

[ الركن الثاني في أفعال
الصلاة ]
قوله : ما أقبح بالرجل منكم. ( ٣ : ٣٠٥ ).
الظاهر أنّ حمادا
أتى بواجبات الصلاة إلاّ أنّه لم يأت بالآداب والمستحبات ، ولذا ما أمر 7 بإعادته لصلاته ،
وقال : فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة ، ثم شرع بالإتيان بالآداب والمستحبات ،
إذا جلّ ما ذكر فيها آداب ومستحبات وقلّما توجّه إلى ذكر الواجب ، والقليل الذي
توجّه إليه إنّما ذكره تقريبا وبيانا لكيفية الإتيان بآدابه ومستحباته.
قوله : وغمض عينيه. ( ٣ : ٣٠٦ ).
الظاهر أنّ حمادا
توهم ذلك ، حيث كان 7 ينظر إلى ما بين رجليه فشبّه عينيه عين الغامض ، على أنّ
ذلك على سبيل التخيير بينه وبين النظر إلى ما بين الرجلين الذي أمر به في الصحيحة
الآتية ، بل وأمر بفتح العين مطلقا في غير الصحيحة المذكورة أيضا .
قوله : بين يدي ركبتيه. ( ٣ : ٣٠٦ ).
لعل حمادا شبّه
عليه هذا أيضا بأنّ اليدين لم تكونا بين يدي الركبتين بل كان 7 حرّفهما عن ذلك
شيئا يسيرا ، على حسب ما سيذكر في الصحيحة
__________________
الآتية ، وحماد لم
يتفطّن بهذا القدر من التحريف.
قوله : وابدأ بيديك تضعهما على الأرض قبل ركبتيك. ( ٣ : ٣٠٧ ).
قال الصدوق ; في أماليه : من
دين الإمامية الإقرار بأنّه لا يجوز وضع الركبتين على الأرض في السجود قبل اليدين ، ويظهر من
التهذيب أيضا ذلك .
قوله : لأنّ الأصل عدم دخولها في الماهية. ( ٣ : ٣٠٨ ).
فيه : أنّ كون
الشيء جزء الشيء وإن كان الأصل عدمه لكونه من الأمور الحادثة والأصل عدمها حتى
يثبت ثبوتها ، إلاّ أنّ كون شيء شرطا لشيء يكون كذلك أيضا ، للعلّة المذكورة
بعينها.
مع أن هذا الأصل
مرجعها إلى الاستصحاب ، والشارح ; لا يقول بحجيته ، وإن كان دائما يتمسّك بأصالة العدم التي لا نجد لها أصلا
ولا معنى سوى استمرار العدم السابق.
وإن أراد منه أصل
البراءة ، ففيه : أنّه ـ مع بعد الإرادة من هذا اللفظ ـ لا يمكن إرادته بعد ثبوت
التكليف بها وكونه مسلّما ، وعدم الفائدة لهذه المسألة في ما يتعلّق بالعمل ، وظهور
الفائدة بعنوان الندرة ليس من مقتضيات أصل البراءة ، إذا ربما يكون الدخول أوفق (
له وربما يكون الخروج أوفق ) ، فتأمّل جدّا.
__________________
قوله : فلو كانت جزءا منها لتعلّق الشيء بنفسه. ( ٣ : ٣٠٨ ).
فيه : أنّ الخصم
لا يسلّم تعلّقها بجميع الأجزاء ، وبعد التسليم فالمغايرة
الاعتبارية كافية ، فتأمّل ، وبالجملة لا تعلّق لها بالصلاة سوى كون الصلاة مفتقرة
إليها ، فإن كانت النيّة أيضا مفتقرة إليها يلزم التسلسل ، وهذا بعينه الدليل
الآتي ومنع الشارح الملازمة فيه وجوّز كونها جزءا لا يفتقر إليها.
وإن أراد من
التعلّق أمرا غير ما ذكرنا فلا نسلّم تعلّقها بالصلاة ، بل ظاهر أنّه لا تعلّق لها
بها سوى ما ذكرنا.
قوله : ولا تلزم منها الشرطية. ( ٣ : ٣٠٨ ).
فيه : أنّ لفظ
الأعمال لغة وعرفا شامل لكلّ جزء جزء من الصلاة ، فلو كانت النيّة أيضا عملا داخلا
فيه لزم التسلسل ، وهذا قرينة على عدم الدخول وكون المراد من الأعمال غير النيّة ،
فتأمّل جدّا.
قوله : لانتفاء الدليل عليه رأسا. ( ٣ : ٣٠٩ ).
وعلى تقدير
التسليم لا دليل على أنّه إذا اعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة يكون جزءا للصلاة.
قوله : وهو جيّد لو ثبت توقّف المقارنة على ذلك. ( ٣ : ٣٠٩ ).
لا خفاء في توقّف
المقارنة للتكبير الصحيح على ذلك ، وسيجيء من الشارح اعترافه بذلك عند قول
المصنّف : ويجب أن يكبّر قائما ، إلاّ أن يكون مراده التأمّل في ثبوت الاشتراط بحسب حكم
الشرع بأنّ الشارع قال :
__________________
إنّه شرط ، ولم
يثبت ، لعدم ثبوت كون مقدّمة الواجب المطلق واجبا شرعا بمجرّد إيجاب ذي المقدّمة ،
فتأمّل جدّا.
قوله : فإنّ صلاة الظهر مثلا. ( ٣ : ٣١٠ ).
لا يخفى فساد ما
ذكره الشارح ; إذ لا شبهة في أنّه يمكن أن يصلّي المكلف الظهر بقصد الندب وإن كانت واجبة
عليه واقعا ، وبقصد الوجوب وإن لم تكن واجبة عليه واقعا ، وهكذا الكلام في الأداء
والقضاء ، غاية الأمر أنّها لا تكون صحيحة شرعا ، لعدم الموافقة لمطلوب الشارع ،
ولهذا أمر الفقهاء بقصد ما هو المطلوب حتى يصير فعله صحيحا ، مثلا من لم يكن عليه
سوى صلاة الظهر الواجبة لو صلّى بقصد الصبح أو العصر أو الزلزلة أو أمثال ذلك ،
سواء صلّى كذلك عمدا أو سهوا أو جهلا ، لا تكون صلاته صحيحة قطعا ، وكذا لو صلاّها
بقصد المستحبة ، لأنّها ليست بالتي أمر بها الشارع فكيف تكون صحيحة؟!
وإمكان الوقوع على
أكثر من وجه بحسب قصد المكلف وجعله ـ سواء كان بعنوان العمد أو الجهل أو السهو ـ يكفي
للحكم بقصد التعيين ، ولذا يحكم الشرع بوجوب قصد القربة والإخلاص. ولا يجب كون
الأكثر من وجه واحد صحيحا شرعيا وإلاّ لم يجب قصد نفس كونها ظهرا مثلا ، بل نفس
كونها صلاة إذا لم يكن عليه واجب آخر.
وبالجملة : قصد
التعيين إنّما يجب لتحقّق الامتثال ، وهو الإتيان بخصوص ما هو مكلف به ، فإن كان
واحدا في الواقع لا بحسب اعتقاد المكلف بأنّه يعتقد تعدده من جهله أو سهوه فلا بدّ
من التعيين حتى يتحقّق امتثاله العرفي ويقال : إنّه امتثل ، من دون فرق بينه وبين
التعدد في الواقع ، لأنّ المكلف إذا اعتقد أنّ صلاة الظهر ابتداء تكون واجبة وتكون
مندوبة
وحين الإتيان لم
يعيّن إحداهما وتركها متزلزلة متردّدة بين الأمر كيف يعدّ ممتثلا بالنسبة إلى
الواجبة ، ولا يعد من كانت ذمته مشغولة بكلّ من الواجبة والمستحبة ، مثل صلاة
نافلة الفجر وفريضته ، ممتثلا بالنسبة إلى الواجبة؟ وكذا الحال إذا بنى المكلف على
التعدّد عمدا وتشريعا.
وأمّا إذا كان في
الواقع واحدا وعند المكلف أيضا كذلك ، ولم يبن على التعدّد أصلا وقصد ذلك الواحد
فقد قصد الذي هو متّصف بالوجوب أو متّصف بالندب ، لأنّه أحضر المنوي ، وهو الأمر
المتصف بالوجوب واقعا ، لأنّ النيّة أمر بسيط ، إلاّ أن يقال : في الصورة الأخيرة
لا يجب الإحضار بصفة الوجوب أو الندب وإن كان متصفا بهما واقعا ، لأنّ الامتثال
يتحقّق بقصد المعيّن ، وإن كان الواجب أن لا يحضر ما هو متصف بالوجوب بصفة الندب
وما هو متصف بالندب بصفة الوجوب ، لأنّ المندوب غير الواجب وبالعكس ، فلا يكون هو
المعيّن في الواقع ، فتأمّل.
قوله : قال بعض الفضلاء. ( ٣ : ٣١١ ).
فيه : أنّه لا
شبهة في أنّ الفاعل المختار لا يمكن أن يتحقّق منه الفعل بغير ملاحظة العلّة
الغائية لكن العلّة الغائية يمكن أن تكون التقرّب إليه تعالى والإخلاص له ، وأن
تكون غير ذلك من الرياء وغيره من الأغراض ، والإخلاص في غاية الصعوبة ، فكيف يكون
في غاية السهولة؟ وكذا لا بدّ من التعيين بالتوجّه إلى المعيّنات لتحقّق الامتثال
إذا تعدد الاحتمال ، وليس الأمر كذلك في سائر الأفعال ، فتأمّل.
قوله : ما كانوا يذكرون النيّة في كتبهم الفقهية. ( ٣ : ٣١١ ).
كانوا يذكرون
بعنوان الكلّية ، لكونها شرطا في جميع العبادات ، وان كانوا لا يذكرون في موضع
موضع على حدة.
قوله : أمر لا يكاد يمكن الانفكاك عنه. ( ٣ : ٣١١ ).
قد عرفت أنّ الأمر
ليس كذلك ، وأنّ الإخلاص في غاية الصعوبة ، والأخبار في هذا المعنى في غاية الكثرة
، بل ورد : أنّ الرياء أخفى من دبيب النملة في الليلة السوداء على الصخرة الصمّاء
، وأشدّ من هذا ، والعلماء المتقدّمون والمتأخّرون بالغوا في هذا غاية
المبالغة وحذّروا نهاية التحذير ، وعرفت أنّهم ما كانوا يذكرون في خصوصيات
المقامات ، كما أنّهم ما كانوا يذكرون العقائد الأصولية والإيمان وأمثاله ممّا هو
شرط الصحة بلا شائبة شبهة ، مع كون تلك الشرائط ومعرفتها ربما كانت في غاية
الإشكال والصعوبة.
قوله : وممّا يؤيّد ذلك عدم ورود النيّة. ( ٣ : ٣١١ ).
غاية ما ثبت ممّا
ذكر أنّ النيّة ليست جزءا للعبادات بل شرط لها ، كما هو الأظهر ، وأمّا اعتبارها
في العبادات فلا شكّ فيه ، بل لعله صار من الضروريات ، وثابت ذلك من الأخبار بعد الآية ومسلّم عنده.
نعم ما ذكره ; من أنّ التلفظ
بها وغير ذلك من الخرافات المحدثة حق ، وكذا التفكّر في النيّة ، وهذا هو مراده ; وهو الحق ، وإن
كان الإشكال في أمر آخر.
قوله : ووقتها عند أوّل جزء من التكبير. ( ٣ : ٣١٣ ).
قد مرّ في مبحث
الوضوء أنّ النيّة ليست هي الأمر المخطر بالبال ، بل ليست إلاّ الأمر الداعي إلى
الفعل ، فلا حاجة إلى اعتبار المقارنة ولا الاستدامة
__________________
الحكمية .
قوله : مع النيّة كيف حصلت. ( ٣ : ٣١٥ ).
لا بدّ من دليل
يثبت به هذا ، وإلاّ فالعبادات وظيفة الشرع لا بدّ أن يثبت ماهيتها من الشارع ،
والمنقول عن النبي والأئمّة صلوات الله عليهم اتصال النيّة واستمرارها وعدم القطع
في الأثناء ، وسيعترف الشارح ; بما ذكرنا عند قول المصنف : وصورتها : الله أكبر. . وغير ذلك ،
فتأمّل جدّا.
وكذا الكلام في
المسألة الثالثة ، نعم من قال بجريان أصل العدم في العبادات وإثبات ماهيتها به
يمكنه الإثبات به ، وتحقيق ذلك في الأصول ، والشارح ; أراه ربما يحكم بالجريان وربما يقول بالنحو الذي ذكرناه ،
من غير فرق بين الموضعين على ما أظنّ.
قوله : أجمع الأصحاب. ( ٣ : ٣١٨ ).
الواجب من تكبيرات
الصلاة هو تكبيرة الإحرام فقط دون غيرها ، لما ستعرف في تكبير الركوع .
قوله : ولكن كيف يستيقن. ( ٣ : ٣١٨ ).
فيه دلالة على عدم
اعتبار الظنّ أيضا وكونه كالشك ، وسيجيء تمام الكلام إن شاء الله تعالى.
قوله : أ ليس كان من نيّته أن يكبّر؟. ( ٣ : ٣١٨ ).
لعل المراد أنّ من
كان من نيّته أن يكبّر لا يمكن عادة أن يكون
__________________
لا يكبّر ، لكونه
أوّل صلاته ، وهذا النسيان لا أصل له ، بل الظاهر أنّه يكبّر ، والظهور يكفي ، إذا
سيجيء في بحث الشك والظنّ أن الظنّ في الأفعال كاف كالظنّ في الركعات ، ومن هذا يظهر
الكلام في صحيحة البزنطي ، وأنّ قوله 7 : « أجزأه » غير باق على ظاهره بالقرينة المذكورة.
ويشهد على ما
ذكرناه استبعاده 7 في صحيحة ابن مسلم السابقة ، وما رواه الصدوق ; مرسلا عن الصادق 7 أنّه قال : «
الإنسان لا ينسى تكبيرة الافتتاح » .
وممّا ذكرنا ظهر
أنّه لا يعارض ما ذكر من الإجماع والأخبار صحيحة زرارة عن الباقر 7 : « لا تعاد
الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، السجود » الحديث. ولا حاجة
إلى القول بالتخصيص وارتكابه ، فتدبّر.
قوله : وفيها ما يأبى هذا الحمل. ( ٣ : ٣١٩ ).
إن أراد من الإباء
أنّه خلاف الظاهر ، ففيه : أنّ الحمل في المقامات إنّما يكون إذا خالف الظاهر ،
وإلاّ فلا وجه للحمل.
وإن أراد منه
معناه الحقيقي ـ أعني الإباء الواقعي ـ فمع أنّه ليس كذلك ، ينافيه قوله : إلاّ
أنّ مخالفة. إلاّ أن يكون مراده أنّ هذا الحمل وإن كان بعيدا إلاّ أنّه لا بدّ من
ارتكابه ، فيكون معتذرا للشيخ لا معترضا عليه ، فمع أنّه خلاف مدلول كلامه قد عرفت
في الحاشية السابقة قرب هذا الحمل بل نهاية قربه ، لوجود القرينة الظاهرة غير
الإجماع.
__________________
وبالجملة : هذا
الحمل أقرب المحامل التي يرتكبها الشارح في المقامات من دون تأمّل منه وتزلزل
وإظهار حزازة فيها.
قوله : إرادة قلبية لا دخل للّسان فيها. ( ٣ : ٣١٩ ).
كونها إرادة قلبية
لا يقتضي السكوت ولا يستلزم قطع الكلام ، كيف؟! وهو ; قد قال ـ عند قول المصنّف : وحقيقتها. : إنّ حمادا لم يقل
: إنّه فكّر في النيّة ، بل قال : الله أكبر ، فتأمّل.
فالأولى الاستدلال
بأن القدر الثابت من النبي والأئمّة 7 أنهم 7 كبروا بعنوان القطع ، للإجماع على صحته بل الضرورة ، مضافا
إلى ما يظهر من بعض الأخبار بل وغير واحد منها ، ولم ينقل إلينا أنّهم 7 بعنوان الوصل كبّروا ، والعبادات توقيفية.
قوله : والمصلّي بالخيار في التكبيرات السبع. ( ٣ : ٣٢١ ).
في الفقه الرضوي :
« واعلم أنّ السابعة هي الفريضة ، وهي تكبيرة الافتتاح ، وبها تحريم الصلاة » انتهى.
لكن ربما يظهر من
بعض الأخبار أنّ الأولى تكبيرة الافتتاح ، وسائر الأخبار لا يظهر منها شيء من الأمرين ، بل الظاهر
منها عدم وجوب تعيين تكبيرة الافتتاح ، بأنّ أقل ما يجزي تكبيرة ، وأفضل منها ثلاث
، وأفضل منها الخمس ، وأفضل منها السبع ، ومقتضي هذه الأخبار أيضا كون الأولى تكبيرة الافتتاح ،
لأنّ بعد الأولى تتحقّق براءة الذمة عن القدر
__________________
الواجب ، وربما
قيل بالتخيير بين الصور الأربع ، فإن كان مراده ما ذكر فله وجه ، وإلاّ فلا ، فتأمّل.
قوله : فإنّ أقصى ما يستفاد من الروايات. ( ٣ : ٣٢٢ ).
لا يخفى ما فيه ،
لأنّ الحكم ببطلان الصلاة غير منحصر في الصدور في الروايات ، كيف؟ وهو قد أكثر من
الحكم بالبطلان من جهة كون العبادة توقيفية وعدم النقل كذلك ، منها : ما مرّ عند
قول المصنّف ; : وصورتها : أن يقول :
الله أكبر ، وغير ذلك مما لا يحصى.
ومعلوم بالضرورة
أنّ المنقول عن النبي والأئمّة 7 أنّهم كبّروا للإحرام تكبيرة واحدة ، وما كبّروا له وبقصد
الوجوب والافتتاح الواجب سوى واحدة ، بل المنقول أمّا الواحدة أو الثلاث أو الخمس
أو السبع باختيار الأفضل والأولى في غير الأولى.
على أنّه لو تمّ
ما ذكره لزم صحة قول الشيخ ; بجواز الإتيان بالتكبير في حال الانحناء ، لأنّ أقصى ما
يستفاد من الروايات بطلان الصلاة بتركه عمدا وسهوا ، وهو لا يستلزم البطلان بفعله
في حال الانحناء ، والشارح لا يرضى بذلك وأمثاله ، فتأمّل جدّا.
قوله : فيجب فيه كلّ ما يجب فيها. ( ٣ : ٣٢٢ ).
ويدل عليه موثقة
عمار عن الصادق 7 : عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة ، قال : « يعيد
الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح » وعن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام
وافتتح الصلاة وهو قائم ، ثم ذكر ، قال : « يقعد ويفتتح الصلاة وهو قاعد ، وكذلك
إن وجبت عليه الصلاة
__________________
من قيام فنسي حتى
افتتح الصلاة وهو قاعد ، فعليه أن يقطع صلاته ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم ، ولا
يعتدّ بافتتاحه وهو قاعد » .
قوله : والهاء زيادة على القدر الطبيعي. ( ٣ : ٣٢٣ ).
يلزم على هذا
بطلان الصلاة ، لأنّه لم ينقل عن النبي والأئمّة 7 المدّ بهذه الزيادة ، بل حالها أسوء من حال وصل همزة «
الله » في التكبير ، وقد مرّ من الشارح ; الحكم بالبطلان به بالعلّة التي ذكرها ، وهي جارية في
ما نحن فيه ، بل بطريق أولى ، وكذا الكلام في قوله : وإلاّ ففيه وجهان ، وقوله في
الشرح الآتي : ولا بدّ من تقييده ، إلاّ أن يكون مراده أنّ أمثال هذه الأمور عدم
ضررها إجماعي ، سوى ما يخرج بسببه عن صيغة الأخبار ، فتأمّل.
قوله : المستند في ذلك روايات كثيرة. ( ٣ : ٣٢٣ ).
في العيون عن
الرضا 7 : « أنّ النبي 6 كان يكبّر واحدة ويجهر بها ، ويسرّ ستّا » في جواب من قال
: روي عن النبي 6 أنّه كان يكبّر واحدة .
قوله : وهو حسن. ( ٣ : ٣٢٥ ).
لكن يشكل بأنّ
مقتضى صحيحة زرارة عن الباقر 7 : « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ،
والقبلة ، والركوع ، والسجود » عدم ركنيته مطلقا.
__________________
إلاّ أن يقال :
إنّ الصحيحة مخصّصة بالإجماع وغيره ، مثل قوله : « من لم يقم صلبه فلا صلاة له »
رواه الصدوق في الصحيح في باب القبلة ( والكافي في الصحيح عن أبي بصير ، عن الصادق ، عن أمير المؤمنين
7 ) فتأمّل.
أو يقال : إنّ
الركوع من غير قيام مثلا ليس بركوع في الفريضة ، فإنّ الركوع فيها هو أن ينحني من
قيام ، فإنّ الإعادة من الركوع والسجود تشمل ما نحن فيه ، وعدم الإعادة من جهة
نسيان الذكر فيهما مثلا ثبت من دليل من الخارج.
مع أنّ الإتيان بنفس
الركوع والسجود وترك القيام لهما سهوا في الفريضة ـ بأن يكون المكلف آتيا بالركوع
والسجود وغيرهما من الأركان فيها إلاّ أنّه نسي كون ركوعه وانحنائه عن قيام وكذا
السجود ـ من الفروض البعيدة غاية البعد ، والقيام المتصل بهما لا ينفكّ عنهما
غالبا أو متعارفا ، وأخبارنا محمولة على الفروض المتعارفة واردة فيها ، فلا يظهر
ضرر من قبلها للفروض البعيدة ، سيّما وأن تكون غاية البعد.
وكيف كان لا
يتحقّق ضرر أصلا في الحكم بركنيته من طرف هذه الصحيحة وغيرها أصلا ، ومقتضى الدليل
الركنية على حسب ما ذكره الشهيد ; هذا هو مراد الفقهاء.
قوله : وفي أثنائها. ( ٣ : ٣٢٧ ).
__________________
لا يخفى ما فيه ،
لأنّه يرد عليه ما أورده على المحقّق الشيخ علي من دون تفاوت أصلا ، ولعله كتبه
أوّلا ثم ضرب عليه ، ولهذا لا يوجد في بعض النسخ.
قوله نسخة : مدفوع. ( ٣ : ٣٢٧ ).
بدل من قوله : هو
إشكال ضعيف.
قوله : وهو غير بعيد. ( ٣ : ٣٢٨ ).
مشكل ، لأنّ
المعارض أقوى من حيث عمل الأصحاب ، والإطلاقات والعمومات الدالة على وجوب القيام ،
لأنّ المتبادر منه فيها ما لا يكون باستناد على شيء ، وكون العبادة توقيفية ،
والمنقول عن النبي والأئمّة 7 أنّهم 7 ما كانوا يستندون ، وعدم صراحة كون الاستناد في هذه على
سبيل الاعتماد ، وتوقّف شغل الذمّة اليقيني على البراءة اليقينية. وحصول الشبهة من
جميع ما ذكر لا أقلّ منه ، فتأمّل جدّا.
قوله : ما رواه ابن بابويه مرسلا. ( ٣ : ٣٣١ ).
الأولى والأحوط
العمل بمضمون هذه المرسلة ( بل متعيّن تحصيلا للبراءة اليقينية ، مع اعتضادها
بالإجماع المدعى من المحقق وغيره أيضا ، وفتاوى الفقهاء ، وموثقة عمار الآتية ، وتحصيل
الاستقبال للقبلة مهما أمكن ، والله يعلم ) .
قوله : ويستفاد من هذه الرواية استحباب وضع الجبهة على ما يصح
السجود عليه حال الإيماء. ( ٣ : ٣٣٣ ).
__________________
لا يخفى أنّ مع
التمكن من السجود على الأرض يجب بلا تأمّل ، وهذا الرجل المسؤول عن حاله لا يمكنه
الجلوس كما سأل ، فالرفع للوضع فاسد ، مع أنّه 7 قال : « أن يضع
جبهته على الأرض » لا أن يرفع لوضعها عليها ، فالظاهر حملها على المستلقي أو
المضطجع الذي يعسر عليه ، ويشهد وضع الجبهة كما هو الغالب في المرضى ، لأنّ إطلاق
المريض ينصرف إلى الكامل لا إلى السهل.
قوله : ويمكن أن يريد بالاستمرار. ( ٣ : ٣٣٣ ).
لا خفاء في أنّ
مراده هو هذا ، لا السابق ، إذ لا وجه له ، مع بعده عن العبارة.
قوله : شرط مع القدرة. ( ٣ : ٣٣٤ ).
لم نجد دليلا على
اشتراط الاستقرار بالمعنى الذي ذكره ، لا إجماعا ولا حديثا ، أمّا الحديث فظاهر
فقده ، وامّا الإجماع فقد عرفت كلام المشهور من أنّه ينتقل إلى ما دونها مستمرا.
إلاّ أن يقال :
إنّ توقيفية العبادة تقتضي ذلك.
وفيه أيضا تأمّل ،
لما عرفت من كلام الأصحاب وتعليلهم ، وظاهرهما يقتضي التعيين ، فتأمّل جدّا ، ( مع
أنّ القدر المتصل بالقيام والواقع في حدّه يجب تحقّق القراءة فيه للعموم ، فكذا
غيره ، لعدم قائل بالفصل ) .
قوله : والأصل فيه. ( ٣ : ٣٣٥ ).
هذا كما يقتضي
وجوب قراءة الحمد كذا يقتضي وجوب قراءة السورة تماما أو بعضا ، لأنّ فعل النبي
والأئمّة 7 بالنسبة إليهما واحد من
__________________
دون تفاوت أصلا ،
وكذا الكلام في الأخبار المستفيضة ، فإنّ لفظ القراءة فيها مطلق شامل للحمد
والسورة ، مع أنّ الشارح ; سيذكر في بحث وجوب السورة : أنّ التعريف في أمثال المقام
ليس للعهد ، ولا للحقيقة ، ولا للعهد الذهني ، فيكون للاستغراق.
وممّا يؤيّد : أنّ
الواجب لو كان خصوص الحمد فقط لكان المناسب أن يقول ـ بدل القراءة ـ : الحمد أو
الفاتحة ، لأنّه أخصر وأظهر في المطلوب ، ولعدم المناسبة حينئذ بالتعبير بلفظ
القراءة ، لأنّ الواجب حينئذ هو الحمد من حيث إنّه حمد لا من حيث إنّه قراءة ،
ولأنّ التعليق بلفظ القراءة له ظهور في كون الواجب هو القراءة من حيث إنّه قراءة ،
وخصوصية كونها الحمد والسورة تظهر من الخارج ، وليس المقام مقام العناية بإظهار
تلك الخصوصية ، بخلاف ما لو كان الواجب خصوص الحمد من حيث إنّه حمد ، فإنّه لا
يناسبه التعبير في المقام بالقراءة من حيث إنّها قراءة ( مع أنّه لا عناية
بالقراءة من حيث إنّها قراءة ) أصلا.
ويؤكّد ما ذكرناه
ما رواه في العلل عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا 7 : « أمر الناس
بالقراءة في الصلاة لئلاّ يكون القرآن مهجورا مضيّعا. ، وإنّما بدئ بالحمد دون
سائر السور لأنّه ليس شيء من القرآن. » الحديث ، وما رواه في الفقيه أيضا .
وفيه شهادة واضحة
على كون القراءة من حيث إنّها قراءة مأمورا بها ، وكون الحمد بخصوصها مأمورا بها
أيضا ، وكون البدأة بالحمد مأمورا بها ،
__________________
وفيها دلالة على
وجوب السورة ، وكونها مأمورا بها من وجوه متعدّدة.
قوله : كصحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما 7. ( ٣ : ٣٣٥ ).
ورواه الصدوق ; في الصحيح ، عن
زرارة ، عن أحدهما 7 .
قوله : حتى يبدأ بها. ( ٣ : ٣٣٦ ).
يظهر منه وجوب
السورة أيضا ، فإنّه يظهر أنّ القراءة لا بدّ منها ، وأنّه لا قراءة صحيحة حتى
يبدأ بالحمد ، فالابتداء بالحمد أيضا لا بدّ منه ، والابتداء به لا يتحقّق إلاّ مع
وجوب السورة ووجودها ، ولو لم تكن للسورة مدخلية في الوجوب لما حسن أن يقال : حتى
يبدأ بالحمد ، بل كان المناسب أن يقول ـ موضع قوله : « فإنّه لا قراءة. » ـ :
فإنّه لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب.
ومثل رواية سماعة
رواية محمد بن مسلم ـ رواها الشيخ عنه ـ قال : سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة
الكتاب في صلاته ، قال : « لا صلاة له إلاّ أن يبدأ بها في جهر أو إخفات » .
قوله : وقد نقل جدّي ; عن بعض محقّقي القراءة. ( ٣ : ٣٣٨ ).
لا يخفى أنّ
القرآن عندنا نزل بحرف واحد من عند الواحد ، والاختلاف جاء من قبل الرواية ، فالمراد
بالمتواتر ما تواتر صحة قراءته
__________________
في زمان الأئمّة 7 ، بحيث يظهر
أنّهم كانوا يرضون به ويصحّحونه ويجوّزون ارتكابه في الصلاة وغيرها ، لأنّهم كانوا
راضين بقراءة القرآن على ما هو عند الناس ، بل وربما كانوا يمنعون من قراءة الحق
وكانوا يقولون : هي مخصوصة بزمان ظهور القائم 7 .
قوله : لكن قد لا يخرج بذلك عن كونه قرآنا. ( ٣ : ٣٤٢ ).
هذا لا يقتضي صحة
التدارك مطلقا قبل الركوع ، فالأولى حمل الإعادة على الأعمّ من الصّلاة والقراءة ،
إن تدارك يكون إعادة القرآن ، وإن لم يتدارك يكون إعادة الصلاة ، وكذلك إن خرج
بالمخالفة عن كونه قرآنا ، فتدبّر.
قوله : ولو لفوات الموالاة. ( ٣ : ٣٤٢ ).
يعني عدم الإمكان
بفوات الموالاة.
قوله : لإطلاق الأمر. ( ٣ : ٣٤٢ ).
يمكن أن يقال :
الإطلاق ينصرف إلى المتعارف الغالب ، والمتعارف كان أنّ من يحفظ القراءة كان يقرأ
من الحفظ ، ولا كان يرتكب عناء أخذ المصحف والقراءة منه وتحصيل السراج للقراءة
والقراءة بالسراج ، ومنه يظهر الجواب عن رواية الصيقل أيضا.
وروى علي بن جعفر
عن أخيه موسى 7 المنع من ذلك ، وعدم الاعتداد بالصلاة تكون قراءتها كذلك
ووجوب إعادتها ، رواها الحميري بطريقه عنه . ومن هذا منع في الدروس عنه ، ولعل غير ذلك.
__________________
قوله : وجب عليه الإتيان به إجماعا. ( ٣ : ٣٤٣ ).
وللأخبار الدالة
على أنّ الميسور لا يسقط بالمعسور أو ممّا ذكر ظهر أنّ الوجوب غير منحصر في صورة كون الشيء
الذي نقله من الفاتحة قرآنا ، كما اختاره في الدروس بعد العلاّمة ، ونظرهما إلى ما
سنذكر في الحاشية الآتية في وجوب حصول القراءة موضع الحمد لو لم يعلم شيئا منها ،
أو يعلم لكن بعوض الفائت.
قوله : تمسّكا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض. ( ٣ : ٣٤٣ ).
الأصل لا يجري في
ماهية العبادات ، ولذا وجب في تكبيرة الإحرام الاقتصار على « الله أكبر » مع كون
ما دل على وجوب تكبيرة مطلقا ، سيّما مع كون المراد : الله أكبر من كلّ شيء ، أو
من أن يوصف ، أو عن أن يتوهم ، ومع ذلك لا يجوز إظهار شيء من ذلك ، وكذا لا يجوز
: الله الأكبر ، وغيرها ممّا هو أصح بحسب اللغة عن المشهور ، وغير ذلك من المواضع
المسلّمة عند الشارح ، مع أنّه ثبت ممّا تقدّم أنّ وجوب القراءة أمر على حدة ،
ووجوب كونها الحمد والسورة أمر على حدة ، ودل على الأوّل الإجماع والأخبار التي لا
تحصى ، وعلى الثاني أيضا.
وفي العلل : عن
الرضا 7 : « إنّما أمر بالقراءة في الصلاة لئلاّ يكون القرآن مهجورا » إلى أن قال : «
وإنّما بدئ بالحمد دون سائر السور ، لأنّه ليس شيء من القرآن جمع فيه من جوامع
الخير والحكمة ما جمع في الحمد » ،
__________________
ثم شرع 7 في بيان الخير
والحكمة في كلّ جزء جزء منها إلى قوله ( وَلَا الضّالِّينَ ) .
فظهر ممّا ذكر أنّ
وجوب مطلق القراءة غير وجوب مقيّدها وكلّ منهما على حدة ، فمن تعذّر أحدهما أو
تعسّره لا يسقط الآخر ، وإن كان في المقيّد اجتمع الوجوبان ، فإن لم يتيسّر لم
يسقط المطلق ، ولذا وجب القراءة من غيرها.
وروى العامّة عن
النبي 6 أنّه قال : « فإن كان معك قرآن فاقرأ به » فمع التمكن من قراءة
بعض الحمد يمكن أن يقال بتعويض الفائت ، بملاحظة أنّ أمر الشارع بوجوب الحمد تماما
ربما يظهر [ منه ] كون هذا المقدار من القراءة مطلوبا مطلقا ، وكونها في ضمن
الحمد وبالحمد مطلوبا آخر.
مع أنّه لو قلنا
بعدم الظهور فالاحتمال موجود البتة ، والبراءة الاحتمالية لا تكفي عند اشتغال
الذمّة بالعبادة التوقيفية يقينا.
ودعوى ظهور عدم
المدخلية على المجتهد بحيث يكتفي به في تحصيل البراءة اليقينية ، فيه ما فيه ،
وعلى أىّ حال الاحتياط في مثله لا يترك.
واعلم أنّه على
القول بوجوب تعويض الفائت هل يجب تكرار ما يعلمه إلى ان يحصل مقدار الحمد لكونه
أقرب إلى الحمد؟ أو يجب كونه بغير الحمد ممّا يعرفه من القرآن؟ لعدم ظهور تكرار
القراءة في خبر من
__________________
الأخبار ، بل
مقتضى ما ذكرنا من العلل عن الرضا 7 تعيين الغير ، [ إذ ] بالقراءة يحصل عدم الهجر ، فما الفائدة في التكرار إذا كان العلّة
عدم الهجر بالمرّة والحفظ والدرس ، والمعرفة وعدم الجهل ، إذ كلّ ذلك يقتضي كون
عوض الفائت من غيرها من باقي السور؟
أو أنّه يجوز
الأمران ومخيّر بينهما ، لحصول العوض على أيّ تقدير؟
ولعل الأوسط خير.
ولو لم يعرف شيئا
من الحمد ويعرف شيئا من باقي القرآن لا يوازي الحمد ، فهل يجب تكراره إلى أن يوازي
الحمد بناء على ما قلناه من وجوب الإتيان بقدر الحمد من القرآن؟ أو يعوّضه بالذكر
إلى أن يوازي الحمد بناء على ما ذكرناه من عدم الفائدة في التكرار؟ أو لا تلزم
الموازاة بل يكفي ذلك القليل ، بحصول مسمّى القراءة وعدم التمكن بما يوازي الحمد ،
لعدم وجود التكرار في خبر ، ولعدم الفائدة فيه؟.
إشكال ، وإن كان
الأوّل ربما لا يخلوا من قوّة لا عدم التكرار ، بناء على ما هو المتعارف من حصول
القراءة إن كانت حاصلة ، ووجوب تحصيلها إن لم تكن ، ولو لم يمكن فالميسور لا يسقط
بالمعسور ، مع أنّ الاحتمال كاف في لزوم مراعاته ، كما لا يخفى والاحتياط.
ولو أمكنه تفسير
الحمد أو مرادفها ، فهل هو مقدّم على القراءة من غيرها أم لا؟.
الأظهر الثاني ،
لأنّ التفسير ليس بقرآن.
وهل هو مقدّم على
التسبيحات أم لا؟
__________________
اختار في المنتهى
تقديم التسبيح ، لقول النبي 6 : « إن كان معك قرآن فاقرأ وإلاّ فاحمد الله وكبّره وهلّله
» .
وفيه : أنّ
الرواية من العامّة ، نعم في صحيحة ابن سنان المذكورة في الشرح ما يدل عليه ، لكن
يمكن أن يقال : فرض معرفة تفسير الحمد وعدم معرفة الحمد في غاية البعد والندرة ،
لأنّ المتعارف أنّ من لا يعرف الحمد لا يعرف تفسيره أيضا البتّة ، بل محال عادي
عدم معرفتها ومعرفته ، فلذا قال 7 : « أجزأ أن يكبّر ويسبّح ويصلّي ».
وممّا ذكر ظهر
أنّه لو لم يعرف الحمد أصلا ويعلم السورة يقرأ السورة على القول بوجوب السورة بعد
ما يقرأ عوض الحمد من القرآن على حسب ما ذكره.
ولو كان يعلم
الحمد ولا يعلم السورة أصلا ، فمقتضى ما ذكر وجوب إتيان ما يكون عوض السورة على
حسب ما ذكره ، لكن في الذخيرة ادعى الإجماع على عدم وجوب عوض السورة حينئذ ، وهو أعرف ، إذ
لم يظهر بعد لي ما ادعاه ، وسيجيء في بحث السورة .
قوله : والمصلّي في كلّ ثالثة ورابعة بالخيار. ( ٣ : ٣٤٤ ).
وفي الفقه الرضوي
: « وفي الركعتين الأخراوين الحمد وحده ، وإلاّ فسبّح فيهما ثلاثا ثلاثا ، تقول :
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، تقولها في كلّ ركعة ثلاث
مرّات » .
__________________
قوله : أفضلية التسبيح. ( ٣ : ٣٤٥ ).
هذا هو الظاهر من
أخبار كثيرة وصريح بعضها ، مثل صحيحة زرارة عن الباقر 7 : « لا تقرأ في
الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات [ شيئا ] ، إماما كنت أو غير إمام
» قال : قلت : فما أقول فيهما؟ قال : « إذا كنت إماما أو وحدك فقل : سبحان الله والحمد
الله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، ثلاث مرّات » .
بل يظهر من
الأخبار أنّ أفضلية التسبيح كانت ظاهرة عند الشيعة في زمان الأئمّة 7 ، وكانوا
يسألونهم عن علّة كونه أفضل من القراءة ، وكانوا 7 يجيبونهم عن العلّة ويظهرون أنّ العلّة ما ذا ، ويظهر أنّ
أمير المؤمنين 7 كان يسبّح في الأخيرتين مع أنّه كان إماما ( وفي بعض
الأخبار : أنّ الأفضل للإمام أن يسبّح ، بل ورد أنّه على الإمام أن يسبّح ) وفي كثير من
الأخبار : أنّه جعل القراءة في الأوّلتين والتسبيح في الأخيرتين ، إلى غير ذلك .
قوله : لكن ربما لاح منها أنّ القراءة أفضل للمنفرد. ( ٣ : ٣٤٥
).
لم نجد التلويح
فيها أصلا.
قوله : وقريب منها في الدلالة. ( ٣ : ٣٤٥ ).
في دلالتها تأمّل
أيضا.
__________________
قوله : ( ويدل عليه أيضا. ) .
ويمكن حمل هذه
الأخبار على الاتقاء ، فإنّ الشيعة إذا كانوا يسبّحون ربما يطّلع على فعلهم
العامّة ، فهذا أقرب إلى التقيّة والاتقاء ، وما أشرنا أقرب إلى الحق والواقع.
قوله : لأنّا نجيب عنها بالحمل على أنّ « لا » نافية. ( ٣ : ٣٤٦
).
على هذا التقدير
أيضا لها ظهور في أنّ القراءة مرجوحة ، كما لا يخفى على المتأمّل.
قوله : وقراءة سورة كاملة. ( ٣ : ٣٤٧ ).
في الفقه الرضوي :
« ولا تقرأ في المكتوبة سورة ناقصة » ، قال ذلك بعد ما قال : « ويقرأ سورة بعد
الحمد في الركعتين الأوّلتين » .
وقال الصدوق ; في أماليه : من
دين الإمامية الإقرار بأنّ القراءة في الأوّلتين من الفريضة الحمد وسورة لا تكون
من العزائم ، ولا ألم تر كيف ولإيلاف ، أو الضحى وألم نشرح ، لأنّ الأوّلتين سورة
واحدة ، والأخيرتين سورة واحدة ، فلا يجوز التفرّد بواحدة منهما في الفريضة ، فمن
أراد أن يقرأها فيها فليقرأ الأوّلتين في ركعة ، والأخيرتين في ركعة . وقال مثل ذلك في
الفقيه .
وقال المرتضى في
الانتصار وممّا انفردت به الإمامية القول بوجوب
__________________
قراءة سورة تضمّ
إلى فاتحة الكتاب في الفرائض خاصّة على غير العليل والمستعجل ، ولا تجوز قراءة بعض
سورة في الفريضة ولا سورتين. .
والشيخ في عدّة من
كتبه حكم بالوجوب ، بل لا يظهر من النهاية أيضا ـ كما ستعرف ـ بل العلاّمة ; أيضا في جميع
كتبه قال بالوجوب ، واختاره كثير من المتأخّرين ، مضافا إلى ما
ذكره الشارح.
وأمّا ابن الجنيد
فستعرف حاله ، وليس عندي كتاب سلاّر ، وفي التهذيب قال : وعندنا أنّه لا تجوز
قراءة هاتين السورتين ـ يعني الضحى وألم نشرح ـ إلاّ في ركعة . وهو مشعر بأنّ
الإجماع على وجوب سورة كاملة ، وفي الخلاف والمبسوط صرّح بأنّ الظاهر من روايات
الأصحاب ومذهبهم وجوب السورة الكاملة بعد الحمد .
قوله : وقال ابن الجنيد. ( ٣ : ٣٤٧ ).
المستفاد من كلام
ابن الجنيد عدم إجزاء الحمد وحدها حيث قال : لو قرأ بأمّ الكتاب وبعض السورة في
الفرائض أجزأ ، ومثله الشيخ في المبسوط حيث قال : قراءة سورة بعد الحمد
واجب ، على أنّه إن قرأ بعض
__________________
السورة لا يحكم
ببطلان الصلاة ، فتأمّل.
وقيل : العلاّمة
في المنتهى قائل بالوجوب البتّة ، ولا يظهر منه أصلا ميل .
وعبارة الشيخ في
النهاية في غاية التشويش ، حيث حكم أوّلا بوجوب القراءة وقال : أدنى ما يجزئ الحمد
وسورة معها لا يجوز الزيادة ولا النقصان عنه ، فمن صلّى بالحمد وحدها من غير عذر
لم يجب عليه إعادة الصلاة ، غير أنّه ترك الأفضل ، وإن اقتصر على الحمد ناسيا لم
يكن به بأس وكانت صلاته تامّة ـ إلى أن قال ـ : ولا يجوز أن يقرن بين سورتين مع
الحمد في الفرائض ، فمن فعل ذلك متعمّدا كانت صلاته فاسدة ، وكذلك لا يجوز أن
يقتصر على بعض سورة وهو يحسن تمامها ، فمن اقتصر على بعضها وهو متمكن لقراءة
جميعها كانت ناقصة وإن لم يجب عليه إعادتها ، ـ إلى أن قال ـ : وأمّا صلاة النوافل
فلا بأس فيها أن يقتصر على الحمد وحدها ، غير أنّ الأفضل أن يضيف إليها غيرها من
السور ـ إلى أن قال ـ : وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم واجبة في جميع الصلاة قبل
الحمد وبعدها إذا أراد أن يقرأ سورة معها ، ـ إلى أن قال ـ : ومن ترك بسم الله
الرحمن الرحيم في الصلاة متعمّدا قبل الحمد أو بعدها قبل السورة فلا صلاة له ووجب
عليه إعادتها ـ إلى أن قال ـ إذا أراد أن يقرأ سورة الفيل في الفريضة جمع بينها
وبين سورة لإيلاف ، لأنّهما سورة واحدة ، وكذا الضحى وألم نشرح ، انتهى.
__________________
فظهر من هذا أنّه
قال بالوجوب فيه أيضا ، ومقتضى كلامه في المبسوط أنّ بترك السورة عليه العقاب ،
وقراءة بعض السورة توجب صحة الصلاة وإن كان معاقبا.
ومقتضى كلام
العلاّمة ; في المنتهى أنّ القول بعدم الوجوب منحصر في نهاية الشيخ ، وقد عرفت عبارته.
قوله : ومال إليه في المنتهى. ( ٣ : ٣٤٧ ).
في المنتهى في
غاية التشديد في الوجوب من دون ظهور ميل منه أصلا ورأسا ، وما أدري من أيّ شيء
يقول الشارح ; بميله؟ نعم في مسألة تبعيض السورة اختار عدم الجواز ، ثم قال في آخر كلامه :
لو قيل : فيه روايتان ويحمل المنع على كمال الفضيلة كان وجها . ولا يخفى أنّه
لا يدلّ على ميله في التبعيض ، فضلا عن ميله إلى استحباب السورة ، كما لا يخفى.
قوله : والأصل عدمه. ( ٣ : ٣٤٨ ).
ليت شعري كيف ما
استدل في حكاية قطع همزة « الله أكبر » بأنّ وجوبه زيادة تكليف والأصل عدمه؟ كما
قال به بعض المحقّقين ، وكذا في نظائره؟ بل استدل على الوجوب بكون العبادة توقيفية
، والقدر الثابت من النقل هو القطع ، وليت شعري هذا الدليل كيف لم يجرها هنا؟ بأنّ
المنقول عن النبي والأئمّة 7 أنّهم كانوا يقرؤون السورة بعد الحمد ويلتزمون ذلك وما
كانوا يكتفون بقراءة الحمد وحدها ، يظهر ذلك من الأخبار المتواترة :
منها : أنّهم 7 كانوا يصلّون
الغداة بكذا ، والظهر بكذا ، والعصر
__________________
بكذا ، وهكذا ، إلى غير ذلك.
ومنها : أنّهم كان
لهم سكتتان : سكتة بعد الحمد وسكتة بعد السورة .
ومنها : أنّهم
كانوا يقرؤون في صلاة الجماعة بكذا ، إلى غير ذلك.
وأمّا صحيحة
إسماعيل بن الفضل فليس فيها الاقتصار على الحمد ، ومع ذلك سيجيء الكلام فيها ،
فتأمّل. مع أنّ النبي 6 كان يواظب بلا تأمّل ، ولعله للعبادة التوقيفية واجب
الاتباع ، لعدم معلومية العبادة من طريق آخر ، فتأمّل.
قوله : وفي الصحيح عن الحلبي. ( ٣ : ٣٤٨ ).
الظاهر أنّ
الصحيحتين واحدة ، كما نبّه عليه في المنتقى ، لأنّ ابن رئاب لو كان سمع الحكم من المعصوم 7 مشافهة لما كان
يقتصر في النقل بواسطة ، بل كان يقول : وسمعته مشافهة ، كما هو دأب الرواة
والمحدّثين ، ويشهد عليه الاعتبار أيضا ، وكيف كان لا يبقى وثوق بالتعدّد.
وأمّا الدلالة وإن
لم يكن لها عموم بحسب اللغة ، إلاّ أنّ الظاهر العموم من جهة ما ذكر من القرينة ،
أو يقول : إنّ الحكم دائر مع الطبيعة ، بناء على أنّ التعريف حقيقة في الجنس ، لكن
نقول : إنّ الظهور المذكور ينفع إذا
__________________
لم يمنع مانع ولم
يكن معارض يظهر منه الوجوب ، وهو كثير.
مع أنّ الحلبي
الذي هو راوي هذا الحديث روى عن الصادق 7 أنّه : « لا بأس أن يقرأ بفاتحة الكتاب في الفريضة إذا ما
أعجلت به حاجة ، أو تخوّف شيئا » ، والمطلق يحمل على المقيّد والعامّ على الخاصّ ،
سيّما وأن يكون الراوي للمطلق هو بعينه الراوي للمقيّد ، وكذا المروي عنه ، وخصوصا
إذا انضمّ إلى المقيّد مقيّد آخر ، مثل صحيحة ابن سنان الآتية وغيرها ، ومعاضدات
آخر ، ومؤيّدات كثيرة ، كما ستعرف.
قوله : ويدل عليه الأخبار الكثيرة المتضمّنة لجواز. التبعيض. ( ٣ :
٣٤٨ ).
لا دلالة لجواز
التبعيض على استحباب مجموع السورة إلاّ من جهة عدم القول بالفصل ، وقد عرفت القائل
، ومع ذلك يظهر الجواب بوجه آخر ، كما ستعرف أيضا.
قوله : احتجّ الموجبون. ( ٣ : ٣٤٩ ).
لا يخفى أنّ حجّة
الموجبين لا تنحصر في ما ذكره ، بل كثيرة ، منها : ما سيجيء في صلاة العيدين من
الإجماع على وجوب قراءة السورة فيها ، واعترف الشارح به ، بل هو ادعى الإجماع أيضا
، ويظهر من الأخبار الواردة فيها اتحادها مع الفريضة اليومية ، غير أنّه يزاد
فيها تكبيرات ، فلاحظ.
__________________
ومنها : ما أشرنا
إليه في صدر مبحث القراءة عند قول المصنف : القراءة ، وهي واجبة.
ومنها : ما أشرنا
إليه عند قوله : يتعيّن بالحمد في كلّ ثنائية.
ومنها : ما ذكرناه
ها هنا عن الفقه الرضوي وعن الصدوق ; وعن التهذيب والخلاف والمبسوط ، وعن السيّد ; فإنّ الإجماع
المنقول بخبر الواحد حجّة ومسلّم كما تبيّن في محلّه.
ومنها : ما رواه
في الفقيه والتهذيب في الصحيح ، عن الباقر 7 ـ في ما إذا أدرك الرجل بعض الصلاة مع الإمام وفاته بعض ـ أنّه
7 قال : « قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك في نفسه بأمّ الكتاب وسورة ، فإن لم يدرك
السورة أجزأه أمّ الكتاب ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما ،
لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها بأمّ الكتاب وسورة » إلى أن قال : « فإذا سلّم الإمام
قام فقرأ بأمّ الكتاب وسورة » ، وغير خفي أنّ الإجزاء إنّما يكون ظاهرا في أقلّ الواجب ،
فمفهوم الشرط عدم الإجزاء والوجوب ، مع أنّ الجملة الخبرية ظاهرة في الوجوب سيّما
في أمثال المقام ، ففي الخبر دلالات متعدّدة ، ومن التعدّد يتحقّق التأكّد.
ومنها : في الصحيح
عنه 7 ، قلت : رجل جهر في ما لا ينبغي الجهر فيه ، وأخفى في ما لا ينبغي الإخفاء
فيه ، وترك القراءة في ما ينبغي القراءة فيه ، أو قرأ في ما لا ينبغي القراء فيه ،
فقال : « أيّ ذلك فعل ناسيا
__________________
[ أو ساهيا ] فلا
شيء عليه » وهي شاملة للسورة أيضا ، لعموم كلمة « ما » وكون « ينبغي »
أعمّ من الواجب ، والقراءة أعمّ من خصوص فاتحة الكتاب.
مع أنّه لا وجه
لتخصيص السؤال بالفاتحة ، لأنّ الاختلال كما يتحقّق من جهة الفاتحة كذا يتحقّق من
جهة السورة : بأن يقرأ سورة في ما لا ينبغي قراءة السورة فيه أو يترك السورة في ما
ينبغي أن تقرأ فيه ، بل السورة أولى بالسؤال عن تركها من الحمد ، ( لأنّ الوجوب في
الحمد ممّا لا يكاد يخفى على أحد ، سيّما على زرارة وهو الراوي هنا ) فالسؤال عن الحمد
يقتضي السؤال عن السورة بطريق أولى ، ولهذا سأل عن القراءة مطلقا من غير تقييد
بالحمد وأتى بلفظ « ينبغي » كي لا يكون صريحا في الواجب فلا يكون للسؤال عن تركها
مناسبة ، سيّما بالنسبة إلى مثل زرارة.
وتخصيص سؤاله
بحالة النسيان ـ مع أنّه خلاف ظاهر اللفظ ـ لا يناسب الجواب بأنّه « أيّ ذلك فعل
ناسيا أو ساهيا فلا شيء عليه » كما لا يخفى ، مع أنّك قد عرفت أنّ قراءة السورة
في ما لا ينبغي اختلال البتّة ، مع أنّ البناء على أنّ الراوي لعله كان يعلم جزما
أنّ السورة بخصوصها مستحبة ، فالمعصوم 7 أجابه بمقتضى ما يعلم لا ما يكون كلامه ظاهرا فيه ، فمع
أنّه مخالف للأصل والظواهر المذكورة يوجب سدّ باب التمسّك بالظواهر.
ومنها : ورود
الأمر بقراءة السورة بعد الحمد ، مثل الصحيحة التي
__________________
رواها الكليني في
بحث الأذان ، وهي طويلة ، وفيها أحكام كثيرة ، والأمر حقيقة في
الوجوب.
ومنها : الصحيح في
الكافي والتهذيب عن محمد بن إسماعيل ، قال : قلت أكون في طريق مكّة ، فننزل للصلاة
في مواضع فيها الأعراب ، أنصلّي المكتوبة على الأرض فنقرأ أمّ الكتاب وحدها أم
نصلّي على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب والسورة؟ فقال : « إذا خفت فصلّ على الراحلة
المكتوبة وغيرها ، وإذا قرأت الحمد وسورة أحبّ إليّ ، ولا أرى بالذي فعلت بأسا » .
فإنّ الظاهر منها
أنّه كان خائفا إذا قرأ الحمد والسورة معا ، وأمّا مع الاكتفاء بالحمد وحدها فلم
يكن خائفا ، كما يتفق في بعض الأوقات ، فأجاب 7 : « إذا خفت » أي الخوف الذي ذكرت ، وهو أن تقرأ السورة في
الصلاة ، لا مطلقا « فصلّ على الراحلة المكتوبة وغيرها » يعني كما أنّك تصلّي
غيرها حينئذ على الراحلة صلّ المكتوبة أيضا ، وهذا الأمر منه على سبيل التخيير لا
التعيين وكونه الأفضل بقرينة قوله : « إذا قرأت » فتأمّل.
ويؤيّد الوجوب أنّ
ما ورد في الأخبار في السهو عن القراءة وحكمه ، ورد الكلّ بلفظ القراءة في السؤال
والجواب ، من دون تخصيص بالحمد .
ويؤيّده أيضا ما
ورد في الصحيح من أنّ المريض يجزيه فاتحة
__________________
الكتاب وحدها حين
يصلّي على الدابّة .
وما ورد في الصحيح
من أنّ « قل هو الله أحد تجزي في خمسين صلاة » .
ويؤيّده أيضا :
قوله 7 : « لكل سورة ركعة » .
ويؤيّده أيضا :
أنّ قدماء أصحابنا والمتأخّرين منهم صرّحوا بأنّ المنع في إفراد الضحى وألم نشرح ،
والفيل ولإيلاف ، من جهة كونهما سورة واحدة.
وما ورد في من
صلّى الجمعة بسبّح اسم وقل هو الله أحد « أنّه أجزأه » وأمثال ذلك.
ورواية الصيقل عن
الصادق 7 أنّه قال له : أيجزي عنّي أن أقول في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت
مستعجلا أو أعجلني شيء؟ فقال : « لا بأس » .
وأنّ النبي 6 كان يواظب ، وقال : « صلّوا
كما رأيتموني أصلي » .
وأنّ الشيعة
شعارهم قراءة السورة كما أنّ أهل السنّة شعارهم عدم قراءة سورة كاملة.
ويؤيّده أيضا أنّ
أهل السنّة يقولون بعدم وجوب السورة ، وورد
__________________
في أخبار كثيرة
أنّ الرشد في خلافهم ، وما هم من الحنيفية في شيء ، وأمثال ذلك.
وممّا ذكر ظهر
الجواب الآخر عمّا استدل به الشارح مضافا إلى ما أجبنا أوّلا ، وكذا ظهر الجواب عن
صحيحة إسماعيل وصحيحة ابن يقطين أيضا. مع أنّهم 7 كان قولهم حجّة ويتبعون قولهم ويطيعونهم ، فلا وجه لأن
يرتكبوا المكروه الشديد في مثل صلاتهم التي هي أقرب التقرّبات وأهمّ الطاعات عندهم
، مع أنّهم 7 كانوا ينكرون على التبعيض ويأمرون بالإتمام وبالإعادة وأمثال ذلك ، فمع
ذلك كيف كانوا بأنفسهم يرتكبون!؟ وحاشاهم أن يكونوا من الذين يأمرون الناس بالبرّ
وينسون أنفسهم ، إلى غير ذلك ، مثل أن يقولوا ما لا يفعلون وأمثاله ، فتأمّل جدّا.
وبالتأمّل في ما
ذكرنا يظهر فساد ما قال بعض بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلّة
، لأنّ الجمع إنّما هو بعد التقاوم ، وإلاّ فعند التعارض يعمل بما هو مخالف
للعامّة ، أو موافق للشهرة بين الأصحاب أو السنّة النبوية أو الكتاب ، أو ما هو
أكثر ، إلى غير ذلك من المرجّحات والمؤيّدات ، كما وردت به الأخبار ، ويدل عليه
الاعتبار ، ومسلّم عند المتقدّمين والمتأخرين إلى زمان الشارح ، وعليه المدار في
الفقه ، وهو طريقة الشيعة في الأعصار والأمصار ، وواحد من تلك المرجّحات يكفي فضلا
عن اجتماعها ، سيّما مثل هذه المرجّحات ، فإنّ الشهرة كادت تبلغ
__________________
الإجماع لو لم نقل
بحجّية الإجماع المنقول ، سيّما مثل هذا المنقول الذي نقله جماعة ، والسنّة من
الرسول 6 بل الأئمّة 7 ـ المداومة والمواظبة ، والعامّة شعارهم عدم الوجوب
والتبعيض ، والخاصّة عكسهم ، وكثرة الأدلة من الموجبين ما عرفت من الأدلة التي
ذكرناها ، مضافا إلى التي ذكرها الشارح ، فإنّها أيضا تمام لا غبار عليها ، كما
ستعرف ، والمقويّات أيضا عرفتها ، فالراجح هو الحجّة ، والمرجوح يطرح أو يؤوّل
حتى يرجع إلى الراجح ، نعم بعد التقاوم يجمع بينهما ، كما حقّق في محلّه ، والله
يعلم.
قوله : أمّا الرواية الاولى فلأنّ في طريقها محمد بن عبد الحميد
، وهو غير موثق. ( ٣ : ٣٥٠ ).
لم يوثق صريحا ،
وإلاّ فالوارد فيه لا يقصر عن التوثيق لو لم يزد عليه ، منه أنّ القميين ما
استثنوه من نوادر الحكمة ، من أراد فليرجع إلى التعليقة ، مع أنّه قيل :
توثيق النجاشي يرجع إليه ، لذكره في ترجمته ، فتأمل ، مع أنّ العلاّمة حكم بصحة حديثه ، مع أنّ
الرواية منجبرة بالإجماعات التي نقلناها ، واقلاّ الشهرة العظيمة ،
وهي تكفي ، كما حقّق ، والحمل في الأكثر على الكراهة لا وجه له ، كما ستعرفه.
وأمّا يحيى بن أبي
عمران ـ كما نقله الكليني ـ فهو الواقع في مشيخة الصدوق ، فيظهر منه
اعتداده به ، ومع ذلك هذه الرواية من حيث إنّه
__________________
رواها الكليني
أيضا لا تكون قاصرة عن الصحيح ، لأنّه ذكر في أوّل كتابه ما ذكر ، هذا على طريقة
الشارح ، وإلاّ فالرواية قويّة وحجّة عندي أيضا ، سيّما مع أنّ العلاّمة حكم
بصحتها ، ورواها أحمد بن محمد بن عيسى بواسطة علي بن مهزيار الجليل ، وأحمد أخرج
من قم من كان يروي الحديث عن المجاهيل والمراسيل . هذا مع قطع
النظر عن الانجبار بالشهرة وعمل الأصحاب ، لو لم نقل : الإجماع بل الإجماعات.
والدلالة في غاية
الوضوح ، لأنّ الراوي لمّا قال : قال العباسي : ليس بذلك بأس ، كتب : « يعيدها ـ مرّتين
ـ على رغم أنفه » يعني : العباسي ، ولعمري العباسي ما قال إلاّ ما قاله الشارح ومن
وافقه ، والمعصوم 7 أجاب بما أجاب من التشديد والتغليظ ، ولذا لم يتعرّض
الشارح على دلالتها.
وأمّا محمد بن
عيسى فهو ثقة كما هو الحق ، ويونس أيضا ثقة جزما ، وقول ابن الوليد لا حجّة فيه ،
سيّما بعد رد الماهر في معرفة الرجال إيّاه ، كما ظهر في محلّه . ومثل هذا
المفهوم له ظهور في الدلالة بلا تأمّل كما لا يخفى ، فتأمّل.
وأمّا الكلام في
صحيحة الحلبي ففيه أنّ الظاهر من الحاجة في مثل المقام الضرورية ، سيّما بعد
تقديمه على قوله : « أو تخوّف شيئا » إذ انضمامه معه يشهد على الضرورة ، فضلا عن
تقديمه عليه. هذا مضافا إلى ما عرفت من السيد في الانتصار ، فإنّ الظاهر
أنّه إشارة إلى ما في هذه
__________________
الرواية ، والبأس
هنا ظاهر في الحرمة ، بقرينة تعليق الشرط على الخوف والحاجة الضرورية ، وفي قوله 7 : « إذا ما أعجلت
به حاجة » إشارة إلى الضرورة ، لأنّ الظاهر منها أنّ الحاجة أوقعت في التعجيل ،
والظاهر من هذا أنّها ألجأته إليه ، كما لا يخفى على المتأمّل.
وبالجملة : العدول
عن قوله : له حاجة ، إلى تلك العبارة مع كون الأوّل أخصر وهو المتعارف ، والثاني
صيغة التعدية ومادّته التعجيل ، والفاعل هو الحاجة ، والمفعول هو المكلف ، له
زيادة ظهور في ما ذكرنا ، سيّما مع انضمام ذلك بما ذكرنا من تقديمه على التخوّف ،
وقول السيد ;.
وما ذكره من أنّه
لا قائل بوجوب. فيه أنّه غير ظاهر ، ولو سلّم فغير مضرّ عند الشارح ، لأنّه صرّح
بأنّه لا يشترط في حجيّة الحديث وجود قائل بمضمونه ، بل هو حجّة وإن لم يقل
بمضمونه قائل .
سلّمنا ، لكن أقرب
المجازات حجّة ومتعيّن عند تعذّر الحقيقة ، ومن المسلّمات عند الشارح أيضا أنّه
إذا تعذّر الحقيقة فالحمل على أقرب المجازات لازم ومتعيّن ، هذا على تقدير أن نقول
: إنّ الأمر حقيقة في الوجوب العيني دون التخييري ، وإنّ التخييري معنى مجازي ،
لأنّه من الأفراد التي لا يسبق الذهن إليها ، مثل الإنسان الذي له رأسان أو يد
زائدة أو إصبع زائد وأمثال ذلك بالنسبة إلى لفظ الإنسان ، ومعلوم أنّ الوجوب
التخييري أقرب مجاز إلى صيغة الأمر ، سيّما مثل هذه الصيغة ، وخصوصا إذا كان
الواجب المخير المراد أرجح من غيره وأولى من حيث إنّه يحفظه كلّ واحد ويعرفه ،
وثواب عظيم يعدل ثلث القرآن.
__________________
مع أنّه كما لم
يوجد قائل بوجوبه كذلك لم يوجد قائل باستحبابه ، فتعيّن الحمل على الوجوب التخييري
حينئذ [ و ] كون ذكر التوحيد على سبيل المثال والأولى ، فتأمّل جدّا.
قوله : من جملة رجالها يحيى بن عمران الهمداني. ( ٣ : ٣٥٠ ).
العلاّمة في
المنتهى قال : في الصحيح عن يحيى بن عمران ، ورواها في صدر الروايات التي استدل
بها على الوجوب .
قوله : وهو غير واضح. ( ٣ : ٣٥١ ).
دليله كون العبادة
توقيفية على نقل الشرع ، والمنقول منه خلافه ، كما مرّ من الشارح ; ، وسيجيء أيضا
أنّه يستدل كذلك.
قوله : وكل هذه المقدّمات لا يخلو من نظر. ( ٣ : ٣٥٢ ).
فيه نظر ، لأنّ
العبادة التوقيفية كيف يكتفى فيها بوقوع هذا الأجنبي في خلالها وتغيير هيئتها به؟!
والفورية لعلها إجماعية ، وسيجيء عن الشارح تسليمه إيّاها ، وتحريم القران
سيجيء الكلام فيه ، ومضى الكلام في وجوب الإكمال ، والرواية قويّة
ومنجبرة بالشهرة لو لم يكن إجماعا ، مع أنّ القاسم بن العروة قوى ، وابن بكير ممّن
أجمعت العصابة ، مع أنّه نقل علماء الرجال وورد في الأخبار أنّه رجع عن الفطحية من
قال بعبد الله من أصحاب الصادق والكاظم 8 إلاّ طائفة عمار ، والأخبار المعارضة
__________________
محمولة على التقية
أو النافلة على سبيل منع الخلو ، فتأمّل ، ومرّ عبارة أمالي الصدوق وهي صريحة في
عدم الجواز وكونه من دين الإمامية .
قوله : فقال الشيخ في النهاية والمبسوط : إنّه غير جائز. ( ٣ :
٣٥٤ ).
وفي التهذيب أيضا وكذا في الخلاف
وإنّه مفسد للصلاة ، والمرتضى في الانتصار نقل إجماع الفرقة عليه ، واختاره في
المسائل المصرية أيضا ، وقال الصدوق ; في أماليه : من دين الإمامية الإقرار بأنّه لا يجوز القرآن
بين سورتين في الفريضة ، وأمّا النافلة فلا بأس ، وفي الفقيه
أيضا صرّح بالمنع عنه ، وما قال في الاستبصار فلا شبهة في أنّه قول رجع عنه.
قوله : لنا الأصل. ( ٣ : ٣٥٥ ).
بناء على جريان
الأصل في العبادات ، وإلاّ فالمنقول في العبادات التوقيفية عن الرسول والأئمّة 7 الاقتصار على
سورة واحدة لا أزيد ، والعمومات الدالة على الكراهة لم نجدها ، بل هي تدل على
الاستحباب ، والقول بالاستحباب خلاف المجمع عليه.
إلاّ أن يقال :
إنّ الكراهة عندهم بمعنى أقلّية الثواب وإلاّ فالقراءة في
__________________
نفسها مستحبة.
وفيه : أنّ
العمومات الدالة على الكراهة بهذا المعنى أيضا لم نجدها ، بل الظاهر منها عدم هذه
الكراهة أيضا.
إلاّ أن يقال :
إنّ الكراهة ترجع إلى خصوص كونها في الصلاة ، فالرجحان يظهر من العمومات ،
والكراهة تظهر من دليل آخر.
وفيه : أنّ دليل
الكراهة إن كان مخصّصا لدليل الاستحباب ومخرجا لهذه الصورة من العمومات فلا وجه
للتمسك بالعمومات ، لأنّ العمومات تدل على ضد المطلوب.
وإن أراد عدم
التخصيص بأنّ العمومات تدل على استحباب القراءة ، والخصوص تدل على مرجوحية
الخصوصية ، فهذا بعينه رأي الأشاعرة ، والشيعة يتحاشون عنه ، ولذا يحملون الكراهة
على أقلّية الثواب ، كما مرّ عن الشارح ; التصريح به .
وإن أراد أنّ
العمومات تدل على الاستحباب والخصوص يدل على أقلية الثواب ، ففيه : أنّه إن أراد
تخصيص العمومات فلا وجه للتمسك بالعمومات ، على حسب ما عرفت ، وإن أراد عدم
التخصيص ، فيه : أنّ مقتضى العمومات عدم أقليّة الثواب ، ومقتضى الخصوص أقليّة
الثواب وبينهما تناقض ، واجتماعهما محال ، كما لا يخفى.
قوله : قال : « لا بأس ». ( ٣ : ٣٥٥ ).
الظاهر من هذا عدم
الكراهة أيضا ، لكون البأس نكرة في سياق النفي ، إلاّ أن يؤوّل بأنّ المراد منه
عدم الحرمة. ففيه : أنّ الحديث المؤوّل
__________________
لا يكون حجّة ،
لأنّ الظاهر هو الحجّة والظاهر متروك بالإجماع ، مع أنّه مسلّم عند الشارح ،
ومسلّم عنده أيضا أنّ الحديث إذا كان متروك الظاهر لا يكون حجّة ، كما مرّ عنه في
مسألة وجوب السورة .
مع أنّك عرفت في
المسألة المذكورة أنّ الجمع بعد التقاوم ، ولا تقاوم بعد ملاحظة أنّ الصدوق ; قال : من دين
الإماميّة الإقرار بعدم جواز القرآن ، والسيد ; جعله ممّا انفردت به الإمامية ، وفيهما شهادة على كون ذلك ممّا
اشتهرت بين الشيعة لا أقلّ من ذلك ، وكون خلافه من العامّة ، وقد أمر الأئمّة 7 في أخبار كثيرة
غاية الكثرة بترك ما وافق العامّة والأخذ بما خالفهم ، وما اشتهر بين الشيعة ، وما
وافق السنّة ، ولا شبهة في أنّ طريقة النبي والأئمّة 7 بل الشيعة أيضا
في الأعصار والأمصار عدم القران ، هذا.
مع أنّ العبادات
توقيفية موقوفة على النقل ، والمنقول من فعلهم هو ما ذكرنا. وأمّا قولهم فقد وقع
فيه التعارض ، وقد حكموا في تعارضه بما ذكرنا.
وعلى تقدير الشكّ
لا يمكن الاكتفاء في الأمر التوقيفي ، لوجوب الإطاعة العرفية والبراءة اليقينية
وعدم جواز الاكتفاء بمجرّد احتمال كون ذلك هو المكلّف به بعد اليقين بشغل الذمة.
مع أنّ ابن يقطين
وزير الخليفة ، والتقيّة كانت في زمان الكاظم 7 في غاية الشدّة ، فيترجّح من ذلك أيضا كون الرواية على
سبيل التقيّة.
__________________
مضافا إلى أنّ
ظاهرها ممّا أجمعت المتقدّمون والمتأخّرون من الشيعة على خلافه ، وقد أمروا 7 بطرح مثل هذا
الخبر يقينا ، وما أمر واحد منهم في موضع من المواضع بحمل مثله وتوجيهه.
وقد بسطنا الكلام
في رسالة الجمع بين الأخبار وغيرها ، وأظهرنا أنّ هذا الجمع وتقديمه على اعتبار
المرجّحات من الأمور التي حدثت في زمان الشارح ومن بعده ، وإلاّ فمن القواعد
المسلّمة عند المتقدّمين والمتأخّرين الثابتة من العقل والنقل على اليقين ملاحظة
المرجّحات والمقوّمات أوّلا ، وجعل الراجح هو حكم الله تعالى ، والمرجحون إمّا
مطروح أو مؤوّل بحيث يرجع إلى الراجح ، لأنّ الشك في كون حكم هو حكم الله تعالى لا
يكفي في مقام الفتوى ، فكيف الوهم؟ لأنّ معناه أنّ الظاهر أنّه ليس حكم الله ، (
فكيف يجعل حكم الله؟ ) وقد مضى في بحث وجوب السورة ، وسيجيء أيضا ما يزيد في
البيان.
وممّا يضعّف
التمسّك بهذه الصحيحة ويعيّن حملها على التقيّة : أنّها تتضمّن جواز التبعيض في
السورة في الفريضة على كراهية ، وقد عرفت الكلام في التبعيض ، فتأمّل.
قوله : قال ابن إدريس. ( ٣ : ٣٥٥ ).
لا شبهة في فساد
هذا ، إذ يلزم على هذا أنّ كلّ مكلّف يفعل فعلا على أنّه صلاة يكون ذلك الفعل صلاة
صحيحة ، بل لا شبهة في أنّ الصحة تحتاج إلى دليل وثبوت من الشرع. وقوله :
وأصحابنا. ، لا يخفى فساده بعد ما عرفت من النهاية والخلاف وغيرهما ، وأنّ مقتضى العبادة
أن
__________________
تكون على الكيفية
المنقولة والثابتة عنه ، فتدبر .
قوله : والجواب بالحمل على الكراهة جمعا بين الأدلة. ( ٣ : ٣٥٥
).
لا يخفى أنّ
الرواية الموثقة ليست بحجّة عند الشارح ; ، وعند من يقول بالحجّية لا تصح مقاومتها للصحيحة ، مع أنّ
مضمونها الكراهة ، وليس المراد منها الكراهة الاصطلاحية عند من لا يقول بثبوت
الحقيقة الشرعية كالشارح ، وأمّا عند من يقول بثبوتها فجمع منهم لا يقول بثبوتها
في مثل الكراهة والسنّة ، مع أنّ الكراهة في الأخبار استعماله في المعنى الأعمّ
كثير ، مع أنّ زرارة راوي هذا الحديث روى عن الصادق 7 في القران ، أنّه قال : « لكلّ سورة حقّ فأعطها حقّها من
الركوع والسجود » .
وأمّا رواية ابن
يقطين فقد عرفت الكلام فيها ، وفي الفقه الرضوي : إنّ القران غير جائز في الفريضة .
والعيّاشي روى
بإسناده ، عن المفضل بن صالح ، عن الصادق 7 قال : « لا تجمع بين سورتين في ركعة إلاّ الضحى وألم نشرح
، وألم تر كيف ولإيلاف » ، روى عنه في مجمع البيان .
وفي شرح مولانا
الأردبيلي على الإرشاد : نقل عن كتاب الثقة الجليل أحمد بن محمد بن أبي نصر
البزنطي ، عن الصادق 7 أنّه قال : « لا تجمع
__________________
بين سورتين في
ركعة واحدة إلاّ الضحى وألم نشرح ، والفيل ولإيلاف » .
وفي التهذيب بسنده
المعتبر إلى ابن أبي يعفور عن الصادق 7 قال : « لا بأس أن تجمع في النافلة من السور ما شئت » .
وما رواه عن عمر
بن يزيد قال : قلت للصادق 7 : أقرأ سورتين في ركعة؟ قال : « نعم » ، قلت : أليس يقال :
أعط كلّ سورة حقّها من الركوع والسجود؟ فقال : « ذلك في الفريضة » . الحديث.
وروى الكليني والشيخ
في الموثق ، عن عبيد بن زرارة أنّه سأل الصادق 7 عن ذكر السورة من الكتاب ندعو بها في الصلاة مثل « قل هو
الله أحد » فقال : « إذا كنت تدعو بها فلا بأس » .
قوله : غير آت بالمأمور به على وجهه. ( ٣ : ٣٥٥ ).
فيه : أنّه من أين
علم أنّ المكلّف حينئذ ممتثل وآت بالمطلوب؟ إلاّ أن يقول الشارح ; بأنّ الصلاة اسم
لمجرّد الأركان ، فهو آت بالأركان والشرائط الثابتة.
وفيه : أنّه موقوف
على ثبوت الحقيقة الشرعية ، أو أنّه من القرينة يعرف أنّ المراد مجرّد الأركان ،
لأنّه إذا تعذّر الحقيقة اللغوية فالمعيّن هو الحقيقة عند المتشرعة ، لأنّها التي
قد كثر استعمال الشارع فيها غاية الكثرة ، بخلاف معنى آخر مجازي.
__________________
وفيه : أنّ
المتشرّعة عندهم نزاع في أنّ الصلاة اسم لخصوص الصحيحة أو مجرّد الأركان ، ومن أين
يثبت حتى تثبت البراءة عن اشتغال الذمّة اليقيني؟ إلاّ أن يتمسّك بأصل البراءة ،
وفيه أيضا : [ أنّه ] على جريانه في العبادات خلاف ما يصرّح في بعض المقامات ،
فتأمّل .
قوله : في جواز القنوت ببعض الآيات. ( ٣ : ٣٥٦ ).
تدل عليه موثقة
عبيد التي ذكرناها ، وحكاية فعل أمير المؤمنين 7 مع ابن الكوّاء ، حيث قرأ له ( فَاصْبِرْ إِنَّ
وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ). مع أنّه 7 لم يظهر لابن الكوّاء بطلان صلاته ، مع أنّه قرأ في صلاته
ما قرأ تعريضا ، فتأمّل.
قوله : ونقل فيه الشيخ في الخلاف الإجماع. ( ٣ : ٣٥٦ ).
وكذا ابن زهرة ،
فإنّه أيضا ادعى الإجماع ، وقال السيد ; : هو من وكيد السنن ، وغير ظاهر أنّ مراده من السنّة هو
المعنى المصطلح عليه الآن ، بل مراده الطريقة الشرعية المقرّرة وغير بعيد هذا من
السيد ; كما لا يخفى على من اطّلع على حاله. ويؤيّد ذلك أنّه قال بعد ذلك : حتى روي
أنّ من تركها عامدا أعاد ، انتهى.
فإن قلت : [ هذا ]
يؤيّد الاستحباب.
__________________
قلت : لا نسلّم ،
لأنّهم ربما يقولون بالوجوب أو الحرمة ، ومع ذلك يحكمون بصحة الصلاة ، كما عرفت في
وجوب السورة وحرمة القرآن بين السورتين.
وبالجملة : بعد
دعوى الفاضلين الجليلين الإجماع لا يثبت مخالفة المرتضى ; لما ادّعيا ،
فتأمّل.
والعلاّمة نسب
القول بالاستحباب في المنتهى إلى ابن الجنيد ، ثم قال : وهو مذهب الجمهور كافّة ، قال ذلك بعد ما
نقل عن السيّد ما ذكرنا ، وهذا ينادي بأنّه لم يفهم من كلام السيد الاستحباب ، بل
إمّا فهم خلافه أو متردّد فيه ، كما لا يخفى.
وابن إدريس ; قال : لا خلاف
بيننا في أنّ الإخفاتية لا يجوز الجهر فيها بالقراءة ، وفي موضع آخر
نقل الخلاف عن السيد في وجوب الجهر في ما يجب الجهر فيه ، فلعلّه أيضا
توهّم منه ، فتأمّل. وسيجيء في مسألة الجهر بالبسملة ما يؤكّد ويؤيّد وجوب الجهر
والإخفات ، وكونه إجماعيا ، فلاحظ.
قوله : وجه الدلالة. ( ٣ : ٣٥٧ ).
ليس الدلالة
منحصرة في ما ذكره ، مع أنّه أيضا تامّ بالضاد المعجمة يكون أو بالمهملة ، كما
ستعرف ، مع أنّ المعجمة أظهر ، كما هو عند الفقهاء ، ولذا سلّمه الشارح ; ، وإنّما قلنا
غير منحصرة ، لأنّ في
__________________
الرواية تتمّة
أسقطها الشارح ، وهي قول الراوي ـ بعد قوله : في ما لا ينبغي الإخفات فيه ـ : وترك
القراءة في ما ينبغي القراءة فيه ، أو قرأ في ما لا ينبغي القراءة فيه ، فأجاب 7 : ( « أيّ ذلك. »
، إشارة إلى الجميع ، فجعل المعصوم 7 ) حكم الكلّ واحدا من دون تفاوت أصلا ، ومن ( ضروريات المذهب
بل ) ضروريات الدين أنّ ترك القراءة عمدا مبطل للصلاة.
وأمّا فعلها في
موضع لا ينبغي فمثل قراءة السورة في الركعة الثالثة والرابعة وخلف الإمام في
الإخفاتية ، أو القران بين السورتين ، وأمثال ذلك ، ويمكن أن يكون المراد أيضا
فعلها بقصد أنّها وظيفة شرعية في أيّ موضع كان ، فالظاهر البطلان من جهته أيضا ،
لما مرّ وجهه مرارا ، والظاهر من الرواية هو هذا العموم ، وهذه الرواية في غاية
الصحة.
ويحتمل أن يكون ما
نقل الشارح ; غير هذه الصحيحة ، إذ وردت صحيحة أخرى لزرارة بمضمون ما ذكره الشارح ، لكن لا وجه
لاقتصاره عليها ، بل كان عليه الاستدلال بهما جميعا.
ففي الصحيح خمس
دلالات على المطلوب ، كلّ واحدة منها تامّة لا غبار عليها ، دلالتان ذكرهما الشارح
، ودلالة ذكرناها ، ودلالتان من قوله 7 : عليه ، الدال
على اللزوم المذكور في المنطوق ، والمفهوم يستدل الشارح وغيره دائما به على الوجوب
، فإذا كان واحدة منها تكفي فكيف مع اجتماع الكلّ؟!
__________________
مضافا إلى فهم الفقهاء
، ( وفتواهم إلاّ من شذّ ، سيّما مع الموافقة للإجماعات المنقولة التي كلّ واحد
حجّة مستقلّة ، فضلا عن المجموع ، وخصوصا مع الموافقة للسنّة وفعل النبي والأئمّة 7 والفقهاء ) في الأعصار
والأمصار ، وما ورد من وجوب المتابعة ، وكذا الأوامر الواردة في الأخبار الصحيحة مع تعدّدها بيّن
الصحيحتين ونقلهما في الكتب المعتبرة ، مع المخالفة للعامّة والموافقة للكتاب ـ كما
ستعرف ـ وللمشتهر بين الرواة والأصحاب ، إلى غير ذلك ممّا سنذكر.
فمع جميع ذلك كيف
صارت صحيحة علي بن جعفر أظهر دلالة ، سيّما مع ما ستعرف من فساد دلالتها؟! وعلى
تقدير الصحة تكون محمولة على التقية البتّة ، كما ستعرف ، بل مع الاحتمال أيضا كيف
تكون أرجح؟! فتأمّل جدّا.
قوله : بالضاد المعجمة. ( ٣ : ٣٥٧ ).
لا يخفى أنّ
الاستدلال لا يتوقّف على هذا ، بل لو كان بالمهملة يكون دالاّ أيضا ، لأنّ نقص
الصلاة معناه أنّه ما أتى بالمأمور به بتمامه ، بل بقي بعض منه ما أتى به ، وليس
معناه نقص الثواب وأمثاله ، لأنّه معنى مجازي بلا شبهة.
قوله : كما قرّر في محلّه. ( ٣ : ٣٥٧ ).
المقرّر في محلّه
ليس هذا محلّه ، إنّما هو إذا فعلوا فعلا ابتداء وأوّلا ،
__________________
لا أن يفعلوا هيئة
العبادة التوقيفية التي هي وظيفة الشرع ولا طريق إلى معرفتها إلاّ بنص الشارع أو
فعله ، وحيث أنتفى الأوّل يتعيّن الثاني ، فلا بدّ من الاقتصار على متابعة فعلهم 7 حتى يثبت عدم
الوجوب ، واعترف الشارح بهذا مرارا ، منه في قطع همزة « الله أكبر » ، وسيعترف
كثيرا ، ووجهه أيضا واضح.
إلاّ أن يتمسّك
بأصل العدم ، فمع أنّه مخالف لطريقته في أكثر المواضع موقوف على ثبوت العبادة به ،
وهو محلّ تأمّل ، كما قرّر في محلّه.
مع أنّه 6 قال : « صلّوا
كما رأيتموني أصلّي » ، وورد أيضا : أنّ كل خبر خالف السنّة وطريقة الرسول يجب
ردّه ، وكلّما وافقها يجب الأخذ به ، وأيضا الظاهر من الأئمّة 7 أيضا التزامهم بذلك ، والطريقة في الأعصار والأمصار بين
الفقهاء كذلك ، حتى أنّهم كانوا يسألون عن الجهر في صلاة الصبح مع كونها من
النهارية فيجابون بما أجيبوا ، إلى غير ذلك ممّا سنذكره وغيره.
قوله : وهو شامل للصلوات كلّها. ( ٣ : ٣٥٧ ).
فيه : أنّ الأمر
حقيقة في الوجوب ، فتكون الآية حجّة على القائل بالاستحباب ، لا أنّها حجّة له.
وعلى تقدير أن يكون المراد من الأمر الاستحباب ، فيكون المراد على ما ذكر استحباب
القراءة المتوسطة التي
__________________
تشمل جميع الصلوات
، وهذا أيضا يضرّ القائل بالاستحباب ، لأنّ المستحبّ عنده أن يكون بعض الصلاة
جهريّة وبعض الصلاة إخفاتيّة ، لا أن يكون بين الصلوات تفاوتا في الجهر والإخفات
البتّة ، فالآية على ما قرّره تكون متروكة الظاهر بالإجماع والاتفاق حتى من
الشارح.
وإن أراد أن
المراد من الوسط الوسط من الجهر في ما يجهر والوسط من الإخفات في ما يخافت ،
فالآية لا تكون حجّة له ولا حجّة على القائل بالوجوب ، ولا نفع ولا ضرر فيها أصلا
لشيء من المذهبين.
وبالجملة : لا
نزاع في كون الإخفات الذي يقصر عن السماع حراما ومفسدا للصلاة ، وأنّ الجهر العالي
منهيّ عنه ، وأنّ المطلوب عدم هذا وعدم ذاك ، وكذا لا نزاع في كون الجهر والإخفات
في موضعيهما مطلوبين شرعا من دون شائبة تأمّل ، إنّما النزاع في الوجوب والاستحباب
، فما أدري أنّ مراد الشارح من الاستدلال ما ذا؟ وبالجملة : استدلاله عجيب ،
فتأمّل جدّا.
قوله : وهو تحكّم من الشيخ. ( ٣ : ٣٥٨ ).
هذا منه ومن
الشارح ; في غاية الغرابة ، إذ جلّ المواضع التي يحمل لأجله على التقيّة ـ بل كلّها ـ ليست
ممّا اتفقت عليه الأصحاب. على أنّه لو كان ممّا اتفقوا عليه لكان مجمعا عليه عندهم
على ما هو الظاهر من طريقتهم ، فلا حاجة فيه إلى التمسّك بالخبر ، فضلا عن الحمل
على التقيّة لأن يصح الفتوى والعمل.
ولو لم يكن إجماعا
عندهم يكون الخبر المعمول به عند الجميع حجّة بلا شبهة ، ومعارضة يكون من الشواذّ
التي لا عمل عليها عندهم ويجب طرحها بلا شبهة ، من دون توقّف على التمسّك بموافقته
للعامّة ، إذ
الشذوذ علّة لطرح
الخبر ، والتقيّة علّة أخرى ، بل الشذوذ موجب لطرح الخبر على أيّ حال بخلاف
الموافقة للعامّة ، إذ الموافق لهم ربما يعمل به ويفتي من جهة موافقته للكتاب
والسنّة وغيرهما ، إذا كان أقوى من الموافقية لهم ، كما حقّق في محلّه ، وبالجملة
: المدار على ما هو أقوى وأحرى ، ومن جهة اجتماع المرجّحات أو القرائن للمرجّح في خصوص
المقام.
على أنّه على
تقدير أن لا يكون متفقا عليه بل يكون القائل به هو المشهور وجلّ الفقهاء فهو أيضا
راجح من جهة الشهرة بين الأصحاب ، لأنّها من المرجّحات المستقلّة من دون حاجة إلى
انضمامها إلى المخالفة للعامة ، بل هي علّة للعمل وطرح المعارض ، والمخالفة للعامّة
علّة أخرى ، كلّ واحدة منهما علّتان مستقلّتان ، فإذا تحقّق الشهرة فلا حاجة إلى
ضمّ المخالفة ، نعم يكون من المقوّمات والمؤيّدات.
مع أنّه لم يظهر
في المقام قائل بالاستحباب سوى ابن الجنيد ، وهو ; في أمثال المقام موافق للعامّة ، وطريقته طريقة العامّة ،
مثل قوله بحجيّة القياس ونقض الوضوء ببعض الأشياء التي يقول به العامّة ، وأمثال
ذلك ممّا لا يحصى ، ولا يعتني بخلافه أحد ، بل يحكمون بأنّ الأخبار الدالة عليها
محمولة على التقيّة بلا شبهة ، بل وإن انضمّ إلى قوله قول بعض آخر ، مثل مسّ باطن
الدبر في نقض الوضوء وغير ذلك.
والحاصل : أنّ
علّة الحمل على التقيّة في مقام التعارض ليست إلاّ كون العامّة يقولون بمضمونه ،
بل لا يجب أن يكون الكلّ قائلين به ، بل
__________________
العامّة الذين
كانوا في عصر صدور الرواية ، بل لا يجب أن يكون كلّهم يقولون به ، بل المشهور منهم
في ذلك العصر ، بل لا يجب أن يكون كلّهم ، بل المشهور منهم في بلد الراوي أو
المعصوم 7 ، بل لا يجب أن يكون كلّهم ، بل المتسلّط منهم أو الحاكم منهم ، كما حقّق في
محلّه ، ودل عليه العقل والنقل ، ولم يشترط أحد من الفقهاء في أصول الفقه وفروعه
وكتب الاستدلال ما ذكراه ، بل [ هو ] خلاف ما ذكره الكلّ ، وخلاف ما دل عليه العقل والنقل ،
وخلاف طريقة كلّ الفقهاء حتى المحقق والشارح ، وخلاف طريقة الشيعة في الأعصار
السابقة في زمن الأئمّة 7 : إنّهم متى رأوا ما يشبه طريقة العامّة قالوا : أعطاك من
جراب النورة ، والأئمّة 7 كانوا يقولون بترك ما يشبه قول العامّة ، ويقولون : «
الرشد في خلافهم » وإن لم يتحقّق مذهب في تلك المسألة بين الشيعة ، كما لا
يخفى على من لاحظ الأخبار ، ولم يأمروا قطّ بالجمع بين إخبارهم المتعارضة بالحمل
والتأويل ، فما ذكراه خلاف قول المعصوم من جهتين : عدم الحمل ، والبناء على اعتبار
الموافقة للعامّة.
وممّا يؤيّد رواية
زرارة : أنّه ورد عن الصادق 7 أنّه قال : « أصحاب أبي كانوا يأتونه ويفتيهم بمرّ الحق ،
ويأتوني شكّاكا فأفتيهم بالتقيّة » ، بل
__________________
صدر هذا المضمون
منه 7 في غير واحد من الأخبار. مع أنّ بالاستقراء يظهر أنّ الأمر كما ذكره 7 ، إذ ندر ما كان
خبره موافقا للتقيّة إن كان.
وأيضا كان الباقر 7 لا يتقي من
العامّة من جهة أنّ جابرا الأنصاري كان يصل إلى خدمته مكرّرا بعنوان الإخلاص ،
وكان العامّة يقولون : إنّه يأخذ الحكم عن الرسول 6 بواسطة جابر. والسبب الآخر أنّ جابرا كان مأمورا من قبل
الرسول بإبلاغ السلام إليه وقوله : « إنّه يبقر علم الدين بقرا » . وكان هذا ظاهرا
على العامّة غاية الظهور. والسبب الآخر أنّ بني أميّة وبني العباس كانوا مشغولين
بأنفسهم ، ومن هذا ارتفعت التقيّة في ذلك الزمان بالمرّة ، بخلاف زمان الكاظم 7 فإنّه كان في
غاية الشدّة من التقيّة.
وممّا يؤيّد أيضا
أنّ التقيّة تظهر لنا من قول فقهائنا القدماء ، كسائر المرجّحات مثل العدالة
والأعدلية والشهرة بين الأصحاب و [ الشذوذ ] وغير ذلك ، والقدماء صرّحوا بأنّ هذا الخبر موافق للعامّة ، ولسنا نعمل به ،
كما قال الشيخ في كتابيه وغيره ( ووافقه غيره حتى من المتأخّرين أيضا ، وقال
العلاّمة قال ) مع أنّ الشيخ هو الذي روى هذه الرواية ولم يروها غيره ،
وهو أعرف بحال ما خرج من يده ، فتدبّر .
__________________
ومن المرجّحات أنّ
الراوي زرارة ، وورد فيه : « أنّ أحدا ليس بأصدع بالحقّ منه » وورد فيه وفي
نظرائه : « أنّهم حفّاظ دين الله وأمناء في حلال الله وحرامه ، لولا هؤلاء لاندرست
آثار النبوّة ، وأنّه إذا أراد بأهل الأرض سوءا صرف بهم ، [ هم ] نجوم شيعتي ، بهم
يكشف الله كلّ بدعة ، ينفون عن هذا الدين انتحال المبطلين وتأويل الغالين » إلى غير ذلك من
أمثال ما ذكر. مع اشتهار أصله عند الشيعة كالشمس ، وخصوصا هذا الحديث ، لما عرفت
من الاشتهار التامّ والإجماعات المنقولة ، لو لم يكن هنا إجماع يقيني ، مع أنّ
الظاهر ذلك ، فتأمّل ، ومرّ أنّ فعل الرسول يجب اتباعه في المقام وما يخالف السنّة
وطريقته يجب طرحه ، إلى غير ذلك.
قوله : لأنّ الثانية أوضح سندا وأظهر دلالة. ( ٣ : ٣٥٨ ).
هذا أيضا فاسد ،
لأنّ رواية زرارة رواها الشيخ ; بطريق صحيح ( في التهذيب وبطريق صحيح ) في الاستبصار
مفتيا في كلّ واحد من كتابيه بمضمون هذه الصحيحة ، والصدوق أيضا رواها بطريق صحيح
مفتيا بمضمونه ، والطريق في غاية الصحّة ، ويعضد هذه الصحيحة صحيحة أخرى رواها عن
زرارة عن الباقر 7 ذكرناها .
ويعضدها أيضا : ما
رواه في الكافي في الصحيح أنّه سئل الصادق 7 عن القراءة خلف الإمام ، فقال : « أمّا الصّلاة التي لا
يجهر فيها بالقراءة فذلك
__________________
جعل إليه فلا تقرأ
خلفه ، وأمّا التي يجهر فيها فإنّما أمر بالجهر لينصت من خلفه . الحديث.
ويعضدها أيضا : ما
ورد في غير هذه الصحيحة من الأخبار الكثيرة من لفظ « تجهر » فيها و « لا تجهر » الظاهر في
الاستمرار شرعا الظاهر في كون المقرّر كذلك في الشرع.
ويعضدها أيضا :
أنّ الصدوق روى في الفقيه ـ مع ضمانه صحّة جميع ما يروي فيه ـ عن الفضل ، عن الرضا
7 : العلّة التي جعل من أجلها الجهر في بعض الصلوات دون بعض أنّ الصلاة التي
يجهر إنّما هي في أوقات مظلمة فوجب ان يجهر فيها ليعلم المار أنّ هناك جماعة . وفي الفقيه أيضا
عن الصادق 7 بطريقه إليه : علّة الجهر في صلاة الجمعة والمغرب والعشاء والفجر أنّ الله
تعالى أمر نبيّه بالإجهار فيها لكذا وكذا ، فتأمّل.
هذا مضافا إلى أنّ
هذه الصحيحة والصحيحة الأخرى أفتى بمضمونها جميع الأصحاب سوى شاذّ منهم على النهج
الذي ذكرنا في الحاشية السابقة ، بل ذكرنا في صدر المسألة الإجماع على مضمونها ،
كما نقل الشارح ; الإجماع كذلك ، إلى غير ذلك ممّا مرّ في الحاشيتين ، مضافا
إلى ما ورد في الأخبار ، وأنّ زرارة كان أصدع بالحقّ من غيره ، وأنّه لولاه
لاندرست آثار النبوة ، إلى غير ذلك ممّا ظهر من الرجال.
__________________
وأمّا صحيحة علي
بن جعفر فلم يروها غير الشيخ ، وهو أعرف بحالها من الشارح وغيره البتّة ، ولم يفت
بها بل صرّح بأنّها واردة في مقام التقيّة ( ولم يفت بها غيره أيضا ، لعدم روايتهم
إيّاها ، بل من قال بعدم الوجوب صرّح بأنّه مستحبّ مؤكّد ، وهذه ينفي الاستحباب
أيضا بظاهرها ) .
وأمّا كونها أظهر
دلالة ففاسد أيضا ، لأنّ ظاهرها عدم رجحان الجهر في ما يجهر فيه أصلا ورأسا ، وهذا
مخالف للإجماع من الكلّ ، وهذا مضعّف للدلالة بالبديهة ، للاحتياج إلى التأويل ،
والمؤوّل ليس بحجّة ، مع كونه مذهب العامّة ، بل الحجّة إنّما هو الظاهر والظاهر
متروك ، مضافا إلى ما في متنها من الاختلاف والتشويش ، كما لا يخفى على من لا حظ
الكتابين ، فتأمّل ، ومرّ عن الشارح ; أنّ الحديث الذي ظاهره متروك لا يكون حجّة .
وأمّا الاعتضاد
بالأصل ـ فمع أنّه محلّ نزاع ، إذ قال بعض الأصحاب : إنّه سبب للمرجوحيّة كما ذكر في محلّه
ـ معلوم أنّ الأصل ( لا يجري في العبادات ، ومع ذلك ) لا يقاوم الدليل
والمرجّحات الشرعية ، وإلاّ لينسدّ باب الفقه بالمرّة ، كما لا يخفى.
مع أنّ اشتغال
الذمّة اليقيني مستصحب شرعا حتى يثبت خلافه وحتى يتحقّق عرفا إطاعته ، ولا يثبت الخلاف في
العبادات التوقيفية إلاّ
__________________
أن يراعى الجهر
والإخفات ، كما مرّ عن الشارح نظائره.
وأمّا قوله : وظاهر القرآن ، ففيه ما عرفت من أنّه لو لم يضرّه لم
ينفعه.
على أنّ الظاهر من
القرآن حرمة الجهر من حيث إنّه جهر ، وكذا الإخفات من حيث إنّه إخفات ، ولفظ : ( صلاتك ) مطلق لا عموم فيه
بحسب اللفظ ، بل مقتضى ما هو بحسب اللفظ الصلاة في الجملة ، فلا يخرج من جهته ما
هو مقتضى لفظ ( لا تَجْهَرْ ) و ( لا
تُخافِتْ ) ( خصوصا بعد ملاحظ فعل الرسول 6 ) فظاهر الآية من
مؤيّدات روايتي زرارة ومبعّدات رواية علي بن جعفر ، كما لا يخفى ، سيّما مع ظهورها
من قول النبي 6 وفعله وفعل الأئمة 7.
قوله : لا يجب عليهنّ الجهر في موضع الجهر. ( ٣ : ٣٥٨ ).
تخصيص عدم الوجوب
بالجهر ربما يشعر بأنّ الإخفات ليس كذلك ، وأنّه واجب عليهنّ في الموضع الذي يجب
على الرجل ، ولا دليل على هذا ، والأصل براءة ذمّتها ، وهو مقتضى الإطلاقات
والعمومات ، وما دل على وجوب مراعاة الإخفات مختصّ بالرجل ، ويدل على وجوب مراعاة
الجهر أيضا من دون تفاوت أصلا.
وقال مولانا
المقدّس الأردبيلي : لا دليل على وجوب الإخفات عليها . وفي الذخيرة :
ربما أشعر بعض العبارات بثبوت التخيير لها ، والظاهر أنّ الأمر كذلك ، وإن كان الأحوط إخفاتها في
الظهرين وأخيرتي
__________________
المغرب والعشاء ،
فتأمّل.
قوله : وللكلام في ذلك محلّ آخر. ( ٣ : ٣٥٩ ).
فيه : أنّه على
تقدير ثبوت النهي لا فساد أيضا ، لتعلّقه إلى أمر خارج عن الصلاة.
قوله : لأنّ المشهور من شعار الشيعة الجهر بالبسملة. ( ٣ : ٣٦٠
).
الصدوق في أماليه
قال : من دين الإمامية الإقرار بأنّه يجب الجهر بالبسملة عند افتتاح الفاتحة ،
وعند افتتاح السورة بعدها .
وفي عيون أخبار
الرضا : أنّه 7 كتب للمأمون من محض الإسلام : « الإجهار ببسم الله الرحمن
الرحيم في جميع الصلوات [ سنّة ] ».
وفي كشف الغمّة :
قال أبو حاتم : روى عبد العزيز بن الخطاب عن عمرو بن شمر عن جابر قال : أجمع آل
الرسول 6 على الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأن لا يمسحوا على الخفّين ، قال ابن
خالويه : هذا مذهب الشيعة ومذهب أهل البيت 7 ، انتهى.
وفي الخصال في باب
شرائع الدين ، عن الأعمش عن الصادق 7 : « أنّ الإجهار
ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب » .
وفي العيون في
رواية رجاء بن أبي ضحّاك : أنّ الرضا 7 كان يجهر
__________________
ببسم الله الرحمن
الرحيم في جميع صلواته بالليل والنهار .
وفي روضة الكافي
في خطبة أمير المؤمنين 7 التي يشكو فيها عن الناس ، قال 7 : « لو أمرتهم
بالجهر ببسم الله الرحمن الرحيم إذا لتفرّقوا عنّي » .
ويظهر ممّا ذكر
أنّ العامّة كانوا متحاشين عن الجهر به كذلك ، فربّما يظهر أنّ الجهر ببسم الله
كان داخلا في روايتي زرارة الصحيحتين ، فاحتمل وجوبه مطلقا ، كما هو رأي ابن
البرّاج ، بل لا يخلو من قوّة ، لأنّ المذكور فيهما لفظ « ينبغي » ولا شكّ في أنّ
الجهر فيها ممّا ينبغي بملاحظة ما ذكرنا. وحمل « ينبغي » على الواجب خلاف الظاهر ،
بل يوجب الحزازة ، وقد أشرنا إلى ذلك في مسألة وجوب السورة ، فتأمّل.
قوله : أنّه يستحب القراءة في الصلاة بسور المفصّل. ( ٣ : ٣٦٢ ).
روى الكليني بسنده
إلى سعد الإسكاف أنّه قال : قال رسول الله 6 : « أعطيت السور
الطوال مكان التوراة ، والمئين مكان الإنجيل ، وأعطيت المثاني مكان الزبور ،
وفضّلت بالمفصّل ثمان وستّون سورة ، وهو مهيمن على سائر الكتب » الحديث ، فتأمّل جدّا.
قوله : أنّ أفضل ما يقرأ في الفرائض. ( ٣ : ٣٦٤ ).
__________________
وفي العيون عن أبي
الحسن الصائغ [ عن عمّه ] أنّ الرضا 7 من المدينة إلى خراسان كان يقرأ في الفريضة في الركعة
الأولى الحمد وإنا أنزلناه ، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد .
وكذلك روى رجاء بن
أبي ضحّاك ، إلاّ أنّه قال : « إلاّ في الغداة والظهر والعصر يوم الجمعة فالجمعة
والمنافقون ، وفي عشائها الآخرة في الأولى الجمعة ، وفي الثانية سبّح اسم ربّك
الأعلى ، وغداة الاثنين والخميس هل أتى على الإنسان في الأولى ، وهل أتاك حديث
الغاشية في الثانية » .
وفي الاحتجاج عن
الصاحب 7 : « إذا ترك سورة فيها الثواب وقرأ التوحيد والقدر لفضلهما ، اعطي ثوابهما
وثواب السورة التي ترك » .
وربما كان فيه
إشعار بكون التوحيد في الأولى والقدر في الثانية ، عكس ما ظهر من الرواية السابقة
، وورد هذا العكس في الحديث الصحيح الطويل الذي ذكره في الكافي في بحث الأذان ، والكلّ حسن ،
والله يعلم.
قوله : قراءة الغاشية. ( ٣ : ٣٦٤ ).
ظهر لك مستنده.
قوله : هذا قول الشيخ في النهاية والمبسوط. ( ٣ : ٣٦٤ ).
مرّ في الحاشية
السابقة ما له دخل في المقام.
قوله : مرفوعة حريز. ( ٣ : ٣٦٦ ).
__________________
ومرّ ذلك عن الرضا
7 أيضا.
قوله : الجمعة والمنافقين. ( ٣ : ٣٦٦ ).
وقال في أماليه :
من دين الإمامية الإقرار بأنّه يجب أن يقرأ في صلاة الظهر يوم الجمعة بالجمعة
والمنافقين ، فبذلك جرت السنّة . وفي كلامه إشعار بأنّهم ما كانوا يصلّون صلاة الجمعة ،
وإلاّ فهي أولى بأن يقرأ فيها الجمعة والمنافقون ، فتأمّل.
قوله : اختلف الأصحاب في قول آمين في أثناء الصلاة. ( ٣ : ٣٧١ ).
قال الصدوق في
أماليه : من دين الإماميّة أنّه لا يجوز قول آمين بعد فاتحة الكتاب .
قوله : فقد تقدّم الكلام فيه مرارا. ( ٣ : ٣٧٣ ).
قد عرفت أنّه
إجماع منقول بخبر الواحد ، وحجّة عند من يقول بحجيّة خبر الواحد ، ودليلها دليلها
، ويعضده ما نقلناه عن الصدوق.
قوله : أنّ آمين من كلام الآدميين. ( ٣ : ٣٧٣ ).
لعلّ مراد الشيخ
أنّ « آمين » اسم للفعل ، مثل صه ونحوه ، وهذا إجماعي عند أهل العربية ، بل بديهي
، فلا يلزم من تجويز « اللهم استجب » في الصلاة تجويز ما هو شبهه ، فإنّه من كلام
الآدميّين ، يعني الكلام الذي لا يناسب وقوعه في العبادة التوقيفية ، كما لا يناسب
أن يكبّر للإحرام بلفظ : « خدا بزرگتر » كما هو طريقة الشيعة.
__________________
والحاصل : أنّ
فقهاءنا متفقون على جواز الدعاء في الصلاة وعدم جواز كلام الآدميين فيها ، وعند
فقهائنا آمين من كلام الآدميين على قياس المهملات ، مثل جسق ، فتأمّل ، فإنّه ليس
بدعاء ، وأمّا آمين فهو اسم لما يفهم منه الدعاء وليس نفسه ، فتأمّل.
قوله : وقد صرّح بذلك. ( ٣ : ٣٧٣ ).
حال آمين حال الله
أكبر من كلّ شيء ، أو أكبر من أن يوصف ، فمع أنّ معنى « الله أكبر » هو الذي قلنا
لا يجوز أن يكبّر للإحرام بالمعنى المذكور بلا شكّ ، بل لا يجوز أن يقول : الله
أكبر بضمّ الراء بقطع همزة الوصل منه ، والحال في المقام أيضا كذلك ، والعلّة
واحدة ، ويجوز قول : آمين ، لو جوّز تغيير قول : الله أكبر ، بل لفظ : الله أكبر ،
بالنحو الذي ذكرنا ، فتدبّر.
قوله : إنّما توجّه إلى أمر خارج عن العبادة فلا يقتضي فسادها.
( ٣ : ٣٧٣ ).
العبادة توقيفية
لا بدّ من ثبوت ماهيتها من الشرع ، فإذا منع الشارع عن فعل شيء في أثنائها وفعل
فيه لم تكن هذه العبادة هي التي أمرنا الشارع ، كما أشرنا في : الله أكبر من كلّ
شيء ، فإنّ وقوع : من كلّ شيء فيها يوجب عدم معلومية كون هذه الصلاة هي التي
أمرنا الشارع ، مثل إذا منع الطبيب عن إدخال شيء في معجون أو دواء لم يجعل ذلك
المعجون الدواء الذي أمر الطبيب به ، بل فعله غيره.
قوله : والأولى حمل هذه الرواية على التقيّة. ( ٣ : ٣٧٤ ).
بل يتعين ، لما
عرفت ممّا ذكرناه في مسألة وجوب السورة والجهر والإخفات وغيرهما.
قوله : وكثرة استعمال النهي في الكراهة. ( ٣ : ٣٧٤ ).
فيه ما فيه ، فإنّ
مداره على إثبات الحرمة بمجرّد النهي ، وكثرة الاستعمال لا يوجب رفع اليد عن
الحقيقة ، كما هو الحال في ألفاظ العموم وغيرها ، مع أنّه من المسلّمات : ما من
عامّ إلاّ وقد خصّ.
قوله : لا تفوت به الموالاة قطعا. ( ٣ : ٣٧٥ ).
لا يخفى أنّه لم
ينقل عن النبي 6 أنّه كان يقرأ القدر اليسير ، وحاله وحال الكثير واحد
بالقياس إلى المنقول منه 6 نعم إطلاقات الأوامر الواردة بالقراءة تشمل ما ذكره قطعا ،
والإطلاق حجّة ، ويكفي لكون المقصود والمعنى معلوما معروفا.
قوله : ويتوجّه عليه منع كون ذلك مقتضيا للبطلان. ( ٣ : ٣٧٥ ).
فيه : أنّ العبادة
توقيفية ، وإطلاق القراءة ينصرف إلى الفرد الشائع ، ولا عموم فيه ، مع أنّه ; لم يتمسّك
بالإطلاق بل بالتأسّي ، ولا شكّ في أنّه 7 ما كان يفعل كذلك ، فالآتي لم يكن آتيا بالمأمور به ، كما
عرفت مرارا ، فتأمّل.
قوله : ما ذكره المصنف. ( ٣ : ٣٧٧ ).
في الفقه الرضوي :
« ولا تقرأ في الفريضة : والضحى وألم نشرح ، وألم تر ولإيلاف ، ولا المعوّذتين ،
فإنّه قد نهي عن قراءتهما في الفرائض ، لأنّه روي أنّ الضحى وألم نشرح سورة واحدة
، وكذلك ألم تر كيف ولإيلاف سورة واحدة بصغرها ، وأنّ المعوذّتين من الرقية ليستا
من القرآن أدخلوهما في القرآن ، وقيل : إنّ جبرئيل علّمه رسول الله ، فإن أردت بعض
هذه السور الأربع فاقرأ الضحى وألم نشرح ولا تفصل بينهما ، وكذلك ألم
تر كيف ولإيلاف » وسيجيء عن
المصنّف والشارح أنّ المعوّذتين من القرآن ، فما هنا محمول على الاتّقاء ، فتأمّل.
والصدوق ; في أماليه قال :
من دين الإماميّة الإقرار بأنّ الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، وكذا ألم تر ولإيلاف
، وأنّه لا يجوز التفرّد بواحدة منهما في ركعة واحدة . وفي الفقيه قال
مثل ذلك .
والمرتضى في
الانتصار صرّح بذلك ، وقال : إنّه ممّا انفردت به الإماميّة عن غيرهم .
وفي كتاب القراءات
لأحمد بن محمد بن سيار : روى البرقي عن القاسم بن عروة ، عن أبي العبّاس ، عن
الصادق 7 قال : « الضحى وألم نشرح سورة واحدة » والبرقي عن القاسم بن عروة ، عن شجرة
أخي بشير النبّال ، عن الصادق 7 : « ألم تر ولإيلاف سورة واحدة » ومحمد بن علي ابن محبوب
عن أبي جميلة ، عنه 7 مثله .
وفي مجمع البيان
عن العيّاشي بسنده إلى المفضّل بن صالح عن الصادق 7 قال : « لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضحى وألم
نشرح ، ولإيلاف وألم تر » ، وعن أبي العباس عن أحدهما 8 قال : « ألم تر
ولإيلاف سورة واحدة » ، وروي أنّ ابيّ بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه ، انتهى.
__________________
فقد عرفت الأخبار
والإجماعات ، ومعلوم أنّ الخبر المنجبر بالشهرة حجّة فضلا عن الأخبار المنجبرة
بالإجماعات. مضافا إلى تصريح الأصحاب مثل المصنف وغيره برواية ذلك عن الأئمّة 7 ، مع أنّ المنع
عن القرآن مطلقا والأمر بالقران فيها شاهد على الاتّحاد ومؤيّد.
وفي شرح الإرشاد
لمولانا الأردبيلي : نقل عن كتاب أحمد بن محمد البزنطي : سمعت الصادق 7 يقول : « لا تجمع
بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ الضحى وألم نشرح ، والفيل ولإيلاف » .
قوله : والنهى هنا الكراهة. ( ٣ : ٣٧٧ ).
قد سبق الكلام فيه
، مضافا إلى ما ذكرنا هاهنا .
قوله : تسميتهما سورتين. ( ٣ : ٣٧٨ ).
إنّما هي بالقياس
إلى ما عرفت بين الناس ، وإلاّ فقد عرفت أنّهما سورة واحدة.
وما ورد في بعض
الأخبار عن زيد الشحّام قال : « صلّى أبو عبد الله 7 فقرأ في الاولى والضحى ، والثانية ألم نشرح » يمكن أن يكون تلك
الصلاة نافلة ، أو أنّه وقع وهم من بعض الرواة ، لأنّه روي عن زيد المذكور بطريق
صحيح قال : صلّى بنا أبو عبد الله 7 فقرأ بنا بالضحى وألم نشرح والظاهر كونهما
في ركعة واحدة ، فتأمّل.
قوله : وهو الظاهر من كلام ابن أبي عقيل. ( ٣ : ٣٧٩ ).
__________________
وبه قال الشهيد في
الدروس وغيره ، ونسب بعض العلماء الصدوق إليه ، وهو الظاهر في الفقيه في
كتاب الصلاة في النسخة المشهورة المتداولة ، وإن كان روى رواية التسع في كتاب الجماعة ، ولذا نسب
العلاّمة القول بالتسع إلى والد الصدوق .
قوله : ولم نقف له على مستند. ( ٣ : ٣٧٩ ).
قال الشيخ المفلح
: مستند الأقوال الروايات ، يعني هذين القولين وغيرهما ، ومستند الاثنتي عشرة الفقه
الرضوي ، وقد ذكرنا عبارته عند قول المصنف : والمصلّي بالخيار في كل ثالثة. ، والرواية التي
رواها في العيون ، وهي معتبرة ، لتضمّنها أحكاما كثيرة مفتى بها عند
القدماء والمتأخّرين ، ونهاية الشيخ كلّ مسألة منها مضمون متن الخبر ، كما لا يخفى
على المطّلع ، ونقلنا عن الشيخ المفلح ما نقلناه.
ورواية الاثنتي
عشرة منجبرة بالشهرة بين الأصحاب ، لأنّهم بين قائل بمضمونها بعنوان الوجوب ، وقائل به
بالوجوب التخييري مثل المحقق الشيخ علي وجماعة ، وقائل به بالاستحباب ، مثل العلاّمة ومشاركيه .
__________________
وقائل بأنّه أحوط
مثل المصنّف وجمع ممّن وافقه ، وهو الصواب ، كما ستعرف ، وقائل بأنّه أحد أفراد الواجب
المطلق ، فلم يوجد لها رادّ.
ويشهد لها أنّها
أقرب إلى سورة الحمد ، والبدل يكون بمقدار المبدل منه أو ما يقاربه بحسب الفهم
العرفي ، ولذا ترى الفقهاء في أبواب الفقه يجرون في البدل جميع أحكام المبدل منه
إلاّ ما أخرجه الدليل ، مثل الترتيب في مسح اليدين في التيمّم وكون الابتداء فيه
من الأعلى ، إلى غير ذلك ، ومن ذلك حكمهم بوجوب الإخفات في التسبيح.
ويشهد لها أيضا
أنّه يظهر من أخبار متعددّة كون التسبيح بمقدار الحمد أو ما يقاربه ، مثل صحيحة
معاوية بن عمار التي نقلها الشارح ; عند قول المصنف : والمصلّي بالخيار. ، وكذا الأخبار
الصحيحة الدالة على أنّ المأموم يجب عليه أن يقرأ خلف الإمام بالحمد والسورة معا
في ركعتيه الأوليين إذا فاتتاه مع الإمام ولحقه في الأخيرتين .
ورواية أبي خديجة
عن الصادق 7 : « إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين ، وعلى الذين خلفك
أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، وهم قيام ،
فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب ، وعلى
الإمام التسبيح مثل ما سبّح القوم في الركعتين » .
__________________
وكذا الأخبار التي
سألوا فيها عن المعصوم 7 : ما نصنع في الركعتين الأخيرتين؟ فأجاب : « إن شئت فاتحة
الكتاب ، وإن شئت فاذكر الله ، وإن شئت فسبّح » من غير تعيين
أصلا لمقدار الذكر والتسبيح ، ومعلوم أنّ مرادهم 7 ليس كفاية مثل سبحان الله مرّة واحدة ، ولا معيّن للمقدار
إلاّ المساواة والمقاربة ، كما لا يخفى.
ويشهد أيضا صحيحة
عبيد بن زرارة : أنّه سأل الصادق 7 عن الركعتين الأخيرتين ، قال : « تسبّح وتحمد الله وتستغفر
لذنبك ، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد ودعاء » ومعلوم أنّه إذا
اختار الفاتحة تجب قراءة جميعها ، والظاهر من التعليل أنّ قرائتها من كونها ذكرا
وتسبيحا ، فلو كان التسبيح القليل كافيا لما كان الحمد بأجمعها واجبة ، بل كان
يكفي آية منها ، فتأمّل جدّا.
قوله : وأبو الصلاح. ( ٣ : ٣٧٩ ).
الظاهر منه على ما
نقله في المنتهى أنّه قائل بثلاث تسبيحات .
قوله : والمستند ما رواه زرارة في الصحيح. ( ٣ : ٣٧٩ ).
لا يخفى أنّ
الصدوق قائل بالاثنتي عشرة ، موافقا لغيره من القدماء ، وفتواه في الفقيه نص في
ذلك ، وإن كان في نسخة نادرة يظهر منها التسع ، لكنها غير المتداولة المشهورة
المعروفة ، ولذا نسب في المختلف التسع إلى
__________________
والد الصدوق ، ولم ينسبه إلى
الصدوق. مع أنّ عادته العمل بالفقه الرضوي ، بل ونقل عبارته في مقام فتواه ،
والعبارة في الاثنتي عشرة وعدم جواز نقص منها. وفي المختلف جعل مستند والده غير
هذه الصحيحة وذكر الصدوق هذه الصحيحة في كتاب صلاة الجماعة مثل ذكره سائر الأخبار
التي خلاف ما أفتى ، بل وربما يصرّح بأنّه عادل عنها مفت بغيرها ، ولذا حكم جدّي
العلاّمة بأنّه بدا له في ما ذكره في أوّل كتابه ، فالصدوق لم
يظهر كونه عاملا بها ، بل يظهر خلافه ، ولم يروها غير الصدوق.
وأمّا والد الصدوق
فمستنده غير هذه ، على ما صرّح به في المختلف ، مع أنّ مقتضاها أنّ المأموم ليس
عليه القراءة ولا ذكر ولا تسبيح في الركعتين الأخيرتين ، ولعلّه لهذا عدل الصدوق
عنها ، مضافا إلى مخالفتها الاثنتي عشرة التي صرّح بها الفقه الرضوي ، وهو في غاية
الاعتقاد به ونهاية الاعتماد عليه ، كما لا يخفى على المطّلع ، وصرّح به جدّي
العلاّمة ;.
وينادي بما ذكرنا
أنّ الصدوق روى عقيب هذه الصحيحة الرواية الدالة على كفاية « سبحان الله » ثلاث
مرّات ، مع أنّه لو كان كلّ ما ذكره فتواه لكان مذهبه مطلق الذكر البتّة ، فنسبته
إلى القول بالتسع غلط على أيّ
__________________
حال ، كما لا
يخفى.
قوله : لمجرّد اتصال السند. ( ٣ : ٣٨٠ ).
فيه : أنّهم لا
يكتفون بهذا ، ولهذا لو كان واسطة النقل ضعيفا يحكمون بالضعف البتّة ، وبسطنا
الكلام في التعليقة .
( مع معارضته
لأخبار كثيرة غاية الكثرة ، كثير منها أصحّ منه سندا ، ومنها ما هو أشهر منه فتوى
، بل لا يكون لها رادّ ظاهرا ، كما مرّ ، ومع ذلك الأخبار الدالة على كفاية مطلق الذكر وجواز
الكلّ أوضح منه دلالة البتّة ، لجواز إرادة كون أربع تسبيحات أيّ نحو تكون ، أو
هذا المقدار من الذكر أقلّ ما يجزي ، بل في مقام الجمع لا محيص عن هذا الاحتمال ،
وبملاحظة مجموع الأخبار يظهر ظهورا تامّا كون المراد ما ذكر من الاحتمال جزما ،
فلم يكن حينئذ مستند المفيد ومن وافقه ) .
قوله : وان كانت الرواية الأولى أولى. ( ٣ : ٣٨١ ).
لا يخفى فساد ما
ذكره ، إذ غاية ما يمكن جواز العمل بها ، لا أنّ العمل بها أولى ، مع أنّ الجواز
أيضا لا يخلو عن إشكال ظهر لك وجهه في الحواشي السابقة والآتية.
والأظهر بالنظر
إلى مجموع الأخبار كفاية مطلق الذكر بحسب الكيفية لا الكمّية ، كما هو الظاهر عن
صاحب البشرى ، وأنّه بحسب الكميّة لا بدّ أن تكون له كميّة معتدّ بها ،
بل وأن تقارب الحمد في الجملة ، كما هو
__________________
الحال في الاثنتي
عشرة أو العشرة أو التسع أيضا ، فتأمّل. وكيف كان ، الأحوط اختيار الاثنتي عشرة ،
وبعده العشرة ، وبعده التسع ، أو بالعكس.
قوله : والأولى الجمع بين التسبيحات الأربع والاستغفار. ( ٣ : ٣٨١
).
لا يخفى ما فيه
بعد الحكم بعدم نقاء السند ، ونقله الخبر الصحيح عن الصدوق ، وأنّه عمل به ،
وطريقته الاقتصار على الصحيح لا غير ، وطريقة الكلّ كذلك إذا كان تعارض ، فإنّهم
جميعا يرجّحون الصحيح على غيره ، والأصحّ على الصحيح ، إلاّ أن يرجّح غير الصحيح
بمرجّحات أخر ، هذا مع أنّ ضمّ الاستغفار خلاف مدلول الخبر.
فإن قلت : مدلول
الخبر الاجتزاء بالتسبيحات الأربع ، والاجتزاء ظاهر في صحّة ما زاد ، بل مشعر
برجحانه ، فلا مانع من ضمّ الاستغفار.
قلت : إن أردت
الأولى والأحوط فلا شكّ في أنّ الأولى والأحوط العمل بالاثنتي عشرة ، وبعده بالتسع
، بل بضمّ الاستغفار أيضا ، لما في كلام العلاّمة في المنتهى من الإشعار بوجود
القول بوجوبه . وإن أردت الاجتزاء فلا وجه للضمّ أصلا ، سيّما بعد القول
بأنّه أولى ، فتأمّل.
قوله : تسوية بينه وبين المبدل. ( ٣ : ٣٨١ ).
نظره إلى ما أشرنا
إليه من أنّ أهل العرف يفهمون التسوية ، ألا ترى الآن أنّ العوام يجزمون بأنّ
الفاتحة في الأخيرتين يجب إخفاتها؟ كما هو مسلّم عند القائلين بوجوب الجهر
والإخفات ، ومع هذا إذا قلنا لهم : إن شئت اقرأ الفاتحة وإن شئت فسبّح وهما سواء ،
أو قلنا لهم : القراءة أفضل
__________________
من التسبيح ، أو
قلنا لهم عكس ذلك وأمثال هذه الأقوال ممّا ورد في الأخبار ، ولم ننبّههم أنّ
التسبيح ليس مثل القراءة في وجوب الإخفات ولم نشر إلى ذلك أصلا لا يفهمون غير
المساواة ، وإن شئت فامتحن.
ويؤيّده ورود هذه
المضامين في الأخبار الكثيرة غاية الكثرة ، ومع نهاية كثرتها لم يقع في شيء منها
إشارة.
وممّا يؤيّده ـ بل
ربما يكون دالا ـ صحيحة عبيد بن زرارة التي ذكرناها في الحاشية السابقة المكتوبة
على قول الشارح : ولم نقف على مستنده. إذ مقتضاها أنّ قراءة الفاتحة إنّما هي من حيث إنّها تحميد
وذكر لا من حيث إنّها قراءة الفاتحة ، ولا نزاع في وجوب الإخفات فيها ، كما أشرنا
فتأمّل جدّا.
على أنّ أخبار
التسبيح ليس فيها إلاّ الإطلاق ، والإطلاق لا عموم فيه ، كما هو مسلّم ، نعم يرجع
إلى العموم في مثل الأحكام الشرعية إذا لم يكن أحد الأفراد أسبق ، ولا نسلّم في
المقام عدم الأسبقية ، لجواز الأسبقية على حسب ما أشرنا.
وبالجملة : الأصل
عدم العموم حتى يثبت ، وفي مثل المقام لا نسلّم الثبوت ( سيّما بعد ملاحظة توقيفية
العبادة ) فتأمّل.
قوله : وهو ضعيف. ( ٣ : ٣٨٢ ).
لا يخلو من تأمّل
، لكون العبادة توقيفية ، ولم يعهد من صاحب الشرع ، وما ذكر من الإطلاق من حيث
إنّه لا عموم فيه إلاّ بمعونة القرينة ربما يشكل شموله له ، لانصرافه إلى ما هو
المتعارف ، بل هو المتبادر ، نعم
__________________
لو قلنا بكفاية
مطلق الذكر وأنّه لا يعتبر فيه خصوصية كيفية حتى بين القراءة والتسبيح أمكن ،
فتأمّل.
قوله : وهو بعيد. ( ٣ : ٣٨٥ ).
وإلاّ فهو قائل
بركنيته مطلقا.
قوله : فقال في المعتبر. ( ٣ : ٣٨٥ ).
ونقل الإجماع على
ذلك العلاّمة والشهيد وغيرهما من الفقهاء .
قوله : فيجب التأسّي به. ( ٣ : ٣٨٥ ).
لا يخفى أنّ
الشارح ; منع مكرّرا كون التأسّي دليل الوجوب ، وهذه الصحيحة تدل على أنّ وصول أطراف
الأصابع يكفي ، فإن كان المراد من وضع اليد وضع شيء منها فهي تدل ، وإلاّ فلا ،
وظاهر عبارة المصنف وصريح عبارة العلاّمة وصول الراحة ، فالحجّة إذن
الإجماع المنقول بخبر الواحد ، وهذه الصحيحة تكون حجّة عليهم لا لهم ، بل يجب
عليهم طرحها. وصرّح المحقّق الشيخ علي والشهيد الثاني بأنّ وصول شيء من رءوس
الأصابع لا يكفي .
ويمكن حمل قوله 7 في الصحيحة : «
فإن وصلت أطراف أصابعك. إلى ركبتيك » على أنّ المراد الوصول إلى مجموع عين الركبة
، لأنّ من الأصابع الإبهام ، وباقي الأصابع أيضا بينها تفاوت كثير في الطول والقصر
، وهو شرط وصول أطراف مجموع الأصابع ، وصحيحة حمّاد
__________________
لا دلالة فيها على
الوجوب ، مع أنّ نفس الوضع غير واجب عندهم ، فتأمّل.
قوله : لأنّه بعض الواجب. ( ٣ : ٣٨٦ ).
لعل نظره ; في هذا إلى
استصحاب الوجوب حال عدم العجز ، وإلاّ يرجع هذا إلى الدليل السابق ، مع أنّه ; لا يعمل بحديث : «
الميسور لا يسقط بالمعسور » وما ماثله ، بل دائما يطعن عليها.
قوله : الأظهر أنّ هذه الزيادة على سبيل الاستحباب. ( ٣ : ٣٨٧ ).
لا يخفى أنّ ما
ذكره مبني على جريان أصل العدم في ماهية العبادات ، والشارح أيضا لا يرضى به ، كما
ظهر ممّا سبق وممّا سيجيء في مسألة أنّه هل يعتبر في السجود للعزيمة ما يعتبر في
سجود الصلاة أم لا ؟ وغير ذلك.
مع أنّه معلوم أنّ
الواجب على غير العاجز ليس الانحناء إلى أقلّ الواجب فقط ، بل الواجب أعمّ منه
جزما ، ولذا هو أقل الواجب وأقلّ ما يجزي ، ولو انحنى أكثر منه فلا تأمّل عندهم في
كونه ركوعا مأمورا به ، فعلى هذا يكون الواجب هو الكلّي الذي يكون أقلّ ما يجزي من
جملة أفراده ، فإذا عجز عنه لا يسقط عنه التكليف بالكلّي ( لأنّ العجز عن فرد من
الكلّي لا يوجب سقوط التكليف بالكلّي ) ، بل يجب إيجاده في الفرد الممكن ، فتأمّل جدّا.
قوله : لأنّا نمنع وجوب الفرق على العاجز. ( ٣ : ٣٨٧ ).
__________________
فيه : أنّه مأمور
بإيجاد الركوع ، والانحناء الدائم الخلقي ليس إيجادا للانحناء حال الصلاة ، فلا
يكون إيجادا للركوع وهو قادر على إيجاده باختيار الفرد الذي يمكنه ، فتأمّل جدّا.
قوله : ولا يسقط أحد الواجبين بتعذّر الآخر. ( ٣ : ٣٨٨ ).
فمراده من الأولى
هو الوجوب ، وهذا منه يحقق ما ذكرناه في الحاشية السابقة من أنّ الواجب على الراكع
خلقة أن ينحني أزيد ، وينافي ما اختاره من الاستحباب ، كما لا يخفى على المتأمّل.
قوله : وجعلها الشيخ في الخلاف ركنا. ( ٣ : ٣٨٩ ).
حكم الشيخ
بالركنية لما يظهر من بعض الأخبار ، مثل رواية أبي بصير عن الصادق 7 أنّه قال : « إذا
رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك ، فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه » . وفي الصحيح عنه
عن الصادق 7 أنّه قال : « قال أمير المؤمنين 7 : من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له » .
ومرّ عن الشارح في
بحث وجوب القيام وركنيته أنّه استدل على الركنية بأنّ من أخلّ بالقيام مع القدرة
لا يكون آتيا بالمأمور به على وجهه . ومعلوم أنّ هذا شامل لما نحن فيه ، ومعلوم أيضا أنّ هذه
الصحيحة كما تدفع قول الشيخ تدفع القول بركنية القيام مطلقا ، وإن
كنّا أجبنا هناك بجوابين ، إلاّ أنّ أحد الجوابين لا يتمشّى في المقام ، وهو أنّ
__________________
الفرض نادر الوقوع
غاية الندرة ، والأخبار محمولة على غير هذه الفروض ، بل الجواب الثاني أيضا يشكل
أن يتمشّى هنا ، فتأمّل.
وكيف كان ، الأحوط
مراعاة مذهب الشيخ ; لأنّ التعارض من باب العموم من وجه.
قوله : فقال : الواجب الذكر مطلقا. ( ٣ : ٣٩٠ ).
لكن المشهور وجوب
التسبيح ، ونقل الشيخ في الخلاف الإجماع على ذلك ، وكذا السيد ; في الانتصار ، وابن زهرة في
الغنية ، لكن عبارة الصدوق في أماليه أنّ من دين الإمامية الإقرار
بأنّ القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات ـ إلى أن قال ـ : ومن لم يسبّح فلا
صلاة له ، إلاّ أن يهلّل أو يكبّر أو يصلّي على النبي 6 بعدد التسبيح ،
فإنّ ذلك يجزيه . ويستفاد منها أنّ الأصل هو التسبيح ، والذكر يجزي عنه.
قوله : أن يقول : « سبح سبح سبح ». ( ٣ : ٣٩٠ ).
أي يسارعون
ويستعجلون إلى أن يقع منهم الاندماج التامّ في سبحان الله ثلاثا ، كأنّه لا يظهر من قولهم
وكلامهم سوى سبح سبح سبح بضمّ السين وسكون الباء.
قوله : مذكور في كتب الرجال ، لكن لم يرد فيه مدح. ( ٣ : ٣٩٢ ).
إلاّ أنّها
متأيّدة بأخبار صحاح تتضمّن أنّ أقلّ ما يجزي ثلاث
__________________
تسبيحات.
قوله : واعلم أنّ كثيرا من الأخبار ليس فيها لفظ وبحمده. ( ٣ : ٣٩٢
).
في صحيحة زرارة وصحيحة حماد المشهورتين لفظ «
وبحمده » موجود ، وكذا في صحيحة عمر بن أذينة المروية في الكافي في علّة أمر
الأذان والصلاة ، وهي مشهورة مستجمعة لجميع أجزاء الصلاة التي أمر الله
تعالى نبيّه 6 في العرش ، وجعلها وظيفة مقرّرة من الشرع ، والصدوق أيضا رواها في العلل في
باب علّة الأذان والصلاة بطرق متعدّدة صحيحة ووساطة الأجلاّء الأعاظم الكثيرين عن
ابن أذينة .
وكذا موجود في
رواية إسحاق بن عمار التي رواها في العلل عن الكاظم 7 في باب علّة كون الصلاة ركعتين وأربع سجدات .
وكذا في رواية
هشام بن الحكم عن الصادق 7 في ذلك الباب .
وكذا في باب علّة
كون التكبيرات الافتتاحية سبعا عن هشام عن الكاظم 7 .
وكذا في رواية أبي
بكر الحضرمي المروية في التهذيب وغيره ،
__________________
وذكرها الشارح .
وكذا في صحيحة
زرارة وحسنته عن الباقر 7 قال : « إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب : الله أكبر ،
ثمّ اركع وقل : اللهم لك ركعت » إلى آخر قوله : « ولا مستحسر ، سبحان ربّي العظيم
وبحمده ، ثلاث مرّات » ، الحديث ، ورواها كذلك في التهذيب ، والصدوق روى بالمضمون
المذكور بتفاوت في الذكر قبل التسبيح المذكور .
وفي الموثّق
كالصحيح عن ابن بكير عن حمزة بن حمران والحسن ابن زياد ، قالا : دخلنا على أبي عبد
الله 7 وعنده قوم فصلّى بهم العصر فعددنا في ركوعه « سبحان ربّي العظيم » أربعا أو
ثلاثا وثلاثين مرّة ، وقال أحدهما في حديثه : « وبحمده » في الركوع والسجود سواء .
ويظهر من هذه وجه
الجمع بين الأخبار الكثيرة الصريحة في وجود لفظ وبحمده ، ونادر من الأخبار الذي لم
يذكر فيه اللفظ صريحا ، وهو المسامحة في ترك تتمة الذكر تخفيفا للتعبير عنه ،
اتّكالا على الظهور من الخارج ، كما نقول : بسم الله ، ونريد : بسم الله الرحمن
الرحيم ، وأمثال ذلك ، إذ لا شكّ في أنّ الرسول 6 كان يقول هذا اللفظ في ركوعه وسجوده ، والمسلمون تابعوه في
ذلك ، وشاع وذاع في الأعصار والأمصار إلى أن ادعى الإجماع من ادعى واتفق فتاوى
الكلّ على ذلك.
وعرفت أنّ وجه ذكر
الرسول إيّاه لهما أنّ الله أمره بذلك حين علّمه
__________________
كيفية الصلاة في
العرش ، فصنعه وجعله سنّة جارية إلى يوم القيامة ، وكذلك كان الأئمّة 7 بعده ، كانوا
يذكرون ويدامون.
وتظافر الأخبار
بذلك ، كما أشرنا إلى بعضها ، مع أنّ بعضه هو المشهور المعروف المتداول بين جميع
الفقهاء ، المذكور في أكثر الكتب المعتبرة ، مثل صحيحة حماد وصحيحة زرارة وما
مثلهما ، وبعضها بطرق صحاح في غاية المتانة ، مع القرائن الكثيرة مثل صحيحة ابن
أذينة ، مع أنّها في كلّ جزء جزء من الصلاة بيّن العلة في اعتباره في الصلاة ،
والكلّ معتبر عند الكلّ.
والعجب أنّ الشارح
باعتبار هذين الخبرين يقول : كثير من الأخبار خال عنه ، مع ما عرفت من وهن الدلالة
على الخلوّ ، بل بالتأمّل في ما ذكرنا ظهر لك عدم الخلوّ.
وممّا يؤيّد أنّ
صحيحة الحبلى في مقام ذكر المستحبات ، فكيف يترك أهمّ المستحبات وأشدّها لو فرض
استحبابه؟ وليس ذكر الواجب إلاّ نادرا غاية الندرة في جنب باقي الأذكار ، وقريب
منه الكلام في رواية هشام ، لعدم مقصوديتها في الذكر الواجب ، بل واجبه ، قليل. مع
أنّ استحباب قول : سمع الله لمن حمده ، عند رفع الرأس وشدّة استحبابه يشهد على ذكر
: وبحمده ، في الركوع على سبيل التعارف.
وممّا يشهد على ما
ذكرنا أنّ العلاّمة في المنتهى عند ذكر وجوب الذكر في الركوع والسجود وقدر ذلك
الذكر نقل من العامّة روايتهم عن ابن مسعود أنّ النبي صلّى الله عليه قال : « إذا
ركع أحدكم فليقل ثلاث مرّات
سبحان ربّي العظيم
وبحمده » ، وعن حذيفة بعد أنّه سمع الرسول 6 إذا ركع يقول : «
سبحان ربّي العظيم وبحمده » .
ثمّ قال : اتفق الموجبون
للتسبيح من علمائنا على أنّ الواجب من ذلك سبحة كبرى وصورتها : سبحان ربّي العظيم
وبحمده ، أو ثلاث صغريات صورتها : سبحان الله ، هذا مع الاختيار ، ومع الاضطرار
يجزي الواحدة من الصغرى.
ثم استدل على
إجزاء الواحدة الكبرى للمختار برواية هشام بن سالم التي ذكرها الشارح ، واستدل على
إجزاء ثلاث من الصغرى بصحيحة معاوية بن عمار بن الصادق 7 الاجتزاء بواحدة
من الصغرى مستفاد من الإجماع.
ثم قال : ويستحب
أن يقول في ركوعه : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، وفي سجوده : سبحان ربّي الأعلى
وبحمده ، ذهب إليه علماؤنا أجمع.
لعل مراده استحباب
اختيار الأولى في الركوع ، والثانية في السجود ، وإن جاز العكس ، أو كون المستحب
كون ذلك ثلاث مرّات ، وسقط هذا في ما سيجيء.
قال : وتوقّف أحمد
في زيادة : وبحمده ، وأنكرها الشافعي وأبو حنيفة ، لنا ما رواه الجمهور عن حذيفة
أنّ الرسول 6 كان يقول في ركوعه : « سبحان ربّي العظيم وبحمده » ، وفي سجوده : « سبحان
ربّي الأعلى وبحمده ».
__________________
ثمّ قال : ويستحب
للإمام التخفيف في التسبيح ، وقال الثوري : ينبغي للإمام أن يقول خمسا ليدرك المأموم
ثلاثا ، لنا ما رواه الجمهور عن عتبة بن عمار قال : كان رسول الله 6 إذا ركع قال : «
سبحان ربّي العظيم » ثلاثا ، وإذا سجد قال : « سبحان ربّي الأعلى » ثلاثا ، ومن
طريق الخاصّة .
إلى آخر ما قال ،
فتدبّر ، فإنّ فيه شواهد على ما ذكر وفوائد متعدّدة.
قوله : ومقتضى ذلك الاستحباب وبه قطع في المعتبر. ( ٣ : ٣٩٣ ).
ويحتمل أن يكون
إشارة إلى التامّة المعهودة ، كما تعارف الآن التعبير بها كذلك اختصارا ، وربما
يؤيّده أنّه ورد في بعضها : أنّها التامّة ، يعني سبحان ربّي العظيم وسبحان ربّي
الأعلى ، فتأمّل.
والأحوط مراعاة
مذهب الشيخ في التهذيب ، وإنّ المثلّث التامّ ربما يكون فيها احتياط مّا ، فتأمّل.
قوله : تفسير : معنى سبحان ربّي. ( ٣ : ٣٩٣ ).
في صحيحة هشام بن
الحكم أنّه سأل الصادق 7 : ما معنى سبحان الله؟ قال : « أنفة لله » ألا ترى أنّ
الرجل إذا أعجب من الشيء قال : سبحان الله؟ فتأمّل.
ويظهر من هذا أنّ
أعاظم الأصحاب ربما كانوا لا يعرفون المعنى مع
__________________
أنّهم من الفحول
من العرب.
قوله : قال : « تكبيرة واحدة ». ( ٣ : ٣٩٤ ).
وفي علل الفضل بن
شاذان ذكر مرّتين : ـ مرّة في علّة رفع اليد في التكبيرات ، و [ مرّة في ] علّة كون صلاة
الميّت خمس تكبيرات ـ عنهم 7 : أنّ التكبير المفروض في الصلاة ليس إلاّ واحدة . ويستفاد من
الروايتين المنجبرتين بالشهرة العظيمة أنّ سائر التكبيرات مستحبة وإن ورد الأمر
بها.
قوله : ولا ريب في الجواز. ( ٣ : ٣٩٥ ).
لا يخلو من تأمّل
، نعم ببالي أنّ بعض الروايات ورد كذلك ، إلاّ أنّه ضعيف.
قوله : فهو قول معظم الأصحاب. ( ٣ : ٣٩٥ ).
بل قال الصدوق ; في أماليه : من
دين الإماميّة الإقرار بأنّه يستحبّ رفع اليدين في كلّ تكبيرة في الصلاة .
قوله : بوجوب رفع اليدين في تكبيرات الصلاة كلها. ( ٣ : ٣٩٥ ).
ربما كان مراده
بالوجوب ما ذكره الشيخ : أنّ الوجوب عندنا على ضربين : ضرب على تركه العقاب ، وضرب
على تركه العتاب . بل هذا
__________________
هو الظاهر ، لعدم
قائل من الإماميّة بالوجوب ، فضلا عن إجماعهم عليه.
قوله : كما هو مذهب ابني بابويه. ( ٣ : ٣٩٦ ).
لكن المحقّق في
المعتبر ادّعى أنّ مذهب علمائنا عدم الاستحباب ، والشهيد في الذكرى استقرب استحبابه ، ومع ذلك قال : وعليه
جماعة من العامة . فيظهر من كلامهما ومن الأخبار الظاهرة في عدم استحبابه
مثل صحيحتي زرارة وحمّاد ورود هذين الصحيحين على التقيّة ، ومرادي من صحيحة زرارة
ما سيذكرها الشارح ، فإنّها مع استجماعها لجميع الآداب والمستحبّات لم يذكر فيها
هذا الرفع ، بل ذكر الرفع حال إرادة السجود والهويّ خاصّة ، وكذا الحال في صحيحة
حماد ، بل دلالتها أظهر ، كما لا يخفى.
ويدل عليه أيضا
صحيحة زرارة الطويلة في مجموع آداب الصلاة ، لكن دلالتها أضعف ، وتتقوى الدلالات بفتاوى المعظم
والإجماع المنقول.
قوله : إنّ السبع نهاية الكمال. ( ٣ : ٣٩٧ ).
وفي الرضوي : أو
تسعا أيضا ، كما أقرّ به بعض الفقهاء.
قوله : وروى الكليني. ( ٣ : ٣٩ ).
بل في بعض الأخبار
أنّ الصادق 7 سبّح في سجود في الصلاة خمسمائة تسبيحة .
__________________
قوله : ربّنا لك الحمد. ( ٣ : ٣٩٩ ).
« وإن كان وحده
إماما أو غيره قال : سمع الله لمن حمده ، الحمد لله ربّ العالمين » انتهى.
قوله : ويشهد لهما أيضا. ( ٣ : ٤٠٢ ).
في الاستشهاد
بالروايتين تأمّل.
قوله : إذ لا قائل بوجوبه. ( ٣ : ٤٠٥ ).
نسب إلى ابن
الجنيد القول بوجوبه في المفاتيح ولم نعرف مأخذه.
قوله : يخرج بذلك عن الهيئة المنقولة عن صاحب الشرع.
( ٣ : ٤٠٧ ).
إن أراد أنّ
الظاهر المنقول عن صاحب الشرع الاستواء العرفي ، ففيه بعد التسليم ينافي فتواهم
وما نقل عن الشيخ. وإن أراد غير ذلك ، ففيه أيضا ما فيه ، لأنّه حوالة على أمر
مجهول غير ثابت ، فما فعله في المنتهى أصوب.
قوله : وهو مشترك بين جماعة. ( ٣ : ٤٠٧ ).
الظاهر أنّه
الهيثم بن أبي مسروق الفاضل ، بقرينة رواية ابن محبوب عنه ، فالحديث من الحسان التي هي
حجّة ، كما حقّق ، مع أنّه منجبر بعمل الأصحاب ، والصحيح مهجور أو محمول على
الاستحباب.
__________________
قوله : روايتا حريز وزرارة. ( ٣ : ٤٠٩ ).
لعلّه توهّم.
قوله : وهو بعيد جدّا. ( ٣ : ٤١٠ ).
لأنّ الميسور لا
يسقط بالمعسور ، وما لا يدرك.
قوله : وروى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر 7. ( ٣ : ٤١١ ).
قال الصدوق في
أماليه : من دين الإمامية أنّه لا يجوز وضع الركبتين على الأرض قبل اليدين .
وكذا يظهر من
الشيخ في التهذيب ، فتأمّل.
قوله : وأقلّ مراتب الأمر الاستحباب. ( ٣ : ٤١١ ).
لأنّه إذا تعذّر
الحقيقة فالحمل على أقرب المجازات متعيّن.
قوله : وقد أجمع علماؤنا. ( ٣ : ٤١١ ).
لا يخفى أنّ
الإرغام سنّة ، ووضع الأنف على ما يصح السجود سنّة مؤكّدة ، والأوّل أفضل ، ويؤدّى
الأخير بالأوّل.
قوله : وهو معارض بما رواه الشيخ عن زرارة. ( ٣ : ٤١٣ ).
ربما يظهر من بعض
الأخبار أنّ عدم الجلوس لأجل التقيّة ، وهو رواية أصبغ بن نباتة : أنّ أمير
المؤمنين 7 كان إذا رفع رأسه من السجود قعد حتى يطمئنّ ثم يقوم ، فقيل له : يا أمير
المؤمنين كان من قبلك أبو بكر
__________________
وعمر إذا رفعوا
رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما ينهض الإبل ، فقال 7 : « إنّما يفعل
ذلك أهل الجفاء من الناس ، إنّ هذا من توقير الصلاة » فكيف يصحّ أن
يكونا من أهل الجفاء؟
ويشهد على ذلك
رواية رحيم أنّه قال للرضا 7 : أراك إذا رفعت رأسك من السجود تستوي جالسا ثم تقوم ،
فنصنع كما تصنع؟ فقال : « لا تنظروا إلى ما أصنع أنا ، اصنعوا ما تؤمرون » وجه الشهادة ظاهر
على المتأمّل.
وما ذكر ربما
يؤيّد كلام السيد ; ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ رواية أصبغ ظاهرة في الاستحباب ،
ومثل هذا الإجماع من السيد لا وثوق به ، والاحتياط عدم الترك بلا شبهة.
قوله : وقال المفيد ;. ( ٣ : ٤١٤ ).
مستند المفيد ما
في الاحتجاج للطبرسي ، عن الصاحب 7 : « إنّ في القيام من التشهّد الأوّل حديثين ، أمّا أحدهما
: فإنّه إذا انتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه التكبير ، وأمّا الآخر : فإنّه روى
إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام تكبير ،
وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى ، فبأيّهما أخذت من جهة التسليم كان صوابا »
.
قوله : عن معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم. ( ٣ : ٤١٥ ).
__________________
لعل مرادهما إقعاء
الكلب ، كما رويا ، فتأمّل.
قوله : « لا تقع في الصلاة بين السجدتين كإقعاء الكلب ». ( ٣ : ٤١٥
، ٤١٦ ).
لا يخفى ما في
الاستدلال بهذه ، ويمكن حمل الموثق أيضا على إقعاء الكلب لهذه الصحيحة ، ولعدم
مناسبة التأكيد بقوله : « إقعاء » وكذا الوحدة ، فيكون المراد نوعا منها ، وللجمع
بين هذه الصحيحة وصحيحة الحلبي ، سيّما والراوي في الروايتين واحد ، فتأمّل.
لكن يمكن الحمل
على النوع ، ويكون المراد نفي جميع الأنواع ، لكونه نكرة في سياق النفي.
ويمكن الحمل على
التأكيد ، ويكون المراد تأكيد النهي ، فتأمّل ، إذ الظاهر منه أنّه الذي ذكره
الفقهاء لفهمهم ، ويحصل منه الظنّ البتّة ، مضافا إلى دعواهم الإجماع ، وأنّ
العامّة لا يعدّونه مكروها ، بل يرتكبونه ، وإن كانوا نقلوا عن الرسول 6 المنع عن الإقعاء
، لأنّهم يحملونه على إقعاء الكلب ، وهذا أيضا من المؤيّدات ، فإنّ الأئمّة 7 كانوا يأمرون
بمخالفتهم مهما تيسّر ، وهم يخالفون الشيعة مهما أمكنهم.
ويؤيّده أيضا أنّ
إقعاء الكلب بين السجدتين في غاية الصعوبة بحيث لا يكاد يرتكبه أحد حتى يحتاج إلى
المنع منه ، سيّما والتأكيد في المنع ، بخلاف ما ذكره الفقهاء ، فإنّه في غاية
السهولة ، سيّما في مقام العجلة يرتكبونه ، وخصوصا العامّة ، لما عرفت ، مع أنّ
الحمل على التأكيد غير مناسب على أيّ حال ، فالأظهر أنّ النهي عن جميع الأفراد ،
مع أنّ النكرة
__________________
في سياق النفي
تفيد العموم. على أنّ المطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، فكيف يصرف إلى ما لا
يتحقّق؟
فظهر أنّ الإقعاء
بمعنييه مكروه ، كما يظهر من ابن الجنيد بل الفقهاء أيضا ، وعدم تصريحهم لعله لما ذكرناه من عدم
الارتكاب حتى يحتاج إلى المنع.
قوله : « إيّاك والقعود على قدميك. » ( ٣ : ٤١٦ ).
غير معلوم كون
المراد منه الإقعاء ، وكذا جريان العلّة ، وهي عدم الصبر في غير التشهّد الطويل ،
نعم دلالته على المنع من الإقعاء في التشهّد الطويل ظاهرة.
قوله : « لا بأس بالإقعاء بين السجدتين ». ( ٣ : ٤١٦ ).
الأظهر أنّه الذي
ذكره الفقهاء فتأمّل.
قوله : واحتجّ عليه في المعتبر. ( ٣ : ٤١٧ ).
في هذا الاحتجاج
ما لا يخفى ، نعم يصلح كونها مؤيّدة للدليل ، وهو الإجماع.
وفي الفقه الرضوي
: « فإن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود فاسجد على قرنك الأيمن ، فإن تعذّر
فعلى قرنك الأيسر ، فإن لم تقدر فاسجد على ظهر كفّك ، فإن لم تقدر فاسجد على ذقنك
» ثمّ استشهد بالآية .
ولعلّ قوله : «
فإن لم تقدر فاستجد على ظهر كفّك » من غلط النسخة ،
__________________
أو يكون عليلا من
علّة أخرى ، ولذا لم يفت بها إلاّ في شدّة الحرّ. نعم أفتى به الصدوقان حيث قالا :
يحفر الحفيرة من في جبهته دمل ، فإن كان علّة تمنعه عن السجدة سجد على قرنه الأيمن
، فإن عجز فعلى قرنه الأيسر ، فإن عجز سجد على ظهر كفّه ، وإن لم يقدر فعلى ذقنه . ولا يخفى أنّ
مستند الصدوقين هو عبارة الفقه الرضوي.
قوله : ولم أقف فيه على نص يعتدّ به. ( ٣ : ٤١٩ ).
رواية أبي بصير
ظاهرة فيه ، إذ لا معنى للإباحة في ما هو من العبادات ، فتدبّر.
قوله : فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد. ( ٣ : ٤١٩ ).
لا يخفى ظهوره في
صورة الاستماع ، مع أنّ المعلّمين حالة التعليم يسمعون البتّة ، فلا وجه لاستدلاله
لصورة السماع. وموثقة أبي عبيدة صحيحة أيضا بسند آخر رواه الكليني .
قوله : وقد نقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد. ( ٣ : ٤٢٠ ).
قد ذكرنا مكرّرا
أنّ هذا من ابن الوليد لا يقتضي طعنا على الثقتين الجليلين ، وباقي القميين طعنوا
على ابن الوليد ، كما نقله هنا ، ونقله أهل الرجال أيضا ، ويؤيّد هذه
الرواية الأصل.
قوله : لعدم دليل يدل على الاشتراط. ( ٣ : ٤٢٠ ).
هذا بناء على كون
لفظ العبادة اسما للأعمّ من الصحيحة والفاسدة ، أو
__________________
يكون اسما للصحيحة
لكن يتمسّك لعدم شرط بأصالة العدم ، وأمّا لو قيل بعدم التمسّك فيتعيّن الستر
والاستقبال ، وأمّا الطهارة من الحدث والخبث فلا ، لما دل على أن الحائض تسجد . ( لكن عرفت عدم
الوجوب عليها ، فلعلّ استحبابها اقتضى عدم لزوم الطهارة ، فتأمّل ) .
قوله : وفي اشتراط وضع الجبهة. نظر. ( ٣ : ٤٢٠ ).
هذا بناء على
توقّفه في جريان أصل العدم في ثبوت ماهية العبادة ، لأنّ الأمور المذكورة إن كانت
ثابتة تكون أجزاء للعبادة داخلة في ماهيتها ، أو يحتمل أن تكون أجزاءها وإن
احتمل الشرطية في جميعها أو بعضها ، وكيف كان ، توقّف هنا في جريان أصل العدم في
ثبوت الماهية وأجزائها وحكم بالجريان في الشرط الخارج ، وإن كان في بعض المقامات
يحكم بالجريان في الماهية أيضا ، وربما يتوقّف في الشرط أيضا ، فتأمّل.
وعلى أيّ حال ،
الأحوط مراعاة الجميع إلاّ ما ثبت عدم وجوب مراعاته ، للإشكال في جريان الأصل في
العبادات ، والإشكال في كون أساميها أسامي الأعمّ ، وشغل الذمّة اليقيني يستدعي
البراءة اليقينية أو العرفية.
قوله : لعدم التوقيت. ( ٣ : ٤٢١ ).
هذا هو الأظهر ،
لأنّ الفورية لا تستلزم التوقيت بلا تأمّل ، فإنّها أعمّ ، فإذا ظهر أنّ بعد فوات
وقت وجود السبب لا بدّ من الإتيان ظهر عدم
__________________
التوقيت ، ولذا لم
يقل المعصوم 7 : فليقضها ، وقال : « يسجد ».
قوله : انحصار الواجب
من التشهّد في ما ذكره المصنّف. ( ٣ : ٤٢٦ ).
في أمالي الصدوق ،
أنّه قال : من دين الإمامية الإقرار بأنّه يجزئ في التشهّد الشهادتان والصلاة على
النبي وآله ، فما زاد تعبّد . والمحقق أيضا نقل الإجماع على وجوب الصلاة على النبي وآله
.
فما ذكره في
الفقيه لعله بناء على ظهور الحال في أنّ الناس يصلّون عقيب اسم الرسول 6 ، ومنه يظهر
الجواب عمّا ورد في الأخبار ، جمعا بينها وبين الإجماع المنقول والأخبار المتضمّنة
لها ، فتأمّل.
قوله : وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه. ( ٣ : ٤٢٦ ).
في الكافي في
الحديث الصحيح في بحث الأذان : « بسم الله وبالله ، ولا إله إلاّ الله ، والأسماء
الحسنى كلّها لله » مستحب في التشهّد مطلقا.
قوله : وقال الشيخان. ( ٣ : ٤٢٩ ).
قال المفيد في
المقنعة في صلاة الوتر : إنّ التسليم في ركعتيه لا يجوز تركه . وقال في التهذيب
عند ذكره ذلك : عندنا أنّ من قال : السلام علينا ، في التشهد فقد انقطعت صلاته ،
فإن قال بعد ذلك : السلام عليكم ، جاز ، وإن لم يقل جاز . وبه جمع بين ما
دل على وجوب التسليم فيهما وما دل على التخيير. وهذا إشارة إلى أنّ العامّة لا
يجعلون : السلام علينا ،
__________________
مخرجا ، ويظهر ذلك من
الخارج ومن الأخبار الأخر أيضا ، ولذا ترى العامّة يذكرونه في التشهد الأوّل أيضا ،
والخاصّة يتركونه فيه ، مع أنّه لم يعهد من الشيعة اختصاص ما ذكر بالوتر ، وكذا
العامّة ، بل ظاهر أنّ الأمر ليس كذلك ، وظاهر عبارة الشيخ أيضا عدم الاختصاص ،
وأنّ مراده القاعدة في الصلاة من حيث هي هي.
وسيجيء في الشرح
الآتي بعد هذا الشرح ما يتمّ التوضيح ، وسيظهر لك أنّ المعهود عند الخاصّة
والعامّة في ما سبق أنّهم إذا قالوا : التسليم ، يريدون منه : السلام عليكم ،
وأنّه الظاهر من الأخبار ، ووجهه أنّ العامة لمّا كانوا قائلين بأنّ : السلام
علينا ، من أجزاء التشهّد وليس بتسليم شاع وذاع ذلك منهم بحيث تحقّق الاصطلاح ،
كما هو الحال عندنا الآن في : السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته ، ليس
بسلام بل من تتمّة التشهّد ، ولمّا كان الحكم مخالفا للحق أظهر الأئمّة 7 ذلك بأنّ من قال
: السلام علينا ، يخرج من الصلاة البتّة ، ومع ذلك ربما لم يتعرّضوا لفساد الاصطلاح
، بل وتابعوا ذلك الاصطلاح في تعبيرهم ، إمّا تقيّة ، كما يحتمل في بعض المواضع ،
أو مماشاة وبناء على أنّه لا مشاحّة في الاصطلاح بعد ما يعلم أنّ الخروج يتحقّق ب
: السلام علينا ، فلذا نبّهوا على الخروج به وأطلقوا التسليم على خصوص : السلام
عليكم ، تبعا للاصطلاح ، وإن كان في بعض صرّحوا بأنّ التسليم هو : السلام علينا ،
كما ستعرف.
ولعلّه من هذا وقع
التوهّم في كون التسليم مستحبا ، أو واجبا خارجا ، أو مستحبا خارجا ، فتأمّل.
__________________
والصدوق في أماليه
قال : من دين الإمامية الإقرار بأنّ التسليم في الصلاة يجزئ مرّة واحدة مستقبل
القبلة ويميل بعينه إلى يمينه ، ومن كان في جمع من أهل الخلاف يسلّم تسليمتين :
تسليمة عن يمينه ، وتسليمة عن يساره كما يفعلون ، للتقيّة . انتهى.
قوله : وما رواه الشيخ. ( ٣ : ٤٣٠ ).
استدلاله بهذا
الخبر وأمثاله في عدم وجوب التسليم في غاية الغرابة ، بل هو غفلة ، لأنّه 7 قال : « ثم ينصرف
» ، ولم يقل : انصرفت ، والظاهر من الأوّل أنّه طلب منّا الإتيان بالانصراف
وتحصيله لو لم نقل بدلالته على وجوب الإتيان به ، لأنّ الجملة الخبرية في أمثال
المقام بمعنى الأمر ، كما اعترف به الشارح مرارا ، ودلالتها على
الطلب لا تأمّل فيه ، فإذا طلب منّا تحصيل الانصراف وإيجاد ماهيته فلا جرم يكون
الانصراف غير حاصل وغير موجود ما لم يوجد ويحصل ، لاستحالة تحصيل الحاصل ، فعلى
هذا يكون الخبر صريحا في عدم خروجنا عن الصلاة بعد التشهّد ، وبقائنا فيها حتى
نأتي بالمخرج ، فلم نخرج إلاّ بالتسليم ، إذا لا مخرج بعده غيره وفاقا ، ولا يظهر
من الأخبار أيضا غيره.
على أنّه سنذكر
الأخبار الدالة على أنّ المراد من الانصراف التسليم.
على أنّا نقول :
لا شكّ في أنّ المراد من الانصراف ليس الانتقال من موضع الصلاة إلى غيره ، بل إمّا
الفراغ والخروج أو الإتيان بالتسليم ، والثاني مثبت للمطلوب ، والأوّل لا يصير
مكلّفا به ومطلبوبا إلاّ بفعل اختياري ، وهو إمّا بالتسليم فيثبت المطلوب أيضا ،
أو بغيره فيلزم خلاف الإجماع بل
__________________
ضروري الدين ، إذ
السلام مطلوب بالضرورة من الدين ، فكيف يؤمر المكلف بتركه ويطلب منه الخروج بغيره
معيّنا؟ فتعيّن أن يكون المراد الخروج ( بالتسليم ).
على أنّ الذي يظهر
من الأخبار أنّ الانصراف عنها يكون بالتسليم ، كما أنّ افتتاحها يكون بالتكبير ،
فالظاهر من « انصرف » هو الظاهر من « افتتح ».
ويعضده أنّ المدار
في الأعصار والأمصار كان على التسليم في الانصراف ، فإنّه كان ذلك طريقة الرسول
والأئمّة 7 والمعروف من الأمّة من ابتداء الشرع إلى زمان صدور الرواية.
ويعضده أيضا أنّ
بالتسليم يصدق الانصراف ، قطعا ، ويقال لمن سلّم : إنّه انصرف إجماعا ، كما هو
الحال في الافتتاح بالتكبير على النحو المعهود الذي ذكر في مبحث التكبير ، بخلاف
من لم يسلّم وأتى بما ينافي الصلاة عوض التسليم ، إذ لم يظهر بعد أنّه يقال له :
انصرف عن الصلاة ، بعنوان الحقيقة ، أو إنّه أفسد الصلاة ، وقد عرفت أنّها عبادة
توقيفية لا طريق للعرف ولا للّغة ولا غيرهما إليها ، فلئن سلّمنا أنّه يقال عرفا :
إنّه انصرف عنها ، على سبيل الحقيقة لم يظهر بعد نفعه ، فضلا عن أنّه لم يظهر أصلا
، لو لم نقل بظهور خلافه لتوقيفية العبادة ، وقد عرفت ثمرتها ، كما أنّ من قال : «
الله أعظم » أو « خدا بزرگتر » ، أو كبّر لا بالنحو المعهود لم يظهر أنّه افتتح
الصلاة ، بل صلاته فاسدة ، كما اعترف به الشارح في مبحث التكبير وغيره.
__________________
على أنّك عرفت أنّ
الانصراف بعنوان التسليم كان هو المشهور المتعارف قطعا ، والإطلاق ينصرف إلى
المتعارف جزما ، وهو مسلّم عند الشارح ومن وافقه ، بل الكلّ ، كما حقّق ، ولا شكّ
في أنّه 7 أمر بالانصراف المطلق ، وقد عرفت أنّه أعمّ من كونه بالتسليم وبغيره ـ لو لم
نقل بالاختصاص بالتسليم ، كما ظهر وجهه وسيظهر أيضا ـ فكيف يدل على كون المراد هو
الانصراف لا بالتسليم؟ لأنّ العامّ لا يدل على الخاصّ جزما ، مع ما عرفت من الفساد
القطعي في إرادة لا بالتسليم ، هذا حال الرواية في نفسها ، فكيف إذا صارت [ معارضة
] للأدلّة الكثيرة الدالة على وجوب التسليم وكون الانصراف والتحليل به؟ كما
ستعرف بعضها ، ووجه الجمع يظهر من صريح كلام المعصوم 7 ).
وحمل قوله 7 : « ثمّ تنصرف » و
: « ينصرف » على مجرّد الإخبار بالخروج بنفس الفراغ من التشهد بعيد يأباه الذوق
السليم ، ( وكون الأصل في الألفاظ الحمل على الحقيقة والظاهر ) ، سيّما بعد
ملاحظة كلمة « ثمّ » في الأوّل ، وقوله 7 : « ويدع الإمام » بل و : « يتشهّد » أيضا في الثاني ، ولو
سلّمنا عدم البعد فكونه أقرب محلّ منع ، سيّما بعد ملاحظة ما ذكرنا وما سنذكر ،
فتأمّل جدّا.
قوله : ثمّ تنصرف ( ٣ : ٤٣٠ ).
لا يخفى أن المراد
بالانصراف هو الإتيان بالسلام ، كما يظهر من الأخبار ، منها : صحيحة الحلبي عن
الصادق 7 : « كلّ ما ذكرت الله عزّ وجلّ والنبيّ 6 فهو من الصلاة ، فإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله
__________________
الصالحين ، فقد
انصرفت » ورواية أبي كهمس ، عنه 7 أنّه سأله عن : السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته
، انصراف هو؟ قال : « لا ، ولكن إذا قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ،
فهو انصراف » .
على أنّ السلام
مستحب بلا شبهة ، بل ومن وكيد السنن ، إن لم يكن واجبا ، و « تنصرف » جملة خبرية
بمعنى الأمر ، عطف على قوله صلوات الله عليه : « قل : اشهد. » فكيف يأمر المعصوم 7 بترك التسليم؟
فلا شكّ في أنّ المراد هو ما ذكرناه.
ويشهد أيضا صحيحة
الفضلاء ، ولعل المراد منها صلاة المأموم خلف الإمام ، كما يظهر من الأخبار ، أو أنّ المراد
من مضي الصلاة مضي معظمها ، بحيث كأنّه لم يبق شيء منها ، يعني لا يحتاج في حال الاستعجال
إلى قوله : السلام عليك ، أو الصلاة على النبي 6 ، ممّا قال القائل بوجوبه ، أو أنّ السلام واجب خارج عن
الصلاة ، كما قال صاحب البشرى وغيره ، فتأمّل.
وأمثال هذه
الأحاديث تدل على وجوب [ السلام ] كما ستعرف.
وممّا يؤيّد ما
ورد في الأخبار : « إذا انصرفت من الصلاة فانصرف عن يمينك » والوارد في
الأخبار وكلام الفقهاء استحباب ذلك في السلام
__________________
لا غير ، فتأمّل.
وممّا يشهد على ما
ذكرنا أنّ محمد بن مسلم سأل المعصوم 7 ـ بعد ما قاله ـ إنّ التحيات. كيف حالها؟ فأجاب بأنّها «
لطف من الدعاء يلطف العبد ربّه » فلو كان فهم عدم وجوب التسليم أيضا لكان هو أولى بالسؤال
بأنّ الناس لم يسلّمون ويلتزمون التسليم؟ لأنّ التزامهم به أشدّ ، واحتمال الوجوب
فيه آكد ، فتأمّل.
قوله : وفي الصحيح عن الفضيل وزرارة. ( ٣ : ٤٣٠ ).
لا يخفى أنّ هذه
الصحيحة من الفضلاء ظاهرة في وجوب التسليم ، فإن الإجزاء ظاهر في أقلّ الواجب ،
كما اعترف به الشارح ; واستدل به مرارا ، سيّما في المقام ، لتعليقه على شرط
الاستعجال في أمر يخاف فوته ، إذ مع هذا الشرط وفي هذا الحال يقول : يجزئك السلام.
وأمّا صدر الرواية
فلا ضرر أصلا على القول بوجوب التسليم وخروجه عن الصلاة ، وأمّا على شرط الاستعجال
في أمر يخاف فوته ، إذ مع هذه الشرط وفي هذا الحال يقول : يجزئك السلام.
وأمّا صدر الرواية
فلا ضرر أصلا على القول بوجوب التسليم وخروجه عن الصلاة ، وأمّا على القول بالدخول
فلا بدّ من التأويل إمّا على أنّ المراد مضي الواجبات لا المستحبات ، أو مضي معظم
الصلاة ، فكأنّه لم يبق شيء إلاّ : السلام عليكم ، وهذا في جنب أفعال الصلاة ليس
بشيء.
والثاني أرجح ،
لبقاء الصلاة على محمد وآله بعد ، وللزوم التدافع في الأوّل ، والحاجة إلى رفعه
بارتكاب التكلّف زيادة على ما ذكر ، بل تكلّف بعيد ، ولأنّه إذا كان غرض المعصوم
إظهار استحباب السلام كان المناسب إظهار عدم وجوبه ، بأنّه لا بأس بترك السلام
مطلقا ، لا أن يقول : إن كان
__________________
مستعجلا في أمر
يخاف فوته يجزئك السلام للانصراف ، ولأنّ الظاهر أنّ مراد المعصوم نفي ما
التزمه العامّة من أجزاء التشهد ، كما لا يخفى على الفطن لا نفي السلام أيضا ، ولذا قال ما
قال بعد قوله : « قد مضت صلاته » لئلاّ يتوهّم متوهّم عدم لزوم السلام أيضا.
ثمّ إنّه بعد
اللتيّا والتي الاستدلال بها على الاستحباب فيه ما فيه ، إذ غاية ما في الباب
الإجمال والاضطراب ، وسيجيء تتمّة الكلام.
قوله : قال : « لا بأس عليك ». ( ٣ : ٤٣٠ ).
لا يخفى أنّ هذا
الحديث كالأخبار السابقة ظاهره وجوب السلام لا عدم وجوبه ، فإنّ التسليم عليهم غير
التسليم في الصلاة ، ينادي هذا الحديث وغيره من الأحاديث بذلك ، منها : رواية أبي
بصير التي سيذكرها الشارح ; في شرح قول المصنف الآتي بعد هذا المقام ، وسيجيء عن
الشارح أنّ التسليم المخرج في الأخبار هو السلام علينا ، نعم الإجماع واقع على صحة
الإخراج بالسلام عليكم ، وسيجيء تمام التحقيق هناك .
قوله : ثم تشهّد. ( ٣ : ٤٣١ ).
لا يخفى على من له
أدنى تأمّل أنّ المقام ليس مقام إظهار عدم الإتيان بالسلام الذي هو من السنن
الأكيدة والمكمّلات للصلاة ، سيّما بعد الأمر بقراءة قل هو الله أحد ، وقال يا
أيّها الكافرون ، ولا شكّ في كونهما من المستحبات ، وكذا الأمر بإتيان آداب خارجة
( عن الصلاة والمكمّلات )
__________________
لأجل استجابة
دعواه ، وأنّ الله يقبل طاعته ، بل المراد إمّا الإتيان بالتشهّد وما بعده إلى أن
يخرج ، ذكر كذلك مسامحة ، كما هو الحال في ترك ذكر الصلاة على النبي وآله هنا وغيره
من الأحاديث ، أو يكون المراد من التشهّد وما بعده مستحبات تؤتى بعد الركعتين
بقرينة اتحاد السياق ، وأنّ التعرّض بخصوص التشهد دون سائر واجبات الصلاة لا وجه
له. مع أنّه لا وجه للتعرّض لذكر الواجبات هنا ، لأنّ الصلاة ماهيتها معروفة ،
فالمهم إظهار كون القراءة فيها كذا ، والدعاء بعدها كذا وكذا.
قوله : أمّا الملازمة فإجماعيّة. ( ٣ : ٤٣١ ).
فيه ما فيه ،
فإنّه ; سينقل خلافا عظيما ويختار هو عدم بطلان الصلاة ، فلاحظ وتأمّل.
قوله : فلما رواه زرارة في الصحيح. ( ٣ : ٤٣١ ).
لا يخفى أنّ هذه
الرواية مع أنّ في طريقها أبان بن عثمان فالحكم بالصحة محلّ مناقشة. مضافا إلى ما
فيها ممّا سيجيء فيها بعد ما نقله الشارح ; أنّه قال 7 : « إن كان مع إمام فوجد في بطنه أذى فسلّم في نفسه وقام
فقد تمّت صلاته » ولا يخفى ظهور هذا في وجوب التسليم ، وكذا ما في آخر رواية غالب
بن عثمان ، فظاهرهما متروك ، ومثل هذا يضرّ الاستدلال عند الشارح ; ومن أسباب
المرجوحية عند غيره ، فيمكن ورودهما مورد التقيّة ، مع أنّ رواية غالب تدل على عدم
وجوب الصلاة على النبي وآله أيضا ، فمن قال بوجوبها كيف يستدل بها؟
وكذا الكلام في
رواية الحسن بن الجهم عن أبي الحسن 7 : « أنّ من أحدث بعد ما قال : أشهد أن لا إله إلاّ الله
وأنّ محمدا رسول الله لا يعيد
الصلاة » ونقل في الذكرى
عن صاحب الفاخر أنّ الحدث بعد الشهادتين لا يضرّ ، مع أنّه من القائلين بوجوب
التسليم ، ومستنده هذه الأخبار ، مع بعض الأخبار الواردة في أنّ من
أحدث قبل التشهّد لا يعيد الصلاة ، بل يتوضّأ ويتشهّد ، وسينقل الشارح ; هذه الرواية في
بحث تخلّل الحدث في الصلاة ، وسيجيء تمام التحقيق هناك.
ولا يبعد أن يكون
أمثال هذه الروايات واردة على التقيّة ، فإنّ أبا حنيفة جعل الحدث محلّلا للصلاة
مخرجا عنها ، كالتسليم .
قوله : فيحدث قبل أن يسلّم. ( ٣ : ٤٣١ ).
سيجيء عن الشارح ; في شرح قول
المصنّف الآتي ، أنّ المعهود من التسليم عند الخاصّة والعامّة هو السلام عليكم ،
وأنّ الخروج عن الصلاة يتحقّق ب : السلام علينا ، وأنّ المعروف عدّ : السلام علينا
، من التشهّد ، فلا وجه لاستدلاله بهذه الأخبار على وجوب مطلق السلام ،
وسيجيء تمام التحقيق.
مضافا إلى أنّ
الاستدلال يتوقّف على القول بكون السلام جزءا ، وصاحب البشرى قائل بالوجوب والخروج
، ووافقه غيره من المتأخّرين .
ومع ذلك موقوف على
كون تخلّل الحدث بين أيّ جزء من أجزاء
__________________
الصلاة مبطلا لها
، وهو أيضا محلّ كلام سيجيء في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأيضا هذه الأخبار
ليست بصحيحة ، فليس فيها حجّية عند الشارح ، وعند من يقول بحجيّة مثلها يقول بعدم
مقاومتها للصحيح ، وهذه الرواية أيضا ليست بصحيحة ، لأنّ في طريقها أبان.
قوله : وجوابه منع المقدّمتين. ( ٣ : ٤٣٢ ).
لا يخفى أنّه
كثيرا كان يستدل به ، بل ولا يستدل بغيره ، فكيف يمنع؟ مع أنّ العبادة التوقيفية
تحتاج إلى بيان ، وهو إمّا قول أو فعل ، والأوّل مفقود فتعيّن الثاني ، ولا يضرّ
ثبوت استحباب بعض أفعالهم من دليل ، ولا يقتضي ذلك رفع الحاجة إلى البيان ، وتمام
الكلام في رسالتنا ملحقات الفوائد الحائرية.
قوله : الحديث. ( ٣ : ٤٣٢ ).
والصدوق رواه في
العيون عن الرضا 7 بتفاوت من المتن.
قوله : بضعف هذا الحديث. ( ٣ : ٤٣٣ ).
لا يخفى أنّ
الشارح ; كان يعمل بالحديث الذي يرويه في الفقيه معلّلا بأنّه قال في أوّل كتابه ما
قال ، مع أنّ هذه الرواية رواها الصدوق ; فيه ، والكليني رواها أيضا ، مع أنّه أيضا قال في أوّل
كتابه ما قال ، ورواها الشيخ في كتابيه ، والسيّد ومن وافقه في عدم جواز العمل بخبر ما لم يكن
علميا ويقينيا فقد عملوا بها ، فلا وجه لقدح الشارح ;
__________________
سيّما مع اعتضاده
بأخبار أخر تدل على كون الخروج عن الصلاة بالتسليم.
وفي كتاب العلل
حديث يدل على انحصار التحليل في التسليم ، وأنّه واجب ، كما يظهر من
أخبار كثيرة أخرى ، كما ستعرف.
ويعضدها أيضا ما
رواه في العيون عن الرضا 7 في ما كتب للمأمون من محض الإسلام : « ولا يجوز أن تقول في
التشهّد الأوّل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، لأنّ تحليل الصلاة
التسليم ، فإذا قلت هذا فقد سلّمت » .
مع أنّ نقلها
مرسلا قرينة على الاعتماد والاعتداد ، حيث نسبوا الحكم والقول إلى أمير المؤمنين 7 من دون أن يقولوا
: روي عنه ، وخصوصا إذا كانوا يحتجّون بها ويتمسّكون.
وأمّا الدلالة ففي
غاية الوضوح ، من دون حاجة إلى وجه الاستدلال المذكور ، لأنّه لو لم يكن واجبا
لكان الخروج عن واجبات الصلاة يتحقّق بالتشهّد والصلاة ( وعبدها يتحقّق الحليّة
قطعا ، ولا تحريم أصلا جزما ، فالتحليل يتحقّق بالتشهّد والصلاة ) لا بالتسليم ،
إذا لا يبقى شيء حرام على المكلف بعدهما حتى يكون التسليم محلّلا له ورافعا
لحرمته.
واستحباب السلام
بعد الخروج عن الواجبات لا يقتضي كونه محلّلا لشيء حرام ، بل ينافيه ، لأنّ بقاء
التحريم وعدم بقائه متنافيان ، إذ بعد التشهّد والصلاة يحلّ جميع منافيات الصلاة
قطعا ، فكيف يتصوّر وقوع التحليل بالتسليم في وجه من الوجوه؟!
__________________
ومعلوم قطعا أنّ
التحليل حقيقة في رفع الحرام ، والحرام والحلال متضادّان متنافيان بالبديهة ، ألا
ترى أنّه بعد التسليم يستحبّ أن يكون المكلّف على هيئة الصلاة مستقبل القبلة طاهرا
من الحدث والخبث غير متكلّم ولا آت بشيء من منافيات الصلاة؟ فالبقاء على حال
الصلاة بعنوان الاستحباب يكون بعد التسليم قطعا ، ولا محلّل بعد ذلك ولا يمكن ،
وحال قبل التسليم وبعد الصلاة حال بعد التسليم عند القائل باستحبابه في ارتفاع
الحرمة وحصول الحلّية ، وتحصيل الحاصل من المحالات بالبديهة.
وبالجملة : القول
باستحباب التسليم يقتضي ما ذكرناه ، وأدلة القول بالاستحباب أيضا يقتضي ذلك ، ولا
دليل لهم سواها ، وسيجيء تمام الكلام في الشرح الآتي.
وممّا يدل على
الوجوب أو يؤيّده أمرهم 7 في الأخبار بالتسليم قبل صلاة الاحتياط فيما إذا شكّ
المصلي بين الثنتين وما زاد ، لأنّ الاحتياط معرض لأن يكون تتمّة الصلاة إذا اتفق
وقوعها ناقصة ، بل وإذا ذكر النقصان أيضا بعد الاحتياط ، ولا يجوز أن يتحقّق
السلام في أثناء الصلاة مع عدم الاضطرار إليه ، سيّما في صورة الشك بين الثنتين
والأربع ، وقد ورد في الأخبار أنّ البناء على الأكثر والإتيان بالاحتياط من أنّه
لو كانت تامّة تكون هذه نافلة ، ولو كانت ناقصة تكون تتمّتها ، فتأمّل جدّا.
وممّا يؤيّد أيضا
الأمر بقضاء الأجزاء المنسية بعد التسليم .
وممّا يدل ورود
الأمر بالتسليم في أخبار لا تحصى بلغت مبلغ التواتر
__________________
وتزيد ، واردة في
موارد الشكّ والسهو وقضاء الفوائت ، وأدعية التعقيب ، وجميع الصلوات إلاّ صلاة
الميت. وبالجملة : مواضع الذكر لا تحصى فضلا عن الأحاديث. ( وصحيحها في غاية
الكثرة فضلا عن غير الصحيح ، وغير الصحيح أكثرها معتبر ، والأمر حقيقة في الوجوب ،
والدلالة يعضد بعضها بعضا ) .
قوله : وثانيا أنّ ما قرّر في إفادة الحصر غير تامّ. ( ٣ : ٤٣٣
).
قد عرفت أنّه لا
حاجة إلى دعوى الحصر ، بل في الجملة كاف ، مع أنّه لا قائل بالفصل ، لأنّ القائل
بالاستحباب يقول بحلّية فعل المنافي قبل التسليم قطعا.
مع أنّ السياق
والمقايسة قرينة الحصر ، لأنّ المحرّم منحصر في التكبير بلا شبهة ، وكذا المفتاح
في الطهور على الظاهر ، والشارح ; يعتمد على مثلها.
مع أنّ العلماء
شنّعوا على أبي حنيفة بأنّ النبي 6 قال : « تحليل الصلاة بالتسليم » وأنت تعدّيت وجعلت فعل
المنافي مثل الضرطة تحليلا أيضا.
مع أنّ الحصر ظاهر
، لأنّ ظاهره أنّ التحليل من حيث هو هو ومن حيث إنّه تحليل منحصر في التسليم ،
وإضافة المصدر حيث لا عهد تفيد العموم عند المحققين ، وصحة الاستثناء أيضا دليل ،
وأهل العرف يفهمون كذلك بلا شبهة ، والبناء في الفقه على العموم بلا تأمّل ،
وطريقة الشارح ; وغيره التمسك بالمطلقات على العموم ، فضلا عن مثل هذا
المطلق ، لأنّ
__________________
ظاهر هذه الإضافة
وحقيقتها كونها للجنس ، لأنّ لفظ المصدر اسم لجنس المصدر وطبيعته من حيث هي هي ،
من دون خصوصية فرد ، لأنّ خصوصيته أمر زائد عن مفهومه. والإضافة في الإشارة
والتعريف وكون الجنس منحصرا في شيء إفادتها للحصر أظهر من أن يخفى. مع أنّه مر عن
الشارح ; أنّ العهد الذهني يخرج كلام الحكيم عن الفائدة ، والخارجي موقوف على سبق
معهود .
ومما ذكر ظهر فساد
الاعتراض الذي ارتكبه صاحب الذخيرة من أنّ التحليل يتحقّق بفعل المنافي للصلاة وإن
كان ذلك الفعل حراما ، فحينئذ لا بدّ من تأويل التحليل بالتحليل الذي قرّره الشارع
، وحينئذ كما أمكن إرادة التحليل الذي على سبيل الوجوب أمكن إرادة التحليل الذي
قرّره على سبيل الاستحباب ، وليس للأوّل على الأخير ترجيح واضح . انتهى.
وفيه : أنّ
التحليل عبارة عن شيء يحلّل فعل المنافي ، لأنّ الحرام ليس إلاّ الفعل المنافي ،
وهو المحتاج إلى ما يحلّله شرعا ، وظاهر المحلّل الشرعي للفعل المنافي والمتبادر
منه أنّه غير المنافي.
على أنّا قد أشرنا
إلى تشنيع جميع العلماء على أبي حنيفة لجعل المنافي داخلا في تحليل الصلاة ، حتّى
أنّ الحنيفة أيضا وقعوا في الخزي والخجالة والفضيحة من هذه الشنيعة ، ورجع بعضهم
عن مذهبه ، واختار مذهب الشافعية لخصوص هذه الشنيعة ، وما قدر الباقون الذبّ عنه .
وأيضا تحليل
الصلاة غير تخريب الصلاة وإبطالها ، فإنّ الظاهر منها
__________________
أن تكون الصلاة
صلاة وهو محلّلها لا أن [ لا ] تكون الصلاة صلاة بل تكون لغوا محضا ، بل حراما موجبا
لدخول النار ، ولا شكّ في أنّ المراد من الصلاة هنا الصلاة الصحيحة ، وإن قلنا
بأنّ الصلاة اسم للأعمّ ، لأنّ الصحيحة هي التي تحتاج إلى محلّل ومحرّم ومفتاح.
وقوله : فلا بدّ
من تأويل. فيه : أنّه أيضا من المسلّمات أنّه إذا تعذّر الحقيقة فعلى أقرب
المجازات ، وجميع ما قرّر هو الأقرب ، وعندكم أنّ المحلّل على سبيل الوجوب هو
التشهّد والصلاة بحسب المقرّر الشرعي. مع أنّ التحليل على سبيل الاستحباب لا معنى
له ، كما عرفت من أنّ التحليل رفع الحرمة ، لأنّ الحلّ في مقابل الحرام ، ولا حرمة
عندكم بعد التشهّد والصلاة ، ولو بقي حرمة فلا معنى لجعل التسليم مستحبا لإزالتها
، وأنّه لو لم يسلّم يرتفع الحرمة من غير محلّل. سلّمنا لكنّ المحلّل على سبيل
الوجوب أقرب إلى كونه محلّلا من المحلّل على سبيل الاستحباب.
ثم لا يخفى أنّه
ممّا يدل على وجوب التسليم ـ مضافا إلى ما ذكره الشارح ; وما ذكرنا وأشرنا
إليه من الأخبار المتواترة ـ وما ورد عنهم 7 أنّ علّة وجوب التسليم في الصلاة كذا وكذا ، فلاحظ ، وما
ورد من النهي عن الترك ، وما ورد من إجزاء تسليمة واحدة ، إلى غير ذلك
ممّا ستعرف.
ويدل أيضا الموثق
كالصحيح ، عن أبي بصير عن الصادق 7 : « إذا نسي الرجل أن يسلّم فإذا ولّى وجهه عن القبلة وقال
: السلام علينا وعلى
__________________
عباد الله
الصالحين ، فقد فرغ من صلاته » . وورد أنّ تسليم الإمام يجزي عن المأموم إذا نسي .
قوله : والعهد الذهني والخارجي. ( ٣ : ٤٣٣ ).
قد عرفت أنّه على
تقدير كون الإضافة للعهد الذهني أو الخارجي يكفي ، لتمامية الاستدلال بعدم القول
بالفصل ، وأنّ كونها للجنس لا شبهة في إفادته للحصر.
قوله : وبأنّ من جملة رجاله عثمان بن عيسى. ( ٣ : ٤٣٣ ).
لا يخفى أنّه ممّن
أجمعت العصابة ، وقال الشيخ في العدّة ما قال ، وسماعة قال النجاشي : ثقة ثقة ، وغير ذلك من غير تعرّض
للوقف ، واشتراك أبي بصير بين ثقات ثلاثة أو ثقتين وموثق ، والأوّل أصحّ كما حقّقنا
في الرجال .
قوله : آخر أفعال الصلاة. ( ٣ : ٤٣٣ ).
لا شكّ في كون
الظاهر منها أنّه آخر الواجبات ، إذا لا معنى للتعليل بكون السلام مستحبا للصلاة
وجائز الترك له للحكم بوجوب الخروج وغسل الأنف وإتمام الصلاة.
ومتروكية الظاهر
لا تضر المستدل ، لتقييدهم بعدم تحقّق المنافي ، وهذا لا يوجب خروج الحديث عن
الحجيّة ، وإلاّ لخرج جلّ الأحاديث عن الحجّية مثل العامّ المخصّص ، والمطلق
المقيّد وغير ذلك ، مع أنّ الشارح ;
__________________
لا يقول بوجوب
وجود القائل بمضمون الحديث في حجيّته ، فتأمّل.
قوله : فإنّ الأفعال تشمل الواجب والمندوب. ( ٣ : ٤٣٣ ).
لا يخفى فساده ،
لأنّ قوله 7 : « فإنّ آخر الصلاة التسليم » تعليل لأمره بإتمام الصلاة ، بأن يتشهّد
ويصلّي على النبي وآله ويسلّم ، ولا شكّ في وجوب التشهّد والصلاة عليه وعلى آله ،
والمستحب كيف يصير علّة للواجب؟ بل يصير [ علّته ] عدم الإتيان
بالتشهّد والصلاتين. وفيه ما فيه.
مع أنّ المتبادر
من أوّل الشيء ووسطه وآخره جزؤه الذي لا يتحقّق إلاّ به جزما ، مثلا : المتبادر
من آخر الوضوء على الإطلاق ليس إلاّ مسح الرجل لا الدعاء أو عقيبه.
قوله : إذ الظاهر من مذهب القائل بالاستحباب. ( ٣ : ٤٣٤ ).
ومقتضى أدلته أيضا
، فلو لم يكن قائلا بمضمونها لكان قوله قولا من غير دليل ، بل ومخالفا لجميع
الأدلة ، وتكون الأدلة الدالة على وجوبه والدالة على استحبابه بأجمعها حجّة عليه ،
مع أنّه على القول بالاستحباب لا وجه للقول بخلاف ذلك ، كما نبّهنا عليه في ما سبق
، فتأمّل.
قوله : ويمكن أن يقال. ( ٣ : ٤٣٤ ).
فيه : أنّ ما ذكره
لا نفع فيه أصلا ، لأنّه كثيرا مّا يقول بأنّ النهي تعلّق بأمر خارج عن الصلاة ،
فلا يقتضي بطلانها ، منه ما عرفت في بحث الوضوء ثلاثا ثلاثا . وحال هذا حال من
زاد ركعة بعد التشهّد والتسليم معا ، فإنّه بعد التسليم برأت ذمّته وخرج عن عهدة
التكليف ، والزيادة أمر
__________________
خارج عن المكلّف
به ، ففعلها حرام إن كان من تقصير المكلّف ، فلو كان نسيانا لا يكون حراما ، وكذا
جهلا عند الشارح في كلّ موضع ، وعند المشهور في مواضع مخصوصة ، منها الإتمام في
موضع القصر ومعلوم أنّ حال الساهي ( والمتعمّد ) في المسألتين
واحد ، فلا وجه للفرق. والبناء على التمام من أول الصلاة سواء كان تعمّدا أو جهلا
أو نسيانا إن كان مبطلا يكون كذلك في المسألتين.
مع أنّ الشارح ; يتأمّل في فساد
العبادة بمخالفة النيّة للواقع إذا كانت مشتملة على قصد القربة والتعيين . فالعذر لا ينفع
الشارح ولا غيره ، لأنّهم يقولون بالبطلان عمدا وسهوا أو عمدا في مسألة المسافر ،
وأمّا جهلا فيحكمون بالصحة البتّة ، وفي المسألة الثانية يحكمون بالصحة مطلقا ، مع
أنّهم يقولون بعدم معذورية الجاهل في هذه المسألة أيضا ، بخلاف المسألة الأولى ،
فالمراد في المسألة الأولى المتعمّد أو الناسي مطلقا أو في الوقت.
وكيف كان ، كلامهم
مطلق غير مختص بما ذكره ، وكذا كلامهم في الثانية مطلق ، وتخصيص كلامهم ـ في
الأولى بما ذكره وفي الثانية بما إذا لم يقع شيء من صلاته ولو كان جزءا من
التشهّد أو الصلاة على النبي وآله بنيّة غير مطابقة للواقع ، ووقع الجميع بنيّة
مطابقة له إلاّ أنّه تجدّد النيّة بعد الفراغ من جميع الواجبات ـ تحكّم فاسد
البتّة.
مضافا إلى أنّهم
في صدد بيان حكم المسألة في الأولى والثانية ، فلا وجه لعدم التعرّض إلى بعض صورها
، مع أنّ عادتهم بيان حكم
__________________
الجميع ، مع أنّهم
في الأولى كيف تعرّضوا لحكم ما إذا وقع العبادة أو شيء منها على ذلك الوجه؟ ولم
يتعرّضوا لحكم ما إذا لم يقع؟ وفي الثانية جعلوا أمرهم بالعكس؟ فهذا أيضا تحكّم
آخر.
ثمّ لا يخفى أنّ
اقتصار الشارح ; على هذه الأدلة لا وجه له ، لأنّ أدلة الموجبين كثيرة.
منها : ما سنذكره
في المسألة الآتية.
ومنها : ما ذكرناه
في صدر المسألة.
ومن أدلتهم
الاستصحاب ، وهو كونهم في الصلاة وحرمة منافياتها عليهم حتى يثبت خلافه.
ومنها : استصحاب
اشتغال ذمّتهم حتى يثبت المخرج.
ومنها : ورود
الأمر بالتسليم في أخبار كثيرة ، منها صحيحة ، والأمر حقيقة في الوجوب.
ومنها : أنّه ورد
بلفظ الإجزاء الظاهر في أقلّ الواجب ، مثل صحيحة عبد الحميد بن عواض عن الصادق 7 : « إن كنت تؤمّ
قوما أجزأك تسليمة » ، الحديث .
ومنها : ورود
النهي عن تركه ، مثل ما في رواية أبي بصير عنه 7 : « لا تدع
التسليم على يمينك » الحديث . فلاحظ وتأمّل.
ويشهد عليه موثقة
عمار عن الصادق 7 : سأله عن التسليم ما هو؟ قال : « إذن » وظاهره أنّه لا
إذن قبل التسليم ، لأنّه لولا التسليم لا يكون إذن.
__________________
ويدل عليه أيضا
الأخبار الدالة على أنّ المسافر إذ أتمّ يعيد الصلاة ، وكذا من زاد في
صلاته .
وفي صلاة ذات
الرقاع في الصحيح : « فصار للأوّلين التكبير ، وللآخرين التسليم » وهذا أيضا في
غاية الظهور في وجوبه. ومرّ أيضا ما يدل عليه وسيجيء أيضا.
قوله : فذهب الأكثر إلى تعيّن : السلام عليكم ، للخروج. ( ٣ : ٤٣٤
).
قد ذكرنا في
المسألة السابقة عبارة عن الشيخ تدل على اتفاق الشيعة على أنّ الخروج عن الصلاة
يتحقّق ب : السلام علينا ، فلاحظ ، بل ذكرنا أنّ ذلك شعارهم .
قوله : من حيث لا يشعر قائله. ( ٣ : ٤٣٥ ).
قد عرفت فساد كلام
الشهيد ، وأنّ الخروج ب : السلام علينا ، إجماعي عند الشيعة ، وشعارهم ذلك.
قوله : نقله جماعة. ( ٣ : ٤٣٥ ).
لا يخفى أنّه في
الغالب يطعن على الإجماع المنقول بأنّه خبر مرسل إن أرادوا النقل إليهم من زمان
الأئمّة 7 ، وإن أرادوا التحقّق في زمان الناقل فبعدم العلم بقول المعصوم 7 ، لتوقّفه على
العلم بمجهول النسب ، وهو محال عادة ، مع أنّ هذا الإجماع مخالف لظواهر أخبار
كثيرة ، لكن
__________________
أجبنا عمّا ذكره
في كلا الشقّين.
قوله : « وإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فقد
انصرفت ». ( ٣ : ٤٣٥ ).
مفهومه أنّه إن لم
يقل : السلام علينا ، كان داخلا في الصلاة ، وظاهر هذا حرمة المنافيات عليه ،
فيكون ظاهره منافيا للقول باستحباب التسليم ، ودليلا على وجوب السلام للخروج عن
الصلاة وتحقّق التحليل ، وشاهدا على أنّ المراد من الانصراف في صحيحة محمد بن مسلم
وما وافقها هو التسليم ، وأنّ التحليل منحصر في التسليم ، كما مرّ.
قوله : « فإذا قلت ذلك. » ( ٣ : ٤٣٦ ).
أيضا يدل على وجوب
التسليم ، بالتقريب الذي تقدّم.
قوله : وتحليلها التسليم. ( ٣ : ٤٣٦ ).
المراد من التسليم
في قوله : « وتحليلها التسليم » هو : السلام عليكم ، ولما كان ظاهر الرواية الحصر
ـ كما عرفت ، وبناء القوم أيضا عليه ، خصوصا المشهور منهم ـ لزم كون : السلام
علينا ، غير مخرج ، ولمّا ثبت من الأخبار كونه أيضا مخرجا ثبت كون التسليم هنا
بالمعنى الأعمّ.
وعلى تقدير القول
بعدم الحصر نقول : لا وجه للتعرض لخصوص : السلام عليكم ، مع أنّ المتعارف بين
العامّة والخاصّة تقديم : السلام علينا ، بحيث لا تأمّل فيه ، وكذا مداومتهم في
القول ، ولأجل ذلك ورد في الأخبار اشتراط الخروج : السلام علينا ، فالمناسب
التعرّض لذكر : السلام علينا ، بل اللازم ذلك ، ولذا ورد في الأخبار كذلك.
__________________
وما ورد في بعض
الأخبار من قوله : « ويسلّم » بعد « السلام علينا » فلا شبهة في أنّه
ليس السلام المحلّل ، لوقوعه خارجا عن الصلاة ، وأنّ المحلّل هو : السلام علينا.
وبالجملة :
المستفاد من تتبّع الأخبار أنّ السلام المحلّل المخرج هو : السلام علينا ، ولو ثبت
إجماع على كون : السلام عليكم ، أيضا يصير محلّلا فلا شبهة في أنّه خلاف ما يظهر
من تتّبع الأحاديث ، والمستفاد منها كون التسليم اسما للخارج الذي لا يحلّل ، لو
تمّ ما ذكره.
مع أنّ رواية أبي
بصير نصّ في فساد ما ذكره ، حيث أتى بكلمة الحصر ولفظ التسليم ، وجعله أعمّ من :
السلام على النبي ، و : السلام علينا ، من دون ذكر : السلام عليكم ، بل وصرّح
بانقطاع الصلاة ب : السلام علينا ، وأنّ : السلام عليكم ، لا دخل له في التحليل ،
بل هو إذن الامام للمأموم والمأموم للآخر ، وتسليم بعضهم على بعض ،
ولذا لم يذكر للمنفرد أنّه يقول : السلام عليكم ، بل اكتفى له ب : السلام علينا.
ومثلها موثقة يونس
بن يعقوب المتقدّمة وغيرها من الأخبار ، وسندها أحسن من الرواية التي ذكرها ،
في أنّه 7 قال : « ويسلّم » بعد : السلام علينا ، ويمكن حملها على المأموم ، ( أو
الإمام ، أو أنّه 7 ذكر ذلك جريا على العادة المتعارفة بينهم الناشئة من
العامّة من أنّ السلام هو : السلام عليكم ، فقط ، لا : السلام علينا ، وهذا هو
الأظهر ، لأنّه ورد في غير
__________________
واحد من الأخبار
أنّ الإمام يسلّم واحدة ، والمنفرد كذلك ، والمأموم تسليمتين ، فتأمّل جدّا.
قوله : ثمّ يقال : ويسلّم. ( ٣ : ٤٣٧ ).
في صحيحة سليمان
بن خالد عن الصادق 7 : في الرجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوّلتين ـ إلى أن
قال ـ : « فليتمّ الصلاة حتى إذا فرغ فليسلّم ، وليسجد سجدتي السهو » .
وعن الحسين بن أبي
العلاء عنه 7 ، في الرجل يصلّي الركعتين ـ إلى أن قال ـ : « وليتمّ صلاة ثمّ يسلّم وليسجد
سجدتي السهو » ، إلى غير ذلك ، وهذه تدل على وجوب السلام ، وظاهرها خروجه
عن الصلاة ، كما قال به جمع ، وقال المرتضى : لم أجد لأصحابنا فيه ـ أي الخروج أو
الدخول ـ نصّا ، ويقوى عندي أنّها من الصّلاة ، انتهى.
لكن يظهر من غير
واحد من الأخبار أنّها داخلة ، فلا بدّ من توجيه أحد الطرفين ، أو البناء على أنّ
السلام المخرج داخل ، والمعهود إن وقع بعد : السلام علينا ، كما هو المعهود
المتعارف يكون خارجا ، وإنّ هذا صار منشأ لتوهّم الخروج أو الاستحباب ، وإلاّ
فالسلام المخرج لازم على أيّ حال ، لأن تحليلها التسليم ، كما مرّ ، فتأمّل جدّا.
قوله : وقد ثبت كونه قاطعا للصلاة. ( ٣ : ٤٣٧ ).
__________________
إن أراد القاطعية
بعنوان الفساد فلا نسلّم الثبوت ، بل الثابت خلافه بلا تأمّل. وإن أراد بعنوان
الصحة والخروج عن الصلاة الصحيح فهو أحد الأقوال والمذهب الحق ، فلا وقع لهذا الاعتراض
في هذا المقام. وإن أراد أنّه ينافي الاحتياط فهو فاسد بالبديهة ، لأنّ ما ذكره
صحيح باتفاق العلماء واتفاق الأخبار ، ولم يظهر من خبر فساده ، ولم نجد قائلا به
أصلا ، فإنّ القائل بأنّ الخروج يتحقّق ب : السلام عليكم ، خاصّة يقول بصحة هذه
الصورة قطعا ، وأدائها شرعا.
وإن كان إشكالها
مبنيا على القول بوجوب نيّة الوجه أو الخروج فلا وجه لما علّل به من قوله : وقد
ثبت. ، ومع ذلك يكون الاحتياط منحصرا في ما ذكره الشهيد ; بلا شبهة ، وقصد
الوجه والخروج في مقام الاحتياط إمّا معفوّ عنه ، أو يكفي قصد الترديد ، أو قصد
الخروج عن الشبهات مهما أمكن ، وإلاّ لم يتحقّق احتياط أصلا بناء على ما ذكر ، مع
أنّ الاحتياط أحسن عند الكلّ بلا شبهة ، ومدار الشارح وجميع المحقّقين على ذلك.
قوله : وبه قال ابن بابويه وابن أبي عقيل. ( ٣ : ٤٣٧ ).
في دلالة عبارتهما
على الوجوب فتأمّل.
قوله : وروى ابن بابويه في الصحيح. ( ٣ : ٤٤١ )
في الاستدلال بها
نظر ظاهر ، بل بغيرها أيضا ، بعد ما قال : إنّ الإطلاق ينصرف إلى الفرائض.
ثم الظاهر من
الرواية المذكورة كون الأولى تكبيرة الافتتاح ، ومن الفقه الرضوي كون الأخيرة
تكبيرة الافتتاح ، ولذا قال بعض الأصحاب :
__________________
الأولى جعلها
الأخيرة . ويستفاد من أكثر الأخبار كون المجموع تكبيرة الافتتاح ،
وأنّ المكلّف مخيّر بين جعلها واحدة أو ثلاثا أو خمسا أو سبعا ، من غير تعيين في
خصوص تكبيرة الافتتاح ، ومقتضى ذلك كون الأولى هي الفريضة ، لتحقّق الامتثال
والخروج عن العهدة بها. فتأمّل جدّا.
قوله : باشتراك أبي بصير بين الثقة والضعيف. ( ٣ : ٤٤٧ ).
لا ضعف من جهة
اشتراكه ، لأنّه إمّا المرادي الثقة الجليل ، أو يحيى ابن القاسم ، وهو أيضا ثقة
عدل إمامي ، كما حقّقته في الرجال بحيث لم يبق شبهة ، وأنّ الواقفي غيره بلا شبهة ، مع أنّ الشهرة
تكفي للجبر.
قوله : قضاه بعد الفراغ. ( ٣ : ٤٤٨ ).
لعل دليله قوله :
« ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » ، و « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » ، ويؤيّده أيضا
عدم القول بالفصل بين إتيانه بعد ركوع الأولى أو الثانية أو الثالثة ، فتأمّل.
قوله : بالتخيير بين الأمرين. ( ٣ : ٤٤٩ ).
ليس كذلك ، بل
العمل برواية زرارة متعيّن ، لأنّه قوله المعصوم 7 صريحا ، بخلاف نقل حماد ، إذ لعله كان متوهّما ، لأنّ
النظر إلى ما بين الرجلين إذا كان بحالة الخشوع ربما يورث الاشتباه ، ويؤيّده أيضا
عموم المنع عن التغميض ، كما مرّ .
__________________
قوله : بما روي من الأدعية. ( ٣ : ٤٥٢ ).
في الفقه الرضوي :
« فإذا فرغت من صلاتك فارفع يديك وأنت جالس ، فكبّر ثلاثا ، وقل : لا إله إلاّ
الله وحده لا شريك له أنجز وعده » إلى آخر الدعاء المشهور.
وفي رواية مفضل بن
عمر عن الصادق 7 : « أنّ النبي 6 لمّا فتح مكّة صلّى الظهر عند الحجر الأسود ، فلمّا سلّم
كبّر ثلاثا وقال : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له. » ونقله الصدوق ; في الفقيه أيضا « ثم أقبل
النبي 6 عليهم وقال : لا تدعوا هذا التكبير وهذا القول في دبر كلّ مكتوبة ، فإنّ من
فعل ذلك وقال هذه القول كان قد أدّى ما يجب عليه من شكر الله تعالى على تقوية
الإسلام وجنده » .
قوله : ربما ظهر من كلام ابن بابويه تقديم التسبيح على التحميد.
( ٣ : ٤٥٣ ).
نقل في الفقيه ذلك
نسخة ، والنسخة الأخرى على وفق المشهور ، ثم روى عن أمير المؤمنين 7 حكاية تعليم رسول
الله 6 هذه التسبيحة له ولفاطمة 8 ، والحكاية مشهورة ، وفي آخر الرواية هكذا : « إذا أخذتما
منامكما فكبّرا أربعا وثلاثين تكبيرة وسبّحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة واحمدا ثلاثا
وثلاثين تحميدة » الحديث .
وكتب جدّي ; : روى الصدوق هذا
الحديث مسندا في كتبه عن رجال العامّة ، واعتمد عليه في الترتيب ، وعلى تقدير صحته
يمكن القول به
__________________
عند النوم لا
مطلقا ، والظاهر الترتيب المشهور مطلقا ، انتهى ، وهو كما قال ; بل المشهور متعيّن.
قوله : أجمع العلماء كافة. ( ٣ : ٤٥٥ ).
قال الصدوق ; في أماليه : من
دين الإمامية أنّ الصلاة يقطعها الريح إذا خرج من المصلّي ، أو غيرها ممّا ينقض
الوضوء ، أو يذكر أنّه على غير وضوء ، أو وجد أذى أو ضربا لا يمكنه الصبر عليه ،
أو رعف فخرج من أنفه دم كثير ، أو التفت حتى يرى من خلفه. ولا يقطع صلاة المسلم شيء
يمرّ بين يديه من كلب أو امرأة ، أو غير ذلك ، انتهى.
وعن أبي الصباح
الكناني ـ في الصحيح عندي ـ عن الصادق 7 ، في الرجل يخفق في الصلاة : « إن كان لا يحفظ حدثا منه ـ إن
كان ـ فعليه الوضوء وإعادة الصلاة » ، الحديث.
وفي القوي عن
الحسن بن الجهم عن الكاظم 7 ، في الرجل صلّى الظهر فأحدث حين جلس في الرابعة ، فقال :
« إن كان شهد الشهادتين فلا يعيد ، وإن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد » .
( وورد في الحائض
الّتي تحيض في أثناء الصلاة أنها تبطل الصلاة ) .
ويشهد له أيضا ما
مرّ في كتاب الطهارة في بحث الوضوء أنّ صاحب
__________________
البطن الغالب
يتوضّأ ويبني .
وقال الشيخ في
التهذيب : لا خلاف بين أصحابنا في أنّ من أحدث في الصلاة ما يقطع الصلاة يجب عليه
استينافها ، فلاحظ.
وورد في الصحيح
أنّ الفرض في الصلاة : الوقت والقبلة والطهور .
وورد فيه أيضا
أنّه « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ،
والسجود » . وورد أيضا فيه : « لا صلاة إلاّ بطهور » .
وأيضا العبادات
ماهيتها توقيفية موقوفة على الثبوت من الشرع ، ولم يثبت كون مثل تلك الصلاة صلاة
شرعية.
وأيضا شغل الذمّة
اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، كما هو المحقّق ومرّ مرارا الإشارة إلى وجهه.
قوله : ونقل عن الشيخ. ( ٣ : ٤٥٥ ).
هذا النقل عنه
محلّ نظر ، بملاحظة كلامه في كتبه ، ـ سيّما التهذيب ـ كما نقلنا.
قوله : ويتوجّه على الأوّل. ( ٣ : ٤٥٦ ).
المتبادر ممّا دل
على اشتراطها به كونها من أوّلها إلى آخرها على
__________________
الطهارة على سبيل
الاتصال والاستمرار ، والمتبادر من الصحيح المتضمّن لكون فرض الصلاة الوقت والطهور
أنّه مثل الوقت من فرائضها ، فتأمّل.
ويؤيّده جريان
العادة في الأخبار وكلام الأصحاب بأنّ منافيات الصلاة تقطع الصلاة بخلاف الوضوء
وغيره ، فإنّه لا يقال : يقطع الوضوء فتأمّل.
هذا.
على أنّه من أين
ظهر كون هذه الصلاة شرعية وعبادة؟ مع كونها توقيفية موقوفة على الثبوت من الشرع ،
هذا إن قلنا إنّ ألفاظ العبادات أسام لخصوص الصحيحة ، كما هو أحد القولين ، ولعله
أقربهما بالنظر إلى الدليل ، كما حقّقناه في محلّه.
وأمّا على القول
الآخر فإنّه لمّا ثبت من الشرع جزما أنّها لا تصح بغير الظهور وحصل الشك في أنّ
الطهور على سبيل الدوام شرط أم على سبيل التوزيع يكفي ، فقد قلنا : إنّ الظاهر من
الأدلة هو الأوّل ، ويعضده عدم جواز التوزيع عمدا ، وعدم الصحة حينئذ يقينا وإن
كان جهلا.
وحمل الأدلة على
سبيل الدوام في حال العمد والجهل ، وعلى سبيل التوزيع في حال النسيان ، فيه ما
فيه.
والقول بأنّ
الظاهر منه على سبيل التوزيع خاصّة وثبوت الدوام فيه في غير حال النسيان من دليل
آخر أيضا بعيد لعله لا يرضى به المنصف بعد ملاحظة الأدلة وما أشرنا إليه ، ولذا لو
لم تكن الأخبار الصحيحة لما كان القائل بالصحة يقول بها بلا شبهة ، ولا يبني على
كون المراد حال التوزيع البتّة ، كما لا يخفى على المتأمّل ، سيّما مع ملاحظة
تحقّق أفعال كثيرة ( كلّ
واحد منها فعل
كثير ) ( فباجتماع ) الكلّ يمحو عند المتشرعة صورة الصلاة المتلقّاة من الشرع ،
المنقولة عنه ، وعلى وتقدير تسليم عدم الظهور الذي ذكرناه فلا أقلّ من الشكّ ،
والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط ، فتأمّل جدّا.
على أنّه سيجيء
من السيد ; أنّه حكم ببطلان الصلاة بمجرّد وضع اليمين على الشمال محتجّا بأنّه فعل كثير
خارج من الصلاة ، فما ظنّك بأفعال كثيرة خارجة عنها؟
قوله : من منع الإجماع في موضع النزاع. ( ٣ : ٤٥٦ ).
فيه ما مرّ مرارا
أنّ إجماعنا غير إجماع العامّة ، فلا يضرّ خروج معلوم النسب ولو كان جماعة ، كما
حقّق في محلّه ، والإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة كما حقّق في محلّه ، ومرّ
الكلام فيه مرارا ، خصوصا مثل الإجماع الذي نقلناه عن الصدوق ، وأنّه جعله من
عقائد الإمامية التي يجب الإقرار بها ، ويعضده الإجماع الذي نقله الشيخ ( وغيره ) .
وضعف سند الروايات
ـ على تقدير التسليم ـ منجبر بفتاوى الأصحاب ، كما هو المحقّق في محلّه ، والمسلّم
عند الكلّ حتى عند الشارح في غير واحد من المواضع ، وإن كان يناقش
أيضا ، وليست بمكانها بلا شبهة ، فإنّ العدالة المشترطة في قبول الخبر يكتفي
الشارح فيها
__________________
بظنون ضعيفة ،
فكيف لا يكتفي في التبيّن بمثل هذا الظن الذي كاد أن يتاخم اليقين؟ مع أنّ مانع
الاكتفاء بالظنّ في الكل واحد ، كما أنّ المقتضي أيضا واحد ، فالتفكيك تعسّف بحث ،
ولذا اتفق الفقهاء على ذلك.
وكون الأصل في
العبادات وتحقّق ماهيتها عدم الزيادة في التكليف فاسد ، كما حقّق في محلّه ، ولذا
لا يعتمد عليه الشارح ; أيضا في غالب المواضع ، ولم يستدل القائل بالصحة في المقام
به ، ولا أحد ممّن تقدّم على الشارح في مثل المقام مطلقا ( فتأمّل جدّا ) .
هذا على تقدير قطع
النظر عن الإجماعات وكونها صحيحة حقّا ، وبعده لا مجال لما ذكره أصلا ، فتأمّل.
قوله : بصحيحة الفضيل بن يسار. ( ٣ : ٤٥٧ ).
لكن يتوجه على
المستدل أنّ المطلوب كان الحدث سهوا ، والرواية تدل على الصحة في الحدث عمدا وهو
غير محلّ النزاع ، بل هو محلّ الإجماع ، وحمل الرواية على صورة الاضطرار ـ مع أنّ
الظاهر منها عدم الوصول إلى حدّ الاضطرار ، لأنّ المعصوم لم يستفصل بل قال مطلقا
ما قال ـ غير نافع أصلا ، لما عرفت من أنّه لا يخرجه من العمد ولا يدخله في
النسيان ، وقياس النسيان على الاضطرار باطل قطعا ، هذا.
مع مخالفة الرواية
لما ذكره الشارح ; وذكرناه ، وللأخبار الدالة على أنّ الالتفات في الصلاة
يبطل الصلاة ، وهي صحيحة مفتى بها عند الأصحاب ( وللأخبار الدالة على
أنّ استدبار القبلة وتقليب الوجه عنها مبطل
__________________
للصلاة ، وكذا الآية
القرآنية ، وهما مفتى بهما عند الأصحاب ) .
وكذا يخالف ما دل
على أنّ الفعل الكثير مبطل للصلاة ، مع أنّ فيها أفعالا متعدّدة كثيرة كلّ واحد منها فعل
كثير ، فباجتماعها يمحو صورة الصلاة ، وسيجيء أنّها تبطل الصلاة. مضافا إلى
الإجماع على الإبطال ، كما سيجيء . مع أنّه ورد عنهم 7 الأمر بأخذ ما اشتهر بين الأصحاب وترك ما خالف القرآن ، بل
ترك ما لم يوافق القرآن .
قوله : قال : سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله. ( ٣ : ٤٥٨ ).
هذه الرواية ـ مع
ضعفها ، ومخالفتها لما مرّ ، وكون حالها حال الرواية السابقة في جميع ما ذكرنا ،
سيّما أنّها لا دخل لها في المطلوب بوجه ـ تتضمّن حكاية سهو النبي 6 فيناسب حملها على
التقيّة ، وكذا الخبر السابق. ويؤيّد حملها على التقية ما سنذكره في الرواية
الآتية ، فلاحظ وتأمّل ، فالأظهر كون أمثال هذه الروايات واردة مورد التقيّة.
قوله : وصحيحة زرارة. ( ٣ : ٤٥٨ ).
هذه الرواية أيضا
لا يظهر منها كون الحدث سهوا ، بل الظاهر منها كونه بغير اختيار ، ومع ذلك تتضمّن
ما لا يقول به أحد من قوله : « فإنّ شاء رجع » إلى آخر الحديث ، ومع جميع ذلك
معارضة لما ذكره الشارح ;
__________________
وذكرنا ، سيّما
رواية الحسن بن الجهم التي هي أوفق بطريقة الإمامية ، على ما قال الصدوق ،
وإجماع الشيعة على ما قال الشيخ ، وموافقة لغير واحد من الأخبار المتضمّنة لكون
التشهّد سنّة ، ولأجل كونه سنّة لا يضرّ الحدث قبله ، وحملها الشهيد ; على التقيّة بسبب
كون التشهّد الثاني غير واجب عند أبي حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي ، وسعيد بن
المسيّب ، والنخعي ، والزهري ، والعامة رووا ذلك عن علي 7 ، ومعلوم إجماع
الشيعة على وجوب هذا التشهّد أيضا ، وأخبارهم متظافرة فيه ، ومن هذا
يظهر قدح آخر.
ويظهر من هذه
الأخبار أيضا أنّ الحدث في الصلاة مبطل لها ، كما لا يخفى ، نعم هذه الصحيحة لا
يظهر منها ، نعم يظهر أنّه من قبيل تلك الأخبار ، كما لا يخفى على من لاحظ المجموع
، فلاحظ.
على أنّه نقل عن
الصدوق أنّ تخلّل الحدث في أثناء الصلاة غير ضارّ إذا وقع بعد الفراغ من أركان
الصلاة ، فهذا الحديث حجّة له لو كان ، لا حجّة المستدل ، لعدم
تحقّق الإجماع المركّب ، ورواية ابن الجهم مستند صاحب الفاخر ، فإنّه نقل عنه أنّ
الحدث بعد الشهادتين لا يضرّ ، وهو ممّن قال بوجوب السلام . وما الكلام
بالنسبة إلى ما نقل عن الصدوق وصاحب الفاخر يظهر من التأمّل في ما ذكرناه وما مرّ
في بحث التشهّد والصلاة على
__________________
النبي والتسليم.
وكذا يظهر من جميع
ما ذكرنا الكلام في ما احتجّ به الشيخان على البناء في التيمم خاصّة ، مضافا إلى
استبعاد الصحة في التيمّم دون المائية بالنظر إلى المقتضيات والموانع ، والسؤال
وقع عن المتيمّم فأجاب بالبناء ، لأنّ البناء من خصائص التيمّم ، مع أنّه لو صحّ
فيه لعله يصح فيها بطريق أولى ، على أنّه قيل : إنّ المراد من أحدث : أمطر ، وفي القاموس : الأحداث
: أمطار أوّل السنة ، وفي صدر الرواية ما يشعر بذلك ، فلاحظ وتأمّل.
مع أنّ كلمة الفاء
في قوله : فأصاب الماء ، أيضا يشعر به ، لعدم الارتباط لو كان المراد الحديث
المتعارف.
وفي الوافي أيضا
صرّح بأنّ المراد ليس الحديث المتعارف ، لكن قال : أحدث بالبناء على المفعول : أي
سنح أمر من أمطار السماء وغيرها من أسباب وجدان الماء ، والكناية عن مثله بالحدث
شائعة في كلامهم ، انتهى.
قوله : لأنّ الإجماع لا تصادمه الرواية ، ولا بأس بالعمل بها. (
٣ : ٤٥٩ ).
وعلى هذا يتحقّق
وهن في الرواية ، لأنّ حملها على خصوص صورة النسيان بعيد ، بل ربما لا يصح ، لأنّ
صورة النسيان في الحدث من الفروض
__________________
النادرة ، وحمل
المطلق في الأخبار على الفروض النادرة فيه ما فيه ، بل ليس بمطلق بل عامّ ، لأنّ
ترك الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم ، فضلا عن أن يكون
الاحتمال أظهر ، بل الاحتمال الآخر في غاية البعد ، ومخالفة الظاهر ، وصرف العام
إلى الفرد النادر أشدّ قبحا ومنعا.
قوله : ونقل الشيخ والمرتضى فيه الإجماع. ( ٣ : ٤٥٩ ).
وقال الصدوق في
أماليه : من دين الإمامية الإقرار بأنّه لا يجوز التكفير في الصلاة .
قوله : واستوجهه في المعتبر. ( ٣ : ٤٦٠ ).
هذا لا يدل على
الكراهة ، بل ترك المستحب ، وإن كان ما ذكره أخيرا يدل على الكراهة ، ففي كلامه
تدافع في الجملة.
قوله : وضعهما كيف شاء. ( ٣ : ٤٦٠ ).
هذا ـ على تقدير
التسليم ـ إنّما هو في صورة لم يقصد كونه من الصلاة ، وإنّما قلنا : على تقدير
التسليم ، لأنّ هيئة العبادة توقيفية ، والمنقول عن الشرع غير هذه الهيئة ، ولم
يتحقّق إجماع على صحة هذه الهيئة ، ولا ثبتت من نص ، وأصل العدم لا يجري في
العبادات ، كما حقّق في محلّه ، مع أنّه نوع من الاستصحاب ، فمن لا يقول بحجّيته
كيف يتمسّك به؟
إلاّ أن يقول بأنّ
الصلاة اسم لمجرّد الأركان عند المتشرعة ، وعدم الوضع خارج عنها البتّة عندهم ،
ومراد الشارع من لفظ الصلاة ليس إلاّ ما هو مجرّد الأركان عند المتشرعة. وإثبات ما
ذكر محلّ صعوبة ، فتأمّل جدّا ، هذا. مع ما عرفت من الأمالي وغيره من دين الإمامية
وإجماعهم.
__________________
قوله : وهو جيّد. ( ٣ : ٤٦٠ ).
جودة كلامه فرع
عدم ورود النهي التحريمي من الشارع ، وهو فاسد ، كما اعترف به الشارح ; فأيّ جودة بقيت
بعد ذلك؟
قوله : في الكراهة نظر. ( ٣ : ٤٦١ ).
بل هو أظهر في
التحريم ، لما ورد عنهم : « من تشبّه بقوم فهو منهم » ، مضافا إلى فهم
الأصحاب ، والإجماعات المنقولة ، وما ورد عنهم 7 من أنّ الرشد في خلاف العامّة ، وغير ذلك.
قوله : لتوجّه النهي إلى أمر خارج عن العبادة. ( ٣ : ٤٦١ ).
قد عرفت التأمّل
في ذلك ، وهذا وما سبق منه ومن المحقّق مبنيان على كون الصلاة اسما للأعمّ من
الصحيحة كما هو أحد القولين ، وأنّ الوضع وعدمه لا مدخل لهما أصلا في ماهية الصلاة
بحسب الشرع.
قوله : والالتفات. ( ٣ : ٤٦١ ).
مرّ عبارة الأمالي
في إبطال الالتفات .
قوله : وهو الاستقبال. ( ٣ : ٤٦١ ).
مقتضى هذا كون
الشرط هو الاستقبال على سبيل الاتصال والاستمرار ، كما ذكرنا في مسألة الحدث في
أثناء الصلاة ، ومقتضى كلامه هنا في صورة السهو أنّ الاستقبال ليس شرطا على سبيل
الاستمرار بل
__________________
على التوزيع ،
وفيه ما فيه ، ومع ذلك مقتضى تعليله أنّ الالتفات إلى ما بين المغرب والمشرق أيضا
موجب لبطلان الصلاة ، إلاّ أن يقول بأنّ ما بينهما قبلة مطلقا ، وفيه ما فيه ،
ومرّ الكلام في بحث القبلة .
قوله : هذا كلّه مع العمد. ( ٣ : ٤٦٢ ).
مقتضى الأخبار أنّ
الالتفات الفاحش يبطل الصلاة وإن كان سهوا ، وأما غير الفاحش وإن كان لا يبطل
الصلاة إلاّ أنّه نهي عنه ، كما يظهر من صحيحة زرارة ، وصحيحة محمد بن مسلم أنّه
سأل الباقر 7 عن الرجل يلتفت في الصلاة قال : « لا ، ولا ينقض أصابعه » .
نعم ورد في رواية
عبد الملك عن الصادق 7 : « أنّ الالتفات لا يقطع الصلاة ، وما أحبّ أن يفعل » لكن لا يقاوم
سندا ، مع أنّ الحسنة متضمّنة لتعليل ثابت ظاهر ، فهي أرجح من هذه الجهة أيضا ،
كما أنّ في الرواية غير الصحيحة وهن آخر من جهة الحكم بعدم قاطعية الالتفات مطلقا
، ومع ذلك يمكن حمل « ما أحبّ » على المنع ، لأنّهم كثيرا مّا يستعملونه فيه.
وكيف كان ،
التفصيل الذي سيذكره مناسب لجعله في صورة عدم الفاحش ، وأنّه إن كان عمدا وأتى
شيئا من الأفعال في هذه الحالة يبطل الصلاة إن كانت زيادته مبطلة للصلاة عمدا ،
وإن لم تكن مبطلة عمدا لكن يجب فعله في الصلاة ولم يأت به مستقبل القبلة أتى به
مستقبل القبلة ، وإلاّ
__________________
فيصحّ ، فتأمّل.
وأمّا سهوا ، فإن
كانت زيادته مبطلة سهوا فكذلك ، وإلاّ فيأتي به مستقبل القبلة ، وإن لم يمكن
تداركه وهو ركن فيبطل ، وإن لم يكن ركنا فلا يضرّ بل يسجد للسهو أو يقضي ويسجد معا
على النحو المقرّر ، فإذا لم يتفطّن في أثناء الصلاة بل تفطّن بعدها فالأمر على ما
ذكره الشارح ; فتدبّر.
وجميع ما ذكرنا في
السهو إنّما هو إذا بلغ حدّ اليمين أو اليسار ، وإلاّ فلا يضرّ أصلا ، كما ذكره
أيضا ، والله يعلم.
قوله : وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله 7. ( ٣ : ٤٦٣ ).
المتبادر من
الروايتين وغيرهما كون التكلّم عمدا ، سيّما بملاحظة انصراف المطلق إلى الأفراد
الشائعة ، ونسيان كونه في الصلاة ثم التكلّم لعله نادر ، نعم نسيان عدم جواز
التكلّم فيها والتكلّم غفلة لعله غير نادر.
نعم ورد في غير
واحد من الأخبار أنّ التكلم ناسيا لا يبطل الصلاة ، وإن كان ورد في
بعضها أنّه يكبّر تكبيرا كثيرا ، وحمل على الاستحباب ، والسند منجبر بعمل الأصحاب ، ومرّ في صحيحة الفضيل وغيرها أنّ
التكلّم في الصلاة ناسيا غير مضرّ أصلا ، فتأمّل.
قوله : وموثقة سماعة. ( ٣ : ٤٦٤ ).
لا يخفى أنّ
الأخبار مطلقة ، والتقييد بصورة العمد من جهة أنّ
__________________
المطلق ينصرف إلى
الفرد الشائع المتبادر ، وفرض وقوع الضحك حال نسيان الصلاة نادر وغير متبادر ،
أمّا الوقوع بغير اختيار ( فلعله داخل في العمد ، لأنّ المراد منه ما يقابل السهو
، كما عرفت ، والغالب وقوعه بغير اختيار ) فالظاهر شمول الأخبار له أيضا.
قوله : ما تنمحي به صورة الصلاة بالكلّيّة. ( ٣ : ٤٦٦ ).
لعل المراد
الانمحاء عند المتشرعة ، بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية مطلقا ، أو في مثل الصلاة
مطلقا ، أو في زمان الصادقين ومن بعدهما من الأئمة 7 ، والتحقيق في الأصول ، بل على تقدير القول بعدم الثبوت
مطلقا أيضا يتمّ ، لأنّ مع وجود القرينة الصارفة عن المعنى اللغوي يتعيّن حقيقة
المتشرعة إجماعا ، لنهاية كثرة الاستعمال فيها إلى أن قال أعاظم الفحول بصيرورته
حقيقة ، فينصرف إليها لا إلى ما لم يعهد استعمال الشرع فيه مطلقا أو إلاّ نادرا.
لكن بعض ما ورد في الأخبار أنّه غير مضرّ يمحو صورة الصلاة عند المتشرعة ، حتى عند المجتهدين
والمقلدين ، فتأمّل جدّا.
قوله : اقتصارا في ما خالف الأصل على موضع الوفاق. ( ٣ : ٤٦٦ ).
فيه : أنّ هذا إن
تمّ فإنّما يتمّ على القول بأنّ الصلاة اسم لمجرّد الأركان ، وقد مرّ الكلام في
أمثال المقام مرارا.
قوله : باشتماله على عدّة من الضعفاء. ( ٣ : ٤٦٦ ).
__________________
السند منجبر
بالشهرة ، وجريان الأصل في ماهية العبادات التوقيفية محلّ كلام حقّق في محلّه.
قوله : ومنعه المصنّف في المعتبر. ( ٣ : ٤٦٧ ).
ليس بمكانه ، لأنّ
الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة ، بل الظاهر أنّه إجماع ، ويؤيّده ما نقله في
المنتهى .
مضافا إلى أنّ
العبادات ماهيتها توقيفية ، فكيف يكتفى بما وقع فيه هذا الأجنبي الغريب؟
ويؤيّده أيضا قوله
7 : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » ، وتتبّع تضاعيف أحوال الصلاة ومفسداتها ، ومرّ الكلام في
مثله في وضع اليمين على الشمال وغيره .
قوله : الضابط في كراهة التأوّه والأنين. ( ٣ : ٤٧٠ ).
روي : أنّ من أنّ
في صلاته فقد تكلّم ، وعمل بها الصدوق ، رواه الشيخ في التهذيب بسنده عن طلحة بن زيد ، عن أبي
جعفر ( عن أبيه عن عليّ ) 7 .
قوله : لأنّه لا يسمّى تحيّة. ( ٣ : ٤٧٢ ).
فيه تأمّل ظاهر ،
روى الصدوق في آخر كتاب الخصال في حديث طويل عن أبي جعفر 7 عن آبائه عن أمير
المؤمنين 7 ممّا علّمه
__________________
أصحابه في مجلس
واحد من أربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ، قال 7 : « إذا عطس
أحدكم فسمّتوه قولوا : يرحمكم الله ، وهو يقول : يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله
عزّ وجلّ ( إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا
بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) .
قوله : من حيث السند. ( ٣ : ٤٧٤ ).
ومن حيث المعارضة
لصحيحة ابن مسلم وغيرها ، ولظاهر القرآن والعمومات في ردّ السلام ، مع إمكان حملهما
على عدم زيادة الجهر
المنافية لحرمة الصلاة ، فتأمّل.
قوله : ولا يجب ردّ غير السلام من الدعوات. ( ٣ : ٤٧٥ ).
إذا سلّم عليه
سلام ملحون فالأحوط أن يردّ عليه بصورة الآية القرآنية ، مثل ( سَلامٌ
عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ ) ، فتأمّل.
قوله : ولم أقف على رواية تدل بمنطوقها عليها. ( ٣ : ٤٧٧ ).
تكفي دلالة ظاهر
الآية والمفهومات في الروايات وظواهرها ، منها رواية حريز وسماعة الآتيتان ،
وموثقة عمار في قتل الحيّة في الصلاة أنّه « إن كان بين المصلّي وبين الحيّة خطوة
فليخط وليقتلها ، وإلاّ فلا » ، وغيرها .
__________________
وكذا ما ورد من
المنع من فعل المنافيات في الصلاة ، وما ورد في الصحيح في كثير الشكّ : « لا تعوّدوا الخبيث
من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه » إلى قوله : « إنّما يريد الخبيث أن يطاع فإذا عصي
لم يعد إلى أحدكم » وغير ذلك ، فتتّبع الأخبار وتأمّل فيها يظهر لك ما قلنا.
مع أنّ ذلك إجماعي
أيضا ، بل الظاهر أنّه من ضروريات الدين ، فما ذكره من انتفاء الدليل على التحريم
فيه ما فيه.
قوله : ولم أقف على رواية. ( ٣ : ٤٧٧ ).
الأخبار المتواترة
المتضمّنة لقولهم : « وتحريمها التكبير » ، وقولهم 7 : « وتحليلها
التسليم » وأمثال ذلك دالة على المطلوب بالمنطوق ، وبالجملة ،
الأخبار متواترة ، منها ما ورد في المنع من منافيات الصلاة فيها.
قوله : أجمع العلماء كافّة على وجوب صلاة الجمعة. ( ٤ : ٥ ).
المجمع عليه هو
ضروري الدين لا يحتاج إلى الدليل ، فضلا عمّا ارتكبه من التطويل والتأكيد والتشديد
، سيّما والأدلة ظنّية نظرية فكيف يستدل بها على الضروري اليقيني؟ اللهم إلاّ أن
يكون مراده إثبات عدم اشتراط الإمام أو نائبه ، كما يظهر من آخر كلامه ، لكن في
الدلالة نظر ستعرفه ، فلاحظ.
__________________
قوله
: وهو هنا. ( ٤ : ٥ ).
تنبيه على أنّ
صيغة الأمر لا تدل على التكرار ، كما حقّق في محلّه ومسلّم عند المحققين ، ومنهم
الشارح ، فيرد عليه أنّ التكرار إذا كان من اتفاق العلماء يكون متقدّرا بقدره ،
ولا نزاع لأحد في التكرار المتفق عليه ، بل نقلوا الإجماع على اشتراط الإمام أو
نائبه ، فيكون التكرار المتفق عليه في صورة وجود الإمام أو نائبه بحيث يكونان إمام
الجمعة بالاتفاق منهم.
على أنّه على
تقدير عدم العلم بتحقّق هذا الإجماع فالظنّ به لا شكّ فيه ، لأنّه إجماع نقله
جماعة كثيرة من الفقهاء الفحول ، كما ستعرف.
وعلى تقدير عدم
الظنّ فالاحتمال لا شكّ فيه بالبديهة ، بل على تقدير الظنّ بعدم الاشتراط لا شبهة
في كون التكرار الذي اتفق عليه العلماء هو الذي لا نزاع لأحد فيه ، فالظنّ بعدم
الاشتراط من جهة أمر خارج لا ينفع المستدل في استناده إلى القدر المتفق عليه ، كما
هو ظاهر.
وبالجملة لا شبهة
في فساد استدلاله ، بل الآية تكون حجّة على الشارح لا له ، لأنّ الأمر لا يقتضي
التكرار ، بل المقتضي له هو الإجماع ، ففي موضع الخلاف لا تكون واجبة ، كما لا
يخفى.
قوله : للتكرار. ( ٤ : ٥ ).
إن أراد التكرار في
الجملة فمسلّم ، لكن لا فائدة ، كما أشرنا ، وإن أراد على سبيل الدوام فممنوع ، بل
باطل ، وبالجملة التكرار في نفسه ليس له حدّ مضبوط معيّن ، بل إنّما هو على حسب ما
يقتضيه مقتضيه ، فإذا كان المقتضي هو اتفاقهم فلا جرم يكون المقتضى هو الأمر
المتفق عليه.
على أنّه إن أراد
التكرار بعد النداء ففساده لا يخفى ، وإن أراد على
حسب النداء فلا
وجه للقول بأنّ الأمر للتكرار ، بل المناسب أن يقول : كلمة إذا هنا للعموم ، وإن
لم تفد لغة ، كما هو الحق عنده ومعظم المحقّقين ، اللهم إلاّ أن
يؤول كلامه إلى ذلك بضرب من العناية ، وكيف كان ، فالاعتراض باق بحاله ، كما لا
يخفى.
وربما استدل على
العموم بأنّ الحمل على المعيّن ترجيح من غير مرجّح ، وعلى غير معيّن ينفي الفائدة.
وفيه : أنّه لو
تمّ فهو من باب إرجاع المطلق إلى العموم ، وغير خفي أنّه إنّما يرجع إليه إذا لم
يكن هناك شائع غالب ، وإلاّ فالذهن ينصرف إليه ، وهو المرجّح ، والشارح اعترف بذلك
في مواضع شتّى ، والشائع الغالب ـ بل المتعارف ـ كان في زمان نزول الآية وقوع
النداء عند حضور السلطان أو نائبه ، بل وما بعده أيضا كان كذلك ، كما سيجيء عن
المحقّق ، وكذا الكلام في لفظ الصلاة.
مضافا إلى أنّ
الظاهر المتبادر النداء الصحيح الشرعي ، وكذا الصلاة الصحيحة الشرعية ، سيّما على
رأي القائل بأنّ ألفاظ العبادات أسام للصحيحة المستجمعة لشرائط الصحة ، وكون
الواقع بغير حضور السلطان أو نائبه صحيحا محلّ نظر ، بل أوّل الكلام ، وباقي
الكلام سيجيء فتربّص.
على أنّ المحقّق
في الأصول أنّ الأمر للطبيعة ، وأنّ امتثاله مرّة يكفي ، بل لا يجوز أزيد من
المرّة لو كان عبادة ، فالتكرار إذا كان من الإجماع ففي موضع الخلاف
لا تكرار ، فيكفي الواحدة ولا يلزم التكرار ، فتأمّل.
__________________
قوله : والتعليق بالنداء مبني على الغالب. ( ٤ : ٥ ).
دفع إيراد يرد
عليه ، وهو أنّ مفهوم الشرط حجّة ، كما حقّق ، ومسلّم عندكم ، وهو هنا عدم الوجوب
عند عدم النداء ، والموجبون نافون لذلك ومتحاشون عنه ، فأجاب بأنّ الشرط هنا وارد
مورد الغالب ، ولا اعتبار لمفهوم مثله ، لأنّ المتعارف لمّا كان في ذلك الزمان
أنّهم ينادون غالبا ـ بل والبتّة ـ قال الله عزّ وجلّ كذلك ، لا أنّه إذا لم
يتحقّق النداء على الندرة أو فرضا فلا يجب السعي.
لكن يرد عليه :
أنّه بعد التسليم غاية ما يلزم عدم ظهور حكم المفهوم ، لا أنّه يظهر من المنطوق
أنّ الحكم في صورة المفهوم أيضا موافق لحكم المنطوق ، وهو واضح ، إذ كيف يصحّ أنّ
يقال : إنّه تعالى قال : اسعوا مكرّرا إذا نودي أو لم يناد للصلاة إذا نودي للصلاة؟
فإنّ السفيه لا يتكلم كذلك فضلا عن الحكيم ، فضلا عن الله تعالى ، فضلا عن القرآن
الذي هو في غاية البلاغة ، فغاية ما ثبت من الآية وجوب الجمعة في الغالب ليس إلاّ
، ولا نزاع فيه ، لما عرفت من أنّ الغالب كما كان بأنّهم كانوا ينادون كذا ، كان
ذلك النداء عند حضور السلطان أو نائبه ، فتدبّر.
قوله : ولا يخفى على من تأمّله من أولي الأفهام. ( ٤ : ٦ ).
فيه : أنّ الأمر
بالعكس ، لقوله تعالى ( ذلِكُمْ خَيْرٌ
لَكُمْ ) ولأنّ الأوامر المتأخّرة أكثرها ليس للوجوب ، ومثل هذا
يضرّ عند الشارح فتأمّل.
قوله : وصحيحة منصور عن أبي عبد الله 7. ( ٤ : ٦ ).
في الاستدلال بها
وبصحيحة فضل الآتية ونظائرهما على عينية الوجوب نظر يظهر ممّا سيجيء في بيان
العدد ، مع أنّ الشارح ; حمل
الوجوب فيها على
التخيير ، فكيف يستل بها على العيني؟ فتأمّل.
ويرد على صحيحة
الفضل أنّ « جمّعوا » ليس صيغة الأمر ، ولا يرجع إليه أيضا عند الشارح ونظرائه.
مضافا إلى أنّ الأمر الواقع عقيب الحظر الصريح أو المستفاد من : صلّوا أربعا ،
بوجه من الوجوه دلالته على الوجوب محلّ كلام ونظر ، كما ذكر في الأصول ، فلاحظ.
قوله : وصحيحة زرارة. ( ٤ : ٧ ).
الاستدلال بها على
عينية الوجوب في غاية الغرابة ، إذا الحثّ لا دلالة له عليها ( لأنّه لا يدل على
أزيد من الترغيب فقط ، فلا يدل على المنع من الترك بإحدى الدلالات ، والأصل عدم
المنع من الترك وبراءة الذمّة من الفعل ، فيدل على مذهب المخيّر ) ، بل لا خفاء في
ظهوره في الاستحباب ( كما هو الحال في لفظ ينبغي ) .
سيّما وزرارة ـ مع
عدالته وفقاهته وجلالته ورئاسته على من تبعه من الشيعة الذين كانوا يعبّرون عنهم
بالزرارية. إلى غير ذلك ممّا ورد ، فيه ويظهر من حاله ـ كيف يروي كرّات ومرّات
متعدّدة عن الباقر 7 أنّ الجمعة فريضة فرضها الله في جماعة ، وليست موضوعة إلاّ
عن تسعة ، وليس هو منهم ، و : « أنّها واجبة على من صلّى الغداة » ، الحديث ، و : «
أنّهم متى اجتمع سبعة ولم يخافوا » الحديث ، إلى غير ذلك ممّا لم يذكر الشارح ; وضبطها في أصله
المشتهر اشتهار الشمس في الشيعة ، والأجلّة كانوا رووا عنه ودوّنوا في أصولهم ،
ومع ذلك كان يتركها حتى
__________________
احتجاج إلى حثّ
الصادق 7.
ومع ذلك كيف اكتفى
7 بالحثّ؟ مع أنّه ما نفعه التعريضات والإيجابات والتأكيدات والتشديدات ، بل
وفضاعة عدم العمل بها وشناعته ، بل كان المناسب أن يستفسر أوّلا وجه تركه ، فإن
أتى بالعذر وكان صوابا تركه على حاله ، وإن كان خطأ بيّنه له ونبّه عليه ، وإن لم
يأت به أنكر عليه أشدّ الإنكار وهدّد وشدّد أزيد ممّا فعله والده 7.
كيف؟ وهو 7 أنكر على حماد
بعدم إتيانه بالصلاة بحدودها تامّة مع أنّها من المستحبات والآداب بقوله : « ما
أقبح بالرجل منكم » ، الحديث ، بل كانوا ينكرون بترك مثل غسل الجمعة والنوافل
اليومية وأمثال ذلك ، فكيف في مثل هذه الفريضة من مثل هذا الجليل؟!
سيّما بعد إيجابات
كثيرة سابقة أكيدة شديدة رواها هو بنفسه ، وكذا شركاؤه ونظراؤه مثل ابن مسلم وأبي
بصير وغيرهما من الأجلّة ، ودوّنوها في أصولهم المعمولة المشهورة ، مع أنّهم دائما
كانوا يقرؤون القرآن وسورة الجمعة ويفهمون المعنى أحسن منّا ، وكذا الحال في الأخبار
الصادرة عن الرسول وأهل البيت 7 ، سيّما ما رووه بأنفسهم ، وكان المعصوم 7 عندهم ، يتمكّنون
من الرجوع إليه في معرفة القيود والشرائط ويمكنهم استفصال أنّ الآية بأيّ شيء
مقيّدة ، وكانوا أحسن منّا في المعرفة ومعاني أحاديثهم وأحاديث غيرهم حتى ما ورد
عن الرسول.
وزرارة كان من
فقهاء العامّة فاستبصر ، فكيف اتفقوا على الترك في مدّة مديدة ولم يتفطّن أحد منهم
ولا ممّن تبعهم ولا من غيرهم من
__________________
صديقهم أو عدوّهم
تشنيعا ، أو غيرهم حيرة وتعجّبا ؟ فكيف لم يتفطّن واحد منهم ، أو تفطّنوا لكن لم يقبل منهم
واحد؟
مع أنّه يورث
التهمة في أحاديثهم ، فكيف اتفق الرواة والفقهاء في أخذ الأحاديث منهم دائما؟ مع
أنّهم كانوا يحتاطون في أخذ الحديث غاية الاحتياط ، ويلاحظون الوثاقة غاية
الملاحظة ، كما لا يخفى على المطّلع بأحوالهم.
مع أنّه يظهر من
الرجال أنّه ; كان محسودا بسبب غاية تقرّبه إلى المعصوم 7 ونهاية جلالته واشتهاره عند الشيعة ، [ و ] كان جمع منهم
في غاية التفتيش في عثرة أو عيب لعلّه يكون فيه ، وربما كانوا يخترعون ، وربما
كانوا 7 يذبّون عنه ، ومع ذلك لم يشر إلى ذلك أحد أصلا ، وكذا الحال بالنسبة
إلى نظائره.
ويؤكد الاستحباب
قوله : ظننت ، إذ لو كان الحث على سبيل الوجوب ولم يكن فعلها منصبا للإمام بل
واجبا على كل مكلّف ـ كما يدّعون ، ويدّعون ظهور ذلك من روايات زرارة عن الباقر 7 ، بل وربما
يدّعون كونها كالصريحة في ذلك ـ فلا وجه لأن يتوهّم من زيادة الحثّ الغدو عليه ،
بل كان المناسب خلاف ذلك ، مثل أنّ يتوهّم فعلها خلف غير العادل أيضا مثلا.
على أنّ الوجوب
غير قابل للدرجات بهذا النحو ، إذ على تركه العقاب ، فبعد دخول جهنم كيف يبقى شيء
آخر حتى يقول : وقع الحثّ
__________________
إلى حدّ ظنّنا كذا
وكذا؟ نعم الواجب درجاته التزييد في العقاب ، والتشديد فيه كمّا وكيفا ، بل غير خفي على
المنصف أنّ مراد زرارة أنّه من شدّة حثّه ومبالغته فيه توهّمنا الوجوب ، ولمّا كان
يدري أنّه منصبه 7 ولم يكن له منصوب في العراق لعدم بسط يده توهّم أنّه يريد
أن يغدو عليه ، ويظهر من عبارة زرارة أنّ ظنّه كان توهّما منه ، لا أنّه كان في
موقعه ، فتدبّر.
وممّا ذكرنا ظهر
حال استدلاله بسائر روايات زرارة وروايات نظرائه أيضا ، فتأمّل جدّا.
وممّا يدل بظاهره
على عدم الوجوب عينا ما رواه الشيخ في مصباحه والصدوق في أماليه بسند صحيح أنّه 7 قال : « إنّي
أحبّ للرجل أن لا يخرج من الدنيا حتى يتمتّع ولو مرّة ، وأن يصلّى الجمعة في
جماعة ولو مرّة » ويظهر منه ; في المصباح أنّ مستند التخيير عندهم هو هذا الحديث ، فلاحظ
، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي ستعرفها.
ويؤيّده أيضا
رواية عبد الملك أنّه قال له الصادق 7 : « مثلك يهلك ولم يصلّ فريضة فرضها الله تعالى؟ » .
والمراد من الهلاك
الموت ، لأنّه معناه ، ولأنّ الظاهر منه في المقام ذلك ، لأنّ مناسب الهلاك بمعنى
الوقوع في العذاب التعليل بترك الفريضة ،
__________________
لا الإتيان بالواو
الحالية ( والجملة الحالية ) .
ولأنّ عبد الملك
كان يترك ويظهر من الخبر أنّ تركه لم يكن فسقا وعصيانا ، بل من جهة أنّه ما كان
يدرى ما يصنع ، بل كان يعتقد أنّه لا يجوز بغير المنصوب من قبل الإمام ، ولذا أزال
حيرته بقوله 7 : « صلّ جماعة » أي لا تتوقّف على المنصوب واكتف بالجماعة.
ولو كان تركه لأجل
التقيّة لما كان لسؤاله مناسبة ، وكذا جواب المعصوم 7 ، كما لا يخفى على المتأمّل في مضمون الخبر : إنّ مثلك
يذهب من الدنيا ولم يصدر منه فريضة فرضها الله ، لأنّ معنى « لم يصلّ فريضة » ما
صلاّها أصلا ، وهذا منشأ التوبيخ له ، كما هو الظاهر ، ومفهومه أنّه إن صدر منه
فريضة لما كان كذلك ، وإيجاب الواجب مطلقا والمنع عن الترك بالمرّة لا يكون بتلك
العبارة ، بل المناسب أن يقول له : كيف يجوز لك أن تترك مرّة واحدة فريضة الله في
مدّة عمرك؟ لا أن يقول : كيف ينقضي مدّة عمرك ولم يتحقّق منك فريضة فرضها الله ولم
توجد من هذه الطبيعة فرد منها؟
مع أنّ الأمر
الوارد بقوله : « صلّوا جماعة » ورد في مقام توهّم الحظر ، فدلالته على الوجوب
محلّ نظر ، بل لا يدل ، كما حقّق في محلّه.
على أنّا نقول : «
الوجوب التخييري لا شكّ في كونه وجوبا ، وواجبه من أفراد الواجب ، وصدق تعريف
الواجب والتعبير عنه ب : افعل ، متعارف متداول في الآيات والأخبار ، غاية الأمر
أنّه إذا قيل لشيء : افعل هذا الشيء ، يكون ظاهرا في العيني ، فالمدار على
الظهور ، وبناء الاستدلال عليه ، وإن كان الاخبار يحتمل الأعمّ من العيني والتخييري
، وإذا كان البناء على الظهور
__________________
فلا شبهة في أنّ
هذه الرواية زرارة وغيرها ظاهرة في الاستحباب.
وأمّا رواية ابن
مسلم : فراوي هذه الرواية بعينه ـ وهو ابن مسلم ـ روى اشتراط من يخطب ، كما ذكرت
وعرفت الحال فيه ، وروى أيضا اشتراط الإمام وقاضيه وغيرهما ممّن سيذكر في بحث
اشتراط السلطان أو من نصبه ، وإنّ الصدوق أفتى بمضمونه ، والحديث صحيح ،
والدلالة ظاهرة ، والقائل بمضمونه موجود ، مع أنّ الشارح يشترط وجود القائل بمضمون الحديث لكونه حجّة ـ وسيجيء تتمّة
الكلام هنالك ـ ، فلا شبهة في جواز أن يكون المراد بعد استجماع شرائط
الصلاة ، بل هذا هو الظاهر ، ولعلّ الإذن من الشرائط ، كما نقل جماعة كثيرة
الإجماع ، وظهر ذلك من غير واحد من الأخبار ، فتدبّر.
ثم لا يخفى أنّه
ورد في شأن زرارة أنّه ليس أحد أصدع بالحقّ منه ، وورد فيه وفي
نظرائه أنّهم أمناء الله على الحلال والحرام والأحكام ، ولولا هؤلاء لاندرست آثار
النبوّة ، وأنّهم حفّاظ دين الله ، وأنّ الباقر 7 ائتمنهم على حلال الله وحرامه ، وكانوا عيبة علمه ، وأنّهم
عند الصادق 7 أيضا كانوا كذلك ، وكانوا مستودع سرّه ، وأنّه إذا أراد الله بأهل الأرض
__________________
سوءا صرفه بهم ،
وأنّهم نجوم الشيعة يكشف الله بهم كلّ بدعة ، وأنّهم ينفون عن الدين انتحال
المبطلين وتأويل الغالين ، صلوات الله عليهم أحياء وأمواتا ، إلى غير ذلك من
المدائح ، فكيف مثل هؤلاء كانوا يتركون الجمعة مع كونهم الرواة لوجوبها
كرّاتا ومرّاتا؟ إلى غير ذلك ممّا ذكرنا.
والبناء على أنّ
تركهم كان تقيّة ينافي الحثّ على فعلها ، بل الشيعة زهّادهم وعبّادهم كانوا حريصين
على ترك التقيّة ، بل وعدولهم فضلا عن غيرهم ، وكان الأئمّة 7 حريصين على ترك
التقيّة ، بل وعدولهم فضلا عن غيرهم ، وكان الأئمّة 7 حريصين على أمرهم بالتقيّة ، وكانوا يشكون عنهم في
مخالفتهم للتقيّة ، فكيف صار الأمر في المقام بالعكس؟
مع أنّ زرارة
ونظراءه في غاية الفقاهة والعدالة وغيرهما ممّا أشرنا إليه ، وكانوا عارفين
بالتقيّة ووقت التقيّة ، وكانوا يلاحظون مقام عدم التقيّة ومكان التقيّة ، فلو كان
تركهم للتقيّة فكان لخوفهم على أنفسهم ، والتقيّة صاحبها أبصر بها وأعرف ، كما في
الأخبار ، فكيف كان 7 يأمر أمثال هؤلاء بخلاف ما كان يأمر شيعتهم ويصرّح بأنّ
التقيّة موكولة إلى معرفة صاحب التقيّة وهو أبصر بها؟ والعمل في الشرع في التقيّة
على ما ذكر بلا تأمّل ، كما لا يخفى على المطّلع بالأخبار والفتاوى وطريقة الشيعة
في الأعصار والأمصار وطريقة سلوك الأئمّة معهم وأمرهم بها.
مع أنّه 7 على فرض أن يكون
في خصوص المقام مخالفا للطريقة المعهودة الثابتة بأنّه كان يعلم من باب المعجزة
أنّه ما كان تقيّة لهم وخوفهم كان عبثا لا بحسب الحال ولا بحسب المآل لكان يقول
لزرارة وغيره هذا المعنى فقط ، ولا معنى للحثّ والترغيب وغير ذلك ممّا عرفت.
__________________
والقول بأنّهم
كانوا يعلمون بأنّ الشيعة كانوا متمكّنين من فعلها في القرى والبيوت خفية فلذا
أمرهم وحثّهم.
فاسد ، لأنّه أيضا
ينافي التقيّة بحسب الوجدان ، لأنّ مثله يشيع ويذيع عادة في بلاد التقيّة ، ومع
ذلك يبعد أنّ هؤلاء الفقهاء جميعا لم يتفطّنوا بذلك أصلا.
ومع ذلك لم يظهر
مما ذكر في خبر أصلا ، خبر أصلا ، إذ حكاية القرى والبيوت والإخفاء وأمثالها ليس
في الروايات منها عين ولا أثر ، فكان اللازم أن يكون المذكور في الأخبار هذا الذي
ذكر ، لا مجرّد الأمر والحثّ وغيرهما. على أنّ الحثّ لا معنى له على ما ذكر أيضا ،
بل اللازم إظهار التمكّن.
ولا يخفى أنّ بني
أميّة وبني العبّاس في ذلك الزمان كانوا مشغولين بأنفسهم ، والكوفة كانت بلد
الشيعة ، ورؤساؤهم وطوائفهم وقبائلهم كانوا شيعة أو مائلين إلى آل فاطمة 3 ، فما كانت تقيّة
حين صدور الحثّ ، إلاّ أنّ الأئمّة 7 ما كانوا متمكّنين من النصب في إمام الجمعة ، لأنّه منصب
السلطنة ، وكانوا 7 يعلمون أنّ بني العبّاس يغلبون ويتسلّطون ويؤاخذون إن
وجدوا منصوبا من قبلهم 7 ، وكانوا يطلعون البتّة ويقولون : إنّهم 7 يدّعون السلطنة ،
وكانوا يؤاخذون أشدّ المؤاخذة ، ولا كذا نفس فعل الجمعة لو وقعت خفية في تلك
الفترة ، سيّما بعد ملاحظة أنّ العامة كثير منهم أو أكثرهم يجوّزون فعل الجمعة من
غير وجود منصوب ، سيّما في أوقات الفترة واشتغال السلاطين ، فتأمّل جدّا.
قوله : يصلّون أربعا. ( ٤ : ٧ ).
مفاد الحديث أنّه
إذا لم يكن من يخطب يكون المطلوب منهم أربعا على الحتم والتعيين ، فمفهوم الشرط لا
يقتضي وجوب الجمعة على الحتم
والتعيين ، كما لا
يخفى.
مع أنّ الإمام يجب
أن يكون عادلا عارفا بأحكام الصلاة ومتعلّقاتها التي من جملتها أحكام الإمامة ،
ومع ذلك لا يقدر على أقلّ الواجب من الخطبة بعيد جدّا.
مع أنّهم لا
يشترطون القدرة على الإنشاء ، فكان المناسب أن يقول : يحصّل خطيبه من البلاد ، فإن
لم يتمكّن يصلّون أربعا ( لأنّ الخطبة مقدّمة الواجب المطلق لا المشروط بمقتضى
كلامهم وأدلّتهم ، وسيجيء تمام الكلام ) .
قوله : وصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله 7. ( ٤ : ٧ ).
ربما يأبى السياق
عن الحمل على الواجب العيني ، لأنّ جلّ الأوامر على الاستحباب ، والشارح ربما يمنع
بمثل ما ذكر في أمثال ما ذكر ، فتدبّر ، وبالجملة لا يبقى وثوق بعد ملاحظة السياق.
مع أنّ الكلام في
أنّ الإمام الوارد فيها هو إمام الجمعة أو الجماعة؟ مع أنّه يظهر من الأخبار
المغايرة بين الإمامين ، فتأمّل جدّا.
قوله : أدرك الجمعة. ( ٤ : ٨ ).
لم يقل أحد
بالوجوب على من إن صلّى الغداة أدرك الجمعة وفرغ من العصر في وقت الظهر ووصل بيته
قبل الليل ، فإنّ هذا يصير أربعة فراسخ لا أقلّ منه ، فتأمّل ، ولعلّ هذا مذهب بعض
العامّة ، فهي محمولة على الاستحباب أو التقيّة ، كما سيجيء.
( سلّمنا ، لكن
غاية ما يثبت من ظاهرها أنّ الموضع الذي انعقد فيه
__________________
الجمعة يجب على
أهل الأطراف للفرسخين حضور تلك الجمعة ، فلو كان المراد من هذا الوجوب العيني لزم
أن يكون من لم يحضر هذه الجمعة منهم معاقبا ، وإن تيسّر معه اجتماع سبعة نفر أحدهم
قابل لإمامتهم ، تيسّر في مكانه أو بعد الفرسخين أو مساويهما أو قبلهما إلى فرسخ
إلى موضع تلك الجمعة ، وهذا باطل عند الشارح وموافقيه أيضا ، ولا وجه لإيجاب المشي
فرسخين حينئذ.
وأيضا مفهومها عدم
وجوب الجمعة مطلقا على من لم يدرك تلك الجمعة إن صلّى الغداة في أهله ، سواء تيسّر
معه ذلك الاجتماع أم لا ، وهذا أيضا باطل عندهم ، مع أنّ الغالب التيسّر في
المنطوق والمفهوم جميعا ، بل التحقّق والغفلة بالبديهة ، ولذا يكون المتعارف تيسّر
الصلاة متعدّدا في سعة أربعة فراسخ في أربعة طولا أو عرضا وعلى شكل الاستدارة بحسب
الغالب ، فحمل الرواية على الفروض النادرة باطل وفاقا قطعا ، فدعوى أنّها مقيّدة
بصورة فقد التيسّر باطل قطعا ، مع أنّ بناء استدلالهم إنّما هو على كون الأخبار
مطلقة ، فكيف يمكن دعوى التقييد في مقام الاستدلال؟ وكذا الحال إن ادّعوا خلاف
ظاهر آخر.
لا يقال : ما ذكر
وارد على مشترط السلطان أو المنصوب أيضا.
لأنّ نصبه كان على
حسب رأيه ، فلعلّه كان نصبه بحيث لا يتحقّق المفسدتان غالبا ، وإطلاقات الأخبار
محمولة على الغالب ، فتأمّل جدّا.
وبالجملة : الظاهر
منه أنّ الإمام رجل مشخّص يجب على أهل الأطراف إلى فرسخين أو ما زاد الحضور لديه [
و ] الصلاة معه ، كما كان
__________________
السنّة في زمان الرسول
6 ذلك ، لا أنّ أي رجل يكون قابلا للإمامة وتيسّر معه أربعة أو ستة يجب عليهم
الجمعة معه أو مع غيره بحيث لا يفوت من أحدهم فعلها.
وممّا ذكر ظهر
الكلام في الأخبار الآخر التي استدلّ بها الشارح وغيره ، وتضمّنت ذكر
السقوط عمّن كان على رأس الفرسخين ، والثبوت على من كان دونه ، فتأمّل جدّا ) .
قوله : فإذا اجتمع سبعة. ( ٤ : ٨ ).
فيه ـ مضافا إلى
ما سبق ـ : أنّ هذا يحتمل أن يكون من كلام الصدوق بملاحظة طريقته في الفقيه ،
وملاحظة صدر الرواية ، ووقع كثيرا أمثال هذا الاشتباه ونبّهوا عليه ، والفاضل
المحشّي على الفقيه مولانا مراد حكم بكونه من كلام الصدوق ، هذا مع
المناقشة في الدلالة على الوجوب العيني ، سيّما مع ملاحظة الورود مورد توهم الحظر
، فتأمّل.
قوله : إذ لا إشعار فيها بالتخيير بينها وبين فرد آخر. ( ٤ : ٨
).
يظهر من هذا أنّ
استدلاله جدل لا برهان ، وردّ لمذهب المشهور لا القائل بالتحريم ، إلاّ أن يقال :
إنّ نفس الوجوب يردّه ، وفيه ما عرفت وستعرف.
__________________
قوله : قوله 7 : من ترك الجمعة. ( ٤ : ٨ ).
فيه ـ مضافا إلى
ما عرفت سابقا ـ : أنّ راوي هذه الرواية بعينه ـ [ و ] هو ابن مسلم ـ روى
اشتراط من يخطب ، كما ذكرت ، وقد عرفت الحال فيه ، وروى أيضا اشتراط الإمام وقاضيه
وغيرهما ممّن سيذكر في بحث اشتراط السلطان أو من نصب ، وأنّ الصدوق أفتى بمضمونه ،
والحديث صحيح ، والدلالة ظاهرة ، والقائل بمضمونه موجود ، مع أنّ الشارح يشترط
وجود القائل بمضمون الحديث لكونه حجّة ، وسيجيء تتمّة الكلام هنالك.
قوله : وليس فيها دلالة على اعتبار حضور الإمام. ( ٤ : ٨ ).
لا يجب أن يكون
فيها دلالة ، بل فاسد ، إذ لا دلالة فيها على شرط من الشروط المسلّمة ، مع أنّه
فرع مسلّمية كون ما ذكره صلاة الجمعة ، وهو أوّل النزاع في موضوع الحكم لا نفس
الحكم ، فتأمّل.
قوله : بل الظاهر من قوله 7. ( ٤ : ٨ ).
يظهر ممّا ذكره
وأخبار كثيرة صحاح ومعتبرة ، مثل ما رواه الفضل بن عبد الملك عن الصادق 7 : « إذا كان قوم
في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات ، فإذا كان لهم من يخطب بهم جمّعوا » .
وفي الموثق
كالصحيح بابن بكير ـ بل الصحيح ـ عنه 7 : عن قوم في قرية ليس لهم من يجمّع بهم ، أيصلّون الظهر
يوم الجمعة في جماعة؟
__________________
قال : « نعم إذا
لم يخافوا » .
وعن الباقر 7 : « فمن صلّى
بقوم يوم الجمعة في غير جماعة فليصلّها أربعا » فتأمّل.
وفي موثقة سماعة
عن الصادق 7 : « فأمّا إذا لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات وإن صلّوا جماعة » إلى غير ذلك :
أنّ إمام الجمعة
غير إمام الجماعة ، وأنّه يعتبر فيه أمر زائد على ما يعتبر في إمام الجماعة ،
والفقهاء يقولون : هذا الأمر الزائد هو الإذن والنصب ، والشارح يقول غيره ، فليس
هو ذلك ، فإطلاق الآية والأخبار مقيّد بذلك الزائد على أيّ تقدير ، فكيف يمكن
للشارح ومن وافقه أن يتمسك بإطلاقاتهما على عدم اشتراط الإذن والنصب ، مع أنّ
تقييدها بالأمر الزائد مسلّم عند الكلّ ثابت ( من الأدلة ) بلا تأمّل ،
وإنّما الكلام في أنّه ما ذا وكيف يثبت من الإطلاقات أنّ ذلك القيد المسلّم الثابت
ليس ما ذكره الفقهاء من جهة أنّ الآية والأخبار ( مطلقة أيضا ) ؟ بل هو الذي
يدّعيه الشارح وموافقوه من جهة أنّهما مطلقتان؟ بل عرفت وستعرف أيضا أنّ الحق مع
الفقهاء ، وأنّ الشرط الزائد الثابت على أيّ تقدير هو الإذن
__________________
والنصب.
فإن قلت : قراءة
الخطبتين شرط قطعا عند الكل ، وإنّما الكلام في ما زاد عليهما.
قلت : قراءة أقلّ
الواجب منهما أمر يتمكّن منها الأطفال بالبديهة ، سيّما بعنوان التعليم والتلقين ،
فما ظنّك بإمام الجماعة للقوم؟ بل يحصل القطع للمتأمّل في هذه الأخبار أن ليس
المراد مجرّد قراءة : « الحمد لله ، وصلّى الله على محمد وآله ، واتقوا الله ».
فإن قلت : لعلّ
المراد التمكّن من إنشاء الخطبة بنفسه أو أمثال ذلك.
قلت : ليس ذلك من
الشروط المجمع عليها التي اتفق على اعتبارها كل الفقهاء ، فإذا ادعى الشارح ; وموافقوه ذلك
ويستدلّون بالإطلاقات على ثبوت دعواهم دون دعوى الفقهاء يتوجّه عليهم ما ذكرناه.
مع أنّ ثبوت
اشتراط النصب صار بحيث لم يتفق في كثير من الشروط تحقّق هذا المقدار من الأدلّة من
الأخبار والإجماعات والاعتبار والشواهد والآثار ، مثلا عدالة إمام الجمعة شرط عند
هؤلاء بلا تأمّل ، ولم يرد فيها ما ورد في النصب من الأخبار والإجماعات والشواهد
عشر معشاره ، كما لا يخفى على من له أدنى ملاحظة وتأمّل.
قوله : « فإن كان لهم من يخطب ». ( ٤ : ٨ ).
لا شبهة في أنّ
الظاهر ممن يخطب ليس ما ذكره الشارح ; وقد مرّ وجهه.
قوله : في رسالته الشريفة. ( ٤ : ٨ ).
__________________
في هذه الرسالة ما
لا يرضى المتأمّل أن ينسب إلى جاهل ، فضلا عن العاقل ، فضلا عن الفقيه ، فضلا عن
الشهيد ; فإنّه ما كان يرضى أن ينسب الفسق إلى المجاهر بالفسق ، فكيف يحكم بفسق
علمائنا وفقهائنا العظام ، الزهاد الكرام ، الثقات العدول بلا كلام ، أمناء الله
في الحلال والحرام ، وحجج الله على الأنام بعد الأئمّة ، المتكفّلين لأيتامهم ،
والمؤسّسين لشرعهم وأحكامهم ، والمروّجين لحلالهم وحرامهم ، وعليهم المدار في
الدين والمذهب في الأعصار والأمصار ، الراد عليهم كالرادّ على الله ، إلى غير ذلك
ممّا ورد عن الله ورسوله والأئمّة 7 حيث قال ـ بعد التوبيخ والتقريع والتشنيع والتفظيع ـ :
فليحذر الذين يخالفون عن أمره ، إلى آخره.
مع انّ الفقهاء في
زمانه ومقلّديهم وسائر الشيعة ما كانوا متمكّنين من صلاة الجمعة من جهة التقيّة ،
ولذا كان هو أيضا لا يصلّي الجمعة ، ومن كان متمكّنا منها أكثرهم كانوا يصلّونها
لكونها واجبة عندهم وإن كان بالوجوب التخييري ومستحبّة عندهم عينيّا ، ومن لا
يصلّي لأنّه كان يعتقد الحرمة ، فكيف يمكنه فعل الحرام؟ وكيف يتأتّى منه قصد
القربة؟ فما ندري أنّ تشنيعه على أيّ جماعة وأي شخص؟.
على أنّا لا ندري
أنّ الأمر الأوّل الذي أصابهم ما ذا؟ فإن كان المحنة والشدّة من أعدائهم فليست تلك
إلاّ بتمسّكهم بحبل أوليائهم 7 ، وإلاّ فلم يصبهم أمر يكون ذلك بسبب ترك صلاة الجمعة ، بل
الذي قال
__________________
بوجوبها لم يكن
محنه وفتنة أقلّ بلا تأمّل ، كيف؟ وصار شهيدا في غاية الغربة والكربة والمحنة!
وهذا الذي ذكرناه وغيره ممّا في الرسالة ينادي بأعلى صوته إنّ الرسالة ليست من
الشهيد ، ولو كانت منه لكان مريضا حين تأليفها وقيل : إنّه كتبها في الطفولية وصغر
السن وحاشاه ثم حاشاه من هذه الشنائع والقبائح ، كيف؟ وهو في جميع تأليفاته
المعلومة أنّها منه اختار عدم الوجوب العيني ، فكيف حكم بفسق نفسه أيضا في جميع
تأليفاته إلى آخر عمره؟.
مع أنّ العدالة
شرط في الاجتهاد لا شبهة ، ومسلّم هذا عنده بلا مرية ، فكيف ما حكم بأنّ جميع
تأليفاته باطلة عاطلة ليست باجتهاد فقيه؟ بل كان اللازم عليه محو هذا الفسق من
تأليفاته.
وأيضا لا شكّ عنده
في أنّ العدالة شرط في قبول الرواية بل هو في غاية الإصرار والمبالغة والتشنيع على
العلاّمة وغيره في قبول خبر غير العادل ، كما لا يخفى على من لاحظ تأليفاته ،
سيّما ما كتبه على الخلاصة ، فعلى هذا كيف يتمسّك بالأحاديث مع فسق الشيخ ; وغيره من رواة
الأخبار حتى زرارة وغيره من الأعاظم؟ إذ يظهر من الرسالة أنّ جميعهم كانوا فسّاقا
يتركون الفريضة التي [ هي ] أشدّ الفرائض وأوجبها بعد المعرفة إلى أن صار ذلك سبب
الشبهة على الناس في توهّم اشتراط الإذن الخاصّ.
ويلزم عليه أن لا
يتمسك بالإجماع أيضا ، لأنّه اتفاق الفقهاء لا اتفاق
__________________
الفسقة.
وأيضا مسلّم عنده
أنّ خطاء المجتهد في الفروع لا ضرر فيه ، بل يكون مثابا البتّة أيضا ، فكيف يقول :
ولينتظر العذاب ( الأليم؟! بعد إصابة الفتنة ، وأنّهما يجتمعان فيه ، لا يكفي
أحدهما عذابا له ، وسائر الفسوق عليها عذاب واحد ) ، مع أنّه تعالى
قال ( أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) لا : وعذاب أليم.
وأيضا مسلّم عنده
أنّ المجتهد يجب عليه استفراغ وسعه والعمل بما أدّى إليه اجتهاده ، ويجب على
العامي أيضا تقليده ، فكيف يكون الشيء واجبا عليهم وموجبا لعذاب الدنيا والآخرة
والفتنة والعذاب الأليم؟ سيّما وأن يكونوا بأجمعهم كذلك.
إلاّ أن يقول :
إنّهم اتفقوا على عدم استفراغ الوسع وعدم السعي والإغماض عن طلب الحق ، مع أنّ
الجاهل يلاحظ ويرى أنّهم كانوا يبحثون ويفحصون ويتتبّعون ويتأمّلون ويناظرون
ويباحثون ويسعون ويجتهدون ، وهذا حال الجاهل ، فكيف يكون حال العالم بفعلهم
وطريقتهم وتأليفاتهم واستدلالاتهم؟!.
وأيضا طريقته ; في كتبه مثل
المسالك وغيره أنّه يطرح الأحاديث الصحيحة والمعتبرة بسبب مخالفتها لفتوى المشهور
أو القاعدة المشهورة أو الإجماع المنقول بخبر الواحد ، وربما كان
الناقل هو وحده ، بل ربما لا يوجد الفتوى بذلك من غيره ، وأين طرح الحديث بالمرّة
من
__________________
تقييد المطلق الذي
يقيّد بتقييدات كثيرة؟ وأين الشهرة في الفتوى من الإجماع الذي من اتفاق الفتاوى ،
مع نقل جماعة كثيرة غاية الكثرة الإجماع؟ وتؤيّد تلك الإجماعات والفتاوى بأخبار
كثيرة ، كما ستعرف ، وبعد الإغماض غاية الأمر التساوي ، وبعد الإغماض عن التساوي
أيضا غاية الأمر كون ما فعله أرجح ، إمّا التفسيق فكيف يمكن؟ سيّما بالفسق الذي
عليه أشدّ العذاب؟.
ومن شنائع ما في
الرسالة أنّه قال : بخلاف بعض الفقهاء ، وما أدري كيف عدّ جميع فقهائنا المتقدّمين والمتأخّرين
الذين يكون الشهيد الثاني واحدا منهم بعض العلماء؟ حيث قال : بخلاف بعض العلماء ،
بل ستعرف أنّه لم يوجد مخالف ، فكيف يكون جميع الشيعة مخالفين؟
وأعجب منه دعواه
الإجماع على عينية الوجوب ( في محلّ النزاع ) كما يظهر من الرسالة .
فإن قلت : هذه
المسألة عنده ليست ممّا يتعلّق بها الاجتهاد والتقليد.
قلت : ضروريّ
الدين أو المذهب لا يتعلّق بها الاجتهاد والتقليد ، والشيعة من زمان الأئمّة 7 إلى زمانه كانوا
تاركين للجمعة صلحاؤهم وزهّادهم وعدولهم وعلماؤهم وفقهاؤهم ، والفقهاء أفتوا
ما أفتوا ، ونقل الإجماع جماعة كثيرة ، بل هو ـ من باب : الغريق يتشبّث بكل حشيش ـ
في
__________________
الرسالة ما نقل
الخلاف إلاّ عن نادر منهم من بعض كتبه ، وإلاّ ففي باقي الكتب وافق غيره إلاّ من
شذّ ممّن لم يظهر بعد اعتبار قوله في مقام الإجماع ، مع أنّ المحقّقين من علمائنا
صرّحوا بأنّ عبارة النادر في بعض الكتب أيضا لا يظهر منها الخلاف ، وسيظهر لك أنّه
حق ، وكيف كان هذه المسألة خلاف ما ذكره أشبه بالضرورية ممّا ذكره.
فإن قلت : القرآن
والأخبار المتواترة يفيدان العلم واليقين ، ومنكر العلمي آثم غير معذور ، والخطاء
غير مأمون على الظنون لا العلميّات ، وإلاّ لزم معذورية الخاطئ في أصول الدين
ومنكر غدير خمّ.
قلت : لو تمّ ما
ذكرت لزم خروج الفقهاء عن الإيمان ، بل والإسلام أيضا ، ومع ذلك نقول : القدر
الثابت منهما وجوب صلاة الجمعة عينا ، وأمّا أنّ صلاة الجمعة ما هي؟ فلم يثبت ، والكلام
في الثاني في أنّ الإذن الخاصّ هل هو شرط لتحقّق ماهية صلاة الجمعة ، أو شرط
لصحتها ، أو شرط لعينيّة وجوبها لا تخييريته ، أو الإذن العامّ ينوب مناب الخاصّ
في بعض الصور ، أو ليس بشرط أصلا إن تحقّق هذا القول؟ وسيجيء الكلام فيه.
فإن قلت : يظهر من
بعض الأخبار أنّ الإذن ليس بشرط ، مثل ما أشار إليه الشارح من قوله 7 : « فإذا كان لهم
من يخطب » ، وقوله : « فإذا اجتمع سبعة » وكذا غيره من الصحاح الدالة على أنّ مع
عدم إمام الجمعة يصلّون الجمعة جماعة أربعا.
قلت : قد عرفت أنّ
الأوّل له ظهور في اشتراط الإذن والنصب ، سلّمنا لكن الظاهر منه اشتراط شيء زائد
على ما يقول به الشارح وصاحب الرسالة
ومن وافقهما ، (
بل لا شكّ في هذه الدلالة ولا شبهة ) ، فالأخبار لا دلالة لها على ما يقولون بوجه ، لثبوت الشرط
الزائد على أيّ حال ، واعتمادهم ليس إلاّ على كون الآية والأخبار مطلقة ، وتمسّكهم
إنّما هو بذلك ، فإطلاقهما كيف يدل على أنّ الزائد ليس ما يقول الفقهاء الماهرون
المطّلعون ، بل غيره ، بحيث لا يضرّ القول بالوجوب العيني؟ بل عدم الضرر أيضا لا
ينفعهم في مقام استدلالهم ، بل لا بدّ من النفع.
وحملها على قراءة
أقلّ الواجب من الخطبة المتفق عليه عند الكلّ قد عرفت فساده ، وأنّ الأطفال يمكنهم
هذه القراءة ، سيّما بعنوان التلقين ، فما ظنّك بإمام جماعة قوم مستجمع لشرائط
الإمامة مع كونه عربا؟ ولم يشترط أزيد من نفس القراءة.
وحمل الزائد على
أمر زائد عن نفس القراءة يوجب ورود ذلك الاعتراض عليهم بالنحو الذي عرفت ، بل نقول
بتعيّن كونه الإذن والنصب ، لما عهد من طريقة الرسول 6 وعلي والحسن 8 ، ويظهر من الأخبار المنجبرة بالشهرة وعمل الأصحاب ، ومن
الإجماعات المنقولة الكثيرة ( وغير ذلك ممّا مرّ وسيجيء ) مع أنّ ما دلّ
على حجّية الخبر الواحد يشمل الإجماع المنقول بلا شبهة.
والقول بأنّ الشرط
الزائد لعلّه الأمر المتفق عليه وهو قراءة أقلّ الواجب من الخطبة فاستدلالهم من
جهة الإطلاق بمكانه.
فاسد ، لأنّ القدر
الذي لم يتحقّق من أحد خلاف في اعتباره هو
__________________
نفس قراءة أقلّ
الواجب ، وهو الحمد لله ، والصلاة على محمد وآله ، وقول : اتقوا الله ، مع أنّ
المعتبر هو الإجماع لا عدم الخلاف.
سلّمنا الإجماع
على هذا القدر ، لكن لم يعتبر أزيد من نفس هذا القول ، فيصحّ وإن كان بعنوان
التلقين حال الخطبة ، وهذا يتمكّن منه الأطفال الغير المميّزة فضلا عن المميّز ،
فضلا عن البالغ ، فضلا عن العارف ، فضلا عن كونه إمام قوم ، فلا معنى لعدم إمام
الجمعة مع وجود إمام الجماعة لقوم وأهل قرية وجماعة ، وهذا فساده في غاية البداهة.
وإن اعتبر أزيد من
هذا ـ أيّ شيء يكون ـ يتوجّه عليهم الاعتراض المذكور ، إذ لا معنى لأن يقال :
الإطلاق يدل على أنّ القيد الزائد الذي ثبت من الصحاح ليس ما فهمه القوم واعتبروه
، بل أمر لم يعتبره أحد من الفقهاء ، أو اعتبره فلان منهم إذا ( اعتبرته أنا ) ـ يعني المستدل.
وأمّا الثاني وهو
قوله : « إذا اجتمع » فقد عرفت أنّه لا يظهر كونه كلام المعصوم 7 ، بل يحتمل كونه
كلام الصدوق ; لأنّ فتاواه مخلوطة مع الأخبار التي أوردها فيه ، وصرّح بذلك المحققون
الماهرون ، بل عرفت أنّ الراجح كونه كلام الصدوق .
مع أنّ الدلالة
على الوجوب العيني محلّ مناقشة ، لأنّه قال : « إذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمّهم
بعضهم » فلعل المعنى أنّ مع الخوف لا يصلّون الجمعة ، وإذا لم يخافوا يصلّون ، أي
يصحّ لهم أن يصلّوا ، بأنّه أمر في مقام توهّم الحظر ، فتأمّل ، سيّما وهو جملة
خبرية ، ويؤيّده أنّ
__________________
فتوى الصدوق في
بعض كتب فتاويه كذلك على ما أظنّه ، فتأمّل.
سلّمنا الدلالة
لكن يعارضها ما ستعرف من الأخبار ، ( مضافا إلى الإجماعات وغيرها ) ، مع أنّ المشتهر
بين الأصحاب حجّة دون غير المشتهر ، سيّما مع تأيّدها بما ستعرف وما عرفت من
الأخبار الظاهرة في استحباب صلاة الجمعة ، المتأيّدة بالشهرة بين الأصحاب والإجماع
الذي نقله الشيخ ( وغير ذلك ) . وعلى أيّ تقدير لا أقلّ من التساوي والتقاوم.
سلّمنا ما ذكرت
فالحكم بالفسق من أين؟ لأنّ الخطاء غير مأمون على الظنون.
فإن قلت : يطلقون
على ما نحن فيه لفظ صلاة الجمعة.
قلت : الإطلاق
أعمّ من الحقيقة وهو مسلّم عند الموجبين أيضا.
فإن قلت :
المتبادر الآن من لفظ صلاة الجمعة هذه.
قلت : القرينة
موجودة ، وهي عدم تحقّق الإذن والنصب ، مع أنّ المتبادر الصلاة الصحيحة بعنوان
اللابشرط ، فتأمّل.
مع أنّ النزاع
العظيم واقع في مطلق العبادات وفي خصوص المقام أيضا وقع نزاع خاصّ غير النزاع
العامّ.
فإن قلت : المصنف
يقول : الجمعة ركعتان كالصبح.
قلت : النزاع واقع
بينهم أنّها نفس الركعتين أو الركعتين الصحيحتين ، أعني المستجمعتين للشرائط ، مع
أنّ اصطلاح الفقهاء في كتبهم إنّما هو اصطلاحهم في كتبهم ، ولا يصير بهذا حقيقة
المتشرعة بأجمعهم ، فضلا أن
__________________
يصير حقيقة الشارع
، وتحقيق المقام في الأصول ، وسيجيء تتمّة الكلام.
قوله : فكيف يسع المسلم الذي يخاف الله تعالى. ( ٤ : ٨ ).
إن أردت أنّ
الأئمّة : طلبوا من الرواة وسائر الشيعة فعل الجمعة بعنوان الوجوب العيني ، ففيه أوّلا
: أنّهم 7 كيف أوجبوا وألزموا كلّ واحد من الشيعة أن يحضروا من كلّ طرف إلى فرسخين وما
زاد ويجتمعوا على إمام لهم سوى غير المكلّفين منهم والمرأة والمسافر والمملوك ومن
ماثلهم ، مع أنّهم 7 أوجبوا عليهم الجمعة أيضا إذا
حضروا إلاّ قليلا
منهم ، مع أنّ رواة إخبارك جميعهم من أكابر أهل الكوفة ، وما كانوا ممّن لا يعبأ
أهل السنّة في عدم حضورهم صلاة جمعة أهل السنّة ولا يصلّوا خلف إمام سلطان فيهم ،
فكيف كان يمكنهم ترك الصلاة معهم وعقد الصلاة على حدة بطريق الشيعة؟!
وبالجملة كيف
أوجبوا على جميع هؤلاء الاجتماع في كلّ جمعة على إمام يصعد ذلك الإمام بينهم
المنبر ويخطب الخطبة على طريقة الشيعة ويذكر أئمّتنا : لا أئمّة الجور ـ على ما هو مقتضى روايتك ـ ويصلّي
الركعتين على طريقة الشيعة ويترك بدع العامّة ولا يراعي شرائط العامّة من التمدّن
وغيره ممّا هو ظاهر من هذه الروايات؟ فإنّهم لو فعلوا ذلك جمعة واحدة لاشتهروا
بالتشيّع اشتهار الشمس في وسط النهار وبلغ صيتهم الأمصار والأقطار بحيث لا يخفى
أمرهم على الصغار فضلا عن الكبار.
مع أنّ الجمعة
منصب السلطنة عند العامّة قالوا بذلك أو لم يقولوا على ما هو المشاهد بالعيان
والمعروف منهم في كل زمان ، بحيث لو كان
__________________
فقيه منهم يفعل
ذلك بغير رخصة من السلطان وإن صلّى بطريقة أهل السنّة لربما قتلوه ، فما ظنّك
بإمام الشيعة وأن يصلّي على طريقة الشيعة مخالفة للعامّة؟
مع أنّ الشيعة
وأهل السنّة في زمانهم كانوا مخلوطين غاية الخلطة ، ومع ذلك كان بينهم غاية
العداوة والعصبية ، فكيف كان إمام الشيعة مع جميع ما ذكرناه يتأتّى منه أن يقوم
على المنبر على رؤوس الأشهاد في ذلك المشهد العظيم غاية العظمة في جمعة واحدة في
صلاة الجمعة؟ وإنّ عوام أهل السنّة كانوا يقتلونه بالحجارة وما كانوا يدعون أن يصل
خبرهم إلى سلطانهم ، وسلاطينهم في غاية العداوة مع الشيعة كانوا يتفحّصون
ويتجسّسون عسى أن يعثروا على واحد منهم فيقتلونه ، وربما كانوا بمجرّد المظنّة أو
التوهم كانوا يقتلون ، فإذا كانت جمعة واحدة لا يمكنه ذلك ولا للشيعة فكيف الإيجاب
عليهم في كلّ جمعة؟
مع أنّ ما كان جميعهم
أرباب الأحلام ، بل غالبهم أرباب الجمعة ، ولذا كانوا في الغب يخالفون التقيّة ،
فلو كان الأمر على ما ذكرت لكانوا يدعون الإمام المنصوب من قبل سلطان الجور
فيهجمون الشيعة على إمام الشيعة ، لأنّهم سمعوا من إمامهم أنّه أوجب عليهم الحضور
عند إمام الشيعة الساعة وفتنة كبيرة يبقى صيتها إلى يوم القيامة ، هذا.
مع أنّ سلطان
الجور كان شاهرا سيفه على الأئمّة : ، ينتهزون فرصة وتهمة ويسارعون بأدنى مظنّة ، كما لا يخفى
على من له أدنى فطنة.
__________________
وبالجملة مع جميع
ما ذكرنا وأضعاف ذلك بحيث لا يخفى على من له أدين فطنة كيف كان الأئمّة : يأمرونهم بمضمون
رواياتك ويؤكّدون ويشدّدون ويبالغون ويهدّدون ، مع ما عرفت من المفاسد اليقينة
والمخالفة للتقيّة الجزمية؟
مع أنّهم صلوات
الله عليهم كانوا يأمرون الشيعة بإخفاء أنفسهم عن نسائهم من العامّة وجيرانهم منهم
بحيث يتعقدون أنّهم من أهل السنّة ، ويبالغون في هذا المعنى نهاية المبالغة ،
وكانوا يوقعون بينهم الاختلاف بهذه الجهة ويأمرونهم بترك الواجبات وفعل المحرّمات
وأباحوا لهم جميع ذلك ، بل أوجبوا عليهم سوى الدماء لأجل التقيّة ، إلى غير ذلك
ممّا يدل على سبيل اليقين على أنّهم 7 ما كانوا يأمرون الشيعة بشيء عسى أن يؤول إلى خلاف
التقيّة ، فيما ظنّك بمضمون تلك الروايات؟
مع أنّ الشيعة
أيضا ما كانوا يفعلون ـ كما يظهر من الأخبار ـ وكانوا يتركون مع كونهم هم الرواية
لتلك الأخبار ، وربما كان بعض الأئمّة : يرغّب جمعا منهم بفعل الجمعة بأن يقول : « أحبّ للرجل أن
لا يخرج من الدنيا إلاّ ويتمتّع ولو مرّة ، ويصلّي الجمعة جماعة ، ولو مرّة » وأمثال هذه
العبارة الظاهرة في غاية الظهور في الاستحباب ، لا على حسب مضمون رواياتك.
ومعلوم يقينا
أنّهم ما يريدون إلاّ بحيث لا ينافي التقيّة ، وما ينافي ذلك إلاّ بأن يفعل جماعة
من أوليي أحلام الشيعة ، الحاذقين في أمر التقيّة المتحفّظين خلافه ، لا بأن
يفعلوا في خبايا بعض البيوت الخفيّة البعيدة عن
__________________
البلد والمصر
الواقعة بين جماعة كلهم شيعة.
ومع ذلك لا يمكن
ذلك إلاّ من عدد قليل ، عشرة وما قاربها ، ويفعلوا ذلك بنحو لا يتفطّن به نساء
الشيعة وأطفالهم وجهّالهم ، إذا لم يكن على أفواههم وألسنتهم الأوكية ، كما كان
الأئمّة : يشكون من ذلك .
ومعلوم أنّ ذلك لا
يتأتّى من الحاذقين أيضا إلاّ نادرا غاية الندرة ، ولا يناسب ذلك الإيجاب عليهم ،
إذ ربما يؤدّي ذلك إلى الحرج ، لعدم معروفيته لأحد الذي بسببه يترك الواجب
والفريضة الشديدة ، وربما يؤدّي التزامه إلى خلاف التقية [ بمقتضى العادة ] إلى غير ذلك ممّا
سنذكر الوجه في استحبابها عند عدم بسط يد الإمام ، ولو ضايقت عن الاستحباب أيضا
فلا مضايقة معك ، لأنّ الكلام في بطلان أسند لا لك.
وثانيا : أنّ
الطلب فرع معروفية المطلوب ، ولفظ صلاة الجمعة معناه ليس بضروري ، بل محلّ نزاع
عظيم ، كما ستعرف ، ومعناه له أجزأه كثيرة وترتيب وهيئة وأحكام وشروط كثيرة وأحكام
لها ، وجميع ذلك نظريات ، بل كثير منها في أخفى النظريات.
فهل كان الرواة
يعرفونها أم لا؟
والثاني بطلانه
واضح ، لعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
إلاّ أن يقول :
وقت صدور الروايات ما كان وقت الحاجة ، لكن بيّنوا لهم عند وقت الحاجة.
ففيه : أنّه يرجع
إلى الشقّ الأوّل من الترديد ، وسنورد عليه إيرادات.
مضافا إلى أنّه
كيف في جميع هذه الروايات ما أشير إلى وقت
__________________
الحاجة؟ ولا إلى
البيان بعد وقت الحاجة؟ مع أنّهم عادتهم أنّهم يروون كلّ ما بلغهم عن المعصوم 7 ، فكيف ما رووا
هذه الأمور مع اتفاقهم على رواية أصل الوجوب ، مع كون هذه الأمور يحتاج إلى البيان
، : وما بلغهم بيان لهم؟ وأيضا كيف ما ذكروا البيانات عند ورود تلك الروايات
للراوين عنهم ، وكذلك الراوين عنهم ، وهكذا إلى أن وصل رواياتهم إلى فقهائنا؟
فإن قلت : إنّ
الرواة عنهم أيضا ما كان قوت روايتهم وقت حاجتهم ، وهكذا إلى زمان الفقهاء ،
ووصلهم البيانات بعد ذلك.
قلت : كيف ما
نقلوا إلى زمان الفقهاء؟ مع أنّ ما ذكر لا يتأتّى في نفسه ، كما لا يخفى على
المتدبّر.
فإن قلت : إنّهم
كانوا يعرفون جميع هذه الأمور المذكورة التي ليست بضرورية ، بل وكلّ ما كانت
مشكلة.
ففيه أوّلا : أنّه
كيف يمكن أن يكونوا يعرفون هذه الأمور وما كانوا يعرفون وجوب الجمعة؟ بل هذا فاسد
قطعا ، إذ كثير من هذه الأمور فرع وجوبها.
مع أنّها كيف
يجوّز عاقل أن يكون بعد أن يعرف معنى العبادة الواجبة وأجزاءها وأحكامها وشرائطها
لا يعرف نفسه وجوبها؟
وثانيا : أنّ نفس
الوجوب من بديهيات الدين ، فكيف كأني يخفى عليهم بأجمعهم حتى احتاجوا إلى معرفة
الوجوب؟ مع أنّ كلّ واحد واحد من شرائط الجمعة وآدابها وأحكامها كان وصل إليهم من
الرسول 6 وعليّ والحسن والحسين 7 بعنوان التواتر ، ولو لم يكن الكلّ فكثير
__________________
منها ، مثل أنّهم 7 يمنعون عن البيع
وقت النداء ، ويوجبون الحضور على البعيدين ، وغير ذلك ممّا هو في كتب الأحاديث
والتواريخ مذكور ، بحيث لا يختلجه ريب.
مع أنّهم كانوا
يقرؤون القرآن ويفهمونه أحسن منّا كيف ما قرؤوا سورة الجمعة ، أهم ما كانوا يفهمون
العربية ، مع أنّهم يستدلون ، وليسوا بأقصر منكم؟! ومع أنّه لم يتأمّل أحد من
المحرّمين والمخيّرين أنّ وجوب الجمعة بحسب الأصل كان عينيا ، وأنّه عند حضور
الإمام أو نائبه الخاص وبسط يدهما تكون الجمعة واجبة على كلّ كافر فضلا عن المسلم
وجوبا عينيا من يوم نزول الآية إلى يوم القيامة ، وادعوا الإجماع ، فمع ذلك كيف
يحتاج الرواة إلى إظهار وجوب الجمعة مع كونه من أجلى البديهيات ، وما احتاجوا إلى
معرفة جميع تلك النظريات ، وسيّما الخفيات منها ، وكان معرفتها أجلى من معرفة نفس
قصر الجمعة؟! هذا فاسد قطعا.
على أنّ الرواة
عنهم أيضا كانوا يعرفون كما كانوا يعرفون أم لا؟ وعلى الثاني كيف ما عرّفوهم؟
لأنّهم مشاركون معهم في التكليف ، والتكليف فرع المعرفة ، ولو كانوا عرّفوهم
وكانوا هؤلاء أيضا يعرفون فننقل الكلام إلى الراوي ، وهكذا إى زمان الفقهاء فإن كانوا يعرفون أو
يعترفون على وفق ما قاله الفقهاء فهذه الروايات حجّة عليك لا لك. وإن كانوا يعرفون
ويعترفون على من توافق إليه فكيف اتفق فقهاؤنا المتقدّمون والمتأخّرون حتى الشهيد
الثاني على خلافه ، ونقلوا الإجماعات المتواترة مع عدالتهم وورعهم؟! وأعجب من هذا
أنّك [ تفهم ] خلاف الفقهاء ،
__________________
مع أنّه لا طريق
إلى الفهم لك سوى ما نقلوا وذكروا.
وثالثا : أيّ
فائدة في استدلالك وقد عرفت أنّه لا تأمّل لأحد في وجوب الجمعة عينيا على الكافرين
أيضا مع اجتماع جميع الشرائط ، إنّما تأمّلهم في ما ذكرت من أنّهم كانوا يعرفون ،
فمن أين كانوا يعرفون على وفق مرادك ، وما كانوا يعرفون على ما عليه الفقهاء؟ بل
الثاني أولى ، كما عرفت.
فإن قلت : الوارد
في تلك الروايات ليس إلاّ وجوبها على كل أحد ، وكون شيء شرطا يحتاج إلى الثبوت ،
فما ثبت نقول به.
قلت ، إن أراد
الوجوب من غير اشتراط شيء فقد عرفت فساده ، وإن أراد الوجوب بشرطه وشروطه ، فقد
عرفت ، الحال ، وإن أراد القدر المشترك بينهما ، ففيه : أنّه أيضا ليس محلّ النزاع
، لأنّ الخاصّ إذا لم يكن محلّ نزاع أحد فالعامّ بطريق أولى ، ومع ذلك العامّ لا
يدل على الخاصّ ، فأيّ فائدة في استدلالك؟
فإن قلت : لعله
يثبت مطلوبه بضميمة الأصل.
ففيه : أنّه إذا
كان الأصل حجّة ونافعا فهو دليل مستقل لا حاجة إلى الآيات والأخبار أصلا ، مع ما
عرفت من أنّ الوجوب بشرط ولا بشرط ليس محلّ نزاع أحد ، والكلام في دلالة الآية
والأخبار ، والأصل لو كان دليله فهو دليل واحد ليس إلاّ ، مع ذلك ما أشار إليه
المستدل أصلا ، وما ذكروا لا طائل تحته ، لأنّ الضروري لا يتوقّف على الدليل ،
فضلا عن كون الدليل ظنّيا.
ومع ذلك ستعرف أنّ
الأصل لا ينفعه أصلا ، بل إن كان المراد أصل البراءة فهو ينفع المخيّر ، وإن كان
أصل العدم فينفع المحرّم لا غير.
فإن قلت : لعله
يثبت بالإطلاقات.
ففيه : إن أراد
الإطلاق من غير تقييد أو بقيوده ، فقد عرفت حالهما.
وإن أراد الإطلاق
المطلق ، ففيه : أنّه فرع معرفة المطلق ، وفيه النزاع ، كما عرفت وستعرف ، ومع ذلك
فرع أن يكون المراد طلب الأركان المخصوصة من غير اعتبار الشرائط فهو فاسد قطعا ،
لأنّ ضرورة الدين يحكم بأنّ الأركان المخصوصة مع قطع النظر عن الشرائط ليست مطلوبة
على اليقين ، بل ومبغوضة ، وبديهي أنّ المراد بشروطه ، فقد عرفت الحال.
وإن أراد أنّ
المقام ليس مقام الطلب بل مقام حكاية نفس الوجوب ، فما اقتضته الدواعي على هذا
النقل ، مع عدم داع إلى نقل الشرائط؟ كما كانوا يقولون : الجهاد واجب ، وأمثاله.
مضافا إلى أنّ
الأصل عدم إرادة ما هو زائد عن اللفظ والعبارة ، فهو كلام حقّ ، لكن لا ينفعه في
الاستدلال ، فإنّ المحرّمين والمخيّرين أيضا على سبيل الحكاية يقولون : الله تعالى
جعل من الواجبات العينية صلاة الجمعة ، وأنتم أيضا حينما تقولون لا تريدون إلاّ
الحكاية ، لا أنّكم تطلبون من أحد أن يقوم إلى صلاة الجمعة ، لأنّ كلامكم في
الغالب ليس يوم الجمعة وبعد دخول وقت الصلاة وعند اجتماع الشرائط ، إنّ مرادكم :
من الموجودين والمعدومين معا ، كما هو الحال في رواياتك ، ولا شك في أنّكم إن
أردتم أن يقوموا إليها فمرادكم بشروطها وبعد تحقّقها ، وإن أردت الإجمال فالإجمال
لا يناسب الاستدلال.
فإن قلت : ما ذكرت
من الإيرادات يرد على المخيّرين والمحرّمين أيضا.
قلت : ليس كذلك ،
لأنّهم يقولون : متى حصل جميع الشرائط
والتمكّن يجب
وجوبا عينيا على الكافرين فضلا عن المسلمين ، ومن الشرائط الأمن من الضرر مطلقا ،
ولو اختلّ أحد الشرائط يصير حراما فضلا عن أن يكون واجبا ، وهذا هو مقتضى الأدلة
قطعا بحيث لا يخفى على من له أدنى فهم ، إلاّ أنّ المخيّرين يقولون : إذا كان
المختلّ هو خصوص حضور الإمام أو نائبه تصير مستحبة ، كصلاة العيدين ، لما اقتضاه
الأدلة ، كما عرفت وستعرف ، وأمّا إذا كان شرط آخر فهي حرام ، كما اقتضته القاعدة.
فإن قلت : لعل
المستدل أيضا كذلك ، إلاّ أنّه يطالب بدليل اشتراط الإمام أو نائبه ، لأنّ
الاشتراط حكم وضعي شرعي ، وكلّ حكم شرعي موقوف على الثبوت.
قلت : عينية وجوب
الجمعة بالنحو المذكور من بديهيات الدين ، فلا وجه لاستدلاله ، وعلى من يحتجّ؟ إذ
لا منكر لها إلاّ وهو كافر ، وكلامنا في أنّه لا وجه لاستدلاله أيضا ، إذ كون
استدلاله من جهة الإطلاقات قد عرفت فساده ، وكذا من جهة الأصل لو استدل به.
وأمّا مطالبته
بدليل الاشتراط فـ ـ مع أنّها لا دخل لها في استدلاله بما استدل ويكون أمرا آخر ـ مشترك
الورود ، لأنّ كون الواجب في زمان الغيبية هو الجمعة لا غير حكم شرعي أيضا ، بل هو
أولى بالتوقّف على الثبوت ، سيّما بملاحظة أنّ الواجب بالضرورة من الدين إمّا
الجمعة أو الظهر ، وشغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، ولذا يكون
الواجب على المكلّفين فعلهما جميعا ، لانصار البراءة اليقينة والامتثال العرفي فيه
بلا شبهة
ومسلّم عند
الفقهاء ، وعليه أدلة ظاهرة حقّقناه في الفوائد .
نعم إذا اجتهد
مجتهد وحصل له رجحان معتدّ به وحصل له اليقين بجواز تعويله على رجحانه بحيث يكتفي
به وإن كان في مقام لزوم تحصيل اليقين والتمكن من اليقين فإنّ هذا المجتهد
والمقلّد له يكتفيان [ ب ] ترجيحه ، مع كون الاحتياط والمستحب فعلهما معا لو لم يمنع مانع من
الاحتياط ، كما حقّقنا فيها ، وخصوصا أيضا بعد ملاحظة أنّ التكليف كان أوّلا بالظهر
يقينا ، وتغيّر التكليف إلى الجمعة لم يكن بالنسبة إلى جميع المكلّفين ، فلم يثبت
التغيّر في ما نحن فيه ، هذا ، وغير ذلك ممّا ستعرف وعرفت.
هذا مع أنّ من
يقول بالاشتراط يدعي الإجماع ، وهو من الأدلة اليقينية بل أقواها ، والمستدل يكتفي
بالظنّي فكيف باليقيني؟ فإن ادعى ظهور بطلان إجماعهم بسبب وجود المخالف فهو غلط
قطعا من وجوه متعدّدة ستعرفها.
وإن ادعى أنّه لم
يحصل له العلم بكونه حقا ، ففيه : أنّ غالب البديهيات مثل الحسيّات والتجربيات
والمشاهدات وغيرها لا يظهر على غالب الناس ، فما ظنّك بالكسبيات التي مثل الإجماع
، وليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم.
وإن أراد أنّه لم
يثبت عليه ، فمعلوم أنّ أخبار الآحاد أيضا لا تثبت
__________________
عليه ، إلاّ أنّ
الأدلّة الدالة على كونها حجّة اقتضت حجّيتها ، ومعلوم أنّها شاملة للإجماع
المنقول بخبر الواحد ، مع أنّ نقل الإجماع فيه متواتر ، كما لا يخفى على المطّلع.
ويدل على الاشتراط
ـ بعد الإجماع ـ الأخبار الكثيرة بل المتواترة ، كما عرفت وستعرف ، مضافا إلى
الاعتبار اليقيني ، وستعرفه أيضا.
هذا حال المخيّر
والمحرّم في اشتراطهم ، مضافا إلى الأصول التي عرفت وستعرفها ومنها : كون العبادات
توقيفية ، فمع اجتماع جميع الشرائط الإجماعية والنزاعية تكون عبادة مطلوبة قطعا ،
ومع عدم النزاعي تكون عبادة مطلوبة تتوقّف على الثبوت من الشرع ولم يثبت ، وستعرف
هذا أيضا مفصّلا.
وأمّا المستدل
فليس له دليل أصلا ، كما عرفت ، ولا له أصل ولا قاعدة ولا اعتبار ظنّي فضلا عن
القطعي ، ولا إجماع ظنّي فضلا عن المتواتر ، بل ولا شهرة له لو قلنا بوجود موافق
له فإنّه شاذّ البتّة ، مع أنّك ستعرف ما فيه ، وليس له مؤيّد ، بل الكلّ عليه ،
كما ستعرف.
فإن قلت : إذا
صلّى المصلّي صلاة الجمعة في زمان الغيبة صدق عليه عرفا أنّه صلّى الجمعة ، فهي
صلاة الجمعة ، وكلّ صلاة الجمعة واجبة عينا بالآية والأخبار ، فهي واجبة عينا.
قلت : الكلّية
ممنوعة بوجوه متعدّدة ، أمّا الآية فقد مرّ الاعتراضات الكثيرة ، وسيجيء أيضا ،
وأمّا الأخبار فقد مرّ أيضا الاعتراضات على الاستدلال بخصوص كل حديث حديث ،
والاعتراضات على سبيل الكليّة بأنّ المقام ليس مقام الطلب ، على أنّه لا أقلّ من
عدم ثبوت كون المقام مقام الطلب ، والسند قد عرفت ، وعلى تسليم كون المقام مقام
الطلب فلا شك
في كون المراد
بشرطها وشروطها ، كما عرفت ، فالواجب ليس مطلق صلاة الجمعة ، بل بشروطها ، وصدق
بشروطها أيضا على ما نحن فيه عرفا مصادرة ومكابرة.
سلّمنا ، لكن ليس
في الأخبار أنّ كل ما يطلق عليه لفظ صلاة الجمعة بأيّ إطلاق في أي عرف واجبة ، بل
صلاة الجمعة واجبة على كل مكلّف.
وعموم المفرد
المحلّى باللام على تقدير التسليم لا يستلزم العموم الذي ذكرت ، لكن العموم إنّما
هو بالنسبة إلى أفراد المعنى الذي أراد المعصوم 7 ، لا بالنسبة إلى كل معنى استعمل هذا اللفظ فيه بأيّ
استعمال ومن أيّ مستعمل ، وذلك واضح.
وكون ما نحن فيه
بعينه المعنى الذي أراده المعصوم 7 أو ممّا صدق عليه حقيقة أوّل الكلام ، إذ يتوقّف على ثبوت
مقدّمات نزاعية غير ثابتة :
الأولى : كون
الأصل في الاستعمال الحقيقة ، إذ كون ما نحن فيه صلاة الجمعة مجازا لا فائدة فيه
أصلا ، وهو ظاهر.
والثانية : كونه
حقيقة عند جميع المتشرعة ، وفيه أيضا نظر ومنع قد عرفت وستعرف السند.
والثالثة : ثبوت
الحقيقة الشرعية سيّما في مثل ما ذكرت.
سلّمنا ، لكن صدق
: صلّى الجمعة ، على من صلّى الصلاة الفاسدة بمرتبة لا يحصى ، لعدم إحصاء الصلوات
الفاسدة ، مثلا من صلّى الجمعة في حال شدّة التقيّة وخالف التقيّة صدق عليه أنّه
صلّى الجمعة ، وقس على هذا سائر الشروط وجميع الأبعاض حتى مثل تشديد ربّ العالمين
وفتحة الراء وترتيبه ، إلى غير ذلك ، وتخصيص العامّ إلى هذا القدر لا يرضى به
المحقّقون ، مع
أنّا لم نجد فرقا بين هذا الصدق والصدق الذي في ما نحن فيه أصلا ، فمثل هذا الصدق
كيف ينفع؟
مع أنّه كما يجوز
التخصيص كذا يجوز أن يكون المراد في الأخبار صلاة الجمعة الصحيحة على القول بأنّ
صلاة الجمعة اسم لمجرّد الأركان المخصوصة ، وإلاّ فعلى القول بأنّها اسم لخصوص
الصحيحة ـ كما هو أحد القولين وأقواهما ـ فلا معارضة ، فلا غبار أصلا.
على أنّه لا شك في
كون صحة ما نحن فيه مشكوك فيها ، والصحة عبارة عن موافقة الأمر أو إسقاط القضاء ،
فأي فائدة في الصدوق المذكور ، لأنّ الصحة لا بدّ منها قطعا ، سيّما بالمعنى
الأوّل ، فتأمّل.
قوله : إذا سمع مواقع أمر الله. ( ٤ : ٨ ).
إن أراد أن بمجرّد
سماع اللفظ يجب المبادرة إلى الامتثال وإن لم يعرف المطلوب والمرام ولم يتمكّن منه
، ففاسد قطعا ، لأنّ الفهم والتمكّن شرط في التكليف بضرورة العقل والدين والآيات
القرآنية والأخبار المتواترة ، بل هو أعظم الشروط وأصلها واسّها ، وعموم الوجوب
على كل مسلم مسلم لا نزاع فيه ، بل وإن لم يكن مسلما ، إلاّ أنّه مشروط بما ذكر
ومخصّص به.
وإن أراد أنّه لا
سترة في المطلوب أيضا إلاّ أنّ فقهاءنا المتقدّمين والمتأخّرين صاروا أحمقين ،
فحاشا الشهيد الثاني وحاشاهم.
وإن أراد أنّه كشف
السترة ، فليس في كلامه عين ولا أثر ، إذ لم يزد على الإتيان بما دل على وجوب
الجمعة ، وهو بديهي الدين ، والنزاع في أمر آخر ، فما لا نزاع فيه أطال في القيل والقال
، وما فيه النزاع لم يشر إليه أصلا.
فإن قلت : لا سترة
في المطلوب ، لأنّ صلاة الجمعة يعرفها كلّ أحد.
قلت : فاسد قطعا ،
لأنّ العبادة وظيفة الشرع لا طريق للعقل ولا للعرف إليها أصلا ، فإن أراد الثبوت
من الشرع ، فستعرف فساده.
وإن أراد أنّه لم
يتحقّق من الفقهاء نزاع فيها بل نزاعهم في أنّ من شروطها الإمام أو نائبه أم لا ،
فلذا ما تعرّض لشأنها وأبطل اشتراطها.
قلت : صريح عبارة
المحرّمين أو بعضهم أنّ المقام ليس بصلاة الجمعة ، بل هو أمر حرام ، وهو تعالى
أوجب الأوّل دون الثاني.
وأيضا النزاع واقع
في أنّ العبادات أسام للصحيحة أم للأعمّ ، ولا شك في أنّ المحرّم يقول بعدم الصحة
، فالنزاع في الماهية موجود.
فإن قلت : يظهر من
بعض الأخبار أنّها ركعتان مثل سائر الصلوات.
قلت : الكلام في
الركعتين هل هو اسم للصحيحة أم لمجرّد الأركان؟
ولا شك في أنّ
الجمعة للصحيحة ليست مثل سائل الصلوات الصحيحة ، فعلى القول بأنّها اسم للصحيحة
كيف يثبت وجوب المقام مع خلّوها عن الشرط المتنازع؟ فما لم يثبت أنّه صحيح كيف
تقول : لا سترة فيه؟
فإن قلت : الأظهر
عندي أنّه اسم للأعم.
قلت : الأظهر أنّه
اسم للصحيح ، للتبادر عند الإطلاق ، وصحة السلب ، وغير ذلك ممّا حقّقناه في
الفوائد ، خصوصا بملاحظة الأوامر الواردة.
سلّمنا ، لكن ثبوت
ما ذكرت من أين؟ فضلا أن تقول : لا سترة فيها ولا شبهة.
__________________
سلّمنا ، لكن
ضروري الدين أنّ الجمعة بغير الشروط لا تصير ولا تكون مطلوبة ، فبمجرّد استماع
الآية والأخبار يتبادر إلى ذهننا أنّ المراد ما هو بالشرائط قطعا ، لأنّ الضرورة
من الدين تصير منشأ للتبادر والسبق إلى الفهم ، كما يفهم من الأمر بقراءة دعاء
العرفة الاستحباب ، وغير ذلك ممّا أشرنا إليه في رسالة الإجماع والفوائد مع غاية وضوحها ،
فعلى هذا يرجع إلى الأوّل ويصير مثل القول بكونه اسما للصحيحة من دون تفاوت ، كما
لا يخفى.
مع أنّ عدم
التعرّض للشروط الإجماعية كاشف عن كون المقام مقام بيان نفس الوجوب لا التعرّض إلى
الشروط ، والوجوب على كل أحد مقام وكونه مشروطا بشروط مقام آخر ، كما لا يخفى على
العارف ، وأشرنا إلى مثل ذلك في مبحث الحيض .
وبالجملة : لا شك
في وجوبها على كلّ أحد ، ومع ذلك لا شك في كونها مشروطة بشروط كثيرة ، وكونها
واجبة على كل أحد لا يقتضي ان لا تكون مشروطة ، فإذا لم يكن المقام مقام التعرّض
لذكر الشروط لا يكون عدم الذكر دليلا على العدم ، وعلى فرض أن لا يكون حديث يدل
على اشتراطه لا يقتضي أن لا يكون شرطا ، لأنّ مع الاحتمال لا يعلم كون الخالية عنه
صلاة الجمعة صحيحة ، نعم مع الوجود تعلم الصحة ، فيعلم كونه مطلوبا ، فكيف لا يكون
سترة أصلا في كون الخالية صلاة الجمعة؟ مع أنّ الظاهر والموافق للقاعدة أنّها ليست
صلاة الجمعة ، كما عرفت.
فإن قلت : لعله
بنى على أنّ الأصل عدم الاشتراط.
__________________
قلت : إن أراد من
الأصل أصل البراءة فـ ـ مع أنّه لا يجري في ماهية العبادة كما حقّق ـ مقتضاه رفع
التكليف لا إثباته ، ولذا جعل من شروطه رفع التكليف ، وهو ظاهر أيضا ، لأنّه مقتضى
أدلة هذا الأصل ، نعم هذا الأصل ينفع القائل بالتخيير في المقام.
وإن أراد استصحاب
العدم الأصلي ، ففيه ـ مضافا إلى أنّه ليس حجّة عند جمع من المحقّقين ـ : [ أنّهم ] متفقون على عدم
جريانه في بيان العبادات ، ويدل عليه أدلة قطعية ذكرناها في الملحقات. وعلى تقدير
الجريان فكما يجري في صلاة الجمعة كذا يجري في صلاة الظهر ، فالترجيح من غير مرجّح
باطل.
ومع ذلك الترجيح
في الظهر ، لاستصحاب بقائها وعدم ثبوت الخلاف ، لأنّ الظهر كانت واجبة قبل الجمعة
ثمّ تغيّر التكليف إلى الجمعة لا بالنسبة إلى جميع المكلّفين ، بل بالنسبة إلى
المستجمع لشرائطها ، وكون المقام مستجمعا للشرائط أوّل الكلام ، فالأصل بقاء الظهر
ولم يثبت خلافه ، مع أنّ الأصل عدم الاستجماع ، مع أنّه كما أنّ الأصل عدم شرط
كذلك الأصل عدم كون الباقي صلاة الجمعة ، كما هو ظاهر وحقّقناه مشروحا في
الملحقات.
وبالجملة : الأصول
مع المحرّم بلا شبهة ، مع أنّه كيف يكون المقام لا سترة فيه أصلا؟.
__________________
فإن قلت : في بعض
الأخبار قالوا : « فرضها الله في جماعة » وهذا يدل على أنّ الجماعة من حيث هي هي تكفي.
قلت : هذا غلط
واضح ، لأنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه ، وهذا بعينه مفهوم الوصف الذي عند
المحققين أنّه ليس بحجّة . نعم ربما يكون فيه إشعار ، إلاّ أنّه منتف في المقام ،
لأنّ العدد شرط في الجماعة بل هو أنسب إلى الجماعة وأقرب إليها ومع ذلك لم
يتعرّضوا له ولا لغيره ( من الشروط ) ، فحصل اليقين بأنّ المقام ليس مقام التعرّض إلى الشروط.
فإن قلت : لعله
وكلّ معرفة الشروط التي لم تذكر إلى المعروفية من الخارج.
قلت : هذا فاسد ،
لأنّ وجوب الجمعة مع كونه من ضروري الدين وكذا سقوطها عن مثل الصغير والمجنون
وأمثالهما تعرّضوا للذكر ، فكيف وكلّوا إلى الظهور ما لم يثبت إلاّ بحديث؟ كما
سيجيء ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز قطعا.
مع أنّ الأصل عدم
إرادة ما زاد عن مدلول العبارة ، فإنّ المقام مقام بيان نفس الوجوب الذي لا نزاع
فيه ، وكذا لا نزاع في كونه مشروطا بشروط كثيرة.
سلّمنا ، لكن
الشروط المسلّمة عنده ربما تثبت بدليل ظنّي مثل خبر الواحد ، فكيف لا يثبت كون
الجمعة منصب الإمام 7 بالإجماعات
__________________
المتواترة
والأخبار المتواترة والدليل العقلي القيني الذي يأتي؟! ومن جملة الأخبار : الصحيفة السجّادية
المتواترة بين الشيعة والزيدية وأهل السنّة أنّها من المعصوم 7 ، مع أنّ متن
الأدعية ينادي بأعلى صوت أنّها منه.
وأمّا الدلالة فهي
أيضا قطعية ، لأنّه لو كان صلاة الجمعة واجبة عينا عليهم لما قال 7 : ابتزّوها وغصبوها من غيرهم
، مضافا إلى باقي العبارات ، ولذا لو شهد أحد واتفق أنّه لم يكن عادلا لا يقال :
هذا المقام لخلفائك ابتزّها منهم ، فضلا عن سائر العبارات وضمّ صلاة العيدين ،
وسيجيء كونها منصبهم بلا تأمّل.
ومنها : قولهم 7 : كلّ عيد يجدّد
حزنا لآل محمد 7 ، لأنّهم يرون حقّهم في يد غيرهم ، مشيرين إلى
العيدين. وكذا قول معلّى بن خنيس حينما يصعد إمامهم المنبر : اللهمّ إنّ هذا
المقام ، الدعاء.
وبالجملة : الخدشة
في دلالة هذه مثل الخدشة في قول النبي 6 : « من كنت مولاه
فعليّ مولاه » بل أشدّ بمراتب.
وأمّا الإجماعات
فقد بلغت حدّ التواتر وفاضت وزادت ، ولم نجد مسألة من مسائل الفقه بهذه المثابة ،
مضافا إلى جميع ما ذكرناه وسنذكر ممّا
__________________
يظهر من الأخبار
والإجماعات المتواترة والفتاوى ، وطريقة النبي 6 وعلي والحسن والحسين 7 والشيعة ، والقواعد الشرعية ، إذ الإجماعيات ربما نقلوا [
فيها ] إجماعا واحدا أو اثنين أو ثلاثا ، لا عدد التواتر ، ولا طريق إلى الخدشة
فيه ، لأنّه لا يمكن الخدشة في المتواترات بأن يقال : السند مرسل ، أو فلان خارج ،
وأمثال ذلك.
مع أنّ خروج معلوم
النسب غير مضرّ بإجماع الشيعة إجماعا من الشيعة ، ولذا لا يضرّ خروج ابن الجنيد في
الإجماع على حرمة القياس ، وكذا غيره ، وليس المقام مقام البسط ، وقد أشرنا في
الجملة في رسالة الإجماع وغيرها ، مع أنّه ستعرف عدم وجود مخالف ، وبعد اللتيا
والتي كيف يقول : لا سترة فيه؟
فإن قلت : لعله
تعرّض بالقائل بالتخيير ، لأنّه يقول بصحة المقام ومع ذلك يقول بالتخيير ، مع أنّ
الأدلة تقتضي العينية ولا تعريض له بالمحرّم.
قلت : هذا فاسد ،
كما لا يخفى ، ومع ذلك نقول : قد عرفت كونها منصب الإمام ، وجميع مناصبه يباشرها
بنفسه أو بنائبه حتى الإمامة والحكومة ، لأنّ مباشرتها بنفسه إنّما كانت في بلده ،
وفي بعض الأوقات وأكثرها لا جميع الأوقات ، فإذا كانت منصبه فله أن يرخّص غيره
بعنوان الخصوص ( كما قلنا ) وله أن لا يرخّص كما هو الأمر في الجهاد ، وله أن يرخّص
وينصب بعنوان العموم ، كما هو الأمر في القضاء ، وله أن يرخّص بعنوان العموم أن
يفعلوا بعنوان الندب والاستحباب ، كما هو الأمر في صلاة العيدين ، وله أيضا أن
يرخّص بعنوان الوجوب ، إلاّ أنّ الثابت منه هو
__________________
الأوّل ، كما سيجيء.
ومجرّد قوله : الجمعة
واجبة ، لا يفيد النصب ، لأنّه نقل نفس وجوب الصلة ، لأنّ المتبادر منه هو الفرض
الأصلي المقرّر من الله ، ولا لما هو من رخصة المعصوم 7 لكونه منصبا كما
قال : على الناس واجبة ، وأمثال ذلك ، ولذا في زمان الحضور وبسط يدهم بمجرّد
استماع وجوب صلاة الجمعة لا يصيرون منصوبين من قبلهم ، وما كانوا يفعلون ، وكانوا
يتركونها إلى أنّ حجّهم المعصوم 7 ، مع كونهم هم الرواة لأحاديث الوجوب ، ومع ذلك قال لهم أن
يفعلوا ، ومثله.
مع أنّك عرفت أنّ
الوجوب مشروط بشروط من جملتها الإمام أو نائبه جزما ، والمشروط عدم عند عدم شرطه.
وأيضا قد عرفت أنّ
المقام ليس مقام الحاجة.
وأيضا حالها حال
صلاة العيدين ، وسيجيء في مبحثهما.
وأيضا ورد أخبار
صحيحة السند واضحة الدلالة على الاستحباب ، وهي موافقة للشهرة بين الأصحاب بل شعار
الشيعة في الأعصار والأمصار ، كما اعترف به منهم أنّهم يتركونها.
ومع ذلك مخالفة
للعامّة ، والأخبار متواترة في الأمر بأخذ ما خالفهم ، وأنّ الرشد في خلافهم ،
وأخذ ما اشتهر بين الأصحاب .
ولا يعارضها ما دل
على الوجوب ، لما عرفت من اشتراطه بالإمام أو نائبه ، إلى غير ذلك ممّا [ عرفت ]
مثل أنّ الأخبار الدالة على الوجوب واردة في مقام النقل والحكاية لا مقام الطلب ،
بخلاف الدالة على الاستحباب ،
__________________
فإنّها واردة في
مقام الطلب يقينا ، وغير ذلك.
ولهم أيضا أصل
البراءة ، وأنّ ما دل ( على وجوب الظهر مطلق ويشمل المقام.
وأيضا دلالة الآية
وأمثالها من الأخبار ) على وجوب المقام بواسطة الإجماع ، كما عرفت ، ولم يثبت من
الإجماع أزيد من القدر المشترك من الوجوب العيني والتخييري ، وبأصل البراءة والعدم
يتعيّن التخيير ظاهرا.
ومثل ذلك الكلام
في الأخبار التي لا تدل على أزيد من الرجحان والمطلوبية ، ولا تدل على أزيد من
القدر المشترك بين الوجوب العيني والتخييري ، هذا مع ادعائهم الإجماع وظهور أخبار
كثيرة موافقا لدعواهم وهم الخبيرون المطلعون الشاهدون ، والشاهد يرى ما لا يراه
الغائب ، وسيجيء تتمّة الكلام .
قوله : نسأل الله العفو والرحمة بمنّه وكرمه. ( ٤ : ٩ ).
لا شكّ في وجوب
الجمعة وكونه من ضروريات الدين ، ومنكره خارج من فرق المسلمين ، والأخبار متواترة
عن الحجج المعصومين ، بعد ما نصّه الله في كتابه المبين ، إنّما النزاع في وجوب ما
فعل بغير الإذن الخاصّ والنائب الخاصّ ، فمنهم من أنكر كون ذلك صلاة الجمعة ، بل
يقول : فعل لغو ، بل تشريع ليس هو بصلاة الجمعة أصلا ، ومنهم من يقول : إنّه صلاة
الجمعة إلاّ أنّها فاسدة بفساد شرط صحته ، ومنهم من يقول : صلاة صحيحة إلاّ أنّ
وجوبه تخييري ، والواجب العيني هو ما فعله المنصوب ، ومنهم من يقول : واجب عيني ،
لو ثبت هذا القول.
__________________
فعلى هذا نقول :
دلالة الأوامر الصادرة في القرآن والأخبار على وجوبه موقوفة على ثبوت كونه صلاة
الجمعة ، إذ مجرّد تسمية الخصم ذلك بصلاة الجمعة كيف يثبت مطلوبه؟ إذ لا شكّ في
أنّ العبادات توقيفية ، موقوفة بيانها ومعرفتها على النصّ من الشارع ، وقد صرّح
الشارح أيضا بذلك في مواضع غير عديدة ، منها : ما سيجيء عن قريب في شرح قول
المصنف : وتجب بزوال الشمس. ، فلو سلّم أحد أنّه صلاة الجمعة أمكن الاحتجاج بها عليه
بعنوان الجدل ، أمّا البرهان أو الاحتجاج على منكر ذلك فلا ، وقد صرّح بالإنكار من صرّح منهم .
وبالجملة : دلالة
المطلق أو العامّ على مطلب فرع معرفة معنى ذلك المطلق وذلك العام ، ولا يمكن
المعرفة إذا كان عبادة إلاّ من صاحب الشرع ، بنصّه أو فعله أو تقريره ، والأوّل
والآخر مفقودان ، وأمّا الفعل فلا شكّ في أنّه كان السلطان المعصوم 7 وكان في زمانه
يفعل بإذنه الخاص ونصبه ، كما سيجيء.
ولو نوقش في ذلك
فنقول : لم يثبت فعلها من غير المنصوب في زمانه حتى يمكن إثبات البيان بتقريره لو
أمكن.
ثم نقول : على القول
بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية غاية ما في الآية والأخبار وجود القرائن الصارفة عن
المعنى اللغوي ، أمّا المعينة للمعنى الشرعي بحيث تنفع المستدل في المقام فلا. مع
أنّ الشارح ; لا يكتفي
__________________
بالقرينة الصارفة
عن اللغوي في جعل المعنى هو الشرعي الذي [ هو ] حقيقة عند المتشرّعة.
وأمّا على القول
بثبوت الحقيقة الشرعية فمعلوم أنّ المتشرّعة على فرقتين : فرقة تقول بأنّ ألفاظ
العبادات حقائق في الصحيحة المستجمعة لشرائط الصحة الشرعية ، مع أنّ بعض المنكرين
للوجوب العيني صرّح في المقام بأنّ صلاة الجمعة اسم للصحيحة التي تكون مع الإذن
الخاصّ ، وأنّه بلا هذا لا تكون صلاة الجمعة أصلا . وعلى هذا أيضا
لا يمكن الإثبات إلاّ بواسطة انضمام أصالة عدم الزيادة ، لكن عرفت حال الانضمام
ومفاسده ، ومع ذلك يتوقّف الإثبات على ثبوت حجّية هذا الأصل وجريانه في بيان
العبادات ، ومع ذلك يتوقّف الإثبات على ثبوت حجّية هذا الأصل أن لا يكون ( مثبتا )
للتكليف ، ومع ذلك إنّه معارض بمثله في جانب العمومات الدالة على وجوب صلاة
الظهر ، وكذا معارض بأصالة عدم تغيّر تكليف الظهر بالنسبة إلى المقام ، بل تعراضه
أصالة عدم كونه صلاة الجمعة ، فتأمّل.
نعم على القول
بأنّ تلك الألفاظ حقائق في مطلق الأركان يمكن الاستدلال إن لم يناقش أحد في ذلك
أيضا بأن يقول : الإطلاق منصرف إلى الأفراد الصحيحة و أنّه لا يثبت
عموم له أزيد من هذا ، مضافا إلى ما عرفت سابقا.
ويؤيّد المناقشة
خلوّ الآية والأخبار الدالة على الوجوب بأسرها عن
__________________
الإشارة إلى شرائط
الوجوب المسلّمة المتفق عليها.
نعم يمكن أن يقال
: يؤيّد عدم اشتراط المنصوب خلوّ الأخبار بأسرها عن الإشارة إلى ذلك.
لكن يمكن أن يقال
: ورد الإشارة في بعضها ، مثل صحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة وغيرها ممّا مرّ ، وقد
أشرنا إلى وجه الإشارة ، ومثل دعاء الصحيفة السجادية : « اللهمّ إنّ هذا المقام »
، إلى قوله : « اختصصتهم بها قد ابتزّوها » ( بل وما بعده أيضا ، فلاحظ ) فلو لم يكن فعلها
منصبا لهم كيف يحسن هذه العبارة حينئذ؟ إذ يكون حال الجمعة حينئذ حال صلاة الظهر
والعصر ، هل يحسن أن يقال بالنسبة إلى الظهر والعصر : أنّ هذا المقام لخلفائك ،
إلى قوله : في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها.؟
وأمّا فعل النائب
فهو فعل المنوب عنه ، وهو يؤكّد الاختصاص لا أنّه يرفعه ( كما أنّ الحكومة مع
كونها من أخصّ خصائص الإمام إنّما تصدر منه بنوّابه ، فإن شرق الأرض وغربها بيد
نوّابه غير بلد نفسه. مع أنّ بلد نفسه أيضا كثيرا تصرّفه فيه بواسطة النوّاب ، مثل
وقت مرضه أو سفره أو شغله الضروري المانع ، وكذا الحال في سائر مناصبه.
هذا مع أنّه لا
قائل بالفصل ، مع أنّ عدم الفصل في المقام ضروري الدين ، إذ بديهي أنّ صلاة الجمعة
غير منحصرة في فعل المعصوم بعنوان مباشرة نفسه ، بل كلّ العالم عليهم صلاة الجمعة
إمّا مع السلطان أو من
__________________
نصبه ، وإمّا
مطلقا ، فتأمّل ، جدّا ) . ومثل ذلك من الأخبار التي أشرت إليها في رسالتي التي
كتبتها في هذا المقام ، فليراجع.
ومن جملتها : ما
رواه في الأشعثيات « أنّ الجمعة والحكومة لإمام المسلمين » .
ومنها : ما في
العلل : « لأنّ الصلاة مع الأمير أتمّ » إلى قوله : « يخبرهم. » وما ورد من أنّ
الصلاة مع الإمام ركعتان ، وبغير الإمام أربع وإن صلّوا جماعة . ( وما ورد من
أنّه ليس على أهل القرى حضور الجمعة وصلاة العيد منها الصحاح
الدالة على الصلاة أربع ركعات جماعة إذا لم يكن من يجمّع بهم ، وإذا لم يكن من
يخطب ، وغير ذلك ممّا مرّ.
ومنها : الأخبار
الدالة على اشتراط الإمام ، وأنّه لا بدّ منه ، والمتبادر من لفظ الإمام على الإطلاق إمام الأصل ، كما
قال الفقهاء وفهموا ، مع أنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل ، وفهم إمام الجماعة
موقوف على القرينة من إضافة أو غيرها.
__________________
ومنها : أيضا
الأخبار الدالة على استحباب صلاة الجمعة ، ويؤيّدها استحباب صلاة العيدين التي توافق الجمعة في
الشروط وأدلة الوجوب إلى غير ذلك .
هذا مضافا إلى
الإجماعات المنقولة الكثيرة جدّا المتأيّدة بالآثار والاعتبار التي أشرت إليها في
الرسالة ( مع أنّ المنقول بخبر الواحد يشمله ما دل على حجّية خبر الواحد ) .
ومن الآثار حكاية
المازندراني الذي وصل إلى جزيرة الصاحب 7 ، وهي تنادي بالاختصاص بالإمام ومنصوبه.
( على أنّ ما دل
على اشتراط النصب أزيد ممّا دل على اشتراط العدالة وبعض الشروط المسلّمة ، بل
زيادته عليه بمراتب شتّى ، كما مرّت الإشارة هنا وسابقا ، وسيجيء أيضا ، وما يظهر
من الإجماع على اعتبار العدالة ليس عشر معشار ما يظهر من الإجماع على اعتبار النصب
، كما لا يخفى ) .
وبالجملة : إن
كانت الأدلة من الطرفين لا تخلو عن الخدشة والمناقشة فالاحتياط الإتيان بالجمعة
والظهر معا تحصيلا للبراءة اليقينية أو العرفية ، والله يعلم.
ثم لا يخفى أنّ
استدلاله بالآية وأمثالها ممّا يتضمّن وجوبها بعنوان
__________________
الخطاب مبني على
المذهب السخيف من كون الخطاب شاملا للمشافه والغائب جميعا ، ولا شكّ في سخافته ،
لأنّهم إن أرادوا الشمول بحسب الوضع العربي الحقيقة اللغوية والعرفية فلا شكّ في فساده ، لكون الصيغة
موضوعة للخطاب مع حاضر وحقيقة فيه ، بل الخطاب لا يتأتّى مع الغائب ، ولا شبهة في
قبحه. ولذا أنكر الشيعة والمعتزلة وجميع من له فهم على الأشاعرة في قولهم بقدم القرآن
، بأنّه كيف يخاطب الله المعدوم؟ ولا يفعل ذلك إلاّ مجنون.
وإن أرادوا أنّ
الشمول بعنوان المجاز بأنّه ليس بحطاب حقيقة ، بل غيبة ، أو خطاب وغيبة ، غلب جانب
الخطاب على الغيبة واستعمل لفظه فيها ، ففيه : أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة بلا
شبهة.
فإن قلت : الاشتراك
في التكاليف الثابت بالإجماع قرينة.
قلت : غلط ، إذ
يمكن أن يكون الحكم بالاشتراك بعد الخطاب ، وعلى تقدير أن يكون قبل الخطاب أيضا لا
يستلزم الاشتراك في التكليف الاشتراك في الخطاب ، ألا ترى أنّا نخاطب العوام حين
استفتائهم وجوابهم في الفتوى : افعل كذا ، وللمرأة : افعلي كذا؟ ليس خطابنا إلاّ
معه أو معها خاصّة بلا شائبة تأمّل ، لا أنّ الخطاب معه ومع غيره من المكلّفين
جميعا ، وكذا معها ومع جميع المكلّفين قاطبة ، لأنّه باطل بالبديهة ، سيّما
المكلّفين المعدومين الذين انعدموا أو ما خلقوا بعد.
سلّمنا ، لكن نقول
: في موضع ثبت اشتراك التكليف يصير ذلك قرينة ، واشتراك التكليف ثبوته إنّما هو من
الإجماع ، والإجماع ثبوته في
__________________
موضع النزاع غير
متحقّق بالبديهة ، سيّما مثل ما نحن فيه ، لأنّ الفقهاء صرّحوا باشتراط الإمام أو
نائبه ، وجماعة كثيرة منهم ادعوا الإجماع على ذلك ، فكيف يمكن دعوى اشتراك من لم
يكن له الإمام ولا نائبه مع من كان له الإمام أو نائبه؟ ولا شكّ في فساد ذلك
بالبديهة.
على أنّا نقول :
الإجماع إنّما تحقّق في اشتراك التكليف بين الغائب والحاضر إذا اتحد حالهما بالنسبة
إلى ذلك التكليف لا مطلقا ، فإذا كان الحاضر صلاته مع الإمام أو نائبه فلا شك في
أنّ الغائب أيضا إن كان كذلك يكون حكمه حكم الحاضر بالإجماع ، والإجماع حينئذ
متحقّق ، وأمّا إذا تغيّر حالهما في ذلك فلا إجماع على الاشتراك لو لم نقل
بالإجماع على عدم الاشتراك.
وبالجملة : إذا
كان دليل الاشتراك هو الإجماع فالاشتراك دائر مع الإجماع ، فكلّ موضع يتحقّق
فالاشتراك متحقّق ، وكلّ موضع وقع الخلاف فعلى القول باختصاص الخطاب بالمشافهين لا
يثبت الحكم في حق غير المشافهين ، بل الحكم فيه ما اقتضاه الأصول والأدلة ، وعلى
القول بشمول الخطاب للغائبين يكون الحكم شاملا لهم حتى يثبت القيد من الخارج ،
ويثبت من جهة الاختصاص بالمشافهين ومن يكون حاله حالهم ، وهذا ثمرة من ثمرات هذا
النزاع. وإذا كان الحكم مختصّا بالمشافه بالإجماع يقول الفقهاء : حكم في خصوص
واقعة ، ولا يتعدّون البتّة.
فإن قلت : فأيّ
فائدة في الاستدلال بالآية والأخبار؟
قلت : الفائدة في
الموضع الذي وقع الإجماع على اتحادنا في التكاليف ولا نزاع في الاتحاد ، لكن لا
يدرون أنّ الحكم ما ذا؟ كما هو الحال في غالب الأحكام ، فإنّ العلم الإجمالي حاصل
باتحاد المكلّفين فيه ،
ولذا يبادرون
بالحكم بالاشتراك وإن كان الخطاب بعنوان الاختصاص بلا شبهة ، مثل : افعل أنت كذا ،
أو حكمك كذا ، أو أشدّ من هذا في الظهور في الاختصاص ، وتمام التحقيق في الأصول ،
وسيجيء بعض الكلام في المباحث الآتية.
قوله : فيقتصر على صفتها المنقولة ، والمنقول من فعله. ( ٤ : ١١
).
سيجيء في مسألة
اشتراط وجوب الجمعة بالسلطان العادل أو من نصبه منع الشارح دلالة فعل النبي 6 على الشرطية ،
وأنّ العامّ لا يدل على الخاصّ ، وهو ; لا ضابطة في كلامه كثيرا ، إذ كثيرا ما يقول بشيء وكثيرا
ما ينكره على سبيل المزج ، يقول وينكر ثمّ يقول وينكر وهكذا في كثير من الأمور ،
ومنها الاقتصار في العبادة على المنقول ، ولا شكّ في أنّ الأمر كما ذكره هنا ، وما
ذكره من عدم الاقتصار غلط فاحش ، كما حقّق في محلّه ، ومن هنا ظهر فساد ما ذكره في
أوّل المبحث من الأدلة على عينية الوجوب ، كما عرفت وستعرف أيضا ، فتأمّل جدّا.
قوله : ويدفعه ما رواه. ( ٤ : ١٣ ).
لم أفهم وجه الدفع
، لعدم معلومية كون الساعة المذكورة تزيد عن المقدار المذكور ، لعدم معلومية
المراد منها ومن الخطبة ، وأضعف منه الاستدلال برواية الفضيل ، فتأمّل.
قوله : ولم نقف على مأخذه. ( ٤ : ٢٠ ).
في الاحتجاج عن
الحميري عن الصاحب صلوات الله عليه أنّه : « إذا
__________________
لحق مع الإمام من
تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الركعة » .
قوله : مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. ( ٤ : ٢١ ).
كلامه صريح في
دعوى الإجماع ، حتى قال : مخالفته خرق للإجماع ، وجمع كثير من فقهائنا ادعوا
الإجماع صريحا ، كما أشرنا إليه سابقا.
قوله : ويتوجّه على الأوّل. ( ٤ : ٢١ ).
هذا لا يلائم ما
صرّح مرارا أنّ الوظائف الشرعية إنّما تستفاد من صاحب الشرع ، فتقتصر على صفتها
المنقولة من فعله صلوات الله عليه ، ومنه ما سيجيء من لزوم كون الخطبة عربية ،
وكون الخطيب قائما ومطمئنّا وغير ذلك ، فتأمّل جدّا.
على أنّه لا شبهة
في أنّ مراد المحقق أنّ الجمعة كانت مقصورة في صورة نصب الإمام ، منحصرة فيما إذا
تحقّق المنصوب من قبله صلوات الله عليه ، فلا شكّ في أنّ ذلك صريح في الشرطية ،
كيف يمكن منع الدلالة؟
اللهم إلاّ أن
يبنى على أنّه 7 كان فاسقا! العياذ بالله منه ، لأنّ الجمعة إذا لم تكن
مشروطة بالمنصوب لم تكن مقصورة فيه ، ولا منحصرة فيما إذا تحقّق المنصوب من قبله ،
بل كان اللازم عليه والواجب عليه أن يأمر أمّته بفعل الجمعة متى ما حصل إمام
الجمعة ، من دون توقّف على المنصوب من قبله أصلا ورأسا ، بل كان الواجب عليه
المبالغة التامّة في
__________________
ذلك ، لأنّ الواجب
يكون على تركه العقاب البتّة ، سيّما مثل هذه الفريضة التي هي من أوجب الفرائض ،
وكان 7 من غاية الاهتمام في هداية الأمّة وإتمام الحجّة عليهم ، فكيف يجعل ما لا
يتوقّف على النصب موقوفا عليه؟ بل لو كانت الجمعة مستحبة ما كان يفعل كذلك قطعا ،
فكيف إذا كانت من أوجب الفرائض؟ ألا ترى أنّ الجماعة والأذان ما جعلهما مقصورين
على المنصوب وبالغ في ذلك حتى صار من ضروريات الدين وأمر بفعلهما من دون توقّف على
المنصوب بحيث يظهر على الأطفال والنساء والجواري في البيوت؟ لاقتضاء العادة في
مثله ، وكان يصل إلى من بعده بعنوان التواتر ، وفوق التواتر ، وكذا الحال والكلام
في علي 7 في أيّام خلافته.
وإن كان مراده منع
الحصر والقصر في المنصوب ، فمع أنّه خلاف مدلول كلامه غير خفيّ فساده ، لأنّ النبي
وعليّا 8 لو كانا يبالغان في عدم القصر والحصر ويأمران بفعل الجمعة في كلّ فرسخ فرسخ
من مملكتهم الوسيعة ـ وسيّما مملكة علي 7 ـ لكان يشيع ويذيع أزيد من الشيوع والذيوع الواقع في
الجماعة والأذان ، ويظهر على العواتق في البيوت ، لما عرفت من نهاية شدّة الداعي
إلى فعل أشدّ الفرائض ، بخلاف المستحب.
مع اجتماع أمور
كثيرة كلّ واحد منها يقتضي الاشتهار والانتشار والشيوع ، مثل فعلها جهارا في مجمع
جماعة يكون أقلّهم سبعة وأكثرهم لا حدّ له ، وفي الغالب يجتمع الأكثر بل يجب
اجتماع الجميع ولا يعذر إلاّ نادر ، ويجب الحضور على من كان على رأس فرسخين من
موضع إقامة الصلاة ، ومنع المكلّفين عن البيع والشراء والسفر وغير ذلك من الأشغال
المانعة عنها ، وقراءة الخطبة المتضمّنة للتهديد والوعد والوعيد على أفعال كثيرة ،
ووجود إمام يتصف بأمور كثيرة ، وأنّه ربما يمنعه بحسب العادة
موانع من قبيل
المرض والسفر وغيرها ، وربما يموت ، فيكف يصير الحال؟ إلى غير ذلك من الأمور التي
تتفاوت الحال بين اشتراط المنصوب وعدمه ، وأنّ مع عدم المنصوب هل كانوا يصلّون أم
ينتظرون وجوده؟ وربما كان بين موت المنصوب ووصول الخبر إلى الإمام يطول الزمان من
بعد المسافة أو غيره ، وكذا بين نصب الإمام غيره ووصول الخبر إلى الموضع ، وربما
لم يتحقّق من له أهلية النصب ، أو لم يتيسّر له سكنى هذا الموضع ، إلى غير ذلك مما
لا يحصى.
ومع جميع ذلك كيف
يبقى خفاء على الأطفال ، فضلا عن غيرهم؟ سيّما العلماء الماهرين الباذلين للجهد ،
وكلّما طال الزمان في مثل ذلك يزيد الاشتهار ، فكيف صار الأمر بالعكس؟ لأنّ كلّ
الأمّة أذعنوا بأنّ الجمعة في زمانهما 8 وزمان سائر الخلفاء كانت تفعل بالمنصوب لا بغيره أصلا ،
ولذا طعنوا على الخلفاء الذين أحدثوا بعد الرسول 6 وغيّروا طريقته بكلّ ما أحدثوا وغيّروا ، ولم يطعن على أحد
منهم أحد في حكاية نصبهم وقصرهم في المنصوب ، بل قالوا : إنّ طريقتهم كانت طريقة
الرسول 6 وعلي والحسن صلوات الله عليهما في ذلك من زمان أوّل الخلفاء إلى زمان
فقهائنا.
والعامّة مع شدّة
اختلافهم في اشتراط النصب وغاية قربهم في زمان الصادقين 8 إلى زمان الخلفاء
سلّموا قصر النبي 6 والخلفاء في المنصوب ، ولم يشر أحد منهم إلى تأمّل في ذلك.
وأمّا الشيعة
فإنّهم اتفقوا في ذلك ، حتى صرّح فقهاؤهم بالاشتراط ، إمّا مطلقا أو في الجملة ،
وادعى جماعة كثيرة منهم الإجماع على الاشتراط وهم ثلاثون ، وربما كانوا أربعين بل
أزيد منهم ، والباقون منهم اتفقوا على
التصريح بذلك ،
والنادر وإن لم يقع منهم التصريح إلاّ أنّه ظهر من القرائن ، كما حقّق في محلّه ،
وورد في الأخبار وغيرها دلالة عليه أو إشارة إليه ، على ما عرفت وستعرف ، بل لو
تأمّل المنصف حصل له القطع بأنّه ما كانت تفعل الجمعة في زمانهما إلاّ بالمنصوب ،
ولذا ما منع الشارح ; ذلك ، مع أنّه في غاية الحرص في هدم قوانين أدلة الفقهاء
في المقام ، ولذا صدر عنه ما صدر من الأغلاط الواضحة على ما عرفت ، فتأمّل.
قوله : إنّما هو لحسم مادّة النزاع في هذه المرتبة. ( ٤ : ٢١ ).
حسم مادّة النزاع
إنّما هو من الأمور اللازمة ، فلو كان تحقّقه بالنصب لزم النصب ، مع أنّه إذا كان
في زمانه 7 وعند حضوره كانت الأمّة محتاجين إلى حسم مادّة النزاع ، مع أنّه كان أمره 7 فيهم في غاية
النفوذ لكانت الأمّة في زمان الغيبة أحوج إلى حسم مادّة النزاع وأحوج بمراتب شتّى
، فتدبّر.
على أنّا نقول :
التعيين إمّا أن يكون واجبا أو مستحبا أو لا هذا ولا هذا ، وعلى الأوّل إمّا أن
يكون فعل الجمعة مقصورا على تعيينه أو لا ، فعلى الأوّل ثبت المطلوب ، سيّما
بملاحظة كون العبادات توقيفية ووظائف شرعية ، ولم يتحقّق منه بيان قولي ، فوجب
الاقتصار على صفتها المنقولة من فعله ، بل مرّ في بحث تكبيرة الإحرام أنّه يجب
الاقتصار على « الله أكبر » على وزن أفعل مجزوم الراء ، مقطوعا همزة الوصل في «
الله » وغير ذلك ممّا هو في هذه الهيئة ، لا يجوز تغييره أصلا ،
مع أنّه ورد في أخبار لا تحصى أنّهم قالوا : كبّر ، وأمثال ذلك من العبارات
الظاهرة في مطلق
__________________
التكبير ، من دون
تخصيص بهيئة ، هذا ، وغير ذلك من مباحث العبادات المسلّمة عند الشارح ;.
وإمّا أن لا يكون
فعلها مقصورا على الإذن ، وقد عرفت في الحاشية السابقة القطع بفساده ، وإن لم
يتحقّق من الفقهاء دعاوي الإجماعات والتصريحات في الفتاوى ونقلهم في مقام
الاستدلال ، ولم يتفق اتفاق جميع علماء الشيعة والسنّة وما ذكره أصحاب التواريخ
وظهر منهم ، وكذا لم يتفق ورود الأخبار الصريحة والأخبار الظاهرة والمشيرة والآثار
، كيف؟! وقد تحقّق جميع ما ذكر واتفق ، فكيف يبقى لمن له أدنى فهم التأمّل في ذلك؟
ومن هذا ظهر حال الشقّين الآخرين وقطعية فسادهما.
قوله : كما أنّهم كانوا يعيّنون إمام الجماعة والأذان. ( ٤ : ٢١
).
لا يخفى أنّ
المسلمين في زمانه ومن بعده إلى زماننا في الأعصار والأمصار ما كانوا يقتصرون في
الجماعة والأذان على المنصوب ، كسائر العبادات ، بخلاف صلاة الجمعة ، فقياسها بهما
قياس مع الفارق الظاهر في غاية الظهور.
قوله : وهو مجهول. ( ٤ : ٢٢ ).
لا يخفى أنّه قوي
، بل المحقّق حكم بصحة روايته وحجّيتها ، فتأمّل. مع أنّه قال : روي بعدّة طرق ، فتأمّل. على
أنّ الصدوق رواها بطريق صحيح ، كما حقّق ، ومنه يظهر أنّه قائل بمضمونه مفت به ، لما
__________________
ذكر في أوّل كتابه
، ولما ستعرف.
سلّمنا لكن
الانجبار بعمل الأصحاب متحقّق ، ومع ذلك ذكر المحقّق ذلك من باب التأييد لا
الاستدلال.
وأمّا الإيراد
الثاني وإن كان متوجّها ظاهرا ، إلاّ أنّه ربما كان مراد المحقق من التأييد أنّه
ربما يظهر من الخبر أنّ وجه اختيار السبعة في أقلّ ما ينعقد به الجمعة أنّ الجمعة
من متعلّقات الحكومة ، والحكومة وثمرتها تتحقّق غالبا بوجود هذه السبعة ، ولذا
اختير فيها هذا العدد.
مع أنّ توجيه بعض
الخبر أو ردّه لا يقتضي ردّ مجموع الخبر عند فقهائنا ، كما مرّ مرارا ومرّ وجهه ،
ومدار الشارح وغيره على ذلك ، وإلاّ فيخرج كلّ أخبارنا عن الحجّية أو جلّها.
قوله : على ترك العمل بظاهرها. ( ٤ : ٢٢ ).
ليس كذلك ، لأنّ
قدماءنا الذين ذكروا هذا الحديث في المقام من دون تعرّض لتوجيه أو تأويل أو طرح ظاهرهم
العمل ، بل ربما يحصل القطع بعدم الطرح ، بل الصدوق في كتاب فتواه صرّح باشتراط
مجموع السبعة المذكورة في وجوب صلاة الجمعة ، وأنّه لا بدّ من حضورهم جميعا حتى
تجب الجمعة ، فهذا يدل على أنّه في الفقيه أيضا قائل بمضمونه كما
أشرنا ، ومسلّم عند المحقّقين سيّما الشارح أنّ ما ذكره في الفقيه فتواه بظاهره
ومضمونه ، وهذا يؤيّد أيضا ما ذكرناه من أنّ قدمائنا بل من روى الروايات الدالة
على أنّ إمام الجمعة غير إمام الجماعة ، وأنّ أحدهم الإمام ، واستحباب الجمعة ،
وغير ذلك من الروايات الدالة على المذهب المشهور
__________________
حاله حال راوي هذه
الرواية.
قوله : إنّ هذه الرواية خصّت السبعة. ( ٤ : ٢٢ ).
لا دلالة في هذا
القول على ما ذكره من إطباق المسلمين كافّة على ترك العمل.
قوله : وهي كالنصّ. ( ٤ : ٢٢ ).
قد عرفت أنّه ليس
كذلك ، بل الظاهر منها خلاف ذلك ، فهي بالدلالة على الخلاف أشبه ، بل دليل على
الخلاف ، كما مرّ التقريب.
قوله : لأنّه يعدّ من قبيل الألغاز المنافي للحكمة. ( ٤ : ٢٢ ).
لا يخفى أنّه إذا
كان معهودا أنّ الخطيب من هو؟ لم يكن فيه إلغاز ، كما هو الشأن في أمثال زماننا في
البلاد التي معهود فيها أنّ الخطيب من هو ، وكون إمام الجماعة العادل العارف
بمسائل الصلاة والجماعة الذي هو من العرب غير قادر على أقلّ الواجب من الخطبة في
غاية الغرابة.
مع أنّه كان
اللازم أن يقول : لا بدّ من تحصيل الخطبة والسعي في أدائها بأيّ نحو يكون ، لا
أنّه إذا لم يكن من يخطب يصلّي أربعا ، من غير تنبيه على أنّه يفعل كذلك حينئذ ،
بل يناسبه تنبيه آخر ، وهو أنّه يجب التحصيل والسعي لما بعد ذلك ، فتأمّل.
قوله : إذ من المعلوم أنّ المراد من الإمام فيها إمام الجماعة. (
٤ : ١٢٣ ).
لا يخفى أنّ بعض
الأخبار ظاهر في أنّ المراد غير إمام الجماعة ، حيث صرّح فيه بأنّه يصلي أربعا وإن
كان يصلّي جماعة . وفي الفقيه
__________________
قال أبو جعفر 7 : « انّما وضع
الركعتان اللتان أضافهما النبي 6 لمكان الخطبتين مع الإمام ، فمن صلّى يوم الجمعة من غير جماعة
فليصلّها أربعا كصلاة الظهر في سائر الأيّام » .
وأمّا جواز فعلها
للنائب فغير مضرّ ، لأنّ فعل النائب فعل المنوب عنه ، فإنّ الحاكم كثيرا من
الأحكام التي هي منصبه يوكّل وينيب ولا يباشر بنفسه.
مع أنّه للعلاّمة
أن يقول : خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي ، وأنتم في جميع الأخبار والآية لا محيص
لكم عن ضمّ هذه المقدّمة ، لدلالتها على الوجوب على غير من اجتمع فيه الشرائط
المسلّمة أيضا ، فتدبّر.
قوله : قطعا. ( ٤ : ٢٣ ).
دعوى العلم أوّلا
والقطع ثانيا مقطوع بفسادهما ، لأنّ المتبادر من لفظ الإمام على الإطلاق إمام الأصل
، وأمّا مع القرينة فعلى حسب ما اقتضاه القرينة ، وأمّا مع الإضافة فإمام المضاف
إليه ، فإن كان المضاف إليه الجماعة فإمام الجماعة ، وإن كان الجمعة فإمام الجمعة
، وحال القرينة الدالة على المضاف حال نفس المضاف إليه.
مع أنّه يظهر من
غير واحد من الأخبار أنّ إمام الجماعة غير إمام الجمعة ، مثل رواية سماعة حيث قال
: « أمّا مع الإمام فركعتان ، وأمّا من صلّى وحده فأربع وإن صلّوا جماعة » ،
ورواية الباقر 7 : « فمن صلّى بقوم يوم الجمعة فليصلّها أربعا » بعد قوله :
« إنّما وضع. » ورواية ابن
__________________
مسلم الصحيحة : «
يصلّون الجمعة جماعة أربعا إذا لم يكن من يخطب » ورواية الأشعثيات
: الجمعة والحكومة لإمام المسلمين ، ودعاء الصحيفة السجادية والأخبار الكثيرة
الظاهرة في استحباب صلاة الجمعة ، وغير ذلك ، ومرّ الإشارة إلى كثير منها في بحث
وجوب صلاة الجمعة.
هذا مع أنّ فهم
الفقهاء له مدخلية عظيمة في فهم الأخبار ، لأنّهم الشهود المطّلعون الخبيرون ، وفي
كثير من المقامات يكون البناء على فهمهم ، مثل الإقعاء وكيفية الإقامة وغير ذلك ممّا
لا يحصى كثرة ، ولا يخفى على المطّلع ، فتأمّل جدّا.
قوله : واعتبار حضوره. ( ٤ : ٢٣ ).
قد عرفت أنّهم
يقولون : إنّه منصب الإمام ومخصوص به وحقّه ، أعمّ من أن يفعل بنفسه ويباشر به أو
ينوب آخر منابه ويقيمه مقامه كسائر الأمور التي هي منصبه ، بل ربما لا يمكنه
مباشرة الجميع ، لغاية الكثرة ونهاية الوفور إلاّ أنّ الاختيار إليه في اختياره ما
يباشره ووكول غيره إلى نائبه ، وفعل النائب فعل المنوب عنه ، مع أنّه ثبت من
الإجماع وغيره جواز النائب خاصّة ، فلا تضرّ هذه الأخبار ، كما هو الحال في
الأخبار التي استدل بها الشارح على وجوب الجمعة.
__________________
قوله : وجب الاجتماع في الظهر يوم الجمعة. ( ٤ : ٢٣ ).
الوجوب عند المفيد
ومن ماثله أعمّ من العيني والتخييري.
قوله : وظاهره عدم الفرق في ذلك بين الأزمان. ( ٤ : ٢٤ ).
( فيه : أنّه لم
يتعرّض لاشتراط العدالة أيضا ، مع أنّه تعرّض لذكر جميع ما هو شرط في إمام الجمعة
أو أكثره ، بل تعرّض لذكر السلامة من المعرّة ، فما هو الجواب له هو الجواب
للفقهاء.
مع أنّ تلامذته
رؤساء الفقهاء صرّحوا بإجماع فقهاء الشيعة على اشتراط الإذن والنصب ، والمفيد
عندهم أفقه الفقهاء ورئيسهم ومؤسّس مذهب الشيعة ، وإنّه في الواقع أيضا كان كذلك ،
مع أنّ تصانيفه غير منحصرة في ما ذكر في الإشراف في خصوص هذا الموضع. مع أنّ
الظاهر من كتابه الإرشاد موافقة باقي الفقهاء ، فلاحظ ، بل في المقنعة أيضا إشارة إليه وإلى أنّ إذنهم
حصل بما ورد في الأخبار على حسب ما نذكر في حاشيتنا على كلام الشهيد. مع أنّ باقي
كلامه في الإشراف لم يظهر لنا ، إذ ربما يظهر الموافقة من موضع آخر ) .
__________________
على أنّا نقول :
العادل أخبرنا بالإجماع ، فلا بدّ من تصديقه والتمسّك بقوله ، لما دل على حجّيّة
خبر الواحد ، إلاّ أنّ يثبت الخلاف ، ولم يثبت ممّا ذكر ، لما عرفت. مضافا إلى أنّ
خروج معلوم النسب غير مضرّ عند الشيعة.
فإذا كان نقل
الإجماع من واحد من العدول يكون هذا حاله فما ظنّك باتفاق المتقدّمين والمتأخّرين
من الفقهاء في نقلهم الإجماع إلى أن بلغوا حدّ التواتر؟ فإنّا إذا عددنا قول مثل
الشهيد الثاني ومن ضاهاه في نقل الإجماع فلا شك في بلوغهم عدد التواتر.
على أنّا نقول :
لا يثبت ممّا ذكره من الإشراف الخلاف ، إذ لو ثبت منه الخلاف لزم أن يكون العدالة
أيضا خلافيا بين الشيعة ، واللازم باطل مسلّم عند هؤلاء ، فكذا الملزوم ،
والملازمة ظاهرة ، وأيّ عاقل يمكنه أن يقول : يثبت الخلاف في اشتراط الإمام أو
نائبه من تلك العبارة ولا يثبت الخلاف باعتبار العدالة؟ فإنّه تحكّم بيّن ، بل
والأمر في العدالة أشدّ بمراتب كثيرة ، لأنّ ناقل الإجماع في العدالة جماعة قليلة
، وناقل الإجماع في اشتراط الإمام ونائبه جماعة كثيرة ، بل متواترة. مع أنّ جمعا
كثيرا منهم تلامذة المفيد ، كما قلنا.
مع أنّ المفيد ; في الكتاب
المذكور في صلاة العيدين أظهر اشتراط الإمام أو نائبه ، ولذا لم ينبّه
الشارح ولا غيره إلى القول بعدم
__________________
اشتراط الإمام أو
نائبه في صلاة العيدين ، مع أنّهم يذكرون في صلاة العيدين أنّها متساوية لصلاة
الجمعة في الشرائط ، واعترف الشارح ; بذلك ، كما ستعرف ، وادعوا على ذلك إجماعات متعدّدة ، كما سيجيء
الإشارة إلى ذلك في الجملة في مبحثها ، وهذا ينادي بأنّ المفيد ; في هذا الكتاب أيضا موافق للقوم ، مضافا إلى ما عرفت.
مع أنّ الفقهاء
متفقون على أنّ القضاء منصب الإمام 7 ، والفقيه منصوب من قبله ، لمقبولة ابن حنظلة ورواية أبي خديجة
، ومع ذلك لا يذكرون في كتبهم الفقهية في مبحث القضاء هذا المعنى ، بل
يقتصرون على صفات الفقيه ، وهذا لا يقتضي أنّ الفقهاء ; لا يقولون بأنّ
القضاء منصب الإمام وأنّ الفقيه منصوب منه ، وممّا ذكرنا ظهر حال ما ذكره عن أبي
الصلاح والقاضي أبي الفتح.
قوله : وهي صريحة في الاكتفاء ـ عند تعذّر الأمرين ـ بصلاة
العدد المعيّن. ( ٤ : ٢٣ ).
أسقط الشارح من
كلامه أنّ شرط الجمعة الأذان والإقامة أيضا ، فإنّه ; قال ـ بعد قوله : عند تعذّر الأمرين : وأذان وإقامة ،
فلاحظ المختلف ، فعلى هذا كيف يبقى لكلامه اعتداد؟ فلا بدّ للشارح إمّا
أن يقول باشتراط الأذان والإقامة أيضا ، أو يرفع اليد عن كلامه ، ولا معنى لما
__________________
فعله.
مع أنّ العلاّمة
وغيره بنوا على أنّ مراده الوجوب التخييري ، أي الأعمّ من العيني والتخييري ، ولا شكّ في ذلك ، فإنّ
الانعقاد لا يدل على العينية مطلقا ، لا مطابقة ولا تضمّنا ولا التزاما بالبديهة ،
وما نقله بعد ذلك منه فلا بدّ من ملاحظة كتابه ، فإنّه ; كثيرا نقل عن
كتاب فلاحظنا الكتاب فوجدناه في غاية الظهور في خلاف ما فهمه ، كما أشرنا.
قوله : وأنّ دعوى الإجماع فيها غير جيّدة ، كما اتفق لهم في
كثير من المسائل. ( ٤ : ٢٤ ).
هذا أيضا من
الغفلات الصادرة منه وممّن تبعه ووافقه ، فإنّ الإجماع عندنا ليس إجماع الكلّ حتى
يلزم من خروج بعض عدم تحقّقه ، بل عند العامّة أيضا لا يضرّ خروج بعض ، لأنّ
الإجماع عندهم اتفاق أهل عصر.
مع أنّ في خروج من
ذكره والتمسّك بظواهر ما ذكره كلام يطول ذكره ، ومن أراد التحقيق فعليه بمطالعة
رسالة المحققين في نفي الوجوب العيني ، مثل رسالة المحقّق جمال الملّة والدين ; وغيرها.
مع أنّه ما لم
يلاحظ ( مجموع كلام أبي الصلاح وغيره لم يفهم مرادهم ، ووجدنا الشارح ; كثيرا » ينقل عن المختلف
والمنتهى كلاما من العلاّمة ، ووجدنا في الكتابين أنّه ليس كذلك ، بل ربما يدل
كلامه على خلاف ما ذكره وادّعاه ، بل ضدّه ، ( هذا مضافا إلى ما عرفت في
__________________
الحاشية السابقة )
.
قوله : إنّ من ادعى الإجماع على اشتراط الإمام أو نائبه. ( ٤ : ٢٥
).
ليس كذلك ، بل
القائل بالوجوب التخييري يدّعي كذلك ، وأمّا القائل بالحرمة فهو يقول بالحرمة من
حيث إنّ الإذن شرط مطلقا ، وما كانت تفعل إلاّ بالإمام أو نائبه الخاصّ.
نعم يمكن أن يقال
: إنّ القدر الذي ثبت الإجماع فيه هو في الوجوب العيني أو بسط يد الإمام ، ولذا
ورد الأخبار بجواز فعلها إذا اجتمع العدد ولم يكن الإمام ولا المنصوب ، وعمل بها
جمع من الأصحاب ، بل الكلّ إلاّ القليل ، فتأمّل جدّا.
والخبر الذي يدل
دلالة ظاهرة على الوجوب التخييري ما رواه الشيخ في مصباحه والصدوق في أماليه في
الصحيح ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن الصادق 7 أنّه قال : « إنّي أحبّ للرجل أن لا يخرج من الدنيا حتى
يتمتّع ولو مرّة ، وأن يصلّي الجمعة جماعة » وفي الأمالي بعد هذا ذكر عبارة : « ولو مرّة » أيضا .
ويظهر من الشيخ ; في المصباح أنّ
هذا الخبر دليل على الوجوب التخييري.
ومرّ رواية زرارة
وحثّ الصادق 7 إيّاه وأصحابه ، ورواية عبد الملك ، والقرائن الدالة على إرادة الاستحباب ، إلى غير ذلك ممّا
مرّ
__________________
في المباحث
السابقة وسيجيء أيضا. ( وما رواه الشيخ في كالصحيح إلى حفص الذي ادعى في العدّة
إجماع الشيعة على العمل برواية أمثاله ، عن الصادق 7 عن أبيه ، قال : « ليس على أهل القرى جمعة ولا خروج في
العيدين » .
قوله : ويبقى عموم القرآن خاليا عن المعارض. ( ٤ : ٢٦ ).
هذا منه بناء على
أنّ الأمر حقيقة في مطلق الوجوب أعمّ من العيني والتخييري وغير ذلك ، ولا يخلو من
تأمّل ، فإنّ ظاهر القرآن الوجوب العيني لا الجواز الذي ادعيت.
مع أنّ معنى
الاشتراط أنّه إذا لم يتحقّق الشرط لم يتحقّق المشروط ، فكيف مع عدم الشرط يسقط
اعتباره ويبقى عموم وجوب المشروط بحاله؟ مع أنّ ما دل على اشتراط الإذن أيضا مطلق
وعامّ ، كما عرفت.
فالأولى ما ذكره
أوّلا ، موافقا لما ذكره الشيخ ; وغيره. .
وتوجيهه : أنّ
الأمر الذي يكون منصب الإمام 7 لا يلزم أن يباشره بنفسه المقدّسة ، بل له أن يباشره بنفسه
وبنائبه الخاصّ ، فإنّ فعل النائب فعل المنوب عنه ، والنائب يجوز أن يكون خاصّا
وأن يكون عامّا ، فإنّ الحكومة على الناس مع كونها من أشدّ خصائصه وأخصّ مناصبه
كان مباشرته إيّاها بنوّابه إلاّ ما شذّ ، فإنّ جميع أقطار العالم بيد نوّابه إلاّ
بلد
__________________
نفسه ، مع أنّه
أيضا في كثير من الأوقات بيد نوّابه ، مثل أوقات كونه مريضا أو مسافرا أو غير ذلك
، مع أنّ مناصبه خارجة عن حدّ الإحصاء ولا يمكنه مباشرة الجميع بالبديهة ، بل
جلّها بالنوّاب الخاصّة ، ولا يباشرها بنفسه أصلا ، ولو لم يكن جلّها كذلك فلا شك
في أنّ كثيرا منها كذلك ، وصرّح الفقهاء بذلك ، ومع ذلك في حال بسط يدهم يباشرون
با ( لنوّاب الخاصّة ، وحال عدم البسط ربما كانوا يباشرون بالنائب ) العامّ ، كما
اتفق منهم 7 في القضاء وحاكم الشرع في مقبولة عمر بن حنظلة ورواية أبي خديجة ، وكذا في
إمام العيدين وإمام الجمعة ، لكن في القاضي والحاكم قال : جعلته قاضيا وحاكما ،
وفي إمامة تلك الصلوات لم يقل ذلك ، بل أذن ورغّب ، فهو بمنزلة أن يقول : جعلته
منصوبا ، ففعل الإمام تلك الصلوات من جهة النصب لا على سبيل الغصب ، لكون المنصب
منصبه مطلقا ، كما عرفت ، فليس فعله مثل صلاة الظهر الواجبة عليه أو الواجب
التخييري من حيث وجوب نفس الصلاة ، بل من كونه منصوبا بالأدلة التي عرفت وستعرف ،
لكن نصبه بعنوان العموم ليس للصلاة على سبيل الوجوب العيني ، بل على سبيل
الاستحباب والوجوب التخييري ، لأنّ ذلك هو مقتضى تلك الأدلة ، كما هو الحال في
صلاة العيدين أيضا ، وسيجيء في مبحثه.
وأمّا أدلة الجمعة
فقد عرفت الأخبار الدالة على الاستحباب بمتون عباراتها والقرائن الدالة عليه على
وجه لا يقبل التوجيه ، مع نقل الإجماع على الاستحباب والوجوب التخييري صريحا ،
والإجماع المنقول حجّة كما عرفت
__________________
مضافا إلى أفهام
الفقهاء الماهرين الخبيرين المعاصرين للمعصوم 7 ، أو قريبي العهد إليه ، وكون ذلك الطريقة المستمرّة بين
الشيعة في الأعصار السابقة مع بسط يدهم في كثير من الأوقات بحيث ارتكبوا ما ينافي
التقيّة أشدّ من صلاة الجمعة.
مع الصحاح الصريحة
في أنّ مع عدم إمام الجمعة يصلّى أربعا جماعة ، وما ورد من الأمر الوارد مورد
الحظر أو توهمه ، فيفيد الإذن والرخصة ، كما حقّق في محلّه ، ويمكن الحمل على
الوجوب على من لم يرد فيه الإذن ، أو لم يصل إليه ، أو كان قبل صدور الإذن العامّ
منهم 7.
مع أنّا لم نجد ما
يدل على عينية الوجوب حينئذ ، لأنّ ما استدل به عليها قد عرفت حاله ، خصوصا أنّه
لم يذكر فيه الشروط أصلا ، وربما ذكر في بعضها بعض الشروط ، فالمقام لم يكن مقام
ذكر كلّ الشروط بالبديهة ، ( ففي مثل هذا لا يكون عدم الذكر دليلا على العدم بلا
شبهة ، فلم يتحقّق تعارض بالبديهة ) فلا وجه لحمل ما دل على الاستحباب على الوجوب بوجه من
الوجوه ، مع أنّ غالب الواجبات التخييرية ورد بلفظ الوجوب مطلقا وظهر التخيير فيه
من القرينة ، وليست بأقوى ممّا في المقام ، فتدبّر.
قوله : حكم شرعي. ( ٤ : ٢٦ ).
فيه : أنّ الحكم
بالصحة يتوقّف على الدليل ، فإن ثبت ، وإلاّ يبقى تحت عهدة التكليف ، وهو معنى
البطلان.
إلاّ أن يكون
مراده أنّه دخل في الصلاة دخولا مشروعا وكانت الصلاة حينئذ صحيحة ، فالصحة مستصحبة
حتى يظهر خلافها.
__________________
وفيه : أنّ ذلك
مبني على القول بحجّية الاستصحاب ، وهو لا يقول بها.
ومع ذلك يمكن إثبات
البطلان بأنّ مقتضى الأدلة أنّه لا بدّ في الجمعة من إمام يأتمّون به ، وصلاة
الجمعة اسم لمجموع الأفعال والأبعاض ، ومقتضى ذلك أن يكون للمجموع إمام ،
والمتبادر منه هو الإمام الذي يأتمّون به أوّلا ، فتأمّل ، إذ يمكن منع التبادر
وكيف كان إذا كان إجماع يكفي.
وممّا ذكر ظهر وجه
تقديم الجماعة من يتمّ بهم بل وجوبه ، كما ذكر العلاّمة في المنتهى.
وظهر أيضا ضعف
الوجه الثاني الذي ذكره في التذكرة ، وأمّا الوجه الأوّل فإنّه يصحّ بالنظر إلى
الوجوب العيني لا جواز الفعل ، فتأمّل جدّا.
وظهر أيضا ضعف ما
ذكره من قوله : ولو لم يتفّق. إلاّ أن يكون إجماع على ما ذكره ولم يثبت ، فالأولى
الإتيان بصلاة الظهر أيضا تحصيلا للبراءة.
قوله : وهي كالصريحة في عدم اعتبار حضور الإمام أو نائبه. ( ٤ :
٢٩ ).
قد مرّ الكلام في
المقام في صدر مبحث الجمعة ، ويظهر منه التدافع في كلام الشارح ، فتأمّل.
قوله : وأصالة عدم اشتراط الموالاة. ( ٤ : ٢٩ ).
وعلّة الوجه الآخر
أنّ المنقول إلينا خلاف ذلك ، والمتبادر من الخطبة أيضا الموالاة ، وعدم جريان
الأصل في العبادات.
قوله : ولأنّ اشتراط استدامة العدد منفي بالأصل. ( ٤ : ٢٩ ).
الظاهر من الأخبار
اشتراطها وعدم اختصاص العدد بابتداء الصلاة ، بل هو في الصلاة التي هي اسم للمجموع
، فإن كان إجماع ، وإلاّ أشكل الحكم كما مرّ.
قوله : قبل انفضاض العدد يقطع الصلاة. ( ٤ : ٣٠ ).
للرواية ظهور في
عدم الإضافة ، فلا يبقى إلاّ البطلان ، فتأمّل.
قوله : وهو متّجه. ( ٤ : ٣٠ ).
لا اتجاه ، كما
عرفت.
قوله : لعدم تحقّق الخطبة بدونه عرفا. ( ٤ : ٣٢ ).
فيه تأمّل ظاهر إن
أراد العرف العامّ ، وإن أراد المتشرّعة فيتوقّف على ثبوت الحقيقة الشرعية ، وأنّه
عند جميع المتشرّعة لا يتحقّق بدونه ، وكيف كان فالتمسّك بالإجماع لعله أولى ،
فتأمّل.
قوله : وهو حسن. ( ٤ : ٣٥ ).
هنا يقول : حسن ،
وفي نظائره يمنع الوجوب من جهة التأسّي ، ومن هذا القبيل نصب النبي 6 وعلى والحسن 3 إمام الجمعة ،
وعند حضور هم وفي بلدهم كانوا يفعلون بأنفسهم ، ومرّ من الشارح ; أنّه لا يدل على
الشرطية ، إذ العامّ لا يدل على الخاصّ ، والتأسي إن كان واجبا فواجب مطلقا ،
وإلاّ فلا كذلك.
قوله : أوجب السعي بعد النداء. ( ٤ : ٣٦ ).
لو تمّ هذا الدليل
لاقتضي عدم وجوب الجمعة إلاّ بعد النداء ، وهو
لا يقول به ، كما
مرّ الكلام فيه ، ومع ذلك لا دخل له في المقام ، كما لا يخفى.
ويمكن المناقشة في
حسنة ابن مسلم أيضا ، لتضمّنها المستحبات ، مع ذكر الجملة الخبرية ، مع أنّها حسنة
ولم تثبت العدالة ، إلاّ أن يقول بالانجبار بالشهرة ، وهو لا يقول به.
وأمّا حكاية
البدلية وحكمها فيظهر من الشارح ; عدم اعتقاده به ، كما سيجيء ، ومرّ أيضا في بحث التيمّم وغيره .
وكذا حكاية
استحباب الركعتين لا دلالة بل ولا تأييد لها ، كما هو ظاهر ، فإنّ جواز فعل الظهر
أوّل الوقت إجماعي متواتر من المعصومين 7 ، وهذا لا يمنع استحباب نافلة الزوال.
مع أنّ الركعتين
وقتهما قيام الشمس إن كان عند الزوال ، كما في بعض الأخبار ، وأمّا في أكثر
الأخبار فبعد زوال الشمس ، ولا مانع من حيلولتهما بين الخطبة والصلاة ، فتأمّل.
فالأولى له
الاستدلال بكون العبادات توقيفية ، وشغل الذمة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية أو
العرفية ، ولا يثبت ممّا ذكره الشيخ ; يقين
__________________
ولا ظنّ شرعي ،
لأنّ نقل الإجماع في موضع الخلاف الذي ليس بنادر محلّ الريبة فضلا عن أن يكون
المعظم على خلافه.
وأمّا الخبر ،
ففيه ما ذكره الشارح وما سنذكر.
والحسنة أيضا حجّة
، لانجبارها سندا ومتنا ، مع عدم الضرر من جهة الجملة الخبرية ولا تضمّن المستحبات
، لظهور الأولى في الوجوب ، وكون مداومة النبي 6 في مخالف المستحب واختياره ما هو مرجوح بعيدا جدّا ، مع
أنّه مرّ أنّه إذا ثبت خروج بعض الخبر عن الظاهر لا يستلزم ذلك خروج الكلّ ،
فلاحظ. وكذا حكاية البدلية تؤيّد بل تدل ، كما حقّق في محلّه.
قوله : فلو وقعت الخطبة قبل الزوال. ( ٤ : ٣٦ ).
لا يخفى أنّ الخصم
يقول بجواز التقديم لا تحتّمه.
قوله : وكيف كان فهذه الرواية. ( ٤ : ٣٧ ).
فيه إشارة إلى أنّ
ما ذكره ; من الاحتمال أيضا لا يخلو عن مرجوحية ، إلاّ أنّه كيف كان لا يكون في الرواية
ظهور يصلح لمقاومة الآية والأخبار المعتبرة والأصول.
على أنّ الظاهر
منها مداومة النبي 6 بذلك ، فيدل على رجحان تامّ لو لم نقل بدلالتها على الوجوب
، لكونه فعله في مقام امتثال الأمر المطلق ، سيّما مع مداومته ، فتعارضها الآية
والمعتبرة قطعا ، أمّا المعتبرة ففي غاية الوضوح ، وقد أشرنا في الجملة ، وأمّا
الآية فلأنّ كون الشرط واردا مورد الغالب والمتعارف يقتضي كون صلاة الرسول 6 بعد النداء كذلك
، كما
__________________
هو ظاهر.
وتعضد الآية
والمعتبرة أخبار أخر والأصول ، وأنّ الظاهر أنّه لم يقل بالرجحان قبل الزوال
أحد ، وإن بنى على المرجوحية ، ففيه ما عرفت أنّه لا معنى للقول باختيار الرسول 6 المرجوح دائما ،
فتدبّر.
( لكن لا يخفى أنّ
للرواية المذكورة قرائن كثيرة على إرادة ما ذكره الشارح ، منها : ما ذكره من دلالة
هذه الرواية على كون صلاته حين ما يزاد الفيء قدر شراك ، وأنّ جبرئيل قال له :
انزل لأجل الصلاة ، فيكون هذا القول أيضا منه ذلك الحين ، ومعلوم أنّ هذا القول
منه بعد الزوال المذكور بلا فصل ، كما تنادي به العبارة ، فتعيّن أن يكون المراد
الزوال الذي ذكره الشارح ، ولا محيص عنه ، ولا يمكن حمله [ على ] الزوال عن دائرة
نصف النهار جزما.
مضافا إلى قرائن
أخر ، منها : قوله 7 : « هي صلاة حتى ينزل الإمام » لأنّ الصلاة معلوم أنّها
تفعل بعد دخول الوقت.
ومنها : ذكر هذا
القول في هذا المقام.
ومنها : قوله : «
كان رسول الله 6 يصلّي » المفيد للاستمرار وأنّ ذلك كان عادته ، ولو كان
كذلك لاشتهر في العالمين اشتهار الشمس ، سيّما والجمعة ممّا تعمّ به البلوى تفعل
حينئذ كلّ جمعة بمشهد عظيم من الناس على رؤوس الأشهاد ، مع أنّ الأخبار وفتاوى
الأخيار وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار على خلاف ذلك ) .
قوله : هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب. ( ٤ : ٣٧ ).
__________________
لكن الصدوق قال :
كانت مؤخّرة عن الصلاة فقدّمها فلان ، والظاهر أنّه توهّم منه ، ولذا ادعى العلاّمة والشارح
عدم الخلاف ، فتأمّل.
قوله : فالظاهر جواز الجلوس. ( ٤ : ٣٨ ).
هذا مشكل ، لما
سيجيء في بحث الجماعة من عدم جواز إمامة القاعد للقائم .
قوله : أنّه قياس محض. ( ٤ : ٣٩ ).
نظر العلاّمة إلى
قاعدة البدلية ، كما أنّ الشارح [ اعتمد عليها ] في جواز الجلوس
وغيره .
قوله : بل منع استلزام هذا القول للاحتياط. ( ٤ : ٤١ ).
لا يخفى أنّ شغل
الذمّة بالعبادة يقيني ، وهي توقيفية لا نعلم كونها العبادة المطلوبة إذا لم تكن
طهارة ، ويعلم إذا كانت ، فيجب تحصيلا للبراءة اليقينية أو العرفية أو الشرعية ،
والكلّ واحد بحسب التحقيق ، والبراءة الاحتمالية لا تكفي جزما ، وجريان الأصل في
العبادات محلّ نظر ، لأنّ أصل البراءة لا يعارض الدليل وهو استصحاب شغل الذمة
اليقيني بالتكليف بأمر مجمل ، بل وأشدّ من المجمل ، ويتأتّى الامتثال بارتكاب
الطهارة. وأمّا أصل العدم فيعارضه أصل عدم حصول البراءة وبقاء شغل الذمة ، وأصالة
عدم كون الخالي عن الطهارة عبادة شرعية وصحيحة ، وغير ذلك ، وبالجملة : حصول
اليقين بالامتثال غير ظاهر.
__________________
قوله : والتأسي إنّما يجب في ما علم وجوبه. ( ٤ : ٤١ ).
لا يخفى أنّه فعل
في مقام بيان الواجب ، كما مرّ في وجوب الخطبة قائما ومطمئنا وغير ذلك ، مع أنّه 6 قال : « صلّوا
كما رأيتموني أصلّي » وهذا يشمل الكلّ إلاّ ما ثبت استحبابه ، فتأمّل.
قوله : لا يستلزم أن يكون من جميع الوجوه. ( ٤ : ٤١ ).
لا يخفى أنّ
الظاهر كونها من جميع الوجوه ، لأنّ عند تعذّر الحقيقة يتعيّن أقرب المجازات ،
إلاّ أن يكون وجه الشبه أمرا شائعا ظاهرا ينصرف إليه الذهن ، كما حقّقناه في
موضعه.
قوله : وإن كان العدد حاصلا. ( ٤ : ٤٢ ).
لا يخفى أنّه كما
يكون العدد شرطا كذلك الجماعة أيضا ، وربما كان كذلك وجود الإمام أيضا.
قوله : لصدق الامتثال. ( ٤ : ٤٣ ).
دعوى الصدق بعد
اطّلاعهم بحقيقة الحال فيه ما فيه ، لأنّهم اطّلعوا على أنّ الذي فعلوه ما كان
المأمور به على وجهه.
وأمّا إطلاق قوله 7 فيخدشه ما هو من
المسلّمات عنده وعند غيره أنّه ينصرف إلى الأفراد الشائعة المتبادرة ، وانصراف
الذهن إلى الجمعة أيضا في زمانه 7 مع عدم تمكّن الشيعة منها غالبا لو لم نقل كلّيا فيه ما
فيه ، سيّما إلى صورة يكون الإمام من جملة العدد.
قوله : ولمانع أن يمنع تعلّق النهي بالسابقة مع العلم بالسبق ...
( ٤ : ٤٦ ).
__________________
هذا من الفروض
العقلية ، وإلاّ فبحسب العادة كيف يتيسّر العلم؟ نعم ربما يحصل الظن ، وفي كونه
حجّة إشكال ، لعدم دليل على الحجّية ، والأصل والعمومات تقتضي عدمها ، ويظهر من
كلام الشارح أيضا أنّ الظنّ غير معتبر ، حيث قال : لعدم جزم كلّ منهما.
على أنّه معلوم
أنّ المعتبر العلم بالسبق حين النية والتكبير ، وهذا لا يمكن تحقّقه إلاّ في صورة
صدور جمعة كلّ واحد من الطائفتين بمحضر الأخرى ، وحصل للسابقين اليقين بعدم تمامية
جميع شرائط الجمعة ومقدّماتها للاّحقين ، فحينئذ دخول السابقين في الصلاة حرام ،
لكونه مفوّتا للواجب الذي هو تحصيل الوحدة في الجمعة في ما دون ثلاثة أميال ، لأنّ
الجمعة فرض على السابقين واللاحقين جميعا ، وكلّهم مخاطبون بتحصيل الوحدة التي هي
شرط وهي واجبة كما هم مخاطبون بإتيان الجمعة ، وليس الخطاب بتحصيل الوحدة مختصّا
بطائفة دون طائفة ومكلّف دون مكلّف ، فإذا بادر طائفة بالدخول فيها فربما لم
يتيسّر للآخرين الدخول معهم ، فيصير المبادرة منشأ لترك الفريضة التي هي أشدّ
الفرائض ، مع ما عرفت من توجّه الخطاب بتحصيل هؤلاء المبادرين أيضا ، فيجب عليهم
عدم المبادرة وتحصيل الوحدة بأن يتفق هؤلاء مع اللاّحقين. ولو فرض أنّ إمام
اللاّحقين صار فاسقا بتركه إطاعة الأمر بالوحدة يكون مشترك الورود ، لأنّ إمام
السابقين أيضا تركها.
لا يقال : لعل كلّ
واحدة من الطائفتين لا يعتقد بإمام الأخرى.
لأنّا نقول : إن
كان واحدة منهم يحكم ببطلان صلاة غيرهم يخرج عن فرض المسألة ، لأنّ ما نحن فيه
وقوع جمعتين صحيحتين عند الكلّ لولا السبق والمسبوقية ، ولذا لم تتعيّن صحة صلاة
طائفة منهما إلاّ بالسبق ،
فاللاّحق إن اتفق
سبق صلاتهم كانت صلاتهم صحيحة ، وإن كان كلّ منهم يحكم بصحة صلاة الآخرين لولا
الاقتران أو المسبوقية يعود المحذور.
نعم لو كان إمام
الأصل 7 حاضرا يتعيّن على الجميع الحضور عنده ، وهذا أيضا خلاف مفروض المسألة ، كما
أنّه يمكن صحة صلاة السابقين إذا أرادوا تحصيل الوحدة والإطاعة في التكليف به إلاّ
أنّ اللاّحقين يمنعونهم ولا يدعونهم يصلّون ، لأنّ الصحة على هذا ليست من جهة
السبق ، بل لو كانوا هم اللاّحقين لصحت صلاتهم أيضا ، وإن كان مانعهم غير اللاحقين
، بل اللاحقين أيضا يريدون الامتثال ، فحينئذ يعود الإشكال أيضا ، إذ ربما كان
اللاحقون لا يتيسّر لهم الخروج إلى الفرسخ الآخر ، أو تيسّر إلاّ أنّ البناء على
تعيين إخراجهم يحتاج إلى معيّن شرعي ، فتأمّل جدّا.
وبما ذكرنا ظهر
أنّ الصورة التي ذكرناها لم يكن مدّ نظر الفقهاء جزما ، إذ عرفت أنّ الصحة لو كانت
فيها لم تكن من جهة السبق ، ويكون مرادهم من سبق أحدهما تحقّق السبق بعد الدخول في
الصلاة ، كما يشير إليه قول المصنّف بعد ذلك : ولو لم تتحقّق السابقة. فعلى هذا
تعيّن ما ذكره في الروض ، وعلم يقينا أنّ مراد الفقهاء أيضا ، فتأمّل جدّا.
قوله : وعدم ثبوت شرطية الوحدة على هذا الوجه. ( ٤ : ٤٦ ).
ظاهر الدليل
الشرطية على هذا الوجه ، لأنّ الظاهر منه عدم كون الفرسخ واقعا بينهما واقعا ، فلو
جزم أحدهما بالعدم ثمّ ظهر خلافه يشكل
__________________
الحكم بصحّة
صلاتهما فضلا عمّا ذكرت ، وإشكال الحكم بالصحة مقتض للحكم بعدم تحقّق الامتثال ،
وهو عين عدم الصحة كما عرفت.
لا يقال : إنّه لو
كان الشرط كما ذكرت لزم بطلان صلاة الجمعة الصادرة عن المكلّفين إلاّ في ما ندر ،
لعدم العلم حين الدخول في الصلاة بعدم جمعة أخرى ( في ما دون الفرسخ منها.
لأنّا نقول :
الدليل يقتضي العلم بعدمها ، إلاّ أنّ العلم الواقعي إن لم يحصل يكفي العلم الشرعي
، وهو عدم نقض اليقين السابق بعدم جمعة اخرى ) بالشك اللاحق ، والكفاية إجماعي العلماء ، ولذا لم
يستشكلوا أصلا إلاّ في صورة تحقّق جمعتين ، وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار
شاهد واضح ، مع أنّ الضرورة أيضا قاضية بذلك ، إذ لو لم يكن كذلك لينسدّ باب
الجمعة والامتثال بها غالبا ، كما لا يخفى.
قوله : واعلم أنّ المصنف. ( ٤ : ٤٧ ).
لا يخفى أنّ ظاهر
عبارة المصنف يشمل الخامسة أيضا ، فظاهره موافقته مع التذكرة.
قوله : بل يكفي في الصحة عدم العلم بسبق اخرى. ( ٤ : ٤٧ ).
فيه ما عرفت ، مع
أنّه لو كان كافيا لزم صحة [ صلاة ] كل من الطائفتين في صورة عدم علمهم بالسبق ، فلم يحتاجون
إلى صلاة أخرى؟ والمسألة مفروضة كذلك ، يعني أنّه إذا فسد صلاتهما كيف يفعلون؟
منهم
__________________
من عيّن الظهر ،
ومنهم من عيّن الجمعة ، ومنهم من عيّن الجمع ، والشارح شارك معنى بما ذكره ، وفيه
ما لا يخفى .
قوله : أنّه يمكن إدراج هذه الصورة. ( ٤ : ٤٧ ).
فيه : أنّ ظاهر
العبارة ما ذكره الشارح 1 لا ما ذكره هو ، مع أنّ عدم تعرّض ذكر الصورة الخامسة بعيد
مع كونه بصدد ذكر الصور.
قوله : إلاّ أنّا لم نقف في هذه الصورة. ( ٤ : ٤٧ ).
فيه ما فيه ،
فإنّه بعينه ما احتمله في التذكرة ، [ مع ] أنّه لا تأمّل في عدم لزوم قائل موافق للفقيه في صحة
فتواه.
قوله : نادر جدّا. ( ٤ : ٥٢ ).
والأخبار لم ترد
على الفروض النادرة ، بل ربما كان مجرّد فرض عقلي ، فعلى هذا لا تعارض بين الأخبار
، ويمكن أن يكون كلام الفقهاء أيضا كذلك ، فتأمّل.
قوله : وجهالة المروي عنه. ( ٤ : ٥٥ ).
الرواية منجبرة
بفتاوى الأصحاب كلّهم وصحيحة أبي همام ، مع أنّ الظاهر أنّها من كتابه ، وكتابه
معتمد ، كما في الفهرست ، مع أنّه يظهر من الشيخ في العدّة أنّ الشيعة أجمعوا على
العمل بروايات أمثاله ، فلا وجه لتأمله فيها ، وما ذكره من أنّ وجوب الجمعة
عليها مخالف لاتفاق الفقهاء ظاهر الفساد ، إذ ظهر أنّ أصحابنا قطعوا بإجزاء الجمعة
لها عوضا عن
__________________
الظهر.
قوله : وحكى الشهيد في الذكرى أنّ الظاهر. ( ٤ : ٥٦ ).
لو تمّ ما ذكره
لزم أن تكون الجمعة واجبة على المسافرين أيضا بالوجوب التخييري بل العيني ، لما
مرّ من أنّهم إذا حضروها لزمهم الدخول وزال رخصة عدم السعي ولزمهم الفرض الأوّل ،
ولا يخفى أنّ المسافرين في الغالب أزيد من الخمسة والسبعة ، وفيهم من يصلح
للاقتداء به ، فلو كانت واجبة عليهم لكانوا يلتزمونها في الأعصار والأمصار ،
وكانوا كغير المسافرين ، مع أنّه خلاف الأخبار المتواترة وإجماع المسلمين بل
وضروري الدين. فظهر الفرق بين محسوبية بعضهم من العدد ووجوب دخوله وبين الانعقاد
من المسافرين.
مع أنّ المحسوبية
من العدد أيضا محلّ نظر ، فإنّ وجوب الجمعة على المكلّف غير انعقاد الجمعة به ،
ولم يظهر من الأخبار أزيد من الأوّل.
وما ذكرناه جار في
البعيد أيضا ، والإجماع الذي نقلوه [ إنّما هو ] في احتسابه من
العدد ، وهو الحجّة ، وأمّا الإجماع على انعقادها بمجموع البعيدين [ فـ ] لم ، يظهر إجماع
على ذلك ، ولو ظهر لم يثبت ، مع أنّ الإجماع على الانعقاد أيضا ظنّي ، فلا بدّ من
ملاحظة مقاومته لظاهر الأخبار ، فإنّ الظاهر منها أنّهم إذا حضروا الجمعة المنعقدة
لزمهم الدخول ، لا أنّه ينعقد بهم ، فتأمل.
__________________
قوله : لاستفاضة الروايات. ( ٤ : ٥٦ ).
هذا التعليل فيه
ما لا يخفى.
قوله : واستدل عليه في التذكرة. ( ٤ : ٥٩ ).
لو تمّ هذا الدليل
لاقتضى المنع من السفر في يومها مطلقا ، والتقييد بما بعد الزوال خاصّة بعيد جدّا.
قوله : « ولا يعان على حاجته ». ( ٤ : ٥٩ ).
هكذا نقله
المخالفون ، وفي المصباح : « ما يؤمن من مسافر يوم الجمعة قبل الصلاة
أن لا يحفظه الله تعالى في سفره ، ولا يخلفه في أهله ، ولا يرزقه من فضله » ، وفي النهج : «
لا تسافر في يوم الجمعة حتى تشهد الصلاة إلاّ قاصدا في سبيل الله أو في أمر تعذر
به » .
قوله : ويتوجّه عليه أيضا. ( ٤ : ٥٩ ).
لا يخفى أنّ
الغالب عدم التمكّن من فعل الجمعة التي حضر وقتها قبل السفر في السفر ، فهذا
الإيراد غير متوجّه بالقياس إليه ، وأمّا على الفروض النادرة فالظاهر أنّ السفر
حلال بلا تأمّل ، إذ اللازم فعل الجمعة يومها.
هذا إذا أراد
فعلها حال السفر وهو على وثوق بإدراكها فيه ، وإن لم يكن على وثوق فاظاهر أنّ حكمه
حكم غير المتمكّن.
وأمّا إذا كان
قصده عدم الفعل في السفر فالحرام هو قصده لا سفره ،
__________________
لأنّ السفر لا
يحرم إلاّ من جهة عدم التمكّن من فعل هذه الجمعة ، وهو متمكّن ، والجمعة التي حضر
وقتها يجب فعلها على أيّ حال ، والسفر لا يصير منشأ لسقوطها كما هو ظاهر ، فنظر
المستدل إنّما هو بالنسبة إلى الغالب ، لأنّه الذي يستلزم سفره الإخلال بالجمعة ،
فتأمّل جدّا.
قوله : ويمكن أن يستدل. ( ٤ : ٦٠ ).
سيجيء في مبحث
حرمة البيع وقت النداء ما يظهر منه الإشكال في هذا الاستدلال.
قوله : واستلزام الحرج. ( ٤ : ٦٠ ).
فيه ما فيه ، لأنّ
تعلّم الواجبات إن كان واجبا عليه ولا يمكن في السفر فلا شكّ في أنّه مؤاخذ معاقب
بترك التعلّم ، سواء قلنا بحرمة السفر أيضا أم لا ، والاشتغال يستلزم ترك السفر
على أيّ تقدير ، والحرج ينافي التكليف ، فلا يكون حرج ، وإن كان فلا يكون واجبا
بالنحو الذي ذكره ، وإن بنى على عدم منافاة الحرج لوجوب التعلّم فلا اعتراض على
القائل أيضا.
قوله : وبأنّه ليس في الكتاب والسنّة. ( ٤ : ٦١ ).
لا شكّ في ورود
الأخبار الكثيرة بل المتواترة على وجوب طلب العلم والمعرفة على كلّ مسلم ومسلمة
ومؤمن ومؤمنة ووجوب التفقّه وإصابة السنّة ووجوب أخذ أعماله من أهل البيت ، وأن
يكون جميع أعماله بدلالة وليّ الله الذي هو الإمام المفترض الطاعة ، وأنّ العامل
بغير بصيرة كالسائر بغير طريق لا يزيد كثرة السير إلاّ بعدا ، وأنّه لا عمل إلاّ
بالفقه والمعرفة ، وأنّه كلّ ما يخرج عن غير بيت الأئمّة 7 فهو باطل ، وأنّ
الله والرسول 6 والأئمّة 7 طاعتهم مفترضة ، والطاعة هي امتثال الأمر ،
فلا بدّ من معرفة
أوامرهم حتى يتحقّق إطاعتهم ، وكذا في معصيتهم وغيرها.
مع أنّ من أقرّ
بنبي أو إمام علم يقينا أنّ لهما شرع ومنهج ودين وملّة ، وأنّه لا بدّ من التشرّع
بشرعهما والتدين بدينهما.
وأيضا ضروريات
الدين والمذهب من الوضوء والغسل والتيمّم والنجاسات ووجوب إزالتها وغيرها من
الأحكام ، وكذا الصلاة والصوم والزكاة وغيرها من الضروريات الواجبة من الكثرة بحيث
لا تحصى ، وكذا المحرّمات وغيرها ، والضروري يعرفها كلّ من هو من أهل الدين
والمذهب ، فبعد معرفة الوجوب والحرمة كيف تجوز المساهلة والمسامحة في معرفة
الماهيات والشرائط والأحكام؟ وبالجملة : أنواع أسباب وجوب التعلّم والمعرفة لا حصر
لها فضلا عن أشخاصها.
والتمسّك بتيمّم
عمّار وطهارة أهل قبا في غاية الغفلة والغرابة ، وأظهرنا شنائعها في الفوائد ونشير
إلى شيء منها ، إنّ أهل قبا أحدثوا في الدين وغيّروا حكم شرع خير
المرسلين كما فعلوا في الوصية بدفنهم متوجّها إلى الرسول مع أنّ شرعهم كان غير ذلك
، لكنّ الله تعالى أمضى فعلهم ومدحهم بعد ما كانوا خائفين في أنّه تعالى
يؤاخذهم ويعاقبهم في ما فعلوا.
وأمّا تيمم عمّار
فلا شكّ في أنّ العبادات كيفيات متلقّاة من الشرع توقيفية موقوفة عليه مسلّم ذلك
عند الشارح وشيخه رحمهما الله وعند الكلّ بل الأطفال والجهّال أيضا ، لغاية وضوح
دليله ، بل الجهال لا يرضون أن يفعلوا
__________________
من قبل أنفسهم
عبادة توقيفيّة بمحض جعل أنفسهم واختراعهم ، يجزمون أنّ الله تعالى يؤاخذهم بذلك
بلا تأمّل ، والظاهر أنّ عمّارا أعتقده من قاعدة البدلية التي أشار إليه الشارح ; مرارا ، وبنى
عليها الأحكام كثيرا ، وما كان حين الحاجة متمكّنا من الرجوع إلى الرسول 6 ، أو كان القاعدة
ظاهرة عنده ، والرسول 6 خطّأ فعله ، ومراده [ عن ] : « أفلا صنعت هكذا؟ » أفلا
تعلّمت حتى تصنع هكذا؟ والمراد ظاهر بالبديهة ، لأنّ الإنكار على أمر محال محال عن
الحكيم ، وفعل التيمّم كذلك بدون الرجوع إلى الشرع محال بالبديهة ..
انظر أيّها الفطن
أنّ بأمثال هذه الشبهات كيف يمكن ردّ ما ثبت من الآيات والأخبار المتواترة بالنوع
فضلا عن الشخص ، مع الدليل العقلي؟
وقد بسطنا الكلام
في الفوائد ، بل بأدنى تأمّل يظهر ظهورا تامّا أنّ ما ذكره بعينه كلام الأشاعرة
ردّا على العدلية ، وأنّه ينافي قاعدة العدل ويهدم بنيانه.
قوله : وهو قويّ متين. ( ٤ : ٦١ ).
لا قوّة ، بل لا
يخفى فساده ، مضافا إلى أنّ الواجبات غير منحصرة في تحصيل العلم ، والضدّ غير
منحصر في السفر ، واقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضدّ في غاية الوهن بل ظهور
الفساد ، والشارح ; لا يقول به ، فالمانع مفقود من أصله ، لا أنّ دفع الشبهة
منحصر في ما قاله ، إذ عرفت أنّه غير [ دافع ] على فرض التمامية.
قوله : تمسّكا بالعموم. ( ٤ : ٦١ ).
لم نجد العموم
الذي ادعاه سوى رواية التذكرة وصحيحة أبي بصير ،
__________________
وقد عرفت عدم
دلالة الرواية على الحرمة ورواية أبي بصير مع أنّ الاستدلال بطريق أولى محلّ تأمّل
، سيّما عند الشارح ; إذ لو بنى على أنّ السفر لا مدخليّة له في المنع ، بل كلّ
ما هو ضدّ ، وكذا صلاة العيد لا مدخليّة لها ، بل كلّ ما هو صلاة فريضة ، بل كلّ
ما هو فريضة فمقتضاها أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ في الفرائض لو لم
نقل في كلّ واجب ، سيّما ما هو أوجب من العيد ، وإن أجاز أن يكون للخصوصيّة مدخل
فلا يتأتّى القياس المذكور ، ومع ذلك لا عموم فيها يشمل صورة فعل العيد والجمعة في
موضع آخر ، لأنّ الإطلاق ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، كما هو مسلّم عنده.
ومنه يظهر جواب
آخر عن رواية التذكرة.
ومنه يظهر الجواب
عمّا ذكره من إطلاق الأخبار المتضمّنة للسقوط عن المسافر. مضافا إلى ما ذكره سابقا
من أنّ سقوطها يوجب حرمة السفر ، وما صرّح هنا أنّ السفر غير سائغ ، ومعلوم أنّه
مع عدم الجواز يجب فعل الجمعة ويخرج عن تلك الإطلاقات جزما. ويظهر ممّا ذكرناه ما
في قوله : ولو قيل باختصاص. ، فتأمّل جدّا.
قوله : إذا قام الإمام يخطب. ( ٤ : ٦٣ ).
ومن حديث أمير
المؤمنين 7 حيث قال فيه : « لا كلام والإمام يخطب ولا التفات. » وفي حديث المناهي
في الفقيه : « نهى رسول الله 6 عن الكلام في يوم الجمعة والإمام يخطب » وفي حديث
__________________
ابن وهب كذا :
وقال أبو عبد الله 7 في حديث له : « الخطبة وهو قائم خطبتان ، يجلس بينهما جلسة
لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين » .
قوله : ولفظ لا ينبغي صريح في الكراهة. ( ٤ : ٦٤ ).
فيه تأمّل ظاهر ،
سيّما بملاحظة قوله في الرواية : « فإذا فرغ تكلّم ما بينه وبين أن تقام الصلاة »
لأنّه إباحة في مقام الحظر إلى أن تقام الصلاة ، ومعلوم أنّه بعد الإقامة حرام ،
فتأمّل.
قوله : وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف. ( ٤ : ٦٤ ).
ومستنده حسنة ابن
المغيرة ـ بإبراهيم بن هاشم ـ عن غياث بن إبراهيم عن الصادق 7 : « لا بأس
بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم وأن يؤذّن » ورواية طلحة عنه 7 بهذا المضمون . ورواية سماعة
عنه 7 : « يجوز صدقة الغلام وعتقه ، ويؤمّ الناس إذا كان له عشر سنين » .
وسند الأولى معتبر
إلاّ أنّها من جهة عدم القائل بظاهرها لا تكون حجّة أو لا تقاوم المعارض ، مضافا
إلى أنّ الراوي عامي ، فلعل حكمها موافق للعامّة ، فتأمّل.
قوله : « لا تقرأ خلفه » ... ( ٤ : ٦٦ ).
__________________
وفي بعض الروايات
: لا تصلّ خلف المجاهر بالفسق .
وفي روايات أبي ذر
: « إمامك شفيعك عند الله ، فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا » .
وفي رواية زيد بن
علي 7 عن آبائه عن علي 7 : « الأغلف لا يؤمّ القوم وإن كان أقرأهم ، لأنّه ضيّع من
السنّة أعظمها ، ولا تقبل له شهادة ، ولا يصلّى عليه إلاّ أن يكون ترك ذلك خوفا
على نفسه » .
وفي الفقيه في
الصحيح على الظاهر ، عن محمد بن مسلم ، عن الباقر 7 : « لا تصلّ خلف من يبغي على الأذان والصلاة بالناس أجرا »
.
وفي التهذيب في
باب أحكام الجماعة ، في الموثق كالصحيح عن حمران ـ إلى أن قال ـ فقال زرارة : هذا
ـ يعني الصلاة خلف العامة ـ لا يكون ، عدوّ الله فاسق لا ينبغي لنا أن نقتدي به ، الحديث. وفي
باب الأذان عن يونس الشيباني عن الصادق 7 : « إذا دخلت المسجد فكبّرت وأنت مع إمام عادل ثم مشيت إلى
الصلاة أجزأك » .
وفي العيون وغيره
عن علل الفضل بن شاذان عن الرضا 7 ـ في
__________________
علّة قصر الجمعة ـ
: « ومنها أنّ الصلاة مع الإمام أتمّ وأكمل ، لعلمه وفقهه وعدله » الحديث .
وفيه أيضا عن
الرضا 7 في ما كتب للمأمون من محض الإسلام : أنّه « لا صلاة خلف الفاجر ولا يقتدي
إلاّ بأهل الولاية » .
وفي التهذيب في
الموثق عن سماعة ، قال : سألته عن رجل كان يصلّي ، فخرج الإمام وقد صلّى الرجل
ركعة من صلاة الفريضة ، قال : « إن كان إماما عدلا فليصلّ ركعة أخرى وينصرف
ويجعلها تطوّعا وليدخل مع الإمام في صلاته ، فإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته
كما هو ويصلّي مع الإمام » إلى أن قال : « فإنّ التقيّة واسعة » .
وفي الكافي في باب
ما يردّ منه الشهود عن الباقر 7 : « لو أن أربعة شهدوا على رجل بالزنا وفيهم ولد الزنا [
لحددتهم ] جميعا ، لأنّه لا تجوز شهادته ولا يؤمّ الناس » وفيها كبعض
الأخبار السابقة شهادة على اتحاد حال الشهادة وإمامة الناس في الصلاة في اعتبار
العدالة ، كما هو عند الفقهاء ، فمقتضى ذلك اعتبار العدالة.
لكن يعارضها ما
تضمّن من المنع خلف الفاسق والمجاهر بالفسق ، أمّا الثاني فظاهر ، وأمّا الأوّل فلأنّ الفاسق لا يطلق
شرعا إلاّ على
__________________
من ظهر فسقه ، فلا
يقال على مستور الحال : جاء الفاسق ، وذهب الفاسق ، وأمثال ذلك.
إلاّ أن يقال :
إنّ الأخبار ليست بمتعارضة إلاّ على رأي من قال بأنّ العدالة غير عدم ظهور الفسق ،
إذ بعض القدماء يقول باتحادهما ، كما أشار إليه الشارح ; لكن الذي حقّقناه
في بحث الشهادة عدم الاكتفاء بما ذكروه ، وأنّه لا بدّ من حسن الظاهر ، كما قال بعض
الفقهاء ، ولعله الظاهر من أكثر القدماء والمعروف منهم إلاّ من شذّ
، فيمكن حمل الأخبار المتعارضة على من وقع المعاشرة الظاهرة معه ، فإنّه إن لم
يظهر فسقه يكون حسن الظاهر البتّة ، وإلاّ يكون فاسقا.
على أنّا نقول :
المعارض منحصر في الأولى والثانية ممّا ذكرته ، وهما ضعيفتا السند من دون انجبار
للضعف ، بل يضعّفهما ندرة القائل ، وكونهما مخالفا لما اشتهر بين الأصحاب لو لم
نقل بالإجماع ، ومع ذلك حمل الأولى على أنّ المراد من الفاسق فيها ما هو أعمّ من
ظاهر الفسق أيضا. على أنّ مفهوم الوصف أو اللقب ليس بحجة.
وكذا الكلام في
الثانية ، وإن كان مضمونها : ثلاثة لا يصلّى خلفهم : الغالي والمجهول والمجاهر
بالفسق ، لاحتمال كون المجهول داخلا في المجهول. مضافا إلى الجزم
بأنّ من لا يصلّى خلفه أزيد من الثلاثة ، فتأمّل جدّا.
وما ورد في بعض
الأخبار : « إذا كان الرجل لا تعرفه يؤمّ الناس فقرأ
__________________
القرآن فلا تقرأ
خلفه واعتدّ بصلاته » فمع ضعفه محمول على ظهور الحسن بقرينة كون إمام القوم من
الشيعة ، وقوله : « يؤمّ » يفيد الاستمرار التجدّدي.
وكذا الكلام في ما
ورد في من صلّى خلف إمام إلى خراسان ثمّ ظهر أنّه يهوديّ : أنّه لا إعادة عليه ، فتأمّل جدّا.
قوله : إلاّ أنّ المصير إلى ما ذكره الأصحاب أحوط. ( ٤ : ٦٦ ).
( لا يخفى على
المتأمّل في ما ذكره الشارح هنا لاعتبار العدالة وجعل اعتبارها أحوط ، وخصّص
عمومات القرآن والأخبار المتواترة بأن جعل التخصيص أحوط ، وفي اشتراط الإذن والنصب
بالغ ما بلغ في عدم التخصيص بل القطع بعدم اشتراطه ، مع ما ذكره الفقهاء من الأدلة
والفتاوى والأخبار والآثار والاعتبار ، فإنّها أضعاف ما ذكره الشارح ; بمراتب شتّى ، مع
قطع النظر عمّا ذكرنا في اشتراط الإذن ، إذ بعد ملاحظته لا يصير ما ذكره الشارح
طرف النسبة ، فلاحظ وتأمّل ) .
قوله : على ملازمة التقوى والمروءة. ( ٤ : ٦٧ ).
إن حمل على أنّ
الملازمة بحيث يستحيل التخلّف فهو باطل قطعا ،
__________________
لأنّ ذلك مرتبة
العصمة ، ولأنّهم يقولون بجواز التخلّف قطعا ، وأنّ العادل ربما يصير فاسقا ،
وأنّه بمجرّد التوبة يرجع إلى العدالة ، كما هو الظاهر منهم.
وإن حمل على أنّها
بحيث يستبعد التخلّف فيرجع إلى حسن الظاهر ، إلاّ أنّهم اعتبروا المعاشرة الباطنية
، ولعل نظرهم إلى أنّه تعالى أمر بالتبيّن في خبر الفاسق ، والفسق خروج عن
الطاعة واقعا ، فلا بدّ من العلم بعدم الفسق إن أمكن ، وإلاّ فما هو أقرب إلى
العلم.
وفيه منع كون
الفاسق ما ذكر ، لما عرفت ، ولملاحظة شأن نزول الآية ، مع أنّه يقتضي عدم الاكتفاء
بشهادة العدلين في ثبوت العدالة ، مع أنّ المشهور يكتفون بالعدل الواحد في خبر
الواحد.
هذا مضافا إلى ما
عرفت وستعرف من الأدلة على عدم الحاجة إلى المعاشرة الباطنية ، بل والمنع عنها
وحرمتها ، وتمام الكلام في بحث الشهادات.
قوله : ويستفاد من هذه الرواية أنّه يقدح في العدالة. ( ٤ : ٦٩
).
وهذه الرواية ـ مع
أنّها وقع فيها اختلاف واضطراب من حيث إنّ الشيخ نقلها بتغيير وتفاوت ـ تتضمّن أمورا
تخالف إجماع الشيعة :
الأوّل : أنّها
ظاهرة في وجوب الجماعة وعدم التخلّف عن الصلاة في المسجد مع جماعة المسلمين إلاّ
من علّة ، هذا لمن هو جار للمسجد ، وأمّا وجوب الجماعة فمطلقا ، لاحظ تتمّة
الرواية التي لم يذكرها الشارح.
__________________
الثاني : كون ذلك
شرطا للجماعة.
الثالث : كونه
شرطا لمعرفة العدالة ، مع أنّ الجماعة مستحبة بالضرورة والأخبار وترك المستحب لا
ينافي العدالة بالإجماع.
الرابع : قصر
معرفة العادل في ما ذكر فيها ، مع أنّه يعرف بالمباشرة الباطنية وشهادة العدلين ،
ومقتضى الرواية أن يكون المسلمون يعرفونها كذلك حتى يصير عادلا أو يعرف أنّه عادل
، وأنّه إذا سئل عنه في قبيلته وأهل محلّته يقولون : ما رأينا. وأن يكون ساترا
لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك ممّا هو في باطن أمره ويظهر
بالتفتيش والتجسّس.
مع أنّ القاضي
وحده إذا عرفه عادلا يكفي ، وإن كان أحد آخر لا يعرف عدالته بل لا يعرفه أصلا ،
وكذا إن عرفه شاهدان فقط ، بل ربما يكون عادلا عند بعض غير عادل عند آخر ، بأنّه
اطّلع اتفاقا على مكنون سرّه ، أو اشتبه عليه فاعتقد الفسق ، إلى غير ذلك ، ولذا
كثير من الرواة والعدول عدالتهم محلّ خلاف.
ومع جميع ذلك
يخالف طريقة الرسول وأمير المؤمنين والحسن صلوات الله عليهم بالنسبة إلى شهود
الحكم وأئمّة الصلاة والقضاء وغيرهم ممّن اعتبر عدالته.
وكذا طريقة
المسلمين في الأعصار والأمصار ، مع أنّ العدالة من الأمور التي يعمّ بها البلوى
ويكثر لديها الحاجة ، وجميع البلدان كذلك ، وليس بلد لا يحتاج إليها ولا يكثر
حاجته إليها ولا يعمّ بلواه ، وانتظام الدين والدنيا بها ، كما لا يخفى ، بل ربما
يظهر من سائر الأئمّة 7 أيضا موافقتهم للرسول وعلى والحسن صلوات الله عليهم ، وورد
في أخبار كثيرة
غاية الكثرة ما
يخالفها من الاكتفاء بحسن الظاهر مطلقا أو عدم ظهور الفسق ، مع إمكان حملها أو
إرجاعها إلى حسن الظاهر أو التقيّة أو غيرهما ، كما حقّقناه في حاشيتنا على شرح
المقدّس الأردبيلي ; على كتاب القضاء من الإرشاد .
فيمكن حمل هذه
الرواية على عدل المسلمين بحيث تقبل شهادته لهم كلّهم وعليهم كلّهم كما يشير إليه
سؤال الراوي ، فتأمّل.
قوله : في صحيحة الحلبي : « لا بأس بأن يصلي الأعمى بالقوم ». (
٤ : ٧٣ ).
التهذيب ، عن
الشعبي ، قال قال علي 7 : « لا يؤمّ الأعمى في البرية ، ولا يؤمّ المقيّد المطلقين
» .
قوله : لأنّ الواقع أوّلا هو المأمور به. ( ٤ : ٧٦ ).
الأولى أن يعلّل
بأنّ المنهي عنه هو المعبّر عنه بالثاني أو الثالث لا الأوّل ، فتدبّر.
قوله : فهو إنّما يقتضي تحريم المنافي من ذلك. ( ٤ : ٧٧ ).
لا تأمّل في أنّ
مراده هو هذا لا غير ، بل الآية أيضا دلالتها على حرمة غير المنافي محلّ نظر ، لما
ذكره العلاّمة من العلّة المومأ إليها واستوجهه الشارح ; ، ولأنّ الإطلاق
ينصرف إلى المتعارف الشائع وهو [ ما ] ينافي الصلاة.
__________________
قوله : إمّا لأنّ النهي في المعاملات. ( ٤ : ٧٨ ).
ليس كذلك ،
لتصريحه بخلافه .
قوله : لم يثبت كونه سببا في النقل. ( ٤ : ٧٨ ).
وذلك حقّ ، لأنّ
الصحة هنا حكم شرعي ، لكونها عبارة عن ترتّب الأثر شرعا ، فيتوقّف على الدليل
الشرعي ، والمعهود من فقهائنا انحصار الدليل في البيع في ( أَحَلَّ
اللهُ الْبَيْعَ ) و ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ
تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) و ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) و ( أَوْفُوا بِالْعَهْدِ
) لا غير ، وإن ذكر بعضهم : « المسلمون عند شروطهم » أيضا ، لكن المحقّقون
على عدم الدلالة على الوجوب ، لاستلزامه التخصيص الذي لا يرضى به المحقّقون.
وأمّا الآيتان
الأوّلتان فنقيضا صريح للحرمة ، فكيف تشملانها؟ وأمّا الأخيرتان فتنافيانها عرفا ،
لأنّ العقد الذي نهى الله عنه كيف يأمر بالوفاء به؟ فإنّ النهي إيجاب لإعدامه
فيكون فعله قبيحا شرعا ، والأمر بالوفاء إيجاب للوفاء بالقبح وإبقائه على حاله ،
وبالجملة : لا يفهم منها وجوب الوفاء بما لا يرضى به الله تعالى وحرّمه ويعاقب
عليه.
وأمّا قوله : «
البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » وأمثاله فلم يعهد منهم
__________________
الاستدلال بها ،
ولعله لعدم إفادة المفرد المحلّى العموم لغة ، كما هو مسلّم عند الشارح ; ، وعمومها إنّما
هو من جهة الإطلاق ، والإطلاق ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، وكون البيع المنهي عنه
منها محلّ تأمّل ، وكذا البيوع التي لا تستجمع شرائط الصحة شرعا.
وأيضا المطلق
إنّما ذكر تقريبا لحكم آخر لا لحكم نفسه ، فعدم إفادته العموم غير مضرّ ، لحصول
الفائدة منه في كلام الحكيم على تقدير عدم الشمول أصلا.
نعم يمكن أن يقال
: إنّ النهي في الآية تعلّق بأمر خارج عن ماهيّة البيع وهو عدم درك صلاة الجمعة ،
كما هو الظاهر عن سياق الآية وإن وقع الأمر بترك البيع ، وظاهر أنّ الغرض منه
إدراك الجمعة لا غير ، فتأمّل.
قوله : ويتوجّه عليه ما حقّقناه سابقا. ( ٤ : ٧٩ ).
قد ذكر سابقا عدم
توجّه ما ذكره عليه ، بل فساده ، بل ظهور فساده ، وأشرنا إلى حقيقة
الإجماع ، بحيث لا مجال للتأمّل فيها ، وأشرنا إلى الأخبار الدالة على عدم وجوب
الجمعة عند عدم المنصوب ، بل ووضوح دلالة كثير منها على الاستحباب ، وأنّها مستند
الأصحاب فيه ، فتأمّل.
قوله : وهذا ممّا يقطع بتعذّره في زمن ابن إدريس وما شاكله ... (
٤ : ٨٠ ).
هذا عجيب ، لأنّ
الشارح ; تمسّكه بالإجماع بحيث أخذه مستند الحكم بلا شكّ ولا شبهة كان في غاية الكثرة
ونهاية الوفور ، بل وربما يعترض على من تقدّم عليه بأنّ كذا إجماعيّ ، فكيف يمكنك
أن
__________________
تقول : كذا؟ مثل
ما أورده على جدّه ; في مسألة توالي دم الحيض وعدم تواليه ، وفي مسألة تقوّي
الأعلى من الغديرين بالأسفل وعدمه على المحقّق الشيخ علي ، إلى غير ذلك ،
فكيف في زمانه يحصل العلم بالإجماع المصطلح ولا يحصل لابن إدريس والسيّد وأمثالهما؟
هذا من العجائب ، مع أنّك عرفت فساد ما ادّعاه ووضوح فساده ، وكتبنا رسائل متعدّدة
في تحقيق الإجماع ، وأظهرنا شنائع هذه الدعوى ونظائرها من الشبهات المخالفة
للبديهة ، من أراد الاطّلاع فليلاحظها ، مع أنّا نبّهنا هاهنا في ما سبق على ما نبّهتك على حقّية
هذا الإجماع بخصوصه ، فلاحظ.
قوله : بل الظاهر أنّ المتيقّن يوم الجمعة. ( ٤ : ٨٠ ).
أمّا تيقّن عينية
الجمعة في صورة النزاع فقد ظهر فساده بعنوان اليقين ، فلاحظ ، وإن لم يحصل لك
اليقين فعليك بمطالعة رسالتنا في صلاة الجمعة ، ولا أظنّ أنّ القلب إذا كان خاليا
لا يحصل له حتى ممّا ذكرنا في هذا الكتاب ، وأشرنا إلى ما دل على الحرمة أيضا من
دعاء الصحيفة وغيره من الأخبار ، وكذا الأخبار الدالة على الاستحباب وعدم الوجوب ،
وكذا الإجماع ، وعرفت أيضا عدم تمامية دلالة الآية والأخبار التي ادّعاها الشارح ; بالنسبة إلى محلّ
النزاع ، فلاحظ وتأمّل ، مضافا إلى الإجماعات ، فدعوى اليقين بعد ذلك في غاية
الغرابة.
ومرادهم من ثبوت
الظهر في الذمة بيقين أنّ الله تعالى ما أوجب الجمعة إلاّ بعد مدّة مديدة من
البعثة ، وكان الفريضة بالنسبة إلى جميع
__________________
المكلّفين في تلك
المدّة هو الظهر يقينا ، ثم بعد تلك المدّة تغيّر التكليف بالنسبة إلى بعض
المكلّفين ، ولم يتغيّر بالنسبة إلى بعض آخر بالإجماع والضرورة من الدين والمذهب
والأخبار المتواترة ، فمن ثبت تغيّر حكمه فلا نزاع ، ومن لم يثبت فالأصل بقاء
الظهر التي كانت يقينية حتى يثبت خلافه ، ولم يثبت ، ودليلهم هذا هو مقتضى الأصل
حتى يثبت خلافه ، وهو الاستصحاب ، وقولهم : « لا تنقض اليقين بالشك » أو « إلاّ
بيقين مثله » والعمومات والإطلاقات على طريقة الشارح ; في موضع الاستصحاب ، فالجواب ليس إلاّ أنّ خلافه ثبت
والإتيان بالدليل ، لا ما ذكره الشارح ; لفساده يقينا.
وربما استدلوا
هكذا : إنّ الظهر مبرئ للذمة يقينا ، للإجماع والعمومات على صحته بخلاف الجمعة ،
هذا بناء على عدم النزاع في ما ذكروه ، كما هو الظاهر منهم.
قوله : وهذه الرواية ضعيفة السند. ( ٤ : ٨١ ).
الظاهر أنّ
الرواية متفق عليها بين الأصحاب ، ويؤيّدها صحيحة عبد الرحمن الآتية ، فالضعف
منجبر ، فلا وجه لما ذكره ، نعم الاحتياط عدم الاكتفاء حتى بمضمون الصحيحة ، وهو
أمر آخر سوى الفتوى.
قوله : ولعلّه الأظهر. ( ٤ : ٨٢ ).
لم نجد وجهه ، وما
ذكره من أنّ الجماعة. لم نجده إلاّ مجرّد دعوى خال عن الدليل ، وكيف يكتفى في
العبادات التوقيفية والبراءة اليقينية من شغل الذمّة اليقيني بما ذكره؟.
قوله : ومقتضى ذلك اختصاص. ( ٤ : ٨٣ ).
لا شكّ في أن ما
ذكره العلاّمة نكتة لاختيار الشرع لا أنّه دليل ، إذ
لا شك في عدم
صلاحيته ، فلعلّ النكتة بملاحظة وضع الجمعة لا فعليّتها.
قوله : لما رواه عبد الله بن سنان. ( ٤ : ٨٤ ).
ولما رواه في
الكافي بسنده عن الباقر 7 أنّه كان يبكر يوم الجمعة إلى المسجد حين تكون الشمس قيد
رمح .
قوله : فلم أقف فيه على أثر. ( ٤ : ٨٥ ).
يمكن إدخاله في ما
ورد من الأمر بالتزيّن يوم الجمعة . ( فلا خفاء ولا تأمّل ، بل ورد في بعض الأخبار أنّ الصادق
7 كان يحلق رأسه في كلّ جمعة ) .
قوله : لقصور سند الحديث. ( ٤ : ٨٧ ).
كثيرا ما يقول
بالمسامحة في أدلة السنن ، منها : ما مرّ في نوافل يوم الجمعة ، مع أنّ الحديث
منجبر بعمل الأصحاب.
قوله : أمّا استحباب العدول مع عدم تجاوز النصف. ( ٤ : ٨٨ ).
يتحقق الدخول في
السورة بالدخول في البسملة التي قرئت بقصد تلك السورة وبالدخول فيما بعد البسملة ،
مثل أن قرأ قل هو الله أحد ، وإن
__________________
لم يقرأ البسملة
بقصد سورة الإخلاص ، بل وإن قرأها بقصد سورة أخرى على إشكال.
ولو قرأ البسملة
بقصد سورة القدر مثلا وشرع في قراءة الإخلاص فإن كان هذا الشروع مجرّد السهو من
غير شعور وإرادة أصلا فالظاهر عدم العبرة به ، فله أن يقرأ القدر مثلا ، ولعلّ
الأحوط الرجوع إلى الإخلاص بإعادة البسملة بقصدها ثم إتمام الإخلاص.
وإن كان بشعور
وإرادة إلاّ أنّه سهى عن أنّه قرأ البسملة بقصد القدر وأنّه كان يريد القدر
فالظاهر جواز العدول إلى الإخلاص ، لكن الأحوط العدول إليها بإعادة البسملة
بقصدها.
وإن قرأ البسملة
بقصد الجحد مثلا ثمّ قرأ قل هو الله أحد فإن كان بغير شعور وإرادة فلا عبرة به.
وإن كان بهما وبالغفلة من كونه مريدا للجحد وأنّه قرأ البسملة بقصدها فإشكال ،
والأقوى الرجوع إلى الحجة ، لصدق أنّه دخل وقرأ الجحد ، وحكمه عدم جواز العدول من
الجحد إلى غيرها وإن كان الغير هو سورة الإخلاص. وكذلك الحال لو قرأ البسملة بقصد
الإخلاص ثم قرأ قل يا أيّها الكافرون ، فإنّ الأمر بعكس ما قلنا.
هذا كلّه بناء على
ما هو المعروف بين الفقهاء من أنّ جزئية البسملة لسورة إنّما هي بقصد تلك السورة
في قراءة البسملة ، وأنّها جزؤها ، وأمّا على ما اختاره بعض متأخّري المتأخّرين من
أنّ الجزئية لا تتحقّق إلاّ بضمّ أجزاء تلك السورة فبقراءة قل هو
الله ، دخل في سورة الإخلاص وإن قرأ البسملة بقصد الجحد ، وفي العكس بالعكس ،
ولكنّه مشكل بغير
__________________
إشكال.
والحاصل : أنّه لا
بدّ من الصدق العرفي والعمل بمقتضاه ، وإن لم يتحقّق أو لم يعرف فيترك العدول إن
لم يتحقّق الإشكال ، وإلاّ فيترك تلك الصلاة وتعاد حتى يخلص من الإشكال ، ويتحقّق
الامتثال والبراءة للذمّة يقينا أو عرفا.
قوله : ويدل عليه روايات. ( ٤ : ٨٨ ).
هذا الاستدلال لا
يناسب المصنف ومن وافقه في القول بعدم جواز العدول من الجحد والتوحيد هنا أيضا.
وأيضا الروايتان
تدلان على العدول منهما مطلقا ، فاللازم منهما جوازه في غيرهما بطريق أولى ،
فيخالف ما ذكره بقوله : فلا خلاف بين الأصحاب ، والظاهر عدم الخلاف كما قال.
قوله : فلم أقف له على مستند. ( ٤ : ٨٨ ).
الظاهر شمول
الروايتين لظهر الجمعة وصلاة الجمعة جميعا ، وشمولهما للعدول عن الجحد بالإجماع
المركب وعدم القول بالفصل ( مع عموم روايات دالة على جواز العدول مطلقا ، والجحد
والإخلاص وإن خرجا إلاّ أنّهما خرجا معا ، ولمّا خرج الإخلاص في المقام ظهر دخولها
في العمومات الدالة على الجواز ، فظهر دخول الجحد أيضا ، لأنّ المخرج عن العموم
كان شاملا لهما دالا على أنّهما معا خارجان ، مع أنّه يمكن أن يقال بالقياس بطريق
أولى ، لأنّ بعض الأخبار الخاص في منع العدول عن
__________________
الإخلاص يظهر [ منه ] أنّ المنع فيها
أهمّ في نظر الشارع ، فتأمّل ) .
قوله : واعترف الشهيد في الذكرى. ( ٤ : ٨٨ ).
في الفقه الرضوي
على ما ( في نسختي ) : « وتقرأ في صلاتك كلّها يوم الجمعة وليلتها : الجمعة
والمنافقين وسبّح اسم ربّك ، وإن نسيتها أو في واحدة منها فلا إعادة عليك ، فإن
ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى الجمعة ، وإن لم تذكر إلاّ بعد ما قرأت
نصف سورة فامض في صلاتك » . لكن هذا يناسب رأي الشهيد ; في الذكرى والدروس وابن إدريس من اعتبار عدم بلوغ النصف ، بل في الذكرى
نسبه إلى الأكثر.
وأمّا الموافق
لمذهب المصنّف والشيخين والعلاّمة من اعتبار عدم تجاوز النصف ما رواه البزنطي
عن أبي العبّاس في الرجل يريد أن يقرأ سورة فيقرأ أخرى ، قال : « يرجع إلى التي
يريد وإن بلغ النصف » وحيث ظهر عدم الخلاف في نفس القيد فالروايتان منجبرتان به
متأيّدة كل منهما بالأخرى ، فتأمّل جدا.
قوله : بمجرّد الشروع. ( ٤ : ٨٩ ).
__________________
كما ذكره المصنف ،
وقيل : ظاهر كلام ابن الجنيد أيضا ، وإنّ المرتضى نقل الإجماع على عدم العدول مطلقا ، ومع ذلك ، المشهور
جواز العدول في يوم الجمعة إلى الجمعة والمنافقين ما لم يتجاوز النصف أو لم يبلغه
، كما مرّ.
واشتراط المحقّق
الشيخ علي والشهيد الثاني كون الشروع في قراءة التوحيد والجحد نسيانا ، بأن كان
قصد المصلّي قراءة الجمعة والمنافقين فقرأهما ، لعدم دلالة الدليل على أزيد من ذلك ، فلاحظ وتأمّل.
قوله ( وَانْحَرْ ). ( ٤ : ٩٢ ).
وروي عن 7 أنّه رفع اليدين
عند تكبيرة الافتتاح وغيرها ، وغير ذلك.
قوله : وفي موثقة سماعة. ( ٤ : ٩٤ ).
يظهر من موثقة
سماعة أنّ المراد من الإمام غير إمام الجماعة ، بل الإمام 7 أو المنصوب من قبله
ونائبه الخاص ، حيث قال للصادق 7 : متى يذبح؟ قال :
« إذا انصرف الإمام » ، قلت : فإن كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلّي بهم جماعة؟
فقال : « إذا استقلّت الشمس » وقال : « لا بأس أن تصلّي وحدك ، ولا صلاة إلاّ مع
إمام » ويظهر منها أنّ التنكير والجماعة لا شهادة لهما.
__________________
وورد أنّ من لم
يخرج إلى الجبّانة فليس عليه صلاة العيد ، وغير ذلك.
وورد في الأخبار
أنّه ما من عيد فطر أو أضحى إلاّ ويجدّد فيه بآل محمّد حزنا ، لأنّهم يرون حقّهم
في يد غيرهم ، ويظهر منه أنّ صلاة العيد حقّ الإمام 7 ومنصبه ، يفعلها
بنفسه أو بنائبه ، فإنّ فعل النائب فعل المنوب عنه ومنصبه وحقّه ، فتأمّل جدّا.
وربما يؤيّده ما
ورد من أنّه بعد قتل الحسين نادى [ مناد ] من بطنان العرش : « أيّتها الأمّة المتحيّرة الضالة بعد
نبيها لا وفقكم الله لأضحى ولا فطر » ثم قال الصادق 7 : « فلا جرم والله ما وفّقوا ولا يوفّقون حتى يثأر بثأر
الحسين 7 » .
ويؤيّده ما ورد
أنّ الإمام 7 عليه أن يخرج المحبوسين في السجن وبعد الصلاة يدخلهم فيه ، ويوكّل عليهم فيما
بين .
( ويدل صريحا على
أنّ هذه الصلاة منصب الإمام ، وصلاة الجمعة أيضا ما في دعاء الصحيفة السجادية : «
اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك » إلى آخره ) .
__________________
قوله : فكلام ظاهري. ( ٤ : ٩٥ ).
لا يخفى أنّ هذا
الكلام من الشارح في غاية الحزازة ، لأنّ الشهيد ; في مقام إتيان العلّة لعدم قول أحد باعتبار الفقيه في
العيدين مع اعتبار بعضهم ذلك في الجمعة ، مع أنّ الجمعة والعيدين حكمهما واحد
عندهم إلاّ فيما شذّ ، والعلّة التي اقتضت اعتبار الفقيه مشتركة بينهما من دون
تفاوت ، والنكتة التي ذكرها في غاية الوجاهة ، لأنّ الفقهاء متفقون على نفي الوجوب
العيني في الجمعة ، كما هو المعروف بينهم إلى مثل زمان الشارح ; والمناقشة إنّما
صدرت من الشارح ومن بعده ، حتى أنّ صدورها من الشهيد الثاني أيضا محلّ تأمّل على
ما عرفت ، وعلى تقدير صدورها عنه أيضا فإنّما صدرت في وقت تأليف الرسالة لا في
أوقات تأليفه تصنيفاته المشهورة المعروفة عنه ، فإنّه في تلك الأوقات كان موافقا
لباقي الفقهاء.
وعلى فرض أن يكون
في وقت الإتيان بهذه النكتة متأمّلا غير موافق لسائر الفقهاء معلوم أنّه في مقام
الإتيان بالنكتة لفعل الفقهاء ، ولا شبهة في أنّ من اعتبر الفقيه فإنّما اعتبره في
الوجوب التخييري لا العيني ، بل العيني منصب الإمام ونائبه الخاصّ ، ولا شبهة في
أنّ العيدين عندهم ليست بواجبة لا عينا ولا تخييرا.
أو بناء سرّه على
أنّ الجمعة والعيدين حكمهما واحد عندهم ، وأنّ المقتضي لنفي العينية في الجمعة
مشترك بينها وبين والعيدين ، وهو ما ذكر ، مضافا إلى الإجماع والأخبار على كون
الصلاة منصب الإمام 7 إذا وقعت على سبيل الوجوب العيني. ولا شكّ في أنّ الدليل
إذا اقتضى تغيّر الحكم فيهما يكون الأمر على ما ذكره الشارح ; إلاّ أنّه ظاهر
عدم اقتضائه
التغيّر ، بل
الظاهر أنّ مقتضاه فيهما واحد ، ولذا بنى الشارح على اتحاد حكمهما
، بل عينية الوجوب في هذه الصلاة أخفى ، ولذا يظهر من الشارح ـ ; ـ تأمّل ما في
وجوب هذه الصلاة بخلاف الجمعة ، فإنّه في غاية الإصرار والتشديد
على الوجوب العيني
، فتأمّل.
قوله : وهو غير متحقّق هنا. ( ٤ : ٩٥ ).
إن بنى على أنّ
القطع لا يحصل له فلا وجه للقدح في الإجماع ، إذ لعله يحصل القطع لغيره ، بل لا
تأمّل في الحصول ، سيّما مع أنّ الغير جمع كثير من الفقهاء الفحول الماهرين المتتبّعين
المطّلعين قريبي العهد بصاحب الشرع والحاضرين.
وإن بنى على أنّ
العلم بدخول قول المعصوم 7 غير ممكن في هذه الأزمان ، والوصول إلينا من زمان المعصوم 7 يخرج الخبر عن
المسند ويرسله ، كما صرّح به ، فقد مرّ الجواب عنه بأنّ المراد من العلم بدخول قوله موافقة
قوله لأقوالهم ، وهذا ممكن يتيسّر في جميع الأزمان ، كما هو الحال في ضروريات
الدين والمذهب والإجماعات التي تمسّك بها الشارح ; غير مرّة ، ويتمسّك أيضا ، بل لا يحصى من الكثرة ، وأنا
أتعجّب كيف حصل في هذا الأزمان ولا يمكن حصوله لهؤلاء الفحول المطّلعين؟ بل مرّ
منه أنّ فتاوى الأصحاب تكفي للحكم الشرعي منه في نجاسة المني وغير ذلك.
قوله : والظاهر الاكتفاء فيه بالخمسة. ( ٤ : ٩٥ ).
__________________
للجواز لا للوجوب
، لأنّ كلمة « أو » يمنع من ذلك ، فيكون حالها حال صلاة الجمعة على حسب ما مرّ.
قوله : لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله 7. ( ٤ : ٩٥ ).
في آخر هذه
الصحيحة بعد ما ذكره الشارح قال 7 : « القنوت في الركعة الثانية » فتأمّل فيه.
قوله : وهما لا يدلان على المنع. ( ٤ : ٩٦ ).
الشارح ربما يستدل
بالدليل الأوّل ، ومرّ وجهه مرارا.
قوله : حيث أطلق مساواتها للجمعة في الشرائط. ( ٤ : ٩٦ ).
ويدل على ذلك ما
ورد في أخبار كثيرة ، منها : أنّ الخطبة بعد الصلاة في مقام بيان كيفية صلاة العيد
، مثل صحيحة ابن مسلم عن أحدهما 8 ، في صلاة العيد ، قال : « قبل الخطبة ، والتكبير بعد
القراءة » . الحديث.
وصحيحة معاوية ،
قال : سألته عن صلاة العيدين ، فقال : « ركعتان » إلى قوله : « والخطبة بعد الصلاة
» . الحديث.
ورواية سليمان بن
خالد عن الصادق 7 في صلاة العيدين ، قال : « كبّر ستة تكبيرات » إلى أن قال
: « والخطبة بعد الصلاة » إلى غير ذلك من الأخبار ، منها : صحيحة يعقوب بن يقطين
الآتية في بحث القنوت
__________________
وغيرها.
ويدل أيضا صحيحة زرارة
الآتية عند قول المصنف ; : ولو فاتت لم تقض ، فلاحظ.
وأيضا لا تأمّل في
أنّ النبي 6 وغيره من الخلفاء ، ومنهم أمير المؤمنين والحسن 8 كانوا يأتون بالخطبة بعد الصلاة ، ولذا ورد أنّ أوّل من
قدّمها عليها عثمان ، لا أنّه أحدثه فيها ، مع أنّ الإجماع على عدم الإحداث ،
وكونها مشروعة وموظفة بعدها ممّا لا تأمّل فيه ، فالصلاة بغير خطبة ممّا لم يعهد
فعله من الشارع ، والصلاة وظيفة شرعية ، فيجب التأسي فيها والاقتصار فيها على ما
عهد من الشرع ، كما مرّ عن الشارح ; نظير ذلك مرارا ، فلاحظ وتأمّل.
مع أنّ كون الصلاة
اسما لمجرّد الأركان محلّ نظر ، بل ربما كان اسما للمستجمع لشرائط الصحة ، كما
عليه بعض الفقهاء ، بل هو أظهر بالنظر إلى الدليل ، كما حقّق في محلّه.
قوله : ولا يجب استماعهما إجماعا. ( ٤ : ٩٦ ).
هذا الإجماع موقوف
على الثبوت ، ومع ذلك دلالة عدم وجوب الاستماع على عدم الشرطية محلّ تأمّل ، ألا
ترى أنّ جمعا من الأصحاب قالوا بعدم وجوب استماع خطبة الجمعة ؟ مع أنّ اشتراطها
من
__________________
ضروريات الدين ،
فتأمّل.
قوله : لانتفاء ما يدل على العموم في من تجب عليه. ( ٤ : ٩٦ ).
لا يخفى أنّه ورد
في الأخبار أنّ صلاة العيدين فريضة ، منها صحيحة جميل الآتية .
قوله : أي لا صلاة واجبة. ( ٤ : ٩٩ ).
يمكن أن يكون
المراد : بحسب نفس الأمر وتقدير الشارع لا صلاة إلاّ مع الإمام ،
وأمّا مع خفاء الإمام وعدم بسط يده وعدم تمكن الشيعة من الصلاة معه أو مع من نصبه
تجوز الصلاة وحده وتكون مأمورا بها ، إلاّ أنّ الإجماع الذي ادعوه وما أشرنا إليه
مما يشهد على كونه حقا يدل على الندب ، فتأمّل جدّا.
قوله : أذانهما طلوع الشمس ». ( ٤ : ٩٩ ).
وجه الدلالة أنّ الأذان
إعلام وقت الصلاة ، مع أنّ الخروج مستحب ، فتدل على جواز الصلاة لو لم يخرجوا.
قوله : إلاّ إذا وصل في حال الخطبة. ( ٤ : ١٠١ ).
روى الشيخ في
الصحيح عن زرارة عن الصادق 7 أنّه قال : أدركت الإمام على الخطبة ، قال : « تجلس حتى
تفرغ ثم تقوم وتصلّي » قلت : القضاء أوّل صلاتي أو آخرها؟ قال : « لا بل أوّلها ،
وليس ذلك إلاّ في هذه الصلاة » قلت : فما أدركت مع الإمام من الفريضة وما قضيت ،
قال : « أمّا
__________________
ما أدركت من
الفريضة فهو أوّل صلاتك ، وما قضيت فآخرها » .
وهذه الرواية تدل
على قضاء هذه الصلاة على من أدرك الخطبة وكون الخطبة آخر الصلاة أدركها أداء ،
والقضاء أوّلها وهو نفس الصلاة ، وتدل على وجوب الخطبة بل كونها آخر الصلاة ومن
تتمتها ، حتى أنّه لا يجوز الصلاة حتى يفرغ الإمام ، وفيها إشعار بوجوب استماع
الخطبة ، فتأمّل.
قوله : وظاهر الأمر. ( ٤ : ١٠٤ ).
وفي الفقيه عن علل
الفضل ، عن الرضا 7 ما يدل على وجوب التكبيرات وكونها اثنتي عشرة .
قوله : وهو حسن. ( ٤ : ١٠٧ ).
لا حسن فيه ، بل
لا معنى لما ذكره ، لأنّ ذكر ابن بابويه في كتابه وعمله به لا يقتضي عدم الموافقة
للعامة ، لأنّه ; أورد كثيرا من الأخبار الموافقة لهم ، وعمل بها لاعتقاده
بصحتها ، بل غالب ما حمله الشارح وغيره على التقيّة ليس ممّا اتفق عليه ، ومرّ
الكلام في ذلك في بحث الجهر والإخفات في قراءة الصلاة .
قوله : للأمر به. ( ٤ : ١٠٧ ).
رواية يعقوب مع
صحتها دلالتها واضحة ، وليست منحصرة في الأمر ، فإنّه قال : سألت الكاظم 7 عن التكبير في
العيدين ، أقبل القراءة أم بعدها؟ وكم عدد التكبير في الاولى والثانية والدعاء
بينها؟ وهل فيها قنوت
__________________
أم لا؟ فقال تكبير
العيدين للصلاة قبل الخطبة يكبّر [ تكبيرة ] يفتتح بها ، ثم يقرأ ويكبّر خمسا
ويدعو بينها ، ثم يكبّر اخرى يركع بها ، ثم يكبّر في الثانية خمسا يقوم ويقرأ ، ثم
يكبّر أربعا ويدعو بينهنّ ، ثم يكبّر الخامسة . فالدلالة فيها من وجوه متعدّدة ، منها الأمر ، ومنها أنّه
سئل أنّه هل فيها قنوت أم لا؟ فأجاب : نعم ، والظاهر أنّ مراده بعنوان الوجوب ، كما
هو الظاهر من السياق ، ومنها ذكرها على نهج الواجبات الأخر.
ويدل على الوجوب
رواية علي بن أبي حمزة عن الصادق 7 ، وادعى الشيخ إجماع الشيعة على العمل بروايته ـ أنّه سأله عن
صلاة العيدين ، قال : يكبّر ثم يقرأ ، ثم يكبّر خمسا ، فيقنت بين كلّ تكبيرتين ،
ثم يكبّر السابعة فيركع بها ، ثم يقوم ويقرأ ويكبّر أربعا ، فيقنت بين كلّ
تكبيرتين . وفيها الدلالة من جهتين : من الأمر ومن الذكر في مقام
بيان الصلاة للسائل الذي سأل عن البيان. وكذا الحال في رواية إسماعيل بن جابر.
ويدل أيضا رواية
بشير بن سعيد عن الصادق 7 ، قال : « تقول في دعاء العيدين بين كل تكبيرتين : الله
ربي. » ويدل أيضا روايات كثيرة سنذكرها في بحث عدد القنوت ،
فلاحظ.
قوله : لا تنهضان حجّة في إثبات حكم مخالف للأصل. ( ٤ : ١٠٧ ).
__________________
قد عرفت أنّ
الروايات كثيرة في غاية الكثرة ، وبعضها صحيح ، والدلالة واضحة متأكّدة ، مع أنّ
الأمر وما في معناه حقيقة في الوجوب مسلّم عند المحققين ، ومنهم الشارح ; فإنّه كثيرا ما
يستدل بالجملة الخبرية على الوجوب ، ويستدل أيضا بالذكر في مقام البيان عليه ،
ويستدل أيضا بالسياق ومقتضاه.
قوله : بعدّة أخبار واردة في مقام البيان. ( ٤ : ١٠٧ ).
لم نجد ما ذكره
سوى رواية معاوية ( بن وهب وهي مع الإضمار ، في سندها محمد بن عيسى عن يونس ، والشارح
; كثيرا ما يطعن من جهته ، ومع ذلك تتضمّن ذكر مستحبات كثيرة ، فليست مقصورة في
بيان الواجبات ، ولا شكّ في كون القنوت من الراجحات المؤكّدة ، فربما ترك ذكر
القنوت ، لغاية وضوح كون التكبيرات تكبيرات القنوت ، وأنّ المعهود المعروف ذكر
القنوت بينها ، كما يشهد عليه صحيحة ابن مسلم التي سيذكرها الشارح ; والشهادة ظاهرة على الفطن.
مع أنّ في رواية
معاوية : أنّ رسول الله 6 صنع كذلك ، وغير خفي أنّ الرسول 6 ما كان يترك
القنوت ، وما كان يكبّر ولاء ، وهذا ينادي إلى ما ذكرناه.
نعم في رواية
سليمان بن خالد عن الصادق 7 في صلاة العيدين ، قال : « كبّر ستّ تكبيرات واركع
بالسابعة ، ثم قم في الثانية ، فاقرأ ثم كبّر
__________________
أربعا ، واركع
بالخامسة » لكنّها ضعيفة السند وضعيفة الدلالة أيضا ، إذ ظاهر أنّها
ليست في مقام بيان جميع ما هو واجب فيها ، وما بيّن المعصوم 7 جميعها ، فظهر
أنّ السؤال كان عن أمر خاصّ ، ولذا قال 7 ـ بعد ما ذكرنا ـ : « والخطبة بعد الصلاة » هذا مضافا إلى
ما ذكرناه في رواية معاوية.
وممّا ذكر ظهر حال
صحيحة ابن مسلم عن أحدهما 8 أيضا في صلاة العيدين ، قال : « الصلاة قبل الخطبتين ،
والتكبير بعد القراءة ، سبع في الأولى ، وخمس في الأخيرة ، وكان أوّل من أحدثها
بعد الخطبة عثمان » الحديث ، إذ يظهر من الجواب أنّ السؤال كان عن الأمور المذكورة
خاصّة لا عن مجموع الماهية ، هذا مضافا إلى ما ذكرنا ، والروايات التي ذكرها
الشارح منحصرة في ما ذكرنا ، وعلمت حال الكلّ ، وأنّها أضعف ممّا دلّ على وجوب
القنوت ، فكيف تقاومه؟ مع أنّ أكثرية الفتوى أيضا ربما يؤيّد ، بل المخالف نادر
جدّا ، فتأمّل.
قوله : لصحة مستنده. ( ٤ : ١٠٨ ).
لكن تضمّنها لذكر
الأشباه يفيد عدم التفاوت بينها وبين ما تتضمّنه رواية إسماعيل ، فلا وجه لما ذكره
من أنّ العمل على الأوّل.
قوله : لأنّه إذا كانت التكبيرات أربعا. ( ٤ : ١٠٩ ).
في الفقه الرضوي :
« وتكبّر في الركعة الأولى بسبع تكبيرات ، وفي الثانية خمس تكبيرات تقنت بين كل
تكبيرتين » .
__________________
وفي الرواية التي
هي سند القنوت المشهور المعروف عن محمد بن عيسى بن أبي منصور ، عن الصادق 7 ، قال : « تقول
بين كلّ تكبيرتين في صلاة العيدين : اللهمّ أهل الكبرياء والعظمة. » وهذه مطلقة تشمل
كلّ تكبيرتين ، ومثلها رواية جابر عن الباقر 7 ، وكذا رواية بشير بن سعيد عن الصادق 7 ، وكذا صحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما 8 .
ورواية محمد بن
الفضيل عن أبي الصباح صريحة في كون القنوت في الأولى خمسة ، كلّ واحد بين كلّ
تكبيرتين ، وفي الثانية أربعة ، وصريحة على الظاهر في عدم كون القنوت في الثانية
ثلاثة بل أزيد ، وإن كانت ربما يتراءى دلالتها على مذهب ابن الجنيد ، لكنّه ليس كذلك
، بل ليس فيها إلاّ التقديم الذكري ، وبلفظ واو ، وهو لا يفيد الترتيب ، بل يفيد
الجمعية فقط ، فلاحظ وتأمّل ، مع أنّ الشارح ربما لا يحمل مثلها على التقيّة ، بل
يقول بكونه حقّا.
والروايات التي
ذكرها الشارح ; ظاهرة في ما ذكره ، والظاهر لا يعارض الصريح ، بل ولا
الظاهر الذي موافق لفتوى المعظم ، لصيرورته بذلك أقوى ، فيمكن حمل ما ذكرها على
أنّ المراد من كلمة « بين » معنى :
__________________
مع ، أو : بعد ،
أو يكون الضمير في « بينهنّ » راجعا إلى مجموع التكبيرات ، وذلك لأنّه لمّا كان في
شرف البينونة ويصير في المآل بينا ووسطا أطلق عليه لفظ البين ، فتأمّل.
وربما كان الظاهر
من التكبيرتين هو المتواصلتين ، سيّما بضميمة الإجماع على عدم كون القنوت في
الأولى ستّا ، وأنّه يظهر من الأخبار أنّ القنوت بعد القراءة وتكبيرة له ، وأنّها
من آدابه وأحكامه ، فتدبّر.
( وفي دعائم
الإسلام عن الصادق 7 : وصلاة العيد ركعتان يبدأ بتكبيرة يفتتح بها ، ثمّ يقرأ
فاتحة الكتاب والشمس وضحيها ، ويكبّر خمس تكبيرات ، ثمّ يكبّر للركوع ـ إلى أن قال
ـ : ويتشهّد ويسلّم ويقنت بين كلّ تكبيرتين قنوتا خفيفا .
وفي علل الفضل بن
شاذان عن الرضا 7 : « فإن قال : فلم جعل اثنتا عشرة تكبيرة؟ قيل : لأنّه
يكون في الركعتين اثنتا عشرة تكبيرة ، فإن قال : فلم جعل في الأولى سبع وفي
الثانية خمس ولم يسو بينهما؟ قيل : لأنّ السنّة في الفريضة أن يفتتح بسبع تكبيرات
، فلذا بدأ هنا بسبع تكبيرات وجعل في الثانية خمس تكبيرات ، لأنّ التحريم من
التكبير في اليوم والليلة خمس تكبيرات » الحديث ، فلاحظ علل الصدوق ) .
قوله : لأنّها ليست أركانا. ( ٤ : ١٠٩ ).
لم نجد دليلا على
عدم الركنية ، مع أنّ الأصل في أجزاء العبادات
__________________
الركنية ، لأنّ مع
ترك الجزء لا يكون المكلّف آتيا بالمأمور به على وجهه ، فلا يكون ممتثلا ، لأنّ
الامتثال هو الإتيان بما أمر به ، ومع الترك لا يكون ما بقي عين ما أمر به جزما ،
ولم يرد أمر آخر بالنسبة إلى ما بقي.
وأمّا عموم قوله 7 [ فهو ] فرع ظهور الشمول
لمثل هذه الصلاة ، وهو محلّ تأمّل ، والشارح ; كثيرا ما يقول : الإطلاق ينصرف إلى الفرائض اليومية ،
فتأمّل.
قوله : إلاّ مكّة زادها الله شرفا. ( ٤ : ١١١ ).
ليس طريقة الشارح ; العمل بالخبر
الضعيف ، سيّما مع معارضته للصحاح الكثيرة ، فضلا عن أن يقدّم عليها ، والحق
التخصيص ، لانجباره بعمل الأصحاب.
قوله : وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب. ( ٤ : ١١٣ ـ ١١٤ ).
والصدوق في أماليه
نسبه إلى الإمامية بأنّ السنّة جرت كذلك .
قوله : لمن كان به علّة. ( ٤ : ١١٤ ).
وإن ورد بالإفطار
بها بعض الأخبار ، لضعف السند ، وعدم الانجبار ، بل الشذوذ ، فتأمّل.
قوله : صلاة الظهرين. ( ٤ : ١١٥ ).
روى في الفقيه
رواية سعيد النقّاش ، ثم قال : وفي غير رواية سعيد : « وفي صلاة الظهر والعصر » .
__________________
قوله : وإن ضعف سندها. ( ٤ : ١١٥ ).
والصدوق في العيون
روى بطريق معتبر أنّ ممّا كتب الرضا 7 للمأمون من محض الإسلام : والتكبير في العيدين واجب في
الفطر عقيب خمس صلوات أوّلها المغرب ، وفي الأضحى عقيب عشرة صلوات بغير منى ، وخمس
عشر بمنى ، وما كتب من محض الإسلام كلّها على وفق مذهب الشيعة.
ومع ذلك يشكل
إثبات الوجوب من جهة السند والدلالة أيضا ، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في مثل لفظ
الوجوب ، ومن حيث المعارضة لرواية سعيد النقاش ، بل هي أقوى دلالة على الاستحباب ،
كما قاله الشارح ; ومن جهة أنّه لو كان واجبا لشاع وذاع ، لعموم البلوى
بمقتضى العادة لا أن يكون الأمر بالعكس ، حتى أنّ الصدوق ; يظهر من كلامه في
أماليه أنّ الإمامية مجمعة على الاستحباب ، لأنّه قال : من دين الإمامية أنّه جرت
السنّة في الإفطار يوم النحر بعد الرجوع من الصلاة ، وفي الفطر قبل الخروج إليها ،
والتكبير في أيّام التشريق بمنى . إلى آخر ما قال ، ولا يخفى الظهور في الاستحباب.
وروى في التهذيب
عن علي بن جعفر عن أخيه موسى 7 ، قال : سألته عن التكبير أيام التشريق أواجب أم لا؟ قال :
« يستحب ، وإن نسي فلا شيء عليه » قال : سألته : وهل النساء عليهنّ تكبير أيّام التشريق؟
__________________
قال : « نعم ولا
يجهرن » وهذا الخبر في غاية الوضوح في عدم الوجوب ، مع موافقته
للمشهور وما ذكرناه.
قوله : فلقوله في صحيحة زرارة. ( ٤ : ١١٧ ).
لا يخفى أنّ
ظاهرها عدم المشروعية وعدم الجواز ، كما نقل عن أبي الصلاح وابن حمزة وابن البرّاج
، ويدل عليه أيضا صحيحة زرارة ـ المروية في التهذيب في باب المواقيت ، وقيل
باب الأذان والإقامة ـ عن الباقر 7 : « لا تقض وتر ليلتك إن فاتك حتى تصلّي الزوال يوم
العيدين » .
وفي رواية أخرى
ضعيفة عن زرارة عنه 7 : « إنّ صلاة العيدين مع الإمام سنّة ليس قبلها ولا بعدها
صلاة ذلك اليوم إلى الزوال ، وإن فاتك الوتر في ليلتك قضيته بعد الزوال » .
وفي صحيحة ابن
سنان : « صلاة العيد ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء » الحديث. ولعل
المراد : شيء من الصلاة بملاحظة الأخبار والفتاوى ، سيّما مثل ما رواه في ثواب
الأعمال بسنده إلى الحلبي أنّه سأل الصادق 7 عن صلاة العيدين ، هل قبلهما صلاة أم بعدهما؟ قال : « ليس
قبلهما ولا بعدهما شيء » ويحتمل اتحاد هذه الرواية مع صحيحة ابن
__________________
سنان ، لأنّ هذه
الرواية عن عبد الله بن سنان عن الحلبي عن الصادق 7 ، فلعل في الصحيحة سقط لفظ ( عن الحلبي ) سهوا [ إذ ] يبعد كون عبد
الله يروي بغير واسطة أيضا ولا يذكر في الرواية الأخرى ، أو بواسطة ولا يذكر في
الآخرى مع اتحاد الحكم.
وفي الكتاب
المذكور أيضا روى في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادق 7 : « وصلاة
العيدين ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء » .
وفي الصحيح أيضا
عن ابن مسلم عن الصادق 7 : « إنّ صلاة العيدين ليس فيها أذان ولا إقامة ، وليس قبل
الركعتين ولا بعدهما صلاة » .
وفي الصحيح عن
زرارة عن الباقر 7 : « أنّه « ليس يوم الفطر ولا يوم الأضحى أذان ولا إقامة ،
أذانهما طلوع الشمس ، إذا طلعت خرجوا ، وليس قبلهما ولا بعدهما صلاة ، ومن لم يصلّ
مع إمام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه » .
قوله : عن أبي عبد الله 7. ( ٤ : ١١٩ ).
وفي دعائم الإسلام
أيضا روي هكذا ، وظهور الكلّ في الاختصاص ظاهر بلا شبهة.
قوله : بأنّ دليل الحضور فيهما قطعي. ( ٤ : ١٢٠ ).
لا يخفى أنّه قطعي
السند لا الدلالة ، لأنّ دلالة العموم ظنّية ، فيكافئها
__________________
الخبر المعمول به
عند الأصحاب ، سيّما إذا كان صحيحا ومتأيّدا بغيره من الأخبار ، وكذا ظاهر الكتاب
وما وافقه من الأخبار.
قوله : « قبل الخطبتين ». ( ٤ : ١٢٠ ).
الظاهر سقوط عبارة
: والتكبير.
قوله : وادعى عليه الإجماع. ( ٤ : ١٢١ ).
مرّ في بحث شرائط
الجمعة أنّ الشيخ يقول بكون الخطبتين شرطا في صلاة العيد ، وأنّ هذا ظاهر كلام
المصنّف ; أيضا ، ومرّ كلامنا في ذلك.
قوله : من الجمل الخبرية. ( ٤ : ١٢١ ).
الشارح ; في غالب المواضع
يستدل بالجملة الخبرية على الوجوب ، ولا تأمّل في ظهورها فيه ، كما لا يخفى ، ومرّ
في بحث شرائط هذه الصلاة ما ذكرنا ممّا يشهد على الوجوب .
قوله : وهو دليل قوي على الاستحباب. ( ٤ : ١٢١ ).
فيه تأمّل قد
أشرنا إلى وجهه في بحث الشرائط .
قوله : مشترك بين الثقة والضعيف. ( ٤ : ١٢٣ ).
قد حققنا أنّه
مشترك بين الثقتين ، وعلى المشهور مشترك بين الثقة والموثق لا الضعيف ، وقد مرّ
الكلام في ذلك .
قوله : لقول النبي 6. ( ٤ : ١٢٨ ).
ولقول النبي 6 : « فإذا انكسفتا
أو واحدة منهما فصلّوا » .
__________________
قوله : وقول الصادق 7. ( ٤ : ١٢٨ ).
في صحيحة جميل ـ بعد
ما ذكره الشارح ـ قال 7 : « عند طلوع الشمس وعند غروبها » ، وهذه الأخبار
ظاهرة في كون هذه الصلاة موقّتة ، فتأمّل.
قوله : لإطلاق الأمر. ( ٤ : ١٣٠ ).
في التمسّك
بالإطلاق تأمّل ظاهر ، وكذا قوله : وعدم. بل المتمسّك ليس إلاّ الاستصحاب ، وهو
حجّة ، لكن الشارح ; لمّا لم يقل بحجّيته تمسّك بأمثال ما ذكره ممّا لا شهادة
فيه فضلا عن الدلالة.
قوله : إنّما ثبت في اليومية. ( ٤ : ١٣١ ).
الأصحاب رووا عن
النبي 6 أنّه قال : « من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة » ومرّ عنه أنّ عمل
الطائفة على هذه الروايات ، إلاّ أن يقول : المتبادر اليومية ، لكن ربما يستدل
بأمثالها على العموم ، كما مرّ ويجيء ، فتأمّل.
قوله : كما هو الظاهر. ( ٤ : ١٣١ ).
للأخبار التي مرّت
في البحث السابق ، والأخبار التي سيجيء في بحث قضاء هذه الصلوات ، لأنّها تدل على
عدم القضاء في بعض الصور والقضاء في بعض آخر ، وكلّ من الحكمين يدل على كونها
موقّتة ، لأنّ عدم القضاء صريح ، والقضاء ظاهر بل وصريح أيضا. ولرواية ابن الفضل
__________________
أنّه كتب إلى
الرضا 7 : إذا انكسفت الشمس وأنا راكب لا أقدر على النزول؟ فكتب : « صلّ على مركبك » ووجه الدلالة
ظاهر. ولما سيذكر الشارح ; من قول المعصوم 7 : « كلّ أخاويف السماء. » ووجه الدلالة سيذكرها أيضا.
قوله : وعلى الأوّل يثبت التوقيت صريحا. ( ٤ : ١٣٢ ).
لأنّ المعنى أنّ
غاية طلب هذه الصلاة وقوع السكون ، فليس بعد ذلك طلب.
واعترض عليه بأنّه
يحتمل أن يكون توقيتا لتكرار الصلاة ـ كما في الكسوف ـ لا لأصلها ، بل هو أظهر ،
لأنّ الشيء إذا كان غاية لفعل لا بدّ من تكرّره قبل الغاية ، فيصحّ أن يقال :
ضربته حتى قتلته ، ولا يقال : ضربت عنقه حتى قتلته . انتهى.
وفيه : أنّ جعله
غاية للتكرار يوجب تقدير التكرار ، والأصل عدمه ، ويوجب أيضا كون الأمر على
الاستحباب ، لما سيجيء ، وهو أيضا خلاف الأصل ، ويوجب أيضا طلب التكرار في غير
الكسوف ، وهو خلاف ما يظهر من الفتاوى والأخبار واستدلالهم بها ، فلاحظ ، بل
الظاهر منها كون التكرار في الكسوفين.
وأيضا فرق بين
قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى
__________________
غَسَقِ
اللَّيْلِ ) وبين ما ذكره من قوله : ضربته حتى قتلته ، لأنّه [ إخبار ]
عن فعل لا يفي غالبا واحدة بالقتل ، ولأنّ الغاية فيه لا يتصور إلاّ بما ذكره
، وأمّا الآية فيصح جعل الغاية غاية الطلب ، ولذا استدلوا على هذا الطلب ، وجعله
غاية للمطلوب يوجب التقدير من التطويل أو التكرير أو وقته أو كونه أداء وأمثال ذلك
، والأصل عدم التقدير ، وبالجملة : فرق بين الغاية للطلب والغاية للفعل ، إذ في
الثاني يحتاج إلى امتداد وتطويل أو تكرار بخلاف الأوّل ، وعلى تقدير جعلها للفعل
فالأقرب تقدير الطول والامتداد لا التكرار ، لأنّ الشيء الواحد يكون واحدا طويلا
أقرب إلى نفسه من أن يكون متعدّدا ، فتأمّل.
على أنّ الظاهر
أنّ « حتى » هنا للتعليل ، لأنّ ما بعد « حتى » داخل فيما قبله ، وجعلها بمعنى إلى
مجاز لا يصار إليه إلاّ بالقرينة ، إذ الأصل الحقيقة ، ولأنّها على تقدير كونها
غاية يحتاج إلى عناية على أيّ تقدير ، فتدبّر.
وما اعترض على هذا
الشقّ بأنّ التعليل يمكن أن يكون للشروع في الصلاة لا لنفس الصلاة كما إذا قيل :
صلّ الصلاة الفلانية حتى يغفر الله لك عند الشروع فيها ، ومثله كثير في الأخبار . انتهى.
فاسد ، إذ لم نجد
ما ذكره سيّما وأن يكون كثيرا ، وعلى فرض الوقوع لا يصير علّة لرفع اليد عن الأصل
والظاهر من حديث آخر ، كيف؟ والعامّ استعمل في الخاصّ إلى أن قال المحققون : ما من
عامّ إلاّ وقد خصّ ، وأخبارنا لا يكاد يسلم واحد منها عن توجيه بملاحظة الأدلة
الآخر من
__________________
الأخبار وغيرها ،
ولا يصير هذا منشأ لرفع اليد عن الأصل والظاهر في غير الموضع الذي ثبت الخلاف فيه.
قوله : فلا وجه لقولهم : إنّها تصلّى بنيّة الأداء. ( ٤ : ١٣٢ ).
لعلّ الوجه أنّها
أداء كما أنّها قضاء ، كما يقول بعضهم ، وهذا الوجه ظاهر.
قوله : ولا يخفى ما فيه من التكلّف. ( ٤ : ١٣٣ ).
لا تكلّف بعد
تحقّق الإجماع على التوقيت ، لأنّ الإجماع كاشف عن قول المعصوم صلوات الله عليه ،
فتدبّر.
قوله : ومن العجب ادعاؤه الإجماع. ( ٤ : ١٣٣ ).
لا تعجّب ، إذ لا
منافاة بين الفورية والتوقيت ، بمعنى أنّه يجب الإتيان فورا عند حصول الآية ،
وأنّه إذا فاتت الفورية يكون جميع الأوقات وقتا للفعل على سبيل السعة ، على ما
يشير إليه كلام الذكرى .
قوله : بانتفاء ما يدل على ثبوت الفورية هنا. ( ٤ : ١٣٣ ).
ظاهر صحيحة محمد
بن مسلم وبريد بن معاوية الآتية في مسألة وقوع الكسوف في وقت الفريضة الفورية ، ويؤيّدها صحيحة
زرارة ومحمد السالفة .
ويدل عليها أيضا
ظاهر رواية سليمان الديلمي عن الصادق 7 أنّه سأله عن الزلزلة ما هي؟ ـ إلى أن قال ـ : قلت : فإذا
كان ذلك فما أصنع؟ قال : « صلّ صلاة الكسوف ، فإذا فعلت خررت لله ساجدا وتقول في
__________________
سجودك : يا من
يمسك السموات والأرض أن تزولا ـ الآية ـ يا من يمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ
بإذنه أمسك عنّا السوء إنّك على كل شيء قدير » . فتأمّل جدّا.
نعم ظاهر صحيحة ابن مسلم الآتية
في تلك المسألة عدم الفورية فيها إلاّ أن يحمل وقت الفريضة فيها على المضيّق ،
فتأمّل.
قوله : لأنّ السبب. ( ٤ : ١٣٤ ).
مراده من السبب
علّة وجوب الصلاة ، وهي التضرّع والاستكانة في الصلاة لرفع ضرر الآية ، والله
يعلم.
قوله : فقاصرة بالإرسال. ( ٤ : ١٣٦ ).
إلاّ أنّها إلى
حماد صحيحة ، وهو ممّن أجمعت العصابة ، فهي حجّة لمن قال بالغسل ، ومن لم يقل
يحمله على الاستحباب بملاحظة الأخبار الآخر ، تأمّل.
مع أنّ الصدوق قال
في أماليه : من دين الإمامية الإقرار بأنّ الغسل في سبعة عشر موطنا ، وعدّ منها
الغسل إذا احترق القرص ولم يعلم به الرجل ، ويظهر منه أنّه ليس بواجب ، لأنّه عند ذكر الأغسال
الواجبة صرّح بأنّها واجبة .
قوله : فباشتمال سنده على جماعة من الفطحية. ( ٤ : ١٣٦ ).
هي موثقة ،
والموثق حجّة ، على ما حقّق في محلّه ، وعلى القول
__________________
بعدم الحجّية
فانجبارها بالشهرة وتأيّد الأخبار السابقة في الجملة يكفي ، لأنّ تلك الأخبار تصلح
للتأييد وإن لم تكن بأنفسها حجّة ، على أنّ الشهرة كافية.
ويؤيّدها أيضا ما
في الكافي :
وفي رواية أخرى :
« إذا علم بالكسوف ونسي أن يصلّي فعليه القضاء ، وإن لم يعلم فلا قضاء عليه ، هذا
إذا لم يحترق كلّه » انتهى ، وقال في أوّله : إنّ جميع ما فيه من الآثار
الصحيحة الصادرة عن الأئمّة 7 على سبيل اليقين ، فتأمّل جدّا.
قوله : تخييرا. ( ٤ : ١٤٣ ).
لا يخفى أنّ
التخيير أيضا خلاف ظاهر الروايتين ، بل ظاهرهما التعيين ، فتعيّن الجمع الذي يقول
القائل ، كما لا يخفى.
قوله : عند أكثر الأصحاب. ( ٤٥ : ١٤٥ ).
قد مرّ عند قول
المصنّف ; : وفي الزلزلة تجب وإن لم يطل المكث ، ما ينبغي أن يلاحظ لأجل المقام.
قوله : فيتخيّر المكلف بينهما. ( ٤ : ١٤٥ ).
لكن الأولى تقديم
الحاضرة ، لكونها أهمّ في نظر الشارع ، ولكون صحيحة ابن مسلم نصّا في الأمر
بالتقديم ، بخلاف صحيحة ابن مسلم وبريد ، لاحتمال إرادة جواز تقديم الكسوف ، لكون
الأمر فيها على صورة
__________________
الأمر الوارد في
مقام توهّم الحظر ، مع أنّ الأمر مفاد الجملة الخبرية ، وليس بمثابة الأمر بالصيغة
، لأنّه أقوى ، كما لا يخفى. مع أنّ الشارح ربما يتأمّل في إفادتها الوجوب .
ويؤيّده صحيحة ابن
مسلم الآتية ، فتأمّل ، فإنّ الظاهر منها خوف فوت وقت الفضيلة للفريضة لا الإجزاء ،
ولعل ذلك يظهر أيضا من الأخبار في أوقات الفرائض.
وأيضا وقت الآية
في الغالب بحيث لا يأمن المكلّف من انقضائه لو اشتغل بالفريضة اليومية أوّلا ، ولا
يكون له وثوق بدركه لصلاتها في وقتها على سبيل الاطمئنان إن قدّم الحاضرة وفعلها
على الاطمئنان ، فلعل صحيحة ابن مسلم وبريد محمولة على هذا ، فهذا أيضا يؤيّد
صحيحة ابن مسلم ، ويضعّف هذه الصحيحة.
ويؤيّد صحيحة ابن
مسلم أنّ الراوي سأل بعد ما ذكره الشارح منها : فقيل له : في وقت صلاة الليل ، فقال
: « صلّ الكسوف قبل صلاة الليل » إذ لا شبهة في أنّ هذا الأمر على سبيل الوجوب العيني ،
فكذا ما تقدّم ، لأنّ السياق واحد ، وكيف كان لا شبهة في أنّ الاحتياط في تقديم
الحاضرة مع الوثوق التامّ بدركهما معا أداء.
قوله : في غير هذا الموضع. ( ٤ : ١٤٦ ).
لعل مراده أنّه
ورد منهم 7 : إذا ورد عليكم حديث فاعرضوه على
__________________
سائر أحاديثنا ،
فإن وجدتموه يشبهها ويناسبها فخذوه ، وإلاّ فاتركوه .
قوله : الصحيحة المتضمّنة للبناء. ( ٤ : ١٤٦ ).
لا يحصل منها
اليقين ، غاية ما يحصل منها الظنّ الاجتهادي ، وكفايته في تحصيل اليقين في المقام
محلّ نظر ، لقولهم : لا تنقضوا اليقين إلاّ باليقين ، نعم في الموضع
الذي لا يمكن حصول اليقين يكتفي فيه بالظنّ ، لاشتغال الذمة باليقين ، وعدم إمكان
تحصيل البراءة إلاّ بالظنّ ، وهذا طريقة جماعة من المجتهدين ، وإن كان جماعة منهم
يكتفون بالظنّ الاجتهادي وإن أمكن تحصيل اليقين ، وتحقيق ذلك في الأصول ، وحقّقناه
في الفوائد الحائرية ، على أنّه قد عرفت أنّه ورد منهم 7 : « إذا ورد
عليكم حديث فاعرضوه على سائر أحاديثنا » فتدبّر.
قوله : وصحيحة هشام بن سالم. ( ٤ : ١٥١ ).
لعل وجه الاستدلال
بها أنّ كلّ واحد من شارب الخمر والزاني والسارق عامّ شامل لمن كان مؤمنا ومن كان
مخالفا ، ولا يخلو من تأمّل ظاهر ، ومرّ الكلام فيه في بحث غسل الميت.
قوله : قال في الذكرى. ( ٤ : ١٥٣ ).
ويمكن أن يكون
المراد جريان القلم في كتابة الثواب له لا العقاب عليه أيضا ، لأنّ الحق أنّ
عبادات الطفل شرعية ، ولا مانع من ترتّب الثواب له ، بل هو الظاهر من الأخبار ،
وحديث رفع القلم عنه ظاهر في رفع العقاب والمؤاخذة لا الثواب أيضا ، ولا إجماع على
عدم الثواب.
__________________
قوله : وهو عامّي. ( ٤ : ١٥٦ ).
هذا وهم من
النسّاخ ، أو كان اللام قصيرا غاية القصر فتوهّم كونها ميما.
قوله : ولو قيل : إنّ المراد. ( ٤ : ١٥٦ ).
لا يخفى أنّ مراتب
الإرث مبنية على الأنسبية رحما ، والأشدّية علاقة في غالب الناس وبحسب العادة
عندهم ، فلعل إطلاق الأولى ينصرف عندهم إلى ما ذكروه ، ولذا فهم الفقهاء الذين هم
أرباب الفهم والأئمّة في معرفة المعاني بحسب اللغة والعرف وغيرهما ما فهموا ،
فحكموا بما حكموا ، فتأمّل.
قوله : أولوية بعض الورثة على بعض. ( ٤ : ١٥٨ ).
لا يخفى أنّ
بناءهم على الأولوية بحسب الإرث ، وأمّا تقديم بعض الأولى على بعض آخر فغير لازم
كونه من جهة الإرث أيضا ، بل لا يتأتّى ذلك ، بل له وجه آخر ، ولا يلزم كون الوجه
منحصرا في الأولوية في الإرث في جميع المواضع وجميع الوجوه ، فتأمّل.
قوله : لكنّها ضعيفة. ( ٤ : ١٥٨ ).
الرواية وإن كانت
ضعيفة إلاّ أنّها منجبرة بعمل الأصحاب ، بل إجماعهم على ما هو الظاهر ، والصحيحة
وغيرها شاذّة ، والشاذّ لا عمل عليه ، بالنصّ واتفاق الأصحاب الموافق للقواعد
الثابتة المسلّمة.
قوله : هو يتوقّف على وجود المعارض. ( ٤ : ١٥٩ ).
قد عرفت أنّ
المعارض موجود ، وأنّه أقوى ، بل وتعيّن كونه حجة دون معارضه بشذوذه ، وسيّما أن
يكون موافقا لمذهب العامّة.
قوله : ولما رواه الكليني. ( ٤ : ١٦٤ ).
الدلالة على ما
ذكره غير واضحة ، كاستدلاله الأوّل ، لتوقفه على وجود عموم يشمل المقام ، ولا يخلو
عن إشكال ، لأنّ المتبادر منه غير المقام ، فلاحظ ، لكن لا تأمّل في أنّ العمل
إنّما هو على ما ذكره الفقهاء بل لعلّه إجماعي ، ويمكن أن يفهم من العموم الشمول
للمقام بواسطة استشمام العلّة ، وهي شرافة الرجل وخساسة المرأة ، فافهم.
قوله : ولا تبطل مع الزيادة. ( ٤ : ١٦٥ ).
لا يخلو عن إشكال
إذا اعتقد دخول الزائد في الصلاة ، لأنّ هيئة العبادة متلقّاة من الشرع ، فإذا
تغيّرت عمّا نقل عن الشرع فكيف يمكن الحكم بالصحة والخروج عن العهدة؟ فكما أنّ
النقيصة مغيّرة للهيئة فكذا الزيادة ، فتأمّل جدّا.
قوله : ولو شكّ في عدد التكبيرات بنى على الأقل. ( ٤ : ١٦٦ ).
هذا على القول
بحجّية الاستصحاب ـ كما هو المشهور عند الأصحاب ـ واضح ، وأمّا على القول بعدمها ـ
كما هو عند الشارح ; فمشكل ، إلاّ أن يبنى على ما ذكره من عدم البطلان بالزيادة
، وفيه ما عرفت ، فتأمّل جدّا.
قوله : الدالة بظاهرها. ( ٤ : ١٦٧ ).
في الظهور تأمّل ،
لأنّ الظاهر منها كون السؤال والجواب بالقياس إلى خصوص التكبير ومقداره ، ولذا لم
يذكر النيّة وغيرها ، فتأمّل.
قوله : وإن كانت الرواية الأولى أولى. ( ٤ : ١٦٩ ).
الظاهر أنّ مراده
منها صحيحة أبي ولاّد ، ووجه الأولوية صحة الرواية ، ويمكن أن يكون المراد منها
رواية محمد بن مهاجر المعمول بها عند الأصحاب ، ووجه الأولوية عملهم بها والخروج
عن الشبهة بسبب
الخلاف ، فيكون
موافقا للمصنّف ; وغيره ، ولعل مراعاتهما تكون أولى وأحوط ، فتأمّل.
قوله : لأنّ التكبير عليه أربع. ( ٤ : ١٧٠ ).
مقتضى رواية محمد
بن مهاجر التي هي مستند الأصحاب في كيفية الصلاة على الميت عدم الدعاء له ، وإنّه
لذلك اقتصر على أربع تكبيرات ، حيث قال فيها : « فلمّا نهاه الله تعالى ـ يعني
النبي 6 ـ عن الصلاة على المنافقين كبّر وتشهّد ، ثمّ كبّر وصلّى على النبيين ، ثمّ
كبّر ودعا للمؤمنين والمؤمنات ، ثمّ كبّر الرابعة وانصرف ، ولم يدع للميت » ونظر المحقّق إلى
ما ذكر ، ووجه نظره أيضا يظهر ممّا ذكر ، فتأمّل.
قوله : لقيام العاجز بما هو فرضه. ( ٤ : ١٧١ ).
لا يخفى بعده.
قوله : لأنّها دعاء. ( ٤ : ١٧١ ).
الظاهر أنّ مراده
الإشارة إلى ما ورد من التعليل في الأخبار من أنّها إنّما يكون تسبيحا وتحميدا
ودعاء ، مثل ما ورد في موثقة يونس بن يعقوب الآتية ، والقياس المنصوص العلّة حجّة
، فما أجاب في الذكرى فيه ما فيه ، نعم لا شكّ في كون الستر أحوط.
قوله : تمسّكا بمقتضى الأصل. ( ٤ : ١٧٢ ).
والتعليل الوارد
في موثقة يونس بن يعقوب.
قوله : فيرجع فيه إلى العرف. ( ٤ : ١٧٢ ).
__________________
فيه تأمّل ، لأنّ
العرف ليس مرجعا في نفس الحكم ، بل المرجع فيها هو الشرع لا غير ، نعم هو مرجع في
معرفة معاني الألفاظ الصادرة عن الشرع ، على حسب ما قرّر في محلّه ، ولا لفظ هاهنا
، فلا بدّ لتحقّق البراءة والامتثال من وقوف الإمام قريب الجنازة الواحدة ، وقريب
الجنازة التي في طرف الإمام في الجنائز المتعدّدة ، والمأمومين قريب الإمام ،
والصفّ قريب الصفّ ، فتأمّل.
قوله : قاصرة من حيث السند عن إثبات الوجوب. ( ٤ : ١٧٣ ).
لا قصور بعد
الانجبار بعمل كلّ الأصحاب. مضافا إلى كونها موثقة ، وسيّما موثقة عمار ، لأنّ
الشيخ قال في العدّة : أجمعت الشيعة على العمل بروايته ، مع أنّك قد
عرفت عدم جواز التباعد الذي ذكره.
قوله : فالعمل بكلّ منها حسن إن شاء الله. ( ٤ : ١٧٤ ).
بل الأولى العمل
بمضمون الروايتين الأوّلتين ، لقول المعظم به ، ولأنّ عبد الله بن المغيرة ممّن
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم.
قوله : لكنّها سليمة من المعارض. ( ٤ : ١٨٦ ).
لكن كون المراد من
الصبيان من لا يجب عليه الصلاة غير ظاهر ، بل الأظهر خلاف ذلك.
قوله : ولا بأس به. ( ٤ : ١٧٦ ).
لا يخفى أنّ الحكم
بالاستحباب بمجرّد ما ذكر محلّ تأمّل ، سيّما على طريقة الشارح ;.
__________________
قوله : وهو دليل الرجحان. ( ٤ : ١٧٩ ).
فيه تأمّل ظاهر ،
والصواب التمسّك بما ورد في استحباب الرفع في كلّ تكبيرة ، سيّما مع صحة السند
والمخالفة للعامّة ، مضافا إلى التسامح في أدلّة السنن ، مع أنّ المعارض موافق
للعامّة ضعيف السند ، بل الراوي من العامّة.
قوله : في الدعاء المتناول لذلك ولغيره. ( ٤ : ١٧٩ ).
في استفادة الشمول
للمقام من الإطلاق الذي ذكره نظر ، سيّما بعد ملاحظة ما ورد في كيفية الصلاة على
الميت وآدابها ومستحباتها.
قوله : وفسّر ابن إدريس المستضعف. ( ٤ : ١٨٠ ).
المستضعف قسمان :
قسم ليس له قوّة مميّزة ، وهم كثيرون ، سيّما في النساء ، وقسم آخر له قوّة مميّزة
إلاّ أنّه لم يطّلع على اختلاف الناس في المذاهب ، مثل ابنة سلطان الإفرنج في
أمثال زماننا ، وفي زمان الأئمة : من لم يطّلع على مذهب الشيعة أصلا ، وباعتقاده انحصار
المسلم في أهل السنّة ، وإن ورد عن الصادق 7 أنّه قال : الآن لم يبق مستضعف ، ومراده أنّه 7 أبلغ إلى الكلّ
ارتداد الناس من بعد وفات الرسول 6 إلاّ ما قلّ ، وأنهم سمعوا ذلك ، والظاهر أنّ مراده الغالب
، والله يعلم.
قوله : وما رواه الشيخ في الصحيح. ( ٤ : ١٨٣ ).
مقتضى الروايتين
جواز الصلاة ، فلا ينافي ذلك أولوية الترك ، لما عرفت من المسامحة في أدلة السنن ،
سيّما والأكثر أفتوا كذلك ، وربما يعبّرون عن أولوية الترك بالكراهة ، فتأمّل.
__________________
قوله : لتكرار الصحابة الصلاة على النبي. ( ٤ : ١٨٣ ).
لا يخفى أنّ
الظاهر أنّ ذلك كان من خواصّه ، على ما يظهر من العلّة المروية في ذلك ، فلا يقتضي ذلك
ما ذكره من التقييد ، فتأمّل.
قوله : كلّها قاصرة. ( ٤ : ١٨٤ ).
لكن رواية الجواز
أقوى سندا ، لكونها من الموثقات والموثق حجّة ، كما بيّنا في محلّه. مع أنّه أولى
من غير الموثق وأقوى البتّة.
مع أنّ هاتين
الروايتين مع ضعف سندهما أضعف دلالة من الموثقتين ، لأنّ مضمونهما حكاية عن الرسول
6 قوله ، ولعله كان لخصوصية ومصلحة ، أو كان كذلك من أوّل الأمر ثم صار مستحبا
، وإن كان الظاهر من نقل الإمام كون الحال كذلك في زمانه 7 أيضا مطلقا ، لكن
هذا الظاهر ليس مثل التصريح الوارد في الموثقتين.
وأيضا الاتفاق على
الجواز يؤيّد الموثقتين ، فالأقوى الجواز ، لما ذكر ، وللعمومات.
والكراهة أيضا
محلّ تأمّل ، لأنّ مدلول الضعيفين المنع وعدم الجواز ، ومقتضى الموثقتين الرجحان
للفعل ، ولا تقاوم بين الضعيفين والموثقتين ، لما عرفت ، ولأنّ وهب بن وهب عامي ،
وكذا الراوي عن إسحاق بن عمار ، وهو غياث بن كلوب ، إذ ربما يظهر من الأخبار أيضا
كونه عاميا ، فتأمّل.
فتعيّن الموثقتان
والعمومات للحجّية ، ولا مساغ للحكم بالكراهة ،
__________________
بناء على المسامحة
في أدلة السنن ، لما عرفت من ثبوت الرجحان في الفعل ، فتأمّل.
وممّا يضعف
الضعيفين ويقوي الموثقتين والعمومات فعل أمير المؤمنين 7 بالنسبة إلى سهل
بن حنيف ، والرسول 6 بالنسبة إلى حمزة . على أنّ المسامحة في أدلّة السنن تعيّن أولوية الفعل ،
كما لا يخفى ، فتدبّر.
قوله : ومقتضى الرواية الأولى. ( ٤ : ١٨٦ ).
ويمكن حملها على
أنّ المراد من الأمر بالتتابع رفع الحظر ، لوروده مورد توهّم الحظر ، لأنّ
المتعارف رفع الجنازة عقيب فراغ الإمام عن الصلاة ، ولذا يستحب وقوفه حتى ترفع
الجنازة ، ولذا قيّده العلاّمة بما قيّده ، ونفى الشارح ; منه البأس.
قوله : بأنّ المدفون خرج بدفنه. ( ٤ : ١٨٨ ).
فيه تأمّل ظاهر ،
وكذا في قوله : من فني في قبره ، إذ العمومات ـ مثل : « لا تدعوا أحدا من أمّتي
بغير صلاة » وغيره ومنه صحيحة هشام المذكورة إذ نفي البأس المتوهّم لا
يرفع الوجوب الثابت ، فتأمّل ـ تقتضي وجوب الصلاة عليه حتى يثبت المخرج منها.
وممّا ذكر ظهر
التأمّل في ما ذكره الشارح ; : والأصحّ.
فالأحوط الصلاة
عليه مطلقا إن لم يصلّ عليه ، وأمّا إذا صلّى عليه فلعل الأحوط الترك ، لما مرّ من
موثقة عمار وموثقة يونس بن يعقوب ، ومرسلة
__________________
محمد بن أسلم عن الرضا
7 : يصلّى على المدفون بعد ما دفن؟ قال : « لا ، لو جاز لأحد لجاز لرسول الله 6 ، قال علي 7 : لا يصلّى على
المدفون ولا على العريان » .
وفي الموثق أيضا
عن عمار أنّه إذا صلّى على ميت وهو مقلوب أنّه يسوّى ويعاد الصلاة ما لم يدفن ،
فإن كان قد دفن فقد مضت الصلاة ، ولا يصلّى عليه وهو مدفون .
وفي الحسن عن
محمّد بن مسلم أو زرارة قال : « الصلاة على الميت بعد ما يدفن إنّما هو الدعاء »
الحديث ، فلعل ما ورد ممّا يدل على الجواز محمول على هذا أو على
من لم يصلّ عليه ، فتأمّل.
قوله : ولا ريب في ضعفه. ( ٤ : ١٨٩ ).
لا ضعف فيه ، بل
هو أيضا محتمل ، فتأمّل.
قوله : من أوصاف المتذلّل الخاشع. ( ٤ : ١٩٦ ).
فعل الرضا 7 عند خروجه إلى
العيد ، وصلاتهما واحدة ، بل ربما كان عند خروجه للاستسقاء أيضا ، فلاحظ عيون
أخبار الرضا .
قوله : فالظاهر أنّه يستحب قضاؤه نهارا وهو غير واضح. ( ٤ : ٢٠٤
).
__________________
الظاهر وضوحه ،
لما ورد في بعض الأخبار في تفسير قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي
جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ) الآية ، مع أنّ الظاهر من الآية لعله ذلك أيضا.
وأيضا يظهر ممّا
ورد في مدح من يقضي نافلة الليل في النهار من أنّه تعالى يباهي به الملائكة من
أنّه يقضي ما لم أفترض عليه ، والظاهر يفيد العموم ، والله يعلم.
قوله : كما في الكلام والالتفات ونحوهما. ( ٤ : ٢١١ ).
لا شبهة في ثبوت
البطلان ، كما نقله ، لأنّ العبادة هيئة توقيفية ، والمنقول من الشارع ليس فيها ما
ذكر ، بل ونهى عنه فيها ، فكيف تكون العبادة التوقيفية؟ نعم لو لم يكن النهي عنه نهيا عنه في
العبادة مثل النظر إلى الأجنبية فالظاهر عدم الضرر ، والله يعلم.
قوله : لأنّه في حكم التالف. ( ٤ : ٢١٣ ).
الظاهر عدم تأمّل
في الجواز ، لوجوب إعطاء قيمة الماء التالف لصاحبه بلا تأمّل ، فيكون الماء التالف
ملكه أو صحيح التصرّف ، ولا شكّ في أنّه إذا أتلفه تعيّن القيمة عليه ، فلا معنى
للمنع بعد التلف ، وهو واضح.
ثم اعلم أنّ
الأئمّة 7 والفقهاء وجميع المسلمين في الأعصار والأمصار كانوا يتوضّؤون من الأنهار
الجارية ويشربون ، بل ويأخذون لشربهم من غير استحصال إذن من المالك أصلا ، ولا
تأمّل فيه ، وكذا كانوا يصلّون في الصحراء من الأراضي المملوكة من دون رخصة من
المالك.
__________________
واعتذر السيّد
بأنّ المنشأ تحقّق إذن الفحوى جزما من المالك .
وفيه : أنّه ربما
كان المالك صغيرا أو مجنونا أو سفيها أو مخالفا للشيعة ، سيّما المتعصّبين منهم ،
بل الظاهر أنّ المنشأ أنّ للمؤمنين حقّا في جميع ما ذكر ، ولقولهم 7 : « المسلمون
شركاء في الماء والنار والكلاء » .
قوله : والامتثال يقتضي
الإجزاء. ( ٤ : ٢١٣ ).
الأظهر الاستدلال
بصحة الصلاة في اللباس النجس وغير اللباس منه جهلا ، كما حقّق في محلّه ، فلاحظ.
قوله : إذا كان الجلد مأخوذا من غير المسلم عملا بالظاهر من
حاله. ( ٤ : ٢١٣ ).
الأولى أن يقول :
عملا بالأصل ، لأنّ التذكية الشرعية شرط للطهارة والحلّية ، ويكفي أخذه من المسلم
ووجوده في يده أو في سوق المسلمين ، لأصالة الصحة فيهما ، وإن كان الأحوط أن لا
يصلّى في الجلود المأخوذة من أهل السنّة الذين يستحلّون الصلاة في الميتة
باعتقادهم أنّ الدباغة تطهّرها ، كما ورد في الأخبار من أنّ الأئمّة 7 ما كانوا يصلّون
في ما أخذ من أهل العراق وسوقهم معلّلين بما ذكر ، وإن كانوا يلبسون في غير حالة
الصلاة ، وحقّق الجواز والحلّية في محلّه.
قوله : وهو مشكل. ( ٤ : ٢١٤ ).
لا إشكال ، وقد
مرّ التحقيق .
__________________
قوله : بما لا يعلم تعلّق النهي به. ( ٤ : ٢١٤ ).
فيه : أنّ هذا
الاحتمال إنّما هو إذا كان الثابت من الشارع أنّ الشرط كما ذكره ، وأمّا إذا كان
الثابت منه المنع عن الميتة ، وعن كلّ شيء حرام أكله ، وعن الحرير المحض فمقتضاه
هو ما ذكره الأصحاب ، لأنّ لفظة الميتة وحرام الأكل والحرير المحض أسام لما هو في
نفس الأمر ميتة وحرام وحرير محض ، من غير التقييد بالعلم وعدمه ، على حسب ما مرّ
التحقيق في باب لباس المصلّي .
قوله : كون القيام في حال النيّة ركنا. ( ٤ : ٢١٤ ).
وجهه اشتراط
المقارنة للتكبير ، والمقارنة لا تتحقّق إلاّ حال القيام ، كما لا يخفى ، سواء
كانت ركنا أو شرطا.
قوله : وأجاب عنها الشيخ في كتابي الأخبار بالحمل. ( ٤ : ٢١٦ ).
هذا الجواب بعيد ،
لأنّه في صورة الشكّ لا يلائمها قوله : حتى دخل في الصلاة ، و : حتى كبّر للركوع.
مع أنّ الشك في شيء
وقد خرج منه ودخل في غيره ليس بمعتبر بمقتضي الأدلة ، وإجماعي أيضا ، فالصواب
الحمل على أنّ المعصوم 7 بنى على أنّ الظاهر وقوع التكبير ، وأنّ تركه من حيث كونه
أوّل الصلاة بعيد جدّا ، وإن كان الرجل عنده أنّه نسي ، لأنّه حال من كثر سهوه فلا
عبرة بسهوه ، [ لا ] لأنّ السهو واقعي وبموضعه ومع ذلك لا اعتداد به ، بل لما
ذكر من أنّه بعيد جدّا أن يكون يسهى ، كما صرّحوا به في بعض الأخبار :
__________________
« أنّ الإنسان لا
ينسى تكبيرة الافتتاح » والظنّ في تحقّق
الأفعال حجّة ومعتبر ، كما سيجيء ، والمعصوم 7 اعتبره هاهنا.
قوله : أنّ الامتثال يتحقّق بالإتيان. ( ٤ : ٢١٨ ).
الامتثال هو
الإتيان بالمأمور به على وجهه ، والعبادة التوقيفية يتوقّف على الثبوت من الشرع ،
والثابت المنقول إلينا من قول الشارع وفعله ليس على ما ذكرت ، وهذا خلاف المعهود
منك في مواضع لا تحصى ، ومنها في بحث الخلل الواقع في كيفية الصلاة .
قوله : لزيادة الركن. ( ٤ : ٢١٨ ).
لم يقل أحد بهذا
التفصيل ، فبضميمة عدم القول بالفصل يثبت المطلوب بالروايتين أيضا.
قوله : والرواية الثالثة ضعيفة السند. ( ٤ : ٢١٨ ).
الضعف منجبر بعمل
الأصحاب ، سيّما مع الموافقة للقواعد الثابتة في العبادات التوقيفية ، وعمل
الجماعة الذين لا يعملون بأخبار الآحاد مثل السيد ومشاركيه ، وكونها في الكافي ، وموافقتها بعض
الأخبار الآخر ، مثل رواية ابن سنان عن ابن مسكان عن أبي بصير عن الباقر 7 عن رجل نسي أن
يركع ، قال : « عليه الإعادة » وقد حقّقنا في الرجال أنّ ابن سنان هذا ثقة لا ضعف فيه ، موافقا
للعلاّمة في غير الخلاصة . ويؤيّدها
__________________
أيضا إطلاق
الأخبار الدالة على أنّ من زاد في الصلاة فعليه الإعادة ، فتأمّل.
قوله : ويمكن الجمع بينها. ( ٤ : ٢١٩ ).
هذا فرع التكافؤ ،
ومنتف قطعا على ما ظهر لك. مضافا إلى أنّ رواية ابن مسلم هذه تتضمّن ما لم يقل به
أحد ، وهو قوله : « وإن كان لم تستيقن إلاّ بعد ما فرغ. » وهذا أيضا من المضعّفات
بلا شبهة في مقام الترجيح ، بل الشارح كثيرا صرّح بأنّ ذلك مانع من الاحتجاج
بالرواية مطلقا .
قوله : واستدل عليه في المعتبر. ( ٤ : ٢٢١ ).
إن سلّم ما ذكر لم
يكن خصوصية بالرباعية ، فيلزم الصحة في الثنائية والثلاثية أيضا ، بل لا خصوصية له
بالركعة الأخيرة ، فيلزم ما ذكره بالنسبة إلى ركعات أخر أيضا ، وفيه ما فيه. [
وقوله : وبما رواه. ] معارض بالروايتين المذكورتين المنجبرتين بالشهرة ،
والمعتضدتين بالقواعد وعمل من لم يعمل بأخبار الآحاد ، مع كونه مخالفا للشهرة ،
وموافقا للتقيّة ، والوهن في دلالته ، لما يقول الشارح ، وقابلا للتأويل القريب ،
لما سبق أنّ المعهود عند الخاصّة والعامّة أنّهم إذا قالوا : التسليم ، يريدون منه
: السلام عليكم ، إلى آخر ما حققناه في بحث التسليم .
قوله : دلالة على ندب التسليم. ( ٤ : ٢٢٢ ).
__________________
فيه ما مرّ في بحث
التسليم ، فلاحظ.
قوله : لم تقتض تغييرا لهيئة الصلاة. ( ٤ : ٢٢٤ ).
لا شكّ في تغيير
الهيئة في العبادة التوقيفية ، فإنّما الأعمال بالنيّات ، فلو كبّر لا بنيّة
تكبيرة الإحرام لا ينفع ، وكذا لو كبّر مرّتين بنيّة تكبيرة الإحرام تبطل الصلاة ،
كما لا يخفى ، فتأمّل.
قوله : لانتفاء ما يدل على بطلان الصلاة. ( ٤ : ٢٢٤ ).
هذا لا يناسب
العبادة التوقيفية ، إذ لا بدّ فيها من دليل للصحة ، لا أنّه يكفى عدم الدليل على
البطلان ، إلاّ أن يكون مستنده العمومات ، فتأمّل.
قوله : لأنّ من سهى في الفريضة. ( ٤ : ٢٢٤ ).
مما لا ربط له في
المقام ، لأنّ العلّة فيه كون الصلاة على ما افتتح به ، وعلى ما قام له ودخل فيها
حينئذ. مع أنّ القياس عندنا حرام جزما. مع أنّ القياس مع الفارق ، لأنّ الهوي ليس
من مستحبات الصلاة. مع أنّ الدخول في الركوع بقصد الواجب الركني والهوي لا دخل له
في الرجحان الشرعي ، لأنّه من المقدّمات الخارجة ، فتأمّل.
قوله : تمسّكا بمقتضي الأصل السالم من المعارض. ( ٤ : ٢٢٥ ).
التمسّك بالأصل في
العبادة التوقيفية غلط ، وخلاف طريقة الشارح أيضا ، وكذلك العمل بهذا الصحيح ،
فالأولى الاستدلال عليه بما سيستدل به للثانية الآتية بلا شكّ.
قوله : وقوّى في المبسوط. ( ٤ : ٢٢٥ ).
قوّى على طريقة
الصدوق ، لا على طريقة المشهور ، فكيف نسب الصورة الثالثة إلى خصوص المقنع؟
قوله : ويمكن الجمع بينها بحمل هذه على الجواز. ( ٤ : ٢٢٨ ).
لا شكّ في فساد
هذا الحمل ، لكونه خلاف مدلول المتعارضين البتّة ، وخلاف فتوى جميع الفقهاء ، بل
خلاف الإجماع المركب. والظاهر حمل الطرفين أحدهما على خصوص التقيّة والآخر على محض
الحق ، فإنّ فقهاء أهل السنّة الحجازيين منهم على أحدهما إجماعا منهم في زمان
أئمّتنا 7 والعراقيين منهم اتفقوا على الآخر ، والذي ببالي على ما أظنّ : أنّ العراقيين
منهم على الإعادة ، والحجازيين على البناء ، والله يعلم.
قوله : ويحتمل الصحة. ( ٤ : ٢٣٠ ).
هذا الاحتمال باطل
، لأنّ العبادة توقيفية ، وتحقّقها مع الاحتمال المذكور باطل ، إذا مع الاحتمال
يحصل الشكّ في الامتثال ، فكيف يكون ممتثلا؟ مع أنّ شغل الذمّة بالصلاة يقيني ،
ولا ينقض اليقين إلاّ باليقين ، كما مرّ عن الشارح ، وثبت عن
المعصوم 7 ، فتأمّل.
قوله : ولأنّ نسيان السجدتين من الركعة الواحدة خلاف الظاهر. (
٤ : ٢٣٠ ).
وعلى هذا يحصل
الظنّ بكونهما من الركعتين ، وهذا خلاف المفروض ، ومع ذلك لا بدّ من العلم بكفاية
هذا الظهور في المقام ، والله يعلم.
__________________
قوله : ومقتضى العبارة وجوب الرجوع. ( ٤ : ٢٣١ ).
هذا على القول
بعموم المفهوم ، والشارح لا يقول به ، وأمّا المصنّف فإنّه في صدد بيان هذا الشقّ
والشقّ الثاني أيضا ، أي الذي يتدارك ، وسيذكر صورة نسيان القراءة ولا يشير أصلا
إلى نسيان الجهر والإخفات ، وهذا منه ينادي بأنّه لم يبن كلامه على مفهومية
المفهوم والبناء عليها ، بل بناؤه على المنطوق ، وكلامه في المنطوق ينادي بأنّ
الجهر والإخفات ليس فيهما تدارك أصلا وإن لم يركع ، لجعل ما يجب تداركه في ما ذكره
في الثاني ، وهذا واضح ، إذ لو قال المولى لعبده : أعط زيدا درهما إن أكرمك ، وإن
لم يكرمك فأعط الدرهم المذكور ، لا شكّ في أنّ المفهوم لا عبرة به قطعا وإجماعا.
ومراد المصنّف من
الإخلال بالواجب غير الركن أعمّ من أن يكون مع الركن أم لا ، كما أنّه لو قال : من
أخلّ بالركن ، أعم من أن يكون مع غير الركن أم لا ، فهو يريد بيان الأحكام في
الصورتين.
مع أنّ قول
المصنّف : وكذا لو نسي الركوع. مراده أنّ نسيان الركن أيضا مثل القسم الثاني ، لا
أنّه عينه وقسم منه ، وهذا متعارف أنّهم يجعلون الشيء الآخر مثل القسم من المقسم
، يعني الأشياء الأجنبيّة حكمه حكم هذا القسم منه ، ولا غبار عليه أصلا.
قوله : فلا يكون مجزئا عنه. ( ٤ : ٢٣٤ ).
ولأنّ الركوع هو
الانحناء وأنّه من القائم لا يتحقّق إلاّ قائما ، كما هو الظاهر والمتبادر من
الدليل.
قوله : فلا ، بل يقوم منحنيا إلى حد الراكع. ( ٤ : ٢٣٤ ).
هذا ليس نسيان
الركوع ، بل نسيان واجبات الركوع التي ليست بركن ،
إلاّ أن يكون
مراده منه أنّه لم يصر إلى حدّ الركوع ، فلا بدّ أن يقوم إلى الحدّ الذي وقع فيه
في النسيان ثم يركع ، أي بالانحناء إلى أن يصل إلى حدّ الركوع ، لا أن يقوم منحنيا
إلى حدّ الراكع ، إلاّ أن يؤوّل قوله بما ذكر في التعليقة الواقعة على كلام الشارح
على كلام المصنّف.
قوله : أشكل العود إليه. ( ٤ : ٢٣٤ ).
لعل مراده العود
إلى نفس الركوع ، فهو بعينه الصورة المتقدّمة ، فيجب أن يقوم منحنيا إلى حدّ
الركوع فيأتي بالواجبات التي تركها من الذكر والطمأنينة فيها والطمأنينة بعدها.
قوله : فإنّها واجبات فيه خارجة عن حقيقته. ( ٤ : ٢٣٤ ).
نعم ، لكن يجب
تداركها ، لأنّها واجبات متروكة نسيانا يمكن تداركها فيجب ، ومنها الطمأنينة بعد
القيام.
قوله : لأنّ الكلام في نسيان الواجب الذي ليس بركن. ( ٤ : ٢٣٥ ).
أي كلام المصنف
حيث قال : وكذا لو نسي الركوع ، [ و ] عرفت أنّه لا غبار عليه ، فلاحظ.
قوله : لا نفس الركوع خاصّة. ( ٤ : ٢٣٨ ).
فعلى هذا يرجع إلى
المسألة السابقة في نسيان الركعة والإتيان بالحدث ومثله في أثنائه ، وظهر لك
الفساد.
قوله : فتعيّن فعله. ( ٤ : ٢٣٩ ).
هذا على القول
بأنّ القضاء تابع للأداء ، لقوله 7 : « الميسور
لا يسقط بالمعسور
» و « ما لا يدرك كلّه لا
يترك كلّه » و « إذا أمرتكم
بشيء فأتوا منه ما استطعتم » . مع أنّ الصلاة الخالية عنها وعن القضاء لا دليل على صحّتها
، بخلاف صورة القضاء ، فإنّ الإجماع والأخبار دليل براءة الذمّة.
قوله : وبأنّ التشهّد يقضي بالنصّ. ( ٤ : ٢٣٩ ).
دليله الأخبار
التي ذكرت ، مضافا إلى الاستصحاب ، فإنّ شغل الذمّة اليقيني لا ينتفي إلاّ بذلك.
قوله : ويتوجّه على الأول. ( ٤ : ٢٣٩ ).
قد ظهر فساد هذه
الاعتراضات.
قوله : وهو منتف. ( ٤ : ٢٣٩ ).
مقتضى هذا أنّه لو
نسي الشهادتين أو إحداهما لا يكون القضاء أيضا ، لأنّه أتى بالصلاة على النبي وآله
، [ و ] فيه ما فيه ، [ و ] مقتضى ذلك أنّه لو نسي الكلّ أيضا لا يكون عليه قضاء
إلاّ من جهة خصوص النصّ ، وقد عرفت فساده.
قوله : على أنّ في وجوب الأداء خلافا بين الأصحاب. ( ٤ : ٢٣٩ ).
لا شكّ في فساد
هذا الاعتراض ، والكلام على القول بالوجوب ، وهو المعروف بين الأصحاب ، وإلاّ
فالخلاف في ثبوت الله وثبوت الرسالة والإمامة وغير ذلك.
__________________
قوله : مع أنّه لا يقول بالتسوية بين الكلّ والجزء مطلقا. ( ٤ :
٢٣٩ ).
هذا أيضا فاسد ،
لأنّ الفقهاء في كلّ وقت لهم رأي مخالف للرأي الآخر ، بل لو لم يتغيّر رأي فيهم
يتأمّلون في كونه فقيها ، بل إمّا مقلّد جامد أو ليس له قريحة ، كما حقّق في محله.
قوله : لأنّ حمله على التشهد. ( ٤ : ٢٣٩ ).
قد عرفت أنّ
الدليل ليس هو القياس بلا شكّ ، وقد عرفت أنّه لو لم يقض لم يوجد دليل على صحة
الصلاة ، مع عدم القضاء بلا شبهة.
قوله : « قبل أن يسلّم ». ( ٤ : ٢٤٠ ).
يحتمل أن يكون
المراد من السلام هو خصوص : السلام عليكم ، لما عرفت في بحث التسليم ، وأنّه ب :
السلام علينا. يخرج من الصلاة البتّة ، لكن لا يخلو عن الإشكال على القول بوجوب :
السلام عليكم ، وكونه جزءا من الصلاة. ويمكن أن يكون هذا الخبر موافقا لما ورد من
الأخبار الظاهرة في عدم وجوب خصوص : السلام عليكم ، أو وجوبه خارجا عن الصلاة
بالسلام علينا ، ومرّ التحقيق في مبحث السلام .
قوله : من أنّ الظاهر استحباب التسليم. ( ٤ : ٢٣٤ ).
هذا لا ينفعه ،
لأنّه جزء الصلاة ، فلا معنى لوجوب كون السجود المقتضي قبل الخروج.
قوله : فإنّه جوّز البناء على الأقلّ والإعادة. ( ٤ : ٢٤٤ ).
نسبة هذا إلى
الصدوق محض توهّم ، فإنّه ; قال في أماليه : من
__________________
دين الإمامية بحيث
يجب الإقرار أنّ من شكّ في الأوّلتين أو في المغرب أعاد ، ومن شكّ في الأخيرتين
بنى على الأكثر . ومع ذلك قال في الفقيه : من سهى في الركعتين الأوّلتين من
كلّ صلاة فعليه الإعادة ، ومن شكّ في المغرب فعليه الإعادة ، ومن شكّ في الفجر
فعليه الإعادة ، وكذلك الجمعة ، ومن شكّ في الثانية والثالثة أو في الثالثة
والرابعة أخذ بالأكثر ـ إلى أن قال ـ : ومعنى الخبر الذي روي أنّ « الفقيه لا يعيد
الصلاة » إنّما هو في الثلاث والأربع لا في الأوّلتين .
انظر إلى ما فيه
من التصريح والتأكيد ، ثم التأكيد بقوله بعد ذلك : لا في الأوّلتين. ومجرّد ذكر
الخبر المتضمّن للبناء على اليقين لا يقتضي تجويزه البناء على الأقلّ ، لوجوه كثيرة واضحة
ذكرنا في شرحنا على المفاتيح.
قوله : بل ربما لاح من قوله : قلت : رجل شكّ في القراءة وقد ركع
، أنّه لو لم يركع لم يمض. ( ٤ : ٢٤٩ ).
لا يخفى ما فيه ،
فإنّ الظاهر أنّه شكّ في مجموع القراءة ، ولا شكّ في أنّ الحكم حينئذ كذلك.
على أنّه يلزم
ممّا ذكره أنّه إن شكّ قبل الانحناء للركوع بعد تمامية السورة أنّه هل قال في «
بسم الله » : حرف الباء أو السين أو الميم أو غير ذلك مثل مدّ أو تشديد؟ أنّه
يرجع. وفيه ما فيه ، فتأمّل.
على أنّه ; غير قائل بعموم
المفهوم ( سيما مثل هذا المفهوم )
__________________
فإنّه لا يقول
بحجّية نفسه فضلا عن عمومه.
مع أنّ قوله 7 : متى شككت في شيء
وقد خرجت منه ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ، وأمثاله ، يقتضي عدم وجوب الإعادة ، بل عدم الالتفات
أصلا ، لأنّ الحمد شيء قطعا ، والسورة غير الحمد قطعا.
وألفاظ هذا الحديث
كسائر الأحاديث يرجع فيها إلى العرف واللغة حتى يثبت اصطلاح مغاير لهما من الشرع ،
ولم يثبت ، بل ثبت عدمه ، لأنّ الأصل العدم ، وللاتفاق من الفقهاء وغيرهم على أنّه
متى لم يثبت يكون معدوما وفي حكم المعدوم البتة ، ومسلّم عند الشارح ; أيضا ، وبمجرّد
أنّ راويا من الرواية قال : قلت : رجل شكّ في القراءة وقد ركع ، لا يثبت اصطلاح من
الشرع في أنّ مقام الحمد ( ليس مغايرا ) لمقام نفس الحمد ، ألا ترى أنّ الرواة كانوا يسألون عن
الشكّ في الركوع وقد أهوى إلى السجود ، والشكّ في السجود وقد قام ، إلى غير ذلك؟
وذلك لا يقتضي ثبوت اصطلاح في محلّ واجبات الركوع والسجود مثل الذكر وغيره بأنّ
محلّها محلّ نفس الركوع والسجود وغير ذلك ، بل ليس كذلك قطعا ووفاقا ، وكذا كانوا
يسألون عن الشكّ في الركعة ، وفي فعل نفس الصلاة وغير ذلك ، ولا يقتضي ذلك كون
أبعاض الركعة وأبعاض نفس الصلاة محلّهما محلّ نفس الركعة ونفس الصلاة ، بل ليس
كذلك قطعا ووفاقا ، فتأمّل.
وممّا ذكر ظهر
مراد المحقق ، وأنّ الحق معه ومع مشاركيه ، بل يظهر من الأخبار أنّ محل كلّ آية
غير محل الأخرى ، إلاّ أن يثبت إجماع على
__________________
الاتحاد ، ولم
يثبت ، كما لا يخفى.
قوله : وقوّى الشارح وجوب العود ما لم يصر إلى حدّ السجود. ( ٤
: ٢٥٠ ).
الظاهر أنّ حكمه
بوجوب العود مبني على أنّ الهوي والنهوض من الأفعال التكوينية لا التكليفية
الشرعية ، ولذا حكموا 7 في الشك في حال النهوض بالعود.
وأمّا حكمهم 7 بالمضي في الشكّ
في حال الهوي فلا يظهر منهم أنّهم 7 حكموا كذلك لأنّ الهوي فعل تكليفي وقد دخل فيه وخرج من
الركوع ، بل الظاهر خلاف ذلك ، لأنّه قال : قد ركع ، والمراد منه أنّ الهوي إلى
السجود بغير ركوع بعيد وخلاف الظاهر ، كما مرّ نظيره في تكبيرة الإحرام ، فحكموا 7 بالبناء على
الظنّ والظاهر ، والفقهاء يحكمون بالبناء على الظنّ في كلّ فعل من أفعال الصلاة ،
ومسلّم ذلك عند الشارح ; أيضا ، كما سيجيء ، فتدبّر ، فظهر أنّ البناء على عدم
العود والحكم بالصحة ليس من جهة مغايرة محلّ الهوي لمحلّ الركوع ، كما هو الظاهر
من الشارح ; فتدبّر.
قوله : وقال الشيخ في المبسوط. ( ٤ : ٢٥٢ ).
فيه : أنّ المحكي
في المبسوط إنّما هو الموافقة لما ذكره ، وصرّح بذلك الحلّي في السرائر والفاضل في
المختلف ، والشهيد في الذكرى ، وغيرهم ، نعم ما عزاه إليه هنا هو الظاهر منه في النهاية .
__________________
قوله : إلاّ أبا جعفر ابن بابويه. ( ٤ : ٢٥٢ ).
لكن قال في أماليه
: من دين الإماميّة أنّ من سهى في الأوليين أعاد الصلاة ، ومن شك في المغرب أعاد ،
ومن شكّ في الثانية والثالثة أو في الثالثة والرابعة فليبن على الأكثر فإذا سلّم
أتمّ ما ظنّ أنّه نقصه . انتهى.
ولا يخفى أنّ ما
ذكره مضمون رواية عمار . وفي الفقيه حكم وأفتى صريحا بذلك ، وأتى برواية
عمار عقيبه بلا فصل ، فظهر أنّ المستند في فتواه تلك الرواية ، فيظهر اعتبار تلك
الرواية ، وكونها معتبرة وحجّة ، مضافا إلى ما ستعرف وظهر أيضا أنّ الصدوق ; موافق للأصحاب ،
غاية ما في الباب أنّه روى في ذلك الباب في آخر بحث الشكّ رواية تتضمّن البناء على
اليقين ، وسيجيء الكلام في ذلك.
قوله : ورواية عبد الله بن أبي يعفور. ( ٤ : ٢٥٣ ).
في حاشية خالي
العلاّمة المجلسي المكتوبة على هذا الحديث : الظاهر أنّه محمول على التقيّة ، لأنّ
العامّة رووا عن عبد الرحمن بن عوف هذا المضمون ، وعليه عملهم . انتهى. وكتب على
باقي هذه الأخبار : يمكن الحمل على التقية ، لموافقته لمذهب أكثر العامّة ، حيث
ذهبوا إلى البناء على الأقلّ .
قلت : مذهب
العامّة على ما نقل في الانتصار البناء على الأقل
__________________
مطلقا ، والأمر بالبناء
عليه شاهد آخر على ورود هذه الأخبار على سبيل التقيّة.
ويشهد أيضا ما
ذكرناه عن أمالي الصدوق. مضافا إلى أنّ ظاهر هذه الأخبار لم يقل به أحد مطلقا.
ويشهد أيضا أنّ ما ورد في البطلان من الكثرة والشهرة بمكان ، والله يعلم.
ولم يتعرّض ; لحكم الشكّ في
المغرب لعلّه حوالة إلى حكم الشكّ في الأوليين ، لأنّه نظيره فتوى ودليلا ، لما
ذكرناه عن الأمالي ، وادعى الشيخ ; في الاستبصار الإجماع على البطلان ، والأخبار
الدالة عليه كثيرة ، لكن في رواية عمار الساباطي البناء على الأكثر والاحتياط ، وهذه وإن كانت
ربما تأبى عن التقيّة ، إلاّ أنّ الراوي عمار ، فالاعتماد عليه ورفع اليد عمّا
ذكرنا مشكل.
وبالجملة : مرجّح
مستند المشهور الصحة ، وكثرة الصحاح ، وكثرة الأخبار المعتبرة ، والشهرة العظيمة ،
بل الإجماع ، بل إجماع الكلّ حتى ابن بابويه ، كما عرفت ، والمخالفة للعامّة ، بل
كلّ واحد يكفي وإن كان أضعف ممّا في المقام بمراتب ، كما هو الحال في غير المقام ،
فكيف ما في المقام؟ وكيف إذا اجتمع؟ مع أنّ الضعيف ليس بحجّة ، فكيف إذا خالف ما
ذكرناه؟ بل المسألة ليست بخلافية كما توهّم البعض ، فلا حاجة إلى
ما ذكرنا.
__________________
قوله : والاستئناف. ( ٤ : ٢٥٣ ).
هو خلاف ظاهر
الأخبار ، بل ربما يأبى عنه بعض الأخبار الواردة في البطلان ، فلاحظ.
قوله : وتأوّلها الشيخ في الاستبصار. ( ٤ : ٢٥٤ ).
ويمكن أن يقال
أيضا بحمل الجزم الوارد في الحديث على الظنّ ، فإنّ الجزم مقول على أفراده
بالتشكيك ، فإذا بلغ فرد من أفراده غاية الشدّة قارب الجزم ، فيصدق عليه مجازا من
باب تسمية الشيء باسم ما قاربه.
وهذا غير عزيز ،
كما في غسل الجمعة ، يحمل قوله 7 : « غسل الجمعة واجب » على شدّة الاستحباب ، مع أنّ القاعدة المسلّمة من أنّه إذا
تعذّرت الحقيقة فأقرب المجازات متعيّن أيضا يقتضي ذلك ، لأنّه مع تعذّر الحمل على
الجزم حقيقة فأقرب المجازات وهو الظنّ متعيّن ، وهو معتبر في الواحد والثلاث
والاثنين ، ويحمل فعل سجدة السهو على الاستحباب ، لعموم [ قوله ] 7 في صحيحة عبد
الله بن علي الحلبي الآتية في مبحث سجدتي السهو : « وسلّم واسجد سجدتين بغير ركوع
ولا قراءة وتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا » .
قوله : فلا ريب أنّ الاستئناف أولى وأحوط. ( ٤ : ٢٥٤ ).
بل هو متعيّن ،
لأنّ هذه الصحيحة إذا لم تقبل التأويل تكون واردة
__________________
مورد التقيّة ،
لما عرفت ، مع أنّ الكثرة والشهرة بين الأصحاب والموافقة لأخبار أخر والأوفقية لها
وأوضحية الدلالة سيّما بسبب تعاضد بعضها ببعض ، كلّ واحد منها مرجّح آخر ، فاجتمعت
مرجّحات كثيرة.
ومن مؤيّدات
المرجّحات شدّة التقيّة في زمان الكاظم 7 ، وكون الراوي وزير الخليفة ، وبالجملة : مرجّح واحد يكفي
للحكم فضلا عن اجتماع الكثرة. ومن المرجّحات قول الصدوق في أماليه ، وادعى غيره
أيضا الإجماع في المسألة السابقة.
قوله : لانتفاء ما يدل على التفرقة بينها وبين غيرها من
الأحكام. ( ٤ : ٢٥٥ ).
الذي يفرّق هو
عموم البلوى بها وندرة الحاجة إلى غيرها ، وعدم ثبوت الحكم فيه على وجه محقّق ،
كما لا يخفى.
قوله : فلا تنهض حجّة. ( ٤ : ٢٥٦ ).
الرواية منجبرة
بالشهرة بل بإجماع الإمامية ، وكون ذلك معروفا من دينهم ، وأنّه يجب الإقرار به ،
كما قاله الصدوق في أماليه ، مع أنّ تلك الرواية مروية عن عمار من طرق متعدّدة . وعمار ممّن
أجمعت الشيعة على العمل برواياته ، كما قاله الشيخ في العدّة.
ومع ذلك متأيّدة
برواية زرارة السابقة بالترتيب الذي ذكرناه.
ومتأيّدة أيضا
بالروايات الواردة في الشكّ بين الاثنتين والأربع ،
__________________
والثلاث والأربع ،
والاثنتين والثلاث والأربع ، وعمل الأصحاب بمضمونها ، وأنّ طريقة العامّة البناء
على الأقل ، والمعروف من الشيعة البناء على الأكثر ، منضمّا مع ما ورد من أنّ من
أحرز الثنتين فصلاته صحيحة ، مثل ما رواه الصدوق عن عامر بن جذاعة عن الصادق 7 : « إذا سلمت
الركعتان الأولتان سلمت الصلاة » .
ويؤيّدها أيضا
التعليلات الواردة بأنّه إن كان نقص يكون هذه تمام الأربع ، إلى غير ذلك ،
فتأمّل.
قوله : وهو مبطل. ( ٤ : ٢٥٦ ).
لا يخفى أنّ
السؤال كان بلفظ الماضي ، حيث قال : لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا ، وظاهر ذلك كون
الشكّ بعد الفراغ من الركعة المتردّدة وتماميتها وانقضائها ، والمعصوم 7 شرط الدخول في
الثالثة للحكم بالصحة تأكيدا لما سأله ، فإنّ الشكّ إذا وقع حين الدخول في السجدة
الثانية ، خصوصا بعد تمامية الذكر ربما يقال : لا يدري صلّى كذا وكذا فتأمل .
فعلى هذا يكون
الشكّ بعد إكمال السجدتين ورفع الرأس عن السجدة الأخيرة ، بل لا شبهة في ذلك ،
والظاهر منها أنّ الشكّ إذا وقع بعد تمامية الركعة المتردّدة وانقضائها يكون بعد
الدخول في الثالثة التي ليست هي المتردّدة ، لأنّه بعد رفع الرأس عن السجدة
الأخيرة لم يبق شيء من
__________________
الركعة السابقة
أصلا ، فلا جرم يكون المكلّف داخلا في الركعة الآتية.
نعم على هذا لم
يتوجّه المعصوم 7 إلى صلاة الاحتياط ، ولعله بنى على الظهور من الخارج.
وقوله : « لا شيء عليه » لعل المراد لا إثم عليه ، ولا حاجة إلى الإعادة.
ويؤيّده تتمّة
الرواية المذكورة حيث قال بعد ذلك : قلت : فإنّه لا يدري في اثنتين هو أم أربع ،
قال : « يسلّم ويقوم فيصلّي ركعتين ، ثم يسلّم ولا شيء عليه » فتأمّل جدّا.
والثالثة في قوله
: « مضى في الثالثة » غير الثالثة في قوله : « بعد دخوله في الثالثة » بالقرينة
التي أشرنا إليها.
مضافا إلى أنّ
عبارة : مضى في كذا ، بعد سؤال : شكّ في كذا ، لعلها ظاهرة في الذي شكّ فيه ، يعني
أنّ الذي شكّ فيه يبني على أنّه كذا ويمضي ، فعلى هذا يكون المراد أنّه في ما شكّ
فيه أنّه اثنتين أو ثلاث يبني على الثلاث ، ويقول : هي الثالثة ويمضي ، فتأمّل.
ويمكن أن يكون
المراد من : « مضى في الثالثة » أنّه يتمّ الصلاة ولا يعيد ، فلاحظ الأخبار حتى
يظهر لك جواز ذلك ، فتأمّل.
والإنصاف أنّ
الاستدلال بها لا يخلو عن الإشكال بل مشكل البتة ، وربما تصلح للتأييد ، فتأمّل.
قوله : فقال : « إنّما ذلك في الثلاث والأربع ». ( ٤ : ٢٥٦ ).
ربما يظهر منها
كون الشكّ قبل إحراز الثنتين ، لأنّه بعد الإحراز يكون الشكّ في الثلاث والأربع ،
فلا منافاة ولا إشكال ، بل يكون هذه الرواية مؤيّدة للصحة ، فتأمّل.
قوله : في كتابه المقنع. ( ٤ : ٢٥٦ ).
لا يخفى أنّه نقل
هذا المضمون في الفقيه أيضا على وجه يظهر منه أنّه فهم كما أشرنا في الحاشية
السابقة من أنّ الإعادة بناء على عدم إحرازه الثنتين وعدم إكماله السجدتين ، مع
أنّك عرفت كلامه في الأمالي ، فلاحظ الكتابين .
قوله : ما رواه في الموثق. ( ٤ : ٢٥٦ ).
قد عرفت أنّ مثل
هذه الرواية محمولة على التقيّة لو كانت صحيحة ، وكلام الأمالي عرفت ، وفي الفقيه
أيضا قال كما قال في الأمالي ، وأفتى بالبناء على الأكثر على سبيل اليقين لا
التخيير ، غاية ما في الباب أنّه أتى بهذه الرواية ولا يظهر منه أنّه بنى على أنّ
المراد البناء على الأقلّ وأنّه يفتي به أيضا ، إذ على هذا يظهر التدافع في كلامه
ومخالفته لمذهب الإمامية على ما نقل ، إذ يمكن أن يكون فهم منها البناء على الأكثر
، موافقا لما قال بعض الأصحاب أنّ البناء على اليقين هو البناء على الأكثر ، لأنّه
لا يحصل منه الزيادة المحتملة ، ومع ذلك غير ظاهر أنّه نقلها مفتيا بها ، ولذا قال بعض
الأصحاب : إنّه في أثناء كتابه رجع عمّا قال في أوّل كتابه ، فتأمّل.
وأمّا المسائل
الناصرية فليس عندي.
نعم قال الصدوق في
الفقيه ـ بعد ما أورد رواية في من شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع أنّه يصلّي
ركعة من قيام ثم يسلّم ويصلّي ركعتين من جلوس ، ثم روى في من شكّ في أعداد الصلاة
كلّها لا يدري واحدة أم اثنتين أم ثلاثا أم أربعا أنّه لا يفعل شيئا ويصحّ صلاته
على وجه يظهر غاية
__________________
الظهور أنّه كثر
شكّه ـ : وروى سهل بن اليسع في ذلك أنّه يبني على اليقين ويسجد سجدتي السهو ، وروي
أنّه يصلّي ركعة من قيام وركعتين وهو جالس ، ثم قال : وهذه الأخبار ليست بمختلفة ،
وصاحب السهو بالخيار بأيّهما أخذ فهو مصيب ، ثم روى رواية إسحاق المذكورة .
ففي كلامه تشويش
لا يدرى ، فيحتمل أن يكون مراده حال كثير السهو أنّه إن لم يبن على شيء فهو صحيح
، وكذا إن بنى على الأقلّ ويسجد سجدتي السهو ، أو يصلّي ركعة من قيام وركعتين من
جلوس ، وهذا هو الظاهر من عبارته ، فإنّ غير كثير الشكّ لا يمكنه عدم تدارك شيء
والاكتفاء بما فعله أوّلا ، وهو إجماعي بل هو ضروري ، وربما يومئ إليه قوله : وهذه
الأخبار. والله يعلم.
قوله : هو غير بعيد. ( ٤ : ٢٥٧ ).
لا يخلو عن
الإشكال ، لأنّ إحراز الثنتين الذي هو شرط للصحّة على ما يظهر من الأخبار لا يعلم
تحقّقه ولا يظنّ ، بل ربما يكون المظنون خلافه ، لوجوب رفع الرأس وكونه من تتمّة
الركوع ، فتأمّل جدّا.
والشارح لم يتوجّه
إلى ما ذكره المصنف من التخيير بين الركعة من قيام والركعتين من جلوس ، مع أنّ
الظاهر من قوله : « أتمّ ما ظننت أنّك نقصت » هو الركعة من قيام ، إلاّ أن يقال : ما ورد في الشكّ بين
الثلاث والأربع يكشف عن كون المراد أعمّ من الركعة من قيام أو الركعتين جلوسا ،
فتأمّل ، وسيجيء الكلام فيه في الصورة الرابعة .
__________________
قوله : وقال ابن بابويه. ( ٤ : ٢٥٨ ).
في نسبة هذا إلى
ابن بابويه تأمّل ظهر وجهه.
قوله : وهي ضعيفة بالإرسال. ( ٤ : ٢٥٩ ).
إلاّ أنّها منجبرة
بالشهرة والأوفقية للعمومات الواردة من قولهم في رواية عمار : « أتمّ ما ظننت أنّك
نقصت » وظهر لك من الأمالي والفقيه أنّ مستند الإمامية في البناء على الأكثر على
سبيل الكلّية ، والقاعدة هو هذه الرواية ، ويظهر ذلك من ملاحظة كلام القدماء
والمتأخّرين : ، حيث قدّموها على الصحاح الدالة على البناء على الأقلّ بعنوان
الكلّية ، وفي خصوصيات المقامات في المقام ، والشيخ في العدّة ادعى إجماع الشيعة
على العمل بروايات عمار ، والأخبار الواردة في خصوصيات مباحث الشكّ أيضا تؤيّده.
قوله : وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع. ( ٤ : ٢٥٩ ).
هذه واردة على
طريقة العامة ، فتعيّن الحمل على التقية بلا شبهة ، فلا وجه أصلا لما ذكره الشارح
: لا يخلو من رجحان.
قوله : وهما نصّ في المطلوب. ( ٤ : ٢٦٠ ).
وكذا صحيحة الحلبي
التي سنذكرها عن الكافي والفقيه ، مع أنّهما قالا في أوّلهما ما قالا.
قوله : ويحتمل قويا التخيير في هذه المسألة. ( ٤ : ٢٦٠ ).
__________________
لا قوّة أصلا بل
ضعيف البتّة ، لما عرفت وستعرف ، مع أنّه مخالف لما عليه كلّ الفقهاء ، ولذا جعله
مجرّد احتمال من غير نقل خلاف وقائل.
قوله : وبين ما رواه الكليني. ( ٤ : ٢٦٠ ).
لا يخفى أنّه ربما
يظهر من قوله : « وهو قائم » وقوله : « بفاتحة الكتاب » كون المراد من الركعتين
صلاة الاحتياط ، إذ الركعتان الأخيرتان كونهما من قيام من بديهيات الدين ، ومع ذلك
لا وجه لتعيين كونهما بفاتحة الكتاب ، وربما يؤيّده قوله : « لا يدخل الشكّ في اليقين
، ولا يخلط أحدهما بالآخر » فتأمّل.
على أنّ مقتضى
الرواية في الشكّ بين الثلاث والأربع أنّه يبني على الأقلّ ، وقد ثبت خلافه ،
فتأمّل.
قوله : وأجاب عنها الشيخ في كتابيه. ( ٤ : ٢٦٠ ).
ويمكن الحمل على
كونه قبل رفع الرأس من السجدة الأخيرة والدخول في الثالثة ، فتأمّل.
قوله : وهو قويّ. ( ٤ : ٢٦١ ).
لا قوّة فيه من
حيث الاعتبار ، لو لم نقل بالضعف من الحيثية المذكورة ، لأنّ الانضمام ( كيف يغني
) مع وقوع التشهّد والتسليم بينهما ، وكون أحدا الركعتين من قيام لا غير ،
والأخرى ركعتين من جلوس لا غير [ من دون ] مناسبة وشباهة له
بالصلاة المعهودة؟ بل الأوّل أولى وأوفق بحسب الاعتبار ، لما عرفت.
__________________
قوله : وهي قاصرة بالإرسال. ( ٤ : ٢٦١ ).
لا قصور فيها ،
لأنّ مرسلات ابن أبي عمير في حكم المسانيد عند المحققين من فقهائنا القدماء
والمتأخّرين ، لما يظهر ممّا ذكر فيه بخصوصه في الرجال ، ولكونه ممّن أجمعت
العصابة ، ولقول الشيخ في العدّة : إنّه لا يروي إلاّ عن الثقة ، ولكونها في
المقام منجبرة بالشهرة ومتأيّدة بالاعتبار ، وبالنسخة الصحيحة في صحيحة ابن الحجاج
، مع أنّ المرسلة مروية في الكافي أيضا في غاية علوّ السند ، وصرّح في أوّل
كتابه بأنّ جميع ما فيه من الأخبار اليقينية عنده ، فتأمّل.
قوله : صريحة. ( ٤ : ٢٦١ ).
لكن قال في الوافي
: وربما يوجد في بعض النسخ : « ركعتين » مكان : « ركعة » فحينئذ لا إشكال .
قلت : ويؤيّده قول
الشهيد في الذكرى ، فلعل نسخته كانت كذلك ، ونسختي صحيحة غاية الصحة ، وهذه
النسخة موجودة فيها أيضا ، فلا إشكال مطلقا ، فتأمّل ، جدّا.
قوله : غير معهود. ( ٤ : ٢٦١ ).
سيّما وأن يقول :
قلت لأبي عبد الله 7.
قوله : كما تضمّنته الرواية. ( ٤ : ٢٦١ ).
لأنّ العطف فيها
بكلمة ثم المفيدة للترتيب ، ويؤيّده أيضا صحيحة
__________________
ابن الحجاج ،
فتأمّل.
قوله : ولم نقف على مأخذه. ( ٤ : ٢٦٢ ).
قد أشرنا إلى
مأخذه ، فلاحظ ، لكن المقام العمل فيه على الرواية لا غير ، فتأمّل.
قوله : وبما رواه الجمهور عن النبي 6. ( ٤ : ٢٦٣ ).
منجبر ضعفها بعمل
الأصحاب والشهرة وغير ذلك ممّا سيذكر.
قوله : وإن وقع وهمك على الأربع. ( ٤ : ٢٦٣ ).
وكذا في كصحيح
الحلبي عن الصادق 7 المروي في الكافي والفقيه : « إذا لم تدر ثنتين صلّيت أم
أربعا ولم يذهب وهمك إلى شيء فتشهّد وسلّم ثم صلّ ركعتين » الحديث .
قوله : إذا لم يكن الحكم إجماعيا. ( ٤ : ٢٦٣ ).
إذا اتفق كلّهم
فالشارح ربما يجعله حجّة ، كما مرّ في نجاسة المني وغيرها ، مع أنّه ربما
يحصل العلم بأنّه عن رئيسهم ، مع أنّ الشهرة حجّة عند الشهيد ، مع أنّ الظنّ
القوي لا شبهة في حصوله منها ، وهو يكفي للاعتراض ، فتأمّل.
قوله : عامي ... ( ٤ : ٢٦٣ ).
لكن منجبر بالشهرة
فتأمّل.
__________________
قوله : نعم يمكن الاستدلال على اعتبار الظنّ في الأوّلتين. ( ٤ : ٢٦٣ ).
الاستدلال بها
يتوقّف على عموم المفهوم ، والشارح ; لا يقول به ، وإن كان الظاهر بل المحقّق الثابت هو عمومه ،
كما حقّقنا ومرّ الإشارة في كتاب الطهارة في مبحث المياه ، فراجع وتأمّل.
ويمكن الاستدلال
بالأخبار الواردة في رجوع كلّ واحد من المأموم والإمام إلى الآخر عند شكّه ، لشمولها
الأوليين أيضا ، والظاهر أنّه إجماعي أيضا. والتقييد بما إذا حصل العلم فيه ما فيه
( إذ كيف يحصل العلم بأنّه حقّ؟ وإن حصل للآخر ، مع أنّه أيضا محلّ تأمّل ، فتأمّل
) .
وبرواية إسحاق بن
عمار عن الصادق 7 : قال : « إذا ذهب وهمك إلى التمام أبدا في كلّ صلاة فاسجد
سجدتين بغير ركوع ، أفهمت؟ » قال : نعم . والضعف منجبر بالشهرة ، والسجدة محمولة على الاستحباب.
وفي الكافي عقيب
كالصحيح الحلبي إلى الحدّ الذي رواه في الفقيه : « وإن كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم
أربعا » إلى أن قال « فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهّد وسلّم ثم اسجد سجدتي السهو »
انتهى.
وهو رأيه كما هو
الظاهر ، فتأمّل.
ورواية أبي بصير :
قال رجل للصادق 7 : إنّي رجل كثير السهو في الصلاة ، فقال : « فهل يسلم منه
أحد؟ » إلى أن قال : « يا أبا محمد إنّ العبد
__________________
يرفع له ثلث صلاته
ونصفها وثلاثة أرباعها وأقلّ وأكثر على قدر سهوه فيها ، لكنّه يتم له من النوافل »
فتأمّل.
وصحيحة ابن مسلم
في الذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته ، فقال : « إذا استيقن أنّه لم يكبّر
فليعد ، ولكن كيف يستيقن؟ » وكذا ما يؤدّي معناها في نسيان التكبير .
وصحيحة الفضيل :
أستتمّ قائما فلا أدري ركعت أم لا؟ قال : « بلى قد ركعت فامض ، فإنّ ذلك من
الشيطان » فإنّ الظاهر ظنّ حصوله ، لأنّه قال : أستتمّ قائما.
وفي الموثّق
كالصحيح عن الصادق 7 قال : في من أهوى إلى السجود وشكّ في الركوع ، قال : « قد
ركع » فإنّ ظاهرها البناء على الظاهر ، وترجيحه على الأصل في المقام ، كحكاية
التكبير ، فتأمّل.
ويمكن الاستدلال
لابن إدريس برواية ابن مسلم عن الصادق 7 في من لا يدري واحدة صلّى أو اثنتين ، قال : « يستقبل حتى
يستيقن »
__________________
وغيرها ممّا يؤدّي
مؤدّاها .
ويمكن الجمع بحمل
اليقين على عدم الشك ، لوقوعه في مقابله ، ولأنّه في الاستقبال يحصل اليقين غالبا
، ولهذا قال كذا ، فتأمّل.
نعم يومئ إلى ما
ذكره وقوع الاستفصال في الشكّ في الثالثة والرابعة وعدم وقوعه في الشكّ في
الأوليين بالمرّة مع كثرته.
وممّا يؤيّد
المشهور أيضا ما ورد من أنّه لا يعيد الصلاة فقيه ، بل يحتال لها حتى يصحّحها ، وأنّ المدار في
الأعصار والأمصار كان على الظنّ غالبا ، لعسر اليقين كما هو المشاهد ، فتأمّل.
قوله : وإذا ثبت ذلك ثبت اعتبارهما في أفعالهما بطريق أولى. ( ٤
: ٢٦٤ ).
لا يخفى أنّ
الامتثال العرفي لو تحقّق بالظنّ فلا يحتاج إلى هذا الاستدلال ، وإن لم يتحقّق به
، بل لا بدّ من العلم ، فإذا ثبت من الشرع الاكتفاء بالظنّ في مجموع الفعل ثبت
اكتفاؤه في أبعاضه بطريق أولى.
وبعبارة أخرى :
إذا ثبت اكتفاؤه بالظنّ في كلّ واحد من الأبعاض مع ظنّيّة باقي الأبعاض فمع
علميتها بطريق أولى.
والظاهر أنّ ذلك
من باب مفهوم الموافقة ، وذلك لأنّ السيد إذا قال لعبده : ايتني بألف عدد من شيء
، ثم قال : يكفيك ظنّك بإتيان هذا الألف ، ليحكم أهل العرف بأنّه يكفيه الظنّ
بواحد من هذا الألف مع القطع بالبواقي قطعا ، بل يحكمون بأنّه يكفيه الظنّ لكلّ
واحد واحد من هذا الألف البتّة ، لأنّ الألف ليس إلاّ كلّ واحد واحد منها جميعا ،
وكلّ واحد واحد منها
__________________
جميعا صرّح
باكتفائه فيه بالظنّ فيه.
وأيضا إذا صرّح
بكفاية الظنّ بتحقّق الركعة يكون تصريحه قرينة واضحة على أنّ المراد من الركعة
الركعة المظنونة ، أي ما يكتفي فيه بالظنّ ، فيلزم من ذلك أن يكون أجزاء تلك
الركعة ـ ومنها الهيئة التركيبية ، إذ هي أيضا جزء منها ـ مظنونة بهذا المعنى ، إذ
لا معنى لكون الكلّ مظنونا والجزء مقطوعا ، إلاّ أن يكون وقع في الجزء طلب سوى
مطلوبيته في ضمن الكلّ.
فإن قلت : غاية ما
ثبت ممّا ذكرت أنّ المطلوب الركعة المظنونة في صورة خاصّة لا مطلقا ، وهي ما إذا
تعلّق الظنّ بنفس الركعة ، وأمّا إذا تعلّق بجزئها خاصّة فلا ، بل المطلوب حينئذ
الركعة المقطوع بها ، وذلك لأنّ مقتضى ما دل على وجوبها تحصيل اليقين بإتيانها مطلقا
، خرج منه الصورة الخاصّة المذكورة وبقي الباقي تحت الإطلاق.
قلت : قد عرفت من
المفهوم الموافق الاكتفاء بالظنّ فيما إذا تعلّق بالجزء خاصّة بطريق أولى ، ولو
ضايقت عن ذلك نقول : اقتضاء ما دل على الوجوب تحصيل اليقين لعله محلّ تأمّل بعد ملاحظة
أمور ، وهي أنّ الشارع جوّز الاكتفاء بالظنّ مطلقا ، أي سواء أمكن تحصيل البراءة
اليقينية أم لا ، وسواء وقع الاهتمام التام في تحصيل اليقين وتحفّظ النفس في الضبط
أم لا ، كما هو ظاهر النص والفتاوى ، وأنّ الركعة المطلوبة تكون على ضربين : قطعي
وظنّي ، ويتخيّر المكلف بينهما مطلقا إلاّ إذا اتفق تعلّق الظنّ بجزء منها ،
فتعيّن حينئذ القطعي ، ولا يخفى أنّه بعيد غاية البعد ، مع أنّ تحصيل القطع غير
ممكن ، لأنّه إن أتى بالمظنون يلزم زيادة جزء في
__________________
الصلاة ، مع أنّ
المطلوب عدم الزيادة مثل الركوع والسجدتين وغيرهما ، ولو أبطل الصلاة واستأنف لم
يكن المطلوب منه حينئذ خصوص القطعي بل يكون مخيّرا.
وأيضا جوّز الشارع
الاكتفاء بالشكّ في فعل إذا وقع الشكّ بعد الدخول في فعل آخر ، واللازم من ذلك
الاكتفاء بالظنّ بطريق أولى ، فإنّه إذا شكّ أنّه فعل يبني على الصحة ، قطعا ،
فإذا ظنّ أنّه قد فعل فلا شكّ في البناء على الصحة حينئذ ، بل هو أولى وأولى ،
وهذا أيضا كالسابق في التعميم ، بأنّه أعمّ من أن يكون تحصيل البراءة اليقينية
ممكنا.
وأيضا لا شكّ في
أنّه إذا كثر السهو يبنى على الصحة قطعا ، فإذا كثر الظنّ بأنّه قد فعل فهو أولى
بالبناء على الصحة وأولى قطعا ، ومعلوم أنّ غالب المكلفين كثير الظنّ ، إذ قلّما
يتحقّق القطع بجميع أجزاء الصلاة ، بل إلزام تحصيل القطع بالجميع ربما يوجب العسر
والحرج المنفيّين بالنسبة إلى الغالب.
وأيضا جوّز الشرع
رجوع كل واحد من المأموم والإمام إلى الآخر مطلقا ، وقد أشرنا إلى حكمه باكتفاء
الظنّ في الركوع ، وربما يظهر من بعض الأخبار ذلك بالنسبة إلى التكبيرة أيضا.
وأيضا الرواية
النبوية مطلقة تشمل الركعات والأبعاض ، ولعل ضعفها منجبر بعمل الفقهاء ، فتأمّل ،
والله يعلم.
قوله : ولا ريب أنّ اعتبار ذلك أولى وأحوط. ( ٤ : ٢٦٤ ).
لا يخفى أنّ
المكلفين في جميع أفعال الصلاة وأجزائها ليسوا
__________________
بمتفطّنين
مستحضرين ، بل في الغالب يكونون غافلين غير مستحضرين ، بل لا يمكنهم عادة التحفّظ
والاستحضار حين الفعل بالنسبة إلى كلّ واحد واحد من الأجزاء ، فلو التفتوا إليها
يحصل لهم الشكّ بدارا ومن أوّل الأمر ، ولا يكون لهم العلم الحضوري ، نعم بعد
التروّي وقليل من التأمّل يظهر لهم حقيقة الحال أو يحصل لهم الظنّ بالحال أو يبقى
شكّهم على حاله ويستقرّ ، ولعل المتبادر من الأخبار هو هذا الشكّ أي الباقي على
حاله المستقرّ ، لا الذي عرض غفلة وبدارا ومن أوّل الأمر ، وفي الغالب يتبدّل
ويتغيّر بتوجّه النفس والتفاتها وتأمّلها.
مع أنّه لو كان
هذا معتبرا يلزم الحرج والعسر في الدين ، لو لم نقل بلزوم تكليف ما لا يطاق.
( وأيضا على هذا
ربما يلزم أن يكون كلّ المكلفين كثيري الشكّ ، وأنّه يجب عليهم العمل بمقتضى كثرة
الشكّ.
وأيضا إذا كان
المكلف يعلم بحسب العادة أنّ هذا الشكّ العارض بدارا يزول في الغالب ويظهر عليه
حقيقة الحال أو الظنّ به المعلوم حكمه فكيف يجيء ويسأل المعصوم عن حكمه وعن
العلاج فيه؟ مع أنّ العلاج غالبا يكون بيده ، ورفع الشكّ يحصل منه من دون حصول
سكوت طويل يخرج عن الصلاة ، إذ ظاهر أنّ سؤاله من جهة تحصيل العلاج ) .
وأيضا إذا كان
يدري أنّه بعد هذا الشكّ يظهر الحال في الغالب فكيف يبنى على أحكام الشكّ من إبطال
الصلاة وهو حرام إلاّ في ما لا علاج ، أو أصل العدم فيفعل؟ مع أنّه ربما كان ركنا
فيبطل صلاته ، أو
__________________
غير ركن وغير ظاهر
أنّ زيادته مع إمكان العلاج وتيسّره مغتفر ، فكيف يكون هذا احتياطا؟ بل لعله داخل
في العامد ، بل الظاهر أنّه كذلك ، وكذا الحال في غيرهما من الأحكام ، ولعله لما
ذكرنا حكموا بالتروّي ويكون مرادهم منه القدر الذي يخرج الشكّ من الشكّ الذي يعرض
بدارا وغفلة وذهولا ، فتأمّل.
قوله : لا يقتضي صيرورته جزءا من الصلاة. ( ٤ : ٢٦٦ ).
لا يخفى أنّ
شرعيته لأنّ يكون معرضا لتمامية الصلاة حيث قالوا : فإن كان صلّى ثلاثا أو اثنتين
كانت هاتان تمام الأربع ، ولا يصير تماما له إلاّ أن يكون جزءا في صورة النقص ،
ولذا لو ذكر النقص بعد ذلك تكون صلاته صحيحة ، كما هو ظاهر الأخبار ، بل روى في
التهذيب بسنده عن عمار قال : سألت الصادق 7 عن شيء من السهو في الصلاة ، فقال : « ألا أعلّمك شيئا
إذا فعلت ثم ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء؟ إذا سهوت فابن على الأكثر
، فإذا سلّمت فقم وصلّ ما ظننت أنّك نقصت ، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه
شيء ، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت » مع أنّ هذا مسلّم
عند الفقهاء.
مع أنّ الأخبار
متواترة في أنّ الفريضة خمسة وأنّ الصلاة في اليوم والليلة خمسة ، إلى غير ذلك
ممّا يتضمّن هذا المعنى فيكون الاحتياط إمّا جزءا أو نافلة ، كما نطقت به الأخبار
، واعتبار الانفصال بالأمور الثلاثة للضرورة ، لاحتمال أن يكون ما فعله تماما ،
فيكون صلّى ما هي أربع
__________________
خمسا أو ستّا أو
سبعا أو ثمان.
وبالجملة :
المحذور دائر بين محذورين رجّح أحدهما على الآخر ، قال في الوافي : لأنّه مع الفصل
إذا ذكر بعد ذلك ما فعل وكانت صلاته مع الاحتياط مشتملة على الزيادة فلا يحتاج إلى
الإعادة بخلاف ما إذا وصل ، انتهى. والسيد في الانتصار علّل بعلّة أخرى ، فليلاحظ. وعلى
قول الصدوق يجوز المحذور الآخر أيضا.
نعم يدل ذلك على وجوب
التسليم والاضطرار إليه أيضا ، لأنّ الخروج عن الصلاة إنّما يتحقّق به.
وأمّا الجلوس
والركعتان فلوقوع المحذور أيضا بين محذورين : عدم الموافقة إن روعي هيئة الصلاة
الصحيحة المستقلّة ، ولذا روعي التكبير والنيّة ، إذ لا صلاة إلاّ بهما وكونهما
ركنا ، وأمّا كونها ركعتين وإن لم يكن مثلهما في الركنية وعدم التحقّق إلاّ به ،
لكنّ الأصل المقرّر فيها أن يكون كذلك.
وعدم هيئة الصلاة
المستقلّة إن روعي الجزئية ، ولذا يترك السورة والقنوت ، ويختار الإخفات والمبادرة
بعد السلام وعدم فعل المنافيات عمدا فيما بين ، ويعتدّ به جزءا إن ظهر النقص ،
فإمّا أن يعتبر الموافقة كما هو رأي بعض ، أو مقتضى الأصل في الهيئة كما هو رأي
بعض وورد في الصحاح ، أو كلاهما كما هو المشهور وورد في الخبر.
وبالجملة : كونه
في معرض الجزئية بأن يكون جزءا لو كان ما فعله
__________________
ناقصا ظاهرا ،
وظهور ذلك في مراعاتها مهما أمكن غير خفي ، وثبوت عدم المراعاة بالنسبة إلى خصوص
شيء لا يقتضي العدم مطلقا ، إذ لعله لجهة ومصلحة غير منافية لمطلق المراعاة أو
مطلقا ، فتأمّل.
على أنّ الصلاة
عبادة توقيفية لا يعلم صحتها أو حقيقتها إلاّ من جهة الشرع ، فلا نعلم بعد الإتيان
بالمبطل قبله أنّها صحيحة أو صلاة ، وشغل الذمة بها يقيني ، وتحقّق الامتثال بمجرد
ما ذكر من الأصل غير معلوم ، إذ لم يعلم بعد حجّيته بحيث ينفع في المقام ، فتأمّل.
وسيّما بعد ورود
صحيحة ابن أبي يعفور المتأيّدة برواية أبي بصير المطابقة لما ذكرناه.
وحملها على ما
ذكره خلاف الظاهر ، كما لا يخفى ، إذ الظاهر الوقوع بعدها ، وأنّه بعد في حرمة
الصلاة ، وارتكاب الحرام سهوا حلال ، بل لا حرام حينئذ ، وعمدا لا ينفع سجود السهو
ولا يؤمر به له ، بل نقول : لا خفاء في أنّ سجدة السهو مقرّرة للسهو والشكّ في
الصلاة ، أعني المعنى الشامل للشكّ. مع أنّ التحريم يكفي ، لعدم القائل به بخصوصه
، وظهور كون ذلك لحرمة الصلاة ، وظهور ذلك في عدم الخروج بالمرّة. والاتفاق على
المبادرة مؤيّد أيضا.
وبالجملة :
الامتثال يقتضي الإتيان بجميع الأجزاء بكيفياتها المطلوبة والعلم بالإتيان أو
الظنّ المعتبر ، ومع الإخلال الإعادة تحصيلا لها إلاّ أن يأمر الشارع في صورة
الإخلال وعدم تحقّق الامتثال بعلاج ، فلا بدّ من الوقوف على علاجه وعدم التعدّي
والتصرّف ، فكيف يتأتّى الاستناد إلى الأصل والتمسّك به في تحصيل الامتثال والخروج
عن العهدة؟
اللهم إلاّ أن
يكون المراد التمسّك به بعد الاستناد إلى إطلاق كلامه في
بيان العلاج.
وفيه : أنّه إن
أفاد إطلاقه شمولا لمحلّ النزاع فلا حاجة إلى الأصل ، وإلاّ فلا منفعة له ، لوجوب الاقتصار
على القدر الذي يفهم من الإطلاق ، وغير خفي أنّ القلب الغافل السالم عن الشوائب لا
ينساق ذهنه من مجرّد سماع هذا الإطلاق إلى صورة تخلّل الأحداث والمنافيات أيضا ،
سيّما وأن يثق بشموله لها وظهوره فيها أيضا ، خصوصا بعد ملاحظة ما ذكرنا ، مضافا
إلى الصحيحة ورواية أبي بصير ، والاتفاق على وجوب المبادرة وترك السورة والقنوت ،
فتأمّل .
مضافا إلى ما
ستعرف من دلالة الأخبار الصحيحة الكثيرة والمعتبرة الكثيرة على وجوب الإتيان بصلاة
الاحتياط على الفور بالتقريب الذي ستعرف.
قوله : ودلالة هذه الفاء على الفورية. ( ٤ : ٢٦٦ ).
لا يخفى أنّ
المتبادر من الحديث القيام إلى الركعتين تلك الساعة ، فلا وجه لما ذكره من أنّه لا
يلزم من ذلك بطلان الصلاة بتخلّل الحدث ، لأنّه إذا تخلّل لا يمكن المبادرة ، بل
لا بدّ من الوضوء أو غيره من الطهارات ، وذلك ينافي المبادرة ، فيصير الإتيان بهما
حينئذ إتيانا بالمأمور به على غير وجهه ، فيكون المكلف به داخلا تحت العهدة باقيا
فيها ، وهذا معنى البطلان.
نعم إن ثبت من
دليل أقوى ممّا ذكر نرفع اليد عنه ، ونعمل بذلك الدليل ، وأين هو؟ فتأمّل جدّا.
__________________
والرواية صحيحة
كما حقّق في محلّه ، مع أنّها إلى حماد صحيحة ، وهو ممّن أجمعت العصابة.
على أنّه ورد
أخبار كثيرة صحيحة بهذا المضمون ، فلا وجه للاستناد إلى خصوص هذه الرواية. مع أنّ
رواية عمار التي هي مستند القوم في البناء على الأكثر مطلقا على ما
عرفت إنّما هي بهذا المضمون.
مع أنّ المحقّق في
الأصول أنّ المأمور به إذا كان مأمورا به على سبيل الفور فبزوال الفور يفوت
المأمور به ، ولم يبق مطلوب أصلا ، كالموقّت ، سيّما في المقام ، فإنّ المكلّف لم
يخرج عن عهدة الفريضة اليومية ولم يمتثل ، لأنّه أوقع فيها خللا ، والشارع قال :
علاج الخلل فعل الاحتياط فورا ، فتأمّل جدّا.
قوله : وكونها بدلا. ( ٤ : ٢٦٧ ).
لا يخفى أنّ
الشارح ; كثيرا ما يستدل بأنّ البدل يساوي المبدل ، لأنّه مقتضى البدلية ، منها ما مرّ
في مباحث خطبة صلاة الجمعة .
ومع ذلك غير خفي
أنّ صلاة الاحتياط ليست بدلا ، بل تفعل لأنّها معرضة للإتمام ، فإنّ الصلاة لو
كانت تامّة تكون هذه نافلة ، وإلاّ تكون تتمّة الصلاة وجزءها ، لا أنّها بدل عن
الجزء ، بل هي هو على ذلك ، وكون الجزء في بعض يفعل بعد التسليم لا يقتضي الخروج
عن الجزئية ، كما في تدارك أبعاض الصلاة ، فتدبّر.
قوله : ولا ينافي ذلك تبعية الجزء في بعض الأحكام. ( ٤ : ٢٦٧ ).
__________________
لا خفاء في عدم
اندفاعه ، لأنّ البدلية لو اقتضت المساواة في كلّ حكم إلاّ أن يثبت من الخارج عدمه
فلا وجه للحكم بعدم البطلان ، وإن لم يقتض فلا وجه للحكم ببقاء التخيير من جهة
البدلية.
قوله : لو ثبتت التبعية. ( ٤ : ٢٦٧ ).
لا يخفى أنّ ابن
إدريس قائل بالتخيير من جهة البدلية ، فالاعتراض لا يندفع أصلا وإن ثبتت من
الخارج.
قوله : وهو ضعيف. ( ٤ : ٢٦٧ ).
لا يخفى ما في
تضعيفه ، لأنّ الخروج عنها بالنسبة إلى ما ذكر لا يقتضي الخروج محضا وكونه غير جزء
يتدارك بعد الصلاة ، بل يكون من قبيل الأجنبي مثل سجود السهو وجب الإتيان بها بعد
الصلاة مثله ، فتأمّل.
قوله : على فعل المشكوك فيه. ( ٤ : ٢٦٨ ).
بل يبنى على
المصحح ، إذ ربما كان الشكّ في الزيادة ، وما علّل به أوّلا لا يقتضي انحصار السهو
، لأنّ الدليل ربما يكون أخصّ من المدعى ، ويتمّ المدعى به وبدليل آخر ، مع أنّ ما
ذكره ليس علّة حقيقية ، بل نكتة لعدم اعتبار الشرع ، وإلاّ فالدليل هو الخبر ،
فتأمّل.
قوله : وأكثر هذه الأحكام مطابق لمقتضى الأصل. ( ٤ : ٢٦٩ ).
لا يخفى أنّ السهو
والشكّ خللان في الصلاة مانعان عن تحقّق الامتثال والإتيان بالمأمور به على وجهه ،
إلاّ أن ( يثبت من الشارع عدم ضررهما ، أو ) يثبت منه تدارك لهما ، وإن لم يثبت شيء منهما فلا بدّ من
__________________
الإعادة حتى
يتحقّق المأمور به على وجهه ، فكيف يكون أكثر هذه الأحكام مطابقا لمقتضى الأصل؟
لأنّ الغرض تصحيح الصلاة.
نعم لو كان الخلل
أمرا خارجا عن حقيقة الصلاة أمكن أن يقال : الأصل صحتها وعدم ضرر من جهته بالنسبة
إلى ماهية الصلاة ، هذا على القول بأن الصلاة اسم للأعمّ لا خصوص الصحيحة شرعا ،
إذ على التقدير الثاني لا يمكن التمسّك بالأصل في هذا الخلل أيضا ، فتأمّل جدّا.
قوله : لكونه سببا فيه. ( ٤ : ٢٦٩ ).
أي لعلاقة السببية
، وللقرينة ، وهي كون الظاهر أنّ المراد من السهو ... والحاصل : أنّ المجاز محتاج
إلى العلاقة والقرينة وكلتاهما هنا موجودة.
لا يقال : إنّ
القرينة تقتضي كون المراد من السهو الشكّ لا ما يتناوله.
لأنّا نقول : إذا
تعذّر الحقيقة فالحمل على أقرب المجازات متعيّن ، والقرينة هنا لا تأبى عن المجاز
العامّ ، وهو أقرب من الشكّ الذي بينه وبين السهو تباين كلّي ، فتأمّل.
والأولى أنّ السهو
هو الزوال عن القوّة الذاكرة ، أعمّ من أن يجيء بعد في الخاطر أنّه زال عن
الذاكرة أو لم يجيء [ بل ] يصير متردّدا في أنّ الأمر كيف صار أوّلا؟ خرج من قوله : «
ولا على الإمام سهو ولا على من خلف الإمام » ما إذا [ وقع ] منهما سهو يجب
عليهما التدارك البتّة ويبقى الباقي ، أو يكون تقدير : مع حفظ الآخر ، قرينة على
استعمال الكلّي في الفرد فيهما خاصّة إن ثبت التقدير ، فتأمّل جدّا.
__________________
وأمّا تقدير
الموجب في الثاني مع كونه خلاف الأصل فلكونه أظهر في إفادة الحكم والثمرة في
المقام ، فتأمّل.
ثم لا يخفى أنّ
قول المنتهى : لا سهو في السهو ، ليس مضمون حديث ، إذ الوارد في حسنة حفص : « ولا
على السهو سهو » ولا جائز أن يكون المراد نفس السهو في الموضعين ، إذ لا معنى لأن
يقال : ليس على نفس السهو نفس السهو ، إلاّ بتقدير حكم نفس السهو فيصير كذبا ، ولا
جائز أيضا أن يكون المراد من الأوّل نفس السهو ومن الثاني موجبه أو تداركه أو حكمه
وما يؤدّي هذا المعنى ، إذ يصير كذبا قطعا ، فتعيّن أن يكون المراد فيهما معا
الموجب والتدارك ، ولا جائز أن يكون المراد في الأوّل الموجب وفي الثاني نفس السهو
إلاّ بتأويل يرجع إلى المتقدّم.
وأمّا مرسلة يونس
الآتية فهكذا : « ولا سهو في سهو ، وليس في المغرب والفجر سهو ، ولا في الركعتين
الأولتين من كل صلاة ، ولا في نافلة » الحديث. هذا بعد القدر الذي نقله الشارح ; ويظهر من السياق
أنّ المراد من السهو الأوّل موجبة وتداركه ، فيكون المراد من الثاني أيضا الموجب
والتدارك موافقا لما في الحسنة. ولا جائز أن يكون المراد في الثاني نفس السهو ، إذ
يصير كذبا إلاّ بتأويل يرجع إلى المتقدّم.
فالحقّ ما ذكره
العلاّمة لا القائل المذكور ، لأنّه ليس مفاد عبارة الحديث ، ولا كلام ، بل مفاد
عبارة أخرى ، وهي أنّه : لا سهو في السهو الكائن في السهو ، فتأمّل.
ويظهر من مرسلة
يونس ظهورا تامّا أنّ المراد من السهو هو الشكّ أو الأعمّ بالتقريب الذي ذكر ،
فتأمّل ، والأحوط قصر الحكم في الشكّ ، والله يعلم.
ثم اعلم أنّ قوله 7 : « ولا على
الإعادة إعادة » إنّما هو بالنسبة إلى كثير السهو ، كما سيجيء ، لأنّ الغالب أنّه
يسهو في الإعادة وأمّا غيره فقلّما يسهو في الإعادة أيضا ، وإطلاق الأخبار محمول
على الغالب لا النادر ، وسيجيء في مسألة كثير السهو ما يظهر منه أنّ من لم يكثر
سهوه يعتبر سهوه ويتدارك ، للأخبار المعتبرة المعمول بها عند الفقهاء ، وربما
يتحقّق الكثرة بمرّتين لهذا الخبر ، وضعفه ظاهر ، لما عرفته ، وربما حمل على أنّ
المراد عدم استحباب الإعادة ثانيا في صورة استحباب الإعادة ، وهو بعيد.
قوله : وإطلاق النص. ( ٤ : ٢٧٠ ).
شموله لصورة عدم
حصول المظنّة أصلا محلّ تأمّل ، لأنّ الغالب المتعارف حصول المظنّة ، وإطلاقات
الأخبار محمولة عليه ، فلعل حال ما نحن فيه وحال غير المأموم واحدة ، ومفهوم اللقب
ليس بحجّة ، سيّما مع الورود مورد الغالب ، فتأمّل.
قوله : كذا يرجع الظانّ إلى المتيقّن. ( ٤ : ٢٧٠ ).
لا دليل على ذلك
لا من جهة النص ولا من القاعدة ، بل القاعدة تقتضي كون الظانّ يرجع إلى ظنّه ، وهو
الذي كلّف به ، كما تقدّم ، فكيف بالرجوع إلى غيره؟ إذ غاية ما يحصل منه الظنّ
التقليدي ، والظنّ الاجتهادي لو لم يكن أقوى من التقليدي لم يكن أضعف ...
اللهم إلاّ أن
يحصل من تقليده ظنّ أقوى في نظره من ظنّ نفسه ، فحينئذ يرتفع ظنّه وينحصر في الظنّ
التقليدي ، فيكون عاملا بظنّه لا أنّه يرجع إلى المتيقن مطلقا. والوارد في النص
ليس إلاّ لفظ « السهو » ولفظ « لا
__________________
يدري » وشمول
معناهما للمظنّة في غاية البعد ، بل لا يكاد يستقيم ، سيّما بعد ملاحظة ما ذكرنا ،
فتدبّر.
قوله : فإن جمعتهما رابطة رجعا إليها. ( ٤ : ٢٧٠ ).
إذا حصل الظنّ من
جهة الرابطة.
قوله : لعدم الوثوق بخبرهم مع الاختلاف. ( ٤ : ٢٧٠ ).
لا يخفى أنّ
الاختلاف مختلف ، فربما يرفع الوثوق وربما لا يرفع ، ولذا نعمل بالأخبار والأمارات
والظنون مع الاختلاف فيها جلاّ أو كلاّ ، فتأمّل.
قوله : فالظاهر بطلان صلاته. ( ٤ : ٢٧٢ ).
لا أنّ البناء على
الوقوع رخصة ، ويدل عليه مضافا إلى ما ذكره الشارح ; أنّه يظهر من الأخبار أنّ الإتيان حينئذ إطاعة الشيطان وهي
حرام البتّة ، وورد في هذه الأخبار أيضا النهي عنها.
وممّا ذكرنا يظهر
أنّه لو شكّ في كونه كثير الشكّ أم لا يشكل البناء على عدمه بالإتيان ، بل الظاهر
أنّ هذه الحالة غالبا تحصل لكثير الشكّ ، وأنّ الكثرة العرفية لا تخفى على أحد ، ولذا لو سئلوا ليقولون
في الجواب : نشكّ كثيرا ولا ندري أنّا كثير الشك عرفا أم لا ، وربما يصرّحون بأنّ
الشيطان لا يدعنا وأنّ هذه الحالة من الشيطان ، فالواجب عليهم الترك والبناء على
الوقوع والمصحّح ، وربما يقولون نحتاط ، ولا شكّ في أنّه ليس باحتياط بل حرام ،
فتدبّر.
قوله : السالم من المعارض. ( ٤ : ٢٧٢ ).
__________________
فيه نظر ظاهر ،
لأنّ عموم قولهم : « إذا كثر عليك السهو. » يشمل ما ذكره كما يشمل غيره ، وكما أنّ
ما ذكره له عموم فكذا غيره أيضا من دون تفاوت ، فالفرق تحكّم ، والعموم الأوّل
أقوى من الثاني ، بل ربما يكون من قبيل الخاصّ والعامّ ، ولذا قدّم عليه ، بل ربما
يتأمّل في شمول الثاني للأوّل ، لكونه فردا غير متبادر منه ، ويدل عليه التعليلات
الواردة في الأخبار من أنّه من الشيطان يريد أن يطاع فلا تطيعوه ، إلى غير ذلك ،
بل حكم في كثرة الشكّ في الوضوء بعدم الالتفات والمضي بهذه التعليلات ، فكيف يحكم هنا
بوجوب الإتيان تمسّكا بعموم. إلى آخر ما قال؟ فتأمّل.
ثم لا يخفى أنّ
مراده من السهو هنا ليس الشكّ ، لأنّ تجاوز المحلّ في الشكّ يوجب عدم الالتفات
مطلقا ، وإن لم يكن كثير الشكّ ، فمع كثرة الشكّ بطريق أولى.
فإن كان المراد من
السهو في الأخبار الدالة على أنّه لا سهو إذا كثر هو الشكّ ـ كما هو صريح المعتبر والظاهر من
العلاّمة أيضا ـ فلا وجه لما ذكره من قوله : ولو كثر السهو. لأنّ الكثرة
لا عبرة بها حينئذ في السهو مطلقا ، فما دل على حكم السهو من التدارك له وغيره
يكون باقيا على حاله من دون مانع أصلا.
وإن كان المراد من
السهو فيها معناه الحقيقي وما هو أعمّ من الشكّ
__________________
والسهو المصطلح في
كلام الفقهاء ـ كما هو مقتضى الأصل والظاهر ، وهو الظاهر من كلام الأكثر ـ فلا وجه
أيضا لما ذكر من قوله : ولو كثر السهو. أيضا على ما ذكرنا أوّلا ، فتأمّل.
قوله : وعدم الالتفات إلى الشكّ. ( ٤ : ٢٧٢ ).
بل ظاهرها عدم
التدارك بسجود السهو أيضا ، ويؤيّده التعليلات ، وكون الأوامر المتضمّنة لسجود
السهو شاملة لما نحن فيه محلّ مناقشة ، سيّما بعد ما ذكرنا ، فتأمّل.
فالأظهر ما اختاره
في الذكرى ، لا لما ذكره ، بل لما ذكرنا ، نعم ربما يصلح للتأييد.
فالأظهر ما اختاره
في الذكرى ، لا لما ذكره ، بل لما ذكرنا ، نعم ربما يصلح للتأييد.
قوله : وأنكر المصنف في المعتبر هذا القول. ( ٤ : ٢٧٣ ).
ونقل في الذكرى
القول بتحقّقها بمرّتين من قائل مجهول ، وقد أشرنا في مسألة : لا سهو في سهو .
قوله : في ما لم يرد فيه تقدير من الشارع. ( ٤ : ٢٧٣ ).
ولأنّه يظهر من
الأخبار أنّه من الشيطان يريد أن يطيعه الإنسان فيجب عدم الاعتداد به ، ولا شبهة
في أنّه يظهر من الكثرة العرفية أنّه من الشيطان وأنّهم يحكمون بذلك.
قوله : وهو كذلك. ( ٤ : ٢٧٤ ).
فيه تأمّل ، فإنّ
الحكم بعدم الإعادة لا يستلزم الكثرة ، ولم يقل به أحد.
قوله : من شكّ في النافلة بنى على الأكثر. ( ٤ : ٢٧٤ ).
__________________
قال الشيخ ; في التهذيب :
النوافل عندنا لا سهو فيها ، ويبني الإنسان إن شاء على الأقل وإن شاء على الأكثر ،
وإن كان البناء على الأقلّ أفضل .
ويظهر من هذا
الإجماع على ذلك ، وأنّ المراد من نفي السهو في النافلة على ما ورد في صحيحة ابن
مسلم ومرسلة يونس هو ما ذكره ، وقال في المنتهى ـ على ما نقل ـ : إنّه ـ يعني
ما ذكره الشيخ ـ قول علمائنا أجمع إلاّ ابن بابويه فإنّه جوّز البناء على الأقلّ
والإعادة .
قلت : لعله ; فهم من نفي السهو
في رواية يونس البطلان ، لكن قال في أماليه : من دين الإمامية أن لا سهو في
النافلة ، فمن سهى في النافلة فليبن على ما شاء ، وإنّما السهو في الفريضة .
قوله : وأمّا جواز البناء على الأكثر. ( ٤ : ٢٧٤ ).
في الكافي : وروي
أنّه « إذا سهى في النافلة بني على الأقل » . وأمّا البناء على الأكثر فلعموم ما دل عليه ، وللإجماع ،
وما علّل به الشارح ; ليس علّة للأفضلية بل علّة لتعيين الأقلّ لو كان بناؤها
على الاستصحاب ، وإلاّ فلا يصير علّة أصلا ، وأمّا علّة الأفضلية فهي التي أشرنا
إليه.
__________________
قوله : أنّ وجوب السجود. ( ٤ : ٢٧٥ ).
سنذكر عبارة أمالي
الصدوق في المسألة الآتية ، فلاحظ.
قوله : بصحيحة سعيد الأعرج. ( ٤ : ٢٧٦ ).
هذه الصحيحة واردة
في مقام التقيّة ، وإلاّ فقد ورد أنّ رسول الله 6 لم يسجد سجدة السهو قط ، وللأدلّة الدالة على عدم سهو النبي ولا إسهائه من الآية
مثل قوله تعالى ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ
يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى ) .
وما ورد في الآية
والأخبار من أنّه 6 والأئمّة 7 هداة الخلق ومع الحق لا يفارقونه طرفة عين ، وأنّهم ليسوا
بضالّين ، وما ذا بعد الحق إلاّ الضلال ، بل ورد أنّ من تمسّك بقولهم أو اقتدى بهم
لن يضلّ أبدا .
وقال الله تعالى ( وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً ) و : ( مَنْ يُضْلِلِ اللهُ
فَلا هادِيَ لَهُ ) وقال ( وَوَجَدَكَ ضَالًّا
فَهَدى ) و : ( وَمَنْ
يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ) وفسّر بما فسّر .
وورد الأمر
بمتابعتهم ، والنهي عن المخالفة والمشاقّة ، فإذا جاز أن
__________________
يأمر الله بما هو
خلاف الواقع وخلاف الحق جاز أن يكون جميع ما أمر الله تعالى به أو أمر رسوله 6 أو الأئمّة 7 خلاف الحق وغير
مطابق للواقع ، ويكون ضلالا وخطاء ، العياذ بالله منه.
وورد أيضا :
اسلبوا منّا الربوبيّة وقولوا فينا ما شئتم من الفضائل والمحاسن .
وورد منهم أنّ كلّ
حديث لا يوافق القرآن فليس منّا أو موضوع ، أو اضربوه على الحائط .
وكما أنّ قوله 6 حجّة كذا فعله
أيضا حجّة وإن كان في مقام عبادة ربه قال 6 : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي » و : « خذوا عنّي مناسككم » وأمثال ذلك ، وهو
إجماعي أيضا ، فأيّ فرق بين القول والفعل؟ فتدبّر.
قوله : لأمكن الجمع بين الروايتين. ( ٤ : ٢٧٦ ).
بل على هذا لا
معارضة أصلا ، لأنّ فعله 6 لا يدل على الوجوب ، بل على الأعمّ ، والمشهور أنّ متابعته
مستحبة حتى يظهر الوجوب والإباحة ، فتدبّر.
قوله : كصحيحة عبد الله بن سنان. ( ٤ : ٢٧٦ ).
في السند محمد بن
عيسى عن يونس ، والشارح ; متأمل في
__________________
صحته ، نعم في المشهور
صحيح ، وفي الواقع أيضا صحيح ، كما حقّقنا في محلّه. وروى الكليني أيضا في الصحيح
عن أبي بصير عن الصادق 7 مضمون هذه الصحيحة .
قوله : وصحيحة عبيد الله بن علي الحلبي. ( ٤ : ٢٧٧ ).
في الاستدلال بهذه
الصحيحة تأمّل ظاهر.
قوله : « ولا قراءة ، تتشهّد فيهما تشهّدا خفيفا ». ( ٤ : ٢٧٧ ).
وحكى العلاّمة في
المنتهى عن الشيخ أنّه حكم ببطلان الصلاة بالشكّ المذكور ، ووجوب الإعادة ، وعدم
وجوب سجدتي السهو ، وظاهر الصدوق في الفقيه أيضا الإعادة ، وأنّ حاله حال
الشكّ في الأولتين من الرباعية ، وحاله حال عدم وجوب سجدتي السهو له . وفي المختلف
صرّح بأنّ الصدوق قال بعدم وجوب سجدتي السهو في هذا الشكّ ، وحكى فيه عن المفيد
وجماعة آخرين عدم وجوب سجدتي السهو فيه ، وظاهر المفيد عدم صحة الصلاة أيضا ، لأنّه لم يتعرّض
لهذا الشكّ أصلا ، بل تعرّض للشكّ بين الثلاث والأربع والاثنين والثلاث لا غير ، وإنّ كلّ من لم
يتعرّض لوجوب سجدتي السهو في هذا الشكّ تكون الصلاة باطلة أيضا عنده ، لا أنّها
صحيحة ويبنى على الأقل من دون سجدة سهو كما
__________________
توهم المتوهمون.
والصدوق في المقنع ليس رأيه وجوب سجدة السهو ، بل وجوب الركعتين جالسا ، كما سيذكره
الشارح عن الدروس.
وبالجملة :
المسألة فيها خلاف متعدّد ، ومستند القائل بالبطلان صحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق
7 : إنّ ما يقال : إنّ الفقيه لا يعيد الصلاة في الشكّ إنّما هو في الشكّ بين
الثلاث والأربع ، وكون الصحاح الواردة في الصحة موافقة لمذهب العامّة
ورواياتهم وقاعدتهم.
قوله : وحكى الشهيد في الدروس. ( ٤ : ٢٧٧ ).
وحكاه العلاّمة
منه في المختلف ، وأوّل كلامه بما أوّله الدروس ، وغير خفي عدم قبوله
للتأويل المذكور ولا غيره ، فلاحظ.
قوله : واحتمل في الذكرى. ( ٤ : ٢٧٧ ).
وفي نكت الإرشاد
حكم بالبطلان على ما أظنّ.
قوله : لعدم الإكمال. ( ٤ : ٢٧٧ ).
لعل مراده أنّه لم
يكمل الركعة حتى يصدق عليه أنّه لا يدري أنّه أربعا صلّى أم خمسا ، لأنّ « صلّى »
صيغة الماضي ، والركعة اسم للمجموع عند المتشرّعة ، فعلى تقدير ثبوت الحقيقة
الشرعية فالأمر واضح ، وعلى تقدير عدم ثبوته حتى في كلام الصادق 7 ومن بعده فمع
أنّه لا شكّ في فساده وأنّه لا تأمّل في ثبوتها في كلامهم فالقرينة المانعة عن
المعنى اللغوي تعيّن الشرعي ، لما مرّ مرارا ، ومسلّم عند الشارح أيضا : لفظ
الركعة الواردة
__________________
في الأخبار لا
يراد منه إلاّ المجموع ، وإطلاق لفظ « صلّى » على من هو بين السجدتين لعله مجاز.
وكيف كان لا وثوق بإرادته. وممّا ذكرنا ظهر أنّ ما احتمله في الذكرى يكون في موقعه
، فتأمّل.
قوله : وهو قوي متين. ( ٤ : ٢٧٨ ).
ما ذكره مبني على
تحقّق الأصل وجريانه في المقام ، ومع ذلك يشكل الحكم بوجوب سجود السهو ، إذ لا
دليل عليه ، إلاّ أن يستند إلى الإجماع المركب إن كان.
وأمّا نظر
العلاّمة ; فإلى عدم جريان الأصل هنا ، وأنّه لا دليل على وجوب سجود السهو لو بنى على
الأصل ، والبناء على عدم السجود حينئذ ممّا لم يقل به أحد ، فأمّا إذا كان الشكّ
بعد السجود فيدخل في الصحاح الواردة في أنّه يسجد للسهو ويبني على الصحة.
وممّا ذكر ظهر ما
في قوله : ولأنّ تجويز. والأحوط في جميع هذه الصور إتمام الصلاة والسجدة بعدها
والإعادة ، أمّا في الثانية والثالثة فظهر وجهه ، وأمّا في الرابعة فلعدم وروده في
نص ولا ظهور دخوله تحت قاعدة ثابتة من الشرع ، بل في الأولى أيضا تكون الإعادة غير
خالية عن الاحتياط ، لوجود الخلاف فيها بين الأصحاب ، وإن كان المشهور هو ما ذكره
، وأمّا النصوص وإن كنت صحيحة إلاّ أنّ العامّة بناؤهم على البناء على الأقلّ ،
والخاصّة على الأكثر ، فتأمّل.
( مع أنّ أصل
العدم لو كان جاريا في المقام وصحيحا لما جاز هدم القيام والذكر في الصورة الرابعة
، لكونهما صحيحين غير زائدين ، لأنّ الأصل عدم كونهما زائدين ، والأصل صحتهما ،
والفرق بين الركن وغيره في الأصل المذكور ظاهر الفساد ، فظهر عدم اعتباره هنا على
المشهور ، بل
بعضهم حكم بالهدم
المذكور في الشكّ حال الركوع أيضا ، بناء على جواز هدمه لو ظهر كونه زائدا ، كما مرّ في
مبحثه ) .
قوله : تمسّكا بالإطلاق. ( ٤ : ٢٧٨ ).
فيه : أنّ الإطلاق
لو كان شاملا لما نحن فيه فلا وجه للتصحيح بالأصل ، بل اللازم التمسّك بالإطلاق
أيضا ، وإن لم يكن شاملا ـ كما هو الظاهر ومرّ وجهه ـ فلا وجه للتمسّك بالإطلاق
للسجدتين ، فتأمّل جدّا.
قوله : ولم نظفر بقائله. ( ٤ : ٢٧٨ ).
مع أنّه أفتى به
في اللمعة ، وقال شارحه : وهو من جملة القائلين به ، وقبله الفاضل وقبلهما الصدوق ، انتهى.
قوله : بالإرسال وجهالة الراوي. ( ٤ : ٢٧٨ ).
لا يخفى أنّ
مرسلات ابن أبي عمير في حكم المسانيد ، كما هو حقّق في محلّه ، وهو ممّن أجمعت
العصابة ، وممّن لا يروي إلاّ عن الثقة ، نعم ربما يعارضها أخبار كثيرة وردت في
حكم الزيادة والنقيصة يظهر منها عدم الوجوب ، فربما كانت الجملة الخبرية هنا في معنى الطلب لا الأمر
والوجوب.
وأمّا الاستدلال
بصحيحة الحلبي فلا يمكن إلاّ أن يقول بوجوب السجود للشكّ في الزيادة والنقيصة أيضا
حتى يمكن له التمسّك بقياس الأولوية على تقدير تحقّقه ، فتأمّل.
__________________
وقال الصدوق في
أماليه : من دين الإمامية الإقرار بأنّه لا يجب سجدتا السهو على المصلّي إلاّ إذا
قام في حال قعود ، أو قعد في حال قيام ، أو ترك التشهّد ، أو لم يدر زاد في صلاته
أم نقص .
قوله : كما ذكره في الدروس. ( ٤ : ٢٧٩ ).
ويؤيّده قوله : «
فتشهّد وسلّم واسجد. » فتأمّل.
قوله : « على من لم يدر زاد في صلاته أم نقص منها ». ( ٤ : ٢٧٩
).
لكن الثابت من
الروايات أعمّ ممّا ذكره المفيد ; إلاّ أن يتمسّك في نفي غيره بالإجماع ، ولم يثبت ، ( بل
ثبت خلافه ، لأنّ جماعة أفتوا بمضمون هذه الصحاح ، بل ذكرنا عن أماليه أنّه من دين
الإمامية ) .
قوله : وابن بابويه. ( ٤ : ٢٧٩ ).
قد عرفت أنّه جعله
من دين الإمامية.
قوله : وفي هذا السند كلام. ( ٤ : ٢٧٩ ).
قد مرّ أنّه لا
يضرّ ، والثقة روى عن الثقة.
قوله : وضعفها يمنع عن العمل بها. ( ٤ : ٢٨٠ ).
هذه الرواية موثقة
موجودة في الفقيه والتهذيب ، ومع ذلك ادعى الشيخ الإجماع ، وهو أيضا يقوّيها ،
إلاّ أنّها معارضة بصحيحة عبد الرحمن الواردة في سهو التكلّم في الصلاة ، ورواية منهال
القصاب قال : قلت
__________________
لأبي عبد الله 7 : أسهو في الصلاة
وأنا خلف الإمام ، قال : « إذا سلّم فاسجد سجدتين ولا تهب » وكذا العمومات
المتضمّنة للأمر بهما على من سهى ، وهي من الكثرة بمكان ، وكذا الأخبار الكثيرة
الدالة على أنّ الإمام ليس بضامن ، بل يظهر من صحيحة ابن وهب أنّ حكاية الضمان
من زعم العامّة ومخترعاتهم ، فيترجّح في الظنّ ورود رواية عمار مورد التقيّة ،
ونسب إلى المنتهى أيضا أنّه نسب القول بالسقوط إلى العامّة ، فليلاحظ ،
وربما تشعر رواية منهال بذلك أيضا ، فتأمّل.
قوله : فإنّه متبوع في أفعال الصلاة دون غيرها. ( ٤ : ٢٨١ ).
لكن روى الشيخ في
التهذيب في الموثق عن عمار ، عن الصادق 7 : عن الرجل يدخل
مع الإمام وقد صلّى الإمام ركعة أو أكثر فسهى الإمام كيف يصنع الرجل؟ قال : « إذا
سلّم فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الذي دخل معه ، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمّها
وسلّم سجد سجدتي السهو » لكن في جملة تلك الموثقة أنّه إذا نسي من عليه سجدة السهو
فذكر صلاة الفجر « لا يسجد للسهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها » ومع ذلك نسب قول
الشيخ هذا إلى جمهور العامّة ، وعلى أيّ تقدير الأحوط مراعاته.
قوله : قول معظم الأصحاب. ( ٤ : ٢٨١ ).
__________________
قال الصدوق في
أماليه : من دين الإمامية أنّ سجدتي السهو بعد التسليم في الزيادة والنقصان .
قوله : إنّه قول علمائنا أجمع. ( ٤ : ٢٨٣ ).
لعل المراد
التشهّد الخفيف ، كما ذكره المصنّف ; ودل عليه الصحيحة ، ويمكن أن يكون المراد مطلق التشهّد ،
وكونه خفيفا من مستحباته ، أو أنّه يجوز الاكتفاء به على بعد.
والأحوط الاقتصار
على الخفيف ، بل ويتعيّن ، والمراد من الخفيف : « أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ
محمدا رسول الله » أو : « أشهد أنّ محمدا رسول الله » بلا واو أو مع الواو.
وربما قيل بأنّ
زيادة « وحده لا شريك له » و « عبده ورسوله » مع الصلاة على محمد وآله لا يخرجه عن
الخفّة ، بل هو أيضا خفيف بالنسبة إلى التشهّد الطويل المشهور ، وهو محتمل إلاّ
أنّ الاقتصار على ما ذكرنا أحوط مع الصلاة على محمد وآله.
قوله : مع ورودهما في مقام البيان. ( ٤ : ٢٨٣ ).
في ورود الثانية
في مقام البيان تأمّل ظاهر.
قوله : قولان أحوطهما الوجوب. ( ٤ : ٢٨٤ ).
قد مرّ الكلام في
بحث السجود للعزيمة ، فلاحظ.
قوله : قال : وسمعته مرّة أخرى يقول ... ( ٤ : ٢٨٥ ).
الصدوق في أماليه
عند ذكر دين الإمامية قال : ويقال فيهما ـ يعني
__________________
سجدتي السهو ـ : «
بسم الله وبالله ، السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته » فتأمّل.
قوله : فظاهر. ( ٤ : ٢٨٥ ).
لا يخفى أنّ سجدتي
السهو لأجل خلل واقع فيها ، ولا شبهة في أنّها مع الخلل لا يكون الآتي بها آتيا
بالمأمور به على وجهه ، وقد جعل الشارع هذه السجدة تداركا للخلل الواقع فيها ، فمع
تركها عمدا كيف يكون آتيا بالصلاة على وجهها؟ إلاّ أن يبنى على الأصل بأنّ الأصل
عدم كون الخلل مضرّا في حال السهو والشكّ وعلاجه شرطا في صحة الصلاة ، وأنّ الصلاة
اسم للأعمّ من الصحيحة والفاسدة ، فالمكلف آت بما كلّف به ، ولم يثبت عليه أزيد
منه.
وفيه تأمّل ظهر
وجهه ممّا ذكر ، والتحقيق في موضع آخر ، والشارح ; في أكثر المواضع حكم بالبطلان أو وجوب الإعادة بنحو ما ذكر
، فتأمّل جدّا.
قوله : ويستفاد من ذلك أنّه لا يخاطب بالقضاء. ( ٤ : ٢٨٩ ).
يجوز أن يكون
مخاطبا بالقضاء وإن كان الإسلام شرطا لصحته وقبوله ، وأنّه بعد تحقّق الإسلام
وفعليته يسقط ، إذ السقوط معناه رفع ما ثبت من التكليف والوجوب ، وثمر هذا التكليف
عقاب الكافر لو مات كافرا ، فيعاقب بترك القضاء كما يعاقب بترك الواجبات الآخر
الفروعية ،
__________________
ومصداق قوله 7 : « الإسلام يجبّ
ما قبله » هو هذا القضاء وما ماثله من الأمور التي كانت لازمة عليه
قبل الإسلام وساقطة عنه بعده ، لا التكليف بمثل أداء الواجبات التي تكون بعد
الإسلام باقية على حالها غير ساقطة عنه أصلا ، فإنّه إذا لم يسقط عنه بعد الإسلام
فأين الجبّ والسقوط الذي صرّح الرسول 6 بقوله : « إنّ الإسلام يجبّ »؟ وإن لم يكن واجبا قبل
الإسلام فأيّ شيء يجبّه الإسلام؟
وتخصيصه بالواجبات
من المعاملات التي لا يكون قصد القربة شرطا فيها ولا الإسلام شرطا لصحتها لتحقّق
الامتثال بها حال الكفر أيضا لا وجه له ، سيّما بعد ملاحظة أنّ غالب هذه الواجبات
لا تجبّ بالإسلام ، فتأمّل.
على أنّا نقول :
لا فرق بين الكافر وغيره من المخالفين للشيعة ، فما هو جوابك فهو جواب العموم ،
وسنذكر حال المخالف ، فتأمّل.
قوله : وأمّا أنّه لا يجب عليهم إعادة ما فعلوه في تلك الحال. (
٤ : ٢٨٩ ).
لا يخفى أنّ
المخالف كافر بالكفر المقابل للإيمان ، فإنّ أصول ديننا خمسة ، منها : الإمامة
والعدل ، والمنكر لواحد منهما منكر لأصول الدين ، فلا يكون باقيا أبدا ولا قابلا
للقرب إليه تعالى كالكافر ، بل الظاهر من الأخبار أنّهم أشدّ من الكفّار وأخبث ،
والموافق للأدلة والاعتبار أيضا كذلك ، وضررهم على الدين وعلى المؤمنين أشدّ من
ضرر الكفّار وأشدّ بمراتب.
وبالجملة : لا
تأمّل في عدم تأتّي التقرّب إليه تعالى لهم ، ويظهر من
__________________
الأخبار عدم قبول
طاعاتهم وعباداتهم أصلا ، كالكفّار وأشدّ منهم ، وأنّ معرفة الإمام وكون ما فعلوه
[ بهداه وتعليمه ] وإرشاده والقبول منه شرط للصحة والقبول ، كما لا يخفى على
المطّلع على الأخبار وطريقة الشيعة في أصول الدين ومسلّم عند الشارح ، وصرّح به في
قوله : وان كان الحق بطلان عباداتهم .
فعلى هذا فكيف
يحكم الشارح بصحة ما فعلوه في تلك الحال؟ فحال كفرهم لم تكن عبادتهم صحيحة ، لما
عرفت ، وبعد إيمانهم ومعرفتهم وكون أعمالهم بدلالة إمامهم لم تكن هذه العبادات
أيضا صحيحة ، لأنّهم كانوا يغسلون الرجل ويمسحون بالماء الجديد وغير ذلك ممّا هو
مفسد على طريقة الحق ، فحال كفرهم كان شرط صحتها معرفة الإمام وكونها بدلالته
والأخذ منه.
فإنّهم في حال
كفرهم كانوا مكلفين بالمسح مثلا وكونه ببقية البلل كذلك ، إلى غير ذلك مثل السجود
على الأرض وما أنبتته وغير ذلك ، لا أنّهم كانوا بالباطل والفاسد.
وبعد الإيمان لم
يرد منهم الحق في ما فعلوه حال الكفر ، بل لو فعلوا الحق حينئذ كان باطلا والباطل
يصير حقا بعد الإيمان ، فما هو جوابه فهو الجواب في الكافر ، فتدبّر.
قوله : بأنّ سقوط القضاء عنهما عزيمة. ( ٤ : ٢٩٢ ).
ويمكن الفرق بأنّ
الأخبار الدالة على عدم القضاء على المغمى عليه
__________________
يظهر منها كون الإغماء
من جهة مرض بالمكلّف ، وأنّه كلّما غلب الله فهو أولى بالعذر ، فيظهر أنّ الإغماء
فيها غير هذا الإغماء ، هذا بخلاف الأخبار الدالة على سقوط القضاء عن الحائض
والنفساء ، بل ربما كانت المرأة تختار أيّاما معينة للحيض كما في المضطربة ، فيكون
ذلك حيضها وليس عليها قضاؤه ، فتأمّل.
قوله : لا يتناول الجاهل نصا. ( ٤ : ٢٩٦ ).
عدم التناول
للجاهل إن كان من جهة كون التكليف بالنسبة إليه تكليفا بما لا يطاق أو الحرج ،
ففيه : أنّه يمكن الامتثال بالتكرار المحصّل له إلى أن لا يتحقّق حرج ، مع أنّ بين
قوله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
حَرَجٍ ) وبين قوله 6 : « فليقضها كما فاتته » عموما من وجه ،
إلاّ أن يترجّح الأوّل بالأصل.
وإن كان ممّا دل
على معذورية الجاهل ، ففيه : أنّ الكلام في ما إذا علم وجوب تحصيل المعرفة ، فهو
عالم بعلم إجمالي مقصّر ، فليس هذا داخلا فيه ، وما دل على وجوب الترتيب عامّ مثل
قوله : « من فاتته. » الحديث.
وإن بنى على أنّه
ليس من الأفراد المتبادرة لهذا المقام فلعله محلّ تأمّل.
قوله : ما رواه الشيخ في الصحيح. ( ٤ : ٢٩٩ ).
ظاهر الرواية أنّه
يصلّيها قبل أن تفوته خصوص المغرب ، وإلاّ صلاّها ثم صلّى الفائتة ثم صلّى العشاء.
وحملها على العشاءين ليس بأولى من حملها على ما يحمل عليه صحيحة زرارة بأن يكون
المراد فوتها من وقت الفضيلة بتفاوت مرتبة الاستحباب ، وحمل الفوت على هذا المعنى
__________________
في غاية القرب ،
كما لا يخفى على من تتبّع الأخبار الواردة في بيان أوقات الفرائض وأقوال الفقهاء
فيها أيضا ، خصوصا في وقت المغرب ، وتحمل عليه صحيحة زرارة ، بل الظاهر منها عدم
التفاوت ( بين الواحدة والمتعدّدة ، وليس في هذه الرواية إشعار بالتفاوت ) ، كما أنّه ليس
في صحيحة ابن سنان ذلك الإشعار أيضا ، مضافا إلى أنّ الروايات الواردة في هذا
الباب لا إشعار فيها أصلا ، بل وظاهرة في عدم التفاوت أصلا ، فيتعيّن الحمل الثاني
، مع احتمال التقيّة أيضا ، وصحيحة زرارة معارضة لهاتين الصحيحتين معا ، فلو كانت
محمولة على الاستحباب لم يبق وجه يعتدّ به ، بحيث يكون حجّة للتفرقة ، مع أنّ
صحيحة ابن سنان متضمّنة للأمر بتقديم الحاضرة.
قوله : وهذه الرواية مع صحتها صريحة في المطلوب. ( ٤ : ٢٩٩ ).
لا يخفى أنّ الأمر
عنده حقيقة في الوجوب ، وبناء استدلالاته عليه حتى في الحديث السابق ، وظاهر هذه
العبارة أيضا كذلك ، فعلى هذا كيف تكون صريحة في الجواز؟ سيّما وأن يكون مرجوح
الفعل راجح الترك ، كما سيشير إليه.
على أنّه لو كان
حقيقة في الطلب أيضا لا تكون صريحة ، بل في الإباحة أيضا كذلك. وبالجملة : حمل
الوجوب على المرجوح الفعل في غاية الصعوبة ، فكيف يدّعي الصراحة فيه؟
وحمل الأمر على
كونه واقعا في مظنة الحظر بعيد جدّا في هذه
__________________
الصحيحة ، مع أنّه
ليس بأولى من حمل الصحيحة السابقة عليه ، لأنّ المعارض معارض لهما معا ، كما
أشرنا. مع أنّه لقائل أن يقول : ليس بأولى من حمل « ثم » على عدم الترتيب ، لوروده
كثيرا في الأخبار كذلك ، وإن كان في هذه الرواية خلاف الظاهر.
والحاصل : أنّ
الرواية تصير مستند الصدوقين بعد ضمّ الإجماع على عدم الوجوب مثل رواية جميل ،
وكذا صحيحة أبي بصير المتضمّنة لما في هذه الصحيحة ، وزاد في آخرها : « فإن خاف أن
تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس
ويذهب شعاعها ثم ليصلّها » .
وبملاحظة هذه
الزيادة يحصل وهن بالنسبة إلى هذه الأخبار ، ومرجوحية بالقياس إلى معارضها ، سيّما
ومع اعتضاد المعارض بالشهرة بين القدماء ، كما هو الظاهر ، بل ربما يكون إجماعا ،
كما سيذكر ، وخروج ابني بابويه غير مضرّ ، كما هو المذهب في الإجماع.
مع أنّ مقتضى
صحيحة ابن سنان وأبي بصير امتداد وقت المغرب والعشاء إلى الصبح ، وهو خلاف المشهور
وما يظهر من أخبار كثيرة ، فتأمّل.
لكن تؤيّد
الصحيحتين مرسلة جميل عن الصادق 7 أنّه قال له : تفوت الرجل الأولى والعصر والمغرب ، وذكرها
عند العشاء الآخرة ، قال : « يبدأ بالوقت الذي هو فيه ، فإنّه لا يأمن الموت ،
فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت ، ثم يقضي ما فاته ، الأولى فالأولى » .
__________________
وفي هذه شيء ،
والظاهر أنّها واردة في مقام التقيّة ، كموثقة عمار في من فاتته المغرب حتى دخل
العشاء أنّه مخيّر بين فعل المغرب وتقديمها على العشاء وعكس ذلك ، فعلى هذا
تكونان مضعّفتين للصحيحتين لا أنّهما مؤيّدتان لهما ، فتدبّر.
ومرّ في بحث أوقات
الصلاة أنّ الصحيحتين المذكورتين وأمثالهما واردة مورد التقيّة ، فلاحظ وتأمّل.
قوله : سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار. ( ٤ : ٢٩٩ ).
لعل المراد من
صلاة النهار النافلة ، كما قال به بعض المحدّثين ويظهر من ملاحظة
الأخبار ، وفي بعض النسخ : صلاة الليل ، مكان : صلاة النهار.
قوله : وتؤيّده الأخبار المتضمّنة. ( ٤ : ٢٩٩ ).
لا ربط لتأييدها
لما اختاره من وجوب التقديم إذا كانت الفائتة واحدة ، وعدمه إذا لم تكن ، كما لا
يخفى ، وسيّما صحيحة ابن سنان ، لأنّ الفائتة فيها واحدة ، ففيها تأييد لبطلان ما
اختاره ، إلاّ أنّ جواز النافلة لمن عليه الفائتة لا يستلزم عدم وجوب التقديم ،
ولا ينافيه أيضا ، فعلى هذا يزول الربط بين ما ذكره من المؤيّدات وبين المطلوب
بالمرّة.
نعم يؤيّد بطلان
من يقول بما يزيد على وجوب تقديم الفائتة من الفورية المنافية للأمور المذكورة ،
لكن لم يشر إلى هذا القول ولم يظهر بعد
__________________
وجوده ، فتأمّل.
قوله : كصحيحة عبد الله بن سنان. ( ٤ : ٢٩٩ ).
هذه الرواية وما
وافقها وإن كانت صحيحة لكنها متضمّنة لما لا يقول به أحد من الشيعة ودل على فساده
العقل والكتاب والأخبار من كون نومه من الشيطان ، لقوله : « نمتم بوادي شيطان »
ومع ذلك كان ينام عيناه ولا ينام قلبه ، فيبعد ذهوله عن الصلاة التي هي من أوجب
الواجبات وأقرب القربات ، بل كيف يكون يذهل؟ وروى في الكافي إخبارا في أنّ لرسول
الله 6 خمسة أرواح منها روح القدس وأنّه لا يصيبه الحدثان ولا يلهو ولا ينام ، فلاحظ.
قوله : في صحيحة زرارة وغيرها. ( ٤ : ٣٠٠ ).
قال في الذكرى
وروى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر 7 قال : قال رسول الله 6 : « إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ
بالمكتوبة » قال : فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوه منّي ،
فلمّا كان في القابل لقيت الباقر 7 فحدّثني : « أنّ رسول الله 6 عرّس في بعض أسفاره وقال : من يكلؤنا؟ فقال بلال : أنا ،
فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس ، فقال : يا بلال ما أرقدك؟ فقال : أخذ بنفسي ما
أخذ أنفاسكم ، فقال : قوموا فتحوّلوا عن مكانكم الذي أخذتكم فيه الغفلة ، فقال :
يا بلال أذّن ، فأذّن فصلّى رسول الله 6 ركعتي الفجر ، ثم قام فصلّى بهم الصبح ، ثم قال : من نسي
شيئا من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها فإنّ الله عزّ وجلّ يقول ( أَقِمِ
الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) » قال
__________________
زرارة : فحملت
الحديث إلى الحكم وأصحابه فقال : نقضت حديثك الأوّل ، فقدمت إلى أبي جعفر 7 فأخبرته بما قال
القوم ، فقال : « يا زرارة إلا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان جميعا ، وأنّ ذلك كان
قضاء من رسول الله 6 » .
ويظهر منها فوائد
كثيرة ، والتي تناسب المقام أنّ المراد من الوقت في أخبار المنع وقت الأداء ، ولا
مانع بالنسبة إلى القضاء ، فيقرب هذا كون التضيّق في الفوائت على الاستحباب ، لا
لما ذكره ، لأنّ النافلة من متعلّقات الفريضة إذ الفور والتضيّق عرفي ، ولذا لا
يقتضي ذلك الاقتصار على الواجبات في الصلاة ، والاستعجال عند أدائها مهما أمكن ،
بل وترك مثل السورة ممّا يترك عند الاستعجال الضروري مثله. نعم هذه حجّة على من
منع من النافلة حينئذ ، ومؤيّد بالنسبة إلى غير المانع ، كما ذكره.
بل لأنّه ورد في
صحيحة زرارة الواردة في تضيّق الفائتة أنّه 7 قال : « ولا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها » إذ ربما يظهر من
السياق أنّ الأمر بتقديمها على الحاضرة أيضا لا يكون على الوجوب ، بل على
الاستحباب ، ولا ينافيها فعله 6 ، لأنّ الظاهر أنّه 7 منع من التطوّع لأجل أن يشتغل بالفريضة ، فحيث يكون الراجح
تأخيرها أو الجائز فلا مانع ، فالخبر صريح في الجواز وظاهر في الرجحان.
ويظهر من هذه
الجهة أيضا وهن في ما دل على التضييق ويكون حجّة على الحلبي ومن قال بمقالته إلاّ
أن يستثنوا ذلك ، فيكون حينئذ مؤيّدا
__________________
للاستحباب ، كما
ذكره الشارح في النافلة والأذان والإقامة ، والظاهر من الرواية أنّ النافلة لا
مانع منها بالنسبة إلى من عليه فائتة ، لا أنّ صورة الجماعة مستثناة ، فتدبّر.
قوله : والمراد بها الفائتة. ( ٤ : ٣٠٠ ).
لا يخفى أنّ
الأخبار الصحيحة الدالة على ذلك كثيرة ، منها : صحيحة زرارة عن الباقر 7 حيث قال فيها : «
يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ، فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتمّ ما قد فاته
فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت ، وهذه أحقّ بوقتها فليصلّها
، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ، ولا يتطوّع بركعة حتى يقضي الفريضة كلّها » ولا
يخفى ما فيها من التأكيد.
ومضمون صحيحة
زرارة الأوّلة التي ذكرها أنّه 6 قال : « إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى فإن كنت تعلم
أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك ، فإنّ الله
تعالى يقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) ».
وفي كالصحيح عن
عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق 7 عن رجل نسي صلاة حتى دخل في وقت اخرى ، قال : « يصلّي حين
يذكرها ، وإن ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي ، وإن ذكرها مع الإمام في صلاة
المغرب أتمّها بركعة ثم صلّى المغرب » الحديث .
ومنها : صحيحة
صفوان التي ذكرها ، فإنّها تدل على تقديم الفائتة من غير تقييد بالوحدة على حسب ما
أشرنا ، فتأمّل.
__________________
ومنها : ما رواه
أبو بصير في القوي .
قوله : ثمّ صلّ المغرب. ( ٤ : ٣٠٠ ).
الظاهر أنّه وقت
الفضيلة.
قوله : فبالمنع منه في موضع النزاع. ( ٤ : ٣٠١ ).
ليس في موضعه ،
لأنّ اتفاق الكلّ ليس شرطا في إجماعنا ولا إجماع المشهور من العامّة ، كما مرّ
مرارا.
قوله : وإعمال الدليلين أولى من إطراح أحدهما. ( ٤ : ٣٠٢ ).
لا يخفى أنّ ما هو
حجّة في الأخبار إنّما هو الحقائق والظواهر ، وأمّا خلاف الظاهر فلم يثبت بعد
حجّيته ، بل الثابت خلافه ، سيّما وأن يكون في شدّة المخالفة للظاهر ، فإنّ إطلاق
الأمر الذي هو حقيقة في الوجوب وإرادة استحباب الترك من أين إلى أين؟ فليس ما ذكره
إعمالا للحجّتين بل طرحا لهما وتخريبا إيّاهما ما ، سيّما المتضمّن للأمر بتقديم
الحاضرة ، فتأمّل.
فإن قلت : كثير من
الأحكام الفقهية يثبت من الجمع بين الأدلّة.
قلت : ما هو من
قبيل المقام فالكلام فيه الكلام ، وما يتفاوت فلا كلام ، إمّا لعدم ورود هذه
المفسدة فيه ، أو ارتفاعها بسبب يستند إليه المجتهد.
مع أنّه لو كان ما
ذكره إعمالا للدليلين فمثل هذه الإعمال غير منحصر في ما ذكره ، لما أشرنا إليه ،
بل كما يمكن الجمع بما ذكره يمكن أيضا بحمل رواية ابن سنان على الاستحباب ، كما
ذهب إليه ابنا بابويه ومن
__________________
تبعهما.
على أنّا أشرنا
إلى أنّ هذه الرواية وما وافقها واردة مورد التقيّة ، فالطرح معيّن ، فتأمّل.
قوله : وردّه المصنّف في المعتبر. ( ٤ : ٣٠٣ ).
لا يخفى عدم البعد
بالنسبة إلى المحامل المسلّمة عنده من باب مجاز المشارفة ، وهي شائعة ذائعة. مع
أنّه أولى من حمل الأمر على أولوية الترك كما مرّ ، فكيف يقول الشارح : وهو كذلك؟
فتأمّل.
قوله : لدخول الواجب في أحدها يقينا. ( ٤ : ٣٠٦ ).
هذا فاسد يقينا ،
بل لو لم ترد الرواية المنجبرة بالشهرة لم يتحقّق ظنّ بالدخول فضلا عن اليقين ، بل
ولا شكّ ، بل الظاهر عدم الدخول بعد اعتبار التعيين في النية ووجوب
الجهر والإخفات ، إذ على التقديرين يتوجّه حجّة القائل بالخمس ، نعم الرواية حجّة
في ذلك.
قوله : كما بيّناه. ( ٤ : ٣٠٦ ).
ما بيّن ، بل ادعى
اليقين من غير دليل.
قوله : الدالة على استحباب. ( ٤ : ٣٠٦ ).
في دلالتها عليه
تأمّل ، فتأمّل.
قوله : ولأنّ الظاهر من حال المسلم أنّه لا يترك الصلاة. ( ٤ : ٣٠٧
).
الظاهر عدم ترك
المتقيّدين المعتنين بشأن الدين صلاتهم من غير عذر ، بل ربما يحصل العلم ، أمّا
غير هم أو هم مع عذر يرفع الاختيار فلا.
__________________
مع أنّ الظهور
عبارة أخرى للرجحان والظنّ ، فإذا حصل لمكلّف ذلك بملاحظة حاله كما ذكرت يحصل له
الظنّ بالوفاء ، فتأمّل.
وأمّا الأصل
والحسنة فإنّما يتمّان في ما إذا لم يحصل يقين أصلا ، كمن رأى في ثوبه الخاصّ
منيّا وعلم قدرا خاصّا من صلاته كانت مع الاحتلام ، وأمّا إذا حصل له اليقين أوّلا
فأوّلا أو في زمان ثم طرأ الشكّ في مقدار ما حصل فلا ، لأنّ الذمّة اشتغلت به قبل
يقينا ، وشغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، ولا أقلّ من الظنيّة.
إلاّ أن يضمّ إلى
هذا الأصل أصل عدم التحقّق سابقا ، إلاّ أنّ في حجّية مثل هذا الأصل في مثل هذا
المقام لا بدّ من تأمّل ، مع أنّه معارض بأصالة عدم تحقّق الصلاة ، مع أنّ الصلاة
بأجزائها وشرائطها حوادث كثيرة ، فتأمّل.
قوله : والاكتفاء في ما قبله بغلبة الظنّ. ( ٤ : ٣٠٨ ).
لا يخفى أنّ عدم
معلومية تعيّن الفائتة ـ كما مرّ في المسألة الأولى من أنّه لا بدّ من العلم ولا
يكفي الظنّ ، ولذا يصلّي صبحا ومغربا وأربعا متردّدة بين الظهرين والعشاء على
تقدير العمل برواية ابن أسباط ، أو خمسا على تقدير عدم العمل ـ بخلاف عدم معلومية
العدد ، فإنّهم يكتفون بالظنّ ، وإنّ ذلك مقطوع به بين الأصحاب ، فهو إجماعي ، أو
له مستند يقيني الثبوت ، أو يقيني العمل ، فتأمّل.
قوله : من قيد الاستحلال. ( ٤ : ٣٠٨ ).
بل ورد في الأخبار
علّة الحكم بكفره بمجرّد الترك ، وهي أنّه ليس من جهة غلبة الشهوة أصلا ، بل من جهة عدم
اعتناء بالدين ، لأنّها من أشدّ
__________________
الواجبات والفرائض
وأظهرها فرضا ، ولا داعي للترك من طرف شهوة النفس أصلا ، بل البناء على عدم
المبالاة ، فتأمّل. إلاّ أنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، كما صرّح به مرارا .
قوله : مستحلّ تركه. ( ٤ : ٣٠٨ ).
إلاّ أنّه إذا كان
ضروري المذهب يكون مستحلّه خارجا عن المذهب.
قوله : ويندرج في الفرائض : اليومية. ( ٤ : ٣١٠ ).
ليس في عبارة
المنتهى التأكيد بلفظ « كلّها » ولا التصريح بالاندارج المذكور ، والحكم بالاندراج
من الشارح من جهة ظهور لفظ الفرائض.
وعلى هذا ففي قوله
: وفي استفادة هذا التعميم. لعلّه نظر ، لظهور هذا القدر من العموم من الأخبار
أيضا ، مثل صحيحة زرارة والفضيل ، قالا : قلنا له : الصلاة في جماعة فريضة هي؟ قال
: « الصلاة فريضة ، وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها ، ولكنّها سنّة ، من
تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له » فليتأمّل.
مع أنّه ربما كان
عبارة بعض الأخبار أوهن ممّا ذكر ، مثل عبارة الصدوق في أماليه وغيره .
وكيف كان الأحوط
الإتيان بصلاة الاحتياط مع ركعتي الطواف من غير جماعة ، لأنّ الرسول 6 لو كان صلّى
ركعتي الطواف جماعة لاشتهر
__________________
اشتهار الشمس ،
وكذلك غيره من الأئمّة 7 ، ولكان يصل إلينا من ذلك خبر بمقتضى العادة ، وترك الرسول
والأئمّة الجماعة فيها مع استحبابه وشدّة رغبة الناس في الصلاة جماعة معهم فيه ما
فيه.
وأمّا صلاة
الاحتياط فلما مرّ من دورانها بين أن تكون نافلة برأسها أو تتمّة فريضة كما مرّ ،
ولذا جعلت خارجة عن الصلاة ، وجعل البناء في الشكّ على الأكثر ، وسيجيء المنع من
الجماعة في النافلة ، فتأمّل.
قوله : بالنهي الأكيد عن تركها. ( ٤ : ٣١١ ).
النهي حقيقة في
الحرمة ، سيّما وأن يكون أكيدا ، ولم يتعرّض الشارح ; للتوجيه والحمل ، وسببه الاكتفاء بما سيذكره في قول المصنف
: ولا يجب إلاّ في الجمعة. ، فالظاهر منه أنّه حمله على شدّة الكراهة.
ويمكن الحمل على
التقيّة ، لما سيذكره من كون القول بالحرمة من خواصّ العامّة ، بل المشهور منهم
ذلك ، والخاصّة متفقون على خلافه ، بل إجماعي ذلك ، وظاهر من أخبار كثيرة ، منها
ما مرّ وسيأتي ، ومنها أخبار أخر لم يذكر هنا ، مثل ما روي أنّ رجلا سأل المعصوم 7 : أصلّي وحدي
أفضل أو أصلّي بقوم جماعة؟ فقال : « صلّ جماعة » فإنّ الظاهر منه
أنّها أفضل ، وغير ذلك من الأخبار.
ويمكن حمل النهي
على ما إذا ترك الجماعة رغبة عنها ، كما يشير إليه صحيحة ابن أبي يعفور ، وصحيحة
زرارة والفضيل ، وصحيحة
__________________
عبد الله بن سنان
، بل فيها ما يشير إلى أنّ الذمّ بالقياس إلى من فيه خلّة النفاق وتركه لذلك ،
فتأمّل.
( ويؤيّد هذا التوجيه
أنّ قوله : « لا صلاة » ظاهر في نفي جميع ما يصدر من المكلف من صلاة ، لا خصوص
التي ترك الجماعة فيها ، وهذا كما يؤيّد الأخير يؤيّد الأوّل أيضا ، فتأمّل ) .
قوله : وضعف سند الثانية. ( ٤ : ٣١٥ ).
إلاّ أنّها منجبرة
بالشهرة لو لم نقل بالإجماع. ( وفي كتاب الخصال في باب شرائع الدين عن الأعمش عن
الصادق 7 ، وهي أحكام كثيرة كلّها على وفق الصواب ، وفيها : « ولا تصلّ التطوّع في
جماعة ، لأنّ ذلك بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار » .
قوله : « صلّ بأهلك ». ( ٤ : ٣١٥ ).
الظاهر أنّها
محمولة على التقيّة ، وأمّا صحيحة هشام وما وافقها فسيجيء الكلام فيهما ، مع
أنّهما دالتان على الجواز في النافلة في الجملة ، ولا كلام فيه ، فتأمّل. مع أنّه
على فرض الدلالة على العموم تكونان محمولتين على التقيّة ، فتأمّل.
قوله : ومن هنا يظهر أنّ ما ذهب إليه بعض الأصحاب. ( ٤ : ٣١٦ ).
لا يخفى أنّ ما
ذهب إليه إنّما ذهب إليه من جهة الرواية ، لا ممّا ذكره ، وإلاّ كان يحكم
بالاستحباب في كلّ نافلة لا خصوص صلاة الغدير ،
__________________
ولم يذهب أحد من
فقهاء الشيعة إلى الجواز في النافلة مطلقا ، فتأمّل.
قوله : « إلاّ من كان حيال الباب ». ( ٤ : ٣١٧ ).
قال الفاضل المحقق
مولانا مراد ; إنّ هذا الاستثناء منقطع .
قلت : يمكن أن
يكون متصلا ، لأنّ المعصوم 7 حكم ببطلان صلاة الصفّ الذي بينه وبين السابق سترة ، سواء
كان السابق هو الإمام أو الصفّ ، واستثنى من ذلك صلاة بعض ذلك الصفّ ، إذ لو لم
يستثن لكان صلاة هذا البعض أيضا باطلا ، لكونه من الصفّ الذي له سترة ، إذ لا مانع
من بطلان صلاة الصفّ بأجمعهم بسبب الستر في الجملة ، لأنّ العبرة بالصفّ لا آحاده
، كما سيجيء ، فتأمّل.
قوله : كما يدل عليه ذكر حكم الحائل. ( ٤ : ٣١٨ ).
لم أجد فيه دلالة
، لجواز أن يكون [ المراد ] منه الساتر وحكاية الستر ، لا عدم التخطّي إلى الإمام ،
فالأولى أن يقول : يدل عليه قوله في آخر الرواية : « لا يكون بين الصفّين ما لا
يتخطّى ، يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان ».
وأيضا ظاهر قوله 7 : « بينهم وبين
الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى » هو التباعد.
قوله : وشاهد بعض المأمومين صحت صلاته. ( ٤ : ٣١٨ ).
لم نجد في الأخبار
ذكر المشاهدة للإمام وكونها لازمة حتى يذكر الشارح ما ذكره ، بل الوارد في هذه
الصحيحة أن لا يكون بين الإمام وبين المأمومين سترة أو جدار ، ولا يخفى أنّ
المتبادر منهما غير صفّ المأموم ،
__________________
والأساطين أيضا
ليست داخلة فيهما بالنص والوفاق ، وفي هذه الصحيحة دلالة على خروج الصفوف أيضا ،
وإن قلنا بأنّها ليست فردا متبادرا منهما حيث قال 7 : « وأيّ صفّ كان أهله. » وفي آخر الخبر أيضا : « ينبغي أن
تكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها ببعض » الحديث ، فلا حاجة إلى ما ذكره الشارح ; بقوله : وهو
معلوم البطلان.
وإن كان مراده
إثبات حكم زائد على ما ذكرنا ، وهو صحة صلاة من على يمين الباب ويساره ، ويجعل
الحصر في قوله 7 : « إلاّ من كان حيال الباب » إضافيا ـ كما سيصرّح ـ فدون
ثبوته خرط القتاد ، إذ دعوى العلم لم يظهر وجهه أصلا ، لعدم نص ولا إجماع حتى يرفع
اليد عن المعنى الحقيقي للحديث والمفاد الظاهر منه إلى المجازي وخلاف الظاهر ،
فإنّ الصفوف التي بعد من هو بحيال الباب إنّما تصح صلاة من هو بحيال الباب
ومحاذيها منهم لا غيرهم ممّن هو على اليمين واليسار ، ولم نر إجماعا ولم ينقل
إلينا إجماع منقول بالآحاد ، ولم نر حديثا صحيحا ولا ضعيفا يدل على صحة صلاتهم ،
سيّما وأن يكون أقوى من هذه الصحيحة حتى يرفع اليد عن مدلولها بسببه.
قوله : لأنّهم يرون من يرى الإمام. ( ٤ : ٣١٨ ).
قد عرفت الكلام في
حكاية الرؤية والمشاهدة ، وأنّه لا أصل لها أصلا ، فكيف تجعل علّة؟
ومع ذلك إن أراد
المشاهدة بدون إدارة الوجه كما يكون الوجه إلى القبلة فغير خفي عدم تحقّق المشاهدة
بالنسبة إلى من على يمينه وشماله.
وإن أراد بإدارة
الوجه أو بطرف العين في الجملة فقد يتحقّق بالنسبة إلى الصف الواقف بين يديهم في
الجملة ، فتأمّل.
إلاّ أن يريد
الذين لا يشاهدون أصلا من في المسجد.
وفيه : أنّ ذلك لا
يصير إلاّ بحائل يمنع مشاهدة الصفّ المتأخّر ، فلا يختصّ بالصفّ المتقدّم ،
فتأمّل.
إلاّ أن يريد
بالمشاهدة كما يكون الوجه إلى القبلة ، وبمن على اليمين واليسار خصوص الذي يرى
الإمام لا غيره.
وفيه : أنّ الظاهر
من قوله : « من كان حيال الباب » من يرى الإمام من الباب ، فلا حاجة إلى ذكر من هو
على اليمين واليسار ، لأنّه داخل في من يرى الإمام ومن هو بحيال الإمام ، فتأمّل.
وممّا ذكرنا في
الحاشية السابقة وهنا ظهر أنّ ما تداول في البلاد من الحكم بصحة صلاة من على يمين
الباب ويساره وإن كان صفّا لا يرون الإمام وكذا صلاة من خلفهم بمجرّد تقليد ظاهر
عبارة الشارح أو غيره مشكل ، بل في غاية الإشكال. ووافقنا على ما ذكرنا صاحب
الذخيرة وغيره من المحققين ، ومنهم المصنف ; ، وسيجيء تصريحه
بذلك ، فتأمّل جدّا.
وعبارات الأصحاب
التي وقفت عليها كلّها متفقة في بطلان صلاة من على يمين الباب ويسارها من الصفّ
الأوّل دون من حاذى الباب من ذلك الصف ، لا أنّ صلاة من على اليمين والشمال أيضا
صحيحة ، وأنّ الباطل هو صلاة من وقف بين يدي الصفّ الأوّل عن يمين الباب ويسارها ،
كما ذكره الشارح ; ، فما ذكره خلاف ما عليه الأصحاب أيضا ، فلاحظ عباراتهم ،
فإنّها مثل عبارة المصنف الآتية ، وهي أنّ الإمام إن صلّى في
__________________
محراب داخل فصلاة
من يقابله صحيحة دون من إلى جانبيه إذا لم يشاهدوه ، وتجوز صلاة الصفوف الذين وراء
الصفّ الأوّل ، لأنّهم يشاهدون من يشاهد الإمام . ومثلها عبارة
التحرير .
وفي القواعد : لو
صلّى الإمام في محراب داخل صحت صلاة من يشاهده من الصفّ الأوّل خاصّة وصلاة الصفوف
الباقية أجمع ، لأنّهم يشاهدون من يشاهده . إلى غير ذلك من عباراتهم.
فظهر منها أنّ
مرادهم من مشاهدة من يشاهد الإمام هو المشاهدة بطريق المواجهة على طريق مشاهدة أهل
الصفّ الأوّل للإمام إذا كان خارجا عن صفّهم وواقفا قدّامهم ، وظاهر أنّ مرادهم من
المشاهدة ليس المشاهدة بالفعل ، لأنّها ليست شرطا قطعا ، بل المراد عدم الحائل
المانع من المشاهدة.
وينادي إلى ذلك
عدم وجدان حكاية المشاهدة في خبر من الأخبار ، وليس لها عين ولا أثر ، وأنّ دليلها
منحصر في هذا الخبر ، ولم يفهم الأصحاب إلاّ منه ، ولذا جعلوها متفرّعة عليه
مدلولة من مدلولاته مستنبطة منه ، كما لا يخفى على من له أدنى تأمّل.
وظاهر أيضا أنّ
هذا المعنى معتبر عندهم في الصفّ الأوّل بالقياس إلى الإمام ، وأمّا الصفّ الثاني
فمعتبر بالقياس إلى الصفّ الأول المتقدّم عليه ، سواء كان أهله واحدا أو متعدّدا ،
وأمّا الثالث فبالقياس إلى الثاني وهكذا.
__________________
كما أنّ القرب
والبعد يراعيان بالقياس إلى الصفوف لا بالقياس إلى أشخاص الصفوف ، ولذا يجوز أن
يكون الصفّ المتقدّم في غاية القصر ، والمتأخّر في غاية الطول وبالعكس ، وأن يكون
الصفّ الأوّل طويلا ليس قدّامهم سوى الإمام [ و ] كذا حكاية الستر والحائل عندهم ،
لكن ثبوت ذلك من الرواية مشكل ، بل ظاهرها بطلان صلاة من على يمين الباب ويسارها
مطلقا إلاّ من كان حيال الباب مطلقا.
نعم دلالتها على
حكاية القرب والبعد كما ذكر ، يعني أنّهما بالقياس إلى الصفّ والإمام ، والصفّ
الثاني والصفّ الأوّل ، وهكذا ، فتأمّل.
قوله : والظاهر أنّ الحصر إضافيّ. ( ٤ : ٣١٩ ).
فيه ما عرفت ،
فلاحظ وتأمّل.
قوله : وهذه الرواية ضعيفة السند. ( ٤ : ٣٠٢ ).
لا يخفى أنّ
الموثقة حجّة كما حقّق في محلّه ، سيّما موثقة عمار ، لدعوى الشيخ إجماع الطائفة
على العمل بها ، مع أنّا نرى من الفقهاء لم يشهد على كون الأمر كما ذكره
، خصوصا هذه الموثقة ، لأنّ مضمونها مجمع عليه بين الكلّ ، وإن نقل عن الخلاف ما
نقل ، إذ حمله العلاّمة على إرادة الحرمة ، وهي غير بعيدة من القدماء ، سيّما إذا اتفق فتاوى الشيخ
على الحرمة في غيره ، وليس نسخة الخلاف عندي ، فلا وجه لتردّد المصنف بعد ذلك
، مع أنّه ورد بمضمونها روايتان من العامّة أيضا.
__________________
وأمّا الدلالة فلم
نجد فيها غبارا.
وأمّا ما ذكره من
التهافت فهو منتف في نسخة التهذيب ، لأنّه ذكر فيها في موضع : « بطن مسيل » : «
بقدر يسير » وفي نسخة منه موضعه : « بقدر شبر » لأنّه جعل الأرض قسمين : مبسوطة
وغير مبسوطة ، والمبسوطة على قسمين : مستوية وما يكون فيها انحدار ، وحكم بجواز
صلاة المأمومين خلف الإمام في المبسوطة بقسميه مطلقا ، وعدم جواز صلاتهم خلفه في
غير المبسوطة إذا كان الإمام في المرتفع والمأموم في غير المرتفع ، والمراد من غير
المبسوطة ما يكون فيه ارتفاع دفعي.
وجعله المصنف أيضا
على قسمين : قسم ارتفاعه ارتفاع معتدّ به وهو ما يشبه الدكّان ، لأنّ الغالب
المتعارف منه ذلك ، وقسم ارتفاعه أقلّ من الدكّان بأن يكون ارتفاعه قدر طول إصبع
أو أكثر أو أقلّ إذا كان الارتفاع بقدر يسير لا قدر كثير ، كما هو الغالب في
الدكاكين.
والحاصل : إنّ
المبسوطة من جهة تساوي نسبة كلّ جزء منها مع الآخر في بادئ النظر تصح الجماعة فيها
كيف كان قيام الإمام والمأموم ، وإن كان فيها انحدار على سبيل تساوي نسبة الأجزاء
بعضها ببعض لا على سبيل التفاوت الدفعي.
وأمّا إذا كان
التفاوت لا على سبيل تساوي النسبة ، بل يكون دفعيا ، وكان الإمام على المرتفع
والمأموم على المنخفض فصلاة المأموم غير جائزة ، سواء كان الارتفاع كثيرا أو
يسيرا.
وأمّا إذا كان
المأموم على المرتفع والإمام على المنخفض فصلاة الكلّ جائزة وإن كان المأموم أرفع
بشيء كثير ، كما صرّح به في آخر الخبر ، وما صرّح به يرجّح نسخة : « بقدر يسير »
على نسخة : « بقدر شبر » مع كونها
أرجح في النظر
أيضا.
نعم يتراءى في
النظر تهافت على نسخة الكافي ، وهي التي ذكرها الشارح حيث ذكر موضع : « بقدر يسير
» : « ببطن مسيل ».
ويمكن أن يقال :
المراد أنّ التفاوت يصير على سبيل تساوي النسبة كما قلنا ، فتصح الجماعة مطلقا كما
عرفت ، [ و ] يصير أيضا على سبيل تفاوت النسبة بأن يكون دفعيا بالدفعة الواحدة ،
كما هو الحال في الدكّان أو شبهه ، أو دفعات متعدّدة بينها تساو أو شبهة تساو ،
كما هو الحال في بطن مسيل ، فإنّ الغالب فيه وقوع الهيئة المذكورة من جهة سيلان
السيل في المنحدرة ، وأنّ كلّ واحد من الارتفاعات الدفعية المتعدّدة بقدر إصبع أو
أكثر أو أقلّ ليس له حدّ مضبوط بحيث لا يتعدّى عنه أصلا.
وهذا التوجيه
بعينه توجيه النسخة المشهورة من الفقيه حيث ذكر فيها موضع : « بطن مسيل » : « بقطع
سيل » ، والنسخة الأخرى من الفقيه لا تهافت فيها أصلا كنسخة التهذيب ، لأنّه ذكر
فيها موضع : « مسيل » : « سئل » بعنوان الماضي المجهول ، وذكر فيها : قال : « لا
بأس به » موضع : « فلا بأس » وجعل موضع : « ببطن » : « يقطع » بعنوان المضارع
المجهول ، فظهر أنّ هذه الرواية من عمار من أمتن رواياته ، فتأمّل.
قوله : وهي ضعيفة بجهالة الراوي ... ( ٤ : ٣٢١ ).
الظاهر أنّه محمد
بن عبد الله بن زرارة ، وقد ذكرنا حسن حاله ، مع أنّ الرواية إلى صفوان صحيحة ،
وهو ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا يروي إلاّ عن الثقة ، إلاّ أنّ رواية عمار
منجبرة بالشهرة ، فالحمل على الاستحباب له وجه ، وإن كان العمل بها أحوط ، كما
ذكره.
قوله : لوقوع التصريح في الرواية. ( ٤ : ٣٢٢ ).
قد تقدّم الكلام
فيه.
قوله : ينبغي للبعيد. ( ٤ : ٣٢٢ ).
لم نجد لما ذكره
منشأ ، فإنّ الوارد في الصحيحة لفظ الصف ، وغير مأخوذ فيه قيد الدخول في الصلاة ،
بل لا يمكن أخذ القيد فيه كما لا يخفى.
مع أنّه على ما
ذكره ربما لا يمكن لحقوق بعض الصفوف ركوع الإمام ، بل بعضهم لا يمكنهم اللحوق في
الركعة الثانية ، وبعضهم في الثالثة ، وبعضهم في الرابعة إذا كثر الصفوف ، وخصوصا
إذا طال الصفّ ، بل في الصف الأوّل ربما لا يمكن اللحوق إذا طال ، إذ البعيد من
الإمام عليه أن لا يحرم حتى يحرم من يزول معه التباعد ، وكلّ ما ذكر معلوم البطلان
، بل ظاهر أنّ المأمومين في الأعصار والأمصار ما كانوا يلاحظون ما ذكر ، ولو كانوا
يلاحظون لشاع وذاع ، لعموم البلوى وكثرة الحاجة ، فتأمّل.
قوله : تجب متابعة الإمام. ( ٤ : ٣٢٦ ).
الظاهر أنّ المراد
من الأفعال الأقوال أيضا ، لأنّها أيضا أفعال ، لأنّ الناقل لا يتعرّض لذكر
الأقوال أصلا ولا لتوجيه الحديث بإخراج الأقوال ، مع أنّ أفعال الصلاة لغة وعرفا
تشملها البتّة ، فإنّ الأذكار فعل المصلّي كالحركات ، ولهذا قال في المنتهى :
متابعة الإمام واجبة ، وهو قول أهل العلم ، قال 7 : « إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به » .
وقال في التذكرة :
يجب أن يتابع إمامه في أفعال الصلاة ، لقوله 7 : « إنّما جعل
الإمام إماما ليؤتمّ به » ولم يذكر باقي الرواية ، وقال : وروي عنه :
__________________
« أما يخشى الذي
رفع رأسه والإمام ساجد أن يحوّل الله رأسه رأس حمار؟ » ولأنّه تابع له
فلا يسبقه ، وبه قال الشافعي ـ إلى أن قال ـ : مسألة : يصح أن يكبّر المأموم بعد
تكبير الإمام ، وهل يصح معه؟ إشكال ينشأ من تحقّق المتابعة معه أم لا ، أمّا لو
كبّر قبله فلا يصح قطعا ، ولا بأس بالمساوقة في غير التكبير من الأفعال .
فظهر من كلامه
قرائن على إرادته من الأفعال معناه اللغوي والعرفي ، مضافا إلى كون ذلك معناه
الحقيقي ، وأنه ادعى في المنتهى ما ادعى.
فعلى هذا تفكيك
الشارح بين الأقوال والأفعال لا وجه له أصلا بالنظر إلى الإجماع المنقول والفتاوى
، ولا الحديث الذي هو مستند الإجماع ، لأنّ تعليله 7 بقوله : « يؤتمّ به » لقوله 7 : « إنّما جعل الإمام. » ثم تفريعه بقوله : « فإذا ركع. »
مع القطع بعدم انحصار الأفعال في الدخول في الركوع والدخول في السجود ، والقطع
بأنّ تكبيرة الافتتاح مع كونه قولا داخل قطعا بل أهمّ ، كلّ ذلك دليل على العموم.
مضافا إلى أنّ
الإمام معناه هو السابق المقتدى لا المسبوق غير المقتدى ، وستعرف معنى الاقتداء ،
ومن جميع ما ذكر سلّم الشهيد العموم.
وأمّا ما ذكره من
الأصل ـ مع فساد جريانه في العبادات ، كما هو مسلّم عند الشارح أيضا ، ونبّهنا في
مبحث الجمعة وغيره ـ لو تمّ لاقتضى عدم وجوب المتابعة في غير الأقوال
أيضا ، إذ عرفت حال الإجماع والفتاوى والحديث بل الأخبار المتضمّنة لاقتداء
المأموم وائتمامه
__________________
ونحوهما ، لما
ستعرف بعد وجه الدلالة.
مع أنّ الأصل لا
يعارض دليلا أبدا ، إذ معناه أنّ عند عدم الدليل على التكليف مثلا يكون الأصل عدمه
مثلا.
وأمّا ما ذكره من
أنّه لو وجبت المتابعة في الأقوال لوجب على الإمام الجهر ، لو تمّ لاقتضى وجوب
الجهر عليه في تكبيرة الافتتاح أيضا ، مع أنّه خلاف الإجماع ، ولم يقل به الشارح
أيضا كما مرّ في مبحث التكبير .
مع أنّه لو تمّ
لاقتضى وجوب الجهر في الأذكار الدالة على الانتقالات من الإمام مثل قول : سمع الله
، والله أكبر ، لأنّ المأموم غير منحصر في من يرى انتقالات الإمام بالبديهة ، كما
أنّ الصلاة غير منحصرة في أوقات الضياء وعدم الظلمة.
وممّا يدل على
العموم ما سيجيء عن المصنف : لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام لغير عذر ، وعن
الشارح في شرحه ، فلاحظ.
والشهيد في
المسالك قال بعدم وجوب المتابعة في الأقوال . والمحقق الشيخ علي صرّح بوجوب المتابعة فيها أيضا .
قوله : السالمة من المعارض. ( ٤ : ٣٢٦ ).
كيف تكون سالمة
منه؟ مع أنّه استدل بما روي عن النبي 6 أنّه : « إنّما جعل الإمام ... » والظاهر منها وجوب
التأخّر.
نعم ما قاله ابن
بابويه هو بعينه مضمون حديث روى عن النبي 6
__________________
في كتاب جامع
الأخبار ، فلو كانت صحيحة لكانت الحجّة هي لا غير ، سيّما مع كون
العبادات توقيفية والقراءة واجبة لا تسقط إلاّ في الجماعة الصحيحة الثابتة عن
الشرع.
( مع أنّ الظاهر
من المتابعة عدم المقارنة ، وكذا الاقتداء والائتمام ونحوها ، ألا تنظر أنّه إذا
قيل : فلان تابع فلانا في كذا ، أو : اقتدى به ، أو : ائتمّ به ، لا يستفاد منه
إلاّ أنّ المتبوع صدر منه كذا فتبعه التابع؟ وكذا الحال في الاقتداء بل الائتمام
ونحوها ممّا ورد في الأخبار.
وظهر من كلام
الأخيار مراد الصدوق ، حتى أنّ القدماء لا يتعرّضون لذكر وجوب المتابعة في كتبهم ،
حتى الشيخ في نهايته لم يذكر سوى حكم رفع رأس المأموم عن الركوع والسجود قبل
الإمام ، بل ربما كان مراد الصدوق المقارنة العرفية ، وإن وقع آن
شروع الإمام وأوّله مقدّما. وما رواه الصدوق لا يفي للمعارضة والغلبة ، سيّما أن
يحصل البراءة اليقينة في العبادة التوقيفية ) .
قوله : مذهب الأصحاب. ( ٤ : ٣٢٧ ).
هذا القول منه مع
ما نقل عن ابن بابويه عجيب ، وفي المبسوط أيضا : أنّ المأموم لو فارق الإمام لا
لعذر بطلت صلاته ، والشهيد نقله في الدروس في المقام وما ردّه . ( بل نقل
الإجماع على وجوب المتابعة
__________________
والخبر المذكور ،
وصحة الصلاة ، مع جرحه ترك المتابعة في الجماعة ، وترك القراءة الواجبة فيها ربما
لا يخلو عن شيء ، بل روعي وجوب المتابعة إلى أن جوّز تكرار الركن ، مع ما عرفت من
أنّ زيادة مبطلة للصلاة ، وكذا زيد في التشهّد والقنوت وأوجب المكث لهما على من لم
يجبأ عليه ، وزيادة الجلوس والقيام مع عدم مطلوبيتهما منه ، وغير ذلك ) .
قوله : وإطلاق كلامه يقتضي. ( ٤ : ٣٢٧ ).
ربما يكون إطلاقه
محمولا على الصورة الصحيحة من المسلم ، فتأمّل.
قوله : وقع على سبيل العمد. ( ٤ : ٣٢٨ ).
بل دلالته عليه
بعيدة بملاحظة قوله : أيعود. ، فليتأمّل. ويؤيّده أنّ الأصل في أفعال المسلمين
الحمل على الصحة ، وكون الظاهر منهم الصحيح ، كما مرّ عن الشارح ; ، سيّما في
المقام ، فإنّ من يريد صلاة الجماعة فإنّما غرضه الفضيلة والثواب ، وكون صلاته
صلاة كاملة ، فلا يرتكب في هذا المقام العصيان والإثم والحرام ، وجعل صلاته ناقصة
بل وباطلة ، لعدم الموافقة لمطلوب الشارع.
والبناء على أنّ
العود عمدا ربما كان لجهل المسألة ، يناسب استفصال المعصوم 7 أو حكمه على سبيل
التفصيل بأنّه إن فعل عمدا أثم وعصى ودخل النار ، ولا يفعل ذلك بعد ذلك أبدا.
__________________
والبناء على أنّه
كان هناك قرينة دالة على أنّه كان يعلم الحرمة والإثم وانحطاط صلاته بل وصحة صلاته
أيضا ، وسؤاله إنّما هو لصحة العود خاصّة ، بعيد وخلاف الأصل والظاهر ، ومع ذلك
كان المناسب توبيخ المعصوم وتقريعه وذمّه كما لا يخفى ، هذا.
( مع أنّ الراوي
بتري عامي على ما قيل ، فتكون الرواية واردة على طريقة العامّة ، فتأمّل ) .
قوله : مطلقة. ( ٤ : ٣٢٨ ).
فيه تأمّل مرّ
الإشارة إليه.
قوله : على الاستحباب. ( ٤ : ٣٢٩ ).
هو أيضا بعيد ،
لأنّ الظاهر من رواية غياث المنع عن العود ، كما أفتى به الفقهاء.
قوله : لقضاء حقّ المتابعة. ( ٤ : ٣٢٩ ).
لا شكّ في أنّ
سقوط القراءة الواجبة إنّما هو من جهة المتابعة المطلوبة بل المأمور بها ، فكيف
تصح صلاته مع ترك المتابعة بل فسادها؟
فتأمّل.
قوله : لا تقصر عن الصحيح. ( ٤ : ٣٣٠ ).
لكن لا دلالة فيها
على وجوب العود ، ومع ذلك يتوقّف على اتحاد النسيان مع المظنّة بحسب الحكم الشرعي
، ولا دليل على ذلك من جهة النص ، فإن كان إجماع فهو الحجّة ، فتأمّل.
__________________
قوله : أو وجوبه. ( ٤ : ٣٣١ ).
هذه صريحة في مذهب
ابن إدريس في المأموم الأكثر من واحد ، وأمّا الواحد فلعله له ظهور في ما ذكره
الشارح ، لكن الظاهر لا يقاوم الصريح ، فعلى القول بعدم الفصل لأن رفع اليد عن
الظاهر وإرجاعه إلى الصريح لا العكس. إلاّ أن يتمسّك بالشهرة العظيمة والإجماع
المنقول.
والأحوط مراعاة
رأي ابن إدريس.
قوله : بالعقب والأصابع معا. ( ٤ : ٣٣١ ).
هذا هو الأظهر
بحسب العرف دليل المصنف.
قوله : في التساوي. ( ٤ : ٣٣١ ).
هذا مشكل بحسب ما
يتبادر من الحديث لغة وعرفا.
قوله : في كلّ الأعصار السالفة. ( ٤ : ٣٣١ ).
لم يعهد ذلك من
الشيعة ولا غير الطائفة المحقّة ، وغيرهم لا عبرة بفعلهم. إلاّ أن يقال :
عدم تعرّض أحد من الأئمّة 7 ولا الشيعة ولا غيرهم للطعن على هذا الفعل في عصر من
الأعصار دليل على الصحة ، وفيه تأمّل ، فتأمّل.
قوله : ولم أقف في ذلك على رواية. ( ٤ : ٣٣٢ ).
مقتضى ظاهر
الروايات الواردة عن الأئمّة 7 عدم الصحة كما يقوله العلاّمة. مع أنّ الجماعة عبادة
توقيفية ، فما لم تثبت الصحة لا يمكن الحكم بها ، والمنقول من الأقوال والأفعال لا
يشملها ، فتأمّل.
__________________
قوله : وفي اعتبار نيّة الإمامة. ( ٤ : ٣٣٢ ).
وسيجيء في كلام
المصنف التصريح بذلك.
قوله : في الجماعة الواجبة. ( ٤ : ٣٣٢ ).
إذا علم أنّها
جماعة واجبة ويفعلها فهذا عين النيّة ، وإذا لم يعلم ولم يكن متفطّنا فكيف يكون
ممتثلا وخارجا عن العهدة؟ فكيف تكون صحيحة؟. إلاّ أن يقال : تعيينها بالتوجه إلى
خاصّة من خواصّها يكفي للامتثال ولا يحتاج إلى نيّة إمامتها ، لكن في [ تأتّي ] ذلك تأمّل ،
فتأمّل.
قوله : وجب الانفراد. ( ٤ : ٣٣٣ ).
هذا قبل أن يصدر
منه طريقة المأمومية من ترك القراءة الواجبة ونحوه ، ولعله لا إشكال فيه ،
لاستجماع شرائط الصحة من النيّة أي قصد القربة وتعيين الصلاة ، نعم بعده مشكل
البتّة ، بل لعله لا يصح ، لعدم دليل الصحة ، فتدبّر.
قوله : وجب البناء عليه قطعا. ( ٤ : ٣٣٣ ).
هذا أيضا محلّ
تأمّل ، لعدم وجدان دليل يعتمد عليه.
قوله : لإخلال كلّ منهما بالقراءة الواجبة. ( ٤ : ٣٣٣ ).
وكذا لو قرأ كلّ
منهما مع علمه بتحريم القراءة على المأموم وتفطّنه بذلك ، بل يشكل الصحة أيضا مع
القراءة جهلا أو غفلة ، لعدم ثبوت كون هذه القراءة محسوبة عن القراءة الواجبة
واقعا على التعيين ، ولا صحة صلاة
__________________
الجاهل الذي اتفق
وقوعها موافقة للواقع.
قوله : لكنها ضعيفة جدّا. ( ٤ : ٣٣٤ ).
ليس كذلك ، كما
حقّقناه في الرجال ، مع أنّها منجبرة بفتوى الأصحاب والموافقة للقاعدة
الثابتة والمسلّمة.
قوله : من جملتها القراءة. ( ٤ : ٣٣٤ ).
مقتضى الإطاعة
والامتثال والخروج عن عهدة التكليف الإتيان بالقراءة أو ما جعل الشارع بدلا عن
القراءة وثبت عنه ، ولم يثبت منه كون فعل الآخر الذي توهّم أنّه إمامه ـ والحال
أنّه ما كان إمامه ولا قرأ أصلا بدلا عن قراءته ـ صحيحا بالنسبة إليه ، وثبوت
الصحة والبدلية في الإمام المحدث أو الفاسق لا يقتضي الثبوت في غير ذلك ، والقياس
لا يقول به. وممّا ذكر ظهر ما في كلام الشارح ; : فإن دخل.
قوله : يمكن تنزيل الرواية. ( ٤ : ٣٣٤ ).
لا يمكن أصلا ،
لأنّ كلاّ منهما يدّعي بعد الفراغ من الصلاة المأمومية وإمامة الآخر ، فضلا عن حال
الصلاة والدخول فيها.
قوله : ولا بأس به. ( ٤ : ٣٣٥ ).
إذا كان العموم
الدال على أنّ الشك إذا وقع بعد التجاوز عن المحلّ فليس بشيء شاملا لهذه الصورة
فالحق مع المحقق المذكور ، وإلاّ فلا فائدة في كون الدخول دخولا مشروعا ، لما
عرفت. مع أنّ الشكّ في ما أضمراه شكّ في كون الدخول مشروعا أم لا ، فتأمّل .
قوله : أكثر من المباينة. ( ٤ : ٣٣٥ ).
__________________
لا يخلو من
التأمّل.
قوله : وهو خيال ضعيف. ( ٤ : ٣٣٦ ).
مع أنّه لو تمّ
لزم عدم جواز اقتداء العشاء بالمغرب ، بل وعدم جواز اقتداء الظهر بالعصر والمغرب
بالعشاء وغير ذلك ممّا قال الصدوق بصحته ، ولا يكون مقصورا في الصورة المذكورة.
قوله : اقتداء المتنفّل بالمفترض. ( ٤ : ٣٣٨ ).
وفي العوالي عن
شعبة ، عن جابر بن يزيد بن أبي الأسود ، عن أبيه ، أنّه صلّى مع رسول الله 6 وإذا رجلان لم
يصلّيا في ناحية المسجد فدعاهما فجاءا يرتعد فرائصهما فقال : « ما منعكما أن
تصلّيا معنا؟ » فقالا : قد صلّينا في رحالنا ، فقال : « فلا تفعلوا ، إذا صلى
أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام وقد صلّى فليصلّ معه فإنّها له نافلة » .
وفي هذا دلالة على
استحباب إعادة الصلاة للمنفرد مع الجماعة ، ويكون من باب اقتداء المتنفّل بالمفترض
، فإنّ الأمر فيها للاستحباب ، بدلالة قوله : « فإنّها له نافلة ».
قوله : وليس ذلك لمن فرغ من صلاته. ( ٤ : ٣٤٢ ).
وربما يشهد له أنّ
هاشم بن سالم روى ما ذكره بعينه عن سليمان بن خالد عن الصادق 7 ، فيكون المراد
أنّه إذا وجد الجماعة وهو مشغول بصلاته وحده ، كما هو ظاهر صيغة المضارعة ، فيكون
الجواب أنّه إن شاء
__________________
أن يصلّي الفريضة
معهم برفعه اليد عن التي هو مشغول بها فعل كذلك ، فيصير التي هو مشغول بها نافلة
في صورة صلاحية جعلها نافلة.
وإنّما قلنا : إن
شاء ، لأنّ في رواية هشام زاد في آخرها : « إن شاء ».
ويحتمل أن يكون
المراد أنّه ينوي أنّ هذه التي يصلّي معهم هي الفريضة ، بمعنى أنّه يختار الله
تعالى هذه له فريضة ، كما ورد في بعض الأخبار أنّ الله تعالى يختار أفضلهما
وأتمهما ، وفي بعض آخر : « يختار أحبّهما إليه » وظاهر أنّ المراد
: يختار في جعلها فريضة ، وإلاّ فالنافلة لا تخلو عن الثواب والرجحان البتّة ،
فتأمّل.
قوله : إذا أعاد من صلّى صلاته جماعة. ( ٤ : ٣٤٣ ).
قد تقدم في قوله :
والمتنفّل بالمفترض. رواية رواها في العوالي صريحة في ذلك ، فليراجع.
ويدل على ذلك أيضا
ما رواه في الكتاب المذكور عن معن بن عيسى ، عن سعيد بن السائب. عن نوح بن صعصعة ،
عن يزيد بن عامر ، قال : جئت والنبي 6 في الصلاة فجلست ولم أدخل معهم ، فانصرف 7 وقال : « ما منعك
أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ » قال : قلت إنّي كنت صلّيت في منزلي وكنت أحسب أنّكم
صلّيتم ، فقال : « إذا جئت فوجدت الناس يصلّون فصلّ معهم ، وإن كنت قد صلّيت تكن
لك نافلة ، وهي لهم مكتوبة » ولا يضرّ الضعف ، للتسامح في أدلة السنن ،
__________________
ولانجباره
بالشهرة.
وفي ذلك الكتاب
أيضا عن سليمان مولى ميمونة قال : أتيت ابن عمر على البلاط وهم يصلّون ، قلت : إلا
تصلّي معهم قال : قد صلّيت ، إنّي سمعت رسول الله 6 يقول : « لا تصلّوا الصلاة في يوم مرّتين » فالظاهر أنّه لا
يصلّى صلاة الفريضة مرّتين ، لتحقّق الامتثال بالأوّل.
قوله : لكن الأولى العمل برواية إسحاق. ( ٤ : ٣٤٨ ).
لا يخفى أنّ الشيخ
أيضا عمل برواية إسحاق للمرجّح ، لكن أوّل رواية طلحة جمعا بين الأخبار ، وإرجاعا
للخبر الذي ليس بحجّة إلى ما هو حجّة ، لأنّ الجمع مهما أمكن خير من الطرح ،
وللعذر الذي اعتذر به في أوّل التهذيب ، وطريقة المحقّق وسائر الفقهاء أيضا ذلك في
سائر مقامات الفقه.
قوله : وإن كان للتوقّف فيه مجال. ( ٤ : ٣٥٠ ).
لا وجه له ، لأنّ
مع التمكّن من الصلاة الصحيحة كيف يمكن الحكم بالاكتفاء بالفاسدة؟ وإن كانت كافية
في مقام العذر ، والله يعلم.
قوله : لعدم توجّه النهي إليه. ( ٤ : ٣٥١ ).
قد تقدّم الكلام
في ذلك ، وأنّ الأظهر أنّه مكلف بما قصّر في تعلّمه ومعرفته ، بل إنّه عالم إجمالا
غير عالم تفصيلا ، وعالم بوجوب معرفة التفصيل.
قوله : نعم يمكن الاستدلال عليه بما رواه الشيخ. ( ٤ : ٣٥٢ ).
في الاستدلال به
تأمّل ، إذ لا نزاع في إمامتها في الجملة ، إنّما النزاع
__________________
في الفرائض ، وهذا
الإطلاق في كلام الراوي ذكر لبيان حكم آخر ، فتأمّل.
قوله : هو استدلال ضعيف. ( ٤ : ٣٥٤ ).
مراد العلاّمة ; أنّه إذا ثبت صحة
صلاته يكون صالحا للإمامة مطلقا ، لعموم ما دل على صحة الجماعة ، وأنّ الإمام يصلح
أن يصير كلّ أحد ما لم يكن فاسقا ، إلاّ ما ( أخرجه الدليل ) كالأمّي والأخرس. إلاّ أن
يقال : الدليل الذي أخرجهما أخرج غيرهما أيضا ، فتأمّل.
قوله : ومن أصالة البراءة. ( ٤ : ٣٥٥ ).
الأصل لا يعارض
الدليل ، وإطلاق الحديث مقيّد بالدليل ، فالعمدة كون الدليل دليلا ووجها. فتأمّل.
قوله : وصاحب المسجد. ( ٤ : ٣٥٦ ).
في أمالي الصدوق :
من دين الإمامية الإقرار بأنّ أولى الناس بالتقدّم في الجماعة أقرؤهم للقرآن ، فإن
كانوا فيه سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا فيه سواء فأسنّهم ، فإن كانوا فيه سواء
فأصبحهم وجها ، وصاحب المسجد أولى بمسجده ، ومن صلّى بقوم وفيهم من هو أعلم منه لم
يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة . انتهى.
وفيه شهادة على
تقديم الأعلم مطلقا ، كصاحب المسجد ، كما أنّ رواية أبي عبيدة أيضا ظاهرة في تقديم
صاحب المنزل والإمارة مطلقا ، كما أفتى به المصنف ;.
قوله : فلأنّه يجري. ( ٤ : ٣٥٦ ).
__________________
فيه ما فيه ، وكذا
في ما ذكره بعده. مع أنّ العمومات تدل على الجواز ، لكن عبارة الأمالي تدل على
ذلك.
قوله : فلو تأخّر روسل ليحضر. ( ٤ : ٣٥٧ ).
في ما ذكره نظر ،
لعدم ظهور مأخذه ، بل يظهر من الأخبار خلافه ، وكذا كلام فقهائنا ، قال في المنتهى
: إذا حضر جماعة المسجد وكان الإمام الراتب له غائبا صلّوا جماعة يتقدّمهم أحدهم
لا ينتظرونه ، وقال الشافعي : يراسلونه إن كان قريبا.
فظهر منه أنّ
المراسلة المذكورة لم تكن مذهبا لأحد من فقهائنا إلى زمانه ، بل هو مذهب الشافعي.
ثم قال : لنا ما
رواه الجمهور أنّ الرسول 6 مضى في غزاة تبوك في حاجة له ، فقدّم الناس واحدا فصلّى
بهم ، فجاء الرسول 6 وقد صلّوا ركعة ، قال : « أحسنتم » .
ومن طريق الخاصّة
ما رواه معاوية بن شريح عن الصادق 7 ، قال : « إذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة ، ينبغي لمن
في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدّموا بعضهم ولا ينتظروا الإمام » قال : قلت :
وإن كان الإمام هو المؤذّن؟ قال : « وإن كان ، فلا ينتظرونه ويقدّموا بعضهم » ولأنّ في
الانتظار تأخير للعبادة عن أوّل وقتها ، وذلك شيء رغب عنه .
أقول : وروى الشيخ
والصدوق أيضا في الصحيح عن الحناط ، قال :
__________________
سألت الصادق 7 إذا قال المؤذّن
: قد قامت الصلاة ، أيقوم القوم على أرجلهم ، أو يجلسون حتى يجيء إمامهم؟ قال : «
لا ، بل يقومون على أرجلهم ، فإن جاء إمامهم ، وإلاّ فليؤخذ بيد رجل من القوم
فيقدّم » .
والمتبادر من قوله
6 : « ولا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله » . حضوره ، بل لا معنى [ له ] إلاّ ذلك ، إذ لو لم يكن حاضرا
فيهم وتقدّم غيره على غيره وصلّوا لا يصدق أنه يقدّم صاحب المنزل. فتدبّر.
قوله : المراد بالأقرإ. ( ٤ : ٣٥٨ ).
وقيل : الأكثر
قراءة ، لأنّه الظاهر من حال أصحاب النبي 6 ، يعني من كان قرأ من القرآن أكثر من الذي لم يقرأ هذا
القدر يقدّم عليه.
فتأمّل.
ويدل عليه ما رواه
الصدوق عن الصادقين 8 : « لا بأس أن يؤمّ الأعمى إذا رضوا به وكان أكثرهم قراءة
وأفقههم » .
قوله : وقد قطع المصنف. ( ٤ : ٣٥٨ ).
يشكل الأمر
بالنسبة إلى المصنّف ، فإنّه قدّم الأفقه على الأقدم هجرة وغيره من المرجّحات
المذكورة في الرواية ، مع أنّ المذكور في الرواية أنّه مؤخّر عن جميع المرجّحات
المذكورة.
قوله : لكنها ضعيفة السند. ( ٤ : ٣٥٩ ).
__________________
وعلى تقدير الصحة
أيضا لا تقاوم ما ورد في مدح الفقهاء وتعظيمهم.
سيّما وقد رجّح في
هذه الرواية الأسنّية أيضا على الفقاهة والعلم بالسنّة ، ولم يعتبر فيها الأصلحية
والأزهدية والأورعية ممّا هو سبب لقبول العمل وإجابة الدعاء والتقرّب إليه وقبول
الشفاعة. مع أنّه ورد في غير هذه الرواية الأمر بتقديم الخيار الأفاضل معلّلا بأنّ
إمام القوم وافدهم . بل ورد في الصحيح عن زرارة أنّه سأل الباقر 7 عن الصلاة خلف
العبد فقال : « لا بأس إذا كان فقيها ولم يكن هناك أفقه منه » وهذا صريح في
تقديم الأفقه. ومثل صحيحة زرارة موثقة سماعة ، فرواية أبي عبيدة ربما كانت واردة مورد التقيّة ، فتأمّل
، أو أنها كانت مختصّة بزمن الرسول 6 لمصلحة كانت فيه ، ومرّ عبارة الأمالي ، فلاحظ وتأمّل.
قوله : ورواه المرتضى. ( ٤ : ٣٦١ ).
ورواه الصدوق في
كتاب العلل .
قوله : أحسنهم صورة. ( ٤ : ٣٦١ ).
لأنّ حسن الصورة
تدل على حسن السيرة وجودة الأخلاق بحسب ما يظهر من علم القيافة والتجربة ،
والتخلّف نادرا إنما هو بحسب العارض ومن جهته. ولا ينافي ذلك سوء الاعتقاد فإنّ
ذلك من المرجّحات ولا مانع من أن يجتمع مع الكفر وغيره ، كما هو الحال في غيره من
المرجّحات
__________________
الأخر ، فتأمّل.
قوله : رواية معاوية بن ميسرة. ( ٤ : ٣٦٧ ).
هذا ليس دليلة ،
لأنّه يقتضي كراهته أعمّ ممّا ذكره ، ولعله أيضا كذلك.
قوله : ورواية أبي بصير. ( ٤ : ٣٦٨ ).
هذه الرواية صحيحة
، كما لا يخفى على من تأمّل في سندها.
قوله : وأطلق الأكثر. ( ٤ : ٣٦٩ ).
ويظهر من المعتبر
ادعاء بعض الفقهاء الإجماع ، ولعله بناء على المتعارف الغالب من كون المكلف
متمكّنا من الاختتان ، فتأمّل.
قوله : إلاّ أن نقول باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضدّ
الخاصّ. ( ٤ : ٣٧٠ ).
على هذا القول
أيضا لا تكون صلاته باطلة إلاّ إذا أوقعها في سعة الوقت مع التمكّن من الاختتان ،
أمّا مع حال عدم التمكّن فلا ، وكذا عند ضيق الوقت.
قوله : وفي الروايتين ضعف من حيث السند. ( ٤ : ٣٧٢ ).
رواية عباد بن
صهيب صحيحة ، إذ ليس في سندها من يتوقّف فيه إلاّ عباد وهو أيضا ثقة بنص النجاشي ، ووافقه في
الإيضاح ، والشيخ نقله في مواضع متعدّدة ، نقله في الفهرست والرجال
متعدّدا مكرّرا ، ولم
__________________
يتعرّض لقدح فيه
أصلا ، بل يظهر من الفهرست وعدّته كونه ثقة ، لأنّ في الفهرست ذكر أنّ ابن أبي
عمير يروي عنه ، وفي العدّة ذكر أنّه لا يروي إلاّ عن الثقة ، والكشي أيضا
روى فيه ما يدل على حسنه ، نعم روى فيه ما يدل على ذمّه وليس فيه ، بل هو
في عباد بن كثير البصري ، فلما ذكر فيه عباد البصري توهّم كونه ابن صهيب ، لأنّه
أيضا بصري ، والأوّل كان عدوّا للصادق 7 مؤذيا له ، والثاني كان من خواصّه وخلّص أصحابه ، فوقع
الاشتباه من العلاّمة .
وأمّا رواية
السكوني فقد مرّ الكلام فيها مرارا .
هذا مع أنّهم
يسامحون في المستحبات والمكروهات ، ومرّ وجهه في أوّل الكتاب .
مع أنّه ربما روي
في الكافي المنع بطريق صحيح عن الصادق 7 ، فلاحظ وتأمّل.
قوله : فكانت مجزئة. ( ٤ : ٣٧٣ ).
إتمام هذا الدليل
يتوقّف على ثبوت كبرى كلّية ، وليست بثابتة ، ولا هي من المسلّمات. مع أنّها
مخالفة لما يذكره مرارا من أنّ سقوط القراءة وإجزاء الصلاة التي قراءتها ساقطة
إنّما يكون في موضع ثبت من
__________________
الشرع ، وكذا ما يذكر
من أنّ العبادات توقيفية موقوفة على النص.
هذا إذا كان مراده
من المأمور به المأمور به بحسب مظنّة المكلف وعند ظنّه وفي اعتقاده.
وأمّا إذا أراد
المأمور به في الواقع فالصغرى ممنوعة ، بل مصادرة ، فالأولى الاقتصار على الأخبار
المذكورة الصحيحة والحسنة ، سيّما مع تأييد الشهرة العظيمة لها وخلوّها عن المعارض
المكافئ.
بل الأخبار الدالة
على عدم الإعادة في غاية الكثرة ، فتأمّل.
قوله : تبيّن فسادها. ( ٤ : ٣٧٤ ).
لعل مراده من
الفساد عدم مطابقتها للثابت من الشرع والمنقول منه ، وهو ; لا يعمل بأخبار
الآحاد.
قوله : وبأنّها صلاة منهي عنها. ( ٤ : ٣٧٤ ).
لعله بالنظر إلى
جاهل المسألة والمسامح في موضع المسألة ، وإلاّ فلا معنى للنهي عنها ، ودليل
الفقيه ربما يكون أخصّ من المدعى إذا كان المدعى ثبت من دليل آخر كلّه أو بعضه
الذي يكون غير ما ثبت من الأخصّ ، فتأمّل.
قوله : وكذا صلاة من إلى جانبيه. ( ٤ : ٣٧٦ ).
هذا مخالف لما
ذكره المصنف ، ومخالف لما دل عليه الصحيحة المروية عن زرارة عن الباقر 7 ، وهي دليل
المصنف ; وقد مرّت ، وذكرنا وجه الدلالة واشتباه الشارح وإمكان توجيه كلامه ،
فلاحظ.
__________________
قوله : وقال الشيخ في المبسوط. ( ٤ : ٣٧٧ ).
بل الظاهر منه في
غير المبسوط أيضا ذلك ، بل الصدوق أيضا ، لإيراده الأخبار الظاهرة في عدم جواز الفعل لا
الانفراد ـ كما ستعرف ـ ولم يوجّهها أصلا ، مع أنّه صنّف الفقيه لمن لا يحضره
الفقيه فكيف لم يوجّهها ولم يورد فيه حكاية النقل المذكور أصلا ولم يشر إليها
مطلقا؟ مع أنّه لو كان مجوّزا ذلك لكان اللازم ذكر ذلك لمن لا يحضره الفقيه ،
لابتلائه بما هو علاجه العدول المذكور ، فضلا أن يظهر خلاف ذلك وأنّ العلاج منحصر
في غير العدول ، كما ستعرف.
ومن ذلك يظهر حال
الكليني أيضا ، بل الشهيد في الدروس أيضا ما اعتبره أصلا ، كما لا يخفى على الملاحظ المتأمّل
فيه ، بل غيره أيضا لعله كذلك ، وليس عندي نسخه ، بل ربما كان الظاهر من اللمعة
وشرحه أيضا ذلك ، فليلاحظ.
قوله : وعلى الروايتين. ( ٤ : ٣٧٨ ).
الرواية الأولى لا
دلالة لها على محلّ النزاع بوجه ، وأمّا الثانية فيمكن الاستدلال بها ، لأنّ
المعصوم 7 حكم بنفي البأس من دون استفسار بأنّ التسليم قبل الإمام كان لعذر أم لا ،
والظاهر من كلام الشارح ; أنّه سلّم هذا ، لكن قال بمنع التعدّي عن هذه الصورة.
ويرد عليه : أنّه
قول ثالث وقول بالفصل ، فيثبت مطلوب المشهور
__________________
بضميمة عدم القول
بالفصل ، ولعل نظر الشارح إلى ما سيذكره بعد أوراق من اتفاق القائلين بالوجوب
والاستحباب على جواز تسليم المأموم قبل الإمام من غير ضرورة أيضا ، فإن تمّ فكلامه
وجيه.
هذه ويمكن حمل
الرواية على أنّه سلّم قبل الإمام سهوا ، بل ورد هذه الرواية عن أبي المعزا بطريق
آخر صحيح أيضا ، قال : سألت أبا عبد الله 7 عن الرجل يكون خلف الإمام فيسهو فيسلّم قبل أن يسلّم
الإمام ، قال : « لا بأس » فظهر أنّه وقع فيها سهو في الطريق الذي ذكره الشارح ; كما لا يخفى.
وقصارى ما يكون أنّه وقع اضطراب يمنع من الوثوق في مقام الاستدلال ، فتدبّر .
قوله ( وَلا تُبْطِلُوا
أَعْمالَكُمْ ). ( ٤ : ٣٧٨ ).
يعني أنّ الجماعة
أيضا عمل بلا تأمّل ، فإبطاله إبطال العمل ، وكثيرا ما يستدلون بهذه الآية على
المنع عن إبطال العمل ، والظاهر أنّ للآية إطلاق يرجع إلى العموم.
قوله : دليل يعتدّ به. ( ٤ : ٣٧٨ ).
لكن هذا الدليل
يقتضي المنع عن الانفراد في موضع يفوت القراءة ولا يمكن تداركها ، لا قبل الدخول
في القراءة وبعده بحيث يمكن استدراك القراءة. إلاّ أن يتمسّك بعدم القول بالفصل ،
فتأمّل.
قوله : « لا صلاة لهم إلاّ بإمام ». ( ٤ : ٣٧٨ ).
__________________
سيّما بملاحظة
التتمّة ، وهي قوله 7 : « فليتقدّم بعضهم فليتمّ بهم ما بقي منها وقد تمّت
صلاتهم » فظهر منها أنّه متى ما تيسّر أن يتقدّمهم بعضهم ويتمّ بهم لا يجوز لهم
العدول ولا تصح صلاتهم إلاّ بذلك.
وهذه الصحيحة [
رواها ] الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب ولم يوجّها أصلا ،
فظهر أنّهما ما كانا يجوّزان العدول مطلقا ، بل رويا أخبارا كثيرة ظاهرة في عدم
جواز ذلك العدول ، لأنّهما رويا أخبارا كثيرة موافقة لمضمون هذه الصحيحة.
ورؤيا أيضا عن
داود بن الحصين ، عن الصادق 7 : أنّ المسافر لا يؤمّ الحضري ، فإن ابتلى بذلك سلّم بعد
إتمام الركعتين ، ثم أخذ بيد بعضهم فقدّمه ، فأمّهم . وهذه أيضا ظاهرة
في انحصار العلاج حينئذ في تقديم من يتمّ بهم.
ورؤيا أيضا
الأخبار الواردة في أنّ من سبق الإمام من المأمومين يجب عليه أن يعود ويتابع
الإمام ، وهي أيضا كثيرة صحيحة ومعتبرة ، وذكرها الشارح في مسألة
وجوب متابعة المأموم للإمام ، والدلالة أيضا ظاهرة ، لجعل المعصوم 7 العلاج منحصرا في
الرجوع والعود مع الإمام ، لا أنّه مخيّر بين ذلك وبين العدول المذكور ، وبالجملة
: أمثال هذه الأخبار أورداها ولم يتعرّضا إلى توجيه أصلا.
__________________
وممّا ذكر ظهر حال
الكليني ; أيضا وأنّه موافق لهما ، بل وكثير من الفقهاء حيث ذكروا أمثال ما ذكرناه فتوى من
دون توجيه أصلا ، ولا إظهار لجواز العدول المذكور ، مع أنّ المقام مقام لزوم
الإظهار لو كانوا قائلين ، والله يعلم.
قوله : لعدم ثبوت التعبّد بذلك. ( ٤ : ٣٧٩ ).
ولما يظهر من
أخبار متعدّدة أنّ من كان في الصلاة فانعقدت الجماعة يتم صلاته ركعتين ويستأنف مع
الإمام والجماعة صلاته ويجعل ما صلّى أوّلا تطوّعا ، منها : صحيحة سليمان بن خالد ، ومنها : موثقة
سماعة ، وسيجيء عند قول المصنف : وان كانت فريضة نقل. دعوى الإجماع على ذلك أيضا
وأنّه مقطوع به في كلام الأصحاب .
قوله : كان له الاقتداء في التتمّة. ( ٤ : ٣٧٩ ).
لم نعلم دليل حكمه
بالجواز هنا من دون تردّد وتردّده في جواز الاقتداء بإمام آخر أو منفرد. وإلحاقهما
بمسألة ما لو مات الإمام في الأثناء أو عرض له مانع فيه ما فيه.
قوله : وهو حسن. ( ٤ : ٣٨١ ).
لا حسن فيه أصلا ،
أمّا الأوّل فلأنّه لو تمّ لزم جواز القطع لكلّ ما هو أفضل من الأذان أيّ شيء
يكون ، مع أنّ قطع الفريضة من غير ضرورة
__________________
حرام وفاقا ونصوصا
، كما حقّقنا ، إلاّ ما ورد من الأئمّة 7 ، مثل القطع لتدارك الأذان والإقامة.
مع أنّه لما ثبت
حرمة القطع وجاز العدول إلى النفل ـ كما مرّ ـ فلا وجه للقطع حينئذ. وأمّا الثاني
فلأنّه من البديهيات أنّ العدول غير القطع ، ولا وجه للخفاء على أحد ، والله يعلم.
قوله : لأنّ النهي في الرواية الأولى. ( ٤ : ٣٨٣ ).
لا يخفى ما فيه ،
لأنّ قوله 7 : « لا يقرأ » نفي لا نهي ، كما هو ظاهر على من تأمّل أدنى تأمّل ، مع أنّه
بحسب الصورة يحتمل النفي كما يحتمل النهي من دون تفاوت ، ولا قرينة على كونه نهيا
إن سلّمنا عدم الظهور في كونه نفيا ، فعلى هذا لم يثبت من الرواية ما يمنع بقاء
الأمر على حقيقته التي هي الوجوب ، والأصل بقاؤه عليها حتى يثبت المانع ، بل هذا
الأصل أيضا يرجّح كونه نفيا لا نهيا.
ويرجّحه أيضا أنّه
لو كان نهيا لكان مجازا من دون قرينة في الحديث ، والمجاز خلاف الأصل ، سيّما إذا
لم يكن في الحديث ما يصلح للقرينة.
هذا كلّه بعد
تسليم عدم الظهور في النفي ، ومثل هذا النفي باق على حقيقته لا داعي أصلا إلى
الحمل على المجاز الذي هو النهي ، لأنّ مراد المعصوم 7 أنّ في الركعتين الأخيرتين تكون القراءة منتفية ، بل
المقرّر التسبيح والتحميد والدعاء ، وإن شاء المكلف أن يقرأ فاتحة الكتاب لا مانع
منه ، لأنّها تسبيح وتحميد ودعاء على ما صرّحوا بذلك في الأخبار
الأخر ، وهذا الخبر
موافق لها.
هذا كلّه على
تقدير تسليم ما ذكره بقوله : ومع اشتمال الرواية.
وفيه نظر ظاهر ،
لأنّ الأصل الحقيقة حتى يثبت خلافها ، وقد مرّ الكلام في ذلك في أوّل الكتاب ،
وأنّ ذلك خلاف طريقة الفقهاء ، وأنّه ربما يوجب ذلك سراية الوهن في جلّ أخبارنا لو
لم نقل كلّها ، فلاحظ وتأمّل.
على أنّ في هذه
الرواية ما يمنع عن الحمل على الاستحباب ، مع قطع النظر عن كون الاستحباب معنى
مجازيا للأمر ، وأنّه لا بدّ من ثبوت قرينة صارفة ، لأنّ قوله 7 : « قرأ في كل
ركعة. » تفسير وبيان لقوله 7 : « جعل أوّل ما أدرك أوّل صلاته » ولا شكّ في أنّه واجب ،
وأنّه لا يجوز قلب الصلاة.
وممّا ذكرنا ظهر
ما في كلامه في الرواية الثانية ، فتدبّر.
مع أنّ قوله : قال
: وسألته. كلام على حدة وسؤال وجواب لا دخل لهما في السابق فيبعد غاية البعد أن
يسري السابق في هذا ، وقوله 7 : « فإنّهما لك
الأوّلتان » تعليل للأمر بالقراءة ، وكذا نهيه 7 عن جعله أوّل صلاته آخرها ، فتأمّل.
قوله : وهو لا يدل صريحا. ( ٤ : ٣٨٣ ).
لا يخفى أنّ
القراءة حقيقة في التلفّظ ، وكونها في النفس ظاهر في أنّه لا يسمعها الإمام
والمأمومين ، وهكذا أفتوا ، ولا وجه للتأمّل من جهة ما ذكره أصلا. وممّا يشير إلى
كون المراد القراءة الحقيقية لا المجازية صحيحة الحلبي ، والعلة المنصوصة وغير ذلك
ممّا ذكر في الحاشية السابقة.
__________________
قوله : وهي غير صريحة في وجوب الاستيناف. ( ٤ : ٣٨٥ ).
بل ولا ظاهرة لو
لم نقل بظهورها في عدم الاستيناف ، فتأمّل.
قوله : في رواية محمد بن مسلم الصحيحة. ( ٤ : ٣٨٥ ).
في هذه الرواية لا
دلالة على المنع ، لأنّه روى عن الباقر 7 أنّه « لا يعتدّ بالركعة التي لم يشهد تكبيرها مع الإمام »
نعم في روايته عن الصادق 7 روى النهي ، ويمكن أن يكون المراد المنع عن الدخول على وجه يعتدّ
بالركعة ، كما هو المتعارف جمعا بين روايتيه ، فتأمّل.
قوله : بل لعدم ثبوت التعبّد بذلك. ( ٤ : ٣٨٥ ).
ظاهر رواية معلّى
مع الشهرة العظيمة يكفي للعبادة المستحبة.
قوله : وهي ضعيفة السند. ( ٤ : ٣٨٦ ).
إلاّ أنّها منجبرة
بالشهرة وغيرها.
قوله : عن غاية ما يدرك به الجماعة. ( ٤ : ٣٨٧ ).
يمكن الفرق بين
إدراك الجماعة وإدراك شيء من الجماعة ، ورواية عمار محمولة على الثاني ومنجبرة
بالشهرة ، فتأمّل.
قوله : والظاهر أنّ الاقتصار على الجلوس أولى. ( ٤ : ٣٨٧ ).
بعيد ، بل الظاهر
الإتيان بالسجود ، بل بالتشهّد أيضا متابعة للإمام ، لأنّه الظاهر من إدراك الصلاة
مع الإمام ، فتأمّل.
__________________
( مع أنّ أولوية
الاقتصار على الجلوس إن كانت من جهة عدم التصريح بالإتيان بالسجود والتشهّد ، ففيه
: أنّ الجلوس أيضا كذلك ، فإن قال : إنّ مقتضى الظاهر من الإدراك الإتيان بما فعله
الإمام ، قيل : فيلزم الإتيان بالكلّ ، فتأمّل جدّا ) .
قوله : في الصحيح عن أبي المعزا. ( ٤ : ٣٨٧ ).
مرّ الكلام في هذه
الصحيحة من أنّ الظاهر وقوع سهو فيها ، والثالثة صورة العذر ولا غبار عليه ، نعم الثانية يصح
الاستدلال بها بأنّ خصوصية تطويل الإمام التشهّد وعروض الحاجة لا دخل لهما في فتوى
الفقهاء ، فتأمّل.
قوله : مبني على تحريم المحاذاة. ( ٤ : ٣٨٨ ).
كون البناء على
ذلك محلّ تأمّل ، لأنّ هيئة الجماعة وظيفة شرعية ، والظاهر من الأخبار تعيّن تأخير
النساء فيها ، فتأمّل.
قوله : عامي. ( ٤ : ٣٨٩ ).
إلاّ أنّ الشيخ في
العدّة ادعى إجماع الشيعة على العمل بروايات أضرابه [ في ما ] لم ينكروا [ ه ]
ولم يكن عندهم خلافه ، وفي الفهرست أن كتابه [ معتمد ] . وفي رجال
النجاشي أنّ كتابه يرويه
__________________
جماعة . وابن مسكان ممّن
أجمعت العصابة ( ويروي عنه صفوان في الصحيح ، وهو أيضا ممّن أجمعت العصابة ) فتأمّل.
قوله : ومع المطر لا يتأكّد استحباب التردّد إلى المساجد ... (
٤ : ٣٩٢ ).
يظهر من صحيحة أبي
عبيدة التي مضت في مبحث أوقات الصلاة في وقت صلاة العشاء أنّ الرسول 6 كان في ليلة
المطر والريح يصلّي في المسجد ، على ما هو الظاهر. ويمكن أن يكون عريشه كان على وجه لا
يقطر السقف على المصلّين ، كما نشاهد الآن بيوت القصب وغيرها ، فتأمّل.
قوله : ويمكن حمل الوضوء فيها. ( ٤ : ٣٩٣ ).
لا وجه للحمل على
ما ذكره ، لما ثبت في محلّه من ثبوت الحقيقة في زمان الصادق 7 ، سيّما في مثل
هذه الألفاظ ، وخصوصا بعد فتاوى الفقهاء الخبيرين الماهرين ، مع بعده عن دلالة هذا
الحديث ، كما لا يخفى.
قوله : علّله في المعتبر. ( ٤ : ٣٩٤ ).
وعلّل تقديم
اليسرى عند دخول الخلاء واليمنى عند الخروج عنه بأنّ الشيخ وجماعة من الأصحاب
ذكروا ذلك ، ومتابعتهم حسن .
أقول : قد ورد
النص في استحباب تقديم اليمنى دخولا في المسجد ،
__________________
واليسرى خروجا عنه
، رواه في الكافي بسنده إلى يونس عنهم 7 ، قال : قال : « الفضل في دخول المسجد أن تبدأ برجلك
اليمنى إذا دخلت ، وبرجلك اليسرى إذا خرجت » .
قوله : والتعهّد أفصح من التعاهد. ( ٤ : ٣٩٥ ).
سمعت عن بعض مشايخي
أنّ اختيار التعاهد على التعهّد تشبيها للمتعاهد والنعل بالمتعاهدين من حيث إنّ
المتعاهد يخلع نعله ويرفعه إلى حذاء وجهه للمشاهدة وملاحظة حاله ، فتأمّل.
قوله : فيكون إحداثه بدعة. ( ٤ : ٣٩٨ ).
فيه ما فيه ، لأنّ
البدعة اللغوية ليست بحرام.
قوله : وهذه الرواية ضعيفة السند. ( ٤ : ٣٩٨ ).
فتصلح سندا
للكراهة لا الحرمة أيضا. مع أنّ المتن أيضا لا يدل على الحرمة دلالة واضحة.
قوله : لا يعطى أزيد من الكراهة. ( ٤ : ٣٩٨ ).
لم نجد فيه دلالة
على الكراهة أيضا.
قوله : إذا استلزم تنجيس المسجد. ( ٤ : ٣٩٩ ).
لما في بعض الأخبار
من جواز دخول الحائض المسجد مجتازة .
قوله : ولم أقف على نص يتضمّن كراهة المحاريب. ( ٤ : ٤٠١ ).
المتعارف جعل
المحراب في الجدار ، كما قيل ونشاهد الآن ، لكن
__________________
ليس داخلا في
الجدار بحيث إذا قام الإمام فيه خفي على الصفّ الأوّل إلاّ من كان بحياله ، بل
إمّا أنّها ليست بداخلة أصلا أو تكون بدخول قليل ، فالمراد بالمحاريب الداخلة ما يكون
بحيث إذا دخلها الإمام تصير حائلة بينه وبين المأمومين إلاّ من كان بحيال الباب من
قبيل المقاصير التي أحدثها الجبّارون ، أو يكون نفس المقاصير ، وهذا يناسبه الكسر
، لأنّه في الحقيقة بيت ، ولذا قال 7 : « كأنّها مذابح اليهود » لا أنّها مجرّد أثر في الحائط
أو دخول قليل حتى لا يناسبه الكسر.
وما قيل من أنّ
المراد من المذابح نفس المحاريب في هذا الحديث لما في القاموس ، بعيد ، كما لا
يخفى على المتأمّل.
قوله : في المساجد الموضوعة للطاعات. ( ٤ : ٤٠١ ).
كونها موضوعة لكلّ
طاعة محلّ تأمّل ، بل الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ، وحكم أمير المؤمنين 7 مجرّد اتفاق ،
ودكّة القضاء أيضا حصلت من قضاء اتفاقي ، كما نقل ، والممنوع في
الرواية إنفاذ الأحكام ، وكذا في فتوى الفقهاء ، وضعف السند منجبر بالشهرة ، مع
أنّ المقام مقام التسامح في الدليل ، كما حقّق في أوّل الكتاب. مع أنّه سيجيء في
صحيحة ابن مسلم تعليل المنع ببري النبل فيها بأنّها بنيت لغير ذلك ، وتعريف
الضوالّ أيضا طاعة ، وكذا البيع والشراء مطلقا أو في بعض الوجوه ، وكذا الصنائع
وغيرها ، فتأمّل. مع أنّ من إنفاذ الأحكام يحصل تشويش الخاطر للمصلّين غالبا ،
فتأمّل.
قوله : لما رواه الكليني في الصحيح. ( ٤ : ٤٠٢ ).
__________________
في الصحيح عن موسى
بن جعفر 8 عن الشعر أيصلح أن ينشد في المسجد؟ قال : « لا بأس » وعن الضالّة أيصلح أن
تنشد في المسجد؟ قال : « لا بأس » .
قوله : لا يوجب إعادة الصلاة. ( ٤ : ٤٠٥ ).
بل الأخبار
الأوّلة ظاهرة في عدم الإعادة وعدم المنع عن الصلاة أيضا ، فتأمّل.
قوله : ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم. ( ٤ : ٤٠٥ ).
روى في الصحيح :
أنّ الجواد 7 تفل في ما بين الركن اليماني والحجر الأسود ولم يدفنه . وفي رواية : أنّ
الباقر 7 يصلّي في المسجد فيبصق أمامه وعن يمينه وعن شماله وخلفه ولم يدفنه .
قوله : واستحباب ستره بالتراب. ( ٤ : ٤٠٥ ).
في الصحيح : أنّ
الباقر 7 إذا وجد قملة في المسجد دفنها في التراب .
قوله : نقضهما. ( ٤ : ٤٠٦ ).
النقض بضم النون
آلات بنائهما لا المصدر ، إذ لا وجه لنقضهما لجعلهما مسجدا ، مع أنّه خلاف ظاهر
العبارة أيضا. فتأمّل.
قوله : وفعل النبي 6 وقع اتفاقا. ( ٤ : ٤١٤ ).
__________________
لا يقال : إنّهم
إن كانوا في جهة القبلة يمكنهم الصلاة على الاجتماع ، لأنّا نقول : يمكنهم الصلاة
بالإيماء لا الركوع والسجود ، نعم إن أمنوا من الركوع والسجود أمكنهم الاجتماع ولو
كان الخصم في غير جهة القبلة ولا يكون خوف ، فتأمّل.
قوله : لخائف العدوّ. ( ٤ : ٤٢٥ ).
لا يخفى أنّ مضمون
صحيحة زرارة هو أنّ صلاة خائف اللّص والسبع واحدة بحسب الكيفية والعدد ، ومع ذلك
قال : « يصلّي صلاة المواقفة » وصلاة الموافقة قصر.
وأيضا صحيحة زرارة
التي استدل بها الشارح ; على تحقّق القصر في الخوف في الحضر أيضا يدل على أنّ مطلق
الخوف يصير سببا للقصر ، سيّما بملاحظة قوله 7 : « وصلاة الخوف أحقّ من أن تقصر من صلاة السفر الذي لا
خوف فيه » . هذا مع ادعاء المحقق إجماع علمائنا على ذلك .
وصحيحة عبد الرحمن
أيضا صريحة في أنّ صلاة الزحف تكبير وتهليل ، واستشهد بقوله تعالى ( فَإِنْ
خِفْتُمْ ). الآية ، فلو كان الخوف يشمل ما نحن فيه فظاهرها أنّه يصلّي
صلاة الزحف ، وهي مقصورة قطعا.
وفي غير واحد من
الأخبار أنّ صلاة خائف اللص والسبع بنحو
__________________
واحد . إلاّ أن يقال :
إنّ الغالب كون الخوف من اللصّ والسبع في السفر ، ( ولا يخلو من تأمّل ، سيّما وأن
يكون السفر سفرا شرعيا ) فتأمّل.
قوله : فالظاهر أنّه يقصر العدد أيضا. ( ٤ : ٤٢٦ ).
لعل هذا الحكم منه
بناء على كون هذا الخوف فردا من الخوف الذي يجب لأجله القصر.
قوله : سوى ما رواه ابن بابويه. ( ٤ : ٤٢٩ ).
لا يخفى أنّ ما
رواه ابن بابويه رواه الكليني أيضا ، وفيها ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع ، فظهر أنّه وقع
في رواية الصدوق سقط ، مع أنّ القطع حاصل بفسادها ، لأنّ البريدين مسيرة يوم من
بياضه إلى بياضه ، كما نطقت به الأخبار.
ويمكن الجمع بينه
وبين ما ذكره القوم بحمل الذراع على ما هو أطول ممّا ذكروه بقليل بحيث يصير ثلاثة
آلاف وخمسمائة أربعة آلاف ، والميل مثل سائر الموضوعات والألفاظ يرجع فيه إلى
اللغة والعرف ، والروايتان ضعيفتان مع القطع بفساد الثانية. فتأمّل.
قوله : جازما به. ( ٤ : ٤٣٠ ).
ليس كذلك بلا شبهة
، بل ذكره بعنوان كلمة « أو » بل وأخّره ، والنسبة إلى الشهرة بين الناس تنبيه على
مأخذ الحكم ، وهو من المسلّمات عنده وعند غيره من الفقهاء أنّهم يرجعون في
الموضوعات للأحكام وألفاظها إلى اللغة والعرف.
__________________
قوله : فيحتمل قويا. ( ٤ : ٤٣٢ ).
ليس بشيء ، بل
الأولى اعتبار الاعتدال فيه أيضا ، لأنّ المراد من مسيرة يوم هو السير أربعة
وعشرين ميلا ، كما نطقت به الأخبار وفتاوى الأخيار ، وهو المطابق للاعتبار ، إذ لا
وجه في تغيّر الحكم بتغيّر أمارة المقدار ، فتأمّل جدّا.
قوله : لا ريب في الاكتفاء بالسير. ( ٤ : ٤٣٢ ).
فيه تأمّل ظاهر ،
إذ لا بدّ من مساواة السير للمقدار واعتبار الموازنة ، كما نبّهنا عليه في الحاشية
السابقة ، وإن احتمل الاكتفاء بالتقريب في السير ، بل هذا هو الأظهر ، كما سنشير
إليه. فتأمّل.
قوله : مع ثبوت المسافة بالأذرع. ( ٤ : ٤٣٢ ).
لعل هذا التقييد
منه بناء على أنّه لا يعرف مسافة السير إلاّ بفعلية السير ، وفيه ما فيه ، بل
الظاهر أنّ المعرفة بالسير أيضا يحصل بالسير السابق ، ومعلوم أنّ الحكم هو ما ذكره
مع ثبوت المسافة مطلقا.
قوله : إذا أراد الرجوع ليومه. ( ٤ : ٤٣٤ ).
الظاهر أنّ المراد
نهاره وبياضه ، وربما قيل بدخول الليلة فيه مدعيا التبادر ، وفيه ما فيه.
قوله : وإذا كان سفره أربعة فراسخ. ( ٤ : ٤٣٤ ).
في الفقه الرضوي :
« التقصير واجب إذا كان السفر ثمانية فراسخ ، فإن كان السفر بريدا واحدا وأردت أن
ترجع من يومك قصّرت ، لأنّ ذهابك ومجيئك بريدان ، وإن عزمت على المقام وكان سفرك
بريدا واحدا ثمّ تجدّد
__________________
لك فيه الرجوع من
يومك فلا تقصّر » إلى أن قال : « وإن سافرت إلى موضع مقداره أربعة فراسخ ولم ترد
الرجوع من يومك فأنت بالخيار ، فإن شئت أتممت ، وإن شئت قصّرت ، وإن كان سفرك دون
أربع فالتمام عليك واجب » .
وقال الصدوق في
أماليه : من دين الإمامية الإقرار بأنّ حدّ السفر الذي يجب فيه القصر في الصلاة
والإفطار في الصوم ثمانية فراسخ ، فإن كان سفر الرجل أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع
من يومه فهو بالخيار إن شاء أتمّ وإن شاء قصّر ، وإن أراد الرجوع من يومه فالتقصير
عليه واجب .
وسيجيء في رواية
ابن مسلم الإشارة إلى اعتبار الرجوع ليومه .
ولما ذكرنا ترى
الفقهاء الفحول الذين هم أئمّة في الفهم والفقه كانوا يفهمون من الرجوع كونه ليومه
من دون تأمّل ولا تزلزل ولا اعتراض لأحدهم على الآخر في ذلك ، إلى أن بعد العهد
وخفي منشؤ فهمهم فشرعوا في الاعتراض عليهم مثل الشارح وأمثاله ممّن بعده عهده ،
فظهر أنّ الأقوى مذهب هؤلاء الأعاظم ، وبه يتحقّق الجمع بين أخبار هذا الباب.
وقيل : الأقوى
مذهب ابن أبي عقيل ، لحكاية توبيخ أهل عرفات في عدم قصرهم .
__________________
وفيه : أنّ ما
ذكرناه هنا صريح في خطأ ابن أبي عقيل. وأمّا توبيخ أهل عرفات فلعلّه لأنّهم لا
يجعلون هذا القدر من المسافة مسافة للقصر أصلا ، ويحكمون بسبب هذا بوجوب الإتمام.
وقولهم 7 : « أيّ سفر أشدّ منه » لعله إقناعي وجدل ، كما هو دأبهم 7 ، بأنّه ظاهر أنّ
منشأ القصر التخفيف على المسافر من شدّة تكون بهم غالبا ، فتأمّل.
وممّا يشهد على
بطلان مذهبه أنّه ورد في بعض الأخبار القصر في الأربعة التي لم ينضمّ إلى أربعة
الإياب ، وهو خبر عمران عن الجواد 7 أنّه يقصّر في طريقة إلى ضيعته ويتمّ في الضيعة ، والمسافة إليها
خمسة فراسخ ، فلاحظ وتأمّل.
مع أنّ المنقول من
مذهبه لا شاهد له في الأخبار. وتأويل كلامه بأنّ مراده من : ما دون عشرة ، عدم قصد
الإقامة في الأثناء ، وأنّه أحد القواطع الثلاث يعني أنّه لا يقطع سفره بالوصول
إلى الوطن أو البقاء متردّدا ثلاثين يوما ، بعيد ، مع أنّه لا شاهد له ، فتأمّل
جدّا.
قوله : ونحوه قال المفيد. ( ٤ : ٤٣٤ ).
الظاهر من الكليني
; تحتّم القصر إذا كان المسافة أربعة فراسخ مطلقا ، لأنّه لم يأت في الكافي في
باب صلاة المسافر إلاّ بأحاديث الأربعة ، ولم يرو أحاديث الثمانية ولم يعتن بشأنها
مطلقا .
ويمكن أن يكون
مراده : أدنى مسافة يتحقّق فيها القصر أربعة ، أعمّ من أن يكون القصر بعنوان
الوجوب أو الجواز ، لما ذكرنا في الحاشية
__________________
السابقة ، ولأنّه
لم ينسب إليه أحد القول بالأربعة مطلقا على سبيل الوجوب ، ولأنّه ترك بعض الحديث
في بعض الأخبار وأتى بالبعض وهو أنّ المسافة أربعة ، والمتروك هو أنّه إذا رجع
يصير ثمانية فراسخ ، وأنّ الغالب الرجوع ، فتأمّل.
قوله : ثم قال : على أنّ الذي. ( ٤ : ٤٣٤ ).
الظاهر من قوله :
على أنّ الذي نقول. ، كون هذا القول علاوة لما ذكره من التوجيه وتتمّة له ، كما هو
رأيه في النهاية ، والنهاية فتاويه على طبق ما في كتابيه كما لا يخفى على المطلع ،
فهو في كتابه الحديث أيضا موافق لشيخه المفيد والصدوق. وكون التهذيب شرح كلام
المفيد قرينة أخرى على ما ذكرناه ، فما سيذكره الشارح من أنّ مذهبه التخيير في
الأربعة على الإطلاق ، فيه ما فيه.
ومن المؤيّدات لما
ذكرناه كلام الصدوق في أماليه .
ومن المؤيّدات
إنّه استشهد برواية ابن مسلم وابن وهب وغيرهما مع كونها نصا في أنّ المراد من
البريد والأربعة هو الثمانية بناء على اعتبار الرجوع واعتباره ، ولم يتوجّه إلى
توجيه هذه الروايات أصلا. وبالجملة : لا تأمل في ما ذكرناه ، كما لا يخفى ( على
المتأمّل ) .
قوله : أنّ إطلاق الأمر. ( ٤ : ٤٣٦ ).
إن أراد أنّه لا
يجوز ورود الإطلاق في حديث ويكون مقيّدا ما لم
__________________
يذكر في ذلك
الحديث لفظ يدل على القيد ، فهو بديهي الفساد ، لأنّ جلّ المطلقات ـ لو لم نقل
كلّها ـ ليست كذلك ، بل يظهر القيد من دليل آخر : خبر ، أو آية ، أو إجماع ، أو
غيرها.
وإن أراد أنّه
يكفي ورود القيد في دليل آخر من خبر أو غيره ، ففيه : أنّ الصحاح المذكورة وغيرها
ممّا سنذكره صريحة في أنّ المطلقات مقيّدة بالرجوع ، مضافا إلى أنّ الغالب في
الأسفار الرجوع ، والمطلق ينصرف إلى الغالب ، كما صرّح به مرارا .
وإن أراد أنّ قيد
كون الرجوع من يومه لا يظهر من دليل ، فهذا بعينه هو اعتراضه الثاني.
مع أنّك قد عرفت
وجه التقييد بيومه ، وهو الإجماع المنقول عن الصدوق ، والإجماع المنقول حجّة ، كما
حقّق في محلّه ، والفقه الرضوي أيضا حجّة ، كما حقّقنا ، سيّما إذا كان
منجبرا بطريقة الإمامية وعمل قدمائنا الفقهاء ، وإن شئت قلت : الإجماع المنقول ،
وكذا منجبر بالإشعار في صحيحة ابن مسلم وغير ذلك ممّا أشرنا.
مع أنّ مجرّد
الإشعار في الصحيحة كاف للجمع ، لأنّه رفع التناقض عن أقوال المعصومين 7 ، وهو أولى من
الطرح عندهم ، والشارح ; ربما يكتفي بالجمع المجرّد عن الإشعار وغيره ، فتأمّل.
وبالجملة :
الإشعار يصلح لتأييد جمع وترجيحه على جمع آخر ، لأنّ فيه مظنّة ، فكيف إذا اجتمع
مع الإجماع المنقول وعبارة الفقه الرضوي وغير ذلك؟
__________________
مع أنّه قال في شرحه
لقول المصنف : الشرط الأوّل المسافة : إنّه لا فرق مع ثبوت المسافة بالأذرع بين
قطعها في يوم. وهو ظاهر في أنّ المسافة لو ثبتت بالسير لا بدّ من قطعها
في يوم واحد ، ولا شكّ في أنّ الوارد في رواية ابن مسلم هو القطع بالسير ، فتأمّل.
وإن أراد أنّ كثرة
المطلقات مع قلّة المقيّد لا يجوز ، ففيه : أنّ المدار في الفقه على ذلك ، ألا ترى
أنّ الإطلاقات في وجوب الجمعة كثيرة غاية الكثرة ، والتقييدات فيها في الغالب بخبر
أو خبرين؟ بل ربما لا يكون بخبر مثل عدالة إمامها ، فإنّها لا تثبت من خبر صحيح
واضح الدلالة ، فتأمّل.
ويؤيّدهم أيضا
موثقة عمار ( عن الصادق 7 : عن الرجل يخرج في حاجته فيسير خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ
، فيأتي قرية فينزل فيها ، ثم يخرج منها خمسة فراسخ أو ستّة لا يجوز ذلك ، ثم ينزل
في ذلك الموضع ، قال : « لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ
، فليتمّ الصلاة » .
إذ في غاية [
الظهور ] أنّه من جهة الحاجة يسير خمسة أو ستّة فراسخ. وحملها على
عدم إرادة الرجوع إلى وطنه أصلا والحيرة بالمرّة ، بعيد جدّا ، وكذا على قصد
الإقامة ، فيكون المراد ممّا دل على الرجوع وانضمامه حتى يصير ثمانية هو الرجوع ليومه
أو ليلته ، والموثق حجّة سيّما إذا كان منجبرا بالشهرة.
__________________
وفي التهذيب حمله
على الهائم بقرينة روايته الأخرى عن الهائم .
وهو فاسد من وجوه
:
الأول : أنّ
روايته الأخرى أمر فيها بالقصر بعد ثمانية ، وفي هذه أمر بالإتمام بعد اثني عشر.
الثاني : أنّ
الضمير في قوله : « لا يكون » راجع إلى الرجل المذكور ، فمقتضى هذا أنّه يقصّر بعد
ثمانية فراسخ ، فكيف أمره بالإتمام بعد اثني عشر فرسخا؟
وأيضا لو كان
المراد هو الهائم لكان 7 يقول : لا يكون مسافرا حتى يكون هذا السير عن قصده ، إذا
الأربعة المقصودة تكفي للقصر حتما أو تخييرا ، فضلا عن ستّة ، فضلا عن اثني عشر ،
هذا.
مع أنّ ترك
الاستفصال عن كونه هائما أم لا يفيد العموم ، فضلا عمّا عرفت من عدم إمكان كونه
هائما ) .
قوله : لا يدل عليه اللفظ. ( ٤ : ٤٣٦ ).
في الكشي في ترجمة
محمد بن مسلم بسنده إلى محمد بن حكيم وصاحب له أنّهما سألا من شريك ـ وهو قاض من
قضاة العامّة ـ في كم يجب التقصير؟ فقال : ابن مسعود يقول كذا ، وفلان قال كذا ،
فقالا : شرطنا عليك أن لا تحدّثنا إلاّ عن رسول الله 6 ، ثم سألاه : على من تجب الجمعة؟ فقال أيضا : ما عندي في
هذا عن رسول الله 6 ، ثم قال لهما : لم تسألوا عن هذا إلاّ وعندكم علم منه
فقالا : نعم أخبرنا محمد بن مسلم الثقفي عن محمد بن علي عن أبيه عن جدّه عن النبي 6 « أنّ التقصير
__________________
يجب في بريدين ،
وإذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمّعوا » أخذناه من الكشي
مختصرا.
قوله : بعيد جدّا. ( ٤ : ٤٣٦ ).
لا يخفى فساد هذا
الاعتراض ، لأنّ التأويل للجمع هو ارتكاب البعيد ، وما ذكر ليس بذلك البعيد ، وما
قال من أنّه قبيح فيمتنع. أظهر فسادا وأقبح وأشدّ شناعة ، لأنّه سدّ لباب الجمع
بين الأخبار والآيات ، ومداره كلّه ومدار كلّ الفقهاء على الجمع ، والفقه مبتن
عليه.
بل في المقام يجمع
هو أيضا بين الأخبار بحمل الأربعة مطلقا على التخيير ، مع أنّه أبعد ، لأنّ صحيحة
زرارة وصحيحة ابن وهب وصحيحة محمد بن مسلم كلّ واحد منها صريحة في أنّ المراد من
الأربعة ما يصير ثمانية ، وأنّه فرد من الثمانية ، ولا شكّ في أنّ القصر في
الثمانية بعنوان الوجوب ، ألا ترى أنّ ابن مسلم تعجّب من قوله : « بريد »؟ لأنّه
كان سمع أنّه بريدان ، على ما يظهر من علم الرجال ، فأجاب 7 أنّه أيضا ثمانية
، ولم يقل : مرادي القصر على سبيل الجواز.
ومضمون هذه الصحاح
ليس منحصرا فيها ، بل ورد في غيرها أيضا ، مثل ما رواه الكليني عن إسحاق بن عمار ،
عن أبي الحسن 7 عن قوم خرجوا في سفر فلمّا انتهوا إلى الموضع الذي يجب
عليهم فيه التقصير ، إلى آخر الحديث ، وزاد في العلل في آخره : « لأنّ
التقصير في بريدين ولا يكون في أقلّ من ذلك ، فإن كانوا ساروا بريدا وأرادوا أن
ينصرفوا كانوا قد
__________________
سافروا سفر
التقصير ، وإن كانوا ساروا أقلّ من ذلك لم يكن لهم إلاّ إتمام الصلاة » .
وقريب منها صحيحة
أبي ولاد عن الصادق 7 ، ورواية المروزي عن الفقيه 7 : « أنّ التقصير في الصلاة بريدان أو بريد ذاهبا وبريد
جائيا ، والبريد ستّة أميال ، وهو فرسخان ، فالتقصير في أربعة فراسخ ، فإذا خرج من
منزله يريد اثني عشر ميلا وذلك أربعة فراسخ ، ثم بلغ فرسخين ونيّته الرجوع أو
فرسخين آخرين قصّر » . الحديث ، وظاهر أنّ المراد الفرسخ الخراساني وهو فرسخان ،
لأنّ الراوي مروزي ، وربما نقل الحديث بالمعنى لأهل المرو ، فتأمّل جدّا.
ويدل على ذلك
رواية إسحاق بن عمار التي سنذكرها في حكم منتظر الرفقة ، هذا.
مع أنّ ما اختاره
من الجمع لا قائل به من القدماء بل والمتأخّرين ، ومجرّد التقوية من الذكرى ليس قولا به ،
وكذا مثل روض الجنان إن صحّ ، وأين هذا ممّا نقل عن أمالي الصدوق وتصريحات
القدماء والمتأخّرين حتى الشهيدين ؟ فتأمّل.
__________________
قوله : وثالثا. ( ٤ : ٤٣٧ ).
الظاهر أنّه يمكن
توجيهه في مقام الجمع بين الأخبار ، والتصريح ليس في الخبر الصحيح ، وليس الحجّة
عند الشارح ; إلاّ الصحيحة ، فتأمّل ، مع أنّ رسول الله 6 ما كان وطنه مكّة وبيته فيها باعه عقيل ، ورسول الله رفع
يده عنه لذلك. مع أنّه سيجيء عن الشارح أنّ المعتبر استيطان ستّة أشهر في كلّ سنة
، فتأمّل.
قوله : ويدل عليه أيضا أنّ مقتضى الأصل. ( ٤ : ٤٣٨ ).
فيه أنّ الأصل في
المسافر القصر ، للعمومات ، إلاّ أنّ اشتراط الثمانية أو الأربعة مع العود اقتضى
كون الأقلّ يجب التمام فيه ، لأنّ المراد من الثمانية لو كان سيرها كيف كان لما
كان لذكر خصوص الأربعة والبريد وجه ، بل كان اللازم أن يقولوا : أقلّ مسافة القصر
نصف فرسخ بل ثلثه ، بل أقلّ منه أيضا ، فتأمّل.
قوله : وإلاّ وجب عليه الإتمام. ( ٤ : ٤٤١ ).
ويدل على هذه
الأحكام رواية إسحاق بن عمار عن الكاظم 7 عن قوم خرجوا في سفر ، فلمّا انتهوا إلى الموضع الذي يجب
فيه التقصير قصّروا ، فلمّا أن صاروا على رأس فرسخين أو أربعة تخلّف عنهم من لا
يستقيم سفرهم إلاّ بمجيئه ـ إلى أن قال 7 ـ : « إن كانوا بلغوا أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم ،
أقاموا أم انصرفوا ، وإن ساروا أقلّ من أربعة فليتموا الصلاة ما أقاموا ، فإذا
مضوا فليقصّروا » ثم قال : « هل تدري كيف صار كذلك؟ » قلت : لا ، قال : « لأنّ
التقصير في بريدين ، ولا يكون
__________________
في أقلّ من ذلك ،
فلمّا ساروا بريدا وأرادوا أن ينصرفوا بريدا قد ساروا سفر التقصير ، وإن ساروا
أقلّ من ذلك لم يكن لهم إلاّ إتمام الصلاة » قلت : أليس بلغوا الموضع الذي لا
يسمعون فيه أذان مصرهم؟ قال : « بلى إنّما قصّروا في ذلك الموضع ، لأنّهم لم
يشكّوا في مسيرهم ، فلمّا جاءت العلّة في مقامهم دون البريد صار هكذا » عجز هذه الرواية
مذكور في العلل ، وصدرها مذكور فيه ، وفي التهذيب أيضا.
قوله : وفي الصحيح عن علي بن يقطين. ( ٤ : ٤٤٢ ).
اعترض عليه بأنّ
غاية ما يثبت من الأخبار وجوب الإتمام في موضع الإقامة ، وفي المنزل الذي يستوطنه
، لا أنّ الشرط أن لا يقطع السفر بأحد القواطع .
ويمكن الجواب بأنّ
ما دل على اشتراط المسافة للقصر ومقدار تلك المسافة المشترطة ظاهر في كون المسافة
المشترطة بأجمعها يقصّر فيها ، وأنّها ليست بحيث يقصّر في بعضها ويتمّ في بعضها ،
فإذا حكم الشارع بوجوب الإتمام في موضع لم تكن تلك المسافة هي المسافة المشترطة ،
إلاّ أن يتحقّق بعد الموضع مسافة يقصّر في جميع أجزائها ، ويكون الحكم بحسب ظاهر
الدليل الشرعي التقصير في كلّ جزء جزء إلى آخرها ، فلاحظ الأخبار وتأمّل فيها.
مع أنّه ربما كان
وطنه بحيث إذا دخل فيها خرج عن المسافر عرفا ،
__________________
بل الذي في وطنه
يصدق عليه عرفا أنّه غير مسافر الآن. وصحيحة ابن يقطين وغيرها يشير إلى ذلك ،
فتأمّل. فيكون السفر بعد ذلك سفرا جديدا وعلى حدة ، فتدبّر.
ولا يخفى أنّ حكم
الثلاثين متردّدا حكم المذكورين.
ويدل أيضا على ما
ذكرنا صحيحة زرارة عن الصادق 7 أنّه قال : « من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه
التمام ، وهو بمنزلة أهل مكّة » الحديث .
وصحيحة صفوان عن
إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن 7 عن أهل مكّة إذا زاروا عليهم إتمام الصلاة؟ قال : « نعم ،
والمقيم إلى شهر بمنزلتهم » وجه الدلالة عموم المنزلة من غير تخصيص. فتأمّل.
وفي الموثق عن
سماعة قال : قال : « من سافر قصّر الصلاة وأفطر إلاّ أن يكون مشيّعا لسلطان جائر
أو خرج إلى صيد أو إلى قرية له يكون مسير يوم يبيت إلى أهله ، لا يقصّر ولا يفطر »
فتأمّل.
وأيضا إذا تعلّق
بالمكلف الحكم بوجوب الإتمام حين الإقامة أو الكون في الوطن أو ثلاثين يوما يكون
الحكم مستصحبا حتى يثبت خلافه ، ولا يثبت إلاّ بالسفر بعد ذلك سفرا مستجمعا لشرائط
القصر.
وأيضا الظاهر من
صحيحة أبي ولاد وجوب الإتمام على ناوي الإقامة إلى أن يسافر السفر
المستجمع ، كما ستعرف.
__________________
وأيضا غير واحد من
الأخبار مطلق في وجوب الإتمام بعد نيّة الإقامة ، وكذا الحال في الوطن وبعد ثلاثين
يوما ، فتأمّل جدّا.
قوله : والوطن الذي يتمّ فيه. ( ٤ : ٤٤٣ ).
لعل مراد المصنف
من الوطن الوطن الذي أشار إليه في قوله : وفي طريق له ملك قد استوطنه ستة أشهر ،
لما ستعرف في الحاشية الآتية.
قوله : هو كل موضع. ( ٤ : ٤٤٣ ).
لا يخفى أنّ الأصل
في الصلاة هو الإتمام ( وأنّ وضعها عليه ، وأنّ القصر أمر يعرض ) ، وأنّ القصر لا
يجوز إلاّ لخوف أو سفر ، وبمجرّد السفر أيضا لا يجوز حتى يتحقّق شرائط ، وكون
المكلف في السفر هو ما إذا كان المكلّف خارجا عن وطنه ومنزله ومسكنه ، والكائن في
الوطن حاضر غير مسافر ، ولا دخل للملك في هذا المعنى ، وليس كلّ من لا يكون له ملك
مسافرا ، وإلاّ لزم أن يكون غالب الناس مسافرين في جميع أوقاتهم من يوم تولّدهم
إلى أن يموتوا ، وهو بديهي البطلان ، والمكلفون في الأعصار والأمصار غالبهم لم يكن
لهم ملك يستوطنون فيه ، كما هو ظاهر.
والفقهاء ليس لهم
تعريف الحاضر وغير المسافر ومن هو في بلده وفي بيته وداره وأهله ، لأنّ ذلك من أظهر
البديهيات ، بل لمّا وجدوا باعتقادهم مسافرا يجب عليه التمام بسبب وصوله إلى منزل
استوطنه ستّة أشهر في وقت من الأوقات عند بعضهم ، أو في كلّ سنة عند آخر ، ورأوا
أنّ الأئمّة 7 أمروا في بعض الأخبار بالإتمام في الملك وأنّه معتبر في
__________________
الإتمام أحيانا ،
ولذا اعتبر بعضهم خصوص الملك وأكثرهم الملك مع الاستيطان المذكور دعاهم ذلك إلى
التعرّض لحال هذا المسافر والموضع الذي يتمّ فيه.
فالمراد ـ والله
يعلم ـ : الوطن الذي يقطع السفر ، على ما هو مقتضى الأخبار التي هي مستند هذا
الحكم ، إذا لا تدل على أنّ الوطن الذي يتمّون فيه منحصر في ذلك ، بل تدل على أنّ
ذلك الوطن يقطع به السفر ، كما لا يخفى على المتدبّر.
مع أنّ مقتضى
الأخبار الصحاح الكثيرة كون المعتبر الوطن واستيطان المنزل سواء كان ملكا أو لا ،
إذ غير مأخوذ في معنى المنزل قيد الملكية.
لا لغة ولا عرفا ،
بل بينهما عموم من وجه بلا شبهة ، والحكم معلّق على الاستيطان ، والإتمام دائر معه
بمقتضى الصحاح الكثيرة.
وما في بعض
الأخبار من الأمر بالإتمام في الملك من دون اعتبار الاستيطان محمول على التقيّة ، لكونه مذهب
مالك . وقال خالي العلاّمة المجلسي ; : هو قول جماعة من العامّة ، ونقل أهل السنّة عن ابن عباس
والشافعي . انتهى.
ولا يخفى على من
تأمّل الصحاح الكثيرة أنّ مراد الأئمّة 7 فيها ردّ هذا القول.
مع أنّ هذا القول
مخالف لظاهر الآية أيضا ، وكذا العمومات المتواترة الدالة على أنّ فرض المسافر
القصر ، والصحاح الكثيرة موافقة للاعتبار أيضا
__________________
من جهة أنّ من دخل
وطنه لا يكون مسافرا حين كونه فيه ، واعتبار الستّة أشهر في كلّ سنة شاهد على أنّ
أقصر ما يتحقّق به الوطن أن يستوطن ستّة أشهر في كلّ سنة ، وبما ذكرنا صرّح بعض
المحققين بل غير واحد منهم .
ومع ذلك لا يقاوم
ما دل على الإتمام في الملك تلك الصحاح الكثيرة من حيث السند أيضا ، وكذا من حيث
الدلالة ، لإمكان حملها على تحقّق الاستيطان ، وإن كان بعيدا ، لأنّ الظاهر لا
يقاوم الصريح ، وكذا من جهة الكثرة والشهرة في الفتوى.
ومع جميع ذلك لا
يدل على اشتراط الملكية ، بحيث إنّه لو لم يكن ملكا لا يجوز الإتمام فيه ، وهو
ظاهر على الملاحظ المتأمّل ، سيّما بعد الاطلاع على ما ذكرناه هنا وفيما سيأتي من
الحواشي.
على أنّه لو فرض
أن يكون ورد في بعض الأخبار اشتراط الملكية في المنزل والوطن الذي يتمّ فيه فلا
بدّ من الطرح أو التأويل والتوجيه ، لما عرفت من القطع بعدم الاشتراط ، مع أنّه لم
يرد خبر في الاشتراط ، فتدبّر.
قوله : ويدل عليه. ( ٤ : ٤٤٣ ).
لا يخفى أنّ
الراوي لمّا سمع التمام في الضيعة والملك من فقهاء أهل السنّة وسمع أيضا الأخبار
عن الأئمّة 7 في ذلك ووقع له ريبة من جهة أنّه ربما يكون تقيّة أو غير ذلك سأل الإمام 7 عن ذلك ، فأجاب
بأنّه ليس الأمر كذلك ، بل لا بدّ من القصر ، كما هو الحال في غير الضيعة ( إلاّ
أن ينوي الإقامة ، كما هو الحال في غير الضيعة ، أو يكون له منزل يستوطنه
__________________
ستّة أشهر ، كما
هو الحال في غير الضيعة ) أيضا.
والحاصل : أنّ
الإمام 7 صرّح بعدم الفرق بين الضيعة وغيرها في وجوب القصر إلاّ في صورتين ، وأنّ
الصورتين أيضا ليستا من خصائص الضيعة ، فهذه الصحيحة لا دلالة فيها على اشتراط
الملك مع الاستيطان لا مطابقة ولا تضمّنا ولا التزاما ، لما عرفت ، ولما عرفت أيضا
أنّ المنزل أعمّ من وجه من الملك قطعا ، و [ لما ] عرفت أيضا من تشريك قصد الإقامة
مع المنزل الذي يستوطنه ، وأنّهما ليستا من خصائص الضيعة ، بل المعصوم 7 أظهر ذلك للتنبيه
على عدم الفرق بين الضيعة وغيرها ، وأيضا قصد الإقامة لا يشترط فيه الملك فكذا
الاستيطان بحكم السياق والتشريك ، فتأمّل.
قوله : وبهذا المعنى صرّح. ( ٤ : ٤٤٤ ).
قد عرفت أنّ
المراد استيطان ستّة أشهر في كل سنة حتى يتحقّق الوطن ( الحقيقي العرفي ، أي أقلّ
ما يتحقّق به الوطن ) وما في صحيحة [ حماد بن ] عثمان : « إنّما هو المنزل الذي
توطّنه » لعله بصيغة المضارع بحذف إحدى التائين ، أو المضارع من باب الإفعال ،
جمعا بين الأخبار والاعتبار ، بل لعل الماضي لا يصير مناسبا ، أو غيره أنسب ، لعدم
المناسبة للحصر.
مع أنّ الظاهر
أنّه لم يجئ بحسب اللغة « توطّن » من باب التفعّل بمعنى : اتّخذ وطنا ، كما يظهر
من القاموس ، بل جاء بمعنى : مهّد ، وأمّا بالمعنى المذكور فقد جاء باب الاستفعال والإفعال
والتفعيل.
__________________
مع أنّ الغرض في
المقام عدم الاكتفاء بالمنزلية حتى يتحقّق الوطنية ، لا أنّ مجرّد استيطان ستّة
أشهر في ما مضى يكفي ولو كان مرّة واحدة والآن يكون معرضا عن توطّنه ، إذا لا
دلالة للحديث على هذا الوجه.
وممّا ذكر ظهر
الكلام في رواية علي بن يقطين عن الكاظم 7 : عن الدار يكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها ، قال : «
إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة ، وإن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر » . مع أنّ علي بن
يقطين نقل الحديث في طريق آخر بلفظ : « يستوطنه » موضع : « سكنه » فظهر أنّ المراد
واحد ، والله يعلم.
قوله : وألحق العلاّمة. ( ٤ : ٤٤٥ ).
قد عرفت أنّ هذا
داخل في الأخبار ، وأنّه وطن حقيقة قطعا بلا شبهة ، لا أنّه ملحق بالوطن ، ويشير
إلى ذلك أيضا الأخبار الواردة في حدّ الترخّص من اعتبار البيت والبلد والأهل وما
ماثل ذلك من دون اعتبار ملك أصلا ، وكذا الأخبار الواردة في من سافر بعد دخول الوقت وهو في
منزله أو بيته أو بلده ، ولم يصلّ حتى يخرج ، وعكس هذه المسألة ، إلى غير ذلك
مثل ما ورد في علّة القصر وغير ذلك ، ويؤيّد أيضا ما ورد في الأخبار من أنّ
الأعراب لا يقصّرون ، لأنّ منازلهم معهم ، وأنّ الملاّحين والأعراب ليس عليهم
تقصير ، لأنّ بيوتهم معهم ، فتأمّل جدّا.
__________________
قوله : لأنّ الاستيطان على هذا الوجه. ( ٤ : ٤٤٥ ).
فيه نظر ، لأنّ
المعتبر في الوطن العرفي هو فعلية الاستيطان بحيث يصدق عرفا أنّه حاضر في وطنه وفي
بيته وفي أهله وأمثال ذلك ، فإذا أعرض عن هذا الوطن وهجره وجعل بلدا آخر وطنه
وبيته وفيه أهله ثمّ سافر منه وصل إلى الوطن السابق فلا شكّ في أنّه الآن مسافر
وغير حاضر وليس في بيته وعند أهله ، فيجب عليه القصر بلا شكّ ولا شبهة.
بخلاف الوطن
الشرعي على فرض أن يكون حقا ، فإنّه لا يعتبر فيه الاستيطان بالفعل جزما ، إذا لو
كان المعتبر هو فعلية الاستيطان على حسب ما ذكرنا فلا شكّ في أنّه على هذا يصير
اعتبار الملكية غلطا جزما ، والملكية لغوا محضا ، إذ غير المسافر صلاته تامّة ،
وصومه واجب أداء ، إلى غير ذلك من أحكام الحاضرين ، فأيّ فائدة في الملكية؟.
فلا بدّ من أن
تكون الفائدة منحصرة في صورة الإعراض عن استيطانه وعدم كونه وطنا بالفعل ، وحيث
عرفت عدم اشتراط الملك وأنّ المعتبر هو الوطن عرفت أنّ الاستيطان الشرعي والعرفي
يكونان واحدا ، وإذا اعتبر استيطان ستّة أشهر سنة واحدة كما هو المشهور وإن كان
بعدها معرضا فلاعتبار الملكية وجه حتى يتحقّق الشرعي الذي يكون مغايرا.
وأمّا إذا اعتبر
استيطان ستّة أشهر في كلّ سنة كما اختاره الشارح ; وهو المستفاد من الدليل كما عرفت ، فلعله لم يبق حاجة إلى
اشتراط الملك حينئذ ، لأنّ الإنسان كما يكون بعضهم متوطّنا في بلد واحد يكون بعضهم
متوطّنا في بلدين عرفا بأن يكون له أهل وزوجة في بلدة وأهل وزوجة في بلدة أخرى ،
يتوطّن ويسكن في عرض السنة تارة مع إحداهما وتارة مع الأخرى ، فالوطنان معا وطنه
عرفا ، والبيتان معا بيته ، والأهلان معا أهله ،
فلذا قال المعصوم 7 : إذا استوطنه
ستّة أشهر في كلّ سنة يكفي في كونه وطنا.
وهذا أيضا وجه آخر
لعدم اشتراط الملكية ( مضافا إلى الوجوه التي ذكرناها في الحواشي السابقة ، ولم
يظهر من الصدوق أنّه اشتراط الملك ) بوجه من الوجوه. نعم لو قلنا بأنّ الوطن العرفي لا يتحقّق
باستيطان ستّة أشهر ، بل لا بدّ من دوام الاستيطان في السنة فلاعتبار الملك وجه.
ويمكن أن يكون
مراد الشهيد والشارح أنّ أقلّ ما يتحقّق به الاستيطان العرفي ستّة أشهر كأقلّ ما
يتحقّق به الشرعي ، وإن لم يكن بينهما تفاوت في الحكم أصلا سوى اشتراط الملكية
لأجل تحقّق الشرعية ، والثمرة بين [ العرفي و ] الشرعي تتحقّق في
النذر والعهد واليمين وأمثالها لا في حكم القصر والإتمام ، فتأمّل فيه.
قوله : في روض الجنان. ( ٤ : ٤٤٦ ).
قد مرّ الكلام في
بحث صلاة الجمعة في حرمة السفر بعد زوال الشمس .
قوله : وهو جيّد. ( ٤ : ٤٤٨ ).
ربما يتوجه عليه
أنّه جعل فيما سبق مجرّد وجوب الإتمام قاطعا للسفر ، إذ ما علّل لقطع السفر بنيّة
الإقامة أو الوصول إلى المنزل إلاّ بأنّ المعصوم 7 حكم بوجوب الإتمام فيهما ، فتأمّل.
__________________
وفي الفقه الرضوي
: « ولو أنّ مسافرا يجب عليه القصر مال من طريقه إلى الصيد لوجب عليه التمام لطلب
الصيد ، فإن رجع بصيده إلى الطريق فعليه في رجوعه التقصير » ومثله رواية
السيّاري عن العسكري 7 .
قوله : ما رواه الشيخ في الصحيح. ( ٤ : ٤٤٨ ).
نقل ابن المفلح في
شرحه على الشرائع الإجماع على قصر الصوم والخلاف في قصر الصلاة ، والعمومات أيضا
تقتضي قصر الصوم ، وأمّا قصر الصلاة وإن كان كذلك لو لم يرد ما دل على المنع من
القصر فيها ، وورد رواية عمران بن محمد القمي المتضمّنة لمنع القصر فيها حيث قال 7 : « إن كان صيده لقوته وقوت عياله يقصّر الصلاة ، وإن كان
لطلب الفضول فلا ولا كرامة » ، وظاهر أنّ المتبادر من [ طلب الفضول ] طلب زيادة المال
، والرواية منجبرة بالفتاوى ، لأنّ الظاهر أنّها مستند فتاويهم للقصر في صيد القوت
، كما لا يخفى على المتأمّل ، والصدوق رواها في الفقيه مفتيا بها .
وفي الفقه الرضوي
: « وإذا كان صيده للتجارة فعليه الإتمام في الصلاة والتقصير في الصوم ، وإن كان
صيده اضطرارا ليعود على عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم » وقال قبل ذلك : «
وإذا كان صيده بطرا
__________________
وتنزّها فعليه
التمام » .
قوله : وجب اعتبار صدق هذا الاسم. ( ٤ : ٤٥١ ).
اعتباره لا يخلو
عن الإشكال ، لما ستعرف ، مع أنّ الإطلاق منصرف إلى الأفراد الشائعة المتعارفة ، وقلّما
نجد مكاريا لمّا يسافر بعد ، أو يكون السفر أوّل سفره أو ثانيه.
مع أنّ صحيحة محمد
بن جزك التي سنذكرها تدل على اعتبار الخروج مع الدابّة في الأسفار ، ولا يكفي إطلاق
اسم المكاري عليه ، فتأمّل.
قوله : كيف كان. ( ٤ : ٤٥١ ).
ليس كذلك ، فإنّ
صحيحة هشام قيّد فيها المكاري والجمّال بالذي يختلف وليس له مقام ، ومثلها رواية
السندي بن ربيع ، والمراد مقام عشرة أيّام أو ما هو أعمّ ، خرج الأقلّ منه
وبقي الباقي.
مع أنّ الأقلّ لا
يعدّ مقاما في المقام ، للقطع بأنّ لهم مقاما ، بل الغالب الشائع أنّهم يقيمون ستة
أشهر أو سبعة أو ما قاربهما ، مع أنّ أخبارهم ربما يفسّر بعضها بعضا ، ويظهر من
صحيحة ابن سنان ومرسلة يونس أنّه مقام عشرة ، وكذا من اتفاق
الأصحاب ، فتأمّل.
__________________
وأيضا الباقر 7 في صحيحة زرارة
قال : « قد يجب عليهم التمام » فلعله إشارة إلى هذا الشرط.
وربما يؤيّده قوله
7 : « لأنّ السفر عملهم » لأنّ ظاهره دوام السفر واستمراره ، ولا أقلّ من
أكثريته بحيث يكون الحضر في جنبه مضمحلاّ وبمنزلة العدم.
ويؤيّده أيضا
رواية السكوني ، لما فيها من لفظ « يدور » الظاهر في الاستمرار ، ولعله
لذا فهم الأصحاب كثرة السفر أو أكثريته ، فتأمّل.
ويمكن أن يكون ما
ورد في بعض الأخبار من أنّ المكاري يجب عليه التقصير أيضا إشارة إلى ذلك ،
جمعا بينه وبين ما دل على وجوب الإتمام ، وشاهد الجمع الأخبار الظاهرة في التفصيل
وفتاوى الأصحاب ، كما أشرنا. هذا حال الأخبار.
وأمّا فتاوى
الأصحاب فظاهر أنّ المراد بعد حصول الشرط ، نعم في صحيحة ابن مسلم : « ليس على
الملاّحين في سفينتهم تقصير ولا على المكاري والجمّال » لكن تقييد هذا
الحديث الواحد بقيد واحد من جهة ما ذكرنا ليس ببعيد وإن فرضنا أنّ المكاري قلّما
لا يقيم في بلده أو البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام ، مع أنّه أيضا
غير ظاهر بحيث يتحقّق في
__________________
التقييد استبعاد
سيّما في زمان صدور الأخبار ، لعدم علمنا بكيفية الحال ، فتأمّل.
قوله : باشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب. ( ٤ : ٤٥٢ ).
يمكن حمل الأقلّ
على أنّ المراد منه الأقلّ من العشر ، بقرينة كانت في صدر الكلام ذهبت من تقطيع
الحديث ، فإنّ أحاديثنا منقطعة بعضها عن بعض ، إذا في الأصول كانت متصلة غالبا
وجُلاّ ، وربما وجدنا أنّ الشيخ ; روى عن الكافي بعض حديثه بأن قطعه وأتى بما هو المناسب
للباب وترك غيره فحصل التفاوت في معناه والتغيّر في حكمه ، وما ذكر هو السبب في
تقطيع الأصحاب أحاديث الأصول. وهذا هو السبب الأعظم في حصول الاختلاف في الأخبار ،
مثل اختلاف المطلق والمقيّد ، والخاص والعام ، وأمثالهما ممّا يكون أحد جزئية
مبيّنا للآخر ، لأنّ تأخير البيان عن وقت الحاجة قبيح ومحال عن الحكيم قطعا ووفاقا
، وجلّ الأخبار المحتاجة إلى البيان في غاية الظهور والوضوح كون الوقت فيها وقت
الحاجة ، وأنّ المبيّن رواه راو آخر عن معصوم آخر ، أو عن ذلك المعصوم لكن أحد الروايتين
في بلد والآخر في بلد آخر ، إلى غير ذلك ممّا يمنع أو يبعّد كون الخبر الآخر
بيانا واردا قبل حضور وقت العمل.
والقرينة على
الحمل الذي ذكرناه اتفاق الأصحاب على عدم القول به ، وكثيرا ما يوجّه الخبر بسبب
اتفاق الأصحاب ، سيّما بعد ملاحظة ما ستعرف من ظهور اتحاد الأخبار الثلاثة عن يونس
، ووقوع تشويش واضطراب في ضبطه.
__________________
وبمثل ما ذكر نجيب
عن الطعن المتقدّم أيضا بأنّ المراد من كلمة ( واو ) معنى كلمة ( أو ) كما صرّح به
في مرسلة يونس ، فتأمّل.
وربما يشير إلى
هذا الحمل جعل مقام عشرة أيّام في مقابل خمسة أيّام ، فكيف يجعل خمسة وما دونها في
مقابل خصوص العشرة وما فوقها من دون تعرّض لذكر ما فوق الخمسة إلى العشرة؟ فجعل
العشرة وما فوقها في مقابل الخمسة وأقلّ مشير إلى أنّ المراد أقلّ من العشرة التي
سيذكر وسيجعل في مقابلها ، فتأمّل.
على أنّه لو لم
يرض بهذا الحمل نقول : اتفاق الأصحاب دليل على كون هذا اللفظ زيادة وقعت في
الرواية ، ولا محذور في ذلك.
قوله : وألحق المصنف في النافع. ( ٤ : ٤٥٣ ).
ربما كان في هذا
الكتاب أيضا رأيه كذلك بأنّ قوله : بلد ، باق لا بالإضافة إلى الضمير ، فتأمّل.
قوله : إسماعيل بن مرار. ( ٤ : ٤٥٣ ).
إسماعيل هذا مقبول
الحديث عند القميين ، وهذا شاهد على وثاقته ، لما يظهر من أحوال القميين ، فإنّهم
كانوا يخرجون من قم من كان يروي عن المجهول وأمثاله ، ورجال يونس بحسب الظاهر
الجماعة الذين كان يعتمد عليهم ، والظاهر أنّه عبد الله بن سنان ، وأنّ الرواية
واحدة حصل التفاوت من جهة النقل بالمعنى وتفاوت الضبط في الأصول ، فربما [ كانت ]
حكاية الخمسة اشتباها من بعض الرواة ، أو كانت لمصلحة خاصّة.
مع أنّ خروج بعض
الرواية عن الحجّية لا يقتضي خروج الكل عنها ،
__________________
سيّما إذا كانت
منجبرة بالشهرة العظيمة لو لم نقل بالإجماع.
وبالجملة :
الحجيّة دائرة مع حصول الظنّ ، فإذا حصل الظنّ فلا يضرّ عدم موافقة بعضها للواقع ،
لما ذكرنا ، ولأنّه لذلك ترك في هذه الرواية لمّا ظهر على راويها ، فتأمّل. وصرّح
بعض المحققين بوحدة الروايات الثلاث.
قوله : غير دالة ... ( ٤ : ٤٥٥ ).
لكن مشيرة إلى ما
ذكر ، فهو أقرب المحامل بعد اعتبار وجود القائل ، وإلاّ فما ذكره الشارح.
قوله : وهو قريب ... ( ٤ : ٤٥٦ ).
نفس الحكم قريب لا
توجيه الروايتين ، ويدل على نفس الحكم ما رواه الفقيه والشيخ في الصحيح عن ابن
المغيرة ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه 8 : « سبعة لا يقصّرون الصلاة : الجابي الذي يدور في جبايته
، والأمير الذي يدور في إمارته ، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق ،
والراعي ، والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر ، والرجل الذي يطلب الصيد
يريد به لهو الدنيا ، والمحارب الذي يقطع السبيل » فإنّ الظاهر منه
أنّهم في هذه الأسفار يتمّون ، وابن المغيرة ممّن أجمعت العصابة ، مع أن السكوني
ثقة كما حقّقت في موضعه .
والصحيحة الدالة
على أنّهم يتمّون لأنّه عملهم أيضا ظاهرة في أنّ الإتمام في ما هو عملهم. وما دل على أنّ
الأعراب يتمّون لأنّ بيوتهم
__________________
معهم أيضا كالصريح في
أنّهم إذا سافروا عن بيوتهم ليسوا كذلك.
ويؤيّده الأخبار
الدالة على أنّ السفر الباطل يتمّ المكلّف فيه ، والحقّ يقصّر فيه ، فتأمّل.
وكذا ما رواه
المحمدون الثلاثة في الصحيح عن محمد بن جزك ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث 7 : أنّ لي جمالا
ولي قوّاما عليها ، ولست أخرج فيها إلاّ في طريق مكّة لرغبتي في الحج أو في الندرة
إلى بعض المواضع ، فما يجب عليّ إذا أنا خرجت معهم أن أعمل؟ أيجب عليّ التقصير أو
التمام؟ فوقّع 7 : « إذا كنت لا تلزمها ولا تخرج معها في كلّ سفر إلاّ إلى
طريق مكة فعليك تقصير وإفطار » إذ ربما يظهر منها أنّ السفر لا بدّ أن يكون من الأسفار
التي يخرج في كلّ منها ، فتأمّل.
وورد أخبار
متعدّدة في أنّ المكارين عليهم التقصير ، وحملت على ما إذا سافروا إلى غير ما يختلفون فيه .
قوله : ما اختاره المصنف من الاكتفاء. ( ٤ : ٤٥٧ ).
لا يخفى أنّ
اختلاف الحكم باعتبار الأمرين مستبعد بحسب الواقع وخلاف ظاهر الحديثين ، إذ كيف
يجوز وجوب القصر إن اعتبر خفاء الأذان ، والإتمام إن اعتبر خفاء الجدران أو بالعكس؟
مع أنّ الظاهر من
كلّ واحد من الخبرين لزوم التمام قبل الوصول إلى
__________________
الحدّ المذكور فيه
ولزوم القصر بعده ، فإذا كان مسافة كلّ واحد من الأمرين واحدا والمقصود منهما شيئا
واحدا وامتدادا واحدا فلا معنى لما ذكره من الاكتفاء في جواز التقصير ، فإنّ كلّ
واحد من الأمرين أمارة على أمر واحد وشيء معيّن متحد ، فالأظهر أنّ المراد منهما
شيء واحد ومقدار واحد إن اعتبر خفاء الأذان وإن اعتبر خفاء الجدران لا يكون فرق
بينهما.
نعم لمّا لم يكن
المفهوم من كلّ واحد واحد من الخبرين ذلك الأمر الواحد والشيء المعيّن اعتبر
ضمّهما معا ليحصل ذلك الواحد وإن كان المراد من كلّ واحد منهما وسطه الذي ليس
بالإفراط ولا التفريط ، فإنّ الوسط أيضا لا يفيد ذلك الواحد والمعيّن ما لم يعتبر
ضمّهما معا ، فتأمّل.
ولو فرض حصول ذلك
الواحد من كل واحد على حدة لا يحتاج إلى الضمّ ، ومعلوم أنّ الأمر ليس كذلك ، بل
الضمّ أضبط وأدل عليه ، ومع ذلك أيضا لا يكاد يضبط ويتشخّص ، إلاّ أنّ المكلّف عند
شكّه في وصوله إلى حدّ الترخّص يتمّ ، لأنّ الإتمام مستصحب حتى يثبت خلافه ،
فتأمّل.
( ويمكن أن يكون
مراد الأكثر أنّ الأمارتين لا تفاوت بينهما أصلا فبأيّهما يعمل يكفي ولا حاجة إلى
ضمّ الأخرى ، لأنّ المتضمّن والمنفرد مفادهما واحد ، ولهذا اكتفى المعصوم 7 بواحدة منهما
للراوي ، ولا يعلم من الخارج تفاوت حتى يحتاج إلى التوجيه ، والاحتياط في أمثال
المقام مما لا ينبغي أن يترك. وذكرنا في حكم منتظر الرفقة رواية إسحاق بن عمار الدالة على
اعتبار حدّ الترخص وأنّه خفاء الأذان ) .
قوله : ومقتضى الرواية اعتبار التواري من البيوت. ( ٤ : ٤٥٧ ).
__________________
هذا هو الحق ،
فيكفي تواري الإنسان الذي عند البيوت عن المسافر. ويمكن حمل الجدران في كلامهم على
الجدران الذي يكون بمقدار إنسان ، إذ ربما لا يكون عند البيوت إنسان ، أو يكون لكن
يشتبه على المسافر بواسطة الجدران ، لكنه بعيد ، فتأمّل.
ويمكن أن يقال : إنّ
باب التفاعل مأخوذ فيه التفاعل من الطرفين وإن كان أحدهما فاعلا كباب المفاعلة ،
فإنّه مأخوذ فيه المفاعلة من الطرفين ، فإذا كان التفاعل من الطرفين [ فالعبرة
تكون بخفاء ] البيوت عليه ، لأنّه هو الذي يدركه ، أمّا خفاء نفسه على
البيوت فلا يدركه فكيف يجعله المعيار؟ والتخمين غير معلوم اعتباره ، لأنّه خلاف
الأصل وخلاف ظاهر الأخبار ، فتأمّل.
نعم يمكن أن يعرف
تواريه منهم بأن لا يرى من كان عند البيوت ، فإنّه أيضا لا يراه ، لاتحاد حالهما
في رؤية الآخر ، لكن من أين يدري أنّ هناك أحد لكن لا يراه؟ إلاّ بضرب من التخمين.
ومع هذا معلوم أنّ العبرة إنّما هي في المبيت والمنزل لا أهله ، ومع ذلك لمّ الحكم
وسرّه ، وهو أنّه إذا خفي عن أهل البيوت فقد غاب عنهم ولم يكن حاضرا ، والقصر
إنّما هو على المسافرين لا الحاضرين.
وممّا ذكر ظهر أنّ
اعتبار حدّ الترخّص إنّما هو بالنسبة إلى من سافر من وطنه ، لا من هو مسافر مثل
الهائم الذي قصد المسافة في السفر ، والعاصي الذي زال عصيانه في أثناء السفر.
وأمّا ناوي الإقامة والمتردّد في محلّ ثلاثين يوما فيمكن أن يكون حكمهما حكم
المتوطّن ، بعموم
__________________
المنزلة ، كما
عرفت.
قوله : ويمكن قويا الاكتفاء بالتواري في المنخفضة كيف كان
لإطلاق الخبر. ( ٤ : ٤٥٨ ).
بعيد ، لأنّ
الإطلاق ينصرف إلى الأفراد الغالبة الشائعة ، على ما هو مسلّم ومبيّن ، ومع ذلك
سماع الأذان أيضا مطلق ، فالحكم في الرجوع فيه إلى الأذان المتوسّط دون التواري
تحكّم بحت ، ومع ذلك الاكتفاء في المنخفضة كيف كان دون العالية تحكم آخر ، فتأمّل.
قوله : وإنّما لم يكتف المصنّف هنا بأحد الأمرين. ( ٤ : ٤٥٨ ).
قد عرفت أنّ
المراد من كلّ منهما شيء واحد ، ولذا لم يفرّقوا بينهما في العود وإن لم يكن دليل
على الآخر ، بل كون المصنف ما ذكره الشارح غير معلوم ، لأنّه بحسب الظاهر قول فصل
، ولأنّ قوله : وكذا في عوده ، يشير إلى أنّ حكمه حكم الذهاب ، وإلاّ كان يقول :
وفي عوده ، حتى يحصل التنبيه ، فإنّ الأصحاب لم يفرقوا ، وكيف كان قد عرفت أنّه لا
فرق بينهما.
قوله : فيكون بمنزلة من دخل منزله. ( ٤ : ٤٥٩ ).
يؤيّده أنّه ورد
في غير واحد من الأخبار أنّ المسافر يقصّر إذا خرج من بيته ، وأنّ المتداول
المتعارف الشائع عندنا أيضا كذلك ، بل نقول : يقصّر إلى أن يرجع إلى بيته ، وأمثال
هذه العبارة ، مع أنّه عندنا أنّه في العود أيضا يقصّر إلى أن يصل إلى حدّ الترخص.
__________________
وممّا يؤيّد أيضا
بل يدل عليه أنّه إذا كان في بلده لا يقال عرفا ولا لغة : إنّه مسافر ، بل يقال :
إنّه حاضر ، وإنّه في وطنه ، وإنّه رجع عن سفره ، أو إنّه يذهب إلى السفر ، أو
يريد أن يذهب إليه ، وأمثال ذلك ، وقد عرفت أنّ شرط القصر أن يكون مسافرا بالإجماع
والكتاب والأخبار المتواترة ، وأنّ الحاضر يجب عليه الإتمام بالأدلة المذكورة. بل
ربما يكون في أطراف بلده المتصلة به أو القريبة إليه [ و ] لا نقول : إنّه الآن في
السفر ، على حسب ما ذكرنا بأنّه رجع عن السفر أو يريد أن يذهب ، بل ربما في حدّ
الترخّص أيضا يشكل القول عرفا : إنّه الآن في السفر ، بل يقال : إنّه رجع عنه ، أو
يريد أن يذهب إليه ، فتأمّل.
وممّا يؤيّد أيضا
بل يدل أنّه لو كان المراد الدخول إلى بيته على حسب الحقيقة اللغوية أو العرفية
أنّه إذا رجع من سفره ودخل بلده ودخل بيتا في جنب بيته أو في دهليز بيته بقي فيهما
مدّة أو يكون متردّدا في اختيار بيت من بيوت بلده أنّه يكون في هذه الصورة وهذه
المدّة مسافرا أو يجب عليه القصر ، وفيه ما فيه.
فإن قلت : جميع ما
ذكرت تامّ بالنسبة إلى صحيحة العيص ، فأمّا بالقياس إلى موثقة إسحاق فلا ، بل حمله
على ما ذكر في غاية البعد.
قلت : الموثقة لا
تقاوم الصحيحة ، سيّما الصحيحة التي هي المفتي بها عند معظم الفقهاء ، بل كاد أن
يكون عند كلّهم ، مع شدّة قوّة دلالتها. ومع ذلك تعارضها أيضا صحيحة زرارة عن
الصادق 7 قال : « من قدم مكّة قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة » إلى أن
قال : « فإذا زار
البيت أتمّ الصلاة
وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر » .
وممّا ذكر ظهر ما
في الحسن : « إنّ أهل مكّة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتمّوا ، وإن لم يدخلوا
منازلهم قصّروا » . مع أنّا نقول : إنّ الكوفة كانت في غاية الوسعة وبيوتها
متشتّتة كانوا قبائل من العرب وطوائف كثيرة.
وأمّا ما في
الحسنة فيمكن أن يكون المراد من قوله 7 : « ودخلوا منازلهم » عطف تفسير لقوله : « زاروا » تنبيها
له على علّة الإتمام ، فتأمّل. هذا.
مع أنّ الإتمام في
مكّة ولو كان مسافرا أولى عند الشارح ; وغيره ممّن وافق المشهور في ما ذكر ، فتأمّل.
قوله : ولو قيل بالتخيير. ( ٤ : ٤٥٩ ).
هذا القول ممّا لم
يقل به أحد ، والشارح ; ربما يطعن على من يقول بالجديد ، ومع ذلك خلاف
المستفاد من جميع أخبار هذا الباب ، ومع ذلك لا وجه له ، لأنّه فرع التكافؤ في
الأخبار وليس بمتحقّق كما عرفت ، فتأمّل.
قوله : ولو نوى الإقامة. ( ٤ : ٤٥٩ ).
قصد الإقامة هنا
أعمّ من أن يكون له قصد ونية أم لا ، بل يحصل له اليقين والقطع بمقامه فيه بحيث لا
يحتمل عنده خلافه أصلا سواء كان له قصد وإرادة بالمقام أم لا ، ويحصل أيضا بأن
يكون له قصد وعزم وإرادة
__________________
بالمقام هناك ،
سواء كان له اليقين والقطع بالمقام هناك أم لم يكن بل يكون عنده وفي نظره أنّه
يقيم وإن احتمل احتمالا بعيدا أن يبدو له ويرجع عن عزمه بسبب حوادث لم يكن نظره
إليها بل نفسه الآن مطمئنّة بعدمها ، وربما لا يكون حين القصد والعزم احتمال
الخلاف ملحوظ نظره ، ولذا عزمه على المقام ، فلا ينافي ذلك وقوع البداء له وحصول
الندامة عن قصده الإقامة ، وإن لم يكن أمر تضرّه الإقامة وبسببه
يضطرّ إلى الرجوع ، بل يكون أولى في نظره أن لا يقيم وهكذا يعجبه ، فضلا عن حصول
الأمور الاضطرارية.
وإن لم يكن له
إرادة المقام ولا يجزم أيضا بالمقام لا يكون قصد الإقامة وإن حصل له المظنّة
بالإقامة.
قوله : فلا يقدح فيها الخروج إلى بعض البساتين والمزارع المتصلة
بالبلد. ( ٤ : ٤٦٠ ).
لا يخفى أنّ
الشهيدين اعتبرا التوالي بحيث لا يخرج في ظرف العشرة إلى خارج موضع الإقامة أصلا
ورأسا إلاّ إلى حدّ الترخّص ، لأنّه إذا سافر يتمّ إلى الحدّ ، فمع عدم السفر يتمّ
بطريق أولى ، وأنّه ربما يظهر من هذا أنّه داخل في موضع الإقامة وجزء منه شرعا ،
وهذا مبني على ما ذكر من أنّه إذا سافر يتمّ إلى الحدّ ، وسيجيء الكلام.
وأمّا الشارح فقد
وافقهما في اعتبار التوالي على حسب ما ذكرنا أنّه جعل موضع الإقامة موكولا إلى
العرف فأدخل فيه بعض البساتين والمزارع المتصلة.
والسيد السند
الأستاد اعتبر الإقامة العرفية مطلقا من غير اعتبار
__________________
التوالي المذكور ،
بل اكتفى بالتوالي العرفي ، فلا يضرّ عنده لو خرج من موضع الإقامة إلى خارج عنه
ورجع إلى موضع الإقامة بحيث يقال عرفا : إنّه مقيم في موضع الإقامة ، من جهة أنّ
رحله فيه ومقرّه ومنامه وأمثال ذلك فيه ، وخروجه إلى الخارج بقدر قليل زمانا أو
مسافة.
والحاصل : أنّه
أحال إلى العرف مطلقا ، وهذا هو الصواب بعد تحقّق الصدق الحقيقي العرفي ، لعدم
اصطلاح من الشرع فيكون الحوالة إلى العرف كما هو الحال في سائر ألفاظ الآية
والحديث ، ووافقنا على ذلك المحقق الأردبيلي وغيره بعد الشهيد
الثاني ، ويمكن توجيه كلام الشارح ; إلى هذا ، وإن كان الظاهر منه ما ذكرناه. ومن الفقهاء من
اكتفى في قصد الإقامة عدم السفر إلى المسافة المعتبرة شرعا .
وروى زرارة في
الصحيح عن الصادق 7 أنّه قال : « من قدم مكّة قبل التروية بعشرة أيّام وجب
عليه إتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكّة ». الحديث .
حكم 7 بوجوب الإتمام
مطلقا سواء خرج من مكّة أم لا ، فلو كان عدم الخروج شرطا لذكره ولما حكم بالإتمام
مطلقا ، وأيضا جعله بمنزلة
__________________
أهلها ، وعموم
المنزلة يقتضي أن يكون حاله حال أهل مكّة.
ثمّ قال 7 : « فإذا خرج إلى
منى وجب عليه التقصير ، وإذا زار البيت أتمّ الصلاة ، وعليه إتمام الصلاة إذا رجع
إلى منى حتى ينصرف » وهذا يدل على أنّ سفر عرفات موجب للقصر ، ومع ذلك لا يبطل قصد
الإقامة ، ويكون حال قاصد الإقامة حال المتوطّن كما ذكر أوّلا ، ولذا أوجب عليه
الإتمام في الرجوع إلى منى حتى ينصرف.
وعدم هدم سفر
عرفات للإقامة لعله لكون هذا السفر ليس مسافة القصر على سبيل الوجوب العيني ، كما
اخترناه ، وعلى تقدير أن تكون هذه المسافة أيضا هادمة للإقامة و يكون القصر فيها
على الوجوب العيني فلا بدّ من تقدير نيّة الإقامة في الرجوع أيضا ، فتأمّل.
وفي الصحيح عن علي
بن مهزيار عن الحضيني أنّه استأمر الجواد 7 في الإتمام والتقصير في مكة فقال 7 : « إذا دخلت
الحرمين فانو المقام عشرة أيّام وأتمّ الصلاة » قلت : إنّي أقدم مكّة قبل التروية
بيوم أو يومين أو ثلاثة ، قال : « انو مقام عشرة أيّام وأتمّ الصلاة » . وهذا بظاهره يدل
على أنّ سفر عرفات لا ينافي قصد الإقامة ، أمّا على المشهور فلا محذور ، لأنّه ليس
مسافة القصر وأمّا على ما اخترناه فلأنه ليس مسافة القصر بعنوان العزيمة ، أو
يوجّه بأنّك إن أردت الإتمام فلا يصح إلاّ بنيّة الإقامة ، فتأمّل.
ولا يخفى أنّ هذا
كلّه في حال قصد الإقامة بأنّه كيف يقصدها ، وأمّا
__________________
إذا قصد الإقامة
بالنحو المعتبر وصلّى فريضة بتمام ثمّ خرج من موضع الإقامة مع قصد الرجوع أو مع
عدم القصد أو قصد العدم أو مع قصد إقامة جديدة أو مع عدم قصد فكيف يصلّي؟ فسيجيء
حكمه مفصّلا.
قوله : قد عرفت أنّ نية الإقامة تقطع السفر. ( ٤ : ٤٦١ ).
أشرنا إلى دليل
ذلك عند قول المصنف ; : الشرط الثالث.
قوله : رجل يريد السفر. ( ٤ : ٤٦١ ).
يمكن ان يقال :
إذا كان إرادة السفر تشمل ما نحن فيه فيجوز أن يكون القدوم من السفر أيضا شاملا ،
ومقتضى صحيحة ابن سنان أنّ القادم من السفر يقصّر إلى حدّ الترخّص ، وإذا قال :
إنّ ظاهرها القدوم إلى الوطن فيمكن المناقشة أيضا في شمول إرادة السفر للمقام ،
فتأمّل.
وفي صحيحة أبي
ولاّد : « إذا نويت المقام وصلّيت فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتى تخرج
منها » وظاهر هذا الاكتفاء في القصر بمجرّد الخروج من البلدة ،
إلاّ أن يقال : إلى محلّ الترخّص داخل في البلدة التي هي موضع إقامته ، فعلى هذا
يلزم الإتمام في الدخول ، لأنّه نوى الإقامة في البلدة التي محلّ الترخّص داخل
فيها ، فتأمّل.
قوله : الكلام السابق. ( ٤ : ٤٦٢ ).
مع أنّه على تقدير
الرجوع إلى الخمسة أيضا لا يدل على الاكتفاء بها ، إذ الظاهر أنّه 7 قال ذلك في موضع
خاصّ لمصلحة خاصّة ، ولذا
__________________
ذكر إقامة العشرة
واعتبرها وشرطها في هذه الحسنة.
قوله : وهو حمل بعيد. ( ٤ : ٤٦٢ ).
لا بعد فيه ، لأنّ
محمد بن مسلم راوي هذه الرواية سأل عنه 7 عن المسافر يقدم الأرض ، فقال : « إن حدّثته نفسه أن يقيم
عشرا فليتمّ ،. ولا يتمّ في أقلّ من عشرة إلاّ بمكّة والمدينة ، وإن أقام بمكّة
والمدينة خمسا فليتم » فبملاحظة اتحاد الراوي واتحاد الحكاية ـ بل واتحاد متن
الرواية حيث قال : حدّث نفسه ، فيهما ـ ولم يعهد في خبر من الأخبار التعبير عن قصد
الإقامة بحديث النفس إيّاها ـ يظهر ظهورا تامّا كون الروايتين بالأصل واحدة عرضها
التفاوت من تفاوت الروايتين عن ابن مسلم ونقلهما بالمعنى في الجملة ، مع أنّه لا أقلّ
من كشف المراد.
قوله : وإطلاق الرواية. ( ٤ : ٤٦٣ ).
لا يخفى أنّ
إطلاقات الأخبار محمولة على الأفراد الشائعة دون الفروض النادرة ، وحصول التردّد
في خصوص اليوم وما بعده فرض نادر ، والمتعارف الكثير الوقوع حصوله في عرض أيّام
الشهر ، بل ربما يتبادر إلى الذهن عرفا من هذه الجهة ثلاثون يوما أو يحصل الشكّ في
إرادة غيره ، أي المعنى الأعمّ من الثلاثين الذي هو المعتبر في الأغلب إذا وقع
الأمر في غير اليوم الأوّل من الشهر ، أو الهلالي إذا وقع في اليوم الأوّل ،
فتأمّل.
قوله : وألحق العلاّمة. ( ٤ : ٤٦٤ ).
__________________
وألحق أيضا ما إذا
دخل في الفريضة بقصد الإتمام وتجاوز عن الركعتين بالدخول في الثالثة أو الرابعة
وبدا له قبل الإتمام ، للنهي عن إبطال العمل.
وفيه : أنّه ربما
كان العمل بطل بنفسه ، بل هذا هو الظاهر من الأصل والقاعدة ومدلول صحيحة أبي ولاّد
التي هي الأصل في هذا الباب ، فتدبّر.
قوله : وقال ابن بابويه. ( ٤ : ٤٦٧ ).
يظهر من صحيحة علي
بن مهزيار أنّ رأي الصدوق كان رأيا مشهورا عند فقهاء أصحاب الأئمّة 7 وفي عصرهم ،
وربما يظهر ذلك من غيرها من الأخبار أيضا ، فلاحظ وتأمّل.
( وفي كامل
الزيارة : أنّ سعد بن [ عبد الله ] سأل أيّوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه الأماكن الأربعة
والذي روي فيها ، فقال : أنا أقصّر وكان صفوان يقصّر وابن أبي عمير وجميع أصحابنا
يقصّرون . انتهى ) .
قوله : والمعتمد الأوّل. ( ٤ : ٤٦٧ ).
لا يخفى أنّ حمل
ما دل على تحتّم الإتمام على التخيير ـ مع ما فيه من البعد ـ لعله لا بأس به في
مقام الجمع ، أمّا ما دل على تحتّم التقصير على مرجوحيته ففي غاية البعد وشدّة
المخالفة للظاهر لا يرضى به خصوصا عند الشارح ، كما صرّح به مرارا غير عديدة.
__________________
مع أنّه وقع
التصريح في بعض الأخبار بأنّ أمرهم 7 بالإتمام ما كان إلاّ لجهة التقيّة ، وهو صحيحة معاوية بن
وهب أنّه سأل الصادق 7 عن التقصير في الحرمين والتمام ، قال : « لا تتمّ حتى تجمع
على مقام عشرة أيّام » فقلت : إنّ أصحابنا رووا عنك أنّك أمرتهم بالتمام ، فقال :
« إنّ [ أصحابك ] كانوا يدخلون المسجد فيصلّون ويأخذون نعالهم ويخرجون
والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة ، فأمرتهم بالتمام » .
( وفي العلل في
الصحيح عن معاوية بن وهب عن الصادق 7 أنّه قال له : مكّة والمدينة كسائر البلدان؟ قال : « نعم »
قلت : روى عنك بعض أصحابنا أنّك قلت لهم : « أتمّوا بالمدينة لخمس » فقال : « إنّ
أصحابكم كانوا يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلاة فكرهت ذلك لهم ، فلهذا قلته » .
ويعضده أنّ عمدة
أسباب اختلاف الأحكام منهم 7 التقيّة ، بل كاد أن يكون السبب هي لا غير ، كما ورد في
النصوص ، ويظهر من التتبّع فيها وفي الآثار ، ويشهد عليه
الاعتبار.
مع أنّ كلاّ من
الحرمين مشهد عامّ فيناسبه الأمر بالتمام أو الإفتاء بالتخيير مع أولوية التمام ،
كما هو رأي العامّة في السفر.
ويؤيّده أيضا
استشمام التشويش في مقالتهم ، وفي التعليل عند
__________________
حكمهم بالإتمام ،
فلاحظ وتأمّل.
ويؤيّده أيضا
اشتهار الفتوى بالقصر عند فقهاء أصحابهم 7 ، كما أشرنا ، فإنّهم أبصر بمواقع التقيّة وعلل الاختلاف.
وأيضا ما دل على
القصر موافق للأخبار المتواترة في لزوم القصر على المسافر والتوبيخ والتقريع على
من يتمّ ، مع ورودها من أهل الحرمين في نفس الحرمين ، وكذا بالنسبة إلى أهلهما
وأهل الكوفة غالبا ، من دون إشعار باستثناء لأهل مورد صدور الحكم ولا لأهل الكوفة
، مع أنّ عمدة موضع الصلاة المساجد الثلاثة ، مع أنّ الشارح استقرب الإتمام في
جميع مكة والمدينة ، وكذا أكثر الأصحاب.
مع أنّ ما دل على
لزوم القصر على المسافر في غاية ظهور الشمول لأهل البلدين ، فليلاحظ وليتأمّل.
ومرادي من الأهل المسافر الذي هو فيها ومن توطّن.
وكذا ما دل على
القصر موافق لما دل على اتحاد حكم الصلاة والصوم ، وكذا ما دل على انّ التمام
إنّما يكون بنيّة الإقامة ، وغير ذلك من الأحكام الكثيرة ، بل كثير منها نصّ
بالنسبة إلى أهل البلدان الثلاثة من السكنة والواردين ، مثل صحيحة أبي ولاّد
السابقة عند قول المصنّف ; : ولو نوى الإقامة
ثمّ بدا له ، فإنّها مع صحتها وصراحتها هي الأصل في الحكم المجمع عليه على ما
اعترف به . مع أنّ الثابت من الأخبار والمستفاد منها كون الإتمام في
مجموع مكّة والمدينة ، كما ستعرف.
مع أنّه على فرض
القول بأنّ الإتمام في نفس المسجدين دلالة
__________________
الصحيحة على ما
ذكرناه أيضا ظاهرة ، لأنّ المعصوم 7 حكم بالقصر على الإطلاق من غير تقييد بخارج المسجدين. مع [
أنّ ] وقوع الصلاة في الخارج عنهما في غاية الندرة بالنسبة إلى الغرباء الذين
يسافرون إلى المدينة لأجل العبادة والطاعة ، بل ومطلقا ، فتدبّر.
( وما دل على لزوم
التمام مخالف للكل ، وكذا الموافقة والمخالفة بالنسبة إلى علل القصر والإتمام.
على أنّه لقائل أن
يقول : حمل ما دل على التمام على البناء على الإقامة ثمّ التمام ـ كما فعله الصدوق
ـ ليس بأضعف ممّا ذكره ; ، بل يمنع كونه أولى والسند قاصر ، فتدبّر ) .
قوله : وصحيحة على بن مهزيار. ( ٤ : ٤٦٧ ).
في الاستدلال بهذه
الصحيحة إشكال ، لأنّها هكذا : كتبت إلى أبي جعفر الثاني 7 : أنّ الرواية قد
اختلفت عن آبائك : في الإتمام والتقصير في الحرمين ، فمنها : بأنّ يتمّ ولو
صلاة واحدة ، ومنها : أن يقصّر ما لم ينو مقام عشرة ، ولم أزل على الإتمام فيها
إلى أن صدرنا من حجّنا في عامنا هذا ، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا علىّ بالتقصير
إذا كنت لا أنوي المقام عشرة أيّام ، فصرت إلى التقصير وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك
، فكتب بخطه : « يرحمك الله ، قد علمت فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما ، فأنا
أحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر وتكثر فيهما من الصلاة » إلى آخر ما ذكره الشارح.
وفي التهذيب بعد هذا : « ومتى إذا توجّهت من منى فقصّر الصلاة ، فإذا انصرفت من
عرفات إلى منى وزرت
__________________
البيت ورجعت إلى
منى فأتمّ الصلاة تلك الثلاثة أيّام » وقال بإصبعه ثلاثا ، إذ جواب المعصوم يحتمل
أن يكون تكذيب فقهاء أصحابه وتصديق ما ورد من أنّه يتمّ الصلاة ولو واحدة ، كما
فهمه الشارح ;.
لكن على هذا لا
يبقى لقوله ; : « ومتى توجّهت. » معنى ولا وجه له ، لأنّ المسافر إذا أتمّ الصلاة من غير
نيّة الإقامة بل بمحض أنّ له التخيير كيف يتمّ الصلاة في رجوعه إلى منى؟ فإنّ منى
غير داخلة في مكّة ، ومع ذلك كيف يتمّ في رجوعه إليها خاصّة؟ مع أنّ الأخبار صريحة
في وجوب القصر في منى على أهل عرفات .
ويبعّد هذا أيضا
أنّه 7 كيف كان يكذّب فقهاء أصحابه بالتعليل الذي ذكره؟ إذ ليس ذلك علّة واستدلالا.
فيحتمل أيضا أن يكون مراده 7 تصديق فقهاء أصحابه ، وأنّ مراده أنّه يتمّ الصلاة بأن
ينوي الإقامة ، ولذا قال : « قد علمت فضل الصلاة فيهما فأحبّ لك أن لا تقصّر » إذ
يظهر من التعليل أنّ الإتمام باختيارك وأنت تعلم هذا المعنى فأحبّ لك أن تختاره ،
فلو كان مراده ما ذكره الشارح ; كان المناسب أن يقول : الحق مع تلك الرواية والفقهاء
أخطأوا ، وأين هذا من ذلك الجواب؟ ويصح على هذا أيضا الإتمام بمنى حال الرجوع
إليها ، لأنّها من توابع مكّة ، ومكّة موضع الإقامة ، ومن نوى الإقامة في موضع
يتمّ الصلاة في توابعه أيضا ، على ما سيجيء ، فلاحظ وتأمّل جدّا.
وربما يظهر ممّا
ذكر وجه التوجيه للصدوق ; فتأمّل.
( على أنّ ظاهر
هذه الصحيحة استحباب الإتمام ، لقوله 7 : « قد
__________________
علمت فضل الصلاة
في الحرمين » وقوله : « فأنا أحبّ لك أن لا تقصّر » فيكون من القسم الثاني ، يعني
الدال على التخيير صريحا.
ومع إشكال آخر وهو
: أنّ التخيير وأفضلية الإتمام لو كان من الله تعالى فأيّ معنى لقوله 7 : أحبّ لك ( أن
تختار خصوص الإتمام في المسألة ) فأيّ معنى لذلك القول؟ إلاّ أن يكون المراد أنّك تعلم أنّك
مخيّر بين القصر والإتمام فأنا أحبّ لك أن تختار خصوص الإتمام في الحرمين ، فتصير
الرواية بحسب ظاهرها على طريقة العامّة.
قال جدّي ; : إنّ التوقيعات
كثيرا ما كانت غير خالية عن اضطراب أو موافقة للتقيّة خوفا من أن يقع التوقيع بيد
عدوّهم . فمن هذا ظهر وهن آخر في الاحتجاج مضافا إلى ما سيأتي.
وجعل المعنى أنّك
قد علمت التخيير في خصوص الحرمين فأحبّ لك. فيه ما فيه ) .
قوله : كصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع. ( ٤ : ٤٦٧ ).
هذه الصحيحة مستند
الصدوق ، ويدل على مذهبه أيضا صحيحة معاوية بن وهب التي ذكرناها ( وصحيحة أبي
ولاّد التي أشرنا إليها ) وصحيحة معاوية بن عمار أنّه قال : سألت الصادق 7 عن الرجل قدم
مكّة فأقام على إحرامه قال : « فليقصّر الصلاة ما دام محرما » والظاهر أنّ
__________________
مراده أنّه يريد
الذهاب إلى عرفات ولذا أقام على إحرامه ، ففرض النائي التمتّع ، والمتمتّع يتمّ
العمرة ويتحلّل ثمّ يحرم بالحجّ ، إلاّ أن يتضيّق الوقت عن إتمام العمرة فيعدل إلى
الإفراد ويذهب إلى عرفات.
وصحيحة علي بن
مهزيار عن محمد بن إبراهيم الحضيني ، قال : استأمرت أبا جعفر 7 في الإتمام
والتقصير ، قال : « إذا دخلت الحرمين فانو مقام عشرة وأتمّ الصلاة » فقال : إنّي
أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ، قال : « انو مقام عشرة أيّام وأتمّ
الصلاة » يعني أنّ التمام ما يمكن إلاّ بنيّة عشرة أيّام ، إن أمكنك
المقام فأتمّ ، وإلاّ فلا ، وفيها من التأكيد ما لا يخفى.
ورواية علي بن
حديد أنّه قال للرضا 7 : أصحابنا اختلفوا في الحرمين ، فبعضهم يتمّ وبعضهم يقصّر
، وأنا ممّن يتمّ لرواية رواها أصحابنا ، وذكرت عبد الله بن جندب أنّه كان يتمّ ،
قال : « رحم الله ابن جندب » ثمّ قال : « لا يكون الإتمام إلاّ أن يجمع على مقام
عشرة أيّام » الحديث .
هذا مضافا إلى
ظاهر الآية والعمومات المتواترة والمؤيّدات التي أشرنا إليها.
وورد أخبار معتبرة
متعدّدة في أنّ أهل عرفات إذا رجعوا إلى مكّة لزيارة البيت يقصّرون في مكّة وفي
المسجد الحرام ، كما هو الظاهر منها ،
__________________
إلاّ أن يدخلوا
منازلهم ، فلاحظ.
ومستنده أيضا
رواية حمزة بن عبد الله الجعفري ، قال : لمّا أن نفرت من منى نويت المقام بمكّة
فأتممت الصلاة حتى جاءني خبر من المنزل ، فلم أجد بدّا من المصير ، فقصصت على أبي
الحسن 7 القصّة ، فقال : « ارجع إلى التقصير » والرواية صحيحة عنده.
وروى الشيخ في
الصحيح عن الصادق 7 في الرجل يدخل مكّة من سفره وقد دخل وقت الصلاة ، قال : «
يصلّي ركعتين » الحديث .
وفي الحسن كالصحيح
عن الصادق 7 : « إنّ أهل مكّة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتمّوا ، وإن لم يدخلوا
منازلهم قصّروا » .
وقريب منه ما في
الحسن كالصحيح عن الحلبي عن الصادق 7 : « إنّ أهل مكة
إذا خرجوا حجّاجا قصّروا ، وإذا زاروا البيت ورجعوا إلى منازلهم أتمّوا » فلاحظ.
قوله : ويدل على التخيير. ( ٤ : ٤٦٨ ).
يمكن أن يقال :
إنّ الحديث وارد في مقام التقيّة ، لموافقة حكمه لمذاهب العامّة ، وعلي بن يقطين
كان وزير الخليفة ، والكاظم 7 كانت التقيّة في زمانه أشدّ ، وصحيحة ابن بزيع وما يؤدّي
مؤدّاها لا تقبل التقيّة أصلا ، كما هو الظاهر .
__________________
وورد في الأخبار
التي كادت تبلغ التواتر أنّ كلّ حديث وافق العامّة فاتركوه ، خذوا بما خالفهم فإنّ
الرشد في خلافهم ، وعند تعارض الأخبار عيّنوا لنا ذلك ، وما أجازوا لنا غير ذلك
حاجة أمروا بالأخذ بما اشتهر بين الأصحاب ، ولا شكّ في أنّ وجوب القصر في هذه
الأماكن مخالف للعامّة ، فالرشد فيه ويجب علينا الأخذ به ، كما أنّ التخيير هو عين
مذهبهم ، والتخيير في هذه الأماكن فرد من التخيير الذي يقولون ، وما يظهر منه
الاختصاص سيجيء الجواب عنه ، مع أنّه أوفق بمذهبهم قطعا.
وأيضا أمرونا بأخذ
ما وافق كتاب الله وترك ما خالفه ، وعلمت أنّ كتاب الله يدل على وجوب القصر بنصّ
أهل البيت ، وترك غير المشهور ، ومعلوم أنّ المعتبر هو المشهور بين أصحاب الراوي
والمعصوم 7 لا المتأخّرين ، إلاّ أن يدل دليل على أنّ الشهرة بين المتأخّرين هي الشهرة
بين أصحاب الراوي ، وعرفت في المقام أنّ أصحاب الراوي والمعصوم كلّهم كانوا
يقصّرون.
وأيضا أمروا
بالأخذ بالحديث الذي وافق سائر أحكامهم ، ومعلوم أنّ المستفاد من الآية والأخبار
المتواترة أنّ المسافر يجب عليه القصر.
وأيضا أمروا
بالأخذ بما وافق السنّة ، ومعلوم أنّ الرسول كان يقصّر ، كما يظهر من الأخبار .
وأيضا أمروا
بالعرض على سائر أحاديثهم والأخذ بما وافقها ، وأحاديثهم متواترة في وجوب القصر
والمبالغة فيه وردّ التخيير والإصرار
__________________
فيه.
وأيضا ما ورد في
علّة التقصير يشمل المقام ، وما ورد من أنّ الله تصدّق بالركعتين ولا يرضى بأن
يردّ صدقته . إلى غير ذلك.
مضافا إلى تصريحهم
بأنّ الأمر بالتمام إنّما هو اتّقاء على الشيعة ، كما عرفت. مضافا إلى شهادة
الاعتبار وغير ذلك بما عرفت وستعرف.
وأيضا المسافر
يقصّر قطعا قبل الوصول إلى هذه ، فهو مستصحب حتى يحصل اليقين بخلافه ، لقولهم : «
لا تنقض اليقين إلاّ بيقين » وغير ذلك. مضافا إلى تصريحهم في خصوص المقام بأنّ الإتمام
الذي ورد منّا إنّما ورد تقيّة.
وممّا ذكر ظهر
الكلام في الأخبار التي أمروا بالإتمام ، إذ عرفت أن كان تقيّة ، والعامّة أيضا
يأمرون بالإتمام وإن كانوا يجوّزون القصر ، ويجعلون القصر شعار الشيعة.
فإن قلت : ما ورد
من أنّ الإتمام في أربعة مواطن من مخزون علم الله تعالى لا يمكن حمله على التقيّة.
قلت : الموانع
الأخر تكفي لرفع اليد عنه والأخذ بما خالفه ، فإنّ الأئمّة 7 أمرونا بطرح ما
خالف الكتاب وضربه على الحائط وأنّه باطل إلى غير ذلك من أمثال هذه العبارات.
وكذا الحال في
الشهرة بين أصحاب الراوي وغير ذلك ممّا ذكرت ،
__________________
فإنّهم 7 جعلوا كلّ واحد
منها حجّة مستقلّة برأسها وأمرونا باتباعه واعتباره ، وما جوّزوا لنا رفع اليد عنه
، وكلّها مجتمعة في ما ذكر من الحديث أيضا ، وواحد منها يكفي ، والمدار في الفقه
على ذلك.
مع أنّ وجوب القصر
مخالف لرأي العامة جزما ، والرشد في خلافهم على ما صرّحوا به وأمرونا باتباعه
والأخذ به.
على أنّا نقول :
مرادنا من التقيّة هي الاتّقاء ، قالوا كذلك لأجل أنّ الشيعة إذا كانوا في تلك
الأربعة أتمّوا الصلاة ، ولذا ذكروا ذلك في إتمام الصلاة خاصّة ، والعامّة إذا
رأوا أنّهم أتمّوا لا يؤذونهم ، بخلاف ما إذا رأوهم يقصّرون ، وما كانوا يدورون مع
الشيعة حتى يرونهم يقصّرون ، مع أنّهم لو وجدوهم يقصّرون لكانوا يؤذونهم البتة.
ووجه تخصيص هذه
الأربعة بالاتقاء لكونها مشهد مجمع أهل السنّة مع الشيعة بعنوان الكثرة والازدحام
سيّما الحرمين ، ولذا أكثر الأخبار ورد في الحرمين ، بل بعضها ظاهر في اختصاصهما
به ، مثل ما ورد في بعضها : أنّ أبي كان يرى للحرمين ما لا يراه لغيرهما ، وزيارة الحسين 7 لم يكن من خصائص
الشيعة ، إذ لو كان كذلك لعرفوا وقتلوا ، لأنّ السلاطين في غاية بذل جهدهم في
تحصيل معرفة الشيعة ، وهم في غاية بذل الجهد في إخفاء أنفسهم ، فكان يؤدّي ذلك إلى
ترك زيارة الحسين 7 ومنع الأئمّة إيّاهم من الزيارة ، مع أنّ أمرهم بزيارته
بلغ حدّ التواتر ، والمتوكّل منع الناس عن زيارته ، فلمّا منعوا وكان يقع الكثرة
والازدحام في زيارته وربما صار منعه [ سببا لـ ] زيادة الازدحام
عليها فلذا أمر بمحو آثار
__________________
قبره 7 ، ومع ذلك ازدحام
الشيعة وأهل السنة في زيارته إلى الآن باق على حاله.
وعلى فرض البعد
يقدّر بقصد الإقامة ، وبعد ذلك ليس بأزيد من حمل أخبار وجوب القصر على مرجوحيته ،
إذ أقلّ مراتب الأمر الرجحان ، سيّما مع ما في بعضها من القرائن الدالة على إرادة
التقصير وطلبه على سبيل التعيّن ، والدلالة أيضا منتفية.
مع أنّك عرفت أنّ
الواجب علينا مراعاة المرجّحات من موافقة الكتاب والشهرة بين الأصحاب ومخالفة
العامّة وغير ذلك ، وأيضا ستعرف أنّ بين الأخبار التي هي مستند المشهور اختلافا
شتّى ، مضافا إلى ما ذكرنا من الإيرادات ، وهذه أيضا يضعف التمسّك بها.
قوله : فلا يبعد أن يكون. ( ٤ : ٤٦٨ ).
سيّما بعد ملاحظة
ما نبّهنا عليه ، بل لولا الشهرة العظيمة لكان مذهب الصدوق متعيّنا بحسب ما يظهر
من الأخبار والأصل بعد الآية ، والله يعلم.
قوله : ولأنّ الأخبار الواردة بالإتمام. ( ٤ : ٤٦٨ ).
وأمّا مذهب ابن
الجنيد والمرتضى فلا احتياط من جهتهما ، لكونهما خلاف الآية والأخبار المتواترة
والأصول وطريقة الشيعة بل المسلمين في الأعصار والأمصار.
قوله : ولم نقف لهما على مأخذ في ذلك. ( ٤ : ٤٧١ ).
لا يخفى أنّ قوله
في صحيحة علي بن مهزيار : « قد علمت فضل الصلاة » في مقام التعليل لأمره بالإتمام
، وقياس منصوص العلّة حجّة عنه
__________________
الشارح ; والمشهور ،
فمقتضاه أن كلّ موضع يكون للصلاة فيه [ فضل ] يكون الإتمام فيه مأمورا به ، وخروج
غير المشاهد للأئمّة عنه لعله للإجماع أو غيره ، فتأمّل.
ومثل صحيحة علي بن
مهزيار صحيحة البزنطي عن إبراهيم بن شيبة ، إذ فيها : « أنّ رسول الله 6 كان يحبّ إكثار
الصلاة في الحرمين ، فأكثر فيهما وأتمّ » .
لكن الأخبار
الدالة على أنّ موضع الإتمام أربعة تعارضه وتغلب عليه ، لكون دلالتها أقوى وكونها
معمولا بها عند المعظم ، وغير ذلك من المرجّحات التي أشرنا إليها في ترجيح رأي
الصدوق. وما ذكر يضعّف [ بأنّ ] أفرادا كثيرة من المواضع التي للصلاة فيها فضل لا
يتمّ الصلاة فيها إجماعا ، كما أنّ كثيرا من مواضع الإتمام ليس فيها فضل إجماعا ،
فيضعف الاحتجاج بمثل صحيحة علي بن مهزيار.
مع أنّ الأخبار
التي هي مستند المشهور بينها اختلاف بحسب الظاهر ، إذ بعضها يظهر منه أنّ كل موضع
يكون للصلاة [ فيه ] فضل يتمّ ، وبعضها يدل على الاختصاص بالأربعة المعهودة ،
وبعضها ظاهر في اختصاص الحكم بالحرمين ، مثل كالصحيح عن مسمع ، عن الكاظم 7 وأنّه قال : «
كان أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغيرهما ويقول : الإتمام فيهما من الأمر
المذخور » ومثلها صحيحة علي بن مهزيار وإبراهيم بن شيبة ، ومنها
__________________
[ ما ] يدل على
ثلاثة أماكن : المدينة ومكّة وعند قبر الحسين 7 ، وهو رواية حسين عن الصادق 7 ، ومنها [ ما ] يدل على الحرمين ، ومنها [ ما ] يدل على
خصوص المسجدين. إلى غير ذلك من الاختلافات الظاهرة فيها ، مثل أنّ بعضها ظاهر في
وجوب التمام وبعضها في أفضليته ، وبعضها في تساويه مع القصر ، وبعضها بالحرم ،
وبعضه بالحائر ، وبعضها عند القبر ، إلى غير ذلك ، وهذه الاختلافات ممّا يضعف
التمسّك بها. مع أنّ مجرّد فضل الصلاة كيف ( كان مستحب ، فكيف يغيّر الواجب ويصير
منشأ ) لتغيّر الحكم الواجبي؟!.
قوله : في التذكرة. ( ٤ : ٤٧١ ).
والمرتضى ـ 2 ـ في الانتصار
أيضا ادعى الإجماع عليه .
قوله : ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي. ( ٤ : ٤٧١ ).
حمل هذه الصحيحة على
صورة العلم والعمد لعله بعيد ، بل وعلى الأعم أيضا ، فالحمل على النسيان لعله
أقرب. فتأمّل.
قوله : أو فعل ما به يحصل كالتسليم. ( ٤ : ٤٧١ ).
فيه : أنّه على
هذا يخرج الأخبار التي استدلوا بها على استحباب التسليم عن الحجّية ، لأنّ
استدلالهم بها ليس إلاّ من جهة أنّ مقتضاها خروج المصلّي عن الصلاة بمجرّد التشهّد
ليس إلاّ ، فإذا بني على أنّه لا بدّ
__________________
من مخرج سوى
التشهّد لم يبق تلك الأخبار على ظواهرها ، لأنّ التقدير واجب ، فيتعيّن تقدير
التسليم حتى توافق الأخبار الدالة على وجوب التسليم وكونه مخرجا لا غير ، وتكون
هذه الأخبار خالية عن المعارض ، لأنّ المجمل لا يعارض المبيّن والمفصّل.
مع أنّ هذه
الأخبار على ما ذكره يكون مقتضاها لزوم أحد الأمرين : إمّا التسليم أو نيّة الخروج
، ومقتضى تلك الأخبار لزوم خصوص التسليم ، فالجمع متعيّن بحمل أحدهما على خصوص
التسليم ، فتدبّر.
قوله : إنّ الصلاة المقصورة إنّما تبطل بالإتمام. ( ٤ : ٤٧٢ ).
فيه : أنّ هذا
مناف لما صرّح به في مسألة من توضّأ ثلاثا ثلاثا ، ومسألة التكفير في الصلاة ،
ومسألة قول آمين فيها ، وغيرها من أمثال هذه المسائل من أنّ الصلاة والوضوء
صحيحتان ، لأنّ النهي تعلّق بأمر خارج .
ومع ذلك مقتضى هذه
الأخبار وما ورد في أنّ الناسي أيضا يعيد أنّهما يعيدان مطلقا ، وكذلك فتاوى
الأصحاب ، فلا وجه للتقييد الذي ذكره ، وهذا كلّه دليل على وجوب التسليم ، فتدبّر.
قوله : إذا وقعت ابتداء على ذلك الوجه. ( ٤ : ٤٧٢ ).
كون قصد الإتمام
مضرّا محلّ تأمّل ومخالف لما صرّح به مرارا ، وسيجيء تمام الكلام في مسألة الناسي
، فلاحظ.
قوله : ويدل عليه قوله 7. ( ٤ : ٤٧٢ ).
ولو علم بالحال في
أثناء الصلاة فإن أمكنه العدول إلى القصر قصّر ، وإلاّ بأن تعدّى موضعه مثل أن دخل
في الركوع في الركعة الثالثة أعادها بأن
__________________
يستأنفها ، وإن لم
يدخل في الركوع فلا يبعد أنّه يهدم القيام ويجلس ويسلّم ، لكونه معذورا لو أتمّ
الصلاة أربعا ، ففي المقام بطريق أولى ، ويحتمل عدم المعذورية في المقام اقتصارا
على مورد النص والفتوى.
قوله : فيمكن حملها على الناسي. ( ٤ : ٤٧٢ ).
ظاهرها العموم ،
لترك الاستفصال في مقام الاحتمال ، لكن يمكن أن يقال بخروج العالم العامد ، لبعد
ذلك ، فإنّ الظاهر أنّ المصلّي يصلّي طاعة لله تعالى وعبادة له ، وكذا خروج الجاهل
، لما دل على صحّة صلاته ، بل يتعيّن ذلك ، لأنّه صحيح وصريح ومعمول به عند
الأصحاب ، وهذا الصحيح لا صراحة فيه ، لإمكان إرادة الناسي أو الاستحباب.
والحاصل : أنّ غير
الصريح لا يعارض الصريح ، سيّما إذا كان الصريح معمولا به عند الجلّ ، والمدار في
الفقه على ذلك ، بل ربما كان سياق العبارة له ظهور في النسيان حيث قال أوّلا :
صلّى وهو مسافر ، ثمّ فرّع عليه بقوله : فأتمّ الصلاة ، فإنّ فيه إيماء ظاهر ،
فتأمّل جدّا.
ويؤيّده أيضا
رواية أبي بصير ، إذ بملاحظتها ربما يظهر أنّ مضمون هذه الرواية مضمونها ،
فتأمّل.
قوله : وكأنّ المراد أنّه يجوز. ( ٤ : ٤٧٣ ).
الظاهر أنّ مراده
عدم وجوب الإعادة ، لأنّه ثبت من الشرع بحيث لا تأمّل فيه ، ولا منافاة بينه وبين
عدم معذورية الجاهل بأنّه يؤاخذ ويعاقب مطلقا ، وعليه الإعادة أيضا إذا لم يثبت من
الشارع عدم وجوبها ، فتدبّر.
قوله : والاشتراك في العذر. ( ٤ : ٤٧٣ ).
__________________
لا يخفى أنّ هذا
هو القياس الحرام بعينه. مع أنّه لو كانت العلّة هي الجهل لزم معذوريته مطلقا ،
ولا يقولون به ، بل هو فاسد. مع أنّ صحة عبادته من جهة الجهل فيه ما فيه.
قوله : فالظاهر الإعادة. ( ٤ : ٤٧٣ ).
الظاهر أنّ هذا
الحكم مبني على أنّ الحديث الصحيح المذكور لا يقاوم القاعدة الثابتة حتى يخصّصها ،
كما يقول الفقهاء من أنّ النص مخالف للقاعدة في موضع لا يعملون به ، لأنّ شرط
تخصيص العامّ مقاومة الخاصّ له ، والمقاومة شرط في جميع المتعارضين إذا حمل أحدهما
من جهة الآخر في مقام الإفتاء لا مجرّد الجمع ورفع التناقض.
قوله : هذا هو المشهور بين الأصحاب. ( ٤ : ٤٧٣ ).
بل المرتضى في
الانتصار ادعى الإجماع عليه ، وكذا الشيخ في الخلاف ، والحلّي في السرائر ،
والعلاّمة في ظاهر التذكرة .
قوله : ويتوجّه على الرواية الأولى أنّها ضعيفة السند. ( ٤ : ٤٧٤
).
السند صحيح كما
حقّق في محلّه ، ومع ذلك منجبر بالشهرة ، والظاهر من اليوم هو بياض النهار ، وعدم
مذكورية حكم العشاء غير مضرّ قطعا ، فإنّ الأخبار التي يستدلون بها في الفقه غالبا
أخصّ من المدعى ، والمدار في الفقه على ذلك وعلى الإتمام بعدم القول بالفصل أو
بغيره من دليل آخر لرواية أو أصل أو غير ذلك ، ومدار الشارح ; أيضا على ذلك.
وفي المقام عدم القول بالفصل موجود ، وكذا صحيحة العيص ، والأصل أيضا ،
__________________
لأنّ القضاء فرض
جديد ، وشمول دليله له محلّ مناقشة ، وأمّا إذا كان الوقت باقيا وظهر عليه أنّه ما
أتى بالصلاة التي أمر بها يجب عليه الإتيان بها قطعا ، فتأمّل.
ويدل على ذلك أيضا
صحيحة الحلبي التي ذكرها في إعادة العامد لو قلنا أنّ الإعادة مختصّة بالوقت. ولو قلنا بأنّها أعمّ
فهي مستند علي بن بابويه والمبسوط.
قوله : أحدهما : الإعادة مطلقا. ( ٤ : ٤٧٤ ).
يدل عليه إطلاق
الأمر بالإعادة في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وصحيحة الحلبي . ويمكن حملهما على الإعادة في الوقت جمعا بين الأخبار ، أو
أنّ المراد غير الناسي ، فتأمّل.
قوله : اختاره الصدوق في المقنع. ( ٤ : ٤٧٤ و ٤٧٥ ).
الظاهر أنّ فتواه
موافق للمشهور ، ومعلوم أنّ فتواه فيه نقل متون الأخبار مفتيا بمضمونها ، فحاله في
المقام حاله في غير المقام ، وحال كلامه حال متون الأخبار ، فتأمّل.
قوله : وقد بيّنا. ( ٤ : ٤٧٥ ).
بل الأصحّ أنّ ذلك
مبطل للصلاة ، لوجوب التسليم وعدم إتيان المأمور به على وجهه.
قوله : اتّجه القول بالإعادة. ( ٤ : ٤٧٦ ).
أي بنيّة التمام ،
وفيه : أنّ كون هذا مضرّا مع عدم تحقّق الإتمام غير
__________________
ظاهر ، إذ ربما
كان بنيّة الإتمام إلى آخر التشهّد الأوّل فتفطّن أنّ عليه القصر فسلّم ، فإنّ
صلاته صحيحة ، لاستجماعها جميع الواجبات وعدم المانع منها ، لأنّ المعتبر في
النيّة قصد القربة ، سيّما عند الشارح ، وقصد التعيين أيضا متحقّق ، لأنّه قصد ما
في ذمّته ، غاية ما في الباب أنّه توهّم كونها تماما ، فتفطّن فقصّر ، وهذا القدر
من التعيين كاف لتحقّق الامتثال العرفي ، وليس له دليل سواه. وبالجملة : ما ذكره
هنا خلاف ما صرّح به مرارا ، فتأمّل.
قوله : لما يجب عليه من ترك نيّة التمام. ( ٤ : ٤٧٦ ).
الظاهر أنّه لا
إشكال من جهة نيّة التمام ناسيا ، فإنّه لو تذكّر المصلّي قبل إتمام التشهّد
الأوّل ، فسلّم تكون صلاته صحيحة ظاهرا ، بل الإشكال في التسليم ناسيا ، وأنّه لو
أتى المكلّف الأمر الذي كلّف به على وجهه على سبيل النسيان هل يكون ممتثلا؟ مع
أنّه لم يأت به باختياره بل أتى به سهوا ، ومثل هذا كيف يعدّ امتثالا؟ إذ الامتثال
هو أن يأتي به على سبيل الاختيار والشعور والإرادة ، فتأمّل.
قوله : ولو كانت صريحة لأمكن الجمع. ( ٤ : ٤٧٨ ).
ومع الصراحة أيضا
يشكل الجمع ، لأنّه بعد التكافؤ ، وما دل على القصر أرجح ، لموافقته العمومات
والتأكيد الذي فيه بقوله : « فإن لم تفعل. » ولكونه أشهر على ما ذكره المصنّف ،
ولموافقته لصحيحة العيص الآتية ، وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما 8 : عن الرجل يقدم
من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة ، قال : « إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل
وليتمّ ، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصلّ
__________________
وليقصّر » وقد عرفت أنّ
راوي تلك الصحيحة هو راوي هذه الصحيحة ، فالراوي بعينه روى ضدّ ما رواه لو كان
المراد ما فهمه المستدل ، فمن هذا يحصل وهن عظيم ، بل ربما كان المراد من تلك
الصحيحة مضمون هذه الصحيحة بأنّها خرجت مفسّرة لها ، بل ربما كان التفاوت حصل من
نقل أحدهما من الرواة بالمعنى.
ويؤكّد ما ذكرناه
أيضا أنّ محمد بن مسلم روى أيضا في الصحيح عن الصادق : الرجل يريد السفر متى يقصّر؟
قال : « إذا توارى من البيوت » قال : قلت : الرجل يريد السفر فيخرج حين زوال الشمس
، قال : « إذا خرجت فقصّر » .
وممّا يؤكّد أيضا
ما قال بعض المحققين من أنّ أكثر العامّة قائلون باعتبار حال الوجوب ، فيكون ما دل
عليه محمولا على التقيّة ، ويشير إليه صحيحة إسماعيل ، فتأمّل.
نعم ورد في
التخيير رواية في سندها محمد بن عبد الحميد عن الصادق 7 : « إذا كان في
سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل فسار حتى يدخل أهله ، فإن شاء قصّر وإن شاء
أتمّ ، والإتمام أحبّ إليّ » لكن لا تقاوم ما ذكرناه من حيث السند وغيره. وكيف كان
الأولى والأحوط اعتبار حال الأداء.
__________________
قوله : « فليقصّر ». ( ٤ : ٤٧٨ ).
وروى الحكم بن
مسكين بمن رجل عنه 7 مثل ذلك .
قوله : قال في المعتبر : وقوله : « يجب » ، يريد به الاستحباب
... ( ٤ : ٤٨٠ ).
لأنّ الظاهر من
الأخبار الكثيرة سقوط الركعتين الأخيرتين من دون بدل وعوض ، وللإجماع بل الضرورة
من الدين ، ولما يظهر من بعض الأخبار أنّ التقصير عفو وتخفيف وصدقة ، وأمثال ذلك ، ولضعف سند
الرواية.
قوله : ولا ريب في وجوب الإتمام في هذه الصورة. ( ٤ : ٤٨١ ).
ولذا من كان ينوي
الإقامة في المدينة يذهب إلى مسجد قباء وأحد لزيارة حمزة ومشربة أمّ إبراهيم وغير
ذلك من دون إشكال ، ولذا لم يتحقّق منهم سؤال ولا من الأئمّة 7 استفصال.
قوله : ولو قصد العود من دون نيّة الإقامة قيل : وجب التقصير
بمجرّد خروجه. ( ٤ : ٤٨١ ).
نسب هذا القول إلى
الشيخ والعلاّمة وغيرهما ، واحتجّوا لهذا القول
__________________
بأنّه نقض المقام
بالمفارقة ، فيعود إلى حكم السفر.
وفيه : أنّ هذا ينافي
ما هو مسلّم عندهم وثابت بالأدلّة أيضا ، كما ذكرنا في الشرط الثالث ، من أنّ نيّة
الإقامة قاطعة للسفر ، فإذا انقطع السفر فلا جرم يكون اللازم الإتمام حتى يتحقّق
السفر المستجمع للشرائط ، كما عرفت وستعرف. وأي فرق بين هذا وبين من بلغ وطنه وخرج
منه؟ فإنّ توقّف القصر على مسافة مستجمعة لها ليس إلاّ لانقطاع سفره ، كما عرفت في
الشرط الثالث.
وأيضا هذا مناف
لما علّلوا به للإتمام ذهابا وإيابا وفي ما خرج إليه في المسألة المتقدّمة.
ومع ذلك نقض
المقام بالمفارقة ممنوع ، وكذا العود إلى حكم السفر ، وسند المنعين ظهر ممّا مرّ ،
وسيظهر أيضا في الحاشية الآتية.
هذا ولكن عبارة
المبسوط هكذا : لأنّه نقض مقامه بسفر بينه وبين بلده يقصّر في مثله ، وهذه ظاهرة في
أنّ الشيخ جعل المقتضي للقصر قصد المسافة ، وأنّه ( يلزم بمجرّد الخروج ) تحقّق قصد
المسافة ، لأنّه يريد الإياب إلى بلده البتّة ولم ينو إقامة أخرى ، فيكون حال موضع
إقامته حال سائر المواضع.
لكن يرد عليه :
أنّ الذهاب لا يضمّ إلى الإياب إجماعا إلاّ في صورة أو صورتين ، وقد مرّ الدليل
على ذلك أيضا ، وأيضا لا بقال عرفا : إنّه الآن يسافر إلى وطنه ، بل يقولون بخلاف
ذلك ، وأنّه لا يسافر البتّة. وأيضا قد عرفت وستعرف أن موضع الإقامة حكمه حكم
الوطن ، وأنّ الإتمام
__________________
مستصحب حتى يثبت
خلافه ، إلى غير ذلك ممّا ستعرف.
واستدل أيضا بأنّ
المتبادر من الأخبار الدالة على أنّ ناوي الإقامة يتمّ الصلاة أنّه يتمّ الصلاة في
موضع الإقامة.
وفيه : أنّه إن
أريد أنّه يتمّ فيه الصلاة ولا يتمّ في غيره فالتبادر ممنوع ، وإن أريد أنّه يتمّ
فيه أي المعنى اللابشرط فمسلّم لكن لا يضرّنا ، فإنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه
، وستعرف الأدلة على الإتمام في غيره أيضا.
مع أنّا لا نسلّم
التبادر سيّما في صحيحة أبي ولاّد ، بل عرفت أنّ الظاهر منها خلاف ذلك ، كما ستعرف ، بل
غيرها أيضا حيث جعل الإتمام في مقابل القصر بأن قال 7 : إن عزمت على الإقامة أتممت وإلاّ قصّرت إلى ثلاثين .
وظاهر أنّ القصر
مطلق سواء كان في موضع الإقامة أو غيره ، فتأمّل.
وبالجملة : لو تمّ
دليله فهو تمسّك بمفهوم اللقب ، وليس بحجة إن ذكر اللقب صريحا ، فكيف إذا لم يكن
مذكورا أصلا؟ بل يدعى تبادره ، وتمام الكلام ستعرف.
قوله : وهو جيّد ... ( ٤ : ٤٨١ ).
بناء على أنّ
الذهاب لا يضمّ إلى العود وكون ناوي الإقامة ذاهبا إلى وطنه قطعا من دون نيّة
إقامة ثانية ، وكونه بخروجه عن موضع الإقامة خارجا عن مسمّى المقيم ، وكونه مسافرا
عرفا ، بل وشرعا أيضا ، لعدم كونه
__________________
مقيما في ما نوى الإقامة ، لكن
يجب عند الشارح تقييده بما إذا حصل مع العود قصد المسافة ، فلو عاد ذاهلا.
ووافق الشارح ; جماعة مثل مولانا
الأردبيلي ومولانا عبد الله التستري وغيرهما ، لكن غيرهم يقول : إنّه يذهب إلى وطنه قطعا في وقت من
الأوقات ، ولا يشترط قصد المسافة في زمان معيّن ، نعم لا بدّ أن لا يقطع سفره أحد
القواطع الثلاثة ، والذهول أو التردّد إنّما يكونان بالنسبة إلى السفر عن قريب لا
مطلق السفر.
نعم لو فرض بعنوان
الندرة عدم إرادة الذهاب إلى وطنه أصلا ولو بعنوان الذهول أو التردد يكون الأمر
كما ذكره الشارح ;.
وجوابه أنّ إرادة
الوطن في الجملة أعمّ من أن يكون هذا العود إنشاء السفر إليه بحسب قصده مع استمرار
هذا القصد ، والمعتبر هو هذا الخاصّ لا الأعمّ ، لأنّ هذا الخاصّ هو المتبادر من
الأخبار وفتاوى الأصحاب ، بل الثابت المحقّق هو لا غيره.
وأيضا ستعرف في
الحاشية الآتية أنّ دار الإقامة بمنزلة الوطن إلاّ أن تثبت المغايرة ، ولم تثبت ،
وتمام الكلام في الحاشية الآتية.
وممّا ذكر ظهر
أنّه لو كان بإرادته السفر إلى الوطن أو غيره وإنشاؤه من دار الإقامة لا من موضع
العود لا يجب عليه القصر أيضا إلاّ بعد إنشاء السفر من دار الإقامة.
ثمّ لا يخفى أنّ
دار الإقامة ربما تكون في الطرف المخالف للوطن أو
__________________
الموضع الذي يريد
السفر إليه فيتعيّن الإتمام في العود ودار الإقامة من جهة عدم ضمّ الذهاب إلى
الإياب ، فتفطّن.
قوله : وذلك كلّه معلوم من القواعد المتقدّمة. ( ٤ : ٤٨٢ ).
قد أشرنا عند ذكر
الشرط الثالث للقصر إلى أدلة ذلك ، وهي ورود الخبر المعمول به عند الأصحاب أنّ
ناوي الإقامة بمنزلة أهل البلد .
مضافا إلى عدم
الخلاف بين الأصحاب في أنّ قصد الإقامة قاطع للسفر ، وأنّ الأصل هو الإتمام حتى
يثبت شرائط القصر ولا يثبت بعد قصد الإقامة وإتمام الصلاة إلاّ أن يتحقّق شرائط
القصر بالمسافة المستجمعة للشرائط ، وأنّ الحكم بالإتمام بعد نيّة الإقامة وفعل
الفريضة التامّة مستصحب حتى يثبت خلافه ، ولم يثبت قبل تلك المسافة.
وأيضا صحيحة أبي
ولاّد ظاهرة في وجوب الإتمام إلى أن يسافر السفر المستجمع ، لأنّه 7 قال فيها : «
فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها » وليس المراد مطلق الخروج ، إذ يلزم على هذا أن
يقصّر بمجرّد أن يخرج من البلدة ولو قليلا ، وهو باطل وفاقا ، ولأنّه كان المناسب
أن يقول : إلاّ أن يخرج ، أو ما يؤدّي مؤدّى هذه العبارة.
وقوله : « حتى
تخرج » ظاهر في أنّ المراد الخروج المترقّب الوقوع المتحقّق الحصول ، وهو السفر من
المدينة إلى الكوفة أو إلى مكة ، ولم يكن المترقّب المتحقّق البتّة الخروج إلى
فرسخ أو فرسخين مثلا ، كما لا يخفى ، فإنّ أبا ولاّد كان من أهل الكوفة ذهب إلى
المدينة
__________________
لزيارة رسول الله 6 وملاقاة الإمام
أو للحج على سبيل منع الخلوّ.
وأيضا غير واحد من
الصحاح حكم فيها بوجوب الإتمام بعد نيّة الإقامة على سبيل الإطلاق ، ومرّ أيضا في
مسألة أنّ نيّة الإقامة موجبة للإتمام ما له دخل تامّ في المقام ، فلاحظ.
ثمّ اعلم أنّه إذا
خرج وعزم العود والإقامة الثانية في موضع الإقامة فالإتمام ذهابا وإيابا وفي
الموضع الذي خرج إليه إجماعي ، لعدم تحقّق السفر المقتضي للقصر ، وكذا إذا لم يعزم
العود ، بل عزم الذهاب إلى ما دون مسافة أخرى وإقامة ثانية فيه ، وهكذا ، وكذا لو
عزم العود والإقامة الثانية في غير موضع الإقامة ممّا هو دون المسافة ، وبالجملة :
كلّما كان بعد الخروج إقامة أخرى في ما دون المسافة يكون الواجب الإتمام مطلقا.
قوله : والمسألة محلّ تردّد ... ( ٤ : ٤٨٢ ).
بل الثاني هو
الأظهر ، لأنّ صحيحة أبي ولاّد التي هي الأصل في المسألة لم يعتبر فيها أزيد من
وقوع فريضة واحدة بتمام ، وعلّق الحكم عليه خاصّة ، والعبرة بعموم لفظ الحكم لا
خصوص المحلّ ، فتأمّل.
قوله : ما رواه الشيخ ... ( ٤ : ٤٨٤ ).
ربما يظهر من
الرواية كون الاعتبار بحال الوجوب مطلقا بملاحظة التعليل المذكور فيها ، فيكون
حالها حال سائر الأخبار الدالة على ذلك ، فعلى رأي القائل بأنّ المعتبر حال الوجوب
لا إشكال أصلا ، وعلى الرأي الأقوى فالجواب عنها هو الجواب عن سائر الأخبار ،
وجواب المعتبر يناسب القائل بالتفصيل لا غيره ، فتأمّل.
__________________
قوله
: تعويلا على رواية سليمان بن حفص المروزي. ( ٤ : ٤٨٥ ).
لا يخفى أنّ في
صحيحة أبي ولاّد أيضا الأمر بالإعادة على سبيل الفور ، فالجواب أنّ صحيحة
زرارة أرجح من جهة الموافقة للقاعدة وندرة الفتوى بالمعارض ، مع أنّه على تقدير
التكافؤ فالحمل على الاستحباب.والحمد لله أوّلا وآخرا.
__________________
فهرس الموضوعات
أفعال الصلاة
بحث حول صحيحة حمّاد
الواردة في بيان أفعال الصلاة وآدابها................... ٥
النيّة
هل النيّة شرط أو جزء...................................................... ٦
اعتبار قصد القربة
والتعيين في النيّة........................................... ٨
حكم نيّة قطع الصلاة..................................................... ١١
تكبيرة الإحرام
ركنيّة التكبير............................................................. ١١
صورة تكبيرة الإحرام...................................................... ١٣
تخيير المصّلي في
تعيين تكبيرة الإحرام من التكبيرات السبع..................... ١٣
بطلان الصلاة بإعادة
تكبيرة الافتتاح........................................ ١٤
يشترط في تكبيرة
الافتتاح ما يشترط في الصلاة.............................. ١٤
سنن تكبيرة الإحرام
أن يأتي بلفظ الجلالة
من غير مدّ............................................ ١٥
إسماع الإمام من خلفه..................................................... ١٥
القيام
ركنيّة القيام.............................................................. ١٥
وجوب الاستقلال
بالقيام.................................................. ١٧
لو عجز المصلّي عن
القعود صلّى مضطجعاً................................... ١٧
لو عجز المصلّي عن
الاضطجاع صلّى مستلقياً................................ ١٧
لو عجز المصلّي عن
حالة في أثناء الصلاة انتقل إلى ما دونها.................... ١٨
القراءة
وجوب القراءة............................................................ ١٨
تعيين فاتحة الكتاب........................................................ ٢٠
بيان المراد من تواتر
القراءات السبع......................................... ٢٠
وجوب مراعاة الترتيب
بين آياتها وكلماتها على الوجه المنقول.................. ٢١
وجوب التعلّم على
الجاهل بالفاتحة مع الإمكان............................... ٢١
حكم من يعلم بعض
الفاتحة................................................ ٢٢
حكم من لم يعرف شيئاً
من الفاتحة ويعرف شيئاً من باقي القرآن............... ٢٤
حكم من يعرف تفسير
الحمد أو مرادفها.................................... ٢٤
التخيير بين الحمد
والتسبيح في الثالثة والرابعة................................ ٢٥
وجوب قراءة سورة كاملة
بعد الحمد وبيان الأقوال فيها....................... ٢٧
أدلّة القائلين بعدم
وجوب سورة كاملة بعد الحمد والمناقشة فيها................ ٣٠
أدلّة القائلين بوجوب
سورة كاملة بعد الحمد................................. ٣٢
أدلّة القائلين
باستحباب سورة كاملة بعد الحمد والمناقشة فيها.................. ٣٧
بحث رجالي حول محمد بن
عبد الحميد ويحيى بن أبي عمران.................... ٣٨
بحث حول ما ذكره
الصدوق من أنّه لا يعمل بما تفرد محمد بن عيسى عن يونس. ٣٩
لا يشترط في حجّية
الحديث وجود قائل بمضمونه............................ ٤٠
وجوب إعادة السورة لو
قدّمها على الحمد................................... ٤١
عدم جواز قراءة
العزائم في الفرائض......................................... ٤١
القاسم بن عروة قويّ..................................................... ٤١
بحث حول عبد الله بن
بكير................................................ ٤١
حكم القِران بين
السورتين في الفرائض...................................... ٤٢
أدلّة القائلين بعدم
الحرمة والمناقشة فيها...................................... ٤٢
أدلّة القائلين
بالحرمة وبطلان الصلاة بالقِران................................. ٤٥
وجوب الجهر بالقراءة
في الصبح وأوليي العشاءين............................. ٤٨
بحث حول التأسي بفعل
المعصوم 7....................................... ٥١
المناقشة في حمل الشيخ
الروايات الدالة على التخيير بين الجهر والإخفات على التقية ٥٣
عدم وجوب الجهر على
المرأة............................................... ٦٠
مستحبات القراءة
الجهر بالبسملة........................................................... ٦١
ـ
قراءة السور المعيّنة...................................................... ٦٢
ـ
قراءة الجمعة والمنافقين في
ظهري الجمعة.................................. ٦٤
مسائل في القراءة
حرمة قول « آمين » في
آخر الحمد......................................... ٦٤
وجوب الموالاة في
القراءة................................................... ٦٦
وحدة سورتي « الضحى »
و « ألم نشرح » و سورتي « الفيل » و « الإيلاف » ٦٦
التخيير بين الحمد
والتسبيح في الثالثة والرابعة................................ ٦٩
ما يُجزي من التسبيح
في الأخيرتين.......................................... ٦٩
حكم الإخفات
بالتسبيحات................................................ ٧٤
الركوع
ركنية الركوع........................................................... ٧٦
وجوب الانحناء فيه
وتحديده................................................ ٧٦
حكم العاجز عن
الانحناء................................................... ٧٧
بحث حول ركنية القيام
المتصل بالركوع..................................... ٧٨
وجوب التسبيح في
الركوع................................................ ٧٩
وجوب ضمّ « وبحمده »
إلى التسبيحة الكبرى............................... ٨٠
إشارة إلى معنى
التسبيح.................................................... ٨٤
حكم التكبير للركوع..................................................... ٨٥
مستحبات الركوع
رفع اليدين بالتكبير....................................................... ٨٥
ـ
التسبيح ثلاثاً أو خمساً أو
سبعاً أو ....................................... ٨٦
ـ
السمعلة بعد رفع الرأس................................................. ٨٧
السجود
وجوب السجود على
الأعضاء السبعة....................................... ٨٧
عدم جواز كون موضع
السجود أعلى من قدر لبنة........................... ٨٧
النهدي الذي يروي عنه
ابن محبوب هو : الهيثم بن أبي مسروق الفاضل......... ٨٧
حكم السبق باليدين إلى
الأرض عند الهويّ للسجود.......................... ٨٨
مستحبات السجود
مساواة موضع السجود
للموقف............................................ ٨٨
ـ
الإرغام بالأنف........................................................ ٨٨
ـ
أن يجلس عقيب السجدة الثانية
مطمئنّاً................................... ٨٨
ـ
الدعاء عند القيام إلى الركعة
الأخرى..................................... ٨٩
كراهة الإقعاء بين
السجدتين............................................... ٩٠
حكم من كان بجبهته دمل................................................. ٩١
وجوب السجود عند قراءة
العزائم على القارئ والمستمع...................... ٩٢
بحث حول ما ذكره
الصدوق من أنّه لا يعمل بما تفرّد محمد بن عيسى عن يونس. ٩٢
اشتراط الطهارة والستر
والاستقبال في سجود العزائم......................... ٩٢
اشتراط وضع الجبهة على
ما يصح السجود عليه.............................. ٩٣
فوريّة وجوب سجود
العزائم............................................... ٩٣
التشهد
ما يجزئ من الشهادتين.................................................... ٩٤
وجوب الصلاة على النبي
وآله.............................................. ٩٤
التسليم
أدلّة القائلين
باستحباب التسليم والجواب عنها................................ ٩٥
أدلّة القائلين بوجوب
التسليم............................................. ١٠٤
إشارة إلى أنّ عثمان
بن عيسى من أصحاب الإجماع ، وسماعة ثقة............ ١١٠
إشارة إلى أنّ أبا
بصير مشترك بين ثلاث ثقات............................. ١١٠
صور التسليم وبيان
الأقوال فيها........................................... ١١٤
مستحبات الصلاة
ـ التوجه بست تكبيرات................................................ ١١٨
أبو بصير ليث المرادي
ثقة كما أنّ يحيى بن القاسم ثقة أيضاً.................. ١١٩
حكم نسيان القنوت..................................................... ١١٩
ـ
النظر في حال الركوع إلى ما
بين رجليه................................. ١١٩
ـ
التعقيب............................................................. ١٢٠
قواطع الصلاة
بطلان الصلاة بما يبطل
الطهارة........................................... ١٢١
بيان الأقوال في
المسألة................................................... ١٢٤
بطلان الصلاة بالتكفير................................................... ١٢٩
بطلان الصلاة
بالالتفات................................................. ١٣٠
بطلان الصلاة بالكلام
عمداً.............................................. ١٣٢
بطلان الصلاة بالقهقهة.................................................. ١٣٢
بطلان الصلاة بالفعل
الكثير.............................................. ١٣٣
بطلان الصلاة بالبكاء
لشيء من أمور الدنيا................................ ١٣٣
بطلان الصلاة بالأكل
والشرب........................................... ١٣٤
كراهة التأوّه في
الصلاة.................................................. ١٣٤
الكلام في تسميت
العاطس............................................... ١٣٤
كلمة في جواز ردّ
السلام في أثناء الصلاة.................................. ١٣٥
حرمة قطع الصلاة
إختياراً................................................ ١٣٦
صلاة الجمعة
حكمها في زمان الغيبة................................................... ١٣٦
تحقيق في أنّ صيغة
الأمر لا تدلّ على التكرار............................... ١٣٧
أدلّة القائلين
بالوجوب العيني والجواب عنها :
الأوّل : الآية
الشريفة.................................................... ١٣٧
الثاني : الروايات........................................................ ١٣٩
المناقشة فيما قاله
الشهيد في رسالته من إثباته الوجوب العيني لصلاة الجمعة..... ١٥٣
أدلّة القائلين بعدم
الوجوب العيني......................................... ١٨٣
وقت صلاة الجمعة...................................................... ١٩٠
شرائط صلاة الجمعة
السلطان العادل......................................................... ١٩١
أدلّة القائلين بعدم
الاشتراط والجواب عنها................................. ١٩١
حكم ما لو مات الإمام
في أثناء الصلاة.................................... ٢٠٧
ـ
العدد............................................................... ٢٠٨
ـ
الخطبتان............................................................. ٢٠٩
اشتراط كون الخطبة
العربيّة.............................................. ٢٠٩
حكم إيقاع الخطبتين
قبل الزوال.......................................... ٢٠٩
وجوب تقديم الخطبتين
على الصلاة........................................ ٢١٣
وجوب كون الخطيب
قائماً.............................................. ٢١٣
هل يجب اتحاد الخطيب
والإمام........................................... ٢١٣
اشتراط الطهارة في
الخطبتين.............................................. ٢١٣
ـ
الجماعة............................................................. ٢١٤
حكم ما لو أقيمت جمعتان............................................... ٢١٤
شرائط من تجب عليه
الجمعة
أن لا يكون بينه وبين
الجمعة أزيد من فرسخين............................. ٢١٨
هل تجب الجمعة على
فاقد الشرط لو حضر................................ ٢١٩
هل ينعقد عدد الجمعة
بحضور فاقد الشرط................................. ٢١٩
مسائل تتعلق بالصلاة
الجمعة
حرمة السفر يوم الجمعة.................................................. ٢٢٠
حرمة الكلام أثناء
الخطبة................................................. ٢٢٤
شرائط إمام الجمعة
أن يكون بالغاً.......................................................... ٢٢٥
ـ
أن يكون عادلاً...................................................... ٢٢٦
ـ
أن لا يكون سفيهاً................................................... ٢٢٦
ـ
أن لا يكون أغلفاً.................................................... ٢٢٦
ـ
أن يكون من أهل الولاية.............................................. ٢٢٧
ـ
أن يكون طاهراً من حيث
الولادة...................................... ٢٢٧
بِمَ تعرف العدالة؟....................................................... ٢٢٩
حرمة البيع بعد النداء.................................................... ٢٣٢
أدلّة القول بعدم جواز
فعل الجمعة في زمان الغيبة............................ ٢٣٤
حكم من لم يتمكن من
السجود مع الإمام.................................. ٢٣٦
سنن يوم الجمعة
التنفل بعشرين ركعة.................................................... ٢٣٦
ـ
المباكرة في المضي إلى الجمعة........................................... ٢٣٧
ـ
حلق الرأس وأخذ الشارب............................................ ٢٣٧
ـ
أن يسلم الإمام إذا صعد
المنبر.......................................... ٢٣٧
ـ
العدول إلى سورتي الجمعة
والمنافقين إن سبق بغيرهما...................... ٢٣٧
صلاة العيدين
شرائط صلاة العيدين.................................................... ٢٤١
تحقيق حول الإجماع
المنقول بخبر واحد..................................... ٢٤٤
حكم الخطبتين.......................................................... ٢٤٥
حكم صلاة العيدين مع
فقد بعض الشرائط................................. ٢٤٧
وقت صلاة العيدين...................................................... ٢٤٧
سقوطها بفوات الوقت................................................... ٢٤٧
كيفية صلاة العيدين
محل التكبيرات.......................................................... ٢٤٨
حكم القنوت........................................................... ٢٤٨
وجوب قراءة سورة بعد
الحمد في صلاة العيدين............................. ٢٥١
حكم نسيان التكبيرات
أو بعضها......................................... ٢٥٣
سنن صلاة العيدين
الإصحار بها............................................................ ٢٥٤
ـ
الأكل قبل الخروج في الفطر
وبعد العود في الأضحى...................... ٢٥٤
ـ
التكبير في العيدين.................................................... ٢٥٥
حكم التنفل قبل الصلاة
وبعدها........................................... ٢٥٦
مسائل :
الخطبتان في العيدين
بعد الصلاة........................................... ٢٥٨
عدم وجوب استماع
الخطبة.............................................. ٢٥٨
أبو بصير مشترك بين
الثقتين.............................................. ٢٥٨
صلاة الكسوف
وقت صلاة الكسوف................................................... ٢٥٨
وقت صلاة الآيات في
غير الكسوفين والزلزلة.............................. ٢٦٠
وقت الصلاة في الزلزلة.................................................. ٢٦٢
وجوب القضاء مع
التفريط والنسيان...................................... ٢٦٣
حكم تزاحم صلاة الكسوف
مع فريضة حاضرة............................ ٢٦٤
صلاة الأموات
من يصلّى عليه : وجوب
الصلاة على كل مسلم............................ ٢٦٦
وجوب الصلاة على الطفل
الذي بلغ ست سنين............................ ٢٦٦
إشارة إلى أنّ سهل بن
زياد ليس بعامّيّ.................................... ٢٦٧
من يصلّي عليه :
أولى الناس بالصلاة
على الميت أولاهم بميراثه............................... ٢٦٧
حكم اقتداء النساء
بالرجل في صلاة الأموات............................... ٢٦٨
كيفيّة صلاة الميت
وهي خمس تكبيرات..................................................... ٢٦٨
حكم الشكّ في عدد
التكبيرات........................................... ٢٦٨
حكم الدعاء بين
التكبيرات............................................... ٢٦٩
عدم وجوب الستر فيها.................................................. ٢٦٩
عدم جواز تباعد
المصلّي عن الجنازة....................................... ٢٧٠
كيفية الصلاة على فاقد
الكفن............................................ ٢٧٠
سنن صلاة الجنازة
وقوف الإمام عند وسط
الرجل وصدر المرأة................................ ٢٧٠
ـ
رفع اليدين بالتكبيرات................................................ ٢٧١
تعريف المستضعف...................................................... ٢٧١
ـ
الدعاء للميت في الرابعة............................................... ٢٧١
ـ
الصلاة في المواضع المعتادة.............................................. ٢٧١
حكم الصلاة على
الجنازة الواحدة مرتين................................... ٢٧٢
وهب بن وهب عاميّ................................................... ٢٧٢
يظهر من الأخبار أنّ
غياث بن كلوب عاميّ................................ ٢٧٢
أحكام صلاة الجنازة
حكم من أدرك بعض
التكبيرات مع الإمام................................. ٢٧٣
حكم ما لو دفن الميت
بغير صلاة.......................................... ٢٧٣
بعض الصلوات
المرغبات صلاة
الاستسقاء................................................ ٢٧٤
نافلة شهر رمضان....................................................... ٢٧٤
الخلل الواقع في الصلاة
بطلان الصلاة بفعل ما
لا يجوز فعله....................................... ٢٧٥
حكم الوضوء بالماء
المغصوب............................................. ٢٧٥
حكم الصلاة بجلد
الميتة.................................................. ٢٧٦
حكم الإخلال بركن
سهواً............................................... ٢٧٧
حكم من زاد في صلاته
ركعة............................................ ٢٧٩
حكم من نقص من صلاته
ركعة.......................................... ٢٨٠
بطلان الصلاة بترك
السجدتين............................................ ٢٨١
حكم الإخلال بواجب غير
ركن.......................................... ٢٨٢
أحكام الشك
بطلان الصلاة بالشك في
الثنائيّة والثلاثية.................................. ٢٨٥
حكم ما لو شك في شيء
من أفعال الصلاة بعد التجاوز عن المحلّ............. ٢٨٦
بطلان الصلاة بالشك في
الأوليين من الرباعيّة.............................. ٢٨٩
بطلان الصلاة إذا لم
يدر كم صلّى........................................ ٢٩١
حكم الشك بين الاثنين
والثلاث.......................................... ٢٩٢
حكم الشكّ بين الثلاث
والأربع.......................................... ٢٩٧
حكم الشكّ بين الاثنين
والأربع.......................................... ٢٩٧
حكم الشكّ بين الاثنين
والثلاث والأربع.................................. ٢٩٨
كلمة في أنّ مراسيل
ابن أبي عمير في حكم المسانيد.......................... ٢٩٩
حكم الظن............................................................. ٣٠٠
لزوم عدم تخلل المنافي
بين الصلاة وصلاة الاحتياط.......................... ٣٠٧
حكم السهو في السهو................................................... ٣١٢
حكم الشك في الشك................................................... ٣١٢
في بيان المراد من
قوله 7 : ولا على السهو سهو.......................... ٣١٤
في بيان المراد من
قوله 7 : ولا على الإعادة إعادة........................ ٣١٥
حكم سهو الإمام أو
المأموم............................................... ٣١٥
حكم كثير السهو....................................................... ٣١٦
الرجوع في كثرة السهو
إلى العادة......................................... ٣١٨
حكم الشك في النافلة................................................... ٣١٨
مواضع وجوب سجدتي
السهو............................................ ٣٢٠
محلّ سجدتي السهو بعد
التسليم........................................... ٣٢٨
وجوب التشهد والتسليم
في سجدتي السهو................................. ٣٢٨
صورة الذكر في سجدتي
السهو........................................... ٣٢٨
حكم إهمال سجدتي السهو............................................... ٣٢٩
قضاء الصلوات
موارد سقوط القضاء.................................................... ٣٢٩
هل الكافر مخاطب
بالقضاء أو لا؟........................................ ٣٣٠
حكم قضاء ما فات عن
غير المؤمن من فرق المسلمين........................ ٣٣٠
حكم أكل ما يؤدي إلى
الإغماء أو الحيض................................. ٣٣١
وجوب الترتيب في قضاء
الفوائت......................................... ٣٣٢
حكم اجتماع الفائتة مع
الحاضرة.......................................... ٣٣٢
حكم مع فاتته فريضة
غير معيّنة من الخمس................................ ٣٤٠
قتل تارك الصلاة
مستحلاً................................................ ٣٤١
صلاة الجماعة
مواضع استحباب الجماعة
وتأكدها........................................ ٣٤٢
عدم جواز الجماعة في
النافلة.............................................. ٣٤٤
استحباب الجماعة في
خصوص صلاة الغدير................................ ٣٤٤
اشتراط عدم الحائل بين
الإمام والمأموم وبين الصفوف....................... ٣٤٥
اشتراط عدم كون الإمام
أعلى من المأموم مكاناً............................. ٣٤٩
إشارة إلى حال محمد بن
عبد الله بن زرارة.................................. ٣٥١
عدم جواز تباعد
المأموم بما يخرج عن العادة................................. ٣٥٢
وجوب متابعة الإمام في
الأفعال........................................... ٣٥٢
هل تجوز المقارنة؟....................................................... ٣٥٤
حكم ما لو رفع المأموم
رأسه قبل الإمام عمداً.............................. ٣٥٥
غياث بن إبراهيم بتري
عاميّ............................................. ٣٥٧
حكم ما لو رفع المأموم
رأسه قبل الإمام عمداً.............................. ٣٥٧
غياث بن إبراهيم بتري
عاميّ............................................. ٣٥٧
حكم ما لو رفع المأموم
قدام الإمام........................................ ٣٥٧
هل تجب على الإمام نية
الإمامة في الجماعة الواجبة؟......................... ٣٥٨
وجوب نية الائتمام
بإمام معيّن............................................ ٣٥٩
عدم اشتراط تساوي فرض
الإمام والمأموم.................................. ٣٥٩
حكم اقتداء المتنفل
بالمفترض وبالعكس..................................... ٣٦١
استحباب إعادة المنفرد
صلاته إذا وجد جماعة.............................. ٣٦١
كيفية نيّة من أراد أن
يعيد صلاته جماعة................................... ٣٦١
بعض شرائط إمام
الجماعة
أن يكون بالغاً.......................................................... ٣٦٣
عدم جواز إمامة الأميّ
القارئ............................................ ٣٦٣
عدم جواز إمامة المرأة
للرجل............................................. ٣٦٣
عدم جواز إمامة
المُلحِن بالمُتقن............................................ ٣٦٤
أولويّة إمامة صاحب
المسجد والمنزل....................................... ٣٦٤
حكم تشاحّ الأئمة...................................................... ٣٦٦
كراهة استنابة المسبوق................................................... ٣٦٨
حكم إمامة الأجذم...................................................... ٣٦٨
كراهة إمامة الأغلف.................................................... ٣٦٨
حكم ائتمام المتطهر
بالمتيمم............................................... ٣٦٨
بحث رجالي حول عباد بن
صهيب........................................ ٣٦٨
أحكام صلاة الجماعة
حكم ما لو علم المأموم
بعد الصلاة بأن الإمام ما كان واجداً للشرائط......... ٣٦٩
حكم من يقف إلى جانب
المحراب......................................... ٣٧٠
حكم مفارقة الإمام...................................................... ٣٧١
جواز العدول من
الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة........................ ٣٧٤
حكم من أدرك الإمام في
أثناء الصلاة...................................... ٣٧٥
جواز تسليم المأموم
قبل الإمام............................................. ٣٧٨
تحقيق رجالي حول طلحة
بن زيد.......................................... ٣٧٨
أحكام المساجد
استحباب اتخاذ المساجد
غير مسقفة....................................... ٣٧٩
استحباب كون الميضاة
على أبوابها........................................ ٣٧٩
آداب الدخول في المسجد................................................ ٣٧٩
حكم زخرفة المساجد
ونقشها بالصور..................................... ٣٨٠
حرمة إدخال النجاسة
إليها إذا استلزم تنجيس المسجد....................... ٣٨٠
كراهة جعل المحاريب
داخلة في الحائط..................................... ٣٨٠
كراهة انفاذ الأحكام
وإنشاد الشعر فيها................................... ٣٨١
حكم البصاق والتنخّم
فيها............................................... ٣٨٢
صلاة الخوف
كيفية الجمع في صلاة
الخوف............................................. ٣٨٢
حكم الخائف من سيل أو
سَبُع............................................ ٣٨٣
صلاة المسافر
شروط التقصير :
الأوّل : المسافة.......................................................... ٣٨٤
مقدار الميل............................................................. ٣٨٥
حكم ما لو كانت
المسافة أربعة فراسخ وأراد الرجوع ليومه................. ٣٨٥
حكم التردد في ثلاثة
فراسخ.............................................. ٣٩٤
الثاني : قصد المسافة
حكم منتظر الرفقة في
الطريق............................................. ٣٩٤
الثالث : عدم قطع
السفر بالوصول إلى الوطن.............................. ٣٩٥
بيان المراد من الوطن
الذي يتمّ فيه......................................... ٣٩٧
هل يعتبر الملك في
الوطن................................................. ٣٩٨
في معنى الاستيطان....................................................... ٤٠٠
الرابع : أن يكون
السفر سائغاً............................................ ٤٠٣
اشتراط استدامة إباحة
السفر............................................. ٤٠٣
حكم الخروج للصيد.................................................... ٤٠٤
الخامس : أن لا يكون
سفره أكثر من حضره............................... ٤٠٥
الضابط في كثرة السفر.................................................. ٤٠٥
إسماعيل بن مرار ثقة..................................................... ٤٠٨
خروج بعض الرواية عن
الحجّية لا يقتضي خروج الكل عنها................. ٤٠٨
حكم ما لو أقام كثير
السفر خمسة أيّام في بلده............................. ٤٠٩
السادس : تواري جدران
البلد أو خفاء أذانه............................... ٤١٠
هل الشرط خفاء أحدهما
أو هما معاً....................................... ٤١١
المعتبر في التواري :
تواري الانسان الذي عند البيوت عن المسافر............. ٤١٢
يعتبر هذا الشرط في
العود من السفر أيضاً................................. ٤١٣
في بيان نيّة الإقامة....................................................... ٤١٥
قول السيد صدر الدين
في المقام........................................... ٤١٦
حكم الخروج من موضع
الإقامة إلى المسافة................................. ٤١٩
حكم المتردد في
الإقامة عشراً............................................. ٤٢٠
حكم الصلاة في المواطن
الأربعة........................................... ٤٢١
حمل الرواية الدالة
على التخيير بين القصر والإتمام على التقية................. ٤٢٨
وجوب القصر في هذه
المواطن إذا ضاق الوقت إلاّ عن أربع.................. ٤٣٢
وجوب إعادة الصلاة لو
أتمّ المقصر عامداً.................................. ٤٣٤
حكم ما لو أتمّ المقصر
جاهلاً............................................. ٤٣٥
حكم ما لو أتمّ المقصر
ناسياً.............................................. ٤٣٧
بطلان الصلاة لو قصر
المسافر اتفاقاً....................................... ٤٣٩
حكم ما لو دخل وقت
الصلاة فسافر..................................... ٤٣٩
إذا عزم على الإقامة
في غير بلده عشرة أيّام ثمّ خرج إلى ما دون المسافة........ ٤٤١
حكم من دخل في صلاته
بنية القصر ثم عنّ له الإقامة....................... ٤٤٦
حكم قضاء صلاة السفر
في الحضر وبالعكس............................... ٤٤٧
|