Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMostanad_Shia-part01imagespage0001.png


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMostanad_Shia-part01imagesrafed.jpg




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على كثير نواله ، والشكر له على إنعامه وإفضاله ، والصلاة على سيّدنا محمّد مبيّن حرامه وحلاله ، وعلى المعصومين من عترته وآله.

وبعد ، يقول المحتاج إلى عفو ربه الباقي ، أحمد بن محمد مهدي بن أبي ذر النراقي :

هذا كتاب مستند الشيعة في أحكام الشريعة ، جعلته تذكرة لنفسي ، وذخيرة ليوم فاقتي وفقري ، مقتصراً فيه من المسائل على أهمّها ، ومن الدلائل على أتمّها ، وما اقتفيت فيه أثر أكثر من تقدّم عليّ من بيان المسائل الغير المهمّة ، وإيراد الفروع الشاذّة النادرة. واحترزت عن الاشتغال بوجوه النقض والإِبرام ، والإِكثار فيما لا اعتناء بشأنه ولا اهتمام. وتركت فيه ذكر المؤيّدات الباردة ، وردّ القياسات الضعيفة الفاسدة ، بل أوردت فيه اُمّهات المسائل الشرعية ، وأودعت فيه مهمات الأحكام الفرعية. وذكرت عند كل مسألة من المسائل ، ما ثبت عندي حجيته من الدلائل ، ولم أتجشّم في المسائل الوفاقية غالباً لعدّ النصوص والأخبار ، وطلبت في كل حال ما هو أقرب إلى الإِيجاز والاختصار. وطويت عن ذكر المروي عنه في‌


الأخبار ، لعدم حاجة إليه ولا افتقار.

ورمزت إلى فقهائنا الأطياب ، بما هو أقرب إلى الأدب وأبعد من الإِطناب ، وإلى كتبهم المشهورة بطائفة من أوائل حروفها منضمة معها لام التعريف ، أو أواخرها بدونها ، وربما عبرت عن بعضها بتمام اسمه حسب ما يقتضيه المقام. ومن الله استمدّ في الإِتمام ، فإنّه جدير ببذل هذا الإِنعام ، وإليه أبتهل للتوفيق ، وهو حسبي ونعم الوكيل.

ورتبته على كتب ذوات مقاصد ، وأبواب ، ومطالب ، وفصول ، وأبحاث ، ومسائل ، وفروع..


كتاب الطهارة‌

ولانقسامها إلى الطهارة من الخبث والحدث ، وتوقّفهما غالباً على المياه التي لها أقسام ، ولكل قسم أحكام ، جعلته مرتّباً على ثلاثة مقاصد‌ :


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMostanad_Shia-part01imagesrafed.jpg




المقصد الأوّل : في المياه‌

وينقسم إلى المطلق والمضاف فهاهنا بابان‌ :


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMostanad_Shia-part01imagesrafed.jpg




الباب الأوّل : في المطلق‌

وينقسم باختلاف الأحكام ، إلى الجاري ، والمطر ، وماء الحمّام ، والواقف ، والبئر ، والمستعمل ، والمشتبه ، والسؤر ، نذكرها مع نبذة من متفرقات (١) مسائل المياه في عشرة فصول :

__________________

(١) في « هـ » و « ح » : متفرّعات.


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMostanad_Shia-part01imagesrafed.jpg


الفصل الأوّل :

الماء المطلق ما يصح إطلاق الاسم عليه عرفاً ، وبعبارة اُخرى : كل ما (١) لا يلزم تقييده في العرف ، وبثالثة : ما لا يخطّئ أهل الاستعمال من أطلق الاسم عليه من دون قيد.

وله أحكام نذكرها في مسائل :

المسألة الاُولى : [ الماء ] (٢) كلّه طاهر في أصل الخلقة‌ بالأصل والإِجماع والكتاب والسنّة ، ومطهر من الحدث والخبث بالثلاثة الأخيرة. وتنجسه مطلقاً ، بتغير ريحه أو طعمه أو لونه بالنجاسة ، إجماعي ، وحكاية الإِجماع عليه متكررة (٣) والأخبار فيه مستفيضة :

فتدل على النجاسة بالأول : صحيحة ابن سنان : عن غدير أتوه وفيه جيفة ، فقال : « إذا كان الماء قاهراً ولا يوجد فيه الريح فتوضأ » (٤).

وبالثانيين : صحيحة القمّاط : في الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع (٥) فيه الميتة الحيفة ، فقال : « إن كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضأ منه » (٦).

وصحيحة حريز : « كلّما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ منه واشرب ، فإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضأ منه ولا تشرب » (٧).

__________________

(١) في « هـ » و « ح » : ماء.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة العبارة.

(٣) اُنظر المعتبر ١ : ٤٠ ، المنتهى ١ : ٥ ، الرياض ١ : ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤ الطهارة ب ٣ ح ٤ ، الوسائل ١ : ١٤١ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١١.

(٥) النقيع : الماء الراكد الذي طال مكثه ـ العين ١ : ١٧١.

(٦) التهذيب ١ : ٤٠ / ١١٢ ، الاستبصار ١ : ٩ / ١٠ ، الوسائل ١ : ١٣٨ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٤.

(٧) التهذيب ١ : ٢١٦ / ٦٢٥ وفيه : أو تغيّر ، الاستبصار ١ : ١٢ / ١٩ ، الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١ ، ورواها في الكافي ٣ : ٤ الطهارة ب ٣ ح ٣ عن حريز عمّن أخبره.


وبالثالث : رواية ابن الفضيل : عن الحياض يبال فيها ، قال : « لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول » (١).

وبالطرفين : الصحيح المروي في البصائر : « جئت لتسأل عن الماء الراكد في البئر قال : فإذا لم يكن فيه تغيير أو ريح غالبة ـ قلت : فما التغيير ؟ قال : الصفرة ـ فتوضأ منه ، وكلما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر » (٢).

واختصاص السؤال بالراكد من البئر بعد عموم الجواب غير ضائر.

وبالثلاثة رواية أبي بصير : « عن الماء النقيع تبول فيه الدواب ، فقال : إن تغير الماء فلا تتوضأ منه ، وإن لم تغيره أبوالها فتوضأ منه ، وكذلك الدم إذا سال في الماء وأشباهه » (٣).

والنبوي المتواتر بتصريح العماني (٤) ، المتفق على روايته بشهادة الحلّي (٥) : « خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شي‌ء ، إلّا ما غيّر طعمه أو لونه أو رائحته » (٦).

والمرتضوي المروي في الدعائم : « وليس ينجسه شي‌ء ما لم يتغير أوصافه ، طعمه ولونه وريحه » (٧).

وفيه أيضاً : « فإن كان قد تغير لذلك طعمه أو ريحه أو لونه فلا تشرب منه ولا تتوضأ ولا تتطهر منه » (٨).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤١٥ / ١٣١١ ، الاستبصار ١ : ٢٢ / ٥٣ ، الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٧.

(٢) بصائر الدرجات : ٢٣٨ / ١٣ ، الوسائل ١ : ١٦١ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١١ وفيه بتفاوت.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠ / ١١١ ، الاستبصار ١ : ٩ / ٩ ، الوسائل ١ : ١٣٨ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٣.

(٤) نقل عنه في المختلف : ٢.

(٥) السرائر ١ : ٦٤.

(٦) بدائع الصنائع ١ : ٧١ ، وورد مؤداه في : سنن ابن ماجة ١ : ١٧٤ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٨ ، كنز العمال ٩ : ٣٩٥.

(٧) الدعائم ١ : ١١١ ، البحار ٧٧ : ٢٠ / ١٣ ، المستدرك ١ : ١٨٨ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١ (بتفاوت يسير).

(٨) الدعائم ١ : ١١٢ ، المستدرك ١ : ١٨٨ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٣.


والرضوي : « وكل غدير فيه من الماء أكثر من كر لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات ، إلّا أن يكون فيه الجيف فتغير لونه وطعمه ورائحته » (١).

وتعارض بعضها مع بعض مفهوماً أو منطوقاً غير ضائر ؛ لكونه على سبيل العموم والخصوص مطلقاً ، فيخصّص العام.

وبما مر ظهر ضعف ما قيل من أنّ الأخبار الخاصيّة أو المعتبرة منها خالية عن ذكر اللون (٢) ، مع أنّ غيرها أيضاً يكفي في المحل ، لانجباره بالعمل.

نعم لا عبرة بالتغير في غير الثلاثة إجماعاً ؛ للأصل والعمومات واختصاص غير رواية أبي بصير من أدلة التنجيس بالثلاثة ، وهي وإن عمت ولكنها بالبواقي مخصوصة.

فروع :

الأوّل : المعتبر في التغيّر بالثلاثة هل هو حصول كيفية النجاسة ، أو يكفي التغير بسببها وإن كان بحصول كيفية ثالثة ؟ مقتضى الإِطلاقات المتقدمة هو الثاني ، فعليه الفتوى.

الثّاني : إذا تغيّر بأحد أوصاف المتنجس ، فإن غيّره بوصف النجاسة ينجس إجماعاً ، وإلا فلا على الأظهر الأشهر ؛ للأصل والاستصحاب ؛ خلافاً للمحكي عن ظواهر المبسوط والمعتبر والسرائر (٣) ؛ لاستصحاب نجاسة المتنجس ، واتحاده مع النجاسة (٤) في التنجيس ، وعموم النبوي ، وأحد المرتضويين ، وصحيحة القمّاط ، ورواية أبي بصير.

ويضعف الأول : بمعارضته باستصحاب طهارة الماء. وقيل بتغيّر الموضوع أيضاً ، لفرض إطلاق الماء. وفيه نظر.

__________________

(١) فقه الرضا : ٩١ ، المستدرك ١ : ١٨٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٧.

(٢) المدارك ١ : ٥٧ ، الذخيرة : ١١٦ ، مشارق الشموس : ٢٠٣.

(٣) المبسوط ١ : ٥ ، المعتبر ١ : ٤٠ ، السرائر ١ : ٦٤.

(٤) في « هـ » : النجس.


والثاني : بمنعه إن اُريد الكلية ، وعدم الفائدة إن اُريد في الجملة.

والثالثان : بمنع إفادتهما العموم ؛ لكون لفظة « ما » الموصولة في منطوق أحدهما ، والشي‌ء في مفهوم الآخر ، نكرة في سياق الإِثبات.

والأخيران : بظهورهما في الميتة والبول ، مع أنّ قوله : « لا تشرب ولا تتوضّأ » فيهما للنفي محتمل ، فيكون قاصراً عن إفادة النجاسة ؛ لعدم ثبوت كون الإِخبار في مقام الإِنشاء مفيداً للحرمة.

الثّالث : المعتبر في التغيّر : الحسي‌ ، وفاقاً للمعظم ؛ للأصل والاستصحاب والعمومات المتقدمة الحاصرة للتنجيس بالتغيّر الذي هو حقيقة في الحسي ؛ للتبادر وصحة السلب بدونه.

وخلافاً للفاضل (١) ، وولده (٢) ، والكركي (٣) ، والمحكي عن الموجز (٤) ، واستقر به بعض المتأخرين (٥) ، فاكتفوا بالتقديري ؛ لكون التغيير حقيقة في النفس الأمري ، وهو في التقديري موجود. وكون سبب التنجيس غلبة النجاسة ، والإِناطة بالتغيّر لدلالته عليها ، وهي هنا متحقّقة. وإفضاءِ عدم الاكتفاء به إلى جواز الاستعمال مع زيادة النجاسة أضعافاً.

ويجاب عن الأول : بمنع وجود التغيير النفس الأمري ، فإنّه ما تبدل الوصف في الخارج.

وعن الثاني : بمنع سببية مطلق الغلبة ، ولذا ينجس بما كانت رائحته مثلاً أشدّ بأقل مما كانت أخف.

__________________

(١) المنتهى ١ : ٨ ، القواعد ١ : ٤. وحكاه في المدارك ١ : ٢٩ ومفتاح الكرامة ١ : ٦٧ عن المختلف ولم نجده فيه وذكر في المقابس : ٥٧ أن النسبة سهو.

(٢) الايضاح ١ : ١٦.

(٣) جامع المقاصد ١ : ١١٨.

(٤) حكاه عنه في الحدائق ١ : ١٨٣.

(٥) الحبل المتين : ١٠٦ ، وحكاه في مفتاح الكرامة ١ : ٦٧ عن مجمع الفوائد.


وعن الثالث : بمنع الإِفضاء إن اُريد زيادتها بحيث يستهلكه ، وتسليم الجواز إن اُريد غيره.

ثم الظاهر عدم الفرق في عدم اعتبار التقديري (١) بين ما إذا كانت النجاسة مسلوبة الأوصاف ، أو عرض للماء مانع عن ظهور التغير مخالف للنجاسة في الوصف ، أو موافق لها.

والأكثر في الثاني على النجاسة ، محتجاً بتحقق التغير وإن كان مستوراً عن الحس.

وفيه : أنّه إن اُريد تغيّر الماء المعروض لهذا المانع فتحققه ممنوع ، وإن اُريد تغيره لولاه فهو تقديري غير معتبر.

وعدم صلاحية المانع لدفع النجاسة أو سببها محض استبعاد.

قيل : لو سلب المانع ، لكان الماء متغيّراً ، ولولا تحقّقه أولاً لما كان كذلك.

قلنا : لو سلب لتغير الماء لا أن يظهر كونه متغيّراً.

[ نعم يشترط في الطهارة على جميع الصور بقاء الإِطلاق ] (٢) وعدم (حصول) (٣) الاستهلاك ، وإلّا فينجس قولاً واحداً.

ولو فقد الإِطلاق خاصة فهل تزول الطهارة ؟ الظاهر نعم ؛ لزوال استصحاب الطهارة باستصحاب النجاسة ، فإنّ ما يستصحب طهارته لخروجه عن الإِطلاق لا يصلح للتطهير ، بخلاف ما تستصحب نجاسته ، فإنّه يوجب التنجيس.

المسألة الثانية : تَطَهّر الماء النجس مطلقا ًغير البئر بالكثير والجاري وماء المطر ، بعد زوال التغيّر إن كان متغيّراً وإلّا فمطلقا ، إجماعي ، ونقل الإِجماع عليه متكرر ؛

__________________

(١) في « ق » و « هـ » : التقدير.

(٢) في « هـ » و « ق » و « ح » : نعم يشترط الطهارة في جميع الصور على بقاء الاطلاق. وهي غير مستقيمة وصححناها على النحو المذكور.

(٣) لا توجد في « هـ ».


وهو دليل عليه ، مع قوله عليه السلام في مرسلة الكاهلي : « كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » (١).

واختصاصه بالمطر بعد ضمّ الإِجماع المركب لا يضر.

وقوله عليه السلام : « ماء النهر يطهّر بعضه بعضا » (٢).

وكذا البئر على الأصح (للروايتين) (٣).

وفي اشتراط الممازجة وعدمه قولان : الأول ـ وهو الأقوى ـ للتذكرة (٤) والأولين (٥) ، والثاني للنهاية والتحرير (٦) والثانيين (٧).

لنا : أصالة عدم المطهرية ، واستصحاب النجاسة. وكون مجرد الاتصال رافعاً غير ثابت ، والمرسلة لإِثباته قاصرة ، إذ غير ما مزج معه لم يره ، وطهارة بعض من ماء دون بعض ممكنة ، فطهارة السطح الفوقاني لتطهير ما سواه غير مستلزمة. وتطهير ماء النهر بعضه بعضاً لا يفيد العموم ، فإنّ تطهير ماء النهر بعضه بعضاً لا يفيد أزيد من أنّه يطهره ، أما أنّ تطهيره إياه هل بالملاقاة أو الممازجة أو بهما ؟ فلا دلالة عليه.

للمخالف : كفاية الاتصال في الدفع فيكفي للرفع.

وامتناع الممازجة الحقيقية فتكفي العرفية ـ أي ملاقاة بعض الأجزاء للبعض ـ فالبعض الآخر يطهر بالاتصال فيكون مطهراً مطلقاً.

واستحالة المداخلة فلا يوجد (٨) سوى الاتصال.

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٣ الطهارة ب ٩ ح ٣ ، الوسائل ١ : ١٤٦ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٤ الطهارة ب ١٠ ح ١ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧. بتفاوت يسير.

(٣) لا توجد في « ق  ».

(٤) التذكرة ١ : ٤.

(٥) يعني المحقق الأول في المعتبر ١ : ٥٠ ، والشهيد الاول في الدروس ١ : ١٢١ ، والذكرى : ٩.

(٦) نهاية الاحكام ١ : ٢٣٢ ، التحرير ١ : ٤.

(٧) يعني المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٣٧ والشهيد الثاني في الروضة ١ : ٣٢.

(٨) في « ح » : فلا يوجب.


وطهارة المتصل بالملاقاة لطهورية الماء ، فيطهّر ما يتصل به أيضاً.

واستلزام الاتصال للامتزاج في الجملة ، فيطهر بعض النجس ، وهو لامتزاجه بما يليه يطهّره ، وهكذا ...

وعدم اختلاف حكم المتصلين من أجزاء الكر والنجس لامتزاجهما لا محالة ، فإمّا تنجس أجزاء الطاهر أو تطهر أجزاء النجس ، والأول باطل ، فتعين الثاني ، فننقل الكلام إلى ما يلي الأجزاء المطهرة ، وهكذا ...

ويجاب عن الأول : بكونه قياساً مع تغاير حكمي الأصل والفرع.

وعن الثاني : بأنّه لا يلزم من ترتب حكم على الاتصال مع الامتزاج العرفي ترتّبه عليه بدونه ؛ لجواز مدخلية ملاقاة أكثر الأجزاء.

ومنه يظهر الجواب عن الثالث.

وعن الرابع : بمنع عموم طهورية الماء.

وعن الخامس : بمنع امتزاج الأجزاء المتصلة ، ومغايرته ـ مع التسليم ـ للامتزاج الذي وقع الإِجماع عليه.

وعن السادس : بالمعارضة بالزائد على الكر المتغير بعضه الزائد بالنجاسة. ومنع امتزاج المتصلين هنا اعتراف بانفكاكه عن الاتصال ، فيحتمل في محل النزاع. مضافاً إلى منع عدم جواز اختلاف حكم الممتزجين.

ثم بما ذكرنا يظهر اشتراط الدفعة العرفية في إلقاء الكر ، كما هو مذهب المحقق في الشرائع (١) ، والفاضل في جملة من كتبه (٢) ، وهو المشهور بين المتأخرين. ولا يكفي إلقاء الكر تدريجاً مع اتصال أجزائه ، كالذكرى (٣) ووالدي في اللوامع. وصدق الوحدة لا يفيد ؛ لأن الثابت عليتها للدفع دون الرفع.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٢.

(٢) قواعد الاحكام ١ : ٥ ، التذكرة ١ : ٣ ، المختلف ١ : ٣ ، التحرير ١ : ٤.

(٣) الذكرى : ٩.


والتفصيل باعتبار الدفعة على القول باشتراط مساواة السطوح في تقوّي بعض أجزاء الماء بالبعض ، وعدمه على القول بعدمه ـ كما في المعالم (١) ـ ضعيف من وجوه.

وهذا الشرط إنّما هو في الكر دون أخويه ؛ للإِجماع ، ولأنه لا يتصور الدفعة فيهما.

والمراد بالجاري هنا هو النابع ؛ لأنّه مورد الإِجماع ، ولأنّه الظاهر من ماء النهر.

ولا يبعد اشتراط مساواة السطوح أو علوّ المطهّر ، عند التطهير بالجاري ، اقتصاراً على موضع الوفاق.

المسألة الثالثة : الحقّ عدم تنجس الماء مطلقاً ، قليلاً كان أم كثيراً ، جارياً أم راكداً ، بالورود على النجاسة ، كما يأتي بيانه في بحث القليل (٢).



*       *      *

__________________

(١) المعالم : ٢١.

(٢) في ص : ٣٥.


الفصل الثاني : في الجاري‌

وهو ـ لغة ـ : ماء يجري على الأرض مطلقا ، سواء كان نابعاً أم لا. بل وكذلك في العرف العام والشرعي ؛ لصدقه على ما لا نبع فيه من الشطوط المذابة من الثلوج ، والسيول ، والمياه المجتمعة في موضعٍ الجارية بعده.

وفي العرف الخاص للفقهاء : النابع غير البئر ، إما بشرط الجريان على الأرض كبعضهم (١) ، أو بدونه كآخر (٢).

وهنا ثلاث مسائل :

المسألة الاُولى : الجاري النابع لا ينجس بالملاقاة إجماعاً ، إن كان كرّاً ؛ للأصل والاستصحاب والأخبار الخالية عن المعارض (٣).

وإلّا فعلى الأشهر الأظهر ، وعليه الإِجماع في الغنية والمعتبر وشرح القواعد (٤) ، بل عن ظاهر الخلاف (٥) أيضاً ، وفي الذكرى : لم نقف على مخالف في ذلك ممّن سلف (٦) ؛ لما مر من الأصلين المؤيدين بالمحكي من الاجماع.

مضافاً إلى عمومات طهارة كل ماء لم يعلم نجاسته ، كالأخبار الثلاثة للحمادين (٧) واللؤلؤي (٨).

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٢٦.

(٢) الذخيرة : ١١٦.

(٣) راجع الوسائل ١ : ١٤٣ أبواب الماء المطلق ب ٥.

(٤) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١ ، المعتبر ١ : ٤١ ، جامع المقاصد ١ : ١١١.

(٥) الخلاف ١ : ١٩٥.

(٦) الذكرى : ٨.

(٧) الكافي ٣ : ١ الطهارة ب ١ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢١٥ ، ٢١٦ / ٦٢٠ ، ٦٢١ ، الوسائل ١ : ١٣٤ أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٥.

(٨) الكافي ٣ : ١ الطهارة ب ١ ح ٢ ، الوسائل ١ : ١٣٤ أبواب الماء المطلق ب ١ ملحق بحديث ٥.


أو غير متغير ، أو غالب على النجاسة كما تقدم (١).

أو ملاقٍ لها ، كخبر ابن مسكان أو صحيحته : عن الوضوء ممّا ولغ فيه الكلب والسنور ، أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك ، يتوضأ منه أو يغتسل ؟ قال : « نعم » (٢).

وخبر سماعة : عن الرجل يمر بالميتة في الماء ، قال : « يتوضأ من الناحية التي ليس فيها الميتة » (٣).

والمروي في الدعائم : عن الماء ترده السباع والكلاب والبهائم ، فقال : « لها ما أخذت بأفواهها ولكم ما بقي » (٤).

أو كل ماء جار مطلقاً أو ملاقٍ للنجاسة ، كالمرويين في نوادر الراوندي :

أحدهما : « الماء الجاري لا ينجسه شي‌ء » (٥).

والآخر : « الماء يمر بالجيف والعذرة والدم ، يتوضأ منه ويشرب وليس ينجّسه شي‌ء » (٦).

والرضوي : « كل ماء جار لا ينجسه شي‌ء » (٧).

أو مع عدم التغير ، كالمروي في الدعائم : « الماء الجاري يمر بالجيف والعذرة والدم ، يتوضأ منه ويشرب ، وليس ينجسه شي‌ء ما لم يتغير أوصافه : طعمه ولونه وريحه » (٨).

أو كل ماء قليل ، كخبر ابن ميسر : عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل‌

__________________

(١) في ص ١١ ـ ١٢.

(٢) التهذيب ١ : ٢٢٦ / ٦٤٩ ، الوسائل ١ : ٢٢٨ أبواب الأسآر ب ٢ ح ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٨ / ١٢٨٥ ، الاستبصار ١ : ٢١ / ٥١ ، الوسائل ١ : ١٤٤ أبواب الماء المطلق ب ٥ ح ٥.

(٤) الدعائم ١ : ١١٣ المستدرك ١ : ١٩٧ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٤.

(٥ و ٦) نوادر الراوندي : ٣٩ ، المستدرك ١ : ١٩١ أبواب الماء المطلق ب ٥ ح ٤.

(٧) فقه الرضا : ٩١ ، المستدرك ١ : ١٩٢ أبواب الماء المطلق ب ٥ ح ٦.

(٨) الدعائم ١ : ١١١ ، المستدرك ١ : ١٨٨ ، أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١ وفيه بتفاوت‌.


في الطريق ، ويريد أن يغتسل منه ، وليس معه إناء يغترف به ، ويداه قذرتان ، قال : « يضع يده ويتوضأ ويغتسل » (١).

وعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في القليل لا يضر الشمول.

ويؤيده : الأخبار المصرحة بأن ماء الحمام كماء النهر أو الجاري (٢) ، أو بمنزلته (٣) ، أو سبيله سبيله (٤).

ولا يضر ضعف سند بعض هذه الروايات ؛ لانجبارها بالعمل واعتضادها بحكايات الإِجماع.

والاستدلال بصحيحتي ابن بزيع : « ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء ، إلّا أن يتغير » (٥) ، وزيد في إحداهما : « ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ، لأنّ له مادة » (٦) حيث إن العلة موجودة في المورد أيضا ، وصحيحة الفضيل : « لا بأس أن يبول الرجل في الماء الجاري ، وكره أن يبول في الراكد » (٧) مردود.

أمّا الأول : فلجواز أن يكون التعليل لما يفهم من الأمر بالنزح من التطهر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤ الطهارة ب ٣ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٤٩ / ٤٢٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٨ / ٤٣٦ ، الوسائل ١ : ١٥٢ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٥. وفي الاستبصار يرويها عن (محمد بن عيسى) بدل (محمد بن مُيسر) والظاهر أنه مصحف كما نبه عليه في معجم الرجال ١٧ : ٢٩٠ ويظهر من جامع الاحاديث ٢ : ٢٦ اختلاف نسخ الاستبصار ، فراجع.

(٢) الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧.

(٣) الوسائل ١ : ١٤٨ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ١.

(٤) المستدرك ١ : ١٩٤ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥ الطهارة ب ٤ ح ٢ ، الوسائل ١ : ١٤٠ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١٠.

(٦) الاستبصار ١ : ٣٣ / ٨٧ ، الوسائل ١ : ١٧٢ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٦.

(٧) التهذيب ١ : ٣١ / ٨١ ، الاستبصار ١ : ١٣ / ٢٣ ، الوسائل ١ : ١٤٣ أبواب الماء المطلق ب ٥ ح ١. استدلّ بالصحيحة الاولى في المدارك والمعالم وبالصحيحة الثانية في المدارك وتنظّر فيه. راجع : المدارك ١ : ٣١ ـ ٣٢ ، المعالم : ١١١.


بزوال التغير ، حيث إنه بإطلاقه لا يوجب التطهر ، لا لعدم الإِفساد ، أو الحكمين.

والتمسك بالأولوية ـ حيث إنّ المادة لو صلحت للرفع فصلوحها للدفع والمنع أولى ـ ضعيف ؛ لمنع الأولوية.

مع أنّه يمكن أن يكون تعليلاً لذهاب الريح وطيب الطعم بالنزح ، حيث إنّ مجرد النزح لا يستلزم ذلك ، وليس ذلك معلوماً ؛ إذ ما ليس له مادة ربما لم يزل تغيره بالنزح إلى أن لا يبقى منه شي‌ء ، فترتبه على النزح كلياً إنما هو مع وجود المادة.

وأما الثاني : فلأنّ عدم البأس في البول لا يستلزم عدم التنجس.

خلافاً للمحكي عن جمل السيد (١) ، والفاضل في أكثر كتبه ، ومنها : المنتهى (٢) ، ونفيه (٣) عنه اشتباه ، وأسنده في الروضة (٤) إلى جماعة ومال إليه ، وفي الروض (٥) إلى جملة من المتأخرين ، وتردد فيه بعض من تأخّر (٦).

لما دل على تنجس كل ماء بالملاقاة ، كموثقتي الساباطي ، إحداهما : « كل شي‌ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه ، إلا أن ترى في منقاره دماً فلا تتوضأ منه ولا‌

__________________

(١) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٢٢ ، وحكاه في كشف اللثام ١ : ٢٥ ، مفتاح الكرامة ١ : ٦٢ عن ظاهر جمل السيد ، ومنشأ الاستظهار أنه قسّم الماء الى قليل وكثير وحكم بنجاسة القليل بمخالطة النجس واطلاق كلامه شامل للجاري فلاحظ.

(٢) التحرير ١ : ٤ ، القواعد ١ : ٤ ، التذكرة ١ : ٣ ، المنتهى ١ : ٦.

(٣) قال صاحب المعالم : ١١٠ نسخ المنتهى مختلفة في هذه المباحث كثيراً فربما زيد في بعضها ما نقص في الآخر وربما عكس وهاهنا يوجد زيادة ... وعليه يمكن ان يكون منشأ النفي المشار إليه في المتن اختلاف النسخ.

(٤) الروضة ١ : ٣١.

(٥) روض الجنان : ١٣٥.

(٦) راجع كشف اللثام ١ : ٢٦.


تشرب » (١) وقريبة منها الاُخرىٰ (٢).

وصحيحةِ ابن عمار : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء » (٣).

وروايةِ علي : عن الحمامة والدجاجة وأشباههن تطأ العذرة ثم تدخل في الماء ، يتوضأ منه للصلاة ؟ قال : « لا ، إلا أن يكون الماء كثيراً » (٤) ، وغير ذلك من المستفيضة الآتية.

ومنعُ عموم الماء في الصحيحة ؛ إما لمنع إفادة المفرد المعرف له ، أو لأنّ عمومه في المفهوم غير معلوم ، لكفاية نجاسة بعض أفراد غير الكر في صدقه كمنع عموم المنجس ؛ حيث إنّ لفظ شي‌ء في المفهوم مثبت فلا يعمّ ، فيحمل على المغير ؛ ضعيف :

أما الأول فلثبوت عموم المفرد المعرّف في موضعه ، ولولاه لم يتم التمسك بكثير من أخبار الطهارة أيضاً. ووجوبِ تنزيل الماء في المفهوم على المراد منه في المنطوق ، ضرورة اتحادهما في الموضوع والمحمول.

وأما الثاني فلأنّ الشي‌ء في المنطوق مخصوص بغير المغير ؛ للإِجماع على تنجس الكر بالتغير. فكذا في المفهوم ، لما مر.

وعدم عمومه حينئذ غير ضائر ؛ لعدم القول بالفصل.

والجواب : أنّ بعد ملاحظة اختصاص غير أخبار الجاري من روايات‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩ الطهارة ب ٦ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٢٢٨ / ٦٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٣٠ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٠ / ١٨ ، التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الاستبصار ١ : ٢٥ / ٦٤ ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٤.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠ / ١٠٩ ، الاستبصار ١ : ٦ / ٢ ، الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٢.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢١ / ٤٩ ، الوسائل ١ : ١٥٩ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٤.


الطهارة بغير القليل الراكد (١) ، واختصاصها بغير المتغير ، واختصاص الموثقتين (٢) من أخبار النجاسة بغير الكر ، كل ذلك بقرينة الإِجماع والأخبار ، وكون غير الموثقتين مخصوصاً بالقليل يتعارض الفريقان بالعموم من وجه.

فإن رجحنا الْأُولى بالأصل ، والاستصحاب ، والشهرة ، والأكثرية ، والإِجماعات المنقولة ، وإلا فيكون المرجع إلى الأصل ، وهو أيضاً مع الطهارة.

المسألة الثانية : ظاهر الأكثر بل صريحهم إلحاق الجاري لا عن نبع بالواقف‌ ، وعليه الإِجماع في شرح القواعد (٣) وغيره (٤).

وألحقه بعض المتأخرين من المحدثين (٥) بالنابع ، فلا ينجس إلا بالتغيّر ، ونقله في الحدائق (٦) عن المعالم ، وجعل هو المسألة محل إشكال ، والأصل يعاضده ، وعمومات الطهارة المتقدمة (٧) بأسرها تشمله.

وتخصيص أخبار الجاري منها (٨) بالنابع لا شاهد له ، وتبادره منه ـ لو سلم ـ عرف طارٍ ، فالأصل تأخره.

وخروجه عنها بعمومات النجاسة غير ثابت ؛ لتعارضها مع الاُولى بالعموم من وجه ، فيرجع إلى أصل الطهارة.

مضافاً إلى ترجح عمومات الطهارة بأخبار اُخر ، كصحيحة حنّان : إنّي أدخل الحمام في السحر ، وفيه الجنب وغير ذلك ، وأقوم فاغتسل فينضح عليّ بعد ما أفرغ من مائهم ، قال : « أليس هو جار ؟ » قلت : بلى ، قال : « لا بأس » (٩).

__________________

(١) انظر الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩.

(٢) موثقتا الساباطي تقدمتا ص ٢٣ رقم ١ ـ ٢.

(٣) جامع المقاصد ١ : ١١٠.

(٤) المدارك ١ : ٢٨.

(٥) الظاهر أنه المحدث الامين الاسترابادي في حاشية المدارك على ما حكى عنه في الحدائق ١ : ٣٣٢.

(٦) الحدائق ١ : ٣٣٢.

(٧ و ٨) المتقدمة ص ١٩ ـ ٢٠.

(٩) الكافي ٣ : ١٤ الطهارة ب ١٠ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٦٩ ، الوسائل ١ : ٢١٣ أبواب الماء


وصحيحة محمد : « لو أنّ ميزابين سالا ، أحدهما ميزاب بول والآخر ميزاب ماء ، فاختلطا ، ثم أصابك ، ما كان به بأس » (١).

والتخصيص بماء المطر لا دليل عليه ، مع أنّه أيضاً أعمّ من حال التقاطر ، فيدل عليه أيضاً صحيحة ابن الحكم : « في ميزابين سالا ، أحدهما بول والآخر ماء المطر ، فأصاب ثوب رجل ، لم يضره ذلك » (٢).

وعلى هذا فالترجيح للطهارة ، إلا أن يثبت الإِجماع على خلافها ، والاحتياط في كل حال طريق النجاة.

المسألة الثالثة : لو تغيّر بعض الجاري فنجاسة المتغير منه إجماعي.كطهارة ما يتصل منه بالمنبع ؛ وعموم أدلة الحكمين يدل عليه.

وما تحته مع الكثرة أو عدم قطع النجاسة لعمود الماء كالثاني ومع القلة وقطع العمود كالأول عند الأكثر ؛ لكونه قليلاً لاقى النجاسة ، فتشمله أدلة نجاسته.

ويخدشه : أنّه إن اُريد أنّه قليل راكد فممنوع ، وإن اُريد غيره فلا دليل على نجاسته بخصوصه. والعام ـ لو سلم ـ لم يفد ؛ لتعارضه مع بعض ما مر من عمومات الطهارة بالعموم من وجه ، فيرجع إلى أصل الطهارة ، فالحق طهارته أيضاً ، وفاقاً لبعض من تأخر (٣).

*       *      *

__________________

=

المضاف ب ٩ ح ٨ : وفي التهذيب اُسقط حنّان.

(١) الكافي ٣ : ١٢ الطهارة ب ٩ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٤١١ / ١٢٩٦ ، الوسائل ١ : ١٤٤ أبواب الماء المطلق ب ٥ ح ٦.

(٢) الكافي ٣ : ١٢ الطهارة ب ٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤١١ / ١٢٩٥ ، الوسائل ١ : ١٤٥ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٤.

(٣) مشارق الشموس : ٢٠٧.


الفصل الثالث : في ماء الغيث‌

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : لا خلاف في أنّه حال التقاطر مع الجريان كالجاري ، فلا ينجس بملاقاة النجاسة وإن وردت عليه.

ويدل عليه ـ مع الإِجماع والعمومات ـ صحيحة ابن الحكم المتقدمة (١).

وصحيحة علي : عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة ثم يصيبه المطر ، أيؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة ؟ فقال : « إذا جرى لا بأس » (٢).

والمروي في المسائل : عن المطر يجري في المكان فيه العذرة فيصيب الثوب ، أيصلّى فيه قبل أن يغسل ؟ قال : « إذا جرى به المطر لا بأس » (٣).

وفيه وفي قرب الإِسناد : عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف (٤) فيصيب الثياب أيصلى فيها قبل أن يغسل ؟ قال : « إذا جرى من ماء المطر لا بأس » (٥).

وصحيحة اُخرى لعلي : عن رجل يمر في ماء المطر وقد صُبّ فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسله ؟ فقال : « لا يغسل ثوبه ولا رجليه ويصلي فيه ولا بأس » (٦).

وصحيحة ابن سالم : عن السطح يبال عليه فيصيبه السماء فكيف فيصيب‌

__________________

(١) ص ٢٥.

(٢) الفقيه ١ : ٧ / ٦ ، التهذيب ١ : ٤١١ / ١٢٩٧ ، الوسائل ١ : ١٤٥ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٢.

(٣) مسائل علي بن جعفر : ١٣٠ / ١١٥ ، الوسائل ١ : ١٤٨ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٩.

(٤) يكف : يقطر.

(٥) قرب الاسناد : ١٩٢ / ٧٢٤ ، الوسائل ١ : ١٤٥ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٣.

(٦) الفقيه ١ : ٧ / ٧ ، التهذيب ١ : ٤١٨ / ١٣٢١ ، الوسائل ١ : ١٤٥ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٢.


الثوب ، قال : « لا بأس ، ما أصابه من الماء أكثر منه » (١).

وكذا بدون الجريان على الحق المشهور ؛ للصحيحتين الأخيرتين من جهة الإِطلاق فيهما ، ومع التعليل في الثانية ، مضافاً إلى العمومات.

خلافاً للمحكي عن التهذيب والمبسوط وابني حمزة وسعيد (٢) ، فاشترطوا الجريان من الميزاب ـ ولعله من باب التمثيل ، لاستدلالهم بما هو أعمّ منه ـ لما تقدم على الأخيرتين.

والجواب : أنّ الاُولى وإن اختصت بالجاري ولكنها لا تثبت الاشتراط.

والثانية لم تثبت إلّا البأس في التوضؤ ، وهو أعمّ من النجاسة ، كيف وقد ادّعى في المعتبر والمنتهى (٣) الإِجماع على أنّ ما يُزال به الخبث لا يرفع الحدث. وهو الحق أيضاً ، كما يأتي.

فإن قيل : ذلك ينافي منطوقه ، حيث جوّز التوضؤ بما جرى منه.

قلنا : ما جرى عير ما اُزيل به النجاسة ، إذ المطر يطهّر بمجرد الاتصال كما يأتي ، فما ينزل بعده ـ وهو الذي يجري ـ لم يرفع خبثاً.

مع أنّ إرادة الجريان من السماء المعبّر عنه بالتقاطر ممكنة.

وبه يجاب عن روايتي المسائل ، مضافاً إلى ضعفهما الخالي عن الجابر في المقام وإن انجبر منطوقهما بالعمل.

وقد يفرّق بين ما ترد النجاسة عليه وما يرد عليها ، فيحكم بنجاسة الأول مع عدم الجريان ؛ التفاتاً إلى اختصاص أكثر الروايات بوروده ، فيرجع في عكسه إلى القواعد (٤).

وصحيحة علي ـ الأخيرة ـ صريحة في ردّه.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٧ / ٤ ، الوسائل ١ : ١٤٤ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٤١١ ، المبسوط ١ : ٦ ، الوسيلة : ٧٣ ، الجامع للشرائع : ٢٠.

(٣) المعتبر ١ : ٩٠ ، المنتهى ١ : ٢٣.

(٤) كما في الذخيرة : ١٢١.


مع أنّ الرجوع إلى القواعد أيضاً يقتضي الطهارة. لا لاختصاص ما دلّ على انفعال القليل بغير موضع النزاع كما قيل (١) ؛ لمنع الاختصاص كلّياً. بل لما مر من التعارض بين بعض العمومات المتقدمة وأخبار انفعال القليل بالعموم من وجه ، على ما مر في الجاري.

المسألة الثانية : يطهر بماء الغيث ما جرى عليه حال التقاطر ، بلا خلاف ظاهر. وكذا بدون الجريان إذا زالت به العين واستوعب المحل النجس ؛ لآيتي التطهير (٢). ومرسلة الكاهلي المتقدمة في المطلق (٣). والإِطلاق في نفي البأس وفي مفهوم الاستثناء في مرسلة محمد بن إسماعيل : في طين المطر ، أنّه « لا بأس به أن يصيب الثوب ، إلّا أن يعلم أنّه قد نجّسه شي‌ء بعد المطر » (٤) ومرسلة الفقيه : عن طين المطر يصيب الثوب ، فيه البول والعذرة والدم ، قال : « طين المطر لا ينجس » (٥).

وهل يشترط في التطهّر (٦) به أكثرية الماء من النجاسة إذا كانت ذات عين ؟ الظاهر : نعم لصحيحة ابن سالم (٧).

وجعل التخصيص ؛ لأجل أنّه الغالب ، أو حمل الأكثر على الأقوى خلاف الأصل ، مضافاً إلى أنّ الأقل إمّا يستهلك بالنجاسة أو يتغير.

هذا في غير الماء ، وأما الماء فيشترط تطهره بالنجاسة بالامتزاج به ، كما مر.

ومنه يظهر ضعف ما نقله الشهيد عن بعض معاصريه من كفاية وصول‌

__________________

(١) مشارق الشموس : ٢١١.

(٢) الأنفال : ١١ ، الفرقان : ٤٨.

(٣) المتقدمة ص ١٦.

(٤) الكافي ٣ : ١٣ الطهارة ب ٩ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٦٧ / ٧٨٣ ، الوسائل ١ : ١٤٧ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٦. وفي الجميع : « أنّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام ، إلا أن يعلم ...  ».

(٥) الفقيه ١ : ٧ / ٥ ، الوسائل ١ : ١٤٧ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٧.

(٦) في « ح » : التطهير.

(٧) المتقدمة ص ٢٦.


مثل القطرة في تطهير الماء النجس (١) ، مضافاً إلى عدم تبادر مثل ذلك من المطر.

المسألة الثالثة : لا شك في تقوّي القليل المجتمع من المطر به حين النزول ؛ للعمومات.

وأما المجتمع من غيره فهل يتقوّى به ؟ فيه وجهان ، الأظهر : العدم ؛ لاستصحاب الحكم الثابت له قبل الاتصال بالإِطلاقات ، من تنجّسه بالملاقاة ، ولعمومات تنجّس القليل بورود النجاسة عليه (٢) ، الشامل أكثرها بل جميعا لمثل ذلك بالإِطلاق أو العموم. ومنع الشمول ضعيف ، فالقول بالتقوّي لأجله (٣) سقيم.

ومعارضة تلك العمومات مع بعض عمومات طهارة الماء (٤) ـ على ما مر ـ غير مفيدة ؛ لأنّ هذه أخص مطلقاً مما مر ، فتخصيصه بها لازم.

وتوهم العموم من وجه ـ لاختصاص ما مر بالقليل الغير المتصل بالمطر قطعاً ـ باطل ؛ لأنّ اختصاصه به لأجل أدلة تنجّس القليل الشامل للمتصل أيضاً ، وعدم تحقق ما هو أخص منه ، وذلك بخلاف ما مر في الجاري ، فإنّ ما يختص بغيره كثير.

وقد يتمسك للتقوّي : بأن حال النزول فيه شي‌ء من ماء المطر ، فهو مطر مع شي‌ء زائد ، فيصير بذلك أقوى.

وهو فاسد ؛ لأنّ مقتضاه عدم تنجّس ماء المطر إن تميز ، دون القليل أو الممتزج ؛ لمنع القوة فيهما.

وأفسد منه : اعتبار النجاسة حينئذٍ بمقدار ماء المطر ، حتى لو فرض التغير‌

__________________

(١) روض الجنان : ١٣٩ ، وأراد ببعض معاصريه السيد حسن بن السيد جعفر على ما ذكره في حاشية الحدائق ١ : ٢٢١.

(٢) يأتي ذكرها في بحث الماء القليل ص ٣٥ ـ ٥١ وقد تقدم بعضها في بحث الماء الجاري ص ٢٣.

(٣) كما في مشارق الشموس : ٢١٤.

(٤) المتقدمة ص ١١ ـ ١٢.


لو انحصر فيه لصار نجساً ؛ فإنه مبني على اعتبار التقدير في التغيّر ، وقد عرفت فساده.

المسألة الرابعة : إذا انقطع تقاطره ، فإن لم يبق جريانه على الأرض ، فكالواقف‌ إجماعاً.

وإن كان جارياً بعدُ ، فظاهر العمومات المتقدمة والاستصحاب : عدم تنجّسه وإن قلنا بتنجس القليل الجاري لا عن مادة ، مع أنه أيضاً لا ينجس ، فيشمله ما دل عليه أيضاً.

وهو الظاهر من المنتهى ، حيث شرط في إلحاقه بالواقف مع الانقطاع الاستقرار على الأرض ، قال : أمّا إذا استقر على الأرض وانقطع التقاطر ثم لاقته نجاسة اعتبر فيه ما يعتبر في الواقف ، لانتفاء العلة التي هي الجريان. انتهى (١).

وهو جيّد جدّاً.

*       *      *

__________________

(١) المنتهى ١ : ٦.


الفصل الرابع : في ماء الحمّام‌

والمراد به هنا ما في حياضه الصغار الذي لم يبلغ كرّاً ، فإنّ أمر ما بلغه ظاهرٌ.

وفيه مسألتان :

المسألة الاُولى : ماء (١) الحياض إما يكون مع المادة ، أو بدونها. والثاني في الانفعال بالملاقاة كالراكد إجماعاً ؛ لاختصاص أدلة عدم انفعاله بذي المادة بحكم التعارف.

والأول إن بلغت مادته وحدها كراً ، فلا ينفعل على المشهور ، بل بلا خلاف يحضرني الآن ؛ والأخبار الآتية تدل عليه ، وإلّا فكذلك أيضاً ، سواء بلغ مجموع المادة والحوض كراً أو لا ، وسواء تساوى سطحاهما الظاهران أو اختلفا بالانحدار أو غيره ، على الأقوى ، وفاقاً لظاهر الشيخ في النهاية ، والحلّي ، والمعتبر ، والنافع ، والشرائع (٢) ، ومال إليه طائفة من المتأخرين (٣) ، ونسبه بعضهم إلى الأكثر (٤) ؛ للأصل ، والاستصحاب ، وعمومات طهارة الماء (٥).

ورواية ابن الفضيل (٦) المتقدمة في الجاري.

__________________

(١) في « ح » و « ق » : ما في.

(٢) النهاية : ٥ ، السرائر ١ : ٩٠ ، المعتبر ١ : ٤٢ ، النافع : ٢ ، الشرائع ١ : ١٢.

(٣) منهم الشيخ البهائي في الحبل المتين : ١١٥ ، والمحدث الكاشاني في الوافي ٤ : ٩ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ١٢٠.

(٤) لم نجد هذه النسبة. والموجود في كلام المسالك ١ : ٣ والحبل المتين نسبت الاشتراط الى الاكثر فلاحظ.

(٥) الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١.

(٦) كذا في النسخ وهو غير صحيح فإنه لم تتقدم في الماء الجاري رواية بهذا العنوان نعم تقدمت رواية الفضيل. وقد ناقش المصنف في دلالتها مضافاً إلى كونها أجنبيّة عن ماء الحمام والتي يناسب الاستدلال بها هي رواية حنان المتقدمة في ذاك البحث فراجع ص ٢٤.


وخصوص المستفيضة كصحيحة ابن سرحان : ما تقول في ماء الحمام ؟ قال : « هو بمنزلة [ الماء ] الجاري » (١).

ورواية بكر بن حبيب : « ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة » (٢).

والمروي في قرب الإِسناد : « ماء الحمام لا ينجّسه شي‌ء » (٣).

والرضوي : « ماء الحمام سبيله سبيل [ الماء ] (٤) الجاري إذا كانت له مادة » (٥).

وحمل هذه الأخبار على ما كانت مادته كثيرة ؛ لأنه الغالب المتعارف (٦) ، مردود : بمنع ثبوت الغلبة في عهدهم.

ولو سلّمت ، فإنما هي حين كونها مملوّةً ، وبعد جريانها إلى الحوض يقلّ آناً فآناً حتى يصير أقل من الكر ، فلا تكون الكثرة غالبة في جميع الأوقات.

خلافاً للمحكي عن الأكثر (٧) ، فقالوا بالانفعال في الصورتين كأكثرهم ، أو الثانية خاصة كطائفة (٨) منهم : والدي العلّامة رحمه الله.

لصحيحة محمد : عن ماء الحمام ، قال : « ادخله بإزار ولا تغتسل من ماء آخر ، إلّا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله ، فلا يدري فيه جنب أم لا » (٩).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٧٠ ، الوسائل ١ : ١٤٨ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ١ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الكافي ٣ : ١٤ الطهارة ب ١٠ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٦٨ ، الوسائل ١ : ١٤٩ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٤.

(٣) قرب الاسناد : ٣٠٩ / ١٢٠٥ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٨.

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٥) فقه الرضا : ٨٦ ، المستدرك ١ : ١٩٤ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٢.

(٦) المدارك ١ : ٣٤ ، مشارق الشموس : ٢٠٩.

(٧) حكاه في المسالك ١ : ٣ عن الأكثر ، وفي الذخيرة : ١٢١ عن المشهور ، وفي المدارك ١ : ٣٤ عن أكثر المتأخرين.

(٨) منهم صاحب الروض : ١٣٧ ، صاحب المدارك ١ : ٣٥ فإنه رجّح أخيراً الاكتفاء بكون المجموع كُرّاً وإن اختار في صدر كلامه اعتبار الكرّية في المادة.

(٩) التهذيب ١ : ٣٧٩ / ١١٧٥ ، الوسائل ١ : ١٤٩ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٥.


ورواية علي : عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام ، قال : « إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام ، إلّا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل » (١).

ولعموم أدلّة تنجّس القليل (٢) الصادق على الحوض ، لعدم اتّحاده مع المادة عرفاً.

ولأنّ المادة الناقصة عن الكر كالعدم ، خرج عن مجموع ذلك ما كان مادته كراً عند الأكثر بالروايات المتقدمة من جهة ظهورها في ذلك كما مر ، وما كان المجموع كراً عند الآخرين ، بروايات الكر (٣) الشاملة لذلك ، إمّا لعدم اعتبار الوحدة أو لصدقها.

ويضعف الأول : بعدم الدلالة على النجاسة ؛ لعدم صراحته في نجاسة بدن الجنب ، وعدم العلم باستناد النهي إلى تنجسه بها لو كانت ، مع أنّ آخر الرواية لا يلائم حمل النهي على الحرمة ، بل لا قطع بكونه نهياً ؛ لاحتمال النفي ، وهو لا يفيد أزيد من الاستحباب.

وبه يضعف الثاني.

مضافاً إلى معارضتهما مع ما هو أخص منهما مما يشتمل على ذكر المادة مما تقدم من أخبار الحمام ، فيخصّصان به. بل معارضتهما مع ما لا يشتمل عليه أيضاً تكفي في الرجوع إلى الأصل وترجيح الطهارة ؛ بل مع بعض عمومات طهارة الماء المتقدمة (٤) بالتقريب المتقدم.

ومنه يظهر ضعف الثالث أيضاً.

مضافاً إلى صراحة أكثر أخبار انفعال القليل بغير ماء الحمام ، وإلى منع عدم‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٤٠ ، الوسائل ٣ : ٤٢١ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٩.

(٢) راجع ص ٣٦ ـ ٤٠.

(٣) الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩.

(٤) عمومات طهارة ماء المطر وعمومات طهارة مطلق الماء (منه رحمه الله تعالى).


الاتحاد مع كرية المجموع.

والرابع : بالمنع.

ثم إن منهم من اعتبر مع كرية المادة أو المجموع تساوي السطحين (١) ، ومنهم من اعتبره أو كون اختلافهما بالانحدار. وهو مبني على ما يأتي من الاختلاف في اعتبار تساوي سطوح الكر وعدمه ، وستعرف عدم اعتباره.

المسألة الثانية : لو تنجّس الحوض بالتغيّر أو بعد انقطاعه عن المادة ، فلا خلاف في طهره بما يطهر به غيره ، ولا فيه بوصله إلى المادة ، وزوال تغيره إن كان.

وتدلّ عليه رواية ابن أبي يعفور : ماء الحمام يغتسل منه الجنب واليهودي والنصراني ؟ فقال : « إنّ ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضاً » (٢).

ويؤيده (٣) : جعله بمنزلة الجاري في جملة من الأخبار (٤).

وإنما الخلاف في اشتراط الممازجة وكرية من المادة.

والحق في الأول : الاشتراط ؛ لما مر ، وفي الثاني : العدم ؛ لإِطلاق الرواية ، إلّا أن يثبت على اشتراطها الإِجماع ، كما ادّعاه والدي العلّامة في اللوامع ، ونفى بعضهم الخلاف فيه (٥).

ومنهم من شرط زيادتها على الكر بمقدار ما يحصل به الممازجة ، أو بمقدار الماء المنحدر (٦). وإطلاق الرواية يدفعه.

__________________

(١) اعتبره في الروض : ١٣٧ ، وجامع المقاصد ١ : ١١٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٤ الطهارة ب ١٠ ح ١ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧.

(٣) وجعله مؤيداً بناء على منع عموم المنزلة فيحتمل أن يكون في عدم قبول النجاسة (منه رحمه الله تعالى).

(٤) راجع الوسائل ١ : ١٤٨ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ١.

(٥) الرياض ١ : ٤.

(٦) جامع المقاصد ١ : ١١٣ ، راجع الحدائق ١ : ٢١١.


الفصل الخامس : في الواقف‌

وهو إمّا قليل أو كر ، فهاهنا بحثان :

البحث الأول : في القليل‌

وفيه ثلاث مسائل :

المسألة الاُولى : في نجاسته وعدمها بالملاقاة أقوال :

النجاسة مطلقاً إلّا ما استثني ، ذهب إليه جماعة (١).

وعدمها كذلك ، قال به العماني (٢) وتبعه بعض المتأخرين (٣).

والتفصيل بالأول في غير ما لا يدركه الطرف من النجاسات ، والثاني فيه مطلقاً عن المبسوط (٤) ، ومن الدم خاصة عن الاستبصار (٥) ، ويشعر به : كلام النافع في بحث الأسآر (٦).

وبالأول فيما وردت عليه النجاسة ، والثاني في عكسه ، اختاره في الناصريات والحلّي (٧) مدّعياً عليه الإِجماع ظاهراً ، وصاحب المعالم (٨) ، واستوجهه في المدارك (٩) ، واستحسنه في الذخيرة في هذه المسألة ، وجعله الأقرب في مسألة الغسالة (١٠) ، ونسبه في بحث ماء المطر من الحدائق إلى جملة من الأصحاب ،

__________________

(١) ذهب إليه في الخلاف ١ : ١٩٤ ، المعتبر ١ : ٤٨ ، التذكرة ١ : ٣.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢.

(٣) المحدّث الكاشاني في الوافي ٦ : ١٩ ، المفاتيح ١ : ٨١.

(٤) المبسوط ١ : ٧.

(٥) الاستبصار ١ : ٢٣.

(٦) النافع : ٤.

(٧) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٩ ، السرائر ١ : ١٨١.

(٨) المعالم : ١٢٣.

(٩) المدارك ١ : ٤٠.

(١٠) الذخيرة : ١٢٥ ، ١٤٣.


وجعله الظاهر من الأخبار وإن تردّد في بحث القليل (١) ، ومال إليه بعض معاصرينا. وهو الحق.

لنا على النجاسة فيما وردت عليه ـ بعد الإِجماع المحقق والمنقول في الناصريات (٢) والانتصار (٣) والخلاف (٤) واللوامع والمعتمد وغيرها (٥) صريحاً ، والأمالي (٦) ظاهراً ـ : المستفيضة من الصحاح وغيرها ، (بل) (٧) المتواترة معنىً الواردة في موارد مختلفة.

منها : روايات الكر ، كصحاح محمد (٨) ، وابن عمار (٩) ، وزرارة (١٠) ، وحسنته (١١) ، ومرسلة ابن المغيرة (١٢) ، المصرحة بأنه إذا كان الماء قدر كر ـ كالْأُوليين ـ أو أكثر من رواية ـ كالثانيتين ـ أو قدر قلتين (١٣) ـ كالخامسة ـ لم

__________________

(١) الحدائق ١ : ٢٢٠ ، ٣٢٩.

(٢) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٨.

(٣) الانتصار : ٩.

(٤) الخلاف ١ : ١٩٤.

(٥) المختلف : ٢ ، المدارك ١ : ٣٨.

(٦) الأمالي للصدوق : ٥١٤. المجلس : ٩٣ فإن الصدوق عدّ من دين الإِمامية أن الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شي‌ء.

(٧) لا توجد في « ق  ».

(٨) الكافي ٣ : ٢ الطهارة ب ٢ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٨ / ١٢ ، التهذيب ١ : ٣٩ / ١٠٧ ، الاستبصار ١ : ٦ / ١ ، الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١.

(٩) التهذيب ١ : ٤٠ / ١٠٨ ، الاستبصار ١ : ٦ / ٢ ، الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٢.

(١٠) الكافي ٣ : ٢ الطهارة ب ٢ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤٢ / ١١٧ ، الاستبصار ١ : ٦ / ٤ ، الوسائل ١ : ١٤٠ أبواب الماء المطلق ب ٣ ملحق ح ٩.

(١١) التهذيب ١ : ٤١٢ / ١٢٩٨ ، الوسائل ١ : ١٤٠ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٩.

(١٢) الفقيه ١ : ٦ / ٣ ، التهذيب ١ : ٤١٥ / ١٣٠٩ ، الوسائل ١ : ١٦٦ أبواب الماء المطلق ب ١٠ ح ٨.

(١٣) القُلّة : إناء للعرب كالجرّة الكبيرة شِبْهُ الحُبّ والجمع قلال. قال أبو عبيد : القُلّة : حُبّ كبير. المصباح المنير : ٥١٤.


ينجّسه شيء.

ومنع حجية المفهوم ضعيف ، وكون الشي‌ء في المفهوم مثبتاً لا يضر ؛ لاختصاصه بغير المغيّر ، كما مر ، ويتم المطلوب بالإِجماع المركب.

ومنع ثبوت الحقيقة الشرعية في النجاسة يدفعه : الحدس والوجدان ، مضافاً إلى فهم الأصحاب ، مع عدم ملائمة المعنى اللغوي ـ وهو الحالة الموجبة لتنفر الطباع ـ للإِرادة هنا ؛ لحصوله للكر أيضاً كثيراً مع عدم التغير ، وعدم اختلافه بمجرد نقصان قطرة أو ازديادها ، وعدم كون بيان ذلك من وظيفة الشارع.

ومنها : روايات سؤر نجس العين ، أو ما في منقاره قذر أو دم.

فمن الاُولى : صحيحة البقباق : عن فضل الهرة والشاة ـ إلى أن قال ـ حتى انتهيت إلى الكلب فقال : « رجس نجس ، لا تتوضأ بفضله واصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أوّل مرة ثم بالماء » (١).

ورواية أبي بصير : « ولا تشرب من سؤر الكلب إلّا أن يكون حوضاً كبيراً » (٢).

وصحيحة محمد : عن الكلب يشرب من الإِناء ، قال : « اغسل الإِناء » (٣). وتقرب منهما معنىً روايتا حريز (٤) وابن شريح (٥).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٩ / ٤٠ ، الوسائل ١ : ٢٢٦ أبواب الأسآر ب ١ ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٢٢٦ / ٦٥٠ ، الاستبصار ١ : ٢٠ / ٤٤ ، الوسائل ١ : ٢٢٦ أبواب الأسآر ب ١ ح ٧.

(٣) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٤ ، الاستبصار ١ : ١٨ / ٣٩ ، الوسائل ١ : ٢٢٥ أبواب الأسآر ب ١ ح ٣.

(٤) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٥ ، الوسائل ١ : ٢٢٦ أبواب الأسآر ب ١ ح ٥.

(٥) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٧ ، الاستبصار ١ : ١٩ / ٤١ ، الوسائل ١ : ٢٢٦ أبواب الأسآر ب ١ ح ٦.


وصحيحة علي : عن خنزير شرب من الإِناء ، كيف يصنع به ؟ قال : « يغسل ثلاث مرات » (١).

ورواية الأعرج : عن سؤر اليهودي والنصراني ، قال : « لا » (٢).

وإطلاق الكل يدفع ما اُورد (٣) من الاحتمالات.

ومن الثانية : موثّقتا الساباطي ، إحداهما : عن ماء شربت منه الدجاجة ، قال : « إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه ولم يشرب » (٤) وقريب منها الاُخرى (٥).

وحملهما على المتغير غير ممكن ؛ لعدم صلاحية ما في المنقار له.

ومنها : الواردة في اليد القذرة تدخل في الإِناء ، كصحيحة البزنطي : عن الرجل يدخل يده في الإِناء [ وهي قذرة ] قال : « يكفئ الإِناء » (٦).

وموثّقتي سماعة ، إحداهما : « وإن كان أصابته جنابة ، فأدخل يده في الماء فلا بأس به إن لم يكن أصاب يده شي‌ء من المني ، وإن كان أصاب يده فأدخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله » (٧).

والاُخرى : « إذا أصابت الرجل جنابة ، فأدخل يده في الإِناء ، فلا بأس إن

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٢٥ أبواب الأسآر ب ١ ح ٢ : الّا أن فيهما (سبع مرّات).

(٢) الكافي ٣ : ١١ أبواب الطهارة ب ٧ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٣٨ ، الوسائل ١ : ٢٢٩ أبواب الأسآر ب ٣ ح ١.

(٣) في « ق » ورد.

(٤) الفقيه ١ : ١٠ / ١٨ ، التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٣.

(٥) والْأُخرى عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب ـ الى أن قال ـ : وإذا رأيت في منقاره دماً فلا تتوضأ منه ولا تشرب (منه ره) ، الكافي ٣ : ٩ أبواب الطهارة ب ٦ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٢٢٨ / ٦٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٣٠ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٢.

(٦) التهذيب ١ : ٣٩ / ١٠٥ ، الوسائل ١ : ١٥٣ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٧ وما بين المعقوفين من المصدر.

(٧) التهذيب ١ : ٣٨ / ١٠٢ ، الوسائل ١ : ١٥٤ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٠.


لم يكن أصاب يده شي‌ء من المني » (١).

دلّت بالمفهوم على وجود البأس ـ الذي هو العذاب أو الشدة ـ إن أصاب يده المني.

وروايتي أبي بصير ، إحداهما : عن الجنب يحمل الركوة أو التور (٢) فيدخل إصبعه فيه ، فقال : « إن كانت يده قذرة فأهرقه » (٣).

والاُخرى : « إن أدخلت يدك في الإِناء قبل أن تغسلها فلا بأس ، إلّا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة ، فإذا أدخلت يدك في الماء وفيها شي‌ء من ذلك فأهرق ذلك » (٤).

وحسنة ابن عبد ربه : في الجنب يغمس يده في الإِناء قبل أن يغسلها ، أنّه : « لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شي‌ء » (٥).

أو في ماء وقع فيه دم أو قذر كصحيحة علي : عن رجل رعف وهو يتوضأ فقطر قطرة في إنائه ، هل يصلح الوضوء منه ؟ قال : « لا » (٦).

وموثّقتي الساباطي (٧) وسماعة (٨) : عن رجل معه إناء ان وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو ، وليس يقدر على ماء غيرهما ، قال : « يهريقهما جميعاً ويتيمم  ».

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٧ / ٩٩ ، الاستبصار ١ : ٢٠ / ٤٧ ، الوسائل ١ : ١٥٣ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٩.

(٢) الركوة : دلوٌ صغيرة. المصباح المنير : ٢٣٨. التور : إناء صغير من صُفْر أو حجارة كالإِجانة ، تشرب العرب فيه وقد تتوضأ منه. لسان العرب ٤ : ٩٦.

(٣) التهذيب ١ : ٣٧ / ١٠٠ و ٢٢٩ / ٦٦١ ، الوسائل ١ : ١٥٤ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١١.

(٤) الكافي ٣ : ١١ الطهارة ب ٨ ح ١ ، الوسائل ١ : ١٥٢ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٤.

(٥) الكافي ٣ : ١١ الطهارة ب ٨ ح ٣ ، الوسائل ١ : ١٥٢ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٧٤ الطهارة ب ٤٦ ح ١٦ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ٢٤٨ / ٧١٢ ، الوسائل ١ : ١٥٥ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٤.

(٨) الكافي ٣ : ١٠ الطهارة ب ٦ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٣ ، الوسائل ١ : ١٥١ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٢.


ورواية الأعرج : عن الجرّة (١) تسع مائة رطل يقع فيها أوقية من دم ، أشرب منه وأتوضأ ؟ قال : « لا » (٢).

ورواية علي المروية في المسائل : عن حُبّ ماء فيه ألف رطل وقع فيه أوقية (٣) بول ، هل يصلح شربه أو الوضوء منه ؟ قال : « لا يصلح » (٤).

أو في ماء ، دخلت فيه الدجاجة الواطئة للعذرة ، كرواية علي المتقدمة في الجاري (٥).

أو لاقى النبيذ ، أو المسكر ، كرواية أبي بصير : في النبيذ « ما يبلّ الميل ، ينجّس حبّاً من ماء » (٦).

ورواية ابن حنظلة : في المسكر « ولا قطرت قطرة في حبّ إلّا اُهريق ذلك الماء » (٧).

أو في القليل الذي ماتت فيه فأرة ، كموثّقة الساباطي : عن الرجل يجد في إنائه فأرة ، وقد توضّأ من ذلك الإِناء مراراً ، أو غسل منه واغتسل منه ، وقد كانت الفأرة متسلّخة ، فقال : « إن كان رآها في الإِناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه ، يغسل كل ما أصابه ذلك الماء ، ويعيد الوضوء والصلاة » (٨).

__________________

(١) الجَرَّةُ : إناء من خزف والجمع جَرّ وجِرَار. لسان العرب ٤ : ١٣١.

(٢) التهذيب ٣ : ٤١٨ / ١٣٢٠ ، الاستبصار ١ : ٢٣ / ٥٦ ، الوسائل ١ : ١٥٣ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ٨. بتفاوت.

(٣) الاوقية : ما يعادل أربعين درهماً. المصباح المنير : ٦٦٩. وفي الصحاح ٦ : ٢٥٢٨ : وكذلك كان فيما مضى فأمّا اليوم فيما يتعارفها الناس ... فالأوقية عندهم وزن عشرة دراهم وخمسة أسباع الدرهم.

(٤) مسائل علي بن جعفر : ١٩٧ / ٤٢٠ ، الوسائل ١ : ١٥٦ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٦.

(٥) ص ٢٣.

(٦) الكافي ٦ : ٤١٣ الأشربة ب ٢٣ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٤٧ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٦.

(٧) الكافي ٦ : ٤١٠ الأشربة ب ٢١ ح ١٥ ، التهذيب ٩ : ١١٢ / ٤٨٥ ، الوسائل ٢٥ : ٣٤١ أبواب الأشربة المحرمة ب ١٨ ح ١ مع اختلاف يسير في الألفاظ.

(٨) الفقيه ١ : ١٤ / ٢٦ ، التهذيب ١ : ٤١٨ / ١٣٢٢ ، الوسائل ١ : ١٤٢ أبواب الماء المطلق ب ٤


ورواية ابن حديد ، وفيها : فاستقى غلام أبي عبد الله عليه السلام دلواً. فخرج فيه فأرتان ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : « أرقه » فاستقى آخر ، فخرجت فيه فأرة ، فقال عليه السلام : « أرقه » (١). إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبّع.

وقد جمع منها بعض الأصحاب مائتي حديث (٢) ، ودلالة كلّ منها على الانفعال بجميع النجاسات ، مطلقاً ، أو بضميمة عدم الفصل ، كدلالة المجموع عليه ، ودلالة كثيرة منها على الانفعال بكلّ قذر من القذر بالإِطلاق ظاهرة.

والإِيراد على الكلّ : بإمكان الحمل على المتغيّر ، أو على الكراهة ؛ وعلى ما فيه لفظ القذر : بإمكان الحمل على اللغويّ ؛ مردود.

فالأول : بالإِطلاق ، مضافاً إلى عدم إمكانه إلّا في قليل ؛ فإنّ التغيّر بشرب الحيوان ، أو بما في المنقار ، أو اليد ، أو الإِصبع ، سيّما البول ، أو المنيّ ، أو بقطرة من المسكر ، أو بما يبلّه الميل منه ، غير معقول ، كاشتباه ما تغيّر بغيره ، أو عدم حصول العلم بوقوع الفأرة لو تغيّر.

والثاني : بكونه مجازاً مخالفاً للأصل في الأكثر ، مع كونه إحداث ثالث ، كما صرّح به والدي ـ رحمه الله ـ في اللوامع.

مضافاً إلى امتناعه في بعضها ، كموثّقتي الساباطي الأخيرتين (٣).

والثالث : بمنافاته للنهي عن الاستعمال ، سيّما مع الأمر بالتيمّم.

لنا على الطهارة في الوارد على النجاسة ـ بعد الأصل ، والاستصحاب‌

__________________

ح ١.

(١) التهذيب ١ : ٢٣٩ / ٦٩٣ ، الاستبصار ١ : ٤٠ / ١١٢ ، الوسائل ١ : ١٧٤ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٤.

(٢) هكذا نُقل في الرياض ١ : ٥ عن بعض الاصحاب ولم نعثر عليه.

(٣) تقدمتا ص ٣٨.


المؤيّدين بالإِجماع المنقول عن الحلّي (١) ، السالمين عن المعارض ـ : عمومات طهارة الماء (٢) بأنواعها المتقدمة وإطلاقاتها ، الخالية عن المخصّص والمقيّد ، لاختصاص أدلّة انفعال القليل ـ كما مرّ ـ بورود النجاسة.

ويؤيّدها : أخبار طهارة ماء الاستنجاء (٣). ورواية غسل (٤) الثوب النجس في المِرْكَن (٥) ، وموارد التطهير (٦) والغسالات.

استدلّ القائلون بالنجاسة مطلقاً أمّا فيما وردت النجاسة فيما تقدّم ، وهو كذلك.

وأمّا في عكسه : فبمفهوم روايات الكرّ (٧).

وإطلاقِ « ما يبلّ الميل ينجس حبّاً » (٨).

وحديثِ استقاء غلام أبي عبد الله عليه السلام المتقدّم (٩).

وما ورد بعد السؤال عن دَنّ (١٠) يكون فيه خمر أو إبريق كذلك ، هل يصلح أن يكون فيه الخل أو الماء أو غيره ؟ : « أنّه إذا غسل لا بأس » (١١).

وما تقدّم في ماء الغيث (١٢) ، من المفاهيم المثبتة للبأس فيه ، إذا لم يجر على

__________________

(١) السرائر ١ : ١٨١.

(٢) راجع ص ١١ ـ ١٢.

(٣) الوسائل ٣ : ٥٠١ أبواب النجاسات ب ٦٠.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٥) المِرْكَن : الإِجانة التي يغسل فيها الثياب.

(٦) في « هـ » و « ح » : التطهّر.

(٧) الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩.

(٨) الوسائل ٣ : ٤٧ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٦.

(٩) ص ٤١.

(١٠) الدَنِ : كهيئة الحُبِّ الا أنه أطول مَنه وأوسع رأساً والجمع دِنان. المصباح المنير : ٢٠١.

(١١) الكافي ٦ : ٤٢٧ الأشربة ب ٣٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.

(١٢) ص ٢٦.


القذر مع كونه وارداً. وتمام المطلوب يثبت بالأولوية ، أو عدم الفصل.

وروايةِ ابن سنان : « الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ به وأشباهه » (١).

وروايةِ العيص المرويّة في طائفة من كتب الأصحاب مثل الخلاف والمعتبر والمنتهى : عن رجل أصابته قطرة من طست فيه وضوء ، فقال : « إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه » (٢).

والروايات الآتية (٣) الناهية عن الغسل بغسالة الحمّام ، معلّلةً : بأنّه يغتسل فيه الجنب وولد الزنا والناصب ومن الزنا. وفي بعضها المروي في العلل : « اليهودي وأخواه » (٤).

وبأنّ السبب في الانفعال ملاقاة النجاسة ، وقابليّة القليل من حيث القلّة ، ولا مدخليّة للورود وعدمه.

وبأنّ (٥) أخبار النجاسة وإن كانت خاصّة إلا أنّه لخصوصية السؤال وهي لا تخصّص.

وبكونه مشهوراً عند الأصحاب.

والجواب عن الأول : أن المفهوم لا يدل إلا على التنجس ببعض ما من شأنه التنجيس ، فيمكن أن يكون النجاسة الواردة ، ولا يمكن التتميم بعدم الفصل ، لوجوده.

وأيضاً : المراد بتنجيسه له ليس فعليته ، بل معناه أن من شأنه التنجيس ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢١ / ٦٣٠ ، الاستبصار ١ : ٢٧ / ٧١ ، الوسائل ١ : ٢١٥ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ١٣.

(٢) الخلاف ١ : ١٧٩ ، المعتبر ١ : ٩٠ ، المنتهى ١ : ٢٤.

(٣) في ص ١٠٨ ، وانظر الوسائل ١ : ٢١٨ أبواب الماء المضاف ب ١١.

(٤) علل الشرائع : ٢٩٢ / ١ ، الوسائل ١ : ٢٢٠ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٥.

(٥) هذا الاستدلال يظهر من الحدائق (منه ره).


بوقوع ارتباط بينهما وقرب خاص ، ولا دلالة لذلك على التنجيس بمطلق الملاقاة فيكتفي بالمتيقن.

هذا ، مع أنّ بعد تسليم الدلالة يعارض مع بعض عمومات الطهارة (١) بالعموم من وجه ، لتخصيصها بالقليل الوارد عليه النجاسة بما مر قطعاً ، فيرجع إلى الأصل.

ومن هذا وسابقة يظهر الجواب عن الثاني أيضاً.

وعن الثالث : منع شموله لورود الماء ، بل الظاهر دخول الفأرة في الدلو بعد شي‌ء من الماء ، أو ينفصلان من البئر معاً ، فتختص الرواية بما انتفى الورود من الطرفين ، ويأتي حكمه.

ولو سلّم الشمول فيحصل التعارض المذكور ، ويجاب بما مر.

وعن الرابع : أن إثبات نوع من البأس ـ كما هو مقتضى المفهوم ـ لا يثبت النجاسة ، لجواز أن يكون هو عدم الصلاحية لرفع الحدث ، فإنّ ما يغسل الخبث لا يرفعه ، كما يأتي.

وهو الجواب عن الخامس ، مع عدم عمل أكثر المخالفين به ، كما مر ، ومعارضته مع ما مرّ ، وعدم صلاحيته لإِثبات النجاسة ، كما تقدّم في بحث ماء الغيث (٢).

ومما مر من عدم ارتفاع الحدث برافع الخبث ، يظهر الجواب عن السادس أيضاً ، زيادةً على أنّه لا إشعار فيه بملاقاة الماء للنجاسة ، إلا أن يضمّ معه الإِجماع على جواز الوضوء مما يغسل به الطاهر.

وعن السابع : بأنّه لا يثبت أزيد من رجحان الغسل ، مع أنّ الوضوء أعمّ من الموارد ، فقاعدة التعارض المذكور جارية.

__________________

(١) المتقدمة ص ١١ ـ ١٢.

(٢) ص ٢٧.


وعن الثامن : مع معارضته لأخبار اُخر منافية له ، كما يأتي (١) في بحث غسالة الحمام ، أنّ النّهي عن الاغتسال بل عن مطلق الاستعمال ـ كما قيل (٢) ـ أعمّ من النجاسة ، ولو ثبت يمكن أن يكون تعبدياً أيضاً ، لا لأجل الملاقاة للنجس ، ولذا حكم أكثر القائلين (٣) بنجاسة غسالة الحمام بها ، ما لم يعلم خلوّها عن النجاسة الشامل لعدم العلم بالملاقاة أيضاً.

هذا ، مضافاً إلى خلوّ أكثر هذه الأخبار عن ملاقاة الماء للنّجس ، وهذا أيضاً يؤكّد التّعبد به لو ثبتت (٤) النجاسة.

وعن التاسع : بالمنع ، ويؤكّده استثناء ماء الاستنجاء.

وعن العاشر : بمنع عموم الجواب ، مع خلوّ البعض عن تقديم السؤال.

وعن الأخير : بمنع الشهرة إن لم ندعها على الخلاف ، كيف والماء الوارد هو الغُسالة غالباً ! والمشهور بين الطبقتين : الاُولى والثالثة ، طهارتها مطلقاً ، مع أن الشهرة للحجية غير صالحة.

للعُماني ـ بعد الأصل والاستصحاب والعمومات ـ خبر ابن ميسر المتقدم (٥) ، وصحيحة علي : عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة ؟ قال : « لا ، إلّا أن يضطرّ إليه » (٦). والنهي يقيّده بالقليل.

وموثقة عمار : عن الرجل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنه‌

__________________

(١) في ص ١٠٦.

(٢) الحدائق ١ : ٤٩٧.

(٣) منهم الشيخ في النهاية : ٥ ، والمحقق في النافع ٥ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٥.

(٤) في « ق » : ولو تثبت.

(٥) ص ٢٠.

(٦) التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٤٠ ، البحار ١٠ : ٢٧٨ ، الوسائل ٣ : ٤٢١ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٩.


يهودي ، فقال : « نعم » فقلت : من ذلك الماء الذي شرب منه ؟ قال : « نعم » (١).

وصحيحة زرارة : عن الحبل يكون من شعر الخنزير ، يستقى به الماء من البئر ، هل يتوضأ من ذلك الماء ؟ قال : « لا بأس » (٢).

وروايته : عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقي به الماء ، قال : « لا بأس » (٣).

ورواية بكّار : الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحب في مكان قذر ثم يدخله الحبّ ، قال : « يصب من الماء ثلاث أكفّ ثم يدلك الكوز » (٤).

ورواية عمر بن يزيد : أغتسل في مغتسل يبال فيه ويغتسل من الجنابة ، فيقع في الإِناء ماء ينزو من الأرض ، فقال : « لا بأس به » (٥).

ومرسلة الوشاء : « أنه كره سؤر اليهودي والنصراني » (٦) وغير ذلك.

وأنّه لو انفعل القليل ؛ لاستحال إزالة الخبث به ، والانفعال بعد الانفصال غير معقول ، لاستلزامه تأثير العلّة بعد عدمها ، مع عدمه حين وجودها.

والجواب : أما عن الثلاثة الاُولى : فظاهر. وكذا عن الرابع ؛ لالتحاقه بالعمومات لشموله للجاري ، بل لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في القليل أيضاً.

وأمّا عن بواقي الروايات : فبجواز أن يراد من الاضطرار ما توجبه التقية في الصحيحة الاُولى ، بل هو معنى الاضطرار إلى التوضؤ منه ، وأمّا حال انحصار‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٤١ ، الاستبصار ١ : ١٨ / ٣٨ ، الوسائل ١ : ٢٢٩ أبواب الأسآر ب ٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٦ الطهارة ب ٤ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٩ ، الوسائل ١ : ١٧٠ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠١ ، الفقيه ١ : ٩ / ١٤ مرسلا ، الوسائل ١ : ١٧٥ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٦.

(٤) الكافي ٣ : ١٢ الطهارة ب ٨ ح ٦ ، الوسائل ١ : ١٦٤ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٧.

(٥) الكافي ٣ : ١٤ الطهارة ب ٩ ح ٨ ، الوسائل ١ : ١٥٩ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٧.

(٦) الكافي ٣ : ١١ الطهارة ب ٧ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٣٩ ، الاستبصار ١ : ١٨ / ٣٧ ، الوسائل ١ : ٢٢٩ أبواب الأسآر ب ٣ ح ٢.


الماء فهو ليس اضطراراً إلى الوضوء أو الماء ؛ لإِمكان التيمّم ، مضافاً إلى احتمال التقية.

وهو الجواب عن الموثّقة ، مع إمكان إرادة ما إذا ظنّ أنّه يهوديّ ولا يعلم ، بل هو الظاهر من قوله : « على أنّه » إلى آخره.

وباحتمال رجوع الإِشارة إلى ماء البئر دون المستقى في صحيحة زرارة ، مع عدم دلالتها على ملاقاة الحبل لماء الدلو ، أو المتقاطر منه عليه.

وكون الاستقاء للزرع وشبهه في روايته.

وبعدم دلالة رواية بكار على رطوبة أسفل الكوز ، مع أنّ أمره بصبّ الماء عليه يمكن ان يكون لتطهيره.

وعدم دلالة رواية عمر على نزو الماء من المكان النجس مع أنّه وارد.

وباحتمال إرادة الحرمة من الكراهة في المرسلة ، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيها ، ويؤيّدها ذكر ولد الزنا في الحديث أيضاً.

ثمّ مع تسليم دلالة الجميع ومعارضته لأخبار النجاسة ، فالترجيح لها ؛ لعدم حجّيته ، لمخالفته لشهرة القدماء (١) ، ولمذهب رواته ، بل للإِجماع ، مع كونه بين عامّ ، وضعيف ، وموافق لمذهب العامة (٢).

ومنه يظهر الجواب عن سائر الأخبار المناسبة للطهارة أيضاً.

وأمّا عن الأخير : فبأنّ التطهير بإيراد الماء وهو لا ينجّس ، مع أنّ الإِزالة بالمتنجّس ممكنة ، كحجر الاستنجاء.

وقد ينتصر المخالف : بوجوه هيّنة سخافتها بيّنة.

للشيخ على القولين (٣) : صحيحة علي : عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك‌

__________________

(١) راجع مفتاح الكرامة ١ : ٧٢.

(٢) كموثقة عمار وصحيحة زرارة بملاحظة تجويز التوضؤ أو الشرب من سؤر اليهودي. وجمهور العامة قائلون بطهارة أهل الكتاب راجع نيل الاوطار ١ : ٨٨ ، المغني ١ : ٩٨.

(٣) المتقدمين ص ٣٥ رقم ٤ ، ٥.


الدم قطعاً صغاراً فأصاب إناءه ، هل يصلح الوضوء منه ؟ قال : « إن لم يكن شي‌ء يستبين في الماء فلا بأس ، وإن كان شيئاً بيّناً فلا يتوضأ منه » (١) بضميمة تنقيح المناط للأول.

وعدمُ إمكان التحرّز منه.

وكون تعميم أخبار انفعال القليل بالإِجماع المركّب المنفيّ هنا.

ويضعّف الأول ـ مع مخالفته للشهرتين ـ باحتمال كون « يستبين » خبراً لا صفةً ، ويؤيّده زيادة لفظة « في الماء » فيكون نفي البأس للبناء على يقين الطهارة.

وتأييد كونه صفة بقوله : « شيئاً بيّناً » معارض ـ مع ما مرّ ـ بظهور كون « إن لم يكن » ناقصة بقرينة « إن كان ».

على أنّها أيضاً لا تفيد ؛ لجواز استناد نفي البأس إلى أصالة عدم الوصول ، حيث إنّ المعلوم عادة عدم حصول العلم بوقوع ما لا يستبين غالباً.

والثاني : بالمنع.

والثالث : بعموم كثير مما تقدم.

فروع :

أ : ورود الماء وعكسه أعمّ من أن يكون من الفوق ، أو التحت ، أو أحد الجانبين ؛ للأصل في الأول ، وإطلاق طائفة من الأخبار (٢) في الثاني.

ب : لو تواردا ، فالظاهر النجاسة ، لوجود المقتضي وهو ورود النجاسة (٣).

ج : ظاهر كلام الحلّي ، والسيّد (٤) ، ومقتضى الأدلّة عموم الحكم بالطهارة‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٧٤ الطهارة ب ٤٦ ح ١٦ ، التهذيب ١ : ٤١٢ / ١٢٩٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣ / ٥٧ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١.

(٢) أي الأخبار الدالة على انفعال القليل بورود النجاسة عليه.

(٣) فرع : لو ورد الماء على مائع نجس فامتزجا فالظاهر النجاسة لعدم قول بطهارة النجس حينئذٍ ، ولا باختلاف حكم الممتزجين. مع أن مثل ذلك لا ينفك عن ورود النجاسة على الماء ولو عن الأسفل على بعضه (منه رحمه الله).

(٤) السرائر ١ : ١٨١ ، الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٩.


في كل ماء وارد ، سواء كان غاسلاً لمتنجّس ، أو راجعاً ومترشّحاً من نجس ، أو مستدخلاً فيما فيه نجاسة ، أو وارداً على ما لا يقبل التّطهير. وهو كذلك ، إلّا أن الأول (١) صرّح بنجاسة الثاني ، وهو للاحتياط موافق.

د : لو تلاقيا من غير ورود لأحدهما ، كما إذا وصل بين ماءين أحدهما نجس باُنبوبة ، واُزيل ما بينهما من مانع الملاقاة ، أو وقع ذو نفس في ماء فمات ، أو اُخذ من كثير قليل مع ما فيه من النجاسة دفعةً ، أو صار الكثير الذي فيه عين نجاسة غير مغيّرة أقلّ من الكر ، فظاهر الأكثر التنجّس وهو كذلك ؛ لرواية ابن حديد (٢) ، لظهور أنّ انفصال ماء الدلو والفأرة عن ماء البئر ، لا يكون إلّا معاً ؛ وهي وإنْ اختصّت ببعض الصور ، إلّا أنّ التعميم بعدم الفصل.

وأمّا الموثّقة المتقدّمة عليها (٣) ، فهي وإنْ عمّت المورد من جهة ترك الاستفصال : إلّا أنّ العموم هنا غير مفيد ؛ لما مرّ غير مرّة.

المسألة الثانية : لا خلاف في سراية النجاسة من الأعلى ، وهل تسري إليه ؟

صرّح في المدارك (٤) واللّوامع بالعدم مدّعيين عليه الإِجماع ، وهو ظاهر بعض آخر أيضاً ، ولم أعثر على مصرّح ممّن تقدم على الأوّل.

والقول الفصل : أن علوّ بعض الماء إمّا أن يكون في العلوّ بالهواء ، كالمتسنّم (٥) من الميزاب. أو في الأرض ، كالمنحدر في المنحدرة منها. أو في الإِناء ، إمّا بكونه في إناءين مختلفين سطحاً اتّصل أحدهما بالآخر من أسفله ، أو في إناء فيكون جزء أعلى وجزء أسفل.

__________________

(١) السرائر ١ : ١٨١ صرح بنجاسة الغسلة الْأُولى من الولوغ.

(٢) المتقدمة ص ٤١.

(٣) ص ٤٠.

(٤) المدارك ١ : ٤٥.

(٥) سنّم الشي‌ء : رفعه. وسنّم الاناء : اذا ملأه حتى صار فوقه كالسنام. وسنّم الشي‌ء وتسنّمه : علاه وكل شي‌ء علا شيئاً فقد تسنّمه. لسان العرب ١٢ : ٣٠٧.


فما كان من أحد الأولين ـ ولا يكون إلّا مع الجريان ـ فلا سراية ؛ للإِجماع القطعي ، بل الضرورة في الجملة ، المعلومة من الطريقة المستمرّة في التطهير (١) ، ولأنّ العالي فيهما جارٍ ووارد ، وقد عرفت عدم تنجّسهما.

وما كان من الأخير فالظاهر فيه السراية ، مع عدم ورود الماء ؛ لإِطلاقات كثير من أخبار النجاسة (٢) ، وظهور حكايات الإِجماع في الأوّلين.

نعم للقائل بانصراف المطلق إلى الشائع الوجوديّ مطلقاً ، النظر في تلك الإِطلاقات ، ولكنّه خلاف التحقيق‌.

المسألة الثالثة : لا يطهر القليل النجس بإتمامه كرّاً ولو بالطاهر ، وفاقاً للإِسكافي (٣) ، والشيخ (٤) ، والفاضلين (٥) ، والشهيدين (٦) ، وأكثر المتأخرين (٧) ؛ للأصل ، والاستصحاب.

خلافاً للسيد ، والحلّي (٨) ، وابن سعيد ، والقاضي (٩) ، والديلمي ، والكركي (١٠) مطلقاً ، ولابن حمزة (١١) إن تُمّم بالطاهر ؛ للنبوي (١٢) المجمع على‌

__________________

(١) في « هـ » و « ق » : التطهّر.

(٢) المتقدمة ص ٣٦ إلى ٤١.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٣.

(٤) الخلاف ١ : ١٩٤ ، المبسوط ١ : ٧.

(٥) المحقق في المعتبر ١ : ٥١ ، والشرائع ١ : ١٢ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٤ ، والتحرير ١ : ٤ ، والمنتهى ١ : ١١.

(٦) الاول في الدروس ١ : ١١٨ ، والثاني في الروضة ١ : ٣٥.

(٧) منهم صاحبا المدارك ١ : ٤١ ، والذخيرة : ١٢٥.

(٨) رسائل السيد المرتضى (المجموعة الاولى) : ٣٦١ ، السرائر ١ : ٦٣.

(٩) الجامع للشرائع : ١٨ ، المهذب ١ : ٢١.

(١٠) المراسم : ٢١ ، جامع المقاصد ١ : ١٣٤.

(١١) الوسيلة : ٧٣.

(١٢) غوالي اللآلي ١ : ٧٦ و ٢ : ١٦ ، المستدرك ١ : ١٩٨ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٦.


صحّتها عند الفريقين بشهادة الحلّي (١) : « إذا بلغ الماء كرّاً لم يحمل خبثاً ».

ودعوى الإِجماع من الحلي (٢).

والأوّل مندفع : بعدم الدلالة.

والثاني : بعدم الحجية.

وقد ينتصر لذلك : بوجوه اُخر ضعفها ظاهر.

*       *      *

__________________

(١ و ٢) السرائر ١ : ٦٣.


البحث الثاني : في الكرّ‌

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : لا ينفعل الكرّ بمجرّد الملاقاة ، وفاقاً للمعظم ؛ للأصل ، والعمومات (١) ، وخصوص ما تقدّم من المستفيضة (٢) ، ومنها ما يصرّح بعدم تنجّس الحياض (٣).

خلافاً للمفيد ، والديلمي (٤) ، فخصّاه بما عدا الحياض والأواني ، ولظاهر النهاية (٥) ، فبغير الثاني ؛ لعموم النهي عن استعمال مائه مع الملاقاة.

وهو ـ مع كونه أخصّ من مدّعى الأولين ـ مخصوص بالقليل بشاهد الحال.

ولو سلّم فمعارض بعموم ما دلّ في الكرّ على عدم الانفعال ، فلو رجّحناه بالكثرة ، وموافقة الشهرة ، وظهور الدلالة ، وإلّا فالمرجع أصل الطهارة. مع أنّ ورود كلام المخالف مورد الغالب محتمل ، كما فهمه الشيخ (٦) من كلام اُستاذه ، وهو أعرف بمذهبه.

وممّا ذكر يظهر الجواب عن موثّقة أبي بصير : عن كرّ ماء مررت به وأنا في سفر قد بال فيه حمار ، أو بغل ، أو إنسان ، قال : « لا تتوضأ منه ولا تشرب » (٧).

مضافاً إلى عدم صراحتها في النهي ، ومعارضتها مع ما دلّ على طهارة بول الأولين.

__________________

(١) عمومات طهارة الماء المتقدمة في ص ١١.

(٢) راجع ص ٣٦.

(٣) التهذيب ١ : ٤١٧ / ١٣١٧ ، الوسائل ١ : ١٦٢ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٢.

(٤) المقنعة : ٦٤ ، المراسم : ٣٦.

(٥) النهاية : ٥.

(٦) التهذيب ١ : ٢١٨ ، لتوضيح الحال فيه راجع الحدائق ١ : ٢٢٦.

(٧) التهذيب ١ : ٤٠ / ١١٠ ، الاستبصار ١ : ٨ / ٨ ، الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٥.


وهل يشترط في عدم انفعاله تساوي سطوحه الظاهرة ؟ أم يكفي الاتصال مطلقا ؟ أو مع الانحدار خاصّة دون التسنّم ؟ أو في تقوّي الأسفل بالأعلى دون العكس ؟

الأظهر الثاني ، وهو صريح الروض (١) وظاهر الأكثر ، كما فيه وفي اللوامع ؛ للأصل ، وعمومات طهارة الكرّ ، السالمين عمّا يصلح للمعارضة ، لعدم عموم في أكثر أدلّة انفعال القليل ، لاختصاصه بصور مخصوصة ليس المورد منها ، وظهور ما لم يكن كذلك في غير ذلك.

وجعل عمومات الكرّ مختصّة بما لم يحتمل العهد ، لعدم كون عمومها وضعيّاً ، من حيث ورودها بلفظ المفرد المحلّى ، وتقدّم السؤال عن الماء المجتمع عهد (٢). مدفوع : بمنع عدم كون عموم المفرد وضعيّاً أوّلاً ، ومنع تقدّم السؤال في الجميع ثانياً ، ومنع كون المسؤول عنه متساوي السطوح ثالثاً ، وجريان مثله في طرف النجاسة فيختصّ بغير متّصل بالكرّ وينفى في المتّصل بالأصل رابعاً.

للأول ـ وهو لبعض المتأخرين (٣) ـ : ظهور اعتبار الاجتماع في الماء ، وصدق الوحدة والكثرة عليه من أكثر الأخبار المتضمّنة لحكم الكرّ (٤) اشتراطاً أو كمّيّةً ، وتطرّق النظر إلى ذلك مع عدم المساواة.

والجواب أولاً : أنّ هذا الظهور ليس ظهوراً بعنوان الاشتراط ، وإنّما هو ناشٍ من كون المورد كذلك ، وهو لا ينافي العموم.

وثانياً : أنّ اللازم منه اعتبار صدق الاجتماع العرفيّ دون المساواة ، فإنّه ليس دائراً مدارها ، بل قد يتحقّق مع الاختلاف ، كما قد ينتفي مع المساواة كالغديرين المتّصلين باُنبوبة ضيّقة ممتدّة.

__________________

(١) الروض : ١٣٥.

(٢) كما في المعالم : ١٢.

(٣) المعالم : ١٢.

(٤) الوسائل ١ : ١٥٨ ، ١٦٤ أبواب الماء المطلق ب ٩ ، ١٠.


وأكثريّة صور الانتفاء في الأوّل لا توجب اشتراط عدمه مع أنّها ممنوعة.

بيانه : أنّ الاختلاف إمّا لأجل وصل الغديرين المختلفين ، أو التسنّم ، أو الانحدار. والمؤثّر في الانتفاء ـ لو سلّم ـ ليس إلّا امتداد الثقبة الواصلة ، أو ضيقها في الأوّل ، وامتداد سطح الماء وبعد أوّله عن آخره في الثانيين ، لظهور أنّ أصل التسنّم والانحدار لا يوجب نفي الوحدة ، وكلّ من الأمرين يجتمع مع التساوي أيضاً ، مع أنّ الجريان في الثانيين أيضاً يمنع عن الانفعال.

وقد يجاب (١) أيضاً : بأنّ أخبار الكرّ كما دلّت على اعتبار الوحدة منطوقاً ، فاعتبرت لأجله المساواة ، كذلك دلّت على اعتبارها مفهوماً فيما نقص عنه ، فيختصّ الانفعال بصورة الوحدة والاجتماع ، فيكون المفروض خارجاً عن عموم المنجّسات ، يبقى الأصل سليماً عن المعارض.

وفيه : أنّ مدلول المفهوم حينئذٍ أنّ الماء الواحد المجتمع الناقص ينفعل ، ولا يضرّ فيه اتّصاله بما يصير معه كرّاً لو لم يوجب كريّته ، وكانت الوحدة منفيّة معه.

وللثالث : صدق الوحدة والاجتماع مع الانحدار دون التسنّم (٢).

وجوابه ظهر ممّا مر.

وللرابع ـ وهو للتذكرة والذكرى والدروس والبيان وشرح القواعد (٣) ـ : عدم تنجّس الأعلى بنجاسة الأسفل فلا يطهر بطهره ؛ إمّا لعدم معقوليّة التأثير فيه دونها ، أو لدلالته على عدم اتّحادهما في الحكم وعدم وحدتهما ، أو لاستلزامه عدم اندراج مثل ذلك إذا كان قليلاً في مفهوم روايات الكرّ ، فلا يشمله منطوقها أيضاً إذا كان كثيراً.

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٣.

(٢) كما في المدارك ١ : ٤٤.

(٣) التذكرة ١ : ٤ ، الذكرى : ٩ ، الدروس ١ : ١٢١ ، البيان : ٩٩ ، جامع المقاصد ١ : ١١٥.


والجواب : أنّ عدم المعقولية ممنوع.

ودلالته على عدم الاتّحاد في جميع الأحكام غير مسلّمة ؛ لإِمكان عدمه في البعض خاصّة ، وعدم السراية مع الوحدة لدليل آخر.

وعدم تنجّس الأعلى كلّما (١) ثبت فإنّما هو للتخصيص في المفاهيم ، دون عدم الاندراج ، على أنّه يوجب عدم نجاسة الأسفل أيضاً وعدم تقوّيه.

والوجوه التي ذكروها للفرق ضعيفة جدّاً.

وإذ عرفت كفاية الاتّصال ، فهل يشترط معه أن لا يكون باختلاف فاحش ، كالصبّ من الجبل ولا بمثل اُنبوبة ضيّقة ممتدّة ، أم لا ؟

الظاهر الثاني ؛ لعموم « إذا بلغ » وصدق الوحدة ، ومنع ظهور اشتراط الاجتماع العرفي.

وتردّد في اللوامع ؛ لما ذكر ، ولوجوب الحمل على المتعارف.

وفيه : منع التعارف ، سيّما بحيث يصلح لتخصيص العام وتقييد المطلق.

المسألة الثانية : قد مرّ أنّه يطهر ـ إذا تنجّس ـ بالجاري مع زوال التغيّر به أو قبله ، وبإلقاء كرّ عليه فكرّ حتى يزول إن كان باقياً ، وإلّا فكرّ مع اشتراط الامتزاج فيهما والمساواة ، أو العلوّ في الأوّل والدفعة في الثاني. ويشترط فيه أيضاً عدم تغيّر بعض الملقى ابتداءً في الكرّ الأخير.

ولا يطهر بزوال التغيّر من قبل نفسه أو الرياح ؛ للاستصحاب لا لعموم أدلّة نجاسة المتغيّر ؛ لمنع التغيّر. ولا لدلالة النهي عن الوضوء والشرب على الدوام ؛ لتقييده بما دام كونه متنجّساً قطعاً.

خلافاً لصاحب الجامع ، واحتمله في النهاية (٢) ؛ للأصل ، وانتفاء المعلول بانتفاء علّته.

__________________

(١) في « ق » : كما.

(٢) الجامع للشرائع : ١٨ ، نهاية الإِحكام ١ : ٢٥٨.


والأصل بما ذكر ساقط ، وعليّة التغير ممنوعة ، وإنّما هو أمارة. سلّمناها ولكنّه علّة للحدوث ، والبقاء معلول للاستصحاب.

المسألة الثالثة : للأصحاب في معرفة الكرّ طريقان :

أحدهما : الوزن ، وهو ألف ومائتا رطل ؛ للإِجماع المحقّق ، والمنقول مستفيضاً ، وعدّه الصدوق في أماليه من دين الإِمامية (١) ، ومرسلة ابن أبي عمير : « الكرّ من الماء ، الذي لا ينجّسه شي‌ء ، ألف ومائتا رطل » (٢).

وإرسالها على أصلنا غير قادح ، وكذا على غيره ، للإِجماع على تصحيح ما يصحّ عن مرسلها (٣) ، وشهادة جماعة بأنّه لا يرسل إلّا عن ثقة (٤).

مضافاً إلى انجبارها بالعمل ، بل في المعتبر : لا أعرف من الأصحاب رادّاً لها (٥).

ولا تنافيها صحيحة محمد (٦) ، ومرفوعة ابن المغيرة : « الكر ستمائة رطل » (٧) (كما يأتي) (٨). ولا الأخبار المقدّرة له بحب مخصوص ، أو قلّتين أو أكثر من رواية ،

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥١٤ (المجلس ٩٣).

(٢) الكافي ٣ : ٣ الطهارة ب ٢ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٤١ / ١١٣ ، الاستبصار ١ : ١٠ / ١٥ ، الوسائل ١ : ١٦٧ أبواب الماء المطلق ب ١١ ح ١.

(٣) كما ادّعاه الكشي في رجاله ٢ : ٨٣٠ راجع لتحقيق أصحاب الإِجماع خاتمة المستدرك ٣ : ٧٥٧ ومقدمة معجم الرجال : ٥٩.

(٤) عدة الاُصول ١ : ٣٨٦ ، الذكرى : ٤ ، النهاية للعلامة على ما حكى عنه في خاتمة المستدرك ٣ : ٦٤٩.

(٥) المعتبر ١ : ٤٧.

(٦) التهذيب ١ : ٤١٤ / ١٣٠٨ ، الاستبصار ١ : ١١ / ١٧ ، الوسائل ١ : ١٦٨ أبواب الماء المطلق ب ١١ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ٤٣ / ١١٩ ، الاستبصار ١ : ١١ / ١٦ ، الوسائل ١ : ١٦٨ أبواب الماء المطلق ب ١١ ح ٢.

(٨) لا توجد في « ق ».


وما يشبهها (١) ؛ لأنّ منها ما يسعها ، كما تشهد به رواية المسائل المتقدمة في القليل (٢) ، وقلال هَجَر (٣) ، بضميمة تفسير اللغويين كلاً منها بما يقرب الآخر ، فهي إمّا مطلقة ، أو مجملة ، فتحمل على المقيد أو المبيّن ، مع أنّ الحمل على التقية ممكن.

والأرطال على الحق المشهور : عراقية ، دون المدنيّة التي تزيد عليها بنصفها ، كما عن الفقيه ، والسيّد في المصباح ، والانتصار ، والناصريات (٤).

لا للأصل ، والاستصحاب ، وعمومات الطهارة (٥) ، وخصوص كل ماء طاهر (٦) ، وتعيّن الأخذ بالأقلّ عند الشّك في الأكثر عند تعلق حكم بالكر ، كوجوبه في بعض المنزوحات ، والاحتياط في وجه ، والأقربية إلى الأشبار ، سيما على قول القميين (٧) ، وإلى الحب ومثله ، والموافقة لعُرف السائل (٨).

لأنّ الأربعة الاُولى مردودة : بأنّ غاية ما ثبت منها طهارة ما بلغ هذه الأرطال بالعراقيّة لو لاقت نجاسة ، لا كونه كرّاً ، لانتفاء الملازمة ، فيترتّب عليه ما يتبع الطهارة ، كجواز الاستعمال ، دون الكرية ، كتطهير الكر أو القليل به. وحينئذٍ فيعارضها أصالة عدم المطهرية ، واستصحاب نجاسة ما يراد تطهيره.

وضمّ الإِجماع المركب مع الطهارة لإِثبات الكرية معارض بضمّه مع عدم‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٣٧ أبواب الماء المطلق ب ٣ وص ١٦٤ ب ١٠ وراجع ص ٣٦ من الكتاب.

(٢) مسائل علي بن جعفر : ١٩٧ / ٤٢٠ ، الوسائل ١ : ١٥٦ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٦ وتقدمت ص ٤٠ رقم ٤.

(٣) القُلّة ، قال أبو عبيده : « القُلّة : حُب كبير » وهَجَر بفتحتين بلد بقرب المدينة ... وهجر أيضاً ... من بلاد نجد ، وفي تحديد قلال هجر اختلاف ، راجع المصباح المنير : ٥١٤ ، ٦٣٤.

(٤) الفقيه ١ : ٦ ، الانتصار : ٨ ، الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٨.

(٥) الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧.

(٦) الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١.

(٧) وهو أن الكُر ما بلغ تكسيره بالأشبار سبعة وعشرين وسيأتي التعرض له في ص ٦٠.

(٨) هذه وجوه استدلّ بها في الرياض ١ : ٥.


المطهرية لنفيها.

على أنها إنما تفيد لو لم يشمل أدلة النجاسة مثل ذلك الماء ، وشمول كثير من غير المفاهيم له لا شكّ فيه ، فيسقط الاستدلال بها رأساً.

والخامس : بمعارضته بأصالة بقاء البئر على الحالة السابقة على النزح.

والسادس : بالمعارضة بالمثل مع عدم كونه دليلاً.

والسابع : بأنّ ما يفيد ، هو القرب دون الأقربية ، إذ الاختلاف بعد ما كثُر لا يختلف بالكثرة والقلّة فيما يفيد هنا ، مع أنّ أقربيّته إلى ما هو المشهور بالمحسوس ممنوع ، وكذا إلى الحبّ والقلتين فإنّه قد حكي (١) أنّ من قِلال هَجَر ما يسع تسع قِرَب.

والثامن : بمنع الحمل على عرف السائل إذا عَلم المخالفة وعلم المتكلّم علمه ـ كما هو الظاهر في المورد ـ سيما إذا خالف عرف بلد السؤال ، مع أنّ السائل هنا غير معلوم.

بل للصحيحة والمرفوعة المتقدمتين (٢) ؛ لعدم إمكان حملهما على غير المكية الموافقة لضعفها من العراقية قطعاً ، لمخالفته الإِجماع ، فيتعين.

وتجويز العاملي (٣) حملهما على المدينة لقربهما من قول القميين في الأشبار مدفوع : بأنّ المراد مخالفة الإِجماع في الأرطال ، مع أنّ القرب بدون الموافقة غير مُفيد.

ولأنّ اجتماعهما مع المرسلة قرينة على إرادة المكية منهما كالعراقية منها.

ويؤيده : الاشتهار ، لا الشيوع في الأخبار كما قيل (٤). ورواية الشنّ (٥)

__________________

(١) لم نعثر عليه ، نعم حكى في المعتبر ١ : ٤٥ عن ابن دريد أنه يسع خمس قِرب. راجع الحدائق ١ : ٢٥٢ ، المصباح المنير : ٥١٤.

(٢) ص ٥٦.

(٣) الروض : ١٤٠.

(٤) الرياض ١ : ٥.

(٥) الكافي ٦ : ٤١٦ الاشربة ب ٢٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٢٠ / ٦٢٩ ، الاستبصار ١ : ١٦ ـ ٢٩ ،

=


معارضة بأكثر منها وأصح من أخبار (١) المد والصاع (٢).

ثم للمخالف : الاحتياط ، وموافقة عرف البلد ، واشتراط عدم الانفعال بالكرية ، فما لم يُعلم يحكم به ، وأصالة عدم الكرية ، والتكليف بالاجتناب عن النجس واستعمال الطاهر ، واليقين بالبراءة لا يحصل إلّا بالاجتناب عمّا نقص من الأرطال المدنية الملاقي للنجاسة واستعمال ما بلغها.

ويُرد الأولان : بما مر. والبواقي : بسقوط الأصل ، وحصول العلم بالكرية والقطع بالبراءة بما ذكرنا من الدليل.

مضافاً إلى ما في الثالث من التعارض بالمثل ، مع أنه غير مفيد ؛ لأنّ المفروض انتفاء العلم بالشرط دون نفسه ، فينتفي العلم بعدم المشروط ، فيرجع إلى الأصل.

وفي الرابع : بالمعارضة بما إذا كان زائداً عن الكر فنقص تدريجاً.

وقد يرد ذلك أيضاً : بمنع صحة أصالة عدمها. وفي صحته (٣) كلياً نظر ظاهر.

ثم العراقي مائة وثلاثون درهماً كما عليه الأكثر ؛ لأنّ المدني الذي مثله ونصفه ـ للإِجماع وروايتي علي بن بلال (٤) وجعفر الهمداني (٥) ـ مائة وخمسة وتسعون‌

__________________

=

الوسائل ١ : ٢٠٣ أبواب الماء المضاف ب ٢ ح ٢.

(١) الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ، والوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الوضوء ب ٥٠.

(٢) كصحيحة زرارة في قدر ماء الوضوء ، والمُد رطل ونصف الصاع ستة أرطال فان الرطل فيها مدني قطعاً (منه ره).

(٣) في « هـ » : صِحّتها.

(٤) الكافي ٤ : ١٧٢ الصوم ب ٧٥ ح ٨ ، التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٤٩ / ١٦٢ ، الوسائل ٩ : ٣٤١ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ١٧٢ الصوم ب ٧٥ ح ٩ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٣ ، التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٤٩ / ١٦٣ ، الوسائل ٩ : ٣٤٠ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ١.


درهماً ، لتصريح الأصحاب (١) وروايتي جعفر (٢) وإبراهيم الهمدانيين (٣).

خلافاً لبعض (٤) فقال : مائة وثمانية وعشرون (٥). ولم أعثر على دليله.

وفي رواية المروزي : « المد مائتان وثمانون درهما » (٦).

ويستفاد منها ، بضميمة ما يصرح من الأخبار بكونه ربع الصاع وكون الصاع تسعة أرطال عراقية (٧) : أنّ كُلّ رطل مائة وأربعة وعشرون درهما وأربعة أتساعه ، ولم أقف على قائل به.

ثُمّ لكون كُلِّ درهم سبعة أعشار المثقال الشرعي وكونه ثلاثة أرباع الصيرفي ، يكون العراقي ثمانيةً وستّين مثقالاً بالصّيرفي. ولكون المنّ الشاهي المتعارف اليوم في بلدنا وما قاربه ألفاً ومائتين وثمانين صيرفيةً ، يكون الكر أربعة وستين منّاً إلّا عشرين صيرفياً.

وثانيهما : المساحة‌ ، وهي على المشهور : ما بلغ تكسيره بالأشبار اثنين وأربعين وسبعة أثمان.

وعند الصدوق والقمّيين ما بلغ سبعةً وعشرين (٨) ، واختاره في المختلف (٩) ، والمحقق الثاني في حواشيه عليه ، وثاني الشهيدين في الروضة والروض (١٠) ، وظاهر‌

__________________

(١) يراجع الحدائق ١ : ٢٤٥.

(٢) المتقدمة في ص : ٥٩ رقم ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٩ / ٢٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٤٤ / ١٤٠ ، الوسائل ٩ : ٣٤٢ أبواب زكاة الفطرة ب ٧ ح ٤.

(٤) في « ق » : لبعضهم.

(٥) التحرير ١ : ٦٢.

(٦) التهذيب ١ : ١٣٥ / ٣٧٤ ، الاستبصار ١ : ١٢١ / ٤١٠ ، الوسائل ١ : ٤٨١ أبواب الوضوء ب ٥٠ ح ٣.

(٧) الوسائل ٩ : ٣٣٢ ب ٦ و ٣٤٠ ب ٧ من أبواب زكاة الفطرة.

(٨) المقنع : ١٠ ، المختلف : ٣.

(٩) المختلف : ٤.

(١٠) الروضة ١ : ٣٤ ، الروض : ١٤٠.


الأردبيلي (١) ، ووالدي العلامة طاب ثراه.

والإِسكافي : أنّه ما بلغ نحو مائة شبر (٢).

والراوندي : أنّه ما بلغ أبعاده عشرة ونصفاً (٣).

والشلمغاني أنه ما لا يتحرك جنباه بطرح حجر في وسطه (٤). وابن طاووس اكتفى بكلّ ما روي (٥).

وفي المعتبر مال إلى ما بلغ تكسيره ستةً وثلاثين (٦) ، واستوجهه في المدارك (٧).

للأول : موثقة أبي بصير : « إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصفاً في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض ، فذلك الكر من الماء » (٨).

ورواية الثوري (٩) : « إذا كان الماء في الركي (١٠) كراً لم ينجسه شي‌ء » قلت : وكم الكر ؟ قال : « ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها » (١١).

وفي الاستبصار بزيادة : « ثلاثة أشبار ونصف طولها » (١٢).

وتضعيف سند الاُولى : بجهالة أحمد بن محمد بن يحيى ، واشتراك أبي‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١ : ٢٦٠.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٣.

(٣ ـ ٥) نقل عنهم في الذكرى : ٩.

(٦) المعتبر ١ : ٤٥.

(٧) المدارك ١ : ٥١.

(٨) الكافي ٣ : ٣ الطهارة ب ٢ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٤٢ / ١١٦ ، الاستبصار ١ : ١٠ / ١٤ ، الوسائل ١ : ١٦٦ أبواب الماء المطلق ب ١٠ ح ٦. الموجود في الكافي والاستبصار : (ونصف) وفي التهذيب كما في المتن.

(٩) الحسن بن صالح الثوري (منه رحمه الله).

(١٠) الرّكِيّة : البئر وجمعها رَكِيّ وركايا (الصحاح ٦ : ٢٣٦١).

(١١) الكافي ٣ : ٢ الطهارة ب ٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٠٨ / ١٢٨٢ ، الوسائل ١ : ١٦٠ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٨.

(١٢) الاستبصار ١ : ٣٣ / ٨٨ ولا يخفى أن الزيادة إنما هي في بعض نسخ الاستبصار.


بصير ، وسند الثانية بالثوري (١) ضعيف ؛ لأنّ أحمد هذا وإن لم يعدل ولكنّه من المشايخ ، وهو كافٍ في تعديله ، مع أنّ في الكافي : محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ؛ وهو ابن محمد بن عيسى بقرينة طرفيه (٢) ، وأبا بصير هو البختري (٣) لذلك (٤).

والثانية مشتملة على السراد ، الذي أجمعوا على صحة ما صح عنه. مع أنّ الشهرة للضعف جابرة لو كان.

واعترض عليهما : بعدم الدلالة ؛ لعدم تحديد أحد الأبعاد فيهما (٥).

وردّ : بمنعه لشيوع الاكتفاء بمثل ذلك في تحديد الأبعاد الثلاثة ، لدلالة سوق الكلام عليه ، وجريان مثله في محاوراتهم (٦) ، ولفهم الأصحاب (٧) ، مع إمكان إرجاع الضمير في « عمقه » إلى المقدار المدلول عليه بثلاثة أشبار ونصف ، فتشمل الاُولى على بيان الثلاثة. وكذا الثانية ، لاستلزام تحديد العرض بهذا المقدار تحديد الطول به أيضاً ، وإلّا لما كان طولاً ، ووجب بيانه لو زاد ، مع أنّ في الاستبصار صرّح به وهو كافٍ.

والجميع منظور فيه :

__________________

(١) المدارك ١ : ٤٩.

(٢) طرفه الاول محمد بن يحيى العطار والثاني عثمان بن عيسى (منه رحمه الله).

(٣) هو ليث المرادي البختري (منه رحمه الله).

(٤) طرفه الاول ابن مسكان والثاني الصادق (ع) (منه رحمه الله).

(٥) الروض : ١٤٠.

(٦) الحبل المتين : ١٠٨ ، الذخيرة : ١٢٢ (وعدّوا منه قول جرير :

كانت خثيمة أثلاثاً فثلثهم

من العبيد وثلثُ من مواليها

وقوله عليه السلام : « حُبّب إليّ من دنياكم ثلاث. الطيب والنساء وقرّة عيني في الصلاة » وقوله سبحانه : « فيه آياتٌ بيّنات مقام إبراهيم ») (منه رحمه الله).

(٧) كما ادعاه في الحدائق ١ : ٢٦٦.


فالأول : لمنع الشيوع (١).

والثاني : لمنع الحجية ما لم يصل حد الوفاق.

والثالث : بعدم إفادته المطلوب ؛ لعدم وجوب مساواة عمق المقدار له إلّا بجعل الإِضافة بيانية ، أو « في الأرض » حالاً من المدلول ، وكلاهما خلاف الظاهر ، مع أنّ الجميع احتمال لا يكفي في الاستدلال.

ومنه يظهر أيضاً عدم إمكان الاستناد إلى ما في بعض نسخ الكافي من جرّ لفظ « نصف » في الموضعين بجعله جرّ الجوار ، أو بحذف المضاف إليه وإعطاء إعرابه المضاف ، وجعل « ثلاثة أشبار ونصف » الثاني خبراً بعد خبر لـ « كان » (٢) ، فإنّه أيضاً محض احتمال.

والرابع : بإمكان إرادة القطر من العَرض ، بل هو الظاهر ، لاستدارة الركي ، فيبلغ تكسيره ثلاثة وثلاثين ونصفاً تقريباً.

وبهذا يظهر وجه آخر لردّ الاُولى ؛ لأنّ الشيوع لو سلّم ، إنّما يفيد لو كان المحدود غير المستدير ، وهو غير معلوم ، بل يمكن جعل الاكتفاء بالحدين ـ مضافاً إلى شيوع المستدير في زمان المعصوم وبلده ـ قرينةً على إرادته.

وكذا يظهر أيضاً عدم دلالة الثانية على ما في الاستبصار ، وذكر الأبعاد لا يفيد ، لتحقّقها في المستدير أيضاً ، غاية الأمر أنّها متساوية ، وفيما نحن فيه أيضاً كذلك.

وقد يستدلّ أيضاً : بأنّ الفريقين مجمعون على اعتبار ألف ومائتي رطل ، ولا ريب أنّ الثاني أقلُّ من ذلك ، فيسقط ، بخلاف الأول ، فإنّه يزيد عليه بشي‌ء يحمل على الاستحباب ، فلا مناص عن العمل بالمشهور ، ويكون التحديد به توسعة فيه بأخذ جانب الاحتياط غالباً (٣).

__________________

(١) مع أن الأمثلة التي ذكروها للشيوع لا يتّحد غير المذكور فيها مع المذكور (منه رحمه الله).

(٢) غنائم الأيام : ٨٥.

(٣) غنائم الأيام : ٨٥.


وفيه : ـ مع كونه اعترافاً بكون الكُرِّ غير ذلك ـ أنّه لِمَ لا يجعل الثاني كراً وتحمل الزيادة في الوزن على الاستحباب ؟ وجعل الوزن أصلاً ، لأجل كونه أضبط مما لا يصلح معولاً عليه في الأحكام ، إلّا أن يجعل الإِجماع معيّناً للوزن ، وعدم كونه أقلّ من ذلك.

للثاني : صحيحة ابن جابر : قلت : وما الكر ؟ قال : « ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار » (١).

وردّ : بالضعف في السند. وهو ليس في موقعه (٢).

وفي الدلالة ، لما مرّ.

واُجيب : بالشيوع المتقدم.

وفيه : ما سبق من أنّه يثمر لو اختص المحدود بغير المستدير ، وإلّا فيبلغ التكسير واحداً وعشرين وسُبعا ونصف ، ولا شاهد على الاختصاص.

وهو بعينه الجواب عن رواية المجالس : « الكر ، هو ما يكون ثلاثة أشبار طولاً في ثلاثة أشبار عرضاً في ثلاثة أشبار عمقاً » (٣). وذكر الأبعاد غير مفيد كما مر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣ الطهارة ب ٢ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٤١ / ١١٥ و ٣٧ / ١٠١ ، الاستبصار ١ : ١٠ / ١٣ ، الوسائل ١ : ١٥٩ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٧.

(٢) بيانه : أنه رواها في التهذيب عن أحمد بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن محمد بن خالد عن عبد الله بن سنان عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (ع) وفي موضعٍ آخر : عن محمد بن سنان مكان عبد الله ، قال : في المنتقى : إن اختلاف محمد وعبد الله في الطبقة يدل على خطأ أحدهما ، والممارسة تحكم بأن الخطأ في عبد الله ، فالرواية ضعيفة ، فإنّ محمد بن خالد البرقي ، ومحمد في طبقة واحدة فإنّهما من أصحاب الرضا (ع) ، وأمّا عبد الله فليس من طبقة البرقي لأنه من أصحاب الصادق (ع) ، وأيضاً الواسطة بين الصادق (ع) وبينه تدل على أنه محمد لأنه متأخر عن زمانه (ع) بخلاف عبد الله. ولا يخفى ما فيه ، فإنّ شيخنا البهائي صرّح بأن البرقي قد أدرك كثيراً من أصحاب الصادق (ع) ونقل عنهم ، كما روى عن داود بن أبي يزيد حديث من قتل أسداً في الحرم ، وعن ثعلبة حديث الاستمناء ، وعن زرعة حديث صلاة الأسير ، مع أن الشيخ عد البرقي من أصحاب الكاظم (ع). وأما الواسطة بينه وبين الصادق (ع) فكثير كتوسط عمر بن يزيد في دعاء آخر سجدة من نافلة المغرب. وتوسط حفص الأعور في تكبيرات الافتتاح (منه رحمه الله).

(٣) مجالس الصدوق : ٥١٤ (المجلس ٩٣) ، الوسائل ١ : ١٦٥ أبواب الماء المطلق ب ١٠ ح ٢.


هذا ، مع عدم حجيتها ، سيما مع المعارضة مع الأقوى.

وقد يؤيد بصحيحة اُخرى لابن جابر : قلت له : الماء الذي لا ينجسه شي‌ء ؟ قال : « ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته » (١) بحمل السعة على القطر.

وفيه : ـ مضافاً إلى أنّه احتمال ـ أن التكسير يبلغ حينئذٍ ثمانية وعشرين وسُبْعَين.

للثالث : رواية المقنع : « الكر ذراعان وشبر في ذراعين وشبر » (٢) بحمله على المستدير ، كما يقتضيه الاكتفاء ، فتكسيره يكون ثمانية وتسعين وسُبع ونصف.

وفيه : مع عدم حجيّته وإجماله لما مرّ ، المعارضة مع الأقوى.

للرابع : ما للأول لو أراد الجمع عند تساوي الأبعاد ، أو مطلقاً ، مع عدم [ دلالة ] (٣) لفظ « في » على الضرب.

وفيه : ما مر ، مع ما في الثاني من شدة الاختلاف ، فقد يكون تكسيره موافقاً للمشهور ، وقد يكون خمسة أثمان شبر ، بل أقل. ولا مستند له ظاهراً لو أراد التكسير ، كالخامس ، مع ما فيه من عدم الانضباط.

للسادس : الجمع بين الروايات بحمل الزائد على الفضيلة ، أو الكر على القدر المشترك ؛ لعدم نفي شي‌ء منها إطلاقه على غير ما فيه.

وفيه : ـ مع أنّ الأول جمع بلا شاهد ـ أنَّه مخالف للإِجماع إن اُريد بكلّ ما روي ما يشمل رواية القِربة (٤) وأمثالها. والجهل بما روي ، إن اُريد ما يختص بالرطل والشبر ، أو الأخير ؛ لما مرّ من الجهل بالمحدود. [ على ] (٥) أنّ من الروايات

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤١ / ١١٤ ، الاستبصار ١ : ١٠ / ١٢ ، الوسائل ١ : ١٦٤ أبواب الماء المطلق ب ١٠ ح ١. وفيها : « قلت لأبي عبد الله عليه السلام ... ».

(٢) المقنع : ١٠ ، الوسائل ١ : ١٦٥ أبواب الماء المطلق ب ١٠ ح ٣.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة المعنى.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٢ / ١٢٩٨ ، الاستبصار ١ : ٧ / ٧ ، الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٨.

(٥) في جميع النسخ « عن » وما أثبتناه هو الأنسب.


ما لا يصلح للحجيّة.

للسابع : صحيحة ابن جابر الأخيرة ، باستفادة تحديد الطول منها بأحد الوجوه المتقدمة ، أو حمل السعة على البُعدين.

وفيه : أنَّه إنما يتم لو لم يكن المحدود المستدير.

وممّا ذكرنا ظهر ضعف الجميع. وقد يرجح الأقل بالأصل وفيه ما سبق.

والوجه عندي التوقف في المساحة والاكتفاء في الكر بالوزن.

فائدة : نقل بعض المتأخرين (١) أنّه قدر ظرفاً كان شبراً في شبر ، فوسع ألفين وثلاثمائة وثلاثة وأربعين صيرفياً ، وعلى هذا فيكون أقرب المساحات إلى الوزن المتقدم ما مال إليه المعتبر ، فإنّه يكون ستة وستين منّاً بالمتقدم ، ومائة واثني وثلاثين صيرفياً ، وعلى المشهور أربعاً وثمانين منّاً تقريباً ، وعلى قول القميين واحداً وأربعين كذلك.

*       *      *

__________________

(١) الظاهر أنه السيد الداماد (منه رحمه الله) ووجدنا التقدير المذكور بعينه في « الأربعين » للعلامة المجلسي ص ٤٩٠.


الفصل السادس : في البئر‌

وهي معروفة وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : اختلفوا ـ بعد اتفاقهم على نجاسة مائها بالتغير ، تمسّكاً به ، وبعمومات نجاسة المتغير (١) ، وخصوصاتها ـ في تنجسه بالملاقاة.

فالمشهور بين القدماء : التنجّس ، وفي الانتصار (٢) والغنية (٣) الإِجماع عليه ، وفي السرائر (٤) ، وعن المصريّات عدم الخلاف فيه (٥) ، بل في التهذيب أيضاً (٦) ، ولكنه في ملاقاة البعير والحمير ، وفي النكت والروضة كاد أن يكون إجماعاً (٧) ، وتبعهم جمع من الطبقة الثانية (٨).

وبين المتأخرين : عدمه ، تبعاً للعماني (٩) ، وابن الغضائري (١٠) ، وهو مذهب الفاضل في أكثر كتبه (١١) ، وولده (١٢) ، وشيخه ابن الجهم (١٣) ، وشرح القواعد (١٤) ، وجُعل أحد قولي الشيخ (١٥) ، ولعله ظاهر بعض كلماته في كتابي‌

__________________

(١) راجع المسألة الاولى من الفصل الأول ص ١٢.

(٢) الانتصار : ١١.

(٣) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١.

(٤) السرائر ١ : ٩٦.

(٥) المصريات للمحقق نقل عنه في مفتاح الكرامة ١ : ٧٨.

(٦) التهذيب ١ : ٢٤٠.

(٧) الروضة ١ : ٣٥.

(٨) المعتبر ١ : ٥٤ ، اللمعة (الروضة) ١ : ٣٥ ، الروض : ١٤٧.

(٩) نقل عنه في المختلف : ٤.

(١٠) حكى عنه الشهيد في غاية المراد بواسطة أبي يعلى الجعفري على ما في مفتاح الكرامة ١ : ٧٩.

(١١) المختلف : ١ ، التذكرة ١ : ٤ ، التحرير ١ : ٤ ، القواعد ١ : ٥.

(١٢) الايضاح ١ : ١٧.

(١٣) راجع مفتاح الكرامة ١ : ٧٩.

(١٤) جامع المقاصد ١ : ١٢١.

(١٥) كما في المختلف : ٤.


الحديث (١) ، ولكن صريح بعض آخر منها ينادي بالنجاسة (٢) ، فحمله على ما لا ينافيها متعين.

وفصّل البصروي : بالكرية وعدمها (٣) ، والجعفي : ببلوغ الذراعين في كل من الأبعاد وعدمه (٤).

والمختار هو الثاني ؛ للأصل ، والاستصحاب ، وعمومات طهارة الماء مطلقاً ، أو مع عدم التغير ، أو الكرية (٥).

وخصوص المستفيضة ، كصحيحتي ابن بزيع المتقدمتين (٦) في الجاري ، نفى فيهما مطلق الإِفساد الذي هو التنجيس ، أو ما (٧) يستلزم نفيه نفيه (٨) ، بقرينة الكلام وشهادة المقام (٩) ، أو ما يشمله.

وحمله على ما يمنع الانتفاع إلا بعد نزح الجميع (١٠) ، أو على التعطيل (١١) تخصيص بلا دليل موجب لتخصيصات اُخر.

وتخصيص الشي‌ء بغير ما ورد ، أو الإِفساد على غير النجاسة ، فرع وجود ما يصلح له ، وستعرف انتفاءه.

وجهالة المجيب ـ مع كونها ممنوعةً لشهادة الحال ـ إنما هي في إحداهما على‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٢ ، ولم نعثر على كلام له في الاستبصار ظاهر في الطهارة.

(٢) التهذيب ١ : ٢٤٠ ، ٢٣٤ ، ٤٠٨ ... ، الاستبصار ١ : ٣٢ ، ٣٦.

(٣) نقله في غاية المراد على ما حكى عنه في مفتاح الكرامة ١ : ٧٩.

(٤) نقل عنه في الذكرى : ٩.

(٥) راجع ص ١١ ، ١٢ ، ٢٣ من الكتاب.

(٦) ص ٢١.

(٧) أي عدم جواز الاستعمال (منه رحمه الله).

(٨) في « ح » خ ل : بعينه.

(٩) المراد بقرينة الكلام قوله « الا أن يتغير » وقوله « فينزح حتى يذهب ريحه » فإنه أعم من أن ينزح مقدار النجاسة أولا ، وبشهادة المقام أن غير ما ذكر ليس من وظيفة الشارع (منه رحمه الله).

(١٠) كما في التهذيب ١ : ٤٠٩ ، الاستبصار ١ : ٣٣.

(١١) كما في المعتبر ١ : ٥٦.


بعض طرق التهذيب (١) ، وأما البعض الآخر كطريق الاستبصار (٢) لا جهالة فيه.

وصحيحةِ البصائر المتقدمة (٣) في المطلق.

وصحيحةِ علي : عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة ، أو زنبيل من سرقين ، أيصلح الوضوء منها ؟ قال : « لا بأس » (٤).

والعذرة إما مختصةً بالنجس أو شاملة له بالإِطلاق. والحمل على نفي البأس بعد التطهر خلاف الأصل ، لا تأخير عن وقت الحاجة كما قيل (٥) ، لجواز كون السؤال فرضيّاً بل يعينه الترديدان.

وصحيحةِ ابن عمار : « لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلا أن ينتن ، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر » (٦) والتقييد بغير النابع لا شاهد له ، والأمر بالنزح لا يلائمه.

وروايةِ محمد بن أبي القاسم : في البئر يكون بينها وبين الكنيف خمسة أذرع أو أقل أو أكثر ، يتوضأ منها ؟ قال : « ليس يكره من قرب ولا بعد ، يتوضأ منها ويغتسل ما لم يتغير الماء » (٧).

وموثقة الشحام وابن عيثم : « إذا وقع في البئر الطير ، والدجاجة ، والفأرة ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٤ / ٦٧٦.

(٢) الاستبصار ١ : ٣٣ / ٨٧.

(٣) ص ١٢.

(٤) التهذيب ١ : ٢٤٦ / ٧٠٩ ، الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٨ ، قرب الاسناد ١٨٠ / ٦٦٤ ، الوسائل ١ : ١٧٢ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٨.

(٥) المدارك ١ : ٥٨.

(٦) التهذيب ١ : ٢٣٢ / ٦٧٠ ، الاستبصار ١ : ٣٠ / ٨٠ ، الوسائل ١ : ١٧٣ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٠.

(٧) الكافي ٣ : ٨ الطهارة ب ٥ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١٣ / ٢٣ ، التهذيب ١ : ٤١١ / ١٢٩٤ ، الاستبصار ١ : ٤٦ / ١٢٩ ، الوسائل ١ : ١٧١ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٤.


فانزح منها سبع دلاء » قلنا : فما تقول في صلاتنا ، ووضوئنا ، وما أصاب ثيابنا ؟ فقال : « لا بأس » (١).

والحمل على غير الميتة يمنعه الأمر بالنزح ، وعلى عدم العلم : الإِطلاق ، ونفي البأس عما أصاب الثوب بل عن الوضوء والصلاة.

ومن هذا تظهر صحة الاستدلال بموثقة أبي بصير : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : بئر يستقى منها ، ويتوضأ به ، ويغسل منه الثياب ، ويعجن منه ، ثم يعلم أنّه كان فيها ميت ، فقال : « لا بأس ، ولا يغسل منه الثوب ، ولا تعاد منه الصلاة » (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.

وتؤيد المطلوب روايات اُخر أيضاً ، كرواية ابن حديد المتقدمة (٣) ، ومرسلة الفقيه في البئر التي يتوضأ منها النبي (٤) ، وروايتي حسين بن زرارة (٥) وأبيه (٦).

وما يدل على عدم إعادة الصلاة بالتوضؤ من البئر التي وقعت فيها الفأرة ، كصحيحة ابن عمار (٧) ، وموثقة أبان (٨) ، ورواية أبي عُيينة (٩).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٣ / ٦٧٤ ، الاستبصار ١ : ٣١ / ٨٤ ، الوسائل ١ : ١٧٣ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٢.

(٢) الكافي ٣ : ٧ الطهارة ب ٤ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ١١ / ٢٠ ، التهذيب ١ : ٢٣٤ / ٦٧٧ ، الاستبصار ١ : ٣٢ / ٨٥ ، الوسائل ١ : ١٧١ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٥.

(٣) ص ٤١.

(٤) الفقيه ١ : ١٥ / ٣٣ ، الوسائل ١ : ١٧٦ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٣.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٨ الأشربة ب ٩ ح ٣ ، الوسائل ١ : ١٧١ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٣.

(٦) الكافي ٣ : ٦ الطهارة ب ١٠ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٩ ، الوسائل ١ : ١٧٠ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢.

(٧) التهذيب ١ : ٢٣٣ / ٦٧١ ، الاستبصار ١ : ٣١ / ٨٢ ، الوسائل ١ : ١٧٣ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٩.

(٨) التهذيب ١ : ٢٣٣ / ٦٧٢ ، الاستبصار ١ : ٣١ / ٨٢ ، الوسائل ١ : ١٧٣ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١١.

(٩) التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣١ / ٨٣ ، الوسائل ١ : ١٧٤ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٣.


وجعلها مؤيدةً لكون بعضها قضيةً في واقعة ، فكون البئر جاريةً ممكن ، واحتمال بعضها كون الواقع فيها غير ميتة.

وقد يتأيد باعتبارات اُخر لا بعد في التأيد ببعضها.

للأول : عمومات انفعال القليل (١).

والأمر بالنزح في وقوع كثير من النجاسات فيها (٢) ؛ مع دلالة بعض الروايات على عدم جواز الوضوء والشرب قبله (٣) ، والتفرقة في بعض آخر بين ما له دم وما ليس له (٤).

وصحيحة ابن بزيع : عن البئر يكون في المنزل للوضوء ، فتقطر فيها قطرات من بول ، أو دم ، أو يسقط فيها شي‌ء من عذرة ، كالبعرة ونحوها ، ما الذي يطهرها حتى يحلّ الوضوء منها للصلاة ؟ فوقع بخطه عليه السلام في كتابي « ينزح منها دلاء » (٥).

وصحيحة ابن يقطين : عن البئر تقع فيها الدجاجة ، والحمامة ، والفأرة والكلب ، والهرة ، فقال : « يجزيك أن تنزح منها دلاء ، فإنّ ذلك يطهرها إن شاء الله » (٦).

فإنّ تعليق التطهر على النزح صريحاً في الثانية ، وضمناً في الاُولى مع تقرير السائل فيها أيضاً ، يفيد نجاستها قبله.

وصحيحة ابن أبي يعفور : « إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلواً ولا شيئاً‌

__________________

(١) المتقدمة في بحث الماء القليل ص ٣٨ ـ ٤١.

(٢) الوسائل ١ : أبواب الماء المطلق ب ١٥ ، ٢٢.

(٣) الوسائل ١ : ١٨٣ ، ١٨٤ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٥ ، ٦.

(٤) الوسائل ٣ : ٤٦٣ أبواب النجاسات ب ٣٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥ الطهارة ب ٤ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٥ ، الاستبصار ١ : ٤٤ / ١٢٤ ، الوسائل ١ : ١٧٦ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢١.

(٦) التهذيب ١ : ٢٣٧ / ٦٨٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧ / ١٠١ ، الوسائل ١ : ١٨٢ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٢ بتفاوت.


تغرف به فتيمم بالصعيد ، فإنّ رب الماء رب الصعيد ، ولا تقع في البئر ، ولا تفسد على القوم ماءهم » (١).

فإنّ الإِفساد كناية عن النجاسة ، كما اعترف به الخصم في أخبار الطهارة ، ولا يسوغ التيمم إلّا مع فقد الماء الطاهر.

وحسنة الفضلاء الثلاثة : قلنا : بئر يتوضأ منها ، يجري البول قريباً منها ، أينجسها ؟ فقال : « إن كانت البئر في أعلى الوادي ، والوادي يجري فيه البول من تحتها ، وكان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع لم ينجس ذلك ، وإن كان أقل من ذلك ينجسها » (٢) الحديث.

ويجاب عن الأول ـ مع كونه أخص من المطلوب ـ : بأنّ تعارضه مع أخبار طهارة البئر بالعموم من وجه ، فالمرجع في المجتمع الأصل ، لو لا ترجيحها بموافقتها الكتاب والسنة ، ومخالفتها ـ كما قيل (٣) ـ لأكثر العامة (٤) ، وكونها بالمنطوق دالةً.

وعن الثاني : بمنع الدلالة ؛ لأنها فرع كون تلك الأوامر للوجوب ، وثبوت التلازم بينه وبين النجاسة ، وهو ممنوع ، ولذا ورد فيما ليس بنجس إجماعاً. ومنع عدم تجويز الوضوء والشرب قبل النزح ، فإنّ الوارد في بعض الروايات (٥) الأمر بهما بعده ، وهو هنا للإِباحة ، فيكون المعنى إباحتهما بعده ، فقبله لا يكون مباحاً ، وهو‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦٥ الطهارة ب ٤١ ح ٩ ، التهذيب ١ : ١٨٥ / ٥٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٧ / ٤٣٥ (بتفاوت يسير) ، الوسائل ١ : ١٧٧ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢٢.

(٢) الكافي ٣ : ٧ الطهارة ب ٥ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩٣ ، الاستبصار ١ : ٤٦ / ١٢٨ ، الوسائل ١ : ١٩٧ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ١.

(٣) الحدائق ١ : ٣٥٢.

(٤) يظهر بمراجعة كتبهم أن معظم القائلين بنجاسة البئر مطلقاً هم الحنفيّة راجع : أحكام القرآن للجصاص ٣ : ٣٤٠ ، المغني لابن قدامة ١ : ٥٤ ، ٦٦ ، نيل الأوطار للشوكاني ١ : ٣٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤ ، بدائع الصنائع ١ : ٧٤ ، ٧٦.

(٥) الوسائل ١ : ١٨٣ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٥.


أعم من الحرمة.

وكذا عن الثالثين ؛ لأنّ دلالتهما فرع ثبوت الحقيقة الشرعية للطهارة ، مع كون دلالة الرابع بالتقرير الذي حجيته موقوفة على عدم احتمال مانع من الرد ، وهو في المقام ثابت ؛ لاحتمال كون الوجه فيه التقية ؛ لما مر ، ويشهد له كونه مكاتبةً.

وعن الخامس : بأنّ الفساد أعم من النجاسة ؛ لجواز إرادة التغير أو تنفّر الطبع منه. وحمله عليها أو على ما يعمها في أخبار الطهارة ؛ لوجود القرينة ، أو الوقوع موقع النفي. ولا تلازم بين صحة التيمم والنجاسة ؛ لجواز أن تكون مشقة الوقوع في البئر أو خوف الهلاك من أحد الأعذار ، بل يمكن أن يكون لأجل عدم العلم بالإِذن من القوم في الوقوع ، حيث يفسد ماءهم.

وعن السادس : بأنّه غير باقٍ على ظاهره وفاقاً ، لعدم تنجس باحتمال وصول النجاسة بل بظنه أيضاً ، فلا بدّ من تقديرٍ أو تجوّز ، وتقدير العلم ليس بأولى من تقدير التغير أو حمل النجاسة على الاستقذار.

مع أنّه على فرض دلالة تلك الأخبار يتعين حملها على التجوّز بقرينة أخبار الطهارة. ومع الإِغماض عنه فالترجيح للثانية لما مر.

وموافقة الاُولى للشهرة الاجتهادية والإِجماعات المحكية غير ناهضة للترجيح.

لأول المفصِّلَين : عموم انفعال القليل ، ورواية الثوري المتقدمة (١).

وموثقة عمار : من البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة ، فقال : « لا بأس إذا كان فيها ماء كثير » (٢).

والرضوي : « كل بئر عمقها ثلاثة أشبار ونصف في مثلها فسبيلها سبيل‌

__________________

(١) ص ٦١.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٦ / ١٣١٢ ، الاستبصار ١ : ٤٢ / ١١٧ ، الوسائل ١ : ١٧٤ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٥.


الجاري ، إلا أن يتغير لونها ورائحتها وطعمها » (١).

والأول بما مرّ من أخبار الطهارة ـ لموافقتها الأصل ـ مخصوص. وغيره بعدم الحجية ـ لمخالفته لمذهب القدماء أجمع بل المتأخرين ـ مردود ، مع أنّ راوي الاُولى بتري (٢) ، صرّح الشيخ بترك ما يختصّ بروايته (٣) ، ودلالة الثانيتين ممنوعة ، فاُولاهما ؛ لفقد الحقيقة الشرعية في الكثير ، فيمكن أن يكون إثبات البأس في غيره لتغيّره بالزنبيل غالباً ، وثانيتهما ؛ لضعف مفهومها.

ولم أعثر لثانيهما على دليل.

المسألة الثانية : وإذا عرفت عدم نجاستها ، فهل يجب نزح ما قدّر أم يستحب ؟

الأكثر على الثاني. وهو الحق. لا للاختلاف في المقدّرات ؛ لعدم دلالته على الاستحباب. بل لعدم تعقّل الوجوب مع الطهارة ؛ إذ الشرعي منه منتفٍ بالإِجماع ، والشرطيّ بالأخبار المتقدمة ، الدالّة على جواز الوضوء والاستعمال قبل النزح من غير معارض. وما يتوهم معارضته معها قد عرفت دفعه (٤). ولا يتصور معنىً آخر له.

مع أنّ أكثر أخبار النزح إنما ورد بلفظ الإِخبار. وإفادته للوجوب حيث يستعمل في الإِنشاء سيّما في عرف الشارع ممنوع.

وما ورد بلفظ الأمر على الندب محمول ؛ لما مرّ ، مع أنّ بعضه معارض [ بما‌

__________________

(١) فقه الرضا (ع) : ٩١ وفيه : « أو طعمها أو رائحتها » وفي نسخة كما في المتن وهو المطابق لما في المستدرك ١ : ٢٠١ أبواب الماء المطلق ب ١٣ ح ٣ ، والبحار ٧٧ : ٢٥.

(٢) البترية : (بضم الباء وقيل بكسرها) جماعة من الزيدية قالوا بخلافة الشيخين قبل علي عليه السلام فيمكن اعتبارهم من العامة راجع مقباس الهداية ٢ : ٣٤٩ ، رجال الكشي ٢ : ٤٤٩.

(٣) التهذيب ١ : ٤٠٨.

(٤) في جواب أدلة القائلين بنجاسة البئر (منه رحمه الله).


ينفيه ] (١) ، بل الجميع معارض لمفهوم صحيحة ابن عمار المتقدمة (٢).

خلافاً للمنتهى فأوجبه ؛ لكون الأمر حقيقةً في الوجوب (٣).

وجوابه قد ظهر ، مع أنّ الثابت كونه حقيقةً في الوجوب الشرعيّ ، المنتفي ضرورة ، والشرطيّ مجاز أيضاً كالاستحباب.

المسألة الثالثة : اختلفت الأخبار كأقوال علمائنا الأخيار ، في أكثر مقدرات النزح من الآبار.

ولتحقيق المقام نقول أولاً : إنّ الأخبار في أكثرها كأقوال الأصحاب وإن كانت في غاية الاختلاف ، ولكن الإِشكال في الجمع ، والتصحيح ، والنقد ، والتزييف ، والترجيح ، والتضعيف ، إنّما هو على القول بالوجوب.

وأمّا على الاستحباب ـ فبعد ملاحظة التسامح الواقع في أدلة الندب ، والتفاوت المتحقق في مراتب الفضل ، وعدم استلزام إثبات مرتبة منه لنفي اُخرى دونها أو فوقها ، وعدم تحقّق إجماع ، بل ولا شهرة على نفي مرتبة مما روي أو قيل وإن تحقّق على ثبوت بعض المراتب ـ فلا إشكال أصلاً.

فيحمل أقل ما روي في مقدر على أقلّ مراتب الرجحان ، وأكثره على أكثرها ، وما بينهما على ما بينهما.

ولا ينفي عدمُ ظهور قول من الأصحاب على بعضها رجحانَه ، ولا إجماعهُم على استحباب مرتبةٍ استحبابَ غيرها.

وعلى هذا فلك أن تعمل فيها بكل ما روي أو بأقلّه أو بأكثره.

ولو عملت بأكثرها لأفضليّته ، أو بأشهرها ، أو بما أجمعوا عليه لكونه مظنّة‌

__________________

(١) في « ح » : بما يعنيه ، وفي « ق » : بما يعينه ، وفي « هـ » : بما نعيته. والأنسب ما أثبتناه. وذكر المصنف في الهامش : كالأمر بنزح عشرة دلاء للعقرب وسبع لسام أبرص المنتفخ المعارض لما يصرّح بأنّ ما ليس له دم كالعقرب والخنافس لا بأس به (منه رحمه الله).

(٢) ص ٦٩.

(٣) المنتهى ١ : ١٢.


أو ضحيّة مأخذه وأوثقيّة مدركه ، لكان حسناً. وكذا لو قدّمت الخاص أو المقيد على العام أو المطلق لمظنّة أكثرية الاهتمام به.

وإذ عرفت ذلك أقول معرضاً عن الإِطناب ، وعن أكثر ما ذكره الأصحاب ، لكون المقام مقام الاستحباب ، مقتصراً على ما هو أهمّ ، والاحتياج إليه أعمّ :

إنّه يستحب نزح الكل لموت البعير ، الذي هو من الإِبل بمنزلة الإِنسان يشمل الذكر والاُنثى ، والصغير والكبير.

وغيرِ القطرة من الخمر ، بالإِجماع والمستفيضة (١).

ولها أيضاً على الأشهر ؛ للإِطلاق. خلافاً فيها للمقنع وظاهر المعتبر فعشرون (٢) ؛ لرواية زرارة (٣). وهو حسن ؛ لكونها خاصّة ، مع منع الإِطلاق ، حيث ورد بلفظ الصبّ ، وإطلاقه على القطرة غير ثابت.

ولموت الثور على الأشهر (٤) ؛ لصحيحة ابن سنان (٥). خلافاً للحلّي فقال بالكرّ (٦). ولا دليل له.

والبقرة ، وفاقاً للمعتبر (٧) والمعتمد ؛ لكونها نحو الثور المذكور في الصحيحة. وخلافاً للأكثر فقالوا بالكرّ (٨). ولا مستند له ظاهراً.

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥.

(٢) المقنع : ١١ ، المعتبر ١ : ٥٨.

(٣) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥ / ٩٦ ، الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٣.

(٤) كما اختاره في المختصر النافع : ٢ ، والمنتهى ١ : ١٢ ، واللمعة (الروضة ١) : ٣٦.

(٥) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤ / ٩٣ ، الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ١.

(٦) السرائر : ١ : ٧٢.

(٧) لم نعثر عليه بل فيه ١ : ٦٢ ان الأوجه أن يجعل الفرس والبقرة في قسم ما لا يتناوله نص على الخصوص. فراجع.

(٨) منهم الشيخ في النهاية : ٦ ، والعلامة في القواعد ١ : ٦ ، والشهيد في اللمعة : (الروضة ١) : ٣٦.


وللمني ودم الحدث على الأشهر ؛ لنقل الإِجماع في السرائر والغنية (١). وكونه على الوجوب غير ضائر لتضمّنه نقل الثواب الموجب للتسامح في المقام. وفي صحيحة ابن بزيع المتقدّمة (٢) دلاء لمطلق قطرات الشامل للثاني أيضاً ، ولم أعثر على قائل به.

وكرّ للحمار على الأشهر (٣) ، بل بلا خلاف كما قيل (٤) ؛ لرواية ابن هلال (٥) والرضوي (٦).

واحتمل (٧) الجميع ؛ لكونه نحو الثور ، والدلاء ؛ لكونه من الدابة الواردة لها الدلاء في الأخبار (٨). وتقديم الخاص يرجح العمل بالأول.

وللبغل ؛ لزيادة في الرواية المتقدمة في بعض نسخ التهذيب وفي المعتبر (٩) ، فإنّ هذا القدر سيّما مع الاشتهار بل نقل الإِجماع ـ كما عن الغنية (١٠) ـ كافٍ لما نحن بصدده ، ولكونه خاصاً يترجّح على روايتي الدابة ونحو الثور (١١).

وللفرس على الأشهر (١٢) ؛ لنقل الإِجماع عن الغنية (١٣). خلافاً للمعتبر (١٤)

__________________

(١) السرائر ١ : ٧٠ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢.

(٢) ص ٧١.

(٣) اختاره في المقنعة : ٦٦ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢ ، والقواعد ١ : ٦ ، والدروس ١ : ١١٩‌.

(٤) الرياض ١ : ٧.

(٥) التهذيب ١ : ٢٣٥ / ٦٧٩ ، الوسائل ١ : ١٨٠ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٥.

(٦) فقه الرضا (ع) : ٩٤ ، المستدرك ١ : ٢٠٢ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١.

(٧) كما في الذخيرة : ١٣٠.

(٨) الوسائل ١ : ١٨٤ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٦.

(٩) المعتبر ١ : ٦٠.

(١٠) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢.

(١١) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٥ ، الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ١.

(١٢) كما اختاره المذكورون في رقم ٣.

(١٣) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢.

(١٤) المعتبر ١ : ٦١.


والمعتمد ، فدلاء ؛ لكونه دابة قطعاً.

وهو وإن كان كذلك ، وبه يثبت مرتبة الفضل (١) للدلاء أيضاً ، إلا أن العمل بنقل الإِجماع الخاص في مقام الاستحباب أحسن.

وسبعين دلواً لموت المسلم مطلقاً ، ذكراً أو اُنثى ، صغيراً أو كبيراً ، إذا كان نجساً ، بلا خلاف ؛ للمستفيض من نقل الإِجماع (٢) ، وغير واحد من الأخبار (٣).

وأمّا الكافر فالمشهور أنّه كذلك أيضاً (٤) ؛ للإِطلاق.

وفي شموله له نظر ، ولو سلّم فقيد الحيثيّة معتبر ، كما في جميع موجبات النزح ، فإن أثبتنا الاستحباب بالاشتهار فهو ، وإلّا فيلحق بما لا نص فيه ، ولذا اختار الحلي فيه نزح الجميع (٥). والثانيان ، كالمشهور في وقوعه ميتاً ، وكالحلي في موته فيه ، على فرض نزح الكل لما لا نص فيه ، وبدونه فالسبعون على التداخل ، ومع الأربعين أو الثلاثين على عدمه (٦).

والروايات في الفأرة والشاة وما أشبههما (٧) ، وما بينهما عموماً وخصوصاً مختلفة جداً ، حتى أنّ أقل ما روي لبعضها دلوان ، والأكثر الكل.

فأقل ما روي في الأول مطلقاً ثلاث دلاء ، ومع التفسّخ سبع ، وهو المشهور (٨) ، بل على الثاني نفي الخلاف في كلام بعضهم ، وفي الغنية الإِجماع (٩)

__________________

(١) في « ق » و « هـ » : للفضل.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢ ، المعتبر ١ : ٦٢ ، المدارك ١ : ٧٥.

(٣) الوسائل ١ : ١٩٣ أبواب الماء المطلق ب ٢١.

(٤) كما اختاره في المعتبر ١ : ٦٣ ، التذكرة ١ : ٤ ، الروضة ١ : ٣٨.

(٥) السرائر ١ : ٧٧.

(٦) جامع المقاصد ١ : ١٤٠ ، الروضة ١ : ٣٧.

(٧) الوسائل ١ : ١٨٦ باب ١٨ ، ١٨٧ باب ١٩.

(٨) فمن القائلين به الشيخ في النهاية : ٧ ، والمحقق في المختصر النافع : ٣ ، والعلامة في القواعد ١ : ٦.

(٩) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢.


على السبع مع الانتفاخ.

وفي الثاني السبع ، وبه أفتى في المقنع (١) ، والأكثر جعلوه كموت الكلب (٢) ، والفقيه قدّر له تسعاً إلى عشر (٣) ، وهو أيضاً مروي (٤).

وفي ما أشبه الأول سبع ، والثاني تسع أو عشر ، والمشهور في الثاني أنّه كموت الكلب.

وفيما بينهما عموماً سبع. ولكنّ الأكثر ـ كالشيخين ، والمراسم ، والوسيلة ، والمهذب ، والإِصباح ـ جعلوا الخنزير ، والغزال ، والثعلب ، والأرنب ، وشبهه في قدر جسمه (٥) ، كالمشهور في موت الكلب.

وزاد في السرائر (٦) النصّ على ابن آوى وابن عِرس (٧).

وفي خصوص السنور مع عدم التفسّخ خمس ، ومعه عشرون ، بحمل أخبار مطلق الدلاء (٨) على هذا المقيّد. والمشهور فيه أربعون مطلقاً (٩).

وفي (حيّ) (١٠) الكلب ومطلق الطير خمس مع الحمل المذكور ، وهو قول المحقق في الثاني في غير النافع (١١).

__________________

(١) المقنع : ١٠.

(٢) ذهب إليه في النهاية : ١ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢ ، والتذكرة ١ : ٤ ، والدروس ١ : ١٢٠.

(٣) الفقيه ١ : ١٥.

(٤) التهذيب ١ : ٢٣٧ / ٦٨٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨ / ١٠٥ ، الوسائل ١ : ١٨٦ أبواب الماء المطلق ب ١٨ ح ٣.

(٥) المقنعة : ٦٦ ، النهاية : ٦ ، المراسم : ٣٥ ، الوسيلة : ٧٥ ، المهذب ١ : ٢٢.

(٦) السرائر ١ : ٧٦.

(٧) ابن عرس : بالكسر دويبة تشبه الفأر والجمع بنات عرس (المصباح المنير : ٤٠٢).

(٨) الوسائل ١ : ١٨٢ أبواب الماء المطلق ب ١٧.

(٩) ذهب إليه الجماعة المتقدم ذكرهم في رقم ٢ في نفس المصادر.

(١٠) لا توجد في « ق ».

(١١) المعتبر ١ : ٧٠ ، وفي « ق » « الشرائع » بدل « النافع ».


والمشهور سبع فيه وفي الحيّ من الأول ، وفي ميته أربعون (١).

وفي الدجاجة ومثلها دلوان. والمشهور فيهما : السبع.

ويستحب نزح ثلاث للحية ؛ لظاهر الوفاق والرضويّ (٢).

وللوزغة (٣) ؛ لصحيحة ابن عمار (٤).

وللعقرب على المشهور (٥). والمروي في موته عشر دلاء (٦).

وللعصفور : واحد بلا خلاف (ظاهر) (٧) ؛ لموثّقة الساباطي (٨) ، ولشبهة في المشهور.

والمروي للدابّة الصغيرة : سبع دلاء (٩).

وخمسون أو أربعون للعذرة الذائبة ، أي المتقطعة أو المائعة ، وفاقاً للصدوق والمحقق (١٠) ، وإن تعيّن الأول في المشهور (١١) بلا مستند ظاهر إلا نقل الإِجماع عن‌

__________________

(١) ذهب إليه في النهاية : ٧ ، والشرائع ١ : ١٣.

(٢) فقه الرضا (ع) : ٩٤ ، المستدرك ١ : ٢٠٥ أبواب الماء المطلق ب ١٨ ح ٢ وفيهما : « وإن وقعت فيها حية .. فاستق للحيّة أدل » واستفادة الثلاثة انما تكون بملاحظة أقل الجمع.

(٣) الوزغة : سام أبرص.

(٤) التهذيب ١ : ٢٣٨ / ٦٨٨ ، الاستبصار ١ : ٣٩ / ١٠٦ ، الوسائل ١ : ١٨٧ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٢.

(٥) اختاره في النهاية : ٧ ، اللمعة (الروضة ١) : ٤٣ ، القواعد ١ : ٦.

(٦) التهذيب ١ : ٢٣١ / ٦٦٧ ، الوسائل ١ : ١٩٦ أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٧.

(٧) لا توجد في « ق » و « ح ».

(٨) التهذيب ١ : ٢٣٤ / ٦٧٨ ، الوسائل ١ : ١٩٤ أبواب الماء المطلق ب ٢١ ح ٢.

(٩) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٤ / ٩٣ ، الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ١.

(١٠) المقنع : ١٠ ، المعتبر ١ : ٦٤ ، النافع : ٣.

(١١) اختاره في النهاية : ٧ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢ ، الشرائع ١ : ١٣ ، القواعد ١ : ٣ ، اللمعة (الروضة ١) : ٣٨ ولا يخفى أن الموضوع في كلام غير واحدٍ منهم هو العذرة الرطبة ولم يذكروا قيد الذوبان.


الغنية (١).

وعشرة لغيرها ؛ لروايتي ابن أبي حمزة (٢) وأبي بصير (٣) ، بل الإِجماع ، كما في السرائر والغنية (٤) في الثاني. وإلحاق الرطبة بالاُولى ـ كما عن النهاية (٥) ، (والمبسوط) (٦) والمراسم ، والوسيلة (٧) ، والإِصباح ـ لا وجه له إلّا أن يقال باستلزام الرطوبة للذوبان غالباً.

ولكثير الدم غير الثلاثة : ثلاثون إلى أربعين. ولقليله : دلاء يسيرة ، وفاقاً للصدوق ، والمعتبر ، والذكرى (٨) ؛ لصحيحة علي (٩) ، وموثّقة الساباطي (١٠) ، وصحيحة ابن بزيع المتقدمة (١١).

والأفضل منه خمسون للكثير وعشرةِ للقليل ؛ لنقل الإِجماع عليه في الغنية ، بل السرائر (١٢) ، ثمّ عشرون في القطرة ، ثمّ ثلاثون ؛ لروايتي زرارة (١٣) ، وكردويه (١٤).

__________________

(١) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢.

(٢) الكافي ٣ : ٧ الطهارة ب ٤ ح ١١ ، الوسائل ١ : ١٩١ أبواب الماء المطلق ب ٢٠ ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٢٤٤ / ٧٠٢ ، الاستبصار ١ : ٤١ / ١١٦ ، الوسائل ١ : ١٩١ أبواب الماء المطلق ب ٢٠ ح ١.

(٤) السرائر ١ : ٧٩ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢.

(٥) النهاية : ٧.

(٦) المبسوط ١ : ١٢ ، وما بين القوسين ليس في « ق ».

(٧) المراسم : ٣٥ ، الوسيلة : ٧٥.

(٨) الفقيه ١ : ١٣ ، المعتبر ١ : ٦٥ ، الذكرى : ١١.

(٩) الكافي ٣ : ٦ الطهارة ب ٤ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٥ / ٢٩ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٨ ، الاستبصار ١ : ٤٤ / ١٢٣ ، الوسائل ١ : ١٩٣ أبواب الماء المطلق ب ٢١ ح ١.

(١٠) التهذيب ١ : ٢٣٤ / ٦٧٨ ، الوسائل ١ : ١٩٤ أبواب الماء المطلق ب ٢١ ح ٢.

(١١) المتقدمة ص ٧١.

(١٢) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢ ، السرائر ١ : ٧٩.

(١٣) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥ / ٩٦ ، الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٣.

(١٤) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٨ ، الاستبصار ١ : ٤٥ / ١٢٥ ، الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق


ولبول الرجل والمرأة : أربعون ؛ للمستفيضة (١) في الأول مضافةً إلى الاشتهار ، بل الإِجماع ، كما في الغنية ، وشهادة الحلي بتواتر الأخبار به (٢) لبول مطلق الإِنسان الشامل للثاني ، ودعوى بعضهم (٣) الإِجماع على إلحاقه بالأول.

ولبول الصبي المغتذي : ثلاث ، والرضيع : واحد ، على الأشهر ، كما في البحار (٤) ؛ للرضوي (٥).

وقال جماعة بالسبع للأول (٦). ونسب إلى الأكثر (٧) ، بل في الغنية ، الإِجماع عليه (٨) ، كما على الثلاث في الثاني وقيل بالسبع فيهما (٩) ، وعليه رواية (١٠).

فمرتبة من الرجحان فوق الاُولى لهما ثابتة ، كما أنّ الأفضل من الكل نزح الكل في غير القطرة ، كما في المدارك (١١). ويشهد له بعض الأخبار (١٢).

وثلاثون : لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلاب ، على المشهور ،

__________________

=

ب ١٥ ح ٢.

(١) الوسائل ١ : ١٨١ أبواب الماء المطلق ب ١٦.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢ ، السرائر ١ : ٧٨.

(٣) لم نعثر عليه. نعم ادعى في الغنية الاجماع على الأربعين في بول الانسان الشامل بإطلاقه للمرأة.

(٤) البحار ٧٧ : ٢٧ وفيه : وفي الرضيع ، المشهور الدلو الواحد ....

(٥) فقه الرضا (ع) : ٩٥ ، المستدرك ١ : ٢٠٣ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٢.

(٦) صاحب المقنعة : ٦٧ ، والنهاية : ٩ ، والقواعد ١ : ٦.

(٧) كشف اللثام ١ : ٣٧.

(٨) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢.

(٩) لعل المراد قول من أثبت للصبي ـ بنحو الاطلاق ـ السبع ولم يذكر مقابلاً له بناءً على شمول الصبي للرضيع كما في المراسم : ٣٦ ، واللمعة (الروضة ١) : ٤١.

(١٠) التهذيب ١ : ٢٤٣ / ٧٠١ ، الاستبصار ١ : ٣٣ / ٨٩ ، الوسائل ١ : ١٨١ أبواب الماء المطلق ب ١٦ ح ١ ودلالتها مبنية على ما ذكرناه آنفاً ـ فلاحظ.

(١١) المدارك ١ : ٨٢.

(١٢) الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٤.


كما في المعتمد ؛ لرواية كردويه (١).

والظاهر اختصاص الحكم بالمورد ، فينتفى بالتبدّل أو النقص (أو الزيادة) (٢). والتعدية إلى سائر المياه محتملة.

ولا نزح لغير المنصوص عندنا ، ووجهه ظاهر.

ولقائلين بالنجاسة ، فيه أقوال غير واضحة الدلالة ، سوى نزح الجميع فإنّه مقتضى الاستصحاب.

وصغير كلّ حيوان ككبيره ، إن عمّه الاسم ، وإلّا فيدخل فيما لا نصّ فيه ، أو عموم لو وجد ، وجزؤه فيما (٣) لا نصّ فيه وإن تعدّد.

وفي تضاعف النزح بتضاعف النجس أقوال : أظهرها : التضاعف ؛ لأصالة عدم تداخل الأسباب.

ولو تعذّر نزح الكلّ في مورده ، تراوح عليه قوم في يوم ، بأن يتراوح كلّ اثنين البواقي ؛ للموثّق (٤) ، والرضوي (٥).

ولا بدّ فيه من عدد ، وإجزاء الأربعة مجمع عليه ، وإطلاق الأول كصريح الثاني المنجبر ضعفه بالعمل يرشد إليه.

والأصح الأشهر : أجزاء الأكثر ؛ للإِطلاق.

وتخصيص الثاني بالأربعة لا يقيّده ؛ لضعفه الغير المنجبر في الموارد ، مع أنّ كونه لبيان الأقلّ ممكن.

ولا يكفي الأقلّ وإن نهض بالعمل ؛ اقتصاراً على مورد النص. ولا النساء‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦ / ٣٥ وفيه « ماء الطريق » ، التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠٠ ، الاستبصار ١ : ٤٣ / ١٢٠ ، الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١٦ ح ٣.

(٢) لا توجد في « ق ».

(٣) في « هـ » و « ق » ممّا.

(٤) التهذيب ١ : ٢٤٢ / ٦٩٩ ، الوسائل ١ : ١٩٦ أبواب الماء المطلق ب ٢٣ ح ١.

(٥) فقه الرضا (ع) : ٩٤ ، المستدرك ١ : ٢٠٧ أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٤.


والصبيان على الأشهر ؛ للثاني بل الأول بناءً على المشهور من عدم صدق القوم عليهم.

واليوم يوم الصوم ، على الأظهر الأشهر ؛ اتّباعاً للّغة وعرف الشرع. دون الأجير من حيث إنّه المتبادر ؛ لأصالة تأخّره. وإدخال جزء من الطرفين من باب المقدّمة واجب ، أو مستحبّ. ولا يجزي مقداره من الليل ، أو الملفّق ؛ لخروجه عن النص.

ولا تجوز لهم الصلاة جميعاً ، ولا الأكل كذلك ؛ لعدم صدق نزح اليوم.

ودلو النزح هو المعدّ ، أو المعتاد ، ووجهه ظاهر.

واستيفاء العدد لازم في تحقّق الامتثال. ولا يكفي الوزن. خلافاً للفاضل ، والذكرى (١) ؛ لحصول الغرض. ويردّه إمكان حكمة في العدد.

المسألة الرابعة : إذا تغيّرت البئر بالنجاسَة فتطهر بالنزح حتّى يذهب التغيّر ؛ للمستفيضة ، كصحيحة ابن بزيع المتقدّمة (٢) المعللة.

وصحيحة الشحام ، وفيها : « وإن تغيّر الماء فخذ منه حتّى يذهب الريح » (٣).

وموثّقة سماعة : « وإن أنتن حتى يوجد الريح النتن في الماء ، نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء » (٤).

ورواية زرارة : « فإن غلبت الريح نزحت حتى تطيب » (٥).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤ ، القواعد ١ : ٦ ، الذكرى : ١٠.

(٢) ص ٢١.

(٣) الكافي ٣ : ٥ الطهارة ب ٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٣٧ / ٦٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٧ / ١٠٢ ، الوسائل ١ : ١٨٤ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٧.

(٤) التهذيب ١ : ٢٣٦ / ٦٨١ ، الاستبصار ١ : ٣٦ / ٩٨ ، الوسائل ١ : ١٨٣ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ٤.

(٥) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥ / ٩٦ ، الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٣.


ولا تنافيها صحيحة ابن عمّار المتقدّمة (١) في المسألة الاُولى ؛ لأنّ نزح البئر يجوز في نزح مائها كلاً أو بعضاً ، والأخبار المذكورة معيّنة للثاني.

وأمّا رواية منهال : « وإن كانت جيفةً قد اجتفت فاستق منها مائة دلو ، فإن غلب عليه الريح بعد مائة دلو فانزحها كلّها » (٢). ورواية أبي خديجة : « في الفأرة فإن انتفخت وأنتنت نزح الماء كلّه » (٣). وقريب منهما الرضوي (٤). فلإِطلاقهما بالنسبة إلى عدم ذهاب التغيّر قبل نزح الكلّ مقيّدتان به ؛ للأخبار المتقدّمة ، وفي أوّلهما إشعار بذلك أيضاً ، مضافاً إلى عدم دلالة الثانية على الوجوب.

وللمنجّسين بالملاقاة هنا أقوال متكثّرة ، لا طائل في ذكرها.

ولا يعتبر دلو ولا عدد هنا ، وكذا في نزح الكرّ والجميع ، والوجه ظاهر.

وإن زاد المقدّر عن مزيل التغيّر فالظاهر استحباب الزائد ؛ لإِطلاق أدلّته مع عدم المقيّد ، حيث إنّ وجوب نزح المزيل لا ينافي استحباب غيره.

ولو زال التغيّر بنفسه ، فهل يطهر به أم لا ؟ فيه وجهان ، أوجههما : الثاني ؛ للأصل.

وعليه ففي وجوب نزح الجميع حينئذٍ ، أو الاكتفاء بما يعلم معه زوال التغير لو كان ، والجميع لو لم يعلم ، قولان. أوّلهما للفاضل (٥) وابنه (٦) ، وقوّاه في الذكرى (٧) ؛ للأصل ، وتعذّر ضابط تطهيره.

__________________

(١) ص ٦٩.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣١ / ٦٦٧ ، الاستبصار ١ : ٢٧ / ٧٠ ، الوسائل ١ : ١٩٦ أبواب الماء المطلق ب ٢٢ ح ٧.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٩ / ٦٩٢ ، الاستبصار ١ : ٤٠ / ١١١ ، الوسائل ١ : ١٨٨ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٤.

(٤) فقه الرضا (ع) : ٩٢ ، البحار ٧٧ : ٢٥ / ٣.

(٥) القواعد ١ : ٦ ، التذكرة ١ : ٤.

(٦) ايضاح الفوائد ١ : ٢٢.

(٧) الذكرى : ١٠.


وثانيهما ـ وهو الأقوى ـ للبيان ، وثاني الشهيدين والمعالم (١) وجماعة اُخرى (٢) ؛ لفحوى ما دلّ على الاكتفاء به مع وجوده ، فمع عدمه بطريق أولى.

وفي تطهّر البئر بعد التنجّس ، بغير النزح من مطهّرات الماء المتقدّمة ، خلاف.

ولا يبعد التطهّر ؛ لدلالة مرسلة الكاهلي المتقدّمة (٣) على التطهر بماء المطر ، وعدم الفصل يتمّم المطلوب.

المسألة الخامسة : لا تنجس البئر بالبالوعة التي ترمى فيها المياه النجسة‌ وإن تقاربتا ما لم تتغيّر بها أو تتّصل ، بالإِجماع ؛ وهو الحجّة ، مضافاً إلى الأصل ، وخبر محمّد بن أبي القاسم المتقدّم (٤) المنجبر.

وكذا مع الثاني على الأظهر ؛ لما مرّ من الأصل والخبر ، مضافاً إلى غيرهما ممّا سبق.

وبهما تقيّد حسنة الفضلاء المتقدّمة (٥) ، أو يرجع بعد تعارضهما إلى الأصل.

نعم يستحبّ تباعدهما بخمسة أذرع مع صلابة الأرض أو فوقيّة البئر قراراً ، والسبعة بدونهما ؛ لرواية ابن رباط : عن البالوعة تكون فوق البئر ، قال : « إذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع ، وإذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع من كلّ ناحية » (٦).

__________________

(١) البيان : ١٠١ ، الروض : ١٤٣ ، المعالم : ٩٢.

(٢) الرياض ١ : ٩ ، مشارق الشموس : ٢٤٢.

(٣) ص ١٦.

(٤) ص ٦٩.

(٥) الكافي ٣ : ٧ الطهارة ب ٥ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩٣ ، الاستبصار ١ : ٤٦ / ١٢٨ ، الوسائل ١ : ١٩٧ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٧ الطهارة ب ٥ ح ١ ، التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩٠ ، الاستبصار ٤٥ / ١٢٦ ، الوسائل ١ : ١٩٩ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ٣.


ومرسلة قدامة : كم أدنى ما يكون بين البئر ـ بئر الماء ـ والبالوعة ؟ فقال : « إن كان سهلاً فسبعة أذرع وإن كان صلباً فخمسة أذرع » (١).

بالرجوع إلى الأصل ، والأخذ بالمتيقّن في مورد تعارضهما ، وخلوّهما عن مقتضى الوجوب أوجب حملهما على الاستحباب ، مضافاً إلى عدم قائل بالوجوب من الأصحاب.

وورد في بعض الروايات الفصل باثني عشر ذراعاً مع كون البالوعة في جهة شمال البئر. وبسبعة مع كونهما مستويين في مهبّ الشمال (٢).

والأكثر أعرضوا عنه لمعارضته مع ما مرّ. وحمله على مرتبة من الأفضليّة ممكن ، ويمكن ذلك في مورد تعارض الأوّلين أيضاً.

*       *      *

__________________

(١) الكافي ٣ : ٨ الطهارة ب ٥ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩١ ، الاستبصار ١ : ٤٥ / ١٢٧ ، الوسائل ١ : ١٩٨ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ٢. وفيها : « جبلاً » بدل « صلباً ».

(٢) التهذيب ١ : ٤١٠ / ١٢٩٢ ، الوسائل ١ : ٢٠٠ أبواب الماء المطلق ب ٢٤ ح ٦.


الفصل السابع : في المستعمل‌

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : الماء المستعمل في إزالة النجاسة غير الاستنجاء ، إذا لم يتغيّر ، طاهر مطلقاً ، إن قلنا بعدم تنجّس القليل بالملاقاة مطلقاً ، أو بعدم تنجّسه إلّا مع ورود النجاسة ، وقلنا باشتراط التطهير بإيراد الماء على المحلّ ، كالسيد ، والحلي (١) ، ومن تبعهما (٢).

ونسبة التفصيل في المستعمل إليهما وتخصيص قولهما بطهارة الغسالة بصورة ورود الماء غلط ؛ لأنّ غيرها ليس غسالة عندهما ؛ لشرطهما الورود في الإِزالة.

وأمّا لو قلنا بتنجّسه بها مطلقاً ، أو بورود النجاسة خاصّة ، مع حصول التطهير بإيراد المحلّ على الماء أيضاً ، ففي نجاسة الغسالة وطهارتها مطلقاً على الأول ، ومع الورود المحلّ على الثاني ، أقوال :

الأول : الطهارة مطلقاً ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط (٣) ، والمنقول عن ابن حمزة (٤) والبصروي (٥) ، والمحقق الثاني في بعض فوائده ، والقاضي (٦) ، وعزاه في المعالم (٧) إلى جماعة من متقدّمي الأصحاب ، وفي شرح القواعد : أنّه الأشهر بين المتقدّمين (٨) ، ويشعر به كلام الصدوق (٩) ، ويميل إليه ظاهر الذكرى ،

__________________

(١) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٩ ، السرائر ١ : ١٨١.

(٢) كفاية الاحكام : ١١.

(٣) المبسوط ١ : ٩٢.

(٤) الوسيلة : ٧٤. راجع مفتاح الكرامة ١ : ٩٠ لبيان دلالة كلامه.

(٥) حكى عنه في حاشية الدروس على ما في مفتاح الكرامة ١ : ٩٠.

(٦) لم نعثر على كلامه في كتبه الموجودة.

(٧) المعالم : ١٢٣.

(٨) جامع المقاصد ١١ : ١٢٨.

(٩) الفقيه ١ : ١٠ ، راجع الحدائق ١ : ٤٨٣ لبيان النسبة.


والمدارك (١) ، واختاره بعض المتأخّرين من المحدّثين (٢) أيضاً.

نعم جعل في المبسوط الأحوط في الثياب النجاسة مطلقاً ، وفي الأواني في الغسلة الاُولى (٣).

والقاضي قال بالاحتياط في غسالة الولوغ (٤).

الثاني : النجاسة كذلك ، اختاره الفاضلان (٥) ، والمحقّق الثاني في شرح القواعد (٦) ، وهو المنقول عن الإِصباح ، وظاهر المقنع ، والشهيد (٧) ، ومال إليه المحقّق الأردبيلي (٨) ، ونسب إلى أكثر المتأخّرين (٩) ، بل ظاهر المنتهى الإِجماع عليه ، حيث ادّعاه على نجاسة غسالة بدن الجنب والحائض إذا كان نجساً (١٠) ، ولا قائل بالفصل.

الثالث : الطهارة مطلقاً في غسل الأواني ، والنجاسة في غير الأخيرة في الثياب ، نقل عن الخلاف (١١).

الرابع : النجاسة مطلقاً في غير الأخيرة ، وهو اختيار والدي العلّامة رحمه الله.

__________________

(١) الذكرى : ٩ ، المدارك ١ : ١٢٢.

(٢) الظاهر أنّ المراد به المحدّث الاسترابادي على ما حكى عنه في الحدائق ١ : ٤٨٠ ، ٤٨٧.

(٣) المبسوط ١ : ٩٢ ، ٣٦.

(٤) المهذب ١ : ٢٩.

(٥) المحقق في المختصر النافع : ٤ ، والشرائع ١ : ١٦ ، والعلّامة في المنتهى ١ : ٢٤ ، والمختلف : ١٣ ، والتحرير ١ : ٥ ، والقواعد ١ : ٥.

(٦) جامع المقاصد ١ : ١٢٩.

(٧) المقنع : ٦ ، الدروس ١ : ١٢٢.

(٨) مجمع الفائدة ١ : ٢٨٧.

(٩) نسبه المحقق الكركي في جامع المقاصد ١ : ١٢٩ ؛ إلى المشهور بين المتأخرين.

(١٠) المنتهى ١ : ٢٣.

(١١) الخلاف ١ : ١٨١.


الخامس : النجاسة بعد انفصال الماء عن المحلّ ، نقل عن المختلف (١).

ونقل أقوال اُخر ترتقي مع ما ذكر إلى اثنى عشر ، ولكن لا يعرف قائل لأكثرها.

والحقّ هو الثاني.

أمّا في صورة ورود المحلّ على الماء : فلطائفة من الأخبار المتقدّمة في بحث انفعال القليل ، كصحيحة البزنطي ، وموثّقتي سماعة وروايتي أبي بصير (٢) الواردة في إهراق الماء القليل إذا اُدخل فيه الإِصبع أو اليد إذا كان قذراً.

والقول بأنّ الظاهر منها أنّه لأخذ الماء دون الغسل ، ويمكن تفاوت الحكم من أجل صدق الاسم وعدمه ، واهٍ جدّاً ؛ لعدم توقّف صدق الغسل على قصده عرفاً قطعاً وإجماعاً ، ولذا يحكم بالطهارة مع زوال العين ، أو إذا لم تكن ثمّة عين ، بمجرّد ذلك الإِدخال في الكرّ والجاري ، ولو لم يقصد الغسل.

وجعل الأمر بالإِهراق كنايةً عن عدم الطهوريّة لا وجه له ؛ فإنّ الأمر حقيقة في الوجوب ، وهو إنّما يتمشّى إذا قلنا بنجاسة ذلك الماء ؛ إذ لولاها لم يجب إهراقه إجماعاً ، وأمّا معها فيمكن القول بوجوبه ، بل هو الأظهر ، من جهة حرمة حفظ الماء النجس ، كما يأتي في بحث المكاسب.

وكون الظاهر من بعض هذه الأخبار أنّه يريد التوضؤ به ـ لو سلّم ـ لا يفيد.

وأمّا في صورة ورود الماء : فلأنّ أدلّة انفعاله حينئذٍ وإن لم تكن تامّةً ، ولكنّها لو تمّت لكانت نسبتها إلى الغسالة وغيرها متساويةً ، فإمّا يجب ردّها والقول بعدم الانفعال حينئذٍ مطلقاً ، كما هو الحق ، أو قبولها في الغسالة وغيرها.

وقد يستدلّ : بالإِجماع المنقول في المنتهى (٣) ، وبروايتي ابن سنان والعيص‌

__________________

(١) المختلف : ١٣.

(٢) المتقدمة ص ٣٩.

(٣) تقدم ص ٨٩.


المتقدّمتين في القليل (١) ، وبوجوب تعدّد الغسل وإهراق الغسلة الغير الأخيرة من الأواني ، وبوجوب العصر فيما يجب فيه ، وبعدم تطهّر ما لا يخرج منه الماء إلّا بالكثير أو الجاري (٢).

ويضعّف الأوّل : بعدم الحجّية. والثانيان : بما مرّ في البحث المذكور ، والبواقي : بعدم دلالتها على النجاسة ؛ لجواز التعبّد بها ، ولذا يقول بها بعض من يقول بالطهارة أيضاً.

احتجّ القائل بالطهارة مطلقاً : بالأصل ، وعمومات طهارة الماء (٣).

وخصوص صحيحة محمد في الغسل في المركن (٤).

وعدم دلالة أخبار نجاسة القليل (٥) على نجاسة الغسالة.

وبالتعليل المستفاد من قوله : « ما أصابه من الماء أكثر » و « أنّ الماء أكثر من القذر » في تعليل نفي البأس عن إصابة ماء المطر الذي أصاب البول الثوب ، أو وقوع الثوب في ماء الاستنجاء ، في صحيحة هشام (٦) ، ورواية العلل (٧).

وبالأخبار الدالة على الأمر بالرشّ والنضح فيما يظنّ فيه النجاسة (٨) ، حيث إنه لو تنجّس الماء ، لكان ذلك زيادةً في المحذور.

وبإِطلاق الأخبار الواردة في تطهير البدن من البول (٩) ، والنافية للبأس عما‌

__________________

(١) ص ٤٣.

(٢) وبهذه الوجوه استدل في مجمع الفائدة ١ : ٢٨٦.

(٣) المتقدمة ص ١٩ وراجع الوسائل ١ : ١٣٣ أبواب الماء المطلق ب ١.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٥) المتقدمة ص ٣٦ إلى ٤١.

(٦) المتقدمة ص ٢٧.

(٧) علل الشرائع : ٢٨٧ / ١ ، الوسائل ١ : ٢٢٢ ، أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ٢.

(٨) أوردها في الوسائل في أبواب مختلفة من كتابي الطهارة والصلاة فراجع ج ٣ ص ٤٠٠ أبواب النجاسات ب ٥ ح ٢ وص ٥١٩ ب ٧٣ ح ٣ وإن شئت العثور عليها مجتمعة فراجع جامع الأحاديث ٢ : ١٣٢ باب ٢٢.

(٩) الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١.


ينزو من الأرض النجسة في إناء المغتسل (١) ، يدلّ بمفهوم الموافقة على نفيه عما يترشّح من الغسالة.

والأولان مدفوعان : بما مرّ.

والثالث : بعدم دلالته إلّا على طهر المحلّ ، وأمّا على طهارة الماء ، فلا.

والرابع : بأنّه وإن صحّ في أدلّة نجاسة الماء الوارد على النجاسة ، ولكن المنقيّ حينئذٍ عدم دلالتها على النجاسة مطلقاً ، لا على اختصاصها بغير الغسالة ، فاللازم إمّا القول بعدم تنجّس الماء الوارد مطلقاً ، أو تنجّسه كذلك. وأمّا في أدلّة نجاسة الماء الواردة عليه النجاسة فلا يصحّ كما مرّ.

والقول بأنّ الأمر وإن كان كذلك ، لكن الغسالة بدليل لزوم العسر والحرج عنها مستثناة ، مردود : بمنع اللزوم ، ولذا قال جماعة بنجاستها ، ولم يقعوا في عسر ولا حرج.

والخامس : بأنّه يدلّ على أنّ كل ماء أكثر من القذر لا ينجس به.

وأدلّة انفعال القليل أخصّ منه ، فيخصّص بها ، مع أنّه لو تمّ لم يختصّ بالغسالة ، فلازمه عدم انفعاله بالملاقاة إذا كان أكثر من القذر.

والسادس : بأنّ ما ينضح أو يرشّ ليس مزيلاً للنجاسة ، بل المحلّ مظنّتها ، فهو أمر تعبّد به.

والسابع : بعدم الدلالة ؛ لأنّ محطّها إن كان لزوم تنجّس البدن ، ففيه ما يأتي من أنّ دليل تنجس الملاقي للمتنجس مطلقاً هو الإِجماع المركّب ، وانتفاؤه في المورد ظاهر ، وإن كان لزوم نجاسة الماء فتلتزم ، فهو كالنجاسة المحمولة وترتفع بالجفاف.

والثامن : بأنّ العمل بالمفهوم إنّما هو إذا لم يترك المنطوق ، وهو عدم تنجّس الماء الوارد مطلقاً ، وحينئذٍ فيخرج عن محل النزاع ؛ لأنّه إنّما هو على القول بنجاسة‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢١١ أبواب الماء المضاف ب ٩.


الوارد.

ونقلوا عن الخلاف (١) الاحتجاج للثالث : بما ظاهره الاختلال والتناقض ، وإن أمكن توجيهه بعناية وتكلّف ، ومعه فدفعه ظاهر أيضاً.

وقد يستدلّ له : بما يأتي للرابع ، ولكنّه يأبى عن الفرق بين الأواني وغيرها.

واستدلّ للرابع : أمّا على النجاسة في غير الأخيرة : فبأدلّة انفعال القليل. وأمّا على الطهارة فيها : فبطهر الماء المتخلف (في المحل) (٢) بعده إجماعاً ، لطهارة المحل ، فيكون المنفصل أيضاً كذلك ؛ إذ اختلاف أجزاء ماء واحد غير معقول.

هذا في الثياب ، وأمّا في الأواني فلا منفصل ، بل يكون الجميع طاهراً ، لكونه في المحل مع طهارته.

وفيه : منع اختلاف أجزاء الماء الواحد ، بل منع الوحدة. ويمكن منع طهارة المتخلّف أيضاً وإن لم ينجس به المحل ، فإذا جفّ يصير المحل خالياً عن النجاسة مطلقاً.

واحتج للخامس : بأنّ دليل نجاسة القليل يقتضي نجاسة الغسالة مطلقاً ، بل عدم صحة التطهّر به ، ولكن لما قام الدليل على صحّة التطهّر به ، وتوقّف طهارة المحل على عدم نجاسة الماء ، اقتصر فيه على موضع الضرورة ، وهو ما قبل الانفصال.

وفيه : منع توقّف طهارة المحل على عدم نجاسة الماء ، مع أنّه لو سلّم ذلك ، ولزوم طهارة الماء لأجل التطهّر به ، فاللازم طهارته بعد الانفصال أيضاً ؛ لانتفاء تأثير الملاقاة التي هي العلّة لأجل الضرورة وعدم تحقّق مؤثّر بعده.

ثم إنّه قد ظهر بما ذكرنا : أنّ الحق ـ على ما اخترناه من التفصيل في الماء القليل ، لو قلنا بحصول التطهّر بكلّ من الورودين ـ هو التفصيل في الغسالة ،

__________________

(١) الخلاف ١ : ١٨١.

(٢) لا توجد في « هـ ».


وكونها طاهرةً مع ورود الماء ، نجسةً مع العكس.

والظاهر أنّ النجس حينئذٍ هو القدر الزائد من الماء المرسوب في المحل ، على النحو الآتي في بحث تطهير النجاسات بالماء ؛ إذ لم يثبت من أدلّة انفعال القليل انفعال ذلك أيضاً.

وقد يقال : إنّ الماء إذا دخل في الثوب ، ليس وارداً على النجاسة ، وحينئذٍ وإن لم ينجس بالاتصال ، ولكن ينجس بعد الدخول ؛ إذ ما فوقه من أجزاء الثوب وارد عليه ، فينجس الماء الداخل فيه.

وأمّا المنفصل ، فنجاسته إمّا لما مر من عدم الاختلاف ، أو لأنّه أيضاً انفصل بعد الدخول ، وما لم يدخل منه فامتزج بالخارج بعد الدخول ، وهذا لا يجري في الأخيرة ؛ لطهارة أجزاء الثوب حينئذٍ.

وفيه : مضافاً إلى أنّه لا يجري في غير مثل الثياب ، منع كون أجزاء الثوب واردةً على الماء ، فإنّ ما ثبت من الأدلّة من تأثير النجاسة في الماء إنّما هو إذا دخلت أو وقعت فيه ، ومثل ذلك لا يسمّى دخولاً ولا وقوعاً عرفاً ، ولا وروداً. مع أنّ الثابت من الأخبار النجاسة ببعض أفراد الورود ، وإنّما يتعدّى بعدم الفصل ، وهو هنا غير متحقّق.

فرعان :

أ : على القول بنجاسة الغسالة ، ففي الاكتفاء في تطهير ما يلاقيها بالمرة مطلقاً ؛ للأصل ، وإطلاق الغسل في رواية العيص المتقدمة (١) ، أو وجوب المرتين كذلك ؛ لوجوبهما في جميع النجاسات ، أو كونها كالمحل قبل الغسل ، لاستصحاب نجاسة ما لاقاها إلى أن يعلم الطهارة ، ولتخفيف نجاستها بخفة نجاسة المحل ، أو بعده ؛ لما مرّ دليلاً على طهارة الغسالة الأخيرة ، في القول الرابع : وقياس ما قبلها عليها ، أقوال أقواها : أوّلها ؛ لما ذكر.

__________________

(١) ص ٤٣.


ووجوب المرتين للجميع ممنوع. والاستصحاب بما ذكر مدفوع ، مع عدم انطباقه كلية على المطلوب. وعدم إيجاب خفة نجاستها ـ لو سلّمت ـ للمدّعى. ودليل طهارة الأخيرة بما سبق مردود ، مع أنّ القياس حجة باطلة.

ب : على القول بطهارتها ، كُلاً أو بعضاً ، فهل يكون مطهّراً أم لا ؟

لا ريب في طهوريته من الخبث ؛ للاستصحاب ، وعمومات طهورية الماء ، وصدق الغسل المأمور به إذا غسل به نجس.

وبهما يضعّف معارضة استصحاب الخبث لاستصحاب المطهّرية ، مع أنّ الأول يزول بالثاني لو لا المعاضد له أيضاً ، كما بيّناه وجهه في الاُصول.

وأمّا الحدث : فالظاهر العدم ، وفاقاً لجماعة (١) ، وفي المعتبر والمنتهى (٢) الإِجماع عليه ؛ لرواية ابن سنان المتقدمة (٣) ، المعتضدة بالمحكي من الإِجماع ، وبها يندفع الاستصحاب وتخصص العمومات.

ثمّ لو مزجت بغيرها من الماء المطلق ، فإن استهلك أحدهما فالحكم للآخر ، وإلّا ففي رفع الحدث به إشكال.

والأظهر الارتفاع ؛ لأنّه غير ما علم خروجه من عمومات طهورية الماء ، ولم يعلم خروجه.

وهل يختص المنع بالقليل ، أو يشمل الكرّ والجاري أيضاً ؟

والتحقيق : أنّ عموم قوله في الرواية : « الماء الذي يغسل به الثوب » وإن عمّ الجميع ، ولكنّه يمنع عن التطهّر عمّا غسل به ، لا ما غسل فيه.

وعلى هذا ، فلو غسل ثوب أو غيره في كر ، لا يغسل إلّا بجزء منه ، وهو عند الباقي مستهلك ، فلا يمنع.

__________________

(١) الذخيرة : ١٤٣ ، مشارق الشموس : ٢٥٣ ، غنائم الأيام : ٧٤.

(٢) المعتبر ١ : ٩٠ ، المنتهى ١ : ٢٤.

(٣) ص ٤٣.


نعم لو فرض تكثّر المغسول ، بحيث تحقّق الغسل بكل جزء من الكرّ ، أو عدا ما يستهلك ، يمنع من الجميع ، وكذا الجاري.

وتحقّق الإِجماع على خروجهما ـ لو سلّم ـ ففي مثل ذلك الفرض ممنوع.

المسألة الثانية : غسالة الاستنجاء الغير المتغيرة طاهرة ، بمعنى عدم وجوب الاحتراز عنه في مشروط الطهارة إجماعاً ، ونقله عليه متكرّر (١) ، والأخبار به معتبرة مستفيضة.

كصحيحة الهاشمي : عن الرجل ، يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به ، أينجّس ذلك ثوبه ؟ قال : « لا » (٢).

وصحيحة الأحول : قلت له : أستنجي ثم يقع فيه ثوبي وأنا جنب ، قال : « لا بأس به » (٣).

وحسنته : أخرج من الخلاء فأستنجي في الماء ، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به ، قال : « لا بأس » (٤).

وهي وإن كانت مختصّةً بالثوب ، إلّا أن المطلوب يتمّ بعدم الفصل. مع أنّ الحكم موافق للأصل السالم عن المعارض.

أمّا مع ورود الماء : فلعدم تحقّق ما يوجب عنه الاحتراز ، حيث إنّ الماء طاهر حينئذٍ.

وأمّا مع ورودها وقلنا بحصول التطهّر به : فلأنّه ليس في أخبار نجاسة القليل ما يشمل بإِطلاقه أو عمومه لكلّ نجاسة ، أو لماء الاستنجاء أيضاً ، بل‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٩٨ ، الروض : ١٦٠ ، الرياض ١ : ١١ ، وفي المدارك ١ : ١٢٣ نسبه الى الاصحاب.

(٢) التهذيب ١ : ٨٦ / ٢٢٨ ، الوسائل ١ : ٢٢٣ أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٨٦ / ٢٢٧ ، الوسائل ١ : ٢٢٢ أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ١٣ الطهارة ب ٩ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٤١ / ١٦٢ ، التهذيب ١ : ٨٥ / ٢٢٣ ، الوسائل ١ : ٢٢١ أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ١.


كانت إمّا مخصوصة بموارد أو غير عامة ، وعديت بعدم القول بالفصل ، وهو هنا موجود.

وأمّا إطلاق رواية العيص (١) ، فمع قصورها عن إفادة الوجوب ـ كما مرّ ـ فبالأخبار المذكورة مقيّد.

وهل هذا الماء نجس معفوّ عنه في المباشرة ، كالمنتهى (٢) ، والذكرى (٣). أو طاهر ، كالأكثر ؟

الثابت من الأخبار الثلاثة ، وسائر ما ورد بخصوص المقام ، ليس أزيد من الأوّل.

وتصريح صحيحة الهاشمي بعدم تنجّس الثوب ليس تصريحاً بعدم نجاسته ؛ لجواز كونه نجساً غير منجّس.

ولكن ما ذكرنا من الأصل يثبت الثاني ، وربما يشعر به التعليل المروي في العلل : « أنّ الماء أكثر من القذر » (٤).

وهل هو مطهّر من الخبث والحدث ؟ الظاهر نعم ، وفاقاً للأردبيلي (٥) ، والحدائق (٦) ؛ لصدق الماء الطاهر عليه وعدم المخرج.

ومنهم من لم يجعله مطهّراً مطلقاً (٧) ، وهو مبني على القول بالعفو ، وقد عرفت ضعفه.

ومنهم من يرفع به الخبث ، دون الحدث ، وهو مذهب والدي ـ رحمه الله ـ ، ولم يظهر له دليل ، سوى نقل الإِجماع من الفاضلين على عدم جواز رفع الحدث بما‌

__________________

(١) المتقدمة ص ٤٣.

(٢) المنتهى ١ : ٢٤.

(٣) الذكرى : ٩.

(٤) علل الشرائع : ٢٨٧ / ١ ، الوسائل ١ : ٢٢٢ أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ٢.

(٥) مجمع الفائدة ١ : ٢٨٩.

(٦) الحدائق ١ : ٤٧٧.

(٧) كما في الذكري : ٩ ، المدارك ١ : ١٢٤.


تزال به النجاسة مطلقاً (١). وهو ليس بحجة عندنا.

فروع :

أ : يشترط في طهارته ـ مضافاً إلى ما مرّ من عدم التغيّر ـ عدم ورود نجاسة خارجة ، أو منفصلة متميزة عن المحل عليه ، ولا وروده عليها ، على القول بانفعال القليل مطلقاً. ولا عدم مصاحبة الخارج عن المحل لنجاسة اُخرى. والوجه في الكل واضح.

وإطلاق أخبار الاستنجاء ـ لو سلّم ـ فإنّما هو من حيث إنّه ماء استنجاء ، لا مطلقاً.

ب : لو سبقت اليد فتنجّست ، فإن كان لأجل الاستنجاء ، بحيث تعدّ عرفاً آلة له ، لا تنجس الماء ، وإلّا تنجّسه ؛ والوجه ظاهر.

واشتراط عدم سبقها مطلقاً ـ لأجل تنجّسها وعدم كون غسلها استنجاءً ـ باطل ؛ لتنجّسها مع التأخّر أيضاً.

ج : لا فرق بين المخرجين ؛ للأصل ، وصدق الاستنجاء. ولا بين الغسلة الاُولى والثانية في البول على التعدّد ؛ لذلك. خلافاً للمحكي عن الخلاف (٢) في الاُولى منه. ولا بين المتعدّي وغيره ؛ لما مرّ أيضاً ، إلّا مع التفاحش الرافع لصدق الاسم. قالوا : ولا بين الطبيعي وغيره. ولا بأس به ، مع انسداد الطبيعي لا مطلقاً.

د : لا عبرة بالشكّ في حصول بعض ما تقدّم ؛ لأصلي الطهارة والعدم.

وجعل الأصل تنجّس القليل إلّا ما قطع بخروجه ضعيف ؛ لما مرّ.

__________________

(١) تقدم ص ٥٩.

(٢) حكاه في مفتاح الكرامة ١ : ٩٣ عن الخلاف ولا يخفى أنه لم يُعنون في الخلاف مسألة بعنوان ماء الاستنجاء. نعم فصّل في مسألة غسالة الثوب النجس بين الغسلة الاولى فحكم فيها بالنجاسة وبين الغسلة الثانية ، واستدل على الطهارة في الثانية بروايات ماء الاستنجاء فقد يستفاد من كلامه أنه يرى اختصاص روايات ماء الاستنجاء بالغسلة الثانية ، فلاحظ.


المسألة الثالثة : المستعمل في الحدث الأصغر طاهر مطهّر ، بالاُصول ، والإِجماعين (١) ، والعمومات (٢) ، وخصوص المستفيضة (٣).

وربما نسب إلى المفيد (٤) استحباب التنزه عنه ، بل عن المستعمل في الغسل المستحب أيضاً ؛ لرواية محمد بن علي بن جعفر (٥) ، الغير الدالّة من وجوه. كما ينسب إلى بعضهم استحباب التوضؤ منه ؛ لتهجّم الناس على التوضؤ من مستعمل وضوء النبي ، كما ورد في بعض الأخبار (٦). وهو غير قابل للتعميم.

المسألة الرابعة : المستعمل في الأكبر طاهر ، بالثلاثة الاُولى (٧) ، وخصوص المعتبرة.

منها : صحيحة الفضيل : عن الجنب يغتسل ، فينضح من الأرض في الإِناء ؟ فقال : « لا بأس » (٨).

ولا يعارضها خبر حنّان ، وفيها ـ بعد السؤال عما ينتضح على البدن من غسالة الجنب ـ : « أليس هو بجار ؟ » قلت : بلى ؛ قال : « لا بأس » (٩) فإنّ الظاهر‌

__________________

(١) المحصّل والمنقول وممن نقله : المنتهى ١ : ٢٢ ، الروض : ١٥٦ ، والرياض ١ : ١٠.

(٢) عمومات طهارة كل شي‌ء وطهارة الماء. راجع ص : ١٩.

(٣) راجع الوسائل ١ : ٢٠٩ أبواب الماء المضاف ب ٨.

(٤) المقنعة : ٦٤.

(٥) ما رواه عن الرضا (ع) « قال : من اغتسل من الماء الذي اُغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلّا نفسه. قال : فقلت له : إن أهل المدينة يقولون إنه شفاءٌ من العين ، فقال : كذبوا يغتسل فيه الجنب والزاني والناصب الذي هو شرّهما ». وهي مخصوصة بماء الغسل وبالاغتسال فيه ، وغيرها يدلُّ على أنه لأجل الاُمور المذكورة (منه رحمه الله). راجع الكافي ٦ : ٥٠٣ الزي والتجمل ب ٤٣ ح ٣٨ ، الوسائل ١ : ٢١٩ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٢.

(٦) الوسائل ١ : ٢٠٩ أبواب الماء المضاف ب ٨ ح ١.

(٧) يعني بها : الاصول ، والاجماعين ، والعمومات.

(٨) التهذيب ١ : ٨٦ / ٢٢٥ ، الوسائل ١ : ٢١١ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ١.

(٩) الكافي ٣ : ١٤ الطهارة ب ١٠ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٦٩ (وحذف منه : عن حنان) ، الوسائل ١ : ٢١٣ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٨.


أنّه استفهام إنكار ، والمراد أنّ ماءهم جار على أبدانهم البتّة ، فلا بأس فيها.

ومطهّر من الخبث بلا خلاف ، كما في ظاهر السرائر ، والمعتبر والتذكرة ، والمختلف ، والنهاية (١) ، بل بالإِجماع ، كما في المنتهى ، والإِيضاح (٢) ، واللوامع ، والمعتمد.

والخلاف المنقول في الذكرى (٣) لا يقدح فيه ، مع أنّ الظاهر أنّه من العامة (٤) ، كما قيل (٥). فهو الحجة في المقام ، مضافاً إلى ما مرّ من الأصل والعموم.

وأمّا الحدث ، ففي ارتفاعه به وعدمه قولان :

الأوّل : للسيد والحلبيين (٦) وهو المشهور بين المتأخّرين (٧) ؛ لاستصحاب المطهريّة ، وإطلاقات استعمال الماء ، والناهية عن التيمم مع التمكّن منه.

وصحيحة الفضيل المتقدمة ، وما يؤدّي مؤدّاها من المستفيضة النافية للبأس عما يقطر ، أو ينضح ، من ماء الغسل في الإِناء (٨).

وصحيحة محمد : الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره ، أغتسل من مائه ؟ قال : « نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب ، ولقد اغتسلت فيه ، ثم جئت فغسلت رجلي ، وما غسلتها إلّا لما لزق بها من التراب » (٩) فإنّ ترك الاستفصال عن الماء‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٦١ ، المعتبر ١ : ٩٠ ، التذكرة ١ : ٥ ، المختلف : ١٣ ، نهاية الاحكام ١ : ٢٤١.

(٢) المنتهى ١ : ٢٣ ، الايضاح ١ : ١٩.

(٣) الذكرى : ١٢.

(٤) راجع المغني ١ : ٤٣ ، نيل الاوطار ١ : ٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧.

(٥) المعالم : ١٣٥.

(٦) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٩ ، الكافي في الفقه : ١٣٠ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢.

(٧) كما اختاره في : القواعد ١ : ٥ ، الايضاح ١ : ١٩ ، الروض : ١٥٨.

(٨) الوسائل ١ : ٢١٢ ، ٢١٣ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٦ ، ٨.

(٩) التهذيب ١ : ٣٧٨ / ١١٧٢ ، الوسائل ١ : ٢١١ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٣.


المسؤول عنه ، يفيد العموم.

وصحيحة علي : عن الرجل يصيب الماء في ساقية ، أو مستنقع ، أيغتسل منه للجنابة ، أو يتوضّأ منه للصلاة ، إذا كان لا يجد غيره ، والماء لا يبلغ صاعاً للجنابة ، ولا مدّاً للوضوء ، وهو متفرق ، إلى أن أجاب بقوله : « فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات ، ثم مسح جلده بيده ، فإنّ ذلك يجزيه » إلى أن قال : « وإن كان الماء متفرقاً فقدر أن يجمعه ، وإلّا اغتسل من هذا وهذا ، فإن كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه ، فإنّ ذلك يجزيه » (١).

وموضع الاستدلال قوله : « فلا عليه » إلى آخره.

ومرسلة ابن مسكان : عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ، يريد أن يغتسل ، وليس معه إناء والماء في وهدة ، فإن هو اغتسل يرجع غسله في الماء ، كيف يصنع ؟ قال : « ينضح بكفّ بين يديه ، وكفّاً من خلفه ، وكفّاً عن يمينه ، وكفّاً عن شماله ، ثمّ يغتسل » (٢).

وصحيحة ابن بزيع : عن الغدير ، يجتمع فيه ماء السماء ، ويستقى فيه من بئر ، فيستنجي فيه إِنسان من البول ، أو يغتسل فيه الجنب ، ما حدّه الذي لا يجوز ؟ فكتب : « لا تتوضأ من مثل هذا إلّا عن (٣) ضرورة إليه » (٤) فإنّ تجويزه التوضّؤ حال الضرورة دليل على أنّ النهي للتنزّه.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤١٦ / ١٣١٥ ، الاستبصار ١ : ٢٨ / ٧٣ ، الوسائل ١ : ٢١٦ أبواب الماء المضاف ب ١٠ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٧ / ١٣١٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨ / ٧٢ ، الوسائل ١ : ٢١٧ أبواب الماء المضاف ب ١٠ ح ٢.

(٣) في « ق » : من.

(٤) التهذيب ١ : ١٥٠ / ٤٢٧ ، الاستبصار ١ : ٩ / ١١ ، الوسائل ١ : ١٦٣ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٥.


والثاني للصدوقين (١) ، والشيخين (٢) ، بل أكثر الأصحاب ، كما في الخلاف (٣) ، واختاره والدي العلامة ـ رحمه الله ـ ونسبه في اللوامع إلى أعيان القدماء ، وفي المعتمد إلى معظمهم ، وجعله المحقّق في المعتبر أولى ، وفي الشرائع أحوط (٤) ، وإن كان ظاهره فيهما وفي النافع التوقف (٥).

لاستصحاب الحدث.

ورواية ابن سنان المتقدّمة (٦). ورواية حمزة بن أحمد : عن الحمام قال : « ادخله بمئزر ، وغضّ بصرك ، ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام ، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب ، وولد الزنا ، والناصب » (٧) الحديث ، المعتضدتين بالشهرة المتقدمة ، وبتكرر السؤال في الأخبار عن الماء الذي يرجع فيه غسالة الجنب ، وأنّه كيف يصنع به حينئذ (٨) ؟ واقترانها بما ولغت فيه الكلاب (٩) ، وغير ذلك بحيث يتحدس (١٠) فيه وضوح عدم جواز التوضؤ والاغتسال منها ، عند الأصحاب الأطياب.

واحتمال النفي في الأخيرة فلا يفيد عدم الجواز خلاف الظاهر ، بقرينة المعطوف عليه.

وتجويز كون النهي لغلبة احتمال وجود النجاسة في المغتسل من الجنابة ـ كما‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٠ ، ونقل عنهما في المختلف : ١٢.

(٢) المفيد في المقنعة : ٦٤ ، والطوسي في المبسوط ١ : ١١ ، والنهاية : ٤.

(٣) الخلاف ١ : ١٧٢.

(٤) المعتبر ١ : ٨٨ ، الشرائع ١ : ١٦.

(٥) المختصر النافع : ٤.

(٦) ص ٤٣.

(٧) التهذيب ١ : ٣٧٣ / ١١٤٣ ، الوسائل ١ : ٢١٨ أبواب الماء المطلق ب ١١ ح ١.

(٨) الوسائل ١ : ٢١٦ أبواب الماء المضاف ب ١٠.

(٩) الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١ ، ٥ ، ١٢.

(١٠) في « ق » : يحدس.


يستفاد من الأخبار المتضمنة لكيفية غسل الجنابة ، الآمرة بغسل الفرج (١) ـ خلاف الإِطلاق بل الصريح ؛ لأنّ ما يغتسل به الجنب غير ما يغسل به فرجه قطعاً.

وتدلّ أيضاً عليه صحيحة محمد : عن ماء الحمام ، فقال : « ادخله بإزار ، ولا تغتسل من ماء آخر إلّا أن يكون فيه جنب ، أو يكثر أهله ، فلا يدرى فيه جنب أم لا » (٢).

والتقريب ما تقدم في صحيحته المذكورة (٣) للقول الأوّل.

وعدم وجوب التنزّه عن المستعمل في إحدى صورتي المستثنى إجماعاً ـ كما قيل ـ مع كونه كالإِجماع المدّعى ممنوعاً ـ كما يأتي ـ لا يضر ؛ إذ الخروج عن ظاهر بعض أجزاء الرواية بدليل ، لا يقتضيه في غيره.

ونفي دلالتها على وجوب التنزه ـ لكون الاستثناء عن النهي عن الاغتسال بماء آخر في صورتي المستثنى ، أعمّ من الأمر بالاغتسال به فيهما ، للاكتفاء في رفع النهي بالإِباحة ـ واهٍ جدّاً ؛ لأنّ النهي في المستثنى منه ليس للحرمة ، ولا الكراهة قطعاً ، بل المراد نفي وجوب الاغتسال عن ماء آخر لعدم صلاحيته لمعنى غيره ، فرفعه يكون بالوجوب ، وبه يثبت المطلوب.

ثمّ إنّ هؤلاء بهذه الأدلّة يعارضون الأولين بأدلّتهم ، فيدفعون استصحابهم باستصحابهم وبأخبارهم ، وإطلاقاتهم بقسميها بمقيداتهم ، بعد نفيهم دلالة سائر أخبارهم (٤).

فالصحيحة الاُولى : بأنّ ما ينزو ، أو ينضح ، أو يقطر ، يستهلك في الإِناء ، فلا منع فيه. مع أنّه لا إشعار بنفي البأس عن الغسل ؛ لجواز أن يكون السؤال عن نجاسة الإِناء ، وكان النزو بعد تمام الغسل.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٢٩ أبواب الجنابة ب ٢٦.

(٢) التهذيب ١ : ٣٧٩ / ١١٧٥ ، الوسائل ١ : ١٤٩ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٥.

(٣) ص ١٠٠ ـ ١٠١.

(٤) المتقدمة ص ٩٩.


والثانية : بأنّ الظاهر كون السؤال عن الماء الجاري في الحياض ، دون الغسالة. مع أنّها معارضة بغيرها ، مما مرَّ ويأتي ، ومع ذلك فهي عامة يجب تخصيصها بما مرّ.

والثالثة : بجواز كون « أن » في قوله : « لا عليه أن يغتسل » مصدرية ، وكون المصدر اسماً للفظة « لا » ، والمشار إليه في قوله : « فإنّ ذلك يجزيه » ما ذكره أوّلاً من غسل الرأس ومسح الجلد.

بل يتعيّن أن يكون المراد ذلك ؛ لأنّ السؤال قد تضمّن أمرين : عدم كفاية الماء ، وتفرقته. وقد أجاب عن الأوّل بغسل الرأس ومسح الجلد ، وعن الثاني بالجمع مع القدرة ، والاغتسال من هذا وهذا بدونها ، والمحكوم عليه في قوله : « فإن كان » وقوله : « فإن خشي » واحد ، فيلزم اتّحاد الحكم لئلّا يلزم التناقض. مع أنّه على الاحتمال الآخر يحتاج إلى إضمار اسم لا ، وهو خلاف الأصل.

والمرسلة : باحتمال أن يكون السؤال عن فساد الماء ، برجوع ماء الغسل بعد تمامه فيه ، لا عن الغسل بالماء الراجع. بل احتمال أن يكون الأمر بنضح الأكف لئلّا يحصل العلم بالرجوع ، ولا يمكن منه الغسل ، كما صرح به كثير من الأصحاب.

مضافاً إلى ضعف سندها ، وإرسالها ، ومخالفتها لعمل راويها ، ولشهرة القدماء ، وهما مخرجان للرواية عن الحجيّة.

والأخيرة : بجواز رجوع المجرور في قوله : « إليه » إلى التوضؤ ، أي : لا تتوضأ إلّا مع الضرورة الى التوضؤ ، من تقيّة ، أو نحوها.

وعلى هذا فتكون تلك كسابقتيها دليلاً للقول الثاني أيضاً. فهو الأقوى ، وبالعمل عليه أليق وأحرى.

فروع :

أ : هل الحكم مختص بالمستعمل في غسل الجنابة ، أم يعمّ سائر الأغسال الواجبة أيضاً ؟


المصرح به في كلام الأكثر ـ ومنهم الشيخ (١) ـ التعميم. ولكن الأخبار وبعض كلمات الأصحاب ـ ومنهم الصدوق في الفقيه (٢) ـ مخصوص. ومنه يظهر انتفاء الإِجماع على الاشتراك ، فالاختصاص أظهر. وتنزيل الأخبار على التمثيل يحتاج إلى الدليل. واشتراك الحائض ومن في حكمها مع الجنب في كثير من الأحكام ، لا يثبت الاشتراك في الجميع.

ب : من وجب عليه الغسل من حدث مشكوك ـ كواجد المني في ثوبه المختص ، والمتيقِّن للحدث والغسل والشاك في المتأخّر ـ كالمتيقِّن ؛ لأنّه جنب شرعي.

واستشكل فيه الفاضل في النهاية ، والمنتهى (٣). وهو غير جيّد.

ج : يشترط في رفع الطهورية الانفصال عن البدن ؛ لأنّه القدر الثابت من الأخبار ، دون غيره. ولا يبعد كفاية الانفصال عن العضو المرتب في الترتيبي ، وأمّا في الارتماسي ، فلا يتحقّق الاستعمال في رفع الحدث إلّا بعد تمام الغسل ؛ والوجه فيه ظاهر.

د : الكر المجتمع من القليل المستعمل كالقليل ؛ للاستصحاب. وخلاف المبسوط والمنتهى (٤) ضعيف.

هـ : محل الكلام فيما اغتسل به ، فلا حرج فيما يبقى بعده في الإِناء. ولا يضرّ إدخال الجنب يده فيه بقصد الأخذ ؛ للأصل ، والأخبار المتضمنة لغسل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مع عائشة في إناء واحد (٥).

ولا انتضاح شي‌ء من الغسالة في الأثناء فيه ؛ للروايات النافية للبأس‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١١ ، النهاية : ٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٠.

(٣) نهاية الاحكام ١ : ٢٤٣ ، المنتهى ١ : ٢٤.

(٤) المبسوط ١ : ١١ ، المنتهى ١ : ٢٣.

(٥) الوسائل ١ : ٢٠٨ أبواب الماء المضاف ب ٧ ح ١ وج ٢ : ٢٤٢ أبواب الجنابة ب ٣٢.


عنه (١) ، وقد تقدّم بعضها.

و : هل الحكم مختص بالقليل ، أو يشمل الكثير أيضاً ؟

المصرّح به في كلام جماعة الأوّل (٢) ، وربما يستفاد من جمع عدم الخلاف فيه (٣) ، بل ادعى جماعة ، منهم : الوالد العلّامة ـ رحمه الله ـ الإِجماع عليه ، ويؤيّد الإِجماع عمل الناس في الأعصار والأمصار من غير إنكار.

وتدلّ عليه صحيحة الجمّال : عن الحياض التي ما بين مكة إلى المدينة ، تردها السباع ، وتلغ فيها الكلاب ، وتشرب منها الحمير ، ويغتسل فيها الجنب ، أيتوضأ منها ؟ قال : « وكم قدر الماء ؟ » قلت : إلى نصف الساق ، وإلى الركبة ، وأقل ، قال : « توضأ » (٤).

وذكر ولوغ الكلب (فيها) (٥) قرينة على الكريّة ، بل هي المتبادرة من الاستفصال. ويمكن تنزيل صحيحة ابن بزيع المتقدمة (٦) عليه أيضاً.

هذا ، مع أنّ الظاهر استهلاك المستعمل في الكرّ غالباً.

المسألة الخامسة : المشهور بين الأصحاب : عدم جواز رفع الحدث من غسالة الحمام‌ ، وهم بين مصرّح بالنجاسة مطلقاً ، كما عن بعضهم. وبعدم جواز استعمالها كذلك ، كالشيخ في النهاية ، والحلّي (٧) ، مدّعياً عليه الإِجماع.

وظاهر المنتهى ، كصريح بعض آخر : اتّحاد هذا القول مع الأوّل (٨). ولكن‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢١١ أبواب الماء المضاف ب ٩.

(٢) كما في المنتهى ١ : ٢٣ ، الروض : ١٥٨ ، غنائم الايام : ٢٨.

(٣) كما في المدارك ١ : ١٢٦ ، الروض : ١٥٨ ، مشارق الشموس : ٢٥٠.

(٤) الكافي ٣ : ٤ الطهارة ب ٣ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٤١٧ / ١٣١٧ ، الاستبصار ١ : ٢٢ / ٥٤ ، الوسائل ١ : ٢١٤ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١٢. ولا توجد في غير الكافي لفظة « وأقل ».

(٥) لا توجد في « ق ».

(٦) ص ١٠١.

(٧) النهاية : ٥ ، السرائر ١ : ٩١.

(٨) المنتهى ١ : ٢٥.


في شرح القواعد جعله مغايراً له (١).

وبعدم جواز الاستعمال في التطهّر كذلك ، كالصدوقين (٢).

وبالأوّل مقيّداً بما لم يعلم خلوّها عن النجاسة ، كالفاضل في الإِرشاد (٣).

وبالثاني كذلك ، كالقواعد ، والتحرير ، والتذكرة ، والبيان (٤) ، وبالثالث كذلك ، كالمعتبر (٥).

وصرّح في المنتهى (٦) بالطهارة ، وظاهر استدلاله يعطي جواز التطهير منها (٧) أيضاً.

وجعلها في شرح القواعد كما كان قبل الاستعمال (٨) ، ومفاده الطهارة والطهورية ، ومال إليه في المعالم ، والمدارك (٩) ، ونسبه المجلسي في شرحه الفارسي على الفقيه ، إلى أكثر المتأخّرين (١٠) (مع الكراهة) (١١). وفي روض الجنان أنّه الظاهر (١٢) ، إن لم يثبت الإِجماع على خلافه.

وكيف كان ، فالكلام إمّا في الطهورية ، أو الطهارة.

والحق في الأول : النفي ؛ لاستفاضة النصوص ، كرواية حمزة بن أحمد‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ١٣٢.

(٢) الصدوق في الفقيه ١ : ١٠ ، ووالده في الرسالة على ما حكاه في الحدائق ١ : ٤٩٧.

(٣) مجمع الفائدة ١ : ٢٨٩.

(٤) القواعد ١ : ٥ ، التحرير ١ : ٦ ، التذكرة ١ : ٥ ، البيان : ١٠٣.

(٥) المعتبر ١ : ٩٢.

(٦) المنتهى ١ : ٢٥.

(٧) في « ق » : بها.

(٨) جامع المقاصد ١ : ١٣٢.

(٩) المعالم : ١٤٧ ، ولم نعثر عليه في المدارك.

(١٠) اللوامع القدسية ١ : ٥٧.

(١١) لا توجد في « هـ ».

(١٢) الروض : ١٦١.


المتقدمة (١).

ورواية ابن أبي يعفور : « لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام ، فإنّ فيها غسالة ولد الزنا ، وهو لا يطهر إلى سبعة آباء ، وفيها غسالة الناصب » (٢).

وموثقته المروية في العلل : « إيّاك وأن تغتسل من غسالة الحمام ، ففيها تجتمع غسالة اليهودي ، والنصراني ، والمجوسي ، والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرّهم ، فإنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ، وانّ الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه » (٣).

وفي الثاني : الإِثبات ؛ للأصل السالم عن المعارض ، بل المعاضد بالموافق ، وهي مرسلة الواسطي : « عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب ، قال : « لا بأس به » (٤).

وموثقة زرارة : رأيت أبا جعفر يخرج من الحمام فيمضي كما هو لا يغسل رجليه حتى يصلي (٥).

والصحيحة الاُولى لمحمد ، المتقدمة (٦) في المسألة السابقة.

والمناقشة في الأخيرتين : بأنّ محل النزاع ماء البئر التي تجتمع فيها الغسالة ، وموردهما المياه المنحدرة في سطح الحمام واهية ؛ لأنّ المجتمع هو المنحدر ، مع أنّ علّة النهي المذكورة في الأخبار من أنّ فيها غسالة المذكورين ، مشتركة.

للمخالف في الأول : الأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة ، لضعف ما مرّ‌

__________________

(١) ص ١٠٢.

(٢) الكافي ٣ : ١٤ الطهارة ب ١٠ ح ١ ، الوسائل ١ : ٢١٩ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٤.

(٣) علل الشرائع : ٢٩٢ / ١ ، الوسائل ١ : ٢٢٠ ، أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٥.

(٤) الكافي ٣ : ١٥ الطهارة ب ١٠ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١٠ / ١٧ ، التهذيب ١ : ٣٧٩ / ١١٧٦ ، الوسائل ١ : ٢١٣ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٩.

(٥) التهذيب ١ : ٣٧٩ / ١١٧٤ ، الوسائل ١ : ٢١١ أبواب الماء المضاف ب ٩ ح ٢.

(٦) ص ١٠٠‌.


من الأخبار ، وصحيحة محمد ، المذكورة.

والأول مندفع : بما مرّ من المعارض ، المنجبر ضعفه سنداً بالعمل لو كان ضائراً ، مع أنّ فيها الموثّق.

والثاني : بأنّ الظاهر من مائه ماء الحياض ، وهو غير محل النزاع ، ولو منع ظهوره ، فغايته العموم ، فليخصّ بما مرّ.

وفي الثاني : النهي عن الاغتسال ، وهو مثبت للنجاسة ، كما تثبت بالأمر بغسل الملاقي ونحوه. وتعليل النهي بوجود النجس فيه من الغسالات المذكورة.

ويرد على الأوّل : منع الملازمة ، وقياسه مع الفارق ، وهو الإِجماع المركب في الثاني دون الأوّل.

وعلى الثاني : منع إيجاب التعليل للنجاسة. فلعلّه لكونه غسالة للنجاسة ، مع أنّ فيها غسالة الجنب ، وولد الزنا ، وهما طاهران.

ثمّ النفي في الأول هل هو مطلق ، أو مقيّد بعدم العلم بالخلوّ عن النجاسة ، أو عن الغسالات المذكورة كُلاً أو بعضاً ، أو بالعلم بعدم الخلو ؟

لا ينبغي الريب في سقوط الأول ؛ لمكان التعليل. فإن كان المراد منه أنّه معرض لمثل هذه الاُمور ، ومحتمل له ، فيتّجه الثاني. وإن اُريد أنّه معرض لها خاصة فالثالث. وإن كان المراد انّها تتحقّق قطعاً فالرابع ، والأصل مع إرادة الأخير ، كما أنّه مع الرابع أيضاً ، فهو الأقوى.

ثمّ المصرح به في أكثر الأخبار ، ماء البئر التي تجتمع فيها الغسالة ، فهل يختص الحكم بها ، أو يعمّها قبل دخولها فيها أيضاً ؟

مقتضى التعليل : الثاني ، بل يدل عليه عموم الموثقة (١) أيضاً ، فهو المتّجه. ولا يختص بما يصب على البدن ، بل يشمل ما ارتمس فيه أيضاً بشرط أن يكون قليلاً ؛ ليصدق عليه الغسالة.

__________________

(١) المتقدمة ص ١٠٨.


الفصل الثامن : في السؤر‌

وهو لغةً : البقية من كلّ شي‌ء ، أو من الطعام والشراب ، أو من الشراب أو الماء مطلقاً ، أو مع القلة بعد الشرب أو مطلقاً.

وعرفاً : قيل : إنّه ما لاقاه (جسم) (١) حيوان. ومنهم من بدّل الموصول بالمائع (٢). ومنهم من بدّله بالماء ، وهو بين من أطلقه ، ومن خصّه بالقليل (٣) ، وعلى التقادير ، قد يبدّل الجسم بالفم (٤).

وقد اُطلق على بعض هذه الأقسام في الأخبار ، ولكنه لا يثبت الحقيقة ، وتعيينها لغةً أو عرفاً مشكل ، إلّا أنّ الظاهر من التبادر وأصالة عدم النقل : اعتبار القلة.

وعلى هذا ، فما ورد من الأسآر في الأخبار إن علم المراد منه بقرينة فهو ، وإلّا فالمرجع الأصل ، فلا يثبت الحكم إلّا لما قطع بكونه سؤراً ، وهو الماء القليل الملاقي للفم.

ثمّ الكلام فيه إمّا لأجل الخلاف في نجاسة ذي السؤر ، أو انفعال القليل ، أو لأجل كونه سؤراً ، والمقصود هنا الثالث ، والتكلّم فيه في مسائل :

المسألة الاُولى : السؤر من نجس العين نجس بالإِجماع‌ ، ومن الطاهر طاهر ، يجوز استعماله ، والتطهّر به مطلقاً على الأقوى ، وفاقاً للمصباح ، والخلاف (٥) ، بل معظم الأصحاب ، وفي الغنية (٦) الإِجماع عليه.

__________________

(١) لا توجد في « هـ ».

(٢) كما في السرائر ١ : ٨٥.

(٣) كما في المسالك ١ : ٣ ، الرياض ١ : ١٢.

(٤) كما في الذخيرة : ١٤١.

(٥) الخلاف ١ : ١٨٧.

(٦) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١.


وخلافاً للمنقول عن الاستبصار ، والتهذيب ، والمبسوط ، والسرائر (١) ، فمنعوا من سؤر ما لا يؤكل. إلّا أنّ الأوّل استثنى الفأرة ، والبازي ، والصقر. والثاني : السنور ، والطير. والأخيرتين : ما لا يمكن التحرّز عنه ، والوحش ، وزاد الأخير : الطير أيضاً.

والإِسكافي (٢) ، فمنع من سؤر الجلال والمسوخ. والسيد ، والقاضي (٣) ، فالأوّل فقط. والنهاية (٤) فعن سؤر آكل الجيف من الطير.

وقد ينقل أقوال اُخر ، وقد يختلف الانتساب فيما ذكر أيضاً. ثمّ منع هؤلاء يمكن ان يكون للنجاسة ، أو التعبّد.

لنا ـ بعد الاُصول ـ : المستفيضة من المعتبرة ، وهي بين ما يدلّ على طهارة الجميع ، كصحيحة البقباق : عن فضل الهرة ، والشاة ، والبقرة ، والإِبل ، والحمار ، والخيل ، والبغال ، والوحش ، والسباع ، فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه ، فقال : « لا بأس به » (٥) الحديث.

وسؤر كلّ الطيور ، كموثّقة عمار : سئل عن ماء تشرب منه الحمامة ، فقال : «كلّ ما اُكل لحمه يتوضّأ من سؤره ويشرب » وعن ماء شرب منه باز ، أو صقر ، أو عقاب ، فقال : « كلّ شي‌ء من الطيور ، يتوضأ ممّا يشرب منه » (٦) الحديث.

ورواية أبي بصير : « فضل الحمامة والدجاجة لا بأس به والطير » (٧).

__________________

(١) الاستبصار ١ : ٢٦ ، التهذيب ١ : ٢٢٤ ، المبسوط ١ : ١٠ ، السرائر ١ : ٨٥.

(٢) نقله عنه في المختلف : ١٢.

(٣) المهذّب ١ : ٢٥ ، ولم نعثر على كلام السيد في كتبه.

(٤) النهاية : ٥.

(٥) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٩ / ٤٠ ، الوسائل ١ : ٢٢٦ أبواب الأسآر ب ١ ح ٤.

(٦) الكافي ٣ : ٩ الطهارة ب ٦ ح ٥ ، الوسائل ١ : ٢٣٠ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٢.

(٧) الكافي ٣ : ٩ الطهارة ب ٦ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٢٨ / ٦٥٩ ، الوسائل ١ : ٢٣٠ أبواب الأسآر ب ٤ ح ١.


والسباع ، كصحيحة محمد : عن السنور ، قال : « لا بأس أن يتوضأ من فضلها ، إنما هي من السباع » (١).

ورواية معاوية بن شريح : عن سؤر السنّور [ والشاة ] والبقرة ، والبعير ، والفرس ، والحمار ، والبغل ، والسباع ، يشرب منه أو يتوضأ ؟ قال : « نعم اشرب منه ، وتوضأ » (٢).

والهرة ، وقد مرَّ ، ويأتي.

وجميع الدوابّ ، كصحيحة جميل : عن سؤر الدواب ، والبقر ، والغنم ، أيتوضأ منه ويشرب ؟ قال : « لا بأس » (٣).

والفأرة ، كخبر عمار : « لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإِناء ، أن يشرب ويتوضأ منه » (٤) إلى غير ذلك.

حجة المخالفين : مرسلة الوشاء : « إنّه كان يكره سؤر ما لا يؤكل لحمه » (٥).

وصحيحة ابن سنان : « لا بأس بأن يتوضأ مما يشرب منه ما يؤكل لحمه » (٦).

وموثقتا عمّار ، إحداهما : « كلّ ما يؤكل فليتوضأ منه وليشربه » (٧). وقريبة منها

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٤ ، الاستبصار ١ : ١٨ / ٣٩ ، الوسائل ١ : ٢٢٧ أبواب الأسآر ب ٢ ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٧ ، الاستبصار ١ : ١٩ / ٤١ ، الوسائل ١ : ٢٢٦ أبواب الأسآر ب ١ ح ٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) التهذيب ١ : ٢٢٧ / ٦٥٧ ، الوسائل ١ : ٣٣٢ أبواب الأسآر ب ٥ ح ٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٤ / ٢٨ ، التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٣ ، الاستبصار ١ : ٢٦ / ٦٥ ، الوسائل ١ : ٢٣٩ أبواب الأسآر ب ٩ ح ٢ ، وفي جميع المصادر : اسحاق بن عمار.

(٥) الكافي ٣ : ١٠ الطهارة ب ٦ ح ٧ ، الوسائل ١ : ٢٣٢ أبواب الأسآر ب ٥ ح ٢. يظهر من الوسائل أن الشيخ أيضاً نقلها لكنها غير موجودة في النسخ التي بأيدينا من التهذيبين ، كما نبّه عليه أيضاً في جامع الاحاديث ٢ : ٦٢.

(٦) الكافي ٣ : ٩ الطهارة ب ٦ ح ١ ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٥ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٤.


الاُخرى (١).

والأوّل (٢) استثنى الفأرة وأخويها بموثّقة عمار (٣) ، وخبره. والثاني : السنور ، والطير ، بالموثقة ، وصحيحة محمد (٤). والأخيران : الوحش ، بصحيحة البقباق (٥) ، وما لا يمكن التحرّز عنه ، بنفي الحرج. والأخبر : الطير ، بما مر ، كما أنّ الخامس والسادس : غير الجلال والمسوخ ، أو غير الأوّل فقط ، به.

ويضعّف المرسلة : بكون الكراهة في اللغة أعم من الحرمة.

ولو سلّم الاختصاص ، فالحمل على التجوّز ـ لما مرّ ـ متعين.

وبه يضعّف الصحيحة والموثقتان أيضاً ، مضافاً إلى عدم حجية مفهوم الوصف.

المسألة الثانية : يكره من سؤر الطاهر : سؤر الخيل ، والبغال ، والحمير ، إجماعاً ، كما في المعتمد ؛ للتفصيل القاطع للشركة في مضمرة سماعة : هل يشرب سؤر شي‌ء من الدواب ، ويتوضأ منه ؟ قال : « أمّا البقر ، والإِبل ، والغنم ، فلا بأس » (٦). والبأس المثبت للباقي ، ليس حرمة إجماعاً ، فيكون مكروهاً.

ولخبر ابن مسكان : عن التوضؤ أو الاغتسال مما ولغ فيه الكلب ، والسنور ، أو شرب جمل ، أو دابة ، أو غير ذلك ، قال : « نعم ، إلّا أن تجد غيره فتنزه عنه » (٧).

وهو وإن كان ظاهراً في الكثير ؛ لمكان ولوغ الكلب ، إلّا أنّ المطلوب يثبت‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٩ الطهارة ب ٦ ح ٥ ، الوسائل ١ : ٢٣٠ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٢.

(٢) أراد به الاستبصار ، وبالثاني التهذيب ... وبالأخيرين المبسوط والسرائر.

(٣) المتقدمة ص ١١١ ، وتقدم خبر (إسحاق بن عمار) في الصفحة السابقة رقم ٤.

(٤) المتقدمة ص ١١٢.

(٥) المتقدمة ص ١١١.

(٦) الكافي ٣ : ٩ الطهارة ب ٦ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٢٧ / ٦٥٦ ، الوسائل ١ : ٢٣٢ أبواب الأسآر ب ٥ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ٢٢٦ / ٦٤٩ ، الوسائل ١ : ٢٢٨ أبواب الأسآر ب ٢ ح ٦.


وبالأولوية ، وعدم الفصل.

والدجاج ؛ لفتوى الشيخ والفاضل والمعتبر (١) ، وإن قيّده الأخير بالمهملة.

وكل ما لا يؤكل ، ومنه : الجلال وآكل الجيف والمسوخ ؛ للمرسلة.

ولا ينافي الكراهة في بعض ما ذكر نفي البأس عنه أو تجويز استعماله في بعض الأخبار ؛ لاجتماعهما معاً.

وينبغي استثناء السنّور مما لا يؤكل ، كما فعله جماعة (٢) ؛ لصحيحة زرارة : « إنّ الهر سبع ، ولا بأس بسؤره ، وإنّي لأستحيي أن أدع طعاماً لأنّ هرّاً أكل منه » (٣).

ورواية الكناني : « لا تدع فضل السنور أن تتوضأ منه ، إنّما هي سبع » (٤).

ويؤيدهما : المروي في نوادر الراوندي ، قال ، علي عليه السلام : « بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يتوضأ إذ لاذ به هرّ البيت ، وعرف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه عطشان ، فأصغى (٥) إليه الإِناء حتى شرب منه ، وتوضأ بفضله » (٦).

وبهذه يخصّص عموم المرسلة (٧).

ولا يعارضها خبر ابن مسكان (٨) ؛ لعطف السنور فيها على الكلب بحرف الجمع. مع أنّ منطوقه في السنور متروك قطعاً ؛ لأنّ الكثير لا يكره بذلك ، فلا‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٠ ، المنتهى ١ : ٢٥ ، التذكرة ١ : ٦ ، التحرير ١ : ٥ ، المعتبر ١ : ٩٩.

(٢) كما في التهذيب ١ : ٢٢٦ ، المبسوط ١ : ١٠ ، التذكرة ١ : ٦ ، المعتبر ١ : ٩٩.

(٣) الكافي ٣ : ٩ الطهارة ب ٦ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٢٧ / ٦٥٥ ، الوسائل ١ : ٢٢٧ أبواب الأسآر ب ٢ ح ٢.

(٤) التهذيب ١ : ٢٢٧ / ٦٥٣ ، الوسائل ١ : ٢٢٨ أبواب الأسآر ب ٢ ح ٤.

(٥) أصغاه : أماله وحرّفه على جنبه ليجتمع ما فيه.

(٦) نوادر الراوندي : ٣٩ ، المستدرك ١ : ٢٢٠ أبواب الأسآر ب ٢ ح ٢.

(٧) المتقدمة ص ١١٢.

(٨) المتقدم ص ١١٣.


يبقى المفهوم ، لتقومه به.

والمستفاد من رواية الكناني : استثناء مطلق السباع ، ولا بأس به.

المسألة الثالثة : يكره ما وقع فيه الحية ، والعقرب ، والوزغة ، وإن خرجت حياً ؛ لروايات دالّة عليه (١) ، والكراهة في الأخير أشدّ.

واستظهر في المدارك عدمها في الأوّل (٢) ؛ لصحيحة علي : عن العظاية (٣) ، والحية ، والوزغ ، يقع في الماء ، فلا يموت يتوضأ منه للصلاة ؟ فقال : « لا بأس فيه » (٤).

وفيه : ما مرّ من عدم منافاة نفي البأس للكراهة مع الدليل ، وهو رواية أبي بصير : عن حية دخلت حبّاً فيه ماء وخرجت منه ، قال : « إن وجد ماء غيره فليهرقه » (٥).

المسألة الرابعة : الأقوى : المنع من سؤر الحائض الغير المأمونة ، كما في التهذيب والاستبصار (٦) ، وكراهة سؤر المأمونة والمجهولة.

أمّا الأول : فلموثقة ابن يقطين : في الرجل يتوضأ بسؤر الحائض ، قال : « إذا كانت مأمونة فلا بأس » (٧).

دلّت بمفهومها على ثبوت البأس ـ الذي هو العذاب والشدة ـ في سؤر غير المأمونة.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٣٨ أبواب الأسآر ب ٩.

(٢) المدارك ١ : ١٣٧.

(٣) العظاية : وهي دويبة أكبر من الوزغة. الصحاح ٦ : مادة ـ عظا ـ.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٦ ، الوسائل ١ : ٢٣٨ أبواب الأسآر ب ٩ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٧٣ الطهارة ب ٤٦ ح ١٥ ، التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠٢ ، الاستبصار ١ : ٢٥ / ٦٣ ، الوسائل ١ : ٢٣٩ أبواب الأسآر ب ٩ ح ٣.

(٦) التهذيب ١ : ٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ١٧.

(٧) التهذيب ١ : ٢٢١ / ٦٣٢ ، الاستبصار ١ : ١٦ / ٣٠ ، الوسائل ١ : ٢٣٧ أبواب الأسآر ب ٨ ح ٥. وفيها : « بفضل » بدل : « بسؤر ».


وبمفهومها يخصّ ما دلّ على الجواز مطلقاً ، كموثّقة العيص : عن سؤر الحائض ؟ قال : « توضأ منه ، وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة » (١) حيث إنّ الأصل اختصاص الشرط بالأخيرة.

أو على الكراهة كذلك ، كرواية أبي هلال ـ التي هي دليلنا على الجزء الثاني ـ : « المرأة الطامث اشرب من فضل شرابها ولا اُحبّ أن تتوضأ منه » (٢).

كما أنّ بمنطوقها يخصّ عموم ما دلّ على المنع ، كرواية عنبسة : « اشرب من سؤر الحائض ، ولا تتوضأ منه » (٣).

وصحيحة الحسين بن أبي العلاء : عن الحائض يشرب من سؤرها ؟ قال : « نعم ، ولا يتوضأ منه » (٤).

وصحيحة العيص : عن سؤر الحائض ، فقال : « لا توضأ منه ، وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة » (٥).

ورواية ابن أبي يعفور : « ولا تتوضأ من سؤر الحائض » (٦).

وموثقة أبي بصير : هل يتوضأ من فضل الحائض ؟ قال : « لا » (٧).

مع أنّ دلالة الجميع على المنع فرع كون الأفعال فيها نهياً ، مع أنّ النفي القاصر عن إفادة الزائد عن المرجوحية في كثير منها محتمل ، فلا يعارض شيئاً مما يدل على المنع أو الجواز لجمعها معهما. بل يكون دليلاً آخر لنا على الجزء الثاني ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٢ / ٦٣٣ ، الاستبصار ١ : ١٧ / ٣١ ، الوسائل ١ : ٢٣٤ أبواب الأسآر ب ٧ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٢٢ / ٦٣٧ ، الاستبصار ١ : ١٧ / ٣٥ ، الوسائل ١ : ٢٣٨ أبواب الأسآر ب ٨ ح ٨. في الاستبصار والوسائل : « ولا اُحب أن أتوضأ منه ».

(٣) الكافي ٣ : ١٠ الطهارة ب ٧ ح ١ ، الوسائل ١ : ٢٣٦ أبواب الأسآر ب ٨ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ١٠ الطهارة ب ٧ ح ٣ ، الوسائل ١ : ٢٣٦ أبواب الأسآر ب ٨ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ١٠ الطهارة ب ٧ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٢٣٤ أبواب الأسآر ب ٧ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ١١ الطهارة ب ٧ ح ٤ ، الوسائل ١ : ٢٣٦ أبواب الأسآر ب ٨ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ٢٢٢ / ٦٣٦ ، الاستبصار ١ : ١٧ / ٣٤ الوسائل ١ : ٢٣٧ أبواب الأسآر ب ٨ ح ٧.


بل لولا تقدّم التخصيص على التجوّز ، لأمكن الاستناد فيه إلى تلك العمومات على تضمنها النهي أيضاً ، بحملها على الكراهة ، بمقتضى الجمع بينها وبين موثّقة العيص ، سيّما مع شهادة رواية أبي هلال بذلك الجمع.

وكيف كان ، يظهر ضعف الاستناد إليها في المنع من التوضؤ ، والشرب ، عن سؤر الحائض مطلقاً ، كما عن المقنع (١).

كما يظهر ضعف القول بكراهة سؤرها كذلك ، كما عن الإِسكافي (٢) ، والمبسوط (٣) ، والمصباح (٤) ، والفقيه (٥) ، بل الأكثر ، كما في المدارك (٦).

أو مقيّداً بالمتهمة ، كما عن الشيخ في النهاية ، والديلمي ، والحلي (٧) ، والفاضلين (٨) ، والوسيلة ، وشرح القواعد (٩) ، بل أكثر المتأخرين.

أو بغير المأمونة ، كما عن المقنعة ، والمراسم ، والجامع ، والمهذب (١٠) ، وجماعة من المتأخرين (١١).

أو بنجاسته مع التهمة ، كما تشعر عبارة الغرر (١٢) بوجود القول بها ، بل نجاسة سؤر كل متّهمٍ.

__________________

(١) المقنع : ١٠.

(٢) نقل عنه في كشف اللثام ١ : ٣٠.

(٣) المبسوط ١ : ١٠.

(٤) نقل عنه في المختلف : ١٢.

(٥) الفقيه ١ : ٩.

(٦) المدارك ١ : ١٣٥.

(٧) النهاية : ٤ ، السرائر ١ : ٦٢ ، ولم نعثر عليه في المراسم.

(٨) المحقق في المعتبر ١ : ٩٩ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٣٧ ، والتحرير ١ : ٥ ، والتذكرة ١ : ٦.

(٩) الوسيلة : ٧٦ ، جامع المقاصد ١ : ١٢٤.

(١٠) المقنعة : ٥٨٤ ، المراسم : ٣٧ ، الجامع للشرائع : ٢٠ ، المهذب ٢ : ٤٣٠.

(١١) منهم المحقق في الشرائع ١ : ١٦ ، الشهيد في الذكرى : ١٢.

(١٢) لعل المراد به غرر المجامع في شرح المختصر النافع للسيد نور الدين علي أخي صاحب المدارك « مخطوط ».


ثم الحكم في الأخبار مختص بالوضوء ، فلا يتعدّى إلى غيره في المنع قطعاً.

وقد يتعدّى في الكراهة ؛ للاحتياط ، وهو ضعيف.

نعم يمكن التعدّي فيها في غير المأمونة ، بإطلاق فتوى كثير من الأصحاب (١) ، بل دعوى بعضهم (٢) أنّ الظاهر الاتفاق عليه ، باعتبار التسامح في أدلّة السنن.

وبه يخصّ عموم رواية أبي هلال ، في نفي الكراهة عن الشرب ، باعتبار التفصيل القاطع للشركة.

فرع : ألحق بعضهم بالحائض المتهمة كلّ متّهم ، وهو المحكي عن الشيخين ، والحلي ، والبيان (٣) ، وأطعمة المختصر النافع (٤).

ولا دليل عليه ، إلّا أن يكتفى بفتوى هؤلاء الأعلام في إثبات الكراهة ، ولا بأس به في المقام.

نعم يدل بعض ما مرّ على المنع من التوضؤ من سؤر غير المأمونة من الجنب. وبعد نفي التحريم فيه بظاهر الإِجماع لا مناص عن القول بالكراهة فيه.

المسألة الخامسة : لا يكره سؤر المؤمن ؛ لما روي من أنّ فيه الشفاء (٥). وهو وإن كان ظاهراً في الشرب ، إلّا أنّه لا قائل بالفصل ظاهراً.

وتدلّ على بعض المطلوب : صحيحة العيص وموثقته (٦) ، سيما مع ضمّ الأولوية بالنسبة إلى غير الجنب ، وغير المرأة.

__________________

(١) كما في المقنع : ٦.

(٢) نقله صاحب مفتاح الكرامة ١ : ٨٤ عن اُستاذه.

(٣) المفيد في المقنعة : ٥٨٤ ، والطوسي في النهاية : ٨٩ ، السرائر ٣ : ١٢٣ ، البيان ١٠١.

(٤) لم يوجد فيه ما يناسب المقام ، نعم في أطعمة الشرائع (٣ : ٢٢٨) : ـ وكذا يكره أكل ما يعالجه من لا يتوقّى النجاسات.

(٥) الوسائل ٢٥ : ٢٦٣ أبواب الماء الأشربة المباحة ب ١٨.

(٦) المتقدمتان ص ١١٦.


الفصل التاسع : في الماء المشتبه‌

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : لا خلاف في وجوب الاجتناب عن الإِناءين المشتبهين‌ اللذين أحدهما طاهر والآخر نجس ، وعليه الإِجماع في (١) الخلاف ، والسرائر ، والغنية ، والمعتبر ، والتذكرة ، ونهاية الإِحكام ، والمختلف (٢) ؛ وهو الحجّة عليه ، مضافاً إلى موثقتي سماعة والساباطي ، المتقدّمتين في بحث القليل (٣). والطعن في حجّيتهما ضعيف من وجوه.

والاحتجاج للمطلوب ؛ بأنّ يقين الطهارة في كل منهما معارض بيقين النجاسة ، فلا دليل على الطهارة المجوّزة للاستعمال. وبأنّ اجتناب النجس واجب ، وهو لا يتمّ إلّا باجتنابهما معاً. وبأنّ اشتغال الذمّة بالصلاة يستدعي البراءة اليقينيّة ، وهي لا تحصل إلّا بالطهارة بغير هذا الماء. وبأنّ النجس القطعي موجود ، فالحكم بطهارة الجميع حكم بطهارة النجس ، وبطهارة واحدٍ ، ترجيح بلا مرجّح .. ضعيف جدّاً.

أمّا الأول : فبأنّ مورد يقين النجاسة أحدهما لا بعينه ، ومورد الطهارة كلّ منهما معيّناً بدلاً ، فاختلف المحل ، فلا يتحقّق التعارض. مع أنّ أصالة الطهارة الشرعية عن المعارض خالية.

وأمّا الثاني : فبمنع وجوب اجتناب النجس مطلقا ، بل اللازم الثابت وجوب الاجتناب عن العلم باستعمال النجس ، وهو يحصل باجتنابهما معاً ، وإن لم‌

__________________

(١) في « هـ » : عن.

(٢) الخلاف ١ : ١٩٧ ، السرائر ١ : ٨٥ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢ ، المعتبر ١ : ١٠٣ ، التذكرة ١ : ١٠ ، نهاية الاحكام ١ : ٢٤٨ ، المختلف : ١٥.

(٣) ص ٣٨.


يجتنب عن كلّ منهما بدلاً.

وأمّا الثالث : فبأنّ اللازم تحصيل البراءة الشرعية ، وهي تحصل ـ بملاحظة الأصل لولا الإِجماع والأخبار ـ مع الطهارة بذلك الماء.

وأمّا الرابع : فبأنّ المحكوم به طهارة كل منهما على البدليّة ، فلا ترجيح بلا مرجّح.

ثمّ الحكم هل يختص بالإِناءين أو ينسحب إلى الأكثر أيضاً ؟

وكلماتهم بين المطلق في المشتبه ، كما في الشرائع ، والدروس (١). ومقيّد بالإِناءين ، مثل النافع ، والإِرشاد (٢). ومصرّح بالانسحاب ، نحو التحرير ، وغرر المجامع بل المعتبر (٣). وناصّ على نفيه ، كجماعة من المتأخرين (٤) ، منهم : والدي العلّامة في كتابيه.

والقائل بالانسحاب يخصّص بالمحصور ؛ لتصريح الجماعة بخروج غيره عن هذا الحكم. ففي المسألة قولان :

عدم الانسحاب مطلقاً ، بمعنى جواز استعمال غير المساوي للنجس ؛ للأصل الخالي عن المعارض ، وهو الحق.

والإِيراد : بأنّ التمسّك بالأصل في كل فرد ينتج الحكم بطهارة الجميع ؛ ضعيف ؛ لأنّه إنّما هو إذا لم يكن في كل فرد ممّا يساوي النجس على سبيل البدلية.

والانسحاب في الزائد المحصور ؛ للأدلّة الأربعة الأخيرة المردودة ، وللإِجماع المنقول في التحرير ، الغير القابل للإِخراج عن الأصل ؛ لعدم حجيته ، ولتنقيح المناط المردود بعدم قطعيّة العلة.

هذا ، مع أنّ ما ذكروه في الفرق بين المحصور وغيره غير ناهض ، كما بيّنا‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٥ ، الدروس ١ : ١٢٣.

(٢) المختصر النافع : ٤ ، مجمع الفائدة ١ : ٢٨١.

(٣) التحرير ١ : ٦ ، المعتبر ١ : ١٠٤.

(٤) منهم صاحب المشارق : ٢٨٢.


في موضعه.

ومن المتأخّرين من استند في الانسحاب والفرق إلى الاستقراء ، وعدّ مواضع قليلة في المحصور وغيره ، لإِثباته (١).

ولا إشعار في شي‌ء منها بالتغاير بين المحصور وغيره ، مضافاً إلى أنّ بمثلها لا يثبت الاستقراء ، ولو ثبت لا يكون إلّا ظنياً ، ولا حجية فيه.

فروع :

أ : لا فرق فيما ذكر بين ما لو كان الاشتباه حاصلاً أوّلاً ، وبين ما لو حصل بعد التعيّن.

واحتمل في المدارك الفرق : بتحقّق المنع من استعمال المتعيّن ، فيستصحب (٢).

وضعفه ظاهر جداً ؛ لأنّ المتعيّن غير متحقّق حتى يستصحب منعه ، وغيره غير متحقّق المنع فيه.

ب : لو كان الاشتباه للشك في وقوع النجاسة ، أو في نجاسة الواقع ، لا يجب الاجتناب بالإِجماع والأصل.

ج : في اختصاص الحكم بالإِنائين ، كما عن جملة من المتأخرين (٣) ، وبه صرّح والدي رحمه الله ؛ أو انسحابه إلى مثل الغديرين أيضاً ، كالشيخين ، والفاضلين ، بل كثير من الأصحاب (٤) قولان :

الأوّل ، وهو الأظهر ؛ للأصل. والثاني ؛ لأنّه مقتضى بعض الأدلّة المقتضية‌

__________________

(١) الحدائق ١ : ٥٠٣.

(٢) المدارك ١ : ١٠٨.

(٣) منهم صاحب المشارق : ٢٨٢.

(٤) لم نعثر على قول الشيخين والفاضلين بالانسحاب إلى غير الإِناء ، بل نسبه في المعالم إلى بعضهم. نعم ، المنسوب إليهم وإلى كثير من الأصحاب هو الانسحاب إلى الأكثر من الإِناءين كما مرّ حكمه في ص ١٢٠. راجع المعالم : ١٦٢ ، والحدائق ١ : ٥١٥.


للحكم في الإِناءين. وقد عرفت ضعفها.

د : المشتبه بالمشتبه بالنجس كالطاهر ؛ للأصل ، واختصاص الدليل بغيره.

وكون المشتبه بالنجس في حكمه كليّاً ، ممنوع.

هـ : لو لاقى أحد المشتبهين طاهراً لا ينجّسه ، وفاقاً للثانيين (١) ، والمعالم ، والمدارك (٢) ، وجملة من المتأخرين (٣) ؛ للأصل.

وخلافاً للمنتهى (٤) ، والسرائر (٥) ، والحدائق (٦) ؛ لأنّ المشتبه بالنجس في حكمه. وقد مرّ دفعه.

ولأنّ الطاهر بملاقاته المشتبه صار مشتبهاً ، فيجب اجتنابه.

وفيه : منع وجوب الاجتناب عن مثل ذلك المشتبه.

و : لو لم يتمكّن من غير الإِناءين يجب التيمّم ، دون الصلاة مع كل منهما بعد غسل موضع الملاقاة مع الأوّل إن أمكن ، كما إذا وجد ماء مغصوب ، بلا خلاف ظاهر فيه ، كما في الحدائق (٧) ؛ للموثّقين.

ز : ظاهر الموثّقين : اختصاص المنع في الإِناءين بالطهارة. ولكن الظاهر عدم الفصل بينها وبين غيرها ، من رفع الخبث والشرب.

المسألة الثانية : صرّح جماعة من الأصحاب (٨) : بأنّ المشتبه بالمغصوب كالمشتبه بالنجس‌ ، فلا يجوز الاستعمال إذا كانا اثنين أو مع الحصر.

__________________

(١) ربما يستفاد من جامع المقاصد ١ : ١٥١ ، والروض : ٢٢٤.

(٢) المعالم : ٢٨٤ ، المدارك ١ : ١٠٨.

(٣) منهم صاحب الذخيرة : ١٣٨.

(٤) المنتهى ١ : ٣٠.

(٥) لم نعثر عليه ، وليس في « هـ ».

(٦) الحدائق ١ : ٥١٤.

(٧) الحدائق ١ : ٥١٨.

(٨) منهم صاحبا المنتهى ١ : ٣١ ، والايضاح ١ : ٢٣.


واستشكل في الذخيرة (١) والمعتمد ، وهو في محله ؛ للأصل ، وقوله : « كل شي‌ء فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال ، حتى تعرف الحرام بعينه » (٢).

للمحرّم : ما مرّ من الأدلّة الأربعة التي مرَّ ردّها.

والاشتباه هنا للشك في الغصبية غير معتبر قطعاً ؛ لأصالة عدمها.

المسألة الثالثة : إذا اشتبه إناء مطلق أو أكثر بمضاف أو أكثر يتطهر بكل من الكل وجوباً مع الانحصار ، على المصرَّح به في كلام القوم ، بل في المعتمد : الإِجماع عليه ؛ لتوقّف العلم بالطهارة بالمطلق الواجب عليه. وجوازاً مع عدمه ؛ لصدق الامتثال وعدم المانع.

خلافاً لظاهر المعتبر والروض (٣) في الثاني ، فلا يجوز ؛ لتمكّنه من الجزم في النية.

وفيه : منع وجوبه.

ولو انقلب أحدهما تيمّم ، وفاقاً لوالدي ـ رحمه الله ـ في اللوامع والمعتمد ؛ لعدم وجدان ما يعلم إطلاقه ، وهو المأمور بالطهارة به ، دون المطلق في نفس الأمر ، لتقييد التكليف بالعلم.

وقيل (٤) بالطهارة به ـ لاستصحاب وجوبها ـ والتيمم ؛ لما مرّ. ولتوقّف العلم برفع الحدث الواجب بالجمع. وبأنّه يحتمل أن يكون مطلقاً فتجب الطهارة ، ومضافاً فالتيمّم ولا مرجّح ، فيجب الجمع.

ويضعّف الاستصحاب : بعدم حجيّته هنا ؛ لجواز أن يكون الواجب هو الطهارة به بشرط الاجتماع مع الآخر ، بل هو القدر الثابت.

__________________

(١) الذخيرة : ١٣٨.

(٢) الفقيه ٣ : ٢١٦ / ١٠٠٢ ، التهذيب ٩ : ٧٩ / ٣٣٧ ، الوسائل ١٧ : ٨٧ أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ١.

(٣) المعتبر ١ : ١٠٤ ، الروض : ١٥٦.

(٤) جامع المقاصد ١ : ١٢٥.


والباقيان : بمنع توقف العلم برفع الحدث بالجمع ؛ لارتفاعه بالتيمّم مع عدم وجدان ما علم إطلاقه قطعاً. وبمنع وجوب الطهارة مع احتمال المطلق ، مع أنّه لو تمّ لأوجب التخيير ، دون الجمع.

والاشتباه هنا يحصل بالتباسهما مع القطع بإطلاق أحدهما. وأمّا الشك فيه أوّلاً فكالقطع بعدم الإِطلاق ؛ لأصالة عدم الطهورية ، واستصحاب الحدث والخبث.

وفي حكم المشتبه بالمضاف المشتبه بالمستعمل في رفع الحدث ، إلّا في الشك أوّلاً ، فإنّه هنا كالقطع بعدم الاستعمال ؛ لأصالة عدمه.

*       *      *


الفصل العاشر : في متفرقات من أحكام المياه‌

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : الماء النجس لا يرفع الحدث مطلقاً ، ولا الخبث إن كان نجساً ابتداءً (١).

ولا يجوز استعماله في الشرب ، وإدخاله في المأكول والمشروب اختياراً.

ولو انحصر ، تيمّم في الطهارة ، وشربه في الشرب ؛ لعدم المندوحة عنه.

المسألة الثانية : الماء المغصوب يرفع الخبث ؛ لصدق الماء المطلق ؛ وإن حرم استعماله. دون الحدث ؛ للنهي المفسد للعبادة ؛ إلّا مع الجهل أو النسيان ، كما يأتي في محله.

المسألة الثالثة : لا كراهة في استعمال ماء العيون الحمئة ؛ للأصل. خلافاً للإِسكافي (٢) ، ولا حجّة له.

نعم يكره التداوي به ؛ للنهي المعلّل بأنّه من فوح جهنم (٣).

المسألة الرابعة : يكره الطهارة بالماء المشمّس ‌بالإِجماع المحقّق ، والمحكي في الخلاف (٤) ، واللوامع ، والمعتمد ؛ وهو الحجّة ، مع الروايات.

كرواية السكوني : « الماء الذي يسخّنه الشمس لا توضؤوا به ولا تغتسلوا به ولا تعجنوا به ، فإنّه يورث البرص » (٥).

__________________

(١) في « ق » : زيادة : (وأما النجس برفع الخبث فيرفعه كما يأتي).

(٢) نقله عنه في الذكرى : ٨.

(٣) الكافي ٦ : ٣٨٩ الاشربة ب ١٠ ح ١ ، الوسائل ١ : ٢٢١ أبواب الماء المضاف ب ١٢ ح ٣. الفيح : سطوع الحرّ وفورانه ، ويقال بالواو. لسان العرب ٢ : ٥٥٠.

(٤) الخلاف ١ : ٥٤.

(٥) الكافي ٣ : ١٥ الطهارة ب ١٠ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٧٩ / ١١٧٧ ، العلل : ٢٨١ ، الوسائل ١ : ٢٠٧ أبواب الماء المضاف ب ٦ ح ٢.


والمروي في العلل : « خمس تورث البرص » وعدّ منها : « التوضؤ والاغتسال بالماء الذي يسخّنه الشمس » (١).

وموثقة إبراهيم بن عبد الحميد : « دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على عائشة وقد وضعت قمقمتها في الشمس ، قال : « يا حميراء ما هذا ؟ قالت : أغسل رأسي وجسدي ، قال : لا تعودي فإنّه يورث البرص » (٢).

وضعف الأخبار ـ لو سلّم ـ لا يضرّ ؛ للتسامح ، والانجبار.

والإِجماع على عدم الحرمة ـ كما عن الخلاف (٣) أيضاً ـ مع مرسلة ابن سنان المنجبر ضعفها لو كان : « لا بأس بأن يتوضأ في الماء الذي يوضع في الشمس » (٤). والنهي عن العود في الموثّقة ، دون التطهير في الحال ، أوجب حمل النهي على الكراهة.

ويلحق بالطهارة التعجين ؛ لرواية السكوني.

وفي الاختصاص بهما ، كجماعة منهم : الصدوق (٥) ، والدروس (٦) ؛ وقوفاً على ظاهر النص ، أو التعدّي إلى مطلق الاستعمال ، كالنهاية ، والمهذّب (٧) ،

__________________

(١) لم نعثر عليها في العلل ، وهي مرويّة في الخصال : ٢٧٠ / ٩ ، الوسائل ٧ : ٣٦٧ أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب ٣٨ ح ٦.

(٢) التهذيب ١ : ٣٣٦ / ١١١٣ ، الاستبصار ١ : ٣٠ / ٧٩ ، الوسائل ١ : ٢٠٧ أبواب الماء المضاف ب ٦ ح ١.

(٣) الخلاف ١ : ٥٤.

(٤) التهذيب ١ : ٣٦٦ / ١١٤ ، الوسائل ١ : ٢٠٨ أبواب الماء المضاف ب ٦ ح ٣.

(٥) الفقيه ١ : ٦.

(٦) لم نعثر عليه فيه ، بل وجدناه في الذكرى : ٨.

(٧) نسبه إلى النهاية والمهذب ... في كشف اللثام ١ : ٣٢. والموجود فيهما خلافه كما نبه عليه في مفتاح الكرامة ١ : ٩٦.


والجامع (١) ، والمعتمد ، واللوامع ؛ استناداً إلى التعليل المذكور في الأخبار لظهور عدم مدخلية الاستعمال الخاص فيه ، قولان :

أظهرهما : الثاني إن أرادوا استعماله في البدن ، كما هو ظاهر استنادهم إلى التعليل ؛ لا لأجله ـ لمنع اقتضائه للتعميم ، لجواز اختصاصه بما نهي عنه ـ بل لترك الاستفصال في الموثقة ، بل ظهور قولها : « رأسي وجسدي » في غير الاغتسال. والأول مع انضمام غسل البدن ، إن أرادوا الأعمّ.

ولا فرق في الكراهة على الأشهر الأظهر بين التسخين والتسخّن ؛ لإِطلاق الروايتين. خلافاً للمحكي عن الخلاف ، والسرائر ، والجامع (٢) ، وهو الظاهر من المختصر النافع (٣) ، فخصّوا بالأول. ولا وجه له.

ولا بين الأواني المنطبعة ، والخزفيّة ، والبلاد الحارة ، والباردة ، والماء الكثير ، والقليل ، وما يسخن بالإِشراق ، أو القرب ؛ لما مر.

وربما يخص ببعض ما ذكر ؛ لاعتبارات غير مسموعة في مقابلة الإِطلاق.

بل ظاهره عدم الفرق بين الآنية ، والحوض ، والنهر ، والساقية ، كما يظهر الميل إليه من بعض المتأخّرين (٤) ، إلّا أنّ الفاضل في نهاية الاحكام والتذكرة (٥) ، ادّعى الإِجماع على الاختصاص بالأوّل ، وكذا في الغرر.

ولا تزول الكراهة بزوال السخونة ، على الأظهر المصرّح به في كلام جماعة من المتأخّرين (٦) ، واستظهره في المنتهى ، واحتمله في التذكرة ، وقطع به في الذكرى (٧) ؛ للاستصحاب ، وإطلاق الروايتين. والبناء على اشتراط بقاء المبدأ في‌

__________________

(١) الجامع للشرائع : ٢٠.

(٢) الخلاف ١ : ٥٤ ، السرائر ١ : ٩٥ ، الجامع للشرائع : ٢٠.

(٣) المختصر النافع : ٤.

(٤) مجمع الفائدة ١ : ٢٩٢.

(٥) نهاية الاحكام ١ : ٢٢٦ ، التذكرة ١ : ٣.

(٦) منهم صاحب الروض : ١٦١ ، والرياض ١ : ١٢.

(٧) المنتهى ١ : ٥ ، التذكرة ١ : ٣ ، الذكرى : ٨.


صدق المشتق وعدمه فاسد ؛ لأنّ هذا النزاع في المشتقّات الخالية عن الزمان.

ولا بانحصار الماء فيه ؛ لما ذكر.

والأكثر على الزوال حينئذٍ ؛ لوجوب استعماله فلا يجتمع مع الكراهة.

ويضعف : بأنّ الكراهة في أمثال ذلك بمعنى المرجوحية الإِضافية ، دون المعنى المصطلح. ولو اُريد ذلك ، امتنع مع عدم الانحصار أيضاً ؛ لامتناع اجتماعه مع الوجوب التخييري أيضاً.

المسألة الخامسة : لا يكره استعمال الماء المسخّن في النار ، في غير غسل الميت ، بالإِجماع ، كما في اللوامع ، والمعتمد ؛ للأصل.

ويكره فيه كذلك ، كما عن الخلاف ، والمنتهى (١) ؛ لصحيحة زرارة : « لا يسخن الماء للميت » (٢).

ومراسيل ابن المغيرة ، ويعقوب بن يزيد ، والفقيه :

الاُولى : « لا يقرب الميت ماءً حميماً » (٣).

والاُخرى : « لا يسخن للميت الماء ، لا تعجل له بالنار » (٤).

والثالثة : « لا يسخن الماء للميت الّا أن يكون شتاءً بارداً » (٥).

والرضوي : « ولا يسخن له ماء إلّا أن يكون بارداً جدّاً ، فتوقي الميت مما توقي منه نفسك ، ولا يكون الماء حارّاً شديداً ، وليكن فاتراً » (٦).

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٩٢ ، المنتهى ١ : ٤٣٠.

(٢) التهذيب ١ : ٣٢٢ / ٩٣٨ ، الوسائل ١ : ٢٠٨ أبواب الماء المضاف ب ٧ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٣٢٢ / ٩٣٩ ، الوسائل ٢ : ٤٩٩ أبواب غسل الميت ب ١٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ١٤٧ الجنائز ب ٢١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٢٢ / ٩٣٧ ، الوسائل ٢ : ٤٩٩ أبواب غسل الميت ب ١٠ ح ٣.

(٥) الفقيه ١ : ٨٦ / ٣٩٧ و ٣٩٨ ، الوسائل ٢ : ٤٩٩ أبواب غسل الميت ب ١٠ ح ٤ و ٥.

(٦) فقه الرضا (ع) : ١٦٧ ، المستدرك ٢ : ١٧٤ أبواب غسل الميت ب ١٠ ح ١.


وتزول الكراهة ـ كما هو مقتضى الأخيرين ـ مع البرد الشديد المتعذّر أو المتعسّر معه التغسيل أو الإِسباغ. وينبغي الاقتصار في السخونة على ما يندفع به الضرورة ، كما ذكره المفيد ، وبعض القدماء (١) ، اتّباعا للأخير.

وربما يلحق بالبرد : تليين أعضائه وأصابعه ، بل قيل بتجويزه لذلك من دون ضرورة ؛ لخروجه عن الغسل (٢).

وهو مردود : بإطلاق النصوص من دون تعليق على التغسيل.

*       *      *

__________________

(١) قال في المقنعة : ٨٢ فإن كان الشتاء شديد البرد فليسخن له قليلاً. وقال علي بن بابويه في الرسالة على ما في كشف اللثام ١ : ٣٢ وليكن فاتراً واستفاد منهما كاشف اللثام القول المذكور.

(٢) كما في المهذب ١ : ٥٧.


الباب الثاني : في المضاف‌

وهو ما يلزم تقييده ، أو لا يتناوله إطلاق الاسم ، أو يصحّ سلبه عنه.

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : لا يرفع شي‌ء منه الحدث ولو اضطراراً ؛ للإِجماع المحقق ، والمحكي في المبسوط ، والاستبصار ، والتهذيب ، والسرائر ، والشرائع ، والتذكرة ، ونهاية الاحكام ، والغنية ، والتحرير (١). والاستصحاب. وأصالة عدم الطهورية. والآية (٢). والمستفيضة من النصوص (٣).

وخلاف الصدوق في ماء الورد مطلقاً (٤) ، والعماني (٥) في المضاف بما سقط في الماء عند الضرورة ـ مع إمكان إرجاع الثاني الى ما لا يخالف ـ شاذّ.

وصحيحة ابن المغيرة (٦) ، ورواية يونس (٧) ، لا حجيّة فيهما ولا دلالة.

ودعوى صدق الماء المطلق على ماء الورد ، كما صدرت عن بعض المتأخرين (٨) ، يكذّبها العرف.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٥ ، الاستبصار ١ : ١٤ ، التهذيب ١ : ٢١٩ ، السرائر ١ : ٥٩ ، الشرائع ١ : ١٥ ، التذكرة ١ : ٥ ، نهاية الاحكام ١ : ٢٣٦ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٢ ، التحرير ١ : ٥.

(٢) الفرقان : ٥٠.

(٣) الوسائل ١ : ٢٠١ أبواب الماء المضاف ب ١.

(٤) الهداية : ١٣ ، الامالي : ٥١٤ ، ويظهر أيضاً من الفقيه ١ : ٦ بناءً على نسخة الاصل حسب ما ذكره المولى التقي المجلسي في روضة المتقين ١ : ٤١.

(٥) نقل عنه في المختلف : ١٠.

(٦) التهذيب ١ : ٢١٩ / ٦٢٨ ، الاستبصار ١ : ١٥ / ٢٨ ، الوسائل ١ : ٢٠١ أبواب الماء المضاف ب ١ ح ٢.

(٧) الكافي ٣ : ٧٣ الطهارة ب ٤٦ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ٢١٨ / ٦٢٧ ، الاستبصار ١ : ١٤ / ٢٧ ، الوسائل ١ : ٢٠٤ أبواب الماء المضاف ب ٣ ح ١.

(٨) صاحب المفاتيح (منه رحمه الله) ١ : ٤٧.


ولا الخبث ؛ للثلاثة الاول ، ورود الأمر بالغسل ، وهو حقيقة فيما يكون بالماء ؛ للتبادر ، وصحة السلب.

ولو منع ، فلتقييد مطلقات الغسل بمقيّداته ـ منضماً مع الإِجماع المركّب ـ كقوله عليه السلام : « لا يجزي في البول غير الماء » (١) و « كيف يطهر من غير ماء » (٢) وفي الصحيح : عن رجل أجنب في ثوب وليس معه غيره ، قال : « يصلّي فيه إلى حين وجدان الماء » (٣).

خلافاً للمنقول عن المفيد ، والسيد (٤) مطلقاً ، وللعماني (٥) في حال الضرورة ؛ لأدلّةٍ ضعفها في مقابلة ما ذكر ، ظاهر.

المسألة الثانية : ينجس المضاف بالملاقاة مع النجاسة مطلقاً ، قليلاً كان أو كثيراً ، مع تساوي السطوح أو علوّ المنجّس ، بالإِجماع ، كما في المعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة (٦) ، وعن الشهيدين (٧) ؛ وهو الحجّة فيه.

مضافاً إلى رواية السكوني : عن قدر طبخت ، فإذا في القدر فأرة ، قال : « يهراق مرقها ، ويغسل اللحم ويؤكل » (٨).

ورواية زكريا بن آدم : عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر ، قطرت في قدر فيه لحم‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٥٠ / ١٤٧ ، الاستبصار ١ : ٥٧ / ١٦٦ ، الوسائل ١ : ٣١٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ٦ بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ١ : ٢٧٣ / ٨٠٥ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٧.

(٣) الفقيه ١ : ٤٠ / ١٥٥ ، والتهذيب ١ : ٢٧١ / ٧٩٩ ، والاستبصار ١ : ١٨٧ / ٦٥٥ ، الوسائل ٣ : ٤٨٤ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ١ (بتفاوت يسير).

(٤) نقل عن المفيد في المدارك ١ : ١١٢ ، الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٣.

(٥) نقل عنه في المختلف : ١٠.

(٦) المعتبر ١ : ٨٤ ، المنتهى ١ : ٢٢ ، التذكرة ١ : ٥.

(٧) الاول في الذكرى : ٧ ، والثاني في الروض : ١٣٣ ، والروضة ١ : ٤٥.

(٨) الكافي ٦ : ٢٦١ الاطعمة ب ١٤ ح ٣ ، التهذيب ٩ : ٨٦ / ٣٦٥ ، الوسائل ١ : ٢٠٦ أبواب الماء المضاف ب ٥ ح ٣. (وفي الجميع بتفاوت يسير).


كثير ، ومرق كثير. قال : « يهراق المرق ، أو يطعم أهل الذمة ، أو الكلب ، واللحم اغسله وكله » (١).

والاختصاص ببعض المضافات ، أو النجاسات ، غير ضائرٍ ؛ لعدم القول بالفصل ، بل هو متحقق (٢) بين المضاف (٣) وسائر المائعات أيضاً.

وعلى هذا فتدل على المطلوب الصحاح الواردة في السمن الذائب ، أو الزيت إذا ماتت فيه فأرة (٤). وأكثرها يعمّ الكثير والقليل ، فلا وجه لما قيل (٥) من أنّ الأوّل خالٍ عن الدليل.

وأمّا مع اختلاف السطوح ودنو المنجّس ، ففي المدارك (٦) واللوامع : التصريح بعدم تنجّس الأعلى.

وفي المعتمد : التردّد.

وفصّل بعض سادة مشايخنا (٧) بين ما كان بالجريان وعدمه ، فقال بالعدم في الأول ، وبالتنجّس في الثاني. وهو الحق.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٧٩ / ٨٢٠ ، الوسائل ٣ : ٤٧٠ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٨.

(٢) في « ق » : يتحقق.

(٣) في « ق » : المضافات.

(٤) الوسائل ٢٤ : ١٩٤ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٤٣.

(٥) الرياض ١ : ١٠ قال : لا دليل عليه سوى الاجماع.

(٦) المدارك ١ : ١١٤.

(٧) هو بحر العلوم (منه رحمه الله).

قال في الدُرّة على ما في الجواهر ١ : ٣٢٣‌

وينجس القليل والكثير

منه ولا يشترط التغيير

إن نجساً لاقى عدا جارٍ علا

على الملاقي باتفاق من خلا

فيستفاد منه التفصيل المذكور في المتن ، ولكن البيت الاخير يغاير ما في (المطبوع) ص : ٦ ففيها : إن نجساً لاقى عدا ما قد علا ...

فلا يفيد التفصيل المذكور.


أما الأول : فللأصل السالم عن المعارض ؛ لاختصاص الأدلّة بغيره ؛ وتنجّس كل ما لاقى نجساً مع الرطوبة كيف كان غير ثابت.

وأما الثاني : فلعموم الرواية الاُولى ، الحاصل من ترك الاستفصال ، مع احتمال غمس الفأرة وموته بعده ، وعلوّ المرق عليه كلاً أو بعضاً ، بل وكذلك روايات السمن ، والزيت.

للقائل بعدم تنجّس الأعلى مطلقاً : الإِجماع على عدم سراية النجاسة إلى الأعلى.

وفيه : أنّه بإطلاقه غير محقّق ، ومنقوله غير حجّة ، مع أنّه مذكور في بحث المطلق ، فيمكن اختصاصه به.

المسألة الثالثة : لا يطهر بعد التنجّس إلّا بصيرورته مطلقاً ، كما يأتي في بحثه.

المسألة الرابعة : لو مزج المضاف بالمطلق ، فمع المخالفة في الصفات يعتبر إطلاق الاسم‌ إجماعاً ، وكذا مع الموافقة على الأظهر ؛ لدوران الأحكام مع الاسم.

والمناط إطلاق المطّلع على الحال ، كما هو كذلك في سائر الإِطلاقات ، فالمقام خالٍ عن الإِشكال.

والشيخ أناط الحكم بالأكثرية ، ومع التساوي أثبت له أحكام المطلق ، لأصالة الإِباحة (١).

ويضعّفه : فقد الدليل على الإِناطة ، واستصحاب الحدث والخبث ، ومنع الأصل مع عدم صدق الاسم.

وفي المختلف اعتبر التقدير (٢). وهو خالٍ عن الدليل.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٨.

(٢) المختلف : ١٤.


وجعل طائفة من المتأخرين المناط الاستهلاك (١).

وفيه : مع أنّه لا يعلم منه حكم التساوي ، أنّه قد يرتفع الإِطلاق مع عدم الاستهلاك.

والقاضي جوّز استعماله في غير رفع الحدث والخبث مطلقاً (٢). وهو راجع إلى جعله مضافاً.

المسألة الخامسة : لو أمكن تتميم ما لا يكفي من المطلق للتطهّر بالمزج مع المضاف بشرط بقاء الإِطلاق‌ ، جاز وفاقاً.

وفي وجوبه ـ كالمشهور ـ لصدق الوجدان ، ومنع شمول موجبات التيمّم مع فقد الماء لمثل المقام ، أو عدمه ـ كما عن الشيخ (٣) ـ لعدم الوجود ، وكونه اكتساباً كتحصيل الاستطاعة والنصاب ؛ قولان ، أحوطهما : الأول.

*       *      *

__________________

(١) منهم صاحبا الحدائق ١ : ٤١٠ ، والمشارق : ٢٦١.

(٢) المهذب ١ : ٢٤.

(٣) المبسوط ١ : ٩ ، ١٠.


المقصد الثاني : في الطهارة من الخبث‌

ولتوقفها على معرفة أقسام النجاسات ، ولوازمها الشرعية ، وأقسام المطهرات ، رتّبته على ثلاثة أبواب‌ :




الباب الأول : في أقسام النجاسات‌

وهي عشرة : البول ، والغائط ، والمني ، والميتة ، والدم ، والكلب ، والخنزير ، والكافر ، والخمر ، والفقاع. ونذكرها مع بعض ما يناسبها في فصول‌ :


الفصل الأول : في البول والغائط‌

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : لا خلاف في نجاستهما من كلّ ذي نفس سائلة غير مأكول اللحم ؛ سوى الطير ، والرضيع‌ ، فإنّ فيهما خلافاً يأتي ، وعلى ذلك الإِجماع محقّقاً ومنقولاً في كلام جمع من المحقّقين (١) ، بل في البعض (٢) : بالضرورة من الدين. وهو الحجّة.

مضافاً إلى المستفيضة الدالّة على الحكم في مطلق البول ، كالمروي عن النبي المنجبر بالعمل : « تنزّهوا عن البول » (٣) ، والروايات الآمرة بغسل الثوب والجسد من البول إذا أصابه مرّة أو مرّتين (٤).

أو في بول كل ما لا يؤكل لحمه ، كحسنة ابن سنان : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (٥).

المؤيدة في الجملة بحسنة زرارة : « لا تغسل ثوبك من بول شي‌ء ممّا يؤكل لحمه » (٦) والمروي في قرب الإِسناد : « لا بأس ببول ما اُكل لحمه » (٧).

أو في بعض الأبوال ، الدالّ على المطلوب بضميمة الإِجماع المركّب ،

__________________

(١) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٠ ، المعتبر ١ : ٤١٠ ، المنتهى ١ : ١٥٩ و ١٦٠.

(٢) قال في غنائم الايام : ٥٩ بل ضروري في بول الانسان.

(٣) سنن الدارقطني ١ : ١٢٧ / ٢ : وفيه « تنزهوا من البول ... ».

(٤) الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٧ الطهارة ب ٣٧ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٦٤ / ٧٧٠ ، الوسائل ٣ : ٤٠٥ أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٥٧ الطهارة ب ٣٧ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٦ / ٧١٠ ، الوسائل ٣ : ٤٠٧ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٤.

(٧) قرب الإِسناد : ١٥٦ / ٥٧٣ ، الوسائل ٣ : ٤١٠ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٧.


كالواردة في بول الإِنسان ، كالأخبار الآمرة بغسل مخرجه (١) ، وبغسل بول الصبيّ الذي أكل (٢) ، وصبّ بول الرضيع (٣) ، وبإعادة الصلاة بعد غسله إذا نسيه وصلّى ، كرواية الحسن بن زياد : عن الرجل يبول فيصيب بعض فخذه نكتة من بوله ، فيصلّي ثم يذكر بعد أنّه لم يغسله قال : « يغسله ويعيد صلاته » (٤).

أو بول السنّور ، كرواية سماعه « إن أصاب الثوب شي‌ء من بول السنّور فلا يصلح للصلاة فيه حتى يغسله » (٥).

والدالّة عليه في خرء كل ما لا يؤكل ، كالمروي في المختلف عن كتاب عمّار ، المنجبر بالعمل : « خرء الخطاف لا بأس به ، هو مما يؤكل لحمه » (٦) دلّ بالتعليل على انتفاء المعلول بانتفائه.

أو في عذرة الإِنسان كرواية علي ـ المتقدمة ـ في الجاري (٧).

وصحيحة علي بن محمد : عن الفأرة ، والدجاجة ، والحمامة ، وأشباهها ، تطأ العذرة ثم تطأ الثوب ، أيغسل ؟ قال : « إن كان استبان من أثره شي‌ء فاغسله » (٨).

والاستدلال على عذرة كل ما لا يؤكل بهما غير جيّد ؛ لعدم ثبوت إطلاق العذرة على غير غائط الإِنسان ، فإنّ كلام جمع من اللغويين ـ كابن الأثير (٩) ،

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨ و ٣١٥ أبواب أحكام الخلوة ب ٩.

(٢ و ٣) الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٣.

(٤) الكافي ٣ : ١٧ الطهارة ب ١٢ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٢٦٨ / ٧٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٨١ / ٦٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٢٨ أبواب النجاسات ب ١٩ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٨ الطهارة ب ٣٧ ح ٨ ، التهذيب ١ : ٤٢٠ / ١٣٢٩ ، الوسائل ٣ : ٤٠٤ أبواب النجاسات ب ٨ ح ١.

(٦) المختلف : ٦٧٩ ، الوسائل ٣ : ٤١١ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٢٠.

(٧) ص ٢٣.

(٨) التهذيب ١ : ٤٢٤ / ١٣٤٧ ، قرب الاسناد : ١٩٣ / ٧٢٩ ، الوسائل ٣ : ٤٦٧ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٣.

(٩) النهاية ٣ : ١٩٩.


والهروي ، وغيرهما ـ صريح في الاختصاص ، ولا تصريح لأحد منهم بالعموم.

نعم فسّر في الصحاح ، والقاموس (١) ، الخرء بالعذرة. وهو يفيد التعميم لو كان الخرء عامّاً حقيقة.

وفيه تأمّل ؛ إذ فسره في المصباح والمجمع (٢) : بالغائط الذي هو بفضلة الإِنسان مخصوص ، على ما صرّحوا به ويستفاد من وجه تسميته.

مع [ أن ] (٣) تصريح البعض بالعموم ـ لو كان ـ لم يكن حجّةً ، للتعارض. والاستعمال في بعض الروايات (٤) في غير فضلة الإِنسان لا يثبت الحقيقة.

وعلى هذا فإثبات المطلوب من مثلهما ، بل ممّا ورد في عذرة الإِنسان ، والسنّور ، والكلب ، كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله : عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان ، أو سنّور ، أو كلب ، أيعيد صلاته ؟ قال : « إن كان لم يعلم فلا يعيد » (٥) بضميمة عدم القول بالفصل ، كما أنّ بعد ثبوت الحكم في بول ما لا يؤكل يثبت في روثه (به) (٦) أيضاً.

ثمّ تخصيص الدليل على المطلوب بالإِجماع ، والحكم بالطهارة في موضع وقع فيه النزاع ، وردّ دلالة الأخبار بعدم الملازمة بين ما ورد فيها وبين النجاسة ؛ لاحتمال كونها من جهة استصحاب المصلّي فضلات ما لا يؤكل ، مضافاً إلى أخصّيتها من المدّعى ؛ إذ غايتها الإِطلاق في البول ، أو العذرة ، المنصرف إلى المتبادر منهما وهو بول الإِنسان ، كما فعله بعض معاصرينا (٧).

__________________

(١) الصحاح ١ : ٤٦ ، القاموس المحيط ١ : ١٤.

(٢) المصباح المنير : ١٦٧ ، مجمع البحرين ١ : ١٦٧.

(٣) أضفناه لاستقامة المعنى.

(٤) كصحيحة عبد الرحمن الآتية.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٦ الصلاة ب ٦٦ ح ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٥٩ / ١٤٨٧ ، الاستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٧٥ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٥.

(٦) لا توجد في « هـ ».

(٧) الرياض ١ : ٨٢.


فاسد ؛ لثبوت الملازمة بين الغسل والنجاسة بالإِجماع المركّب ، وعدم صلاحية حرمة استصحاب المصلّي لفضلة ما لا يؤكل جهة له ؛ لأنّها غير موجبة للغسل إجماعاً ، بل غاية ما يلزمها إزالة العين كيف ما كان ، سيّما مع الفرق بين بول الرضيع وغيره : بالصبّ والغسل ، والأمر (١) بالغسل وعدم جواز الصلاة قبله في بول كل أحد نفسه ، مع أنّ الفضلة الطاهرة من كلّ أحد في صلاته معفوّة قطعاً.

مضافاً إلى أنّ النهي في رواية علي (٢) إنّما هو عن التوضؤ بماء دخله مثل الدجاجة الواطئة للعذرة ، والجهة المذكورة فيه غير جارية.

وأمّا الأخصّية فهي بإطلاقها ممنوعة ، كيف والبول حقيقة في المطلق ؟!

وأكثريّة كون ما في الثوب ، أو الجسد بول الإِنسان ـ لو سلّم ـ لا يوجب انصراف السؤالات الفرضية إليه ، سيّما مع التصريح بكون غيره فيه أيضاً في الأخبار المستفيضة ، كحسنتي ابن سنان وزرارة ، وموثّقة سماعة (٣) ، وصحيحة عبد الرحمن (٤) ، هذا.

ثمّ الاستدلال على المطلوب ، بروايات النزح (٥) ، وبما دلّ على وجوب إخراج خرء الفأر عن الدقيق ، كالمروي في الدعائم (٦) ، والمسائل (٧) ، غير جيّد ؛ لضعف الأوّل : بعدم الملازمة بين استحباب النزح ، بل وجوبه ، وبين النجاسة ، والثاني : بجواز كونه للحرمة.

__________________

(١) في « ق » و « هـ » : الآمرة.

(٢) المتقدمة ص ٢٣.

(٣) المتقدمة ص ١٣٨.

(٤) المتقدمة ص ١٣٩.

(٥) الوسائل ١ : أبواب الماء المطلق من ب ١٥ ـ ٢٢.

(٦) الدعائم ١ : ١٢٢ ، المستدرك ١٦ : ١٩٥ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣١ ح ٤.

(٧) البحار ١٠ : ٢٧٦ ، ورواه في الوسائل ٢٤ : ٢٣٦ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٦٤ ح ٣ عن قرب الاسناد : ٢٧٥ / ١٠٩٣.


المسألة الثانية : الحقّ طهارة بول الطير وذرقه مطلقاً ، وفاقاً فيهما للصدوق (١) ، والعماني ، والجعفي (٢) ، والمعالم (٣) من المتأخّرين ، والحدائق (٤) من متأخّريهم ، وفي الثاني للمدارك ، والذخيرة ، وكفاية الأحكام ، والبحار (٥) ، مع نفي البعد عن طهارة الأول في الأول ، والتردّد في الثانيين ، والاستشكال في الرابع ، وللمبسوط (٦) ، في غير الخشّاف. للأصل.

وحسنة أبي بصير : « كل شي‌ء يطير فلا بأس بخرئه وبوله » (٧).

وكونها مخصوصة (٨) بالخشاف [ إجماعاً ] (٩) فيختصّ بما شاركه في العلّة ، وهو : عدم كونه مأكولاً ؛ مردود : بمنع الإِجماع المدّعى أولاً ، وعدم تعليله بما ذكر ـ لو سلّم ـ ثانياً.

وموثّقةِ غياث : « لا بأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف » (١٠) المثبتة لتمام المطلوب بالإِجماع المركّب.

المؤيّدتين بالمرويين في البحار ، أحدهما عن جامع البزنطي : « خرء كل شي‌ء يطير وبوله لا بأس به » (١١) والآخر عن نوادر الراوندي : عن الصلاة في الثوب الذي‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤١ ، المقنع : ٥.

(٢) نقله عنهما في الذكرى : ١٣.

(٣) المعالم : ١٩٨.

(٤) الحدائق ٥ : ١١.

(٥) المدارك ٢ : ٢٦٢ ، الذخيرة : ١٤٥ ، الكفاية : ١١ ، البحار ٧٧ : ١١١.

(٦) المبسوط ١ : ٣٩.

(٧) الكافي ٣ : ٥٨ الطهارة ب ٣٧ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٧٩ ، الوسائل ٣ : ٤١٢ أبواب النجاسات ب ١٠ ح ١.

(٨) كما عن المختلف : ٥٦.

(٩) أضفناه لاستقامة المعنى.

(١٠) التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٧٨ ، الاستبصار ١ : ١٨٨ / ٦٥٩ ، الوسائل ٣ : ٤١٣ أبواب النجاسات ب ١٠ ح ٥.

(١١) البحار ٧٧ : ١١٠ ، المستدرك ٢ : ٥٦٠ أبواب النجاسات ب ٦ ح ٢.


فيه أبوال الخفافيش ؟ فقال : « لا بأس » (١).

والاستدلال بترك الاستفصال في صحيحة علي : عن رجل في ثوبه خرء الطير أو غيره ، هل يحكّه وهو في صلاته ؟ قال : « لا بأس به » (٢) ضعيف ؛ لأنّه إنّما يتمّ لو كان السؤال عن خرء الطير ، وكان المعنى لا بأس بخرئه.

والظاهر أن السؤال عن الحك في الصلاة ، وذكر ما ذكر من باب التمثيل. والمعنى : لا بأس بالحك.

ويؤيده : عدم الاستفصال في الغير ، وقوله بعد ذلك : « ولا بأس أن يرفع الرجل طرفه إلى السماء وهو يصلي » وإيراد الأصحاب لها في مسألة ما لا يجوز للمصلي فعله.

خلافاً للشيخ في المبسوط (٣) ، في الخشاف ؛ لرواية الرقي : عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه ولا أجده ، قال : « اغسل ثوبك » (٤) فإنّه يخصّص بها عموم ما مرّ ، المخصّص للعمومات السابقة عليه.

ويضعف : بالمعارضة مع موثّقة غياث (٥) المؤيّدة بما مرّ.

والاُولى وإن رجّحت بالشهرة فتوىً ، ولكن الثانية ترجّح بالعلوّ سنداً ، والأوثقيّة رجالاً ، والأظهريّة دلالةً ، وللأصل موافقةً فلولا ترجيح الثانية لتساويا ، ويكون المرجع : الأصل وعمومات الطير.

وجعل الموثّقة شاذّةً ، أو حملها على التقية ـ كما في التهذيب (٦) ـ لا وجه له ؛

__________________

(١) البحار ٧٧ : ١١٠ / ١٣ ، لم نجده في النوادر المطبوع.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٤ / ٧٧٥ ، الوسائل ٧ : ٢٨٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٧ ح ١.

(٣) المبسوط ١ : ٣٩.

(٤) التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٧ ، الاستبصار ١ : ١٨٨ / ٦٥٨ ، الوسائل ٣ : ٤١٢ أبواب النجاسات ب ١٠ ح ٤.

(٥) المتقدمة ص ١٤١.

(٦) التهذيب ١ : ٢٦٦.


لعمل جماعة من القدماء (١) بها ، وعدم قرينة على التقيّة فيها.

نعم المظنون كون الموثقة لشهرة القدماء مخالفة ، وحينئذٍ فالاحتياط عن بول الخشاف أولى.

وللمشهور ـ كما في الخلاف (٢) ، والمعتبر (٣) ـ في غير المأكول من الطير مطلقاً ؛ لنقل الإِجماع من الفاضلين (٤) ، وتوقّف حصول البراءة اليقينية عليه ، وعمومات البول ، والعذرة المتقدمة (٥).

وحسنة ابن سنان (٦) ، بضميمة الإِجماع المركّب في الخرء.

ورواية المختلف (٧).

ويرد على الأول : ـ مضافاً إلى منع حجية الإِجماع المنقول ـ أن ذكرهما الخلاف في الطير بعد ادّعائهما الإِجماع في مطلق ما لا يؤكل بقولهما : أجمع علماء الإِسلام ؛ قرينة على إرادتهما غير الطير ، فإنّه كيف يصح هذا القول منهما مع مخالفة جماعة من عظماء الإِمامية ؟

ومما يوضح ذلك : أن المحقق بعد ما قال : البول والغائط ممّا لا يؤكل نجس وهو إجماع علماء الإِسلام ، قال : وفي رجيع الطير للشيخ قولان ـ إلى أن قال ـ والآخر أن كل ما اُكل فذرقه طاهر ، وما لا يؤكل فذرقه نجس ، وبه قال أكثر الأصحاب ، ومحمد بن الحسن الشيباني (٨). فإن قوله : وبه قال أكثر الأصحاب ،

__________________

(١) وهم الصدوق والعماني والجعفي المتقدم ذكرهم ص ١٤١ رقم ١ ، ٢.

(٢) الخلاف ١ : ٤٨٥ ادعى الاجماع على نجاسة بول وروث وذرق كل ما لا يؤكل لحمه.

(٣) المعتبر ١ : ٤١١.

(٤) اراد به الاجماع على نجاسة البول والغائط من كل حيوان غير مأكول اللحم كما تقدم ص ١٣٧ ، رقم ١.

(٥) ص ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٦) المتقدمة ص ١٣٧.

(٧) المتقدمة ص ١٣٨.

(٨) المعتبر ١ : ٤١٠ ، ٤١١.


قرينة واضحة على أنّ مراده من قوله : وهو إجماع علماء الإِسلام ، في غير الطير.

وعلى الثاني : بحصول البراءة اليقينية شرعاً بعد الدليل الشرعي على الطهارة.

وعلى الثالث : ـ مضافاً إلى عدم ثبوت إطلاق العذرة على غير الغائط من الإِنسان ـ أنه إما عام مطلق بالنسبة إلى أخبار الطير ، فيجب تخصيصه بها ، أو أعم من وجه ؛ لخروج بول ما يؤكل منه إجماعاً ، فيجب الرجوع إلى الأصل.

وترجيح العمومات بعمل الأكثر معارض بما مر من موافقة أخبار الطير للأصل ، وعمومات الطهارة ، وأظهريّة الدلالة ، مع أنّ إيجاب مثل هذه المرجحات للترجيح عندنا غير ثابت ، والأشهرية المنصوص عليها هي ما في الرواية ، دون الفتوى.

وبهذا يردّ الأخيران أيضاً.

مضافاً إلى ما في أولهما من منع الإِجماع المركب بالنسبة إلى بول الطير وخرئه ، كما عرفت من قطع جماعة في حكم خرئه ، والتردد في بوله.

ومن أن الطير إما فاقد للبول ، كما هو الظاهر في أكثر الطيور ، حيث لم يطّلع أحد على بول له ويستبعد وجوده ، وعدم الاطلاع عليه سيّما في المأنوسة.

وأما ذكره في الأخبار فلا يدلّ على وجوده لكل طير ، بل غايته وجوده لنوع ، هو الخشاف المذكور بوله فيها ، والمحكي مشاهدته منه ، واختلاف الطيور في ذلك ممكن ، كما في الولودية. فيسقط الاستدلال به رأساً ، أما على نجاسة البول : فظاهر ، وأما الرجيع : فلأنّ عدم الفصل إنما يكون لو كان له بول.

والقول : بأنه لو فرض له بول يكون نجساً ، وكل ما كان كذلك فرجيعه نجس بالإِجماع المركّب ، باطل ؛ لمنع أنّه لو فرض له بول يكون نجساً ؛ لأنّ الأحكام لا ترد على الموضوعات الفرضية المحضة.

سلّمنا ، ولكن نمنع تحقق الإِجماع المركب في مثله وإنما (١) هو [ في

__________________

(١) في « هـ » : انما.


المتحقق ] (١) والحكم بنجاسته.

أو بوله (٢) مشكوك فيه ، فالكلام فيه أيضاً كالفاقد.

ومن هذا يظهر جواب آخر عن عمومات البول.

وما في ثانيهما (٣) من أنّ دلالته على نجاسة الخرء مما لا يؤكل ، بالعليّة الموجبة لانتفاء المعلول بانتفاء العلة ، وهو إنما يكون لو لم تقم علة اُخرى مقامها. ونفي قيام الاُخرى لا يكون إلا بالأصل الزائل بعمومات الطهارة في الطير. مع أن مفهومه ليس إلا ثبوت نوع بأس في خرء ما لا يؤكل ، فلعلّه لمنع استصحابه في الصلاة ، دون النجاسة.

المسألة الثالثة : بول الرضيع نجس على الأشهر الأظهر ؛ للإِجماع المحقق والمحكي (٤) مستفيضاً ، والمروي عن النبي المتقدم (٥) المنجبر بالعمل.

والاستدلال بجعل مطلق البول كالمني ، في إعادة الصلاة منه ، كما في صحيحة محمد (٦) ، أو بموجبات الصب أو غسل مطلق البول ـ ضعيف ؛ لجواز كون الإِعادة من جهة كونه فضلة غير المأكول ، وعدمِ الملازمة بين وجوب الصبّ والنجاسة ، بل الظاهر إيجاب المخالف له أيضاً ، ولذا جعل بعضهم نزاعه لفظيّاً ، وإن لم يكن كذلك. وعدمِ وجوب الغسل هنا إجماعاً.

ودعوى صدقه على الصب : بمخالفة العرف ، وصحة السلب ، وتبادر الغير ، وتقابلهما في الأخبار ـ مردودة ، مع أن غالب موجبات الغسل بين موجب‌

__________________

(١) في جميع النسخ تحقّق وما أثبتناه لاستقامة المعنى.

(٢) عطف على قوله : إما فاقد ...

(٣) عطف على قوله : ما في أولهما.

(٤) التذكرة ١ : ٦ ، ولعله يستفاد من الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١. وحكى غير واحد دعوى الاجماع من السيد المرتضى.

(٥) ص ١٣٧ الهامش (٣).

(٦) الفقيه ١ : ١٦١ / ٧٥٨ ، التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٢٤ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ٢.


للمرتين المنفيين هنا إجماعاً ، وبين مصرح ببول الرجل.

ومن ذلك يظهر عدم صحة الاستدلال بموثقة سماعة الآمرة بغسل الثوب عن بول الصبي (١).

وأضعف منها : الاحتجاج بالمرويّ عن كتاب الملهوف عن اُم الفضل : أنها جاءت بالحسين عليه السلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فبال على ثوبه ، فقرضته ، فبكى ، فقال : « مهلاً يا اُم الفضل ، فهذا ثوبي يغسل ، وقد أوجعت ابني » (٢) فإنّه مع عدم دلالته على وجوب الغسل ، غير دال أنه كان قبل أن يعلم.

خلافاً للإِسكافي (٣) ؛ لرواية السكوني والرضوي : « لبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله » (٤).

والمروي في نوادر الراوندي : « بال الحسن والحسين على ثوب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل أن يطعما ، فلم يغسل بولهما من ثوبه » (٥).

ويضعفان ـ بعد عدم صلاحيتهما للحجية ـ : بمنع الملازمة بين انتفاء الغسل والطهارة. والجمع بين البول واللبن لا يدل على أزيد من اتحادهما في عدم الغسل.

المسألة الرابعة : بول كل مأكول اللحم وروثه طاهر ، بالإِجماع ، حتى الدجاج على الأشهر ؛ للأصل ، والاستصحاب ، وللمستفيضة ، كحسنة زرارة ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢٣ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٤ ، الوسائل ٣ : ٣٩٨ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٣.

(٢) الملهوف : ٦ ، الوسائل ٣ : ٤٠٥ أبواب النجاسات : ب ٨ ح ٥.

(٣) نقل عنه في المختلف : ٥٦.

(٤) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٣ / ٦٠١ ، الوسائل ٣ : ٣٩٨ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٤ ، فقه الرضا (ع) : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٥٤ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٥) نوادر الراوندي : ٣٩ ، المستدرك ٢ : ٥٥٤ أبواب النجاسات ب ٢ ح ٤.


وروايتي قرب الإِسناد ، والمختلف المتقدمة (١) ، وصحيحة البصري ، وروايته الآتيتين في المسألة الخامسة (٢).

والموثّقتين ، إحداهما للساباطي : « كل ما اُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه » (٣).

والاُخرى لابن بكير : « وإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره ، وبوله ، وشعره ، وروثه ، وألبانه ، وكل شي‌ء منه ، جائزة » (٤).

ورواية وهب بن وهب : « لا بأس بخرء الحمام والدجاج يصيب الثوب » (٥).

خلافاً للمنقول عن الصدوقين (٦) ، والشيخين (٧) ، في ذرق الدجاج ؛ لرواية فارس : كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج تجوز الصلاة فيه ؟ فكتب : « لا » (٨).

وهي لمخالفتها لشهرة القدماء ، ومعارضتها لرواية وهب ، غير صالحة لتخصيص العمومات ودفع الأصل.

والحمل على الجلال ممكن ، فإن المصرح به في كلامهم نجاسة ذرقه ، بل في المختلف ، واللوامع : الإِجماع عليها (٩) ، وفي التذكرة ، والتنقيح : نفي الخلاف‌

__________________

(١) ص ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٢) سيأتي في ذكرهما في ١٥١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٢٦ / ٧٨١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٢.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٧ الصلاة ب ٦٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥٤ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١.

(٥) التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣١ ، الاستبصار ١ : ١٧٧ / ٦١٨ ، الوسائل ٣ : ٤١٢ أبواب النجاسات ب ١ ح ٢.

(٦) المقنع : ٥.

(٧) المقنعة : ٧١ ، التهذيب ١ : ٢٦٦ ، المبسوط ١ : ٣٦.

(٨) التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٨٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٨ / ٦١٩ ، الوسائل ٣ : ٤١٢ أبواب النجاسات ب ١٠ ح ٣.

(٩) المختلف : ٥٥.


عنها (١). إلا أن أخبار طهارة بول الطير وخرئه. من غير معارض من الأخبار ـ لما عرفت من عدم ثبوت بول له ، وعدم دلالة ما فيه ذكر الخرء ـ تنفيها (٢) ، فإن ثبت الإِجماع عليها ، وإلا فالأصل يقتضي الطهارة.

المسألة الخامسة : ومن المأكول اللحم : الدواب الثلاث ، فأبوالها وأرواثها طاهرة ، وفاقاً للمعظم ، ومنهم : الشيخ في المبسوط والتهذيب ، بل في غير النهاية (٣) ، كما في الذخيرة (٤) ، وفيه : أن عليها اتفاق من عدا الإِسكافي ، وفي المعتبر : أن عليها عامة الأصحاب (٥). بل عليها الإِجماع المحقق لندور (٦) المخالف.

وهو الحجة عليها ؛ مضافاً إلى ما مر من الأصل ، والاستصحاب ، وعمومات طهر ما يؤكل.

واحتمال إرادة ما يعتاد أكله ، أو جعله الله للأكل ؛ حيث إن المراد منه معناه المجازي قطعاً ، وهو كما يمكن أن يكون ما من شأنه ، أو يجوز أن يؤكل شرعاً ، يمكن أن يكون أحد المعنيين ، بل الأخير هو المستفاد من بعض الأخبار (٧) ، المؤكد بأخبار اُخر (٨) ، عاطفةٍ لما يؤكل على هذه الدواب ـ مدفوع : برواية المختلف المتقدمة (٩) ، وعدم دلالة ما أشار إليه من الأخبار على أن مراد الإِمام مما يؤكل‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٦ ، التنقيح ١ : ١٤٦.

(٢) في « ح » و « ق » : بنفسها وفي « هـ » : بنفيها ، والظاهر انهما تصحيف لما أثبتناه ، والضمير راجع الى النجاسة ، والجملة خبر لقوله : ان أخبار طهارة ...

(٣) المبسوط ١ : ٣٦ ، التهذيب ١ : ٢٦٥ ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ١٧١.

(٤) الذخيرة : ١٤٥.

(٥) المعتبر ١ : ٤١٣.

(٦) في « ق » : لندرة.

(٧) كرواية زرارة المروية في تفسير العياشي ٢ : ٢٥٥ / ٦ وراجع الحدائق ٥ : ٢٧.

(٨) كصحيحة البصري الآتية في ص ١٥١.

(٩) ص ١٣٨.


(الذي حكم بطهارة بوله وروثه) (١) ما جعله الله للأكل. وإرادته منه في بعض الأخبار بقرينة العطف ، لا تدلّ على إرادته في غيره أيضاً.

وقد يدفع احتمال الاعتياد : بأنه لو كان المراد ، لشمل مثل الخنزير ، والأرنب ، واليربوع.

وفيه : أن الاعتياد المأخوذ في معاني الألفاظ هو ما في عرف المتكلم ، أو المخاطب ، أو هما ، أو البلد.

ومنه يضعّف تتميم الدليل على احتمال الاعتياد : باعتياد أكل الفرس ، بضم الإِجماع المركب في أخويه.

ويدل على المطلوب أيضاً : خصوص رواية المعلى وابن أبي يعفور : كنا في جنازة وقُرْبنا حمار ، فبال ، فجاءت الريح ببوله حتى صكّت وجوهنا وثيابنا ، فدخلنا على أبي عبد الله فأخبرناه ، فقال : « ليس عليكم شي‌ء » (٢).

واختصاصها بالحمار ـ لعدم الفصل ـ غير ضائر.

ورواية أبي الأغر : إني اُعالج الدواب ربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فتضرب إحداها برجلها أو يدها ، فينضح على ثيابي ، فاُصبح فأرى أثره فيه ، فقال : « ليس عليك شي‌ء » (٣).

والصحيحتان المرويّتان في قرب الإِسناد : إحداهما لابن رئاب ، المصرّحة بجواز الصلاة في ثوب أصابه الروث الرطب (٤).

والاُخرى لعلي : عن الثوب يوضع في مربط الدابة على أبوالها وأرواثها ،

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « هـ ».

(٢) التهذيب ١ : ٤٢٥ / ١٣٥١ ، الاستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٢٨ ، الوسائل ٣ : ٤١٠ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٤.

(٣) الكافي ٣ : ٥٨ الطهارة ب ٣٧ ح ١٠ ، الفقيه ١ : ٤١ / ١٦٤ ، الوسائل ٣ : ٤٠٧ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٢.

(٤) قرب الاسناد : ١٦٣ / ٥٩٧ ، الوسائل ٣ : ٤١٠ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٦.


قال : « إن علق به شي‌ء فله غسله (١) ، وإن أصابه شي‌ء من الروث أو الصفرة التي معه فلا يغسله من صفرة » (٢).

وفي جامع البزنطي عن الصادق عليه السلام : « أنا والله ربما وطئت على الروث ثم اُصلّي ولا أغسله » (٣).

وموثّقة الحلبي : في السرقين الرطب أطأ عليه ؟ فقال : « لا يضرّك مثله » (٤).

وضعف بعضها سنداً ، كاختصاص البعض بالروث ، غير ضائر ؛ لانجبار الأول بالعمل ، والثاني بالإِجماع المركب ، كما هو المحقق ، والمصرح به في المختلف ، والذخيرة (٥) ، واللوامع ، وفي الناصريات : إنه لم يقل أحد من الاُمة أن الروث طاهر ، والبول نجس (٦). ومخالفة بعض المتأخرين ـ كما يأتي ـ لا يوجب قدحاً فيه.

ومنه يتّجه الاستدلال بالمستفيضة الآتية (٧) ، الآمرة بغسل الثوب عن بولها ، دون روثها.

ولا يمكن المعارضة فيها بالعكس ؛ لإِمكان توجيه الأخبار على الأول ، بحمل الأمر على الاستحباب بقرينة طهارة الروث ، بل يتعين ذلك ؛ لأن الحمل على الحقيقة إنما هو مع خلوّ الكلام عما يصلح قرينةً للتجوّز ، ولا يمكن ذلك في العكس.

وممّا يثبت المطلوب : لزوم العسر والحرج المنفيّين لولاه ، كما علّل به الإِمام‌

__________________

(١) في المصدر : فليغسله.

(٢) قرب الاسناد : ٢٨٢ / ١١١٩ ، الوسائل ٣ : ٤١١ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٩.

(٣) رواها في مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي : ٢٧ / ٢٨.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨ الطهارة ب ٢٤ ح ٣ ، الوسائل ٣ : ٤٠٧ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٣.

(٥) المختلف : ٥٦ ، الذخيرة : ١٤٦.

(٦) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٠.

(٧) في ص ١٥٤.


طهارة الأرواث في بعض الأخبار ، وأبوالها أيضاً كذلك ، بل أشدّ ؛ لترشّحها في الأغلب ـ سيّما في الأسفار ـ على الراكب والأحمال وما قاربها.

خلافاً للإِسكافي ، والشيخ في النهاية (١) ، فقالا بالنجاسة في أبوالها وأرواثها ـ وهو مذهب أبي حنيفة ، والشافعي ، كما في الناصريات والانتصار ، والمعتبر (٢) ، وأبي يوسف أيضاً ، كما في الأولين ـ لعمومات نجاسة البول والعذرة مطلقاً ، ونجاستهما ممّا لا يؤكل (٣) ، بالتقريب المذكور في المراد ممّا يؤكل.

وخصوص صحيحة البصري ، وروايته ، الاُولى : عن الرجل يمسّ بعض أبوال البهائم أيغسله أم لا ؟ قال : « يغسل بول الفرس ، والبغل ، والحمير ، وأما الشاة ، وكل ما يؤكل لحمه ، فلا بأس ببوله » (٤). وقريبة منها الثانية (٥).

وروايتي أبي بصير ، إحداهما : عن الماء النقيع تبول فيه الدواب ، فقال : « إن تغيّر الماء فلا يتوضأ منه » (٦).

والاُخرى : عن كر من ماء مررت فيه وأنا في سفر ، قد بال فيه حمار ، أو بغل ، أو إنسان ، قال : « لا تتوضأ منه » (٧).

وصحيحة محمد : عن الماء تبول فيه الدواب ، وتلغ فيه الكلاب ، ويغتسل فيه الجنب ، قال : « إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء » (٨).

__________________

(١) نقل عن الاسكافي في المختلف : ٥٦ ، النهاية : ٥١.

(٢) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٠ ، الانتصار : ٢٠١ ، المعتبر ١ : ٤١١.

(٣) المتقدمة ص ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٤) التهذيب ١ : ٢٤٧ / ٧١١ ، الاستبصار ١ : ١٧٩ / ٦٢٤ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٩ : وفي المصادر : يمسّه.

(٥) التهذيب ١ : ٤٢٢ / ١٣٣٧ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٠.

(٦) التهذيب ١ : ٤٠ / ١١١ ، الاستبصار ١ : ٩ / ٩ ، الوسائل ١ : ١٣٨ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ٤٠ / ١١٠ ، الاستبصار ١ : ٨ / ٨ ، الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٥.

(٨) الكافي ٣ : ٢ الطهارة ب ٢ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٩ / ١٠٧ ، الاستبصار ١ : ٦ / ١ ، الوسائل ١ : ١٥٨ أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١.


وصحيحتي علي ، المرويتين في قرب الإِسناد ، إحداهما : عن الدابة تبول فيصيب بولها المسجد ، أو حائطه ، أيصلّى فيه قبل أن يغسل ؟ قال : « إذا جفّ لا بأس » (١) والاُخرى : ما تقدم (٢).

ورواية علي المروية في كتابه : عن الثوب يقع في مربط الدابة على بولها ، وروثها ، كيف يصنع ؟ قال : « إن علق به شي‌ء فليغسله ، وإن كان جافاً فلا بأس » (٣).

وحسنة محمد : عن أبوال الدواب ، والبغال ، والحمير ، فقال : « اغسله ، فإن لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله ، وإن شككت فانضحه » (٤).

وصحيحة الحلبي : عن أبوال الخيل ، والبغال ، قال : « اغسل ما أصابك منه » (٥).

وموثقة سماعة : عن بول السنّور ، والكلب ، والحمار ، والفرس ، قال : «كأبوال الإِنسان » (٦).

وبضميمة عدم الفصل يتمّ الاستدلال بما يختص منها بالبول.

والجواب : أمّا عن عموم الأوّل : فمع منع صدق العذرة على المورد ، بتخصيصه بما مرّ.

وأمّا عن الثاني : فبه ، وبما مرّ من فساد التقريب المذكور.

__________________

(١) قرب الاسناد ٢٠٥ / ٧٩٤ ، الوسائل ٣ : ٤١١ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٨.

(٢) ص ١٢٦.

(٣) الوسائل ٣ : ٤١١ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٢١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٧ الطهارة ب ٣٧ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٦٤ / ٧٧١ ، الاستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢٠ ، الوسائل ٣ : ٤٠٣ أبواب النجاسات ب ٧ ح ٦.

(٥) التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٤ ، الاستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢٢ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١١.

(٦) التهذيب ١ : ٤٢٢ / ١٣٣٦ ، الاستبصار ١ : ١٧٩ / ٦٢٧ ، الوسائل ٣ : ٤٠٦ أبواب النجاسات ب ٨ ح ٧.


وأمّا عن الخصوصات : فبمنع دلالة غير الأخيرتين (منها) (١).

أمّا الاُوليان : فلخلوّهما عمّا يفيد وجوب الغسل المفيد للنجاسة.

وكذا الثانيتان ؛ لاحتمالهما النفي الغير المفيد إلّا للمرجوحيّة الشاملة للكراهة ، بل يتعين حملهما عليها ؛ لتصريح الثانية بكرية الماء ، وظهور الاُولى فيها أيضاً ، كما هي المستفادة من النقيع ، ومن كونه معرضاً لهذه الاُمور.

مضافاً : إلى أن لشمول الدواب لغير الثلاثة أيضاً ـ مما لا خلاف في طهارة فضلته ، كالبعير والبقرة ـ تكون دلالته موقوفة على تخصيص الدابة ، وأولويته من حمل النهي على الكراهة غير ثابتة.

ومنه يظهر عدم دلالة البواقي أيضاً ، مضافاً إلى ما في اُولاها من ظهور تحقق الاُمور الثلاثة من بول الدواب ، وولوغ الكلب ، وغسل الجنب. وفي ثانيتها ، من عدم دلالة البأس مع عدم الجفاف على النجاسة بوجه. وفي ثالثتها من ظهور قوله : « فله غسله » (٢). في عدم الوجوب.

وأما الأخيرتان وإن دلّتا بظاهريهما ولكن حملهما على مطلق رجحان الغسل متعيّن ؛ لما ذكرنا من الأدلة ، لا لأجل أن أحد المتعارضين يحمل على الاستحباب ، كما توهم وطعن به على المجتهدين بأنه من أين علم أن الحمل على الاستحباب من وجوه الجمع (٣) ؟ بل لأنّ مثل ما ذكر قرينة عرفاً على إرادة مطلق الرجحان ، كما في العام والخاص المطلقين.

ولو اُغمض عن ذلك ، وبني على التعارض ، فالترجيح لما ذكرنا أيضاً ؛ لمخالفة معارضه لشهرة القدماء وعمل صاحب الأصل ، بل للإِجماع ، الموجبة لخروجه عن الحجية ، ومع ذلك موافق لمذهب العامة ، ومنافٍ لقاعدة نفي الحرج ، فتعين تركه.

__________________

(١) لا توجد في « ق ».

(٢) كذا في جميع النسخ ، ولكن المذكور في رواية علي : « فليغسله ».

(٣) الحدائق ٥ : ٢٤.


مع أنه لولا الترجيح أيضاً ، لكان المرجع إلى الأصل ، وهو معنا.

ومنه يظهر الجواب عن غير الأخيرتين ، على فرض دلالته أيضاً.

ولطائفة من متأخري المتأخرين ، منهم : الشيخ جواد الكاظمي ، وصاحب الحدائق (١) ناقلاً إياه عن بعض مشايخه ، في أبوالها خاصة ، واستشكل فيه الأردبيلي ، وتوقف في المدارك (٢).

لما مر من أخبار نجاسة أبوالها (٣) ، مع الأصل في الروث ، ومنع الإِجماع المركب.

ولصحيحة الحلبي : « لا بأس بروث الحمير واغسل أبوالها » (٤).

وروايتي أبي مريم ، وعبد الأعلى ، الاُولى : في أبوال الدواب وأرواثها ، قال : « أما أبوالها فاغسل ما أصابك ، وأما أرواثها فهي أكثر من ذلك » (٥).

والثانية : عن أبوال الحمير ، والبغال ، قال : « اغسل ثوبك » قال ، قلت : فأرواثها ؟ قال : « هو أكثر من ذلك » (٦).

وقد مرّ جواب الأول.

ومنه يظهر الجواب عن الأخبار المفصلة ، مضافاً إلى ما سبق في طيّ الاستدلال على المختار.

المسألة السادسة : المقطوع به في كلام الأكثر : طهارة رجيع ما لا نفس له‌

__________________

(١) الحدائق ٥ : ٢١.

(٢) مجمع الفائدة ١ : ٣٠١ ، المدارك ٢ : ٣٠٣.

(٣) في ص ١٥١.

(٤) الكافي ٣ : ٥٧ الطهارة ب ٣٧ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٣ ، الاستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٦ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٥٧ الطهارة ب ٣٧ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٥ ، الاستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢٣ ، الوسائل ٣ : ٤٠٨ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٨.

(٦) التهذيب ١ : ٢٦٥ / ٧٧٦ ، الاستبصار ١ : ١٧٩ / ٦٢٥ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٣.


وبوله ، وعليه الإِجماع في اللوامع ، وعدم الخلاف في الحدائق (١) ، ونسب الخلاف في التذكرة (٢) إلى بعض العامة ، وهو بعدمه عندنا مشعر ، وتردد في الشرائع (٣).

وفي الدروس (٤) وإن لم يقيد البول والغائط النجس بماله نفس ـ ولذا توهّم منه التعميم ـ إلا أن الظاهر أنه اكتفى في التخصيص بما يذكره في الدم والمني.

وكيف كان فلا ريب فيها في رجيعه ؛ للأصل السالم عن المعارض.

وأما رواية المختلف (٥) ففيها ـ مع ما مرّ ـ أن حجيّتها لضعفها مخصوصة بموضع الانجبار.

ويدل عليه أيضاً في كثيرٍ نفي الحرج ، ويتعدّى إلى الجميع بعدم الفصل.

ومنه يظهر الوجه في طهارة بوله (أيضاً) (٦).

وبه يعارض حسنة ابن سنان (٧) ويرجع إلى الأصل ، مع أن شمولها له ـ مع ندوره الموجب لتردّد جماعة في ثبوت بول له ـ مشكل ، ومع ذلك كلّه فالأمر فيه ـ لعدم ثبوته ـ سهل.

فروع :

أ : لو اشتبه بول ، أو رجيع ، أنه هل من الحيوان النجس بوله أو رجيعه ، أو من الطاهر ؟ فهو طاهر ؛ للأصل.

ولو اشتبه حيوان غير مأكول ، بأنه مما له نفس أولا ؟ فالظاهر طهارة رجيعه ؛ لذلك أيضاً.

ويحتمل نجاسة بوله ؛ لعموم الحسنة. وطهارته ؛ للإِجماع المركب.

__________________

(١) الحدائق ٥ : ١٣.

(٢) التذكرة ١ : ٦.

(٣) الشرائع ١ : ٥١.

(٤) الدروس ١ : ١٢٣.

(٥) المتقدمة ص ١٣٨.

(٦) لا توجد في « ق » و « هـ ».

(٧) المتقدمة ص ١٣٧.


ب : لو خرج البول أو الغائط ـ مما ينجسان منه ـ عن غير الموضعين المعتادين ، فينجسان ؛ لصدق الاسم. ويلزم من يخصّهما بالشائع المعتاد ، القول بالطهارة.

ج : ما يخرج مع الغائط من الدود والحب ليس نجساً ما لم يكن غائطاً عرفاً ؛ للأصل.

وقد يحكم بالطهارة إن كان صلباً ينبت لو زرع ، والنجاسة إن لم يكن كذلك.

ولا دليل عليه ؛ إذ ربما تزول الصلبيّة ويفسد بحيث لا ينبت ، ولا يصدق عليه الغائط.

*       *      *


الفصل الثاني : في المني‌

ولا خلاف في نجاسته من الإِنسان ، والأخبار فيها مستفيضة (١).

وما ينافيها مطلقاً ، أو مع الجفاف ظاهراً مؤوّل ، أو متروك.

وكذا من غيره مما له نفس ، على المعروف من مذهب الأصحاب ، بل عليه الإِجماع في كلام جماعة (٢) ؛ وهو الحجة فيه.

مضافاً إلى المطلقات ، الآمرة بغسل الثوب إذا أصابه المني ، والمصرحة بكونه أشد من البول (٣).

والخدش فيه (٤) : بعدم استلزام لزوم الغسل للنجاسة ، أو انصرافها إلى مني الإِنسان ، بما مرّ في البول مدفوع.

وإثبات النجاسة بما جعله أشدّ من البول ، مع تسليم انصرافه إلى مني الإِنسان ـ كما في المعالم (٥) ـ في غاية الضعف.

وأما ما لا نفس له ، فالمقطوع به في كلام جملة من القوم طهارته (٦).

ويظهر من بعضهم وقوع الخلاف فيه ، حيث نسبها إلى جماعة (٧). ومن آخر حيث جعلها الأصح أو الأقرب (٨). وتردّد فيها في المعتبر ، والمنتهى (٩) ؛ لما مرّ وإن‌

__________________

(١) راجع الوسائل ٣ : ٤٢٣ أبواب النجاسات ب ١٦.

(٢) التذكرة ١ : ٦ ، المدارك ٢ : ٢٦٥ ، الرياض ١ : ٨٣.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٢٣ أبواب النجاسات ب ١٦.

(٤) الرياض ١ : ٨٣.

(٥) المعالم : ٢٠٨.

(٦) منهم العلامة في التذكرة ١ : ٦ ، والشهيد في البيان : ٩٠.

(٧) المعالم : ٢٠٨.

(٨) المنتهى ١ : ١٦٢.

(٩) المعتبر ١ : ٤١٥ ، قال في المنتهى ١ : ١٦٢ ما لا نفس له سائلة الاقرب طهارته فتأمّل.


رجّحاها ثانياً.

والاستدلال عليها بنفي الحرج ـ كما في اللوامع ـ ضعيف ؛ إذ قلّما يمكن حصول العلم بإصابة مني غير ذي النفس.

فرعان :

أ : المذي ـ وهو ماء لزج رقيق ، يخرج بلا دفع عقيب الشهوة. وقيل : بعد التقبيل والملاعبة (١). وقال الصدوق : قبل المني (٢). والظاهر : أنّهما تفسيران (٣) بالأخص ـ طاهر ، ونقل الإِجماع عليه مستفيض (٤) ، والأصل والنصوص المعتبرة (٥) معه يدلّان عليه.

خلافاً للمنقول عن الإِسكافي (٦) ؛ لروايتي ابن أبي العلاء (٧).

وحملهما على الاستحباب ـ بعد تصريح طائفة من الصحاح وغيرها المعتضدة بعمل الأصحاب ـ متعين ، مع عدم حجّيتهما لشذوذهما. ومع ذلك ، فإحداهما غير صريحة في وجوب الغسل الذي هو مستند النجاسة.

وأما الودي ـ بالمهملة ـ وهو ما يخرج بعد البول ـ وبالمعجمة ـ وهو على ما ذكره الصدوق : ما يخرج بعد المني (٨) ، وفي مرسلة ابن رباط : « أنه ما يخرج من الأدواء » (٩) ـ فهما طاهران بلا خلاف ؛ للأصل.

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢٦٦.

(٢) الفقيه ١ : ٣٩.

(٣) في « ق » : يفسّران.

(٤) كما في الخلاف ١ : ١١٨ ، والمختلف : ٥٧.

(٥) الوسائل ١ : ٢٧٦ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢.

(٦) نقل عنه في المختلف : ٥٧.

(٧) التهذيب ١ : ٢٥٣ / ٧٣١ و ٧٣٢ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٦ و ٦٠٧ ، الوسائل ٣ : ٤٢٦ ، ٤٢٧ أبواب النجاسات ب ١٧ ح ٣ و ٤.

(٨) الفقيه ١ : ٣٩.

(٩) التهذيب ١ : ٢٠ / ٤٨ ، الاستبصار ١ : ٩٣ / ٣٠١ ، الوسائل ١ : ٢٧٨ أبواب نواقض الوضوء

=


ب : كل رطوبة خارجة من المخرجين ـ سوى ما ذكر والدم ـ طاهر ؛ بالإِجماع ، والأصل ، وتدلّ عليه صحيحة إبراهيم بن أبي محمود (١) أيضاً.

*       *      *

__________________

=

ب ١٢ ح ٦.

(١) التهذيب ١ : ١٦ / ٣٤ ، الاستبصار ١ : ٨٤ / ٢٦٦ ، الوسائل ١ : ٢٦٢ أبواب نواقض الوضوء ب ٦ ح ٦.


الفصل الثالث : في الميتة‌

وهي نجسة من كلّ ذي نفس ، بالإِجماع المحقّق ، والمحكيّ في الخلاف (١) ، والانتصار ، والغنية ، والمنتهى ، والتذكرة (٢) ، والشهيدين (٣) ، واللوامع ، والمعتمد ، وغيرها (٤) ؛ وهو الحجة.

مضافاً في الجميع إلى روايتي محمد بن يحيى ، وحفص.

اُولاهما : « لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس » (٥). وكذا الثانية مع زيادة « سائلة » (٦).

والحمل على إفساده بنحو بوله خلاف الظاهر ، إلا أن في عموم لفظة « ما » فيها نظراً ؛ لاحتمال الوصفية.

وفي الآدميّ إلى رواية إبراهيم بن ميمون : عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت ، فقال : « إن كان غسّل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وإن كان لم يغسّل الميت فاغسل ما أصاب ثوبك منه » (٧) وزاد في نسخ الكافي : « يعني إذا برد الميت » (٨).

دلّت على غسل ما أصاب الثوب وتعدّى من الميت إليه ، ولو لم يكن‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٠ ، وفي « ح » و « ق » : (المختلف) : ٦٠.

(٢) الانتصار : ١٢ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١ ، المنتهى ١ : ١٦٤ ، التذكرة ١ : ٧.

(٣) الذكرى : ١٣ ، الروض : ١٦٢.

(٤) كالمعتبر ١ : ٤٢٠ ، والذخيرة : ١٤٧.

(٥) الكافي ٣ : ٥ الطهارة ب ٤ ح ٤ ، الوسائل ٣ : ٤٦٤ أبواب النجاسات ب ٣٥ ح ٥.

(٦) التهذيب ١ : ٢٣١ / ٦٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢٦ / ٦٧ ، الوسائل ٣ : ٤٦٤ أبواب النجاسات ب ٣٥ ح ٢.

(٧) الكافي ٣ : ١٦١ الجنائز ب ٣١ ح ٧ ، التهذيب ١ : ٢٧٦ / ٨١١ ، الوسائل ٣ : ٤٦١ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ١.

(٨) الكافي ٣ : ٦١ الطهارة ب ٣٩ ح ٥.


نجساً بالذات ، كالريم (١) ولعاب الفم وسائر الرطوبات ، فيكون هو نجساً ، ونجاسته ليست إلّا لملاقاة الميت إجماعاً ، فيكون هو أيضاً نجساً.

والحمل على الرطوبات النجسة ذاتاً ـ مثل الدم والبول ـ خلاف ظاهر العموم ، ويمنعه تعليق غَسله على عدم الغُسل ، فإنّ مثلها يغسل ولو بعد الغُسل.

وتؤيّد المطلوب : حسنة الحلبي : عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت ، فقال : « يغسل ما أصاب ثوبه » (٢).

ورواية زرارة : بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمرٍ ، فقال : « الدم ، والخمر ، والميت ، ولحم الخنزير في ذلك واحد ، ينزح منها عشرون دلواً ، فإن غلب الريح نزحت حتى تطيب » (٣).

ومطلقات نجاسة الميتة والجيفة الآتية.

والتوقيعان الآتيان (٤) الآمران بغسل اليد بعد مس الميت بحرارته.

والمروي في العلل : « إنّما اُمر بغسل الميت لأنّه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة والأذى ، فاُحبّ أن يكون طاهراً » (٥).

وإنّما جعلناها مؤيّدة ؛ لإِمكان المناقشة في الأولين : بعدم دلالتهما على الوجوب ؛ لخلوّهما عمّا يدلّ عليه.

وفي الثالث : بعدم ثبوت شمول الميتة والجيفة لغةً. وعموم المشتقّ منه في‌

__________________

(١) أي الفضل والزيادة.

(٢) الكافي ٣ : ١٦١ الجنائز ب ٣١ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٧٦ / ٨١٢ ، الاستبصار ١ : ١٩٢ / ٦٧١ ، الوسائل ٣ : ٤٦٢ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ١ : ٢٤١ / ٦٩٧ ، الاستبصار ١ : ٣٥ / ٩٦ ، الوسائل ١ : ١٧٩ أبواب الماء المطلق ب ١٥ ح ٣.

(٤) سيأتي ذكرهما ص ١٦٦.

(٥) علل الشرائع : ٢٦٧.


الأول ـ بعد حصول التغير في الهيئة والمعنى ـ لا يفيد ؛ لعدم تعيّن معنى الهيئة ، بل المستفاد من الأخبار ـ سيّما صحيحتي الحلبي (١) ، ومحمد (٢) ـ عدم استعمال الميتة في الإِنسان.

وفي الرابع : بعدم الملازمة هنا بين وجوب غسل اليد بالمسّ ، وبين النجاسة العينيّة ، كما يظهر ممّا سيأتي. ودعوى الإِجماع المركب هنا مشكلة. مع أن المستفاد منهما وجوب غسل اليد بالمس ولو مع اليبوسة. وكونه من لوازم النجاسة العينيّة ممنوع.

وفي الخامس : بعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة للنجاسة في العينية ، بل المستفاد من جعلها علّة للغسل : أنها غير العينية ؛ إذ هي لا توجب الغُسل ، بل الغسل.

وفي غير الآدمي إلى المستفيضة الدالة بعضها صريحاً ، كالمروي في الدعائم المنجبر ضعفه بعمل الكلّ : « الميتة نجسة ولو دبغت » (٣).

وبعضها بانضمام الإِجماع المركّب ، كموثّقتي الساباطي : إحداهما في القليل الذي ماتت فيه فأرة ، وقد تقدمت في بحث القليل (٤) ، والاُخرى : « اغسل الإِناء الذي تصيب فيه الجرد ميتاً سبعاً » (٥).

ورواية السكوني : عن قدر طبخت ، وإذا في القدر فأرة ، قال : « يهراق مرقها ، ويغسل اللحم » (٦).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٣١ / ١٣٧٥ ، الوسائل ٣ : ٢٩٩ أبواب غسل المس ب ٦ ح ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٤٣٠ / ١٣٧٤ ، الوسائل ٣ : ٢٩٩ أبواب غسل المس ب ٦ ح ١.

(٣) الدعائم ١ : ١٢٦ ، المستدرك ٣ : ١٩٥ أبواب لباس المصلي ب ١ ح ١.

(٤) ص ٤٠.

(٥) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

(٦) الكافي ٦ : ٢٦١ الاطعمة ب ١٤ ح ٣ ، التهذيب ٩ : ٨٦ / ٣٦٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٩٦ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٤٤ ح ١. وفي الجميع بتفاوت يسير.


والرضوي المنجبر : « وإن مسست ميتة فاغسل يديك » (١).

والأخبار الناهية عن الشرب ، والوضوء ، في كثير غلبه ريح الجيفة ، كصحاح ابن سنان ، والقماط ، وحريز (٢) ، وموثّقة سماعة (٣) ، وروايتي أبي خالد ، وعبد الله بن سنان ، وغيرها ، المتقدّم شطر منها في بحث الجاري.

أو الموجبة لنزح جميع البئر لو غلبها ريح الجيفة ، كرواية منهال (٤).

أو للنزح ، أو حتى تطيّب لو تغيّرت بموت الفأرة وأشباهها ، كصحيحة أبي بصير (٥).

أو حتى يذهب الريح إذا تغيّر الطعم بموت الفأرة ، والسنور ، والدجاجة ، والطير ، كصحيحة الشحام (٦).

أو الآمرة بإلقاء ما يلي الفأرة ، أو الدابة إذا ماتت في الأشياء الرطبة الجامدة ، وعدم أكلها مطلقاً إذا ماتت في المائعة ، كصحاح زرارة (٧) ، والحلبي (٨) ،

__________________

(١) فقه الرضا (ع) : ١٧٤ ، المستدرك ٢ : ٥٧٩ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ٧.

(٢) المتقدمة ص ١١.

(٣) التهذيب ١ : ٢١٦ / ٢٤ ، الاستبصار ١ : ١٢ / ١٨ ، الوسائل ١ : ١٣٩ أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ٦.

(٤) المتقدمة ص ٨٥.

(٥) الكافي ٣ : ٦ الطهارة ب ٤ ح ٦ ، الوسائل ١ : ١٨٥ أبواب الماء المطلق ب ١٧ ح ١١. لا يخفى أنه قد وقع في سند الرواية ابن سنان الذي يروي عن ابن مسكان ، ويروي عنه الحسين بن سعيد ، والذي يظهر بملاحظة الطبقات أنه محمد بن سنان ولهذا يشكل الحكم بصحته ، ولم نعثر على صحيحة لأبي بصير مشتملةً على المضمون المذكور غيرها.

(٦) المتقدمة ص ٨٤.

(٧) الكافي ٦ : ٢٦١ الاطعمة ب ١٤ ح ١ ، التهذيب ٩ : ٨٥ / ٣٦٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٩٤ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٤٣ ح ٢.

(٨) التهذيب ٩ : ٨٦١ / ٣٦١ ، الوسائل ٢٤ : ١٩٥ ، أبواب الاطعمة المحرمة ب ٤٣ ح ٣.


والأعرج (١) ، وروايات معاوية بن وهب (٢) ، وسماعة (٣) ، وجابر (٤).

أو الناهية عن الأكل في آنية أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيه الميتة ، كصحيحة محمد (٥). إلى غير ذلك من المستفيضة ، بل المتواترة ، في مواضع متفرقة.

والعجب عن صاحب المدارك حيث جعل المسألة قوية الإِشكال ، وظنّ عدم الدليل على النجاسة (٦) ، مع أنّه في نجاسة البول احتجّ بالأمر بغسل الملاقي ، وقال : لا نعني بالنجس إلّا ما وجب غسل الملاقي له. وهو هنا متحقّق مع غيره. وفرّع عدم مجال التوقّف في نجاسة مني ذي النفس على كونه مقطوعاً به في كلام الأصحاب مدعى عليه الإِجماع. مع أنّ الأمر هنا أيضاً كذلك. وصرح في بحث الأسآر بأنّ نجاسة الميتة من ذي النفس ، ونجاسة الماء القليل بها موضع وفاق (٧).

وأمّا ممّا لا نفس له فطاهرة ، بالإِجماع كما في الخلاف ، والمعتبر ، والمنتهى (٨).

ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى الأصل ، ونفي الحرج ، وروايتي ابن يحيى وحفص ، المتقدّمتين (٩) ـ العاميّ المرويّ في الناصريات ، المنجبر بالعمل : « كلّ طعام أو‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٨٦ / ٣٦٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٩٥ ، أبواب الاطعمة المحرمة ب ٤٣ ح ٤.

(٢) الكافي : ٢٦١ الاطعمة ب ١٤ ح ٢ ، التهذيب ٩ : ٨٥ / ٣٥٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٩٤ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٤٣ ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ٨٥ / ٣٥٨ ، الوسائل ٢٤ : ١٩٥ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٤٣ ح ٥.

(٤) التهذيب ١ : ٤٢٠ / ١٣٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٤ / ٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٠٦ أبواب الماء المضاف ب ٥ ح ٢.

(٥) الفقيه ٣ : ٢١٩ / ١٠١٧ ، التهذيب ٩ : ٨٨ / ٣٧١ ، الوسائل ٢٤ : ٢١١ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥٤ ح ٦.

(٦) المدارك ٢ : ٢٦٩.

(٧) المدارك ١ : ١٣٨.

(٨) الخلاف ١ : ١٨٨ ، المعتبر ١ : ١٠١ ، المنتهى ١ : ١٦٤.

(٩) ص ١٦٠.


شراب وقعت فيه دابّة ليس لها دم ، فهو الحلال أكله وشربه ، والوضوء منه » (١).

وموثقة عمار : عن الخنفساء ، والذباب ، والجراد ، والنملة ، وما أشبه ذلك ، يموت في البئر ، والزيت ، والسمن وشبهه ، قال : « كلّ ما ليس له دم فلا بأس » (٢).

والمرويّ في قرب الإِسناد للحميري : عن العقرب ، والخنفساء ، وأشباه ذلك يموت في الجرّة ، والدنّ ، يتوضأ منه للصلاة ؟ قال : « لا بأس » (٣).

وظاهر الشيخ في النهاية : نجاسة ميتة الوزغ والعقرب (٤) ، وهو المحكيّ عن ابن حمزة ، وعن القاضي : أنه إذا أصاب شيئاً وزغ ، أو عقرب ، فهو نجس (٥).

وما ذكروه في الوزغ مبنيّ على حكمهم بنجاسته مطلقاً ، كما يأتي.

وأما العقرب : فيحتمل أن يكون لذلك ؛ لعدّه من المسوخ والحكم بنجاسته ، أو لبعض الروايات الآمرة بإراقة الماء الذي وقع فيه العقرب (٦) ، المحمولة على الكراهة جمعاً ، بل القاصرة عن إفادة النجاسة ؛ لجواز أن يكون للسميّة.

وهاهنا مسائل :

المسألة الاُولى : هل تختصّ نجاسة الميت الآدمي بما بعد البرد الذي هو محل الإِجماع ، أو ينجس قبله أيضاً.

المنسوب إلى الأكثر ـ كما في الحدائق (٧) ، ومنهم : الفاضل في بعض كتبه ،

__________________

(١) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٢ ، راجع سنن الدارقطني ١ : ٣٧.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٠ / ٦٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢٦ / ٦٦ ، الوسائل ٣ : ٤٦٣ أبواب النجاسات ب ٣٥ ح ١.

(٣) قرب الاسناد : ١٧٨ / ٦٥٧ ، الوسائل ٣ : ٤٦٤ أبواب النجاسات ب ٣٥ ح ٦.

(٤) النهاية : ٦.

(٥) الوسيلة : ٨٠ ، شرح جمل العلم والعمل : ٥٦ ، المهذب ١ : ٢٦.

(٦) الوسائل ١ : ٢٤٠ أبواب الأسآر ب ٩ ح ٥.

(٧) الحدائق ٥ : ٦٧.


والذكرى ، والدروس (١) وجماعة من المتأخّرين (٢) ـ الأول ، وعن الشيخ الإِجماع عليه (٣) ؛ للأصل ، وانتفاء الإِجماع الذي هو العمدة في أدلّة نجاسته في المقام ، والتفسيرِ المتقدّم في آخر رواية ابن ميمون (٤).

ونفيِ البأس في طائفة من الأخبار عن مسّه بحرارته.

وتغسيل الصادق ابنه إسماعيل ، مجيباً عن السؤال من أنّه : أليس ينبغي أن يمس الميت بعد ما يموت ، ومن مسّ فعليه الغسل ؟ : « إنّه إذا برد ، وأما بحرارته فلا بأس » (٥).

ويضعّف الأول : بالمزيل ، وهو إطلاق رواية ابن ميمون ، وخصوص التوقيعين المرويين في الاحتجاج.

وأحدهما : كتبت إليه : روي عن العالم ، سئل عن إمام صلّى بقوم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه ؟ فقال : « يؤخّر ، ويتقدّم بعضهم ، ويتمّ صلاتهم ، ويغتسل من مسّه » التوقيع : « ليس على من مسّه إلّا غسل اليد » (٦).

والآخر : وكتب إليه : روي عن العالم ، أنّ من مسّ ميتاً بحرارته غسل يده ، ومن مسّه وقد برد ، فعليه الغسل ، وهذا الميت في هذه الحالة لا يكون إلّا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو ؟ التوقيع : « إذا مسّه في هذه الحالة لم يكن عليه إلّا غسل يده » (٧).

__________________

(١) نهاية الاحكام ١ : ١٧٢ ، الذكرى : ٧٩ ، الدروس ١ : ١١٧.

(٢) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ٤٥٨ ، والمحقق الاردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٢٠٩.

(٣) الخلاف ١ : ٧٠١.

(٤) المتقدمة ص ١٦٠.

(٥) التهذيب ١ : ٤٢٩ / ١٣٦٦ ، الوسائل ٣ : ٢٩٠ أبواب غسل المس ب ١ ح ٢.

(٦) الاحتجاج : ٤٨٢ ، الوسائل ٣ : ٢٩٦ أبواب غسل المس ب ٣ ح ٤ (بتفاوت يسير).

(٧) الاحتجاج : ٤٨٢ ، الوسائل ٣ : ٢٩٦ أبواب غسل المس ب ٣ ح ٥.


ويضعف الثاني أيضاً ؛ لأنّ بعد وجود ما ذكر ، انتفاء الإِجماع غير مضرّ.

والثالث : باحتمال كون التفسير من الراوي ، فلا حجيّة فيه.

والرابع : بعدم الدلالة ؛ إذ لا يدل انتفاء البأس في المسّ قبل الحرارة على عدم التنجّس ؛ لإِمكان جواز مسّ النجس ، ولذا لا يحرم بعد البرد أيضاً إجماعاً.

وممّا ذكرنا ظهر دليل القول الثاني ، وهو المحكي عن العماني ، والمبسوط ، والتذكرة ، والروض ، وكفاية الأحكام (١) ، واختاره والدي العلّامة ، بل عليه إجماع الطائفة عن الخلاف ، والمعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة (٢). وهو الحق ؛ لما ذكر.

وردّ دلالة رواية ابن ميمون : بمنع القطع بالموت قبل البرد ، منافٍ لما صرّح به في جملة من الأخبار (٣) ، من تحقّقه مع الحرارة.

وتسليمه ومنع قطع تعلّق الروح بالكليّة غير مفيد ؛ لأنّ الموجب هو الموت ، دون قطع التعلّق بالكليّة.

المسألة الثانية : نجاسة الميتة عينيّة ، متعدية مع الرطوبة ولو بوسائط ، بلا خلاف يعرف ، بل بالإِجماع ، وهو ـ مع أكثر ما ذكرنا لإِثبات نجاستها ، سيّما موثّقة الساباطي المتقدمة (٤) في القليل ـ عليه دليل ، فنفي البعد عن عدم التعدّي ـ كبعض المتأخّرين (٥) ـ سقيم عليل.

واستدلاله بمرسلة الفقيه : عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن ، والسمن ، والماء ، ما ترى فيه ؟ فقال : « لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء ، أو لبن ، أو سمن ، وتتوضأ ، وتشرب ، ولكن لا تصلّ فيها » (٦) ـ لمخالفتها لعمل الأصحاب ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٧٩ ، التذكرة ١ : ٥٩ ، الروض : ١١٣ ، الكفاية : ١١.

(٢) الخلاف ١ : ٧٠٠ ، المعتبر ١ : ٤٢٠ ، المنتهى ١ : ١٦٤ ، التذكرة ١ : ٧. ولا يخفى أن معقد الاجماع في كلامهم هو نجاسة الميت وهو باطلاقه يشمل قبل البرد وبعده ـ فتأمل ـ.

(٣) منها رواية الاحتجاج المتقدمة.

(٤) ص ٤٠.

(٥) المحدث الكاشاني في المفاتيح ١ : ٦٧ ، وفي « هـ » و « ق » : متأخري المتأخرين.

(٦) الفقيه ١ : ٩ / ١٥ ، الوسائل ٣ : ٤٦٣ ، أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ٥.


ومعارضتها للمستفيضة ـ ضعيف.

دون اليبوسة ، وفاقاً للمعظم ؛ للأصل ، وعموم موثّقة ابن بكير : « كل [ شي‌ء ] يابس ذكيّ » (١).

لا لصحيحتي علي ، إحداهما : عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت ، هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله ؟ قال : « ليس عليه غسله وليصل فيه » (٢).

والاُخرى : عن الرجل وقع ثوبه على كلب ميت ، فقال : « ينضحه ويصلي فيه ولا بأس » (٣).

لأنّ الظاهر أنّ الملاقي للثوب ، الشعر الذي هو غير مورد النزاع ، دون الميتة.

خلافاً للفاضل في النهاية ، والمنتهى (٤) ، فأوجب غسل اليد بمسّ الميتة ولو مع اليبوسة ؛ لمرسلة يونس : هل يجوز أن يمسّ الثعلب ، والأرنب ، أو شيئاً من السباع ، حياً أو ميتا ؟ قال : « لا يضرّه ، ولكن يغسل يده » (٥).

والرضوي ، والموثّقة الاُخرى للساباطي المتقدّمتين (٦).

والاُولى مع عدم دلالتها على الوجوب ، لا يمكن حملها عليه ؛ للإِجماع على عدمه حال الحياة ، وعدم استعمال اللفظ في معنييه. مضافة إلى أنّها أعمّ من المسّ‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤١ ، الاستبصار ١ : ٥٧ / ١٦٧ (وفيه زكيّ) ، الوسائل ١ : ٣٥١ أبواب أحكام الخلوة ب ٣١ ح ٥ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) التهذيب ١ : ٢٧٦ / ٨١٣ ، الاستبصار ١ : ١٩٢ / ٦٧٢ ، الوسائل ٣ : ٤٤٢ أبواب النجاسات ب ٢٦ ح ٥.

(٣) الفقيه ١ : ٤٣ / ١٦٩ ، التهذيب ١ : ٢٧٧ / ٨١٥ ، الاستبصار ١ : ١٩٢ / ٦٧٤ ، الوسائل ٣ : ٤٤٢ أبواب النجاسات ب ٢٦ ح ٧.

(٤) نهاية الاحكام ١ : ١٧٣ ، المنتهى ١ : ١٢٨.

(٥) الكافي ٣ : ٦٠ الطهارة ب ٣٩ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٦٢ / ٧٦٣ ، الوسائل ٣ : ٤٦٢ أبواب النجاسات ٣٤ ح ٣.

(٦) ص ١٦٢.


رطباً ويابساً ، فتعارض موثّقة ابن بكير ، بالعموم من وجه ، ويرجع إلى الأصل. وهو الجواب عن الأخيرين.

مضافاً إلى ضعف الثاني ، وخلوّه عن الجابر في المقام ، ووجوب حمل الثالث على الاستحباب ، أو وجود مائع في الإِناء ، وإلّا لزم وجوب الغسل بملاقاة الشعر ، وهو منفيّ إجماعاً.

مع أنّ اختصاص خلاف الفاضل بغسل اليد ، دون ملاقيها أيضاً ولو مع الرطوبة ودون غيرها ممكن ، كما يظهر من المنتهى (١) ، حيث استقرب كون النجاسة حينئذٍ حكميّة ، ولذا قيل : إنّ المنتهى موافق للمشهور وإن أوجب غسل اليد تعبّداً ، فتكون الموثّقة حينئذٍ خارجةً عن موضوع نزاعه.

وكذا الميت ، فتتعدّى نجاسته مع الرطوبة ؛ لإِطلاق التوقيعين ، وعموم خبر إبراهيم بن ميمون ، حيث دلّ على وجوب غسل الثوب ممّا أصاب من الميت ، وإن كان غير الرطوبات النجسة ذاتاً ، فيكون نجساً بملاقاته الميت ، وتتعدّى إلى غيره بعدم الفصل في ذلك ، وإن كان في غسل اليد القول بالفصل محقّقاً. بل وجوب غسله من الثوب يدلّ على نجاسة الثوب به أيضاً ، وإلّا لم يكن وجه لغسله.

وكونه فضلة ما لا يؤكل لا يوجب الغسل كما مر. وكذلك كونه نجساً دون الثوب ؛ إذ لا منع في تحمّل النجس الغير المسري في الصلاة.

دون اليبوسة ؛ للأصل ، والموثّقة (٢).

وفاقاً في الحكمين (٣) للكركي ، وصاحب الحدائق (٤) ، ووالدي العلّامة ، وإن لم يكن بعد في وجوب غسل اليد خاصّة تعبّداً مع المسّ باليبوسة أيضاً ، لإِطلاق التوقيعين ، ولا تعارضهما الموثّقة ؛ إذ وجوب الغسل تعبّداً لا ينافي كونها ذكية.

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٢٨.

(٢) موثقة ابن بكير المتقدمة ص ١٦٨.

(٣) يعني تعدي النجاسة مع الرطوبة وعدم تعدّيها مع اليبوسة ، في الميت.

(٤) جامع المقاصد ١ : ٤٦١ ، الحدائق ٥ : ٦٧.


خلافاً في الثاني خاصّة للمنتهى ، وظاهر الروض ، والمعالم (١) ، ونسب إلى التذكرة ، والذكرى ، والمعتبر (٢) ، بل المشهور ، فتتعدّى مع اليبوسة أيضاً ، إلّا أنّ الأوّل (٣) جعل نجاسة الماسّ يابساً حكميّة ، أي غير متعدّية إلى غيره ولو مع الرطوبة ، والبواقي جعلوها أيضاً عينيّةً متعديّةً مع الرطوبة ؛ لإِطلاق رواية إبراهيم وما في معناها ، والتوقيعين.

ويضعف الأول : بأنّ الرواية لا تدل إلّا على غسل ما أصاب الثوب من الميت ، وظاهر أنه لا يصيبه منه إلا الرطوبات.

والثاني : بأنه لا يدل إلا على وجوب غسل اليد خاصّة ، ولا نمنعه ، وهو غير النجاسة ، وغير وجوب غسل كل ماسّ له.

ثم حكم المنتهى (٤) بعدم التعدّي من الماسّ اليابس ؛ للأصل.

وحكم البواقي بالتعدّي ؛ لأنّه شأن النجس ، أو لإِطلاق الرواية ، مع خروج الماسّ مع الماسّ يابساً بالإِجماع.

وأصل المنتهى قويّ ، لو كان لأصل حكمه أصل.

وخلافاً فيهما للسيد ، كما نسبه إليه جماعة ، منهم فخر المحققّين ، والكركي ، والعاملي (٥) ، ووالدي العلّامة ، فقال : تكون نجاسته حكمية ، فلا تتعدّى مطلقاً ، لا مع الرطوبة ، ولا مع اليبوسة ، بل يجب غسله نفسه خاصّة.

وهو مذهب القواعد (٦) ، على ما فهمه صاحب الإِيضاح (٧) من كلام والده ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٢٨ ، الروض : ١١٦ ، المعالم : ٢٧٨.

(٢) التذكرة ١ : ٥٩ ، الذكرى : ١٦ ، المعتبر ١ : ٣٥٠.

(٣) يعني المنتهى.

(٤) المنتهى ١ : ١٢٧.

(٥) الايضاح ١ : ٦٦ ، جامع المقاصد ١ : ٤٦١ ، ولم نعثر عليه في كتب الشهيد الثاني.

(٦) القواعد ١ : ٢٢ ، قال فيه : والظاهر أن النجاسة هاهنا حكمية ، فلو مسّه بغير رطوبة ثم مسَّ رطباً لم ينجس.

(٧) الإِيضاح ١ : ٦٥.


وجعله مع مذهب السيد واحداً.

ولكنه خلاف ظاهره ، ولذا ردّه المحقّق الثاني في شرحه (١).

واختاره أيضاً بعض متأخّري المتأخرين (٢). بل هو مذهب الحلّي (٣) ، كما تدلّ عليه كلماته في السرائر ، والأردبيلي (٤) ، إلّا أنّهما أوجبا غسل الملاقي له تعبّداً ، لا لكونه نجساً ، كما هو صريح الثاني ، وظاهر الأول ، حيث ادّعى الإِجماع وعدم الخلاف بين الإِمامية في جواز دخول من غسَّل ميتاً المساجد ، بعد دعواه عدم الخلاف بين الاُمّة على وجوب تنزّهها عن النجاسات مطلقاً.

واستدلّ أيضاً : بوجوب غسل الملاقي للميت دون ملاقيه ، بكون الأول ملاقياً لجسد الميت دون الثاني ، وإنّا متعبّدون بغسل ما لاقى جسد الميت.

ثم إنّ دليلهم وردّه يظهر ممّا تلونا عليك.

المسألة الثالثة : أجزاء الميتة ممّا تحلّه الحياة نجسة بالإِجماع ، وإطلاق كثير من الأخبار ، من غير فرق بين اتصالها بها ، وقطعها منها.

ويدلّ على نجاسة الأجزاء المقطوعة منها ـ مع الاستصحاب ـ في الإِنسان : إطلاق مرفوعة أيوب : « إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة » (٥).

فإنّ المستفاد منها ثبوت جميع أحكام الميتة ـ التي منها النجاسة ـ للقطعة ؛ لأنّه مقتضى الحمل الحقيقي فيما لم يعلم المعنى الغير الصالح للحمل للمحمول وإن لم نقل بذلك في الشركة المبهمة بالإِطلاق.

مع أنّه لمّا لم يكن حكم ثابت للميتة ـ سواء قلنا باختصاصها بغير الآدمي‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ٢٦٢.

(٢) المفاتيح ١ : ٦٧.

(٣) السرائر ١ : ١٦٣.

(٤) مجمع الفائدة ١ : ٢٠٩.

(٥) الكافي ٣ : ٢١٢ الجنائز ب ٧٦ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٢٩ / ١٣٦٩ ، الاستبصار ١ : ١٠٠ / ٣٢٥ ، الوسائل ٣ : ٢٩٤ أبواب غسل المس ب ٢ ح ١.


أو بعمومها ـ صالح لإِثباته للقطعة المبانة من الرجل سوى النجاسة ، فاستفادتها من المرفوعة مطلقاً مما لا ريب فيه.

والحمل على وجوب الغسل ـ مع عدم كونه حكم الميتة ، بل حكم بعض أفرادها على احتمال عمومها ـ تمنعه تتمّة الحديث ، من نفي وجوب الغسل إن لم تكن هذه القطعة ذات عظم.

وهو الدليل في غير الإِنسان أيضاً ، بضميمة عدم الفصل ، مضافاً إلى ما تقدّم من النهي عن الأكل في آنية أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيها الميتة (١).

ومن جملة أجزائها النجسة : جلدها بالإِجماع ، كما في المنتهى (٢).

ويدلّ على نجاسته أيضاً ممّا تقدم : صريح رواية الدعائم المنجبرة (٣) ، وظاهر الموثّقة الثانية للساباطي (٤) ، والرضوي (٥) ، والأخبار الآمرة بإلقاء ما يلي الفأرة إذا كانت جامدةً ، وما وقعت فيه إذا كانت مائعةً (٦).

ومن غيره : رواية القاسم الصيقل : إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة ، فتصيب ثيابي ، أفاُصلّي فيها ؟ فكتب إليّ : « اتّخذ ثوباً لصلاتك » (٧).

ورواية ابي القاسم الصيقل وولده : إنّا قوم نعمل أغماد السيوف ـ إلى أن قال ـ : وإنّما علاجنا من جلود الميتة من البغال ، والحمير الأهليّة ، لا يجوز في أعمالنا غيرها ، فيحلّ لنا عملها ، وشراؤها ، وبيعها ، ومسّها بأيدينا ، وثيابنا ، ونحن نصلّي في ثيابنا ؟ ـ إلى أن قال ـ : فكتب عليه السلام : « اجعلوا ثوباً للصلاة » (٨).

__________________

(١) ص ١٦٤.

(٢) المنتهى ١ : ١٦٤.

(٣ و ٤ و ٥) راجع ص ١٦٢ ـ ١٦٣.

(٦) راجع ص ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٧) الكافي ٣ : ٤٠٧ الصلاة ب ٦٦ ح ١٦ ، التهذيب ٢ : ٣٥٨ ـ ١٤٨٣ ، الوسائل ٣ : ٤٦٢ أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ٤.

(٨) التهذيب ٦ : ٣٧٦ / ١١٠٠ ، الوسائل ١٧ : ١٧٣ أبواب ما يكتسب به ب ٣٨ ح ٤.


ورواية عبد الرحمن بن الحجاج : إنّي أدخل سوق المسلمين ، أعني هذا الخلق الذي يدّعون الإِسلام ، فأشتري منهم الفراء للتجارة ، فأقول لصاحبها : أليس هي ذكيّة ؟ فيقول : بلى ؛ فهل يصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكية ؟ فقال : « لا ، ولكن لا بأس أنت تبيعها وتقول : قد شرط الذي اشتريتها منه أنّها ذكيّة » قلت : وما أفسد ذلك ؟ قال : « استحلال أهل العراق الميتة ، وزعموا أنّ دباغ الميتة ذكاتها ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم » (١). ويقرب منها غيرها أيضاً.

دلّت على عدم كون جلد الميتة ذكياً ، وأنّه لا يذكّى بالدباغ.

وأمّا تجويز شرائه وبيعه فيها : فلأنّ بناء الذبائح على الأخذ بالظاهر.

وأمّا التقرير على معاملته في خبري الصيقل فلا حجيّة فيه ؛ لأنّ حجيّته إنّما هو مع عدم المانع والتقيّة ، سيّما في المكاتبات من أقوى الموانع ، ويشعر بها ترك الجواب عن المعاملة ، والعدول إلى بيان حكم الصلاة.

وأمّا مرسلة الفقيه المتقدّمة (٢) في المسألة السابقة فهي ـ لضعف سندها ، ومخالفتها لعمل جميع الأصحاب ـ عن معارضة ما مرَّ قاصرة ، ولموافقتها لمذهب العامة ، ولو بعد الدباغة ـ كما هو في الحديث مصرّح به ـ مطروحة ، وعلى التقيّة محمولة ، وكذا بعض الروايات الاُخر المذكور في المسألة الآتية ، فالاستشكال في نجاسته ـ كما في المدارك ، وقوله بعدم وقوفه على نصّ يعتدّ به فيها (٣) ـ غير جيد.

ويظهر من كلامه كغيره (٤) : نسبة الطهارة إلى الصدوق (٥) ، حيث ذكر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٨ الصلاة ب ٦٥ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٠٤ / ٧٩٨ ، الوسائل ٣ : ٥٠٣ أبواب النجاسات ب ٦١ ح ٤.

(٢) ص ١٦٧.

(٣) المدارك ٢ : ٢٦٨.

(٤) كما في الذخيرة : ١٤٧.

(٥) الفقيه ١ : ٩.


المرسلة ، وهو لا يذكر إلّا ما يفتي بصحته.

وقد يحمل قوله على ما بعد الدبغ ، فيرجع إلى القول بطهارة جلد الميتة بالدبغ ، ويأتي الكلام فيها.

هذا في أجزاء الميتة ، وأمّا ما قطع ممّا تحلّه الحياة ، في حال الحياة من الحيوان الذي ينجس بالموت ، فهو أيضاً نجس ، مات الجزء أو لم يمت بعدُ.

أمّا من الإِنسان : فلإِطلاق المرفوعة (١). وأمّا في غيره : فله بانضمام عدم القول بنجاسة القطعة المبانة من الإِنسان دون غيره.

مضافاً إلى المستفيضة المصرّحة بأنّ « ما أخذت الحبالة وقطعت منه ، فهو ميتة ، وما أدركته من سائر جسده حياً ، فذكّه ، وكُلْ منه » (٢).

وبأنّ ألَيات الغنم المقطوعة لثقلها ميتة (٣) ، بالتقريب المتقدّم في المرفوعة.

وإلى أنّ القطعة إذا كانت كبيرة ، بحيث يطلق عليها الميتة أو الجيفة عرفاً ، تدخل في عمومات نجاسة الماء إذا غلبت عليه الميتة أو الجيفة ، ريحاً أو طعماً.

ولو مات الجزء من غير قطع ، فالظاهر طهارته ؛ لعدم القطع ، وعدم صدق الميت والميتة قطعاً ، وخروج مثله عن الروايات الدالّة على نجاستهما.

والاستدلال على نجاسته برواية عبد الله بن سليمان : « ما أخذت الحبالة وانقطع منه شي‌ء ، أو مات فهو ميتة » (٤) غير جيد ؛ لجواز كون المستتر في قوله : « مات » راجعاً إلى الصيد ، دون الشي‌ء ، والحكم بكونه ميتة ، لدفع توهم كون الأخذ بالحبالة في حكم التذكية.

ولو قطع هذا العضو الميت فهل ينجس ؟ الظاهر نعم ؛ لما مرّ من إطلاقات القطع.

__________________

(١) المتقدمة ص ١٧١.

(٢) الوسائل ٢٣ : ٣٧٦ أبواب الصيد ب ٢٤.

(٣) الوسائل ٢٤ : ٩١ أبواب الذبائح ب ٤٠.

(٤) الكافي ٦ : ٢١٤ الصيد ب ٧ ح ٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٧٧ أبواب الصيد ب ٢٤ ح ٣.


ولو قطع بعض القطع ومات ، ولكن لم ينفصل بعدُ عن الحي بالكليّة ، ففيه إشكال. والطهارة أظهر ؛ لصحّة سلب القطع.

هذا في غير الأجزاء الصغيرة المنفصلة عن بدن الإِنسان ، مثل البثور (١) ، والثؤلول (٢) ، ونحوهما ، وأمّا هي ، فطاهرة ، بل قيل : لا خلاف في طهارتها (٣) ؛ للأصل ، لعدم صدق القطعة عرفاً ، ولا يفيد عموم المبدأ ، كما سبق.

وصحيحة علي : عن الرجل يكون به الثؤلول والجرح ، هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته ، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه ؟ قال : « إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله » (٤).

وتركُ الاستفصال عن كونه باليد أو غيرها ، وعن كون المسّ بالرطوبة أو اليبوسة ، يفيد العموم.

وتضعيف دلالتها بمثل ما مرّ في صحيحته الاُخرى المتقدمة (٥) في ذرق الطير ، ضعيف ؛ لظهور الفرق بينهما ، ولذا استفصل هنا عن خوف سيلان الدم.

وهل يختصّ ذلك بالإِنسان ، أو يتعدّى إلى غيره أيضاً ؟ الظاهر الثاني ؛ لعدم دليل على النجاسة فيه.

المسألة الرابعة : ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة ـ وحصروه في الصوف ، والشعر ، والوبر ، والبيض ، والإِنفحة ، واللبن ، والعظم ، والسن ، والقرن ، والحافر ، والريش ، والظلف (٦) ، والظفر ، والناب ، والمخلب ـ طاهر ، بلا خلاف‌

__________________

(١) البثور : خُرّاج صِغار وخص بعضهم به الوجه ـ لسان العرب ٤ : ٣٩.

(٢) الثؤلول : الحبة التي تظهر في الجلد كالحمصة فما دونها ـ النهاية ١ : ٢٠٥.

(٣) الحدائق ٥ : ٧٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٧٨ / ١٥٧٦ ، الاستبصار ١ : ٤٠٤ / ١٥٤٢ ، الوسائل ٧ : ٢٨٤ أبواب قواطع الصلاة ب ٢٧ ح ١.

(٥) ص ١٤٢.

(٦) الظلف : ظفر كل ما اجتر ، والجمع أظلاف. لسان العرب ٩ : ٢٢٩.


يعرف ، بل عليه حكاية الإِجماع في كلام غير واحد من الأصحاب (١).

وتدلّ عليه ـ بعد ظاهر الإِجماع ، والأصل السالم عن المعارض في بعضها ، لانتفاء عموم أو إطلاق يشمل الجميع ـ المستفيضة الدالّة على طهر جميعها ، إمّا مستقلاً ، أو بضميمة الإِجماع المركّب.

كرواية الثمالي ، وفيها ـ بعد السؤال من الجبن ، وأنّه ربما جعلت فيه إنفحة الميتة ـ : « ليس بها بأس ، إنّ الإِنفحة ليس لها عروق ، ولا فيها دم ، ولا لها عظم » (٢) مقتضى التعليل : طهارة ما ليس له شي‌ء من الثلاثة ، والجميع كذلك.

وحسنة حريز : « اللبن ، واللباء ، والبيضة ، والشعر ، والصوف ، والناب ، والحافر ، وكل شي‌ء يفصل من الشاة والدابة ، فهو ذكيّ ، وإن أخذته بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه » (٣).

وصحيحة الحلبي : « لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ، إنّ الصوف ليس فيه روح » (٤) فإنّ تعليلها صريح في طهر كل ما ليس فيه روح.

والاستدلال على طهارة الجميع بهما مستقلّين غير جيد ؛ لأنّ معنى « كل شي‌ء يفصل » في الاُولى : ما يعتاد انفصاله ، مع كون المحل حيّاً ، ولا شك أنّ العظم ، والإِنفحة ليسا كذلك. بل في عمومها لجميع غيرهما أيضاً نظر ؛ إذ اختصاص ضمير « اغسله وصلّ فيه » بما يمكن غسله والصلاة فيه يمنع الأخذ بعموم المرجع. ومقتضى التعليل في الثانية اختصاص الحكم بما يمكن الصلاة فيه.

والمرويِ في المحاسن : « وما يحلّ من الميتة : الشعر ، والصوف ، والوبر ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٦٤ ، المدارك ٢ : ٢٧٢ ، الحدائق ٥ : ٩٩.

(٢) الكافي ٦ : ٢٥٦ الاطعمة ب ٩ ح ١ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٩ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٨ الاطعمة ب ٩ ح ٤ ، التهذيب ٩ : ٧٥ / ٣٢١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٠ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٠ ، الوسائل ٣ : ٥١٣ أبواب النجاسات ب ٦٨ ح ١.


والناب ، والقرن ، والضرس ، والظلف ، والبيض ، والإِنفحة ، والظفر ، والمخلب ، والريش » (١).

ومرسلةِ الفقيه : « عشرة أشياء من الميتة ذكيّة : القرن ، والحافر ، والعظم ، والسن ، والإِنفحة ، واللبن ، والشعر ، والصوف ، والريش ، والبيض » (٢). ومثلها رواية الخصال (٣) ، إلّا في الترتيب.

والمروي في العلل : « واُطلق في الميتة عشرة أشياء : الصوف ، والشعر ، والريش ، والبيضة ، والناب ، والقرن ، والظلف ، والإِنفحة ، والإِهاب (٤) ، واللبن [ وذلك ] إذا كان قائماً في الضرع » (٥).

وحسنتي حسين بن زرارة : إحداهما : عن السنّ من الميتة ، واللبن ، والبيض من الميتة ، وإنفحة الميتة. قال : « كل هذا ذكي » (٦).

والاُخرى : عن الإِنفحة تكون في بطن العناق ، أو الجدي ، وهو ميت ، فقال : « لا بأس به » وعن الرجل يسقط سنّه ، فيأخذ من أسنان ميت فيجعله مكانه ، فقال : « لا بأس ـ إلى أن قال ـ العظم ، والشعر ، والصوف ، والريش ، وكل نابت ، لا يكون ميتاً » وعن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة ، فقال : « لا بأس بأكلها » (٧).

__________________

(١) المحاسن : ٤٧١ / ٤٦٤ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٧ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣١ ح ٢٠.

(٢) الفقيه ٣ : ٢١٩ / ١٠١١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٢ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٩.

(٣) الخصال : ٤٣٤ / ١٩ ، راجع الوسائل ٢٤ : ١٨٢.

(٤) الإِهاب : الجلد قبل أن يدبغ وبعضهم يقول : الجلد. المصباح المنير : ٢٨.

(٥) العلل : ٥٦٢ / ١ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٥ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣١ ح ١١ وما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) الكافي ٦ : ٢٥٨ الاطعمة ب ٩ ح ٣ ، التهذيب ٩ : ٧٥ / ٣٢٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٠ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٤ ، في الكافي والتهذيب : « اللبن » بدل « السن » ، وفي الوسائل كما في المتن بدون زيادة : اللبن.

(٧) التهذيب ٩ : ٧٨ / ٣٣٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٣ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ١٢.


ورواية يونس : « خمسة أشياء ذكية ممّا فيها منافع الخلق : الإِنفحة ، والبيض ، والصوف ، والشعر ، والوبر » (١).

وصحيحة زرارة : عن الإِنفحة تخرج من (٢) الجدي الميت ، قال : « لا بأس به » قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة بعدما ماتت ، قال : « لا بأس به » قلت : والصوف ، والشعر ، وعظام الفيل ، والجلد ، والبيض يخرج من الدجاجة ؟ قال : «كل هذا لا بأس به » (٣).

فروع :

أ : جمهور الأصحاب على اشتراط طهارة البيضة على اكتسائها القشر الأعلى ؛ لمفهوم رواية غياث بن إبراهيم : في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة ، قال : « إن كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ ، فلا بأس بها » (٤).

ويخدشه : عدم العموم في البأس الثابت بالمفهوم ، ولعلّه الحرمة ، فإطلاقات طهارتها ـ مع أصالتها ـ عن المعارض خالية.

ونجاستها بملاقاة الميتة لميعانها ، بممانعة الجلد الرقيق غبّ اكتسائه مدفوعة ، مع أنّه لا دليل على تنجس كل ملاقٍ للنجاسة ، سوى أحد الإِجماعين المنتفي في المورد ، أو بعض ما لا يشمله ، فإطلاق القول بالطهارة ـ كما عن المقنع (٥) ، وظاهر المدارك ، والمعالم (٦) ـ متّجه.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٥٧ الاطعمة ب ٩ ح ٢ ، التهذيب ٩ : ٧٥ / ٣١٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٧٩ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٢.

(٢) في « هـ » و « ق » : عن.

(٣) الفقيه ٣ : ٢١٦ / ١٠٠٦ ، التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٤ ، الاستبصار ٤ : ٨٩ / ٣٣٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٢ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ١٠.

(٤) الكافي ٦ : ٢٥٨ الاطعمة ب ٩ ح ٥ ، التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٨١ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٦.

(٥) لم نعثر عليه بل وجدناه في الهداية : ٧٩.

(٦) المدارك ٢ : ٢٧٢ ، المعالم : ٢٩٩.


وممّا ذكر ظهر الوجه فيما هو ظاهر الأكثر (١) من طهارة ظاهر البيضة مطلقاً.

خلافاً لصريح الفاضل في نهاية الاحكام ، والمنتهى (٢) ، وظاهر طائفة من متأخّري المتأخّرين (٣) ، فقالوا بنجاسته بالملاقاة ؛ استناداً إلى أنّ سياق الإِطلاقات لبيان الطهارة الذاتيّة ، فلا يلزم التعرّض للعرضيّة.

ويدفعه : أنّ أصل الطهارة كافٍ لإِثباتها ، مع أنّ عدم لزوم التعرّض للعرضيّة ، إنّما هو إذا لم يكن لازماً للمعروض ، وإلّا فلازم.

ب : لا فرق في طهارة الصوف ، والشعر ، والريش ، والوبر ، بين قطعها بالجزّ ، أو القلع.

وعن الشيخ في النهاية : اختصاصها بالأوّل (٤) ؛ لرواية فتح بن يزيد (٥). وهي مجملة لا تفيد معنى صالحاً للحكم.

ثم مقتضى حسنة حريز (٦) : وجوب غسلها مطلقاً ، سواء قلعت ، أو جزت.

وخصّه الأكثر بالأول ؛ لظهور عدم الاحتياج إليه في الثاني. ولا وجه له بعد إطلاق الأمر.

ج : الإِنفحة ـ بكسر الهمزة وسكون النون وفتح الفاء والحاء المهملة ، المخففة ، أو المشدّدة ـ قيل : كرش الحمل والجدي ما لم يأكل العلف (٧).

__________________

(١) منهم صاحب الذخيرة : ١٤٧ ، والمدارك ٢ : ٢٧٢ ، والمعالم : ٢٢٨ ، والمفاتيح ١ : ٦٧.

(٢) نهاية الاحكام ١ : ٢٧٠ ، المنتهى ١ : ١٦٦.

(٣) تجد التصريح به في كلام المشارق : ٣٢٠ ، والحدائق ٥ : ٩١.

(٤) النهاية : ٥٨٥.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٨ الاطعمة ب ٩ ح ٦ ، التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٣ ، الاستبصار ٤ : ٨٩ / ٣٤١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨١ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٧.

(٦) المتقدمة ص ١٧٦.

(٧) الصحاح ١ : ٤١٣ نقله عن أبي زيد ، وقال به من الفقهاء ابن ادريس في السرائر ٣ : ١١٢ ، وغيره.


والكرش ـ بكسر الكاف وسكون الراء ، أو فتح الأول وكسر الثاني ـ من كل مجتر : بمنزلة المعدة للإِنسان.

وقال أكثر الفقهاء (١) واللغويين (٢) : إنّها شي‌ء أصفر يستخرج من بطن الحمل والجدي قبل العلف ، يعصر في صوفه ، تبله في اللبن فيغلظ كالجبن ، ومحله الكرش.

ويعاضد ذلك : ما في رواية الثمالي : « انّه ربما جعلت فيه ـ أي في الجبن ـ إنفحة الميتة وإنّها إنّما تخرج من بين فرث ودم » (٣). فلعلّه الأظهر.

والكلام في تنجّسه بملاقاة الكرش ، كتنجّس الكرش لو كان هو الإِنفحة بملاقاة الميتة ، كما مرّ ، ويكون الكرش على الأول نجساً ، وما في جوفه على الثاني ـ لكونه غير ذي روح ـ طاهراً.

د : لا ينجس اللبن بملاقاة الضرع ، وفاقاً للأكثر ، منهم : الصدوق في المقنع (٤) ، والشيخ في أكثر كتبه (٥) ، والذكرى ، والمدارك ، والمعالم (٦) ، وجمع من متأخّري المتأخّرين (٧) ، بل في الخلاف ، والغنية (٨) : الإِجماع عليه ؛ للأصل ، وأكثر الأخبار المتقدّمة.

وكونها في مقام بيان الطهارة الذاتيّة مدفوع : بما مرّ.

خلافاً للحلّي (٩) ، فنجّسه مدّعياً عدم الخلاف فيه بين المحصّلين ، وتبعه‌

__________________

(١) لم تثبت الاكثرية ، فلاحظ مفتاح الكرامة ١ : ١٥٥.

(٢) القاموس ١ : ٢٦٢ ، المغرب ٢ : ٢٢٠.

(٣) المتقدمة ص ١٧٦.

(٤) لم نعثر عليه بل وجدناه في الهداية : ٧٩.

(٥) النهاية : ٥٧٥ ، الخلاف ١ : ٥١٩ ، التهذيب ٩ : ٧٧ ، الاستبصار ٤ : ٨٩.

(٦) الذكرى : ١٤ ، المدارك ٢ : ٢٧٤ ، المعالم : ٢٣١.

(٧) منهم صاحب المشارق : ٣٢١ ، والذخيرة : ١٤٨.

(٨) الخلاف ١ : ٥٢٠ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٦١٩.

(٩) السرائر ٣ : ١١٢.


على ذلك جماعة ، منهم : الفاضلان (١) ، وفي المنتهى : أنّه المشهور عند علمائنا (٢).

لأنّه مائع ملاقٍ للميتة ، وكلّ ما كان كذلك فهو نجس.

ولرواية وهب بن وهب : عن شاة ماتت فحلب منها لبن ، فقال عليه السلام : « هذا الحرام محضاً » (٣).

والأول مصادرة.

والثانية ـ مع كونها موافقة لمذهب العامة ، كما في التهذيب (٤) ، وغير مثبتة للنجاسة ، لعدم الملازمة بينها وبين الحرمة ـ معارضة مع ما هو أكثر منها وأصح ، وبما مرّ أرجح ، مع أنّه لولاه فأصل الطهارة هو المرجع.

*       *      *

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٢٣ ، المختصر النافع : ٢٥٣ ، التحرير ١ : ١٦١ ، التذكرة ١ : ٧.

(٢) المنتهى ١ : ١٦٥.

(٣) التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٥ ، الاستبصار ٤ : ٨٩ / ٣٤٠ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٣ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ١١.

(٤) التهذيب ٩ : ٧٧.


الفصل الرابع : في الدم‌

وهو نجس من كل ذي نفس ، عدا ما يستثنى. وعليه الإِجماع في المعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة (١) وغيرها (٢).

وتدلّ عليه ـ مضافاً إلى الإِجماع ـ النصوص المستفيضة :

كصحيحة علي : عن رجل رعف وهو يتوضأ ، فقطرت قطرة في إنائه ، هل يصلح الوضوء منه ؟ قال : « لا » (٣).

وموثّقة عمّار : « كلّ شي‌ء من الطير يتوضأ عما يشرب منه ، إلّا أن ترى في منقاره دماً ، فلا تتوضأ منه ولا تشرب » (٤).

وصحيحة زرارة : أصاب ثوبي دم رعاف ، أو غيره ، أو شي‌ء من مني ، فعلّمت أثره إلى أن اُصيب الماء ، فأصبت ، وحضرت الصلاة ، فنسيت أنّ بثوبي شيئاً وصلّيت ، ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك ، قال : « تعيد الصلاة وتغسله » (٥).

والظاهر عطف « غيره » على « رعاف » لكونه أقرب ، ولئلّا يلزم التخصيص (٦) بالنجاسات في « غيره » ولا عطف الخاص على العام ، فيثبت بها الحكم في جميع الدماء ، بل يثبت ذلك على عطفه على دم أيضاً ، لشموله له أيضاً.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٢٠ ، المنتهى ١ : ١٦٣ ، التذكرة ١ : ٧.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٠.

(٣) الكافي ٣ : ٧٤ الطهارة ب ٤٦ ح ١٦ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٤.

(٥) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٢ أبواب النجاسات ب ٧ ح ٢.

(٦) يعني إذا قلنا بان كلمة « غيره » عطف على دم الرعاف ، فبما انها تشمل الاشياء الطاهرة يلزم تخصيصها بالنجاسات ويلزم أيضاً عطف الخاص وهو (أو شي‌ء من مني) على العام وكلاهما خلاف الأصل.


وحسنة محمد : الدم يكون في الثوب عليَّ وأنا في الصلاة ، قال : « إن رأيت وعليك ثوب غيره ، فاطرحه وصلّ » (١) الحديث.

وصحيحة ابن أبي يعفور الواردة في نقط الدم : « يغسله ولا يعيد صلاته ، إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً ، فيغسله ويعيد الصلاة » (٢).

إلى غير ذلك من المستفيضة الدالّة على المنع من الصلاة في ثوب لاقاه ، أو على إعادتها إن صلّى مع العلم به ، أو غسل الثوب من الدم مطلقاً ، أو دم الرعاف كذلك ، أو في الصلاة ، أو بعض دماء آخر (٣).

وأمّا بعض الأخبار (٤) المفهم لطهارته في بادئ النظر ، فليس بعد التأمّل كذلك ، مع أنّه لو كان ، فلشذوذه المخرج له عن الحجيّة لا يضرّ.

ثمّ مقتضى إطلاق الروايتين الاُوليين ، بل خصوص الثانية : نجاسته ولو كان أقلّ من الدرهم أو الحمصة ، كما عليها المعظم ، وتشملها الإِجماعات المنقولة.

خلافاً للمنقول عن الإِسكافي (٥) في الأوّل ، والصدوق (٦) في الثاني ؛ للأخبار المجوّزة للصلاة في نحو من ذلك ، أو النافية لوجوب غسله.

وهما غير مستلزمتين للطهارة في المورد ، لتحقّق القول بالفصل وإن حكمنا بها لمثلهما في غيره لعدم تحقّقه ، كما هو متحقّق فيما عدا العفو في الصلاة ، وعدم وجوب الغسل من لوازم النجاسة أو الطهارة في المورد أيضاً.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٩ الطهارة ب ٣٨ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٦١ / ٧٥٨ ، التهذيب ١ : ٢٥٤ / ٧٣٦ ، الاستبصار ١ : ١٧٥ / ٦٠٩ ، الوسائل ٣ : ٤٣١ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٥ / ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ١٧٦ / ٦١١ ، الوسائل ٣ : ٤٢٩ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ١.

(٣) راجع الوسائل ٣ : أبواب النجاسات ب ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٤.

(٤) الوسائل ١ : ٢٦٥ أبواب نواقض الوضوء ب ٧ ح ٤ و ١١ وج ٣ : ٤٩٩ أبواب النجاسات ب ٥٦ ح ١ وغيرها.

(٥) نقل عنه في المعتبر ١ : ٤٢٠.

(٦) الفقيه ١ : ٤٢.


وقد يستدلّ على ردّهما : بمطلقات غسل الدم ، أو إعادة الصلاة عنه.

وليس في محلّه ؛ لعدم وجوب غسل ما دون المقدارين ، وكون الأمر بالإِعادة قرينةً على إرادة ما زاد عليهما.

ثمّ إنّ المستفاد من الإِطلاقات وإن كان نجاسة مطلق الدم من ذي النفس ، إلّا أنّه خصّ منه عند أصحابنا الدم المتخلّف في الذبيحة المأكول اللحم ، بعد القذف المعتاد ، فهو طاهر ، وعليه الإِجماع محقّقاً ومحكيّاً في كلام جمع ، منهم : الناصريات ، والسرائر ، والمختلف ، والحدائق (١) ، واللوامع ، وغيره (٢).

وبضرورة حلّية اللحم الغير المنفك عنه ولو غسل مرات ـ كما يظهر عند الغسل والطبخ ـ وعدم وجوب غسل ما يلاقي هذا اللحم ، وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار ، تقيّد الإِطلاقات ، لا بقوله سبحانه : ( قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ ) (٣) لأنّ مفهومها مفهوم وصف غير معتبر ، ومنطوقها عامّ غير مقاوم ، مع أنّه لا يفيد أزيد من عدم كون غير الثلاثة ممّا اُوحي تحريمه حين نزول الآية ، فيمكن الوحي بتحريم غيرها بعده ، أو تحريمه بغير الوحي ، كما وقع التصريح به في الأخبار ، من أنّ من المحرّمات ما حرّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فلا يصلح إلّا لتأسيس الأصل ، فلا يحرم ما لا دليل على حرمته. وهو الوجه فيما ورد عنهم من التمسّك بها في حليّة بعض الأشياء.

وظهر ممّا ذكر : لزوم الاقتصار في التخصيص بما ثبت فيه الإِجماع ، فينجس ما جذبته الذبيحة بالنفس ، أو بقي في جوفه لارتفاع موضع رأسه ، أو استقر في العضو المحرّم كالطحال ، أو تخلّف في الذبيحة الغير المأكول ، وغيرها من غير المسفوحات ، كدم الشوكة والعثرة ونحوهما ، من غير خلاف يعرف في شي‌ء منها.

__________________

(١) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١ ، السرائر ١ : ١٧٤ ، المختلف : ٥٩ ، الحدائق ٥ : ٤٥.

(٢) المفاتيح ١ : ٦٦ ، المسالك ٢ : ٢٤٥.

(٣) الانعام : ١٤٥.


وكما قيّدت إطلاقات النجاسة (١) بما مرّ ، كذلك اُخرج منها دم غير ذي النفس بالمستفيضة المعتبرة (٢) ولو بضميمة الإِجماع المركّب ، فهو أيضاً طاهر ، وعليه الإِجماع في الخلاف ، والغنية ، والسرائر ، والمعتبر ، والمنتهى ، والتذكرة ، والذكرى (٣).

نعم يظهر من تقسيم الشيخ في الخلاف ، والجمل ، والمبسوط (٤) ، والديلمي ، وابن حمزة (٥) النجاسة إلى الدم وغيره ، ثمّ تقسيمه إلى ما تجب إزالته وما لا تجب ، وهو دم البق ، والبراغيث ، والسمك : اعتقادهم النجاسة.

ومنع ظهوره ـ لجواز تقسيم الشي‌ء إلى قسمين ، كلّ منهما أعم من وجه من آخر ، ثمّ تقسيم أحدهما إلى أقسام ، بعضها خارج عن المقسم ـ مكابرة ، إلّا أنّ ادّعاء الإِجماع في الخلاف على طهارة مثل دم البق قبل التقسيم بسطر (٦) ، يوهنه.

وكيف كان فهُمْ بما مرّ محجوجون‌.

فرع : المصرّح به في كلام جماعة (٧) : نجاسة العلقة‌ ، وعليها الإِجماع في الخلاف (٨) ؛ ويدلّ عليها صدق الدم ، ومنعه ضعيف ، ولذلك ينجس دم البيض أيضاً.

وكونه من الفرد النادر بعد الصدق ، غير ضائر ؛ لأنّ الندور الوجودي إنّما يفيد للخروج عن المطلق في الأحكام على الوقائع الواقعة. وعدم كونه دماً بعد‌

__________________

(١) في « ح » النجاسات.

(٢) راجع الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب النجاسات ب ٢٣.

(٣) الخلاف ١ : ٤٧٦ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٠ ، السرائر ١ : ١٧٤ ، المعتبر ١ : ٤٣٠ ، المنتهى ١ : ١٦٣ ، التذكرة ١ : ٧ ، الذكرى : ١٣.

(٤) الخلاف ١ : ٤٧٦ ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ١٧٠ ، المبسوط ١ : ٣٥.

(٥) المراسم : ٥٥ ، الوسيلة : ٧٦.

(٦) الخلاف ١ : ٤٧٦.

(٧) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٤٢٢.

(٨) الخلاف ١ : ٤٩٠.


الصدق العرفي ، غير مسموع.

وفي تنجّس البيضة به ؛ لميعانها ، وعدمه ؛ للأصل ، وعدم ثبوت تنجّس مثل ذلك بالملاقاة ، إشكال. والاجتناب أحوط.

*       *      *


الفصل الخامس : في الكلب والخنزير‌

وهما نجسان عيناً ولعاباً ، بل بجميع أجزائهما حتى ما لا تحلّه الحياة ؛ بالإِجماع المحقّق والمنقول (١) ، والمستفيضة من الصحاح وغيرها.

ومنها : الآمرة بغسل الثوب والجسد بمس الكلب ، أو إصابته برطوبة ، الصادقتين على مسه وإصابته (٢) بشعره (٣).

وبغسل اليد بعد ملاقاتها لشعر الخنزير ، كالروايات الثلاث للإِسكافين (٤) ، ورواية زرارة (٥).

وأمّا صحيحته : عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر ، أيتوضأ من ذلك الماء ؟ قال : « لا بأس » (٦). وموثّقة ابنه : فشعر الخنزير يعمل حبلاً ، يستقى به من البئر التي يشرب منها ، ويتوضأ منها ؟ قال : « لا بأس » (٧) فلا تنافيها ؛ لاحتمال أن يكون المنفي عنه البأس ماء البئر ، بل هو الظاهر من الثانية ، أو يكون نفيه لعدم استلزام الاستقاء للملاقاة.

__________________

(١) لعل المراد نقل الاجماع على نجاستهما بقول مطلق فقد تكرر نقله في كتب الاصحاب. وأما دعوى الاجماع على نجاستهما بجميع أجزائهما حتى ما لا تحلّه الحياة فلم نعثر عليها في كلماتهم صريحاً.

(٢) في « ح » : أو اصابته.

(٣) الوسائل ٣ : ٤١٤ أبواب النجاسات ب ١٢.

(٤) أ ـ التهذيب ٩ : ٨٥ / ٣٥٧ ، الوسائل ٣ : ٤١٨ أبواب النجاسات ب ١٣ ح ٣.

ب ـ التهذيب ٦ : ٣٨٢ / ١١٣٠ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٨ أبواب ما يكتسب به ب ٥٨ ح ٢.

ج ـ الفقيه ٣ : ٢٢٠ / ١٠١٩ ، التهذيب ٩ : ٨٥ / ٣٥٦ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٨ أبواب ما يكتسب به ب ٥٨ ح ٤.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٨٢ / ١١٢٩ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٧ أبواب ما يكتسب به ب ٥٨ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٦ الطهارة ب ٤ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ / ١٢٨٩ ، الوسائل ١ : ١٧٠ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٢.

(٧) الكافي ٦ : ٢٥٨ الاطعمة ب ٩ ح ٣ ، الوسائل ١ : ١٧١ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٣.


خلافاً للناصريات (١) ، والبحار (٢) في الأخير (٣) ؛ للأخيرتين. وعمومات طهارته من الميتة الشاملة لما كان من نجس العين أيضاً. ولأنّ ما لا تحلّه الحياة من أجزائه ليس من جملته وإن كان متصلاً به.

والأول لا دلالة فيه ، كما مرّ ، ومع ذلك موافق ـ لحكاية السيد (٤) ـ لمذهب أبي حنيفة ، المشتهر في زمان صدوره ، معارض مع الأربعة المذكورة المعتضدة بالشهرة ، الظاهرة في الدلالة.

والثاني ـ لكونه أعمّ مطلقاً ـ مخصوص بما ذكرنا البتة.

والثالث مردود ـ بعد عدم التفرقة في ذلك بين ما تحلّه الحياة وما لا تحله ـ بعدم الملازمة بينه وبين الطهارة ، لإِمكان إثبات النجاسة بغير ما يدلّ على نجاسة الجملة.

ثمّ المتولد منهما أو من أحدهما يتبع الاسم ، ومع عدم صدق اسم عليه طاهر ؛ للأصل ، ككلب الماء وخنزيره ، على الأظهر الأشهر ؛ لعدم ثبوت كونه حقيقةً إلّا في البريّ ، كما في الذخيرة (٥) ، بل صرّح الفاضل في النهاية ، والتحرير ، والتذكرة (٦) بكونه مجازاً في غيره ، بل هو الظاهر من الأكثر حيث خصّ التبادر (٧) بالبرّي.

__________________

(١) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٢.

(٢) الموجود في البحار ٧٧ : ١٢٠ ، و ٦٣ : ٥٥ خلافه. قال في مفتاح الكرامة ١ : ١٣٩ : يظهر من كثير أنّ المخالف إنما هو السيد فقط.

(٣) أي في الأجزاء التي لا تحلّها الحياة.

(٤) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٢.

(٥) الذخيرة : ١٥٠.

(٦) نهاية الاحكام ١ : ٢٧٢ والموجود فيها : كلب الماء طاهر لانصراف الإِطلاق الى المتعارف ، التحرير ١ : ٢٤ ، التذكرة ١ : ٨.

(٧) في « هـ » : المتبادر.


ويظهر من المنتهى : الاشتراك اللفظي (١). والحكم معه الطهارة أيضاً ؛ لعدم جواز استعمال المشترك في معنييه ، وعدم الحمل بدون القرينة ـ على القول بجوازه ـ عليه.

ومع ذلك في بعض الروايات عليها دلالة ، كصحيحة البجلي : عن جلود الخز ، فقال : « ليس بها بأس » فقال الرجل : جعلت فداك إنّما هي في بلادي ، وإنّما هي كلاب تخرج من الماء ، فقال : أبو عبد الله عليه السلام : « إذا خرجت من الماء تعيش خارجه ؟ » فقال الرجل : لا ، فقال : « لا بأس » (٢).

ورواية ابن أبي يعفور عن أكل لحم الخزّ ، قال : « كلب الماء إن كان له ناب ، فلا تقربه ، وإلّا فاقربه » (٣).

فخلاف الحلي ، وحكمه بنجاسة البحري تبعاً للاسم (٤) ، ضعيف.

*       *      *

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٦٦.

(٢) الكافي ٦ : ٤٥١ الزي والتجمل ب ٩ ح ٣ ، الوسائل ٤ : ٣٦٢ أبواب لباس المصلي ب ١٠ ح ١.

(٣) التهذيب ٩ : ٤٩ / ٢٠٥ ، الوسائل ٢٤ : ١٩١ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٩ ح ٣.

(٤) السرائر ٢ : ٢٢٠.


الفصل السادس : في الخمر والفقاع‌

أمّا الثاني ، وهو ما سمّي عرفاً ، أو (ما) (١) يؤخذ من ماء الشعير فقط ، أو مع غيره ، نجس بالإِجماع المحقّق ، والمحكي عن المبسوط ، والخلاف ، والانتصار ، والغنية (٢) ، والمنتهى (٣) ، والتذكرة ، والنهاية للفاضل (٤) ، وغيرها (٥) ، سواء أسكر ، أم لا.

وتدلّ عليه روايتا أبي جميلة (٦) ، والقلانسي (٧) ، المنجبرتان بالعمل.

وأمّا الأوّل : فهو أيضاً نجس عند السواد الأعظم من الفريقين ، وعليها الإِجماع عن الخلاف ، والمبسوط ، والنزهة ، والسيد ، والحلي ، وابن زهرة ، والفاضل ، وولده (٨) ، وغيرهم (٩) ، بل الخامس نسب إلى المخالف خلاف إجماع المسلمين. وهو الحجّة فيه.

مضافاً إلى قوله سبحانه : ( فَاجْتَنِبُوهُ ) (١٠) فإنّ الاجتناب الامتناع عمّا‌

__________________

(١) لا توجد في « ق ».

(٢) المبسوط ١ : ٣٦ ، الخلاف ٢ : ٤٨٤ ، الانتصار : ١٩٧ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٠.

(٣) المنتهى ١ : ١٦٧. قال فيه أجمع علماؤنا على أن حكم الفقاع حكم الخمر فتأمل.

(٤) التذكرة ١ : ٧ ، نهاية الاحكام ١ : ٢٧٢.

(٥) التنقيح ١ : ١٤٥.

(٦) الكافي ٦ : ٤٢٣ الاشربة ب ٣٠ ح ٧ ، التهذيب ٩ : ١٢٥ / ٥٤٤ ، الاستبصار ٤ : ٩٦ / ٣٧٣ ، الوسائل ٢٥ : ٣٦١ أبواب الاشربة المحرمة ب ٢٧ ح ٨.

(٧) الكافي ٦ : ٤٢٢ الأشربة ب ٣٠ ح ٣ ، التهذيب ٩ : ١٢٥ / ٥٤٣ ، الاستبصار ٤ : ٩٦ / ٣٧٢ ، الوسائل ٢٥ : ٣٦١ أبواب الاشربة المحرمة ب ٢٧ ح ٦.

(٨) الخلاف ٢ : ٤٨٤ ، المبسوط ١ : ٣٦ ، نزهة الناظر : ١٨ ، الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١ ، السرائر : ١ : ١٧٨ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥٠ ، التذكرة ١ : ٧ ، الايضاح ٤ : ١٥٥.

(٩) المسالك ١ : ١٧.

(١٠) المائدة : ٩٢.


يوجب القرب منه مطلقاً ، ولا معنى للنجس إلّا ذلك.

وحمل الاجتناب المطلق على بعض أفراده تحكّم.

وعدم وجوب الاجتناب عن النجس في جميع الأحوال ، أو عن ملاقاة الأنصاب والأزلام بدليل لا يوجب خروج باقي الأفراد. وإخراج ملاقاة النجس عن الأفراد المتعارفة ، مكابرة.

والأخبارِ المستفيضة بل المتواترة معنى ، الواردة في موارد متعدّدة المتضمنة للأمر بغسل الثوب منها ، أو إعادة الصلاة مع الثوب الذي أصابته ، أو غسل إنائها ثلاثاً ، أو سبعاً ، أو إهراق حُبّ أو قدر فيه لحم ومرق كثير قطرت فيه قطرة منها مع كونها مستهلكة فيه.

وللنهي عن الأكل في آنية أهل الذمة التي يشربون فيها الخمر ، وعن الصلاة في ثوب أصابته ، معلّلاً بأنّها رجس.

ولأنّ ما يبلّ الميل منها ينجّس حُبّاً من ماء (١) ، إلى غير ذلك.

خلافاً للمحكي عن الصدوق (٢) ، والعماني (٣) ، والجعفي (٤) ، فقالوا : بطهارتها ، ويظهر من جماعة من المتأخّرين كالأردبيلي (٥) ، وصاحبي المدارك والذخيرة ، والمحقّق الخوانساري (٦) : الميل إليها ؛ لأخبار متكثّرة أيضاً ، أصرحها دلالةً : ما يدلّ على جواز الصلاة في الثوب الذي أصابته قبل غسله ، وفي بعضها : « إنّ الله حرّم شربها ، دون لبسها والصلاة فيها » (٧) بترجيح هذه الأخبار بموافقة‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٦٨ أبواب النجاسات ب ٣٨ و ٤٩٤ ب ٥١ و ٥١٧ ب ٧٢ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ٤٣.

(٣) نقل عنه في المعتبر ١ : ٤٢٢.

(٤) نقل عنه في الذكرى : ١٣.

(٥) مجمع الفائدة ١ : ٣١٢.

(٦) المدارك ٢ : ٢٩٢ ، الذخيرة : ١٥٣ ، المشارق : ٣٣٣.

(٧) الوسائل ٣ : أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ١٣.


الأصل والاستصحاب ، وكونها قرينةً لحمل الأخبار المتقدّمة على التقيّة ، أو الاستحباب.

وفيه ـ مع عدم صلاحيّة كثير منها للتقيّة ، حيث يتضمّن حرمة الجرّي ، أو النبيذ ، أو نجاسة أهل الكتاب ، ولا للحمل على الاستحباب ، للأمر بإعادة الصلاة المنفي استحبابها بعد صحّتها بالإِجماع ـ : أنّ الحمل على أحدهما ، أو الرجوع إلى الأصل ، إنّما يكون فيما لم يكن هناك دليل على علاج آخر ، وأمّا معه فكيف يمكن طرحه ؟!

والعجب من هؤلاء المائلين إلى طهارتها ، أنّ رجوعهم إلى أحد هذه الاُمور في مقام التعارض لا يكون إلّا بعد اليأس عن العلاجات الواردة في الأخبار العلاجية العامة.

مع أنّ الخبر العلاجي في خصوص اختلاف الأخبار في المقام وارد ، وهي : صحيحة علي بن مهزيار : قال : قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك ، روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ، في الخمر يصيب ثوب الرجل : أنّهما قالا : « لا بأس أن يصلّي فيها ، إنّما حرّم شربها ». وروى غير زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : « إذا أصاب ثوبك خمر ، أو نبيذ ، ـ يعني المسكر ـ فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله ، وإن صليت فيه فأعد صلاتك » فأعلمني ما آخذ به ، فوقّع بخطه عليه السلام : « خذ بقول أبي عبد الله عليه السلام » (١).

وظاهر أنّ المراد قوله منفرداً.

وخبر خيران الخادم من أصحاب أبي الحسن الثالث صلوات الله عليه : كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ، ولحم الخنزير ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٧ الصلاة ب ٦٦ ح ١٤ ، التهذيب ١ : ٢٨١ / ٨٢٦ ، الاستبصار ١ : ١٩٠ / ٦٦٩ ، الوسائل ٣ : ٤٦٨ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٢.


أيصلي فيه أم لا ؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : صلّ فيه ، فإنّ الله إنّما حرّم شربها ، وقال بعضهم : لا تصلّ فيه ؛ فكتب عليه السلام : « لا تصلّ فيه فإنّه رجس » (١).

هذا ، مع أنه لو قطع النظر عن ذلك ، وانحصر الأمر بالمرجّحات العامّة ، لكان الترجيح مع أخبار النجاسة أيضاً ؛ لموافقة الكتاب ، التي هي أقوى المرجّحات المنصوصة ، والمخالفة لمذهب أكثر العامة ـ كما هي عن الاستبصار محكيّة (٢) وإن كان الظاهر من كلام جماعة (٣) خلافه ـ ولما هو أميل إليه حكام أهل الجور ، وذوو الشوكة منهم ، من طهارة الخمر ، حيث إنّ ولوعهم بشربها ، وتلوّثهم غالباً (بها) (٤) مع نجاستها يورث مهانةً لهم في أنظار العوام ، والحكم ببطلان صلاتهم ، وصلاة من كان يقتدي بهم ، والإِزراء والاستخفاف بهم ، فالحكم بالنجاسة مخالف للتقية ، بخلاف الحرمة حيث كانت ضروريّة من الدين ، منسوباً مخالفه إلى الإِلحاد ، فلم تكن بهذه المثابة.

واعتضادها بالشهرة القويّة التي كادت أن تبلغ حدّ الإِجماع ، مع أنّ من المرجّحات المنصوصة التي عمل بها جماعة من الأصحاب : الأخذ بالأخير ، ولا ريب أنّ صحيحة ابن مهزيار ، وخبر خيران ، قد تضمّنا ذلك. فالمسألة بحمد الله واضحة غاية الوضوح.

وفي حكم الخمر سائر المسكرات المائعة بالأصالة ، على المعروف من الأصحاب ، وفي الخلاف والمعتبر : الإِجماع على نجاسته (٥) ، وفي المعالم : لا نعرف‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٥ الصلاة ب ٦٦ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٣٥٨ / ١٤٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٩ / ٦٦٢ (بتفاوت يسير) ، الوسائل ٣ : ٤٦٩ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٤.

(٢) الاستبصار ١ : ١٩٠ ، قال فيه لأنها موافقة لمذاهب كثيرة من العامة قال في بداية المجتهد ١ : ٧٦ وأكثرهم على نجاسة الخمر وفي ذلك خلاف عن بعض المحدّثين.

(٣) منهم صاحبا الحدائق ٥ : ١٠٦ ، والمشارق : ٣٣٣.

(٤) لا توجد في « ق ».

(٥) الخلاف ٢ : ٤٨٤ ، المعتبر ١ : ٤٢٤.


في ذلك خلافاً بين الأصحاب (١) ، والظاهر أنّ مراده من قال بنجاسة الخمر. إلّا أنّه قال في الناصريات ، في الشراب المسكر : إنّ كل من قال بأنّه محرّم الشرب ذهب إلى أنّه نجس كالخمر ؛ إلى أن قال : لا خلاف في أنّ نجاسته تابعة لتحريم شربه (٢).

وتدلّ عليه ـ بعد الإِجماع المركّب ـ الأخبار ، كصحيحة علي بن مهزيار المتقدمة ، ومرسلة يونس الواردة في النبيذ المسكر (٣).

والنبيذ : كل ما يعمل من الأشربة ، كما صرّح به الجوهري ، والطريحي (٤).

ولو قيل باختصاصه بنوع خاصّ منه ـ كما استعمل في بعض الأخبار ـ يتمّ المطلوب بعدم الفصل.

مع أنّ الآية تعمّ الجميع ، بضميمة ما ورد في تفسيره ـ المنجبر بالعمل بل بإجماع المفسرين ـ كالمروي في تفسير القمي في بيان قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْخَمْرُ ... ) إلى آخره : « أما الخمر ، فكل مسكر من الشراب إذا خُمّر فهو خمر » (٥).

ويدلّ عليه أيضاً تصريح الأخبار : « بأنّ كل مسكر خمر » (٦) بالتقريب المتقدّم في الميتة (٧) ، لا كونه خمراً لوجود علّة التسمية ، أو للاستعمال فيه مطلقاً ، أو بدون القرينة ؛ لضعف الجميع.

وأمّا نفي البأس في بعض الأخبار عن إصابة المسكر والنبيذ الثوب ، فغير

__________________

(١) المعالم : ٢٣٩.

(٢) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٥ الصلاة ب ٦٦ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٨٧ / ٨١٨ ، الوسائل ٣ : ٤٦٩ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٣.

(٤) مجمع البحرين ٣ : ١٨٩ ، ولم نعثر عليه في الصحاح.

(٥) تفسير القمي ١ : ١٨٠ ـ بتفاوت يسير ـ ، الوسائل ٢٥ : ٢٨٠ أبواب الأشربة المحرمة ب ١ ح ٥.

(٦) الوسائل ٢٥ : ٣٢٦ أبواب الأشربة المحرمة ب ١٥ ح ٥.

(٧) ص ١٦٩ ـ ١٧٠.


دالّ على الطهارة ..

وتجويز الصلاة في ثوب أصابه مطلق النبيذ ، أو الشرب من حب قطرت فيه قطرة منه ، محمول على النبيذ الحلال.

نعم ، في قرب الإِسناد للحميري : عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله ، أو اُصلي فيه ؟ قال : « صلّ فيه إلّا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر » (١).

وهو مع ضعفه ، وموافقته لمذهب أبي حنيفة (٢) في المائعات المسكرة ، الذي هو المتداول في زمانهم ، بل لكلّ العامة في خصوص النبيذ ، معارض لما تقدّم ، مرجوح منه بما ذكر.

وإنّما خصّصنا بالمائعة بالأصالة ؛ لطهارة غيرها من المائعة عرضاً ، أو غير المائعة ، بالأصل السالم عن المعارض ؛ لأنّ ما يدلّ من الأخبار على النجاسة مخصوص بالنبيذ ، الصريح في المائع بالأصالة ، وما ليس بمخصوص غير صالح لإِثبات النجاسة ؛ لخلوّه عن دالّ على وجوب الغسل.

نعم ، نقل شيخنا البهائي ـ وتبعه جمع ممّن تأخّر عنه ـ عن التهذيب موثّقة الساباطي : « لا تصلّ في ثوب أصابه خمر ، أو مسكر ، واغسله إن عرفت موضعه ، فإن لم تعرف موضعه فاغسل الثوب كله ، فإن صليت فيه فأعد صلاتك » (٣).

ولكني لم أعثر عليها لا في التهذيب ، ولا في غيره من كتب الأخبار.

وأمّا الجامد بالعرض فهو نجس ؛ للاستصحاب.

*       *      *

__________________

(١) قرب الإِسناد ١٦٣ / ٥٩٥ ، الوسائل ٣ : ٤٧٢ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ١٤.

(٢) راجع بداية المجتهد ١ : ٣٣ ، ٤٧١.

(٣) الحبل المتين : ١٠٠.


الفصل السابع : في الكافر‌

وله أقسام :

القسم الأول : غير الكتابي الذي لم ينتحل الإِسلام.

ونجاسته عند الإِماميّة إجماعيّة ، وحكاية الإِجماع على نجاسته بخصوصه من المحقق (١) ، وجماعة (٢) ، وعلى نجاسة مطلق الكافر الشامل له من طائفة ، منهم : الشيخ ، والناصريات ، والانتصار ، والسرائر ، والغنية ، والمنتهى ، والتذكرة ، والنهاية (٣) مستفيضة. وهو الحجة عليها ، مع فحوى ما يأتي من المستفيضة الدالّة على نجاسة الكتابي ، بل منطوقه بضميمة الإِجماع المركب.

والاستدلال (٤) عليها بقوله عزّ شأنه : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ) (٥) بالتعدّي إلى غير المشرك ، بعدم القول بالتخصيص غير تام ؛ لعدم ثبوت إرادة المعنى الاصطلاحي من لفظ « نجس » في زمن الخطاب. ودعوى تبادره منه فيه غير مسموعة.

وإثباتها ؛ بقرينة تعليل المنع عن دخول المسجد الحرام لعدم صلاحيّة الأعمّ ـ الذي هو المعنى اللغوي ـ للعلّية بالإِجماع ، ومخالفة جعل العلّة مطلق قذارة المشرك للظاهر ، كما صرّحوا به في حجية منصوص العلة ، كمخالفة جعل المعلول النهي التنزيهي الصالح لمعلوليّة الأعم ، للإِجماع على حرمة دخول المشركين المسجد‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٩٥.

(٢) منهم المجلسي في البحار ٧٧ : ٤٤.

(٣) الخلاف ١ : ٧٠ ، التهذيب ١ : ٢٢٣ ، الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٠ ، الانتصار : ١٠ ، السرائر ١ : ١٠ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١ ، المنتهى ١ : ١٦٨ ، التذكرة ١ : ٨ ، نهاية الاحكام ١ : ٢٧٣.

(٤) كما استدل عليها في الانتصار والخلاف والمنتهى والروض : ١٦٣ وغيرها.

(٥) التوبة : ٢٨.


الحرام ، مستدلّين بهذه الآية ؛ ضعيف جداً ؛ لأنّ عدم صلاحيّة الأعم للعلّيّة يوجب المصير إلى التجوّز ، ولكنه لا يعيّن المطلوب ؛ لجواز أن يكون هو حدّاً معيّناً من الخباثة الباطنية ، كما أنّ المطلوب حدّ معيّن من الظاهرية.

وعدم كونها من المعاني المعهودة للفظ النجاسة ، حتى ينصرف إليها مع القرينة الصارفة عن اللغوية (١) ؛ مردود. بعدم ثبوت كون المعنى المصطلح أيضاً في زمن الخطاب معروفاً منه ، فيتساويان.

هذا ، مع أن تقدير كلمة « ذو » في صحة التوصيف ـ لكون النجس مصدراً لازماً ـ فاستناد الحكم إلى نجاستهم العرضيّة الحاصلة من عدم التطهّر ، والاغتسال ، وشرب الخمر ؛ ممكن.

وكون التقدير خلاف الأصل ، وشيوع الإِخبار عن الذات بالمصادر للمبالغة ، لا يفيد ؛ لأنّه خلاف الأصل أيضاً. وغلبته على الحذف غير ثابتة وإن رجّحه ظاهر الحصر في الجملة. مع أنّ المبالغة في النجاسة العرضيّة أيضاً ممكنة.

إلّا أن يقال بأن المطلوب مع تفسيره بذي النجاسة أيضاً ثابت ؛ لعدم إمكان استناد الحكم إلى العرضيّة إلّا بارتكاب خلاف أصل (٢) ، لإِمكان دخولهم الماء قبل دخول المسجد ، فإرادة كونهم ذوي النجاسة العرضيّة دائماً خلاف الواقع ، فلا بدّ من تقدير : « غالباً » أو « أغلبهم » إلّا أنّه بعد ما ذكرنا من عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في زمان الخطاب لا يفيد.

القسم الثاني : الكتابيّون.

ونجاستهم عندنا مشهورة ، والإِجماع عليها في عبارات جملة من الأجلّة‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٨٥.

(٢) في « ح » : الاصل.


مذكورة ، وهو مذهب الصدوقين (١) ، والشيخين (٢) ، والسيّدين (٣) والحلبيّين (٤) ، والفاضلين (٥) ، والشهيدين (٦) ، والحلي ، والديلمي ، والكركي (٧) ، وكافّة المتأخّرين (٨).

وأمّا قول الشيخ في النهاية : يكره أن يدعو الإِنسان أحداً من الكفار إلى طعامه فيأكل معه ، وإن دعاه فليأمره بغسل يديه ثم يأكل معه (٩) ؛ فمحمول على حال الضرورة ، أو ما لا يتعدّى. وغسل اليد للتعبد ؛ لوروده في الأخبار ، أو زوال الاستقذار الحاصل من النجاسات الخارجية ؛ لتصريحه قبل ذلك بأسطر : بعدم جواز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم ، ولا استعمال أوانيهم إلّا بعد غسلها ، وأنهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم.

وقد ينسب الخلاف إلى العماني (١٠) والمفيد (١١) في الرسالة العزّية أيضاً ، وهو غير ثابت.

أما الأول : فلأنَّ مَنْ نسب الخلاف إليه استفاده من تصريحه بطهارة سؤره ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٨ ، ١٠ ، المعتبر ١ : ٩٦ ـ نقله عن ابني بابويه ـ.

(٢) المقنعة : ٦٥ ، المبسوط ١ : ١٤ ، التهذيب ١ : ٢٢٣.

(٣) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٠ ، الانتصار : ١٠ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١.

(٤) الحلبيان في مصطلحهم هما أبو الصلاح وابن زهرة ، ولا يناسب إرادته في المقام ، للزوم التكرار ، حيث أنه نقله أيضاً عن السيدين وهما (المرتضى وابن زهرة) فيمكن أن يريد بالحلبيين في المقام أبا الصلاح وعلاء الدين الحلبي فان القول موجود في الكافي في الفقه : ١٣١ ، وفي اشارة السبق : ٧٩.

(٥) المعتبر ١ : ٩٦ ، الشرائع ١ : ٥٣ ، التحرير ١ : ٢٤ ، المنتهى ١ : ١٦٨ ، التذكرة ١ : ٨.

(٦) الذكرى : ١٣ ، الدروس ١ : ١٢٤ ، البيان ٣١ ، الروض : ١٦٣ ، الروضة ١ : ٤٩.

(٧) السرائر ١ : ٧٣ ، المراسم : ٢٠٩ ، جامع المقاصد ١ : ١٦٢.

(٨) الحدائق ٥ : ١٧٢ ، الرياض ١ : ٨٥ ، كشف اللثام ١ : ٤٦.

(٩) النهاية : ٥٨٩.

(١٠) نقل عنه في البحار ٧٧ : ٤٤.

(١١) نقل عنه في المعتبر ١ : ٩٦.


ولعله ـ بعد تخصيص السؤر بالماء ، كما عليه جملة من الأصحاب (١) ـ مبني على أصله من عدم انفعال القليل.

وأما الثاني : فلأنّه إنما حكم بالكراهة ، وإرادة المعنى اللغوي منها في عرف القدماء شائعة ، وهي الملائمة لدعوى الإِجماع على النجاسة من تلاميذه (٢) مع كونه رئيس الفرقة.

ومن ذلك ـ مع عدم قدح مخالفة الإِسكافي (٣) لكونه نادراً ـ يظهر الإِجماع على النجاسة هنا أيضاً ؛ فهو الدليل عليها ، مضافاً إلى المستفيضة ، كموثقة ابن أبي يعفور المرويّة في العلل المتقدمة (٤) في غسالة الحمام ، ورواية علي المتقدمة في بحث القليل (٥) في دليل العماني.

ورواية ابن أبي يعفور : أخبرني عن ماء الحمام يغتسل منه الجنب واليهودي والنصراني والمجوسي ، فقال : « إنّ ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضاً » (٦).

ولولا نجاسة القليل بملاقاة المذكورين ، للغا التعليل ، وليست هي لاغتسال الجنب والصبي لأصالة كونهما طاهرين ، فتكون للبواقي.

وموثقة الأعرج : عن سؤر اليهودي والنصراني أيؤكل أو يُشرب ؟ قال : « لا » (٧).

وتؤيد المطلوب : صحيحتا علي ومحمد :

__________________

(١) كما تقدم في بحث الاسآر ص ٧٥.

(٢) كما تقدم نقل الاجماع من السيد والشيخ ص ١٩٦ رقم ٣.

(٣) نقل عنه في كشف اللثام ١ : ٤٦.

(٤) ص ١٠٨.

(٥) ص ٤٥.

(٦) الكافي ٣ : ١٤ الطهارة ب ١٠ ح ١ ، الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٧ ح ٧. وتقدمت في ص ٣٤.

(٧) الفقيه ٣ : ٢١٩ / ١٠١٤ ، الوسائل ٢٤ : ٢١٠ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥٤ ح ١.


الاُولى : عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام ؟ فقال : « إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام ، إلّا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل » (١).

والثانية : عن رجل صافح مجوسياً ، قال : « يغسل يده ولا يتوضأ » (٢).

والمستفيضة الناهية عن الأكل من آنيتهم مطلقاً ، أو قبل الغسل ، وعن طعامهم مطلقاً ، أو الذي يطبخ ، وعن مصافحتهم ، ومسهم ، والرقود معه على فراش واحد ، وإقعاده على الفراش ، وعن الصلاة في الثوب الذي اشتراه من نصراني حتى يغسل (٣) ، والمخصصة لما يحل من طعام أهل الكتاب بالحبوب (٤) ، والدالّة على نجاسة النواصب ، فإنّ أهل الكتاب في غاية العداوة لنبينا صلّى الله عليه وآله وسلّم وعترته ، وربما قالوا في حقهم ما يجب التحرز عن حكايته.

وإنما جعلناها مؤيدة لا أدلة كما فعله الأكثر (٥) ؛ لإِمكان المناقشة في الجميع.

أما في الأخيرة : فلأنّ المراد بالناصبي ليس معناه الحقيقي ، ومجازه يمكن أن يكون طائفة من المسلمين مظهرة لعداوة أهل البيت ، ويعاضده جعله في كثير من الأخبار (٦) قسيماً لليهودي والنصراني.

وأما في ما قبلها : فلعدم دلالة التخصيص على نجاسة غير الحبوب ، مع أنه لو دل عليها ، للزم التخصيص بما علم ملاقاتهم معه بالرطوبة ، وهو تجوّز لا‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٤٠ ، الوسائل ٣ : ٤٢١ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٩.

(٢) الكافي ٢ : ٦٥٠ العشرة ب ١١ ح ١٢ ، التهذيب ١ : ٢٦٣ / ٧٦٥ ، الوسائل ٣ : ٤١٩ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٣.

(٣) راجع الوسائل ٣ : ٤١٩ أبواب النجاسات ب ١٤ و ٥١٧ ب ٧٢ وج ٢٤ : ٢٠٦ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥٢.

(٤) راجع الوسائل ٢٤ : ٢٠٣ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥١.

(٥) منهم صاحب المدارك ١ : ٢٩٨ ، والذخيرة : ١٥٢ ، والحدائق ٥ : ١٦٦.

(٦) راجع الوسائل ١ : ٢٢٠ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٥ وص ٢٢٩ أبواب الاسآر ب ٣ ح ٢ وج ٣ : ٤٢٠ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٤.


ترجيح له على غيره مما يمكن في المقام.

ومنه يعلم وجه المناقشة في البواقي غير الاُولى أيضاً ؛ فإنّها لا تثبت المطلوب إلّا بحمل الآنية ، والطعام ، والفراش ، والثوب على ما علم ملاقاتهم بالرطوبة معه ، والمصافحة على صورة رطوبة اليد ، ولا ترجيح لشي‌ء من ذلك على حمل النهي على الكراهة ، سيما مع معارضتها مع مفهوم صحيحة محمد : عن آنية أهل الكتاب ، فقال : « لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير » (١).

ورواية زكريا بن إبراهيم : إني رجل من أهل الكتاب ، وإني أسلمت ، وبقي أهلي كلهم على النصرانية ، وأنا معهم في بيت واحد لم اُفارقهم بعد ، فآكل من طعامهم ؟ فقال لي : « يأكلون لحم الخنزير ؟ » قلت : لا ولكنّهم يشربون الخمر ؛ فقال (لي) (٢) : « كُلْ معهم واشرب » (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في تجويز استعمال أوانيهم ، واستعمال ثيابهم ، الآتي بعضها.

مضافاً إلى التصريح بالكراهة في صحيحة إسماعيل بن جابر : ما تقول في طعام أهل الكتاب ؟ فقال : « لا تأكله » ثم سكت هنيئة ، ثمَّ قال : « لا تأكله » ثم سكت هنيئة ، ثم قال : « لا تأكله ، ولا تتركه تقول : إنه حرام ، ولكن تتركه تنزهاً عنه ، إنَّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير » (٤).

هذا ، مع أن الثانية بل كثير من غيرها لا يفيد بنفسه أزيد من الكراهة ، للخلوّ عن صريح النهي.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢١٩ / ١٠١٧ ، التهذيب ٩ : ٨٨ / ٣٧١ ، الوسائل ٢٤ : ٢١١ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥٤ ح ٦.

(٢) لا توجد في « هـ ».

(٣) التهذيب ٩ : ٨٧ / ٣٦٩ ، الوسائل ٢٤ : ٢١١ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥٤ ح ٥.

(٤) الكافي ٦ : ٢٦٤ الاطعمة ب ١٦ ح ٩ ، التهذيب ٩ : ٨٧ / ٣٦٨ ، الوسائل ٢٤ : ٢٠٥ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥٤ ح ٤.


دليل القائل بالطهارة : الأصل ، وقوله عز وجل : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ) (١) فإنه شامل لما باشروه بالرطوبة ، والأخبار المتكثرة.

والأصل بما ذكرنا مندفع.

« وطعامهم » (٢) ـ مع أنّ عمومه لكل طعام غير معلوم ، بل قال بعض أهل اللغة : إنه البُرّ خاصّة ، كما نقله في المجمل (٣) ، وشمس العلوم ، والصحاح (٤) ، والقاموس (٥) ، وفي المغرب : أنه غلب على البُرّ خاصّة (٦) ؛ وفي النهاية الأثيريّة عن الخليل : أنّ الغالب في كلام العرب أن الطعام هو البُرّ خاصّة (٧) ؛ وفي المصباح المنير : وإذا أطلق أهل الحجاز لفظ الطعام عنوا به البُرّ خاصة (٨) ؛ ويؤيده : حديث أبي سعيد المروي في طريق العامة : « كنا نخرج صدقة الفطرة صاعاً من طعام ، أو صاعاً من شعير » (٩) الحديث ـ. بالحبوب ـ لو سلّم عمومه لغةً ـ بالمستفيضة مخصوص :

ففي مرسلة الفقيه عن قول الله عز وجل : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ) قال : « يعني الحبوب » (١٠).

وفي رواية أبي الجارود : عن قول الله تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ ) الآية ، فقال : « الحبوب » (١١).

__________________

(١) المائدة : ٥.

(٢) مبتدأ يأتي خبره بعد أسطر ، وهو : بالحبوب ... مخصوص.

(٣) المجمل ٣ : ٣٢٣.

(٤) الصحاح ٥ : ١٩٧٤.

(٥) القاموس ٤ : ١٤٥.

(٦) المغرب ٢ : ١٤.

(٧) النهاية ٣ : ١٢٧.

(٨) المصباح المنير : ٣٧٣.

(٩) صحيح مسلم ٢ : ٦٧٨ / ١٧ : وفيه : كنّا نخرج زكاة الفطر ...

(١٠) الفقيه ٣ : ٢١٩ / ١٠١٢ ، الوسائل ٢٤ : ٢٠٥ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥١ ح ٦.

(١١) الكافي ٦ : ٢٦٤ الاطعمة ب ١٦ ح ٦ ، الوسائل ٢٤ : ٢٠٤ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥١ ح ٣.


وصحيحة قتيبة : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) إلى آخره ، فقال : « كان أبي يقول : إنما هي الحبوب وأشباهها » (١).

وقريبة منها موثقتا سماعة (٢) ، وصحيحة هشام (٣).

وعلى هذا ، فذكر طعامهم بعد الطيبات لدفع ما يتوهم من لزوم الاجتناب عنه ، لاحتمال ملاقاتهم بما يوجب التنجيس عند التصفية وغيرها ، أو من لزوم قطع الوصلة بين الفريقين للمباينة الدينية.

والتخصيص بأهل الكتاب ؛ لعله لكون أهل المدينة منهم ، مع أن حلّية طعامهم من حيث إنّه طعامهم لا تنافي نجاسته من حيث مباشرتهم.

وأما الأخبار ، فإن أمكن المناقشة في دلالة كثير منها ، وقرب التأويل في طائفة اُخرى ، كأن يقال : إن السؤال عن طعامهم أو مؤاكلتهم أو إخدامهم أو عملهم إنما هو من حيث هي هي ، والحكم بطهارة بعض ما يخرج من أيديهم لعدم العلم بمباشرتهم مع الرطوبة ، أو بكونه كافراً ، أو نحو ذلك. ولكن الإِنصاف ظهور دلالة بعض منها إلّا أنها بمعزل عن الحجية ؛ لترك ناقليها العمل بها ، ومخالفتها للشهرة العظيمة بين من تقدم وتأخر ، بل للمحقق من الإِجماع ، كيف لا ونجاستهم بين عوام العامة والخاصّة وخواصهم معدودة من خواص الخاصّة ، وهما من أقوى الأسباب المخرجة للخبر عن الحجية ، كما بيّناه في موضعه.

ومع ذلك كله فهي لمذهب العامة موافقة باعتراف جميع الخاصة ، حتى أن السيد جعل القول بالنجاسة من منفردات الإِمامية (٤) ، وكانوا بذلك عند المخالفين‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٤٠ الذبائح ب ١٥ ح ١٠ ، التهذيب ٩ : ٦٤ / ٢٧٠ ، الاستبصار ٤ : ٨١ / ٣٠٣ ، الوسائل ٢٤ : ٢٠٥ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥١ ح ٤.

(٢) الكافي ٦ : ٢٦٣ الاطعمة ب ١٦ ح ١ ، ٢ ، التهذيب ٩ : ٨٨ / ٣٧٥ ، الوسائل ٢٤ : ٢٠٣ ، ٢٠٤ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥١ ح ١ ، ٢.

(٣) التهذيب ٩ : ٨٨ / ٣٧٤ ، الوسائل ٢٤ : ٢٠٥ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥١ ح ٥.

(٤) الانتصار : ١٠.


معروفين مطعونين ، وكثرة اختلاط العامة لأهل الكتاب في جميع الأعصار ، وشدة عداوتهم لمن يجتنب عنهم بيّنة واضحة ، فترجيح أخبار النجاسة بالمخالفة للعامة متعين ، وحمل ما يدل على الطهارة على التقية لازم ، وبعضه به مشعر :

ففي حسنة الكاهلي ـ بعد سؤاله عن دعوة المجوسي إلى المؤاكلة ـ « أما أنا فلا أدعوه ولا اُواكله ، ولأني لأكره أن اُحرّم عليكم شيئاً تصنعونه في بلادكم » (١) فإن المعنى قطعاً : ما تضطرون إلى صنعه.

القسم الثالث : المنتحلون للإِسلام.

ولا ريب في نجاسة الناصب منهم ، وهو : مَنْ أظهر بغض أحد من أهل البيت ، للإِجماع ، وموثقة العلل المتقدمة (٢).

والأئمة كلهم داخلون في أهل البيت ؛ لقول الصادق عليه السلام في الموثقة : « لنا أهل البيت ».

ومن النواصب : الخوارج ، بل هم شر أقسامهم.

وكذا لا ينبغي الريب في نجاسة الغلاة ، وهم القائلون باُلوهية عليّ أو أحد من الناس ؛ للإِجماع.

والمستفاد من كثير من العبارات بل المصرح به في كلام جماعة (٣) نجاسة المنكر لما يعلم ثبوته أو نفيه من الدين ضرورة.

وهو مشكل ؛ لأنا وإن قلنا بكفر ذلك ، ولكن لا دليل على نجاسة الكافر مطلقاً بحيث يشمل المقام.

وشمول الإِجماعات المنقولة لمثله غير معلوم ؛ فإن ظاهر بعض كلماتهم أن‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٢٦٣ الاطعمة ب ١٦ ح ٤ ، التهذيب ٩ : ٨٨ / ٣٧٠ ، الوسائل ٣ : ٤١٩ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ٢ وج ٢٤ : ٢٠٨ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٥٣ ح ٢.

(٢) ص ١٠٨.

(٣) منهم العلامة في التحرير ١ : ٢٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٤٧ ، ونقله في مفتاح الكرامة ١ : ١٤٣. عن عدة من الفقهاء.


مرادهم من الكفار بالإِطلاق غير فرق الإِسلام ، ألا ترى الفاضل قال في المنتهى ـ بعد دعوى الإِجماع على نجاسة الكفّار ـ : حكم الناصب حكم الكفّار ؛ لأنه ينكر ما يعلم من الدين ضرورة (١) ، وكذا تشعر بذلك عبارة المعتبر (٢) وغيره (٣) أيضاً.

ومع ذلك يعاضده عدم التبادر ، وتبادر الغير.

ويؤكد ذلك أن منهم من حكم بكفر المخالفين لإِنكاره الضروري ، ومع ذلك قال بطهارتهم ، كالفاضل ، فإنه صرح في زكاة المنتهى (٤) وشرح فصّ الياقوت بأنّ المخالفين لإِنكارهم ضروري الدين كفرة ، ومع ذلك هم طاهرون عنده.

ولذا قيل في رد استدلال من يقول بنجاسة المخالفين بكفرهم : إنه على تقدير إطلاق الكفر عليهم حقيقة فلا دليل على النجاسة كلية ، وإن هو إلّا مصادرة محضة (٥).

فالطهارة هنا قوية ؛ للأصل. والقياس على غير المنتحل مردود. والآية على فرض تماميتها غير نافعة ؛ لعدم تحقق الشرك مطلقاً ، وعدم ثبوت الإِجماع المركب.

وأما المخالفون لنا في الإِمامة ، فالحقّ المشهور : طهارتهم.

وعن السيد (٦) القول بالنجاسة مطلقاً.

وعن الحلّي في غير المستضعفين منهم (٧) ، واختاره بعض مشايخ والدي (٨)

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٦٨.

(٢) المعتبر ١ : ٩٨.

(٣) مجمع الفائدة ١ : ٢٨٣.

(٤) المنتهى ١ : ٥٢٢.

(٥) الرياض ١ : ٨٥.

(٦) الانتصار : ٨٢.

(٧) السرائر ١ : ٨٤.

(٨) الحدائق ٥ : ١٧٧ ، ١٨١.


ـ طاب ثراهما ـ وأصرّ عليه.

لنا : الأصل السالم عن المعارض ، مضافاً إلى شدّة مخالطة الأئمة صلوات الله عليهم وأصحابهم طراً معهم ، ومباشرتهم وملاقاتهم إياهم مع الرطوبة ، والمؤاكلة معهم في ظرف واحد من المائعات ، ونكاح نسائهم ، وغير ذلك مما لا يمكن حمل جميعها على التقية ، مع أن الحمل عليها بلا دلالة باطل.

دليل القائل بالنجاسة : أنهم كفرة ونُصّاب ، وكل اُولئك أنجاس.

أما الأول : فلإِنكارهم ما علم من الدين ضرورة ، ولتواتر الأخبار معنىً به ، ولذا صرح جماعة بكفرهم ، كابن نوبخت مسنداً له إلى جمهور أصحابنا ، والشيخ في التهذيب ، والسيد ، والحلي (١) ، والفاضل في بعض كتبه (٢) ، وهو الظاهر من المفيد والقاضي (٣).

وأما الثاني : فلرواية عبد الله بن سنان : « ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ، لأنك لا تجد أحداً يقول أنا اُبغض محمداً وآل محمد ، ولكن الناصب لكم ، وهو يعلم أنكم تتولّونا ، وأنكم من شيعتنا » (٤).

وقريب منها خبر المعلى المروي في معاني الأخبار (٥).

ومكاتبة محمد بن علي بن عيسى إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام ، المروية في مستطرفات السرائر : كتبت إليه أسأله عن الناصب ، هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاده بإمامتهما ؟ فرجع الجواب : « من كان على هذا فهو ناصب » (٦).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٣٥ ، الانتصار : ٨٢ ، السرائر ١ : ٣٥٦.

(٢) المنتهى ١ : ٥٢٢.

(٣) المقنعة : ٨٥ ، المهذب ١ : ٥٤ ، ٥٦.

(٤) ثواب الاعمال : ٢٤٨.

(٥) معاني الاخبار : ٣٦٥.

(٦) مستطرفات السرائر : ٦٨ / ١٣.


ويردّ الأول أولاً : بمنع كفرهم ، وإنكار الضروري إنما يوجبه لو وصل عند المنكر حد الضرورة ، وأنكره إنكاراً لصاحب الدين ، أو عناداً أو استخفافاً أو تشهّياً ، وكون جميع المخالفين كذلك ممنوع ، والأخبار بمثلها معارضة :

ففي رواية سفيان بن السمط : « الإِسلام هو الظاهر الذي عليه الناس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّداً رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان. فهذا الإِسلام. وقال : الإِيمان معرفة هذا الأمر مع هذا ، فإن أقرّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً وكان ضالاً » (١).

وأصرح من الجميع : ما رواه في الكافي في باب ارتداد الصحابة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام وفيها : « فأما من لم يصنع ذلك ودخل فيما دخل فيه الناس على غير علم ولا عداوة لأمير المؤمنين عليه السلام ، فإن ذلك لا يكفره ، ولا يخرجه عن الإِسلام » (٢) الحديث.

وثانياً : بعدم دليل على نجاسة مطلق الكافر سوى الإِجماع المنتفي هنا قطعاً.

والثاني : بأنّ مناط نجاسة الناصب الإِجماعُ الظاهر انتفاؤه في المقام ، والأخبارُ المقيّدة بقوله : « لنا أهل البيت » ولم يعلم ذلك من جميع المخالفين ، وكونهم نصّاباً بمعنى آخر غير مقيد.

ومما ذكرنا ظهر أن الحقّ طهارة المجبّرة والمجسّمة أيضاً ، وفاقاً للأكثر (٣) ، وخلافاً للمحكي عن الشيخ في الأول (٤) ، وعنه وعن جماعة منهم المنتهى ،

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٤ الايمان والكفر ب ١٤ ح ٤.

(٢) الكافي ٨ : ٢٩٥ / ٤٥٤.

(٣) المعتبر ١ : ٩٧ ، ٩٨ ، التذكرة ١ : ٨.

(٤) المبسوط ١ : ١٤.


والتحرير ، والقواعد ، والدروس ، والبيان (١) في المجسمة الحقيقية ، وعن الثانيين (٢) في الثاني. وقد يستدل لهم بما ضعفه ظاهر.

فروع :

أ : لو ألجأت ضرورة التقية إلى ملاقاة أهل النجاسة بالرطوبة ، وفعل المشروط بانتفائها جاز ، كما أوجبته شريعة التقية ، وبعد زوالها يجب التطهير (٣) لمشروطه ما لم يلزمه الحرج ؛ للأمر المطلق بالغسل الموجب له مطلقاً. وعدم وجوبه حال التقية لا يرفعه بعد رفعها ، فإن الثابت عدم وجوب الغسل حال التقية ، لا عدم وجوب غسل ما لاقى حال التقية. وعدم ورود مثل الأمر في جميع النجاسات بعد عدم الفصل بينها ، غير ضائر. واستصحاب العفو غير نافع ؛ لأن الثابت هو العفو المقيد بحال العذر.

ب : ما لا تحله الحياة من الكافر نجس على المشهور. ونسب الخلاف فيه إلى السيد ، وكلامه في الناصريات (٤) بالكلبين مخصوص. وفي البحار صرح بطهارته من كل نجس العين (٥) ، ويظهر من المعالم الميل إلى طهارته من الكافر (٦) ، واستحسنه في المدارك (٧).

وهو في موقعه ؛ لعدم الدليل على النجاسة. والحكم بنجاسة المشرك أو اليهودي أو النصراني لا يدل على نجاسة كل جزء منه.

ج : ظاهر الأكثر تبعية ولد الكافر لهما (٨) ؛ لأنه متفرع من نجسين فله‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٦٨ ، التحرير ١ : ٢٤ ، القواعد ١ : ٧ ، الدروس ١ : ١٢٤ ، البيان : ٩١.

(٢) الشهيد الثاني في الروض : ١٦٣ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١٦٤.

(٣) في « هـ » : التطهر.

(٤) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٢.

(٥) الموجود في البحار ٧٧ : ١٢٠ ، و ٦٣ : ٥٥ خلافه ، كما مرّ في ص ١٨٨ رقم (٢).

(٦) المعالم : ٢٦١.

(٧) المدارك : ٢ : ٢٧٦.

(٨) كما في التذكرة ١ : ٨ ، الذكرى : ١٤ ، الحدائق ٥ : ٢٠٠.


حكمهما ، كالمتولد من الكلب والخنزير ، ولتبعيته لهما في الكفر كما يظهر من الأخبار.

ويظهر من نهاية الإِحكام وجود الخلاف فيه (١). وظاهر المدارك والمعالم التوقف (٢) ؛ للأصل ، ومنع تبعية المتفرع من الحيوان عليه مطلقاً ، وإنما هو من جهة صدق الاسم المنتفي هنا قطعاً قبل البلوغ ، ومع تسليم الصدق فلانحصار دليل نجاسة الكافر على الإِجماع الغير المتحقق في المقام لا يفيد. ومنه يظهر ضعف دليل التبعية أيضاً.

أقول : لو سلّم عدم صدق الكافر ، فلا ينبغي الريب في أن الظاهر من العرف إطلاق اليهودي والنصراني والناصبي على أطفالهم ، سيما إذا كانوا مميزين مظهرين لملة آبائهم تابعين لهم ، سيما الأخير إذا علم منه النصب والعداوة ، فتثبت نجاستهم ـ سيما المميّزين ـ بإطلاقات نجاسة الثلاثة مسراة بعدم الفصل إلى غير المميزين وإلى أطفال سائر الكفار.

نعم يشكل الحكم فيما لو كانوا مميزين ، وأظهروا عن دين آبائهم التبري ، وتلقّوا الإِسلام وولاء أهل البيت. والظاهر حينئذٍ طهارتهم ؛ لانتفاء الصدق عرفاً ، وعدم ثبوت الإِجماع المركب.

ثم لو سبى النجس من أطفالهم مسلم ، فهل يطهر بالتبعية ؟

المحكي عن الأكثر : نعم (٣) ؛ لأن نجاسته إما للإِجماع عليها ، أو على نجاسة مطلق الكافر الذي هذا منه ، وكلا الإِجماعين في المورد منتفيان ، واستصحاب النجاسة ضعيف ؛ إذ لم يثبت أمر زائد على النجاسة المقيدة بقبل السبي.

أقول : مع التميز والتبري عن ملة آبائهم لا إشكال ظاهراً في الطهارة ، كما

__________________

(١) نهاية الاحكام ١ : ٢٧٤.

(٢) المدارك ٢ : ٢٩٨ ، المعالم : ٢٥٩ ، ٢٦٠.

(٣) قال الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح ـ مخطوط ـ ان ظاهر الاصحاب لحوق الطفل المسبي منفرداً بالسابي.


لا إشكال في النجاسة كذلك مع إظهار ملتهم ، والإِشكال إنما هو مع انتفاء أحد الأمرين.

*       *      *


الفصل الثامن : في نبذ مما اختلفوا في نجاسته‌

وهي اُمور :

منها : المذي‌ ، وقد مر.

ومنها : الأرنب ، والثعلب ، والفأرة ، والوزغة‌.

والحقّ المشهور : طهارة الجميع ؛ للأصل.

وصحيحة البقباق : عن فضل الهرة ، والشاة ، والبقرة ، والإِبل ، والحمار ، والبغال ، والوحش ، والسباع ، فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه ، فقال : « لا بأس » حتى انتهيت إلى الكلب فقال : « رجس نجس » (١).

مضافاً في الثاني إلى المستفيضة الدالة على قبوله التذكية ، وطهر جلده بها (٢).

وفي الثالث إلى صحيحتي الأعرج (٣) وإسحاق بن عمار (٤) ، ورواية الغنوي (٥) وغيرها.

وفي الرابع إلى صحيحة علي : عن العظاية ، والحية ، والوزغ يقع في الماء فلا يموت يتوضأ منه للصلاة ؟ قال : « لا بأس » وعن فأرة وقعت في حب دهن

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٩ / ٤٠. الوسائل ١ : ٢٢٦ أبواب الاسآر ب ١ ح ٤.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٥٥ أبواب لباس المصلي ب ٧.

(٣) الكافي ٦ : ٢٦١ الاطعمة ب ١٤ ح ٤ ، التهذيب ٩ : ٨٦ / ٣٦٢.

(٤) الفقيه ١ : ١٤ / ٢٨ ، التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٣ ، الاستبصار ١ : ٢٦ / ٦٥ ، الوسائل ١ : ٢٣٩ أبواب الاسآر ب ٩ ح ٢.

(٥) التهذيب ١ : ٢٣٨ / ٦٩٠ ، الاستبصار ١ : ٤١ / ١١٣ ، الوسائل ١ : ١٨٨ أبواب الماء المطلق ب ١٩ ح ٥.


فاُخرجت منه قبل أن تموت ، أيبيعه من مسلم ؟ قال : « نعم ويدهن منه » (١).

خلافاً للمحكي عن الشيخ في موضع من المبسوط (٢) ، وموضع من النهاية (٣) في الجميع ، وعن الحلبيين (٤) مدّعياً أحدهما الإِجماع في الأولين ، وعن الصدوق (٥) ، والمفيد ، والديلمي (٦) في الأخيرين ، وعن والد الصدوق (٧) في الأخير ، وعن القاضي (٨) في غيره.

كل ذلك لبعض الأخبار (٩) القاصر عن إفادة النجاسة ، إما لكون الحكم فيه بلفظ الإِخبار الغير المثبت للزائد عن الرجحان ، أو لعدم ثبوت الملازمة بين ما حكم به وبين النجاسة.

نعم ، في صحيح علي : عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثوب أيصلى فيه ؟ قال : « اغسل ما رأيت من أثرها » (١٠).

وحملها على الاستحباب بقرينة المذكورات متعين.

ومنها : العصير العنبي‌ كما في كلام جماعة (١١) ، أو بدون القيد كما في كلام‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤١٩ / ١٣٢٦ ، الاستبصار ١ : ٢٤ / ٦١ ، الوسائل ١ : ٢٣٨ أبواب الأسآر ب ٩ ح ١.

(٢) المبسوط ١ : ٣٧.

(٣) النهاية : ٥٢.

(٤) الكافي في الفقه : ١٣١ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١.

(٥) الفقيه ١ : ٨ ، المقنع : ٥.

(٦) المقنعة : ٧٠ ، المراسم ٥٦.

(٧) نقله عنه في المختلف : ٥٧.

(٨) يستفاد من المهذب ١ : ٥١ ، ٥٣ خلافه وهو القول بنجاسة الثعلب والارنب والوزغ وطهارة الفأرة.

(٩) راجع الوسائل ١ : ١٨٧ أبواب الماء المطلق ب ١٩ وج ٣ : الباب ٣٤ ـ ٣٦ من أبواب النجاسات.

(١٠) التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٦١ ، الوسائل ٣ : ٤٦٠ أبواب النجاسات ب ٣٣ ح ٢.

(١١) كما في الروض : ١٦٤ ، والرياض ١ : ٨٦ ، والحدائق ٥ : ١٢١.


الأكثر (١) ، واختلفوا في نجاسته وطهارته.

والأول : مختار الفاضلين (٢) في أكثر كتبهما ، وعن الشهيد في الرسالة (٣) وابن حمزة (٤) إن كان الغليان بنفسه ، وعليه دعوى شهرة المتأخرين خاصة في المدارك (٥) وأشربة المسالك (٦) ، ومطلقاً في طهارته (٧) ، وعن المختلف (٨).

وإرادة المقيد من الأول بقرينة ما ذكره في الأشربة متعينة ، ودلالة كلام الثاني على الشهرة في العصير محل نظر.

وعن الكنز (٩) دعوى الإِجماع عليها ، ونسب إلى ظاهر الكليني والصدوقين (١٠) أيضاً ، وليس كذلك.

__________________

(١) منهم المحقق في المعتبر ١ : ٤٢٤ ، والشرائع ١ : ٥٢ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٧ ، والمختلف : ٥٨ ، والقواعد ١ : ٧.

(٢) راجع رقم ١.

(٣) حكى عنه في المدارك ٢ : ٢٩٣.

(٤) الوسيلة : ٣٦٥. (الجوامع الفقهية) : ٧٣٣.

(٥) المدارك ٢ : ٢٩٢.

(٦) المسالك ٢ : ٢٤٤.

(٧) يعني : ادّعى في طهارة المسالك الشهرة المطلقة. ولكن الموجود في المسالك ١ : ١٧ دعوى شهرة المتأخرين أيضاً كما في الأشربة منه.

(٨) المختلف : ٥٨.

(٩) كنز العرفان ١ : ٥٣.

(١٠) نسبه إليهم المحقق البهبهاني (ره) ، في حاشية المدارك (مخطوط) : ٨٤ في التعليق على قوله « ولا نعلم مأخذه » قال (ره) : ولعل المأخذ هو الاخبار التي رواها في الكافي في باب أصل تحريم الخمر وبدوه ، ورواه الصدوق في العلل أيضاً ، إذ يظهر من تلك الاخبار ان العصير بمجرد الغليان يدخل في حد الخمر ، والصدوق في الفقيه في باب حد الخمر قال : قال أبي في رسالته إليّ : اعلم أن أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تمسه فيصير أعلاه أسفله فهو خمر فلا يحل شربه إلا أن يذهب ثلثاه. ثم أتى بعبارات اُخر صريحة بأن مراده الخمر المعهود الحقيقي ثم قال : ولها خمسة أسامي : العصير من الكرم ... الخ ـ والظاهر من الصدوق أيضاً ذلك في الفقيه والعلل معاً وهو الظاهر أيضاً من الكليني فلاحظ الكافي وتأمل. وهو الظاهر من البخاري من العامة في صحيحه فلاحظ ...


والثاني : مذهب العماني (١) وأكثر الثالثة كالشهيد الثاني في حواشي القواعد ، والأردبيلي (٢) ، وصاحبي المدارك والمعالم (٣) ، وكفاية الأحكام ، والذخيرة (٤) وعن النافع ، والدروس ، والتبصرة (٥) ، بل صرح في الذكرى (٦) بعدم الوقوف على قول بالنجاسة لغير الفاضلين وابن حمزة.

وعن الفاضل في النهاية (٧) التوقف في الحكم ، وهو ظاهر الذكرى ، والبيان ، والمسالك ، والكركي (٨).

والذي يظهر لي : أنّ المشهور بين الطبقة الثالثة : الطهارة ، وبين الثانية : النجاسة ، وأما الاُولى فالمصرّح منهم بالنجاسة إمّا قليل أو معدوم.

نعم ذكر الحلي في بحث المياه في رفع استبعاد تطهر الماءين النجسين المتفرقين بعد جمعهما إذا بلغا كراً : ألا ترى أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال طاهر ، فإذا حدثت الشدة حرمت العين ونجست ، والعين التي هي جواهر على ما كانت عليه ، وإنما حدث معنى لم يكن كذلك ، وكذلك إذا انقلب خَلّا زالت الشدة عن العين وطهرت وهي على ما كانت عليه (٩).

وأما في بحث النجاسات فمع ذكره الخمر (١٠) ، وإلحاقه الفقاع بها لم يذكر‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٥٨.

(٢) مجمع الفائدة ١ : ٣١٢.

(٣) المدارك ٢ : ٢٩٣ ، المعالم : ٢٤٢.

(٤) الكفاية : ١٢ ، الذخيرة : ١٥٥.

(٥) المختصر النافع : ١٨ ، الدروس ١ : ١٢٤ ، التبصرة : ١٧ لا يخفى أن وجه نسبة القول بالطهارة إلى هؤلاء المذكورين إنهم لم يذكروا العصير في النجاسات.

(٦) الذكرى : ١٣.

(٧) نسب في الذكرى إلى نهاية العلّامة التوقف في الحكم ولكن الموجود فيه ١ : ٢٧٢ ، القول بنجاسته صريحاً.

(٨) الذكرى : ١٣ ، البيان : ٩١ المسالك ١ : ١٧ ، جامع المقاصد ١ : ١٦٢.

(٩) السرائر ١ : ٦٦.

(١٠) السرائر ١ : ١٧٩ ـ ١٧٨.


العصير أصلاً.

والذي أراه أنّ مراده بشدته ليس غلظته وثخانته ، بل المراد هو القوة الحاصلة للمسكر ، فيكون المراد منه الخمر ، ولذا لم يذكر الغليان ، ولا قبل ذهاب الثلاثين ، ورتّب زوال الشدة على الانقلاب خَلّاً.

ويؤيده : أنه في مقام ذكر الأمثلة التي يتغير حكم الطهارة والنجاسة فيها بالتغير المعنوي ، فمثّل بالإِيمان والكفر ، والموت والحياة ، ولو اُريد بالشدة الثخانة لم تكن الجواهر على ما كانت عليه ، مع أنه لم يفسّر الشدة من اللغويين أحد بالثخانة ، وفسّروها بالقوة ، والحملة ، والصلابة ، وغيرها.

ويؤيده أيضاً ، رواية عمر بن حنظلة : « ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره » (١) وفسّرت العادية بالشدة.

ولولا أن غيره من المتأخرين الذين ذكروا العصير ذكروه بعد الخمر أو فسّروا الاشتداد بالثخانة (٢) ، لقلت : إنّ مراد جميعهم ما ذكرنا ، ويختلج ببالي أن يكون جماعة من القدماء عبّروا عن الخمر بمثل ذلك ، ولأجله وقع في العصير الخلاف.

وكيف كان ، فالحق هو الطهارة ؛ للاُصول السالمة جداً عن المعارض ، المعتضدة بأنّ العصير المتكرر ذكره في النصوص (٣) ، واستفاضتها على حرمته ، وعموم الحاجة اليه ـ حيث ليس بلد ولا قرية إلّا ويعملونه ويباشرونه ويحتاجون إليه ـ لو كان نجساً ، لكان في الأخبار من نجاسته عين أو أثر ، مع تكرر سؤال أصحابهم عن أحكامهم ، وعدم محذور ولا تقية فيه.

وأما إطلاق الخمر عليه ، فلا يدلّ بعد تسليمه على نجاسته ، ولو جاز

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤١٠ الاشربة ب ٢١ ح ١٥ ، التهذيب ٩ : ١١٢ / ٤٨٥ ، الوسائل ٢٥ : ٣٤١ أبواب الاشربة المحرمة ب ١٨ ح ١.

(٢) كما في المسالك ٢ : ٢٤٤ ، جامع المقاصد ١ : ١٦٢ ، المدارك ٢ : ٢٩٢.

(٣) راجع الوسائل ٢٥ : ٢٨٢ أبواب الاشربة المحرمة ب ٢.


الاكتفاء في بيان أحكامه بذلك ، لكان في الحرمة أولى ؛ لأن حرمة الخمر من أحكامها الضرورية بخلاف نجاستها.

احتجّ القائل بالنجاسة : بالإِجماع المنقول عن الكنز (١).

وبكونه خمراً ؛ لحملها عليه في الأخبار.

كما في موثقة ابن عمار : الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج (٢) ويقول : قد طبخ على الثلث ؛ وأنا أعرفه أنه يشربه على النصف ، فقال : « خمر لا تشربه » (٣).

وفي حسنة عبد الرحمن : « الخمر من خمسة : العصير من الكرم ... » (٤).

وفي الرضوي : « أصل الخمر من الكرم ، إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه النار فهو خمر » (٥).

وبالنهي عن بيعه ، كما في رواية أبي كهمس : لي كرم وأنا أعصره كل سنة وأجعله في الدِّنان وأبيعه قبل أن يغلي ، قال : « لا بأس ، وإن غلى فلا يحل بيعه » (٦).

وبنفي الخير مطلقاً ـ ومنه الطهارة ـ عنه كما في روايتي محمد بن الهيثم وأبي بصير :

الاُولى : عن العصير يطبخ في النار حتى يغلي من ساعته فيشربه صاحبه ،

__________________

(١) كنز العرفان ١ : ٥٣.

(٢) البُختج : العصير المطبوخ ـ النهاية الاثيرية ١ : ١٠١.

(٣) الكافي ٦ : ٤٢١ الاشربة ب ٢٨ ح ٧ ، التهذيب ٩ : ١٢٢ / ٥٢٦ ، الوسائل ٢٥ : ٢٩٣ أبواب الاشربة المحرمة ب ٧ ح ٤.

(٤) الكافي ٦ : ٣٩٢ الاشربة ب ١٢ ح ١ ، التهذيب ٩ : ١٠١ / ٤٤٢ ، الوسائل ٢٥ : ٢٧٩ أبواب الاشربة المحرمة ب ١ ح ١.

(٥) فقه الرضا (ع) : ٢٨٠ ، المستدرك ١٧ : ٣٩ أبواب الاشربة المحرمة ب ٢ ح ٥.

(٦) الكافي ٥ : ٢٣٢ المعيشة ب ١٠٧ ح ١٢ ، الوسائل ١٧ : ٢٣٠ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٦.


قال : « إذا تغير عن حاله وغلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه » (١).

والثانية : « إن طبخ حتى يذهب منه اثنان ويبقى واحد فهو حلال ، وما كان دون ذلك فليس فيه خير » (٢).

وجوابنا عن الأول : بمنع حجية الإِجماع المنقول ، سيما مع معارضته بما مر من الذكرى (٣).

وعن الثاني : أنّ حمل الخمر يدل على كونه خمراً لو لم يثبت لها معنى آخر ، حيث إنّ مقتضى أصالة الحقيقة في الحمل والمحمول حينئذٍ : كونه خمراً حقيقياً. ولكن إذ ثبت له معنى آخر فتعارض تلك الأصالة أصالة عدم النقل وعدم وضع آخر ، فلا يعلم كونه خمراً.

وقد ثبت بحكم التبادر كونها حقيقة في المسكر من مطلق العصير أو العنبي ، واتّفقت عليه كلمات الفقهاء الذين ذكروا العصير بعد الخمر ، وقالوا : ويلحق بها العصير. وقد صرح به أهل اللغة أيضاً (٤) ، بل هو المستفاد من المستفيضة المصرحة بأنه « لم يحرم الخمر لاسمها ولكن لعاقبتها ، فما كانت عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر » أو « ما فعل فعل الخمر فهو خمر » (٥) وبأن « الخمر سميت خمراً لاختمارها العقل » (٦).

وعلى هذا فالمعنى : أن حكمه حكم الخمر ، أو هو خمر مجازي ، أو مجازاً ، ولا يثبت بذلك جميع أحكامها له ، لشيوع الحرمة فيها جداً فينصرف إليها. ولو‌

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤١٩ الاشربة ب ٢٧ ح ٢ ، التهذيب ٩ : ١٢٠ / ٥١٧ ، الوسائل ٢٥ : ٢٨٥ أبواب الاشربة المحرمة ب ٢ ح ٧.

(٢) الكافي ٦ : ٤٢٠ الاشربة ب ٢٨ ح ١ ، الوسائل ٢٥ : ٢٨٥ أبواب الاشربة المحرمة ب ٢ ح ٦.

(٣) الذكرى : ١٣.

(٤) القاموس ٢ : ٢٣.

(٥) راجع الوسائل ٢٥ : ٣٤٢ أبواب الاشربة المحرمة ب ١٩.

(٦) ظاهر العبارة يعطي أن الجملة المذكورة وردت في حديث ولكن لم نعثر عليه ، نعم هي موجودة في كلمات اللغويين. راجع الصحاح ٢ : ٦٤٩.


قطع النظر عن الشيوع أيضاً فانصراف الشركة المبهمة إلى جميع الأحكام عندنا غير ثابت.

هذا ، مضافاً إلى ما في الرواية الاُولى من العلة ، حيث إنها مذكورة بهذا السند والمتن في الكافي والتهذيب ، والأول خالٍ عن لفظ « خمر » ولذا لم يذكره صاحبا الوافي والوسائل.

وفي الثانية من عدم الدلالة ؛ لجواز أن يكون العصير بدلاً من خمسة ، ويكون الخمر من العصير الحاصل من الكرم ، والنقيع الحاصل من الزبيب إلى آخره ، ولو كان بدلاً من الخمر أيضاً ، لدلّ على أنّ العصير يطلق على الخمر التي من الكرم ، لا أن الخمر يطلق على العصير.

وفي الثالثة من الضعف الخالي عن الجابر.

وعن الثالث ـ بعد منع ثبوت النجاسة بعدم حلية البيع ، ولذا لا يحل بيع أشياء كثيرة طاهرة ـ : أنه بأقوى منه معارض ، كصحيحة رفاعة : عن بيع العصير ممن يخمره ، فقال : « حلال » (١).

ورواية البزنطي : عن بيع العصير فيصير خمراً ، إلى أن قال : « وأما إذا كان عصيراً فلا يباع إلّا بالنقد » (٢).

وهاتان الروايتان وإن كانتا أعمّين من جهة الغليان ، ولكن رواية أبي كهمس أيضاً عامة من جهة السكر ، ولولا ترجيحهما بالصحة ، فالمرجع أصل الحلية.

وعن الرابع ـ مضافاً إلى الاختصاص بما غلى بالنار ـ : بمنع كون الطهارة أيضاً من أفراد الخير ، مع أن المتبادر من نفيه فيها نفي الحلية ، كما يشعر به قوله :

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٣٦ / ٦٠٣ ، الاستبصار ٣ : ١٠٥ / ٣٧٠ ، الوسائل ١٧ : ٢٣١ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٠ المعيشة ب ١٠٧ ح ١ ، التهذيب ٧ : ١٣٨ / ٦١١ ، الوسائل ١٧ : ٢٢٩ أبواب ما يكتسب به ب ٥٩ ح ١.


« فيشربه » وقوله : « فهو حلال ».

ومنها : ولد الزنا. والأظهر الأشهر : طهارته ؛ للأصل.

وعن الصدوق (١) والسيد (٢) والحلّي (٣) نجاسته. وفي المعتبر عن بعض الأصحاب الإِجماع عليها (٤) ؛ لروايتي حمزة بن أحمد وابن أبي يعفور المتقدمتين (٥) في غسالة الحمام ، والمرويات في عقاب الأعمال وثواب الأعمال ، والمحاسن ، والعلل.

[ الْأُوليان ] (٦) : « إنّ نوحاً حمل في السفينة الكلب والخنزير ، ولم يحمل فيها ولد الزنا » (٧).

والثالثة : « لا خير في ولد الزنا ، ولا في بشره ، ولا في شعره ، ولا في لحمه ، ولا في دمه ، ولا في شي‌ء منه » (٨).

والرابعة وفيها مخاطباً له يوم القيامة : « وأنت رجس ، ولن يدخل الجنة إلّا طاهر » (٩).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٨ ، الهداية : ١٤.

(٢) الانتصار : ٢٧٣.

(٣) السرائر ١ : ٣٥٧ ، قال : ولد الزنا قد ثبت كفره. وهو بضميمة حكمه بنجاسة الكافر يصحح النسبة.

(٤) المعتبر ١ : ٩٨.

(٥) ص ١٠٨.

(٦) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة ليحصل الانسجام مع قوله : « والثالثة والرابعة » وقوله بعد سطور في مقام الجواب : « وعن الروايات الاربع » مشيراً الى هذه الروايات. ولكن لا يخفى أنه يظهر من هذه العبارة أن الرواية : « أن نوحاً ... » مروية في كتابين هما ثواب الاعمال وعقاب الاعمال ، وعليه تكون الثالثة إشارة إلى رواية المحاسن ـ كما هي موجودةً فيها ـ وهذا خلاف الواقع فإن الرواية الاولى مروية في عقاب الاعمال فقط ، فعليه ينبغي تبديل الاوليين بالاولى والثالثة بالثانية والرابعة بالثالثة.

(٧) عقاب الاعمال : ٢٥٢.

(٨) المحاسن : ١٠٨.

(٩) العلل : ٥٦٤.


ومرسلة الوشاء : « كره سؤر ولد الزنا ، واليهودي ، والنصراني ، وكل ما خالف الإِسلام » (١). فإن المراد بالكراهة فيها الحرمة ، بقرينة البواقي لئلّا يلزم استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز.

مع أن سياقها يدلّ على مخالفته الإِسلام ، فيكون كافراً ، كما تدلّ عليه أيضاً استفاضة الأخبار « بأنّه لا يدخل الجنة إلّا مَنْ طابت ولادته » (٢) و « بأنّ ديته كدية اليهودي والنصارى » (٣) وهذا وجه آخر لنجاسته.

ويجاب عن الروايتين : بأنهما تنفيان الطهورية دون الطهارة ، ولا تلازم بينهما كما مرّ.

والطهارة المنفية في ثانيتهما غير ما يوجب انتفاؤه النجاسة قطعاً ؛ لنفيها عن سبعة آبائه.

وعن الروايات الأربع (٤) : بعدم الدلالة ؛ لأن حمل الكلبين دونه لمطلوبية بقاء نوعهما دون نوعه ، لا لكونه أنجس منهما.

ونفي الخير لا يثبت النجاسة.

وثبوت الرجسية أو نفي الطهارة عنه يوم القيامة لا يدلّ عليه في الدنيا ، مع أن كون الرجس والطهارة بالمعنى المفيد هنا لغةً غير ثابت.

وعن المرسلة : بأن الكراهة غير الحرمة ، وذكر البواقي لا يثبت إرادتها ؛ لجواز إرادة القدر المشترك الذي هو معناها اللغوي. ودلالة سياقها على كفره ممنوعة.

وعدم دخوله الجنة ـ لو سلّم وخلا ما يدلّ عليه عن المعارض ـ لا يستلزم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١١ الطهارة ب ٧ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٢٣ / ٦٣٩ ، الاستبصار ١ : ١٨ / ٣٧ ، الوسائل ١ : ٢٢٩ أبواب الأسآر ب ٣ ح ٢.

(٢) راجع البحار ٥ : ٢٨٥ ـ ٢٨٧.

(٣) راجع الوسائل ٢٩ : ٢٢٢ أبواب ديات النفس ب ١٥.

(٤) يظهر بملاحظة ما ذكرناه في التعليقة رقم ٦ ص ٢١٩ أنه ينبغي تبديل الاربع بالثلاث.


الكفر ؛ إذ غايته عدم الإِيمان ، وقد أثبت بعضهم له الواسطة. كما لا يستلزمه كون ديته كدية الكافر لو سلّم ، مع أنّ نجاسة كل كافر ممنوعة كما مر.

ومنها : عرق الجنب من الحرام. فالمفيد في رسالته إلى ولده صريحاً كما نقل عنه في السرائر (١) ، وفي المقنعة (٢) ظاهراً ، والشيخ في المبسوط (٣) كما في الذكرى ، والديلمي ، والحلي (٤) ، والفاضلان (٥) ، والشهيدان (٦) ، وعامة المتأخرين (٧) إلى طهارته ، وعليه الإِجماع في السرائر (٨) ، وفي المختلف والذكرى وكفاية الأحكام (٩) أنه المشهور.

وهو الحق ؛ للأصل ، وعموم حسنة أبي اُسامة (١٠) ورواية أبي بصير (١١)

__________________

(١) السرائر ١ : ١٨١ ، الموجود فيه هكذا : وشيخنا المفيد رجع عمّا ذكره في مقنعته وفي رسالته الى ولده ... والظاهر أن الواو في قوله : وفي رسالته من زيادة النساخ ويشهد عليه التأمل في مجموع كلامه الذي سيتعرض له المصنف ص ٢٢٤.

(٢) المقنعة : ٧١ وفيها : ولا بأس بعرق الحائض والجنب ولا يجب غسل الثوب منه الا أن تكون الجنابة من حرام فيغسل ما أصاب من عرق صاحبها من جسد وثوب ويعمل في الطهارة بالاحتياط. فتأمّل ، ولاحظ ما يشير اليه المصنف ص ٢٢٤.

(٣) المبسوط ١ : ٩١.

(٤) الذكرى : ١٤ ، المراسم : ٥٦ ، السرائر ١ : ١٨١.

(٥) المحقق في المختصر النافع : ١٨ ، والشرائع ١ : ٥٣ ، والعلامة في المختلف : ٥٧ ، والمنتهى ١ : ١٧٠.

(٦) الذكرى : ١٤ ، البيان : ٩١ والشهيد الثاني وإن لم يصرح بطهارته فيما عثرنا عليه من كتبه ، الا أنه يمكن استظهار ذلك من شروحه على الشرائع والارشاد واللمعة بملاحظة عدم الاشارة فيها الى نجاسته تبعاً للمتون.

(٧) كما في الايضاح ١ : ٢٩ ، والتنقيح ١ : ١٤٦ ، وكشف اللثام ١ : ٥٠.

(٨) السرائر ١ : ١٨١.

(٩) المختلف : ٥٧ ، الذكرى : ١٤ ، الكفاية : ١٢.

(١٠) الكافي ٣ : ٥٢ الطهارة ب ٣٤ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٦٨ / ٧٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٨٤ / ٦٤٤ ، الوسائل ٣ : ٤٤٤ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١.

(١١) التهذيب ١ : ٢٦٩ / ٧٩١ ، الاستبصار ١ : ١٨٥ / ٦٤٧ ، الوسائل ٣ : ٤٤٦ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ٨.


وغيرها.

وعن الصدوقين (١) ، والشيخ في غير المبسوط (٢) ، والإِسكافي (٣) ، والقاضي (٤) : نجاسته. بل عدّها أحد الأولين في أماليه من دين الإِمامية (٥) ، وادّعى عليها في الخلاف إجماع الفرقة (٦).

وأسندها الديلمي وابن زهرة (٧) إلى أصحابنا مع فتوى الأول بالطهارة ، وتردّد الثاني ظاهراً في المسألة.

واختارها من متأخري المتأخرين والدي العلّامة ، وبعض مشايخنا رحمهم الله (٨).

واشتهر نسبتها إلى المقنعة ، وهي غير جيدة ؛ لتصريحه بأنّ غسله بالاحتياط.

واستدلّ عليها بالإِجماع المنقول عن الخلاف (٩) صريحاً ، وعن ابن زهرة والديلمي (١٠) ظاهراً.

وفيه ـ مضافاً إلى عدم حجيته ـ أنه معارض بمثله عن الحلّي (١١) ، وبدعوى الشهرة على خلافه من الفاضل والشهيد (١٢) ، مع أنّ فتوى الديلمي عقيب كلامه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٠ ، وفي المقنع : ١٤ نقله عن والده.

(٢) النهاية : ٥٣ ، التهذيب ١ : ٢٧١.

(٣) نقل عنه في المعالم : ٢٧٠.

(٤) شرح جمل العلم والعمل : ٥٦ ، المهذب ١ : ٥١.

(٥) أمالي الصدوق : ٥١٦.

(٦) الخلاف ١ : ٤٨٣.

(٧) المراسم : ٥٦ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١.

(٨) كما في الرياض ١ : ٨٦.

(٩) الخلاف ١ : ٤٨٣.

(١٠) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١ ، المراسم : ٥٦.

(١١) السرائر ١ : ١٨١.

(١٢) المختلف : ٥٧ ، الذكرى : ١٤.


بالطهارة صريحة في أنه لم يرد الإِجماع من قوله ، وهو يوهن إرادته في كلام ابن زهرة أيضاً ، لاتّحاد مؤدّاهما مضافاً إلى تردّده أيضاً.

وبصحيحة محمد الحلبي (١) ورواية أبي بصير (٢).

وعدم دلالتهما في غاية الظهور.

وبروايتي علي بن الحكم ومحمد بن علي بن جعفر :

الاُولى : « لا يغتسل من غسالة الحمام ، فإنه يغتسل فيه من الزنا » (٣).

والثانية : إنّ أهل المدينة يقولون إنّ فيه ـ أي في ماء الحمام ـ شفاء العين ، فقال : « كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام » (٤) الحديث.

وفيهما ـ مع خلوّهما عن ذكر العرق ـ عدم الملازمة بين عدم جواز الاغتسال وانتفاء الشفاء والنجاسة ، مضافاً إلى أنّ أولاهما خالية عما تحقق كونه نهياً.

وبالرضوي : « إن عرقت في ثوبك وأنت جنب ، وكانت الجنابة من حلال فتجوز الصلاة فيه ، وإن كانت حراماً لا تجوز الصلاة فيه حتى يغتسل (٥) » (٦).

والمروي في الذكرى ، عن الكفرثوثي ، عن أبي الحسن : عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أيصلي فيه ؟ فقال : « إن كان من حلال فصلّ فيه ، وإن كان من حرام فلا تصل فيه » (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٠ / ١٥٥ ، التهذيب ١ : ٢٧١ / ٧٩٩ ، الاستبصار ١ : ١٨٧ / ٦٥٥ ، الوسائل ٣ : ٤٤٧ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣١ ، الاستبصار ١ : ١٨٨ / ٦٥٦ ، الوسائل ٣ : ٤٤٧ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١٠.

(٣) الكافي ٦ : ٤٩٨ الزي والتجمل ب ٤٣ ح ١٠ ، الوسائل ٣ : ٤٤٨ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١٣.

(٤) الكافي ٦ : ٥٠٣ الزي والتجمل ب ٤٣ ح ٣٨ ، الوسائل ١ : ٢١٩ أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٢.

(٥) في « هـ » : يغسل.

(٦) فقه الرضا (ع) : ٨٤ ، البحار ٧٧ : ١١٧.

(٧) الذكرى : ١٤ ، الوسائل ٣ : ٤٤٧ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١٢.


وفي البحار عن مناقب ابن شهرآشوب عنه أيضاً : « إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه ، وإن كانت جنابته من حلال فلا بأس » (١).

ونقله في البحار (٢) عن كتاب عتيق من قدماء أصحابنا مسنداً فيه عن علي ابن مهزيار ، بأدنى تغيير.

وفيها : أنها أخبار ضعيفة غير ثابت المأخذ ، ولم يثبت كونها في كتاب معتبر ، أو أصل معتمد.

ودعوى انجبارها بالشهرة سيما العظيمة من القدماء فاسدة ؛ إذ لم ينقل النجاسة من القدماء إلّا من قليل.

والشيخ له القولان ، وكذا المفيد إن قلنا بأنه يقول بالنجاسة في المقنعة.

وكلام الحلي في السرائر يعطي عدم قول من القدماء بالنجاسة إلّا ما نسب إلى المقنعة وأحد قولي الشيخ ، حيث ذكر أولاً أنّ كلام الشيخ في المبسوط محمول على التغليظ في الكراهة ، وصرّح برجوع المفيد.

ثم قال : والغرض من هذا التنبيه بأنّ من قال : إذا كانت الجنابة من حرام ، وجب غسل ما عرق فيه ، رجع عن قوله في كتاب آخر ، فقد صار ما اخترناه إجماعاً (٣).

وأما إثبات الشهرة بنقل طائفة الإِجماع ، فضعفه ـ بعد معارضتها بنقل الإِجماع والشهرة على خلافه ـ واضح جداً ، مع أن انجبار الخبر الضعيف بالشهرة ، إنما هو إذا لم تعارضها شهرة اُخرى.

وشهرة الطهارة بين الطبقتين : الثانية والثالثة معارضة ، مع رجحانها من جهة كونها قطعية ، بخلاف شهرة النجاسة بين القدماء فليست ـ لو سلّمت ـ إلّا

__________________

(١) البحار ٧٧ : ١١٧ / ٥.

(٢) البحار ٧٧ : ١١٨ / ٦. والسند فيه ، عن علي بن يقطين بن موسى الاهوازي.

(٣) السرائر ١ : ١٨١.


ظنية.

ولا ينبغي الريب في استحباب التنزه والاجتناب عنه ، بل هو الأحوط.

ومنها : عرق الإِبل الجلالة‌ ، نجّسه الصدوقان (١) ، والشيخان (٢) ، والقاضي (٣) ، والمنتهى (٤). وهو الأقوى ؛ لحسنة حفص بن البختري ، بل صحيحته : « لا تشرب من ألبان الإِبل الجلالة ، وإن أصابك من عرقها شي‌ء فاغسله » (٥).

وصحيحة هشام بن سالم : « لا تأكلوا اللحوم الجلالة ، وإن أصابك عرقها فاغسله » (٦).

ودلالتها على ما لم يعمل به من نجاسة عرق كل جلال لا تخرجه عن الحجية ؛ إذ خروج بعض أفراد العام لمعارض لا يمنع حجيته في الباقي. مع أنّ عدم عمل أحد بعمومها ممنوع ، بل صرح بعض الأصحاب بالعموم ، وحكي عن النزهة (٧) أيضاً.

خلافاً للفاضل في أكثر كتبه (٨) ، بل ادّعى في المختلف أنّه المشهور ، وعزاه إلى الديلمي والحلي (٩) ؛ للأصل ، وبعض العمومات. وجوابهما ظاهر.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢١٤ ، نسبه في اللوامع الى الصدوقين على ما في الجواهر ٦ : ٧٧.

(٢) المفيد في المقنعة : ٧١ ، والطوسي في النهاية : ٥٣ ، والمبسوط ١ : ٣٨ ، والتهذيب ١ : ٢٦٣.

(٣) شرح جمل العلم والعمل : ٥٦.

(٤) المنتهى ١ : ١٧٠.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥١ الاطعمة ب ٦ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٦٣ / ٧٦٧ ، الوسائل ٣ : ٤٢٣ أبواب النجاسات ب ١٥ ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ٢٥٠ الاطعمة ب ٦ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٦٣ / ٧٦٨ ، الوسائل ٣ : ٤٢٣ أبواب النجاسات ب ١٥ ح ١.

(٧) نزهة الناظر : ١٩.

(٨) كالقواعد ١ : ٧ ، التحرير ١ : ٢٤.

(٩) المختلف : ٥٧.


ومنها : المسوخ. فالمشهور المنصور طهارته ؛ للأصل ، وعموم صحيحة البقباق المتقدمة (١) ، وخصوص النصوص الواردة في بعضها كالعقرب والفأرة والوزغة (٢) والعاج (٣) ونحوها (٤).

مضافاً إلى الضرورة في بعض أفرادها كالزنبور ونحوه ، مما يوجب القول بوجوب التحرز عنه مخالفة الطريقة المستمرة بين المسلمين في الأعصار والأمصار ، مع استلزامه العسر والحرج المنفيين.

خلافاً للمحكي عن الإِسكافي (٥) ، والخلاف ، والمبسوط ، والمراسم ، والوسيلة (٦) ، والإِصباح ؛ استناداً إلى حرمة بيعها ، وليست إلّا لنجاستها. وهما ممنوعان.

وإلى الإِجماع المنقول في المبسوط (٧) ، وليس بحجة ، مع أن إرادته الخباثة من النجاسة ممكنة ، والقرائن في كلامه عليها قائمة.

*       *      *

__________________

(١) ص ٢١١.

(٢) المتقدمة ص ٢١٢ ـ ٢١١.

(٣) العاج : عظم أنياب الفيل.

(٤) راجع الوسائل ٢ : ١٢٢ أبواب آداب الحمام ب ٧٢.

(٥) نقل عنه في المعالم : ١٤٩.

(٦) الخلاف ٢ : ٥٣٨ ، المبسوط ٢ : ١٦٦ ، المراسم : ٥٥ ، الوسيلة : ٧٨.

(٧) المبسوط ٢ : ١٦٦.


الفصل التاسع :

ها هنا اُمور ليست نجسةً ، ولكن وردت الأخبار بالنضح منها ، وجملة منها قد وقع الخلاف فيها في كونه على الوجوب أو الاستحباب.

فمنها : الثوب الملاقي للكلب أو الخنزير الحيّين أو الميّتين جافاً ، سواء كان كلب صيد أو غيره. فالمشهور على ما في الحدائق (١) واللوامع ، بل ظاهر المعتبر : إجماع علمائنا على استحباب الرش فيه (٢).

وذهب الشيخان في النهاية والمقنعة (٣) ، والصدوق في الفقيه (٤) ـ إلا أنه خصه بغير كلب الصيد ـ وابن حمزة والديلمي (٥) إلى الوجوب ، واختاره والدي العلّامة ـ رحمه الله ـ في اللوامع صريحاً وفي المعتمد ظاهراً ، وقواه في الحدائق (٦).

وهو الحق ، بمعنى وجوبه تعبداً وإن لم ينجس الملاقي ؛ للنصوص المستفيضة :

كصحيحة الفضل : « إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن مسّه جافاً فاصبب عليه الماء » (٧).

ومرسلة حريز : « إذا مس ثوبك كلب فإن كان يابساً فانضحه » (٨) وقريبة منها‌

__________________

(١) الحدائق ٥ : ٣٩١.

(٢) المعتبر ١ : ٤٣٩.

(٣) النهاية : ٥٢ ، المقنعة : ٧٠.

(٤) الفقيه ١ : ٤٣.

(٥) الوسيلة : ٧٨ ، المراسم : ٥٦.

(٦) الحدائق ٥ : ٣٩١.

(٧) التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٥٩ ، الوسائل ٣ : ٤١٤ أبواب النجاسات ب ١٢ ح ١.

(٨) الكافي ٣ : ٦٠ الطهارة ب ٣٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٦٠ / ٧٥٦ ، الوسائل ٣ : ٤٤١ أبواب النجاسات ب ٢٦ ح ٣.


رواية علي (١).

وصحيحته : عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به ؟ قال : « إن كان دخل في صلاته فليمض ، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب ثوبه » (٢).

وأما ما في المختلف (٣) من ترجيح الاستحباب ، بأن النجاسة لا تتعدّى مع اليبوسة إجماعاً ، وإلّا لوجب غسل المحل ، فتعيّن حمل الأمر على الاستحباب ؛ ففيه ـ مضافاً إلى منع إيجاب تعدّي النجاسة للغسل كلياً كما في بول الرضيع ـ : أن الحمل على الوجوب لا ينحصر وجهه في النجاسة ؛ لجواز التعبّد.

وقد يستدلّ للاستحباب : بسياق الأخبار ، وفهم الأصحاب ، والأمر بالرش في مواضع أجمعوا فيها على حمله عليه ، وهو قرينة عليه في جميع الموارد.

ودلالة السياق جداً ممنوعة. وفهم طائفة وعملهم مع مخالفة جمع آخر ـ سيما الذين هم أساطين المذهب ـ غير حجة. والحمل في بعض المواضع على خلاف الأصل لمعارض لا يوجبه فيما لا معارض له.

ثم ظاهر القوم : اختصاص الوجوب أو الاستحباب بالثوب. وهو كذلك اقتصاراً فيما خالف الأصل عن موضع النص.

ومنها : الثوب الملاقي لبدن الكافر‌كذلك ، ذكر استحباب الرش فيه جماعة (٤) ، وظاهر المعتبر (٥) الإِجماع عليه ، وفي اللوامع أنه المشهور.

ولا بأس به بعد شهرته أو فتوى جماعة به ، بل فتوى فقيه ؛ للتسامح في‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٦٠ / ٧٥٧ ، الوسائل ٣ : ٤٤٢ أبواب النجاسات ب ٢٦ ح ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٦١ الطهارة ب ٣٩ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٦١ / ٦٧٠ ، الوسائل ٣ : ٤١٧ أبواب النجاسات ب ١٣ ح ١.

(٣) المختلف : ٦٣.

(٤) منهم العلامة في القواعد ١ : ٨ ، وسلّار في المراسم : ٥٦.

(٥) المعتبر ١ : ٤٣٩.


السنن.

ومنه يظهر عدم البأس في القول باستحبابه في ملاقاة الثوب للنجاسة الجافة مطلقاً ، كما ندبه الشيخ في المبسوط (١) ، وبعض سادة مشايخنا قدّس الله سرّه العزيز في منظومته (٢).

وفي ملاقاته للفأرة والوزغة كذلك ، ذكره الشيخ في النهاية (٣) والمفيد والديلمي (٤) موجبين له.

ومنها : الثوب أو البدن الذي شكّ في نجاسته أو ظنّ بظنّ غير ثابت الحجية‌ ، فالمشهور استحباب رشّه ؛ لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج في البول : « وينضح ما يشك فيه من حسده وثيابه » (٥).

وحسنتي الحلبي وابن سنان في المني :

الاُولى : « فان ظن أنه أصابه ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء » (٦).

والثانية : « وإن كان يرى أنه أصابه شي‌ء فنظر فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء » (٧).

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد : عن الثوب يصيبه البول فينفذ إلى الجانب الآخر ، وعن الفرو وما فيه من الحشو ، قال : « اغسل ما أصاب منه [ ومسَّ ]

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٨.

(٢) الدرة النجفية : ٥٨.

(٣) النهاية : ٥٢.

(٤) المقنعة : ٧٠ ، المراسم : ٥٦.

(٥) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٤ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٥٤ الطهارة ب ٣٥ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٢٨ ، الوسائل ٣ : ٤٢٤ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ٤.

(٧) الكافي ٣ : ٤٠٦ الصلاة ب ٦٦ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٣٥٩ / ١٤٨٨ ، الوسائل ٣ : ٤٧٥ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٣.


الجانب الآخر ، فإن أصبت مسّ شي‌ء منه فاغسله وإلّا فانضحه بالماء » (١).

واختصاصها ببعض النجاسات كظهور بعضها في الوجوب غير مُضرّ في الحكم بالعموم والاستحباب ؛ للإِجماع المركّب في الأول ، مع إمكان التعميم بالحسنة الأخيرة ، والبسيط في الثاني.

وخلاف الحلبي والديلمي (٢) ، وإيجاب الأول للرش مع الظن ، والثاني للغسل في الإِجماع غير قادح ، فبه يخرج الأمر عن حقيقته لا بما قيل من المعارضة مع أصالة الطهارة أو عمومات النهي عن العمل بغير علم ، لكون ذلك خاصّاً ، مع أنّ النضح غير مستلزم للنجاسة.

ومنها : الثوب‌ إذا كان للمجوسي (٣) ، أو مشت عليه الفأرة الرطبة ولا يرى فيه أثرها (٤) ، أو أصابه المذي (٥) ، أو عرق الجنب (٦) ، أو بول البعير ، أو الشاة (٧) ، أو دم غير ذي النفس (٨) ، أو شكّ في إصابة بول الدواب الثلاث إليه (٩) ؛ كل ذلك للروايات.

وكذا يستحب الرش لذي الجرح في مقعدته ، يجد الصفرة بعد الاستنجاء والتوضؤ ، إذا أراد الصلاة فيها (١٠) ، ولثوب الخصي الذي يبول ويرى البلل بعد‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥ الطهارة ب ٣٦ ح ٣ ، الوسائل ٣ : ٤٠٠ أبواب النجاسات ب ٥ ح ٢ ـ وفي جميع النسخ : « من » بدل « مسّ ».

(٢) الكافي في الفقه : ١٤٠ ، المراسم : ٥٦.

(٣) الوسائل ٣ : ٥١٩ أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ٣.

(٤) الوسائل ٣ : ٤٦٠ ، أبواب النجاسات ب ٣٣ ح ٢.

(٥) الوسائل ٣ : ٤٢٣ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ١.

(٦) الوسائل ٣ : ٤٤٥ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ٤ و ٨ و ١٠.

(٧) الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٠.

(٨) الوسائل ٣ : ٤٣٦ أبواب النجاسات ب ٢٣ ح ٣.

(٩) الوسائل ٣ : ٤٠٣ أبواب النجاسات ب ٧ ح ٦.

(١٠) الوسائل ١ : ٢٩٢ أبواب نواقض الوضوء ب ١٦ ح ٣.


البلل ، فإنه يتوضأ وينضح في النهار مرة (١).

فرعان :

الأول : أوجب الشيخ في النهاية مسح اليد بالتراب من مس الكلبين ، والثعلبين ، والفأرتين ، والكافرين (٢) ، وعن ابن حمزة في الطرفين (٣). وذكره المفيد في غير الثاني (٤). وكلامه لكل من الوجوب والاستحباب محتمل.

وعن المبسوط استحبابه في مس كل نجاسة يابسة (٥).

وذكر جمع أنهم لم يعرفوا لشي‌ء من ذلك وجهاً. وهو كذلك ، إلّا أن إثبات الاستحباب بفتوى هؤلاء ممكن ، ولذا نفى عنه البعد في اللوامع.

الثاني : الظاهر أنّ وجوب النضح أو استحبابه في تلك المواضع ليس بنفسي ، بل هو غيري للصلاة أو كل مشروط الطهارة.

وهل يجتزئ عنه بالغسل ؟ فيه إشكال.

وهل يحصل الامتثال برش الغير أو ارتشاش المطر ؟ فيه تأمّل.

*       *      *

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٨٥ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٨.

(٢) النهاية : ٥٢.

(٣) الوسيلة : ٧٧.

(٤) المقنعة : ٧١.

(٥) المبسوط ١ : ٣٨.


الباب الثاني : في اللوازم الشرعية للنجاسات وأحكامها‌

وهي اُمور نذكرها في مسائل :

المسألة الاُولى : يحرم أكلها ، وشربها ، وبيعها ، وشراؤها في الجملة ، على التفصيل الآتي في محله.

ويبطل الصلاة والطواف معها وإن كانا مندوبين ، كما نذكر في محله مع تفصيله.

المسألة الثانية : تجب إزالتها عن الثوب والبدن للصلاة والطواف الواجبين ، إلّا ما عفي عنه‌ على التفصيل الآتي في مواضعه.

وعن المأكول والمشروب وأوانيهما مع ملاقاتهما له برطوبة.

وعن مسجد الجبهة على الأشهر.

وعن مكان المصلّي بأسره عند السيد (١) ، والمساجد السبعة عند الحلبي (٢) ، كما يأتي.

وعن المساجد بالإِجماع المحقّق والمحكي في كلام جمع من الأصحاب (٣) ، وهو الحجة فيه.

مضافاً إلى مرسلة الفقيه : عن بيت كان حشاً (٤) زماناً ، هل يصلح أن يجعل مسجداً ؟ فقال : « إذا نظف واُصلح ، فلا بأس » (٥) دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس مع عدم التنظيف.

__________________

(١) كما نسبه اليه في الذكرى : ١٥٠.

(٢) الكافي في الفقه : ١٤٠.

(٣) يمكن استفادته من الخلاف ١ : ٥١٨ ، والسرائر ١ : ١٦٣ والذكرى : ١٥٧.

(٤) الحشّ ـ بالفتح ـ : الكنيف وموضع قضاء الحاجة. راجع النهاية لابن الأثير : ١ : ٣٩٠.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٣ / ٧١٢ ، الوسائل ٥ : ٢١٠ أبواب أحكام المساجد ب ١١ ح ٢.


ورواية محمد الحلبي المروية في آخر السرائر : إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربما مررت فيه وليس علي حذاء فيلصق برجلي من نداوته ، قال : « أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟ » قلت : بلى ؛ قال : « فلا بأس ، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً » (١). دلّت بالتنبيه على انتفاء البأس ـ الذي هو حقيقة في العذاب ـ مع المشي في الأرض اليابسة ، فبدونه يكون فيه الموجب للحرمة.

وقد يستدلّ أيضاً : بقوله سبحانه : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ) (٢) دلّ على كون النجاسة علّة لنهيهم عن قرب المسجد الحرام ، فيتحقق في كل نجس.

وخصوصية المحل منفية بالتبادر ، كما صرحوا به في حجية كل منصوص العلة.

مع أنه لا قائل بالفصل بين نجاسة المشرك وغيره ، كما أنه لا قائل به بين المسجد الحرام وغيره ، فلا يضرّ الاختصاص به.

وكذا لا يضرّ عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في زمن الخطاب للنجاسة في المصطلح ؛ لشمول اللغوي له أيضاً ، بل هو أشدُّ أفراده ، فالعلة هي الأعم وهو صادق على ذلك أيضاً ، وهو للمطلوب أثبت.

وبقوله عليه السلام : « جنّبوا مساجدكم النجاسة » (٣).

وضعفه غير ضائر ؛ لموافقته للعمل ، وتمسك الأكثر بها في المحل.

ولا عدم ثبوت الحقيقة الشرعية للنجاسة ، لما مر.

وبمرسلة العلاء : « إذا دخلت المسجد وأنت تريد أن تجلس ، فلا تدخله إلّا طاهراً ، وإذا دخلته فاستقبل القبلة ، ثم ادع الله ، واسأله ، وسمّ حين‌

__________________

(١) مستطرفات السرائر : ٢٧ / ٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٩ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٩.

(٢) التوبة : ٢٨.

(٣) أرسله العلامة في المنتهى ١ : ٣٨٨ ، والتذكرة ١ : ٩٠ قال الشهيد في الذكرى : ١٥٧ ولم أقف على إسناد هذا الحديث النبوي.


تدخله » (١).

وموثقة الحلبي : نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر ، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام ، فقال : « أين نزلتم ؟ » قلت : نزلنا في دار فلان ، فقال : « إن بينكم وبين المسجد زقاقاً قذراً » أو قلنا له : إنّ بيننا وبين المسجد زقاقاً قذراً ، فقال : « إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً » (٢).

والكلّ ضعيف.

أمّا الأول : فلأنّ حرمة إدخال كل نجس بالمعنى الأعم في المسجد خلاف الإِجماع. فإن أمكن حمل النهي على التنزيه ، لم يتم الدليل ، وأولوية التخصيص عنه عندي غير ثابتة. وإن لم يمكن بل كان للحرمة ـ كما هو الظاهر منهم ـ فالنجس لا يكون باقياً على حقيقته اللغوية ، ومجازه لا ينحصر في النجاسة المصطلحة كما مرّ سابقاً.

وأما الثاني : فلعدم ثبوت الحقيقة الشرعية حال الخطاب في المسجد ، فإرادة مواضع السجدة محتملة ، والإِضافة إلى ضمير المخاطب بها ألصق. مع أنّ بعد حمل النجاسة على الأعم ، يتردد بين التخصيص فيها أو التجوّز في الأمر ، ولا ترجيح.

وأما الأخيران : فلاحتمال النفي القاصر عن إفادة الحرمة في أولهما وإن رجّح سياق الأوامر المتعقبة له النهي.

مضافاً إلى تعارض مفهومه مع منطوقه ، واحتمال كون قوله : « إنّ الأرض » إلى آخره ـ في الثاني ـ لبيان ارتفاع الكراهة.

وأضعف من هذه الوجوه في الدلالة : قوله عز شأنه : ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ) (٣)

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٦٣ / ٧٤٣ ، الوسائل ٥ : ٢٤٥ أبواب أحكام المساجد ب ٣٩ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨ الطهارة ب ٢٤ ح ٣ ، الوسائل ٣ : ٤٥٨ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٤.

(٣) الحج : ٢٦.


( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) (١) والأمر بتعظيم شعائر الله ، وبتعاهد النعل عند دخول المساجد ، وجعل المطاهر على أبوابها ، ومنع المجانين والصبيان عنها ، والإِجماع على منع الكفار من دخولها.

نعم بعضها يصلح للتأييد.

ثم المنع عن إدخال النجاسة المساجد هل يختص بالمتعدية الملوثة للمسجد ؟ كما عن الشهيدين (٢) وجمع ممن تأخر (٣) ، أو يعم غيرها أيضاً ؟ كما صرّح به الحلي (٤) والفاضلان (٥) ، وفي كفاية الأحكام واللوامع أنه مذهب الأكثر (٦) ، بل ظاهر الخلاف وصريح السرائر عدم الخلاف فيه (٧).

الظاهر هو الأول ، لا لتجويز الاجتياز فيه للحائض والجنب مع عدم انفكاكهما عن النجاسة غالباً.

ولا لموثقة عمار : عن الدمل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة. قال : « يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ، ولا يقطع الصلاة » (٨) حيث يشمل إطلاقها ما لو كانت في المسجد.

ولا لصحيحة معاوية بن عمار : « في المستحاضة إن كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلّت كل صلاة بوضوء واحد » (٩).

__________________

(١) المدثر : ٤.

(٢) الاول : في الذكرى : ١٥٧ ، والبيان : ١٣٦ ، والثاني : في المسالك ١ : ٤٧ ، والروض : ٢٣٨.

(٣) كما في جامع المقاصد ٢ : ١٥٤ ، والكفاية : ١٢.

(٤) السرائر : ١ : ١٦٣.

(٥) المحقق في الشرائع ١ : ٥٣ ، والعلامة في المنتهى ١ : ١٧١ ، والتحرير ١ : ٢٤ ، والقواعد ١ : ٧.

(٦) الكفاية : ١٢.

(٧) الخلاف ١ : ٥١٨ ، السرائر ١ : ١٦٣.

(٨) التهذيب ١ : ٣٤٩ / ١٠٢٨ ، الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٨.

(٩) الكافي ٣ : ٨٨ الحيض ب ٩ ح ٢ ، التهذيب ١ : ١٧٠ / ٤٨٤ ، الوسائل ٢ : ٣٧١ أبواب الاستحاضة ب ١ ح ١.


لضعف الأول : بأنّ مجوزاته إنما هي في بيان حكم كل من الحائض والجنب من حيث هو ، فلا تدل على الاُمور الخارجة ، كما صرّحوا به في أمثال ذلك.

والثاني : بأن انفجار الدماميل ، لا يستلزم وجود الدم ، بل الغالب العدم ، مع أنه لو سلّم ، لدلّ على جواز التلويث ، وهو للإِجماع مخالف.

والثالث : بأن الدم إذا لم يثقب الكرسف يكون عن الباطن غير خارج ، ومثله عن محل النزاع خارج.

مضافاً إلى أنه يعارض بما في هذه الصحيحة أيضاً مقدّماً على ما ذكر من قوله : « فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت » إلى أن قال : « وتحتشي وتستثفر وتحشي (١) وتضم فخذيها في المسجد وسائر جسدها خارج ».

مع أن حمل المسجد على المصلّى ممكن ، بل هو الظاهر بقرينة ما ذكرنا من جزئها المتقدم ، حيث حملوه على المصلّى ، وجعلوا الأمر بخروج سائر الجسد ؛ للاحترام له.

ومع ذلك كله ، فثبوت الحكم في المستحاضة لا يثبته في غيرها ، وعدم الفصل غير ثابت ، بل خلافه ثابت ، فإنّ الأكثر (٢) مع منعهم عن إدخال النجاسة الغير المتعدّية ، صرّحوا بأنّ المستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها ، يجوز لها دخول المساجد ، وصرّح والدي ـ رحمه الله ـ في اللوامع بعدم الخلاف فيه ، واختاره مع منعه عن إدخال الغير المتعدية أيضاً.

بل (٣) للاقتصار في موضع الخلاف المخالف للأصل على المتيقن ، حيث قد عرفت انحصار الدليل في الإِجماع وروايتي الفقيه والحلبي (٤).

واختصاص الأولين بالملوثة ظاهر.

__________________

(١) في نسخ المصادر : « لا تحنى » « لا تحيى » « تحتبى » راجع هامش الكافي ٣ : ٨٩.

(٢) كما في السرائر ١ : ١٥٣ ، والمعتبر ١ : ٤٢٨ ، والمنتهى ١ : ١٢١.

(٣) راجع إلى قوله في الصفحة المتقدمة : لا لتجويز ...

(٤) المتقدمتين ص ٢٣٢ وص ٢٣٣.


وأما الثالث : فلأنه لا يدل إلّا على علّية المشي في الأرض اليابسة لانتفاء البأس مطلقاً ، ولازمها عدم انتفائه كذلك مع عدم المشي ، وهو يتحقق مع ثبوته في الجملة ، كما في صورة بقاء رطوبة الرجل الملوثة للمسجد.

وتدلّ عليه أيضاً : عمومات حضور المساجد في الجمعة والجماعات ، الشاملة لصاحب السلس والجروح والشقاق الدامية ، فتعارض مع عمومات حرمة إدخال النجاسة لو وجدت بالعموم من وجه ، فيرجع في محل التعارض إلى الأصل ، ويسري إلى غيره من النجاسات الغير المتعدية بعدم الفصل.

دليل القائل بالتعميم : النهي والأمر في الآية والرواية عن تقريب النجاسة (١) وتجنيبها المسجد ، والأول صادق عرفاً على إدخالها كيف كان ، والثاني لا يتحقق كذلك إلّا بإخراجها عنه ، ولا يقال لمن أدخلها ولو بمصاحبتها : إنّه جنّبها ، واستناد المنع في الآية إلى معرضية الكفّار للتلويث مكابرة. ومرسلة العلاء (٢).

وقد عرفت عدم دلالة شي‌ء منها ، فلا حظر في إدخال غير المتعدية من غير فرق بين المماسة وغيرها.

وممّن عاصرناه من فصّل بينهما (٣) ، فحرّم إدخال الاُولى ـ وإن لم تتعدّ ـ دون الثانية. ونظره إلى صدق القرب وعدم صدق التجنّب مع المماسة.

وهو ضعيف جداً ؛ لأنّ المناط في صدق الألفاظ : العرف ، وهو لا يفرق هاهنا بين المماسة وغيرها ، فلو تمّ ما ينهى عن القرب وما يأمر بالتجنّب ، لدلّ على حرمة الأعم من المماسة.

ثم ما تجب إزالته هل يختص وجوبها بأرض المسجد ؟ أو يسري إلى جداره‌

__________________

(١) في « ح » و « ق » : النجاسات.

(٢) المتقدمة ص ٢٣٤.

(٣) هو المحقق القمي في غنائم الأيام : ٦٩.


وسقفه أيضاً ؟

مقتضى الآية والرواية النبوية (١) : السريان إليهما أيضاً بسطحهما الداخل والخارج ، وكذا إلى سائر أجزاء المسجد وفرشه وآلاته الداخلة فيه. ولكن قد عرفت عدم تمامية دلالتهما.

وأما ما تمّت دلالته من الإِجماع والروايتين ، فلا يقتضي السراية إلى شي‌ء مما ذكر ، والأصل دليل قوي مقتضٍ للعدم ، بل الثابت من الثلاثة ليس إلّا وجوب إزالة الملوثة. وأما غيرها ولو كان واقعاً على أرض المسجد مماسّاً لها كالعذرة اليابسة ، ففيه إشكال. والاحتياط لا يترك مهما أمكن ، سيما في مظانّ الإِجماع ، كتلويث السطح الداخل.

فروع :

أ : لو تلوّث المسجد أو اُدخلت النجاسة فيه ووجب إزالتها ، فتجب كفايةً لا عيناً ؛ للأصل والإِجماع.

والظاهر اتّفاقهم على أن وجوبها فوري أيضاً ، ولكن القدر الثابت من الإِجماع هو الفورية العرفية.

ولا يبطل واجب موسّع أو مضيّق لو فعله قبل الإِزالة ولو قلنا باقتضاء الأمر بالشي‌ء للنهي عن ضدّه. بل لم يثبت الإِجماع على الوجوب الفوري حين دخول وقت واجب موسّع أو مستحب كذلك ، فلا يحكم ببطلانه إذا فعله على القول بالاقتضاء المذكور أيضاً.

ولا يختص ذلك بما إذا كان دليل وجوب الإِزالة الإِجماع ، بل كذا ولو كان دليله الآية والأخبار ، لاستناد الفورية معهما إلى الإِجماع ، لعدم دلالة الأمر بنفسه على الفور ، بل وكذا لو قلنا بدلالته على الفور أيضاً ، لحصول التعارض بين دليل‌

__________________

(١) المتقدمتين ص ٢٣٣.


وجوب الإِزالة المستلزم للنهي عن غيرها ، وبين دليل تلك العبادة بالعموم من وجه ، ولو فقد المرجّح يحكم بالتخيير المستلزم للصحّة.

نعم لو ثبت الإِجماع على الفورية مطلقاً ، لبطلت العبادة على القول بالاقتضاء المتقدم ، ولكن من أين يثبت ذلك ؟! نعم لو ارتكب مباحاً ، يكون عليه حراماً.

وظهر مما ذكرنا ما في كلام جماعة من أصحابنا المتأخرين ، حيث اختلفوا ـ بعد حكمهم بوجوب الإِزالة ـ في بطلان العبادة الموسّعة المزاحمة للإِزالة وصحتها.

ويظهر من الأكثر (١) الأول ولو وقعت العبادة خارج المسجد. وصرّح جماعة (٢) بالثاني ، وبنوا ذلك على أنّ الأمر بالشي‌ء هل يقتضي النهي عن ضده الخاص أم لا ؟ فمن اختار الأول قال بالبطلان ، ومن قال بالثاني قال بالصحة.

ب : هل يلحق بالمسجد قبور الحجج أم لا ؟

ظاهر جماعة (٣) الأول ، بل ألحقوا به ضرائحهم ، بل داخل قبابهم المقدسة (٤) ، وقد يتعدّى إلى قبور أولادهم الأطهار ، بل العلماء الأبرار ، بل الكمّل من الأخيار.

ولا دليل عليه سوى مظنة الإِجماع ، وتعظيم شعائر الله. وشي‌ء منهما لا يتم ؛ لعدم ثبوت الإِجماع ، وعدم وجوب جميع أفراد تعظيمها.

ج : لا فرق في وجوب الإِزالة عمّا تجب عنه الإِزالة بين قليل النجاسات

__________________

(١) لم يثبت بل يظهر من المدارك ٢ : ٣٠٧ عكسه فإنه نسب إلى الاكثر القول بعدم اقتضاء الأمر بشي‌ء للنهي عن ضده الخاص. نعم قال بالبطلان جمع منهم المحقق الاردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٣٢٥ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ١٥٧.

(٢) منهم الشهيدان في الذكرى : ١٥٧ ، والروض : ١٦٥.

(٣) المسالك : ١ : ١٧ ، الحدائق ٥ : ٢٩٢ ، كشف اللثام ١ : ٥٠ ، كشف الغطاء : ١٧٤.

(٤) كما في كشف الغطاء : ١٧٤.


وكثيرها ، سوى الدم في الصلاة ـ كما يأتي ـ إجماعاً ، إلّا من الإِسكافي (١) : فما دون الدرهم من غير دم الحيض والمني على المعروف منه وإن كان ظاهر كلامه يعطي عدم نجاسته.

ويدفعه : إطلاق الأدلة ، كما يدفع ما حكاه في السرائر عن بعض الأصحاب ، من نفي البأس عمّا يترشّح على الثوب والبدن من النجاسات مطلقاً مثل رؤوس الاُبر ، أو مقيداً بالبول خاصة عند الاستنجاء (٢) ، كما عن الميافارقيات (٣).

المسألة الثالثة : كل ما لاقى نجاسة عينية فلا ينجس إن كانا يابسين‌ ؛ للأصل ، والموثقة : « كل [ شي‌ء ] يابس زكي » (٤).

والمروي في قرب الإِسناد : عن الرجل يمشي في العذرة وهي يابسة ، فيصيب ثوبه ورجليه ، هل يصلح له أن يدخل المسجد فيصلي ولا يغسل ما أصابه ؟ قال : « إذا كان يابساً فلا بأس » (٥).

وفي كتاب المسائل : عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة ، فتهب الريح ، فتسفي عليه من العذرة ، فيصيب ثوبه ورأسه ، أيصلي قبل أن يغسل ؟ قال : « نعم ينفضه ويصلي ، فلا بأس » (٦) وغير ذلك.

بل عليه الإِجماع في غير الميتة.

وإن كان أحدهما رطباً بالرطوبة المتعدية إلى الملاقي ـ ولو باعتبار شدة‌

__________________

(١) نقل عنه في المختلف : ٥٩.

(٢) السرائر ١ : ١٨٠.

(٣) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الاولى) : ٢٨٨.

(٤) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤١ ، الاستبصار ١ : ٥٧ / ١٦٧ ، الوسائل ١ : ٣٥١ أبواب أحكام الخلوة ب ٣١ ح ٥.

(٥) قرب الاسناد : ٢٠٤ / ٧٩٠ ، الوسائل ٣ : ٤٤٢ أبواب النجاسات ب ٢٦ ح ٨.

(٦) مسائل علي بن جعفر : ١٥٥ / ٢١٤ ، الوسائل ٣ : ٤٤٣ أبواب النجاسات ب ٢٦ ح ١٢.


التلاقي ودوامه ـ فينجس الملاقي إن كان من الظاهر ، بالإِجماع بل الضرورة ، وتشهد له الأخبار الواردة في موارد متفرقة.

وأما مع الرطوبة الغير المتعدية لقلتها جداً ، ومرور الملاقي عليها خفيفاً ، فلا ينجس ، كما صرّح به جمع من الأصحاب (١) ؛ للأصل ، وعدم ثبوت تأثير مثل ذلك من الإِجماع والأخبار.

والاستدلال (٢) لعدم التأثير مع قلّة الرطوبة : بأخبار موت الفأرة في الدهن الجامد ونحوه ، الآمرة بطرح ما حولها خاصة (٣) ، وطهارة الباقي مع ملاقاته لما حولها بشي‌ء من الرطوبة .. غير جيد ؛ إذ لو تم التقريب ، لجرى فيما حولها أيضاً. بل طهارة الباقي هنا لبطلان السراية في المتنجس إلى مجاوره قبل التنجس كما يأتي ، ونجاسة ما حولها ، لشدة التلاقي بينه وبينها الموجبة لتعدي الرطوبة منه إليها.

وأما البواطن فلا تنجس أصلاً ؛ للأصل ، واختصاص ما دلّ على التنجّس بالظواهر. وكذا ما يدخل في البواطن من الظواهر ، ويأتي بيانه في آخر بحث المطهرات.

والمتنجّس كالنجس منجّس لما يلاقيه مع الرطوبة المذكورة بالإِجماع ، وخلاف بعض الطبقة الثالثة (٤) فيه غير قادح. وهو الدليل عليه بل الضرورة على ما قيل (٥).

مضافاً إلى المستفيضة من الأخبار بل المتواترة المتفرقة في تضاعيف أبواب الطهارات ، كالدالة على تنجّس القليل بإدخال يد أو إصبع قذرة فيه ، الشاملة‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في الروض : ١٦٨ ، وصاحبا الذخيرة : ١٦٦ ، والحدائق ٥ : ٢٤٠.

(٢) كما في الحدائق ٥ : ٢٤٠.

(٣) راجع الوسائل ٢٤ : ١٩٤ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٤٣.

(٤) مفاتيح الشرائع ١ : ٧٥ ، ٦ : ١٤٩.

(٥) قال الوحيد البهبهاني : الظاهر اتفاق الاصحاب بل إجماعهم على وجوب غسله ـ أي الملاقي لملاقي النجس ـ بل هو ضروري الدين. شرح المفاتيح (مخطوط).


لصورة بقاء العين فيها وعدمه ، والواردة في غسل مطلق الأواني بولوغ الكلب والخنزير والميتة والخمر (١) وغير ذلك ، فتشمل ما فيه المائع وغيره ، بل منها ما يصرّح فيه بصبّ الماء وغسل الإِناء ، كصحيحة البقباق (٢).

والدالة على وجوب غسل اللحم إذا وقعت فأرة ، أو قطرة مسكر في القدر (٣).

وعلى غسل الثوب من استعمال البئر المنتن ، كصحيحة ابن عمار (٤) ، أو غسل كلّ ما أصاب الماء الذي ماتت فيه فأرة ، كموثقة الساباطي (٥).

أو على أنه إذا خرج خنزير من ماء فسال منه الماء في الطريق ، ووضعت الرجل عليه ترتفع نجاستها بالمشي في الأرض ، كرواية المعلّى (٦).

أو على غسل الفخذين إذا عرق الذكر بعد تمسّحه من البول ، كصحيحة العيص : رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه ، قال : « يغسل ذكره وفخذيه » وعمّن مسح ذكره بيده ثم عرقت يده فأصاب ثوبه ، يغسل ثوبه ؟ قال : « لا » (٧).

ونفي الغسل في الجزء الأخير غير ضائر ؛ لأن السؤال عن مسح الذكر ، ونجاسته لم تذكر.

أو على إعادة الصلاة إذا مسح كفّه من البول ومسّها بدهن ، فمسح بها‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١ : ١٥٠ أبواب الماء المطلق ب ٨ وص ٢٢٥ أبواب الاسآر ب ١ وج ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٢٥ / ٦٤٦ ، الاستبصار ١ : ١٩ / ٤٠ ، الوسائل ٣ : ٤١٥ ابواب النجاسات ب ١٢ ح ٢.

(٣) راجع الوسائل ١ : ٢٠٦ أبواب الماء المضاف ب ٥ ح ٣ وج ٣ : ٤٧٠ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٨.

(٤) المتقدمة ص ٦٩ رقم ٦.

(٥) المتقدمة ص ٤٠ رقم ٨.

(٦) الكافي ٣ : ٣٩ الطهارة ب ٢٤ ح ٥ ، الوسائل ٣ : ٤٥٨ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٣.

(٧) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٣ ، الوسائل ٣ : ٤٤١ أبواب النجاسات ب ٢٦ ح ١.


بعض الأعضاء ثم توضأ وصلّى. كصحيحة ابن مهزيار : إنّه بال في ظلمة الليل ، وإنه أصاب كفه رد نقطة من البول لم يشك أنه اصابه ولم يره ، وأنه مسحه بخرقة ، ثم نسي أن يغسله ، وتمسّح بدهن ، فمسح به كفّيه ووجهه ورأسه ، ثم توضّأ وضوء الصلاة. فأجابه بجواب قرأته بخطه : « أما ما توهّمت مما أصاب يدك فليس بشي‌ء إلّا ما تحقّقت ، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات التي كنت صلّيتهنّ بذلك الوضوء بعينه ما كنّ منها في وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها ، من قِبَل أن الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت ، وإذا كان جنباً أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلاة التي فاتته » (١) الحديث.

وجه الدلالة : أنه لا يمكن أن يكون الأمر بالإِعادة من جهة نجاسة الكف من البول ، وإلّا لبطل الوضوء ، ولزمت الإِعادة في غير الوقت أيضاً ، فالمراد نجاسة ما لم يبلغه ماء الوضوء أي الرأس.

أو على عدم تنجس الثوب الواقع في ماء الاستنجاء معللاً له : « بأن الماء أكثر من ذلك » (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.

ثم تلك الأخبار وإنْ وردت في موارد كثيرة ، ولكن في تعدّي الحكم إلى جميع الموارد يرجع إلى الإِجماع المركّب.

وعلى هذا ، ففي كل مورد لم تشمله الأخبار ، وتحقّق فيه بخصوصه الخلاف ، أو لم يتحقّق فيه الإِجماع ، لا يمكن الحكم بالتنجيس.

ومنه الملاقي لغسالته على القول بنجاستها.

ومنه أحد المتجاوزين الملاقيين اللذين ينجس أحدهما فلا ينجس الآخر وإن كانا رطبين ما لم يكونا أو أحدهما مائعاً ، ولا يصدق على الرطوبة المائع أو الماء‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢٦ / ١٣٥٥ ، الاستبصار ١٨٤ / ٦٤٣ ، الوسائل ٣ : ٤٧٩ أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ١.

(٢) راجع الوسائل ١ : ٢٢٢ أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ٢.


القليل حتى تشملها أدلة نجاستها بالملاقاة.

وتدلّ عليه الأخبار الواردة في السمن أو العسل أو الزيت الجامد إذا ماتت فيه فأرة على ما سبق.

مع أنّ النجس هنا لو كان ، لكان بالسراية المنفية عند أصحابنا طُرّاً.

ويظهر من المنتهى والخلاف (١) أنّه لا خلاف فيه.

ولا يتوهم أنّ منه أيضاً : المتنجّس المستصحب نجاسته ، حيث إنّه قد يناقش في تنجيس النجس أو المتنجّس الاستصحابي ، فيكون مورداً للخلاف ؛ لأنّ دليل تنجيسه هو دليل تنجيس أصله مع ضمّ الاستصحاب ، فلا يحتاج إلى إجماع مركّب ، هذا.

ثم إنّ الأخبار التي استدلّ بها المخالف ، فإنْ لم تتمّ دلالتها ـ كما هو في أكثرها ـ فلا نفع فيها. وإن تمّت ، فلا تصلح للاستناد إليها ؛ لمخالفتها لعمل الأصحاب ورُواتها ، ومتروكيّتها عندهم ، وهو من أقوى أسباب خروج الأخبار عن الحجّية.

المسألة الرابعة : النجاسة ـ كالتنجّس ـ للأصل مخالفة‌ ؛ بالإِجماع ، والمستفيضة المقبولة المعتضدة بالاُصول العقلية.

كموثقة عمار : « كلّ شي‌ء نظيف حتى تعلم أنه قذر ، فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك » (٢).

وصحيحة ابن سنان : إنّي اُعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ، ويأكل لحم الخنزير ، فيردّه عليَّ ، فأغسله قبل أن اُصليّ فيه ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ولم‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ٢٢ وفي الظهور اشكال ، الخلاف ١ : ١٨٥.

(٢) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٦٧ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٤.


تستيقن أنه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنّه نجّسه » (١).

ورواية حفص بن غياث : « ما اُبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم » (٢).

وصحيحة زرارة : « فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقن ذلك ، فنظرت فلم أر شيئاً ، ثم صلّيت فيه فرأيت فيه ، قال : « تغسله ولا تعيد الصلاة » قلت : لم ذلك ؟ قال : « لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً » (٣).

وما ورد في الخبر من قوله عليه السلام : « ما علمت أنه ميتة فلا تأكله ، وما لم تعلم فاشتر وبِعْ وكُلْ » إلى أن قال : « والله إني لأعترض السوق فأشتري بها اللحم والسمن والجبن ، والله ما أظنّ كلّهم يسمّون هذه البربر وهذه السودان » (٤) إلى غير ذلك مما سيأتي بعضها أيضاً.

وعلى هذا ، فالأصل في جميع الأشياء ما لم تثبت نجاسته الطهارة ، ولازمه عدم اعتبار الشك في النجاسة.

ومنه : المشتبه بالنجس ، فيجوز استعماله ما لم يقطع باستعمال النجس ، فاللازم منه اجتناب ما يساوي المقطوع بنجاسته أو غسله خاصة ، إلّا فيما ثبت الاجتناب عن الجميع بنصّ أو إجماع أو أصل (٥).

وتفرقة الأكثر هنا بين المحصور وغيره باطلة ، وحجتهم (٦) عليها موهونة ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦١ / ١٤٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ / ١٤٩٧ ، الوسائل ٣ : ٥٢١ أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٣ / ٧٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٢٩ ، الفقيه ١ : ٤٢ / ١٦٦ مرسلاً ، الوسائل ٣ : ٤٦٧ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ١.

(٤) المحاسن ٤٩٥ / ٥٩٧ ، الوسائل ٢٥ : ١١٩ أبواب الاطعمة المباحة ب ٦١ ح ٥.

(٥) ذلك كما في قطعة اللحم المشتبه بغير المذكى (منه رحمه الله).

(٦) في « ق » : وحُججهم.


وقد مرّت في بحث الماء المشتبه (١).

وما ثبت فيه الاجتناب عن الجميع كالنجس في وجوب الاجتناب خاصة لا مطلقاً ، فلا ينجس ما يلاقيه ، للأصل والاستصحاب.

وكذا (٢) الظن الغير المنتهي إلى العلم ، الذي هو أيضاً علم حقيقة ، أي الثابت حجيته عموماً (٣) أو في خصوص المقام ؛ للأصل ، والعمومات المتقدمة ، وخصوص المستفيضة :

ومنها : صحيحة زرارة السابقة (٤).

ومنها : صحيحة الاُخرى : « إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه ، وإن ظن أنه أصابه مني ولم يستيقن ، ولم ير مكانه ، فلينضحه بالماء » (٥).

وموثقة عمار : « الرجل يجد في إنائه فأرة وكانت متفسخة وقد توضّأ من ذلك الإِناء مراراً أو اغتسل وغسل ثيابه ، قال : « ليس عليه شي‌ء ، لأنه لا يعلم متى سقطت » ثم قال : « لعلّه إنما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها » (٦) حيث إنّ‌

__________________

(١) في ص ١١٩.

(٢) عطفٌ على قوله قبل سطور : ... « الشك في النجاسة » يعني لا يعتبر الشك في النجاسة ولا الظن الغير المنتهى إلى العلم.

(٣) المراد بالشمول عموماً أن يعلم شموله لذلك ، فلو حصل التعارض ولم يكن مرجّح لا يعلم العموم. كما إذا علم ترجيح المعارض يعلم عدم العموم. وإذا عُلم ترجيح الدليل يعلم العموم وذلك كما في الأخبار الواردة في النجاسات فإنها مع كونها ظناً راجحة على تلك العمومات بالإِجماع البسيط والمركّب (منه ره).

(٤) في ص ٢٤٥.

(٥) لم نعثر على صحيحة لزرارة بهذا المتن في كتب الحديث. والموجود حسنة الحلبي ، الكافي ٣ : ٥٤ الطهارة ب ٣٥ ح ٤ وفيه : « شي‌ء » بدل : « مني » ، التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٢٨ ، الوسائل ٣ : ٤٢٤ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ٤.

الفقيه ١ : ١٤ / ٢٦ ، التهذيب ١ : ٤١٨ / ١٣٢٢ ، الاستبصار ١ : ٣٢ / ٨٦ عن إسحاق بن عمار ، الوسائل ١ : ١٤٢ أبواب الماء المطلق ب ٤ ح ١.


المظنون سبق موت الفأرة ، لمكان التفسّخ ، واحتمال السقوط متفسّخاً بعيد.

وصحيحة الحلبي : عن الصلاة في ثوب المجوسي ، قال : « يرش بالماء » (١) فإنّ المظنون في ثوب كلّ شخص ملاقاته معه بالرطوبة ، سيما مع طول مدة المباشرة.

وعلى هذا ، فلا اعتبار في الحكم بالنجاسة بمطلق الظن ، ولا إذا كان مستنداً إلى شهادة عدلين ، ولا إذا استند إلى شهادة عدل واحد ، لعدم ثبوت حجية شي‌ء منها في خصوص المقام ، أو عموماً بحيث يشمله.

وفاقاً للقاضي (٢) في الثلاثة ، بل المفيد (٣) ، واختاره بعض المتأخرين (٤) وغير واحد من مشايخنا المعاصرين (٥).

وخلافاً للمحكي ، عن الحلبي في الأول (٦).

لأنّ الشرعيات ظنية كلّها.

وأنّ العمل بالمرجوح مع قيام الراجح باطل.

وأنّ الصلاة مشروطة بالثوب الطاهر مثلاً ، والألفاظ للمعاني النفس الأمرية ، فلا أقلّ من تحصيل الظن بالطهارة ، فكيف مع الظن بالنجاسة ، ولو منع دليل اشتراط الطاهر ، فلا أقلّ من اشتراط عدم ملاقاة القذر للثوب ، فحصول ذلك في نفس الأمر مضر أيضاً ، ولا أقل من كفاية الظن.

ولبعض الأخبار الناهية عن الصلاة قبل الغسل في الثوب الذي أعاره لمن‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٤٩٨ ، الوسائل ٣ : ٥١٩ أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ٣.

(٢) جواهر الفقه : ٩.

(٣) المقنعة : ٧١ يستفاد من إطلاق كلامه قال : وإذا ظنّ الانسان أنه قد أصاب ثوبه نجاسة ولم يتيقّن ذلك ، رشه بالماء فإن تيقّن حصول النجاسة فيه وعرف موضعها غسله بالماء.

(٤) مفاتيح الشرائع ١ : ٧٨.

(٥) منهم الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك (مخطوط) ٢٦ ، وصاحب الرياض ١ : ٩٧.

(٦) الكافي في الفقه : ١٤٠.


يأكل الجري ويشرب الخمر ، كصحيحة ابن سنان (١) ، أو اشتراه من نصراني كصحيحة علي (٢) ، والمروي في مستطرفات السرائر (٣) ، أو اشتراه ممن يستحل جلد الميتة ويزعم أن دباغه ذكاته ، كرواية أبي بصير (٤) ، ونحو ذلك ، فإنّ الظاهر منها البناء على الظن.

ويضعّف الأول : بأنه إن اُريد أنّ الشرعيات مستندة إلى ظنون غير منتهية إلى القطع بحجيتها ، خالية عن الدليل عليها ، فهو ممنوع ، بل بطلانه واضح.

وإن اُريد أنها مستندة إلى ظنون ثبتت حجيّتها واعتبارها قطعاً ، فهو كذلك ، ولكن المنتهى إلى القطع ولو بوسائط قطع ، فلا تلزم منه ظنّية شي‌ء من الشرعيات ، فضلاً عن كلها ، مع أنّ اعتبار ظنون في مواقع بدليل لا يوجب اعتبارها في غيرها ، أو اعتبار غيرها ولو بلا دليل.

والثاني : بأنّ الراجح هنا ليس إلّا ملاقاة الثوب للقذر مثلاً ، ورجحانها إنما كان مفيداً لو كان الشرط عدم الملاقاة واقعاً ، أو المانع الملاقاة كذلك ، ولم يعلم شي‌ء من ذلك ، بل الثابت من الأخبار : اشتراط عدم العلم بالملاقاة ، ومانعية العلم بها.

وكون بعض الأخبار عن التقييد بالعلم خالياً غير مفيد ؛ ضرورة تقييد التكاليف به مطلقاً.

سلّمنا عدم ثبوت التقييد المطلق ، ولكنّه في المقام لا مفرّ عنه ؛ للمستفيضة المتقدمة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦١ / ١٤٩٤ ، الاستبصار ١ : ٣٩٣ / ١٤٩٨ ، الوسائل ٣ : ٥٢١ أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٢٦٣ / ٧٦٦ ، الوسائل ٣ : ٤٢١ أبواب النجاسات ب ١٤ ح ١٠.

(٣) مستطرفات السرائر ٥٣ / ٣ ، الوسائل ٣ : ٤٩٠ أبواب النجاسات ب ٥٠ ذيل حديث ١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٧ الصلاة ب ٦٥ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ٢٠٣ / ٧٩٦ ، الوسائل ٤ : ٤٦٢ أبواب لباس المصلّي ب ٦١ ح ٢.


وبذلك يضعّف الثالث أيضاً.

والرابع : بخلوّ تلك الأخبار عما يفيد التحريم ، فإنها واردة بلفظ الإِخبار الغير المفيد له.

ولو سلّم فالحمل على الاستحباب متعين ؛ لمعارضتها بأكثر منها وأقوى للاعتضاد بالعمل.

كصحيحة معاوية بن عمار (١) ، ورواية أبي جميلة (٢) في الثياب السابرية ، ورواية قرب الإِسناد (٣) ومعلّى (٤) في الثياب التي يعملها اليهود والمجوس والنصارى ، وصحيحة ضريس (٥) عن السمن والجبن نجده في أرض المشركين ... إلى غير ذلك ، مع التصريح بالاستحباب في رواية أبي علي البزاز عن أبيه : عن الثوب يعمله أهل الكتاب اُصلّي فيه قبل أن أغسله ؟ قال : « لا بأس ، وإنْ يغسل أحبّ إليَّ » (٦).

وللحلي (٧) ، والفاضلين (٨) ، والمجامع (٩) ، وجُلّ المتأخرين في الثاني.

لاعتبار العدلين في شريعتنا عموماً. وفي نجاسة الماء المبيع بعد ادّعاء‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٤٩٧ ، الوسائل ٣ : ٥١٨ أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٨ / ٧٩٤ ، الوسائل ٣ : ٥٢٠ أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ٧.

(٣) قرب الاسناد : ٨٦ / ٢٨٣ الوسائل ٣ : ٥٢١ أبواب النجاسات ب ٧٤ ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦١ / ١٤٩٦ ، الوسائل ٣ : ٥١٩ أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ٢.

(٥) التهذيب ٩ : ٧٩ / ٣٣٦ ، الوسائل ٢٤ : ٢٣٥ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٦٤ ح ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٢١٩ / ٨٦٢ ، الوسائل ٣ : ٥١٩ أبواب النجاسات ب ٧٣ ح ٥.

(٧) يعني وخلافاً للحلّي ... السرائر ١ : ٨٦.

(٨) المحقق في المعتبر ١ : ٥٤ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٩ ، والتذكرة ١ : ٤.

(٩) كذا في جميع النسخ ـ والقول موجود في جامع المقاصد ١ : ١٥٤. فيمكن أن تكون الكلمة مصحفة عنه. وإن كان في الغالب يعبر عنه بـ (شرح القواعد). واحتمال كونها مصحفةً عن الجامع لابن سعيد. بعيدٌ. حيث لم نعثر عليه فيه. بقي احتمال ثالث وهو أن تكون إشارة إلى غرر المجامع للسيد نور الدين أخي صاحب المدارك كما نقل عنه فيما سبق وهو ليس عندنا.


نجاسته ليردّ بالعيب خصوصاً بعموم : « البيّنة على المدّعي » (١).

وللزوم حمل أقوال المسلمين على الصدق.

وموثّقة مسعدة : « كلّ شي‌ء لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه » إلى أن قال : « والأشياء كلها على هذه حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البينة » (٢).

والمروي في الكافي والتهذيب بسنديهما عن الصادق عليه السلام : في الجبن قال : « كلّ شي‌ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أنّ فيه ميتة » (٣).

وصحيحة الحلبي : الخفاف عندنا في السوق نشتريها فما ترى في الصلاة فيها ؟ فقال : « صلّ فيها حتى يقال لك إنها ميتة بعينها » (٤).

والأول مردود : بمنع العموم.

والثاني : بعدم ما يدل على ثبوت النجاسة في المبيع بشهادتهما خصوصاً.

وأما العموم فلو سلم وجوده ، فمع ما مرّ معارض ، والمرجع أصل الطهارة ، ولا يعلم شمول العموم للمورد.

مضافاً إلى أنّ مع وجوده فللنجاسة غير مثبت ، بل غايته ترتّب الحكم بالرد على شهادتهما ، وأما الحكم بالنجاسة الواقعية حتى يترتب عليه سائر لوازمها فلا. وعدم الفصل غير ثابت. وباعث الحكم بالرد يكون هو الشهادة بالعيب دون نفس العيب.

وبالأول منهما يجاب عن الثالث. كما أنّ بهما ترد الأخبار ؛ لعموم الأول في الأشياء كلّها ، والثانيين في الميتة النجسة وغيرها ، ولأن الثابت منها ليس إلّا

__________________

(١) راجع الوسائل ٢٧ : ٢٣٣ أبواب كيفية الحكم ... ب ٣.

(٢) الكافي ٥ : ٣١٣ المعيشة ب ١٥٩ ح ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ / ٩٨٩ ، الوسائل ١٧ : ٨٩ أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ٤.

(٣) الكافي ٦ : ٣٣٩ الاطعمة ب ٨٩ ح ٢ ، الوسائل ٢٥ : ١١٨ أبواب الأطعمة المباحة ب ٦١ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٣ الصلاة ب ٦٥ ح ٢٨ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٠ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٢.


الحرمة ، أو كونها ميتة مانعةً من الأكل أو الصلاة (بها) (١) ، وأما النجاسة فلا.

ولا عجب فيه ؛ لأنّ الأحكام مختلفة جداً في الثبوت وعدمه باعتبار الشهود ، فمنها ما يثبت بواحد ، ومنها ما لا يثبت إلّا بأربعة. بل كون الخف مما لا يتم الصلاة فيه يعني أنّ الاستثناء في الثالثة ليس للنجاسة.

وللمنقول (٢) عن موضع من التذكرة ومحتمل النهاية (٣) في الثالث ، واستقواه بعض من تأخر من المتأخرين (٤) ؛ لآية النبأ (٥) ، والقياس على الرواية وبعض الأخبار الواردة في قبول الواحد في غير ذلك الموضع ، كرواية إسحاق بن عمار في الوصية (٦) ، وصحيحة هشام بن سالم في الوكالة (٧).

وضعف الجميع ظاهر.

ومن تقييد الظن الغير المعتبر في المقام بغير الثابت حجيته خرج (الظن) (٨) المستند إلى قول المالك بالنجاسة ، بل قوله مطلقاً وإن لم يفد الظن ما لم يعلم كذبه ، فيقبل فيها وإن لم يكن عدلاً.

وفاقاً للمنتهى (٩) ، والمجامع (١٠) ، ووالدي العلّامة رحمه الله ؛ للدليل على قبوله في المقام.

__________________

(١) لا توجد في « هـ ».

(٢) أي وخلافاً للمنقول ...

(٣) التذكرة ١ : ١٠ ، نهاية الاحكام ١ : ٢٥٢.

(٤) الحدائق ٥ : ٢٥١.

(٥) الحجرات : ٦.

(٦) الكافي ٧ : ٦٤ الوصايا ب ٣٧ ح ٢٧ ، التهذيب ٩ : ٢٣٧ / ٩٢٣ ، الوسائل ١٩ : ٤٣٣ أبواب الوصايا ب ٩٧ ح ١.

(٧) الفقيه ٣ : ٤٩ / ١٧٠ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ / ٥٠٣ ، الوسائل ١٩ : ١٦٢ أبواب الوكالة ب ٢ ح ١.

(٨) لا توجد في « ح » و « هـ ».

(٩) المنتهى ١ : ١٠.

(١٠) لاحظ ص ٢٤٩ رقم ٩ والقول موجود في جامع المقاصد ١ : ١٥٤.


وليس هو حمل أقوال المسلمين على الصدق.

ولا المستفيضة الواردة في عدم الحاجة إلى المسألة في شراء الفراء ، والخف ، والجبن من سوق المسلمين (١).

ولا الواردة في شرب البختج إذا أخبر من لا يعلم أنّه يشربه على الثلث ، ولا يستحله على النصف ، أنّه طبخه على الثلث ، أو إذا كان الآتي به مسلماً عارفاً ، أو مسلماً ورعاً مأموناً (٢).

ولا المروي في قرب الإِسناد للحميري : عن رجل أعار رجلاً ثوباً يصلّي فيه وهو لا يصلّي فيه ، قال : « لا يعلمه » قلت : فإن أعلمه ؟ قال : « يعيد » (٣).

لضعف الأول : بما مر.

والثاني : بعدم الدلالة ، فإنّ عدم الحاجة إلى السؤال إنّما يدلّ على الحمل على التذكية والطهارة بدون إخباره بهما ، بل مع أخباره أيضاً ، فلعلّه مبني على أصل الطهارة ، والأخذ بظاهر الحال في الذبائح ، كما صرح به في مرسلة يونس (٤) ، وأين هذا من قبول قوله في النجاسة وعدم التذكية ؟!

والثالث : بأنّ قبول قوله في مورد ـ سيما فيما كان موافقاً لأصالة الحلّية والطهارة ـ لا يدلّ على قبوله في غيره ، سيما فيما كان مخالفاً لأصالة الطهارة.

مع أنّ اشتراط الورع والمأمونية ، بل الإسلام والمعرفة لعموم المطلب منافية.

والرابع : بعدم دلالته على وجوب الإِعادة ، وعدم صراحته في أنّ عدم الصلاة للنجاسة.

__________________

(١) راجع الوسائل ٣ : ٤٩٠ أبواب النجاسات ب ٥٠.

(٢) راجع الوسائل ٢٥ : ٢٩٢ أبواب الاشربة المحرمة ب ٧.

(٣) قرب الاسناد : ١٦٩ / ٦٢٠ ، الوسائل ٣ : ٤٨٨ أبواب النجاسات ب ٤٧ ح ٣.

(٤) مرسلة يونس : « خمسة أشياء يحب على الناس أن يأخذوا فيها بظاهر الحال ، الولايات والتناكح والمواريث والذبائح والشهادات » منه ره. الكافي ٧ : ٤٣١ القضاء والأحكام ب ١٩ ح ١٥ ، التهذيب ٦ : ٢٨٨ / ٧٩٨ ، الوسائل ٢٧ : ٢٨٩ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٢٢ ح ١.


مع أنّه مع أقوى منه معارض ، وهي صحيحة العيص : عن رجل صلّى في ثوب رجل أياماً ثم إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّي فيه ، قال : « لا يعيد شيئاً من صلاته » (١).

بل الدليل صحيحة أبي بصير وموثّقة معاوية بن وهب ، المنضمتان مع عدم الفصل.

الاُولى : عن الفأر يقع في السمن أو في الزيت ، فيموت فيه ، قال : « إن كان جامداً فتطرحها وما حولها ، ويؤكل ما بقي ، وإن كان ذائباً فأسرج به وأعلمهم إذا بعته » (٢).

والثانية : في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك الزيت ؟ قال : « بِعْهُ وبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به » (٣).

ويؤيدهما : النهي عن السؤال في بعض الأخبار عند شراء الجبن والفراء ، ونحوهما (٤).

والمتبادر من الإِعلام والبيان المطلوبين من شخص مجرّد قوله ، فتوهّم إرادة جعله مقطوعاً به فاسد ، وعدم وجوب القبول مع وجوب الإِعلام غير معقول ، بل الظاهر تبادر وجوبه من وجوبه ، فهو من اللوازم الوضعية كالمفهوم ، مع أنّ ترتّب الاستصباح في الموثقة بالبيان عين القبول.

فرعان :

الأول : لو أخبر المالك بالنجاسة وقد استعملت العين وتلفت ، فقد صرّح‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٤ الصلاة ب ٦٦ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٣٦٠ / ١٤٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٣١ ، الوسائل ٣ : ٤٧٥ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٦.

(٢) التهذيب ٧ : ١٢٩ / ٥٦٢ ، الوسائل ١٧ : ٩٨ أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٣.

(٣) التهذيب ٧ : ١٢٩ / ٥٦٣ ، الوسائل ١٧ : ٩٨ أبواب ما يكتسب به ب ٦ ح ٤.

(٤) راجع ص ٢٥٢ رقم ١.


والدي ـ رحمه الله ـ في الكتابين تبعاً للتذكرة (١) : بأنه لا يعتبر قوله. وهو كذلك ؛ للاقتصار فيما خالف الأصل.

ولو أخبر بها بعد استعمالها وهي باقية ، فيعتبر قوله فيما بعدُ قطعاً ، وأمّا فيما مضى فلا يعتبر فيما يعتبر فيه عدم العلم بالنجاسة ، ويعتبر في غيره ، فلا يعيد الصلاة الواقعة في الثوب الكذائي قبل الإِخبار ، ويغسل ملاقيه رطباً كذلك.

والوجه في الجميع ظاهر ، وبعض الأخبار المتقدمة على الحكم الثاني أيضاً شاهد.

الثاني : ومما يترتب على أصالة الطهارة : عدم وجوب إعلام الغير لو وجد في ثوبه الذي يصلّي فيه نجاسة ، كما صرّح به في المعالم (٢) وبعده في الحدائق (٣). بل الأخير كره الإِعلام ؛ لصحيحة محمد : عن الرجل يرى في ثوب أخيه دماً وهو يصلّي ، قال : « لا يؤذنه حتى ينصرف » (٤) ورواية قرب الإِسناد المتقدمة (٥).

وعن الفاضل ـ في جواب المسائل السيد مهنّا ـ الحكم بوجوب الإِعلام ؛ لكونه من باب الأمر بالمعروف (٦).

وهو بعد دلالة النص الخاص ضعيف ، مع أنّ عدم توجّه الخطاب إلى الجاهل بالموضوع ينفي المنكر والمعروف بالنسبة إليه.

المسألة الخامسة : الأصل نجاسة كل ما ثبتت نجاسته حتى تثبت طهارته‌ ،

__________________

(١) نقل عنه في المعالم : ١٦٣ ، ومفتاح الكرامة ١ : ١٣١ ، والذي عثرنا عليه في التذكرة ١ : ٤ لا يخلو من إجمال.

(٢) المعالم : ٢٨٣.

(٣) الحدائق ٥ : ٢٦١.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٦ الصلاة ب ٦٦ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٦١ / ١٤٩٣ ، الوسائل ٣ : ٤٧٤ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ١.

(٥) ص ٢٥٢.

(٦) أجوبة المسائل المهنائية : ٤٨.


بالإِجماع والاستصحاب. ولازمه عدم اعتبار الشك في التطهّر (١) ولا الظن إلّا ما ثبت اعتباره (بثبت) (٢) كإخبار المالك الثابت اعتباره هنا باعتباره في النجاسة ، منضماً إلى عدم القول بالفصل ، بل الأولوية ، مؤيداً بل مدلّلاً ـ مضافاً إلى ظاهر الإِجماع ـ بإطلاقات تجويز الصلاة في الثياب المبتاعة من المسلم وغيره ، الشاملة بإطلاقها للمقام من غير مقيد لها ، سوى عمومات عدم نقض اليقين (٣) التي لولا مرجوحيتها بالنسبة إلى الاُولى ، لوجب الرجوع إلى أصل الطهارة.

وقد يستدلّ : بأخبار البختج المتقدمة (٤) ، وهو مع أخصيته من المطلوب كما مر ، نجس على القول بنجاسة العصير قبل ذهاب الثلثين.

ولا يثبت بإخبار العدلين على الأقوى ؛ لعدم دليل عليه.

وقيل بالثبوت (٥) ؛ لبعض ما مر في النجاسة مع ما فيه.

بل في الثبوت بإخبار العدل الواحد أيضاً قول ، اختاره والدي العلّامة رحمه الله ، لعموم آية التثبت (٦).

وفي دلالتها نظر.

ولقولهم : « المؤمن وحده حجّة » (٧).

وهو لضعفه غير معتبر ، وبالشهرة غير منجبر.

ولو سلّم ففي المراد من المؤمن هنا وفي معنى الحجة كلمات كثيرة ، ومع ذلك مع أخبار اُخر معارضة.

__________________

(١) في « ق » : التطهير.

(٢) لا توجد في « ق ».

(٣) راجع الوسائل ١ : ٢٤٥ ، أبواب نواقض الوضوء ب ١ وج ٣ : ٤٨٢ أبواب النجاسات ب ٤٤.

(٤) ص ٢٥٢ رقم ٩.

(٥) نسبه صاحب الحدائق ٥ : ٢٨٥ إلى المعالم ولم نعثر عليه فيه.

(٦) الحجرات : ٦.

(٧) الفقيه ١ : ٢٤٦ / ١٠٩٦ ، الوسائل ٨ : ٢٩٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤ ح ٥.


ولحمل أقوال المسلمين على الصدق.

وعمومه عندنا غير ثابت ، فعدم الثبوت به كما هو مقتضى الاستصحاب أقوى.

والأولى بعدم الثبوت منه : إخبار مَنْ لا يعرف عدالته ، كأكثر المباشرين لغسل الثياب من القصّارين ، والجواري ، والنسوان ، سيما إذا لم يكونوا مواضع الاطمئنان.

والإِثبات به (١) ؛ بكون كل ذي عمل مؤتمن في عمله ، وبدعوى عمل العلماء والفقهاء في الأعصار والأمصار ، بل أصحاب الأئمة الأخيار ؛ ضعيف.

وأما الأول : فلعدم ثبوت تلك القاعدة كلية ، وإنما هو كلام جارٍ على أقلام بعض الفقهاء ، وثبوت ائتمان بعضهم كالقصّاب والحجّام لا يثبت الكلية.

مضافاً إلى أنّ المتبادر من ذي العمل هو صاحب الصناعة والشغل ، لا من يفعل على سبيل الاتفاق ، كأكثر من ذكر.

وأما الثاني : فلعدم ثبوت ذلك منهم في الثياب النجسة ، بحيث يعلم الإِجماع على قبول مثل ذلك ولو بدون ضمّ قرينة موجبة للعلم ، فإنّ ثبوته يتوقف على العلم بتنجّس ثوب جميع العلماء أو غير نادر منهم ، ثم بالاكتفاء في التطهر بقبول قول واحد ممن ذكر ، ثم خلوّ المقام عن القرينة الموجبة للعلم ، وشي‌ء منها لم يثبت بعد.

بل الظاهر من رواية ميسر : آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني ، فلا تبالغ في غسله ، فاُصلي فيه فإذا هو يابس ، فقال : « أعد صلاتك ، أما إنّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء » (٢) : أنّ أنفسهم أيضاً كانوا يغسلون.

__________________

(١) كما في الحدائق ٥ : ٢٨٦.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣ الطهارة ب ٣٥ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٢٦ ، الوسائل ٣ : ٤٢٨ أبواب النجاسات ب ١٨ ح ١.


بل هذه الرواية دالّة على عدم القبول ، بتقريب أنّ الأمر بالإِعادة لا يخلو إمّا يكون لأجل كون حكم الجاهل بالنجاسة الإِعادة ، أو لأجل عدم الاعتداد بغسل الجارية ، وكونه في حكم العامد.

ولكن الأول باطل كما يأتي في كتاب الصلاة ، ويدل عليه نفي الإِعادة لو كان نفسه هو الغاسل ، فتعيّن الثاني.

وبتقرير آخر : لو كان يقبل قول الجارية لكان الثوب له في حكم الطاهر ، وهو كالجاهل بالنجاسة ، فلا تلزم عليه إعادة ، كما إذا غسله نفسه.

وحمله (١) على أن نفسه إذا كان هو الغاسل لبالغ وأزال النجاسة ؛ تأويل بلا دليل.

وهل يفيد الهبة لهم أو البيع معهم حتى يصيروا ملّاكاً ويقبل قولهم ، كما يحكى عن بعض الأخباريين (٢) ؟ الظاهر نعم ؛ للإِطلاقات المذكورة لقبول قول المالك.

وتوهّم عدم تحقق المالكية لعدم القصد إلى الانتقال ضعيف ؛ لتحقّق القصد قطعاً ، غايته أنّه لمصلحة نفسه ، كما قالوا في بيع ما تتعلق به الزكاة قبل حولان الحول.

*       *      *

__________________

(١) كما في الحدائق ٥ : ٢٨٨.

(٢) حكاه الامين الاسترابادي والسيد نعمة الله الجزائري عن جملة من علماء عصريهما كما في الحدائق ٥ : ٢٨٥.




الباب الثالث : في أقسام المطهّرات وما يتطهّر بكلّ منها ، وكيفية التطهير به‌

وهي اُمور نذكرها مع ما يتعلّق بها في فصول‌ :


الفصل الأول : في الماء‌

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : لا إشكال في تطهر الثوب والبدن بالماء مطلقاً ، كثيره وقليله ، راكده وجاريه ، وعليه الإِجماع بل الضرورة ، والأخبار المصرحة به الواردة في موارد غير محصورة ، معنى متواترة.

ولا في تطهر الأرض بالكثير ، أو الجاري ، أو المطر ، ولا خلاف فيه كما قيل (١).

وتدل عليه : مرسلة الكاهلي « كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » (٢).

وهي وإن اختصت بالمطر ، إلّا أنه يتعدّى منه إلى الكثير والجاري باتّحاد حكمهما معه إجماعاً.

وموثّقة عمّار : عن الموضع القذر يكون في البيت وغيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر ، قال : « لا يصلّى عليه ، وأعلم موضعه حتى تغسله » (٣) دلّت بمفهوم الغاية على حصول التطهر بمجرد الغسل المتحقق بكل من الثلاثة.

ومنها ، ومن الرواية العامية (٤) الواردة في الذنوب (٥) ـ المنجبرة ضعفها‌

__________________

(١) الحدائق ٥ : ٣٧٨.

(٢) الكافي ٣ : ١٣ الطهارة ب ٩ ح ٣ ، الوسائل ١ : ١٤٦ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٥.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٢ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٤.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٦٥ ، ورواها الشيخ في الخلاف ١ : ٤٩٤ وعبر عنها الشهيد في الذكرى : ١٥ بالحديث المقبول.

(٥) الذنوب : الدلو العظيمة وقيل لا تسمى ذنوبا إلا اذا كان فيها ماء « النهاية الاثيرية ٢ : ١٧١ ».


بالشهرة ـ يظهر تطهّرها بالقليل أيضاً ، كما صرّح به جماعة (١). بل ظاهر بعضهم (٢) عدم الإِشكال فيه على القول بطهارة الغسالة ، كما هو الحقّ في المورد ؛ لورود الماء لا محالة. بل هو ظاهر كثير من القائلين بنجاستها أيضاً ، كالخلاف ، والمعتبر ، والذكرى (٣) ، بل نفى عنه الخلاف في الحدائق مع غلبة الماء وقهره للنجاسة (٤).

وقد يستدلّ (له) (٥) أيضاً بروايات الرشّ في الكنائس (٦).

وبالتعليل المستفاد من قوله : « ما أصابه من الماء أكثر » و « أنّ الماء أكثر من القذر » في تعليل نفي البأس عن إصابة ماء المطر ـ الذي أصاب البول ـ الثوب ، أو وقع الثوب في ماء الاستنجاء في صحيحة هشام (٧) ورواية العلل (٨).

وفي الأول : أنّ نجاسة المحل غير معلوم ، فالرش إما تعبد أو لزوال النفرة.

وفي الثاني : أنّ المستفاد من التعليل طهارة الماء لا طهارة المحلّ.

ثمّ لا فرق فيما ذكر بين الرخوة من الأرض والصلبة.

نعم مع الرّخاوة ونفوذ النجاسة في الأعماق ، ففي تطهّر الباطن مطلقاً بنفوذ الماء ، سيما القليل نظر ، يظهر وجهه فيما سيأتي.

ولا يضرّ ذلك في تطهّر الظاهر المتّصل به قطعاً ؛ لبطلان السراية ، كما مرّ.

وكذا لا إشكال في تطهّر المتنجّسات التي يعلم وصول الماء ـ مع بقائه على صدق الماء عليه ـ إلى جميع مواضعها النّجسة. وتُطهّر ما وصل إليه في غير المائعات‌

__________________

(١) في جميع النسخ : الجماعة ، ومنهم صاحبا المعالم : ٣٣١ ، والحدائق ٥ : ٣٧٨ واستجوده في المدارك ٢ : ٣٧٨ على القول بعدم نجاسة الغسالة.

(٢) الحدائق ٥ : ٣٧٨.

(٣) الخلاف ١ : ٤٩٤ ، المعتبر ١ : ٤٤٨ ، الذكرى : ١٥.

(٤) الحدائق ٥ : ٣٨٢.

(٥) لا توجد في « هـ ».

(٦) راجع الوسائل ٥ : ١٣٨ أبواب مكان المصلّي ب ١٣.

(٧) الفقيه ١ : ٧ / ٤ ، الوسائل ١ : ١٤٤ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ١.

(٨) علل الشرائع : ٢٨٧ ، الوسائل ١ : ٢٢٢ أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ٢.


ـ إن لم يُعلم الوصول إلى جميع مواضعه ـ بماء المطر وأخويه بعد العلم بوصول الماء ؛ للمرسلة المتقدّمة بالتقريب المتقدم ، والظاهر عدم الخلاف فيه أيضاً.

وإنّما الإِشكال في تطهّره بالقليل (١). والأصل ـ بملاحظة خلوّ المقام عن نصّ خاصّ بكلّ موضع أو عام ـ وإنْ اقتضى العدم ، ولكن روايتي السكوني وزكريا بن آدم المتقدّمتين (٢) في بحث المضاف ، تدلّان على تطهر اللحم المطبوخ بالغسل المتحقق في القليل أيضاً ، والظاهر عدم الفصل بين اللحم وما يشابهه مما يرسب فيه نفس الماء من غير اختلاطه بأجزائه ، فالقول بتطهر مثله مطلقاً بالقليل قوي ، ويقوى لأجله التطهر به فيما لا يرسب النجاسة فيه أيضاً بالإِجماع المركب.

نعم ، في الأخبار الواردة في السمن والزيت والعسل إذا ماتت فيه الفأرة (٣) : أنها إذا كانت جامدة تلقى الفأرة وما حولها.

واللازم منها ولو بضميمة الإِجماع المركّب : عدم قبول ما حولها للتطهر ولو بالمطر وأخويه ، وهو وإن كان مستبعداً بالمقايسة إلى اللحم ، ولكن بعد دلالة النص عليه ، وعدم تحقق إجماع بسيط أو مركب على خلافه ، لا محيص عن العمل بمقتضاه.

وفي تعدي الحكم إلى غير الثلاثة مما يشبهها احتمال ، والأوجه العدم.

فرع :

الثوب المصبوغ بالمتنجّس المائع كغيره من الأثواب المتنجسة بالمائعات‌ ، فيطهر بغسله المزيل للعين إن كان للصبغ عين ، وإلّا فمطلقاً. ولا عبرة باللون كما يأتي.

__________________

(١) خصوصية القليل إذ لا دليل على التطهّر به هنا سوى حديث الغسل ، وصدق غسل الباطن بمجرد نفوذ الماء غير معلوم ، واما غير القليل فيمكن الاستدلال بالتطهر به بمرسلة الكاهلي وان كان فيه أيضاً نظر يأتي. (منه ره).

(٢) ص ١٣١ ـ ١٣٢.

(٣) راجع الوسائل ٢٤ : ١٩٤ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٤٣.


ولا فرق فيه بين حالتي الرطوبة والجفاف ، ولا في غسله بالقليل وغيره.

وقيل : إذا اُريد تطهيره قبل جفافه ، فالظاهر أنه لا يمكن إلّا في الكثير على وجه يضمحل ماء الصبغ فيه ، وأما في القليل فتحصل الإِضافة فيما يصل إلى باطن الثوب بملاقاة ماء الصبغ ، فلا يفيد الثوب تطهيراً.

وأما بعد الجفاف فيذهب الماء النجس من الثوب ، ولم يبق إلّا نجاسة الثوب خاصة.

فإن كان ما فيه من الصبغ لا ينفصل في الماء على وجه يسلبه الإِطلاق ، فلا إشكال في الطهارة ، وإلّا ففيها إشكال ؛ فإنّه بأول الملاقاة يتغيّر ، ولا يداخل الثوب إلّا متغيراً فلا يحصل التطهير به (١).

أقول : حصول الإِضافة في قليل من الماء الواصل إلى باطن الثوب أولاً لا يوجب انتفاء تطهّره (٢) بالقليل مطلقاً ، فإنّه وإنْ تغيّر بعض ذلك الماء ولكنه يطهر بغيره.

مع أن لنا منع مانعية الإِضافة الحاصلة للتطهر مع الإِطلاق الابتدائي بعد صدق الغسل.

مضافاً إلى أن بعد الجفاف أيضاً قد تبقى في الثوب أجزاء جافة من الصبغ ، فقد لا تنفصل هذه الأجزاء ، ولا يعلم وصول الماء إلى جميعها ، وإن وصل تحصل الإِضافة المتقدمة ، فلا يتفاوت حاله في الحالين.

المسألة الثانية : الحقّ عدم قبول غير الماء من المائعات للتطهر‌ (٣) ، سواء في ذلك الدهن وغيره ، وفاقاً لجماعة (٤) ؛ للأصل ، والاستصحاب ، وانتفاء الدليل‌

__________________

(١) قاله في الحدائق ٥ : ٣٨٣.

(٢) في « هـ » و « ق » : تطهيره.

(٣) في « هـ » و « ق » : للتطهير.

(٤) منهم صاحبا المدارك ٢ : ٣٣٢ ، والذخيرة : ١٦٤.


على قبوله التطهر (١) سوى ما دلّ على تطهر ما رآه الماء ، وهو هنا غير ممكن.

أمّا غير الدهن : فلأنه إنما يعقل حصول الطهارة له مع إصابة الماء جميع أجزائه ، وعدم خروج الماء عن إطلاقه ، وذلك إنما يتحقق بشيوعه في الماء واستهلاكه فيه ، بحيث لا يبقى شي‌ء من أجزائه ممتازاً ؛ إذ مع الامتياز عدم نفوذ الماء في ذلك الجزء معلوم ، وإذا حصل الامتزاج الكذائي يخرج المائع عن حقيقته.

فإن قيل : خروج الماء عن إطلاقه بعد تطهر المائع بملاقاته ـ كما مرّ ـ غير ضائر ، فلا يحتاج إلى الاستهلاك.

قلنا : نعم إذا علم مسبوقية الخروج عن الملاقاة لكل جزء ، وهو غير معلوم ، بل عدمه قطعاً معلوم ، فيستصحب نجاسة جزء مثلاً ، وبه ينجس الجميع ؛ لعدم كونه ماءً مطلقاً.

وأمّا الدهن : فلأنّ العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه غير ممكن ؛ لشدة اتّصال أجزائه بعضها ببعض. بل يعلم خلافه ؛ لأنّ الدهن يبقى في الماء مودعاً فيه غير مختلط به ، وإنّما يصيب سطحه الظاهر.

بل قيل (٢) باستحالة مداخلة الماء لجميع أجزائه ، وإنه مع الاختلاط لا يحصل له إلّا ملاقاة سطوح الأجزاء المنقطعة.

وتؤيده بل تدلّ أيضاً على عدم قبوله الطهارة : الأخبار الواردة في السمن والزيت الذائبين ، وفي العسل في الصيف إذا ماتت فيها فأرة ، الناهية عن أكلها ، الآمرة بالإِسراج وبإهراق المرق النجس (٣).

والظاهر أنّ القائل (٤) بقبولها التطهير لا ينكر توقّفه على العلم بوصول الماء‌

__________________

(١) في « ق » : التطهير.

(٢) المعالم : ٣٨٠.

(٣) راجع الوسائل ١٧ : ٩٧ أبواب ما يكتسب به ب ٦ وج ٢٤ : ١٩٤ ، ١٩٦ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٤٣ و ٤٤.

(٤) العلامة في التذكرة ١ : ٨ ، والمنتهى ١ : ١٨٠.


إلى جميع الأجزاء ، ولا عدم حصول ذلك في غير الدهن إلّا بخروجه عن حقيقته ، فيرجع النزاع لفظياً.

ومثل المائعات في عدم قبول التطهير ، الكاغذ المعمول من الماء النجس ؛ إذ لا دليل على تطهّره بالقليل مطلقاً.

وأمّا الكثير وأخواه فإن دلّت على التطهر بها مرسلة الكاهلي (١) ، ولكن دلالتها عليه تتوقّف على العلم بوصول نفس الماء ـ دون رطوبته ـ إلى جميع أجزائه الموجب لتشتتها المخرج إياه عن حقيقته.

ومثله الطين المعمول من الماء النجس ، والعجين المعجن به وما شابههما.

نعم بعد إلقاء أمثال ذلك في الجاري ونحوه ، وتفرّق أجزائها بحيث علم وصوله إلى جميعها لو جمعت تكون طاهرةً.

وأمّا مثل الصابون ، والخبز ، والحبوبات المستنقعة في الماء النجس ، فلا خفاء في عدم تطهره قبل الجفاف مطلقاً لا في القليل ولا في غيره ؛ لعدم العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه ؛ لمزاحمة ما فيه من الماء النجس للطاهر.

وأمّا بعد الجفاف : فظاهر جماعة (٢) تطهّره باستنقاعه في الماء الطاهر حتى ينفذ في أجزائه.

وفيه إشكال ؛ إذ لا دليل على تطهّره بالماء ، سوى المرسلة وعموم قولهم : الماء يطهّر ، على ما قيل ، والتطهر به موقوف على العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه ، وهو لا يحصل البتة ، لأنّ غاية ما يعلم هو وصول الرطوبة إلى جوفه ، وأمّا وصول الماء بحيث يصدق عرفاً أنّه رآه الماء فممنوع.

والحاصل : أنّ بالاستنقاع وإن نفذت الرطوبة في جوفه ، ولكن لا على وجه يعلم صدق الماء على كل جزء من الماء النافذ ، فإنّه إنما يختلط مع أجزائه ويسري‌

__________________

(١) المتقدمة ص ٢٥٩.

(٢) منهم الشهيد في الذكرى : ١٥ ، والبيان : ٩٥.


في جوفه ، وصدق الماء على ذلك المختلط ممنوع.

والاستدلال (١) : بأخبار (٢) اللحم المشار إليها هنا غير ممكن ؛ لظهور الفرق ، فإنّ الماء ينفذ في اللحم ويخرج منه حال كونه ماءً مطلقاً ولا يختلط مع الأجزاء اللحمية ، بخلاف الحبوبات ، والقول بالفصل بين اللحم والحبوبات متحقّق. مع أنّ الغسل المذكور في أحاديث اللحم لا يتحقق في أعماق الحبوبات لتحققه [ بالجريان ] (٣) المنتفي هناك.

وقد يستدلّ للخبز : بمرسلة الفقيه : دخل أبو جعفر الباقر عليه السلام الخلاء ، فوجد لقمة خبز في القذر وأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك كان معه فقال له : « يا غلام اُذكرني هذه اللقمة إذا خرجت » (٤) الحديث.

وفيه نظر ؛ إذ لم يعلم رطوبة القذر الواقع فيه الخبز بحيث تسري النجاسة إلى جوفه ، فلعلّه لم يكن كذلك.

ولو تنجّس ما ينعقد بعد ذوبانه ـ كالفلزات ـ حال الذوبان والميعان ثم انعقد ، فالظاهر عدم الإِشكال في طهر ظاهره بالغسل ؛ لما مر.

وأمّا بجميع أجزائه ، فالظاهر تعذّره ؛ لتوقّفه على العلم بوصول الماء إلى جميعها ، وهو غير ممكن ولو مع الذوبان ثانياً.

هذا ، وبما ذكرنا تحصل لك الإِحاطة بجزئيات ما يتطهر بالماء وما لا يتطهر به ، وتقدر على إجزاء الحكم فيها.

وقد يقال : إنّ التحقيق أنّ الطهارة بالغسل لا خصوصية له ببعض الجزئيات التي وردت به النصوص حتى يحتاج فيها إلى طلب الدليل ، بل تلك‌

__________________

(١) كما في المنتهى ١ : ١٨٠.

(٢) راجع ص ٢٦١ رقم ٢.

(٣) في جميع النسخ : على الجريان ، وما أثبتناه أنسب.

(٤) الفقيه ١ : ١٨ / ٤٩ ، بتفاوت يسير ، الوسائل ١ : ٣٦١ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٩ ح ١.


الجزئيات الواردة خرجت مخرج التمثيل ، وحينئذٍ فيصير الحكم كلياً (١).

وفيه : أنّ التعدّي من جزئي إلى غيره ، وجعله من باب التمثيل يحتاج إلى الدليل ، وتحقّقه في المقام بحيث يثبت الحكم في جميع الجزئيات وفي جميع المياه أول الكلام.

المسألة الثالثة : المشهور‌ ـ كما في اللوامع والمعتمد ، وفي الثاني : عليه الشهرة القوية ، بل المعروف بين الأصحاب كما في كلام جماعة (٢) ، بل من غير خلاف يعرف كما في الحدائق (٣) ، بل بإجماعنا كما هو ظاهر المنتهى (٤) ، حيث نسب الخلاف فيه إلى ابن سيرين ، بل بلا ريب كما في شرح القواعد (٥) ـ : توقّف طهارة الثياب وغيرها مما يرسب فيه الماء على العصر.

وتردّد فيه جماعة من المتأخرين (٦) ، بل حكم والدي ـ رحمه الله ـ في اللوامع والمعتمد بالعدم فيما لم تتوقّف إزالة عين النجاسة عليه.

واستشكل في التذكرة فيما لو جفّ الثوب بعد الغسل من غير عصر (٧).

وظاهر البيان : وجود الخلاف أيضاً (٨).

والحقّ هو الأول ؛ للرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة القوية : « وإن أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة ، ومن ماء راكد مرتين ، ثم أعصره » (٩).

واختصاصه بالبول والثوب ـ لعدم الفصل ـ غير ضائر.

__________________

(١) قاله في الحدائق ٥ : ٣٧٣.

(٢) منهم صاحبا المعالم : ٣٢٣ ، والذخيرة : ١٦٢.

(٣) الحدائق ٥ : ٣٦٥.

(٤) المنتهى ١ : ١٧٦.

(٥) جامع المقاصد ١ : ١٧٣.

(٦) مجمع الفائدة ١ : ٣٣٥ ، المدارك ٢ : ٣٢٧ ، الذخيرة : ١٦٢.

(٧) التذكرة ١ : ٨.

(٨) حيث قال : لو أخلّ بالعصر في موضعه فالاقرب عدم الطهارة (منه ره) البيان : ٩٤.

(٩) فقه الرضا (ع) : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٥٣ أبواب النجاسات ب ١ ح ١.


والاستدلال : بأنّ النجاسة ترسخ فلا تزول إلّا بالعصر. وبأن الغسالة نجسة فيجب إخراجها. وبأنّ الغسل إنّما يتحقّق في الثوب ونحوه بالعصر ؛ لأنّه داخل في مفهومه ، وبدونه صبّ ، كما يدلّ عليه التفصيل بينهما في بعض الروايات ، كصحيحة البقباق (١) ، ورواية ابن أبي العلاء (٢) ، مع أنّ في الأخيرة تصريحاً بالعصر أيضاً ؛ فإنّ فيها : عن الصبي يبول في الثوب قال. يصب عليه الماء قليلاً ثمّ يعصره ». وباستصحاب النجاسة .. ضعيف.

أمّا الأول : فلاختصاصه بالنجاسة الراسخة ، ومنها بما كانت لها عين ، وأما ما لا عين لها كالبول ، فيمنع وجوب إخراجها ، بل يطهر بوصول الماء حيث بلغت النجاسة.

وأما الثاني : فلمنع نجاسة الغسالة مطلقاً.

سلّمنا ، لكن طريق إزالتها بالعصر غير منحصر ، فلعلها تحصل بالجفاف ، ويعفى عن ملاقاة المحل لها ، كما يعفى عنها مع العصر.

على أن العصر لا يشترط فيه إخراج جميع الرطوبة ، وقد اعترفوا بطهارة المتخلّف بعد العصر وإن أمكن إخراجه بعصر أشدّ.

لا يقال : بعد تسليم النجاسة يجب الاقتصار في العفو على محل الوفاق ، وهو ما إذا اُخرجت الغسالة بالعصر.

إذ لنا أن نقول : الأصل عدم تنجّس المحل وإن خالطته الغسالة ، والثابت من أدلة نجاسة الملاقي للنجس لا يعمّ المقام ، فالغسالة النجاسة تخرج بالجفاف ، والمحل يكون طاهراً.

وأما الثالث : فلمنع الدخول لغةً أو عرفاً ، ولذا يصح أن يقال : غسلته وما‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٥٩ ، الوسائل ٣ : ٤٤١ أبواب النجاسات ب ٢٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥ الطهارة ب ٣٦ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٤ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٣ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٣ ح ١.


عصرته ؛ ولذا يصدق على الوضوء والغسل وتطهير البدن عن الخبث من غير الدلك الذي هو في البدن بمنزلة العصر في الثوب ، ويحصل في الماء الجاري بدون العصر ، وكذا في الجلود والثقيل من الخبايا مع عدم العصر ، وعسره لا يوجب تحقق غسله ، بل اللازم منه إيجابه مهما أمكن ، أو الحكم (١) بالعفو.

والتفصيل في الروايات لا يدلّ على اعتبار العصر في الغسل ، بل غايته مغايرته للصبّ ، فلعلّها بأمر غيره ، كأن يشترط في الغسل الاستيلاء والجريان والانفصال في الجملة دون الصبّ.

وأمّا ما قيل : من أنّ انفصال الماء وإجراءه داخل في مفهوم الغسل لغةً وعرفاً ، وتحقق المعنيين قد لا يحتاج إلى أمر خارج من الصب ، كما في البدن والأجسام الصلبة ، فيتحقق الغسل في مثله من غير عصر ، وقد يحتاج إليه فيتوقف على العصر والتغميز لإِجراء الماء على جميع أجزاء ذلك الجسم وفصله عنه ، فيكون العصر شرطاً لذلك ، لا داخلاً في مفهوم الغسل (٢).

ففيه : أنّا لو سلّمنا اشتراط المعنيين في تحقق الغسل ، فنمنع توقفهما على العصر في نحو الثياب مطلقاً ، فإنّ الصفيقة من الثياب ، سيما إذا كانت حريراً ، إذا اُخذت معلّقة ، أو لفّت على جسم صلب ، إذا صب عليها الماء ، يجري عليها وينفصل سريعاً ، فيتحقق المعنيان ، فيطهر من غير عصر لو لم ترسخ فيها النجاسة.

وأيضاً : الثياب الرقاق كالكتان ونحوه إذا بسطت وصبّ عليها الماء ، يجري عليها وينفصل عنها دفعة.

مع أنّ الإِجراء والانفصال في الجملة مع غلبة الماء يحصل في كل ثوب وإن لم يعصر لا محالة ، وانفصال جميع أجزائه غير واجب ، ولذا لا يجب العصر الأشد‌

__________________

(١) في « هـ » : والحكم.

(٢) قال في غنائم الايام : ٧٥.


بعد حصول الأدون.

وأيضاً : إذا صب الماء المستولي على الثوب ، ينفصل عنه أكثر أجزاء الماء لا محالة وإن كان حصوله بالعصر أسرع ، واشتراط الانفصال سريعاً لا دليل عليه ، على أنّه يوجب عدم تحقق الغسل في الجاري والكثير بدون العصر ، مع أنّهم لا يقولون به.

والتفرقة بأنّه إذا دخل الجسم في الماء متدرّجاً ، فكل جزء يدخل في الماء فيمرّ الماء عليه وينفصل منه ، ثم يمر على الجزء الآخر ، وهكذا .. واهية جداً ؛ لأنّه إذا صبّ الماء على جزء أيضاً ، يمر عليه الماء وينفصل منه ويمر على آخر ، سيما إذا صبّ مع الغلبة والاستيلاء ، فإن المعتبر من الانفصال هو العرفي ، وهو حينئذٍ متحقق ، بل تحقق الانفصال العرفي في الجاري والكثير غير معلوم.

هذا ، مع أنّ صريح الرضوي المتقدم (١) : خروج العصر عن الغسل.

وأما التصريح بالعصر في الرواية فهو لا يثبت الوجوب ، مع أنه لو قلنا بكون الإِخبار في مقام الإِنشاء دالاً على الوجوب ، لوجب تخصيص الصبي فيها بالمغتذي ، وهو ليس بأولى من حمل العصر على الاستحباب.

وأما الرابع : فلزوال الاستصحاب بالغسل المزيل شرعاً.

هذا ، ثم العصر الواجب هل يختص بالقليل من الراكد ، أو يجب في غيره أيضاً ؟ الظاهر عدم الخلاف في عدم اعتباره في الجاري.

ووجهه على ما ذكرناه من استناد العصر إلى الرضوي ظاهر ؛ لعدم ثبوت تعلق جملة « ثم اعصره » بالجملتين ، فتختص بالأخيرة المتيقّنة. مع أنّه على فرض التعلّق بهما لا يثبت به الحكم في الجاري ؛ لانتفاء الشهرة الجابرة فيه.

ومنه يظهر اتّجاه عدم اعتباره في الكثير من الراكد أيضاً ، وفاقاً للأكثر ،

__________________

(١) ص ٢٦٦.


وخلافاً لظاهر الصدوقين (١) ، والشرائع ، والإِرشاد (٢) ، إمّا لإِطلاق الراكد في الخبر ؛ ويدفع : بما مرّ من الضعف الذي في المقام غير منجبر. أو لأحد الاعتبارات التي لاعتبار العصر ذكروها ؛ وقد عرفت ضعفه.

ولا يمكن الاستدلال للتعدّد في الكثير : بصحيحة ابن مسلم الآتية (٣) الآمرة بغسل الثوب في المركن مرتين ، بتقريب : أنّ المركن شامل بحسب المعنى اللغوي لكل محل ماء راكد وإن كان كثيراً ، ولا يضر تفسيره بالإِجّانة ، لأنه إن سلّمنا ثبوته فهو معنى طارٍ يقتضي الأصل تأخّره.

لأنّا لو سلّمنا عموم معناه اللغوي ، فليس المراد منه في الصحيحة حقيقته الشاملة لمركن الماء وغيره ، بل هو مجاز ، وإذا فتح باب التجوّز فهو غير منحصر بالمعنى العام ، فلعلّه الإِجّانة.

فروع :

أ : الواجب فيما يجب غسله مرتين : عصران‌ ، بعد كل غسل عصرٌ عند المحقق (٤) ، وعصرٌ بين الغسلتين عند اللمعة (٥) ، وبعدهما عند الصدوقين (٦) وطائفة من الطبقة الثالثة (٧).

ولعل الأول ناظر إلى اعتبار العصر في الغسل ، والثاني أنّه لإِخراج النجاسة الراسخة ، والثالث إلى كون العصر لنجاسة الغسالة مطلقاً ، فلا فائدة في العصر الأول ، أو إلى دلالة الرضوي (٨) عليه ، ولكنها إنما تفيد عند من يقول بحجيته في‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٠ ، ونقله في الهداية : ١٤ عن رسالة والده.

(٢) الشرائع ١ : ٥٤ ، مجمع الفائدة ١ : ٣٣٣.

(٣) في ص ٢٧٤.

(٤) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٥) اللمعة (الروضة ١) : ٦١.

(٦) تقدم ذكرهما في نفس الصفحة رقم ١.

(٧) المدارك ٢ : ٣٢٨ ، الحدائق ٥ : ٣٦٨.

(٨) تقدم ص ٢٦٦.


نفسه ، وأما على ما ذكرنا من أنّها لانجباره بالشهرة ، فيقتصر في الاستناد إليه بما اشتهر وهو أصل العصر ، وأما تأخيره فلا.

وعلى هذا مع ملاحظة ضعف سائر المباني وأصالة عدم وجوب الزائد على عصره ، فالمتّجه كفاية عصرة واحدة مخيراً بين توسيطها بينهما ، وتأخيرها عنهما (١).

ب : لا يجب الدلك في الجسد ونحوه من الأجسام الصلبة إذا لم تتوقف عليه إزالة العين‌ ، وفاقاً للمعتبر والمنتهى (٢) وأكثر الثالثة (٣) ؛ للأصل ، وإطلاقات التطهير والغسل.

ودعوى دخوله فيهما ضعيفة.

وخلافاً للفاضل في نهاية الاحكام والتحرير (٤) ؛ للاستظهار ، وموثّقة عمار : عن القدح الذي يشرب فيه الخمر : « لا يجزيه حتى يدلكه بيده ، ويغسله ثلاث مرات » (٥).

والأول لا يصلح لإِثبات الوجوب ، والثاني ـ لاختصاصه بالخمر وعدم ثبوت الإِجماع المركب ـ أخص من المطلوب ، ولعلّه لعدم العلم بزوال العين في الخمر ؛ لما لها من شدة اللصوق بمحلها (٦).

ج : لا عصر فيما يعسر عصره من البسط ، والفراش ، والوسائد ، ونحوها ؛ للأصل ، واختصاص الخبر المذكور بالثوب ، بل إن تنجّس (٧) ظاهره من غير نفوذ

__________________

(١) ويرد على مبنى القول الثاني أيضاً أنه لا دليل على وجوب إخراج النجاسة قبل الغسلة الثانية (منه ره).

(٢) المعتبر ١ : ٤٣٥ ، المنتهى ١ : ١٧٦.

(٣) منهم صاحبا المدارك ٢ : ٣٢٩ والحدائق ٥ : ٣٦٩.

(٤) نهاية الاحكام ١ : ٢٧٨ ، التحرير ١ : ٢٤.

(٥) الكافي ٦ : ٤٢٧ الاشربة ب ٣٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.

(٦) وقد يرد الموثقة أيضاً بأنها معارضة مع ما رواه هذا الراوي أيضاً من الاكتفاء في غسل الإِناء من الخمر بالمرة الخالية عن الدلك (منه ره).

(٧) في « ح » : يتنجّس.


فيه يغسل الظاهر بإجراء الماء عليه ، من غير حاجة إلى مسح أو دقّ أو تغميز ، إلّا مع توقف العلم بإزالة عين النجاسة عليه ، ولا إلى إنفاذ الماء إلى باطنه ، لتحقق غسل الموضع النجس.

ولرواية إبراهيم بن أبي محمود : الطنفسة والفراش يصيبهما البول كيف يصنع بهما وهو ثخين كثير الحشو ؟ قال : « يغسل ما ظهر منه في وجهه » (١).

وإن نفذت النجاسة في باطنه ، فإن لم تسر إلى الجانب الآخر واُريد تطهير الظاهر والباطن ، يجري الماء على الموضع النجس من الظاهر والباطن حتى يخرج من الجانب الآخر فيطهران ؛ ليتحقق الغسل.

والمروي في قرب الإِسناد للحميري وكتاب علي : عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل ؟ قال : « يغسل الظاهر ثم يصب عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتى يخرج من جانب الفراش الآخر » (٢).

وإن اُريد تطهير الظاهر خاصة ـ ولا بأس به ـ فيجري الماء على الظاهر فقط فيطهر ؛ لتحقق الغسل ، ورواية إبراهيم.

ولا تضر مجاورته للباطن النجس ؛ لبطلان السراية كما مر.

المسألة الرابعة : لا شك في حصول التطهر (٣) بالقليل‌ بإيراده على المحل النجس أو عكسه على القول بعدم تنجسه بالملاقاة.

وكذا لا خلاف فيه بإيراد الماء على القول بتنجسه مطلقاً أو مع ورود النجاسة.

وأما في حصوله على القولين الأخيرين لو عكس ، بأن يورد المحل على الماء ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥ الطهارة ب ٣٦ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٤١ / ١٥٩ ، التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢٤ ، الوسائل ٣ : ٤٠٠ أبواب النجاسات ب ٥ ح ١.

(٢) قرب الإِسناد : ٢٨١ / ١١١٤ ، مسائل علي بن جعفر : ١٩٢ / ٣٩٧ ، الوسائل ٣ : ٤٠٠ ، أبواب النجاسات ب ٥ ح ٣.

(٣) في « هـ » : التطهير.


وعدمه قولان : الثاني ـ وهو الحق ـ للسيد (١) وجماعة (٢).

لا لأدلّة تنجّس القليل بالملاقاة مطلقاً أو مع ورود النجاسة ، والنجس لا يطهر ، ولذا يجب كون الماء المغسول به طاهراً.

ولا لاستلزام نجاسته تنجّس المحل فلا يفيد طهارته.

لضعف الأول : بعدم ثبوت التنافي بين النجاسة وتطهير (٣) المحلّ كما في حجر الاستنجاء.

ووجوب طهارة الماء المغسول به مطلقاً ممنوع ، ولا دليل عليه سوى الإِجماع ، والثابت منه هو اشتراط الطهارة ابتداءً أي قبل ملاقاة النجس.

والحاصل : أنّ الممنوع من التطهير به ما كان نجساً قبل التطهير ، لا ما ينجّس به ، وقد صرّح بهذه المقالة جمع من المتأخرين كالمحقق الأردبيلي ، وشارح الدروس ، وصاحبي الذخيرة والحدائق (٤) ، ولذا ترى كثيراً من القائلين (٥) بنجاسة القليل بالملاقاة مطلقاً يحكمون بنجاسة الغسالة ويقولون بتطهر المحل.

والثاني : بمنع تنجّس المحل به ، فإنّ تنجّس مثل هذا الملاقي لمثل هذا النجس غير ظاهر ، ودليل التنجيس عن إفادته قاصر ، واستبعاده مدفوع : بوجود النظائر ، كاللبن في ضرع الميتة ، والإِنفحة منها ، والصيد المجروح لو وجد في ماء قليل على ما قيل ، والغسالة الواردة على القول بنجاستها.

بل لأصالة عدم الطهورية واستصحاب النجاسة ، والمستفيضة الآمرة بالصبّ على الجسد من البول (٦) ، المقيدة بالنسبة إلى مطلقات الغسل ، الواجب

__________________

(١) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٧٩.

(٢) منهم الحلّي في السرائر ١ : ١٨١ ، والعلامة في المنتهى ١ : ١٧٦.

(٣) في « هـ » : وتطهّر.

(٤) مجمع الفائدة ١ : ٢٨٧ ، مشارق الشموس : ٢٥٥ ، الذخيرة : ١٦٣ ، الحدائق ١ : ٣٠٥ وج ٥ : ٤٠.

(٥) كالمحقق في الشرائع ١ : ٥٥ ، والعلامة في القواعد ١ : ٥.

(٦) راجع الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١.


حملها عليها ، المتعدّية حكمها من البول والجسد إلى غيرهما بعدم الفصل.

خلافاً لطائفة من الطبقة الثالثة (١) ، فاختاروا الأول ، واستوجهه في الذكرى (٢) ؛ لتحقق الغسل عرفاً ، وترتّب الطهارة عليه بالأخبار الغير العديدة ، كالناهية عن الصلاة في الثوب النّجس حتى يغسل (٣) ، فإنها تدل بالمفهوم على جواز الصلاة المستلزم للطهارة هنا إجماعاً مع الغسل ، والآمرة بغسل الثوب والبدن (٤) ، المقتضية للإِجزاء في تحقق فائدته التي هي الطهارة بتحقق الغسل.

ولخصوص صحيحة ابن مسلم : عن الثوب يصيبه البول قال : « اغسله في المركن مرتين » (٥) والمركن هي الإِجّانة التي تغسل فيها الثياب ، وبضميمة الإِجماع المركب يثبت الحكم في غير الثوب أيضاً.

ولرواية السرّاد في مطهّرية النار (٦) ، وموثّقة عمّار في غسل الأواني (٧).

ويجاب عن الأول : بما مرّ من وجوب حمل المطلق على المقيد.

وهو الجواب عن الثاني ؛ إذ لو سلّمنا دلالته فإنّما هو من جهة إطلاق الغسل في المركن ، وأمّا الخصوصية فلا ؛ إذ الغسل في المركن كما يكون بإدخال الماء فيه ثم وضع الثياب عليه ، يكون بالعكس أيضاً ، فيصبّ عليها فيه الماء وتعصر.

ولا يضر اجتماع الماء فيه وملاقاته للثوب قبل تمام غسله ، الموجبة لتنجسه الموجب لتنجس الثوب ؛ لمنع إيجابها تنجس الماء أولاً ؛ لعدم تحقق ورود النجاسة عليه ، ومنع تنجس الثوب به ثانياً ، على ما مر ، واعترف به المخالف في خصوص‌

__________________

(١) منهم صاحب الحدائق ٥ : ٤٠٠.

(٢) الذكرى : ١٥.

(٣) راجع الوسائل ٣ : ٤٢٨ أبواب النجاسات ب ١٩.

(٤) راجع الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١.

(٥) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٦) الكافي ٣ : ٣٣٠ الصلاة ٢٧ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٧٥ / ٨٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ / ٩٢٨ ، الوسائل ٣ : ٥٢٧ أبواب النجاسات ب ٨١ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.


المورد.

مع أنه ـ كما مر (١) ـ محتمل عموم المركن للكثير أيضاً ، فيخصّ بأخبار الصب ؛ لاختصاصها بالقليل قطعاً كما يأتي. ولا يضر ذلك فيما ذكرنا من عدم اعتبار التعدد في الكثير ؛ لأنّ ذلك مجرّد الاحتمال لدفع الاستدلال.

وأما الثالث والرابع : فعدم دلالتهما ظاهر واضح.

ثم بما ذكرنا ظهر وجه التفرقة بين الورودين على القول بتنجس القليل مطلقاً ، واندفع ما استشكل من أنّ وجه التفرقة بينهما على التفرقة في الانفعال ظاهر ؛ إذ يمكن أن يكون بناء المانع من التطهير على ورود المحل تنجس الماء ، وعدم صلاحية المتنجس للتطهير عنده. وأما على القول بالانفعال المطلق فلا وجه لها.

ويمكن أيضاً أن يكون الوجه : أن الماء وإن تنجس في الصورتين ، والمتنجس عنده غير قابل للتطهير ؛ إلّا أنّ الإِجماع والضرورة دلّا على التطهر بالقليل أيضاً ، فهو مخالف للقاعدة ، ثابت بالضرورة ، فيجب الاكتفاء فيه بمحلها وهي (٢) ورود الماء.

المسألة الخامسة : مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً كما في المعتبر (٣) وغيره (٤) ، بل في الناصريات والخلاف (٥) : الإِجماع عليه ، وادّعاه والدي في المعتمد واللوامع أيضاً : أنّه يكفي صب الماء مرة في بول الصبي الذي لم يأكل.

والحجة فيه ـ بعد الإِجماع ـ المستفيضة التي منها الحسن بل الصحيح : عن بول الصبي ، قال : « يصبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله غسلاً ، والغلام‌

__________________

(١) ص ٢٦٩.

(٢) في « هـ » و « ق » : مع ورود الماء‌.

(٣) المعتبر ١ : ٤٣٦.

(٤) المفاتيح ١ : ٧٤ ، الذخيرة : ١٦٤ ، الحدائق ٥ : ٣٨٤.

(٥) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١ ، الخلاف ١ : ٤٨٤.


والجارية شرع سواء » (١).

والرضوي : « وإن كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صباً ، وإن كان قد أكل فاغسله ، والغلام والجارية سواء » (٢).

ورواية السكوني : « لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لأنّ لبنها يخرج من مثانة اُمها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم ، لأنّ لبن الغلام من العضدين » (٣).

والعاميّان المرويان عن النبي في الناصريات وغيره :

أحدهما : « يغتسل من بول الجارية ، وينضح على بول الصبي ما لم يأكل الطعام » (٤).

وثانيهما : أنّ النبي أخذ الحسن بن علي (٥) فأجلسه في حجره ، فبال عليه ، قال : فقلت له : لو أخذت ثوباً فأعطيتني إزارك فأغسله ، فقال : « إنما يغسل من بول الاُنثى ، وينضح من بول الذكر » (٦) وإن كان في الاستدلال بهما نظر تأتي الإِشارة اليه.

وبهذا الأخبار المنجبر ضعف بعضها بالعمل تخصّص عمومات غسل‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦ الطهارة ب ٣٦ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٥ ، الاستبصار ١ : ١٧٣ / ٦٠٢ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٢.

(٢) فقه الرضا (ع) : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٥٤ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٨ ، الاستبصار ١ : ١٧٣ / ٦٠١ ، الوسائل ٣ : ٣٩٨ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٤.

(٤) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١ ، وراجع سنن أبي داود ١ : ١٠٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٧٤ / ٥٢٥ ـ بتفاوت يسير ـ سنن البيهقي ٢ : ٤١٥.

(٥) كذا في النسخ ، وفي المصادر : الحسين بن علي.

(٦) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨١ ، وراجع سنن أبي داود ١ : ١٠٢ / ٣٧٥ ، سنن ابن ماجة ١ ١٧٤ / ٥٢٢ ، سنن البيهقي ٢ : ٤١٤.


البول ، أو بول ما لا يؤكل لحمه (١) ، أو بول الصبي كموثّقة سماعة (٢) ، بل حسنة ابن أبي العلاء أيضاً وهي : عن الصبي يبول على الثوب ، قال : « يصب عليه الماء قليلاً ثم يعصره » (٣) على القول بكون الفارق بين الغسل والصب هو العصر ، وإلّا فلا دلالة لها على الغسل.

ويجاب عن دلالتها على العصر : بعدم كونها مفيدةً لوجوبه ، وغاية ما تفيده استحبابه وهو كذلك ؛ لذلك.

وقيل بوجوبه ، بل وجوب الإِجزاء أو الانفصال أيضاً ، مع توقّف إزالة عين البول عليه (٤).

وهو خروج عن مقتضى النصّ ؛ فإنّه يقتضي الاكتفاء بالصب مطلقاً ، ولا دليل على وجوب الزائد من إخراج الماء المصبوب ، أو البول المختلط معه.

ثم الحقّ الموافق للظاهر كلام الأكثر ـ كما صرّح به جماعة (٥) ـ اختصاص الحكم بالصبي ، فلا يجري في بول الصبية ويجب غسله ؛ لأنّه مقتضى الروايات الأخيرة المنجبرة بالشهرة ، فيعارض بها قوله : « والغلام والجارية سواء » في الاُوليين إن كان حجة ودلّ على خلاف المطلوب ، ويرجع إلى الأصل الثابت بعمومات غسل البول ، مع أنّهما في معرض المنع.

أما الأول : فلأن الاُولى وإن كانت في نفسها حجة ، ولكن جزأه الأخير‌

__________________

(١) راجع الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ، وص ٤٠٤ ب ٨.

(٢) موثقة سماعة : « عن بول الصبي يصيب الثوب ، فقال : اغسله ، قلت : فان لم أجد مكانه ؟ قال : اغسل الثوب كله » (منه ره) ، التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢٣ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٤ ، الوسائل ٣ : ٤٠٢ أبواب النجاسات ب ٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥ الطهارة ب ٣٦ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٤ ، الاستبصار ١ : ١٧٤ / ٦٠٣ الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٣ ح ١.

(٤) نسب في مفتاح الكرامة ١ : ١٧٧ لزوم الانفصال إلى بعض الحواشي (يعني الحواشي على القواعد).

(٥) منهم العلامة في المنتهى ١ : ١٧٦ ، وصاحبا الذخيرة : ١٦٥ والحدائق ٥ : ٣٨٥.


لمخالفته الشهرة العظيمة عن الحجية خارجة. والثانية في نفسها ضعيفة ، والشهرة الجابرة لها في المورد مفقودة.

وأما الثاني : فلأنّ المساواة الكلّية من التسوية المطلقة غير ثابتة ، وإرادة التسوية في الحكم الأخير الذي هو وجوب الغسل مع الأكل ممكنة ، يعني إذا أكل.

وبهذا وسابقة مع الأصل المذكور يتمّ الحكم بالاختصاص لو نوقش في دلالة الروايات الأخيرة على وجوب الغسل في بول الاُنثى.

ونسب إلى الظاهر الصدوقين (١) : التسوية ، ولكنّها عبّرا في الرسالة (٢) والهداية (٣) والفقيه (٤) بمثل ما عبّر به في الرضوي (٥) ، فما ذكرنا من الاحتمال فيه يجري في كلامهما أيضاً بل هو في كلام الصدوق ظاهر ؛ لأنه قال ـ بعد حكمه بالصب في بول الغلام قبل الأكل ، والغسل بعد الأكل ـ : والغلام والجارية في هذا سواء.

فروع :

أ : صرح الفاضلان بتعليق الحكم على الأكل والطعام وعدمهما (٦).

ومنهم (٧) من علّقه على الاغتذاء بغير اللبن ، مساوياً له أو زائداً عليه وعدمه ، والحلي (٨) على تجاوز الحولين وعدمه.

ونظر الأولين إلى ظاهر الروايات.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ١ : ١٧٧.

(٢) نقله في المعتبر ١ : ٤٣٧.

(٣) الهداية : ١٥.

(٤) الفقيه ١ : ٤٠.

(٥) تقدم ص ٢٧٦.

(٦) المحقق في المعتبر ١ : ٤٣٦ ، والعلامة في المنتهى ١ : ١٧٦.

(٧) لم نعثر عليه ، نعم كثير منهم علّقوا عليه وعلى الحولين كما في جامع المقاصد ١ : ١٧٣ ، والمسالك ١ : ١٨ ، والروض : ١٦٧.

(٨) السرائر ١ : ١٨٧.


أما الثانيان ، فلعلّ نظر أولهما إلى التعليل المذكور في رواية السكوني (١) ؛ فإنّه يمكن أن يستفاد منه أنّ أخفّية بول الغلام لأجل نظافة أصله الذي هو لبن اُمّه ، فيثبت ذلك ما لم يعلم حصول بوله من غير اللبن ، وذلك إنّما يكون ما لم يساوِ غير اللبن له. ونظر ثانيهما إلى أنّ المراد بالأكل والطعام ترك اللبن والفطام عنه ، وهو في الشرع مقدّر بالحولين.

والأوجه هو الأول ؛ لما مرّ. وضعف ما للثاني بأنّ مقتضاه انتفاء الحكم إذا انتفى العلم بحصوله من اللبن ، وهو ينتفي بالاغتذاء بغيره ولو كان أقل. وما للثالث بمنع كون المراد من الأكل ما ذكر.

ثم لا شكّ في أنّ المعتبر في الأكل ما يكون مستنداً إلى شهوته وإرادته ، كما صرح به في المنتهى (٢) ؛ لأنّه المفهوم من نسبة الأكل والطعام إليه ، ولولاه ، لتعلّق الغسل (٣) بساعة الولادة ، لاستصحاب التحنيك بالتمر ، فلا عبرة بما يعلق دواء من غير ميل إليه.

ولا يلزم أن يكون إطعامه إياه لأجل كونه غذاءً له ، فلو اُطعم بشي‌ء دواءً وأكله الصبي بالشهوة والإِرادة ، يجب الغسل ؛ لصدق الأكل ولو كان نادراً ، كما هو ظاهر المنتهى (٤).

وصرّح في المعتبر بعدم اعتبار النادر ولو بالشهوة (٥). والأظهر الأول.

ب : لو أرضع الغلام بلبن الجارية أو بالعكس‌ ، فمقتضى تعليل رواية السكوني : تعلّق حكم من له اللبن بالمرتضع ، سيما إذا غلب إرضاعه من لبنه عليه من لبن نفسه.

__________________

(١) المتقدمة ص ٢٧٦.

(٢) المنتهى ١ : ١٧٦.

(٣) في هامش « ح » : الحكم خ ل.

(٤) المنتهى ١ : ١٧٦.

(٥) المعتبر ١ : ٤٣٦.


ولا يبعد المصير إليه في الجارية المرتضعة من لبن الغلام ؛ إذ لا دليل على وجوب الغسل في بول الجارية ، سوى عمومات غسل البول ، الواجب تخصيصها بذلك ، الدال على كفاية الصبّ ، وأما الروايات الأخيرة فهي عن إفادة الوجوب قاصرة.

وأمّا الغلام المرتضع بلبن الجارية ، فلمّا لم يثبت من الرواية سوى إيجاب التعليل لرجحان الغسل من لبن الجارية ، فلا يثبت وجوب الغسل فيه ، فالحكم فيه باقٍ على أصله.

ج : الصبّ اللازم هنا هو إراقة الماء وسكبه ، وهو أعم من وجه من الغسل.

وأما من النضح والرش المترادفين بنصّ أهل اللغة (١) الموافق للعرف ، فإمّا أعمّ منهما مطلقاً ، بأن يصدق الصب مع استيعاب الماء كل جزء من الموضع المصبوب عليه وبدونه ، ومع إراقة الماء مجتمعة الأجزاء وبدونها ، واشتراط عدم الثاني (٢) أو عدمهما (٣) فيهما (٤) ، أو أخص كذلك باشتراط الاستيعاب فيه دونهما ، أو مغاير لهما باشتراطه (٥) ـ أو مع الإِراقة المجتمعة ـ فيه (٦) ، وعدمه فيهما.

والكل محتمل ، واستصحاب نجاسة الموضع يقتضي الإِتيان بالمقطوع به وهو ما صب مجتمع الأجزاء عرفاً ، مع استيعاب كلّ جزء من المحلّ.

وجعل الصبّ مرادفاً لهما لغةً أو شرعاً ـ كبعضهم (٧) ـ ضعيف ، كجعل الرشّ أخصّ من النضح.

__________________

(١) كصاحب الصحاح والقاموس والنهاية والمجمع (منه ره) ، الصحاح ١ : ٤١١ ، القاموس ١ : ٢٦٢ ، النهاية الاثيرية ٥ : ٦٩ ، مجمع البحرين ٢ : ٤١٩.

(٢) وهو إراقة الماء مجتمعة الاجزاء.

(٣) أي عدم الاستيعاب وعدم إراقة الماء مجتمعة الاجزاء.

(٤) أي في النضح والرش.

(٥) أي اشتراط الاستيعاب.

(٦) أي في الصّب.

(٧) الحدائق ٥ : ٣٨٨.


ومما ذكرنا ظهر أنّ الاستدلال بالعاميين (١) على الضبّ ليس في موقعه ، ولضعفهما وعدم جابر لهما لإِثبات النضح والتعارض مع أخبار الصبّ غير صالح.

د : الثابت من أدلة الصبّ هنا كفايته لا تعيينه‌ ؛ لأنّ غير الرضوي لا يشتمل على ما يفيد وجوبه ، وهو وإن تضمن الأمر ، ولكن الشهرة على وجوبه غير ثابتة.

وعلى هذا فيكفي الغسل الغير المتضمن للصب (٢) إذا كان في غير القليل ؛ لعموم : « كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » (٣).

وأما في القليل فإشكال ، حيث إنّ الأخبار الدالّة على الطهارة بالغسل به خصوصاً أو عموماً من البول وقع بلفظ الأمر الدالّ على تعيّن الغسل المنتفي هنا قطعاً ، وأمّا في غير البول وإن كان ما يمكن إثبات كفاية الغسل به مطلقاً ، ولكن الاستدلال به يحتاج إلى ضميمة عدم الفصل ، وتحققه هنا غير معلوم.

هـ : الحكم يعم الثياب وغيرها ؛ لإِطلاق كثير من الأدلّة.

المسألة السادسة : لو علم موضع النجاسة في ثوب أو غيره فَتَطهّرهُ بغسله خاصة.

وإن اشتبه فتتوقف طهارة جميع ما وقع فيه الاشتباه على غسله ، فلا يطهر الجميع بغسل موضع منه أو فرد ؛ لاستصحاب النجاسة ، وتدل عليه المستفيضة من الأخبار (٤).

ولا فرق في ذلك بين الثوب وغيره ، الواحد والمتعدد ، والمحصور وغيره.

وأمّا كل جزء أو فرد منه فيحكم بطهارته مع غسله بخصوصه قطعاً ، وبدونه أيضاً ، لأصالة الطهارة.

__________________

(١) المتقدمين ص ٢٧٦.

(٢) كالحاصل بوضع الثوب في الماء (منه ره).

(٣) الكافي ٣ : ١٣ الطهارة ب ٩ ح ٣ ، الوسائل ١ : ١٤٦ أبواب الماء المطلق ب ٦ ح ٥.

(٤) راجع الوسائل ٣ : ٤٠٢ أبواب النجاسات ب ٧.


وقولهم بتوقف الطهارة على غسل كلّ جزء ، فمرادهم طهارة الجميع ، كما يدلّ عليه تصريحهم بعدم التطهير بغسل جزء منه ، مع أنّ هذا الجزء يطهر بغسله قطعاً.

ثمّ المراد بنجاسة الجميع ، هو ما يقال في سائر النجاسات ، فينجس ملاقيه ، أي ملاقي الجميع ، لا كل جزء ، ولا يجوز استعمال الجميع في مشروط الطهارة (١) ؛ لأنّ النجاسة كانت في ضمن الجميع متحققة ، وزوالها ـ ولو غُسل جزء ـ غير معلوم ، فيجب استصحابها الموجب لترتّب جميع أحكامها عليها ، إلّا عند من يقول بعدم ترتب أحكام النجاسات على النجاسة الاستصحابية ، وهو ضعيف جداً.

نعم ، لو ثبت بعض أحكام النجاسات لكل جزء منه أيضاً ، كما في الثوبين (٢) ، والإِنائين (٣) ، فهو لا يوجب ثبوت سائر الأحكام له أيضاً.

والتوضيح : أنّ الكلام في المشتبه يقع في مواضع أربعة :

أولها : في طهارة كل جزء على البدلية.

وثانيها : في تطهير الجميع وزوال النجاسة المتحققة.

وثالثها : في حكم كل جزء بالنسبة إلى مشروط الطهارة ، أو في تنجّس ملاقيه ونحوه.

ورابعها : في حكم الجميع بالنسبة إلى ذلك.

أما الأول : فلا كلام فيه ؛ لطهارة كلّ جزء بالأصل ، وتطهره قطعاً بالغسل.

وما في كلامهم (٤) من أنّه يجب غسل كلّ جزى فهو لتحصيل العلم بطهارة

__________________

(١) كالثوب في الصلاة والارض في السجود والتيمم والماء في الطهارة (منه ره).

(٢) حيث إنه لا يجوز مع واحد منهما (منه ره).

(٣) حيث لا تتم الطهارة بكل واحدٍ منهما (منه ره).

(٤) كما في المعتبر ١ : ٤٣٧ ، والشرائع ١ : ٥٤.


الجميع.

وأما الثاني : فهو الذي يذكرونه في بحث إزالة النجاسات ، ويذكرون أنّه لا يطهر بغسل جزء منه ، بل يتوقف على غسل الجميع ، والحكم في هذا وسابقه باقٍ على ما يقتضيه الأصل والقاعدة.

وأما الثالث : فهو الذي يذكرونه في طيّ أحكام ثوب المصلّي والأواني المشتبهة ، ويفرّق طائفة (١) فيه بين المحصور وغيره.

ومقتضى الأصل فيه : كون كل جزء في الحكم كالطاهر ، إلا أنه تخلّف في الثوبين والإِناءين عند الجميع ، وفي المحصور مطلقاً عند جماعة ؛ لأجل الدليل الخارجي. والواجب الاكتفاء في التخلّف بما يقتضيه دليله ، وإبقاء الزائد على مقتضى الأصل.

وأما الرابع : فمقتضى الأصل فيه كون حكمه حكم النجس ما لم يغسل الجميع ، ولم يثبت التخلف فيه.

وقد اختلط الأمر في هذه المقامات على بعض المتأخرين ، فخلط ولم يفرق بين المقامين : الثاني والثالث ، وذكر بعض ما يتعلق بأحد المقامين في الآخر.

المسألة السابعة : يجب غسل الثوب والبدن من بول غير الرضيع مرتين‌ ، ولا يكفي المرة ، وفاقاً للمعظم ، بل في المعتبر الإِجماع عليه (٢) ؛ للاستصحاب ، والصحاح المستفيضة وغيرها.

كصحيحة ابن أبي يعفور : عن البول يصيب الثوب ، قال : « اغسله مرتين » (٣).

وصحيحتي ابن مسلم :

__________________

(١) منهم المحقق في الشرائع ١ : ٧٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٨ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٢٧٦.

(٢) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢٢ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ٢.


الاُولى : عن الثوب يصيبه البول ، قال : « اغسله في المركن مرتين ، فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة » (١).

والاُخرى : عن البول يصيب الثوب ، قال : « اغسله مرتين » (٢).

وحسنة ابن أبي العلاء : عن البول يصيب الجسد ، قال : « صبّ عليه الماء مرتين ، فإنّما هو ماء » وسألته عن الثوب يصيبه البول ، قال : « اغسله مرتين » (٣).

وقريب منها المروي في السرائر عن البزنطي (٤).

والرضوي : « وإن أصابك بول في ثوبك ، فاغسله من ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين » (٥).

وصحيحة أبي إسحاق : عن البول يصيب الجسد ، قال : « صب عليه الماء مرتين » (٦).

وجعل المرتين في الثوب غسلاً وفي البدن صباً ، إما لمجرد تغيير العبارة ، أو لاشتراط زيادة الاستيلاء في الأول لتحقق الجريان والانفصال المشترطين (٧) في الغسل ، أو لرسوخ النجاسة فيه (أيضاً) (٨) بخلاف الثاني.

خلافاً فيهما للمنتهى ، والقواعد ، والدروس ، والبيان ، وعن المبسوط (٩) ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٠ / ٧١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٩٧ أبواب النجاسات ب ٢ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٥١ / ٧٢١ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥ الطهارة ب ٣٦ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٤ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ٤.

(٤) مستطرفات السرائر : ٣٠ / ٢١ ، الوسائل ٣ : ٣٩٦ أبواب النجاسات ب ١ ح ٧.

(٥) فقه الرضا (ع) : ٩٥ ، المستدرك ٢ : ٥٥٣ أبواب النجاسات ب ١ ح ١.

(٦) التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٦ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ٣.

(٧) في « ح » : الشرطين.

(٨) لا توجد في « هـ » و « ق ».

(٩) المنتهى ١ : ١٧٥ ، القواعد ١ : ٨ ، الدروس : ١ : ١٢٥ ، البيان : ٩٥ ، المبسوط ١ : ٣٧.


وفي البدن خاصة لظاهر التحرير ، بل الفقيه والهداية (١) ، وبعض آخر (٢) ، فتكفي المرّة إلّا أنّ في الدروس قيّدها بما بعد زوال العين ؛ للأصل. وحصولِ الغرض ، أعني الإِزالة. وضعفِ ما دلّ على التعدد سيما في البدن. وإطلاقاتِ الغسل من النجاسات ، أو البول مطلقاً ، أو من أحدهما المتناول للمرة.

والأول مدفوع بما مرّ.

والثاني : بمنع كون الغرض الإِزالة ، بل هو الطهارة.

والثالث : بمنع الضعف ، وعدم كونه ضائراً لو كان ، وانجباره بالعمل لو أضرّ.

والرابع : بقاعدة حمل المطلق على المقيّد ، أو الرجوع إلى الاستصحاب بعد تعارضهما وتساقطهما.

نعم لو لم يكن هناك مقيد ، لصح ما ذكروه ، كما في غسل البول من غير البدن والثوب ، وغسل غيره من النجاسات عنهما وعن غيرهما ؛ فإنّ الأمر بمطلق الغسل فيهما متحقق.

أما في الثاني فظاهر.

وأما في الأول فصحيحة إبراهيم بن أبي محمود : « في الطنفسة والفراش يصيبهما البول » وموثقة عمار : « في موضع من البيت يصيبه القذر » المتقدمتان (٣).

ورواية نشيط : « يجزي من البول أن يغسل بمثله » (٤).

وحسنة الحلبي أو صحيحته في بول الصبي الآكل المتقدمة (٥).

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٤ ، الفقيه ١ : ٤٣ ، الهداية ١٤.

(٢) كما في المدارك ٢ : ٣٣٩.

(٣) ص ٢٧٢ وص ٢٥٩.

(٤) التهذيب ١ : ٣٥ / ٩٤ ، الاستبصار ١ : ٤٩ / ١٤٠ ، الوسائل ١ : ٣٤٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٦ ح ٧.

(٥) ص ٢٧٦.


واختصاص الاُولى بالطنفسة والفراش ، والثانية بموضع من البيت ، والثالثة بما يتحقق فيه الغسل من مثل البول ـ بعد إطلاق الرابعة ـ غير ضائر مع تمامية المطلوب بعدم القول بالفصل.

فالقول بكفاية المرة في غسل البول من غير الثوب والبدن ، وفي غير سائر النجاسات مطلقاً هو الأصح المتعيّن ، وفاقاً فيهما للأكثر.

وخلافاً في الأول للمحكي في الذخيرة عن جمع من الأصحاب (١) ، فطردوا الحكم بالمرتين في البول إلى ما يشبه الثوب والبدن ؛ للاستصحاب ، وللمشابهة ، أو الأولوية.

والأول بما مرّ مندفع. والثاني قياس. والثالث ممنوع.

فإن قيل : لا يثبت من الإِطلاق عدم لزوم الزائد إلّا بضميمة الأصل ، وهو لا يدفع الاستصحاب ، بل الاستصحاب يدفعه ، كما بيّن في موضعه.

قلنا : نعم في الواجبات والمستحبات ونحوهما مما لا يوجب تعلق الحكم بالماهية إلّا ثبوته لها في الجملة ، وأمّا في السببية والمانعية والحرمة ونحوها ، فمقتضى نفس ثبوت الحكم للمطلق ثبوته له أينما وجد ، أي بجميع أفراده ، فلزوم الزائد ينافي مقتضى نفس الإِطلاق.

ألا ترى أن قوله : يجب الغسل ، لا ينافي : لا يجب الغسل مرتين ، بخلاف : الغسل سبب للطهارة ، فإنه ينافي : الغسل مرة أو مرتين ليس سبباً لها.

وقوله في رواية نشيط : « يجزي من البول أن يغسل » من قبيل الثاني ، بل جميع أوامر الغسل ، فإنها بمنزلة قوله : غسله سبب لتطهيره إجماعاً ، ولأنّ الأمر به ليس إلّا للتطهير قطعاً ، وليس تعبّداً محضاً ، فالغسل من الأسباب ، ولذا ترى العلماء كافّة يحكمون بالتطهّر بما ورد الأمر به في باب الطهارات والنجاسات.

وللروضة ، فحكم بالمرتين فيه مطلقاً (٢) ؛ للاستصحاب ، واحتمال خروج‌

__________________

(١) الذخيرة : ١٦٢.

(٢) الروضة ١ : ٦١.


الثوب والبدن في الأخبار مخرج التمثيل ، بناءً على أنّهما الغالبان في ملاقاة النجاسة ، ولأنّ خصوص السؤال عنهما لا يخصص.

وفيه : أنّ الاستصحاب بما مرّ زال ، ومحض الاحتمال غير صالح للاستدلال ، وعدم التخصيص بالسؤال إنما هو إذا كان عموم في الجواب ، وهو منتفٍ في المقام.

ولمن يحكم (١) بالمرتين في جميع النجاسات في مطلق المحال ، كما يأتي ؛ لما يأتي مع دفعه.

وخلافاً في الثاني لظاهر المعتبر حيث قال : يكفي المرة بعد إزالة العين (٢) فإنّه يفيد عدم كفاية المرة المزيلة ؛ لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم في دم الحيض : « حتّيه ثم اغسليه » (٣).

وفيه : أنّ الرواية ـ لضعفها ـ عن إفادة الوجوب قاصرة.

وللتحرير وظاهر المنتهى (٤) فأوجبا التعدد فيما له قوام وثخن (٥) ؛ للاستصحاب.

وقوله : « إنما هو ماء » في حسنة ابن أبي العلاء المتقدمة (٦) ، فإنّ مفهومه اشتراط الأزيد في غيره.

وصحيحة ابن مسلم : ذكر المني فشدّده وجعله أشدّ من البول (٧).

وما في المعتبر بعد إيراد الحسنة عقيب قوله : مرتين : الأول للإِزالة والثاني‌

__________________

(١) عطفٌ على المتقدم. أي وخلافاً لمن يحكم ...

(٢) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٣) سنن أبي داود ١ : ٩٩ / ٣٦٢. وفيه : « حتّيه ثم أقرضيه ».

(٤) التحرير ١ : ٢٤ ، المنتهى ١ : ١٧٥.

(٥) قال في المنتهى : النجاسات التي لها قوام وثخن كالمني وشبهه أولى بالتعدد في الغسلات (منه ره).

(٦) ص ٢٦٧.

(٧) التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٢٤ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ٢.


للْإِنقاء (١).

والأول بما مرّ مدفوع.

ودلالة الثانيتين ممنوعة ؛ إذ غاية ما يفهم منهما توقف الإِزالة في بعض ما هو غير البول على أمر زائد ، ولا يلزم منه اعتبار التعدّد ، فلعلّه ما يحتاج إليه إزالة العين من ذلك ، أو عصر ، أو اهتمام في الإِزالة ، أو أمثال ذلك ، مع أنّ التشديد في الثاني في المني تأكيد في إزالته ردّاً على جمع من العامّة.

والرابع ـ مع عدم تماميته فيما اُزيل عينه بغير الماء ـ ضعيف ؛ لعدم وروده (٢) في المعتمدة من كتب الأخبار ، وإنما أورده المحقق في المعتبر ، بل قيل (٣) : إنّ الظاهر أنّه من كلامه توهّم نسبته إلى الرواية غفلة ، ويؤيد ذلك عدم وروده في كتب الأخبار.

وللشهيد في اللمعة والرسالة (٤) فأوجبه في النجاسات في غير الأواني مطلقاً ، كما في الحدائق (٥) ، أو في الثوب خاصة كما في اللوامع.

وعبارة اللمعة غير مطابقة لشي‌ء منهما ، فإنها مطلقة بالنسبة إلى النجاسات ، مختصة بالثوب والبدن.

وهو مختار المحقق الثاني في الجعفرية ، بل في شرح القواعد ، حيث قال ـ بعد الحكم بالمرتين في غسل البول عن الثوب والبدن ـ : وتعدية هذا الحكم إلى غيره من النجاسات ـ إما بطريق مفهوم الموافقة ، أو بما اُشير إليه في بعض الأخبار من أنّ غسلة تزيل واُخرى تطهر ـ هو الظاهر (٦).

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٢) في « ح » : ورود ، و « ق » : الورود.

(٣) الذخيرة : ١٦١.

(٤) اللمعة (الروضة ١) : ٦١ الرسالة (الألفية) : ٣٨.

(٥) الحدائق ٥ : ٣٦٣.

(٦) جامع المقاصد ١ : ١٧٣.


ومن هذا يظهر دليل هذا القول أيضاً. ويضعف المفهوم : بأنّ تحققه فرع ثبوت الأولوية ، وهي ممنوعة. والخبر : بعدم ثبوته كما مرّ.

المسألة الثامنة : المشهور : أنّ أواني الخمر قابلة للتطهير جائز استعمالها بعده (مطلقاً) (١) ؛ لعموم مرسلة الكاهلي : « كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » (٢).

وموثقة عمار : عن الكوز والإِناء يكون قذراً كيف يغسل وكم مرة يغسل ؟ قال : « يغسل ثلاث مرات » (٣).

وخصوص الموثقين الآخرين له :

أحدهما : عن الدَنّ يكون فيه الخمر ، هل يصلح أن يكون فيه خَلّ أو ماء أو كامَخ (٤) أو زيتون ؟ قال : « إذا غسل فلا بأس » وعن الإِبريق وغيره يكون فيه خمر أيصلح أن يكون فيه ماء ؟ قال : « إذا غسل فلا بأس » وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ؟ قال : « يغسله ثلاث مرات » (٥).

والآخر : في الإِناء الذي يشرب فيه النبيذ ، قال : « يغسله سبع مرات » (٦).

ورواية الأعور : إني آخذ الركوة ، فيقال : إنّه إذا جعل فيها الخمر وغسلت كانت أطيب لها ، فيأخذ الركوة فيجعل فيها الخمر فيخضخضه ثمّ يصبه ويجعل فيها البختج ، فقال : « لا بأس » (٧).

أقول : إن أرادوا طهارة الظاهر ، فهو كذلك ، وإن أرادوا مطلقاً ، ففي دلالة

__________________

(١) لا توجد في « ق ».

(٢) المتقدمة ص ٢٥٩.

(٣) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

(٤) الكامخ : الذي يؤتدم به ، معرب « الصحاح ١ : ٤٣٠ ».

(٥) الكافي ٦ : ٤٢٧ الاشربة ب ٣٣ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.

(٦) التهذيب ٩ : ١١٦ / ٥٠٢ وزاد في آخره : وكذلك الكلب ، الوسائل ٢٥ : ٣٦٨ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣٠ ح ٢.

(٧) الكافي ٦ : ٤٣٠ الأشربة ب ٣٥ ح ٥ ، الوسائل ٢٥ : ٣٦٨ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣٠ ح ٣ ـ بتفاوت يسير ـ.


الأخبار نظر ؛ لمنع حصول العلم بوصول الماء إلى جميع الأجزاء الباطنية ، سيما مع مزاحمة ما فيها من الأجزاء الخمرية ، وعدم قوة ما ينفذ فيها من الماء.

مع أن كون النافذ ماءً عرفاً غير معلوم ، بل هي الرطوبة ، فلا تتم دلالة المرسلة.

ويمكن أن يكون الغسل لحصول طهارة الظاهر الكافية في جواز الاستعمال ؛ لبطلان السراية ، فلا تفيد الموثّقة الاُولى في المطلوب.

ومنه يظهر عدم انتهاض البواقي لإِثباته أيضاً.

خلافاً للمحكي عن الإِسكافي (١) فقال بعدم طهارة غير الصلب منها ؛ لنفوذ النجاسة في الأعماق ، فلا يقبل التطهر ، ومجرد نفوذ الماء أيضاً من غير علم بزوال عين النجاسة غير كافٍ في التطهير ، مع أنه لا يحصل بالنفوذ الغسل العرفي حتى تشمله أحاديث الغسل. بل في صدق ملاقاة الماء أيضاً نظر ، لمنع صدق الماء على تلك الرطوبة النافذة.

وللروايات :

إحداها : صحيحة ابن مسلم ، فقال : « نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الدباء والمُزَفَّت ، وزدتم أنتم الحَنْتم (٢) ـ يعني الغضار (٣) ـ والمُزَفَّت » يعني الزفت الذي يكون في الزق ويصب في الخوابي ليكون أجود للخمر ؛ قال : وسألته عن الجرار الخضر والرصاص فقال : « لا بأس بها » (٤).

والاُخرى : رواية أبي الربيع : « نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن‌

__________________

(١) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٤٦٧.

(٢) الحَنتَم : جِرار مدهونة خضر كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة ثم اتسع فيها ، فقيل للخزف كلّه حنتم « النهاية الاثيرية ١ : ٤٤٨ ».

(٣) الغَضارَة : الطين اللازب الأخضر الحرّ كالغَضار (القاموس ٢ : ١٠٦) والمراد هنا الاناء الذي يُعمل منه.

(٤) الكافي ٦ : ٤١٨ الاشربة ب ٢٥ ح ١ ، التهذيب ٩ : ١١٥ / ٥٠٠ ، الوسائل ٢٥ : ٣٥٧ أبواب الاشربة المحرمة ب ٢٥ ح ١.


كل مسكر فكل مسكر حرام » فقلت له : فالظروف التي يصنع فيها منه ، فقال : « نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الدبا (١) ، والمزفّت ، والحَنْتَم ، والنقير » قلت : وما ذاك ؟ قال : « الدبا : القرع ، والمزفت : الدنان ، والحنتم : جرار خضر ، والنقير : خشب كانت الجاهلية ينقرونها حتى يصير لها أجواف ينبذون فيها » (٢).

والثالثة : رواية الجراح : « منع النقير ونبيذ الدبا » (٣).

أقول : إن أراد عدم طهارة الباطن ، فلا وجه ، وإن أراد مطلقاً ، فضعفه ظاهر ، ومستنده غير ناهض.

أما الأول : فلأنّه لا يفيد إلّا نجاسة الأعماق ، وسريان النجاسة من الباطن إلى الظاهر باطل ، وتنجّس ما يجعل في الإِناء من المائعات بملاقاتها لما في الباطن من النجاسة غير عدم تطهر الظاهر أولاً ، مع أنّه ممنوع جداً ، إذ ليس إلّا بالسراية ، فإنّه يتّصل المائع بالنجس بواسطة رطوبته النافذة ، ولا نسلّم التنجّس بذلك.

وأما الروايات : فلعدم انحصار وجه النهي في نجاسة الظاهر ، بل ولا الباطن ؛ إذ من الجائز أن يكون لاحتمال بقاء شي‌ء من أجزاء الخمر فيتصل بما فيه ، فنهى عن ذلك تعبّداً.

وأنْ يكون النهي متوجهاً إلى الانتباذ فيها ؛ لاحتمال تحقق الإِسكار به ، لا لسراية النجاسة في أعماقها ، كيف لا ؟! ومن جملتها المُزَفَّت المفسر بالمُقَيَّر ، والحَنْتَم المفسر بالمُدَهَّن ، ولا تجري فيهما السراية ، وإنْ هما إلّا كالأجسام الصلبة ، الغير القابلة لنفوذ شي‌ء فيها ، المتّفق على قبولها التطهير مطلقاً ، فليس الخبران من فرض‌

__________________

(١) قال الجوهري : الدباء ، بضم الدال المهملة ثم الباء المشدّدة الممدودة : القرع (منه ره).

(٢) الكافي ٦ : ٤١٨ الاشربة ب ٢٥ ح ٣ ، التهذيب ٩ : ١١٥ / ٤٩٩ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب النجاسات ب ٥٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٦ : ٤١٨ الاشربة ب ٢٥ ح ٢ ، الوسائل ٢٥ : ٣٥٧ أبواب الاشربة المحرمة ب ٢٥ ح ٢.


المسألة قطعاً.

خلافاً للمحكي عن القاضي (١) وللشيخ في مشارب النهاية (٢) أيضاً ، فقالا بعدم جواز استعمال غير الصلب منها وإن غسل ؛ للروايات المذكورة.

وهي لمخالفتها للشهرة القديمة والجديدة عن الحجّية خارجة ، فلمعارضة ما مرّ غير صالحة ، سيما مع اشتمال الأولين على الصلب الذي هو غير محل النزاع (أيضاً) (٣).

وظهر ممّا ذكرنا أنّ الحق طهارة الظاهر دون الباطن ، وجواز الاستعمال ولو في المائع. ويمكن حمل كل من المشهور ومذهب الإِسكافي على ذلك ، فنعم الوفاق إنْ كان كذلك.

ثم لا يخفى أنه لا يختص ما ذكرنا بإناء الخمر ، بل الحكم كذلك في كل إناء رخوٍ لنجاسةٍ مائعةٍ.

المسألة التاسعة : غسل إناء الخمر المطهر لظاهره مع الرخاوة ، ومطلقاً مع الصلابة ثلاث مرات ـ وفاقاً للشيخ في الخلاف والتهذيب (٤) على ما حكى ، وفي موضعين من مشارب النهاية (٥) ، وللنافع ، والشرائع ، والمنتهى (٦) ، واللوامع ـ لموثّقة عمّار في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ، قال : « يغسل ثلاث مرات » وسئل : يجزيه أن يصبَّ فيه الماء ؟ قال : « لا يجزيه حتى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرات » (٧).

دلّت على عدم الإِجزاء لو انعدم أحد الأمرين ، فيكونان لازمين. وجعل‌

__________________

(١) المهذب ٢ : ٤٣٤.

(٢) النهاية : ٥٩٢.

(٣) لا توجد في « هـ ».

(٤) الخلاف ١ : ١٨٢ ، التهذيب ٩ : ١١٧.

(٥) النهاية : ٥٩٢ ، ٥٨٩.

(٦) المختصر النافع : ٢٠ ، الشرائع ١ : ٥٦ ، المنتهى ١ : ١٨٩.

(٧) الكافي ٦ : ٤٢٧ الأشربة المحرمة ب ٣٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.


الواو في قوله : « ويغسله » مستأنفة خلاف الحقيقة والظاهر.

خلافاً للمعتبر ، والمختلف ، والتذكرة ، والبيان ، والروض ، والمدارك ، والمعالم ، وكفاية الأحكام (١) ، فاكتفوا بالمرة إما بعد الإِزالة كالأولين ، أو بالمرة المزيلة كالبواقي ، لإِطلاق موثّقة عمار الثانية (٢).

ويجاب عنه : بوجوب تقييد المطلق بالمقيد.

وللمفيد (٣) ، والشيخ في المبسوط والجمل وطهارة النهاية (٤) ، والمحقق الشيخ علي (٥) ، والدروس (٦) ، وجمع من المتأخرين (٧) ، بل قيل : الظاهر أنه المشهور (٨) ، فأوجبوا السبع ؛ لموثقته الاُخرى : في الإِناء يُشرب فيه النبيذ. قال : « يغسله سبع مرات وكذلك الكلب » (٩).

ويجاب عنها : بعدم دلالتها على الوجوب ؛ لمكان لفظ الإِخبار.

وللّمعة (١٠) فأوجب المرتين ، قياساً على الثوب والبدن. وضعفه ظاهر.

والحق اختصاص الحكم بالخمر ، فلا يتعدى إلى كل مسكر ؛ للأصل.

المسألة العاشرة : يجب غسل الإِناء من ولوغ الكلب [ ثلاث مرّات ] (١١) على الحقّ المشهور ، بل عليه الإِجماع محقّقاً ومنقولاً في الانتصار ، والمنتهى ،

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٦٢ ، المختلف : ٦٤ ، التذكرة ١ : ٩ ، البيان : ٩٣ ، الروض : ١٧٢ ، المدارك ٢ : ٣٩٦ ، المعالم : ٣٥٢ ، الكفاية : ١٤.

(٢) المتقدمة ٢٨٩ رقم ٥. والمراد الاستدلال بغير الجملة الاخيرة منها.

(٣) المقنعة : ٧٣.

(٤) المبسوط ١ : ١٥ ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ١٧١ ، النهاية : ٥٣.

(٥) جامع المقاصد ١ : ١٩١.

(٦) الدروس ١ : ١٢٥.

(٧) على ما في الحدائق ٥ : ٤٩٣.

(٨) يستفاد دعوى الشهرة من جامع المقاصد ١ : ١٩١.

(٩) التهذيب ٩ : ١١٦ / ٥٠٢ ، الوسائل ٢٥ : ٣٦٨ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣٠ ح ٢.

(١٠) اللمعة (الروضة ١) : ٦١.

(١١) ما بين المعقوفين أضفناه ، والوجه فيه واضح بالتأمل.


والذكرى (١) ، وعن الغنية (٢) ، إلّا أنّ الثاني استثنى الإِسكافي ، وهو الحجّة فيه.

مضافاً إلى العاميين والخاصيين المنجبر ضعفها بالشهرة العظيمة ، بل الإِجماع.

أحد الأولين : « إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله ثلاث مرات » (٣).

وكذا الآخر إلّا أن فيه : « فليغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً » (٤) وظاهره أنّ الزائد مستحب ؛ إذ التخيير خلاف الإِجماع ، كما صرح به في المنتهى (٥).

وأحد الثانيين : الرضوي : « إنْ وقع الكلب في الماء أو شرب منه ، اُهريق الماء وغسل الإِناء ثلاث مرات ، مرّة بالتراب ومرتين بالماء » (٦).

[ والآخر ] (٧) رواية البقباق المروية في المعتبر ، والمنتهى ، وموضع من الخلاف ـ على النسخة التي رأيتها ـ وغيرها من كتب الجماعة : عن الكلب ، فقال : « رجس نجس لا يتوضأ بفضله ، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء مرتين » (٨).

واختلاف الحديث مع ما في كتب الحديث المشهورة (٩) في اشتماله على ذكر المرتين دونه غير ضائر ؛ إذ لعلّه أخذه من الاُصول الموجودة عنده.

ولا يعارضه الحذف في كتب الحديث ؛ لاحتمال التعدد ، بل هو الظاهر ، للاختلاف في الأمر بالصبّ أيضاً ؛ فإنّ ما في كتب الحديث متضمّن له أيضاً ، مع‌

__________________

(١) الانتصار : ٩ ، المنتهى ١ : ١٨٧ ، الذكرى : ١٥.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١.

(٣) سنن الدارقطني ١ : ٦٦.

(٤) سنن الدارقطني ١ : ٦٥.

(٥) المنتهى ١ : ١٨٨.

(٦) فقه الرضا (ع) : ٩٣ ، وزاد في آخره : ثم يجفف ، المستدرك ٢ : ٦٠٢ أبواب النجاسات ب ٤٥ ح ١.

(٧) ما بين المعقوفين أضفناه لانسجام العبارة.

(٨) المعتبر ١ : ٤٥٨ ، المنتهى ١ : ١٨٨ ، الخلاف ١ : ١٧٤ ، الروض : ١٧٢ ، جامع المقاصد ٢ : ١٩٠.

(٩) اُنظر الوسائل ١ : ٢٢٦ أبواب الأسآر ب ١ ح ٤.


أنّ احتمال الحذف أظهر ، سيما مع أنّ الشيخ في التهذيب استدلّ به على المرتين (١).

وخلافاً للمحكي عن الإِسكافي فأوجب السبع (٢) ؛ للعامي : « إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً ، أوّلهن بالتراب » (٣) وموثّقة عمار المتقدمة (٤).

وهما بمخالفتهما للعمل عن حيّز الحجية خارجان ، مع ضعف الأول بنفسه سنداً وعدم الجابر ، والثاني دلالةً ؛ لكونه خبراً.

ويجب أن يكون اُولى الثلاث بالتراب ، وفاقاً للشيخ ، والديلمي ، والقاضي (٥) ، وبني حمزة وإدريس وزهرة (٦) ، والفاضلين (٧) ، وجُلّ المتأخرين ، بل أكثر الأصحاب ، كما صرّح به غير واحد (٨) ، بل عن الغنية الإِجماع عليه (٩) لصحيحة البقباق على جميع النسخ.

ولا يعارضها إطلاق الرضوي ، لوجوب تقييده ، سيما مع ما فيه من التقديم الذكري المحتمل لإِرادة الترتيب ، كما في كلام الصدوقين (١٠) ، بل يمكن إرادة ذلك من كلام مَنْ أطلق من غير تقديم في الذكر أيضاً ، كالانتصار ، والجمل ، والخلاف (١١).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢٥.

(٢) نقله عنه في المعتبر ١ : ٤٥٨.

(٣) سنن البيهقي ١ : ٢٤١.

(٤) ص ٢٩٢.

(٥) النهاية : ٥٣ ، المراسم : ٣٦ ، المهذب ١ : ٢٨.

(٦) الوسيلة : ٨٠ ، السرائر ١ : ٩١ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١.

(٧) المحقق في المعتبر ١ : ٤٥٨ ، والشرائع ١ : ٥٦ ، والمختصر النافع : ٢٠ ، والعلامة في المنتهى ١ : ١٨٧ ، والتذكرة ١ : ٩ ، والقواعد ١ : ٩.

(٨) المعتبر ١ : ٤٥٨ ، التنقيح ١ : ١٥٧ ، المدارك ٢ : ٣٩٠.

(٩) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٥١.

(١٠) المقنع : ١٢ ، الفقيه ١ : ٨ ، ونقله في المنتهى ١ : ١٨٨ عن والد الصدوق.

(١١) الانتصار : ٩ ، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى ٣) : ٢٣. ، الخلاف ١ : ١٧٥.


نعم ، عن المقنعة أنه أوجب توسيط التراب (١).

ولا ريب في ضعفه. وجعله في الوسيلة رواية (٢) لا يفيد ؛ إذ غايته أنّه رواية مرسلة شاذّة غير صالحة لمنازعة الصحيحة المؤيدة بعمل السواد الأعظم.

فروع :

أ : في وجوب مزج التراب بالماء‌ ، أو وجوب عدمه إلّا مع عدم إيجابه لخروج التراب عن الاسم ، أو عدم وجوب شي‌ء منهما أقوال.

الأول : عن الراوندي (٣) والحلي (٤) ، وجَعَله في المنتهى قويّاً (٥) ؛ تحصيلاً لحقيقة الغسل ، كما صرّح به الحلي (٦) ، حيث جعلها جريان المائع على المحل ، أو لأقرب المجازات (اليها) (٧) ، كما قيل (٨) ، حيث إنّ الغسل بالماء المطلق أو مثله من المائعات.

والثاني : للعاملي (٩) ؛ تحصيلاً لحقيقة التراب.

والثالث : عن المختلف ، والذكرى ، والدروس ، والبيان (١٠) ؛ لإِطلاق النص ، وإيجاب تحصيل إحدى الحقيقتين لترك الاُخرى ، فلا ترجيح.

ونحن نضعّف الأول : بأنّ تحصيل حقيقة الغسل غير ممكن ؛ لعدم صدقه‌

__________________

(١) المقنعة ٦٨.

(٢) الوسيلة : ٨٠.

(٣) نقله عنه في الذكرى : ١٥.

(٤) السرائر ١ : ٩١.

(٥) المنتهى ١ : ١٨٨.

(٦) السرائر ١ : ٩١.

(٧) لا توجد في « ق ».

(٨) الروض : ١٧٢ ـ ذكره في مقام الاستدلال على قول ابن إدريس. وكذلك في المدارك ٢ : ٣٩٢ ، والحدائق ٥ : ٤٧٩.

(٩) الروض : ١٧٣.

(١٠) المختلف : ٦٣ ، الذكرى : ١٥ ، الدروس ١ : ١٢٥ ، البيان : ٩٣.


مع الامتزاج كيف ما كان ، إلّا مع استهلاك التراب بحيث لا يصح التجوّز عنه أيضاً.

وتحصيل الأقرب مع إيجابه التجوّز في التراب لا يصلح للاستناد ؛ إذ لا دليل على وجوبه.

وكون مجازين قريبين خيراً من حقيقة ومجاز بعيد ـ بعد صحته ـ ممنوع.

ومنع التجوز في التراب لإِمكان حمل الباء على الملابسة والمصاحبة غير مفيد ؛ لإِيجابه مجاز الحذف في متعلّق الظرف ، بل لا ينفك عن التجوز في التراب أيضاً ؛ إذ لا تتحقق مصاحبته وملابسته حال الغسل بمعناه الحقيقي ، وعلى هذا فحقيقة الغسل متروكة قطعاً.

ومنه يعلم ضعف الثالث أيضاً ؛ لأنّ تحصيل حقيقة الغسل غير ممكن ، بخلاف حقيقة التراب ، فلا وجه لتركها. وإطلاق النص ممنوع ؛ لتعليقه على التراب الواجب حمله على الحقيقة ، فخير الأقوال وأقواها : أوسطها.

ب : حكم في المنتهى باشتراط طهارة التراب‌ (١) ، وتبعه جملة من الأصحاب (٢) ، منهم والدي العلّامة ـ رحمه الله ـ معلّلاً بأنّ المطلوب منه التطهير ، وهو غير مناسب بالنجس. وبلزوم الاقتصار فيما خالف الأصل على الفرد المتبادر وهو الطاهر لأنه الغالب.

ويضعفان : بمنع عدم المناسبة والتبادر. وأضعف منهما : التمسك بقوله : « جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً » (٣).

ولذا احتمل في النهاية إجزاء النجس (٤) ، ويظهر من المدارك والمعالم الميل إليه (٥). وهو قوي.

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٨٩.

(٢) منهم الشهيدان في الدروس ١ : ١٢٥ ، والروض : ١٧٢.

(٣) راجع الوسائل ٣ : ٣٤٩ أبواب التيمم ب ٧ ، وجامع الأحاديث ٣ : ٥٣.

(٤) نهاية الإِحكام ١ : ٢٩٣.

(٥) المدارك ٢ : ٣٩٢ ، المعالم : ٣٤٠.


ج : الحق عدم جواز العدول إلى غير التراب مما يشبهه‌ ، لا اختياراً كما جوّزه الإِسكافي على ما حكاه عنه في المختلف (١) ، ولا اضطراراً كما جوّزه في المبسوط ، والدروس ، والبيان (٢) ؛ استصحاباً للنجاسة ، واقتصاراً على النص ، وتضعيفاً للعلّة المستنبطة.

والاضطرار لا يوجب طهارة النجس بغير المطهر الشرعي ، ولا يلزم تكليف بما لا يطاق ؛ إذ لا تكليف باستعمال الإِناء ، وغاية ما يثبت من نفي الضرر ـ لو تمّ هنا ـ العفو دون الطهارة.

ومنه يظهر عدم بدلية الماء كما في القواعد (٣) وعدم جواز الاكتفاء بالمرتين في التطهر مع تعذّر التراب أو خوف فساد المحل به كالتذكرة والمنتهى والتحرير (٤) ، أو مع الأخير خاصة كالأول ، كما يظهر عدم التطهر لو فقد الماء رأساً.

د : لا يلحق بالولوغ اللّطع‌ ، كطائفة (٥) منهم : والدي العلّامة رحمه الله. ولا وقوع لعاب فمه ، أو عرقه ، أو سائر رطوباته ، كالفاضل في النهاية (٦). ولا مباشرته بفمه من غير ولوغ ، أو بباقي أعضائه ، كالصدوقين (٧) والمقنعة (٨). ولا وقوع غسالة الولوغ ، كالكركي (٩) ؛ لعدم الدليل ، فحكمه حكم سائر النجاسات الغير المنصوصة بخصوصها كما يأتي.

والأولوية المدّعاة في بعضها ممنوعة. واستصحاب النجاسة إنما يفيد الإِلحاق‌

__________________

(١) المختلف : ٦٤.

(٢) المبسوط ١ : ١٤ ، الدروس ١ : ١٢٥ ، البيان : ٩٣.

(٣) القواعد ١ : ٩.

(٤) التذكرة ١ : ٩ ، المنتهى ١ : ١٨٨ ، التحرير ١ : ٢٦.

(٥) جامع المقاصد ١ : ١٩٠ ، المعالم : ٣٣٦ ، المدارك ٢ : ٣٩٣ ، الحدائق ٥ : ٤٧٥.

(٦) نهاية الاحكام ١ : ٢٩٤.

(٧) المقنع : ١٢ ، الفقيه ١ : ٨ ، ونقله في المنتهى ١ : ١٨٨ والمعالم : ٣٣٦ عن والد الصدوق.

(٨) المقنعة ٦٨.

(٩) جامع المقاصد ١ : ١٩٠.


لولا القول بما يباين حكم الولوغ في غير المنصوصة من النجاسات ، وهو متحقق ، فإنّ منهم من يقول بوجوب ثلاث مرات بالماء فيه ، فله أن يستصحب النجاسة بعد الغسل مرتين بالماء ومرة بالتراب.

وتصريح الرضوي بإلحاق الوقوع ـ لضعفه الخالي عن الجابر في المقام ـ غير مفيد.

وصدق الفضل المذكور في صحيحة البقباق على بعض ما ذكر لمرادفته للسؤر ممنوع ، بل معنى السؤر ما يفضل من شربه المستلزم للولوغ.

نعم ، صدقه على ماء الولوغ مما لا ريب فيه ، فوقوعه في إناء كالولوغ فيه ، كما ذهب إليه الفاضل في نهاية الإِحكام (١) ، ووالدي رحمه الله.

ويؤيده عدم تعقل الفرق بين تأخر الولوغ عن كون الماء في الإِناء وتقدمه عليه.

هـ : لا يسقط التعفير في الجاري والكثير‌ ، وفاقاً لظاهر الأكثر ، وصريح المنتهى والمعتبر (٢) ؛ استصحاباً للنجاسة ، وعملاً بالإِطلاق.

خلافاً لظاهر المحكي عن الخلاف ، والمبسوط ، والمختلف (٣) ، وإن أمكن حمل كلامهم على المشهور أيضاً ، وهم محجوجون بما مر.

وعموم : « كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر » (٤) مخصوص بروايات الولوغ. وبقاء حكم النجاسة مع ملاقاة الكثير وإنْ لم تبق العين غير مستبعد ، ونظيره في الشرع يوجد.

وفي سقوط التعدد وعدمه أقوال يأتي ذكرها.

و : إن وقعت في الإِناء نجاسة قبل تمام غسله‌ تداخلت مع الولوغ فيما‌

__________________

(١) نهاية الأحكام ١ : ٢٩٥.

(٢) المنتهى ١ : ١٨٩ ، المعتبر ١ : ٤٦٠.

(٣) الخلاف ١ : ١٧٨ ، المبسوط ١ : ١٤ ، المختلف : ٦٤.

(٤) المتقدم ص ٢٥٩.


يتساويان فيه ، ويزاد الزائد للزائد ، بالإِجماع.

وفي المدارك : وبه قطع الأصحاب ، ولا أعلم في ذلك مخالفاً (١) وفي الذخيرة : لا أعلم مصرحاً بخلافهم (٢) ، وفي اللوامع : والظاهر وفاقهم عليه.

وهو الحجة ، مضافاً إلى إطلاق ما يدلّ على زوال إحدى النجاستين ، وحصول التطهّر منها بما له من العدد ، فإنّ قوله : اغسله كذا ، في معنى أنّ الغسل الكذائي يطهّره ، وهو أعم من أن تزول به نجاسة اُخرى أيضاً ، ومع التطهر وزوال النجاسة لا يحتاج إلى غسل إجماعاً ، وبذلك تزول أصالة عدم تداخل الأسباب.

وقد يقال : إنّ التداخل هنا لا ينافي أصالة عدم تداخلها ؛ لأنّ الظاهر أنّ الوجوب هنا توصّلي والعلّة ظاهرة (٣).

وهذا إشارة إلى ما ذكروه من اختصاص ذلك الأصل بما إذا لم يكن المقصود حصول أصل الفعل كيف اتفق ، والواجب التوصلي كذلك.

ولكن يرد عليه : أن هذا إنما يتم لو علم حصول المقصود المتوصل إليه ، وللمانع منعه هنا ؛ إذ له أن يقول : إن المقصود التطهر ، وحصوله مع التداخل غير معلوم ، ولذا قيل : إنّ التداخل في أبواب الطهارة إنما يتم فيما علم فيه أنّ المقصود تحصيل مهيّة الغسل لغرض الإِزالة ، فإنّه مع التداخل حاصل ، لا ما علمت فيه خصوصية اُخرى أيضاً.

ومن ثم اختار في المعالم عدم التداخل فيما يثبت فيه التعدد بالنص (٤).

وقال والدي العلّامة ـ رحمه الله ـ في اللوامع : وهو متجه لولا وفاقهم عليه.

ومثل النجاسة الواقعة ولوغ آخر ؛ لما مر ، ولأنّ كلاً من الولوغ والكلب

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣٩٥.

(٢) الذخيرة : ١٧٨.

(٣) غنائم الأيام : ٧٢.

(٤) المعالم : ٣٤٧.


جنس يقع على القليل والكثير ، فإنْ كان قبل التعفير يعفّر ويغسل مرتين لهما ، وإنْ كان بعده يعفّر للأخير ويغسل لهما ، وإنْ كان بعد غسله مرة يعفّر ، ويغسل مرتين ، واحدة لهما ، والاُخرى للأخير.

ز : هل الحكم يعمّ جميع المائعات أو يختصّ بالماء ؟

ظاهر إطلاقات أكثر الفتاوي الأول ، ولكن الروايتين المتضمنتين للتعفير مختصتان بالماء.

والعاميان وإنْ كانا مطلقين ، لتحقق الولوغ في كل مائع يشربه الكلب بلسانه ، ولكنّهما خاليان عن ذكر التعفير.

وكون إحدى الثلاث في الماء تعفيراً لا يفيد ؛ لدوران الأمر بين التخصيص بغير الماء وإبقاء الغسل على حقيقته ، أو التجوز في الغسل ، ولا مرجح.

وعلى هذا فإن ثبت الإِجماع على التعميم ، وإلّا فيكون حكم غير الماء حكم النجاسات الغير المنصوصة ، والاحتياط جمع الحكمين متداخلين.

ح : لا يجب الدلك في التعفير ؛ للأصل. فيكفي صبّ التراب في الإِناء وتحريكه حتى يعلم وصوله إلى جميع مواضعه. ولا التجفيف بعد الغسل ؛ لما ذكر.

خلافاً للمقنعة في الأخير (١) ؛ للرضوي (٢). ولا حجية فيه بدون الانجبار.

ط : ولوغ الخنزير كسائر النجاسات الغير المنصوصة عليها بخصوصها‌ ـ وفاقاً للمحقق (٣) والحلي (٤) ، بل أكثر من تقدم عليهما (٥) ، لعدم تعرضهم له بخصوصه ـ للأصل ، وعدم دليل على وجوب عدد فيه بخصوصه.

__________________

(١) المقنعة : ٦٨.

(٢) المتقدم ص ٢٩٤ رقم ٦.

(٣) المعتبر ١ : ٤٥٩.

(٤) السرائر ١ : ٩٢.

(٥) كالمفيد في المقنعة : ٦٨ ، وسلّار في المراسم : ٣٦ ، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) : ١٨٢.


وخلافاً للفاضل (١) وأكثر من تأخّر عنه (٢) فأوجبوا السبع ؛ لصحيحة علي : عن خنزير يشرب من الإِناء كيف يصنع به ؟ قال : « يغسل سبع مرات » (٣).

ويضعّف : بعدم دلالتها على الوجوب.

وللمحكي عن الخلاف ، فجعله كالكلب ؛ حملاً له عليه (٤). وضعفه ظاهر.

المسألة الحادية عشرة : يغسل لموت الجِرذ ـ وهو كبير الفأر ـ سبع مرّات‌ ؛ لموثقة عمار : « اغسل الإِناء الذي تصيب فيه الجرذ سبعاً » (٥).

وقيل : بالثلاث (٦). وقيل : مرّتان (٧). وقيل : مرة مزيلة (٨). وقيل : بعد الإِزالة (٩). ولا مستند تام لشي‌ء منها.

ولا يلحق به غيره من أنواع الفأر ؛ للأصل.

المسألة الثانية عشرة : يغسل الإِناء من النجاسات الغير المنصوصة عليها ‌بخصوصها ـ سوى الخنزير وما اُلحق بولوغ الكلب من وقوع رطوباته أو مباشرته ـ ثلاثاً ، وفاقاً للصدوق (١٠) ، والإِسكافي (١١) ، والمبسوط ، والخلاف (١٢) ، والكركي ،

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٨٩ ، التذكرة ١ : ٩ ، المختلف : ٦٤.

(٢) كالشهيد الأول في الذكرى : ١٥ ، والثاني في الروض : ١٧٢ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ١٩١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٦٠ ، الوسائل ١ : ٢٢٥ أبواب الأسآر ب ١ ح ٢.

(٤) الخلاف ١ : ١٨٦.

(٥) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١ ـ بتفاوت يسير ـ.

(٦) القواعد ١ : ٩.

(٧) الروضة ١ : ٦٣.

(٨) الكفاية : ١٤.

(٩) المختلف : ٦٤ ، المدارك ٢ : ٣٩٦.

(١٠) لم نعثر عليه في كتبه ولا على من نسبه إليه قبل المصنف.

(١١) نقله عنه في المعتبر ١ : ٤٦١.

(١٢) المبسوط ١ : ١٥ ، الخلاف ١ : ١٨٢.


والدروس ، والذكرى (١) ، ووالدي ـ رحمه الله ـ في اللوامع والمعتمد ؛ للاستصحاب المؤيد بالموثق : عن الكوز والإِناء يكون قذراً ، كيف يغسل وكم مرة يغسل ؟ قال : « ثلاث مرات ، يصبّ فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء ، ثم يصبّ فيه ماء آخر ثم يفرغ منه ذلك الماء ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر ثمّ يفرغ منه وقد طهر » (٢).

لا مرتان ، كاللمعة ورسالة الشهيد (٣) ؛ قياساً على البول في الثوب والجسد.

ولا المرة المزيلة ، كالعاملي (٤) وولديه (٥) ، والفاضلين في أكثر كتبهما (٦) ، بل نسب إلى الأشهر (٧) ؛ لمطلقات الأمر بالغسل ، وأصالة البراءة ، واستصحاب طهارة الملاقي له بعدها.

ولا بعد الإِزالة كالمعتبر والمختلف والبيان (٨) ؛ لذلك مع عدم التأثير للماء مع وجود المنجس ، فالغسل بعد إزالته لازم.

لضعف الأول : ببطلان القياس.

والثاني : بمنع وجود مطلق يشمل الإِناء. واندفاع الأصل بالاستصحاب. ومعارضة استصحاب طهارة الملاقي لاستصحاب نجاسة الإِناء ، وغلبة الثاني على الأول ؛ لكونه مزيلاً له.

والثالث : بذلك أيضاً ، مع ما فيه من منع عدم التأثير لو لم يمنع المنجس‌

__________________

(١) جامع المقاصد ١ : ١٩٢ ، الدروس ١ : ١٢٥ ، الذكرى : ١٥.

(٢) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٦ ، أبواب النجاسات ب ٥٣ ح ١.

(٣) اللمعة (الروضة ١) : ٦٢ ، الألفية : ٣٨.

(٤) الروض : ١٧٢.

(٥) المعالم : ٣٥٦ ، المدارك ٢ : ٣٩٦ (اطلق عليه الولد باعتبار كونه سبطاً للشهيد الثاني).

(٦) الشرائع ١ : ٥٦ ، والمختصر النافع : ٢٠. لم يصرّح فيهما بالمزيلة ولكنه يستفاد من إطلاق الكلام. المنتهى ١ : ١٩٠ ، التذكرة ١ : ٩ ، التحرير ١ : ٢٦.

(٧) نسبه في الرياض ١ : ٩٩.

(٨) المعتبر ١ : ٤٦٢ ، المختلف : ٦٤ ، البيان : ٩٣.


من ملاقاة الماء للإِناء ، وإلّا فعن الكلام خارج.

وأما الخنزير فيغسل لولوغه ـ بل لوقوع رطوباته ومباشرته ـ سبعاً ؛ للاستصحاب ، حيث إنّ بالسبع يحصل اليقين بالطّهارة ؛ لعدم قول بالزائد دون ما دونها. وهذا وإنْ وافق قول الفاضل ومن تأخر عنه عدداً ، ولكنه يخالفه سنداً (١).

وأما فيما اُلحق بالكلب : فيشكل الحكم فيه ؛ لمباينة الثلاث الترابيّة للثلاث المائية ، فلا يحصل اليقين بالطهارة بإحداهما.

ومقتضى النظر : التخيير بينهما ، والاحتياط الجمع بين ثلاث مرات مائية وواحدة ترابية ، والأحوط : ضمّ واحدة ترابية مع السبع المائية في الخنزير أيضاً ؛ لوجود قول بإلحاقه بالكلب (٢) وإنْ شذّ جداً.

فرع :

لو كان الإِناء مثبتاً يشق قلعه‌ ، يملأ ماءً في كل مرة ويفرغ ، أو يصب فيه ماء ويحرك بمعونة اليد ونحوها حتى يعلم وصوله إلى كل موضع منه ، أو يؤخذ نحو إبريق ويغسل كلّ جزء منه ، مبتدئاً من الأعلى أو الأسفل إلى أنْ يغسل جميعه ، فيفرغ ماءه ثمّ يغسله ثانياً كذلك.

هذا على القول بطهارة الغسالة كما هو الحقّ ، وإلا فينبغي أنْ يبدأ من الأسفل ويختم بالأعلى في كل مرة ، أو يملأ ماء دفعة عرفية.

المسألة الثالثة عشرة : التعدد في البدن والثوب هل يختص بالقليل ؟ أو به وبالكثير ؟ أو يجب فيهما وفي الجاري ؟

الأول : للتذكرة ، والذكرى (٣) نافياً عنه الريب ، واللمعة ، والشهيد الثاني ،

__________________

(١) راجع ص ٣٠٢.

(٢) الخلاف ١ : ١٨٦.

(٣) التذكرة ١ : ٩ ، الذكرى : ١٥.


والمدارك ، والحدائق (١) ، واللوامع حاكياً له عن المشهور ، ونسب إلى المحقق الثاني ، وما رأينا من كلامه في شرح القواعد (٢) والرسالة خالٍ عن التخصيص.

والثاني : للفقيه ، والهداية (٣) ، وعن الجامع للشيخ نجيب الدين (٤).

والثالث : ظاهر المعتبر ، والشرائع ، والمنتهى ، والتحرير (٥) ، وعن الشيخ (٦).

ونقل في اللوامع عن بعضهم ما يظهر منه الميل الى التفصيل باختيار الثاني في الثوب والثالث في غيره.

والذي يقتضيه الدّليل هو الأول في البدن والثاني في الثوب.

أمّا الأول : فلمطلقات الأمر بغسل البدن من البول ، المقتضية لإِجزاء الماهية فيه ، كحسنة الحلبي المتقدمة (٧).

وصحيحة البجلي : عن رجل يبول بالليل فيحسب أنّ البول أصابه ، فلا يستيقن ، فهو يجزيه أنْ يصبّ على ذكره إذا بال ولا ينشف ؟ قال : « يغسل ما استبان أنّه أصابه ، وينضح ما يشك فيه من جسده أو ثيابه » (٨).

إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في من نسي غسل ذكره وصلّى (٩) ، وغيرها.

وأما أخبار المرتين المتقدمة (١٠) في الجسد ، فهي لمكان الأمر بالصبّ صريحة‌

__________________

(١) اللمعة (الروضة ١) : ٦٢ ، الروضة : ١ : ٦٢ ، المدارك ٢ : ٣٣٩ ، الحدائق ٥ : ٣٦٢.

(٢) جامع المقاصد ١ : ١٧٣. نسبه إليه في المدارك ٢ : ٣٣٩.

(٣) الفقيه ١ : ٤٠ ، الهداية : ١٤.

(٤) الجامع للشرائع : ٢٢ ، قال فيه : يغسل البدن من البول مرتين ، والثوب مرة في الجاري ، ومرتين في الراكد.

(٥) المعتبر ١ : ٤٣٥ ، الشرائع ١ : ٥٤ ، المنتهى ١ : ١٧٥ ، التحرير ١ : ٢٤.

(٦) المبسوط ١ : ١٤.

(٧) المتقدمة ص ٢٧٦.

(٨) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٤ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٢.

(٩) راجع الوسائل ١ : ٢٩٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨.

(١٠) ص ٢٨٣ ـ ٢٨٤.


في القليل ؛ إذ لا صبّ في غيره إلّا بعد إفراز القليل منه.

وأمّا الثاني : فللأمر بغسل الثوب من البول مرتين في المستفيضة المتقدّمة ، الشاملة بإطلاقها للغسل في كلّ من الثلاثة ، خرج الجاري بصحيحة ابن مسلم والرضوي المتقدّمين (١) وبقي الباقي.

ودعوى ظهور المستفيضة في القليل ممنوعة.

وهذا هو المتعمد عندي ، وعدم الفصل في ذلك بين الثوب والبدن غير ثابت.

احتجّ الأوّلون : بالأصل ، وإطلاقات الغسل.

والأوّل ـ مع معارضة الاستصحاب ـ مدفوع : بما مرّ ، كما أنّ الثاني مقيّد به.

وقد يستدلّ أيضاً ببعض اعتبارات ضعفها ظاهر.

وأما الثاني [ فليس ] (٢) حكمه بالتعدّد في الكثير مطلقاً ؛ لعدم قوله بالتعدد في غير الثوب كما هو ظاهر الفقيه والهداية (٣) ، وإلا فلا وجه له إلا بجعل حكم البدن والثوب واحداً بالإِجماع المركّب ، أو مفهوم الموافقة ، وضعفهما ظاهر.

ولا وجه ظاهر للثالث إلّا استصحاب النجاسة ، المندفع بما مر.

وأمّا الرابع : فنظره في الثوب إلى الصحيحة ، وهو صحيح ؛ وفي البدن إلى ظاهر أخبار التعدّد فيه ؛ وهو لما ذكرنا ضعيف.

هذا في الثوب والبدن ، وأمّا الإِناء فكالبدن في ولوغ الكلب ، فيسقط التعدد في غير القليل ؛ لضعف روايات التعدد فيه ، وعدم الجابر في المورد ، فيبقى‌

__________________

(١) تقدم ذكرهما ص ٢٨٤ رقم ١ ، ٥.

(٢) في جميع النسخ : فلعلّ ، بدّلناه لاستقامة المعنى.

(٣) الفقيه ١ : ٤٠ ، الهداية : ١٤.


إطلاق مرسلة الكاهلي وصحيحة البقباق (١) على ما في كتب الحديث خالياً عن المعارض.

وكالثوب في البواقي ، فيسقط في الجاري ؛ للمرسلة بضميمة عدم الفصل بين الجاري والمطر.

وتعارضها في الخمر مع إحدى الموثّقتين (٢) بالعموم من وجه غير ضائر ؛ لإِيجابه الرجوع إلى إطلاق الاُخرى ، دون الكثير ؛ لاستصحاب النجاسة ، وإطلاق دليل التعدّد.

وعدم الفصل بينه وبين ماء المطر في هذا المقام غير ثابت.

المسألة الرابعة عشرة : المعتبر فيما يعتبر فيه التعدّد الحسي‌ ، بأنْ يغسل ويقطع فيغسل ثانياً ؛ للاقتصار على موضع اليقين ، ولأنّ المتبادر من المرّتين ما حصل بينهما فصل وانقطاع ، فلا يصدقان بدونهما ، وفاقاً لظاهر الأكثر ، وفي المدارك : أنّه ظاهر عبارات الأصحاب (٣) ، وعن جماعة منهم : الشهيد الثاني : التصريح به (٤).

خلافاً للذكرى ، فاكتفى بالتقديري كالماء المتصل (٥) ، ونسبه في المعالم إلى جماعة (٦) ، للزيادة المتقدّمة في خبر ابن أبي العلاء (٧). وقد عرفت ما فيها.

وللمدارك : فقال بإمكان الاكتفاء بالتقديري لو كان الاتصال بقدر زمان الغسلتين والقطع فيما لا يعتبر تعدّد العصر فيه ؛ لدلالة فحوى كفاية الحسي عليه ؛ إذ وجود الماء لا يكون أضعف حكماً من عدمه (٨).

__________________

(١) المتقدمتين ص ٢٥٩ ، ٢٩٤.

(٢) المتقدمتين ص ٢٨٩.

(٣) المدارك ٢ : ٣٣٩.

(٤) حكى عنهم وعن الشهيد الثاني في الحدائق ٥ : ٣٦١.

(٥) الذكرى : ١٥.

(٦) المعالم : ٣٢٢.

(٧) ص ٢٦٧.

(٨) المدارك ٢ : ٣٣٩.


ويضعّف : بأنّها موقوفة على العلم بعلّة الحكم وكونها في الفرع أقوى ، وهي في المورد غير معلومة ، وربما كان لخصوص القطع مدخلية.

ثم لا يكفي في الكثير على اعتبار التعدد فيه وضع المحل فيه وخضخضته وتحريكه ، بحيث يمر عليه أجزاء من الماء غير التي كانت ملاقية له ، ولا في الجاري مرور جريات من الماء عليه ، كما قال به في المنتهى في أحكام الأواني (١) ؛ لعدم صدق المرتين بمجرد ذلك عرفاً.

المسألة الخامسة عشرة : توقّف زوال حكم النجاسة على زوال عينها ظاهر‌ ، مقطوع به في كلام الأصحاب ، مدلول عليه بالأخبار.

والحق المشهور ـ كما في المعتمد واللوامع ـ عدم العبرة ببقاء اللون والريح بعد القطع بزوال العين ، وعليه إجماع العلماء في المعتبر (٢).

خلافاً للمنتهى والتذكرة ونهاية الإِحكام (٣) ، فقيّدوهما بعسر الإِزالة.

لنا : مضافاً إلى صدق الغسل بزوال العين وإنْ بقيا ، حسنة ابن المغيرة ، في الاستنجاء : قلت : فإنّه ينقى ما ثمّة ويبقى الريح ، قال : « الريح لا ينظر إليها » (٤).

والمستفيضة الدالة على جواز إخفاء لون دم الحيض الذي لا يزول بالغسل بصبغ الثوب بمشق لأجل إزالة صورته (٥) ، ولو نجس الأثر لغا الصبغ.

واختصاصها بلون دم الحيض غير ضائر ، لعدم الفصل.

والعامي المذكور في المعتبر والمنتهى ، المروي عن خويلة بنت يسار عن‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٨٩.

(٢) المعتبر ١ : ٤٣٦.

(٣) المنتهى ١ : ١٧١ ، التذكرة ١ : ٩ ، نهاية الإِحكام ١ : ٢٧٩.

(٤) الكافي ٣ : ١٧ الطهارة ب ١٢ ح ٩ ، التهذيب ١ : ٢٨ / ٧٥ ، الوسائل ١ : ٣٢٢ أبواب أحكام الخلوة ب ١٣ ح ١.

(٥) راجع الوسائل ٣ : ٤٣٩ أبواب النجاسات ب ٢٥.


رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « أرأيت لو بقي أثره ؟ فقال : « الماء (١) يكفيك ولا يضرّ أثره » (٢) وضعفه بالشهرة منجبر.

[ إنْ ] (٣) قيل : انتقال العرض محال لا يجوز ، فبقاؤه كاشف عن بقاء العين.

قلنا : ممنوع ؛ لجواز حصوله بإيجاد الله سبحانه بعد استعداد المحلّ بالمجاورة ، مع أنّ الأحكام الشرعية تابعة للأسماء ، واللون والريح لا يسميان عذرة مثلاً كيفما كانا. واستصحاب حكم النجاسة بما مرّ مندفع.

والتقييد بعسر الإِزالة يمكن أن يكون لأجل أنّ ما يسهل إزالته لا ينفك عن العين. وفيه منع ظاهر.

نعم ، الظاهر بقاء العين مع كون اللون بحيث ينشر من المحل ، ويتعدّى إلى غيره بالمجاورة ، وأما الريح فليس كذلك ، ولذا يتعدّى إلى الغير من غير تعدّي العين ، كما يتعدّى من الورد إلى مجاوره ، ويشعر به ما نفى البأس عن بقاء الريح في محلّ الاستنجاء ، فإنّ الظاهر أنّ بقاءه إنّما يعلم من تعدّيه إلى يد ونحوها.

وأمّا الطعم ، واللزوجة ، والملاسة ، والدسومة ، فالظاهر وجوب إزالتها كما صرح به الشيخ في الأول في النهاية والخلاف (٤) ؛ للزوم تحصيل اليقين بزوال العين ، والظاهر عدم حصوله مع بقاء واحد منها ، فيستصحب بقاء العين المستلزم للنجاسة. مع أنّ الأدلة غير شاملة لها. وعموم الأثر في العامي غير مفيد ؛ لعدم انجباره في غير الوصفين.

هذا إذا كان أحد هذه الأعراض من أوصاف ما تنجس به المحل ، أما لو لم يكن منه فلا تجب إزالة الوصف. مثلاً : إذا تنجس محل بالشي‌ء الدسم ، تجب إزالة الدسومة ، لا ما إذا تنجس المحل الدسم بغيره ، أو دسم محل نجس ، فإنّه‌

__________________

(١) كلمة « الماء » لا توجد في « ق ».

(٢) المعتبر ١ : ٤٣٦ ، المنتهى ١ : ١٧٥ ، وسنن البيهقي ٢ : ٤٠٨.

(٣) أضفناها لاقتضاء السياق.

(٤) لم نعثر عليه فيهما.


لا يضرّ حينئذٍ بقاء الدسومة إلّا مع ميعان الشي‌ء الدسم ، بحيث ينجس جميع أجزاء الدهن الواقعة فيه.

*       *      *


الفصل الثاني : في الشمس‌

وهي وإن كانت من المطهّرات عند جمهور أصحابنا ، إلّا أنّهم اختلفوا فيها في ثلاثة مواضع :

الأول : في الطهارة الحاصلة منها ، هل هي حقيقية أو حكمية ؟

الثاني : فيما يطهر منها.

الثالث : فيما تطهّره.

ونذكرها في مسائل :

المسألة الاُولى : اختلفوا في أنّ ما جففته الشمس هل هو طاهر حقيقة‌ ، أو في حكمه في جواز الاستعمال والسجود عليها مع اليبوسة ؟

فالحق الموافق لمذهب الشيخين (١) ، والحلّي (٢) ، والمحقق في الشرائع (٣) ، والفاضل في جملة من كتبه (٤) ، ومعظم المتأخّرين (٥) ، بل هو الأشهر كما نصّ عليه جماعة (٦) ، بل عليه الإِجماع في ظاهر السرائر (٧) كالمحكي عن الخلاف (٨) : الأول.

وعن الراوندي (٩) وابن حمزة (١٠) : الثاني. ويظهر من الإِسكافي (١١) كبعض‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٧١ ، والطوسي في المبسوط ١ : ٣٨ ، والخلاف ١ : ٢١٨.

(٢) السرائر ١ : ١٨٢.

(٣) الشرائع ١ : ٥٥.

(٤) كالمختلف : ٦١ ، والمنتهى ١ : ١٧٧ ، والتذكرة ١ : ٨.

(٥) كما في التنقيح ١ : ١٥٥ ، وجامع المقاصد ١ : ١٧٨ ، والبحار ٧٧ : ١٥١.

(٦) منهم صاحب المفاتيح ١ : ٧٩ ، والحدائق ٥ : ٤٣٦ ، والرياض ١ : ٩٤.

(٧) السرائر : ١ : ١٨٢.

(٨) الخلاف ١ : ٢١٨ ـ ٤٩٥.

(٩) نقله عنه في المعتبر ١ : ٤٤٦.

(١٠) الوسيلة : ٧٩.

(١١) نقله عنه في المعتبر ١ : ٤٤٦.


المتأخرين (١) الميل إليه ، واستجوده في المعتبر (٢) ، وهو ظاهر المختصر النافع (٣) ، وتوقف في المدارك (٤).

لنا : صحيحة زرارة : عن البول يكون على السطح ، أو في المكان الذي اُصلّي فيه ، فقال : « إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه ، فهو طاهر » (٥).

ورواية الحضرمي : « ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر » (٦).

والرضوي : « ما وقعت عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شي‌ء من النجاسات مثل البول وغيره طهرتها ، وأما الثياب فلا تطهر إلا بالغسل » (٧).

والخدشة في الثانية ـ بعموم الموصول الشامل لما لا يقول به أحد ، من التطهير بمطلق الإِشراق ، الشامل لما قبل التجفيف ـ بشيوع التقييد (٨) مع الدليل مندفعة.

وفيها وفي الثالثة ـ بالضعف لو سلّم ـ بالشهرة منجبرة.

وفيهما وفي الْأُولى ـ بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للطهارة ـ بظهور ثبوتها في زمن الصادقين عليهما السلام مردودة.

مضافاً إلى أنّ إرادة المعنى اللغوي ـ الذي هو عدم القذارة ـ في نفي النجاسة الشرعية كافية ؛ لكونها أعظم الأقذار وأشدّها.

ومع ذلك ، فالقرينة على إرادة المعنى المعهود في الثالثة ـ وهي أنّه الذي لا‌

__________________

(١) المفاتيح ١ : ٨٠.

(٢) المعتبر ١ : ٤٤٦.

(٣) المختصر النافع : ١٩.

(٤) المدارك ٢ : ٣٦٦.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٧ / ٧٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ١.

(٦) التهذيب ١ : ٢٧٣ / ٨٠٤ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٧ ، الوسائل ٣ : ٤٥٢ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٥.

(٧) فقه الرضا (ع) : ٣٠٣ ، المستدرك ٢ : ٥٧٤ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٥.

(٨) في « ح » : المقيّد.


يحصل للثياب إلّا بالغسل ـ قائمة ، بل وكذا في الاُولى أيضاً ؛ لأنّه الذي يصلح علّة لجواز الصلاة عليه ، وهو المعتبر في أحكامها مكاناً ولباساً ، دون غيره ، سيما مع تعلّق السؤال بالنجاسة ، هذا.

على أنّ إطلاق الأمر بالصلاة عليه مع التجفيف في الاُولى الظاهرة في السجدة عليه ، أو الشامل لها البتة ، وإلا انتفى التأثير عن الشمس رأساً ، ولغا ما طابقت النصوص عليها من التقييد بها ، يدلّ على المطلوب أيضاً ولو رفعت اليد عن قوله : « فهو طاهر » لشموله لكونه بعد التجفيف رطباً ويابساً ، وكذا لباس المصلي وأعضاؤه.

ومن هذا تظهر صحة الاستدلال على المطلوب : بإطلاق الحكم بجواز الصلاة على ما جفّ مطلقاً من المواضع النجسة ، من دون اشتراط عدم رطوبة العضو ، كما اشترطه القائلون بالعفو.

كصحيحتي علي : إحداهما : عن البواري يصيبها البول ، هل تصلح الصلاة عليها إذا جفّت من غير أن تغسل ؟ قال : « نعم لا بأس » (١).

والاُخرى : عن البواري يبلّ قصبها بماء قذر أيصلّي عليه ؟ قال : « إذا يبست لا بأس » (٢).

أو على ما جفّ بالشمس كذلك ، كموثّقة الساباطي : عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ، ولكنّه قد يبس الموضع القذر. قال : « لا تصلّ عليه ، وأعلم موضعه حتى تغسله » وعن الشمس هل تطهّر الأرض ؟ قال : « إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ، ثم يبس الموضع ، فالصلاة على الموضع جائزة ، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر ، وكان رطباً ، فلا تجوز الصلاة فيه حتى ييبس ، وإن كانت رجلك رطبة ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٧٣ / ٨٠٣ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٦ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧٣ / ١٥٥٣ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب النجاسات ب ٣٠ ح ٢.


أو جبهتك رطبة ، أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر ، فلا تصلّ على ذلك الموضع ، وإن كان عين الشمس أصابه حتى يبس ، فإنّه لا يجوز ذلك » (١).

ويندفع بما ذكرنا ما اُورد على الاستدلال بالموثّقة من عدم كونها صريحة في الطهارة ؛ إذ غايته الحكم بجواز الصلاة عليه الأعم منها ومن العفو عنه في الصلاة خاصة ، كما قال به جماعة (٢).

ولا حاجة في دفعه إلى التمسّك بالتلازم بين الطهارة وجواز الصلاة هنا ؛ لأجل كون السؤال عن الطهارة ، ولزوم التطابق بين السؤال والجواب ، ولأجل أنه لولاه ، لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولأجل أمره بإعلام الموضع ليغسله عند جفافه بغير الشمس ، وعدم أمره به في صورة يبسه بها ، مع أولوية الأمر هنا ، لتوهّم الطهارة من حيث تجويز الصلاة فيه ، ولأجل اشتراط طهارة موضع السجود بالأخبار والإِجماعات المحكية.

لضعف الأول : بعدم لزوم التطابق مطلقاً ، لاقتضاء المصلحة العدول أحياناً ، بل العدول هنا إلى جواز الصلاة ربما كان مشعراً بعدم الطهارة.

والثاني : بمنع الاحتياج في الوقت. وأصالة اتّحاد وقت الخطاب والحاجة ـ كما قد يقال ـ ممنوعة.

والثالث : بمنع أولوية الأمر بالغسل ، بل التساوي هنا ، فإنّ الموضع إذا جازت فيه الصلاة لا حاجة كثيراً إلى غسله.

والرابع : بجواز تخصيص المجفف بالشمس عن مواضع السجود.

وربما يستدلّ (٣) للمطلوب أيضاً : بعدم القطع ببقاء النجاسة بعد زوال عينها بالشمس بالمرة ، فإنه يحتاج إلى دلالة ، وهي هنا مفقودة ؛ إذ لا آية ولا رواية‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٧٢ / ٨٠٢ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٥ ، الوسائل ٣ : ٤٥٢ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٤. وفيها « غير الشمس » بدل « عين الشمس » كما سيشير إليه المصنف في ص ٣١٧.

(٢) المدارك ٢ : ٣٦٤ ، والمفاتيح ١ : ٨٠ ، والحدائق ٥ : ٤٤٦.

(٣) كما في الرياض ١ : ٩٥.


ولا إجماع فيه. والاستصحاب على تقدير تسليم اقتضائه بقاء النجاسة هناك ، فمقتضاه النافع نجاسة الملاقي. وهو حسن إن خلا عن المعارض بالمثل ، وليس كذلك ؛ لأنّ الأصل أيضاً بقاء طهارة الملاقي ، ولا وجه لترجيح الأول بل هو به أولى ، فيتعارض الاستصحابان ويتساقطان وتبقى أصالة الطهارة العقلية باقية.

ولا يخفى أنه مبني على عدم ترجيح استصحاب النجاسة على استصحاب طهارة الملاقي ، وعدم زوال الثاني بالأول ، وهو كما بيّناه في موضعه خلاف التحقيق جدّاً.

مع أنّه يوجب الحكم بالطهارة في كلّ موضع وقع الخلاف في بقاء نجاسته ؛ إذ لا دليل غالباً سوى الاستصحاب ، ولا أظنّ أنّ هذا المستدلّ يسلّم ذلك على الإِطلاق.

ثمّ إنّ ذلك إنّما هو إذا كان بناؤه على تعارض الاستصحابين وتساقطهما ، ولو كان منظوره إعمال الاستصحابين ، فهو أظهر فساداً ؛ إذ حينئذٍ تكون نجاسة الموضع التي هي المتنازع فيها مستصحبة وإن لم يحكم بنجاسة ملاقيه ، ولا تنحصر الثمرة في تنجيس الملاقي ، بل هي تظهر في موارد كثيرة (١) اُخرى أيضاً.

دليل المخالف : الاستصحاب ، والنهي عن الصلاة في الموضع مع رطوبة العضو في آخر الموثقة وإن يبس بإصابة عين الشمس.

وفي صحيحة ابن بزيع : عن الأرض والسطح يصيبه البول أو ما أشبهه هل تطهره الشمس من غير ماء ؟ قال : « كيف يطهر من غير ماء ؟ » (٢).

وصحيحة زرارة والأزدي : السطح يصيبه البول أو يبال عليه أيصلّى في ذلك الموضع ؟ فقال : « إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافاً فلا بأس » (٣) دلّت‌

__________________

(١) كالسجود مع الرطوبة وبناء المسجد على ذلك الموضع (منه ره).

(٢) التهذيب ١ : ٢٧٣ / ٨٠٥ ، الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٣ أبواب النجاسات ب ٢٩ ح ٧.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٢ الصلاة ب ٦٣ ح ٢٣ ، التهذيب ٢ : ٣٧٦ / ١٥٦٧ ، الوسائل ٣ : ٤٥١ أبواب‌


بالمفهوم على أنه إن لم يكن جافاً ، لا تجوز الصلاة فيه ولو جفّ أولاً بالشمس.

والجواب : أمّا عن الاستصحاب : فبأنّه بما مرّ مندفع.

وأما الجواب عنه : بأنّ دليل ثبوت الحكم في الحالة الاُولى : الإِجماع ، فلا يتم استصحابه بعدها ، إما لاشتراطه بجريان الدليل فيما بعد أيضاً ، والإِجماع لا يجري في محلّ الخلاف ، أو لأنّ الثابت من الإِجماع نجاسته حال بقاء العين ، وتقييدها بها ممكن ، بل هو الأصل في كلّ حكم ثبت في حال وصف بواسطة الإِجماع ، كما بيّن في محله ، ومع التقييد لا يمكن الاستصحاب.

فمردود : بمنع اشتراط الاستصحاب بجريان دليله فيما بعد زمان الشك أيضاً.

وأنّ التتبع والاستقراء ، بل المعلوم من طريقة العلماء في باب الطهارات والنجاسات بل من إجماعهم يعطي أنّ النجاسة إذا ثبتت في موضع لا ترتفع إلّا بما ثبت كونه مزيلاً لها ، فيحتاج رفعها إلى ثبوت المزيلة لها لشي‌ء وثبوت وجوده ، ولا يكون (١) ثبوتها مغيىً بغاية ومقيّداً بوصف أو حالة.

وتحقيق المقام وتوضيحه : أنّ الاُمور الشرعية على قسمين :

أحدهما : ما يمكن أن يكون المقتضي لثبوته مقتضياً له في الجملة ، أو إلى وقت كالوجوب والحرمة ونحوها ، فإنّه يمكن إيجاب شي‌ء أو تحريمه ساعة ، أو يوماً ، أو إلى زمان ، أو مع وصف.

وثانيهما : ما ليس كذلك ، بل المقتضي يقتضي وجوده في الخارج ، فإذا وجد فيه لا يرتفع إلّا بمزيل.

وبتقرير آخر : أحدهما ما يكون وجوده أولاً مغيىً ومقيّداً ، وثانيهما ما لا يوجد في الخارج إلّا بلا قيد ، فيكون باقياً حتى يزيله مزيل ، وذلك كالملكية ، فإنّ‌

__________________

a النجاسات ب ٢٩ ح ٢.

(١) في « ح » : خ ل ـ يمكن.


البيع مثلاً سبب للملكية المطلقة ، فلا تزول إلا بمزيل ، ولا يمكن أن يكون سبباً للملكية في ساعة ، بمعنى أنه ليس كذلك شرعاً وإن أمكن عقلاً.

ومثال الأول في غير الشرعيات : الإِذن ، فإنّه يمكن أن يتحقق أولاً الإِذن في ساعة ، أو يوم ، أو شهر ، أو في حالة لشخص من آخر.

ومثال الثاني : السواد ، فإنّه لا يمكن أن يوجد أولاً السواد في ساعة ، بل يصير موجوداً ثم يرتفع بمزيل ، وشأن النجاسة في الشرعيات من هذا القبيل ، بمعنى أنه يثبت بالاستقراء بل إجماع العلماء أنه كذلك وإن كان غير ذلك ممكناً عقلاً.

وعلى هذا ، فبعد ثبوت النجاسة في الموضع يحتاج رفعها إلى مزيل ، وما لم يعلم المزيل تستصحب ، ولا يمكن أن يقال : إن الثابت أولاً هو وجودها حال بقاء العين.

هذا ، مضافاً إلى أن الإِجماع والأخبار ينفيان تقييدها بوجود العين ؛ لدلالتهما على نجاسة المحل بعد زوال العين إن لم تجففه الشمس.

ومن هذا يندفع ما يشعر به كلام بعضهم (١) في دفع الاستصحاب ، من أنا لا نسلم نجاسة الموضع حتى تستصحب ، بل يتعلق به أحكام النجس ما دامت العين فيه ؛ لأنّها فيه لا لتأثيرها في المحل.

وأما عن الموثقة : فبأنّ المذكور في الاستبصار (٢) وفي بعض نسخ التهذيب (٣) والموافق المذكور في كثير من كتب العلماء ، كالمنتهى ، والمدارك (٤) ، وغيرهما (٥) : « غير الشمس » بالغين المعجمة والراء ، دون « عين الشمس » بالعين المهملة والنون ،

__________________

(١) المختلف : ٦١.

(٢) الاستبصار ١ : ١٩٣ / ٦٧٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٧٢ / ٨٠٢.

(٤) المنتهى ١ : ١٧٧ ، المدارك ٢ : ٣٦٤.

(٥) مجمع الفائدة ١ : ٣٥٣.


وحينئذٍ لا تبقى حجيّة لبعض آخر من النسخ.

ولا دلالة للبعض الأول على عدم الطهارة ؛ لأنّه يكون المعنى أن مع رطوبة الرجل أو الجبهة لا تصل في الموضع وإن يبس بغير الشمس ، ويكون فرده الأجلى عدم اليبس ، ولا يمكن أن يكون هو اليبس بالشمس ؛ لأنه ليس بالأجلى قطعاً ، فيختل الكلام ، فهذا مثل قول القائل : أكرم زيداً ولو أهانك بغير القذف ، فإنّ الفرد الأجلى حينئذٍ هو عدم الإِهانة لا الإِهانة بالقذف ، بل هذا يدل بمفهوم الوصف على عدم الإِكرام مع القذف ، وقد بيّنا في الاُصول أنّ مفهوم الوصف المستفاد من لفظ الغير الوصفي حجة وإن لم نقل بحجية مطلق مفهوم الوصف ، وعلى هذا فيكون هذا الجزء أيضاً دليلاً على الطهارة.

واحتمال فصل جملة قوله : « وإن كان » إلى آخره عن سابقها ، وكونه شرطاً جزاؤه قوله : « فإنّه لا يجوز ذلك » وحينئذٍ يقتضي سابقها عدم الطهارة إما لعمومه أو لارتباطه بصورة يبوسة الموضع بالشمس لا صورة رطوبته .. مندفع : بأن محض الاحتمال غير كافٍ في الاستدلال ، سيما مع أظهرية الوصل هنا.

مع أنه على الفصل يعارض عمومه عموم جملة : « إذا كان الموضع قذراً » إلى آخره ، وارتباطه بما ذكر معارض باحتمال ارتباطه بصورة الرطوبة.

وأما عن صحيحة ابن بزيع : فبأنّ غايته أن معنى قوله : « كيف يطهر بغير ماء ؟ » أنه لا يطهر بغير ماء ، وهو عام شامل لما إذا كان رطباً أو يابساً بغير الشمس ، وقوله في صحيحة زرارة : « إذا جففته الشمس » إلى آخره أخص منه فيخصصه وكذا الموثقة ، ويكون المعنى : أنه إذا كان يابساً لا يطهر بغير ماء ، بل يجب إما غسله بالماء ، أو بلّ الموضع ثانياً حتى تجففه الشمس.

وأما عن الصحيحة الأخيرة : فبأن عموم المفهوم فيها يعارض عموم المنطوق ، فإنه يدل على جواز الصلاة إذا كان الموضع جافاً سواء كان العضو جافاً أيضاً أو رطباً.

مضافاً إلى أن مقتضى المفهوم عدم جواز الصلاة ولو جف بالريح‌


والشمس ، ويمكن أن يكون ذلك لعدم العلم باستناد الجفاف إلى الشمس خاصة.

فإن قيل : فعلى هذا ينبغي عدم جواز الصلاة مع الجفاف أيضاً ، وهو خلاف المنطوق.

قلنا : نعم كذلك إن اُبقي المنطوق على عمومه ، ولكن يجب تخصيصه بما إذا كان العضو يابساً ، أو يكون الموضع غير محل السجود.

واحتمال تخصيصه بما إذا علم الجفاف بالشمس خاصة غير كافٍ في تمامية الاستدلال.

المسألة الثانية : ما تطهّره الشمس من النجاسات ـ حقيقةً أو حكماً ـ هل هو البول خاصة ؟ كما عن المقنعة (١) ، وموضع من المبسوط (٢) ، والديلمي (٣) ، والراوندي (٤) ، وابن حمزة (٥) ، واستجوده في المنتهى (٦). أو هو وشبهه ؟ كما في الخلاف ، والتذكرة ، والقواعد ، والإِرشاد ، والذكرى (٧) ، بل نسب إلى المشهور بين المتأخرين (٨). أو كل نجاسة مائعة ؟ كما عن موضع آخر من المبسوط (٩) و (١٠) في‌

__________________

(١) المقنعة : ٧١.

(٢) المبسوط ١ : ٣٨.

(٣) المراسم : ٥٦.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٦١.

(٥) لم يصرّح بالبول فيما عثرنا عليه من كلامه في الوسيلة : ٧٩ وذكر النجاسة المائعة وهو القول الثالث.

(٦) المنتهى ١ : ١٧٨.

(٧) الخلاف ١ : ٢١٨ ، التذكرة ١ : ٨ ، القواعد ١ : ٨ ، مجمع الفائدة ١ : ٣٥١ ، الذكرى : ١٥.

(٨) نسبه إليهم في الذخيرة : ١٧٠.

(٩) المبسوط ١ : ٩٠.

(١٠) المظنون ان « الواو » من زيادة النساخ والمراد أن المنتهى حكى هذا القول عن موضع من المبسوط كما هو الموجود في المنتهى ١ : ١٧٨.


المنتهى ، وصريح السرائر (١) ، واختاره والدي في اللوامع والمعتمد. أو يعمّ النجاسات كلها إذا اُزيلت العين وبقيت الرطوبة وإن لم تكن مائعةً ؟ كما في الشرائع (٢) ، والنافع (٣) ، والبيان (٤) ، بل نسب (٥) أيضاً إلى الشهرة المتأخرة (٦).

الحق هو الأخير ؛ للموثقة ، ورواية الحضرمي ، المؤيدتين بالرضوي (٧).

وردّ الاُولى : بضعف الدلالة ؛ لاختصاصها بجواز الصلاة ، مردود بما مرّ.

مضافاً إلى أنّ تجويز الصلاة فيها في البول وغيره إمّا للطهارة في الجميع ، أو العفو فيه ، أو الطهارة في البعض والعفو في آخر. والثاني مدفوع : بصحيحة زرارة (٨). والثالث : بعدم القائل ، فتعين الأول.

المسألة الثالثة : ما تطهّره الشمس من المواضع هو الأرض ، والحصر ، والبواري‌ ، وكل ما لا ينقل عادة من الأبنية ، والأبواب ، والأوتاد المثبتة ، والنباتات القائمة ، وفاقاً لصريح الشرائع ، والتذكرة ، والتحرير ، والقواعد ، والمنتهى (٩) ، والإِرشاد ، وشرح القواعد ، والدروس ، والذكرى ، والبيان (١٠) ، وفي اللوامع أنّه المشهور مطلقاً ، وفي الحدائق بين المتأخرين (١١) ؛ لعموم رواية الحضرمي ، خرج منه المنقول بالفعل عادة بالإِجماع والرضوي المنجبر بالعمل الدال على عدم تطهّر شي‌ء‌

__________________

(١) السرائر ١ : ١٨٢.

(٢) الشرائع ١ : ٥٥.

(٣) المختصر النافع : ١٩ ، وفي النسخ : « اللوامع » والظاهر أنه تصحيف « النافع ».

(٤) البيان : ٩٢.

(٥) كما نسبه في الحدائق ٥ : ٤٣٧.

(٦) وظاهر المعتبر والتحرير التردّد (منه ره) ، راجع المعتبر ١ : ٤٤٦ ، التحرير ١ : ٢٥.

(٧) المتقدمة في ص ٣١٤ وص ٣١٢.

(٨) المتقدمة ص ٣١٢.

(٩) الشرائع ١ : ٥٥ ، التذكرة ١ : ٨ ، التحرير ١ : ٢٥ ، القواعد ١ : ٨ ، المنتهى ١ : ١٧٨.

(١٠) مجمع الفائدة ١ : ٣٥١ ، جامع المقاصد ١ : ١٧٨ ، الدروس ١ : ١٢٥ ، الذكرى : ١٥ ، البيان : ٩٢.

(١١) الحدائق ٥ : ٤٣٧.


من المنقولات بضميمة عدم الفصل ، فيبقى الباقي.

ويدل على المطلوب في أكثر ما ذكر : إطلاق الموضع في الموثّقة ، وقد يستدل أيضاً بوجوه اُخر ضعيفة.

وخلافاً لنهاية الإِحكام ، فأخرج الثمرة على الشجرة مما يطهر (١). وللسرائر ، والمختصر النافع ، وعن المقنعة ، والمبسوط ، والخلاف (٢) ، والراوندي (٣) ، وابن حمزة (٤) والديلمي (٥) ، فخُصّ بالثلاثة الاُولى ، وللمعتبر فتردّد في غيرها (٦) ؛ استناداً في الثلاثة إلى ما تقدّم من صحاح زرارة وعلي والموثقة (٧) ، وفي التخصيص إلى ضعف الرواية (٨) سنداً.

وهو عندنا غير ضائر ، مع أنّ الاشتهار المدّعى لضعفه ـ لو كان ـ جابر ، مضافاً إلى أنّ الموثقة لغير الثلاثة قطعاً شاملة ، ومعه فيتعدّى إلى سائر ما لا يشمله بعدم الفاصل.

المسألة الرابعة : لا يطهر شي‌ء من النجاسات بالجفاف بغير الشمس‌ ، وعليه إجماعنا كما في المنتهى (٩).

وتدل عليه صحيحة زرارة مفهوماً ، والموثقة منطوقاً ، وصحيحة ابن بزيع (١٠) عموماً.

__________________

(١) نهاية الاحكام ١ : ٢٩٠.

(٢) السرائر ١ : ١٨٢ ، المختصر النافع : ١٩ ، المقنعة : ٧١ ، المبسوط ١ : ٣٨ ، الخلاف ١ : ٤٩٥.

(٣) نقله عنه في المختلف : ٦١.

(٤) الوسيلة : ٧٩.

(٥) المراسم : ٥٦.

(٦) المعتبر ١ : ٤٤٧.

(٧) المتقدمة ص ٣١٢ و ٣١٣ ـ ٣١٤.

(٨) يعني رواية الحضرمي المتقدمة ص ٣١٢.

(٩) المنتهى ١ : ١٧٧.

(١٠) المتقدمة في ص ٣١٥.


وبها يخصّص بعض المطلقات المجوزة للصلاة في كلّ موضع جفّ ، أو يحمل على غير السجدة عليه مع جفاف الأعضاء.

وعن الخلاف القول بالطهارة بزوال العين بهبوب الرياح مدّعياً عليه إجماع الفرقة (١).

ورجوعه عنه في غير ذلك الكتاب (٢) ، بل في موضع آخر منه (٣) يقدح في إجماعه ، بل يوجب عدم قدح خلافه في الإِجماع.

فروع :

أ : لو جفّ بالشمس وغيرها معاً كالهواء‌ ، فإن تأخر التجفيف بأحدهما ، بأن يكون ارتفاع الرطوبة رأساً من أحدهما وإن نقصت أولاً بالآخر ، فالحكم للمتأخر ؛ لصدق التجفيف بالشمس مع تأخره ، وعدمه لا معه.

وصدق الإِشراق كما في الرواية (٤) ، وإصابة الشمس ثم الجفاف كما في الموثقة وإن أوجبا التطهّر في الصورة الثانية أيضاً ، ولكن يعارضهما مفهوم الصحيحة بالعموم من وجه ، فيرجع إلى استصحاب النجاسة ، ومع الشك يستند الجفاف إلى المتأخر لاستصحاب الرطوبة.

وإن شاركا في التجفيف في زمان ، فظاهر القواعد والتذكرة عدم الطهارة (٥).

وصرح في المدارك (٦) واللوامع بالطهارة. وهو كذلك ؛ لصدق التجفيف بالشمس وإشراقها إلا إذا علم أن التأثير من غير الشمس.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢١٨.

(٢) المبسوط ١ : ٣٨.

(٣) الخلاف ١ : ٤٩٥.

(٤) المراد بها رواية الحضرمي المتقدمة ص ٣١٢.

(٥) القواعد ١ : ٨ ، التذكرة ١ : ٨.

(٦) المدارك ٢ : ٣٦٧.


ب : زوال العين في تطهير الشمس معتبر إجماعاً ، ولأنّ مع بقائها لا تصدق إصابة الشمس ولا إشراقها على الموضع غالباً ، بل قد يشكّ في صدق التجفيف بالشمس أيضاً. والكلام في زوال اللون والطعم والريح كما مر.

ج : لو جفّ بحرارة الشمس من غير إشراقها لم يطهر‌ ؛ لصدر الموثقة ، ولعدم صدق الإِشراق ولا الجفاف بالشمس ، ألا ترى أنه إذا جفّ شي‌ء بمقابلته مع النار يقال : جففته النار ؛ ولو كان بينهما حائل لا يقال ذلك وإن جفّفته حرارتها.

د : لو جفّ بغير الشمس وبلّ بوجه غير مطهر يطهر بالجفاف بالشمس‌ ، والوجه ظاهر.

هـ : لو اتصلت النجاسة من الظاهر إلى الباطن في شي‌ء واحد‌ ، فصرّح جماعة (١) بأنّه يطهر بإشراق الشمس على الظاهر وتأثيرها في الباطن ؛ لأنه مع الوحدة يصدق على المجموع أنه ما شرقت الشمس عليه وأصابته ، بل جفّفته.

وهو كذلك إن علم أنّ آخر جفاف الرطوبة الباطنية حصل بالشمس. وإلّا فإن علم أنّ آخره حصل بغير الشمس ، فالظاهر اختصاص الطهارة بالظاهر ؛ لمفهوم الصحيحة المعارض لما مرّ بالعموم من وجه ، فيرجع إلى استصحاب النجاسة.

وإن لم يعلم شي‌ء منهما ، فالحكم لاستصحاب الرطوبة الباطنية ، فإن انقطع الاستصحاب في زمان الجفاف بالشمس ، يكون طاهراً ، وإن انقطع في غيره ، يكون نجساً.

وتقييد منطوق الصحيحة بالعلم ، فجميع صور الشك يدخل في المفهوم غلط ؛ لأن الألفاظ للمعاني النفس الأمرية ، ولا يقيّد بالعلم إلّا في مقام الأوامر‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في الروض : ١٧٠ ، والمحقق السبزواري في الذخيرة : ١٧١ ، وصاحب الحدائق ٥ : ٤٥٠.


والنواهي ، وليس المقام منها.

مع أنّ بعد ملاحظة ما ذكرنا من استصحاب الرطوبة لا يبقى محل شك.

والحكم باختصاص الطهارة مطلقاً بالظاهر ـ كما هو ظاهر المنتهى (١) ـ غير جيّد.

وأما لو كان شيئان نجسان وضع أحدهما فوق الآخر وجفّ التحتاني بحرارة الشمس ، فلا يطهر مطلقاً.

و : تطهر اللَبِنَة النجسة بالشمس ، وإن كانت منقولةً ، إما لصدق الأرض عليها ، أو لعدم العلم بخروجها عن العموم. وكذا التراب ، والمدر ، والحجر ، والحصى ، والرمل ، ونحوها. والكلام في بواطنها إذا كانت نجسةً كما سبق.

*       *      *

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٧٧.


الفصل الثالث : في الاستحالة‌

والمراد منها تبدل الحقيقة عرفاً ، والمناط في تبدّلها تبدّل الاسم ، بحيث يصح سلب الاسم الأول عنه ، كما أشار إليه الإِمام في موثّقة عبيد بن زرارة ، الآتية (١) ، فكلما تبدل اسمه كذلك ينكشف تبدل حقيقته ويختلف حكمه.

وأما القول بعدم كفاية تبدل الاسم ؛ لأجل أنه لا يتفاوت الحكم الثابت للحنطة بعد صيرورتها دقيقاً ، ولا للدقيق بعد صيرورته عجيناً ، ولا للعجين بعد صيرورته خبزاً ، وكذا في القطن والغزل والثوب ؛ وجَعْل المناط تبدّل الحقيقة ، والكاشف عنه تبدل الآثار والخواص (٢) ..

فمردود بأنه لو كان كذلك ، لزم تطهر اللبن النجس بصيرورته جنباً أو إقطاً ، ضرورة تبدل الخواص فيهما ، ولا يلزم ذلك على ما ذكرنا.

وأما مثال الحنطة والقطن فنمنع ثبوت الحكم وعدم اختلافه لو ثبت ، فإنه لو قال الشارع : لا تسكن البيت ما دام فيه الحنطة ، فلا يحرم السكون بعد تبدّلها دقيقاً. وكذا لو نذر أحد أن يصوم ما دام عنده القطن ، لا يجب عليه الصيام بعد تبدله غزلاً أو ثوباً. وكذا لو قال : اغسل ثوبك من ملاقاة الحنطة أو القطن ، فيحكم لأجله بنجاستهما ما داما حنطةً وقطناً.

وأما ما ترى من استصحاب نجاسة الحنطة المتنجسة بعد صيرورتها دقيقاً وكذا في القطن واللبن ، فإنما هو لعدم كون النجاسة معلّقةً على هذا الاسم شرعاً ، فإنّ الشارع لم يقل : إنّ الحنطة نجسة ، ولا : إنّ الحنطة الملاقية للنجاسة نجسة ؛ إنما هي جزئي من جزئيات المحكوم عليه ، لا لكونه حنطةً ، بل لأنه جسم ملاقٍ للنجاسة ، فمناط الجزئية أيضاً هذا الملاقي ، ولو كان الشارع يقول : الحنطة

__________________

(١) سيأتي ذكرها ص ٣٣٢.

(٢) قاله في غنائم الأيام : ٨١.


نجسة ، لكُنّا نحكم بطهارتها بعد صيرورتها دقيقاً أو خبزاً.

وقد ظهر مما ذكرنا أنّ المراد بالاستحالة هنا استحالة موضوع الحكم شرعاً ، وتبدل حقيقة ما جعله الشارع مناطاً للحكم وموضوعاً له ، والمناط في تبدل الحقيقة هو تبدل الاسم عرفاً.

ثم إن للاستحالة أنواعاً كلّها مشتركة في إيجابها لتطهّر الأعيان النجسة ذاتاً ؛ للأصل ، وعمومات طهارة ما استحيل إليه ، وعدم دليل على نجاسته سوى الاستصحاب الذي لا يمكن التمسك به في المقام ؛ لتبدل الموضوع. والشك في التبدل كاللاتبدل ؛ للأصل والاستصحاب.

دون المتنجسات على الأقوى ؛ للاستصحاب ، وعدم تغير الموضوع كما أشرنا إليه ، وبينا تفصيله في موضعه من الاُصول.

ومن لم يفرق بين الموضعين فقد بَعُد عن التحقيق ، وأبعد منه من أجرى الحكم في الثاني بمفهوم الموافقة.

فمن أنواعها : الاستحالة بالنار‌ ، وهي تطهر الأعيان النجسة ذاتاً بإحالتها إلى الدخان والرماد والفحم على الأقوى والأشهر مطلقاً في الأولين ، وعند المتأخرين خاصة في الأخير ، بل على الأول الإِجماع في المنتهى والتذكرة (١) ، وعلى الثاني عن الخلاف (٢) ، وعليهما عن السرائر (٣).

ونسبة دعوى الإِجماع إلى المعتبر خطأ (٤) ؛ لأنه ذكره في دواخن السراجين النجسة ، والمراد الأبخرة المتصاعدة عنها ، لأنه قال : لا يتوقّى الناس عنها (٥) ، وما أجمعوا على عدم التوقّي عنها هي الأبخرة ، مع أنه قال في باب الأطعمة من‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٨٠ ، التذكرة ١ : ٨.

(٢) الخلاف ١ : ٤٩٩.

(٣) السرائر ٣ : ١٢١.

(٤) كما نسبه في مفتاح الكرامة ١ : ١٨٦.

(٥) المعتبر ١ : ٤٥٢.


الشرائع : ودواخن الأعيان النجسة طاهرة عندنا ، وكذا ما أحالته النار وصيّرته رماداً أو دخاناً على تردّد (١).

ويدلّ على الحكم في الجميع ـ بعد الإِجماع في الجملة ـ الأصل السالم عن المعارض ، سوى الاستصحاب الغير المفيد هنا كما مرّ.

وقد يستدلّ أيضاً : بصحيحة السراد : عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ويجصّص به المسجد ، أيسجد عليه ؟ فكتب إليه بخطه : « إنّ الماء والنار قد طهّراه » (٢).

والمروي في قرب الإِسناد : عن الجصّ يطبخ بالعذرة أيصلح به المسجد ؟ قال : « لا بأس » (٣).

وليس المراد من الاُولى تطهر الجص المتنجس بالنار والماء حتى يرد أن النار لم تجعله رماداً ، والماء اُحيل إليه بمجرد ملاقاته له فلا يصلح للتطهير.

بل المراد أن النار أحالت العذرة المختلطة معه إلى الرماد فطهرته ، والماء طهر ظاهر الجص الملاقي لعذرة المحتملة لرطوبة بعض أجزائها ، فلا يلزم حمل التطهر على الحقيقي والمجازي أو عموم المجاز.

وإحالة الماء إليه غير ضائر ؛ لأنه اُحيل بعد التطهر ، والمانع هو ما إذا كان قبله. مع أنها تدل على المطلوب من باب الإِشارة أيضاً ، حيث لم يمنع من تجصيص المسجد به ، وحينئذٍ يمكن حمل التطهير فيها على المعنى المجازي أعني التنظيف.

ولا يخفى أن الاستدلال بهما إنّما يتمّ على ما هو متعارف بعض بلاد العرب ، من وضع الوقود على الجصّ وإحراقه عليه ، وأما على ما هو متعارف أكثر بلاد‌

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٢٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣٠ الصلاة ب ٢٧ ح ٣ ، الفقيه ١ : ١٧٥ / ٨٢٩ ، التهذيب ٢ : ٢٣٥ / ٩٢٨ ، الوسائل ٣ : ٥٢٧ أبواب النجاسات ب ٨١ ح ١.

(٣) قرب الاسناد : ٢٩٠ / ١١٤٧ ، الوسائل ٥ : ٢٩١ أبواب أحكام المساجد ب ٦٥ ح ٢.


العجم من إيقاده تحته من غير امتزاج فلا ، بل يكون المراد بالتطهّر في الاُولى رفع التنفر والقذارة ، وعلى هذا فيشكل التعويل على الروايتين.

خلافاً للمحكي عن المبسوط في دخان الدهن النجس ، فحكم بنجاسته لوجه اعتباري لا يتم (١) ، والمنع عن الإِسراج به تحت الظلال ، وهو أيضاً على مطلوبه غير دال.

وللمعتبر وباب الأطعمة والأشربة من الشرائع في الثلاثة ، فحكم في الأول بعدم التطهر (٢) وفي الثاني تردد (٣). وللعاملي (٤) في الثالث. ولا وجه لشي‌ء منها.

وأما استحالة المتنجسات ، فألحقها جماعة (٥) باستحالة النجس في حصول التطهر بها.

ونفى بعضهم (٦) الإِلحاق ، وهو كذلك في غير الدخان ، لما ذكرنا.

وأما الدخان فالظاهر طهارته ؛ لخروج الجسم به عن قابلية النجاسة ، فلا يجري فيه الاستصحاب ، فإنه ليس جسماً عرفاً ، ولذا لا ينجس الدخان الطاهر حيث يمر على النجاسات الرطبة.

وبما ذكرنا يظهر عدم تطهر الطين النجس بصيرورته آجراً أو خزفاً وإن خرج عن مسمّى التراب ، وفاقاً لجماعة (٧). وخلافاً لآخرين (٨) ؛ لما ذكر من التبدل ، وقد عرفت ضعفه. ولنقل الإِجماع من الخلاف (٩) ، وهو ليس بحجّة. ولإِطلاق

__________________

(١) حكاه في الرياض ١ : ٩٥ ، ولكن الموجود في المبسوط ٦ : ٢٨٦ التصريح بعدم نجاسته.

(٢) المعتبر ١ : ٤٥١.

(٣) الشرائع ٣ : ٢٢٦.

(٤) الروض : ١٧٠.

(٥) صاحب المعالم : ٤٠٣ ، وكشف اللثام ١ : ٥٦ ، وكشف الغطاء : ١٨١.

(٦) الحدائق ٥ : ٤٦٢.

(٧) منهم الشهيد الثاني في الروض : ١٧٠ ، والروضة ١ : ٦٧.

(٨) منهم الشيخ في الخلاف ١ : ٤٩٩ ، والشهيد في البيان : ٩٢.

(٩) الخلاف ١ : ٥٠٠.


صحيحة السراد ، وهي على مطلوبهم غير دالة. ولأصالة الطهارة ، وهي بالاستصحاب مندفعة.

وردّ الاستصحاب هنا بمثل ما مرّ في التطهر بالشمس يعرف جوابه ممّا ذكر هناك.

وكذا يظهر عدم تطهّر خبز العجين النجس ، كما هو المشهور ؛ لما ذكر ، وللأمر بدفنه أو بيعه ممّن يستحلّ الميتة في صحيحتي ابن أبي عمير (١).

وخلافاً للمحكي عن الشيخ في الاستبصار (٢) وموضع من النهاية ـ مع حكمه بالعدم في موضع آخر (٣) ـ لصحيحة ابن أبي عمير : في عجين عجن وخبز ثم علم أن الماء كانت فيه ميتة قال : « لا بأس ، أكلت النار ما فيه » (٤).

ورواية ابن الزبير : عن البئر تقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت فيعجن من مائها ، أيؤكل ذلك الخبز ؟ قال : « إذا أصابته النار لا بأس » (٥).

والاُولى لشمولها لميتة غير ذات النفس أعم مطلقاً ممّا مرّ ، فتختص لا محالة به.

والثانية مبنية على نجاسة البئر بالملاقاة ، وقد عرفت ضعفها.

وأما التعليل بأكل النار في الاُولى ، والتقييد بإصابتها في الثانية : فلرفع استقذار الطبع.

ومنها : الاستحالة إلى الدود أو التراب‌ ، على المشهور بين الأصحاب‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤١٤ / ١٣٠٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٦ و ٧٧ ، الوسائل ١ : ٢٤٢ ، ٢٤٣ أبواب الأسآر ب ١١ ح ١ و ٢.

(٢) الاستبصار ١ : ٢٩.

(٣) النهاية : ٨ ، ٥٩٠.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٤ / ١٣٠٤ ، الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٥ ، الوسائل ١ : ١٧٥ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٨.

(٥) التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩ / ٧٤ ، الوسائل ١ : ١٧٥ أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٧.


(للأصل) (١).

وتوقف الفاضلان (٢) في الثاني. وعن الشيخ (٣) الحكم بنجاسته.

ولعل نظرهم إلى الاستصحاب ، وقد عرفت ما فيه.

وهذا أيضاً كالاستحالة بالنار يختصّ بالأعيان النجسة دون المتنجّسة ، لما مرّ ، إلّا أن يكون هناك عموم أو إطلاق دال على طهارة كل حيوان أو تراب ، بحيث يشمل المورد أيضاً ، كما هو المظنون في التراب ، فحينئذٍ ترفع اليد عن الاستصحاب.

ولا تطهر الأرض الملاقية للعذرة الرطبة بعد استحالتها ؛ للاستصحاب ، وعدم الموجب.

وقيل : تطهر ؛ لإِطلاق الفتاوي بالنسبة إلى العذرة المستحالة ، ولو لم يطهر محلها ، لخصت باليابسة.

قلنا : الإِطلاق إنما هو بالنسبة إلى ارتفاع النجاسة الثابتة ، فلا ينافيه عروض نجاسة من الخارج ، مع أنه لا إطلاق هناك لدليل يمكن كالتشبث به.

ومثل الاستحالة إلى التراب والدود الاستحالة إلى غيرهما من الأجسام.

ومنها : استحالة الكلب والخنزير الواقعين في المملحة ملحاً ، والعذرة الواقعة في الماء حمأة.

والأقرب فيها أيضاً الطهارة ، وفاقاً للفخري (٤) ، والكركي (٥) ، والشهيدين (٦) ، ومعظم الثالثة (٧) ؛ للدليل المطرّد في كل استحالة ، وأدلة طهر‌

__________________

(١) لا توجد في « ق ».

(٢) المحقق في المعتبر ١ : ٤٥٢ ، والعلامة في التذكرة ١ : ٨.

(٣) المبسوط ١ : ٩٣.

(٤) الايضاح ١ : ٣١.

(٥) جامع المقاصد ١ : ١٨١.

(٦) الاول في الدروس ١ : ١٢٩ ، والثاني في حواشيه على ما نسبه إليه في مفتاح الكرامة ١ : ١٩١.

(٧) كما قال به في المفاتيح ١ : ٨٠ ، وكشف اللثام ١ : ٥٨ ، والذخيرة : ١٧٢.


الملح.

وخلافاً للمعتبر والمنتهى ، ناسباً له إلى أكثر أهل العلم (١) ، وتردد في التذكرة (٢) ؛ لتخريجٍ ضعيف ، واستصحاب مردود.

ومنها : استحالة النطفة حيواناً طاهراً ، والبول النجس بولاً ، أو لبناً ، أو عرفاً ، أو لعاباً لحيوان يطهر منه تلك الاُمور ، والغذاء النجس جزءاً له.

والظاهر عدم الخلاف في شي‌ء من ذلك ، فإن ثبت فهو ، وإلّا ففي طهارة المتنجس بذلك فيما لم يكن فيه معارض للاستصحاب نظر يظهر وجهه مما ذكر ، إلّا أن يحكم بطهارة الجميع بضم عدم الفصل بين المذكورات إلى عمومات طهارة بول مأكول اللحم أو لحمه.

ومنها : انتقال الدم النجس العين ـ كدم الإِنسان ـ إلى بدن ما لا نفس له‌ ، واستحالته إلى دمه عرفاً ، والظاهر عدم الخلاف في طهارته.

وتدلّ عليه ـ بعد الأصل ولزوم العسر والحرج ـ عمومات طهارة دمه.

واستصحاب النجاسة قد عرفت ما فيه ، والحكم في ذلك أيضاً كنظائره المتقدمة ، للاستحالة ، أي تغير الاسم عرفاً ، فإنّ موضوع النجاسة دم الإِنسان مثلاً ، فبعد عدم صدق ذلك عليه لا يمكن الاستصحاب.

وأما ما قيل : من أن الظاهر أنه لأجل عدم صدق الاسم فقط فهو في العرف دم البق مثلاً ، لا دم الإِنسان ، ودم ما لا نفس له طاهر ، فالطهارة إنما هي لتغيّر الحكم بالشرع بسبب تغيّر الاسم ، يعني أنّ الشارع نصّ على تفاوت الحكم بتفاوت الاسمين ، وهذا غير تغيّر الحكم بمجرّد الاستحالة (٣) ؛ فلا وجه له.

والظاهر أنّ نظره في الاستحالة إلى تغيّر الحقيقة ، وأنّه غير متحقّق بمجرّد تغيّر الاسم. وهو غير صحيح كما أشرنا إليه.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٥١ ، المنتهى ١ : ١٧٩.

(٢) التذكرة ١ : ٨.

(٣) غنائم الأيام : ٨١.


ومنها : انقلاب الخمر خلاً ، وهو أيضاً مطهّر بالإِجماع مع الانقلاب بنفسه ، كما في التنقيح (١) واللوامع ، ومعه بالعلاج على المشهور ، بل عليه وعلى الأول الإِجماع في الانتصار والمنتهى (٢) ؛ للعلة المطّردة ، والنصوص المستفيضة :

كموثقتي عبيد بن زرارة : عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلاً ، قال : « لا بأس » (٣).

والاُخرى : في الرجل باع عصيراً فحبسه السلطان حتى صار خمراً فجعله صاحبه خلاً ، فقال : « إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به » (٤).

وصحيحة عبد العزيز بن المهتدي : العصير يصير خمراً فيصب عليه الخلّ وشي‌ء يغيّره حتى يصير خلاً ، قال : « لا بأس به » (٥).

وحسنة زرارة : عن الخمر العتيقة تجعل خلاً ، قال : « لا بأس » (٦).

والرضوي المنجبر ضعفه بالعمل : « فإن تغيّر بعد ذلك وصار خمراً فلا بأس أن يطرح فيه ملحاً أو غيره حتى يتحول خلاً » (٧).

والمروي في السرائر : عن الخمر يعالج بالملح وغيره ليتحول خلاً ، قال : « لا بأس بمعالجتها » (٨) الحديث.

والثالثة كالأخيرين صريحة في العلاج ، والبواقي ظاهرة فيه ، فإنّ جعل

__________________

(١) التنقيح ٤ : ٦١.

(٢) الانتصار : ٢٠٠ ، المنتهى ١ : ١٦٧.

(٣ و ٤) الكافي ٦ : ٤٢٨ الاشربة ب ٣٤ ح ٣ ، التهذيب ٩ : ١١٧ / ٥٠٥ و ٥٠٧ ، الاستبصار ٤ : ٩٣ / ٣٥٦ و ٣٥٧ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧٠ ، ٣٧١ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣١ ح ٣ و ٥.

(٥) التهذيب ٩ : ١١٨ / ٥٠٩ ، الاستبصار ٤ : ٩٣ / ٣٥٩ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧٢ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣١ ح ٨.

(٦) الكافي ٦ : ٤٢٨ الأشربة ب ٣٤ ح ٢ ، التهذيب ٩ : ١١٧ / ٥٠٤ ، الاستبصار ٤ : ٩٣ / ٣٥٥ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧٠ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣١ ح ١.

(٧) فقه الرضا (ع) : ٢٨٠ ، المستدرك ١٧ : ٧٣ أبواب الأشربة المحرمة ب ٢١ ح ١.

(٨) مستطرفات السرائر : ٦٠ / ٣١ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧٢ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣١ ح ١١.


الخمر خلاً ظاهر في العلاج.

فتوقف العاملي في الصورة الثانية ، وتعليله : بأنّه ليس في الأخبار المعتبرة ما يدلّ على علاجها بالأجسام وتحقّق الطُّهر بها ، وإنما هو عموم أو مفهوم مع قطع النظر عن الإِسناد (١) .. لا وجه له ؛ لما عرفت من وجود خصوص النصوص التي منها الصحيح والموثق ، مع أن العموم أو المفهوم حجّة.

وأما حديث الإِسناد فالأخبار معتبرة بنفسها ، ومع ذلك فالجميع بالشهرة المتحققة والمحكيّة في كلامه بنفسه (٢) وكلام غيره (٣) معتضدة.

وأمّا صحيحة أبي بصير : عن الخمر يجعل فيها الخلّ ، فقال : « لا إلا ما جاء من قبل نفسه » (٤) ، فهي عن إفادة الحرمة قاصرة ، وعلى فرض الدلالة ؛ فلشذوذها عن إثبات الحرمة عاجزة ، ولإِثبات محض كراهته للتسامح في أدلّتها صالحة. ومع قطع النظر عما ذكر يجب الحمل عليها ؛ للمعارضة مع ما مرّ.

وكذا المروي في العيون : « كلوا خل الخمر ما انفسد ، ولا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم » (٥).

مع أن حمل الصحيحة على أنّ مجرّد جعل الخلّ في الخمر لا يكفي في الاستحالة ـ رداً على أبي حنيفة القائل به (٦) ـ ممكن.

ولا فرق بين ما كان المعالج به مائعاً أو جامداً ، باقياً أو هالكاً ؛ لإِطلاق الأدلّة المتقدمة.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٤٨.

(٢) المسالك ٢ : ٢٤٨.

(٣) المفاتيح ١ : ٨٠.

(٤) التهذيب ٩ : ١١٨ / ٥١٠ ، الاستبصار ٤ : ٩٣ / ٣٦٠ ، الوسائل ٢٥ : ٣٧١ أبواب الأشربة المحرمة ب ٣١ ح ٧.

(٥) العيون ٢ : ٣٩ / ١٢٧ ، الوسائل ٢٥ : ٢٥ أبواب الأطعمة المباحة ب ١٠ ح ٢٤.

(٦) بدائع الصنائع ٥ : ١١٤.


قالوا : ويَطهُر ظرفها بطُهرها (١) ؛ لعدم انفكاك الخمر عن الظرف ضرورة ، فلو لم يطهر ، لزم عدم طهر الخمر أيضاً ، فما يدلّ على تطهرها يدل على تطهره بدلالة الإشارة.

فإن ثبت الإِجماع ، وإلا ففيه نظر ؛ إذ يمكن أن يكون ذلك لعدم تنجسها بملاقاة الظرف ، كما في اللبن في ضرع الميتة ، بل هذا أوفق بالقواعد ؛ إذ تنجس الخمر بعد الخلية بملاقاة الظرف عن الدليل خالٍ ؛ لأنّ تنجس كل ملاقٍ للنجس ليس إلّا بواسطة الإِجماع المركّب ، وهو هنا غير معلوم ، بخلاف نجاسة الظرف ، فإنّها مقتضى الاستصحاب.

واحتمال تقييد نجاسته بحال ملاقاته للخمر يدفعه : ما ذكرنا في مسألة التطهر بالشمس.

*       *      *

__________________

(١) كما في جامع المقاصد ١ : ١٨٠ ، وكشف اللثام ١ : ٥٧.


الفصل الرابع : في الأرض‌

وهي تطهّر باطن النعل ، والخفّ ، والقدم ، بلا خلاف ظاهر في الأول وإن اقتصر بذكر الأخيرين في النافع (١) ، وعلى الأشهر الأظهر فيهما ، بل في المدارك (٢) : أن الحكم في الثلاثة مقطوع به بين الأصحاب وأن ظاهرهم الاتفاق عليه ، وفي شرح القواعد الإِجماع عليها (٣).

للمرويين عن النبي : أحدهما : « إذا وطئ أحدكم بنعليه الأذى ، فإن التراب له طهور » (٤).

والآخر : « إذ وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب » (٥).

وصحيحتي زرارة والأحول ، الاُولى : « جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله ، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما » (٦).

والاُخرى : في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ، ثم يطأ بعده مكاناً نظيفاً ، قال : « لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً أو نحو ذلك » (٧).

ورواية المعلّى : عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافياً ؟ فقال : « أليس وراءه شي‌ء جاف ؟ » قلت : بلى ، قال : « لا بأس إن الأرض يطهّر بعضها بعضاً » (٨) أي : يطهّر ما يمشى عليه بعضاً آخر من الرجل ، كقوله : الماء يطهّر البول.

__________________

(١) المختصر النافع : ٢٠.

(٢) المدارك ٢ : ٣٧٢.

(٣) جامع المقاصد ١ : ١٧٩.

(٤ و ٥) سنن أبي داود ١ : ١٠٥ / ٣٨٥ و ٣٨٦.

(٦) التهذيب ١ : ٤٦ / ١٢٩ ، الوسائل ١ : ٣٤٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٠ ح ٣.

(٧) الكافي ٣ : ٣٨ الطهارة ب ٢٤ ح ١ ، الوسائل ٣ : ٤٥٧ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ١.

(٨) الكافي ٣ : ٣٩ الطهارة ب ٢٤ ح ٥ ، الوسائل ٣ : ٤٥٨ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٣.


وموثقة الحلبي والمروي في السرائر عن محمد الحلبي المتقدمتين (١) في مسألة إزالة النجاسة عن المسجد.

وأما الاستدلال بالعامي : « إذا جاء أحدكم إلى المسجد ، فإن (٢) رأى في نعله أثراً أو أذى فليمسحها ، وليصل فيها » (٣).

ورواية حفص : إني وطئت عذرة بخفّي ومسحته حتى لم أر فيه شيئاً ، ما تقول في الصلاة فيه ؟ فقال : « لا بأس » (٤).

وصحيحة زرارة : « رجل وطئ على عذرة فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك وضوءه ؟ وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال : « لا يغسلها إلا أن يقذرها ، ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلي » (٥).

فغير جيد ؛ لجواز كون الحكم في الأوليين لكون الخف مما لا تتم الصلاة فيه دون الطهارة ، والأمر بالمسح في الاُولى لعله للاجتناب عن السراية إلى المسجد ، وكون العذرة في الثالثة أعم من الرطبة واليابسة ، بل النجسة أيضاً على قول ، فيمكن أن يكون معنى قوله : « لا يغسلها إلا أن يقذرها » أي : ينجسها بأن تكون رطبة نجسة ، والا فيمسحها حتى يذهب ما لصق بها من الأجزاء اليابسة ، وقوله : «ساخت » (٦) لا يدل على الرطوبة لأنه بمعنى غابت وخسفت.

ثم ما ذكرنا من الأخبار ـ المنجبر ضعف ما هو ضعيف منها بالشهرة ـ كما ترى بين نص في النعل كالاُولى ، وفي الخف كالثانية ، وفي القدم كرواية المعلى والأخيرة ، أو ظاهر فيه كالثالثة ، أو مطلق في الثلاثة كالباقيتين.

__________________

(١) ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤‌.

(٢) في « ق » : فإذا.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٧٥ / ٦٥٠.

(٤) التهذيب ١ : ٢٧٤ / ٨٠٨ ، الوسائل ٣ : ٤٥٨ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٦.

(٥) التهذيب ١ : ٢٧٥ / ٨٠٩ ، الوسائل ٣ : ٤٥٨ أبواب النجاسات ب ٣٢ ح ٧.

(٦) كما يقال ساخت قوائمه في الأرض (منه ره).


فالخلاف في الثاني ، كما عن ظاهر الخلاف (١) ، وهو ظاهر الدروس (٢) ، والبيان ، والقواعد ، واللمعة (٣) لتخصيصهما الطرفين بالذكر ، إلا أن يقال بدخول الوسط في الأول كما هو ظاهر الروضة (٤). أو في الثالث ، كما عن ظاهر المفيد والديلمي (٥) ؛ أو التوقف فيه كما في المنتهى (٦) بعد حكمه بالطهارة قبله ؛ أو الاستشكال فيه كما في التحرير (٧) وإن حكم بالطهارة بعده .. لا وجه له.

بل ظاهر صحيحة الأحول : التعدّي من الثلاثة إلى كلّ ما يوطأ معه من حذاء الخشب والخرقة ، وفاقاً للإِسكافي (٨) ، والروض ، والروضة (٩) ، بل الجورب والجلد إن لم نقل بصدق النعل على جميع أفراد الأخير.

وفي التعدي إلى مثل خشبة الأقطع والكف والركبتين لمن يمشي بها نظر. والعدم أظهر ؛ للشك في صدق الوطأة ، فإنها موضع القدم كما في كتب اللغة (١٠).

خلافاً لجماعة ، فتعدّوا إليها (١١) ، إما لصدق الوطأة. وقد عرفت عدم ثبوته ، ولو ثبت فلما اشتهر من انصراف المطلق إلى الشائع مطلقاً غير ملائم. أو لإِطلاق الموثقة. وهو لا يفيد ؛ لاختصاصها بأشخاص خاصة. أو للتعليل المستفاد من قوله : « إن الأرض يطهر بعضها بعضاً ».

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢١٧.

(٢) الدروس ١ : ١٢٥.

(٣) البيان : ٩٢ ، القواعد ١ : ٨ ، اللمعة (الروضة ١) : ٦٥.

(٤) قال في الروضة : المراد بالنعل ما يجعل أسفل الرجل للمشي وقاية من الارض (منه ره) الروضة ١ : ٦٦.

(٥) المقنعة : ٧٢ ، المراسم : ٥٦.

(٦) المنتهى ١ : ١٧٩.

(٧) التحرير ١ : ٢٥.

(٨) نقله عنه في المنتهى ١ : ١٧٩.

(٩) الروض : ١٧٠ ، الروضة ١ : ٦٦.

(١٠) النهاية الاثيرية ٥ : ٢٠٠ ، لسان العرب ١ : ١٩٦.

(١١) كما في الروضة ١ : ٦٦ ، والذخيرة ١٧٣ ، والرياض ١ : ٩٦.


بل قد يتعدى لذلك إلى غير ذلك أيضاً من كعب العصاء والرمح ، بل ـ كما عن الموجز ـ إلى الحافر ، والخف ، والظلف.

والحق أنّ في معناه إجمالاً لا يمكن الاستناد إليه في إثبات حكم.

وهل يلزم في تطهر ما ذكر المشي به ، أو يطهر ولو بمسحها على الأرض ولو بالدلك باليد ؟

الحق هو الثاني ، وفاقاً لجماعة منهم الإِسكافي (١) ، والمفيد ، والديلمي (٢) ؛ لإِطلاق صحيحة زرارة.

وقد ينسب الأول إلى الأول ، بل مع التقييد بما في صحيحة الأحول من كونه نحواً من خمسة عشر ذراعاً.

وصدر كلامه وإن وافق ذلك ، ولكن قوله أخيراً : ولو مسحها حتى تذهب عين النجاسة وأثرها بغير ماء أجزأه (٣) ، يدل على أن مراده مقدار المشي الذي تزول به النجاسة غالباً.

وعليه تحمل الصحيحة أيضاً ، وفي قوله : « أو نحو ذلك » إيماء إليه.

وفي إجزاء أخذ مثل التراب ودلكه بالموضع احتمال قريب ؛ لصدق المسح. وأقرب منه الاجتزاء بالمشي في غير الأرض كالآجر ، والحصير ، والنبات ، والخشب ؛ لما ذكر ، ولقوله في صحيحة الأحول : « ثمّ يطأ مكاناً نظيفاً » ومع ذلك فلعدم الاجتزاء أحوط.

وفي اشتراط كلّ من طهارة الممسوح به وجفافه ، وعدمه وجهان.

الحق في الأول ، الثاني ، وفاقاً لجماعة (٤) ، بل الأكثر ؛ لإِطلاق ما مر.

__________________

(١) نقله عنه في المنتهى ١ : ١٧٨ ، والمعالم : ٣٨٩.

(٢) المقنعة : ٧٢ ، المراسم : ٥٦.

(٣) نقله عنه في المعالم : ٣٨٩.

(٤) كما قال به في كشف اللثام ١ : ٥٧ ، والكفاية : ١٤ ، والرياض ١ : ٩٦.


وخلافاً للإِسكافي (١) ، والذكرى (٢) ، وبعض آخر (٣) ؛ لصحيحة الأحول.

ولا دلالة فيها أصلاً ، ولا لقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً » (٤) وإن قلنا : إن الطهور هو الطاهر المطهر.

وقيل : لأن النجس لا يطهر (٥).

وفيه منع ظاهر ، وإثباته بالغلبة والاستقراء ضعيف.

نعم ، لو كان الممسوح مع نجاسة الممسوح به رطباً ، ينجس بنجاسة الممسوح به وإن تطهّر من النجاسة الحاصلة لنفسه.

وانصراف الإِطلاق إلى انتفاء مثل هذه النجاسة أيضاً ممنوع.

وفي الثاني : الأول ، وفاقاً للإِسكافي (٦) بل جماعة (٧) ؛ لروايتي المعلى ، والسرائر (٨) ، الموجودتين في الاُصول المعتبرة ، الجابر ذلك لضعف سنديهما.

وحمل الاُولى على الجفاف من الماء المتقاطر من الخنزير ، والثانية على اليبوسة من البول تقييد بلا دليل.

فبهما تقييد الإِطلاقات ، حيث إن المستفاد منهما عدم التطهر بالرطب ، وإلا لزم كون التقييد لغواً محضاً ، لعدم الواسطة بين الرطب والجاف. ولا يرد مثل ذلك في التقييد بالأرض في رواية السرائر ؛ لأنه لا يصير لغواً ، لجواز أن يكون المطهر الأرض وشيئاً آخر غيرها ، وذكر البعض لا يدل على نفي الآخر إلا إذا غيره فيه‌

__________________

(١) نقله عنه في المنتهى ١ : ١٧٨.

(٢) الذكرى : ١٥.

(٣) جامع المقاصد ١ : ١٧٩.

(٤) الفقيه ١ : ١٥٥ / ٧٢٤ ولم يذكر فيه « ترابها » وفي جامع الأحاديث ٣ : ٥٣ عن نسخة من الفقيه كما في المتن. وانظر الوسائل ٣ : ٣٤٩ أبواب التيمم ب ٧.

(٥) الروض : ١٧٠.

(٦) نقله عنه في المنتهى ١ : ١٧٨.

(٧) كما قال به في جامع المقاصد ١ : ١٧٩ ، والحدائق ٥ : ٤٥٨ ، والرياض ١ : ٩٦.

(٨) المتقدمتين ص ٣٣٥ وص ٢٣٣.


الحصر (١).

وهل يشترط جفاف الممسوح قبل الوطء ؟ الظاهر لا ؛ للإِطلاق.

وكذلك لذلك لا يشترط حصول التجفيف له بعد المسح ، وإزالة العين لو كان رطباً ، ولا وجود العين والأثر المحسوس للنجاسة ، فلو كانت الرِجل مثلاً نجسة بالبول ويبست منه ، تطهر بالمسح.

فرع :

المصرّح به في عباراتهم أسفل النعل وأخويه‌ ، ولا شك في تطهّره ولا في عدم تطهّر ظهرها ؛ للإِجماع ، وبه يخصص إطلاق صحيحة زرارة (٢).

وأمّا أطرافها المجاورة للأسفل فلا يبعد تطهرها ؛ لعدم ثبوت إجماع فيها ، فلا مخرج لها عن الإِطلاق ، ولوصولها إلى الأرض عند الوطء غالباً ، والاحتياط لا ينبغي أن يترك.

*       *      *

__________________

(١) مثال الأول : كما إذ سئل عن الماء الذي يغير بالنجاسة فهل ينجس ؟ فقال : أليس بقليل ؟ قال : نعم ، فقال : ينجس ، فإنه يدل على انحصار المتنجس بالقليل. ومثال الثاني : إذا سئل عن الماء لاقى النجاسة فهل ينجس ؟ فقال أليس يغيّر به ؟ قال : نعم ، قال : ينجس ، فإنه لا يدل على الانحصار إذ ينجس القليل أيضاً (منه ره).

(٢) المتقدمة ص ٣٣٥.


الفصل الخامس : في سائر المطهرات‌

وهي اُمور :

منها : الإِسلام ، وهو مطهّر لنجاسة الكافر ضرورة.

ومنها : الغسل ، وبه يطهّر ميت الآدمي عن نجاسته ، ويأتي كيفيته.

ومنها : التبعيّة ، قالوا : يطهر ولد الكافر الذي سباه مسلم بتبعيّته السابي ، وظرف الخمر التي انقلبت خلاً بتبعيّتها ، وقد مرّ تحقيقهما (١) ، وظرف العصير وما تنجّس به قبل ذهاب الثُلثين على القول بنجاسته ، بتبعيّته بعد ذهابهما ، ولا دليل عليه يصلح لمعارضة الاستصحاب ، وكذا في غير ذلك ممّا قيل بطهارته بالتبعيّة.

ومنها : النقص ، وبه يطهر العصير إذا غلى ، بعد نقص ثلثيه ، على القول بنجاسته.

ومنها : زوال العين ، فعن الشيخ (٢) ، والفاضلين (٣) ، وغيرهم (٤) : طهارة فم الهرة بزوال عين النجاسة ، غابت أم لا ؛ لمطلقات طهارة سؤرها ، مع أنّ فاها لا ينفكّ عن النجاسة غالباً ، وأصالةِ طهارة ما لاقاه فوها ، وأصالةِ عدم التعبّد بغسل فيها ، فليس إلّا الحكم بالطهارة بزوال العين.

بل الحق جملة المتأخرين (٥) بها كل حيوان غير الآدمي ؛ للأخيرين.

مضافاً إلى الموثّقتين : أحدهما : عمّا يشرب منه باز ، أو صقر ، أو عقاب ، قال : « كل شي‌ء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه ، إلّا أن ترى في منقاره دماً فلا‌

__________________

(١) في ص ٢٠٩ وص ٣٣٤. ٢٠٣.

(٢) المبسوط ١ : ١٠ ، الخلاف ١ : ٢٠٣.

(٣) المحقق في المعتبر ١ : ٩٩ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٢٧.

(٤) كما في الذخيرة : ١٤١ ، والحدائق ١ : ٤٣٣.

(٥) كصاحب المدارك ١ : ١٣٣ ، والذخيرة : ١٤١ ، والحدائق ١ : ٤٣٤.


تتوضأ ولا تشرب » (١).

والآخر : عن ماء شربت منه الدجاجة ، قال : « إن كان في منقارها قذر لم تتوضأ منه ولم تشرب ، وإن لم تعلم أن في منقارها قذراً توضأ منه واشرب » (٢).

وإلى لزوم العسر والحرج الشديدين لولاه ، وعمل الأصحاب ، والإِجماع المنقول في الخلاف (٣) ، حيث إنّه بعد ما قال : إنّ الهرّة لو أكلت ميتاً ثمّ شربت من الماء القليل لم ينجس ، استدلّ بإجماع الفرقة على طهارة سؤر الهرّ وعدم فصلهم.

ويضعف الأول : بأنّ الإِطلاقات إنما هي من جهة السؤرية لها ، فلا تنافي النجاسة لأمر آخر ، مع أنّها مخصصة بما إذا لم يكن فمها نجساً بالإِجماع ، ولذا يحكمون بالنجاسة قبل زوال العين ، فاللازم تحقق نجاسة الفم وطهارته أولاً.

والحاصل أن نجاسة الفم إما لا تستلزم نجاسة السؤر ، أو تستلزمها ، فعلى الأول لا تثبت من طهارة السؤر طهارة الفم ، وعلى الثاني تكون الإِطلاقات مخصصة بما إذا لم يكن الفم نجساً ، فلا تفيد الإِطلاقات هنا ، لوجود دليل النجاسة كما يأتي.

والثاني : بمعارضته بأصالة نجاسة الفم ، المقدمة على أصالة طهارة ما لاقاه ؛ لكون الاُولى مزيلة للثانية.

والثالث : بأنّا لا نقول بالتعبد بالغسل إذ لم يؤمر به إلا في (مثل) (٤) الثوب والبدن.

وأما التفريع الذي ذكره ، فلا وجه له ، لمنع الحصر ، لجواز الحكم بالنجاسة مع عدم وجوب غسله.

والرابع : بدلالة الروايتين على خلاف المطلوب ، لدلالتهما على المنع من‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٤.

(٢) الاستبصار ١ : ٢٥ / ٦٤ ، الوسائل ١ : ٢٣١ أبواب الأسآر ب ٤ ح ٣.

(٣) الخلاف ١ : ٢٠٣.

(٤) لا توجد في « هـ ».


الشرب والتوضؤ إن ترى الدم أو القذر ، أو كان ، سواء كان باقياً حال الشرب أو لا.

والخامس : بمنع لزوم الحرج ، فإنّ العلم بنجاسة أعضاء الحيوانات ثمّ بملاقاتها بعد ذلك قبل حصول الطهارة لها ، سيّما على القول بتطهّر الوارد على القليل أيضاً ، لا يبلغ حدّاً يلزم منه حرج.

والسادس : بمنع عمل الأصحاب.

والسابع : بمنع حجية الإِجماع المنقول ، مع أنّه ليس على المطلق ، بل على طهارة السؤر ، ولا كلام فيه.

وبضعف تلك الوجوه ، يظهر ضعف القول في الأصل وفيما اُلحق به ، مع اندفاع الأخير بإطلاق صحيحة علي المتقدمة (١) في بحث الجاري أيضاً.

كما يضعف القول بالطهارة أيضاً فيما ذكر مع الغيبة خاصة ـ كما ذهب إليه الفاضل في نهاية الإِحكام (٢) ـ بعدم دليل على ذلك التفصيل.

ومقتضى الاستصحاب النجاسة مطلقاً ، كما هو مختار ابن فهد في موجزه ، وغيره (٣) ، فهو الحقّ.

هذا في غير الآدمي ، وأمّا فيه ، فالمشهور : أنّه إذا نجس عضو منه يحكم بنجاسته حتّى يعلم الإِزالة.

وقيل بالطهارة مع الغيبة المحتملة للإِزالة (٤) ، واختاره والدي ـ رحمه الله ـ في المعتمد.

وقيل : مع التلبّس بمشروط الطهارة مطلقاً (٥).

__________________

(١) ص ٢٣.

(٢) نهاية الاحكام ١ : ٢٣٩.

(٣) كما قال به في مجمع الفائدة ١ : ٢٩٧.

(٤) الحدائق ١ : ٤٣٥.

(٥) المدارك ١ : ١٣٤.


وقيل بالثاني بشرط علمه بالنجاسة وأهليّته للإِزالة (١).

وقيل بالثالث كذلك.

والاستصحاب يوافق الأول ، ولكن الإِجماع القطعي ، بل الضرورة الدينية تحققت على جواز الاقتداء والمباشرة والمصافحة مع الناس ، واشتراء ما تلاقيه أيديهم بالرطوبة ، مع العلم بنجاستهم كلّ يوم بالبول والغائط.

فالطهارة مع الغيبة مجمع عليها ، ولكن المعلوم منه هو مع علمه بالنجاسة وأهليّته للإِزالة. فالحقّ هو الرابع.

والحكم مختصّ بالبدن دون غيره من الثياب وأمثالها ؛ لعدم العلم بالإِجماع فيه.

ويطهر بزوال العين البواطن كالفم ، والأنف ، على المشهور بين الأصحاب ، قال في البحار : لا نعلم في ذلك خلافاً (٢).

واستدل عليه : بموثّقة الساباطي : عن رجل يسيل من أنفه الدم ، هل عليه أن يغسل باطنه ؟ يعني : جوف الأنف ، قال : « إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منه » (٣).

وفي دلالتها على الطهر بزوال العين نظر ، بل يدلّ على عدم وجوب الغسل ولو بقيت العين أيضاً.

فإن دلّ عدم وجوب الغسل على الطهارة ، لدلّت الموثقة على عدم تنجّس البواطن مطلقاً ، وهو الأقوى ، فلا يحكم بنجاسة البواطن بملاقاتها النجاسة الداخلية أو الخارجية ؛ للأصل وعدم الدليل ، فإنّ ثبوت نجاسة المتنجّسات إنّما هو بالأمر بالغسل في الأكثر ، وهو ليس في المورد ، لعدم وجوب غسله إجماعاً ، بل‌

__________________

(١) نسبه في مفتاح الكرامة ١ : ١٩١ إلى المقاصد العليّة.

(٢) البحار ٧٧ : ١٣١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٩ الطهارة ب ٣٨ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٤٢٠ / ١٣٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٣٨ أبواب النجاسات ب ٢٤ ح ٥.


نحن لا نعلم من النجس إلّا ما تترتّب عليه الأحكام المعهودة الشرعية ، ولا دليل على ترتب شي‌ء منها على البواطن ، فلا يحتاج الطهر بزوال العين فيها إلى دليل.

ولا يمكن استصحاب نجاستها ؛ إذ كلّ ما يدلّ على ثبوت اللوازم للنجاسات فجريانه في البواطن غير معلوم.

بل الظاهر عدم تنجّس ما يدخل البواطن من الخارج ـ كالخبز يوضع في الفم ـ بملاقاته النجس ؛ لما ذكر.

وتظهر الفائدة في ما لو خرج بعد زوال العين فيكون طاهراً. نعم ، لو خرج ملوّثاً بالعين ينجس بعد الخروج إجماعاً ؛ وتدلّ عليه الإِطلاقات أيضاً. فلا تنجس الحشفة بالإِنزال في الفرج ، ولا الذكر بالتلوث بالمني فيه ، إلّا إذا اُخرج ملوّثاً بعينه.




ختام في ما يتعلّق بالجلود‌

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : عدم جواز استعمال جلود نجس العين ، وجلود الميتة‌ ـ على القول بنجاستها ـ في مشروط الطهارة واضح.

وأمّا في غيره كالاستقاء فيها للزرع ، أو استعمالها في اليابسات فكذا على المشهور ، المدّعى على الأول الإِجماع في التذكرة (١).

بل بلا خلاف أجده إلّا من الاستبصار (٢) ، في الأول ، حيث نقل فيه الموثق الثالث الآتي (٣) ، ووجّه نفي البأس فيها إلى نفس الاستعمال ، لا إلى الطهارة.

ويمكن أن يعمّم خلافه في الثاني أيضاً ؛ لعدم ورود التذكية على نجس العين.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٦٨.

(٢) لم نعثر عليه في الاستبصار. نعم ذكره في التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠١ في ذيل رواية زرارة الاتية ص ٣٤٨ رقم ٤.

(٣) ص ٣٤٨ رقم ٣.


ومن المحكيّ عن الصدوق (١) في الثاني ، باعتبار نقله المرسلة الآتية (٢).

وهو غير جيّد ؛ لأنّه لو دلّ على كونه مذهباً له ، لدلّ على قوله بالطهارة.

وكيف كان ، فالعمل على المشهور ؛ لظاهر الإِجماع ، وروايات عامية (٣) منجبر ضعفها بالعمل.

ورواية الجرجاني : « لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب » (٤).

وصحيحة علي بن أبي المغيرة كما في الكافي ، وإن رواها في التهذيب عن علي ابن المغيرة ، مع أنّه أيضاً في حكم الصحيحة ؛ لصحّتها عن السّراد المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه : الميتة ينتفع منها بشي‌ء ؟ فقال : « لا » (٥).

وموثّقتي سماعة : الاُولى : عن جلود السباع ينتفع بها ؟ قال : « إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة فلا » (٦).

والثانية : عن أكل الجبن أو تقليد السيف وفيه الكَيمُخت والغِراء ، قال : «لا بأس بما لم يعلم أنّه ميتة » (٧).

والمرويّ في تحف العقول ، ورسالة المحكم والمتشابه ، للسيّد ، والفصول المهمة ، المنجبر ضعفه بالعمل : « كل أمر يكون فيه الفساد ممّا هو منهي عنه ، من جهة أكله وشربه ، أو كسبه ، أو نكاحه ، أو ملكه ، أو هبته ، أو عاريته ، أو‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٩.

(٢) ص ٣٤٨.

(٣) سنن البيهقي ١ : ١٤.

(٤) الكافي ٦ : ٢٥٨ الاطعمة ب ٩ ح ٦ ، التهذيب ٩ : ٧٦ / ٣٢٣ ، الاستبصار ٤ : ٨٩ / ٣٤١ ، الوسائل ٢٤ : ١٨١ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٣ ح ٧.

(٥) الكافي ٦ : ٢٥٩ الاطعمة ب ٩ ح ٧ ، التهذيب ٢ : ٢٠٤ / ٧٩٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٤ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ١.

(٦) التهذيب ٩ : ٧٩ / ٣٣٩ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٥ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ٤.

(٧) التهذيب ٩ : ٧٨ / ٣٣١ ، الاستبصار ٤ : ٩٠ / ٣٤٢ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٥ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ٥ ، الكَيمُخت بالفتح فالسكون : جلد الميتة المملوح ، الغراء : شي‌ء يتخذ من أطراف الجلود يلصق به.


إمساكه ، أو شي‌ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد ، نظير البيع بالرّبا ، والبيع للميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، أو لحوم السباع من جميع صنوف سباع الوحش ، أو الطير ، أو جلودها ، أو الخمر. أو شي‌ء من وجوه النجس ، فهذا كله حرام محرّم ، لأنّ ذلك كلّه منهي عن أكله ، وشربه ، ولبسه ، وملكه ، وإمساكه ، والتقلب فيه ، فجميع تقلّبه في ذلك حرام » (١) الحديث.

والأخيرتان صريحتان في التحريم ، وبهما ينجبر (٢) ضعف دلالة الثلاثة الاُولى عليه ، لمكان لفظ الإِخبار.

وأمّا الموثّقة : عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى به عن البئر التي يشرب منها أو يتوضأ ؟ قال : « لا بأس » (٣).

ورواية زرارة : عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى به الماء ، قال : « لا بأس » (٤).

والمرسلة : عن جلود الميتة يجعل فيها الماء والسمن ما ترى فيه ؟ قال : « لا بأس أن تجعل فيها ما شئت من ماء ، أو سمن وتتوضأ منه ، وتشرب ، ولكن لا تصلّ فيها » (٥).

وما مرّ في بحث الميتة من روايتي الصيقل (٦).

فعن مقاومة ما مرّ قاصرة ؛ لمخالفتها للشهرة ، بل لما عليه كافّة العلماء‌

__________________

(١) تحف العقول : ٣٣٣ ، ونقله في الوسائل ١٧ : ٨٣ أبواب ما يكتسب به ب ٢ ح ١ ، عن تحف العقول ورسالة المحكم والمتشابه للسيد المرتضى ، ولكنا لم نجده في النسخة التي بأيدينا من الرسالة.

(٢) في « هـ » و « ق » : يجبر.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٨ الاطعمة ب ٩ ح ٣ ، الوسائل ١ : ١٧١ ، أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٣ وفيهما : قلت له : شعر الخنزير يعمل حبلاً ويستقى به ... إلى آخره.

(٤) التهذيب ١ : ٤١٣ / ١٣٠١ ، الوسائل ١ : ١٧٥ ، أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٦.

(٥) الفقيه ١ : ٩ / ١٥ ، الوسائل ٣ : ٤٦٣ ، أبواب النجاسات ب ٣٤ ح ٥.

(٦) المتقدمتين ص ١٧٢.


واتفقوا عليه في جميع الأعصار ـ كما في الحدائق (١) ـ الموجبة لخروجها عن الحجية سيما مع موافقتها لمذهب العامة (٢).

مع أنّ الظاهر أنّ السؤال في الاُولى عن حال البئر والماء الذي فيها ، دون الاستقاء. ويمكن حمل الثانية عليه أيضاً ، فلا تدلّان على جواز الانتفاع ، كما لا تدلّ روايتا الصيقل أيضاً ، كما بينا وجهه في باب المكاسب. والثالثة لدلالتها على الطهارة تعارض أخبار اُخر مرّت في بحث الميتة أيضاً ، فهي عن الحجيّة أبعد.

المسألة الثانية : لا يطهر جلد الميتة بالدباغ بالإِجماع‌ ، لعدم مخالفة من شذّ فيه على التحقيق. فهو الحجّة ، مع استصحاب النجاسة ، وعدم جواز الانتفاع به ، والمستفيضة المتقدّمة المانعة عن الانتفاع بجلود الميتة مطلقاً. وروايتي الصيقل المنجسة لها على الإِطلاق.

وخصوصِ رواية الدعائم : « الميتة نجسة ولو دبغت » (٣). وروايتي البصري ، وأبي بصير.

وفي الاُولى بعد سؤاله عن سبب فساد الجلود : قال : « استحلال أهل العراق الميتة وزعموا أنّ دباغ الميتة ذكاته ثمَّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا على رسول الله صلّى الله عليه وآله » (٤).

وفي الثانية بعد السؤال عن إلقاء الفراء والقميص الذي يليه : « انّ أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة ويزعمون أنّ ذكاته دباغه » (٥).

__________________

(١) الحدائق ٥ : ٥٢٢.

(٢) لعل المراد جماعة منهم فإنهم مختلفون في المسألة على أقوال شتى. راجع بداية المجتهد ١ : ٨٧ ، ونيل الأوطار ١ : ٧٤.

(٣) الدعائم ١ : ١٢٦ ، المستدرك ٢ : ٥٩٢ أبواب النجاسات ب ٣٩ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٨ الصلاة ب ٦٥ ح ٥ ، التهذيب ٢ : ٢٠٤ / ٧٩٨ ، الوسائل ٣ : ٥٠٣ أبواب النجاسات ب ٦١ ح ٣ : وفي الجميع عبد الرحمن بن الحجاج المعروف بالبجلي وفي نسخة من التهذيب على ما في جامع الأحاديث ١ : ١٦١ عبد الله بن الحجاج وأما البصري فهو عبد الرحمن بن أبي عبد الله ولم نجد له رواية في المقام.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٧ الصلاة ب ٦٥ ح ٢ ، الوسائل ٤ : ٤٦٢ أبواب لباس المصلّي ب ٦١ ح ٢.


وضعف بعض ما ذكر سنداً لا يضرّ بعد انجباره بالإِجماع المحقق والمحكي عن الخلاف (١) ، وفي الناصريات ، والانتصار ، والذكرى (٢) مطلقاً ، وعن المختلف (٣) ، وفي المنتهى والتذكرة (٤) عمّن عدا الإِسكافي (٥).

خلافاً له ، وللشلمغاني (٦) من قدماء أصحابنا ، وإن كان قوله خارجاً من عداد علمائنا ، لما ظهر له من المقالات المنكرة. وقد ينسب إلى الصدوق أيضاً ؛ لما مرّ (٧) ، ويظهر من المدارك ، والمعالم (٨) ، الميل إليه. للمرسلة المتقدمة (٩).

ورواية الحسين بن زرارة : جلد شاة ميتة يدبغ ، فيصب فيه اللبن والماء ، فأشرب منه وأتوضأ ؟ قال : « نعم » وقال : « يدبغ وينتفع به ولا يصلّى فيه » (١٠).

والرضوي : « وكذلك الجلد ، فإنّ دباغته طهارته وذكاة الجلود الميتة دباغتها » (١١).

وشي‌ء منها لا يصلح للاستناد ؛ لشذوذها الموجب لخروجها عن الحجيّة ، سيّما مع المعارضة مع ما يرجّح عليها ممّا تقدّم بمخالفته للعامة ، وموافقتها لهم بتصريح الروايات كما مرّ ، وبصحّة السند ، بل بالأصل الذي هو استصحاب النجاسة ، وعلى هذا فكذلك الحكم لو لا الترجيح أيضاً.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٦٠.

(٢) الناصريات (الجوامع الفقهية) : ١٨٢ ، الانتصار ١٢ ، الذكرى : ١٦.

(٣) المختلف : ٦٤.

(٤) المنتهى ١ : ١٩١ ، التذكرة ١ : ٦٨.

(٥) نقله عنه في المختلف : ٦٤.

(٦) نسبه إليه في الذكرى : ١٦.

(٧) في ص ٣٤٧.

(٨) المدارك ٢ : ٣٨٦ ، المعالم : ٤١١.

(٩) ص ٣٤٨.

(١٠) التهذيب ٩ : ٧٨ / ٣٣٢ ، الاستبصار ٤ : ٩٠ / ٣٤٣ ، الوسائل ٢٤ : ١٨٦ أبواب الاطعمة المحرمة ب ٣٤ ح ٧.

(١١) فقه الرضا (ع) : ٣٠٢ ، ٣٠٣ ، البحار ٧٧ : ٢٢٦ / ١٥.


المسألة الثالثة : إن علمت حال الجلد من حيث التذكية وعدمها فحكمه ظاهر ، وإلّا فالأصل فيه عدم التذكية ـ سواء في ذلك أن تكون عليه يد مسلم ، أو كافر ، أو مجهول ، في سوق المسلمين ، أو الكفار ، من بلد غالب أهله المسلمون ، أو الكفّار ، أو تساويا ، أو جُهلَ حال البلد ، أو في غير السوق من بلد كذلك ، أو في غير البلد ، وسواء أخبر ذو اليد بالتذكية ، أو بعدمها ، أو لم يخبر بشي‌ء ، أو لا تكون عليه يد ، بل كان مطروحاً في سوق ، أو بلد ، أو برّ ، من أراضي المسلمين ، أو الكفّار ، سواء كانت عليه علامة جريان اليد عليه ، أم لا ـ لتوقّف التذكية مطلقاً على اُمور بالعدم مسبوقة.

ولا يعارض ذلك الأصل ، أصالة الطهارة ، لأنّها به زائلة مندفعة.

ويدلّ عليه أيضاً مفهوم حسنة ابن بكير : « وإن كان ممّا يؤكل لحمه ، فالصلاة في وَبَره ، وبوله ، وشعره ، وروثه ، وألبانه ، وكلّ شي‌ء منه ، جائزة إذا عَلِمتَ أنّه مذكّى قد ذكّاه الذبح » (١) يدلّ بالمفهوم على عدم جواز الصلاة في كلّ شي‌ء منه ما لم يعلم أنّه مذكى.

ولا يضرّ اختصاصها بالصلاة ، ولا تحقق السلب الكلي بعدم الجواز في بعض شي‌ء منه ؛ لعدم الفصل بين الصلاة وغيرها ولا بين شي‌ء منه في عدم الجواز وبين الجلد.

وكذا تدلّ عليه رواية علي بن أبي حمزة : عن لباس الفراء والصلاة فيها ؟ فقال : « لا تصلّ فيها إلّا فيما كان منه ذكياً » (٢) الحديث.

ومكاتبة عبد الله بن جعفر : هل يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك ؟

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٧ الصلاة ب ٦٥ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥٤ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلّي ب ٢ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٧ الصلاة ب ٦٥ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٠٢ / ٧٩٧ ، الوسائل ٤ : ٣٤٨ أبواب لباس المصلّي ب ٣ ح ٣.


فكتب : « لا بأس به إذا كان ذكيّاً » (١).

وظاهر أنّه فرق بين ما كان ذكياً وبين ما جاز كونه ذكياً.

ولا تفيد في دفع الأصل ، المستفيضة الدالّة على جواز الصلاة في الجلد واشترائه ما لم يعلم أنّه ميتة ، كموثّقة سماعة المتقدّمة (٢) ، ومكاتبة يونس : عن الفرو والخفّ ألبسه واُصلّي فيه ولا أعلم أنّه ذكي ، فكتب : « لا بأس به » (٣) وغير ذلك مما يأتي بعضها ، لمعارضتها مع الحسنة ، فتتساقطان.

ولا تفيد خصوصية المستفيضة في ما جرت عليه اليد ، وبما لم تكن عليه يد كافر لخروجه بالإِجماع ؛ لاختصاص الحسنة أيضاً بما لم تكن عليه يد مسلم بالإِجماع ، كما يأتي ، فيتعارضان بالعموم من وجه.

ولا تفيد أكثرية المستفيضة وأصحّيتها ؛ لأنّهما لو سلّمتا لا تفيدان في مقام الترجيح عندنا ، مع أنّ الحسنة أبعد عن مذهب العامّة.

ثمّ إنّه يجب الحكم بخروج ما في يد مسلم من تحت الأصل ما لم يخبر عن عدم التذكية ، بالإِجماع القطعي المعلوم من طريقة المسلمين في الأعصار والأمصار.

وكذا ما اُخذ في سوق المسلمين ولو من يد مجهول الحال ؛ لصحيحتي الحلبي : إحداهما : الخفاف عندنا في السوق نشتريها فما ترى في الصلاة فيها ؟ فقال : « صلّ فيها حتّى يقال لك إنّها ميتة بعينها » (٤).

والاُخرى : عن الخفاف التي تُباع في السوق ، فقال : « اشتر وصلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميّت بعينه » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٥٠٠ ، الوسائل ٤ : ٤٣٣ أبواب لباس المصلي ب ٤١ ح ٢.

(٢) ص ٣٤٧ رقم ٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٩ ، الوسائل ٤ : ٤٥٦ أبواب لباس المصلّي ب ٥٥ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٣ الصلاة ب ٦٥ ح ٢٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢٠ ، الوسائل ٤ : ٤٢٧ أبواب لباس المصلي ب ٣٨ ح ٢.


ورواية ابن الجهم : أعترض السوق فأشتري خفّاً لا أدري أذكي هو أم لا ؟ قال : « صلّ فيه » قلت : فالنعل ؟ قال : « مثل ذلك » قلت : إنّي أضيق من هذا ، قال : « أترغب عمّا كان أبو الحسن عليه السلام يفعله » (١).

وصحيحة البزنطي : عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكية أيصلّي فيها ؟ قال : « نعم ليس عليكم المسألة » (٢) الحديث ، وقريبة منها صحيحته الاُخرى (٣) ، وصحيحة الجعفري (٤).

وإطلاقها وإن شمل سوق الكفّار ، ومجهول الحال أيضاً ، إلّا أنّهما خرجا بمفهوم حسنة الفضلاء الثلاثة : عن شراء اللحم من الأسواق ما يدري ما يصنع القصابون ، قال عليه السلام : « كُل إذا كان في سوق المسلمين ولا تسأل عنه » (٥).

وكون المسؤول عنه اللحم غير ضائر ؛ لعدم الفضل.

بل قد يقال : إنّ الظاهر من السوق في الروايات أيضاً سوق المسلمين ؛ لأنّه المتداول عندهم وإن كان ذلك محلاً للمنع.

كما أنّه خرج ما اُخذ عن يد الكافر في سوق المسلمين عن تحت تلك الإِطلاقات ، بالإِجماع.

وكذا خرج ما إذا كان سوق المسلمين في بلد غالب أهله الكفّار ـ لو قلنا إنّ سوق المسلمين ما كان أهله ، أو غالبهم المسلمين ، وإن كان في بلد الكفر ، أو بلد غالب أهله الكفر ـ بصحيحة إسحاق بن عمار : « لا بأس بالصلاة في الفراء‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٠٤ الصلاة ب ٦٥ ح ٣١ ، التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢١ ، الوسائل ٣ : ٤٩٣ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٢٩ ، الوسائل ٣ : ٤٩١ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٥ ، الوسائل ٣ : ٤٩٢ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٧ ، الوسائل ٢٤ : ٤٩١ أبواب النجاسات ب ٥٠ ذيل حديث ٣.

(٥) الكافي ٦ : ٢٣٧ الذبائح ب ١٣ ح ٢ ، الفقيه ٣ : ٢١١ / ٩٧٦ ، التهذيب ٩ : ٧٢ / ٣٠٧ ، الوسائل ٢٤ : ٧٠ أبواب الذبائح ب ٢٩ ح ١.


اليماني وفي ما صنع في أرض الإِسلام » قلت : فإن كان فيها غير أهل الإِسلام ؟ قال : « إذا كان الغالب عليها المسلمون لا بأس » (١) دلّت على ثبوت البأس في ما لم يكن غالب أهله الإِسلام وإن كان في سوق المسلمين.

ولتعارضها مع ما مرّ بالعموم من وجه ، يرجع إلى أصالة عدم التذكية. كما إذا اُخذ في سوق الكفار ، أو مجهول الحال ، في بلد غالب أهله المسلمون ، فإنّه يرجع فيه بعد تعارض الصحيحة وحسنة الفضلاء إلى ذلك الأصل إلّا أن يعمّم السوق في إطلاقاته ويرجع إليه ، ولا بأس به.

وكذا خرج بمنطوق الصحيحة ما اُخذ في أرض المسلمين ، أو أرض كان الغالب عليها المسلمون ، وإن لم يكن في السوق.

ولا يعارضه مفهوم الحسنة ؛ إذ المحكوم عليه فيها ما يشترى من الأسواق.

وكذا خرج ما يؤخذ من يد مجهول الحال مطلقاً إذا أخبر بالتذكية ، برواية الأشعري : ما تقول في الفرو يشترى من السوق ؟ قال : « إذا كان مضموناً فلا بأس » (٢).

ولا ضير في تعارضها مع الحسنة ؛ لإِيجابه الرجوع إلى عمومات جواز الأخذ من السوق. مع أنّ الظاهر من قوله في الحسنة : « ولا تسأل عنه » أنّه إذا اُخذ من غير سوق المسلمين مع السؤال والإِخبار بالتذكية ، لم يكن فيه بأس. بل لو لا الإِجماع على عدم جواز الأخذ من الكافر ، لقلنا بجواز الأخذ منه مع ضمانه ؛ لتلك الرواية.

ولا تضرّ معارضته تلك الروايات المخرجة لما ذكر عن تحت الأصل ، مع الأخبار المتقدّمة أولاً ، الموافقة لذلك الأصل ؛ لأنّها لمعارضتها مع المستفيضة المذكورة المخالفة له ، معزولة عن التأثير.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٣٢ ، الوسائل ٤ : ٤٥٦ أبواب لباس المصلّي ب ٥٥ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٨ الصلاة ب ٦٥ ح ٧ ، الوسائل ٤ : ٤٦٣ أبواب لباس المصلّي ب ٦١ ح ٣.


ثمّ إنّه لم يخرج غير ما ذكر من الأقسام المذكورة عن تحت الأصل المذكور ، على الحق المشهور.

خلافاً لشرذمة من المتأخّرين ، فحكموا بالطهارة ما لم يعلم أنّه ميتة مطلقاً (١) ؛ للأصل ، والأخبار ، المتقدّم جوابهما.

وأمّا رواية السكوني : عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة ، كثير لحمها ، وخبزها ، وجبنها ، وبيضها. وفيها سكين. قال أمير المؤمنين عليه السلام : « يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل ، لأنّه يفسد وليس له بقاء ، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن » قيل : يا أمير المؤمنين لا ندري سفرة مسلم ، أو سفرة مجوسي ، قال : « هم في سعة حتى يعلموا » (٢).

فبعد ملاحظة ظهورها في أنّ المدلول عليه فيها في حكم ما عليه يد ، ومعارضتها مع صحيحة ابن عمار ، لا يثبت منها أزيد من خروج ما اُخذ من يد مجهول في أرض المسلمين.

وأمّا رواية إسماعيل بن عيسى : عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل ، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارفٍ ؟ قال : « عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه » (٣).

فمعناها : أنّه عليكم السؤال عن المسلم البائع إذا كان المشركون أيضاً يبيعون الجلد ، لا أن المشرك كان بائعه ، فلا يدلّ على خروج ما أخبر المشرك البائع بذكاته.

وهل يجب السؤال عن المسلم حينئذٍ ، فلا يجوز الأخذ بدونه ؟ الظاهر نعم ؛

__________________

(١) كما قال به في المفاتيح ١ : ١٠٨ ، والمدارك ٢ : ٣٨٧ ، والحدائق ٥ : ٥٢٦.

(٢) الكافي ٦ : ٢٩٧ الاطعمة ب ٤٨ ح ٢ ، الوسائل ٣ : ٤٩٣ أبواب النجاسات ب ٥٠ ح ١١.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٤ ، الوسائل ٣ : ٤٩٢ ابواب النجاسات ب ٥٠ ح ٧.


عملاً بالنص ، بشرط أن يكون المسلم غير عارف ، أي غير المؤمن ، كما هو مورد الرواية ، ولا يجب السؤال في غير ذلك.

و [ أما ] (١) مفهوم رواية الأشعري ، فيخصّص بمنطوق حسنة الفضلاء ، والصحاح الثلاث المتقدّمة عليها الناهية عن السؤال.

ولا فرق في جواز الأخذ من غير سؤال في غير مورد الرواية ممّا يجوز الأخذ منه بين كون المأخوذ منه ممّن يستحلّ الميتة بالدبغ ، أو لا ، وفاقاً لصريح جماعة مستندين إلى إطلاق المستفيضة المتقدّمة ، بل العموم الناشئ عن ترك الاستفصال في جملة منها.

خلافاً للمُنتهى والتذكرة والتحرير ، فمنع عمّا يؤخذ من يد مستحلّ الميتة بالدبغ وإن أخبر بالتذكية (٢). وللدروس إن لم يخبر بها (٣). وللذكرى إن أخبر بعدم التذكية ، ويقبل إن أخبر بالتذكية ، وتردّد في صورة السكوت (٤) ؛ لأصالة عدم التذكية.

وهي بما مرّ مندفعة.

وأما الخبران (٥) : أحدهما في إلقاء علي بن الحسين الفراء عند الصلاة ، والثاني في عدم جواز البيع بشرط أنها ذكية ، فغير مفيدين لهم.

أما الأول : فلأن غاية ما يستفاد منه أنه كان ينزع فرو العراق حال الصلاة ، فيجوز أن يكون على (وجه) (٦) الأفضلية.

وأما الثاني : فلأن النهي فيه عن بيع ما اُخبر بذكاته إنما هو بشرط أنه‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٢) المنتهى ١ : ٢٢٦ ، التذكرة ١ : ٩٤ ، التحرير ١ : ٣٠.

(٣) الدروس ١ : ١٥٠.

(٤) الذكرى : ١٤٣.

(٥) المتقدمان ص ٣٤٩ رقم ٤ ، ٥.

(٦) لا توجد في « هـ » و « ق ».


مذكى ، وهو غير دال على مطلوبهم ، بل لبسها في غير حال الصلاة ـ كما في الأول ـ ونفي البأس عن بيعه أخيراً ـ كما في الثاني ـ يشعر بل يدل على عدم كونه ميتة.

المسألة الرابعة : يكره استعمال الجلد إذا كان مما لا يؤكل‌ ممّا تقع عليه الذكاة في غير الصلاة قبل الدبغ ، حذراً عن خلاف من يأتي.

ولا يحرم على الأظهر الأشهر بين المتأخرين ؛ لإِطلاق النصوص بجواز الاستعمال من دون تقييد بالدبغ.

ففي الموثق : عن لحوم السباع وجلودها ، فقال : « أما اللحوم فدعها ، وأما الجلود فاركبوا عليها » (١).

وفيه : عن جلود السباع ينتفع بها ؟ فقال : « إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده » (٢).

والصحيح : عن لباس الفراء ، والسمور ، والسنجاب ، والحواصل ، وما أشبهها ، والمناطيق (٣) ، والكيمخت ، والحشو بالفراء ، والخفاف من أصناف الجلود. فقال : « لا بأس بهذا كله إلا بالثعالب » (٤).

ويستفاد منه البأس في الثعالب ، وهو للكراهة ؛ للتصريح بالجواز في كثير من الروايات الآتية في كتاب الصلاة.

خلافاً للشيخ في النهاية ، والمبسوط ، والخلاف (٥) ، والسيد في المصباح ، بل عن المفيد ، والحلي ، والقاضي ، وابن سعيد (٦). فمنعوا عن قبل الدبغ ، إما‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٩ / ٨٠١ ، التهذيب ٢ : ٢٠٥ / ٨٠٢ ، الوسائل ٤ : ٣٥٣ أبواب لباس المصلي ب ٥ ح ٣ ، ٤ بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٩ : ٧٩ / ٣٣٩ ، الوسائل ٣ : ٤٨٩ أبواب النجاسات ب ٤٩ ح ٢.

(٣) في « ق » : والمناطق.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٩ / ١٥٣٣ ، الوسائل ٤ : ٣٥٢ أبواب لباس المصلّي ب ٥ ح ٢.

(٥) النهاية : ٥٨٦ ، المبسوط ١ : ١٥ ، الخلاف ١ : ٦٤.

(٦) السرائر ٣ : ١١٤ ، المهذب ١ : ٣١ ، الجامع المقاصد : للشرائع : ٦٦.


للنجاسة ، كما يحكى عنهم تارة (١) ، أو للمنع تعبداً ، كما يحكى اُخرى.

ومستندهم غير واضح ، إلا ما يحكى عن الأول من الإِجماع على الجواز بعده. وليس هو ولا غيره قبله (٢).

وفيه : أن النجاسة إلى الدليل محتاجة ، ولم تثبت نجاسة الجلد ؛ لعدم صدق الميتة بعد ورود التذكية.

نعم ، في الرضوي : « دباغة الجلد طهارته » (٣) وهو ـ مع عدم الحجية واحتمال التقية ـ غير دال على الحكاية الثانية.

فرعان :

أ : يجوز أخذ الجلد من المسلم ولو علم أخذه من الكافر ، على الأظهر ، إذا كان في سوق المسلمين في بلد غالب أهله الإِسلام ، للعمومات المتقدّمة ، وعدم ثبوت الإِجماع على خروج مثل ذلك أيضاً ، سيّما على القول بحمل فعل المسلم على الصحّة ، فلعله علم بالتذكية.

وكذا يجوز الأخذ من الكافر إذا علم أنه أخذه من المسلم إذا كان في السوق المذكور ؛ لما ذكر.

ب : الجلد الذي لم يعلم أنه مما ترد عليه التذكية أم لا إذا اُخذ من يد المسلم ، فالظاهر كونه في حكم المذكى.

وما لم يعلم أنه مما يؤكل لحمه أم لا ، يأتي حكمه في بحث لباس المصلي إن شاء الله سبحانه.

*       *      *

__________________

(١) حكى عنهم في كشف اللثام ٢ : ٢٥٨.

(٢) حكاه في المدارك ٢ : ٣٨٨.

(٣) فقه الرضا (ع) : ٣٠٢.


المقصد الثالث : في الطهارة من الحدث‌

وفيه مقدمة وأبواب.

المقدمة في أحكام الخلوة وآدابها ، وفيها ثلاثة فصول‌ :


الفصل الأول : في واجباتها‌

فمنها : ستر العورة عن الناظر المحترم الذي يحرم وطؤه‌ ، لا لكون الكشف إعانة على النظر المحرم قطعاً ، كما قيل (١) ، لمنع كونه إعانةً مطلقاً ، لاعتبار القصد فيها ، بل للإِجماع المحقّق والمنقول (٢) ، والمستفيضة من النصوص :

كمرسلة الفقيه ـ بعد السؤال عن قول الله عز وجل : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (٣) ـ : « كل ما كان في كتاب الله عز وجل من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا ، إلا في هذا الموضع ، فإنه الحفظ من أن ينظر إليه » (٤).

والاُخرى : « إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض ، فليحاذر على عورته » (٥).

والثالثة : « لعن رسول الله صلّى الله عليه وآله الناظر والمنظور إليه في الحمام بلا مئزر » (٦).

ورواية أبي بصير : يغتسل الرجل بارزاً ؟ قال : « إذا لم يره أحد لا بأس » (٧).

والتقييد بالحمام والتخصيص بالاغتسال غير ضائر ؛ لعدم مدخليتهما ؛ بالإِجماع.

والمروي في الدعائم : روينا عن أهل البيت أنهم أمروا بستر العورة ، وغض البصر عن عورات المسلمين ، ونهوا المؤمن أن يكشف العورة ، وإن كان بحيث لا‌

__________________

(١) الذخيرة : ١٥.

(٢) كما نقله العلامة في التحرير ١ : ٣١ ، والشهيد في الذكرى : ١٥.

(٣) النور : ٣٠.

(٤) الفقيه ١ : ٦٣ / ٢٣٥ ، الوسائل ١ : ٣٠٠ أبواب أحكام الخلوة ب ١ ح ٣.

(٥) الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ١ : ٢٩٩ أبواب أحكام الخلوة ب ١ ح ٢.

(٦) الكافي ٦ : ٥٠٣ الزي والتجمل ب ٤٣ ح ٣٦ ، الوسائل ٢ : ٥٦ أبواب آداب الحمام ب ٢١ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ٣٧٤ / ١١٤٨ ، الوسائل ٢ : ٤٣ أبواب آداب الحمام ب ١١ ح ٢.


يراه أحد (١).

وتؤيده أيضاً ، بل تدل عليه المستفيضة الناهية عن دخول الحمام بلا مئزر (٢).

والمروي في الاحتجاج : أين يضع الغريب في بلدتكم هذه ؟ قال : « يتوارى خلف الجدار ، ويتوقى أعين الجار ، وشطوط الأنهار ، ومسقط الثمار ، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها » (٣) الحديث.

وضعف بعضها بالعمل مجبور ، فتجويز استحباب الستر مطلقاً ، كما عن بعض المتأخرين ، لضعف سند الأخبار ، ضعيف.

والتصريح بالكراهة في بعض الروايات (٤) لا يفيد ؛ لكونها أعم من الحرمة في العرف السابق.

ثم (٥) القدر الثابت من الإِجماع وإن لم يكن إلا وجوب الستر مع العلم بالناظر عمداً ، إلا أن إطلاق الأخبار المتقدمة يثبت الوجوب ولو مع النظر سهواً.

كما إن إطلاق المرسلتين الاُوليين ، ورواية الدعائم ، يثبته مع الظن بالنظر أيضاً ، بل الشك ؛ لأن الحفظ عن النظر والحذر عنه لا يكون عرفاً إلا مع الستر ولو مع الشك بوجود النظر ، كما في قولك : احفظ المتاع عن السارق. فهو الحق كما رجحه والدي ـ رحمه الله ـ مع الظن ، واحتمله مع الشك.

وأما مع الوهم به ، أو العلم بعدمه فلا ، للأصل ، والإِجماع ، ورواية أبي بصير.

__________________

(١) الدعائم ١ : ١٠٣ ، المستدرك ١ : ٢٤٥ أبواب أحكام الخلوة ب ١ ح ٢.

(٢) راجع الوسائل ٢ : ٣٨ ، ٤١ أبواب آداب الحمام ب ٩ ، ١٠.

(٣) الاحتجاج : ٣٨٨ ، الوسائل ١ : ٣٢٦ أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ٧.

(٤) راجع الوسائل ٢ : أبواب آداب الحمام ب ٣ ح ٣ وب ٩ ح ٨ وب ١٠ ح ٤.

(٥) في « ق » : ثم إن.


وبالأخيرتين (١) تخصص روايته الاُخرى : « إذا تعرى أحدكم نظر إليه الشيطان فيطمع فيه فاستتروا » (٢) مع أن مخالفة إطلاقها لعمل المعظم ، مخرجة لها عن الحجية.

وبها يجاب عن رواية الدعائم المتقدمة ، مع أنها في نفسها أيضاً ضعيفة ، فقول الإِسكافي بوجوبه مطلقاً ، كما عنه في التنقيح (٣) ، ضعيف.

نعم ، الظاهر استحبابه حين عدم الناظر ؛ لرواية الدعائم.

ومنها : ترك استقبال القبلة ، واستدبارها ، عند التخلي مطلقا‌ً ، وفاقاً للشيخ (٤) ، والحلي (٥) ، والفاضلين (٦) ، والقاضي (٧) ، والشهيدين (٨) ، والكركي (٩).

وكلام المفيد (١٠) غير آبٍ عن الحمل عليه ، كما حمل عليه (شارح الدروس) (١١).

واختاره والدي العلّامة ـ رحمه الله ـ في اللوامع ، والمعتمد ، بل هو المشهور ، كما صرح به غير واحد (١٢).

وعن الخلاف والغنية (١٣) : الإِجماع عليه.

__________________

(١) في « هـ » و « ق » : الأخيرين.

(٢) التهذيب ١ : ٣٧٣ / ١١٤٤ ، الوسائل ٢ : ٣٨ أبواب آدام الحمام ب ٩ ح ٢.

(٣) التنقيح ١ : ٦٩.

(٤) المبسوط ١ : ١٦ ، الخلاف ١ : ١٥١ ، النهاية : ٩.

(٥) السرائر : ١ : ٩٥.

(٦) المحقق في الشرائع ١ : ١٨ ، والمعتبر ١ : ١٢٢ ، والعلامة في المختلف : ١٩ ، والتحرير ١ : ٧.

(٧) المهذب ١ : ٤١.

(٨) الاول في الدروس : ١ : ٨٨ ، والبيان : ٤١ ، والثاني في الروضة ١ : ٨٣ ، والروض : ٢٢.

(٩) جامع المقاصد ١ : ٩٩.

(١٠) المقنعة : ٣٩.

(١١) هو المحقق الخوانساري في مشارق الشموس : ١٧ ، وما بين القوسين ليس في : « هـ » و « ق ».

(١٢) كما صرّح به في الذكرى : ٢٠ ، والذخيرة : ١٦.

(١٣) الخلاف ١ : ١٠٢ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٤٩.


للمستفيضة المصرّحة بالنهي ، كرواية الحسين بن يزيد : « إذا دخلتم الغائط فتجنبوا القبلة » (١) ونحوها المروي في مجالس الصدوق (٢).

ومرسلة الفقيه : نهى النبي عن استقبال القبلة ببول أو غائط (٣).

والمروي في نوادر الراوندي : نهى أن يبول الرجل وفرجه بادٍ للقبلة (٤).

وفي الدعائم : نهى عن استقبال القبلة واستدبارها في حال الحدث والبول (٥).

وفي العلل : « وإذا أراد البول أو الغائط ، فلا يجوز له أن يستقبل القبلة بقبل ولا دبر » (٦).

ورواية الهاشمي : « إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ، ولا تستدبرها ، ولكن شرقوا أو غربوا » (٧).

ومرفوعات محمد وعبد الحميد وعلي : اوُلياها : ما حدّ الغائط ؟ قال : « لا تستقبل القبلة ، ولا تستدبرها ، ولا تستقبل الريح ، ولا تستدبرها » (٨).

والثالثة : أين يضع الغريب ببلدكم ؟ فقال : « اجتنب أفنية المساجد ، وشطوط الأنهار ، ومساقط الثمار ، ومنازل النزال ، ولا تستقبل القبلة بغائط ولا‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢ / ١ ، الوسائل ١ : ٣٠٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٢ ح ٣.

(٢) مجالس الصدوق : ٣٤٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٨٠ / ٨٥١ ، الوسائل ١ : ٣٠٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٢ ح ٤.

(٤) نوادر الراوندي : ٥٤ ، المستدرك ١ : ٢٤٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٢ ح ٤.

(٥) الدعائم : ١ : ١٠٤ ، المستدرك ١ : ٢٤٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٢ ح ١.

(٦) نقلها في البحار ٧٧ : ١٩٤ / ٥٣ عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم‌.

(٧) التهذيب ١ : ٢٥ / ٦٤ ، الاستبصار ١ : ٤٧ / ١٣٠ ، الوسائل ١ : ٣٠٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٢ ح ٥.

(٨) الكافي ٣ : ١٥ الطهارة ب ١١ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٢٦ / ٦٥ ، الاستبصار ١ : ٤٧ / ١٣١ ، الوسائل ١ : ٣٠١ ، ٣٠٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٢ حديث ٢ و ٦.


بول » (١).

وضعف تلك الأخبار كلاً أو بعضاً ، بعد الانجبار بالشهرة المحققة والمحكية والإِجماع المنقول ؛ كاحتمال بعضها للنفي الغير الصريح في التحريم ، بعد اشتمال جملة على النهي الصريح ، واقتران النهي في بعضها بما هو مكروه ، بعد عدم إيجابه لخروج النهي عن حقيقته ؛ غير ضائر.

فالقول بالكراهة مطلقاً ؛ لبعض ما ذكر أو كله ، مضافاً إلى دعوى إشعار بعض الأخبار بالكراهة ـ المردودة بالمنع ، مع احتماله التقية كما يستفاد من الأخبار العامية (٢) ـ كجماعة من المتأخرين (٣) ، ويحتمله كلام المفيد (٤) أيضاً ، كما عليه حمله السلطان في حواشي المختلف. أو التردد كبعضهم (٥) ؛ ضعيف.

ومقتضى الإِطلاقات : عدم الفرق في ذلك بين الصحاري والبنيان.

ووجود كنيف مستقبل القبلة في منزل الرضا (ع) ـ كما في حسنة محمد بن إسماعيل (٦) ـ لا يدلّ على كونه من فعله ، أو جلوسه عليه ، مع احتمال كون بابه إليها.

فالتفرقة بالتحريم في الأول ، والكراهة في الثاني ، كالديلمي (٧) ، ولذلك حمل المحقق (٨) ، والشهيد (٩) كلام المفيد عليه ؛ أو الكراهة في الأول ، والإِباحة في‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٦ الطهارة ب ١١ ح ٥ ، التهذيب ١ : ٣٠ / ٧٩ ، الوسائل ١ : ٣٠١ أبواب أحكام الخلوة ب ٢ ح ١.

(٢) سنن أبي داود ١ : ٤.

(٣) كما في مجمع الفائدة ١ : ٨٩ ، ١ : ١٥٨ ، المفاتيح ١ : ٤٣.

(٤) المقنعة : ٣٩.

(٥) الذخيرة : ١٦.

(٦) التهذيب ١ : ٣٥٢ / ١٠٤٣ ، الاستبصار ١ : ٤٧ / ١٣٢ ، الوسائل ١ : ٣٠٣ أبواب أحكام الخلوةُ ب ٢ ح ٧.

(٧) المراسم : ٣٢.

(٨) المعتبر ١ : ١٢٣.

(٩) الذكرى : ٢٠.


الثاني ، كالإِسكافي (١) له أيضاً ، وحمل قول المفيد في المختلف عليه (٢) ؛ باطلة.

ومقتضى روايتي الدعائم ، والعلل ـ المنجبرتين بما مر ـ بل ظاهر رواية الهاشمي : وجوب ترك كل من الاستقبال والاستدبار في كلٍ من حالتي البول والغائط وإن اختص سائر الروايات المتضمنة للاستدبار بالغائط ، فتوهم اختصاصه به فاسد.

والظاهر المتبادر من الاستقبال والاستدبار ما كان بجملة البدن ، لا بالعورة خاصة ، فتجويز زوال المنع بتحريفها عن القبلة ، كبعضهم (٣) غير صحيح.

وهل يحرم تحريفها إليها ؟ قال والدي رحمه الله : نعم ؛ لظاهر قوله في المرسلة : « ببول ولا غائط » وفي المروي عن النوادر : « وفرجه بادٍ للقبلة ».

ويضعف الأول : بجواز كون الباء للمصاحبة ، أو الملابسة ، أو بمعنى « في » والثاني : بضعفة الغير المنجبر في المورد ، فالعدم كما هو مقتضى الأصل أقوى.

والواجب هو : ترك الاستقبال والاستدبار خاصة ، دون التشريق والتغريب ؛ للأصل.

وقوله في رواية الهاشمي : « شرقوا أو غربوا » (٤) لا يثبته ؛ لأن إرادة المواجهة منه غير معلومة ، وإرادة الميل ـ كما في التيامن والتياسر ـ ممكنة ، وكون حقيقته الأول ـ كما قيل ـ ممنوعة.

ورواية : « ما بين المشرق والمغرب قبلة » (٥) على ظاهرها ـ بالإجماع والنص ـ غير باقية ، فالقول بوجوبهما ضعيف ، بل لا دليل على استحبابهما أيضاً.

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١٩.

(٢) المختلف : ١٩.

(٣) التنقيح ١ : ٦٩.

(٤) المتقدمة ص ٣٦٢.

(٥) الفقيه ١ : ١٨٠ / ٨٥٥ ، الوسائل ٤ : ٣٠٠ أبواب القبلة ب ٢ ح ٩.


والوجوب مختصّ بحال الحدث ؛ للأصل. دون الاستنجاء.

وموثقة الساباطي : الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد ؟ قال : « كما يقعد للغائط » (١) لا تفيد الوجوب. فإيجابه ـ كبعضهم (٢) ـ غير جيد. نعم ، الظاهر استحبابه ؛ لذلك.

ولو اشتبهت القبلة يجب الفحص عنها مع الإِمكان. لا لتوقف تجنب القبلة أو العلم به عليه ؛ لمنع توقف الأول ووجوب الثاني. ولا لاستدعاء الشغل بالتجنب للبراءة اليقينية ؛ لمنع الشغل حال الاشتباه. بل لشهادة العرف بإرادة الفحص مع الإِمكان عمّا اُمر باجتنابه أو ارتكابه.

وقيل : لا (٣). واختاره والدي رحمه الله ؛ لأنّ الظاهر من الأخبار أنّ الواجب عدم العلم بالمواجهة.

وفيه : منع الظهور.

وإذا تعارض كلٌّ من الاستقبال والاستدبار مع الآخر ، يتخير ، كما إذا تعارضا أو أحدهما مع محرّم آخر. ويسقط التحريم عن المضطر. ووجه الكلّ بالتأمل يظهر.

ومنها : غسل مخرج البول بالماء‌ ، فلا يطهّره غيره ، بالإِجماعين (٤) ، والنصوص المستفيضة ، بل المتواترة معنىً.

منها : الصحيح : « لا يجزي من البول إلا الماء » (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٨ الطهارة ب ١٢ ح ١١ ، التهذيب ١ : ٣٥٥ / ١٠٦١ ، الوسائل ١ : ٣٦٠ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٧ ح ٢.

(٢) الحدائق ٢ : ٤١.

(٣) المدارك ١ : ١٦٠.

(٤) ادعى الاجماع عليه في الانتصار : ١٦ ، والخلاف ١ : ١٠٣ ، والتذكرة ١ : ١٣ وغيرها.

(٥) التهذيب ١ : ٥٠ / ١٤٧ ، الاستبصار ١ : ٥٧ / ١٦٦ ، الوسائل ١ : ٣١٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ٦.


والآخر : « وأما البول فلا بدّ من غسله » (١).

ومنها : المستفيضة الآمرة بغسل الذكر (٢).

وبعض الأخبار المنافي لذلك ظاهراً (٣) لا ينافيه في نظر التحقيق. ولو سلم فشاذ متروك ، وعلى التقية محمول ؛ لأنّ القول بمفاده عند العامة مشهور (٤) ، ولذلك لا يقاوم ما مرّ لو عارضه.

والواجب منه مثلا ما على الحشفة من البلل (٥) ، فلا يجزي الأقل ، وفاقاً للصدوقين (٦) ، والمقنعة ، والنهاية والمبسوط والديلمي (٧) ، والمحقق ، والقواعد والتذكرة (٨) ، والشهيدين (٩) ، ونسبه في شرح القواعد ، والذخيرة ، إلى المشهور (١٠) ، لخبر نشيط : كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول ؟ فقال : « مثل ما على الحشفة من البلل » (١١).

والمتبادر من إجزاء شي‌ء لشي‌ء ـ بعد السؤال عن كمية ما يجزي ـ أنه أقل ما يلزم فيه ، مع أن معنى أجزاء شي‌ء حصول الامتثال به ، وهو حقيقة في حصوله بالمجموع ، لا بجزئه ، فالإِيراد بعدم صراحتها ساقط ، والخبر ، معتبر الإِسناد ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٣١٥ أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ١.

(٢) راجع الوسائل ١ : ٢٩٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١٨.

(٣) راجع الوسائل ١ : ٢٨٣ ، ٢٨٤ أبواب نواقض الوضوء ب ١٣ ح ٧ ـ ٤.

(٤) انظر بداية المجتهد ١ : ٨٣.

(٥) في « هـ » : البول.

(٦) الفقيه ١ : ٢١ ، وفي نسخة من المختلف : ٢٠ نسبته إلى الصدوقين.

(٧) المقنعة : ٤٢ ، النهاية : ١١ ، المبسوط ١ : ١٧ ، المراسم : ٣٣.

(٨) الشرائع ١ : ١٨ ، القواعد ١ : ٣ ، التذكرة ١ : ١٣.

(٩) الاول في البيان : ٤١ ، والثاني في المسالك ١ : ٥.

(١٠) جامع المقاصد ١ : ٩٣ ، الذخيرة : ١٦.

(١١) التهذيب ١ : ٣٥ / ٩٣ ، الاستبصار ١ : ٤٩ / ١٣٩ ، الوسائل ١ : ٣٤٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٦ ح ٥.


فالقول بضعفها ضعيف ، مع أنّه بالشهرة مجبور.

ولا يُنافيه خبره الآخر : « يجزي من البول أن يغسل بمثله » (١) لكونه أعم من الاستنجاء بل البدن ، فتخصيصه بغيرهما متعين. مع أنّ إرادة الإِجزاء في الغسلة الواحدة من الغسلتين اللازمتين هنا ـ كما يأتي ـ ممكنة ؛ إذ يجوز أن يكون معنى قوله : « يجزي من البول » يجزي من غسله ، أي في تحقّق غسله ، لا من الاستنجاء منه ، والغسل يصدق على كل مرة أيضاً ، فيكون بياناً لأقل ما يجزي في صدق الغسل في البول ، لا في الاستنجاء منه ، فلا يتعين إرادة الإِجزاء من الغسلتين.

وبه يجاب عن مرسلة الكافي : يجزي أن يغسل بمثله إذا كان على رأس الحشفة وغيره » (٢) مع احتمال كون التعميم من كلام الكليني ، فتكون عامةً كسابقها.

هذا ، مع أنّهما لو تعارضا وتساقطا أيضاً ، لكان المرجع إلى الغسل مرّتين ، وهو لا يتحقق بالأقلّ من المثلين.

وكذا لا تنافيه إطلاقات الغسل في الاستنجاء من البول ؛ لوجوب حمل المطلق على المقيد.

ولا حسنة ابن المغيرة : للاستنجاء حد ؟ قال : « لا ، حتى ينقى ما ثمّة » قلت : فإنّه ينقى ما ثمّة ويبقى الريح ، قال : « الريح لا ينظر إليه » (٣) لكونها ظاهرةً في الاستنجاء من الغائط من وجوه.

ويجب أن يغسل المخرج مرتين ، كما هو صريح الصدوق ، والكركي (٤) ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٥ / ٩٤ ، الاستبصار ١ : ٤٩ / ١٤٠ ، الوسائل ١ : ٣٤٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٦ ح ٧.

(٢) الكافي ٣ : ٢٠ الطهارة ب ١٤ ملحق ح ٧ ، الوسائل ١ : ٣٤٣ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ١٧ الطهارة ب ١٢ ح ٩ ، الوسائل ١ : ٣٢٢ أبواب أحكام الخلوة ب ١٣ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢١ ، جامع المقاصد ١ : ٩٣.


والشهيدين (١) ، بل ظاهر المعتبر الإِجماع عليه (٢) ؛ لعمومات وجوب المرتين إذا أصاب البول الجسد ، المتقدمة (٣).

ودعوى : ظهورها في العروض من الخارج ـ بعد الصدق لغةً ، بل عرفاً ـ ممنوعة. وتخصيصها بغير المخرج ـ لرواية نشيط الأخيرة ، وحسنة ابن المغيرة ـ فاسد ؛ لما مرّ.

نعم تعارضها إطلاقات غسل المخرج ، فيجب إما تخصيص العمومات ، أو تقييد الإِطلاقات ، وإذ لا مرجّح ، ولا تخيير إجماعاً ، فتتساقطان ويرجع إلى استصحاب النجاسة.

وأما أصل البراءة عن الزائد فمع الاستصحاب غير مؤثر.

وإجزاء المِثلين لا ينافي وجوب المرتين ـ كما قد يقال (٤) ـ بناءً على اشتراط الغلبة في المطهّر ، فتجعل المرتان كنايةً عن الغسلة الواحدة ؛ لمنع اشتراط الغلبة ، وتحقق الغسل في كل مرة مع المماثلة.

ودعوى : لزوم الأكثرية ممنوعة ؛ إذ لا يلزم في تحققه عرفاً إلا الجريان ، وهو في المِثل متحقق ، ولذا يجزي نحوه في غسل الأعضاء في الطهارة ، فإن المراد بمثل ما على الحشفة مثل القطرة المتخلفة فيها غالباً ، ولا شك في جريانه. دون رطوبة الحشفة ؛ لأنها عرض لا يمكن تقدير مثله و (٥) مثليه في الماء الذي هو جوهر ، ولو كان جسماً أيضاً لا يمكن تقديره ، ولو أمكن فتحقّق الغسل به عرفاً ممنوع ، فالمراد مثل القطرة ، وتحقق الغسل به في كلّ مرة ظاهر. ولو اشترط فيه أمر لا يتحقق بالقطرة ، لم يتحقق بالقطرتين أيضاً إلا الغلبة والأكثرية ، وقد عرفت منع‌

__________________

(١) الاول في الذكرى : ٢١. والثاني في المسالك ١ : ٥.

(٢) المعتبر ١ : ١٢٦.

(٣) ص ٢٨٤.

(٤) المدارك ١ : ١٦٣ ، الحدائق ٢ : ١٩.

(٥) في « ق » : أو.


اشتراطهما ، والتعليل الوارد في بعض الأخبار (١) يدلّ على أنّ الأكثر من القذر له مطهّر ، لا أن غيره لا يطهّر.

ومن ذلك ظهر ضعف القول بالاكتفاء فيه بالمرة ، كما هو مذهب جماعة (٢) ، بل هو لازم قول كلّ من نفى وجوب المِثلين واكتفى بمسمى الغسل ، كالحلي والحلبي والقاضي ، والمنتهى والمختلف (٣) ، وأكثر الثالثة (٤).

والظاهر اختصاص التعدّد بالغسل في القليل ، فلا يجب في الجاري والكثير ، كما ذكرنا وجهه في بحث كيفية التطهير ، و (٥) وجه اعتبار التعدد الحسي في ما يعتبر فيه التعدد وعدم كفاية التقديري.

فرع : الأغلف المرتتق يكشف الحشفة ويغسلها ، لكونها من الظواهر عرفاً.

ومنها : الاستنجاء من الغائط.

ويجوز بالماء وبالأحجار ، والأول أفضل ، والجمع أكمل ، ومع التعدي يتعين الأول.

أما الأولان (٦) : فبالإجماع القطعي والنصوص المستفيضة.

فممّا (٧) يدل على الأول إطلاقاً : حسنة ابن المغيرة المتقدمة (٨).

وموثّقة يونس : عن الوضوء الذي افترضه الله على العباد لمن جاء من الغائط‌

__________________

(١) العلل : ٢٨٧ ، الوسائل ١ : ٢٢٢ أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ٢.

(٢) منهم صاحبا المدارك ١ : ١٦٤ ، والذخيرة : ١٧.

(٣) السرائر ١ : ٩٧ ، الكافي في الفقه : ١٢٧ ، شرح جمل العلم والعمل : ٥٩ ، المنتهى ١ : ٤٤ ، المختلف : ٢٠.

(٤) أي الطبقة الثالثة وهم متأخر والمتأخرين منهم صاحبا المدارك والذخيرة كما مر.

(٥) في « ق » : مع.

(٦) المراد بهما جواز الاستنجاء بالماء والاحجار.

(٧) في « ق » و « ح » : فما.

(٨) ص ٣٦٧.


أو بال ، قال : « يغسل ويذهب بالغائط ثم يتوضأ » (١).

وخصوصاً : رواية مسعدة : « مُري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء ويبالغن فإنّها مطهّرة للحواشي » (٢).

وصحيحة هشام : « يا معشر الأنصار إنّ الله قد أحسن عليكم الثناء فماذا تصنعون ؟ » قالوا : نستنجي بالماء (٣).

ومرسلة الفقيه ـ بعد قول رجل : فاستنجيت بالماء ـ : « أبشر فإنّ الله تبارك وتعالى قد أنزل فيك : ( إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (٤).

والمتبادر من الاستنجاء كونه المطهر لا جزءه. وغير ذلك.

ومما يدل على الثاني ـ (بعد الإِطلاقين المتقدمين) (٥) ـ صحيحة زرارة : « يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنة من رسول الله صلّى الله عليه وآله » (٦).

والاُخرى : « جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله » (٧).

ورواية العجلي : « يجزي من الغائط المسح بالأحجار » (٨) وغير ذلك ممّا يذكر‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٧ / ١٣٤ ، الاستبصار ١ : ٥٢ / ١٥١ ، الوسائل ١ : ٣١٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ٥.

(٢) الكافي ٣ : ١٨ الطهارة ب ١٢ ح ١٢ ، الفقيه ١ : ٢١ / ٦٢ ، التهذيب ١ : ٤٤ / ١٢٥ ، الاستبصار ١ : ٥١ / ١٤٧ ، الوسائل ١ : ٣١٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣٥٤ / ١٠٥٢ ، الوسائل ١ : ٣٥٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٤ ح ١.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠ / ٥٩ ، الوسائل ١ : ٣٥٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٤ ح ٣ والآية في البقرة : ٢٢٢.

(٥) لا توجد في « ق ».

(٦) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤٤ ، الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦٠ ، الوسائل ١ : ٣١٥ أبواب أحكام الخلوة ب ٩ ح ١.

(٧) التهذيب ١ : ٤٦ / ١٢٩ ، الوسائل ١ : ٣٤٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٠ ح ٣.

(٨) التهذيب ١ : ٥٠ / ١٤٧ ، الاستبصار ١ : ٥٧ / ١٦٦ ، الوسائل ١ : ٣٤٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٠ ح ٢.


بعضه أيضاً.

ومثل الأحجار في الإِجزاء كل جسم طاهر ـ سوى ما يستثنى ـ على الأظهر الأشهر ، المستفيضة عليه دعوى الشهرة (١) ، بل عن الخلاف ، والسرائر ، والغنية ، والمنتهى : الإِجماع عليه (٢) ؛ لعموم الحسنة والموثقة السابقتين (٣) ، والنبويين المنجبرين بما مر :

أحدهما : « إذا جلس أحدكم لحاجة فليمسح ثلاث مسحات » (٤).

والآخر : « واستطب بثلاثة أحجار ، أو ثلاثة أعواد ، أو ثلاث حثيات من تراب » (٥).

والمروي في الدعائم : « لا بأس بالاستنجاء بالحجارة ، والخرق ، والقطن ، وأشباه ذلك » (٦).

وخصوص المستفيضة في الكرسف ، والمدر ، والخرق ، والخزف (٧).

خلافاً للإِسكافي (٨) في الآجر والخزف إلّا أن يلابسه طين أو تراب يابس ، والديلمي (٩) فيما ليس من الأرض ؛ للأصل. وما تقدم له دافع.

__________________

(١) راجع مفتاح الكرامة ١ : ٤٤.

(٢) الخلاف ١ : ١٠٦ ، السرائر ١ : ٩٦ : لم نعثر على دعوى الإجماع فيه ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٤٨٧ ، المنتهى ١ : ٤٥.

(٣) ص ٣٦٧ ، وص ٣٧٠.

(٤) لم نعثر عليه ، نعم ، نقله العلامة في التذكرة ١ : ١٣ ، وورد مضمونه في مجمع الزوائد للهيثمي ١ : ٢١١.

(٥) سنن البيهقي ١ : ١١١.

(٦) الدعائم ١ : ١٠٥ ، المستدرك ١ : ٢٧٩ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٦ ح ١.

(٧) الوسائل ١ : ٣٥٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٥.

(٨) نقله عنه في الذكرى : ٢١.

(٩) المراسم : ٣٢.


وأمّا الثالث (١) : فلفتوى المعظم ، ورواية مسعدة وتالييها (٢) ، وصحيحة جميل : « كان الناس يستنجون بالكرسف والأحجار ، ثم اُحدث الوضوء ، وهو خلق كريم فأمر به رسول الله صلّى الله عليه وآله وصنعه ، وأنزله الله في كتابه بقوله : ( إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (٣) وغير ذلك من المستفيضة (٤).

ولا تنافيه صحيحة زرارة : « كان علي بن الحسين عليهما السلام يتمسح من الغائط بالكرسف ولا يغسل » (٥) ؛ لإِمكان ترك الأفضل منهم.

ولا الاُخرى المتقدمة المتضمنة لقوله : « ولا يغسله » إذ معناها الإِخبار عن جريان الطريقة على المسح الخالي عن الغسل ، وهو غير منافٍ لفضيلة الغسل ، فإنّا أيضاً نسلّم جريان الطريقة بذلك.

وأمّا الرابع (٦) : فلمرفوعة أحمد : « جرت السنة في الاستنجاء بثلاثة أحجار أبكار ، ويتبع بالماء » (٧) ومقتضاها استحباب تأخير الماء. وهو كذلك.

وأمّا الخامس (٨) : فبالإِجماع المحقق ، والمحكي في المعتبر ، والتذكرة ، والذكرى ، والحدائق (٩) ، واللوامع ، والمعتمد.

وهي الحجة ، مضافاً إلى الاستصحاب ؛ إذ لا يثبت من الأخبار إجزاء مثل الأحجار إلّا من الاستنجاء ، ولم يعلم صدقه على موضع التعدّي.

__________________

(١) يعني به أفضلية الماء من الأحجار.

(٢) المتقدمة ص ٣٧٠.

(٣) الكافي ٣ : ١٨ الطهارة ب ١٢ ح ١٣ ، الوسائل ١ : ٣٥٥ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٤ ح ٤ ، البقرة : ٢٢٢.

(٤) راجع الوسائل ١ : ٣٥٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٤.

(٥) التهذيب ١ : ٣٥٤ / ١٠٥٥ ، الوسائل ١ : ٣٥٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٥ ح ٣.

(٦) يعني أكمليّة الجمع بين الماء والأحجار.

(٧) التهذيب ١ : ٤٦ / ١٣٠ ، الوسائل ١ : ٣٤٩ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٠ ح ٤.

(٨) يعني تعين الماء مع التعدّي.

(٩) المعتبر ١ : ١٢٨ ، التذكرة ١ : ١٣ ، الذكرى : ٢١ ، الحدائق ١ : ٢٦.


ولقوله صلّى الله عليه وآله : « يكفي أحدكم ثلاثة أحجار إذا لم يتجاوز محل العادة » (١).

وقوله : « كنتم تبعرون بعراً ، وأنتم اليوم تثلطون ثلطاً فأتبعوا الماء الأحجار » (٢).

وضعفهما منجبر بالعمل.

والمراد بالمتعدي : المتجاوز عن المحل المعتاد ، كما صرح به في الرواية ، فيكون بحيث لا يصدق على إزالته اسم الاستنجاء ، فلا يتعين الماء مع التجاوز القليل عن المخرج ؛ لمطلقات كفاية غيره.

فالقول بعدم إجزائه مع ذلك أيضاً ؛ استناداً إلى عموم وجوب غسل الموضع النجس ولم يخرج غير نفس المخرج ، ضعيف. وإلى رواية مسعدة (٣) أضعف ؛ إذ ليس إلّا استناداً بمفهوم اللقب ، مع أنّ إرادة حواشي محل الاستنجاء دون الدبر ممكنة. وظنّ الإِجماع على عدم الإِجزاء مع مطلق التعدّي ـ كما في اللوامع ـ بعيد.

ومثل التعدّي في تعيّن الماء استصحاب الخارج نجاسة خارجة ؛ لعدم صدق الاستنجاء.

والظاهر في صورة التعدي وجوب غسل الجميع دون مجرد المتعدي ، وفي صورة الاستصحاب وجوب غسل الخارجة خاصة لو تميزت عن الخارج ، وإلا فالجميع ، ووجه الكل ظاهر.

فروع :

أ : الواجب غسل الظاهر دون الباطن‌ ، بالإِجماع والنصوص (٤) ، وإزالة‌

__________________

(١) لم نعثر عليه ، والموجود في كتب العامة لم ترد فيه : « إذا لم يتجاوز ... » راجع سنن البيهقي ١ : ١٠٢ ، ١٠٣ ، ونقله في المعتبر ١ : ١٢٨ نحو ما في المتن.

(٢) سنن البيهقي ١ : ١٠٦ ، رواه عن علي عليه السلام ، الثلط : الرقيق من الرجيع.

(٣) المتقدمة ص ٣٧٠.

(٤) راجع الوسائل ١ : ٣٤٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٩.


العين دون الأثر ؛ (للأصل) (١) وفاقاً ـ على ما في اللوامع ـ عند الاستنجاء بمثل الحجر. وكذلك مع الغسل على الأظهر ؛ إذ ليس (في الأخبار من الأثر أثر) (٢).

ومع ذلك وقع الخلاف في المراد منه ، فيفسر تارة : باللون ، واُخرى : بالأجزاء الصغار اللطيفة اللزجة العالقة بالمحل ، التي لا تزول إلا بالماء ، واُخرى بمعنى آخر.

ولا دليل على اعتبار شي‌ء منها يعتبر إلا عدم العلم بزوال العين معه ، وهو ـ إن سلّم ـ يرجع إلى الأول ، مع أنّه محل منع ونظر.

وأمّا الرائحة : فالظاهر عدم الخلاف في عدم العبرة بها ، وفي بعض الأخبار (٣) تصريح به.

ب : لا خلاف في عدم وجوب التعدد في الغسل ، ولا في وجوبه في المسح‌ مع عدم حصول النقاء بدونه.

وأمّا مع حصوله : فالحق وجوبه (أيضاً) (٤) ثلاثاً في المسح بالحجر ، فلا يجزي الأقل ، وفاقاً للحلي (٥) ، والمحقق (٦) ، والمنتهى والإِرشاد (٧) والذكرى والتنقيح (٨) واللوامع والمعتمد. بل نسبه جماعة (٩) إلى المشهور ، وظاهر السرائر الإِجماع عليه (١٠) ؛ لاستصحاب النجاسة.

__________________

(١) لا توجد في « هـ » و « ق ».

(٢) في « ق » : من الأثر في الأخبار أثر.

(٣) راجع الوسائل ١ : ٣٢٢ أبواب أحكام الخلوة ب ١٣.

(٤) لا توجد في « ق ».

(٥) السرائر ١ : ٩٦.

(٦) المعتبر ١ : ٣٣ ، الشرائع ١ : ١٩ ، المختصر النافع : ٥.

(٧) المنتهى ١ : ٤٥ ، مجمع الفائدة ١ : ٨٩.

(٨) الذكرى : ٢١ ، التنقيح ١ : ٧١.

(٩) منهم صاحبا المدارك ١ : ١٦٨ ، والذخيرة : ١٨.

(١٠) السرائر ١ : ٩٦.


وصحيحة زرارة ورواية العجلي المتقدمتين (١) ، بملاحظة ما مرّ من معنى الإِجزاء ، وكون الثلاثة أقل الجمع.

والنبويين السابقين (٢) بضميمة جبر ضعفهما بالشهرة والإِجماع المحكيين ، كانجبار آخرين عاميين أيضاً بهما :

أحدهما : « لا يكفي أحدكم دون ثلاثة أحجار » (٣).

والآخر : « لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار » (٤).

وخبر سلمان : نهانا النبي أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار (٥).

والاستدلال بالاقتصار في استصحاب الأجزاء الباقية بعد الاستجمار في الصلاة على القدر المجمع عليه (٦) ضعيف جداً ؛ لأنّ اللازم الاقتصار في منع الاستصحاب على المتيقن ، ولا يقين في الأجزاء المذكورة.

خلافاً للمنقول عن المفيد (٧) ، والقاضي ، والمختلف (٨) ، وجماعة من المتأخرين (٩) ، فاكتفوا بالواحد مع النقاء ؛ للأصل المندفع بما ذكر ، والحسنِ والموثقِ السابقين (١٠) ، المعارضين لما مرّ بالعموم المطلق ؛ لأعمّيتهما عن الغسل والمسح ،

__________________

(١) ص ٣٧٠.

(٢) ص ٣٧١.

(٣) لم نعثر على هذا المتن في جوامعهم الحديثيّة التي بأيدينا ، نعم ، في المغني ١ : ١٧٣ عن ابن المنذر : ثبت أن رسول الله قال « لا يكفي أحدكم ... ».

(٤) صحيح مسلم ١ : ٢٢٤.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٢٢٣.

(٦) كما استدلّ به في الرياض ١ : ١٥.

(٧) نسبه في السرائر ١ : ٩٦ إلى المفيد ، وقال في مفتاح الكرامة ١ : ٤٥ ولم أجد له في المقنعة نصاً ولعله ذكره في غيرها.

(٨) المهذب ١ : ٤٠ ، المختلف : ١٩.

(٩) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٩٠ ، والمحدث الكاشاني في المفاتيح ١ : ٤٢ ، وصاحبا المدارك ١ : ١٦٩ ، والذخيرة : ١٩.

(١٠) ص ٣٦٧ ، و ٣٧٠.


فيجب تخصيصهما به ، والمرجوحَين بالنسبة إليه ـ لو تساويا ـ باعتبار الموافقة للعامة ، كما صرّح به في السرائر (١) ، المخالفَين للاستصحاب الذي هو المرجع مع فرض عدم الترجيح أيضاً.

نعم ، يحسن الاستدلال بالحسن والموثق لعدم وجوب التعدد ورفع استصحاب النجاسة في المسح بغير الحجر من الأجسام ، حيث إنّه لا دليل على التعدّد فيه يعارض إطلاقهما.

وما في النبويين (٢) من ثلاث مسحات وثلاثة أعواد وحثيات غير مفيد ؛ لضعفهما الموجب للاقتصار في الاستدلال بهما على موضع الانجبار الغير المعلوم في هذا المضمار ، كيف والأكثر اقتصروا على ذكر التعدّد في الأحجار !

والورود بلفظ : « الخرق » في بعض الأخبار (٣) الموجب لأقلّ الجمع معارض لورود لفظ : « الكرسف والقطن » في بعض آخر ، الموجب لكفاية المطلق ، مع أنّه ليس في الخرق والمدر ونحوهما في الأخبار إلّا أن الإِمام كان يفعل كذلك ، وهو غير دال على أنّه كان يستعمل الجميع في وقت واحد ، فيمكن أن تكون الجمعية باعتبار الأوقات.

فالحق إلحاق المسح بغير الحجر بالغسل ، وعدم لزوم التعدد فيه.

ودعوى عدم القول بالفصل بين الحجر وغيره ـ كما تظهر من اللوامع ـ ممنوعة.

ولا يجب في الحجر استيعاب الكل للكل ، بل يكفي توزيع الثلاثة على‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٩٦.

(٢) المتقدمين ص ٣٧٢.

(٣) راجع الوسائل ١ : ٣٥٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٥.


المحل ، وفاقاً لغير المحقق (١) ، بل عن المعالم الوفاق عليه (٢) ؛ لإِطلاق الحسنة والموثّقة ، وحصول التعدّد اللازم ، وإرادة الاستيعاب منه غير معلومة.

وهل يكفي ذو الجهات الثلاث منه أم لا ؟ الحق العدم ـ وفاقاً للمحقق (٣) ، ووالدي وجماعة (٤) ـ للاستصحاب ، وتبادر التغاير من ثلاثة أحجار.

وخلافاً للمفيد (٥) ، والقاضي (٦) ، والشهيد (٧) ، وبعض آخر (٨) ، فذهبوا إلى كفايته. لأنّ المتبادر من ثلاثة أحجار ثلاث مسحات ، كما في : اضربه عشرة أسواط.

ولعدم تعقل الفرق بين اتّصال الأحجار وانفصالها. وكونِ المقصود إزالة النجاسة وقد حصلت. وإجزائهِ عن واحد لو استجمر به ثلاثة فهو في حكم الثلاثة.

وقولهِ صلّى الله عليه وآله : « ثلاث مسحات ».

وإطلاقِ الحسنة والموثقة.

ويضعف الأول : بمنع المتبادر ، وتحققه في المثال ـ لو سلّم ـ للقرينة ، ولذا لا يتبادر ذلك في : اضرب عشرة أشخاص. ولو سلّمنا فهو مخالف للمعنى اللغوي ، فالأصل تأخره.

والثاني : بأنّ عدم تعقل الفرق لا يثبت العدم ، مع أنّ الدليل فارق.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٩. فإنه قد يستظهر من كلامه الاستيعاب ـ كما استفادة في المدارك ١ : ١٧٠ ـ وأما في المعتبر ١ : ١٣٠ فقد صرح بعدم لزوم الاستيعاب.

(٢) المعالم : ٤٥١.

(٣) المعتبر ١ : ١٣١ ، الشرائع ١ : ١٩.

(٤) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ١٧ ، والشهيد في الروضة ١ : ٨٤ ، وصاحب المدارك ١ : ١٧١.

(٥) راجع ص ٣٧٥.

(٦) المهذب ١ : ٤٠.

(٧) الذكرى : ٩ ، الدروس ١ : ٨٩ ، البيان : ٤٣.

(٨) انظر التذكرة ١ : ١٤ ، والمنتهى ١ : ٤٥.


والثالث : بأنّه مصادرة.

والرابع : بمنع الملازمة.

والخامس : كما مرّ ، مع أنّه إطلاق لا يقاوم التقييد.

وبه يضعّف السادس ، مع أنّه لا دلالة له بعد ثبوت التثليث.

ومما ذكر (١) يظهر عدم كفاية الاستجمار بالواحد في وقت واحد بعد غسله مرة بعد اُخرى. وفي كفايته بعد كسره احتمال قوي.

وهل يجوز استعمال الواحد في وقتين لشخص أو شخصين بعد غسله ، أو كسره ، أو استعمال موضع آخر منه طاهر ؟ قال والدي العلّامة : نعم. وهو الحق ؛ للأصل.

وقيل : لا ؛ لمرفوعة أحمد المتقدمة (٢).

وهي غير دالة على الوجوب ، نعم يثبت الرجحان وهو مسلّم.

ج : لا يجزي التمسح بالنجس‌ إجماعاً على ما في المنتهى ، والمدارك (٣) ، واللوامع ، والمعتمد. ولو استجمر به يتعيّن الماء بعده ، لاختصاص الاستجمار بنجاسة المحلّ فلا يتعدّى إلى غيره.

ويجزي الرطب على الأصح ؛ للإِطلاق. خلافاً للفاضل (٤) ، ووالدي ؛ لتنجّسه بالملاقاة ، فيكون استعمالاً للنجس.

وفيه : أنّ الممنوع استعمال النجس قبل الاستجمار لا به.

وكذا الصيقل مع قلعه النجس ؛ لما ذكر. خلافاً للمحكي عن الأكثر.

د : يحرم الاستنجاء بالعظم ، والروث ، والمطعوم ، والمحترم. وعلى الأولين‌

__________________

(١) في « ق » : ذكرنا.

(٢) ص ٣٧٢.

(٣) المنتهى ١ : ٤٦ ، المدارك ١ : ١٧٢.

(٤) المنتهى ١ : ٤٦ ، التذكرة ١ : ١٣.


الإِجماع عن المعتبر ، والمنتهى ، وظاهر الغنية (١) ، وفي اللوامع ، والمعتمد. وعلى الثالث عن الثاني (٢).

أما الأولان : فللمستفيضة المنجبر ضعفها بالإِجماعات المحكية ، والشهرة المحققة.

منها : الخبران : أحدهما : « من استنجى برجيع أو عظم فهو برئ من دين محمد صلّى الله عليه وآله » (٣).

والآخر : « لا تستنجوا بالروث والعظام » (٤).

والمروي في الدعائم : نهوا عن الاستنجاء بالعظام ، والبعر ، وكل طعام (٥).

وفي المجالس الصدوق : نهي النبي صلّى الله عليه وآله أن يستنجي الرجل بالروث والرمة أي العظم البالي (٦).

وخبر ليث : عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر ـ إلى أن قال ـ : وقال : « لا يصلح بشي‌ء من ذلك » (٧) ولكن نفي الصلاحية يحتمل نفي الجواز ونفي التطهر ، فالاستدلال به على أحدهما مشكل.

وأما الثالث : فلخبر الدعائم المجبور بما ذكر ، والأخبار الواردة في حكاية أهل الثرثار في استنجائهم بالخبز والعجين (٨) ، الظاهر كثير منها في الحرمة.

__________________

(١) المعتبر ١ : ١٣٢ ، المنتهى ١ : ٤٦ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٤٩.

(٢) المنتهى ١ : ٤٦.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٠ (بتفاوت يسير).

(٤) سنن الترمذي ١ : ١٥.

(٥) الدعائم ١ : ١٠٥ ، المستدرك ١ : ٢٧٩ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٦ ح ١.

(٦) مجالس الصدوق : ٣٤٥ (المجلس ٦٦) : كلمة (والرمة) ساقطة من المجالس المطبوعة ، وهي موجودة في البحار ٧٧ : ٢١٠ / ٢٤ نقلاً عن المجالس ، وفي جامع الأحاديث ٢ : ٢٠٨ نقلاً عن المجالس أيضاً ، وكذا في الفقيه ٤ : ٢ في حديث مناهي النبي « ص ».

(٧) التهذيب ١ : ٣٥٤ / ١٠٥٣ ، الوسائل ١ : ٣٥٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٥ ح ١.

(٨) الكافي ٦ : ٣٠١ الأطعمة ب ٥٠ ح ١ ، المحاسن : ٥٨٦ ، الوسائل ١ : ٣٦٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٤٠ ح ١.


وفحوى الخبر : عن صاحب له فلاح يكون على سطحه الحنطة والشعير ويعملون عليه ، فغضب عليه السلام وقال : « لو لا أرى أنّه من أصحابنا للعنته » (١).

وأما الرابع : فلإِيجابه هتك الشريعة والاستخفاف بها ، مضافاً إلى فحوى المستفيضة الناهية عن الاستنجاء أو دخول الكنيف وفي اليد خاتم عليه اسم الله (٢) ، وفحوى ما دلّ على منع مسّ المحدث بالجنابة لبعض أقسامه (٣).

وفي الإِجزاء والتطهر باستعمال شي‌ء من الأربعة وعدمه قولان :

الأول : للفاضل (٤) وبعض الثلاثة (٥) ؛ لإِطلاق الموثق والحسن.

والثاني : عن السيد والشيخ والحلي وابن زهرة (٦) ، مدعياً عليه الإِجماع ، والمحقق (٧) ، واختاره والدي العلامة ـ رحمه الله ـ في الكتابين مدّعياً عليه الشهرة في أحدهما ؛ للاستصحاب ، ونقل الإِجماع.

وقوله : « لا يصلح » في خبر ليث. والمروي عن النبي صلّى الله عليه وآله « لا تستنجوا بعظم ولا روث فإنّهما لا يطهّران » (٨) ، ودلالة النهي على الفساد.

ويضعف الأول : باندفاعه بالإِطلاق ، والثاني : بمنع الحجية ، والثالث : بما مر من الإِجمال ، والرابع : بالاختصاص بالأولين مع الضعف ، والخامس :

__________________

(١) المحاسن : ٥٨٨ ، الوسائل ٢٤ : أبواب آداب المائدة ب ٧٩ ح ٣ ، وفيهما : « يطؤونه ويصلّون عليه » بدل : « يعملون عليه ».

(٢) راجع الوسائل ١ : ٣٣٠ أبواب أحكام الخلوة ب ١٧.

(٣) راجع الوسائل ٢ : ٢١٤ أبواب الجنابة ب ١٨.

(٤) نهاية الاحكام ١ : ٨٩ ، المنتهى ١ : ٤٦ ، التذكرة ١ : ١٣.

(٥) كصاحب المدارك ١ : ١٧٣.

(٦) المبسوط ١ : ١٧ ، السرائر ١ : ٩٦ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٤٩ ، وأمّا السيد فلم نعثر على كلامه.

(٧) المعتبر ١ : ١٣٣ ، الشرائع ١ : ١٩.

(٨) سنن الدارقطني ١ : ٥٦.


بالمنع في أمثال المقام.

نعم ، لانجبار ضعف الرابع بحكاية الشهرة والإِجماع يثبت الحكم في مورده ، ويمكن التعدّي بعدم الفصل إن ثبت ، وهو غير معلوم.

هـ : الاستنجاء المرخّص فيه الاستجمار والمحكوم بطهارة [ غسالته ] (١) عند القائلين بنجاسة الغسالة هو الوارد على المخرج الطبيعي ، فلا يجري حكمه في غيره ولو مع انسداد الطبيعي ؛ للاستصحاب ، وعدم معلوميّة صدق الاستنجاء.

*       *      *

__________________

(١) في جميع النسخ : غسله ، وما أثبتناه لاستقامة المعنى.


الفصل الثاني : في مستحباتها زيادة على ما علم ممّا سبق‌

فمنها : الاستتار عن الناس في الغائط خاصة‌ بحيث لا يراه أحد ، بأن يبعد أو يدخل بيتاً أو يلج حفيرة ؛ لاشتهاره بين العلماء ، والتأسي بالنبي ؛ فإنّه لم يُر على غائط قطّ ، والمروي في الاحتجاج المتقدم ذكره (١).

وفي شرح النفلية للشهيد ، قال عليه السلام : « من أتى الغائط فليستر » (٢).

والمروي في الدعائم : « من فقه الرجل ارتياد مكان الغائط والبول والنخامة » يعنون عليهم السلام أن لا يكون ذلك بحيث يراه الناس ـ إلى أن قال : « ينبغي أن يكون المخرج في أستر موضع في الدار » (٣).

ويستفاد منه استحباب استتار الغائط والبول أيضاً ، فهو مستحب آخر.

ومنها : تغطية الرأس‌ ؛ لفتوى الأصحاب ، ونقل الوفاق عن المعتبر (٤) والذكرى (٥).

والمروي في الدعائم : « إن رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا دخل الخلاء تقنّع وغطّى رأسه » (٦).

ويستفاد منه استحباب التقنع أيضاً.

ويدلّ عليه : المروي في المجالس ، والمكارم : « يا أبا ذر استحي من الله ، فإنّي والذي نفسي بيده لأظل حين أذهب إلى الخلاء مقنعاً بثوبي » (٧).

__________________

(١) في ص ٣٦٠.

(٢) روى عنه في الوسائل ١ : ٣٠٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٤ ح ٤.

(٣) الدعائم ١ : ١٠٤ ، المستدرك ١ : ٢٤٩ أبواب أحكام الخلوة ب ٤ ح ٤.

(٤) المعتبر ١ : ١٣٣.

(٥) الذكرى : ٢٠.

(٦) الدعائم ١ : ١٠٤ ، المستدرك ١ : ٢٤٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٣ ح ١.

(٧) مجالس الطوسي : ٥٤٥ ، مكارم الأخلاق ٢ : ٣٧٢ ، الوسائل ١ : ٣٠٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٣ ح ٣.


ولا تكفي التغطية عنه. وهل يكفي عنها ؟ ظاهر العطف في رواية الدعائم : العدم.

ومنها : الدعاء بالمأثور عند التقنع سرّاً في نفسه‌ ، وعند إرادة الدخول واقفاً ملتفتاً يميناً وشمالاً إلى مَلَكَيه تارة ، ومطلقاً اُخرى ، وعند الدخول ، والكشف ، والجلوس ، والحدث ، والنظر ، والاستنجاء ، والفراغ ، والخروج مطلقاً تارة ، وبعد مسح البطن اُخرى ؛ لورود جميع ذلك في الأخبار (١). وفي ما اختلفت فيه الروايات من الدعوات يتخير.

ويستحب خصوص التسمية عند كشف العورة لبول أو غيره ؛ للخبرين : « إذا انكشف أحدكم لبول أو غير ذلك فليقل بسم الله ، فإنّ الشيطان يغضّ بصره » (٢).

ومنها : تقديم اليسرى عند الدخول واليمنى عند الخروج‌ في البنيان ؛ لاشتهاره بين الأصحاب (٣).

ولا يبعد إجزاء الحكم في موضع الجلوس في غير البنيان ؛ لفتوى بعضهم (٤).

ومنها : الاعتماد على اليسرى حال الجلوس‌ ؛ لشهادة غير واحد (٥) بكونه مروياً.

ومنها : اختيار موضع مرتفع أو كثير التراب للبول‌ ؛ لمرسلة الفقيه : « كان رسول الله صلّى الله عليه وآله : أشدّ الناس توقياً عن البول ، حتى أنّه كان إذا أراد‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١ : ٣٠٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٥.

(٢) الفقيه ١ : ١٨ / ٤٣ ، التهذيب ١ : ٣٥٣ / ١٠٤٧ ، الوسائل ١ : ٣٠٧ ، ٣٠٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٥ ح ٩ ، ٤.

(٣) منهم الشيخ في المبسوط ١ : ١٨ ، والمحقق في المعتبر ١ : ١٣٤ ، والعلامة في التذكرة ١ : ١٣.

(٤) العلامة في نهاية الاحكام ١ : ٨١ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٠.

(٥) العلامة في نهاية الاحكام ١ : ٨١ ، والشهيد في الذكرى : ٢٠.


البول عمد إلى مكان مرتفع من الأرض ، أو مكان يكون فيه التراب الكثير ، كراهة أن ينضح عليه البول » (١) وغيرها من الأخبار.

ومنها : تأخير كشف العورة حتى يدنو من الأرض‌ ؛ للتأسي ، كما قيل (٢).

وتقديم الدبر على الذكر في الاستنجاء ؛ لموثّقة الساباطي : عن الرجل إذا أراد أن يستنجي بأيما يبدأ بالمقعدة أو بالإِحليل ؟ فقال : « بالمقعدة ثم بالإِحليل » (٣).

والأولى مع خوف سراية نجاسة الإِحليل إلى اليد أو الكم غسله أولاً ، ثم غسل الدبر ، ثم الاستبراء من البول ، ثم غسل الإِحليل ثانياً.

ومنها : الاستبراء للرجل‌. ورجحانه ثابت بالإِجماع ، وفتاوى الأصحاب ، والمعتبرة من النصوص.

ففي صحيحة البختري : في الرجل يبول قال : « ينتره ثلاثاً ، ثم إن سال حتى يبلغ الساق فلا يبالي » (٤).

وحسنة ابن مسلم : رجل بال ولم يكن معه ماء ، فقال : « يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه ، فإن خرج بعد ذلك شي‌ء فليس من البول ، ولكنه من الحبائل » (٥).

والمروي في نوادر الراوندي : « من بال فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان ثمّ ليسلها ثلاثاً » (٦).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦ / ٣٦.

(٢) التذكرة ١ : ١٣.

(٣) الكافي ٣ : ١٧ الطهارة ب ١٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٢٩ / ٧٦ ، الوسائل ١ : ٣٢٣ أبواب أحكام الخلوة ب ١٤ ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ٢٧ / ٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨ / ١٣٦ ، الوسائل ١ : ٢٨٣ أبواب أحكام الخلوة ب ١٣ ح ٣.

(٥) الكافي ٣ : ١٩ الطهارة ب ١٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٨ / ٧١ ، الاستبصار ١ : ٤٩ / ١٣٧ ، الوسائل ١ : ٣٢٠ أبواب أحكام الخلوة ب ١١ ح ٢.

(٦) نوادر الراوندي : ٣٩ ، المستدرك ١ : ٢٦٠ أبواب أحكام الخلوة ب ١٠ ح ٣.


وآخر : « كان النبي صلّى الله عليه وآله إذا بال نتر ذكره ثلاث مرات » (١).

والعامي : « إنّ أحدكم يعذّب في قبره فيقال : إنّه لم يكن يستبرئ عند بوله » (٢).

ويؤيده : إيجابه التوقّي عند النجس ونقض الطهارتين ، كما صرّح به فيما مرّ من الروايتين ، وفي حسنة عبد الملك : في الرجل يبول ثمَّ يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللاً. قال : « إذا بال فخرط ما بين المقعدة والاُنثيين ثلاث مرات وغمز ما بينهما ثم استنجى ، فإن سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي » (٣).

واختلفوا في استحبابه ووجوبه.

فالحق المشهور هو الأول ؛ لظاهر الإِجماع ، حيث لا يقدح مخالفة الشاذ فيه ، والأصل ، لعدم دلالة غير روايتي النوادر والعامي على الوجوب من جهة خلوّه عن الدالّ عليه. بل في دلالته على الاستحباب أيضاً تأمّل ؛ لاحتماله الإِرشاد لأجل التوقي.

وأمّا هما فلضعفهما الخالي عن الجابر لا يصلحان لإِثبات ما عدا الاستحباب.

فالقول بالوجوب ـ كما عن الاستبصار والغنية مدعياً عليه الإِجماع (٤) ـ ضعيف غايته ، وإرادتهما الوجوب الشرطي ـ كما قيل (٥) ـ ممكنة.

وأمّا كيفيته فقيل : إنّه أن يعصر من أصل المقعدة إلى الاُنثيين أي أصل الذكر ثلاثاً ، ومنه إلى طرفه أي رأسه كذلك ، ثم ينتر رأسه (٦) ـ وهو عصره بجذبه‌

__________________

(١) نوادر الراوندي : ٥٤ ، البحار ٧٧ : ٢١٠.

(٢) روى بمضمونه أحاديث متعددة في كنز العمال ٩ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٠ / ٥٠ ، الاستبصار ١ : ٩٤ / ٣٠٣ ، الوسائل ١ : ٢٨٢ أبواب أحكام الخلوة ب ١٣ ح ٢.

(٤) الاستبصار ١ : ٤٨ ، الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٤٩.

(٥) الرياض ١ : ٣١.

(٦) الشرائع ١ : ٢٨.


بقوّة ، كما صرّح به في البحار (١) كذلك ، وهذه تسع مسحات.

وقيل : ست ، بإسقاط الثلاث الأخيرة (٢).

ونسب كلٌّ من هذين القولين إلى الشهرة (٣) ، ويمكن إرجاعهما إلى واحد.

وعن والد الصدوق : أنّه الثلاث الاُولى (٤).

وعن السيد (٥) والمهذب (٦) : أنّه الثلاث الوسطى. واختاره والدي العلّامة ـ رحمه الله ـ في اللوامع والمعتمد ، وحمل الزائد على الأفضلية.

وعن المفيد : أنّه أربعة. بإسقاط الثلاثة الأخيرة ومرة من كل من الاُوليين (٧) ، وقد ينسب إليه أنّه اثنان. بإسقاط مرتين من الاُوليين مع تمام الأخيرة (٨).

والأصل في الجميع : الأخبار السابقة ، فالأولون يستدلون للستة الاُولى : بحسنة عبد الملك ، بإرجاع ضمير التثنية إلى الاُنثيين مع إرادة الذكر منه ، والمراد ما بين طرفيه. مضافاً إلى الاستدلال للثلاثة الاُولى : بالمروي عن النوادر أولاً. وللوسطى : بصحيحة البختري ، بإرجاع الضمير إلى الذكر ، وبها يقيد إطلاق الغمز في الأول ، وبحسنة ابن مسلم ، بإرادة رأس الذكر من طرفه الأول ، وبالمروي في النوادر أخيراً. وللثلاثة الأخيرة : بقوله في الحسنة : « وينتر طرفه » بإرادة رأسه منه.

__________________

(١) البحار ٧٧ : ٢٠٦.

(٢) المراسم : ٣٢.

(٣) في الذكرى : ٣٠ ، والمدارك : ٣٠١ ، والذخيرة : نسب القول الأول إلى الشهرة ، وفي الرياض ١ : ٣١ نسب الأول إلى الأشهرية.

(٤) نقله عنه في مفتاح الكرامة ١ : ٥١.

(٥) نقله عنه في المعتبر ١ : ١٣٤.

(٦) المهذب ١ : ٤١.

(٧) المقنعة : ٤٠.

(٨) نسبه في الذخيرة : ٢٠.


ومنهم من استخراج التسعة من هذه الحسنة بإرادة العراق الواصل بين الدبر والاُنثيين من أصل الذكر ورأس الذكر من طرفه.

ومنهم من استنبط الثلاثة الوسطى من حسنة عبد الملك خاصة ، بإرجاع ضمير التثنية إلى المقعدة والاُنثيين ، وذكر الغمز لبيان لزوم العصر ، حيث إنّ الخرط مجرّد مدّ اليد.

والقائلون بالثاني استنبطوا الستّ بأحد الوجوه المتقدّمة ، وجعلوا قوله : « ينتر طرفه » بياناً لما اُهمل في قوله : « إلى طرفه » من جهة احتمال خروج المغيّى.

ومنهم (١) من فسر الطرف بالذكر كما في قولهم : لا يدري أيّ طرفيه أطول لسانه أو ذكره ؟

والثالث : استند إلى صحيحة البختري ، مع تضعيف سائر الروايات سنداً ، أو إليها وإلى حسنة ابن مسلم بجعل نتر طرفه بياناً ، كما ذكر ، وردّ الحسنة الأخيرة : بمعارضتها مع مفهوم الحسنة الاُولى ، وترجيح الاُولى بمعاضدة الصحيحة.

والرابع : تمسك بالحسنتين بجعل أصل الذكر في الاُولى العرق المذكور ، وجعل طرفه أصل الذكر ، ونتر الطرف بياناً ، كما ذكر ، وردّ الصحيحة بإجمال المرجع فيها ، فيمكن رجوعه إلى الذكر ، ورأسه ، والبول ، وما بين المقعدة.

والخامس : حمل التعدّد على الأفضلية ، ولا أعرف مستند المرتين إن صحت النسبة.

ومقتضى القواعد : رفيع اليد عن الصحيحة ؛ لإِجمالها كما ذكر ، وقطع النظر عن التأويلات البعيدة التي أوّلوا الحسنتين بها وقصرهما على ما هو الظاهر منهما ، وهو إرادة منتهى الذكر في جانب الاُنثيين من أصله ، ورأسه من طرفه في الحسنة الاُولى ، فيكون بياناً للثلاثة الوسطى من العصرات ، ويكون نتر الطرف عصر‌

__________________

(١) ذكره في كشف اللثام ١ : ٢١ على وجه الاحتمال.


الذكر الحاصل من العصرات المذكورة أيضاً وإرجاع ضمير التثنية في الثانية إلى المقعدة والاُنثيين ، وجعل الغمز بياناً للزوم العصر في الخرط ، فيكون بياناً للثلاثة الاُولى. فتكون الحسنة الاُولى دليلاً للثلاثة الثانية ، والثانية للاُولى.

ولكن لتضمّنهما الشرط يحصل التعارض في حصول نقض الطهارة وعدمه بين منطوق كلٍ منهما ومفهوم الآخر ، وإذ لا مرجّح لأحدهما في محلّ التعارض وهو ما إذا أتى بإحدى الثلاثتين دون الاُخرى ، ولا قول بالتخيير بين الحكم بكفاية إحداهما في النقض وعدمها ، فيجب الحكم بالتساقط والرجوع إلى الأصل ، وهو مع كفاية كلّ ثلاثة من الثلاثتين الاُولى والوسطى ، لأصالة عدم تنجس الثوب والبدن ، وعدم انتقاض الطهارة بعد تحقق إحدى الثلاثتين ، كما ذكروا (١) في الاُنثى فإنّه لا استبراء عليها ، ولا تنقض طهارتها بالخارج المشتبه. فهو الحق ، أي حصول الاستبراء بكلّ ثلاثة من الثلاثتين.

ولا يلزم خرق إجماع مركب معلوم سيما في حق من تعارضت عنده الأدلة ، مع أنّ التخيير المجوز في المدارك (٢) هو بعينه ذلك.

والأحوط : الجمع بين الثلاثتين : بل هو الأفضل ؛ للمرويين في النوادر المتقدمين (٣) أو غاية الاحتياط الإِتيان بالتّسعة.

وينبغي الابتداء بالثلاثة الاُولى حتى يخرج ما بين المقعدة والاُنثيين إلى الذكر ، ثم بالوسطى حتى يخرج ما في الذكر أيضاً ، ثم بالثلاثة الأخيرة.

ويتخير بين إتمام الثلاثة الاُولى ثم تعقيبها بالوسطى ثم بالأخيرة ، وبين تعقيب كل مرة من الاُولى بمثلها من الوسطى منفصلة أو متصلة ، وكذا في الأخيرة.

__________________

(١) كما في القواعد ١ : ٤ ، والروض : ٢٥ ، وكشف اللثام ١ : ٢١.

(٢) المدارك ١ : ٣٠١.

(٣) في ص ٣٨٤ ـ ٣٨٥.


فروع :

أ : يستحب أن يكون الاستبراء باليسار ؛ لمرسلة الفقيه : « إذا بال الرجل لم يمسّ ذكره بيمينه » (١).

وعنه صلّى الله عليه وآله : « أنه كانت يمناه لطهوره وطعامه ، ويسراه لخلائه وما كان من أذى » (٢).

ويستحب أن يجعل اليمين لما علا من الاُمور واليسار لما دنى.

ب : لو خرج شي‌ء بعد الاستبراء ليس ينجس (٣) ولا ينقض الطهارة ؛ للأصل ومنطوق الحسنتين (٤). وقبله ينجس وينقض ؛ لمفهومهما.

ج : الحكم كما اُشير إليه يختصّ بالذكر ، فلا استبراء على الاُنثى. والمشتبه الخارج منها لا ينجس ولا ينقض ؛ للأصل.

*       *      *

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩ / ٥٥ ، الوسائل ١ : ٣٢٢ أبواب أحكام الخلوة ب ١٢ ح ٦.

(٢) سنن أبي داود ١ : ٩.

(٣) في « ق » و « ح » : بنجس.

(٤) المتقدمتين ص ٣٨٤ ـ ٣٨٥.


الفصل الثالث : في مكروهاتها‌

وهي أيضاً اُمور :

منها : التخلّي مطلقاً ـ بالغائط كان أو البول ـ في الطرق النافذة.

وأما المرفوعة فهي ملك لأربابها ، يحرم التخلّي فيها بدون إذنهم ويباح معه.

والمشارع ـ وهي موارد المياه من شطوط الأنهار ورؤوس الآبار ـ وأفنيةِ المساجد ، وعلى القبور ، وبينها ، وأبواب الدور ، ومنازل النزّال ، وتحت المثمرة من الأشجار.

كل ذلك للاشتهار ، مضافاً إلى المستفيضة من الأخبار المتضمنة جميعها لجميعها ، كمرفوعة علي ورواية الاحتجاج المتقدمتين (١).

وصحيحة عاصم : أين يتوضأ الغرباء ؟ فقال : « يتّقي شطوط الأنهار والطرق النافذة وتحت الأشجار المثمرة ومواضع اللعن » فقيل له : وأين مواضع اللعن ؟ فقال : « أبواب الدور » (٢).

ورواية الكرخي : « [ ثلاث خصال ملعون من فعلهنّ ] : المتغوّط في ظل النزّال ، ... » (٣).

وخبر السكوني : « نهى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أن يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها ، أو نهر يستعذب ، أو تحت شجرة فيها ثمرتها » (٤).

والمروي في الخصال : « يا علي ، ثلاث يتخوف منهن الجنون : التغوط بين‌

__________________

(١) في ص ٣٦٣ و ٣٦٠.

(٢) الكافي ٣ : ١٥ الطهارة ب ١١ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٠ / ٧٨ ، الوسائل ١ : ٣٢٤ أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ١٦ الطهارة ب ١١ ح ٦ ، التهذيب ١ : ٣٠ / ٨٠ ، الوسائل ١ : ٣٢٥ أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ٤ ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ : « ثلاثة ملعون ملعون من فعلهن » وما أثبتناه موافق للكافي.

(٤) التهذيب ١ : ٣٥٣ / ١٠٤٨ ، الوسائل ١ : ٣٢٥ أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ٣.


القبور ، ... » (١).

وفيه وفي المجالس : « إنّ الله كره لكم أربعاً وعشرين خصلة ونهاكم عنها إلى أن قال : « كره البول على شط نهر جار ، وكره أن يحدث الرجل تحت شجرة قد أينعت يعني أثمرت » (٢).

وفي الأخير أيضاً : « أنّه نهى أن يبول رجل تحت شجرة مثمرة أو على قارعة الطريق » (٣).

وفي الدعائم : « البول في الماء القائم من الجفاء ، ونهي عنه وعن الغائط فيه وفي النهر ، وعلى شفير البئر يستعذب من مائها ، وتحت الشجرة المثمرة ، وبين القبور ، وعلى الطرق والأفنية » (٤).

وفي جامع البزنطي عن الباقر عليه السلام : « ولا تبل في الماء ، ولا تخلّ على قبر » (٥).

وصحيحة ابن مسلم : « من تخلّى على قبر أو بال قائماً أو بال في ماء قائم ... فأصابه شي‌ء من الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء الله » (٦) إلى غير ذلك.

ورواية الخصال والمجالس وسائر ما يتعقبها يتضمن البول أيضاً صريحاً أو إطلاقاً ، فاختصاص بعض ما تقدم عليها بالغائط وإجمال بعض آخر غير ضائر ، والقول بالتخصيص بالتغوط ـ كبعضهم ـ ساقط.

والإِجماع على انتفاء التحريم في هذه المواضع ـ إذ لا يقدح مخالفة النادر ـ يوجب حمل الأمر بالاجتناب والنهي في جملة من تلك الأخبار على الاستحباب‌

__________________

(١) الخصال : ١٢٥ ، الوسائل ١ : ٣٢٩ أبواب أحكام الخلوة ب ١٦ ح ٢.

(٢ و ٣) الخصال : ٥٢٠ ، مجالس الصدوق : ٢٤٨ ، ٣٤٤ ، الوسائل ١ : ٣٢٧ ، ٣٢٨ أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ١٠ و ١١.

(٤) الدعائم ١ : ١٠٤ ، المستدرك ١ : ٢٧٠ أبواب أحكام الخلوة ب ١٩ ح ١ وص ٢٦١ ب ١٢ ح ٢.

(٥) نقلها عنه في البحار ٧٧ : ١٩١.

(٦) الكافي ٦ : ٥٣٣ الزي والتجمل ب ٦٩ ح ٢ ، الوسائل ١ : ٣٢٩ أبواب أحكام الخلوة ب ١٦ ح ١.


والكراهة ، فنفي الجواز فيها كما عن المفيد (١) ، أو في الأخيرين كما عن الصدوق في الهداية والفقيه (٢) ضعيف.

ولو لم يثبت الإِجماع على خلافه ، فلا أقل من الشهرة العظيمة المخرجة للأخبار المحرمة عن الحجية ، فلا تصلح إلّا لإِثبات الكراهة ، مع أنّ إرادتهما المعنى الأخص من الجواز ممكنة.

والمثمر ومسقط الثمر ـ كما في الثلاثة الاُولى ـ يصدقان على المنقضي عند المبدأ أيضاً حقيقة ، بل على ما من شأنه ذلك وإن لم يتلبس (به بعد) (٣) ، كما بيّنا في موضعه ، فالكراهة تعم الأشجار المثمرة مطلقاً.

واختصاص بعض آخر بما فيه الثمر لا يثمر ؛ لعدم حجية مفهوم الوصف على الأظهر ، فالتخصيص استناداً إلى ذلك أو إلى اختصاص المشتق بالمتلبس لا يصح.

والاستشهاد بمرسلة الفقيه المعلّلة للكراهة : بمكان الملائكة حين وجود الثمر (٤) لا يتم ؛ لأن وجود علة في مورد لا ينافي وجود اُخرى في آخر.

ودعوى : أصالة عدمها ـ بعد دلالة الإِطلاق ـ لا تسمع.

مع أنّ ذلك التعليل لا يفيد الاختصاص ؛ لجواز أن يكون كونهم هناك في وقت موجباً للنهي عن التخلّي فيه مطلقاً تعظيماً لهم واستنظافاً لمكانهم قبل ذلك وبعده.

ومنها : البول في الأرض الصلبة‌ ؛ للتصريح بكراهة نضح البول في مرسلة الفقيه (٥) ، وملزوم المكروه ولو في الأغلب مكروه ، ولأنه تحقير وتهاون في البول‌

__________________

(١) المقنعة :

(٢) الهداية ١٥ ، الفقيه ١ : ٢١.

(٣) في « هـ » و « ق » : بعد به.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢ / ٦٤ ، الوسائل ١ : ٣٢٧ أبواب أحكام الخلوة ب ١٥ ح ٨.

(٥) الفقيه ١ : ١٦ / ٣٦ ، الوسائل ١ : ٣٣٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٢ ح ٢.


ونهي عنهما في المستفيضة (١) ؛ ولاستحباب ارتياد الموضع المناسب ، والصلب غير مناسب ، وضد المستحب المكروه.

وفي ثقوب الحشرات ؛ لورود النهي عنه في بعض الأخبار ، كما صرّح به جماعة (٢).

وفي الحمام ؛ للمروي في الخصال : « البول في الحمام يورث الفقر » (٣). والمراد منه ما يدخل فيه عرفاً ، لا نفس المغسل كما قد يتوهّم.

وحالة القيام ؛ لصحيحة ابن مسلم المتقدمة (٤) وغيرها.

ومطمحاً به أي رامياً به إلى الهواء ، كأن يبول من سطح في الهواء ؛ لرواية السكوني : « نهى النبي أن يطمح الرجل ببوله من السطح أو من الشي‌ء المرتفع في الهواء » (٥).

والمروي في الخصال : « لا يبولن الرجل من سطح في الهواء » (٦).

ومنه البول في البلاليع العميقة.

ولا يتحقق التطميح بالبول في مكان ثم جريانه بميزاب ونحوه في الهواء.

ولا ينافي ذلك ما تقدم من استحباب ارتياد مكان البول كمرتفع ؛ إذ الارتفاع المعتبر هناك هو بقدر ما يؤمن معه من الترشح. والنهي عن التطميح من‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١ : ٣٣٨ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٢.

(٢) أي صرّحوا بورود النهي ، منهم الشهيد في الذكرى : ٢٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٣ ولم نعثر عليه من طرقنا ، وهو موجود في كتب الجمهور ، انظر سنن أبي داود ١ : ٨. نعم روى في مستدرك الوسائل ١ : ٢٨٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٩ ح ١٠ نقلاً عن أعلام الدين للديلمي ٣٠٢ : « وقال الباقر عليه السلام لبعض أصحابه وقد أراد سفراً ... ولا تبولن في نفق ... » فتأمل.

(٣) الخصال : ٥٠٤ ، الوسائل ١٥ : ٣٤٧ أبواب جهاد النفس ب ٤٩ ح ٢١.

(٤) في ص ٣٩١.

(٥) الكافي ٣ : ١٥ الطهارة ب ١١ ح ٤ ، الوسائل ١ : ٣٥١ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٣ ح ١.

(٦) الخصال : ٦١٣ ، الوسائل ١ : ٣٥٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٣ ح ٦.


السطح أو مكان مرتفع يدل على أن المراد منه ما ذكرنا.

ويظهر من بعض كتب اللغة أنه الرمي إلى فوق (١). ومن علّل الحكم بخوف الرد حمله عليه.

ومنها : استقبال الشمس أو القمر في البول‌ ؛ للنهي عنها في المستفيضة المحمولة على الكراهة ؛ لما (٢) سبق.

كرواية السكوني : « نهى أن يستقبل الرجل الشمس والقمر بفرجه وهو يبول » (٣).

ورواية الكاهلي : « لا يبولن أحدكم وفرجه بادٍ للقمر يستقبل به » (٤).

وفي المجالس : « ونهى أن يبول الرجل وفرجه بادٍ للشمس والقمر » (٥).

وفي الغائط ؛ لما في الكافي ـ بعد مرفوعة محمد السابقة في القبلة (٦) ـ : وروي أيضاً في حديث (آخر) (٧) : « لا تستقبل الشمس ولا القمر » (٨) فإنّه يظهر منه أنّه أيضاً حكم الغائط.

وفي العلل : « فإذا أراد البول والغائط ـ إلى أن قال ـ : ولا تستقبل الشمس أو القمر » (٩).

وكذا استدبار القمر حال الغائط ؛ لما في الفقيه ـ بعد مرفوعة علي‌

__________________

(١) الصحاح ١ : ٣٨٩ ، مجمع البحرين ٢ : ٣٩٣.

(٢) في « هـ » : كما.

(٣) التهذيب ١ : ٣٤ / ٩١ ، الوسائل ١ : ٣٤٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٥ ح ١.

(٤) التهذيب ١ : ٣٤ / ٩٢ ، الوسائل ١ : ٣٤٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٥ ح ٢.

(٥) مجالس الصدوق : ٣٤٥ « المجالس ٦٦ ».

(٦) في ص ٣٦٢.

(٧) لا توجد في « ق ».

(٨) الكافي ٣ : ١٥ الطهارة ب ١١ ملحق ح ٣ ، الوسائل ١ : ٣٤٣ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٥ ح ٥.

(٩) نقلها في البحار ٧٧ : ١٩٤ / ٥٣ عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم.


السابقة (١) ـ : وفي خبر آخر : « لا تستقبل الهلال ولا تستدبره » (٢) لما ذكر.

بل الشمس أيضاً حينئذٍ ، كما هو الظاهر ممّا في العلل في حكم بيان حدود من أراد البول أو الغائط : « وعلة اُخرى أنّ فيهما ـ أي في الشمس والقمر ـ نوراً مركباً ، فلا يجوز أن يستقبل بالعورتين وفيهما نور من نور الله » (٣) الحديث. والاستقبال بالدبر ـ الذي هو إحدى العورتين ـ هو الاستدبار.

وأما استدبارهما في البول : فلم يرد كراهته في الأخبار ، والأصل عدمها ، فهو الأظهر. والتعدّي بالأولوية باطل جداً.

وظاهر النافع ، والنهاية ، والمدارك (٤) : اختصاص الكراهة بالاستقبال خاصة ، كما أن ظاهر الاقتصاد ، والجمل ، والمصباح (٥) ومختصره ، والديلمي (٦) ، وابن سعيد (٧) ومحتمل الإِرشاد ، والبيان ، والنفلية (٨) : التخصيص بالبول ، وظاهر القواعد (٩) : الاختصاص بالاستقبال في البول والاستدبار في الغائط. والصحيح ما ذكرنا.

ثم المكروه في الاستقبال حال البول على الأظهر الأشهر : الاستقبال بالفرج ، لأنّه الثابت من الروايات ، دون البدن كما في القبلة.

وأما حال الغائط وفي الاستدبار بالقمر فالظاهر أنّ المكروه هو الاستقبال والاستدبار بالبدن ؛ لأنّه مقتضى أخبارهما ، فتأمل.

__________________

(١) في ص ٣٦٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٨ / ٤٨ ، الوسائل ١ : ٣٤٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٥ ح ٣.

(٣) راجع ص ٣٩٤.

(٤) المختصر النافع : ٥ ، النهاية : ١٠ ، المدارك ١ : ١٧٨.

(٥) الاقتصاد : ٢٤١ ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : ١٥٧ ، مصباح المتهجد : ٦.

(٦) المراسم : ٣٣.

(٧) الجامع للشرائع : ٢٦.

(٨) مجمع الفائدة ١ : ٩٤ ، البيان : ٤١ ، النفلية : ٥.

(٩) القواعد ١ : ٤.


ومنها : استقبال الريح واستدبارها في الغائط ؛ للمرفوعتين المتقدمتين (١).

واستقباله في البول ؛ لأخبار النهي عن احتقاره والتهاون به (٢) ، والأمر بالتحفّظ والتوقّي عنه.

ولما في العلل : « ولا تستقبل الريح لعلتين : إحداهما أنّ الريح يردّ البول فيصيب الثوب ولم يعلم ذلك ، أو لم يجد ما يغسله ، والعلة الثانية : أنّ مع الريح ملكاً فلا يستقبل بالعورة » (٣).

ويظهر من العلّة الثانية : كراهة الاستدبار في الغائط أيضاً مع سرّها.

وأما الاستدبار في البول فلم أجد فيه نصاً.

والشيخ (٤) والفاضلان (٥) خصّا الكراهة بالاستقبال والبول.

ومنها : البول في الماء‌ ؛ للمروي عن جامع البزنطي المتقدمة (٦) ، وإطلاقه يشمل الراكد والجاري.

مضافاً في الأول إلى صحيحة ابن مسلم المتقدمة (٧) ، والمروي في العلل : « ولا تبل في ماء نقيع » (٨).

ومرسلة الفقيه : « البول في الماء الراكد يورث النسيان » (٩). وفي جنّة الأمان :

__________________

(١) في ص ٣٦٢.

(٢) راجع الوسائل ١ : ٣٣٩ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٣.

(٣) نقله في البحار ٧٧ : ١٩٤ / ٥٣ عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم.

(٤) مصباح المتهجد ٦ ، النهاية : ١٠ ، الاقتصاد : ٢٤١.

(٥) المحقق في الشرائع ١ : ١٩ ، والمختصر النافع : ٥ ، والعلامة في التحرير ١ : ٧ ، والقواعد ١ : ٤.

(٦) في ص ٣٩١.

(٧) في ص ٣٩١.

(٨) علل الشرائع. ٢٨٣ ، الوسائل ١ : ٣٤١ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٤ ح ٦.

(٩) الفقيه ١ : ١٦ / بعد ح ٣٥ ، الوسائل ١ : ٣٤١ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٤ ح ٤.


« أنه ميراث الهموم » (١). وفي غيره : « أنه من الجفاء » (٢). « وأنه يورث الفقر » (٣).

وفي الثاني إلى رواية مسمع : « نهى أن يبول الرجل في الماء الجاري إلا من ضرورة » (٤).

والمروي في الخصال : « ولا تبولن في ماء جار » إلى أن قال : « فإنّ للماء أهلاً » (٥).

وروي : « أنه يورث السلس » (٦).

خلافاً للمحكي عن ظاهر الصدوقين (٧) والمفيد (٨) ، فحرّموه في الأول ؛ لظاهر النهي ، وجعله بعضهم أحوط (٩). وهو كذلك.

وللأولين ، فخصّا الكراهة أو الحرمة بالأول ؛ لموثقة ابن بكير : « لا بأس في البول في الماء الجاري » (١٠). وفي معناها موثقة سماعة (١١).

وصحيحة الفضيل : قال : « لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري ، وكره‌

__________________

(١) نقله في البحار ٧٧ : ١٩٥ / ٥٥.

(٢) الدعائم ١ : ١٠٤ ، المستدرك ١ : ٢٧٠ أبواب أحكام الخلوة ب ١٩ ح ١.

(٣) غوالي اللآلي ٢ : ١٨٧ ، المستدرك ١ : ٢٧١ أبواب أحكام الخلوة ب ١٩ ح ٦. وفيهما : « يورث الحصر ».

(٤) التهذيب ١ : ٣٤ / ٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٣ / ٢٥ ، الوسائل ١ : ٣٤١ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٤ ح ٣.

(٥) الخصال : ٦١٣.

(٦) غوالي اللآلي ٢ : ١٨٧.

(٧) الفقيه ١ : ١٦ ، الهداية : ١٥ ، وفي كشف اللثام ١ : ٢٢ نقله عن والد الصدوق.

(٨) المقنعة : ٤١.

(٩) الرياض ١ : ١٧.

(١٠) التهذيب ١ : ٤٣ / ١٢٢ ، الاستبصار ١ : ١٣ / ٢٤ ، الوسائل ١ : ١٤٣ أبواب الماء المطلق ب ٥ ح ٣.

(١١) التهذيب ١ : ٣٤ / ٨٩ ، الاستبصار ١ : ١٣ / ٢١ ، الوسائل ١ : ١٤٣ أبواب الماء المطلق ب ٥ ح ٤.


أن يبول في الماء الراكد » (١) فصلّ عليه السلام ، والتفصيل قاطع للشركة.

ورواية عنبسة : عن الرجل يبول في الماء الجاري ، قال : « لا بأس به إذا كان الماء جارياً » (٢) فإنّ البأس الثابت بالمفهوم لغير الجاري هو الكراهة ، فيكون هو المنفي في المنطوق.

والجواب عنها على القول بالحرمة في الراكد ظاهر.

وعلى الكراهة ، أمّا عن الموثّقتين : فبأنّ نفي البأس ـ الذي هو العذاب ـ لا ينافي الكراهة.

وأمّا عن الصحيحة : فبجواز عطف « كره » على « قال » فلا يكون في كلامه تفصيل ، فلعلّه ـ عليه السلام ـ قال بالكراهة في الراكد في وقتٍ ، ونفى البأس عن الجاري في آخر ، فجمعهما الراوي.

وأمّا عن الرواية : فبأنّه يمكن أن يكون المراد بالبأس المجازي المثبت في المفهوم مرتبةً من الكراهة مشابهة ـ لشدة مرجوحيته ـ للحرمة ، وبالمنفي في المنطوق ، الأعمّ منها ومن العذاب ، ولهذا خصّص نفي البأس في كثير من الأخبار بالجاري ، وعلى هذا فيكون الكراهة فيه أخفّ ، وهو كذلك. كما أنّه يشتد فيهما بالليل ؛ لما ينقل من أن الماء بالليل للجن ، فلا يبال فيه ولا يغتسل حذراً من إصابة آفة من جهتهم (٣).

ثمّ إنّ النصوص مخصوصة بالبول ككلام جماعة (٤).

وتعدّى الأكثر ـ ومنهم الشيخان (٥) ـ إلى الغائط أيضاً فكرهوه فيه. ولا بأس‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣١ / ٨١ ، الاستبصار ١ : ١٣ / ٢٣ ، الوسائل ١ : ١٤٣ أبواب الماء المطلق ب ٥ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٤٣ / ١٢٠ ، الاستبصار ١ : ١٣ / ٢٢ ، الوسائل ١ : ١٤٣ أبواب الماء المطلق ب ٥ ح ٢.

(٣) رواه في غوالي اللآلي ٢ : ١٨٧.

(٤) كما في الفقيه ١ : ١٦ ، والشرائع ١ : ١٩ ، والقواعد ١ : ٤.

(٥) المفيد في المقنعة : ٤٢ ، والطوسي في النهاية : ١٠.


به ؛ لفتوى هؤلاء الأعاظم ، والتعليل المذكور في رواية الخصال.

وقد يتمسك في التعدّي : بالأولوية أو تنقيح المناط ، وهو كما ترى.

ويستثنى حال الضرورة ؛ للضرورة ، ورواية مسمع (١).

واستثناء المياه المعدة لذلك مدفوع بإطلاق النصوص.

ومنها : استصحاب الخاتم في اليد عند الخلوة وفيه اسم الله تعالى‌ أو شي‌ء من القرآن ؛ لرواية الخزاز : أدخل الخلاء وفي يدي خاتم فيه اسم من أسماء الله ؟ قال : « لا » (٢).

ورواية أبي القاسم : الرجل يريد الخلاء وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى ، فقال : « ما اُحب ذلك » قال : فيكون اسم محمد ، قال : « لا بأس » (٣).

وموثّقة الساباطي : « لا يمسّ الجنب درهماً ولا ديناراً فيه اسم الله ، ولا يستنج وعليه خاتم فيه اسم الله ، ولا يجامع وهو عليه ، ولا يدخل المخرج وهو عليه » (٤) والمستتر في « يستنجي » ونظائره إلى الرجل المدلول عليه في ضمن الجنب لا الجنب.

والمروي في قرب الإِسناد : عن الرجل يجامع ويدخل الكنيف وعليه الخاتم فيه ذكر الله ، أو شي‌ء من القرآن ، يصلح ذلك ؟ قال : « لا » (٥).

وهذه الروايات كما ترى مختصة بالخاتم في اليد صريحاً كالأول ، وظاهراً كالبواقي ، فلا يفيد تعميم الكراهة بالنسبة إلى مطلق الاستصحاب كما قد يذكر.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٤ / ٩٠ ، الاستبصار ١ : ١٣ / ٢٥ ، الوسائل ١ : ٣٤١ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦ الطهارة ب ٣٦ ح ٨ ، الوسائل ١ : ٣٣٠ أبواب أحكام الخلوة ب ١٧ ح ١.

(٣) التهذيب ١ : ٣٢ / ٨٤ ، الاستبصار ١ : ٤٨ / ١٣٥ ، الوسائل ١ : ٣٣٢ أبواب أحكام الخلوة ب ١٧ ح ٦.

(٤) التهذيب ١ : ٣١ / ٨٢ ، الاستبصار ١ : ٤٨ / ١٣٣ ، الوسائل ١ : ٣٣١ أبواب أحكام الخلوة ب ١٧ ح ٥.

(٥) قرب الاسناد : ٢٩٣ / ١١٥٧ ، الوسائل ١ : ٣٣٣ أبواب أحكام الخلوة ب ١٧ ح ١٠.


والتعدّي بتنقيح المناط موقوف على القطع بالعلة. والتمسك بمنافاته التعظيم لا يثبت إلّا استحباب عدم الاستصحاب بقصد التعظيم ، ولا كلام فيه « ولكل امرئ ما نوى » (١) وفتوى البعض (٢) أيضاً لا يثبت أزيد من ذلك ، فالحكم بالكراهة مطلقاً لذلك لا وجه له.

والمستفاد من الأخبار أنّ الكراهة إنّما هي عند دخول الخلاء سواء كان للتغوّط أو البول ، فلا كراهة عند البول في غيره ، بل ولا عند التغوّط في مثل الصحراء ؛ لعدم صدق الخلاء والكنيف ، بل ولا المخرج ؛ لأنّ الظاهر منه أيضاً البيت المعدّ له.

ويشتد الكراهة إذا كان الخاتم في اليسار حال الاستنجاء ؛ للموثّقة.

ورواية أبي بصير : « من نقش على خاتمه اسم الله فليحوله عن اليد التي يستنجي بها » (٣).

ورواية الحسين بن خالد : قلت له : إنّا روينا في الحديث أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يستنجي وخاتمه في إصبعه ، وكذلك كان يفعل أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان نقش خاتم رسول الله صلّى الله عليه وآله : محمد رسول الله. قال : « صدقوا » قلت : وينبغي لنا أن نفعل ذلك ؟ فقال : « إنّ اُولئك كانوا يتختمون في اليد اليمنى وأنتم تتختمون في اليد اليسرى » (٤). وقريب منها المروي في العيون (٥).

وأما خبر وهب : « كان نقش خاتم أبي : العزة لله جميعاً ، وكان في يساره يستنجي بها ، وكان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السلام : الملك لله ، وكان في يده‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١ : ٤٦ أبواب مقدمة العبادات ب ٥.

(٢) كالصدوق في الفقيه ١ : ٢٠.

(٣) الكافي ٦ : ٤٧٤ الزي والتجمل ب ٢٧ ح ٩ ، الوسائل ١ : ٣٣١ أبواب أحكام الخلوة ب ١٧ ح ٤.

(٤) الكافي ٦ : ٤٧٤ الزي والتجمل ب ٢٧ ح ٨ ، الوسائل ١ : ٣٣١ أبواب أحكام الخلوة ب ١٧ ح ٣.

(٥) العيون ٢ : ٥٥ / ٢٠٦ ، الوسائل ١ : ٣٣٣ أبواب أحكام الخلوة ب ١٧ ح ٩.


اليسرى يستنجي بها » (١). فمحمول على التقية ، مع أنّه لا ضير في صدور المكروه عنهم أحياناً ، فليحمل الخبر عليه.

وبه يندفع المنافاة بينه وبين ما دلّ على أنهم كانوا يتختّمون باليمنى.

ولا كراهة في اسم الحجج ؛ للأصل. ولو تجنّب عنه تعظيماً لشعائر الله كان حسناً.

هذا كله بشرط عدم التلويث حال الاستنجاء ، وإلّا فيحرم قطعاً.

ومنها : التكلّم في حال الحدث مطلقاً بغير ما يتعبّد الله سبحانه‌ ، وبه أيضاً إلّا آية الكرسي ، والتحميد ، وحكاية الأذان ، وما يجب كردّ السلام والأدعية المأثورة للخلوة.

وتدلّ على الأول : رواية صفوان : « نهى رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يجيب الرجل آخر وهو على الغائط أو يكلمه حتى يفرغ » (٢).

ومرسلة الفقيه : « لا يتكلم على الخلاء » (٣).

والمروي في المحاسن : « ترك الكلام في الخلاء يزيد في الرزق » (٤).

وفي الدعائم عن أهل البيت عليهم السلام : أنهم نهوا عن الكلام في حال الحدث والبول ، وأن يردّ سلام من سلّم عليه وهو في تلك الحالة (٥).

وبه يثبت التعميم الذي ذكرناه وإن خصّ غيره بالغائط أو الخلاء.

وعموم غير الاُولى حجة الثاني ، مضافاً إلى المروي في الخصال : « سبعة لا يقرؤون القرآن » وعدّ منهم : مَن في الكنيف (٦).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣١ / ٨٣ ، الاستبصار ١ : ٤٨ / ١٣٤ ، الوسائل ١ : ٣٣٢ أبواب أحكام الخلوة ب ١٧ ح ٨.

(٢) التهذيب ١ : ٢٧ / ٦٩ ، الوسائل ١ : ٣٠٩ أبواب أحكام الخلوة ب ٦ ح ١.

(٣) الفقيه ١ : ٢١ / ملحق ح ٦٠ ، الوسائل ١ : ٣١٠ أبواب أحكام الخلوة ب ٦ ح ٢.

(٤) نقله في مشكاة الأنوار : ١٢٩ عن المحاسن ، المستدرك ١ : ٢٥٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٦ ح ٣.

(٥) الدعائم ١ : ١٠٤ ، المستدرك ١ : ٢٥٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٦ ح ١.

(٦) الخصال : ٣٥٧ ، الوسائل ٦ : ٢٤٦ أبواب قراءة القرآن ب ٤٧ ح ١.


وصحيحة عمر بن يزيد : عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن ، فقال : « لم يرخص في الكنيف أكثر من آية الكرسي وتحميد الله ، أو آية : الحمد لله رب العالمين » (١).

والإِجماع على الجواز في الكل ، وشذوذ الرواية [ لو ] (٢) أبقيت على ظاهرها الموجب لضعفها أوجب حمل ما ظاهره الحرمة على الكراهة.

ثم الأخيرة هي الحجة في استثناء الأولين ، وظاهرها عدم استثناء غير ما ذكر. واستبعاد استثنائها خاصة مع فضيلتها على كثير من الآيات مجرّد وهم.

نعم ، لم يذكر في التهذيب قوله : « الحمد لله رب العالمين » وختم بقوله : « آية » ومقتضاه : استثناء كل آية ، ولا بأس به وإن ضعّفه وجوده في الفقيه (٣).

وصحيحة الحلبي : أتقرأ النفساء والحائض والرجل يتغوط ، القرآن ؟ قال : « يقرؤون ما شاؤوا » (٤) لا تثبت إلّا الجواز الغير المنافي للكراهة.

ويستثنى الثالث برواية (٥) سليمان بن مقاتل المروية في العلل : لأيّ علة يستحب للإِنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذّن وإن كان على البول أو الغائط ؟ قال : « إنّ ذلك يزيد في الرزق » (٦).

وبصحيحة محمد : « لا تدعنّ ذكر الله على كل حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عز وجل وقل كما يقول » (٧).

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٩ / ٥٧ ، التهذيب ١ : ٣٥٢ / ١٠٤٢ ، حذف منه « الحمد لله رب العالمين » ، الوسائل ١ : ٣١٢ أبواب أحكام الخلوة ب ٧ ح ٧.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.

(٣) الفقيه ١ : ١٩.

(٤) التهذيب ١ : ١٢٨ / ٣٤٨ ، الاستبصار ١ : ١١٤ / ٣٨١ ، الوسائل ١ : ٣١٣ أبواب أحكام الخلوة ب ٧ ح ٨.

(٥) في « هـ » و « ق » : لرواية.

(٦) علل الشرائع : ٢٨٤ ، الوسائل ١ : ٣١٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٨ ح ٣.

(٧) الفقيه ١ : ١٨٧ / ٨٩٢ ، الوسائل ١ : ٣١٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٨ ح ١.


وخبر أبي بصير : « إن سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذّن ، واذكر الله في تلك الحال ، فإنّ ذكر الله حسن على كل حال » (١).

وهو مع سابقته حجة من استثنى التكلّم بمطلق ذكر الله ، مضافاً إلى المروي في عدة الداعي : « لا بأس بذكر الله وأنت تبول ، فإنّ ذكر الله حسن على كل حال » (٢).

وما ورد من وحيه سبحانه إلى موسى [ من ] (٣) حسن الذكر في كل حال بعد سؤاله عن عروض حالات يجلّه تعالى عن الذكر فيها (٤).

وفيه : أنّ الذكر حقيقة في التذكّر القلبي ، واستعماله في الآيات والأخبار فيه أيضاً شائع ، فلا يثبت من تجويزه تجويز الكلام الذكري الذي هو مجاز قطعاً.

وعطف الذكر في خبر أبي بصير على قول مثل ما يقول المؤذّن ، وعكسه في الصحيحة ، لا يدل على اتّحادهما ، بل حقيقة العطف التغاير ، مع أنّ الاتّحاد أيضاً لا يفيد التعميم.

ويستثنى الرابع بالإِجماع ، وبمعارضة أدلّة وجوبه مع العمومات المتقدمة ـ لعدم اجتماع الوجوب والكراهة ـ بالعموم من وجه ، الموجبة للرجوع إلى أصالة الجواز ، المستلزمة لضم فصل الوجوب بالإِجماع المركب ، فإنّه لا قول بجواز رد السلام من غير وجوب.

وأمّا رواية الدعائم المتقدمة (٥) فلضعفها غير ناهضة لرفع الواجب.

ووجه استثناء الخامس واضح كاستثناء مطلق الكلام حال الضرورة.

ثم إنّه لا شك في أنّ الكراهة هنا في غير ما يتعبّد به الله بالمعنى المصطلح.

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٨٤ ، الوسائل ١ : ٣١٤ أبواب أحكام الخلوة ب ٨ ح ٢.

(٢) عدة الداعي : ٢٣٩.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٤) الكافي ٢ : ٤٩٧ الدعاء ب ٢١ ح ٨ ، الوسائل ١ : ٣١٠ أبواب أحكام الخلوة ب ٧ ح ١.

(٥) في ص ٤٠١.


وهل فيه أيضاً بهذا المعنى أم لا ؟ بل بمعنى المرجوحية الإِضافية حتى يكون فيه ثواب أيضاً ؟ الظاهر الثاني ؛ إذ ليس دلالة شي‌ء من الأخبار المتقدمة على الكراهة ـ سوى رواية المحاسن (١) ـ مقتضى الحقيقة ، فمجازه كما يمكن أن يكون الكراهة المصطلحة يمكن أن يكون المرجوحية.

وأمّا هي فلا تدل على نوع ثواب على ترك مطلق الكلام ، وهو لا ينافي ترتب ثواب آخر على فعل نوع منه.

ومنها : الاستنجاء باليمين‌ ؛ للنهي عنه في المستفيضة (٢). والظاهر أنّه إن لم يمس المحل باليد واكتفى بمجرد الصبّ ، فاليد التي يصبّ بها الماء يحصل بها الاستنجاء. وكذا إن مس بها بمجرد الأخذ كما في أخذ القضيب بيد وصبّ الماء باُخرى ، فالاستنجاء يحصل بالاُخرى. ولو غسل بها النجاسة ، فالاستنجاء يحصل باليد الغاسلة دون ما يصبّ بها الماء.

ومنها : طول الجلوس في الغائط‌ ؛ لإِيجابه الباسور وفجع الكبد ، كما ورد في الأخبار (٣).

والسواك عند الغائط أو مطلقاً ؛ لإِيراثه البخر (٤) كما في المرسل (٥).

والأكل والشرب كذلك ؛ للشهرة بل الإِجماع ، وتضمّنهما المهانة.

والاستناد إلى المرسلة الواردة في لقمة وجدها أبو جعفر عليه السلام في الخلاء (٦) غير جيد.

والتعجيل في القيام عن الغائط قبل تمام الفراغ ؛ للمروي في الخصال : « لا‌

__________________

(١) المتقدمة ص ٤٠١.

(٢) راجع الوسائل ١ : ٣٢١ أبواب أحكام الخلوة ب ١٢.

(٣) الوسائل ١ : ٣٣٦ أبواب أحكام الخلوة ب ٢٠.

(٤) البخر : نتن رائحة الفم.

(٥) الفقيه ١ : ٣٢ / ١١٠ ، الوسائل ١ : ٣٣٧ أبواب أحكام الخلوة ب ٢١ ح ١.

(٦) الفقيه ١ : ١٨ / ٤٩ ، الوسائل ١ : ٣٦١ أبواب أحكام الخلوة ب ٣٩ ح ١.


يعجّل الرجل عند طعامه حتى يفرغ ، ولا عند غائطه حتى يأتي على حاجته » (١).

*       *      *

__________________

(١) الخصال : ٦٢٥.




فهرس الموضوعات

خطبة الكتاب                                                ٣

كتاب الطهارة

المياه :                                               ٧

طهارة الماء المطلق ومطهّريته                                                    ١١

تنجس الماء المطلق بالتغيّر  ١١

حكم التغيّر بأوصاف المتنجس                                                 ١٣

اعتبار التغيّر الحسّي دون التقديري                                             ١٤

كيفيّة تطهير الماء النجس  ١٥

الماء الجاري :

تعريف الماء الجاري         ١٩

عدم تنجس الماء الجاري بالملاقاة                                               ١٩

أدلّة القائلين بتنجس الجاري بالملاقاة وجوابها                                    ٢٢

هل يعتبر في الجاري النبع ؟                                                    ٢٤

حكم تغيّر بعض الجاري    ٢٥

ماء الغيث :

اعتصام ماء الغيث         ٢٦


أدلّة القائلين بتنجس ماء الغيث بدون الجريان                                   ٢٧

مطهّرية ماء الغيث وشروطها                                                   ٢٨

حكم الماء المجتمع حين نزول الغيث عليه                                       ٢٩

حكم الماء المجتمع بعد انقطاع الغيث                                           ٣٠

ماء الحمام :

حكم ماء الحمام مع اتصاله بالمادة                                             ٣١

أدلة القائلين بانفعال ماء الحمام إذا لم تبلغ المادة كراً                             ٣٢

كيفية تطهير ماء الحمام إذا تنجّس                                             ٣٤

الماء القليل :

الأقوال في تنجس الماء القليل بالملاقاة وعدمه                                   ٣٥

أدلّة تنجس الماء القليل بورود النجاسة عليه                                     ٣٦

أدلّة القائلين بتنجس الماء القليل بوروده على النجاسة وجوابها                    ٤٢

أدلّة القول بعدم انفعال الماء القليل وجوابها                                      ٤٥

فروع في مسألة انفعال القليل                                                  ٤٨

هل يعتبر في سراية النجاسة تساوي السطحين ؟                                ٤٩

حكم الماء القليل المتمم كراً                                                    ٥٠

الماء الكرّ :

عدم انفعال الكرّ بالملاقاة                                                     ٥٢

هل يعتبر في عدم الانفعال تساوي السطوح ؟                                   ٥٣

كيفيّة تطهير الكرّ المتنجس                                                    ٥٥

تحديد الكرّ بحسب الوزن  ٥٦

تحديد الكرّ بحسب المساحة                                                   ٦٠

ماء البئر :

هل ينفعل ماء البئر بملاقاة النجس ؟                                           ٦٧

منزوحات البئر             ٧٥


حكم تغيّر ماء البئر بالنجاسة                                                  ٨٤

حكم زوال تغيّره بنفسه    ٨٥

حكم تقارب البئر والبالوعة                                                    ٨٦

الماء المستعمل :

الأقوال في نجاسة الغسالة وطهارتها                                             ٨٨

أدلّة نجاسة الغسالة         ٩٠

أدلّة طهارة الغسالة وجوابها                                                    ٩١

بيان أدلّة الأقوال الاُخر وجوابها                                                ٩٣

كيفيّة تطهير ما يلاقي الغسالة                                                 ٩٤

هل تكون الغسالة ـ على القول بطهاراتها ـ مطهّرة ؟                              ٩٥

حكم غسالة الاستنجاء    ٩٦

هل تكون غسالة الاستنجاء مطهرة ؟                                          ٩٧

فروع في غسالة الاستنجاء                                                     ٩٨

حكم الماء المستعمل في الوضوء                                                ٩٩

حكم الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر                                      ٩٩

فروع في الماء المستعمل في الحدث الأكبر                                      ١٠٤

حكم غسالة الحمام      ١٠٦

الأسار :

معنى السؤر              ١١٠

حكم سؤر نجس العين وغير مأكول اللحم                                    ١١٠

الأسئار المكروهة         ١١٣

سؤر الحائض            ١١٥

سؤر المتهم بعدم التحذّر من النجس                                         ١١٨

سؤر المؤمن              ١١٨


الماء المشتبه :

حكم الإِناءين المشتبهين                                                     ١١٩

فروع في الإِناءين المشتبهين                                                   ١٢١

اشتباه المغصوب بغيره    ١٢٢

اشتباه المطلق بالمضاف  ١٢٣

مسائل متعلقة بالمياه :

عدم رفع الماء المتنجس الحدث والخبث                                        ١٢٥

رفع الماء المغصوب الخبث دون الحدث                                        ١٢٥

كراهة الطهارة بالماء المشمس                                                ١٢٥

عدم كراهة استعمال ماء العيون الحمئة                                        ١٢٥

حكم الطهارة بالماء المسخن بالنار                                            ١٢٨

الماء المضاف :

عدم رافعية المضاف للحدث والخبث                                         ١٣٠

تنجّس المضاف بملاقاة النجاسة                                              ١٣١

حكم اختلاف سطوح المضاف                            ١٣٢

امتزاج المضاف بالمطلق  ١٣٣

الطهارة من الخبث

أقسام النجاسات        ١٣٦

البول والغائط :                                                     ١٣٧

نجاسة بول غير مأكول اللحم                                                ١٣٧

حكم بول الطير وذرقه  ١٤١

حكم بول الرضيع        ١٤٥

بول الحيوان المأكول لحمه                   ١٤٦

حكم أبوال الدواب الثلاث وأرواثها                                          ١٤٨

طهارة بول ورجيع ما لا نفس سائلة له                                        ١٥٤


فروع في البول والروث    ١٥٥

المني :

نجاسة المني من الإِنسان والحيوان                                              ١٥٧

حكم مني ما لا نفس سائلة له                                               ١٥٧

طهارة المذي والوذي والودي                                                 ١٥٨

الميتة :

نجاسة الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة                                    ١٦٠

طهارة ميتة غير ذي النفس                                ١٦٤

حكم ميت الآدمي قبل البرد                               ١٦٥

سراية نجاسة الميتة مع الرطوبة دون اليبوسة                   ١٦٧

حكم أجزاء الميتة                                         ١٧١

حكم جلد الميتة                                          ١٧٢

حكم الأجزاء المقطوعة في حال الحياة                      ١٧٤

طهارة ما لا تحلّه الحياة من أجزاء الميتة                      ١٧٥

فروع في ما لا تحلّه الحياة                                  ١٧٨

حكم البيضة والإِنفحة واللبن في ضرع الميتة                 ١٨٠

الدم :

نجاسة الدم من ذي نفس سائلة                            ١٨٢

حكم الدم المتخلّف في الذبيحة ودم غير ذي النفس         ١٨٤

حكم العلقة ودم البيض                                   ١٨٥

الكلب والخنزير :

نجاسة الكلب والخنزير بجميع أجزائها                       ١٨٧

حكم كلب الماء وخنزيره                                   ١٨٨

الخمر والفقاع :

نجاسة الخمر والفقاع                                       ١٩٠


حكم سائر المسكرات                                     ١٩٣

الكافر :

نجاسة الكافر غير الكتابي                                  ١٩٦

حكم أهل الكتاب                                        ١٩٧

أدلّة القول بطهارة أهل الكتاب                            ٢٠٢

حكم الفرق المنتحلة للإِسلام كالنواصب والخوارج            ٢٠٤

حكم المخالفين                                           ٢٠٥

فروع في نجاسة الكافر                                     ٢٠٨

حكم أطفال الكفار                                      ٢٠٨

في ما اختلف في نجاسته :

حكم الأرنب والثعلب والفأرة والوزغة                       ٢١١

حكم العصير العنبي                                       ٢١٢

حكم ولد الزنا                                            ٢١٩

حكم عرق الجنب من الحرام                               ٢٢١

حكم عرق الإِبل الجلّالة                                   ٢٢٥

حكم المسُوخ                                             ٢٢٦

مواضع النضح :

الثوب الملاقي للكلب جافّاً                                ٢٢٧

الثوب الملاقي لبدن الكافر جافّاً                            ٢٢٨

الثوب أو البدن المشكوك نجاسته                           ٢٢٩

موارد اُخر لاستحباب النضح                              ٢٣٠

استحباب مسح اليد بالتراب من مسّ الكلبين               ٢٣١

أحكام النجاسات :

حرمة أكل النجاسات وشربها ووجوب إزالتها للصلاة والطواف                                                  ٢٣٢

وجوب إزالة النجاسة عن المساجد                          ٢٣٢


حكم إدخال النجاسة في المساجد                         ٢٣٥

فورية تطهير المسجد وعدم بطلان الصلاة عند وجوب الإِزالة                                                    ٢٣٨

حكم قبور الحجج عليهم السلام                           ٢٣٩

اشتراط الرطوبة في سراية النجاسة                           ٢٤٠

تنجيس المتنجس                                          ٢٤١

أصالة الطهارة في مشكوك النجاسة                         ٢٤٤

حكم المشتبه بالنجس                                     ٢٤٥

عدم اعتبار الظن بالنجاسة                                ٢٤٦

هل تثبت النجاسة بالبينة ؟                                ٢٤٧

هل تثبت النجاسة بإخبار المالك ؟                         ٢٥١

عدم وجوب إعلام الغير بالنجاسة                          ٢٥٤

طرق إثبات الطهارة                                       ٢٥٤

هل تثبت الطهارة بإخبار العدل أو ذي اليد ؟              ٢٥٥

المطهّرات :

مطهّرية الماء للثوب والبدن والأرض                         ٢٥٩

هل المائعات قابلة للتطهّر بالماء ؟                          ٢٦٢

حكم الصابون المتنجس ونحوه                              ٢٦٤

اعتبار العصر في التطهير بالقليل في مثل الثوب              ٢٦٦

عدم اعتبار العصر في التطهير بالكرّ والجاري                ٢٦٩

عدم اعتبار الدلك                                        ٢٧١

عدم اعتبار العصر فيما يعسر عصره                        ٢٧١

هل يعتبر في التطهير ورود الماء على النجس أم يكفي العكس ؟                                                 ٢٧٢

كفاية الصبّ مرّة في بول الرضيع وعدم وجوب العصر       ٢٧٥

بيان معنى الرضيع                                         ٢٧٨

فروع في التطهير من بول الرضيع                           ٢٧٩

حكم تطهير الموضع النجس المشتبه بغيره                   ٢٨١


اعتبار التعدد في غسل الثوب والبدن من البول              ٢٨٣

كفاية المرّة في غسل غير الثوب والبدن وكذا في غير البول     ٢٨٦

حكم أواني الخمر وقابليّة ظواهرها للتطهير                   ٢٨٩

وجوب التثليث في غسل أواني الخمر                        ٢٩٢

وجوب التثليث في غسل الإِناء من ولوغ الكلب             ٢٩٣

وجوب الغسل بالتراب في ولوغ الكلب                     ٢٩٥

فروع في مسألة الولوغ                                     ٢٩٦

وجوب التثليث في غسل الأواني من سائر النجاسات        ٣٠٢

هل يختصّ التعدد في الثوب والبدن بالقليل ؟                ٣٠٤

هل يعتبر التعدّد الحسّي أم يكفي التقديري ؟                ٣٠٧

هل يعتبر زوال الآثار في إزالة النجاسة أم يكفي زوال العين ؟                                                    ٣٠٨

مطهّرية الشمس :

حصول الطهارة الحقيقيّة بالشمس                          ٣١١

أدلّة القائلين بحصول الطهارة الحكمية وجوابها               ٣١٥

الأشياء التي تطهّرها الشمس                               ٣١٩

فروع في مطهّرية الشمس                                  ٣٢٢

هل الشمس تطهّر الباطن ؟                               ٣٢٣

مطهّرية الاستحالة :

معنى الاستحالة                                           ٣٢٥

الاستحالة بالنار                                          ٣٢٦

حكم الاستحالة إلى الدود والتراب                         ٣٢٩

حكم استحالة الكلب والخنزير إلى الملح                    ٣٣٠

حكم انتقال الدم النجس إلى بدن ما لا نفس له            ٣٣١

انقلاب الخمر خلّا                                        ٣٣٢


مطهّرية الأرض :                                  ٣٣٥

هل يشترط في التطهّر المشي أم يكفي المسح على الأرض ؟                                                     ٣٣٨

هل يشترط طهارة الأرض وجفافها ؟                       ٣٣٨

سائر المطهّرات :

الإِسلام ، الغسل ، التبعيّة ، النقص ، زوال العين            ٣٤١

طهارة البواطن بزوال العين                                 ٣٤٤

أحكام الجلود :

حكم استعمال جلود نجس العين وجلود الميتة               ٣٤٦

عدم مطهّرية الدباغ                                       ٣٤٩

حكم الجلد المشكوك في تذكيته                            ٣٥١

حكم المأخوذ من يد المسلم أو سوق المسلمين              ٣٥٢

حكم ما وُجد في أرض المسلمين                           ٣٥٤

حكم استعمال جلد غير مأكول اللحم                     ٣٥٦

حكم المأخوذ من المسلم مع سبق يد الكافر                ٣٥٧

الطهارة من الحدث

أحكام الخلوة

وجوب ستر العورة                                         ٣٦٠

حرمة استقبال القبلة واستدبارها                            ٣٦٢

وجوب غسل مخرج البول بالماء                             ٣٦٥

القدر الواجب في غسل مخرج البول                         ٣٦٧

التخيير بين الماء والأحجار في الاستنجاء من الغائط         ٣٧٠

جواز الاستنجاء من الغائط بكل جسم طاهر سوى ما استثني                                                   ٣٧٢

أفضلية الاستنجاء بالماء                                   ٣٧٣

تعيّن الماء مع تعدّي النجاسة                               ٣٧٣


اعتبار التثليث في المسح بالأحجار                         ٣٧٥

عدم كفاية الحجر ذي الجهات الثلاث                      ٣٧٨

اعتبار الطهارة في آلة المسح                                ٣٧٩

حكم الاستنجاء بالعظم والروث والمطعوم والمحترم            ٣٧٩

حكم الاستنجاء بالأحجار في غير المخرج الطبيعي          ٣٨٢

مستحبات التخلّي :                              ٣٨٣

استحباب الاستبراء                                       ٣٨٥

كيفية الاستبراء                                           ٣٨٦

فروع في الاستبراء                                         ٣٩٠

مكروهات التخلّي :                              ٣٩١

كراهة البول في الماء                                       ٣٩٧

كراهة استصحاب الخاتم الذي فيه اسم الله                 ٤٠٠

كراهة التكلم في حال الحدث إلّا بما استثني                 ٤٠٢

كراهة الاستنجاء باليمين وطول الجلوس على الغائط         ٤٠٥

*       *      *

مستند الشيعة في أحكام الشريعة - ١

المؤلف: أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
الصفحات: 416
ISBN: 964-5503-76-0