكم الجزاء في فرض تحقق الشرط الآخر وهو أخصّ من السالبة الكلية نظير ما إذا ورد : ( لا يجب اكرام العالم ) و ( قم للعالم ) ، فيقال بتقييد الاكرام غير الواجب بغير القيام ، فإنّه يجب ولا يحمل الأمر به على الاستحباب. بل المفهوم حيث انّه يقتضي إطلاق الانتفاء ـ سواء بتقريب الإطلاق الآوي أو بتقريب السيد الشهيد ـ فمفاده نفي مطلق جعل آخر بينما المنطوق في الآخر جعل آخر خاص فتكون النسبة بينه وبين المفهوم كالخاص إلى العام فهو تقييد لطبيعي الحكم المعلّق.

وهكذا يتضح أنّ المثال المعروف ليس من التعارض بين المفهوم والمنطوق للشرطيّتين كما يتضح انّ ما ذكروه من الوجوه الاخرى للجمع في غير محلّه :

منها : ما ذكره صاحب الكفاية من استكشاف عدم المفهوم أصلاً مع فرض ورود شرطيتين. وقد نسب إلى الجواهر.

وفيه : مضافاً إلى انّه لو قبلنا المفهوم للشرطية فلا وجه لرفع اليد عنه أصلاً بل عن اطلاقه لا أكثر ، فإنّ المفهوم لا إشكال في انّه يقبل التقييد والتخصيص ويبقى حجة في ما عداه.

انّ هذا لا يصحّ في المثال المعروف أي ما إذا كان الحكم في الجزاء لا يقبل التكرار ؛ لأنّ التعارض فيه ليس في المفهوم بل في المنطوق وإن كانت الجملتان حمليتين لا مفهوم لهما ، فلابد من تصرّف في المنطوق بتقييد بالواو أو بأو كما تقدم مفصلاً ، فما عن بعض من أنّا نلتزم بعدم المفهوم هنا لا ينفع لحل التعارض.

ومنها : ما ذكره في الكفاية أيضاً من رفع اليد عن ظهور الشرطية في دخالة


الشرط بعنوانه فيحمل على انّه مصداق لما هو العلّة وهو الجامع بين الشرطين ولو كنا لا نشخّصه ، لأنّ الواحد لا يصدر إلاّمن واحد ، فكل من العنوانين معرف إلى ذلك الجامع المؤثر في الجزاء.

وفيه : أوّلاً ـ بطلان تطبيق القاعدة المذكورة في الأحكام النوعية كما تقدم مراراً.

وثانياً ـ انّ هذا القانون نسبته إلى جعل الشرط والصلة هو الجامع أو المجموع على حدّ واحد ، فلا يمكن أن يعيّن به أحد الاحتمالين في قبال الآخر.

وثالثاً ـ انّ رفع اليد عن ظهور كل من الشرطيتين في دخل الشرط بعنوانه في الجزاء فيه رفع اليد عن ظهور وضعي وهو أشد تصرفاً من التقييد بالواو أو التقييد بأو ـ لو تمّ الإطلاق من ناحيته ـ أو تقييد إطلاق التعليق والمعلّق فلا يصار إلى مثل هذا الجمع إلاّمع قرينة.

ومنها : ما في الكفاية أيضاً من رفع اليد عن المفهوم في أحدهما.

وفيه : ما هو واضح من عدم ارتفاع التعارض بذلك ، سواء كان الجزاء يقبل التكرار أو لا كما هو واضح. ومن هنا ذكر في حاشية الكفاية الضرب على هذا الوجه وانّه ثبت خطأً.

ومنها : أن يلتزم بتقييد إطلاق مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر بلا تصرّف في شيء من المنطوقين.

وفيه : مضافاً إلى أنّ تقييد المفهوم أيضاً تصرّف في المنطوق ولو بنحو التقييد انّ هذا لا يفيد في الحكم الذي لا يقبل التكرار كما تقدم مفصلاً.


ومنها : ما ذكره المحقق العراقي 1 على ما في تقريرات بحثه ( نهاية الأفكار ) من فرض البحث فيما إذا كان الجزاء غير قابل للتكرار ، والجمع بين الشرطيتين بما هو المشهور ولكن بتقريب أنّه بعد فرض عدم تعدد القصر ـ في المثال المعروف ـ فلا جرم يقع المعارضة بين الشرطين حيث لا يمكن ابقاء ظهور كل منهما على حاله في الاقتضاء لترتب الجزاء عليه بالاستقلال. فيعلم اجمالاً بمخالفة ظهورهما للواقع فمن جهة ذلك لابدّ من التصرف في ناحية عقد الوضع في الشرطين إمّا برفع اليد عن قضية اطلاقهما في الاستقلال في التأثير بتقييد كل منهما بحال وجود الآخر وجعل الشرط هو مجموع خفاء الأذان والجدران وإمّا برفع اليد عن ظهورهما في الانحصار وفي الدخل بعنوانهما الخاص إمّا بجعل الشرط هو الجامع والقدر المشترك بينهما أو تقييد كل منهما في اقتضائه لترتب الجزاء عليه بعدم كونه مسبوقاً بوجود الآخر لو فرض عدم جامع بينهما كي يكون لازمه وجوب القصر بخفاء أوّل الأمرين وانتفائه بانتفائهما معاً ... وحينئذٍ ففي مقام التوفيق يدور الأمر بين رفع اليد عن أحد الظهورين ، أمّا عن ظهور الشرطين في الاستقلال بجعل الشرط مجموع خفاء الأذان والجدران كما يكون لازمه وجوب القصر عند خفاء الأمرين معاً وانتفاء وجوبه عند خفاء أحدهما وإمّا عن ظهورهما في الدخل بعنوانهما الخاص بجعل الشرط الجامع بينهما أو عن قضية ظهور اطلاقهما في الانحصار المقتضي لترتب الوجوب عليه وإن سبقه الآخر كي يلزم وجوب القصر بمجرد خفاء أحدهما ، وفي مثله نقول : بأنّه وإن كان الظهوران كلاهما بمقتضى الإطلاق ولكن يمكن دعوى تعين الثاني وترجيح ظهور الشرطين في الاستقلال على ظهورهما في الدخل بعنوانهما الخاص ، وفي الانحصار إذ على هذا الفرض كان ظهور كل واحد من الشرطين في الاستقلال في التأثير على حاله بخلاف العكس فإنّه علاوة عما يلزمه من رفع اليد عن


ظهور الشرطين في الاستقلال يلزمه أيضاً رفع اليد عن ظهورهما في الانحصار. وواضح حينئذٍ انّه عند الدوران كان المتعيّن هو الأوّل لأنّ الضرورة تتقدر بقدرها ، وعليه فكان المدار في وجوب القصر على خفاء أوّل الأمرين منهما (١).

ونلاحظ على هذا الكلام مضافاً إلى الاشكال في أصل منهجة البحث فيه ، حيث خصّص البحث عن هذه المعارضة بما إذا كان الجزاء غير قابل للتكرار ، مع انّه أعم منه.

أوّلاً ـ انّ التعارض المذكور في المثال المعروف وما يكون فيه الجعل واحداً لا يتوقف على دلالة الشرطية على الانحصار لما تقدم من انّه مع وحدة الحكم بمعنى الجعل يقع التعارض لا محالة بين الدليلين وإن كانا حمليتين ؛ لأنّ الحكم الواحد لا يمكن أن يكون له موضوعان مستقلاّن فلابد من تقييد أو تصرف فيهما إمّا بالتقييد بالواو أو بالتقييد بأو بعد فرض عدم إمكان الغاء أحدهما.

نعم ، نحتاج إلى ذلك في الجزاء الذي لا يقبل التكرار إذا كان يمكن فيه جعلان ، ولعلّه ناظر إليه.

وثانياً ـ ما ذكر من أنّ الأمر يدور بين تقييد أو تقييدين. كأنّه مستنسخ عن تقريرات الميرزا في فوائد الاصول ، وهو غير تام لوضوح انّ الظهور في الاستقلالية لو رفع اليد عنه لا يلزم منه رفع اليد عن الظهور في الانحصارية لعدم الطولية بينهما.

__________________

(١) نهاية الأفكار ج ١ ـ ٢ ص ٤٨٤.


وثالثاً ـ ما ذكر من تقييد كل من الشرطين بفرض عدم كونه مسبوقاً بوجود الآخر ، لا يرفع الاشكال في فرض وحدة الحكم بمعنى الجعل لما تقدم من انّ الحكم الواحد يحتاج إلى موضوع واحد ، ومنه يعرف انّه لابد من التقييد بالواو أو بأو ، بعد فرض عدم امكان الغاء أحد العنوانين رأساً. وما ذكر من الحمل على الجامع لو فرض وجود الجامع لا معنى له ، فإنّه لا أقل في التقييد بأو من وجود الجامع الانتزاعي وهو هذا أو ذاك.

فلابدّ من ابراز نكتة لتقديم أحد هذين الاطلاقين على الآخر ولم يبين ذلك في هذا الوجه كما هو واضح.

ص ١٩٢ قوله : ( وأمّا المسالك الاخرى ... ).

اتضح مما سبق انّ البحث لابد من فرضه في مورد إمكان تعدد الجعل ، وإلاّ ففي مثال مبدأ القصر لا ربط للمسالك المتقدمة للمفهوم بذلك ، لأنّ التعارض فيه يكون بين المنطوقين حتى إذا كانا جملتين حمليتين ، لأنّ الحكم الواحد فيه لا يكون إلاّجعلاً واحداً فلابدّ له من موضوع واحد كما تقدم.

وأمّا إذا كان الجزاء قابلاً للتكرار أو غير قابل ولكن مع امكان تعدد الجعل فعندئذٍ يكون المفهوم لكل منهما نافياً لسنخ الحكم عند انتفاء الشرط. وعندئذٍ لابد وأن يقال بأنّ المفهوم إن كان على أساس مسلك الظهور الانصرافي للشرطية إلى الفرد الأكمل وهو العلة التامة المنحصرة لسنخ الحكم لا لشخصه فهذا مقطوع البطلان أيضاً لأنّ إمكان تقييد إطلاق الجزاء بشخص حكم آخر في مورد الشرط الآخر بنفسه مخالفة للظهور المذكور ، لأنّ مفاده انحصار سنخ الحكم لا شخصه ، فإنّه ليس بمفهوم كما هو واضح. فلا وجه لما في الكتاب من التعارض بين


إطلاق الجزاء والظهور الانصرافي المذكور على هذا التقدير ، ثمّ التمسك بالاطلاق الواوي على كل حال ، وعبارة الكتاب فيها تشويش هنا.

نعم ، لو كان الانصراف إلى الأكمل بلحاظ الانحصارية فقط لا التمامية أي الظهور في الانحصارية مستقل عن التمامية وليس في طولها كما هو الصحيح ، فعندئذٍ يتمّ التعارض والتساقط لولا الترجيح ، فلا فرق من هذه الناحية بين مسلك الميرزا والشهيد 1. نعم ، قد يفرق بين هذا المسلك والمسالك الاخرى بسقوط أصل المفهوم عند التعارض في المقام بحيث لا يمكن نفي شرط وسبب محتمل آخر لنفس الحكم كما بين في الهامش.

وأمّا على المسلك الرابع ، أعني إثبات العلية الانحصارية بالاطلاق الأحوالي للشرطية لمورد تحقق الشرط الآخر وانّه يقتضي كونه علّة تامة فيه أيضاً لا جزء العلة النافي بالملازمة لسببية الآخر. فهذا الإطلاق مقطوع الكذب في المقام بحسب الفرض للعلم بوحدة الحكم وترتبه في مورد الاجتماع عليهما معاً بنحو جزء العلة. نعم ، إذا كان الجزاء قابلاً للتكرار وتعدد الحكم في مورد الاجتماع ضمن فردين منه لم يعلم بكذب هذا الإطلاق ولكنه يدخل إطلاق المتعلّق طرفاً في المعارضة للزوم تقييده بفرد آخر ـ إن قيل باطلاق فيه من هذه الناحية وقد تقدم الاشكال فيه ويأتي عن الميرزا ـ.

والنتيجة التمسك بالإطلاق الواوي على هذا التقدير بلا معارض ، فعلى هذا المسلك تختلف النتيجة عمّا كان على مسلك الميرزا والسيد الشهيد من التعارض.

كما انّه على مسلك المحقق الاصفهاني في تقريب الإطلاق تكون النتيجة هو العكس كما ذكره الاستاذ 1 في خارج البحث كما في الهامش.


ص ١٩٣ قوله : ( التنبيه الثامن ... ).

قبل البحث في مسألتي التداخل في الأسباب والتداخل في المسببات ينبغي ذكر امور تمهيدية.

منها : انّ هذا البحث غير مرتبط بثبوت المفهوم وعدمه للجملة الشرطية ، بل غير متوقف على كون الجملة شرطية أصلاً ؛ لأنّ الحديث فيه عن ما تقتضيه ظهورات المنطوق في الجملتين المشتملتين على بيان سببين لترتب حكم واحد عند تحققها معاً بل ما يقتضيه ظهور جملة واحدة عند تحقق فردين من سبب واحد خارجاً وهذا لا يتوقف على كون الجملة شرطية فضلاً عن مسألة المفهوم.

نعم إذا كانت الجملتان شرطيتين فسوف تكون هناك معارضتان وهما مستقلتان عرضيتان طرفاً ومورداً وعلاجاً كما هو مبين في الص ١٩٤.

ومنها : انّ الكلام في التداخل وعدمه مخصوص بالجمل والأوامر الانشائية لا الارشادية التي ترجع إلى الأخبار عن ثبوت شيء وعدمه لوضوح انّ تعدد سبب ثبوت شيء لا يستلزم تعدد (١) الثابت لولا نكتة اضافية ولو كون المرشد إليه حكماً وضعياً قابلاً للتكرار. ومن هنا يخرج عن بحث التداخل مثل الأمر بالغسل عند ملاقاة الدم للثوب وعند ملاقاة البول له ، وكذلك الأمر بالوضوء عند النوم وعند البول فضلاً عما إذا بال مرتين أو نام مرتين لأنّ الأمر فيها ارشاد إلى نجاسة الدم والبول ومنجسيتهما مما يلاقيانه أو ناقضية النوم والبول للوضوء ولا محذور في ذلك إذا افترضنا النجاسة والحدث حالتين متولدتين من أسبابهما وإن كانتا اعتباريتين.

__________________

(١) هذا مربوط بتقريب واحد من تقريبات عدم التداخل وهو تقريب دلالة القضية على الحدوث ولا يجري في غيره ، نعم لو كان المرشد إليه لا يقبل التكرار خرج بذاك الشرط.


ومنه يعرف انّ خروج البحث عن التداخل وعدمه في موجبات الوضوء والغسل ونحو ذلك خروج تخصصي لا تخصيصي كما هو ظاهر كلمات بعض الأعلام في المقام فراجع وتأمل.

ومنها : انّه لا دخل للبحث عن كون العلل الشرعية أسباب أو معرفات في هذا البحث كما نسب إلى فخر المحققين ، لأنّ المنظور إليه في ذلك البحث عالم مناطات الأحكام وعالم الجعل وانّ العلة المبينة للحكم يكون معرفاً لا سبباً حقيقياً للجعل كما في الأسباب التكوينية ، إذ ليس الحكم أمراً تكوينياً بل أمر اعتباري ينشؤه الجاعل باختياره ، بينما الميزان في هذا البحث بتكرر السبب بمعنى ما هو موضوع الحكم في مرحلة الترتب والفعلية لا في مرحلة الجعل فيبحث انّه هل يتحقق حكمان فعليان في الخارج أم حكم واحد ، وهذا واضح.

ومنها : انّ موضوع هذا البحث فيما إذا كان السبب والموضوع للحكم قابلاً للتكرار لا ما إذا كان غير قابل للتكرار كما إذا كان عنواناً لا يعقل أن يتكرر في الخارج ، وذلك بأن كان الوجود الأوّل منه مأخوذاً فيه كعنوان الافطار العمدي حيث انّه إذا تحقق مرة في صوم يوم واحد لم يكن قابلاً للتكرار حتى إذا أكل مرّة اخرى عالماً عامداً لأنّه بالأكل الأوّل خرج عن كونه صائماً ممسكاً فلا يكون أكله الثاني افطاراً آخر وإن كان أكلاً عمدياً آخر والموضوع أو السبب للكفارة عنوان الافطار. نعم ، يعقل التكرر هنا بالنسبة إلى صوم يومين. إلاّ انّ هنا بحثاً فقهياً صغروياً في انّ المستفاد من الآيات هل هو ترتب الكفارة على الأكل والشرب العمدي من الصائم بما هو افطار أو بما هو أكل وشرب كالجماع والاستمناء ، وقد استظهر صاحب العروة 1 الثاني ، ولا يبعد إمكان استفادته من بعض القرائن في روايات المسألة وتفصيله متروك إلى موضعه من الفقه.


ص ١٩٤ قوله : ( انّ هناك معارضتين مستقلتين ... ).

هذا صحيح ، إلاّ انّ جهة البحث في هذه المسألة ملاحظة كيفية الجمع بين الظهور في حصول الحكم وفعلية أصله بحصول فرد من موضوعه المستلزم لعدم التداخل وظهور المتعلّق للجزاء في الوحدة وصرف الوجود المستلزم للتداخل ، ولهذا يجري هذا البحث في الجملة الواحدة بلحاظ تعدد وجود الموضوع خارجاً بعد استظهار الانحلالية مع أنّه بحث بعد الفراغ عن السببية التامة والموضوعية ، وهذا واضح.

ص ١٩٥ قوله : ( وثالثة يفترض انّه أضعف من طرفه في احداهما وطرفه أضعف منه أو مساوٍ في الاخرى ... ).

في هذه الصورة يكون مقتضي الحجّية في الظهور المشترك منتفياً فيرجع في المعارضة الاخرى أيضاً للطرف الأضعف أو المساوي من جهة عدم تمامية مقتضي الحجّية في معارضه ، وليس هذا من باب الرجوع إلى العام الفوقاني بل لعدم مقتضي الحجّية في المعارض ، ولهذا لم يجعله السيد الشهيد متفرعاً على تلك النكتة ، بخلاف الصورة الرابعة حيث يكون الظهور المشترك في احدى المعارضتين مساوياً مع طرفه وفي الاخرى أقوى من طرفه فإنّه إنّما يرجع إلى الأضعف بعد التساقط لا لعدم تمامية مقتضي الحجّية في معارضه ، كيف وهو تام وإنّما سقطت فعليته بالمعارضة الاخرى مع المساوي والمفروض عرفية المعارضتين. بل النكتة أنّ الطرف الأضعف ليس داخلاً في المعارضة بحكم كونه أضعف أي محكوم للأقوى من حيث مقتضي الحجّية أي مقتضي الحجّية فيه معلّق على عدم حجّية الأقوى ، وحيث انّ الأقوى لم يكن حجة ولو من جهة


التعارض والتساقط أصبح شرط حجّية الأخف فعلياً ، فيكون حجة تماماً كما في العام الفوقاني. فنكتة العام الفوقاني مختصة بهذه الصورة كما ذكر في الكتاب ، فتدبر جيداً.

ص ١٩٦ قوله : ( المسألة الاولى ... ).

لا شكّ انّ بحث التداخل وعدمه لا يختص بما إذا كان هناك دليلان وجعلان بل يعم الجعل الواحد عند تعدد الموضوع وتكرره في الخارج كما إذا أفطر مرّتين أو ظاهر كذلك ، فيبحث عن تكرار الحكم وتعدده أو تداخله ، وهذا يعني انّ نكتة البحث وفذلكته بالدقة لا ترجع أساساً إلى التعارض بين دليلين وظهورين ، بل إلى ما يستفاد ويستظهر من الدليل حتى الواحد وإن كان منشأ الاشكال توهم لزوم تقييد الحكم أو متعلقه بفرد آخر على القول بعدم التداخل ، فيكون خلاف الإطلاق مثلاً ، فلابد من علاج هذه الشبهة ، وخير علاج له ما يأتي عن الميرزا 1 من عدم التعارض أصلاً.

وأيّاً ما كان ، ما في الكتاب لا يخلو من نقص من جهتين :

إحداهما ـ عدم التوجه إلى البحث عن عدم التداخل عند تكرر الوجود لسنخ واحد من الموضوع والسبب مع انّه كان يستحق التوجه المستقل إليه.

الثانية ـ إنّ ظاهره عدم وجود ما يقتضي عدم التداخل لأنّه قد ذكر تقريبان له.

ونوقش فيهما معاً ، فتكون النتيجة عدم وجود ما يدل على تعدد الحكم ، وهذا مقطوع انّه ليس مقصود السيد الشهيد ، خصوصاً في تعدد الوجود من سنخ واحد كما إذا أفطر مرتين في يومين مثلاً فإنّه لا يحتمل انّ السيد الشهيد 1 يرى عدم تعدد الكفارة عليه أو عدم استفادة ذلك من نفس دليل « إن أفطرت فكفّر » بل


بحاجة إلى دليل خاصّ مثلاً عليه ، بل وكذلك موارد تعدد السنخ كما إذا ظاهر وأفطر.

وعلى هذا الأساس لابدّ من وجود تقريب آخر صحيح لاستظهار ما هو الظاهر المتفق عليه من انّه مع فرض قابلية الحكم للتعدد والتكرر يكون الحكم والمسبب متعدداً بتعدد السبب والموجب له سواء كان من سنخ واحد أو سنخين.

وفيما يلي يمكن أن نذكر تقريبين أحدهما يختص بما إذا كان التكرر من سنخين والآخر يعم الفرضين.

أمّا التقريب المختص فحاصله ظهور الخطابين والدليلين ـ كقوله إن ظاهرت فكفّر وإن أفطرت فكفّر ـ في تعدد الجعل وهو يستلزم تعدد المجعول الفعلي لا محالة ، بل وتعدد الارادة التي هي روح الجعل ، وكون المجعول الفعلي أمراً تصورياً لا تصديقياً لا يضر بما هو المهم في المقام كما لا يخفى. إلاّ انّ هذا الوجه لا يمنع عن التداخل بنحو التأكد في مورد الإجماع.

وأمّا التقريب العام فهو المذكور في حاشية الكتاب من ظهور الدليل الواحد أو الدليلين في موارد الانحلالية أنّ كل فرد من الموضوع فضلاً عن كل موضوع يستتبع حكماً وارادة فعلية مستقلة في مورده فلا محالة يتعدد في مورد الاجتماع ، وهذا واضح لم يستشكل فيه أحد ، وإنّما الاشكال في الظهور المعارض المبرز لاثبات التداخل.

ص ١٩٧ قوله : ( وأمّا كيفيّة علاج التعارض ... ).

هذه هي النقطة الثالثة من النقاط الثلاث التي ذكرها السيد الشهيد للبحث.


وقد اختلفت تقريبات القوم في مقام تخريج وعلاج هذا التعارض وإثبات ما لعلّه واضح لا غبار عليه في الفقه من استفادة عدم التداخل في الأسباب والمسببات ، أي تعدد الحكم في موارد تعدد الأسباب وقابلية الحكم للتكرار وتعدد الامتثال أيضاً ، إلاّإذا كان الشرط والموضوع غير قابل للتعدد أو لم يكن الحكم انحلالياً بل ملحوظاً في الدليل بنحو صرف الوجود ، وهناك تفصيلات وأقوال اخرى أشار اليها في نهاية الأفكار (١).

وأمّا الوجوه فكما يلي :

١ ـ ما في الكتاب نقلاً عن الكفاية من تقديم الظهور المثبت لعدم التداخل كالظهور في الحدوث عند الحدوث على إطلاق الجزاء لكون الأوّل بالوضع واثباتياً والثاني بالاطلاق وسكوتياً والأوّل أقوى من الثاني.

وفيه : انّ الأمر لا يدور بين رفع اليد عن أصل الظهور في الحدوث أو الاستلزام عند حدوث الشرط أو تقييد إطلاق الجزاء بل يدور بين تقييد الحدوث عند الحدوث في خصوص مورد اجتماع السببين أو تقييد إطلاق الجزاء ، وكلاهما إطلاق وظهور سكوتي فلا مرجح.

نعم ، لو اريد التداخل في المسبب أي حمل المتعلّق في أحد الدليلين على معنى آخر بينه وبين متعلق الآخر العموم من وجه أو المطلق مثلاً ـ كان هذا تصرفاً في ظهور وضعي إلاّ انّ هذا ليس متعيناً بل بعد الأخذ بهذا الظهور لكونه وضعياً يدور الأمر بين تقييد إطلاق الجزاء أو تقييد إطلاق الحدوث عند الحدوث

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ٤٨٥.


وكلاهما ظهور اطلاقي وبمقدمات الحكمة.

٢ ـ ما ذكره المحقق العراقي 1 من انّ الأمر يدور بين التصرف ورفع اليد عن ظهور كل واحد من الشرطين في الاستقلال أو ظهور متعلق الجزاء في أحدهما في صرف الوجود فيحمل على الوجود الثاني ، وهذا يعني دوران الأمر بين تصرفين وتصرف واحد فيتعين الثاني لكونه أقل محذوراً (١).

وهذا الكلام غريب صدوره عن مثل هذا المحقق ، فإنّه يرد عليه :

أوّلاً ـ منع الكبرى ، فإنّ مجرد تعدد الظهور في أحد طرفي المعارضة لا يوجب رجحانه على الطرف الآخر بل تقع المعارضة بين ذلك الظهور الواحد في طرف والظهورين في الطرف الآخر في عرض واحد على ما حققناه في بحوث التعارض.

وثانياً ـ منع الصغرى فإنّه على تقدير القول بعدم التداخل أيضاً لابد من رفع اليد عن إطلاق المتعلق في كل واحد من الجزائين بحيث يتقيد متعلق الوجوب في كل منهما بفرد غير ما يتحقق به امتثال الآخر لفعلية الوجوبين معاً قبل الامتثال لشيء منهما فلابد وأن يكون متعلق كل منهما وجوداً من الطبيعة غير ما ينطبق عليه الآخر أي لابد من أخذ قيد الآخر فيهما معاً وإلاّ كان متعلق أحدهما منطبقاً على الآخر فيلزم اجتماع المثلين ـ بناءً على امتناع الاجتماع ـ.

لا يقال : المتعلّق في أحدهما يبقى صرف الوجود وهو ينطبق على أوّل الوجود وبه يسقط التكليف فلا ينطبق على الوجود الثاني الذي هو متعلق

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ٤٨٦.


التكليف الثاني فلا يلزم الاجتماع.

فإنّه يقال : يلزم الاجتماع في فرض ايجاد الفردين معاً في وقت واحد فإنّ نسبة صرف الوجود اليهما على حدّ واحد فيلزم الاجتماع بل هنا يلزم المحذور على كل حال حتى لو قيل بالجواز ، إذ لا تعين لصرف الوجود في أحدهما فلابد من تقييد كل من الأمرين بأحد الفردين كي لا يلزم اجتماع المثلين في واحد.

وثالثاً ـ انّه على تقدير التداخل بنحو التأكد بأن يكون أحد الشرطين علة مستقلة لحدوث أصل الحكم والآخر علة لحدوث شدته وتأكده لا يلزم أكثر من التصرف في احدى الشرطيتين لا كلتيهما ، بل حتى إذا قيل بالتداخل المطلق بلا تأكد أيضاً لا يلزم إلاّرفع اليد عن أحد الظهورين في الشرطيتين إذا وجدا بنحو متعاقب لا دفعة واحدة ، فلو تمت الكبرى التي ذكرها لزم العكس والتصرف في ظهور احدى الشرطيتين مع الابقاء على ظهور المادة في الجزاء.

ورابعاً ـ ما تقدم في الكتاب من انّ الظهور في الاستقلال ليس منشأه إلاّ الإطلاق الواوي الذي لا ينافي جزئية كلا الشرطين لحكم واحد في مورد الاجتماع.

٣ ـ انّ تبعية الجزاء للشرط ثبوتاً بلحاظ كونه من علل وجوده توجب تبعيته له عرفاً اثباتاً أيضاً فتوجب أولوية التصرف في الجزاء عند الدوران على التصرف في ناحية سببه وعلته من جهة اقتضائه أقوائية ظهوره من ظهوره (١).

وفيه : أوّلاً ـ عدم اختصاص هذا البحث بالشرطية بمعنى العلية والسببية بل

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ٤٨٧.


جار في مطلق الحكم والموضوع ولو في جملتين حمليتين كما تقدم ، وفي مثله لا يتم ملاك التبعية المذكورة.

وثانياً ـ تبعية المسبب لسببه فرع احراز وتشخيص ما هو السبب وانّه هل هو كل من الشرطين مستقلاً أو مجموعهما ، والمفروض انّ ظهور مادة الجزائين في الوحدة يقتضي انّ الشرط والسبب هو مجموعهما فلا موضوع للتبعية المذكورة ، فالمقام ليس صغرى لهذه التبعية فتأمل جيداً.

٤ ـ ما ذكره الميرزا 1 من انّ متعلق الوجوب والأمر ليس هو الطبيعة بنحو صرف الوجود المساوق مع أوّل الوجود لكي يقتضي ذلك وحدة الحكم ونفي التعدد المساوق مع التداخل كما توهم ، وإنّما متعلق الأمر ذات الطبيعة بلا أي قيد حتى قيد صرف الوجود وإنّما تستفاد حيثية صرف الوجود باعتبار وقوع الطبيعة في سياق انشاء الأمر أي طلب الايجاد كما إذا وقعت في سياق الإخبار عن وجودها والذي لا يقتضي أكثر من تحقق صرفها ، وهذا يعني انّ ما هو متعلق الايجاب والوجوب ذات الطبيعة المتحققة بأوّل الوجود منها ويكون عدم لزوم فرد آخر منها من باب عدم المقتضي حيث انّ ايجاد الطبيعة يتحقق بذلك لا من باب أخذ خصوصية صرف الوجود أو الوجود الأوّل في متعلقه.

وحينئذٍ إذا كانت الجملة انشائية أي ظاهره بحسب الفرض في جعل الوجوب في مورد كل من السببين حتى في مورد اجتماعهما ـ ولو بمقتضى إطلاق الجعلين ـ فكان لا محالة هناك ايجابان وارسالان ، وتعدد الايجاب والارسال يستلزم تعدد الموجب والمرسل نحوه لأنّهما متضايفان فلابد من اتيان فرد آخر من تلك الطبيعة لا من أجل أخذ ذلك قيداً في متعلق أحد الايجابين ليكون


خلاف إطلاق متعلقهما بل متعلقهما ذات الطبيعة على كلّ حال ، وإنّما التعدد مستفاد ومعلول لنفس تعدد الارسال والايجاب المتعلق بذات الطبيعة حيث انّه كلما تعلّق ايجادان بطبيعة تحقق وجودان منهما لا محالة كما في الايجاد والارادة التكوينية ، فلا توجد مخالفة أصلاً لظهور حتى اطلاقي في طرف متعلق الحكم في الجزاء على تقدير التعدد وعدم التداخل ليجعل ذلك مانعاً عن الأخذ بظهور الجملتين في تعدد الوجوب وعدم التداخل من غير فرق بين تعدد الشرط من جنس واحد أو من جنسين.

وهذا البيان متين لا غبار عليه وبتقريره بما قررناه يظهر عدم صحّة ما أورد عليه في كلمات بعض الأعاظم من انّه قياس لعالم التشريع والارادة التشريعية بعالم التكوين والارادة التكوينية ، فإنّه ليس المقصود هذا القياس أصلاً بل بعد فرض انّ المجعول في الخطابين البعث والايجاب الشامل باطلاقه لحال اجتماع السببين وبعد أن كان مفاد الخطاب الانشاء لا الإخبار عن ثبوت الحكم فضلاً عن الإخبار عن ثبوت الملاك أو الارادة وكان البعث والارادة والايجاب المتعلّق بذات الطبيعة بلا أي قيد مضايفاً مع الانبعاث فلا محالة يكون تعدد الانبعاث من نتائج تعدد البعث المستظهر من إطلاق الجعلين لمورد اجتماع السببين دون أن يلزم أي تقييد في متعلقهما في المرتبة السابقة.

لا يقال : إذا كان تعدد البعث مقتضياً لتعدد الانبعاث للتضايف بينهما فكيف لا يتعدد الانبعاث فيما ذا تعدد البعث في موارد تعدد العنوان كما إذا وجب شيء بعنوان كونه وفاءً بالنذر وبعنوان كونه واجباً في نفسه ـ على ما سوف يأتي في بحث التداخل في المسببات ـ.


فإنّه يقال : الانبعاث في موارد تعدد العنوان متعدد أيضاً حتى بناءً على التداخل في المسببات والاكتفاء بالفرد المجمع للعنوانين لأنّ المكلّف قد حقق كليهما دفعة واحدة بايجاد واحد ، وهذا بخلاف ما إذا كان المتعلّق عنواناً واحداً فتأمل جيداً.

٥ ـ انّ التعارض وإن كان بين اطلاقين ، إلاّ انّ الإطلاق في متعلّق الجزاء أمره دائر بين التخصيص والتخصص ، إذ لو قيد إطلاق الشرط في احدى الشرطيتين بغير مورد اجتماعه مع الآخر ارتفع موضوع إطلاق المتعلّق فيه ، إذ لا أمر آخر لكي يقيد متعلقه بالفرد الآخر من الطبيعة ، وهذا يعني انّ إطلاق مادة الجزاء في كل من الشرطيتين بلحاظ مورد الاجتماع يعلم بعدمه على كلّ حال امّا تخصيصاً أو تخصصاً ، وقد تقدم مراراً انّ أصالة عدم التخصيص والتقييد لا تجري لاثبات التخصّص.

وإن شئت قلت : يعلم اجمالاً في مورد اجتماع السببين بسقوط إطلاق المادة في أحد الجزائين امّا تخصيصاً أو تخصصاً ، وهذا يعني انّه لا يمكن التمسك بهما معاً ولا بأحدهما دون الآخر لأنّه ترجيح بلا مرجح فيبقى إطلاق الشرطيتين المثبت لتعدد أصل الوجوب وعدم التداخل على حجيته.

وهذا التقريب غير تام ؛ لأنّ إطلاق المتعلّق للفرد الآخر المتعلّق للوجوب الآخر فعلي على كل حال أي سواء كان الوجوب الآخر ثابتاً أم لا ، غاية الأمر على تقدير ثبوته يلزم التنافي بينهما لا أنّه يرتفع الإطلاق في متعلق الوجوب الأوّل ، وهذا بخلاف موارد الدوران بين التخصيص والتخصص ؛ كيف وإلاّ لصحّ هذا الكلام في تمام موارد الامتناع ، وهذا واضح.


وهذه الوجوه باستثناء الوجه المتقدم عن الميرزا 1 لا نحتاجها في مسألة التداخل وعدمه في موارد تكرر السبب من جنس واحد كما لو أفطر مرتين أو ظاهر مرتين ، فإنّ ظهور الجملة في الانحلالية وتعدد الحكم والارادة بتعدد الشرط يمنع عن انعقاد أصل الإطلاق المذكور في طرف المتعلّق في الجزاء لو فرض انّ عدم التداخل يقتضي تقييده في المرتبة السابقة فتأمل جيداً.

ثمّ انّه لا منشأ لتوهم لزوم تعدد متعلّق المتعلّق للأمر أيضاً كما إذا قال : إن ظاهرت فتصدق على فقير وإن أفطرت فتصدق على فقير فإنّه إذا ظاهر وأفطر وجب تصدقان على فقير ولو كان فقيراً واحداً ولا يستفاد كون كل منهما على فقير غير الآخر ، لأنّ ملاك التعدد على ما ظهر تعدد الأمر وهو يقتضي تعدد متعلقه المبعوث نحو ، وهو التصدق على الفقير ، والمفروض تعدده حتى إذا كانا في حق فقير واحد.

كما انّه اتضح انّ قياس المقام بباب الدوران بين التأكيد والتأسيس كما لو قال : صلّ مرتين في غير محله إذ الشك هناك في أصل وحدة الجعل المستكشف بالخطاب ثبوتاً وتعدده بخلاف المقام إذ المفروض الفراغ عن تعدده ثبوتاً بحيث لو كان لهما إطلاق لحال الاجتماع كان هناك أمران وارادتان تشريعيتان لا محالة.

ثمّ انّه قد يتصور انّ عدم التداخل في الأسباب مختص بالأوامر ، وأمّا النواهي فالأمر فيه بالعكس ، حيث لابد من الالتزام فيه بالتداخل ، فإذا قال : ( إن أحرمت فلا تقرب النساء ) ، و ( إن صمت فلا تقرب النساء ) ، وأحرم وصام ، حرم عليه النساء بحرمة واحدة مؤكدة ؛ لاستحالة تعدّد الحرمة مع وحدة المتعلّق


وهو مقاربة النساء.

وفيه : انّ الثابت هنا أيضاً حرمتان لا حرمة واحدة لأنّ ما هو متعلّق كل منهما غير ما هو متعلّق الآخر فإنّ ظاهر النواهي انّ قيود النهي قيود للحرام لا للنهي فيكون مقاربة الصائم محرمة ومقاربة المحرم محرمة كذلك ، فإذا قارب المحرم الصائم تحقق بذلك العنوانان معاً كمن شرب النجس المغصوب ، وهذا بخلاف باب الأمر فإنّ ما يقع متعلقاً للأمر مطلق من ناحية قيود الأمر والوجوب.

وإن شئت قلت : انّ المحرم الصائم باجتنابه للنساء يحقق تركين بلحاظ العنوانين المحرمين فكما يوجد زجران ومنعان يوجد انزجاران وامتناعان ، فإنّ الترك والعدم يتحصص ويتعدد بتبع ما يضاف إليه فلا تداخل.

وهذا بنفسه صادق في الأمر أيضاً إذا كان القيد راجعاً للواجب كما في أكرم عالماً وأكرم هاشمياً فإنّه إذا أكرم العالم الهاشمي يكون قد امتثل كلا الأمرين لأنّه قد حقق كلا العنوانين الواجبين ، وهذا هو مبنى القول بالتداخل في المسببات في الأوامر على ما سوف يأتي.

نعم ، هذا مبني على جواز اجتماع حكمين متماثلين على عنوانين منطبقين على معنون واحد كما هو الصحيح ، وسوف تأتي الإشارة إليه.

وهكذا يتضح انّ مقتضى الظهور مع وحدة الجزاء عدم التداخل لا في الأسباب ولا في المسببات ، لا في الأوامر ولا في النواهي ، لا في الحكم التكليفي ولا الوضعي ، ولا في الجزاء الخبري ولا الانشائي. نعم لابد وأن لا يكون الجزاء مما لا يقبل التكرار ولا يوجد قيد آخر.


نعم ، هنا مطلب مهم ينبغي ذكره ولم يتفطن له الأصحاب ، وحاصله : اننا نحسّ بالفرق وجداناً بين شرطيتين ظاهرتين في الانحلالية كما في مثل : ( إن ظاهرت فكفّر ، وإن أفطرت فكفّر ) أو مثل : ( كلّما جاءك زيد فأكرمه ، وكلما صلّى فأكرمه ) ، فإنّه يستفاد في مثل ذلك لزوم تعدد الجزاء عند تعدد الشرط وجوداً أو سنخاً. وشرطيتين غير انحلاليتين بلحاظ الشرط كما في مثل : ( إن كان زيد هاشمياً فأكرمه ، وإن كان زيد عالماً أو عراقياً فأكرمه ) فإنّه لا يستظهر منه لزوم اكرامين له إذا كان هاشمياً وعراقياً أو هاشمياً وعالماً ، بل يحكم فيه بالتداخل والتأكّد.

وأوضح منه ما إذا قال : ( أكرم العالم وأكرم الهاشمي ) ولا يمكن أن يحل هذا الاشكال بالفرق بين الموردين وانّ الأمر في المورد الثاني متعلق بالدقة باكرام الهاشمي واكرام العالم وهما عنوانان بينهما عموم من وجه فيمكن اجتماع الأمرين عليهما بخلاف الأمر بالكفارة.

لأنّه يرد عليه :

أوّلاً ـ عدم الفرق بينهما من هذه الناحية لأنّ قيود الحكم قيود للمتعلق دائماً ، فالأمر بالكفارة على تقدير الظهار أو بالكفارة المقيدة بتحقق الظهار ، ولهذا لا يجتزأ بالكفارة قبل الظهار فتكون النسبة بين متعلق الأمرين عموماً من وجه أيضاً ، فلا استحالة في اجتماع الأمرين هناك بلا حاجة إلى أخذ قيد فرد آخر في متعلّق كل منهما.

وثانياً ـ عدم إمكان اجتماع الحكمين في المقام ، ولا يقاس بأكرم هاشمياً وأكرم عالماً ، لأنّ الإطلاق بلحاظ قيود الحكم شمولي فيكون في مورد


الاجتماع حكمان على عمل واحد وهو محال ، فلابدّ من التأكد ولو من جهة لغوية تعدد الحكم بخلاف البدلي أو التقييد بفرد آخر من الاكرام ، والمشهور فيه هو الأوّل.

والتحقيق قبول الفرق والالتزام بعدم التداخل في خصوص موارد استفادة الحدوث عند الحدوث واستتباع كل شرط من سنخ واحد أو سنخين لفرد من الحكم ، وهذا يختص بموارد انحلال الشرط إلى أفراده لا مثل ( إن كان هاشمياً فأكرمه ، وإن كان عالماً فأكرمه ) ، فضلاً عمّا إذا قال : ( أكرم الهاشمي وأكرم العالم ) ، فإنّه في العالم الهاشمي لا يجب اكرامان ، لعدم ظهور في الاستتباع والحدوث عند الحدوث ليقيد به إطلاق الجزاء.

ص ١٩٨ قوله : ( المسألة الثانية ـ في تداخل المسببات ... ).

ولا إشكال في عدمه إذا كان العنوان المتعلّق به الحكم ، أعني الأمر واحداً لما تقدم من أنّ تعدد الوجوب يستدعي عندئذٍ تعدد الواجب وهذا لا يكون إلاّمع فرض تعدد الوجود ؛ اللهم إلاّأن يحمل العنوان في أحدهما على خلاف ظاهره ليتعدد العنوان وهو بحاجة إلى دليل ، فيكون مقتضى القاعدة تعدد الامتثال وعدم التداخل في المسبب ، وأمّا إذا كان متعلّق كل من الأمرين غير الآخر بأن كان هناك عنوانان مأمور بهما فإن كانا بدليين كما في متعلقات الأوامر وفي متعلّق المتعلّق إذا كان بدلياً من قبيل أكرم عالماً وأكرم هاشمياً ، فمقتضى القاعدة هو التداخل في المسبب ؛ لأنّ تحقيق المجمع لهما يكون ايجاداً للعنوانين معاً بحسب الحقيقة فيمتثلان بذلك.

نعم ، هذا مبني على القول بامكان اجتماع الأمر والنهي إذا كان أحدهما بدلياً


وإلاّ فبناءً على سراية الأمر من العنوان إلى المعنون يلزم اجتماع المثلين في المجمع وهو كاجتماع الضدين في الاستحالة. فلابد من الالتزام عندئذٍ امّا بالتأكد وفعلية وجوب واحد في المجمع ـ وهو من التداخل في السبب ـ أو تعدد الامتثال ويكون التعدد هنا تقييداً في متعلّق الأمر وزائداً على ما يقتضيه نفس الأمر ، أي تقييداً ثابتاً في المرتبة السابقة عن طروّ الأمر إذ لم يطرأ على كل من العنوانين إلاّأمر واحد لا أمران ، فيكون إطلاق المتعلّق هنا معارضاً مع ظهور الشرطية في تعدد الأمر ولا يتمّ في علاج هذا التعارض شيء من الوجوه الخمسة المتقدمة.

ومنه يظهر انّ من يقول بالامتناع والسراية إلى المعنون لا يصحّ منه أن يقول بالتداخل في المسبب وعدم التأكد على القاعدة ـ كما صدر من بعض الأعلام ـ بل يتعين عليه امّا القول بالتأكد أو القول بتعدد الامتثال وحيث انّ كلاً من الدلالتين بالاطلاق فيكون مقتضى الأصل العملي نفي الوجوب للفرد الثاني من الامتثال لأنّه الذي فيه مؤنة وكلفة زائدة بخلاف التأكد وان فرض كون الشك في السقوط على ما سيأتي توضيحه مفصلاً.

وأمّا إذا كان العنوانان المأمور بهما شموليين كما في أكرم العالم وأكرم الهاشمي فقد يقال انّه يتعيّن في ذلك المصير إلى التأكد في المجمع بمقتضى الأصل العملي المذكور بناءً على السراية في امثال المقام ، حيث لا يمكن اجتماع وجوبين على اكرام واحد في المجمع إلاّبنحو التأكد أو يكون متعلّق كل منهما وجوداً للاكرام غير الوجود الآخر ، وحيث انّه لا مرجح لأحد الظهورين على الآخر كما قلنا يتعين المصير إلى التأكد ولو بمقتضى الأصل العملي فيكون بحسب الدقة من التداخل في الأسباب بنحو التأكد.


ولكن الصحيح على ضوء ما تقدم في بحث اجتماع الأمر والنهي عدم سراية الحكم إلى المعنون من دون فرق بين العناوين الشمولية أو البدلية وإنّما يلزم المحذور في موارد الشمولية من جهة التدافع بين اقتضاء كلّ من الحكمين في صورة التضاد بينهما كالأمر والنهي ، وهذا منتفٍ في المتماثلين فلا يلزم لا محذور اجتماع المثلين في واحد لأنّ المعروض الحقيقي للحكم هو العنوان المتعدد بحسب الفرض ولو من ناحية قيده وما يضاف إليه لا المعنون الواحد ولا محذور التدافع والتضاد في الاقتضاء للحكمين لكونهما معاً يقتضيان الايجاد.

ومن هنا لم يفصّل المشهور بين أكرم عالماً وأكرم هاشمياً وبين أكرم العالم وأكرم الهاشمي من حيث الالتزام بتحقق الامتثال للأمرين معاً باكرام واحد للعالم الهاشمي من دون لزوم اكرام ثانٍ امّا للتأكيد ـ وهو تداخل في الأسباب ـ أو للتداخل في المسبّب.

وهكذا يتضح انّه لا فرق بين المثالين في المقام فإنّه لو قيل بالسراية إلى المعنون فلابد من التأكد الذي هو من التداخل في الأسباب أو التعدد في الامتثال فيهما معاً ، وعلى القول بعدم السراية فلا تداخل في الأسباب لتعدد الحكمين الفعليين ولكن يتداخلان في المسبب على القاعدة فيهما معاً.

نعم ، لو فرض أنّ قيد العالم والهاشمي كانا من قيود الحكم لا المتعلّق كما إذا قال : إن كان هذا عالماً فأكرمه وإن كان هاشمياً فأكرمه لزم القول بعدم التداخل في المسبب أيضاً وتعدد الاكرام خارجاً عند تحقق الشرطين وكان من قبيل ( إن ظاهرت فكفّر ) و ( إن أفطرت فكفّر ) ؛ لأنّ ما هو متعلق الأمر إنّما هو ذات اكرام هذا الفرد وهو طبيعة واحدة إذا تعلق بها أمران دخل المقام في موارد وحدة متعلّق الأمرين ، وقد قلنا بأنّ مقتضى الأصل فيها عدم التداخل في السبب


والمسبب وتعدد الأمر والامتثال معاً. إلاّ انّ ظاهر الجملة أخذ حيثية العالم والهاشمي قيداً في طرف المتعلّق للأمر أيضاً في بعض الموارد مثل : ( أكرم العالم ) و ( أكرم الهاشمي ) ، وانّ متعلّق الأمرين اكرام الهاشمي واكرام العالم ، وهما متعلّقان مختلفان للأمر عنواناً ، فليس المتعلّق عنواناً واحداً والشرط سبب للأمر به ليستظهر الانحلالية ولزوم تكراره في الخارج المساوق مع عدم التداخل في المسبب. وبهذا يظهر الوجه فيما ذهب إليه المشهور وأكد عليه الشيخ الأعظم 1 من أنّ مقتضى الأصل مع فرض وحدة متعلّق الأمرين عنواناً عدم التداخل في المسبب ، ومع فرض تعددهما عنواناً التداخل في المسبب.

ثمّ انّه مع الشك في تداخل الأسباب أو المسببات وعدم وجود ظهور لفظي يقتضي التداخل أو عدمه فقد ذكر السيد الخوئي 1 بأنّ مقتضى الأصل العملي هو التداخل في الأسباب وعدم التداخل في المسببات من دون فرق بين باب الحكم التكليفي أو الوضعي ، خلافاً للميرزا حيث وافق على ذلك في الأحكام التكليفية ، وامّا في الحكم الوضعي فقال بأنّه لا ضابط كلي لجريان الأصل في موارد الأحكام الوضعية ، فلابد من ملاحظة كل مورد بخصوصه والرجوع فيه إلى ما يقتضيه الأصل الجاري فيه.

امّا وجه التداخل في باب الأحكام التكليفية عند الشك في الأسباب وعدم التداخل في المسببات فلأنّ الشك في التداخل في الأسباب مرجعه إلى الشك في تعدد التكليف ووحدته ، فيكون التكليف الواحد متيقناً والزائد مشكوكاً ، فتجري البراءة عنه ، والشك في التداخل في المسببات مرجعه إلى الشك في سقوط التكليف الثاني بعد الفراغ عن ثبوته بالامتثال الواحد وهو مجرى أصالة الاشتغال.


وأمّا وجه ذلك في الأحكام الوضعية فلأنّه مع الشك في تعدد المسبب ووحدته يكون الحكم الوضعي الثاني مشكوكاً فيجري استصحاب عدمه لنفيه ومع الشك في تداخل المسبب مع العلم بتعدد الحكم الوضعي ـ كما إذا شك في ارتفاع الحدث الثاني كحدث مسّ الميّت مع الجنابة بغسل واحد ـ يجري استصحاب بقاء الحدث الثاني. فلا فرق بينهما إلاّ انّه في الحكم التكليفي الجاري هو البراءة والاشتغال وفي الحكم الوضعي الاستصحاب النافي للحكم والمثبت له ...

ولنا في المقام تعليقان :

أحدهما ـ يتعلّق بما ذكره في باب الحكم التكليفي ، فإنّ الصحيح فيه جريان الأصل المؤمن في كلا شقيه ، أي سواء كان الشك في تداخل الأسباب أو المسببات ، امّا الأوّل فلأنّه من الشك في التكليف الزائد وهو مجرى البراءة واستصحاب عدم التكليف. وأمّا الثاني فلأنّه وإن كان الشك فيه في السقوط إلاّ انّ كل شك في السقوط ليس منشأً للاحتياط وإنّما موارد أصالة الاشتغال ما إذا كان الشك في السقوط من ناحية فعل المكلّف لا من ناحية الشك في كيفية جعل التكليف الراجع إلى المولى وفي المقام من هذا القبيل ؛ لأنّه من الشك في انّ التكليف والمسبب الثاني هل يتعلّق بعنوان يتحقق خارجاً بالامتثال الأوّل أم لا ، وهذا شك في ما هو متعلّق التكليف بحسب الحقيقة وسعته وضيقه وهو شك في التكليف ومجرى البراءة واستصحاب العدم.

هذا لو اريد أصالة الاشتغال كما هو صريح كلامه.

وإن كان مقصوده استصحاب بقاء التكليف فقد يقال بجريان استصحاب بقاء


أحد التكليفين على اجماله ، حيث كان يعلم سابقاً بفعلية تكليفين ويشك في سقوطهما أو سقوط أحدهما وبقاء الآخر ، فنجري استصحاب بقاء أحدهما الواقعي وعدم سقوطه ، وهو من استصحاب شخص أحد الحكمين لا الجامع بينهما ليقال بأنّه لا يجري في الأحكام التكليفية حتى إذا كان بنحو الكلي من القسم الثاني ؛ لأنّه جامع بين ما يقبل التنجيز وما لا يقبل ـ على ما حققناه في محلّه ـ بل هذا من استصحاب بقاء شخص أحد الحكمين وهو قابل للتنجيز.

إلاّ انّ هذا الكلام غير تام ؛ لعدم وحدة متعلّق الوجوبين بناءً على عدم التداخل في المسبب ليجري استصحاب بقاء وجوبه ، بل الجاري استصحاب عدم تعلّق وجوب ثان بفرد آخر من تلك الطبيعة ؛ لأنّه على فرض عدم التداخل في المسبب يكون متعلّق كل من الوجوبين غير ما يمتثل به الآخر ، فالفرد الأوّل من الاكرام مثلاً نعلم انّه واجب إمّا بوجوب واحد أو بوجوبين ـ بناءً على التداخل في المسبب ـ ونعلم بسقوط الوجوب الواحد أو الوجوبين المتعلّقين به ونشك في تعلّق وجوب آخر بفرد آخر غير ذلك الفرد من الاكرام ، أي الوجود الثاني للاكرام ، وهذا مشكوك الحدوث ، فيجري فيه استصحاب العدم فلا يجري استصحاب شخص الوجوب المعلوم واستصحاب كلي الوجوب وجامعه من القسم الثالث الذي لا يجري عند أحد من المحققين ، وهو واضح.

ثانيهما ـ صحّة ما ذهب إليه الميرزا في الحكم الوضعي فإنّه قد يكون الجاري في مورد الشك في تداخل الأسباب ما تكون نتيجته عدم التداخل كما إذا شك مثلاً في تحقق حدث واحد أو حدثين أو نجاسة واحدة أو نجاستين بتعدد السبب وكان الرافع لكل منهما غير الآخر فيجري استصحاب بقاء الحدث أو النجاسة بعد تحقيق أحد الرافعين أو النجاسة ـ وهو جارٍ وإن كان من الكلي القسم الثاني ـ.


ص ١٩٨ قوله : ( مفهوم الوصوف ... ).

لا وجه لما جاء في المحاضرات من انّ البحث عن مفهوم الوصف ينبغي أن يكون مختصاً بالوصف المعتمد على موصوفه كما في قولك : أكرم الإنسان العالم لا قولك أكرم العالم مستدلاً في وجه ذلك بأنّه لو كان له مفهوم لزم أن يكون للقب مفهوم أيضاً (١).

والوجه في عدم صحة هذا الكلام أنّ الوصف الاشتقاقي كالعالم مدلوله العقلي والعرفي مركب من ذات له المبدأ بحيث يكون المبدأ ملحوظاً فيه كوصف لما هو موضوع الحكم وهذا بخلاف اللقب إلاّإذا كان عرفاً ظاهراً في أخذ حيثية العنوانية بما هو وصف. فيكون التقريب القائل بالمفهوم على أساس احترازية القيود تاماً في هذا القسم من الوصف كالمعتمد على موصوفه تماماً ، إذ ليس المقصود من احترازية القيود عدم لزوم التطويل والزيادة في الكلام بل المقصود به ظهور كل عنوان اشتقاقي يؤخذ في موضوع حكم في دخالة ذلك العنوان فيه ، وهذا لا يفرق فيه بين النحوين من الوصف ، ومما يؤكد هذا الكلام وضوح عدم الفرق في المفهوم الجزئي للوصف والذي يقبله السيد الخوئي 1 بين أن تقول : ( أكرم الإنسان العالم ) أو تقول : ( أكرم العالم ) ، وكذلك لا فرق بينهما في مسألة حمل المطلق على المقيّد بعد احراز وحدة الجعل.

ثمّ انّه بمراجعة ما ذكر في الكتاب يظهر وجوه اخرى للاشكال في كلمات المحاضرات فراجعها وتأمل.

ص ٢١٣ و ٢١٤ ما جاء في هامش الصفحتين متين.

__________________

(١) راجع ص ١٢٧ ج ٥.


العام والخاص

ص ٢١٩ قوله : ( الجهة الاولى ـ عرّف العموم ... ).

عرّفه في الكفاية بأنّه استيعاب أو شمول للمفهوم لما يصلح أن ينطبق عليه من أفراده.

وتوضيحه وتنقيحه يكون بالبحث ضمن نقاط :

النقطة الاولى : انّ الاستيعاب والشمول والاحاطة تارة يكون مفاداً من اللفظ وفي مرحلة الدلالة اللفظية للكلام ، واخرى يكون مفاداً في مرحلة التطبيق العقلي ، وأمّا ما هو تمام مدلول اللفظ ذات الطبيعة والمفهوم من دون نظر إلى أفراده ، غاية الأمر العقل يحكم بانطباقه وتحققه واقعاً ضمن كلّ فرد من أفراده ، حيث انّ وجود الفرد وجود للطبيعة ، فالأوّل هو العموم بالمعنى الأخص المقابل للاطلاق.

وكأنّ صاحب الكفاية 1 يريد افادة هذه الخصوصية بافتراض انّ الاستيعاب والشمول يكون ملحوظاً في مرحلة المفهوم الذي هو المدلول للفظ فلا يكفي مجرد الاستيعاب في مرحلة التطبيق العقلي.

النقطة الثانية : اعترض على صاحب الكفاية في بعض الكلمات بايرادين :

١ ـ انّه عرف العموم لشمول المفهوم لما ينطبق عليه من أفراده مع انّ العموم والخصوص ليسا من صفات المفهوم والمعنى بل من صفات اللفظ.


٢ ـ انّ هذا التعريف لا يشمل العمومات التي تكون بصيغ الجمع كالعلماء أو جميع العلماء لأنّه يشمل زيداً وعمرواً وخالداً ولكنه لا يصلح لأن ينطبق على كل واحد منه.

وكلا الاعتراضين لا يمكن المساعدة عليهما :

أمّا الأوّل : فلأنّ العموم والخصوص كالاطلاق والتقييد من صفات المفهوم والمعنى ومن العوارض الطارئة عليه واتصاف اللفظ بهما إنّما يكون بتبع المعنى باعتبار علاقة الوضع والاقتران.

وإن شئت قلت : لولا أخذ الاستيعاب والشمول في المفهوم لم يكن يتصف اللفظ بكونه عاماً فالمفهوم مع قطع النظر عما يوضع بأزائه في اللغة تارة يكون مستوعباً لتمام أفراده ، واخرى لا يكون كذلك بل يستوعب بعض أفراده ، والأوّل هو العام والثاني هو الخاص ، فالمركز الحقيقي لهذا الوصف هو المفهوم والمعنى أوّلاً وبالذات واللفظ ثانياً وبالتبع ، وهذا واضح.

وأمّا الثاني : فلأنّ الجمع المحلّى باللام يكون مركباً من دوال عديدة مادة العالم الدالة على الطبيعة وهيئة الجمع الدالة على الافراد واللام الدال على الاستيعاب ـ بناءً على افادته العموم ـ وسوف يأتي انّ العموم يستفاد من ذلك بنحو المعنى الحرفي ويكون المفهوم المستوعب لأفراده هو اسم الجنس ( العالم ) أو المنطبق على زيد وعمر وخالد.

والحاصل المراد استيعاب المفهوم المستوعب لما يصلح أن ينطبق عليه من افراده ، والمفهوم المستوعب في العموم بصيغة الجمع هو اسم الجنس لا صيغة الجمع بتمامه كما هو الحال في ( كل عالم ) أيضاً ، فإنّ الذي ينطبق على زيد وعمرو وخالد ليس ( كل عالم ) بل عالم ، فتأمل جيداً.


نعم ، ترد مناقشة اخرى على تعريف صاحب الكفاية حاصلها :

انّ استيعاب مفهوم لما ينطبق عليه إن كان بمعنى أن يلحظ المفهوم الواحد مرآة لتمام أفراده ، فهذا غير معقول على ما تقدم في مبحث الوضع من انّ العنوان الجامع لا يمكن أن يكون فانياً إلاّفي الحيثية المشتركة التي يكون العنوان حاكياً عنها والتي لا تزيد على ذات الطبيعة شيئاً ، وامّا الكثرة والافراد فلا يعقل أن ترى من خلال ذلك العنوان ومن هنا قلنا باستحالة الوضع العام والموضوع له الخاص من دون استعمال مفهوم زائد على الطبيعة والجامع الذي يراد الوضع بأزاء أفرادها ، وإنّما يصحّ ذلك بأخذ مفهوم التكثر أو الافراد مضافاً إلى ذلك الجامع لرؤية أفراده.

وإن اريد أخذ مفهوم الاستيعاب والعموم بنحو المعنى الاسمي أو الحرفي وضافته إلى مفهوم آخر لكي يستوعب كل أفراده فهذا صحيح إلاّ انّه كان ينبغي تعريفه باستيعاب مفهوم لأفراد مفهوم آخر لا استيعاب مفهوم لأفراد نفسه ، فإنّه كاستيعاب اسم المركب لأجزائه ، فإنّه ليس عموماً اصطلاحياً.

ولعلّ مقصود صاحب الكفاية ذلك أيضاً بأن لاحظ المفهومين كمفهوم واحد ؛ لأنّ المفهوم المضاف أو أداة العموم الحرفي ليس إلاّمن أجل ايجاد النسبة الاستيعابية للمفهوم المدخول لأدوات العموم مع أفراده أو أجزائه ، فكأنّ المفهوم والطبيعة المفاد بهما واحد لا متعدد.

ثمّ انّه جاء في تعبيرات جملة من المحققين تقسيم العموم إلى العموم بنحو المعنى الاسمي والعموم بنحو المعنى الحرفي الذي يقصد به واقع الاحاطة والاستيعاب أو النسبة الاستيعابية بين الطبيعة وأفرادها ، وقد يمثل له بالجمع


المحلى باللام بناءً على استفادة العموم منه. بينما العموم بنحو المعنى الاسمي يراد به نفس مفهوم العموم والشمول والاستيعاب ، وربما يستفاد من تقريرات الشيخ العراقي 1 (١) انّ العموم حقيقته هو المعنى الحرفي دائماً وامّا العموم الاسمي فما هو المدلول الاسمي فيه هو الكم والمقدار الأعلى والذي لازمه الاحاطة والاستيعاب بنحو المعنى الحرفي. وهذا المعنى وإن كان صحيحاً في نفسه إلاّ انّه لابد من تمحيصه.

وحاصله : انّ الاستيعاب حالة ونسبة بين المفهوم المستوعب والأفراد غاية الأمر هذه الحالة أو النسبة تارة تفاد بدال حرفي يدل على انّ مدلول اسم الجنس وهو الطبيعة قد لوحظت فانية في أفرادها ، واخرى تفاد من خلال مفهوم اسمي تبعي بحاجة إلى الاضافة إلى الطبيعة نظير أسماء الموصول والإشارة ، فكأنّه يكون هناك مفهوم اسمي اضافي لازم الدلالة على ملاحظة الطبيعة بما هي فانية في أفرادها ، وفي هامش الكتاب ص ٢٢٠ ما يفيد في المقام أيضاً فراجع.

النقطة الثالثة : قسّم العموم في كلمات الأصحاب إلى أقسام ثلاثة : البدلي والاستغراقي والمجموعي ، والأوّل هو الذي يكون كل فرد من الأفراد موضوعاً على البدل ، والثاني ما يكون كل فرد منها موضوعاً على حدة وفي عرض موضوعية الفرد الآخر ، والثالث ما يكون الجميع موضوعاً واحداً بحيث يكون كل فرد جزء الموضوع.

ولا إشكال في ذلك ؛ إنّما الاشكال في تخريج ذلك وهل انّ هذه الاقسام ترجع إلى العموم نفسه أم لا؟ فبرزت نظريات عديدة.

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ٥٠٤.


الاولى : ما ذهب إليه في الكفاية من أنّ هذا يرجع إلى الاختلاف في كيفية تعلّق الحكم بالمقام.

وفيه : أوّلاً ـ وضوح ثبوت الفرق المذكور بين الاقسام لأدوات العموم تصوراً وقبل مرحلة الحكم على شيء منها ، فهناك تصور يأتي في الذهن من كل عالم يختلف عن واحد من العلماء وعن مجموع العلماء.

وثانياً ـ انّ كيفية تعلّق الحكم يرجع إلى كيفية الموضوع المأخوذ في الحكم وتابع له من حيث كونه واحداً أو متكثراً استغراقياً أو مجموعياً.

الثانية : ما ذهب إليه المحقق العراقي 1 من انّ المجموعية والاستغراقية كما ذكره الخراساني ولكن البدلية تختلف عنهما مع قطع النظر عن تعلّق الحكم ، إلاّ انّه لا يرجع إلى فارق في العموم ومدلول أدواته ، بل إلى فارق في مدخوله حيث انّه تارة يكون الجنس أو الجمع كان استغراقياً أو مجموعياً ، واخرى يكون النكرة ، فحيث انّه أخذ قيد الوحدة فيه فلا محالة يكون عمومه بدلياً لا شمولياً ، وإلاّ كان خلف الوحدة.

والجواب عن الجزء الأوّل اتضح ، وعن الجزء الثاني بما في الكتاب ص ٣٢٣ من النقض أوّلاً بكل رجل الاستغراقي وأيّاً من الرجال البدلي. وثانياً بأنّ هذا قد يتم بناءً على كون العموم استيعاب مفهوم لمصاديق نفسه لا استيعاب مفهوم لمصداق مفهوم آخر ، فإنّه حينئذٍ يعقل كلا نحوي الاستيعاب البدلي والاستغراقي سواء كان المفهوم الآخر منكراً أم لا.

الثالثة : ما ذهب إليه السيد الخوئي 1 من انّ منشأ الاختلاف راجع إلى كيفية ملاحظة الطبيعي في موضوع الحكم ، فإنّه تارة يلحظ من دون لحاظ فنائه في


أفراده كما في القضية الطبيعية الإنسان نوع فلا صلة له بالعام والخاص ، واخرى يلحظ بما هو فانٍ في أفراده وعندئذٍ تارة يلحظ فانياً في أفراده على نحو الوحدة في الكثرة يعني يلاحظ الأفراد الكثيرة واقعاً وحقيقة في ضمن مفهوم واحد وتلغى جهة الوحدة بين الأفراد في مرتبة الموضوعية فيكون استغراقياً ، واخرى يلحظ فانياً في الأفراد لا على نحو الوحدة في الكثرة بل على نحو الوحدة في الجمع فتلغى التكثرات في مرتبة الموضوعية ويلاحظ المجموع موضوعاً واحداً وهذا هو المجموعي ، وثالثاً يلحظ فانياً في صرف وجوده في الخارج ويجعل الحكم عليه ، فجهة الكثرة وجهة الجمع كلتاهما تلغيان في مرتبة الموضوعية ، يعني لم يؤخذ شيء منهما في الموضوع فيكون بدلياً ، والموضوع واحداً من الأفراد لا بعينه.

وفيه : أوّلاً ـ انّ هذا لا يختلف عمّا ذكره صاحب الكفاية 1 لبّاً وروحاً من حيث ارجاع الاختلاف بين الأقسام إلى كيفية لحاظ الموضوع في مرحلة جعل الحكم والموضوعية ، وقد عرفت انّ الأقسام الثلاثة ثابتة بقطع النظر عن ترتيب حكم أصلاً على كل قسم وانّ الاختلاف ثابت في مرحلة المفاهيم الإفرادية والمدلول التصوري لأنواع العموم.

وثانياً ـ انّ فناء الطبيعة في أفرادها بالأنحاء الثلاثة غير معقول على ما تقدم ، فإنّ الطبيعة لا تحكي إلاّذاتها.

وثالثاً ـ انّ هذه الأنحاء الثلاثة من الفناء للطبيعة في أفرادها إذا كانت معقولة لم يبق فرق بين العموم والإطلاق فإنّه في المتعلّق الاستغراقي والبدلي أيضاً يكون الفناء بالنحو المذكور فلم يبق فرق بين البابين بعد أن كان النظر في هذه القضايا إلى الخارج لا محالة.


وإن شئت قلت : انّ الفناء لو كان لنفس الطبيعة فبعد أن تنصب القرينة على انّ القضية ليست طبيعية بل بلحاظ الخارج لا يبقى فرق بين المطلق والعام من ناحية الدلالة على الأفراد بأحد الأنحاء الثلاثة.

الرابعة : ما ذهب إليه السيد الشهيد 1 وجملة من المحققين ـ كالإمام الخميني 1 في تقريرات بحثه ـ من انّ الأقسام الثلاثة ثابتة في المدلول التصوري الافرادي للعموم وانّ هناك فرقاً وضعياً بين واحد من العلماء ومجموع العلماء وكل عالم من العلماء مع قطع النظر عن تعلّق الحكم والمدلول التركيبي للكلام. وهذا الكلام ظاهره انّ نفس العموم والشمول يكون له أقسام ثلاثة على حدّ الفرق بين مفهومي الجميع والمجموع.

وهذا الكلام بحاجة إلى تمحيص ، فإنّه ربما يناقش في ذلك بأنّ العموم والاستيعاب واحد دائماً ، وإنّما الاختلاف المذكور ناشىء من المدخول وكيفية ملاحظته مع مفهوم العموم والاستيعاب ، امّا في الاستغراقية والمجموعية فباعتبار أنّ مدخول الأداة في المجموعي هو تمام الأفراد بما هو أمر واحد ، فالوحدة ملحوظة في مدخول أداة العموم ، فيكون مفادها استيعاب كل فرد من المجموع كأجزاء لذلك الأمر الوحداني ، وهذا بخلاف ما إذا لم تلبس الأفراد ثوب الوحدة فيكون الاستيعاب افرادياً واستغراقياً لا محالة ، هذا إذا دخل كل على الجمع ، وامّا إذا دخل على الفرد نحو ( كل عالم ) فلا اشكال في استغراقيته.

وأمّا البدلي أعني ( أي ) فيمكن أن يكون موضوعاً للعموم البدلي المباين مع الاستغراقي ، فإنّ الأوّل كالاشارة المرددة ، والثاني كالاشارات العرضية إلى الأفراد.


إلاّ انّه مع ذلك يمكن دعوى أنّ الترديد ناشىء من أخذ قيد الوحدة في الإشارة وعدم التكثر ، أي انّ البدلية ثابتة بنحو التنوين ونحوه المحفوظ حتى في المطلق البدلي ، وأمّا العموم فهو طارىء على ذلك لاثبات انّ هذا الترديد والبدلية عام في تمام الأفراد من دون فرق بينهما ، فالعموم عموم للبدلية مفاد باللفظ بخلاف المطلق حيث يكون عموم البدلية فيه مفاداً بالاطلاق ومقدمات الحكمة فيكون العموم واحداً في الأقسام الثلاثة.

وقد يجعل الدليل على ذلك شهادة الوجدان بوحده معنى العموم ومدلول أدواته في جميع الأقسام ، وانّه ليس له أوضاع متعددة خصوصاً كل المستعملة في المجموعي والاستغراقي.

هذا ولكن الصحيح انّ أدواة العموم كما تقدم حالها حال أسماء الإشارة والموصولات من حيث انّ معانيها غير تامة في نفسها ، بل هي حالة في غيرها ؛ ومن هنا اعتبرت كالمعاني الحرفية غير مستقلة بذاتها وهذا يعني أنّها وضعت للاشارة إلى الأفراد أو الأجزاء من مدخولها وملاحظة تمام وجوداتها في الخارج والإشارة اليها وضعاً ، ومن الواضح (١) انّ هناك ثلاث كيفيات من

__________________

(١) هذا لا ينافي أن يكون من باب تعدد الدال والمدلول بمعنى أنّ المجموعية لا إشكال في انّها بحاجة إلى ملاحظة الوحدة للعلماء المدخول عليها أداة العموم بحيث يلحظ كل فرد كجزء منه ، وهذا يكون بدال آخر وإلاّ يلزم أن يكون كل الداخلة على الجملة مشتركاً لفظياً بين معنيين وهو خلاف الوجدان. وأمّا العموم البدلي فالظاهر انّه كذلك أيضاً بمعنى انّ ( أي ) ليست موضوعة للدلالة على العموم البدلي ؛ بل هو اسم للاشارة البدلية إلى الفرد وهي غير العموم الذي هو الاستيعاب والشمول ، نعم فيها خصوصية الإشارة إلى الأفراد بدلاً. ولا مشاحّة في الاصطلاح ، ولعلّه مراد الميرزا حيث أنكر العموم البدلي.


الإشارة إلى الخارج ثبوتاً وذهناً الإشارة إلى تمام الوجود الواحد ـ ولو كان واحداً اعتباراً كالمجموع ـ وهذا هو العموم الاجزائي والإشارة إلى كل فرد من أفراد الطبيعة عرضاً والإشارة إلى كل فرد منها بدلاً ومردداً ؛ فلا محالة لابد من دوال ثلاثة لذلك وإن كانت تشترك الدوال في جنس الإشارة إلى تمام الوجود الخارجي ، إلاّ انّ هذا جامع مشترك بين الاشارات نظير جامع الإشارة في أسماء الإشارة ولا يتحقق إلاّضمن أحد أنحاء ثلاثة ، ومن هنا كان لابد من أوضاع متعدّدة ، ويشهد على ما ذكرنا وضوح الفرق بين الإشارات الثلاثة في كل اللغات ، فهناك ( همه ) (١) و ( هر ) وهما للعموم الاستغراقي و ( هر كدام ) ولعله للبدلي في اللغة الفارسية التي تقابل ( كل الاجزائي ) و ( كل الأفرادي ) و ( أي ) في العربية ، فما ذهب إليه الاستاذ والسيد الإمام هو الصحيح.

وبهذا أيضاً يعرف لماذا كانت المجموعية خلاف الأصل ، لأنّ ملاحظة الطبيعة بلحاظ أفرادها بما هي أمر واحد اعتباراً عناية زائدة بحاجة إلى قرينة ، وإلاّ كان مقتضى الأصل انّ الإشارة بالعام إلى افرادها وسوف يأتي مزيد اشارة إلى ذلك.

ثمّ انّ النقطة الرابعة واضحة لا تحتاج إلى مزيد بيان.

النقطة الخامسة : أفاد الاستاذ بأنّ العموم تارة يكون اجزائياً واخرى افرادياً وكل تستعمل فيهما معاً ، فإنّه إذا دخلت على المعرفة أفادت الاستيعاب الأجزائي وإذا دخلت على النكرة أفادت الاستيعاب الأفرادي ، إلاّ انّ هذا لا يرجع إلى اختلاف مدلول الأداة في الموردين ، بل الاستيعاب واحد ، والاختلاف في المدخول ثمّ أفاد في تقريب ذلك محاولتان :

__________________

(١) وهو للاستيعاب الاجزائي وهو العموم المجموعي بحسب الحقيقة حينما يكون المدخول جمعاً.


إحداهما : للمحقق العراقي من أنّ المدخول إذا كان معرفاً فاللام يفيد التعيين وهو ينافي الاستيعاب الأفرادي فيكون أفرادياً لا محالة.

وفيه : أوّلاً ـ لزوم إمكان النوعين في دخول الأداة على النكرة لمعقولية كلا الاستيعابين فيه فلماذا يكون استغراقياً دائماً.

وثانياً ـ لو اريد من التعيين في اللام مطلق التعريف لا التعيين الخارجي الحقيقي فهذا لا ينافي مع معقولية الاستيعاب الافرادي فيه ويكون اسم الجنس المعرف كاسم الجنس المنكر من حيث عدم التعيين الخارجي.

وإن اريد التعيين الحقيقي الخارجي فلماذا لا يختص الاستيعاب الأجزائي بخصوصه من المعارف مع انّا نجده كذلك في جميع المعارف كما في ( سرق كل مال زيد ) ، و ( جئني بكل العشرة ).

الثانية : ما اختاره السيد الشهيد 1 من أنّ الأصل الأولي يقتضي أن يستفاد من كل الاستيعاب الاجزائي لأنّ المدخول باطلاقه الأولي يقتضي صدقه على تمام أجزائه ، وامّا ملاحظة الأفراد منه فبحاجة إلى مؤنة دال آخر ولو من قبيل تنوين التنكير الدال على البدلية والإشارة إلى فرد ، فيكون قرينة على التكثر الأفرادي ، فالاستيعاب اجزائي بطبعه الأولي وافرادي بدال آخر يؤخذ في المدخول وهو التنوين ، وإذا كان المدخول جمعاً يمكن فيه كلا الأمرين ، ولكن الأظهر فيه هو الأوّل أيضاً لأنّ المدخول هو الجمع وهو لا يصدق على كل فرد بل على الجمع الذي يكون كل فرد جزءً فيه كما هو الحال عند دخوله على أسماء الأعداد.

ودعوى : عدم صحة استثناء الجزء من الكتاب في قولك : ( قرأت كل الكتب إلاّ صفحة من كتاب كذا ) مما يدلّ على عدم كون هذا العموم أجزائياً بل افرادي ؛


ولهذا لابدّ من أن يكون المستثنى أيضاً افرادياً.

مدفوعة : بأنّ أجزاء الجمع أو العدد هي كل مرتبة من العدد أو الجمع ، وأمّا أجزاء الكتاب الواحد فهي أجزاء المعدود وليس هو المدخول.

نعم ، في المثنى كما في قولك : قرأت كل الكتابين ، الظاهر هو الاستيعاب لأجزاء الكتابين لعدم مناسبة الاثنين مع التكثر والاستيعاب الأفرادي.

وهذه المحاولة فيها مناقشة من جهات :

أوّلاً ـ انّ تنوين التنكير لا ينافي الاستيعاب الاجزائي لذلك المنكر فلماذا لا يقال اقرأ كل كتابٍ بمعنى تمام أجزاء الكتاب كما في قرأت كتاباً كلّه ، فلابد من عناية اخرى سوف تأتي الإشارة اليها.

وثانياً ـ انّ الظاهر كون الاستيعاب افرادياً في الأداة الداخلة على الجمع لا اجزائياً وإلاّ احتيج إلى ما يعين الجمع في أعلى المراتب ولا معين خصوصاً إذا كان مجرّداً عن اللام كما في أكرم علماء البلد ، فيكون العموم متوقفاً على الإطلاق في المرتبة السابقة لاثبات أعلى المراتب ، وهو واضح البطلان فاجزائية الاستيعاب تنافي كون العموم المستفاد وضعياً بخلاف افراديته.

وثالثاً ـ إنّ لازم هذا أن يكون استفادة العموم المجموعي من أداة العموم الداخلة على الجمع على القاعدة مع انّه على خلاف القاعدة بالاتفاق ، وهذا منبه آخر على كون العموم والاستيعاب في الجمع افرادياً لا اجزائياً.

فالصحيح انّ هناك عمومين عموم اجزائي يرادف جميع وتمام وعموم افرادي يرادف كل فرد ، والأوّل لا يدخل إلاّعلى ما فيه اجزاء ، ومنه الطبيعة الصادقة


على الكثير والقليل بصدق واحد فإنّ أفراده تكون أجزاءاً له بهذا الاعتبار. والثاني يدخل على الطبيعة التي تصدق على المفرد فقط كالعالم والإنسان ولو لم يكن منكراً كما في أكرم كل عالم قرية ، وكذلك على الجمع حيث يلحظ فيه التكثر الافرادي والتعدد الوجودي ، ومن هنا كانت المجموعية فيه خلاف الأصل.

أو يقال بأنّ كل موضوعة للدلالة على استيعاب تمام الوجود الخارجي لما يصدق عليه مدخوله ، فإذا كان مدخوله منكراً أو جمعاً بحيث يكون له مصاديق عديدة كان الاستيعاب لتمام المصاديق لا محالة فيكون افرادياً ، وإذا كان له مصداق واحد له أجزاء سواء كان معرفة أم لا كان العموم اجزائياً فيكون معنى العموم واحداً فيهما ، والاختلاف من ناحية المدخول ، وفي الجمع حيث يكون الصدق والوجود الافرادي محفوظاً للجمع سواء بلحاظ مادة المفرد أو الجمع كان الاستيعاب افرادياً لا محالة لا اجزائياً من دون حاجة إلى تعيين المرتبة الأعلى بالاطلاق أو بدال آخر.

ثمّ انّ الظاهر انّ أداة العموم الداخلة على الجمع تفيد الاستيعاب الأفرادي لمدلول مادة الجمع وهو المفرد لا للجمع ، ولهذا يصح استثناء المفرد منه ولا يتوقف على أن يكون المستثنى جمعاً كثلاثة فصاعداً مع انّه لو كان الاستيعاب بلحاظ مصاديق الجمع بما هو لم يصح ذلك.

وأمّا التثنية فاستفادة العموم الأجزائي فيه مخصوص بما إذا كان معرفاً وعندئذٍ يكون تمام وجوده أجزاء الكتابين بخلاف ما إذا لم يكن معرفاً وقابلاً للصدق على كل تثنية ، كما في مثال ( من كل زوجين اثنين ) فيكون الاستيعاب افرادياً لا محالة كالمفرد تماماً.


ص ٢٢٦ قوله : ( الجهة الثانية ـ في أدوات العموم ... ).

اختلف في وضع ( كل ) للدلالة على استيعاب ما يراد من مدخوله بحيث يكون بحاجة إلى احرازه في المرتبة السابقة بالاطلاق ومقدمات الحكمة أو ما ينطبق عليه مدخوله فلا يتوقف استفادة العموم على اجراء الإطلاق في مدخوله؟ ذهب الميرزا إلى الأوّل ، والمشهور إلى الثاني.

والبحث نورده في مقامين :

المقام الأوّل ـ في محاذير قول الميرزا :

فقد نوقش في كلام الميرزا باعتراضات ثلاثة :

١ ـ لزوم اللغوية في الوضع.

وفيه : أوّلاً ـ لا لغوية لُغَويِّة ؛ لاختلاف المدلولين والمفهومين كما هو مشروح في الكتاب.

وثانياً ـ استفادة الشمولية والبدلية في عرض واحد.

وثالثاً ـ استفادة الشمولية في مورد الإطلاق البدلي.

٢ ـ استحالة ذلك للزوم عروض الاستيعاب العمومي على المستوعب الاطلاقي وهو محال ، لعدم قبول المماثل للماثل.

وفيه :

١ ـ انّ الإطلاق لا يدل على الاستيعاب أصلاً.

٢ ـ النقض بكل العلماء بناء على افادة الجمع المحلّى للعموم.

٣ ـ وحدة الاستيعاب وتعدد الدال عليه.


٣ ـ عدم إمكان التصريح بالعموم لكونه في طول الإطلاق دائماً وهو خلاف الوجدان.

وفيه : لو اريد ذلك في كل مع مدخوله فهو عين المدعى ، ولو اريد في كل مورد فالجواب إمكان التصريح بالعموم بالدلالة اللفظية على عدم أخذ القيد مع المدخول جداً. نعم قد يرجع هذا الايراد إلى إلى دعوى الفرق الوجداني.

والصحيح في بيان ما يلزم على مسلك الميرزا من المحاذير أن يقال :

تارة يراد وضع ( كل ) للدلالة على استيعاب ما يراد جدّاً من مدخوله ، واخرى يراد الاستيعاب ما يراد استعمالاً ، وثالثة استيعاب ما هو المدلول التصوري للمتكلم من اللفظ بحيث لابد من تحديد ما تصوره المتكلم في المرتبة السابقة ، والكل فيه محذور ؛ أمّا الأوّل فلأنه :

١ ـ يلزم منه عدم ثبوت العموم في موارد عدم الجد كالهزل ونحوه.

٢ ـ وأن لا يكون ارتباط بين المدلول التصوري للأداة وسائر المداليل التصورية لمفردات الجملة في مرحلة المدلول التصوري ، فالجملة كأنّها لا مدلول التصوري مترابط لها ، لأنّ مدلول ( كل ) مضاف إلى ما هو المراد الجدي منها ابتداءً وهذا خلاف الوجدان ، بل برهنا في بعض البحوث السابقة على استحالته لعدم معقولية اضافة مدلول تصوري إلى مدلول ومراد تصديقي ، اللهم إلاّ أن يراد اضافته إلى مفهوم المراد الجدي الذي يكون واضح الضعف.

٣ ـ والتهافت في اللحاظ لأنّ المدلول الجدي بحسب لحاظ المتكلم وارادته متعلق بما هو المدلول التصوري فيكون المدلول التصوري متقدماً عليه ، فإذا كان


المدلول التصوري للأداة مضافاً إلى المدلول الجدي ومتأخّراً عنه لزم التهافت في اللحاظ.

وأمّا الثاني : فإن اريد بالمراد الاستعمالي المدلول التصديقي الاستعمالي فيرد عليه نفس الاعتراضات الثلاثة المتقدمة ، لكونه مدلولاً تصديقياً. وإن اريد به ذات المعنى المستعمل فيه اللفظ المتعلّق للارادة الاستعمالية لا بما هو متعلق للأرادة الاستعمالية التصديقية فهذا رجوع إلى المبنى الأوّل إذ ذات المعنى المستعمل فيه اللفظ هو نفس المعنى الموضوع له اللفظ فلا يحتاج إلى الإطلاق ومقدمات الحكمة لنفي القيد ، لأنّ استعمال اسم الجنس في المقيد مجاز بالاتفاق فتكون أصالة الحقيقة التي هي نفس الظهور الاثباتي الوضعي ـ لا الاطلاقي والسكوتي ـ دليلاً على العموم بلا حاجة إلى مقدمات الحكمة.

وأمّا الثالث : فلأنّه مع غرابته ولزوم ارتباط مدلول ( كل ) بما يتصوره المتكلم من مدخولها بما هو أمر تصديقي لا يوجد أصل يشخّص ما هي المداليل التصورية للمتكلم ، وإنّما الموجود أصالة الحقيقة الايجابي وأصالة الإطلاق السلبي كما تقدم.

والحاصل : إذا اريد وضع كل لاستيعاب المراد بمعنى ما تصوره المتكلم سواءً كان معنى للفظ أم لا حقيقياً أو مجازياً فلا أصل عقلائي يحرز ما تصوره المتكلم من اللفظ مضافاً إلى انّه حيث لا متكلم فلا مدلول لكل ، ومضافاً إلى كونه مدلولاً تصديقياً لا يمكن اضافة المدلول الوضعي إليه إلاّبأن يراد به مفهوم ما تصوره المتكلم وهو واضح السخف ، وإن اريد وضعه لاستيعاب المراد الاستعمالي أو الجدي بما هما مدلولان تصديقيان لزم ما تقدم ، وإن اريد وضعه لاستيعاب ذات


المعنى المستعمل فيه بما هو مدلول تصوري فهذا عين المسلك الأوّل المستغني عن الإطلاق ، لأنّ أصالة الحقيقة تنفي اضافة الاستيعاب إلى المقيد ، إذ يلزم من استعمال اسم الجنس في المقيد المجازية.

المقام الثاني : في المحذور الذي تصوره الميرزا على المسلك المشهور وعلى أساسه عدل عنه وبرهن على مسلكه :

وحاصله : انّ اسم الجنس موضوع للطبيعة المهملة أي الجامع بين المطلقة والمقيدة ، بل الجامع بينهما وبين اللابشرط المقسمي المحفوظ ضمن المعقول الثاني أيضاً ؛ وهذا يعني انّه لابد في المرتبة السابقة من تعيين مدخول الأداة وهو اسم الجنس في الطبيعة المطلقة من هذه الأقسام الثلاثة ليضاف اليها أداة العموم والاستيعاب ، وليس هو إلاّالإطلاق ومقدمات الحكمة ، لأنّ المدلول الوضعي وهو الطبيعة المهملة الجامعة لا معنى لاضافة الاستيعاب اليها لكونها لا تقبل الانطباق على الأفراد لكونه جامعاً بين ما يقبل الانطباق وما لا يقبل وهو الطبيعة المقيدة فلا يقبل الانطباق.

وقد أجاب عليه في المحاضرات بأنّ الأداة هي التي تدل على انّ مدخولها لوحظ كطبيعة مطلقة فانية في أفرادها ، بخلاف موارد الإطلاق ، فكأنّ العموم عبارة عن التصريح بالاطلاق.

وفيه : أوّلاً ـ إن اريد دلالة الأداة على ذلك في طول دلالتها على الاستيعاب كمعنيين طوليين فهو واضح البطلان ، إذ حال الأداة حال سائر موارد تعدد الدال والمدلول ، وإن اريد دلالته عليه فقط فخلف استفادة الاستيعاب منها.

ثانياً ـ لو جعلت الأداة قرينة على انّ مدخولها مستعمل في المطلقة كمدلول


تصوري لزم المجاز لعدم كونها المعنى الموضوع له وإنّما المعنى ذات الطبيعة ، فخصوصية الإطلاق كالتقييد خارج عن المعنى ، ولو جعلت قرينة على انّ المدلول التصديقي ذلك أي على عدم وجود القيد ثبوتاً ، فكأنّ العموم تصريح بالاطلاق الثابت بمقدمات الحكمة كان معناه عدم وجود مدلول للأداة في مرحلة المدلول التصوري ، وعدم الفرق بين العام والمطلق في هذه المرحلة وهو واضح البطلان.

وبهذا يعرف انّ العموم ليس عبارة عن التصريح بالاطلاق وعدم القيد ثبوتاً كما توهمه في المحاضرات.

ثالثاً ـ يلزم التصادم بين القرينة المتصلة على تقييد المدخول مع مدخول كل في مثل كل عالم عادل أو إلاّالفسّاق ، لأنّ التقييد لا يقتضي استعمال اسم الجنس في المقيّد بل في ذات الطبيعة فتدل أداة العموم على ارادة المطلقة منها فتصادم القرينة ولو فرض تقدمها على العموم بالأقوائية فإنّ هذا لا ينافي الاحساس بالتصادم مع انّا لا نحس به كما في المقيدات بلا أداة عموم.

والصحيح في ردّ الاشكال : انّ اسم الجنس وإن كان موضوعاً للطبيعة المهملة الجامعة إلاّ انّ الطبيعة المهملة عين الطبيعة المطلقة ـ بالحمل الشايع أي المطلق الذاتي لا المطلق اللحاظي ـ عندما يطلق اسم الجنس بلا قيد معه لأنّ هذا الإطلاق على ما سوف يأتي شرحه في بحث المطلق والمقيد مفصلاً إطلاق بالحمل الشايع ، أي من شؤون اللحاظ وهو كون الطبيعة الملحوظة لم يلحظ معها قيد ، وليس من شؤون الملحوظ والمرئي فالمرئي بالطبيعة المطلقة عين المرئي بالطبيعة المهملة وهو ذات الطبيعة حينما تتصوّر في الذهن واطلاقها حدّ عدمي تصديقي لها لا تصوري ولحاظي ، ومن هنا كان الاستعمال في موارد الإطلاق


والتقييد حقيقياً لانحفاظ الطبيعة المهملة فيهما ، رغم انّ المهملة حيث انها لا يمكن أن تأتي في الذهن مستقلاً ـ لاستحالة ارتفاع النقيضين من لحاظ القيد وعدم لحاظه ـ لا تكون جامعاً صالحاً للانطباق على الأفراد لكونها جامعاً بين اللحاظين بلحاظ ملحوظيهما وهو لا يمكن أن يكون لحاظاً مستقلاً في الذهن لكي يمكن أن ينطبق على تمام الأفراد في الخارج وما يمكن أن يكون في الذهن امّا المقيّدة وهي غير قابلة للانطباق على الفاقدة أو المطلقة وهي القابلة للانطباق فإذا أطلق اسم الجنس ولم يطلق معه القيد كان المنتقش في الذهن طبيعة مطلقة بالحمل الشائع الصالحة للانطباق على تمام الأفراد ، فإذا اضيف اليها أداة العموم الدال على الاستيعاب دلّ بنحو تعدد الدال والمدلول على استيعاب تمام أفرادها ، وتكون هذه الدلالة ـ كدلالة ذكر القيد ولحاظه الذي هو أمر تصديقي ، ولكن ينشأ منه رؤية للقيد وللمقيد تصوراً ـ دلالة اثباتية تصورية على استيعاب تمام الأفراد بلا حاجة إلى مقدمات الحكمة ؛ إذ يكون ارادة الخاص منه عندئذٍ خلاف هذا الظهور الاثباتي وهذه الرؤية التصورية الملحوظة بنحو تعدد الدال والمدلول رغم انّه لو كان قد ذكر القيد في المدخول لم يلزم مجاز لا بالنسبة للأداة ومدلولها ولا اسم الجنس ومدلوله ؛ لأنّ الصورة والملحوظ الذهني بالحمل الشائع كان يتغير من المطلق إلى المقيّد مع انحفاظ المداليل الوضعية للمفردات جميعاً ومن دون لزوم مجازية من ذلك ؛ لأنّه من باب تعدّد الدالّ والمدلول.

ص ٢٢٨ قوله : ( الجمع المحلّى باللام ) ... ).

ينبغي تحرير المقام الأوّل الثبوتي بالنحو التالي :

المقام الأوّل : في كيفية دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم ، وهذا يتصور فيه أحد أنحاء :


١ ـ أن يدل الجمع المحلّى على استيعاب تمام أفراد ما ينطبق عليه الجمع استيعاباً أفرادياً سواء جعلنا تعريف العام استيعاب مفهوم لمصاديق نفسه أو استيعاب مفهوم لمصاديق مفهوم آخر كان الاستيعاب بنحو المفهوم الاسمي أو الحرفي ، فإنّ كلّ ذلك لا يغير من نوع الاستيعاب المنظور في المقام.

وهذا النحو غير محتمل ، لأنّ لازمه عدم استيعاب الجمع للفرد لعدم كونه مصداقاً للجمع وإنّما يستوعب كل ثلاثة ثلاثة أو كل جماعة جماعة من العلماء لكونها مصاديق الجمع ، وهذا خلاف الوجدان حيث لا شك في انّ العموم على تقدير استفادته من الجمع المحلّى باللام يشمل كل فرد أيضاً ، والشاهد عليه صحة استثناءه فيقال : أكرم العلماء إلاّزيداً مع انّه لو كان الاستيعاب لما ينطبق عليه الجمع ويصدق عليه كان الاستثناء منقطعاً.

٢ ـ أن يدل الجمع المحلى على استيعاب تمام أفراد ما ينطبق عليه مادة الجمع وهو العالم في المثال استيعاباً افرادياً. بأن يكون اللام أو اللام وهيئة الجمع دالة على ملاحظة المادة مستوعبة لتمام ما تنطبق عليه. ومن الواضح انّ كل فرد يكون مصداقاً لمادة الجمع فلا يرد الاعتراض المتقدم ، ولكن يرد على هذا النحو من تصوير دلالة الجمع على العموم مضافاً إلى لزوم كون اللام أو اللام وهيئة الجمع في المقام مدلولهما يختلف عن سائر المقامات حيث لا تدلّ اللام الداخلة على المفرد على الاستيعاب الأفرادي ولا الجمع غير المحلّى باللام على العموم.

انّه يؤدي إلى أن لا يكون الجمع مستفاداً وملحوظاً في الجمع المحلّى وأن يكون الجمع المحلّى أي العلماء من قبيل كل عالم مع وضوح افادة الأوّل لمعنى الجمع بنحو المعنى الاسمي أو الحرفي بخلاف الثاني فلابد من أخذه في المفهوم المستوعب فيعود المحذور المتقدم.


٣ ـ أن يدلّ الجمع المحلّى على الاستيعاب والشمول لتمام ما ينطبق عليه الجمع استيعاباً اجزائياً لا أفرادياً بأن يدل اللام مثلاً على استيعاب وشمول تمام أفراد الجمع والمتكثر من مدلول المادة بما هي أجزاء لهذا المعنى فيشمل كل فرد باعتباره جزءً من الجمع لا فرداً ومصداقاً له فيصح استثناؤه منه متصلاً نظير قولك : أكلت السمكة إلاّرأساً ، أو جائني القوم إلاّزيداً ، وهذا التصوير معقول إلاّ انّه يلزم منه أن يكون العموم في الجمع المحلّى مجموعياً لا استغراقياً ـ وقد تقدّم استظهاره ـ إلاّإذا ابرز نكتته لالغاء خصوصية الجمع.

كما انّه متوقف على أن يكون هيئة الجمع موضوعة للجمع بنحو الوضع العام والموضوع له العام كمفهوم الجمع الاسمي لا لواقع الجمع ومراتبه بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص ، كما في المعاني الحرفية ، وإلاّ كان لابد من تحديد المدلول والمرتبة الخاصة من الجمع المستعمل فيه هيئة الجمع في المرتبة السابقة على الدلالة على الاستيعاب والتمامية ، وهذا ما سوف يقع البحث عنه أيضاً في المقام الثاني.

٤ ـ أن يدلّ الجمع المحلّى على الاستيعاب الأفرادي ، ولكن مع افادة التكثر والتعدد الجمعي ، أي تدل هيئة الجمع ومادته على المتعدد من أفراد الطبيعة أي ثلاثة وزائداً ، وتدل اللام على استيعاب تمام أفراد هذا المتكثر استيعاباً افرادياً.

٥ ـ أن يدلّ الجمع المحلّى باللام على أمر يلازم الاستيعاب والشمول ، وذلك بأن يكون هيئة الجمع دالّة على المتكثر والجمع من مدلول المادة واللام دالّة على المتعين من ذلك المتكثر ولازمه العموم وارادة المرتبة العليا المتمثلة في تمام الأفراد لأنّها المرتبة المتعينة. وهذا أيضاً معقول في نفسه على تفاصيل ونكات تأتي الإشارة اليها في المقام الثاني.


ويتلخص ممّا سبق معقولية نحوين من دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم :

١ ـ أن يدلّ اللام على الشمول والاستيعاب لتمام الأفراد ـ استيعاباً افرادياً أو اجزائياً ـ.

٢ ـ أن يدلّ على التعيين وهو لا يكون إلاّفي المرتبة المستوعبة لجميع الأفراد فيلزم منه العموم والاستيعاب.

المقام الثاني ـ ما يمكن أن تذكر من فروق بين المسلكين :

١ ـ انّ المسلك الأوّل حيث ان اللام بناء عليه يكون موضوعة للاستيعاب فسواء فرض وجود مرتبة اخرى متعينة أيضاً خارجاً أو ذهنياً غير المرتبة المستوعبة لجميع الأفراد واحتمل ارادتها أوّلاً كان مقتضى أصالة الحقيقة ارادة العموم لكون اللام الداخلة على الجمع موضوعة له بينما بناءً على المسلك الثاني لا يمكن استفادة العموم واثباته ؛ لأنّ كلا المرتبتين متعينتان.

وهذا الفرق العملي غير صحيح ، لأنّه بناءً على المسلك الأوّل سوف يكون اللام الداخلة على الجمع مشتركاً لفظياً بين معنيي الاستيعاب والتعيين إذ لا إشكال في صحة استعمال الجمع المحلّى باللام في جماعة معينة معهودة أيضاً وعليه فكلما كانت جماعة خاصة متعينة أو محتملة التعيين يدور أمر اللام الداخلة على الجمع بين المعنيين المشترك بينهما اشتراكاً لفظياً على المسلك الأوّل ومعنوياً بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص على المسلك الثاني فيكون الاجمال ثابتاً على كلا المسلكين.

٢ ـ انّ المسلك الثاني حيث انّ العموم مستفاد بناءً عليه بالالتزام لا بالمطابقة


يكون المدلول هو الجمع المتعين من مدلول المادة في جميع الأفراد ، وهذا لازمه أن يكون العموم مجموعياً لا استغراقياً لأنّ خصوصية الجمعية والكمية لا موجب لالغائها عن موضوع الحكم ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بالمسلك الأوّل ، فإنّه بناءً عليه يمكن الدلالة على الاستيعاب الاستغراقي.

وفيه : امكان الاستغراقية حتى على المسلك الثاني ؛ لأنّ الملحوظ جميع الأفراد بما هي أفراد لا بما هي أجزاء في المجموع فتلغى خصوصية المجموعية بالنحو المذكور في الكتاب.

٣ ـ وقد يفرق بين المسلكين بأنّه على الأوّل تكون الأفراد ملحوظةً ولو كأجزاء ضمن العموم والاستيعاب بينما على المسلك الثاني لا يكون ذلك ملحوظاً وإنّما الملحوظ الطبيعة المتعينة فيكون هذا فرقاً بينهما في مرحلة المدلول التصوري كالفرق بين العام والمطلق المصرّح فيه بعدم أخذ القيد ثبوتاً.

إلاّ انّ هذا الفرق غير صحيح أيضاً ؛ لأنّ الأفراد تكون ملحوظة على كل حال من خلال هيئة الجمع فإنّها موضوعة للدلالة على التكثر الأفرادي فتكون الأفراد ملحوظة تبعاً. نعم مفهوم الاستيعاب والتمامية غير مستفاد على المسلك الثاني.

٤ ـ وقد يفرق بين المسلكين ـ كما عن السيد الشهيد 1 ـ بأنّه على المسلك الأوّل لو فرض وجود مرتبة من الجمع متعينة في الخارج صدقاً امّا ذاتاً كما إذا كان مصاديق الجمع متداخلة وكل مرتبة منها لها مصداق واحد كالطوابق العشرة فإنّه إذا قال اصعد الطوابق فلو كان المراد تسعة منها كانت متعينة فيما عدا


الأخير ؛ إذ لا يعقل صعود العاشر من دون التاسع أو لوجود تعين خارجي في الصدق كما إذا كان تسعة من العلماء العشرة هم القدر المتيقن من وجوب الاكرام لكونهم فقهاء مثلاً والعاشر غير فقيه بحيث لا يحتمل خروج أحدهم ودخول العاشر فقال : ( أكرم العلماء ).

أقول : على المسلك الأوّل لا يكون وجود مثل هذا التعين المصداقي مضراً باستفادة العموم لعدم وجود قرينة على العهد واستعمال اللام في التعيين فيكون بمقتضى أصالة الحقيقة مستعملاً في العموم ؛ بينما على المسلك الثاني يكون مجملا مردداً بين مرتبة جميع الأفراد أو أية مرتبة اخرى أقل منها من الجمع لأنّها جميعاً متعينة صدقاً في المقام وليس من قبيل ثلاثة أو أربعة التي تصدق على مصاديق عديدة.

وإن شئت قلت : كما انّ العشرة مصداق متعين للجمع فإنّ التسعة مصداق متعين للجمع من حيث الصدق فلا يمكن تعيين أحدهما بالخصوص في قبال الآخر.

وفيه : انّ المتعين هنا في الصدق مفهوم تسعة والواحد من هؤلاء العلماء لا مفهوم الجمع الذي هو مدلول هيئة الجمع ، فإنّ أية مجموعة منهم يصدق عليهم جمع من العلماء على سبيل البدل والتردد عدا مرتبة الاستيعاب وجميع الأفراد واللام تدل على ارادة المتعين من معنى مدخولها وهو الجمع لا التسعة.

إن قيل : انّ مفهوم الجمع ليس متعيناً في الصدق على الجميع أيضاً لأنّه مصداق له في عرض مصداقية أي كمية أقل منه إذ كل كمية أكثر من اثنين جمع والجميع مصداق واحد للجمع في عرض هذه المصاديق فلا تعين له.


قلت : انّ المراد بالتعيين الصدقي ما يقابل الترديد والبدلية في الصدق في مدخول اللام ومفهوم الجمع أو الجماعة وإن كانت تصدق على الجميع وتصدق على الأقل منه إلى الثلاثة ـ وكل إطلاق وصدق من هذه الاطلاقات يمكن أن يكون هو المراد بدلاً عن الآخر حتى المرتبة المستوعبة لأنّها مصداق لمفهوم الجمع في قبال صدقه على المرتبة المستوعبة إلاّواحد المتعينة خارجاً أيضاً ـ إلاّ أنّ كون المرتبة المستوعبة مشتملة ضمناً على ما دونه من المراتب يمنع عن الترديد فلا يكون صدق الجمع عليه في قبال صدقه على احدى تلك المراتب لكي تكون بينها بدلية وترديد فتكون هذه المرتبة هي المرتبة المتعينة من مفهوم الجمع بلا أية اضافة مفهوم آخر فتأمل جيداً.

ص ٢٤٠ الهامش.

الظاهر انّ هناك فرقاً واضحاً بين المفرد المحلّى باللام والجمع المحلّى من حيث انّ المفرد المحلّى لا يكون مدلوله إلاّالطبيعة وأمّا شمولها وعمومها على الأفراد فهو في مرحلة الانحلال والتطبيق العقلي ومن هنا كان اطلاقاً لا عموماً. وأمّا الجمع المحلّى باللام فلو تعقلنا إرادة جنس الجمع فحاله حال المفرد يكون صدقه على كل جمع بالانحلال.

إلاّ انّ هذا لا يخفى ما فيه من العناية كما أفاده السيد الشهيد في الكتاب فيما بعد ، وإنّما مفاد الجمع المحلّى الأوّلي ملاحظة واقع المتعدد من أفراد الطبيعة والجمع لا جنس الجمع ، وعندئذٍ لابد من تحدّد هذا الواقع ومقداره ولو بملاك دلالة اللام على التعيين والإشارة إلى واقع الأفراد بعد فرض عدم ارادة جنس الجمع فيتحدد في العموم وجميع الأفراد لا محالة ولو بملاك انّ غيرها من المراتب لا تعيّن لها ، وليس هذا من باب الإطلاق والدلالة التصديقية وانّ ارادة


الكلي لا تحتاج إلى بيان زائد بخلاف سائر المراتب بل هذا ثابت في مرحلة أسبق وهي مرحلة المدلول التصوري حيث انّ واقع الجمع لابدّ له من تعيّن تصوري ، فحيث لا تعيّن لعدد آخر يتحدد ويتعين تصوراً في مرتبة الجميع والكل في الوقت الذي لا يكون ارادة مرتبة اخرى منها مستلزماً للمجازية ، وهذا نظير انتقاش صورة الطبيعة المطلقة من اسم الجنس المدخول لكل في الذهن رغم انّه موضوع للطبيعة المهملة الجامعة بين المطلقة والمقيدة.

ويشهد على هذا مضافاً إلى الوجدان صحّة الاستثناء ، فنقول : ( جائني العلماء إلاّزيداً ، أو إلاّالنحاة ) وهذا لا يختص بالجمع المحلّى بل يجري في الجمع المضاف أيضاً كما في قولك : ( جائني علماء البلد ) ولا بأس بالالتزام به وإن كان بدرجة أخف ، لأنّ الاشارية إلى الأفراد ملحوظة فيه أيضاً بخلاف الجمع غير المحلّى وغير المضاف.

وهذا لا ينافي تقييده بالعدول على ما سيأتي في جواب الوجوه القادمة للاستدلال على عدم دلالة الجمع المحلّى على العموم.

ص ٢٤٧ قوله : ( ثمّ انّه يمكن أن يستدل على دلالة الجمع المحلّى ... ).

استدل على الدلالة على العموم بوجوه ، كما انّه استدل على عدم الدلالة بوجوه. أمّا وجوه تقريبات الدلالة فكما يلي :

١ ـ صحّة الاستثناء عنه كقولك : ( أكرم العلماء إلاّزيداً ).

اجيب بالنقض بالجمع المضاف ، وهذا النقض ليس بنقض لأنّا نلتزم بالعموم في الجمع المضاف كما يشهد به الوجدان.

وبالحلّ : بأنّه يصح أن يكون الاستثناء من المدلول الاستعمالي حيث يصحّ


استعماله في المرتبة العليا على كل حال.

وجوابه : أنّنا نحسّ وجداناً بصحة الاستثناء على مستوى المدلول التصوري حتى إذا سمعنا اللفظ من جدار ، حيث يعلم بعدم الاستعمال.

وإن شئت قلت : انّ الصورة التي تنتقش من العلماء إلاّزيداً هو صورة استثناء زيد عن جميع العلماء ، أي جميعهم إلاّواحد وهو زيد لا أنّه مجمل مردّد كما إذا قيل علماء إلاّزيد أو إلاّواحد ، فإنّ فيه عناية وركة وعدم ارتباط ، إذ علماء بلا اضافة وبلا تعريف باللام لا يكون تصوراً مما لابد وأن يكون مشتملاً على ذاك الواحد لكي صحّ استثنائه تصوراً ، وهذا بخلاف العلماء إلاّواحد.

٢ ـ دخول كل على الجمع المحلّى لا إشكال في انّه يفيد العموم والاستيعاب الاجزائي وهو فرع شمول المدخول لتمام الأفراد وإلاّ لو كان يصلح أن يراد به بعضهم أي مراتبه الأقل فلا يدل دخول كل إلاّعلى استيعاب أجزاء تلك المرتبة وهو خلف المتبادر منه.

واجيب : بالنقض بالجمع المضاف ، وقد عرفت انّه ليس بنقض.

وبالحلّ : أوّلاً ـ بأنّ هذا يستفاد بملاك اللغوية ودلالة الاقتضاء.

وفيه : انّ العموم مستفاد على مستوى المدلول التصوري ودلالة الاقتضاء دلالة تصديقية ، ولهذا لا تجري في سماع اللفظ من الجدار.

وثانياً ـ انّ الأداة تدل على عموم ما يصلح أن ينطبق عليه المدخول مفرداً كان أو جمعاً وحيث انّ الجمع يصلح أن ينطبق على الجميع والمرتبة العليا سواء بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص أو العام فلا محالة بدخول الأداة عليه يستفاد شمول تمام الأفراد.


وهذا الجواب صحيح مع تعديل ، وهو أنّ كل تدل على استيعاب تمام التكثرات الملحوظة في مدخولها ، سواء بلحاظ الأجزاء أو الأفراد ، وفي الجمع المحلى والمفرد المنكر يكون هيئة الجمع والتنوين دالّين على ملاحظة التكثّر الأفرادي ، ومن هنا يكون العموم فيهما افرادياً لا اجزائياً. وتكون الأداة ـ كل ـ دالّة على عموم وشمول تمام الأفراد لا محالة.

٣ ـ وضع اللام على التعيين ومع عدم وجود عهد في البين لا تعيين معقول تصوراً إلاّالتعيين الصدقي ، أي الإشارة إلى الجمع من الأفراد الخارجية المتعينة ، وليست هي إلاّجميع الأفراد ، لأنّ أيّة مرتبة اخرى من الجمع لا تعين صدقي لها.

واجيب : بأنّ هذا لا ينفي كون الطبيعة المستوعبة باللام باعتبارها متعينة صدقاً هي المطلقة والمقيدة إلاّفي طول اجراء الإطلاق ومقدمات الحكمة لنفي القيد بها وإلاّ فالطبيعة المقيدة أيضاً متعينة صدقاً أيضاً.

وهذا الجواب غير تام ، لأنّنا إذا قبلنا ـ كما قبلنا ـ أنّ اللام الموضوعة للتعيين تقتضي الإشارة إلى ما يكون متعيناً صدقاً ـ حيث لا عهد في البين ـ فلا محالة يكون مفاده الإشارة التعينيية لأفراد مدخوله ، فإذا كان مدخوله الجمع من طبيعة العالم فلا محالة تكون الإشارة إلى تمام أفرادها ـ كما ذكرنا ذلك في اضافة كل إلى مدخولها ـ فتكون الصورة الذهنية الحاصلة من تركيب الدالّين بنحو تعدد الدالّ والمدلول الإشارة والتعيين الصدقي لتمام الأفراد أي المرتبة المستوعبة للأفراد من الجمع فتكون الدلالة اثباتية لا سلبية سكوتية ، والشاهد عليه استفادة العموم حتى لو سمع من الجدار بل على ضوء ما تقدم في بحث كل ودلالتها على العموم لا يعقل أن يكون استفادة العموم في طول الإطلاق ومقدمات الحكمة ،


فإذا اعترفنا باستفادة التمامية لأفراد الجمع كمياً من المجمع المحلّى باللام كان هذا وحده كافياً في اثبات العموم على مستوى المدلول التصوري الوضعي بنحو تعدد الدال والمدلول كما هو كذلك في أدوات العموم المتسالم عليها.

فهذا الوجه لاستفادة العموم تام.

٤ ـ لا إشكال في استفادة أصل الشمول لتمام الأفراد من الجمع المحلّى باللام حيث لا قرينة على ارادة العهد ، وهذه الاستفادة إذا أمكن تخريجها على أساس الإطلاق ومقدمات الحكمة كما هو في الشمول والانحلال المستفاد في موارد المطلقات الشمولية فهو وإلاّ كان لا محالة منشأها الوضع وهو المطلوب وعندئذٍ يقال بأنّ مقدمات الحكمة لا يمكنها اثبات ذلك إمّا من جهة أنّها تنفي القيد ولا تثبت شمول الأفراد وملاحظتها ولا إشكال في استفادة ذلك من الجمع المحلّى باللام.

أو من جهة انّ الإطلاق لا يمكن أن يعني المعنى المستعمل فيه إذا كان اللفظ مشتركاً بين معان ولو المشترك المعنوي إذا كان بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص ، وإنّما في طول تعينه ينفي أخذ قيد فيه ، والمرتبة المستوعبة للجمع أي العموم بنفسها معنىً من معاني الجمع فلا يمكن اثباته بمقدمات الحكمة ، فإذا كان مستفاداً فلا محالة يكون من جهة الوضع.

وهذا الوجه اجيب عليه أيضاً :

أوّلاً ـ بالنقض بالجمع المضاف.

وثانياً ـ بامكان الجواب عن البيان الأوّل بما تقدم في الوجه الثالث من اجراء الإطلاق لنفي المحدّد الكيفي.


إلاّ انّ هذا الجواب يختص بالجمع المحلّى ، ولا يتمّ في الجمع المضاف.

وقد عرفت عدم تمامية كلا هذين الجوابين.

وثالثاً ـ نجيب على البيان الثاني تارة بأنّ الجمع من الوضع العام والموضوع له العام كما في المقولات التشكيكية ، فيكون من متّحد المعنى لا المتعدد ، ولو فرض انّه من الوضع العام والموضوع له الخاص فحيث انّ الجامع العام بنفسه أيضاً مأنوس ومقرون مع اللفظ فيمكن ارادته حيث لا قرينة على إرادة مرتبة معينة والتي هي معانٍ اخرى ، فيكون الجامع بنفسه كأنّه من المعاني التي ينصرف إليه اللفظ وينسبق إلى الذهن حيث لا قرينة على إرادة مرتبة معينة ، وعندئذٍ يجري الإطلاق لاثبات ارادة الجميع.

وعلى البيان الأوّل بأنّ المتعدد والجمع والكثرة من أفراد الطبيعة المستفادة من الجمع يمكن اجراء الإطلاق ومقدمات الحكمة فيه ابتداءً لنفي أخذ أي عدد كمّي أو كيفي ، فالأفراد ملحوظة بالجمع وكل مرتبة وحد كمي أو كيفي قيد في هذا العنوان منفي بالاطلاق ابتداءً ، فيكون النتيجة الاستغراق والشمول ورؤية تمام الأفراد.

والانصاف انّ هذا الجواب من أضعف الأجوبة.

إذ يرد على الأوّل منها :

أوّلاً ـ انّ هيئة الجمع لا تدلّ على مفهوم الكثرة والعدد ونحو ذلك من المقولات الاسمية التشكيكية ، ولهذا لا تكون من الوضع العام والموضوع له العام ، بل موضوعة لواقع الجمع أي للجمع بنحو المعنى الحرفي.


وثانياً ـ انّه لو كان من الوضع العام والموضوع له الخاص كان المعنى مبايناً ذاتاً مع الموضوع له العام وهو عنوان الجمع التشكيكي الاسمي ، فلا يحصل الانس والاقتران الوضعي معه.

وثالثاً ـ لو سلّمنا كل ذلك فالاطلاق عندئذٍ لماذا يثبت ارادة الجميع لا ارادة الجمع على سبيل البدل والطبيعي الصادق على الكثير والقليل كما في ( أكرم العديد من العلماء ).

ورابعاً ـ النقض بالجمع غير المحلّى وغير المضاف ، كما إذا قال : ( أكرم علماء ، أو جئني بعلماء ) فإنّه لا إشكال في عدم استفادة العموم والشمول منه ، بل يمتثل بالكثير والقليل ، مع انّ الإطلاق المذكور تام فيه أيضاً.

وخامساً ـ وجدانية استفادة العموم والشمول لتمام الأفراد على مستوى المدلول التصوري للفرق بينه وبين الجمع غير المحلّى وغير المضاف تصوراً ، مع انّه لو كان بالاطلاق فلا معنى لذلك ولا لهذه التفرقة بينهما ؛ لأنّ المدلول الوضعي للجمع هو الجامع بين مراتب الجمع بحسب الفرض.

ويرد على الثاني منهما الثالث والرابع والخامس مما تقدم على الأوّل ، مضافاً إلى انّ المشكلة ليست في منشأ رؤية الأفراد ، فإنّه يكفي فيه دلالة هيئة الجمع عليها ، وإنّما الاشكال من ناحية انّ الإطلاق ومقدمات الحكمة ينفي القيد ، فإذا كان المدلول الوضعي للجمع معنى جامعاً بين مراتب الجمع بنحو الوضع العام والموضوع له العام أو الخاص فما المعيّن له في الجميع والمرتبة المستوعبة لتمام الأفراد؟ ولماذا لا يكون ذلك في أسماء الجمع الاخرى كالكثير والعديد؟ ولماذا لا يكون بنحو صرف الوجود المساوق مع الإطلاق البدلي؟


وهكذا يتضح انّ الصحيح استفادة العموم من الجمع المحلّى باللام ، وكذلك الجمع المضاف على مستوى المدلول التصوري من اللفظ ، بخلاف الجمع المنكر وانّ هذا العموم والشمول ثابت على مستوى المدلول التصوري للجمع المحلّى والمضاف حتى إذا لم يكن مدلول تصديقي في البين.

والشاهد عليه الوجدان أوّلاً ، وصحّة الاستثناء بلا عناية ثانياً ، وعدم إمكان تخريج ذلك على أساس الإطلاق ومقدمات الحكمة لأكثر من سبب ثالثاً.

فهذه أدلتنا على أصل دلالة الجمع المحلّى والمضاف على العموم.

وأمّا تحليل منشأ هذه الدلالة وأنّها هل تكون من جهة وضع اللام للاستيعاب ولو بنحو المعنى الحرفي أو على أساس استلزام التعيين الموضوع له اللام في نفسه لذلك ـ وهما المسلكان المتقدمان ـ فالظاهر انّ الصحيح هو الثاني لاستبعاد الاشتراك اللفظي ولعدم فهم مفهوم الاستيعاب لا بنحو المعنى الاسمي ولا الحرفي من الجمع المحلّى فضلاً عن الجمع المضاف. ولوجدانية انّ هذه الاستفادة من لوازم التعيين الصدقي اللازم في موارد الإشارة إلى الأفراد سواء كان باللام الصريح في ذلك أو بالاضافة المستبطنة لذلك والظاهرة فيه.

وإن شئت قلت : انّه تارة تلحظ الطبيعة ، واخرى تلحظ أفرادها ، والأوّل هو المطلق ، والثاني تارة يلحظ فيه الفرد أو أفراد من الطبيعة بدال آخر بدلاً كما هو موارد التنوين الداخل على المفرد أو الجمع ، واخرى تلحظ أفراد الطبيعة جمعاً ، وهذا هو موارد الجمع المحلّى أو المضاف ، فإنّ هيئة الجمع دالّة على ملاحظة أفراد الطبيعة والتعريف باللام أو الاضافة يقتضي تعينها وليس هو إلاّالمرتبة المستوعبة.


ومن هنا يكون الشمول ثابتاً في مرحلة المدلول التصوري فيهما ، بخلاف الجمع المنكر.

نعم ، مفهوم الاستيعاب والشمول غير مستفاد لا من الجمع ولا من اللام فلو كان العموم خصوص مفهوم الاستيعاب فهو منتف في الجمع المحلّى ، ولو كان العموم أعم منه ومن واقع الاستيعاب أي مطلق الدلالة الوضعية التصورية على الشمول فهو ثابت في الجمع المحلّى والمضاف ، والله الهادي.

وأمّا الوجوه التي ذكرها السيد الشهيد 1 لابطال الدلالة على العموم فثلاثة :

١ ـ دخول كل على الجمع المحلّى وهو يدلّ على عدم العموم فيه وإلاّ يلزم الشعور بالتأكيد والتكرار على الأقل إن لم يقل باستحالته.

وفيه : أوّلاً ـ انّه لا يتمّ بناءً على المسلك الثاني ؛ لأنّ كل يدل على مفهوم الاستيعاب الاسمي وهو غير مفاد من الجمع المحلّى على هذا المسلك.

وثانياً ـ على المسلك الأوّل أي القول بوضع اللام للعموم أيضاً يكون بنحو المعنى الحرفي وهو غير العموم الاسمي نظير الجمع وهيئة الجمع في قولك جميع أو جمع العلماء ، فهما مفهومان متباينان فلا تكرار.

وثالثاً ـ إمكان الفرق بين نحوي الاستيعاب من حيث المجموعية والاستغراقية والاجزائي والأفرادي.

٢ ـ انّ دعوى وضع اللام للعموم ـ المسلك الأوّل ـ يستلزم الاشتراك ، وهو بعيد بل خلاف الوجدان واستفادته من معنى التعيين الموضوع له اللام ـ المسلك


الثاني ـ غير صحيح ، لأنّ التعيين ليس منحصراً في التعيين الصدقي ، إذ يعقل في الجمع التعيين الجنسي ، أي الإشارة إلى جنس الجمع كما في اللام الداخلة على ما يرادف هيئة الجمع ، كعنوان الجمع والكثير والعديد في قولك : ( أكرم العديد أو الكثير من العلماء ) ولا معين لأحد المعنيين من التعيين.

وهذا الوجه شطره الأوّل قابل للقبول ؛ ولهذا استبعدنا المسلك الأوّل ، إلاّ أنّ شطره الثاني غير تام ، لما تقدم من انّ هيئة الجمع غير موضوعة لمفهوم الجمع والكثرة ، بل لواقعها بنحو المعنى الحرفي والحالة في الطبيعة المتكثرة في الخارج ، أي هيئة الجمع تدل على التعدد الوجودي والفردي للطبيعة ولا تدلّ بنفسها على طبيعة اخرى حتى مفهوم الجمع والتكثر الاسمي لكي يمكن أن تكون اللام الداخلة عليه اشارة إلى الجنس ، فلا مجال للتعيين الجنسي فيه ، إلاّ بملاحظة مفهوم الجمع والتكثّر واستفادته بالعناية من هيئة الجمع ، ولهذا يحتاج افادة هذا المعنى بالجمع المحلّى إلى قرينة وعناية بحسب الوجدان اللغوي.

٣ ـ النقض بموارد تقييد الجمع المحلّى بمقيد نوعي كما في أكرم العلماء العدول ، فإنّه لو كان يستفاد من الجمع المحلّى العموم وضعاً لزم المخالفة والتناقض في مرحلة المدلول التصوري أو افتراض العموم المفاد مراعى بعدم مجيىء مقيد رغم تمامية الدال الموضوع للعموم ، وكلاهما معلوم البطلان وجداناً.

وهذا الوجه تام ولكنه على المسلك الأوّل ، ولا ندعيه ، ولا يتمّ على المسلك الثاني الذي ندعيه.


ص ٢٦٢ قوله : ( الجهة الاولى ـ في حجّية العام في تمام الباقي بعد التخصيص ... ).

لا اشكال في المخصص المتصل الوارد على مدخول العام من قبيل أكرم كل عالم عادل أو إلاّالفساق لأنّه تخصّص لا تخصيص فالعموم ينعقد ابتداءً في الباقي حقيقة.

وإنّما البحث في موردين :

أ ـ المخصص المنفصل.

ب ـ المتصل المستقل ، أي بعد تمامية عموم العام ومدخوله واستقرار ظهوره كما إذا قال أكرم كل عالم ولا تكرم الفاسق من العلماء حيث يكون التصادم بينهما واضحاً وجداناً والأوفق البحث أوّلاً في القسم الأوّل ثمّ الحديث في الثاني ، وما يكون فيه من اشكالات الاضافة.

فنقول : حاصل الاشكال أنّ العام بعد ورود الخاص يعلم انّه لم يرد منه العموم وأي مرتبة من مراتب الباقي ليس عموماً ، وليس مطابقاً على مدلول اللفظ ، فكيف يعين مرتبته في تمام الباقي بالخصوص بعد أن سقطت الدلالة المطابقية على العموم عن الحجّية وبسقوطها تسقط الدلالة التضمنية على تمام الباقي عن الحجّية أيضاً.

والبحث ليس بطرحة التشكيك في كبرى حجّية العام في الباقي لكي يرجع إلى السيرة العقلائية وإنّما بالطرحة الثانية أي نكتة هذه الحجّية وملاكها بعد وضوح انّ العقلاء ليست لهم قرارات تعبدية صرفة فلابد من ادراج المقام تحت كبرى من كبريات قواعد حجّية الظهور العقلائية والمسالك التي وجدت في


الجواب على السؤال المذكور يمكن تصنيفها إلى ثلاثة كل واحدة منها أخف مؤنة مما بعده.

١ ـ مسلك التخصّص وهو مسلك الميرزا 1 على حد موارد ورود التخصيص المتصل على مدخول الأداة ، وله ثلاث تقريبات :

أ ـ وضع العموم لاستيعاب ما هو مدلول المدخول في طول اجراء مقدمات الحكمة والتي هي أعم من عدم البيان المتصل والمنفصل.

ب ـ وضع العموم لاستيعاب ما يراد واقعاً من المدخول ولو ثبت واحرز ببركة الإطلاق الذي يتم بمجرد عدم البيان المتصل.

ج ـ وضع العموم لاستيعاب ما ينطبق عليه المدخول عدا ما يستثنيه من مراده.

والجامع بينها اخراج ما لا يراد من مدخول العام في مرتبة سابقة على الاستيعاب.

ويرد على هذا المسلك بتقريباته الثلاثة.

أوّلاً ـ ما تقدم من بطلان المبنى وانّ أدوات العموم تدل على استيعاب ما ينطبق عليه مدخولها وضعاً.

ثانياً ـ يلزم منه امّا ربط المدلول الوضعي للعموم الذي هو مدلول تصوري بمدلول تصديقي وهو واضح البطلان.

ثالثاً ـ لزوم اجمال العمومات على الأوّل والثالث إذ لو اريد البيان والاستثناء الصادر واقعاً الواصل ولو للبعض لزم الاجمال وإن اريد الواصل إلى كل المكلّفين


لزم عدم حجّية الواصل إلى بعضهم حتى في حقهم وإن اريد الواصل إلى كل مكلف بحسبه لزم كون مراد المتكلم بالنسبة لكل انسان غيره بالنسبة لغيره وهو غير معقول في باب الارادة والدلالة وإن كان معقولاً في الحجّية.

ثمّ انّ هذا المسلك خلاف الوجدان القاضي بانعقاد العموم في مرحلة المدلول الاستعمالي للام حتى بعد ورود التخصيص المنفصل.

٢ ـ مسلك التخصيص في الدلالة التصديقية الجدية فقط ، وهو مسلك الكفاية ، حيث قال : بأنّ الظهور في ارادة ما قصد افهامه جداً منحل بعدد المداليل التي قصد افهامها ، فإذا سقط بعضها تبقى الباقي على حجيتها دون أن يكون اللفظ مستعملاً في غير معناه أي الظهور الحالي التصديقي في ارادة تفهيم المعنى الموضوع له باللفظ للسامع باق على حاله.

وهناك عدة مناقشات يمكن أن تثار بوجه هذا المسلك :

١ ـ النقض بالتخصيص الوارد على العام المجموعي حيث لا يكون فيه إلاّ حكم واحد لا أحكام عديدة انحلالية ، فالظهور التصديقي الثاني يكون كالأوّل ظهور واحد يدور أمره بين الوجود والعدم.

وقد حاول أن يجيب السيّد الشهيد 1 على هذا النقض بأنّ العرف يتعامل مع المجموعي معاملة الاستغراقي ولو باعتبار التسامح العرفي في تبعيض دلالاتها الجدية ، ومن هنا اعترض على هذه المحاولة بأنّها لا تستطيع أن تفسر وجه حجّية العام في تمام الباقي بلا رجوع إلى توسعة عقلائية وعرفية مفترضة مسبقاً.

ولكن الصحيح عدم ورود هذا النقض بلا حاجة إلى توسعة عرفية ورجوع


إلى السيرة العقلائية وذلك لأنّه وقع خلط في النقض بين عدم انحلالية الحكم وعدم انحلالية الظهورات التصديقية ، فإنّ الظهور التصديقي بوجود حكم واحد له موضوع واحد ليس هو المنحل وإنّما المنحل وجود ظهورات اخرى زائداً على الظهور المشار إليه الثابت بأصل الخطاب مع قطع النظر عن عمومه حيث انّ لكل خطاب حكماً وموضوعاً لا محالة ، ومفاد الظهورات الاخرى هو كون كل فرد من أفراد العالم جزء من ذلك الموضوع الواحد للحكم وإلاّ لكان يستثنيه وهذه ظهورات انحلالية عرضية إذا سقط بعضها لا وجه لسقوط الباقي منها.

والحاصل لا فرق بين المجموعي والاستغراقي من ناحية تعدد الظهورات ، وإنّما الفرق من ناحية مفاد كل ظهور منها فإنّه في الاستغراقي كون هذا الفرد فرداً مستقلاًّ من موضوع الحكم وفي المجموعي كونه جزءً له.

وهذا هو الذي يفسّر لنا وجه زيادة العناية فيما إذا كان التخصيص زائداً حتى في العام المجموعي.

٢ ـ الاشكال في أصل انحلالية الظهور التصديقي الثاني ـ الظهور في الجدية ـ لأنّ الجد والهزل والصدق والكذب وصفان لنفس الكلام لا لمحكية كالغيبة والكشف للسرّ فإنّها تتعدد بتعدد المحكي ، بخلاف الكذب أو الهزل فيكون هذا الظهور كالظهور الاستعمالي التفهيمي ظهوراً وحدانياً كيف وإلاّ لزم النقض بما إذا قال أكرم هؤلاء الأربعة أو الاثنين ثمّ ورد لا تكرم زيداً منهم ، فإنّه لم يستشكل أحد في وقوع التعارض بينهما مع انّه بناءً على الانحلالية في الظهور التصديقي الثاني يمكن الحفاظ على الظهور الاستعمالي والحفاظ على الظهورات الجدية الانحلالية غير معلومة الانتفاء.


وهذا الاشكال أيضاً غير تام كما يشهد بذلك نفس وجدانية زيادة المؤنة والمخالفة في موارد دوران الأمر بين تخصيص الأقل أو الأكثر. وتقريره الفني يمكن أن يكون بأحد نحوين :

الأوّل : انّ العموم يستفاد من مجموع أمرين : ذكر العام والسكوت عن مخصصه ، والأوّل وإن كان كلاماً واحداً إلاّ انّ السكوت الذي هو دخيل في تحقق العموم متعدد بعدد ما يسكت عنه من القيود ، فإذا انكشف بعد ورود التخصيص عدم جدية السكوت عن بعض القيود تبقى جدية السكوت عن غيرها على حالها لكونها سكوتات عديدة بحسب الحقيقة.

وهذا البيان غير تام لوجهين :

الأوّل ـ انّه لا يستطيع أن يفسّر لنا موارد تخصيص العام الصريح في العموم بحيث يكون الكلام بنفسه متعرضاً للعموم حيث تكون الدلالة على نفي القيد لفظياً اثباتياً وهو أمر واحد.

الثاني ـ انّ السكوت عن القيد في باب العموم كما تقدم ليس هو الدال على العموم وإنّما هو حيثية تعليلية لانعقاد المطلق بالحمل الشائع ودلالة أدوات العموم لفظاً على استيعاب تمام أفراده ، فانحلاليته لا تجعل ما هو الدال وهو الكلام ودلالته اللفظية انحلالية.

الثاني : انّ الجدية غير الصدق والكذب ، فإنّهما وإن كانا لا يتعددان لأنّ موضوعهما الكلام الواحد مع قطع النظر عن سعة وضيق مدلوله ، إلاّ انّ الجدية أمر آخر يراد منه انشاء المتكلم أو اعتقاده بما هو مدلول اللفظ ، فيكون موضوعها والمتصف بها الكلام بما له من مدلول وحكاية ، فكلما كانت الحكاية


والمدلول أوسع كانت الجدية أيضاً أوسع دائرة.

وإن شئت قلت : انّ موضوع الجدية الكلام بما هو سبب للكشف عن ثبوت مدلوله انشاء أو اخباراً ، فإذا كانت له مداليل متعددة بمقتضى انحلالية العموم فلا محالة هناك تسببات عديدة من قبل المتكلم وظاهر حاله انّ كل واحد منها إنّما صدر منه على وجه الجد وثبوت ذلك المدلول واقعاً بحسب نظره سواء كان انشاءً أو اخباراً.

وأمّا النقض بمثال العدد فيمكن الجواب عليه بأنّ صراحة الدلالة وقوتها هناك خصوصاً في مثل المثنى يحقق ظهوراً أشبه بوحدة السياق فيوجب سريان عدم الجدية إلى تمام المدلول فيقع التعارض.

٣ ـ ايقاع التعارض بين رفع اليد عن الظهور التصديقي الجدي بمقدار التخصيص أو رفع اليد عن الظهور التصديقي الاستعمالي في ارادة العموم ، فإنّه لو اريد به الخصوص أي ما عدا المقدار المخصّص لم يلزم مخالفة في الظهور الجدي ؛ لأنّه عبارة عن مطابقة ما أراده المتكلم استعمالاً مع ما يريده جداً ، لا ما هو المدلول التصوري للكلام بدليل انّه لو علم بأنّ مراده الاستعمالي غير المدلول التصوري لكلامه لم تنعقد الدلالة الجدية في أكثر من المدلول الاستعمالي ، وعليه فلا معين لرفع اليد عن الظهور التصديقي الثاني دون الظهور التصديقي الأوّل ـ كما سوف يأتي في مسلك الشيخ ـ لأنّ في كل منهما مخالفة لظهور واحد لا أكثر.

وقد يجاب على هذا الاشكال بأنّ هذا روحاً من التمسك بأصالة عدم التخصيص لاثبات التخصّص حيث يرجع إلى التمسك بظهور حال المتكلم في


انّه جاد مريد لكل ما قصد افهامه وبعد ضمه إلى معلومية عدم ارادة مورد التخصيص يحاول اثبات عدم قصد افهامه وهو من التمسك بأصالة عدم التخصيص لاثبات التخصّص.

وقد ناقش السيد الشهيد 1 في هذا الجواب تارة بأنّه لا يتم في المخصّص المتصل كجملة مستقلة حيث يلزم منه اجمال الظهورين ذاتاً ، واخرى بأنّا نقبل التمسك بأصالة عدم التخصيص لاثبات التخصّص في باب العمومات في الجملة على ما سوف يأتي ، فيلزم أيضاً عدم تمامية هذا المسلك فيه ، وثالثة بأنّ أصالة عدم التخصيص إنّما لا يجري لاثبات التخصّص بلحاظ الفرد الخارجي ، أي اثبات انّ زيداً ليس بعالم أو بلحاظ الاستناد وانّ اللفظ حقيقة في المعنى الفلاني ، وكلاهما أمران تكوينيان خارجان عن باب مرادات المتكلم ، وامّا في المقام فأصالة عدم التخصيص في الظهور الجدي الذي يعني ظهور حال المتكلم في انّه يريد جداً كلما يقصد افهامه نتمسك به لاثبات وتحديد مقصوده الاستعمالي وما يريد افهامه فهو تمسك بنحو ظهور في مقام الكشف عن مقصود المتكلم في مقام المحاورة وحدوده ، وهذا يختلف عن مسألة التمسك بأصالة عدم التخصيص لاثبات التخصّص في سائر الموارد والتي نكتة عدم جريانه عندهم أنّ الظهورات حجة في مقام الكشف عن المراد لا الكشف عن لوازم وامور تكوينية خارجة عن دائرة المراد.

اللهم إلاّأن يدّعى التوسعة في تلك النكتة بمراجعة السيرة والبناء العقلائي ، بدعوى أنّها ترجع إلى عدم اثبات موضوع ظهور بمحموله ، أو عدم حجّية الظهورات إلاّبمقدار كشف مقام الاثبات عن الثبوت لا العكس ، أو فيما إذا وقع في طريق تحديد المراد الجدي لا الاستعمالي المجرد عن الجدي ، إلاّ


أنّ هذه كلها بحاجة إلى مصادرة اضافية ورجوع إلى السيرة العقلائية زائداً على المقدار الثابت حرفياً في مسألة عدم حجّية أصالة عدم التخصيص لاثبات التخصّص ، فهو في قوة أن يقال بأنّ مقتضى السيرة العقلائية حجّية العام في تمام الباقي.

إلاّ انّ الانصاف انّه يمكن دفع الاشكال ببيان آخر حاصله : انّ موضوع الظهور في الجدية ليس واقع المراد الاستعمالي ، بل ما هو المراد الاستعمالي بحسب ظاهر الخطاب المحرز وجداناً كلما لم ينصب قرينة على ارادة غير المعنى الحقيقي وإلاّ لزم أن يكون الظهور الجدي موضوعه محرزاً دائماً تعبداً بالظهور الاستعمالي وهو خلاف الوجدان ويلزم أيضاً في موارد العلم من الخارج أو بقرينة منفصلة بارادة الاجمال أو ارادة المعنى المجازي ارتفاع الظهور التصديقي الثاني حقيقة ، وهو أيضاً خلاف الوجدان وخلاف ما هو المتسالم عليه من انّ القرينة المنفصلة لا يرفع أصل الظهور التصديقي الجدي.

فلا محيص إلاّمن الالتزام بما ذكرناه من أنّ ما هو موضوع الظهور في الجدية ليس ما هو المراد الاستعمالي واقعاً بل ما يكون كذلك بحسب ظاهر الخطاب ، وهذا محرز وجداناً بمجرد استعمال اللفظ وتجرده عما يصلح للقرينية على ارادة المجاز والمخصّص المتصل في جملة مستقلة لا تصلح لذلك جزماً ، وعليه تندفع كل الاعتراضات الثلاثة ويثبت أنّ الأمر يدور بين رفع اليد عن ظهور واحد من ظهورات العام في مورد التخصيص وهو الظهور في الجدية أو ظهورين وهو الظهور في ارادة تفهيم العموم بالارادة الاستعمالية والظهور في الجدية معاً ، لأنّ رفع اليد عن الأوّل منهما لا يرفع موضوع الثاني لكون المخصّص لا يصلح لأن يكون قرينة على المجاز وارتفاع الظهور الاستعمالي حقيقة فتأمل جيداً.


٣ ـ المسلك الثالث التخصيص على مستوى المدلول الاستعمالي وهو ما ذهب إليه الشيخ 1 بحسب ظاهر عبارة تقريراته ، فيكون المخصّص دليلاً على عدم ارادة العموم استعمالاً ، وامّا ارادة تمام الباقي فيمكن أن يكون بأحد بيانين :

أ ـ أن يكون المخصّص قرينة على الجانبين السلبي والايجابي معاً ، أي على ارادة تمام الباقي من العام استعمالاً.

وهذا جوابه مضافاً إلى عدم وجدانيته بل كونه خلاف الوجدان لوضوح انّ الخاص لا يدل على أكثر من الجانب السلبي خصوصاً إذا كان عقلياً ( ولهذا لو جاء مخصّص آخر لم يكن معارضاً مع المخصّص الأوّل بوجه أصلاً ) لا يتم في موارد عدم القرينية كما إذا كان التعارض بنحو العموم من وجه فلابد أن يقال فيه ببقاء المدلول الاستعمالي على حاله وسقوط المدلول الجدي فقط الذي هو مسلك الخراساني 1 فليلزم بذلك في تمام الموارد.

ب ـ التمسّك بدلالة العام التضمنية على ارادة تمام الباقي ، فإنّه لا وجه لرفع اليد عن حجيتها ، وقد اعترض عليه في كلماتهم بأنّ هذه الدلالة إن اريد بها الدلالة الضمنية فهي تسقط بسقوط الدلالة على الاستعمال في العموم ، وإن اريد دلالة اخرى مستقلة فهي لم تكن موجودة من أوّل الأمر ولا دال عليها ، وإنّما الموجود دلالة واحدة علم ارتفاعها.

وقد حاول السيد الشهيد 1 أن يدفع الاشكال عن مسلك الشيخ بأنّه يتم على مسلك التعهد لوجود تعهد واحد لا أكثر ولا يتم على المسلك المشهور المتصور في باب الوضع إذ يكون ملاك هذه الدلالة الظهور الحالي للمتكلم في انّه يريد اخطار معنى اللفظ.


ومن الواضح انّ قصد اخطار معنى اللفظ ينحل إلى ظهورين بالدقة :

١ ـ ظهوره في انّه لا يقصد اخطار معنى أجنبياً لم يوضع له اللفظ ، وهذا الظهور لا ينفي احتمال ارادة وقصد اخطار جزء المعنى لأنّه ليس أجنبياً عنه.

٢ ـ ظهوره في انّه يقصد افهام تمام أجزاء المعنى الموضوع له اللفظ وإلاّ لاستثناه ، وهذا الظهور يمكن أن يدعى انحلاليته بعدد ما يكون بمثابة اجزاء المعنى كما تقدم في الظهور الجدي ، أي انّ ظاهر حاله انّه بقصد اخطار هذا الجزء أيضاً وذاك الجزء وهكذا ، وكل منهما مستقل عن الآخر.

وإن شئت قلت : انّ ارادته لكل جزء باستعمال اللفظ لا ينافي الوضع وعدم ارادته لبعض الأجزاء أيضاً لا ينافي الوضع ، لأنّه أمر عدمي وليس تسبباً وارادةً لمعنى أجنبي عن اللفظ ، وإنّما هو من باب ظهور حال المتكلم في مطابقة ما يذكره تصوراً مع مراده الاخطاري وعدم كون مراده أقل من ذلك وهذه الأقلية انحلالية بعدد ما تتصور من الأجزاء والأفراد فيكون الظهور في التطابق بلحاظ كل جزء أو فرد مستقلاً عن التطابق بلحاظ الآخر وليس ظهوراً وتطابقاً واحداً.

وعليه فإذا سقط بعضها عن الحجّية يبقى الباقي على حجيته.

ولنا في المقام تعليقان :

أولهما ـ قد يقال انّ هذا لو تمّ فلا يصح هذا المسلك في قبال مسلك صاحب الكفاية لما تقدم من انّه لا موجب لرفع اليد عن الظهور الاستعمالي أصلاً ، أي حتى إذا كان انحلالياً ، وإنّما المتعين رفع اليد عن الظهور الجدي بمقدار


التخصيص ؛ لأنّ الضرورات تقدر بقدرها فلا موجب لرفع اليد عن ظهورين تصديقيين.

والجواب : انّه بناءً على الانحلالية في الظهور الاستعمالي أيضاً ، أي جدوى في بقاءه بلحاظ مورد التخصيص على الحجّية بعد أن لم يكن مراداً جداً ، والظهورات تكون حجة في إثبات المراد الجدي وترتب الأثر العملي.

ثانيهما ـ عدم انحلالية الظهور المذكور حتى بلحاظ ارادة أجزاء المعنى الموضوع له ، بل هو ظهور وحداني ، وهذا تارةً يبين بتقريب انّ ذات الكل والجزء وإن كانت النسبة بينهما الأقل والأكثر إلاّ انّ الصورة الذهنية للكل أو قل الصورة الذهنية للجزء ضمن الكل مباينة للصورة الذهنية للجزء المستقل ، وملاك الاستعمال ما يخطره اللفظ من التصور في الذهن.

وبعبارة اخرى : انّ ارادة اخطار المعنى ليس من قبيل الارادة الجدية المتعلقة بالمعنى وأفراده ، فإنّ الارادة الجدية لكل فرد غيرها للفرد الآخر ، وامّا ارادة الاخطار فهي عبارة اخرى عن التسبب والارادة التكوينية لما يتسبّب بسماع من انتقاش معنى معين في الذهن واللفظ الواحد له تسبب واحد لا تسبيبات عديدة انحلالية ، وهذا واضح.

وعلى هذا الأساس قلنا في بحث العام بأنّ الاستيعاب يفيد العموم إذا كان مدخولها اسم الجنس رغم انّه غير موضوع للطبيعة المطلقة بل للجامع بينها وبين المقيدة إلاّ انّه عند تجرده عن ذكر القيد يكون تصورها مطلقاً بالحمل الشايع ، فالميزان مطابقة المعنى المتصوّر للمستعمل فيه حين الاستعمال مع المعنى الموضوع له من حيث الصورة الذهنية حتى في قيودها التي من شؤونها بالحمل


الشايع وإلاّ يلزم أن لا يكون ارادة الخصوص من العام بارادة المقيّد من مدخوله مخالفة للظهور الاثباتي بل لظهور مقدمات الحكمة السكوتي ؛ لأنّ اسم الجنس مستعمل في معناه غاية الأمر كان مراده أوسع من مدلول كلامه.

واخرى يبين بتقريب انّ هذا في باب العمومات غير متصور لأنّ أداة العموم لابد وأن تكون مستعملة في معناها وهو الاستيعاب بنحو المعنى الاسمي أو الحرفي ومدخولها لابد وأن يكون مستعملاً في ذات الطبيعة التي تكون محفوظة في المطلق والمقيد معاً والعموم كان مستفاداً من مجموعهما بنحو تعدد الدال والمدلول ، فإذا اريد المجاز بنحو الجزء والكل في مدلول الأداة فالمفروض أنّها عبارة عن مفهوم الاستيعاب البسيط ، وإن اريد ذلك في مدلول المدخول فهو موضوع للجامع ومستعمل فيه أيضاً وهو بسيط أيضاً فلا يوجد تركيب وتركّب إلاّ بلحاظ مجموع المدلولين ، فلو أراد اخطار جزء هذا المعنى المركب من دون ارادة معاني مفرداتها كان خلاف الظهور الأوّل ، بل كان بحاجة إلى وضع جديد ، وإن أراد اخطاره من خلال اخطار معاني مفرداتها كان عبارة اخرى عن الاستعمال في العموم.

ثمّ انّ السيّد الشهيد 1 أفاد بأنّ كلاً من المحاولتين وجداناً محتملة ، وهناك مؤيدات لمحاولة الشيخ 1 كوقوع التعارض بين دليل العدد أو التثنية مع ما دلّ على خروج بعضها ، فإنّ استعمال المثنى في المفرد أو الأربعة في ثلاثة غلط وليس مجازاً للتقابل فيما بينها ، وكذلك وضوح وجه استهجان تخصيص الأكثر ؛ لأنّ استعمال العام في الخاص القليل لا مناسبة للمجازية فيه وكارادة مجموع الباقي من العام المجموعي بعد التخصيص ، وهذه المؤيدات كلها غير تامة ؛ امّا الأخير لو اريد التأييد على الانحلالية فلأنّ مجموع الباقي مباين مع مجموع العام


وليست النسبة بينهما أقل وأكثر حتى بلحاظ ذات المعنى.

اللهم إلاّباضافة المسامحة العرفية وهي مشتركة بين المسلكين ، ولو اريد كونه قرينة على الجانب الايجابي في العام أيضاً فقد عرفت عدمه. وأمّا الوسط فلأنّ الاستهجان ثابت حتى في المطلق رغم عدم لزوم المجازية أصلاً مما يكشف عن وجود نكتة اخرى فلعلها عدم التناسب بين مرحلة الاثبات والثبوت ولو بحسب النتيجة.

وأمّا الأوّل فهو على العكس أدلّ ، إذ لو كانت الدلالة على ارادة تمام المعنى استعمالاً في قبال البعض ليس من ناحية الظهور الأوّل الوحداني المرتبط بوضع اللفظ بأزاء معناه ، وإنّما هو من ناحية كون عدم ارادته للرابع مثلاً خلاف ظهور حاله في أنّ مراده ليس بأقل من مدلول كلامه وهو ظهور انحلالي فلماذا لا يصح استعمال الأربعة في ذات الثلاثة أو المثنى في ذات المفرد مع كون التخلف في الظهور الحالي المذكور فلابد من افتراض نكتة اخرى نظير ما تقدم في دفع هذا النقض على مسلك المحقق الخراساني 1.

ثمّ أفاد 1 مؤيداً رابعاً ـ وهو حمل الأمر على الاستحباب بورود الترخيص المنفصل مع أنّ الاستحباب ليس مدلولاً للأمر حتى ضمناً بل هو مباين معه لابد في اقتناصه من اضافة مدلول استعمالي أجنبي عن مدلول الأمر إليه وليس كالعام والخاص ليمكن ارجاعه إلى التخصيص في الظهورات التصديقية الجدية.

ثمّ أجاب عنه بأنّ للخراساني 1 أن يجعل الفرق بين الموردين بدعوى انّ القرينة المنفصلة تهدم حجّية ما تهدمه المتصلة ذاتاً من الظهورات وفي اقتران الترخيص بالأمر ينهدم الظهور الاستعمالي في الوجوب ويصبح ارادة


الاستحباب فعلياً ـ ولو من باب وجود ظهور تعليقي في ارادته حيث لا يراد الوجوب منه ـ بينما في العموم والإطلاق لا ينهدم بالخاص المتصل مدلول العموم الاستعمالي بل ينهدم الظهور الجدي في ارادة العموم مع بقاء المدلول الاستعمالي للعموم على حاله كلما لم يكون التقييد في مدخول الأداة.

وهناك مؤيد واحد لمسلك الخراساني وهو موارد افادة العموم بنحو المعنى الحرفي أي بلام الجمع ـ بناءً على استفادة العموم من الجمع المحلّى باللام ـ كما هو مبين في الكتاب ص ٢٨٣.

والصحيح كما عرفت عدم تماميته حتى في العموم بنحو المعنى الاسمي لأنّ الاستيعاب للأفراد فيه لم يكن من خلال مفهوم واحد بل من خلال مفهومين بنحو تعدد الدال والمدلول.

والصحيح هو التفصيل بين مسلكي الشيخ والخراساني قدس سرهما ، ففي موارد قيام الدليل المنفصل على عدم ارادة معنى ومدلول لفظ واحد ثبوتاً كما في عدم ارادة الوجوب من الأمر أو ارادة الرجل الشجاع من الأسد يتعين المصير إلى مسلك الشيخ من كون القرينة المنفصلة تتصرف فيما هو المدلول الاستعمالي لذي القرينة ، ولا يمكن أن يكون التصرف في المراد الجدي ، وإلاّ لم يكن يمكن اثبات المدلول الآخر المجازي أو الطولي ، وفي موارد قيام الدليل على عدم ارادة معنى مفاد بنحو تعدد الدال والمدلول بدوال عديدة من باب اضافة بعضها إلى بعض كما في باب العموم ، يكون الصحيح والمتعيّن مسلك المحقق الخراساني.

وذلك لأنّه أوّلاً : مسلك الشيخ غير معقول هناك إلاّبافتراض استعمال مدلول


المدخول الموضوع للطبيعة سواءً كان اللفظ حرفياً أو اسمياً في الحصة المقيدة بما هي مقيدة وهو مع وضوح استهجانه وعدم الالتزام به في باب المطلقات يكون من المعنى المباين مع المعنى الموضوع له والذي بحاجة إلى دلالة طولية عليه بعد أن لم يكن مدلول الخاص إلاّنفي ارادة العموم فقط لا ارادة تمام الباقي.

وثانياً : مسلك الخراساني متعين لما اشير إليه في الكتاب وجعله برهاناً فنياً وهو أنّ القرينة المنفصلة تهدم حجّية ما تهدمه المتصلة ، ومن الواضح أنّ المخصّص والمقيد بكل أقسامه لا يهدم عند الاتصال الظهور الاستعمالي بل امّا أن يهدم الظهور الجدي فقط كما إذا كان جملة مستقلة حيث انّ موضوع هذا الظهور مجموع كلام المتكلم لا كل لفظ لفظ أو يرفع موضوع الدلالة الاستعمالية أي يغير المدلول التصوري الوضعي كما إذا كان قيداً في المدخول أو بنحو الاستثناء الدال على الاقتطاع مباشرة ، كل ذلك لكون الدلالة بنحو تعدد الدال والمدلول ، ففي فرض الانفصال لا يهدم إلاّحجّية الظهور التصديقي الجدي ، ومن الواضح ان مخصصاً على تقدير اتصاله لم يكن يرفع المدلول الاستعمالي كيف يعقل أن يكون على تقدير انفصاله يرفعه فإنّ ملاك الرفع التنافي ومع عدم المنافاة في فرض الاتصال يستكشف عدم التنافي في مرحلة المدلول الاستعمالي وهذا بنفسه يصلح أن يكون برهاناً أو منبهاً على الأقل على صحة مسلك المحقق الخراساني 1 ؛ ومنه عرف حال المخصّص المتصل.

ثمّ انّه في الأخبارات قد يقال بعدم المنافاة بين شيء من ظهورات العام والمخصص امّا الظهور التصوري والاستعمالي فواضح وامّا الظهور الجدي فلأنّ مؤداه في الجمل الخبرية أنّ المتكلم قاصد للحكاية عن العام جداً وواقعاً وهذا


الظهور محفوظ حتى بعد التخصيص غايته ينكشف خطأه مثلاً أو كونه في مقام التقية أو غير ذلك من الامور التي لا ربط لها بشيء من المداليل الثلاثة للعام بل بوثاقة المتكلم وكونه مخطئاً أو مصيباً.

وفيه : أنّ مدلول الظهور الجدي ليس مجرد قصد الحكاية بل قصد الحكاية الجدية بمعنى الحكاية التي يعتقد بها المتكلم ويصدّق بها بلا اضطرار وجبر ، وعندئذٍ إذا كان الخاص صادراً عن متكلم آخر غير المتكلم بالعام أو كان المتكلم بهما واحداً ولكنه في زمانين بحيث يحتمل اشتباهه في أحد العلمين والتصديقين لم يكن تعارض بين ظهورات العام والمخصّص وإنّما يعلم بكذب أحدهما بمعنى مخالفته للواقع وهذا هو السبب في انّه لا يجمع بين البينتين المتعارضتين بالحمل على التخصيص أو التقييد أو شيء من الجموع العرفية ، وامّا إذا لم يكن المتكلم بالعام والخاص كذلك كالمعصوم والمشرع فلا محالة يقع التعارض بين الظهور الكاشف في العام الخبري عن قصد الحكاية الجادة والخاص إذ لا يمكن اجتماعهما معاً إلاّبأن يقصد الحكاية تقية ـ لو فرضنا وجود قصد الحكاية في موارد التقية ـ وهو أيضاً منفي بظاهر حال المتكلم في انّه مختار وليس مجبوراً.

وإن شئت قلت : احتمال قصد الحكاية الاضطرارية مدفوع بظهور حالي في انّ المتكلم جاد في حكايته أي مختار غير مجبور واحتمال قصد الحكاية خلاف الواقع اختياراً رغم علمه بذلك ينافي ما ذكرناه من انّ المدلول لهذا الظهور هو قصد الحكاية الجادة والاعتقاد به واحتمال قصد الحكاية عن خلاف الواقع اختياراً من دون علمه بذلك مناف مع عصمة الامام إذا كان هو المتكلم أو مع فرض انّه لا يحتمل في المتكلم ذلك لأي سبب كان.


ص ٢٩٦ قوله : ( ٢ ـ أن يفترض التعارض ... ).

ويرد على هذه الفرضية أيضاً أنّ أحد الحكمين لابد وأن يكون مطلقاً ، وإلاّ يلزم الدور ، وحيث انّه لا خصوصية ولا تعين لأحد الموضوعين بحسب الفرض حتى واقعاً وثبوتاً فيعود المحذور ، إذ كما يلزم أن يكون موضوع أصل الحكم الشرعي متعيناً ثبوتاً لابد وأن يكون إطلاق الحكم متعيناً كذلك.

ص ٢٩٧ قوله : ( ٤ ـ أن يقال بالتبعيض في الكشف ... ).

كأنّ المقصود أنّ للعام دلالة وكشفاً عن ثبوت مفاده في كل من الفردين إذا لم يكن ثابتاً على الآخر بحيث يكون كذب الدلالة الاخرى شرطاً لصدق الدلالة الاولى لا لمدلولها حتى يلزم الدور. فإنّ الكشف ليس إلاّعبارة عن درجة التصديق والظن الحاصلة من اللفظ والخطاب ، ومن الواضح أنّه مع العلم الإجمالي بكذب أحد المدلولين يتحصل ظن تقديري في كل من الطرفين ، فيظن بثبوت وجوب الاكرام في الفقير العبد مثلاً إذا لم يكن الفقير السيد واجب الاكرام ويظن بثبوته في الفقير السيد إذا لم يكن الفقيه العبد يجب اكرامه.

وهذا هو معنى أخذ كذب الآخر في موضوع الكاشف لا المنكشف وهذا الكشف المقيد أو المطلق هو موضوع الحجّية وحيث يعلم بتحقق أحد الشرطين فيعلم بفعلية احدى الحجتين على الأقل وقد يكونان معاً فعليين غاية الأمر لا يصلان معاً إلى المكلف فلا محذور فيه ، وهذا وجه وتصوير يتم حتى في المخصّص المنفصل إذ تكون هذه الكاشفية المعتبرة تامة في مورده أيضاً وإن كانت الكاشفية المطلقة أيضاً متحققه.


ص ٣٠٣ قوله : ( وإن اريد جعل هذا العنوان مشيراً ... ).

هذا الاشكال غير وارد ، فإنّ كل ظهور يحرز ولو بعنوان اجمالي موضوع لدليل حجّية الظهور إذا لم يكن له معارض ، وفي المقام بالعنوان الاجمالي يحرز ظهور لا معارض له وكونه منطبقاً على أحد الظهورين التفصيليين غير قادح في حجيته ، لأنّ سقوطهما عن الحجّية ليس حكماً واقعياً لهما ، بل حكم في مرحلة وصولهما حيث انهما بالاحرازين التفصيليين لا ترجيح لأحدهما على الآخر فإذا وصل أحدهما ولو بالعنوان الاجمالي ولم يكن محذور الترجيح بلا مرجح في حجيته كان حجة لا محالة ومشمولاً لدليل الحجّية ، لأنّ موضوعه كل ظهور لا يعلم بوجود معارض له ، وتمام الفذلكة في أنّ قيد لا يعلم مربوط بمرحلة الوصول لا الواقع.

ص ٣٠٥ قوله : ( ولكن الصحيح عدم تمامية هذه الثمرة ... ).

يمكن تتميمها إذا فرضنا اتصال المخصّص التعييني بالعام كما لو ورد أكرم كل فقير إلاّالسيد منهم وورد لا تكرم موالي الفقراء المجمل والمردد بين السيد والعبد فإنّه إذا كان متصلاً أوجب اجمال الظهور في الفقير العبد ذاتاً ولا يمكن التمسك بالظهور الاجمالي في أحدهما لا بعينه من العام وتعيينه في الفقير العبد بالالتزام كما في موارد انفصال المخصّص المبيّن ، لأنّ هذا المدلول الالتزامي أيضاً مدلول للمخصّص المتصل فيكون كالمدلول المطابقي التعييني للعام مرتفعاً ذاتاً إذا كان المراد بالمولى الفقير العبد فيكون من موارد الابتلاء بالاجمال.

وإن شئت قلت : انّ كلا الاطلاقين أو العمومين التفصيلي والاجمالي يبتليان بالاجمال في المقام ، لاحتمال وجود ما يصلح للقرينية عليه ، وهذا واضح.


ص ٣٠٦ قوله : ( ولهذا حكمنا في المثال المذكور بجريان استصحاب الطهارة ... ).

بل وجريان قاعدة الطهارة في مورد استصحابها لأنّ عموم القاعدة حجة في أحدهما لا بعينه الذي يتعين بالملازمة لنفس جريان الاستصحاب في الطرف غير المعارض معه ، وهو نفس الطرف الذي يجري فيه استصحاب الطهارة حيث انّ الطرف المعارض معه بملاك العلم الاجمالي هو الطرف الآخر.

ويترتب على هذه النكتة نتيجة عملية هي انّه لو كان للأصل المسانخ أثر عملي زائد على الأصل غير المسانخ رتبناه في مورد الأصل غير المسانخ أيضاً كما إذا فرضنا جريان استصحاب الطهارة في الطرفين واختصاص القاعدة بأحد الطرفين ؛ لكون الشك في الطرف الآخر في النجاسة الذاتية مثلاً وقلنا بعدم جريان قاعدة الطهارة في الشك فيها ، فإنّه عندئذٍ تجري قاعدة الطهارة في الطرف المشكوك نجاسته العرضية واستصحاب الطهارة معاً ونتيجته قيامه مقام القطع الموضوعي مثلاً.

ص ٣٠٨ قوله : ( وأمّا تصوير الأثر لنفي التقييد بالمختون بلحاظ نفس ايقاع المعارضة ... ).

هذا البيان بهذه الصياغة غير فني ، إذ لا يشترط في حجّية الأمارات ترتب الأثر بلحاظ مدلولها المطابقي بل يكفي أن يكون الأثر في مدلولها الالتزامي وهو في المقام اثبات تقييد العام بنقيض العنوان الآخر حيث يعلم إجمالاً بورود التخصيص بأحد العنوانين.

وإنّما البيان الفني أن يقال : بأنّ ما يدلّ على نفي تقيد العام بنقيض العنوان


الخاص إنّما هو عموم العام للفرد المعنون بالعنوان الخاص وهو في المقام غير المختون ، والمفروض أنّ هذا العموم معلوم السقوط على كلّ حال فيكون مدلوله الالتزامي ساقطاً أيضاً ، وأمّا أصالة الإطلاق في نفس العام وعدم تقييد ما اخذ في موضوعه بقيد زائد ، فلا يجري في العمومات التي تكون الدلالة فيها لفظية لا سكوتية.

نعم ، قد يقال بجريان أصالة الإطلاق وعدم التقييد في المطلقات ، وأنّ السكوت عن ذكر التقييد بالمختون فيها ينفي أخذه ثبوتاً قيداً في الجعل ، ولازمه أخذ الإسلام قيداً فيتعارض مع أصالة عدم التقييد بالاسلام.

والجواب : بأنّ أصالة عدم التقييد لا يجري في مورد يعلم نتيجة التقييد فيه امّا بعنوانه أو بعنوان يلازمه ، لأنّ ملاكها أنّه لولا التقييد لكان مندرجاً تحت المطلق ولو في مرحلة الصدق والتطبيق ، فإذا كان غير مندرج فيه على كل حال لم تجر أصالة عدم التقييد ، وإن كان يترتب عليه أثر بالالتزام. ولعلّ هذا روح المقصود.

إلاّ انّه يرد عليه : بأنّ نفس نفي تقييد عالم الثبوت بقيد مسكوت عنه في عالم الاثبات غرض في مقام المحاورة يكفي لتصحيح جريان أصالة الإطلاق فيترتب عليه كل اللوازم العقلية والعادية والشرعية بلا حاجة لأن يكون الإطلاق جارياً بلحاظ تلك اللوازم والآثار ليقال بأنّه ليس في مقام البيان من ناحيتها ، فتأمل جيداً.

ص ٣٠٩ قوله : ( وأمّا البحث عن الفرع الرئيسي ... ).

لعلّ الأنسب تقرير البحث كما يلي :

نسب إلى القدماء حجّية العام في الشبهة المصداقية لمخصصه المنفصل الدائر


بين الأقل والأكثر وكأنّ منشأه توهم جريان ما ذكر في وجه حجيته في الشبهة المفهومية لمخصصه المنفصل من تمامية المقتضي ، وهو ظهور العام الشامل في نفسه للمشكوك وعدم حجّية المانع وهو المخصّص لكونه شبهة مصداقية له ، وكلما تمّ الظهور المقتضي للحجية كان حجة حتى يثبت المانع.

وقد قصدت مدرسة المحقق النائيني 1 للمنع عن حجيته ببيان انّ العام بعد التخصيص يتعنون بنقيض عنوان الخاص لأنّ المخصّص يكشف عن أخذ قيد في موضوع العام ومعه لا يمكن التمسك به في المصداق المشكوك لعدم احراز العنوان المقيد وإن كان ذات عنوان العام صادقاً.

وهذا البيان يمكن تقريبه بأحد وجوه :

١ ـ البيان الساذج من انّ العام بعد ورود المخصص يصنِّف ظهوره إلى صنفين :

صنف يكون حجة وهو ظهوره في الفقراء غير الفساق مثلاً ، وصنف لا يكون حجة وهو ظهوره في الفقراء الفساق الذي ورد المخصّص فيه ، ومورد الشبهة المصداقية لا يدرى أنّه مندرج في الظهور الأوّل الحجة أو الظهور الثاني غير الحجة فيكون من الشك في أصل المقتضي.

وفيه : انّ التصنيف المذكور انتزاع عقلي وإلاّ فليس للعام إلاّظهور واحد وهو وجوب اكرام كل من يصدق عليه انّه فقير ، وهذا محرز الانطباق في مورد الشبهة بحسب الفرض.

٢ ـ انّ العام بعد ورود المخصّص علم بأنّه لا يراد منه عمومه وان كل فقير بما هو فقير لا يجب اكرامه بل لابد وأن يكون عادلاً أو لا يكون فاسقاً لكي يجب اكرامه لأنّ الاهمال الثبوتي غير معقول والإطلاق خلاف التخصيص فيتعين


التقييد ، وحينئذٍ لو اريد من التمسك بعموم العام في الشبهة المصداقية لمخصصه اثبات وجوب اكرامه لكونه فقيراً غير فاسق فالمفروض الشك في صدق ذلك عليه وليس هو عموم العام ، وإن اريد اثبات وجوب اكرامه لكونه فقيراً فقط فهذا الظهور في العام معلوم الكذب بعد ورود التخصيص.

وفيه : انّ ما ذكر من أنّ المخصّص يكشف عن وجود قيد في موضوع العام وان كان صحيحاً بالبيان المتقدم إلاّ انّ الأمر الثاني مصادرة إذ المفروض حجّية العام في تمام ظهوراته إلاّما ثبت خلافه ، والمفروض ظهوره في شمول الفرد المشكوك وايجاب اكرامه ولو من جهة كونه عادلاً واقعاً. وليس حجّية هذا الظهور مشروطاً ومنوطاً بكونه عادلاً بحيث لابد من اثباته في المرتبة السابقة بل الظهور المذكور بنفسه مثبت لذلك واقعاً بالملازمة ، ففرق بين اثبات القيد المستكشف أخذه ثبوتاً بظهور العام اثباتاً وبين كونه شرطاً في التمسك بالعام فإنّ هذا لا موجب له إلاّإذا فرض انّ العام إنّما يثبت حكمه على كل فرد بملاك العنوان المأخوذ فيه فقط أي بلا قيد آخر وهو أمر مقطوع العدم بعد ورود المخصّص ، وهذا واضح البطلان ، إذ لازمه عدم حجّية العام في الباقي كما ذكر في الكتاب.

٣ ـ انّ العام بعد ورود المخصّص علم بأنّ الجعل المفاد به مقيد بنقيض عنوان الخاص ، فإذا اريد من التمسك بعموم العام في المصداق المشكوك نفي تقييد الجعل بقيد زائد ولو بأن يكون شخص ذلك المصداق عدمه قيداً في الجعل فهذا معقول وصحيح ، إلاّ انّه خارج عن البحث ، إذ المفروض الشك في وجوب اكرام ذلك الفرد من جهة الشبهة المصداقية لا الحكمية ، وهذه شبهة حكمية ، ونفي التخصيص فيها لا يفيد في تعيين حكمه من ناحية الشبهة المصداقية واحتمال


عدم وجوب اكرام الفرد المشكوك من ناحية كونه فاسقاً ، وإن اريد من التمسك بعموم العام فيه اثبات اندراجه في الجعل المقيد وهو اكرام الفقيه العادل وكونه مصداقاً له أيضاً. وإن شئت قلت : اثبات المجعول الفعلي فيه. فهذا غير تام لوجوه :

١ ـ انّ الخطاب ناظر إلى الجعل لا إلى فعلية المجعول فإنّه تطبيق عقلي وهي وجود وهمي في مرحلة متأخرة عن مدلول الخطاب ، وبتعبير آخر الخطاب لا يكشف إلاّعمّا هو الجعل ، وأمّا ما يندرج في موضوع جعله من المصاديق الخارجية فليس الخطاب حاكياً عنها بوجه ، وليس العموم واستيعاب كل فرد فرد في القضايا الحقيقية تعني ذلك ، كما لعله منشأ هذا التوهم وإنّما العموم والاستيعاب ملحوظ في مرحلة الموضوعية لما هو مفاد العام وهو الجعل ، فكل فرد يستوعبه العام بمعنى عدم تقيد الجعل بعدمه لا انطباق موضوع الجعل عليه فإنّه ليس مفاداً ومدلولاً للعام أصلاً.

نعم في القضايا الخارجية يكون نفس تصدي المولى مستلزماً لملاحظة الانطباق الخارجي.

٢ ـ انّ مثل هذا المفاد ليس من شأن المولى بما هو مولى ومشرع بيانه بل نسبة المولى والعبد إليه على حد سواء في القضايا الحقيقية فلا يكون كشف ودلالة عليه في العام.

٣ ـ انّه مفاد اخباري وليس انشائياً فلا يمكن أن يجتمع مع مفاد العام الانشائي ، لأنّه يستلزم استعمال اللفظ في معنيين وهو لو فرض معقوليته ثبوتاً غير صحيح اثباتاً ، مضافاً إلى لزوم أن يكون عموم العام للفرد الواحد وهو زيد


عند الشك في فسقه اخبارياً وعند العلم بكونه عالماً انشائياً وهو غير معقول في إطلاق واحد. هذا كلّه إذا لم يحمل العام في تمام الأفراد على الإخبار عن فعلية المجعول وإلاّ كان أشنع وأوضع بطلاناً.

٤ ـ انّ العام لا يشمل كل فرد إلاّمرّة واحدة لاثبات الحكم فيه فاما يشمل الفرد المشكوك بلحاظ مرحلة الجعل أو المجعول فاثباتهما معاً فيه غير معقول واثبات المجعول فقط غير معقول أيضاً لتوقفه على الجعل واثبات الجعل فقط معقول ولكنه غير مقيد كما تقدم.

وفيه : نثبت المجعول بهذا الظهور بالمطابقة والجعل بالالتزام فلا محذور.

٥ ـ ما ذكره العراقي 1 من انّ العام لا يشمل كل فرد إلاّمرة واحدة بينما على هذا الأساس سوف يشمل الفرد المشكوك مرتين مرة بلحاظ الشبهة الموضوعية لاثبات اندراجه في موضوع الجعل ومرة بلحاظ الشبهة الحكمية لنفي احتمال تخصيص زائد به فاستفادة الأمرين معاً بدلالة واحدة غير معقول.

ثمّ أجاب عليه : بالانحلالية في الحجّية سنخ ما يذكر في جواب الشبهة في الأخبار مع الواسطة فالحجية وإن كانت واحدة جعلاً إلاّأنّها منحلة في مرحلة التطبيق ، ولا محذور أن يتحقق فرد من موضوع الحجّية في طول شمول الحجّية لفرد آخر.

وهذا الجواب مع أصل الاشكال غير تام ؛ لأنّ موضوع الحجّية في المقام هو الدلالة والعموم ، فإذا كان شمول العام لكل فرد دلالة واحدة وشمولاً واحداً لا أكثر فلا يتولد من حجّيته دلالة اخرى لتكون موضوعاً طولياً للحجية. وإذا كان شمول العام لكل فرد فيه دلالتان كان كل منهما في عرض واحد موضوعاً


لدليل الحجّية ، والأمر كذلك لأنّ مدلول العام إذا كان هو الحكم الفعلي الجزئي كان لشمول العام لهذا الفرد المشكوك مرة واحدة مدلولان التزاميان أحدهما كونه عادلاً والآخر عدم تقيد الجعل بتخصيص زائد ، وكلّها في عرض واحد موضوع للحجية بلا محذور.

وهكذا يثبت انّ المهم الاعتراضات الثلاثة الاولى.

هذا كله بناءً على ارادة اثبات الحكم الواقعي بمعنى المجعول الجزئي في الفرد المشكوك بعموم العام وامّا إذا اريد اثبات حكم آخر ظاهري أو اثبات وجوب اكرام شخصي غير الجعل العام ففيه مفارقات اخرى إلاّ انّ أصل هذين الاحتمالين لا ينبغي ذكرهما في المقام كما هو واضح. وهكذا يثبت صحة التقريب الثالث لكلام المحقق النائيني 1.

ثمّ انّ المحقق العراقي 1 حاول الاعتراض على البيان المذكور بأحد امور ثلاثة (١) :

١ ـ النقض بموارد موت الفقراء الفساق وانحصار الأفراد الباقية في صنف واحد فكما انّ ذلك لا يوجب تعنون الأفراد الباقية تحت العام بقيد بل هي على ما هي عليها قبل خروج من خرج من كونها تمام الموضوع فكذلك الحال أيضاً في التخصيص فإنّه لا يوجب احداث قيد ايجابي أو سلبي في الأفراد الباقية ولا تغيراً في موضوعيتها للحكم بالانقلاب عن كونها تمام الموضوع إلى جزئه.

وفيه : انّه خلط واضح بين الحكم بمعنى الجعل والحكم بمعنى المجعول

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ٥١٩.


الفعلي فإنّ انعدام أو موت بعض الأفراد تضييق في الحكم بمعنى المجعول الفعلي الخارجي ولا ربط له بالجعل ، فإنّه ثابت قبل تحقق أي موضوع في الخارج ، بنحو القضية الحقيقية التي يكون الموضوع مفروضاً فيها مقدّر الوجود ، بينما التخصيص راجع إلى مرحلة الجعل والذي امّا أن يكون مطلقاً أو مقيداً لاستحالة الاهمال ثبوتاً ، فإذا لم يكن مطلقاً تعين التقييد لا محالة.

٢ ـ ما يظهر من أحد تقريري العراقي 1 من انّ التخصيص تضييق لحكم العام في مورد التخصيص ، وهو متأخر عن موضوعه فيستحيل أن يكون موجباً لتعنون موضوع العام بنقيضه وتضييقه.

وفيه : ليس المدعى كون التخصيص واسطة ثبوتية في تقييد موضوع العام ثبوتاً ، وإنّما واسطة اثباتية كاشفة عن تقييدها في المرتبة السابقة ببرهان استحالة الاهمال والإطلاق معاً بعد ورود المخصّص.

٣ ـ ما يظهر من التقرير الآخر من أنّ هذا الكلام خلط بين باب التقييد والتخصيص ، فإنّ التقييد يرجع إلى الكشف عن أخذ قيد زائد على ذات الطبيعة المفادة بالمطلق فلا تكون الطبيعة تمام الموضوع بل جزء الموضوع لا محالة ، وامّا التخصيص فليس إلاّاخراج بعض الأفراد أو الاصناف عن دائرة موضوع العام الموجب لحصر حكم العام ببقية الأفراد أو الأصناف من دون اقتضائه لتغيير في عنوان الأفراد الباقية في مقام موضوعيتها للحكم.

وفيه : انّ هذا إنّما يعقل في القضايا الخارجية التي يكون الملحوظ ذات الأفراد الخارجيين فإذا قال : أكرم هؤلاء وأخرج منهم بالمخصص المنفصل زيداً مثلاً فإنّ هذا لا يستلزم تعنون الباقي بعنوان زائد بل لعلّ المولى أشار إلى ذواتهم


ثبوتاً أيضاً وجعل حكمه على ذلك بلا أخذ أي عنوان ، وأمّا القضايا الحقيقية والتي يكون الحكم فيها منوطاً بعنوان مأخوذ مقدر الوجود فيه ، فالعموم وإن كان بمعنى استيعاب تمام أفراد ذلك العنوان إلاّ انّ عموم الإشارة ليس إلى أفراد خارجية بل إلى كل ما يمكن أن يفترض مصداقاً لذلك العنوان ، فلو فرض ورود تخصيص على مثل هذا العام كان لابد من أخذ قيد عنواني في موضوع العام لا محالة وإلاّ بقي الحكم عاماً وهو خلف ، بل كلما كان التخصيص بقيد على نهج القضية الحقيقية وإن كان العام قضية خارجية كما إذا قال : ( أكرم هؤلاء ) ثمّ قال : ( لا يجب اكرام فساقهم ) ، كان العام من ناحية هذا القيد قضية حقيقية فلابد وأن يتعنون موضوع العام ثبوتاً بعنوان غير الفاسق من هؤلاء إذ من دون أخذ العنوان لا يعقل ثبوتاً حصر الحكم في غير مورد التخصيص ، فبرهان المحقق النائيني 1 على التعنون في القيود والمخصصات المأخوذة في أدلّة التخصيص على نهج القضية الخارجية تام لا إشكال عليه من دون فرق بين العام أو المطلق ، وإنّما الفرق انّ الدلالة على الاستيعاب في العام باللفظ وفي المطلق بالسكوت.

لا يقال : ليكن الجعل في العام بعد التخصيص على وزان جملة أكرم كل الفقراء إلاّفساقهم دون أخذ عنوان العادل أو غير الفاسق في موضوع وجوب الاكرام.

فإنّه يقال : الاستثناء حيثية في مرحلة الاثبات والدلالة ، وامّا ثبوتاً فالقضية المجعولة لابد وأن يكون موضوعها محدداً ولو بأن يكون ( إلاّ ) بمعنى من لا يكون فاسقاً منهم ولا نريد بالتعنون إلاّذلك.

ثمّ انّ روح بيان الميرزا 1 غير متوقف على أن يكون العام متعنوناً موضوعاً بعد التخصيص بنقيض الخاص ، بل لنفترض ما يقوله المحقق العراقي 1 من بقاء


موضوع العام على عنوانه في الباقي وأنّ الضيق في طرف الحكم بنحو الاستثناء فإنّه على كل حال لا إشكال أنّه بعد ورود التخصيص يكون هناك ضيق في الجعل امّا بلحاظ موضوعه كما يقول الميرزا 1 أو بلحاظ حكمه فقط كما يقول العراقي 1 ، فإذا ضممنا إلى ذلك انّ مفاد الخطاب الجعل لا فعلية المجعول خارجاً فعموم العام للفرد المشكوك لو اريد به اثبات عدم وجود تخصيص واخراج آخر لهذا الفرد عن الجعل أي في الشبهة الحكمية فهو صحيح ولكنه خارج عن محلّ البحث ، ولو اريد به اثبات اندراجه في نفس الجعل الذي ثبت تضييقه ولو بلحاظ الحكم فقط اتجهت الاشكالات المتقدمة برمتها فتمام فذلكة الموقف في عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لمخصصه يكمن في ان ما هو مفاد الخطاب في العمومات والمطلقات معاً هو الجعل والكبرى لا المجعول الفعلي الوهمي الخارجي والاستيعاب بلحاظ الجعل لا يعني إلاّنفي خروجه عن الجعل لا فعلية المجعول فيه ، وهذا واضح.

ثمّ انّ المحقق العراقي 1 استند في عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إلى بيان آخر حاصله : انّ موضوع الحجّية لو كان هو الظهور التصوري للفظ صحّ التمسك المذكور ، إلاّ انّ موضوع الحجّية ليس ذلك ، بل هو الظهور التصديقي القائم على أساس الكاشفية لا التعبد المحض ، إذ العقلاء ليس لهم تعبدات كذلك وحجّية الظهور من الأمارات العقلائية ، إذ العقلاء ليس لهم تعبدات كذلك ، ولا أقل من احتمال ذلك ، وبناءً عليه لا يكون العام حجة في الشبهة المصداقية لوضوح انّ المولى كالمكلف لا يعلم حال الفرد وقد يجهل به أيضاً فلا يكون لكلامه ظهور تصديقي.

وفيه : أنّ الخطاب لو فرض انّ مفاده المجعول الفعلي الاخباري على نهج


القضية الخارجية كان الظهور التصديقي أيضاً محفوظاً كالظهور التصوري وإن فرض انّ مفاده الجعل الكلي على نهج القضية الحقيقية فكما لا ظهور تصديقي لا ظهور تصوري ، فالصحيح ما ذكره الميرزا 1 بالتقريب المتقدم منافي توضيحه.

ونستثني من ذلك موردين وحالتين :

اولاهما ـ إذا كان العام قضية خارجية لا حقيقية كما في لعن الله بني امية قاطبة وورد في دليل آخر انّه لا يجوز لعن المؤمن فشك في شخص من بني امية هل هو مؤمن أم لا أمكن التمسك بعموم اللعن فيه إذا توفر شرطان :

١ ـ أن لا يستظهر من دليل التخصص انّ القيد المذكور لوحظ بنحو القضية الحقيقية كما هو الغالب في موارد التخصيص ـ لا موارد التعارض بنحو العموم من وجه أو المخصص العقلي ـ حيث يكون المخصّص اللفظي قرينة على انّ الجعل مقيد به وانّه من ناحية هذا القيد ليس قضية خارجية وانّ المولى لم يتصد بنفسه لاحرازه في كل فرد من الأفراد الخارجيين.

٢ ـ أن لا يعلم بتحقق موضوع المخصص في الخارج كما إذا علم بأنّ بعض بني امية مؤمنين فإنّه في مثل ذلك سوف يعلم بتقيد الجعل ثبوتاً لا محالة بغير المؤمن منهم ، فلا يمكن التمسك بالعموم في الفرد المشكوك أيضاً.

والصحيح : أنّ الشرط الثاني غير لازم ، إذ لعل القيد خروج ذلك الفرد المعلوم ايمانه بعنوانّه الخاص كزيد لا عنوان غير المؤمن لكي تكون القضية المجعولة حقيقية من ناحية هذا القيد ، ففي المشكوك نتمسك بعموم القضية الخارجية. وكون الدخيل في الملاك لباً وجدّاً هو عدم الايمان لا يقدح ببقاء الجعل مطلقاً


من ناحيته لكون القضية خارجية ، فلعلّ المولى قد أحرز الملاك في غير زيد من بني امية.

وإن شئت قلت : غاية ما يلزم هو العلم بثبوت التقييد في الجعل بنحو القضية الخارجية لا الحقيقية من ناحية هذا القيد فيبقى إطلاق الجعل على حاله بلحاظ الفرد المشتبه ، إلاّ انّ هذا بالدقة ليس من الشبهة المصداقية ، بل من الشك في أصل مخصص زائد على القضية الخارجية ، وإنّما يتصور الشك في الشبهة المصداقية للقضية الخارجية فيما إذا علم باخراج زيد مثلاً منهم وشك في انّ هذا الفرد زيد الخارج أو عمرو الداخل في العام ، ولا إشكال أيضاً في عدم حجّية العام فيه ، وهذا بنفسه يؤيد ما ذكرناه من انّ نكتة عدم الحجّية لا تتوقف على مسألة تعنون العام في عالم الثبوت والجعل أصلاً ، والنكتة هي انّ هذا ليس ظهوراً آخر في العام غير الظهور المعلوم السقوط عن الحجّية لو كان هذا الفرد زيداً لا عمرواً فلا يصحّ التمسك به.

الثاني ـ أن تكون القضية حقيقية ولكن موضوع الجعل شبهة حكمية ، كما إذا قال : ( كل ماء مطهر ) ، وعرفنا من الخارج أنّ خصوص الماء الطاهر يطهّر ، فشك في طهارة ماء الكرّ المتغيّر بالمتنجس مثلاً أنّه طاهر أم نجس ، فإنّه يمكن التمسك بعموم كل ماء مطهر فيه لاثبات طهارته ، إذ لعل المولى المشرع للطهارة قد أطلق جعله للمطهرية لكل ماء ، لأنّه كان قد أحرز ذلك في كل ماء ، وهذا يتوقف على تمامية الشرطين المتقدمين لكي يحتمل عموم الجعل ثبوتاً ، وهذا بحسب الحقيقة يرجع إلى الشك في أصل التخصيص لا الشبهة المصداقية للمخصّص كما انّه لا يختص بالعام بل يتم في المطلق أيضاً.

والاشكال السابق لا يرد هنا كما ذكر في هامش الكتاب.


استصحاب العدم الأزلي :

وذلك فيما إذا كان العنوان المستصحب عدمه على تقدير وجوده مقارنا مع وجود الجزء الآخر من الموضوع كالقرشية والمرأة فيراد استصحاب عدمه الثابت قبل تحقق ذلك الموضوع.

والبحث تارة لاثبات موضوع العام إذا كان المخصّص وجودياً كما هو الغالب ، واخرى يكون البحث في جريانه في نفسه ولو لنفي حكم الخاص إذا كان الزامياً أو لنفي أي حكم مرتب على موضوع مركب من هذا القبيل ، فإنّ المانعين عن جريانه لهم بيان في خصوص البحث الأوّل تارة ولهم بيان آخر يتم حتى في البحث الثاني.

أمّا البحث الأوّل فقبل الدخول فيه لابد وان يذكر بأنّ هذا البحث يتوقف على القول بتعنون العام بنقيض عنوان الخاص وإلاّ فلا يجري الاستصحاب الموضوعي بل لابد من الرجوع إلى العام لو صحّ التمسك به في المصداق المشتبه أو الرجوع إلى الاصول الحكمية ؛ لأنّ نفي العنوان الخاص ليس منقحاً لموضوع العام ، بل لابدّ من اثبات كون الفرد المشكوك مشاراً إليه ومراداً بالعنوان الأوّل من العام ، وهو من الأصل المثبت.

ومنه يظهر بطلان ما في الكفاية ، وظاهره كفاية نفي الخاص لترتيب حكم العام بالاستصحاب لشموله لكل عنوان غير عنوان الخاص. وقد يقصد أنّ العنوان السلبي وهو ما ليس مصداقاً للخاص أيضاً مشمول للعام.

وفيه : انّه مبني على أن يكون العموم والإطلاق جمعاً للقيود وليس كذلك فليس معنى العموم ثبوت الحكم على كل صنف ونوع بعنوانه ليقال انّ منها


العنوان السلبي النافي للخاص مثلاً (١). فلندخل في صلب البحث فنقول : انّ الميرزا بيّن في المقام وجهاً للمنع يتألف من مراحل :

١ ـ انّ مفهوم الحكم إذا كان مركباً من جزئين سواء كانا وجودين أم عدمين أم مختلفين فتارة يلحظ كلّ جزء بحاله ، واخرى بما هو مضاف إلى الآخر ونعت له ففي الحالة الاولى إذا كانت حالة سابقة لذلك الجزء أمكن استصحابه وترتيب الحكم وفي الثانية لا يمكن ذلك لعدم ثبوت الاضافة والربط والنعتية بذلك إلاّ بنحو الأصل المثبت.

٢ ـ تنقيح صغرى ما ذكر في المرحلة الاولى ، وهي انّه إذا كان الجزءان جوهرين أو عرضين أو جوهر وعرض جوهر آخر فلا يعقل افتراض النعتية بينهما إلاّبافتراض أخذ عناية زائدة منفية بحسب الفرض فلا يعقل إلاّالتركيب ، ولو فرض لزوم أخذ الارتباط والتوصيف في عالم التعبير وعقد القضية فهي حيثية بيانية لا أكثر ، وأمّا إذا كان الجزءان جوهراً وعرضاً له فيمكن أخذهما بنحو النعتية بل لابد من أخذه كذلك ؛ لأنّه مقتضى كونه عرضاً ونعتاً لذلك المحل على ما سوف يظهر.

٣ ـ انّ الجزءين إذا كانا جوهراً وعرضاً له فلابد من أخذ النعتية ببرهان انّه لولا ذلك لزم ثبوت الحكم لو تحقق العرض ولو في محل آخر وهو خلف.

٤ ـ إذا كان الجزءان جوهراً وعدم عرضه فثبوتاً يتصور أخذه بنحو نعتي أي أخذ اتصاف الموضوع بعدم عرضه بنحو مفاد القضية المعدولة ويمكن أخذه

__________________

(١) وهنا محاولة للشيخ الاصفهاني 1 واضحة الجواب راجعها في ص ٣٤٣ نهاية الدراية.


بنحو محمولي أي أخذ عدم قرشية تلك المرأة بحياله ومن دون اضافته إلى المرأة الذي هو مفاد القضية المحصلة ( والتعبير عن ذلك بمفاد ليس الناقصة والتامة غير فني كما لا يخفى ) ولا يلزم منه المحذور المتقدم في طرف أخذ وجود العرض جزءً للموضوع لأنّ المعدوم متقيد بهذه المرأة فعدم قرشية غيرها لا يجدي في تحقق الموضوع المركب.

إلاّ انّ الميرزا رغم ذلك ادعى لزوم أخذ العدم نعتياً لا محمولياً مدعياً في وجه ذلك نكتة يمكن تقريبها بنحوين :

١ ـ انّ انقسام الموضوع بلحاظ صفاته ونعوته يكون مقدماً على انقسامه بلحاظ مقارناته ، فالمرأة في المرتبة الاولى تنقسم إلى قرشية وغير قرشية الذي هو عدم نعتي ، وإن كان فرض وجود المرأة مع عدم قرشيتها بنحو العدم المحمولي ملازماً مع العدم النعتي إلاّ انّه تصل النوبة اليها في مرتبة متأخرة ، وعليه إذا كان هناك تقييد لموضوع الحكم فلا محالة يكون بالنحو الأوّل لا الثاني.

وهذا المقدار جوابه انّه لا موجب للاسبقية فإنّ كلا التقييدين معقول في نفسه بحسب الفرض ومجدٍ في تحقيق غرض المولى.

٢ ـ انّ موضوع الحكم في عقد وضع القضية امّا أن يكون مطلقاً أو مقيداً أو مهملاً ، والأخير مستحيل ، والأوّل خلف ثبوت أصل التقييد ، فيتعيّن الثاني ، وليس هو إلاّبالعدم النعتي لا المحمولي لأنّه ليس قيداً للموضوع بحسب الحقيقة ، بل هو قيد للحكم ابتداءً.

وقد أجاب عليه في المحاضرات بالالتزام بالاهمال فإنّه لا يجب تقييد


الموضوع بمقارنات قيده بل يبقى مهملاً من ناحيته.

وهذا الجواب غير فني ، فإنّه أوّلاً ـ المراد بالاهمال عدم الإطلاق والتقييد وهذا غير معقول في مقام الثبوت والصورة الذهنية إلاّبناءً على كون التقابل بينهما من العدم والملكة لا السلب والايجاب كما هو الصحيح أو التضاد كما هو مختاره.

وثانياً ـ التقييد بالعدم المحمولي ليس تقييداً للموضوع أصلاً بل هو بحسب الحقيقة تقييد للحكم ابتداءً كما قلنا ، فالتقييد المعقول للموضوع بحسب هذا البيان إنّما هو التقييد بالعدم النعتي فقط.

والصحيح في الجواب على أصل هذا البيان أن يقال :

انّه يرد عليه أوّلاً : بالنسبة إلى النقطة الأخيرة نلتزم باطلاق الموضوع وعدم أخذ قيد فيه ، ولا يلزم منه التهافت والخلف أو شمول الحكم لمورد الخاص لأنّ الإطلاق ليس جمعاً للقيود بل رفض لها والاقتصار على ملاحظة ذات الطبيعة ؛ ومن الواضح انّ الإطلاق بالمعنى المذكور إنّما يوجب سريان الحكم إلى الأفراد كلها إذا لم يكن تقييد في طرف الحكم.

وثانياً : انّ العدم النعتي للعرض والمحل في نفسه وثبوتاً غير معقول ، امّا إذا قيل بكون النعتية تساوق الوجود الرابط ـ كما هو ظاهر كلام السيد الخوئي 1 في رسالته في اللباس المشكوك ـ أو الوجود الرابطي ـ كما ذكره النائيني في رسالته في اللباس المشكوك ـ فواضح لأنّ الوجود الرابط أو الرابطي لا يكون إلاّبين وجودين لا بين عدم ووجود ، وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من انّه يعني التحصيص المنتزع من النسب الواقعية في لوح الواقع الاوسع من لوح الوجود


فيشمل النسب التحصيصية في الأعراض الانتزاعية أو الاعتبارية رغم انها ليست وجودية بخلاف المعنيين المتقدمين فقد يتصور امكان العدم النعتي للعرض ومحله لأنّ النعتية تعني النسبة الواقعية لا الوجودية ، فيمكن أن يثبت بين العدم ومحل المعروض لأنّ الأعدام امور واقعية أيضاً ، ولهذا يضاف العدم أيضاً إلى ذات المعدوم وهو نحو تحصيص له. فأيضاً لا يعقل العدم النعتي ؛ لأنّ العدم لا تحصيص له وإنّما التحصيص للمعدوم دائماً ، وهذا رغم فطريته وبداهته وارسال الحكماء له ارسال المسلّمات لأنّ التحصيص يكون للماهيّات لا للوجود والعدم اللذان هما مفهومان انتزاعيان لا مقوليان ، إلاّ انّه يمكن البرهنة عليه بأنّ عدم عرضٍ كالعدالة أو القرشية إذا اريد تحصيصه إلى حصتين فتارة يفترض تحصيص معدومه وهو العدالة إلى عدالة العالم وعدالة الجاهل مثلاً ، واخرى لا يفترض ذلك فإذا حصص المعدوم تحصّص العدم المضاف إليه تبعاً بحيث استحال صدقه في غير مورد المحصص فعدم عدالة العالم لا يصدق في الجاهل غير العادل لكي يراد تحصيصه بالعالم بل هو متحصّص به أيضاً فيستحيل التحصيص لأنّه فرع الإطلاق.

وإذا فرض عدم تحصيص المعدوم واضافة العدم إلى ذات العدالة ثمّ اضافته وتحصيصه بالعالم فيرد عليه :

أوّلاً ـ لزوم ثبوت عدمين ونقيضين لجامع العدالة فيكون مقابل عدمين وجود واحد وهذا محال.

ثانياً ـ يلزم أن لا يصدق عدم العدالة في مورد العالم أعني العدم المحصّص بالعالم إلاّبانتفاء جامع العدالة حتى عدالة الجاهل ، لأنّ انتفاء الجامع لا يكون


إلاّ بانتفاء تمام أفراده ، وهو واضح البطلان ، وهذا بخلاف وجود جامع العدالة ، فإنّه يكفي فيه وجود الفرد المتقيد بالعالم.

وهكذا يتبين استحالة أخذ النعتية في طرف العدم كنسبة واقعية. نعم يمكن أخذها كنسبة ذهنية اعتبارية لكنها خارجة عن البحث لكونها مؤنة زائدة وأمراً ذهنياً محضاً لا محكي خارجي له.

وثالثاً ـ لو افترضنا صحّة تحصيص عدم العرض بمحله كوجود العرض بحيث كانت هناك حصتان من عدم العرض عدم مضاف إلى العالم وعدم مضاف إلى الجاهل وكان حال عدم العرض كحال العرض نفسه من حيث اتصاف المحل المعروض به. لزم ثبوت العدم النعتي منذ الأزل للموضوع المعروض أيضاً ، إذ كما يتصف المعروض بأنّه معدوم قبل تحققه لصدق عدمه المحمولي ويكون الموصوف الذات والماهية لا وجودها كذلك باعتبار صدق عدم عرضه ينبغي صحة توصيف ذاته وماهيته بأنّها معدومة العرض أي غير قرشية فكما تكون ذات المرأة قيداً للعدم أو معروضاً له فيقال لم تكن المرأة موجودة أو كانت معدومة ويكون الموضوع الماهية لا وجودها كذلك يمكن أن تكون قيداً لعدم عرضها فيقال تلك المرأة المعدومة معدومة القرشية أيضاً فيستصحب عدم القرشية بنحو العدم النعتي والوصف لذات المرأة الثابت في الأزل.

وهكذا يثبت عدم صحة افتراض النعتية بين عدم العنوان الخاص والعنوان العام بل بحسب عالم الثبوت يتعين أن يكون العدم محمولياً بلحاظ المحكي الخارجي. نعم ، يمكن أخذ الارتباط الذهني أو أي علاقة ونسبة انتزاعية واعتبارية اخرى أو أخذ عنوان وجودي ملازم مع العدم المحمولي ولكنه خارج عن البحث.


ثمّ انّ هنا بحثاً اثباتياً لنفي أخذ النعتية بناءً على معقوليتها أو إذا احتمل أخذها بنحو العلاقة الانتزاعية ولو الذهنية في انّ مقتضى الإطلاق في مرحلة الاثبات أيضاً هو العدم المحمولي لا النعتي ، وقد ذكر في الكتاب وجوهاً لذلك والأولى ذكرها كما يلي :

١ ـ استظهار ذلك ابتداءً من دليل التخصيص لأنّ المخصّص اخراج وسلب للخاص عن العام فيقال انّ مفاده ليس بأكثر من صدق القضية السالبة كما في قولك : ( أن يكون فقيراً وأن لا يكون أموياً ) ، ومقتضى التطابق بين الاثبات والثبوت أنّ الموضوع للجعل أيضاً مركب من صدق مفاد كل من الجملتين بحياله وهو معنى العدم المحمولي ، وهذا لا يفرق فيه بين كون المخصص متصلاً أو منفصلاً ولا بين كون العدم المحمولي مبايناً في الذهن ومن حيث المفهوم الذهني عن النعتي أو بينهما الأقل والأكثر.

٢ ـ استظهار انّ دليل المخصّص بمثابة المانع عن غرض المولى وعنوان العام بمثابة المقتضي له عرفاً ، وبما انّه لا يشترط في ترتب الأثر والغرض إلاّوجود المقتضي وانتفاء المانع الذي هو العدم المحمولي فيستظهر من ذلك انّ الجعل أيضاً على وزان الغرض يكون موضوعه مركباً من ذات العام والعدم المحمولي للمخصّص ، وهذا أيضاً كالسابق.

٣ ـ لو فرض عدم الاستظهارين السابقين معاً مع ذلك نقول بجريان أصالة عدم تقيد موضوع الجعل العام بأكثر من العدم المحمولي لأنّ النسبة بينه وبين العدم النعتي الأقل والأكثر بحسب المحكي والمرئي وإن كانت بحسب نفس الصورة الذهنية وحدّها متباينة ـ بناءً على امكان أخذ النعتية لنفس عدم العرض


ومحله ـ وهذا يتم حتى في المخصّص المتصل نظير سائر موارد الدوران بين الأقل والأكثر في أصل التقييد ، أي الدوران بين التقييد بعنوان واحد أو عنوانين ، فهذا يختلف عن الاجمال المفهومي للمخصّص المتصل بين الأقل والأكثر ، كما انّ أصالة عدم التقييد الزائد يجري ولو فرض عدم عرفية الأثر العملي وهو الاستصحاب الأزلي ؛ لأنّ نفس التقييد الزائد خلاف عالم الاثبات كما ذكر في الهامش للكتاب.

٤ ـ لو فرض كون النسبة بينهما التباين مع ذلك جرت أصالة عدم التقييد بالعدم النعتي ولا معارض لعدم التقييد بالعدم المحمولي ؛ إذ لا يترتب عليه أثر بعد أن كانت النتيجة العملية للعدم المحمولي مترتبة على كل حال ، وهذا الوجه لا يتم في المتصل ، إذ يوجب سريان الاجمال إلى العام لدوران الأمر بين تقييدين متباينين يعلم اجمالاً بأحدهما ولا معيّن في البين ، كما انّه يتوقف على أن يكون الأثر العملي المذكور وهو جريان أصل العدم الأزلي عرفياً ويكون إطلاق الخطاب صالحاً لأن يكون مسوقاً من أجله.

هكذا أفاد السيد الشهيد 1.

وفيه : انّه لا يلزم ذلك ، بل الإطلاق وعدم ذكر القيد اثباتاً كاشف عن عدم أخذ القيد ثبوتاً كلما احتمل ذلك ولو لتحديد عدم زيادة الثبوت على الاثبات مفهوماً مع قطع النظر عن الأثر الخارجي ، وهذا ثابت في المقام بلحاظ العدم النعتي ويترتب عليه جريان الاستصحاب بالملازمة بلا حاجة إلى أن يكون الإطلاق مسوقاً لذلك.

ومنه يعرف عدم صحة أصل هذا التقريب ، إذ يكون السكوت اثباتاً عن كل


من القيدين نافياً لأخذه ثبوتاً ، وحيث يعلم اجمالاً بأحدهما يقع التعارض بينهما ، ودعوى عدم حجّية الإطلاق الثاني للعدم المحمولي لعدم ترتب أثر عملي عليه فيكون لغواً فلا معنى للحجية ، مدفوعة بأنّ الأثر العملي الدافع للغوية ثابت بلحاظ مدلوله الالتزامي وهو اثبات التقييد بالعدم النعتي بالملازمة ، وبالتالي عدم جريان الاستصحاب ، والمفروض انّ لوازم الامارات حجة.

نعم ، لو اريد التمسك بالاطلاق لاثبات هذا الأثر ابتداءً لا لنفي التقيد به ثبوتاً ثمّ اثبات الأثر بالملازمة صحَّ دعوى لزوم عرفية الأثر ، وكون الإطلاق مسوقاً له ، إلاّ انّ الإطلاق لا يتعدد بلحاظ الآثار ، بل هذا نفس الإطلاق الساقط بالتعارض والعلم الإجمالي بالمخصّص ، وكأنّه تصور انّه يراد اثبات الأثر بالاطلاق ابتداءً فقيل انّه لابد وأن يكون في مقام البيان من ناحيته وهو فرع عرفية الأثر وصلاحية البيان لأن يكون مسوقاً له ، وكل هذا لا وجه له ، فإنّ الخطاب في مقام البيان من ناحية كل قيد مأخوذ فيه ثبوتاً مسكوت عنه اثباتاً فيكشف عن عدمه وكل ما يترتب على عدمه من اللوازم لكونه أصلاً لفظياً.

ص ٣٥٢ قوله : ( فصل : في جواز التمسك بالعام لاثبات التخصّص ... ).

حاصل ما يفيده السيد الشهيد 1 في المنع عنه أنّه في القضايا المجعولة على نهج القضايا الحقيقية لا محالة يثبت تقييد العام المجعول على نهج القضية الحقيقية بنقيض عنوان الخاص المجعول كذلك ، لأنّ فرض حقيقية القضية المجعولة يعني فعلية حكم العام حتى إذا انطبق موضوعه على العنوان الخاص ؛ لأنّ القضية الحقيقية لا تتكفل احراز الموضوع بل يجعل ذلك على عهدة الواقع


وهذا خلف ثبوت الخاص ، فلابد من افتراض تقيد موضوع العام ثبوتاً بنقيض الخاص في القضايا الحقيقية ، ومعه يكون التمسك به من التمسك بالعموم في مورد يحتمل خروجه بالمخصّص الثابت التي هي نكتة عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. وهو لا يتمّ فيما إذا كان أحد الخطابين مجعولاً على نهج القضية الخارجية لا الحقيقية ونلتزم بذلك. هذا حاصل ما أفاده 1

وهو لا يرجع إلى كلام العراقي ؛ لأنّ نكتة عدم حجّية العام في المصداق المشتبه هو عدم وجود ظهور تصديقي في العام لبيان حال الفرد وإنّما مجرد ظهور تصوري ـ على حدّ تعبيره ـ وعدم وجود دلالة في العام بلحاظ عالم فعلية المجعول بفعلية موضوعه ـ على حدّ تعبيرنا ـ وهذا لا يتم في المقام ؛ لأنّا هنا لا نريد اثبات نظر العام إلى التخصّص في الفرد المعلوم حكمه وإنّما نثبت بالعام وظهوره التصديقي الكاشف عن مرحلة الجعل انّ الموضوع للعام في عالم الثبوت والجعل مطلق غير مقيّد بشيء ، وهذا له مدلول التزامي عقلي هو انّ من ثبت خارجاً عدم وجوب اكرامه ـ أي خروجه عن حكم العام ـ لا يكون مصداقاً لعنوان العام جزماً وإلاّ كان لابد من تقييد الجعل العام بعدمه وهذا واضح.

ومنه يعرف اشكال آخر على مقالة المشهور من انّ العقلاء لا يبنون على حجّية العام إلاّفي موارد الشك في المراد غير ما يذكره الاستاذ من لزوم التعبد الصرف في حجّية الامارة عند العقلاء ، وحاصله :

انّ المشكوك في المقام ما هو المراد من العام وأنّ المجعول به ثبوتاً هل يكون مقيداً بقيد وهو غير الفرد المعلوم حكمه أم ليس مقيداً به وهذا من الشك في المراد بحسب الحقيقة ، غاية الأمر يكون له مدلول التزامي وهو التخصّص وعدم


انطباق عنوان العام أو المطلق على ذلك الفرد فلا فرق بين هذا المدلول الالتزامي للعام وبين سائر المداليل الالتزامية المعتبرة حتى موضوعاً.

نعم ، لو كان مراد العام النظر إلى حكم الأفراد الخارجية أي مرحلة المجعول الفعلي فقد يقال انّه لا شك في المراد بالنسبة إلى هذا الفرد ليتمسك بأصالة العموم بلحاظه ولكنه بنفسه خلط بين عالم الجعل الذي هو المراد من العام ومفاده وبين عالم الفعلية فأصالة العموم والإطلاق في المقام يثبت إطلاق الجعل وعدم أخذ قيد فيه ولازمه العقلي ثبوت التخصيص في ذلك الفرد.

وهكذا يتعين في مقام الجواب ما أفاده الاستاذ 1 من أنّ العام إذا كان مجعولاً بنحو القضية الحقيقية فمعنى القضية الحقيقية ـ كل ما يمكن أن يفرض خارجاً موضوعاً للعام ومصداقاً لعنوانه ، وهذا يشمل حتى الفرد المقطوع انتفاء حكم العام فيه لكونه فرداً يمكن أن يفرض مصداقاً للعام إذا كان حكمه أيضاً مجعولاً على نهج القضايا الحقيقية فلابد من فرض التقييد وأنّ العام مقيد موضوعاً بغير صورة انطباقه واجتماعه مع عنوان الخاص فيكون عدمه قيداً في العام ، ومعه لا يمكن التمسك بعموم العام فيه لصيرورته شبهة مصداقية لمخصص العام ، وهذا نظير ما إذا قال : أكرم كل عالم ويحرم اكرام الفاسق وفرض أقوائية الخطاب الثاني على الأوّل بحيث يتقدم عليه في مقام التعارض فإنّه في مثل ذلك لابد من فرض تقيد موضوع العام وهو العالم بغير الفاسق ولو فرض عدم وجود عالم فاسق في الخارج ، إذ القضية المجعولة حقيقية وليست خارجية ، أي تشمل ما يمكن فرضه من أفراد العالم ويكون فاسقاً فلابد من التقييد.

ونحن نوافق مع الاستاذ في أصل هذا التقريب ولكن نخالف معه في أنّه


لا يتمّ أوّلاً ـ في القضايا الخارجية كما اعترف به.

وثانياً ـ في القضايا الحقيقية التي موضوعها حكم شرعي لا يعلم انتقاض حكم العام فيه في مورد كما في مثال منجسية كل مائع متنجس فلعله مطلق في مقام الجعل من باب أنّ المولى لم يجعل النجاسة على ماء الاستنجاء ولا يوجد مائع متنجس معلوم في الخارج عدم منجسيته ، وعليه فيمكن التمسك بأصالة العموم لاثبات عدم تقيد الجعل المذكور ، ولازمه طهارة ماء الاستنجاء وجواز التوضي به مثلاً ، مع انّ الوجدان قاض بعدم صحّة التمسك المذكور حتى في هذين الموردين خصوصاً إذا كان الخاص قضية خارجية دون العام.

ويلحق بهذين الموردين إذا كان كلاهما مجعولين على نحو القضية الحقيقية إلاّ أنّه احتمل عدم امكان اجتماع العنوانين في مورد واحد كما إذا قال : أكرم القرشي وقال : لا تكرم من ينتسب إلى آل زياد وشك في انّ هذا من باب التخصيص أو التخصّص فإنّه يكون الجعل العام غير مقيد من جهة عدم امكان اجتماع العنوانين لأنّ من ينتسب إلى آل زياد منذ أن يولد امّا أن يكون قرشياً أو غير قرشي وليس فرض الاجتماع محرز الامكان لكي يلزم التقييد في القضية الحقيقية.

والحاصل العلم بالتقييد يكون في غير أحد هذه الموارد الثلاثة كما لا يخفى.

وقد ظهر بالبيان المتقدم انّ ما أجبنا به عن حجّية أصالة العموم في هذه الموارد في هامش الكتاب غير تام أيضاً لأنّ الخطاب لا ينظر إلى عالم الفعلية لكي يقال بأنّها تجعل الحكم على تقدير تحقق الموضوع ولا تجعل الملازمة بين الحكم والموضوع ، وإنّما الخطاب ينظر إلى عالم الجعل ومفاده أصل الجعل


وحدوده والمفروض كشفه عن عدم أخذ قيد فيه بلا إشكال حتى إذا كان المجعول ترتب الحكم على الموضوع.

وقد يقال : انّ كل ظهور إنّما يكون حجة إذا لم يكن مما يقطع بعدم حجيته ، وفي المقام لو كان هذا الفرد مصداقاً للعام لم يكن عموم العام حجة فيه بحسب الفرض للقطع بخروجه عنه بحجة أقوى منه ، فأصالة العموم أو الإطلاق في مقاد العام لنفي تقييده بنقيض هذا الفرض بشخصه الخارجي أو بعنوان حقيقي منطبق عليه تمسك بظهور على أحد التقديرين يقطع بعدم حجيته أي تمسك بظهور يحتمل أن يكون معلوم السقوط عن الحجّية فيكون من اشتباه الحجة باللاحجة.

والجواب : انّ هذا يتم لو ثبت التخصيص في العام وسقوط ظهوره كما في الشبهة المصداقية للمخصّص لا مثل المقام الذي يحتمل مطابقة الظهور الكاشف عن العموم للواقع.

وإن شئت قلت : لا قطع فعلي هنا ، وإنّما على تقدير كون الفرد مصداقاً يقطع بالسقوط ، وهذا واضح.

ويمكن أن يقال : انّ أصالة العموم أو الإطلاق وإن كان مفادها نفي القيد في الجعل إلاّ انّ مجراها ومدلولها اثبات عموم حكم العام أو المطلق في مورد العنوان أو الفرد المحتمل تقيد الجعل بعدمه ، فإذا كان ذاك الفرد أو العنوان مما يقطع بانتفاء حكم العام فيه فلا يمكن التمسك بالعموم والإطلاق فيه لنفي تقيد الجعل بعدمه لأنّه مدلول التزامي لعموم العام لذلك الفرد وهذا لا يعني نظر العام أو المطلق إلى مرحلة المجعول والفعلية خارجاً ، بل في نفس مرحلة الجعل لابد وأن يكون العام أو المطلق شاملاً لهذا الفرض والتقدير الذي يعلم بانتفاء الحكم


فيه حتى يثبت اطلاقه وليس العكس أي ليس شموله لهذا الفرد في طول نفي القيد وكشف عدم أخذه بل عنوان عدم أخذ القيد عنوان منتزع في طول عموم العام لكل فرد ، فمفاد العام التصوري اثبات الحكم في كل فرد فرد ولازمه نفي القيد ، فإذا كان هذا المدلول المطابقي ساقطاً فلا يمكن اثبات مدلوله الالتزامي وهو التخصّص.

وقد يقال : انّ هذا إنّما يتمّ في العموم ، وأمّا في الإطلاق فلا يتم ، لأنّ مفاده ابتداءً نفي كل قيد زائد ومنها القيد المحتمل فيكون حجة في نفيه ولازمه التخصّص ، بل قد يقال أنّ العموم أيضاً يجري فيها الإطلاق لنفي قيد زائد على عنوان العام ، إذ لو كان كذلك لزم عليه البيان ، غاية الأمر لا نحتاج إلى التمسك به مع وجود العموم الدال لفظاً على شمول كل فرد ولكن في المقام يفيد التمسك بالاطلاق في العام لنفي تقيده بقيد آخر غير العنوان العام ولازمه التخصّص.

والجواب : اننا ننكر ذلك بل الإطلاق أيضاً له سريان وشمول ذاتي لكل فرد لا بما هو فرد بل بما أنّه مصداق للطبيعة وهذا السريان والإطلاق الذاتي هو الحجة في الكشف عن عدم القيد فالحجة في باب الدلالات اللفظية دائماً هو الظهور والدلالة الاثباتية بالدقة وإنّما تختلف درجاتها ومعه تتم النكتة المذكورة في المقام.

وهكذا لا يكون عدم التقييد بنحو كلي بنفسه مدلولاً للظهور اللفظي وإنّما هو مدلول التزامي منتزع من إطلاق اللفظ وسريانه لكل فرد فرد من أفراد الموضوع المقدرة الوجود في عالم الجعل فدلالة العام أو المطلق في مثال كل مائع متنجس منجس على عدم تقيده بغير ماء الاستنجاء مدلول التزامي لسريانه وشموله لماء الاستنجاء المفترض في القضية الحقيقية نجاسته بأن نقول : لو كان ماء الاستنجاء


نجساً لكان منجساً في عالم الجعل ، وحيث ثبت في الخارج عدم منجسيته يثبت انّه ليس نجساً. ولكن حيث انّ السريان المذكور أعني مفاد قولنا لو كان نجساً لكان منجساً على تقدير ثبوته يكون ساقطاً عن الحجّية لتقدم الدليل الدال على عدم منجسيته عليه فلا يكون المدلول الالتزامي له وهو نفي تقيد الجعل بغير ماء الاستنجاء حجة.

ويمكن أن نذكر بياناً جامعاً بين ما ذكرناه في حاشية الكتاب وما ذكرناه هنا فنقول :

تارة يكون وجه الدلالة على التخصّص كون مفاد العام أو المطلق قضية شرطية هي الملازمة في كل فرد بين عنوان الموضوع والحكم فكأنّ العام يخبرنا عن انّ كل انسان تثبت في حقه هذه الملازمة وهي مثلاً إذا كان فقيراً وجب اكرامه ، وحيث انّا نعلم انّ زيداً ليس واجب الاكرام فنستكشف انّه ليس بفقير.

واخرى يكون مبنى الدلالة على التخصّص نفي القيد في موضوع الجعل العام أو المطلق ولو كان مفادهما القضية الحملية الفعلية حيث انّ لازم ذلك انتفاء موضوع العام أو المطلق لا محالة في حق زيد.

أمّا البيان الأوّل : فيرد عليه عدم تماميته ، لأنّه مفاد اخباري منتزع من الجعل وليس هو مفاد الخطاب سواءً في العام أو المطلق ولو كان هذا هو المفاد لكان العام حجة في اثبات التخصّص جزماً كما يتمسك بامكان ذلك في الفقه. بل بناءً على هذا البيان لا يتم ما ذكر في جواب الاستاذ 1 أيضاً من العلم بالتقييد في القضايا الحقيقية إذ لو فرضنا مفاد العام هو الكشف عن هذه الملازمة فلا علم بكذبها في مورد حتى في القضايا الحقيقية ، إذ لعلّ المتكلم يحرز عدم امكان اجتماع موضوع العام ومنافرته مع ما يقتضي نقيض حكمه وهذا واضح.


وأمّا البيان الثاني : فهو مبني على أن يكون نفي القيود على اجمالها وكليتها ابتداءً هو مفاد العام أو المطلق وليس كذلك بل هو مدلول التزامي أو انتزاعي لاطلاق الحكم وشموله للفرد الفاقد للقيد في كل قيد بخصوصه المقدر وجوده في عالم الجعل وهذا الإطلاق ساقط عن الحجّية يقيناً بلحاظ الفرد الذي علمنا بخروجه الحكمي عن العام أو المطلق ، فعلى تقدير صحة هذه الفرضية وامكانها في القضية الحقيقية المجعولة في العام أو في القضية الخارجية فاطلاق العام لمثل هذا الموضوع المفترض ساقط عن الحجّية جزماً فلا يمكن التمسك به لاثبات نفي التقييد به وبالتالي اثبات التخصّص.

ولعلّ هذا هو روح مقصود سيدنا الاستاذ 1 أعني العلم بالتقييد والسقوط على تقدير كون المورد فرداً مقدراً للعام لا العلم بالتقييد على كل تقدير ليرد عليه ما أوردناه من النقوض الثلاثة ، فروح ما ذكره الاستاذ 1 في المقام تامة.

كما انّ ما ذكره المحقق العراقي 1 تام أيضاً بلحاظ الصيغة المدرسية للتمسك بالعام في الدوران بين التخصيص والتخصّص حيث انّهم يتمسكون بعموم العام للفرد الخارجي المعلوم انتفاء حكم العام فيه بنحو القضية الخارجية الفعلية ، أي ينظرون إلى عالم فعلية المجعول ومن هنا حكموا بأنّ المراد معلوم فيه وبناءً على هذه الصيغة يتجه كلام المحقق العراقي 1 من أنّ الخطاب العام ليس له ظهور تصديقي كاشف ليكون حجة وإنّما هو ظهور تصوري بحت ؛ بل قد عرفت انّ الخطاب لا ينظر إلى هذه المرحلة أصلاً ، وهذه نفس نكتة عدم حجّية العام في الشبهة المصداقية لمخصّصه ، فاسراء تلك النكتة إلى البحث تام على صيغة المشهور وغير تام على الصيغة المعدلة للتمسك بالعام.


ص ٣٦١ قوله : ( أقول : كلا هذين البيانين لو تم فهو مخصوص بغير المقام ... ).

هذا الاعتراض على المحقق العراقي 1 قابل للمناقشة بأنّ صيرورة العمومات من باب اشتباه الحجة باللاحجة فرع كون المعلوم بالاجمال وجود مخصصات فيما بأيدينا من الروايات لا وجود مخصصات في الواقع. وبناءً عليه قد يكون الانحلال حقيقياً لا حكمياً وهو يقبل فيه باشكال صاحب الكفاية.

والحاصل : للمحقق العراقي أن يدعي وجود علم اجمالي بوجود تخصيصات واقعية في موارد العمومات قبل الفحص مع قطع النظر عما بأيدينا من المخصصات للعلم اجمالاً بأنّ العمومات فيها عام وخاص وناسخ ومنسوخ في نفسه ، ومثل هذا العلم الاجمالي وإن كان وصولاً وعلماً إلاّ انّه لا يجعل العمومات من باب اشتباه الحجة باللاحجة إلاّإذا شخص نفس المخصص المعلوم بالاجمال المساوق مع الانحلال الحقيقي وهو خلف احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على غيره بحسب فرضه ، ومعه لا يكون من اشتباه الحجة باللاحجة ، ولعلّه لذلك عبّر الاستاذ 1 بأنّه يمكننا أن ندعي انّه من اشتباه الحجة باللاحجة.

ص ٣٦٢ قوله : ( إلاّ انّ هذا الوجه لا يعالج الاشكال في العمومات الترخيصية ... ).

لا يقال : بل يعالجه أيضاً ، لأنّ العام الترخيصي المخصّص يستكشف بعد التخصيص عدم حجيته من أوّل الأمر لا من جهة كونه من اشتباه الحجة باللاحجة بمجرد العلم الاجمالي بالمخصصات بل من جهة أنّ الخاص يكشف


عن عدم ارادة العموم من العام من أوّل الأمر وانّ عموم العام في الطرف الآخر كان مقدماً عليه ، وهذا بخلاف موارد الانحلال الحكمي وجريان الأصل العملي في الطرفين القصير والطويل ، لأنّ العلم التفصيلي المتأخر أو الحجة التفصيلية المتأخرة عن العلم الاجمالي لا يكشف عن عدم جريان الأصل العملي فيه قبل حصوله ، ولو كان المعلوم به النجاسة المتقدمة لأنّ موضوع الأصل العملي نفس عدم العلم وهو كان حاصلاً بخلاف المقام فإنّه بعد حصول العلم التفصيلي بالمخصّص يعلم انّ العموم في الطرف الآخر كان مقدماً في الحجّية على العموم في الطرف الأوّل حتى قبل العلم التفصيلي بمخصّصه غاية الأمر لم يكن يعلم به المكلف.

فإنّه يقال : هذا مبني على أن يكون حجّية العام مقيدة بعدم المخصّص على خلافه واقعاً لا عدم وصول المخصّص بحيث لابد من نفيه بأصالة عدم المخصّص أو استصحابه ، وهو خلاف التحقيق بل الحجة على نفي التخصيص نفس ظهور العام في العموم ، وعليه فموضوع الحجّية في الاصول اللفظية ثابت قبل العلم التفصيلي أيضاً.

ص ٣٦٦ قوله : ( فصل : في شمول الخطابات لغير المشافهين ... ).

لا إشكال في امكان بل شمول الحكم المجعول في القضية الكبروية للغائب والمعدوم وإنّما البحث في شمول الخطاب بما هو مخاطبة يقصد بها التفهيم لغير الحاضر مجلس التخاطب وعدمه ، وقد ذكر الميرزا 1 انّ هذا البحث ينحل إلى نزاع عقلي في امكان مخاطبة المعدوم والغائب ثبوتاً وعدمه ونزاع لفظي فيما هو المستظهر من أدوات المخاطبة سواءً كانت حرفية كأدوات النداء أو كانت بنفس توجيه الكلام فهل هي ظاهرة في الاختصاص بالموجودين أم لا.


وقد علّق على ذلك بأنّ النزاع العقلي خارج عن البحث أيضاً لوضوح استحالة المخاطبة الحقيقية لغير الحاضر فضلاً عن المعدوم وامكان المخاطبة الانشائية الادعائية للجمادات فضلاً عن غير الحاضرين ، فالبحث ينحصر في النزاع اللفظي الاثباتي فلابد من تشخيص انّ مفاد أدوات الخطاب هل هو المخاطبة الحقيقية أو الانشائية ، والمستظهر كونها موضوعة للانشائي ، أي لاظهار توجيه الكلام نحو مدخولها بداعٍ من الدواعي (١) ، وهذا يرجع ملخصه إلى انّ الخطاب موضوع للانشائي وهو يمكن أن يعم الغائب والمعدوم.

وفيه ما ذكر في الكتاب من امور :

١ ـ امكان النزاع الثبوتي بتحديد المراد بالمخاطبة وقصد التفهيم ، فإنّ بعض معانيه معقول في حق المعدوم فضلاً عن الغائب كما في الدساتير والقوانين المشرعة حتى للأجيال القادمة.

٢ ـ انّ الخطاب الانشائي مبني على تصورات صاحب الكفاية في وجود المعنى باللفظ ، وقد أنكره وأنكرناه.

٣ ـ انّه لابد من تحديد معنى تصوري لأدوات الخطاب وضعاً ، لأنّ المعنى الموضوع له تصوري لا تصديقي.

٤ ـ مجرد امكان الوضع لمعنى انشائي أو تصوري يعم المعدوم والغائب لا يكفي إذا كان الظهور التصديقي كاشفاً عن قصد افهام الحاضرين فقط ولو لقرينة عقلية.

__________________

(١) محاضرات في اصول الفقه ٥ : ٢٧٦.


الوجه الثاني : ما ذكره الميرزا 1 مع جوابه المذكور في الكتاب.

الوجه الثالث : ما اختاره السيد الشهيد 1 من أنّ أدوات الخطاب موضوعة لمعانيها التصورية النسبية الحرفية أو الانشائية وهي مخصوصة بالمخاطب.

نعم ، قصد الافهام مدلول تصديقي لا وضعي ، وظاهر حال المتكلم قصد افهام الحاضر لا الغائب والمعدوم إلاّمع القرينة على التوسعة كما في الشرائع والقوانين.

وما أوردناه في الهامش غير تام ، إذ أدوات الخطاب غير موضوعة لقصد الافهام بل للمعاني الانشائية الخاصة بالمخاطب الحاضر من نداءه أو الفاته أو غير ذلك كما أفاد الاستاذ ؛ وأمّا قصد الافهام فمدلول تصديقي ، وهو يعقل عمومه لغير الحاضر ، غايته بحاجة إلى قرينة على التوسعة كما أفاد الاستاذ.

ثمّ انّه أورد في نهاية الأفكار على الثمرة الثانية بجوابين :

الأوّل : التمسك بالاطلاق المقامي حيث انّ مثل قيد الحضور في زمن المعصوم 7 من القيود التي يغفل عنها العرف ، فلو كان دخيلاً في الحكم لزم بيانه ، وهذا نظير ما يقال في باب قصد القربة من أنّه ينعقد إطلاق مقامي لنفي دخله في الغرض والملاك ولو فرض عدم الإطلاق اللفظي لنفيه لاستحالة تقييد الأمر به.

وفيه : انّه قياس لباب قيود الواجب بقيود الوجوب ، فإنّ ما يكون خلاف الغرض دخل قيد في الواجب مغفول عنه عرفاً كما في مثل القيود الثانوية ، وأمّا


المقام فالمفروض احتمال دخالة قيد الحضور في أصل التكليف بالجمعة مثلاً ، فلو فرض غفلة العرف عنه غاية ما يلزم منه تصور العرف تكليف غير الحاضرين بالجمعة ولا يلزم منه نقض لغرض المولى لكي يجب عليه بيانه بعد فرض انّ الخطاب لا إطلاق لفظي له بحسب الفرض ، نظير ما إذا كان اللفظ مجملاً من هذه الناحية ، فإنّه لا يدّعى انعقاد إطلاق مقامي على نفي الاختصاص.

والحاصل : لا ظهور حالي أو مقامي في انّ المولى لابد وأن يبيّن حكم من ليس مخاطباً له أيضاً لكي يلزم نقض الغرض ما لم يصرّح بذلك ، فالقياس على قيود متعلق الحكم قياس مع الفارق.

الثاني : ما ذكره المقرر من اثبات الملاك والمصلحة في الجمعة حتى لغير من يعقل تكليفه وهو المعدوم في زمن الخطاب نظير ثبوته باطلاق المادة أو المدلول الالتزامي في موارد العجز والتزاحم لعدم التبعية بين الدلالتين في الحجّية.

وفيه : انّه لا محذور في تكليف المعدوم في مقام الجعل بنحو القضية الحقيقية وإنّما المفروض اجماله نتيجة كون المخاطبة الحقيقية مخصوصة بالحاضرين مما أوجب اجمال الجعل وعدم اطلاقه لغيره ، ومن الواضح انّ الملاك إنّما يستكشف من إطلاق الخطاب فلابد من انعقاده ذاتاً أوّلاً ، وإنّما عدم التبعية بينهما في مرحلة الحجّية والسقوط عند المحقق العراقي 1 لا في أصل الانعقاد وهذا واضح أيضاً.

فأصل هذه الثمرة معقولة إذا لم يفترض كون الخطابات الشرعية كلها فيها قرائن ولو حالية شأنية على إطلاق الجعل وعدم اختصاصه بالحاضرين.


ص ٣٧١ قوله : ( تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض مدلوله ... ).

البحث في مقامين :

١ ـ العلم بارادة الخصوص من الضمير على مستوى المدلول الاستعمالي.

٢ ـ العلم بارادة الخصوص من الضمير على مستوى المدلول الجدي فقط.

أمّا المقام الأوّل : فهنا يوجد أصلان لفظيان : أصالة عدم الاستخدام أو تطابق الضمير مع مرجعه في المدلول الاستعمالي وأصالة العموم في المرجع وهما متنافيان في المقام. فهل يحكم بتعارضهما والاجمال من أجل ذلك أو يقال بعدم جريان الاولى منهما في نفسه فتجري الثانية ، أو يقال بعدم جريانهما في نفسيهما مع قطع النظر عن المعارضة فتكون النتيجة كالاحتمال الأوّل وهو الاجمال أو يقال بجريان الاولى وتقدمها على الثانية ، أي قرينيته على ارادة الخصوص وارتفاع موضوع أصالة العموم وجوه :

مقتضى القاعدة هو الأوّل (١) ، وظاهر النائيني الثاني ، وظاهر الكفاية الثالث ، وظاهر السيد الخوئي الرابع.

ولنبدأ بالأقوال من الأخير إلى الأوّل :

أمّا القول الرابع : فقد استدلّ عليه في المحاضرات بأنّ أصالة عدم الاستخدام تتقدم بنظر العرف على أصالة العموم وتحكم عليه بدليل تقدمها على الظهور الوضعي الحقيقي في مثل رأيت أسداً وأكرمته فما ظنك بالدلالة على العموم

__________________

(١) ولعلّه ظاهر كلمات السيد الشهيد في صدر البحث وفي ردّ كلام الميرزا 1 فراجع الكتاب.


الذي هو أخف من ذلك.

وهذا المقدار من البيان يرد عليه : وجود الفرق الواضح حيث أنّه في مورد المثال يلزم من عدم حمل اللفظ على ارادة معناه المجازي امّا استعمال اللفظ في المعنيين الحقيقي والمجازي أو دلالة الضمير على المعنى الظاهر وكلاهما غير عرفي وخارج عن نظام اللغة أو شديد العناية بخلاف المجاز فإنّه ضمن نظام اللغة وخفيف المؤنة فيتعين ، وهذا بخلاف باب العام فإنّ ارادة العموم منه يوجب كون الخصوص مراداً ضمناً أيضاً فلا يلزم من ارجاع الضمير إلى بعض أفراده افادة المعنى الظاهر وهو الخاص بالضمير ولا استعمال العام في الخاص ليلزم الاستعمال في معنيين ، وإنّما مجرد عدم التطابق بين الضمير ومرجعه من حيث العموم والخصوص ، أي عدم رجوع الضمير إلى تمام مدلول مرجعه ، بل إلى بعضه المفاد به ضمناً لا استقلالاً ولا اشكال في انّ هذا ليس مخالفاً لنظام اللغة بل هو نحو عناية قد تكون أخف من عناية استعمال العام في الخاص.

وأمّا القول الثالث : فدليله مذكور في الكتاب بما لا مزيد عليه ، وقد اعترض على الشق الأوّل منه السيد الشهيد 1 :

أوّلاً ـ بأنّ ملاك عدم الحجّية الطريقي أو الموضوعي غير تام في المقام كما هو مشروح.

وثانياً ـ لو فرض أمكن دعوى ظهور الجملتين في وحدة المعنى المستعمل فيه العام في موضوعيهما المسمّى بوحدة السياق ، وهذا بلحاظ العام ومن طرفه يكون من الشك في المراد منه ابتداءً وهو يكون منافياً مع أصالة العموم والعناية فيه ليس بأقل من عناية التخصيص.


وأمّا القول الثاني : الذي ذهب إليه الميرزا 1 فقد قرب كلامه في المحاضرات بوجوه ثلاثة :

أحدها : انّ الاستخدام يتوقف على ارجاع الضمير إلى معنى مجازي من المرجع غير المعنى الحقيقي الذي اريد منه أوّلاً ولا مجازية في باب العام حتى مع ارجاع الضمير إلى بعض أفراده ؛ ومن الواضح أنّ هذا جوابه عدم اختصاص الاستخدام بذلك.

الثاني : عدم جريان أصالة عدم الاستخدام في المقام في نفسه لكون المراد من الضمير معلوماً لا شك فيه ؛ وجوابه ما ذكره صاحب الكفاية.

الثالث : أنّ المراد من الضمير في الآية أيضاً هو العموم وإنّما استفيد الخصوص من الخارج وهذه مناقشة في المثال والصغرى لا في الكبرى ، إذ المفروض الفراغ عن ثبوت إرادة الخصوص من الضمير على مستوى القرينة المتصلة.

إلاّ انّ لبّ مقصود الميرزا ما أفاده السيد الشهيد من أنّ رفع اليد عن أصالة العموم في العام امّا يكون لوجود معارض مزاحم أو يكون لوجود ما يكون قرينة على التخصيص ، وكلاهما مفقود ، أمّا الأوّل فلعدم حجّية أصالة عدم الاستخدام ، وأمّا الثاني فلأنّ مجرد اختصاص الحكم في جملة الضمير ببعض الأفراد لماذا يوجب اختصاص حكم جملة العام أو اجماله كما يدعيه صاحب الكفاية ، لأنّ أحد الحكمين غير الآخر ولا ربط بينهما ، فمثل هذا الاختصاص ليس صالحاً للقرينة لكي يوجب حتى الاجمال فضلاً عن التخصيص ، وإنّما يكون اجمال إذا احتف بالكلام لفظ مجمل مفهوماً مردد بين معنيين.


وقد أجاب عليه 1 بأنّ الموجب للاجمال ليس هو احتمال ما يكون قرينة حاكمة على ظهور العام رافعة لعمومه بل يكفي وجود ظهور ولو سياقي مزاحم وقوي في قبال ظهور العموم ولو لم يكن بحجة في نفسه كما يقول صاحب الكفاية ، لأنّ موضوع الحجّية الظهور غير المزاحم بظهور آخر مثله في الجملة فهذا المقدار كافٍ في الاجمال.

والواقع انّ هذا المقدار من البيان لا يكفي لدفع كلام الميرزا 1 في المقام ؛ لأنّ مرجع الضمير تصوراً موجود ضمن العام بلا لزوم الاستعمال في المعنيين ولا يوجد وحدة سياق تقتضي أكثر من ذلك ، أي وحدة المدلولين الجديين لموضوع الجملتين جملة العام وجملة الضمير بدليل عدم اختلال ذلك فيما إذا كان موضوع الجملة الثانية ظاهراً لا ضميراً ومقيداً بقرينة متصلة ببعض أفراد العام كما إذا قال : أكرم عالم وقلّد الفقيه ، فإنّ هذا لا يوجب اجمال العالم في الحكم الأوّل واختصاصه بالفقيه.

وهذا المطلب له تقريبان :

الأوّل : ما ذكرناه من أنّ العام كما يدلّ على العموم يدلّ ضمناً على الخصوص ، فيمكن ارجاع الضمير إليه بلا محذور الاستخدام.

الثاني : أن يكون الضمير راجعاً إلى العام بعمومه ، غاية الأمر باعتبار كون الضمير بحكم التكرار فكأنّه قد كرّر كل عالم مع تقييد مدخوله بنحو تعدد الدالّ والمدلول بالفقيه ، فكأنّه قال : ( أكرم كل عالم وقلّد كل عالم فقيه ) ، فيكون باب المطلق والعام في ارجاع الضمير إلى الخاص أو المقيد من باب واحد وهو تعدد الدالّ والمدلول لا المجاز ليلزم استعمال المرجع في المعنيين.


وبهذا يعرف وجه الاشكال على صاحب الكفاية في المقام.

ومن هنا قد يتصور لزوم التفصيل ـ كما فعل الميرزا ـ بين موارد الاستخدام في الضمير بارادة المجاز كما في رأيت أسداً وأكرمته وبين باب ارجاع الضمير إلى بعض مدلول العام ، وأوضح منه موارد المطلق حيث لا يلزم أيّة مجازية ومخالفة لاستعمال المرجع في معناه الموضوع له وهو الطبيعة المهملة وافادة التقييد في الضمير بنحو تعدد الدال والمدلول فلا يلزم لا استعمال لفظ المرجع في المعنيين ولا افادة الضمير لمعنى الظاهر.

ولعلّه لهذا خصَّ الميرزا 1 باب الاستخدام بما إذا استلزم المجاز ومنع عن اجمال العام في المقام.

وقد يقال في حلّ الاشكال بأنّ الضمير موضوع للدلالة على ما هو المراد الاستعمالي من مرجعه بحده بحيث لابد من وحدة تصورهما الذهني بلا اختلاف وصورة المطلق غير المقيد تصوراً ، وإن لم يلزم منه المجازية ، وهذا هو المراد بالظهور السياقي المدّعى في كلام السيد الشهيد.

وقد يترقّى عن ذلك فيقال : بأنّ الضمير موضوع لمجرد الإشارة الذهنية إلى مرجعه بمعنى عدم تكرار الاستعمال واختصاره فيربط الحكم المجعول على الضمير بمرجعه ابتداءً فقولك : ( أكرم العالم وقلّده ) في قوّة قولك : ( أكرم وقلّد العالم ) ، والصورة الذهنية الواحدة لا تحتمل أكثر من إطلاق واحد أو تقييد واحد ، فلا يمكن أن تكون مطلقة وبلا قيد معه ثبوتاً في طرف المرجع ومقيدة في طرف الضمير إلاّبأن تتعدد الصورة وتتكرر وهو خلف ما افترضناه من عدم دلالة الضمير على المعنى الظاهر أو يستعمل المرجع في المعنيين الطبيعة


المطلقة والمقيدة بحدهما كما هو في الكتاب. هذا بالنسبة إلى المطلق ، وما ذكر فيه من البيان الثاني.

وأمّا البيان الأوّل المختصّ بالعام فيردّه انّ ارجاع الضمير إلى بعض مدلول العام يحتاج إلى تحديد وتشخيص لذلك البعض من أفراد المرجع العام في الفقيه مثلاً ولا دالّ عليه لا مادة العام لأنّها لا تدلّ إلاّعلى طبيعة العالم ولا أداة العموم لأنّها لا تدلّ إلاّعلى استيعاب أفراد تلك الطبيعة ولا نفس الضمير لأنّها لا يمكن أن يستعمل في الاسم الظاهر ، وهذا واضح.

وهكذا يتضح انّ محذور الاستخدام واقع في موارد رجوع الضمير إلى بعض مدلول العام ، وكذلك رجوع الضمير إلى المقيد سواءً كان ذلك بنحو استعمال الضمير في الخاص أو المقيد أو استعماله وارجاعه إلى نفس العام أو الطبيعة المهملة ، غاية الأمر افادة تقيدهما بنحو تعدد الدال والمدلول بالقيد ، فإنّه على كلا التقديرين يكون هناك مؤنة فائقة ثابتة على مستوى المدلول التصوري للكلام لأنّ الضمير لا يدلّ على استعمال جديد ومكرر لمعنى المرجع بل يدل على نفس المعنى المستعمل فيه المرجع بواسطة المرجع بنحو الإشارة إليه لا بنفسه ، فلا يكون هناك إلاّاستعمالاً واحداً للمرجع في معناه الاستعمالي والاستعمال الواحد لا يتحمل إلاّاطلاقاً واحداً أو تقييداً واحداً ، فإذا عرف أنّ الضمير مستعمل في المقيد والخاص ولو بطريقة تعدد الدال والمدلول لا بطريقة المجاز واستعمال اسم الجنس في المقيّد كان مدلول المرجع ومعناه التصوري والاستعمالي بلحاظ الجملة الاولى ذلك أيضاً لا محالة فلا ينعقد الإطلاق أو العموم ذاتاً ، وهذا هو معنى حكومة أصالة عدم الاستخدام وقرينيته على العموم الذي جاء في القول الرابع ، ولا أقل من الاجمال الذي هو القول الأوّل والثالث


فيكون المقام من قبيل موارد احتفاف مدخول العام بمفهوم مجمل مردد بين المطلق والمقيد والذي اعترف فيه الميرزا 1 بحصول الاجمال فيه للعام.

لا يقال : إذاً كيف يصح تقييد مدلول الضمير فقط بنحو تعدد الدال والمدلول في قولنا : أكرم العالم أو كل العلماء وقلّد الفقيه منهم أو قلّده إذا كان فقيهاً مع بقاء العام أو المطلق في الجملة الاولى على عمومه.

فإنّه يقال : في هذا المثال يكون الضمير راجعاً إلى نفس المعنى الواحد المستعمل فيه المرجع وإنّما افيد القيد بدال آخر اضيف إلى نفس المرجع فاستفيد التقييد بنحو تعدد الدال والمدلول ، وهذا واضح.

المقام الثاني : ما إذا كان ثبوت الخصوص والتقييد في الضمير ثابتاً بلحاظ المدلول الجدي لا الاستعمالي ، وبعبارة أدق لا دليل على ارجاع الضمير في مرحلة افادة المدلول التصوري والاستعمالي للكلام إلى المقيّد ، وإنّما المعلوم ارادة ذلك منه جداً فقط كما في موارد الجملتين المستقلتين اللتين تخصّص أو تقيّد احداهما دون الاخرى فهل يوجب ذلك اجمال العموم أو الإطلاق أم لا؟ المشهور هو الثاني ، وذهب السيد الشهيد إلى الأوّل مبيّناً في وجهه تقريبين :

الأوّل : انّ المقام يكون من موارد احتمال قرينية الموجود لأنّ استعمال الضمير في الخصوص وان كان غير معلوم إلاّ انّ عدمه أيضاً غير معلوم ولا تجري أصالة عدم الاستخدام وأصالة العموم ؛ لأنّ هذين الظهورين معارضان في المقام مع ظهور سياقي نوعي هو التطابق بين المراد الجدي والمراد الاستعمالي في الضمير والذي يكون محفوظاً ذاتاً بل وحجّية أيضاً وموجباً للاجمال على الأقل.


وهذا البيان يمكن أن يناقش فيه على ضوء ما تقدم فإنّ الظهور في التطابق المذكور إنّما ينثلم فيما إذا كان باب الاستخدام في المقام باب المجاز لا باب تعدد الدال والمدلول فإنّه عندئذٍ لا يوجد عدم تطابق بين المعنى المستعمل فيه وبين المراد الجدي إلاّبمعنى انّ المراد الجدي أكثر من المراد الاستعمالي في احدى الجملتين ، وهو لا يوجب الاجمال في المدلول الاستعمالي جزماً كما إذا قال : ( أكرم العالم أو العلماء ولا تكرم الفساق من العلماء ) ، فإنّ العام أو المطلق في الجملة الاولى باقيان على اطلاقهما جزماً وإنّما المنثلم الظهور التصديقي الذي قوامه بانهاء المتكلم لكلامه وعدم نصبه قرينة على الخلاف وبمقدارها لا أكثر.

نعم ، لو ادعي لزوم التطابق حتى في موارد تعدد الدال والمدلول بحيث يلتزم باجمال العام أو المطلق في مرحلة المدلول الاستعمالي أيضاً في موارد التخصيص والتقييد بالمتصل المستقل عن مدخول العموم تمّ هذا البيان ، إلاّ انّه لم يلتزم به في غير المقام على ما تقدم في أبحاث العام ، ونكتته أنّ الغلبة المذكورة لا تقتضي أكثر من انّ المتكلم لو كان مراده الجدي أزيد كان عليه أن يبيّن ذلك اثباتاً قبل أن ينهي كلامه ولو ضمن جملة مستقلة لا تضر بالمدلول الاستعمالي للعام أو المطلق وإذا لم يبيّن ذلك تمّ الظهور التصديقي في ارادة العموم أو الإطلاق إلاّبالمقدار الذي بيّن بنحو تعدد الدالّ والمدلول لا أكثر.

الثاني : دعوى وجود ظهور سياقي في التطابق بين الضمير ومرجعه حتى في المراد الجدي كالظهور في تطابقهما في المراد الاستعمالي.

وفيه : ما تقدم من انكار مثل هذا الظهور السياقي وأنّ نكتة التطابق بين الضمير ومرجعه في المراد الاستعمالي لم يكن ظهوراً سياقياً بل حيثية مربوطة


بالمدلول التصوري للضمير على ما تقدم شرحه بحيث لولاها لم نكن ندع وجود ظهور تصديقي سياقي في التطابق بقطع النظر عن تلك النكتة حتى بلحاظ المدلول الاستعمالي فضلاً عن المدلول الجدي.

ويمكن أن يقرّب مقصود السيّد الشهيد 1 بأنّ نفس النكتة التي اقتضت تقييد العام في المقام السابق يمكن الاستفادة منها في هذا المقام ، فإنّ القرينة على التخصيص في المراد الجدي من الضمير يكون صالحاً على الأقل للقرينية على التخصيص في المراد الجدي من المرجع ؛ لأنّ الضمير والمرجع في مرحلة الاستعمال شيء واحد لا شيئان كما ذكرنا ، فإذا كان عمومه أو اطلاقه غير جدي بلحاظ حكم الضمير فلا يكون جدياً بلحاظ حكم المرجع أيضاً ، لأنّه إطلاق أو عموم واحد في مرحلة الاستعمال نظير قوله : أكرم كل العلماء وقلّد كل العلماء ولا يجب التقليد إلاّللعالم الفقيه.

إلاّ انّ هذا البيان كبيان ذوقي وجداني يمكن قبوله ، ولعلّه لهذا عبّر عنه السيد الاستاذ 1 بالبيان الذوقي ، وإلاّ أمكن أن يقال بالدقة بأنّ ملاك الظهور في التطابق مع المراد الجدي ليس مجرد الاستعمال وإنّما ملاكه وموضوعه مركب من الاستعمال والسكوت عن بيان زيادة المراد الجدي أو مخالفته مع الاستعمالي ولو بجملة مستقلة. ومن الواضح أنّ الموجود في المقام سكوتان لا سكوت واحد السكوت عن بيان القيد للمراد الجدي من جملة الضمير والسكوت عن بيان القيد للمراد الجدي من جملة الظاهر ، فإذا نصب البيان ولم يسكت عن أحدهما وسكت عن الآخر تمَّ ملاك الظهور في الجدية في أحدهما دون الآخر ، وهذا الكلام لو تمّ جرى في مثال أكرم وقلّد كل العلماء ولا يجب التقليد إلاّللعالم الفقيه أيضاً ، والله الهادي.


ص ٣٨٣ قوله : ( تخصيص العام بالمفهوم ... ).

وهذا تارة يكون بمفهوم الموافقة ، واخرى بمفهوم المخالفة.

١ ـ مفهوم الموافقة : حيث انّ الدلالة فيه من باب الملازمة ولو العرفية فهو من دلالة المدلول على المدلول ويترتب عليه أنّ المعارضة تسري دائماً إلى المنطوق وانّه لا عبرة بأخصية المفهوم إذ قد يكون لازماً لاطلاق المنطوق فلابد من ملاحظة النسبة بين العام ومنطوق الموافقة مستقلاًّ ، وعندئذٍ قد لا تكون معارضة اخرى بينه وبين العام من غير ناحية المفهوم وقد تكون ففي الأوّل إن كان المفهوم لازماً لأصل المنطوق قدم على العام بالتخصيص وإن كان لازماً لاطلاقه ـ كما في إطلاق ( فَلَا تَقُل لَهُمَا أُفٍّ ) لموارد النهي عن المنكر بالضرب مثلاً ـ وتمّ التعارض بين الدلالتين فيقدم الأقوى أو يتساقطان.

وأمّا الثاني وهو فرض التعارض المستقل مع منطوق الموافقة أيضاً فتارة يكون المنطوق أخصّ من العام ، واخرى أعم منه ، وثالثة بينهما عموم من وجه ، والأوّل (١) يتمّ فيه التخصّص (٢) إلاّإذا كان مفهومه أعم من العام أو مساوياً

__________________

(١) كما إذا قال : ( لا يجب اكرام العالم ويجب اكرام الفقيه غير المؤمن ) الدال بالفحوى على وجوب اكرام الفقيه المؤمن أيضاً فيجب اكرام الفقيه الشامل باطلاقه للفقيه غير المؤمن والدال بالفحوى على وجوب اكرام كل عالم مؤمن حتى غير الفقيه ؛ لأنّ اكرامه أولى من اكرام الفقيه غير المؤمن ، فيكون مثالاً للحالة الاولى أي المنطوق ، ومثال الحالة الثانية ما إذا قال : ( لا يجب اكرام الفقيه وأكرم الفقيه غير المؤمن ).

(٢) ولو كان المفهوم لازم إطلاق المنطوق لأنّ إطلاق الأخص مقدم على إطلاق الأعم. هذا ولكن لو فرض على هذا التقدير انّ النسبة بين مجموع المفهوم والمنطوق مع العام عموم من وجه فلا يبعد انّ العرف لا يرى ذلك بحكم الأخص بل العموم من وجه لأنّ الميزان فيه مجموع مفاد الدليل ودلالة مفهوم في الموافقة حالها حال نفس المنطوق بحسب الحقيقة فتدبر جيداً.


للعام فإنّه عندئذٍ ان كان لازماً لاطلاق المنطوق سقط ذلك الإطلاق لكون العام بحكم الأخص والمقيد له وإن كان لأصل المنطوق تعارضا وتساقطا وكذلك لو كان مجموع المفهوم والمنطوق مستوعباً لكل أفراد العام ولو كان لازماً لاطلاقه ؛ إذ لا فرق بين اطلاقيه ، ففي هذه الحالات الثلاث لا يتقدم دليل مفهوم الموافقة.

والقسم الثاني وهو أن يكون العام أخصّ من المنطوق وإنّما يسمّى عاماً لكون المفهوم أخصّ منه فتارة يكون المفهوم لازماً لاطلاق المنطوق المعارض مع العام فيتقدم عليه العام مهما كانت النسبة بين المفهوم والعام لأنّ إطلاق الخاص مقدم ومثاله : ( لا يجب اكرام الفقهاء ) الدال باطلاقه للمؤمن على نفي وجوب اكرام كل عالم ، و ( أكرم كل فقيه مؤمن ) فيخصّص منطوق الأوّل بغير المؤمن ، واخرى يكون المفهوم لازماً لاطلاق المنطوق غير المعارض مع العام كما إذا قال : ( لا يجب اكرام الفقيه المؤمن وأكرم كل الفقهاء ) ، فإنّ لازم اطلاقه للفقيه غير المؤمن وجوب اكرام الفقيه المؤمن أيضاً بالفحوى لعدم احتمال العكس ، وهنا يتعارضان ويتساقطان ، هكذا في الكتاب.

إلاّ انّ الصحيح استثناء صورة ما إذا كان المفهوم أخصّ من الدليل الآخر فيكون كالحالة الثالثة ، ومثاله : ما إذا كانت الملازمة بين وجوب اكرام خصوص الفقيه المقلَّد غير المؤمن والفقيه المقلَّد المؤمن فيقيد عدم الوجوب في الدليل الخاص بالفقيه المؤمن غير المقلَّد كما يتقيد وجوب الاكرام بالفقيه المقلّد بالخصوص.

وثالثة يكون المفهوم لازماً لأصل المنطوق أي ثبوت مفاده حتى في مورد


واحد. مثاله : لا يجب اكرام الفقيه المؤمن الدال بالمفهوم على عدم وجوب اكرام غير المؤمن أيضاً ، وأكرم الفقيه الصدوق فيخصّص الثاني أوّلاً بالمؤمن ؛ لأنّ اطلاقه لغير المؤمن معارض مع مفهوم الأوّل ـ ولنفترض عدم امكان تخصيص الثاني بالمؤمن ليكون بحكم الأخص من الأوّل لا العموم من وجه ـ ثمّ نقيد الأوّل بالفقيه المؤمن الصدوق أي الثقة لأنّ مفهوم الأوّل بعد أن كان مدلولاً لأصل المنطوق بحكم الأخص من الثاني فيقيد اطلاقه وإن كان الثاني أيضاً بحكم الأخص فيقيد الأوّل.

وهنا يظهر بطلان ما قاله الميرزا من انّ اللازم دائماً ملاحظة النسبة بين المنطوقين بعد فرض سريان المعارضة من المفهوم إلى المنطوق ، فإنّ هذا لا يصحّ فيما إذا كان المفهوم لازماً لأصل المنطوق.

والقسم الثالث وهو ما إذا كان بين المنطوق والعام العموم من وجه فيه صور أيضاً :

١ ـ أن يكون المفهوم لازماً لأصل المنطوق وفيه حالتان :

الف ـ أن لا يكون المفهوم مستوعباً لمورد افتراق العام بحيث يمكن تخصيص العام بمجموع المفهوم والمنطوق معاً ومثاله ما إذا قال : أكرم كل عالم ، وقال :

( لا تكرم الأموي ) الدال بالمفهوم على عدم جواز اكرام الناصبي أيضاً ولو لم يكن أموياً وكان عالماً ، وفي مثله يقيّد العام بغير الأموي والناصبي معاً لأنّ المفروض انّ عموم العام منافٍ مع تمام مدلول المنطوق بسبب استلزام المفهوم لأصل المنطوق وإن لم يكن كذلك في المعارضة بلحاظ المنطوق مباشرة ، هكذا افيد في الكتاب.


ولكن يرد عليه : انّ المعارض مع تمام المنطوق هو خصوص عموم العام للعالم الناصبي فيسقط عن الحجّية ، وامّا عمومه للعالم الأموي المعارض مع المنطوق بالمباشرة فلا وجه لتقديم إطلاق المنطوق عليه لكي يتقيد وجوب الاكرام بغير الأموي ، لأنّ النسبة بينهما عموم من وجه بحسب الفرض.

ب ـ أن يكون المفهوم مستوعباً لتمام مورد افتراق العام ، ومثاله : لا يجب اكرام الفقيه المؤمن ومفهومه نفي وجوب اكرام الفقيه غير المؤمن أيضاً ويجب اكرام من يكون مقلّداً من العلماء الشامل للمؤمن وغيره معاً فالنسبة بين المنطوقين عموم من وجه إلاّ انّ مفهوم الأوّل يستوعب تمام مورد افتراق الثاني عن الأوّل وهو كل مقلّد غير مؤمن.

وهنا الحكم هو تخصيص الثاني بمفهوم الأوّل لأنّه لازم لأصل المنطوق فيكون بحكم الأخص ثمّ تقييد الأوّل بمنطوق الثاني فيجب اكرام الفقيه المؤمن المقلَّد دون غير المقلَّد.

ووجه ذلك إمّا يقرب ببيان العلم بسقوط إطلاق العام في مورد افتراقه عن المنطوق وإطلاق المنطوق في مورد اجتماعه مع العام ؛ لأنّ كل واحد منهما لو اخذ به لزم اسقاط أصل دليل آخر.

امّا الأوّل فلأنّه معارض مع المفهوم الملازم مع أصل دلالة المنطوق فيكون نفيه مساوقاً لنفي تمام المنطوق حتى في مورد واحد فيكون المنطوق بحكم الأخص منه.

وأمّا الثاني فلأنّ إطلاق المنطوق في مورد اجتماعه مع إطلاق العام ينفي هذا الإطلاق بالمباشرة وينفي مورد افتراقه بالاستلزام لأنّ المفروض انّ ثبوت هذا


المنطوق ولو في مورد يستلزم المفهوم ، فيكون أصل المنطوق قرينة على تخصيص العام في مورد افتراقه وأصل العام قرينة على تخصيص المنطوق في مورد اجتماعه لكونهما بحكم الأخصّ.

أو يقرب ببيان أنّ كل من العامين من وجه يصلح للقرينة على الآخر لولا المكافئة ، فإذا كان أحدهما غير صالح للقرينية لكونه يلغي تمام مفاد الآخر بالمباشرة والملازمة كما في إطلاق المنطوق في المقام تعين الآخر ليكون قرينة على تخصيص المنطوق ، وأمّا تقديم المفهوم على إطلاق العام فبنفس النكتة المتقدمة.

وفي كلتا هاتين الحالتين أيضاً ظهر بطلان مقالة مدرسة الميرزا فلاحظ وتأمل.

٢ ـ أن يكون المفهوم لازماً لاطلاق المنطوق في مورد تعارضه مع العام ومثاله ما إذا ورد : لا يجب اكرام الفقيه. ويجب اكرام العالم فيتعارضان في الفقيه المؤمن ويكون مفهوم إطلاق الأوّل للفقيه المؤمن عدم وجوب اكرام غير الفقيه المؤمن من العلماء أيضاً.

وقد حكم السيد الشهيد 1 هنا كمدرسة المحقق النائيني بالتعارض والتساقط بين الاطلاقين في المنطوقين في مورد الاجتماع فيرتفع المفهوم فكأنّه لم يكن مفهوم أصلاً.

إلاّ انّ هذا الكلام على اطلاقه غير تام فإنّه إذا فرض انّ المفهوم كان مستوعباً لمورد افتراق العام كما في المثال المذكور تعين الأخذ بالعام في تمام مفاده وتخصيص إطلاق المنطوق لأنّه مستلزم لالغاء دليل العام فيتم كلا الوجهين


السابقين فيه من عدم صلاحيته للقرينية وكون الآخر بحكم الأخص منه فيكون نظير ورود مخصّص في دليل ثالث على أحد العامين من وجه في مورد اجتماعه فإنّه يوجب حجّية الآخر فيه أيضاً.

نعم ، يصحّ هذا الكلام فيما إذا لم يكن المفهوم مستوعباً لتمام مورد افتراق العام ولكن حينئذٍ يسقط العام في مورد افتراقه أيضاً بالمقدار المعارض مع المفهوم كما يسقط مورد اجتماعه مع المنطوق ولا وجه لتوهم حجيته فيه بدعوى سقوط المنطوق المستلزم للمفهوم وللمعارضة غير المباشرة ؛ لأنّ المعارضتين في عرض واحد أي انّ إطلاق المنطوق يعارض اطلاقين في العام فيسقط الجميع. وبهذا يعرف انّ مقالة مدرسة النائيني 1 لا يتم في بعض موارد كون المفهوم لازماً لاطلاق المنطوق أيضاً.

٣ ـ أن يكون المفهوم لازماً لاطلاق المنطوق في مورد افتراقه عن العام ، وهنا حالتان :

إحداهما : أن يكون المفهوم مستوعباً لتمام موارد الدليل الآخر فيكون من التعارض والتساقط ، ومثاله : يجب اكرام الفقيه ولا يجب اكرام العالم المؤمن فإنّ إطلاق الأوّل للفقيه المؤمن له مفهوم هو وجوب اكرام كل عالم مؤمن فيلغي الدليل الثاني فيتساقطان.

هذا ولكن الصحيح هنا التفصيل بين صورتين :

أ ـ أن يكون المفهوم منافياً لمورد افتراق العام فقط فيتعارضان ويتساقطان لأنّ معناه انّ الدليلين في موردي الاجتماع يتعارضان بالمباشرة وفي موردي الافتراق يتعارضان بالملازمة ، فهما كالدليلين المتعارضين بنحو


التباين فيتساقطان.

ب ـ أن يكون المفهوم منافياً لتمام العام ، وحينئذٍ يتقدم العام عليه فيقيد المنطوق بمورد اجتماعه مع العام لأنّه بحكم الأخص من هذا الإطلاق في المنطوق ويتقدم المنطوق على العام في مورد الاجتماع لأنّه بحكم الأخص منه ففي المثال يتقيد اكرام الفقيه بالمؤمن ويتقيد لا يجب اكرام العالم المؤمن بغير الفقيه بنفس البيان المتقدم بتقريبين ، ولا يتوهم أنّه يتوقف على القول بانقلاب النسبة ؛ لأنّ هذا الإطلاق في العام ينافي تمام مدلول المنطوق مقداره بالمباشرة وهو مورد اجتماعه معه ومقداره بالملازمة وهو مورد افتراقه عنه لكونه بالملازمة معارضاً مع تمام العام بحسب الفرض.

الثانية : أن يكون المفهوم غير مستوعب لتمام مدلول الدليل الآخر بحيث يمكن تخصيصه بالمنطوق والمفهوم معاً كما إذا فرضنا في المثال المتقدم الملازمة بين وجوب اكرام الفقيه غير المؤمن والمؤمن فقط ، وهذا معناه أخصية المنطوق والمفهوم معاً أو بحكمها من العام فيتقدم عليه إلاّإذا كان المفهوم لازماً لاطلاق من اطلاقات مورد افتراق المنطوق عن العام بحيث كان يمكن تخصيص المنطوق بغيره مع سقوطه في مورد الاجتماع مع العام وفي اطلاقه المستلزم للمفهوم فتبقى النسبة بينهما العموم من وجه فيتساقطان في مورد الاجتماع ومورد المعارضة مع المفهوم.

وهكذا يتضح انّ المعارضة بين العام ومفهوم الموافقة وإن كانت سارية إلى المنطوق بالملازمة فلابد من ملاحظة النسبة بين المنطوقين إلاّ انّه حيث يكون مفاد المنطوق موافقاً مع المفهوم في مفهوم الموافقة بخلاف المخالفة فكثيراً


ما تكون المعارضة بين العام والمنطوق في نفسه وبقطع النظر عن المفهوم أيضاً ثابتة ، وعندئذٍ لابد من ملاحظة مجموع امور ثلاثة معاً :

١ ـ النسبة بين المنطوق في الدليلين في نفسيهما.

٢ ـ ملاحظة المفهوم والمعارضة بالملازمة غير المباشرة منه مع العام وانّه هل يلغيه أو يعارض اطلاقه فيه.

٣ ـ ملاحظة كون المفهوم لازماً لأصل المنطوق أو لاطلاقه.

٢ ـ مفهوم المخالفة : وقد ذكر في الكفاية ما ملخصه انّ العام والمفهوم ان كانا متصلين فإن كانا معاً بالوضع أو معاً بمقدمات الحكمة اجمل كلاهما ذاتاً لعدم الانعقاد امّا لعدم المقتضي وهو مقدمات الحكمة أو لمانع عن الانعقاد وهو الاحتفاف بما يصلح للقرينية إلاّإذا فرض أقوائية أحدهما وصلاحيته للقرينية على نفي الآخر دون العكس وان كانا في كلامين منفصلين فيتعارضان ولا حجّية لشيء منهما ما لم يفرض أقوائية أحدهما على الآخر وصلاحيته للقرينية على الآخر دون العكس فيتقدم عليه في الحجّية.

وهذا البيان غير فني ، فإنّه أقل ما فيه : انّ دلالة الشرطية على المفهوم إنّما يكون بالاطلاق ومقدمات الحكمة لا بالوضع فلابد من كونه محكوماً للعام المتصل به دائماً كما انّه لابد من الالتزام بتقدم العام عليه لكونه أقوى. فليست الدلالة المفهومية كالدلالات المنطوقية التي يصح فيها التقسيم المذكور الكلي بل هذا البحث معقود لملاحظة مدى تأثير الخصوصية المفهومية في التعارض مع العام فلا معنى لتكرار الكبرى الكلية المنقحة في باب التعارض.


وذهب في المحاضرات إلى تفصيل آخر ملخصه :

إذا كان المفهوم حاكماً على العام كان مقدماً عليه على كل حال أي حتى إذا كانت النسبة بينهما العموم من وجه ؛ لأنّ إطلاق الحاكم مقدم على إطلاق المحكوم وإن كان أضعف منه ، وقد مثل له بحكومة مفهوم آية النبأ بناءً على استفادة حجّية خبر العادل منها وكونه علماً على عموم التعليل في ذيلها الناهي عن العمل بغير العلم وفي الأدلّة الاخرى الناهية عن العمل بغير العلم ، وإذا لم يكن المفهوم حاكماً على العام فإن كان يلزم من العمل بأحدهما الغاء العنوان المأخوذ في موضوع ولسان الدليل الآخر ومنطوقه أيضاً قدم ذلك عليه وإن لم يلزم شيء من ذلك فإن كانت النسبة بينهما أي المفهوم والعام العموم والخصوص المطلق قدم الخاص على العام وإلاّ بأن كانت النسبة بينهما عموم من وجه ولم يلزم من العمل بأي منهما الغاء الآخر تعارضا وتساقطا إذا لم يفرض وجود مرجح دلالي خاص فيكون حال المفهوم مع العام المعارض له كحال التعارض بين منطوقين ، وهذا الكلام أيضاً غير فني إذ يرد عليه :

أوّلاً ـ ما زجَّ فيه من فرض حكومة أحد الدليلين على الآخر أو كون العمل به مستلزماً لالغاء ما اخذ في منطوق الدليل الآخر ولسانه وإن كان مستلزماً لما ذكر من التقديم ـ ولكن لا بما ذكره من عدم المعارضة بين الحاكم والمحكوم بل ببيان آخر مذكور في محله ـ إلاّ انّه لا ربط له بجهة البحث هنا وأجنبي عنها تماماً ، فإنّ هذا البحث معقود لأجل بيان ما تقتضيه القاعدة في تعارض الدلالة المفهومية مع الدلالة المنطوقية من حيث هما مع قطع النظر عن الافتراضات الزائدة المستلزمة للتقديم ، ولكن لا ربط لها بخصوصية المفهومية أو المنطوقية ولا ملازمة معها وهي كما يمكن أن تفترض في الدليل الذي فيه مفهوم يمكن أن يفترض في


المعارض له على حد واحد ، وهذا واضح كما أشرنا في منهجة البحث.

وثانياً ـ ما ذكر من التعارض والتساقط إذا كانت النسبة بينهما عموم من وجه والتخصيص إذا كانت عموم وخصوص مطلق غير تام ، إذ معناه ملاحظة المفهوم كأنّه عليه دال مستقل كالمنطوق مع انّه ليس كذلك فإنّه مدلول التزامي لاطلاق المنطوق ومقدمات الحكمة لأنّ المفهوم دائماً يتوقف على اجراء الإطلاق في التعليق لاثبات العلية الانحصارية فكيف لا يمنع العام عن انعقاد المفهوم إذا اتصل به وكيف لا يتقدم عليه في الحجّية إذا انفصل عنه وان كان المفهوم أخص منه مطلقاً ؛ لأنّه ليس مدلولاً وضعياً مباشراً للكلام كما عرفت.

وثالثاً ـ ما ذكر في مثال حجّية خبر العادل بمفهوم آية النبأ من حكومة هذا المفهوم على عموم التعليل في ذيلها وعموم سائر أدلّة النهي عن اتباع غير العلم كلام درجت عليه مدرسة المحقّق النائيني 1 بناءً على مسالكها في جعل العلمية والطريقية في باب الامارات وهو كلام غير تام.

وملخص ما يرد عليه في المقام :

١ ـ بطلان أصل مبنى جعل العلمية والطريقية واستفادتها من أدلّة الحجّية على ما أوضحناه مفصلاً في محله.

٢ ـ على تقدير استفادة ذلك لا وجه لتوهم الحكومة المذكورة ؛ لأنّ الحجّية إذا كانت بمعنى جعل الطريقة والعلمية فكما يكون مفاد الدليل الذي يأمر باتباع ظن أو أمر لا يوجب العلم ـ كخبر العادل ـ جعله علماً وطريقاً تعبداً كذلك سوف يكون مفاد الدليل الناهي عن اتباع الظن وما لا يوجب العلم نفي الطريقية والعلمية عنه ، لأنّ النفي والاثبات واردان على أمر واحد


وهو الحجّية فدليل الاعتبار يثبتها له ودليل النهي ينفيها عنه فلا وجه لدعوى الحكومة وكون دليل الاعتبار رافعاً لموضوع دليل النفي بل هما في عرض واحد موضوعاً ومحمولاً.

٣ ـ انّ التعليل في آية النبأ حيث انّه متصل بها فهو مانع عن أصل انعقاد المفهوم أو اطلاقه المقتضي لحجية خبر العادل لكون دلالته فرع تمامية الإطلاق ومقدمات الحكمة والذيل صالح للقرينة على خلافه على تفصيل متروك إلى محله.

فالصحيح استئناف البحث في المقام فنقول : حيث انّ مفهوم المخالفة يدلّ على حكم هو نقيض حكم المنطوق فالمعارضة بينه وبين العام لا محالة تكون غير مربوطة بالمنطوق ومفصولة بالمرّة عن حكم المنطوق ، بل يكون العام موافقاً مع حكم المنطوق لا محالة فلا يعقل فرض المعارضة بينهما أيضاً ، وهذا بخلاف مفهوم الموافقة ، فإنّه كان يعقل فيه أن يكون ذلك العام معارضاً مع المنطوق أيضاً بصورة مستقلة عن المفهوم لكون حكم المفهوم نفس حكم المنطوق وتوسعة له ، نعم قد يلزم من تقديم العام في مورد مثال بالخصوص الغاء العنوان الوارد في موضوع المنطوق إلاّ انّه قضية مستقلة لا ربط لها بالمفهوم ؛ ومن هنا لا ينبغي ادراج هذه الحيثية في البحث كما أشرنا.

وإنّما الصحيح أن يقال في منهجة البحث : انّ العام عمومه تارة يعارض إطلاق المفهوم واخرى يعارض أصله. مثال الأوّل ما إذا قال : ( أكرم الفقيه إذا كان عادلاً ) ، ومفهومه لا يجب اكرام الفقيه الفاسق ، وقال : ( يجب اكرام كل عالم يخدم الناس ) ، واطلاقه للفاسق الفقيه الذي يخدم الناس معارض مع


إطلاق المفهوم ولا يلزم من تخصيصه بالمفهوم الغاء العنوان الذي اخذ في العام كما لا يخفى.

ومثال آخر : ( إذا خفى الأذان وجب القصر ) ، مفهومه لا قصر قبل خفاء الأذان وهو معارض مع إطلاق يجب القصر عند خفاء الجدران سواء خفي الأذان أو لم يخف حيث يكون تقييد إطلاق كل من المنطوقين بالواو كتقييد إطلاق كل من المفهومين بأو ـ على ما تقدم مفصلاً ـ ولا مرجح لأحدهما على الآخر ، إذا كانا معاً بالاطلاق ومقدمات الحكمة سواءً كانا متصلين أو منفصلين ، وإذا كان العام بالوضع فمع الاتصال يرفع موضوع الإطلاق ومقدمات الحكمة ومع الانفصال يتقدم العموم بأحد وجوه ثلاثة أصحّها ثالثها كما في الكتاب ، ما لم تفرض نكتة خاصة تقتضي العكس كلزوم الغاء العنوان المأخوذ في المنطوق أو كون الدليل صريحاً في المفهوم أو ظاهراً بظهور حالي أقوى من الظهور في ارادة العموم ، رغم كون الأوّل بالاطلاق والثاني بالوضع ، فإنّ هذا أيضاً معقول.

إلاّ انّ الوجدان يشهد بتقدم العموم على إطلاق المفهوم حتى إذا كان بمقدمات الحكمة ، لأنّه في صورة الاتصال العرف يجعل العموم قرينة على عدم الإطلاق في المفهوم بشهادة الوجدان فلو قال : إذا خفي الأذان فقصّر وإذا خفيت الجدران فقصر في خطاب واحد العرف يفهم من ذلك كفاية كل واحد منهما في التقصير ، وكذلك إذا قال : ( أكرم العالم إذا كان عادلاً ) و ( أكرم كل من يخدم الناس ) ، ولعلّ نكتة ذلك ضعف الدلالة الاطلاقية المثبتة للمفهوم بالنسبة للإطلاق في المنطوق المعارض معه ، ومعه يكون العام على تقدير انفصاله أيضاً مقدماً بالقانون العام الذي ذكره الميرزا 1 ، أو بالأقوائية والأظهرية. والله العالم.


وأمّا مثال المعارضة مع أصل المفهوم ( أكرم العالم إذا لم يكن فاسقاً ) و ( أكرم كل العلماء ) فيمكن أن يناقش فيما أفاده السيد 1 في الوجه الثالث والرابع.

أمّا ما أفاده في ردّ الوجه الثالث من أنّ إطلاق التعليق أيضاً ينتج التوسعة كالعام فيمكن أن يناقش فيه بأنّ مفاد الاطلاقات ومقدمات الحكمة وإن كان إطلاق التعليق وعمومه لكل وجوب اكرام إلاّ انّ نتيجته انتفاء طبيعي وجوب الاكرام عن العالم الفاسق ، وهذا بحسب الموضوع أخص فهو نظير ما إذا قال : لا يجب اكرام العالم الفاسق الظاهر في نفي طبيعي الوجوب.

والجواب : أنّ نتيجة الإطلاق بحسب الحقيقة مدلول التزامي فلا يكفي أخصيته من عموم العام كما في سائر موارد المداليل الالتزامية وإنّما اللازم أن يكون مفاد الإطلاق اثبات الخصوصية كاثبات الطلب الوجوبي بالاطلاق أو اثبات زيد الفقيه بالانصراف أو اثبات الاختصاص بنحو الملكية باطلاق اللام الموضوع للاختصاص والإطلاق المثبت للمفهوم هو إطلاق التعليق والتوقف الشامل لكل وجوب لاكرام العالم وهو كاطلاق العام كلاهما من سنخ واحد ، وهذا واضح.

نعم ، بناءً على دعوى انصراف الشرطية إلى العلية التامة الانحصارية لكونها أكمل أفراد العلية يكون المقام صغرى لتلك الكبرى ولكنه تقريب غير تام على ما تقدم ، وهذا هو روح مقصود السيد الشهيد 1.

ثمّ انّه يمكن المناقشة في الوجه الثاني بمنع الصغرى أيضاً لأنّ الإطلاق المثبت للمفهوم إطلاق في التعليق لا في الحكم المعلّق بل على مبنى الميرزا إطلاق الشرط المقابل للتقييد بأو فالمناقشة صغروية أيضاً.


وأمّا الرابع فيرد عليه أوّلاً : النقض المذكور في الهامش ، وثانياً بالحل وحاصله : انّ ما تقدم في نكتة المفهوم للشرطية لم يكن الإطلاق في الحكم بمعنى مطلق الوجود والحصص للحكم وإلاّ كان ثبوت المفهوم يكفي فيه الركن الأوّل وهو الإطلاق بهذا المعنى بلا حاجة إلى الركن الثاني وهو التعليق والتوقف والحكومة والنظر فرع هذا النحو من الإطلاق وهو ممنوع وإنّما الإطلاق في الحكم المعلّق كان بمعنى ذات الطبيعة للحكم كالوجوب مع قطع النظر عن خصوصية مطلق الوجود أو صرف الوجود على ما تقدم شرحه مفصلاً فلا نكتة للحكومة.

هذا مضافاً إلى النقض أيضاً بالعام غير المشتمل على الحكم بل على نفيه كما إذا قال : ( لا يجب اكرام العالم ) ، وقال : ( إنّما لا يجب اكرام العالم إذا كان فاسقاً ) ، ومفهومه يجب اكرامه إذا كان عادلاً.

نعم ، يمكن تقريب مرام الاستاذ 1 في المقام بنحو آخر حاصله : انّ التعليق إذا كان وارداً على نفس العنوان الذي ورد في العام كما في الأمثلة المتقدمة كان ظاهره النظر إلى نفس الحكم المفاد بالدليل العام فيكون مفسراً وشارحاً له ومفصلاً له إلى المنطوق والمفهوم ، وهو نكتة الحكومة وملاكها فيتقدم عليه ، ولهذا لو كان متصلاً به لمنع عن انعقاد العموم فيه ، وهذه النكتة صحيحة إلاّأنّها لا تجدي في تقديم المفهوم إذا كان العنوان الوارد في العام مغايراً مع العنوان الواقع موضوعاً للتعليق والمفهوم وإن كان عموم العام مستلزماً لالغاء المفهوم رأساً كما إذا قال : ( أكرم كل ذي صنعة أو علم ) ، وقال : ( إنّما يجب اكرام الفقيه إذا كان عادلاً ) فإنّ مفهومه وهو عدم وجوب اكرام الفقيه الفاسق مقدم بلا اشكال


على عموم العام رغم عدم النظر بملاك النكتة المذكورة ، بل هذا النظر لو فرض وجوده تقيد العام بالقيد ولو لم يكن للجملة مفهوم لأنّ الجعل الواحد لا يتحمل إلاّ موضوعاً واحداً.

اللهم إلاّأن يقال بأنّ نكتة هذا النظر والتفسير هو التفصيل الحاصل بنفس المفهوم ، كما انّه لا يلزم أن يكون الحكم المفصَّل ـ بالفتح ـ نفس العنوان الواقع في العام من تمام الجهات ، بل يكفي أن يكون من اطلاقاته وحصصه فلا يرد كلا النقيضين.

وهذا بحسب الروح يرجع إلى تتميم الوجه الأوّل من الوجوه الأربعة حيث انّ أدوات المفهوم بنفسها من أدوات التفصيل والتفسير والقرينية على الحكم المفصَّل ، فيكون إطلاق ما يستفاد منها مقدماً على عموم العام لأنّ إطلاق المقيد حاكم على إطلاق المقيَّيد.

قد يقال : انّ هذا بحسب الحقيقة لا يرجع إلى تقديم المفهوم بل إلى تقديم دليل التقييد ولو لم يكن للجملة مفهوم ، أي انّ هذا من شؤون قاعدة احترازية القيود بحسب الحقيقة لا من شؤون المفهوم ، وامّا المفهوم كمفهوم فلا وجه لتقديمه على العام ولو كانت نتيجته أخصّ منه ؛ لأنّه لازم إطلاق في التعليق ، اللهم إلاّأن يدعى كفاية الأخصية بهذا المقدار في القرينية.

ولكن يقال في جوابه : انّه إذا لم تكن للجملة مفهوم لا يتم الظهور في التفصيل والتفسير ، فالتقديم بهذا الملاك متوقف على المفهوم ، وامّا قاعدة احترازية القيود فهي لا توجب التقييد إلاّمع احراز وحدة الحكم والجعل في الجملتين.


ص ٣٩٤ قوله : ( فصل : تعقب الاستثناء لجمل متعددة ... ).

لابدّ من تقديم امور :

١ ـ إمكان رجوع الاستثناء إلى الكل في الاستثناء الاسمي والحرفي إمّا أن يكون باستعماله في اخراج واحد وتوحيد الموضوعات المتعددة في عنوان واحد اعتباري أو باعتبار انّ الاخراج نسبة واقعية ذهنية فتتعدد بتعدد نفس الأطراف أو لمعقولية ذلك حتى في النسب الخارجية كقولك : أكرم زيداً واضرب عمرواً في الدار ، أو جئني بماء وعسل في الكوز ، اللهم إلاّأن يرجع ذلك إلى التوحيد بين الماء والعسل في عنوان اعتباري يكون هو في الكوز أو أخذ الظرف قيداً لمقدر.

٢ ـ انّ الاستثناء ليس اخراجاً من الموضوع بل هو اخراج من الحكم أو النسبة الحكمية.

٣ ـ لا إشكال في رجوع الاستثناء المتعقّب للجمل إلى الأخيرة منها ، وإنّما الكلام في الرجوع إلى غيرها لمحذور ثبوتي أو اثباتي ، ولو فرض الاجمال يجمل العموم لا محالة.

وعلى ضوء هذه المقدمات نقول :

ذهب صاحب الكفاية إلى الاجمال وذهبت مدرسة الميرزا 1 إلى التفصيل بين تكرار الموضوع والمحمول في كل جملة بنحو مستقل عن الجملة الاخرى سواء كان الحكم واحداً أو متعدداً ، وسواء كان الموضوع واحداً أو متعدداً في العنوان رجع إلى الأخيرة وإلاّ بأن كان أحدهما بالضمير أو بلا تكرار أصلاً رجع إلى الجميع. وقد تصدّى السيد الاستاذ 1 لتخريج هذا المبنى بنكات ثبوتية وذكر في المحاضرات نكتة اثباتية حاصلها أنّ نفس تكرر الجملة تامة قرينة


عرفاً على الرجوع اليها بالخصوص وإلاّ لم يكررها.

وفيه : أوّلاً ـ انّه لا يتم فيما إذا كانت الجملة الأخيرة مغايرة محمولاً وموضوعاً مع الجمل الاخرى كما إذا قال : ( أكرم العلماء وتصدق على الفقراء إلاّالفساق ).

وثانياً ـ مجرد تكرار المحمول والموضوع لا يمنع عن رجوع الاستثناء إلى الجميع ولا يدلّ إلاّعلى اهتمامه وتأكيده على المكرّر لا على انّ الاتيان به من أجل اختصاص الاستثناء الذي لم يذكره بعد به فالقرينة المذكورة ممنوعة.

وامّا ما ذكره السيّد الشهيد 1 من المحاذير الثبوتية فيرد على ما ذكره في الموضع الأوّل ان النسبة الاستثنائية والاخراجية نسبة ذهنية واقعية فتتعدد بتعدد أطرافها كالنسبة الحملية التصادقية عند تعدد الموضوع أو المحمول تماماً فلا يحتاج إلى توحيد كل الجمل أو الموضوعات في عنوان اعتباري واحد ليقال بأنّه عناية فائقة بحاجة إلى ما يدلّ عليها ، فلا محذور ثبوتي في الرجوع إلى الجميع ، ومن الناحية الاثباتية لا معين لرجوعه إلى خصوص الأخير مع ظهور السياق الواحد في الاشتراك ، ولا أقل من الاجمال كما ذكر في الكفاية.

ويرد على ما ذكر في الموضع الثاني والثالث : انّ الاستثناء ليس اخراجاً من ذات الموضوع بل من الموضوع بما هو موضوع أي من نسبة الحكم إلى الموضوع وهو متعدد بتعدد أحد الطرفين لأنّ النسبة الحكمية واقعية في الذهن ، فالتعدد محفوظ بلا حاجة إلى توحيد اعتباري كما يشهد الوجدان على عدمه أيضاً. نعم ، اشتراك الجملتين اثباتاً في طرف يؤكد رجوع الاستثناء اليهما معاً ؛ فما ذكره السيد يصلح أن يكون نكتة اثباتية. وبهذا ظهر انّ التعليق المذكور في ص ٣٩٥ من وجود محذور ثبوتي أيضاً غير تام فراجع وتأمل.


المطلق والمقيّد

ص ٤٠٣ قوله : ( ١ ـ الإطلاق : وفيه فصول ... ).

وفيه نبحث عن أمرين : تعريف المطلق ، واعتبارات الماهية :

١ ـ عرّف المطلق بأنّه ما دلّ على شايع في جنسه واريد بالجنس معناه اللغوي لا المنطقي أي ما دلّ على شايع في سنخه.

ويمكن المناقشة في هذا التعريف :

أوّلاً ـ انّ المطلق ليس دائماً يدلّ على الشايع في جنسه بل قد لا يكون في مورده جنس وطبيعة ولا شيوع وسريان أصلاً كما في الإطلاق الأحوالي لزيد وفي الإطلاق المثبت للوجوب في قبال الاستحباب في الأمر وللملكية في قبال الحقية في اللام أي الإطلاق المثبت للضيق فكأنّ هذا التعريف ناظر إلى مثل أسماء الأجناس فقط.

وثانياً ـ انّه يفترض دلالة المطلق على الشيوع والسريان وسوف يأتي أنّ حيثية السريان والانطباق على الأفراد ليس مدلولاً للفظ المطلق وإنّما هو بحكم العقل في مرحلة وراء مرحلة الدلالة واللفظ وامّا المدلول للمطلق حتى في أسماء الأجناس ليس إلاّنفي القيد عن ذات الطبيعة على ما سوف يأتي.

ولعلّه من هنا ذهب بعض الأعلام إلى عدم وجود معنى اصطلاحي للمطلق عند الاصوليين ، بل الإطلاق عندهم يكون بنفس المعنى اللغوي له وهو


الارسال وعدم القيد.

وفيه : انّه ليس مجرد عدم القيد اطلاقاً عند الاصوليين كما انّه لا اشكال في جعلهم لهذا الاصطلاح على نوع خاص من الدلالات الكلامية واللفظية لا بالمعنى اللغوي العام ، فلا ينبغي الاشكال في وجود معنى اصطلاحي للاطلاق وهو عدم ذكر القيد اثباتاً الكاشف عن انتفائه ثبوتاً.

٢ ـ اختلفت كلماتهم في اعتبارات الماهية وأنحاء لحاظها اختلافاً شديداً مشحوناً بمصطلحات المناطقة.

والمراد باعتبارات الماهية أنحاء وجودها ولحاظها في الذهن وامّا الخارج فالماهية الموجودة خارجاً تنقسم إلى قسمين لا أكثر ، المتصف بالوصف أو غير المتصف به لاستحالة اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما وهذا واضح.

فنقول : الذهن تارة يلحظ الماهية بما هي موجودة في الخارج فيكون معقولاً أولياً ، واخرى يلحظها بما هي مفهوم موجود في الذهن فيكون معقولاً ثانوياً لأنّه منتزع عن المعقول الأولي والوجود الذهني.

ولا إشكال في انّ المعقول الأولي تارة ينتزع عن الماهية المقيدة بقيد في الخارج فيسمى بالماهية بشرط شيء ، واخرى عن الماهية غير المقيدة الفاقدة للقيد فيسمى بالماهية بشرط لا ـ عند الاصوليين ويمكن جعلهما معاً من البشرط شيء الأعم من الوجودي والعدمي وقد يعبر عنها بالماهية المخلوطة ـ وثالثة ينتزع من ذات الماهية الموجودة في الخارج بما هو هو ـ حيث انّ الكل الطبيعي موجود في الخارج ضمن أفراده ـ فيسمّى بالماهية لا بشرط القسمي.

كما لا إشكال في أنّ الذهن يمكنه أن ينتزع بعد الانتزاع الأوّل عن المعقول


الأولي معقولاً ثانوياً فيكون محكيه نفس المعقول الأولي والوجود الذهني فيتصور الإنسان الذهني المقيد بمفهوم العلم أو عدمه أو بلا أي من القيدين أي الخالي عنهما ولكنه بما هو في الذهن بحيث يحكم عليه بأحكام لا تنطبق على الخارج كقولك انها تنطبق على كثيرين أو لا تنطبق ، فإنّ هذه من أحكام نفس المعقول الأولي لا محكيّه ، كما في مثل الإنسان نوع والناطق فصل.

إلاّ انّه هنا يمكنه أن ينتزع معقولاً ثانوياً عن الأنحاء الثلاثة فيلحظه بما هو جامع بين الوجودات الذهنية الأولية الثلاثة فيكون قسماً رابعاً موجوداً في الذهن بوجود ذهني مستقل عن الوجودات الذهنية الثلاثة لأنّه يكون وجوداً ذهنياً جامعاً بين المعقولات الأولية بما هو جامع وسار فيها ولا محذور في وجوده مستقلاً معها لأنّه في رتبة وصقع ذهني آخر وراءها لا نفس صقع وجود أفرادها ، وهو المسمى باللابشرط المقسمي.

وبهذا يجاب عن شبهة كونه قسيماً ومقسماً ، فإنّه بما هو لحاظ ووجود ذهني عيني قسم لكونه وجوداً ذهنياً رابعاً وبلحاظ ملحوظه والماهية الموجودة بهذا الوجود حيث لم يلحظ فيه حتى قيد التجرد والخلو يكون مقسماً بين الأقسام للماهية المعقولة.

وفي اصطلاح المنطق يسمّى القسم الثالث في المعقول الثانوي أعني لحاظ الماهية الذهنية الخالية عن القيد والتي تقع موضوعاً لأحكام الكلي العقلي بالماهية بشرط لا أو المجردة والمطلقة أي بشرط لا عن الصدق على الخارج.

ويمكن التعبير عن المعقول الأولي والثانوي في اعتبارات الماهية ببيان آخر لعلّه أوفق بتعبيرات المناطقة ، وحاصله : أنّ الماهية تارة تلحظ بلحاظ قيودها


الخارجية كالعلم في الخارج فتنقسم إلى الماهية بشرط شيء وبشرط لا ولا بشرط قسمي ، وهذا هو المعقول الأولي ، واخرى تلحظ بالنسبة إلى قيودها وخصوصياتها في الذهن فتنقسم إلى الماهية المجردة والماهية المقيدة واللابشرط المقسمي وقد نسمّي الاولى أي المجردة ـ بالماهية بشرط لا ونلحق المقيدة بقسميها ـ الخارجي والذهني ـ بالماهية بشرط شيء فيراد بالقيد الأعم من الخارجي والذهني والوجودي والعدمي فتكون الأقسام أربعة بشرط شيء ـ بهذا المعنى الأعم من المعقول الأولي والثانوي ـ بشرط لا ـ وهي الماهية المجردة ـ واللابشرط القسمي ـ وهو معقول أولي ـ واللابشرط المقسمي ـ وهو معقول ثانوي ـ.

وأصل هذا التقسيم لا إشكال فيه ، وإنّما الاشكال وقع بين الأعلام في نقاط ثلاث :

١ ـ في حقيقة اللابشرط القسمي.

٢ ـ في ما هو الكلي الطبيعي من هذه الأقسام.

٣ ـ في الماهية المهملة.

أمّا النقطة الاولى : فقد أثارها السيد الخوئي 1 حيث ادّعى بأنّ اللابشرط القسمي ـ وقد عبّر عنه بالماهية المطلقة ـ عبارة عن ملاحظة الماهية فانية في تمام أفرادها الخارجية ، فالذهن عندما يلاحظ الماهية بالنسبة إلى قيودها الخارجية أي بنحو المرآتية لا الموضوعية فتارة تلحظ مرآة إلى بعض الأفراد فهي الماهية بشرط شيء واخرى تلحظ مرآة بالنسبة إلى تمام الأفراد أي تلحظ بلا قيد ومع رفض كل القيود عنها وهي اللابشرط القسمي والماهية المطلقة وبهذا


اعترض على ما في الكفاية من انّ الماهية المطلقة كلي عقلي فلا ينطبق على الخارجيات.

وهذ الكلام لا يمكن المساعدة عليه سواء اريد من جعل اللابشرط القسمي كذلك شرح القسم الثالث في المعقول الأولي أو اضافة قسم رابع اليها. لما هو مذكور في الكتاب من أنّ خصوصية التجرد عن القيد خصوصية لنفس اللحاظ لا الملحوظ في المعقول الأولي فلا يمكن أخذه فيه لكونه في طوله ، نعم يمكن أخذه في المعقول الثانوي فهو القسم الثالث من أقسام المعقول الثانوي أي الماهية المجردة وبشرط لا في اصطلاح القوم ، فما ذكره في الكفاية من انّ الماهية المطلقة بقيد الإطلاق معقول ثانوي صحيح.

وكأنّ الذي حمل السيد الخوئي على ذلك أنّ الماهية إذا لم تلحظ إلاّذاتها بلا لحاظ عدم القيد والتجرد عنه كانت الماهية المهملة لا اللابشرط القسمي فإنّه من أقسام لحاظ الماهية خارجاً عن ذاتها وذاتياتها ، إلاّ انّ هذا الكلام سوف يأتي بطلانه.

وإن شئت قلت : الماهية تلحظ هنا أيضاً بما هي مرآة لذاتها في الخارج ، وهذا يكفي فيه عدم لحاظ القيد لا لحاظ عدم القيد بل يستحيل أخذه في متعلق المعقول الأوّل لكونه في طوله ومن خصوصيات الوجود الذهني تأخر العلم عن معلومه ، وأمّا ما يذكر من انّ الطبيعة قد تلحظ بذاتها فتكون بنحو صرف الوجود وقد تلحظ بنحو مطلق الوجود والأوّل كما في الطبيعة في متعلق الأمر والثاني كما في الطبيعة في متعلق النهي أو في موضوعات الأحكام فقد تقدم البحث عن ذلك في الأوامر والنواهي وأنّ خصوصيتي صرف الوجود وإطلاق الوجود خارجتان عن مدلول الاسم ومعنى الطبيعة فراجع وتأمل.


وأمّا النقطة الثانية : فقد ذكر الميرزا 1 انّ الكلي الطبيعي هو الماهية لا بشرط القسمي لا المقسمي لكونه جامعاً بين ما ينطبق على الخارج وما لا ينطبق والطبيعي ينطبق على الخارج دائماً. ولعلّ ظاهر الكفاية وفاقاً للمنظومة انّه اللابشرط المقسمي ، وظاهر المحاضرات انّه الماهية المهملة.

والصحيح ما ذهب إليه الميرزا ولكن لا لما ذكره ليقال في ردّه انّ الجامع بين ما ينطبق على الخارج ولا ينطبق ينطبق عليه أيضاً ، بل لأنّه معقول ثانوي كما عرفت فلا ينطبق على الخارج أصلاً (١).

وأمّا في المحاضرات فقد ذكر انّ اللابشرط القسمي يكون منطبقاً وفانياً بالفعل في تمام الأفراد وليس الكلي الطبيعي كذلك.

وفيه : إن اريد رؤية الأفراد ولو اجمالاً فهذا خلط بين العام والمطلق فليس اللابشرط القسمي كذلك كما عرفت ، وإن اريد انّه لو علق عليه حكم لسرى إلى تمام الأفراد فمن الواضح انّ هذا تام في الطبيعي أيضاً.

نعم سوف يأتي انّ الملحوظ في الماهية المهملة عين الملحوظ في اللابشرط القسمي ، وإنّما الاختلاف بينهما في خصوصية اللحاظ ، وبهذا يكون الكلي الطبيعي هو اللابشرط القسمي والمهملة معاً إذا كان النظر إلى الملحوظ فيها فقط.

__________________

(١) ولا يعقل أن تلحظ الماهية في لحاظ واحد جامعاً ومرآتاً عمّا في الخارج كالمعقول الأوّل وعمّا في الذهن كالمعقول الثاني لأنّه من قبيل لحاظ الماهية بنحو المرآتية والموضوعية بلحاظ واحد وهو محال.


وأمّا النقطة الثالثة : فالماهية المهملة هي التي لها خصوصيّات ثلاث :

إحداها ـ انطباقها على الخارج أي عدم كونها معقولاً ثانوياً.

الثانية ـ انّ النظر فيها مقصور على ذاتها لا الخارج عنها.

الثالثة ـ أنّها جامعة بين المطلقة والمقيدة أي تكون محفوظة في موارد التقييد أيضاً.

وقد اختلفوا في أنّها هي اللابشرط القسمي أو المقسمي أو غيرهما. ولا ينبغي الاشكال في أنّها ليس اللابشرط المقسمي كما تصوره في الكفاية لأنّه معقول ثانوي وهو خلف الخصوصية الاولى بل الثانية والثالثة أيضاً ، فإنّ اللابشرط المقسمي يكون النظر فيها إلى أحد القيود الذهنية الثلاث للماهية.

واستدلوا على عدم كونه اللابشرط القسمي بدليلين :

١ ـ انها عارية عن كل القيود حتى قيد التعرية عن القيد ولهذا كان جامعاً بين المطلق والمقيد بخلاف اللابشرط القسمي فإنّها الماهية المطلقة وبلا قيد القسيم للمقيدة.

وفيه : انّ حدّ الإطلاق والتعرية عن القيد في اللابشرط القسمي واقعي لا لحاظي كما تقدم ، فالملحوظ فيه عين الملحوظ في المهملة بلا زيادة أو نقيصة ، نعم بناءً على التفسير الآخر للابشرط القسمي وانّه ملحوظ فيه عدم القيد أو فنائها في الأفراد تختلف المهملة عنه ، ولكنك عرفت بطلانه وانّ لحاظ عدم القيد خصوصية ذهنية ، كما أنّ الماهية لا يمكن أن تكون فانية في أفرادها وإنّما تفنى في ذاتها ، وامّا الانطباق على الأفراد فبحكم العقل ومدلول تصديقي لا تصوري بأخذ مفهوم آخر معها كما في العام.


٢ ـ انّ اللابشرط القسمي يقع موضوعاً لأحكام خارجة عن ذات الماهية مما يعني كون الماهية ملحوظة فيه بلحاظ ما هو خارج عن ذاتها وهذا خلف الخصوصية الثانية.

وفيه : انّ قصر النظر في عقد الوضع على الذات لا ينافي الحكم عليها بشيء خارج عن نطاق الذات في طرف المحمول والحكم وهذا واضح.

فالصحيح أنّ الملحوظ في الماهية المهملة عين الملحوظ في اللابشرط القسمي وإنّما يفترقان في الحدّ والخصوصية التصديقية فإنّ اللابشرط القسمي حدّه الذهني الإطلاق والتجرد الواقعي عن القيد بينما المهملة لم يؤخذ فيها حتى ذلك ـ أي حتى هذا الحد الواقعي بالحمل الشايع ـ ومن هنا تكون المهملة جامعة بين المطلقة بالحمل الشايع والمقيدة من الصور الذهنية للماهية ، ومن هنا أيضاً لا تأتي إلى الذهن بلحاظ مستقل وبحدها الاهمالي فلا يكون قسماً خامساً.

وإن شئت قلت : كما اريد بالمهملة الاهمال في الماهية من حيث القيود اللحاظية التصورية كذلك اريد بها الاهمال من ناحية الحدود التصديقية للوجود الذهني من الماهية أيضاً ومن هنا لا يأتي في الذهن إلاّبعنوان مشير أو في ضمن احدى الحدود الذهنية أعني المطلقة أو المقيدة ، وامّا ما يأتي إلى الذهن عند لحاظ الماهية بلا لحاظ القيد فليس إلاّالمطلقة بالحمل الشايع أي اللابشرط القسمي لا المهملة كما يتصوره السيد الخوئي.

ودعوى : وجدانية إمكان لحاظ الماهية تارة كذلك واخرى سارية بالفعل في أفرادها وهو معنى لحاظ الإطلاق وعدم القيد.

يدفعها : أنّ لحاظ السريان هذا يستحيل أن يكون من خلال نفس الماهية فإنّ


العنوان لا يفنى إلاّفي محكيها وهو ذات الماهية ، وإنّما يكون ذلك من خلال اضافة مفهوم الاستيعاب للأفراد اليها ولهذا قلنا انّه من الخلط بين باب العام والمطلق.

وبهذا يتضح برهان على انّ المعقول الأوّل للماهية امّا أن يكون بشرط شيء ـ أعم من قيد وجودي أو عدمي ـ أو لا بشرط قسمي الذي هو المطلق بالحمل الشايع لأنّ الماهية إذا لوحظت فاما أن تلحظ معها قيد أو لا ، واجتماع النقيضين وارتفاعهما محال ، والأوّل المطلق ذاتاً ، والثاني المقيد فلا يعقل قسم ثالث هو المطلق اللحاظي إلاّبتعقل ثاني أو اضافة مفهوم آخر إلى الماهية.

بعد هذا ندخل في البحث ضمن فصول :

الفصل الأوّل : في ما وضعت له أسماء الأجناس :

والبحث في انها موضوعة للمطلقة أي اللابشرط القسمي أو للمهملة بعد وضوح عدم إمكان وضعها للمجردة ـ بشرط لا ـ ولا مزيد عما في الكتاب هنا وخلاصته انّ اسم الجنس موضوع للماهية المهملة الجامعة بين المطلقة والمقيدة ، إلاّ انّ هذا يمكن بأحد نحوين :

١ ـ تصورها تفصيلاً من خلال اللابشرط القسمي والوضع للملحوظ فيه والذي قلنا انّه عين الماهية المهملة وانّ اطلاقها الذاتي راجع إلى حدّ الماهية ووجودها في الذهن بلا قيد بالحمل الشايع ، وهذه الخصوصية باعتبارها خصوصية تصديقية مربوطة بالحد الذهني لتصور الماهية فليست ملحوظة بها لكي يوجب تقييداً في المعنى الموضوع له اسم الجنس ، فلا يكون المعنى إلاّ ذات الماهية الملحوظة باللابشرط القسمي والتي هي المهملة أيضاً.


٢ ـ تصور الماهية المهملة اجمالاً ومن خلال عنوان مشير اليها أي إلى ذات الماهية الملحوظة في المطلقة والمقيدة.

وقد يقال : على هذا بالامكان الوضع للماهية المهملة من خلال تصور المقيدة أيضاً طالما المهملة متحققة فيها أيضاً.

والجواب : لا يمكن ذلك ؛ لأنّ المقيدة يلحظ فيها زائداً على المهملة ، أي ذات الماهية تقيدها بالقيد فيكون الملحوظ فيها الماهية ضمن المقيد ، وهذه الخصوصية خصوصية في الملحوظ تمنع من تحقق الاقتران بين اللفظ وذات الماهية لكي يصبح اسم الجنس موضوعاً لها ، وهذا بخلاف اللابشرط القسمي ، وهذا واضح.

هذا في اسم الجنس ، وأمّا علم الجنس كاسامة للأسد فقد اختلف الأعلام فيها بين من قال بأنّ التعريف فيها لفظي كالتأنيث اللفظي فلا فرق بينها وبين أسماء الأجناس من حيث المعنى وقيل انها تختلف عن اسم الجنس باعتبار أخذ التعيين الذهني في مدلولها ، ( فأسد ) موضوع لجنس الحيوان المفترس بينما اسامة موضوع للحيوان المفترس المتعين في الذهن.

واعترض عليه في الكفاية بأنّ التعيين الذهني لو كان مأخوذاً في علم الجنس لزم كون معناه كالكلي العقلي غير قابل للصدق على الخارج لأنّ المقيد بقيد ذهني لا يصدق إلاّعلى الذهن لا الخارج.

وأجاب عليه بعض الأعلام بأنّ القيد لو كان بنحو المعرفية مع خروج القيد والتقيد عن المعنى الموضوع له فلا يلزم ما ذكر من عدم الصدق على الخارج.


وفيه : انّه مع فرض خروج القيد والتقيد معاً وكون التعيين معرفاً إلى ذات المفهوم وهو الجنس لا يبقى فرق بين اسم الجنس وعلمه عندئذٍ. وسوف يأتي هذا البحث مفصلاً فانتظر.

والمستفاد منه هناك مطلب حاصله : انّ خصوصيات المعقول الأوّل مأخوذة في علم الجنس ، ولكن لا في الملحوظ والمعنى بل في اللحاظ نفسه الذي قرن بينه وبين اللفظ نظير أن يدعى وضع اسم الجنس للابشرط القسمي بحيث يكون الإطلاق مدلولاً لفظياً.

وفيه : انّ القرن الأكيد الذي هو حقيقة الوضع عبارة عن التلازم بين التصورين في ملحوظيهما لا كيفية اللحاظ وإلاّ كان المطلق غير المقيد حتى بلحاظ مدلول اسم الجنس والطبيعة المهملة لاختلافهما في اللحاظ على ما تقدم فلا يمكن افتراض تقييد المعنى الموضوع له بالقيود الراجعة إلى نفس اللحاظ والتصور إذا لم تكن مأخوذة في المتصور والملحوظ إلاّبنحو قيد الوضع الواضح بطلانه.

ومن هنا يثبت برهان على عدم كون الطبيعة المطلقة أعني اللابشرط القسمي معنىً موضوعاً له لاسم الجنس بل يتعين أن تكون الطبيعة المهملة هي المعنى الموضوع له ، امّا من خلال تصورها تفصيلاً ضمن اللابشرط القسمي أو تصورها اجمالاً من خلال عنوان مشير نحو الجامع بين المطلقة والمقيدة ؛ لأنّ الوضع للابشرط القسمي يساوق الوضع للطبيعة المهملة لما عرفت من وحدة الملحوظ فيهما ، وإنّما الاختلاف بينهما في حدّ اللحاظ وهو خارج دائماً عن المعنى الموضوع له ، وبهذا يعرف انّ هذا هو الوجه الصحيح في المنع عن ذلك لا ما قيل من لزوم كون التقييد مجازاً إلاّإذا اريد من المجاز عدم مطابقة قيود الوضع.

ويمكن ارجاع وجه صاحب الكفاية إليه بتقريب انّه إذا أخذنا التجرد


والإطلاق في المعنى الموضوع له لزم كونه ذهنياً لأنّ القيد المذكور ذهني وإن لم نأخذه كان المعنى الموضوع له ذات الماهية وهي المهملة وكونها تأتي في الذهن عند عدم دال على القيد مطلقة بالحمل الشايع لا يجعل القرن والوضع مقيداً للحاظ الاستقلالي المطلق بالحمل الشايع للماهية ، لأنّه من خصوصيات اللحاظ لا الملحوظ والاقتران الوضعي باعتباره اقتراناً تصورياً لا تصديقياً لا يكون إلاّ بين المتصورين والملحوظين ويستحيل أن يكون أحد طرفيه خصوصية تصديقية إلاّبنحو قيد الوضع الذي لا يكون محتملاً بل لا يعقل أيضاً بهذا النحو كما حققناه في محله.

وأمّا بحث التقابل ، فحاصله : انّ الإطلاق بناءً على مسلك السيد الخوئي إطلاق لحاظي ، أي لحاظ الفناء في تمام الأفراد ، ومن هنا يكون التقابل بينه وبين التقييد بالتضاد ، وقد عرفت بطلان المبنى.

والميرزا خلط بين مقام الاثبات والثبوت فإنّه ثبوتاً كلما لم يكن قيد مع الماهية كانت الماهية مطلقة بالحمل الشايع والتي يكون انطباقها على تمام الأفراد ذاتياً ، وهذا هو الإطلاق الذاتي فيكون التقابل بينهما بالسلب والايجاب. نعم التقييد مفهوم وحداني جديد بناءً على ما تقدم في بحث النسب فليس نسبته إلى المطلق نسبة الأكثر إلى الأقل بالدقة ، إلاّ انّه حيث يحصل المفهوم المطلق بمجرد عدم ذكر القيد فيكون حالهما حال الأكثر والاقل نتيجة ويكفي انتفاء القيد لتعينه وبالتالي للاطلاق الذاتي على ما سوف يأتي في بحث مقدمات الحكمة.

والثمرة إمكان تصوير الشق الثالث على القولين الآخرين كما هو مذكور فراجع.

ولعلّ ذهاب الميرزا إلى أنّ التقابل بينهما من العدم والملكة من أجل انّ


الماهية إذا لوحظت بذاتها لا بلحاظ ما هو خارج عن ذاتها أي مرآة للخارج فهي ليست إلاّهي لا مطلقة ولا مقيدة فلا تتصف بشيء منهما وهي الماهية المهملة ، وإذا لوحظت مرآة وبلحاظ خارج ذاتها كانت صالحة للاتصاف بالاطلاق وهو عدم لحاظ القيد والتقييد وهو لحاظ القيد ، ومن هنا كان التقابل بينهما تقابل العدم والملكة.

وفيه : ما تقدم من انّ الماهية المهملة لا يمكن أن تأتي إلى الذهن في لحاظ مستقل فالماهية الملحوظة في الذهن امّا أن يلحظ معها القيد فهي المقيدة وامّا أن لا يلحظ معها القيد وهي المطلقة ، فبعد لحاظ الماهية يكون التقابل بين اطلاقها وتقييدها من السلب والايجاب لا محالة.

وأمّا ما يقال من انّ الماهية من حيث هي ليست إلاّهي فالمراد بها ـ كما ذكرنا سابقاً ـ أنها لا تري غير ذاتها تصوراً ومفهوماً وليست صالحة لأن تري أيّة خصوصية اخرى خارج ذاتها ، وهذا صحيح ولا ينافي كونها مطلقة بالحمل الشايع أي منطبقة على كل فرد من أفرادها خارجاً كما تقدم. فهي مطلقة بالحمل الشايع لا بالاطلاق اللحاظي. ثمّ انّهم بحثوا بعد ذلك في استحالة الاهمال ثبوتاً رغم وجود شق ثالث وهو الماهية المهملة وما أقاموه من الأدلّة من انّ الجاعل عالم بجعله فلا يعقل الاهمال.

جوابه : انّه إذا لم يلزم منه نقض الغرض فلا مانع من أخذ الطبيعة المهملة بناءً على معقولية لحاظها في الذهن مستقلاً في موضوع أو متعلق جعل كما أنّهم بحثوا في كون المهملة في قوّة الجزئية أو الكلية ، والصحيح على ضوء ما تقدم أنّها في قوّة الكلية وقد سميناه بالاطلاق الذاتي لفناء الطبيعة ذاتاً في محكيها الموجود حتى في مورد فقد القيد.


ص ٤٣٥ قوله : ( المقام الثاني : دخول اللام على اسم الجنس ... ).

ذكر صاحب الكفاية انّ اللام للتزيين في الجنس لا التعيين فأنكر ما ذهب إليه علماء العربية وأشكل عليهم بلزوم المحذور وهو صيرورة المفهوم كلياً عقلياً لا يصدق على الخارجيات.

وأجاب في المحاضرات بأنّ اللام في العهد الذهني للتزيين وفاقاً مع الرضي 1 لعدم أي تعين في مثل أمرّ على اللئيم يسبني ، وفي الجنس للتعيين والتعريف وهو الإشارة إلى الجنس مع بقاء المدخول هو الطبيعة كالإشارة باسم الإشارة إلى الكلي في قولك هذا الكلي بل إلى المعدوم ( هذا الشيء معدوم ) فلا يشترط في الإشارة التعين الخارجي.

وفيه : أوّلاً ـ انّ الوجدان يحكم بالفرق بين اللئيم في المثال وبين زيد لئيم من حيث وجود تعين ولو اجمالي وفرضي حيث لا يريد بيان انّ جنس اللئيم يسبّه إذا مرّ عليه ، فالتعيين في العهد الذهني موجود أيضاً بنحو الاجمال أو الفرض والتقدير وهو ما إذا مرّ على اللئيم أو جاءه ، فكما يكون هناك تعين خارجي في الماضي هناك تعين اجمالي أو على تقدير تحقق المفروض ، ومن هنا سمي بالعهد الذهني ولهذا يرى الوجدان الفرق بين أمرّ على اللئيم وأمر على لئيم يسبني.

وثانياً ـ ما ذكر في لام الجنس بهذا البيان غير فني أيضاً ؛ لأنّ الإشارة إنّما يكون إلى معيّن ولو في عالم المفاهيم والكليات ، بحيث يكون المشار إليه مصداقاً معيناً من مصاديق معنى مدخول اللام ، ولو بنحو تعدد الدال والمدلول كما في هذا الشيء ، وهذا الكلي بينما لا تعين في موارد لام الجنس ؛


إذ المفروض ارادة نفس الطبيعة والجنس منه المفاد باسم الجنس لا ارادة فرد منه ؛ وإن اريد الإشارة إلى نفس الطبيعة بما هي مصداق في عالم المفاهيم لمفهوم آخر ، كما في هذا الكلي مشاراً به إلى مفهوم الحيوان أو الإنسان ، فهذا يستلزم وجود مفهومين أحدهما يكون مصادقاً للآخر كما في المثال ، وليس في موارد اسم الجنس إلاّمفهوم واحد بحسب الفرض ، وعليه فلا تعين ولا اشارة زائدة على ما يشير إليه ويسبقه إلى الذهن المدخول نفسه وهو الطبيعة ، وهذا واضح.

وبهذا يتضح عدم تمامية جوابه على اشكال صاحب الكفاية من استفادة التعيين من اللام بنحو تعدد الدال والمدلول حيث انّه إذا فرض أخذ التعيين الذهني فيه ولو بنحو الإشارة إلى ما في الذهن ورد المحذور المتقدم وإلاّ لم يكن تعيين في الخارج أصلاً لا بلحاظ الفرد ولا بلحاظ الطبيعة.

ثمّ انّ المحاضرات ذكر جواباً آخر على اشكال صاحب الكفاية هذا في مورد علم الجنس على ما سوف يأتي مع نقده ولا ندري لماذا لم يذكره هنا أيضاً.

وأجاب المحقق الاصفهاني بما في الكتاب مع جوابه.

وأجاب السيد الشهيد 1 بأنّ المراد بالتعيين الجنسي أو الذهني الإشارة إلى الجنس والطبيعة بما لها من التعين في الذهن واقعاً فالصورة الذهنية والمعقول الأوّل المتعين مفهوماً وذهناً بالحمل الشايع يكون هو المعنى الموضوع له من دون أخذ مفهوم التعيين أو خصوصية اللحاظ الذهني في المعنى الموضوع له نظير ما تقدم منّا في وضع اسم الجنس للمطلق بالحمل الشايع من دون أن يكون مفهوم لاطلاق أو واقع عدم لحاظ القيد مأخوذاً في معناه.


وفيه : إن اريد من التعين الواقعي للمفهوم والمعقول الأولي من الطبيعة التعين الذاتي لها فهذا هو مدلول اسم الجنس المجرد عن اللام أيضاً بلا زيادة ، وإن اريد التعين والمعهودية التي قد تنشأ من الانطباعات الخاصة التي قد تكون مقرونة في بعض الموارد زائداً على مفهوم الطبيعة واسم الجنس ، فكأنّه يراد اثارتها وتعريف الماهية والطبيعة من خلالها بمعرّفيتها المنطبعة نوعاً في الذهن (١) ، فلو سلّم وجود مثل هذه الانطباعات السابقة الزائدة على ذات الطبيعة في بعض الموارد وسلم كون هذا المقدار يجعل المعنى متعيناً ومعروفاً بنحو من أنحاء المعرفية فلا ينبغي الاشكال في انّ موارد اسم الجنس المعرف بلام الجنس ليست كذلك دائماً فمثل هذا البيان لا يكفي لعلاج مشكلة التعريف في تمام موارد لام الجنس حتى دخولها على أسماء أجناس جديدة الوضع أو الاستعمال.

ويمكن أن يقال : أنّ المراد بالتعريف والتعيين ليس الجزئية بل المراد التشخّص في مقام الصدق وجري الحكم أو المحمول عليه في القضايا والجمل في قبال الترديد في مقام الصدق فكلما كان المحكوم عليه متعيناً لا تردد فيه في مقام الصدق وجري المحكوم به عليه كان معرفة سواء كان من أجل تعينه الخارجي أو تعينه الجنسي كما إذا كان الحكم على الجنس بما هو جنس كما في الرجل خير من المرأة ، وهذا بخلاف ما إذا قال : رجلٌ ما خير من امرأة ما ، حيث لا يفهم المخاطب أنّ الرجل المحكوم عليه بأنّه خير من امرأة أي رجل بل يكون مردداً بين كل رجل ؛ ومن هنا كان ( كل عالم ) معرفة لأنّ الصدق متعين فيه رغم انّه ليس جزئياً.

__________________

(١) أو كون نفس المعنى متصوراً سابقاً فيراد الإشارة إليه بعد معهوديته الذهنية العرفية.


ومنه يعرف وجه التعريف في موارد الاستغراق أيضاً الذي لا يراد الجنس بل يراد كل فرد فرد كما في أحلّ الله البيع ، هذا لو فرض انّ لام الاستغراق غير لام الجنس كما قيل.

لا يقال : اسم الجنس يدل على الطبيعة والجنس حتى إذا كان مجرداً عن اللام فيكون متعيناً صدقاً.

فإنّه يقال : اسم الجنس المجرد موضوع للطبيعة المهملة الجامعة بين المشخّصة والمتعينة خارجاً أو جنساً أو غير المتعينة ، وهذا بخلاف اسم الجنس المعرّف ، فإنّه بنحو تعدد الدال والمدلول يدلّ على الطبيعة الملحوظة كجنس متعين في قبال سائر الأجناس لا كجامع طبيعي يراد رؤيته في خارج معين أو مقيد أو مطلق. وكم فرق بين المطلبين.

ولعلّ هذا مقصود السيد الشهيد أيضاً ، فاللام يدل على التعيين الخارجي أو العهدي الذهني أو الجنسي بالمعنى المتقدم وكلّها أنحاء من التعيّن.

وأمّا علم الجنس فقد ذكر فيه صاحب الكفاية 1 نفس الاشكال المتقدم ، وأجاب عليه في المحاضرات بما تقدم في صفحات سابقة مع جوابه.

وأجاب عليه السيد الشهيد بنفس الجواب المتقدم في لام الجنس والتفاصيل الاخرى في الكتاب.

ص ٤٣٨ قوله : ( ٢ ـ التقييد ... ).

١ ـ التقييد المتصل على أقسام :

نذكرها بالأمثلة وعناوينها مذكورة في الكتاب.


١ ـ اعتق رقبة مؤمنة.

٢ ـ اعتق رقبة ولتكن تلك الرقبة مؤمنة ، أو اياك أن تعتقها كافرة.

وهذان لا يحتاجان إلى مصادرة اضافية ؛ لكون المقيّد قرينة على التقييد.

٣ ـ اعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة.

أو أكرم العالم ولا يحرم اكرام العالم الفاسق.

٤ ـ اعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة.

إذا لم يحرز التعدد أو احرز وحدة الحكم ثبت التقييد.

وهذان يكون التعارض فيهما بين المطلق والمقيد من باب عدم امكان ثبوت كلا الحكمين وحمل المطلق على المقيّد فيهما يحتاج إلى مصادرة اضافية إذا فرض انّ عدم البيان يراد به عدم بيان القيد بلسان التقييد فلابد من اثبات القرينة الشخصية أو النوعية للجملة الثانية ، أو احترازية القيود ولزوم عدم لغوية ذكر القيد ونحو ذلك.

ثمّ انّه في القسم الرابع اكتفى السيد الشهيد 1 باحتمال وحدة الجعل في ثبوت نتيجة التقييد ولو من ناحية الاجمال وصلاحية المقيد مع احتمال وحدة الجعل للقرينية على التقييد ، وهذا محل اشكال بالمنع خصوصاً إذا كانت الدلالة على الإطلاق بالوضع لا بمقدمات الحكمة ؛ لأنّه مع امكان تعدد الجعل لا وجه لرفع اليد عن ظهور المطلق في كونه جعلاً آخر ، ونتيجته ثبوت أمرين : أحدهما بالجامع ، والآخر بالحصة ، وأي موجب لتصور الاجمال في ذلك ، والظاهر أنّ عمل الفقهاء وديدنهم في الدليلين المثبتين مع عدم احراز وحدة الجعل هو الأخذ بهما معاً ، والله الهادي.


٥ ـ أكرم العالم وأكرم الفقيه ، وهذا لم يذكر في الكتاب ، والتعارض فيه بين المطلق والمقيد هنا ليس من ناحية وحدة الجعل وتعدده ، فإنّه لا يعقل تعدد الجعل والوجوب في المقيّد إذا كانا شموليين ، فإنّ الفرد الواحد لا يمكن أن يجب فيه حكمان متماثلان بحيث يجب اكرام الفقيه بوجوبين ، فلا يقاس بالمطلق البدلي ـ وسيأتي مزيد توضيح لذلك في المقيد المنفصل ـ.

وإنّما نكتة التعارض في هذا القسم منافاة المطلق مع ظهور القيد في الاحترازية ؛ إذ لو كان يجب اكرام كل عالم وهو يعمّ كل فقيه أيضاً فلماذا اخذ في الخطاب الآخر الفقيه قيداً في الموضوع ، فبقاعدة احترازية القيود لابد وأن يحمل المطلق على المقيّد ، وإلاّ يصبح ذكره لغواً.

وسيأتي في البحث عن هذا القسم في المقيّد المنفصل انّ هذا لا يقتضي حمل المطلق على المقيّد ، بل غايته ثبوت المفهوم بمقدار السالبة الجزئية لا أكثر ، إلاّ أنّه في المقام حيث انّ المقيّد متصل بالمطلق فقد يوجب اجمال الإطلاق فيه حتى إذا كان هناك قدر متيقن للسالبة الجزئية في مورد افتراق المطلق عن المقيد ما لم يستظهر انّ ذكر القيد من جهة التأكيد عليه أو أيّة نكتة اخرى بحيث لا يكون ذكره ظاهراً في الاحترازية ، كما لا يبعد ذلك في أكثر الموارد ، ولعلّه لهذا لم يفهم المشهور التعارض من دليلين مثبتين كذلك.

٢ ـ والمقيّد المنفصل على أقسام أيضاً :

١ ـ أن يكون ناظراً ومفسراً وقرينة على المراد من المطلق ( وهذا هو القسم الأوّل والثاني في المقيد المتصل فرض هنا وروده منفصلاً ) وهنا لا اشكال في التقديم امّا لارتفاع موضوع الإطلاق بناءً على انّ من مقدمات الحكمة عدم البيان حتى المنفصل أو للقرينية الشخصية والحكومة أو النوعية.


٢ ـ أن يكون المطلق مع المقيد متنافيين من حيث الحكم بأن كان أحدهما ايجاباً والآخر سلباً أو كالسلب ـ كالوجوب والحرمة ـ ( وهذا القسم الثالث المتقدّم في المتصل فرض هنا منفصلاً ) فإذا كانا شموليين من قبيل يجب ولا يجب أو يجب اكرام العالم ويحرم اكرام العالم الفاسق كان بينهما التنافي على كل حال وإن كان الأمر بالمطلق بدلياً كان من التنافي والتعارض بناءً على الامتناع فلابد من حمل المطلق على المقيد امّا للورود وارتفاع موضوع الإطلاق ومقدمات الحكمة ـ كما عند الميرزا ـ أو باعتبار الأقوائية لكون أخذ القيد أقوى من السكوت ، وتقدم الأقوى على الأضعف في الحجّية أو لكون الأقوائية والأظهرية موجبة للقرينية النوعية أو لكون الأخصية موجبة لذلك وهذه نكات ثلاث تتفاوت النتائج بناءً على كل واحدة منها وقد شرحناها مفصلاً في بحث التعارض واحداها على الأقل منطبقة في المقام.

٣ ـ أن يكون المطلق والمقيد متوافقين من حيث الحكم أي مثبتين معاً لسنخ حكم واحد أو سالبين معاً ( وهذا هو القسم الرابع والخامس من المتصل فرض هنا منفصلاً ) ، وهنا صور :

الصورة الاولى : أن يكونا خبريين ارشاديين محضيين من دون استتباع جعل كما إذا قال : ( لا يجب اكرام العالم ، ولا يجب اكرام الفقيه ) وهنا لا تنافي بين المطلق والمقيد أصلاً ، وهذه الصورة خارجة عن البحث بحسب الحقيقة.

الصورة الثانية : المطلق والمقيد المثبتان البدليان ، من قبيل أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة. وهنا احتمالات عديدة بدواً للجمع بين الدليلين.

١ ـ حمل المطلق على المقيد وافتراض انّ هناك حكماً واحداً هو وجوب عتق الرقبة المؤمنة.


٢ ـ حمل القيد في المقيد على الاستحباب والأفضليّة من بين مصاديق الواجب البدلي.

٣ ـ حمل المقيد على انّه من قبيل الواجب في واجب بحيث لو اعتق رقبة كافرة سقط الواجب الثاني عصياناً.

٤ ـ الأخذ بكل واحد منهما في تمام مدلوله والالتزام بتعدد التكليف أحدهما متعلق بالجامع والآخر بالحصة ، وهذا يتصور على نحوين : أحدهما أن يسقط كلا التكليفين معاً بالاتيان بالحصة لكونها محققة لامتثالهما معاً ، والآخر عدم سقوط التكليف بالمطلق بالاتيان بالمقيّد ، بل لابد من الاتيان بفرد آخر أيضاً من الجامع.

٥ ـ تقييد الأمر بالمطلق بعدم الاتيان بالمقيّد ، وهو عتق الرقبة المؤمنة في المثال ، فهناك وجوبان : أحدهما متعلق بالمقيّد وهو مطلق ، والآخر بالمطلق أو المقيّد بنقيض القيد وهو مشروط بعدم الاتيان بالمقيّد.

ولا اشكال في انّ الاحتمالين الثاني والثالث خلاف الظاهر الأولي بحيث يحتاجان إلى قرينة ومؤنة فائقة لظهور المقيد في أخذ القيد في الأمر الوجوبي وكون المقيد مأموراً به لا التقيد ، وهذان ظهوران وضعيان أو كالوضعيين بحيث يكون الأخذ بهما أولى من الأخذ بالظهور الاطلاقي في المطلق.

كما لا إشكال في أنّ الاحتمال الأخير بشقّه الأوّل لو كان محتملاً ثبوتاً ومعقولاً تعين في قبال الاحتمالات الاخرى ؛ إذ ليس فيه بحسب الفرض مخالفة للظهور في شيء من الدليلين ، فيكون هو مقتضى القاعدة.

ومن هنا ذهب صاحب الكفاية ـ ولعلّه المشهور أيضاً ـ إلى تعيّن الاحتمال


الأخير والالتزام بوجود حكمين مستقلين أحدهما على الجامع والآخر على الحصة المقيدة منه إلاّحيث تقوم قرينة لبّية أو لفظية من داخل الخطابين أو خارجهما على وحدة الجعل والحكم فيتعين الاحتمال الأوّل عندئذٍ ، ومن هنا فصّلوا في هذه الصورة بين فرض احراز وحدة الجعل بنحو من الأنحاء فيحمل المطلق على المقيد وبين فرض عدم احراز ذلك فيلتزم بتعدد الجعل.

وخالف في ذلك المحقق النائيني 1 وتابعه عليه جملة من الأعلام فجعل التفصيل على العكس أي إذا احرز بدليل أو قرينة تعدد الجعل اخذ به وإلاّ كان المتعين استظهار وحدة الجعل وحمل المطلق على المقيد.

وقد اختلفت بياناتهم في اثبات ذلك بما يمكن ارجاعها إلى وجوه عديدة بعضها يعتمد على نكاتٍ ثبوتية وبعضها اثباتية.

الوجه الأوّل : ما يظهر من تقريرات بحث الميرزا 1 من أنّ الأمرين حيث فرض كونهما بدليين فمتعلقهما سوف يكون صرف الوجود لا محالة الذي ينطبق قهراً على أوّل وجود ناقض للعدم وبذلك تتحقق المنافاة بين الدليلين لأنّ إطلاق متعلق الحكم في المطلق يقتضي جواز ترك القيد في مقام الامتثال وعدم دخله في غرض المولى ومراده ، كما انّ تقييد متعلق الحكم في الدليل المقيد يقتضي عدم جواز ترك القيد ودخله في غرض المولى ومراده فيتنافيان لا محالة.

وهذا الوجه نظير ما ذكره الميرزا في برهان التنافي بين الأمر بالجامع والنهي عن الحصة في بحث الاجتماع ، وجوابه : أنّ الأمر بالجامع بنحو صرف الوجود يدل على جواز ترك الحصة المقيد إلى البدل من ناحية هذا الأمر لا من كل ناحية ، أي لا يدلّ على جواز الترك فعلاً بل يدلّ على جواز الترك والفعل وضعاً.


نعم ، لو فرض وحدة الجعل لزم التنافي من هذه الناحية بل في نفسه لا يعقل أن يكون للجعل الواحد متعلقين. ومن هنا يصح أن يقال بأنّ هذا التنافي فرع احراز وحدة الجعل في المرتبة السابقة إذ مع تعدده وكون القيد دخيلاً في أحدهما دون الآخر لا يبقى تنافي بين الدليلين ، ولا موجب لافتراض وحدة الجعل بل اثبات وحدة الجعل بذلك دور واضح.

نعم ، لو فرضنا أنّ الميرزا لا يرى امكان تعدد الجعل بشقّه الأوّل ، أي الأمر بالمقيّد وأمر آخر بالمطلق المنطبق عليه ـ لكونه مثلاً تخييراً بين الأقل والأكثر وهو غير معقول ، وسيأتي في بعض الوجوه القادمة ـ وإنّما المعقول والممكن تعدد الجعل بنحو الشق الثاني من الاحتمال الرابع أو بنحو الاحتمال الخامس من الاحتمالات المتقدمة ، وافترض أنّ المخالفة للظهورات في الاحتمالين المذكورين أشدّ من حمل المطلق على المقيّد ، فقد يتعيّن عندئذٍ حمل المطلق على المقيد.

إلاّ انّه سيأتي امكان تعدد الأمر بشقه الأوّل ، ولو فرض عدم امكانه فليست المخالفة في أحد النحوين الآخرين بأشد من حمل المطلق على المقيّد ، ولو فرض ذلك أيضاً فهذا وحده لا يكفي لتعين حمل المطلق على المقيّد ما لم يفرض انّه نوع جمع عرفي وانّ الأمر بالمقيّد يصلح أن يكون قرينة على خصوص هذا النحو من التقييد لا تقييد متعلق الأمر المطلق بفرد آخر أو تقييد نفس الأمر بمن لم يأت بالمقيد.

نعم ، يمكنه أن يدّعي حينئذٍ التعارض وسقوط الاطلاقات المذكورة ـ أو اجمالها إذا كانا متصلين ـ وحيث انّ تعلّق وجوب واحد بالمقيّد تعييناً محرز والشك بثبوت وجوب آخر لفرد آخر من المطلق أو ثبوت وجوب آخر مشروط


في حق من لم يأت بالمقيّد ، تجري البراءة والأصل المؤمن عن ذلك ، فتكون بحسب النتيجة العملية واجب واحد هو المقيّد ، وهو الذي كان يثبت بحمل المطلق على المقيّد.

الوجه الثاني : ما يظهر من كلمات المحقق العراقي 1 ، وحاصله بتوضيح منا :

أنّ الأمر بالمقيد بنحو صرف الوجود يرجع لا محالة إلى الأمر بالطبيعة والتقيد ، وهذا يعني أن تكون الطبيعة مورداً لاجتماع أمرين ووجوبين استقلالي وضمني وهو من اجتماع المثلين المحال فلابد من التأويل امّا بالحمل على المقيّد أو بتقييد الأمر بالجامع بغير المقيد مشروطاً بتركه.

وفيه : أوّلاً ـ مضافاً إلى وجدانية إمكان تعلّق الحبّ والارادة والوجوب بالجامع بنحو صرف الوجود المنطبق على الحصة ووجوب آخر بحصة منه بل ووقوعه كثيراً عرفاً (١) قيام البرهان على عدم الاستحالة لأنّ الحب والارادة معروضهما بالذات هو الصور واللحاظات الذهنية في النفس وعنوان المقيد

__________________

(١) وببيان آخر : إذا فرض انّ للمولى ملاكين ومصلحتين الزاميتين مستقلتين عرضيتين احداهما قائمة بالجامع والاخرى بالحصة فنسأل هل يكون للمولى ارادة واحدة ووجوب واحد بالمقيد والحصة وهو باطل لوضوح انّه يفوت على المولى ملاكه الالزامي في الجامع الذي يكون المكلف مستعداً لتحصيله في غير تلك الحصة المقيدة فلابد من جعل وجوبين وفرض فعليّة ارادتين مستقلتين ، وعلى هذا التقدير نسأل هل الوجوبان عرضيان أو أحدهما في طول عصيان الآخر لا مجال للثاني لأنّ تقييد الأمر بالجامع بعصيان المقيد امّا أن يكون من جهة دخالة العصيان في فعلية الملاك والمصلحة وهو خلف المفروض أو من جهة التضاد وعدم القدرة في مقام الامتثال وهو غير موجود أيضاً لوضوح عدم التضاد بين الجامع والحصة ـ وقد تقدّم في بحث الاجتماع عدم التضاد بين وجوب الجامع مع حرمة الحصة فكيف مع وجوب آخر للحصة ـ فيتعين إطلاق الارادتين وفعليتهما معاً احداهما متعلّق بالجامع والاخرى بالحصة ، وهو المطلوب.


والحصة غير عنوان المطلق والجامع فلا اجتماع للمثلين بلحاظ المعروض بالذات ، كما لا اجتماع بلحاظ المعروض بالعرض لعدم سراية الحب والارادة من العنوان إلى المعنون على ما حققناه مفصلاً في محله من بحث الاجتماع ؛ ولهذا لم يلتزموا في الفقه بالتأكد في موارد البدلية واجتماع العنوانين في مورد واحد كما في العامين من وجه.

وثانياً ـ لو فرض سراية الحب من الجامع إلى الحصة فغايته لزوم التأكّد فيه بلحاظ مبادئ الحكم مع جعل حكمين ووجوبين أحدهما على الجامع والآخر على الحصة حفظاً للغرضين ، وأي محذور في ذلك.

وثالثاً ـ لو فرض امتناع تعلّق الأمر بالجامع المنطبق على الحصة وأمر آخر بالحصة مع ذلك قلنا انّه لا يتعيّن ما ذكر من الاحتمالين في كلامه ، بل هناك احتمال ثالث وهو الحفاظ على ظهور الخطاب المطلق في كونه أمراً مستقلاًّ بالجامع مع تقييد متعلّقه بكونه غير الفرد المتعلّق للأمر المقيّد فيجب على المكلّف عتق رقبتين احداهما خصوص المؤمنة ( المقيد ) والآخر مطلق الرقبة ، ولا شك انّ ظهور الأمر في الاستقلالية أقوى من إطلاق المتعلّق وعدم تقيّده بفرد آخر ، بل قد تقدم أنّ مثل هذا التقييد في متعلّق الأمر بفرد آخر إذا كان من اقتضاءات الأمر ليس تقييداً ، فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد ، ولو فرض فليس التقييد فيه بأكثر أو أشد من تقييد المطلق وحمله على المقيّد.

الوجه الثالث : ما قد يراد من هامش أجود التقريرات والمحاضرات من أنّ مردّ الأمر بالمطلق والمقيد البدليين ـ بنحو تعدّد الأمر ـ إلى التخيير بين الأقل والأكثر حيث انّ المكلّف لابد أن يأتي امّا بالمقيد فقط أو بالفاقد للقيد أوّلاً ثمّ بالمقيد والنسبة بينهما نسبة الأقل إلى الأكثر ، وقد تقدم في محله استحالة التخيير


بين الأقل والأكثر حيث يلزم لغوية الأمر بالزيادة التي يجوز تركها والاكتفاء بالأقل.

وفيه : أوّلاً ـ ما ذكرناه في بحث الاجزاء حيث ذكروا فيه نفس هذا البيان بأنّ المحال إنّما هو التخيير بين الأقل والأكثر بلحاظ متعلق الحكم بأن يكون أمراً واحداً متعلقاً بنحو التخيير بالجامع بين الطبيعة مثلاً والحصة أو الفرد والفردين وهذا غير موجود في المقام بل عكسه الموجود حيث يكون الأكثر وهو المقيد مأموراً به تعيناً والأقل وهو الجامع مأموراً به بأمر آخر تعييناً أيضاً غاية الأمر يتحقق الجامع ـ الأقل ـ في مرحلة الامتثال ضمن المقيد الأكثر ـ فلا لغوية بلحاظ ما هو متعلق الأمر لأنّ الأمر بالأكثر وهو المقيد تعييني لا تخييري بين فعله وتركه كما في الأقل والأكثر كما أنّه لا لغوية بلحاظ اقتضاء الامتثال حيث يكون الأمر بالجامع صالحاً لتحريك من لا يتحرك لفعل المقيد باتجاه فعل الجامع الواجد لمصلحة اخرى مستقلة ، وأمّا ما ذكر من أنّ المكلف امّا أن يفعل المقيد خارجاً أو يفعل الفاقد للقيد أو لا ثمّ يفعل المقيد وهما من الأقل والأكثر فليس هذا من الأقل والأكثر في متعلق الأمر والوجوب بحسب الدقة بل من الأقل والأكثر بين حالتين للامتثال ناتج من كون الأكثر وهو المقيد يتحقق ضمن وجود آخر للطبيعة غير الأقل ، ولهذا لو اريد صياغة أمر واحد تخييري هنا كان لابدّ وأن يقيد طرف التخيير وهو الأقل بفرض الاتيان به أوّلاً فيجعل الأمر على الجامع بين الاتيان بالمقيد أو الاتيان بالمطلق أوّلاً ثمّ المقيّد ، وهما متباينان كما لا يخفى ، وهذا بنفسه دليل على عدم كون النسبة بينهما نسبة الأقل والأكثر ، على ما حقق وفصّل في محله.

وثانياً ـ ما تقدّم في الاشكال على الميرزا من انّه لو فرض استحالة تعدد الأمر


كذلك فلا معين للجمع بين الدليلين بحمل المطلق على المقيّد مع امكان رفع اليد عن إطلاق آخر في الدليل المطلق كتقييد متعلّقه بفرد آخر من المطلق أو تقييد وجوبه بمن لم يأت بالمقيّد ـ إذ فرض تحقق ملاك أمره به أيضاً ـ مع بقاء متعلقه مطلقاً.

لا يقال : حينئذٍ من لم يأت بالمقيد يكون مكلفاً بتكليفين المطلق والمقيّد معاً وهو محال عندهم.

فإنّه يقال : إذا كانت الاستحالة من جهة اجتماع المثلين كما ذكره العراقي 1 لزم هذا المحذور وكان لابدّ من تقييد متعلّق الأمر المشروط أيضاً بالحصة الفاقدة للقيد ؛ لأنّ اجتماع المثلين كالضدين في فرض واحد أيضاً محال ، وأمّا إذا كان المحذور لغوية التخيير بين الأقل والأكثر فلا موجب لمثل هذا التقييد ؛ لارتفاع المحذور بنفس تقييد الأمر والوجوب كما هو واضح.

الوجه الرابع : ما ذكر في المحاضرات ، وحاصله : أنّ الأمر المطلق لو لم يحمل على المقيّد فيكون هناك أمران : أحدهما بالمطلق والآخر بالمقيّد ـ وهذا هو الاحتمال الرابع ـ فهو يتصور على نحوين كما أشرنا : أحدهما أن يسقط كلا التكليفين معاً بالاتيان بالمقيّد ، والآخر عدم سقوط المطلق بذلك ، بل لابد من الاتيان به أيضاً ضمن فرد آخر ، وكلاهما لا يمكن المساعدة عليه.

أمّا الثاني فلأنّه لابد حينئذٍ من تقييد الأمر بالمطلق بغير الحصة المقيد منه ، وإلاّ فلا موجب لعدم سقوطه بالاتيان بها بعد فرض انطباق المطلق عليها انطباق الطبيعي على حصته ، وهذا بحاجة إلى قرينة ، ولا قرينة في المقام.

وأمّا الأوّل فهو بحسب مقام الثبوت وإن كان ممكناً نظير ( أكر عالماً وأكرم


هاشمياً ) حيث يكون المقيّد مجمعاً لكلا العنوانين ، إلاّ انّه يصح في العامين من وجه كالمثال المذكور ، لا المطلق والمقيّد ؛ لأنّ الاتيان بالمقيّد إذا كان موجباً لسقوط الأمر عن المطلق والمفروض لزوم الاتيان بالمقيّد فلا محالة يكون الأمر به لغواً وعبثاً ، بخلاف العامين من وجه ، لفرض أنّ لكلّ منهما مادة افتراق بالاضافة إلى الآخر ، فلا يكون الاتيان بالمجمع لازماً فيه ليكون الأمر بأحدهما لغواً ؛ إذاً فلابد في المقام من تقييد الأمر بالمطلق بالاتيان به في ضمن غير المقيد مع الترخيص في تركه بالاتيان بالمقيّد ابتداءً ، ومردّ ذلك إلى انّ الأمر بالمطلق يتقيّد بعدم الاتيان بالمقيّد ابتداءً من ناحية وبأن يكون أمره وايجابه تخييرياً لا تعيينياً من ناحية اخرى ، بمعنى انّ المكلّف لا يتعين عليه أن يأمر بالمطلق أوّلاً بل يمكنه أن يتركه ويأتي بالمقيّد وهو خلاف ظهور الأمر في التعينيّة فيكون في ذلك مخالفة للظهور من ناحيتين ، فالمتعيّن حمل المطلق على المقيّد (١).

وفيه : أوّلاً ـ يرد على ما ذكر في الفرض الثاني أنّ تقييد متعلّق الأمر بالمطلق بفرد آخر غير الحصة المقيّدة وإن لم تكن عليه قرينة ، إلاّ انّه تقييد للاطلاق لا أكثر ، فحاله حال رفع اليد عن إطلاق المطلق وحمله على المقيّد ، وأيّ مرجّح لهذا الإطلاق على ذاك الإطلاق ، بل قد عرفت أنّ تقييد متعلّق الأمر بالمطلق بفرد آخر بعد أن كان ظاهر تعدد الأمر الوجوب أخفّ مؤنة أو ليس فيه مؤنة لأنّ مقتضى تعدد البعث تعدد الانبعاث إذا لزم ذلك فهذه ليست مخالفة لظهور أصلاً ، بخلاف حمل المطلق على المقيّد فإنّه رفع اليد عن اطلاقه للحصص الاخرى الفاقدة للقيد.

__________________

(١) محاضرات في اصول الفقه ٤ : ٥٤٧.


وثانياً ـ يرد على ما ذكره على الفرض الأوّل من لزوم تقييد الأمر بالمطلق بالاتيان به في ضمن غير المقيّد مع الترخيص في تركه بالاتيان بالمقيّد ابتداءً ، وأنّ هذا مردّه إلى كون الأمر بالمطلق المقيّد بغير الحصة تخييرياً :

١ ـ ما تقدّم من بقاء الأمر بالمطلق على الجامع وعدم لزوم تقييد فيه لا بلحاظ متعلقه بنحو قيد الواجب ولا بلحاظ نفسه بنحو قيد الوجوب ، وما ذكر في هذا الوجه من انّ الاتيان بالمقيّد إذا كان موجباً لسقوط الأمر عن المطلق فلا محالة يكون الأمر بالمطلق لغواً وعبثاً أمر غريب جداً ؛ إذ لو كان المقصود بقائه بعد الاتيان بالمقيّد فالمفروض سقوطه بذلك من باب الامتثال ، فلا بقاء لشيء من التكليفين بعد الاتيان بالمقيّد وإن كان المقصود أنّ اطلاقه لفاقد القيد لغو ؛ لأنّ المقيّد لابدّ من الاتيان به على كل حال ، فالجواب أنّ أثره يظهر فيمن لا يتمكن أو لا يريد الاتيان بالمقيّد ولكنه مستعد أن يأتي بالمطلق في فرد آخر فلماذا يفوت على المولى ملاك المطلق المستقلّ عن ملاك المقيّد ، وهذا واضح جدّاً.

٢ ـ لو سلّمنا اللغوية المذكورة إلاّ انّ هذا لا يقتضي ما ذكر من تقييد متعلّق الأمر بالمطلق بالاتيان به في ضمن غير المقيّد وبالترخيص له في تركه بالاتيان بالمقيد ابتداءً ، والذي مرجعه إلى تقييد نفس الأمر ووجوب المطلق بمن لم يأت بالمقيّد ابتداءً ، بل يكفي التقييد الثاني أي جعل ايجاب المطلق مشروطاً بمن لم يأت بالمقيّد ابتداءً مع بقاء متعلقه على اطلاقه وعلى تعيينية ايجابه فلا يلزم إلاّ مخالفة واحدة لظهور اطلاقي لا أكثر ، وهي كمخالفة حمل المطلق على المقيّد.

وهكذا يتّضح أنّه في موارد كون الأمر بالمطلق بدلياً لا وجه لحمل المطلق على المقيّد إلاّفي صورة احراز وحدة الجعل ـ كما ذكر صاحب الكفاية 1 ـ


وعدم وجود قرينة على انّ ذكر المقيّد من باب انّه أفضل الأفراد أو نحو ذلك ، وفي غيره لابد من الأخذ بهما معاً واثبات تعدد الأمر أحدهما بالمطلق والآخر بالمقيّد ، ولا محذور في البين.

الصورة الثالثة : أن يكونا مثبتين للحكم ولكن بنحو الشمولية كما في أكرم العالم وأكرم العالم الفقيه وحيث انّ الحكم بلحاظ الموضوع يكون شمولياً هنا فلا محالة ينحل إلى أحكام عديدة بعدد العلماء.

وقد ذكر المشهور هنا بأنّه لا تنافي بين المطلق والمقيد لكونهما مثبتين للحكم فلا مانع من وجوب اكرام العالم الفقيه ووجوب اكرام العالم غير الفقيه أيضاً.

وناقش في ذلك في المحاضرات بأنّ هذا خلاف ظهور القيد في الاحترازية والمفهوم بنحو السالبة الجزئية لا الكلية وانّ الحكم في القضية غير ثابت للطبيعي على نحو الإطلاق وإلاّ لكان وجود القيد وعدمه سيّان فلماذا جاء به المولى وأخذه في خطابه الثاني؟ وهذا غير المفهوم وعليه فحيث لا توجد نكتة اخرى لذكر القيد كنفي توهم الاختصاص لدى السامع ، فظاهر الخطاب المقيد احترازية القيد ، فلابد من حمل المطلق على المقيد لا محالة لأقوائية الظهور في الاحترازية عن الظهور الاطلاقي ، وبذلك يثبت عدم الفرق بين البدلي والشمولي خلافاً للمشهور.

وفيه : أوّلاً ـ انّ هذه الدلالة لا تقتضي رفع اليد عن إطلاق المطلق إلاّبمقدارها وهو مقدار السالبة الجزئية لا حمل المطلق على المقيّد لأنّ التنافي بملاكها ، وعليه فتارة يفترض وجود قدر متيقن لمن لا يجب اكرامه من العلماء غير الفقهاء كالنحاة مثلاً فيدخل في موارد دوران أمر المخصص المنفصل للعام المجمل بين


الأقل والأكثر حيث يكون العام والمطلق حجة فيها في غير المقدار المتيقن فيجب الأخذ باطلاق المطلق في غير النحاة من العلماء ، واخرى يفرض عدم وجود قدر متيقن فيدخل في موارد دوران أمر المخصص المجمل بين المتباينين ويكون العام فيها حجة في اثبات غير المعلوم بالاجمال خروجه فإذا كان حكم العام الزامياً ثبت العلم بالحجة الاجمالية فيجب الاحتياط.

وثانياً ـ هذا يختصّ بما إذا كان المقيّد موضوعه نفس المطلق باضافة قيد ، كما إذا قال : ( أكرم العالم وأكرم العالم العادل أو الفقيه ) وأمّا إذا كان من خلال عنوان آخر مباين مع موضوع العام ولكنه أخصّ منه أو بينهما عموم من وجه ، كما إذا قال : ( أكرم الاستاذ أو المخترع ) فالظهور في الاحترازية غير موجود هنا ؛ لأنّ ظاهر ذلك انّه حكم ووجوب آخر وعلى موضوع آخر وبملاك آخر ، والاحترازية إنّما تكون بالنسبة لشخص الحكم المجعول على الموضوع العام ، وحينئذٍ في مورد الاجتماع لابدّ وأن يلتزم بتأكّد الوجوبين ، ولا محذور فيه ، فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد في ذلك أصلاً ، بل لا يبعد أن يقال بأنّ ظهور المطلق الشمولي لسائر الموارد أقوى حتى من احترازية القيود فيحمل ذكر القيد على الأهمية أو التنبيه عليه أو أشدية الملاك فيه ، خصوصاً إذا كان الوصف غير معتمد الموصوف مثل : ( أكرم العالم وأكرم الفقيه ).

وقد يذكر وجه آخر لحمل المطلق الشمولي أيضاً على المقيّد هو ما تقدّم في الصورة السابقة فيما إذا أحرزنا وحدة الجعل في الخطابين ؛ لأنّه إذا فرضنا وحدة الجعل في المطلق والمقيد فلابد من حمل المطلق على المقيد عندئذٍ حتى إذا كانا شموليين لأنّ الجعل الواحد لا يتحمل موضوعين مختلفين كما لا يتحمل متعلقين مختلفين ، فمن هذه الناحية لا فرق بين المطلق البدلي والشمولي.


الجواب : المقصود من وحدة الجعل وحدة الحكم المجعول لا الجعل بمعنى الخطاب والانشاء والصياغة الشكلية المبرز به الحكم ، ومن الواضح انّ المجعول في البدلي واحد لا متعدد ، فلو احرز عدم تعدد الحكم كان لابد من أن يكون متعلقه امّا المطلق أو المقيد ؛ إذ لا يمكن أن يكون متعلّق المجعول والتكليف الواحد كليهما ، فلابد من حمل المطلق على المقيّد ، وأيّ تقييد آخر في المطلق البدلي يستلزم تعدد الحكم وهو خلف.

وامّا المطلق الشمولي فالحكم والمجعول فيه متعدد ، والعالم الفقيه له وجوب اكرام غير وجوب اكرام العالم غير الفقيه ، فمن هذه الناحية لا تنافي بين الخطابين ، ويكون إطلاق المطلق الشمولي للعالم الفقيه مبرزاً لنفس الحكم الانحلالي فيه المبرز بالخطاب المقيّد ، ويكون من تعدد الابراز والانشاء والصياغة مع كون المبرز والمجعول على كل حال وجوب واحد لكل فرد ولو بملاكين وجهتين يوجبان تكليفاً واحداً مؤكّداً ، فلا وجه لرفع اليد عن التكاليف الانحلالية في سائر أفراد المطلق ؛ لأنّها تكاليف ومجعولات اخرى وهذا بخلاف المطلق البدلي ، بل في الشمولي الأمر بالعكس يعني لو علمنا أو استظهرنا تعدد المجعول ووجوبين فعليين للاكرام في الفرد كان اللازم تقييد متعلّق كل منهما بفرد آخر ؛ لاستحالة تعدد الوجوب واجتماعهما على اكرام واحد ما لم يتأكّدا في ايجاب واحد فيقع التنافي بين إطلاق المطلق والمقيّد فضلاً عن العامين من وجه ، بحيث لابد من تقييد متعلقهما بالفرد الآخر ، وهذا هو السبب في انّ المشهور التزموا في الشموليين والمثبتين بعدم التنافي أو بالحمل على التأكد.

نعم ، لو اريد باحراز وحدة الجعل وحدة الانشاء أو وحدة الارادة والصورة الكلية الذهنية المتعلّقة بها أو وحدة الانشاء والاعتبار ، فقد يقع التكاذب عندئذٍ


بين الخطابين ، إلاّ انّ مثل هذا الظهور في الوحدة لا يمكن احرازه عادة ، ولا هو ظاهر الخطابات ، فإنّها تكشف عن الحكم بمعنى المجعولات الشرعية وحدودها وقيودها الذهنية ، لا الصور الذهنية أو الصياغات الانشائية لها ، ولو فرض احراز ذلك وقع التعارض بين الخطابين من هذه الناحية ، ولا يمكن حمل المطلق على المقيّد ؛ لأنّ هذا الحمل من باب التقييد ، أي اضافة قيد في التكليف المطلق بحيث يكون بيان الحكم بنحو تعدد الدال والمدلول الذي دلّ على ايجاب أصل الطبيعة المهملة بالمطلق وعلى قيده بالمقيّد ، وهذا يكون بلحاظ المجعول الذي يكون نسبة المطلق إلى المقيد فيه نسبة الأقل والأكثر ، أمّا التكاذب في الجعل بمعنى الانشاء أو الصياغة الكلية ، فالنسبة بين الصياغتين التباين لا أقل وأكثر ، فهذا التكاذب والتنافي من موارد التباين لا المطلق والمقيّد.

والمستخلص ممّا تقدّم انّ الأمر بالمقيد الشمولي بلحاظ الموضوع يدل على وجوب اكرام كل عالم فقيه وهي أحكام عديدة بعدد الأفراد ، والأمر بالمطلق الشمولي أيضاً يدل على وجوب اكرام كل عالم كذلك وهذان في العالم الفقيه لا محالة يكشفان عن ارادة واحدة لا أكثر ، وليس في ذلك مخالفة لشيء من ظهوري الدليلين ؛ لأنّ كلاًّ منهما يمكن أن يبرزا في الفقيه تلك الارادة الواحدة فيكون من تعدد الابراز وتكون الفقاهة كالعالمية دخيلة أيضاً في موضوع الحكم المبرز وهو ارادة اكرامه دون محذور ، وقيد الفقيه قيد للموضوع الشمولي لا للمتعلق البدلي ليتصور تعدد الجعل فيه تارة ووحدته.

نعم ، فيه دلالة على الاحترازية بلحاظ الموضوع ، أي انّ العالم غير الفقيه ليس مطلقاً يجب اكرامه أيضاً وإلاّ كان تقييد الموضوع للوجوب بالفقيه لغواً فالتعارض بينهما بلحاظ هذه الدلالة لا محالة ، وقد عرفت حكمه.


وبهذا يظهر الفرق الفني بين أخذ القيد في متعلق التكليف البدلي وبين أخذه في موضوعه الشمولي ، فإنّه في الأوّل مع احراز وحدة الجعل بمعنى روح الحكم والارادة كما في مثل إن ظاهرت فاعتق رقبة وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة كان ظهور المقيّد في الاحترازية أو في دخله في متعلّق الحكم الواحد موجباً لحمل المطلق على المقيد لأنّ الارادة الواحدة لا يمكن أن يتعلق إلاّبمتعلق واحد امّا هو الجامع والمطلق أو هو الحصة والمقيد ، وحيث انّ ظهور القيد في الدخل في متعلق تلك الارادة الواحدة أقوى من إطلاق المطلق تعين رفع اليد عن اطلاقه وحمله على ارادة المقيد ، وأي تقييد آخر غير هذا التقييد يوجب تعدد الجعل وهو خلف الفرض ، وقد تقدّم شرح ذلك.

وأمّا القيد في الأوامر الشمولية فهو محدّد لما هو موضوع الأحكام العديدة الانحلالية ، ومن الواضح انّ ثبوت الحكم في المقيد لا ينافي ثبوته في الفاقد ؛ لأنّه حكم آخر وارادة اخرى بحسب فرض الانحلال والشمولية فثبوت الإطلاق في موضوع المطلق لا ينافي ذلك ابتداءً كما في البدلي وإنّما ينافيه بعد فرض المفهوم وبمقداره ، وحيث انّ مفهومه ليس أكثر من السالبة الجزئية فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد حيث لا قرينية في البين كما هو واضح.

الصورة الرابعة : أن يكون المطلق بدلياً ، أي حكماً واحداً والمقيّد شمولياً أي أحكاماً عديدة ، كما إذا قال : أكرم عالماً وأكرم الفقيه. وهنا لا معنى لفرض وحدة الجعل ليحمل المطلق على المقيّد بل يلتزم بتعدده لا محالة غاية الأمر إذا قيل باستحالة الأمرين بالجامع والحصة لزم تقييد الأمر بالمطلق بغير مورد الحصة الواجبة تعييناً مطلقاً أو مشروطاً بترك الحصة ، وإلاّ كما هو الصحيح بقيا على حالهما فيمتثل المطلق من خلال المقيد أيضاً إذا جاء به المكلف.


الصورة الخامسة : عكس الصورة السابقة كما إذا قال : أكرم العالم وأكرم فقيهاً.

وهنا لابد من حمل المقيّد على بيان التأكيد أو الركنية والأهمية إذا لم يمكن تعدّد المتعلّق لاستحالة تعدد الجعل والارادة مع وحدة المتعلّق فإنّ اكرام كل فقيه واجب بحسب الفرض ضمن المطلق الشمولي ، وإذا كان يمكن تعدّد المتعلّق كما في الأمر بالاكرام فيمكن تقييد متعلّق الأمر بالمقيّد البدلي بفرد آخر من الاكرام غير الواجب الشمولي ، إلاّ انّ مخالفة الظهور فيه قد تكون أشد من حمله على الأهمية أو الركنية ، ومن أمثلته الفقهية ايجاب البقاء في عرفات من الزوال إلى الغروب أو في المشعر من الفجر إلى طلوع الشمس وهو حكم شمولي بمعنى انّ كل آن آن ما بين الحدين يجب فيه البقاء والمكث هناك كما انّ بقاء آنٍ ما بين الحدين أيضاً واجب بدلي مأمور به وهو ركن.

تنبيهات :

١ ـ لا إشكال في وحدة الجعل وحمل المطلق على المقيّد في مثل : إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة وتعدده مع تعدد السبب مثل : ( إن ظاهرت فأعتق رقبة ) و ( إن أفطرت فأعتق رقبة مؤمنة ). كما انّه عرفت النزاع بين صاحب الكفاية والميرزا فيما إذا كانا مطلقين كما إذا قال أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة فحملهما الميرزا على وحدة الجعل والتقييد بخلاف الكفاية.

وأمّا إذا كان أحدهما مطلقاً والآخر مشروطاً كما إذا ورد أعتق رقبة وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة فقد أفاد الميرزا 1 انّه لا يمكن حمل المطلق على


المقيد ؛ لأنّ حمله عليه فرع التنافي بينهما المتوقف على احراز وحدة الجعل وهو فرع حمل إطلاق الوجوب في احدهما على الآخر المقيّد فيه الوجوب بالظهار وهو متوقف على ثبوت التنافي بينهما أيضاً المتوقف على وحدة متعلقيهما الناشئة من حمل إطلاق المتعلّق في أحدهما على الآخر وهذا دور.

وكأنّ مقصوده 1 انّ حمل المتعلق المطلق على المقيّد إنّما يكون إذا كان الأمر بهما معاً مطلقين أو معاً مشروطين بشيء واحد أي لا يكون بينهما تفاوت في الأمر اطلاقاً وتقييداً ليكون جعلاً وحكماً واحداً ، كما انّ حمل الوجوب المطلق على المشروط فرع وحدة متعلقيهما ـ أي الواجبين ـ فلو كانا مختلفين بالاطلاق والتقييد لم يكن وجه لحمل الوجوب المطلق على المشروط ، فيكون حمل المطلق في كل من الناحيتين على المقيّد متوقفاً على الحمل الآخر ، وهذا هو الدور.

وفيه : أوّلاً ـ خطأ المنهج فإنّ الدور لابد من ابطال أحد التوقفين فيه لا التوقف في تحقق الدائر.

وثانياً ـ عدم توقف شيء من الاطلاقين على الآخر لا في الحجّية ولا في السقوط عن الحجّية بل إذا فرض انّ رفع اليد عن كل منهما في نفسه متوقف على احراز وحدة الجعل من دليل آخر ـ كما هو المختار لدى المشهور ـ فلابد من احرازه من الخارج سواءً كان الدليلان من الناحية الاخرى متماثلين أو مختلفين فلا دور كما هو واضح ، وإن فرض انّ وحدة الجعل تحرز من نفس المطلق والمقيد بأحد الوجوه والنكات المتقدمة فلابد أن يلحظ انّ تلك النكات تجري في مورد اختلاف الأمرين من ناحية إطلاق الأمر وتقييده أم لا فإن كانت


لا تجري كما نحن اخترناه لظهور الدليلين في تعدّد الجعل وعدم المحذور فيه ، فلا وجه للحمل هنا أيضاً ، وإن قيل بامتناع تعدد الأمر بالجامع والحصة بأحد الوجوه المتقدّمة فلابدّ وأن يرى انّ نكتة امتناع الأمر بالجامع وأمر آخر بالحصة هل تجري فيما إذا كان أحد الوجوبين مشروطاً والآخر مطلقاً أم لا ، فإن كانت لا تجري فلا وجه لرفع اليد عن شيء من الاطلاقين ، وإن كانت تجري فلابد من محاسبة تلك النكتة وحدود ما يقتضيه من التنافي والتعارض أو الجمع العرفي ، ولا دور على كلّ حال.

وثالثاً ـ انّ الوجوه المتقدمة للامتناع والتنافي الموجب لحمل المطلق على المقيّد مخصوصة بالاختلاف في الإطلاق والتقييد في المتعلق لا في الأمر والوجوب ؛ إذ لا يلزم من الالتزام بتعدد الأمر أحدهما واجب مطلق والآخر واجب مشروط شيء من تلك المحاذير سواء كان متعلقهما واحداً أو مختلفاً بالاطلاق والتقييد ؛ لأنّ لكل من الوجوبين اقتضاءً زائداً ، امّا الواجب المطلق فلأنّه يقتضي الفعل قبل تحقق الشرط للآخر وامّا الواجب المشروط فلأنّه يقتضي فعل متعلّقه بعد تحقق الشرط ضمن فرد آخر إذا كان قد امتثل الواجب المطلق قبل تحقق الشرط ؛ لأنّ قيود الوجوب المشروط قيود للواجب أيضاً ، بحيث لابد من تحقيقه بعد الشرط إذا كان شرطاً متقدماً أو مقارناً ، وهذا واضح.

فلا وجه لاستظهار وحدة التكليف والوجوب أصلاً ، ومع تعدّد الوجوب لا وجه لحمل المطلق على المقيّد ؛ لأنّ النسبة بين متعلقيهما عموم من وجه ، لسقوط الواجب المطلق بالامتثال قبل تحقق شرط الواجب المشروط ، كما انّ الواجب المشروط ليس فعلياً قبل تحقق الشرط ، فلا يشمل ما يتحقق قبل ذلك لامتثال الواجب المطلق فيكونان من قبيل : ( أكرم عالماً وأكرم هاشمياً ) والذي


لا اشكال في عدم رفع اليد عن شيء من الاطلاقين فيهما ، وفي مورد اجتماع فعلية الخطابين والوجوبين المطلق والمشروط يمكن أن يكتفى بالمقيد أو يؤتى بالمطلق أوّلاً ثمّ بالمقيّد إذا قيل بامكان اجتماع أمرين كذلك ـ كما هو الصحيح ـ وامّا إذا قيل بامتناعه فيمكن تقييد الواجب الذي متعلقه مطلق بفرد آخر فلابد من عتق رقبتين ، وليس في تقييد المتعلق بفرد آخر في هذا الفرض تقييد ، بل تقيّد بتبع تعدد الأمر والوجوب كما ذكرنا تبعاً للميرزا في بحث تعدد الشرط ووحدة الجزاء.

التنبيه الثاني : أنّ المطلق والمقيّد إذا كانا استحبابيين فتارة يكون لسان القيد لسان التقييد والشرطية أو لسان بيان الشرطية أو المانعية والوضع كما هو المستظهر في المركبات أو فيما إذا كان الأمر بالتقيد أو النهي عنه حيث يكون مقتضى لزوميتها مع استحباب أصل العمل ذلك. فلا إشكال في لزوم حمل المطلق على المقيّد في جميع ذلك.

وأمّا إذا لم يكونا شيئاً من الأقسام السابقة بل كالأمرين الوجوبيين أمر بالمطلق وآخر بالمقيّد فالمشهور هنا عدم حمل المطلق على المقيّد سواء كانا بدليين أو شموليين كان القيد في المتعلق أو في الأمر نفسه وإنّما يلتزمون في ذلك بحمل المقيّد على الأفضلية كما إذا قال ( زر الحسين 7 ) و ( زر الحسين يوم عرفة ).

وقد وجّه ذلك في كلمات صاحب الكفاية 1 بأنّ غلبة كون المستحبات ذات مراتب ودرجات متفاوتة في الفضيلة يوجب عدم حمل المطلق على المقيّد.

وهذا التوجيه يصحّ بناءً على مسلك المشهور المنصور من أنّ حمل المطلق


على المقيّد يحتاج إلى احراز وحدة الجعل والارادة في مورد المطلق والمقيّد فإنّ هذه الغلبة قد تمنع عن استظهار الوحدة من قرينة لفظية أو لبية فيلتزم بتعدد الجعل والارادة الاستحبابية وهو يقتضي التأكد في المقيّد لا محالة ، وأمّا بناءً على مسلك الميرزا 1 الذي يرى إمكان احراز وحدة الجعل من نفس المطلق والمقيّد فلا يتمّ هذا الجواب كما هو ظاهر.

ومن هنا تصدى الميرزا 1 لبيان توجيه آخر حاصله : انّ عدم حمل المطلق على المقيّد في المستحبات إنّما هو من جهة عدم التنافي بينهما ، لأنّ التنافي والتعارض بينهما كان بلحاظ المدلول الالتزامي للأمر بالجامع بنحو صرف الوجود الدال على جواز ترك الحصة وهو منافٍ مع ايجابها تعييناً ضمن المقيّد ، ومن الواضح انّ هذا التنافي غير موجود في موارد الأمر الاستحبابي بالمقيّد حتى إذا كان الأمر بالمطلق وجوبياً ، فضلاً عمّا إذا كان استحبابياً أيضاً ، فلا وجه لحمل المطلق عليه. وهذا الكلام نظير ما ذكره الميرزا 1 في مبحث الاجتماع من عدم الامتناع في اجتماع الأمر مع النهي الكراهتي.

إلاّ انّ هذا التوجيه إنّما يتم بناءً على الوجه الأوّل من الوجوه المتقدّمة لحمل المطلق على المقيّد البدليين الوجوبيين. وأمّا بناءً على سائر الوجوه المذكورة هناك أي بناءً على وجود محذور ثبوتي في الأمر بالجامع بنحو صرف الوجود والأمر بالحصة منه من اجتماع المثلين أو اللغوية ، فلا فرق بين الأوامر الوجوبية أو الاستحبابية بالمقيّد كما هو واضح. ومنه يظهر الاشكال فيما استند إليه في المحاضرات حيث استند إلى هذا التوجيه في المقام مع انّه كان قد بيّن المحذور في البحث المتقدم بنحو ثبوتي فراجع كلامه وتأمل. وهذا بنفسه دليل وجداني ومنبّه آخر على بطلان تلك المحاذير الثبوتية المزعومة في نفسها.


المجمل والمبيّن

ص ٤٤٤ قوله : ( المجمل والمبيّن ... ).

المراد بالمبيّن ما يكون معناه مبيّناً عند العرف وأصل اللغة ويقابله الجمل كذلك كالمشترك اللفظي أو موارد اجمال المراد ولو بالعرض حتى عند العرف ، وهذا أمر واقعي وليس اضافياً كما توهمه صاحب الكفاية 1.

نعم ، قد يقع الاختلاف في تشخيصه وقد تقدّم في بحث سابق الإشارة إلى انّ ما هو الحجة إنّما هو الظهور النوعي ، وامّا الظهور والفهم الشخصي الذي هو أمر اضافي نسبي فهو كاشف وأمارة على الظهور النوعي. وعلى كل حال لا مجال للبحث عن الألفاظ المجملة والمبيّنة فإنّ ذلك وظيفة اللغوي لا الاصولي وإنّما البحث الاصولي ينبغي أن يكون عن موازين رفع الإجمال في الدليل المجمل بالدليل المبيّن فنقول :

تارة : يكون الاجمال عند الإنسان نفسه أي في الظهور الشخصي لا النوعي كما إذا لم يعرف الإنسان ما هو ظاهر اللفظ وما هو معناه عند اللغة أو العرف ، وهذا الاجمال يرتفع بالرجوع إلى أهل اللغة والعرف واستخدام العلامات المقرّرة لتشخيص ما هو المعنى العرفي للفظ لكي يرتفع الاجمال الشخصي لديه. وهذا خارج عن محل البحث.

واخرى : يكون الاجمال في الظهور النوعي ، وهو كما قسّمه في الكتاب


تارة : يكون اجمالاً بالذات كالمشترك المستعمل بلا قرينة فيتردد اللفظ بين أحد معنيين أو أكثر أو اللفظ المستعمل مع القرينة المردّدة بين معنيين أو أكثر.

واخرى : يكون اجمالاً بالعرض أي علم بعدم ارادة المعنى الحقيقي جداً وتردد ما هو المراد الجدّي بعد عدم ارادة المعنى الأولي المبين كما في موارد التخصيص ونحوه ، وفيما يلي نبحث عن القسمين.

١ ـ امّا المجمل بالذات كما في موارد اشتراك اللفظ بنفسه أو لاجمال القرينة المتصلة بين معنيين فيمكن رفع الاجمال فيه امّا مطلقاً أو بمقدارٍ ما في احدى حالتين :

الحالة الاولى ـ أن يكون في قبال المجمل دليل مبيّن بالذات يراد رفع اجمال المجمل به.

الحالة الثانية ـ أن يكون في قبال المجمل دليل آخر مجمل أيضاً ولكن يكون بعض تقديرات المعنى في أحدهما مطابقاً مع بعض التقديرات في الآخر.

الحالة الاولى ـ وتحته صور عديدة :

الصورة الاولى : أن يكون المجمل دالاًّ على الجامع والمشترك بين فردين يراد تعيين أحدهما ، كما إذا دلّ دليل على انّ صلاة الليل مطلوبة ، أو ورد : ( اغتسل للجمعة والجماعة ) وعلم ولو بقرينة وحدة السياق استعمال الأمر في جامع الطلب للعلم بعدم وجوب الغسل للجماعة ولكن شك في وجوب غسل الجمعة أو استحبابه ، فإنّه في مثل ذلك يرفع الإجمال إذا دلّ دليل على نفي أحد الفردين ، كما إذا دلّ على عدم وجوب صلاة الليل أو غسل الجمعة وجواز


تركه ، وهذه الصورة بالدقة لا ينطبق عليه عنوان الإجمال ؛ لأنّ ما هو المعنى والمراد من اللفظ مبيّن وهو الجامع فلا اجمال فيه ، وإنّما الإجمال في الخصوصية الزائدة عليه ، وهذا لا يفرّق فيه بين كون المبيّن متصلاً بالمجمل بهذا المعنى أو منفصلاً عنه.

الصورة الثانية : أن يكون المجمل مردداً بين معنيين بينهما أقل وأكثر ويوجد في قباله دليل عام أو مطلق ينفي مدلول الدليل المجمل بتمامه أو في خصوص المقدار الزائد. وهنا يمكن رفع الاجمال وتعيين المعنى الأقل المتيقن والرجوع في الأكثر إلى حكم الدليل المبيّن إذا كان منفصلاً لا متصلاً وإلاّ ابتلى ذلك الدليل بالاجمال أيضاً لصلاحية المجمل للقرينيّة عليه ؛ وقد تقدم مفصلاً شرحه في بحث التخصيص المجمل الدائر بين الأقل والأكثر.

الصورة الثالثة : نفس الصورة مع فرض الاجمال والدوران بين معنيين متباينين كما إذا قال : لا تكرم زيداً وتردد بين زيدين وكان أحد المعنيين خارجاً عن مدلول العام أو المطلق المبيّن كما إذا كان أحد الزيدين عالماً دون الآخر وورد أكرم العالم ، فعلى تقدير الانفصال يمكن رفع الاجمال وتعيين المجمل في زيد الخارج عن مدلول العام أو المطلق لأنّ عموم العام حجة ما لم يثبت المخصّص فيؤخذ به ، ولازمه كون المراد بزيد الفرد الخارج عن العموم ولوازم الظهورات حجة بلا كلام.

نعم ، على تقدير الاتصال بين الدليلين يكون المجمل صالحاً للقرينية ، فيؤدّي إلى اجمال العام أو المطلق ، فهذه الصورة كالسابقة مخصوصة بفرض الانفصال.


الصورة الرابعة : نفس الصورة مع فرض أنّ كلا المعنيين داخلان في العام فيدخل في اجمال المخصّص للعام ودورانه بين المتباينين ، وقد تقدم امكان رفع الاجمال فيه نسبياً ، وذلك بالتمسك بالعموم في غير المعلوم بالاجمال خروجه على اجماله فيثبت الحجة الاجمالية على الالزام إذا كان حكم العام الزامياً ، وهذا تقدّم انّه لا يفرق فيه بين صورتي الاتصال أو الانفصال.

الصورة الخامسة : أن يكون المجمل مردداً بين معنيين في استعمال أحد الدليلين ، ويرد في الدليل الآخر استعمال نفس اللفظ في أحدهما تعييناً ومبيناً فيراد رفع اجمال الاستعمال الأوّل وحمله على ارادة ما يتناسب مع الثاني ، ومثاله من الفقه ما ورد من انّ الكرّ ستمائة رطل. والرطل له اطلاقان واستعمالان : أحدهما الرطل المكي ، والآخر الرطل العراقي الذي هو نصف الرطل المكي ، فيكون الرطل في المثال مجملاً مردداً بين المعنيين للرطل ، فلو ورد في رواية اخرى انّ الكرّ ألف ومائتا رطل بالعراقي أمكن رفع اجمال الأوّل وحمله على ارادة المكي بقرينة الثاني.

ولا إشكال هنا في رفع الإجمال ، سواءً كانت الجهة قطعية في المجمل أم ظنيّة كما بيّن في الكتاب ؛ كما أنّه لو فرض عدم إمكان رفع الإجمال وتعيين ما يراد جداً من المجمل في المكي كانت النتيجة نفس النتيجة ؛ لعدم حجّية المجمل لكي يمكن أن يكون معارضاً مع المبيّن فيكون المبيّن حجة بلا محذور.

الحالة الثانية ـ أن يكون الدليلان معاً مجملين بالذات ، ولكن بعض محتملات كل منهما مطابق مع بعض محتملات الآخر كما في نفس المثال


المتقدم في الصورة الأخيرة من الحالة السابقة إذا فرض عدم وجود ما يدلّ على ارادة الرطل بالعراقي في الدليل الثاني فإنّه عندئذٍ لو اريد من الرطل في دليل الستمائة المكي واريد منه في دليل الألف ومئتين العراقي ارتفع الاجمال من البين لا محالة.

وهذا يمكن بالطريقين المبينين في الكتاب ؛ والأوّل منهما واضح ، والثاني منهما بحاجة إلى شرح يظهر بمراجعة ما في الهامش ، فإنّه كل من الدليلين على هذا التقدير له مدلول التزامي على تمام تقاديره ، فالدال على الستمائة يدل على أن الكرّ ليس بأكثر من ستمائة رطل مكي ـ لكونه أكثر من العراقي ـ والدالّ على الألف والمئتين يدلّ على انّه ليس بأقل من ألف ومئتين بالعراقي ـ لكونه أقلّ من المكي ـ وثبوت هاتين الحقيقتين والمدلولين الثابت كل منهما في دليله على كل تقدير ممكن ثبوتاً كما إذا كان المراد من دليل الستمائة رطل المكي ومن دليل الألف والمائة رطل العراقي.

وإن شئت قلت : الإجمال في المدلولين المطابقيين دون الالتزاميين كما انهما مفادان ومدلولان فعليان لا انتزاعيان من أحد التقديرين في ذلك الدليل ليتوقف جريان أصالة الجد والحجّية فيه على احراز ذلك المعنى وعدم سقوطه بالمعارضة ، كما انّ احتمال معارضة المدلول المطابقي لأحدهما على أحد التقديرين للمدلول الالتزامي من الآخر غير ضائر بحجتيه ؛ لأنّه من احتمال المعارض لا احرازه ، وهو لا يضرّ بالحجية ما لم يحرز.

وهناك نكات تفيد في هذا البحث ذكرناها في بحوث التعارض عند البحث


عن قاعدة أنّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح (١).

٢ ـ وامّا المجمل بالعرض فهو كما في الكتاب يمكن رفع الاجمال فيه بأحد أنحاء ستة من الظهور الأولي الانحلالي للمجمل ، والظهور الثانوي الطولي ، والظهور الشخصي للدليل المصادم والظهور النوعي كذلك والدلالة الالتزامية للدليل الهادم إذا كانت جهة المجمل قطعية ، والدلالة الالتزامية كذلك إذا كانت جهة المجمل ظنية أيضاً.

ولكن في صحة القسمين الأخيرين مع فرض عدم القرينة ولا الظهور الطولي للدليل المجمل نظراً واسعاً ، فإنّ مجرّد كون المجمل يحتمل فيه ثبوتاً ارادة معنى آخر لا دلالة عليه من اللفظ أصلاً لا يكفي لحمل الكلام عليه وإلاّ لصحّ بعض الجموع التبرعية كما في مثل ثمن العذرة سحت ولا بأس ببيع العذرة مع وجود قدر متيقن لكل منهما ، ومجرد كون الدليل الهادم صريحاً وأقوى من ظهور الدليل المهدوم لا يكفي لرفع التعارض إذا لم تفرض قرينية شخصية أو نوعية على تعيين المراد أو ظهور طولي في الدليل المهدوم.

وبعبارة اخرى : مجرد وجود مدلول التزامي للدليل المهدوم بحيث يمكن حمله عليه لا يكفي لرفع التعارض عرفاً وإنّما الذي يرفع التعارض وجود مدلول عرفي للدليل المهدوم امّا بنفسه كما في الموردين الأولين أو بتوسط الدليل الهادم كما في الموردين الثالث والرابع ، وأمّا مع انتفاؤهما معاً فالنسبة بين الدليلين عرفاً هو التعارض والتساقط ولو فرض أقوائية أحد المتعارضين عن

__________________

(١) في التعليق على ص ٢٢٨ من الجزء السابع ، راجع الجزء الثالث : ص ٤٢١.


الآخر ، نعم لو كان كل دلالة أقوى حجة في قبال الأضعف مطلقاً ولو أدّى إلى رفع اليد عن ظهور الأضعف بشرط أن لا يلزم لغوية الأضعف صحّ ما ذكر ولكن يلزم منه قبول الجمع التبرعي المشار إليه لأنّ دلالة كل من الدليلين بلحاظ المتيقن من مفاده أقوى بحسب الفرض من إطلاق الآخر فلابد من العمل به ورفع اليد عن إطلاق الآخر حيث لا يلزم منه لغوية الدليل الآخر. نعم في القسم الخامس إذا فرض الاتصال وفرض أقوائية الدليل الهادم في نفي الوجوب يحصل له مدلول التزامي نتيجة القطع بوجود مدلول جدي للأمر بصلاة الليل في ارادة الاستحباب.

وتفصيل هذا البحث يأتي أيضاً في بحوث التعارض عند التعرّض لقاعدة انّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح.

* * *


المحتويات

تعليقات على الجزء الأول

البحوث اللفظية التحليلية

تمهيد ..................................................................... ١٣

الدلالة اللفظيّة ............................................................. ٢٣

نظرية الاستعمال ........................................................... ٤١

علامات الحقيقة والمجاز ..................................................... ٥٩

الحقيقة الشرعية ........................................................... ٦٩

الصحيح والأعم ........................................................... ٧٠

الحروف .................................................................. ٨٦

الهيئات ................................................................... ٩٣

المشتق .................................................................. ١٢٦

تعليقات على الجزء الثاني

بحوث الأوامر

دلالات مادّة الأمر ....................................................... ١٢٩

دلالات صيغة الأمر ...................................................... ١٤٩


الاجزاء ................................................................. ٢٠١

مقدّمة الواجب ........................................................... ٢٣٨

مبحث الضد ............................................................ ٢٩٦

حالات خاصّة للأمر ...................................................... ٣٣٠

كيفيّات تعلّق الأمر ....................................................... ٣٣٤

تعليقات على الجزء الثالث

بحوث النواهي

دلالات صيغة النهي ...................................................... ٣٥٥

اجتماع الأمر والنهي ..................................................... ٣٥٩

اقتضاء النهي للفساد ...................................................... ٤٤٢

المفاهيم ................................................................. ٤٦٣

العام والخاص ............................................................ ٥٣٧

المطلق والمقيّد ............................................................ ٦٤٧

المجمل والمبيّن ............................................................. ٦٨٦

اضواء واراء - ١

المؤلف:
الصفحات: 694