بسم
الله الرحمن الرحيم
(
وَلَن تَرضى عَنكَ
اليَهُودُ ولاَ النَّصارى حَتّى تَتَّبَع مِلَّتَهُم قُل إِن هُدى اللهِ هُوَ
الهُدى وَلَئن اتَّبعتَ أَهواءَهُم بَعدَ الَّذي جاءَكَ مِنَ العِلمِ ما لَكَ مِنَ
اللهِ مِن وَّلِيِّ وَّلا نصيرٍ
)
البقرة : ١٢٠
بحوث
في علم الاجتماع الاسلامي (٣)
النظام
التعليمي
|
بحث
في نقد النظرية الاجتماعية الغربية وتطبيقاتها ، ومحاولة تقديم نظرية اجتماعية اسلامية
على ضوء مدرسة أهل البيت.
|
السيد
زهير الاعرجي
القسم
الاول
النظام
التعليمي
التعليم في النظرية التوفيقية * نقد
النظرية التوفيقية * التعليم في نظرية الصراع * نقد نظرية الصراع * « المدرسة » في
النظام الرأسمالي : عرض للفكرة الامريكية ونقدها * المدرسة وانعدام العدالة
الاجتماعية * التعليم وتكافؤ الفرص * من اسباب فشل النظام التعليمي الرأسمالي.
التعليم في النظرية التوفيقية
تعتقد النظرية التوفيقية ان الاهمية
المتميزة للنظام التعليمي تكمن في الفكرة القائلة بان المدرسة تحفظ روحية النظام
الاجتماعي الحضارية ، من خلال نقل معتقدات الاباء الى ابنائهم ، ونشر الثقافة
العامة التي توحد توجهات المجتمع ، وتطوير شخصيات الافراد ، وتأهيلهم للعمل التخصصي
، واثراء الثقافة الاجتماعية ، وتعليم الافراد اطاعة السلطة السياسية.
فعلى صعيد نقل معتقدات الآباء الى
ابنائهم ، فان هذه النظرية تعتقد بان المجتمع لا يمكن ان يحيا حياة اجتماعية
طبيعية دون ان تنتقل الثقافة والمعرفة من الجيل السابق الى الجيل اللاحق. فالمدارس
تغذي افراد المجتمع بشتى انواع العلوم والمهارات والقيم ، التي يعتبرها النظام
الاجتماعي من الاولويات الاساسية لبقائه ووجوده الحضاري. فتعلم لغة الاقليم التي
يتفاهم بها الفرد مع اقرانه ، وجغرافية الدولة التي يعيش فيها ، وتركيبتها
السكانية والعرقية تعتبر من اهم مكاسب النظام التعليمي ، حيث تنعكس فوائدها على
النظام الاجتماعي كلياً. وربما يعتبر الدفاع عن الدولة والنظام السياسي من اهم
ثمار شجرة التعليم.
ولو تم هذا الانتقال الثقافي من ايادي
الجيل القديم الى ايادي الجيل الجديد ، تحمل افراد الجيل الجديد مسؤولية تطوير
نظامهم الاجتماعي لينقلونه بدورهم الى الجيل الثالث. وهكذا تستمر هذه العملية
التطورية التي تشابه عملية بناء صرح معماري عظيم ، حيث لا يكتمل انشاء مثل
ذلك الصرح الا بتضافر جهود الاجيال
المتعاقبة ، باختصاصاتها المختلفة وابداعاتها المتنوعة في المساهمة في ذلك البناء.
وعلى صعيد نشر الثقافة العامة التي توحد
توجهات المجتمع الفكرية ، فان المجتمعات الانسانية على الاغلب ، تتركب من اقليات
عرقية ودينية متعددة تسكن ارضا واحدة. فلا يمكن توحيد توجهات هذه الاقليات ما لم
يتم صهرها تحت سقف نظام تعليمي واحد. فقد نجح ، بادعاء النظرية التوفيقية ، النظام
الرأسمالي في الولايات المتحدة في بناء شعب متكامل يتكلم اللغة الانكليزية ، بسبب
استخدامه اسلوب التعليم الاجباري لابناء المهاجرين وابناء الهنود الحمر منذ القرن
الثامن عشر الميلادي. ولكن النظام الطبقي في الهند فشل في فرض لغة اجبارية واحدة
على النظام التعليمي ، لدولة تتكلم سبعمائة لغة مختلفة. مع العلم انه لو نجحت
الهند كما نجحت امريكا ، لاثمر ذلك في توحيد البلاد ثقافيا وسياسيا واجتماعيا.
وعلى صعيد تطوير شخصية الفرد ، فان
المدرسة تمنح الافراد فرصة تعلم المهارات المهنية التي تؤهلهم للاشتغال والاكتساب
في مستقبل حياتهم. حيث تساهم هذه المدرسة في منح الافراد فرصة استخدام ما منحهم
الخالق عز وجل من نعمة التفكير وطاقة كامنة للابداع والتطوير. ولكن المدرسة لا
تضمن تخريج افرادا مثقفين بل انها تسعى لتفتيح عقولهم كما يساهم نسيم الربيع في
تفتيح براعم الازهار. وذلك من خلال مساهمتها في تعريف الفرد بنفسه وبالعالم المحيط
به.
وعلى صعيد تأهيل الافراد للعمل التخصصي
، تساهم المدرسة في
ضمان مستقبل الفرد المهني ، ورفد النظام
الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بالمتخصصين في مختلف الحقول التي تحتاجها. فتضبط
المدارس المتخصصة كالطب والتمريض والهندسة والكيمياء ونحوها ، عدد الطلبة الذين
يحتاجهم المجتمع حتى لا يحصل الاضطراب بتراكم الطلبة على اختصاص دون غيره.
وعلى صعيد اثراء الثقافة الاجتماعية
والعملية ، فان المؤسسات التعليمية تساهم بشكل اساسي في زيادة المعرفة البشرية حول
الحياة والكون والانسان ، وتساعد الطالب على فهم تاريخه الانساني وحضارته ومجتمعه
، وتفتح باباً للنقاش العلمي والنقد البناء ، وتعطي الاساتذة والباحثين فرصا واسعة
لانجاز مختلف البحوث العلمية في شتى المعارف البشرية. وتعتبر الجامعات اعمدة
البحوث العلمية النظرية التي تساهم في وضع الفرضيات والنظريات وتقيم البراهين
والادلة على صحة او فساد فرضيات او نظريات اخرى انشئها علماء طبيعيون آخرون. ولما
كانت الفكرة الرأسمالية تؤمن بتطوير منتوجاتها الصناعية بشكل مستمر حتى تجد اسواقا
دائمية لاستهلاكها ، اصبحت الجامعات التجريبية العقل الرئيسي للمؤسسة الصناعية
الرأسمالية العملاقة ، بمعنى ان القيّم الرئيسي على البحوث التطبيقية من حيث
التمويل والاستثمار ، هو الشركات الصناعية الكبيرة ومؤسسات البحوث العسكرية ،
والمؤسسات الحكومية المتخصصة.
وعلى صعيد حقن الافراد بافكار تمجد
اهمية النظام والسلطة السياسية ، فان المؤسسات التعليمية تساهم بشكل فعال في ترسيخ
فكرة النظام الاجتماعي وضرورة احترامه ، واهمية اطاعة السلطة السياسية
واحترام القانون ، ووجوب الامتثال امام
المحاكم القضائية اذا طلب ذلك. وبالجملة ، فان المدرسة تنشئ اعتقادا لدى الفرد بان
النظام السياسي انما صمم اساساً لخدمة افراد المجتمع جميعاً ، فلهم الحقوق التي
أقرها القانون وعليهم الواجبات التي كلفهم بها النظام الاجتماعي.
وللمؤسسات التعليمية في النظام
الرأسمالي وظائف اخرى غير معلنة منها : تسهيل عملية التزاوج بين الذكور والاناث ،
بسبب الاختلاط الاجباري في المدارس الاعدادية والجامعات اولاً ، واقتناع الجنسين
بان التقارب الفكري يؤدي الى زواج ناجح ثانيا.ً ومنها : تسهيل خروج الام للعمل
خارج البيت ، حيث ان التعليم الاجباري الابتدائي والثانوي يدفع الام للبحث عن عمل
لانتفاء وظيفة الامومة خلال فترة الدوام المدرسي.
نقد النظرية التوفيقية
وتتناول النظرية التوفيقية اهم اسس «
المدرسة » الفكرية والفلسفية ، الاّ انها تتجاهل في الوقت نفسه ، الكثير من
الحقائق التي تدين النظام التعليمي في الدولة الرأسمالية خصوصاً فيما يتعلق بطبقية
التعليم وتصميم المناهج الدراسية ، فلا احد ينكر اهمية العلم والتعليم في النظام
الاجتماعي ، ولا احد ينكر ان المدرسة توحد الامة وتحمي الدولة وتنشر القيم ، ولكن
تجاهل النظرية التوفيقية لمحتوى القيم التي تدرسها المدرسة الرأسمالية ، طبقية
كانت او غير طبقية ، عرقية كانت او غير عرقية ، دينية كانت او غير دينية ، يجعلنا
نشكك بصلاح هذه النظرية وسلامتها من الاخطاء. فكيف تقبل هذه النظرية تدريس شرعية
استعباد الزنوج من افريقيا في القرن التاسع عشر بواسطة المستوطنين البيض ، وتعتبره
قيمة انسانية يفتخر بها الفرد الابيض ؟ وكيف تقبل تدريس قوانين المستوطنين البيض
في الولايات المتحدة القائلة بحرمة تملك الهنود الحمر اراضي وطنهم في القرن الثامن
عشر ، وتعتبرها قيما سليمة تستحق التدريس في المدارس الرأسمالية ؟ ولماذا تسكت
النظرية التوفيقية عن ادانة المدارس الرأسمالية الطبقية التي تهدف اساساً ، خدمة
ابناء الطبقة العليا ؟ بل لماذا تقسّم المدارس الرأسمالية ، التي تدعي النظرية
التوفيقية انها توحد المجتمع ثقافياً وتاريخياً الى قسمين : قسم خاص لا يلتحق به
الاّ ابناء الطبقة الرأسمالية ، وقسم عام لابناء الفقراء وابناء الطبقة المتوسطة ؟
ولماذا اختيرت اللغة الانكليزية للتدريس في حين ان الكثير من المستوطنين الاوائل
كانوا يتكلمون الالمانية
والفرنسية
والاسبانية ؟ واذا كان الدين منفصلاً عن السياسة فلماذا تحتفل المدارس بالاعياد
الدينية ، أليس هذا تدخلاً في شؤون الدولة التي تعتبر المدرسة ممولها الرئيسي من
العقول والادمغة ؟
واذا سلمنا بان المناهج المدرسية
المقررة في النظام الرأسمالي تنطبق على النظام نفسه ، فلماذا تعمم الحالات الجزئية
الرأسمالية الى حالات كلية ، بحيث تجعل الطالب لا يرى الحياة والعالم الاّ من خلال
هذه المناهج. بمعنى ان العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الرأسمالي لها خصوصية
معينة تختلف عن تلك في المجتمع الاسلامي مثلا. فكيف تستطيع المدرسة ان تقول
لطلبتها ان النظرة الرأسمالية للعلاقة بين الذكر والانثى هي النظرة الطبيعية
الاساسية وما سواها استثناء لا يؤخذ به ؟ فكيف تستطيع المدرسة اذن ، توحيد توجهات
الطلبة الدينية والثقافية ، بزعم النظرية التوفيقية ، اذا كانت نظرتها الى الامور
والقضايا منطلقة من نظرة ضيقة لا تخدم المصلحة الاجتماعية الكلية ؟
التعليم في نظرية الصراع
وتركز نظرية الصراع على الطرق التي
تستخدمها الطبقات الاجتماعية العليا لاستخدام النظام التعليمي كمطية لتيسير مسك
زمام السلطة ، وكسب الثروة ، وتحقيق الرفعة الاجتماعية. فالتعليم عنصر مهم في وضع
الفرد الطبقي ، لان الفرد المتعلم يسستطيع ان يحتل موقعاً اعلى في السلم الاجتماعي
من خلال وظيفته التي تحتاج الى كمية معينة من العلوم. فالطبيب والمهندس مثلاً ،
يحتلان موقعاً اجتماعياً ارفع من ذلك الذي يحتله العامل غير الماهر.
ولا شك ان الاباء الاغنياء من الطبقة
الرأسمالية ينظرون الى مستقبل ابنائهم نظرة خاصة تضمن لهم الوصول الى الطبقة
المسيطرة. ولذلك ، فانهم يمهدون لهم طرقاً خاصة لتحقيق احلامهم. ففي النظام
التعليمي البريطاني مثلاً ، يدخل ابناء الطبقة الرأسمالية المدارس الخاصة المعدودة
التي تضمن لخريجيها مستقبلاً سياسياً مشرقاً وعضوية دائمة في الطبقة الثرية. وفي
روسيا يدخل ابناء الوزراء واعضاء الحزب الشيوعي المسيطرين على النظام السياسي
لفترة قريبة ، مدارس خاصة بابناء الطبقة العليا. وفي النظام الرأسمالي الامريكي
يدخل ابناء الطبقة الرأسمالية المدارس الخاصة بالطبقة اولاً ، بينما يدخل ابناء
الطبقة الوسطى المدارس الحكومية المنتشرة في ضواحي المدن الكبيرة ثانياً. ويدخل
ابناء الطبقة الفقيرة المدارس الحكومية المنتشرة داخل المحلات المكتظة بالسكان في
مراكز المدن الكبيرة ، ثالثاً. ولا شك ان مستوى التعليم في المدارس الرأسمالية ،
خصوصا
في القسم الثالث ،
يعتبر من ادنى المستويات من الناحية العلمية ، حيث لا يتمكن غالبية طلبتها من
اكمال المراحل الدراسية المقررة ، وبذلك يحرمون من التخرج من المدارس الاعدادية ،
ويحرمون لاحقاً من الدخول الى الجامعات.
وتتهم نظرية الصراع ، الطبقة الرأسمالية
بتكريس النظام التعليمي الطبقي للحفاظ على مصالحها الحيوية في السيطرة على مقدرات
النظام الاجتماعي. وتقدم دليلاً على ذلك ، وهو ان الطبقة الرأسمالية تحصل دائماً
على اعلى مستويات التعليم ، لان الاباء يصرفون جزءاً كبيراً من اموالهم على وسائل
التعليم الخاصة بالطبقة الغنية ، وان الابناء متفرغون للدرس والتحصيل ولا يشغلهم
شاغل مادي او نفسي. ولكن الفقراء غالباً ما يفشلون في منتصف الطريق لان وضعهم
الاقتصادي والنفسي لا يساعدهم على مواصلة التحصيل. وهكذا يمتص النظام الاجتماعي
ابناء الطبقة الفقيرة كعمال ، بينما يستوعب ابناء الطبقة الرأسمالية كافراد يحظون باهمية
عظمى في السلم الاجتماعي.
واخيراً فان النظام التعليمي في المجتمع
الرأسمالي لا يحافظ على الوضع الطبقي فحسب ، بل يجعل الطبقية مسألة شرعية ، لان
النظرة الرأسمالية ترى ان من حق الطبقة العليا السيطرة على النظام الاجتماعي لانها
تملك الثروة ووسائل الانتاج الاقتصادي. واذا نجحت المؤسسة التعليمية في اقناع
الفقراء بان حقوق الطبقة الرأسمالية في الثراء وما يترتب عليها انما هي حقوق عادلة
، لان اموالهم قد جاءت عن طريق الجهد وعرق الجبين ، وان الفرص متاحة لكل من اراد
الثراء ، نجح عندئذ الرأسماليون في السيطرة على مقدرات النظام الاجتماعي بكل ما فيه
من خيرات ، الى امد غير محدود.
نقد نظرية الصراع
ولا شك ان فكرة نظرية الصراع بخصوص ربط
التعليم بالنظام الطبقي صحيحة يثبتها الواقع العملي في الانظمة الرأسمالية
المعاصرة. ولكن النظرية لا تخلو من خلل واضح. فاهم نقد تتناوله نظرية الصراع في
حقل التعليم ، هو اعتبار التعليم المهني في النظام الراسمالي مرتبط بالنظام الطبقي
، فاهل الخبرة من الاطباء والمهندسين يسعون الى جعل مهنتهم محصورة ضمن عدد محدود
من الافراد حتى يتسنى لهم الحصول على اكبر كمية من الاجور. وهذا لا يتم حتماً ،
الاّ عن طريقين ، الاول : تحديد عدد الداخلين في كليات الطب والهندسة حتى يبقى
نظام الاجور عالياً ، والثاني : منح شهادات للاختصاصات المختلفة حتى يتميز هؤلاء
الخبراء عن غيرهم من ادعياء الفن مما يضمن لهؤلاء الخبراء منزلة اجتماعية عليا ،
واستقلالاً ذاتياً ، وقوة نقدية يحسب لها حساب.
ومع ان هذا التحليل سليم بطبيعته الا
انه يحاول تحليل المشكلة من طرف واحد ويترك اطرافاً اخرى دون تفسير. ذلك ان ازياد
عدد الاطباء والمهندسين يوجب ايجاد رمز معين يثبت خبرة الخبير في الطب والهندسة
ونحوها ، بشكل رسمي. والشهادة الجامعية تمثل هذا الرمز ، ولولاها لادعى الكثير من
الافراد خبرته في تلك العلوم. ومع ان الشهادة لا تعكس الواقع العلمي للخبير ، الا
انها تمثل الحد الادنى من المعارف الواجب تحصيلها في مجال الاختصاص.
اما انحصار عدد الاطباء والمهندسين
بنسبة محددة من الافراد في
النظام الاجتماعي. فذلك ينسجم مع الفكرة
الاسلامية القائلة بالتسخير ، حيث تؤمن بان الافراد مسخرون لخدمة بعضهم البعض ،
فاذا ازدادت نسبة الاطباء والمهندسين عن النسبة المقررة لنظام التسخير اختل النظام
الاجتماعي ، لان المجتمع لا يحتاج الى فيض غير محدود من الاطباء والمهندسين. بل ان
تنويع الاختصاصات امر حيوي لبقاء النظام الاجتماعي وديمومته. ولذلك فان الافراد
مسخرون بشكل من الاشكال لخدمة بعضهم البعض ، ولا يتكامل هذا التسخير الاّ بتوزيع
الاختصاصات بين الافراد جميعاً ، حتى تتم اشباع حاجات النظام الاجتماعي المختلفة.
وعلى ضوء ذلك فان نظرية الصراع في تحليلها للنظام التعليمي الرأسمالي ، اخذت
بتفسير قضية الاجور ، وما يتعلق بها من ظلم اجتماعي ، وتركت قضية التسخير دون
تفسير ; وهو بلا شك خلل ملحوظ في منهجها الفلسفي المزعوم.
« المدرسة » في النظام الرأسمالي : عرض للفكرة الامريكية ونقدها
ويتميز النظام التعليمي في الرأسمالية
الامريكية عن غيره من الانظمة الرأسمالية الغربية ، بعدة عناصر مهمة ، منها :
اجبارية التعليم في المرحلتين الابتدائية والاعدادية ، ومساهمة المؤسسة التعليمية
في حل المشاكل الاجتماعية على قاعدة ( ان التعليم شفاء لكل داء ) ، وادارة المدرسة
من قبل الادارة المحلية لا الحكومية المركزية.
فعلى صعيد التعليم الاجباري ، تعتقد
الفكرة الرأسمالية بان لكل فرد حق مشروع في التعليم. وعلى اساس ذلك ، فقد الزمت
الحكومة المحلية والفيدرالية بتصميم نظام تعليمي مجاني للجميع ابتداءاً من المرحلة
الابتدائية وانتهاءاً بالمرحلة الاعدادية الثانوية. وهذه الفكرة الرأسمالية
العظيمة التي نادت بمنح حق التعليم لكل فرد ، لم تكن في الواقع الا خدعة كبيرة من
قبل اصحاب الرأسمال. لان الاصل فيها كان تعليم افراد الطبقة العليا والمتوسطة فقط
، وحرمان الطبقة الفقيرة. والدليل على ذلك ان الزنوج حرموا من نعمة التعليم في
المدارس العامة في اوروبا وامريكا ، خلال انتشار الرق في القرن الثامن عشر ولحد
منتصف القرن العشرين ، بل ان الحكومة الرأسمالية لم تبذل دولاراً واحداً في تلك
الفترة على تعليم هؤلاء الفقراء المستضعفين ، مع انهم كانوا يشكلون عصب الطبقة
العاملة المنتجة في النظام الاجتماعي. ومع ان النظام التعليمي اليوم قد تبدل عما
كان عليه بالامس ، الا ان الاصل في التمييز العنصري والطبقي لا زال موجودا ، لان
التمييز في التعليم هو
الاساس في تثبيت
سيطرة الطبقة الرأسمالية على النظام الاجتماعي.
ولا شك ان برنامج التعليم الامريكي ،
المتمثل في التعليم الاجباري العام دون النظر الى قابليات الطلبة في استيعاب
المناهج التعليمية ، ادى الى سلبيات تعليمية خطيرة ، منها اولا : حرمان الطلبة من
الدخول في المدرس المهنية مبكراً ، وثانياً : انحدار المستوى العلمي للمدارس
الثانوية العامة عموماً. وهذا الفشل في تكامل النظام التعليمي في الولايات المتحدة
، يعكس توجه النظام السياسي نحو المحافظة على الفجوة التعليمية الكائنة بين
الفقراء والاغنياء. وليس النظام التعليمي الامريكي يتيما في هذا التوجه الطبقي ،
فالنظام البريطاني يشجع الطلبة الاقل فهما للمواد العلمية بالدخول الى المدارس
الاعدادية المهنية ، والتلاميذ ذوي القابليات العلمية بالدخول الى المدارس
الاعدادية النظرية وابناء الطبقة الثرية بالدخول الى مدارس اعدادية راقية معدودة
اسماها بمدارس « القواعد النحوية » التي تهيئ الطالب الدخول في الجامعات ذات
المستوى العلمي المشهود. وبالنتيجة ، اصبح التعليم وسيلة مهمة من وسائل المحافظة
على النظام الطبقي الرأسمالي.
وعلى صعيد الاعتقاد بان التعليم يساهم
في حل المشاكل الاجتماعية على قاعدة انه شفاء لكل داء ، فان رواد النظام الرأسمالي
يزعمون بان التعليم يجب ان يخدم النظام السياسي الرأسمالي على اكمل وجه. فهذا (
توماس جفرسون ) احد منقّحي لائحة الاستقلال الامريكي سنة ١٧٧٦ م يقول : « ان مدارسنا يجب ان تضمن نجاح
النظام الديمقراطي. فاذا عم الجهل بين الناخبين ، فان تجربتنا السياسية ستكون
محكومة
بالفشل
» .
ومنذ القرن التاسع عشر سعى الرأسماليون
الى ربط المدرسة بعجلة النظام السياسي والاجتماعي لحل المشاكل الاجتماعية التي
يواجهها الافراد في القارة الجديدة. فسعت المدرسة الى صهر الجاليات المهاجرة عن
طريق تركيز اسس ومفاهيم القومية الجديدة للعالم الجديد ، وهي اللغة والتاريخ ،
وتركت تعليم الدين للكنيسة. وسعت ايضاً الى تعليم ابناء الهنود الحمر اللغة
الانكليزية ولكنها تركت تنصيرهم للكنيسة ايضاً اما العبيد فقد تولت الكنيسة
تنصيرهم لاحقاً ، ولكن المدرسة لم تبذل جهداً في تعليمهم لان النظام الرأسمالي كان
يستشعر خطرا كامناً في تعليم الزنوج باعتبار ان العلم قد يحرر الانسان من قيود
العبودية.
وفي منتصف القرن العشرين بدأ النظام
السياسي حملته ضد الفقر عن طريق المدارس ، مدعياً ان تبديل نظرة الفقراء السلبية
تجاه الدولة والمجتمع والثقافة ستحل مشكلة الفقر في النظام الرأسمالي. ولكن بعد
اقل من نصف قرن من الزمان ، اقر النظام بفشل الحملة المدرسية لمكافحة الفقر ،
ملمّحاً الى ان قضية الفقر تتعلق بالعدالة الاجتماعية في النظام الرأسمالي اكثر من
تعلقها بالنظام التعليمي.
وفي محاولة منها لربط المدرسة بالمشاكل
الاجتماعية ، قامت المؤسسة التعليمية الرأسمالية ايضاً بتغيير المناهج المدرسية
بشكل مستمر ، بهدف المساهمة في حل المشاكل الاجتماعية. فعندما واجه المجتمع
الرأسمالي ثورة الشباب للتعبير الصريح عن الشهوة الحيوانية بين الجنسين في العقد
السادس
__________________
من القرن العشرين ،
اضطر النظام التعليمي الى تغيير مناهجه التعليمية وذلك بوضع دروس جديدة سميت
بثقافة التغشي بين الذكور والاناث ، كان هدفها التقليل من الآثار الاجتماعية
الخطيرة التي سببها النظام الاباحي بين الطلبة. وبعدها بعقدين اضطر النظام ادخال
دروس جديدة اخرى حول الادمان على المخدرات والكحول وضررها على المجتمع.
وقد فشلت هذه الحملات الاصلاحية
المتوالية ، لتلك الفترة الطويلة ، لاسباب مختلفة منها : ان هذه الاجراءات لم يرد
منها اصلا حل المشكلة الاجتماعية بل انما فرضت لاسباب انتخابية وسياسية بحتة ، لان
مجالس ادارات المدارس الحكومية ، وهي الهيئات المسؤلة عن المناهج الدراسية ، يتم
تشكيلها عن طريق الانتخابات. ومنها : ان مشكلة التعليم مرتبطة بمشكلة انعدام
العدالة الاجتماعية. فلو افترضنا جدلا صدق القائمين على حل مشكلة التعليم ، أليس
من الواضح لكل ذي بصيرة ان هذه الحلول الجزئية المفترضة ، تعجز عن معالجة المشكلة
الاساسية ، فكيف ينفع الاصلاح اليسير لجدار متصدع ما لم يهدم وينشأ بدله جدار جديد
قوي ؟ ومنها : ان استقلال النظام التعليمي عن النظام الاخلاقي الديني ، جعل
المدرسة مسرحا لمختلف الاتجاهات الفكرية البعيدة عن الاعراف الخلقية المتفق عليها
اجتماعيا.
وعلى صعيد سيطرة الادارة المحلية على
توجيه شؤون المدرسة فان النظام الرأسمالي الامريكي تميز عن غيره من الانظمة التعليمية
بهذه الخصلة ، باعتبار ان المدرسة ومشاكلها تهمّ المحلة وابنائها بشكل اساسي مباشر
، وان المدرسة انما اسست لخدمة افراد المحلة وادارتها. وعلى هذا
الاساس ، فان مجلس ادارة المدرسة يجب ان
ينتخب من ابناء المحلة بالتصويت المباشر. وعند اكتمال تشكيل مجلس الادارة ، يقوم
عندئذ بكل امور التوجيه والاشراف على الحياة المدرسية والنشاط التعليمي ، ابتداءاً
من تعيين المعلمين وانتهاءاً بانتقاء وشراء الكتب التي توضع في مكتبة المدرسة.
وتختلف المناهج الدراسية من مدرسة الى اُخرى حسب رأي وقرار مجلس الادارة. ففي
المناطق المحافظة ، المتمسكة بالدين ، يمنع مجلس ادارة المدرسة تدريس الثقافة
الجنسية ونظرية التطور ، بينما يسمح بتدريس هذه المواد الدراسية في مناطق اخرى ،
ويرجع تحديد كل ذلك الى مجلس ادارة المدرسة. وعلى المستوى المالي ، فان المدارس
مرتبطة بالادارة المحلية وحكومة الولاية. فتدفع حكومة الولاية نصف مصاريف المدرسة
وتدفع الادارة المحلية النصف الآخر ، مع نسبة ضئيلة تدفعها الحكومة الفيدرالية.
واقحام المحلة ومؤسستها المالية
والسياسية في ادارة المدرسة ليس وليد صدفة ، بل انه ينبع من صميم الفكرة
الرأسمالية. فبدلا من قيام الحكومة الفيدرالية بالصرف المالي على المدارس المنتشرة
في مختلف المناطق بشكل عادل ، تقوم المحلة الغنية بدفع نسبة اعلى من الضرائب
المخصصة للمدارس المتواجدة ضمن حدودها. وعندها تتمتع المدارس في المناطق الغنية
باكمل الخدمات ، ويستفيد الطلبة الاغنياء من النظام التعليمي بافضل وجه. اما
المدارس في المناطق الفقيرة فان مجالس اداراتها لا تستطيع النهوض بمهام النظام
التعليمي كما يحصل في المناطق الغنية لقلة المخصصات المالية الواردة من ضرائب
الفقراء. وبذلك يتضرر الطلبة من العوائل الفقيرة. وهذا ، كما ترى ، ظلم واضح بحق
الفقراء من الطلبة الذين يعيشون
على نفس الارض
ويدافعون عن نفس الدولة ويحتمون بنفس النظام.
وكما ان الاقتصاد الرأسمالي يشجع
الافراد على المنافسة الاقتصادية باعتبار ان مردودها ينفع الفرد والمجتمع على حد
سواء ، كذلك يشجع على المنافسة في النظام التعليمي الرأسمالي. فاستخدام نظام
الدرجات يشجع الطلبة على التنافس من اجل الحصول على اعلى المستويات الاكاديمية.
حيث يفوز المنتصر في عملية التنافس بجائزته النهائية ، وهي موقع متميز في النظام
الاجتماعي ، بينما ينحرف الخاسر تدريجيا عن سير النظام التعليمي ، ليلتحق باقرانه
من الخاسرين من افراد الطبقة العاملة الفقيرة !
واذا كانت المنافسة تساعد الطالب على
نيل اعلى الدرجات في النظام التعليمي الرأسمالي ، فان التعاون بين الطلبة لحل
المسائل المعقدة يعتبر نوعاً من الغش ، لان الطالب ، حسب النظرة الرأسمالية ، يجب
ان يتحمل المسؤولية الفردية في التعليم والتحصيل وحل المشاكل وفهم مستعصيات العلوم
، ومسؤولية المدرس تبيين وتوضيح وتحديد الخط الذي ينبغي ان يسير عليه الطالب ، وما
وراء ذلك فهو مسؤولية التلميذ الشخصية.
وهذا التركيز على المنافسة في النظام
التعليمي الرأسمالي لم يأت اعتباطا ، بل ان رواد الفكرة الرأسمالية يرون ان تعليم
الاطفال وتدريبهم على المنافسة في المجال التعليمي سيؤهلهم لاحقاً للمنافسة
الاقتصادية في المجتمع الرأسمالي. ولكن هذه المنافسة من اجل الحصول على درجات جيدة
تدل على خلل اساسي في النظام التعليمي الرأسمالي ، ذلك ان المدرسة هدفها غرس العلم
في اذهان التلاميذ ، وليس الحصول على الدرجات ، لان الدرجات لا تمثل الا رمزاً
متعارفاً لكمية فهم الموضوع. ولو كان الاصل من
التعليم الحصول على
درجات جيدة لانتفت موجبات التحصيل من الاصل ، لان دوافع الحصول على مجرد الدرجات
يؤدي بالطلبة الى ارتكاب عملية الغش ، وحفظ المواد الدراسية دون فهم ، وقراءة
المواد المحتمل ورودها في الامتحان فقط دون غيرها ، ونسيان المواد الدراسية بعد
انتهاء الامتحان ، والبحث عن الجامعات الاقل من ناحية المستوى العلمي ولكنها ايسر
من ناحية الحصول على الدرجات ، وتفضيل الدراسة عند استاذ ضعيف من الناحية العلمية
ولكنه مبسوط اليد في الدرجات على استاذ عالم متشدد في منح الدرجات. وهذا كله يؤدي
الى انخفاض المستوى العلمي للطلبة ، ناهيك عن التأثير النفسي الذي يتركه صراع من
هذا النوع على نفسيات الخاسرين في عملية التنافس للحصول على أعلى الدرجات.
وتصبح نتيجة المنافسة المدرسية ، فشلاً
كانت او نجاحاً ، جزءاً من الشهادة العلمية للفرد ، وعلى اساسها يُقيّم في المجتمع
، وعلى ضوئها يحدد معاشه وراتبه واسلوب حياته. فاذا كانت درجاته المدرسية المسجلة
في الشهادة الجامعية مثلاً عالية ، اصبح مؤهلا للدخول بقوة الى مجال العمل الاجتماعي
او البحث العلمي ، حتى لو كانت هذه الدرجات الرمزية لا تمثل فهمه الواقعي للعلم
الذي درسه. وبالاجمال ، فان تصنيف الطلبة تحت سقف وجود الذكاء او عدمه استناداً
على نسبة الدرجات في الشهادة المدرسية لا يساعد الطلبة بالمرة على التحصيل العلمي
الجاد.
ولما كان النظام التعليمي الرأسمالي
يشجع الاغنياء على ارسال ابنائهم الى المدارس الخاصة التي لا يدخلها الا الخواص ،
فان الكثرة الغالبة من الطلبة تشعر بان المردودات الاجتماعية والاقتصادية
المستقبلية سوف
تذهب حتما الى القلة من الافراد ، وهذه
القلة هي التي ستحوز على قصب السبق ، وستقتطف النصيب الاكبر من الجوائز الاجتماعية
، وبالتحديد : السلطة والثروة والمنزلة الاجتماعية. اما الجد ، والجهد ، والاجتهاد
، والذكاء ، فهي لا تضمن للطلبة الفقراء او من الطبقة المتوسطة مقعدا في الطبقة
الرأسمالية. اضف الى ذلك ان الاستسلام لهذا الواقع من قبل الفقراء والطبقة
المتوسطة يخلق جوا يساعد الطبقة الرأسمالية على البقاء في مواقعها ، والاحتفاظ
بمصالحها الاجتماعية والاقتصادية المتميزة. واهم مساعدة يقدمها النظام التعليمي
الرأسمالي للطبقة الرأسمالية العليا هو القاء مسؤولية الفشل الاكاديمي على الطالب
وحده وليس على النظام الاجتماعي الذي وضع الغني في موقع متميز منذ نعومة اظفاره ،
وهيأ له اسباب النجاح والتفوق دون الطالب الفقير. وهكذا تصبح الفكرة الرأسمالية
القائلة ب « ان لكل فرد فرصة متساوية مع بقية الافراد في النظام الاجتماعي »
نظرية خادعة ، لا تحمل معها اي معنى تطبيقي في مفهوم العدالة الاجتماعية.
المدرسة وانعدام العدالة الاجتماعية
وكما ذكرنا سابقاً ، فان الافراد في
المجتمع الرأسمالي لا يملكون فرصاً متساوية للتحصيل ، على خلاف ما يدعيه انصار
النظام الرأسمالي ، بل ان الطبقة الاجتماعية التي يولد فيها الفرد تحدد نوعية
التعليم الذي سيحصل عليه لاحقاً ، وكما ان الثروة تتراكم بايدي القلة من افراد
الطبقة العليا ، كذلك التعليم ، فان درجته الاكاديمية ومستواه الفكري مرتبط
بالثروة ، والقوة ، والمنزلة الاجتماعية.
فابناء الطبقة الرأسمالية يحصلون في
مجال التعليم على ميزتين اساسيتين ، الاولى : ان اغلبهم يقضي سنوات اكثر في
التحصيل مقارنة باقرانهم من ابناء الطبقة الفقيرة. وثانياً : انهم يحجزون المقاعد
الدراسية في الجامعات العريقة ذات المستوى الرفيع امثال جامعة هارفرد واكسفورد
وكامبرج وبرنستون وييل وكولومبيا وغيرها من الجامعات الراقية. علماً بان شهادات
هذه الجامعات تترجم مستقبلاً الى منافع اقتصادية واجتماعية عظيمة لهؤلاء الافراد.
وعلى عكس ما تدعيه النظرية الرأسمالية ،
من ان لكل فرد الحق في التحصيل والتعليم ودخول ارقى الجامعات. فان الذكاء لا يلعب
دوراً حاسماً في قبول الطلبة في هذه الجامعات ، بل ان الاجور الدراسية وقابلية
الفرد على دفعها هي المقياس. حيث ينصرف الكثير من اذكياء الطبقة المتوسطة والفقيرة
الى الدخول في الجامعات المتواضعة او الانخراط في الاعمال التجارية او الاشغال
الحرة ، لانهم لا يستطيعون دخول الجامعات العريقة
ودفع اثمان مناهجها الباهضة.
ويدعي زعماء الفكرة الرأسمالية
المعاصرون بان اغلب الاذكياء ينضوون تحت راية العوائل الرأسمالية ، ابتداءاً من
علماء الفيزياء والذرة وانتهاءاً بكتّاب الادب والثقافة. بينما يحتل الافراد من
البشرة السوداء اقل الدرجات في مستويات الذكاء ، حسب زعمهم. وهذا الافتراض تدحضه
التجارب العلمية التي تثبت ان الذكاء ليس عاملاً وراثيا. ولو كان الذكاء علماً
حضورياً لافترضنا امكانية انتقاله بالوراثة ، ولكن الواقع التجريبي يثبت ان ثلاثة
ارباع كمية الذكاء عند الانسان ما هي الا علم حصولي يكتسب بالقراءة والاستماع
والتحصيل. اما العلم الالهامي الحضوري فهو العلم المستجمع في ذهن الانسان عن طريق
غيبي وبطبيعة الحال فان هذا العلم لا يأتي الى افراد الطبقة الرأسمالية دون غيرهم
من افراد الطبقات. والفقر ليس جنساً او قومية ، فقد يصيب الابيض والاسود ،
واليهودي والنصراني ، والامريكي والآسيوي ، بمعنى ان الاب لو كان فقيراً ، فكيف
يعقل ان يترجم هذا الفقر الى جينات وراثية تمثل انعدام الذكاء ، ثم كيف تنتقل هذه
الجينات من الاب الى الابن بالوراثة ؟ اليس هذا التحليل من تدبير النظام الرأسمالي
حتى يبقى الفقراء في الدرجة السفلى من السلم الثقافي ؟ وعندها لا يحق لهم ان
يتسلموا امور السلطة السياسية !!
ولو كان الافتراض الموضوعي ان الذكاء ،
هو تعلم المهارات الفنية لكان ذلك اقرب الى المنطق والواقع العملي. لان الافراد
متفاوتون في قابلياتهم ، فبعضهم يتفوق في علم اللغات ، وآخرون في الرياضيات ، وآخرون
في المنطق ، وآخرون فى الكيمياء ، وهذا لا يمثل علماً حضورياً ،
بل استعداداً
وقابلية لسرعة هضم المادة العلمية التي انشرح لها عقل ذلك الطالب. ولا يختلف الفقير
عن الغني على هذا الصعيد.
ولا يعتبر العامل الطبقي ، العامل
الوحيد الذي يحدد دخول الفرد للجامعة ، بل ان لون البشرة يلعب ايضاً دوراً مهماً
في التحصيل العلمي. فالافراد من البشرة السوداء يحصلون على اقل المقاعد الدراسية
في الجامعات العريقة المذكورة مقارنة باقرانهم من ذوي البشرة البيضاء.
ولا شك ان تصميم النظام التعليمي بهذا
الشكل الطبقي ، مرتبط بعوامل اجتماعية عديدة تتضافر كلها لخدمة الطبقة الرأسمالية
، فلابد للطالب الذي يروم التسجيل في دروس احدى الجامعات في النظام الرأسمالي
الامريكي النظر الى امور قبل اتخاذه هذا القرار ، منها : اجور الجامعة ، والتشجيع
العائلي ، والخلفية الثقافية ، ومشكلة اللغة ، وعملية الالصاق ، ونفسية الاستاذ.
وكل هذه العوامل تصب لصالح الطالب الغني دون الطالب الفقير.
فعلى صعيد اجور الجامعة ، فان الطالب
الفقير يترك الجامعة لا لأنه لا يستطيع تسديد الاجور الجامعية فحسب ، بل لان
عائلته تحتاج الى من يكدح لجلب لقمة العيش. اما الطالب الثري من افراد الطبقة
العليا ، فهو في غنى عن التفكير بمشاكل العيش ، بل ان كلّ اهتمامه منصبّ على
التحصيل العلمي والتفوق.
وعلى صعيد التشجيع العائلي ، فان
العائلة الغنية تتوقع من ابنائها وبناتها الاستمرار في التحصيل العلمي لحد انتهاء
المرحلة الجامعية ، مما يحمّل الطالب او الطالبة مسؤولية اكمال الدراسة باي شكل من
الاشكال. اما
العوائل الفقيرة
فانها لا تأمل من ابنائها الدخول في الجامعات ، بل ان اهتمامها الرئيسي منصبّ على
البحث عن عمل مناسب لسد حاجات العائلة الاساسية. فيصبح شعور الفقير بمسؤوليته
الاجتماعية والعائلية عائقاً في اكمال التحصيل العلمي.
وعلى صعيد الخلفية الثقافية ، فان
العوائل الغنية توفر اجواء حب المطالعة لابنائها ، كسعة البيوت وهدوئها واحتوائها
غالباً على الكتب. وفي اغلب الاحيان تفرد غرفة خاصة للمطالعة ، وهذا كله يساعد
الطالب على صفاء الذهن وحب الاكتساب والتحصيل والابداع في النشاط الثقافي والعلمي.
اما مساكن العوائل الفقيرة فهي غالباً ما تكتض بالافراد وتنعدم فيها اجواء المطالعة
، لان هذه العوائل مشغولة بمشاكلها اليومية الملحة. ولذلك ، فان العوائل الفقيرة
في النظام الرأسمالي لا تقيم وزناً للعلم او التحصيل العلمي ، لانها تعتقد خطأ ،
ان العلم لا يؤدي الى اشباع حاجاتها الاساسية.
وعلى صعيد اللغة ، فان الطبقة الغنية
تعلم اهمية اللغة الفصحى في مخاطبة افراد النظام الاجتماعي والسيطرة على النظام
السياسي ، حيث تحمّل تلك العوائل ابنائها مسؤولية اتقان اللغة الفصحى اتقاناً تاماً
، فيتعلم افرادها التكلم بلغة نحوية خاصة منذ الصغر. اما العوائل الفقيرة فانها لا
تهتم بذلك فيتكلم ابنائها اللغة العامية الدارجة. وهذا الفارق بين من يتكلم الفصحى
ومن يتكلم العامية يؤثر على قابلية الطالب في القراءة والفهم والتعامل مع الناس.
وطالما كانت اللغة من اهم عوامل الاتصال والتفاهم الانساني ، فان اتقانها من قبل
الفرد منذ الطفولة يفتح له طريقاً مشرقاً
للمستقبل. اما الاخفاق في ذلك فانه
ينتهي بوصم الفرد بمحدودية الفهم وعدم القدرة على التعبير عما يدور في ذهنه ،
وبالتالي محدودية التأثير على الافراد ، والقصور في نقل وترجمة المعاناة والآلام التي
يعشيها الفقراء في المجتمع.
وعلى صعيد الالصاق ، فان وصم الطالب
واتهامه بمحدودية الفهم سيجعله محدوداً في الواقع الخارجي ، لان للالصاق دور نفسي
مهم في فقدان ثقة المرء بنفسه. اما اسبغاء صفة الذكاء عليه فتجعله اكثر شعورا بتطور
قابليته الذكائية ، فاذا ما تم ذلك فانه سيستجمع كل قواه الداخلية ليبرهن على انه
طالب ذكي ، وفي اغلب الاحيان ينجح في تحقيق ذلك ، ويشق طريقه العلمي بكل توفيق.
واستناداً على هذه القاعدة النفسية يوصم النظام الرأسمالي الفقراء بوصمة عدم
التدبير ويزعم انهم يملكون استعداداً ضيقاً للفهم ولذلك فانهم لا يتطورون علمياً
كما يتطور الاغنياء !! ولا شك ان هذا الوصم من صنع النظام الرأسمالي نفسه حتى
يستطيع المحافظة على التركيبة الاجتماعية الطبقية التي خلقها في الاصل. وبهذه
الطريقة يزاح الطالب الفقير الذكي من مستقبله العلمي المشرق ليحل محله طالب من
الطبقة الرأسمالية لا احد يعلم مستواه الواقعي في الذكاء.
وعلى صعيد نفسية المعلم ، فان المعلمين
في المدارس الرأسمالية العامة يميزون في التعامل الدراسي بين طلبة الطبقة الفقيرة
من جهة ، وطلبة الطبقة المتوسطة والعليا من جهة اخرى لان هؤلاء المدرسين يعتبرون
انفسهم من الطبقة المتوسطة اولا. وثانياً : لان الطلبة من الطبقة المتوسطة والعليا
غالباً ما يكونوا على درجة من النظافة وحسن السلوك والمنطق اللبق ، وهو ما
يساعد المعلم وهؤلاء
التلاميذ على التفاهم والتفاعل الاجتماعي والعلمي. اما الطلبة الفقراء فانهم
بعيدون عن كل ذلك لان وضعهم الاجتماعي لا يساعدهم على الارتفاع الى مستوى الطبقة
المتوسطة والعليا. وهذا العامل يحرم الطلبة الفقراء من الاستفادة من امكانيات وطاقات
المعلم في عملية التحصيل.
وكل هذه العوامل تحرم الطالب الفقير من
الاستمرار في التحصيل العلمي واكمال الدراسة الجامعية ، بل تجبره الظروف المعيشية
على الانخراط في العمل المهني واليدوي. وتبقى الساحة العلمية مفتوحة على مصراعيها
للطلبة الاغنياء من ابناء الطبقة الرأسمالية.
واعظم الظلم في النظام التعليمي
الرأسمالي هو محاولة النظام نسبة الذكاء الى ابناء الطبقة الرأسمالية ، وتغطيته
بغطاء علمي كاذب وهو ان الذكاء عامل وارثي اولاً ، والزعم بان الفقراء متخلفون من
الناحية العلمية لانهم متقاعسون عن التحصيل ، ثانياً. متناسياً ان الذي سبب فشل
الفقراء في التحصيل العلمي هو التراكم غير المشروع للثروة عند الاغنياء من الطبقة
الرأسمالية ، وحصر التعليم الجامعي ذو المستوى الرفيع بالاثرياء عن طريق رفع اجور
الجامعات الخاصة بشكل يستحيل على الفقراء الدخول فيها ، والمشاركة في ادارة النظام
الاجتماعي لاحقاً.
التعليم وتكافؤ الفرص
وقد نضم صوتنا الى صوت المتسائلين عن
معنى تكافؤ الفرص التعليمية في المجتمع الرأسمالي. فهل يعني ان افراد المجتمع لهم
نفس الحق في الدخول الى الجامعات مثلاً ؟ ام ان افراد اي طبقة اجتماعية اذا توفرت
فيهم الشروط سيحصلون على نفس الاحتمال المتوفر لغيرهم في الدخول الى تلك الجامعات
؟ يبدو ان المعنى الثاني هو الاقرب الى الواقع. فلو كان النظام التعليمي الرأسمالي
عادلاً ، لانعدم التمييز والتفريق مثلا بين الطالب الاسود الذي توفرت له مستلزمات
الدراسة وتفوق على اقرانه من الطلبة البيض ، وبين غيره من الطلبة في الدخول الى
ارفع الجامعات من الناحية العلمية. ولكن النظام الرأسمالي لا يتفق مع نظرتنا هذه
في تعريف تكافؤ الفرص. بل يفترض ان افراد المجتمع جميعاً لهم نفس الحق في الدخول
الى الجامعات ، وهذا التصور تصور وهمي لا يقوم على اساس علمي بالمرة. حيث يمكننا
تشبيه هذا التصور بمجموعة من المتسابقين في ساحة لعب واسعة ، متهيأين للانطلاق
والتسابق ، ولكن الفرق بينهم وبين السباق السليم ان بعضهم معاق جسديا ، وبعضهم غير
مدرب على الجري ، وبعضهم معلول من الناحية الصحية ، وبعضهم جائع ، والبعض الآخر
القليل مدرب بكفأة واتقان. وبعد ذلك يطلق الحَكَم الرأسمالي صفارة الانذار ويعلن
بدأ السباق ليرى من يصل الى النهاية المحددة ، لاستلام جائزته ، مكافأة لجهده
المبذول. وهذا المثال يصور لنا معنى تكافؤ الفرص في النظام التعليمي الرأسمالي بكل
دقة. ففي الوقت الذي يهيأ الرأسماليون ابنائهم منذ الطفولة للتحصيل
العلمي والاكتساب
والجد ، ويحصرون الجامعات الخاصة بابنائهم ، ويحرمون الفقراء من كل وسيلة للتفوق
العلمي وكسر حاجز الجامعات المحصنة ، يعرض الرأسماليون فكرتهم الرائعة الموسومة ب
« تكافؤ الفرص » ويدعون انها من افضل ما جاء به العقل البشري من ناحية العدالة
والانسانية والمساواة. لكننا نقول : نعم لو كانت الثروة موزعة بشكل عادل بين افراد
المجتمع جميعاً لكانت فكرة تكافؤ الفرص من اروع الافكار التي جاء بها الانسان.
ولكن طالما كانت الثروة متراكمة عند القلة الرأسمالية ، وكانت الكثرة مشغولة بسد
رمقها واشباع حاجاتها الاساسية ، فكيف تتحقق عندئذ فكرة « تكافؤ الفرص » التي تزعم
الرأسمالية نجاحها على ارضها ؟ وكيف يستطيع الجائع الحافي التنافس في نظام تكافؤ
الفرص مع المترف الممتلئ ؟ اليس اشباع حاجات الانسان الاساسية بالعدالة والتساوي
اولى من الحديث عن تكافؤ الفرص ؟ واذا كانت الحصة العظمى من هذه الفرص تذهب الى
افراد الطبقة الرأسمالية فاين التكافؤ في فكرة ( تكافؤ الفرص ) ؟
واذا كانت الفرص متكافئة لكل الافراد ،
فماذا يجيب انصار الفكرة الرأسمالية عن سبب فصل المدارس الابتدائية والثانوية في
الولايات المتحدة على اساس لون البشرة حتى العقد السادس من القرن العشرين ، بل حتى
نهاية القرن العشرين في مراكز المدن الكبيرة ؟ فالطلبة البيض لا يسجلون في المدارس
التي تحتل مقاعدها اغلبية سوداء. ويدعم هذا القول دراسة « كولمان » المدعومة من
قبل الحكومة الامريكية في الستينات والتي تبين ان المستوى الدراسي والتحصيل العلمي
للطلبة السود اقل بكثير من التحصيل
العلمي للطلبة البيض
، وتعزي السبب في ذلك الى ان الطبقة الاجتماعية للطالب الفقير هي الاصل في انخفاض
مستواه العلمي. وطالما كانت الاغلبية من الافراد السود من الفقراء ، فان المستوى
العلمي لابنائهم ادنى من المستوى العلمي لاقرانهم من الطلبة البيض. وقد اثبتت التجارب
ان جميع المحاولات التي وضعت لرفع مستوى الطلبة السود علمياً قد فشلت لانها لم
تعالج المشكلة الاساسية ، وهي مشكلة توزيع الثروة بالعدالة بين الطبقات الاجتماعية
، بل تناولت تلك المحاولات تقديم حلولاً ثانوية لمشكلات لا تحل الا بالحلول
الجذرية.
وعندما ننتقد فكرة ( تكافؤ الفرص )
الامريكية ، لا نريد ان نحمّل الفكرة اكثر مما تستطيع ان تحمله ، بمعنى ان تكافؤ
الفرص في التعليم لا يعني بالمرة المساواة بين الافراد في الوضع العلمي والاجتماعي
، لان الافراد متفاوتون حتما في قابلياتهم الفكرية والعملية. ولكننا نقول ان فكرة
( تكافؤ الفرص ) الرأسمالية الامريكية تعطي الفرصة للاقوى بربح السباق والفوز
بالجائزة الاجتماعية المقدمة من قبل النظام الرأسمالي.
وبطبيعة الحال فان المؤسسة التعليمية لا
يمكن ان تغير نفسها ما لم يتغير النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ، الا ان
النظام الرأسمالي صب جهوده السياسية في انشاء نظام مدرسي يخدم اهدافه واغراضه في
ترسيخ الفكرة الطبقية وتدريب الطلبة على المنافسة الاقتصادية ، بمعنى خلق شخصياتهم
الرأسمالية منذ الطفولة.
من اسباب فشل النظام التعليمي الرأسمالي
وتعكس المدارس في النظام الاجتماعي ،
الحالة التي يعيشها المجتمع في فترة معينة من تأريخه. فاي تغير في النظام الاخلاقي
او السياسي للمجتمع لابد وان يلقي بظلاله على النظام التعليمي ومناهجه المرسومة.
ولا شك ان النظرة الحديثة للتعليم تدعو الى تخفيف العبأ الدراسي الملقى على الطالب
حتى ينفتح ذهنه لاستيعاب معلومات اقل واعمق وادق. وهذه النظرة بالتأكيد تحتمل
الخطأ والصواب ، فبعض المفكرين الرأسماليين يلقون تبعة فشل النظام التعليمي
الرأسمالي على هذا القول الذي يدعو الى تخفيف المناهج الدراسية وتسهيل موادها.
ولكن الرأي السديد يشير الى ان الطالب اليافع اذا توفرت له مستلزمات التحصيل ومواد
الدراسة ، يستطيع تحمل مسؤولية التعلم بشكل كامل ، دون الرجوع الى تسهيل المادة
الدراسية. والعامل المهم في كل ذلك هو التأديب والتهذيب وليس تخفيف وتسهيل المنهج
العلمي. فاذا شجع التلميذ على حب العلم منذ نعومة اظفاره ، وهذبت غرائزه واخلاقه ،
انفتحت ذهنيته لتقبل العلم وهضم المعارف الانسانية. ومع ان عقلية الطفل الرأسمالي
متفتحة ، وذهنيته ارض خصبة لانبات العلم ، الا ان النظام التعليمي الامريكي في
المرحلة الثانوية يعتبر من اسوأ الانظمة التعليمية في العالم الصناعي ، لماذا ؟ لا
يجيب مفكروا النظام الرأسمالي على هذا السؤال بجواب واحد ، بل يعزون فشل النظام
التعليمي الى عدة اسباب.
الاول
: ان عجز القانون الرأسمالي والنظام
الاجتماعي عن تأديب اطفال
الحضارة الحديثة ،
وبالخصوص اطفال المجتمع الرأسمالي ، نابع من تناقض واضطراب دور البيت والمدرسة ،
فيرى بعض علماء الاجتماع ان التأديب ليس من واجبات البيت ، بل هو من واجبات
المدرسة. ويرى البعض الآخر ان من واجب المدرسة تقديم العلم للتلاميذ فحسب ، وليس
من واجبها القيام مقام الاب او الام في تأديب الطفل ، وهذا الاضطراب في دور البيت
والمدرسة تجاه تربية الطفل ، ادى الى ضعف النظام التعليمي الرأسمالي ، لان الطفل
لم يلزم في الانصياع للتهذيب البيتي ، ولم يلزم لتحصيل العلم المدرسي.
الثاني
: ان التغير المستمر في الوضع الاجتماعي
الرأسمالي خصوصا على صعيد الانفصال العائلي والطلاق واجتماع الرجل والمرأة دون عقد
زواج ، وكثرة الولادات غير الشرعية ، يؤدي الى عدم استقرار النظام العائلي الذي
يعتبر ركيزة اساسية في تقدم الطفل في الميادين العلمية والاجتماعية.
الثالث
: تأثير الاجهزة الاعلامية الحديثة على
الاطفال ، حيث يسلب هذا الجهاز الصغير ذو الشاشة المرئية ، اهتمامات الاطفال في
القراءة والكتابة والتحصيل مما يسبب انخفاضا في مستوى تفكير الطالب الذي لو توفرت
له الفرصة دون وجود مثل هذا الجهاز لأبدع ونبغ في شتى المعارف.
الرابع
: ان المناهج الدراسية للمدارس
الابتدائية والثانوية مناهج واسعة وشاملة لمواضيع عديدة الا انها لا تمتلك عمقاً
كافيا للنهوض بالمستوى التعليمي المأمول. اضف الى ذلك ان مجلس ادارة المدرسة يضيف
المواد الدراسية التي يعتقد انها نافعة للطلبة في تلك المحلة. فاذا كانت المحلة
مبتلية بمشاكل الخمور والمخدرات فان المجلس يضيف دروسا تتناول تلك
المواضيع. واذا كان
الوضع الاخلاقي في المحلة متدهوراً من ناحية علاقة الرجل بالمرأة ، فانه يضيف
دروساً حول التغشي بين الذكور والاناث ووسائل منع الحمل. وهذه المواضيع المليئة
بالاحصاءات تسلب الوقت المخصص للدروس الاساسية الواجب على الطالب تعلمها.
الخامس
: ان مستويات المعلمين متدنية علمياً
بسبب تدني الاجور التي يتقاضاها هؤلاء ، فلا يفكر الاذكياء والنابغون دخول معاهد
اعداد المعلمين لانها لا تدر ربحاً في مجتمع يتنافس فيه الناس على جني اقصى ما
يمكن جنيه من الارباح. حيث يوزن الانسان في المجتمع الرأسمالي بالمال ، فان كان
غنيا منحه المجتمع تقديراً واجلالا ، وان كان فقيرا شارك المجتمع في احتقاره
واهانته. ولما كان المعلم من الطبقة الوسطى ـ السفلى ، افتقد عندها الهالة التي
ينبغي ان تحيط به وتجعله محط انظار الطلبة ومحط احترامهم. وهذا الامر في غاية
الاهمية في عملية الارسال والاستلام بين الطلبة والاستاذ خلال مراحل التحصيل العلمي
، وافتقادها يعني اختلال عملية التحصيل.
السادس
: التنافس على تحصيل اعلى الدرجات بين
الطلبة ، وليس تحصيل الفهم كما ذكرنا ذلك سابقاً.
ومع ان هذه الاسباب جديرة بخفض المستوى
العلمي لاية مدرسة كانت ، وفي اي مجتمع كان ، الا ان النظام السياسي والتشريعي
يغمض عينيه ويدعي ان المشكلة في انخفاض المستوى العلمي للمدارس الرأسمالية يرجع
سببه الى قضيتين ، الاولى : المناهج المدرسية ، والثانية : المدرسين. بمعنى ان
علاج المشكلة التعليمية تتم عن طريق اصلاح المناهج الدراسية ورفع اجور المدرسين
فقط. وهذا التوجه يخدم مصالح النظام الرأسمالي خدمة
عظمى لان تحوير
المناهج التي يضعها النظام بحيث تصبح اداة لتمجيد النظام الرأسمالي ودرج حسناته
وتبين مساوئ الانظمة الاخرى ، ورفع طبقة المدرسين الى مستوى الطبقة الوسطى ـ
العليا ، سيساهم في تسخير هؤلاء المعلمين للتسبيح بحمد النظام الرأسمالي وتمجيد
عدالته ، وبذلك يصبح النظام التعليمي الذي اريد به اساسا تعليم الجيل الناشىء
العلم والادب والاخلاق ، اداة بيد الاغنياء ، ومطرقة بيد الرأسمالية حتى تُكمّ كل
الافواه المعارضة التي لا تطلب اكثر من تطبيق العدالة الاجتماعية في المجتمع الرأسمالي
الحديث.
القسم
الثاني
النظام
التعليمي في الاسلام
دور العقل في عملية التحصيل * ملحق :
حديث الامام موسى بن جعفر في العقل والعلم * نظرية التعليم في الاسلام * « المدرسة
» في النظام الاجتماعي * التعليم والعدالة الاجتماعية في الاسلام.
دور العقل في عملية التحصيل
ذكر ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني
في مقدمة كتابه ( اصول الكافي ) خلاصة رأي الاسلام في فضائل العلم واهمية العقل
قائلاً : ( ان العقل هو القطب الذي عليه المدار وبه يحتج وله الثواب وعليه العقاب
) . وهذا قول
يفسر الحديث الوارد عن الامام الصادق 7
في اهمية العقل عند الخالق عز وجل حيث خاطبه بقوله : ( ... وعزتي وجلالي ما خلقت
خلقاً هو احب اليَّ منك ولا اكملتك الاّ فيمن احب اما اني اياك آمر ، واياك انهي
واياك اعاقب ، واياك اثيب ) .
ويقرّب ما ورد ايضاً عنه في استدلاله على اهمية العقل في ادراك عظمة الخالق : ( ان
اول الاُمور ومبدأها وقوتها وعمارتها التي لا ينتفع شيء الا به ، العقل الذي جعله
الله زينة لخلقه ونوراً لهم. فبالعقل عرف العباد خالقهم ، وانهم مخلوقون ، وانه
المدبر لهم ، وانهم المدبرون ، وانه الباقي وهم الفانون ؛ واستدلوا بعقولهم على ما
رأوا من خلقه ، من سمائه وارضه ، وشمسه وقمره ، وليله ونهاره ، وبان له ولهم
خالقاً ومدبراً لم يزل ولا يزول ، وعرفوا بها الحسن من القبيح ، وان الظلمة في
الجهل ، وان النور في العلم ، فهذا ما دلهم عليه العقل ) .
وهذا التعظيم والتكريم لاهمية العقل في
حياة الفرد ، ليس وليد صدفة ، فالاسلام لا يمجد العقل باعتباره اداة لاستيعاب
المعلومات
__________________
وخزنها ، ثم
استرجاعها وتحليلها فحسب ، بل يعتبره اهم اداة لمعرفة الخالق عز وجل ، ولولاه
لاصبح الانسان بهيمة اخرى لا تعي من واقعها ولا تهتم بأمر مثل اهتمامها بغرائزها
الحيوانية.
ولكن العقل البشري بدّل المعادلة
الحيوانية وقلبها لصالح الانسان ، فاصبح هذا الكيان الكريم بحكم عقله مكلفاً
بالمسؤوليات الشرعية ومحاسباً عليها. واصبح العقل ، الحجة التي يحتج بها الله عليه
يوم القيامة. واذا كان العقل بهذه المنزلة الخطيرة في حياة الانسان ، فما هي
ماهيته وما هي طبيعته ؟ وجواباً على هذا السؤال ، نقول ان الحكماء اجمعوا على ان
العقل مرآة واقعية لتعقّل الاشياء وفهمها ، ومحطة ادراك الخير والشر والتمييز
بينهما ، واعتبروه استعداد النفس لتحصيل النظريات والابتكارات. وبالاجمال فلكي
يدرك العقل ويستوعب المعارف التي ينتفع بها ، فلابد للفرد من الاجتهاد في تنمية
قوة ادراكه للخير والشر ، والتمييز بينهما عن طريق علوم الطبيعة والدين والاخلاق
وما يتعلق بهما من معارف وغايات. فحينما يحاول العقل انشاء العلوم النافعة للانسان
في حياته العملية ، فانه يستخدم طاقته الجبارة لانشاء نظرية معاشية تدله على تعلم
العلوم التطبيقية لتدر عليه شتى انواع المنافع ، وتيسر له سبل العيش الانساني
الكريم ، كعلوم الزراعة والصناعة والطب والهندسة والفضاء. ولا شك ان ترجمة الافكار
التي ينشئها العقل ويحاول تطويرها وتنميتها لابد ان تتم عن طريق خاص يشترك فيه
جميع الافراد في النظام الاجتماعي ، وهو النطق.
فيتميز تحصيل العقل وترجمة الافكار التي
يحملها بالنطق ، فالانسان كيان ناطق ، وهذا النطق الذي يمثل رمز التفاهم بين الناس
يميز هذا الكائن
المفكر عن غيره من العجماوات. وبطبيعة
الحال ، فان علوم اللغة وما يتفرع عنها من معارف وحقول ، تمثل قابلية العقل على
ترجمة الافكار الخافية الى رموز مسموعة تستفيد منها الانسانية في تعاملها
الاجتماعي جيلاً بعد جيل ؛ وان استعداد النفس لتحصيل النظريات والفرضيات ، يساهم
في تطوير العلوم التي تخدم مصلحة الانسان. فلو اراد العالِم التجريبي وضع نظرية
تتناول حركة الالكترونات في الذرة مثلاً ، فما عليه الاّ ان يفترض افتراضاً نظرياً
يتناول فيه حركة تلك الشحنات ، ويفصّلها تفصيلاً نظرياً. ثم يقوم بعد ذلك بتجارب
خاصة لاثبات صحة فرضيته ، فاذا تم له ذلك بالتجربة والخطأ تطورت فرضيته القائمة
على مجرد الظن الى نظرية قائمة على اساس ثبوت الحقائق. وهذا الاستعداد النفسي في
انشاء الافتراض وتحصيل النظرية يرفع العلم التجريبي من المستوى النظري المجرد الى
مستوى عال من الدقة التجريبية والمهارة والاتقان.
وخلاصة القول ، فان الانسان العاقل
المدرك يحتاج في حياته العملية الى اربعة اصناف من العلوم حتى يستطيع ان يكون
عضواً نافعاً فعالاً في النظام الاجتماعي. الاول : علوم اللغة وما يتعلق بها من
معارف ، فتعتبر عنصراً اساسياً من عناصر حفظ الاجتماع الانساني وتنميته ، لانه عن
طريقها يتم التفاهم والاتصال بين الافراد في النظام الاجتماعي. الثاني : علوم
الدين والاخلاق وما يتعلق بهما من معارف ، وهذا العنصر اساسي في استقرار النظام
الاجتماعي ونشر العدالة الاجتماعية بين جميع الافراد. الثالث : العلوم النظرية ،
وهي النظريات والفرضيات التي يحتاجها الانسان كقاعدة يبني عليها بناءه العلوي في
العلوم التجربيبة. الرابع : العلوم
التطبيقية ، وهي ثمرة العلوم الطبيعية
التي يعتصر الانسان بواسطتها كل ما يتمكن اعتصاره من خيرات الارض ، بشكل يمكّنه من
توفير وتيسير سبل العيش لكل افراد المجتمع الانساني.
وقد اكدت الروايات المروية عن ائمة اهل
البيت : على حاجة
الانسان الى تلك العلوم والى ضرورة تعلمها ، من اجل المصلحة الاجتماعية. فعلى
مستوى الصنف الاول ، ورد قول الامام جعفر بن محمد 7
: ( تعلموا العربية فانها كلام الله الذي يكلم به خلقه ) . وعلى مستوى الصنف الثاني ، ورد في
وصية الامام علي بن ابي طالب لابنه الحسن 8
: ( وان ابدأك بتعليم كتاب الله عز وجل وتأويله ، وشرائع الاسلام واحكامه ، وحلاله
وحرامه لا اجاوز ذلك بك الى غيره ) .
وعلى مستوى الصنف الثالث ورد قول الامام علي بن ابي طالب ايضاً : ( لا علم
كالتفكير ... ) .
وعلى مستوى الصنف الرابع ورد عن الامام جعفر بن محمد 7
ما يدعو الى التعليم المهني : ( ... فكل ما يتعلم العباد او يعلّمون غيرهم من صنوف
الصناعات مثل الكتابة والحساب والتجارة والصياغة والسراجة والبناء والحياكة والقصارة
والخياطة ... وانواع صنوف الآلات التي يحتاج اليها العباد التي منها منافعهم وبها
قوامهم وفيها بلغة جميع حوائجهم فحلال فعله وتعليمه والعمل به وفيه ولنفسه او
لغيره ، وان كانت تلك الصناعة وتلك الآلة قد يستعان بها على وجوه الفساد ووجوه
المعاصي
__________________
ويكون معونة على
الحق والباطل فلا بأس بصناعته وتعليمه نظير الكتابة التي هي على وجه من وجوه
الفساد من تقوية معونة ولاة الجور ، وكذلك السكين والسيف والرمح والقوس وغير ذلك
من وجوه الآلة التي قد تصرف الى جهات الصلاح وجهات الفساد وتكون آلة ومعونة عليها
فلا بأس بتعليمه وتعلمه واخذ الاجر عليه وفيه العمل ، والعمل به وفيه لمن كان له
فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق ، و محرّم عليهم فيه تصريفه الى جهات الفساد
والمضار ، فليس على العالم والمتعلم اثم ولا وزر لما فيه من الرجحان في منافع جهات
صلاحهم وقوامهم به وبقائهم ... ) .
ويستفاد من هذه الروايات جميعاً ، ان الاصل في العلوم الاجتماعية والتجريبية
والدينية ، هو بناء النظام الاجتماعي ، وبناء الفرد بشكل يجعله مرتبطاً بالخالق
سبحانه ، اولاً. وقادراً على تأدية التكاليف الشرعية ، ثانياً. وقادراً على اشباع
حاجاته الاساسية ، ثالثاً.
وقد شجع الاسلام استخدام العقل بما
يتناسب مع الاطار الفكري التي جاءت به الشريعة الاسلامية. فقد ميزت الشريعة بين
العلوم الضارة والعلوم النافعة ، فاجازت وشجعت على تعلم وتعليم العلوم النافعة ،
ومنعت تعلم العلوم الضارة. واشارت الى ان العلوم النافعة ، هي التي تدفع المفاسد ،
وتجلب المصالح للناس. فاذا كان من ثمرة علوم الهندسة المدنية مثلاً ، بناء السدود
التي تسيطر على مستويات كميات الماء في الاوقات الاستثنائية ، فان الاسلام يشجع
الافراد على تعلمها واتقانها ، والابداع في تطويرها بما يتناسب مع حاجة الافراد في
النظام الاجتماعي. واذا كانت العلوم الطبية
__________________
تساهم في شفاء
الافراد من الامراض ، فان الدين ، يوجب تعلم هذه العلوم ، والتقدم في تطبيقها ،
وتنفيذها لمعالجة الناس. اما اذا كان هدف العلوم اضرار الناس واتلاف محاصيلهم
ومصالحهم ، كنشر السموم او تلويث البيئة بحيث يشكل ضررا على الافراد ، فانه يمنع
ذلك ويحرمه ، كما ورد في حديث الامام جعفر بن محمد في تحريم العلوم التطبيقية التي
تؤدي الى الفساد والضرر.
وربما يستفاد من مقتضى نص قوله تعالى في
خطاب النبي 9 : ( وَقُل رَبّي زِدني عِلماً
) ، زيادة على ما قيل بأمر الله النبي 9 بعدم التعجيل بقراءة القرآن وقت نزول
الوحي ، ان الاسلام لم يقيد العلم بعلوم الدين بل اطلق عبارة العلم لتشمل كل
العلوم التي تنفع الانسان في حياته العملية والدينية. ومنها علوم الطب والتمريض
والهندسة والفيزياء والكيمياء والفلك والتربة والجغرافية والتربية التي تساهم
جميعاً في تيسير حياة الانسان. لظهور النص القرآني واطلاقه اولاً ، وللنصوص
الشرعية الاُخرى التي تعضد هذا الرأي ، ثانياً.
وربما نجد في حديث الامام موسى بن جعفر 7 ( ص ٤٦٤ ) ما يسند ، مع كونه مرسلاً ،
الفكرة الاساسية للاسلام حول دور العقل في الحياة الاجتماعية. فلم يخلق العقل
لمعرفة الصانع جل وعلى فحسب ، بل جُعل وسيلـة لتحصيل العلم الذي يؤدي الى منفعة
الافراد وتسهيل امور حياتهم. ولم يقيد الشارع العلم بالعلم الديني فحسب ، بل اطلق
معنى العلم ليشمل كل المنافع التي يستفيد منها الفرد في حياته الانسانية. فلم يهمل
__________________
الاسلام الحث على طلب العلوم غير
الدينية التي يتكامل معها المجتمع الانساني ، ويتوجه بعد سد حاجاته الاساسية الى
معرفة الخالق وعبادته والتقرب اليه بشتى وسائل التقرب. فقد ورد عن الامام علي بن
ابي طالب 7 قوله : ( ان
من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال : يجيب اذا سئل ، وينطق اذا عجز القوم عن
الكلام ، ويشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح اهله ) . وعموم الاشارة بالرأي النافع الذي فيه
صلاح القوم او الاهل ، ينطبق على كل امر فيه مصلحة انسانية ، تجريبية كانت أو
اجتماعية.
__________________
ملحق : حديث الامام موسى بن جعفر 7 في العقل والعلم
وفي حديث الامام موسى بن جعفر 7 هذا الذي اختصرناه بما يناسب هذا
الكتاب اشارة الى دور العقل والعلم في العبادة والتفكر ومنفعة الناس. يقول الامام 7 في خطابه لهشام بن الحكم : ( ان الله
تبارك وتعالى بشّر اهل العقل والفهم في كتابه فقال : (
فَبَشّر عِبادِ
الَّذينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ اَحسَنَهُ اُولئِكَ الَّذينَ
هَداهُمُ اللهُ وَاُولئِكَ هُم اُولُوا الاَلبابِ
) . ان الله تبارك وتعالى اكمل للناس
الحجج بالعقول ، نصر النبيين بالبيان ، ودلّهم على ربوبيته بالادلة ، فقال : ( وَاِلهُكُم اِلهٌ واحِدٌ ، لا اِلهَ اِلاّ هُوَ
الرَّحمنُ الرَّحيمُ. اِنَّ في خَلقِ السَّمواتِ وَالاَرضِ وَاختِلافِ الليلِ
وَالنَّهارِ وَالفُلكِ التي تَجري في البَحرِ بِما يَنفَعُ النّاسَ ، وَما اَنزَلَ
اللهُ مِنَ السَّماءِ مِن ماء فَاَحيا بِهِ الاَرضَ بَعدَ مَوتِها وَبَثَّ فِيها
مِن كُلِّ دابَّة وَتَصريفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّماءِ
وَالاَرضِ لآيات لِقَوم يَعقِلُونَ
) .
وقد جعل الله ذلك دليلاً على معرفته بان
لهم مدبّراً ، فقال : (
وَسَخَّرَ لَكُمُ
الليلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأمرِهِ
اِنَّ فِي ذلِكَ لآيات لِقَوم يَعقِلُونَ
) . وقال : (
هُوَ الَّذي
خَلَقَكُم مِن تُراب ثُمَّ مِن نُطفَة ثُمَّ مِن عَلَقَة ثُمَّ يُخرِجُكُم طِفلاً
ثُمَّ لِتَبلِغُوا اَشُدَّكُم ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً
__________________
وَمِنكُم
مَن يُتَوَفّى مِن قَبلُ وَلِتَبلُغُوا اَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُم تَعقِلُون
) . وقال : (
وَاختِلافِ
اللَّيلِ وَالنَّهارِ وَما اَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِن رِزق فَاَحيا بِهِ
الاَرضَ بَعدَ مَوتِها وَتَصريفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوم يَعقِلُونَ
) . وقال : (
يُحيي الاَرضَ
بَعدَ مَوتِها ، قَد بَيَّنا لَكُم الآياتِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ
) . وقال : (
وَجَنّاتٌ مِن
اَعناب وَزَرعٌ ، وَنَخيلٌ ، صِنوانٌ وَغَيرُ صِنوان يُسقى بِماء واحِد
وَنُفَضِّلُ بَعضَها عَلى بَعض في الاُكُلِ اِنَّ فِي ذلِكَ لآيات لِقَوم
يَعقِلُونَ ) .
وقال : ( وَمِن آياتِهِ يرُيكُمُ
البَرقَ خَوفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءاً فَيُحيي بِهِ الأرضَ
بَعدَ مَوتِها اِنَّ فِي ذلِكَ لآيات لِقَوم يَعقِلُونَ
) . وقال : (
قُل تَعالَوا
اَتلُ ما حَرّمَ رَبِّكُم عَلَيكُم اَلاّ تُشرِكُوا بِهِ شَيئاً وَبِالوالِدَينِ
احساناً وَلا تَقتُلُوا اَولادَكُم مِن اِملاق نَحنُ نَرزُقكُم وَاِيّاهُم وَلا
تَقرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَن وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ التي
حَرَّمَ اللهُ اِلاّ بِالحَقِّ ذلِكُم وَصّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ
) . وقال : (
هَل لَكُم مِن ما
مَلَكَت اَيمانُكُم مِن شُرَكاءَ فِيما رَزَقناكُم فَاَنتُم فيهِ سَواءُ
تَخافُونَهُم كَخِيفَتِكُم اَنفُسَكُم ، كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوم
يَعقِلُونَ ) .
ان العقل مع العلم فقال : ( وَتِلكَ الاَمثالُ نَضرِبُها لِلنّاسِ وَما يَعقِلُها
__________________
اِلاّ
العالِمُونَ ) .
ثم ذم الذين لا يعقلون فقال : (
وَاِذا قِيلَ
لَهُم اتَّبِعُوا ما اَنزَلَ اللهُ قالُوا بَل نَتَّبِعُ ما اَلفَينا عَلَيهِ
آباءَنا اَوَلَو كانَ آباؤُهُم لا يَعقِلُونَ شَيئاً وَلا يَهتَدُونَ
) . وقال : (
وَمَثَلُ الَّذينَ
كَفَرُوا كَمَثَل الَّذي يَنعَقُ بِما لا يَسمَعُ اِلاّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ
بُكمٌ عُميٌ فَهُم لا يَعقِلُونَ
) . وقال : (
وَمِنهُم مَن
يَستَمِعُونَ اِلَيكَ اَفَأنتَ تُسمِعُ الصُمَّ وَلَو كانُوا لا يَعقِلُونَ
) . وقال : (
اَم تَحسَبُ اَنَّ
اَكثَرهُم يَسمَعُونَ اَو يَعقِلُونَ اِن هُم اِلاّ كَالاَنعامِ بَل هُم اَضَلُّ
سَبيلا )
. وقال : ( لا يُقاتِلُونَكُم جَمِيعاً اِلاّ فِي قُرىً
مُحَصَّنَة اَو مِن وَراءِ جُدُر بَأسُهُم بَينَهُم شَديدٌ تَحسَبُهُم جَميعاً
وَقُلُوبُهُم شَتّى ذلِكَ بِاَنَّهُم قَومٌ لا يَعقِلُونَ
) . وقال : (
وَتَنسَونَ
اَنفُسَكُم وَاَنتُم تَتلُونَ الكِتابَ اَفَلا تَعقِلُونَ
) .
ثم ذكر اولي الالباب باحسن الذكر ،
وحلاّهم باحسن الحلية ، فقال : (
يُؤتي الحِكمَةَ
مَن يَشاءُ وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد اُوتِيَ خَيراً كَثيراً وَما يَذَّكَّرُ
اِلاّ اُولُوا الاَلبابِ ) .
وقال : ( وَالرّاسِخُونَ فِي العِلمِ
يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌ مِن عِندِ رَبّنا وَما يَذَّكَّرُ اِلاّ اُولُوا
الاَلبابِ )
. وقال : ( اِنَّ فِي خَلقِ
__________________
السَّمواتِ
والاَرْضِ واختِلافِ الليلِ والنَّهارِ لآيات لاوُلي الالبابِ
) .
وقال : (
اَفَمَنْ يَعلَمُ
اَنَّما اُنزِلَ اِلَيكَ مِن رَبِّكَ الحَقُّ كَمَن هُوَ اَعمى اِنَّما
يَتَذَكَّرُ اُولُوا الاَلبابِ
) . وقال : (
اَمَّن هُوَ
قانِتٌ : ناءَ اللَّيلِ ساجِداً وَقائِماً يَحذَرُ الآخِرَةِ وَيَرجُوا رَحمَةَ
رَبِّهِ قُل هَل يَستَوي الَّذينَ يَعلَمُونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمُونَ اِنَّما
يَتَذَكَّرُ اُولُوا الاَلبابِ
) . وقال : (
كِتابٌ اَنزَلناهُ
اِلَيكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ اُولُوا الاَلبابِ
) . وقال : (
وَلَقَد آتَينا
مُوسى الهُدى وَاَورَثنا بَني اِسرائيلَ الكِتابَ هُدىً وَذِكرى لاُولِي الاَلبابِ
) . وقال : (
وَذَكِّر فَاِنَّ
الذِكرى تَنفَعُ المُؤمِنينَ ) .
ان الله تعالى يقول في كتابه : ( اِنَّ في ذلِكَ لَذِكرى لِمَن كانَ لَهُ قَلبٌ
) ، يعني : عقل ، وقال : ( وَلَقَد آتَينا لُقمانَ الحِكمَةَ
) ، قال : الفهم والعقل. ان لقمان قال
لابنه : « تواضع للحق تكن اعقل الناس ، وان الكيّس لدى الحق يسير ، يا بني ان
الدنيا بحر عميق ، وقد غرق فيها عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها
الايمان وشراعها التوكل ، وقيّمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكانها الصبر ».
ان لكل شيء دليلاً ودليل العقل التفكر ،
ودليل التفكر الصمت. ان
__________________
لله على الناس حجتين
: حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فامّا الظاهرة فالرسل والانبياء والائمة 7 ، واما الباطنة فالعقول.
كان اميرالمؤمنين 7 يقول : ما عبد الله بشيء افضل من العقل
، وما تم عقل امرىء حتى يكون فيه خصال شتى : الكفر والشر منه مأمونان ، والرشد
والخير فيه مأمولان ، وفضل ماله مبذول ، وفضل قوله مكفوف ، ونصيبه من الدنيا القوت
، لا يشبع من العلم دهره ، الذل احب اليه مع الله من العز مع غيره ) .
__________________
نظرية التعليم في الاسلام
ويختصر الاسلام نظريته في التعليم باول
كلمة وحي من الباري عز وجل نزلت على صدر الرسول العظيم محمد 9 ، وهي كلمة : ( اقرأ
... ). ومع ان هذه
الجملة في الآية الكريمة تفيد خصوص القراءة للرسول 9
الاّ ان مقتضاها اكبر من ذلك. فتوجيه صيغة الامر بالقراءة يساعد المكلفين على فهم
الاحكام الشرعية وتطبيقها ، ويساعدهم ايضاً على قراءة القرآن والتفكر في آياته
العظيمة ، وعلى تنشيط عقولهم لتطوير الحياة الانسانية في مختلف مجالاتها
الاقتصادية والاجتماعية. وفي الحديث التالي المروي عن الامام علي بن ابي طالب 7 دلالة على ان طلب العلم والتفقه يشمل
المسلمين عموماً ولا يخص فئة دون اخرى ، حيث يقول 7
: ( ايها الناس اعلموا ان كمال الدين طلب العلم والعمل به ، وان طلب العلم اوجب
عليكم من طلب المال. ان المال مقسوم بينكم مضمون لكم ، قد قسّمه عادل بينكم وضمنه
، سيفي لكم به ، والعلم مخزون عليكم عند اهله قد أمرتم بطلبه منهم فاطلبوه ،
واعلموا ان كثرة المال مفسدة للدين مقساة للقلوب وان كثرة العلم والعمل به مصلحة
للدين سبب الى الجنة ، والنفقات تنقص المال ، والعلم يزكو على انفاقه ) . فكمال الدين اذن ، حسب الرواية ،
والسمو في فهم الاحكام الشرعية وعللها ، لا يتم الاّ عن طريق طلب العلم والاجتهاد
في تحصيله. وبذلك فان الاسلام وضع العلم على سلم الحاجات البشرية
__________________
التي ينبغي اشباعها.
وليس هناك ادنى شك من أن الاعمال التي
يقوم بها الفرد في حياته العملية تحتاج الى كمية من العلوم ، تقدرها المصلحة
الاجتماعية. فالطب وتخطيط المدن وجمع الحطب مثلاً تحتاج الى علوم تتناول تلك
الاختصاصات. فعلم التشريح والعقاقير والكيمياء يطور علم الطب ، ودراسة القياسات
ومعرفة علم المساحة وتربة الارض ومواد البناء يساعد في علم تخطيط المدن ، ودراسة
الاشجار واخشابها وطريقة قطعها واسلوب نقلها يساعد الافراد المهتمين بعملية جمع
الحطب واستخدامه في عملية توليد الطاقة. وفي كل تلك الامثلة يكون العلم الاختصاصي
هو المحور والمدار في تطوير المهنة التي يقوم بها العامل المختص. وبطبيعة الحال ،
فان الاختصاص ، ليس القطب الوحيد الذي يعرضه الاسلام ضمن اهتمامه بالعلوم
التطبيقية ، بل يطرح فكرة التسخير ايضاً ، باعتبارها منهجاً عملياً للتفاعل
الاجتماعي. فجوهر فكرة التسخير يقول بان الافراد مسخرون بالاصل لخدمة بعضهم البعض
، فقد ورد قوله تعالى بهذا الخصوص : (
وَرَفَعنا
بَعضَهُم فَوقَ بَعض دَرَجات لِيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضاً سِخرِيّا
) . وهي اشارة الى ان النظام الاجتماعي لا
يحيى الاّ عن طريق تسخير جهود الافراد الشخصية لخدمة بعضهم البعض في شتى المجالات
الحياتية الضرورية للبقاء البشري على الارض. حيث تقوم العلوم التخصصية في عملية
التسخير بدور العامل المساعد في تطوير تلك العملية وتسهيلها خدمة للنظام الاجتماعي
العام وافراده. ولم تتوقف فكرة التسخير على
__________________
الاعمال اليدوية
والاعمال القائمة على الجهد الانساني العضلي ، بل تتعدى الى الجهد العلمي والفكري
الذي يقوم به الانسان. ومن ذلك ، الجهد العلمي الذي يؤديالى الاجتهاد في علوم
الدين ، وبالخصوص الفقه والاصول. وعملية الاجتهاد هذه ، تعتبر جزءاً من نظرية
التسخير ، فاجتهاد المجتهد وعلمه ينبغي ان يسخر كلياً لخدمة الامة ، بالتوافق مع
حاجاتها وبالتناسب مع طموحاتها في انشاء نظام اجتماعي سياسي ديني متكامل.
ولكن الحركة الاجتهادية في الفقه
والاصول قاست في العصور الاسلامية الاولى انعزالاً سياسياً ادى الى تحديد الهدف
الاجتماعي من التعليم. فبدلاً من تعميم مفهوم التعليم وجعله حقاً لكل فرد سعت
السلطات السياسية الحاكمة الى الحفاظ على مستوى من الجهل والتخلف الفكري السائد
بين الافراد انذاك ، لان السلطات كانت تشعر ان نشر العلم بين افراد الامة سيؤدي
الى هزم الكيان السياسي الظالم وتقويض اركانه. وكان من نتائج هذا الانعزال تقلص
النظرية الاجتماعية للفقه الاسلامي ، وظهور الاتجاه الفقهي الذي يهتم بشؤون الفرد
اكثر من اهتمامه بشؤون الامة. وانصب اهتمام الفقهاء بالحث على تحصيل العلوم
الدينية المتمثلة بالفقه والاصول وعلوم الحديث واللغة والمنطق بالقلة المختارة من
الافراد ، بينما اهمل تعليم الافراد عموماً ، بل ان الامة الاسلامية باتت على
قسمين ، القسم الاول والاكبر سماهم الفقهاء ب « العوام من الناس » وهم الذين لا
يقرأون ، والثاني : وهم الطلبة والعلماء. وهذه التسمية في حد ذاتها تعطي انطباعاً
ظاهرياً بان العلم في الاسلام انما وجد للخاصة فحسب ، وبقية الناس ينطبق عليهم
اصطلاح العوام. وكأن التكليف الشرعي لا يحث المكلف على طلب
العلم والتحصيل !
ولا نشك ان اللوم في هذا الفكر المتخلف يقع كلياً على السلطات السياسية المنحرفة
التي حكمت الامة الاسلامية قروناً عديدة ، فسلبت من ايدي الفقهاء العدول كل ادوات
السلطة التنفيذية ، وارادت للامة الاسلامية بجميع افرادها التخلف عن ركب العلم
والحضارة ، حتى يتم لتلك الفئة المنحرفة السيطرة على مقدرات النظام الاجتماعي بشكل
تام. ولا يحمل اصطلاح الفقهاء هذا غير معنى الاختصاص ، فسُمّي الفقهاء « علماءاً »
لاختصاصهم بعلمي الفقه والاصول ، وسمي غيرهم « عواماً » لجهلهم علمي الفقه
والاصول. ويكفينا ، لفهم موقف الاسلام من العلم وضرورة التعليم الجماعي للمسلمين ،
ان نتذكر ما حصل في معركة بدر المظفرة من امر الرسول 9
باطلاق سراح اسرى المشركين ، شرط أن يعلّم الاسير الواحد منهم عشرة مسلمين القراءة
والكتابة.
ولا ريب ان التأكيد على التعليم الجماعي
كان قد ورد في احاديث اهل البيت :
في القرن الاول الهجري. فالامام علي بن الحسين في رسالته الحقوقية يدعو بصراحة الى
منح الافراد حق التعليم ، ويعلق هذا الحق بواجبات السلطة السياسية التي من
مسؤوليتها بناء النظام الاجتماعي ، ويقول 7
: ( واما حق رعيتك بالعلم ، فان تعلم ان الله قد جعلك لهم قيماً اتاك من العلم
وولاك من خزانة الحكمة ... فان احسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم
زادك الله من فضله ، وان كنت منعت الناس علمك او خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان
حقاً على الله عز وجل ان يسلبك العلم وبهاءه ويسقط من القلوب محلك ) . ولكن تحديد المسار
__________________
التعليمي الذي
تنتهجه الدولة لابد وان يكون مرتبطاً بخطة عامة ، يضعها متخصصون بشؤون التعليم ،
تستهدف رفع المستوى الثقافي للامة الاسلامية. وهذا لايتم الا بتصميم نظام تعليمي
مبني على منهج علمي يساند الدولة الاسلامية في كل توجهاتها الاقتصادية والعسكرية
والاجتماعية. على ان يكون هذا النظام المدرسي قاعدة للانطلاق في شتى المجالات
الحياتية المفترض ان يكون للمعلم فيها دور بنّاء. وارجو أن لا يختلط اصطلاح (
المدرسة ونظامها ) المستخدم في هذا الكتاب ، بالمدارس الدينية حسب النظام المعمول
به في الحوزات العلمية. بل المقصود من المدرسة العامة ، المؤسسة العلمية التي نشأت
مع ظهور الدولة الحديثة والتي تتولى تعليم الصغار ، اللغة والعقيدة والفقه والعلوم
التجريبية حتى مرحلة البلوغ. والصغار هم كل افراد النظام الاجتماعي ، دون سن
البلوغ ، الذين يعيشون في تلك البقعة من الارض ، ويطلق عليهم وعلى من سواهم اسم
المجتمع الانساني.
ولا شك ان المدرسة في المجتمع الاسلامي
تساهم في تطوير النظام الاجتماعي ، من خلال نقل المعرفة الاسلامية والانسانية الى
اذهان الطلبة من الجيل القديم الى الجيل الجديد ، ونشر الفكر الذي يوحد توجهات
المجتمع ، وتطوير شخصيات هؤلاء التلاميذ الذين سيحملون مشعل المسؤولية مستقبلاً ،
وتأهيلهم لتحمّل التكليف الشرعي ، وتمرينهم على الاعمال التخصصية ، وتعليمهم قواعد
النظام الاجتماعي التي تربط الاسرة وافرادها ، بالمسجد والمدرسة والحكومة وساحة
العمل المهني.
فعلى نطاق نقل المعرفة ، فان عملية
التعليم لابد لها من الاستمرار
عبر الاجيال المتعاقبة ، وهذا ما يميز
المجتمعات الانسانية عن غيرها من التجمعات الحيوانية. ففي كل حقبة زمنية تتراكم
كمية هائلة من المعلومات الاجتماعية والتجريبية ، لابد وان تنقلها ايادي الجيل
القديم الى نظائرهم من الجيل الجديد. وهذا الانتقال لا يساهم في بقاء الحياة
الانسانية في تطور مستمر فحسب ، بل يساهم في بقاء القيم الاخلاقية حية في الضمائر
مهما طال زمن انتشارها. ولا يمكن نقل هذه المعارف والافكار الانسانية الاّ عن طريق
المدرسة والنظام التعليمي المعترف به اجتماعياً.
ولما كانت ارض الاسلام تجمع الاقليات
العرقية المتعددة ، يصبح للمدرسة دور اعظم في توحيد توجهات افراد المجتمع وتهذيب
تطلعاتهم وآمالهم في حياة اسلامية رغيدة. فلا بد ان تكون اللغة العربية الفصحى ،
باعتبارها لغة القرآن ، اللغة الاساسية لجميع افراد الاُمة ، كما ورد في الرواية
السابقة المنقولة عن الامام الصادق 7
، واللغات المحلية الاُخرى لغات ثانوية تدرس جنباً الى جنب مع اللغة العربية الأم.
وكل ما يدرس في المدرسة العامة في النظام الاسلامي من علوم وتاريخ ودين يساهم في
توحيد الدولة من الناحية الثقافية والسياسية والاجتماعية. لان عملية انصهار هذه
العلوم في اذهان التلاميذ ستخلق افراداً يملكون كل المؤهلات في بناء دولة علمية ،
موحدة ، متطورة ، قائمة على اساس نظام اخلاقي وديني عظيم.
واذا كان الفرد محط اهتمام الدراسات
الفقهية بجانبيها العبادي والاجتماعي ، فالمدرسة العامة لا تقل شأناً من ناحية
اهتمامها بالفرد منذ الطفولة ، بل ان الفقه يهتم بالمكلف فحسب ، اما المدرسة فتهتم
بالطفولة وما
بعد البلوغ. ولو طلب
منا وضع تصور عام للنظام التعليمي في دولة اسلامية ، فان النظام التالي سيكون اقرب
الافتراضات الى الواقع العملي. فالمرحلة الابتدائية والمتوسطة ، وهي دراسة تسع
سنوات من السن السادسة وحتى الخامسة عشرة من العمر ، ضرورية للغاية لكل فرد من
افراد المجتمع الاسلامي. ولما كانت الدولة تحاول ضمان رفاهية الافراد ، وتؤكد على
حسن سلوكهم ، فانها تستطيع ان تتدخل بشكل مباشر لتطبيق برنامج التعليم الاجباري
بسن القوانين المناسبة. وهذه المرحلة الابتدائية اساسية في تعليم الفرد القراءة
والكتابة ومبادئ العقائد والعبادات والحساب والعلوم الحديثة والفنون. واذا ما تمت
هذه المرحلة فان الطلبة سيختارون احدى ثلاث مدارس تحدد مستقبلهم وهم على ابواب
البلوغ وهي المدارس الدينية ( الحوزات العلمية ) ، والمدارس المهنية ، والمدارس
النظرية. فالمدارس النظرية تؤهل الطلبة دخول الجامعات العلمية ودراسة علوم
الكيمياء والفيزياء والرياضيات والطب والهندسة وعلوم الاجتماع والاداب بكافة
اقسامها. والمدارس المهنية تؤهل طلبتها لدخول عالم العمل المستند على الاحتراف
والعلم ، فاذا كانت المدرسة المهنية اعدادية زراعية مثلاً فانها تؤهل الطالب
للانطلاق في عالم الزراعة عارفاً اهمية زيادة الانتاج وطرقه ، عالماً بنوعية
التربة وضرورة استخدام المواد المصنّعة في تخصيبها. واذا كانت المدرسة المهنية
اعدادية صناعية مثلاً فانها تؤهل الطالب للعمل الفني باتقان وابداع. وهذه المدارس
المهنية تساهم في تنمية الثروة وزيادة الانتاج ، وتكشف عن قابلية الفرد في العمل
الانتاجي ، والابداع في ميادين الاختصاص ، وتقلل من نسبة البطالة بين الافراد. اما
المدارس الدينية فانها
ستستقبل الطلبة
الوافدين اليها على أتم وجه. فدراسة تسع سنوات في اللغة وعلومها ، والعقائد
والعبادات ، والكيمياء والفيزياء والحساب ستفتح بالتأكيد ذهنية الطالب وآفاقه في
التفكير ، فيدخل الطالب اليافع ، الحوزة العلمية وهو على استعداد لهضم المواد
الفقهية والاصولية هضماً يساعده على ربط المسائل النظرية بالواقع العملي. فدراسة
مبادئ الكيمياء والفيزياء والفلك وعلم التربة لها علاقة مباشرة بالمسائل الفقهية.
فنستفيد من علم الكيمياء في مسائل طهارة الماء ، وحلية الشحوم ومواد الغسيل وتركيب
الادوية ، والمواد الكيميائية الحديثة المستخدمة في صناعة الاطعمة المعلبة
والمجففة. ونستفيد من علوم الطب في تشريح الجهاز البولي والتناسلي للذكر والانثى
لننتفع بها في مسائل الحيض والاستحاضة والنفاس والجنابة ، وعلامات الموت عن طريق
انقطاع نشاط القلب او الدماغ. ونستفيد من علم التربة وعلم النبات في معرفة الارض
والنباتات التي يجوز السجود عليها مثلاً. ومن علم البيولوجي نستفيد في معرفة انواع
الحيوانات المأكولة والاسماك بانواعها. وارتباط الطالب الحوزوي بالنظام الاجتماعي
وافراده يمنحه قدرة على فهم المجتمع ومشاكله. وما دور الفقه الا بناء النظام
الاجتماعي وبيان تكاليف الافراد ، حتى يتوجه الجميع نحو عبادة الخالق عز وجل عن
طريق العلم والمعرفة.
ولا شك ان دور المدرسة العامة في
المجتمع الاسلامي لا يتوقف عند معرفة اللغة وفهم العلوم التي تتعلق بها ، بل ان
دروها يتعدى الى فهم دور الانسان في الحياة الاجتماعية ، وفهم علاقته بالكون
والخالق ، وفهم الانسان لذاته من خلال العلوم الفلسفية والتطبيقية. والمكلف ،
اضافة الى الفقيه او
طالب علوم الفقه ، عليه
ان يعرف الحد الادنى من مبادئ تشريح جسم الانسان ، ذكراً وانثى ، حتى يستطيع ان
يفهم كيفية خلق الجنين وعلاقة ذلك الخلق بالمرأة والخالق والحياة ، ويفهم معاني
الطهارة من خلال فهمه لحركة اعضاء الجسم الداخلية والخارجية. واذا كان المكلف
امرأة فعليها ان تعرف الحد الادنى من تشريح جسم المرأة وبيولوجية الدورة الشهرية
لابتلائها بدماء الحيض والاستحاضة والنفاس. وكل هذه العلوم والمعارف تثري النظام
الاجتماعي بثقافة علمية وترفعه الى اعلى المستويات الانسانية. ولذلك ، فان المدرسة
العامة ينبغي ان تلتفت الى وضع هذه المواد العلمية في مناهجها العامة خدمة للنظام
الاجتماعي من خلال بناء الافراد بناءً علمياً سليماً ، على قاعدة ان العلم بقسميه
النظري والعملي يجب ان يصبّ في خدمة النظام الاجتماعي.
ولا ريب ان المدارس تفتح ابواباً للنقاش
العلمي والنقد البناء ، فالرد على النظريات الفاسدة والآراء المنحرفة يوفر للطلبة
فرصاً ثمينة لممارسة النقد البناء المستند على الاسس العلمية. بل ان المدرسة
تستطيع ان تهيئ لطلابها جواً من العمل السياسي والاجتماعي ، حتى تؤهلهم لاحقاً
لدخول المعترك الاجتماعي دون عراقيل.
واخطر عمل تقوم به المدرسة الاسلامية ،
هو تعليم تلاميذها معنى العدالة الاجتماعية. وهذا هو الفرق بين النظام المدرسي في
الاسلام ونظيره في الرأسمالية. ففي حين يقوم النظام الرأسمالي بتعليم الطلبة قيم
الطبقة العليا ، ويفصل المدارس على اساس اللون ، ويدعي ان نظامه الاجتماعي افضل من
كل الانظمة الاجتماعية في العالم ، تقوم المدرسة الاسلامية بتعليم ابنائها قيم
العدالة الانسانية ،
والغاء الفوارق الطبقية ، وسواسية الافراد امام الشارع والشريعة. وان كانت افضلية
الاسلام كمنهج للحياة تتحدث عن نفسها دون محدث ، الاّ ان هذا الدين يدعو معتنقيه
الى دراسة بقية الانظمة الاجتماعية والدينية وفهمها ومقارنتها بالاسلام. على عكس
النظام الرأسمالي الذي يدّعي بان الانظمة الاخرى لا سبيل لها في تحقيق السعادة
البشرية ، فالسعادة العظمى لا تتحقق الاّ في العيش تحت سقف النظام الاجتماعي
الرأسمالي !! ولكنهم ينسون ان سعادة الثري الابيض الكاثوليكي قد جاءت على حساب
عذاب الفقير الملون البائس.
ولم يَدْعُ الاسلام الى جعل التعليم
مطية رغبات طبقة دون اخرى لتحقيق التسلط على القوة السياسية ، وكسب الثروة ،
وتحقيق الرفعة الاجتماعية. بل اراد من التعليم ، فهم الانسان موقعه في الحياة
الاجتماعية ، ومعرفة دور الدين في بناء النظام الاجتماعي لتحقيق سعادة الفرد
وتثبيت اسس العدالة الاجتماعية. ولما كان العلمُ شريفاً في نفسه ، فان الشارع حث
جميع الافراد على تحصيل المقدار المتميز منه ، حتى يمنح الانسان فسحة للتفكير في
موقعه الاجتماعي الحياتي وموقعه في الكون ، وما يترتب على ذلك من معارف ربانية
توصله الى معرفة خالقه وصانعه. وتعلم الفنون والخبرات بشتى الوانها ينفع النظام
الاجتماعي وافراده ، ولا يمنح امتيازاً لفرد دون آخر ، لان عدالة نظام الاجور في
الاسلام هي صمام الامان الذي يمنع بموجبه نشوء نظام طبقي مشابه للنظام الطبقي
الرأسمالي. ولما كانت الدولة في المجتمع الاسلامي مسؤولة عن رعاية الافراد
وحمايتهم والاهتمام بهم ، فان لها الحق في تحديد الاجور وتعيين الحد الادنى والحد
الاعلى للمكافآت
الاجتماعية. على عكس
النظام الرأسمالي الذي يعين حداً ادنى للاجور ولكنه لا يضع علامة للحد الأعلى مما
يفسح المجال لنمو الطبقة الرأسمالية المتحكمة بشؤون المجتمع والسلطة السياسية
واستفحالها.
ولما كان زمام السلطة وتنظيم اُمور
الناس منوطاً بالامام المعصوم او نائبه في زمن الغيبة ، فان الاسلام ، دفعاً لنشوء
طبقة ثرية حاكمة ، ألزم العلماء والفقهاء العدول بالتزام التقوى ومخافة الله
والزهد في الحياة الدنيا ، وخير دليل نستدل به في هذا المقام ثلاثة اقوال ،
اولياها لرسول الله 9
والثالث لعلي بن ابي طالب 7.
فقد ورد عن رسول الله 9
قوله : ( ما اتخذ الله نبياً الاّ زاهداً )
، وقوله 9 ايضاً : (
يا علي ان الله تعالى زينك بزينة لم يزين العباد بزينة هي احب اليه منها ، زهّدك
فيها ، وبغضّها اليك ، وحبب اليك الفقراء فرضيت بهم اتباعاً ، ورضوا بك اماماً ) . وقول الامام اميرالمؤمنين 7 : ( ان من اعون الاخلاق على الدين
الزهد في الدنيا ) .
وهذا الحث بترك الدنيا وحطامها ، يوجب
اقامة نظام سياسي نزيه لا يطمع بمال الناس ولا حقوقهم الشرعية. وهذه الترابية وهذا
الزهد الذي اوجبه الاسلام على الرسل والائمة وعدول الفقهاء تمنعهم نظرياً من
استئثار ابنائهم وذويهم في التسلط على حقوق الناس واقواتهم ، بل ان مواقع ابناء
هؤلاء في النظام الاجتماعي لا تتميز عن مواقع غيرهم من ابناء عامة الناس. واذا كان
تدخل الدولة في المجتمع الاسلامي يضمن العدالة ، فان من حق
__________________
الدولة ان تمنع
انشاء المدارس الخاصة ، لانها تساهم تدريجياً بانشاء الطبقة الرأسمالية على مدى
الاجيال المتعاقبة. ولا شك ان توحيد النظام التعليمي في الدولة الاسلامية سيساهم
في تقليص الفوارق بين الطبقة الاجتماعية حتى يوحدها ضمن طبقة واحدة متفاوتة
الدرجات.
ولما كان الاسلام قد اوجب على الاغنياء
دفع الحقوق الشرعية من صدقات واخماس وزكوات وكفارات ونحوها ، واوجب ايصالها الى
الفقراء ، فان الطلبة الفقراء سيتفرغون للدرس والتحصيل لانتفاء الشاغل المادي
والنفسي. وعلى هذا الصعيد فان التنافس بين الطلبة الاغنياء والطلبة الفقراء سيتم
على اساس الذكاء والجهد والاجتهاد وليس على اساس المال والثروة كما هو الواقع في
النظام التعليمي الرأسمالي.
« المدرسة » في النظام الاجتماعي
واذا كان ايمان الاسلام بحق الفرد في
التعليم ايماناً راسخاً ، فان تدخل الدولة في المجتمع الاسلامي بضرورة فرض التعليم
الاجباري لحد المرحلة المتوسطة يجب ان يكون حتمياً ، للاسباب الثلاثة التالية :
اولاً
: لان الفرد يعتبر قاصراً في سن الطفولة
، فعلى وليه الاهتمام بمصلحته العلمية.
ثانياً
: لما كان ولي امر الاُمة ، الامام او
نائب الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة مسؤولاً عن بناء الدولة الاسلامية
بناءاً محكماً في المجال الاقتصادي و السياسي والعسكري ، وجب عليه تهيئة مقدمات
بناء الدولة من خلال بناء الافراد علمياً وثقافياً قبل البلوغ.
ثالثاً
: ان العلم بكل فروعه والوانه ، يقرّب
المكلف من الله عز وجل ، ويجعله اكثر تطبيقاً للاحكام الشرعية ، واكثر فهماً لدور
الدين في النظام الاجتماعي.
ولا شك ان التمييز بين الافراد في
النظام التعليمي الاسلامي يجب ان يمحى اصلاً ، لان دينا كالاسلام يحاول تثبيت اسس
العدالة الاجتماعية بقوة القانون ، لا يمكن ابداً ان يحرم الافراد من حقوقهم
المشروعة. فالتعليم حق مشروع لكل فرد ، والمساواة في تحصيله اصل من اُصول العدالة
الاجتماعية. بل ان المساواة العامة التي يأمر بها الاسلام في امتلاك الثروة
واستثمارها في شتى مجالات الحياة العملية ، تعتبر دعماً حقيقياً للمساواة في نظام
التعليم العام. على عكس « المساواة » التي يدعيها النظام الرأسمالي فيساوي بين
الافراد البيض من
الاصل الاوروبي القوقازي فحسب ، ويحرم الطبقات الاخرى من النعم الاجتماعية. اما
الاسلام فانه لا يرفع الأبيض على الاسود ولا الاسود على الابيض ، بل ان الكل
متساوون في الحقوق والواجبات. ومدارس القواعد النحوية ، ومدارس الطبقة العليا ،
ليس لها وجود في النظام التعليمي الاسلامي ، لان المجتمع القائم على اساس العدل
والمساواة لا يَقدِم على حرمان مدرسة ما من حقوقها الاساسية لاختلاف الوان
تلاميذها ، ويمنح مدرسة اخرى امتيازات وتخويلات واسعة بسبب موقعها الجغرافي القريب
من منازل الاغنياء. فابناء الشرائح المختلفة في النظام الاجتماعي الاسلامي يقفون
جنباً الى جنب مع اخوانهم ، تماماً كما يقف الحجيج خلال ممارستهم شعائر الحج جنبا
الى جنب في عرفات ، بالرغم من اختلاف الوانهم وثرواتهم وقومياتهم.
ولا بد لنا من معرفة حقيقة مهمة وهي ان
المدرسة بكل تخصصاتها وفروعها العلمية والانسانية والمهنية ، انما هي ضمان لمستقبل
الاسلام ، ونجاح التجربة الاسلامية في تكامل النظام الاجتماعي لقيادة البشريه
المعذبة وايصالها الى شاطىء السلام. ولا شك ان المدارس والجامعات الاسلامية ينبغي
ان تساهم مساهمة فعالة في حلّ المشاكل العلمية والاجتماعية والاقتصادية التي يبتلى
بها النظام الاجتماعي. فما فائدة المدرسة التي لا تساهم في التفاعل الاجتماعي ولا تفهم
مشاكل الافراد ولا تحاول حلّها ؟ الم تكن الدراسات النظرية باباً من ابواب
الدراسات التطبيقية وفرعاً من فروعها ؟ فما فائدة دراسة تركيب الذرة ما لم تترجم
هذه الدراسة الى تصنيع مواد كيميائية عملية تنفعنا في التنظيف والتطبيب والتسميد ؟
وما فائدة
دراسة الظواهر
الاجتماعية والانحرافات ما لم يوضع منهج واضح المعالم لترشيد توجهات المجتمع الاسلامي
وطموحاته وآلامه ومشاعره ؟
واذا كانت النظرية السياسية الرأسمالية
قد نجحت في فصل المدرسة عن الكنيسة في المناهج التعليمية ، وتركت للكنيسة تنصير
الافراد وتعليمهم دينهم ، فان النظام التعليمي الاسلامي ينبغي ان يؤسس في كل مدرسة
مسجداً للصلاة ، وان تندمج المدرسة بالمسجد ، اندماجاً حقيقياً يؤدي الى تهذيب
المدرسة اخلاقياً ، والى رفد المسجد بالطاقات العلمية الشابة المؤهلة لا للعبادة
والدعاء والتسبيح فحسب ، بل على اتم الاستعداد للدفاع عن الدين والوطن ، وحماية
العقيدة بالعلم والسلاح.
وتقع مسؤولية تمويل صرفيات المدارس
العامة على الدولة ومؤسساتها المالية ، فلا يحق لافراد المحلة السيطرة على توجيه
شؤون المدرسة ، لأن ذلك يسبب تفاوتاً في المستوى التعليمي بين المناطق الغنية
والمناطق الفقيرة. ولكن هذا لا يمنع من انشاء مجالس للاباء والاُمهات لتوثيق الصلة
بين المدرسة وعوائل الطلبة لتدارس ومناقشة مشاكل التلاميذ والبحث عن افضل الطرق
لزيادة التحصيل ، ورفد مستوى التفاعل الاجتماعي في المؤسسات التعليمية.
وبطبيعة الحال ، فان الهدف الاعلى من
التعليم هو غرس العلم في اذهان البراعم الشابة ، وتدريبها على القراءة والكتابة
والتفكير والتحليل ونقد الواقع نقداً موضوعياً بناءاً. اما ( الدرجات ) فليست بحد
ذاتها هدفاً بل هي وسيلة رمزية لمعرفة قدرة الطالب على التحصيل. فينبغي ان يكون
المدار والاصل في مناهج المدارس العامة ، مستوى المادة الدراسية
والتحصيل النوعي من العلوم المختلفة ،
فالكمية ليست ذات مغزى اذا افتقدت العمق والتركيز. واذا كان المدار في الدراسة
العامة التحصيل العلمي وليس كسب الدرجات ، فقد نجح النظام التعليمي في بناء الطلبة
بناءاً اكاديمياً سليماًً. اولاً : لان هذا النظام يفتح للطالب افاقاً واسعة
للتحصيل. ثانياً : يساعد النظام على ازالة الضغط النفسي الذي يواكب كسب الدرجات
عادة. ثالثاً : يساهم في محو عملية ارتكاب الغش المنتشرة بين طلبة النظام
الرأسمالي من الاساس. وعليه ، يصبح الطالب جزءاً فعالاً من النظام الاجتماعي الذي
ساهم في رفد المجتمع بالابداع والانتاج والاستقرار والسعادة.
وليست المدرسة مجرد مؤسسة مهنية تهتم
بالكتاب والقلم ، بل هي نظام اجتماعي قائم بذاته ، فلهذه البنية التعليمية
قوانينها ، وقيمها ، وتقاليدها ، ومناسباتها ، واحتفالاتها الخاصة بها. فالصف
الواحد يمثل تركيبة نموذجية لمختلف الشرائح الاجتماعية ، والطلبة المنتسبون لذلك
الصف يعكسون شتى انواع الحرف والمهن والمذاهب والعرقيات ، فابناء العامل والمهندس
والطبيب ، والمسلم والنصراني ، والعربي والتركماني والكردي والفارسي يجلسون جنباً
لجنب تجمعهم غاية واحدة وهي الحصول على العلم. وعلى هذا الاساس نستطيع اعتبار الصف
المدرسي من اكثر اماكن التفاعل الاجتماعي حيوية في المجتمع الانساني. وعلى ضوء ذلك
، فانه لا بد ان يكون للمدرسة تنظيم اداري يدير شؤونها ويحدد ويضبط صلاحيات
العاملين فيها ، ويحدد انتساب الطلبة الى صفوفها باعتبار العمر او التخصص او
القابلية.
وحتى تستطيع المدرسة تطبيق نظامها
وتسيير امورها بدقة لا بد لها من انشاء نظام محكم للسيطرة على سلوك الطلبة بالتأديب
والتهذيب ، واشاعة اجواء الانسجام والتوافق بين التلاميذ والاساتذة ، والترغيب على
التحصيل والاكتساب والتعلم. ولابد ان يكون توجه المدارس الابتدائية والمتوسطة
منصبّاً على تعليم التلاميذ الاداب العامة ، والنظام ، والنظافة ، وحب الناس ،
والطاعة بطرفيها ابتداءاً من طاعة الوالدين وانتهاءاً بطاعة الله سبحانه وتعالى.
واذا كانت المنافسة فقط ، في النظام
التعليمي الرأسمالي ، الاصل في النجاح الاكاديمي ، فان النظام التعليمي الاسلامي
يشجع التنافس على اساس العلم ، والتعاون على اساس الاخوة والمحبة والاجتماع. وعلة
نجاح التنافس الاسلامي ، في عملية التعليم هو نزعة الانسان نحو تحقيق الكمال ضمن
اطار التعاون الاجتماعي ، على عكس التنافس الذي تدعو اليه النظرية الرأسمالية
والذي يهدف للحصول على الدرجات دون النظر الى مستوى التحصيل العلمي.
وعندها لا تمنح المدرسة الاسلامية
العامة الافراد فرصة للتحصيل والاكتساب فحسب ، بل تساعدهم على تقويم سلوكهم وتصحيح
دوافعهم عندما يقتحمون ساحة العمل في المجتمع الكبير. ولكن المدرسة وحدها لا تعمل
المعجزات ، بل ان العائلة والمسجد يلعبان دوراً اساسياً في اسناد دور المدرسة في
خلق جيل مبني على اسس العلم والاخلاق والعقل والفهم الاجتماعي. فيقوم الاب او
الولي في العائلة الاسلامية بتهذيب الاولاد على اساس طاعة الكبير والتحنّن على الصغير
، وهو ما يوصل الطالب الى
احترام المدرسة
باساتذتها وطلبتها ، مما يؤدي في النهاية الى اطاعة النظام الاجتماعي والمساهمة في
بنائه وتنميته. ويقوم المسجد بتربية الافراد ، بضمنهم الطلبة ، على عبودية الخالق
عز وجل ومسؤولية الالتزام بالتكاليف الشرعية ، عن علم ووعي ، وهو ما يقضي في
النهاية الى تقويم سلوك الافراد ، واندفاعهم نحو انتهال العلم ، لبناء المجتمع
الانساني السعيد.
التعليم والعدالة الاجتماعية في الاسلام
وتنعكس العدالة التي نادى بها الاسلام
وحث على تحقيقها بين جميع الافراد ، على النظام التعليمي بالخصوص. فنظرياً يحث
الاسلام جميع الافراد القادرين من الناحية العقلية ، على الدخول في المدارس العامة
من المرحلة الابتدائية ولحد وصولهم الى المستوى التخصصي المهني او العلمي. وفي
المرحلة الاخيرة يلعب الجهد والذكاء دوراً اساسياً في مساعدة الافراد على حجز
مقاعدهم الدراسية في الجامعات العلمية والادبية والمعاهد الفنية. فالطلبة
المتفوقون في العلوم البايولوجية والكيميائية يدخلون كليات الطب والعلوم المتعلقة
بها. والطلبة المتفوقون في الرياضيات والعلوم الهندسية يدخلون كليات الهندسة
والعلوم المتعلقة بها. والمتفوقون في الاجتماعيات يدخلون كليات العلوم الاجتماعية
، وهكذا. وهذا المقياس في حجز مقاعد الجامعات ، اعدل من مقياس النظام الرأسمالي
الذي يشترط العامل الطبقي ولون البشرة اساساً في دخول الجامعات العريقة. فالنظام
التعليمي الاسلامي يشجع الطالب الفقير على شق طريقه بنجاح الى ارقى الجامعات في
الدولة بغض النظر عن لونه وطبقته الاجتماعية. بل يستطيع ان يتميز عن اقرانه
الاغنياء لان الفقر لا يشغله عن التحصيل ، وهو على اطمئنان بان عائلته يعيلها
النظام الاجتماعي او الدولة عن طريق الحقوق الشرعية. فلا يصرفه الفقر عن الدرس ،
ولا تجبره حاجة العائلة الاساسية على ترك التحصيل. واذا ظهرت بوادر انحلال النظام
الطبقي خلال مراحل التعليم ، اصبحت فرص انتعاش النظام الاجتماعي اوسع ، واصبح
المقياس في تسيير
النظام الاجتماعي عن
طريق الجهد والذكاء اكثر مما هو عليه الحال في النظام الرأسمالي. ولا يختلف اثنان
على ان الذكاء قدرة علمية تحصيلية تتواجد عند الفقراء كما تتواجد عند الاغنياء.
ومع ان الاسلام يقدم نظاماً عادلاً في
توفير الفرص التعليمية لكل القادرين على التحصيل ، الا انه لا ينكر وجود التفاوت
فى قابليات الفهم والادراك والابداع لدى الافراد. فالافراد عموماً متفاوتون في
مستوى فهمهم العلمي وابداعهم وانتاجهم. ولما كانت هذه القابليات متفاوتة ، فان
المكافآة على الجهد المبذول يجب ان تتفاوت من فرد الى آخر. ولكن هذا التفاوت في
الاجور ينبغي ان لا يخلق طبقات اجتماعية متفاوتة بل طبقة واحدة مختلفة الدرجات.
وهذا النظام التعليمي الرائع يضمن قضيتين اساسيتين ، الاولى : تنشيط فرص الابداع
لكل فرد ، والثانية : العدالة الاجتماعية لكل الافراد. فلا يستطيع الذكي بكل ما
اوتي من قوة عقلية ان ينشئ طبقة متميزة به عن الآخرين ، تماماً كما لا يستطيع
الثري مهما اُوتي من قوة مالية انشاء طبقة متميزة به وبأقرانه ، لأن ذلك يدعو الى
الظلم الذي يرفضه الاسلام.
واذا ثبتت اسس العدالة الاجتماعية بقوة
، كما جاء بها الاسلام ، اصبحت القاعدة التي يتعامل بها النظام التعليمي المرتبط
بالنظام الاجتماعي الاسلامي ، مع جميع الطلبة هي قاعدة العدالة والمساواة. فاذا
كان من حق كل فرد الحصول على تعليم ذي مستوى معين ، فلا يمكن ان تكون الاجور
الجامعية حينئذ عائقاً في دخوله الجامعة المؤهل لها. وحتى اذا كانت للجامعة اجور
رمزية ، كان المدار في ذلك قابلية الفقير على تسديدها. واذا تم اشباع
الحاجات الاساسية
للعوائل الفقيرة ، فانها ستأمل من شبابها الدخول فى المعاهد العلمية لينفضوا عن
اسمالهم غبار الفقر والجهل. وتصبح تلك العوائل حينئذ عوناً على رفع العبء الذي كان
يتحمله الشاب الفقير تجاه عائلته المحرومة ، وسنداً لتحفيزه على اكمال دراسته
العلمية. واذا كانت بيوت الفقراء لا تهيئ اجواءً دراسية مثالية لشبابها ، تحتم على
المدارس العامة والجامعات تهيئة افضل المكتبات وقاعات الدراسة الفردية والجماعية
لطلبتها ، وتخطيط نظام متقن للنقل العام من البيوت الى المدارس ، حتى يتضاءل البون
الشاسع بين الطلبة الاغنياء والفقراء في خلق الاجواء السليمة للتحصيل والمذاكرة.
واذا كان الاسلام في نظامه القضائي
يعاقب المفتري بالتعزير الذي يراه الحاكم الشرعي ، فان تطبيق الحدود سيلغي مشاكل
الالصاق التي يستعملها الافراد من الطبقة العليا لوصم الطلبة الفقراء ، بمختلف
الاتهامات. وهذا التطبيق سيساهم في فسح المجال للافراد على التركيز على قابلياتهم
الذكائية ، واستجماع قواهم الداخلية للفهم والادراك ، وشق طريق التحصيل بكل نجاح ،
على عكس النظام الرأسمالي الذي يوصم الفقراء بمحدودية الفهم والتخلف عن ادارك
الحقائق والمفاهيم ، مما يؤدي الى تخلفهم من الناحية العلمية عن اقرانهم من افراد
الطبقات العليا.
واذا كان التغير المستمر في الوضع
الاجتماعي الرأسمالي قد ساهم في ارتفاع نسب الطلاق ، والانفصال ، والولادات غير الشرعية
فان ذلك المجتمع سيواجه مصيراً قائماً على المستوى التعليمي ، بخصوص انخفاض
المستوى العلمي للتلاميذ المتضررين بهذا التغير الاجتماعي. لان العائلة
المستقرة والبيت السليم بوجود الابوين
يساعدان على استقرار شخصية الطفل وتهذيبها وتأديبها ، ويساهمان في تقدم الطفل في
الميادين العلمية والاجتماعية. ولما كان النظام الرأسمالي لا يميز ، لحد الآن ،
بين واجبات البيت وواجبات المدرسة التأديبية ، فكيف نتوقع من الطفل النمو والتطور
عقلياً واخلاقياً ، خصوصاً اذا كان البيت لا يقوم بواجباته الاخلاقية ولا تقوم
المدرسة بواجباتها التأديبية ؟ وهذا الاحباط في فهم دور البيت والمدرسة يُعدّ من
اخطر مساوئ النظام التعليمي في الحضارة الرأسمالية الحديثة.
ولا نشك ان البيت في الاسلام هو مصدر
الحب والرحمة والتهذيب والتأديب ، والمدرسة الاسلامية تشارك البيت في كلّ ذلك ،
ولكنها اضافة الى ذلك لا تقدم للطالب علماً نظرياً فحسب ، بل تقدم له تفسيراً
للمعاني الاخلاقية ، وتحليلاً للنظام الاجتماعي وواجبات الافراد وحقوقهم فيه. واذا
كان الاب يقوم بدور المهذب والمؤدب لابنائه وبناته ، فان المعلم يقوم اضافة الى
التعليم ، بدور مشابه لدور الاب في تقويم وتهذيب سلوك الطلاب.
ولا يقر الاسلام نظام تكافؤ الفرص فحسب
، بل يهيئ الافراد تهيئة شاملة للمنافسة العلمية القائمة على اساس الجهد والذكاء.
فيزيل اولاً كل اسباب التعويق الاجتماعي لطلب العلم من فقر وعدم اشباع الحاجات
الاساسية ، فيأخذ حقوق الفقراء ويرجعها اليهم ، ويلغي النظام الطبقي العائلي ،
ويشبع حاجات الافراد جميعاً ويوفر لهم مستوىً واحداً من التعليم الابتدائي
والثانوي لا يختلف فيه الفقير عن الغني. ثم يضع هؤلاء المتسابقين في ميدان العلم
على خط البداية ، ويهتف بهم ، تسابقوا على بذل الجهد ، فان
سبق احدكم الآخر
فانما يفوز بجهده وقابليته. والاسلام بهذا النظام الرائع لا يثبت عدالته بين
الافراد فحسب ، بل يبرز نظامه المنسجم مع طبيعة الحياة الانسانية التي خلقها
الباري عز وجل ، ويربطها بالنظام الكوني المبني على اساس الدقة والتنظيم والعدل.
على عكس النظام الرأسمالي الذي يزجّ بالمتسابقين في ميدان العلم غاضّاً نظره عن
المعوقات الاجتماعية التي وضعها للبعض منذ البداية ، كتراكم الثروة لدى طبقة
وحرمان الطبقات الاخرى ، وتسليح الاغنياء بافضل النظم العلمية وحرمان الفقراء منها
، وحصر الجامعات الراقية بالنخبة من افراد الطبقة الرأسمالية من خلال رسم مستقبل
مشرق لهم وهم في مهد الطفولة.
ويجب ان نلتفت الى مسألتين في خاتمة
حديثنا عن النظام التعليمي العام في المجتمع الاسلامي ، وهما :
اولاً
: الاهتمام بدور المعلم في النظام
التعليمي ومكافأته بصورة تتناسب مع ذلك الاهتمام والاكرام. فقد وردت روايات كثيرة
عن اهل البيت :
في فضل العالم الذي يقوم بدور التعليم. ولا ريب ان اكرام المعلم هو اكرام للعلم
والفكر ، ورفع لمستوى التحصيل ، واسناد للنظام الاجتماعي. فدور المعلم كدور العامل
في بناء الدار ، فاذا كان البناء سليماً ثبت الدار امام الرياح والعواصف. وكذلك
المعلم ، اذا كان مخلصاً صادقاً في تعليم الجيل الناشئ ، فانه يؤسس في عقول
تلاميذه اسس الحياة الاجتماعية القائمة على اساس التعاون والتآزر ، ويغرس في
نفوسهم التوجه نحو خالق الانسان ومبدع الكون في الشدة والرخاء ويعلمهم حب الدين
والوطن والدفاع عن العقيدة والمبدأ.
ثانياً
: وضع المناهج التعليمية على اساس
الحاجات الاجتماعية. فما فائدة العلم النظري الذي لا يساعد المجتمع الانساني على
فهم المشاكل الاجتماعية ؟ فاذا كان النظام الاجتماعي مبتلياً بمشاكل التدخين مثلاً
، فيجب ان تساهم المؤسسات التعليمية بدراسة هذه الظاهرة وتدريس التلاميذ اضرار هذا
الامر باستخدام مختلف العلوم التجريبية المبتكرة. واذا كانت البلاد مبتلية بارتفاع
حوادث السيارات مثلاً ، فيجب ان تساهم المؤسسات العلمية في دراسة هذه المشكلة
دراسة دقيقة ، والخروج بنتائج عملية ، كضرورة تعليم الطلبة في المدارس قيادة السيارات
بامان مثلاً ، وتعليمهم نظام عبور المشاة ، وكيفية التوفيق بين الانسان والمكائن
الحديثة في عالم اليوم. ومحاولة ربط العلوم الحديثة بالتغير الاجتماعي لها مدلولات
ذات اثر عظيم في منفعة النظام الاجتماعي ، وما العلوم النظرية التي تدرس في
المدارس الا وسيلة لفهم وتطوير العلوم التجريبية التي تخدم المجتمع. ولا شك ان
النظام الاستكباري الرأسمالي لا يروقه تطبيق العلوم النظرية بما يناسب حاجات
المجتمع الاسلامي ، لان ذلك التطبيق يساهم في تقديم النظام الاجتماعي والسياسي
والاقتصادي للاسلام ، ويُبرزْ تشجيع الاسلام للعلم والنظام باجلى صوره مما يؤدي
الى اعجاب الانسانية المعذبة بمضمون الرسالة الاسلامية في ازالة التخلف والتبعية
عن نفس الانسان ، وهذا ما يخشاه كل رأسمالي جشع يطمع في زيادة حصته من المال على
حساب حصص الفقراء والجياع والبائسين والمحرومين.
الفرست
القسم الاول : النظام التعليمي................................................... ٥
التعليم في النظرية
التوفيقية...................................................... ٧
نقد النظرية التوفيقية......................................................... ١١
التعليم في نظرية
الصراع..................................................... ١٣
نقد نظرية الصراع........................................................... ١٥
« المدرسة » في النظام
الرأسمالي : عرض للفكرة الامريكية ونقدها................ ١٧
المدرسة وانعدام
العدالة الاجتماعية............................................. ٢٥
التعليم وتكافؤ الفرص........................................................ ٣١
من اسباب فشل النظام
التعليمي الرأسمالي....................................... ٣٤
القسم الثاني : النظام التعليمي في الاسلام....................................... ٣٩
دور العقل في عملية
التحصيل................................................. ٤١
ملحق : حديث الامام
موسى بن جعفر 7 في العقل والعلم..................... ٤٨
نظرية التعليم في
الاسلام...................................................... ٥٣
« المدرسة » في النظام
الاجتماعي............................................. ٦٥
التعليم والعدالة
الاجتماعية في الاسلام......................................... ٧١
|