المقصد الرابع : في الشركة ، وفيه فصلان :

الأول : الماهية ، وهي اجتماع حقوق الملاّك في الشي‌ء الواحد على سبيل الشياع ،

______________________________________________________

قوله : ( المقصد الرابع : في الشركة : وفيه فصلان : الأول : الماهية ، وهي اجتماع حقوق الملاّك في الشي‌ء الواحد على سبيل الشياع ).

الشركة ، بكسر الشين وإسكان الراء ، وفتحها وكسر الراء : هي ما ذكره المصنف ، ولا ريب أن المراد بالواحد : هو الواحد بالشخص ، فإن ذلك هو المتبادر للإفهام ، لا الواحد بالجنس ولا النوع ولا الصنف.

فلا يكون ذكر الشياع لإخراج اجتماع الحقوق في الجنس مثلا مع اختصاص كل بفرد ، بل لإخراج اجتماع الحقوق في الشي‌ء الواحد بالشخص على البدل ، كاجتماع حقوق أرباب الزكاة والخمس ، والمجتمعين على معدن أو مباح ، ونحو ذلك يتعذر فيه الاجتماع فإن ذلك اجتماع لكن لا على سبيل الشياع.

كذا في حواشي شيخنا الشهيد ، قال : فإن قيل تخرج هذه بقوله : ( الملاّك ) ، قلنا : الملك المراد به الاستحقاق ، حذرا من المجاز والاشتراك وهو حاصل في الكل.

وفيما قاله نظر ، لأن موضوع لفظ الملك أخص من موصوع لفظ الاستحقاق مطلقا ، لثبوت ذلك في كلامهم ، ولا مجاز ولا اشتراك ، فيكون اجتماع الحقوق المذكورة خارجا بقوله : ( الملاّك ) ، بل الصواب أن يقال : إن قيد ( الشياع ) لإخراج اجتماع حقوق الملاّك في الشي‌ء الواحد لا كذلك ، كما لو كان خشب البيت لمالك ، وباقي آلات بنائه لآخر ، وأرضه لثالث فإنه‌


______________________________________________________

لا شركة هنا مع الاجتماع إذ لا شياع.

والمراد بـ ( الملاّك ) : ما زاد على واحد ، كما هو واقع في معظم التعريفات. وفي التعريف نظر ، لانتقاضه بالشركة في القصاص ، وحد القذف ، والخيار ، والرهن ، والشفعة ، ونحو ذلك ، فإنه ليس هناك ملك حقيقي فلا مالك حقيقة. وقد صرحوا بأن هذا أحد أقسام الشركة الثلاثة.

ولا يخفى أن هذا التعريف لا يشمل بقية أقسام الشركة كشركة الأبدان ، والوجوه. ولا حرج لأن المعرف هو الشركة الصحيحة عندنا.

لكن بقي هنا شي‌ء ، وهو : أن قوله فيما بعد : ( وأركانها ثلاثة : المتعاقدان ، ... ) الظاهر أن الضمير يعود إلى الشركة التي تقدم تعريفها ، وركن الشي‌ء معتبر في جميع أفراده لا محالة. مع أن التعريف الذي ذكره يتناول اجتماع المالين كذلك بغير عقد وبغير اختيار ولا قصد ، فإن كان غرضه البحث عن الشركة التي يجوز معها التصرف فحقه أن يعرف هذا القسم ، وإن كان غرضه البحث عن أحكام مطلق الشركة فعليه أن يقيّد قوله : ( وأركانها ... ).

فإن قيل : ما المعنى الحقيقي للشركة؟

قلنا يحتمل أن يكون لها معنيان ، فيكون اللفظ مشتركا بينهما : أحدهما أعم ، وهو الذي عرفه في أول الباب.

والآخر أخص ، وهو الذي أراده بقوله : ( وأركانها ).

ويحتمل أن يكون الأول حقيقة لغوية مجازا شرعيا ، إلا أن التعريف في كلام الفقهاء للأول ليس لفظيا على قانون اللغة بل هو صناعي ، فظهر أنه معنى شرعي. ولهذا يطلقون الشركة ويريدون هذا ، ويرتبون عليه عدة أحكام.


والمحل إما عين ، أو منفعة ، أو حق.

وسبب الشركة قد يكون إرثا ، أو عقدا ، أو مزجا ، أو حيازة بأن يقلعا شجرة ، أو يغرفا ماء دفعة بآنية.

______________________________________________________

وكيف كان فالمقصود الأصلي للفقهاء هو الثاني ، فإن باعتباره تنتظم الشركة في قسم العقود ، ويرتبط البحث عنها بالبحث عما قبلها وما بعدها ، وتجري عليها أحكام الفساد والصحة ، فكان حقه أن يعرفها في أول الباب بهذا المعنى ، لتكون الأبواب على وتيرة واحدة.

والأحسن ما يقال في تعريفها : أنها عقد ثمرته جواز تصرف الملاّك للشي‌ء الواحد على سبيل الشياع ، ولا يدخل فيه المستحقون للإرث ونحوهم.

قوله : ( والمحل إمّا عين ، أو منفعة ، أو حق ).

هذه أقسام متعلق الشركة ، وهو ظاهر. والاشتراك في المنفعة بالإجارة ، والحبس ، والإرث ، ونحو ذلك.

قال المصنف في التحرير : والوقف (١) ، وهو غير ظاهر ، لأنه إن كان على معيّن فالاشتراك في الأصل ، أو غيرهم فلا اشتراك. وأراد بالحق ما سوى العين والمنفعة كالقصاص.

قوله : ( وسبب الشركة قد يكون إرثا ، أو عقدا ، أو مزجا ).

الإرث يجري في الأقسام الثلاثة ، وكذا العقد كما في الخيار ، وأما المزج فلا يكون إلا في الأعيان.

قوله : ( أو حيازة ... ).

من الحيازة أن يشتركا في نصب حيالة الصيد ، أو رمي السهم المثبت‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٧٢.


وأقسامها أربعة :

شركة العنان : وهي شركة الأموال.

______________________________________________________

له ولو مجازا.

قوله : ( وأقسامها أربعة ).

أي : أقسام الشركة في الجملة لا الشركة التي سبق تعريفها ، ولا محذور في ذلك ، لأن التقسيم يتوسع فيه بخلاف التعريف إذ هو للتبيين.

وقد سبق مثل ذلك في الطهارة ، حيث ذكر في تقسيمها مالا يقع عليه اسم الطهارة حقيقة ، ولا ينطبق عليه تعريفها.

قوله : ( شركة العنان : وهي شركة الأموال ).

العنان ككتاب : سير اللجام الذي تمسك به الدابة قال المصنف في التذكرة : فأما شركة العنان فإن يخرج كل مالا ويمزجاه ، ويشترطا العمل فيه بأبدانهما (١).

وقد اختلف فيما أخذت منه هذه اللفظة : فقيل من عنان الدابة ، إما لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف ، واستحقاق الربح على قدر رأس المال كاستواء طرفي العنان ، أو كاستواء الفارسين إذا سوّيا بين فرسيهما في السير ، أو لأن كل واحد منهما يمنع الآخر من التصرف كما يشتهي كمنع العنان الدابة.

وإما لأن الأخذ بعنان الدابة حبس إحدى يديه على العنان ، ويده الأخرى مطلقة يستعملها كيف شاء. وكذلك الشريك منع بالشركة نفسه من التصرف في المشترك كما يريد ، وهو مطلق اليد بالنظر إلى سائر أمواله.

وقيل : من عنّ إذا ظهر ، إما لأنه ظهر لكل منهما مال صاحبه ، أو لأنها‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٢١٩.


وشركة الأبدان : بأن يشترك اثنان فصاعدا فيما يكتسبونه بأيديهم ، تساوت الصنعة أو اختلفت.

وشركة المفاوضة : وهي أن يشتركا فيما يتساويان من مال ، ويلتزمان من غرم بغصب أو بيع فاسد.

______________________________________________________

أظهر أنواع الشركة ، ولذلك أجمع على صحتها (١).

وقيل : من المعانة ، وهي المعارضة ، فإن كل واحد منهما عارض بما أخرجه من ماله ما أخرجه الآخر (٢).

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما عرّف به المصنف هنا شركة العنان تعريف بالأعم ، والتعريف الصحيح هو ما ذكره في التذكرة (٣) ، لانطباق الأحكام عليه مثل قوله : ( وأركانها ثلاثة ) وغير ذلك.

قوله : ( وشركة المفاوضة ، وهي أن يتشاركا فيما يتساويان من مال ، ويلتزمان من غرم بغصب أو بيع فاسد ).

شركة المفاوضة : هي عبارة عن أن يشترك الشخصان ليكون بينهما ما يكتسبان ويربحان ، ويلتزمان من غرم ، وما يحصل لهما من غنم. فيلزم كل واحد منهما ما يلزم الآخر من أرش جناية ، وضمان غصب ، وقيمة متلف ، وغرامة لضمان ، أو كفالة. ويقاسمه فيما يحصل له من ميراث ، أو يجده من ركاز أو لقطة ، أو يكتسبه في تجارته بماله المختص به.

إذا عرفت ذلك ، فقول المصنف : ( فيما يتساويان من مال ) لا موقع (٤) للتساوي هنا بل هو مفسد للمعنى ، فإن مقتضى هذه الشركة الاشتراك في كل‌

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) التذكرة ٢ : ٢١٩.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٢١.

(٤) في « ه‍ » : موضع.


وشركة الوجوه : وهي أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له بعضه ،

______________________________________________________

ما يحصل لكل منهما من غنم أو غرم. أما اشتراكهما فيما يتساويان فليس بجيد ، ولو قال بدله : فيما يكتسبان سلم من هذا.

ثم قوله : ( ويلتزمان من غرم بغصب ، أو بيع فاسد ) ظاهره قصر الاشتراك في الغرم على هذين النوعين ، وليس كذلك ، إذ لا يستثني من الاشتراك في هذا النوع من الشركة عند القائل به مما يتملكه أحدهما إلا قوت يومه ، وثياب بدنه ، وجاريته يتسرى بها ، فإنه لا يشاركه الآخر فيها. وإلاّ الجناية على الحر ، وبذل الخلع والصداق إذا لزم أحدهما فإنه لا يؤاخذ به الآخر ، فظهر أن العبارة لا تخلو من قصور.

قوله : ( وشركة الوجوه : وهي أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له بعضه ).

قال المصنف في التذكرة : شركة الوجوه فسرت بمعان أشهرها : أن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما ليبتاعا في الذمة إلى أجل ، على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما ، ثم يبيع كل منهما ما اشتراه ويؤدي منه الثمن ، فما فضل فهو بينهما.

وقيل : أن يبتاع وجيه في الذمة ويفوّض بيعه إلى خامل ، ويشترطا أن يكون الربح بينهما.

وقيل : أن يشترك وجيه لا مال له وحامل ذو مال ، ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل وهو في يده لا يسلمه إلى الوجيه ويكون الربح بينهما.

وقيل : أن يبيع الوجيه إلى آخره (١) ، وهو ما ذكره المصنف. فظهر أن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٠.


والكل باطل سوى الأول.

وأركانها ثلاثة :

العاقدان ، ويشترط فيهما أهلية التوكيل والتوكل.

______________________________________________________

ما توهمه العبارة من الحصر غير جيد ، ولو أنه اقتصر على المعنى المشار لم يخل من وجه.

قوله : ( والكل باطل سوى الأول ).

أي : سوى شركة العنان وذلك باتفاقنا ، وبه قال أكثر العامة (١) ، وقول ابن الجنيد هنا بجواز شركة الوجوه وشركة الأعمال شاذ (٢) ، قد لحقه الإجماع فلا يعتد به.

والمراد ببطلانها : عدم ترتب أثرها عليه ، أما شركة الأبدان ، فلأنهما إن عملا كان لكل منهما اجرة عمله إن تميّز ، قليلة كانت أو كثيرة. ومع الاشتباه فسيأتي إن الأصح الصلح ، وإن كان مع ذلك فيه معنى شركة العنان لامتزاج المالين. وإن عمل أحدهما فلا شي‌ء للآخر في اجرة عمله.

وأما شركة المفاوضة ، فلأن كل ما انفرد به أحد الشريكين من تجدد مال ، أو ثبوت غرم فهو مختص به. ولو كان في مال أحدهما المتجدد من جنسه مال للآخر فسدت شركة المفاوضة ، وانقلبت إلى شركة العنان.

وأما شركة الوجوه ، فإن أحدهما إذا اشترى من دون توكيل الآخر له ، أو مع قصد اختصاصه بالشراء فلا حق للآخر في الربح ، وإن وكله فاشترى لهما فقد تحققت شركة العنان.

قوله : ( وأركانها ثلاثة : العاقدان ، ويشترط فيهما أهلية التوكيل‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٦٨ ، والمغني لابن قدامة ٥ : ١٢٢‌

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٧٩.


والصيغة : وهي ما يدل على الإذن في التصرف ، ويكفي قولهما : اشتركنا.

والمال : وهو كل ما يرتفع الامتياز مع مزجه ، سواء كان أثمانا أو عروضا أو فلوسا.

______________________________________________________

والتوكل. والصيغة : وهو ما يدل على الاذن في التصرف ، ويكفي قولهما : اشتركنا. والمال : وهو كل ما يرتفع الامتياز به مع مزجه سواء كان أثمانا ، أو عروضا ، أو فلوسا ).

السياق يقتضي عود الضمير في قوله : ( وأركانها ) إلى ما سماه ( شركة العنان ) في الأقسام الأربعة ، وهو الذي ينطبق عليه تعريف الشركة في صدر الباب ، مع أن هذا القسم لا يتوقف تحقيقه على الأركان المذكورة. إذ لو خلط الشخصان مالهما من غير صيغة ، بحيث لا يتميزان تحقق هذا المعنى ، بل لو اختلط المالان من غير قصد ، أو كانا لصبيين أو مجنونين تحقق ذلك ، فلا تكون هذه أركانا للشركة بهذا المعنى.

وتنقيح الباب : أن المقصود الأصل بالشركة هو التجارة والاستنماء ، والأخبار شاهدة بذلك ، مثل قول أمير المؤمنين 7 : « شاركوا من أقبل عليه الرزق فإنه أجلب للرزق » (١) ، وغيره (٢).

فالأركان المذكورة للشركة ، المنظور فيها إلى المقصود السابق ، وهي الدائرة على ألسنة الفقهاء ، ويدخلون البحث عنها في جملة البحث عن العقود ، ويجعلونها من أقسامها ، ويحكمون بتوارد الصحة والبطلان عليها. ولولا ذلك لم يصح شي‌ء من ذلك ، إذ امتزاج المالين ليس من العقود في شي‌ء. ولا يتصور وقوعه إلا على وجه واحد ، فلا يتصور فيه الصحة‌

__________________

(١) نهج البلاغة ٥٠٩ حديث ٢٣٠.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ٧٨ ـ ٧٩ ، سنن ابي داود ٣ : ٢٥٦ حديث ٣٣٨٣.


______________________________________________________

والبطلان.

ولما لم يلحظ الشارح الفاضل ولد المصنف (١) ، وشيخنا الشهيد هذا المعنى ارتكبا المجاز في قول المصنف فيما بعد.

وقيل : تبطل ، إلا أن تشترط الزيادة للعامل ، حيث نزّلا بطلان الشركة على إرادة بطلان الاذن ، وهو بعيد عن التحقيق وعن مقصود الباب.

نعم كان الواجب على المصنف تعريف الشركة ـ التي هي المقصود الأصلي للفقهاء ، وتعد من جملة العقود ـ ليتبادر إلى الفهم ترتب هذه الأحكام عليها ، ويرتبط الكلام بعضه ببعض. وإذا ذكر بعد ذلك ما يقع عليه اسم الشركة بقول مطلق ، وبيّن أحكامه لم يكن فيه حرج ولا إشكال.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه يشترط في المشتركين أهلية التوكيل والتوكل ، لأن الفرض كون كل واحد منهما متصرفا في جميع المال بحق الملك فيما يخصه ، وبالإذن فيما يخص شريكه فهو وكيل له. ولا بد من صيغة ، لأن الأصل عصمة الأموال على أربابها ، فلا يصح التصرف فيها إلا بإذنهم.

وإنما يعلم الإذن باللفظ الدال عليه ، لأن الأفعال لا دلالة لها ، فإن أذن كلّ منهما لصاحبه صريحا فلا بحث في الصحة. ولو قال كل منهما : اشتركنا واقتصر عليه ، مع قصدهما الشركة بذلك ففيه وجهان :

أحدهما : الاكتفاء به في جواز التصرف ، واختاره المصنف هنا ، وقرّبه في التذكرة (٢) ، وهو ظاهر اختياره في التحرير حيث قال : ويكفي في الصيغة ما يدل على الرضا بالمزج (٣) ، لفهم المقصود منه عرفا.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٠١.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٢١.

(٣) التحرير ١ : ٢٧٢.


______________________________________________________

والثاني : لا ، لقصور اللفظ عن الإذن ، إذ لا يلزم من حصول الشركة جواز التصرف ، فإنهما لو ورثا مالا أو اشترياه صفقة واحدة تحققت الشركة مع عدم جواز التصرف. والأول أقوى ، لأن المقصود الأصلي من الشركة هو الاستنماء والاسترباح ، ولا يكون ذلك إلا بالتصرف ، خصوصا ما لا ينمو بنفسه.

وأما الإرث والشراء فليس بقادح في تخلف الحكم فيهما ، لأن البحث في الشركة الاختيارية التي يتحقق القصد فيها إلى مزج المالين ، لأن المزج لا يكون باللفظ فتعيّن أن يكون معناه مزج المالين ، ولأن : اشتركنا حيث كان إنشاء امتنع أن يكون معناه جواز التصرف ، وإلاّ لم يكن له معنى أصلا.

وهل يكفي أن يقول أحدهما : اشتركنا ، فيقول الآخر : قبلت ، أو نعم؟ لم أجد بذلك تصريحا ، وينبغي أن يكون ( قبلت ) غير كاف ، لأنه وكيل وموكل فلا يكفي ذلك في الإيجاب. أما ( نعم ) فيحتمل من حيث أن كلمة الجواب تحذف بعدها الجملة.

نعم كل ما دل على التوكيل والتوكل مع المزج فهو كاف قطعا ، ولا بد من مال من الجانبين. ويشترط فيه اتحاد الجنس والوصف ، بحيث لو مزج ارتفع الامتياز. ولا بد من المزج ، فلا تنعقد الشركة بدونه.

ولا يشترط تقدمه عندنا ، ولا كونه في مجلس العقد ، بل ولا يشترط اللفظ منهما معا في مجلس واحد ، خلافا لبعض العامة (١). ولا فرق في المال بين أن يكون أثمانا أو عروضا أو فلوسا ، ولا بين كونه مثليا أو قيميا عندنا ، ومنع جمع من العامة وقوع الشركة في بعض ذلك (٢).

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٦٩.

(٢) المجموع ١٤ : ٦٥ ، المغني لابن قدامة ٥ : ١٢٤ ، ١٢٦ مسألة ٣٦٢٨ ، ٣٦٣٠.


فلا يكفي مزج الصحيح بالقراضة ، ولا السمسم بالكتان ، ولا عند اختلاف السكة.

وتحصل الشركة بالمزج ، سواء كان اختيارا أو اتفاقا. والمختلف إنما تتحقق فيه الشركة بالعقد الناقل ، كأن يبيع أحدهما حصة مما في يده بحصة ما في يد الآخر.

______________________________________________________

قوله : ( فلا يكفي مزج الصحيح بالقراضة ، ولا السمسم بالكتان ، ولا عند اختلاف السكة ).

القراضة ، بالضم : ما سقط بالقرض ، المراد بها هنا : خلاف المسكوك من النقدين ، وما جرى مجراهما.

والمراد بالكتان بزره ، وإنما لم يكف ذلك في انعقاد الشركة لفقد بعض أركان العقد ، وهو المزج الرافع للامتياز.

قوله : ( وتحصل الشركة بالمزج ، سواء كان اختيارا أو اتفاقا ).

أي : لا يشترط لصحة الشركة المزج بالاختيار ، فلو امتزج المالان اتفاقا ، أو بفعل أجنبي ، أو ورثا معا مالا فعقد الشركة بينهما صح.

قوله : ( والمختلف إنما تتحقق فيه الشركة بالعقد الناقل ).

بأن يبيع أحدهما حصة مما في يده بحصة مما في يد الآخر ، ليتحقق المزج الرافع للاشتراك ، ومثل البيع الهبة وسائر العقود الناقلة.

ولا يتعين لذلك بيع الحصة من أحدهما بالحصة من الآخر ، بل لو باع الحصة من أحدهما بثمن واشترى الحصة من الآخر به صح. فلو قال : كأن يبيع إلى آخره لكان أولى ، ولا يخفى أن تحقق الشركة بالعقد الناقل إنما يكون مع عقد الشركة بينهما كما حققناه.


ولو باعا بثمن واحد ، أو عملا بأجرة واحدة تثبت الشركة ، سواء تساوت القيمتان أو اختلفتا ، ولكل منهما بقدر النسبة من القيمة.

وإذا تميّز عمل الصانع من صاحبه اختص بأجرته ، ومع الاشتباه يحتمل التساوي والصلح.

______________________________________________________

قوله : ( ولو باعا بثمن واحد ، أو عملا بأجرة واحدة ثبتت الشركة ، سواء تساوت القيمتان أو اختلفتا ، ولكل منهما بقدر النسبة من القيمة ).

إذا كان لكل من الشخصين ملك بانفراده فباعاهما ، أو أحدهما عن نفسه ، وبوكالة الآخر صفقة واحدة بثمن واحد ، أو كانا أجيرين فعملا بأجرة واحدة صفقة واحدة صح ذلك عندنا ، ولا يضر جهالة كل منهما بقدر حصته حال العقد ، لأن العلم بمجموع الثمن شرط وقد حصل ، أما حال الأجزاء فلا. وحينئذ فتثبت الشركة بينهما ، سواء تساوت القيمتان أو اختلفتا ، لتحقق المزج المعتبر.

والمراد : تحقق الشركة بالمعنى الأعم ، أو تحقق بعض أركانها. وطريق معرفة حق كل منهما من مجموع الثمن والأجرة نسبة قيمة مال أحدهما أو عمله إلى مجموع القيمتين ، وأخذ بتلك النسبة من الثمن والأجرة.

قوله : ( وإذا تميّز عمل الصانع عن صاحبه اختص بأجرته ، ومع الاشتباه يحتمل التساوي والصلح ).

أما الاختصاص بأجرة عمله مع التميّز فظاهر ، وأما وجه احتمال التساوي في الاشتباه اجتماع الأجرتين معا في ذلك الحاصل ، لأنه الفرض ، والحاصل عدم زيادة أحدهما على الآخر ، ولأن الأصل مع الاشتراك التساوي.

ويضعّف بأن الأصل المذكور لا تحقق له ، فإن زيادة مال شخص على آخر ونقصانه عنه ، أو مساواته له ليس أصلا ، إذ لا رجحان لأحدهما على‌


ولا بد وأن يكون رأس المال معلوما جنسا وقدرا معينا ، فلا تصح في المجهول ، ولا الجزاف ، ولا الغائب ، ولا الدين.

______________________________________________________

غيره ، لا بحسب العادة ولا بحسب نفس الأمر.

وهذا إنما يتحقق في مثل ما إذا اشتركا في السبب المملّك ، كما لو أقر لهما مقر بملكية شي‌ء ، أو أوصى لهما ، أو وقف عليهما فإن السبب المملك لهما هو الإقرار ، والوصية ، والوقف ، ونسبتهما إليه على حد سواء. ولأن فضل أحدهما على الآخر يتوقف على زيادة في الوصية والوقف ، والأصل عدمها.

وكذا الإقرار ، بخلاف ما نحن فيه ، فإن العمل الصادر من أحدهما المقتضي لملكه الأجرة غير الصادر من الآخر ، واستوائهما وتفاوتهما محتملان على حد سواء. وأما وجه احتمال التوقف على الصلح ، فلأنه طريق البراءة ، وهو الأصح. وكذا القول في كل مالين امتزجا ، وجهل قدر كل منهما.

قوله : ( ولا بدّ وأن يكون رأس المال معلوما جنسا وقدرا معينا ، فلا تصح في المجهول ، ولا الجزاف ، ولا الغائب ، ولا الدين ).

أي : لا بد لصحة الشركة من كون رأس المال لكل من الشريكين معلوم الجنس والقدر ، فلا تصح الشركة فيما إذا كان المال الممزوج مجهول الجنس ، كما إذا لم يعلم أنه ذهب أو فضة ، ونحو ذلك. وكذا لا تصح إذا كان مجهول القدر ، كما إذا مزجا المالين جزافا.

ويشترط أن يكون معينا أيضا ، فلا يكفي العلم بالجنس والقدر من دون التعيين بذكر الأوصاف الرافعة للجهالة إن لم يكن مشاهدا ، فلو تعاقدا الشركة على المال الغائب غير الموصوف لم تصح ، وكذا الدين. وإنما اشترط ذلك ، لأن الآذن لا يدري في أي شي‌ء أذن ، والمأذون لا يدري ما ذا يستفيد بالإذن.


ولا يشترط التساوي قدرا ، ويشترط امتزاجهما.

______________________________________________________

ويحتمل عدم اشتراط ذلك ، لأن الشركة ليست من عقود المعاوضات ، وإنما هي في معنى التوكيل ، فلا تقدح في صحتها الجهالة.

وقيّد ذلك في التذكرة بما إذا أمكن معرفته من بعد (١) ، ولا أجد لاشتراط ذلك وجها ، فإنه إذا كان بين اثنين مال مشترك ، وكل واحد منهما جاهل بقدر حصته لا مانع من أن يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف في جميع المال ، لأن الحق لا يعدوهما ، وقد تراضيا على ذلك ، ويكون حال الربح كحال الأصل.

وإطلاق كلام المصنف في التحرير يقرب مما ذكرناه ، فإنه قال : لا يشترط تساوي المالين قدرا ، ولا العلم بالمقدار حالة العقد. ومنع صحة الشركة في الدين لا وجه له ، لقبوله تعلق الوكالة به ، وكون أحد المالين غير متميز عن الآخر (٢).

إذا عرفت ذلك فاعلم أن في العبارة من التعسف مالا يخفى ، فإن المجهول مغن عن الجزاف ، وعطف الغائب والدين عليهما يؤذن بأنهما متفرعان على اشتراط كون رأس المال معينا ، وهو غير مستقيم كما لا يخفى.

قوله : ( ولا يشترط التساوي قدرا ).

إجماعا.

قوله : ( ويشترط امتزاجهما ).

هذا مستغنى عنه ، لأنه قد سبق ذكره.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٣.

(٢) التحرير ١ : ٢٧٢.


الفصل الثاني : الأحكام.

لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في المال الممتزج إلا بإذن صاحبه ، فإن اختص أحدهما بالإذن اختص بالتصرف وإن اشترك اشترك.

ويقتصر المأذون على ما أذن له ، فلو عيّن له جهة السفر ، أو البيع على وجه ، أو شراء جنس لم يجز التجاوز.

ولو شرطا الاجتماع لم يجز لأحدهما الانفراد.

ولو أطلق الإذن تصرّف‌ كيف شاء ،

______________________________________________________

قوله : ( لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في المال الممتزج إلا بإذن صاحبه ).

مراده بذلك : أن مجرد الامتزاج غير كاف في جواز التصرف ، ولهذا علّق الحكم بمنع التصرف على وصف الممتزج.

قوله : ( فإن اختص أحدهم بالإذن اختص بالتصرف ).

لو قال : أحدهما ، لطابق مرجع الضمير فإنه مثنى ، وفي بعض النسخ : أحدهما.

قوله : ( وإن اشترك اشترك ).

أي : وإن اشترك كل واحد منهما في الإذن اشترك التصرف بينهما ، أي : جوازه.

قوله : ( ولو أطلق الإذن تصرف‌ كيف شاء ).


ويضمن لو تجاوز المحدود.

ويجوز الرجوع في الإذن والمطالبة بالقسمة ، إذ الشركة من العقود الجائزة من الطرفين.

______________________________________________________

لأن الإطلاق في هذا العقد معتبر ، لعدم منافاته الغرر ، وإنما ينزّل الإطلاق على الأمور الغالبة في التجارة ، كالبيع والشراء مرابحة ومساومة ومواضعة وتولية ، وقبض الثمن ، وإقباض المبيع ، والمطالبة بالدين والحوالة والاحتيال ، والرد بالعيب ، والاستئجار على مال الشركة ، والمؤاجرة لأموالها ، ونحو ذلك بشرط مراعاة المصلحة كما في الوكيل.

ولا يجوز السفر إلا بالإذن على أظهر الوجهين ، فلا يكفي فيه الإطلاق ، إذ لا يتبادر إلى الفهم منه ، ولما فيه من الخطر.

وكذا لا تجوز مكاتبة عبد الشركة ، ولا إعتاقه على مال ، ولا تزويجه ، ولا المحاباة بمال الشركة ، ولا إقراضه ، ولا المضاربة عليه ونحوه ، لأن ذلك كله ليس من توابع التجارة الغالبة. نعم لو اقتضت المصلحة شيئا من ذلك ، ولم يتيسر استئذان الشريك جاز فعله.

قوله : ( ويضمن لو تجاوز المحدود ).

أي : لو حدّ له شيئا فتجاوزه ضمن ، سواء دل على التحديد عموم اللفظ أو خصوصه ، فلو سافر من غير إذن بل اعتمادا على إطلاق الإذن ضمن.

قوله : ( ويجوز الرجوع في الإذن والمطالبة بالقسمة ، إذ الشركة من العقود الجائزة من الطرفين ).

لمّا كانت الشركة عبارة عن توكيل وتوكل كان فسخها جائزا من الطرفين كالوكالة ، فمتى رجعا عن الإذن انفسخت من الجانبين.


وليس لأحدهما مطالبة الشريك بإقامة رأس المال ، بل يقسّمان الأعراض إذا لم يتفقا على البيع.

وينفسخ بالجنون والموت ، ولا يصح التأجيل فيها ، ويبسط الربح والخسران على الأموال بالنسبة.

______________________________________________________

وكذا لو قالا أو أحدهما : فسخت الشركة ، لأن الوكيل ينعزل إذا عزل نفسه ، وفسخها من أحد الجانبين يقتضي عزل كل منهما.

ولو عزل أحدهما الآخر عن التصرف انعزل المخاطب دون العازل ، ولكل منهما المطالبة بالقسمة ، فتبطل بها لفقد الشرط. وهل تنفسخ بالمطالبة؟ فيه احتمال.

قوله : ( وتنفسخ بالموت والجنون ).

وإن عرض لأحدهما ، وكذا الإغماء ، والحجر للسفه والفلس كالوكالة. ثم في صورة الموت إن لم يكن على الميت دين ، ولا هناك وصية تخيّر الوارث بين القسمة مع الشريك ، وبين تقريرها بعقد مستأنف إن كان كاملا ، وإلا فوليه. ومع الدين يبنى الحكم على ما سبق من تصرف الوارث في التركة مع الدين ، والوصية إن تعلقت بعين لمعين فهو كالوارث إن قبل ، وإلا فهي كالدين.

وقد علم غير مرة أن المراد من انفساخها ارتفاع ما اقتضاه العقد من جواز التصرف.

قوله : ( ولا يصح التأجيل فيها ).

المراد بصحته : ترتب أثره عليه ، وهو لزومها إلى الأجل ، وإنما لم تصح لأنها عقد جائز ، فلو شرطا التأجيل كان لكل منهما الفسخ متى شاء.

نعم يترتب على الشرط عدم جواز التصرف بعد الأجل إلا بعقد‌


ولو شرطا التفاوت مع تساوي المالين ، أو التساوي مع تفاوته فالأقرب جوازه إن عملا ، أو أحدهما ، سواء شرطت الزيادة له أو للآخر.

وقيل تبطل إلا أن يشترط الزيادة للعامل.

______________________________________________________

مستأنف ، لأنه من مقتضيات الشرط.

قوله : ( ولو شرطا التفاوت مع تساوي المالين ، أو التساوي مع تفاوته فالأقرب جوازه إن عملا أو أحدهما ، سواء شرطت الزيادة له أو للآخر ، وقيل : تبطل إلا أن يشترط الزيادة للعامل ).

لا ريب أن الربح تابع لرأس المال ، لأنه نماؤه ، فإن شرطا التفاوت فيه مع تساوي المالين ، أو التساوي مع تفاوت المال بالنسبة إليهما فللأصحاب أقوال : أقربها عند المصنف جواز ذلك إن عملا أو أحدهما ، وهو قول المرتضى (١) ، وولد المصنف (٢). وحكاه في المختلف عن ظاهر ابن الجنيد (٣) ، لعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) ، وقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٥) وقوله 7 : « المؤمنون عند شروطهم » (٦).

ويضعّف بأنه أكل مال بالباطل ، لأن الزيادة ليس في مقابلها عوض ، لأن الفرض أنها ليست في مقابلة عمل ، ولا وقع اشتراطها في عقد معاوضة‌

__________________

(١) الانتصار : ٢٢٨.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٠١.

(٣) المختلف : ٤٧٩.

(٤) المائدة : ١.

(٥) النساء : ٢٩.

(٦) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥ ، عوالي اللئالي ١ : ٢١٨ حديث ٨٤.


______________________________________________________

لتضم إلى أحد العوضين ، ولا اقتضى تملكها عقد هبة.

والأسباب المثمرة للملك معدودة ، وليس هذا أحدها ، ولا هو إباحة للزيادة ، إذ المشروط تملكها بحيث يستحقها المشروط له ، فيكون اشتراطها اشتراطا لتملك شخص مال غيره بغير سبب ناقل للملك ، كما لو دفع إليه دابة ليحمل عليها والحاصل لهما ، فيكون باطلا ، فيبطل العقد المتضمن له ، إذ لم يقع التراضي بالشركة والإذن في التصرف إلا على ذلك التقدير.

ولا يندرج في قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، ولا في قوله 7 : « المؤمنون عند شروطهم » (٢). أما عدم اندراجه في قوله تعالى : ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٣) فظاهر ، إذ الشركة ليست من التجارة في شي‌ء إذ هي مقابلة مال بمال. نعم لو شرط ذلك للعامل تحققت التجارة حينئذ ، لأن العمل مال فهو في معنى القراض.

وقال الشيخ في المبسوط (٤) ، والخلاف : تبطل الشركة (٥) ، واختاره ابن إدريس (٦) ، وهو الذي عناه المصنف بقوله : ( وقيل : يبطل ... ) وهو الأصح ، ودليله يعلم مما ذكرناه. وقال أبو الصلاح : تصح الشركة دون الشرط ، وحكم بإباحة الزيادة إذا حصل التراضي عليها (٧). ولا بحث في ذلك إذا كان التراضي في غير عقد الشركة.

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥ ، عوالي اللآلي ١ : ٢١٨ حديث ٨٤.

(٣) النساء : ٢٩.

(٤) المبسوط ٢ : ٣٤٩.

(٥) الخلاف ٢ : ٨٣ مسألة ٩ كتاب الشركة.

(٦) السرائر : ٢٥٤.

(٧) الكافي في الفقه : ٣٤٣.


______________________________________________________

أما العقد فما ذكره من بطلان الشرط صحيح ، وأما صحة العقد فغير ظاهرة ، إذا لم يقع التراضي بالتصرف الذي هو مقصود الشركة إلاّ على ذلك الشرط الفاسد.

إذا عرفت ذلك فهنا فوائد :

الأولى : شرط المصنف لصحة هذا الشرط عملهما أو عمل أحدهما ، فلو لم يعمل واحد منهما لم يحل تناول الزيادة ، ولم أجد التصريح به في غير هذا الكتاب. ولعله نظر إلى أن مقتضى الشركة إنما يتحقق بالعمل ، فحينئذ يثبت الشرط.

أما إذا نما المال المشترك بنفسه فإنه لهما على نسبة الاستحقاقين ، وفيه نظر ، لأن مقتضى عقد الشركة هو إباحة التصرف لا نفسه ، فإن اقتضاء العقد استحقاق المشروط للحكم بصحته لم يتوقف على أمر آخر ، وإلا لم يستحق بالعمل إذ ليس في مقابله ولا اقتضاه العقد.

الثانية : إذا انفرد أحدهما بالعمل ، وشرط له في مقابله زيادة من الربح ففي الشركة شائبة المضاربة ، وكذا إذا زاد في العمل من شرطت له الزيادة ، لوجود معنى المضاربة.

الثالثة : على القول بالبطلان في الفرض المذكور يقسّم الربح بينهما على نسبة المالين ، ثم يرجع العامل بأجرة مثل عمله في مال صاحبه ، سواء عملا أو أحدهما ، كذا ذكره الشيخ (١) ، وفي استحقاق الأجرة بعمل دخل على أن يفعله بغير عوض نظر.

أما العمل الذي شرط لصاحبه الزيادة فإنه يستحق الأجرة بالشرط مع البطلان ، وهو غير متحقق في محل النزاع ، لأن الاشتراط جائز مع العمل ،

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٤٩ ، والخلاف ٢ : ٨٣ مسألة ٩ كتاب الشركة.


والشريك أمين لا يضمن ما تلف في يده إلا بتعد أو تفريط ، ويقبل قوله في التلف ـ وإن ادعى سببا ظاهرا كالغرق ـ مع اليمين وعدم البينة ، وكذا لو ادعى عليه الخيانة أو التفريط.

______________________________________________________

وإن كان المشروط له أقل عملا ، إذ لا امتناع في أن يتبرع أحدهما بعمله ويعمل الآخر بعوض ، فيكون في الشركة مضاربة مع أحدهما.

وهذه المسألة شبيهة بما سبق في المساقاة ، من أنه إذا ساقى الشريك ، ولم يشترط له زيادة على حصته تفسد المساقاة ، ولا يستحق الشريك اجرة ، خلافا للشيخ (١).

الرابعة : قال الشارح الفاضل (٢) ، وشيخنا الشهيد : إن الموصوف بالصحة والبطلان ليس نفس الشركة العنانية ، إذ لا يمكن وقوعها على وجهين ، بل المراد به إذن كل واحد في التصرف للآخر مجازا على ما ذكره الشارح. وفي عبارة شرح الإرشاد : بل المراد به نفس الشرط وما يتوقف عليه ، كالإذن في التصرف بنفس الشرط. وليس بشي‌ء ، بل الموصوف بذلك نفس عقد الشركة.

واعلم أن المصنف إنما وحّد ضمير المال في قوله : ( أو التساوي مع تفاوته ) لأن التفاوت إنما يكون بين شيئين فأغني ذكره ، لاقتضائه التعدد عن تثنية الضمير.

قوله : ( والشريك أمين ).

لما عرفت غير مرة من أنه وكيل.

قوله : ( ويقبل قوله في التلف وإن ادعى سببا ظاهرا ).

أي : بيمينه كالمستودع ، وقال الشافعي : إنه إن أسند التلف إلى سبب‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٠٩.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٠٢.


ويقبل قوله في قصد ما اشتراه أنه لنفسه أو للشركة ، فإن قال : كان مال الشركة فخلصت بالقسمة فالقول قول الآخر في إنكار القسمة ، فلو أقرّ الآذن في قبض البائع به دونه بري‌ء المشتري من نصيب الآذن ، لاعترافه بقبض وكيله.

ثم القول قول البائع في الخصومة بينه وبين المشتري ، وبينه وبين المقر.

وتقبل شهادة المقر عليه في حقه إن كان عدلا ، وإلاّ حلف وأخذ من المشتري ، ولا يشاركه المقر ، ثم يحلف للمقر ، ولا تقبل شهادة‌

______________________________________________________

ظاهر طولب بالبينة عليه (١).

قوله : ( ويقبل قوله في قصد ما اشتراه انه لنفسه أو للشركة ).

وتقع دعوى الشراء لنفسه كثيرا عند ظهور الربح ، وللشركة عند ظهور الخسران.

ووجه قبول قوله في ذلك : أن ذلك لا يعلم إلا من قبله. ولو ادعى عليه التصريح في العقد بكون الشراء للشركة أمكن تقديم قوله ، لأن الاختلاف في فعله ، ولأن ظاهر يده يقتضي الملك ، فعلى الآخر البينة.

قوله : ( فإن قال : كان مال الشركة فخصلت بالقسمة فالقول قول الآخر في إنكار القسمة ).

للاتفاق على الشركة وادعاء القسمة ، فيكون القول قول منكرها بيمينه.

قوله : ( ولو أقر الآذن في قبض البائع به دونه بري‌ء المشتري من نصيب الآذن ، لاعترافه بقبض وكيله ، ثم القول قول البائع في الخصومة بينه وبين المشتري ، وبينه وبين المقر ، وتقبل شهادة المقر عليه في حقه‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٨٠ ـ ٨١.


المشتري له.

______________________________________________________

إن كان عدلا ، وإلاّ حلف وأخذ من المشتري ولا يشاركه المقر ، ثم يحلف للمقر ، ولا تقبل شهادة المقر له ).

لو باع أحد الشريكين مالا مشتركا بإذن شريكه الآذن له في قبض الثمن أيضا ، ثم اختلف الشريكان في قبض الثمن ، فادعى الآذن على البائع قبضه بأسره وطالبه بنصيبه ، وصدّقه المشتري وأنكر البائع القبض. كذا فرض المصنف المسألة في التذكرة (١) وغيره (٢) ، فجعل الاختلاف بين الشريكين ، كذلك صنع في التي بعدها.

وظاهر كلامه هنا ان الاختلاف بين البائع والمشتري والشريك مصدّق ، ولا تفاوت في الحكم ، إلا أن ما في التذكرة أدخل في كونها من أحكام تنازع الشريكين.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد بري‌ء المشتري من نصيب الآذن في البيع ، لاعترافه بأن وكيله ـ وهو البائع ـ قد قبض حقه.

ثم هنا خصومتان : إحداهما بين البائع والمشتري ، والثانية بين الشريكين. فإن تقدّمت الاولى فطالب البائع المشتري بنصيبه من الثمن ، فادعى الأداء وأقام به البينة بري‌ء من الحقين بالإقرار والبينة. وتقبل شهادة الشريك المقر على البائع بالأداء إليه إن كان عدلا ، إذا شهد بحصة البائع فقط ، لانتفاء التهمة حينئذ. ولو شهد بأداء الجميع لم تقبل في حصته قطعا للتهمة ، إذ لو ثبت ذلك لطالب المشهود عليه بحصته ، وذلك جر نفع ظاهر.

وهل يقبل في نصيب البائع؟ فيه وجهان يلتفتان إلى أن الشهادة إذا ردت في بعض المشهود به فهل ترد في الباقي أم لا؟ ولو لم يكن للمشتري بينة بالقبض حلف البائع انه لم يقبض ، فيستحق أخذ نصيبه ولا يشاركه فيه‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٦.

(٢) التحرير ١ : ٢٧٤.


______________________________________________________

الآذن ، لأن إقراره بقبض البائع أولا ما هو الحق يقتضي أن يكون ما قبضه ثانيا بيمينه ظلما ، فإن نكل عن اليمين ردت على المشتري. فإذا حلف أنه أقبضه الجميع انقطعت عنه المطالبة ، فإن نكل الزم بنصيب البائع فقط.

وقال بعض الشافعية : لا يلزم ، لأنا لا نحكم بالنكول (١). وليس بشي‌ء ، لأن هذا ليس حكما بالنكول ، بل بأصالة بقاء الثمن في ذمته ، حيث لم يأت بحجة على الأداء بحصة البائع.

ثم إن كان المشتري قد أقام البينة بإقباضه البائع جميع الثمن كان للآذن المطالبة بحصته قطعا ، لا إن ثبت ذلك بشاهد ويمين ، أو باليمين المردودة ـ وإن جعلنا اليمين المردودة كالبينة ، لأن أثرها إنما يظهر في حق المتخاصمين فيما تخاصما فيه لا مطلقا ـ فإن لم يكن أقامها كان له إحلاف البائع ، لإنكاره قبض حصته ، فإن نكل حلف الآذن المردودة وأخذ منه. ولا يرجع البائع بذلك على المشتري ، لما قلناه من أن أثر المردودة إنما هو في حق المتخاصمين ، وليس له مخاصمة ، لاعترافه بأن ما فعل الشريك ظلم.

كذا قيل : وفيه نظر ، لأن ذلك لا يسقط حقه من الدعوى ، لأنه وكيل الشريك في القبض ، وقد اغترم الموكل حصته.

ويمكن الجواب بأن اعتراف الشريك بقبض البائع اقتضى عزله ، لانعزال الوكيل بفعل متعلق الوكالة ، واعتراف الموكل بعزل الوكيل ماض.

ويمكن أن ينظر بوجه آخر ، وهو أن البائع قد أدّى دين المشتري بأمر الحاكم فله الرجوع. ويجاب بأن ذلك إنما هو مع تحقق الدين ، وهنا قد بري‌ء المشتري منه بإقرار الآذن.

ويمكن أن يقال : إن إقراره إنما ينفذ في حق نفسه لا في حق البائع ،

__________________

(١) انظر : المجموع ١٤ : ٨٤.


______________________________________________________

ونحن لا نلزم المشتري بالدين جزما ليكون متوقفا على ثبوته ، وإنما نجوّز له المخاصمة والطلب على تقدير الثبوت.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن نكول البائع عن اليمين في خصومة المشتري لا يمنع من حلفه هنا ، لأنها خصومة أخرى.

ولا يقال : إن اليمين المردودة إما كالإقرار أو كالبينة ، فإن كانت كالإقرار فكأنه أقر بالقبض ، وإن كانت كالبينة فكأن البينة قامت على قبضه.

لأنا نقول :

قد أسلفنا أنها كأحدهما في حق المتخاصمين لا مطلقا ، ولو أن خصومة البائع تقدّمت على خصومة المشتري فالحكم كما سبق. إلا أنه ينبغي أن لا تقبل شهادة الآذن هنا للمشتري بحال ، نظرا إلى سبق الخصومة بينهما ، أما المشتري فلا تقبل شهادته في الموضعين. ولعل المصنف إنما لم يتعرض للفرق بين الصورتين في تقدم أحد الخصومتين وتأخرها ، نظرا إلى عدم وجود كثير فرق.

واعلم أن الضمير في قول المصنف : ( به ) من قوله : ( ولو أقر الآذن في قبض البائع به ) يعود إلى القبض ، وفي قوله : ( دونه ) يعود إلى البائع.

وقوله : ( وتقبل شهادة المقر عليه في حقه إن كان عدلا ) معناه : أن شهادة المقر ـ وهو الآذن ـ تقبل على البائع في قبضه حق نفسه ، لا في قبض حق الآذن ، لأنها تجر نفعا ، وإطلاق العبارة يتناول ما إذا شهد بقبض المجموع ، فيقتضي انها وإن ردت في البعض قبلت في البعض الآخر ، وهو محتمل. وكذا يقتضي عدم الفرق في قبول شهادة الشريك للمشتري بين تقدم خصومته مع البائع على خصومة البائع والمشتري وتأخرها.

وقوله : ( ثم يحلف للمقر ) لا يراد فيه الترتيب المستفاد بـ ( ثمّ ) ، لأنه قد ذكر الحكم في الخصومة بين البائع والمشتري ، وبينه وبين المقر بغير‌


ولو ادعى المشتري على شريك البائع بالقبض ، فإن كان البائع أذن فيه فالحكم كما تقدم ، وإن لم يأذن لم يبرأ المشتري من حصة البائع ، لأنه لم يدفعها إليه ، ولا إلى وكيله ، ولا من حصة الشريك لإنكاره ، والقول قوله مع يمينه.

ولا يقبل قول المشتري على الشريك ، وللبائع المطالبة بقدر حقه خاصة ، لاعترافه بقبض الشريك حقه.

وعلى المشتري دفع نصيبه إليه من غير يمين ، فإذا قبض حقه فللشريك مشاركته فيما قبض.

وله أن لا يشاركه ويطالب المشتري بجميع حقه ، فإن شارك في‌

______________________________________________________

ترتيب.

وقوله : ( ولا تقبل شهادة المشتري له ) جار على إطلاقه ، سواء تقدمت خصومة المقر أم المشتري.

قوله : ( ولو ادعي على شريك البائع بالقبض ، فإن كان البائع أذن فيه فالحكم كما تقدم ، وإن لم يأذن لم يبرأ المشتري من حصة البائع ، لأنه لم يدفعها اليه ولا إلى وكيله ، ولا من حصة الشريك لإنكاره ، والقول قوله مع يمينه.

ولا يقبل قول المشتري على الشريك ، وللبائع المطالبة بقدر حقه خاصة ، لاعترافه بقبض الشريك حقه. وعلى المشتري دفع نصيبه إليه من غير يمين ، فإذا قبض حقه فللشريك مشاركته فيما قبض.

وله ان لا يشاركه ، ويطالب المشتري بجميع حقه ، فإن شارك في‌


المقبوض فعليه اليمين إن لم يستوف حقه من المشتري ، ويأخذ من القابض نصف نصيبه. ويطالب المشتري بالباقي إذا حلف أنه لم يقبض منه شيئا.

وليس للمقبوض منه الرجوع على المشتري بعوض ما أخذ منه ، لاعترافه ببراءة ذمة المشتري.

______________________________________________________

المقبوض فعليه اليمين إن لم يستوف حقه من المشتري ، ويأخذ من القابض نصف نصيبه ، ويطالب المشتري بالباقي إذا حلف انه لم يقبض منه شيئا. وليس للمقبوض منه الرجوع على المشتري بعوض ما أخذ منه ، لاعترافه ببراءة ذمة المشتري ).

هذه مقابل المسألة السابقة ، لأن الدعوى من غير البائع على البائع أنه قبض ، وهذه عكسها ، وصورتها : أن يدّعي البائع على شريكه الإذن في القبض به. والمصنف أطلق العبارة ، فيتناول بإطلاقها ما إذا لم يكن الشريك قد أذن للبائع في القبض ، لأن الحكم لا يتفاوت عنده بالاذن وعدمه ، وعند بعض الشافعية يتفاوت (١).

وكيف كان فلا يخلو : إما أن يكون الشريك الذي لم يبع مأذونا له في القبض من البائع ، أو لا.

فإن كان مأذونا فالحكم فيها كما تقدم في المسألة الأولى من غير فرق ، لانه قد اعترف بقبض وكيله فيبرأ المشتري من حصته ، وتكون هنا خصومتان : إحداهما بين البائع والشريك ، والأخرى بين المشتري والشريك.

ولا يخفى ما في عبارة المصنف من القصور ، فإنه لا يلزم من دعوى المشتري على الشريك بالقبض ، وكونه مأذونا من البائع جريان الحكم‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٨٤.


______________________________________________________

السابق ، لأن البائع ربما كان منكرا لذلك ، فلا يستقيم ما ذكره ، وهو ظاهر.

وإن لم يكن الشريك مأذونا في القبض لم يبرأ المشتري من حصة البائع قطعا ، ولو لم تتوجه بينهما خصومة ، لأنه لم يدفع حصته إليه ، ولا إلى وكيله قطعا ، ولا من حصة الشريك لإنكاره ، فيتوقف الأمر على انفصال الخصومة بينهما ، بأن يحلف على عدم القبض مع عدم البينة.

ولا يخفى أن قول المصنف : ( ولا يقبل قول المشتري على الشريك ) لغو ، لأنه قد علم أنه مدّع ، والشريك منكر ، والحجة من المدعي البينة.

إذا عرفت ذلك ، فللبائع المطالبة بقدر حقه خاصة ، سواء كان مأذونا له في القبض من جهته أم لا ، لأنه لو كان مأذونا لا يعزل باعترافه بقبض الشريك حقه ، لانتفاء متعلق الوكالة بزعمه ، وعلى المشتري تسليم نصيبه اليه من غير يمين ، لاعترافه بما يقتضي عدم البراءة من حقه. فإذا قبض حقه فللشريك مشاركته فيما قبض بعد اليمين ، وله أن لا يشاركه ، ويطالب المشتري بجميع حقه ، سواء كان قد أذن للبائع في القبض أم لا.

وفرّق بعض الشافعية بين ما إذا كان مأذونا في القبض فحكموا بالشركة ، وغير مأذون فحكموا بالعدم ، لانه ليس له المطالبة بنصيب شريكه فكيف ويقبضه (١)؟ ويضعّف بأن الإذن يزول بالاعتراف بالقبض كما قدمناه ، والصفقة واحدة ، وكل جزء من الثمن شائع بينهما ، فإن شارك في المقبوض أخذ الباقي من المشتري ، ولا يبقى في يد البائع إلا ربع. وليس له مطالبة المشتري بعوض المأخوذ منه ، لأن الشريك بزعمه ظالم والمشتري بري‌ء الذمة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن قول المصنف : ( فعليه اليمين إن لم يستوف‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٨٤.


ولو خاصم المشتري شريك البائع ، فادعى عليه القبض لم تقبل شهادة البائع ، لأنه يدفع عن نفسه ضرر مشاركة شريكه له فيما يقبضه‌

______________________________________________________

حقه من المشتري ) ، وقوله : ( ويطالب المشتري بالباقي إذا حلف أنه لم يقبض منه شيئا ) المتبادر منه وجوب حلفه مرتين ، وهو مشكل ، فإنه لو حلف للمشتري أنه لم يقبض شيئا استحق مشاركة البائع فيما يأخذه ، لثبوت استحقاقه على المشتري مع اتحاد الصفقة ، والاشتراك في كل جزء من الثمن ، مع احتمال اليمين للبائع ، لأنه يدعي عليه أخذ جميع حقه ، فلا يستحق المشاركة.

ويضعّف بأن هذه الدعوى قد اندفعت باليمين سابقا ، وهو الظاهر من عبارة التذكرة ، حيث اكتفى بالحلف لجواز الرجوع على كل منهما (١) ، وان أسنده إلى الشافعية (٢).

نعم لو طالب البائع ببعض المقبوض ، فأحلفه على عدم القبض اتجه إحلاف المشتري إياه أيضا ، لأن الخصومة في الواقع بينهما ، ولأن الاستحقاق على البائع فرع الاستحقاق على المشتري.

وفيه نظر ، لأن ذلك بحسب الواقع ونفس الأمر ، أما بحسب الظاهر فلا ، ولهذا لو نكل الشريك فحلف المشتري بالرد على إقباضه كان له مخاصمة البائع بعد أخذ نصيبه ، لما عرفت من أن اليمين المردودة إنما تكون كالإقرار ، أو كالبينة في حق المتخاصمين في تلك الخصومة فقط ، فيتجه حينئذ وجوب يمينين كما يظهر من العبارة.

قوله : ( ولو خاصم المشتري شريك البائع فادعى عليه القبض لم تقبل شهادة البائع ، لأنه يدفع عن نفسه ضرر مشاركة شريكه له فيما‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٦.

(٢) المجموع ١٤ : ٨٣.


من المشتري ، فيحلف ويأخذ من المشتري نصف الثمن ، وإن نكل أخذ المشتري منه النصف.

ولو باع الشريكان سلعة صفقة ، ثم استوفى أحدهما شيئا شاركه‌

______________________________________________________

يقبضه من المشتري ، فيحلف ويأخذ من المشتري نصف الثمن ، وإن نكل أخذ المشتري منه النصف ).

هذه من تتمة المسألة السابقة ، فإن الخصومة بين المشتري وشريك البائع قد سبق ذكرها ، وهذه من جملة أحكامها. ولكن عبارة المصنف توهم أنها مسألة مستأنفة بالاستقلال.

وتحقيقها : أن الخصومة التي بين الشريك والمشتري ـ لدعوى المشتري عليه القبض ـ لا تقبل شهادة البائع فيها للمشتري بإقباضه الشريك ، وإن لم يكن شريكا له فيما قبضه على تقدير القبض ، لأن الشهادة تجر نفعا إليه ، باعتبار أنه إذا قبض نصيبه بعد ذلك يسلّم له ولا يشاركه فيه ، بناء على استحقاق المشاركة إذا لم يثبت القبض ، وهو الذي اختاره المصنف من الوجهين ، وهو الأشهر بين الأصحاب.

ولو قلنا بأن الشريك يتمكن من قبض حقه من الثمن المشترك بانفراده قبلت شهادته ، ولا تهمة حينئذ ، فيحلف ويأخذ من المشتري نصف الثمن إن شاء ، وإن شاء أخذ الحصة من البائع مما يقبضه على أنه نصيبه ، والباقي من المشتري على ما سبق.

ولا يخفى ما في هذه العبارة من السماجة. وإن نكل حلف المشتري اليمين المردودة ، وطالبه بالنصف الذي هو مقدار نصيب البائع ، لأنه لا ولاية له عليه.

قوله : ( ولو باع الشريكان سلعة صفقة ، ثم استوفى أحدهما شيئا‌


الآخر فيه وإن تعدد المشتري.

______________________________________________________

شاركه الآخر فيه وإن تعدد المشتري ).

المشهور بين الأصحاب إنه إذا كان بين اثنين فصاعدا دين بسبب واحد إما عقد ، أو ميراث ، أو استهلاك ، أو غيره ، كذا ذكر المسألة في التذكرة (١).

والذي في عبارة الكتاب أنه : ( لو باع الشريكان سلعة صفقة ) وظاهره أنها من مال الشركة ، وصرح بذلك في التحرير (٢) ، وفي المختلف كما هنا (٣). وعبارة ابن إدريس في السرائر : إذا كان بينهما متاع فباعاه بثمن معلوم (٤) ، وهي عبارة الشيخ (٥). والظاهر أنه لا تفاوت في الحكم ، ففرض موضوع المسألة أعم ، أولى وأنفع.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن لكل من الشريكين المطالبة للمشتري بحقه من الدين ، فإذا استوفاه شاركه الآخر فيه ، لأن كل جزء من الثمن مشترك بينهما ، فكل ما حصل منه كان بينهما.

وفيه نظر ، لأن الاشتراك الذي في الذمة لا يمنع من تعيين حق واحد في معين ، ولمرسلة أبي حمزة عن أبي جعفر 7 : عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما ومنه غائب عنهما ، فاقتسما الذي بأيديهما ، وأحال كل واحد منهما بنصيبه من الغائب ، فاقتضى أحدهما ولم يقتض الآخر قال : « ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ، وما يذهب بماله » (٦). ومثلها رواية معاوية بن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٨.

(٢) التحرير ١ : ٢٧٤.

(٣) المختلف : ٤٧٩.

(٤) السرائر : ٢٥٤.

(٥) الخلاف ٢ : ٨٤ مسألة ١٥ كتاب الشركة.

(٦) التهذيب ٧ : ١٨٥ حديث ٨١٨.


______________________________________________________

عمار عن الصادق 7 (١) ، وغيرها.

ولا صراحة فيها بالنسبة إلى المدعي ، لأن المقتضي لم يصرح بكونه هو مجموع الدين أو حصة المقتضي فقط ، ودلالتها على المطلوب متوقفة على إرادة الأمر الثاني وذلك غير معلوم ، واللفظ يحتمل الأمرين.

هذا محصل ما ذكره ابن إدريس في الجواب عن الاخبار (٢) ، على تقدير تسليم كونها حجة.

ويرد عليه : أن « ما » الواقعة في الجواب للعموم ، والعبرة بعموم اللفظ ، وكذا ترك الاستفصال في حكاية الحال المحتملة يقتضيه أيضا.

وقال ابن إدريس : إن لكل منهما أن يقتضي حقه ولا يشاركه الآخر ، لأن لكل واحد أن يبرئ الغريم من حقه بدون الآخر ، ويهبه ويصالح منه على شي‌ء ، فمتى أبرأه برأ وبقي حق الآخر ، فإذا استوفاه لم يشاركه الذي وهب أو صالح. (٣).

وفيه نظر ، لمنع الملازمة ، ولأن متعلق الشركة بينهما هو العين وقد ذهبت ، ولم يبق لهما إلا دين في ذمته ، فإذا أخذ أحدهما نصيبه لم يكن قد أخذ عينا من أعيان الشركة ، فلا يشاركه الآخر فيما أخذ ، ولأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض المالك أو وكيله ، والمتنازع ليس كذلك ، لأن موضع النزاع ما إذا لم يقبض لشريكه بالوكالة ، ولأنه إن وجب الأداء بالمطالبة بحقه وجب أن لا يكون للشريك فيه حق ، لكن المقدّم حق بالاتفاق فالتالي مثله.

بيان الملازمة : أن وجوب الأداء بالمطالبة بحصة الشريك فرع التمكن من تسليمها ، لاستحالة التكلف بالممتنع ، فإذا ثبت تمكنه من دفعها على‌

__________________

(١) السرائر : ٢٥٤.

(٢) انظر : التهذيب ٧ : ١٨٦ حديث ٨١٩ ، ٨٢٠.

(٣) السرائر : ٢٥٥.


______________________________________________________

أنها للشريك ، ودفعها كذلك امتنع أن يكون للشريك الآخر فيها حق ، ولأنه لو كان للشريك في المدفوع حق لزم وجه قبح ، وهو تسلط الشخص على قبض مال غيره بغير اذن ، ولأنه لو كان كذلك لوجب أن يبرأ الغريم من مقدار حقه من المدفوع ، لاستحالة بقاء الدين في الذمة مع صحة قبض عوضه.

لكن التالي باطل عندهم ، لأنهم يحكمون بكونه مخيّرا في الأخذ من أيهما شاء ، ولأنه لو نهاه الشريك عن قبض حقه ، فإن تمكن من المطالبة بحصته وجب أن لا يكون للشريك فيها حق ، وإلا امتنع أخذ حقه بمنع الشريك إياه من قبض حق الشريك ، ولأن المقبوض إما أن يكون مالا مشتركا أو لا ، فإن كان مشتركا وجب على تقدير تلفه أن يتلف منهما كسائر أموال الشركة ، وتبرأ ذمة الغريم منه ، وإلا لم يكن للشريك فيه حق.

ولا يخفى أن بعض هذه الوجوه في غاية القوة والمتانة ، والروايات لا تقاومها مع أنها قابلة للتأليف ، فمختار ابن إدريس (١) قوي متين ، كما اعترف به المصنف في المختلف (٢) ، وإن كان الوقوف مع المشهور أولى.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لو أراد الشريك أخذ حقه فقط ، بحيث لا يتطرق إليه النزاع فإنه يبيع حصته من الدين بقدرها من العين ، أو أزيد ، أو انقص مع مراعاة السلامة من الربا ، كما يبيع حصته من العين مع الشيوع بثمن يختص به. وكذا لو صالح ، أو وهب أو اتّهب ، أو عوض عن الهبة ، أو أحال بها.

فروع :

أ : لو ضمن ضامن لأحد الشريكين فضمنه وجب أن يصح الضمان ، لعموم الدلائل الشاملة له ، فيختص بأخذ المال المضمون من الضامن ، وهذا‌

__________________

(١) السرائر : ٢٥٤.

(٢) المختلف : ٤٨٠.


أما لو تعددت الصفقة فلا مشاركة وإن اتحد المشتري.

______________________________________________________

أحد دلائل التمكن من أخذ الحصة منفردة عن الأخرى.

ب : على قولهم : لو قبض الشريك حصة تخيّر شريكه في مطالبته بحصة منه ، ومطالبة الغريم بكمال حقه ، فعلى هذا لو اشترى به شيئا وقف البيع على أجازته بمقدار حقه.

ج : لو أحال على المديون بحصته صح بشروط الحوالة ، ويكون المحتال شريكا.

د : لو اشترى بحصة من الدين ثوبا مثلا ، فقد قال بعض العامة : إن للآخر إبطال الشراء (١). وليس بشي‌ء ، لأنه ليس بأبلغ من الشراء بحصة من العين المشتركة.

هـ : لو أجل أحد الشريكين حصته باشتراط ذلك في عقد لازم ونحوه جاز قطعا ، فإن قبض الشريك بعد ذلك لم يرجع شريكه عليه بشي‌ء ، لأنه لا يستحق شيئا الآن. وتمكنه من تأجيله يقتضي جواز قبض الحصة منفردة ، لاستلزامه تميّز حصته عن حصة الآخر ، فلو امتنع ذلك امتنع التضمين.

و : تعدد المشترى مع اتحاد الصفقة لا يمنع الاشتراك في الثمن ، لثبوت مقابلة جميع الثمن لجميع المبيع ، واستواء نسبة الملاّك إلى الأبعاض.

قوله : ( أما لو تعددت الصفقة فلا مشاركة وإن اتحد المشتري ).

هذا إذا كان كل واحد من المبيعين غير مشترك ، أما مع اشتراكهما فلا يستقيم ذلك. وحيث كان مدار الشركة على بيع المالين صفقة فلا حاجة‌

__________________

(١) انظر : المجموع ١٤ : ٧٠.


ولو تساوى المالان ، وأذن أحدهما في العمل للآخر على أن يتساويا في الربح فهو بضاعة.

فروع :

أ ـ لو دفع إلى آخر دابته ليحمل عليها والحاصل لهما فالشركة باطلة ، فإن كان العامل قد آجر الدابة فالأجر لمالكها وعليه اجرة مثل‌

______________________________________________________

إلى ذكر الشريكين في المسألة السابقة ، لأن بيع غير الشريكين صفقة غير موجب للشركة.

قوله : ( ولو تساوى المالان وأذن أحدهما في العمل للآخر على أن يتساويا في الربح فهو بضاعة ).

وذلك لأن حصة الشريك مال مبعوث للتجارة في يد الوكيل ، قال في الصحاح : البضاعة : طائفة من مالك تبعثها للتجارة ، تقول : أبضعته واستبعضته ، أي : جعلته بضاعة ، وفي المثل كمستبضع تمر إلى هجر ، وذلك أن هجر معدن التمر (١).

قوله : ( لو دفع إلى آخر دابة ليحمل عليها والحاصل لهما فالشركة باطلة ).

المراد : ليحمل عليها مال غيره بالأجرة ، فالمراد مؤاجرتها ، إذ لو أريد حمل ماله لكان دفعا للدابة اليه على قصد الإجازة فلا يستحق العامل أجرا.

ولا يعقل فيه معنى الشركة ، وبطلان هذه الشركة قد علم مما سبق ، لأن ما عدا شركة العنان عندنا باطل.

قوله : ( فإن كان العامل قد آجر الدابة فالأجر لمالكها وعليه‌

__________________

(١) الصحاح ( بضع ) ٣ : ١١٨٦.


العامل ، فإن قصر الحاصل عنهما تحاصا إن كان بسؤال العامل ، وإلا فالجميع ،

______________________________________________________

أجرة مثل العامل ، فإن قصر الحاصل عنهما تحاصا إن كان بسؤال العامل وإلا فالجميع ).

حيث أن الشركة المذكورة باطلة ، فالحال لا يخلو من أن يكون العامل قد آجر عين الدابة ، أو لا.

فإن آجرها فلا ريب أن الأجرة للمالك ، لأنها عوض منفعة ماله ، وعليه للعامل أجرة المثل ، لأنه بذل عمله في مقابل الحصة من الحاصل لاعتقاد حصولها ، وقد فاتت بفساد الشركة فوجبت أجرة مثله إذ لم يتبرع بعمله. فحينئذ إن وفّى الحاصل ـ وهو ما آجر به الدابة بأجرة مثله وأجرة مثل الدابة ـ دفع اليه المالك أجرة مثله واختص بالباقي وإن زاد على أجرة مثل الدابة ، وهذا القسم لم يذكره المصنف لظهوره.

وإن قصر الحاصل عن الأجرتين ـ وهو الذي أراده المصنف بقوله : ( وإن قصر الحاصل عنهما ) وإن لم يجر لاجرة مثل الدابة ذكر استغناء ، بدلالة ذكر أجرة العامل عليها ، أو أن الضمير يعود إلى العامل والدابة. ومعلوم أن قصور الحاصل عنهما إنما يكون بعد التقسيط عليهما ، والتقسيط إنما يكون باعتبار أجرة المثل كما قد علم مرارا ـ تحاصا إن كان الدفع على هذا الوجه بسؤال العامل ، لأنه قد رضي بأن تكون له حصة من الحاصل وإن نقصت عن اجرة المثل.

وإن لم يكن ذلك بسؤال العامل ، بل بسؤال المالك فالواجب له جميع أجرة مثله وإن زادت على الحاصل. ويندرج في قوله : ( إن كان بسؤال العامل ) ما إذا كان بسؤالهما ، لأنه بسؤال العامل أيضا.

وفي الفرق نظر ، لأن الفرض حصول الرضاء بذلك ، سواء كان‌


______________________________________________________

بسؤاله ، أو بسؤال المالك ، أو بسؤالهما فتستوي المسألتان في التحاص.

واحتمل شيخنا الشهيد في بعض حواشيه وجوب أقل الأمرين من الحصة المشروطة والحاصلة بالتحاص ، أما إذا كانت المشروطة أقل ، فلأنه قد رضي بالأقل فلا يستحق الزائد ، وأما إذا كان الحاصل بالتحاصل أقل ، فلمعاوضة حق المالك ، ولا ترجيح.

واحتمل ايضا وجوب الأقل إن كان بسؤال العامل ، لأنه ألزم نفسه بذلك بسؤاله. ووجوب الأكثر إن كان بسؤال المالك ، لأنه إن كان الأكثر المشروط فقد رضي به المالك ، وإن كان هو الحاصل بالتحاصل ، فلفساد الشرط.

والحق أن هذا كله بعيد عن التحقيق ، لأن مدار الاستحقاق إنما هو على تراضي المالك والعامل ببذل المعيّن من الحاصل في مقابل العمل ، فلم يكن العمل مبذولا مجانا ، وحيث فات المعيّن لفساد الشركة وجب الرجوع إلى أجرة المثل كائنة ما كانت. ولا أثر لسؤال العامل ولا المالك ، وهذا هو قضية كلام الأصحاب ، وبه صرح في التذكرة (١).

وأما الحاصل بإجارة الدابة فقد أطلقوا أنه لمالكها ، اعتمادا على أن إجارتها بإذن المالك. وفيه نظر ، لأن الاذن إن كان هو الذي تضمنه عقد الشركة فيشكل بأن العقد الفاسد كيف يعتبر ما تضمنه من الاذن. وإن أريد غيره فليس في الكلام الذي تضمنه ما يشعر به.

فعلى هذا حقه أن يكون عقد الإجارة فضوليا يتوقف على الإجازة ، فإن أجاز فلا بحث ، وإن فسخ فهل يستحق أجرة؟ يحتمل العدم ، لأن ذلك العقد غير مأذون فيه ، وإلا لم يتوقف على الإجازة. ويتطرق ذلك إلى ما إذا أجاز. وليس بشي‌ء ، لأن الاذن في العمل إذا تضمنه العقد الفاسد أوجب أجرة المثل.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٣.


وإن تقبل حمل شي‌ء فحمله عليها أو حمل عليها شيئا مباحا فباعه فالأجرة والثمن له ، وعليه أجر مثل الدابة لمالكها.

______________________________________________________

ومقتضى كلامهم في هذه المسائل كلها الاكتفاء بالاذن السابق ، وسيأتي مثله في القراض ، حيث أن القراض الفاسد يملك المالك فيه الربح كله إذا كان الشراء بالعين ، وللعامل اجرة المثل.

قوله : ( وإن تقبّل حمل شي‌ء فحمل عليها ، أو حمل عليها شيئا مباحا فباعه فالأجرة والثمن له ، وعليه أجرة مثل الدابة ).

هذا هو القسم الثاني ، وهو أن لا يكون العامل قد آجر عين الدابة ، بل يكون قد تقبّل حمل شي‌ء في ذمته ، بأن آجر نفسه لحمل شي‌ء في ذمته ، ولم يعيّن لحمله دابة مخصوصة فحمله عليها فإن الأجرة المسماة له ، لأنها في مقابل عمل في ذمته ، وعليه لمالك الدابة أجرة مثلها بالغة ما بلغت.

وكذا لو حمل عليها شيئا مباح الأصل كالحطب إذا حازه بنية أنه له ـ وقلنا إن المباحات تملك بالحيازة ولا تحتاج إلى النية ـ فإن ثمن هذا له إن باعه ، لأن العين ملكه ، وعليه لمالك الدابة أجرة المثل ، لاستيفاء ، منفعتها التي لم يبذلها المالك مجانا ، ولم يتعين لها عوض فوجبت أجرة المثل.

واعلم أن قوله : ( فالأجرة والثمن له ) أراد بها : الأجرة فيما إذا تقبّل حمل شي‌ء في ذمته ، وأراد بالثمن : ما أخذه في مقابل المباح الذي باعه. ولو حمل عليها ما لا أجر له ، أو لغيره مجانا ، أو بعوض فاسد فعليه أجرة المثل أيضا.

وإنما ذكر المصنف حمل المباح ليبيّن أنه يختص به دون الشريك ، ولا يستقيم على إطلاقه ، لأنه لو نوى بحيازته نفسه وشريكه ـ وقلنا بأن تملك المباح يتوقف على النية ـ كان المباح لهما ، وعلى العامل نصف أجرة مثل‌


ب : لو دفع دابة إلى سقّاه ، وآخر رواية على الشركة في الحاصل لم تنعقد ، وكان الحاصل للسقاء وعليه اجرة الدابة والرواية.

ولو كان من واحد دكان ، ومن الآخر رحى ، ومن ثالث بغل ، ومن رابع عمل فلا شركة. ثم إن كان عقد اجرة الطحن من واحد منهم ، ولم يذكر أصحابه ولا نواهم فله الأجر أجمع ، وعليه لأصحابه‌ أجرة المثل.

______________________________________________________

الدابة لذلك العمل. وكذا للعامل على المالك نصف أجرة مثله لذلك العمل ، فعلم أن إطلاق المصنف هنا ، مع تردده في أن المباح يفتقر تملكه إلى نية لا يحسن.

على أن في أصل هذا البناء كلاما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى ، وهو ان التوكيل في تملك المباحات لا تتوقف صحته على اشتراط النية في تملكه مع الحيازة.

قوله : ( لو دفع دابة إلى سقّاء ، وآخر رواية على الشركة في الحاصل لم تنعقد ، وكان الحاصل للسقّاء وعليه أجرة الدابة والراوية ).

تعرف هذه المسألة من المقرر فيما إذا حمل على الدابة شيئا مباحا وباعه ، فإن ما ذكرناه هناك آت هنا. وفساد هذه الشركة قد علم غير مرة. والسقاء ممدود ، والرواية هنا المزادة فيها الماء ، ذكر ذلك في القاموس (١).

قوله : ( ولو كان من واحد دكان ، ومن الآخر رحى ، ومن ثالث بغل ، ومن رابع عمل فلا شركة. ثم إن كان عقد أجرة الطحن من واحد منهم ولم يذكر أصحابه ولا نواهم فله الأجر أجمع ، وعليه لأصحابه‌ أجرة المثل ).

__________________

(١) القاموس المحيط ( روى ) ٤ : ٣٣٧.


وإن نوى أصحابه أو ذكرهم كان كما لو عقد مع كل واحد منهم منفردا.

______________________________________________________

إذا كان من واحد دكان ، ومن الآخر رحى ، ومن ثالث بغل ، ومن رابع عمل واشتركوا على أن الحاصل بينهم على نهج مخصوص فقد علم غير مرة فساد الشركة.

ثم انه إما أن يكون عقد الإجارة على الطحن صادرا من واحد من الأربعة مع صاحب الطعام ، أو يكون من الأربعة. فإن كان من واحد منهم ، فإما أن يكون قد ذكر أصحابه في عقد الإجارة ، أو قصدهم بقلبه ، أو لم يذكرهم ولم يقصدهم. وإن صدر العقد من الأربعة فلا يخلو : إما أن يكون صاحب الطعام قد استأجرهم بطحن الطعام المعلوم ، أو يكون قد استأجر الدكان والبغل والرحى والعامل ، فهنا صور :

الاولى : أن يقع العقد من الواحد ، ولم يذكر أصحابه ولا نواهم ، بل الزم ذمته طحن الطعام المعلوم بكذا فإن له الأجر المسمى أجمع ، لأنه عوض العمل الذي ألزم ذمته ، وعليه أجرة المثل للذي استوفى منفعته من الأعيان المذكورة في طحن الطعام المذكور ، وهذا واضح.

قوله : ( وإن نوى أصحابه ، أو ذكرهم كان كما لو عقد مع كل واحد منهم منفردا ).

الصورة الثانية : أن يقع العقد من واحد ، ولكنه ذكر أصحابه لفظا أو نواهم ، فهذا لا يخلو من أن يكون قد ألزم ذمتهم طحن الطعام بحيث يلزمهم طحنه أرباعا ، أو يكون قد آجره الأعيان المذكورة بطحنه ، وحكم ذلك يعلم من الصورتين اللتين يأتي ذكرهما قريبا إن شاء الله تعالى.

ولعل المصنف إنما لم يتعرض لبيان حكم هذه اعتمادا على ظهوره مما سيأتي ، وليس هنا شي‌ء ، إلا أنّ مجرد عقد الإجارة هل يقتضي لزوم العقد‌


ولو استأجر من الجميع فقال : استأجرتكم لطحن هذا الطعام بكذا فالأجر بينهم أرباعا ، لأن كل واحد منهم لزمه طحن ربعه بربع الأجر ، ويرجع كل واحد منهم على كل واحد من أصحابه بربع أجر مثله.

______________________________________________________

لو كان هو العامل اكتفاء بالإذن الصادر في عقد الشركة؟ أم لا بد من إجازتهم بعد ذلك؟ أو سبق توكيلهم إياه خارجا عما تضمنه عقد الشركة؟ فيه كلام سبق.

قوله : ( ولو استأجر من الجميع ، فقال : استأجرتكم لطحن هذا الطعام بكذا فالأجر بينهم أرباعا ، لأن كل واحد منهم لزمه طحن ربعه بربع الأجر ، ويرجع كل واحد منهم على كل واحد من أصحابه بربع أجر مثله ).

الصورة الثالثة : أن يقع عقد الإجارة من الجميع ، بأن يستأجرهم صاحب الطعام المعيّن لطحنه بأجرة معينة ، وليس المراد من قول المصنف : ( فقال : استأجرتكم ) ان هذا صيغة عقد الإجارة ليكون تجويزا لتقديم القبول على الإيجاب ، وإنما هو تصوير للمسألة ، وحينئذ فيكون الأجر بينهم أرباعا ، لأن كل واحد منهم لزمه طحن ربع الطعام بربع الأجر.

فإذا طحن الطعام بالآلات المذكورة ، وتولى العامل من غير تبرع ـ ويكفي فيه الاعتماد على عقد الشركة المتضمن لارصادها للعمل بالحصة ـ كان لكل واحد منهم أن يرجع على كل واحد من أصحابه بربع أجر مثل العمل الصادر إما عنه أو عن دابته ، أو الانتفاع بملكه من الرحى والدكان ، فيرجع العامل بثلاثة أرباع أجرة مثل عمله في طحن ذلك الطعام ، لأن ربع عمله صرف في طحن الربع الذي لزمه طحنه ، وثلاثة أرباعه في طحن ثلاثة الأرباع الباقية التي لزم طحنها أصحابه ، ولم يسم لعمله ذلك شي‌ء معيّن ، فوجبت أجرة المثل على ما ذكره.


ولو قال قد استأجرت هذا الدكان والبغل والرحى والرجل بكذا لطحن كذا فالأجر بينهم على قدر أجر مثلهم ، لكل واحد من المسمى بقدر حصته.

______________________________________________________

ويرجع صاحب البغل بثلاثة أرباع أجرة مثل طحن الطعام المذكور بالنسبة إلى عمل البغل ، وتقريبه ما ذكر ، وكذا القول في الدكان والرحى.

ولا فرق بين أن تكون أجرة المثل لكل من هذه الأشياء بقدر ربع المسمى ، أو زائدا أو ناقصا ، فلو كان المسمى عشرين مثلا كان لكل واحد خمسة. ثم ان أجرة مثل العامل لو كانت أربعة رجع بثلاثة دراهم على كل واحد بدرهم ، وكذا القول في أجرة مثل البغل ، فلو كانت ستة رجع على كل واحد بدرهم ونصف ، وعلى هذا.

قوله : ( ولو كان قال : استأجرت هذا الدكان والبغل والرحى والرجل بكذا لطحن كذا فالأجر بينهم على قدر أجر مثلهم ، لكل واحد من المسمى بقدر حصته ).

هذه هي الصورة الرابعة ، والفرق بينها وبين الثالثة : إنه في الثالثة قد يقبل كل واحد من الشركاء بطحن ربع الطعام في ذمته بربع المسمى ، واستعان على طحنه بالمنافع المملوكة لأصحابه ، فلذلك كان له المسمى وعليه أجرة المثل لأصحابه بالنسبة إلى ما استوفى من المنافع المملوكة لهم.

وهنا جرى عقد الإجارة على الأعيان المذكورة لطحن الطعام المعيّن ، فقد جمع بين اجارة عدة أشياء في عقد واحد ، بعوض واحد ، لعمل معين. فطريق تعيين كل واحد من تلك الأشياء من المسمى تقسيط المسمى على أجرة المثل لتلك الأشياء باعتبار ذلك العمل ، كما لو جمع في عقد البيع بين بيع ملكه وملك غيره بثمن واحد مع رضاء المالك ، فإنّا نقسّط الثمن على قيمة المالين.


ج : لو صاد ، أو احتطب ، أو احتش ، أو أحاز بنية أنه له ولغيره لم تؤثر تلك النية ، وكان بأجمعه له.

______________________________________________________

ومعلوم أن قيمة العمل أجرة مثله ، فحينئذ لو كانت أجرة مثل عمل ذلك العامل الربع من أجرة مثل الجميع باعتبار ذلك العمل كان له ربع المسمى.

ولو كانت أجرة مثل البغل ثلث أجرة مثل الجميع كان لمالكه ثلث المسمى ، وكذا أجرة مثل الرحى لو كانت ثلاثة أرباع سدس كان لمالكها ثلاثة أرباع سدس المسمى ، ولمالك الدكان الباقي لا محالة ، وهو سدس وثلاثة أرباع سدس ، لأن أجرة مثله من مجموع أجرة المثل للجميع هو ذلك ، والمخرج الجامع أربعة وعشرون ، فلو كان هو أجرة مثل الجميع والمسمى ثمانية عشر مثلا لكان للعامل أربعة ونصف ، ولمالك البغل ستة ، ولمالك الرحى اثنان وربع ، ولمالك الدكان خمسة وربع ، ومجموع ذلك ثمانية عشر.

واعلم أن المصنف في التذكرة قال في هذه المسألة : فيوزّع المسمى عليهم ويكون التراجع بينهم على ما سبق (١). ولا شك أن الحكم بالتراجع هنا غلط ، لأن الإجارة إذا وقعت على أعيان هذه الأشياء لم يعقل التراجع.

قوله : ( لو صاد ، أو احتطب ، أو احتش ، أو أحاز بنية أنه له ولغيره لم تؤثر تلك النية ، وكان بأجمعه له ).

ينبغي أن ينزّل ذلك على ما إذا لم يكن وكيلا للغير ، فإنه على ما ذكره من الإشكال في توقف تملك المباح على النية يجب أن يكون تملكه فقط مع قصد التملك بالحيازة له ، ولغيره إذا كان وكيلا للغير في تملك المباح على الاشكال ، فلا يستقيم الجزم بعدم تملك الغير إلا إذا لم يكن وكيلا.

ثم جزمه بكون المجموع له مع النية المذكورة لا يستقيم ، إلا على‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٤.


وهل يفتقر المحيز في تملك المباح إلى نية التملك؟ إشكال.

______________________________________________________

القول بأن المباح يملك بمجرد الحيازة ، ولا عبرة بالنية. واعلم ان : ( أحاز ) الواقع في العبارة بمعنى حاز ، إلا أن أحاز بمعنى جاز لم أجده في كلام أئمة اللغة.

قوله : ( وهل يفتقر المحيز في تملك المباح إلى نية التملك؟ إشكال ).

ينشأ : من أن اليد والسلطنة سبب في الملك ، ولهذا تجوز الشهادة بمجرد اليد من دون توقف على أمر آخر ، ولأن الحيازة سبب لحصول الملك في المباح في الجملة قطعا بالاتفاق ، لأن أقصى ما يقول المشترطون للنية : إنها سبب ناقص ، فحصول الملك بها في الجملة أمر محقق ، واشتراط النية لا دليل عليه ، فينتفي بالأصل.

فإن قيل : الأصل عدم حصول الملك إلا بالنية ، لأن الأصل في المباح عدم الملك فيستصحب إلى أن يحصل الناقل.

قلنا : أصلان تعارضا فتساقطا ، وتبقى سببية اليد بغير معارض.

ومن أنه قد تكرر في فتوى الأصحاب ، أن ما يوجد في جوف السمكة مما يكون في البحر يملكه المشتري ، ولا يجب دفعه إلى الصائد ، ولا تعريفه إياه ، ولو كانت الحيازة كافية في التملك لوجب دفعه اليه.

وفيه نظر ، لأنّا لا نسلم أن ما في بطن السمكة مما لا يعد جزء لها ، ولا كالجزء مثل غذائها يعد محوزا لحيازتها ، ولو سلّم فأقصى ما يلزم اشتراطه إما القصد إلى المحوز بالحيازة ، أو الشعور به ولو تبعا ، أما نية التملك فلا.

ويؤيد الأول : أنه لو اشترطت النية في حصول الملك لم يصح البيع قبلها ، لانتفاء الملك ، والتالي معلوم البطلان ، لإطباق الناس على فعله في‌


______________________________________________________

كل عصر من غير توقف على العلم بحصول النية ، حتى لو تنازعا في كون العقد الواقع بينهما أهو بيع أم استنقاذ لعدم نية التملك؟ لا يلتفت إلى قول من يدعي الاستنقاذ.

قال الشارح الفاضل : إنه أورد ذلك على والده المصنف فأجاب عنه : بأن إرادة البيع تستلزم نية التملك (١). وهذا الجواب إنما يتم في من حاز وتولى البيع ، فلو تولاه وارثه الذي لا يعلم بالحال ، أو وكيله المفوّض في جميع أموره بحيث يتصرف في بيع ما حازه من المباحات بالوكالة العامة لم يدفع السؤال.

ويرد عليه أيضا : أنّ حيازة الصبي والمجنون على ما ذكروه يجب أن لا تثمر الملك جزما ، لعدم العلم بالنية ، وعدم الاعتداد بأخبارهما خصوصا المجنون. ولو خلّف ميت تركة فيها ما علم سبق كونه مباح الأصل ، ولم يعلم نية تملكه لا يجب على الوارث تسليمه في الدين والوصية ، والأصح عدم اشتراطها.

واعلم أن البحث عن هذه المسألة في كتاب الشركة ، إنما ساق اليه الكلام في مسألة السقاء إذا حاز الماء بقصد الشركة.

وكذا الكلام فيما لو صاد ، أو احتطب بنية أنه له ولغيره ، فإنه إذا سبق التوكيل من الغير صح ، وثبتت الشركة في المحوز ، على القول بأن تملك المباحات حينئذ يحتاج مع الحيازة إلى النية ، وعلى القول بالعدم فلا شركة ، والملك لمن اختص بالحيازة. وستأتي هذه المسألة إن شاء الله تعالى في الوكالة.

وفي هذا البناء نظر ، لأنا وإن لم نشترط النية ، فلا يلزم ثبوت الملك مطلقا بالحيازة ، إذ لا دليل على أن المباحات تملك بالحيازة على طريق‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٠٣.


______________________________________________________

القهر ، بحيث لو نوى ما يقتضي عدم الملك ثبت ملكه بغير اختياره قهرا كالإرث. ولم لا يجوز أنه يقال : إنه يملك بالحيازة إن نوى التملك ، أو لم ينو شيئا ، وإن نوى الضد انتفى الملك؟ وهذا أصح ، فإن من حوّل ترابا أو حجرا من طريق ونحوه مريدا التمكن من عبوره ، أو قطع غصن شجرة مباحة وحوله عن ممره الذي يطلب سلوكه لا يدخل ذلك في ملكه ، ولا يمنع من أخذه آخذ ، ولا يخرج عن أصل الإباحة ، لعدم الناقل.

ومثله من حفر بئرا في المباح لمجرد الارتفاق ، فإن ذلك كله دليل على إرادة عدم التملك ، فلا يخرج المباح بذلك عن أصل الإباحة. فحينئذ إذا نوى نفسه وموكله فقد حصل المانع من تملكه بالحيازة في النصف ، وحيث أن يد الوكيل يد الموكل يثبت الملك للموكل ، ولا يتوقف ذلك على الحكم بتوقف تملك المباحات على النية.

* * *


المقصد الخامس : في القراض ، وفصوله ثلاثة :

الأول : في أركانه ، هي خمسة :

الأول : العقد ، فالإيجاب : قارضتك ، أو ضاربتك ، أو عاملتك على أن الربح بيننا نصفين أو متفاوتا.

والقبول : قبلت ، وشبهه من الألفاظ الدالة على الرضي.

______________________________________________________

قوله : ( فالإيجاب : قارضتك ، أو ضاربتك ، أو عاملتك ).

قال في التذكرة : لا يختص الإيجاب لفظا ، فلو قال : خذه واتجر به على أنّ الربح بيننا متساويا أو متفاوتا جاز (١).

وما ذكره حق ، لأنّ هذا عقد جائز ، فيكفي فيه كلّ لفظ دلّ على المعاملة المطلوبة. نعم لا بدّ من اللفظ ، لأنّ الأفعال لا دلالة لها ، والرضى بالوجه المخصوص المعتبر في المعاملات من الأمور الباطنة التي لا يطّلع عليها إلاّ الله سبحانه وتعالى.

قوله : ( والقبول : قبلت ، وشبهه من الألفاظ الدالّة على الرضى ).

قال في التذكرة : وهل يعتبر اللفظ؟ الأقرب العدم ، فلو قال : خذ هذه الدراهم فاتّجر بها على أنّ الربح بيننا على كذا ، فأخذها واتّجر ، فالأقرب الاكتفاء به في صحة العقد كالوكالة (٢).

وما قرّبه المصنف هو المختار ، لأن العقد الجائز من الطرفين يكفي في قبوله ما دلّ على الرضى بالإيجاب ، والأخذ عقيبه دالّ على ذلك ، وليس هو كالعقد اللازم لأنّ الحكم بلزومه متوقف على حصول السبب المعتبر شرعا ، وهو اللفظ المعين.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٢٩.


وهو عقد قابل للشروط الصحيحة مثل أن لا يسافر بالمال ، أو لا يشتري إلاّ من رجل بعينه ، أو قماشا معيّنا وإن عز وجوده كالياقوت الأحمر ، أو لا يبيع إلاّ على رجل معيّن.

ولو شرط ما ينافيه فالوجه بطلان العقد مثل أن يشترط ضمان المال ، أو سهما من الخسران ، أو لزوم المضاربة ، أو ألاّ يبيع إلاّ‌ برأس المال أو أقل ).

______________________________________________________

نعم قال في التذكرة : لا بدّ من القبول على التواصل المعتبر في سائر العقود.

وفيه نظر ، لأنّ ذلك معتبر في العقود اللازمة خاصة دون الجائزة من الطرفين ، وسيأتي التصريح بذلك في الوكالة ان شاء الله تعالى.

واعلم : أنّه يشترط لصحة العقد التنجيز ، فلو علّقه بشرط كدخول الدار ، أو صفة كطلوع الشمس لم يصح ، وبه صرّح في التذكرة (١) ، لانتفاء الجزم المعتبر في العقود.

قوله : ( وهو : عقد قابل للشروط الصحيحة ).

لا مزية لهذا العقد في ذلك ، بل كل عقد قابل لذلك.

قوله : ( وإن عزّ وجوده كالياقوت الأحمر ، أو لا يبيع إلاّ على رجل معين ).

خلافا للشافعي (٢) ومالك (٣) ، ووجه الصحة : عموم الدلائل ، والتضييق غير مانع كالوكالة.

قوله : ( ولو شرط ما ينافيه فالوجه بطلان العقد ، مثل : أن يشترط ضمان المال ، أو سهما من الخسران ، أو لزوم المضاربة ، أو ألاّ يبيع إلاّ‌ برأس المال أو أقل.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٢٩.

(٢) المجموع ١٤ : ٣٧٩.

(٣) المدونة الكبرى ٥ : ١٢٠.


ولو شرط توقيت المضاربة لم يلزم الشرط والعقد صحيح ، لكن ليس للعامل التصرف بعده.

ولو شرط على العامل المضاربة في مال آخر ، أو يأخذ منه بضاعة ، أو قرضا ، أو يخدمه في شي‌ء بعينه فالوجه صحة الشروط.

______________________________________________________

وجه البطلان : أنّ هذه شروط باطلة ، لمنافاتها مقتضى العقد شرعا ، فيبطل العقد بها ، لأن التراضي المعتبر فيه حينئذ لم يقع إلاّ على وجه فاسد ، فيكون باطلا.

ويحتمل ضعيفا صحة العقد وبطلان الشرط ، لأن بطلان أحد المتقارنين لا يقتضي بطلان الآخر.

وجوابه : أنّ التراضي في العقد شرط ، ولم يحصل إلاّ على الوجه الفاسد ، فيكون غير معتبر ، فيفوت شرط الصحة.

قوله : ( ولو شرط توقيت المضاربة لم يلزم الشرط والعقد صحيح ، لكن ليس للعامل التصرّف بعده ).

قد سبق تحقيقه في الشركة وإنّما كان العقد صحيحا مع الشرط المذكور ، لأنه لم يناف مقتضاه ، إذ ليس مقتضاه الإطلاق ، بخلاف عدم الضمان بدون التفريط.

قوله : ( ولو شرط على العامل المضاربة في مال آخر ، أو يأخذ منه بضاعة أو قرضا ، أو يخدمه في شي‌ء بعينه ، فالوجه صحة الشرط ).

وجه الصحة : عموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وقوله 7 ( المؤمنون عند شروطهم ) (٢) وليس الشرط محرما ولا منافيا لمقتضى العقد.

وقال الشيخ في المبسوط : إذا دفع إليه ألفا قراضا على أن يدفع إليه ألفا بضاعة بطل الشرط ، لأنّ العامل في المضاربة لا يعمل عملا بغير جعل ولا قسط من‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.


______________________________________________________

الربح ، وإذا بطل الشرط بطل القراض ، لأنّ قسط العامل يكون مجهولا ، لأنّ المالك إنّما جعل له النصف بشرط أن يعمل له عملا مجانا ، فينتقص من حصة العامل قدر ما يزيد فيه لأجل البضاعة ، وهو مجهول (١).

ثم قال : ولو قلنا القراض صحيح والشرط جائز ـ لكنه لا يلزم الوفاء به ، لأنّ البضاعة لا يلزم القيام بها ـ كان قويا (٢). وجزم ابن البرّاج بفساد القراض والشرط (٣).

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن المصنف (٤) وجماعة (٥) قد صرّحوا بصحة القراض والشرط ، وصرّح في التحرير بأنّه لا يلزمه الوفاء به (٦) ، وهو حق ، فأن العقد جائز من الطرفين ، لكن لم يذكروا حكم ما إذا عمل العامل ولم يف بالشرط وظهر ربح ، والذي يقتضيه النظر أنّ للمالك الفسخ ، لفوات ما جرى عليه التراضي ، فيكون للعامل أجرة المثل وللمالك الربح كله.

وقول المصنف : ( ولو شرط على العامل المضاربة في مال آخر ) المراد به : مضاربة المالك العامل بحيث يدفع اليه المالك مالا آخر للمضاربة ، وكذا قوله : ( أو يأخذ منه بضاعة ) وقوله ( أو يخدمه في شي‌ء بعينه ) ، وعبارة المبسوط صريحة في ذلك (٧) ، الا انه لو شرط ذلك من طرف العامل على المالك فالحكم كما هنا بغير تفاوت ، إلاّ أنّ‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٩٧.

(٢) المبسوط ٣ : ١٩٧.

(٣) المهذب ١ : ٤٦٦.

(٤) المختلف : ٤٨٣.

(٥) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣١٨ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٤٥ ، وولد العلامة فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ٣٢٠.

(٦) تحرير الأحكام ١ : ٢٧٩.

(٧) المبسوط ٣ : ١٩٧.


الثاني : المتعاقدان ، ويشترط فيهما : البلوغ ، والعقل ، وجواز التصرف.

ويجوز تعددهما ، واتحادهما ، وتعدد أحدهما خاصة ، وأن يكون الدافع رب المال أو من أذن له ،

______________________________________________________

الفسخ هنا بعد العمل ـ إذا لم يحصل الوفاء بالشرط ـ يكون للعامل ، لأنّه إنّما رضي بالحصة القليلة مع هذا الشرط.

قوله : ( الثاني : المتعاقدان ، ويشترط فيهما : البلوغ ، والعقل ، وجواز التصرف ).

احترز به عن السفيه والمفلس والعبد.

قوله : ( ويجوز تعدّدهما ، واتحادهما ، وتعدّد أحدهما خاصة ).

المراد : تعدّد المالك والعامل ، ف ( تعدّد أحدهما ) هو : تعدّد المالك أو العامل.

فإذا تعدّد العامل اشتراط تعيين الحصة لكل منهما ، ولا يجب تفصيلها ، بل يجوز أن يجعل النصف لهما ، فيحكم بالنصف لهما معا بالسوية ، لاقتضاء الإطلاق ذلك ، وأصالة عدم التفصيل ، وبه صرّح في التذكرة (١) ، وان فاوت بينهما صحّ عندنا ، واشترط التعيين قطعا.

وإن تعدّد المالك ، فإن استويا في الحصة للعامل ، صحّ ولم يشترط قدر ما لكلّ منهما. وإن تفاوتا ، وجب تعيين الحصة من كلّ منهما ، ومعرفة قدر ما لكلّ واحد منهما ، للجهالة بدونه.

قوله : ( وأن يكون الدافع ربّ المال أو من أذن له ).

لأنّ غيرهما ممنوع من التصرف ، وهذا العقد قابل للاستنابة ، فجاز التوكيل فيه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٠.


فلو ضارب العامل غيره بإذن المالك ( أو وكيله خ ) صح وكان الأول وكيلا ، فإن شرط لنفسه شيئا من الربح لم يجز ، لأنه لا مال له ولا عمل.

وإن ضارب بغير إذنه بطل الثاني ، فإن لم يربح ولا تلف منه شي‌ء ردّه على المالك ولا شي‌ء له ولا عليه.

وإن تلف في يده طالب المالك من شاء منهما ، فإن طالب الأول رجع على الثاني مع علمه ، لاستقرار‌ التلف في يده ،

______________________________________________________

قوله : ( فلو ضارب العامل غيره بإذن المالك صحّ وكان وكيلا ، فان شرط لنفسه شيئا من الربح لم يصح ، لأنّه لا مال له ولا عمل ).

إن قيل : مضاربة آخر بأقل من الحصة المشروطة له عمل ، فيستحق الزائد.

قلنا : ليس هو من اعمال المضاربة ، لأنّ أعمالها التجارة بالمال لا المعاملة عليه.

قوله : ( وإن ضارب بغير إذنه بطل الثاني ).

لم أجد التصريح بكون العقد هنا فضوليا يقف على الإجازة فيصحّ معها ، إلاّ أنّه متجه ، لأنّ العقد اللازم إذا لم يقع باطلا لكونه فضوليا ، فالجائز أولى.

قوله : ( فإن لم يربح ولا تلف منه شي‌ء ، ردّه على المالك ولا شي‌ء له ولا عليه ).

كما يجب الردّ على العامل الثاني ، كذا يجب على العامل الأول ، لعدوانه بالتسليم ، ولأنّ ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) (١) والمالك بالخيار في مطالبة كل منهما بالرد.

قوله : ( وان تلف في يده ، طالب المالك من شاء منهما ، فان طالب الأول رجع على الثاني مع علمه ، لاستقرار‌ التلف في يده ).

__________________

(١) سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مستدرك الحاكم النيسابوري ٢ : ٤٧.


وكذا مع عدم علمه على إشكال ينشأ من الغرور.

وإن طالب الثاني رجع على الأول مع جهله على اشكال لا مع علمه

______________________________________________________

وكونه غاصبا ، حيث إنّه استقل بإثبات اليد على مال الغير عدوانا مع علمه بالحال.

قوله : ( وكذا مع عدم علمه على اشكال ، ينشأ من الغرور ).

أي : وكذا يرجع الأول على الثاني مع عدم علمه بالحال على إشكال ، ينشأ : من استقرار التلف في يده ، ومن أنّه مغرور ، حيث دخل على أنّه غير ضامن بالتلف ، بناء على أنّ المال للعامل الأول ، فيكون قرار الضمان عليه ، لأنه غارّ ، وقد دخل معه على عدم الضمان بالتلف ، وهو الأصح ، والاشكال ضعيف جدا.

وقد سبق في الغصب جزم المصنف بأنّ من ترتّبت يده على يد الغاصب ، ولم يكن في الصورة يد ضمان كالمرتهن ، يكون قرار الضمان مع التلف على الأول ، وهو الغاصب.

لا يقال : العامل الأول ليس بغاصب ولا يده يد عدوان ، وإنّما تعدّى بالتسليم بدون إذن المالك.

لأنّا نقول : الحكم في الموضعين واحد ، وكذا دليلهما ، بل لو ظهر استحقاق مال المضاربة وقد تلف في يد العامل بغير تعدّ ، فقرار الضمان على الدافع ، لأنّه دخل معه على أنّ التلف بغير تفريط يكون منه ، لأن ذلك حكم المضاربة ، فيجب الوفاء به ، ولا ريب أنّ الجاهل بالغصب أولى بعدم استقرار الضمان من المقدم على العدوان.

قوله : ( وإن طالب الثاني رجع على الأول مع جهله على إشكال ).

ينشأ ممّا ذكرناه ، والأصح الرجوع ، لما بيناه.

قوله : ( لا مع علمه ).

لأنه حينئذ غاصب ، وقد استقر التلف في يده ، فيكون قرار الضمان عليه.


وان ربح فللمالك خاصة.

وفي رجوع الثاني على الأول بأجرة المثل احتمال. ولو قيل : إن كان الثاني عالما بالحال لم يستحق شيئا ، وإن جهل فله اجرة المثل على الأول كان وجها.

______________________________________________________

قوله : ( وإن ربح فللمالك خاصة ، وفي رجوع الثاني على الأول بأجرة المثل احتمال ).

وجه الاحتمال : أنّه لم يتبرع بالعمل ، لأنّه إنّما عمل في مقابل الحصة ، فحيث لم تسلم له وجبت اجرة المثل ، والعامل الأول هو الذي عامله ، فكان له مطالبته بها.

قوله : ( ولو قيل : إن كان الثاني عالما بالحال لم يستحق شيئا وإن جهل فله اجرة المثل على الأول ، كان وجها ).

سوق العبارة يفهم منه أنّ الاحتمال الذي ذكره سابقا آت على كلّ من تقديري : علمه بالحال وجهله ، حيث أطلق أولا وفصّل ثانيا ، ولا شك في أنّه إذا كان عالما لا يستحق اجرة ، وقد صرّح بذلك في التذكرة (١).

ويمكن أن لا يريد الإطلاق في الأول ، وإن كان ظاهر اللفظ ، بل يكون مراده مجي‌ء الاحتمال في صورة الجهل.

ووجه الاستحقاق ما سبق ، ووجه العدم : أنّ العامل إنّما يستحق الحصة من الربح ، وعلى تقدير عدم حصولها لا يستحق شيئا ، وهذا الربح في حكم المعدوم ، كذا قال الشارح الفاضل (٢).

وفيه نظر : لأنّ ذلك مع عدم حصول ربح أصلا ، لا مع استحقاق شخص آخر له ، على أنّ هذا لو تم لكان حق العبارة أن لا يذكر العالم في قوله : ( ولو قيل ) إلاّ أن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٠.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٠٥.


ويحتمل عدم لزوم الشراء إن كان بالعين ، وإن كان في الذمة احتمل اختصاص الثاني به ، والقسمة بينه وبين العامل الأول في النصف ، واختصاص المالك بالآخر إن كان الأول شرط على الثاني أنّ للمالك النصف والآخر بينهما ).

______________________________________________________

يقال : لو لم يذكره لأوهم الاستحقاق مطلقا ، فلما قيده لدفع الوهم حصل خلل آخر.

قوله : ( ويحتمل عدم لزوم الشراء إن كان بالعين ، وإن كان في الذمّة احتمل : اختصاص الثاني به ، والقسمة بينه وبين العامل الأول في النصف واختصاص المالك بالآخر إن كان الأول شرط على الثاني أنّ للمالك النصف والآخر بينهما ).

هذا الاحتمال في مقابل إطلاق قوله : ( وإن ربح فللمالك خاصة ) إذ ليس في العبارة ما يصلح أن يكون مقابلا له سواه ، ومقابلته إياه تقتضي أن يكون حكمه بأنّ الربح للمالك سابقا مطلقا ، سواء وقع الشراء بالعين أو في الذمة ، وسواء نوى بالشراء نفسه أو المالك أو العامل الأول ، وقد أطلق العبارة بكونه للمالك في التذكرة (١) كما أطلق هنا ، وذكره في التحرير احتمالا (٢) وتخريجه إنّما يستقيم على القول بأنّ ما يربحه الغاصب إذا اشترى في الذمة وسلم المغصوب يقع للمالك ، لأنّ العامل الثاني غاصب إن كان عالما ، وإلاّ فالغاصب هو الأول ، وهو القول القديم للشافعي (٣) ، أما على القول بأنّ الربح في هذه الصورة يقع للغاصب ، فلا وجه لهذا أصلا.

وإذا وقع الشراء بالعين فهو كشراء الفضولي ، ووجه هذا الاحتمال : أنّ الشراء بالعين حيث إنّه كشراء الفضولي ، وجب أن لا يكون لازما ولا نافذا ، بل يقع موقوفا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٠.

(٢) التحرير ١ : ٢٧٨.

(٣) المجموع ١٤ : ٣٧٠ ، الوجيز ١ : ٢٢٤.


______________________________________________________

على الإجازة من المالك.

وأمّا وجه الاحتمال الأول من الاحتمالين اللذين ذكرهما فيما إذا كان الشراء في الذمة ، فلأنّ الشراء إذا كان في الذمة ولم يذكر المشتري أحدا يقع له ، فيستحق الربح كله.

ووجه الثاني في كلام المصنف : أنّه اشترى للمضاربة ، فوجب أن يقع الشراء لها على حكمها ، فيكون للمالك النصف ، والنصف الآخر بين العامل الأول والثاني ، إذا شرط الأول على الثاني ذلك.

إلاّ أنّ في هذا مناقشتين :

إحداهما : أنّ المتبادر من العبارة أن الاحتمالين المذكورين متعلقهما واحد ، وليس كذلك ، لأنّ الثاني متعلقة ما إذا علم العامل الثاني بالحال وجرى الشرط عليه كذلك ، وفرض المسألة الأولى أعم.

الثانية : إنّ المصنف قد أسلف أنّ العامل الأول إذا شرط لنفسه شيئا من الربح لا يستحق شيئا أصلا ، لأنّه لا مال له ولا عمل ، وجزم بذلك. فكيف يتوجّه هذا الاحتمال؟

ويجاب عن هذا : بأنّ الجزم بالحكم لا ينافي احتمال مقابله ، أو أنّ ما ذكره سابقا بناء على أنّ الشراء بعين المال ـ لأنّ وضع المضاربة على ذلك ـ وما هنا على فرض كون الشراء في الذمة.

ولو سكت عن قوله : ( إن كان الأول شرط على الثاني أنّ للمالك النصف الى آخره ) لكان أولى ، ويكون هذا هو ما بناه الشيخ ; في المبسوط (١) ، على أنّ ربح الغاصب كلّه لربّ المال ، معللا بأنّ المالك دخل على أن له النصف ، فلا يستحق أكثر ممّا شرط لنفسه ، بخلاف الغاصب ، لأنّ ربّ المال لم يشترط لنفسه أخذ النصف فقط ،

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٨١.


______________________________________________________

فيكون النصف الآخر بين العامل الأول والثاني نصفين ، إن كانت المضاربة بينهما بالنصف ، وإلاّ فعلى حكم ما اشترطاه ، لأنّ الشرط إنّما جرى على الربح الحاصل ، ولم يحصل إلاّ النصف ، لأنّ النصف الآخر لاستحقاق المالك إياه كأنّه لم يحصل.

لكن على هذا هل يستحق العامل الثاني على الأول نصف أجرة المثل مع جهله بالحال؟ يحتمل ذلك ، لأنّه دخل على أنّ نصف جميع الربح مثلا له ، وقد فات نصفه ، فيجب نصف أجرة المثل. ويحتمل العدم ، لأنّ النصف المصروف الى المالك بمنزلة المعدوم.

إذا تقرر هذا ، فاعلم : أنّ ما ذكره على كل من الاحتمالات لا يجري على أصولنا ، لأنّ الحكم بأنّ ربح ما اشتراه الغاصب في ذمته للمالك ليس مذهبا لنا ، واستحقاق العامل الأول مع أنّه لا مال له ولا عمل كذلك.

والتحقيق أن نقول : إما أن يكون الشراء بالعين أو في الذمة ، فإن كان بالعين وقف على إجازة المالك ، فإن أجاز فالربح كلّه له ، لوقوع البيع حينئذ له ، وللعامل الثاني على الأول أجرة المثل مع جهله.

وإن كان في الذمة ، فإن لم ينو أحدا ، وقع الشراء له وضمان المال عليه ، لتعديه لمخالفة مقتضى المضاربة وإن صرّح بالمالك وقف على إجازته كالعين ، وكذا لو نواه على احتمال قريب ، لأنّ العقود تابعة للقصود ، وإن صرّح بالعامل الأول ، وقع له بالإذن سابقا ، أو بالإجازة مع عدمه ، وكذا لو نواه على الاحتمال ، فيقع الربح له (١) وعليه (٢) الأجرة للثاني مع جهله ، إن لم يتعدّ مقتضى المضاربة ، لا أن تعدّى ، ويكون‌

__________________

(١) أي : للأول.

(٢) اي : على الأول.


ولو شرط المريض للعامل ما يزيد عن اجرة المثل لم يحتسب الزائد من الثلث ، إذ المقيّد بالثلث التفويت وليس حاصلا ، لانتفاء الربح حينئذ.

وهل المساقاة [ كذلك ]؟ إشكال ، ينشأ : من كون النخلة تثمر بنفسها فهي كالحاصل.

______________________________________________________

المال حينئذ (١) مضمونا عليه (٢) ، فيكون القرار مع التلف عليه.

قوله : ( ولو شرط المريض للعامل ما يزيد على أجرة المثل ، لم يحتسب الزائد من الثلث ، إذ المقيد بالثلث التفويت ، وليس حاصلا هنا ، لانتفاء الربح حينئذ ).

المراد : أنّ المريض في مرض الموت لو عامل على شي‌ء من ماله مضاربة ، وشرط للعامل ما يكون حاصله أزيد من أجرة المثل لعمله صحت المضاربة والشرط ، ولم يحتسب الزائد من المشروط عن أجرة المثل من الثلث المستثنى للمريض التصرف فيه ، بل يكون ذلك ماضيا بكل حال.

وذلك لأنّ المحسوب من الثلث من المتبرعات ، والمقيّد جوازه بكونه ثلثا فما دون من التصرفات إنّما هو التصرف المتضمن لتفويت شي‌ء من مال المريض ، وذلك منتف هنا ، لأنّ الربح أمر معدوم متوهم الحصول وليس مالا للمريض ، وإذا حصل بسعي العامل بعد المعاملة ، حدث القدر المشروط منه على ملكه ، فلم يكن للمريض ولا للورثة في ذلك استحقاق ليعتبر كونه من الثلث.

قوله : ( وهل المساقاة كذلك؟ إشكال ، ينشأ من كون النخلة تثمر بنفسها فهي كالحاصل ).

بخلاف الدراهم فإنّها لا تربح بنفسها من دون استرباح.

__________________

(١) اي : حين التعدي.

(٢) اي : على الثاني.


وإذا فسد القراض بفوات شرط نفذت التصرفات وكان الربح بأجمعه للمالك ، وعليه للعامل اجرة المثل إلاّ إذا فسد ، بإن شرط جميع الربح للمالك ففي استحقاق الأجرة إشكال ينشأ : من رضاه بالسعي مجانا.

______________________________________________________

ومن أنّه لم يتلف من تركته شيئا ، لأنّ الثمرة ليست مالا حال المعاملة ، وإذا حدثت ، حدثت على ملك العامل والمريض ، فلم يكن المشروط مالا للمريض ، وهذا أقوى.

والفرق بين هذا والذي قبله ـ بأنّ النخلة تثمر بنفسها ـ ضعيف.

أمّا أولا : فلأنّ لسعي العامل أثرا بينا في ذلك ، بل ربما لا يحصل شي‌ء يعتد به بدون العمل.

وأمّا ثانيا : فلأنّ المتوقع حصوله لا يعدّ مالا ، ولا يحسب تفويته على أحد من غاصب ومريض وغيرهما ، فان المريض لو وهب نخلة أو أتلفه لم يحسب عليه الثمرة قطعا ، وإن كان قد قرب زمان ظهورها جدا ، مع أنّه لو تركها لأثمرت عادة ، وكذا الغاصب. وليس المتنازع فيه بزائد على ذلك ، فإنه أحدث ما منع من حدوث الثمرة بتمامها على ملكه.

قوله : ( وإذا فسد القراض بفوات شرط ، نفذت التصرفات ، وكان الربح بأجمعه للمالك ، وعليه للعامل أجرة المثل ).

إنّما نفذت التصرفات لإذن المالك فيها ، وهذا يقتضي اعتبار الإذن الواقع في العقد الفاسد.

قوله : ( إلاّ إذا فسد : بأن شرط جميع الربح للمالك ، ففي استحقاق الأجرة إشكال ، ينشأ من رضاه بالسعي مجانا ).

ومن حيث إطلاقهم أنّه إذا فسد القراض كان الربح للمالك وللعامل أجرة المثل.


الثالث : رأس المال ، وشروطه أربعة :

الأول : أن يكون نقدا ، فلا يصح القراض بالعروض ، ولا بالنقرة ، ولا بالفلوس ، ولا بالدراهم المغشوشة.

ولو مات المالك وبالمال متاع فأقره الوارث‌ لم يصح.

______________________________________________________

ويضعّف : بأنّ ذلك على تقدير أن لا يدخل بشرط أن لا عوض لعمله ، فإذا دخل على ذلك كان متبرعا وإنّما قلنا : أنّه دخل على ذلك ، لأنّ عوض القراض الصحيح منحصر في الحصة من الربح قطعا ، فإذا دخل على أنّه صحيح ولا حصة له ، فقد دخل على أنّه لا عوض لعمله ، فكيف يستحق أجرة؟ وهو الأصح.

قوله : ( أن يكون نقدا ، فلا يصح القراض بالعروض ولا بالنقرة ، ولا بالفلوس ، ولا بالدراهم المغشوشة ).

العروض بضم العين جمع عرض بفتحها ساكن الوسط ويحرك ، وهو : المتاع وكلّ شي‌ء سوى النقدين ، ذكر ذلك في القاموس. (١)

والنقرة بضم أوله : القطعة المذابة من الذهب والفضة.

والمراد بالنقد : الدراهم والدنانير المضروبة المسكوكة ، وإنّما لا يصح بالدراهم المغشوشة إذا لم تكن معلومة الصرف بين الناس ، فان علم صرفها وجرت في المعاملة ، جازت المضاربة عليها ، سواء كان الغش أقل أو أكثر ، خلافا لأبي حنيفة (٢) ، وما عدا ذلك لا تصح المضاربة عليه بإجماعنا واتفاق أكثر العامة (٣).

قوله : ( ولو مات المالك وبالمال متاع ، فأقرّه الوارث‌ لم يصح ).

__________________

(١) القاموس ٢ : ٣٣٤.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٨٢ ، الوجيز ١ : ٢٢١.

(٣) المجموع ١٤ : ٣٦١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٨٢.


ولو دفع شبكة للصائد بحصة فالصيد للصائد وعليه أجرة الشبكة.

الثاني : أن يكون معيّنا فلا يجوز على دين في الذمة.

ولو قال له : اعزل المال الذي لي عليك وقد قارضتك عليه ففعل‌

______________________________________________________

لالمراد : أنّ الوارث أقرّه على كونه عاملا بعقد مستأنف [ لا ] (١) بالعقد الأول ، لامتناع اعتباره ، لأنّ المالك الآن غير العاقد ، وقد انفسخ العقد بموته ، لأنّه جائز من الطرفين.

وإنّما لم يصح إقراره بعقد مستأنف ، لفقد شرط رأس المال ، فإنّ الفرض أنّه ليس نقدا (٢).

قوله : ( ولو دفع شبكة للصائد بحصة ، فالصيد للصائد وعليه أجرة الشبكة ).

هذا بناء على أنّ التوكيل في تملك المباح لا يتصور ، أو أنّ العامل لم ينو بالتملك إلاّ نفسه. فلو نوى بالحيازة الملك له ولصاحب الشبكة ، وقلنا بحصول الملك بذلك ، كان لكلّ منهما الحصة المنوية له ، وعلى كل منهما للآخر من اجرة مثل الصائد والشبكة بحسب ما أصابه من الملك.

قوله : ( الثاني : ان يكون معينا ، فلا يجوز على دين في الذمة )

قال في التذكرة : لا نعلم فيه خلافا (٣).

قوله : ( ولو قال له : اعزل المال الذي لي عليك وقد قارضتك عليه ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « ك‍ » و « ه‍ » ، وأثبتاه من الحجرية لاختلال المعنى بدونه.

(٢) في « ه‍ » : فإن العرض ليس نقدا.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ٢٣١.


واشترى بعين المال للمضاربة فالشراء له ، وكذا إن اشترى في الذمة.

ولو أقرضه ألفا شهرا ثم [ هو ] بعده مضاربة لم يصح ، ولو قال : ضارب به شهرا ثم هو قرض صح.

______________________________________________________

ففعل واشترى بعين المال للمضاربة فالشراء له ، وكذا إن اشترى في الذمة ).

لا يخفى بطلان القراض ، لوقوعه على الدين لأنّه وقع قبل العزل.

ثم إنّ الأمر بالعزل لا يقتضي تعيين الدين ، فيكون باقيا في ذمة المديون والمعزول له ، فإذا اشترى للمضاربة بعين المال ، كان الشراء له ، لأن المال ملكه ، ونية القراض لا أثر لها في الشراء بملكه ، وكذا إن اشترى للقراض في الذمة ودفع المال ، لأنّ المأذون فيه هو الشراء للقراض لينقد فيه مال القراض ، وقد تقرّر أنّ المال الذي في يده له ، فإذا اشترى وقع الشراء له ، كذا قرّر في التذكرة (١).

ولقائل أن يقول : لم لا يكون الشراء فضوليا يتوقف على الإجازة؟ لأنّه قد نواه ، والعقود بالقصود.

قوله : ( ولو أقرضه ألفا شهرا ثم هو بعده مضاربة لم يصح ، ولو قال : ضارب به شهرا ثم هو قرض صح ).

المراد : أنّ المضاربة لا تصح في الأول ، بل لا بدّ من تجديد عقد بعد الشهر وقبضه من يد المقترض ، لأن القراض على عوض هذا القرض وقت حصوله ، فلا تصح هذه الصيغة ، إذ ليس يحق الآن ، وإنّما هو آئل الى أن يصير حقا ودينا. بخلاف ما لو قال : ضارب به شهرا ثم هو قرض ، والمراد أن يقول : خذه مضاربة شهرا كما لا يخفى ، فإن المضاربة تصح هنا ، لصدور العقد من أهله في محله مستوفيا لشروطه ، لأنّه المفروض.

هذا حال المضاربة ، وأمّا حال القرض ، فالظاهر صحته في الصورتين :

أمّا في الأولى ، فلأنّه لا مانع منه إلاّ ما يتخيل من ضميمة المضاربة الفاسدة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٢.


ولو قال : خذ المال الذي على فلان وأعمل به مضاربة لم يصح ما لم يجدّد العقد ، وكذا لو قال : بع هذه السلعة فإذا نضّ ثمنها فهو قراض.

ولو كان وديعة أو غصبا عند فلان صح.

ولو كان قد تلف‌ لم يصح،

______________________________________________________

اليه ، ولا أثر لها في ذلك ، لأنّها لم تقع على وجه الشرط ، وإذا بطلت إحدى المعاملتين لم يجب أن تبطل الأخرى.

وأمّا في الثانية ، فكما لو آجره مدة غير متصلة بزمان العقد ، وفيه تردد. والمصنف لم يتعرض لحكم القرض في التذكرة ، وإنّما ذكر حكم المضاربة في الصورتين.

قوله : ( ولو قال : خذ المال الذي على فلان واعمل به مضاربة ، لم يصحّ ما لم يجدّد العقد ).

لفقد صحة القراض عند إيقاع العقد.

قوله : ( ولو كان وديعة أو غصبا عند فلان صحّ ).

أي : لو كان المال الذي قارض عليه عند فلان وديعة أو غصبا صحّ القراض إذا كان المال نقدا ، لأنّ كونه في يد الغير لا يمنع الصحة ، وثبوت الضمان في الغصب لا ينافي صحة القراض وإن كان في الأصل أمانة ، خلافا لبعض العامة (١) ، لأنّ الضمان قد يجامع القراض ، كما إذا تعدّى العامل في مال المضاربة. وكونه في الأصل أمانة لا يمنع ثبوت الضمان بسبب آخر.

وهل يمنع صحة القراض كون المال المغصوب غير مقدور على تسليمه وقت العقد ، بحيث إذا تجدّدت القدرة على التسليم يحتاج الى تجديد العقد؟

إطلاق المصنّف الصحة هنا وفي التذكرة (٢) يقتضي العدم ، وهو محتمل.

قوله : ( ولو كان قد تلف‌ لم يصح ).

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٣٦٣ ، المغني لابن قدامة ٥ : ١٩١.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٢٣١.


وكذا يصح لو كان في يده وديعة أو غصب لم يتلف عينه فضاربه المالك به ، والأقرب زوال الضمان بالعقد ، ويحتمل بقاؤه إلى الأداء ثمنا عما يشتريه.

______________________________________________________

أي : لو كان المال الذي عند فلان وديعة أو غصبا قد تلف وقت العقد ، لم يصحّ العقد وإن كان تلف الوديعة على وجه مضمون لفقد الشرط.

ولو تلف بعد العقد ، فهل يبقى القراض ، فيأخذ البدل حيث يجب على حكمه؟ يحتمل ذلك ، فإنّ ذهاب العين بعد صحة العقد لا يقتضي البطلان ، لأنّ بناء عقد المضاربة على إذهاب العين. ولو غصب المال غاصب فأتلفه ، فالحكم ما ذكرناه.

قوله : ( وكذا يصحّ لو كان في يده وديعة أو غصب لم تتلف عينه فضاربه المالك به ، والأقرب زوال الضمان بالعقد ، ويحتمل بقاؤه إلى الأداء ثمنا عمّا يشتريه ).

أي : لو ضارب الغاصب بالمال الذي في يده ، فلا كلام في الصحة.

وهل يزول الضمان؟ الأقرب عند المصنف ذلك ، لزوال العدوان بالإذن في إثبات اليد عليه ، وهو يقتضي زوال الضمان.

وفيه نظر ، لأنّ علّة الثبوت لا يجب أن يكون انتفاؤها علّة لزوال الحكم ، فإنّ علل الشرع معرّفات.

ولأنّ مال القراض أمانة ، فيجب زوال الضمان ، لامتناع ثبوته مع وجود المقتضي لكونه أمانة.

وفيه نظر ، لأنّ كونه أمانة إنّما هو بمقتضى القراض من حيث هو هو ، ولا يمتنع ثبوت الضمان بسبب آخر ، لأصالة عدم المنافاة ، ولأنّ الضمان قد يجامعه ، وذلك إذا تعدّى العامل.

لا يقال : العامل وكيل للمالك في التصرّف ، فيده يده ، والمال المضمون يسقط ضمانه بوصوله الى يد المالك.


ولو دفع اليه كيسين فقال : قارضتك على أحدهما والآخر وديعة ولم يعيّن ، أو قارضتك على أيهما شئت لم يصح.

الثالث : أن يكون معلوما ، فلا يصح على المجهول قدره ،

______________________________________________________

لأنّا نقول : في القراض معنى الوكالة وليس وكالة ، ويد العامل غير متمحّضة للمالك ، وإنّما هي يد مصلحتها عائدة إلى نفسه ، وهي الغرض الأصلي (١) له ، وإن تضمنّت مصلحة للمالك.

والأقرب بقاء الضمان ، للاستصحاب ـ حتى يحصل الناقل ـ ، ولقوله 7 : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » (٢) ، حكم باستمرار الضمان الى زمان الأداء ، أداء المال إلى البائع ثمنا ، لأنّ الضمان متعلق بالمدفوع وقد خرج عن الملك ، والمبيع مال تجدد على حكم الأمانة ، ولا خلاف في هذا.

قوله : ( ولو دفع اليه كيسين ، فقال : قارضتك على أحدهما والآخر وديعة ولم يعيّن ، أو قال : قارضتك على أيّهما شئت ، لم يصحّ ).

لانتفاء التعيين الذي هو شرط في القراض ، ولا فرق بين أن يكون كلّ من المالين اللذين في الكيسين مساويا للآخر جنسا وقدرا أولا ، خلافا لبعض الشافعية ، حيث حكم بالصحة مع التساوي (٣).

أمّا المشاع فيصح القراض به ، لأنّه معيّن ، وكذا الغائب عنهما وقت العقد ، وقد سبق مثله في المغصوب.

ولو أفرط البعد ، فظاهر إطلاقهم عدم منافاته الصحة.

قوله : ( الثالث : أن يكون معلوما ، فلا يصحّ على المجهول قدره ).

لأنّ جهالته تقتضي جهالة الربح ، ولأنّ المسامحة في الربح لامتناع العلم‌

__________________

(١) في « ه‍ » : الأعلى.

(٢) سنن البيهقي ٢ : ٩٥ ، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٤٧ ، مستدرك الوسائل ٣ : ١٤٥.

(٣) الوجيز ١ : ٢٢١ ، المجموع ١٤ : ٣٥٨.


وفي المشاهدة إشكال ، فإن جوزناه فالقول قول العامل مع يمينه في قدره.

الرابع : أن يكون مسلّما في يد العامل ، فلو شرط المالك أن تكون يده عليه لم يصح.

______________________________________________________

بقدره قبل حصوله واغتفار هذا النوع من الغرر للضرورة لا يقتضي المسامحة بكل جهالة ، فالعقود إنّما تستفاد بتوقيت الشارع. ولا فرق بين إمكان استعلامها بعد العقد وعدمه ، لأنّ ذلك لا يدفع الجهالة حال العقد ، ولأنّه ربّما طرأ ما يمنع العلم بقدرها.

قوله : ( وفي المشاهدة إشكال ، فإن جوّزناه فالقول قول العامل مع يمينه في قدره ).

ينشأ الإشكال : من زوال معظم الغرر بالمشاهدة ، ومن بقاء الجهالة معها. واكتفى الشيخ ; في المبسوط بالمشاهدة (١) ونفاه في الخلاف (٢) ، وهو الأصح ، اقتصارا على محلّ الدليل.

ولا يخفى أنّ القول قول العامل مع يمينه لو اختلف هو وربّ المال في قدره ، لأنّه منكسر ، سواء قلنا بالجواز مع المشاهدة أم لا ، فقول المصنف : ( فان جوّزناه الى آخره ) لا يخلو من شي‌ء.

قوله : ( الرابع (٣) : أن يكون مسلّما في يد العامل ، فلو شرط المالك أن تكون يده عليه لم يصحّ ).

لأنّ ذلك خلاف وضع المضاربة ، ويظهر من عبارة المصنف في التذكرة جواز جعل مال القراض في يد المالك ، فإنّه قال : الأقرب عندي أنّه لا يشترط في القراض إن يكون مسلّما إلى العامل ، بحيث تستقل يده عليه وينفرد بالتصرف فيه عن المالك‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٩٤.

(٢) الخلاف ٢ : ١١٦ مسألة ١٧ كتاب القراض.

(٣) أي : الشرط الرابع من الركن الثالث.


أما لو شرط أن يكون مشاركا في اليد ، أو يراجعه في التصرف ، أو يراجع مشرفه فالأقرب الجواز.

______________________________________________________

وغيره ، فلو شرط المالك أن يكون الكيس في يده يوفي الثمن منه إذا اشترى العامل شيئا جاز (١). وهذا مخالف لما هنا ، لأنّه منع الاستقلال باليد وجوز المشاركة ، وما ذكره في التذكرة يقتضي جواز استقلال المالك باليد من دون العامل إذا عرفت ذلك فاعلم : أنّ الاحتجاج على عدم جواز استقلال المالك باليد : بأنّه خلاف وضع المضاربة ، موضع تأمّل.

لأنّه إن أريد بوضع المضاربة مقتضى العقد ، فلا نسلّم أنّ العقد يقتضي ذلك ، لأنّه معاملة على المال بحصة من ربحه ، وهذا يتحقق مع كون المال في يد المالك ، والعامل يتردّد في الشراء والبيع وتوابعهما.

وإن أريد بالوضع أنّ الغالب في العادات ذلك ، لم يقدح ذلك في جواز المخالفة ، لأنّ جريان العادة بذلك لكون الغالب أمانة العامل ، فإذا اتفق كونه خائنا ، لم يمنع المالك من التوثق لماله.

ومع هذا فأول عبارة التذكرة يلوح من مفهومه أنّ العامل لا بد له من يد في الجملة ، ولا ريب أنّ مراعاة كونه ذا يد على المال ، أولى وأبعد من الريب.

قوله : ( أمّا لو شرط أن يكون مشاركا في اليد ، أو يراجعه في التصرف ، أو يراجع مشرفه ، فالأقرب الجواز ).

وجه القرب : أنّ هذه شروط سائغة لا تخالف الكتاب والسنّة ، فإن توثّق الإنسان على ماله بحفظه في يده أو يد من يثق به أمر مطلوب ، وقد تدعو الضرورة إلى الاستعانة بالخائن في المعاملات لحذقه ، ولو لم يشرع هذا الشرط لزم تضرر المالك : إمّا بتسليم ماله الى من لا يوثق به ، وإمّا بترك التجارة ، وكلاهما ضرر.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٢.


ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك جاز.

الرابع : العمل ، وهو عوض الربح ، وشروطه : أن يكون تجارة ، فلا يصح على الطبخ والخبز والحرف.

______________________________________________________

ويحتمل العدم ، لأنّه ربّما لم يجده عند الحاجة ، أو لم يساعده على رأيه ، فيفوّت عليه التصرف الرابح ، والقراض موضوع تمهيدا أو توسيعا لطريق التجارة ، ولذلك احتمل فيه ضروب من الجهالة ، فيصان عمّا يخل بمقصوده ، وينتقض ذلك بما إذا عيّن المالك له نوعا من التصرف ، فإنّه يجوز مع وجود المحذور فيه.

قوله : ( ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك جاز ).

لعموم : ( المؤمنون عند شروطهم ) (١) والمراد بالغلام هنا المملوك ، سواء شرط له حصة من الربح أم لا ، لأنّ المشروط حينئذ للمالك. أمّا الغلام الحر فإنّه عامل ، فيشترط فيه ما يشترط في العامل. ولو شرط أن يعمل معه المالك ، ففي صحته نظر.

قوله : ( الرابع : العمل ، وهو : عوض الربح ، وشرطه أن يكون تجارة ، فلا يصح على الطبخ والخبز والحرف ).

أي : شرط صحة عقد القراض أنّ يكون العمل المشروط على العامل الذي يقع عليه الحصة من الربح من جملة التجارة وتوابعها.

فلو قارضه على أن يشتري الحنطة ويطحنها ويخبزها ، والطعام ليطبخه ، والغزل لينسجه ، والثوب ليقصره أو يصبغه ، ونحو ذلك من الحرف والصنائع التي ليست تجارة ولا هي من توابعها ، لم يصحّ ، لأنّ وضع القراض على الاسترباح بالتجارة لا بالصنعة والحرفة.

ولو فعل العامل هذه الأعمال من غير شرط صحّ. ولا يخرج الدقيق ولا الخبز ولا المطبوخ ولا الثوب المنسوج أو المقصور أو المصبوغ عن كونه رأس مال القراض ،

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.


أما النقل والكيل والوزن ولواحق التجارة فإنها تبع للتجارة ، والتجارة : هي الاسترباح بالبيع والشراء لا بالحرف والصنائع.

وإذا أذن في التصرف وأطلق اقتضى الإطلاق ما يتولاه المالك من عرض القماش ، ونشره وطيه ، وإحرازه ، وبيعه ، وقبض ثمنه ، وإيداعه الصندوق ، واستئجار ما يعتاد الاستئجار له كالدلال والوزّان والحمّال.

ولو استأجر لما تجب عليه مباشرته فالأجرة عليه خاصة.

ولو عمل بنفسه ما يستأجر له عادة لم يستحق اجرة.

______________________________________________________

والقراض بحاله ، كما لو سمن عبد القراض أو تعلّم صنعة.

قوله : ( أمّا النقل والكيل والوزن ولواحق التجارة ، فإنّها تبع للتجارة ، والتجارة هي : الاسترباح بالبيع والشراء ، لا بالحرف والصنائع ).

فلو عقد القراض على ذلك وقع الموقع.

قوله : ( وإذا أذن في التصرّف وأطلق ، اقتضى الإطلاق ما يتولاه المالك : من عرض القماش ، ونشره ، وطيّه ، وإحرازه ، وبيعه ، وقبض ثمنه وإيداعه الصندوق ، واستئجار ما يعتاد الاستئجار له كالدلاّل والوزّان والحمّال. ولو استأجر لما يجب عليه مباشرته فالأجرة عليه خاصة. ولو عمل بنفسه ما يستأجر له عادة لم يستحق أجرة ).

لمّا كان القراض معاملة على المال للاسترباح به بالتجارة ، كان إطلاق العقد مقتضيا لفعل ما يتولاّه المالك في التجارة : من عرض القماش على المشترين والراغبين ، ونشره ، وطيّه ، وإحرازه ، وبيعه وقبض ثمنه ، وإيداعه الصندوق ، ووزن ما يخفّ كالذهب والمسك والعود ونحو ذلك.

وهذا النوع لو استأجر عليه كانت الأجرة عليه خاصة ، لأنّ ذلك عليه ، فعليه تحصيله بأيّ وجه كان.


ولو شرط عليه ما تتضيق التجارة بسببه لزم ، فان تعدّى ضمن ، كما لو شرط أن لا يشتري إلاّ ثوبا معيّنا ، أو ثمرة بستان معيّن ، أو لا يشتري إلاّ من زيد ، أو لا يبيع إلاّ عليه ، وسواء كان وجود ما عيّنه‌ عاما أو نادرا.

______________________________________________________

أمّا ما جرت العادة بالاستئجار عليه ـ كوزن الأمتعة الثقيلة وحملها ، ونقل المتاع الثقيل الى الحانوت والنداء عليه ـ فإنّ له أن يستأجر عليه ، حملا للإطلاق على المعتاد.

ولو عمل هذا النوع بنفسه لم يستحق أجرة ، لأنّه متبرع في ذلك ولو عمل على قصد الأجرة ففي الاستحقاق نظر.

وينبغي إن قلنا : إنّ الوكيل في البيع يجوز أن يبيع لنفسه ، والوكيل في الشراء يشتري من نفسه ، أن نقول بجواز استئجاره نفسه لذلك العمل هنا ، ولو أذن له المالك في ذلك فلا بحث.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم إنّ قول المصنف : ( وإذا أذن في التصرّف وأطلق ) يتبادر منه أنّه لا بد من إذن المالك للعامل في التصرّف.

وليس كذلك ، بل الإذن الذي تضمنه عقد القراض ، كاف ، وكأنّه أراد به ذلك ، وإن كان ظاهر العبارة قد يوهم خلافه ولو قال : ولو كان الإذن الذي تضمّنه العقد مطلقا الى آخره ، لانتفى هذا الإيهام.

وكذا قوله : ( واستئجار ما يعتاد الاستئجار له ) فيه تسامح ، وكان الأولى أن يقول : والاستئجار لما يعتاد الاستئجار له.

قوله : ( ولو شرط عليه ما تتضيّق التجارة بسببه لزم ، فإن تعدى ضمن ، كما لو شرط أن لا يشتري إلاّ ثوبا معينا أو ثمرة بستان معين ، أو لا يشتري إلاّ من زيد أو لا يبيع إلاّ عليه ، وسواء كان وجود ما عيّنه‌ عاما أو نادرا ).


ولو شرط الأجل لم يلزم ، ولو قال : إن مضت سنة فلا تشتر بعدها وبع صح ، وكذا العكس.

ولو قال : على أني لا أملك فيها منعك لم يصح.

ولو شرط أن يشتري أصلا يشتركان في نمائه كالشجر والغنم فالأقرب الفساد ، لأن مقتضى القراض التصرف في‌ رأس المال.

______________________________________________________

لا خلاف في جواز هذه الشروط ولزومها عندنا ، وإطلاق الأخبار الصحيحة يقتضي ذلك ، مثل صحيحة الحلبي عن الصادق 7 (١) وغيرها ، وخالف في ذلك الشافعي (٢) ومالك (٣).

قوله : ( ولو شرط الأجل لم يلزم ).

قد سبقت هذه المسألة ، وإنّما أعادها ليبني عليها.

قوله : ( ولو قال : إن مضت سنة فلا تشتر بعدها. وبع صحّ ، وكذا العكس ).

وجه الصحة : إنّه إذا كان له المنع من البيع والشراء بعد السّنة ، فله المنع من أحدهما خاصة بطريق أولى.

قوله : ( ولو قال : على أنّي لا أملك فيها منعك لم يصحّ ).

لأنّ القراض من العقود الجائزة من الطرفين ، لكلّ من المتعاقدين فسخه ، فإذا شرط عدم التمكن من المنع ، فقد شرط ما ينافي مقتضى العقد ، فكان فاسدا.

قوله : ( ولو شرط أن يشتري أصلا يشتركان في نمائه ، كالشجر أو الغنم ، فالأقرب الفساد ، لأنّ مقتضى القراض التصرف في‌ رأس المال ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٠ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ حديث ٨٣٨.

(٢) المجموع ١٤ : ٣٧٩ ، الوجيز : ٢٢٢.

(٣) المدونة الكبرى ٥ : ١١٩.


الخامس : الربح ، وشروطه أربعة :

الأول : أن يكون مخصوصا بالمتعاقدين ، فلو شرط جزء منه لأجنبي : فإن كان عاملا صح ، وإلاّ بطل.

ولو شرط لغلامه حصة معهما صح ، سواء عمل الغلام أو لا.

______________________________________________________

أي : لتحصيل الربح بالتصرف ، وفوائد ما ذكر تحصل من عين المال لا من تصرف العامل ، ولأنّ مقتضى القراض الاسترباح بالتجارة ، وليس موضع النزاع كذلك ، فلا يصحّ القراض عليه ، وهو الأصح.

ويحتمل ضعيفا الصحة ، لأنّ ذلك حصل بسعي العامل ، وهو شراؤه الشجر والغنم ، وذلك من جملة الاسترباح بالتجارة.

وضعفه ظاهر ، لأنّ الحاصل بالتجارة هو زيادة القيمة لما وقع عليه العقد ، لا نماؤه الحاصل مع بقاء عين المال. فعلى الفساد يصح الشراء بالإذن ويكون النماء بأجمعه للمالك ، لأنّه نماء ملكه ، وعليه أجرة المثل للعامل.

قوله : ( الخامس : الربح ، وشروطه أربعة :

الأول : ان يكون مخصوصا بالمتعاقدين ، فلو شرط جزءا منه لأجنبيّ ، فإن كان عاملا صحّ ، وإلاّ بطل ).

المراد بالأجنبي : من عدا المتعاقدين ، وإنّما لم يصحّ إذا لم يكن عاملا ، لأنّه خلاف وضع القراض ، لأنّ وضعه على أنّ الربح للمالك بماله وللعامل بعمله.

والمراد بكونه عاملا : اشتراط شي‌ء من العمل عليه في مقابل الربح المشروط له ، ولا بدّ من تعيين العمل المشترط عليه ، وكونه من أعمال التجارة.

قوله : ( ولو شرط لغلامه حصة معهما صحّ سواء عمل الغلام أو لا ).

المراد بالغلام هنا : العبد ، فإنّ المشروط له مشروط لسيّده في الحقيقة ، ومن ثمّ‌


الثاني : أن يكون مشتركا ، فلو قال : خذه قراضا على ان الربح لك أو لي بطل. أما لو قال : خذه فاتجر به على أن الربح لك كان قرضا ، ولو قال : على أن الربح‌ لي كان بضاعة.

______________________________________________________

لم يشترط أن يعمل ، بخلاف الحرّ ، فإنّه لكون المشروط يقع له ، يشترط أن يكون عاملا. ولا فرق في ذلك بين كون الحصة المشروطة لغلام المالك أو لغلام العامل ، لما قدّمناه ، وعبارة الكتاب تحتمل الأمرين.

قوله : ( الثاني : أن يكون مشتركا ، فلو قال : خذه قراضا على أنّ الربح لك أو لي ، بطل ).

لأنّ مقتضى القراض الاشتراك في الربح ، فإذا شرط خلاف مقتضاه بطل العقد ، فيكون قراضا فاسدا تجري عليه أحكامه.

وفي وجه للشافعية (١) أنّه يصحّ قرضا في الصورة الاولى وبضاعة في الثانية ، نظرا إلى المعنى : فعلى الأول الربح كلّه للمالك ، وعليه اجرة المثل للعامل في الصورة الأولى إجماعا دون الثانية على الأصح كما تقدم ، والمال أمانة في يده.

وعلى الثاني يكون الربح للعامل والمال مضمون عليه في الصورة الأولى خاصة.

وينبغي أن يكون هذا إذا لم يقصد القرض ، فإن قصده فقبل العامل صحّ ، لأنّ صحة القرض يكفي فيها اللفظ الدالّ على تمليك المال بعوض فيترتب عليه حكمه. ولو حكمنا بالفساد ، لكان المال مضمونا ولم يملك الربح.

قوله : ( أمّا لو قال : خذه فاتّجر به على أنّ الربح لك ، كان قرضا ، ولو قال : على انّ الربح‌ لي كان بضاعة ).

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٣٦٦.


الثالث : أن يكون معلوما ، فلو قال : على أن لك مثل ما شرطه فلان لعامله ولم يعلمه أحدهما بطل.

ولو قال : على أن الربح بيننا فهو تنصيف ، وكذا : خذه على‌

______________________________________________________

بخلاف ما سبق ، والفرق : التصريح بكونه قراضا في الأول دون ما هنا.

وينبغي أن يكون هذا الحكم إذا أطلق المال ولم يقصد شيئا غير مقتضى اللفظ ، فإن قصد القراض فكما سبق. ولو وقع النزاع بينه وبين العامل ، احتمل ترجيح جانب العامل ، عملا بظاهر اللفظ.

قوله : ( الثالث : أن يكون معلوما ، فلو قال : على ان لك مثل ما شرطه فلان لعامله ولم يعلمه أحدهما ، بطل ).

المراد : وجهله أحدهما ، سواء أمكن استعلامه بعد ذلك أم لا ، لفقد الشرط حال العقد.

فإن قيل : سيأتي إن شاء الله تعالى : أنّ جهلهما بالحساب في المسائل الآتية لا يضرّ ، فما الفرق؟

قلنا : لعلّه تخيّل أنّ شرط فلان لا يوثق باستعلامه ، لإمكان تعذّر الوصول إليهما بموت أو غيبة أو نسيانهما ، بخلاف جهلهما بالحساب ، للقطع بإمكان الاستعلام.

قوله : ( ولو قال : على أنّ الربح بيننا ، فهو تنصيف ).

لأصالة عدم التفاضل ، مع استواء نسبتهما إلى السبب المقتضي للاستحقاق ، وقد سبق مثله غير مرة.

وللشافعية (١) وجه بالبطلان ، لأنّ البينيّة تصدق مع التفاوت.

وفيه نظر ، لأنّ الكلام في حال الإطلاق ، ولا يخفى أنّ الذي يقتضيه الدليل ذلك ، كما لو أقرّ مقرّ بأنّ المال بين هذين.

قوله : ( وكذا : خذه على‌ النصف ).

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٣٦٥.


النصف ، أو على أن لك النصف وإن سكت عن حصته.

أما لو قال : على أن لي النصف وسكت عن حصة العامل بطل على إشكال.

ولو قال : على أن لك الثلث ولي النصف وسكت عن السدس‌ صح ، وكان للمالك.

______________________________________________________

أي : هو تنصيف فيصحّ. وفيه نظر ، لأنّ الشرط يحتمل كونه للمالك ، فيكون العامل مسكوتا عن نصيبه ، والأصح فيه البطلان على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وتخيّل أنّ المحتاج إلى الاشتراط هو حق العامل ، ـ فيحمل الإطلاق عليه ـ ضعيف ، لأنّ الاحتياج إلى تعيينه لا يكفي في كون المذكور مختصا به ، إذ استدعاء المقام لا دلالة [ له ] (١) على قصد المتعاقدين.

قوله : ( أو على أنّ لك النصف وإن سكت عن حصته ).

أي : عن حصة نفسه ، إذ العاقد هو المالك ، والربح كلّه حق له ، فإذا شرط بعضه للعامل ، بقي الباقي له بحكم الأصل كما سبق.

قوله : ( أمّا لو قال : على أنّ لي النصف وسكت عن حصة العامل. بطل على إشكال ).

ينشأ : من فهم أنّ المسكوت عنه للعامل ، نظرا إلى العرف ، وتخصيص استحقاقه النصف بالذكر.

ومن ضعف دلالة المفهوم ، ومنع استقرار العرف على ذلك ، ولا يكفي لثبوت الشرط أمثال هذه التوهمات ، والأصحّ البطلان.

قوله : ( ولو قال : على انّ لك الثلث ولي النصف وسكت عن السدس ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين لم يرد في نسختي « ك‍ » و « ه‍ » وأثبتناه من الحجري لاقتضاء السياق له.


ولو قال : خذه مضاربة على الربع أو الثلث صح ، وكان تقدير النصيب للعامل.

ولو قال : لك ثلث الربح وثلث ما بقي صح ، وكان له خمسة أتساع ، لأنه معناه.

ولو قال : لك ثلث الربح وربع ما بقي فله النصف.

______________________________________________________

صحّ وكان للمالك ).

لتعارض المفهومين ، فيبقى أصل الاستحقاق بغير معارض.

قوله : ( ولو قال : خذه مضاربة على الربع أو الثلث صحّ ، وكان تقدير النصيب للعامل ).

هذه هي المسألة التي سبقت آنفا ، لكن غاير الغرض هنا وزاد التعليل.

ومعناه : أنّ النصيب المقدّر منزّل على أنّه للعامل ، لأنّه المحتاج إلى تقدير نصيبه دون المالك ، لاستحقاقه بالأصل ، وقد سبق ما يغني عن الإعادة. والمتّجه في الموضعين البطلان.

قوله : ( ولو قال : لك ثلث الربح وثلث ما بقي ، صحّ وكان له خمسة أتساع ، لأنّه معناه ).

وجهه : أنه لا بدّ من عدد له ثلث ، ولما يبقى منه بعد الثلث ثلث ، وذلك مضروب ثلاثة في ثلاثة ، فثلثه ثلاثة وثلث الباقي اثنان ، وذلك خمسة أتساع المجموع.

قوله : ( ولو قال : لك ثلث الربح وربع ما بقي ، فله النصف ).

وذلك لأنّه لا بدّ من عدد له ثلث ، ولما يبقى منه ربع وهو ستة ـ لأنّ الباقي بعد الثلث اثنان ـ انكسر في مخرج الربع ، وبينهما موافقة بالنصف ، فيضرب الوفق من الأربعة في الأصل يبلغ ذلك.


ولو قال : لك الربع وربع ما بقي فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن ، سواء عرفا الحساب أو جهلاه ، لأنه أجزاء معلومة.

الرابع : أن يكون مقدّرا بالجزئية لا بالتقدير كالنصف أو الثلث ، فلو قال : على أنّ لك من الربح مائة والباقي لي ، أو‌ بالعكس ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : لك الربع وربع ما بقي ، فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن ).

وذلك لأنّ ما يبقى بعد الربع ـ وهو ثلاثة ـ انكسر في مخرج الربع ولا وفق ، فتضرب أربعة في أربعة.

قوله : ( سواء عرفا الحساب أو جهلاه ، لأنّه أجزاء معلومة ).

أي : العلم بها أمر محقق الوجود ، واستشكل شيخنا الشهيد صحة ذلك بانتفاء القصد لانتفاء العلم ، واختلاف الأغراض باختلاف حاصل الحساب ، ولأنّه بمنزلة من لقّن لغة لا يعلمها.

وقد سبق في كتاب البيع فتوى المصنف ببطلان ما لو باعه بأربعة إلاّ ما يخص واحدا إذا لم يعلماه بالجبر والمقابلة ، أو غير ذلك من الطرق ، مع أنّ العلم به بالقوة محقّق.

وتوهم كون ذلك مفروضا فيما إذا تعذّر الحاسب ونحوه ليس بشي‌ء ، لأنّه أكثري الوجود ، مع أنّ ما يقال هناك يأتي بعينه هنا ، إلاّ أن يفرّق بأنّ هذا العقد لكونه جائزا يحتمل فيه ما لا يحتمل في غيره ، وفيه ما فيه.

قوله : ( الرابع : أن يكون مقدّرا بالجزئية ).

المراد : الجزئية المعلومة كما تقدّم في المساقاة.

قوله : ( كالنصف أو الثلث ، فلو قال : على أنّ لك من الربح مائة والباقي لي ، بالعكس ).


أو على أنّ لك ربح هذه الألف ولي ربح الأخرى ، أو لك نصف الربح إلاّ عشرة دراهم ، أو وعشرة ، أو على أنّ لي ربح أحد الثوبين ، أو إحدى السفرتين ، أو ربح تجارة شهر كذا بطل ، وكذا لو قال : على أنّ لك مائة والباقي بيننا.

ويصح لو قال : على أنّ لك ربح نصفه ، أو‌ نصف ربحه.

______________________________________________________

إنّما لم يصحّ هنا ، لأنّه ربّما لم يربح إلاّ ذلك القدر ، فيلزم أن يختصّ به أحدهما ، وهو خلاف مقتضى العقد.

قوله : ( أو على أن لك ربح هذه الألف ولي ربح الأخرى ).

لأنّ ذلك خلاف وضع القراض ، لأنّ كلاّ منهما مال قراض ولا اشتراك في ربحه ، ولأنّه ربّما اختصت إحدى الألفين بالربح فيختص أحدهما به ، وهذا الحكم على ما فرضه المصنّف واضح لا إشكال فيه.

أمّا إذا قال : لك ربح ألف ولي ربح ألف ، فإن كانا (١) ممتزجين أو قصدا (٢) المزج فإنّه يصحّ ، لأنّ ذلك معناه : تنصيف الربح. وإن شرطا تميّزهما ، فالبطلان كما سبق ، وكذا لو أراداه بعقد الشرط.

قوله : ( أو لك نصف الرّبح إلاّ عشرة دراهم ، أو وعشرة ، أو على انّ لي ربح أحد الثوبين ، أو إحدى السفرتين ، أو ربح تجارة شهر كذا ، بطل ).

وجه البطلان : عدم الوثوق بحصول ذلك القدر المعيّن ـ سواء كان مستثنى أو مضموما ـ ولمخالفة الشروط الباقية مقتضى القراض.

قوله : ( وكذا لو قال : على انّ لك مائة والباقي بيننا ).

أي : وكذا لا يصحّ ذلك ، لعدم الوثوق بحصول المعين.

قوله : ( ويصحّ لو قال : على انّ لك ربح نصفه أو‌ نصف ربحه ).

__________________

(١) في « ك‍ » و « ه‍ » : كان. وما أثبتناه من مفتاح الكرامة ٧ : ٤٥٥ نقلا عن جامع المقاصد وهو الصحيح.

(٢) في « ك‍ » و « ه‍ » : قصد. وما أثبتناه من مفتاح الكرامة ٧ : ٤٥٥ نقلا عن جامع المقاصد وهو الصحيح.


الفصل الثاني : في الأحكام ، ومطالبه أربعة :

الأول : العامل كالوكيل في تنفيذ تصرفه بالغبطة ، فليس له التصرف بالغبن ، ولا بالنسيئة بيعا ولا شراء ، إلاّ مع عموم الاذن كافعل ما شئت ، أو خصوصه ،

______________________________________________________

في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد : انّ بعض العامة فرّق بين الصورتين ، فأبطل ما إذا شرط له ربح النصف ، لإمكان أن لا يربح إلاّ نصف المال ، فيختص به العامل ، وربما ربح أكثر من النصف ، فلا تكون الحصة معلومة.

وردّه : بأن الإشارة ليست إلى نصف معين ، بل إلى مبهم ، فإذا ربح أحد النصفين ، فذلك الذي ربح هو المال ، والذي لم يربح لا اعتداد به.

وهذا حق إن لم يرد بربح نصفه ربح مجموع النصف أيّ نصف كان ، أما إذا أريد هذا ، فحقّه أن يبطل ، للمحذور السابق.

قوله : ( الفصل الثاني : في الأحكام ، ومطالبه أربعة :

الأول : العامل كالوكيل في تنفيذ تصرفه بالغبطة ، فليس له التصرف بالغبن ولا بالنسيئة بيعا ولا شراء ، إلا مع عموم الإذن ـ كافعل ما شئت ـ أو مع خصوصه ).

لمّا كان الغرض الأقصى من القراض تحصيل الربح والفائدة ، وجب أن يكون تصرّف العامل مقصورا على ما يحصل هذه الفائدة ، فيمنع من التصرف المؤدي الى ما يضاد هذا الغرض ، ويجب مع ذلك رعاية الغبطة للمالك ، لأنّ العامل كالوكيل ، فليس له التصرف بالغبن بما لا يتغابن به الناس غالبا بيعا ولا شراء ، لمنافاة ذلك لمقصود القراض الأقصى ، وهو تحصيل الربح غالبا.

ولو ندر اشتمال التصرف بالغبن على الغبطة ـ كما يعتاده التجارة في‌


______________________________________________________

المعاوضات : فإنهم إذا اشتروا مال تاجر بزيادة ربما كان وسيلة إلى رغبته في شراء مالهم بزيادة ، حيث يجعل ثمن أحد العوضين ثمنا للعوض الآخر ـ فهل يجوز؟

ظاهر إطلاق العبارة عدم الجواز ، وكأنّه لندور هذا الغرض.

وكذا ليس له أن يبيع نسيئة ، وإن كان فيه ربح بل هو مظنة الربح لم يجز ، لما فيه من التغرير بمال المالك. ولو احتاط بأخذ رهن أو شراء شي‌ء من مال المشتري بثمن لا ينقص عن ثمن المبيع مؤجل إلى أجله ، ففي الجواز احتمال.

وكذا ليس له أن يشتري نسيئة ، لأنه ربما يتلف رأس المال بغير تفريط ، فيبقى الثمن في ذمة المالك ، وذلك ضرر. ولأن عقد القراض يقتضي الشراء بالعين ، والنسيئة تنافي ذلك ، فلا يكون مأذونا فيها.

فإن قيل : المصنف جعل الشراء بالنسيئة مما لا غبطة فيه ، مع أن الواقع بخلافه.

قلنا : قد بينا أنه لا غبطة فيه ، لاحتمال تلف المال وبقاء الثمن في الذمة.

فإن قيل : فكيف كان الشراء نسيئة في الوكيل غبطة؟

قلنا : لأنه ليس من لوازم الوكالة في الشراء تسليم المال.

وهذا الحكم إنما هو مع إطلاق الإذن الذي تضمنه عقد القراض ، أما لو عمم له الإذن ، كما لو قال له : اعمل برأيك أو بما رأيت أو كيف شئت ، فإن له أن يفعل ذلك وكل ما يتناوله العموم ، وقد عرفت سابقا وجه الفرق بين العموم والإطلاق. ولو خصّ الإذن بشي‌ء تولاه وإن كان خلاف المصلحة.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أنّ قول المصنف : ( العامل كالوكيل في تنفيذ تصرفه بالغبطة ) لا يراد منه المساواة بينهما في ذلك مطلقا ، بل تصرف العامل دائر مع الربح ، فيشتري المعيب مع حصول الغرض به ، ويبيع بالغرض كذلك ، وبغير نقد البلد مع الغبطة على أقرب الوجهين ، إذ لا يقصر عن الغرض ، وهو الذي مال إليه المصنف في‌


فإن فعل لا معه وقف على الإجازة ، والأقرب أنه يضمن القيمة ، لأنه لم يفت بالبيع أكثر منها ، ولا يتحفظ بتركه سواها ، وزيادة الثمن حصلت بتفريطه فلا يضمنها.

______________________________________________________

التذكرة ، حيث قال في سياق ذلك : وليس بعيدا من الصواب اعتبار المصلحة (١). وهذا كله بخلاف حكم الوكيل.

واعلم أن قوله : ( بيعا ولا شراء ) ـ تمييز للتصرف بالغبن وبالنسيئة ـ أراد به التعميم.

قوله : ( فإن فعل لا معه وقف على الإجازة ، والأقرب أنّه يضمن القيمة ، لأنّه لم يفت بالبيع أكثر منها ولا يتحفظ بتركه سواها ، وزيادة الثمن حصلت بتفريطه فلا يضمنها ).

أي : فإن فعل العامل شيئا ممّا ذكر من التصرف بالغبن أو بالنسيئة لا مع الأذن ، فهو تصرف غير مأذون فيه ، فيقف على الإجازة. فلو حصل التلف ، فالأقرب عند المصنف أنّه يضمن قيمة المتاع الذي باعه.

ووجه القرب ما ذكره ، وهو : أنه لم يفت بالبيع أكثر منها ، ولو تركه لم يتحفظ بتركه سواها ، وزيادة الثمن التي حصلت بالبيع المذكور حيث يكون زائدا على القيمة غير مستحقة ، لأنها حصلت بتفريطه بالبيع فلا تكون مضمونة. ويحتمل ضمان الثمن كله ، لوقوع البيع به.

واعلم أن هذه المسألة لم يذكر المصنف موضوعها هل هو تلف العين أو تلف الثمن؟ بعد الإجازة أو قبلها؟ ولا يخفى أنّه بعد التأمل الصادق لا يستقيم ما ذكره على كل واحد من التقديرات :

أمّا إذا قدّرنا تلف العين ، فلأنّ التلف إمّا أن يكون قبل قبض المشتري أو‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٧.


______________________________________________________

بعده :

والأول غير مراد ، لأنّه لا ضمان فيه مع عدم التفريط ، لأنّ مجرد العقد الفضولي لا يقتضي الضمان.

والثاني إمّا أن يكون التلف فيه مع الإجازة أو بدونها :

فمع الإجازة يصح البيع ويدخل الثمن في ملك المالك ، وتخرج العين عن ملكه ، فيكون تلفها من المشتري ، فكيف يضمن العامل قيمتها ولا حقّ للمالك فيها؟

ولا فرق بين وقوع الإجازة قبل التلف أو بعده إن قلنا أنّ الإجازة كاشفة ، بخلاف ما إذا قلنا أنّها جزء السبب ، فان البيع يبطل حينئذ ، فيكون الحكم كما في عدم الإجازة.

ولا مع الإجازة يبطل البيع وينحصر حق المالك في العين ، فكيف يجي‌ء احتمال ضمان الزيادة التي اشتمل عليها الثمن؟

وإن قدّرنا تلف الثمن مع الإجازة ، فلا بحث في أنه المضمون ، وبدونها لا بحث في ضمان قيمة العين ، فلا يتجه ما ذكره بحال.

والذي ذكره المصنف في التذكرة وأرشد إليه : تعليله : ان موضوع المسألة ما إذا تلفت العين أو تعذر ردّها وتعذر حصول الثمن وأجاز المالك البيع بناء على عدم بطلانه. واختار أنه يضمن الثمن ، معلّلا بأنه ثبت بالبيع الصحيح وملكه صاحب السلعة وقد فات بتفريط البائع (١).

وهذه القيود التي ذكرناها وإن لم يصرح بجميعها في كلامه ، الا أن تعليله دال عليها ، لأنّ قوله : وملكه صاحب السلعة ، يدلّ على الإجازة ، لامتناع حصول الملك مع عدمها. وقوله : وقد فات بتفريطه ، يدلّ على تعذّر حصوله. وأمّا تلف العين أو تعذّر‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٧.


وليس له أن يبيع بدون ثمن المثل ، ولا يشتري بأكثر منه مما لا يتغابن الناس به ،

______________________________________________________

حصولها فذكره في أول كلامه.

وقال أيضا : ولو نقص الثمن عن القيمة لم يلزم أكثر منه ، لأنّ الوجوب انتقل اليه ، بدليل أنه لو حصل الثمن لم يضمن شيئا (١). وهذا صحيح ، وهو شاهد على ما ذكرناه ايضا.

وما افتى به في التذكرة وإن كان صحيحا ، الا أن مقابل الأقرب في كلامه غير محتمل أصلا. وأمّا ما ذكره هنا ، فقد علمت أنه لا يتجه على حال ، والمقدمات التي ذكرها في استدلاله مدخولة.

أمّا قوله : ( لأنّه لم يفت بالبيع أكثر منها ) فلا ملازمة بينه وبين المدّعى ، لأن المطلوب ضمانه هو : ما حصل بالبيع الصحيح على تقدير الإجازة ، فإنّه قد صار حقّا وملكا للمالك ، فلا يضمن سواه. وقريب منه قوله : ( ولا يتحفظ بتركه سواها ) فإنه لا أثر لفرض ترك البيع بعد صدوره والحكم بصحته.

وقوله ( وزيادة الثمن حصلت بتفريطه ) أبعد من الجميع ، فإنّه بعد دخولها في الملك لا التفات الى السبب الذي اقتضى تملكها من تفريط وغيره ، وقد سبق في الغصب ما يوافق ذلك ، والتحقيق ما ذكرناه.

قوله : ( وليس له أن يبيع بدون ثمن المثل ولا يشتري بأكثر منه ، مما لا يتغابن الناس به ).

أي : في العادة ، والجار في قوله ( ممّا لا يتغابن الناس به يتعلق بمحذوف ، على أنّه صفة لما دل عليه قوله : ( بدون ثمن المثل ) و ( أكثر منه ) وهو قلّة وكثرة ، أي : قلّة وكثرة ممّا لا يتغابن الناس به عادة. وقد سبق هذا الحكم في أول كلامه ، وأنه لا يجوز‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٧.


فإن خالف احتمل بطلان البيع وضمان النقص ، وعلى البطلان لو تعذّر الرد ضمن النقص.

______________________________________________________

ذلك مع إطلاق الاذن ، وكأنّه إنما أعاده ليبني عليه.

قوله : ( فإن خالف احتمل بطلان البيع وضمان النقص ).

أي : لو خالف فباع بدون ثمن المثل ، وسيأتي إن شاء الله تعالى مخالفته بالشراء بأزيد من ثمن المثل بعد ذلك.

ووجه البطلان فيه : أنّه تصرف غير مأذون فيه ، فيقع باطلا مع عدم الإجازة ـ كما قيد به في التذكرة (١) ، وإن أطلق العبارة هنا ـ أما معها فلا ، لأنه لا ينقص عن تصرف الأجنبي.

ووجه ضمان النقص : أن العامل مأذون في التصرف مطلقا ، لأن الفرض إطلاق الإذن ، والمنع في صورة النزاع إنّما كان لضرر النقص ، وذلك مندفع بضمان النقص ، فيصح العقد بالإذن السابق ، ويكون إيقاعه التزاما للنقص.

وهذا ضعيف جدا ، فإن إطلاق الإذن لا يتناول هذا الفرد ، ولضعف هذا الاحتمال نزّل الشارح السيد عميد الدين العبارة على أن البطلان وضمان النقص حكمان لشيئين ، وليسا احتمالين لشي‌ء واحد ، فالبطلان مع عدم الإجازة يجب معه استرداد العين ، وضمان النقص على تقدير التعذر.

وليس بشي‌ء ، لأنّ ضمان النقص وقع مقابلا للبطلان في العبارة ، فوجب أن ينتفي البطلان معه.

وأيضا فإن استرداد السلعة لم يجر له ذكر في العبارة ، ومع ذلك فيكون قوله بعد : ( وعلى البطلان لو تعذر الرد ... ) مستدركا.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٦.


ولو أمكن الرد وجب ردّه إن كان باقيا ، ورد قيمته إن كان تالفا. وللمالك إلزام من شاء ، فإن رجع على المشتري بالقيمة رجع المشتري على العامل بالثمن ،

______________________________________________________

والحق أنّهما احتمالان في المسألة ، كما فهمه الشارح الفاضل ولد المصنف (١) ، وبه صرح في التذكرة ، ونسب القول بالصحة وضمان النقص على ما قررناه سابقا إلى بعض علمائنا ، وحكاه عن إحدى روايتي أحمد (٢) ، والمذهب هو الأول (٣).

قوله : ( ولو أمكن الرّد وجب ردّه إن كان باقيا ، وردّ قيمته إن كان تالفا ).

لا يخفى أنه لا فرق بين التلف وتعذر الرّد في ضمان القيمة ، فإن كان ضمان النقص مع الثمن محصلا لذلك ، كفى في الصورتين ، وإلاّ تعيّن ضمان القيمة فيهما. ففي العبارة مناقشة مع طول بغير فائدة ، وكان حقه أن يقول : وعلى البطلان يجب الرد فان تعذّر بتلف ونحوه فالقيمة ، فإن كان الثمن من جنسها ضمن معه النقص. ولا يخفى أن ضمان القيمة إنّما هو في القيميّ.

قوله : ( وللمالك إلزام من شاء ).

أي : من العامل والمشتري ، سواء كان المشتري عالما أو جاهلا ، وسواء كانت العين باقية فيلزمه بها أو تالفة فيلزمه بالقيمة ، لأنّ كل واحد منهما عاد ضامن.

قوله : ( فان رجع على المشتري بالقيمة ، رجع المشتري على العامل بالثمن ).

إن كان باقيا أو كان المشتري جاهلا كما سبق في البيع ، وكذا يرجع عليه‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣١٢.

(٢) المغني لابن قدامه ٥ : ١٥٣.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٣٦.


وإن رجع على العامل رجع العامل بالزائد من قيمته على المشتري.

ولو ظهر ربح فللمالك المطالبة بحصته دون العامل.

ولو اشترى بأكثر من ثمن المثل بعين المال فهو كالبيع ،

______________________________________________________

بزيادة القيمة عن الثمن مع جهله على أصح الوجهين ، لا مع علمه.

قوله : ( وإن رجع على العامل ، رجع العامل بالزائد من قيمته على المشتري ).

إن كان المشتري عالما بالحال ، لاستقرار التلف في يده ، لا إن كان جاهلا ، لأنّه مغرور ولم يدخل إلاّ على بذل الثمن في مقابل العين ، فلا يتلف عليه سواه.

وجزم المصنف هنا ينافي استشكاله في رجوع المشتري على الغاصب بالزيادة لو اغترمها مع جهله.

قوله : ( ولو ظهر ربح ، فللمالك المطالبة بحصته دون العامل ).

أي : لو ظهر ربح في العين المذكورة ، وهي : التي باعها بدون ثمن المثل ، ولم يجز المالك (١) ، فالذي يستحق المطالبة به هو ثمنها الأول ، وحصة المالك من الربح الزائد على أصل الثمن دون العامل ، لأنّه بذل حقه مجانا.

قوله : ( ولو اشترى بأكثر من ثمن المثل بعين المال فهو كالبيع ).

أي : يقف على الإجازة ، فإن لم يجز بطل. ويحتمل الصحة وضمان التفاوت كما دلّ عليه كلامه سابقا.

فان قيل : ما مرّ في كلامه إنما يضمن حكم البيع.

قلنا : قوله ( فإن خالف ) يشملهما ، وقوله : ( احتمل بطلان البيع ) شامل للمطلوب ، لأنّ بطلان البيع يقتضي بطلان الشراء ، لأنّ البيع والشراء يتضمنهما عقد‌

__________________

(١) في نسختي « ك‍ » و « ه‍ » : ولم يجز المالك ربح.


وإن اشترى في الذمة لزم العامل إن أطلق الشراء ولم يجز المالك ، وإن ذكر المالك بطل مع عدم الإجازة.

وليس له أن يبيع إلاّ نقدا بنقد البلد.

والأقرب أنّ له أن يبيع بالعرض مع الغبطة ،

______________________________________________________

واحد.

قوله : ( وإن اشترى في الذمة ، لزم العامل ان أطلق الشراء ولم يجز المالك ).

المراد بإطلاق الشراء : عدم ذكر المالك ، لأن البيع ظاهرا يقع له. ويفهم منه أنه لو أجاز صح ، وهو كذلك ، لأن العقود بالقصود.

قوله : ( وإن ذكر المالك ، بطل مع عدم الإجازة ).

لأن الفضولي يبطل مع عدم الإجازة.

قوله : ( وليس له أن يبيع إلا نقدا بنقد البلد ).

حملا للإطلاق على الغالب المتعارف. ومقتضى العبارة : أنه لا يجوز البيع بالعرض ولا بغير نقد البلد ، لكن قد رجع عن هذا في قوله : ( والأقرب ان له أن يبيع بالعرض مع الغبطة ).

ووجه القرب : أن الغرض من القراض الاسترباح ، وهو يحصل بالبيع بالعرض كما يحصل بالبيع بالنقد ، فلا يتقيد بأحد

الأمرين.

وقول الشيخ بعدم الجواز إلاّ نقدا بنقد البلد كالوكيل (١) ضعيف ، لما بيناه سابقا ، فإنّ غرض القراض غير غرض الوكالة.

واقتصر المصنف على تجويز البيع بالعرض ، وسكت عن البيع بغير نقد البلد ، ولا يكاد يكون بينهما فرق ، وفي التذكرة مال إلى تجويزه مع الغبطة (٢) ، كما حكيناه عنه‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٧٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٣٦.


وليس له الزراعة ، ولا يشتري إلاّ بعين المال ، فإن اشترى في الذمة من دون اذن وقع له إن لم يذكر المالك ، وإلاّ بطل.

______________________________________________________

سابقا أيضا ، وهو المختار.

قوله : ( وليس له الزراعة ).

أي : وليس للعامل الزراعة ـ وفي بعض النسخ المزارعة ـ وذلك لأن المضاربة لا يفهم من إطلاقها المزارعة ، لأن وضعها على الاسترباح بالتجارة ، وليس منه المزارعة.

فإن فعل ضمن المال والزرع لصاحب البذر ، فان كان هو المالك فلا أجرة للعامل ـ سواء كان من مال القراض أو من غيره ـ وإن كان العامل فعليه أجرة أرض المالك وإصلاحها وأرش النقص.

قوله : ( ولا يشتري إلاّ بعين المال ).

لأنّ مقصود القراض أن يكون ربح المال بينهما ، ولا يكون ذلك إلاّ إذا اشترى بالعين ، لأن الحاصل بالشراء في الذمة ليس ربح هذا المال.

قوله : ( فان اشترى في الذمة من دون إذن ، وقع له إن لم يذكر المالك ).

مقتضى الإطلاق أن الشراء له وإن نوى المالك إذا لم يذكره ، ومفهوم قوله فيما تقدم : ( وان اشترى في الذمة لزم العامل إن أطلق الشراء ولم يجز المالك ) أنه مع الإجازة يقع له كما نبهنا عليه. وينبغي أن يجي‌ء احتمال كون الربح المالك إن ربح وكان قد نقد مال القراض ثمنا ، لأنه كالغاصب حينئذ.

قوله : ( وإلاّ بطل ).

أي : وإن ذكر المالك في الشراء بطل ، لكن مع عدم الإجازة ، لأن الفضولي موقوف. وإنما أطلق المصنف هنا البطلان ، اكتفاء بما ذكره سابقا.

واعلم : أن الفرق بين ما ذكره هنا وبين قوله ـ سابقا : ( وإن اشترى في الذمة‌


وليس له أن يشتري بأكثر من رأس المال ، فلو اشترى عبدا بألف هي رأس المال ، ثم اشترى بعينها آخر بطل الثاني ، وإن اشترى في ذمته صح له إذا لم يذكر المالك ، وإلاّ وقف على الإجازة.

وله أن يشتري المعيب ، ويرد بالعيب ، ويأخذ الأرش. كل ذلك مع الغبطة.

______________________________________________________

لزم العامل ) أن ذاك من أحكام ما إذا اشترى بأزيد من ثمن المثل ، وهذا حكم الشراء في الذمة مطلقا.

قوله : ( وليس له أن يشتري بأكثر من رأس المال ).

لأن عقد القراض إنما تضمن الاذن في الشراء برأس المال ، فلا يتسلط على الشراء بما زاد ، لان الشراء إنّما هو بالعين فقط.

قوله : ( فلو اشترى عبدا بألف هي رأس المال ثم اشترى بعينها آخر ، بطل ).

مقتضى قوله : ( هي رأس المال ) أن الشراء بعينها ، وكذا قوله بعد : ( وإن اشترى في ذمته ... ) وحيث كان كذلك فقد ملكها البائع ، فامتنع الشراء بها للمالك مرة أخرى ، فيقع العقد له باطلا.

قوله : ( وإن اشترى في ذمته صح له إن لم يذكر المالك ، وإلاّ وقف على الإجازة ).

ينبغي أنه إذا نوى المالك ولم يذكره وأجاز يصح.

قوله : ( وله أن يشتري المعيب ويرد بالعيب ويأخذ الأرش ، كلّ ذلك مع الغبطة ).

لأن مدار التصرف على الاسترباح ، وقد يحصل الربح في المعيب ، وقد تحقق الغبطة في ردّه أو في أخذ الأرش.


ولو اختلفا في الرد والأرش قدّم جانب الغبطة ، فإن انتفت قدّم المالك.

وليس له أن يشتري من ينعتق على المالك إلاّ بإذنه ، فإن فعل صح وعتق وبطلت المضاربة في ثمنه ، فإن كان كل‌ المال بطلت المضاربة.

______________________________________________________

ويتصور هذا الفرض : بأن يشتري بظن السلامة ثم يظهر العيب ، فقد يكون الرد أغبط وقد يكون الأغبط أخذ الأرش ، بخلاف الوكيل ، إذ ليس المقصود ذلك ، فيجب حمل إطلاق التوكيل على شراء الصحيح ، إذ ربما قصد المالك القنية.

قوله : ( ولو اختلفا في الرد والأرش ، قدّم جانب الغبطة ).

سواء كانت في جانب المالك أم العامل ، لأن للعامل حقا في المال ، باعتبار أن له حظا من الربح ، فليس للمالك إبطال حقّه من الغبطة.

قوله : ( فان انتفت قدم المالك ).

المتبادر من انتفاء الغبطة : أن لا يكون في أحد الجانبين غبطة أصلا ، فيستويان في عدمها ، فلا حقّ للعامل حينئذ ، فيقدم جانب المالك ، لأن الناس مسلطون على أموالهم.

وتتصور صحة البيع في هذا الفرض : بأن تكون الغبطة عند الشراء ثم تزول ، ويشكل جواز الرد حينئذ ، لأن التصرف من أوله صحيح ماض. ويتصور فيما إذا لم يكن عالما بالعيب ثم تجدد علمه به.

وفي بعض النسخ : ( فان اتفقت ... ) ومعناه : انه إذا اتفقت الغبطة من الجانبين ، قدم المالك ، وهو صحيح أيضا ، إذ ليس للعامل حق يفوت بأحد الأمرين حينئذ.

قوله : ( وليس له أن يشتري من ينعتق على المالك إلا بإذنه ).

لأن ذلك مناف لمقصود القراض ، إذ المراد الاسترباح ، وهذا تخسير محض على تقدير صحته.

قوله : ( فإن فعل صح وعتق وبطلت المضاربة في ثمنه ، فان كان كلّ‌


ولو كان فيه ربح فللعامل المطالبة بثمن حصته ، والوجه الأجرة ،

______________________________________________________

المال بطلت المضاربة ).

أي : فان أذن المالك فاشترى صح الشراء ـ كما لو باشره بنفسه أو وكّل فيه ـ وعتق على المالك وبطلت المضاربة في ثمنه خاصة ، لأنه بمنزلة التالف ، وصار الباقي رأس المال. ولو كان ثمنه جميع المال بطلت المضاربة ، كما لو تلف جميع مال المضاربة.

هذا كله إذا لم يكن في العبد ربح ، ولو كان فيه ربح ففيه قولان أشار إليهما المصنف بقوله : ( ولو كان فيه ربح فللعامل المطالبة بثمن حصته ، والوجه الأجرة ).

فالأول : قول الشيخ في المبسوط (١) ، ووجهه : ان العامل يملك حصته من الربح بالظهور ، وأن المالك بإذنه في الشراء الموجب للعتق كأنه استردّ طائفة من المال بعد ظهور الربح وأتلفها ، ولأن العامل شريك سرى العتق في نصيبه ، فيضمن المالك النصيب.

وفيه نظر ، لأن ذلك إنما يتم إذا قلنا أن السراية تتحقق بالعتق القهري أو باختيار سبب العتق ، بناء على أن اختيار السبب اختيار للمسبب.

ونظر آخر يظهر من توجيه كلام المصنف الآتي ، وهو : أن هذا التصرف ليس من تصرفات القراض ، فلا يستحق في مقابله الحصة.

ووجه الثاني ـ وهو ما اختاره المصنف من وجوب أجرة المثل ـ أن المضاربة تبطل بالشراء ، لأن مثل هذا الشراء لا يقع للمضاربة ، فإن شراء المضاربة هو الذي يقبل التقليب والبيع مرة بعد اخرى للاسترباح ، وهذا لكونه يستعقب العتق غير قابل لذلك ، فإذا صرف مال المضاربة فيه بطلت وضمن المالك أجرة المثل ، لأن العامل قد عمل ما حصل للمالك به النفع المطلوب ، وقد فاتت الحصة المعينة في مقابله بفسخ المضاربة ، فيستحق أجرة المثل. ولو قلنا : أن العامل إنما يملك الحصة بالقسمة أو‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٧٧.


فإن لم يأذن فالأقرب البطلان إن كان الشراء بالعين أو في الذمة وذكر المالك ، وإلاّ وقع للعامل مع علمه ، وفي جاهل النسب أو الحكم إشكال.

______________________________________________________

الانضاض ، استحق الأجرة قولا واحدا.

وفي هذا نظر ، لأن استحقاق العامل الأجرة إنّما هو في العمل المحسوب للمضاربة إذا فاتت الحصة ، وقد قرر المصنف أن هذا ليس من أعمال المضاربة ، بل هو خلاف مقتضاها ، فيكون توكيلا محضا ، وليس من مقتضيات التوكيل ثبوت الأجرة للوكيل على عمل مقتضاها ، فكل من القولين مشكل.

والذي ينساق إليه النظر عدم استحقاق العامل شيئا إن لم يكن ذلك إحداثا لقول ثالث.

ولقائل أن يقول : إن مقتضى القراض الاسترباح ، وهو حاصل بالبيع المذكور ، ولا نسلّم أنه لا بدّ من قبول كلّ شراء للقراض ترتب البيع عليه والتقليب ، لأن جواز الفسخ من العامل أو المالك ينافي ذلك ، ولأنه لو عيّن زمان القراض بحيث لا يسع مع الشراء البيع ، يجب أن يكون فاسدا. وفيه منع ظاهر ، ولعل المنع من شرائه بدون الإذن للضرر المقارن له ، وهو التخسير ، لا لعدم تناول الإذن له.

إذا عرفت ذلك فهنا أمران :

الأول : على قول الشيخ لو كان المالك معسرا بقي قدر نصيب العامل رقيقا ، وعلى الثاني ينعتق الجميع وتبقى الأجرة على المالك إلى ميسرة.

الثاني : على قول الشيخ لو لم يكن ربح لا شي‌ء للعامل ، وعلى الثاني ذكر المصنف في التحرير ترددا في ثبوت الأجرة (١) ، وفي ثبوتها بعد.

قوله : ( وإن لم يأذن فالأقرب البطلان إن كان الشراء بالعين أو في الذمة وذكر المالك ، وإلاّ وقع للعامل مع علمه ).

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ٢٧٧.


______________________________________________________

ما سبق حكم ما إذا أذن المالك في الشراء ، فأما إذا لم يأذن واشترى العامل‌ من ينعتق على المالك فلا يخلو : إما أن يكون عالما بالنسب والحكم أو لا ، فإن كان عالما : فان اشترى بعين المال ، أو في الذمة وذكر المالك فالأقرب عند المصنف البطلان ، وينبغي أن يكون ذلك مقيّدا بعدم الإجازة ، لأنه فضولي كما لا يخفى.

ويظهر من تقرير الشارح الفاضل أن مراد المصنف بالبطلان : أنه لا يقع موقوفا بل يقع باطلا ، لاستلزام عقد القراض النهي عن هذا التصرف ، وان مقابل الأقرب انه يحتمل وقوفه على الإجازة (١) ، وهو بعيد.

ووجه القرب : أنه تصرّف بغير إذن المالك ، لأن عقد القراض لا يتناوله ، لأنه مقصور على الاسترباح ، وهذا إتلاف ولم يصدر منه إذن آخر.

ويحتمل ضعيفا الصحة ، لأنه مال مقوّم قابل للعقود في نفسه فيصح شراؤه ، كما لو اشتراه بإذن ربّ المال ثم ينعتق على المالك وتبطل المضاربة. ويلزم العامل الضمان ، لأن تلف مال المضاربة بسببه. وإن لم يكن الشراء بالعين ، ولا ذكر المالك لفظا ، ولا نواه بحيث يعلم به البائع وقع الشراء للعامل وألزم به ظاهرا.

إذا عرفت ذلك فقول المصنف : ( مع علمه ) قيد في كل من البطلان على تقدير الشراء بالعين أو في الذمة مع ذكر المالك ، ووقوعه للعامل على تقدير عدمها.

لكن يرد عليه : انه لا معنى للتقييد بعلم العامل إذا لم يكن الشراء بالعين ، لأن الشراء في الذمة غير مستفاد من عقد القراض أصلا ، فلا يكون مأذونا فيه فيقع فضوليا.

وإن لم يكن العامل عالما بالنسب ، أو لم يكن عالما بالحكم فقد أشار إليه المصنف بقوله : ( وفي جاهل النسب أو الحكم اشكال ). ( ويجب أن يكون موضع‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣١٤.


______________________________________________________

الإشكال ما إذا اشترى بالعين ، لأن الشراء في الذمة غير مأذون فيه ، إذ لا يقيّده عقد القراض ، والفرض عدم إذن غيره ) (١).

ومنشأ الاشكال : من أن عقد القراض يقتضي الاذن في شراء ما فيه ربح ظاهر ، لا بحسب نفس الأمر ، لاستحالة توجه الخطاب الى الغافل لاستلزامه تكليف ما لا يطاق ، فيصح البيع وينعتق العبد ولا ضمان ، لأن التلف لأمر لم يعلم به العامل ، كما لو اشترى معيبا لم يعلم بعيبه فتلف به.

ومن أن الاذن في القراض إنما ينصرف الى ما يمكن بيعه وتقليبه في التجارة للاسترباح ، ولا يتناول غير ذلك ، فلا يكون ما سوى ذلك مأذونا فيه.

والتباس الأمر ظاهرا لا يقتضي الإذن ، غاية ما في الباب انه غير آثم في تصرفه ، أمّا كونه هو التصرف المأذون فيه أو تكليف ما لا يطاق. وتوجيه الخطاب الى الغافل إنما يلزم على تقدير ثبوت الإثم ، لا على تقدير عدم الاذن في ذلك التصرف ، إذ لا امتناع في أن يظن المكلف ـ لامارة ـ ما ليس بمأذون فيه مأذونا فيه ، ولا يصير بمجرد هذا الظن مأذونا فيه. نعم لا يكون مؤاخذا به ، فإذا انكشف الحال تبيّن عدم نفوذ التصرف لوقوعه في غير محل الإذن.

فإن قيل : أي فرق بين هذا وبين الوكيل إذا عزل ولم يعلم ، فان تصرفه ماض على أصح القولين؟ وكذا إذا فسخ الجاعل ولم يعلم المجعول له حتى اتي بالمجعول عليه؟

قلنا : الفرق أن الإذن في التصرف المأتي به في الوكالة والجعالة قد ثبت بأصل العقد ، والكلام في كون العزل والفسخ قبل العلم نافذ ليرتفع ذلك الإذن أولا فيبقى. ويرجح الثاني لما يترتب على نفوذه من الضرر العظيم والمفاسد ، والتمسك باستصحاب.

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في نسخة « ك‍ ».


ولو اشترى من نذر المالك عتقه صح الشراء ، وعتق على المالك‌

______________________________________________________

الحال الى أن يحصل الدليل الناقل بخلاف ما هنا ، فإن التصرف الواقع غير مأذون فيه قطعا. وإنما ظن العامل شمول الاذن له نظرا الى ظاهر الحال ، فإذا انكشف الأمر تبيّن عدم الشمول.

فإن قيل : فما الحكم؟

قلنا : إذا ثبت كون الشراء للقراض بالبينة أو بإقرار البائع ثبت بطلان البيع ، فيرد كلاّ من العوضين الى صاحبه مع الإمكان ، فإن لم يكن أو لم يثبت ذلك شرعا فالبيع ظاهرا لازم للعامل وإن كان بحسب الواقع فاسدا.

ثم المالك إن علم أن الشراء للقراض لم يكن له تغريم العامل ، لأنّ أقصى حاله أن يكون المال تالفا ، والتلف بغير تقصير غير مضمون ، فيعتمد التقاص حينئذ بأن يبيع العبد ويستوفي ماله ، لبقائه على ملك البائع ، وبقاء الثمن على ملك المالك في ذمته.

فإن قيل : فما الفرق بينه وبين شراء المعيب إذا تلف بالعيب؟

قلنا : الفرق أنّ شراء المعيب صحيح نافذ لجواز شرائه مع العلم بالعيب ، وان كان متزلزلا لجواز الفسخ بالعيب ، فإذا تلف بالبيع قبل الفسخ من غير تقصير من العامل فهو من مال المالك ، ولا ضمان على العامل.

فإن قيل : فلو كان شراء المعيب باعتبار العيب خاليا من الغبطة ، وإنّما ظنّها العامل لظنّ السلامة ، وكذا كل موضع ظنّ الغبطة فظهر خلافها.

قلت : لا أعلم الآن تصريحا في حكم ذلك ، والمتجه عدم صحة البيع (١) فتأتي الأحكام السابقة.

قوله : ( ولو اشترى من نذر المالك عتقه صحّ الشراء ، وعتق على‌

__________________

(١) في « ه‍ » : والمتجه صحة البيع.


ـ إن لم يعلم العامل بالنذر ـ ولا ضمان.

ولو اشترى زوجة المالك احتمل الصحة والبطلان.

______________________________________________________

المالك إن لم يعلم العامل بالنذر ولا ضمان ).

إنّ علم العامل بالنذر فالحكم كما سبق في من ينعتق على المالك ، وإن لم يعلم فقد أطلق المصنف هنا وفي التذكرة صحة الشراء ، ووقوع العتق ، ونفي الضمان (١).

والفرق بينه وبين من ينعتق على المالك غير واضح ، فإنّ كلاّ منهما لم يتناوله الإذن الواقع في عقد القراض ، غاية ما في الباب أن المنذور عتقه إنّما يعلم كونه كذلك من قبل المالك ، وربما لم يعلم به أحد سواه ، بخلاف من ينعتق عليه بالأبوة ونحوها. لكن لا أثر لهذا الفرق ، وعلى صحة الشراء ونفوذ العتق يقبل قوله ، لأنّ له فسخ القراض في كل وقت.

وهل للعامل حق لو كان فيه ربح؟ ينبغي على قول الشيخ في المسألة السابقة أن يكون له حصة من الربح ، وأن ينفذ العتق فيها مع اليسار ، فيطالب بثمنها ، وعلى قول المصنف له الأجرة. وكل ذلك موضع نظر ، والتوقف طريق السلامة.

قوله : ( ولو اشترى زوجة المالك احتمل الصحة والبطلان ).

وجه الصحة : انها مال صالح للاكتساب به ، وقد اشترى بثمن المثل مع ظن المصلحة فوجب أن يقع الشراء صحيحا ، إذ لا مانع إلاّ انفساخ النكاح وهو غير مخلّ بمقصوده ، لأن حصول المطلوب به الآن آكد.

ووجه البطلان : اشتماله على ضرر المالك بانفساخ عقد عقده باختياره ، ولزوم نصف الصداق لو كان قبل الدخول ، وجميعه بعده. وهذا الاحتمال إنما يكون مع الشراء بالعين ، أو في الذمة مع ذكر المالك أو نيته ، وإن كان إذا لم يعلم البائع يقع الشراء للعامل ظاهرا ، وبدون ذلك فالشراء للعامل لا محالة.

__________________

(١) تذكرة الأحكام ٢ : ٢٣٨.


ولو اشترى زوج المالكة بإذنها بطل النكاح ، وبدونه قيل : يبطل الشراء ، لتضررها به وقيل : يصح موقوفا.

ولا يضمن العامل ما يفوت من المهر ويسقط من النفقة ، وقيل مطلقا فيضمن المهر مع العلم ،

______________________________________________________

وعلى الصحة لو كان الشراء قبل الدخول فقد قال المصنف في التذكرة : إن في لزوم نصف المهر للزوج وجهين. فإن قلنا يلزم رجع به على العامل ، لأنه سبّب تقريره عليه فيرجع به عليه ، كما لو أفسدت امرأة النكاح بالرضاع (١) ، ولم يذكر حكم ما بعد الدخول ، وكأنه يرى عدم جواز الرجوع به ، لأنه قد تقرر بالدخول.

ثم انه هل يستقل بالبيع من دون اذن؟ يحتمل العدم ، لما فيه من إبطال استباحة الوطء ، وذلك ضرر. ويحتمل الجواز ، لأنه لما بطل النكاح لصحة البيع صارت من جملة أموال القراض ، والأصح البطلان فكل هذه الأحكام ساقطة.

وليس المراد بالبطلان : وقوعه باطلا من أصله ، بل عدم الإجازة ، لأنه لا ينقص عن الفضولي ، وإن كان ظاهر عبارة المصنف الأول ، لأن حصول الضرر بالشراء دليل النهي عنه وإن بعد.

قوله : ( ولو اشترى زوج المالكة بإذنها بطل النكاح ).

أي : لو كان مالك مال المضاربة امرأة فاشترى زوجها العبد ، فإن كان بإذنها صح الشراء وبطل النكاح ، لامتناع اجتماع الملك والنكاح قطعا.

وإن كان بغير اذنها ففيه أقوال ذكرها بقوله : ( وبدونه : قيل : يبطل الشراء لتضررها به ، وقيل : يصح موقوفا فلا يضمن العامل ما يفوت من المهر ويسقط من النفقة ، وقيل : مطلقا فيضمن المهر مع العلم ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٨.


وكذا لو اشترى من له عليه مال.

______________________________________________________

الأول قول الشيخ في المبسوط (١) ، ووجهه ما أشار إليه من حصول ضرر المالكة به ، فيكون ذلك دليل عدم الرضى فيقع العقد باطلا. وهذا الاحتمال قائم وإن قلنا : إن الفضولي يقع موقوفا ، كما يفيده دليله وإن كان ضعيفا.

ووجه الثاني : انه شراء غير مأذون فيه فيقع موقوفا لكونه فضوليا ، لكن قول الشارح الفاضل : إن هذا قول كل من قال بصحة عقد الفضولي موقوفا على الإجازة (٢) غير ظاهر لما نبهنا عليه ، ولأنه خلاف المتبادر من العبارة.

ووجه الثالث : أن المقصود بالشراء للقراض حاصل في هذا العبد ، فيكون إطلاق العقد متناولا للإذن في شرائه فيقع صحيحا غير موقوف على الإجازة ، وهو المراد بقول المصنف : ( وقيل مطلقا ) ، أي : وقيل يصح مطلقا ، أي : غير مقيّد بالإجازة.

قال الشارح السيد : وهذا القول لم نقف عليه في كتب أصحابنا ، وإنما نقله المصنف وابن سعيد (٣).

إذا تقرر هذا : فعلى القول الأول الحكم ظاهر ، وعلى الثاني لا ضمان على العامل لو أجازت المالكة البيع لما يفوت من المهر والنفقة ، لأن ذلك باختيارها ، أما على الثالث فيضمن إذا كان عالما ، لأن التفويت جاء من قبله ، والأصح هو الثاني.

قوله : ( وكذا لو اشترى من له عليه مال ).

أي : وكذا يجي‌ء ما سبق لو اشترى عامل القراض عبدا لمالك مال القراض عليه مال فيحتمل بطلان الشراء من رأس ، لتضرر المالك بسقوط ماله بدخوله في ملكه ، لامتناع أن يثبت له على عبده مال.

ويحتمل وقوعه موقوفا إذ لا يقصر عن الفضولي ، ويحتمل صحته ونفوذه‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٧٦.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٣١٦.

(٣) شرائع الإسلام ٢ : ١٤٢.


والوكيل في شراء عبد مطلق لو اشترى أب الموكل احتمل الصحة وعدمها ، والمأذون له في شراء عبد كالوكيل ، وفي التجارة كالعامل.

______________________________________________________

لتناول عقد القراض الاذن في شرائه ، لكونه مالا قابلا للاسترباح. فإن قلنا بهذا الأخير ففي تضمين العامل إشكال ينشأ : من أن سقوط دين المالك بسبب فعله فكان ضامنا ، لأنّه سبب الإتلاف ، كذا قال في التذكرة (١).

وعلى ما ذكره هنا في المسألة السابقة فحقه الجزم بالضمان في هذه أيضا ، والأصح الثاني. والظاهر انه لا فرق بين أن يكون له عليه مال مستحق الآن كدية الجناية خطأ ، أو في ذمته بحيث يتبع به بعد العتق.

قوله : ( والوكيل في شراء عبد مطلق لو اشترى أب الموكل احتمل الصحة وعدمها ).

وجه احتمال الصحة عموم الاذن هاهنا المتناول لمحل النزاع ، وربما تعلّق به غرض الموكل للفوز بثواب العتق ، بخلاف القراض فإن الغرض الاسترباح بالتقليب والبيع والشراء فلم يتناول الاذن في شراء نحو الأب.

ووجه العدم أن المتبادر من اللفظ شراء عبد تجارة أو عبد قنية ، وشراء من ينعتق ليس واحدا منهما. ولما فيه من الضرر بتلف الثمن لبذله في مقابل ما لا تبقى ماليته ، فحينئذ يكون فضوليا فيقف على الإجازة عند من قال : إنّ الفضولي يقع موقوفا ، وهو الأصح.

قوله : ( والمأذون له في شراء عبد كالوكيل ، وفي التجارة كالعامل ).

أي : والعبد المأذون له في شراء عبد إن اذن له في شراء عبد ولم يقيّد بكونه للتجارة فهو كالوكيل ، وإن قيّد بذلك فهو كالعامل ، فيأتي في صحة البيع وفساده ووقوعه موقوفا لو اشترى من ينعتق على السيد ما سبق.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٨.


ولو اشترى العامل من ينعتق عليه ولا ربح في المال صح ، فإن ارتفع السوق وظهر ربح وقلنا يملك به عتق حصته ، ولم يسر على اشكال ، إذ لا اختيار في ارتفاع السوق ، واختياره السبب وإن كان فيه ربح وقلنا انه لا يملك العامل بالظهور صح ولا عتق ، وإن قلنا يملك فالأقرب الصحة فينعتق نصيبه ، ويسري إلى نصيب المالك ، ويغرم له حصته لاختياره الشراء.

ويحتمل الاستسعاء في باقي القيمة للمعتق وإن كان العامل موسرا ، والبطلان ، لأنه مخالف للتجارة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اشترى العامل من ينعتق عليه ولا ربح في المال صح ، فإن ارتفع السوق وظهر ربح وقلنا يملك به عتق حصته ، ولم يسر على اشكال ، إذ لا اختيار في ارتفاع السوق ، واختياره السبب ).

ما سبق حكم ما إذا اشترى العامل من ينعتق على المالك ، وهذا حكم من ينعتق على العامل.

فإذا اشترى أباه فلا يخلو : إما أن يكون في المال ربح ، أو لا. فإن لم يكن فيه ربح صحّ الشراء قطعا ، لعدم المانع ، ثم إن لم يظهر فيه ربح حتى بيع فلا بحث ، وإن ارتفع السوق وظهر ربح : فإما أن نقول بأن العامل يملك الحصة من الربح بالظهور ، أو لا. فإن قلنا بالأول عتق نصيب العامل لحصول المقتضي.

وهل يسري الى الباقي؟ ذكر المصنف فيه إشكالا ينشأ : من أن حصول الملك له لم يكن باختياره ، لأنه إنما حصل بارتفاع السوق ، وارتفاعه لا دخل لاختياره فيه ، فكان كالإرث الحاصل على وجه قهري فلا يسري.

ومن أنه اختار السبب وهو الشراء ، إذ لولاه لم يملك شيئا بارتفاع السوق ، واختيار السبب اختيار للمسبب.

وفيه نظر ، لأن الشراء ليس هو مجموع السبب وإنما هو سبب بعيد ، والسبب‌


______________________________________________________

القريب إنما هو ارتفاع السوق الذي لا دخل للاختيار فيه ، فلا يكون الملك بالاختيار ، لأن جزء سببه غير مقدور.

لكن روى ابن أبي عمير في الصحيح ، عن محمد بن قيس ، عن أبي عبد الله 7 : في رجل دفع الى رجل ألف درهم مضاربة ، فاشترى أباه وهو لا يعلم؟ قال : « يقوّم ، فإن زاد درهما واحدا أعتق واستسعى في مال الرجل » (١). وهي كما يحتمل كون الربح موجودا وقت الشراء يحتمل تجدده ، فيكون حجة في محل النزاع ، لأن ترك الاستفصال دليل العموم.

والضمير في « أعتق » يعود الى ما عاد اليه ضمير « زاد » و « يقوّم » وهو الأب ، فيعتق جميعه. ولا يضر ذكر الاستسعاء ، لإمكان إجرائه على ظاهره ، أو الحمل على إعسار العامل ، والعمل بالرواية قريب.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن قول المصنف : ( إذ لا اختيار في ارتفاع السوق ) إشارة الى أحد الوجهين من وجهي الاشكال ، وهو وجه عدم السراية.

وقوله : ( واختياره السبب ) إشارة إلى الوجه الثاني ، وهو مرفوع على انه مبتدأ محذوف الخبر تقديره : واختياره السبب ثابت ، ونحوه ، وإن كان عطفه على قوله : ( لا اختيار في ارتفاع السوق ) ليكون في حيز « إذ » غير مطبوع. كما أن تقدير اللام محذوفة ليكون تقديره : ولاختياره السبب غير حسن ، وإن كان فيه ربح حال الشراء ، وهو الذي أراده المصنف بقوله : ( وإن كان فيه ربح وقلنا لا يملك بالظهور صح ولا عتق ، وإن قلنا يملك فالأقرب الصحة فينعتق نصيبه ، ويسري الى نصيب المالك ، ويغرم له حصته لاختياره الشراء ويحتمل الاستسعاء في باقي القيمة للمعتق وإن كان العامل موسرا ، والبطلان ، لأنه مخالف للتجارة ) وتحقيقه : انه إذا كان الربح وقت الشراء فإما أن نقول : إن العامل انما يستحق الأجرة دون الحصة المشروطة ، أو نقول : يملكها لكن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤١ حديث ٨ ، الفقيه ٢ : ١٤٤ حديث ٦٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ حديث ٨٤١.


______________________________________________________

بالإنضاض أو القسمة ، فلا بحث في صحة الشراء إذ لا مانع فإنه لا عتق حينئذ.

وإما أن نقول : بأنه يملك الحصة بمجرد ظهور الربح ، ففيه احتمالان أقربهما عند المصنف صحة البيع ، لحصول المقتضي وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ حصول الضرر على المالك وهو منتف هاهنا ، لأن العتق إنما هو على العامل دون المالك ، وحينئذ فينعتق نصيب العامل لدخوله في ملكه ، ويسري الى نصيب المالك على ما اختاره المصنف ، ويغرم له حصته ، لاختياره الشراء الذي هو السبب ، واختيار السبب اختيار للمسبب.

ويحتمل ـ بناء على صحة البيع وانعتاق نصيب العامل ـ أن لا يقوّم نصيب المالك على العامل ، بل يستسعي العبد في باقي قيمته للمالك وإن كان العامل موسرا ، فإنه لا بحث في الاستسعاء إذا كان معسرا وهو اختيار أبي القاسم بن سعيد (١) ، لدلالة الرواية السالفة وغيرها على ذلك. ولأن التقويم على خلاف الأصل ، إذ هو شغل لذمة بريئة فيقتصر فيه على موضع الوفاق.

الاحتمال الثاني : بطلان البيع ، لأنه مناف لمقصود القراض ، إذ الغرض هو الشراء للتجارة التي تقبل التقليب للاسترباح ، وهذا شراء يعقبه العتق فيكون مخالفا للتجارة ، فلا يكون مأذونا فيه فيكون باطلا ، أي : غير نافذ مع عدم الإجازة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الرواية دالة على صحة البيع ونفوذ العتق ، فتدل على صحته فيما إذا كان العبد بحيث يعتق على المالك وأذن فيه فلا يكون منافيا لمقصود القراض ويكون اشتراط الإذن هناك لما يلزم من الضرر. فتثبت الحصة ـ كما اختاره الشيخ (٢) ـ لا الأجرة كما اختاره المصنف.

وأمّا الاستسعاء فظاهر الرواية ثبوته مطلقا ، فإن قام الدليل على أنّ العتق بالشراء موجب للسراية نزلت على اعتسار العامل. فإذا نحن في السراية في الموضعين.

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ١٤٢.

(٢) المبسوط ٣ : ١٧٥.


المطلب الثاني : ليس للعامل أن يسافر إلاّ بإذن المالك ، فإن فعل بدون اذن ضمن وتنفذ تصرفاته ويستحق الربح.

ولو أمره بالسفر إلى جهة فسافر إلى غيرها ، أو بابتياع شي‌ء معيّن فابتاع غيره ضمن ، ولو ربح حينئذ فالربح بينهما على الشرط.

______________________________________________________

هذا ، وقوله : ( ولم يسر على إشكال ) من المتوقفين.

قوله : ( ليس للعامل أن يسافر إلاّ بإذن المالك ، فإن فعل بدون إذن ضمن ، وتنفذ تصرفاته ، ويستحق الربح ).

أمّا عدم جواز السفر بدون الإذن فهو مذهب علمائنا ، لأنّ فيه تغريرا بالمال ، ولأنّه لا يتبادر من إطلاق العقد ولا يتفاهم منه ليكون شاملا له ، وللروايات الصريحة في ذلك عن أهل البيت : : مثل رواية الحلبي عن الصادق 7 (١) ، وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما 8 (٢) ، وقد تضمنت نفوذ التصرفات واستحقاق الحصة من الربح مع الضمان لو خالف.

وأيضا فإنّه لا منافاة بين المنع من السفر ونفوذ البيع ، فإنّه مأذون في التجارة من حيث هي تجارة وإن منع من السفر باعتبار التغرير فإنّ المنع من أحد المتقارنين لا يقتضي بمجرده المنع من الآخر ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الطريق مخوفا أو لا.

قوله : ( ولو أمره بالسفر إلى جهة فسافر الى غيرها ، أو بابتياع شي‌ء معين فابتاع غيره ضمن ، ولو ربح حينئذ فالربح على الشرط ).

أمّا الضمان فلا بحث فيه ، للمخالفة ، ومع ذلك فإذا سافر الى غير الجهة المأمور بها ، وكان المتاع الذي يريد بيعه مثلا انقص قيمة من الجهة الأخرى بما لا‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٠ حديث ١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤٠ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٩ حديث ٨٣٦.


ولو سوّغ له السفر لم يكن له سلوك طريق مخوّف ، فإن فعل ضمن.

______________________________________________________

يتغابن به في العادة لا يجوز البيع ، فإن فعل لم يكن نافذا إلاّ مع الإجازة ، صرّح بذلك في التذكرة (١) ، وحيث يصحّ فالثمن مضمون عليه.

وأمّا نفوذ البيع واستحقاق الحصة من الربح إذا أمره بابتياع شي‌ء معين فخالف فلظاهر صحيحة الحلبي عن الصادق 7 : في الرجل يعطي الرجل مضاربة فيخالف ما شرط عليه والربح بينهما (٢). وفي صحيحة أخرى مرسلة عن رجل عن الصادق 7 : في رجل دفع الى رجل مالا يشتري به ضربا من المتاع مضاربة ، فذهب فاشترى غير الذي أمره ، قال : « هو ضامن ، والربح بينهما على ما شرط » (٣) وهذه نص في الباب.

وهنا إشكال هو : إنّ الشراء الواقع حينئذ غير مأذون فيه ، فيجب أن يكون فضوليا يقف على الإجازة ، ولا يستحق به العامل أجرة لتبرعه به. لكن لا سبيل الى ردّ الرواية الصحيحة (٤) المعتضدة بعمل الأصحاب.

قوله : ( ولو سوغ له السفر لم يكن له سلوك طريق مخوف ، فإن فعل ضمن ).

هذا إذا أطلق له الإذن ، ولو سوغ له سلوك المخوف ، فعدم الجواز بحاله للتغرير بنفسه.

ولو لم يخف على نفسه ولا ماله فهل يحرم عليه إذا خاف على مال المضاربة؟ يحتمل ذلك ، للنهي عن إضاعة المال ، ويحتمل العدم ، لأنّ الإضاعة غير متيقنة ، وعلى‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤٠ حديث ١.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩٣ حديث ٨٥٣.

(٤) في « ه‍ » : الصريحة.


فإذا أذن في السفر فاجرة النقل على مال القراض ، ونفقته في الحضر على نفسه ، وفي السفر من أصل القراض كمال النفقة على رأي ، فلو كان معه غيره قسّط.

ويحتمل مساواة الحضر ، واحتساب الزائد على القراض.

______________________________________________________

كل حال فلا ضمان.

وهذا قد يستفاد من مفهوم عبارة التذكرة حيث قال : وكذا لو أذن له في السفر مطلقا لم يكن له السفر في طريق مخوف (١).

قوله : ( وأجرة النقل على مال القراض ).

أي : نقل مال القراض إذا جرت العادة بالاستئجار على نقله ، ولو جرت العادة بحمله كلؤلؤة كبيرة فليس ببعيد عدم جواز الاستئجار عليه. وهذا إنّما هو مع الاذن في السفر لا مطلقا ، فإنّه مع عدمه يضمن أجرة النقل.

قوله : ( ونفقته في الحضر على نفسه ).

عند علمائنا أجمع ، فلا يسوغ له أن يتناول من مال القراض شيئا وإن قل ، ولا أن يواسي منه بشي‌ء كالغذاء ودفع كسرة الى السقاء ، ونحو ذلك.

قوله : ( وفي السفر من أصل القراض كمال النفقة على رأي ، فلو كان معه غيره قسط. ويحتمل مساواة الحضر واحتساب الزائد على القراض ).

المشهور بين الأصحاب أنّ العامل يستحق الإنفاق في السفر من أصل مال القراض كمال النفقة ، ذهب الى ذلك الشيخ في النهاية (٢) والخلاف (٣) ، وأكثر‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤١.

(٢) النهاية : ٤٣٠.

(٣) الخلاف ٢ : ١١٤ مسألة ٦ كتاب القراض.


______________________________________________________

الأصحاب (١) ، واختاره المصنف في كتبه (٢) وهو الأصح ، لأنّه بسفره انقطع الى العمل في مال القراض ، فناسب أن تكون النفقة على المال ، ولصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى 7 قال : « في المضاربة ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه » (٣). وهو ظاهر في المطلوب ، لأنّ « ما » للعموم.

وذهب في المبسوط الى عدم الاستحقاق ، وإنّ نفقته من ماله كالحضر ، ولأنّه دخل على أنّ له سهما معلوما من الربح فلا يستحق سواه ، وقد لا يربح المال أكثر من النفقة. وذهب أيضا الى أنّه على تقدير القول بالاتفاق إنّما يستحق ما زاد على نفقة الحضر من مأكول وملبوس وآلات ، لأنّه الذي اقتضاه السفر (٤) ، والحجة الحديث السابق.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ استحقاقه للإنفاق من مال القراض ـ كمال النفقة أو بعضها ـ إنّما هو إذا لم يكن معه مال آخر لنفسه أو غيره ، فإن كان معه مال آخر قسطت النفقة عليهما على قدر المالين.

ويحتمل التقسيط على قدر العمل في المالين ، والأول أوجه ، لأنّ استحقاق النفقة في مال القراض منوط بكونه الباعث على السفر ، ولا نظر الى العمل في ذلك.

ويرد عليه ما لو أخذ مضاربة في حال السفر فإنّه يقتضي أن لا يستحق نفقة أصلا ، وهنا مباحث :

الأول : زعم الشارح الفاضل أنّ التقسيط على تقدير أن يكون مع العامل مال آخر يتفرع على وجوب كمال النفقة من مال القراض ، لا على القول بأنّ الواجب‌

__________________

(١) منهم ابن إدريس في السرائر : ٢٥٦ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٣٨ وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٣١٦.

(٢) المختلف : ٤٨١ ، التذكرة ٢ : ٢٤٢ ، التحرير ١ : ٢٧٦.

(٣) الكافي ٥ : ٢٤١ حديث ٥ ، الفقيه ٣ : ١٤٤ حديث ٦٣٥ ، التهذيب ٧ : ١٩١ حديث ٨٤٧.

(٤) المبسوط ٣ : ١٧٢.


______________________________________________________

هو الزيادة خاصة. فعلى هذا القول تكون نفقته على نفسه (١).

والظاهر أنّ ذلك سهو ، فإن المقتضي في الموضعين واحد ، وإنّما أوقعه في ذلك التفريع الواقع في عبارة المصنف حيث قال بعد قوله : ( كمال النفقة ) : ( فلو كان معه غيره ... ) ولا دلالة فيها ، فإنّ التفريع كما يكون على القول يكون على الآخر ، وعدم التعرض اليه لكونه ليس مختارا له. وعبارة التحرير (٢) والتذكرة (٣) مطلقة ، فتجري على القولين. ثم إنّ قول المصنف : ( فلو كان معه غيره ) يشمل مال نفسه ومال غيره.

الثاني : قول المصنّف : ( ويحتمل مساواة الحضر ... ) يمكن أن يكون إشارة إلى القول الذي إختاره الشيخ في المبسوط (٤) تفريعا على القول باستحقاق النفقة ، فيكون معناه : استواء الحضر والسفر في أنّ مقدار نفقة الحضر من ماله والزائد محسوب من القراض ويكون أحد المتساويين.

ووجه المساواة محذوفين في العبارة تقديره : ويحتمل مساواة الحضر السفر في كون مقدار نفقة الحضر من العامل والزائد على القراض. ويمكن أن يكون ذلك إشارة إلى القولين ، فقوله : ( ويحتمل مساواة الحضر ) إشارة الى عدم استحقاق النفقة أصلا. وقوله : ( واحتساب الزائد على القراض ) إشارة إلى القول الثالث فيكون في حيّز : ( ويحتمل ).

والشارح السيد جعل قوله : ( ويحتمل ... ) احتمالين ـ هما من تتمة أحكام ما إذا كان معه مال آخر في مقابل التقسيط ـ : أحدهما كون النفقة كلّها في مال العامل كالحضر ، لأنّه إنّما سافر في تجارته وأراد أن يزداد في الربح فأخذ مال القراض‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٧٢.

(٢) التحرير ١ : ٢٧٦.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٤٢.

(٤) المبسوط ٣ : ١٧٢.


ولو انتزع المالك منه المال في السفر فنفقة العود على خاص العامل ،

______________________________________________________

مستصحبا له.

والثاني : استحقاق الزائد على نفقة الحضر من مال القراض في الفرض المذكور ، لأنه مشغول بمصلحته كما كان حاضرا ، وإنّما لزمه بسبب السفر المقدر الزائد على نفقة الحضر فكان له إنفاقه لا غير ، وليس بشي‌ء.

الثالث : لو شرط عدم النفقة لم ينفق ، ولو شرطها فهو تأكيد. وهل يشترط تعيينها حينئذ؟ يحتمل ذلك حذرا من جهالة الشرط ، ويحتمل العدم لثبوتها بدون الشرط ، فلا يزيد الاشتراط على الثابت بالأصل.

وانّما ينفق بالمعروف مع الإطلاق ، فإن أسرف حسب عليه ، وإن قتر لم يكن له أخذ الفاضل ، وكلّما يبقى من أعيان النفقة كالثوب والقربة يجب ردّه بعد العود الى القراض.

الرابع : لو شرط في القراض النفقة فأخذ من آخر قسط ، لأن ذلك منزّل على اختصاصه بالعمل له. وكذا لو شرطا. ولو شرط أحدهما وأطلق الآخر ، فإن علم الأول بالقراض الآخر فالنفقة من ماله خاصة عملا بالشرط ، وإلاّ قسّط. ولا يخفى أن استحقاق النفقة انما هو حيث لم يكن سفره بغير إذن المالك.

قوله : ( ولو انتزع المالك منه المال في السفر فنفقة العود على خاص العامل ).

أي : فنفقة العامل في حال العود عليه لا في مال القراض ، خلافا لبعض العامة ، لأنّه استحق النفقة ذهابا وعودا حين السفر (١) ، وهو ضعيف. ولا غرور ، لأنّ‌

__________________

(١) انظر : المدونة الكبرى ٥ : ٩٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، المغني لابن قدامة ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ١٦٥.


ولو مات لم يجب تكفينه.

المطلب الثالث : ليس للعامل وطء أمة القراض وإن ظهر الربح ، فان فعل من غير إذن حدّ ، وعليه المهر ، وولده رقيق إن لم يظهر ربح ، ولا تصير أم ولد. ولو ظهر ربح انعقد حرا ، وهي أم ولد ، وعليه قيمتهما.

______________________________________________________

العقد الجائز يجوز فسخه دائما ، وقد دخلا على ذلك.

قوله : ( ولو مات لم يجب تكفينه ).

أي : لو مات العامل لم يحسب كفنه من مال القراض بل من ماله ، لأنّه استحق النفقة في حال الحياة لا مطلقا. وكذا لو مرض فاحتاج الى دواء ونحوه فإنه من ماله.

قوله : ( ليس للعامل وطء أمة القراض وان ظهر الربح ، فإن فعل من غير اذن حدّ ).

كمال الحد إن لم يكن ربح ، وإلاّ فبقدر نصيب المالك على القول بأنه يملك الربح بالظهور.

قوله : ( وعليه المهر ).

ولو كانت عالمة بالتحريم مطاوعة ففي وجوبه إشكال سبق في الغصب ، والأصح عدم الوجوب.

قوله : ( ولو ظهر ربح انعقد حرا وهي أم ولد ).

لأنّه لاحق بالواطئ ، لأنّ بعضها ملك له ، ولا يتصور التبعيض في اللحاق وحينئذ فيتحقق معنى الاستيلاد ، وبه رواية (١) سبقت في البيع.

قوله : ( وعليه قيمتها عند الولادة ).

لأنّه وقت تقويم الولد ووقت صيرورة الموطوءة أم ولد.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٣.


وليس للمالك وطء الأمة أيضا ، فإن فعل فهي أم ولد إن علقت ، ولا حد ،

______________________________________________________

قوله : ( وليس للمالك وطء الأمة أيضا ).

سواء كان هناك ربح أم لا صرّح به في التذكرة ، لأنّ حق العامل قد تعلق بها ، والوطء ينقصها إن كانت بكرا أو يعرضها للخروج من المضاربة ، وللتلف ، لأنّه ربّما يؤدي الى إحبالها.

كذا قال في التذكرة ، ثم قال بعد ذلك : إنّ انتفاء الربح في المتقومات غير معلوم ، وإنّما يتيقن الحال بتنضيض المال ، أمّا لو تيقن عدم الربح فالأقرب أنّه يجوز له الوطء (١).

هذا كلامه ، إلاّ أنّ هذا مناف لإطلاق كلامه بعد في التذكرة أيضا بأنّ المالك ليس له أن يكاتب عبد القراض إلاّ برضاء العامل.

قال في التذكرة أيضا : وإذا قلنا بالتحريم ووطأ فالأقرب أنّه لا يكون فسخا (٢).

أقول : حيث أنّ الوطء لا يعد فسخا فينبغي أن لا يجوز الوطء للمالك حتى يحصل الفسخ وإن لم يكن ربح ، لثبوت علاقة العامل بالمال بنفس عقد القراض ، فلا يسوغ كلّما يفضي الى زوالها.

نعم ، عدم جعل ذلك فسخا لا يخلو من نظر ، فإنّه إذا وقع في البيع من البائع وكان له الخيار كان فسخا ، فكيف في العقد المبني على الجواز.

قوله : ( فان فعل فهي أم ولد إن علقت ولا حد ).

أمّا صيرورتها أم ولد فلا بحث فيه ، وأمّا أنّه لا حد ، فلأنّها إذا لم يظهر ربح‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٤٣.


وتحتسب قيمتها وتضاف إليها بقية المال ، وان كان فيه ربح فللعامل حصته.

ولو أذن له المالك في شراء أمة يطؤها قيل جاز ، والأقرب المنع ، نعم لو أحله بعد الشراء صح.

______________________________________________________

ملك له خاصة ومع الظهور يدرأ بالشبهة ، لأنّ جماعة يقولون بأنّه ليس للعامل فيها شي‌ء إلاّ بعد البيع وظهور الربح والقسمة ، كذا قال في التذكرة (١).

ويشكل بأنّ المالك ربّما كان قائلا باستحقاق العامل الحصة بظهور الربح ، فكيف يستقيم نفي الحد هاهنا وعدّ ذلك شبهة؟ فإنّ صحّ ذلك يلزم أن كل ما وقع الاختلاف فيه يعد شبهة.

قوله : ( وتحتسب قيمتها ، ويضاف إليها بقية المال ).

ليكون الجميع رأس مال القراض ، لأنّ العقد لا يبطل بذلك.

قوله : ( وإن كان فيه ربح فللعامل حصته ).

أي : إن كان في المأخوذ قيمة ربح فللعامل أخذ حصته منه ، لأنّه قد نض حينئذ فله المطالبة بحقه.

ويشكل بأنّه إن كان فسخا للقراض لم يكن لإضافة بقية المال إليها معني ، بل لا بد من عقد جديد ، وإن لم يكن فملك العامل لا يستقر على الحصة من الربح بذلك.

قوله : ( ولو أذن له المالك في شراء أمة يطأها ، قيل : جاز ، والأقرب المنع ، نعم لو أحلّه بعد الشراء صحّ ).

القائل بالجواز هو الشيخ في النهاية (٢) ، تعويلا على رواية الكاهلي عن ابي الحسن 7 (٣) ووجه القرب المستفاد من قوله تعالى : ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

(٢) النهاية : ٤٣٠.

(٣) التهذيب ٧ : ١٩١ حديث ٨٤٥.


وليس لأحدهما تزويج الأمة ولا مكاتبة العبد ، فان اتفقا عليهما جاز.

وليس له ان يخلط مال المضاربة بماله ، إلاّ مع إذنه فيضمن بدونه ، ولو قال : اعمل برأيك فالأقرب الجواز.

______________________________________________________

مامَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (١) ، ولأنّ أمر الفروج مبني على الاحتياط التام فلا يعول فيه على مثل هذه الرواية ، والأصح المنع أمّا إذا وقع التحليل بعد الشراء على وطئه فلا بحث في الجواز.

فرع : لو ظهر ربح لم تحل الأمة بالتحليل على الأصح (٢).

قوله : ( وليس لأحدهما تزويج الأمة ولا مكاتبة العبد ، فإن اتفقا عليهما جاز ).

أمّا عدم الجواز للعامل فظاهر ، وأمّا المالك ، فلأنّ القراض لا يرتفع بالتزويج ، وهو ينقص قيمتها فيتضرر به العامل.

والكتابة خلاف وضع القراض ، لما عرفت غير مرة من أنّ وضعه على الاكتساب بالبيع والشراء وما في معناهما ، أمّا إذا اتفقا فلا بحث في الجواز.

قوله : ( وليس له أن يخلط مال المضاربة بماله إلاّ مع إذنه فيضمن بدونه ).

لأنّ الشركة عيب ، ولا دلالة لعقد القراض على الإذن فيه ، فإذا فعل بغير إذن فقد تعدّى فيضمن.

قوله : ( ولو قال : اعمل برأيك فالأقرب الجواز ).

أي : فالأقرب جواز الخلط ، ووجه القرب : إنّه قد عمّم له الإذن في التصرف‌

__________________

(١) المؤمنون : ٦.

(٢) هذا الفرع لم يرد في « ك‍ ».


وليس له أن يشتري خمرا ولا خنزيرا إذا كان أحدهما مسلما ، وليس له أن يأخذ من آخر مضاربة إن تضرر الأول إلاّ بإذنه ، فإن فعل وربح في الثانية لم‌ يشاركه الأول.

______________________________________________________

باختياره ، فيندرج فيه محل النزاع.

وقيل : لا يجوز ذلك ، لأنّه ليس من التجارة.

ويضعّف بأنّه إذا كان فيه غبطة كان من توابعها.

وربّما وجه عدم الجواز بأنّ الرأي مصدر لا عموم له ويضعّف بأنّ المتبادر من هذه الصيغة باعتبار الاستعمال هو العموم ، إذ لا يراد ولا يفهم منها إلاّ تفويض التصرفات إلى رأيه ، فكأنّه قال له : اعمل برأيك في كل موضع ومعلوم أنّه لا يراد به عمله برأيه وقتا ما أو مرة ما ، فكان القول بالجواز مع المصلحة أقوى.

قوله : ( وليس له أن يشتري خمرا ولا خنزيرا إذا كان أحدهما مسلما ).

وكذا كلّ ما لا يجوز للمسلم شراؤه كالميتة.

قوله : ( وليس له أن يأخذ من آخر مضاربة إن تضرر الأول إلاّ بإذنه ).

يتحقق تضرر الأول بأن يكون العمل في المال الثاني مانعا عن العمل الأول ، أو عن كماله ، أو عجزه عن حفظهما وضبطهما وإنّما لم يجز ذلك ، لأنّ المضاربة مبنية على الحظ والاستنماء فإذا فعل ما يمنع ذلك لم يكن له ، كما لو أراد التصرف بخلاف الغبطة.

فإن قيل : إنّ المالك الأول لم يملك منافعه ، فكان له صرفها في أمر آخر.

قلنا : وإن لم يكن ملكها لكنه تعين صرفها في العمل للقراض الأول بمقتضى العقد ، ولهذا لا يجوز له ترك المال بغير عمل ، ولا التقصير عن العمل الذي جرت به العادة ، نعم لو لم يتضرر لم يمنع.

قوله : ( فإن فعل وربح في الثانية لم‌ يشاركه الأول ).


ولو دفع إليه قراضا وشرط أن يأخذ له بضاعة فالأقوى صحتهما. ولو قارض اثنان واحدا وشرطا له النصف وتفاضلا في الباقي مع تساوي المالين ، أو بالعكس فالأقوى الصحة.

______________________________________________________

أي : فإن أخذ مضاربة بدون إذن الأول مع تضرره ، وعمل بها فربح كان للعامل حصة من الربح ، ولم يشاركه الأول فيها.

وقال بعض العامة : إنّ حصة العامل تضم الى ربح المضاربة الأولى ، لأنّه استحق حصته من الربح بالمنفعة التي استحقت بالعقد (١) وليس بشي‌ء ، لأنّ المنفعة غير مملوكة له ، ولأنّ استحقاق الربح في المضاربة إما بالمال أو العمل. وكلاهما منتف هنا.

قوله : ( ولو دفع اليه قراضا ، وشرط أن يأخذ له بضاعة فالأقوى صحتهما ).

أي : صحة القراض والشرط ، وقد سبق البحث في هذه المسألة أول القراض وذكرنا خلاف الشيخ وبيّنّا وجه الصحة.

قوله : ( ولو قارض اثنان واحدا وشرطا له النصف ، وتفاضلا في الباقي مع تساوي المالين ، أو بالعكس فالأقوى الصحة ).

مقتضى إطلاق العبارة أنّه لا فرق بين كون المالين ممتزجين وعدمه ، وأنّه لا فرق بين كون حصة العامل مشروطة من مجموع ربح المالين أو من ربح كل منهما وحده.

فأمّا إذا شرطت حصة العامل من المجموع فوجه الصحة وجود المقتضي ، وهو صدور العقد من أهله في محله ، وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ تفاضل المالكين في الربح مع تساوي المالين ، أو تساويهما فيه مع تفاضل المالين ، وذلك لا يصلح للمانعية ، لأنّ‌

__________________

(١) انظر : المغني لابن قدامة ٥ : ١٦٣ الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ١٥٦.


ولو كان العامل اثنين وساواهما في الربح صح وإن اختلفا في العمل.

______________________________________________________

تفاضلهما قد يكون ناشئا من تفاوت حصة العامل من نصيب كل منهما من الربح ، وذلك أمر جائز فينزّل إطلاق العقد عليه ، تغليبا لجانب الصحة وعملا بعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) وغيره ، وهو الأصح.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأن صرف الإطلاق إلى هذا الفرد يحتاج الى صارف وهو منتف ، فيبقى محتملا لجانب الصحة والفساد على السواء من غير ترجيح ، وضعفه ظاهر ، وقد بيّنا المرجح.

وأمّا إذا شرطت حصة العامل من نصيب كل منهما بخصوصه ، فإن صحة العقد والشرط حينئذ مبني على ما سبق في الشركة إذا كان المالان ممتزجين.

وعلى ما اختاره المصنف في هذا الكتاب من أنّ الصحة مشروطة بما إذا عملا أو أحدهما لا يصح هاهنا ، لأن العامل غيرهما. وعلى ما اخترناه هناك لا يصح العقد ولا الشرط ، إلاّ إذا كان المشروط له الزيادة أيضا عاملا ، ليكون قراضا بالنسبة إليه أيضا.

وإذا عرفت ما قررناه ولحظت كلام الشارح الفاضل تبيّن انه غير واف بحل العبارة.

قوله : ( ولو كان العامل اثنين وسوّاهما في الربح صح وإن اختلفا في العمل ).

وذلك لأنّ تعدد العامل يقتضي كون العقد بمنزلة عقدين ، ولا شك في صحة ذلك مع تعدد العقد. ومنع مالك من المفاوتة بين العاملين في الحصة إذا قارضهما في عقد واحد (٢) ، ورده في التذكرة (٣) ، ولم يتعرض اليه هنا.

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) المدونة الكبرى ٥ : ٩٠.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٣٠.


ولو أخذ من واحد مالا كثيرا يعجز عن العمل فيه ضمن مع جهل المالك.

ولو أخذ مائة من رجل ومثلها من آخر ، واشترى بكل مائة عبدا فاختلطا اصطلحا ، أو أقرع.

المطلب الرابع : العامل يملك الحصة من الربح بالشرط دون الأجرة‌ على الأصح ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو أخذ من واحد مالا كثيرا يعجز عن العمل فيه ضمن مع جهل المالك ).

لأنّ تسليم المال اليه إنما كان ليعمل فيه ، فإذا كان عاجزا عن العمل كان وضع يده على خلاف الوجه المأذون فيه فكان ضامنا ، أمّا مع علم المالك فلا.

قوله : ( ولو أخذ مائة من رجل ومثلها من آخر ، واشترى بكل مائة عبدا فاختلطا اصطلحا أو أقرع ).

لعدم العلم بعين مال كل منهما ، فان تراضيا فلا بحث ، وإن تشاحّا أقرع ، لأنّ كل أمر مشكل فيه القرعة.

ويحتمل إجراء مسألة الثوبين التي في الصلح هاهنا فيباعان مجتمعين إن لم يمكن بيعهما منفردين ، ويقسم الثمن بينهما. ولو أمكن واستويا في الثمن فلا بحث ، وإلاّ أقرع إن لم يتراضيا.

ووجه الاحتمال : إنّه لا دخل لخصوصية الثوبين في الحكم المذكور ، فيستوي الثوبان وغيرهما ، والقول بالقرعة أوجه ، لعدم دليل على غيره. وبيع مال الغير على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق.

قوله : ( العامل يملك الحصة من الربح بالشرط دون الأجرة‌ على الأصح ).


______________________________________________________

ذهب الشيخ في المبسوط (١) ، والخلاف (٢) ، والاستبصار (٣) ، وأكثر الأصحاب إلى استحقاق العامل الحصة المشترطة (٤). وذهب الشيخ في النهاية (٥) ، والمفيد (٦) ، وجمع إلى انه إنما يستحق أجرة المثل (٧).

وظاهر كلام المصنف في المختلف في الاستدلال للثاني أن القراض معاملة فاسدة عند القائل به (٨). وكلام الشيخ في النهاية غير دال على الفساد بل قد يشعر بالصحة ، فإنّه قال في آخر الباب : إنّه إذا كان له على غيره دين لم يجز له جعله مضاربة إلاّ بعد أن يقبضه ثم يعطيه إياه إن شاء (٩) ، ومقتضى هذه العبارة الجواز حينئذ.

وكيف كان فالأصح استحقاق الحصّة على ما شرط ، عملا بعموم قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١٠) ، وعموم قوله 7 : « المؤمنون عند شروطهم » (١١) ، والأخبار الكثيرة الصريحة في ذلك (١٢) ، والاحتجاج بأنّ الربح تابع للملك ، وأنّ جهالة الشرط توجب الغرر فتكون فاسدة ضعيف ، لأنّ عموم النهي عن الغرر قد خص منه كثير‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٨٨.

(٢) الخلاف ٢ : ١١٥ مسألة ١٤ كتاب القراض.

(٣) الاستبصار ٣ : ١٢٦.

(٤) منهم ابن إدريس في السرائر : ٢٥٦ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٤٠ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ٤٦٠.

(٥) النهاية : ٤٢٨.

(٦) المقنعة : ٩٧.

(٧) منهم سلار في المراسم : ١٨٢ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٤٧.

(٨) المختلف : ٤١٨.

(٩) النهاية : ٤٣٠.

(١٠) المائدة : ١.

(١١) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

(١٢) الكافي ٥ : ٢٤٠ و ٢٤١ حديث ٢ و ٣ و ٧ ، التهذيب ٧ : ١٨٨ حديث ٨٣٠ و ٨٣١.


ويملك بالظهور لا بالإنضاض على رأي ملكا غير مستقر ،

______________________________________________________

من الأحكام كالمزارعة والمساقاة ، ولا وجه للمنع هنا مع ورود النص.

قوله : ( ويملك بالظهور لا بالإنضاض على رأي ملكا غير مستقر ).

بناء على أن العامل يملك الحصة من الربح. قد اختلف الفقهاء في وقت ملكه إيّاها على أقوال ، أصحها انّه يملكها من حين ظهور الربح ، ويدل عليه وجوه منها : إن سبب الاستحقاق هو الشرط الواقع في العقد ، فيجب أن يثبت مقتضاه حين وجود الربح ، لوجوب الوفاء به متى أمكن. ومنها انه لو لم يملك بالظهور لم يكن له المطالبة بالقسمة لأنّها فرع الملك ، والتالي باطل اتفاقا.

فإن قيل : المطالبة بالقسمة لعلاقة استحقاق التملك بها ، كما إذا طلب البيع لرجاء حصول الربح بوجود من يشتري بزيادة عن القيمة.

قلنا : فلا تكون قسمة حقيقية ، لأنّها تميّز المالين ، وظاهر إطلاقهم أنها قسمة حقيقية.

ومنها صحيحة محمد بن قيس عن الصادق 7 يعتق نصيب العامل من أبيه مع ظهور الزيادة (١) ، ولو لم يملك امتنع العتق.

ومنها إطلاق الأخبار بكون الربح بين المالك والعامل (٢) ، وهي كما تتناول ما بعد القسمة كذا تتناول حال الظهور.

الثاني : انه يملك بالإنضاض لا قبله ، لأنّ الربح قبله لا وجود له في الخارج ، وإنما هو موهوم مقدّر الوجود ، والمملوك لا بد أن يكون محقق الوجود ، فيكون الظهور موجبا لاستحقاق الملك بعد التحقق ، ولهذا يورث عنه ويضمن حصة من أتلفها ، سواء‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤١ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ١٤٤ حديث ٦٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ حديث ٨٤١.

(٢) انظر : الكافي ٥ : ٢٤٠ حديث ١ و ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٨ و ١٨٩ حديث ٨٢٩ و ٨٣٦ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ حديث ٤٥٢.


وإنما يستقر بالقسمة أو بالإنضاض ، والفسخ قبل القسمة.

______________________________________________________

المالك والأجنبي.

وفيه نظر : فإنّا لا نسلّم أن الربح قبل الانضاض غير موجود ، لأنّ المال غير منحصر في النقد ، فإذا ارتفعت قيمة العرض ، فرأس المال منه ما قابلت قيمته رأس المال والزائد ربح لا محالة ، ومعلوم انه محقق الوجود.

ثم إنّا لا نسلم أن المملوك لا بد أن يكون محقق الوجود ، وانتقاضه بالدين واضح.

الثالث : انّه إنّما يملك بالقسمة ، إذ لو ملك قبلها لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعا في المال كسائر الأموال المشتركة ، والتالي باطل لانحصاره في الربح.

وفيه نظر ، لمنع الملازمة ، فإنّه لا منافاة بين الملك وكون الربح وقاية لرأس المال ، لجواز كون الملك متزلزلا واستقراره مشروط بالسلامة ، ولأنه لو ملكه لاختص بربحه. وفي الملازمة منع ، والسند ما تقدم.

وحكى الشارح الفاضل نقلا عن المصنف قولا رابعا ، وهو كون القسمة كاشفة عن سبق الملك ، لأنّ القسمة ليست من الأسباب المملكة ، والمقتضي للملك هنا إنما هو العمل. وإنما كانت كاشفة لأنها تدل على انتهاء العمل الموجب للملك (١) ، وضعف هذا غني عن البيان بعد ما سبق بيانه.

قوله : ( وإنما يستقر بالقسمة أو الانضاض ، والفسخ قبل القسمة ).

قد حققنا أن العامل يملك الحصة من الربح بالظهور ملكا غير مستقر ، لأن الربح وقاية لرأس المال فلا بد لاستقراره من أمر آخر ، فحينئذ نقول : لا يخلو أما أن ينضم الى الظهور انضاض جميع المال ، أو قدر رأس المال مع الفسخ والقسمة ، أو أحدهما ، أو بدونهما ، أو ينضم إليه القسمة دون الانضاض. ثم القسمة إما للربح فقط‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٢٣.


______________________________________________________

أو لجميع المال فهنا صور :

أ : أن ينضم الى الظهور الانضاض لجميع المال ، أو لقدر رأس المال فقط مع الفسخ والقسمة ، فلا بحث في الاستقرار.

ب : الصورة بحالها لكن لم يقتسما ، وفيه وجهان أصحهما ـ وهو مقرب التذكرة (١) ، وظاهر اختياره هنا ـ حصول الاستقرار أيضا ، لأن العقد قد ارتفع ورأس المال حاصل ناض ، فيخرج الربح عن كونه وقاية لارتفاع حكم القراض بارتفاع العقد ، ولوجوب صرف الربح الى ما شرطاه حيث ارتفع العقد.

والثاني العدم ، لأن القسمة من تتمة عمل العامل ، قال المصنف في التذكرة : وليس شيئا (٢) ، وما قاله حق ، لأن رأس المال متميّز وقسمة الربح لا دخل لها في استقرار ملك العامل على الحصة.

فإن قيل : ما دام لا يقبض المالك رأس ماله يجب أن يكون بحيث لو تلف منه شي‌ء يجبر من الربح ، استصحابا لما كان ، ولظاهر قوله 7 : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٣).

قلنا : الاستصحاب حجة عند عدم الناقل لا معه وقد حصل ، لأنه إذا ارتفع العقد خرج المال عن كونه مال قراض فيبقى أمانة ، لأن اليد في الأصل لم تكن يد ضمان فينتفي حكم جبرانه من الربح ، لأنّه دائر مع كونه قراضا.

والحديث لا دلالة له على ما نحن فيه ، لأن واضع اليد على مال الغير وإن كان في العهدة إلى الأداء ، إلاّ أنه لا يلزم جبران التالف بغير تقصير من الربح في صورة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ حديث ١٠٦.


______________________________________________________

النزاع ، ولانتقاضه بما بعد القسمة قبل القبض. وتردد المصنف في التحرير هنا (١) ، ولا ريب في ضعف تردده.

ج : أن يقع الفسخ والمال عروض كله أو بعضه بحيث لم ينض رأس المال ، فإن حصلت القسمة بعد ذلك حصل استقرار الملك للعامل لانقطاع حكم القراض وإلاّ بني على أن العامل هل يجبر على البيع والانضاض؟ فإن قلنا به فحكم القراض باق لبقاء العمل ، وإن قلنا بالعدم فوجهان كالوجهين السابقين في الصورة الثانية. وسيأتي حكم المبني عليها في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.

د : أن تكون القسمة للربح فقط ولا دخل له في الاستقرار وعدمه ، بل إن حصل شي‌ء من الأمور المذكورة يقتضي الاستقرار فثبوته به ، وإلاّ فلا ، وسيأتي في كلام المصنف ما ينبّه عليه إن شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن قول المصنف : ( وإنما يستقر بالقسمة ، أو الانضاض والفسخ قبل القسمة ) يتناول الصور السابقة جميعها ، فحكمه بالاستقرار بالقسمة في مقابل الانضاض يقتضي الاستقرار بها وإن كان المال عروضا كله أو بعضه.

لكن يرد عليه شي‌ء ، وهو أن القسمة بمجردها لا توجب الاستقرار من دون فسخ القراض ، لأنّه لا معنى للقسمة إلاّ قسمة الربح ، إذ ليس في رأس المال شركة إلاّ باعتباره ، وقسمة الربح وحدها لا تخرجه عن كونه وقاية لرأس المال.

ثم فالمدار على ارتفاع القراض وانتهاء عمله ، وعبارة المصنف لا تفي بذلك لإطلاقها. وما سيأتي من قوله : ( ان قسمة الربح مع بقاء العقد لا تقتضي خروجه عن الوفاء به ) لا ينفع في هذا الضابط لثبوت الإخلال بالفهم وعدم البينة الى ما هناك.

وقوله : ( أو الانضاض والفسخ ) ظاهره يقتضي اعتبار انضاض جميع المال ،

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٧٧.


ولو أتلف المالك أو الأجنبي ضمن له حصته ويورث عنه ، والربح وقاية لرأس المال ، فان خسر وربح جبرت الوضيعة من الربح ، سواء كان الربح والخسران في مرة واحدة أو مرتين ، وفي صفقة واحدة أو اثنتين.

______________________________________________________

وليس بجيد ، بل يكفي انضاض قدر رأس المال. ويقتضي أيضا أن انضاض قدر الربح لا أثر له ، وكذا يقتضي عدم الاستقرار إذا حصل الفسخ والمال عروض ، وهو صحيح على أن ما اختاره فيما بعد من وجوب الانضاض على العامل.

قوله : ( ولو أتلف المالك أو الأجنبي ضمن له حصته ويورث عنه ).

هذه الأحكام غير مخصوصة بأن العامل يملك الحصة بالظهور ، بل لو قلنا انه إنما يملك بالإنضاض أو القسمة فالحكم كذلك ، لأن له حقا مؤكدا إذ قد ملك ان يملك فيطالب المتلف ، سواء كان هو المالك أو غيره ، لأن الإتلاف يجري مجرى استرداد المالك جميع المال فيغرم حصة العامل ، وينتقل هذا الحق إلى الوارث.

قوله : ( والربح وقاية لرأس المال ، فإن خسر وربح جبرت الوضيعة بالربح سواء كان الربح والخسران في مرة واحدة أو مرتين وفي صفقة أو اثنين ).

روى إسحاق بن عمار عن الكاظم 7 : إنّه سأله عن مال المضاربة قال : « الربح بينهما والوضيعة على المال » (١) ، وهو دال على المدّعى ، لأن المال يتناول الأصل مع الربح ، ويقتضي ثبوت هذا الحكم ما دام مال مضاربة ، فيستمر ما دامت المعاملة باقية ، وقد أجمع أهل الإسلام على ذلك ، قال في التذكرة : لا نعلم في ذلك خلافا (٢).

ولأن الربح هو الفاضل عن رأس المال.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٨ حديث ٨٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ حديث ٤٥٢.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٤٣.


فلو دفع ألفين فاشترى بإحداهما سلعة وبالأخرى مثلها ، فخسرت الاولى وربحت الثانية جبر الخسران من الربح ، ولا شي‌ء للعامل إلاّ بعد كمال الألفين.

ولو تلف مال القراض أو بعضه بعد دورانه في التجارة احتسب التالف من الربح ،

______________________________________________________

وعلى هذا فلا فرق بين كون الربح والخسران في مرة واحدة ، أو الخسران في سفرة والربح في أخرى. وكذا لا فرق بين كونهما في صفقة واحدة ، أو الربح في صفقة والخسران في أخرى.

قوله : ( فلو دفع ألفين فاشترى بإحداهما سلعة وبالأخرى مثلها فخسرت الاولى وربحت الثانية جبر الخسران من الربح ولا شي‌ء للعامل الا بعد كمال الألفين ).

بيان للصفقتين والحكم ظاهر.

قوله : ( ولو تلف مال القراض أو بعضه بعد دورانه في التجارة احتسب التالف من الربح ).

المراد بدوران المال في التجارة : التصرف فيه بالبيع والشراء ، وهنا صورتان :

إحداهما : تلف جميع المال ، وذلك كأن يشتري برأس المال متاعا تزيد قيمته على أصل المال ، بأن يكون فيه ربح فيتلف منه مقدار رأس المال.

والثانية : تلف بعضه ، وإطلاق المصنف التلف يتناول التلف بآفة سماوية كمرض حادث ، وبغصب غاصب ، وسرقة سارق ، وغير ذلك ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر ذلك في كلام المصنف صريحا.

وقد جزم بالحكم هنا ، وفي التحرير (١) ، وقال في التذكرة : إنّه الأقرب ، وهو‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٧٩.


وكذا لو كان قبل دورانه على إشكال ،

______________________________________________________

المختار ، لأنّ الربح وقاية لرأس المال على ما سبق بيانه ، فما دام رأس المال لا يكون موجودا بكماله على وجه يأخذه المالك فلا ربح.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأنّه نقصان لا تعلق له بتصرف العامل وتجارته ، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق ، ولأنّه في الغصب والسرقة يحصل الضمان على الغاصب والسارق فلا حاجة الى جبره بمال القراض (١).

وضعفه ظاهر ، فإن كون الربح وقاية لرأس المال في القراض لم يدل دليل على اشتراط الحكم بكون النقص بسبب السوق ، ولأنّه لا يعقل وجود الربح مع كون رأس المال ناقصا. والكلام في الغصب والسرقة إنما هو مع عدم حصول العوض من الغاصب والسارق ، وحينئذ فهو تلف. وممّا قررناه يظهر أن دعوى الشارح السيد الإجماع على جبر التالف من الربح بعد دورانه في التجارة ليس بجيد.

قوله : ( وكذا لو كان قبل دورانه على اشكال ).

أي : وكذا يحتسب التالف من الربح لو كان التلف قبل دوران المال في التجارة ، سواء كان التالف الجميع أو البعض. فهنا صورتان أيضا على اشكال في الاحتساب ينشأ : من أن وضع المضاربة على أن الربح وقاية لرأس المال ، فلا يستحق العامل ربحا إلا بعد أن يبقى رأس المال بكماله ، لأنّه قد دخل على ذلك ، وعدم دورانه في التجارة لا أثر له في ذلك. ومن حيث أن التلف قبل الشروع في التجارة يخرج التالف عن كونه مال قراض ، لأنّ الفرض أن لا بدل له فلا يلزم عوضه من الربح. وهو ضعيف ، لأنّ المقتضي لكونه مال القراض هو العقد لا دورانه في التجارة.

وإنّما يحتسب التالف من الربح حيث لا يتحقق له بدل ، فكيف يؤثر عدم وجوب البدل في عدم الاحتساب؟ والأصح الأول ، واختاره الشيخ في المبسوط (٢) ، وابن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٤.

(٢) المبسوط ٣ : ١٩٠.


______________________________________________________

إدريس (١) ، قال المصنف في التحرير : وفيه نظر ضعيف (٢).

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد يسأل هنا : انه إذا تلف جميع مال القراض قبل دورانه في التجارة لم يبق هناك قراض ليحتسب المال من ربحه ، لبطلان القراض حينئذ؟

وجوابه : ان ذلك يتصور فيما إذا أذن المالك للعامل في القراض بأن يشتري في الذمة ، فاشترى متاعا للقراض في الذمة بقدر مال القراض ، وتلف المال بغير تفريط قبل الدفع فإن البيع لا ينفسخ بذلك ، لعدم تعيين الثمن ، ولا يقع الشراء للعامل على أصح القولين وفاقا للشيخ في المبسوط ، حيث حكم بأن الشراء للمالك إذا كان قبل تلف رأس المال ، بخلاف ما لو كان بعده لانفساخ القراض حينئذ (٣).

واختار في الخلاف وقوعه للعامل (٤) ، وهو ضعيف ، واختار الأول ابن البراج (٥) ، والمصنف في المختلف (٦) ، وهو الأصح ، لأن العقود تابعة للقصود ، فحينئذ يجب على المالك دفع الثمن ويكون الجميع مال القراض.

( لكن يشكل تقييد الشيخ في المبسوط بما إذا غصب مال القراض فاشترى في الذمة ، ثم بعد اليأس من الاسترداد استرد ، فإنّ القراض يجب أن لا يبطل هنا ، إلاّ ان يقال حكم بالبطلان ظاهرا في وقت الشراء فلا يكون قصده معتبرا ) (٧).

__________________

(١) السرائر : ٢٥٨.

(٢) التحرير ١ : ٢٧٩.

(٣) المبسوط ٣ : ١٩٤.

(٤) الخلاف ٢ : ١١٥ مسألة ١٥ كتاب القراض.

(٥) المهذب ١ : ٤٦٤.

(٦) المختلف : ٤٨٢.

(٧) ما بين القوسين لم يرد في نسخة « ك‍ ».


سواء كان التلف للمال أو للعوض ، باحتراق ، أو سرقة ، أو نهب ، أو فوات عين ، أو بانخفاض سوق ، أو طريان عيب.

والزيادات العينية كالثمرة والنتاج محسوبة من الربح ، وكذا بدل منافع الدواب ، ومهر وطء الجواري ، حتى لو وطأ السيد كان مستردا مقدار العقر.

______________________________________________________

قوله : ( سواء كان التلف للمال أو للعوض باحتراق ، أو سرقة ، أو نهب ، أو فوات عين ، أو بانخفاض سوق ، أو طريان عيب ).

تعميم للتلف بحيث يستوي جميع أفراده في هذا الحكم ، وأراد بتلف المال : تلف عين مال القراض قبل دورانه في التجارة ، وبالعوض : تلف الحاصل بالتجارة.

قوله : ( والزيادات العينية كالثمرة والنتاج محسوبة من الربح ، وكذا بدل منافع الدواب ، ومهر وطء الجواري ، حتى لو وطأ السيد كان مستردا مقدار العقر ).

أطلق المصنف الحكم بكون هذه محسوبة من الربح هنا وفي التحرير (١) ، وإن توقف فيه في احتساب مقدار العقر لو وطأ المالك.

ويشكل بأن المشروط في عقد القراض إنما هو الحاصل بالاسترباح بالتجارة ، لأن وضع عقد القراض على ذلك. ومن ثم لو عامله على الاسترباح بالاستنماء ونحوه لم يصح كما سبق ، لأنه خلاف وضعه حتى لو شرطه في العقد بطل ، لأنه خلاف مقتضاه ، فكيف يستحق العامل الحصة في هذا الربح مع أنه نماء ملك المالك؟ وانتقال الملك يتوقف على سبب مملّك. نعم ، لو كان النماء المذكور بعد ظهور الربح اتجه ذلك.

فإن قيل : اشتراط الاسترباح بغير التجارة هو المخالف لوضع القراض ، أمّا‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٨٠.


ولو كان رأس المال مائة فخسر عشرة ، ثم أخذ المالك عشرة ، ثم‌

______________________________________________________

استحقاق غير ربح التجارة فإنّ اشتراطه غير مناف ، فكما يجوز أن يشترط مالا وعملا ، كذا يجوز أن يشترط حصة من ربح آخر.

قلنا : اشتراط مال في عقد القراض يجب أن يكون معلوما وإلاّ ليجهل العقد به واغتفار جهالة الربح الذي هو مقصود العقد ، ومبناه عليه لا يقتضي اغتفار جهالة الشرط ، فإن الغرر محذور ، وتجويز بعضه بالنص لا يقتضي تجويز كل غرر.

فإن قيل فكيف جاز اشتراط مضاربة أخرى أو بضاعة؟

قلنا : هذا في حد ذاته معاملة سائغة ، فإذا اشترطت في العقد فلا إبطال. ولو سلّم جواز اشتراط ذلك فلا نسلم أن إطلاق الحصة من الربح في العقد يتناول هذا القسم ، فإن الربح الواقع في العقد لا عموم له ، والمتبادر منه إنما هو الربح الحاصل بالعمل الذي هو مقتضى العقد ـ أعني الاسترباح بالتجارة ـ فكيف يجوز حمله عليه؟ فإطلاق هذا الحكم في غاية الاشكال.

وقد رجّح المصنف في التذكرة ما قلناه ، حين حكى عن أكثر الشافعية أن هذا النوع من الربح للمالك خاصة ، إذا لم يكن المال قد ربح بالتجارة شيئا ، فنفى عنه البأس (١) ، وذلك هو الذي يقتضيه النظر.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن قول المصنف : ( حتى لو وطأ السيد كان مستردا مقدار العقر ) يريد به نصيب العامل فيه ، كما صرح به في التذكرة (٢). لكن يشكل بأن ذلك إنما يتحقق إذا كان العقر محسوبا من الربح ورأس المال. وفيه نظر ظاهر ، لأن رأس المال غير شائع في هذا ليكون محسوبا منهما.

قوله : ( ولو كان رأس المال مائة فخسر عشرة ، ثم أخذ المالك‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٤٤.


عمل الساعي فربح فرأس المال ثمانية وثمانون وثمانية أتساع ، لأن المأخوذ محسوب من رأس المال فهو كالموجود ، فالمال في تقدير تسعين ، فإذا بسط الخسران ـ وهو عشرة ـ على تسعين أصاب العشرة المأخوذة دينارا وتسع ، فيوضع ذلك من رأس المال.

______________________________________________________

عشرة ، ثم عمل الساعي فربح فرأس المال ثمانية وثمانون وثمانية أتساع ، لأن المأخوذ محسوب من رأس المال فهو كالموجود. فالمال في تقدير تسعين ، فإذا بسط الخسران ـ وهو عشرة ـ على تسعين أصاب العشرة المأخوذة دينارا وتسع ، فيوضع ذلك من رأس المال ).

لما ذكر أن المالك إذا وطأ كان مستردا من المال قدر العقر. أراد أن يبيّن ما يترتب على الاسترداد من الأحكام باعتبار حصول الربح أو الخسران.

فأما في صورة الخسران : فإذا كان رأس المال مائة دينار مثلا فخسر عشرة ، وأخذ المالك بعد الخسران عشرة ، ثم عمل الساعي فربح فلا بد من معرفة قدر رأس المال حينئذ ـ أعني بعد الاسترداد المذكور ـ ليجبر خسرانه من الربح.

وقد ذكر المصنف انه ثمانية وثمانون وثمانية أتساع دينار ، الموجود منها ثمانون ، والتالف بالخسران ثمانية وثمانية أتساع فيجبر من الربح لا مجموع الخسران وهو العشرة التالفة ، وذلك لأن المأخوذ لا ريب انه محسوب من رأس المال ، فهو كالموجود في أن له حظا من الخسران ، لأن الخسران من المجموع فالمال الموجود في تقدير تسعين باحتساب العشرة المأخوذة ، فإذا بسط الخسران وهو عشرة على تسعين أصاب كل دينار تسع ، فنصيب العشرة المأخوذة دينار وتسع ، فيوضع ذلك ـ أعني الدينار وتسعا الذي أصاب العشرة من الخسران ـ مما بقي من أصل رأس المال بعد العشرة وهو تسعون ، لأنه لما استرد العشرة فكأنما استرد نصيبها من الخسران ، لخروجها بالاسترداد عن استحقاق الجبران لما يصيبها حيث بطل القراض فيها.


وإن أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين ، لأنه قد أخذ نصف المال فيسقط نصف الخسران ، وإن أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع.

وكذا في طرف الربح يحسب المأخوذ من رأس المال والربح ، فلو كان المال مائة وربح عشرين فأخذها المالك بقي رأس المال ثلاثة وثمانين‌

______________________________________________________

قوله : ( وإن أخذ نصف التسعين الباقية بقي رأس المال خمسين ، لأنه أخذ نصف المال فسقط نصف الخسران ، وإن أخذ خمسين بقي أربعة وأربعون وأربعة أتساع ).

أي : وإن أخذ المالك في الصورة السابقة نصف التسعين الباقية بعد خسارة العشرة بقي المال خمسين ، منها خمسة وأربعون موجودة ويتبعها نصف الخسران وهو خمسة ، فيجبر من الربح ، ويتبع النصف المأخوذ نصف الخسران أيضا فيسقط.

وإن كان ما أخذه خمسين بقي رأس المال أربعة وأربعين وأربعة أتساع دينار ، منها أربعون موجودة ، ولكل دينار من الخسران تسع وذلك أربعة وأربعة أتساع ، فيجبر من الربح وتسقط خمسة وخمسة أتساع ، وعلى هذا القياس.

والضابط أن ينسب المأخوذ إلى الباقي ، ويأخذ للمأخوذ من الخسران بمثل تلك النسبة ، لأن نسبة حقه من الخسران إلى حق الباقين فيه كنسبته إلى الباقي ، أو يسقط من أصل رأس المال بمثل تلك النسبة ويبقى الباقي رأس المال.

ففي المثال الأول إذا نسبت العشرة المأخوذة إلى الباقي بعد الخسران ـ وهو تسعون ـ كانت تسعا ، فيصيب العشرة من الخسران تسع الخسران ـ وهو دينار وتسع دينار ـ أو يسقط من المائة تسعها ـ وهو أحد عشر دينارا وتسعا ـ فالباقي رأس المال ، وعلى هذا.

قوله : ( وكذا في طرف الربح يحسب المأخوذ من رأس المال والربح ، فلو كان المال مائة وربح عشرين فأخذها المالك بقي رأس المال ثلاثة وثمانين‌


وثلثا ، لأن المأخوذ سدس المال ، فنقص سدس رأس المال ـ وهو ستة عشر وثلثان ـ وحظها من الربح ثلاثة وثلث ، فيستقر ملك العامل على نصف المأخوذ من الربح وهو درهم وثلثان.

ولو انخفضت السوق وعاد ما في يده الى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذه ليتم له المائة بل للعامل من الثمانين درهم وثلثان.

______________________________________________________

وثلثا ، لأن المأخوذ سدس المال فنقص سدس رأس المال ـ وهو ستة عشر وثلثان ـ وحظها من الربح ثلاثة وثلث ، فيستقر ملك العامل على نصف المأخوذ من الربح وهو درهم وثلثان ).

هذا بيان الحكم المترتب على الاسترداد في طرف الربح ، وتحقيقه : أنه إذا كان رأس المال مائة فربح عشرين صار المجموع مائة وعشرين ، فإذا أخذ المالك عشرين كان ما أخذه محسوبا من المجموع ، للشيوع ، فيبقى رأس المال ثلاثة وثمانين وثلثا ، لأن المأخوذ سدس المجموع ، فيكون سدس كل من رأس المال والربح ، وسدس رأس المال ستة عشر وثلثان ، وسدس الربح ثلاثة وثلث فيبقى رأس المال ثلاثة وثمانين وثلثا ، وبطل العقد في المأخوذ فيستقر ملك العامل على نصف ربح المأخوذ ـ وهو درهم وثلثان ـ لخروجه عن كونه وقاية حينئذ ببطلان القراض فيه. وضابطه : أن ينسب المأخوذ إلى المجموع ، ويأخذ بتلك النسبة من رأس المال ومن الربح.

قوله : ( ولو انخفضت السوق وعاد ما في يده إلى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذه ليتم له المائة ، بل للعامل من الثمانين درهم وثلثان ).

أي : لو انخفضت السوق بعد أخذ عشرين ، وصار جميع ما في يده العامل الى ثمانين لم يكن للمالك أخذ الباقي ـ وهو الثمانون ـ لتتم له به وبما أخذ أولا المائة ، لأن نصيب العامل من سدس الربح المأخوذ قد استقر ملكه عليه ، وقد أخذه المالك فيأخذ بدله.


ولو كان قد أخذ ستين بقي رأس المال خمسين ، لأنه قد أخذ نصف المال فبقي نصفه ، وإن أخذ خمسين بقي رأس المال ثمانية وخمسين وثلثا ، لأنه أخذ ربع المال وسدسه فبقي ثلثه وربعه.

فإن أخذ منه ستين ثم خسر فصار معه أربعون فردّها كان له على المالك خمسة ، لأن الذي أخذ المالك انفسخت فيه المضاربة فلا يجبر ربحه خسران الباقي لمفارقته إياه وقد أخذ من الربح عشرة ، لأن سدس ما أخذه ربح.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان قد أخذ ستين بقي رأس المال خمسين ، لأنه أخذ نصف المال فبقي نصفه ، وإن أخذ خمسين بقي رأس المال ثمانية وخمسين وثلثا ، لأنه أخذ ربع المال وسدسه فبقي ثلثه وربعه ).

أي : لو كان قد أخذ من مجموع مائة وعشرين ستين فالمأخوذ نصف رأس المال ونصف الربح ، فيستقر ملك العامل على نصف ربح المأخوذ ـ وهو خمسة ـ والباقي نصف رأس المال ـ وهو خمسون ـ يتعلق بخسرانه الجبران من الربح.

ولو كان قد أخذ خمسين فهي ربع المجموع وسدسه ، فيكون قد أخذ ربع رأس المال وسدسه وهو واحد وأربعون وثلثان ، ومن الربح كذلك ، فيستقر ملك العامل على نصفه ، ويبقى من أصل المال ثمانية وخمسون وثلث هي ثلث المال وربعه فهي رأس المال الآن.

قوله : ( فإن أخذ منه ستين ، ثم خسر فصار معه أربعون فردّها كان له على المالك خمسة ، لأن الذي أخذه المالك انفسخت فيه المضاربة فلا يجبر ربحه خسران الباقي لمفارقته إياه ، وقد أخذ من الربح عشرة ، لأنّ سدس ما أخذه ربح ).

أي : فإن كان الذي أخذه المالك ستين ، ثم خسر الباقي عشرين فردّها‌


ولو رد منها عشرين بقي رأس المال خمسة وعشرين.

ولو دفع ألفا مضاربة ، فاشترى متاعا يساوي ألفين ، فباعه بهما ثم اشترى به جارية وضاع الثمن قبل دفعه رجع على المالك بألف وخمسمائة ، ودفع من ماله خمسمائة على إشكال.

______________________________________________________

انفسخ القراض ، فليس للمالك أن يأخذ الباقي ليتم له مائة ـ وهي رأس المال ـ بل للعامل نصف ربح المأخوذ ، لاستقرار ملكه عليه باسترداد نصف المال وانفساخ العقد في نصف رأس المال ، فإذا خسر النصف الآخر لم يجبر من ربح المأخوذ ، وهو ظاهر.

قوله : ( ولو ردّ منها عشرين بقي رأس المال خمسة وعشرين ).

أي : لو ردّ من الأربعين الباقية بعد الخسران عشرين ـ هي نصفها ـ فقد سقط نصف الخسران وهو خمسة ، لأن خسران الخمسين عشرة ، فيبقى رأس المال خمسة وعشرين باعتبار الخمسة التي يجب جبرانها من الربح ، وهي حظ الباقي من الخسران.

قوله : ( ولو دفع ألفا مضاربة فاشترى متاعا يساوي ألفين ، فباعه بهما ثم اشترى به جارية ، وضاع الثمن قبل دفعه رجع على المالك بألف وخمسمائة ودفع من ماله خمسمائة على اشكال ).

أي : لو دفع المالك ألفا مثلا على طريق المضاربة ، فاشترى بها متاعا يساوي ألفين وباعه بهما فقد ربح ألفا. فإذا اشترى جارية مثلا بألفين في الذمة ، لكون المالك قد أذن له أن يشتري لتلك المضاربة في الذمة.

وهذا وإن كان كلام المصنف خاليا منه ، إلاّ أنّه لا يستقيم بدونه ، لأنّ الشراء إذا كان بعين الألفين انفسخ العقد بتلفهما ، ولو كان في الذمة من غير إذن من المالك وقف على إجازته ، فلا يلزمه شي‌ء إلاّ أن يجيز فلا جرم وجب التقييد بذلك.

وحينئذ لو ضاع مال المضاربة الذي يريد دفعه ثمنا ـ وإنما اشترى على هذا القصد ـ قبل الدفع لم يبطل البيع قطعا ، لأنه بيع صدر من أهله في محله ولم يقع للعامل‌


______________________________________________________

ـ خلافا للشيخ في الخلاف (١) وقد نبهنا على وجهه سابقا ـ بل يقع للمالك والعامل معا.

أما المالك ، فلأنّه لمّا أذن في الشراء في الذمة للمضاربة كان العامل مأذونا له في الشراء في الذمة بقدر مال المضاربة ، فكل شراء يقع كذلك ولا يكون الثمن زائدا على قدر مال المضاربة يجب أن يقع للمالك.

فإذا تلف المال الذي يراد دفع الثمن منه بغير تفريط تلف من المالك فوجب عليه بدله ، ويكون محسوبا من مال المضاربة ، لأن العقد إنما وقع على هذا الوجه.

وإنّما قلنا إن العقد يصح ، لأن العامل لم يشترط في العقد أداء الثمن من هذا المال ، وإنما قصده فيجب على المالك دفع ألف وخمسمائة ، ويدفع العامل خمسمائة من ماله على اشكال ينشأ : من أنه ملك من الألفين خمسمائة ـ نصف الربح ـ بمقتضى الشرط ، والشراء إنما وقع للمضاربة على قصد أن يؤدي الثمن من هذا المال ، فيكون الشراء لمالك هذا المال وقد ملك ربعه ، فيكون ربع المبيع له فيجب عليه ربع الثمن.

ولأن اذن المالك في الشراء للمضاربة مقصور على قدر مال المضاربة المملوك له ، لامتناع اعتبار اذنه في مال غيره ، فلا يقع له من الشراء إلاّ مقدار ما تناوله الاذن ، والزائد لم يأذن فيه المالك ولم يقصده به العامل فيجب أن يقع للعامل.

ومن أن ملك العامل للربح غير مستقر ، لأن الاستقرار لا يتحقق بمجرد الانضاض من دون الفسخ أو القسمة ، وإنما اشترى للمضاربة فيكون مجموع الثمن لازما للمالك ، لأن الشراء وقع باذنه ولا شي‌ء على العامل.

ويضعّف بأن أصل الملك للعامل حصل بظهور الربح بناء على المختار ، وعدم الاستقرار لا ينافي أصل الملك ولا يرتفع بالتلف الملك من أصله ، وشراؤه للمضاربة إنما يقع للمالك منه بقدر ما يملك من مال المضاربة ، لاستحالة أن يؤثّر اذنه في ملك غيره ،

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١١٥ مسألة ١٥ كتاب القراض.


فإذا باعها بخمسة آلاف أخذ العامل ربعها ، وأخذ المالك من الباقي رأس ماله ألفين وخمسمائة ، وكان الباقي ربحا بينهما على ما شرطاه.

ولو دفع إليه ألفا مضاربة ، ثم دفع إليه ألفا أخرى مضاربة وأذن في ضم أحدهما إلى الآخر قبل التصرف في الأول جاز ، وصار مضاربة واحدة. وإن كان بعد التصرف في الأول بشراء المتاع لم يجز ، لاستقرار حكم الأول ، فربحه و‌خسرانه مختص به.

______________________________________________________

والأصح الأول.

قوله : ( فإذا باعها بخمسة آلاف أخذ العامل ربعها ، وأخذ المالك من الباقي رأس ماله ألفين وخمسمائة ، وكان الباقي ربحا بينهما على ما شرطاه ).

هذا حكم المسألة على أحد وجهي الاشكال ، وهو المذكور في العبارة ، أعني : وجوب دفع خمسمائة من مال العامل.

ووجهه ـ بعد الإحاطة بما سبق ـ ظاهر ، فإن المبيع قد استحق العامل ربعه خارجا عن المضاربة ، لأنه دفع ثمنه من خاص ماله فيستحق ربع الربح لا بسبب المضاربة ـ وقدره سبعمائة وخمسون ـ ويبقى ثلاثة أرباعه يجبر منه التالف جزما ، لأنه تلف بعد دورانه في التجارة ـ وهو ألف ـ فيكون رأس المال ألفين وخمسمائة ، ويبقى ألف وسبعمائة وخمسون يقسّم بينهما على ما شرطاه.

قوله : ( ولو دفع إليه ألفا مضاربة ، ثم دفع إليه ألفا أخرى مضاربة ، وأذن في ضم أحدهما إلى الآخر قبل التصرف في الأول جاز وصار مضاربة واحدة ، وإن كان بعد التصرف في الأول بشراء المتاع لم يجز ، لاستقرار حكم الأول فربحه وخسرانه مختص به ).


فإن نض الأول جاز ضم الثاني اليه ، وإن لم يأذن في الضم فالأقرب أنه‌ ليس له ضمه.

______________________________________________________

تعليل عدم الجواز في الفرض الثاني ـ أعني : ( قوله لاستقرار حكم الأول ) ، أي : لثبوت حكم كونه قراضا مستقلا على وجه الاستقرار بالتصرف الذي هو مقتضاه ـ هو وجه الفرق بين الفرضين.

وليس بتام ، لانتقاضه بما ذكره بقوله : ( فإن نضّ الأول جاز ضم الثاني إليه ) ، لأن مقتضى التعليل أن لا يجوز هنا نظرا الى استقرار الحكم الأول بالتصرف ، وكذا صنع في التذكرة (١). وتحقيق المبحث أن هنا أمرين :

أحدهما : جواز الضم مع الاذن قبل التصرف ، ووجهه أن كلاّ من العقدين وإن اقتضى اختصاصه بحكمه كالبيعين ، إلاّ أن القراض لكونه جائزا يقبل رفع بعض الخصوصيات ، لأن ذلك منوط بالتراضي ، فإذا تراضيا على العقدين من حيث أنهما عقدان ، ثم تراضيا على رفع تلك الخصوصية كان لهما ذلك ، لأن لهما رفع العقد كله فالخصوصية أولى.

الثاني : الفرق بين ما إذا كان الاذن في الضم قبل التصرف أو بعده ، وتحقيقه أن شرط رفع الخصوصية للعقدين كون المال بحيث يصلح لإنشاء عقد القراض عليه ، فإذا كان عروضا كان مانع الصحة موجودا ، فلا يعتد بالاذن الصادر حينئذ في تصيير العقدين عقدا واحدا ، لوجود المانع ، ومن ثم لو نضّ فأذن جاز. وهل يعتد بالاذن السابق على الانضاض؟ يلوح من العبارة الاعتداد به وهو مشكل ، كما لو عقد قبل صيرورة المال نقدا فإنه لا بد من إعادة العقد بعد ذلك. وفي التذكرة قال : ولو كان المال الأول قد نضّ ، وقال له المالك : ضم الثانية إليه جاز وكان قراضا واحدا (٢) ، ولم يتعرض الى ما سوى ذلك نفيا ولا إثباتا.

قوله : ( وإن لم يأذن في الضم فالأقرب أنه‌ ليس له ضمه ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٤٩.


ولو خسر العامل فدفع الباقي ناضا ثم أعاده المالك اليه بعقد مستأنف لم يجبر ربح الثاني خسران الأول ، لاختلاف العقدين.

وهل يقوم الحساب مقام القبض؟ الأقرب أنه ليس كذلك.

______________________________________________________

وجه القرب أن ذلك تصرف غير مأذون فيه ، لأن كلاّ من المالين تعلّق به عقد بخصوصه ، فاقتضيا أن يكون كل منهما قراضا مستقلا ، وربما تعلّق غرض المالك بعدم خلط أحد المالين بالآخر فلا يجوز الخلط.

ويحتمل ضعيفا الجواز ، لاتحاد المالك ، وجوّزه بعض العامة مع عدم التصرف في الأول (١) ، وليس بشي‌ء ، بل الأصح المنع فيضمن بالخلط.

واعلم أنه ليس المراد بالضم هنا اشتراكهما في الحكم ، بحيث يجبر ربح أحدهما خسران الآخر ، لأن المالك لو فسخ المضاربة في ذي الربح لم يكن للعامل جبر خسران الآخر بربحه ليستحق الحصة من الربح المتجدد خصوصا مع اختلاف الحصة فيهما. ولا للمالك ذلك ، لأن فيه حرمان العامل من هذا الربح قطعا فلا يكون المقصود من جواز الضم وعدمه إلاّ الضمان وعدمه خاصة.

قوله : ( ولو خسر العامل فدفع الباقي ناضا ، ثم أعاده المالك اليه بعقد مستأنف لم يجبر ربح الثاني خسران الأول ، لاختلاف العقدين ).

لأن الثاني وقع بعد فسخ الأول ، لأن الفرض إن دفعه إياه ناضا كان على قصد فسخ القراض ، وهذا القدر كاف في الفسخ ، فإذا عقد ثانيا استؤنف الحكم.

قوله : ( وهل يقوم الحساب مقام القبض؟ الأقرب انه ليس كذلك ).

وجه القرب : استصحاب حكم العقد إلى أن يحصل الرافع له ، والحساب لا دلالة له على رفعه بشي‌ء من الدلالات. ويحتمل ضعيفا مساواته القبض في ذلك ، لإفادة تعيين حق كل من العامل والمالك.

__________________

(١) قاله إسحاق ، انظر : المغني لابن قدامة ٥ : ١٧٥ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ١٦٨.


وليس للعامل بعد ظهور الربح أخذ شي‌ء منه بغير إذن المالك ، فإن نض قدر الربح واقتسماه وبقي رأس المال فخسر رد العامل أقل الأمرين‌

______________________________________________________

والتحقيق : أن الحساب بمجرده لا يفيد الفسخ ما لم ينضم اليه ما يقتضيه ، إلاّ ان هذا لا يكاد يفرق فيه بينه وبين غيره ، فإن القسمة لا تقتضي الفسخ بمجردها من دون إرادة ذلك ، لما سيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى أن قسمة الربح لا تخرجه عن كونه وقاية.

ولا يعقل من القسمة هنا إلاّ تمييز الربح عن رأس المال ، وكذلك استرجاع المال. قال المصنف في التذكرة عطفا على ما به يحصل الفسخ ـ : وباسترجاع المال من العامل لقصد رفع القراض (١).

هذا كلامه ، وهو صريح ، ذلك ولأن من المعلوم أن العامل لو جعل المال في يد المالك لم يقبض على الفسخ ، لإمكان كونه لغرض الحفظ الى أن يقضي عرضا ونحوه ، فحينئذ لا محصل لقول المصنف : ( الأقرب أنه ليس كذلك ) ، لأنه إن أراد به مع الضميمة فباطل ، أو بدونها فلا يتطرق إليه الاحتمال ، لأن الاسترجاع والقسمة إذا لم يقتضيا الفسخ بمجردهما فالحساب أولى.

قوله : ( وليس للعامل بعد ظهور الربح أخذ شي‌ء منه بغير اذن المالك ).

لأن الربح وقاية لرأس المال عن الخسران ما دامت المعاملة باقية ففيه حق للمالك ، وربما حدث الخسران بعد أخذ العامل فاحتيج الى التقاص.

وينبغي أن يكون الحكم في المالك أيضا كذلك ، لأن للعامل حقا في الربح ولا يتميز إلاّ بالقسمة ، ولتعلق حقه برأس المال ما دام حكم العقد باقيا والربح وقاية له.

قوله : ( فإن نضّ قدر الربح واقتسماه ، وبقي رأس المال فخسر رد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٧.


واحتسب المالك ،

______________________________________________________

العامل أقل الأمرين واحتسب المالك ).

لا ريب أن الربح لا يستقر ملك أحدهما عليه ما دامت المعاملة باقية ولو نضّ قدره أو مجموع المال فاقتسما الربح مع بقاء المعاملة.

وإنما لم يذكر المصنف الفرض الثاني ، لاحتياجه إلى هذا القيد ، بخلاف الأول ، لأن الأقرب عنده بقاء حكم المعاملة لوجوب الانضاض على العامل كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وحينئذ فلا عبرة بالقسمة المذكورة.

فلو خسر رأس المال جبر خسرانه من الربح المأخوذ ، فيرد العامل أقل الأمرين من المأخوذ والخسران ، لأنه إنما يجبر الخسران بما أخذه فقط ، واحتسب المالك بأقل الأمرين أيضا ، بمعنى انه يحتسب رجوع ذلك الأقل إليه من رأس المال ، فيكون رأس المال ما أخذه العامل وما بقي.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن هذا هو تحقيق المقام ، وهو الظاهر من عبارة المصنف في التذكرة حيث قال في هذه المسألة : لو حصل خسران بعده كان على العامل جبره بما أخذ (١) ، فإن المتبادر من قوله بما أخذ : مجموعه.

وفي بعض حواشي شيخنا الشهيد أنّ المردود هو ما أخذه العامل من رأس المال لا من الربح المستقر ، كما إذا أخذ عشرين من مائة وعشرين قدر الربح هو المأخوذ ، فإن المأخوذ في تقدير سدس المال والربح معها ، فيستقر ملك العامل على نصف حصتها من الربح ويرد الباقي ، ويحتسب المالك بمثل ذلك.

قال : ولا يجوز أن يجعل المردود من العامل على تقدير خسران عشرين عشرة كما يفهمه كثير ، لأنه يناقض ما سلف. وما قرره ليس بجيد ، لأن المأخوذ للمالك والعامل إنما أراد به الربح ، وحيث كان المال منحصرا فيهما كان التمييز والقسمة منوطا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٣.


وإن امتنع أحدهما من القسمة لم يجبر الآخر عليها.

______________________________________________________

برضاهما. ولأنه لولا ذلك لم يجز للعامل التصرف فيما أخذه بوجه ، لاشتماله على بعض المال على رأيه ولم يأذن المالك في التصرف فيه إنما أذن في التصرف في الحصة من الربح.

وهو معلوم البطلان ، لأن الإذن إذا وقع على تقدير منوط بتراضيهما لم يكن لعدم تأثيره وجه ، وما ذكره من مناقضة هذا لما سبق غير واضح ، لأن المأخوذ فيما سبق لم يكن على وجه القسمة ، وإنما أخذه المالك خاصة فكان سابقا لا محالة بخلاف ما هنا.

قيل : إن العبارة لا تدل على أن المأخوذ هو الربح ، لأن الذي فيها هو إنما نضّ قدر الربح ، وليس فيها للربح ذكر.

قلنا : لا ريب أن القسمة تميز الحقوق ، ولا حق للعامل في غير الربح ، ولأن المأخوذ لو كان من المجموع لم تكن هناك قسمة أصلا ، لاشتمال ما أخذه كل منهما على الربح ورأس المال.

قال في التذكرة : ـ لو باع المالك ما اشتراه العامل ، فإن قصد بذلك إعانة العامل لم يرتفع ، وإن قصد رفع حكم العامل فيه ارتفع (١).

قوله : ( وإن امتنع أحدهما من القسمة لم يجبر الآخر عليها ).

في بعض النسخ : ( لم يجبر عليها ) وكلاهما صحيح ، والمعنى : انه إذا أراد أحدهما قسمة الربح مع بقاء المعاملة فامتنع الآخر لم يجبر الممتنع ، أما إذا كان المريد للقسمة العامل فظاهر ، لأن الربح وقاية لرأس المال ، فلو اقتسما لأضر بالمالك لاحتمال تجدد الخسران ، فله أن يقول : لا ادفع إليك شيئا من الربح حتى تسلم لي رأس المال.

وإما إذا كان المريد للقسمة المالك فلأن العامل لا يأمن من أن يطرأ الخسران ، وقد أخرج ما وصل اليه ، فيحتاج الى غرم ما حصل له بالقسمة ، وذلك ضرر ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٧.


ولا يصح أن يشتري المالك من العامل شيئا من مال القراض ، ولا أن يأخذ منه بالشفعة ولا من عنده القن ، ويجوز من المكاتب والشريك ، فيصح في نصيب شريكه.

______________________________________________________

بل توجه المطالبة إليه بمجردها ضرر.

قوله : ( ولا يصح أن يشتري المالك من العامل شيئا من مال القراض ).

لأنه ماله فلا يعقل شراؤه ، ولو ظهر ربح لم يبعد شراء حق العامل وإن كان متزلزلا ، فإن المانع إنما هو حق المالك ، فلو تجدد خسران أمكن القول بالبطلان ، ولم أجد تصريحا بذلك فينبغي التوقف.

قوله : ( ولا أن يأخذ منه بالشفعة ).

وذلك حيث يكون شريكا بالشقص المشترى للقراض ، لأنه ملكه فكيف يأخذ من نفسه؟ ولو ظهر ربح حال الشراء ، فقد سبق أن أثر الشفعة يظهر في منع العامل من الحصة من العين.

قوله : ( ولا من عبده القن ، ويجوز من المكاتب والشريك فيصح في نصيب شريكه ).

أي : ولا يصح أن يشتري الإنسان من عبده القن ، سواء كان مأذونا له في التجارة أم لا ، وسواء كان عليه دين أم لا. وحكى الشيخ في المبسوط قولا : انه إذا ركبت العبد الديون جاز للسيد الشراء منه (١) ، وحكاه في التذكرة (٢) عن بعض الشافعية (٣) ، لأنه لا حق للسيد فيه وإنما هو حق للغرماء.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٩٦.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٣٧.

(٣) المغني لابن قدامة ٥ : ١٧٢ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني ٥ : ١٦١.


وللعامل أن يشتري من مال المضاربة ، وإن ظهر ربح بطل البيع في نصيبه منه.

______________________________________________________

وفساده ظاهر ، فإن استحقاق الغرماء إياه لا يقتضي خروجه عن ملك السيد ، فيأخذه السيد بقيمته ، كما يدفع قيمة العبد الجاني ، ولا يعد بيعا ، بخلاف المكاتب فإن سلطنة السيد قد انقطعت عنه ، وحكم بأن ما في يده له. ولهذا لو انعتق لم يكن للسيد مما في يده شي‌ء ، فيجوز الشراء منه والأخذ بالشفعة.

ولا يخفى أن حكم العبد والمكاتب ليس من أحكام القراض في شي‌ء ، وإنما وقع استطرادا. وكما يجوز الشراء من المكاتب يجوز من العامل الشريك ، لكن في نصيبه لا في نصيب المالك ، لما عرفت من امتناع شراء الإنسان مال نفسه.

وكذا يأخذ من العامل بالشفعة لو اشترى لنفسه شقصا بشركة المالك ولو كان الذي للمالك من مال القراض ، ولا تتناول العبارة هذا الفرض إلاّ بتكلف بعيد.

واعلم أن الضمير في قوله : ( شريكه ) يعود الى المالك ، والمراد في نصيب الشريك المذكور. وإنما لم يقل : في نصيبه ، خوفا من توهم عود هذا الضمير إلى المالك ، لأنه المسوق له الكلام ، وهو غلط.

قوله : ( وللعامل أن يشتري من مال المضاربة ، وإن ظهر ربح بطل البيع في نصيبه منه ).

المراد : انه إذا كان الربح ظاهرا في وقت الشراء بناء على انه يملك بالظهور ، لامتناع شراء ملك نفسه وإن كان متزلزلا.

أما إذا لم يكن ثم ربح فإن المال لغيره فيجوز شراؤه قطعا ، وما يتجدد من الربح فهو له. ولا يخفى ان شراءه من المالك أو من نفسه بالإذن جائز ، وبدونه ينبغي ان يجعل في ذلك كالوكيل وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.

* * *


الفصل الثالث : في التفاسخ والتنازع :

القراض عقد جائز من الطرفين لكل منهما فسخه ، سواء نض المال أو كان به عروض ، وينفسخ بموت أحدهما وجنونه.

وإذا فسخ القراض والمال ناض لا ربح فيه أخذه المالك ولا شي‌ء للعامل ،

______________________________________________________

قوله : ( وتنفسخ بموت أحدهما وجنونه ).

وكذا إغماؤه ، والحجر عليه للسفه ، أو على المالك خاصة للفلس ، لأن الحجر على العامل. للفلس لا يخرجه عن أهلية التصرف في مال غيره بالنيابة وإنما حكم بالانفساخ في هذه المواضع ، لأن القراض عقد جائز من الطرفين يتضمن معنى التوكيل ، فيبطل بخروج المالك عن أهلية الاستنابة ، والعامل عن أهلية النيابة.

قوله : ( وإذا فسخ القراض والمال ناض ولا ربح فيه أخذه المالك ولا شي‌ء للعامل ).

بطلان القراض قد يكون بفسخ المالك ، أو العامل ، أو بفسخهما ، أو بعروض ما يقتضي الانفساخ. وعلى كل واحد من هذه التقديرات أما أن يكون المال ناضا ولا ربح فيه ، أو فيه ربح ، أو عروضا فيه ربح ولو بالقوة ، لوجود من يشتري بزيادة أو عن القيمة ، أو لا. فهذه أقسام المسألة ، وستأتي أحكامها إن شاء الله تعالى.

فإن كان المال ناضا ولا ربح فيه أخذه المالك ولا شي‌ء للعامل ، لأن حقه إنما هو الحصة من الربح على تقدير حصوله. لكن هذا إنّما هو إذا لم يكن الفسخ من المالك ، لأنّه حينئذ لا تفويت من المالك لعوض عمل العامل ، ولم يلتزم له بغير إعطاء‌


وإن كان فيه ربح قسم على الشرط ، وإن انفسخ وبالمال عروض : فإن ظهر فيه ربح وطلب العامل بيعه ، أو وجد زبونا يحصل له ربح ببيعه عليه أجبر المالك على إجابته على اشكال ،

______________________________________________________

الحصة من الربح ، وقد فاتت لا من قبله فلا شي‌ء له. أمّا إذا كان الفسخ من المالك فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وإن كان فيه ربح قسّم على الشرط ).

لوجوب الوفاء بالعقد.

قوله : ( وإن انفسخ وبالمال عروض ، فإن ظهر فيه ربح وطلب العامل بيعه ، أو وجد زبونا يحصل له ربح ببيعه عليه أجبر المالك على اجابته على اشكال ).

أي : إذا انفسخ بنفسه لطروء جنون ونحوه ، أو فسخه أحدهما وبالمال عروض ، سواء كان كله أو بعضه ، فإن ظهر فيه ربح وطلب العامل بيعه ففي وجوب الإجابة على المالك اشكال ، ولو لم يكن فيه ربح لكن وجد العامل زبونا يحصل له ربح ببيعه عليه ففي وجوب الإجابة إشكال أيضا.

ومنشأ الأشكال الأول : من أن وصول العامل الى حقه متصور من دون البيع ، بأن يقتسما العروض فلا يكلف المالك الإجابة بالبيع بعد الفسخ ، ولأنّ العامل لا يزيد على حال الشريك ، ومعلوم أنه لا يكلّف البيع لأجله ، ومن وجوب تمكين العامل من الوصول الى عوض عمله الواقع بالإذن.

وربّما لم يوجد راغب في شراء بعض العروض ، أو لم يبع إلاّ بنقصان ، أو رجا وجود زبون يشتري بأزيد من القيمة. ولا ريب أن للعامل مزية على الشريك ، لأنه يستحق التمكين من الوصول الى عوض عمله.

هذا على القول بأنه يملك بالظهور ، ولو قلنا بأنه إنما يملك بالإنضاض‌


وإن لم يظهر ربح ولا زبون لم‌ يجبر المالك.

______________________________________________________

فمنشأ الإشكال : من أنه لا حق له الآن في العين ، فلا يستحق التسلط على بيعها ومن أنه قد ملك ان يملك ، لأن الفرض ظهور الربح فله المطالبة بما يتوقف عليه حق المالك لصدور عمله بالاذن.

ومنشأ الإشكال الثاني : من صدور عمله بالإذن في مقابل عوض ، وقد أمكن الوصول الى العوض بالبيع فيجب التمكين منه. ولأن ذلك يعد ربحا ، لأن الربح هو الزيادة الحاصلة بالتصرف ، وقد يكون حصولها بسبب خصوص العين ، لوجود راغب فيها بزيادة عن قيمتها ، فيجب أن يستحق فيها الحصة لوجودها بالقوة القريبة وإن تمكن من البيع الذي يتوقف حصولها بالفعل عليه.

ومن أن هذه الزيادة لا تعد ربحا ، وإنما هو رزق يساق الى مالك العروض ، ولو عدّ ربحا لم يستحقه ، لأنه إنما يستحق الربح الى حين الفسخ ، لا ما يتجدد بعده ، وفيه نظر ، لأن الربح مطلق الزيادة ، وهذا الربح موجود بالقوة القريبة فلا يكون كغيره.

والذي ينساق إليه النظر وجوب التمكين من البيع ، مع توقف حصول الفائدة للعامل عليه أما لحصول الزيادة بسببه ، أو لأنه لا يوجد راغب في شراء حصة العامل منه على تقدير ظهور الربح ، كما لو كان العروض سيفا ونحوه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن موضع الإشكال ما إذا طلب العامل البيع في الحال ، أما إذا طلب تأخيره إلى موسم رواج المتاع فليس له ذلك قطعا ، للضرر الحاصل على المالك.

واعلم أنّ الزّبون ـ بفتح أوله ـ هو الراغب في الشراء ، وكأنّه مولد وليس من كلام العرب.

قوله : ( وإن لم يظهر ربح ولا زبون لم‌ يجبر المالك ).


ولو طلب المالك بيعه : فان لم يكن ربح ، أو كان وأسقط العامل حقه منه فالأقرب إجباره على البيع ليرد المال كما أخذه ، وكذا يجبر مع الربح.

______________________________________________________

لأنّه لا حق للعامل حينئذ أصلا.

قوله : ( ولو طلب المالك بيعه ، فإن لم يكن ربح ، أو كان وأسقط العامل حقه منه فالأقرب إجباره على البيع ليرد المال كما أخذه ).

البحث هنا في مسألتين :

الأولى : إذا لم يكن ربح ، ووجه القرب فيه ما نبّه عليه المصنف ، وهو وجوب رد المال كما أخذه ، لظاهر قوله 7 : ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) ) (١) ، ولأنه هو الذي أحدث التغيير في رأس المال فيجب رده الى ما كان.

وفيه نظر ، لأنّ الحديث إن دل فإنّما يدل على رد المأخوذ ، أما رده على ما كان عليه فلا دلالة له عليه. والتغيير إنما حدث بإذن المالك وأمره ، والأصل براءة الذمة من وجوب العمل بعد ارتفاع العقد. وقد يقال : العقد اقتضى الاذن في التقليب في التجارة بالشراء والبيع ليحصل الربح ، فإذا اشترى كان عليه أن يبيع ، لأن الاذن إنما وقع على هذا الوجه ، وهو محل تأمل.

الثانية : أن يكون ربح ويسقط العامل حقه منه ، فإن الأقرب عند المصنف إجباره على البيع أيضا ، ووجه القرب يستفاد مما سبق ، ويرد عليه ما ورد هناك ، لكن بقي شي‌ء وهو : أن مقتضى العبارة سقوط حق العامل من الربح بالإسقاط ، وهو واضح على القول بأنه إنما يملك بالإنضاض أو القسمة ، لأنه حينئذ لم يملك وإنما ملك أن يملك وكان له الاسقاط كالشفيع والغانم.

__________________

(١) سنن ابن ماجد ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مسند احمد ٥ : ٨ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤.


______________________________________________________

وأما على القول بأنّه يملك بالظهور فغير واضح ، لأنّ الملك الحقيقي لا يزول بالإعراض ولا يسقط بالإسقاط ، بل إنما يزول بالسبب الناقل. ولا فرق في ذلك بين كون الملك مستقرا أو متزلزلا ، وهو الذي يستفاد من كلام المصنف في التذكرة (١).

وقد زعم الشارح الفاضل أنّه بناء على القول بالملك بالظهور يحتمل السقوط بالإعراض (٢) ، وليس بشي‌ء. وإنما أوقعه في هذا الوهم ما يتبادر من العبارة.

ويمكن تنزيلها على ما لا منافاة بينه وبين مختار المصنف سابقا من ملك العامل الحصة بالظهور بالحمل على إرادة المسقط الشرعي في الجملة ، فعلى القول بالملك بالظهور يراد بالمسقط البيع والتمليك ونحوهما ، وعلى غيره يكفي الاعراض ، فلا منافاة في العبارة أصلا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المصنف قد جزم بوجوب البيع على العامل مع الربح إذا طلبه المالك وإجباره عليه حيث قال : ( وكذا يجبر مع الربح ) ، وبه صرح في التذكرة (٣) ، وفي الفرق بينه وبين عدم الربح صعوبة.

ويمكن أن يقال : الفرق انه إنما استحق الربح في مقابل العمل المأذون فيه وهو الشراء والبيع فيجب عليه القيام به ، ولأن في الانضاض مشقة ومؤنة ، فلا يناسبه أخذ العامل الحصة وجعل تلك المشقة على المالك ، والمسألة موضع تأمل فيتوقف الى أن يظهر الوجه ، وأطلق صاحب الشرائع القول بعدم وجوب الانضاض لو طلبه المالك (٤) ، وكذا المصنف في التحرير (٥).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٣.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٢٧.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٤٦.

(٤) الشرائع ٢ : ١٤٣.

(٥) التحرير ١ : ٢٧٨.


ولو نض قدر رأس المال فرده العامل لم يجبر على انضاض الباقي ، وكان مشتركا بينهما. ولو رد ذهبا ورأس المال فضة وجب الرد الى الجنس.

وإذا فسخ المالك القراض ففي استحقاق العامل اجرة المثل الى ذلك الوقت نظر ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو نضّ قدر رأس المال فرده العامل لم يجبر على انضاض الباقي وكان مشتركا بينهما ).

وذلك لأنّ المأخوذ هو رأس المال ، فهو الذي يجب ردّه كما أخذه دون الباقي فيقسمانه عروضا.

قوله : ( ولو ردّ ذهبا ورأس المال فضة وجب الرد الى الجنس ).

إذا طلب المالك بناء على وجوب البيع على العامل لو طلبه المالك ، ومثله ما لو كان الحاصل دراهم مكسرة ورأس المال صحاحا ، أو كان الحاصل نقدا مخالفا لنقد رأس المال ، والكلام هنا كالكلام فيما سبق.

قوله : ( وإذا فسخ المالك القراض ففي استحقاق العامل اجرة المثل الى ذلك الوقت نظر ).

ينشأ : من أنّه عمل محترم صدر بإذن المالك لا على وجه التبرع ، بل في مقابل الحصة ، وقد تعذر الوصول إليها بفسخ المالك قبل ظهور الربح ، فيستحق اجرة المثل الى حين الفسخ ، لعدم العلم بالمقدر.

ومن أنّه رضي بالعمل في مقابل الحصة على تقدير وجودها ، ولو لم توجد فلا شي‌ء له. والمالك مسلّط على الفسخ في كل زمان فلا يستحق شيئا.

ويضعف بأن المالك أذن له في العمل في مقابل الحصة من الربح على تقدير حصوله ، وذلك يقتضي عدم العزل قبله. فإذا خالف فعزل قبله فقد فوّت عليه الحصة ، فتجب عليه اجرة مثل عمله ، كما سبق في المجعول له إذا عزل بعد الشروع في العمل.


وإذا انفسخ والمال دين وجب على العامل تقاضيه وإن لم يظهر ربح.

______________________________________________________

وينبغي أن يكون محل هذا ما إذا وقع العزل بعد الشروع في العمل قبل الشراء ، أو بعده وقبل ظهور الربح. فلو اشترى وباع ونضّ المال ولم يربح شيئا ، فإن إيجاب شي‌ء الآن بعيد إذا لم يفوّت المالك بالعزل شيئا حينئذ.

وهل يفرّق ما إذا كانت المضاربة مؤجلة بأجل فعزله قبل الأجل حتى تجب اجرة المثل هنا حيث لا ربح على كل تقدير ، أم لا؟ يحتمل الفرق ، لأنّه ربما كان الربح مطموعا فيه في آخر المدة ، فإذا عزله المالك قبل الأجل فقد فوّت عليه ما عمل لرجاء حصوله فائدة؟ وهل يتوقف عزل المالك العامل على علمه بالعزل أم لا؟ لم أجد الآن فيه تصريحا ، وينبغي أن يكون الكلام فيه كالكلام في الوكيل.

قوله : ( وإذا انفسخ والمال دين وجب على العامل تقاضيه وإن لم يظهر ربح ).

ذكر ذلك الشيخ (١) والجماعة (٢) ، وظاهرهم عدم تطرق الاحتمال اليه. ووجّهه في التذكرة بأن المضاربة تقتضي رد رأس المال على صفته ، والدين لا يجري مجرى المال فوجب عليه أن ينضه إذا أمكنه ، كما لو كانت عروضا فإنه يجب عليه بيعها (٣).

والأصل فيه أن الدين ملك ناقص ، والذي أخذه كان ملكا تاما فليرده كما أخذ ، ويرد عليه منع كون مقتضى المضاربة ما ذكره ، وأن الفرض أن الإدانة بإذن المالك ، والأصل براءة الذمة من وجوب التقاضي.

وفي الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد انه يحتمل العدم. والحق أن وجوب‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٧٩.

(٢) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣١٥ ، وابن حمزة في الوسيلة ٢٦٤.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٤٦.


ولو مات المالك فلورثته مطالبة العامل بالتنضيض ، وتجديد عقد القراض إن كان المال ناضا نقدا ، وإلاّ فلا.

ولو مات العامل فللمالك تقرير وارثه على العقد إن كان المال نقدا ،

______________________________________________________

التقاضي هنا أظهر من وجوب البيع فيما سبق ، إذ لا يصدق الأداء من دونه ، و « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١).

فإن قيل : كيف يجب الأداء مع الإذن في الإدانة؟

قلنا : لا ريب أن المالك لم يرض في الإدانة إلاّ على تقدير الاستيفاء ، فيكون لازما بمقتضى ذلك وبمقتضى الخبر ، وبه يظهر قوة وجوب البيع لو طلبه المالك حيث يكون المال عروضا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ البيع نسيئة قد سبق عدم جوازه بدون الإذن ، فلا يتصور كون المال دينا إلاّ بإذن المالك.

قوله : ( ولو مات المالك فلورثته مطالبة العامل بالتنضيض ).

الحكم هنا كالحكم فيما إذا حصل الفسخ في حال الحياة ، ويجب على الوارث إجابة العامل الى البيع حيث يجب على المالك ذلك ، وبه صرّح المصنف في التذكرة وإن كان آخر كلامه يشعر بتردد.

قوله : ( وتجديد عقد القراض إن كان المال ناضا ، وإلاّ فلا ).

لأنّ إنشاء عقد القراض إنّما يصحّ إذا كان المال دراهم أو دنانير كما سبق.

وأعلم أنّه يوجد في كثير من النسخ : ( إن كان المال ناضا نقدا ) ، واحترز بالناض عن الدين وبالنقد عن العروض. وإنّما لم يكتف بالنقد ، لأن الدين قد يصدق عليه النقد لأنّه ليس بعروض.

قوله : ( ولو مات العامل فللمالك تقرير وارثه على العقد إن كان‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مسند احمد بن حنبل ٥ : ٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤.


وإلاّ فلا ، وهل ينعقد القراض هنا بلفظ التقرير؟ إشكال.

وإذا مات المالك قدمت حصة العامل على غرمائه.

______________________________________________________

المال نقدا ، وإلاّ فلا ).

المراد من تقريره : إنشاؤه ، وأطلق عليه اسم التقرير توسعا ، فإن العقد الأول قد بطل بموت العامل ، لأنّه ينفسخ بموت كل من العامل والمالك ، ومن ثم اشترط أن يكون المال ناضا ، وكذا غيره من شروط إنشاء القراض.

قوله : ( وهل ينعقد القراض هنا بلفظ التقرير؟ إشكال ).

المراد : إيقاع العقد بلفظ التقرير على قصد الإنشاء ، وصورته أن يقول : تركتك ، أو أقررتك على ما كنت عليه ، ونحو ذلك.

ومنشأ الاشكال : من أنّ التقرير معناه : استدامة العقد السابق ، وهذا المعنى منتف هنا لبطلان السابق بالموت ، واستعماله في إنشاء عقد خروج عن موضوعه ، والعقود لا تنعقد بالكنايات.

ومن أنّ القراض ينعقد بكل لفظ يدل على المعنى المراد كما تقدم ، لأنّه من العقود الجائزة ، ويتسامح في الجائزة بما لا يتسامح به في اللازمة ، وفيه قوة.

فإن قيل : استحقاق العامل الحصة من الربح موقوف على الصيغة الشرعية.

قلنا : لمّا أطبقوا على أنّ العقود الجائزة لا يتعين لها لفظ كان ذلك صيغة شرعية ، ولولا ذلك لم تنعقد الوكالة مثلا بكل لفظ دل على الاستنابة في التصرف ، مع أنّها تنجر الى لزوم التصرف كبيع الوكيل ونحوه.

قوله : ( وإذا مات المالك قدمت حصة العامل على غرمائه ).

الظاهر أنّه لا خلاف في هذا الحكم ، ووجهه بيّن على القول بأنّه يملك الحصة بالظهور ، وأمّا على الأقوال الأخر فلأنّه قد ملك أن يملك فتعلق حقه بالعين كحق الجناية والرهن.


ولو مات العامل ولم يعرف بقاء مال المضاربة بعينه صار ثابتا في ذمته ، وصاحبه أسوة الغرماء على إشكال ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو مات العامل ولم يعرف بقاء مال المضاربة بعينه صار ثابتا في ذمته ، وصاحبه أسوة للغرماء على إشكال ).

يحتمل أن يكون الإشكال في أصل الضمان ، وهو الذي فهمه الشارحان (١) ، ومنشؤه حينئذ من أنّ الأصل بقاء المال الى أن يعلم تلفه بغير تفريط ، والفرض أنّه لم يعلم ، ولعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٢).

لكن إن تم هذا الوجه وجب أن يقدّم صاحب مال المضاربة على الغرماء ، لأنّه ليس بدين يكون محله الذمة ، وإنّما الذي يقتضيه سوق هذا الدليل بعد تمامه أن يكون في جملة ماله ولم يعلم عينه ، فيكون مالكه كالشريك.

ومن أنّه أمانة ، والأصل عدم التفريط فلا يكون مضمونا ، والأصل براءة الذمة أيضا ، ولم يوجد بعينه ولم يعلم كونه في جملة التركة ، والأصل عدمه. وأصالة بقائه لا تقتضي كونه من جملتها ، فلا يستحق صاحبه شيئا من التركة.

ويحتمل أن يكون الإشكال في كون صاحبه أسوة الغرماء ، أو يقدّم بقدر المال ، وهو المتبادر الى الفهم من عبارة الكتاب ، ومنشؤه من أصالة بقائه ، فإذا لم يعلم عينه كان صاحبه كالشريك.

ومن أنّ العامل يصير ضامنا بترك الوصية ، فإذا لم توجد العين كان ذلك بمنزلة التلف ، إذ لا أقل من أن يكون الضمان للحيلولة فيصير صاحبه من جملة الغرماء.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٢٩.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مسند احمد ٥ : ٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤.


______________________________________________________

وقد روى السكوني عن الصادق 7 ، عن الباقر 7 ، عن آبائه ، عن علي : : أنّه كان يقول : « من يموت وعنده مال مضاربة قال : إن سمّاه بعينه قبل موته فقال : هذا لفلان فهو له ، وإن مات ولم يذكره فهو أسوة الغرماء » (١).

والتحقيق : أنّه إن علم بقاء المال في جملة التركة ، ولم يعلم عينه بخصوصها فصاحبه كالشريك كما سيأتي في كلام المصنف. وإن علم تلفه بتفريط ، أو نقله الى مكان آخر بغير إذن المالك حيث يتوقف على الإذن ، أو علم بقاءه الى زمان الموت ولم يعلم الحال بعد ذلك ، وقصر العامل بترك الوصية فصاحبه أسوة الغرماء ، لثبوت العوض حينئذ في ذمة العامل ، وعليه تنزّل الرواية.

وإن لم يعلم كون المال من جملة التركة ، ولا وجد بسبب يقتضي الضمان فلا شي‌ء للمالك ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، واستحقاقه لشي‌ء من التركة موقوف على وجود سببه ، ومجرد حصول المضاربة في الجملة لا يصلح للسببية ، لأنّ ذلك أمّا باعتبار ثبوته في الذمة ـ وهو فرع التقصير والأصل عدمه ـ أو كونه من جملة أعيان التركة والأصل عدمه أيضا.

وهنا أمران :

الأول : يكفي في العلم ببقاء مال المضاربة اعتراف العامل به وشهادة عدلين ، ولا يبعد الاستناد في ذلك الى وجود القرائن القوية ، لأنّها المرجع في الحقيقة بالنسبة إلى الأمرين الأولين ، لأنّ اعتراف العامل قبل الموت لا ينفي احتمال تجدد التلف ، وشهادة العدلين المستندة إلى العلم المتقدم لا يندفع بها الاحتمال البعيد.

الثاني : إذا علم كون المضاربة في جملة الأموال التي بيده وتجدد البيع والشراء‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٤ حديث ٦٣٦ ، التهذيب ٧ : ١٩٢ حديث ٨٥١.


وإن عرف قدم وإن جهلت عينه.

وإذا تلف المال قبل الشراء انفسخت المضاربة ، فإن اشترى بعد ذلك للمضاربة فالثمن عليه وهو لازم له ، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهله.

______________________________________________________

بالجميع ، ثم طرأ الموت ولم يعلم كيفية الحال لكن وجد ما اشتراه ، ففي الحكم هنا تردد ينشأ : من وجود المقتضي للاستحقاق ، لأنّ مال المضاربة قد كان من جملة هذه الأموال والأصل بقاء ذلك.

ومن إمكان عروض التلف لمال المضاربة بغير تفريط. ويضعّف هذا بأن الإمكان المذكور منفي بأصالة البقاء ، وأصالة بقاء الاستحقاق في جملة تلك الأموال الى أن يعلم المسقط. ولأنّ يد العامل على تلك الأموال لم تكن يد ملك لمجموعها ، والأصل بقاء ذلك.

ولو وجد شي‌ء من القرائن القوية المفيدة للتلف أو البقاء لم يكن الرجوع إليها بذلك البعيد ، لأنّها لا تقصر عن الظاهر فيتأيد دليل أحد الجانبين بها.

قوله : ( وإن عرف قدّم وإن جهلت عينه ).

لأنّه كالشريك.

قوله : ( وإذا تلف المال قبل الشراء انفسخت المضاربة ، فإن اشترى بعد ذلك للمضاربة فالثمن عليه وهو لازم له ، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهله ).

أي : إذا تلف جميع المال ، ولا ريب أنّ تلفه قبل الشراء موجب لانفساخ المضاربة ، لانتفاء متعلقها وإنّما قيّد بقوله : ( قبل الشراء ) لأن تلفه إذا كان بعد الشراء ، وكان قد أذن له في الشراء بالذمة فاشترى بها للمضاربة غير مقتض للبطلان ، بل يجب على المالك الثمن كما سبق وسيأتي في كلام المصنف عن قريب إن شاء الله تعالى.


ولو أجاز رب المال احتمل صيرورة الثمن عليه ، وبقاء المضاربة ،

______________________________________________________

وفي الصورة الأولى إذا اشترى بعد التلف فالثمن عليه ، سواء علم بتلف مال المضاربة قبل دفع الثمن من ماله أو لم يعلم ، لأنّ انفساخ عقد المضاربة يمنع من وقوع البيع لها ، والجهل بالحال لا يقدح ، لكن ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يصرّح في العقد بالشراء للمضاربة أو للمالك ، فإنّه حينئذ يجب أن يكون الشراء باطلا إذا لم يجزه المالك.

قوله : ( ولو أجاز ربّ المال احتمل صيرورة الثمن عليه ).

أي : لو اشترى العامل للمضاربة بعد تلف المال أمّا باللفظ أو النية وأجاز ربّ المال احتمل صيرورة الثمن على ربّ المال ، لأنّ الشراء للمضاربة شراء لربّ المال ، فإذا صادف انفساخ المضاربة وقف على إجازة المالك.

ويحتمل العدم ، لأنّ عقد المضاربة قد بطل فلا يصحّ الشراء لها ، والإجازة لا تصيّر الفاسد صحيحا.

ولأن الثمن قد ثبت على العامل ، فلا ينتقل الى المالك بمجرد الإجازة.

هذا محصل ما ذكره الشارحان وفيه نظر ، لأنّه لو تم ذلك لوجب أن يبطل الشراء أصلا ورأسا ، لأنّه إنما وقع للمضاربة إذ هو المفروض ، فإن لم يصح لها لم يصح أصلا ، غاية ما في الباب أنّه إذا لم يصرح في العقد بالشراء للمضاربة لم يقبل قوله على البائع في بطلان البيع.

ولا ريب أنّ الحكم بلزوم الثمن له مناف لبطلان البيع ، وقد جزم به المصنف فينتفي البطلان ، ويلزم حينئذ صيرورة الثمن على المالك بالإجازة ، لأنّ الشراء إنّما وقع له لامتناع وقوع الشراء للمضاربة من دون كونه للمالك ، وامتناع المضاربة لا يقدح في صحة الشراء وإلاّ لم يقع للعامل مع عدم إجازة المالك.

فعلى هذا لا يستقيم توقف المصنف في صيرورة الثمن على المالك بإجازة البيع ، وغاية الشراء للمضاربة أن يقع الملك للمالك ويكون شريكا في الربح ، وتخلف‌


فإن اشترى للمضاربة فتلف الثمن قبل نقده فالشراء للمضاربة وعقدها باق ، وعلى المالك الثمن.

وهل يحسب التالف من رأس المال؟ نظر ، هذا إن كان المالك أذن في الشراء في الذمة ، وإلاّ كان الثمن لازما للعامل والشراء له إن لم يذكر‌

______________________________________________________

الشركة في الربح لا ينافي كون الشراء للمالك ، كما لو صرح باستحقاق الربح حيث لا مضاربة.

وفي بعض النسخ زيادة وهي : ( وبقاء المضاربة ) ، فيكون الاحتمال حينئذ في بقاء المضاربة وهو المطابق لما في التذكرة ، فإنّه قال فيها : فإن اشتراه بعد ذلك للمضاربة كان لازما له ، ثم قال : إلاّ أن يجيز المالك الشراء ، فإن أجاز احتمل أن يكون قراضا كما لو لم يتلف المال ، وعدمه كما لو لم يأخذ شيئا من المال (١).

هذا كلامه ، وهو كالصريح في الجزم بصحة العقد والتردد في بقاء المضاربة.

ولا شك في ضعف هذا الاحتمال ، لأنّ ذلك لا يعد استيناف عقد ، والمضاربة لا تتحقق بدونه.

قوله : ( فإن اشترى للمضاربة فتلف الثمن قبل نقده فالشراء للمضاربة وعقدها باق وعلى المالك الثمن ).

أي : إذا اشترى للمضاربة فتلف الثمن قبل نقده وبعد الشراء فالشراء للمضاربة لا محالة ، لأنّ العقود تابعة للقصود ، وحين صدور العقد كانت المضاربة متحققة فلا يبطل العقد بتلف المال لوقوع الشراء لها فيجب على المالك الثمن ، لأنّ عقد المضاربة تعلق بالمبيع وانتقل الى ملك المالك فوجب عليه ثمنه.

وهل يحسب التالف من رأس المال حيث أنّه لم يدره في التجارة؟ فيه نظر عند المصنف ، وقد سبق في كلامه في الفصل الرابع أن فيه اشكالا ، وسبق أن الأصح أنّه‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٤.


للمالك ، وإلاّ بطل البيع ولا يلزم الثمن أحدهما.

ولو اشترى بالثمن عبدين فمات أحدهما كان تلفه من الربح ، ولو ماتا معا انفسخت المضاربة ، لزوال مالها أجمع ، فإن دفع اليه المالك شيئا آخر كان الثاني رأس المال ولم يضم إلى المضاربة الاولى.

وينفذ تصرف العامل في المضاربة الفاسدة بمجرد الإذن كالوكيل ،

______________________________________________________

يحسب.

ولا يخفى أن هذا إنّما يكون إذا أذن المالك في الشراء في الذمة في المضاربة ، فإن لم يكن أذن فاشترى في الذمة ناويا للمالك ولم يجز الشراء فالثمن لازم للعامل والشراء له ، وإن أجاز وقع الشراء له ، فلو كان قد نوى المضاربة حينئذ أمكن بقاء المضاربة لبقائها حال الشراء.

ويقوى أنّ الإجازة إن كانت قبل تلف المال يقع للمضاربة ، وإلاّ فلا ، ولو ذكر العامل المالك في العقد ولم يجز بطل البيع ولم يلزم الثمن أحدهما وكذا ينبغي أن يكون الحكم لو نوى بالشراء المالك ولم يجز وصدّقه على ذلك البائع.

ولا يخفى أنّه لو كان الشراء بعين المال فتلف قبل التسليم بطل البيع ، لأنّ الأثمان تتعين بالتعيين وتبطل المضاربة حينئذ.

قوله : ( ولو اشترى بالثمن عبدين فمات أحدهما كان تلفه من الربح ، ولو ماتا معا انفسخت المضاربة لزوال مالها أجمع ، فإن دفع اليه المالك شيئا آخر كان الثاني رأس المال ولم يضم إلى المضاربة الأولى ).

أما أن تلف العبد من الربح فظاهر ، لأنّه بعض رأس المال ، وأمّا أنّه إذا دفع المالك شيئا آخر يكون المدفوع رأس المال فلأنّه قراض مستأنف بعد انفساخ الأول فلا يضم إليه.

قوله : ( وينفذ تصرف العامل في المضاربة الفاسدة بمجرد الاذن‌


والربح بأجمعه للمالك ، وعليه اجرة المثل للعامل ، سواء ظهر ربح أو لا ، إلاّ انّ يرضى العامل بالسعي مجانا ، كان يقول له قارضتك والربح كله لي فلا اجرة له حينئذ.

______________________________________________________

كالوكيل ، والربح بأجمعه للمالك وعليه أجرة المثل للعامل : سواء ظهر ربح أو لا ، إلاّ أن يرضى العامل بالسعي مجانا كأن يقول له قارضتك والربح كله لي فلا اجرة له حينئذ ).

اعترض المصنف في التذكرة على نفوذ تصرف العامل في الفاسدة بالإذن الواقع في العقد الفاسد : بأنه إذا باع بيعا فاسدا وتصرف المشتري لم ينفذ فما الفرق؟

ثم أجاب بالفرق بأن المشتري إنّما يتصرّف من جهة الملك ولم يحصل له ، بخلاف العامل ، حتى أنّ البائع إذا أذن للمشتري في التصرف وكان العقد فاسدا لم ينفذ ذلك الإذن أيضا ، لأنّ إذنه بناء على انتقال الملك اليه ، فإذا لم يملك لم يصحّ. وهنا أذن في التصرف في ملك نفسه فينفذ ، والشروط الفاسدة لم تكن في مقابل الإذن (١).

ولقائل أن يقول : أنّ الإذن لم يقع إلاّ على ذلك الوجه المخصوص المعين ، وقد انتفى لكونه فاسدا فينتفي ما تضمنه من الأذن ويمكن أن يتنقح المبحث بأنّ العقد الفاسد تضمن الإذن في التصرف واستحقاق الحصة على ذلك الوجه المخصوص ، فإذا انتفى أحد الأمرين يجب أن ينتفي الآخر ، إلاّ أنّ هذا لو تم لاقتضي اختصاص الفساد بالشرط الفاسد دون غيره.

ويدفعه أنّ الشرط محسوب مع الحصة أو في مقابلها ، وبطلان أحد الجزأين أو المتقابلين يقتضي بطلان الباقي ، بخلاف الإذن ، إذ ليس في مقابله شي‌ء وعلى كل حال فالظاهر أنّه لا خلاف في نفوذ التصرف.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٨.


والعامل أمين لا يضمن ما يتلف إلاّ بتعد أو تفريط ، سواء كان‌ العقد صحيحا أو فاسدا ،

______________________________________________________

وأمّا استحقاق اجرة المثل فلأنّ العمل الصادر لم يكن تبرعا ، ولم يقع في مقابله استحقاق عوض معيّن فتجب اجرة المثل. ولأن الفساد في العقد يوجب ردّ كل من العوضين الى صاحبه ، والعمل يتعذر ردّه لتلفه فتجب قيمته وهي أجرة المثل.

قيل : المشروط في مقابل ذلك العمل الحصة من الربح على تقدير ظهوره ، ففي صورة انتفاء الربح يجب أن لا يستحق اجرة مع الفساد ، لأنه حينئذ لا شي‌ء في مقابله.

قلنا : لا ريب أنّ العمل مع الفساد مقابل بالربح في العقد ، والربح مرجو الحصول في الجملة ، فلم يقع تبرعا في حال من الأحوال غاية ما يقال : إن عوضه يجب أن يكون منحصرا في الربح ، لكن ذلك إنّما هو على تقدير صحة العقد ، أمّا على تقدير الفساد فتجب اجرة المثل ، لأنّ كل ما وقع لا على وجه التبرع وجبت له اجرة المثل.

وقد بقي هنا شي‌ء ، وهو أن لا فرق في نفوذ التصرف واستحقاق اجرة المثل بين كون العامل عالما بالفساد أولا ، وهذا يتمشى في نفوذ التصرف نظرا الى حصول الاذن أمّا استحقاق الأجرة مع علمه بالفساد حين العمل فموضع تأمل ، وكذا في الإجارة الفاسدة ولم أذكر الآن تصريحا في كلامهم بالنص على ذلك نفيا ولا إثباتا ، لكن عباراتهم مطلقة باستحقاق الأجرة فيجب التثبت في ذلك.

إذا عرفت هذا فاعلم أن استحقاق الأجرة إنّما هو إذا لم يرض بالعمل مجانا ، فإن رضي به كذلك فلا اجرة له كما ذكره المصنف ، خلافا للشيخ في المبسوط (١) ، وقد سبق التنبيه عليه.

قوله : ( والعامل أمين لا يضمن ما يتلف إلاّ بتعد أو تفريط ، سواء كان‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٧١.


والقول قوله مع اليمين في قدر رأس المال ، وتلفه ، وعدم التفريط ، وحصول الخسران ، وإيقاع الشراء لنفسه أو للمضاربة ، وقدر الربح ، وعدم النهي عن شراء العبد مثلا لو ادعاه المالك.

______________________________________________________

العقد صحيحا أو فاسدا ).

أمّا أن عامل القراض أمين فلا خلاف فيه كما يظهر من قوة كلامهم ، وفي بعض الأخبار دلالة عليه وأمّا أنّه لا فرق في ذلك بين كون العقد صحيحا أو فاسدا فلما عرف غير مرة من أنّ كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

قوله : ( والقول قوله مع اليمين في قدر رأس المال ، وتلفه ، وعدم التفريط ، وحصول الخسران ، وإيقاع الشراء لنفسه أو للمضاربة ، وقدر الربح ، وعدم النهي عن شراء العبد مثلا لو ادعاه المالك ).

إطلاق المصنف الحكم بتقديم قول العامل مع اليمين في قدر رأس المال ينافيه ما سيأتي في كلام المصنف ، إلاّ أن يريد هنا تقديمه فيما عدا صورة الاشكال وهي ما إذا كان ربح ، ولا يخفى ما فيه.

وأمّا تقديم قوله في التلف ، فلأنّه أمين فيقدّم قوله فيه كغيره من الأمناء ، ولأن الحكم في الغاصب كذلك فالعامل أولى ولا فرق بين أن يدعي سببا خفيا أو ظاهرا يمكن إقامة البينة عليه ، أو لا يذكر سببا أصلا ، خلافا للشافعي.

وكذا يقدم قوله في عدم التفريط ، لأنّه منكر.

وكذا يقدم قوله في حصول الخسران ، لأنّه في الحقيقة في معنى التلف. هذا إذا كان دعوى الخسران في موضع يحتمل بأن عرض في الأسواق كساد ، ولو لم يحتمل لم يقبل ، ذكر ذلك في التذكرة (١) ، وهو حسن.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٥.


والأقرب تقديم قول المالك في الرد ، وفي عدم إذن النسيئة ، وعدم الإذن في الشراء بعشرة ، وفي قدر نصيب العامل من الربح.

______________________________________________________

وكذا يقدم قوله في إيقاع الشراء لنفسه أو للمضاربة ، لأن الاختلاف في نيته وهو أبصر بها ، ولا تعلم إلاّ من قبله وتقع دعواه الشراء لنفسه في صورة حصول الربح ، ودعواه الشراء للمضاربة في صورة حصول الخسران ، ونحو ذلك.

وكذا يقدم قوله في قدر الربح لو اختلفا في زيادته ونقصانه ، لأنّه منكر للزائد وكذا القول فيما لو تصادفا على الإذن في شراء شي‌ء كعبد مثلا ، ثم ادعى المالك النهي عنه بعد ذلك ، فانّ القول قول العامل بيمينه ، لأنّه منكر.

واعلم أنّ الضمير في قوله : ( لو ادعاه ) يعود إلى النهي.

قوله : ( والأقرب تقديم قول المالك في الرد ـ الى قوله ـ من الربح ).

إذا اختلف المالك والعامل في رد مال المضاربة على المالك فادعاه العامل وأنكره المالك فللأصحاب في تقديم قول أيهما قولان :

أقربهما عند المصنف ـ وهو الأصح ـ تقديم قول المالك بيمينه ، لأنّه منكر والعامل مدع فيندرجان في عموم قوله 7 : « البينة على من ادعى واليمين على من أنكر » (١) ، وثبوت التخصيص في بعض الصور كدعوى التلف لا يقتضي ثبوته مطلقا وقوفا مع الدليل.

وقال الشيخ في المبسوط : يقدّم قول العامل ، لأنّه أمين كالمستودع ، ولما في عدم تقديم قوله من الضرر.

ويضعف قوله بالفرق بينه وبين المستودع ، فإنّه قبض لنفع نفسه والمستودع إنّما قبض لمحض نفع المالك ، فلا يناسب مؤاخذته بعدم تقديم قوله لما فيه من الضرر.

إذا عرفت ذلك فهنا سؤال ، وهو إنّا إذا قدمنا قول المالك في عدم الرد يلزم‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ سنن البيهقي ٨ : ٨٢٣ ، سنن الدار قطني ٤ : ٢١٨ حديث ٥١ و ٥٢.


ولو قال العامل : ما ربحت شيئا ، أو ربحت ألفا ثم خسرت ، أو تلف الربح قبل ، بخلاف ما لو قال : غلطت ، أو نسيت.

______________________________________________________

تخليد حبس العامل ، لأنّه بدعواه الرد إن كان في الواقع صادقا امتنع أخذ المال منه مرة أخرى لأنّه ليس عنده ، وإن كان كاذبا فظاهر حاله أنّه لا يظهر تكذيب نفسه فيلزم تخليد حبسه في كثير من الصور ، إلاّ أن يحمل كلامهم على أنّ الواجب حبسه الى أن يحصل اليأس من ظهو العين ثم يأخذ منه البدل للحيلولة. ولم أظفر في كلامهم بشي‌ء في تنقيح ذلك.

ولو اختلفا في الإذن بالبيع أو الشراء نسيئة ، فادعاه العامل وأنكره المالك قدّم قول المالك ، لأنّه منكر ، وكذا لو اختلفا فقال العامل : أذنت لي في شراء هذا بعشرة مثلا ، فقال المالك : ما أذنت لك فيقدّم قول المالك ، لأنّه منكر للإذن.

وكذا لو اختلفا في قدر نصيب العامل من الربح فادعى الزائد والمالك دونه ، فان المقدم قول المالك بيمينه. أسنده في التذكرة إلى علمائنا ، لأنّ المالك منكر للزائد ، لأنّ الأصل في الربح أن يكون له ، لأنّه تابع لرأس المال (١).

وهذا واضح إن كان الاختلاف قبل حصول الربح ، لأنّ المالك متمكن من منع الربح كله بفسخ العقد. وأمّا بعد حصوله فإنّ كلا منهما مدع ومدعى عليه ، فإنّ المالك يدعي استحقاق العمل الصادر بالحصة الدنيا والعامل ينكر ذلك ، فيجي‌ء القول بالتحالف إن كانت اجرة المثل أزيد ممّا يدعيه المالك.

ولا أعلم الآن لأصحابنا قولا بالتحالف ، وإنّما القول بالتحالف مع الاختلاف في الربح مطلقا قول الشافعي واعلم أنّ قول المصنف : ( والأقرب تقديم قول المالك في الردّ ) تقديره : في دعوى الردّ.

قوله : ( ولو قال العامل : ما ربحت شيئا ، أو ربحت ألفا ثم خسرت‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٥.


ولو اختلفا في قدر رأس المال فالقول قول العامل مطلقا على إشكال.

______________________________________________________

أو تلف الربح قبل ، بخلاف ما لو قال : غلطت أو نسيت ).

قد سبق بعض هذه المسائل ، وإنّما أعادها لبيان الأحكام الزائدة.

ولا ريب أنّه إذا قال العامل : ما ربحت شيئا يقدّم قوله بيمينه ، لأنّه منكر ، وكذا القول في دعوى تلف الربح وعروض الخسارة ، بخلاف ما لو قال العامل : ربحت ، ثم قال : لم أربح شيئا وإنّما غلطت أو نسيت فأخبرت بخلاف الواقع ، أو نفى الزيادة من الربح الذي أخبر به واعتذر بالغلط أو النسيان فان قوله لا يقبل حينئذ ، لأنّ ذلك تكذيب لإقراره السابق ورجوع عنه فلا يكون مسموعا ويلزم بما أقرّ به.

قوله : ( ولو اختلفا في قدر رأس المال فالقول قول العامل مطلقا على إشكال ).

المراد بقوله : ( مطلقا ) عدم الفرق بين أن يكون هناك ربح أو لا ، وعدم الفرق مع الربح بين أن يكون التلف بتفريط أو لا ، فالإشكال في إطلاق الحكم في الصور كلها ، فإنّه إذا لم يكن هناك ربح لا إشكال في أنّ القول قول العامل ، لأنّه ينكر الزائد ، سواء كان المال بعينه باقيا أو تلف بتفريط.

أمّا مع الربح إذا كان باقيا أو تلف بتفريط ففي تقديم قول أيّهما إشكال ينشأ : من أنّ العامل منكر للزيادة خصوصا إذا كان المال قد تلف بتفريطه فإنّه غارم حينئذ ، فيقدّم قوله في عدم وجوب الزيادة.

ومن أنّ إنكاره لزيادة رأس المال يقتضي توفير الزيادة على الربح فتزيد حصة العامل ، فيكون ذلك في قوة الاختلاف في قدر حصة العامل من الربح ، والقول قول المالك فيه بيمينه على ما سبق.

والذي يقتضيه النظر تقديم قول المالك مع الربح ، أمّا مع بقاء العين فلأنّ الاختلاف في الحقيقة راجع الى الاختلاف في قدر نصيب العامل ، والأصل عدم الزائد ،


ولو ادعى المالك أن رأس المال ثلثا الحاصل فصدّقه أحد العاملين بالنصف ، وادعى الآخر الثلث قدم قول المنكر مع يمينه ، فيأخذ خمسمائة من ثلاثة آلاف ، ويأخذ المالك ألفين رأس ماله بتصديق الآخر ، وللآخر ثلث‌

______________________________________________________

لأنّ الأصل كون جميع المال للمالك الى أن يدل دليل على استحقاق الزائد.

وأمّا مع التلف بالتفريط ، فلأنّ المضمون هو قدر مال المالك ، وقد بينا أنّ الأصل استحقاق المالك الجميع ، لأنّ الربح تابع لرأس المال إلاّ القدر الذي خرج بدليل ولم يثبت في الزائد ، ولا يضر كونه غارما ، لأنّ الأصل وإن كان عدم وجوب الزائد لكن قد تحقق الناقل عنه ، وهو استحقاق المالك الجميع قبل التلف ، إلاّ ما أقر باستحقاق العامل إياه بالشرط ، والضمان تابع للاستحقاق فما ذهب اليه الشارح الفاضل من تقديم قول المالك إلاّ مع التلف بتفريطه ، فالقول قول العامل ضعيف ، بل فاسد فإنّه مع عدم الربح لا وجه لتقديم قول المالك أصلا ، والأصحّ تقديم قول العامل إلاّ مع الربح.

فإن قيل : الربح متفرع على تحقيق قدر رأس المال ، فإذا اختلفا في المدفوع مع اتفاقهما على قدر المشروط كان القول قول العامل ، لأنّه منكر للزائد ، ولأنّ النزاع يتعلق بزمان لم يكن الربح موجودا ، لأنّه يتعلق بوقت تسلم المال.

قلنا : لمّا كان النزاع بعد وجود الربح كان قول العامل : إنّ هذا المقدار هو الذي قبضه رأس المال والزائد ربح متضمنا إخراج حصة من الزائد عن المالك ، مع أنّ الأصل ثبوتها له متوقفا على البينة ، فلا يكون هناك حكم للربح منفصلا عن حكم الأصل ليتفرع عليه بعد تحقيقه.

قوله : ( ولو ادعى المالك أنّ رأس المال ثلثا الحاصل ، فصدقه أحد العاملين بالنصف وادعى الآخر الثلث قدّم قول المنكر مع يمينه ، فيأخذ خمسمائة من ثلاثة آلاف ، ويأخذ المالك ألفين رأس ماله بتصديق الآخر ،


المتخلف وهو خمسمائة وللمالك ثلثاه ؛ لأن نصيب المالك النصف ونصيب العامل الربع فيقسم الباقي على النسبة ، وما أخذه الحالف زائدا على قدر نصيبه كالتالف منهما ، والتالف من المضاربة يحسب من الربح.

______________________________________________________

وللآخر ثلث المتخلف وهو خمسمائة ، وللمالك ثلثاه ، لأنّ نصيب المالك النصف ونصيب العامل الربح فيقسم الباقي على النسبة ، وما أخذه الحالف زائدا على قدر نصيبه كالتالف منهما ، والتالف من المضاربة يحسب من الربح ).

أي : لو عامل المالك اثنين على ماله أنّ النصف لهما ، ثمّ حصل الاختلاف في قدر رأس المال ، فقال المالك : إنّه ثلثا الموجود كله وهو ثلاثة آلاف ، فيكون رأس المال ألفين والربح ألف ، وصدقه أحد العاملين على ذلك ، وقال الآخر إنّه الثلث ، وهو ألف ، فتصديق المصدق ماض على نفسه ، وهو بالنسبة إلى الآخر شاهد ولا مانع من قبول شهادته ، فمع عدم البيّنة يقدم قول العامل الآخر بيمينه ، بناء على تقديم قول العامل إذا وقع الاختلاف في قدر رأس المال مطلقا.

وقد استشكله المصنف آنفا ، فيكون رجوعا عن الإشكال إلى الجزم ، أو تنزيلا على الطرف المذكور في العبارة صريحا فيحلف ويأخذ خمسمائة ـ هي ربع الألفين اللتين بزعمه أنّهما الربح ـ فيبقى الباقي حقا للمالك والعامل الآخر ، فيكون رأس المال ألفين بتصديق هذا العامل ، فيأخذهما المالك وتبقى خمسمائة يقتسمانها على حكم الشرط ، فيكون للمالك ثلثاها وللعامل الآخر ثلثها ، لأنّ للمالك النصف وللعامل الآخر الربع ، فإذا جمعتهما كان للمالك الثلثان.

والذي أخذه العامل الأول ـ وهو الحالف ـ زائدا على نصيبه باتفاقهما كالتالف منهما ، فما أصاب رأس مال المضاربة من التالف يجبر من الربح ، ولو قدّمنا قول المالك بيمينه فالحكم ظاهر.


ولو ادّعى المالك القراض والعامل القرض فالقول قول المالك ، فيثبت له مع اليمين ما ادعاه من الحصة ، ويحتمل التحالف ، فللعامل أكثر الأمرين من الأجرة والمشترط.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ادعى المالك القراض والعامل القرض فالقول قول المالك ، فيثبت له مع اليمين مدعاه من الحصة ، ويحتمل التحالف ، فللعامل أكثر الأمرين من الأجرة والمشترط ).

يجب أن تفرض المسألة فيما إذا عمل من بيده المال وحصل ربح ، إذ لو كان الاختلاف قبل حصول الربح لكان القول قول المالك بيمينه قطعا ، لأن الأصل بقاء الملك له ولا معارض هنا.

فأمّا مع الربح ففيه قولان :

أحدهما : أنّ القول قول المالك ـ إختاره المصنف هنا وفي التذكرة (١) ـ لأنّ المال ملكه والأصل تبعية الربح له فمدّعي خلافه يحتاج إلى البينة والثاني : ـ وهو الذي احتمله المصنف هنا ، واختاره في التحرير (٢) ـ أنّهما يتحالفان ، لأنّ كل واحد منهما مدّع ومنكر ، فإنّ العامل يدّعي خروج المال عن ملك المالك بالقرض والمالك ينكره ، والمالك يدّعي استحقاق عمل العامل في مقابلة الحصة بالقراض والعامل ينكره فإذا حلف كل منهما لنفي ما يدّعيه الآخر وجب أكثر الأمرين من اجرة المثل والحصة التي يدّعيها المالك.

ووجّهه المصنف في التذكرة بأنّه إن كان الأكثر نصيبه من الربح فرب المال يعترف له به ، وهو يدعي كله وإن كان اجرة مثله أكثر فالقول قوله بيمينه في عمله ، كما أنّ القول قول ربّ المال في ماله ، فإذا حلف ثبت أنّه ما عمل بهذا الشرط ولمّا لم‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٥.

(٢) التحرير ١ : ٢٨١.


ولو أقاما بينة فعلى الأول تقدّم بينة العامل.

ولو ادّعى العامل القراض والمالك الإبضاع قدّم قول العامل ، لأن عمله له فيكون قوله مقدّما فيه ، ويحتمل التحالف ، فللعامل أقل‌ الأمرين من الأجر والمدّعى.

______________________________________________________

يكن عمله مجانا باتفاقهما استحق اجرة المثل ، لانتفاء عوض في مقابلته.

ولقائل أن يقول : إذا كانت الحصة بقدر اجرة المثل أو أدون فلا فائدة ليمين العامل أصلا ، لاستحقاقه ذلك بدونها ، ولأنّ أقصى غاية اليمين أن يقرّ أو ينكل ، ولا يجب معهما سوى ذلك ولا ريب أنّ القول بالتحالف هو المعتمد ، لكن ينبغي البينة لما قلناه.

قوله : ( ولو أقاما بينة ، فعلى الأول تقدم بينة العامل ).

لأنّ قول الأول هو تقديم قول المالك بيمينه ، فتكون البينة على العامل لأنّه المدعي.

أمّا على الثاني فإنهما متعارضان ويقسم الربح بينهما نصفين ، ذكره في التذكرة (١) حكاية عن أحمد (٢).

وقال الفاضل الشارح : إنّهما يتساقطان ويتحالفان (٣) ويكون الحكم كما ذكره المصنف فيما تقدم. والمعروف في التعارض بين البينتين هو ما سيأتي ذكره في باب القضاء ان شاء الله تعالى ، وهو الترجيح للأعدل ، ثم للأكثر عددا ، ثم يقرع ويقضى للخارج بيمينه.

قوله : ( ولو ادعى العامل القراض والمالك الإبضاع قدّم قول العامل ، لأنّ عمله له فيكون مقدما فيه. ويحتمل التحالف ، فللعامل أقل‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٦.

(٢) المغني لابن قدامة ٥ : ١٩٥ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ١٧٧.

(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٣٢.


ولو ادعى العامل القرض والمالك الإبضاع تحالفا وللعامل الأجرة ،

______________________________________________________

الأمرين من الأجر والمدعى ).

لا يخفى أنّ ذلك إنّما هو بعد العمل وحصول الربح وإلاّ لم يتجه القول بالتحالف فلو كان قبل الشروع في العمل كفى الإنكار في اندفاع كل من الدعويين.

ولو كان بعد الشروع في العمل وقبل ظهور الربح فالذي يختلج بخاطري إنّا إذا قلنا بأنّ المالك إذا فسخ المضاربة قبل ظهور الربح تجب عليه أجرة المثل للعامل يقدّم قول العامل بيمينه ، لأنّ المالك يدعي كون عمله في ماله مجانا ، والأصل عدمه ، لأنّ العمل حق للعامل وقد صدر بالإذن. وإن قلنا بالعدم فلا شي‌ء أصلا.

إذا عرفت ذلك فوجه القول بالتحالف أنّ كلاّ من المالك والعامل مدّع ومدعى عليه ، لأنّ المالك يدعي كون عمل العامل له مجانا ، والعامل يدعي استحقاق الحصة من الربح. والأصل أنّها للمالك فيتحالفان ويثبت للعامل أقل الأمرين من اجرة المثل وما يدعيه ، لأنّه إن كان ما يدعيه أقل فواضح عدم استحقاق الزائد ، وإن كانت الأجرة أقل فلأنّ الزيادة على الأجرة قد اندفعت بيمين المالك.

لكن يردّ عليه أنّ يمين المالك لا فائدة فيها إذا كانت الأجرة بقدر الحصة ، لأنّه لو أقرّ أو ردّ اليمين على العامل فحلف لم يجب شي‌ء زائد على الأجرة وكذا لو كانت الحصة أقل ، وفيما عدا ذلك فالقول بالتحالف هو الوجه ، ولو أقاما بينة بنى على القولين كما سبق.

قوله : ( ولو ادعى العامل القرض والمالك الإبضاع تحالفا وللعامل الأجرة ).

وجه التحالف : انّ كلاّ منهما يدعي على الآخر استحقاق ما الأصل كونه له مجانا ، فالمالك يدعي استحقاق العمل بلا عوض ، والعامل يدعي استحقاق ربح المال‌


ولو تلف المال أو خسر فادعى المالك القرض والعامل القراض أو الإبضاع قدّم قول المالك مع اليمين.

ولو شرط العامل النفقة أو أوجبناها وادعى أنه أنفق من ماله وأراد الرجوع فله ذلك ، سواء كان المال في يده أو رده الى المالك.

______________________________________________________

لانتقاله اليه بالقرض ، فيحلف كلّ منهما لرد دعوى الآخر ، ويكون الربح للمالك وعليه أجرة المثل للعامل.

ولا يتصور هنا الاكتفاء بيمين أحدهما ، أمّا العامل فلأنّه يدعي على المالك استحقاق جميع الربح ، فلا بدّ من يمين المالك له ، وأمّا المالك فلأنّه يدعي على العامل أنّ عمله الذي صدر منه له بلا عوض فلا بدّ من يمينه.

قوله : ( ولو تلف المال أو خسر فادعى المالك القرض ، والعامل القراض أو الإبضاع قدّم قول المالك مع اليمين ).

وذلك لأنّ الأصل في وضع اليد على مال الغير ترتب وجوب الرد عليه ، لعموم قوله 7 : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » ، ولأنّ العامل يدعي على المالك كون ماله في يده على وجه لو تلف لم يجب بدله ، والمالك ينكره.

فان قيل : المالك أيضا يدعي على العامل شغل ذمته بماله والأصل البراءة.

قلنا : زال هذا الأصل بتحقق إثبات يده على مال المالك المقتضي لكونه في العهدة ، والأمر الزائد المقتضي لانتفاء العهدة لم يتحقق ، والأصل عدمه ، فيحلف المالك لنفي دعواه ويطالبه بالعوض.

قوله : ( ولو شرط العامل النفقة أو أوجبناها وادعى أنّه أنفق من ماله وأراد الرجوع فله ذلك ، سواء كان المال في يده أو ردّه الى المالك ).

وذلك لأنّ المقتضي للاستحقاق معلوم ولم يعلم الاستيفاء به فيستصحب‌


ولو شرطا لأحدهما جزءا معلوما واختلفا لمن هو فهو للعامل.

ولو أنكر القراض ثم ادّعى التلف لم يقبل قوله ، وكذا الوديعة‌

______________________________________________________

ما كان ، ولأنه منكر للأخذ من المال.

وهذا الحق لتأكده ـ باعتبار وجوبه في مقابلة سفره أو بالشرط ـ لا يسقط بترك الأخذ ، ولا يعد متبرعا بالإنفاق على نفسه وإنّما لم يفرّق بين كون المال في يده أو في يد المالك ، لأنّ المقتضي للاستحقاق قائم على التقديرين ، والمسقط غير معلوم.

قوله : ( ولو شرطا لأحدهما جزءا معلوما واختلفا لمن هو فهو للعامل ).

كذا ذكر في التذكرة ، وعلله بأنّ الشرط إذا أطلق انصرف الى نصيب العامل ، لأنّ ربّ المال يستحق الربح بالمال ولا يحتاج الى شرط ، كما لا يحتاج في شركة العنان الى شرط الربح ، فإذا شرط كان الظاهر أنّه شرط ذلك للعامل (١).

وفيه نظر ، لأنّه مع كونه مستحقا بالمال فاشتراطه في العقد أكثري الوقوع ، ولو لم يكن كذلك فالمذكور من غير تعيين يحتمل صرفه الى كلّ منهما. وتوقف صحة العقد على الاشتراط للعامل لا يكفي في صرف الإطلاق اليه.

ودعوى الظاهر الذي ذكره إن أراد كون الغالب في العادات الاقتصار على ذكر نصيب العامل فليس بمعلوم ، وإن أراد أنّ توقف صحة العقد عليه يقتضي كون الظاهر إرادته من الإطلاق فهو محل تأمل أيضا.

وقد سبق أنّ التنازع في شي‌ء من أركان العقد لا يقدم فيه قول مدعي الصحة وإن كان هذا القدر من الظاهر المدعى معه ، وقد سبق مثل هذه المسألة في القراض والمساقاة ، وللتوقف مجال.

قوله : ( ولو أنكر القراض ثم ادعى التلف لم يقبل قوله ، وكذا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٤٨.


وشبهها.

أما لو كان الجواب : لا تستحق عندي شيئا وشبهه لم يضمن.

______________________________________________________

الوديعة وشبهها ).

لأنّه بإنكار أصل القراض مكذّب لدعواه التلف ، فلا تكون مسموعة لتضمّن إنكاره الاعتراف بكونها كذبا.

ومثله القول في الوديعة والعارية ، إلاّ أنّ الذي يلزمه في ذلك ليس إلاّ الحبس فيلزم تخليد حبسه أو قبول البدل ، وفيه رجوع الى قوله ، إلاّ أن يقال فائدة عدم قبوله في التلف تطويل حبسه لرجاء أن يقرّ إذا كانت العين باقية ، أو وجوب البدل عليه وإن ادعى التلف بغير تفريط.

قوله : ( أمّا لو كان الجواب : لا يستحق عندي شيئا وشبهه لم يضمّن ).

لعدم المنافاة بينهما ، لأنّه مع التلف بغير تفريط لا يستحق عنده شيئا.

* * *


المقصد السادس : في الوكالة وفصوله ثلاثة :

الأول : في أركانها ، وهي أربعة :

الأول : العقد : وهو ما يدل على استنابة في التصرف.

ولا بد فيه من إيجاب دال على القصد كقوله : وكلتك ، أو استنبتّك ، أو فوضت إليك ، أو بع ، أو اشتر ، أو أعتق.

______________________________________________________

قوله : ( وهو ما يدل على استنابة في التصرف ).

يندرج في هذا التعريف القراض والشركة والمزارعة والمساقاة بل الوصية ويمكن الاعتناء به بحمل دلالته على الاستنابة على كون المطلوب منه هو الاستنابة ، ومعلوم أنّ هذه كعقود الاستنابة فيها أمر ضمني ، وليست الوصية استنابة وإنّما هي نقل ولاية.

قوله : ( ولا بد فيه من إيجاب دال على القصد كقوله : وكلتك ، أو استنبتك ، أو فوّضت إليك ، أو بع ، أو اشتر ، أو أعتق ).

قال في التذكرة : ولو قال بع وأعتق ونحوهما حصل الاذن ـ وهذا لا يكاد يسمى إيجابا بل هو أمر واذن ، وإنّما الإيجاب قوله : وكلتك. الى آخره.

ثم قال : وقوله : أذنت لك في فعله ليس صريحا في الإيجاب ، بل هو اذن في الفعل (١). ثم احتج لصحة التوكيل بذلك بقول النبي 6 لعروة البارقي : « اشتر لنا شاة » (٢) ، وقوله تعالى مخبرا عن أهل الكهف( فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ) (٣).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٤.

(٢) سنن الترمذي ٣ : ٥٥٩ حديث ١٢٥٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠ حديث ٢٩ ، مسند احمد ٤ : ٣٧٦.

(٣) الكهف : ١٩.


ولو قال : وكلتني؟ فقال : نعم ، أو أشار بما يدل على التصديق كفى في الإيجاب.

ومن قبول : إما لفظا كقبلت أو رضيت وشبهه ، أو فعلا كما لو قال : وكلتك في البيع فباع ،

______________________________________________________

والحاصل أنّ التوكيل لما لم يكن من العقود اللازمة صحّ باللفظ الدال على المراد ، وإن لم يكن على نهج الألفاظ الواقعة إيجابا في غيره من العقود حيث أنّه بلفظ الماضي.

وإنّما لم يكن : أذنت لك في الفعل إيجابا صريحا في الوكالة وان كان بلفظ الماضي ، لأنّ الإذن في أصله أعم من الاستنابة. ولو قال : أوكلك بلفظ المضارع على قصد الإنشاء ففي افادته جواز التصرف نظر ، لأنّه شبيه بالوعد لاحتمال الاستقبال.

قوله : ( ولو قال : وكلتني ، فقال : نعم ، أو أشار بما يدل على التصديق كفى في الإيجاب ).

إنّما يكفي إذا وقع ذلك على قصد الإنشاء دون الاخبار ، وإنّما قلنا إنّه يكفي ، لأنّ نعم كلمة جواب تحذف الجملة معها فهي نائبة منابها ، لأنّ قوله نعم في قوة : نعم وكلتك.

وكذا الإشارة الواقعة جوابا الدالة على المراد ، وهذا وإن لم يعد إيجابا صريحا ـ إذ لم يحصل النطق به ـ إلاّ أنّه بمنزلته فيكفي فيه لما ذكرناه سابقا.

واعلم أنّ قول القائل : وكّلتني استفهام حذفت أداته ، والغرض به استدعاء الإنشاء على نهج الاستفهام التقريري.

قوله : ( ومن قبول : إمّا لفظا كقبلت أو رضيت وشبهه ، أو فعلا كما لو قال : وكلتك في البيع فباع ).

قال في التذكرة : أنّ القبول يطلق على معنيين : أحدهما : الرضى والرغبة فيما‌


ولا يشترط مقارنة القبول بل يكفي وإن تأخر.

نعم يشترط عدم الرد منه فلو رد انفسخ العقد ، ويفتقر في التصرف الى تجديد الإيجاب مع‌ علم الموكل.

______________________________________________________

فوّض اليه ونقيضه الرد ، والثاني : اللفظ الدال عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر المعاملات (١).

ويعتبر في الوكالة القبول بالمعنى الأول دون الثاني ، فيكفي إيجاد التصرف المستناب فيه والأصل في ذلك أنّ الذين وكلهم النبي 6 لم ينقل عنهم سوى امتثال أمره ، ولحصول الغرض المطلوب من الاستنابة بذلك ، لأن المقصود الأصلي من الاستنابة هو الإذن في التصرف ، فلا يتوقف على القبول لفظا كأكل الطعام.

قوله : ( ولا يشترط مقارنة القبول بل يكفي وان تأخر ).

لأنّ الوكالة من العقود الجائزة ، ولأنّ وكلاء النبي 6 لم ينقل عنهم قبول لفظي ، وكان فعلهم متراخيا عن توكيله إياهم.

ولا يقدح تراخي القبول وإن طالت مدته كسنة ، نص عليه في التذكرة ، وأسند جواز التراخي إلى أصحابنا (٢) ، وظاهره أنّ ذلك اتفاقي.

قوله : ( نعم يشترط عدم الرد منه ).

لما قلناه من أنّ القبول هنا هو الرضى والرغبة في الفعل ، ومع الرد لا رضى ولا رغبة.

قوله : ( فلو رد انفسخ العقد ويفتقر في التصرف الى تجديد الاذن مع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٤.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٤.


ويجب أن تكون منجّزة ، فلو جعلها مشروطة بشرط متوقع أو وقت مترقب بطلت.

نعم لو نجز الوكالة وشرط تأخير التصرف الى وقت أو حصول‌

______________________________________________________

في قوله : ( انفسخ العقد ) تسامح ، إذ ليس هناك إلاّ الإيجاب ولا يسمى عقدا.

ولعله حاول التنبيه بذلك على أنّ الرد بعد العقد يقتضي فسخ العقد ، ومنع التصرف كالرد بعد الإيجاب.

ولا خفاء في أنّ جواز التصرف موقوف على تجديد الإذن ، لكن كون ذلك مشروطا بعلم الموكل حتى لو لم يعلم كان له أن يجدد القبول ويتصرف محل خفاء ومستنده قول الصادق 7 : « من وكّل رجلا على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتى يعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها » (١) ، فإنّ ذلك نص في الباب.

قوله : ( ويجب أن تكون منجّزة ، فلو جعلها مشروطة بشرط متوقع ، أو وقت مترقب بطلت ).

يجب أن تكون الوكالة منجّزة عند جميع علمائنا ، فلو علقها بشرط وهو ممّا جاز وقوعه كدخول الدار ، أو صفة وهي ما كان وجوده محققا كطلوع الشمس لم يصح.

وذهب جمع من العامة إلى جوازها معلّقة ، لأنّ النبي 6 قال في غزاة موتة : « أميركم جعفر ، فإن قتل فزيد بن حارثة » (٢) الحديث.

والتأمير في معنى التوكيل ، ولأنّه لو قال : أنت وكيلي في بيع عبدي إذا قدم الحاج صحّ إجماعا ، وفي كون التأمير توكيلا نظر والفرق بين محل النزاع والمفروض ظاهر ، لأنّ المعلّق فيه هو التصرف لا التوكيل ، ولا بحث في جوازه.

والى هذا أشار بقوله : ( نعم لو نجز الوكالة وشرط تأخير التصرف الى وقت‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢١٣ حديث ٥٠٢.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٦٥.


شرط جاز ، كان يقول : وكلتك الآن ولا تتصرف إلاّ بعد شهر.

وإذا فسد العقد لتعلقها على الشرط احتمل تسويغ التصرف عند حصوله بحكم الإذن ، وفائدة الفساد سقوط الجعل المسمى والرجوع الى الأجرة.

______________________________________________________

أو حصول شرط جاز ، كأن يقول : وكلتك الآن ولا تتصرف إلاّ بعد شهر ).

وأعلم أنّ قوله ( فلو جعلها مشروطة بشرط ) لا يريد به إلاّ التعليق ، أمّا مطلق الاشتراط فلا ، فلو قال : وكلتك في كذا وشرطت عليك كذا ممّا لا مانع منه صحّ واعلم أيضا أنّ توقيت الوكالة لا يلزم ، لكن لا يجوز التصرف بعده.

قوله : ( فإذا فسد العقد لتعلقها على الشرط احتمل تسويغ التصرّف عند حصوله بحكم الإذن ، وفائدة الفساد سقوط الجعل المسمى والرجوع الى الأجرة ).

هذا فرع على التوكيل معلقا على شرط.

وتحقيقه : أنّه إذا أوقع الوكالة معلقة كانت فاسدة على ما سبق ، فعلى الفساد هل يسوغ التصرّف عند حصول المعلق عليه؟ احتمل المصنف ذلك ، ووجه الاحتمال ما أشار إليه بقوله : ( بحكم الإذن ) وتوضيحه : أنّ الإذن في التصرّف على التقدير المخصوص حاصل ، والفرض حصول المعلق عليه ، فيكون التصرّف مأذونا فيه فيقع صحيحا.

ويحتمل العدم ، لأنّ العقد فاسد إذ هو المفروض ، ولا معنى للفاسد إلاّ ما لا يترتب عليه أثره. ولأنّ الإذن الواقع في العقد المعلق المحكوم بفساده لا اعتداد به ، لامتناع بقاء الضمني مع ارتفاع المتضمن له ، والإذن إنّما وقع على ذلك الوجه المعيّن المخصوص.

واعلم أنّ قول المصنف : ( وفائدة الفساد سقوط الجعل المسمى والرجوع الى‌


______________________________________________________

الأجرة ) جواب سؤال يردّ على احتمال الصحة تقريره : إذا كان جواز التصرّف ـ الذي هو فائدة عقد الوكالة وأثره ـ ثابت على كل من تقديري الصحة والفساد ، فأي فارق بين الصحيح والفاسد هنا؟

وجوابه : أنّ أثر الفساد لا يظهر في الاستنابة والإذن ، بل إنّما يظهر في الجعل إذا كانت الوكالة يجعل ، فإنّه يبطل ويستحق الوكيل أجرة المثل ، كما في المضاربة الفاسدة حيث حكمنا بفساد استحقاق الحصة ونفذنا التصرّف وأوجبنا للعامل الأجرة.

وتنقيح المبحث : أنّ الوكالة تسليط على التصرّف ولا يمتنع فيه التعليق ، فإنّ القائل لو قال لغيره : إذا حضر الطعام فكل لم يكن هذا التعليق مخلا بجواز الأكل عند حضور الطعام ، وإنّما يمتنع التعليق فيما يكون معاوضة أو كالمعاوضة.

ومن ثم حكمنا بفساد الصداق بالشرط الفاسد في عقد النكاح دون العقد ، وحكمنا بفساد اشتراط الحصة في المضاربة الفاسدة دون الإذن في التصرف ، لأنّ شبه المعاوضة فيهما بكون الصداق في مقابل استحقاق الانتفاع بالبضع ، والحصة في مقابل العمل المخصوص ، فاختص ذلك بالبطلان ووجب مهر المثل واجرة المثل.

وكذا الوكالة المشتملة على الجعل ، فإنّه لكون في مقابل العمل يحصل به شبه المعاوضة ، فيجب أن يتوجه الفساد بالتعليق اليه ، بل مطلق الفساد بأي سبب كان ، ويبقى معنى الوكالة الذي هو عبارة عن الإذن في التصرّف.

لكن على هذا إطلاق الفساد على عقد الوكالة غير واضح ، لأنّ الجعل خارج عن مفهوم الوكالة ، ولهذا لا نعتبره في صحة العقد ، بخلاف عقد المضاربة ، لأنّ اشتراط الحصة من أركان العقد ، فيكون عقد الوكالة غير محكوم بفساده ، وإن حكم بفساد ما اشتمل عليه.

كما إنّا لا نحكم بفساد النكاح بفساد الصداق ، فيسقط اعتبار ما ذكره‌


الثاني : الموكل : ويشترط فيه أن يملك مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية ، فلا يصح توكيل الصبي وإن كان مميزا أو بلغ‌ عشرا مطلقا على رأي.

______________________________________________________

المصنف من الجواب ، لانتفاء السؤال أصلا ورأسا ، بل يكون حكمه بفساد الوكالة بالتعليق أولا واحتمال تجويز التصرّف معه ، وكون فائدة الفساد سقوط جعل المسمى آخرا كالمتدافعين.

وهذا الذي ذكرناه كلام جيد منقح ، إلاّ أنّه يرد عليه أنّ التصرّف في مال الغير بالبيع والشراء ، وأنواع التصرفات من الأمور المبنية على التضييق ، وليس هو كأكل الطعام المبني على التسامح في العادة ، ولهذا يكتفى فيه بقرائن الأحوال.

ولا يشترط فيه اللفظ ، بل يعتبر مجرد وضع الطعام بين يدي الغير إذا دلت القرينة على إرادة أكله. والأمر فيه أسهل من إخراج الملك عن الغير ، وتجديد ملك آخر له ، ونحو ذلك ، فلا بدّ فيه من الاحتياط التام.

والنكاح له حكم برأسه متفق عليه ، والمضاربة إن كان الحكم فيها متفقا عليه فلا بحث فيه ، وإلاّ توجه إليها الكلام ، فالذي ينبغي التوقف عن الحكم بجواز التصرّف كما في غيره من العقود.

وأعلم أن قول المصنف : ( لتعلقها على الشرط ) لا يخلو من مناقشة ، والمناسب أن يقول : ( لتعليقها ).

قوله : ( ويشترط فيه أن يملك مباشرة ذلك التصرّف بملك أو ولاية ).

أي يملك مباشرة ذلك التصرّف إمّا بحق الملك لنفسه ، أو بحق الولاية عن غيره كالأب والجدّ له.

قوله : ( فلا يصح توكيل الصبي وإن كان مميزا أو بلغ‌ عشرا مطلقا على رأي ).


ولا المجنون ، ولو عرض بعد التوكيل بطلت الوكالة.

______________________________________________________

لمّا كان تصرّف الوكيل بالوكالة محسوبا من تصرّف الموكل اشترط لصحة التوكيل أن يملك الموكل مباشرة الفعل الموكل فيه بملك أو ولاية ، وإن منعه من إنشاء الفعل الجهل بالشي‌ء ـ لكون العلم به شرطا لصحة ذلك الفعل كالبيع المشروط بالعلم بالمبيع ـ فان الجهل به لا يخل بصحة التوكيل.

فعلى هذا لا يصح توكيل الصبي على حال في شي‌ء من التصرّفات ، لأنّه لا يملك مباشرة التصرّف في شي‌ء ، سواء كان مميزا أم لا ، وسواء بلغ عشرا أم لا ، وسواء كانت الوكالة في المعروف أم لا.

ويجي‌ء على قول الشيخ (١) وجماعة (٢) بجواز تصرّفه بالعتق والصدقة والوصية في المعروف استنادا إلى الرواية الدالة على جواز ذلك منه إذا بلغ عشرا أو بلغ خمسة أشبار (٣) جواز توكيله في ذلك ، لصحة مباشرته للتصرف. وهذا صحيح على القول به ، إلاّ أن القول به ـ وإن كان مشهورا مستندا الى النصوص (٤) ـ غير واضح فيمتنع توكيله مطلقا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ المراد بقول المصنف : ( مطلقا ) تعميم منع الصبي من التوكيل في جميع التصرفات ، لأنّه لا يملك شيئا منها. وأشار بالرأي إلى قول المخالف بالجواز في المواضع المذكورة.

قوله : ( ولا المجنون ، ولو عرض بعد التوكيل بطلت الوكالة ).

لما قلناه من أنّ تصرف الوكيل تصرّف الموكل ، وأنّه لا بدّ أن يملك أهلية المباشرة ـ وكذا تبطل بتجدد كل ما يخرج عن أهلية المباشرة.

__________________

(١) النهاية : ٦١١.

(٢) منهم الشيخ المفيد في المقنعة : ١٠١ ، وسلار في المراسم : ٢٠٣ ، وابن البراج في المهذب ٢ : ١١٩.

(٣) التهذيب ٩ : ١٨١ حديث ٧٢٦ و ٧٢٩.

(٤) التهذيب ٩ : ١٨١ و ١٨٢ حديث ٧٢٦ و ٧٢٩ و ٧٣٠.


ولا توكيل القن إلاّ بإذن المولى ، إلاّ فيما لا يتوقف على الإذن كالطلاق والخلع.

ولا التوكيل إلاّ بإذن موكله صريحا أو فحوى مثل : اصنع ما شئت.

______________________________________________________

قوله : ( ولا توكيل القن ، إلاّ بإذن المولى ، إلاّ فيما لا يتوقف على الإذن كالطلاق والخلع ).

إن أريد بالقن هنا الرقيق الذي لم تنقطع عنه سلطنة المولى اندرج فيه المدبر وأم الولد ، وهو أولى ، لأنّ حجر الرقية عليهما باق بحاله ، بخلاف المكاتب.

وانما لم يصح توكيل القن ، لأنه لا يملك المباشرة ، لكن ما يملك المباشرة فيه ـ وهو الطلاق والخلع ، ونحوهما مما يدخله النيابة ـ يصح توكيله ، ولو أذن له المولى صح مطلقا ، لزوال المانع.

قوله : ( ولا الوكيل إلاّ بإذن موكله صريحا ، أو فحوى مثل : اصنع ما شئت ).

لا يصح توكيل الوكيل ، لأنه لا يملك المباشرة بحق الملك لنفسه ، ولا بالولاية عن غيره ، وإنما ملك المباشرة بإذن المالك فيجب الاقتصار على مقتضاه ، فإنّ أذن له في التوكيل صريحا فلا بحث في الجواز ، وان دل توكيله بفحواه على الإذن له في التوكيل جاز أيضا.

والمراد بالفحوى في العبارة : ما عدا الصريح كما يدل عليه السياق ، ومثّل له بقوله : ( اصنع ما شئت ) ، لأنه ليس إذنا في التوكيل صريحا ، لأنه إنما يدل عليه بعمومه.

والمتبادر من الصريح : هو ما نص عليه في اللفظ ، ولأن المحتاج الى التمثيل في العبارة هو الدال بالفحوى ، لأنه الذي قد يخفى. والمعروف عند الأصوليين أن فحوى الخطاب هو ما لا يدل عليه اللفظ بمنطوقه ، وإنما هو مسكوت عنه ، لكن يستفاد من اللفظ بكون الحكم فيه أولى منه في المنطوق ، كتحريم الضرب المستفاد من تحريم‌


والأقرب أن ارتفاع الوكيل عن المباشرة واتساعه وكثرته بحيث يعجز عن المباشرة إذن في التوكيل معنى ،

______________________________________________________

التأفيف بطريق أولى (١).

إلاّ أن مثل هذا في الوكالة عزيز الوجود ، ويتصور فيما لو وكّله في أمرين قد جرت العادة بالتسامح في أحدهما. والاذن للوكيل أن يوكّل فيه غيره. والآخر مما يطلب الاهتمام به عادة ولا يراد إلاّ مباشرة الوكيل له بنفسه وأذن له في التوكيل في الأخير وسكت عن الأول على وجه يشهد الحال والقرائن بأنه لم يسكت عنه إلاّ لظهور انه يرضى بالتوكيل فيه حيث رضي بالتوكيل في الأهم : إما لكون الوكيل ممن يترفع عن مباشرة نحو ذلك بنفسه ، أو غير ذلك من الأسباب. وفي معنى : ( اصنع ما شئت ) توكيله مفوضا ، ونحوه.

واعلم أن المصنف منع في التذكرة جواز التوكيل بقوله : ( اصنع ما شئت ) ، محتجا بان هذا القسم إنما هو في تصرفه بنفسه ، وهو غير واضح ، لأن عموم ( ما ) يتناول المدعى (٢).

قوله : ( والأقرب أن ارتفاع الوكيل عن المباشرة واتساعه وكثرته بحيث يعجز عن المباشرة اذن في التوكيل معنى ).

قد سبق في أن توكيل الوكيل مع حصول الإذن له فيه صريحا أو فحوى جائز قطعا ، والأقرب عند المصنف الجواز إذا استفيد الاذن معنى بملاحظة حال الوكيل ، باعتبار ترفعه عن مباشرة ما وكّل فيه عادة ، أو كونه لا يتأتى منه ما وكّل فيه ، أو حال الموكّل فيه باعتبار كثرته بحيث لا يقوم به الوكيل وحده عادة. والمراد من كون ذلك إذنا معنى : انه مستفاد من ملاحظة معنى اللفظ ، لا من نفس اللفظ ، فهو في الحقيقة‌

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الإسراء : ٢٣.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٦.


فحينئذ الأقرب أنه يوكل فيما زاد على ما‌

______________________________________________________

دلالة التزامية.

ووجه القرب : أن ذلك وإن لم يكن مستفادا من اللفظ لكن شاهد الحال دال عليه وقاض به ، فإنّ توكيل الشريف الذي لا يليق بمثله دخول السوق أصلا في بيع ما لا يقع بيعه غالبا إلاّ في السوق لا يكاد يستفاد منه إلاّ توكيل غيره في ذلك.

وكذا القول في توكيل الشخص الواحد في مثل الزراعة في أماكن متعددة لا يقوم بجميعها إلاّ بمساعد ، ومثله ما لو حلف السلطان ليضربنّ زيدا ، أو حلف من لا يحسن البناء أن يبني الجدار فإنه لا يعقل من ذلك إلاّ أمره به.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأنه خلاف مدلول اللفظ الوضعي ، والتصرف في مال الغير تابع لإذنه ، وليس بشي‌ء ، لأن ذلك مدلول اللفظ ايضا ، ولا يضر كونه غير وضعي مع قيام الدال عليه ، والأول هو المختار ، لكن في عبارة المصنف مناقشتان :

الاولى : انه أسند في التذكرة القول بجواز التوكيل في هذين الموضعين إلى جميع علمائنا فقال في الأول : وهو قول علمائنا أجمع ، وفي الثاني : فعندنا يجوز التوكيل ولا نعلم فيه مخالفا (١). وما هذا شانه لا ينبغي ان يقال فيه : الأقرب ، خصوصا مع قوة دليله.

الثانية : أن الضمير في قوله : ( واتساعه وكثرته ) لا مرجع له في العبارة ، لأنه يجب أن يعود إلى الموكل فيه وليس مذكورا ، وكأنه اعتمد على ظهوره كما في قوله تعالى ( حَتّى تَوارَتْ ) (٢).

قوله : ( فحينئذ الأقرب أنه يوكل فيما زاد على ما‌ يتمكن منه لا الجميع.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٥.

(٢) ص : ٣٢.


ولا المحجور عليه ، إلاّ فيما لا يمنع الحجر تصرفه فيه كالطلاق والخلع واستيفاء القصاص.

ولا يوكّل المحرم في عقد النكاح محرما ولا محلا ، ولا في‌ ابتياع الصيد.

______________________________________________________

هذا فرع على القول بجواز التوكيل في المسألة الثانية ، أي : فحينئذ كان الأقرب جواز التوكيل للوكيل فيما يعجز عن مباشرته.

الأقرب انه إنما يوكل فيما زاد على ما يتمكن منه لا الجميع ، لأن توكيل الوكيل خلاف الأصل. وإنما ثبت هنا للحاجة إلى المساعد ، فيقتصر فيه على موضع الحاجة استصحابا لما كان ، وهو الأصح.

ويحتمل جواز التوكيل في الجميع ، إذ لا أولوية لبعض على آخر ، ولا يستفاده الإذن فيه معنى فيكون كما لو أذن صريحا.

ويضعف بأنه يتخيّر في التوكيل في قدر ما تندفع به الحاجة ، فأي بعض أراد واقتضت المصلحة التوكيل فيه ، أو يتساوى الجميع في المصلحة وعدمها وكلّ فيه وباشر الباقي. وأما الإذن فإنما استفيد من دعاء الحاجة فيقتصر على موضعه ، بخلاف الإذن لفظا.

قوله : ( ولا المحجور عليه إلاّ فيما لا يمنع الحجر تصرفه فيه : كالطلاق والخلع واستيفاء القصاص ).

أي : لا يجوز توكيل المحجور عليه بسفه أو فلس بغير إذن من له الإذن ، إلاّ فيما لا يمنع الحجر تصرفه فيه كالطلاق والخلع واستيفاء القصاص بالنسبة الى كل منهما ، والشراء في الذمة ونحوه بالنسبة إلى المفلس. وكذا اجارة نفسه ، إذ لا حق للغرماء في ذلك ، بل هو جلب مال بالنسبة إليهم.

قوله : ( ولا يوكّل المحرم في عقد النكاح محرما ولا محلا ، ولا في‌ ابتياع الصيد ).


وللمكاتب أن يوكّل ، وللمأذون له في التجارة فيما جرت العادة بالتوكيل فيه ، وللأب والجد أن يوكّلا عن الصغير والمجنون ،

______________________________________________________

اي : محرما ولا محلا ايضا ، لامتناع مباشرته ذلك التصرف شرعا. ولو وكّل في شرائه بعد الإحلال فظاهرهم عدم الجواز فلا يعتد بهذا التوكيل ، لعدم كونه مالكا لمباشرة هذا التصرف الآن. وهو شرط عندنا فكان كما لو وكل في طلاق امرأة سينكحها.

قال في التذكرة في توكيل المحجور عليه ما صورته : ومن جوّز التوكيل بطلاق امرأة سينكحها ، وبيع عبد سيملكه فقياسه تجويز توكيل المحجور عليه بما سيأذن له فيه الولي ، وكل هذا عندنا باطل (١).

قوله : ( وللمكاتب أن يوكّل ).

لانقطاع سلطنة المولى عنه وتمكنه من التصرف.

قوله : ( وللمأذون له في التجارة فيما جرت العادة بالتوكيل فيه ).

أي : للعبد المأذون له في التجارة التوكيل فيما جرت العادة بالتوكيل فيه ـ وان لم يصرح السيد بالإذن في التوكيل ـ لاستفادة ذلك من اللفظ بضميمة العادة المطردة.

قوله : ( وللأب والجد أن يوكّلا عن الصغير والمجنون ).

أي : الجد للأب ، وتوكيلهما عن المجنون الذي اتصل جنونه بصغره ، أما من بلغ رشيدا ثم جن فإن ظاهر كلامهم أن الولاية عليه لهما أيضا ، ويحتمل قويا كونهما للحاكم كالمتجدد سفهه.

وكيف كان ، فكل من ثبتت له الولاية على غيره ملك مباشرة التصرف عنه فله أن يوكل.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٥.


وللحاضر أن يوكّل في الطلاق على رأي.

وللحاكم أن يوكل عن السفهاء من يباشر الحكومة عنهم.

______________________________________________________

قوله : ( وللحاضر ان يوكل في الطلاق على رأي ).

هذا قول ابن إدريس (١) وأكثر المتأخرين ، لأن الطلاق قابل للنيابة وإلاّ لما صح التوكيل فيه من الغائب ، ولعموم صحيح الأعرج عن الصادق 7 : في رجل يجعل أمر امرأته إلى رجل فقال : اشهدوا اني قد جعلت أمر فلانة إلى فلان فيطلقها ، أيجوز ذلك للرجل؟ قال : « نعم » (٢) المستفاد من ترك الاستفصال عن محتملات المسؤول عنه ، ولنقل ابن إدريس الإجماع في الشقاق على جواز توكيل الزوج للحكم في الطلاق ، وصحة طلاقه لو أوقعه.

وقال الشيخ (٣) ، وجماعة بعدم جواز التوكيل فيه من الحاضر (٤) ، تنزيلا لرواية زرارة عن الصادق 7 قال : « لا تجوز الوكالة في الطلاق على الحاضر » (٥) ، جمعا بينها وبين الرواية السابقة. والأصح الأول ، ورواية زرارة ضعيفة ، ومع ذلك فلا تدل على مدعى الشيخ صريحا ، ثم ان الفعل إذا قبل النيابة فأي تفاوت بين الحاضر والغائب.

قوله : ( وللحاكم أن يوكّل عن السفهاء من يباشر الحكومة عنهم ).

وكذا يوكّل من يباشر عنهم جميع ما يقتضيه الحال من التصرف لهم من بيع‌

__________________

(١) السرائر : ١٧٤.

(٢) الكافي ٦ : ١٢٩ حديث ١.

(٣) النهاية : ٥١١.

(٤) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣١٩ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٩٦ ، والشهيد الأول في اللمعة ٢ : ٣٧١ ، وغيرهم.

ولمزيد الاطلاع انظر مفتاح الكرامة ٧ : ٥٣٤.

(٥) الكافي ٦ : ١٣٠ حديث ٦.


ويكره لذوي المروآت مباشرة الخصومة ، ويستحب لهم التوكيل.

وللمرأة أن توكّل في النكاح ، وللفاسق في تزويج ابنته وولده إيجابا وقبولا ، وليس سكوت السيد عن النهي عن تجارة عبده‌

______________________________________________________

وشراء وغيرهما ، وكذا غير السفهاء من الصبيان والمجانين إذا كان الحاكم وليا لهم ، وكذا الحكم في الوصي بغير خلاف في ذلك ، ولو منع الموصي الوصي من التوكيل لم يكن له ذلك.

قوله : ( ويكره لذوي المروآت مباشرة الخصومة ويستحب لهم التوكيل ).

المراد بهم : أهل الشرف والمناصب الجليلة الذين لا يليق بهم الامتهان ، روى العامة أن عليا 7 وكّل في الخصومة عقيلا ، ووكّل أيضا عبد الرحمن بن جعفر ، وقال : « إن للخصومة قحما ، وان الشيطان ليحضرها واني اكره ان أحضرها » (١) والقحم : المهالك.

قوله : ( وللمرأة أن توكّل في النكاح ، وللفاسق في تزويج ابنته وولده إيجابا وقبولا ).

أما المرأة فلأن لها أن تباشر النكاح عندنا فلها أن توكّل فيه ، خلافا للشافعية (٢). وولاية الفاسق على ولده في التزويج ثابتة فله التوكيل ، خلافا لبعض الشافعية (٣) ، ولا فرق في ذلك بين كونه أنثى فيوكل عنها إيجابا ، أو ذكرا فيوكّل عنه قبولا.

قوله : ( وليس سكوت السيد عن النهي عن تجارة عبده إذنا له‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٠٥ ، المجموع ١٤ : ٩٨ ، نهج البلاغة : ٥١٧.

(٢) المجموع ١٤ : ١٠٣.

(٣) المجموع ١٤ : ١٠٣.


إذنا له فيها ، والأقرب بطلان الإذن بالإباق.

وكل موضع للوكيل أن يوكل فيه فليس له أن يوكّل إلاّ أمينا ، إلاّ أن يعين الموكل غيره.

______________________________________________________

فيها ).

لأن السكوت أعم من الرضى وهذه مسألة ذكرت استطرادا ، لمشابهتها الباب.

قوله : ( والأقرب بطلان الإذن بالإباق ).

وجه القرب : العمل بشاهد الحال ، فإن حال السيد في غضبه على الآبق وإرادته عوده يشهد بأنه يريد التضييق عليه مهما أمكن.

ولأن فيه مقابلة له بضد مقصوده ، لأن هربه للخلاص من سلطنة مولاه ، فيقابل بمنعه من كل تصرف ، كما قوبل القاتل بحرمانه الإرث. ويحتمل العدم ، استصحابا لما كان إلى ان يحصل المزيل ، وللتوقف هنا مجال.

قوله : ( وكل موضع للوكيل أن يوكل فيه فليس له ان يوكّل الاّ أمينا ، إلاّ أن يعيّن الموكّل غيره ).

المراد بالأمين : العدل ، وإنما وجب كونه أمينا ، لأن الواجب على الوكيل مراعاة الغبطة للموكّل ولا غبطة في توكيل الفاسق ، فيتقيد جواز التوكيل بذلك ، كما يتقيد البيع بعدم تسليم المبيع قبل تسلم الثمن ، وكونه من نقد البلد حالا.

ولو كان وكيل الوكيل بحيث يأتي بمتعلق الوكالة بحضور الوكيل فهل يشترط كونه أمينا؟ الظاهر نعم ، كما يشترط تسلم الثمن أولا ، وإن كان قد أحضره المشتري وأبرزه وعده محافظة على الاحتياط للموكل.

ولو عيّن الموكّل شخصا للتوكيل لم يتجاوزه وإن لم يكن أمينا ، وكذا لو نصّ له على توكيل العدل وغيره.


ولو تجددت الخيانة وجب العزل ، وكذا الوصي والحاكم إذا ولي القضاء في ناحية.

______________________________________________________

قوله : ( ولو تجددت الخيانة وجب العزل ).

أي : لو تجددت خيانة وكيل الوكيل بعد أن كان أمينا وجب على الوكيل عزله ، لأن تركه يتصرف في المال مع خيانته تضييع على المالك. وللشافعية وجه : أنه لا يجوز عزله ، لأنه لم يتحقق كونه وكيلا في العزل (١).

ولقائل أن يقول : إذا كان جواز التوكيل مشروطا بالأمانة وجب اعتبار بقائها ، لأن الغرض مراعاة الغبطة للمالك ، والوكالة من العقود الجائزة ، فمتى زالت الأمانة التي هي الشرط انتفت الوكالة قضية للشرطية فلا يحتاج الى العزل.

نعم ، إن أريد بالعزل : منعه من التصرف لكونه قد انعزل من الوكالة صح ، لكنه خلاف ظاهر العبارة هنا وفي التذكرة (٢) ، وكلام التذكرة أصرح حيث حكم بوجوب العزل ، وحكى عن الشافعية وجهين في جوازه (٣).

قوله : ( وكذا الوصي والحاكم إذا وليّ القضاء في ناحية ).

أي : وكذا الوصي إذا أراد أن يوكّل لا يوكل ، إلاّ أمينا ، فإن تجددت خيانته عزله على ما سبق.

وكذا الحاكم إذا وليّ القضاء شخصا في ناحية وجب أن يكون أمينا ، فإذا تجددت الخيانة عزله. ووجهه وما يأتي عليه مستفاد مما سبق ، هذا هو الذي يستفاد من سياق العبارة.

والمراد بالحاكم : إما الإمام 7 ، أو منصوبة إذا فوّض إليه تولية غيره القضاء ، ولا يراد به الحاكم في زمان الغيبة ، لأن توليته غيره القضاء غير متصور ، لأن‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١١٠.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٦.

(٣) المجموع ١٤ : ١١٠.


وإذا أذن الموكل في التوكيل فوكّل الوكيل آخر كان الثاني وكيلا للموكل ، لا ينعزل بموت الأول ولا بعزله ولا يملك الأول عزله ، وإن أذن له أن يوكل لنفسه جاز ، وكان الثاني وكيلا للوكيل ينعزل بموته وعزله وموت الموكّل ، وللأول عزله.

______________________________________________________

ذلك الغير إن كان بصفات الحكم فهو منصوب الإمام ، وإلا فلا يتصور كونه قاضيا.

نعم ، لو نصب الحاكم قيّما للأطفال ، أو وكيلا للغائب ونحوه اعتبر فيه العدالة كما يعتبر في وكيل الوكيل ، بل أولى ، لأن ذلك بالاحتياط أحرى ، وعلى ما نزلنا عليه العبارة فقوله : ( وليّ ) يجب قراءته بالتشديد.

قوله : ( وإذا أذن الموكل في التوكيل فوكل الوكيل آخر كان الثاني وكيلا للموكل لا ينعزل بموت الأول ولا بعزله ، ولا يملك الأول عزله ، وإن أذن له أن يوكل لنفسه جاز وكان الثاني وكيلا للوكيل ينعزل بموته وعزله وموت الموكل وللأول عزله ).

إذا أذن الموكل للوكيل في التوكيل فلا يخلو إما أن يأذن له في التوكيل عن الموكل ، أو عن الوكيل ، أو يطلق فالأقسام ثلاثة :

الأول : أن يأذن له في التوكيل عن الموكل ، فالثاني وكيل للموكل كما أن الأول وكيله فليس لأحدهما عزل الآخر.

ولا ينعزل أحدهما بموت الآخر ولا جنونه ، وإنما ينعزل أحدهما بعزل الموكل أو خروجه عن أهلية التوكيل.

الثاني : أن يأذن له في التوكيل عن نفس الوكيل فإن الثاني وكيل للوكيل ينعزل بعزل الأول إياه ، وبموته ، وجنونه ، وبانعزال الأول ، لأنه وكيله ونائبه كما اقتضاه أصل الإذن ، وهو أحد قولي الشافعية ، والآخر العدم ، لأن التوكيل فيما يتعلق بحق‌


الثالث : الوكيل : ويشترط فيه البلوغ والعقل ، فلا تصح وكالة الصبي ولا المجنون.

والأقرب جواز‌ توكيل عبده ،

______________________________________________________

الموكل حق الموكل فيتوقف رفعه على الإذن من الموكل (١).

ويضعّف بأنه وإن كان حقا للموكل بالتبعية لأصل التوكيل ، لكن لكونه فرعا عن الوكيل يجب أن يكون رفعه منوطا به. ولا يخفى أن للموكل عزله ، لأن له رفع الأصل فالفرع أولى.

الثالث : أن يطلق بأن يأذن له في التوكيل ، وفيه وجهان : أحدهما أنه وكيل عن الوكيل ، لأن الغرض من ذلك تسهيل الأمر عليه ، وأصحهما ـ وهو ظاهر اختياره في الكتاب ـ أنه وكيل عن الموكل ، لان التوكيل تصرف يتولاه بإذن الموكل فيقع عن الموكل.

ولأن المتبادر من الاذن في التوكيل كونه عن الموكل ، حيث أن الحق بالأصالة له فالنيابة عنه ، ويجي‌ء وجه ثالث وهو التردد بين الأمرين ، لانتفاء المرجح ، ولا يخفى أن الثاني أقرب.

قوله : ( ويشترط فيه البلوغ والعقل ، فلا تصح وكالة الصبي ).

لأنه لا يملك التصرف ، سواء كان مميزا أم لا ، بلغ عشرا أم لا وإن كان التصرف نحو الصدقة والوصية في المعروف.

ويجي‌ء على القول بتسويغ تصرفات ابن العشر ونحوه ، في الصدقة ونحوها احتمال صحة كونه وكيلا عن غيره في ذلك ، لصحة مباشرته له ، نبه عليه في التذكرة (٢).

قوله : ( والأقرب جواز‌ توكيل عبده ).

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٥٤.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٦.


ويستحب أن يكون الوكيل تام البصيرة ، عارفا باللغة التي يحاور بها.

______________________________________________________

اي : جواز توكيل الشخص عبده ، لقبوله النيابة ، لصحة كونه وكيلا عن غير السيد إذا أذن السيد. وكونه عبدا للموكل لم تثبت مانعيته للنيابة عنه ، فيجب الحكم بالصحة.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأن الوكالة تقبل الجعل ويلزمها الضمان مع التعدي ، وكل منهما ممتنع هنا ، لأن ثبوت مال للعبد على سيده أو بالعكس ممتنع فيمتنع توكيله إياه ، لأن انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم. وضعفه لمنع كون ذلك لازما لكل وكالة ، ولا دليل عليه ، وكونه أكثريا غير قادح ، والأصح الجواز.

واعلم أنه لا نزاع في أن المولى إذا استناب عبده في التصرف يصح تصرفه ، إنما النزاع في كونه وكالة أو إذنا ، وتظهر الفائدة في بطلان الاستنابة ببيعه أو إعتاقه ، وعدمه.

ويمكن أن يقال : إن الاستنابة ان كانت بلفظ التوكيل لم تصح إلا على القول بجواز توكيله ، وإلا كان إذنا ، لعدم الدليل الدال على التوكيل. ويجي‌ء على احتمال تسويغ التصرف مع تعليق الوكالة تسويغ التصرف هاهنا ـ وإن لم تصحح الوكالة ـ لكن على هذا تنتفي هذه الفائدة أصلا.

قوله : ( ويستحب أن يكون تام البصيرة عارفا باللغة التي يحاور بها ).

المراد كونه تام البصيرة فيما وكّل فيه ، عارفا باللغة التي يحتاج ذلك النوع من التصرف إلى المحاورة بها ليكون مليا بتحقيق مراد الموكل.

وقال ابن البراج : بالوجوب (١) ، وهو ظاهر عبارة أبي الصلاح (٢) ، وهو ضعيف.

__________________

(١) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٣٦.

(٢) الكافي في الفقه : ٣٣٧.


ويصح أن يكون الوكيل فاسقا ولو في إيجاب النكاح ، أو كافرا أو عبدا بإذن مولاه وإن كان في شراء نفسه من مولاه أو في إعتاق نفسه ،

______________________________________________________

قوله : ( ويصح أن يكون الوكيل فاسقا ولو في إيجاب النكاح ، أو كافرا ).

كل ما لا يكون الفسق أو الكفر مانعا من مباشرته يجوز أن يكون الفاسق والكافر وكيلا فيه ، خلافا لأبي الصلاح (١) وابن البراج (٢) ، حتى أن الفاسق يجوز أن يكون وكيلا في إيجاب النكاح عند القائلين بسلب ولايته بالفسق ، لأن سلب ولايته لا يقتضي سلب صحة عبارته.

نعم ، لا يجوز أن يكون الكافر وكيلا في تزويج المسلمة ، لأنه لا يملك مباشرة ذلك لنفسه ـ أي بالولاية ـ لامتناع كونه وليا على المسلمة ، فيمتنع أن يملكه بالنيابة عن غيره. ولأن الوكالة في تزويجها نوع من السبيل عليها. وجوزه ابن إدريس تمسكا بالأصل (٣) ، وهو ضعيف ، لوجود المعارض وهو قوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ ) الآية. (٤)

قوله : ( أو عبدا بإذن مولاه وإن كان في شراء نفسه من مولاه أو في إعتاق نفسه ).

أي : يجوز توكيل العبد لكن باذن السيد ، لأن الغرض صحة عبارته وأهليته للتصرف ، والمانع انما هو كون منافعه مملوكة لمولاه فمع إذنه يزول المانع ، ولا فرق في اشتراط إذن المولى بين توكيله فيما يمنع شيئا من حقوقه وعدمه ، لان جميع منافعه ملك‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٣٣٧.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٣٦.

(٣) السرائر : ١٧٥.

(٤) النساء : ١٤١.


وان يكون امرأة في عقد النكاح وطلاق نفسها وغيرها ،

______________________________________________________

لمولاه.

وذهب في التذكرة إلى جواز التوكيل بدون إذنه إذا لم يمنع شيئا من حقوقه (١). وفيه نظر ، لأن المنافي إن كان هو : أن منافعه بجميعها ملك للمولى فلا يجوز الانتفاع بها بدون اذنه ، ولا يعتد بها في نظر الشرع بدون الإذن لم يفرّق فيها بين المانع من حقوق المولى وعدمه لا محصل لذلك ، لأن جميع منافعه حقوق للمولى.

وإن كان المانع هو منافاة التوكيل ، لانتفاع المولى وجب أن لا يفرق بين قليل المنافع وكثيرها ، فيجوز أن يستغزله ويستنسجه حيث لا يمنع انتفاع المولى ، كأن يغزل وهو يتردد في حوائج المولى ، ولا يخفى بطلان ذلك.

ولا يقال : يلزم أن لا يجوز مخاطبة العبد ومحاورته بما يستدعي تكلّمه.

لأنّا نقول : إن تم بطلان اللازم فقد خرج ذلك بإطباق الناس عليه وجريان العادة المطردة به ، فجرى مجرى الشرب من ساقية الغير بغير اذنه.

ويصح توكيله في كل شي‌ء حتى في شراء نفسه من مولاه على أصح القولين كما سبق في البيع ، ويكفي في مغايرة الوكيل للمبيع المغايرة الاعتبارية ، وكذا القول في توكيله في إعتاق نفسه.

قوله : ( وأن تكون امرأة في عقد النكاح ).

خلافا للشافعي (٢) ، وقد أسلفنا إن عبارتها في النكاح معتبرة لنفسها ولغيرها.

قوله : ( وطلاق نفسها وغيرها ).

أما توكيلها في طلاق غيرها سواء كانت زوجة لزوجها أو لأجنبي فواضح ، لأن الطلاق فعل يقبل النيابة كما أسلفنا ، وعبارتها فيه معتبرة ، وهو أصح وجهي‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٧.

(٢) المجموع ١٤ : ١٠٢.


وإن يكون محجورا عليه لسفه أو فلس.

ولا يصح أن يكون محرما في عقد النكاح ، وشراء الصيد وبيعه ، وحفظه ولا معتكفا في عقد البيع.

ولو ارتد المسلم لم تبطل وكالته ،

______________________________________________________

الشافعية (١).

وأما طلاق نفسها فلأن المغايرة بين الوكيل والمطلقة يكفي فيها الاعتبار ، وقد بينا أن الطلاق تدخله النيابة. ومنع الشيخ في المبسوط من توكيل المرأة في طلاق نفسها (٢) ، وتبعه ابن إدريس (٣) ، وهو ضعيف.

قوله : ( وأن يكون محجورا عليه لسفه أو فلس ).

لأنه صحيح العبارة وإن منع من التصرف في مال نفسه.

قوله : ( ولا يصح أن يكون محرما في عقد النكاح ، وشراء الصيد وبيعه وحفظه ).

لامتناع إثبات المحرم يده على الصيد وتصرفه فيه ببيع وغيره ، وكذا النكاح والإنكاح.

قوله : ( ولا معتكفا في عقد البيع ).

حيث لا يجوز له ذلك ، فإن توقف دفع ضرورة محقون الدم على فعله جازت الوكالة.

قوله : ( ولو ارتد المسلم لم تبطل وكالته ).

ظاهرهم انه لا فرق بين كون الردة عن فطرة أو لا ، وعلله في التذكرة : بأن‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٠٣.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٦٥.

(٣) السرائر : ١٧٥.


ولا يصح أن يتوكل الذمي على المسلم لذمي ولا لمسلم ، ويكره أن يتوكل المسلم للذمي على المسلم.

وللمكاتب أن يتوكل بجعل مطلقا وبغيره باذن السيد.

______________________________________________________

التردد في تصرفه لنفسه لا لغيره (١).

قوله : ( ولا يصح أن يتوكّل الذمي على المسلم للذمي ولا لمسلم ، ويكره أن يتوكل المسلم للذمي على المسلم ).

الوكالة بالنسبة إلى الإسلام والكفر ثمانية مسائل ، وذلك لأن الوكيل : إما مسلم أو ذمي ، وعلى التقديرين فالموكل : إما مسلم أو ذمي ، وعلى التقديرات الأربعة فالموكل عليه : إما مسلم أو ذمي ، منها مسألتان لا تصح الوكالة منها في صورتين : وكالة الذمي على المسلم لذمي أو لمسلم بإجماعنا ، لقوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٢).

ويكره أن يتوكّل المسلم للذمي على المسلم على المشهور ، لانتفاء المانع ، وعبارة الشيخ في النهاية تؤذن بعدم الجواز (٣) ، وهو ضعيف ، وما عدا هذه الصور الثلاث فلا مانع في صحة التوكيل فيها.

قوله : ( وللمكاتب أن يتوكل بجعل مطلقا وبغيره باذن السيد ).

أما الأول فلان سلطنة السيد قد انقطعت عنه ، ولا حجر عليه في التصرفات التي لا تضييع فيها.

وأما الثاني فلأنه محجور عليه في إتلاف أمواله ومنافعه لأجل أداء عوض الكتابة ، فإذا أذن السيد فلا مانع ، وذهب المصنف في التذكرة إلى الجواز إذا لم يمنع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٧.

(٢) النساء : ١٤١.

(٣) النهاية : ٣١٧.


وإذا أذن لعبده في التجارة لم يكن له أن يؤجر نفسه ، ولا يتوكل لغيره.

ولو عيّن له التجارة في نوع لم يجز التجاوز عنه.

ولو وكّل اثنين وشرط الاجتماع أو أطلق لم يجز لأحدهما التفرد بشي‌ء من التصرف وإن كان في الخصومة ، ولو مات أحدهما بطلت الوكالة ، وليس للحاكم أن يضم الى الثاني أمينا ، وكذا لو غاب.

______________________________________________________

شيئا من حقوق السيد كما سبق في القن (١) ، وقد بيّنا ضعفه.

قوله : ( وإذا أذن السيد لعبده في التجارة لم يكن له أن يؤجر نفسه ولا يتوكل لغيره ، ولو عيّن له التجارة في نوع لم يجز التجاوز عنه ).

لأن ذلك خارج عن مقتضى الإذن.

قوله : ( ولو وكل اثنين وشرط الاجتماع أو أطلق لم يجز لأحدهما التفرد بشي‌ء من التصرف وان كان في الخصومة ).

وذلك لأن توكيله إياهما يؤذن بعدم رضاه بتصرف أحدهما ، ولأن التوكيل ، إنما صدر كذلك ، ولا فرق بين الخصومة ، وغيرها ، وللشافعي قول بأن لكل واحد من الوكيلين الانفراد في الخصومة بغير الاجتماع عليها (٢).

قوله : ( ولو مات أحدهما بطلت الوكالة ).

لأنها لم تثبت لأحدهما بالاستقلال كما بيناه.

قوله : ( وليس للحاكم أن يضم إلى الآخر أمينا ، وكذا لو غاب ).

لأنه لا ولاية للحاكم هنا ، بخلاف الوصيين ، لأن النظر في حق الميت واليتيم له ، ولهذا لو لم يوص إلى أحد أقام الحاكم أمينا في النظر لليتيم.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٧.

(٢) الوجيز ١ : ١٩٢.


ولو وكلهما في حفظ ماله حفظاه معا في حرز لهما.

ولو شرط لهما الانفراد جاز لكل منهما أن يتصرف من غير مشاورة صاحبه في الجميع.

والأقرب جواز وكالة الواحد عن المتخاصمين وعن المتعاقدين ، فيتولى طرفي العقد حتى في استيفاء القصاص من نفسه ، والدين منه ، والحد. فلو وكله شخص ببيع عبد وآخر بشراء عبد جاز أن يتولّى الطرفين.

______________________________________________________

ولو غاب الموكل فمات أحد الوكيلين فليس ببعيد أن للحاكم أن يضم إلى الباقي أمينا في التصرف الذي يتولاه الحاكم عن الغائب ، ولو غاب أحد الوكيلين فالحكم كما لو مات.

قوله : ( ولو وكلهما في حفظ ماله حفظاه معا في حرز لهما ).

المراد بكونه لهما : ان يكون الإحراز فيه حقا لهما معا ، ولا يجوز لأحدهما الانفراد بحفظه ولا قسمته إن قبل القسمة ، خلافا لبعض الشافعية (١) ، لأن المأذون فيه هو حفظهما معا فيجب اتّباع الإذن.

قوله : ( ولو شرط لهما الانفراد جاز لكل منهما أن يتصرف من غير مشاورة صاحبه في الجميع ).

أي : في جميع متعلق الوكالة ، لثبوت الوكالة لكل منهما بانفراده في الجميع.

قوله : ( والأقرب جواز وكالة الواحد عن المتخاصمين وعن المتعاقدين ، فيتولى طرفي العقد حتى في استيفاء القصاص من نفسه والدين منه والحد ).

هنا مسألتان :

إحداهما : أن يكون الواحد وكيلا عن المتخاصمين في تلك الخصومة ، ووجه‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١١١.


______________________________________________________

الجواز وجود المقتضي وهو التوكيل فيما تصح الاستنابة فيه ، وما يتخيل كونه مانعا ـ وهو نيابته عن الطرفين ـ لا يصلح للمانعية لتمكنه من إيراد الحجة عن أحدهما ، وذكر دافع الآخر من غير ميل معتمدا للحق كما هو شأن الوكيل.

ويحتمل عدم الجواز ، لأنه لا بد من الاستقصاء والمبالغة فيختل الغرض ، لأن غرض كل واحد منهما أن ينوب منابه في تحقيق مطلوبه ، ولا ريب في تضاد مطلوبهما فيمتنع الجمع بينهما.

فإن قيل : الواجب الاستقصاء بالحق وأن أضر بأحد الجانبين.

قلنا : أولا : التوكيل والاستنابة إنما وقعا فيما يريده الموكل ، ولا ريب أنه إنما يريد دفع خصمه ، والاستقصاء في التنقيب عليه ينافي ذلك.

وثانيا : أن الاستقصاء على هذا التقدير يجب أن يكون من الجانبين ، والحق لا يكون في الجانبين فيكون مستقصيا لما ليس بحق.

وثالثا : أن الوكيل يجب عليه مجانبة الإضرار بالموكل فيما هو وكيل فيه ، والاستقصاء بالنسبة إلى خصمه مضر به ، وفيه تعرض لتضييع حقه. والمسألة موضع توقف ، والشيخ في المبسوط ذكر الوجهين ثم احتاط بالمنع (١).

الثانية : أن يكون الواحد وكيلا عن المتعاقدين وقد منع منه بعض الأصحاب (٢) ، حكاه الشيخ في المبسوط قولا (٣) ، وهو محكي عن ابن إدريس في باب أجر السمسار من السرائر (٤) ، لأن الأصل في العقد أن يكون من اثنين ، أحدهما موجب والآخر قابل.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٨٢.

(٢) نقله العلامة عن ابن الجنيد في المختلف : ٤٣٨.

(٣) المبسوط ٢ : ٣٨١.

(٤) السرائر : ٢٣٧.


______________________________________________________

والأقرب عند المصنف الجواز عملا بعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ونحوه ، والاثنينية المعتبرة في الإيجاب والقبول حاصلة ، فإن الوكيل من جهة كونه بائعا مغاير له من جهة كونه مشتريا ، وهذا القدر كاف في تحقق الإيجاب والقبول. ولأنه يجوز للأب تقويم جارية الابن على نفسه ، وليس المراد به إلا تولية طرفي العقد الناقل للملك ، وهو الأصح.

وعلى هذا فيجوز أن يكون وكيلا في استيفاء القصاص من نفسه ، سواء كان في النفس أو في الطرف ، إذ لا مانع فان الغرض حاصل ، والتهمة منتفية ، ومنع منه بعض الشافعية (٢).

وينبغي تقييده بما إذا كان الموكل هو صاحب الحق ، أما لو كان وليا أو وكيلا قد أذن له في التوكيل فالمتجه منعه من توكيل من عليه القصاص إلا بالإذن ، لأن غرض التشفي لا يحصل باستيفائه هو من نفسه كما يحصل بالاستيفاء منه قهرا.

وكذا يجوز توكيل المديون في استيفاء الدين من نفسه ، لما قدمناه ، وفيه وجه بالمنع ضعيف وهو منقول عن السيد ;.

أما الحد فقد أطلق المصنف هنا جواز التوكيل في استيفائه لمن ثبت عليه ، وفي التذكرة منع من توكيل الإمام الجاني في جلد نفسه ، لأنه متهم بترك الإيلام ، بخلاف القطع ، وجوّز توكيل السارق في قطع يده (٣). وما ذكره في التذكرة هو الصواب ، لأن الحد : إما حق لله أو له وللآدمي فلا يجوز ارتكاب ما يؤذن بالإخلال بالإيلام المعتبر فيه.

واعلم أن العطف في العبارة بـ ( حتى ) لا يخلو من تكلّف ، لأن العطف بها إنما‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) المجموع ١٤ : ٩٨.

(٣) التذكرة ٢ : ١٢٢.


ولو وكّل زوجته أو عبد غيره ثم طلّق الزوجة أو أعتق العبد لم تبطل الوكالة.

ولو أذن لعبده في التصرف في ماله ثم أعتقه أو باعه بطل الإذن ، لأنّه ليس على حد الوكالة ، بل هو إذن تابع للملك ، ويحتمل بقاء وكالته لو‌

______________________________________________________

يصح حيث يكون المعطوف من جملة المعطوف عليه نحو : قدم الحاج بـ ( حتى ) المشاة ، وكون ما بعدها من جملة ما قبلها هنا يحتاج الى تكلف ظاهر.

وقول المصنف : ( فلو وكله شخص ببيع عبد ، وآخر بشراء عبد جاز أن يتولى الطرفين ) تفريع على ما سبق ، فدليل صحته مستفاد مما ذكر. ولا يخفى أنه إنما يسوغ له ذلك إذا استقصى في القيمة إلى الحد الممكن عادة ، ولم يقصر في إعلام ذوي الرغبات في مكان البيع ، ولم يجد عبدا بهذه الأوصاف يباع بدون ذلك ، وإلاّ لم يجز الشراء.

ومراد المصنف معلوم ، فإنه يريد بيان جواز تولّي الطرفين له الموكلين ، أما شروط البيع والشراء فمستفادة من موضع آخر فهي معتبرة هنا لا محالة ، لا علم الموكلين بأنه يشتري لأحدهما وعن.

قوله : ( لو وكل زوجته أو عبد غيره ثم طلّق الزوجة أو أعتق العبد لم تبطل الوكالة ).

لأنه لا مدخل للزوجية والعبودية في صحة الوكالة ، فلا تبطل بزوالهما.

وقد علم أن توكيل عبد الغير باذن مولاه ليس استخداما ولا أمرا ، وإنما هو توكيل حقيقي ويقرأ ( طلّق ) معلوما و ( أعتق ) مجهولا ، ولو قرئ معلوما جاز وإن تفكك الضمير لعدم اللبس.

قوله : ( ولو أذن لعبده في التصرف في ماله ثم أعتقه أو باعه بطل الإذن ، لأنه ليس على حد الوكالة بل هو اذن تابع للملك ، ويحتمل بقاء‌


أعتقه :

ولو وكل عبد غيره ثم اشتراه لم تبطل وكالته.

______________________________________________________

وكالته لو أعتقه ).

إذا أذن السيد لعبده في التصرف في ماله ثم أعتقه أو باعه بطل الإذن ، لأنه ليس على حد الوكالة ، وإنما هو استخدام تابع للملك فإذا زال الملك امتنع بقاؤه ، هذا إذا كان الإذن بغير لفظ التوكيل ونحوه مما يؤدي مؤداه ، أما إذا كان بلفظه فيحتمل بقاء حكم التوكيل بعد الإعتاق والبيع عملا بالاستصحاب.

ولأن اذن المولى ليس بشرط في صحة توكيل عبده ، وهو ظاهر ، وليس بمانع كما تقدم بيانه ، فإذا وقع التوكيل لم يرتفع إلا بما يقتضي عزل الوكيل ، وهو الأصح. نعم يجب في صورة البيع استيذان المشتري ، لانتقال المنافع اليه.

ويحتمل البطلان ، نظرا إلى أن توكيل العبد استخدام له واستيفاء لمنافعه فيزول بزوال الملك. وضعفه ظاهر ، لما عرفت من أن التوكيل الحقيقي غير ممتنع بالنسبة إليه ، فإذا صدر لفظه وجب العمل بمقتضاه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن مقتضى عبارة الكتاب أن المراد بالإذن في قوله : ( ولو أذن لعبده في التصرف ) الإذن الذي لا يكون بلفظ التوكيل وما في معناه بدليل قوله : ( لأنه ليس على حد الوكالة ) فلا يكون قوله : ( ويحتمل بقاء وكالته ) واردا على الاذن المذكور ، إذ ليس توكيلا كما عرفت ، إلا أنه خلاف المتبادر الى الفهم من نظم العبارة.

وفيه كلام أيضا من وجه آخر ، وهو أنه قد سبق في أول الفصل أن الأقرب جواز توكيل عبده ، ولا معنى لذلك إلا كونه توكيلا حقيقيا ، فوجب ان لا بزوال بزوال الملك كما لا يزول التوكيل في الزوجة بالطلاق ، وكأن المصنف إنما اقتصر على قوله : ( لو أعتقه دون البيع ) نظرا إلى انه في البيع تصير منافعه ملكا لشخص آخر ، فيمتنع بقاء‌


الركن الرابع : متعلق الوكالة ، وشروطه ثلاثة :

الأول : إن يكون مملوكا للموكل ، فلو وكله [ على ] طلاق زوجة سينكحها أو عتق عبد سيملكه ، أو بيع ثوب سيشتريه لم يصح ،

______________________________________________________

الوكالة من دون الإذن.

وضعفه ظاهر ، لأن عدم جواز التصرف بدون اذن المشتري لا يقتضي زوال التوكيل ، والذي ذكره المصنف في التذكرة في تصوير المسألة : هو أنه فرضها فيما إذا وكل السيد عبده في تصرف ثم باعه أو أعتقه ، وبنى الحكم فيها ببقاء الإذن في التصرف على أن ذلك توكيل حقيقي أم لا.

ثم حكى أن بعض الفقهاء فصّل فقال ـ : إن كانت الصيغة : وكلتك بقي الإذن ، وإن أمره بالفعل ارتفع الإذن بالعتق والبيع (١). ومقتضى آخر كلامه أنه لا فرق بين وقوع الاذن بلفظ التوكيل أو لا ، وان كان أول كلامه قد ينافي ذلك ، لأنه صدّر المسألة بالتوكيل.

والذي يقتضيه النظر الفرق بين التوكيل والإذن ، وكون احتمال البقاء وعدمه إنما هو على تقدير التوكيل ، وأن الأصح البقاء ، ووجه قوله : ( ولو وكل عبد غيره ثم اشتراه لم تبطل وكالته ) بعد ما ذكرناه واضح.

قوله : ( أن يكون مملوكا للموكل ).

أي : التصرف ، فمن شرط صحة الوكالة أن يكون التصرف مملوكا للموكل في وقت صدور عقد التوكيل ، والظاهر أن ذلك متفق عليه عندنا. وللشافعية خلاف في ذلك ، فاكتفى بعضهم بكونه مملوكا حال التصرف ، فلو وكل المحرم في النكاح بعد الإحلال صح عنده (٢).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٤.

(٢) المجموع ١٤ : ١٠٦.


وكذا لو وكّل المسلم ذميا في شراء خمر أو بيعه أو المحرم محلا في ابتياع صيد أو عقد نكاح ، أو الكافر مسلما في شراء مسلم أو مصحف.

ولا يشترط استقرار الملك ، فلو وكل في شراء من ينعتق عليه صح.

ولو قال : اشتر لي من مالك كر طعام لم تصح ، لأنه لا يجوز أن يشتري الإنسان بماله ما يملكه غيره.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لو وكل المسلم ذميا في شراء خمر أو بيعه ، أو المحرم محلا في ابتياع صيد أو عقد نكاح ).

ربما يورد على العبارة : أن هذا قد سبق ذكره فتكون إعادته تكرارا.

وأجيب عنه بأن المقتضي لذكره فيما مضى مخالف للمقتضي هنا ، لأنّه ذكر هناك باعتبار حال الموكل وحال الوكيل ، وهنا باعتبار حال الموكل فيه. واختلاف الاعتبار كاف في الاختلاف على سبيل الجملة.

قوله : ( ولا يشترط استقرار الملك ، فلو وكل في شراء من ينعتق عليه صح ).

لأن الموكل فيه هو الشراء واستقرار الملك وعدمه لا دخل له فيه.

قوله : ( ولو قال : اشتر لي من مالك كر طعام لم يصح ).

لأنه لا يجوز أن يشتري الإنسان بماله ما يملكه غيره ، وذلك لأن المعاوضة تقتضي انتقال كل واحد من العوضين الى مالك العوض الآخر.

وهذا كما لو قال الراهن للمرتهن : بع الرهن لنفسك ، فإنه لا يصح ذلك ، إذ لا يتصور بيعه لنفسه. وكذا لو قال : بعه لي واقبضه لنفسك ، فان القبض لا يصح لمثل ما قلناه.

ولم ينظروا إلى دلالة القرائن هاهنا كما نظروا إليها في استفادة جواز التوكيل للوكيل بترفعه عما وكلّ فيه ، ونحو ذلك تمسكا بظاهر اللفظ هنا ، وتحكيما للعادة الجارية‌


ولو قال : اشتر لي في ذمتك واقض الثمن عني من مالك صح.

ولو قال : اشتر لي من الدين الذي لي عليك صح ، ويبرأ بالتسليم‌ إلى البائع.

______________________________________________________

هناك لا طرادها بذلك.

فرع : لو قال : طلق زوجتي ثلاثا فهل يكون وكيلا في الرجعتين بينهما؟ لا أستبعد ذلك ، نظرا الى ان الموكل فيه هو الطلاق الشرعي ، ولا يتم إلاّ بالرجعة. ولو علم منه انه يريد بذلك البينونة فالحكم كما قلناه حينئذ أقوى.

لكن يرد عليه أن ذلك توكيل في تصرف لا يملكه الموكل وقت التوكيل ، فإن الرجعة إنما يملكها بعد الطلاق فحقه أن لا يصح. وليس ببعيد أن يقال : إن التوكيل في مثل هذا جائز ، لأنه وقع تابعا لغيره ، ونحوه ما لو وكله في شراء شاتين وبيع إحداهما ، أما لو وكله فيما لا يملكه استقلالا ـ كما لو وكله في طلاق زوجة سينكحها ـ فإنه لا يصح.

والفرق بين وقوع الشي‌ء أصلا وتابعا كثير ، لأن التابع وقع مكملا بعد الحكم بصحة الوكالة واستكمل أركانها. وقد وقع الإيماء الى ذلك في التذكرة في تخصيصات الموكل في آخر الكلام على ما لو وكله في شراء شاة بدينار فاشترى شاتين وباع إحداهما (١).

قوله : ( ولو قال : اشتر لي في ذمتك واقبض الثمن عني من مالك صح ).

لأن شراء الوكيل للموكل في ذمته ممكن ، وكذا أداء الوكيل دين الموكل من مال الوكيل ممكن.

قوله : ( ولو قال : اشتر لي من الدين الذي لي عليك صح ويبرأ‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٦.


الثاني : أن يكون قابلا للنيابة كأنواع البيع ، والحوالة ، والشركة والقراض ، والجعالة ، والمساقاة ، والنكاح ، والطلاق والخلع ، والصلح ، والرهن ، وقبض الثمن ، والوكالة ، والعارية ، والأخذ بالشفعة والإبراء ، والوديعة ،

______________________________________________________

بالتسليم الى البائع ).

وذلك لأن تعيين الدين في مال بعينه أمر راجع الى المديون ، لأنه مخيّر في جهات القضاء.

وإنما يبرأ بتسليمه إلى البائع ، لأن صاحب الدين إنما يملكه بقبضه إياه ، أو ما يقوم مقام قبضه ، وليس المديون وكيلا في القبض ، فإذا سلّمه الى البائع عن الموكل تعيّن له ، لكن هل يفرّق بين أن يقع الشراء بالعين أو بالذمة؟ يحتمل الفرق ، لأنه في وقت الشراء لم يتعين المال المجعول ثمنا للموكل ، وإنما هو باق على ملك المديون ـ أعني الوكيل ـ فلا يتصور وقوعه عوضا عما يشتريه للموكل.

ويحتمل العدم ، لأنه قد تعيّن للموكل بالتعيين وان لم يتم الملك ، وبراءة المديون إنما تكون مع تمام الملك ، وأما صحة البيع فيكفي فيها حصول أصل الملك. وينبغي تأمل هذا البحث ، لأنه لا يحضرني الآن فيه شي‌ء سوى ما ذكرته.

قوله : ( الثاني : أن يكون قابلا للنيابة كأنواع البيع ، والحوالة ، والضمان ، والشركة ، والقراض ، والجعالة ، والمساقاة ، والنكاح ، والطلاق ، والخلع ، والصلح ، والرهن ، وقبض الثمن ، والوكالة ، والعارية ، والأخذ بالشفعة والإبراء والوديعة ).

لا خلاف في جواز التوكيل في البيع إيجابا وقبولا ، وفي جميع أنواعه كالسلم والصرف والمرابحة وغيرها ، وفي توابعه من القبض والإقباض والفسخ بالخيار بأنواعه ، والأخذ بالشفعة وإسقاطها.


______________________________________________________

والسر فيه أن الشخص قد يترفّع عن التردد في الأسواق ، وقد لا يحسن التجارة ، أو لا يتفرغ لها لاشتغاله بغيرها من أمور الدين أو الدنيا ، وقد يكون مأمورا بالتخدير كالمرأة فأجاز الشارع التوكيل فيه دفعا للحاجة ، وتوسيعا على الآدمي ، وتوفيرا لزمانه على العبادة التي هي السبب الأصلي في خلقه ، وقد سبق في توكيل النبي 6 عروة البارقي في شراء شاة (١).

وكذا يجوز في الحوالة إيجابا وقبولا فإنها اعتياض أو استيفاء ، وكذا الضمان ، والشركة عقدا ومزجا ، وعقد القراض ، وكذا في فعل متعلقة بأن يستنيب العامل إن أذن له المالك وإلا فلا ، قاله في التذكرة (٢). وينبغي أن يكون ذلك مما يتوقف على إذن المالك ، لا في نحو المساومة وإيقاع عقد البيع وعقد الجعالة ، والفعل الذي هو متعلقها.

وكذا يصح في عقد المساقاة ، والمزارعة ، والإجارة ، والفعل الذي هو متعلقها مع الإذن ، وكذا عقد النكاح ، وإيقاع الطلاق ، والخلع بطرفيه ، والرجعة ، وظاهر كلام التذكرة جواز التوكيل في اختيار الزوجات ممن أسلم عن أزيد من أربع (٣). وعقد الصلح ، والرهن ، وقبض المرهون ، وقبض الثمن في البيع كالمبيع والعوض في الصلح وغيره.

وكذا يصح التوكيل في الوكالة بأن يوكل شخصا بان يوكل آخر على ما سبق ، وكذا يصح التوكيل في العارية بالنسبة إلى العقد واستيفاء المنافع مع الإذن ، وكذا الإبراء والهبة وعقد الوديعة وقبضها بإذن المالك ، وقبض الأموال مضمونة كانت أو لا؟

__________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٥٥٩ حديث ١٢٥٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠ حديث ٢٩ ، مسند احمد بن حنبل ٤ : ٣٧٦.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٧.

(٣) التذكرة ٢ : ١١٨.


وقسمة الصدقات ، واستيفاء القصاص والحدود مطلقا في حضور المستحق وغيبته ، وقبض الديات ، والجهاد على وجه ، وإثبات حدود الآدميين لا حدوده تعالى ، وعقد السبق والرمي ، والعتق والكتابة والتدبير ، والدعوى وإثبات الحجة والحقوق والخصومة وإن لم يرض الخصم ، وسائر العقود والفسوخ.

والضابط كل ما لا غرض للشارع فيه في التخصيص بالمباشرة من فاعل معين.

______________________________________________________

قوله : ( وقسمة الصدقات ، واستيفاء القصاص والحدود مطلقا في حضور المستحق وغيبته ، وقبض الديات والجهاد ـ على وجه ـ وإثبات حدود الآدميين لا حدود الله تعالى ، وعقد السبق والرمي ، والعتق والكتابة والتدبير ، والدعوى وإثبات الحجة والحقوق ، والخصومة وإن لم يرض الخصم ، وسائر العقود والفسوخ ، والضابط : كل ما لا غرض للشارع فيه في التخصيص بالمباشرة من فاعل معيّن ).

لا ريب في أنه يجوز توكيل الإمام في قبض الصدقات ، وفي قسمتها على الفقراء ، وفي توكيل المالك في دفعها الى مستحقها ، وتوكيل الفقير من يقبضها عنه. وكذا الخمس والكفارات ، وقد بعث النبي 6 عمّا له لقبض الصدقات وتفريقها (١).

ويجوز توكيل الفقيه في زمان الغيبة في صرف حصة الإمام 7 إلى مستحقيها فإن ذلك فعل قابل للنيابة. وينبغي تعيين الحاكم المستحقين احتياطا لكونه مال غائب ، ويجوز توكيل المستحق للقصاص في استيفائه ، سواء كان في النفس أم في الطرف. وكذا الحدود مطلقا ، اي : سواء كانت حدود الآدميين كحد السرقة والقذف ، أم حدود الله تعالى كحد الزنى ، ولا فرق في ذلك بين حضور المستحق وغيبته.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ حديث ١٨٠٣ ، سنن الترمذي ٢ : ٦٨ حديث ٦١٩.


______________________________________________________

ومنع بعض الشافعية من التوكيل في استيفاء حدود الآدميين في غيبة المستحق ، لأنه لا يتبين بقاء الاستحقاق عند الغيبة ، لاحتمال العفو ، ولأنه ربما يرق قلبه حال حضوره فيعفو فيشترط الحضور (١). ويضعّف بأن الأصل البقاء ، والاحتمال لا أثر له لقيامه مع حضوره ، ورجاء رقة قلبه لا ينهض مانعا.

وكذا يجوز التوكيل في قبض الديات كسائر الأموال ، ويجوز التوكيل في الجهاد ، لان الغرض حراسة المسلمين وحفظ عمود الدين ، وليس الغرض متعلقا بمعيّن فيوكل من وجب عليه من لم يتعلق به الوجوب إلا أن يتعيّن المكلف لذلك بتعيين الإمام 7 إياه لشدة بلائه في الحرب ، أو جودة رأيه ووفور عقله ، ونحو ذلك من المصالح. وكذا لو دهم المسلمين عدو وتوقف الدفع عليه فإنه يتعيّن وإن لم يعيّنه الإمام 7 فلا يجوز التوكيل ، وهذا هو المراد بقول المصنف : ( على وجه ).

وكذا يجوز التوكيل في إثبات حدود الآدميين وعقوباتهم ، لأنه حق لآدمي لا يختص فعله بمباشر معيّن ، ومنع أبو يوسف من ذلك (٢).

أما حدود الله تعالى فقد صرح المصنف بالمنع من التوكيل في إثباتها هنا ، وصرح في التذكرة بالجواز ، محتجا بأن النبي 6 ووكّل أنيسا في إثبات الحد واستيفائه جميعا فإنه قال : « فإن اعترفت فارجمها » (٣) قال : وهذا يدل على انه لم يكن قد ثبت فقد وكّله في إثباته ، ولأن الحاكم إذا استناب نائبا في عمل فإنه يدخل في تلك النيابة الحدود وإثباتها ، فإذا دخلت في التوكيل بالعموم فبالتخصيص أولى. ثم‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٠١.

(٢) اللباب ٢ : ١٣٢ ، شرح فتح القدير ٧ : ٧.

(٣) سنن البيهقي ٨ : ٢٢٦.


______________________________________________________

حكى عن الشافعي القول بالمنع من التوكيل في ذلك (١) ، ورده (٢). وصرح في التحرير بأنه لا يجوز التوكيل في إثبات الحدود إلا في حد القذف (٣).

إذا عرفت ذلك فاعلم أن منع المصنف هنا من التوكيل في إثبات حدود الله تعالى ان أراد به : توكيل الإمام فغير واضح ، وإلا صح خلافه كما في التذكرة (٤). وإن أراد به توكيل واحد من المكلفين غيره في إثباته فله معنى صحيح ، فان ذلك الغير إن علم بالحال فإثباته حق له بالأصالة حسبة لاستواء المكلفين في ذلك ، وإن لم يعلم فحد الله أوسع من أن يتولّى الدعوى به وإثباته من لا يعلم كونه حقا. وجوّز في التذكرة التوكيل في الدعوى بحدود الله تعالى (٥) ، وفيه ما علمته.

وكذا يجوز التوكيل في عقد السبق والرمي كسائر العقود ، وكذا إيقاع العتق والتدبير وعقد الكتابة إيجابا وقبولا. وكذا يجوز التوكيل في الدعوى على الغير ، ولا يفتقر إلى علمه بكون المدعى به حقا ، لأنه نائب مناب الموكل في إنشائها ، فكأنه حاك لقوله ، وكذا إثبات الحجة ، أي : بيانها وإيضاحها عند الحاكم كإحضار الشاهدين واستشهادهما وعدد الشياع.

وكذا التوكيل في إثبات الحقوق المالية وغيرها كالخيار ، والتحجير ، والاختصاص بأولوية بيت في المدرسة ، ومكان في المسجد ، ونحو ذلك. وكذا التوكيل في الخصومة ، سواء رضي الخصم أم لا ، وسواء كان الموكل المدعي أو المدعى عليه ،

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٩٨.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٨.

(٣) التحرير : ٢٣٣.

(٤) التذكرة ٢ : ١١٨.

(٥) التذكرة ٢ : ١١٨.


أما ما لا تدخله النيابة فلا يصح التوكيل فيه ، وهو كل ما تعلّق به غرض الشارع بإيقاعه من المكلّف به مباشرة كالطهارة مع القدرة وإن جازت النيابة في تغسيل الأعضاء مع العجز ، والصلاة الواجبة ما دام حيا ، وكذا الصوم ، والاعتكاف ، والحج الواجب مع القدرة ، والنذر واليمين والعهد ،

______________________________________________________

وليس للآخر الامتناع. ومنع ابن الجنيد من توكيل الحاضر في الدعوى إلا برضى الخصم (١) ، واعتبر بعض العامة العذر كالمرض والتخدير (٢) ، وبعضهم جوّز مع سفاهة الخصم وخبث لسانه ، والكل ضعيف.

وكذا يجوز في سائر العقود من الوقف ، والهبة ، والحبس ، والعمرى ، والرقبى ، والوصية إيجابا وقبولا وفعل متعلقها مع عدم المانع ، ونحو ذلك. ومنع بعض الشافعية من التوكيل في هذه لكونه قربة ضعيف ، فإن القربة لا تنافي النيابة ، وكذا يجوز التوكيل في سائر الفسوخ.

والحاصل أن كل فعل لم يتعلق غرض الشارع بإيقاعه من مباشر معيّن يجوز التوكيل فيه ، فهذا هو الضابط وإن كان لا يستفاد هذا الحكم إلاّ بالتتبع والاستقرار. وينبغي التنبيه بشي‌ء ، وهو أن كل ما تدخله النيابة وهو على الفور لا يصح التوكيل فيه إذا نافى التوكيل الفور ، لأنه يؤدي الى إسقاطه.

قوله : ( أما ما لا تدخله النيابة فلا يصح التوكيل فيه ، وهو كل ما تعلق غرض الشارع بإيقاعه من المكلف به مباشرة كالطهارة ، وإن جازت النيابة في تغسيل الأعضاء مع العجز والصلاة الواجبة ما دام حيا ، وكذا الصوم والاعتكاف والحج الواجب مع القدرة والنذر واليمين والعهد ،

__________________

(١) المختلف : ٤٣٦.

(٢) قاله أبو حنيفة انظر : اللباب ٢ : ١٣٩ ، الهداية المطبوعة مع شرح فتح القدير ٧ : ٥٥٩ ، المجموع ١٤ : ١٠٠.


والمعاصي كالسرقة والغصب والقتل بل أحكامها تلزم متعاطيها ، والقسم بين الزوجات ، لأنه يتضمن استمتاعا ، والظهار واللعان وقضاء العدة.

______________________________________________________

والمعاصي كالسرقة والغصب والقتل ، بل أحكامها تلزم متعاطيها ، والقسم بين الزوجات ، لأنه يتضمن استمتاعا ، والظهار واللعان وقضاء العدة ).

لا شبهة في أن كل فعل تعلق غرض الشارع بإيقاعه من المكلف به مباشرة لا يصح التوكيل فيه كالطهارة فلا يتصور التوكيل فيها.

نعم إذا عجز المكلف عن غسل الأعضاء أو مسحها في المائية أو الترابية استناب في ذلك ، ولا تجوز الاستنابة في النية أصلا. فعلى هذا يجوز أن يستنيب من ليس له أهلية التوكيل كالمجنون حتى لو غسله الساهي أجزأ ، لأن الغرض إيصال الماء إلى أعضائه ناويا ، فيجزي بأي وجه اتفق.

وفي الحقيقة ليس هذا توكيلا حقيقيا ، ولو استناب في الغسل ولم ينو لم يعتد به. وتجوز الاستنابة في التطهير من النجاسات مع القدرة ، لحصول الغرض بذلك ، وهو إيصال الماء الى المحل النجس.

ولا تجوز الاستنابة في الصلاة الواجبة في حال الحياة قطعا ـ إلاّ ركعتي الطواف حيث يجوز للمكلف الاستنابة في الحج الواجب ـ أما المندوبة فيتصور فيها ذلك كصلاة الزيارة والطواف ، لا نحو النوافل المرتبة ، وما جرى مجراها.

وكذا لا تجوز النيابة في الصوم ما دام المكلف حيا ، وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين الواجب والمندوب ، ومثله الاعتكاف لاشتراطه بالصوم ، أما بعد الموت فيصح فعل الصوم عنه تبرعا ، وبالإذن ، وبعوض ، ومجانا وإن لم يكن وليا. وكذا الاعتكاف لعموم قوله 7 : « فدين الله أحق أن يقضى » (١) ولبعض العامة في هذه المواضع‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٤٦ باب ٤٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٠٤ حديث ١٥٤ و ١٥٥.


______________________________________________________

خلاف (١). أما الحج الواجب فلا تدخله النيابة مع القدرة بخلاف المندوب ، أما مع العجز فقد سبق جوازه.

وكذا لا يصح التوكيل في النذر والعهد واليمين فيقع لغوا ، وكذا المعاصي كالسرقة والغصب والقتل ، وغير ذلك لا يتصور التوكيل فيها بل أحكامها تلزم متعاطيها أي فاعلها.

وكذا القسم بين الزوجات ـ وان كان الوكيل محرما للزوجة ـ لأنه يتضمن استمتاعا ، وكذا القول في الظهار ، لأنه زور وبهتان ، ولأنه في معنى اليمين. وكذا اللعان ، لأنه يمين أو شهادة ، وكذا الإيلاء ، لأنه يمين ، وقضاء العدة لاستبراء الرحم ، وكذا الرضاع ، لأنه مختص بالمرضع والمرتضع ، لأنه يختص بإنبات لحم المرتضع وانتشار عظمه بلبن المرضع.

فروع : يصح التوكيل في القضاء ، والحكم بين الناس ، وقسمة الفي‌ء والغنيمة ، وكذا يجوز للحاكم أن يوكل من ينوب عنه في الحجر ، ويوكل الغرماء من يطلبه من الحاكم ، أما المحجور عليه فلا يصح أن يستنيب من يحكم عليه بالحجر عنه.

الثاني : الظاهر أن رد السلام لا يصح التوكيل فيه بل هو متعلق بمن سلم عليه ، ووجوبه فوري ، فالتوكيل مؤد إلى فواته.

ولو سلّم على جماعة فكل من رد منهم فقد أتى بالواجب أصالة.

وكذا القول في سائر الواجبات الكفائية كصلاة الجنازة ، وإقامة الحجج العلمية ، ورد الشبهة ، وعمل الصنائع ونحوها. نعم يتصور توكيل من لا يجب عليه كالصبي فيما عدا نحو صلاة الجنازة ورد السلام ، إلاّ على القول بأن أفعال الصبي شرعية.

وهل يصح التوكيل في السلام فيعدّ سلاما شرعيا حتى يجب رد جوابه؟ فيه‌

__________________

(١) الوجيز ١ : ١٨٨ ، المجموع ١٤ : ٩٣.


وفي التوكيل بإثبات اليد على المباحاة كالالتقاط ، والاصطياد ، والاحتشاش ، والاحتطاب نظر.

______________________________________________________

نظر : ينشأ من إطلاق قوله تعالى ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ ) (١) ، ومن حمله على المعهود.

الثالث : يجوز التوكيل في قبض الجزية والمطالبة بها ، قال في التذكرة : وفي إقباضها (٢) ، ويشكل على بعض تفسيرات الصغار (٣) للزوم الإخلال به. وكذا يجوز التوكيل في عقد الذمة من الطرفين.

قوله : ( وفي التوكيل بإثبات اليد على المباحات كالالتقاط والاصطياد والاحتشاش والاحتطاب نظر ).

اختلف كلام الشيخ في التوكيل في تملك المباحات ، فمنع منه في الاحتطاب والاحتشاش ، وسوغه في إحياء الموات (٤) ، والجمع بين الحكمين مشكل.

وقد بنى الأصحاب وجهي النظر في مسألة الكتاب على أن تملك المباحات يفتقر إلى النية أم لا؟ فعلى القول بافتقاره يجوز التوكيل لا بدونه ، وقد أسلفنا فيما مضى إن هذا البناء غير واضح ، لأنه إنما يتم إذا قلنا بأن المباح يملك بالحيازة على وجه القهر كالإرث ـ وإن نوى عدم التملك ـ ولا دليل يدل على ذلك. وقد صرحوا بأن من حفر بئرا في طريق لغرض الاستقاء منها مدة مقامه عليها يكون أولى بها إلى أن يرتحل عنها ، ثم هو وغيره سواء فيها. وتحقيق المسألة قد سبق ، والأصح صحة التوكيل في ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم إنّا إذا جوزنا التوكيل في هذا جوزنا الإجارة عليه ،

__________________

(١) النساء : ٤.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٨.

(٣) انظر : مجمع البيان : ٢٢ ، التفسير الكبير للرازي ١٥ : ٣٠.

(٤) المبسوط ٢ : ٣٦١.


ولا يصح التوكيل في الشهادة إلاّ على وجه الشهادة على الشهادة ، ولا في كل محرم ، وفي التوكيل على الإقرار إشكال ، فإن أبطلناه ففي جعله مقرا بنفس التوكيل نظر.

______________________________________________________

وإن منعناه منعنا الإجارة ، وبه صرح في التذكرة (١) ، وظاهر كلام صاحب الشرائع في كتاب الشركة صحة الاستئجار مطلقا ، نظرا إلى أنه بالإجارة تصير منافع الأجير مملوكة للمستأجر فيملك ما حازه (٢). ويضعّف بأنّه على القول بعدم صحة التوكيل في الحيازة لا تتصور صحة الإجازة.

قوله : ( ولا يصح التوكيل في الشهادة ـ إلاّ على وجه الشهادة على الشهادة ـ ولا في كل محرم ).

الشهادة على الشهادة ليست توكيلا في الشهادة ، بل هي شهادة بكون فلان شاهدا. نعم فيها مشابهة ذلك وملامحته ، فلذلك عبّر المصنف بقوله : ( إلاّ على وجه الشهادة على الشهادة ).

وقوله : ( ولا في كل محرم ) تكرار ، لأنه قد تقدّم في قوله : ( والمعاصي ... ).

قوله : ( وفي التوكيل على الإقرار إشكال ، فإن أبطلناه ففي جعله مقرا بنفس التوكيل نظر ).

أمّا الإشكال فمنشؤه : من أن الإقرار هو إخبار الإنسان عن حق عليه ، والإخبار عن الغير لا يكون إلاّ شهادة فلا يؤاخذ به الموكل ، كما لو قال : رضيت بما يشهد به عليّ فلان ، ولأن الأصل براءة الذمة فيستصحب حكمه إلى ان يتحقق الناقل الشرعي ، ولم يثبت كون ذلك موجبا لشغل الذمّة.

ومن أن فعل الوكيل فعل الموكل فاخباره عنه كإخباره ، ولأنّه فعل يلزم حقا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٨.

(٢) شرائع الإسلام ٢ : ١٣٤.


الثالث : أن يكون معلوما نوعا ما من العلم لينتفي عظم الغرر ، فلو وكله في شراء عبد افتقر الى وصفه لينتفي الغرر ، ويكفي لو قال : عبدا تركيا‌

______________________________________________________

فأشبه البيع ، ولجواز إملال الولي عن غير مستطيع الإملال.

ويضعّف بأنّ فعل الوكيل إنّما يكون فعلا للموكل إذا كان التوكيل صحيحا ، والقياس على البيع قياس مع الفارق ، فان البيع إنشاء والإقرار إخبار ، وإملال الولي ليس إقرارا ، ولهذا لو أنكر المولى عليه بعد زوال العذر لم يؤاخذ به ، والأصح أنّه لا يصح ، وجوّزه الشيخ في الخلاف والمبسوط (١).

إذا تقرر هذا فعلى كل من الوجهين هل يكون التوكيل بالإقرار إقرارا بالشي‌ء أم لا؟ فيه نظر : ينشأ من ان الإقرار إخبار والتوكيل إنشاء فلا يكون التوكيل إقرارا ، وتنافي لوازم الإخبار والإنشاء ظاهر ، لأن الأخبار يحتمل الصدق والكذب ومقتضاه حاصل بغيره ، ويقتضي تقدّم وجود المخبر عنه بخلاف الإنشاء.

ومن أن التوكيل تضمّن الإخبار فيكون إقرارا ، وفيه نظر ، لأن ما تضمّنه التوكيل هو صورة الاخبار وليس إخبارا حقيقة ، للعلم بان قوله لزيد : عندي كذا في قوله : وكلتك بأن تقرّ عني بأنّ لزيد عندي كذا لم يأت به للإخبار ، بل لبيان اللفظ الذي يخبر به ، فهو في الحقيقة من تتمة بيان الموكل فيه ، والأصح إنه لا يكون إقرارا.

ولا يخفى ان عبارة المصنف لا تخلو من مناقشة ، لأنّ تفريع احتمال كونه مقرا بنفس التوكيل على القول ببطلان التوكيل غير ظاهر ، بل ذلك آت على تقدير البطلان والصحة ، فكان حقا ان يقول : وفي كونه مقرا بذلك نظر ، كما صنع في الإرشاد.

قوله : ( الثالث : ان يكون معلوما نوعا من العلم لينتفي عنه عظم الغرر ، فلو وكله في شراء عبد افتقر الى وصفه لينتفي الغرر ، ويكفي لو‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٨٥ مسألة ٥ كتاب الوكالة ، المبسوط ٢ : ٣٦١.


وإن لم يستقص في الوصف ، ولو أطلق فالأقرب الجواز.

______________________________________________________

قال : عبدا تركيا وإن لم يستقص في الوصف ).

لا خلاف في أنه لا يشترط أن يكون متعلق الوكالة معلوما من جميع الوجوه التي تتفاوت باعتبارها الرغبات ، فإن الوكالة عقد شرع للارتفاق ودفع الحاجة فتناسبه المسامحة ، ولأنّه من العقود الجائزة. ومن ثم لم يشترط فيه القبول اللفظي ولا الفورية في القبول ، لكن يجب أن يكون معلوما مبينا من بعض الوجوه حتى لا يعظم الغرر.

ولا فرق في ذلك بين الوكالة العامة والخاصة ، كذا ذكره المصنف في التذكرة (١) وغيره (٢) ، وضبط هذا لا يخلو من عسر ، ويمكن رده إلى العرف إن انضبط ذلك عرفا. فلو وكل شخص في شراء عبد ـ وهي وكالة خاصة ـ افتقر صحة توكيله إلى وصفه لينتفي عظم الغرر المذكور سابقا في كلام المصنف ، فإن ( عبدا ) متوغل في الإبهام. أما لو قال : عبدا تركيا فإنه يصح وإن لم يستقص في الوصف بحيث يستوفي جميع الأوصاف المعتبرة في السلم التي بها ترفع الجهالة.

ويشكل بكون الغرر مانعا من صحة الوكالة هاهنا ، ولا دليل على ذلك ، فإن التوكيل في شراء عبد يقتضي الاستنابة في شراء اي عبد كان شراؤه مشتملا على مصلحة الموكل.

ولو سلم فلا نسلّم انتفاء الغرر بقوله : ( تركيا ) ، للتفاوت الكثير جدا بين أفراده التركي ، بخلاف ما لو قال : وكلتك في استيفاء دين من ديوني ، أو مخاصمة غريم من غرمائي ، أو إعتاق عبد من عبيدي ، لعدم فهم المراد من ذلك.

وقول المصنف : ( ولو أطلق فالأقرب الجواز ) يقتضي الرجوع عما قدّمه من‌ قوله : ( فلو وكّل في شراء عبد افتقر الى وصفه ، لمنافاته إياه ) ولذلك كان نظم العبارة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٩.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٩١.


ولو قال : وكلتك على كل قليل وكثير لم يجز ، لتطرق الغرر ، وعدم الأمن من الضرر ، وقيل : يجوز وينضبط التصرف بالمصلحة.

______________________________________________________

غير حسن ، ووجه القرب يعلم مما سبق. وقال الشيخ في المبسوط : لا يصح ، لأنه غرر (١) ، وقد علمت مما ذكرنا وجه رده ، ولا ريب أن الوصف أحوط ، والجواز لا يخلو من قوة.

واحتمل شيخنا الشهيد وجها ثالثا ، وهو التفصيل بأنّ المقصود بالعبد إن كان هو التجارة لم يفتقر إلى الوصف ، لأن الغرض هو الاسترباح ، وإن كان هو الخدمة افتقر. ويرد عليه : أن الاسترباح يتفاوت تفاوتا بينا بتفاوت الأعيان.

قوله : ( ولو قال : وكلتك على كل قليل وكثير لم يجز ، لتطرق الغرر ، وعدم الأمن من الضرر ، وقيل : يجوز ، وينضبط التصرف بالمصلحة ).

القائل بالجواز هو الشيخ في النهاية (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وجماعة (٤) ، ومنع من ذلك في المبسوط والخلاف (٥) ، للغرر العظيم وعدم الأمن من تصرف يوجب ضررا على الموكل كهبة ماله ، وتطليق نسائه ، وعتق رقيقه ، وتزويجه نساء كثيرة ، وإلزامه المهور العظيمة والأثمان الجزيلة. وردّ بأن الضرر مدفوع بكون التصرف مشروطا بالمصلحة ، وأصل الغرر غير قادح في عقد الوكالة.

والمصنف فرّق في التذكرة بين ما إذا وكّله في كل قليل وكثير ـ من غير ان يضف ذلك الى نفسه ـ وبين ما إذا أضافه ، فحكم بالبطلان في الأول لشدة الإبهام والغرر دون الثاني ، وهذه عبارته : ولو ذكر الإضافة إلى نفسه فقال : وكلتك في كل أمر‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٩١.

(٢) النهاية : ٣١٧.

(٣) السرائر : ١٧٦.

(٤) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٣٧ ، وسلار في المراسم : ٢٠١ ، والمحقق الحلي في الشرائع ٢ : ١٩٦ ، والمقداد السيوري في التنقيح الرائع ٢ : ٢٩٠.

(٥) المبسوط ٢ : ٣٩١ ، الخلاف ٢ : ٨٧ مسألة ١٤ كتاب الوكالة.


______________________________________________________

هو اليّ ، أو في كل أموري ، أو في كل ما يتعلق بيّ ، أو في جميع حقوقي ، أو بكل قليل وكثير من أموري ، أو فوّضت إليك جميع الأشياء التي تتعلق بيّ ، أو أنت وكيلي مطلقا فتصرّف في مالي كيف شئت ، أو فصل الأمور المتعلقة به التي تجري فيها النيابة فقال : وكلتك ببيع أملاكي وتطليق زوجاتي وإعتاق عبيدي ، أو لم يفصل على ما تقدم ، إلى أن قال : فالوجه عندي الصحة في الجميع.

واحتج بأنه لفظ عام فصح في ما تناوله ، كما لو قال : بع مالي كله ، ولأنه لو فصّل وذكر جميع الجزئيات المندرجة تحت اللفظ العام صح التوكيل فيكون الإجمال صحيحا ، ثم ذكر احتجاج المانع بالغرر ودفعه بأن الانضباط باعتبار المصلحة (١).

والبحث في كلامه هذا يقع في شيئين :

أحدهما : الفرق الذي ذكره وليس بذلك الواضح ، لأن التوكيل إنما يكون فيما يملكه الموكل ، إذ لا يعقل توكيل شخص آخر فيما لا يملكه الموكل ، فظاهر اللفظ وإن كان مطلقا إلاّ أن التوكيل وقرينة المقام يقيّده.

الثاني : إن كون التصرف مقيدا بالمصلحة بدفع الغرر غير مانع ، لأن الجهالة في متعلق الوكالة باقية ، ومع ذلك فإن المصلحة في الأمور المنتشرة أمر خفي جدا ، فلا بد من التزام أحد أمرين : إما كون الغرر غير مانع من صحة هذا العقد ، أو القول ببطلان الوكالة في هذه المسألة ونظائرها.

لكن يلزم القول بالبطلان فيما إذا وكّله في جميع أموره مفصلة ، لأن تفصيلها لا يدفع الغرر ، والذي يقتضيه النظر القول بالصحة كقول ابن إدريس (٢) وإن كان اعتبار التعيين أحوط.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٩.

(٢) السرائر : ١٧٥.


ولو قال : وكلتك بما اليّ من تطليق زوجاتي ، وعتق عبيدي ، وبيع أملاكي جاز.

ولو قال : بما اليّ من كل قليل وكثير فإشكال.

ولو قال : بع مالي كله واقض ديوني كلها جاز ، وكذا بع ما شئت من مالي واقبض ما شئت من ديوني.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : وكلتك بما اليّ من تطليق زوجاتي ، وعتق عبيدي ، وبيع أملاكي جاز ).

لاندفاع الغرر بالتفصيل.

قوله : ( ولو قال : بما إليّ من كل قليل وكثير فإشكال ).

منشأ الاشكال معلوم مما سبق وهو الغرر ، واندفاعه بالتقييد بالمصلحة ، والفرق بين هذه وبين ما تقدم من قوله : ( وكلتك على كل قليل وكثير ) لم يجز إضافته هنا ـ القليل والكثير ـ إلى نفسه وإطلاقه هناك ، وفي الفرق تردد.

قوله : ( ولو قال : بع مالي كله واقض ديوني كلها جاز ، وكذا : بع ما شئت من مالي واقبض ما شئت من ديوني ).

لا فرق في الجواز بين أن يكون ماله ، وديونه معلومة في وقت التوكيل أو لا ، للتقييد بالمصلحة ، ومنع بعض الشافعية صحة التوكيل في بيع ماله ، للجهالة (١) ، ويجي‌ء على قول الشيخ في المبسوط عدم الصحة (٢).

ولو قال : وكلتك في بيع شي‌ء من مالي ، أو في بيع طائفة منه ، أو قطعة منه ، أو في قبض شي‌ء من ديوني ولم يعيّن فالظاهر عدم الصحة وفاقا للتذكرة (٣) ، لجهالة متعلق‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٠٧.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٩١.

(٣) التذكرة ٢ : ١١٩.


ولو قال : اشتر عبدا بمائة ، أو اشتر عبدا تركيا فالأقرب الجواز.

والتوكيل بالإبراء يستدعي علم الموكل بالمبلغ المبرئ عنه ولو قال : أبرئه من كل قليل وكثير جاز ولا يشترط علم الوكيل ولا علم من عليه الحق.

______________________________________________________

الوكالة من الجملة بخلاف المقيّد بالمشيئة.

قوله : ( ولو قال اشتر عبدا بمائة ، أو اشتر عبدا تركيا فالأقرب الجواز ).

وجه القرب معلوم مما سبق ، وهو المفتي به ، واحتاط الشيخ في المبسوط بعدم جواز التوكيل في شراء عبد تركي أو زنجي مطلقا من دون أن يسمي ثمنا (١).

وقد كان اللائق بنظم الكتاب أن يقدّم هذه المسألة على قوله : ( ويكفي لو قال : عبدا تركيا ) ، لأنه إذا جزم بالجواز من دون تعيين الثمن لم يكن لقوله : ( فالأقرب الجواز ) بالنسبة الى هذه المسألة وجه.

قوله : ( والتوكيل بالإبراء يستدعي علم الموكل بالمبلغ المبرئ عنه ، ولو قال : أبرئه من كل قليل وكثير جاز ، ولا يشترط علم الوكيل ولا علم من عليه الحق ).

صرح المصنف في التذكرة بأنه لو وكّله في أن يبرئه من الدين الذي عليه صح وإن لم يعلم الموكل قدره ولا الوكيل عندنا ، وهو الذي يقتضيه النظر (٢).

وينزّل كلامه هنا على أن الموكل لم يقصد إبراءه من كل ما في ذمته قليلا كان أو كثيرا ، فيشترط حينئذ علمه بالقدر ليصح الإبراء لا علم الوكيل ، أما إذا قصد أبرأه مطلقا فهو بمنزلة ما لو وكله في إبرائه من كل قليل وكثير.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٩٢.

(٢) التذكرة ٢ : ١٢٠.


ولو قال : بع بما باع به فلان سلعته استدعى علم الوكيل بالمبلغ أو الموكل.

ولو وكله بمخاصمة غرمائه جاز وان لم يعينهم.

______________________________________________________

وأما علم من عليه الحق فليس بشرط أصلا ، وربما قيل باشتراطه بناء على ان الإبراء تمليك لا إسقاط ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو قال : بع بما باع به فلان سلعته استدعى علم الوكيل بالمبلغ أو الموكل ).

اشترط في التذكرة لصحة البيع علم الوكيل بما باع به فلان ، لأن العهدة تتعلق به فلا بد أن يكون على بصيرة من الأمر ـ وهو صحيح في موضعه ـ فاما ما هنا فان ظاهره اشتراط ذلك لصحة التوكيل (١).

ويرد عليه أنه لا دليل على ذلك ، لأن علم الوكيل من دون إعلام الموكل لا يندفع به الغرر ، فإن كان مانعا اشترط علم الموكل. ثم لا يجوز للوكيل البيع إلاّ إذا علم القدر ، وإن لم يكن مانعا لم يشترط علم واحد منهما ، لكن يجب على الوكيل الاستعلام قبل البيع واعتماد المصلحة ثم بما ذا يثبت العلم بقدر ما باع به؟ لا أعلم فيه تصريحا ، وفي الاكتفاء بقول نحو البائع أو المشتري أو الدلال توقف.

ولو نزّلت عبارة الكتاب على أن المستدعي لذلك هو صحة البيع لا الوكالة ـ على انه خلاف الظاهر ـ لم يستقم ، لأن علم الموكل لا يكفي لذلك من دون علم الوكيل ، لأنه المتولي للبيع وعهدته عليه ، فلا بد أن يكون على بصيرة منه.

قوله : ( ولو وكّله في مخاصمة غرمائه جاز وإن لم يعينهم ).

عملا بمقتضى العموم ، وفي قول للشافعية انه لا يجوز حتى يعيّن من يخاصمه ، لاختلاف العقوبة (٢).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٠.

(٢) المجموع ١٤ : ١٠٦.


الفصل الثاني : في أحكامها ، ومطالبه خمسة :

الأول : في مقتضيات التوكيل : إطلاق الاذن في البيع يقتضي البيع بثمن المثل حالا بنقد البلد ، إلاّ ما يتغابن الناس بمثله ، وليس له أن يبيع بدونه أو بدون ما قدّره إن عيّن.

ولو حضر من يزيد على ثمن المثل فالأقرب أنه لا يجوز بيعه بثمن المثل ،

______________________________________________________

قوله : ( إطلاق الإذن في البيع يقتضي البيع بثمن المثل حالا بنقد البلد ، إلاّ ما يتغابن الناس بمثله ).

لا خلاف في هذا الحكم ، والأصل فيه وجوب حمل إطلاق اللفظ على المعهود المتعارف ، فإنّ البيع بدون ثمن المثل تخسير وهو خلاف الغالب ، إلاّ القدر اليسير الذي جرت العادة بالمسامحة به ولا يعتد بنقصانه ، كدرهم في ألف فإن الناس يتغابنون بذلك ولا يناقشون به فلا يؤاخذ به الوكيل.

وكذا القول في الحلول والنقد الغالب في البلد ، ومن ثم يحمل إطلاق عقد البيع على الحلول والنقد الغالب.

قوله : ( وليس له أن يبيع بدونه أو بدون ما قدّره إن عيّن ).

إذ لا يجوز التصرف في ماله إلاّ بمقتضى الإذن ، فإن فعل فهو فضولي ، وإن سلّم العين مع ذلك فهو عاد.

قوله : ( ولو حضر من يزيد على ثمن المثل فالأقرب انه لا يجوز بيعه بثمن المثل ).

وجه القرب انه تصرف يخالف الغبطة والمصلحة ، والوكيل مأخوذ عليه أن يكون تصرفه مشتملا على الغبطة.


ولو حضر في مدة الخيار ففي وجوب الفسخ إشكال.

وله أن يبيع على ولده وإن كان صغيرا على رأي ،

______________________________________________________

ويحتمل الجواز ، لأن إطلاق الوكالة منزل على البيع بثمن المثل ، فيجوز البيع به على كل حال. ويضعّف بأن البيع بثمن المثل في العادة الغالبة إنما هو حيث لا يوجد من يشتري بالزائد ، فيحمل إطلاق الوكالة على ذلك ، وهو الأصح.

قوله : ( ولو حضر في مدة الخيار ففي وجوب الفسخ اشكال ).

بناء على ما قرّبه من عدم جواز البيع بثمن المثل مع وجود من يشتري بزيادة عنه ، لو لم يحضر باذل الزيادة إلاّ بعد وقوع البيع على الوجه المعتبر ، لكن كان ذلك في مدة خيار الموكل فهل يجب على الوكيل الفسخ بالخيار ليبيع بالزيادة؟ فيه إشكال ينشأ : من وقوع البيع على الوجه المعتبر ، والفسخ لطلب حصول الزيادة تكسّب ، وهو غير واجب على الوكيل. ومن أن تصرّف الوكيل مشروط بالغبطة ، ولا غبطة في إبقاء هذا البيع مع وجود بذل الزيادة ، ولأن البيع بالزيادة مع تحقق بذلها واجب ، ولا يتم إلاّ بالفسخ فيجب.

فإن قيل : قد امتثل ما يجب عليه ، والأصل براءة الذمة من وجوب غيره.

قلنا : لا نسلم فان الواجب عليه هو البيع بالزيادة حيث أمكن عادة ، وهو ممكن هنا فيتعين المصير اليه. والأصح أن وكالته إن كانت شاملة للفسخ بالخيار وجب الفسخ هنا والبيع بالزيادة.

قوله : ( وله أن يبيع على ولده وإن كان صغيرا على رأي ).

منع الشيخ من بيع الوكيل على ولده الصغير ، لأنه يكون موجبا قابلا ، ولتطرق التهمة ببيعه على نفسه (١). وهو ضعيف لما سبق من جواز كون الواحد موجبا‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٨١.


لا على نفسه ، إلاّ أن يأذن الموكل فله أن يتولى الطرفين.

وإطلاق الإذن في الشراء يقتضي ابتياع الصحيح دون المعيب ، بثمن المثل ، بنقد البلد ، حالا ، لا من نفسه والتوكيل في البيع يقتضي تسليم‌

______________________________________________________

قابلا باعتبارين ، والتهمة مدفوعة بمراعاة المصلحة ، والأصح الجواز. واعلم أن ولده الكبير كالأجنبي فيصح بيعه عليه عندنا ـ خلافا لبعض الشافعية (١) ـ كما يصح بيعه على صديقه.

قوله : ( لا على نفسه إلاّ بإذن الموكل فله ان يتولى الطرفين ).

أطلق الشيخ المنع من بيع مال غيره بولاية ، أو وكالة من بيعه على نفسه إلا الجد والأب (٢) ، وقد سبق في الركن الثالث حكاية قول بأن الواحد لا يتولى طرفي العقد.

والأصح أن الوكيل يجوز أن يبيع لنفسه إذا أذن له الموكل في ذلك لا بدونه ، سواء منع أو أطلق ، لأن المفهوم من استنابته في البيع البيع على غيره فلا يتناوله الإطلاق ، وليس ببعيد استفادة الاذن من القرينة القوية ، كما لو قال : بعه بمائة ولا غرض لي متعلّق بخصوص المشتري ، ونحو ذلك.

قوله : ( وإطلاق الاذن في الشراء يقتضي ابتياع الصحيح دون المعيب ، بثمن المثل ، بنقد البلد ، حالا ، لا من نفسه ).

لأن الغالب في المعاملة هو ذلك فيحمل الإطلاق عليه ، ولا أثر للزيادة اليسيرة التي يتغابن الناس بمثلها ، ولا يجوز أن يشتري من نفسه ، كما لا يجوز أن يبيع من نفسه إلاّ بالإذن كما سبق.

قوله : ( والتوكيل في البيع يقتضي تسليم المبيع إلى المشتري ،

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٢٢.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٨١.


المبيع إلى المشتري.

ولا يملك الإبراء من الثمن ولا قبضه ، لكن هل له أن يسلّم المبيع من دون إحضار الثمن؟ إشكال ، الأقرب المنع ، فيضمن لو تعذّر قبض الثمن من المشتري.

______________________________________________________

ولا يملك الإبراء من الثمن ولا قبضه ).

أما الحكم الأول فلأن البيع يقتضي إزالة ملك البائع عن المبيع ودخوله في ملك المشتري ، فيجب التسليم إليه ، لأنه من حقوقه ، وجعله بعض الشافعية كقبض الثمن في أن فيه وجهين (١).

وأما الحكم الثاني فلعدم تناول الوكالة لواحد من الأمرين ، فإن مفهوم الوكالة غير مفهوم الإبراء من الثمن وقبضه ، ولا يدل على واحد منهما بشي‌ء من الدلالات. وقال أبو حنيفة : إنه يملك الإبراء من الثمن ويضمنه (٢) ، ولا فرق بين الصرف وغيره من أقسام البيع خلافا للشافعية (٣).

قوله : ( لكن هل له أن يسلّم المبيع من دون إحضار الثمن؟ إشكال ، الأقرب المنع ، فيضمن لو تعذر قبض الثمن من المشتري ).

لما ذكر من أن التوكيل في البيع يقتضي تسليم المبيع لا قبض الثمن أو هم جواز تسليم المبيع قبل قبض الثمن فأراد بيان حكمه.

ومنشأ الإشكال : من أن التوكيل في البيع حيث اقتضى الاذن في تسليم المبيع دون قبض الثمن وجب أن يثبت بدونه ، عملا بمقتضى التوكيل ، إذ لو تخلف عنه لم يكن مقتضى له. ومن إطلاقهم منع الوكيل من تسليم المبيع أولا.

ووجه القرب فيما اختاره أن التوكيل في البيع لم يقتض تسليم المبيع مطلقا ،

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١١٦.

(٢) المجموع ١٤ : ١١٦.

(٣) المجموع ١٤ : ١١٦ ـ ١١٧.


ولو دلّت قرينة على القبض ملكه ، بأن يأمره ببيع ثوب في سوق غائب عن الموكل ، أو في موضع تضييع الثمن بترك قبض الوكيل.

وليس له بيع بعضه ببعض الثمن إلاّ مع القرينة ، كما لو امره ببيع عبدين.

______________________________________________________

بل مع مراعاة الاحتياط للموكل في حفظ الثمن ، إذ لا دليل يدل على سقوط هذا الحق فيجب الجمع بينهما ، فإن تسلم الموكل الثمن أو إبراء المشتري منه ، أو حصلت مقاصة به من دينه لم يتوقف تسليم المبيع إلى المشتري حينئذ على إذنه ، وهذا هو الأصح.

فعلى هذا لو سلّم الوكيل المبيع قبل قبض الثمن فتعذر أخذه من المشتري ضمنه الوكيل ، لتضييعه إياه بالتسليم قبل قبضه. وقال بعض العامة لا يضمنه ، بناء على اقتضاء البيع تسليم المبيع لا قبض الثمن (١) ، وليس بشي‌ء.

قوله : ( ولو دلت قرينة على القبض ملكه بأن يأمره ببيع ثوب في سوق غائب عن الموكل ، أو في موضع تضييع الثمن بترك قبض الوكيل له ).

الظاهر أن الوكيل إذا أخل بالقبض هنا فتعذر الوصول الى الثمن يضمنه ، لأنه المضيّع له ، ومثله ما لو أذن له في البيع على متغلب والموكل غائب أو عاجز عن الأخذ منه ، وقد شهدت القرينة بأنه لولا رجاؤه قبض الوكيل منه لم يأمره بالبيع.

قوله : ( وليس له بيع بعضه ببعض الثمن إلاّ مع القرينة ، كما لو أمره ببيع عبدين ).

أي : ليس للوكيل في بيع شي‌ء بيع بعضه ببعض الثمن ، لأن التوكيل انما هو في بيع المجموع وهو مغاير للأجزاء ، ولأن في التبعيض إضرارا بالموكل فلو فعل كان فضوليا.

ولو دلت القرينة المستفادة من الحالات العرفية على التبعيض جاز فعله ، كما‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١١٧.


ولو نص على وحدة الصفقة لم يجز له التجاوز ، وله حينئذ ان يشتري من المالكين صفقة.

ولو وكله في الشراء ملك تسليم ثمنه ، وقبض المبيع كقبض الثمن.

______________________________________________________

لو أمره ببيع عبدين أو عبيد فإنه يملك العقد عليهم جملة وفرادى ، للعرف المستمر في ذلك ، وانتفاء الضرر ، ولندور اتفاق من يشتري الجميع جملة واحدة ، بخلاف العبد الواحد ونحوه من الأعيان ، والأقمشة وغيرها كذلك.

وينبغي الرجوع في ذلك إلى العرف ، فإذا اطرد بشي‌ء وجب المصير اليه ، وإلاّ فالعين الواحدة لا يجوز تبعيضها ، والأعيان المتعددة يجوز فيها الأمران.

ولو نص الموكل على شي‌ء لم يجز تجاوزه ، فإن فعل فهو فضولي ، لانتفاء الإذن فيه ، وإلى هذا أشار بقوله : ( ولو نص على وحدة الصفقة لم يجز التجاوز ) سواء تعددت الأعيان أم لا.

قوله : ( وله حينئذ أن يشتري من المالكين صفقة ).

أي : للوكيل حينئذ ـ نص له الموكل على وحدة الصفقة في البيع أو الشراء ـ أن يشتري من المالكين صفقة ، فيشتري العبدين مثلا في عقد واحد وإن تعدد المالك ، لتحقق اتحاد الصفقة باتحاد القبول. وقال الشافعي : لا يصح ، لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان (١) ، ويرده انه ليس عقدين وإنما هو واحد في قوة اثنين.

قوله : ( ولو وكّله في الشراء ملك تسليم الثمن ، وقبض المبيع كقبض الثمن ).

وجهه مستفاد مما سبق ، لكن قال المصنف في التذكرة : إن الموكل إذا منع الوكيل من تسليم المبيع لم يكن له تسليمه ، محتجا بأنه من توابع البيع وتمام العقد. وكون التسليم مستحقا للمشتري لا يقتضي كون المستحق هو تسليم الوكيل ،

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٢٩.


ولو وكله في التزويج كان له أن يزوجه ابنته ، وله أن يرد بالعيب مع الإطلاق ، ومع التعيين اشكال ،

______________________________________________________

فالممنوع منه غير المستحق (١). وليس بواضح ، لأنه إذا سلّم المشتري الثمن الى الموكل انقطعت سلطنة الموكل عن المبيع ، ووجب على من كان بيده تسليمه إلى مالكه. وكذا القول في الثمن في جانب الشراء فليتأمل ذلك.

قوله : ( ولو وكل في التزويج كان له أن يزوجه ابنته ).

كما إذا وكله في البيع كان له أن يبيع من ابنه ، ومنع بعض العامة من ذلك (٢) ، وينبغي أن يجي‌ء هنا على قول الشيخ المنع إذا كانت صغيرة (٣).

ولو وكلته المرأة في تزويجها لم يكن له أن يزوجها من نفسه ، لرواية الحلبي عن الصادق 7 (٤) ، واحتمل في التذكرة مع إطلاق الإذن الجواز (٥). نعم له أن يزوجها من ابنه ووالده ، ولبعض العامة وجهان (٦).

قوله : ( وله الرد بالعيب مع الإطلاق ، ومع التعيين اشكال ).

المراد بـ ( الإطلاق ) : أمره بشراء شي‌ء من غير أن يعين شخصه ، ووجه ثبوت الرد هنا : أن التوكيل إنما ينزّل على الشراء الصحيح ، فإذا ظهر العيب كان له الرد وشراء ما وكل فيه وهو الصحيح ، لكن مقتضى هذا التعليل أن لا يصح الشراء أصلا.

وعلل في التذكرة صحة الشراء بأنه إنما يلزمه شراء الصحيح في الظاهر ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٣.

(٢) المجموع ١٤ : ١٢٢.

(٣) المبسوط ٢ : ٣٨١.

(٤) الكافي ٥ : ٣٩٧ حديث ١.

(٥) التذكرة ٢ : ١٤٠.

(٦) المجموع ١٤ : ١٢٥.


فإن رضي المالك لم يكن له مخالفته.

______________________________________________________

وليس مكلفا بالسلامة في الباطن ، لأن ذلك لا يمكن الوقوف عليه فلا يجوز تكليفه به ، ويعجز عن التحرز عن شراء معيب لا يظهر عيبه فيقع الشراء للموكل ـ وهو قول أكثر الشافعية (١) ـ كما لو اشتراه بنفسه جاهلا بعيبه ، وحكى عن بعضهم عدم وقوعه عن الموكل (٢) (٣).

لكن يلزم على تعليله هذا عدم جواز الرد للوكيل هنا ، لأن التوكيل في الشراء لا في الرد ، وقد صرح به بعد هذا فقال : وهل يملك الوكيل الرد بالعيب؟ أما عندنا فلا ، لأنه إنما وكّله في الشراء لا في الرد ، وصرح به في الزرع أيضا (٤).

والحاصل أن القول بصحة الشراء للموكل ينافي جواز الرد من دون اذنه ، والاحتجاج بأنه أقامه مقام نفسه في هذا العقد ولو احقه ، وأنه ربما تعذّر الرد فيحصل الضرر ضعيف ، لأنه إنما أقامه مقام نفسه في الشراء خاصة. وكما يحتمل رضاه بالرد يحتمل عدمه ، فمختار التذكرة لا يخلو من قوة.

أما مع التعيين ـ وهو التوكيل في شراء شي‌ء بعينه ـ فيه إشكال ينشأ : من أن التوكيل في الشراء لا يندرج فيه التوكيل في الرد كما سبق ، ولأن المالك قد قطع نظر الوكيل واجتهاده بالتعيين ، وربما كان قد اطّلع على عيبه.

ومن أن الظاهر والغالب انه لا يرضى بالمعيب ، وقد أقامه مقام نفسه فكان له الرد ، وهو ضعيف ، والأصح عدم الجواز إلاّ بالإذن.

قوله : ( فإن رضي المالك لم يكن له مخالفته ).

أي : إن رضي بالعيب ، وينبغي أن يكون هذا إذا قلنا بأن للوكيل الرد‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٢٦.

(٢) المجموع ١٤ : ١٢٦ و ١٢٧.

(٣) التذكرة ٢ : ١٢٣.

(٤) التذكرة ٢ : ١٢٣.


ولو استمهله البائع حتى يحضر الموكل لم تلزم إجابته ، فإن ادعى رضى الموكل استحلف الوكيل إن ادعى علمه على نفي العلم.

ولو ردّه فحضر الموكل وادعى الرضى وصدّقه البائع بطل الرد إن‌

______________________________________________________

فرضي المالك قبله. ولا خفاء في أن هذا مستغنى عنه ، لأن ثبوت الرد للوكيل إنما هو لشمول وكالته إياه ، فإذا ملك الموكل منعه مما دل عليه صريح التوكيل فغيره أولى.

ولا سبيل إلى أن يراد رضى المالك بعد فسخ الوكيل ، لان فعله ماض عليه إذا لم يخالف المصلحة ، وكأنه أراد التنبيه على الفرق في هذا الحكم بين الوكيل وعامل المضاربة ، فإن رضى المالك بالمعيب لا يمنع العامل من الرد ، لأن له حقا في العين فلا يسقط برضى غيره.

قوله : ( ولو استمهله البائع حتى يحضر الموكل لم تلزم إجابته ).

حيث ثبت للوكيل الرد بالعيب لو استمهله البائع في الرد حتى يحضر الموكل فربما رضي بالعيب لم تلزم اجابته ، لثبوت حق الرد ولا دليل على سقوطه ، ولأنه لا يأمن فوات الرد بهرب البائع ، وفوات الثمن بتلفه.

ويشكل بما إذا اقتضت المصلحة ذلك ، أو كانت غبطة الموكل في عدم رد ذلك المعيب ، فان جواز الاقدام على الرد محل بحث ، وبدون المصلحة يبعد القول بالجواز وإن كان ظاهر قوله : ( لم يلزم ) مشعرا به.

قوله : ( فإن ادعى رضى الموكل استحلف الوكيل إن ادعى علمه على نفي العلم ).

أي : إن ادعى البائع رضي الموكل بالمعيب لم يسقط الرد بذلك ، وإن ادعى علم الوكيل بالرضى أحلفه على نفي العلم ، لأنه فعل الغير.

قوله : ( ولو ردّه فحضر الموكل وادعى الرضى وصدّقه البائع بطل‌


قلنا بالعزل وإن لم يعلم الوكيل ، لأن رضاه به عزل للوكيل عن الرد.

ولو رضى الوكيل بالعيب فحضر الموكل وأراد الرد فله ذلك إن صدّقه البائع على الوكالة ، أو قامت البينة ، وإلاّ ثبت الثمن على الوكيل.

______________________________________________________

الرد ـ إن قلنا بالعزل ـ وإن لم يعلم الوكيل ، لأن رضاه به عزل للوكيل عن الرد ).

أي : لو رد الوكيل المعيب فحضر الموكل وادعى انه رضي بالمعيب قبل أن يرده الوكيل وصدّقه البائع على ذلك بطل الرد ـ أي : تبين بطلانه من حين وقوعه ـ تفريعا على القول بأن الموكل إذا عزل الوكيل ولم يعلم بالعزل ينعزل من حين عزله إياه.

وإنما قلنا إنه يتبين بطلان الرد بناء على هذا القول ، لأن رضي الموكل بالمعيب يقتضي عزل الوكيل عن الرد ، لأنه يقتضي سقوط حق الرد فتنتفي الوكالة المتعلقة به ، فقول المصنف : ( لأن رضاه ... ) تعليل لقوله : ( بطل الرد ) على القول بانعزال الوكيل وإن لم يعلم بالعزل.

أما على القول بأنه لا ينعزل ما لم يعلم بالعزل ـ وهو الأصح على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ فإنّ الرد ماض ولا أثر لرضى الموكل. وإنما اعتبر المصنف تصديق البائع الموكل على دعوى الرضى ، لأنه لو كذّبه لم يقبل قوله بدون البينة ، لثبوت انفساخ العقد ظاهرا برد الوكيل فلا تقبل دعوى الموكل ما ينافيه.

قوله : ( ولو رضي الوكيل بالعيب فحضر الموكل وأراد الرد فله ذلك إن صدّقه البائع على الوكالة ، أو قامت البينة ، وإلاّ ثبت الثمن على الوكيل ).

أي : لو رضي الوكيل بالعيب فحضر الموكل وأراد الرد : فإما أن يصدّق البائع الوكيل على الوكالة ، أو يكذبه. وعلى التكذيب : فاما أن تقوّم البينة ، أو لا.

فإن صدّقه على الوكالة أو قامت البينة بها نفذ رد الموكل ، وإن انتفى كل من‌


الثاني : في تنصيص الموكل : لا يملك الوكيل من التصرف إلاّ ما يقتضيه إذن الموكل صريحا أو عرفا ، فلو وكله في التصرف في وقت معيّن لم يكن له التصرف قبله ولا بعده ولو عيّن له المكان تعيّن مع الغرض ، كأن يكون السوق معروفا بجودة النقد ، أو كثرة الثمن ، أو حله ، أو صلاح أهله ، أو مودة بين الموكل وبينهم ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

الأمرين حلف البائع على نفي العلم بأن الشراء بالوكالة ـ إن ادّعى عليه العلم ـ ويلزم الوكيل بالبيع ظاهرا ، فيجب عليه أداء الثمن كما في سائر النظائر ، ولأن الظاهر أن من اشترى شيئا فهو له ، ولامتناع حلف الوكيل إذ لو حلف لامتنع رد الموكل المبيع بيمينه ، لامتناع ثبوت حق شخص بيمين غيره ، وإحلاف الموكل ممتنع ، لانه لا طريق له الى العلم بنية الوكيل.

لكن هنا اشكال : وهو أن رضى الوكيل بالعيب إن كان حيث يصح منه شراء المعيب ويكون وكيلا في الرد وعدمه ، وكان رضاه على وفق المصلحة فلا وجه لرد الموكل على كل حال ، لأن فعل وكيله لازم له ، وإن كان حيث لا يثبت له الرد ، أو كان الرضى بالعيب على خلاف المصلحة فلا بد من شي‌ء يدل على ذلك في العبارة.

قوله : ( الثاني : في تنصيص الموكل : لا يملك الوكيل من التصرف إلاّ ما يقتضيه إذن الموكل صريحا أو عرفا ، فلو وكله في التصرف في زمن معيّن لم يكن له التصرف قبله ولا بعده ، ولو عيّن له المكان تعيّن مع الغرض ، كأن يكون السوق معروفا بجودة النقد ، أو كثرة الثمن ، أو حله ، أو صلاح أهله ، أو مودة بين الموكل وبينهم ، وإلاّ فلا ).

كان الأولى في العبارة أن يقول : ولو عيّن له المكان تعيّن مع احتمال تعلق الغرض به ، فإن الأحوال ثلاثة : أن يعلم تعلق الغرض ، وأن يعلم نفيه ، وأن يجهل‌


ولو عيّن المشتري تعيّن ، ولو أمره بالبيع بأجل معيّن تعين.

ولو أطلق البطلان احتمل للجهالة ، والصحة لتقييده بالمصلحة.

______________________________________________________

الأمران. ففي الأول والثالث لا تجوز المخالفة كما صرح به في التذكرة (١) ، ويجوز في الثاني ، وفي وجه للشافعية لا يجوز أيضا (٢).

والفرق بين الزمان والمكان : إن تعلق الغرض بالزمان أكثري ، فيجب اتباع تنصيص الموكل فيه. أما المكان فإن تعيينه غالبا يقع اتفاقا من غير باعث عليه ، وإنما الغرض والمقصود حصول الثمن.

ولا يخفى ما في هذا الفرق ، فإنه ما لم يعلم انتفاء تعلق الغرض لا تجوز المخالفة وينبغي أن يستوي في ذلك الزمان والمكان ، ولا يضر كون تعلّق الغرض في أحدهما أكثريا.

ولا ريب أن عدم مخالفة تنصيص الموكل بحال أولى ، ولو أراد النقل عن البلد الذي عيّن له فيه البيع ، أو عن بلد التوكيل لم يجز إلاّ بالإذن قطعا ، فإن فعل كان ضامنا ، وعلى ما سبق فيصح البيع ان لم يتعلق بمكان التوكيل غرض.

قوله : ( ولو عيّن المشتري تعيّن ، ولو أمره بالبيع بأجل معيّن تعيّن ، ولو أطلق احتمل البطلان للجهالة ، والصحة لتقييده بالمصلحة ).

يجب على الوكيل تتبع تخصيصات الموكل ، ولا يجوز له العدول عنها ، ولا التجاوز عنها إلاّ في صورة السوق ونحوها عملا بمقتضى الإذن ، وبه صرح المصنف في التذكرة (٣).

ويراعى في تقييدات الموكل المفهوم منها بحسب العرف ، فإذا عيّن له‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٥.

(٢) المجموع ١٤ : ١١٨.

(٣) التذكرة ٢ : ١٢٥.


ولو وكله في عقد فاسد لم يملكه ، ولا الصحيح.

______________________________________________________

المشتري أو الأجل لم يجز التجاوز ، وإن وكّله في البيع نسيئة وأطلق فلم يعيّن الأجل ففيه وجهان : البطلان للجهالة والغرر ، والصحة لأن هذا المقدار من الغرر غير قادح.

واحتمال الضرر مدفوع بتقييد التصرف بالمصلحة ، فيحمل الإطلاق على المتعارف بين الناس ، وهذا أقوى وإن كان اعتبار التعيين أحوط. وتعبير المصنف في التذكرة يشعر بسقوط الوجه الأول ، فإنه قال : إذا وكّله في البيع نسيئة ولم يعيّن الأجل صح عندنا (١).

قوله : ( ولو وكّله في عقد فاسد لم يملكه ولا الصحيح ).

مثل أن يقول : اشتر لي شيئا إلى مقدم الحاج ، أو مجي‌ء الغلة ، ونحو ذلك.

وإنما لم يملك الفاسد ، لأن الله تعالى لم يأذن فيه ، ولأن الموكل لا يملكه فالوكيل أولى.

فعلى هذا لو اشترى كذلك وقبض المبيع كان ضمانه على الوكيل لا على الموكل ، لانتفاء الوكالة شرعا ، وانتفاء كون يده يده. ولا فرق في ذلك بين كون الوكيل والموكل عالمين بالفساد وعدمه. وعبارة المصنف في التذكرة قبل المطلب الثالث في نسبة الوكالة إلى الجواز يتناول إطلاقها تضمين الموكل باذنه للوكيل في العقد الفاسد وقبض الوكيل إياه (٢).

والحكم غير ظاهر ، لأن الاذن في العقد الفاسد والقبض الفاسد لا اعتبار به شرعا.

وإنما لم يملك الصحيح ، لأنه لم يأذن فيه فيقع فضوليا عندنا وعند أكثر العامة (٣). وقال أبو حنيفة : يملك بذلك الصحيح ، لأن الشراء الفاسد يملك عقده ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٦.

(٢) التذكرة ٢ : ١٣٠.

(٣) المجموع ١٤ : ١٢١ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٩ ، المغني لابن قدامة ٥ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ٢٤٠.


ولو امره بالشراء بالعين أو في الذمة تعيّن ، ولو أطلق أو خيّره تخير ، ولو عيّن النقد أو النسيئة تعيّن.

ولو أطلق حمل على الحلول بنقد البلد ، فإن تعدّد فالأغلب ، فإن تساويا تخيّر.

ولو باعها نقدا بماله بيعها نسيئة مع تعيين النسيئة صح البيع ، إلاّ‌

______________________________________________________

فإذا عقد له عقدا صحيحا فقد ملكه بما هو أولى (١) ، وهو واضح البطلان.

قوله : ( ولو أمره بالشراء بالعين أو في الذمة تعيّن ، ولو أطلق أو خيّره تخيّر ، ولو عيّن النقد أو النسيئة تعيّن ).

وجهه معلوم مما قدمناه من وجوب تتبع تخصيصات الموكل.

والمراد من أمره بالشراء بالعين أو في الذمة : أن ينص له على ذلك ، فلو سلّم إليه ألفا وقال : اشتر كذا بألف ولم يقل : بعينه ، ولا قال : في الذمة ، بل قال : اصرف هذا في الثمن تخير الوكيل بين الشراء بالعين والذمة ، لشمول اللفظ لكل منهما ، وهو مقرب التذكرة (٢) ، وأحد وجهي الشافعية (٣). ولو دفع إليه ألفا وقال : اشتر بها كذا فالظاهر أنه أمر بالشراء بالعين ، لدلالة الباء على المقابلة.

قوله : ( ولو أطلق حمل على الحلول بنقد البلد ، فإن تعدد فالأغلب ، فإن تساويا تخيّر ).

لوجوب الحمل على الراجح الغالب مع وجوده ، ومع انتفائه فلا أولوية.

قوله : ( ولو باعها نقدا بماله بيعها نسيئة مع تعيين النسيئة صح‌

__________________

(١) بدائع الصنائع ٥ : ٢٩ ، المغني لابن قدامة ٥ : ٢٥٢ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ٢٤٠.

(٢) التذكرة ٢ : ١٢٧.

(٣) المجموع ١٤ : ١٣٢.


مع الغرض كالخوف على الثمن وشبهه ولو اشترى نسيئة بما أمره به نقدا صح ، إلاّ مع الغرض كخوفه أن يستضر ببقاء الثمن معه.

ولو وكله في بيع عبد بمائة فباع نصفه بها ، أو أطلق فباع نصفه بثمن المثل للجميع صح وله بيع الآخر.

______________________________________________________

البيع ، إلاّ مع الغرض كالخوف على الثمن وشبهه ).

أي : لو باع العين المأمور ببيعها نسيئة نقدا بالثمن الذي يسوغ له بيعها به نسيئة : إما للتنصيص عليه ، أو بكونه متعارفا بين الناس صح البيع إن علم أن لا غرض للموكل في النسيئة ، لأنه قد زاده خيرا ، وما على المحسنين من سبيل.

وإن علم أن له في النسيئة غرضا كالخوف على الثمن في الحال ، أو احتياجه إليه في وقت الحلول ، وخوف خروجه من النفقة ، ونحو ذلك لم تجز المخالفة وكان البيع فضوليا ، ومثله ما لو جهل الوكيل الحال. فلو عبّر المصنف بما يشمل القسمين لكان أولى ، وقريب منه قوله : ( ولو اشترى نسيئة بما أمره به نقدا صح ، إلاّ مع الغرض كخوفه أن يستضر ببقاء الثمن معه ).

قوله : ( ولو وكّله في بيع عبد بمائة فباع نصفه بها ، أو أطلق فباع نصفه بثمن المثل للجميع صح وله بيع الآخر ).

أما الصحة فلأنه مأذون في ذلك من جهة العرف ، فان من رضي بمائة ثمنا للكل رضي بها ثمنا للنصف ، ولأنه حصل له المائة وأبقى له زيادة تنفعه ولا تضره ، فكان بمنزلة ما لو باعه بمائة ونصف عبد أو ثوب ، كذا قال في التذكرة (١).

ولقائل أن يقول : ربما تعلّق الغرض بما نص عليه الموكل ، لأنه ربما أراد السلامة من نفقة العبد ، أو خاف من ظالم يطلبه بسببه ، وتعذر بيع النصف الآخر فلا بد من العلم بأن لا غرض للموكل في المأمور به بخصوصه. وهذا وارد ، إلاّ أني لم أجد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٦.


وكذا لو امره ببيع عبدين بمائدة فباع أحدهما بها.

ولو وكّله في شراء عبد معيّن بمائة فاشتراه بخمسين صح ، إلاّ أن يمنعه من الأقل.

ولو قال : اشتره بمائة لا بخمسين فاشتراه بأقل من مائة وأزيد من خمسين أو أقل من خمسين صح.

______________________________________________________

ما يوافقه.

وأما أن له بيع النصف الآخر ، فلأنه مأذون له في بيعه والأصل بقاؤه. ويحتمل المنع لحصول غرض الموكل من الثمن ، فربما لم يؤثر بيع باقيه للاستغناء عنه. وقد ذكر هذا الاحتمال المصنف في التذكرة (١) ، وضعفه ظاهر.

قوله : ( وكذا لو أمره ببيع عبدين بمائة فباع أحدهما بها ).

وجهه معلوم مما سبق ، بل الحكم هنا أولى ، لانتفاء التشقيص ولأنه يجوز له بيع كل منهما بانفراده كما سبق ، ولو نصّ له على بيعهما صفقة لم يجز التجاوز.

قوله : ( ولو وكّله في شراء عبد معيّن بمائة فاشتراه بخمسين صح ، إلاّ أن يمنعه من الأقل ).

أما الصحة فلأنه مأذون في ذلك عرفا ، لأنه من رضي بالشراء بمائة رضي بالشراء بخمسين غالبا ، نعم إذا نهاه عن ذلك وجب عدم مخالفة النهي.

قوله : ( ولو قال : اشتراه بمائة لا بخمسين ، فاشتراه بأقل من مائة وأزيد من خمسين ، أو أقل من خمسين صح ).

لأن الإذن في الشراء بمائة دل عرفا على الشراء بما دونها بطريق أولى ، خرج منه المحصور بصريح النهي فيبقى ما فوقها على مقتضى الاذن.

وفيما دونها وجهان ، اختار المصنف هنا وفي التذكرة منهما الصحة ، لثبوت الإذن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٦.


ولو قال : اشتر نصفه بمائة فاشترى أكثر منه بها صح.

ولو قال : اشتر لي عبدا بمائة فاشترى مساويها بأقل صح.

ولو قال : اشتر لي شاة بدينار ، فاشترى شاتين ثم باع إحداهما بالدينار فالوجه صحة الشراء ، ووقوف البيع على الإجازة.

______________________________________________________

عرفا فيما نقص عن المائة سوى المنهي عنه ، وهو الشراء بخمسين (١) ، وهو المختار إلاّ أن يدل دليل على أنه لا يرضى بالشراء بما دون الخمسين ، كما لو أراد نفع البائع ونحوه ، فإن المتجه عدم جواز الشراء بما دون الخمسين حينئذ.

قوله : ( ولو قال : اشتر نصفه بمائة فاشترى أكثر منه بها صح ).

لاستفادة الاذن في ذلك من العرف.

قوله : ( ولو قال : اشتر عبدا بمائة فاشترى مساويها بأقل صح ).

أي : لو قال : اشتر عبدا ولم يعيّنه بشخصه بمائة مثلا ، فاشترى عبدا مساويا لها بأقل من المعيّن صح لمثل ما سبق ، وفي بعض النسخ مساويه ، ومعناه : مساوي العبد المطلوب شراؤه ، والنسخة الأولى أولى ، لأن المطلوب شراؤه كلي ، فكل ما تناوله ذلك الوصف مثلا فهو المطلوب شراؤه.

قوله : ( ولو قال : اشتر لي شاة بدينار فاشترى شاتين ، ثم باع إحداهما بالدينار فالوجه صحة الشراء ووقوف البيع على الإجازة ).

أي : فاشترى شاتين بدينار ، ولا بد من التقييد بكون كل واحدة منهما تساوي دينارا أو إحداهما ، أما إذا نقصت كل واحدة منهما عن دينار فإن الشراء لا يلزم ويكون فضوليا وإن كان مجموعهما يساوي أكثر من دينار ، لأن المطلوب شراء شاة تساوي دينارا.

إذا تقرر ذلك فلا ريب أن البيع في مسألة الكتاب فضولي ، لأنه لا يستفاد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٦.


ولو أمره بشراء سلعة معينة فاشتراها فظهر فيها عيب فالأقرب أن للوكيل‌ الرد بالعيب.

______________________________________________________

الاذن فيه من الأمر بالشراء بحال.

وأما الشراء ففيه وجهان أصحهما ـ وهو مختار الشيخ (١) والأصحاب (٢) ـ صحة شرائهما معا للموكل ، لدلالة الاذن في شراء شاة بدينار على الاذن بشراء شاتين بدينار بطريق أولى ، وشهادة العرف المطرد به.

وقد ورد ذلك في حديث عروة البارقي : أن النبي 6 أعطاه دينارا وقال له : « اشتر لنا شاة » ، قال : فأتيت الجلب فاشتريت به شاتين بدينار ، فجئت أسوقهما أو أقودهما فلقيني رجل بالطريق فساومني فبعت منه شاة بدينار وأتيت النبي بالدينار وبالشاة فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم ، قال : « وكيف صنعت؟ » فحدثته فقال : « اللهم بارك له في صفقة يمينه » (٣).

وفي وجه للشافعية أن شراءهما معا لا يقع للموكل ، لكن ينظر إن اشتراهما في الذمة فللموكل واحدة بنصف دينار والأخرى للوكيل ، ويرد على الموكل نصف دينار ، وإن أراد أن يقرر عقد الثانية كان له ذلك ، وإن اشتراهما بالعين فواحدة باذنه واخرى بدون اذنه فيبني على حكم العقد الفضولي (٤). والمذهب ما قدّمناه ، وقد ذكره المصنف في التذكرة بقوله : وهو مذهبنا ، نص عليه الشيخ في الخلاف جازما به (٥) وعبارته هنا غير وافية بذلك.

قوله : ( ولو أمره بشراء سلعة معينة فاشتراها فظهر فيها عيب‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٩٧.

(٢) منهم فخر المحققين في الإيضاح ٢ : ٣٤٥.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٥٥٩ حديث ١٢٥٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠ حديث ٢٩ ، مسند احمد ٤ : ٣٧٦.

(٤) المجموع ١٤ : ١٤٢.

(٥) التذكرة ٢ : ١٢٦ ، الخلاف ٢ : ٨٨ مسألة ٢٢ كتاب الوكالة.


ولو قال : بع بألف درهم فباع بألف دينار وقف على الإجازة.

وليس التوكيل بالخصومة إذنا في الإقرار ، ولا الصلح ، و‌

______________________________________________________

فالأقرب أن للوكيل الرد بالعيب ).

هذا رجوع عن الإشكال إلى الفتوى ، وقد قدّمنا تحقيق هذه المسألة وبيان المختار.

قوله : ( ولو قال : بع بألف درهم فباع بألف دينار وقف على الإجازة ).

لأن المأتي به غير المأمور بتحصيله ، ولا هو مشتمل على تحصيل ما أمر بتحصيله ، وتصرّف الوكيل إنما هو بالإذن فإذا عدل عنه كان فضوليا.

وأحتمل قويا المصنف في التذكرة جواز البيع بذلك ونحوه ، إلاّ أن يكون له غرض صحيح في التخصيص بالدراهم لاستفادة الاذن في ذلك عرفا ، فإن من رضي بدرهم رضي مكانه بدينار ، فجرى مجرى ما إذا باعه بمائة درهم ودينار ، ومنع بيعه بالثياب لأنها من غير الجنس ، ثم احتمل مع الزيادة الجواز (١).

ويشكل بأن القرائن العرفية وإن دلت على حصول الرضى بذلك التصرف ، إلاّ أن ذلك لا يعد إذنا ، ولأنه لا يكفي حصول الرضى بعد ، بل لا بد من حصوله قبل التصرف أما بصريح الاذن أو لدلالته عليه بطريق أولى.

وإنما يكون ذلك حيث يكون المسكوت عنه من جنس المذكور لفظا ولأن فتح هذا الباب يفضي إلى الحكم على الغير بمجرد التخمين ، ومال الغير يجب أن تكون صيانته وحرمته أزيد من ذلك ، نعم لو احتف التوكيل بقرائن قوية تشهد بشي‌ء معيّن لم استبعد التعويل عليها.

قوله : ( وليس التوكيل بالخصومة إذنا في الإقرار ، ولا الصلح ، ولا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٥.


لا الإبراء. ولو وكله على الصلح عن الدم على خمر ففعل حصل العفو كما لو فعله الموكل ،

______________________________________________________

الإبراء ).

لعدم دلالته على شي‌ء من ذلك بإحدى الدلالات الثلاث : أما الحكم في الصلح والإبراء فقد قال المصنف في التذكرة : لا نعلم فيه خلافا (١) ، وأما الإقرار فقد قال أبو حنيفة ومحمد : يقبل إقرار الوكيل إذا كان في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص (٢). وقال أبو يوسف : يقبل في مجلس الحكم وغيره ، لأن الإقرار أحد جوابي الدعوى فصح من الوكيل في الخصومة كالإنكار (٣) ، وبطلانه معلوم.

قوله : ( ولو وكّله على الصلح عن الدم على خمر ففعل حصل العفو كما لو فعله الموكل ).

أي : حصل العفو كما يحصل لو فعل ذلك الموكل ، وقد سبق في كتاب الصلح التردد في حصول العفو لو صالحه عن القصاص بخمر ، وهنا جزم المصنف بحصوله.

ووجه صحة الوكالة هنا : أن الصلح على الخمر وإن كان فاسدا فيما يتعلق بالعوض إلاّ أنه صحيح فيما يتعلق بالقصاص ، لأن الغرض العفو فيصح التوكيل فيما لو فعله الموكل بنفسه لصح ، لأنا نصحح التوكيل في العقد الفاسد. ووجه حصول العفو في المسألتين أن حقن الدماء أمر مطلوب ، والعفو لذلك مبني على التغليب ، فيكفي للتمسك به أدنى سبب. وفي كل من المقامين نظر :

أما الأول فلأن العقد الفاسد لما لم يكن مأذونا فيه شرعا لم يكن التوكيل توكيلا شرعيا ، لأن الموكل فيه حينئذ أمر غير مشروع فلا يترتب على هذا التوكيل أثره ، وكونه بحيث لو فعله الموكل يحصل العفو لا يقتضي حصوله بفعل من ليس‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٩.

(٢) المجموع ١٤ : ١١٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤.

(٣) المجموع ١٤ : ١١٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤.


ولو صالح على خنزير أو أبرأ فإشكال. وليس للوكيل بالخصومة أن يشهد لموكله فيها ، إلاّ إذا عزل قبل الخصومة.

______________________________________________________

بوكيل شرعا ، ولهذا لو وكله في شراء فاسد وقبض المبيع لا يتعلق الضمان بالموكل وإن كان لو فعله الموكل لتعلق الضمان ، لأن يده ليست يد الموكل حينئذ.

وأما الثاني فلأن العفو وإن كان مبنيا على التغليب ، إلاّ أنه لا دليل على حصوله بالعقد الفاسد المشتمل على العوض الفاسد ، لأن الفاسد لا يترتب عليه أثره ، والرضى الواقع في ضمنه غير معتبر شرعا ، لعدم اعتبار ما تضمنه ، والأصح بقاء القصاص إلى أن يحصل السبب الشرعي المقتضي للعفو.

قوله : ( ولو صالح على خنزير أو أبرأ فإشكال ).

أي : لو صالح الوكيل في الصلح على الدم على خمر على خنزير أو أبرأه فإشكال ينشأ : من أن صاحب القصاص قد رضي بإسقاطه لا في مقابلة عوض ، لأن الخمر لا يملكها المسلم ، فهو بمنزلة التوكيل في الإسقاط والإبراء بأي طريق كان. ومن المخالفة لمقتضى الوكالة فكان كالعفو من الفضولي ، وضعف الأول ظاهر.

قوله : ( وليس للوكيل بالخصومة أن يشهد لموكله فيها إلاّ إذا عزل قبل الخصومة ).

لا ريب أنه إذ كان عدلا تقبل شهادته على موكله ، وله في غير ما هو وكيل فيه ، أما ما هو وكيل فيه فان شهد له فيه قبل العزل لم يقبل ، لأنه متهم حيث يجر إلى نفسه نفعا ، وهو ثبوت ولاية التصرف لنفسه.

وإن كان بعد العزل : فإن كان قد خاصم الغريم فيه حال وكالته لم يقبل أيضا ، لأنه متهم أيضا حيث يريد تمشية قوله وإظهار الصدق فيما ادعاه أولا. وإن لم يخاصم سمعت شهادته عندنا وعند جمع من العامة (١) ، وللشافعية خلاف هذا إذا جرى‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٨.


ولو وكل اثنين بالخصومة ففي انفراد كل منهما إشكال.

ولو وكله في الخصومة لم يقبل إقراره على موكله بقبض الحق ، ولا غيره في مجلس الحكم وغيره.

ولو أذن في تثبيت حق لم يملك قبضه ، وبالعكس.

______________________________________________________

الأمر على تواصل (١) ، اما إذا طال الفصل فظاهر كلام المصنف في التذكرة التردد في القبول (٢) ، وكل من الأمرين محتمل.

قوله : ( ولو وكّل اثنين بالخصومة ففي انفراد كل منهما إشكال ).

ينشأ : من حصول الغرض بكل منهما ، فان المطلوب ذكر الدعوى أو الجواب عند الحاكم. ولا يتفاوت الحال في ذلك بالاجتماع والانفراد ، بخلاف المعاملات المفتقرة إلى تعاضد الآراء لتحصيل المصلحة ، ولعسر الاجتماع في الخصومة.

ومن أن توكيله لاثنين يؤذن بعدم اكتفائه بكل منهما منفردا ، والتعاضد مطلوب في إظهار الحجة ولا عسر في الاجتماع كما في المعاملات ، والأصح عدم جواز الانفراد.

قوله : ( ولو وكّله في الخصومة لم يقبل إقراره على موكله بقبض الحق ولا غيره ، في مجلس الحكم وغيره ).

قد سبق حكاية خلاف في ذلك لأبي حنيفة وصاحبيه (٣).

قوله : ( ولو أذن في تثبيت حق لم يملك قبضه ، وبالعكس ).

اي : لو وكله في إثبات حق له على غيره لم يملك قبض ذلك الحق ، ولو وكله في القبض فجحة من عليه الحق لم يملك الإثبات ، لأن أحدهما غير الآخر فلا يكون التوكيل في أحدهما توكيلا في الآخر. وللشافعية وغيرهم من العامة اختلاف في‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٨.

(٢) التذكرة ٢ : ١٢٩.

(٣) المجموع ١٤ : ١١٥ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤.


ولو وكله في بيع شي‌ء ، أو طلب شفعة ، أو قسمة لم يملك تثبيته.

ولو قال : اقبض حقي من فلان فله القبض من وكيله لا من وارثه لو مات ، ولو قال : اقبض حقي الذي على فلان كان له مطالبة الوارث.

ولو أذن لعبده في عتق عبيده ، أو لغريمه في إبراء غرمائه أو حبسهم ، أو لزوجته في طلاق نسائه فالأقرب‌ دخول المأذون.

______________________________________________________

ذلك (١).

قوله : ( ولو وكّله في بيع شي‌ء ، أو طلب شفعة أو قسمة لم يملك تثبيته ).

لأن أحدهما غير الآخر ، وكونه طريقا اليه عند الجحود لا يستلزم تعلق التوكيل به ، لانتفاء الدليل.

قوله : ( ولو قال : اقبض حقي من فلان فله القبض من وكيله لا من وارثه لو مات ، ولو قال : اقبض حقي الذي على فلان كان له مطالبة الوارث ).

أي : لو وكل في قبض حقه الذي على زيد ، اختلف الحكم باختلاف صيغة التوكيل ، ففي الأول إنما يقبض منه أو من وكيله لا من وارثه ، لأن لفظة من للابتداء ، فيقتضي أن يكون مبدأ القبض ومنشؤه المديون فله القبض منه ومن وكيله ، لأن يد الوكيل يد الموكل وقبضه قبضه ، وليس له القبض من وارثه إذ ليست يد الوارث يد المورث.

وفي الثاني له أن يقبض مطلقا ، لأن الموكل فيه هو قبض الحق من غير تعيين للمقبوض منه ، فلا يختلف الحال باختلاف من بيده الحق.

قوله : ( ولو أذن لعبده في عتق عبيده ، أو لغريمه في إبراء غرمائه أو‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١١٥ و ١١٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١.


المطلب الثالث : في حكم المخالفة :

إذا خالفه في الشراء : فإن اشترى في الذمة ثم نقد الثمن صح إن أطلق ، ويقع له إن لم يجز الموكل ،

______________________________________________________

حبسهم ، أو لزوجته في طلاق نسائه فالأقرب دخول المأذون ).

وجه القرب صلاحية اللفظ لشموله ، لأنه عام فيجب التمسك بعمومه ، لانتفاء المخصص ، بناء على أن المخاطب يدخل في عموم الخطاب ، ويدخل عليه وجود المقتضي ، وهو العموم وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ كونه مخاطبا وهو غير صالح للمانعية.

ويحتمل العدم ، بناء على عدم دخوله ، فان ذلك هو المتبادر إلى الفهم عرفا ، فانّ كون الشخص معتَقا ومعتِقا ومبرأ ومبرئ لا ينتقل الذهن إليه عند إطلاق اللفظ ولا يتفاهمه أهل العرف ، ولهذا لا يجوز له البيع من نفسه إلاّ بالاذن. والأصل بقاء الملك والزوجية ، وهو مختار الشيخ في المبسوط (١) ، وفيه قوة ، ولو دلت قرينة على إرادة دخوله عمل بها.

قوله : ( المطلب الثالث : في حكم المخالفة : إذا خالفه في الشراء ثم نقد الثمن صح إن أطلق ، ويقع له ان لم يجز الموكل ).

المراد بالإطلاق : عدم إضافة الشراء إلى الموكل لفظا لكن مع قصده نية ، لأنه لو لم ينوه لم يكن لإجازته تأثير ولا فائدة لقوله : ( ثم نقد الثمن ) ، لأن الحكم ثابت مع المخالفة المذكورة ، سواء نقد الثمن أم لا. وانما يقع له حينئذ ، لأن الخطاب معه وقد أضاف الشراء إلى نفسه فتلغو النية ويشكل بما ذكره الشارح الفاضل من أنه أضافه إلى غيره في النية ونفاه عن نفسه ، والعقود تابعة للقصود فلا يقع له في نفس الأمر. لكن يؤاخذ به ظاهرا نظرا الى أن البائع إنما يكلّف بالأمور الظاهرة ، لامتناع تكليفه‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٤٠٣.


وإن أجاز فالأقرب وقوعه له وإن أضاف الشراء للموكل وقف على الإجازة ، وإن اشترى بالعين وقف على الإجازة ، فإن فسخ الموكل بطل.

______________________________________________________

بما خفي عليه من الأمور الباطنة ، فيكون وقوعه للوكيل على تقدير عدم إجازة الموكل ظاهرا لا في نفس الأمر.

وهذا كلام صحيح ، إلاّ أن عبارة المصنف لا تأباه ، لإمكان أن يريد بقوله : ( ويقع له ) إلزامه به ظاهرا ، لأنه المبحوث عنه ، فإن البحث عن الأحكام الشرعية إنما هو باعتبار الظاهر.

قوله : ( وإن أجاز فالأقرب وقوعه له ).

وجه القرب : أنه عقد فضولي موقوف على الإجازة فيصح معها ، ويحتمل البطلان بناء على أن الفضولي يقع باطلا.

كذا حقق الشارح الفاضل (١) ، واحتمل الفاضل عميد الدين ألا يقع للموكل ، لأنه لما اشتراه على خلاف ما أمره ولم يذكره في العقد ولم يشتر بعين المال بل في ذمته وجب أن يقع للوكيل ، فلا ينتقل بالإجازة إلى الموكل ، لأن الإجازة لا تنقل ما هو مملوك للغير ملكا مستقرا الى غيره.

والصواب ما ذكره الأول ، لأن العقود تابعة للقصود ، وتحريره : أن هذا العقد يقع موقوفا في نفس الأمر لازما ظاهرا ، فإذا أجاز الموكل ثبت له ظاهرا وباطنا بالنسبة إلى الوكيل عملا بإقراره ، وان لم يجز وقع للوكيل ظاهرا ويبطل بحسب الواقع.

هذا إن قلنا : إن الفضولي يقع موقوفا على الإجازة ، ولو قلنا : بأنه يقع باطلا لحكمنا بأنه للوكيل ظاهرا دون نفس الأمر. لكن لا يخفى أن قول المصنف : ( الأقرب. ) ملتفت في ذلك إلى حال العقد الفضولي لا يخلو من إبهام ، هذا تحقيق ما هنا.

قوله : ( وإن أضاف الشراء للموكل وقف على الإجازة ، وإن اشترى‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٤٧.


ثم إن صدّقه البائع أو ثبت بالبينة وجب عليه رد ما أخذه ، وإلاّ حلف وضمن الوكيل الثمن المدفوع.

______________________________________________________

بالعين وقف على الإجازة ، فإن فسخ الموكل بطل ، ثم إن صدقه البائع أو ثبت بالبينة وجب عليه رد ما أخذه ، وإلاّ حلف وضمن الوكيل الثمن المدفوع ).

أي : وإن أضاف الشراء للموكل لفظا في العقد في صورة المخالفة وقف على الإجازة.

ولا يخفى أن المصنف لو عطف ( وإن اشترى بالعين ) على ما قبله بلفظ كذا لكان أفصح ، ولا غنى عن قوله : ( وقف على الإجازة ). ولا بد من فرض أنه بعد الثمن يستقيم كلامه الى آخر المسألة ، فإن أجاز الموكل الشراء فلا بحث ، ولظهوره تركه المصنف وإن فسخ بطل.

لكن على هذا التقدير هل يبطل البيع باطنا وظاهرا فيجب على البائع رد الثمن المدفوع ، أم باطنا خاصة فلا يجب؟ ينظر في حال البائع : فإما أن يصدّق الوكيل على مخالفته للموكل ، أو لا. وعلى التقدير الثاني : فاما أن تقوم البينة بالمخالفة ، أو لا ، فان صدّقه أو قامت البينة بذلك وجب عليه رد ما أخذه ثمنا ، لظهور بطلان البيع ، وإن انتفى الأمران حلف لنفي العلم بالمخالفة إن ادعي عليه العلم بها ، ثم يحكم بالبيع ظاهرا للوكيل ، ويجب عليه للموكل عوض الثمن المدفوع ، لاعترافه بأنه عاد بدفعه.

وأعلم أن قوله : ( وقف على الإجازة ) ـ فيما إذا أضاف الشراء للموكل ، وإذا اشترى بالعين من غير اشعار بالقول بالبطلان يؤذن بأن المراد بالاحتمال المقابل للأقرب في المسألة السابقة غير القول بالبطلان لانه ـ آت هنا ، ولم يشعر كلامه به ، إلاّ أنه ليس للعبارة محمل صحيح سواه.


ولو خالفه في البيع وقف على الإجازة.

ولو أذن له في الشراء بالعين فاشترى في الذمة كان له الفسخ ، ولو انعكس احتمل اللزوم ، لأن إذنه في عقد يوجب الثمن مع تلفه يستلزم الاذن في عقد لا يوجب الثمن إلاّ مع بقائه ، والبطلان ، للمخالفة ، وتعلق الغرض وهو تطرق الشبهة في الثمن ، أو كراهة الفسخ بتلف العين.

______________________________________________________

قوله : ( ولو خالفه في البيع وقف على الإجازة ).

أي : في كل صور المخالفة بخلاف مسألة الشراء ، لانه قد يشتري في الذمة ولا يضيف فيقع له مع عدم الإجازة.

قوله : ( ولو اذن له في الشراء بالعين فاشترى في الذمة كان له الفسخ ، ولو انعكس احتمل اللزوم ، لأن اذنه في عقد يوجب الثمن مع تلفه يستلزم الاذن في عقد لا يوجب الثمن إلاّ مع بقائه ، والبطلان للمخالفة ، وتعلق الغرض وهو تطرق الشبهة في الثمن أو كراهة الفسخ بتلف العين ).

إذا أذن الموكل للوكيل في الشراء بالعين فاشترى في الذمة فهو فضولي وجها واحدا ، لأن إيجاب الثمن عليه على تقدير تلف المدفوع ضرر بيّن ، فلا يلزم من الإذن في الشراء بالعين الإذن في الشراء بالذمة.

ولو انعكس الفرض ففيه وجهان : أحدهما اللزوم ، لاستفادة الإذن بطريق أولى ، وذلك لأن الاذن في العقد الذي يتطرق اليه الضرر المذكور يقتضي الإذن فيما خلا عنه بطريق أولى ، فيستفاد الاستلزام الذي ادعاه المصنف في العبارة من باب مفهوم الموافقة إن تم ، وهو الذي ترشد إليه عبارة التذكرة (١).

وربما وجّه بأن الاذن في الشراء بالذمة يوجب الثمن على كل حال من حالتي التلف وعدم اذن في مجموع ، والاذن في الشراء على وجه يوجب الثمن مع بقائه جزؤه ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٧.


ولو باع بدون ثمن المثل وقف على الإجازة ، وكذا لو اشترى بأكثر منه.

ولو أذن له في تزويج امرأة فزوّجه غيرها ، أو زوجه بغير إذنه فالأقرب الوقوف على الإجازة ، فإن أجاز صح العقد ، وإلاّ فلا ،

______________________________________________________

والاذن في الكل اذن في اجزائه. وليس بشي‌ء ، لأن الشراء بالعين ليس جزءا للشراء بالذمة بل هو مناف له ، فلا يتعدى الإذن إليه من هذه الجهة. وأصحهما العدم ، لأن المذكور ضرر باعتبار ونفع باعتبار آخر ، فان الغرض قد يتعلق بتملك المبيع على كل حال.

وربما عرض للبائع على تقدير تلف الثمن المعين ما يصرفه عن البيع ، وربما كره كون المدفوع ثمنا ، لتطرق الشبهة عنده اليه ونحو ذلك من المقاصد ، والأصح أنه فضولي.

واعلم أن المراد من قوله : ( والبطلان للمخالفة ) عدم اللزوم مجازا بقرينة اللزوم المذكور في الاحتمال الأول ، ولأن الفضولي عنده موقوف ، وكذا المراد بقوله : ( وكراهة الفسخ ) الانفساخ وهو ظاهر.

قوله : ( ولو باع بدون ثمن المثل وقف على الإجازة ، وكذا لو اشترى بأكثر منه ).

للمخالفة ، سواء عيّن له ذلك الثمن أو أطلق فإن الإطلاق محمول عليه.

قوله : ( ولو اذن له في تزويج امرأة فزوجه غيرها أو زوجه بغير إذنه فالأقرب الوقوف على الإجازة ، فإن أجاز صح العقد ، وإلاّ فلا ).

أي : لو أذن له في تزويج امرأة معيّنة فزوجه غيرها ، أو زوجه فضوليا ابتداء من غير سبق توكيل له الى آخره.

ووجه القرب في المسألتين ما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح من‌


والأقرب إلزام الوكيل بالمهر أو نصفه مع ادعاء الوكالة.

أما لو عرفت الزوجة أنه فضولي فالوجه سقوط المهر مع عدم الرضى.

ولو وكله في بيع عبد بمائة فباعه بمائة وثوب صح ،

______________________________________________________

أن عقد النكاح الفضولي موقوف على الإجازة ولا يقع باطلا من رأس ، وكل من العقدين فضولي ، أما الثاني فظاهر ، إذ ليس هو من مسائل هذا الباب ، وأما الأول فلأنه خلاف الموكل فيه ، والبطلان قول آخر وهو المقابل للأقرب.

قوله : ( والأقرب إلزام الوكيل بالمهر أو نصفه مع ادعاء الوكالة ).

أي : والأقرب في مسألتي التزويج السابقتين إلزام الوكيل بالمهر ، أو نصفه على اختلاف القولين للأصحاب كما سيأتي بيانه ، وبيان أن الأصح عدم لزوم شي‌ء بمجرد ذلك إن شاء الله تعالى.

لكن هذا إنما هو على تقدير ادعائه الوكالة في النكاح على الوجه المأتي به وجهالة المرأة ، لأنه حينئذ يكون غارّا. أما إذا عرفت الزوجة أنه فضولي سواء كان بقوله ، أو بوجه آخر ، أو لأنه لم يدع الوكالة فإن ظاهره أنه فضولي ، ولأنه لا غرور من قبله حينئذ ، فالوجه عند المصنف سقوط المهر مع عدم الرضى ، والى هذا أشار بقوله : ( أما لو عرفت الزوجة ... ).

وهذا التفصيل الذي اختاره المصنف لم يذكره القائلون بوجوب المهر أو نصفه ، بل أطلقوا القول بالوجوب ، وظاهر أنه لا وجه لضمان الوكيل شيئا من المهر أو نصفه مع علمها بالحال ، لاقدامها على ذلك عالمة.

واعلم أن موضع هذه المسألة هو أحكام النزاع ، وذكرها هنا من حيث حصول المخالفة من الوكيل واستيفاء أحكامها يأتي هناك إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو وكله في بيع عبد بمائة فباعه بمائة وثوب صح ).


وكل تصرف خالف الوكيل فيه الموكل فحكمه حكم تصرف الأجنبي.

وإذا وكله في الشراء فامتثل وقع الشراء عن الموكل ، وينتقل الملك‌

______________________________________________________

أسند المصنف القول بالصحة فيما إذا باع الوكيل بالثمن المعيّن وزيادة من غير الجنس إلى علمائنا ، سواء كانت الزيادة قليلة أو كثيرة ، وسواء كانت من الأثمان أو لا.

ويدل عليه أن الاذن بالبيع بمائة يقتضي الإذن بالبيع بها مع زيادة بطريق أولى ، والعرف قاض بذلك. وفي وجه للشافعية أنه لا يجوز للمخالفة (١) ، وفيه منع.

وفي بعض حواشي شيخنا الشهيد ما حاصله : أن الزيادة ليست من جنس الثمن المعيّن ، وهي في مقابل بعض العبد ، فهي في قوة بيع بعضه بثوب ، ومعلوم مخالفته ، فاحتمل أن يصح البيع فيما قابل المائة ، ويقف فيما قابل الثوب على الإجازة ، كما لو أذن له ببيعه بمائة فباع بعضه بها. ونقل عن التحرير إشكالا في المسألة (٢) ، ولم أظفر به.

ولقائل أن يقول : ما ذكره مدفوع باستفادة الاذن في ذلك بطريق أولى ، ومقابلة مجموع الثمن بمجموع المبيع وإن تضمن مقابلة الأجزاء بالأجزاء ، إلاّ أنه لا يلزم أن يكون بعض العبد مبيعا بثوب ، والمخالفة الممنوع منها تتحقّق بذلك لا بالبيع بالمائة والزيادة ، فظهر الفرق بين هذه وبين ما إذا باع البعض بالثمن المعيّن ، فإن البعض الآخر لا يجوز بيعه بثوب مثلا.

قوله : ( وكل تصرف خالف الوكيل فيه الموكل فحكمه حكم تصرف الأجنبي ).

يقع موقوفا على الإجازة لأن الوكيل أجنبي بالنسبة إلى ذلك التصرف.

قوله : ( وإذا وكله في الشراء فامتثل وقع الشراء عن الموكل وينتقل‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٤٠.

(٢) التحرير ١ : ٣٣٨.


إليه لا إلى الوكيل ، فلو اشترى أبا نفسه لم ينعتق عليه.

______________________________________________________

الملك إليه لا الى الوكيل ).

لا خلاف في ذلك عندنا على ما ذكره في التذكرة (١) ، وهو أصح القولين للشافعي (٢) ، لأن الوكيل قبل عقدا لغيره فوجب أن ينتقل الملك الى ذلك الغير دونه.

وقال أبو حنيفة : إنه يقع للوكيل أولا ثم ينتقل إلى الموكل ، لأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل ، بدليل انه لو اشترى بأكثر من ثمنه دخل في ملكه ولم ينتقل الى الموكل ، ولأن الخطاب إنما جرى مع الوكيل وأحكام العقد تتعلق به (٣).

وجوابه : أن تعلق أحكام العقد بالوكيل ممنوع ، ودخوله في ملكه لو اشترى للموكل بأزيد من ثمنه إنما هو ظاهرا حيث لا يضيف الشراء ، والخطاب إنما جرى على سبيل النيابة فيكون أثره للمنوب. وينتقض بشراء الأب للطفل ، وكذا الوصي فإنه ينتقل الى الطفل ابتداء.

ويلزم على قوله؟ أنه لو اشترى الوكيل أبا نفسه وجب أن ينعتق عليه ، واللازم البطلان اتفاقا. ومن هذا يعلم أن تفريع المصنف قوله : ( فلو اشترى أبا نفسه لم ينعتق عليه ). على عدم انتقال الملك الى الوكيل غير حسن ، لأن ذلك لا يخالف فيه أحد.

مسألة : إذا وكله في عقد كبيع وشراء تعلقت أحكام العقد من رؤية المبيع أو المشتري بالوكيل دون الموكل ، حتى تعتبر رؤية الوكيل للمبيع دون الموكل ، ويلزم العقد بمفارقة الوكيل مجلس العقد ، ولا يلزم بمفارقة الموكل إن كان حاضرا. وتسليم رأس المال في السلم ، والتقابض حيث يشترط التقابض يعتبران قبل مفارقة الوكيل والفسخ بخيار المجلس ، والرؤية تثبت للوكيل ، والأقرب انه يثبت للموكل. وقال‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٠.

(٢) المجموع ١٤ : ١٤٦.

(٣) بدائع الصنائع ٦ : ٣٣ ، المجموع ١٤ : ١٤٧.


وإذا باع بثمن معين ملك الموكل الثمن ، وإن كان في الذمة فللوكيل والموكل المطالبة ،

______________________________________________________

بعض الشافعية : تثبت للوكيل دون الموكل (١) (٢).

قوله : ( وإذا باع بثمن معيّن ملك الموكل الثمن ، وإن كان في الذمة فللوكيل والموكل المطالبة ).

لا ريب أن ملك الثمن ينتقل إلى الموكل في الصورتين ، لكن أنكر أبو حنيفة جواز مطالبة الموكل بالثمن محتجا ، بأن حقوق العقد تتعلق بالوكيل (٣).

فإن قيل : إطلاق ثبوت المطالبة بالثمن للوكيل ينافي ما سبق من أنه لا يملك قبض الثمن إلاّ بالإذن.

فالجواب عنه من وجهين :

الأول : إن المنع من القبض لا يقتضي المنع من المطالبة ، إذ ليس من لوازم المطالبة القبض فيطالب به ، وعند الإقباض يقبض الموكل. وفيه نظر ، لأنه لا سلطنة للوكيل على الثمن بدون الإذن لعدم تناول التوكيل فلا يملك المطالبة به أيضا.

الثاني : إن هذا الكلام مسوق للرد على أبي حنيفة ، حيث أنكر ثبوت المطالبة بالثمن للموكل فأطلق الحكم في الوكيل ، اعتمادا على ما سبق من أنه لا يملك القبض إلاّ بالإذن (٤).

وعلى ظاهر العبارة مؤاخذة ، وهي أن حكمه بملك الموكل الثمن في الأولى يوهم عدمه في الثانية ، كما أن حكمه بثبوت المطالبة لكل من الوكيل والموكل في الثانية يوهم خلافه في الاولى ، مع أن تعيين الثمن لا يدفع الاحتياج إلى المطالبة ، والظاهر أن خلاف أبي‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٣٥.

(٢) هذه المسألة بأكملها لم ترد في نسخة ( ك‍ ).

(٣) بدائع الصنائع ٦ : ٣٣.

(٤) بدائع الصنائع ٦ : ٣٣.


وثمن ما اشتراه في الذمة يثبت في ذمة الموكل وللبائع مطالبة الوكيل إن جهل الوكالة ، وحينئذ لو أبرأه لم يبرأ الموكل.

وإذا اشترى معيبا بثمن مثله وجهل العيب وقع عن الموكل ، وإن علم وقف على الإجازة مع النسبة ، وإلاّ قضى على الوكيل ،

______________________________________________________

حنيفة في الصورتين معا.

قوله : ( وثمن ما اشتراه في الذمة يثبت في ذمة الموكل ، وللبائع مطالبة الوكيل إن جهل الوكالة ، وحينئذ لو أبرأه لم يبرأ الموكل ).

لا خلاف في هذه الأحكام عندنا ، لكن نقل في التذكرة (١) عن بعض العامة : أن الثمن يثبت في ذمة الوكيل تبعا ، فللبائع مطالبة من شاء منهما ، فإن أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكل ، وإن أبرأ الموكل برأ الوكيل أيضا (٢). وهذا إذا علم الوكالة ، فإن جهلها فان ما يطالب به الوكيل. ومتى ثبتت المطالبة للوكيل ، فإذا أبرأه البائع من الثمن لم يبرأ الموكل ، لأن الثمن في ذمته في نفس الأمر ولا شي‌ء في ذمة الوكيل.

واعلم أنه إذا كان الثمن في يد الوكيل فللبائع مطالبته به ايضا ، سواء كان ما بيده معيّنا في العقد أم لا ، بأن دفعه إليه الموكل ليصرفه ثمنا فاشترى في الذمة ، وعبارة المصنف لا تنافي هذا ، وسيأتي تحقيق ذلك في كلامه قريبا إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وإذا اشترى معيبا بثمن مثله وجهل العيب وقع عن الموكل ).

لأن التوكيل محمول على شراء صحيح ظاهرا ، لا في نفس الأمر ، لأن العيب قد يخفى على أهل المعرفة ، فالتكليف بالسلامة في نفس الأمر تكليف بما لا يطاق.

قوله : ( فإن علم وقف على الإجازة مع علم النسبة ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٨.

(٢) المجموع ١٤ : ١٣٤.


وإن كان بغبن وعلم لم يقع عن الموكل إلاّ مع الإجازة ، وإن جهل فكذلك.

______________________________________________________

أي : فان علم بالعيب وقت الشراء فهو فضولي ، لعدم تناول التوكيل إياه‌ فيقف على الإجازة. لكن هذا إنما هو مع النسبة ، والمراد بها نسبة الشراء إلى الموكل في العقد ، أما إذا خلا العقد من النسبة لفظا فإنه يقضى على الوكيل بالشراء ظاهرا إن لم يصدّقه البائع على إرادة الموكل ، فيطالبه بالثمن حينئذ ، وهذا هو المراد بقوله : ( وإلاّ قضي على الوكيل ).

قوله : ( وان كان بغبن وعلم لم يقع عن الموكل إلاّ مع الإجازة ).

لأن إطلاق الأمر بالشراء محمول على ثمن المثل ، فإذا اشترى بزيادة عالما بالحال كان فضوليا ، فيقف على الإجازة مع النسبة ، وبدونها يقضى على الوكيل. وإنما سكت عن ذلك ، لاستفادته من المسألة السابقة.

قوله : ( وإن جهل فكذلك ).

أي : وإن جهل الغبن وقت الشراء فالحكم كما إذا كان عالما ، والفرق بين الغبن والعيب : أن العيب قد يخفى فلا يمكن التكليف بشراء الصحيح ، بخلاف الغبن فإنه يمكن الوقوف عليه بأدنى ملاحظة ، لاشتهار القيمة عند أهل المعرفة.

وفي حواشي شيخنا الشهيد : أن هذا من الفروق المنسوبة إلى المصنف ، قال : وفيه اعتراف بأن العيب إن كان مثله لا يخفى على مثله كان كالغبن ، وإن الغبن إذا كان مثله يخفى على مثله كان كالعيب.

وفيه مناقشة ، لأن الخفاء على مثله إذا لم يكن من أهل المعرفة لا أثر له ، لأنه يجب عليه التفحص من أهل المعرفة. نعم يمكن أن يقال : إن بعض الغبن قد يخفى جدا كما في قيم الجواهر وما جرى مجراها ، وبعض العيوب قد يسهل الوقوف عليها ويطلع عليها من أهل الخبرة بسهولة ، فيكون مقتضى الفرق المذكور اللزوم فيما يخفى غالبا من العيب والغبن دون ما لا يخفى منهما.


وكل موضع يبطل الشراء للموكل ، فإن سماه عند العقد لم يقع عن أحدهما ، وإلاّ قضى به على الوكيل ظاهرا.

المطلب الرابع : في الضمان : الوكيل أمين لا يضمن ما يتلف في يده إلاّ مع تعد أو تفريط ، ويده يد أمانة في حق الموكل فلا يضمن وإن كان بجعل.

وإذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ، ولا يضمنه بتأخيره إلاّ مع الطلب وإمكان الدفع ، ولا يضمن مع العذر فان‌ زال فأخر ضمن.

______________________________________________________

قوله : ( وكل موضع يبطل الشراء للموكل فان سمّاه عند العقد لم يقع عن أحدهما ).

قد سبق في أول المطلب أنه إذا سمّى الموكل مع المخالفة ، ولم يقم البينة عليها يضمن الوكيل الثمن المدفوع فيكون الشراء له ظاهرا.

ولعل المصنف يريد : لم يقع عن أحدهما في نفس الأمر ، إلاّ أن قوله بعد : ( وإلاّ قضي به على الوكيل ظاهرا ) يشعر بأنه يريد في الأول عدم الوقوع عن أحدهما ظاهرا وباطنا ، وإلاّ لم يكن للتفصيل وجه.

قوله : ( المطلب الرابع : في الضمان : الوكيل أمين لا يضمن ما يتلف بيده إلاّ بتعد أو تفريط ، ويده يد أمانة في حق الموكل فلا يضمن وإن كان بجعل ).

يلوح من كلامهم أنه لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام.

قوله : ( وإذا قبض الوكيل ثمن المبيع فهو أمانة في يده ، ولا يلزمه تسليمه قبل طلبه ، ولا يضمنه بتأخيره إلاّ مع الطلب وإمكان الدفع ، ولا يضمن مع العذر ، فان‌ زال فأخر ضمن ).


ولو وعده بالرد ثم ادعاه قبل الطلب لم يسمع منه إلاّ أن يصدّقه الموكل ، وفي سماع بينته إشكال.

______________________________________________________

العذر قد يكون شرعيا كما لو كان يصلّي فطلبه منه ، أو ضاق الوقت فتشاغل بالصلاة. وقد يكون عرفيا كما لو كان في الحمّام ، أو يأكل الطعام ، ونحو ذلك ، صرح به في التذكرة (١).

( وذهب في التذكرة في كتاب الوديعة إلى أنه لو أخّر لكونه في صلاة نافلة ونحوها ضمن ) (٢) (٣).

قوله : ( ولو وعده بالرد ثم ادعاه قبل الطلب لم يسمع منه إلاّ أن يصدّقه الموكل ، وفي سماع بينته إشكال ).

أي لو وعد الوكيل الموكل برد الثمن حين طلبه منه ، ثم ادعى حصول الرد قبل الطلب فيكون مرجع الضمير البارز في ادعاه هو الرد ، وهو المتبادر إلى الفهم والمناسب لقوله : ( قبل الطلب ).

ويحتمل عوده إلى ما يدل عليه ما سيأتي من كلامه ـ وهو التلف ـ إلاّ أن الحكم هنا لا يختص بما إذا ادعى التلف قبل الطلب ، بل ادعى حصوله قبل الوعد فالأمر كذلك أيضا ، فكان الأولى أن يقول : ثم ادعاه قبل الوعد ، لأنه أشمل. وعلى كل تقدير فالحكم لا يختلف وإن كانت دعوى الرد قبل الطلب أظهر في التناقض.

إذا عرفت هذا ، فإذا ادعى ذلك لم تسمع دعواه ، لأنه مكذّب لنفسه ، لأن الوعد بالرد يقتضي بقاء الثمن عنده ، إلاّ أن يصدّقه الموكل على دعواه ، لأن إقراره على نفسه ماض. فلو أقام بيّنة بدعواه حيث لم يصدقه ففي سماعها إشكال ينشأ : من أن البيّنة بمنزلة إقرار المدعى عليه يثبت بها ما لو أقر الخصم به حكم عليه بمقتضاه ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٠٥.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في نسخة « ك‍ ».


ولو لم يعده لكن مطله برده مع إمكانه ، ثم ادعى التلف لم يقبل منه إلاّ بالبينة.

______________________________________________________

وهاهنا لو أقر الموكل بذلك نفد فكذا البينة ، واختاره الشيخ في المبسوط ) (١).

ومن أن دعواه غير مسموعة فلا تسمع بينة ، لأن سماعها فرع سماع الدعوى ، فحيث لم تكن مسموعة لم تقبل البينة ، لأن شرط قبولها ممن له أهلية الدعوى سبق الدعوى الصحيحة عليها ، والشرط منتف هنا. ولأنه مكذّب لها بوعده السابق ، وكل من أكذب بينته لم تسمع منه ، وهذا أقوى ، لأن البينة ليست كالإقرار من كل وجه.

نعم لو أظهر تأويلا لوعده كنسيانه ، أو اعتماده على قول وكيله ، أو مكتوب ورد اليه ، ونحو ذلك قبل ، لأن ذلك مما تعم به البلوى. وقد يعول الشخص في أمثال ذلك على ظاهر الحال فلو بلغت المؤاخذة به هذا الحد لزم الضرر.

قوله : ( ولو لم يعده لكن مطله برده مع إمكانه ، ثم ادعى التلف لم يقبل منه إلاّ بالبينة ).

أي : لو لم يعد الوكيل الموكل بالرد في الصورة السابقة لكن مطله بالرد مع إمكانه ، بأن أخّره من غير عذر فإنه يصير ضامنا بذلك ويخرج عن الأمانة ، فإذا ادعى التلف المعهود سابقا ـ وهو التلف قبل الطلب ـ لم يقبل منه ذلك إلاّ بالبينة وإنما نزّلنا العبارة على دعوى التلف المعهود ، لأنه لولاه لم يحتج في تصوير المسألة إلى قوله : ( ولو لم يعده ) ، لأنه لو ادعى التلف الطارئ بعد الوعد قبلت دعواه بالبينة ، إذ لا تنافي حينئذ.

وإنما لم يقبل قوله إلاّ بالبينة ، لأنه صار ضامنا وخرج من الأمانة ، كذا علل في التذكرة (٢).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٧٤.

(٢) التذكرة ٢ : ١٣٧.


ولو أمره بقبض دينار من مال مودع فقبض دينارين فتلفا فللمالك مطالبة من شاء بالزائد ، ويستقر الضمان على الوكيل ، والأقرب ضمان المأذون فيه.

______________________________________________________

ويرد عليه أن الضمان لا ينافي قبول دعوى التلف باليمين ، كما تقدّم في الغاصب مع أنه مؤاخذ بأشق الأحوال.

إذا عرفت ذلك ، فإذا قامت البيّنة بالتلف قبل المطل فلا ضمان ، سواء كان عالما بالتلف حين المطل أم لا.

قوله : ( ولو أمره بقبض دينار من مال مودّع فقبض دينارين فتلفا فللمالك مطالبة من شاء بالزائد ، ويستقر الضمان على الوكيل ).

أي : بالزائد على القدر المأذون فيه.

أما أن له مطالبة من شاء من المودع والوكيل ، فلأن المودع قد دفع الوديعة الى غير مالكها بغير اذنه فكان دفعا غير مبرئ ، والوكيل عاد بأخذ الزائد إذ لم يؤذن له فيه.

وأما استقرار الضمان على الوكيل ، فلأن استقرار التلف في يده والغرر نشأ منه ، فإن رجع على المودع رجع المودع على الوكيل ، وإن رجع على الوكيل لم يرجع.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المتبادر من قوله : ( فقبض دينارين ) قبضهما دفعة واحدة ، وهو المراد للمصنف ، وإلاّ لم يستقم قوله : ( والأقرب ضمان المأذون فيه على إطلاقه ) ، لأنه لو قبض الدينارين على التعاقب لكان قبض الأول صحيحا لا ضمان على المودع بسببه.

والمراد من قوله : ( والأقرب ضمان المأذون فيه ) ضمان الدينار الآخر ، وأطلق عليه كونه مأذونا فيه باعتبار مساواته له في القدر. ووجه القرب أن المأمور في قبضه هو دينار واحد منفرد غير مختلط ، والمقبوض خلاف ذلك ، فالمقبوض غير المأذون فيه‌


ولو كان من مال الدافع لم يكن له مطالبة الباعث بأكثر من الدينار ، ويطالب الرسول بالزائد.

ولو أمره بقبض دراهم من دين له عليه ، فقبض الرسول دنانير عوضها ، فإن أخبره الرسول بالإذن بالصرف ضمن الرسول ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

فيتحقق ضمان المقبوض كله ، ولأنه لا أولوية لأحد الدينارين على الآخر في كون أحدهما مضمونا دون الآخر.

ويحتمل العدم ، للإذن في قبض دينار من غير تقييد بكونه واحدا منفردا ، والأذن في قبض دينار في الجملة ممكن ، كما أن إبراء الذمة من دينار في الجملة ممكن ولا حاجة إلى تشخيصه ، فإذا انضم إلى المأذون في قبضه غيره لم يخرج بذلك عن كونه مأذونا فيه. وكون المجموع غير مأذون في قبضه لا يقتضي أن تكون أبعاضه كذلك ، ولا حاجة إلى نسبة الضمان وعدمه إلى أحد الدينارين بخصوصه فيرد عدم الأولوية ، إذ يكفي تعلّق الحكم بدينار من الدينارين ، وفي هذا الاحتمال الأخير قوة.

قوله : ( ولو كان من مال الدافع لم يكن له مطالبة الباعث بأكثر من الدينار ، ويطالب الرسول بالزائد ).

لأن قبضه لأحد الدينارين بإذن الباعث فهو وكيله فيه دون الزائد فهو عاد بقبضه ، فإذا تلفا فضمان المأذون فيه على الآمر والآخر على الرسول. ويلزم المصنف هنا ضمان الرسول كلا منهما دون الباعث ، لأن المأذون فيه هو دينار واحد غير مختلط إلى آخر التعليل السابق.

قوله : ( ولو أمره بقبض دراهم من دين له عليه فقبض الرسول دنانير عوضها ، فإن أخبره الرسول بالإذن في الصرف ضمن ، وإلاّ فلا ).

أما إذا أخبره بالاذن فلأنه قد غرّه فيكون الضمان على الرسول ، لتلف‌


ولو وكله في الإيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن إذا أنكر المودع.

ولو أنكر الآمر الدفع الى المودع فالقول قول الوكيل ، لأنهما اختلفا في تصرفه فيما هو وكل فيه.

______________________________________________________

المقبوض عدوانا في يده ، إذ المفروض حصول التلف في يد الرسول كما في المسائل السابقة.

وأما إذا لم يخبره فإنه يكون قد صارفه من غير أمره ، وقد دفع المديون إلى الرسول غير ما أمره به المرسل ، والصرف شرطه رضى المتصارفين ، فصار الرسول وكيلا للباعث في تأديته إلى صاحب الدين ومصارفته به ، فإذا تلف في يد وكيله كان من ماله.

قوله : ( ولو وكله في الإيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن إذا أنكر المودع على أصح الوجهين ).

وهو مقرب التذكرة (١) في الوديعة ، وإن استشكل الحكم في الوكالة ، وذلك لأن الإخفاء في الوديعة أمر مطلوب لكل من المودع والمودع ، لأن ذلك وسيلة إلى حفظها عن الظالم والمتغلب.

ولأن قول المودع مقبول في الرد والتلف فلا يظهر للإشهاد كثير فائدة ، لأنه إذا قدّم على الخيانة لم ينفع الإشهاد على وصولها إليه لإمكان دعوى التلف ، بخلاف أداء الدين.

قوله : ( ولو أنكر الآمر الدفع إلى المودع فالقول قول الوكيل ، لأنهما اختلفا في تصرفه فيما وكل فيه ).

هل وقع على الوجه المأذون فيه فلا تتوجه عليه مطالبة ولم يصر خائنا أم لا؟ والأصل براءة ذمته وعدم خيانته فيقدّم قوله بيمينه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٠٦.


ولو كان وكيلا في قضاء الدين فلم يشهد بالقضاء ضمن على إشكال.

وكل من في يده مال لغيره أو في ذمته له أن يمتنع من التسليم حتى يشهد صاحب الحق بقبضه ، سواء قبل قوله في الرد أو لا ، وسواء كان بالحق بينة أو لا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان وكيلا في قضاء الدين فلم يشهد بالقضاء ضمن على اشكال ).

قد سبق مثل هذا الإشكال في الرهن وأنه ينشأ : من امتثال ما وكل فيه ، ومن التفريط بترك الإشهاد ، وأن الأصح الضمان ، إلاّ أن يؤدي بحضرة الموكل فيكون التقصير مستندا إليه.

قوله : ( وكل من في يده مال لغيره أو في ذمته له أن يمتنع من التسليم حتى يشهد صاحب الحق بقبضه ، سواء قبل قوله في الرد أو لا ، وسواء كان بالحق بيّنة أو لا ).

دفعا لضرر اليمين عنه ، وللشافعية تفصيل في ذلك حاصله : أن من بيده مال الغير : اما أن يقبل قوله في الرد بيمينه ولو ادعاه أو لا ، فان قبل قوله بيمينه لم يجز له التأخير ، لاندفاع محذور الغرم عنه بيمينه.

وإن لم يقبل : فأما أن يكون بالحق بينة أو لا ، فإن لم يكن به بيّنة فكذلك ، لإمكان الجواب لو ادعى عليه مرة أخرى : بأنك لا تستحق عندي شيئا والحلف على ذلك ، وإلاّ كان له التأخير إلى الإشهاد ، والحق أن تجشم اليمين ضرر عظيم (١).

واعلم أن قوله : ( حتى يشهد صاحب الحق بقبضه ) لا يخلو من مناقشة ، فإنه إذا لم يدفع إليه كيف يشهد بالقبض ، ولو قال : حتى يشهد على قبضه كان أولى ، ولا‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٦٥ ، الوجيز ١ : ١٩٤.


وإذا أشهد على نفسه بالقبض لم يلزمه دفع الوثيقة.

وإذا باع الوكيل ما تعدى فيه برئ من الضمان بالتسليم الى المشتري ، لأنه تسليم مأذون فيه ، فكان كقبض المالك.

وإذا وكله في الشراء ودفع إليه الثمن ، فهو أو‌ الموكل المطالب به ،

______________________________________________________

فرق بين المديون والغاصب في ذلك.

قوله : ( وإذا أشهد على نفسه بالقبض لم يلزمه دفع الوثيقة ).

أي : إذا أشهد صاحب الحق على نفسه إلى آخره ، وإنما لم يلزمه دفع الوثيقة ، لأصالة براءة الذمة من دفع ملكه إلى غيره ، ولأنه لا يأمن أن يدّعي عليه الدافع بما أقبضه فيحتاج إلى اليمين لنسيان البينة ، ونحو ذلك.

قوله : ( وإذا باع الوكيل ما تعدّى فيه برئ من الضمان بالتسليم إلى المشتري ، لأنه تسليم مأذون فيه فكان كقبض المالك ).

لا ريب أن الملك ينتقل إلى المشتري فالتسليم إليه تسليم إلى المالك حقيقة ، غاية ما في الباب أنه لا يسوغ له التسليم إلاّ بعد قبض الموكل الثمن أو الإذن فيه قبله.

وهل يخرج من الضمان بمجرد البيع قبل التسليم؟ فيه وجهان أصحهما ـ وهو مقرب التذكرة (١) ـ العدم استصحابا لما كان إلى أن يثبت المزيل ، ولعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٢).

والثاني : نعم ، لزوال الملك بالبيع وانتقاله إلى آخر ، وضعفه ظاهر ، لأن زوال الملك لا يقتضي زوال الحكم اللازم لليد إلى أن يحصل الأداء إلى المالك.

قوله : ( وإذا وكله في الشراء ودفع إليه الثمن فهو أو‌ الموكل المطالب به ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٠.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مستدرك الصحيحين ٢ : ٤٧ ، مستدرك الوسائل ٣ : ١٤٥.


وإن لم يسلم اليه وأنكر البائع كونه وكيلا طالبه ، وإلا فالموكل.

ولو تلف المبيع في يد الوكيل بعد أن خرج مستحقا طالب المستحق البائع أو الوكيل أو الموكل الجاهلين ، ويستقر الضمان على البائع ،

______________________________________________________

أما الوكيل فلأن الثمن في يده ، وأما الموكل فلأن الشراء له والوكيل نائب عنه.

وإطلاق العبارة يتناول ما إذا كان الشراء في الذمة وبالعين ، ويشكل إذا كان الشراء بعين الثمن الذي في يد الوكيل ، لأن حق البائع حينئذ منحصر في يد الوكيل.

قوله : ( وإن لم يسلم إليه وأنكر البائع كونه وكيلا طالبه وإلاّ فالموكل ).

أما الحكم الأول فلأن البيع لازم له ظاهرا ، فالثمن عليه والمطالبة له.

وأما الثاني فلأنه إذا اعترف بأنه وكيل ومعبّر عن غيره ، والحال أن الثمن ليس في يده فلا حق له عنده ، فالمطالبة للموكل خاصة.

وذهب الشيخ إلى أنه يتخيّر بين المطالبة من شاء منهما ، ويكون دخول الوكيل في هذا التصرف بمنزلة دخول الضامن في الضمان ، فإن أعطاه كان له الرجوع على الموكل بما وزن عنه (١) ، وهو ضعيف.

قوله : ( ولو تلف المبيع في يد الوكيل بعد أن خرج مستحقا طالب المستحق البائع ، أو الوكيل أو الموكل الجاهلين ، ويستقر الضمان على البائع ).

إذا وكله في الشراء فاشترى عينا وقبضها الوكيل حيث يسوغ له القبض ، وتلفت في يده بغير تفريط وظهر استحقاقها كان المالك بالخيار في مطالبة كل من البائع والوكيل والموكل.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٩٥.


وهل للوكيل الرجوع على الموكل إشكال.

______________________________________________________

اما البائع فلإثبات يده على العين ، ومثله الوكيل ، وأما الموكل فلأن الوكيل سفيره ويده يده فقبضه منسوب اليه. وإنما تكون يد الوكيل يد الموكل هاهنا إذا كان الوكيل جاهلا بالغصب ، أما معه فلا ، لأن الموكل لم يأذن له في قبض المغصوب مع أن الإذن فيه لا اعتبار به ، ويستقر الضمان على البائع ، لأن الغرور من قبله.

والمراد بالبائع : العالم بالغصب ، فلو كان جاهلا به ، لترتب يده على يد غيره فقرار الضمان على ذي اليد العالم بالحال الذي نشأ الغرور منه ، فإن رجع المالك على البائع العالم فلا رجوع له على أحد ، وإن رجع على الوكيل أو الموكل فله الرجوع على البائع ، لما قلناه من أن قرار الضمان عليه.

وقال المصنف في التذكرة في هذه المسألة : إنّ للمالك مطالبة الوكيل ، فإن لم يكن قد فرّط رجع بما غرمه على الموكل ، لأنه أمينه لا ضمان عليه. وإن رجع على الموكل لم يرجع على الوكيل بل استقر الرجوع على الموكل (١).

ويشكل بأن قرار الضمان على البائع ، ولعله يريد استقرار الضمان عليه بالنسبة إلى الوكيل لا منع الرجوع على البائع ، أو أن ذلك فيما عدا زيادة القيمة على الثمن ، فإن قرار ذلك على الموكل.

قوله : ( وهل للوكيل الرجوع على الموكل؟ إشكال ).

أي : على تقدير جهل كل من الوكيل والموكل بالغصب ، وكون قرار الضمان على البائع لو رجع المالك على الوكيل فهل له الرجوع على الموكل؟ فيه إشكال ينشأ : من أن يده يده وقبضه منسوب إليه ، لأنه إنما وقع باذنه ، ولأنه دخل على أن لا ضمان عليه بالتلف. وإنما يكون محسوبا من مال الموكل. ومن أن المأذون في قبضه هو المبيع المنتقل إلى ملك الموكل دون ما ظهر استحقاقه ، فبظهور الاستحقاق انكشف أنه غير‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٢.


______________________________________________________

مأذون في قبضه للوكيل.

وفيه نظر ، لأن الإذن تعلّق بقبض المبيع ظاهرا ، لامتناع تكليفه بما في نفس الأمر ، فلا يزول الاذن بظهور الاستحقاق. وتوسّط شيخنا الشهيد فقوّى عدم الرجوع إلاّ مع تعيين السلعة ، نظرا إلى أنه مع تعيينها فقد وكّله في قبضها فلا يتقيد ذلك بكون البيع صحيحا ، بخلاف ما إذا وكله في قبض المبيع. وفيه النظر السابق ، وفي الرجوع مطلقا قوة كما اختاره في التذكرة (١) ، وإن كان قرار الضمان على البائع.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن في عبارة المصنف مناقشتين :

الاولى : قوله : ( ولو تلف المبيع في يد الوكيل بعد أن خرج مستحقا ) غير جيد على إطلاقه ، لأن تقييد التلف بكونه بعد خروجه مستحقا يشعر بأنه لو تلف قبل ذلك لا يترتب عليه هذا الحكم ، وليس كذلك ، بل هو فاسد ، لأنه إذا تلف في يد الوكيل بعد علمه بالاستحقاق وتأخير الرد يكون قرار الضمان عليه وإن كان جاهلا وقت قبضه.

الثانية : ان تقييد الوكيل والموكل بكونهما جاهلين ليتوجه مطالبتهما غير جيد ، بل يطالبان على كل حال جاهلين كانا أو لا.

نعم إذا كان الوكيل عالما فلا شي‌ء على الموكل ، لأنه لم يوكله في قبض المغصوب ، إنما وكله في قبض المبيع ، وغايته أن يكون مبيعا بحسب الظاهر ، نعم استقرار الضمان على البائع إنما يكون مع جهلهما.

واعلم أن لهذه المسألة مزيد تحقيق يتم بمقدمة وبحثين :

أما المقدمة فهي : أن من اشترى عينا وتسلّمها وسلم ثمنها وتلفت في يده ، ثم ظهر أنها مستحقة فإنّ مالكها بالخيار في الرجوع بقيمتها ـ إن كانت قيمة ـ على البائع وعلى المشتري ، لأن كلا منهما جرت يده عليها ، فإن رجع على البائع لم يرجع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣١.


______________________________________________________

على المشتري بالثمن إن كان بقدر قيمتها فما دون ، لأن المشتري دخل على أنها إذا تلفت يكون تلفها منه في مقابل الثمن وإن كان الثمن أزيد من القيمة رجع بالزيادة من الثمن لفساد البيع ، وكون العين مضمونة عليه يقتضي ضمانها بقيمتها دون ما زاد وإن رجع على المشتري رجع المشتري بالثمن كيف كان.

ولو زادت القيمة على الثمن فهل يرجع بالزيادة؟ فيه تردد ، والأصح الرجوع ، لأنه دخل على أن المبذول في مقابلها هو الثمن فقط ، فحيث غرم زيادة لم تكن محسوبة عليه تحقق غروره فيرجع بها على البائع لا محالة ولا يرجع بشي‌ء آخر.

إذا تقرر ذلك نعود إلى البحثين :

فالأول : في قول المصنف : ( ويستقر الضمان على البائع ) ويجب تنزيله على أن المراد به ضمان ما زاد على الثمن من القيمة ، مع استرجاع الثمن على تقدير تسليمه ، إذ لا يتصور أن يجب على البائع رد الثمن ، وضمان القيمة أيضا ، لأن يد المشتري يد ضمان بالثمن ، على معنى أن تلف المبيع يكون منه في مقابلة الثمن ، فيتحصل من هذا أن قرار الضمان على الموكل ، إلاّ فيما زاد من القيمة على مقدار الثمن فان قرار الضمان فيه على البائع.

وإنما قلنا : إن قرار الضمان على الموكل ، لأن الثمن المدفوع إلى البائع باق على ملكه ، فإذا غرم البائع القيمة لم يكن للموكل استرجاع الثمن منه إن كان بقدر القيمة فما دون ، نعم لو كان زائدا استحق أخذ الزائد.

والثاني : إن المالك حيث أنه مخيّر في الرجوع على الثلاثة ، فمتى رجع على البائع أو الموكل فحكمهما معلوم مما سبق ، وإن رجع على الوكيل فما زاد من القيمة على الثمن يتخيّر في الرجوع به على البائع أو الموكل وقرار ضمانه على البائع ، وهذا أصح الوجهين بالنسبة إلى الرجوع على الموكل.

واما مقدار الثمن فإنه يرجع به على البائع إن كان قد قبض ولم يسترجعه‌


ولو قبض وكيل البيع الثمن وتلف في يده ، فخرج المبيع مستحقا رجع المشتري على الوكيل مع جهله ، ويستقر على الموكل ، وإلاّ فعليه.

المطلب الخامس : في الفسخ :

الوكالة عقد جائز من الطرفين ، لكل منهما فسخها ، وتبطل بموت‌

______________________________________________________

الموكل ، وإن استرجعه فالرجوع به على الموكل قطعا ولا يجي‌ء فيه أشكال ، وإن كان في يد الوكيل فلا رجوع له على أحد.

ومن هذا يعلم أن إطلاق عبارة المصنف الإشكال في رجوع الوكيل على الموكل ليس بجيد ، بل جزمه بتخيّر المستحق في الرجوع على من شاء من الثلاثة الذين من جملتهم الوكيل ينافي هذا الاشكال.

قوله : ( ولو قبض وكيل البيع الثمن وتلف في يده ، فخرج المبيع مستحقا رجع المشتري على الوكيل مع جهله ، ويستقر على الموكل ، وإلاّ فعليه ).

المسألة مفروضة فيما إذا كان وكيلا في قبض الثمن وكان التلف بغير تفريط ليسلم من العدوان.

ووجه الرجوع على الوكيل : أنه أثبت يده على مال الغير بغير حق ، ويرجع على الموكل لمثل ما قررناه سابقا لكن مع جهله ، فيكون قرار الضمان على الموكل ، بخلاف ما إذا كان عالما ، إذ لم يقبض بوكالة الموكل حينئذ ، لأنه إنما وكله في قبض ما يكون ثمنا ولو بحسب الظاهر لا في قبض مال الغير.

ولو أخّر قوله : ( مع جهله ) عن قوله : ( ويستقر على الموكل ) لكان أولى ، لأن الرجوع على الوكيل مع جهله وعلمه ، وإنما يستقر الضمان على الموكل مع جهله.

قوله : ( المطلب الخامس : في الفسخ : الوكالة عقد جائز من الطرفين‌


كل واحد منهما ، أو جنونه ، أو إغمائه ، أو الحجر على الموكل لسفه ، أو فلس فيما يمنع الحجر التوكيل فيه. ولا تبطل بفسق الوكيل إلاّ فيما يشترط فيه أمانته كولي اليتيم ، وولي الوقف على المساكين ، وكذا ينعزل لو فسق موكله.

أما وكيل الوكيل عن الموكل فإنه ينعزل بفسقه لا بفسق‌ موكله.

______________________________________________________

لكل منهما فسخها ، وتبطل بموت كل منهما ، أو جنونه ، أو إغمائه ، أو الحجر على الموكل لسفه ، أو فلس فيما يمنع الحجر التوكيل فيه ، ولا يبطل بفسق الوكيل إلاّ فيما يشترط فيه أمانته كولي اليتيم وولي الوقف على المساكين ).

كل موضع يشترط لصحة التوكيل كون الوكيل عدلا تبطل فيه الوكالة بفسق الوكيل ، لخروجه حينئذ عن أهلية التصرف ، وذلك كوكيل ولي اليتيم فإنه لا يجوز للولي على الطفل ومن جرى مجراه تفويض التصرف له وعليه إلاّ لمن كان عدلا ، وكذا وكيل ولي الوقف على المساكين ، ونحوه من جهات القرب ، ومثله وكيل قسمة الخمس والزكوات ونحوها.

ولا يخفى أن عبارة الكتاب لا تخلو من مناقشة ، وكان من حقه أن يقول : كوكيل ولي اليتيم وولي المساكين كما صنع في التذكرة (١). وحمل الولي على الوكيل لا يخلو من بعد ، مع أنه ليس وكيلا لليتيم بل لوليه وكذا القول في المساكين. ولو حملت العبارة على إرادة التشبيه ، على معنى أن الوكيل ينعزل بالفسق حيث ـ تعتبر أمانته ـ كما ينعزل ولي اليتيم وولي الوقف على المساكين لأشكل إطلاق قوله.

وكذا ينعزل لو فسق موكله ، فإنه ليس كل موضع يفسق فيه الموكل ينعزل الوكيل الذي شرط أمانته ، أما إذا حملت على المعنى الأول فإن هذا الحكم صحيح حينئذ ، لخروج الموكل عن أهلية التوكيل.

قوله : ( أما وكيل الوكيل عن الموكل فإنه ينعزل بفسقه لا بفسق‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٣.


ولا تبطل بالنوم وإن طال زمانه ، ولا السكر ، ولا بالتعدي مثل أن يلبس الثوب أو يركب الدابة وإن لزمه الضمان ، فإذا سلّمه إلى المشتري برئ من الضمان.

______________________________________________________

موكله ).

قد سبق أن توكيل الوكيل قد يكون عن نفسه ، وقد يكون عن موكله. فإن كان عن الموكل لم تبطل وكالته بفسق الموكل ولا بفسق الوكيل الأول ، وإنما تبطل بفسقه هو ، بخلاف ما لو كان وكيلا عن الوكيل ، حيث تشترط أمانته كما في قسمة الزكوات ، فإنه ينعزل بفسق نفسه وفسق موكله.

قوله : ( ولا السكر ).

لبقاء أهلية التصرف ، نعم ينعزل الوكيل به حيث تشترط عدالته ، وكذا لو فعله الموكل الذي تشترط عدالته أيضا.

قوله : ( ولا بالتعدي ).

مثل أن يلبس الثوب أو يركب الدابة وإن لزمه الضمان ، إذ لا منافاة بين الوكالة والضمان.

قوله : ( فإذا سلّم إلى المشتري برئ من الضمان ).

ولا يبرأ بنفس البيع وإن انتقل به الملك ، استصحابا لحكم الضمان إلى أن يحصل التسليم إلى المالك أو من جرى مجراه ، ولو تلف حينئذ لتلف من مال الموكل.

وهل يشترط لزوال الضمان بالتسليم إلى المشتري قبض الموكل أو وكيله الثمن ، أو اذنه في ذلك؟ فيه تردد ، وعدم الاشتراط ليس بذلك البعيد ، لأن تلفه بعد قبض المشتري لا يقتضي ان يكون من مال البائع ، ولتسليمه إلى المالك له حقيقة ، وينبغي تأمل ذلك.


ولو قبض الثمن لم يكن مضمونا ، فإن ردّ المبيع عليه بعيب عاد الضمان ، لانتفاء العقد المزيل له على إشكال.

وتبطل بعزل الوكيل نفسه في حضرة الموكل وغيبته ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو قبض الثمن لم يكن مضمونا ).

إذا كان بإذن الموكل ، أو على القول بان له قبضه بمجرد التوكيل في البيع.

قوله : ( فإن رد المبيع عليه بعيب عاد الضمان لانتفاء العقد المزيل له على اشكال ).

ينشأ : من حصول البراءة بتسليم العين إلى المشتري ، وحدوث الضمان يحتاج إلى سبب ولم يثبت كون انفساخ العقد سببا ، ولانحصار طريق البراءة من الضمان حينئذ في التسليم إلى المشتري ، لأنه المالك ـ وقد حصل ـ فيجب تحقق البراءة واستصحاب حكمها.

ومن أن العقد المزيل للضمان هو القاطع لعلاقة الموكل بالعين ، وهو منتف هنا ، لأن بيع المعيب لا تنقطع به العلاقة ، لأن العيب سبب الفسخ ، والأولى ممنوعة. ويمكن تنزيل عبارة المصنف على معنى آخر ، وهو أن العقد المزيل للضمان قد انتفى فينتفي ما ترتب عليه ، وضعفه أيضا ظاهر ، والأصح عدم عوده.

وهنا شي‌ء ، وهو أن الوكيل هل له أن يسلّم المبيع حينئذ من دون إذن مستأنف مطلقا ، أم ذلك إذا لم يعلم المشتري وكالته؟ وهل ينعزل عن الوكالة بفعل هذا البيع أم تبقى وكالته؟

قوله : ( ويبطل بعزل الوكيل نفسه في حضرة الموكل وغيبته ).

لأن الوكالة عقد جائز من الطرفين ، ومقتضى ذلك انفساخ العقد بفسخ كل منهما ، فإذا عزل نفسه ثم تصرّف كان فضوليا.

واحتمل في التذكرة صحة التصرف لو كان عزل الوكيل نفسه في غيبة‌


وبعزل الموكل له ، سواء أعلمه العزل أو لا على رأي ، وبتلف متعلق الوكالة كموت العبد الموكل في بيعه ،

______________________________________________________

الموكل ، عملا بالاذن العام الذي تضمنته الوكالة ، وكذا مع الحضور وعدم الرضى بعزله (١). وهذا الاحتمال لا يخلو من وجه ، لأن الاستنابة في التصرف حق للموكل ، ولا يزول هذا الاذن بعدم رضى الوكيل ، ويؤيده ظاهر قوله 7 : « فأمره ماض أبدا ، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل » (٢) الحديث.

وفصّل بعض الشافعية فقال : إن كانت الوكالة بصيغة الأمر لم ينعزل بردها ، لأن ذلك إذن وإباحة ، فأشبه إباحة الطعام (٣).

وأبو حنيفة شرط في عزله نفسه حضور الموكل (٤).

قوله : ( وبعزل الموكل له ، سواء أعلمه العزل أو لا على رأي ).

أي : ينعزل الوكيل بعزل الموكل له ، سواء أعلمه بالعزل أو لا على رأي ، وسواء أشهد على العزل أو لا على رأي آخر.

وتحقيق المسألة : ان ابن الجنيد (٥) ، والشيخ في الخلاف والمبسوط (٦) ، وجمع من المتأخرين شرطوا لانعزاله إعلامه بالعزل فلا ينعزل بدونه (٧).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٤٩ حديث ١٧٠ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ حديث ٥٠٣.

(٣) المجموع ١٤ : ١٥٥.

(٤) المجموع ١٤ : ١٥٦.

(٥) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٣٦.

(٦) الخلاف ٢ : ٨٥ مسألة ٣ كتاب الوكالة ، المبسوط ٢ : ٣٦٧.

(٧) منهم المحقق الحلي في الشرائع ٢ : ١٩٣ ، والشهيد الأول في اللمعة : ١١٦.


______________________________________________________

واكتفى الشيخ في النهاية (١) ، وابن البراج (٢) ، وأبو الصلاح (٣) وابن حمزة (٤) ، وابن إدريس بالإشهاد على العزل ، فينعزل معه وإن لم يعلم ، لا بدونه (٥).

واختار المصنف هنا انعزاله بالعزل مطلقا ، لأن الوكالة عقد جائز ، وحقه أن ينفسخ بالفسخ على جميع الأحوال ، وإلاّ لكان على بعضها لازما هذا خلف.

والأخبار عن أمير المؤمنين وأبي عبد الله 8 بعدم الانعزال بدون الإعلام كثيرة ـ وإن ضعف بعضها ـ فمنها صحيحة هشام بن سالم عن الصادق 7 : عن رجل وكّل آخر على وكالة في إمضاء أمر من الأمور ، وأشهد له بذلك شاهدين ، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر ، فقال اشهدوا اني قد عزلت فلانا عن الوكالة؟ فقال : « إن كان الوكيل قد أمضى الأمر الذي وكل فيه قبل أن ينعزل عن الوكالة فإن الأمر واقع ماض على ما أمضاه الوكيل ، كره الموكل أم رضي » ، قلت : فان الوكيل قد أمضى قبل أن يعلم بالعزل أو يبلغه أنه قد عزل عن الوكالة فالأمر ماض على ما أمضاه؟ قال « نعم ».

قلت : له فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ثم ذهب حتى أمضاه لم يكن له ذلك بشي‌ء؟ قال : « نعم ، إن الوكيل إذا وكل ثم قام من المجلس فأمره ماض أبدا ، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة أو يشافهه بالعزل عن الوكالة » (٦).

ولأنه لو انعزل قبل العلم لحصل ضرر عظيم ، لأنه ربما وكله في بيع الجارية فيطأها المشتري ، أو الطعام فيأكله ، أو الثوب فيقطعه أو ينقله إلى بلاد بعيدة ، وغير‌

__________________

(١) النهاية : ٣١٨.

(٢) نقله عنه العلاّمة في المختلف : ٤٣٧.

(٣) الكافي في الفقه : ٣٣٨.

(٤) الوسيلة : ٢٨٣.

(٥) السرائر : ١٧٦.

(٦) الفقيه ٣ : ٤٩ حديث ١٧٠ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ حديث ٥٠٣.


وكذا لو وكّله في الشراء بدينار دفعه اليه فتلف أو ضاع أو اقترضه الوكيل وتصرف فيه ، سواء وكّله في الشراء بعينه أو مطلقا ، لأنه وكّله في الشراء به ، ومعناه أن ينقده ثمنا قبل الشراء أو بعده.

______________________________________________________

ذلك من الأمور التي تعم البلوى بها جمعا كثيرا ، أو يشق الحكم ببطلانها إلى حد لا يكاد يطاق ، وهذا القول أصح. فعلى هذا إنما ينعزل إذا بلغه ذلك بقول ثقة لا كالفاسق والصبي لما تضمنته رواية هشام.

قوله : ( وكذا لو وكله في الشراء بدينار دفعه إليه فتلف أو ضاع ، أو اقترضه الوكيل وتصرف فيه ، سواء وكله في الشراء بعينه أو مطلقا ، لأنه وكله في الشراء به ، ومعناه : أن ينقده ثمنا قبل الشراء أو بعده ).

أي : وكذا تبطل الوكالة لو وكله في الشراء بدينار دفعه إليه فتلف بوقوعه في نحو البحر وما جرى مجرى ذلك ، أو ضاع بنحو سرقة سارق ، لفوات متعلق الوكالة ، وكذا لو اقترضه الوكيل وتصرف فيه.

والظاهر أن التقييد بتصرفه فيه إنما يحتاج إليه إذا كان الاقتراض بدون إذن الموكل ، أما بإذنه فإنه يخرج عن ملكه بالاقتراض فيفوت متعلق الوكالة حينئذ.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون قد وكله في الشراء بعينه أو مطلقا ، لأنه وكله في الشراء به. ومعناه أن ينقده ثمنا في الجملة أعم من أن يكون ذلك حين الشراء أو بعده ، فإذا ذهب أو خرج عن ملك الموكل فقد تعسر الشراء به فتعذر فعل متعلق الوكالة. ولأنه لو صح الشراء حينئذ للزم الموكل ثمن لم يلتزمه ولا رضي بلزومه.

وأعلم أن قول المصنف في تفسير التوكيل في الشراء بالدينار أن ( معناه أن ينقده ثمنا قبل الشراء أو بعده ) على ظاهره مؤاخذة ، لأنه ليس معنى التوكيل في ذلك أن ينقده قبل الشراء ثمنا وهو ظاهر.

وكأنه أراد بما قبل الشراء حين إيقاع العقد ، ولا يضر وجوب تأخير التسليم‌


ولو عزل الوكيل ، عوضه دينارا واشترى به وقف على الإجازة ، فان أجازه ، وإلاّ وقع عن الوكيل.

ولو وكّله في نقل زوجته ، أو بيع عبده ، أو قبض داره من فلان ، فثبت بالبينة طلاق الزوجة وعتق العبد وبيع الدار بطلت الوكالة.

______________________________________________________

عن قبض المبيع ، لأنه ربما كان مقبوضا أو أذن الموكل ، أو يقال : هذا معناه اللغوي وإن دل العرف ورعاية الاحتياط على خلافه.

قوله : ( فلو عزل الوكيل عوضه دينارا واشترى به وقف على الإجازة ، فان أجازه وإلاّ وقع عن الوكيل ).

وذلك لأنه بعزل الوكيل لا يتعيّن للموكل ويصير من ماله فيبقى على ملك الوكيل ، فإذا اشترى به للموكل وقف على إجازته ، فإن أجازه فهو له ، وإلاّ وقع عن الوكيل. وإن أضاف الشراء للموكل إذا لم يصدّقه البائع مع الإضافة على أن الشراء بعين مال الوكيل ولم يثبت ذلك بالبينة ، وإلاّ بطل.

واعلم أن إطلاق قوله : ( فإن أجازه ) يقتضي وقوع البيع للموكل مع الإجازة وإن كان الشراء بعين الدينار الذي هو باق على ملك الوكيل ، وهو مناف لما تقدّم في متعلق الوكالة من أنه لا يصح أن يشتري الإنسان بعين ماله ما يملكه غيره بذلك العقد ، وكلام التذكرة موافق لما هنا (١).

ولو وكله في عزل الدينار وقبضه للموكل لم يكن له الشراء به بالوكالة ، لفوات متعلقها ، وهذا مال غيره.

قوله : ( ولو وكله في نقل زوجته ، أو بيع عبده ، أو قبض داره من فلان ، فثبت بالبينة طلاق الزوجة وعتق العبد وبيع الدار بطلت الوكالة ).

لزوال تصرف الموكل الذي هو مدار صحة الوكالة.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٢.


وتبطل الوكالة بفعل الموكل متعلق الوكالة وما ينافيها ، مثل أن يوكله في طلاق زوجته ثم يطأها ، فإنه يدل عرفا على الرغبة واختيار الإمساك ، وكذا لو فعل ما يحرم على غير الزوج ، بخلاف التوكيل في بيع سريته.

______________________________________________________

قوله : ( وتبطل الوكالة بفعل الموكل متعلق الوكالة وما ينافيها ، مثل أن يوكله في طلاق زوجته ثم يطأها ، فإنه يدل عرفا على الرغبة واختيار الإمساك ، وكذا لو فعل ما يحرم على غير الزوج ، بخلاف التوكيل في بيع سريته ).

أما بطلان الوكالة بفعل الموكل متعلقها ، كما لو وكله في بيع العبد ثم باعه فلامتناع تحصيل الحاصل. ومثله في الحكم فعل الموكل ما ينافي الوكالة ، كما لو أعتق العبد في المثال فإنه بالإعتاق يخرج عن ملكه ويمتنع تصرفه فيه بالبيع فكذا تصرف وكيله.

أما لو وكله في طلاق زوجته ثم وطأها ففي كون ذلك منافيا للوكالة فتبطل به تردد ينشأ : من دلالة الوطء على الرغبة فيها ، واختيار إمساكها. ولأنه لو وطأها بعد الطلاق الرجعي لكان رجعة ، فلأن يقتضي رفع وكالة الطلاق أولى ، لأنها أضعف من الطلاق.

ومن أن الوكالة قد ثبتت ، ومنافاة الوطء لها غير معلومة ، ودعوى الأولوية ممنوعة. والفرق قائم ، فإن الطلاق سبب قطع علاقة النكاح فينافيه الوطء الذي هو من توابعه ، بخلاف الوكالة ، وأبعد منه فعل ما يحرم على غير الزوج.

والفرق الذي ادعاه بين الزوجة والسرية غير ظاهر ، فإن الوطء إن نافى الوكالة في الطلاق من حيث الدلالة على الرغبة نافى الوكالة في البيع. واعلم أن المصنف في التذكرة احتمل بطلان الوكالة في الطلاق بالوطء ، واستشكل الحكم في‌


ولو وكله في بيع عبد ثم أعتقه عتقا صحيحا ، أو باعه كذلك بطلت الوكالة ، ولا تبطل مع فساد بيعه وعتقه مع علمه ، ومع جهله إشكال.

والأقرب في التدبير الإبطال.

ولو بلغ الوكيل الوكالة فردها بطلت ، وافتقر الى تجديد عقد ، وله‌

______________________________________________________

غير الوطء ولم يفت بشي‌ء (١) ، وللتوقف مجال.

قوله : ( ولو وكله في بيع عبده ثم أعتقه عتقا صحيحا ، أو باعه كذلك بطلت الوكالة ، ولا تبطل مع فساد بيعه وعتقه مع علمه ، ومع جهله إشكال ).

قد سبق ذكر هذه المسألة ، وإنما أعادها ليبني عليها قوله.

أما وجه الأول فلأنه مع العلم لم يحصل ما يقتضي العزل ، لأن فاسد البيع والعتق لا يقتضي الخروج عن الملك ، ولا يدل على ارادة العزل به بشي‌ء من الدلالات.

وأما الإشكال فمنشؤه من بقاء الملك وسلطنة التصرف والشك في سبب العزل ، ومن أن العقد الصحيح سبب في العزل وقد قصده وحاول إيجاده.

وفيه نظر ، لأن العقد الصحيح سبب في العزل ، من حيث ترتب الخروج عن الملك عليه ، وذلك مفقود مع ظهور فساده. نعم إن قصد بالمأتي به العزل فليس ببعيد الانعزال به ، وإلاّ فلا.

قوله : ( والأقرب في التدبير الابطال ).

وجه القرب : أنه يقتضي بقاء الملك إلى حين الوفاة ثم زواله بالعتق ، فهو مناف للوكالة في بيعه أو عتقه قبلها ، وقد علم أن فعل ما ينافيها موجب للعزل. ويحتمل ضعيفا العدم ، لبقاء الملك وسلطنة التصرف ، والتدبير غير لازم ، وليس بشي‌ء.

قوله : ( ولو بلّغ الوكيل الوكالة فردها بطلت وافتقر فيها إلى تجديد‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٤.


أن يتصرف بالاذن مع جهل الموكل ، ومع علمه إشكال.

وجحد الوكيل الوكالة مع العلم بها رد لها على اشكال ، لا مع الجهل أو غرض الإخفاء.

______________________________________________________

عقد ، وله أن يتصرف بالإذن مع جهل الموكل ).

لبقاء الإذن فإن الوكيل لا يملك إبطاله ، إذ هو استنابة من الموكل في تصرف يتعلق به ، كما لو أذن له في أكل طعام فرد الاذن ثم أراد الأكل فإنه لا يمنع لبقاء حكم الإذن.

فإن قلت : فأي معنى لبطلان الوكالة حينئذ؟

قلت : قد قيل : إن أثره يظهر في سقوط الجعل ، وهو محتمل.

قوله : ( ومع علمه إشكال ).

أي : مع علم الموكل برد الوكيل الوكالة ، ومنشأ الإشكال : من الشك في بقاء الاذن ، لاحتمال اكتفاء الموكل في عزل الوكيل بعزل نفسه ، بل سكوته يشعر برضاه به.

ومن أن الأصل بقاء الاذن حتى يحصل المزيل ، ومع الشك فالاستصحاب يقتضي البقاء. والمتجه أنه إن وجد قرينة تدل على الرضى بالرد وعدمه عوّل عليها ، وإلاّ فالأحوط عدم التصرف.

قوله : ( وجحد الوكيل الوكالة مع العلم بها ردّ لها على اشكال ، لا مع الجهل أو غرض الإخفاء ).

منشأ الإشكال : من أن الرد والجحود متنافيان ، لأن الرد يستدعي الاعتراف بصدورها والجحود إنكار لها ، وأحد المتنافيين لا يستلزم الآخر.

ومن أن الأصل في جحود المسلم الصدق ، وهو يستدعي حصول الرد.

ويقوي الأول أن سبب التوكيل قد تحقق ، لأنه المفروض ، وسبب العزل غير‌


وصورة العزل أن يقول : فسخت الوكالة ، أو نقضتها ، أو أبطلتها ، أو عزلتك ، أو صرفتك عنها ، أو أزلتك عنها ، أو ينهاه عن فعل ما أمره به ، وفي كون إنكار الموكل الوكالة فسخا نظر.

______________________________________________________

متحقق ، والجحود بنفسه لا يكون عزلا ، لأن العزل إنشاء ، وهذا خبر ولا مستلزما له ، لأن كونه صدقا لا يتوقف على الرد لاحتمال إرادة معني آخر ، ومجرد تطرق الاحتمال مع الشك في حصول سبب العزل كاف في التمسك بعدمه.

على أن كونه صدقا غير مقطوع به ، وإنما الأصل يقتضي حمل إخبارات المسلم على الصدق ، فإذا دل الدليل على كونه كذبا للعلم بعدم مطابقتها الواقع لم يجب أن يحكم بوجود سبب آخر شرعي لم يدل دليل على وجوده ليكون مخرجا عن الكذب ، والأصح أنه لا يكون ردا.

قوله : ( وصورة العزل أن يقول الموكل : فسخت الوكالة ، أو نقضتها ، أو أبطلتها ، أو عزلتك ، أو صرفتك ، أو أزلتك عنها ، أو نهاه عن فعل ما أمره به ).

أي : وصورة العزل بالقول ، لأنه قد يحصل بأمور أخرى تقدمت. وفي نسخة : أو أرسلتك عنها ، والظاهر أنه غلط.

قوله : ( وفي كون إنكار الموكل الوكالة فسخا نظر ).

منشأ النظر هنا يظهر مما سبق في جحود الوكيل ، والأصح عدم كونه فسخا كما في جحد الوكيل.

* * *


الفصل الثالث : في النزاع ، وفيه بحثان :

الأول : فيما تثبت به الوكالة : وهو شيئان : تصديق الموكل ، وشهادة عدلين ذكرين ولا تثبت بتصديق الغريم ، ولا بشهادة النساء ، ولا بشاهد وامرأتين ، ولا بشاهد ويمين.

ولا بد من اتفاقهما ، فلو شهد أحدهما انه وكله يوم الجمعة أو انه‌

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثالث : في النزاع : وفيه بحثان :

الأول : فيما تثبت به الوكالة : وهو شيئان : تصديق الموكل وشهادة عدلين ذكرين ، ولا تثبت بتصديق الغريم ، ولا بشهادة النساء ، ولا بشاهد وامرأتين ، ولا بشاهد ويمين ).

لا خلاف عندنا في عدم ثبوت الوكالة بما يثبت به المال ، لأن الغرض من الوكالة الولاية على التصرف ، وترتب المال عليها أمر مترتب عليها ، وليس هو المقصود الأصلي بخلاف الوصية بالمال. وقال بعض العامة : إنه يقبل في الوكالة بالمال شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين (١).

فإن قلت : لو ادعى شخص أنه يستحق على آخر كذا جعل وكالة تثبت بشاهد ويمين.

قلت : لا يحضرني الآن به تصريح ، ووجه الثبوت ظاهر إذ لا غرض في الولاية حينئذ ، ولو كان ذلك قبل العمل فضاهر إطلاقهم عدم الثبوت ، وأما الثبوت بتصديق الغريم وعدمه فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( فلو شهد أحدهما أنه وكّله يوم الجمعة ، أو أنه وكّله بلفظ‌

__________________

(١) انظر المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٥.


وكله بلفظ عربي ، والآخر يوم السبت أو بالعجمية لم تثبت ما لم ينضم إلى شهادة أحدهما ثالث.

ولو شهد أحدهما أنه أقر بالوكالة يوم الجمعة أو بالعربية ، والآخر يوم السبت أو بالعجمية ثبت ، وكذا لو شهد أحدهما بلفظ وكلتك ، والآخر‌

______________________________________________________

عربي ، والآخر يوم السبت أو بالعجمية لم يثبت ما لم ينضم إلى شهادة أحدهما ثالث ).

وذلك لأن العقد المشهود به متعدد ، فان الواقع يوم الجمعة غير الواقع يوم السبت ، ولم يكمل النصاب بالنسبة إلى كل واحد من العقدين.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن قوله : ( فلو شهد أحدهما ... ) تفريع على ما دل عليه‌ قوله : ( وشهادة عدلين ذكرين ) بعد قوله : ( فيما تثبت به الوكالة ) فإنه يدل على كون ما شهد به العدلان شيئا واحدا ليتحقق تعدد الشهادة بالنسبة إليه ، بخلاف ما لو اختلف المشهود به. وهذا المدلول وإن كان خفيا إلاّ أنه مراد ، وهو صحيح في نفسه فصح التفريع.

قوله : ( ولو شهد أحدهما أنه أقر بالوكالة يوم الجمعة أو بالعربية ، والآخر يوم السبت أو بالعجمية يثبت ).

لاتفاق الشاهدين على حصول التوكيل ، والأصل عدم التعدد في العقد ، فالمقتضي للثبوت موجود ـ وهو شهادة الشاهدين ـ والمانع ـ وهو التعدد ـ مشكوك فيه فيجب التمسك بالمقتضي.

ولا يلزم من تعدد الإقرار تعدد الوكالة ، إذ لا يلزم من تعدد الخبر تعدد المخبر عنه ، فإنه يخبر عن الشي‌ء الواحد بعبارات متعددة وبألفاظ مختلفة.

قوله : ( وكذا لو شهد أحدهما بلفظ : وكلتك ، والآخر : استنبتك ، أو‌


استنبتك أو جعلتك وكيلا أو جريا ، فإن كانت الشهادة على العقد لم تثبت ، وإن كانت على الإقرار تثبت.

ولو قال أحدهما : أشهد أنه وكله ، وقال الآخر : أشهد أنه أذن له في التصرف تثبت ، لأنهما لم يحكيا لفظ الموكل.

ولو شهد أحدهما أنه وكله في البيع ، والآخر أنه وكله وزيدا ، أو أنه لا يبيعه حتى يستأمر زيدا لم‌ تتم الشهادة.

______________________________________________________

جعلتك وكيلا أو جريا ، فان كانت الشهادة على العقد لم تثبت ، وإن كانت على الإقرار تثبت ).

أي : وكذا الحكم لو شهد أحدهما بلفظ : وكلتك ، والأخر : استنبتك إلى آخره ، فإن الشهادة إن كانت على العقد كان كما لو شهد أحدهما بأنه وكله يوم الجمعة والآخر يوم السبت فلا تثبت لتعدد العقد.

وإن كانت على الإقرار فهي كما لو شهد أحدهما أنه أقر يوم الجمعة والآخر يوم السبت فيثبت. فعلى هذا لا يحكم الحاكم بالثبوت وعدمه إلاّ بعد الاستفصال ، لأن اللفظ محتمل لأن يكون المحكي إنشاء أو اخبارا.

واعلم أن الجري ـ بالراء المهملة كغني ـ : الوكيل للواحد والجمع والمؤنث ، ذكره في القاموس (١) ، وكأنه سمّي بذلك لأنه جرى مجرى الموكل.

قوله : ( ولو قال أحدهما : أشهد أنه وكله ، وقال الآخر : إنه أذن له في التصرف تثبت ).

لأنهما لم يحكيا لفظ الموكل ، فالاختلاف إنما هو في عبارتهما وذلك غير قادح.

قوله : ( ولو شهد أحدهما أنه وكله في البيع ، والآخر أنه وكله وزيدا ، أو أنه لا يبيعه حتى يستأمر زيدا لم‌ تتم الشهادة ).

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٣١٢.


ولو شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده ، والآخر أنه وكله في بيع عبده وجاريته تثبت وكالة العبد ، فإن شهد باتحاد الصفقة فإشكال.

وكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه لزيد ، والآخر في بيعه‌ لزيد وان شاء لعمرو.

______________________________________________________

لأن مقتضى الشهادة الأولى استقلاله بالبيع والثانية عدمه ، لأن كونه وكيلا مع آخر يقتضي منع الانفراد بالتصرف ، وذلك يقتضي تعدد العقد المشهود به.

قوله : ( ولو شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده ، والآخر أنه وكله في بيع عبده وجاريته تثبت وكالة العبد ).

لاتفاقهما على وكالة العبد ، وزيادة الثاني لا يقدح ، لعدم استلزام تعدد العقد ، لأن من وكل في بيع عبد وجارية فقد وكل في بيع العبد ، إذ لا يتعين لجواز بيعه بيع الجارية معه كما سبق في مقتضيات التوكيل.

قوله : ( فإن شهد باتحاد الصفقة فإشكال ).

أي : فإن شهد الشاهد بالوكالة في بيع العبد والجارية بأنه وكله في بيعهما صفقة واحدة ففي ثبوت الوكالة في بيع العبد إشكال ينشأ : من اتفاق الشاهدين على الوكالة في بيع العبد.

ومن أن الوكالة في بيع العبد مطلقا مغايرة للوكالة في بيعه منضما إلى الجارية لا غير ، بل منافية لها ، فشهادة كل من الشاهدين على توكيل مغاير للآخر فلا يثبت واحد منهما ، وهو الأصح ، وضعف الاحتمال الأول ظاهر.

ولا فرق بين هذه وبين شهادة شاهد بتوكيله في البيع وآخر بتوكيله وزيدا ، بل الحكم بعدم الثبوت هنا أقوى ، للنص على اتحاد الصفقة هنا ، واستفادة الاجتماع على البيع من ظاهر اللفظ هناك.

قوله : ( وكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيعه لزيد ، والآخر في بيعه‌


ولو شهدا بوكالته ثم قال أحدهما : قد عزله لم تثبت الوكالة ولو كان الشاهد بالعزل ثالثا تثبت الوكالة دونه.

وكذا لو شهدا بالوكالة وحكم بها الحاكم ، ثم شهد أحدهما بالعزل تثبت الوكالة دون‌ العزل ،

______________________________________________________

لزيد وإن شاء لعمرو ).

أي : وكذا تثبت الوكالة ، والمشبّه به هو الحكم فيما لو شهد أحدهما انه وكله في بيع عبده ، والآخر أنه وكله في بيع عبده وجاريته.

ووجه الثبوت : كمال النصاب في الوكالة بالبيع لزيد ، والزيادة لا تستلزم التعدد ، وسكوت الآخر عنها أما لهدم سماعه إياها ، أو عروض نسيان ، أو لاقتصاره على الشهادة بأحد متعلقي الوكالة باختياره. واستشكل المصنف الحكم في التذكرة (١) ، و

لا وجه للإشكال.

قوله : ( ولو شهدا بوكالته ثم قال أحدهما : قد عزله لم تثبت الوكالة ).

لرجوع أحد الشاهدين عن الشهادة قبل الحكم ، خلافا لبعض الشافعية (٢).

قوله : ( ولو كان الشاهد بالعزل ثالثا تثبت الوكالة دونه ).

أي : دون العزل : لتمام النصاب بالنسبة إلى الوكالة دون العزل ، بخلاف المسألة السابقة : لأن الشهادة بالعزل لما كانت من أحد شاهدي الوكالة كان رجوعا من أحد الشاهدين فلم يتم النصاب.

قوله : ( وكذا لو شهدا بالوكالة وحكم بها الحاكم ، ثم شهد أحدهما بالعزل ، تثبت الوكالة دون‌ العزل ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٤٣.

(٢) انظر المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٥ و ٢٦٧.


والأقرب الضمان ، ولو شهدا معا بالعزل تثبت.

ولا تثبت الوكالة بخبر الواحد ، ولا العزل.

______________________________________________________

لنفوذ الحكم قبل رجوع الشاهد فلا يؤثر فيه رجوعه ، وكذا لو رجع الشاهدان.

قوله : ( والأقرب الضمان ).

وجه القرب : أنه سلّط الغير على التصرف في مال غيره بغير حق بشهادة يعلم بطلانها ، فكان ضامنا لما يترتب عليها من تلف مال الغير أو نقصانه. ويحتمل ضعيفا العدم ، فإنه أخبر بالصدق في كل من الوكالة والعزل ، ولا ضمان على من أخبر بالصدق ، ولا يعد ذلك رجوعا.

وليس بشي‌ء ، لأن شهادته بالوكالة وسكوته عن العزل قبل الحكم يقتضي الاستناد في بقاء التوكيل إلى زمان الحكم إلى شهادته ، وشهادته بالعزل قبل ذلك تقتضي الرجوع عن تلك الشهادة فيضمن ما تلف بشهادته ، وهو الأصح. وسيأتي إن شاء الله تعالى في الشهادات بيان مقدار ما يضمنه الشاهد برجوعه.

قوله : ( ولو شهدا معا بالعزل ثبت ).

أي : لو شهد الشاهدان بالوكالة معا بالعزل لا على طريق الرجوع ثبت العزل أيضا كما ثبتت الوكالة ، لا لتمام النصاب في الموضعين.

قوله : ( ولا تثبت الوكالة بخبر الواحد ولا العزل ).

بإجماعنا وفاقا لأكثر العامة (١) ، وقال أبو حنيفة : تثبت الوكالة بخبر الواحد وإن لم يكن ثقة ، ويجوز التصرف للمخبر بذلك إذا غلب على ظنه صدق المخبر بشرط الضمان إن أنكر الموكل ، ويثبت العزل بخبر الواحد إذا كان رسولا (٢) ، وليس بشي‌ء.

__________________

(١) انظر : المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٧ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٦.

(٢) المصدرين السابقين.


ويصح سماع البينة بالوكالة على الغائب ، وتقبل شهادته على موكله ، ولو فيما لا ولاية له فيه.

ولو شهد المالكان بأن زوج أمتهما وكلّ في طلاقها لم تقبل ، وكذا لو‌

______________________________________________________

فإن قلت : قد سبق أن الوكيل إذا بلغه العزل من ثقة انعزل ، وهذا يقتضي ثبوت العزل بخبر الواحد.

قلنا : انعزاله في هذه الحالة مشروط بثبوت العزل بعد ذلك ، وفائدة الاخبار حينئذ كون العزل الواقع غير نافذ لولاه ، لجهل الوكيل به لا ثبوت العزل في الواقع به.

قوله : ( ويصح سماع البينة بالوكالة على الغائب ).

ومعناه على ما ذكره في التذكرة : أن يدعي أن فلانا الغائب وكّلني في كذا ، ويقيم البينة على ذلك إجماعا منا (١) ، وبه قال الشافعي (٢) ، لأنه لا يعتبر رضاه في سماع البينة فلا يعتبر حضوره خلافا لأبي حنيفة (٣).

قوله : ( وتقبل شهادته على موكله ، وله فيما لا ولاية له فيه ).

أي : تقبل شهادته عليه مطلقا ، سواء شهد عليه فيما هو وكيل فيه أم لا لانتفاء المحذور.

أما له فإنما تقبل فيما لا ولاية له فيه ، لأنه يثبت لنفسه حقا ، إلاّ أن يعزله قبل الخصومة كما سبق ، خلافا لبعض العامة (٤).

قوله : ( ولو شهد المالكان بأن زوج أمتهما وكلّ في طلاقها لم يقبل ، وكذا لو‌ شهدا بالعزل ).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ١٤٣.

(٢) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٧.

(٣) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٧ ، الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٧.

(٤) المغني لابن قدامة ٥ : ٢٦٧.


شهدا بالعزل ، ويحكم الحاكم بعلمه فيها.

البحث الثاني : في صور النزاع وهي ست مباحث :

أ : لو اختلفا في أصل الوكالة قدّم قول المنكر مع يمينه وعدم البينة ، سواء كان المدعي هو الوكيل أو الموكل ، فلو ادعى المشتري النيابة وأنكر الموكل قضى على المشتري بالثمن ، سواء اشترى بعين أو في الذمة ،

______________________________________________________

لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا في الصورتين.

أما الأولى فلاقتضاء الشهادة زوال حق الزوج من البضع الذي هو ملكهما ، وأما الثانية فلاقتضائها إبقاء النفقة على الزوج.

قوله : ( ويحكم الحاكم بعلمه فيها ).

أي : في الوكالة ، فإذا علم وكالة شخص لم يحتج في الثبوت إلى إقامة البينة كغيرها من الحقوق.

قوله : ( البحث الثاني : في صور النزاع : وهي ستة مباحث :

الأول : لو اختلفا في أصل الوكالة قدم قول المنكر مع يمينه وعدم البينة ، سواء كان المدعي هو الوكيل أو الموكل ).

المراد باختلافهما في أصل الوكالة : اختلافهما في صدور التوكيل ، وهو مقابل ما سيأتي إن شاء الله تعالى في البحث الثاني من الاختلاف في صفة التوكيل ، وكون الوكيل مدعيا ظاهر كثير.

أمّا كون الموكل مدعيا ففي نحو ما لو كان التوكيل في بيع شي‌ء مشروطا في عقد لازم ، فادعى الموكل حصوله ليخرج من العهدة ويصير العقد لازما وأنكره الوكيل ، ونحو ذلك.

قوله : ( فلو ادعى المشتري النيابة وأنكر الموكل قضي على المشتري بالثمن ، سواء اشترى بعين أو في الذمة ، إلا أن يذكر في العقد‌


إلاّ أن يذكر في العقد الابتياع له فيبطل.

ولو زوّجه امرأة فأنكر الوكالة ولا بينة حلف المنكر والزم الوكيل المهر ، وقيل : النصف ، وقيل : يبطل العقد ظاهرا ،

______________________________________________________

الابتياع له فيبطل ).

أي : لو ادعى المشتري لشي‌ء أنه وكيل لزيد في ذلك الشراء وأنكر زيد ـ المدعى عليه ـ الوكالة حلف واندفع الشراء عنه ظاهرا ، سواء اشترى بعين من نقد وغيره أو في الذمة.

لكن يستثني من ذلك ما إذا ذكر في العقد الابتياع لزيد فإنه يبطل ظاهرا ، لانتفاء الوكالة بيمينه. ويجب أن يستثني أيضا ما إذا عرف البائع ، أو قامت البينة على أن العين التي وقع الشراء بها ملك لزيد فإنه يبطل هنا أيضا ، وسيأتي في كلام المصنف إن شاء الله تعالى في البحث الثاني في شراء الجارية مثل ذلك.

قوله : ( ولو زوجه امرأة فأنكر الوكالة ولا بينة حلف المنكر والزم الوكيل المهر ، وقيل : النصف ، وقيل : ببطلان العقد ظاهرا ).

الأول قول الشيخ في النهاية (١) ، وابن البراج (٢) ، وحجته أن المهر يجب جميعا بالعقد ، وإنما ينتصف بالطلاق ، وقد فات بتقصير الوكيل بترك الإشهاد فيضمنه كما دلت عليه الرواية (٣).

والثاني قوله في المبسوط (٤) ، وحجته ما رواه عمر بن حنظلة عن الصادق 7 : في رجل قال لآخر : اخطب لي فلانة ، فما فعلت من شي‌ء مما قاولت من صداق ،

__________________

(١) النهاية : ٣١٩.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٣٧.

(٣) التهذيب ٦ : ٢١٣ حديث ٥٠٤.

(٤) المبسوط ٢ : ٣٨٦.


ويجب على الموكل الطلاق أو الدخول مع صدق الوكيل.

نعم لو ضمن الوكيل المهر فالوجه وجوبه أجمع عليه ، ويحتمل‌

______________________________________________________

أو ضمنت من شي‌ء ، أو شرطت فذلك رضاء لي وهو لازم لي ، ولم يشهد على ذلك ، فذهب فخطب وبذل عنه الصداق وغير ذلك مما طالبوه به وسألوه ، فلما رجع إليه أنكر؟ قال : « يغرم لها نصف الصداق ، وذلك أنه هو الذي ضيّع حقها ، فأما إذا لم يشهد لها عليه بذلك الذي قال : حل لها أن تتزوج ، ولا تحل للأول فيما بينه وبين الله تعالى إلاّ أن يطلّقها ، لأن الله تعالى قال( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (١) ، فإن لم يفعل فهو مأثوم فيما بينه وبين الله تعالى ، وكان الحكم الظاهر ـ حكم الإسلام ـ قد أباح لها أن تتزوج » (٢) ، ولأنه فسخ قبل الدخول فيجب معه نصف المهر.

والثالث نقله المحقق نجم الدين وقواه (٣) ، وكذا المصنف في المختلف ، فإنه قال بعد أن حكاه عن بعض علمائنا : وفيه قوة وهو المختار ، لأنه إذا حلف على نفي الوكالة انتفى النكاح ظاهرا ، ومن ثم ساغ لها أن تتزوج فينتفي المهر أيضا ، فلا وجه لغرم الوكيل لجميعه أو نصفه ، نعم لو كان الوكيل قد ضمنه اتجه ذلك ، والرواية لا تأبى الحمل عليه (٤).

قوله : ( ويجب على الموكل الطلاق ، أو الدخول مع صدق الوكيل ).

لا ريب في وجوب ذلك عليه على تقدير صدق الوكيل ، وقد نطق الكتاب والسنة بذلك.

قوله : ( نعم لو ضمن الوكيل المهر فالوجه وجوبه أجمع عليه ،

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) الفقيه ٣ : ٤٩ حديث ١٦٩ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ حديث ٥٠٤.

(٣) شرائع الإسلام ٢ : ٢٠٦.

(٤) المختلف : ٤٣٧.


نصفه. ثم المرأة إن ادعت صدق الوكيل لم يجز أن تتزوج قبل الطلاق ،

______________________________________________________

ويحتمل نصفه ).

هذا استدراك مما دل عليه القول الثالث ـ وهو بطلان العقد ظاهرا ـ فإنه يدل على عدم وجوب شي‌ء من المهر ، لأن وجوب المهر أو بعضه فرع صحة العقد ، فإذا انتفى الأصل انتفى الفرع.

إلاّ أنّ هذا إنما هو حيث لا يضمن الوكيل للزوجة المهر ، فإن ضمنه فالوجه عند المصنف وجوب جميعه ، لأنه يثبت بالعقد باعتراف الوكيل ، ولم يحصل ما يقتضي سقوط نصفه ـ وهو الطلاق. ويحتمل على هذا التقدير وجوب النصف خاصة ، لأن انتفاء النكاح ظاهرا باليمين بمنزلة الفسخ فينتصف به المهر.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن قول المصنف : ( نعم لو ضمن الوكيل المهر فالوجه وجوبه اجمع ) بناء على القول بالبطلان ، لأن مختار المصنف في هذا الكتاب الوجوب على الوكيل بمجرد العقد وترك الاشهاد ، لكنه في أحكام المخالفة لم يجزم بالجميع أو النصف ، وهنا جزم بالجميع في أول كلامه حيث قال : ( ولو زوّجه امرأة فأنكر الوكالة ولا بينة حلف المنكر والزم الوكيل المهر ) فكيف يستقيم أن يكون ما ذكره آخرا هو مختاره في المسألة كما يظهر من كلام الشارحين (١)؟ على أنه لا معنى للاستدراك المستفاد من لفظة ( نعم ) حينئذ ، ولا ريب أن تأمل أول الكلام وآخره يأبى ما فهماه.

قوله : ( ثم المرأة إن ادعت صدق الوكيل لم يجز أن تتزوج قبل الطلاق ).

لأنها باعترافها زوجة ، بخلاف ما إذا لم تكن عالمة بالحال ولم تعترف بصدقه ،

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٥٧.


ولا يجبر الموكل على الطلاق ، فيحتمل تسلط المرأة على الفسخ ، أو الحاكم على الطلاق.

ولو زوج الغائب بامرأة لادعائه الوكالة فمات الغائب لم ترثه ، إلاّ أن يصدقها الورثة أو تثبت الوكالة.

______________________________________________________

لانتفاء الزوجية ظاهرا بيمينه ، وقد سبق في الرواية (١) التصريح بذلك.

قوله : ( ولا يجبر الموكل على الطلاق فيحتمل تسلط المرأة على الفسخ أو الحاكم على الطلاق ).

لا ريب أنه لا يتصور إجبار الموكل على الطلاق ، فإنه لا نكاح ظاهرا فكيف يتصور مطالبته بالطلاق؟

وبقاء المرأة ممنوعة عن النكاح والنفقة ضرر عظيم ، فيحتمل تسلطها على الفسخ دفعا للضرر ، ويحتمل تسلط الحاكم على الطلاق ، لأن له ولاية على الممتنع ، ولا ريب أن المنكر ممتنع على تقدير وقوع التوكيل ، إذ الواجب عليه القيام بحقوق الزوجية أو الطلاق.

فرع : لو قال : إن كانت فلانة زوجتي فهي طالق صح ، ولا يعد ذلك تعليقا قادحا ، لأن الطلاق إنما يقع على هذا التقدير ، حتى لو طلّق بدون هذا الشرط لم يقع الطلاق بحسب الواقع إلاّ على تقدير تحققه.

قوله : ( ولو زوّج الغائب بامرأة لا دعائه الوكالة فمات الغائب لم ترثه ، إلاّ أن يصدقها الورثة أو تثبت الوكالة ).

بالبينة ، ومع انتفاء الأمرين فلها إحلاف الورثة على نفي العلم إن ادعت عليهم العلم ، فان حلفوا فلا ميراث ، وإلاّ حلفت مع علمها وورثت.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٤٩ حديث ١٦٩ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ حديث ٥٠٦.


ولو ادعى وكالة الغائب في قبض ماله من غريم فأنكر الغريم الوكالة فلا يمين عليه ، ولو صدقه وكانت عينا لم يؤمر بالتسليم. ولو دفع اليه كان للمالك مطالبة من شاء بإعادتها ، فإن تلفت الزم من شاء مع إنكار الوكالة ، ولا يرجع أحدهما على الآخر.

وكذا لو كان الحق‌ دينا على إشكال ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو ادعى وكالة الغائب في قبض ماله من غريم فأنكر الغريم الوكالة فلا يمين عليه ).

أي : وإن ادعى عليه العلم ، لأن اليمين إنما تتوجه حيث يكون المنكر بحيث لو أقر لنفذ إقراره ، وليس كذلك هنا ، لكن سيأتي أن في نفوذ الإقرار لو كان الحق دينا اشكالا.

قوله : ( ولو صدّقه وكانت عينا لم يؤمر بالتسليم ).

لأن ذلك إقرار في حق المالك فلا ينفذ ، لكن لو دفع العين لم يمنع منه أيضا.

قوله : ( ولو دفع اليه كان للمالك مطالبة من شاء بإعادتها ، فإن تلفت الزم من شاء مع إنكار الوكالة ، ولا يرجع أحدهما على الأخر ).

أي : لو دفع من بيده عين مال الغير مع تصديقه إياه على دعواه إلى مدعي الوكالة في قبضها ، وأنكر المالك التوكيل حلف وانتفت الوكالة ظاهرا ، ويتخير في مطالبة من شاء منهما بإعادة العين ، لأن من بيده العين عاد بدفعها ، والقابض عاد بإثبات اليد عليها.

فإن تلفت في يد القابض بغير تفريط الزم من شاء منهما بعوضها ، لما قلناه ، ولا يرجع أحدهما على الآخر ، لاتفاقهما على أن المالك كاذب في إنكار الوكالة وظالم في المطالبة بالعوض ، والمظلوم لا يرجع على غير ظالمة.

قوله : ( وكذا لو كان الحق‌ دينا على إشكال ).


______________________________________________________

أي : وكذا لا يؤمر بالتسليم لو كان الحق دينا ، ومنشأ الاشكال : من أن التسليم المأمور به على تقدير ثبوت الأمر به إنما يكون عن الموكل. ولا ينفذ إقرار من عليه الدين على المدين ، لأنه إقرار على الغير ، فامتنع كونه عن الموكل المقتضي لامتناع الأمر به ، وهو قول الشيخ في المبسوط (١).

ومن حيث أن هذا التصديق اقتضى وجوب تسليم هذا القدر من مال نفسه فيجب نفوذه ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، وهو قول ابن إدريس (٢).

واعترض بأمرين :

أحدهما : إنّ هذا التسليم لا يبرئ الذمة ظاهرا فلا يؤمر به ، لأن لمن عليه الحق الامتناع من الأداء إلى أن يحصل الإشهاد المقتضي لحصول البراءة ظاهرا.

الثاني : إنّ التسليم لو أمر به لكان إما على جهة كون المدفوع مال الغائب ، أو مال الدافع ، والقسمان باطلان ، لأن الغائب لم يثبت توكيله فيكون التسليم لماله ، والدافع إنما يجب عليه تسليم مال الغائب ، والملازمة ظاهرة.

ويجاب عن الأول : بأن الإشهاد الذي يجوز الامتناع من الأداء إلى حصوله إنما يراد به إشهاد المدفوع إليه ، لأنه على تقدير إنكار التوكيل يرجع إلى ماله الذي دفعه بالبينة ، واحتمال تلفه بغير تفريط أو عدم الظفر بالمدفوع اليه لا يقدح ، وإلاّ لقدح في الدفع إلى المدين وإن أشهد ، لاحتمال موت الشاهدين ، أو ظهور فسقهما ، أو مطالبته في بلد لا يتمكن من الوصول إليها.

وعن الثاني : بأن تسليم ذلك القدر من مال المديون على أنه مال الغائب له اعتباران : أحدهما : كونه مال الغائب في حق المديون ، والآخر : كونه مال الغائب في حق الغائب نفسه ، وإقرار المديون نافذ بالنسبة إلى الاعتبار الأول ، لأنه في حقه‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٨٧.

(٢) السرائر : ١٧٨.


إلاّ أنه لو دفعه هنا لم يكن للمالك مطالبة الوكيل ، لأنه لم ينتزع عين ماله ، إذ لا يتعين إلاّ بقبضه أو قبض وكيله. وللغريم العود على الوكيل مع بقاء العين أو تلفها بتفريط ،

______________________________________________________

خاصة ، وهو كاف في وجوب التسليم ، كما أنه إذا ادعى شخص زوجية امرأة فأنكرت وحلفت فانّا نعتبر دعواه إقرارا بزوجيتها في حق نفسه ، وإن انتفت الزوجية بالنسبة إليها فلزوجيتها اعتباران بالنسبة إليه وبالنسبة إليها ، كما قلناه في أنّ لكون المدفوع من مال الغائب اعتبارين : أحدهما بالنسبة إلى المديون ، والآخر بالنسبة إلى الغائب.

ويؤيده عموم قوله 7 : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) ولم يثبت المخصص في محل النزاع ، والأصح مختار ابن إدريس (٢) ، فعلى هذا لو لم يعترف المديون بالوكالة فادعى عليه العلم حلف على نفيه.

قوله : ( إلاّ أنه لو دفعه هنا لم يكن للمالك مطالبة الوكيل ، لأنه لم ينتزع عين ماله ، إذ لا يتعين إلاّ بقبضه أو قبض وكيله ).

لما قاله المصنف ، وكذا لو كان الحق دينا أو هم استواء الدين والعين في الأحكام المذكورة في العين ، فاستدرك لدفع هذا الوهم بقوله : ( إلاّ أنه لو دفعه هنا لم يكن للمالك مطالبة الوكيل ) ، يعني على تقدير إنكار الوكالة وحلفه ، لأن الوكيل لم ينتزع عين ماله ، لانتفاء الوكالة ظاهرا فلا يتعين المقبوض له.

قوله : ( وللغريم العود على الوكيل مع بقاء العين أو تلفها بتفريط ).

أما الأول فظاهر ، لبقاء عين ما دفعه والوكيل لا يدعي استحقاقه ، وكذا المدين وقد استوفى دينه فيجب ردها إلى الدافع ، ومنه يظهر تقريب ما إذا تلفت العين‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧.

(٢) السرائر : ١٧٨.


ولا درك لو تلفت بغير تفريط.

وكل موضع يجب على الغريم الدفع لو أقر تلزمه اليمين لو أنكر.

ولو ادعى أنه وارث صاحب الحق فكذّبه حلف على نفي العلم ، فإن صدّقه على أن لا وارث سواه لزمه الدفع.

______________________________________________________

بتفريط ، لأن التالف في ذمة الوكيل.

قوله : ( ولا درك لو تلفت بغير تفريط ).

لاتفاق الدافع والقابض على براءة ذمة القابض من عهدتها ، لأنه بزعمهما وكيل ، والمدين ظالم بمطالبته وأخذه.

قوله : ( وكل موضع يجب على الغريم الدفع لو أقر يلزمه اليمين لو أنكر ).

لأن فائدة اليمين إقراره ، أو رده فيحلف المدعي ، فيكون كما لو أقر المنكر فحيث لا ينفذ إقراره لا يتوجه عليه اليمين.

فإن قيل : إنّ المردودة قد قيل انها كالبينة ، فيجب توجه اليمين هنا وإن لم يجب الدفع بإقراره.

قلنا : هي كالبينة بالنسبة إلى المتخاصمين دون الغائب فلا يزيد على الإقرار هنا.

قوله : ( ولو ادعى أنه وارث صاحب الحق فكذّبه حلف على نفي العلم ).

المراد : أنه لو ادعى شخص على من عنده مال زيد أنه وارثه وأن لا وارث غيره ، فأنكر المدعى عليه ولا بينة ، فادعى عليه العلم بالحال وأنكر حلف على نفي العلم ، لأنه لو أقر لنفذ إقراره.

وينبغي أن يكون ذلك بعد ثبوت الموت ، ومقتضى كلامه في التذكرة : أن إقرار‌


ولو ادعى إحالة الغائب عليه فصدقه أحتمل قويا وجوب الدفع إليه ، وعدمه ، لأن الدفع غير مبرئ ، لاحتمال إنكار المحيل.

______________________________________________________

من بيده المال بالموت كاف (١) ، وإطلاق العبارة هنا يشعر بذلك. ويشكل إذا كان المال عينا بأنه إقرار في حق الغير ، فكيف يتصور نفوذه بحيث يلزمه الحاكم بالتسليم ، ولا خفاء في بعد ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه إنما توجّهت اليمين على نفي العلم على من بيده المال حينئذ للحكم بانتقال المال إلى الوارث حينئذ في الجملة ، فإذا اتفقا على أن لا وارث سوى المدعي لم يكن ذلك إقرارا في حق الغير لانتفاء العلم بانتقاله إلى غيره ليكون إقرارا في حقه ، فمع الإنكار يتوجه عليه اليمين.

ومثله ما لو ثبت أن زيدا باع مالا له في يد الغير ، فادعى عمرو أنه المشتري ، وادعى العلم على من بيده المال ، فان صدّقه أمر بالتسليم ، وإلاّ حلف على نفي العلم.

ومن هذا يعلم وجه قوله : ( وإن صدّقه على أن لا وارث سواه لزمه الدفع ) ، أما لو صدّقه على أنه وارث في الجملة لم يجز دفع شي‌ء إليه ، لامتناع تسلطه على القسمة ، نعم له أن يبيع استحقاقه عليه وعلى غيره.

قوله : ( ولو ادعى إحالة الغائب عليه فصدّقه احتمل قويا وجوب الدفع إليه وعدمه ، لأن الدفع غير مبرئ لاحتمال إنكار المحيل ).

وجه الأول : اتفاقهما على أن كذا في ذمة المصدّق للمدعي ، لأن الحوالة ناقلة ، وما ذكره المصنف وجها للاحتمال الثاني ضعيف ، لأن منع المستحق من حقه لو جاز لاحتمال الإنكار الذي يصيّر الدفع غير مبرئ ، لمنع المستحق مطلقا ، لبقاء الاحتمال مع الإشهاد. وإنما يمنع المستحق ليشهد على نفسه فقط ، والأصح وجوب الدفع.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٩.


ولو قال الغريم للوكيل : لا تستحق المطالبة لم يلتفت إليه ، لأنه تكذيب لبينة الوكالة على اشكال.

ولو قال : عزلك الموكل حلف الوكيل على نفي العلم إن ادعاه ، وإلاّ فلا ، وكذا لو ادعى الإبراء أو القضاء.

ب : أن يختلفا في صفة التوكيل ، بأن يدّعي الوكالة في بيع العبد ، أو البيع بألف ، أو نسيئة ، أو في شراء عبد ، أو بعشرة فقال الموكل : بل في بيع الجارية ، أو بألفين ، أو نقد ، أو في شراء جارية ، أو بخمسة قدم قول الموكل‌

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال الغريم للوكيل : لا تستحق المطالبة لم يلتفت إليه ، لأنه تكذيب لبينة الوكالة على اشكال ).

ينشأ : من أن عدم استحقاق المطالبة قد لا يكون لكذب البينة ، لإمكان طروء العزل أو الإبراء عن الحق ، أو الأداء إلى الموكل ، أو إلى وكيل آخر ، وغير ذلك فتسمع دعواه.

ومن أن مقتضى إقامة البينة استحقاق المطالبة ، فنفيه ذلك ، رد لمقتضاها فلا يلتفت إليه.

والتحقيق : أن هذا القول قدر مشترك بين تكذيب البينة وبين الدعوى الشرعية فلا يلتفت إليه ، لاشتراكه بين ما يسمع وغيره ، ولأنه لا يعد دعوى شرعية فلا يستحق الجواب ، كما لو ادعى أن هذه ابنة أمتي حتى يأتي بما يكون دعوى ، كما أشار إليه المصنف بقوله : ( ولو قال : عزلك الموكل حلف الوكيل على نفي العلم إن ادّعاه وإلاّ فلا ، وكذا لو ادعى الإبراء أو القضاء ).

قوله : ( أن يختلفا في صفة التوكيل بان يدعي الوكالة في بيع العبد ، أو البيع بألف أو نسيئة ، أو في شراء عبد ، أو بعشرة فقال الموكل : بل في بيع الجارية ، أو بألفين ، أو نقدا ، أو في شراء جارية ، أو بخمسة قدّم قول الموكل‌


مع اليمين.

ولو ادعى الإذن في شراء الجارية بألفين ، فقال : بل أذنت في شراء غيرها ، أو فيها بألف وحلف ، فإن كان الشراء بالعين بطل العقد إن اعترف البائع أنّ الشراء لغيره أو بمال غيره ،

______________________________________________________

مع اليمين ).

لا يخفى أن توجه اليمين في هذه الدعوى إنما يكون إذا وقعت بعد التصرف ، لأنها قبله تندفع بمجرد الإنكار.

ووجه تقديم قول الموكل بيمينه : أن الموكل منكر ، لأن الأصل عدم صدور التوكيل الذي يدعيه الوكيل ، ولأن ذلك فعل الموكل وهو أعرف بحاله ومقاصده الصادرة عنه.

فإن قيل : الموكل يدّعي على الوكيل الخيانة بتصرفه على خلاف ما أمره ، فيجب أن يقدّم قوله باليمين ، لأمانته ، والأصل عدم الخيانة.

قلنا : هذا إنما يتّجه إذا اتفقا على الوكالة ، وذلك منتف هنا ، لأن اختلافهما في صفة التوكيل يفضي إلى الاختلاف في أصل التوكيل ، فلا تكون وكالته عنه محققة الحصول ، فلا وجه لتقديم قوله حينئذ.

قوله : ( ولو ادّعى الاذن في شراء الجارية بألفين ، فقال : بل أذنت في شراء غيرها ، أو فيها بألف وحلف ، فان كان الشراء بالعين بطل العقد إن اعترف البائع أن الشراء لغيره أو بمال غيره ).

هذه من جملة المسائل التي سبق بيان حكمها ، وأن قول الموكل بيمينه مقدّم فيها ، وإنما أعادها لبيان ما يتفرع عليها من المسائل ويلحقها من الأحكام.

وحاصلها : أنه إذا وقع الاختلاف المذكور وحلف الموكل نظر : فإما أن يكون الشراء للجارية بعين مال الموكل ، أو في الذمة ، والثاني سيأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى ،


وإلاّ حلف على نفي العلم إن ادعاه الوكيل عليه فيغرم الوكيل الثمن للموكل ، ولا تحل له الجارية ، لأنها مع الصدق للموكل ، ومع الكذب للبائع فيشتريها ممن هي له في الباطن.

فإن امتنع رفع الأمر إلى الحاكم ليأمر صاحبها ببيعها برفق ، وليس له جبره عليه ،

______________________________________________________

وأما الأول فحكمه بطلان العقد ظاهرا إن اعترف البائع أن الشراء لغير الوكيل ، أو بمال غيره يعني الموكل ، وكذا لو قامت البيّنة على ذلك ، لأنها تفيد ما يفيده إقرار المدعى عليه.

وإنما قلنا : إن العقد يبطل ظاهرا ، لأن التوكيل في ذلك انتفى بيمين الموكل فكان العقد فضوليا ، وقد انفسخ برده إياه المستفاد من إنكار التوكيل والحلف على عدمه ، لامتناع الرضى به مع الاقدام على اليمين عادة ، وأما بطلانه باطنا فهو دائر مع كذب الوكيل في دعواه وعدمه.

قوله : ( وإلاّ حلف على نفي العلم إن ادعاه الوكيل عليه ).

أي : وإن لم يعترف البائع بواحد من الأمرين ـ ولا بد من التقييد بأنه لم يقم على ذلك بيّنة ـ حلف البائع على نفي العلم بشي‌ء من الأمرين إن ادعى عليه الوكيل العلم بواحد منهما لا بدونه.

قوله : ( فيغرم الوكيل الثمن للموكل ، ولا تحل له الجارية ، لأنها مع الصدق للموكل ، ومع الكذب للبائع فيشتريها ممن هي له في الباطن ، فان امتنع رفع الأمر إلى الحاكم ليأمر صاحبها ببيعها برفق ، وليس له جبره عليه ).

أي : إذا حلف البائع ـ إن ادعى عليه الوكيل العلم ـ بعد حلف الموكل لم يبطل العقد ، بل يقع للوكيل ظاهرا ، فيغرم الثمن للموكل ، لأن الفرض أنه اشترى‌


فإن قال : إن كانت الجارية لي فقد بعتكها ، أو قال الموكل : إن كنت أذنت لك في شرائها بألفين فقد بعتكها فالأقرب الصحة ، لأنه أمر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا.

وكذا كل شرط علما وجوده فإنه لا يوجب شكا في البيع ولا وقوفه.

______________________________________________________

بعين ماله.

ولا تحل له الجارية قطعا ، لأنه إن كان صادقا في دعوى الوكالة فهي للموكل ، وإن كان كاذبا فهي للبائع ، لأنه اشتراها بعين مال الموكل فضولا ، وقد رد الموكل الشراء فانفسخ. ولكن طريق حلها له : أن يشتريها ممن هي له في الباطن ، فإنه يعلمه فليحتل في ذلك بنفسه وغيره.

فإن امتنع من هي له من البيع رفع الأمر إلى الحاكم ، لأنه المرجع ، ولقوله تأثير في النفوس فيأمر من أخبره الوكيل بأنه صاحبها ببيعها منه برفق ، ولا يجوز إجباره على ذلك ، لانتفاء الملك عنه ظاهرا ، وعلى انه لا يجب بيع مال شخص على آخر بغير سبب يقتضيه.

قوله : ( فإن قال : إن كانت الجارية لي فقد بعتكها ، أو قال الموكل : إن كنت أذنت لك في شرائها بألفين فقد بعتكها فالأقرب الصحة ، لأنه أمر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا ، وكذا كل شرط علما وجوده فإنه لا يوجب شكا في البيع ولا وقوفه ).

أي : فان قال من هي له في الباطن ، وما قربه المصنف قريب ، لأن التعليق إنما ينافي الإنشاء في العقود والإيقاعات حيث يكون المعلق عليه مجهول الحصول ، أما مع العلم بوجوده فلا ، لانتفاء الشك حينئذ في الإنشاء.

ولا ريب أن بيع الجارية إنما يتصور إذا كانت ملكا للبائع ، فهذا شرط بحسب الواقع ذكره أو لم يذكره. فإذا ذكره فقد صرح بالواقع. ويحتمل ضعيفا عدم الصحة ،


وإن اشترى في الذمة صح الشراء له ، فان كان صادقا توصل إلى شرائها من الموكل ، فإن امتنع أذن الحاكم في بيعها أو بعضها وتوفية حقه من ثمنها.

______________________________________________________

نظرا إلى صورة التعليق ، ولأنه اعترف بانتفاء الشرط فيكون البيع باطلا بزعمه ، وضعفه ظاهر ، إذ المطلوب حصول البيع باطنا بحسب الواقع لا بزعمه.

لكن هنا مناقشة ، وذلك أن قوله : ( يعلمان وجوده ) يستقيم بالنسبة إلى الوكيل والموكل ، أما بالنسبة إلى البائع فلا ، لأنه ربما لم يعلم الحال على حسب الواقع ، إلاّ أن يقال : يكفيه للعلم بوقوع الشرط وصحة العقد قول الوكيل وإن لم ينفذ ذلك في حقه ، ولهذا يحكم بصحة النكاح بمجرد دعوى الوكالة عن الغير مع جهل العاقد الآخر بها ، وكذا سائر العقود.

قوله : ( وإن اشترى في الذمة صح الشراء له ، فإن كان صادقا توصل إلى شرائها من الموكل ، فان امتنع أذن الحاكم في بيعها ، أو بعضها وتوفية حقه من ثمنها ).

هذا هو القسم الثاني ، وهو كون شراء الوكيل للجارية لا بعين مال الموكل بل في ذمته ، وحكمه وقوع الشراء له ظاهرا إن لم يثبت أنه أضاف الشراء إلى الموكل.

ثم أنه لا يخلو : إما أن يكون صادقا في دعوى التوكيل ووقوع الشراء للموكل ، أو لا ، فإن كان صادقا توصّل الى شراء الجارية من الموكل بأي طريق أمكنه ، فإن امتنع قال المصنف : أذن الحاكم في بيعها أو بيع بعضها وتوفية الثمن.

ويشكل بأن الحاكم لا يعلم صدق الوكيل ، وقد لزمه البيع ظاهرا فكيف يأمر بخلاف ما يعلم؟.

ويجاب بأنه لا محذور في هذا الإذن بالنسبة إليه ، لأنها إن كانت للوكيل فلا‌


______________________________________________________

حرج ، وإن كانت لغيره ، وقد امتنع من أخذها ورد مال الوكيل إليه تسلط الحاكم على الإذن في البيع فيصادف محلا على هذا التقدير.

وهذا صحيح في نفسه ، إلا انه ينبغي أن لا يتعين على الوكيل استئذان الحاكم ، بل يستقل هو بالبيع واستيفاء الثمن ، كما في المديون المماطل إذا ظفر صاحب الدين له بشي‌ء يخالف جنس دينه مع العجز عن الإثبات عند الحاكم ، وقد صرح المصنف بهذا في التذكرة (١) ، إلاّ أن الأول أولى.

والفرق بين ما هنا وبين مسألة المديون : أنه متى أقر صاحب الدين بمال المديون لم يأمن أن يعلم به المديون فيطالب به فينتزعه الحاكم ويسلّمه اليه ، وهذا المحذور منتف هنا. وقريب منه قوله : ( ولو اشتراها الوكيل من الحاكم بماله على الموكل جاز ).

وقد أورد عليه أن الحاكم إن ثبت عنده دعوى الوكيل فلا شراء بل يلزم بها الموكل ، وإلاّ فالثابت كونها للوكيل ظاهرا فكيف يبيعه إياها؟ وأجيب عنه بالحمل على أن المراد أنه إذا طلب الحاكم من الموكل البيع فامتنع تولّى الحاكم البيع ، فان كان الوكيل صادقا فللحاكم ولاية على الممتنع في مثل ذلك وإن كان كاذبا لغت الصيغة ، لأن الملك للوكيل.

واعلم أنه متى كان الوكيل مخالفا للموكل بحسب الواقع واشترى في الذمة ، وأضاف الشراء إلى الموكل ، أو نواه ولم يرض الموكل بطل العقد ، وتبقى الجارية على ملك البائع وإن كان الشراء ظاهرا للوكيل حيث لا يثبت أنه أضاف الشراء للموكل في العقد ، وقد صرّح المصنف في التذكرة بالبطلان إن سمى الموكل أو نواه (٢) ، وإن لم يتعرض اليه هنا.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٥.

(٢) التذكرة ٢ : ١٢٧.


ولو اشتراها الوكيل من الحاكم بماله على الموكل جاز.

ولو ادعى الإذن في البيع نسيئة قدّم قول الموكل مع يمينه ويأخذ العين ، فان تلفت في يد المشتري رجع على من شاء بالقيمة ، فإن رجع على المشتري رجع على الوكيل بما أخذ منه من الثمن ، وإن رجع على الوكيل لم يكن للوكيل أن يرجع في الحال ، بل عند الأجل بأقل الأمرين من الثمن والقيمة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ادعى الاذن في البيع نسيئة قدّم قول الموكل مع يمينه ويأخذ العين ، فان تلفت في يد المشتري رجع على من شاء بالقيمة ، فإن رجع على المشتري رجع على الوكيل بما أخذ منه من الثمن ، وإن رجع على الوكيل لم يكن للوكيل أن يرجع في الحال ، بل عند الأجل بأقل الأمرين من الثمن والقيمة ).

من صور الاختلاف في صفة الوكالة : ما إذا ادعى الوكيل الاذن في بيع مال الموكل نسيئة ـ وقد باعها كذلك ـ وأنكر الموكل فالقول قول الموكل بيمينه.

ثم المشتري إما أن ينكر الوكالة ، أو يعترف بها. فإن أنكرها وقال : إن البائع إنما باع ملكه احتاج الموكل إلى البينة ، ومع عدمها فالقول قول المشتري بيمينه أنه لا يعلم بالوكالة ـ لأنها يمين على نفي فعل الغير ، فان حلف أقرّت في يده ، ويرجع على الوكيل بالقيمة ، لتعذر استرداد العين ، وإن نكل ردت اليمين على الموكل.

فإذا حلف على ثبوت الوكالة حكم ببطلان البيع ، وإن نكل فهو كما لو حلف المشتري.

ونكول الموكل عن يمين الرد في خصومة المشتري لا يمنعه من الحلف على الوكيل ، فإذا حلف عليه فله أن يغرم الوكيل قيمة المبيع أو مثلة ، والوكيل لا يطالب المشتري بشي‌ء حتى يحل الأجل مؤاخذة له بموجب تصرفه ، فإذا حل نظر فإن رجع‌


______________________________________________________

عن قوله الأول وصدق الموكل فلا يأخذ من المشتري إلاّ أقل الأمرين من الثمن والقيمة ، لأنه إن كان الثمن أقل فهو موجب عقده وتصرفه فلا يقبل رجوعه فيما يلزم زيادة على الغير.

وإن كانت القيمة أقل فهي التي غرمها فلا يرجع بزيادة عليها ، لاعترافه آخرا بفساد العقد ، وإن لم يرجع بل أصرّ على قوله الأول طالب بالثمن كله. فان كان بقدر القيمة أو أقل فلا بحث ، وإن زاد فالزيادة للموكل بزعمه وهو ينكرها فيحفظها أو يدفعها إلى الحاكم ، كل محتمل ، والثاني أوضح دليلا. ولو توصّل إلى إيصالها إلى الموكل بصورة هدية ونحوها لكان طريقا إلى البراءة ، وحينئذ فيجب مع إمكانه تقديمه على التسليم إلى الحاكم.

فإن قيل : إذا أنكر الموكل التوكيل في البيع نسيئة كان ذلك عزلا للوكيل على رأي ، فكيف يملك الوكيل بعده استيفاء الثمن؟.

أجيب بأن الموكل قد ظلمه بزعمه بتغريمه ، وقد ظفر بجنس حقه من ماله فيجوز أخذه ، بل لو كان من غير الجنس جاز أيضا. ولا يتخرج على القولين في الظفر بغير جنس الحق في غير هذه الصورة ، لأن المالك ثم يدعيه لنفسه ويمنع الغير عنه ، بخلاف الموكل فأولى مصارفه التسليم إلى الوكيل الغارم ، كذا قيل ، وهذا يتم فيما عدا الزيادة.

وقيل : إن الجواب لا يكون دافعا للسؤال ، لأن الجواب حينئذ راجع إلى أن الأخذ ما يشاء من الوكالة.

وجوابه : إن السؤال حاصله هكذا : قد عزل فكيف استحق الأخذ؟.

وجوابه حينئذ ما ذكر هذا حكم ما إذا أنكر الوكالة ، وأما إذا اعترف بها فإما أن يصدّق الموكل فالبيع باطل وعليه رد المبيع مع بقائه ، ومع تلفه يتخيّر المالك في تغريم كل من الوكيل والمشتري ، لعدوان الوكيل بالتسليم والمشتري بالأخذ ، وقرار الضمان‌


______________________________________________________

على المشتري ، لحصول الهلاك في يده.

نعم يرجع بالثمن الذي دفعه مع بقائه ، لفساد البيع ، وإن صدّق الوكيل قدّم قول الموكل بيمينه ، لأنه منكر ، فإذا حلف أخذ العين ، ومع تلفها رجع بالقيمة على من شاء منهما.

فإن رجع على المشتري رجع على الوكيل بالثمن ، إذ لا حق له فيه ، وإن رجع على الوكيل قبل الأجل رجع به بعد الحلول على المشتري لا قبله ، وحكم زيادته على القيمة لو كانت ما تقدم. وإن نكل حلف المشتري لتصديقه الوكيل وبقيت له ، ثم تكون الخصومة بين الوكيل والموكل ، فان حلف الوكيل اندفع عنه الغرم ، وإلاّ فلا.

إذا عرفت ذلك فأرجع إلى عبارة الكتاب ، وأعلم أن قول المصنف : ( قدم قول الموكل مع يمينه ). إنما هو بالنسبة إلى الوكيل ، أما بالنسبة إلى المشتري فإنما يقدّم قوله إذا اعترف المشتري بالوكالة ، أو يثبت ذلك بالبينة كما سبق أول البحث.

وقوله : ( فإن رجع على المشتري بالقيمة رجع على الوكيل بما أخذ منه من الثمن ) إنما يستقيم إذا ثبت أصل التوكيل ، وحلف الموكل على نفي ما يدعيه الوكيل ، إلاّ أنه إذا رجع الموكل بالقيمة على المشتري رجع على الوكيل بأكثر الأمرين من القيمة والثمن إذا كان جاهلا بالمخالفة.

أما إذا كان الثمن أكثر فظاهر ، لفساد البيع ، وأما إذا كانت القيمة أكثر ، فلأن المغرور يرجع على من غرّه مع احتمال عدم الرجوع بالزيادة ، لأن التلف في يده وقد قبض العين مضمونة ، وقد سبق في البيع أن في الرجوع بالزيادة إشكال.

وقوله : ( وان رجع على الوكيل لم يكن للوكيل ان يرجع في الحال بل عند الأجل بأقل الأمرين ) إنما يستقيم إذا لم تثبت الوكالة بالنسبة إلى المشتري ، لكن نكل الموكل عن اليمين على عدم الاذن في النسيئة ، فحلف المشتري ثم رجع الوكيل إلى تصديق الموكل ، وبدون ذلك يرجع بالثمن كله ، ويسلم الزيادة إلى الحاكم أو‌


______________________________________________________

يحفظها ، ويتوصل إلى إيصالها إلى الموكل بأي طريق أمكن. وهذا إنما هو إذا كان وكيلا في القبض ولم يقل : إنّ الإنكار يوجب العزل ، فلو لم يكن وكيلا فيه.

كما يمكن حمل عبارة الكتاب عليه ، لإطلاقها ، أو كان وكيلا وقلنا ينعزل بالإنكار ، فإنما يرجع بأقل الأمرين مع الرجوع عليه خصوصا على القول بأن الإنكار لا يقتضي العزل ، وهنا مباحث :

الأول : ظاهر إطلاق قولهم : إنّ الموكل إذا حلف على عدم الاذن في النسيئة استرد العين ، الاكتفاء باليمين الواقعة بتحليف الوكيل إذا اعترف المشتري بأصل التوكيل. ويشكل ذلك بأن أثر اليمين إنما هو بالنسبة إلى المتخاصمين ، إلاّ أن يقال : اليمين على نفي التوكيل في ذلك التصرف يقتضي رفع ذلك التصرف فينبغي تأمل ذلك.

الثاني : وقع في عبارة التذكرة (١) وغيرها (٢) مثل ما ذكرناه في آخر البحث ، من أنه إذا نكل الموكل عن الحلف لنفي الاذن في النسيئة ، وقد صدّق المشتري الوكيل حلف المشتري. والمراد حلفه على ان الموكل أذن في ذلك ، فلو نكل عن اليمين المردودة ونكل الوكيل فلا تصريح في كلامهم بحكم ذلك ، وينبغي أن يكون كما لو حلف الموكل.

الثالث : لو ادعى الموكل على المشتري العلم ، ونكل عن اليمين على نفيه مع الإنكار فردت على البائع فنكل ففي الحكم تردد.

الرابع : لم يذكر في التذكرة حكم ما إذا اعترف البائع بالوكالة ، ولم يصدّق واحدا منهما بأن قال : لا أعلم الحال. وحكمه أنه إذا حلف الموكل استرد العين ، ومع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٦.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٣٦.


ولو ادعى الإذن في البيع بألف ، فقال : إنما أذنت بألفين حلف الموكل ثم يستعيد العين ، ومع التلف المثل أو القيمة على من شاء ، فإن رجع على المشتري لم يرجع على الوكيل إن صدقه ، وإن رجع على الوكيل رجع الوكيل عليه بأقل الأمرين من ثمنه وما اغترمه.

______________________________________________________

تلفها : إن رجع على البائع ينبغي أن يرجع على الوكيل بأكثر الأمرين ، وإن رجع على الوكيل رجع بعد الحلول بأقل الأمرين إن رجع إلى تصديق الموكل ، وإلاّ فبالثمن ، وحكم الزيادة على القيمة في يده ما سبق في الأول.

قوله : ( ولو ادعى الاذن في البيع بألف فقال : إنما أذنت بألفين حلف الموكل ثم استعيد العين ، ومع التلف المثل أو القيمة على من شاء ، فإن رجع على المشتري لم يرجع على الوكيل إن صدّقه ، وإن رجع على الوكيل رجع الوكيل عليه بأقل الأمرين من ثمنه وما اغترمه ).

الحكم في هذه كالحكم في المسألة السابقة بغير تفاوت ، وقول المصنف : ( حلف الموكل ثم استعيد العين ... ) إنما يستقيم بعد ثبوت أصل التوكيل مع حلفه على نفي ما يدعيه الوكيل.

( واعلم أن إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين أن يكون قد ادعى حصول الرد أو التلف قبل الجحود أو بعده ، وقد حكي عن أكثر الشافعية سماع بينته لو ادعى الرد بعد الجحود ، بان غايته أن يكون بالجحود عاصيا ، فإذا رجع إلى الاعتراف ، أو قامت عليه البينة فادعى الرد بعد الجحود لم يكن مكذبا.

واختار المصنف هذا الفرق في الإرشاد ، وقرّب في التحرير عدم القبول من غير تفصيل. والذي سبق في عبارة هذا الكتاب في الضمان من الوكالة يدل بمفهومه على صحة هذا التفصيل ، والقول به لا يخلو من قوة ، لأن التنافي بين الكلامين السابقين ، أما اللاحق فلا ، وإلاّ لزم أنه لو اعترف بالقبض ثم ادعى تجدد التلف لا‌


ج : أن يختلفا في التصرف ، كان يقول : تصرفت كما أذنت من بيع أو عتق ، فيقول الموكل : لم تتصرف بعد فالأقرب تقديم قول الوكيل ، لأنه أمين وقادر على الإنشاء والتصرف اليه.

ويحتمل تقديم قول الموكل ، للأصل الدال على عدم إلزام الموكل بإقرار غيره.

______________________________________________________

تسمع دعواه ، وهو باطل ) (١).

وقوله : ( فإن رجع على المشتري لم يرجع على الوكيل إن صدّقه ) ليس بجيد ، لأنه مع تصديقه إياه لا يستحق الوكيل الثمن المدفوع اليه والموكل لا يدعيه ، وقد أغرم المشتري عوض العين فلا مصرف أولى به من هذا.

نعم لو كان فيه زيادة عن القيمة اتجه أن لا يرجع بها.

وقوله : ( وإن رجع على الوكيل رجع عليه بأقل الأمرين من ثمنه وما اغترمه ).

لا يخفى أن ذلك إنما هو إذا لم يثبت أصل التوكيل ورجع الوكيل الى تصديق الموكل ، فليتأمل ذلك.

قوله : ( الثالث : أن يختلفا في التصرف ، كأن يقول : تصرفت كما أذنت من بيع أو عتق فيقول الموكل : لم تتصرف بعد فالأقرب تقديم قول الوكيل ، لأنه أمين وقادر على الإنشاء والتصرف إليه. ويحتمل تقديم قول الموكل ، للأصل الدال على عدم إلزام الموكل بإقرار غيره ).

جزم المصنف في التذكرة بأن هذا النزاع بعد عزل الوكيل ، فالقول قول الموكل بيمينه ، واستقرب كون النزاع قبل العزل مثله (٢) ، وتردد في التحرير (٣).

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « ه‍ ».

(٢) التذكرة ٢ : ١٣٧.

(٣) التحرير ١ : ٢٣٦.


ولو قال : اشتريت لنفسي أو لك قدم قوله مع اليمين.

ولو قال : اشتريت بمائة ، فقال الموكل : بخمسين احتمل تقديم قول الوكيل ، لأنه أمين ، والموكل ، لأنه غارم ، والوكيل إن كان الشراء بالعين ، لأنه الغارم لما زاد على الخمسين ، والموكل إن كان الشراء في الذمة ، لأنه الغارم.

______________________________________________________

وحاصل الوجهين يرجع إلى أن الأصل عدم التصرف ، والأصل بقاء الملك على مالكه فيقدّم قول الموكل ، وأن الاختلاف في فعل الوكيل وهو أعلم به.

والظاهر من كون التصرف إليه وقدرته على الإنشاء إيقاع الفعل ، لانتفاء المقتضي للتأخير فيقدّم قول الوكيل ، وهو قول الشيخ (١). ويؤيد هذا أنه لولاه لحصل الضرر ، فإنه ربما كان صادقا وتعذر إقامة البينة ، ولم يتمكن من انتزاعه ممن اشتراه فتكليفه بذلك ضرر بيّن.

ولا يخفى أن تقديم قول الموكل أمتن دليلا ، وتقديم قول الوكيل أنسب بكونه أمينا ومتصرفا لغيره ، فللتوقف مجال ، وإن كان لتقديم قول الوكيل وجه لئلا يلزم الإضرار به ، ولأنّه محسن فيجب أن ينتفي عنه السبيل.

قوله : ( ولو قال : اشتريت لنفسي أو لك قدّم قوله مع اليمين ).

لأن ذلك راجع إلى قصده ، ولا يعلم إلاّ من قبله.

قوله : ( ولو قال : اشتريت بمائة ، فقال الموكل : بخمسين احتمل تقديم قول الوكيل لأنه أمين ، والموكل لأنه غارم ، والوكيل إن كان الشراء بالعين لأنه الغارم لما زاد على الخمسين ، والموكل إن كان الشراء في الذمة لأنه الغارم ).

أي : إذا وقع الاختلاف بين الوكيل والموكل في الثمن الذي وقع الشراء به فقال الوكيل : اشتريت بمائة ، وقال الموكل : بل بخمسين ، والحال أن المبيع يساوي مائة‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٧٣.


______________________________________________________

كما ذكره في التحرير (١) ، وإلاّ لم يكن الشراء صحيحا ـ ففيه احتمالات ثلاثة :

تقديم قول الوكيل ، لأنه أمين ، ولأن الاختلاف في فعله ، ولأنه ربما كان صادقا وتعذر عليه إقامة البينة فيلزم إضراره بالغرم ، ولأنه محسن بتصرفه للموكل وما على المحسنين من سبيل ، ولأن الظاهر أن الشي‌ء انما يشترى بقيمته.

وتقديم قول الموكل ، لأن الأصل عدم الزائد ، ولأن ذلك إثبات حق للبائع على الموكل.

والتفصيل بأنه إن كان الشراء بالعين ـ أي بعين مال الموكل ـ قدم قول الوكيل ، لأن الموكل حينئذ يطالبه برد ما زاد على الخمسين ، والأصول تقتضي تقديم قول الغارم ، وان كان في الذمة قدم قول الموكل ، لأن الوكيل يطالبه بالزائد فهو الغارم ، وهذا التفصيل مذهب أبي حنيفة (٢).

وقد رده المصنف في التذكرة بإبطال الفرق المذكور ، من حيث ان الغارم في الموضعين هو الموكل ، لأن الوكيل إما أن يطالبه بالثمن ، أو يؤديه من مال الموكل الذي في يده (٣).

ويدل على ضعف الاحتمال الثاني أنه وإن كان الأصل عدم الزائد وعدم ثبوت حق آخر للبائع على الموكل ، إلاّ أن الأصل عدم استحقاق الغير العين بالثمن الأقل. والظاهر عدم شراء ما يساوي مائة بخمسين ، فحينئذ الاحتمال الأول أقوى ، وهو مختار الشيخ في المبسوط (٤) ، والثاني مختار نجم الدين بن سعيد (٥).

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٣٦.

(٢) انظر : المغني لابن قدامة ٥ : ٢٢٢.

(٣) التذكرة ٢ : ١٤٠.

(٤) المبسوط ٢ : ٣٩٢.

(٥) شرائع الإسلام ٢ : ٢٠٦.


د : أن يختلفا في الرد ، فلو ادعى الوكيل رد العين أو رد ثمنها قدّم قول الموكل على رأي ، وقول الوكيل إن كان بغير جعل على رأي.

ولو أنكر الوكيل قبض المال ثم ثبت ببينة ، أو اعتراف فادعى الرد أو التلف لم تسمع بينته.

______________________________________________________

قوله : ( الرابع : أن يختلفا في الرد ، فلو ادعى الوكيل رد العين أو رد ثمنها قدم قول الموكل على رأي ، وقول الوكيل إن كان بغير جعل على رأي ).

الأول قول ابن إدريس (١) ، وابن سعيد في الشرائع (٢) ، عملا بعموم : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (٣) ، فإن الأصل عدم الرد.

والثاني قول الشيخ في المبسوط (٤) ، وابن البراج (٥) ، واختاره الشيخ نجم الدين في النافع (٦) ، وهو الأصح ، لأن الوكيل أمين ، وقد قبض المال لمحض مصلحة الموكل كالمستودع فهو محسن ، ولأنه ربما ادى عدم قبول قوله إلاّ بالبينة إلى الاعراض عن قبول الوكالة ، وذلك ضرر لما في التوكيل من الرفق العظيم.

قوله : ( ولو أنكر الوكيل قبض المال ثم ثبت ببينة أو اعتراف فادعى الرد أو التلف لم تسمع بينته ).

لأنه قد أكذبها بإنكار القبض أولا ، ولو ادعى على الموكل العلم بصحة دعوى التلف فهل له إحلافه؟ سبق في الوديعة مثله ، ويجي‌ء على ما سبق في المطلب‌

__________________

(١) السرائر : ١٧٨.

(٢) شرائع الإسلام ٢ : ٢٠٣.

(٣) مستدرك الوسائل ٣ : ١٩٨ ، عوالي اللآلي ١ : ٤٥٣ حديث ١٨٨.

(٤) المبسوط ٢ : ٣٧٢.

(٥) جواهر الفقه ( المطبوع ضمن الجوامع الفقهية ) : ٤٢٥.

(٦) المختصر النافع : ١٥٥.


ويقبل قول الوصي في الإنفاق بالمعروف ، لا في تسليم المال الى الموصى له ، وكذا الأب والجد له والحاكم وأمينه لو أنكر الصبي بعد رشده التسليم إليه ، والشريك والمضارب ومن حصلت في يده ضالة.

______________________________________________________

الرابع في الضمان أنه لو أظهر تأويلا كاستناده في الإنكار إلى نسيان ونحوه سمعت.

وأعلم أن إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين أن يكون قد ادعى حصول الرد أو التلف قبل الجحود أو بعده ، وقد حكي عن أكثر الشافعية سماع بينته لو ادعى الرد بعد الجحود ، لأن غايته ان يكون بالجحود غاصبا ، فإذا رجع الى الاعتراف ، أو قامت عليه البينة فادعى الرد بعد الجحود لم يكن مكذبا لبينته (١). واختار المصنف هذا الفرق في الإرشاد ، وقرب في التحرير عدم القبول من غير تفصيل (٢).

والذي سبق في عبارة هذا الكتاب في الضمان من الوكالة يدل بمفهومه على صحة هذا التفصيل ، والقول به لا يخلو من قوة ، لأن التنافي بين الكلامين السابقين ، أما اللاحق فلا ، وإلاّ لزم أنه لو اعترف بالقبض ثم ادعى تجدد التلف لا تسمع دعواه ، وهو باطل.

قوله : ( ويقبل قول الوصي في الإنفاق بالمعروف ، لا في تسليم المال الى الموصى له ، وكذا الأب والجد له ، والحاكم وأمينه لو أنكر الصبي بعد رشده التسليم اليه ، والشريك ، والمضارب ، ومن حصل في يده ضالة ).

أما قبول قوله في الإنفاق بالمعروف ـ أي : الإنفاق المأمور به شرعا الخالي من الإسراف ـ فلأنه أمين يساعده ظاهر الحال على ذلك ، فإن الطفل لا بد له من إنفاق بحسب العادة ، فإذا اختلف الوصي والطفل بعد كماله في قدر الإنفاق قدم قول الوصي بيمينه فيما لا يتضمن إسرافا عملا بالظاهر ، ولأن الإنفاق تتعذر إقامة البينة‌

__________________

(١) انظر : المجموع ١٤ : ١٦٧ ، الوجيز ١ : ١٩٤.

(٢) التحرير ١ : ٢٣٦.


هـ : أن يختلفا في التلف ، فلو ادعى الوكيل تلف المال أو تلف الثمن الذي قبضه ، فكذّبه الموكل قدّم قول الوكيل مع اليمين ، وكذا الأب والجد والحاكم وأمينه ، وكل من في يده أمانة.

ولا فرق بين السبب الظاهر والخفي.

______________________________________________________

عليه ، فلو لم يقبل فيه يمين المنفق لأدى ذلك الى ضياع مصلحة الطفل.

أما إذا ادعى تسليم المال فإنه يكلّف البينة ، لعموم الخبر (١) ، ولا شعار قوله تعالى ( فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ) (٢) بذلك ، ولأنه لم يأتمنه على ذلك فيكلّف تصديقه.

وكذا القول في كل ولي ـ وهو الأب ، والجد له ، والحاكم ، وأمينه ، ووكيل أحدهم ، والمجنون والسفيه بعد الكمال كالصبي ـ ، والقول في الشريك بالنسبة إلى الإنفاق بالمعروف والرد ، وعامل المضاربة ومن حصل في يده ضالة كالوصي فيما قلناه.

قوله : ( الخامس : ان يختلفا في التلف ، فلو ادعى الوكيل تلف المال ، أو تلف الثمن الذي قبضه ، وكذّبه الموكل قدّم قول الوكيل مع اليمين ، وكذا الأب والجد والحاكم ، وكل من في يده أمانة ، ولا فرق بين السبب الظاهر والخفي ).

إنما قدّم قول كل واحد ممن ذكر في دعوى التلف ، لأنه أمين قبض المال لمصلحة غيره ، وربّما كان صادقا في دعواه ، وتعذر عليه إقامة البينة فأفضى الحال الى الغرم ، الموجب لامتناع الناس من الدخول في الأمانات مع شدة الحاجة إليها ، وفرّق بعض العامة بين التلف بأمر ظاهر فأوجب إقامة البينة عليه دون الخفي (٣).

__________________

(١) إشارة لقوله 6 : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر ».

(٢) النساء : ٦.

(٣) المجموع ١٤ : ١٦٦.


ولو قال بعد تسليم المبيع : قبضت الثمن وتلف في يدي قدّم قوله ، لأن الموكل يجعله خائنا بالتسليم قبل الاستيفاء.

ولو ظهر في المبيع عيب ردّه على الوكيل دون الموكل ، لأنه لم يثبت وصول الثمن اليه ، والأقرب ردّه على الموكل.

ولو قال : قبله قدّم قول الموكل ، لأن الأصل‌ بقاء حقه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال بعد تسليم المبيع : قبضت الثمن وتلف في يدي قدّم قوله ).

لأن الموكل يجعله خائنا بالتسليم قبل الاستيفاء فيقدّم قوله بيمينه ، لأنه يحاول بذلك دفع الخيانة والغرم عن نفسه ، وأصالة عدم القبض معارضة بأصالة براءة الذمة من وجوب الغرم ، ويبقى تقديم قول الوكيل في عدم الخيانة بغير معارض.

قوله : ( ولو ظهر في المبيع عيب ردّه على الوكيل دون الموكل ، لأنه لم يثبت وصول الثمن اليه ، والأقرب رده على الموكل ).

أي : لو ظهر في المبيع عيب وأراد المشتري ردّه فإنّما يردّه على الوكيل دون الموكل ، لأنه لم يثبت وصول الثمن اليه ، قاله الشيخ ; (١) ، والمراد : أنه إذا علم المشتري بالوكالة كما يرشد اليه تعليل الشيخ.

والأقرب عند المصنف ردّه على الموكل دون الوكيل ، لأنه أمين ونائب عن الموكل ، والبائع في الحقيقة هو الموكل ، ولا أثر لوصول الثمن اليه وعدمه ، بل لا يجوز ردّه على الوكيل ، لأنه ينعزل بفعل متعلق الوكالة ، إلاّ أن يكون وكيلا في قبضه على تقدير الرد. وكيف كان فقول الشيخ ضعيف ، وكذا تعليله.

قوله : ( ولو قال قبله : قدّم قول الموكل ، لأن الأصل‌ بقاء حقه ).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٤٠٤.


ولو أقر بقبض الدين من الغريم قدّم قول الموكل على إشكال.

و : أن يختلفا في التفريط أو التعدي فالقول قول الوكيل.

______________________________________________________

أي : لو قال الوكيل قبل تسليم المبيع : قبضت الثمن وتلف في يدي قدّم قول الموكل ، لأن الأصل عدم القبض وبقاء حق الموكل عند المشتري ، وقول الوكيل في التلف إنما يقدّم إذا ثبت وصول المال اليه.

قوله : ( ولو أقر بقبض الدين من الغريم قدّم قول الموكل على إشكال ).

أي : لو أقر الوكيل بقبض الدين من الغريم أنه قبضه وأنكره الوكيل قدّم قول الموكل على إشكال ينشأ : من أن الاختلاف في فعل الوكيل فيقدّم قوله فيه ولأنه أمين ، ومن أصالة بقاء حق الموكل عند الغريم.

والفرق بين هذه وبين التي قبلها : أن الاختلاف إنما هو في فعل الوكيل ، وقول الموكل معتضد بالأصل وليس ثم ما ينافيه ، بخلاف الأولى ، لأن قول الموكل فيها وإن كان معتضدا بالأصل إلاّ أنه يقتضي خيانة الوكيل ، وتضمينه تسليمه المبيع قبل القبض فيكون القول قوله.

وتردد في الفرق صاحب الشرائع نظرا إلى أن كلا من المسألتين من فروع اختلاف الموكل والوكيل في التصرف ، فإن كان المقدم قول الموكل فلا فرق بينهما ، وكذا لو قلنا بتقديم قول الوكيل (١) ، ورضي هذا الإشكال شيخنا الشهيد في حواشيه.

ولقائل أن يقول : إن قدّمنا قول الموكل في الاختلاف في التصرف فالمتجه تقديم قول الوكيل في المسألة السابقة ، لقوة جانبه بدفع دعوى الخيانة عنه والغرم ، وإن قدّمنا قول الوكيل فهما سواء في الحكم وإن كان مدركه في هذه أقوى ، وقد عرفت أن تقديم قول الوكيل في التصرف لا يخلو من وجه.

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٢٠٦.


المقصد السابع : في السبق والرمي وفيه بابان.

الأول : في السبق :

مقدمة : السبق بسكون الباء : المصدر ، وبالتحريك : العوض ، وهو الخطر والندب والرهن ، يقال : سبّق بتشديد الباء إذا أخرج السبق وإذا أحرزه :

والسابق هو المتقدم بالعنق والكتد ، وقيل بالاذن

______________________________________________________

قوله : ( مقدمة : السبق بسكون الباء : المصدر ، وبالتحريك : العوض ، وهو الخطر والندب والرهن ).

الخطر والندب محركتان ، وقد يقال الندب للرشق ، وقد يقال للخطر الفرع والوجب.

قوله : ( والسابق هو المتقدم بالعنق والكتد وقيل بالاذن ).

الكتد بفتح التاء وكسرها : هو الكاهل ، وهو العالي ما بين أصل العنق والظهر ، وهو من الخيل مكان السنام من البقر ، وهو مجتمع الكتفين. وفي القاموس : الكتد محركة : مجتمع الكتفين من الإنسان والفرس كالكتد ، أو هما الكاهل ، أو ما بين الكاهل الى الظهر (١).

إذا تقرر ذلك فالقول الأول هو مختار الشيخ (٢) ، وأكثر الأصحاب (٣). وقال ابن الجنيد بالثاني (٤) ، محتجا بقول النبي 6 : « بعثت والساعة كفرسي‌

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٣٤٤ « كتد ».

(٢) المبسوط ٦ : ٢٩٥.

(٣) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٢٣٥ ، وولد العلامة في الإيضاح ٢ : ٣٦٣.

(٤) نقله عنه ولد العلامة في إيضاح الفوائد.


______________________________________________________

رهان كاد أحدهما أن يسبق الآخر باذنه » (١).

وردّ بالحمل على المبالغة ، وأن ذلك خرج مخرج ضرب المثل على حد قوله 7 : « من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة » (٢) ، مع امتناع بناء مسجد كذلك ، لأن أحد الفرسين قد يرفع رأسه فيقدّم اذن الآخر عليه مع كون الأول هو السابق ، والعمل على المشهور.

وان كان الرد غير قادح ، لأن المراد : التقدم بسبب العدو.

والأعضاء التي جرى ذكرها في كلام الأكثر لاعتبار السبق بها ثلاثة : الكتد ، والأقدام ، والعنق ، فيحصل السبق بالأقدام ، فأي الفرسين تقدمت يداه عند الغاية فهو السابق ، لأن السبق يحصل بهما والجري عليهما.

وكذا يحصل بالكتد ، فأي الفرسين سبق كتده فهو السابق ، سواء تساويا في الطول والقصر أو اختلفا.

وكذا يحصل بالعنق ، فأي الفرسين سبق عنقه أو بعضه مع تساويهما في الطول والقصر فهو السابق.

وكذا إن اختلفا وسبق القصير ، وإن سبق الطويل بجميع العنق أو بأزيد مما به التفاوت فقد سبق ، وإن كان بأقل فالقصير هو السابق ، لأنه يكون قد سبق بكتده ولا اعتبار بالعنق ، ولو دفع أحد الفرسين عنقه بحيث لم يمكن اعتبار السبق به فالاعتبار بالكتد والاقدام.

وأعلم أن الجمع بين الأمرين ، أعني المتقدّم بالعنق والكتد في كلام المصنف‌

__________________

(١) كنز العمال ١٤ : ١٩٥ حديث ٣٨٣٥٠ و ٥٤٧ حديث ٣٩٥٧١.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٥٢ حديث ٧٠٤.


وهو المجلّي ، والمصلّي هو الثاني ، لأنه يحاذي رأسه صلوي المجلى.والصلوان : عظمان نابتان عن يمين الذنب وشماله ، والتالي هو الثالث ، والبارع هو الرابع ، والمرتاح الخامس ، والخطي السادس ، والعاطف السابع ، والمؤمل الثامن ، واللطيم التاسع ، والسكيت العاشر ، والفسكل الأخير.

______________________________________________________

نظرا الى أن العنق قد يكون في أحد الفرسين أطول ، وقد ينفرد أحدهما برفع الرأس ، فإذا اعتبر مع تقدّم العنق تقدم الكتد فقد حصل السبق قطعا.

قوله : ( وهو المجلّي ، والمصلّي هو الثاني ، لأنه يحاذي رأسه صلوي المجلّي ، والصلوان عظمان نابتان عن يمين الذنب وشماله ، والتالي هو الثالث ، والبارع هو الرابع ، والمرتاح الخامس ، والخطي السادس ، والعاطف السابع ، والمؤمل الثامن ، واللطيم التاسع ، والسكيت العاشر ، والفسكل الأخير ).

هذه أسماء خيل الحلبة ، وهي بالحاء المهملة وإسكان اللام خيل تجمع للسباق من كل أوب لا تخرج من اسطبل واحد.

فالمجلى : هو السابق كأنه جلي عن نفسه ، أي عبر عنها وأظهرها بسبقه ، أو جلي عن صاحبه وأظهر فروسيته ، أو جلي همه بأنه سبق. والتالي للمصلي هو الثالث ، ويليه البارع ، وسمّي بذلك لأنه برع المتأخر عنه أي فاته ، ثم المرتاح وسمي بذلك لأن الارتياح النشاط ، فكأنه نشط فلحق بالسوابق ، ويليه الخطي ، لانه خطى عند صاحبه حيث لحق بالسوابق ، أي صار ذا حظوة عنده ، أي نصيب أو في مال الرهان ، ثم العاطف ، لأنه عطف إليها أي مال إليها ، أو كر عليها فلحقها ، ثم المؤمل مؤمل سبقه أو كونه إحدى السوابق ، ثم اللطيم كأمير ، ثم السكيت مصغرا ، قال في الجمهرة في باب ما تكلم به العرب مصغرا : والسكيت آخر فرس يجي‌ء في الرهان وهو الفسكل.


والمحلل : هو الذي يدخل بين المتراهنين إن سبق أخذ ، وإن سبق لم يغرم.

______________________________________________________

وعبارة المصنف هنا ، وصريح كلامه في التذكرة أن الفسكل غير العاشر (١) ، ونقل الشهيد في حاشيته عن نفطويه تصديق ما ذكرته عن الجمهرة ، وذكر أن السكيت إنما سمّي كذلك لانقطاع العدد عنده ، أو لسكوت ربه إذا قيل لمن هذا ، وأنهم كانوا يجعلون في عنقه حبلا ، وربما أركبوه فردا يركّضه.

وذكر في الصحاح والقاموس : أن القاشر والقاشور : الجائي في آخر خيل الحلبة (٢) ، فيكون هو السكيت بناء على أن خيل الحلبة التي لها أسماء عند العرب عشرة كما صرّح به بعض المعتمدين. وذكر في القاموس : أن الفسكل كقنفذ وزبرج وزنبور وبرذون : الفرس الذي يجي‌ء في الحلبة آخر الخيل (٣).

قوله : ( والمحلّل : هو الذي يدخل بين المتراهنين ان سبق أخذ وإن سبق لم يغرم ).

أي الذي يدخل على وجه يتناوله العقد بالشرط المذكور ، وإنما سمّي محللا لتحريم العقد المذكور بدونه إذا أخرج السبق كل من المتسابقين عند ابن الجنيد منّا (٤) والشافعي (٥) ، لأنه قمار.

* * *

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٥٤.

(٢) الصحاح ٢ : ٧٩٢ ، القاموس المحيط ٢ : ١١٧ « قشر ».

(٣) القاموس ٤ : ٢٩ « فسل ».

(٤) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٨٤.

(٥) انظر : المجموع ١٥ : ١٥٠.


والغاية : مدى السباق.

والمناضلة : المسابقة والمراماة ،

وفي هذا الباب مطلبان :

المطلب الأول : في الشروط ، وهي تسعة :

أ : العقد ، ولا بد فيه من إيجاب وقبول ، وقيل : إنها جعالة يكفي فيها الإيجاب وهو البذل.

ب : ما يسابق عليه : وإنما يصح على ما هو عدة للقتال ، وهو من الحيوان : كل ماله خف أو حافر ويدخل تحت الأول الإبل والفيلة ، وتحت الثاني الفرس والحمار والبغل ، فلا تصح المسابقة بالطيور ، ولا على الاقدام ، ولا بالسفن ، ولا بالمصارعة ، ولا برفع الأحجار.

______________________________________________________

قوله : ( العقد : ولا بد فيه من إيجاب وقبول ، وقيل : إنها جعالة يكفي فيها الإيجاب وهو البذل ).

اختلف الأصحاب في أن المسابقة لازم كالإجارة ، أو جائز كالجعالة ، فقال الشيخ (١) وجماعة بالأول (٢) ، تمسكا بالأصل ، ولوجود بعض خواص الجعالة فيها مثل إبهام العامل وجواز البذل من الأجنبي. وقال ابن إدريس (٣) ، وجماعة بالثاني (٤) ، لعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٥) وعموم قوله 7 : « المؤمنون عند‌

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٣٠٠.

(٢) منهم ابن إدريس كما نقله عنه العلامة الحلي في المختلف ٤٨٤.

(٣) السرائر : ٣٧٦.

(٤) منهم ولد العلاّمة في إيضاح الفوائد ٢ : ٣٦٧.

(٥) المائدة : ١.


وفي تحريم هذه مع الخلو عن العوض نظر.

______________________________________________________

شروطهم » (١).

واعترض المصنف في المختلف بالقول بموجب الآية ، فإن الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه على وجه اللزوم إن كان لازما ، وإلاّ فالجواز ، وبالنقض بنحو الوديعة والعارية لو أريد العموم (٢).

وجوابه : أن الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه من دون القيد الذي ذكره ، فان المفهوم لغة وعرفا من الوفاء بالقول هو العمل بمدلوله. ثم إنه لا معنى لوجوب الوفاء بالعقد على وجه الجواز ، فإن وجوب الوفاء به ينافي الجواز ، والآية مخصوصة بما عدا الجائز ، فإن العام المخصوص حجة في الباقي ، والأصح اللزوم.

والأصل الذي ادعاه الشيخ مدفوع بوجود الناقل وهذا عقد برأسه فلا يمتنع اختصاصه ببعض الخواص ، وقول المصنف يكفي فيه الإيجاب وهو البذل المراد به : بذل العوض من مخرجه كائنا من كان من غير احتياج الى قبول.

قوله : ( وفي تحريم هذه مع الخلو عن العوض نظر ).

ينشأ : من أن الأصل الجواز ، ولأنها قد تراد لغرض صحيح ، ومن أنها ليست مما يقصد للحرب ، ولقوله 7 : « لا سبق إلاّ في نصل أو خف أو حافر » (٣) وهو بإسكان الباء يقتضي نفي المشروعية فيما عدا الثلاثة ، وعلى رواية الفتح فلا دلالة فيه إلاّ على تحريم العوض فيما عداها.

وكيف كان فظاهر المذهب التحريم ، إلاّ أن وجهه غير ظاهر ، لأن هذه قد تراد لغرض صحيح ينفع في معالجة العدو ، ولم يثبت في الشرع تحريم شي‌ء من هذه‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٣٣٢ حديث ٨٣٥.

(٢) المختلف : ٤٨٤.

(٣) قرب الاسناد : ٤٢ ، الكافي ٥ : ٤٨ و ٥٠ حديث ٦ و ١٤.


ج : تقدير المسافة ابتداء وانتهاء ، فلو شرط للسابق حيث يسبق من غير تعيين غاية لم يجز ، لأن أحدهما قد يكون سريعا في أول عدوه مقصّرا في انتهائه ، وبالعكس.

______________________________________________________

الأفعال ، ولا تعد بنفسها لهوا ولعبا. ومن نظر في أن الإنسان لو أراد أن يعتاد شدة العدو ، ليكون عند لقاء العدو قادرا على النكوص عنه ، والانتقال من جانب الى آخر ذا قدرة على المصابرة في حال المشي والعدو ، متمكنا من الفرار حيث يجوز له لم نجد الى القول بتحريم ذلك سبيلا.

ولا ريب أنه إن انضم الى آخر فتعاديا كان أدخل في مطلوبه ، وليس للضميمة أثر في التحريم. والمشهور عندنا أنه يجوز اتخاذ الحمام للأنس وإنفاذ الكتب ، ويكره للتفرج والتطير. أما الرهان عليها فحرام قطعا ، وهذا قريب مما قلناه.

قوله : ( الثالث : تقدير المسافة ابتداء وانتهاء ، فلو شرط للسابق حيث يسبق من غير تعيين غاية لم يجز ، لأن أحدهما قد يكون سريعا في أول عدوه مقصّرا في انتهائه وبالعكس ).

تنقيح ما ذكره من الدليل : أنه لو لم يقدّر المسافة لأدى ذلك الى التنازع والتجاذب ، فإن الأغراض تختلف بذلك اختلافا ظاهرا ، لأن من الخيل ما يكون سريعا في أول عدوه خاصة فصاحبه يطلب قصر المسافة ، ومنها ما يكون سيره في الابتداء ضعيفا ثم يقوى فصاحبه يطلب طول المسافة ، فلا بد من التنصيص على ما يقطع النزاع.

فإن قيل : هذا لا يدل على تمام المدعى ، بل إنما يدل على وجوب تعيين الغاية.

قلنا : بل يدل لأن طول المسافة وقصرها إنما يتحقق مع تعيين الغاية وأيضا فإنه لولا تعيين المسافة لأمكن ادامة السير على وجه يترتب عليه الضرر ، ويفوت به مطلوب المسابقة. وهذا على القول بجواز العقد ، أما على اللزوم فاشتراط التعيين.


ولو شرط المال لمن سبق في وسط الميدان فإشكال ، ولو استبقا بغير غاية لينظر أيهما يقف أولا لم يجز.

د : تقدير الخطر ، ويصح أن يكون دينا أو عينا ، حالا ومؤجلا ،

______________________________________________________

ظاهر ، لأنه في معني الإجارة.

قوله : ( ولو شرط المال لمن سبق في وسط الميدان فإشكال ، ولو استبقا بغير غاية لينظر أيهما يقف أولا لم يجز ).

أي : لو شرط المال لمن سبق في وسط الميدان مع قطع النظر عن السبق عند الغاية ، وذلك من غير تعيين للوسط على ما ترشد إليه عبارة التذكرة ، وهي هذه : ولو عيّنا غاية وشرطا أن السبق إن اتفق في وسط الميدان كفى وكان السابق فائزا فالأقرب المنع (١).

لأنّا لو اعتبرنا السبق خلال الميدان لاعتبرنا السبق بلا غاية معيّنة ، فعلى هذا يكون منشأ الاشكال مما ذكر ، ومن أصالة الجواز ، وعموم النصوص المتناولة لذلك.

ويمكن أن يكون المراد مع تعيين الوسط الذي يراد عنده السبق ، ومنشأ الإشكال حينئذ : من انه خلاف المنقول من فعل النبي 6 ، ولأن ذلك يقتضي خروج الغاية عن كونها غاية ، ومن أصالة الجواز. والأصح العدم ، لأن شرعية ذلك على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النص.

قوله : ( الرابع : تقدير الخطر ، ويصح أن يكون عينا أو دينا ، حالا ومؤجلا ).

لا ريب أن المال غير شرط في عقد المسابقة ، لكن لو شرط وجب تعيينه ، حذرا من تطرق الجهالة المفضية إلى التنازع.

ولا فرق بين كونه عينا أو دينا ، ولا بين كون الدين حالا أو مؤجلا لكن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٥.


وأن يبذله المتسابقان أو أحدهما أو غيرهما ، ويجوز من بيت المال.

هـ : تعيين ما يسابق عليه بالمشاهدة ، ولا يكفي العقد على فرسين بالوصف ، ومع التعيين لا يجوز إبداله.

______________________________________________________

يشترط تعيين الأجل بما لا يحتمل الزيادة والنقصان ، واشتراط تقدير الخطر على القول بجواز العقد ولزومه من غير تفاوت ، إلاّ أنه يلزم القائلين بالجواز اغتفار الجهالة كالجعالة.

قوله : ( وأن يبذله المتسابقان ، أو أحدهما ، أو غيرهما ، ويجوز من بيت المال ).

أن يبذل المتسابقان المال فلا بحث في الجواز ، وإن بذله أحدهما دون الآخر على أن الباذل إن سبق أحرز ماله وإن سبق أحرزه الآخر صح عندنا وعند الشافعي (١) ، لأن غير المخرج منهما يكون محللا ، خلافا لمالك (٢).

ولو أخرج المال غيرهما : فإن كان المخرج الإمام 7 جاز إجماعا ، وإن كان غيره جاز عندنا وعند الشافعي ، خلافا لمالك (٣) ، لأن ذلك قربة ومصلحة للمسلمين ، وكذا يجوز من بيت مال المسلمين ، لأنه من المصالح.

قوله : ( الخامس : تعيين ما يسابق عليه بالمشاهدة ولا يكفي العقد على فرسين بالوصف ومع التعيين لا يجوز إبداله ).

لما كان الغرض الأقصى من المسابقة امتحان الفرسين لتعرف شدة عدو كل منهما والتمرين على ذلك وجب تعيينهما في العقد ، فلا يكفي العقد على فرسين بالوصف ، لما قلناه من تعلق الغرض هنا بالشخص ، وظاهر أنه مع التعيين لا يجوز‌

__________________

(١) المجموع ١٥ : ١٣٣.

(٢) المجموع ١٥ : ١٣٣ ، المغني لابن قدامة ١١ : ١٣١.

(٣) المصدرين السابقين.


و : تساوي ما به السباق في احتمال السبق ، فلو كان أحدهما ضعيفا يعلم قصوره عن الآخر لم يجز.

ز : تساوي الدابتين في الجنس ، فلا يجوز المسابقة بين الخيل والبغال ، ولا بين الإبل والفيلة ، ولا بين الإبل والخيل.

ولو تساويا جنسا لا صنفا فالأقرب الجواز كالعربي والبرذون والبختي والعرابي.

______________________________________________________

الأبدال وإن قلنا بجواز العقد.

قوله : ( السادس : تساوي ما به السباق في احتمال السبق ... ).

لأن الغرض الاستعلام ، وإنما يتحقق ذلك مع احتمال سبق كل منهما ، لأنه إذا علم سبق واحدة لم يكن للاستعلام معنى.

والمراد من التساوي في احتمال السبق : ثبوت الاحتمال في حق كل منهما ، فلا يمنع من السباق ، إلاّ إذا قطع بسبق واحدة كما هو صريح عبارة التذكرة (١) ، ومقتضى ذلك أن رجحان احتمال السبق بالنسبة إلى واحدة غير قادح في الجواز ما لم يبلغ حد القطع ، وعبارة الكتاب قد تشعر بخلافه.

قوله : ( ولو تساويا جنسا لا صنفا فالأقرب الجواز كالعربي والبرذون والبختي والعرابي ).

وجه القرب حصول الشرط وهو احتمال سبق كل منهما ، لأن الكلام على تقديره ، ولتناول اسم الجنس للصنفين.

ويحتمل العدم ، للبعد بين العربي والبرذون فصارا كالجنسين ، والأصح الأول ، وأعلم أن العربي من الخيل ، خلاف البرذون والبختي من الإبل ، خلاف العرابي.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٦.


ح : إرسال الدابتين دفعة ، فلو أرسل أحدهما قبل الآخر ليعلم هل يدركه الآخر أو لا لم يجز.

ط : جعل العوض للسابق منهما أو منهما ومن المحلل ، ولو جعل لغيرهما لم يجز ، ولا يجوز لو جعله للمسبوق ، ولا جعل القسط والأوفر للمصلي والأدون للسابق ، ويجوز العكس

______________________________________________________

قوله : ( الثامن : إرسال الدابتين دفعة ، فلو أرسل أحدهما قبل الآخر ليعلم هل يدركه الآخر أو لا لم يجز ).

لأن الغرض من العقد استعلام حال الدابتين ، وإنما يعلم بإرسالهما دفعة ، لأن السبق هنا ربما كان مستندا إلى إرسال أحدهما أولا ، وأيضا فإن استعلام ادراك الآخر للأول غير استعلام السبق فلا يجوز العقد عليه.

قوله : ( التاسع : جعل العوض للسابق منهما ، أو منهما ومن المحلل ، ولو جعل لغيرهما لم يجز ، ولا يجوز لو جعله للمسبوق ، ولا جعل القسط الأوفر للمصلّي والأدون للسابق ، ويجوز العكس ).

لمّا كان الغرض الأقصى من شرعية بذل العوض في المسابقة الحث على السبق والتمرن على ذلك وجب أن يكون اشتراطه للسابق من المتسابقين إن لم يكن بينهما محلل ، أو منهما ومن المحلل إذا كان بينهما ، فلو جعل لغيرهما لم يجز ، لأنه مفوت للغرض.

وكذا لو جعل للمسبوق ، لأن كلا منهما يحرص على كونه مسبوقا لتحصيل العوض فيفوت الغرض ، ومن ثم لم يجز جعل القسط الأوفر للمصلّي والأدون للسابق.

أما العكس ، وهو أن يجعل الأوفر للسابق والأدون للآخر فإنه جائز ، وذكر المصنف في التذكرة تفصيلا حاصله : أن المال إن كان من ثالث لم يجز ذلك ، لأن المسبوق إذا كان يتحصل على شي‌ء كان مظنة التكاسل فيفوت مقصود العقد ، أما إذا‌


وهل يجوز جعله للمصلي لو كانوا ثلاثة؟ نظر ، وكذا الإشكال في جعل قسط للفسكل.

ولو جعلا العوض للمحلل خاصة جاز ، وكذا لو قالا : من سبق منّا‌ فله السبق ،

______________________________________________________

كان منهما فلا مانع ، لأنه في الحقيقة راجع الى جعل التفاوت بين القسطين هو الخطر (١).

وهذا التفصيل لا بأس به ، لكن سيأتي أنهم إذا كانوا ثلاثة جاز ان يجعل الأدون للمصلّي ، وهو بظاهره مناف لهذا ، إلاّ أن يقال : للمصلّي في هذه الصورة سبق في الجملة بالنسبة الى الثالث فلا يمتنع اشتراط شي‌ء قليل له ، بخلاف ما هنا.

قوله : ( وهل يجوز جعله للمصلّي لو كانوا ثلاثة؟ نظر ، وكذا الإشكال في جعل قسط للفسكل ).

منشأ النظر : من أن المصلى سابق بالنسبة الى الثالث فهو سابق في الجملة ، فإذا جعل العوض له كان ذلك باعثا لكل منهم على عدم التأخر. وليس بشي‌ء ، لأن الغرض من شرعية هذا العقد السبق ، وهذا الاشتراط يقتضي التحريض على عدمه.

ومنشأ الإشكال : أصالة الجواز ، واشتراط الأكثر للسابق كاف في التحريض على سبق كل منهم فيحصل به مقصود العقد. ومن أن المسبوق إذا علم أنه يحصل على شي‌ء قل جدّه ونشاطه في الحرص على كونه سابقا ، ومال الى عدم اجهاد نفسه وفرسه فيفوت الغرض ، والأصح عدم الجواز. وأعلم أن المصنف حكى في المختلف قولا بجواز جعل العوض بحزب (٢) السابق وقواه (٣) ، وهو محتمل.

قوله : ( ولو جعلا العوض للمحلل خاصة جاز ، وكذا لو قالا : من‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، ٢ : ٣٥٧.

(٢) هكذا ورد رسم الكلمة في الخطبتين والحجرية ، ولا وجود لها في المختلف ، بل الموجود الكتد والهادي.

(٣) المختلف : ٤٨٤.


ولا يشترط المحلل ، والأقرب عدم اشتراط التساوي في الموقف.

______________________________________________________

سبق فله السبق ).

المراد : جعله للمحلل على تقدير سبقه ، ولا شبهة في جوازه ، وفي معناه قولهما : ( من سبق منّا فله السبق ) بالفتح.

قوله : ( ولا يشترط المحلل ).

خلافا لابن الجنيد (١) منّا ، وللشافعي (٢) ، حيث شرطاه إذا كان العوض منهما ، لقول النبي 6 : « من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس ، ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو يأمن أن يسبق فإنّ ذلك هو القمار » (٣).

وجه الاحتجاج به : أنه إذا علم أن الثالث لا يسبق فهو قمار ، فمع عدمه أولى ، ولأنه بدونه شبيه بالقمار. ويضعّف بمنع الأولوية ، فإن القطع بعدم سبق من تضمنه عقد السباق مناف للصحة مطلقا ، لمنافاته لمقصود المسابقة واستثناء الشارع جواز هذا العقد أخرجه عن كونه قمارا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه يشترط في المحلل ما يشترط في غيره ، من مكافأة دابته لدابتي المتسابقين ، وتعيين فرسه في العقد كما في المستبقين.

قوله : ( والأقرب عدم اشتراط التساوي في الموقف ).

وجه القرب التمسك بالأصل ، لعدم الدليل الدال على الاشتراط فإن الأخبار مطلقة. ويحتمل العدم ، لانتفاء معرفة جودة عدو الفرس وفروسية الفارس مع عدم التساوي ، لأن عدم السبق قد يكون مستندا اليه فيخل بمقصود العقد ، وما أشبه هذه بمسألة إرسال احدى الدابتين قبل الأخرى ، والذي يقتضيه النظر اشتراط التساوي في الموقف.

__________________

(١) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٨٤.

(٢) المجموع ١٥ : ١٣١.

(٣) سنن ابي داود ٣ : ٣٠ حديث ٢٥٧٩ ، جامع الأصول ٥ : ٣٩ حديث ٣٠٣٦.


المطلب الثاني : في الأحكام : عقد المسابقة والرماية لازم كالإجارة ، وقيل جائز كالجعالة ، وهو الأقرب ، فلكل منهما فسخه قبل الشروع.

ويبطل بموت الرامي والفرس ، ولو مات الفارس فللوارث الإتمام على إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( المطلب الثاني : في الأحكام : عقد المسابقة والرماية لازم كالإجارة ، وقيل : جائز كالجعالة ، وهو الأقرب ، فلكل منهما فسخه قبل الشروع ).

قد سبق ان الأصح اللزوم ، وقوله : ( فلكل منهما فسخه قبل الشروع ) تفريع على القول بالجواز.

لا يقال : إذا كان العقد جائزا لم يتفاوت جواز الفسخ قبل الشروع وبعده.

لأنّا نقول : حكم ما بعد الشروع وظهور الفضل مخالف لما قبله ، لأنه جهة العقد ، بل بسبب آخر كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى.

قوله : ( ويبطل بموت الرامي والفرس ).

قطعا ، لأن الرامي بخصوصه مقصود في عقد الرمي ، كالفرس في عقد المسابقة.

قوله : ( ولو مات الفارس فللوارث الإتمام على اشكال ).

ينشأ : من أن الفارس غير مقصود في المسابقة ، إنما المقصود امتحان الفرس ، وحقوق الميت تنتقل الى الوارث ، والإتمام حق له ، ومن أن العقد لم يتناول من عدا الميت ، وامتحان الفرس وإن كان هو المقصود ، إلاّ أن الفارس مقصود تبعا ، والأصح العدم.

فإن قيل : أي وجه للإشكال على القول بجواز العقد ، فان المتبادر من كون الوارث له الإتمام أنه حق له ، ومع الجواز فلا حق لأحد المتعاقدين في العقد على الأخر.


ولو أراد أحدهما الزيادة أو النقصان لم تجب إجابته وإن كان بعد الشروع وظهور الفضل ، مثل أن يسبق بفرسه في بعض المسافة ، أو يصيب بسهام أكثر فللفاضل الفسخ لا المفضول على اشكال.

______________________________________________________

قلنا : المراد أن له الإتمام بذلك العقد من غير احتياج الى عقد جديد أعم من أن يكون ذلك على وجه اللزوم أو الجواز.

قوله : ( ولو أراد أحدهما الزيادة أو النقصان لم تجب اجابته ).

سواء قلنا بجواز العقد أم بلزومه ، أما إذا قلنا باللزوم فظاهر ، لوجوب الوفاء به ، فإن أرادا ذلك فسخا العقد ثم عقدا غيره.

وأما على الجواز فلأن الزيادة والنقصان في العمل أو المال منوط برضى الآخر ، بل أصل العمل منوط به.

قوله : ( وإن كان بعد الشروع وظهور الفضل ، مثل أن يسبق بفرسه في بعض المسافة ، أو يصيب بسهام أكثر فللفاضل الفسخ لا المفضول على إشكال ).

أي : وإن كان الفسخ ـ بناء على جواز العقد ـ بعد الشروع : فإن لم يظهر لأحدهما على الآخر فضل فكما لو فسخ قبل الشروع ، وإن ظهر لأحدهما فضل على الآخر وحصلت علامات السبق فللفاضل الفسخ ، لأنه يترك بعض حقه.

وأما المفضول ففي جواز فسخه إشكال ينشأ : من أنه لو جاز لأدى إلى سد باب المسابقة ، فإنه متى أحس أحد المتسابقين بغلبة صاحبه له عدل الى الفسخ. ومن أن الغرض جواز العقد ، وقضية الجواز التسلط على الفسخ في كل وقت. ويضعّف بان هذا مقتضى العقد ، واللزوم هنا حصل لعارض فلا منافاة ، والأصح عدم اللزوم ، وهو مقرب التذكرة (١).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٦.


وعلى القول باللزوم يجب البدأة بالعمل لا بتسليم السبق ، ويجوز ضمانه والرهن به ،

______________________________________________________

وأعلم أن المصنف ذكر في التذكرة تفريعا على لزوم العقد : أن الفاضل يجوز له ترك العمل إذا لم يحتمل الحال ان يدركه الآخر ويسبقه ، معللا بأنه يترك حق نفسه. ويشكل بان لزوم العقد يقتضي وجوب إتمام العمل ، وليس الإتمام نفس حقه وإنما هو مستلزم له.

قوله : ( وعلى القول باللزوم يجب البدأة بالعمل لا بتسليم السبق ).

الظاهر أنه لا خلاف في ذلك ، وهذا بخلاف الإجارة ، فإن الأجر يسلم إلى المؤجر بالعقد ، والفرق أن الأمر في المسابقة مبني على الخطر والاحتمال فيقيّد بالعمل.

قوله : ( ويجوز ضمانه والرهن به ).

لا يخفى أن ضمان السبق على القول بجواز عقد السبق كضمان مال الجعالة قبل العمل ، وكذا الرهن به ، فمتى لم نجوزهما في الجعالة لم نجوزهما هنا. وأما على اللزوم فإنه يجوز كل منهما.

وقد صرح المصنف هنا بجواز الضمان والرهن ، والظاهر أنه يريد بذلك البناء على اللزوم ، لأنه في سياقه ، وبه صرح في التذكرة (١) ، ووجه الجواز ثبوت العوض بالعقد اللازم.

وحكى المصنف في التذكرة عن بعض الفقهاء اشكالا حاصله : أن وجوب البداية بالعمل لا بتسليم العوض يدل على أن المال لا يستحق إلاّ بالعمل ، وحينئذ فيكون ضمانه ضمان ما لم يجب ، وإنما جرى سبب وجوبه. قال : وضمان هذا أبعد من ضمان نفقة العبد ، فان الظاهر استمرار النكاح والطاعة ، وسبق من شرط له السبق أمر ضعيف ، ويؤيده أن السبق ليس امرا مستندا الى اختيار المتسابقين.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٦.


فإن فسدت المعاملة بكون العوض ظهر خمرا رجع إلى أجر مثله في جميع ركضه لا في قدر السبق ، وقيل : يسقط المسمى لا إلى بدل.

ولو فسد لاستحقاق العوض وجب على الباذل مثله أو قيمته ، ويحتمل اجرة المثل ،

______________________________________________________

وقد يتفق سبب أحدهما وقد لا يتفق فلا يكون العوض معلوم الثبوت ، لعدم ثبوت ما هو مجعول في مقابله فكيف يصح ضمانه بخلاف الأجرة التي هي في مقابل المنفعة الموجودة تبعا للعين ومن ثمّ تعد مالا؟ وهذا الإشكال واضح متين.

قوله : ( فان فسدت المعاملة بكون العوض ظهر خمرا رجع الى أجر مثله في جميع ركضه لا في قدر السبق. وقيل يسقط المسمى لا الى بدل. ولو فسد لاستحقاق العوض وجب على الباذل مثله أو قيمته ، ويحتمل اجرة المثل ).

إذا فسدت المعاملة بعد المسابقة من جهة العوض فللفساد طريقان : أحدهما أن يظهر كون العوض المعقود عليه مما لا يملك في شرع الإسلام ، كما لو ظهر خمرا ففي استحقاق السابق على الباذل شيئا قولان : أحدهما : لا يستحق شيئا ـ اختاره الشيخ نجم الدين بن سعيد ـ (١) لأنه لم يعمل شيئا وفائدة عمله راجعة إليه ، بخلاف ما إذا عمل في الإجارة أو الجعالة الفاسدتين فإنه يرجع الى أجرة مثل عمله ، لأن فائدة العمل للمستأجر والجاعل.

وأصحهما ـ واختاره المصنف هنا ، وفي التذكرة (٢) ـ وجوب اجرة المثل ، لأن كل عقد استحق المسمى في صحيحة فإذا وجد المعقود عليه في الفاسد وجب عوض المثل ، والعمل في القراض قد لا ينتفع به المالك ومع ذلك يكون مضمونا ، فيرجع الى‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ٢٤٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٥٧.


وليس لأحدهما أن يجنب الى فرسه فرسا يحرضه على العدو ، ولا‌ يصيح به في وقت سباقه.

______________________________________________________

اجرة المثل بجميع ركضه لا الى القدر الذي سبق به لترتبه على جميع ركضه.

الثاني : أن يكون سبب الفساد استحقاق العوض ، ومقتضى عبارة المصنف أن القول بسقوط المسمّى لا الى بدل غير آت هنا ، وهو ظاهر عبارة الشرائع (١) ، ويلوح من عبارة التذكرة عدم الفرق ، وهو الصواب ، فان الدليل في الموضعين واحد وكذا الفتوى.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه مع ظهور العوض مستحقا هل يجب مثله إن كان مثليا وإلاّ فقيمته ، نظرا إلى أنهما أقرب شي‌ء الى ما وقع التراضي عليه كالصداق إذا ظهر فساده عند بعضهم؟ أم تجب اجرة المثل ، لأن العوض المسمّى إذا فات وجب قيمة العوض الآخر وهي أجرة مثله كما في سائر المعاوضات؟ وجهان أصحهما الثاني؟

وكيف تجب قيمة ما حكم ببطلان كونه عوضا؟ ثم كيف اعتبار اجرة المثل؟ ذكر فيه وجهان :

أحدهما : أن ينظر الى الزمان الذي وقعت المسابقة فيه ، وأنه كم قدره فيعطى اجرة المثل ، بناء على أن الحر إذا غصب على نفسه استحق اجرة مثل تلك المدة.

والثاني : أنه يجب ما تجري المسابقة بمثله في مثل تلك المسافة في عرف الناس غالبا ، قال في التذكرة : وهذا وان كان أقرب لكن يشكل بانتفاء العرف فيه بين الناس (٢). وما ذكره صحيح ، لكن انتفاء العرف لا يوجب العدول الى الطرف الآخر الضعيف ، فإن أمكن الوقوف عليه وإلاّ اصطلحا.

قوله : ( وليس لأحدهما أن يجنب الى فرسه فرسا يحرضه على العدو ، ولا‌ يصيح به في وقت سباقه ).

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ٢٤٠.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٥٧.


ولو قال : آخر من سبق فله عشرة فأيهم سبق استحقها ، ولو جاؤوا جميعا فلا شي‌ء لأحدهم ، ولو سبق اثنان أو أربعة تساووا ، ويحتمل أن يكون لكل واحد عشرة.

______________________________________________________

في الحديث : « لا جلب ولا جنب » (١) فالجلب : هو ان يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ويصيح حثا له على الجري. والجنب بالتحريك : ان يجنب فرسا الى فرسه الذي يسابق عليه ، فإذا فتر المركوب تحول الى المجنوب فمنهي عنهما ، ذكره ابن الأثير في النهاية (٢) وغيره (٣).

قوله : ( ولو قال : آخر من سبق فله عشرة ، فأيهم سبق استحقها ، ولو جاؤوا جميعا فلا شي‌ء لأحدهم ، ولو سبق اثنان أو أربعة تساووا ، ويحتمل أن يكون لكل واحد عشرة ).

أي : لو قال آخر غير المتسابقين : من سبق فله عشرة ، فإن سبق واحد فلا بحث في استحقاقه إياها ، وإن جاؤوا جميعا فليس فيهم سابق فلا شي‌ء لهم. ولو سبق ما فوق واحد ففي قدر الاستحقاق وجهان :

أحدهما : ـ واختاره الشيخ (٤) والمصنف ـ توزيع العشرة على السابقين ، لأن من يحتمل ارادة كل فرد فرد من المتسابقين ، ومجموع من سبق أعم من أن يكون واحدا أو متعددا ، ومع الاحتمال فالأصل براءة الذمة من وجوب ما زاد على عشرة فيقتسمها السابقون.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٦١ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٣٥٥ حديث ١٤٤٥ ، سنن النسائي ٦ : ١١١ ، الجامع الصغير ٢ : ٧٤٦ حديث ٩٨٧٤.

(٢) النهاية ١ : ٣٠٣.

(٣) الصحاح ١ : ١٠٣ « جنب ».

(٤) المبسوط ٦ : ٢٩٤.


ولو قال : من سبق فله عشرة ، ومن صلى فله خمسة ، فسبق خمسة وصلى خمسة فللخمسة عشرة أو لكل واحد على الاحتمال ،

______________________________________________________

والثاني : استحقاق كل واحد منهم عشرة ، لأن من للعموم فهي بمعنى كل فرد فرد ، ولأن الحكم في جميع القضايا الكلية إنما هو على كل فرد فرد ، ولأن من مفرد ولهذا يعود إليها الضمير مفردا فهي بمعنى أي ، ولأن العوض في مقابل السبق وقد وقع من كل واحد منهم فيستحق كل منهم كمال العوض. وقد صرّح المصنف في كتاب الجعالة بأنه لو قال قائل : من دخل داري فله دينار ، فدخلها جماعة استحق كل منهم دينارا ، لأن كل واحد منهم قد صدر منه دخول كامل (١) ، وهذا أقوى.

لا يقال : فعلى هذا لا يكون العوض معلوما حال العقد ، إذ لا يعرف قدر السابقين حينئذ ، فيلزم عدم صحته على القول باللزوم.

لأنا نقول : هذا القدر غير قادح ، وإلاّ لم يصح : من سبق فله كذا ، ومن صلى فله كذا على قول الشيخ أيضا ، لإمكان انتفاء المصلي (٢).

فإن قيل : السبق هنا لكل منهم أمر إضافي ، لأنه إنما يتحقق بالنسبة إلى المتخلف خاصة ، فلا يكون تمام السبق إلاّ لمجموع السابقين.

قلنا : لما كان البذل لمن ثبت له السبق وجب استحقاق كل منهم العوض ، لثبوت ذلك المعنى له ، وإلاّ لوجب أن لا يستحق شيئا.

قوله : ( ولو قال : من سبق فله عشرة ، ومن صلى فله خمسة فسبق خمسة وصلى خمسة فللخمسة عشرة أو لكل واحد على الاحتمال ).

أي : فللخمسة السابقين عشرة على ما اختاره سابقا ، وعلى الاحتمال الذي ذكره يكون لكل واحد عشرة وهو الأقوى.

__________________

(١) قواعد الأحكام : ٢٠١.

(٢) المبسوط ٦ : ٢٩٢.


وللثانية خمسة أو لكل واحد ، ويحتمل البطلان على الأول ، لإمكان سبق تسعة ، فيكون لكل من السابقين درهم وتسع وللمصلي خمسة.

ولو قال لاثنين : أيكما سبق فله عشرة ، وأيكما صلى فله عشرة لم يصح ، ولو قال : ومن صلى فله خمسة صح.

______________________________________________________

قوله : ( وللثانية خمسة ، أو لكل واحد ، ويحتمل البطلان على الأول ، لإمكان سبق تسعة فيكون لكل واحد من السابقين درهم وتسع وللمصلي خمسة ).

أي : وللخمسة الثانية ـ أي المصلي ـ خمسة على ما اختاره المصنف أو لكل منهم على الاحتمال.

وهنا احتمال ثالث وهو بطلان هذا البذل من الباذل حال البذل ، لأن العوض الأدون إذا جعل للأسبق والآخر لغيره لم يكن السبق مطلوبا للمتسابقين فيفوت مقصود المسابقة ، وهو هنا كذلك ، لأن كل واحد منهم يجوّز تعدد السابقين واتحاد المصلي المقتضي لكون نصيب السابق بقدر المصلي أو أدون فيقل جده وحرصه في اجهاد نفسه وفرسه ، وغرض المسابقة الحث على السبق بالتفضيل في الجعل على جميع الأحوال الممكنة ، وهذا إنما هو على ما اختاره المصنف من اقتسام المتسابقين العشرة ، أما على ما اخترناه من أن لكل واحد عشرة فلا مانع من الصحة.

قوله : ( ولو قال لاثنين : أيكما سبق فله عشرة ، وأيكما صلى فله عشرة لم يصح ).

لمنافاته مقصود المسابقة كما أشرنا إليه سابقا.

قوله : ( ولو قال : ومن صلى فله خمسة صح ).

هذا خلاف ما ذكره من الإشكال في جواز جعل قسط للفسكل ، لأنه إذا كان المتسابقان اثنين كان المتأخر بمنزلة الفسكل ، فيكون رجوعا عن الإشكال الى‌


ولو قال لثلاثة : من سبق فله عشرة ، ومن صلى فله عشرة صح.

ولو قال : من سبق فله عشرة ومن صلى فله خمسة ، فسبق أحد الثلاثة وصلى آخر وتأخر ثالث فلا شي‌ء للمتأخر.

ويجوز أن يخرج أحدهما أكثر مما يخرجه الآخر ويختلفا ، فلو قال‌

______________________________________________________

الجزم ، والأصح أنه لا يصح ، لأنه مخالف لمقصود المسابقة.

قوله : ( ولو قال لثلاثة : من سبق فله عشرة ، ومن صلى فله عشرة صح ).

وجهه : أن المصلي سابق بالإضافة إلى المتأخر ، فيصح بذل العشرة له ، لاتصافه بالسبق ، وقد ذكر المصنف ذلك هنا وفي التذكرة والتحرير (١).

ويشكل بأنه لا يجوز مساواة الأعلى والأدون في الجعل ، لأن العوض إذا كان واحدا ضعف الباعث على اجهاد الفارس نفسه وفرسه على تحصيل السبق ، وفي حواشي شيخنا الشهيد احتمال البطلان ، وهو المتجه.

قوله : ( ولو قال : من سبق فله عشرة ، ومن صلى فله خمسة فسبق أحد الثلاثة وصلى آخر وتأخر ثالث فلا شي‌ء للمتأخر ).

لا كلام في صحة هذا الفرض ، لأن المصلي أدون ممن قبله وأعلى ممن بعده فجاز أن يجعل له قسط أدون.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد يسأل عن كيفية البذل على القول بلزوم عقد المسابقة ، وإن العقد حينئذ هل يكون بين المتسابقين فقط ، أو بينهما وبين الباذل ويتحقق اللزوم بالعقد؟ والذي ينساق اليه النظر هو الثاني ، فيكون هو الموجب فيقبلان. وينبغي التأمل لذلك ، لأني لم أظفر بشي‌ء هاهنا.

قوله : ( ويجوز أن يخرج أحدهما أكثر مما يخرجه الآخر ويختلفا ، فلو‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٨ ، التحرير ١ : ٢٦٢.


أحدهما : إن سبقتني فلك عليّ عشرة وإن سبقتك فلي عليك خمسة أو قفيز حنطة جاز.

ولو أخرجا عوضين وأدخلا المحلل وقالا : من سبق فله العوضان ، فإن تساووا أحرز كل منهما سبقه ولا شي‌ء للمحلل ، وكذا لو سبقا المحلّل.

ولو سبق المحلل خاصة أو أحدهما خاصة أحرزهما السابق.

ولو سبق أحدهما والمحلل ، أحرز السابق مال نفسه ، وكان مال المسبوق بين السابق والمحلّل نصفين.

______________________________________________________

قال أحدهما : إن سبقتني فلك عليّ عشرة ، وإن سبقتك فلي عليك خمسة أو قفيز حنطة جاز ).

مثال إخراج أحدهما أكثر : ما إذا بذل واحد عشرة للآخر على تقدير سبقه والآخر خمسة ، ومثال اختلافهما في جنس الإخراج : إخراج أحدهما عشرة والآخر قفيز حنطة.

قوله : ( ولو أخرجا عوضين وأدخلا المحلل وقالا : من سبق فله العوضان ، فان تساووا أحرز كل منهما سبقه ولا شي‌ء للمحلل ، وكذا لو سبقا المحلل ، ولو سبق المحلل خاصة أو أحدهما خاصة احرزهما السابق ، ولو سبق أحدهما والمحلل أحرز السابق مال نفسه وكان مال المسبوق بين السابق والمحلل نصفين ).

إذا أخرج المتسابقان العوضين منهما وأدخلا بينهما المحلل ، وقالا : من سبق فله العوضان فالأحوال سبعة ، والذي ذكره المصنف خمسة :

الأول : أن ينتهوا إلى الغاية على حد سواء ، فيجوز كل من المتسابقين مال نفسه ، ولا شي‌ء للمحلل ، لانتفاء السابق.

الثاني : أن يسبق المخرجان ـ فيصلا معا سواء ويتأخر المحلل عنهما ،


______________________________________________________

فكذلك ، لاستوائهما في السبق ولا شي‌ء للمحلل ، لأنه مسبوق.

الثالث : أن يسبق المحلل ويأتي المخرجان بعده على سواء أو تفاضل فيستحق المحلل العوضين معا ، لسبقه لكل من المخرجين.

الرابع : أن يسبق أحد المخرجين وهنا ثلاث صور ، لأنه : إما أن يأتي بعده المحلل والمخرج سواء ، أو يكون المحلل مصليا والآخر بعده ، أو بالعكس ، وفي جميع هذه الأحوال لا يختلف الحال عندنا في أن السابق يحوز العوضين معا ، لسبقه.

وقال بعض العامة ، أن المحلل إذا كان مصليا والمخرج الآخر بعده يحوز سبق المتأخر ويبقى السابق على مال نفسه ، وفي الصورتين الأخيرتين لا شي‌ء للمحلل ، ولكل من المخرجين مال نفسه ، ولا يحوز السابق مال الآخر ، لأنه إذا كان كل من المتسابقين يغنم ويغرم كان قمارا فاسدا (١).

الخامس : أن يسبق المحلل وأحد المخرجين ، بأن يأتيا إلى الغاية على سواء ويتأخر المخرج الآخر فيحوز السابق من المخرجين سبق نفسه ويكون مال المسبوق بين المخرج السابق والمحلل ، لتشاركهما في سبب الاستحقاق وهو السبق.

وعلى قول ذلك البعض من العامة مال المسبوق للمحلل خاصة ، وقد سبق رده. ولا يخفى أنه لا يكون مجموع العوضين بين المحلل والسابق ، لأن مال السابق باق على ملكه ، وإنما يخرج منه إذا صار مسبوقا وهو منتف هنا.

إذا عرفت ذلك فهنا مباحث :

الأول : المال المخرج من كل من المتسابقين يجوز أن يطلق عليه العوض ، لجريان العقد عليه والعوضان ، لأن ما أخرجه أحدهما عوض عن سبق الآخر.

الثاني : إنما اقتصر المصنف على ذكر الصور الخمس لأن الأحكام إنما تختلف‌

__________________

(١) المجموع ١٥ : ١٥٠ ، كفاية الاخبار ٢ : ١٥١.


ولو شرط السبق بإقدام معلومة كثلاثة أو أكثر أو أقل لم يصح ، لعدم ضبطه ، وعدم وقوف الفرسين عند غاية بحيث تعرف المساحة بينهما.

______________________________________________________

عندنا باعتبارها.

الثالث : إذا دخل المحلل بين المتسابقين فينبغي ان يجري فرسه بين فرسيهما ، فان لم يتوسطهما وعدل الى يمين وشمال جاز وإن أساء بفعله إذا تراضيا به ، وان لم يتراضيا على ذلك لم يكن له العدول عن الوسط.

ولو اختلفا في ذلك فرضي أحدهما بعدوله عن الوسط دون الآخر قدّم اختيار من يطلب التوسط دون الانحراف ، لأنه أعدل بينهما وامنع من تنافرهما. ولو رضيا بإخراجه عن التوسط ، ودعى أحدهما الى ان يكون متيامنا والآخر الى ان يكون متياسرا لم يعمل على قول واحد منهما وجعل وسطا ، لأنه العدل والمتعارف فهذا موضع المحلل.

وأما المتسابقان : فان اتفقا على كون أحدهما عن يمين والآخر عن شمال فلا بحث ، وإلاّ أقرع بينهما وأقر كل واحد منهما في موضع قرعته من يمين وشمال ، ذكر ذلك كله المصنف في التذكرة (١).

قوله : ( ولو شرط السبق بإقدام معلومة كثلاثة ، أو أكثر ، أو أقل لم يصح ، لعدم ضبطه ، وعدم وقوف الفرسين عند غاية بحيث تعرف المسافة بينهما ).

اختار المصنف في التذكرة جواز هذا الشرط ، وحكى عن بعض الشافعية المنع (٢) ، ثم قال : ولا وجه له (٣). ولا ريب أنه إن انضبط ذلك وأمكن الوقوف عليه لا مانع من صحته.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٧.

(٢) كفاية الأخيار ٢ : ١٥٢.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٥٩.


الباب الثاني : في الرمي.

مقدّمة : الرشق : بفتح الراء الرمي ، وبالكسر : عدده.

ويوصف السهم بالحابي : وهو ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه فأصابه ، وهو المزدلف.

والخاصر ، وهو ما أصاب أحد جانبي الغرض ، ومنه الخاصرة.

والخاصل : وهو المصيب للغرض كيفما كان.

والخازق : وهو ما خدشه ثم وقع بين يديه.

والخاسق : وهو ما فتح الغرض وثبت فيه.

والمارق : وهو ما نفذ [ من ] الغرض ووقع من ورائه.

والخارم : وهو الذي يخرم حاشيته.

والغرض : ما يقصد إصابته ، وهو الرقعة المتخذة من قرطاس ، أو رق أو جلد ، أو خشب ، أو غيره.

والهدف : ما يجعل فيه الغرض من تراب أو غيره.

______________________________________________________

قوله : ( الرشق بفتح الراء : الرمي ، وبالكسر : عدده ).

الذي في القاموس والصحاح : أن الرشق بالفتح المصدر وبالكسر الاسم (١) ، وفي النهاية لابن الأثير : أن الرشق بالكسر هو الوجه من الرمي ، وإذا رمى القوم كلهم دفعة واحدة قالوا رشقا. والرشق أيضا أن يرمي الرامي بالسهام كلها (٢).

وفي التذكرة : أنه بالكسر عدد الرمي الذي يتفقان عليه ، وأهل اللغة يقولون :

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٢٤٤ « رشق » ، الصحاح ٤ : ٤١٨١ « رشق ».

(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ : ٢٢٥ « رشق ».


______________________________________________________

هو عبارة عما بين العشرين الى الثلاثين (١). ويسمى أيضا الوجه.

واغتراق السهم : هو أن يزيد في مد القوس بفضل قوته حتى يستغرق السهم فيخرج من جانب الوتر المعهود الى الجانب الآخر.

وأعلم أن السهم يوصف بأوصاف :

الأول : الحابي ، قال المصنف في التذكرة : وقد اختلف فيه ، فقيل أن أبا حامد الاسفرايني وهم هنا حيث جعل الحوابي صفة من صفات السهم ، وسماه حوابي ـ بإثبات الياء ـ وفسره بأنه السهم الواقع دون الهدف ثم يحبو اليه حتى يصل إليه ، مأخوذ من حبو الصبي ، وهو نوع من الرمي المزدلف يفترقان في الاسم ، لان المزدلف أحد والحابي أضعف ويستويان في الحكم.

ثم حكى عن قوم : إن الحوأب ـ بإسقاط الياء ـ نوع من الرمي وهو ثالث المحاطة والمبادرة ، والمراد به ان يحتسب بالإصابة في الشن والهدف ويسقط الأقرب من الشن ما هو أبعد منه.

ثم قال : والمشهور أن الحابي ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب اليه فاصابه ، وهو المزدلف (٢) ، وفسر المزدلف في التحرير : بأنه الذي يضرب الأرض ثم يثب الى الغرض (٣) ، وهو التفسير الأول.

الثاني : الخاصر ، ويسمى أيضا جائزا ، وفي التذكرة : يقال أجاز بالسهم إذا سقط وراء الهدف ، وعده من الخطأ ، لأنه منسوب الى سوء الرمي.

الثالث : الخاصل ، في التذكرة : وهو يطلق على القارع : وهو ما أصاب الشن ولم يؤثّر فيه ، وعلى الخارق : وهو ما أثر ولم يثبت ، وعلى الخاسق : وهو ما يثبت (٤). ولم‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٦٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٦٠.

(٣) التحرير ٢ : ٢٦١.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٦٠.


______________________________________________________

يذكر إطلاقه على المارق ، وعلى تعريفه بأنه المصيب كيف كان يجب أن يطلق عليه.

وفي التحرير : إن الخارق يطلق على الخاسق أيضا (١).

الرابع : الخارم ، وفسره في التحرير : بأنه الذي يصيب طرف القرطاس فلا يثقبه ، ولكن يخرق الطرف ويخرمه (٢).

الخامس : الطامح ، وله تأويلان :

أحدهما : أنه الذي قارب الإصابة ولم يصب ويكون مخطئا.

والثاني : أنه الواقع بين الشن ورأس الهدف ، فيكون مخطئا إن شرطت الإصابة في الشن ، ومصيبا ان شرطت في الهدف. وفي التحرير : وأما الطامح والفاخر فهو الذي يشخص عن كبد القوس ذاهبا الى السماء (٣).

السادس : العاضد ، وهو الواقع من أحد الجانبين فيكون كالجائز على أحد التأويلين.

السابع : الطائش : السهم الذي لا يعرف مكان وقوعه ، والطائش محسوب عليه في الخطأ.

الثامن : الغائر ، وهو السهم المصيب الذي لا يعرف راميه ، ويحتسب به لواحد من الراميين للجهل به.

التاسع : الخاطف ، وهو المرتفع في الهواء يخطف نازلا ، فإن أخطأ به كان محسوبا عليه ، لأنه من سوء رميه ، وإن أصاب به ففي الاحتساب وجهان ، نظرا الى حصول الإصابة ، وأن تأثير الرمي في ارتفاع السهم ، فأما سقوطه فلثقله ، فيكون مصيبا بغير فعله. فعلى هذا هل يحسب من الخطأ؟ وجهان أيضا ، نظرا إلى أنه لا واسطة ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٠.

(٢) التحرير ٢ : ٢٦١.

(٣) التحرير ٢ : ٢٦١.


والمبادرة : هي أن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع التساوي في الرشق.

والمحاطة هي إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة.

______________________________________________________

فإذا لم يكن مصيبا عد مخطئا وإن الإصابة قد حصلت ، واسوأ الأحوال أن يكون وجودها كعدمها.

وفصّل في التذكرة : بأنه إن نزل بعد ارتفاعه فاتر الحدة لا يقطع مسافة احتسب خاطئا ، وإن نزل في بقية حدته احتسب له صائبا ، لأن الرمي بالفتور منقطع وبالحدة مندفع (١).

وزاد في التحرير أوصافا :

الأول : الصادر ، وجمعه صوادر ، وهو الذي أصاب الغرض ونفذ فيه ومضى ولم يؤثر.

الثاني : الفاخر ، وهو الذي يشخص عن كبد القوس ذاهبا الى السماء.

الثالث : المغطغط ، وهو الذي يميل يمينا وشمالا.

الرابع : الزاهق ، وهو الذي يتجاوز الغرض من غير اصابة.

الخامس : الحابص ، وهو الذي يقع بين يدي الرامي.

السادس : الدابر ، وهو الذي يخرج من الهدف ، وهو المارق أيضا.

السابع : المرتدع ، وهو الذي أصاب الهدف ، ويشدخ عوده ويكسر (٢).

قوله : ( والمبادرة : هي أن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع التساوي في الرشق ، والمحاطة : هي إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة ).

لا يخفى فساد ما ذكره من تعريفهما ، لأن المتبادرة على ما ذكره صادقة مع اشتراط المحاطة في العقد ، فان من بدر من المتسابقين حينئذ صدق تعريف المبادرة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٠.

(٢) التحرير ٢ : ٢٦١.


وفي هذا الباب مطلبان :

الأول : في الشروط ، وهي اثنا عشر بحثا :

أ : العقد ، وقد سبق.

______________________________________________________

بالنسبة اليه ، وكذا القول في تعريف المحاطة صادق مع اشتراط المبادرة إذا تحققت الإصابة من الجانبين.

ومع ذلك فالغرض من بيان معنى اللفظين غير حاصل في ذلك ، والصحيح ما ذكره في التذكرة ، فإنه قال في تعريف المبادرة : هي أن يشترط الاستحقاق لمن بدر إلى إصابة خمسة من عشرين ، فإذا رميا عشرين فأصاب أحدهما خمسة والآخر أربعة فالأول ناضل ، ولو رمى أحدهما عشرين فأصاب خمسة ، ورمى الآخر تسعة عشر فأصاب أربعة لم يكن الأول ناضلا حتى يرمي الثاني سهما ، فإن أصاب فقد استويا ، وإلاّ كان ناضلا (١). وكان عليه أن يزيد فيه : مع التساوي في الرشق ، فظهر من هذا أنه متى تحققت اصابة العدد المشترط من واحد خاصة مع الاستواء في الرشق وإن كان دون مجموع العدد المشترط في العدد تحقق كونه ناضلا ولم يجب الإكمال.

وقال في تعريف المحاطة : هي أن يشترط الاستحقاق لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الآخر وطرح ما يشتركان فيه ، فإذا شرط عشرين رشقا وخلوص خمس إصابات ، فرميا عشرين فأصاب أحدهما عشرة والآخر خمسة فالأول هو السابق ، وإن أصاب كل واحد منهما خمسة أو عشرة فلا سبق هنا (٢).

وكان عليه أن يزيد فيه : مع إكمال العدد كله ، فإنه ليس المراد الخلوص كيف‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٦٢.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٦٢.


ب : العلم بعدد الرشق ، وهو شرط في المحاطة قطعا ، وفي المبادرة على اشكال.

ج : العلم بعدد الإصابة كخمسة من عشرين.

د : العلم بصفتها ، فيقولان : خواصل ، أو خواسق ، أو غيرهما‌

______________________________________________________

كان ، بل بعد إكمال جميع العدد المشترط.

قوله : ( العلم بعدد الرشق ، وهو شرط في المحاطة قطعا ، وفي المبادرة على إشكال ).

أما اشتراطه في المحاطة فظاهر ، لأن المراد خلوص إصابة كذا بعد مقابلة الإصابات من الجانبين من عدد يجب إكماله فلا بد من تعيينه ، وإلاّ أفضى إلى الجهالة والتنازع.

وأما المبادرة فمنشأ الإشكال : من أن الاستحقاق متعلّق بالبدار إلى إصابة العدد المعيّن حيث اتفق ، ولا يجب إكمال العدد المشروط فلا حاجة إلى تعيينه ، ولأصالة البراءة من الاشتراط ، واختاره الشارح الفاضل (١).

ومن أنه لولا ذلك لكان ـ إذا لم تتفق الإصابة المشترطة لهما أو لأحدهما ـ لا يكون لهما غاية يقفان عندها ، فربما طلب أحدهما الرمي بمقتضى العقد وامتنع الآخر فيحصل التنازع والتجاذب على وجه لا سبيل الى قطعه ، إذ لو الزم الممتنع بالإجابة أمكن أن يستمر عدم الإصابة إلى غير النهاية ، وبالاشتراط افتى الشيخ في المبسوط (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وابن سعيد (٤).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٧٠.

(٢) المبسوط ٦ : ٢٩٦.

(٣) السرائر : ٣٧٦.

(٤) شرائع الإسلام ٢ : ٢٣٨.


ولو شرطا الخواسق والحوابي معا صح ، ولو أطلقا فالأقرب حمله على الخواصل.

______________________________________________________

والتحقيق أن يقال : لا وجه لهذا الاشكال على تقدير لزوم العقد ، بل لا بد من الاشتراط دفعا للغرر والجهالة وحسما لمادة التنازع. وكذا على القول بالجواز ، لأنه بدون التعيين متى ظهرت علامات الفضل لأحد الراميين لا يجوز للمفضول الفسخ ، فلا بد من غاية معيّنة يقفان عندها تكون حاسمة لمادة النزاع.

قوله : ( ولو شرطا الخواسق والحوابي معا صح ).

أي : شرطا الجمع بين الوصفين في إصابة عدد معين ، كخمسة ، ثلاثة منها خواسق مثلا والباقي حوابي. ولا شك في جوازه ، إلاّ أنه لا وجه لافراد هذين الوصفين إذ جميع أوصاف الرمي كذلك. ولعله يريد : الجمع بينهما في سهم واحد وهو صحيح أيضا ، إذ لا منافاة بين كون السهم حابيا وخاسقا.

قوله : ( ولو أطلقا فالأقرب حمله على الخواصل ).

وجه القرب أن ذلك هو القدر المشترك بين الجميع فهو المطلق معنى فيحمل الإطلاق لفظا عليه ، إذ الأصل البراءة من وجوب التعيين ، ولأن اسم الإصابة واقع على الجميع فيكفي اشتراطه.

ويحتمل اشتراط التعيين ، لأن إخلاء العقد من التعيين أعم من الإطلاق وعدمه ، ولا دلالة للعام على الخاص بإحدى الدلالات ، واختاره الشيخ في المبسوط (١) ، والمصنف في التحرير (٢) ، واختار في التذكرة الأول (٣) ، وهو أقوى. وليس العقد خاليا عن التعيين ، لأن اشتراط الإصابة في قوة اشتراط المطلق ، ولا غرر هنا.

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٢٩٦.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٦٣.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٦١.


هـ : تساويهما في عدد الرشق والإصابة وصفتها وسائر أحوال الرمي ، فلو جعلا رشق أحدهما عشرة والآخر عشرين ، أو إصابة أحدهما خمسة والآخر ثلاثة ، أو أحدهما خواسق والآخر خواصل ، أو يحط أحدهما من إصابته سهمين ، أو يحط سهمين من إصابته بسهم من إصابة صاحبه ، أو يرمي أحدهما من بعد والآخر من قرب ، أو يرمي أحدهما وبين أصابعه سهم والآخر سهمان ، أو يحط أحدهما واحدا من خطائه لا له ولا عليه لم يصح.

و : العلم بقدر الغرض إما بالمشاهدة أو بالتقدير ، لاختلافه في السعة والضيق.

ز : معرفة المسافة إما بالمشاهدة ، أو بالتقدير كمائة ذراع.

ح : تعيين الخطر.

ط : جعله للسابق.

______________________________________________________

قوله : ( تساويهما ـ الى قوله ـ ولا عليه لم يصح ).

وجهه في جميع المسائل عدم التكافؤ الذي هو مناط الصحة ، لأن الفرض استناد اصابة المصيب منهما بحذقه ، لا بسبب آخر من زيادة رشقه أو قرب موقفه.

والمراد من كونه لا له ولا عليه في قوله : ( أو يحط أحدهما واحدا من خطأه لا له ولا عليه ). إسقاطه بحيث لا يكون محسوبا من الرمي فيرمى بدله.

قوله : ( العلم بقدر الغرض إما بالمشاهدة أو بالتقدير ، لاختلافه في السعة والضيق ).

وشرط في التذكرة أيضا العلم بموضعه من الهدف : وهو تراب يجمع أو حائط يبنى لينصب فيه الغرض ، والغرض : جلد ، أو شن ـ وهو الجلد البالي ـ أو قرطاس‌


ي : تماثل جنس الآلة لا شخصها ، ولا تعيين السهم ، ولو عينهما لم يتعين.

______________________________________________________

يدور عليه شنبر (١) وقيل : ما ينصب في الهدف يقال له القرطاس سواء كان من كاغذ أو غيره ، وما تعلق في الهواء فهو الغرض ، والرقعة عظم ونحوه في وسط الغرض. وقد يجعل في الشن نقش كالهلال يقال له الدائرة ، وفي وسطها نقش يقال له الخاتم (٢).

وشرط في التذكرة شرطا آخر وهو معرفة قدر الدائرة من الغرض ان شرطت الإصابة فيها (٣).

قوله : ( تماثل جنس الآلة لا شخصها ، ولا تعيين السهم ، ولو عيّنهما لم يتعين ).

أما تماثل جنس الآلة فإنه معتبر في نحو السهام والمزاريق (٤) ، فلا يجوز اشتراط رمي واحد منهما بالسهام وآخر بالمزاريق ونحو ذلك ، واستشكل الحكم في التذكرة (٥).

وأما بالنسبة إلى القوس فان التماثل شرط مع إطلاق العقد على الرمي ، فلو أراد أحدهما الرمي بقوس عربية والآخر بقوس عجمية لم يكن لهما ذلك ، ولو اشترطا ذلك في العقد جاز ، كذا ذكره المصنف في التحرير (٦).

وفي التذكرة : أنه إن كان هناك عرف بجنس معيّن من القوسين حمل الإطلاق عليه وإلاّ كانا بالخيار فيما اتفقا عليه من القوسين إذا كانا فيهما متساويين ، وإلاّ قيل‌

__________________

(١) قال الشيخ الطوسي في المبسوط ٦ : ٣٠٨ « الشنبر : هو الجريد المحيط بالشنّ ، كشنبر النخل ».

(٢) التذكرة ٢ : ٣٦٢.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٦٢.

(٤) المزاريق ، جمع مفرده المزراق : أي الرمح القصير. المعجم الوسيط ١ : ٣٩٣.

(٥) التذكرة ٢ : ٣٦١.

(٦) التحرير ١ : ٢٦٣.


ولو لم يعينا الجنس انصرف الى الأغلب في العادة ، فإن اختلفت فسد.

يا : تعيين الرماة ، فلا يصح مع الإبهام ، لأن الغرض معرفة حذق الرامي. وفي الحيوان يعتبر تعيين الحيوان لا الراكب ، لأن الغرض هناك معرفة عدو‌ الفرس لا حذق الراكب.

______________________________________________________

لهما : إن اتفقتما وإلاّ فسخ العقد بينكما (١).

وكلامه هنا مخالف لما في التذكرة والتحرير معا ، لأن إطلاقه اشتراط تماثل جنس الآلة وحكمه بفساد العقد مع الاختلاف عادة كالصريح في المخالفة ، أما تعيين شخص الآلة فقد أطبقوا على عدم اشتراطه ، بل لو عيّنه لم يتعين وجاز الإبدال ويفسد الشرط ، لأنه قد تعرض له أحوال خفية تحوج إلى الإبدال ، وفي المنع منه تضييق لا فائدة فيه ، فكان كما لو عيّن المكتل في السلم.

ولا يخفى أن بين القوس والسهم وبين المكتل فرقا بيّنا ، وتعلّق الغرض بشخص الآلة أمر واضح ، فإنّه ربما كان للقوس والسهم مدخل في الإصابة بخلاف المكتل فإنه لا غرض متعلق به ، بل الغرض متعلق بحصول الكيل على الوجه الصحيح.

قوله : ( ولو لم يعيّن الجنس انصرف الى الأغلب في العادة ، فإن اختلفت فسد ).

أما الحمل على العادة مع استقرارها فظاهر ، لأنه جار مجرى التقييد لفظا ، وأما الفساد مع الاختلاف فلأنه لولاه لأدى إلى التنازع والتجاذب فيفوت غرض المسابقة.

قوله : ( وفي الحيوان يعتبر تعيين الحيوان لا الراكب ، لأن الغرض هناك معرفة عدو‌ الفرس لا حذق الراكب ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦١.


وكل ما يعتبر تعيينه لو تلف انفسخ العقد ، وما لا يعتبر يجوز إبداله لعذر وغيره.

ولو تلف قام غيره مقامه ، فلو شرطا أن لا يرميا إلاّ بهذا القوس أو هذا السهم ، أو لا يركب إلاّ هذا الراكب فسد الشرط.

وتصح المناضلة على التباعد كما تصح على الإصابة ، فلا تعتبر‌ شروط الإصابة.

______________________________________________________

أي : وفي مسابقة الحيوان يعتبر تعيين الحيوان ، ولا يخفى أن ما ذكره من التعليل غير واضح ، لأنّ حذق الراكب وتعلمه الفروسية أمر مطلوب ، ومدخليته في الحرب أمر لا يدفع ، واختلاف الفرسان باعتبار الفروسية في إظهار النكاية في العدو مع اتحاد الفرس أمر ظاهر.

ثم في الجمع بين هذا وبين ما ذكره من الإشكال في أن الوارث له الإتمام لو مات الفارس نظر ، فإنه إن ثبت جواز إبدال الراكب مع اشتراط تعيينه ، وقلنا بلزوم العقد أو بجوازه وقد ظهر فضل الميت ، ينبغي الجزم بأن للوارث الإتمام. وكذا الكلام في قوله : أو لا يركب إلاّ هذا الراكب فسد الشرط ، وقد وقع التصريح بذلك في عبارات القوم.

قال في التذكرة في مسألة اشتراط تساوي المتسابقين في مبدأ السباق : فلو شرطا تقدم موقف أحدهما أو تقدم غايته لم يجز ، لأنه مناف للغرض إذ المقصود من المسابقة معرفة فروسية الفارس وجودة سير الفرس ، وإنما يعرف ذلك مع تساوي المبدأ والمنتهى فيهما (١) ، وهذا تصريح بما قلناه.

قوله : ( وتصح المناضلة على التباعد كما تصح على الإصابة فلا يعتبر‌ شروط الإصابة ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٥.


يب : إمكان الإصابة المشروطة لا امتناعها ، كما لو شرطا الإصابة من خمسمائة ذراع ، أو إصابة مائة على التوالي. ولا وجوبها كإصابة الحاذق واحدا من مائة ،

______________________________________________________

وجهه : إنّ البعد في الرمي وزيادة ذهاب السهم أمر مطلوب كالاصابة ، وذلك لأنه يفيد في مقابلة العدو من بعد إرهابه ، وكذا إيقاع السهام في القلاع ، وحيث كان مقصودا برأسه لم تشترط الإصابة ، والقول بجواز ذلك مقرب التذكرة ، واشترط تساوي القوسين في الشدة ، ومراعاة خفة السهم ورزانته ، لأن لهما تأثيرا عظيما في ذلك (١).

واعلم أن التعليل المذكور يشعر بجواز المناضلة على التباعد إلى جهة فوق ، للاحتياج اليه فيما إذا كان العدو في علو.

قوله : ( إمكان الإصابة المشروطة ).

المراد بإمكان الإصابة : كونها ممكنة بحسب العادة متوقعا حصولها.

قوله : ( لا امتناعها ، كما لو شرطا الإصابة من خمسمائة ذراع ، أو اصابة مائة على التوالي ).

المراد عدم امتناعها بمجرى العادة ، فإنّ ذلك ـ اشتراط الممتنع ـ مخل بمقصود المتناضلين من بذل المال ، لأن الغرض المناضلة طمعا في تحصيله ، ومع عدم الإمكان لا يتأتى ذلك ، وذلك كما لو شرطا الإصابة من خمسمائة ذراع ، أو إصابة مائة على التوالي.

قوله : ( ولا وجوبها كإصابة الحاذق واحدا من مائة ).

كما لا يجوز اشتراط الممتنع عادة كذا لا يجوز اشتراط محقق الوقوع في العادة ، لمنافاته الغرض من حصول الحذق في الرمي ، كإصابة الحاذق واحدا من مائة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٢.


والوجه صحة الأخير لفائدة التعليم والنادر الأقرب صحته كبعد أربعمائة.

______________________________________________________

على هيئة الخاصل كما صرح به في التذكرة (١).

ولا يخفى ان المتبادر من قوله : ( إمكان الإصابة المشروطة لا امتناعها ولا وجوبها ) أنه لا يشترط الامتناع ولا الوجوب ، لأنه في سياق الشروط ، والأمر سهل لأن المطلوب معلوم ، فإنه لا يخفى أن المراد اشتراط إمكان الإصابة لصحة العقد ، فلا يصح اشتراط الممتنع ولا الواجب.

قوله : ( والوجه صحة الأخير لفائدة التعليم ).

الذي تقتضيه العبارة كون الأخير هو الواجب عادة ـ اصابة الحاذق واحدا من مائة ـ والذي يدل عليه التعليل خلاف ذلك ، فإن فائدة التعليم لا تترتب على هذا ، ولعله يريد الأخير من الأمرين اللذين مثّل بهما للممتنع ، وكيف كان فالعبارة لا تخلو من شي‌ء.

ووجه ما اختاره المصنف ما أشار إليه من أن الغرض فائدة التعليم ، ولا ريب أن التوجه إلى الإتيان بالأمر الذي يندر وقوعه في العادة يكسب حذقا واستعدادا ، وربما اتفق حصوله فإنه غير ممتنع ، بخلاف الإصابة من خمسمائة ذراع وما فوقه. ويحتمل العدم ، لإطلاق عدم الجواز وعدم حصول الغرض منه ، وفي الأول قوة.

قوله : ( والنادر الأقرب صحته كبعد أربعمائة ).

وجه القرب التمسك بعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) وإمكان تحصيل المقصود ، ولأن غرض التحذق في الرمي يحصل بطريق أقوى ، لأن الرامي يجتهد كمال الاجتهاد حينئذ في الإصابة فيستفيد ذلك.

ويحتمل العدم ، لأن هذه المعاملة إنما شرعت تحريضا على الرمي والاجتهاد فيه باشتراط المال فيها ، فإذا كان المشروط بعيد الحصول تبرمت النفوس به. والأول‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٥.

(٢) المائدة : ١.


ولا يشترط تعيين المبتدئ بالرمي بل يقرع ، ثم لا ينسحب في كمال الرشق ،

______________________________________________________

أقوى ، لأن اشتراط مثل هذا أدخل في حصول الحذق. وقد قيل (١) إنه ما أصاب من أربعمائة ذراع إلاّ عقبة بن عامر الجهني ، ذكره المصنف في التذكرة (٢).

قوله : ( ولا يشترط تعيين المبتدئ بالرمي بل يقرع ، ثم لا ينسحب في كمال الرشق ).

التناضل يخالف التسابق ، فإن المتسابقين بالخيل وشبهها يجريان معا ليعرف السابق منهما ، إذ لا يعرف بدونه. وأما التناضل فلا بد فيه من الترتب ، حذرا من اشتباه الحال بين المصيب والمخطئ ، إلاّ أن يعرف بتعليم النشاب بما يميز كل واحدة عن صاحبتها ، كذا قال في التذكرة (٣).

ولا يندفع به الاشتباه ، فإن إحداهما لو مرقت من الغرض مثلا ووقعت مع التي لم تصب اشتبه الحال ، وحينئذ فيجب : إما تعيين المبتدئ بالرمي وكيفيته : أن يتراميان سهما سهما أو أزيد ، أو يستخرج المبتدئ بالقرعة ، ثم لا ينسحب الحكم بالقرعة في كمال الرشق ، بل من أخرجته القرعة يبتدئ في كل مرة. ووجه عدم اشتراط تعيين المبتدئ والاكتفاء بالقرعة : أن الشارع جعلها في كل أمر مشكل.

ولا يقال : إن الإخلال بتعيين المبتدئ في العقد يقتضي وقوعه على الغرر والجهالة ، لأن الأغراض تتعلق بالبداءة ، والرماة يتنافسون في ذلك تنافسا ظاهرا لحكمة مقصودة عند العقلاء فان المبتدئ يجد الغرض خاليا من الخلل ، وهو على ابتداء النشاط فتكون اصابته أقرب.

لأنا نقول : هذا إذا لم يكن الى التعيين طريق ، أما معه فلا ، حيث أن تعيين‌

__________________

(١) في « ه‍ » والحجرية : نقل.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٦٢.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٦٣.


ولا ذكر المبادرة ولا المحاطة ، ولا يحمل المطلق على المبادرة.

______________________________________________________

المبتدئ ليس من الأمور المعدودة من أركان العقد كعدد الإصابة فيكتفى فيه بالقرعة.

وينبغي أن يقيد قول المصنف : ( ثم لا ينسحب في كمال الرشق ) بما إذا أخرجت القرعة المبتدئ في كل رشق وإلاّ اتجه الانسحاب. وقد ذكره المصنف في التذكرة احتمالا ، بل ذكر احتمالين إذا أخلاّ بتعيين المبتدئ : أحدهما البطلان ، والآخر الاكتفاء بالقرعة ، ولم يرجح واحدا منهما (١).

قوله : ( ولا ذكر المبادرة ولا المحاطة ).

أي : لا يشترط في صحة العقد أن يذكر كون الإصابة مبادرة أو محاطة ، وقد سبق تفسيرهما عملا بأصالة عدم الاشتراط وانتفاء الدليل الدال عليه ، ولا جهالة ، لأن الإطلاق منزّل على أحدهما ، وهذا أحد القولين.

والآخر اشتراط تعيين أحدهما حذرا من التنازع والتجاذب ، فإن الأغراض تختلف باعتبارهما اختلافا ظاهرا ، فإنه ربما كان الرامي باعتبار المبادرة ناضلا ثم يصير بمقتضى المحاطة منضولا وبالعكس ، والأصح الأول ، فحينئذ ينزّل إطلاق العقد على المحاطة أم المبادرة؟

قيل بالثاني ، لأن المتبادر من اشتراط السبق لمن أصاب عددا معيّنا استحقاقه إياه متى ثبت له ذلك الوصف ، ولأن الغالب في المناضلة هو المبادرة.

وقيل بالأول ، وهو الأصح ، لأن اشتراط السبق إنما يكون بأصالة معيّنة من أصل العدد المشترط في العقد ، وذلك يقتضي ، إكمال العدد كله لتكون الإصابة المعيّنة منه ، فإنهما إذا عقدا على أن من أصاب خمسة من عشرين كان له كذا كان مقتضاه رمي كل منهما عشرين وإلاّ لم يتحقق كون الخمسة التي حصلت الإصابة بها من العشرين ، وذلك هو معنى المحاطة ، إذ المراد بها : خلوص إصابة الخمسة من رمي‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٣.


المطلب الثاني : في الأحكام : أقسام المناضلة ثلاثة :

المبادرة : مثل من سبق إلى إصابة خمس من عشرين فهو السابق ، فلو أصاب أحدهما خمسة من عشرة والآخر أربعة ، فالأول سابق ولا يجب الإكمال.

ولو أصاب كل منهما خمسة فلا سبق ، ولا يجب الإكمال أيضا.

______________________________________________________

العشرين لواحد ، والى هذا أشار المصنف بقوله : ( ولا يحمل المطلق على المبادرة ) ، لأنه إذا لم يشترط التعيين ولم يحمل المطلق على المبادرة تعيّن أن يحمل على المحاطة لانتفاء قسم ثالث.

قوله : ( المطلب الثاني : في الأحكام : أقسام المناضلة ثلاثة ).

أراد بالأقسام الثلاثة : المبادرة ، والمناضلة ، والمحاطة. وفي عدّه الأقسام ثلاثة نظر ، لأن المناضلة هي المحاطة ، وليس ثم إلاّ الاختلاف في التسمية ، فإنه لا بد في كل منهما من مقابلة الإصابات وخلوص القدر المشترط اصابته لأحدهما مع إكمال ما لا تنتفي الفائدة مع إكماله على ما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى.

وقد صرّح المصنف بنحو ذلك في التحرير فإنّه قال : ولو قالا : أيّنا نضل صاحبه بثلاث من عشرين فهو سابق. فهو محاطة ، ويسمّى أيضا مناضلة (١) ، وفي التذكرة لم يذكر المناضلة مع المحاطة والمبادرة ، نعم حكى عن بعضهم أن الأقسام ثلاثة : المبادرة ، والمحاطة ، والحوابي : وهي أن يرميا على أن يسقط الأقرب والأشد الأبعد (٢) ، وكيف كان فكلامه هنا لا يخلو من شي‌ء.

قوله : ( المبادرة : مثل من سبق إلى إصابة خمس من عشرين ـ إلى‌

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٦٤.

(٢) التذكرة.


ويحكم بالسبق لو أصاب أحدهما خمسة من تسعة والآخر أربعة منها بدون العاشر.

والمفاضلة : مثل من فضل صاحبه بإصابة واحدة أو اثنين أو ثلاثة من عشرين فهو السابق.

ويجب الإكمال مع الفائدة ، فلو شرطا ثلاثة ، فرميا اثنتي عشرة فأصابها أحدهما وأخطأه الآخر لم يجب الإكمال.

ولو أصاب عشرا لزمهما رمي الثالثة عشرة ، فإن أصابها ، أو أخطأها ، أو أصابها الأول فقد سبق ولا إكمال ، فإن أصابها الثاني خاصة لزمهما الرابعة عشرة ، وهكذا.

ولو رميا ثماني عشرة ، فإن أصاباها ، أو أخطئاها ، أو تساويا في‌

______________________________________________________

قوله ـ بدون العاشر ).

أشار بقوله : ( مثل ) الى بيان صفة المبادرة وذكر صورا ثلاثا ، ومتى استويا في الرشق مع تحقق الإصابة لم يجب الإكمال ، سواء أصاب أحدهما أو كلاهما ، وإلاّ وجب.

قوله : ( ولو أصاب عشرا لزمهما رمي الثالثة عشر ).

أي : لو أصاب أحدهما عشرا وأخطأ الآخر الجميع وقد رميا اثنتا عشرة.

قوله : ( فإن أصابها الثاني خاصة لزمهما الرابعة عشر وهكذا ).

لأنه إذا انفرد الثاني بإصابتها رجي له أن لا يفضله الأول ، لإمكان إصابة السبع الباقية ، فإذا رميا الرابعة فأصاباها ، أو أخطئاها ، أو أصابها الأول خاصة فلا إكمال ، لانتفاء الفائدة فإنّ الأول قد فضل ، وإن أصابها الثاني خاصة وجب رمي الخامسة عشر ، وهكذا الى العشرين.

قوله : ( ولو رميا ثماني عشرة فأصاباها ، أو اخطآها ، أو تساويا في‌


الإصابة فيها لم يجب الإكمال.

والمحاطة : مثل من أصاب خمسا من عشرين فهو السابق ، فلو أصابا خمسة من عشرة تحاطا وأكملا ، وكذا لو أصاب أحدهما تسعة منها والآخر خمسة.

ولو لم يكن في الإكمال فائدة من رجحان ، أو مساواة ، أو منع عن التفرد بالإصابة بأن يقصر عن العدد لم يجب الإكمال ، كما لو أصاب أحدهما خمسة عشر منها والآخر خمسة.

______________________________________________________

الإصابة فيها لم يجب الإكمال ).

إذا كانت الصورة المذكورة بحالها ـ وهو أن يشترطا الفضل بثلاث من عشرين ـ إذا رميا ثماني عشرة فأصاباها فقد حصل اليأس من فضل أحدهما صاحبه ، وكذا إذا اخطآها ، أو أصابا بعضها وتساويا في ذلك ، لأن أقصى ما هناك أن ينفرد أحدهما بإصابتها وذلك لا يقتضي الفضل ، فلا فائدة في الإكمال.

قوله : ( ولو لم يكن في الإكمال فائدة من رجحان أو مساواة ـ إلى قوله ـ والآخر خمسة ).

أي : لو لم يكن في إكمال العدد المشترط فائدة لم يجب الإكمال في المحاطة ، أما معها فيجب.

وتتصور الفائدة بأن يستفيد المسبوق بالإكمال الرجحان ، كما لو رميا اثنتي عشرة فأصابها أحدهما وأصاب الآخر منها تسعة ، فإن المسبوق يجوز تفرده بإصابة جميع ما بقي فيصير هو السابق ، أو يستفيد المساواة ، كما لو رميا سبعة عشر فأصابها أحدهما وأصاب الآخر أربعة عشر ، فإنه يجوز أن ينفرد بإصابة الثلاثة الباقية فيستويان. أو يستفيد منع السابق عن التفرّد بالإصابة مع عدم المساواة ، كان يرميا خمسة عشر فيصيبها أحدهما ويصيب الآخر منها ستة ، فإنه يجوز أن ينفرد المسبوق‌


ولو أصاب الأول أربعة عشر وجب الإكمال ما لم تنتف الفائدة قبله.

ولو شرطا جعل الخاسق بإصابتين جاز.

ويجوز عقد النضال بين حزبين ، كما يجوز بين اثنين.

______________________________________________________

بإصابة الخمسة الباقية ، فيقصر عدد إصابة الأول عن الخمسة بواحد.

وقوله : ( كما لو أصاب أحدهما ... ).

مثال ما إذا انتفت الفائدة أصلا وبيان انتفائها : أن اقصي ما هناك إصابة المسبوق ما بقي دون السابق ، فيبقى للسابق بعد المحاطة اصابة خمسة.

قوله : ( ولو أصاب الأول أربعة عشر وجب الإكمال ما لم تنتف الفائدة قبله ).

أي : في المثال السابق لو أصاب الأول أربعة عشر ـ والمراد به الذي فرض أنه أصاب خمسة عشر ـ والآخر خمسة وجب الإكمال ، لإمكان إصابة الآخر الستة الباقية ، وإخطاء الأول إياها ما لم تنتف الفائدة قبل الإكمال ، ويتحقق انتفاؤها حيث يكون فرض إصابة الآخر ما بقي ، وإخطاء الأول إياه لا يقتضي نقصان ما يبقى له بعد المحاطة عن خمسة.

قوله : ( ولو شرطا جعل الخاسق بإصابتين جاز ).

أي : بإصابتين دون الخسق ، ووجه الجواز أن الخاسق يشتمل على الإصابة والثبوت ، فجاز أن يجعل تلك الزيادة قائمة مقام إصابة اخرى.

قوله : ( ويجوز عقد النضال بين حزبين ، كما يجوز بين اثنين ).

ويكون كل واحد من الحزبين بمنزلة رام واحد ، ويدل على الجواز ما روي عن النبي 6 : مر بحزبين من الأنصار يتناضلون فقال : « أنا مع الحزب‌


ولا يشترط تساوي الحزبين عددا بل تساوي الرميات ، فيرامى واحد ثلاثة ليرمي هو ثلاثة وكل واحد واحدا ، فإن عقد النضال جماعة على أن يتناضلوا حزبين احتمل المنع ، لأن التعيين شرط الجواز ، فينصب لكل حزب رئيس يختار واحدا من الجماعة ، والآخر آخر في مقابلة الأول ، ثم يختار الأول ثانيا والثاني ثانيا في مقابلة ثاني الأول ، وهكذا ، إلى أن‌ ينتهيا على الجماعة.

______________________________________________________

الذي فيه ابن أدرع » (١) ، فأقرهم على ذلك ، ولأن المقصود التحريض على الاستعداد للجهاد ، وهو في الأحزاب أشد تحريضا وأكثر اجتهادا.

إذا عرفت ذلك ، فالمراد من تناضل الحزبين دخول جماعتين في النضال ، يتقدم كل واحد منهم فيعقد النضال على جميعهم ، ويكون كل حزب فيما يتفق لهم من الإصابة والخطأ كالشخص الواحد.

قوله : ( ولا يشترط تساوي الحزبين عددا بل تساوي الرميات ، فيرامى واحد ثلاثة ، ليرمي هو ثلاثة ، وكل واحد واحدا ).

هذا أحد الوجهين ، ووجهه : أن الحزب بمنزلة الشخص الواحد فجاز أن يقابل به الواحد. وأصحهما ـ واختاره في التذكرة ـ (٢) اشتراط تساويهما عددا ، لأن التكافؤ شرط ، وربما كانت الإصابة مستندة الى كثرة العدد.

قوله : ( فإن عقد النضال جماعة على أن يتناضلوا حزبين احتمل المنع ، لأن التعيين شرط الجواز ، فينصب لكل حزب رئيس يختار واحدا من الجماعة ، والآخر آخر في مقابلة الأول ، ثم يختار الأول ثانيا ، والثاني ثانيا في مقابلة ثاني الأول ، وهكذا الى أن‌ ينتهيا على الجماعة ).

__________________

(١) جامع الأصول ٥ : ٤٤ حديث ٣٠٤٣ ، عوالي اللآلي ٣ : ٢٦٦ حديث ٥ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥١٦ حديث ٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٦٣.


______________________________________________________

حيث أنه يجوز عقد النضال بين حزبين لكل حزب رئيس ، فهل يشترط تعيين رماة كل حزب منهما قبل العقد باتفاق ومراضاة ، فيعرف كل واحد من الرئيسين من يرمي معه بأن يكون حاضرا يراه أو غائبا يعرفه؟ أم يجوز أن يعقد الزعيمان عليهم ليقرعوا على من يكون في كل حزب؟.

فيه وجهان أصحهما الأول ، لأن تعيين الرامي شرط في العقد فإنه من أركانه ، ولأنه ربما أخرجت القرعة الحذّاق لأحد الحزبين والضعفاء للحزب الآخر فيخرج عن مقصود التناضل ، وهو مختار المصنف في التذكرة (١) ، واختار في التحرير الثاني (٢).

إذا عرفت ذلك فحيث شرطنا تعيينهم قبل العقد فلا بد من أن ينصب لكل حزب رئيس لينوب عنهم في العقد فلا يكفي للحزبين رئيس واحد ، ولا بد أن يكون مطاعا بينهم. وينبغي أن يكون مقدّما عليهم في الرمي ، لأن صفة الزعيم في العرف أن يكون متقدّما في الصناعة مطاعا في الجماعة ، وحينئذ فيعيّن كل منهما من يكون معه أما بالإشارة إن حضروا وإن لم يعرفوا ، وأما بأسمائهم إذا عرفوا ، فيختار أحد الزعيمين واحدا من الجماعة والآخر آخر في مقابله ، ثم يختار الأول ثانيا والثاني ثانيا في مقابلة ثاني الأول ، ثم يعود الأول ويختار ثالثا وكذا الثاني ، وهكذا الى آخر الجماعة. وليس لأحدهما أن يختار الثلاثة مثلا في حالة واحدة ، لأنه لا يختار إلاّ الأحذق فيجتمع الحذّاق في حزب والضعفاء في حزب فيفوت مقصود التناضل.

ولو تنازعوا في المتقدم في الاختيار عدلوا إلى القرعة ، ولا محذور هنا لأنها قرعة في الاختيار قبل العقد وليست قرعة فيه ، والى هذا أشار المصنف بقوله : ( والابتداء بالقرعة ) وإن لم يكن صريحا في المراد ، لأن القرعة حيث يقع التنازع لا مع الاتفاق على ابتداء واحد. ولا يمكن أن يريد بها القرعة بعد العقد ، لأنه لا ابتداء‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٣.

(٢) التحرير ٢ : ٢٦٥.


والابتداء بالقرعة ، فإن شرط الزعيم السبق على نفسه لم يلزم حزبه شي‌ء ، وإلاّ كان عليهم بالسوية ، ويكون للآخر بالسوية من أصاب ومن لم يصب.

ويحتمل القسمة على قدر الإصابة فيمنع من لم يصب.

______________________________________________________

هنا ، وإنما يقع التعيين بالقرعة.

وارجع الى عبارة الكتاب والحظ ما فيها من الإبهام ، فإن المتبادر من سياق الكلام أن احتمال المنع جار في التناضل بين حزبين ، وليس بمراد ولا صحيح ، لأن الناضل بين حزبين جائز وإنما التنازع في جواز العقد قبل التعيين. نعم بعد تأمل الدليل الذي ذكره وتحصيل مدعى ينطبق عليه يفهم المراد.

ثم المتبادر من قوله : ( فينصب لكل حزب رئيس ... ) تفرعه على احتمال جواز العقد بين حزبين من غير تعيين وهو فاسد ، لأن هذا إنما يكون إذا قلنا بالمنع واشترطنا التعيين قبل العقد ، أما على الجواز فإنّ التعيين بعد العقد لا يكون بفعلهما بل بالقرعة.

قوله : ( فإن شرط الزعيم السبق على نفسه لم يلزم حزبه شي‌ء ، وإلاّ كان عليهم بالسوية ، ويكون الآخر بالسوية من أصاب ومن لم يصب. ويحتمل القسمة على قدر الإصابة فيمنع من لم يصب ).

السبق في عقد النضال بين حزبين أما أن يكون من أجنبي ، أو من الزعيم خاصة ، أو من أحد الحزبين فقط ، أو من كل منهما ، ولا بحث في الصحة على التقديرات لكن إذا أخرجه أحد الحزبين أو كلاهما ولم يسمّوا قسط كل واحد من الجماعة يشتركون في التزامه بالسوية على عددهم من غير تفاضل فيه ، لانتفاء المرجح عند إطلاق العقد. ويحتمل توزيع الغرم على قدر الخطأ على نحو توزيع القسمة على قدر الإصابة.

وإن سمّوا قسط كل واحد منهم وتساووا فلا بحث ، وإن تفاضلوا فوجهان‌


______________________________________________________

أصحهما الجواز ، لأنه شرط صدر باختيارهم ولا مانع منه ، فإنه يجوز ان يلتزم المال كل واحد منهم أو أجنبي ، وأضعفهما العدم ، لاستوائهم في العقد فوجب أن يتساووا في التزام العوض ، وليس بشي‌ء.

ولم يتعرض المصنف الى هذا القسم ، إذ المتبادر من قوله : ( وإلاّ كان عليهم بالسوية ) إنه إذا لم يشترط الزعيم السبق على نفسه كان بمقتضى الإطلاق عليهم بالسوية وإن كان مدلول العبارة أعم من التعيين وعدمه ، إذ لا يمكن أن يريد أنه مع التعيين بالتفاوت يكون عليهم بالسوية.

وقوله : ( ويكون الآخر بالسوية من أصاب ومن لم يصب ... ) معناه : ويكون الحزب الآخر وهو المصيب بالسوية في قسمة السبق من أصاب ومن لم يصب ، لاشتراكهم في العقد على وجه صاروا بمنزلة الشخص الواحد فيأخذون بالسوية كما أن المنضولين يعطون بالسوية.

وتحتمل القسمة على عدد الإصابات ، فيكون لمن كثرت إصابته أكثر ، ويمنع من لم يصب ، لأنهم بالإصابة قد استحقوا فلا يستوي قليل الإصابة وكثيرها.

ويضعّف بأن الحزب بمنزلة الشخص الواحد ، فإذا شرط المال للحزب الناضل كان مقتضى الاشتراط الاستواء فيه. نعم لو شرطت القسمة على قدر الإصابة اتبع الشرط ، وكذا لو شرط عدم غرم المصيب من الحزب المنضول ، أو توزيعه على قدر الخطأ ، لأنه شرط لا ينافي مقتضى العقد.

ولا يخفى ما في قوله : ( ويكون الآخر بالسوية ) من اللبس والخفاء ، إذ لا يعرف ما المراد بالآخر ، فإن الزعيم في قوله : ( فإن شرط الزعيم ) قد يراد به أحدهما ، وقد يراد كل منهما ، لأن الشرط قد يكون من واحد من الحزبين ، وقد يكون منهما ، وقد يكون من واحد من الزعيمين ، وقد يكون منهما ولا يكون لقوله : ( ويكون الآخر بالسوية ) إلاّ على تقدير أن يكون الشرط من أحد الزعيمين فقط ، أو أحد الحزبين‌


ويشترط قسمة الرشق بين الحزبين بغير كسر ، فيجب إذا كانوا ثلاثة الثلث ، وأربعة الربع.

ولو كان في أحد الحزبين من لا يحسن الرمي بطل العقد فيه وفي مقابله ، ويتخيّر كل من الحزبين لتبعض الصفقة.

______________________________________________________

فقط. نعم يمكن الاعتناء بالعبارة فيقال : وإلاّ كان عليهم بالسوية ، إنما يكون ذلك إذا صاروا منضولين فيراد بقوله : ( ويكون الآخر ) الحزب الناضلون.

قوله : ( وتشترط قسمة الرشق بين الحزبين بغير كسر ، فيجب إذا كانوا ثلاثة الثلث ، وأربعة الربع ).

أي : يشترط لصحة النضال بين الحزبين أن يكون الرشق ـ وهو عدد الرمي المشترط بينهما ـ بحيث ينقسم عليهم بغير كسر ، فإذا كان الحزب ثلاثة وجب ان يكون للعدد ثلث صحيح ، وإن كان أربعة وجب ان يكون ربع صحيح ، فلا يجوز اشتراط نحو الأربعة والحزب ثلاثة ، لأن السهم لا يقبل القسمة ولا يتعين محله مع الإطلاق. ولو شرط لواحد منهم لم يصح عندنا ، لوجوب استوائهم في عدد الرمي بحيث يحصل التكافؤ. واعلم ان المراد من قوله : ( وتشترط قسمة الرشق بين الحزبين ... ) اشتراط انقسام الرشق بغير كسر في صحة العقد ، فأطلق القسمة وأراد الانقسام.

قوله : ( ولو كان في أحد الحزبين من لا يحسن الرمي بطل العقد فيه وفي مقابله ، ويتخيّر كل من الحزبين لتبعض الصفقة ).

أي : لو أدخل أحد الزعيمين في أحد الحزبين من لا يحسن الرمي أصلا ، لعدم العلم بحاله ، كما لو حضر غريب لا يعرفونه فأخذه أحد الزعيمين في حزبه بظن أنه جيد الرمي فظهر خلافه بطل العقد فيه ، لأنّه معقود عليه في عمل معدوم منه لا يمكن صدوره عنه ، فكان بمنزلة من استؤجر للكتابة وهو لا يحسنها فإنّ الإجارة باطلة ، فإذا بطل العقد فيه وجب ان يبطل في مقابله من الحزب الآخر ، لأن العقد إنّما جرى عليه‌


ولو ظهر قليل الإصابة فقال حزبه : ظنناه كثير الإصابة ، أو كثير الإصابة فقال الحزب الآخر : ظنناه قليل الإصابة لم يسمع.

ولو قال المسبوق : اطرح فضلك وأعطيك دينارا لم يجز.

وإذا شرطا الخاصل ، وهي الإصابة المطلقة اعتد بها كيف ما وجدت بشرط الإصابة بالنصل ، فلو أصاب بعرضه أو بفوقه لم يعتد به ، لأنه من سيّئ الخطأ.

______________________________________________________

لكونه مقابله ، وحينئذ فيتخير كل من الحزبين في فسخ العقد على القول بلزومه لتبعض الصفقة.

قوله : ( ولو ظهر قليل الإصابة فقال حزبه : ظنناه كثير الإصابة ، أو كثير الإصابة فقال الحزب الآخر : ظنناه قليل الإصابة لم يسمع ).

اي : لو ظهر الشخص الذي أدخله أحد الزعيمين في حزبه يحسن الرمي لكنه قليل الإصابة فلا فسخ لأصحابه ، وليس لهم طلب البدل عنه وان قالوا : ظنناه كثير الإصابة ، بل صوابه وخطؤه لحزبه وهو بمنزلة من عرفوه. كما أنّه لو ظهر كثير الإصابة أجود رميا لم يكن للحزب الآخر الفسخ ولا طلب البدل ، وذلك لان العقد قد جرى عليه صحيحا مستوفيا شروطه فكان كأحدهم في لزومه أو جوازه.

قوله : ( ولو قال المسبوق : اطرح فضلك وأعطيك دينارا لم يجز ).

لأنه مفوت للغرض من المناضلة ومخالف لوضعها.

قوله : ( وإذا شرط الخاصل ـ وهي الإصابة المطلقة ـ اعتد بها كيف ما وجدت بشرط الإصابة بالنصل ، فلو أصاب بعرضه أو بفوقه لم يعتد به ، لأنه من سيّئ الخطأ ).

لا ريب أن الخاصل هو المصيب للغرض كيف ما اتفق ، سواء قرع أو خسق أو خرق ، لكن يشترط لكونه مصيبا أن تقع إصابة الغرض بالنصل.


ولو أطارت الريح الغرض فوقع في موضعه احتسب له ، أما لو شرط الخاسق ، فإن ثبت في الهدف وكان بصلابة الغرض احتسب له ، وإلاّ فلا يحتسب له ولا عليه. ولو أصابه في الموضع الذي طار إليه ، فإن كان على صوب المقصد حسب له ، وإلاّ عليه.

______________________________________________________

وقد اختلف فيما يسمى نصلا : فقيل : إنه اسم للحديد المسمى زجا ، وقيل : إنه اسم لطرف الخشبة الذي يوضع فيه الزج من الحديد.

فلو أصاب بعرض السهم احتسب مخطئا ، لأنه منسوب الى سوء رميه فهو من سيّئ الخطأ ، وإن أصاب بفوق السهم ـ وهو الجزء الذي يدخل فيه الوتر ، وربما أطلق عليه القدح ، وقيل : إن القدح اسم لجميع الخشبة المريشة ـ فالأصح أنه كذلك ، لأنه منسوب الى سوء رميه.

قوله : ( ولو أطارت الريح الغرض فوقع في موضعه احتسب له ، أما لو شرط الخاسق : فان ثبت في الهدف وكان بصلابة الغرض احتسب له ، وإلاّ فلا يحتسب له ولا عليه ، ولو أصابه في الموضع الذي طار إليه : فإن كان على صوب المقصد حسب له ، وإلاّ عليه ).

إذا أطارت الريح الغرض عن موضعه : فأما أن يقع السهم في غير الغرض ، وفي غير الموضع الذي كان فيه فيحتسب به مخطئا ، لأنه وقع في غير محل الإصابة قبل الريح وبعدها.

وأما أن يقع في الموضع الذي كان فيه الغرض من الهدف فيحتسب مصيبا ، لوقوعه في محل الإصابة.

وأما أن يقع في الغرض بعد زواله عن موضعه : فأما أن يكون زواله بعد خروج السهم فيحتسب به من الخطأ ، لوقوعه في غير محل الإصابة عند خروج السهم ، وإما أن يخرج السهم بعد زواله عن موضعه وعلم الرامي بزواله فينظر في‌


______________________________________________________

الموضع الذي صار فيه : فإن لم يكن مماثلا لموضعه من الهدف لم يحتسب به مصيبا ولا مخطئا ، لخروجه عن محل الصواب والخطأ ، وإن كان مماثلا احتسب به مصيبا ، لأنه قد صار محلا للإصابة ، ذكر ذلك كله في التذكرة (١).

ولا بد من تقييد القسم الأخير بأن لا تكون إطارة الربح الغرض الى موضع هو أقرب الى موقف الرامي من موضعه الأول ، وإلاّ لوجب أن لا يحتسب به صوابا ولا خطأ ، إذ ليس في محل واحد منهما.

إذا عرفت ذلك فارجع الى عبارة الكتاب ، وأعلم أن القسم الأول مما ذكره في العبارة لا بحث في صحته ، وأما الأخير وهو قوله ـ : ( ولو أصابه في الموضع الذي طار إليه ... ) ـ فلا بد من تقييده بان تكون إزالة الريح الغرض قبل خروج السهم بحيث يقصده الرامي ، وكون موضعه الذي صار فيه مماثلا لموضعه من الغرض ، وليس أقرب الى موقف الرامي ، لأنه إذا لم يماثل موضعه الثاني موضعه الأول لم يكن على وفق الشرط فلم يعتد به ولو كان زواله بعد خروج السهم لم يكن موضعه محلا للإصابة عند خروج السهم ، اللهم إلاّ أن يريد بكونه على صوب المقصد تماثل الموضعين وعبور السهم إليه من موضعه الذي كان فيه ، فإنه يستغني عن القيدين الأولين حينئذ.

إلاّ أنه يرد عليه كونه مستدركا ، لاندراجه في القسم الأول ، وهو وقوع السهم في موضعه. ثم أن قوله ( وإلاّ فلا ) لا يستقيم على إطلاقه حينئذ ، لأنه إذا قصده في موضعه الذي طار اليه وتماثل الموضعان عدّ مصيبا.

ولو كانا قد شرطا الخاسق فأطارت الربح الغرض فوقع السهم في الهدف وثبت : فإن كان بصلابة الغرض احتسب له قطعا ، وإلاّ لم يحتسب له ولا عليه ، بل يهدر لفقد ما به تتميز الإصابة من الخطأ.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٧.


ولو أخطأ لعارض مثل كسر قوس ، أو قطع وتر ، أو عروض ريح شديدة لم يحسب عليه ، ولو أصاب ففي احتسابه له نظر.

______________________________________________________

ومثل ما هنا ذكر المصنف في التذكرة (١) ، وعلى ما ذكره من التفصيل في المسألة التي قبلها والتي بعدها ، وهو أنه إذا عرف قوة السهم بحيث يخرق احتسب خاسقا ينبغي اعتبار مثله هنا.

قوله : ( ولو أخطأ لعارض مثل : كسر القوس ، أو قطع وتر ، أو عروض ريح شديدة لم يحتسب عليه ).

أي : لو حصل الخطأ مستندا إلى عروض أمر : كانكسار القوس ، أو قطع الوتر ، أو مرور إنسان ونحوه ، أو حدوث علة في يد الرامي لم يحتسب ذلك عليه.

وقيّد في التذكرة انقطاع الوتر وانكسار القوس والسهم بأن لا يكون وقوع ذلك من تقصيره وسوء رميه وإلاّ حسب عليه (٢) ، وهو حسن. وكذا لو عرض للسهم ريح شديدة مثلها يغير السهم عن هيئته.

أما لو كانت الريح ضعيفة ففي احتساب ذلك في الخطأ وجهان : أحدهما الاحتساب ، لأنّا على يقين من عدم الإصابة وفي شك من تأثير الريح.

والثاني للشك في سبب الخطأ. وذكر في التذكرة الوجهين ولم يرجّح شيئا منهما (٣) ، ولكل منهما وجه.

قوله : ( ولو أصاب ففي احتسابه له نظر ).

أي : لو أصاب مع وجود العارض كالربح الشديدة ، ومنشأ النظر : من تيقّن حصول الإصابة والشك في استنادها الى الريح ، ومن أن شأن الريح القوية تغير السهم عن هيئته ، فسبب الإصابة مشكوك في كونه الريح أو الرامي.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٦.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٧٠.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٦٦.


ولو شرط الخاسق فمرق حسب له ، ولو خرقه حسب عليه ، ولو ثقبه ثقبا يصلح للخسق فوقع بين يديه فالأقرب احتسابه له ،

______________________________________________________

والمصنف في التذكرة جزم مع الريح الضعيفة باعتبار الإصابة ، ويمكن مجي‌ء الوجهين اللذين ذكرهما في الخطأ هنا. وحكم بأن الريح الشديدة إن كانت موجودة عند إرسال السهم عليه كان محسوبا في الإصابة ، لأن الظاهر أنه اجتهد في التحرز من تأثير الريح بتحريف سهمه فأصاب باجتهاده ، وإن حدثت بعد إرسال السهم فإشكال.

والذي يقتضيه النظر أنه متى كان للعارض دخل في الإصابة أو الخطأ ، لم يحتسب له ولا عليه ، وإلاّ احتسب ، ويعرف ذلك بقوة الرمي وضعفه ، واستقامته وعدمه ، ومع الشك يتمسك بالأصل.

قوله : ( ولو شرط الخاسق فمرق حسب له ، ولو خرق حسب عليه ).

لأنه إذا مرق فقد أتى بأعلى من المشروط فيكون إصابة وزيادة ، فإنّه ليس الغرض الثبوت وإنما الغرض أن يقوّي الرمية بحيث يتأتى معها الثبوت ، وهو مقرب التحرير (١) ، بخلاف ما إذا خرق فإنه أدون.

قوله : ( ولو ثقبه ثقبا يصلح للخسق ووقع بين يديه فالأقرب احتسابه له ).

المراد بصلاحيته للخسق : أن يكون صالحا للثبوت ، فلو ثقبه ثقبا لا يصلح له فليس بخاسق قطعا. ووجه القرب : أن الغرض حصول الإصابة على الوجه المخصوص وقد حصل ، لأن الفرض أن الثقب صالح للثبوت فيه ، والسقوط يحتمل أن يكون لسعة الثقب ، وذلك يدل على جودة الرمي.

__________________

(١) التحرير ٢ : ٢٦٤.


ولو وقع في ثقب قديم وثبت احتمل الاحتساب له وعدمه.

وإذا تم النضال ملك الناضل العوض ، وله التصرف فيه كيف شاء ، وله أن يختص به ، وأن يطعم أصحابه ، ولو شرط إطعامه لحزبه فالوجه الجواز.

______________________________________________________

ويحتمل العدم ، لانتفاء الوصف والشك في سببه ، واختار في التذكرة الثاني (١) ، وهو أقرب ، إلاّ أن يعلم استناد السقوط إلى سعة الثقب أو ضعف الغرض ونحو ذلك.

قوله : ( ولو وقع في ثقب قديم وثبت احتمل الاحتساب له وعدمه ).

وجه الأول : أنه قد أصاب وثبت فتحقق الخسق ، ووجه العدم : أنه لم يخرق فلا يكون خاسقا. وقال في التذكرة : الوجه أن يقول : إن عرفنا قوة السهم بحيث يخرق احتسب خاسقا ، وإلاّ فلا (٢) ، وهذا التفصيل أظهر.

قوله : ( وإذا تم النضال ملك الناضل العوض وله التصرف فيه كيف شاء ، وله ان يختص به وأن يطعم صاحبه ).

يستفاد من قوله : ( وإذا تم النضال ملك الناضل العوض ) أنّه لا يملكه قبل ذلك ، وهذا ينافي جواز الرهن به وضمانه ، ولا شبهة انه إذا ملكه تصرّف فيه كيف شاء.

قوله : ( ولو شرط إطعامه لحزبه فالوجه الجواز ).

وجهه : عموم : « المسلمون عند شروطهم » (٣) فإنّه لم يقم دليل على بطلان هذا الشرط ، وهو مختار المصنف في المختلف (٤).

وقيل يبطل الشرط والعقد معا ، لأن عوض العمل يجب أن يكون للعامل كالإجارة ، فاشتراط خلافه مناف لمقتضاه ، وببطلانه يبطل العقد ، واختاره الشيخ في‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٧.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٦٧.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٧٣ حديث ٧٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

(٤) المختلف : ٤٨٤.


ولو قال لرام : ارم خمسة عني وخمسة عنك ، فإن أصبت في خمستك فلك دينار لم يجز.

ولو قال : ارم فإن كانت إصابتك أكثر العشرة فلك دينار صح.

ولو شرطا احتساب القريب وذكرا حدّ القرب جاز ،

______________________________________________________

المبسوط (١) ، واختار في الخلاف بطلان الشرط دون العقد (٢) ، والأول ليس بذلك البعيد ، لأن هذا العقد ليس معاوضة حقيقة ، ولا هو على نهج المعاوضات ، لوقوع المال ممن لا دخل له في المسابقة ، ولا يصل إليه شي‌ء من العوض الآخر فيكون عموم : « المسلمون عند شروطهم » (٣) بالنسبة الى هذا الفرد لا معارض له.

قوله : ( ولو قال لرام : ارم خمسة عني وخمسة عنك فإن أصبت في خمستك فلك دينار لم يجز ).

لامتناع المناضلة من شخص واحد ، لأن الغرض حصول التحذق بمناضلة شخصين ليجتهد كل منهما في أن يكون ناضلا ، وذلك منتف في الشخص الواحد فلا يكون وضع المناضلة حاصلا.

قوله : ( ولو قال : ارم فان كانت إصابتك أكثر العشرة فلك دينار صح ).

لا مانع من الصحة هنا ، لأن ذلك بالجعالة أشبه ، نعم لو أراد بذلك مناضلة نفسه لم يصح لمخالفته وضع المناضلة.

قوله : ( ولو شرطا احتساب القريب وذكرا حد القرب جاز ).

أي : إذا شرطا في العقد احتساب القريب من الغرض دون البعيد منه ، وذكرا‌

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٣٠٢.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٠٥ مسألة ١٠ كتاب السبق.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٣٧٣ حديث ٧٠ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.


وإن لم يذكرا احتمل الفساد ، والتنزيل على أن الأقرب يسقط الأبعد كيف كان ، ولو شرطا ذلك لزم قطعا.

ولو شرطا إسقاط مركز القرطاس ما حواليه احتمل الصحة والبطلان ، لتعذره.

______________________________________________________

حد القرب من ذراع أو أقل أو أكثر جاز وصار الحد المضبوط كالغرض والشن في وسطه كالسدارة. ولو لم يذكراه وكان للرماة عادة مطردة حمل اللفظ المطلق على القدر المعتاد عندهم ، كما يحمل الدرهم عند الإطلاق على المعتاد.

قوله : ( وإن لم يذكرا احتمل الفساد ، والتنزيل على أن الأقرب يسقط الأبعد كيف كان ).

أي : إن لم يذكرا في العقد حد القرب احتمل الفساد والصحة ، لكن إذا لم يكن للرماة عادة مطردة. وجه الفساد : الجهالة والغرر ، والصحة : لأن ذلك غير قادح للتنزيل على أن الأقرب يسقط الأبعد كيف كان ـ أي كيف اتفق ذلك ـ من غير تقييد بحد ، والفساد أوجه ، لعدم استفادة هذا المعنى من اشتراط احتساب القريب.

أما لو شرطا ذلك في العقد فإنه يلزم قطعا ، لأنه نوع من الرمي معتاد بين الرماة ، وهو ضرب من المحاطة ، وإلى هذا أشار بقوله : ( فإن شرطا ذلك لزم قطعا ) كما إذا قالوا : نرمي عشرين رشقا على أن يسقط الأقرب الأبعد فمن فضل له خمسة فهو ناضل.

قوله : ( ولو شرطا إسقاط مركز القرطاس ما حواليه احتمل الصحة ، والبطلان لتعذره ).

أي : لو شرطا لإسقاط إصابة مركز القرطاس اصابة ما حواليه ، ووجه الجواز : الأصل ، وأن فيه التحريض على الحذق ، ووجه البطلان : أن وسط القرطاس متعذّر قصده ، واصابته اتفاقية فقد يصيبه الأحذق. وفيه نظر ، لأنا نمنع تعذره ، وندوره‌


ولو انكسر السهم بنصفين فأصاب بالمقطع من الذي فيه الفوق حسب ، وإن أصاب بالنصل من الآخر فإشكال.

______________________________________________________

لا يخل بالصحة ، فيكون الأول أوجه.

قوله : ( ولو انكسر السهم بنصفين فأصاب بالمقطع من الذي فيه الفوق حسب ، وإن أصاب بالنصل من الآخر فإشكال ).

لو انكسر السهم نصفين من غير تقصير من الرامي كما قيّد به في التذكرة (١) ، والظاهر أن أثر هذا القيد إنما يظهر إذا أخطأ ، أما مع الإصابة الشديدة فالذي يقتضيه النظر عدم التفاوت في الحكم.

والحاصل أنه إذا انكسر فأصاب بالمقطع ـ أي موضع الكسر من الذي فيه الفوق إصابة شديدة ـ فهو مصيب وإن أصاب بالنصل فإشكال ينشأ : من أنه لم يبق فيه تحامل الوتر واعتماده المقروع فالمؤثر إنما هو النصف الذي فيه الفوق.

ومن أن اشتداده مع الانكسار واصابته يدل على جودة الرمي وغاية الحذق فيه ، والحكم موضع تأمل وإن كان احتسابه ـ إذا كان قويا شديدا ـ لا يخلو من قوة ، ولو أصاب بهما فقد حكى المصنف في التذكرة باحتساب ذلك إصابتين ، قال : وكذا لو رمى سهمين دفعة فأصاب بهما ، تحسب له إصابتان (٢)

* * *

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٧٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٧٠.


فهرس الموضوعات

الموضوعات

الصحفة

الشركة

الفصل الأول : الماهية :

تعريف الشركة.................................................................. ٧

الأسباب التي تحصل بها الشركة................................................... ٩

بيان أقسام الشركة : شركة الضمان............................................. ١٠

: شركة الأبدان............................................................. ١١

: شركة المفاوضة............................................................ ١١

: شركة الوجوه............................................................. ١٢

ما يجب توفره في المتعاقدين...................................................... ١٣

بيان صيغة الشركة............................................................. ١٤

جواز الشركة في المال سواء كان أثمانا ً أو عروضا أو فلوسا......................... ١٤

بيان بعض الحالات التي لا تحصل بها الشركة...................................... ١٧

حصول الشركة بالمزج.......................................................... ١٧

كيفية حصول الشركة في المختلف............................................... ١٧

اشتراط معلومية رأس المال في الشركة............................................ ١٩

عدم اشتراط تساوي المالين...................................................... ٢٠


الفصل الثاني : الاحكام

عدم جواز تصرف أحد الشريكين بالمال إلا باذن الاخر............................ ٢١

اقتصار المأذون في التصرف بقدر الاذن........................................... ٢١

جواز الرجوع في الاذن......................................................... ٢٢

انفساخ الشركة بالجنون والمال................................................... ٢٣

فيما لو شرطا التفاوت مع تساوي المالين ، أو العكس.............................. ٢٤

عدم ضمان الشريك ما يتلف في يده............................................. ٢٧

بيان بعض حالات الاختلاف بين الشريكين....................................... ٢٨

فيما لو خاصم المشتري شريك البائع............................................. ٣٥

فيما لو باع الشريكان سلعة صفقة............................................... ٣٦

فروع :

أ : بطلان الشركة فيما لو دفع دابته إلى آخر ليحمل عليها والحاصل لهما............. ٤١

ب : بطلان الشركة فيما لو دفع دابة إلى سقاء وآخر رواية على الشركة............. ٤٥

ج : عدم تأثير النية فيما لو اصطاد أو احتطب بنية أنه له ولغيره..................... ٤٩

القراض

الفصل الأول : في أركانه :

بيان ألفاظ الايجاب والقبول فيه.................................................. ٥٣

قبول القراض للشروط الصحيحة................................................ ٥٤

بطلان عقد القراض لو شرط فيه ما ينافيه......................................... ٥٤

فيما لو شرط توقيت المضاربة................................................... ٥٥

فيما لو شرط على العامل المضاربة على مال آخر.................................. ٥٥

بيان ما يجب توفره في المتعاقدين.................................................. ٥٧

جواز تعدد المتعاقدين........................................................... ٥٧

فيما لو ضارب العامل بغير اذن رب المال.......................................... ٥٨


لو شرط المريض للعامل ما يزيد على أجرة المثل.................................... ٦٤

لو فسد القراض بفوات شرط................................................... ٦٥

يشترط في رأس المال : أن يكون نقدا............................................. ٦٦

: أن يكون معينا............................................................. ٦٧

: أن يكون معلوما........................................................... ٧١

: أن يكون مسلما ً في يد العامل............................................... ٧٢

ما يشترط توفره في العمل....................................................... ٧٤

لو أذن صاحب المال في التصرف................................................ ٧٥

لو شرط صاحب المال ما تتضيق التجارة بسببه.................................... ٧٦

لو شرط صاحب المال الاجل.................................................... ٧٧

لو شرط صاحب المال أن يشتري العامل أصلا يشتركان به......................... ٧٧

شرائط الربح : أن يكون مخصوصا ً بالمتعاقدين..................................... ٧٨

: أن يكون مشتركا.......................................................... ٧٩

: أن يكون معلوما........................................................... ٨٠

: أن يكون مقدرا ً بالجزئية كالنصف والثلث................................... ٨٣

الفصل الثاني : في الاحكام

ليس للعامل التصرف بالغبن..................................................... ٨٥

لو تصرف العامل بدون اذن رب المال............................................ ٨٧

لو باع العامل بأقل من ثمن المثل.................................................. ٨٩

لو اشترى العامل بأكثر من ثمن المثل.............................................. ٩٢

لو اشترى العامل بالذمة......................................................... ٩٣

البيع بالنقد أو العرض.......................................................... ٩٣

ليس للعامل أن يشتري بأكثر من رأس المال....................................... ٩٥


لو اختلف المالك والعامل في الرد والأرش......................................... ٩٦

ليس للعامل أن يشتري من ينعتق على المالك...................................... ٩٦

لو اشترى العامل من نذر المالك عتقه........................................... ١٠١

لو اشترى العامل زوجة المالك.................................................. ١٠٢

لو اشترى العامل زوج المالكة باذنها............................................. ١٠٣

لو اشترى الوكيل أب الموكل.................................................. ١٠٥

لو اشترى العامل من ينعتق عليه................................................ ١٠٦

بيان عدة أحكام تتعلق بسفر العامل لأجل التجارة................................ ١٠٩

بيان حكم وطء أمة القراض من قبل العامل أو المالك............................. ١١٥

عدم جواز خلط مال العامل بمال المضاربة........................................ ١١٨

ليس للعامل أن يشتري خمرا ً أو خنزيرا ً إذا كان هو أو المالك مسلما.............. ١١٩

بيان عدة أحكام تتعلق بالقراض................................................ ١٢٠

ملك العامل للحصة من الربع بالشرط دون الأجرة............................... ١٢٢

ملك العامل للحصة من الربح بالظهور لا بالانضاض............................. ١٢٤

ضمان حصة العامل فيما لو أتلف المالك العين................................... ١٢٨

حساب الربح جبران الخسارة في التجارة........................................ ١٢٩

حكم الزيادات العينية ومنافع الدواب........................................... ١٣٢

بيان بعض أحكام جبران الخسارة والربح........................................ ١٣٣

ليس للعامل أخذ شئ من الربح بعد ظهوره بغير اذن المالك........................ ١٤٣

عدم صحة شراء المالك من العامل شيئا ً من مال القراض.......................... ١٤٦

الفصل الثالث : التفاسخ والتنازع :

جواز فسخ عقد الفراض سواء كان المال ناضا ً أم لا.............................. ١٤٨

لو فسخ القراض ولا ربح...................................................... ١٤٨

لو فسخ القراض وبالمال عروض................................................ ١٤٩

لو نض قدر رأس المال فرده العامل............................................. ١٥٣

لو رد العامل ذهبا ً ورأس المال فضة............................................ ١٥٣

بيان حصة العامل لو فسخ المالك القراض........................................ ١٥٣


لو مات المالك أو العامل....................................................... ١٥٥

لو تلف المال قبل الشراء....................................................... ١٥٩

لو اشترى العامل للمضاربة فتلف الثمن قبل نقده................................ ١٦١

لو اشترى العامل عبدين فمات أحدهما أو ماتا معا................................ ١٦٢

نفوذ تصرف العامل في المضاربة الفاسدة........................................ ١٦٢

عدم ضمان العامل ما يتلف بيده................................................ ١٦٤

تقديم قول العامل في قدر رأس المال وعدم التفريط................................ ١٦٥

تقديم قول المالك في الرد...................................................... ١٦٦

لو ادعى المالك القراض والعامل القرض......................................... ١٧١

لو ادعى العامل القراض والمالك الابضاع........................................ ١٧٢

لو ادعى العامل القرض والمالك الابضاع........................................ ١٧٣

حكم نفقة العامل............................................................. ١٧٤

الوكالة

الفصل الأول : في أركانها :

تعريف الوكالة............................................................... ١٧٧

بيان ألفاظ الايجاب والقبول.................................................... ١٧٧

اشتراط كون الوكالة منجزة................................................... ١٨٠

عدم جواز توكيل الصبي....................................................... ١٨٣

عدم جواز توكيل المجنون...................................................... ١٨٤

عدم جواز توكيل القن إلا بإذن مولاه........................................... ١٨٥

عدم جواز توكيل الوكيل إلا باذن موكله....................................... ١٨٥

عدم جواز توكيل المحجور عليه إلا فيما لا يمنع الحجر............................. ١٨٨

عدم جواز توكيل المحرم في عقد النكاح......................................... ١٨٨

جواز توكيل العبد المكاتب.................................................... ١٨٩

التوكيل عن الصغير والمجنون من قبل الأب والجد................................. ١٨٩


حكم توكيل الحاضر في الطلاق................................................ ١٩٠

توكيل الحاكم عن السفهاء.................................................... ١٩٠

كراهية مباشرة الخصومة لذوات المروءات....................................... ١٩١

استحباب توكيل المرأة في النكاح............................................... ١٩١

لو تجددت خيانة وكيل الوكيل................................................. ١٩٣

حكم وكيل الوكيل إذا مات المالك............................................. ١٩٤

ما يشترط توفره في الوكيل.................................................... ١٩٥

استحباب كون الوكيل تام البصيرة عارفا ً باللغة التي يحاور بها..................... ١٩٦

صحة كون الوكيل فاسقا أو كافرا............................................. ١٩٧

صحة توكيل المرأة في النكاح وطلاق نفسها..................................... ١٩٨

عدم بطلان وكالة المسلم إذا ارتد.............................................. ١٩٩

عدم صحة توكل الذمي على المسلم............................................ ٢٠٠

وكالة العبد المكاتب.......................................................... ٢٠٠

في وكالة شخصين مع اشتراط اجتماعهما....................................... ٢٠١

وكالة الفرد الواحد عن المتخاصمين والمتعاقدين.................................. ٢٠٢

فيما لو وكل زوجته أو عبده ثم طلق أو أعتق.................................... ٢٠٥

فيما لو وكل عبد غيره ثم اشتراه............................................... ٢٠٦

يشترط في متعلق الوكالة : أن يكون مملوكا للموكل.............................. ٢٠٧

: أن يكون قابلا ً للنيابة..................................................... ٢١٠

: أن يكون معلوما.......................................................... ٢٢٠

الفصل الثاني : أحكام الوكالة :

ما يقتضيه اطلاق الاذن في البيع................................................ ٢٢٧

ما يقتضيه اطلاق الاذن في الشراء.............................................. ٢٢٩

عدم ملكية الوكيل الابراء من الثمن............................................ ٢٣٠

ليس للوكيل بيع بعض المال ببعض الثمن........................................ ٢٣١


التوكيل في التزويج........................................................... ٢٣٣

بيان عدة أحكام تتعلق برد المال بالعيب......................................... ٢٣٤

لا يجوز للوكيل أن يتصرف زيادة كما سمع له المالك............................. ٢٣٧

حكم الوكالة في عقد فاسد.................................................... ٢٣٩

لو وكله في بيع عبد بمائة فباع نصفه بها......................................... ٢٤١

لو وكله بشراء عبد معين بمائة فاشتراه بخمسين.................................. ٢٤٢

لو أمره بشراء سلعة معينة فظهر فيها عيب...................................... ٢٤٤

لو قال له : بع بألف درهم ، اذنا ً في الاقرار والصلح............................ ٢٤٥

لو وكله على الصلح عن الدم على خمر......................................... ٢٤٦

عدم قبول شهادة الوكيل بالخصومة لموكله فيها.................................. ٢٤٧

حكم وكالة اثنين في الخصومة................................................. ٢٤٨

لو أذن لعبده في عتق عبيده.................................................... ٢٤٩

أحكام مخالفة الوكيل لموكله في الشراء.......................................... ٢٥٠

أحكام مخالفة الوكيل لموكله في البيع............................................ ٢٥٣

لو أذن له في تزويج امرأة فزوجه غيرها......................................... ٢٥٤

عدم ضمان الوكيل ما يتلف بيده............................................... ٢٦١

لو أمره بقبض دينار من مال مودع فقبض دينارين فتلفا........................... ٢٦٤

لو أمره بقبض دراهم من دين له فقبض دنانير................................... ٢٦٥

لو وكله في الايداع فأودع ولم يشهد........................................... ٢٦٦

لو قضى الوكيل الدين ولم يشهد............................................... ٢٦٧

لو باع الوكيل ما تعدى فيه.................................................... ٢٦٨

لو تلف المبيع في يد الوكيل بعد أن خرج مستحقا................................ ٢٦٩

لو قبض وكيل البيع الثمن وتلف في يده وخرج المبيع مستحقا..................... ٢٧٣

جواز فسخ الوكالة لكل من الطرفين............................................ ٢٧٣

بطلان الوكالة بموت أحدهما أو جنونه أو الحجر عليه............................. ٢٧٤


انعزال وكيل الوكيل عن الموكل بفسقه لا بفسق موكله........................... ٢٧٤

عدم بطلان الوكالة بالنوم أو السكر أو التعدي.................................. ٢٧٥

بطلان الوكالة بعزل الوكيل نفسه أو عزل الموكل له............................. ٢٧٦

بطلان الوكالة بتلف متعلق الوكالة............................................. ٢٧٧

بطلان الوكالة بفعل الموكل متعلق الوكالة....................................... ٢٨١

بطلان الوكالة إذا ردها الوكيل بعد ابلاغه بها................................... ٢٨٢

حكم جحد الوكيل الوكالة.................................................... ٢٨٣

بيان ألفاظ عزل الموكل الوكيل................................................ ٢٨٤

الفصل الثالث : في النزاع

بيان الحالات التي تثبت بها الوكالة ، والتي لا تثبت............................... ٢٨٥

بيان صور النزاع ، وهي : الاختلاف في أصل الوكالة............................ ٢٩٢

: الاختلاف في صفة التوكيل................................................ ٣٠٢

: الاختلاف في التصرف.................................................... ٣١٣

: الاختلاف في الرد........................................................ ٣١٦

: الاختلاف من التلف...................................................... ٣١٨

: الاختلاف في التفريط أو التهدي........................................... ٣٢٠

السبق والرمي :

السبق :

تعريف السبق والسابق........................................................ ٣٢١

بيان أسماء خيل الحلبة......................................................... ٣٢٣

شروط المسابقة : العقد........................................................ ٣٢٥

: ما يسابق عليه............................................................ ٣٢٥

: تقدير المسابقة ابتداء وانتهاء................................................ ٣٢٧

: تقدير الخطر............................................................. ٣٢٨


: تعين ما يسابق عليه بالمشاهدة.............................................. ٣٢٩

: تساوي ما به السباق في احتمال السبق...................................... ٣٣٠

: تساوي الدابتين في الجنس................................................. ٣٣٠

: ارسال دابتين دفعة........................................................ ٣٣١

: جعل العوض للسابق منهما أو منهما ومن المحلل.............................. ٣٣١

أحكام السبق : عقد السبق لازم أم جائز........................................ ٣٣٤

بطلان السبق بموت الرامي أو الفرس............................................ ٣٣٤

فيما لو أراد أحدهما الزيادة أو النقصان......................................... ٣٣٥

جواز ضمان السبق والرهن عليه................................................ ٣٣٦

فيما لو ظهر العوض خمرا...................................................... ٣٣٧

حكم الجلب والجنب في السباق................................................ ٣٣٨

فيما لو قال : آخر من سبق فله عشرة.......................................... ٣٣٩

فيما لو قال : من سبق فله عشرة............................................... ٣٤٠

فيما لو قال لاثنين أيكما سبق فله عشرة........................................ ٣٤١

فيما لو قال لثلاثة : من سبق فله عشرة......................................... ٣٤٢

لو قال : من سبق فله عشرة ومن صلى فله خمسة................................ ٣٤٢

لو أخرجا عوضين وأدخلا المحلل معهما.......................................... ٣٤٣

الرمي :

تعريق الرشق................................................................. ٣٤٦

بيان أوصاف السهم.......................................................... ٣٤٧

بيان معنى المبادرة والمحاطة...................................................... ٣٤٩

شروط الرمي : العقد......................................................... ٣٥٠

: العلم بعدد الرشق......................................................... ٣٥١

: العلم بعدد الإصابة........................................................ ٣٥١


: العلم بصفة الإصابة....................................................... ٣٥١

: تساويهما في عدد الرشق والإصابة وصفتها.................................. ٣٥٣

: معرفة المسافة............................................................. ٣٥٣

: تعيين الخطر.............................................................. ٣٥٣

: جعله للسابق............................................................. ٣٥٣

: تمائل جنس الآلة لا شخصها............................................... ٣٥٤

: تعيين الرماة.............................................................. ٣٥٥

: امكان الإصابة المشروطة................................................... ٣٥٧

بيان أقسام المناضلة وما يتعلق بها من أحكام : المبادرة............................. ٣٦١

: المفاضلة................................................................. ٣٦٢

: المحاطة................................................................... ٣٦٣

جواز عقد النضال بين حزبين ، وبيان ما يتعلق بهما من أحكام..................... ٣٦٤

لو شرطا الخاصل............................................................. ٣٧٠

فيما لو أطارت الريح الغرض فوقع في موضعه.................................... ٣٧١

لو أخطأ الرامي لعارض معين.................................................. ٣٧٣

لو شرطا الخاسق فمرق السهم................................................. ٣٧٤

ملك الناضل العوض بتمام النضال.............................................. ٣٧٥

لو شرطا احتساب القريب..................................................... ٣٧٦

لو شرطا اسقاط مركز القرطاس وما حواليه..................................... ٣٧٧

لو انكسر السهم نصفين وأصاب الهدف بأحدهما................................ ٣٧٨

فهرس الموضوعات............................................................ ٣٧٨

* * *

جامع المقاصد في شرح القواعد - ٨

المؤلف: الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي ( المحقق الثاني )
الصفحات: 388