

بسم الله الرحمن الرحيم
تساؤل يطرح نفسه
بين الحين والآخر وهو : ما هذا الاختلاف في الأذان؟ وهل الذي تؤذّن به الشيعة
الإمامية هو الصحيح أم ما يؤذّن به الآخرون؟ ولماذا نرى أذان الآخرين يختلف عن
أذان الشيعة الإمامية؟ وأيّهما هو المشروع وأيّهما المبتدع؟
وهل يصح ما قاله
الآخرون عن الشيعة من أن أذانهم مبتدع؟ أم أنّه شرعي.
وإذا كان أذان
الإمامية شـرعيا ، فهل أذّن به رسول اللّه والإمام علي والأئمّة من ولده أم لا؟
وإذا كانوا قد
أذّنـوا به ، فهل قالوا : «
أشهد أن عليّا ولي اللّه » تحديدا بهذه الصيغة ، أم قالوها بصيغ أُخرى؟
إنه تساؤل مطروح
يبحث عن جواب.
ولا يخفى عليك أنّ
هذا التسـاؤل يردُ أيضا على المذاهب الأربعة وغيرها ، فلماذا اختلفت المذاهب
الأربعة في صيغ الأذان وعدد فصوله مع اعتقادهم بأنّ الأذان منقول نقلَ كافَّةٍ
بمكّة والمدينة والكوفة؟
وإذا كان منقولاً ومنذ
عهد الرسول الأعظم ، فلماذا تربّع الشافعية التكبير بخلاف المالكيّة
القائلة بالتثنية ؟
بل لماذا لا ترى
الحنفية التثو يب = «
الصلاة خير من النوم » إلاّ بعد اذان
__________________
الفجر ، في حين تراه
المذاهب الأُخرى مشروعا في اذان الفجر؟ وهكذا الحال بالنسبة إلى إفراد أو تثنية
الإقامة عند المذاهب الأربعة ، فهم مختلفون في ذلك!!
نعم ، قد جمع ابن
حزم بين تلك الوجـوه بقوله : «
... كلُّ هذه الوجوه قد كان يُؤذَّنُ بها على عهد رسول اللّه بلا شكّ ، وكان
الأذان بمكّة على عهد رسول اللّه يسمعه إذا حجّ ، ثم يسمعه أبو بكر وعمر ، ثمّ
عثمان بعده .. فمن الباطل ... ». إلى اخر كلامه المار ذكره سابقا .
هذا بعض الاختلاف
في الأذان عند المذاهب الأربعة ، وهم ليسـوا من الشيعة الإماميّة ، فما هو السرّ
في هذا الاختلاف في شعار كان يتكرّر بمرأى ومسمع النبي 6 والصحابة مرارا
عديدة كلّ يوم؟!
والآن فلنقرر
السـؤال السابق بطرح سؤال آخر وهو : هل الإمام علي بن أبي طالب ذُكر اسمه في
القرآن أم لا؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب ، فأين ذُكِرَ؟ وإن كان بالنفي ، فكيف
يمكن الاستدلال على إمامته في حين لم ينصّ القرآن على هذا الموضوع المهم؟
لقد نزلت في علي
أكثر من خمسمائة آية ، وروي عن ابن عباس أنّه قال : ما نزل في أحد من كتاب اللّه
ما نزل في علي .
وفي آخر عنه 2 أنه قال : نزلت
في علي ثلاث مائة آية .
__________________
وعن مجاهد ، قال :
نزلت في علي سبعون آية لم يشركه فيها أحد .
إنّ البحث في
خصائص علي وما نزل فيه من الذكر الحكـيم كانت من البحوث الشائعة في القرون الثلاثة
الحسّاسة : الثالث والرابع والخامس الهجري.
فقد الف الحسين بن
الحكم بن مسلم الحبري المتوفى ٢٨١ ه كتابا باسم « ما نزل في القرآن في علي » .
وكذا الف إبراهيم
بن محمد بن سعيد الثقفي الكوفي المتوفى ٢٨٣ ه كتابا سماه « ما نزل من القرآن في
أمير المؤمنين » .
ولابن أبي الثلج
البغدادي المتوفى ٣٢٥ كتاب بعنوان « اسماء أمير المؤمنين في كتاب اللّه عزّ وجلّ
» .
وكتب عبدالعزيز بن
يحيى الجلودي المتوفى ٣٣٢ ه «
ما نزل في علي من القرآن » .
ولأبي الفرج
الاصفهاني المتوفّى ٣٥٦ ه «
التنز يل في أمير المؤمنين واله : » .
ولمحمد بن عمران
المرزباني الخراساني المتوفى ٣٧٨ ه « ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين » .
ولأبي نُعَيْمٍ
الأصفهاني المتوفى ٤٣٠ ه «
ما نزل من القرآن في أمير
__________________
المؤمنين
» .
ولابن الفحّام
النيسابوري المتوفى ٤٥٨ ه «
الآيات النازلة في أهل البيت : » .
وقد نوّه النجاشي
في رجاله عند ترجمته لبعض الأعلام إلى أسماء بعض تلك المصنّفات ، ففي ترجمة ابن
الجُحام محمد بن العَبّاس بن علي البزاز ذكر أن له كتابا بعنوان « ما نزل من القرآن في
أهل البيت » .
وفي ترجمة الحسن
بن أحمد بن القاسم ذكر أن له كتابا بعنوان « خصائص أمير المؤمنين من القرآن » .
وفي ترجمة محمد بن
أورمة القمّي نسب إِليهِ كتاب «
ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين » له .
وفي ترجمة أبي
موسى المجاشعي ذكر أنّ له كتابا بعنوان « ما نزل من القرآن في علي » .
وفي ترجمة أبي
العباس الإسفرائيني «
المصابيح في ذكر ما نزل من القرآن في أهل البيت » .
ونحن لا نريد
التفصيل في الجواب عن السؤال الثاني بقدر ما نريد الإشارة إلى تأذين الرسول
والأئمّة بالولاية ، إذ لم ينكر أحد صلة الإمام علي بالقرآن والقرآن
__________________
بعلي ، فعليّ مع
القرآن والقرآن مع علي ، لأ نّه الوحيد الذي علم بتنزيل القرآن وتأو يله . وعلم بنزول
الآيات في ليل أو نهار ، وفي سهل أو جبل . وقد ذكره رسول اللّه عدلاً للقرآن ، وأحد الثقلين اللذين
تصان بهما الأمة وتُحفظ من الضلال.
لكننا قد نواجه
إشكالاً مفادُهُ : أننا لا نرى أنّ اسمه ورد صر يحا في القرآن الكريم ، لماذا؟
ليس من الضرورة أن
يذكر القرآن كلّ شيء ، وقد اجاب عمران بن حصين لمن قاله له : تَحَدَّثْ بالقرآن
واترك السنّة ، قال له : أرايت لو وكلت انت واصحابك إلى القران ، أكنت تجد فيه
صلاة العصر أربعا وصلاة الظهر أربعا ، وأكنت تجد الطواف بالبيت سبعا والرمي سبعا ...
فالقرآن يبين
الكلّيات التي تقف عليها الشريعة أصولاً وفروعا ، فالصلاة مثلاً ذكرها اللّه وترك
تفاصيلها للرسول الأكرم 6 وهكذا الحال بالنسبة إلى غيرها من الامور الشرعية.
__________________
إن القولَ بعدم
ذكر الشهادة بالولاية صريحا في الأذان ، هو مساوق للقول بعدم ورود اسم الإمام علي
صر يحا في القرآن ، مع أنّ في الأذان والقرآن الكريم ما يدل على الولاية والإمامة
لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟!
ونحن في دراستنا
هذه لا نريد أن نذهب إلى جزئية الشهادة الثالثة في الأذان حتى يلزمنا القول بأن
الرسول أو الإمام علي وأولاده المعصومين قد أذّنوا بهذا الأذان.
فجملة « حي على خير العمل » في الأذان دالة على الإمامة والرسول والصحابة كانوا يؤذنون
بها ، وقد سمح الإمام الكاظم بفتحها والأخذ بتفسيرها معها بل دَعا إلى الحث عليها.
كما أن هناك آيات
كثيرة دالة على الإمامة ، وكان من منهج بعض الصحابة أن يبيّنوا آيات الذكر الحكيم
ويأتوا على تفسيرها السياقي وشأن نزولها وسرّ تشريعها معها ، كما هو المشاهد في
قراءة ابن مسعود التفسيرية لآية البلاغ ( بَلِّغْ
مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ ) أنّ عليّا مولى المؤمنين ( وإِن
لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) .
وقرأ كذلك : ( وَكَفَى اللّهُ
الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ) بعلي بن أبي طالب .
وكان اُبيّ بن كعب
يقرأ : ( النَّبِيُّ
أَولَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) وهو أبٌ لهم .
وقرأ ابن عباس : ( مِنْ أَنفُسِهِمْ ) وهو أبٌ لهم ( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) .
__________________
وجاء عن اُبي أنّه
كان يقرأ : ( إِذْ
جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ في قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ) ولو حميتم كما
حموا لفسد المسجد الحرام ( فَأَنزَلَ
اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ )
.
وعن عمرو ، وعبداللّه
بن مسعود ، وأُبيّ بن كعب ، أنهم قرأوا : ( وَأَنذِرْ
عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ورهطك المُخْلَصين .
وعن عبدالرحمن بن
عوف ، قال : قال لي عمر : ألسنا كنا نقرأ فيما نقرأ ( وَجَاهِدُواْ
فِي اللّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ) في آخر الزمان كما جاهدتم في أوّله .
قال ابن عطيّة
الأندلسي ( ت ٥٤٦ ه ) في المحرر الوجيز : روي أنّ ابن مسعود كتب في مصحفه أشياء
على جهة التفسير فظنّها قوم من التلاوة فتخلط الأمر فيه ، ولم يسقط فيما ترك معنى
من معاني القران ؛ لأنّ المعنى جزء من الشريعة ، وإنّما تركت ألفاظ معانيها
موجـودة في الذي أثبت ... .
وقال ابن السرّاج
القاضي القونوي الحنفي ( ت ٧٧٧ ه ) في شرح المعتمد : ومن أسباب اختلاف الفقهاء
اختلافهم في الاحتجاج بالرواية الشاذة من القران الكريم ، فقد كان بعض الصحابة
يكتب في مصحفه كلمات على سبيل التفسير والبيان ، فرواها الناس عنه على أنها قراءة
، مثال ذلك زيادة ابن مسعود كلمة « متتابعات » عقب قوله تعالى ( فَصِيَامُ
ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ) في سورة المائدة .
وقال أبو حيّان
الأندلسي ( ت ٧٤٥ ه ) في البحر المحيط عن الآية ( وَإِذِ
__________________
اعْتَزَلْتمُوهُمْ
وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ فَأْووا إِلَى الكَهْفِ ... ) : وفي مصحف
عبداللّه « وما
يعبدون من دوننا » ... إنما أُريد به تفسير المعنى وأنّ هؤلاء الفتية اعتزلوا قومهم وما يعبدون من
دون اللّه وليس ذلك قرآنا ... .
وفي المحرّر
الوجيز : وفي مصحف عبداللّه «
ملاقوها » مكان ( مُوَاقِعُوهَا ) الواردة في الآية
٥٤ من سورة الكهف ، فقال الاندلسي في تفسير البحر المحيط : الأَولى جعله
تفسيرا لمخالفة سواد المصحف .
وفي تفسير البحر
المحيط أيضا عن الآية ٣٦ سورة يوسف : وفي مصحف عبداللّه : ( وَقَالَ الأَخَرُ
إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي ) ثريدا ( تَأْكُلُ
الطَّيْرُ مِنْهُ ) ، وهو أيضا تفسير لا قراءة .
وبناءً على هذه
التَقْدُمَة يمكننا أن نقول : إنّ الشـهادة بالولاية جاءت في الأذان كناية وتفسيرا
، وذلك لنفس الظروف التي ساقت إلى عدم ذكر اسم الإمام عليّ في القرآن.
إنّها جملة « حي على خير العمل » التي تعني الولاية والإمامة ، كما في روايات أهل البيت.
ونحن قد أثبتنا في
الباب الأوّل من هذه الدراسة وجود هذا الفصل في الأذان على عهد رسول اللّه ، وتأذين
الصحابة وأهل البيت به ، ثمّ انفراد العامّة في العهود اللاحقة بدعوى النسخ فيه ، وذلك
بعد إقرارهم بشرعيّته على عهد رسول اللّه ، وقد تحدّاهم السيّد المرتضى بأن يأتوه
بالناسخ ولم يفعلوا!.
__________________
وهذا يعرّفنا بأنّ
من يقول بالحيعلة الثالثة «
حيّ على خير العمل » يمكنه الاعتقاد برجحان الشهادة بالولاية في الأذان ، لأ نّها جاءت مفسَّرة من
قبل المعصومين بذلك ، فالنبيُّ والإمامُ عليٌّ والأئمّة من ولده كانوا يؤذّنون
بحيّ علي خير العمل بلا أدنى ريب ، فلا يستبعد اعتقادهم بجواز الإتيان بتفسيرها
معها لا على الشطرية ، وهو الملاحظ اليوم عند المسلمين ، فالذي يعتقد بشرعية
الحيعلة الثالثة يمكنه أن يُخرج الشهادة الثالثة مخرجا شرعيّا ، والذي لا يقول
بالحيعلة الثالثة فهو لا يقبل الشهادة بالولاية من باب الأَوْلى.
نعم ، نحن لو قلنا
بتاذين الرسول وأهل البيت بها لصارت جزءا ، وهذا ما لا نريد قوله ، وان عدم ورودها
في الروايات البيانية الصادرة عن المعصومين في الأذان أو عدم فعلهم : لها يوكد عدم
جزئيتها لا عدم محبوبيتها ، وان الأئمة : قد يكونوا تركوا امورا جائزة أو مستحبة تقية ، فالذي نريد
أن نقوله أنّه قد ثبت بالقطع واليقين أن الأئمّة كانوا يقولون « حيّ على خير العمل » في اذانهم ، وثبت عنهم أيضا بما لا يقبل الترديد أنّهم فسّروها
بمعنى الولاية كما في كلام الأئمّة المعصومين كالباقر والصادق والكاظم : والإمام الكاظم قد
اجاز
__________________
الاتيان بتفسيرها
وبيان معـناها معها ، وهو دليل على محبوبيتها عندهم : ، ونحن نأتي بها بهذا العنوان لا غير.
بل في كلام الإمام
علي بن الحسين « إنّه كان
في الأذان الأولّ » ما يؤكد تشريع « حيّ على خير العمل » في الإسراء والمعراج ، ودلالته على وجود عنوان الولاية في
السماء وعلى ساق العرش ، لكنّ الآخَرين حرّفوه وغيّروه. ومن هنا حدثت المشكلة بين
نهج علي ونهج الصحابة في الأذان.
هذا ، وإنّ في ما
رواه الفضل بن شاذان ـ باسناد معتبر عند جملة من الاعلام ، ما يؤكد وجود
عنوان الولاية في الأذان ، إذ جاء فيه : ... « ويكون المؤذّن بذلك داعيا إلى عبادة الخالق
ومرغبا فيها ، مقرا بالتوحيد ، مجاهرا بالايمان ، معلنا بالإسلام ... » .
وحين سأل إبراهيم
بن طلحة بن عبيداللّه الإمام السجادَ ، لما قدم وقد قتل الحسين بن علي صلوات
اللّه عليه ، قائلاً : يا علي بن الحسين من غَلَب؟ اجابه
__________________
الإمام 7 : إذا اردت ان
تعلم من غَلَبَ ، ودَخَلَ وقت الصلاة ، فأذِّنْ ثمَّ أقِمْ .
وهذا يعني أَنَّ
الإمام السجاد اراد أن يقول لإبراهيم إِنَّ الأئمّة هم امتداد للشهادة بالرسالة
وكما قال رسول اللّه حسين مني وانا من حسين .
وكذا في كلام
الإمام الهادي الآتي ، وبيانه لمعنى ( نداء الصوامع ) المذكور في شعر الحِمّاني ، للمتوكل
العباسي .
وقد يكون قبل ذلك
في مرسلة القاسم بن معاو ية في الاحتجاج عن الصادق 7 ما يدل على ذلك ، لأنّ العارف بلسان وظروف الأئمّة وما
كانوا يعيشون فيه من التقيّة ، يعرف بأنّ الإمام قد يأتي بالعموم ويريد الخصوص ، والأذان
هو الأهم إن سنحت الظروف للجَهْر به.
إن مبحث « حيّ على خير العمل » هو النافذة التي نريد الإطلالة من خلالها على الشهادة الثالثة
، وهو الميدان الأساسيّ الذي كتبنا عنه سابقا ، كما أنّه الانطلاقة العلمية والتأسيسية التي نريد الدخول
عبرها إلى الشهادة الثالثه ؛ لنُشيد به هذا الصرح العقائدي والفقهي ، وذلك للتقارب
والتجانس الملحوظ بينهما ـ حسبما سيتّضح لاحقا ـ لأنّ الكلام في الحيعلة الثالثة
يوصلنا إلى رجحان الشهادة الثالثة ، والذي جئنا به تقو ية لما استدلّ به الفقهاء
من مرسلة الاحتجاج ، والعمومات ، وقاعدة التسامح في أدلة السنن ، وما يماثلها.
إنّ موضوع الشهادة
الثالثة في الأذان من المواضيع الحسّاسة والهامّة التي لم
__________________
تحظ بعناية
الباحثين والمحقّقين بالشكل المطلوب ، وهي لم تكن من المواضيع المُحْدَثة والوليدة
في العصور اللاّحقة حسب ما صوّره بعض الكتّاب ، بل هي قديمة بقدم تاريخ التشيّع ، سارت
معه جنبا إلى جنب ، فما قاله البعض من أنّها قد شرعت في عهد الشاه إسماعيل الصفوي المتوفى
٩٣٠ هـ وكذا قول الاخر أنّها بدعة محدثة هو جُرأةٌ على العلم وتجاوز على الحقائق
التاريخية ، خصوصا وأنّ نصوص هذه المسألة مذكورة وموجودة في كتب
القدماء والمتأخّرين ، لكنّها متناثرة بين طـيات كتب الحديث ، والفقه ، والتاريخ ،
تحتاج إلى بحث وتتبّع ومثابرة واسعة ، والسابرُ لكلمات الفقهاء ، وأخبار المؤرّخين
، وروايات المحدّثين ، يقف على هذا الكمّ الهائل الدال على هذه الشهادة ، إمّا تصر
يحا ، أو تلميحا ، أو إيماءً أو إشارة.
وان ما حكاه الشيخ
الطوسي بورود شواذ الأخبار فيها كافية لاثبات المحبوبية والمشروعية ، لان صحّة
عملٍ ما ، لا يتوقف على فعلهم : له ، بل يكفي تصريحهم بجوازه وصحته ، أو تقريرهم لفاعله.
ان دعوى كونها
بدعة لترك المعصوم لها كلام غير واقعي وغير صحيح فكما ان الاثبات يحتاج إلى دليل
فالنفي هو الاخر يحتاج إلى دليل ، فليأتِنا القائل بالحرمة على ان النبي أو الأئمة
لم يفعلوها على نحو الجزم واليقين ، أو ليأتونا بدليل عن نهي الرسول 6 في القول
بالشهادة الثالثة في حين ان الأمر عكس ذلك ، فهناك ادلة كثيرة صدرت عن النبي
والأئمة من ولده على محبوبية الشهادة بالولاية في الأذان وفي غيره ، لكن ظروف
التقية لم تسمح لهم بالاجهار بها مما جعلتها اخبارا
__________________
شاذة في الأذان لا
يعمل بها.
نعم ، إنّ تلك
النصوص مذكورة في كتبنا وكتب الآخرين ، لكن لا يستدلّ بها الفقهاء على الشهادة
الثالثة ، لكونها نصوصا غير صريحة ، بل مذكورة بصورة كنائية أو تفسيرية ، وذلك في
مثل « حيّ على
خير العمل » الدالة على
الإمامة ، كما جاء في روايات أهل البيت ، والتي ذكرها الشيخ الصدوق ; في معاني الاخبار
والتوحيد وهذا ما نريد توضيحه في دراستنا هذه .
كما أن هناك نصوصا
صريحة في اقرار الإمام ، وأنّه 7 لا يترك الأمة سدى ، بل يقف أمام ما يزيده الناس أو
ينقصونه ، قد يمكن التمسك به عند البعض كدليل لإثبات القول بجواز الشهادة الثالثة
، وهذا ما لم يوظف من قبل فقهاءنا في مبحث الشهادة الثالثة ، فقد جاء في العلل
بسند صحيح عن أبي بصير عن أبي عبداللّه قال : إن اللّه لم يدع الأرض إلاّ وفيها
عالم يعلم الزيادة والنقصان في الأرض ، وإذا زاد المؤمنون شيئا ردهم ، وإذا نقصوا
أكمله لهم فقال : خذوه كاملاً ، ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين امورهم ، ولم
يفرقوا بين الحق والباطل .
وهناك طائفة ثالثة
هي نصوص صر يحة ذكرت متنا دون إسناد ، كما هو المشاهد في كلام الشيخ الصدوق ; في «الفقيه» ، والسيّد
المرتضى في «المسائل
الميافارقيات» ، وابن البرّاج في « المهذَّب » ، والشيخ الطوسي في « النّهاية » و «
المبسوط » ، وهي متون
معتمدة ، لأنّ كتب القدماء ـ وحسب تعبير السيّد البروجردي ; وغيره ـ هي متونُ
رواياتٍ وبمنزلة الأُصول المتلقّاة عن
__________________
المعصومين : وهو ما نبحثه في
القسم الثالث من الفصل الاول من هذا الباب .
ورابعة : هي
عمومات بعض الأخبار ، وقواعد في الرواية والحديث ، يستعين بها الفقيه في الاستنباط
، كرواية الاحتجاج : «
فإذا قال أحدكم لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، فليقل علي أمير المؤمنين
» ، أو قاعدة التسامح في أدّلة السنن ، أو استدلالهم ببيان
الحيثيات الثلاث للأذان ( الذكر + الشعار + الدعاء ) ، أو أنّه استحباب ضمن
استحباب إلى غيرها من المؤ يّدات التعضيدية الموجودة في الآيات والأخبار وهو ما
يبحث في ضمن كلمات الفقهاء.
وخامسة : بيان
سيرة المتشرّعة ، وربط هذه السيرة بسيرة الشارع المقدّس ، إلى غير ذلك من
التقسيمات والوجوه التي يمكن أن تلحظ ويستدل بها للشهادة الثالثة.
نحن لا نريد أن
نُفَصِّل هذه المحاور كلَّ محور على حدة ، بل نريد أن ندرسها متمازجة بشكل لا يحس
المطـالع بالضجر والملل إن شاء اللّه.
وبهذا سيأخذ البحث
تارة بعدا تاريخيا ، واُخرى فقهيا ، وثالثةً درائيا وحديثيا ، وهكذا يتغيّر من شكل
إلى آخر حَسَب الحاجة العلمية ، وبذلك تكون هذه الدراسة مترابطة ومتجانسة بين
أجزائها ، للخروج بوجه فقهي يقبله الجميع ، أو يحدّ من استقباحه عند من يراه بدعة
، بدعوى أنّها لم تكن في النصوص الصادرة عن المعصومين ، أو أنَّها زُجَّتْ في
الدين لظروف خاصة.
ومن المؤسف ان
غالب الشبهات المطروحة حول الشهادة الثالثة تدور مدار الجزئية وبتصور أنّا نأتي
بها على أنّها جزء الأذان ، في حين أن فقهاء الطائفة ومنذ
__________________
عصر السيّد
المرتضى والشيخ الطوسي إلى يومنا هذا يؤكدون على عدم جزئيتها بل يأتون بها
لمحبوبيتها ، وقالوا عن الآتي بها للمحبوبية غير مأثوم ، وأن فعلهم لم يكن بدعة
كما يريد الاخرون تصويره ، لكن الاخرين لا يريدون أن يقبلوا هذا الامر أو تراهم
يتناسونه في كلامهم ، وإني في هذه الدراسة اُريد أن أوكد على وجه محبوبية هذا
الأمر عندنا لا جزئيته ، عسى أن أكون قد ساهمت في رفع بعض الشبهات المطروحة في هذا
الصدد وسعيت في تحكيم هذا الصرح وتثبيت العقيدة.
وبما أنّ غالب
البحوث المطروحـة حول الشهادة الثالثة لم تشف غليلي ولم تف بمطلوبي ـ لأنّ فقهاءنا
الأقدمين وحتى المعاصرين منهم لم يُولوا البحث الأهمية القصوى ، ولم يفردوا له
دراسة معمّقة مستقلة ، ولم يدرسوا الروايات فيه دراسة شاملة ، مكتفين ببعض
التعليقات والتوضيحات ، مع أنّهم قد كتبوا رسائل مستقلّة وبحوثا مشبعة في مسائل
دونها في الأهمية ـ رأيت أن أكتب دراسة مستقلّة وافية فيه ـ لأنّ بحثا بهذه
الأهمية لا يمكن الاكتفاء فيه ببعض الأسطر والتعليقات المتناثرة بين ثنايا الكتب ،
بل يجب أن يقف الواقف عنده وقفة فقيه متأمّل متدبّر ، فلا يأخذ نصوص السابقين على
ظاهرها ، ويحكم بأنّ فلانا منع من الشهادة الثالثة ، أو أن فلانا لا يستسيغها ، أو
أنّ ثالثا يقول ببدعيّتها ، دون دراسة للظروف التي كان يعيش فيها أولئك الفقهاء
والمحدّثين ، والأماكن التي كانوا يسكنون فيها ، فإنّ مراعاة الزمان والمكان ، والشروط
المحيطة بالراوي ، يساعد الفقيه على فهم شروط وظروف صدور النصّ عن الشيخ الصدوق
والسيّد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، وابن البراج ، وأمثالهم رضوان اللّه تعالى
عليهم اجمعين.
كما لابدّ من
ملاحظة أنّ مبنى كلامهم هل هو صـدفة وأمر اجتهادي لا يجب اتّباعه ، أم أنّه نصّ
تعبدي شرعي يجب الإيمان والأخذ به؟
فالفقهاء يأخذون
بإطلاق مرسلة الاحتجاج للطبرسي : « من قال محمد رسول
اللّه
فليقل عليٌ أمير المؤمنين » ـ مع أنّ الطبرسي متأخّر عن الشيخ الصدوق ; بعدّة قرون ـ ويتركون مرسلة الصدوق ; في الفقيه
الخاصّة بالأذان ، والتي ذكر فيها الصيغ الثلاث للشهادة الثالثة ، وكذا تراهم
يتركون ما يمكن أن يستند عليه في الاستنباط من اقرار الإمام المعصوم مقرونة بسيرة
المتشرعة.
كما أنّهم يجهدون
أنفسهم لتصحيح الشهادة الثالثة بالعمومات ، وقاعدة التسامح بأدلة السنن ، والشعارية
، ورجاء المطلوبية ، في حين أن في حيازتهم روايات صحيحة دالة ـ بنحو من انحاء
الدلالة ـ على الولاية في الأذان بالخصوص كـ « حي على خير العمل » المصرَّح فيها من قبل الأئمّة على ذلك ، كما في رواية
الصـدوق في « التوحـيد
» ، و « معاني الاخبار ».
الم يكن فيما رواه
ابن أبي عمير ـ في التوحيد ومعاني الأخبار ـ عن الإمام الكاظم ما يفيدنا للاستدلال
في الشهادة الثالثة.
والم يكن نص
الصدوق ـ في التوحيد ومعاني الأخبار ـ أقدم من نص الاحتجاج تاريخيا وأثبت منه
روائيا.
فلماذا يترك هذا
النص ويؤخذ بمرسلة الاحتجاج ، إن هذه الأمور لم تبحث بشكلها الدقيق في كتب القدماء
فضلاً عن كتابات فقهائنا المتأخّرين. وحتى متاخّري المتأخرين.
وأمّا كتابات
العقود الخمسة الماضية فهي الأُخرى لا تُسمن ولا تغني من جوع ؛ لأن أغلب أولئك
المؤلّفين اكتفوا بنقل فتاوى الأعلام دون ذكر أدلتهم.
نحن لا ننكر بأنّ
الفتاوى كافية للمكلّفين ، لكنّها لا تُرضي الباحثين والمحقّقين. نعم ، صدر أخيرا
كتابان يمكن أن تصنفا ضمن الكتابات المقبولة ، لكنّ ذلك لا يدعو إلى وقف حركة
البحث العلمي عند العلماء ، لان التوسّع في هكذا دراسات يَفتح آفاق البحث العلمي
عندهم ، ويدعو الأساتذة والطلاب إلى الحركة والنشاط لكشف المجهول ، وإثراء المكتبة
الإسلامية بما يُحتاج إليه من
بحوث فكرية
عقائدية فقهية قيّمة ، لأنّ هذا البحث مرتبط بموضوع حسّاس ومهم ، وشعار لمذهب
يعتنقه مئات الملايين من المسلمين ، وفي الوقت نفسه هو سؤال لملايين المسلمين في
جميع البلدان ، فإنّ موضوعا كهذا لَحَرِيٌّ أن يدرس من قبل العلماء وبكتابات حديثة
معاصرة يفهمها الجميع.
كل هذا هو الذي
دعاني لأن أدلو بدلوي معطيا رأيي في هذا المجال ، غير مدّعٍ بأني قد أوفيت البحث
حقّه ، بل هو مبلغ وسعي وغاية جهدي ، ومن اللّه أرجو التوفيق.
موكِّدا للقارئ
العزيز بأنّ ما سأطرحه هنا هو عرض لوجهة نظر ـ جل أو كلّ ـ الإمامية وبيان لما
قاله فقهائهم وأعلامهم.
ولا أريد أن أُثبت
شرعيّة الشهادة الثالثة للاخرين العامة ، لا لصعوبة الأمر ، بل لعدم الضرورة لبحث
كهذا الآن ، إذ أنّ إثبات الشهادة الثالثة وما يماثلها سهل وفق أُصولهم الفقهية
والأُصولية والروائية ؛ وذلك لأنّ غالبيّتهم يقولون بعدم توقيفيّة الأذان ، وأنّه شُرّع
وفق منام رآه أحد الصحابة ، وفي آخر : أنّه شُرّع طبق استشارة من النبيّ مع أصحابه
، وقيل : بأنّ الأذان شرّع أَوّلاً بقول المؤذّن : « الصلاة الصلاة » ، ثم أُضيفت إليه الشهادة بالتوحيد ، وأن عمر بن الخطاب
أضاف إليه الشهادة بالنبوّة.
ولهم اُصول اُخرى
كالقول بأنّ الحَسَنَ هو ما حَسَّنه الناس ، وكالقول بالمصلحة وأشباهها.
كلّ هذه الأُصول
تسهّل الأمر للقول بشرعيّتها عندهم ، لكنّا الآن في غنىً عن ذلك ، بل الذي نريد
الإشارة إليه هو عرض سريع لما جرى على الأذان بعد رسول
__________________
اللّه 6 من التغييرات
والزيادات ، لأنّ بيان موضوع كهذا يحدّ من هجمة الآخرين علينا ، ويوقفهم عند
حدودهم.
وقبل عرضي لما جرى
بعد رسول اللّه 6 لابدّ من نقل كلام الاستاذ خليل عزمي في كتابه « بين الشيعة والسنة » صفحة ٩٠ طبعة بغداد ؛ إذ قال : « زيادتهم على الأذان جملة « وأشهد ان عليا ولي
اللّه » باعتبار أنّها لم
تكن داخلة ضمن الأذان بعهد رسول اللّه ، فأيّ ضرر يتأتّى من إضافة هذه الجملة
طالما استحسنها جمهور من المسلمين كما استحسن جمهور آخر إدخال كلمات لم تكن ضمن
الأذان في عهد رسول اللّه مثل «
الصلاة خير من النوم » في الأذان » .
وذكرت كتب السير
والتاريخ خبر الأسود العنسي ـ عبهلة بن كعب ـ في اليمن ، وظهوره متزامنا مع مسيلمة
الكذاب في اليمامة ، وادعائهما النبوّة ، وأنّ رسول اللّه كتب إلى معاذ بن جبل
ومن معه من المسلمين وأمرهم أن يحثّوا الناس على التمسّك بدينهم ، وعلى النهوض إلى
حرب الأسود ، فقتله فيروز الديلمي على فراشه .
وفي التنبيه
والاشراف : أنّ النبي كان كاتب الفرس أن يقتلوه ، فقتلوه ، فأَخبر النبيَّ
أصحابَهُ : مقتله .
وفي غرر الخصائص
الواضحة للوطواط المتوفّى ٧١٨ هـ : قال عبداللّه بن عمر : أتانا الخبر من السماء
إلى رسول اللّه في الليلة التي قتل فيها ، فقال : قتل العنسي ، فقيل : من قتله؟
قال : رجل مبارك من أهل بيت مباركٍ ، قيل : من هو؟ قال : فيروز ،
__________________
وفي صبيحة تلك
الليلة قبض رسول اللّه .
وفي تاريخ الطبري
، وتاريخ دمشق وغيرهما: فلمّا طلع الفجر نادوا بشعارهم الذي بينهم ثم بالأذان
وقالوا فيه : « نشهد أنّ
محمدا رسول اللّه وأنّ عبهلة كذاب » ، وشنّوها غارة ، وتراجع أصحاب رسول اللّه إلى أعمالهم ، وكتبوا
إلى رسول اللّه بالخبر ، فسبق خبر السماء إليه ، فخرج قبل موته بيوم أو ليلة ، فأخبر
الناس بذلك ، ثمّ ورد الكتاب ورسولُ اللّه قد مات .
وفي فتوح البلدان
احتز قيس بن هبيرة رأس الأسود المتنبئ ، ثم علا سور المدينة حين اصبح فقال : « اللّه اكبر! اللّه
اكبر!. أشهد ان لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد ان محمدا رسول اللّه ، وإن الاسود
العنسي عدو اللّه » .
وهذه النصوص
التاريخية جوّزت الزيادة في الأذان في عهد الرسول وأوائل رحلته 6 ، بدعوى أنّها
حالة نبعت من واقع المسلمين وإحساسهم بنشوة النصر على الكافرين ، وأنّ الأذان
عندهم هو الإعلام ، فيمكن الإعلام عن عودة المُلك إلى المسلمين ودحر الكافرين
والمتنبئين.
وبعد زمن النبيّ 6 رووا بأنّ التثو
يب الثاني ـ أي قول المؤذن بعد الانتهاء من الأذان : « السلام عليك يا أمير المؤمنين الصلاة الصلاة
يرحمك اللّه » ـ قد شرّع على عهد أبي بكر ، وفي آخر : في عهد عمر بن الخطاب ، وقال ثالث : في
عهد
__________________
عثمان ، ورابع : في عهد
معاوية .
ولا نرى خلافا بيّنا
بين هذه النصوص ، وذلك لتبنّي اللاّحق ما جاء به السابق من التثويب الثاني ، وأنّهم
كانوا لا يرون ضيرا في مثل هذه الزيادات في الأذان ، فيمكن أن يقال : إنّ معاو ية
، أو عثمان ، أو عمر قال به.
أنا لا أُريد أن
أُثبت هذا التشريع لهذا أو أنفيه عن ذاك ، المهمّ عندي أنّهم جوّزوا هذا التثويب
في العصور السابقة ، فلا يحقّ لأمثال هؤلاء الاعتراض على الآخرين بقولهم بالشهادة
الثالثة في الأذان.
ويضاف إلى ذلك ما
ذكره التفتازاني والقوشجي وغيرهما من أنّ عمر ابن الخطاب منع من متعة النساء ، ومتعة
الحج ، ورفع حي على خير العمل من الأذان .
وفي موطأ مالك :
إنّ المؤذّن ، جاء إلى عمر بن الخطاب يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائما ، فقال :
الصلاة خير من النوم ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح .
ولا ينكر أحد من
المسلمين بأن عثمان بن عفان هو الذي أضاف الأذان الثالث يوم الجمعة .
نعم ، إنّهم قالوا
بشرعية الأذان الثالث يوم الجمعة وما يماثله من جهة المصالح
__________________
المرسلة ، مع
اعتقادهم بعدم شرعيته على عهد رسول اللّه ، ونحن يمكننا إلزاما لهم إثبات الشهادة
الثالثة وغيرها طبق المصالح المرسلة وما يماثلها عندهم.
هذا هو خلاصة ما
يمكننا قوله مع القائلين بعدم توقيفية الأذان عند العامة وإلزامهم بما ألزموا به
أنفسهم.
كما يمكننا أن
نثبت لهم شرعية الشهادة بالولاية من جهة شرعية « حيّ على خير العمل » على عهد رسول اللّه ، وأنّ الصحابة كانوا قد أذّنوا بها ،
وأنّ عمر حذفها لأسباب معروفة عند مدرسة أهل البيت ، وقد أكّد الإمام الكاظم على
هذه الحقيقة ، بقوله : إنّ «
حيّ على خير العمل » دعوة للولاية ، وإنّ عمر كان لا يريد دعاءً إليها ولا حثّا عليها .
وهذا نص له قيمته
التاريخية والشرعية ، لأ نّه صدر في القرن الثاني الهجري وعلى لسان أحد أئمّة أهل
البيت : وقريب منه موجود في كتب الزيدية والإسماعيلية مما يؤكد اجماع مدرسة أهل البيت
على هذا المعنى عندهم.
ومن المعلوم بأنّ
جملة : « حيّ على
خير العمل » ليس لها ظهور في
الإمامة والولاية ، وإن فهمها بعض خُلّص الصحابة من خلال الآيِ الكريمِ والأحاديثِ
المتواترةِ عن رسول اللّه.
وكلامُ الإمام « أنّ حيّ على خير
العمل دعوة للولاية وإنّ عمر كان لا يريد دعاءً إليها ولا حثا عليها » يشير إلى أن بعض الصحابة كانوا يفتحونها بجمل دالة على
الإمامة والولاية ، توضيحا وتفسيرا ، كقولهم بعد « حيّ على خير العمل » ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ : « محمد وعلي خير البشر
» ، أو « محمد وآل محمد خير
البرية » ، أو « علي وأولاده
المعصومون حجج اللّه » ، وغيرها من الصيغ الدالة على الإمامة والولاية ، وأنّ عيون عمر كانوا
يخبرونه بفعل هذا النزر من الصحابة.
__________________
فعمر بن الخطاب
أراد أن لا يكون حثٌ عليها ولا دعاءٌ إليها ، فمنعها تحت طائلة أنّ البعض من الصحابة
سيتركون الجهاد بدعوى أنّهم يؤدّون خير العمل وهو الصلاة ، فلا صلاة مع احتياج الأ
مّة إلى الجهاد ، إلى غير ذلك من الكلام الذي مرّ بعضه في الباب الأول من الدراسة « حي على خير العمل
الشرعية والشعارية » ، وسيأتي البعض الآخر منه في الفصل الأوّل من هذا الباب.
ومما مرّ تعرف أن
البحث مع الاخرين سهل ليس بالعسير المتعب كما يتصورّه البعض.
نحن نترك البحث مع
العامة في هذا المجال ، ونقصر الكلام على أدلة الشيعة ، ونتناولها بأسلوبنا
ومنهجنا الخاص ، لتتضح الأ دّلة لمن خفيت عليه ويقف عليها من لم يكن قد وقف عليها
من قبل.
الشهادة الثالثة بين الأذان
والإقامة
هذا ، وقد تصور
البعض أن مبحث الأذان يختلف عن الإقامة ، لكون الأول خارجا عن حقيقة الصلاة
والثاني داخل فيها ، فتجوز الزيادة والنقصان في الأوّل ولا تجوز في الثاني ، لكون
الأذان إعلاما فقط ، أما الإقامة فهي من الصلاة.
وقد بارك لي أحد
الإِخوة دراستي هذه عن الشهادة الثالثة موكّدا الاكتفاء بمبحث الأذان دون الإقامة
، لاعتقاده بأنّ الإقامة من الصلاة ، للروايات الواردة في ذلك ، فأجبته بأنّ الأمر
لم يكن كما تتصوَّره ، إذ الفقهاء قد اختلفوا في ذلك ، فالنزرُ القليل اعتبروها من
الصلاة ، والجُلُّ الأعظم جعلوها خارجة عنها.
ولكن مما لا يخفى
على الباحث البصير أنّ الأذان والإقامة خارجان عن حقيقة
__________________
الصلاة جزءً وشرطا
، إذ النداء للشيء غير نفس الشيء ، بل في بعض فصولهما كالحيعلات الثلاث ما يدل على
عدم إرتباطهما بالصلاة أصلاً ، لكونهما ليسا أذكارا ، والصلاة إنّما هي الذِّكر.
والفرق بينهما أنّ
الأذان هو نداء ودعوة للغائبين ، والإقامة هي تنبيه للحاضرين المجتمعين في المسجد
، وذلك لإمكان اشتغالهم بالكلام والأُمور الحياتية الاُخرى ، فربّما لا يلتفتون
إلى قيام الصلاة إلاّ بعد قول الإمام « قد قامت الصلاة ».
ويؤيد ما قلناه ورودهما معا في بعض الأخبار ، فقد يسمّى
الأذان إقامة ، والإقامة أذانا في الأخبار الواردة عن الأئمّة المعصومين ، بل إنّ
إطلاق النداء على الإقامة يؤكّد معنى الإعلامية فيهما معا.
إنّ كونهما نداءً
، دليل على خروجهما عن حقيقة الصلاة وعدم تقوّمها بهما ، فلا يمكن لأحدٍ أن يفتي
ببطلان الصلاة لو وقعت بدونهما أو بدون أحدهما.
نعم ، لا ننكر
وجود فروق بينهما ، لكنها لا تكون بحدٍّ توجب القول بأن الإقامة جزء من الصلاة ، فإنّ
القول بعدم جواز الالتفات في الإقامة وجوازه في الأذان ، أو لزوم الطهارة والوضوء
في الإقامة بخلاف الأذان ، أو جواز الفَصْل بين الأذان والإقامة وعدم جواز الفصل
بين الإقامة والصلاة ، أو لزوم التوجّه إلى القبلة في الإقامة دون الأذان ، إلى
غيرها من الأمور الكثيرة الملحوظة في الإقامة دون الأذان ، لا توجب حكما شرعيا
وتَقَوُّما ذاتيّا آخر بحيث تعدّ الإقامة من الصلاة دون الأذان.
إذ روى الشيخ عن
محمد الحلبي ، قال : سألتُ أبا عبداللّه عن الرجل يتكلم في أذانه أو في إقامته؟
قال : لا باس .
__________________
وعن الحسن بن شهاب
، قال : سمعت أبا عبداللّه يقول : لا باس أن يتكلّم الرجل وهو يقيم الصلاة ، وبعدما
يقيم إن شاء .
وعن حماد بن عثمان
، قال : سألت أبا عبداللّه عن الرجل يتكلم بعدما يقيم الصلاة ، قال : نعم .
وعن عبيد بن زرارة
قال : سألتُ أبا عبداللّه ، قلت : أيتكلم الرجل بعدما تقام الصلاة؟ قال : لا باس .
وفي ما رواه الشيخ
عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، قال : سألتُ أبا جعفر عن رجل نسي الأذان والإقامة
حتّى دخل في الصلاة ، قال : فليمض في صلاته ، فإنّما الأذان سنّة .
فلو كانت الإقامة
من الصلاة فلا وجه لتعليل المضيّ في الصلاة مع نسيانه الإقامة.
هذه الروايات
وغيرها تحدّ من رواية عمرو بن أبي نصر وأبي هارون المكفوف ، ومحمد بن مسلم ، الناهية عن التكلّم حين الإقامة.
ومقتضى الجمع بين
الطائفتين هو حمل الروايات الناهية على الكراهة ، مضافا إلى أنّ مناسبة الحكم
والموضوع تقتضي الحكم بالكراهة ، لأنّ المقيم ليس بداخل في الصلاة واقعا حتى ينبغي
له ترك الكلام.
__________________
وقد تكون حرمة
الكلام مختصة على أهل المسجد رعايةً لمصالح الجماعة ، لرواية ابن
أبي عمير ، قال : سألتُ أبا عبداللّه عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال : نعم ، فإذا
قال المؤذن « قد قامت
الصلاة » ، فقد حرم الكلام
على أهل المسجد ، إلاّ أن يكونوا قد اجتمعوا من شتى وليس لهم إمام ، فلا باس أن
يقول بعضهم لبعض : تقدم يا فلان .
وقد ورد في روايات
أهل البيت بأنّ مفتاح الصلاة التكبير وتحليلها التسليم ، فلو كانت
الإقامة جزءا أو شرطا لكان اللاّزم القول أنّ مفتاحها الإقامة.
وقد سُئل الصادق
عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح ، قال 7 : يعيد الصلاة .
وعن علي بن يقطين
، قال : سألت أبا الحسن عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتى يركع ، قال : يعيد
الصلاة ، إلى غيرها من الروايات الكثيرة في هذا الباب.
وبعد هذا ، فلا
يمكن لأحدٍ أَن يحتاط في عدّ الإقامة جزءا ؛ بمجرّد ملاحظة الفوارق الموجودة بينها
وبين الأذان ، إذ أنّا نجد غالب هذه الفوارق مجتمعة في التكبيرات السبع المستحبّة
قبل تكبيرة الإحرام ، وفي دعاء التوجّه إلى الصلاة ، وعند القيام إليها ، لكنّا لا
نرى أحدا من الفقهاء يقول بجزئيّتها في الصلاة مع اشتراطهم فيها الطهارة ، والاستقبال
، وعدم جواز الالتفات ، وعدم الفصل بينها وبين الصلاة ، إلى غيرها من الامور
السابقة.
ونحن فصّلنا بعض
الشيء عن هذا ، لأ نّا رأينا البعض يريد التشكيك في
__________________
شرعيّة الشهادة
الثالثة من خلال الإقامة والتي تختلف بزعمه عن الأذان.
والكلّ يعلم بأ
نّهما حقيقتان خارجتان عن الصـلاة جزءا وشرطا ؛ سمّيت إحداهما أذانا والأُخرى
إقامة.
فالأذان على نحوين
:
١ ـ الأذان
الإعلامي : وهو ما شرّع لإعلام البعـيد ، وهو المعروف اليوم والذي يطلق عليه لفظ « الأذان ».
٢ ـ الأذان
الصلاتي أو الفرضي : وهو ما شـرّع لإعلام القريب الجالس في المسجد بإيذان وقت
الصلاة ، وهو ما يسمّى اليوم بالإقامة.
وكلاهما حقيقة
واحدة وليسا بواجبين لا اسـتقلاليا ولا شـرطيا للجماعة ، أو لأصل كل صلاة ، إذ أنّ القول
بالوجوب مسـاوقٌ للقول بوجوب الجماعة ، وهو ما لا يقوله أحد من أصحابنا.
قال السيّد بحر
العلوم في منظومته :
وما له الأذان
في الأصل رُسِمْ
|
|
شيئان إعلامٌ
وفرضٌ قد عُلِمْ
|
ولنا تعليق على
كلامه ; ليس هنا محلّه ، مؤكّدين بأ نّا لا نريد تسليط الضوء على الأذان الصلاتي « أي الإقامة » بقدر ما نريد توضيح الأذان الإعلامي ، وكيف أمكن لهذا
الإعلام أن يحظى بدور يمكّنه أن يصير شعارا لمذهب يعتنقه مئات الملايين ، ويكون
صَرْحا عقائديّا لأ مّة مجاهدة.
فالكلام عن الأذان
الإعلامي أسهل من الكلام عن الأذان الصلاتي عند من يعتقد بأنّ الإقامة من الصلاة ،
لكنّه خطأ ، فهما سيّان بنظرنا ولا تمايز أساسيّا
__________________
بينهما ، وإن كان
بحثنا يدور في الأعمّ الأغلب عن الأذان الإعلامي.
هذا وإني جعلت
دراستي هذه في ثلاثة فصول :
الفصل
الاول : وفيه نبيّن
النصوص والمباني الدالّة على شرعيّة الشهادة الثالثة ، وهي تنقسم إلى ثلاثة اقسام
:
القسم
الأوّل : النص الكنائي
الدالّ على الولايـة لعلي ، وهي جملة « حيّ على خير العمل » مع بياننا لاقوال الأئمة وسيرة المتشرّعة من عهد الرسول
إلى عصر الشيخ الصدوق ; المتوفي ٣٨١ ه في ذلك.
القسم
الثاني : وفيه نبيّن اقرار
المعصوم ـ وهو الإمام الحجة الغائب في عصرنا ـ لما تفعله الشيعة على مر الأزمان
بالشهادة الثالثة ؛ لأ نّه 7 لو كان منكرا لهذا العمل لكان عليه ـ بمقتضى وظيفته
المقدسة ـ تصحيحه ، ولما لم نقف على انكاره علمنا ان فعل ذلك جائز ، منوهين بأن
ذلك متوقف على تمامية اجماع الطائفة على الجواز.
القسم
الثالث : وفيه نذكر النصوص
الصريحة والمجملة الموجودة في كتب أصحابنا ، والدالة على الشهادة الثالثة ، بدءا
بكلام الشيخ الصدوق المتوفى ٣٨١ ه ، ومرورا بكلام السيّد المرتضى والشيخ الطوسي
وابن البراج وختما بكلام يحيى بن سعيد الحلي والعلاّمة الحلي المتوفى ٧٢٦ ه ، مع
بياننا لسيرة المتشرّعة في هذه العصور.
الفصل
الثاني : نقل أهمّ أقوال
فقهائنا المتأخّرين ومتأخري المتأخرين وانتهاءً بالمعاصرين مع وقوفنا عند كلامهم
تعليقا وتوضيحا إن اقتضى الأمرُ.
الفصل
الثالث : بيان القرائن
التعضيدية التي يمكن أن تصير أدلة فيما بعد ، كبعض العمومات ، مثل أن « ذكر علي عبادة » ، وهو ليس من الكلام الباطل المخلّ بالأذان ؛ وذلك لوجوده
في أُمور عبادية أُخرى ، كوروده بعد تكبيرة الإحرام ، وعند افتتاح الصلاة ، وفي
خطبة الجمعة ، وقنوت العيدين ، وقنوت الوتر ، وفي
التشهد والتسليم ،
وما جاء في استحباب تطابق الأذان وحكاية السامع له ، وغيرها كما في تلقين الميت ...
باحثين كل هذه
الامور ضمن الكلام عن الشعارية ، والتي هي مستند فقهاءنا المعاصرين.
مقدمين لذلك بعض
البحوث التمهيدية عن نشأة الغلوّ ، ومنهج القميّين والبغداديّين في العقائد
والرجال ، وتعريف البدعة لغة وشرعا ، وبيان موقع الشهادة بالولاية منها.
منبهين القارئ
الكريم على أن الكتاب مترابط ترابطا وثيقا فلا يمكن النظر إلى الأدلة نظرة احادية
مجتزءةً ، فلا يحق للقارئ النظر إلى دليل دون دليل آخر بل عليه النظر إلى مجموع
الأدلة بما هي مجموع حتى لا يأخذ فكرة خاطئة عن نظام الاستدلال عندنا.
وختاما اسال
اللّه جلّ شأنه أن يتقبّل هذا القليل ، ويجعله في حسناتي ، مكفّرا به عن سيّئاتي
، آملاً ممّن قرأ كتابي هذا ووقف فيه على ما لا يرضية من قولي أن يُوقفني على رأيه
، فإنّي طالب علم ، باحث عن الحقيقة ، وأمّا الذي يستحسن ما كتبته فأرجوه أن
يُحسنَ لي بالدُّعاء بطلب المغفرة وحسـن العاقبة. وآخر دعوانا أن الحمدُ للّهِ
ربِّ العالمين.
|
المؤلف
الاربعاء
١٥ شعبان ١٤٢٨ ه
|
E-mail:info@shahrestani.org
http://www.shahrestani.org
بحوث تمهيديّة
الشهادة
الثالثة بين التفويض والتقصير.
منهج
القميين والبغداديين في العقائد والرجال.
الشهادة
الثالثة شرع أم بدعة؟
الأقوال
في المسألة.
قبل الخوض في
تفاصيل هذه الدراسة لابدّ من الوقوف عند كلام الشيخ الصدوق ; لأ نّه كلام صدر
في القرن الرابع الهجري وعلى لسان شيخ المحدثين ، إذ قال ; في ( من لا يحضره
الفقيه ) بعد أن ذكر حديث أبي بكر الحضـرمي وكليب الاسدي ـ والذي ليس فيه الشهادة
الثالثة ـ :
|
هذا
هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه ، والمفوّضة لعنهم اللّه قد وضعوا
أخبارا وزادوا في الأذان « محمد وآل محمد خير البرية » مرّتين ، وفي بعض
رواياتهم بعد أشهد أن محمدا رسول اللّه ، « أشهد أنّ عليّا وليُّ اللّه »
مرّتين ، ومنهم من روى بدل ذلك : « أشهد أن عليّا أمير المؤمنين حقّا » مرّتين ،
ولا شك أنّ عليّا وليّ اللّه ، وأنّه أمير المؤمنين حقا ، وأنّ محمّدا وآله خير
البرية ، ولكنّ ذلك ليس في أصل الأذان ، وإنّما ذكرت ذلك ليُعرف بهذه الزيادة
المتّهمون بالتفويض المدلِّسون أنفسهم في جملتنا .
|
وهذا النص يحمل في
طياته ثلاث دعاوى أساسية يجب الوقوف عندها وتوضيحها.
الأُولى
: أنّ الشهادة
الثالثة هي من فعل المفوّضة الملعونة ، لقوله : « والمفوّضة لعنهم اللّه ».
الثانية
: أنّ المفوّضة « قد وضعوا أخبارا » في الشهادة الثالثة. ومن المعلوم أنّ
__________________
الرواية الموضوعة
غير الرواية الضعيفة.
الثالثة
: قوله : « وزادوا » ، يَدُلُّ على
أنّهم أتوا بتلك النصوص على نحو الجزئية ، والشـيخ لا يرتضيها لقوله : « ولكن ذلك ليس في اصل
الأذان ».
إذن علينا توضيح
مغزى كلام الصدوق ببعض البحوث التمهيدية لكي نرى هل أنّ كلامه ; صدر عن حِسٍّ حتى
يلزمنا الأخذ به ، أم كان عن حدس يجوز تركه ، بل إلى أيّ مدى يمكن الاعتماد على
قناعاته واجتهاداته ; ، وخصوصا أنّه كان يعيش في ظروف صعبة.
إنّ الواقف على
مجريات الأحداث بعد رسول اللّه 6 يعلم ما جرى على آل بيت الرسالة من مظالم من قِبَلِ
الحكّام ، وأنَّ الرواة وحتّى الصحابة والتابعين والفقهاء كانوا يتّقون السلطة في
نشر رواياتهم وبيان آرائهم ، فلا يمكن معرفة أبعاد صدور أيّ نص منهم ، خصوصا في
العصر الأموي والعصر العباسي الأوّل أو الثاني ، إلاّ بعد معرفة الظروف المحيطة به.
ونحن نظرا لحساسية
كلام الشيخ ; بدأنا الدراسة بثلاثة مواضيع أساسية كتمهيد لهذه الدراسة :
الأُولى
: ارتباط الغلوّ
والتفويض بالشهادة الثالثة ، وهل حقا أنّ ما يُؤتى به في الشهادة الثالثة فيه فكر
تفويض أم لا؟ بل كيف نشأت فكرة الغلو والتفويض؟ وهل هما مختصان بالشيعة أم أنّهما
ظاهرتان أصابتا البشريّة جمعاء ، وجميع الأديان والمذاهب؟ وما هو موقف أهل البيت
منها؟ وهل حقا أنّ البغداديين غلاةٌ ، والقميّين مقصّرةٌ؟
الثانية
: أشرنا إلى ثلاث
نقاط أساسية ـ كنموذج ـ في منهج القميّين والبغداديين في العقائد والرجال ، مؤكّدين
بأنّ بعض هذه النقاط أدّت إلى صدور مثل هذا الكلام عن الشيخ الصدوق ;.
الثالثة
: مناقشة دعوى الزيادة
من قبل القائلين بها ، وهل حقا أنّ هذه الزيادة من وضع المفوّضة ، وجاء ، على نحو
الجزئية ، أم أنّها زيادة موجودة في الروايات
وتقال على نحو
التفسـيرية وبقصد القربة المطلقة وأمثالها؟
والذي ينبغي
التنبيه عليه هو أن دعوى صدورها عن المفوِّضة وأنّهم وضعوا أخبارا على نحو الجزئية
فيها دعوى مجملة ، إذ لا يستطيع أحد بالنظر البدوي الجزم بمقصود الشيخ الصدوق
النهائي إلاّ بعد بحث وتمحيص ، وهذا ما يدعو الباحث الموضوعي إلى الوقوف عندها
ودراستها بروح علمية نزيهة ، بعيدا عن التقديس ، لكي يرى مدى تطابقها مع الواقع أو
بعدها عنه ، وهذا ما نريد توضيحه ضمن النقاط الثلاث اللاحقة ، مع الإشارة إلى
غيرها من البحوث الدخيلة في فهم المسألة.
مؤكّدين على أنّ
المنهج المتَّبع عند فقهاء ومتكلِّمي مدرسة أهل البيت هو مناقشة الأقوال ، فلا
يصان أحد عندهم إلاّ المعصوم ، وليس لهم كتاب صحيح بالكامل إلاّ كتاب اللّه
المنزل على رسوله ، فهم يناقشون أقوال علمائهم واجتهاداتهم وإن كان قد وُلِدَ
بعضُهُم ـ كشيخنا الصدوق ; ـ بدعاء الإمام الحجة 7 ، مع اعتقادهم الكامل فيه بأ نّه الإمام الثقة ، والصدوق
في القول والعمل ، والحامل إليهم علوم آل محمد ، لكنّ هذا كلَّهُ لا يمنعهم من
الدخول معه في نقاش علميّ منطقيّ رزين ، لأ نّه ; لا يدّعي العصمة لنفسه كما أَنّا لا نقول بعصمته ، وبذلك
يكون كلامه ; عرضةً للخطأ والصواب ، وهو كغيره من الفقهاء قد يعدل عمّا كان يقول به ويفتي
بشيء آخر غير ما كان يذهب إليه.
وعليه فالشيخ ; لم يتّهم قائل
الشهادة الثالثة بالتفويض بل قال : بأنّ المفوّضة وضعوا أخبارا وزادوا في الأذان ،
وبين الامرين فرق واضح.
وهذا الكلام من
الشيخ الصدوق لا ينفي وجود نصوصٍ صريحة عنده صدرت عن الإمام الباقر والصادق
والكاظم : دالّة على وجود معنى الولاية والإمامة في الأذان لا على نحو
الزيادة والجزئية ، بل على نحو التفسيرية كما جاء في تفسير
__________________
معنى « حيّ على خير العمل » عن المعصومين ، إذ أراد الإمام الكاظم 7 حثّا عليها ودعوة
إليها في الأذان ، غيرَ محدِّدٍ 7 لصيغها ، فقد تكون : « أشهد أنّ عليا ولي اللّه » وقد تكون : « محمد وعلي خير البشر » وقد تكون : « محمد وآل محمد خير البرية » ، وقد تكون شيئا آخر
يرد عنهم : أو يأذنون به ، لكنّها كلّها تتضمن معنى الولاية.
وعلى هذا ، كيف
يُتَصَوَّرُ اتّهام شيخنا الصدوق ; القائلين بما يدلّ على الولاية في الأذان بالتفويض ، مع
علمه بوجود فصل « حيّ على
خير العمل » الدالّ على
الولاية لعليّ ولزوم البرّ بفاطمة وولدها في الأذان؟!
وعليه ، فمع وجود
نصٍّ صريح واضح من قبل الأئمّة بأنّ « حيّ على خير العمل » هي الولاية ، ووقوفِ الصدوق على ذلك النص ـ وهو المحدّث
المتتبّع ـ يفهمنا بأنه ; يعني بكلامه القاصدين للجزئية على نحو الخصوص لقوله ; : « لكن ذلك ليس في أصل
الأذان ».
فهل يعقل أن لا
يسمح الشيخ للقائلين بها أن يفتحوها بعبارات دالّة عليها ـ مع التأكيد على أنّها
ليست جزءً ـ دفعا لاتّهام المتَّهِمِين وافتراءات المُفتَرِين ، أو رفعا لمنزلة
الإمام عليّ عند شيعته وعند غيرهم ـ المحظور آنذاك ـ؟! إِنّ الجواب عن ذلك لا يمكن
أن يُتَصَوَّرَ في هذا المجال إلاّ من خلال أحد دوافع ثلاثة دفعت الشيخ لهذا القول.
وهي إمّا ظروف
التقية التي كان يعيشها الشيخ ، فإنه ; قد يكون قالها حقنا لدماء البقية الباقية من الشيعة ، خصوصاً
وأنّ الشيخ كتب «من لا يحضره الفقيه» بقصبة بلخ من أرض ايلاق الواقع حالياً شمالي
افغانستان.
أو أنّه قالها
تبعا لمشايخه القميين.
أو أنّه قالها بعد
أن وجد المفوِّضة ـ الطائفة المنحرفة عن الأمة ـ هم أكثر الناس تبنّيا علنِيّا
لهذا الشعار ، وأنَّ قولهم لها كان على نحو الشطرية والجزئية لقوله ; « ولكن ذلك ليس في أصل
الأذان » ، وهذا ممّا لا
يسمح به الشرع.
وإليك الآن توضيح
النقاط الثلاثة الآنفة :
١ ـ علاقة الغلوّ والتفويض بالشهادة الثالثة
«تمهيد»
الغلو في اللّغة :
هو تجاوز الحدّ والخروج عن القصد ، ومنه : غلا السعر يغلو غلاءً ، وغلا الرَّجُلُ غُلُوّا ،
وغلا بالجارية لحمُها وعظمُها : إذا أسرعت الشباب وتجاوزت لِداتها.
وفي المصطلح : هو
الإفراط غير المرضيّ بالعقيدة ، وهو كأنْ يقول شَخْصٌ بأُلوهيّة النبي ، أو الإمام ، أو مشاركته في
العبودية أو الخلق والرزق ، وأنّ اللّه تعالى قد حلّ فيهم أو اتّحد بهم ، أو
أنّهم يعلمون الغيب بغير وحي ، أو إلهامٍ ، أو فضلٍ من اللّه ، أو القول في
الأئمّة أنّهم كانوا أنبياء ، أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض ، أو القول
بأنّ معرفتهم تغني عن جميع الطـاعات والعبادات ، ولا تكليف معها بترك المعاصي.
والاعتقاد بكلّ
منها إلحادٌ وكفرٌ وخروج عن الدين ، كما دلّت عليه الأدلة العقلية ، والآيات ، والأخبار.
والتفويض : هو أن
يكون العبد مستقلاًّ في الفعل بحيث لا يقدر الربّ على صرفه ، وأنّ اللّه بعد أن
خلق الأئمّة فوّض إليهم خلق العباد ورزقهم ، وهذا هو
__________________
الآخر كفر والحاد
تَبَرَّأ الأئمّة منه.
قال الشيخ المفيد
في تصحيح الاعتقاد : والمفوِّضة صنف من الغلاة ، وقولهم الذي فارقوا به من سواهم
من الغلاة : اعترافهم بحدوث الأ ئمّة وخلقهم ، ونفي القدم عنهم ، وإضافة الخلق
والرزق مع ذلك إليهم ، ودعواهم أنّ اللّه سبحانه وتعالى تفرّد بخلقهم خاصّة ، وأنّه
فَوَّضَ إليهم خلق العالم بما فيه وجميع الأفعال .
وقال العلاّمة
المجلسي : وأمّا التفو يض فيطلق على معان ، بعضها منفيُّ عنهم : ، وبعضها مثبت
لهم ، فالأول التفو يض في الخلق والرزق والتربية والإماتة والإحياء ، فإنّ قوما
قالوا : إنّ اللّه تعالى خلقهم وفَوَّضَ إليهم أمر الخلق ، فهم يخلقون ويرزقون ويميتون
ويحيون ، وهذا الكلام يحتمل وجهين :
أحدهما أن يقال :
إنّهم يفعلون جميع ذلك بقدرتهم وإرادتهم وهم الفاعلون حقيقةً ، وهذا كُفرٌ صريح
دلّت على استحالته الأدلة العقلية والنقلية ، ولا يستريب عاقل في كفر من قال به.
وثانيهما : إنّ
اللّه تعالى يفعل ذلك مقارِنا لإرادتهم ، كشقِّ القمر ، وإحياء الموتى ، وقلب
العصا حية ، وغير ذلك من المعجزات ، فإنّ جميع ذلك إنّما تحصل بقدرته تعالى مقارنا
لإرادتهم لظهور صدقهم ، فلا يأبى العقل عن أن يكون اللّه تعالى خلقهم وأكملهم
وألهمهم ما يصلح في نظام العالم ، ثمّ خلق كلّ شيء مقارنا لإرادتهم ومشيتهم.
وهذا وإن كان
العقل لا يعارضه كِفاحا ، لكنّ الأخبار السالفة تمنع من القول به
فيما عدا المعجزات ظاهرا بل صُراحا ، مع أنّ القول به قولٌ بما لا يُعْلَمُ ، إذ
لم
__________________
يرد ذلك في
الأخبار المعتبرة فيما نعلم ... إلى آخر كلامه ; .
نعم ، وردت
الأخبار في تفويض الأحكام إلى النبيّ والأئمّة. ولهذا مبحث مفصل مذكورٌ في مظانّه.
إنّ فكرة الغلوّ
لم تكن وليدة العصور المتأخّرة ، بل هي قديمة بقدم تاريخ الإنسان.
فالناس لما أُرسل
إليهم الرُّسل كانوا يتصوّرون لزوم كونهم ملائكة وأنّهم ليسوا من أصناف البشر ، واللّه
سبحانه يؤكّد في كتابه مرارا بأنّ المرسلين هم أُناس يأكلون ويمشون في الأسواق ، وهم
بشر كغيرهم من الناس وليس لهم الخلد ، فقال سبحانه : ( وَمَا
مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَآءَ هُمُ الْهُدَى إلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ
اللّهُ بَشَرَا رَّسُولاً * قُل لَّوْ كَانَ فِي الاْءَ رْضِ مَلائِكَةٌ
يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكا
رَّسُولاً ) .
وقال تعالى : ( وَقَالُواْ لَوْلاَ
أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكا لَّقُضِيَ الاْءَ مْرُ ثُمَّ
لاَ يُنظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا
عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ )
.
وقوله تعالى ( ما المَسِيحُ ابنُ
مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ
وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ ) ، وقوله تعالى : ( وَمَا
أَرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِنَ المُرْسَلِينَ إِلاَّ أنّهم لَيَأْكُلُونَ الطَّعاَم
وَيَمْشُونَ فِي آلاْءَسْواقِ )
، وقول نبي اللّه أَيَّوب كما حكاه القرآن : ( وأَيُّوب
إِذْ نَادَى رَبَّهُ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) ، وقوله تعالى : ( وَمَا
جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِن قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِنْ متَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ
ذَائِقَةُ
__________________
المَوْتِ
) ، وقوله تعالى
مخبرا عن رسول اللّه : ( أَفَإِن
ماتَ أَوْ قُتِلَ ) ، إلى غيرها من
الآيات.
بلى ، إنّ اليهود
والنصارى فرَّطوا وأفرطوا في هذه الروح الإنسانية ، حيث فَرّط اليهود في عيسى حتّى
قذفوا مريم ، وأفرطوا فقالوا عزير بن اللّه ، والنصارى غلوا في عيسى حتى جعلوه ربّا .
وعليه فالناس
كانوا على ثلاث طوائف :
١ ـ طائفة تستبعد
أن يكون للإنسان ـ النبي ـ القدرة على الارتباط بعالم الغيب ، كما جاء على لسان
قوم شعيب 7 حيث قالوا له : ( وَمَا
أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ) .
٢ ـ طائفة كانت
تُأَلِّه الأَنبياء ، إذ قال سبحانه : ( لقد
كفر الذين قالوا انَّ اللّهَ هُوَ المسيحُ ابن مَرْيَمَ ) وقال تعالى : ( لَقَدْ
كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِن إِلهِ إِلاَّ
إِلهٌ واحِدٌ وَلَئِن لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لََيمَسَّنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ )
.
٣ ـ طائفة ثالثة
وهم المؤمنون الذين انتهجوا منهج الأنبياء القائلين : ( قل إنَّما أَنَا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ إِنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَآسْتَقِيُموا
إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ
__________________
لِلْمُشْرِكينَ ) ، وقوله تعالى : ( قُلْ
لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الغَيْبِ وَلاَ
أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِن أَتَّبِعُ إلاّ ما يُوحَى إليَّ ) .
والإمامُ عليُّ
أوضح حال المجتمع الإسـلامي في عهده ثمّ من بعده ، وأنّه لا يخرج عن هذه
الاتّجاهات الثلاثة :
١ ـ من يقصّر في
دين اللّه.
٢ ـ من يغالي في
دين اللّه.
٣ ـ من ينتهج
المنهج الصحيح ويتّخذ الطريقة الوسطى.
فقال 7 : دين اللّه بين
المقصّر ، والغالي ، فعليكم بالنمرقة الوسطى ، فبها يلحق المقصّر ، ويرجع إليها
الغالي .
وفي نص آخر عنه 7 : عليكم بالنمرقة
الوسطى ، فإليها يرجع الغالي ، وبها يلحق التالي .
وأَوْف ولا تَسْتَوفِ حَقَّكَ كُلَّهُ
|
|
وصافِحْ فَلَم يَسْتَوفِ قَطُّ
كَرِيمُ
|
ولا تَغْلُ في شيءٍ من الأَمرِ وآقْتَصِدْ
|
|
كِلا طَرَفي قَصْدِ الأُمُورِ ذَمِيمُ
|
وعن الإمام السجاد
7 : وذهب آخرون إلى التّقصير في أمرنا واحتجّوا بمتشابه القرآن ، فتأوّلوه
بآرائهم واتّهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا .
ومما لا شكّ فيه
هو أنّ التقصير كان عنوانا للعامّة في الأعمّ الأغلب ، ثم أُطلِقَ
__________________
على بعض الخاصّة
بدعوى أنّهم لا يدركون مقامات الأئمّة.
والغلوّ هو فيمن
يرفع النبي والإمام عن مستواهما الإنساني ويدّعي الربوبية والخلق والرزق لهما.
والطريقة الوسطى
هي اتّباع منهج التشيّع المحمدي العلويّ الأصيل.
والباحث في كتب
الرجال يقف على اسماء عدد غير قليل ممن عاصروا الأئمة وصفوا بالغلوّ والتفو يض ، فقد
ذكر الشيخ الطوسي في رجاله اسماء بعض معاصري الأئمّة الموصوفين بالغلوّ.
فذكر ; في أصحاب السجاد 7 : فرات بن الأحنف
العبدي ، يرمى بالغلوّ والتفريط في القول .
وفي أصحاب الكاظم 7 : ذكر محمد بن
سليمان البصري الديلمي قائلاً : له كتاب ، يرمى بالغلوّ .
وفي أصحاب الرضا 7 : ذكر طاهر بن
حاتم ، وعمر بن فرات ، ومحمد بن جمهور العميّ ، ومحمد بن الفضيل الأزدي الصيرفي ، ومحمد
ابن صدقة ، ورماهم بالغلوّ .
وفي أصحاب الجواد 7 : ذكر الحسن بن
علي بن أبي عثمان السجادة مع وصفه له بالغلوّ له ، كما ذكره في أصحاب الإمام
الهادي 7 بنفس الوصف .
كما ذكر في أصحاب
الإمام الهادي 7 : أحمد بن هلال العبرتائي ، وإسحاق
__________________
بن محمد البصري ، والحسين
بن عبيد اللّه القمي ، والحسن بن بابا القمي ، وعلي بن يحيى الدّهان ، وفارس بن
حاتم القزو يني ، وعروة بن يحيى الدهقان ، والقاسم الشعراني اليقطيني ، ومحمد بن
عبداللّه بن مهران الكرخي ، وأبا عبداللّه المغازي .
وممن عدّهم الشيخ
من الغلاة في أصحاب العسكري 7 : محمد ابن موسى السريعي ، ومحمد بن الحسن
بن شمون ، وغيرهما .
فهنا نتساءل : كيف
يمكن تصوّر هكذا حالة في أصحاب الأئمّة ومعاصريهم ، أو بين الفقهاء
والمحدّثين ممن لهم علاقة بهم : ، مع وقوف الكلّ على منهج الأئمّة وذمّهم للغلاة والمفوّضة
.
وهل أنّ هذه التهم
المتراشقة بين الأطراف هي عناو ين حقيقية وواقعية ، أم أنّها تصوّرات واحتمالات
أُطلقت من هذا الطرف ضدّ ذاك حرصا على المذهب وتحاشيا من دخول الأجنبيّ؟
الحقيقة هي أنّا رأينا
حين البحث أنّ بعض تلك العناو ين واقعية ، كما هي في أبي الخطاب وبنان بن سمعان
وآخرين ، وأُخرى لم تكن كذلك ، لرجوع القائلين بها عن قولهـم أو لأنّ التحقـيق
العلمي أثبت خلاف المنسـوب إليهم ، كما في أحمد بن محمد بن خالد البرقي وأمثاله.
وعليه فالغلوّ هو
عنوان مشكَّكٌ يطلق تارة على مدّعي الربوبية لأشخاص
__________________
بالخصوص حقيقةً ، وقد
تكون تهمةً ، إذ أنّ الأمر ليس كذلك ؛ لأنّ اللّه قد منح لبعض من اصطفاهم من
عباده أشياءً خاصة من قبيل إحياء الموتى بإذن اللّه وإبراء الأكمه بإذنه ، ومن
هنا بَدَأَ الصراع بين الاتجاهات الثلاثة عقائديا.
فمنهم من يرى
كذبها ؛ لعدم تحمّل عقولهم لها ، ومنهم من يرى أنّهم آلهة أو مفوَّضين من قبل
اللّه سبحانه وتعالى حقّا ، وكثير من هؤلاء التبس عليهم الأمر أوّلاً ثمّ رجعـوا عما
كان يقولون به لمّا اتّضح لهم وجه الأمر.
ومنهم من لا يرى
سوى أنّهم عبيدٌ اصطفاهم اللّه سبحانه وتعالى لطهارة أصلهم ، يقدرون على ما لا
يقدر عليه عامة البشر ، بإذن اللّه لا غير ، ولو شاء اللّه لسلبهم هذه القدرة
بطرفة عين ..
قال الشيخ المفيد
: إنّ الأئمّة من آل محمّد 6 قد كانوا يعرفون ضمائر بعض العباد ويعرفون ما يكون قبل
كونه ، وليس ذلك بواجب في صفاتهم ولا شرطا في إمامتهم ، وإنّما أكرمهم اللّه
تعالى به وأعلمهم إيّاه للّطف في طاعتهم والتّمسّك بإمامتهم ، وليس ذلك بواجب
عقلاً ولكنّه وجب لهم من جهة السّماع. فأمّا إطلاق القول عليهم بأ نّهم يعلمون
الغيب فهو منكر بيّن الفساد ، لأنّ الوصف بذلك إنّما يستحقّه من عَلِمَ الأشياء
بنفسه لا بعلم مستفاد ، وهذا لا يكون إلاّ اللّه عزّ وجلّ ، وعلى قولي هذا جماعة
أهل الإمامية إلاّ من شذّ عنهم من المفوّضة ومن انتمى إليهم من الغلاة .
وعليه فإنّ
الاختلاف الملحوظ بين العلماء يرجع إلى فَهْمَيْن لطائفة من الروايات يتمسّك بها
كلّ واحد في ما يريد الوصول إليه وما يعتقد أنه المراد الصحيح من تلك الروايات ، وليس رميُ بعضٍ
لبعض للعداوة أو للجُزاف كما
__________________
قد يتصوّره البعض
، على أنّنا في الوقت نفسه لا ننكر تسرّع البعض في إطلاق الأحكام على الآخر ين قبل
التروّي والتأنّي.
وبذلك يكون سلاح
التفويض والتقصير ذا حَدَّين يستخدم من كلّ جانب للاطاحة بالآخر ، وكلا الطرفين
يستخدمه حرصا على الإسلام ومتبنّياته العقائدية.
فنحن لو تناسينا
الاتّجاهين المقصِّر والغالي الواقعيَّين ، فإنّ النَّمرقة الوسطى ( الاتّجاه
الثالث ) كان خائفا من دخول أفكار هذين الاتّجاهين ضمن كلام محدّثيهم ورواتهم.
فالبغداديون
المتَّهمون بالغلوّ ليسوا بغلاة ولا مقصِّرة ، كما أنّ الشيعة القميّين ليسوا كذلك
أيضا ؛ لكن مع ذلك نرى صراعا بين المدرستين البغدادية والقمّيّة ، واتّهامَ كُلِّ
واحدٍ منهما للآخر بالتفو يض والتقصير ، مع اعتقادهما سو يّةً بأنّ الأئمّة سلام
اللّه عليهم بشرٌ معصومون لا قدرة لهم على شيء إلاّ ما أعطاهم اللّه على نحو
الاصطفاء والاجتباء ، على منوال المسيح عيسى بن مريم سلام اللّه عليه الذي كان
يحيي الموتى ويُبرئُ الأكمَه بإذنه تعالى. ولا يمكن احتمال شيء في هذا الصراع سوى
الخوف على المذهب من قِبَل كِلا المدرستين.
فالمدرسة القميّة
تشدّدت في بعض الأفكار ، وعلى بعض الرواة ، خوفَ الوقوع في مهلكة التفويض والغلوّ
، والمدرسة البغدادية أرادت تحرير العقيدة من ذاك التشديد ، خوفَ الوقوع في زنزانة
التقصير والتفريط بمقامات الأئمّة سلام اللّه عليهم.
ولو تأمّلت في
روايات وأقوال الطرفين لصدّقتنا في مدّعانا ، لأ نّك قد ترى ما يستشم منه الغلوّ
في مرو يّات القميين ـ المتهجّمين على الغلاة ـ لأنّ الأصول المعرفية التي رواها
القميون فيها الكثير من المعارف التي لا يتحمّلها بعض البشر ، فمثلاً روى ابن قولو
يه والكليني وغيرهما في إحدى زيارات الإمام الحسين 7 ، ما قد يتخيّل منه الغلوّ كقوله : ( إرادة الربّ في
مقادير أموره تهبط اليكم وتصدر من
بيوتكم ) .
ونحوها الزيارة
الجامعة الكبيرة التي فيها غالب مقامات الأئمّة وصفاتهم وكمالاتهم والتي لم يروها
إلاّ القميّون ، والشيخ الطوسي رواها عن الصدوق رحمهما اللّه ، والصدوق رواها
معتقِدا بصحّة جميع فصولها ، لأ نّه كان قد قال في أوّل الفقيه : « لم أقصـد فيه قصد
المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أُفتي به وأحكم بصحّته ، وأعتقد
فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربي ».
فعدم رواية الصدوق
المقطع السـابق في زيارة الإمام الحسين ـ وبشهادة كثرة رواياته في مقامات
الأئمّة العظيمة ـ لا يعني أنّه كان من المقصّـرة والآخرون من الغلاة. بل يروي أو
لا يروي لصحة تلك الروايات عنده أو ضعفها.
إذن ماذا تعني
روايتهم لهذا المقطع مع ما عرف عنهم من وقوفهم أمام الغلاة والمفوِّضة؟ وعلى أيّ
شيء يدل ذلك؟ وكذا الحال بالنسبة إلى المتّهمين بالتفو يض ، فتراهم يروون أحاديث
قد تكون ذريعةً لرميهم بالتقصير كذلك.
إنّ تشدّد
القميّين لا يعني اتّهام جميع البغداديين بالغلوّ والتفو يض ، وكذا الحال بالنسبة
إلى القميين حيث لا يعني أنّهم كانوا مقصّرين حقا ، بل إنّ مواقفهم نبعت من حرصهم
العميق على العقيدة ، وقد أَخرج أحمدُ بن محمد بن عيسى الأشعري بالفعل ، البرقيَّ
، وسهلَ بن زياد الآدميَّ ، وغيرهما عن قم ، وهو يشير إلى وجود عقائد يمكن
للمتشدّد تصـنيفها ضمن الغلوّ في قم ، وإن لم تكن كذلك في واقع الحال ، وكذا الحال
بالنسبة إلى بغداد ، فقد يكون فيها عقائد يمكن تصنيفها
__________________
في إطار التقصير ، مع أنّها ليست كذلك في واقع
الأمر ، وهذا ما سـنوضّحه بعد قليل تحت العنوان الثاني من بحوثـنا التمهيدية (
منهج البغداديين والقميين في الرجال والعقائد ).
وهو يؤكد لنا أنّ
علماء الشيعة الإمامية ـ سواء كانوا في قمّ أو بغداد أو الريّ أو خراسان أو غيرها
ـ قد حافظوا على تراث أهل البيت وجَدُّوا في إيصاله إلى الأجيال اللاّحقة مع كامل
الحيطة والحذر من إدراج الدخيل والمزوّر ضمن الأحاديث ، وتمحيصها من الزائف
واللصيق ، كي تكون رواياتنا بعيدة عن الغلوّ والتقصير.
هل الغلو من عقائد
الشيعة أم ...
وبعد كلّ هذا نرجع
إلى موضوع الشهادة الثالثة ، لكي نرى هل أنّه يرتبط بهذا النحو من التفكير ، أم
ذاك؟ وذلك بعد بيان جملة من المسائل حول الغلو والتفويض.
فمن الثابت
المعلوم أنّ الإمام عليا 7 رجل اتّفق عليه الجميع ، فالعامّة لا تشكّ في لياقته
للإمامة وكونه من الخلفاء الراشدين ، والشيعة الإمامية تعتبره وصيّ رسول ربّ
العالمين وخليفته بلا فصل. فقد ولد الإمام علي في الكعبة ، واستشهد في
محراب العبادة ، وهو المطهر الذي سكن مسجد رسول اللّه ، وهو الصدّيق
الذي آمن باللّه وآدم بين الروح والجسد ، وهو الذي لم يسجد
__________________
لصنم قط ، وهو أولّ القوم
إسلاما ، وأسبقهم إيمانا لم يسبقه إلى الصلاة إلاّ رسول اللّه ، وهو أخو الرسول
بل نفسه ، وزوج البتول ، وأبو السبطين الحسن والحسـين ، وهو الذي بذل مهجته في
نصرة دين اللّه وحماية رسول رب العالمين ، ونام على فراشه 6 واقيا له بنفسه ، وكان صاحب
__________________
رايته في الحروب وصاحب عَلَمِهِ ، وأحبّ الخلق
إليه ، وأمينه ، ووزيره ، ووصيه ، والمؤدّي عنه دينه ، والمؤمن الذي لم ينقلب على عقبيه ، والمنتظِر الذي
لم يبدّل تبديلا .
__________________
إن شخصا كعلي بن
أبي طالب اختصّه اللّه بأُمورٍ لا تكون عند الآخرين لحريٌ أن يقع محطا للإفراط
والتفريط ، حتّى قال هو عن نفسه : يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي : محبّ مفرط ومبغض
مفرّط ، وإنّا لنبرأ إلى اللّه عزّوجلّ ممن يغلو فينا ، فيرفعنا فوق حدّنا ، كبراءة
عيسى ابن مريم من النصارى ، قال تعالى ( وَإِذْ
قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُوني
وَأُمِّيَ إِلهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُولَ
مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي
نَفْسِي وَلاَّ أَعْلَمُ مَا في نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا
قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي
وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِم فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي
كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) .
بلى ، قد وصل
الأمر بالبعض أن يرفع عليا 7 إلى حدّ الربوبية ، وبالبعض الآخر أن ينكر فضائله التي هي
أظهر من الشمس وضوحا عند الجميع بغضا وعنادا .
ولا يمكن تصوّر
وجود حالة « مبغض
مفرّط » بين الأصحاب من
الشيعة ؛ نعم ، رُبَّ غلوّ وتفو يض قد سرى عند البعض منهم نتيجة لظروف مُعَيَّنة
وملابسات خاصَّة ، واللافتُ هنا هو أنَّ المخالفين يعمّمون هذا الطعن إلى جميع
الشيعة ، مع أنّا لو تحرَّينا الأَمرَ بدقَّةٍ وتجرُّد لرأينا فقهاءنا قاطبة
يقولون بنجاسة الغلاة ،
__________________
وعدم جواز التزاوج
معهم ، وعدم حلّية ذبائحهم ، وعدم جواز تغسيلهم والصلاة عليهم ، وعدم جواز توريثهم ، وقال العلاّمة الحلي بخروجهم عن الإسلام وإن أقرّوا
بالشهادتين .
والعجيب أنّ
الآخرين يتهموننا بالغلو في حين لا ندري ما رأيهم بقول عمر بن الخطّاب ـ المعصوم
عند ابن العربي ـ بعد وفاة رسول اللّه 6 : «
إنَّ رجالاً من المنافقين يزعمون أنَّ رسول اللّه توفّي ، وإنَّ رسول اللّه ما
مات ولكنّه ذهب إلى ربِّه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثمَّ
رجع بعد أن قيل : مات ؛ واللّه ليرجعنَّ رسول اللّه فليقطعنَّ أيدي رجال وأرجلهم
يزعمون أنَّ رسول اللّه مات » ؟
وفي آخر : « من قال : إنّه مات ،
علوت رأسه بسيفي ، وإنّما ارتفع إلى
__________________
السماء
» .
قال شاعر النيل
حافظ إبراهيم :
يصيح : من قال
نفس المصطفى قبضت
|
|
علوت هامته
بالسيف أبريها
|
وقال إمام الحرمين
في كتابه ( الشامل ) ـ كما في ( جامع كرامات الاولياء ) للنبهاني ـ : أن الأرض
زلزلت في زمن عمر 2 فحمد اللّه وأثنى عليه ، والأرض ترجف وترتجّ ، ثمّ ضربها
بالدرّة وقال : قَرِّي ، ألم أعدل عليك؟ فاستقرّت من وقتها.
قال : وكان عمر 2 أمير المؤمنين
على الحقيقة في الظاهر والباطن ، وخليفة اللّه على أرضه ، فهو يعزّر الأرض
ويُؤَدِّبُها بما يصدر منها ، كما يعزّر ساكنيها على خطئاتهم .
__________________
هذا هو الغلو ، فذاك
غلو في النبيّ من عمر ، وهذا غلو في عمر من أتباعه ، لأنّ الزلازل تحكمها قوانين
الطبيعة طبقا لتدبير اللّه ، ولو كانت الأرض قد تأدّبت بتعزير عمر لما حدث زلزال
بعد عمر!
بلى ، إنّه غلوّ
وتشدّد من عمر حتّى تجاوز حدِّ التنز يل في صريح قوله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم
مَّيِّتُونَ ) .
وقوله : ( وَمَا مُحَمَّدٌ
إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ
انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ... )
، وبعد سماع عمر لصريح الآية المباركة ، قال : « فلكأنّي لم أقرأها إلاّ يومئذٍ » !
ونحوه ما حكاه
العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص ١٣٤ : عن الشيخ زين العابدين البكري أنّه لمّا
قُرِئَتْ عليه قصيدة جدِّه محمّد البكري ومنها :
لئن كان مدح الأوَّلين صحائفا
|
|
فإنَّا لآيات الكتابِ فواتحُ
|
قال المراد :
بأوَّل الكتاب : ( الم
ذَلِكَ الْكِتَابُ ) فالألف أبو بكر ، واللام اللّه ، والميم محمّد .
وفي السيرة
الحلبية : روي أنّ أبا بكر 2 لمّا حضرته الوفاة قال لمن حضره إذا أنا مت وفرغتم من
جهازي فاحملوني حتى تقفوا بباب البيت الذي فيه قبر النبي 6 ، فقفوا بالباب
وقولوا : السلام عليك يا رسول اللّه ، هذا أبو بكر يستأذن ، فإن أذن لكم ـ بأن
فتح الباب وكان الباب مغلقا بقفل ـ فأدخلوني وادفنوني ، وإن لم يفتح الباب
فأخرجوني إلى البقيع وادفنوني به ، فلمّا وقفوا على الباب وقالوا ما ذكر سقط القفل
وانفتح الباب وسمع هاتف من داخل البيت : أَدْخِلُوا الحبيبَ إلى
__________________
الحبيب ، فإنّ
الحبيب إلى الحبيب مشتاق .
إنّ ما حكي من
موافقات الوحي لعمر ، كلّها حطّ لمقام النبوة على حساب رفع مقام عمر ، وإنّها أعلى
مصاديق الغلوّ في الصحابة ، ففي تلك الروايات ترى عمر أكثر غَيرةً على العِرْضِ من
النبي ، وتراه أعرف بحكم الصلاة على المنافق من رسول اللّه ، إلى غيرها من
الموافقات المغالية الاخرى.
وفي قبال نظرة عمر
المغالية في النبي نرى مواقِفَ للأئمّة الأطهار : وأصحابهم تخالف مثل هذه التوجّهات التي لا تمتّ إلى روح
وجوهر الشريعة بشيء ، وقد سجّلت الكتب أمثال هذه المواقف المتعلّقة في أبواب الفقه
في مسائل النواصب الغلاة ، إضافةً إلى أنّ لأهل البيت روايات أُخرى بَيِّنة للردّ
عليهما مذكورة ضمن مسائل الفقه والأحكام الشرعيّة الأُخرى.
والذي يهمّنا الآن
هو : أنّا لا نقول إنّ رسول اللّه 6 رُفِعَ إلى السماء ، بل نقول جازمين : إنّه مات كما جزم به
القرآن الكريم ، وقد حكت الرواية الآتية تفاصيل مفردات هذا المعنى بكلِّ بيان
ووضوح :
لمَّا هَمَّ عليٌّ
بغسل النبيّ سمعنا صوتا في البيت : إنّ نبيَّكم طاهرٌ مُطَهَّرٌ ، فقال عليُّ :
غَسّلُوه ... واللّه إنّه أمرني بغسله وكفنه وذلك سُنَّة ، قال : ثمّ نادى منادٍ
آخر « يا علي!
استر عورة نبيك ولا تنزع القميص » .
فمن الطبيعي جدّا
أن يغسّل النبيّ 6 ؛ إذ التغسيل من الأحكام الشرعية
__________________
الجارية على جميع
المكلّفين المسلمين على حدّ سواء ولا يستثنى منه نبي أو وصي ، ولو رجعت إلى كتب
علمائنا في العقائد لرأيتهم يخالفون من أخذ بقول بعض شيوخ الأخبارية والشيخية من
القول بطهارة دم الإمام ، وذلك لاعتقادنا بجريان الأحكام على الجميع من غير
استثناء ؛ إذ أنّ إطلاق نجاسة الدم تشمل دم المعصوم وغيره ، وقد كانوا : يعملون بهذا
الحكم ويرفعون الدم عن أجسامهم وملابسهم.
وقد سئل جدّي
الأمّي الشيخ محمد علي الكرمانشاهي ـ ابن الوحيد البهبهاني ـ في كتابه ( مقامع
الفضل ) فأفتى بعدم الطهارة ، وادّعى عليه الشهرة من الخاصّة والعامّة.
ومثل الغلوّ ، القول
بالتفو يض ، فإنّه لم يكن مختصّا بالشيعة ، فهناك طوائف من العامة تقول بذلك ، ففي
كتاب ( التنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع ) قال : ومن القدرية صِنْفٌ يقال
لهم المفوّضة زعموا أنّهم يقدرون على الخير كلّه بالتفويض
__________________
الذي يذكرون دون
توفيق اللّه وهداه ، تعالى اللّه عما يقولون علوّا كبيرا .
فإذن الغلوّ
والتفو يض هما موجودان عند الآخرين كما هما موجودان عندنا ، فاتّهام طـرف دون آخر
تجاوزٌ على المقاييس العلمية ، وكيل بمكيالين ، ونظر إلى الأمور بنظرة أحادية
ضيّقـة غير موضوعية.
إنّ وجود مجموعة
أو شخصيّات مغالية داخل مذهب معيّن لا يجيز لنا اتّهام الجميع بالتطرّف والغلوّ ، لأنّ
التطرّف والغلوّ يصيبان الأفراد والجماعات معا ، ولا يختصان بطائفة دون أخرى أو
مذهب ودين دون آخر ، والغلو مرفوض من قبل المسلمين الواعين ، وكان الأئمة من أهل
البيت هم الأوائل من المسلمين الذين رفضوا فكرة الغلوّ ، فجاء عن ابن خلدون
الناصبي قوله : وقد كفانا مؤونة هؤلاء الغلاة أئمّة الشيعة فإنّهم لا يقولون بها ويبطلون
احتجاجاتهم عليها .
وإليك الآن بعض
الروايات عن أهل البيت ، لتعرف موقفهم من الغلاة والمفوّضة وتأكيدهم على نفي الغلوّ
عن أنفسهم وأنّهم ليسو بآلهةٍ ولا أنبياء ، وليس بيدهم الخلق والرزق ، ولا يعلمون الغيب على نحو
الاستقلال ، وهم بشر يأكلون ويشربون ويحتاجون في أُمورهم إلى الآخرين :
__________________
فعن مالك الجهني ،
قال : كنّا بالمدينة حين أُجلِيَتِ [ أُجلبت ] الشيعة ، وصاروا فرقا ، فتنحَّينا
عن المدينة ناحيةً ، ثمّ خلونا فجعلنا نذكر فضائلهم وما قالت الشيعة ، إلى أن خطر
ببالنا الربوبية ، فما شعرنا بشي ، إذا نحن بأبي عبداللّه 7 واقف على حمار ، فلم
ندر من أين جاء ، فقال : يا مالك ويا خالد متى أحدثتما الكلام في الربوبية؟
فقلنا : ما خطر
ببالنا إلاّ الساعة.
فقال : آعْلَما
أنّ لنا ربّا يكلاَءُنا باللّيل والنهارِ نعبده. يا مالك ويا خالد ، قولوا فينا ما
شئتم واجعلونا مخلوقين ، فكرَّرها علينا مرارا وهو واقف على حماره .
وعن خالد بن نجيح
الجوّاز ، قال : دخلت على أبي عبداللّه 7 وعنده خلق ، فقنّعت رأسي وجلست في ناحية وقلت في نفسي : وَيْحَكُمْ
ما أغفلكم؟ عند من تَكَلَّمُون ، عند رب العالمين؟
قال : فناداني : ويحك
يا خالد ، إنيّ واللّه عبدٌ مخلوق ، لي ربٌّ أعبده ، إن لم أعبده واللّهِ عذّبني
بالنار.
فقلت : لا واللّه
لا أقول فيك أبدا إلاّ قولك في نفسك .
وعن إسماعيل بن
عبدالعزيز ، قال : قال أبو عبداللّه : يا إسماعيل لا ترفع البناء فوق طاقته
فينهدم ، اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم ، فلن تبلغوا.
فقال إسماعيل :
وكنت أقول : إنّه .... وأقول ، وأقول .
وعن سليمان بن
خالد ، قال : كنت عند أبي عبداللّه [ الصادق ] وهو يكتب كتبا إلى بغداد ، وأنا
أُريد أن أُودّعه ، فقال : تجيء إلى بغداد؟ قلت : بلى.
__________________
قال : تعين مولاي
هذا بدفع كتبه ، ففكرّت وأنا في صحن الدار أمشي ، فقلت : هذا حجة اللّه على خلقه
، يكتب إلى أبي أيّوب الجزري ، وفلان ، وفلان يسألهم حوائجه!! فلمّا صرنا إلى باب
الدار صاح بي : يا سليمان ، ارجِعْ أنت وحدك ، فرجعت ، فقال : كتبت إليهم لأخبرهم
أنّي عبدٌ ولي إليهم حاجة .
وفي كشف الغمة :
عن أيوب ، قال : قال فتح بن يزيد الجرجاني : ضمّني وأبا الحسن [ الهادي 7 ] الطريقُ
منصرَفي من مكّة إلى خراسان ، وهو صائر إلى العراق ـ والحديث طويل نقتطف منه بعض
إخبارات الإمام لفتح عمّا يختلج في صدره ـ فقال 7 : ... وأمّا الذي أختلج في صدرك فإن شاءَ العالمُ أنباك ، إنّ
اللّه لم يظهر على غيبه أحدا إلاّ من ارتضى من رسول ، فكُلُّ ما كان عند الرسولِ
كان عند العالم ، وكلُّ ما اطلَّع عليه الرسولُ فقد أَطْلَعَ أوصياءَهُ عليه ، لئلاّ
تخلو أرضه من حُجّة ، يكون معه علم يدلُّ على صدق مقالته ، وجواز عدالته.
يا فتح ، عسى
الشيطان أراد اللبس عليك ، فأوهمك في بعض ما أودعتك ، وشكّك في بعض ما أنبأتك حتى
أراد إزالتك عن طريق اللّه وصراطه المستقيم ... معاذ اللّه ، إنّهم مخلوقون
مربوبون للّه ؛ مطيعون ، داخرون راغبون ، فإذا جاءك الشيطان من قِبَلِ ما جاءك
فاقمعه بما أنباتك به.
فقلت له : جعلت
فداك فرّجت عني ، وكشفت ما لبّس الملعونُ عَلَيَّ بشرحك ، فقد كان أوقع في خَلَدي
أنّكم أرباب.
قال : فسجد أبو
الحسن وهو يقول في سجوده : راغما لك يا خالقي داخرا خاضعا.
قال : فلم يزل
كذلك حتى ذهب ليلي.
ثم قال : يا فتح ،
كدتَ أن تَهْلِكَ وتُهْلِكَ ، وما ضرَّ عيسى 7 إذا هلك من هلك ، فاذهب إذا شئت رحمك اللّه.
__________________
قال : فخرجت وأنا
فرح بما كشف اللّه عنّي من اللبس ، بأ نّهم هم ؛ وحمدت اللّه على ما قدرت عليه ،
فلمّا كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهو مُتَّكٍ وبين يديه حنطة مقلوّة يعبث بها
، وقد كان أوقع الشيطان في خَلَدِي أنّه لا ينبغي أن يأكلوا ويشـربوا إذ كان ذلك
آفة ، والإمامُ غيرُ مَؤُوفٍ ، فقال : اجلس يا فتح ، فإنّ لنا بالرسل أسوة ، كانوا
يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ، وكلُّ جسم مَغْذُوٌّ بهذا إلاّ الخالق الرازق
.. والحديث طو يل .
وعن ابن المغيرة ،
قال : كنت عند أبي الحسن 7 أنا ويحيى بن عبداللّه بن الحسن 7 ، فقال يحيى :
جعلت فداك ، إنّهم يزعمون أنّك تعلم الغيب ، فقال : سبحان اللّه ، ضع يدك على
رأسي ، فواللّه ما بقيت في جسدي شعرة ولا في رأسي إلاّ قامت ، قال : ثمّ قال : لا
واللّه ما هي إلاّ رواية عن رسول اللّه .
وعن سدير ، قال :
قلت لأبي عبداللّه : إنّ قوما يزعمون أنّكم آلهةٌ ... قال : يا سدير ، سمعي وبصري
وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء بُراءٌ ، برئَ اللّه منهم ورسوله ، ما هؤلاء على
ديني ودين آبائي ، واللّه لا يجمعني اللّه وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو عليهم
ساخط.
قال : قلت : فما
أنتم جعلت فداك؟
قال : خزّان علم
اللّه ، وتراجمةُ وحي اللّه ، ونحن قوم معصومون ، أمر اللّه بطاعتنا ، ونهى عن
معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض .
وعليه ، فإنّ
مسألة وجود الغلوّ والغلاة والتفويض والمفوّضة كانت موجودة
__________________
عند الطرفين ، وإنّها
نشأت من المتطرّفين لا المعتدلين والمتفهّمين ، وكذا الأمر بالنسبة إلى المقامات ،
فقد يُرمَى بعضُ العارفين بالتفويض أو الغلو لعدم تحمّل الآخرين سماع تلك المقامات
، وقد تستغلّ تلك المقامات وتُعطَى للاخرين زورا وبهتانا ، كل هذه الأمور جعلت من
الغلو والمعرفة سلاحا ذا حدَّين ، وخلاصة كلامنا هو : إنّ فكرة الغلو لا تختص بها
الشيعة ، فهناك فرق ومذاهب فيها اتّجاهات مغالية كذلك.
فقد روى ابن
الجوزي في مناقب أحمد ، قال : حدّثني أبو بكر بن مكارم ابن أبي يعلى الحربي ـ وكان
شيخا صالحا ـ قال : قد جاء في بعض السنين مطر كثيرا جدّا قبل دخول رمضان بأ يّام ،
فنمت ليلة في رمضان ، فرأيت في منامي كأ نّي جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن
حنبل أزوره ، فرأيت قبره قد التصق بالأرض مقدار ساف ـ أي صف من الطين أو الَّلبِن
ـ أو سافين ، فقلت : إنّما تمّم هذا على قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث ، فسمعته
من القبر وهو يقول : لا بل هذا من هيبة الحقّ عزّوجلّ قد زارني ، فسألته عن سرّ
زيارته إيّاي في كلّ عام ، فقال عزّ وجلّ : يا أحمد لأ نّك نصرت كلامي فهو يُنشَر
ويُتلى في المحاريب.
فأقبلت على لحده
اُقبّله ، ثمّ قلت : يا سيّدي ما السرّ في أنّه لا يُقَبَّل قبرٌ إلاّ قبرك؟
فقال لي : يا
بُنيّ ليس هذا كرامة لي ولكن هذا كرامة لرسول اللّه 6 ، لأنّ معي شعرات من شعره 6 ، ألا ومَن يحبّني يزورني في شهر رمضان ، قال ذلك مرّتين .
وقال ابن الجوزي
في ( الياقوت في الوعظ ) : إنّ اللّه خصّ أبا حنيفة بالشريعة والكرامة ، ومن
كرامته أنّ الخضر 7 كان يجيء إليه كل يوم وقت الصبح ، ويتعلّم منه أحكام
الشريعة إلى خمس سنين ، فلمّا توفي أبو حنيفة ، دعا الخضر 7 ربّه
__________________
فقال : يا رب إن
كان لي عندك منزلة فَأْذَن لأبي حنيفة حتّى يعلّمني من القبر على عادته ، حتّى
أعلّم الناس شريعة محمّد 6 على الكمال ليحصل
لي الطريق ، فأجابه ربّه إلى ذلك ، وتمّت للخضر 6 دراسته على أبي حنيفة وهو في قبره في مدّة خمسة وعشرين سنة
.
وقد حدّث المقدسي
في ( أحسن التقاسيم ) دخوله إلى أصفهان بقوله : وفيهم بَلَهٌ وغلوٌّ في معاوية ، ووصف
لي رجل بالزهد والتعبّد ، فقصدته وتركت القافلة خلفي ، فبتّ عنده تلك الليلة ، وجعلت
أسائله إلى أن قلت : ما قولك في الصاحب؟ فجعل يلعنه.
قلت : ولِمَ؟
قال : إنّه أتى
بمذهب لا نعرفه.
قلت : وما هو؟
قال : إنّه يقول
أنّ معاوية لم يكن مرسلاً.
قلت : وما تقول
أنت؟
قال : أقول كما
قال اللّه عزّوجلّ : ( لا
نُفرِّقُ بينَ أحدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) ، أبو بكر كان مرسلاً ، وعمر كان مرسلاً ، حتّى ذكر
الأربعة ، ثمّ قال : ومعاوية كان مرسلاً.
قلت : لا تفعل ، أمّا
الأربعة فكانوا خلفاء ، ومعاو ية كان مَلِكا ، وقال النبيّ 6 : « الخلافة بعدي إلى
ثلاثين ثمّ تكون مُلكا » فجعل يُشنّع عليَّ ، وأصبح يقول للناس : هذا رجل رافضيّ.
قال المقدسي : فلو
لم أهرب وأدركت القافلة لبطشوا بي .
وعليه إنّ القول
باختصاص الشيعة بالغلوّ دون الآخرين فيه مجازفة وبهتان
__________________
وابتعاد عن
الحقيقة والواقع.
نعم ، توجد مجموعة
مغالية دسّت نفسها بين الشيعة ، واُخرى مالت إلى التفويض ، وعندما أراد الإمام
عليّ إحراق الغلاة ، خنقا بالدخان ، قالوا : هذه من وظائف الرب ، إذ لا يعذب
بالنار إلاّ ربّ النار . لكنّ الأئمة كانوا يعارضون تلك الأفكار الفاسدة ويصحّحون
لمن التبس الأمر عليهم ، ويَدعونهم إلى الجادة الوسطى.
فعن الإمام الباقر
7 أنّه قال : إنّ عليّا لمّا فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزطّ
فسلّموا عليه وكلّموه بلسانهم ، فردّ عليهم بلسانهم ، ثم قال لهم : إنّي لست كما
قلتم أنا عبداللّه مخلوق ، فأبوا عليه وقالوا له : أنت هو.
فقال لهم : لئن لم
تنتهوا وترجعوا عما قلتم فيّ وتتوبوا إلى اللّه عزّوجلّ لأقتلنّكم ، فأبوا أن
يرجعوا ويتوبوا ، فأمر أن يُحفَرَ لهم آبار ، فحفرت ، ثمّ خرق بعضها إلى بعض ثمّ
قذفهم [ فيها ] ، ثمّ خَمَّر رؤوسها ، ثمّ أُلِهبت النار في بئر منها ليس فيها أحد
منهم ، فدخل الدخان عليهم فيها فماتوا .
وروي عن الإمام
الرضا 7 أنّه قال في جواب من سأل عن معنى ( غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّآلِّينَ ) : بأنّ من تجاوز
بأميرالمؤمنين العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين.
__________________
ثمّ راح الإمام
يصف ربَّ العالمين ، فقال الرجل : بأبي أنت وأمّي يا بن رسول اللّه ، فإنّ معي من
ينتحل موالاتكم ويزعم أنّ هذه كلّها صفات عليّ 7 ، وأنّه هو اللّه
ربّ العالمين.
قال : فلمّا سمعها
الرضا 7 ارتعدت فرائصه وتصبّب عرقا ، وقال : سبحان اللّه سبحان اللّه عمّا يقول
الظالمون ، والكافرون ، أو ليس كان عليّ 7 آكِلاً في الآكلين ، وشارِبا في الشاربين ، وناكحا في
النّاكحين ، ومُحْدِثا في المحدثِين؟ وكان مع ذلك مصلّيا خاضعا بين يدي اللّه
ذليلاً ، وإليه أوّاها منيبا ، أفمن كان هذه صفته يكون إلها؟!
فإن كان هذا إلها
فليس منكم أحد إلاّ وهو إله ، لمشاركته له في هذه الصفات الدالاّت على حدث كلّ
موصوف بها ...
فقال الرجل : يابن
رسول اللّه إنّهم يزعمون أنّ عليّا لمّا أظهر من نفسه المعجزات الّتي لا يقدر
عليها غير اللّه تعالى دلّ على أنّه إله ، ولمّا ظهر لهم بصفات المحدَثِين
العاجزين لبّس بذلك عليهم وامتحنهم ليعرفوه ، وليكون إيمانهم به اختيارا من أنفسهم.
فقال الرضا 7 : أوّل ماههنا
أنّهم لا ينفصلون ممّن قَلَبَ هذا عليهم فقال : لمّا ظهر منه الفقر والفاقة دلّ
على أنّ مَن هذه صفاته وشاركه فيها الضعفاء المحتاجون لا تكون المعجزات فعله ، فعلم
بهذا أنّ الّذي ظهر منه من المعجزات إنّما كانت فعل القادر الّذي لا يشبه
المخلوقين ، لا فعل المحدَث المحتاج المشارك للضعفاء في صفات الضعف ...
ثمّ قال الرضا 7 : إنّ هؤلاء
الضُّلاّل الكفرة ما أُتُوا إلاّ من جهلهم بمقادير أنفسهم حتّى اشتدّ إعجابهم بها
، وكثر تعظيمهم لما يكون منها ، فاستبدّوا بآرائهم الفاسدة ، واقتصروا على عقولهم
المسلوك بها غير سبيل الواجب ، حتّى استصغروا قدر اللّه ، واحتقروا أمره ، وتهاونوا
بعظيم شأنه ، إذ لم يعلموا أنّه القادر
بنفسه ، الغنيّ
بذاته الّذي ليست قدرته مستعارة ، ولا غناهُ مستفادا ، والّذي من شاء أفقره ، ومن
شاء أغناه ، ومن شاء أعجزه بعد القدرة وأفقره بعد الغنى.
فنظروا إلى عبدٍ
قد اختصّه اللّه بقدرته ليبيّن بهذا فضله عنده ، وآثره بكرامته ليوجب بها حجّته
على خلقه ، وليجعل ما آتاه من ذلك ثوابا على طاعته ، وباعثا على اتّباع أمره ، ومؤمنا
عباده المكلّفين مِنْ غلط مَنْ نصبه عليهم حجّة ولهم قدوة ...
بلى ، إنّ
الكرامات التي ظهرت من الأئمّة هي التي دعت هؤلاء أن يغلوا فيهم ، لأ نّهم لم
يكونوا أُناسا عاديين ، لأنّ اللّه قد منحهم وأعطاهم أشياءً لم يعطها لآخرين ، فتصوّروا
أنّها من فعلهم على نحو الاستقلال ، في حين أنّ هذه الامور لم تكن من فعلهم على
وجه الاستقلال ، بل هي فعل القادر المتعال ، الذي لا يشبه فعله فعل أحد من الناس.
فتصوّروا أنّهم آلهة في حين أنّهم ( عِبَادٌ
مُكرَمُون
* لا
يسبِقُونَه بَالقَولِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعمَلُونَ ) .
وأمّا أهل التفويض
فإنّهم لا يذهبون إلى كون النبيّ أو الإمام إلها كالغلاة ، لكنّهم يضفون عليه بعض
صفات الأُلوهيَّة ، كالخالقية والرازقية والغافرية وتدبير أمر الخلق وما شابه ذلك
على نحو الاستقلال.
فالغلاة كفرة ، والمفوِّضة
مشركون ، والغلاة حسب تعبير الأئمّة : يصغّرون عظمة اللّه ويدّعون الربوبية لعباد
اللّه ، والمفوِّضة ليسوا بأقلّ من أُولئك.
__________________
الشهادة الثالثة بين
التفويض والتقصير
لا يسعنا إلاّ أن
نؤكّد أنّ ثمة صراعا قد حدث بين بعض المحدِّثين والمتكلّمين في هذه المسألة في
العصور اللاحقة ، حيث نسب المحدّثون بعض الأُمور إلى أنّها نحوُ من أنحاء الغلوّ ،
في حين ذهب المتكلّمون إلى أنّ عدم الاعتقاد بها من التقصير بمقامات هؤلاء الخُلّص
من عباد اللّه ، وليست هي من الغلو والتفويض في شيء ، لكونها ، ليست إلاّ ملكات
خاصة أعطاها اللّه للنبي والأئمة المعصومين من ذريته ، وقالوا للآخرين : إنّ ما
تقفون عليه في بعض الأخبار ما هو إلاّ ذرّة من بحر ، وحيثما لا يمكنكم استيعاب ما
منح اللّه للمعصومين من أشياء في عالم الوجود والخلق ، أنكرتموها وقلتم أنّها
موضوعة أو ضعيفة .
إنّ الصراع الدائر
بين بعض المحدِّثين من جهة ، وبعض المتكلّمين من جهة أُخرى ، حول مسألة الغلو
والتفو يض ، تعود إلى القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث ، وهو ليس بالأمر
الهيِّن ، إذ يمتاز بالعمق والحسَّاسية ، ولا ينبغي التعامل معه بهامشيّة ، والبحث
فيه بحاجة ماسَّة إلى دراسة مستفيضة لمدرسة القميّين والبغداديين الكلامية ، ثمّ
الإشارة إلى المعايير الرجالية في الجرح والتعديل عندهما ، وبيان حدود وخصائص كلّ
واحد منهما على انفراد.
وذلك لأنّ جملة
الشيخ الصدوق ; في الشهادة الثالثة : « والمفوّضة لعنهم اللّه قد وضعوا اخبارا
وزادوا في الأذان » يجب النظر إليها بشيء من التحليل مع بيان ملابسات الظروف المحيطة به عند
بياننا لكلامه ;.
فهل هذه المفردة
هي من وضعهم حقّا ، أم أنّه ادَّعاء ، إذ أنّهم عملوا بشيء صحّ صدوره أو تقريره عن
الشارع المقدس ، فاتُّهِموا بالوضع؟
مما لا شكّ فيه
أنّهم لو قالوا في أذانهم : أشهد
أن عليّا محيي الموتى ورازق
__________________
العباد ، وأشباههما لصحّ كلام الصدوق ; ، لكنّ الحال لم
يكن كذلك.
فكل ما نقف عليه
هو الشهادة بالولاية والإمرة لعلي ، وهذا بنحو عام يقبله الجميع ولا يختلف فيه
اثنان ؛ فالاختلاف والبحث وقع في معناها الخاص وورودها أو عدم ورودها في خصوص
الأذان.
بل ما الذي
يستفيده المفوّضة من وضع هكذا أخبار :
١ ـ محمد وآل محمد
خير البرية.
٢ ـ عليٌّ أمير
المؤمنين حقا.
٣ ـ عليٌّ ولي
اللّه.
فهل نَقْلُ هكذا
روايات تساعدهم لإثبات فكرة التفويض؟ وهل فيها ما يثبت بأنّ اللّه قد فّوض أمر
الخلق إلى عليٍّ وأولاده المعصومين؟
فلو كان في هذه
الجمل ما يدل على التفويض ، لكان لقائل أن يقول أنّ الشهادة للنبي بالرسالة هو
الآخر من علائم التفويض؟ لان فيه جعله أمينا على الرسالة؟
ولو صحّ كلام
الصدوق ; فلماذا لا تكون الروايات الاُخرى ـ والتي أفتى بها هو ، وما جاء في
الكتاب المنسوب إلى والده في دعاء التوجّه إلى الصلاة ، والتشهد والتسليم ، وخطبة
الجمعة ، وكلّها فيها ما يدلّ على الإقرار بالشهادة بالولاية ـ هي من وضع المفوّضة؟
إنّها تساؤلات يجب
بحثها لاحقا بكلّ هدوءٍ وتروِّ ، مراعين التجرّد والإنصاف.
وممّا يؤسف له
حقّا أنّ بعض الكتّاب الجُدُد أرادوا الخدش والطعن في بعض الروايات الصحيحة
المعتبرة ، باتّهام رواتها بالغلوّ والتفو يض والوضع ؛ لأ نّهم رووا بعض العقائد
التي لا تتحملها عقولهم ، جريا مع من سبقهم ، في حين أنّ
__________________
بيان هكذا مقامات
لهؤلاء العباد المخلصين لا تقتصر على الشيعة ، فثمّة مجموعة لا يستهان بها من
الفرق الاُخرى كأتباع ابن العربي أو غيره ، لهم عقائد في الأولياء والصالحين ، قد
يعدّها من يخالفهم غلوا ، وهم يروون نصوصا يستدلّون بها على عقائدهم ، ولو رجعت
إلى كتب الصوفية لرأيتهم يعتبرون آل البيت هم الأقطاب والأولياء الحقيقيين لهذه
الأمّة.
نحن لا نريد أن
نصحّح أعمال الصوفية أو أن نوحي بأ نّا مؤمنون بها ، بقدر ما نريد الإشارة إليه من
سموّ مكانة هؤلاء الأئمة المنتجبين الصالحين عند جميع المسلمين.
ولا يخفى عليك بأن
بعض الكُتَّاب ذهبوا إلى أنَّ ما رواه الصدوق « خُلِقُوا من فضل طينتنا » وما يشـابهها ، ما
هي إلاّ من وضع المفوّضة!
إنَّ إثبات صحّة
أو بطلان مثل هذه العقائد بحاجة إلى دراسة شاملة ، لأ نَّه ليس من الصواب الانصياع
إلى حكم عائم كهذا دون مراجعة مجموعة أقوال المعصومين ، فالعقل يدعو إلى تبيان
الدليل في حال نسبة هذا العمل إلى المفوّضة وذاك إلى الغلاة ، وإلاَّ فالأمر سوف
لا يتعدَّى سياق المهاترات ، والحال هذه.
لقد أكدنا قبل
قليل بأن اللّه اصطفى واجتبى بعض عباده ، وأنّ علم الغيب يختص به تعالى ، لكنّه
منح ذلك لمن ارتضاهم ، لقوله : ( عَالِمُ
الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن
رَّسُولٍ ) ، وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ
لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن
يَشَآءُ ) .
__________________
وقد أعطى بالفعل
لوطا وسليمان وداود علما ، وهو سبحانه القائل : ( وَعَلَّمْنَاهُ
مِن لَّدُنَّا عِلْما ) .
وقال سبحانه : ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ
عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) ، وقال سبحانه : ( وَلَقَدْ
ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) .
وكلّ ذلك يوصلنا
إلى أنّ اللّه سبحانه قادر على أن يعطي علمه للأنبياء والأوصياء والصالحين من
عباده ، وحتى أنّه يمكنه أن يعطيها لبعوضة ، والأنبياء والأئمّة هُم أكرم
عنداللّه من بعوضة ، وقد اعطى هذا العلم بالفعل لكثير من الأنبياء والأوصياء
وعباده المصطفين.
وعليه ، فإنّ ما
قلناه هو إعلام من اللّه وليس عِلْمَ غيبٍ استقلاليّا كما يتخيّله بعض الناس ، وهو
ليس شرطا في نبوتهم أو إمامتهم ، بل هو لطف من اللّه تعالى في طاعتهم.
فقد قال بعض أصحاب
الإمام علي 7 له : لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب.
فضحك 7 ، وقال للرجل
وكان كلبيا : يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب ، وإنّما هو تَعَلُّمٌ من ذي علم ، وإنّما
علم الغيب علم الساعة وما عَدَّدَ اللّه سبحانه بقوله ( إِنَّ اللّهَ عِندَهُ
عِلْمُ السَّاعَةِ ) ... فيعلم سبحانه
ما في الأرحام من ذكر وأنثى ،
__________________
وقبيح أو جميل ، وسخيّ
أو بخيل ، وشقي أو سعيد ، ومن يكون في النار حطبا ، أو في الجنان للنبيين مرافقا ،
فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلاّ اللّه ، وما سوى ذلك فعلم عَلَّمهُ اللّه
نبيَّهُ فعلَّمنيه ، ودعا لي بأن يعيه صدري ، وتضطَّم عليه جوانحي .
وقد أكّد نبيّ
اللّه هود لقومه بأ نّه ليس عنده خزائن اللّه ولا يعلم الغيب ولا يقول أنّه ملك
، كما في قوله تعالى : ( وَلاَ
أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ
إِنِّي مَلَكٌ ) .
وقد قال عيسى
لقومه : ( أَنِّي أَخْلُقُ
لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرَا
بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الاْءَ كْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى
بِإِذْنِ اللّهِ وأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) .
فإذا كان بين
البشر من يطلعه اللّه على الغيب ، ويحيي الموتى ويُبرئُ الأكمه بإذنه ، فهو إعلام
من اللّه للناس بذلك ، وفضل منه إليه ، فلا غرابة أن يكلّم النبيُّ أو الإمامُ
الحيوانات بفضل اللّه كما في نبي اللّه سليمان 7.
وما جاء في الكشي
عن الفضل بن شاذان من أنّه كان ينكر
علم الإمام بضمائر الناس وتكلّمه مع الحيوانات بلغاتهم وغيرها ، إنّما كان إنكارهم
لعلمهم بتلك الأمور على نحو الاستقلال لا من باب اللُّطف والفضل ، فإنّ هذا ممّا
لا يمكن لأحد إنكاره.
وعليه فلا يستبعد
أن يكون هؤلاء الأئمّة هم الذين يحيون الموتى ويطّلعون
__________________
على ضمائر الناس ،
لكن لا على نحو الاستقلال ، ولا من باب استجابة الدعاء الذي يلحظ للصالحين
والأبرار من عباد اللّه ، بل لأنَّ مرتبتهم المفاضة فوق تلك المراتب ، وإن اللّه
تعالى يمكنه أن يسلبهم ما أفاض عليهم بطرفة عين ؛ لأ نّه منبع القدرة ، ولا إله
غيره.
وفي الجملة : إنّا
لا ننكر وجود الغلاة والمفوّضة بين عموم المسلمين ، ولكنْ ما هو الدليل على أنّ
الروايات الفلانية هي من وضعهم؟ وكيف يتسنَّى لنا معرفة كون هذا القول أو العمل أو
ذاك من الغلوّ والتفويض ، أو ليس منهما؟ فهذه مسألة حسّاسة ، وليس من الصحيح ما
يعمله البعض من إلصاق الحديث الفلانيّ بابن سبأ والسبئيّة وأنّه موضوع ، مع أنّه ثابت
في الأصول الحديثية ، فالوصاية لعلي ، والرجعة وغيرها من العقائد الإسلامية الحقّة
هي ثابتة بالقرآن والسنة ، ولا يمكن نفيها بدعوى أنّها قر يبة لأفكار ابن سبا
المزعوم. كلّ ذلك دون امتلاك أيّ دليل أو حجَّة قاطعة عليه.
إنّ المتحاملين
بنوا صرح مواقفهم المضادّة ضدّ الشيعة والتشيُّع على شفا جرف هار من الادّعاءات
والتخرّصات التي تطلق على عواهنها ، في حين أنَّ نظرة الشيعة مخالفة لتلك الأمور
الملصقة بهم تماما ، إذ أقوالهم وعقائدهم مبتنية على الذكر الحكيم ، والسنة
المطهرة ، والعقل السليم ، والإجماع ، والتاريخ الصحيح ، فصحيح أنّهم يقولون : قال
جعفر بن محمد الصادق ، لكن الإمام 7 لا يتقاطع مع القرآن « فعلي مع القرآن والقرآن مع علي » ، والأئمة من ولده
هم عدل القرآن كما في حديث الثقلين ، فلا يقولون بشيء يخالف آيات القرآن الكريم ، وما
أقرّته وصدَّقته السُّنَّة النبو يَّة ، وإنّ منهجيّة أهل بيت النبوّة كانت مبتنية
على هذه الأُصول ، ولذلك فإنّ الإمام محمد بن علي الباقر ، والإمام جعفر بن محمد
الصادق وباقي الأئمة أمروا شيعتهم بعرض ما يدّعى أنّه كلامهم على الكتاب العزيز
فما
وافقه أخذوا به
وما خالفه طرحوه ، وقالوا : ما خالف كتاب اللّه فهو زخرف . وهذا منهج يقبله
العقل والفطرة السليمة.
وعليه ، فالشيعة
ترفض الأقوال العائمة من قبل المغرضين أيا كان قائلها ، لأ نّها لا تسـتند إلى آية
مباركة أو حديث صحيح أو عقل عملي أو اجماع محصَّل.
وإذا كنّا نريد
التعامل مع البحث بموضوعيّة فلابدّ من النظر إليه وفق الأُصول الشرعيّة ، لأ نَّه
لا يمكننا القول بإنّ كلَّ ما رواه وعمل به الغلاة فهو من وضعهم حتّى لو كان له
أصل في القرآن أو السنة!
لقد كان للغلاة
والمفوّضة وجود ، في عصر الأئمّة ثم من بعدهم ، وكان المحدِّثون القميّون ـ تبعا
لأئمتهم ـ يخالفونهم بشدّة ، ويصرُّون على عدم نقل أيّ حديث أو رواية عنهم ، ويأسفون
لوجود طائفة من الروايات منقولة عنهم ، حتّى وصل الأمر بأهل قم أن يخرجوا من
مدينتهم عدَّة من جهابذة الحديث المعتبرين ، كأحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ ـ
صاحب كتاب المحاسن ـ لروايته أحاديث لا تحتملها عقولهم ، في حين نرى تلك
الروايات منذ ذلك اليوم مدوّنة في كتبنا المعتبرة كالكافي ، والتهذيب ، ودَلَّ على
صحتها القرآن والسنة.
إذا ينبغي دراسة
هذه المسألة وما يماثلها بدقّة ، لنرى ما هو مدى صواب موقف الأعلام القمّيّين في
تخطئة هؤلاء ، وهل حقا أنّهم من الغلاة أو المفوّضة أم لا؟ ولو بحثت عن ترجمة سهل
بن زياد مثلاً ، أو حسين بن عبيد ، أو أبي سهيل محمّد بن عليّ القرشيّ ، وآخرين
ممَّن طُعِنُوا في اعتقاداتهم بالتفو يض أو الغلوّ ،
__________________
كأبي جعفر محمّد
بن أُرومة القمّيّ ، لرأيت أن تجريحهم لأولئك يبتني على أُمور أثبت التحقيق أنّها
باطلة.
ونموذج ذلك أنّهم
كانوا يتعقَّبون ( ابن أورمة القمي ) وأمثاله كي يقتلوه ، اعتقادا منهم بأ نّه
كغالب الغلاة والمفوّضة الذين لا يُؤَدُّون الصلاة ، ولكن حين أتوا إليه ورأوه
يؤدي الصلاة تركوه وشأنه ، ووقع مثل ذلك في غير ابن أورمة ، حيث كانوا يتّهمونهم
بالغلوّ والتفويض ، لكنهم إذا رأوا صـلاتهم وعبادتهم ، رجعوا عن ذلك الاتّهام
وتركوهم وشـأنهم .
وعلى هذه الحالة
والمِنوال اتُّهمَت طائفة بالتفو يض وأُخرى بالغلو تبعا لمتبنَّياتٍ خاطئة ، وربّما
كان بين أُولئك من يعتقد بعض الاعتقادات الخاصّة ، ولكن ليس بذلك الحدّ الذي
يستحقّون فيه تلك الشدَّة من تعامل القمّيّين معهم أو إخراجهم من المذهب ، لأنَّ
اعتقاداتهم تلك يقرّها ـ أو لا تنافي ـ القرآن والسنة المطهرة ، فكيف يجوز والحال
هذه إخراجهم من المذهب ، وعلى الأخص إذا علمنا أنّ عقائدهم تلك لم تكن في حدود
الغلوّ أو التفويض ، بل من المعرفة والإيمان ، وهؤلاء الرجال وقعوا بين مطرقة
الإفراط وسندان التفر يط ، ولكنّ شدّة حساسية القميّين إزاء هذا الموضوع جعلتهم
عرضة لأُمور قد أثّرت على تاريخهم وحياتهم فيما بعد. والآن مع دراسة منهج القمّيين
والبغداديين في العقائد وبيان نماذج من أُصول الجرح والتعديل عندهم.
__________________
٢ ـ منهج القميين والبغداديين في العقائد والرجال
بغداد وقم مدينتان
مستحدثتان بنيتا في العهد الإسلامي ، إذ بنى المنصور ( ١٣٦ ه ـ ١٥٨ ه ) بغداد
عام ١٤٤ ه بعد أن كانت سوقا للاديرة التي حولها ، ونقل عن الإمام علي 7 أنّه قد مر بها
لما رجع من وقعة الخوارج كاشفا فيها عن العين التي نبعت لمريم 3 .
وارتباط بغداد
بالتشيع قديم قِدَم وجودها ، ونزول الإمام علي فيها مرجَعهُ من النهروان ، وقد نما
فيها التشيع وازدهر عند قيام الدولة العباسية واطمئنان الشيعة في بادئالأمر ، ثم
ترسّخ فيها التشيع عند حلول الإمام الكاظم 7 والإمام الجواد 7 في الكرخ ، مضافا إلى قربها من النجف وكربلاء حيث فيها
الإمام علي والإمام الحسين 8 وسامراء التي شرفت بالعسكريين 8 ، ولوجود النواب
الاربعة فيها إلى غير ذلك من السمات والمميزات التي اختصت بها بغداد دون غيرها.
وأما قم ، فقيل :
إنّها مصّرت قبل ذلك التاريخ عند فتح الجبل وإصفهان ، إذ كان سعد بن عامر الاشعري
مع أبي موسى الاشعري في تلك الغزوة ، فبقي سعد بن عامر في منطقة الجبل ـ والتي
كانت من ضمنها مدينة قم الحالية ـ مع أولاده ، وهؤلاء توالدوا مع القادمين والسكان
الاصليين ، وقيل : إنّها مُصِّرت في أيّام الحجّاج بن يوسف الثقفي سنة ٨٣ ه بعد
أن اخفقت ثورة عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث بن قيس على الحجّاج ، فرجع عبدالرحمن
إلى كابل منهزما ، وكان معه في جيشه خمسة أخوة من أولاد سعد بن عامر الأشعري وقعوا
إلى ناحية قم
__________________
واستوطنوها ، واجتمع
إليهم بنو أعمامهم والهاربون من جور بني أُمية.
وكان كبير هؤلاء
الأخوة : عبداللّه بن سعد ، وكان لعبداللّه ولد قد تربّى بالكوفة ، فانتقل منها
إلى قم وكان إماميا ، وقيل عنه أنّه هو الذي نقل التشيع إلى قم .
وهناك أقوال أُخرى
في تمصير قم ، لا نرى ضرورة لذكرها.
والأشعريون هم قوم
من أهل اليمن من ولد نبت بن أُدد ، سُمِّي بالأشعر لأنّ أُمه ولدته وهو أشعر ، منهم
رجال كثيرون ، كالصحابي أبي موسى الأشعري.
وقد ذكر النجاشي
في رجاله اسم خمسة وثلاثين رجلاً ـ من ضمنهم ستة عشر من أصحاب الأئمّة : الصادق ، والكاظم
، والرضا ، والجواد ، والهادي ، والعسكري : ـ كلّهم من أهل قّم ، وغالبهم من الأشعريين.
فالقمّيّون كانوا
على اتّصال بأئمّة أهل البيت وراوين لآثارهم ، وقد وردت روايات كثيرة عنهم : في مدح قمّ
واهلها وأنّها من البلدان التي سبقت إلى قبول الولاية ، وأنّها عشّ آل محمد ومأوى
شيعتهم ، وأنّه إذا عمّت البلدان الفتن فعليكم بقمّ وحواليها فإنّ
البلاء مدفوع عنها ، وأنّ الملائكة لتدفع البلايا عن قم وأهلها ، وما قصدها
جبّار بسوء إلاّ قصمه قاصم الجبّارين ، وأنّه لولا القمّيّون لضاع الدين ، وأنّ قمّ بلدنا
وبلد شيعتنا ، وغيرها من
الروايات.
إن مفاخر أهل قمّ
كثيرة منها : أنّهم وَقَفُوا المزارع والعقارات على الأئمّة ، وهم
__________________
أوّل من بعثوا
الخمس إليهم ، وأنّ الأئمّة أكرموا جماعة منهم بالهدايا والأكفان ، كأبي جرير
زكريا بن إدريس ، وزكرّيا بن آدم ، وعيسى بن عبداللّه بن سعد وغيرهم ممن يطول
بذكرهم الكلام ، وهذا فضل لا يحصل عليه إلاّ المؤمنون المخلصون .
وقد كانت قم
لتشيّعها الأصيل واستعصائها على الأمويين والعباسيين خير مأوى للطالبيين وغيرهم من
المجاهدين.
ولا يخفى عليك
بأنّ إحدى سمات الفكر الشيعي هي عدم ارتضائه جور السلطان وذهابه إلى وجوب الخروج
عليه أمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر عند تهيّؤ الظروف ، بخلاف الآخرين
الذين يحرّمون الخروج على السلطان الجائر حتّى ولو كان ظالما فاسقا ، وقد جاء في
تاريخ قم أنّهم كانوا لا يسمحون للولاة الظلمة أن يستقرّوا في البلدة ، فكان
الولاة يحكمونها من الخارج .
وقد ذكرت كتب
السير والتواريخ بعض أخلاقيّاتهم ، وأنّهم كانوا يماطلون الحكومة في إعطاء الخراج
، حتى قيل عنهم أنّهم طلبوا من المأمون أن يقلل نسبة الخراج عنهم كما فعل مع أهل
الري ، لكنّه ردّ ذلك ، فامتنعوا من إعطائه الأموال ، وهو مما أَدَّى إلى إرسال
المأمون جيشه لمواجهتهم فخرّب الجيش السور وقتل الناس وكان من بينهم : يحيى بن
عمران وكيل الإمام الجواد هناك .
__________________
وعلل بعض الكُتّاب
تزويج المأمون ابنته من الإمام الجواد 7 لاجل الحدّ من ثورة القميّين عليه في مسألة الخراج.
ونقل مؤلّف كتاب « تاريخ قم » عن أحد ولاة قمّ قوله : إنّي وليت عليها لعدة سنوات ولم أر
إمرأة فيها ، وهذا دليل على عفّة نساء الشيعة في قمّ وشدّة غَيْرَة
رِجالها ، وهو يشبه ما جاء في كتاب ( آثار البلاد واخبار العباد ) عن المدائن وأن
أهلها فلاحون ، شيعة امامية ، ومن عادتهم أنّ نساءهم لا يخرجن نهارا أصلاً
وقريب من هذا الكلام ورد في نساء الشيعة في سجستان والديلم .
وقد روى الكليني
في الكافي خبرا يؤكّد على أنّ قمّ كانت معروفة ومشهورة بالرفض عند النّاس ، بعكس
همدان المعروفة بالتسنن .
وقد حكى السبكي في
الطبقات عن أبي سعيد الاصطخري ـ قاضي قم ـ أنّه ترك قمّ هاربا إلى همدان على أَثر
واقعة حدثت له ، وهي : أنّه مات بها رجل وترك بنتا وعمّا فتحاكموا إليه في الميراث
، فقضى على راي العامة ـ للبنت النصف والباقي للعم ـ فقال أهل قم : لا نرضى بهذا
القضاء ، أَعْطِ البنت كلّه ، فقال أبو سعيد : لا يحلّ هذا في الشريعة ، فقالوا :
لا نتركك هنا قاضيا ، قال : فكانوا يتسوّرون داري باللّيل ويحوّلون الأَسِرَّة عن
أماكنها وأنا لا أشعر ، فإذا أصبحت عجبت من ذلك.
فقال أوليائي :
إنّهمُ يُرُونَكَ أنّهم إذا قدروا على هذا قدروا على قتلك ،
__________________
فخرجت منها هاربا .
ومما يمكن أن
ننقله في هذا السياق كذلك هو تعليقة الوحيد البهبهاني على صحيحة الحلبي عن أبي
عبداللّه [ الصادق ] ، وما قاله لزكريا بن آدم ، إذ قال البهبهاني : إنّ أهل قمّ
ما كانوا مبتلين بذبيحة المخالف أصلاً حتّى تتحقق لهم التقية أو عسر رفع اليد عن الأكل ، لأنّ
ذبيحتهم كلّها كانت من الشيعة ، وهذا يعني أنّ كلّ أهلها كانوا شيعة.
قال المقدسي في « أحسن التقاسيم » : وأهل قم شيعة غالية . وقال الشريف الإدريسي : والغالب على أهل قم التشيع ، وأهل
قاشان الحشوية . وقال ابن الأثير الجزري : وهي بلدة بين إصفهان وساوة
كبيرة ، وأكثرها شيعة .
وممّا يمكن أن
يقال في سبب انتقال مدرسة أهل البيت من الكوفة وبغداد إلى قمّ هو الضغط الشديد
الذي كان يلاقيه فقهاء الشيعة وعلماؤهم من الحكّام الأمويّين والعباسيين في العراق
وغيرها ، وقد تغيّر الحال زمن البو يهيين ، فصارت بغداد ملتقى العلماء والمحدّثين
، فسافر إليها ابن داود القمّي ، وابن قولويه ، وابنا بابو يه ، والكليني وغيرهم
من أعلام المحدّثين.
هذا عرض سريع
لتاريخ هاتين المدينتين ، قم وبغداد ، ولابدّ من التمهيد إلى ما نريده بهذا الصدد
، وهل هنالك منهجان عند قدماء محدثي وفقهاء الشيعة أم هما منهج واحد يختلفان في
بعض النقاط؟
__________________
التشيّع في العراق
وقم
التشيع في اللّغة
هو المحبّة والموالاة والاتّباع لمنهج معيّن ، وكانت تطلق هذه الكلمة على شيعة علي
وشيعة عثمان ، ثم اختصت اللفظة بشيعة علي 7 ومؤ يديه والقائلين بامامته واتخذ العامّة في الأزمنة
اللاحقة مصطلحي ( الرفض ) و ( التشيع ) للتمييز بينهما ، فأطلقوا الأوّل على الذين
يقدّمون عليا على أبي بكر وعمر وعثمان مع اعتقادهم عدم استحقاق الشيخين وعثمان
للخلافة ، والثاني على الذين يقدّمون عليا على عثمان مع عدم مساسهم بالشيخين.
ففي « مسائل الامامة » : أن أهل الحديث في الكوفة ـ مثل : وكيع بن الجراح ، وفضل
بن دكين ـ يزعمون أنّ أفضل الناس بعد النبي أبو بكر ثم عمر ثمّ علي ثم عثمان ، يقدّمون
عليا على عثمان ، وهذا تشيّع أصحاب الحديث من الكوفيّين ويثبتون إمامة علي ...
بخلاف أصحاب الحديث من أهل البصرة الذين يقولون أن أفضل الأمة بعد النبي أبو بكر ثمّ
عمر ثم عثمان ثم علي ، ثم يساوون بين بقية أهل الشورى .
وقال الذهبي بعد
أن اتّهم محمد بن زياد ـ من مشايخ البخاري ـ بالنصب : « بلى ، غالب الشاميين فيهم
توقّف عن أمير المؤمنين علي 2 .. كما إنّ الكوفيّين إلاّ من شاء ربك فيهم انحراف عن
عثمان وموالاة لعلي وسلفهم شيعته وأنصاره ... ثم خلقٌ من شيعة العراق يحبّون عليّا
وعثمان ، لكن يفضّلون عليّا على عثمان ولا يحبّون من حارب عليا مع الاستغفار لهم ،
فهذا تشيّع خفيف .
وهو يشير إلى أنّ
التشيع ـ في الاعم الاغلب ـ في بغداد والكوفة لم يكن ولائيّا عصمتيا كما هو المصطلح
اليوم ، بل كان فيهم من يحب ، أبا بكر وعمر كذلك ،
__________________
وبذلك يكون تشيّع
أهل الحديث في الكوفة أعمّ من الولائي والفضائلي ، ولأجل هذا لم نَرَ أسماء بعض
هؤلاء الذين حسبوا على الشيعة في كتب رجال الشيعة.
وعليه فإنّ تشيّع
أهل العراق كان أعمّ من تشيع أهل قمّ الذي كان ولائيّا خالصا ، بمعنى أنّهم كانوا
يقولون بعصمة عليّ والأئمّة الأحد عشر من أولاده ومن أولاد رسول اللّه ، ولا
يرتضون أن يخالطهم من يخالفهم في العقيدة.
نعم ، قد اشتهر
القمّيّون بتصلّبهم في العقيدة وتشدّدهم على كلّ متهّم بالانحراف عنها ، وقد
توجّهوا في العصور الأُولى إلى التاليف في احوال الرواة ، واضعين أصول علم الرجال
والدراية انطلاقا من تلك الشدة حتى لا تختلط مرو يّات المنحرفين والمتّهمين بمرو
يّات الموثوقين من الشيعة ، المعتدلين في تشيعهم وعقائدهم.
فكانوا هم من
أوائل الجهابذة الذين رسموا أصول علم الرجال الشيعي ، ولو رجعت إلى ترجمة محمد بن
أحمد بن داود ( ت ٣٦٨ ه ) في «
الفهرست » للشيخ الطوسى
لرأيته قد ألفّ كتابا في الممدوحين والمذمومين . وهو من القميين.
وهناك كتاب آخر
للقميين في علم الرجال وهو للبرقي يسمى : « برجال البرقي » ، وهذا الكتاب سواء
كان لأحمد بن محمد البرقي ( ت ٢٧٤ ه ) ، أو لأبيه محمد بن خالد البرقي ، أو لابنه
عبداللّه بن أحمد ، فكلّهم قد عاشوا قبل الكشّي ( المتوفى في النصف الأول من
القرن الرابع الهجري ) ، والنجاشي ( ت ٤٥٠ ه ) ، والشيخ الطوسي ( ت ٤٦٠ ه ) ، وابن
الغضائري ( ت ٤١١ ه ) ، ومحمد بن الحسن أبي عبداللّه المحاربي ، وغيرهم ممّن نص
أصحاب الفهارس على أنّهم ألّفوا في أحوال الرجال في القرن الثالث أو الرابع الهجري.
__________________
وبعد هذا لنا الآن
أن نتساءل : لو كان هذا هو وضع بغداد وقم عقائديا ، فكيف يمكن أن ننسب الغلوّ
والتفو يض إلى البغداديين؟! مع ما عرفنا عنهم من أنّهم اقرب إلى العامّة مكانا
وفكرا ، وذلك لمخالطتهم لأفكار المعتزلة والمرجئة وغيرها من الأفكار السائدة آنذاك
في بغداد.
وفي المقابل كيف
يمكننا تصوّر التقصير في أهل قمّ؟! مع وقوفنا على كثرة المرويّ من قِبَلِهِمْ في
مقامات الأئمّة ، واهتمامهم المفرط بالأخذ عن الثقات. والتعريفُ بكتاب « بصائر الدرجات » لمحمّد بن الحسن بن فروخ الصفار القمّي ( ت ٢٩٠ ه ) من
أصحاب الإمام العسكري ، كافٍ لإعطاء صورة عن المنزلة المعرفيّة لأهل قمّ ، إذ قد
يتصور أن فكرة الغلوّ والتفويض هي أقرب إلى القميين من البغداديين ، وذلك لوضوح
الارتفاع في مرو ياتهم عن الأئمّة ، في حين أنّ الأمر ينعكس فيما يقال عن
البغداديين ـ أو قل عن غير القميين ـ أنّهم غلاة!!
فقد ذكر الصفار في
كتابه أحاديث كثيرة فيما أخذ اللّه من مواثيقَ لأئمّة آل محمد ، وأن رسول
اللّه والأئمّة يعرفون ما رأوا في الميثاق ، وأنّ اللّه خلق طينة شيعة آل محمد من طينتهم .
وقد روى كذلك ١٦
حديثا في أنّهم يعرفون رجال شيعتهم وسبب ما يصيبهم ، و ١٢ حديثا في أنّهم يحيون
الموتى ويبرؤون الأكمه والأبرص بإذنه تعالى ، و ١٩ حديثا في أنّ الأئمّة يزورون
الموتى وأنّ الموتى يزورونهم ، و ١٤ حديثا في أنّهم يعرفون متى يموتون ويعلمون ذلك
قبل أن يأتيهم الموت.
وفي علم الإمام
بمنطق الطير والحيوانات ذكر الصفار ٤٣ حديثا في ثلاثة
__________________
أبواب ، كان لأحمد
بن محمد البرقي ١٦ حديثا منها.
وأنّ الأعمال تعرض
على رسول اللّه 6 والأئمة : احياءً كانوا أم امواتا ، إلى غيرها من
الاخبار الدالة على المكانات العالية للأئمّة.
إنّ رواية هكذا
أحاديث معرفيّة في العترة المعصومة عن رواة من أهل قمّ يؤكد بأ نّهم كانوا
مستعدّين لقبول مقامات الأئمّة ونقلها وروايتها ، وأنّ ما رواه أحمد بن محمد
البرقي عن مشايخه ليؤكّد على تقبّل القميين لمثل هكذا أخبار ، وأنّها ليست بغلوّ
في اعتقادهم ، وهو الآخر يوضّح بأنّ إخراج أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري لأحمدَ بن
محمد بن خالد البرقي لم يكن لما طرحه من عقائد في كتابه بل لأمور أخرى ، كالقضايا
السياسية المطروحة آنذاك ، ولظروف التقية القاهرة التي كانت تحيط به ـ والتي سنوضح
بعض معالمها لاحقا ـ ولكونه هو الوحيد في مشايخ قمّ الذي كان له ارتباط مع السلطان
وان ابن عيسى بارتباطه بالحاكم كان يريد تقديم خدمة شرعية جليلة لمدينة قم ، وقد
حققها بالفعل.
والمطالع بمقارنة
بسيطة بين كتاب « بصائر
الدرجات » للصفار « والمحاسن » للبرقي يقف في كتاب البصائر على روايات أشدّ ممّا في
المحاسن ، فلماذا يُطِردُ أحمدُ بن محمد بن عيسى الأشعريُّ ، أحمد بن محمد
البرقيَّ ولا يطرد الصفارَ الّذي روى عن البرقي؟ لا يمكن الجواب عن ذلك إلاّ بما
قلناه الآن وبما سنوضحه لاحقا.
إنّ رواية
القميّين أحاديث عن المفضّل بن عمر ، ومحمّد بن سنان ، وسعد الإسكاف ، والنوفليّ ـ
المتهّمين بالغلوّ والتفو يض ـ بجنب الرجال الذين لا كلام فيهم من أصحاب الأئمّة ،
ليؤكّد أنّهم لم يختلفوا مع تلك الروايات وما جاء فيها
__________________
من افكار ، بل إنّ
اختلافهم كان لأصول رسموها لأنفسهم في الجرح والتعديل انطلاقا من حرصهم وتشدّدهم
المبرّر للحفاظ على تراث المذهب ، أو لظروف التقية التي كانوا يعيشون فيها ، وبعبارة
أخرى : خاف علماء قم من نشر الروايات التي يعسر فهمها على غير العلماء حتى لا
تترتب مفاسد علمية وعقائدية في المجتمع الشيعي ، لأن اساءة فهم هذه الروايات ، قد
يستغل من قبل اعداء المذهب للطعن فيه.
إذن المنع لم يكن
لبطلان تلك الاخبار أو لمخالفتها لأصول المذهب بل كان لاعلانها والجهر بها بين
عامة الناس ، أو لمخالفتها لاصولٍ لا يفهمون ابعادها فيسيئون فهمها ، ولاجل ذلك
ترى المحدثين كالصدوق والكليني رحمهما اللّه لم لم يتداولاها بشكل واسع في
مصنفاتهم وانحصرت ببصائر الدرجات وأمثال ذلك في العصور اللاحقة.
وعليه فإن أحمد بن
محمد بن عيسى الأشعريَّ لما أعاد البرقيَّ أراد أن يوقفنا على أنّ القرار كان
مقطعيا بتصور ان البرقي لم يتثبّت في نقل الرواية أو لأي شي اخر ، والان قد ارتفعت
، فقد ذكر السيّد بحر العلوم في رجاله والخوانساري في الرّوضات أن الاشعري مَشى
حافيا في جنازة البرقي كي يصحح موقفه وكي لا يلتبس الامر على الاخرين وغرضه من ذلك
قدسسره توثيق البرقي حتى لا تضيع رواياته التي هي معتمد المذهب ؛ وفي الوقت نفسه
التأكيد على حرصه على المذهب وخوفا من اساءة فهم النصوص أو استغلالها من قبل
المغرضين ، فإنه ; أراد التأكيد على امرين معا ١ ـ وثاقة البرقي ٢ ـ حرصه على
المذهب وخوفه من اساءة فهم نصوصه من قبل المغرضين والجاهلين. ولاجل ذلك لم تره
يطرد امثال الصفار بل اقتصر طرده على امثال البرقي ، ثم رجوعه عن ذلك ، كل ذلك من
اجل
__________________
الحيطة والحذر على
رواياتنا واحاديثنا.
كلّ هذا يدعونا
لأن نقف وقفةَ متأمِّل على غرار اصحابنا الرجاليين في أحكام القميين على الرواة والرواية
، وأن أحكامهم كانت مقطعية ولم تكن استمرارية لكلّ الأزمان ، ونحن بعملنا هذا نريد
أن ننتزع بعض تلك الأصول المتبنّاة عندهم ولا نريد ان نقول أنّها عامة وجارية في
كلّ المجالات ، لأ نّهم وحين جرحهم لأولئك الأُناس تراهم يذكرون العلة التي جرحوهم
من أجلها ، كالغلوّ ، أو روايته عن الضعفاء ، أو اعتماده المجاهيل وغيرها ، فلنا
أن نسأل عن تلك الجروح ، هل هي جارحة حقا أم لا؟ وما هو مدى اعتبارها ، وهل هي
أُصول معتبرة عندنا اليوم أم أنّها متروكة؟
وإنما قدمنا هذا
الكلام وأشرنا إلى هذه البحوث ، لنقف من بعد على بعض ملابسات كلام الشيخ الصدوق ; الآتي ، وما يمكن
ان يكون مستند القميين في جروحهم ، ولكن قبل كلّ شيء لابدّ من الاشارة إلى مبتنى
المدارس الفكرية في المجتمعات الإسلامية ومنها الشيعية الإمامية.
فهناك مدرستان عند
الشيعة الإمامية :
١ ـ مدرسة العقل ،
وهي المدعومة غالبا بالنقل ، فقد تواجدت في بغداد المعتزلة وتكاملت على يد الشيخ
المفيد والسيّد المرتضى والشيخ الطوسي 4 ومنه انتقلت إلى النجف ، والحلة ، وجبل عامل.
٢ ـ مدرسة النقل ،
وهي التي تاسست في المدينة المنورة لتنتقل إلى بغداد الأشاعرة وقم المحدّثين ، وكربلاء
الاخبارية في عهد الشيخ أحمد الاحسائي والشيخ يوسف البحراني ، وامثالهم ثم تحولها
إلى الاصولية في عهد الوحيد البهبهاني وصاحب الرياض وأمثالهم.
وبما أن بحثنا
يرتبط بشيء وآخر بالمحدّثين والمتكلمين ، فلابد من توضيح أمر يتعلق بالمحدثين من
الشيعة والسنة كذلك ، وأنّهم على قسمين :
قسم قصدوا حفظ
الشرع بمعرفة صحيح الحديث من سقيمه ، ولذلك رحلوا إلى الأمصار في سماع الحديث وجمع
طرقه وطلب الأسانيد العالية فيه ، دون التفقّه فيما يخالفها وكيفيّة الجمع بين
الروايات.
وقسم آخر :
المتفقهة ، وهم الذين أضافوا إلى جمع الحديث التدبّر فيه ومقايسته مع الأحاديث
الأُخرى وعرضه على القرآن الحكيم للوقوف على وجوه الجمع والتأو يل فيها.
وقد يسـمّى القسم
الأوّل من هؤلاء المحدّثين بالحشو ية ، لأ نّهم لا يتدبّرون في المتون بقدر ما
يتدبّرون في الأسانيد ، وقد يطلق على هؤلاء أحيانا ( المقلّدة ) و ( أصحاب الحديث
) و ( الأخباريون ) ، علما بأنّ لفظة ( الحشوية ) أُطلقت أوّلا على المحدثين من
العامّة وخصوصا الحنابلة منهم ـ وإن سعى ابن تيمية لإبعاد هذا اللقب عنهم ، لكنه لم يوفق
في عمله ـ ثم أُطلقت في الزمن المتأخرّ على بعض محدّثي الشيعة ، لروايتهم أحاديث
في التشبيه والتجسيم ، أو لنقلهم أحاديث ضعيفة في مسألة تحريف القرآن أو لنقلهم الغثّ
والسمين والذي عبّر عنهم الشيخ المفيد : أنّهم ليسوا بأصحابِ نظرٍ وتفتيش ولا فكر
في ما يروونه ولا تمييز .
وقال أيضا في
رسالة ( عدم سهو النبي ) : فليس يجوز عندنا وعند الحشوية المجيزين عليه السهو أن
يكذب النبي 6 متعمّدا ولا ساهيا .
__________________
وقد اتّبع السيّد
المرتضى أُستاذه في ردّ المحدثين فكتب رسائل في ذلك كرسالة الرد على أصحاب العدد ،
ورسالة في إبطال العمل بأخبار الآحاد ، واتّهم القميين كافّة بالتجسيم ، إذ قال :
أنّ القمّيّين
كلّهم من غير استثناء لأحد منهم ـ إلاّ أبا جعفر ابن بابويه ـ بالأمس كانوا
مشبِّهةً مجبِّرةً ، وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك وتنطق به ، فليتَ شعري أيُّ رواية
تخلص وتسلم من أن [ لا ] يكون في أصلها وفرعها واقفٌ ، أو غال ، أو قمي مشبهٌ ، والاختبار
بيننا وبينهم التفتيش ، ثمّ لو سَلِمَ خبرُ أحدهم من هذه الأُمور ، لم يكن راويه
إلاّ مقلدٌ بحت معتقدٌ لمذهبه بغير حجّة ودليل ....
وقد كتب العلاّمة
الفتوني العاملي المتوفى ١١٣٨ ه رسالة باسم ( تنزيه القمّيّين ) في جواب السيّد
المرتضى ، وقد طبعت هذه الرسالة في مجلة تراثنا ، العدد ( ٥٢ ) ، الرابع للسنة الثالثة
عشر / شوال ١٤١٨ ه.
وقد سمّى الشيخ
المفيد في الفصول المختارة هؤلاء الشيعة : ... جماعة من معتقدي التشيّع غير عارفين
في الحقيقة ، وإنّما يعتقدون الديانة على ظاهر القول ، بالتقليد والاسـترسال دون
النظر في الأدّلة والعمل على الحجّة ... .
ووصف الشيخ الطوسي
هؤلاء المقلّدة في أصول الدين ، بقوله : إذا سُئلوا عن التوحيد أو العدل أو صفات
اللّه تعالى أو صحّة النبوة قالوا : كذا رو ينا ، ويروون في ذلك كلّه الأخبار .
ومن خلال ما سبق
اتضح لنا وجود بعض التخالف بين منهج القمّيّين ومنهج البغداديّين في العقائد والفقه
ـ أو قل اختلاف المباني والسلائق بينهم ـ إذ ان المنهج الاول غالبا ما يعتمد على
الاحاديث تبعا لمشايخهم دون لحاظ ما يعارضه
__________________
بعمق ، وأمّا
المنهج الثاني يرى لزوم التدبر فيما يروونه بعمق ، والسـعي لرفع التعارض بين
الاخبار ، وخصوصا في المسائل العقائدية.
وبعبارة أُخرى :
إنّ القمّيّين قد يكونون أُصيبوا بردّة فعل ، بسبب الصراع بين عقيدتهم الصحيحة في
أهل البيت وبين نزعة الحشوية المتفشيّة عند بعضهم ـ أي نزعة الجمود على الأخبار ـ
وذلك لابتعادهم عن الحركة العقلية التي كان يحظى بها البغداديون في طريقة الجمع
بين الاخبار ، ولوقوفهم على أخبار دالّة على النهي من الأخذ بالرأي في الأحكام من
قبل الأئمّة ، فواجهوا مشكلة ، فمن جهة وقفوا على وجود هكذا أخبار في مرو يّاتهم ،
ومن جهة أُخرى وقفوا على نصوص أُخرى دالّة على شرعيّة الاعتماد على العقل ، وجواز
الاجتهاد في دائرة النصوص ، فاكتفوا بتوثيقات مشايخهم الثقات ووقفوا عليها ، فأخذوا
يتشدّدون في أخذ الأخبار إلاّ عن الثقات وما رواه مشايخهم ، خوفا من دخول الفكر
الأجنبي في صلب العقيدة. وخوفا من تزندق المتزندقة الذين يحاولون التشكيك بكل شيء
، إذ أن مصنفات الشيخ الصدوق قدسسره ناطقة ببراعته العقلية العظيمة ، وأنّه ; وكذلك مدرسة قم
هم أهل نزعة عقلية ظاهرة ممزوجة مع فهم روائي ، غاية الامر أنّ الظروف التي كانت
تحيط بهم تمنعهم من فتح هذا الباب على مصراعيه خوفا على المذهب.
أمّا البغداديون
فكانوا يرون لأنفسهم مناقشة النصوص تبعا لقول أئمتهم في لزوم عرض كلامهم على
القران والسّنّة المتواترة القطعيّة والعقل وترك ما يُخالف سيرة المتشرّعة ، فكانوا
لا يأخذون العقل دليلاً مستقلاً دون النص ، بل كانوا يفهمون النص على ضوء العقل ، وبذلك
صار القمّيّون ألصق بنزعة الحديث منها إلى نزعة العقل ؛ حفاظا منهم على تراث
العصمة وأنّه هو المقدم في عمليات الاستدلال والاستنباط باعتبار أنّ الظروف
المحيطة بهم آنذاك تدفعهم للوقوف بوجه من يريد الكيد بالمذهب الحق وتشو يه صورته.
وإليك الآن بيان
بعض تلك المسائل الخلافية التي يمكننا في ضوءها توضيح بعض المتبنيات الفكرية
للطرفين ، نطرحها كمحاولة في هذا المجال ولا ندعيها قواعد عامة واصول لا يمكن
تخطيها ، بل هي نقاط توصلنا إليها وفق التتبع الاولي لمواقفهم ومروياتهم ، مؤكدين
بأن البت في اُصول منهجهم لا يتحقق إلاّ بعد الاستقراء التام لمروياتهم وما قيل
عنهم ، وإليك تلك النقاط الثلاث.
١ ـ البغداديون
يأخذون بتوثيقات القمّيين لتشدّدهم ويتركون طعونهم لتسرعهم
اشتهر عن القمّيين
تشددهم في الأخذ عن الرجال ، جرحا وتعديلاً ، وقد ثبت عند علماء الرجال سنة وشيعة الأخذ بتوثيقات
المتشدّدين وعدم الاعتناء بطعونهم ، لأ نّهم يجرحون الرجال بأدنى كلمة ، فلو
ترضّوا على أحدٍ صار توثيقا له ، ودليلاً على سلامة معتقده ، وعليه يكون توثيقهم
قد جاء بعد الفحص الشديد والتنقيب العالي ، فمن اعتمده القميون فقد جاوز القنطرة .
هذا وقد عدّ
الرجاليون اعتماد القمّيّين وروايتهم عن شخص ، أحدَ أسباب المدح والقوة وقبول
الرواية .
قال النجاشي :
إبراهيم بن هاشم ، أبو إسحاق القمّي ، أصله كوفي انتقل إلى قم ...
وأضاف الشيخ في
الفهرست : وأصحابنا يقولون : إنه أوّل من نشر حديث
__________________
الكوفيين بقمّ ، وذكروا
أنّه لقي الرضا .
قال السيّد الخوئي
في المعجم : لا ينبغي الشك في وثاقة إبراهيم بن هاشم ويدل على ذلك عدة امور :
منها : أنّه أوّل
من نشر حديث الكوفيين بقمّ ، والقمّيّون قد اعتمدوا على رواياته ، وفيهم من هو
مستصعب في أمر الحديث ، فلو كان فيه شائبة الغمز لم يكن يتسالم على أخذ الرواية
عنه وقبول قوله .
ومثله الكلام عن
إبراهيم بن محمد الثقفي ، أبي إسحاق ( صاحب الغارات ) ، قال عنه المجلسي الأوّل في
شرح مشيخة الفقيه : أصله كوفيّ ، وانتقل أبو إسحاق هذا إلى إصفهان وأقام بها ، وكان
زيديّا أوّلاً ، ثمّ انتقل إلينا ، ويقال : إن جماعة من القميين ـ كأحمد بن محمد
بن خالد ـ وفدوا إليه وسألوه الانتقال [ إلى قم ] فأبى.
وكان سبب خروجه من
الكوفة أنّه عمل كتاب ( المعرفة ) وفيه المناقب المشهورة والمثالب ، فاستعظمه
الكوفيّون وأشاروا عليه بأن يترك الكتاب ولا يخرجه للناس ، فقال : أي البلاد أبعد
من الشيعة؟
فقالوا : أصفهان ،
فحلف : لا أروي هذا الكتاب إلاّ بها ، فانتقل إليها ، ورواه بها .
قال الذهبي في
ترجمة إبراهيم الثقفي : بَثَّ الرَّفْضَ ، وطلَبَهُ أهلُ قمّ ليأخذوا عنه فامتنع ،
ألّف في المغازي ، وخبر السقيفة ، وكتاب الردّة ، ومقتل عثمان ، وكتاب الشورى ، وكتاب
الجَمَل وصفّين ، وسيرة عليّ ، وكتاب المصرع وغيرها .
قال الوحيد
البهبهاني في تعليقته على منهج المقال : إنّ معاملة القميّين
__________________
المذكورة ربّما
تشير إلى وثاقته ، يُنَبِّهُ على ذلك ما يأتي في إبراهيم بن هاشم .
وقال التستري في
القاموس عن محمد بن عبداللّه الهاشمي : عنونه النجاشي قائلاً : له كتاب يرويه
القميّون ... وهو يدل على حسنه ، لأنّ مسلكهم التدقيق ، ولولا أنّ غرضه ذلك لما
خصّ روايته بهم .
هذا بعض الشيء عن
منهج الرجاليين في التعديل فتراهم يوثّقون شخصا لأ نّه « أول من نشر أخبار
الكوفيّين بقم » أو « أنّ أهل
قمّ دعوه » ، أو «له كتاب يرويه
القميون» ويعتبرون أمثال
هذه النصوص توثيقا لهؤلاء الرجال أو مشعرة بالتوثيق ، في حين أنّك لو رجعت إلى
أقوال الرجاليين كالكشي ، والنجاشي ، والشيخ ، وغيرهم فلا تراهم يصرّحون بتوثيق
إبراهيم بن هاشم ، وإبراهيم الثقفي ، ومحمد بن عبداللّه الهاشمي وغيرهم إلاّ من
خلال تلك القاعدة العامة المذكورة المأخوذ بها عند الرجاليّين شيعة وسنة ، فإنّ
هؤلاء يأخذون بتوثيق المتشدد ، لأ نّه جاء وفق استقراء وتتبّع ، ويتركون الاعتناء
بجروحه إلاّ أن تكون تلك الطعون نصوصا صريحة صادرة عن المعصومين.
والعامّة يشترطون
في الجرح أن يكون مفسّرا ، ولا يقبلون بجرح الأقران فيما بينهم ، ومن يختلفان فيما
بينهما في العقيدة والمذهب. والكل يتّفق على لزوم التّأنّي والتدبّر فيما يقوله
المتشدّد وعدم الأخذ بكُلّ ما يقوله ؛ وذلك لتسرّع المتشددين في إطلاق الأحكام على
الأشخاص بمجرّد التهمة ، وقبل تمام التحقيق عنه ، فتراهم ينسبون إلى الآخرين أشياء
عظيمة وربّما أمروا بقتل بعض المؤمنين ـ كما في محمد بن آورمه ـ بمجرّد شيوع الخبر
الذي مفاده أنّ عنده أوراقا في الباطن ، أو لمجرد روايته خبرا يخالف معتقد الاخرين.
وقد أضافت العامّة
قانونا في الجروح العامّة ، وهو جرح بعض العلماء لأهل
__________________
بعض البلاد ، أو
بعض المذاهب ، بأنْ لا يُؤخذ بتلك الجروح إلاّ بعد أن ينقّح الأمر في ذلك الجرح ، كجرح
الذّهبي وابن تيمية لكثير من الصوفية وأولياء الأمة ، أو مبالغة
الذهبي في نقد الأشاعرة ، والدارقطني والخطيب البغدادي في جرحهما أبا حنيفة
وأصحابه.
فالواجب على
العالم أن لا يبادر إلى قبول أقوالهم بدون تنقيحها ، ومن قلّدهم من دون الانتقاد ،
ضَلَّ وأوقع العوامَّ في الفساد .
ومن هنا نقف على
قيمة الطعون العامة الصادرة من الاطراف المشددة ، فلا يمكن الاعتماد عليها لأ نّها
نصوص متطرفة.
قال الشيخ الصدوق
في اعتقاداته : وعلامة المفوِّضة والغلاة وأصنافهم نسبتهم مشايخ قمّ وعلمائهم إلى
القول بالتقصير .
وقد علّق الشيخ
المفيد البغدادي في شرح عقائد الصدوق بقوله : وأمّا نصّ أبي جعفر ; بالغلوّ على مَن
نَسَبَ مشايخ القميين وعُلماءهم إلى التقصير ، فليس نسبةُ هؤلاء القوم إلى التقصير
علامةً على غلوّ الناس ، إذ في جملة المشار إليهم بالشيخوخة والعلم من كان مقصرّا
، وانّما يجب الحكم بالغلوّ على من نسب المحقِّقين إلى التقصير ، سواء كانوا من
أهل قمّ أو من غيرها من البلاد وسائر الناس.
وقد سمعنا حكاية
ظاهرة عن أبي جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد ; لم نجد لها دافعا في التقصير ، وهي ما حكي [ عنه ] أنّه قال
: أوّل درجة في الغلوّ نفيُ السهوِ عن النبيّ والإمام.
__________________
فإن صحّت هذه
الحكاية عنه فهو مقصّر مع أنّه من علماء القميين ومشيختهم.
وقد وجدنا جماعة
وردوا إلينا من قمّ يقصّرون تقصيرا ظاهرا في الدِّين ، ويُنزلون الأئمّة : عن مراتبهم ، ويزعمون
أنّهم كانوا لا يعرفون كثيرا من الأحكام الدينية حتى ينكت في قلوبهم ، ورأينا
من يقول : أنّهم يلتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون ، ويدّعون مع ذلك أنّهم
من العلماء. وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه .
قال الوحيد
البهبهاني : ثمّ اعلم أنّه [ أي أحمد بن محمد بن عيسى ] وابن الغضائري ربّما
ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضا بعدما نسباه إلى الغلوّ ، وكأ نّه
لروايته ما يدل عليه ، ولا يخفى ما فيه .
وقال أيضا : وقد
حققنا على رجال الميرزا ضعف تضعيفات القميّين ، فإنّهم كانوا يعتقدون ـ بسبب
اجتهادهم ـ اعتقاداتٍ من تعدّى عنها نسبوه إلى الغلوّ ـ مثل : نفي السهو عن النبي
أو التفو يض ، مثل تفو يض بعض الاحكام إليه ـ أو إلى عدم المبالاة في الرواية
والوضع ، وبأدنى شيء كانوا يتّهمون ـ كما نرى الان من كثير من الفضلاء والمتديّنين
ـ وربّما يخرجونه من قم ويؤذونه وغير ذلك .
وقال الشيخ محمد
ابن صاحب المعالم : إنّ أهل قمّ كانوا يخرجون الراوي [ من البلدة ] بمجرّد توهّم
الريب فيه .
فإذا كانت هذه
حالتهم وذا ديدنهم ، فكيف يعول على جروحهم وقدحهم بمجرده ، بل لابد من التروي
والبحث عن سببه والحمل على الصحة مهما أمكن.
__________________
قال العلاّمة بحر
العلوم في رجاله ، وعنه نقل المحدّث النوري في خاتمة المستدرك : وفي الاعتماد على
تضعيف القميّين وقدحهم في الأُصول والرجال كلام معروف ، فإنّ طريقتهم في الانتقاد
تخالف ما عليه جماهير النقّاد ، وتسرّعهم إلى الطعن بلا سبب ظاهر ، مما يريب
اللبيب الماهر ، ولا يلتفت أحد من أئمّة الحديث والرجال إلى ما قاله الشيخان
المذكوران [ يعني ابن الوليد وابن بابويه [ في هذا المجال ، بل المستفاد من
تصريحاتهم وتلو يحاتهم تخطئتهما في ذلك المقال [ أي الطعن في أصل زيد النرسي ].
نماذج أخرى من تشدّد
القمّيين
قال الكشي في
الحسين بن عبيداللّه [ المحرر ] : أنّه أُخرج من قم في وقت كانوا يخرجون منها من
اتهموه بالغلو .
وروى الكشي ، عن
جعفر بن معروف القمي ، قال : صرت إلى محمد بن عيسى [ العبيدي ] لاكتب عنه ، فرأيته
يتقلنس بالسوداء ، فخرجت من عنده ولم أعد إليه ، ثمّ اشتدّت ندامتي لِما تركت من
الاستكثار منه لمّا رجعت ، وعلمت أنِّي قد غلطت.
وعن علي بن محمد
القتيبي ، قال : كان الفضل يحبُّ العبيدي ويثني عليه ويمدحه ويميل إليه ويقول :
ليس في أقرانه مثله .
ولو راجعت ترجمة
القاسم بن يقطين القمي والحسن بن محمد المعروف بابن بابا ترى في ترجمتهما
ما يظهر اعتبار محمد بن عيسى العبيدي عند الإمام
__________________
الهادي والعسكري 8 ، لان محمد بن
عيسى العبيدي قال : كتب إلّى أبو الحسن العسكري [ وفي آخر العسكري ] ابتداء منه .
قال أبو العباس بن
نوح : وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله وتبعه أبو جعفر
بن بابو يه على ذلك إلاّ في محمد بن عيسى بن عبيد ، فما أدري مارابه فيه!! لأ نّه
كان على ظاهر العدالة والثقة .
وقال النجاشي :
ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون : مَن مِثل أبي جعفر محمد بن عيسى؟! سكن
بغداد .
وشخص كهذا هو ممن
اتّهم عند القميين بالغلوّ فلم يرووا عنه ، لما قيل عنه : إنّه كان يذهب مذهب
الغلاة .
وقد تسرّعوا كذلك
في محمد بن موسى بن عيسى السمّان والقول فيه أنّه وضع كتابي زيد النرسي وزيد
الزّراد ، ولو راجعت ترجمة زيد النرسي وزيد الزراد لوقفت على قول ابن الغضائري :
قال أبو جعفر بن بابويه : إنّ كتابهما موضوع ، وضعه محمد بن موسى السمان ؛ وغلط
أبو جعفر في هذا القول ، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من محمد بن أبي عمير .
قال النجاشي :
محمد بن موسى بن عيسى ، أبو جعفر الهمداني السمان ، ضعفه القميّون بالغلوّ ، وكان
ابن الوليد يقول : إنّه كان يضع الحديث ، واللّه أعلم.
له كتاب ما روي في
أيّام الأسبوع ، وكتاب
الردّ على الغلاة.
__________________
اخبرنا ابن شاذان
عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عنه بكتبه .
كيف يقول الصدوق
ذلك تبعا لابن الوليد ، والنجاشي يقول في رجاله : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن
ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي بكتابه .
ونص شيخ الطائفة
في الفهرست على رواية ابن أبي عمير لكتاب زيد النرسي كما ذكره النجاشي ، ثم ذكر في
ترجمة ابن أبي عمير طرقه المعتبرة الصحيحة التي تنتهي إليه .
وقال الشيخ في
العدّة عن ابن أبي عمير : إنّه لا يروى ولا يرسل إلاّ عمّن يوثق به. وهذا توثيق
عامّ لمن روى عنه [ وفيه روايته لكتاب زيد النرسي ] ولا معارض له ها هنا.
قال السيّد بحر
العلوم : وفي كلام الشيخ تخطئة ظاهرة للصدوق وشيخه في حكمهما بأنّ أصل زيد النرسي
من موضوعات محمد بن موسى الهمداني ، فإنه متى صحّت رواية ابن أبي عمير إيّاه عن
صاحبه ، امتنع إسناد وضعه إلى الهمداني المتأخّر العصر عن زمن الراوي والمرويّ عنه.
وأمّا النجاشي فقد
عرفت مما نقلناه عنه روايته لهذا الأصل في الحسن كالصحيح ـ بل الصحيح على الأصح ـ
عن ابن أبي عمير عن صاحب الأصل ، وقد روى أصل زيد الزراد عن المفيد ، عن ابن
قولو يه ، عن أبيه وعلي بن بابويه ، عن علي
__________________
بن
إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد الزراد. ورجال هذا الطريق وجوه الأصحاب ومشايخهم ، وليس فيهم من
يتوقّف في شأنه سوى العبيدي ، والصحيح توثيقه.
وقد اكتفى النجاشي
بذكر هذين الطريقين ولم يتعرّض لحكاية الوضع في شيء من الأصلين ، بل أعرض عنها
صفحا ، وطوى عنها كشحا ، تنبيها على غاية فسادها مع دلالة الإسناد الصحيح المتّصل
على بطلانها ، إلى أن يقول ; :
ويشهد لذلك أيضا
أنّ محمد بن موسى الهمداني ـ وهو الذي ادُّعي عليه وضع هذه الاُصول ـ لم يتّضح
ضعفه بعد ، فضلاً عن كونه وضّاعا للحديث ، فإنّه من رجال نوادر الحكمة ، والرواية
عنه في كتب الأحاديث متكرّرة ، ومن جملة رواياته : حديثه الذي انفرد بنقله في صلاة
عيد الغدير ، وهو حديث مشهور ، أشار إليه المفيد ; في «
المقنعة » ، وفي « مسار الشيعة » ، ورواه الشيخ ; في التهذيب ، وأفتى به
الأصحاب ، وعوّلوا عليه ، ولا رادّ له سوى الصدوق وابن الوليد ، بناء
على أصلهما فيه.
والنجاشي ذكر هذا
الرجل في كتابه ولم يضعّفه ، بل نسب إلى القميّين تضعيفه بالغلوّ ، ثمّ ذكر له
كتبا منها كتاب الرّد على
الغلاة ، وذكر طريقه إلى
تلك الكتب ، قال ; : وكان ابن الوليد ; يقول : إنّه كان يضع الحديث ، واللّه أعلم .
وابن الغضائري وإن
ضعّفه ، إلاّ أنّ كلامه فيه يقتضي أنّه لم يكن بتلك المثابة من الضعف ، فإنّه قال
فيه : إنّه ضعيف ، يروي عن الضعفاء ، ويجوز أن يخرج
__________________
شاهدا ، تكلّم فيه
القمّيّون فيه بالرد فأكثروا ، واستثنوا من نوادر الحكمة ما رواه ، وكلامه ظاهر في
أنّه لم يذهب فيه مذهب القمّيّين ، ولم يرتضِ ما قالوه ، والخطب في تضعيفه هيّن ، خصوصا
إذا استهانه.
وقد فصّل سيدنا
بحر العلوم الكلام عن أصل زيد النرسي في رجاله بحيث كفى الآخرين مؤونة الكلام عنه .
ومن الطريف أنّ
الشيخ الصدوق قد روى عن ابن أبي عمير في كتاب ثواب الأعمال باب ( ثواب غسل الرأس
بورق السدر ) عن زيد النرسي بهذا الاسناد :
أبي
; ، قال
: حدثني علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، عن بعض أصحابه ، قال : سمعت ابا عبداللّه يقول : كان ...
الخبر.
وفي من لا يحضره
الفقيه ـ كتاب الوصية ، باب ضمان الوصي لِما يغيره بما اوصى به الميّت ـ :
وروى
محمد بن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، عن علي بن مزيد
صاحب السابري ، قال : ...
الخبر .
__________________
نتيجة ما تقدّم
وبعد كلّ هذا فليس
من البعيد أن يكون شيخنا الصدوق ; قد تأ ثّر بمشايخه وتسرّع في حكمه على الذين رووا الشهادة
بالولاية لعلي في الأذان واتّهمهم بالوضع والغلوّ ؛ لعدم وجود ما يروونه عند
مشايخه ، أو لعدم تطابقه مع عقائدهم ، فالصدوق اتّبع شيخه ابن الوليد في نسبة
الوضع لكتابي النرسي والزراد إلى أبي جعفر الهمداني السمّان في حين عرفت أنّ ابن
الغضائري قال : إنّي رايت
كتبهما [ أي كتب زيد
النرسي وزيد الزرّاد ] مسموعة
من محمد بن عمير.
وعليه فلا يمكن
الاعتماد على جروح القميّين بلا تمحيص ، لأنّ المشهور عنهم أنّهم إذا وجدوا رواية
على خلاف معتقدهم رَمَوها بالضعف ووصفوا راو يها بالجعل والدسّ.
وبذلك فقد تبيّن
لك ـ على سبيل المثال ـ أنّ القميّين جزموا بضرس قاطع بأنّ أصل الزرّاد موضوع ، في
حين أنّ الطرق الصحيحة إليه أكّدت أنّه ليس بموضوع ؛ إذ الطريق إليه صحيح معتبر لا شك
في ذلك ولا ريب ، وهذا يدعونا لأن نشكك فيما يقطع به شيخنا الصدوق قدسسره خصوصا
إذا انفرد بالقول بالوضع كما في أخبار الشهادة الثالثة.
فقد يكون جَزْمُ
الصدوق قدسسره بضرس قاطع بأنّ أخبار الشهادة الثالثة من وضع المفوِّضة هو من قبيل
جزمه بأنّ أصل الزرّاد موضوع ، وما يدرينا فلعلّ شأن أخبار الشهادة الثالثة ستكون
شأن أصل الزراد ، بل يمكن القول أنّ حكم الشيخ الصدوق ; بالوضع عموما وفي
أخبار الشهادة الثالثة بنحو خاصّ لا يمكن الاعتماد عليه ، خاصّة حينما نراه ينفرد
في مثل هذا الحكم ولم يتابعه عليه أحد من قدماء الأصحاب بوضع الاخبار.
__________________
وبالجملة : يظهر
أنّ مثل هذا الحكم وما يجري مجراه ليس عن حسّ وشهود ، بل مستنده الحدس والاستنباط
، وقراءة المتون والروايات ، والسماع من المشايخ الثقات ، مع لحاظ قناعاتهم
وخلفياتهم الفكرية التي تميل إلى جانب التشديد غير العلمي على الرواية والرواة ، ومثل
هذه الشهادة لا تكون حجة لا في التضعيف ولا في التوثيق.
نعم ، نحن في
الوقت الذي نقول بهذا ، لا نستبعد أن يكون الغلاة قد وضعوا أخبارا دالّة على جزئية
الشهادة تلك في الأذان ، وأنّ الشيخ الصدوق ; قد سمعها منهم ، فيكون ما قاله ; قد صدر منه عن
حسٍّ ويقين ، فلو ثبت هذا الاحتمال فنحن نتبرأ ممن يضع الأخبار على لسان الأئمّة ويزيد
في الأذان ما ليس فيه ، وهذا ما سنوضّحه أكثر عند دراستنا لكلام شيخنا الصدوق
لاحقا إن شاء اللّه تعالى .
٢ ـ الرواية عن
الضعفاء وأصحاب المذاهب الأُخرى واعتماد المراسيل
قرّر المحدّثون من
أهل قم إقصاء من يروي عن الضعفاء ومن يأتي بالمراسيل ، مع أنّ الرواية عن الضعفاء
لا تقتضي تضعيف الراوي ولا تضعيف الرواية بنحو مطلق عند جميع المحدّثين سنة وشيعة
، وأنّ رواية الثقات عن كثير من الضعفاء وحتّى المنتحلين للمذاهب الباطلة ممّا لا
يكاد يدفعه أحد ، وكذا اعتماد المراسيل فإنّها مسألة اجتهادية قد بحثت في كتب علمي
الدراية واصول الفقه.
قال الشيخ الطوسي
في أول الفهرست : إنّ كثيرا من مصنّفي أصحابنا ، وأصحاب الأُصول ، كانوا ينتحلون
المذاهب الفاسدة ، وإن كانت كتبهم
__________________
معتمدة .
وقال في ترجمة إبراهيم
بن إسحاق الأحمري : كان ضعيفا في حديثه ، متّهما في دينه ، وصنّف كتبا جملتها ، قريبة
من السداد .
وقال عن حفص بن
غياث القاضي : عامّيّ المذهب ، له كتاب معتمد .
وقال عن طلحة بن
زيد : عاميّ المذهب إلاّ أنّ كتابه معتمد .
علي بن الحسن
الطاطري : كان واقفيا شديد العناد في مذهبه ، صعب العصبية على من خالفه من
الإمامية ، وله كتب كثيرة في الفقه ، رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم .
وقال النجاشي :
الحسين بن عُبيداللّه السعدي ، ممّن طعن عليه ورمي بالغلوّ ، له كتب صحيحة الحديث
.
قال الشيخ الحرّ
العاملي في الفائدة السادسة من خاتمة كتابه « وسائل الشيعة » وعند كلامه عن صحّة أحاديث الكتب الأربعة وأمثالها والتي
اعتمدها الاصحاب على ما فيها : ومثله يأتي في رواية الثقات الاجلاء ـ كأصحاب
الإجماع ونحوهم ـ عن الضعفاء ، والكذابين ، والمجاهيل ، حيث يعلمون حالهم ، ويروون
عنهم ، ويعملون بحديثهم ، ويشهدون بصحته ... .
فانظر إلى عمل
الطائفة فإنّهم يعملون بأخبار هؤلاء الاشخاص وامثالهم مع أنّهم ممّن ينتحلون
المذاهب الفاسدة ، وأنّهم في غاية البعد عنّا ، وأنّا مأمورون
__________________
بالتنفرّ والتباعد
عنهم ، قال الشيخ الحر العاملي في الخاتمة عن الواقفة :
وأمّا هؤلاء
المخذولون فلم يكن لأصحابنا الإمامية ضـرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك
المنوال وخصوصا الواقفة ، فإنّ الإماميّة كانوا في غاية الاجتناب لهم ، والتباعد
عنهم ـ حتى أنّهم كانوا يسمونهم ( الممطورة ) أي الكلاب التي أصابها المطر ـ
وائمتنا : كانوا ينهون شيعتهم عن مجالستهم ومخالطتهم ، ويأمرونهم بالدعاء عليهم في
الصلاة ويقولون : إنّهم كفار ، مشركون ، زنادقة ، وإنّهم شرّ من النواصب ، وإن من
خالطهم فهو منهم. وكتب أصحابنا مملوءة بذلك كما يظهر لمن تصفّح كتاب الكشّي وغيره .
وإنّك لو تأملت في
تعليل القميّين لمن أقصوا من المحدّثين فلا تراهم يتّهمونهم لروايتهم الأحاديث
الموضوعة ، بل للرواية عن الضعفاء فيما يقولون ، أو بسبب الرواية عن أهل المذاهب
الفاسدة ، أو بسبب رواية المراسيل ، وهناك فرق بين الأمرين لا يخفى على العالم
البصير.
قال ابن الغضائري
في أحمد بن محمد بن خالد البرقي : طعن القمّيّون عليه ، وليس الطعن فيه إنّما
الطعن فيمن يروي عنه ، فإنّه كان لا يبالي عمّن يأخذ على طريقة أهل الأخبار ، وكان أحمد بن
محمد بن عيسى أبعده عن قمّ ثم أعاده إليها واعتذر إليه .
وقال النجاشي عنه
: أصله كوفي وكان جدّه محمد بن علي حبسه يوسف بن عمر ـ والي العراق ـ بعد قتل زيد 7 ثم قتله ، وكان
خالد صغير السن فهرب مع أبيه عبدالرحمن إلى برق روذ ، وكان ثقة في نفسه يروي عن
الضعفاء واعتمد
__________________
المراسيل ، وقريب من هذا
تراه في الفهرست للشيخ الطوسي .
وقال ابن داود
الحلي : أقول : وذكرته في الضعفاء لطعن ابن الغضائري فيه ، ويقوى عندي ثقته ، مشى
أحمد بن محمد بن عيسى في جنازته حافيا حاسرا تنصّلاً ممّا قذفه به .
وقال العلاّمة في
الخلاصة : وجدت كتابا فيه وساطة بين أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن خالد ، ولمّا
توفّي مشى أحمد بن محمد بن عيسى في جنازته حافيا حاسرا ليبّرئ نفسه ممّا قذفه به ،
وعندي أنّ روايته مقبولة .
فابنُ الغضائري لم
يطعن فيه ، بل ردَّ الطعن إلى طعن القمّيّين عليه ، ثم ردّ ذلك بأنّ الطعن ليس فيه
بل في من يروي عنه ، وقد فعل مثل ذلك ابن داود ؛ إذ لم يذكره في الضعفاء إلاّ من
أجل طعن ابن الغضائري ، ولم يعبأ به لأ نّه معلوم المستند عن القمّيّين.
هذا ، وقد وقع
البرقي في طريق الصدوق إلى إسماعيل بن رباح ، والحارث بن المغيرة النصري ، وحفص بن غياث ، وحكم بن حكيم ، وليس لهذا معنى
إلاّ افتراض اعتراف القمّيّين العملي ـ ومنهم الشيخ الصدوق قدسسره ـ بأنّ منهجهم
كان بشكل عام شديدا ، وفي شأن البرقي بنحو خاص.
إذن الرواية عن
الضعفاء واعتماد المراسيل ليسا قدحا في الراوي أو الرواية ؛ إذ
_________________
جرت سيرة
المحدّثين من الفريقين في الأخذ بالحديث المرسل والضعيف ، وكذلك رواية أهل المذاهب
الإسلامية الفاسدة بشرط الاعتماد.
وقد روى أحمد
بن محمد بن عيسى الأشعري نفسه عن عدّة من الضعفاء ، فقد روى محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن
عيسى عن علي بن حديد .
وروى أيضا عن محمد
بن يحيى ، عنه ، عن إسماعيل بن سهل ، عن حماد ، عن ربعي .
وروى أيضا عن محمد
بن يحيى ، عنه ، عن بكر بن صالح ، عن الجعفري .
وهذا يعني عدول
القميّين عن منهجهم المتشدّد ؛ وذلك لعلمهم ـ وهم العلماء الجهابذة ـ بأن الحديثَ
الضعيفَ غيرُ متروكٍ لوجود احتمال تصحيحه بالشواهد والمتابعات والقرائن الأخرى ، وهذا
معناه أنّ منهج القميين في مجال الأخبار كان شديدا في عصر من العصور ، وهو ما
يجعلنا نتوقّف في أحكامهم على الرواية والرواة.
واني اثناء البحث
لفت انتباهي شيء وهو خلاف ما اعرفه عن أحمد بن محمد البرقي وأنّه من أصحاب الجواد
والهادي 8 كما هو المصرح عند الشيخ في رجاله ، لأنّ الصدوق روى في كتاب التوحيد : حدثنا أبي ومحمد بن
الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما اللّه ، قالا : حدّثنا سعد بن عبداللّه ، قال :
حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن
أبي
__________________
عبداللّه في قول
اللّه عزّوجلّ ( وَسَيَحْلِفُونَ
بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا ... ) الخبر .
إذ أنّ رواية
والده محمد بن خالد غير ثابتة عن الصادق فضلاً عن رواية ابنه أحمد ، مع أنّ أباه محمد بن خالد هو
من أصحاب الكاظم والرضا والجواد .
اذن أحمد بن محمد
لا يمكنه أن يروي عن الصادق ( المتوفى ١٤٨ ) ، لأ نّه توفى ٢٧٣ ه حسبما حكاه أحمد
بن الحسين ، أو ٢٨٠ ه حسبما قاله ماجيلويه ، فهو قطعا مات قبل أحمد بن عيسى
الأشعري ؛ لأن الاشعري هذا مشى في جنازة أحمد البرقي ، وهو متوفي في أواخر القرن
الثالث الهجري يقينا ، وهذا مما يوجب الوهنَ فيما رواه الصدوق ، والحكمَ بالارسال
عليه ، إن كان هو ذلك البرقي المعروف ، وإلاّ فلا.
فالقمّيّون يجرحون
من يروي عن المجاهيل ويعتمد المراسيل ، وهنا الشيخ الصدوق روى المراسيل ، حسبما
يحتمل في اسناد كهذا.
إذن فالرواية عن
الضـعفاء لا يمكن عدها طعنا ، بل إنّه المنهج المتّبع عند جميع المحدّثين قديما
وحديثا ، إلاّ ما شاهدناه عند أهل قمّ في العصور الأُولى حيث كانوا يلزمون الآخرين
بالاخذ بمعاييرهم وترك غيرها ، مع أنّ للمحدّث أن يروي الحديث الضعيف ـ لا الموضوع
ـ وهو ما يمكن الاستفادة منه في الشواهد والمتابعات.
__________________
منهج القمّيين
الالتزام والتبرير
في الحقيقة يمكننا
أن نبرّر للقميّين ما اتّخذوه من مواقف ضدّ بعض المحدّثين ، لأنّ الشيعة في الغيبة
الصغرى وما بعدها كانوا يعيشون تحت هجومَين : الهجوم العسكري المتمثّل بالحكومة
العباسية.
والهجوم العلمي
بقسميه ، الداخلي والخارجي ، فالهجوم العلمي الداخلي هو الهجوم من داخل المجموعة
الشيعية ، اعني من قبل الزيدية ، والإسماعيلية ، ومن انصار الشلمغاني ، والحلاج ، والقرامطة
، وما كانوا يطرحونه من أفكار.
والهجوم العلمي
الخارجي هو الهجوم من خارج المجموعة كشبهات وافكار القدرية والمرجئة والزنادقة.
فالقميّون
ولحساسية المرحلة التي كانوا يعيشون فيها أرادوا تحصين المعرفة الإسلامية الخالصة
حتّى لا تكون عرضةً للتلويث ، وذلك بالضغط على المحدّثين ، ومما يمكن قوله بهذا
الصدد هو : أنّ أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري قد يكون طرد البرقيَّ لا لروايته عن
الضعفاء ولا لشيء آخر مما ذكر آنفا ، بل لِما كان يحيط به من أُمور سياسية والتي
وضحنا بعضها سابقا ، وأنّه كان يريد غلق الأبواب التي يريدها أعداء الفكر الشيعي
من مثل الشلمعاني وغيره ، حيث كان هؤلاء يريدون الطعن في الإسلام وتشو يه حقيقة
التشيّع الصحيحة بواسطة الموضوعات والمكذوبات ، وقد لا نغالي إذا قلنا بأنّ الشيخ
الطوسي قدسسره لو كان يعيش في قمّ تحت وطأة تلك الظروف التي رزح تحتها أحمد بن
محمد بن عيسى أو الشيخ الصدوق رحمهما اللّه لما وسعه إلاّ التشدد حفظا على أحاديث
المعصومين : من التحريف والدّس.
وعليه ، فالرواية
عن الضعفاء واعتماد المراسيل ليست طعنا في الراوي ولا في الرواية ؛ لجريان سيرة
المحدثين بنقل تلك الروايات وإمكان تصحيحها بشواهد ومتابعات من روايات أُخرى ، وهذا
مما لا يخفى على مثل أحمد بن محمد بن
عيسى الأشعري.
فما يقوله المحدث
: حدثني فلان ، لا يعني تصديقه لمن أخبره فيما يقول ، أو أنّه ملتزمٌ بما رواه ، بل
غاية الأمر هو نقل قوله دون القبول أو الجرح وهذا جانب آخر ، والبحث فيه له مجال
ثان ، فهو من قبيل قول اللّه سبحانه ( وَقَالَتِ
الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ ).
وكذا الحال
بالنسبة إلى اعتماد المراسيل ؛ فإن أُريد العمل بها فتلك وظيفة الفقيه لا المحدّث
، وان أُريد نقله للرواية دون إسناد فهذا قد فعله الكثير من المحدّثين في مجاميعهم
الحديثية ، ولا يعتبر ذلك جرحا لهم حسب قواعد الصناعة المتعارفة عند المحدّثين.
وبذلك نخلص من
مجموع ما قلناه : أنّ القميّين من جهة ابتعادهم عما يجري في العراق والحركة
العقلية فيها رسموا لانفسهم معايير علمية للتعامل مع الرواية والراوي ، وقد تكون
بعض تلك الضوابط شديدة لا يومن بها غيرهم ، كما فعلوه بالبرقي لمجرّد روايته عن
الضعفاء ، وهذا الموقف مخالفٌ في المبدأ لطريقة كلّ علماء الحديث في أُمة الإسلام
؛ فالحديثُ الضعيف لا يسوغ تركه لمجرّد ضعفه عند علماء الأُمة ، لاحتمال اعتباره
بشاهد مثله يرفعه إلى درجة الحجّية ، وهذه النقطة كسابقتها تشكّكنا بحكم القميّين
على الرواية والراوي ، كما أنّهما ناهضتان للتشكيك بسلامة حكم الشيخ الصدوق ; على أخبار
الشهادة الثالثة بالوضع ، وبهذا فقد يمكن أن يكون ذلك تسرعا أو تشددا منه. غير
متناسـين ما قلناه عن تشدد القميين بأ نّه كان لغلق الابواب بوجه المغرضين.
وعليه فتشدد
القميين أما لابتعادهم جغرافيا عن الحركة العقلية في العراق أو خوفا من استغلال
الجاهلين لبعض الحقائق التي لا تدركها افهام عامة الناس.
٣ ـ الغلو عند
القميين ، نقل الفضائل أم ترك الضروريات؟
هناك رؤيتان عند
الفقهاء والرجاليين ، فالبعض منهم كالوحيد البهبهاني يعتقد بأنّ القمّيّين كانوا
يرمون الآخرين بالغلوّ لنقلهم المعاجز والكرامات العالية للأئمّة بحيث ينتزع من
بعضها رائحة الغلوّ ، في حين لم يكن الأمر كذلك عند السَّبْرِ والتحقيق.
وذهب فريق آخر
منهم إلى أنّ معيار الغلوّ عند القميّين هو ترك الفرائض والضروريّات ، كالصلاة
والزكاة ، لقول الغلاة أنّ معرفة الإمام تكفي عن العمل ولا داعي للإتيان بالواجبات
لو عرفنا الإمام حقَّ معرفته ، ومثّلوا لذلك بما فعله أهل قمّ مع محمّد بن أورمة ،
الّذي امتحنوه بالصلاة ، وكذا امتُحِنَ المفضّل بن عمر بالصلاة ، وعنون الكشي
جمعا من الغلاة كان من بينهم علي بن عبداللّه بن مروان وقال أنّه سأَلَ العياشيَّ
عنهم ، فقال : وأمّا علي بن عبداللّه بن مروان ، فإنّ القوم [ يعني الغلاة ]
تُمتَحَنُ في أوقات الصلوات ، ولم أحضره وقت صلاة . وإليك الآن بعض
النصوص عن الفريقين.
قال الوحيد
البهبهاني في تعليقاته على منهج المقال :
اعلم أنّ الظاهر
أنّ كثيرا من القدماء ـ سـيما القمّييّن منهم والغضائري ـ كانوا يعتقدون للأئمّة : منزلةً خاصة من
الرفعة والجلالة ، ومرتبة معيّنة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم ، وما
كانوا يجوّزون التعدّي عنها ، وكانوا يعدّون التعدّي عنها ارتفاعا وغلوّا على حسب
معتقدهم ، حتّى أنّهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم : غلوّا ، بل ربّما جعلوا مطلق التفويض إليهم ـ أو التفويض
الذي اختُلف فيه ، أو المبالغة في معجزاتهم ، ونقل العجائب من خوارق العادات
__________________
عنهم ، أو الإغراق
في شأنهم وإجلالهم وتنز يههم عن كثير من النقائص ، وإظهار كثير قدرة لهم ، وذكر
علمهم بمكنونات السماء والأرض ـ ارتفاعا أو مورثا للتهمة به ، سيّما من جهة أنّ
الغلاة كانوا مختفين في الشيعة مخلوطين بهم مُدَلَّسين.
وبالجملة : الظاهر
أنّ القدماء كانوا مختلفـين في المسائل الأُصولية أيضا ، فربّما كان شيء عند بعضهم
فاسدا أو كفرا أو غلوّا أو تفويضا أو جبرا أو تشبيها أو غير ذلك ، وكان عند آخر
ممّا يجب اعتقاده ، أو لا هذا ولا ذاك.
وربّما كان منشأُ
جرحهم بالأُمور المذكورة وجدانَ الرواية الظاهرة فيها منهم ـ كما أشرنا آنفا ـ أو
ادّعاء أرباب المذاهب كونه منهم ، أو روايتهم عنه. وربما كان المنشأ روايتهم
المناكير عنه ، إلى غير ذلك.
فعلى هذا ربّما
يحصل التأمّل في جرحهم بأمثال الأُمور المذكورة .. إلى أن يقول ; :
وللتفويض معان ، بعضها
لا تأمّل للشيعة في فساده ، وبعضها لا تأمّل لهم في صحّته ، وبعضها ليس من قبيلهما
، والفساد كفرا كان أو لا ، ظاهر الكفر ية أو لا ... ثم ذكر الاقسام السبعة للتفويض
.
وقال المامقاني في
مقباس الهداية عند كلامه عن الفرق الضالّة من الغلاة :
ولكن لا يخفى عليك
أنّه قد كثر رمي رجال بالغلو ، وليسوا من الغلاة عند التحقيق ، فينبغي التأمّل
للاجتهاد في ذلك ، وعدم المبادرة إلى القدح بمجرّد ذلك ، ولقد أجاد المولى الوحيد
حيث قال ـ ثم أتى بمقاطع من كلامه ; ـ ثمّ قال :
فظهر أنّ الرّمي
بما يتضمّن عيبا فضلاً عن فساد العقيدة مما لا ينبغي الأخذ به بمجرّده ، بل لا
يجوز لما في ذلك من المفاسد الكثيرة العظيمة ، إذ لعلّ الرّامي قد اشتبه في
اجتهاده ، أو عوّل على من يراه أهلاً في ذلك ، وكان مخطئا في اعتقاده ،
__________________
أو وجد في كتابه
أخبارا تدلّ على ذلك وهو بريء منه ولا يقول به ، أو ادّعى بعض أهل تلك المذاهب
الفاسدة أنّه منهم وهو كاذب ، أو روى أخبارا ربّما تُوهِمُ ـ من كان قاصرا أو
ناقصا في الإدراك والعلم ـ أنّ ذلك ارتفاع وغلوُّ وليس كذلك ، أو كان جملة من
الاخبار يرو يها ويحدّث بها ويعترف بمضامينها ويصدّق بها من غير تحاش واتّقاء من
غيره من أهل زمانه ، بل يتجاهر بها لا تتحمّلها أغلب العقول فلذا رمي . هذا خلاصة الرأي
الأوّل.
أمّا الراي الثاني
فهو القائل بأنّ الغلوَّ عند القميّين هو ترك الضروريّات أو الإفراط فيها ، ولأجله
تراهم يهمّون بقتل محمد بن أورمة ، ويأمرون بعدم الأخذ عن سهل بن زياد الآدمي ، إلى
غير ذلك ، إذ الهمّ بالقتل وطرد المؤمن ، والأمر بعدم الأخذ عنه ، كلّها من
الاُمور الجارحة والّتي يجب أن يكون لها مستند شرعي ، والقمّيّون هم أهل الورع
والتُّقى ، وخصوصا مشايخهم كأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ; ، فلا يمكن حمل
عملهم إلاّ على عدم اعتقاد الآخر بالضروريات ، لأنّ الافراط في حبّ آل محمد كان
متفشّيا عند الشيعة في قمّ وغيرها ، وخصوصا بعد مقتل الإمام الحسين 7 حيث ادّعى البعض
منهم أنّ الإمام الحسين لم يقتل بل شُبِّه لهم ذلك وغلت طائفة أُخرى
في أخيه محمد ابن الحنفية وقالت فيه أنّه لم يمت بل غاب في جبل رضوى ، وأنّه سيظهر
لاحقا .
وقد أكد الإمام
زين العابدين لشيعته لزوم رعاية الاعتدال في طرح أفكار كهذه
__________________
فقال 7 : يا معشر أهل
العراق ، يا معشر أهل الكوفة ، أحبّونا حب الإسلام ولا ترفعونا فوق حقّنا .
وفي آخر عنه 7 : إنّ قوما من
شيعتنا سيحبّونا حتّى يقولوا فينا ما قالت اليهود في عزير ، وما قالت النصارى في
عيسى بن مريم ، فلا هم منّا ولا نحن منهم .
وقد تحقّق بالفعل
ما تنبّأ به الإمام ، ففشت ظاهرة الغلوّ والكذب على الأئمّة بعد واقعة كربلاء ، فعن
الإمام الرضا أنّه قال : كان بيان بن سمعان يكذب على علي بن الحسين ، والمغيرة بن
سعيد يكذب على أبي جعفر [ الباقر ] ، ومحمد بن بشير يكذب على أبي الحسن موسى ، وأبو
الخطّاب يكذب على أبي عبداللّه [ الصادق ] ، فأذاقهم اللّه حرَّ الحديد ، والذي
يكذبُ عَلَيّ محمَّدُ بن فرات .
وروى الكشي بسنده
عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبدالرحمن أنّ بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر ،
فقال له : يا أبا محمد ما أشدَّكَ في الحديث وأكثر إنكارك لما يرو يه أصحابنا ، فما
الّذي يحملك على ردِّ الأحاديث؟
فقال : حدّثني
هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبداللّه 7 يقول : لا تقبلوا علينا حديثا إلاّ ما وافق القرآن والسنة
، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدِّمة ، فإنّ المغيرة بن سعيد لعنه اللّه
دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي ، فاتّقوا اللّه ولا تقبلوا علينا
ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا 6 ، فإنّا إذا حدّثنا ، قلنا : قال اللّه عزّ وجلّ ، وقال
رسول اللّه 6.
وقال يونس :
وافيتُ العراقَ فوجدتُ بها قطعةً من أصحاب أبي جعفر 7 ، ووجدتُ أصحابَ أبي عبداللّه متوافر ين ، فسمعت منهم
وأخذت كتبهم ،
__________________
فعرضتها من بعد
على أبي الحسن الرضا ، فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبداللّه 7 ، وقال لي : إنّ
أبا الخطّاب كذب على أبي عبداللّه ، لعن اللّه أبا الخطاب ، وكذلك أصحاب أبي
الخطاب يدسّون هذه الاحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبداللّه ، فلا
تقبلوا علينا خلاف القرآن ، فإنّا إن تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة
، إنّا عن اللّه ورسوله نحدِّث ، ولا نقول قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا ، إنّ
كلام آخرنا مثل كلام أوّلنا ، وكلام أوّلنا مصدِّقٌ لكلام آخرنا ، فإذا أتاكم من
يحدّثكم بخلاف ذلك فردُّوه عليه ، وقولوا : أنت اعلم وما جئت به! فإنّ مع كلِّ
قولٍ منّا حقيقة وعليه نورا ، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك من قول الشيطان .
بلى حقّ للقميّين
أن يخافوا على الشريعة ، وأن يحتاطوا في الدين ، وأن لا يأخذوا إلاّ ممّن يثقون به
، لكنّ ما يتجاوز عن حدّه ينقلب إلى ضده ، فنحن لا ننكر بأنّ المغيرة بن سعيد ، وبيان
بن سمعان ، وأبا الخطّاب ، وامثالهم ، قد دسّوا أخبارا في روايات الأئمّة ، والأئمّة
كانوا لا يرتضون ما يرو يه هؤلاء وأمثالهم.
لكنّ هذا لا يجيز
لهم طعنهم في يونس بن عبدالرحمن ـ راوي الخبر الآنف الذكر وأمثاله ـ والذي قال عنه
الرضا 7 : يونس في زمانه كسلمان الفارسي في زمانه ، وهو الذي ضمن له 7 الجنة ثلاث مرات .
قال أبو جعفر
الجعفري : ادخلت كتاب يوم وليلة الذي ألّفه يونس بن عبدالرحمن على أبي الحسن
العسكري فنظر فيه وتصفّحه كلّه ، ثم قال : هذا ديني ودين آبائي ، وهو الحقّ كله ، وعن أبي جعفر 7 مثله .
__________________
وقد عدّه الشيخ في
رجاله من أصحاب الكاظم قائلاً : من أصحاب أبي الحسن موسى ، مولى علي بن يقطين ، طعن
عليه القميّون ، وهو عندي ثقة .
وعنون له في
الفهرست قائلاً : مولى آل يقطين ـ إلى أن قال ـ وقال أبو جعفر بن بابويه [ محمد بن
علي بن الحسين ] : سمعت محمد بن الحسن بن الوليد ; يقول : كُتب يونس بن عبدالرحمن التي هي بالروايات ، كلها
صحيحة يعتمد عليها ، إلاّ ما يتفرّد به محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس ولم يروه
غيره ، فإنّه لا يُعتَمدُ عليه ولا يُفتَى به .
قال أبو عمرو الكشي
: فلينظر الناظر فيتعجب من هذه الأخبار التي رواها القميّون في يونس ، وليعلم أنّها
لا تصحّ في العقل ، وذلك أنّ أحمد بن محمد بن عيسى ، وعلي بن حديد ، قد ذكر الفضل
من رجوعهما عن الوقيعة في يونس ، ولعلّ هذه الروايات كانت من أحمد قبل رجوعه ، ومن
علي مداراةً لأصحابه ، فأمّا يونس بن بهمن : فمِمَّن كان أخذ عن يونس بن عبدالرحمن
أن يُظهر له مثلبة فيحكيها عنه ، والعقل ينفي مثل هذا ، إذ ليس في طباع النّاس
إظهار مساو يهم بألسنتهم على نفوسهم ، وأمّا حديث الحجّال الذي رواه أحمد بن محمد
فإنّ أبا الحسن 7 أجلّ خطرا وأعظم قدرا من أن يسبّ أَحدا صراحا ، وكذلك
آباؤه : من قبله وولده من بعده ، لأنّ الرواية عنهم بخلاف هذا ، إذ كانوا قد نهوا عن
مثله ، وحثّوا على غيره ممّا فيه الزين للدين والدنيا .
هذا ، وقد حدّث
محمد بن عيسى بن عبيد عن أخيه جعفر بن عيسى ما كان
__________________
يلاقيه يونس من
الناس آنذاك ، فقال جعفر بن عيسى : كُنا عند أبي الحسن الرضا 7 وعنده يونس بن
عبدالرحمن إذ استاذن عليه قوم من أهل البصرة ، فأومئ أبو الحسن [ الرضا ] إلى يونس
: ادخل البيت ـ فإذا بيت مسبل عليه ستر ـ وإيّاك أن تتحرّك حتّى يؤذنَ لك ، فدخل
البصريّون وأكثروا من الوقيعة والقول في يونس ، وأبو الحسن مطرق ، حتّى إذا اكثروا
وقاموا فودّعوا وخرجوا : أذن ليونس بالخروج ، فخرج باكيا فقال : جعلني اللّه فداك
، أنا أحامي عن هذه المقالة وهذه حالي عند أصحابي!! فقال له أبو الحسن 7 : يا يونس ، وما
عليك ممّا يقولون إذا كان إمامك عنك راضيا ، يا يونس حدّث الناس بما يعرفون ، واتركهم
ممّا لا يعرفون ، كأ نّك تريد أن تكذب على اللّه في عرشه.
يا يونس وما عليك
أن لو كان في يدك اليمنى درّة ثمّ قال الناس : بعرة ، أو بعرة فقال الناس : درة ، هل
ينفعك ذلك شيئا؟
فقلت : لا.
فقال : هكذا أنت
يا يونس ، إذا كنت على الصواب وكان إمامك عنك راضيا لم يضرك ما قال الناس .
وعن أبي جعفر
البصري ـ وكان ثقةً فاضلاً صالحا ـ قال : دخلت مع يونس بن عبدالرحمن على الرضا
فشكى إليه ما يلقي من أصحابه من الوقيعة؟
فقال الرضا 7 : دارِهِمْ فإنّ
عقولهم لا تبلغ .
وعن الفضل بن
شاذان ، قال : حدّثني عبدالعزيز بن المهتدي ـ وكان خيرَ قمّيٍّ رأيته ، وكان وكيل
الرضا 7 وخاصته ـ فقال : إنِّي سألته 7 فقلت : إنِّي لا أقدر على لقائك في كلّ وقت ، فعن من آخذ
معالم ديني؟ فقال : خذ من يونس بن
__________________
عبدالرحمن .
وهذه منزلةٌ عظيمة
ليونس ، ونحوه عند الكشّيّ عن الحسن بن علي بن يقطين .
فمن كان هذا حاله
، فهل من مُبَرِّر للتوقف فيما يرويه ، بدعوى ما يتفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عن
يونس وأنّه غير صحيح؟! في حين عرفت حال محمد بن عيسى واعتباره عند الإمامين الهادي
والعسكري ، وعرفت ما جاء من أخبار في يونس بن عبدالرحمن وأنّ ما عنده هو الحقِّ
كلّه.
كان غرضنا من سرد
هذه الأخبار التنبيه على حقيقة أنّ كثيرا من الشيعة قد لا تبلغ عقولهم مقاصد
الأئمة : المطوية في أحاديثهم الشريفة ، ومن هنا يسهل للبعض رمي الآخرين بالغلوّ.
وقد يمكننا مرة
أخرى تبرير تشدد علماء قم بالقول : إنهم كانوا يخافون على عقول بعض الشيعة من تلك
الأخبار الصحيحة التي لا تدركها عقولهم ، وعلى سبيل المثال فإنّ بعض الطعون في
محمد بن سنان قد قيلت في حقه من قبل القدماء ـ لا بسبب ضعفه ـ بل لأ نّه لم يلتزم
بهذه القاعدة ؛ ويروي عن المعصومين أخبارا صحيحة صعبة ادراكها من بعض الشيعة وهذا
منهي عنه في الشرع حسبما تقدم.
وبالجملة : فيمكن
تبرير تشدد القميين هو خوفهم على عقول بعض الشيعة ، وان هذا كان أحد أسباب تشددهم
علاوة على الأسباب الأخرى التي ذكرناها والظروف القاهرة التي كانوا يعيشون فيها ، وهذا
التشدد قد أفرز افراطا سلبيا في الحكم على الرواية والرواة.
__________________
نماذج اخرى من تشدّد
القمّيين :
والآن لنرجع تارة
أُخرى إلى جروح القميّين وحال بعض من اتّهموا بالغلو ، لنرى هل حقّا أنَّ من
اتُّهم بالغلوِّ هو غالٍ ، أم أنَّ ذلك قد ابتنى على مقدِّمات غير صحيحة.
قال ابن الغضائري
: محمّد بن أورمة ، أبو جعفر القمّي ، اتَّهمه القميّون بالغلوّ وحديُثُه نقيُّ لا
فساد فيه ، ولم أر شيئا ينسب إليه ، تضطرب في النفس إلاّ أوراقا في تفسير الباطن ،
وما يليق بحديثه ، وأظنها موضوعة عليه ، ورأيت كتابا خرج من أبي الحسن علي بن محمد
[ الهادي ] إلى القميين في براءته ممّا قذف به [ وحسن عقيدته ، وقرب ] منزلته ، وقد
حدّثني الحسن بن محمد بن بندار القمّي ، قال : سمعت مشايخي يقولون : إنّ محمّد بن
أورمة لمّا طعن عليه بالغلوّ [ اتّفقت [ الاشاعرة ليقتلوه ، فوجدوه يصلّي اللّيل
من أوّله إلى آخره ليالي عديدة فتوقفوا عن اعتقادهم .
وقال النجاشي :
محمد بن أورمة ، أبو جعفر القمي ، ذكره القميّون وغمزوا عليه ورموه بالغلوّ حتّى
دُسَّ عليه من يفتك به ، فوجده يصلي من أوّل اللّيل إلى آخره ، فتوقفوا عنه ، وحكى
جماعة من شيوخ القميّين عن ابن الوليد أنّه قال : محمد بن أورمة طعن عليه بالغلوّ
، وكلّ ما كان في كتبه مما وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره فَقُلْ بِهِ ، وما
تفرّد به فلا تعتمده ، وقال بعض أصحابنا : أنّه رأى توقيعا من أبي الحسن الثالث
إلى أهل قمّ في معنى محمد بن أورمة وبراءته ممّا قذف به ، وكتبه صحاح إلاّ كتابا
ينسـب إليه ترجمته تفسير الباطن فإنّه مخلّط ... .
وقال الشيخ في
الفهرست : ... قال محمد بن علي بن الحسين [ بن بابويه ] : محمد بن أورمة طعن عليه
بالغلوّ ، فكلّ ما كان في كتبه ممّا يوجد في كتب
__________________
الحسين بن سعيد
وغيره فإنّه يعتمد عليه ويُفتى به ، وكلّ ما تفرّد به لم يجز العمل عليه ولا يعتمد
.
فتأمّل في كلام
القميّين فإنّهم كانوا يخافون أن يكون ابن أورمة من الغلاة الباطنية الذين يعتقدون
ان الصلاة والزكاة والحج وصوم رمضان ، كلُّ منها إنّما هو رجل ، بل كلّ فريضة
فرضها اللّه تبارك وتعالى على عباده هو رجل ، وقد أشار الإمام الصادق 7 إلى تلك الأفكار
الباطلة في جواب كتابٍ للمفضل بن عمر ، فقال معترضاً : « وأن من عرف ذلك الرجل فقد
اكتفى بعلمه من غير عمل ... وأنّهم ذكروا أنّ من عرف هذابعينه وثبت في قلبه جاز له
أن يتهاون ، فليس عليه أن يجتهد في العمل ، وزعموا أنّهم إذا عرفوا ذلك الرجل فقد
قبلت منهم هذه الحدود لوقتها وإن هم لم يعملوا بها ... ، فأُخبرك أنّه من كان يدين
اللّه بهذه الصفة التي كَتَـبْتَ تسألُني عنها فهو عندي مشرك باللّه بيّن الشرك
، لا شك فيه .
بلى أنّ هناك
روايات تشير إلى أنّ الأعمال متوقفة على الاعتقاد بإمامة الأئمة ، وأنّ الصلاة
والصوم والحج لا تقبل إلاّ بولايتهم ، لكن هذا لا يعني أنّهم لو تولوا الأئمّة
لسقطت عنهم الصلاة والصيام والحج ، فالولاية هو شرط قبول الأعمال لا سقوط الأحكام
، ومن خلاله يتضح الفرق بين الشيعي والمغالي.
فلو كان الغلوّ
عندهم بهذا المعنى فلا اختلاف بين المسلمين في أنّه كفر ، قال المجلسي الأوّل :
واعلم أنّ الظاهر أنّ ابن عيسى أخرج جماعة من قُمّ باعتبار روايتهم عن الضعفاء وإيراد
المراسيل في كتبهم ، وكان اجتهادا منه في ذلك ، وكان الجماعة يروون للتأييد ، ولكنّها في
الكتب المعتبرة ، والظاهر خطأ ابن
__________________
عيسى في اجتهاده ،
ولكن لمَا كان رئيسَ قمّ والناسُ مع المشهورين إلاّ من عصمه اللّه ... إلى آخر
كلامه ; .
وعليه : فابن
أورمة ومن على شاكلته من المؤمنين كانوا من المتعبّدين المتهجّدين الّذين يصلّون
صلاة الليل ، فكيف يمكن أن يتصوّر بأنّ هؤلاء كانوا تاركين للفرائض ، وليس لنا
إلاّ ان نقول بأن الأمر قد يرجع إلى اختلافهم مع الاخرين في معنى الايمان إذ يعتقد
بعض المسلمين بأن الاعمال العبادية هي من لوازم الايمان لا أنه الايمان بعينه وقال
بعض آخر من محدثي ومتكلمي المسلمين أنّه الإيمان بعينه ، وهذا يرشدنا إلى وجود
اختلاف بين المدارس الإسلامية في ان الايمان هل هو اعتقاد في الجنان ، واقرار
باللسان وعمل بالاركان ، أم أن العمل بالاركان ، هو من لوازمه لا من ماهيته؟ ولهذا
ترى اختلاف في ذلك بين الشيخ المفيد وبنو نوبخت في هذه المسألة . وقد قال الصدوق ; ـ فيما املاه في
دين الإمامية بالايجاز والاختصار ـ : بالقول الاول إذ قال : « والاقرار بالإسلام
هو الاقرار بالشهادتين ، والإيمان هو اقرار باللسان وعقد بالقلب وعمل بالجوارح ولا
يكون الإيمان إلاّ هكذا » .
فقد يحتمل أن يكون
أمثال ابن أورمة من المعتقدين بأن الاعمال ليست من أصل الإيمان بل من لوازمه ـ
خلافا لامثال الصدوق ـ وبذلك يكون تاخير الصلاة عن وقت فضيلته ، أو عدم اتيانه
بالصلاة لا يعني انكاره لضروري من ضروريات الدين ، بحيث يوجب قتله. وهذا يعني بأنّ
القميّين ـ أو بعضهم ـ كانوا يتسرّعون في إطلاق الأحكام بمجرّد ورود التهمة على
شخص ، بأنه لا يصلي ، هذا ولا يخفى عليك بأن ابن اورمة اتهم بالغلوّ لِما نسب إليه
من أوراق في تفسير الباطن
__________________
والتي لا تليق
بحديثه وحسب تعبير ابن الغضائري : ( واظنها موضوعة عليه )!!
ومثل هذا تراه في
سهل بن زياد الآدمي ، فقد أخرجه أحمد بن محمد بن عيسى من قمّ ، وأظهر البراءة منه
، ونهى عن السماع منه والرواية عنه ؛ لأ نّه يروي المراسيل ويعتمد المجاهيل .
وقال النجاشي
والشيخ في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى : واستثنى ابن الوليد من روايات محمد بن
أحمد بن يحيى في جملة ما استثناه عن سهل بن زياد الآدمي ، وتبعه على ذلك الصدوق
وابن نوح ، فلم يعتمدوا على رواية محمد بن أحمد بن يحيى عن سهل بن زياد .
وهذا التجريح آتٍ
إمّا من غلوّه أو من روايته المراسيل واعتماده المجاهيل.
فأمّا نسبة الغلوّ
فلا تخرج من احتمالين ، أحدهما روايته أخبارا غالية في الأئمّة ، وهذا ما لم نقف
عليه في المعاجم الحديثيّة التي بين أيدينا اليوم ، أو لروايته أخبارا تدعو إلى
إنكار الفرائض ، وكلاهما منقوض بالسيرة العلمية والعملية القطعية لسهل بن زياد ، لأن
سهلاً كان يعلّم الاحكام الشرعية للمؤمنين فضلاً عن العمل بها.
وإذا راجعت الكافي
والتهذيب تجد لسهل من أوّل كتاب الطهارة إلى كتاب الديات في أكثر الأبواب خبرا أو
أزيد فيما يتعلّق بأحكام الدين ، أكثرها سديدة مقبولة ، وأخذها المشايخ عنه
وضبطوها في الجوامع مثل الكافي الذي ذكر في أوله ما ذكر [ أنّ الآثار التي فيه
صحيحة عن الصادقين ] ، ومع ذلك كله كيف يجوز نسبة الغلو إليه .
__________________
قال النجاشي عن
سهل بن زياد : كان ضعيفا في الحديث غير معتمد فيه ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى
يشهد عليه بالغلوّ والكذب وأخرجه من قمّ إلى الريّ وكان يسكنها ، وقد كاتب أبا
محمد العسكري على يد محمد بن عبدالحميد العطار للنصف من شهر ربيع الأوّل سنة خمس
وخمسين ومائتين ، ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح وأحمد بن الحسن رحمهما اللّه ، له كتاب التوحيد ، رواه أبو الحسن .... .
وروى الصدوق في
كتاب التوحيد عن أحمد بن محمد بن يحيى العطار ; ، عن أبيه ، عن سهل بن زياد ، قال : كتبت إلى أبي محمد 7 سنة خمس وخمسين ومائتين : قد اختلف يا سيدي أصحابنا في
التوحيد ، فمنهم من يقول هو جسم ، ومنهم من يقول صورة ، فإن رأيت يا سيدي أن
تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطولاً على عبدك ، فوقع 7 بخطّه : سألتَ عن
التوحيد ، وهذا عنكم معزول ، اللّه تعالى واحد ، صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن
له كفوا أحد ، خالق وليس بمخلوق ، يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك
، ويصوَّر ما يشاء ، وليس بمصوَّرٍ ، جل ثناؤه وتقدّست أسماؤه وتعالى عن أن يكون
له شبيه ، هو لا غيره ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
نحن لا نريد أن
ندرس هذه الشخصيات بقدر ما نريد أن ندرس مواقف القميين منهم ، فقد ضعّف سهل بن
زياد عند النجاشي وابن الغضائري ، وهو أحد قولي الشيخ والمفيد ، لكنّ الآخرين
وثّقوه كالسيّد بحر العلوم ، حيث قال : والأصح توثيقه وفاقا لجماعة من المحقّقين ،
لنص الشيخ على ذلك في كتاب الرجال [ في باب أصحاب الهادي 7 ] ولاعتماد
أجلاّء أصحاب الحديث
__________________
كالصدوقين
والكليني وغيرهم عليه ، واكثارهم الرواية عنه ، مضافا إلى كثرة رواياته في الأصول
والفروع ، وسلامتها من وجوه الطعن والضعف ، خصوصا عمّا غُمِزَ به من الارتفاع
والتخليط ، فإنّها خالية عنها ، وهي أعدل شاهد على براءته عمّا قيل فيه ، مع أنّ
الأصل في تضعيفه ـ كما يظهر من كلام القوم ـ هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ، وحال
القميّين ـ سيما ابن عيسى ـ في التسرّع إلى الطعن والقدح والإخراج من قمّ بالتهمة
والريبة ، ظاهر لمن راجع الرجال ، ولو كان الأمر فيه على ما بالغوا به من الضعف
والغلوّ والكذب ، لورد عن الأئمّة : ذمّه وقدحه والنهي عن الأخذ عنه والرجوع إليه كما ورد في
غيره من الضعفاء المشهورين بالضعف ، فإنّه كان في عصر الجواد والهادي والعسكري : وروى عنهم ، ولم
نجد له في الأخبار طعنا ، ولا نقل ذلك أحد من علماء الرجال ، ولولا أنّه بمكانٍ من
العدالة والتوثيق ، لما سلم من ذلك .
وهكذا غيره ممّن
اتّهم بالغلوّ كمحمد بن سنان. قال المحدث النوري في المسـتدرك : إنّ الذي يظهر من
تتبع الأخبار ـ خصوصا ما ورد في تراجم الغلاة وما ذكروه في مقالات ارباب المذاهب ،
وصريح التوقيع المتقدم ـ : أنّ الغلاة لا يرون تكليفا ، ولا يعتقدون عبادة ، بل
ولا حلالاً ولا حراما ، وقد مرّ في ترجمة محمد بن سنان أنّه لما سألَ الحسينُ بن
أحمدَ عن أحمد بن هليل الكرخيّ : أخبرني عما يقال في محمد بن سنان من أمر الغلوّ؟
قال : معاذ اللّه ، هو واللّه علّمني الطهور ، وحبس العيال ، وكان متقشّفا
متعبّدا .
قال السيّد بن
طاووس في فلاح السائل عن الطعون التي وردت في محمد بن سنان : أقول : فمن جملة
أخطار الطعون على الأخيار أن يقف الإنسان على طعن
__________________
ولم يستوفِ النظر في أخبار المطعون عليه كما
ذكرناه عن محمد بن سنان رحمة اللّه عليه ، فلا يعجل طاعن في شيء مما أشرنا إليه.
هذا وقد كان ; قد قال قبل ذلك :
أقول : وسمعت من يذكر طعنا على محمد بن سنان لعله لم يقف على تزكيته والثناء عليه
، وكذلك يحتمل أكثر الطعون ... ثم أتى بخبر الشيخ المفيد في كتاب « كمال شهر رمضان » عن علي بن الحسين بن داود قال : سمعنا أبا جعفر 7 يذكر محمد بن
سنان ويقول : 2 برضائي عنه ، فما خالفني ولا خالف أبي قطّ .
وعليه : فإنّ
الغلوَّ المعنيَّ في كلام القميّين كان هو الثاني ، وأنّهم كانوا يخافون ممن يعتقد
أنّ معرفة الإمام مسقطةٌ للفرائض ، فكانوا يتبرّؤون منهم ، ويمتحنونهم بالصلاة
وأمثالها من الضروريات ، فإن ادوها تركوهم كما رأيتهم مع ابن أورمة ، وما قاله
أحمد بن هليل الكرخي في محمد بن سنان « معاذ اللّه ، هو واللّه علمني الطهور » ، وما حكاه الغضائري عن الحسين بن شاذويه بأنّه رأى له
كتاباً في الصلاة سديداً ، لان الغلو لا يجتمع مع العبادة وتعليمها ، وهذه المواقف
جديرة بالتقدير ، لأنّ الاعتقاد بمثل هذه الأمور تستوجب القتل أو الطرد ، وذلك
لإنكارهم ضروريّات الدين الحنيف وهذا لا غبار عليه ، لكنّ الاشكالية التي كانت
تؤخذ عليهم هي أنّهم كانوا يتسرّعون في إطلاق الأحكام على الأفراد بمجرّد التهمة ،
وهذا ما لا نرتضيه.
أمّا دعوى أنّ
القميّين اعتقدوا منزلة خاصّة من الرفعة أو أنّهم كانوا مقصّرين في حقّ الأئمّة
فهو غير صحيح ، لأنّ أغلب المعارف الولو ية ( الولائية ) قد جاءت بأسانيدهم وفي
كتبهم ، وأنّ حدود ٧٠ % من رواتنا منهم ، فلو كان هؤلاء الرواة الاعاظم لا يدركون
كلمات ومقامات الأئمّة فمن يدركها اذن؟ وكيف وصلت إلينا تلك المعارف عن الأئمة الم
تكن بواسطتهم؟
__________________
فالزيارة الجامعة الكبيرة التي فيها عمدة مقامات
الأئمّة وصفاتهم وكمالاتهم لم يروها أحد غير القميون ، والشيخ رواها عن الصدوق ; ، والصدوق رواها
معتقدا بجميع فصولها ودلالاتها في « الفقيه » الذي صرّح في مقدّمته : « قصدت إلى إيراد ما أُفتي به وأحكم بصحّته
وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني وبين ربّي ».
إذن معرفة
القميّين بالأئمّة إن لم تكن أرسخ من معرفة البغداديين فهي ليست بأقل منها قطعا ، وإن
ولائهم للأئمّة مما لا يمكن المزايدة عليه ، وهي حقيقة ثابتة ، نعم يمكن مؤاخذتهم
في عدم التأنّي في صدور الأحكام والاستعجال برمي الآخرين بالوضع أو التفو يض ؛ إذ
وقفت سابقا على كلام الصدوق ; تبعا لشيخه ابن الوليد بأن أصل زيد النرسي وضعه محمد بن
موسى الهمداني في حين ثبت لك عكس ذلك.
أنّ ابن الغضائري
رغم تجريحه لكثير من المحدّثين قد قوّى من ضعفه القميّون جميعا ؛ كأحمد بن الحسين
بن سعيد ، والحسين بن شاذو يه ، وزيد الزّراد ، وزيد النرسي ، ومحمد بن أورمة ، لأ
نّه رأى كتبهم وأحاديثهم صحيحة ، ويشهد على ذلك ما قاله في محمد ابن أُورمة وأنّه نظر
في كتبه ورواياته كلّها فوجدها نقيّة لا فساد فيها ، إلاّ أوراقا في الباطن
ظَنَّها مكذوبة عليه.
وهذا يشير إلى أنّ
منهج ابن الغضائري ; كان يختلف عن منهج القميّين ؛ لأ نّه كان يلحظ أرجحيّة
الرواية ، في حين كان القميّون ينظرون إلى وثاقة الراوي. وبذلك تكون توثيقات
المتشدد من الرجاليين في أعلى مراتب الاعتبار ، وخصوصا من قِبَل ابن الغضائري
لكونها قليلة ، والذي قال عنه المحقق الداماد : قلّ أن يسلم أحد من جرحه أو ينجو
ثقةٌ من قدحه.
وكذا كلامه ; في اعتقاداته :
من علائم التفو يض والغلوّ أنّهم يتّهمون علماء قمّ بالتقصير.
فإنّ هذين النصيّن
وأمثالهما يؤكدان تَسرُّعَ القميين في إطلاق الأحكام على
الآخرين وعلى
رواياتهم تبعا لذلك ، وبمقايسة بسيطة بين كلامي الشيخ الصدوق القمّي في « الفقيه » وبين الشيخ الطوسي البغدادي في « المبسوط » حول في الشهادة الثالثة تقف بوضوح على ما قلناه من افتراق
هذين المنهجين.
فالصدوق ; يرمي القائلين
بالشهادة بالولاية بالغلوّ والتفويض بمحض الادّعاء ؛ إذ ليس في كلامهم ما يدل على
ذلك ، لان الصيغ الثلاث التي أتى بها الصدوق ; ليس فيها ما يدلّ على التفويض والغلوّ ، لأنّ المؤذّن يشهد
بالولاية لعلي وهو حقّ عند الصدوق ، فلا تراه يقول : اشهد ان عليا محي الموتى ورازق العباد ، حتّى يُنتزَع منه الغلوّ والتفو يض.
وسيأتي في بحوث
لاحقة أنّ القائل بالشهادة الثالثة قد يدفعه لذلك أمرٌ آخر غير الجزئية ؛ فقد يكون
القائل بها قالها لكي يبيّن للمفترين عليه أنّه لا يقول بِأُلوهيّة عليّ ، وكذا لا
يقول بأنّ معرفته بالإمام تسقط عنه التكاليف الشرعية. لأ نّه يشهد للّه
بالوحدانية ، وللنبي بالنبوة ، ولعلي بالولاية والإمامة داعيا المؤمنين لادى الفرض
الالهي.
وفَرضُ سماعِ
الشيخ الصدوق ، أو أحد مشايخه القول بالشهادة الثالثة في الأذان من أحد القائلين
بها ، لا يعني أنّهم وضعوها إذ قد يكونون قالوها من باب القربة المطلقة ، أو لرفع
ذكر علي ، أو لدفع تهم المتهمين للشـيعة بأ نّهم غلاة ، أو لغير ذلك من الأسباب
المحتملة في مثل هذا الأمر .
وأمّا الشيخ
الطوسي ; فلم يرمِ القائلين بالشهادة الثالثة بالوضع ، بل أخبرنا بوجود أخبار شاذة لا
يُعمل بها عند الطائفة ، لكن لو فعلها انسان وعمل بها لم يأثم ، وهو منهج صحيح
يقبله كل فقيه ـ أو متفقه ـ في بت الأحكام ، فهو قد
__________________
اعتبرها أخبارا
صحيحة وفي نفس الوقت لم ير العمل بها ، لعدم عمل الطائفة بها ، لكن لو أتى بها آتٍ
بنيّة رجاء الورود أو لمجرّد إظهار الاعتراف والإذعان بما يعتقده في خليفة رسول
اللّه ، أو للعمومات وغيرها ، «
فلا يأثم ».
ونحن بكلامنا هذا
لا نريد أن نُخَطِّئَ شيخنا الصدوق ; ، بل نريد الإشارة إلى ان الاحكام الصادرة من قبله ; جاءت شديدة على
الأفراد والمجاميع ، وكذا لا نريد أن نُبَرِّيءَ ذمّة الغلاة والمفوّضة الّذين
دسوا أحاديث في الشريعة ، لكن في الوقت نفسه نقول أنّ الجزم بوضع المفوضة والغلاة
لهذه الاخبار تطرف من الشيخ ; ، ولنا أن نقول كذلك : أنّ القائلين بالشهادة الثالثة
إنّما قالوها دفاعا عمّا اتُّهموا به ، فقالوا بأنّ عليا ولي اللّه وهو حجّته
وليس بإله ولا نبي ، وهذا أبعد عن الغلوّ والتفو يض.
وعليه فإن ثبت تَسَرُّعُه
في الحكم بالوضع فيما حكم عليه ـ كما في الأمور التي مضت علاوة على أخبار الشهادة
الثالثة ـ فيجب ترك كلامه والأخذ بالأمر المعتدل ، وهو مخرج تمسّك به بعض الفقهاء.
وإن ثبت صحّة
كلامه وأنّ المفوّضة قد وضعوا في الأذان وزادوا من عند أنفسهم على نحو الجزئية فنحن
مع أئمّتنا ومع شيخنا الصدوق قدسسره نلعن من يضع الأحاديث على لسان الأئمّة ويُدخِل
في الدين ما ليس منه ، وهذا مما يجب بحثه في الفصول الثلاثة القادمة إن شاء اللّه
تعالى.
٣ ـ الشهادة الثالثة شرع أم بدعة؟
البدعة في اللّغة
: هو إحداث شيء لم يكن له من قَبْلُ خَلْقٌ ، ولا ذكرٌ ، ولا معرفة .
وفي الاصطلاح :
إدخال ما ليس من الدين في الدين ، قاصدا التشريع.
والبدعة قد تأتي
من ترك السنّة ، لقول علي بن أبي طالب : ما أُحدثت بدعة إلاّ ترك بها سنة ، فاتّقوا
البدع ، والزموا المهيع ، إنّ عوازم الأُمور أفضلها ، وإنّ محدثاتها شرارها .
ومثالها : هو
ابتداع « الصلاة
خير من النوم » في أذان الصبح وترك «
حي على خير العمل » ، فجاء عن أبي الحسن الكاظم 7 قوله : «
الصلاة خير من النوم بدعة بني امية »
، وفي موطا مالك ان عمر هو الّذي قد شَرَّعها.
وقد سأل رجل
الإمام عليّا 7 عن السنة والبدعة ، والفرقة والجماعة ، فقال 7 : أما السنة فسنة
رسول اللّه ، وأما البدعة فما خالفها ، وأمّا الفرقة : فأهل الباطل وإن كثروا ، وأما
الجماعة : فأهل الحق وإن قلوا .
وروي عن ابن مسعود
أنّه قال : خطّ رسول اللّه 6 خطا بيده ثم قال : هذا سبيل اللّه مستقيما ، ثم خط خطوطا
عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال : وهذه السبل ، ليس منها سبيل إلاّ عليه شيطان
يدعو إليه ، ثم قرأ ( وَأَنَّ
هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ )
.
__________________
وقال الإمام علي :
أيّها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب
اللّه ، يقلّد فيها رجال رجالاً .
ولاجل كثرة هذه
السبل لا يدري المسلم العادي هل أنّ رسول اللّه قبض يده في الصلاة أم أرسلها؟ وهل
أنّه شرّع المتعة أم منعها؟ وهل التكبير على الميت هو أربع تكبيرات أم خمس؟ وهل
الطلاق ثلاثا يقع في تطليقة واحدة أم لا؟ وهل يصح القول حسبنا كتاب اللّه ، مع
أنّه سبحانه قد جعل تبيين الأحكام لرسوله الامين بقوله : ( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ
مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ )؟
قال الشيخ المجلسي
في بحار الأنوار : البدعة في الشرع ما حدث بعد الرسول 6 ولم يرد فيه نصٌّ
على الخصوص ، ولا يكون داخلاً في بعض العمومات ، أو ورد نهي عنه خصوصا أو عموما ...
إلى أن يقول عن صلاة التراو يح :
ولما عيّن عمر
ركعات مخصوصة على وجهٍ مخصوصٍ في وقتٍ معيّنٍ صارت بدعةً.
وكما إذا عيّن
أحدٌ سبعينَ تهليلةً في وقت مخصوص على أنّها مطلوبةٌ للشارع في خصوص هذا الوقت بلا
نصّ ورد فيها ، كانت بدعة.
وبالجملة : إحداث
أمر في الشريعة لم يرد فيها نصٌّ بدعة ، سواء كانت أصلها مبتدعا أو خصوصيّتها
مبتدعة . كأن يقول بأن الشارع أمرنا ان نقول كذا.
وقال الشيخ يوسف
البحراني في الحدائق الناضرة ـ عن صلاة التراويح ـ لا
__________________
ريب في أنَّ
الصلاةَ خيرُ موضوعٍ ، إلاّ أنّه متى اعتقد المكلّف في ذلك أمرا زائدا على ما
دلَّت عليه هذه الدلالة من عددٍ مخصوص ، وزمانٍ مخصوص ، أو كيفيّة خاصة ؛ ونحو ذلك
، ممّا لم يقم عليه دليل في الشريعة ، فإنَّه يكون محرَّما ، وتكون عبادته بدعة ، والبدعيّة
ليست من حيث الصلاة ، وإنَّما هي من حيث هذا التوظيف الذي اعتقده في هذا الوقت ، والعدد
، والكيفية ، من غير أن يَرِدَ عليه دليل .
وهذان النصّان
صـريحان في بدعية أي عمل يُؤتى به بقصد التشريع ولم يكن موظَّفا قبل ذلك في الشرع
، لأن الأُمور العبادية هي أُمور توقيفية لا يصحّ الأخذ بها إلاّ بنص من الشارع ، ولا
يصحّ الزيادة والنقصان فيها بأيّ حال من الأحوال ، أمّا لو أتى بعملٍ طبق رواية
غير معمول بها أو قل ضعيفة ، أو أتى بها بقصد القربة المطلقة ، أو للعمومات
الواردة من قبل الشارع ، أو اتى بها على أنّها عمل مستحب ـ له دليله ـ ضمن عمل
مستحب اخر لا على نحو الجزئية فلا يسمى هذا بابتداع ، لأنّ المكلّف كان في عمله
هذا قد اتبّع دليلاً عامّا أو كنائيا أو مستحبا له دليله الخاص ضمن المستحب أي انه اتبع نصا
ودليلاً أو اعتمد واجتهد طبق مبنى ، خصوصا لو صَرَّح الإنسان بأ نّه لا يأتي
بالشهادة الثالثة مثلاً على أنّها من أصل الأذان ، بل للعمومات الواردة في الولاية
، لاقتران الشهادات الثلاث معا في جميع المشاهد وعلى لسان الرسول والأئمة ، ولوحدة
الملاك بين النداء باسم علي في السماء مع النداء باسمه في الأرض ، ولرجاء
المطلوبية ، ولكون ذكر علي عبادة وما يشابهها. إذ لكل هذه الامور ادلة من الشرع ، فالمؤمن
لو اتى بالشهادة الثالثة طبقا لهذه الاخبار لم يكن مأثوما لان عمله جاء عن دليل لا
راي ، فيجب ان يبحث عن
__________________
دليلته هذا الدليل
لا ان يرمي بالبدعة وادخاله في الدين ما ليس من الدين ولنقرب المسألة بشكل آخر ، فنقول
:
روى الكليني والصدوق والبرقي عن النوفلي ، عن
السكوني ، عن أبي عبداللّه ، عن آبائه : ، قال : قال أمير المؤمنين : السنّة سنّتان : سنّة في
فريضة ، الأخذ بها هدى وتركها ضلالة ، وسنّة في غير فريضة ، الأخذ بها فضيلة ، وتركها
إلى غير خطيئة.
وفي رواية المحاسن
: وتركها إلى غيرها غير خطيئة.
وروت العامة هذا
الخبر عن أبي هريرة ـ بتغيير في العبارة ـ قال : قال رسول اللّه : السنة سنتان :
سنة في فريضة ، وسنّة في غير فريضة ، السنة التي في الفر يضة أصلها في كتاب اللّه
، أخذها هدى وتركها ضلالة ، والسنة التي ليس اصلها في كتاب اللّه ، الأخذ بها
فضيلة وتركها ليس بخطيئة .
وحكى السرخسي عن
مكحول أنّه قال : السنة سنتان سنة أخذها هدى وتركها ضلالة ، وسنة أخذها حسن وتركها
لا بأس به.
فالأول : نحو صلاة
العيد ، والأذان والإقامة ، والصلاة بالجماعة ، ولهذا لو تركها قوم استوجبوا اللوم
والعتاب ، ولو تركها أهل بلدة وأصروا على ذلك قوتلوا عليها ليأتوا بها.
والثاني : نحو ما
نقل من طريقة رسول اللّه 6 في قيامه وقعوده ولباسه وركوبه.
وسننه في العبادات
متبوعة أيضا ، فمنها ما يكره تركها ، ومنها ما يكون التارك مسيئا ، ومنها ما يكون
المتّبع لها محسنا ولا يكون التارك لها مسيئا إلى اخر كلام
__________________
السرخسي .
والآن لنقف هنيئة
عند رواية مدرسة آل البيت : الآنفة عن علي ، لنرى مدى دلالتها ، وهل تحتاج إلى تعليق
أم لا؟ إذ المعلوم بأنّ السنّة التي جاءت عن النبي هي على شاكلتين :
إحداهما : سنة في
فريضة ، وهي واجبةُ الإتيانِ بها ، مثل السبع ركعات التي أضافها النبي إلى العشر
المأمور بها سابقا في صلاة الفريضة من قبل ربّ العالمين والمصرّح بكون هذه الزيادة
سنة ، كما في رواية زرارة.
والثانية : سنّة
مستحبّة ، تركها إلى غيرها غير خطيئة ـ كما جاء في رواية المحاسن ـ وهي مثل اختلاف
صيغ أذكار النبيّ في الصلوات وما شابهها ، فإنّ تركَ إحداها إلى الأُخرى ليس فيه
خطيئة.
ومن هذا الباب لا
يجوز إبدال « اللّه
أكبر » بـ « سبحان اللّه » أو «
اللّه أعظم » لانها بدعة لا خلاف فيه ، لأنّ « اللّه اكبر » هو ممّا اتّفق الجميع على جزئيته وكونه من الأذان ، فهو
فصل لا يمكن تبديله والتغيير فيه ، فهو كالواجب فيه وإن كان الأمر تعلّق بما هو
مستحبّ كالأذان ، لأنّ الذي يريد أن يقولها فهو قد اتّبع إجماع الأ مّة على
جزئيّتها ، وبذلك يكون الأخذ بها هدى وتركها ضلالة.
أمّا اعتبار تربيع
التكبير في الإقامة أو تثنيته كما ورد في روايات الصدوق والشيخ الطوسي رحمهما
اللّه وغيرهما ، ومثله في غيرها من الأحكام التخييرية ، فإنّ الإتيان بكلّ واحدة
منها جائز ، لورود النصوص في كل واحدة منهما ، وإنّ العمل باحدى أقسامها لا يخدش
في ترك الأُخرى منها ، لقوله 7 : «
وتركها غير خطيئة » وخصوصا إذا كانت الرواية المعمول بها صحيحة ، وبذلك يكون الاختلاف بين
الأصحاب في سنيّة هذه السنة ، لا الاختلاف في الفريضة حتى يقال
__________________
أنّه مذموم.
وبمعنى آخر : إنّ
الذي جاء عن رسول اللّه 6 هو على نحو ين: إما هو في سنة ثابتة لا خلاف فيها ، فيكون
بمنزلة الفريضة وتركها إلى غيرها خطيئة كما في ابدال كلمة « اللّه أكبر ».
وإمّا أن لا تكون السنة محددة في فرد معيّن ، وذلك لتعدد
النصوص عنه 6 فيها ، فيكون الأخذ بإحداها جائزا وترك الآخر منها ليس فيه خطيئة ، ومن هذا
القبيل يكون الحديث الشاذ عند علماء الدراية ، فهو خبر يشبه الروايات التخييرية
بفارق ان الثاني له الحجية الفعلية اما الأخبار الشاذة فحجيتها اقتضائية وذلك لعدم
عمل الاصحاب بها.
ولنوضح هذا الامر
بمثال في الأذان ، إذ ورد الاجتزاء بجملة واحدة منه في موارد ، منها : أذان
المسافر ، وعند العجلة ، وفي المرأة بل ورد في أذان المرأة الاكتفاء بالتكبير والشهادتين دون
الحيعلات ، وفي بعض الروايات الاكتفاء بالشهادتين فقط ، وجاء عن ابن
عباس أنّه كان يكتفي بالشهادتين عند
__________________
المطر ، وأجيز للمؤذن
أن يقول « حي على
الصلاة » أو « حي على الفلاح » أكثر من مرتين إذا كان إماما يريد به جماعة القوم ليجمعهم. وهذه هي
الروايات التخييرية ومنها نفهم التوسعة في أمر الأذان ، أي انّ المكلّف لو أتى
بواحدة من هذه الأُمور فأذانه صحيح وقد أخذ بالسنة ، وإن كان قد ترك بفعله سنة
اخرى.
وعليه فلا يمكن تصوّر
البدعة في امر موسع كالأذان ـ وحسب تعبير صاحب الجواهر : « والامر فيه سهل » ـ إلاّ بعد معرفة السنّة ، لأنّ البدعة أمر مركّب مؤلّف من
عقدين : عقد إيجابي وعقد سلبي ، وكما قال الإمام علي « أما السنّة فسنة رسول اللّه ، وأما البدعة
فما خالفها » فبعد ثبوت السنّة
يأتي دور ما يخالفها وهي البدعة.
وفي ما نحن فيه ، لابدّ
لمدّعي نفي الشهادة الثالثة ـ من الأذان والإقامة مطلقا حتى بعنوان الاباحة ـ أن
يثبت أنّها خلاف السنة على نحو التصادم والتعارض ، وان دعواهم عدم ذكرها في روايات
المعصومين لا ينقضه ، لعدة جهات :
الأولى
: أنّه لا ملازمة
بين عدم الذكر وبين البدعية التي تستلزم الحرمة ، فالحكم بالاباحة والحلّيّة
والطهارة والجواز فيما لا نص فيه ، ليس بدعةً باجماع المسلمين ، فركوب الطائرة
مثلاً مباح بالإجماع لأصالة البراءة وليس ببدعة ، وقد يكون مسـتحبّا لتسريع المقصد
وحفظ الوقت.
__________________
ومن هذا القبيل
مسألة الشهادة الثالثة فعدم وجود نص على تشريعها لا يعني بدعيّتها بكلّ تقدير حتى
بتقدير الإباحة والمحبوبية المطلقة ، وخصوصا مع معرفتنا بالظروف السياسية التي
حكمت الشيعة في العصور الاولى وسيأتي في الفصل الاول أن هناك نصوصا قد حكاها الشيخ
بهذا الشان .
الثانية
: إنّ المطالع سيقف
بعد قليل على أنّ الشهادة بالولاية في معناها العام الشامل ، وأنّها شرط الإيمان ،
كانت على عهد رسول اللّه ، وأن النبي 6 والأئمّة من ولده ، كالباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا
، والهادي : قد أكدوا على هذه الحقيقة تصريحا وتلويحا وايماءً واشارةً ، وهذا يؤكّد على
محبوبيّة الشهادة بالولاية مطلقا في كل حال. واقصى ما يمكن قوله في عدم ذكر الأئمة
لها هو عدم جزئيتها لا عدم محبوبيتها.
الثالثة
: صرّح الشيخ
الطوسي ، والشهيد والعلاّمة ، ونقلاً عنهم المجلسي ، وصاحب الجواهر ، وغيرهم بوجود
أخبار دالة على الشهادة الثالثة ، فقال المجلسي : لا يبعد كون الشهادة بالولاية من
الأجزاء المستحبّة في الأذان ؛ لشهادة الشيخ ، والعلاّمة ، والشهيد ، وغيرهم بورود
الأخبار بها .
وقال صاحب الجواهر
: لا بأس بذكر الشهادة بالولاية ، لا على سبيل الجزئية ، عملاً بالخبر المزبور .
ووجود هذه الاخبار
تخرج موضوع الشهادة الثالثة من البدعية.
الرابعة
: يمكن التوسعة في
معنى السنّة ـ وحسب تعبير الإمام عليّ ـ والقول ـ
__________________
فيما نحن فيه ـ :
بأنّ الروايات الناصّة على أن فصول الأذان هي اثنان واربعون فصلاً ، والتي رواها
الصدوق في ( الهداية ) وأشار إليها الطوسي في النهاية إنما هي ناظرة إلى ادخال الشهادة الثالثة في الأذان ، وإن
كان الشيخ الطوسي ـ فيما رواه ـ قد صوّر ذلك بشكل يخرج الشهادة الثالثة عنها ؛
لظروف التقية التي كان يعيش فيها ، أو لأي شيء آخر ، فقال ; :
|
ومن
روى اثنين وأربعين فصلاً ، فإنه يجعلُ في آخر الأذان التكبير أربع مرات ، وفي
أوّل الإقامة أربع مرّات ، وفي آخرها أيضا مثل ذلك أربع مرات ، ويقول : ( لا إله
إلاّ اللّه ) مرّتين في آخر الإقامة ، فإن عمل عامل على إحدى هذه الروايات لم
يكن مأثوما .
|
فالشيخ ; وبقوله الآنف
أراد بيان صورة الزيادة الفارقة بين الروايات المشهورة والمعمول بها عند الأذان
والإقامة ، أعني ٣٥ فصلاً مع ما روي في كونها ٤٢ فصلاً بالتصوير التالي :
١ ـ زيادة مرتين « اللّه اكبر » في آخر الأذان ، وبه يصير التكبير في آخرها أربعا.
٢ ـ زيادة مرتين « اللّه اكبر » في أول الإقامة ، وبه يصير التكبير في أول الإقامة أربعا.
٣ ـ زيادة مرتين « اللّه اكبر » في آخر الإقامة ، وبه يصير التكبير في آخر الإقامة اربعا.
٤ ـ زيادة مرة
اخرى « لا إله
إلاّ اللّه » في آخر الإقامة.
وهذه الزيادات
السبعة لو اضيفت إلى الفصول المشهورة والتي هي ٣٥ فصلاً لصارت ٤٢ فصلاً.
__________________
لكننا نحتمل الأمر
بشكل آخر مصورين في ذلك الروايات الشاذة التي حكاها الشيخ الطوسي ويحيى بن سعيد
الحلي والعلاّمة الحلي على نحو ين :
الأول : ما رواه
الشيخ الطوسي وصوره آنفا قبل قليل.
الثاني : ان نجمع
بين الروايات التي وصفها الشيخ الصدوق بالوضع والشيخ الطوسي بالشذوذ بالشكل الاتي
:
نحن لو أخذنا
برواية أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي ، والتي أكدّ الشيخ الصدوق على صحتها ، ولم
يرتضي الزيادة والنقصان فيها ، والتي كانت فصولها ٣٦ فصلاً لقوله ; : « والإقامة كذلك » ، واضفنا إليها الشهادة بالولاية مرتين في الأذان ، ومرتين
في الإقامة ، وقلنا بـ «
قد قامت الصلاة » مرتين في الإقامة ؛ لان الشيخ الصدوق لم يذكرها فيما رواه عن أبي بكر الحضرمي
وكليب ، وبهذا التصو ير صح إدّعاء وجود الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة في
الروايات التي وصفها الشيخ الطوسي بالشاذّة ، والتي افتى بأنّ العامل بها غير
مأثوم. إذ لا يمكن تصور شيء آخر في الاخبار الشاذة إلاّ كما قلناه ، لان فصول
الأذان والإقامة لم تزد عند الشيخ الطوسي على ٤٢ فصلا ، وبذلك يكون أما ما صوره ; وإما ما تصورناه
واحتملناه.
هذا وقد قال الشيخ
محمد تقي المجلسي في روضة المتقين ، بأنّ الأخبار التي جاءت في عدد فصول الأذان هي
أكثر مما قيلت فقال ; :
... مع أنّ
الأخبار التي ذكرنا في الزيادة والنقصان وما لم نذكره كثيرة ، والظاهر أنّ الأخبار بزيادة هذه الكلمات أيضا كانت في
الأُصول ، وكانت صحيحة أيضا ، كما يظهر من المحقّق والعلاّمة والشهيد 4 ، فأ نّهم
نسبوها إلى الشذوذ ، والشاذُّ ما يكونُ صحيحا غيرَ مشهور ... .
__________________
وفي الجملة إنّ
مجموع الجهات الأربع وخصوصا الأُوليين منها يوقفنا على خطأ دعوى بدعيّة الشهادة
الثالثة ، بمجرّد عدم مجيئها في كلام الأئمة ، إذ قد تبيّن أنّ الأصل هو الإباحة ،
والإباحة ، بضميمة عمومات كثيرة أُخرى ترتفع إلى مرتبة الاستحباب ، خاصّة مع
ملاحظة الأخبار الصحيحة غير المشهورة في رجحان الإتيان بها كما جزم به المجلسيّ
وغيره ، والّتي وُصِفَتْ بالشذوذ.
وقد يقال هنا
بإمكان إثبات الجزئية الواجبة لها فضلاً عن الاستحبابية ، لأ نّه لو قيل بعدم
تماميتها في الجزئية الواجبة ، فلا يمكن الخدش في دلالتها على الجزئية الاستحبابية
، لقاعدة التسامح في أدلة السنن أو بقصد القربة على اختلاف المبنيين ، وكذلك
للعمومات الواردة في لزوم مقارنة الرسالة بالوصاية في كل شيء : « من قال محمد رسول
اللّه فليقل علي أمير المؤمنين » و «
أينما ذُكرتُ ذُكرتَ معي » وغيرها من الأدلة العامّة التي سيأتي بحثها.
وعليه ، فإنّ
التوقيفية في العبادات لا يمنع من الإتيان بالشهاة الثالثة حسب البيان الذي قلناه
، وبرجاء المطلوبية استنادا إلى الأخبار التي أشار إليها الصدوق والطوسي رحمهما
اللّه ومن تبعهما في ذلك كالعلاّمة ويحيى بن سعيد رحمهما اللّه ، وطبقا للعمومات
التي جاءت في الشريعة ، إلى غيرها من الأدلّة التي ذكرها فقهاؤنا الأقدمون.
والملاحظ أنّ غالب
الشيعة الإمامية لا تأتي بالشهادة الثالثة على أنّها جزءٌ ، بل بقصد القربة
المطلقة وأمثالها ، فانهم لو كانوا يقولون بالجزئية لما اختلفت الصيغ الدالّة على
الشهادة الثالثة عندهم : «
أشهد أن عليّا ولي اللّه » ، ومنهم من روى « محمد وآله خير
البريـة » ، و « محمد وعلي خير البشر
».
__________________
فإن اختلاف هذه
الصيغ في الأذان ، ومجيئها تارة بعد ( حي على خير العمل ) وأُخرى قبلها ، يؤكّد
عدم قولهم بالجزئيّة ، ويشير إلى أنّهم يأتون بهذه النصوص في الأذان على أنّها
تفسيرية لمعنى الولاية دون اعتبارها من أصل الأذان ، وبسبب القول بعدم الجزئيّة أكّد
غالب الفقهاء في رسائلهم العملية على أن الشهادة الثالثة هي ليست من أصل الأذان ، ومن
أراد أن يأتي بها فله أن يأتي بها من باب الحصول على المثوبة والتبرّك بذكر عليّ 7 ، الذي هو عبادة
ـ طبق النصوص الشرعية ـ لأن العبادات لا تقبل إلاّ بهم كما هو مفاد كثير من
العمومات.
وبهذا ، فقد عرفنا
أنّ الشيعة وبعملهم هذا قد استندوا في إتيانهم بالشهادة الثالثة على أدلّة شرعيّة
كانت موجودة عندهم ، وأنّ ظروف التقيّة الّتي كانوا يعيشونها هي التي حدّت من
انتشارها ، فإنّ تصريح فقهائهم بلزوم الإتيان بها لمحبوبيتها الذاتية ، أو بقصد
القربة يؤكّد على أنّهم لا يقولون بأنّها من فصول الأذان ، حتى يقال بأ نّهم
أدخلوا في الدين ما ليس منه ، قاصدين بعملهم التشريع المحرم.
الأقوال في المسألة
قبل الدخول في أصل
الدراسة لابدّ من الإشارة إلى أمرين :
أحدهما : إنّ بعض
الفقهاء وحين بحثهم عن الشهادة الثالثة قد خلطوا بين النصوص الأذانية والنصوص
الإيمانية الواردة في علي بن أبي طالب في الإسراء والمعراج والأدعية وتقارن ذكر
الولاية مع ذكر النبّوة في كلّ الشريعة.
فلو أراد الفقيه
الاستدلال على الجزئية الواجبة لما أمكنه التمسك بهذه الأدلة الإيمانية وحدها ، بل
عليه أن يأتي بنصّ خاص قد ورد في الأذان ، وأمّا الذي يريد الإشارة إلى محبوبيّتها
والتأكيد على رجحانها النفسيّ فيمكنه الاستدلال بذلك من باب وحدة الملاك وبقصد
القربة المطلقه.
وثانيهما : الإشارة
إلى حقيقة الأمر المركّب وأنّه يتألف من أجزاء متعدّدة ، والجزء فيه لا يخلو من
وجهين :
١ ـ إما أن يكون
جزءا واجبا ، ويسمّى بـ «
جزء الماهية ».
٢ ـ وإما أن يكون
جزءا مستحبّا ، ويسمى بـ ( جزء الكمال أو الفرد ) وقد عبرنا عنها بالجزئية تسامحا.
والجزء الواجب هو
ما يُقوّم ماهية المُركّب ولا يتحقّق المركَّبُ بدونه ، بمعنى أنّ أمر الشارع
يتعلّق بالمركّب دون الأجزاء ، لأن الجزئية من الأحكام الوضعيّة لا التكليفية ، وهي
من الأمور غير القابلة للجعل ، فالنزاع فيها لم يكن لفظيّا حتّى يمكن تصحيحه ، وعليه
فالأمر يتعلّق بالكلِّ بما هو كلٌّ ، فمثلاً الحجُّ مؤلّفٌ من
__________________
الإحرام ، والطواف
، والسعي ، والوقوف بعرفات ، ورمي الجمار و ...
ولا يتحقّق الحجُّ
إلاّ بإتيان جميع هذه الأجزاء ، ولا يمكن التخلّي عن بعضها ، فلو نقصَ واحدة من
هذه الأجزاء عُدَّ حجّه باطلاً.
وأمّا الجزء
المستحبّ فهو الجزء غير الضروري بل الكمالي فيه ، فلو فعله المكلّف لكان منه فضيلة
، ولو تركه فهذا لا يوجب الإخلال بأصل العمل.
مثاله : القنوت ، فهو
مستحبُّ سواء في الصلاة أو في غيرها ، وكذا الاستغفار فهو مستحب سواء في الصلاة أو
في غيرها ، وقد ورد استحبابه بعد التسبيحات في الركعتين الثالثة والرابعة ، فإنّ
الإتيان به فضيلة ، لكن تركه لا يضرّ بالصلاة. بل كلُّ ما في الأمر هو عدم حصوله
على الثواب الكامل المرجوّ من عبادته ، ومن هذا القبيل قوله 6 : لا صلاة لجار
المسجد إلاّ في المسجد .
ولا تختلف الجزئية
الواجبة بين أن تكون ضمن الصلاة الواجبة أو الصلاة المستحبة ، فمثلاً : الركوع هو
جزء واجب في الصلاة سواء كانت الصلاة واجبة أو مستحبة ، أي أنّ المكلّف لو لم يأت
بالركوع فصلاته باطلة ، سواء كانت الصلاة واجبة أم مستحبة ، وهكذا الحال بالنسبة
إلى الطواف ، فهو جزء واجب في الحج سواء للعمرة المفردة أو لحجّة الإسلام.
والآن لنأتي إلى
موضوع الشهادة الثالثة ، فالبعض يرى استحباب الإتيان بها لأ نّها شرط الايمان ، أو
أنّه مستحب ضمن مستحب ، والآخر يرى جزئيَّتها ضمن الأذان والإقامة.
والذين يرون
جزئيتها ، البعض منهم يرى جزئيتها الواجبة والاخر يرى جزئيتها المستحبّة ، بمعنى
أنّ الذين يرون جزئيتها الواجبة يعتقدون بأنّ الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة
هي من الاجزاء المقوّمة للماهية وبدونه لا يتحقّق الأذان ، أي أنّ الدليل على
شرعيّة الأذان حينما صدر عن الشارع كان متضمّنا
__________________
للشهادة الثالثة ،
فلا يمكن أن يتحقق الأذان بدونها ، وهذا هو رأي نزر قليل من علمائنا.
أمّا القائلون
بجزئيتها الندبيّة ـ أي ما يتحقق به الكمال ـ وهم الأكثر بين فقهائنا ، فيرونها
كالقنوت في الصلاة.
وهناك من يرى حرمة
أو كراهة الاتيان بها حسب تفصيل قالوا به.
وإليك الآن
الأقـوال المطروحة فيها ، ثمّ بيان ما نريد قوله بهذا الصدد ، والأقوال في المسألة
، هي :
١ ـ إنّ الشهادة
الثالثة هي شرط الإيمان لا جزء الأذان ؛ لكونها مستحبّا نفسيا وعملاً راجحا
بالأصالة ، وهو عمل حسن لا يختص بالأذان فحسب ، بل هو ما يجب الاعتقاد به قلبا ، فالمسلم
يمكنه أن يأتي بالشهادة الثالثة على أمل الحصول على الثواب المرجوّ من إعلانها ، بقصد
القربة ، لا بعنوان الجزئية الواجبة أو الاستحبابية ، بل إعلاما لما يعتقد به قلبا
من الولاية لعلي وأبنائه المعصومين.
فإذا كان كذلك
فليكن واضحا صريحا معلنا في الأذان ، وذلك للعمومات الكثيرة الواردة في القرآن
الحكيم ، كقوله تعالى : ( أَطِيعُواْ
اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ ) وقوله : ( فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
ولِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) وقوله : ( مَّآ
أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرْى ، فَلِلَّهُ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُربَى ) ، والاحاديث النبوية المتواترة في علي وما جاء عن
المعصومين ، ومنها ما جاء في رواية القاسم بن معاو ية عن الصادق 7 ؛ « إذا قال أحدكم لا
إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، فليقل : عليّ امير المؤمنين [ ولي اللّه
] » .
وهذا هو الرأي
المشهور عند أصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم.
قال العلاّمة بحر
العلوم :
__________________
وصورةُ الأذان والإقامه
|
|
هذا الشِّعار رافعا أعلامه
|
أو سنّة ليس من الفصولِ
|
|
وإن يكن من أعظم الأُصولِ
|
وأكمل الشهادتين بالتي
|
|
قد أكمل الدين بها في الملّةِ
|
وإنها مثل الصلاة خارجه
|
|
عن الخصوص بالعموم والِجَه
|
٢ ـ إن الشهادة الثالثة هي شطر الأذان وجزء منه كسائر
الأجزاء ، يجب الإتيان بها ، وإن تَرَكَها أخلّ بالأذان ، فلا
يتحقّق الأذان بدونها ، وبهذا تكون جزءا واجبا لابدّ من الإتيان به حتّى يتحقّق
الأذان.
وقد اراد الشيخ
عبدالنبي النجفي العراقي الذهاب إلى هذا الراي في رسالته المسماة « الهداية في كون
الشهادة بالولاية في الأذان والاقامة جزء كسائر الاجزاء » لكنه لم يجرا
وقال بكلام هو أقل من ذلك ، وهو قريب من كلام صاحب الجواهر ، لكن السيد محمد
الشيرازي في كتابه «
الفقه » ورسالته العملية قال بالجزئية.
قال العراقي ـ
ملخّصا رأيه في آخر رسالته ، غير مفتٍ بالجزئية الواجبة ـ قال : فإنّ مقتضى
القاعدة الأوّليّة وجوب الشهادة فيهما [ أي الأذان والإقامة ] كما فصّلنا ، لكنّ
دعوى الشهرة على الخلاف يمنعنا عن القول بالوجوب ، فلابدّ أن نقول بها وأنّه مشروع
فيهما بنحو الجزئية الندبية دون الاستحباب النفسيّ أيضا فضلاً عن الطريقي ، لعدم
مقاومة الأدلّة معه .
وكان قد قال قبل
ذلك :
وعليه ، لولا دعوى
تسالم [ صاحب ] الجواهر من شهرتهم على عدم كونها من
__________________
الأجزاء الواجبة
فيهما ، لكنّا نقول بها فيهما ، على النحو الذي نقول بها في غيرها من الجزئية
الواجبة ، لأنّ وزان أدلّتها يكون وزان أدلّة سائر الأجزاء ، فدلالتها على أصل
المشروعية للشهادة بالولاية بعد الرسالة فيهما ممّا لا غبار فيه ، غايةُ الأمر
ادُّعي ـ كما عن الجواهر ـ قيام الشهرة المنقولة على عدم كونها من الأجزاء الواجبة
، فلو تمَّ حينئذ فتكون من الأجزاء المستحبة ، إذ هو مقتضى الجمع بين
الدليلين ... .
٣ ـ إن الشهادة
الثالثة جزءٌ مستحبٌّ في الأذان ، كالقنوت في الصلاة ، والسلام على النبيّ في
الصلاة ، وما يماثلها من أحكام عبادية ، وهي أُمور يستحبّ الإتيان بها ، كما لا
ضير في تركها.
وقد ذهب كثير من
فقهائنا ومحدّثينا إلى هذا القول كالشيخ المجلسي ، وصاحب الجواهر ، وصاحب الحدائق ، وغيرهم.
٤ ـ إن الشـهادة
الثالثة يؤتى بها من باب : الاحتياط ، لأ نّه طريق النجاة ، وهو حسنٌ في كلّ
الأحوال ، أي أنّ رجحانها عندهم طريقيُّ وليس بنفسي ، ولذا تراهم يجوّزون الإتيان
بها احتياطا لا باعتبارها جزءا من الأذان ، وذلك لقوّة أدلة الشطريّة عندهم وعدم
وصولها إلى حدٍّ يمكنهم طبقَها الإفتاء بالجزئية ، فيأتون بها احتياطا.
وقد قال الشيخ
عبدالنبي العراقي ـ في رسالته آنفة الذكر ـ عنهم : وهم الأكثرون بالنسبة إلى
القائلين بالشطرية الواجبة ، والأقلّون بالنسبة للقائلين بالجزئية
__________________
الاستحبابية ، قال بهذا ولم
يذكر أسماءهم.
٥ ـ وهناك رأي
خامس يدّعي أنّ الإتيان بالشهادة الثالثة هو عمل مكروه ، وذلك لعدم ثبوت النصوص
الدالّة على الشهادة الثالثة عنده ، هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى يعتقد بأنّ
الكلامَ في الأذان غير جائز ، وبذلك تدخل الشهادة الثالثة عنده في باب التكلّم
المنهيّ عنه ، قال الوحيد البهبهاني في «حاشية المدارك» : ومما ذكرنا ظهر حال « محمد وآله خير البرية » و « أشهد
أن عليّا ولي اللّه » بأنهما حرامان بقصد الدخول والجزئية للأذان ، لا بمجرد
الفعل.
نعم ، توظيف الفعل
في أثناء الأذان ربّما يكون مكروها ، لكونه مغيرا لهيئة الأذان بحسب ظاهر اللفظ ، أو
لكونه كلاما فيه ، أو للتشبّه بالمفوضة ، إلاّ أنّه ورد في العمومات : أنه متى
ذكرتم محمدا فاذكروا آله أو متى قلتم : محمد رسول اللّه فقولوا : علي ولي اللّه
، كما رواه في الاحتجاج ... ، مع العلم بأنّ الكثير من الفقهاء قد أجازوا الكلام في
الأذان. وحتى في الإقامة.
وقد ذهب إلى هذا
الرأي الفيض الكاشاني في كتابه «
مفاتيح الشرائع » فقال : وكذا غير ذلك من الكلام وإن كان حقّا ؛ بل كان من أحكام الإيمان ، لأنّ
ذلك كلّه مخالف للسنّة ، فإِنِ اعتقده شرعا فهو حرام ، ومال إليه
آخرون.
٦ ـ القول برجحان
الشهادة الثالثة ، لأ نّها صارت شعارا للشيعة.
وهذا ما قاله
السيّد الحكيم والسيّد الخوئي وآخرون .
__________________
وهناك ثلاثة آراء
أُخرى تدّعي الحرمة ، ذكرت كل واحدة منها ببيان وتعليل خاص به.
٧ ـ فقال البعض
بحرمة الإتيان بها ، لعدم ورودها في النصوص الشرعية عن المعصومين ، فيكون الإتيان
بها بدعة ، لأ نّه إدخال ما ليس من الدين في الدين ، إذ أنّ الأذانَ أمرٌ توقيفيّ
، وحيث لم تثبت هذه الجملة فيما جاء عن الأ ئمّة في الأذان فيجب تركها.
وقد ادّعى الشيخ
الصدوق قدسسره بأن هذه الزيادة هي من وضع المفوِّضة لعنهم اللّه ، ومعنى كلامه :
أنّ قول « محمد وآل
محمد خير البرية » ، و « أنّ عليّا أمير
المؤمنين » ، ليس من أجزاء
الأذان والإقامة الواجبة ولا المستحبّة ، في حين ستقف لاحقا على أنّ بعض الشيعة كانوا يؤذّنون
بهذا الأذان في عهد الرسول ، والأئمّة ، وقبل ولادة الصدوق ; لمحبوبيتها
وللحدّ من أهداف الحكام ، ولنا معه ; وقفة طويلة لاحقا فانتظر.
هذا ، وقد مال إلى
هذا الرأي المحقّق السبزواري في «ذخيرة
المعاد» ، والشهيد الثاني في «روض الجنان» وغيرهما .
٨ ـ ومنهم من ذهب
إلى حرمتها ، لتوهمّ الجاهل بأنّها جزء ، وذلك لإصرار المؤذّنين على الإتيان بها
على المآذن ، وعدم تركهم لها لمرّة واحدة ؛ فإنّ هذا
__________________
الإصرار من
المؤذنين يوهم الجاهلين بأنّها جزء من الأذان ، فيجب تركه حتّى لا يقع الجاهل في
مثل هكذا توهّم.
وقد أشار الوحيد
البهبهاني إلى هذا الراي في شرح مفاتيحه ، ورَدَّهُ.
لأن توهمُّ
الجزئيّة لا يوجب الحرمة ، لأنَّ التوهمُّ إما أن يكون من قِبَلَ الجاهل أو من قبل
العالم؟ وتصوّر وقوع التوهّم من قِبَلِ العالِم بعيد جدّا ، فطالما أكَّد العلماء
في مؤلّفاتهم وصرّحوا بأقوالهم بأنَّ الشهادة الثالثة ليست جزءا مِنَ الأذان
ودعموا أقوالهم بالأدلّة.
وأمّا توهّم الجاهل
فقد جزم الوحيد البهبهاني بأ نّه ليس من وظيفة العلماء رفع هذا التوهّم عنهم ، لان الجهال قد
فوّتوا كثيرا من الأُمور عليهم لجهلهم وقصور فهمهم ، وما على العالم إلاّ البلاغ
وبيان الأمور ، وعلى المكلّف أن يسعى لتعلّم أحكام دينه ، وإلاَّ فسيكون مقصِّرا ،
وبذلك يكون هو المدان أمام حكم اللّه لا العالم.
وأيُّ توهّم يمكن
تصوّره مع وقوفنا على الصيغ المختلفة لهذه الشهادة : « أشهد أنَّ عليّا وليُّ اللّه » ، «
أشهد أنَّ عليّا أمير المؤمنين وأولاده المعصومين حجج اللّه » ، ( أشهد أن عليا
حجة اللّه ) ، و ( أشهد أن عليا أمير المؤمنين ولي اللّه ) عند الاصحاب.
كل هذه الصيغ
تُظهر بأنّها ليست جزءا من الأذان ، وقد أشار الشيخ الصدوق ; إلى بعضها إذ قال
: أنَّ البعض يقول : «
أشهد أنَّ عليّا وليُّ اللّه » ، والبعض الآخر يقول
: « أشهد أنّ
محمّدا خير البريَّة » وثالث : « محمد وآل
محمد خبر البرية مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد ان محمدا رسول اللّه أشهد أن
عليا ولي اللّه مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك : أشهد ان عليا أمير المؤمنين حقا
مرتين » وحكى
__________________
السيّد المرتضى
بأن هناك من يقول «
محمد وعلي خير البشر » وكلُّ هذا يدلّ على أنّه لم يُؤتَ بالشهادة الثالثة بعنوان أنّها جزء من
الأذان ، بل يؤتى بها على أنّها عمل محبوب وذكر فيه فضيلة عامّة وهي من شروط
الإيمان.
٩ ـ وهناك من يقول
بحرمتها أو كراهتها ، لأجل فوت الموالاة بين فصول الأذان ، وبذلك تكون حرمتها
أمرا وضعيا وهي بطلان الأذان بها ، لأنّ الّذي أَتى بالشهادة الثالثة فقد فوَّت
الموالاة بزعمهم من جهتين :
١ ـ من جهة فوت
شرطية الاتّصال ـ بين محمد رسول اللّه ، وبين حيّ على الصلاة.
٢ ـ ومن جهةِ حصول
المانع بعدَ فوت الموالاة من جهة مانعيّة الانفصال.
ولو دقّقنا النظر
بهذا الأمر لوجدنا أن ليس ثمّة علاقة له بالموالاة ، وقد ذهب صاحب المستند وآخرون
إلى عدم لزوم الموالاة في الأذان ، وقالوا بجواز التكلّم في الأذان ، بل جوّزوا فيه حتّى
الكلام الباطل ، فكيف والحال هذه إذا كان التكلم أثناء الأذان بكلامٍ محبوب وله
رجحان ذاتيُّ وبالأصالة ، ألا وهو الشهادة بالولاية لعلي بن أبي طالب.
فإذا كان الكلام
العاديّ جائزا وغير مخلٍّ بالأذان ، فهل يعقل أن يكون التشهد بالولاية كلاما مخلاً
وغير جائز فيه.
إن فوت الموالاة
ليس بمخل بالأذان ، لأنّ العامّة لا تعتقد بإخلال جملة : « الصلاة خير من النوم
» بالموالاة ، وكذلك
جمهور الشيعة فانها لا تعتقد أنّ الشهادة بالولاية مخلة ، وهي عندهم ـ مع الفارق ـ
نظير ما فعله أمير المؤمنين مع ذلك السائل واعطاءه خاتمه وهو في الصلاة.
فإذا كان اعطاء
الصدقة لا يخل بالصلاة الواجبة ، فكيف يخل الإتيان بالشهادة
__________________
الثالثة في الأذان
المستحب؟
وزبدة القول :
لمَّا لم يكن في البين ثمّة كلام باطل مضاف ، فإنَّ الأذان سوف لا يخرج عن صيغته
السليمة ، وهو نحو مشي المتوضّئ عدّة أقدام ثم مسحه على قدميه ، وهذا لا يُّعد
إخلالاً بالموالاة في الوضوء عند المتشرِّعة يقينا.
وبهذا فقد وقفنا
على أهمّ الأقوال وأشهرها وإليك الآن قولاً آخر يمكن إضافته إلى الأقوال السابقة ،
وهو :
١٠ ـ من المعلوم
شرعا أنّ الامور المستحبّة أو المباحة هي مما يجوز تركها ، لكن قد تحرم في بعض
الأحيان ، وقد تجب في حالات أُخرى ، فمثلاً شرب الماء مباحٌ ، ولكنه قد يجب عند
العطش الشديد والخوف من الهلاك ، وقد يحرم عند نهي الطبيب من شربه.
والأمر المستحبّ
مثل ذلك ، فقد يحرم الاتيان به إذا استلزم الضرر البالغ ، وقد يجب الإصرار عليه لو
رأينا الاخرين يريدون محوه ، وقد يجب الاتيان به من باب الشعارية كما هو ديدن
الفقهاء فيما لو دعت إليه المصلحة الشرعية القطعية أو دفع المفسدة القطعية ، ولا
شك في أن الشهادة بالولاية لعلي من هذا القبيل اليوم.
لأنّ ذكر الإمام
علي وآل بيته الأطهار محبوبٌّ على كلّ حال ـ وبشكل مطلق ـ لكن من دون قصد التشريع
، مؤكّدين بأنّ جزمنا بمحبوبيتها في كل حال لا يلزمنا القول بتشريعها أو أنّها أحد
أجزاء الأذان ، نعم قد يمكن القول بمطلوبيتها والاصرار عليها في الازمنة المتأخرة
، وذلك لارتفاع التقيّة ـ إلى حد ما ـ ولأ نّها صارت شعارا لمذهب الحق ، يبيّن فيه
الشيعي إيمانه باللّه واقراره بنبوة رسول اللّه ، ومكانة الإمام علي.
ويشتد ضرورة توضيح
هذا الأمر خصوصا بعد أن اتّهمونا خصومنا ونسبوا إلينا الكثير من الاكاذيب ؛ « كقولنا بأُلوهيّة
الإمام عليّ » ، أو « اعتقادنا بخيانة
الأمين جبرئيل ، بدعوى ان اللّه بعث جبرئيل إلى عليّ فغلط ونزل على النبيّ محمّد
» ،
وغيرهما ، فكلّ
هذه الأكاذيب تدعونا لأن نجهر بأصواتنا : « أشهد أن لا إله إلاّ اللّه » نافين بذلك كوننا من الغلاة القائلين بأُلوهيّة الإمام علي
، بل نحن نوحّد اللّه ونعبده. وكذا يجب علينا أن نقول : « أشهد أن محمدا رسول
اللّه » التزاما بالشرع ،
واعلانا باتباعنا للنبي 6 واوامره ونواهيه ولكي ننفي ما افتروه علينا من مقولة « خان الامين ».
وبعد كل ذلك علينا
الجهر ومن على المآذن والمنابر وفي كلّ اعلان ب : « أشهد أن عليّا ولي اللّه » دفعا لاتّهامات المتَّهِمين وافتراءات المفتَرِين ، وإن
عليّا واولاده المعصومون عندنا ما هم إلاّ حجج رب العالمين على عباده أجمعين ـ
مؤكدين من خلال رسائل فقهائنا العظام ـ بأن ما نشهد به ليس جزءً داخلاً في الأذان
، بل هو شعار نتخذه لبيان توحيدنا للّه رب العالمين ، والإشادة برسوله الأمين
محمد ، وأنّ عليّا واولاده المعصومين عبيداللّه واوليائه وحججه على عباده.
نقول بذلك إعلاءً
لذكرهم ، الذي جدّ القوم لاخماده هذا من جهة. ومن جهة أُخرى قد يمكننا أن نعدّ ترك
الشهادة الثالثة حراما اليوم ، وذلك مقارنة بأُمور مستحبّة أُخرى ، لأ نّا قلنا
قبل قليل بأن بعض الأُمور المباحة والمستحبّة قد تصير واجبة أو محرّمة بالعنوان
الثانوي ، كأن نرى البعض يؤكّد على إبعاد سنّة ثابتة أو يُحرّم امرا
مباحا ، فيجب على المسلم أن يحافظ على هذه السنة وأن يصر على الاتيان بها ، وقد
يصير في بعض الاحيان ذلك الأمر المستحب أو المباح واجبا بالعنوان الثانوي.
ومن الأمثلة على
ذلك ما رواه الفريقان سنة وشيعة عن أمير المؤمنين علي أنّه رأى ضرورة شرعية لأن
يشرب الماء واقفا في رحبة مسجد الكوفة ؛ دفعا
__________________
لتوهم كثير من
المسلمين حرمة الشرب واقفا ، وكذلك من هذا القبيل ما ورد عن بعض المعصومين : أنّه شرب الماء
أثناء الطعام مع أنّه منهي عنه ؛ دفعا لتوهم حرمة شرب الماء أثناء الطعام ، ومن هذا
القبيل أيضا ترك النبي 6 لنوافل بعض أيام شهر رمضان خوفا على الأمة
من الوقوع فيما هو عسير.
وكذا الحال
بالنسبة إلى ترك المستحبّ ، فقد يكون حراما في بعض الحالات ، فمثلاً الكلّ يعلم
بأن بناء المساجد ليس واجبا ، وكذا الصلاة فيها ، أمّا تخريبها وعدم الصلاة فيها
فهي محرمة يقينا لقوله تعالى ( وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى
فِي خَرَابِهَا )
، ومثلها البناء على المشاهد المشرِّفة فهي ليست بواجبة أما تهديم القبور فهي
حرام قطعا ، لأن في ذلك توهينا واضعافا للعقيدة والمذهب ، وهكذا الحال بالنسبة
للأمور المستحبّة الأُخرى ، والتي يسعى الخصم لمحوها ، فينبغي الحفاظ عليها ، وقد
أكدّ الفقهاء على لزوم المحافظة على الأُمور المباحة ، التي حُرِّمت من قبل
الآخرين ، كلّ ذلك إصرارا وثباتا على الحكم الإلهي.
فلو كان هذا في
الأمر المباح ، فكيف بالأمر المحبوب في نفسه الذي أكدّ عليه الشرع وجاءت به
الأدلّة الكثيرة التي ستقف عليها لاحقا.
نحن عرضنا هذه
الأقوال كي تكون مدخلاً لمبحث الشهادة الثالثة ، وإليك الآن تفصيل رؤيتنا ضمن
الفصول الثلاثة الآتية :
__________________
تلخّص مما سبق :
١ ـ إنّ الدعاوي الثلاث التي
قالها الشيخ الصدوق
لا يمكن الاعتماد عليها ، وذلك :
أ ـ لأن دعوى
التفويض لا تتفق مع ما كان يقول به من سمّاهم الصدوق بالمفوِّضة ، لأنَّ كلماتهم
هي كلمات حقّة اعترف الصدوق ; بصحتّها ، وإن ما حُكي عنهم لا يتّفق مع المنهيّ عنه في
الشريعة ، لأنّ المعروف عن المفوِّضة أنّهم يعتقدون بأنّ للأئمّة حق الخلق ، والرزق
، والإحياء ، والإماتة على وجه الاستقلال ، بحيث لا يقدر الربّ على صرفهم عنه ، وهذا
ما لا نراه في صيغ أذان من سموا بالمفوِّضة!! لأ نّهم لا يقولون : أشهد أن عليا محي
الموتى ورازق العباد ، وأشباهها حتى ينطبق عليهم كلام الشيخ الصدوق بل نرى أن شهادتهم بالولاية هي
ألصق بالاعتقاد الصحيح وأبعد عن التفويض ، فقد يكونوا شهدوا بهذه الشهادة لكي
يبعدوا عن انفسهم ، شبهة الغلوّ والتفو يض ، وقد يكون المفوضة استغلوا ما جاء في
العمومات والروايات التفسيرية لمعنى الحيعلة الثالثة وحرفوا معناها إلى معنى أنّ
مطلق الإيمان بالولاية مسقط للتكاليف ، فلذلك حمل عليهم الصدوق ; حملته الشديدة.
وقد يكون الشيخ
الصدوق قالها خوفا من وقوع الشيعة في مهلكة التفويض المنهى عنه ، وقد يكون قالها
تقيّةً ، وقد يكون قالها لأمور اُخرى.
ب
ـ أما ما ادعاه من
أنّهم « وضعوا
أخبارا » هو الآخر لا
نقبله ، وذلك لما بيّنّا من اختلاف المنهجين القمّي والبغدادي في العقائد والرجال.
فالصدوق تبعا
لشيخه ابن الوليد ; قد اتهّم محمد بن موسى الهمداني السمان
بوضع كتابي زيد
النرسي وزيد الزراد ، في حين إنك قد وقفت على وجود طرق صحيحة للنجاشي والمفيد
والطوسي رحمهم اللّه تعالى إلى هذين الكتابين ، وكان رجال تلك الطرق من وجوه
الاصحاب وهي تجزم بأنّ الكتاب لزيد النرسي ، فلا يستقيم بعد هذا قول الشيخ الصدوق ; بأ نّه من وضع
موسى الهمداني ؛ إذ كيف تكون من وضعه مع أن هناك طرقا صحيحة عن زيد وكتابه ، وهذا
ما اكد عليه رجاليو الشيعة وفقهائهم في مصنفاتهم. وهي تشكّكنا في قبول كلامه ; على ظاهره ، بل
تدعونا أن ندرسها مع ظروفها الموضوعية الحقيقية ، لنرى هل يمكننا الأخذ بكلامه ، أم
أن ما قاله عن المفوّضة كان تقليدا لمشايخه أو تسرّعا منه في إطلاق الأحكام ، وهذا
ما سنفصّله عند دراستنا لكلامه ; لاحقا .
جـ
ـ ان دعوى زيادة من
قال بالصيغ الثلاث في الأذان بقصد الجزئية دعوى كبيرة ، ولا نوافقه عليها ، خصوصا
مع اختلاف صيغ الأذان عند المذاهب الشيعية المختلفة في العقيدة والمتّفقة في جواز
إتيان هذه الجمل في الأذان ، فمنهم من يقول بها بعد الحيعلة الثالثة = « حي على خير العمل » ، والاخر قبلها ، وثالث بعد الشهادة بالرسالة.
والبعض منهم يقول
: « أشهد أنّ
عليا ولي اللّه » والآخر : « محمد وآل
محمد خير البرية » ، وثالث « محمد
وعلي خير البشر » ، ورابع ، وخامس.
كلُّ هذه الأمور
تشكّكنا في قبول كلام شيخنا الصدوق بأ نّهم يأتون بها على أنّها أجزاءٌ ، بل
الثابت عنهم أنّهم يأتون بها بقصد القربة المطلقة أو للتيمن والتبرك ، ولمحبوبيتها
الذاتية.
__________________
٢ ـ أشرنا في آخر البحوث
التمهيدية إلى عشرة أقوال في المسألة وهي :
١ ـ يؤتى بها على
أنّها شرط الإيمان لا جزء الأذان.
٢ ـ يؤتى بها على
أنّها شطر الأذان وجزءٌ منه كسائر الأجزاء.
٣ ـ يؤتى بها لأ
نّها مستحبّة في نفسها ، فهي كالقنوت والاستغفار المستحبان في نفسهما ، ولكن يمكن
أن يؤتى بهما في الصلاة كذلك.
٤ ـ يؤتى بها من
باب الاحتياط ، لقوّة أدلّة الشطرية عندهم من جهة ، وعدم وصولها إلى حدّ يمكن معه
الإفتاء بالشطرية من جهة أخرى ، فيفتون بالإتيان بها احتياطا.
٥ ـ القول برجحان
الإتيان بها ، لأ نّها صارت شعارا للشيعة.
٦ ـ يكره الإتيان
بها ، لعدم ثبوت ورود الروايات فيها من جهة ، ومن جهة أُخرى ثبوت كراهة الكلام في
الأذان عندهم.
٧ ـ حرمة الإتيان
بها ، لتوهّم الجزئية فيها.
٨ ـ حرمة الإتيان
بها ، لعدم ورودها في صيغ الأذان البيانية الواردة عن المعصومين.
٩ ـ حرمتها أو
كراهتها لفوات الموالاة بين فصولها.
١٠ ـ مطلوبية
الإتيان بها دفعا لافتراءات المفترين على الشيعة من باب الشعارية ، وأنّه ذكر
محبوب لا أنّه جزء من الأذان وإنّ ذِكرنا له إنّما هو على غرار الصلاة على محمد
وآل محمد بعد الشهادة الثانية ، والغرض هو نفي الالوهية الملصقة باطلاً بأمير
المؤمنين 7 وللتاكيد على انه 7 عبداللّه وحجته ووليه وتلميذ الرسول محمد 6 ، لأن اعداء
الشيعة قد اشاعوا عنا بأنا نقول بألوهية الإمام علي ، وخيانة الأمين جبرئيل في إنزال
الوحي. فكل هذه الاكاذيب تدعونا لأن نقول من على المآذن : « أشهد أن لا إله إلاّ
اللّه » نافين بذلك دعوى
ألوهية الإمام علي ، بل التأكيد على توحيد اللّه وعبوديته.
وكذا يجب علينا أن
نقول : « أشهد أن
محمدا رسول اللّه » كي ننفي ما نسبوه إلينا من اكاذيب.
وبعد كل ذلك علينا
أن نجهر بأصواتنا ، ومن على المآذن : « أشهد أن عليا أمير المؤمنين وليّ اللّه
وحجته » دفعا لاتّهامات
المتّهمين وافتراءاتهم ، نقول بذلك إعلاءً لذكرهم ، الّذي جد القوم لطمسه.
الفصل الأول
الأدلّـة الشـرعيّـة
وهو في ثلاثة اقسام :
القسم
الأوّل :
الدليل الكنائيّ
ما روي عن
الإمام الكاظم 7 :
حي على
خير العمل = الولاية
أثبتنا في الباب
الاول من هذه الدراسة ، شرعية «
حي علي خير العمل » ، وأنّها كانت تقال على عهد رسول اللّه 6 ، وقد أذّن بها
بعض الصحابة كبلال ، وابن عمر ، وأبي رافع ، وأبي محذورة ، وزيد ابن أرقم ، وعبداللّه بن عباس ، وجابر بن عبد اللّه الأنصاري ، وأنس بن مالك ، وأبي أُمامة بن
سهل بن حنيف ، والإمام علي ، والحسن ، والحسين ، وعقيل بن أبي
__________________
طالب وعبداللّه بن
جعفر ، وعلي بن الحسين ، وزيد بن علي وغيرهم من آل البيت :.
لكن العامة ـ كلهم
أو بعضهم ـ ادعوا نسخها ، فتساءلنا كيف نسخت ، ولم ، واين ومتى؟ ولم نسخت هذه
الفقرة بالخصوص من الأذان؟ بل لماذا نرى غالب المسائل الخلافية يقال عنها : إنّها
نسخت ، مثل : « حي على
خير العمل » فما هو الناسخ يا
ترى؟
قال السيّد
المرتضى من الإمامية : وقد روت العامة أن ذلك [ حي على خير العمل ] مما كان يقال
في بعض أيام النبي ، وإنما أدعي أن ذلك نُسخ ورفع ، وعلى من ادّعى النسخ الدلالة
له ، وما يجدها .
وقد نقلنا سابقا
ما حكاه صاحب « الروض
النضير » عن كتاب السنام
للزيدية ، وما قاله ابن عربي في «
الفتوحات » ، وما روي « في من لا يحضره
__________________
الفقيه
» ، و « الاستبصار » ، وما جاء في
كتاب « الأذان
بحي على خير العمل » للحافظ العلوي ، من أن رسول اللّه 6 أمر بلالاً أن يؤذّن بها فلم يزل يؤذن بها حتى قبض اللّه
رسوله.
وفي « علل الشرائع » عن عكرمة ، قال : قلت لابن عباس : أخبرني لأيّ شيء حذف من
الأذان « حي على
خير العمل »؟ قال : أراد عمر
بذلك ألا يتّكل الناس على الصلاة ويَدَعُوا الجهادَ ، فلذلك حذفها من الأذان .
وفي كتاب « الأحكام » ـ من كتب الزيدية ـ قال يحيى بن الحسين صلوات اللّه عليه
: وقد صحّ لنا أنّ «
حي على خير العمل » كانت على عهد رسول اللّه يؤذّن بها ولم تطرح إلاّ في زمن عمر بن الخطاب ، فإنّه
أمر بطرحها وقال : أخافُ أن يتّكل الناس عليها ، وأمر بإثبات « الصلاة خير من النوم
» مكانها .
وعن الباقر ، قال
: كان أبي علي بن الحسين يقول : كانت في الأذان الأول ، فأمرهم عمر فكفّوا عنها
مخافة أن يتثبّط الناس عن الجهاد ويتّكلوا ، أمرهم فكفّوا عنها .
وعن الإمام زيد بن
علي أنّه قال : ممّا نقم المسلمون على عمر أنّه نحّى من النداء في الأذان « حي على خير العمل » ، وقد بلغت العلماء أنّه كان يؤذّن بها لرسول اللّه حتّى
قبضه اللّه ، وكان يؤذن بها لأبي بكر حتى مات ، وطرفا من ولاية عمر حتى نهى عنها .
__________________
وعن أبي جعفر
الباقر ، قال : كان الأذان بـ «
حي على خير العمل » على عهد رسول اللّه وبه أُمروا أيّام أبي بكر ، وصدرا من أيّام عمر ، ثمّ
أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة ، فقيل له في ذلك ، فقال : إذا سمع الناس
أنّ الصلاة خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلّفوا عنه ، ورو ينا مثل ذلك عن جعفر بن
محمد ، والعامّة تروي مثل هذا .
وروى الصدوق في « علل الشرائع » بسنده عن ابن أبي عمير أنّه سأل أبا الحسن الكاظم عن سبب
ترك « حي على
خير العمل » فذكر العلة
الظاهرة والباطنة لهذا الامر ، فقال :
أمّا العلّة
الظاهرة ، فلئلاّ يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة.
وأمّا الباطنة
فإنّ « خير
العمل » الولاية ، فأراد
[ عمر ] من أمرِهِ بترك «
حي على خير العمل » من الأذان أن لا يقع حثٌّ عليها ودعاء إليها .
__________________
الحيعلة الثالثة
معيار الانتماء ومحك الاختلاف
قال سعد
التفتازاني المتوفّى ٧٩٣ ه ، في شرح المقاصد في علم الكلام وفي حاشيته على شرح
العضد ، وكذا القوشجي المتوفّى ٨٧٩ ه في شرح التجر يد في مبحث الإمامة ، وغيرهما
: إنّ عمر بن الخطاب خطب الناس وقال : أيّها الناس ، ثلاثٌ كُنَّ على عهد رسول
اللّه أنا أنهى عنهنّ وأحرّمهنّ وأعاقب عليهنّ ، وهي : متعة النساء ، ومتعة الحجّ
، وحيّ على خير العمل .
وقال المجلسيّ
الأوّل في روضة المتّقين : أنّه روى العامّة أنّ عمر كان يباحث = [ يجادل ] مع
رسول اللّه في ترك حيّ على خير العمل ، ويجيبه [ الرسول ] بأنّها من وحي اللّه ،
وليست منّي وبيدي ، حتى قال عمر : [ أيام خلافته ] : ثلاث كنّ في عهد رسول اللّه
وأنا أحرّمهن وأعاقب عليهنّ : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وقول حي على خير العمل ،
رواه العامة في صحاحهم .
فهنا سؤال يرد على
الأذهان ، وهو : ما وجه الترابط بين المنع عن المتعتين وبين رفع حي على خير العمل
من الأذان؟ وعلى أيّ شيء يدل؟ ولماذا نرى الذي يقول بشرعيّة « الصلاة خير من النوم
» لا يقول بإمامة
علي بن أبي طالب ، ومن يقول بـ «
حي على خير العمل » يرى شرعية الولاية لعلي بن أبي طالب؟
وهل حقا أنّ « حي على خير العمل » يرتبط بموضوع الإمامة والخلافة؟ وإذا كان فكيف يستدلّ به؟
__________________
وهل من الصدفة في
شيء أن يكون الإمام عليٌّ هو محور هذه الفقرات الثلاث؟
إن موضوع « حي على خير العمل » ما هو إلاّ نافذة واحدة من النوافذ الكثيرة إلى الفقه
الأصيل والفقه المحرَّف ، وإنّ شأنه في مفردات الفقه الخلافيّ شأنُ التكبير على
الميّت أربعا أم خمسا ، وشأن حكم الأرجل في الوضوء هل هو المسح أو الغسل؟ وأنّ
المتعة جائزة أم حرام؟ والتختّم في اليمين أو الشمال؟ والمصلي هل عليه القبض أو
الارسال؟ وهل أن الجهر بالبسملة سنة أم الإخفات بها هو السنة؟ وأن صلاة الضحى
والتراو يح شرعية أم بدعية؟ وهكذا عشرات المسائل في الفقه المقارن.
فالذي يكبّر على
الميّت خمسا يقول : لا أتركها لقول أحد ، والقائل بالمسح على الأرجل يراها موافقه للذكر الحكيم ، حيث
لا يوجدُ في كتاب اللّه إلاّ غسلتان ومسحتان ، وأمّا الذي يمنع من المتعة فيستدلُّ بمنع عمر لها ، وهكذا الحال
بالنسبة إلى غيرها من الأُمور الخلافيّة عند الطرفين ، فالبعض يستدلّ بالنصّ
القرآنيّ والحديث المتواتر النبويّ ولا يرتضي استبدالهما بقول أحد ، وهناك من يأخذ
بسيرة الشيخين معيارا للنفي والإثبات.
إذن هناك سنّة
لرسول اللّه ، وهناك سنّة للشيخين ، فالبعض كان لا يرتضي ترك سنّة رسول اللّه
لقول أحد ، والآخر يرى الخليفة هو الأعلم بالأحكام وروح التشريع فيجب اتّباعه حتّى
لو خالف سنّة النبيّ الثابتة.
إنّ ربط عمر بن
الخطاب بين هذه المسائل الثلاث ـ المتعتين وحيَّ على خير
__________________
العمل ـ يعني في
آخر المطاف ارتباط الأمر بالخلافة والإمامة ومنزلة الهاشميّين ، لأنّ هذه المسائل
الثلاث أبرز عناوين مدرسة التعبّد المحض التي ترى وتعتقد بإمامة علي 7 ، وقول عمر : « أنهي عنها » أو «
اعاقب عليها » بمثابة اعتراف مبدئيّ منه بشرعية « حيّ على خير العمل » واعتراف ضمنيّ كاشفٌ عمّا يجول في دواخله ، ولذلك ربط نهيه
عن « حي على
خير العمل » بنهيه عن متعتي
النساء والحج اللَّتين أكّد الإمام علي وابن عباس ورعيل من الصحابة على شرعيّتهما ، بخلاف عمر والنهج الحاكم اللذين دعيا إلى تركهما.
فترك هذه الثلاث
عمري ، وأمّا لزوم الاعتقاد بشرعيّتها فهو علوي ونبوي ، إذا الأمر لم يكن اعتباطا
، بل جاء لوجود رابطة وعلاقة متينة بين كلّ الأُمور المنهيّ عنها متأخراً والمعمول
بها عند الرعيل الأول ، ولأجل هذا نرى ارتباطا تاريخيّا وثيقا بين القول بامامة
عليّ والقول بشرعيّة الحيعلة الثالثة ، وبين رفض الولاية
__________________
والإمامة لعليّ
والقول برفع « حي على
خير العمل ».
قال ابن أبي عبيد
: إنّما أسقط « حي على
خير العمل » مَنْ نهى عن
المتعتين ، وعن بيع أمّهات الأولاد ، خشيةَ أن يتّكل الناس بزعمه على الصلاة ويَدَعُوا
الجهاد ، قال : وقد رُوي أنّه نهى عن ذلك كلّه في مقام واحد .
وثبت أيضا أنّ
رسـول اللّه أذّن ، وكان يقول : « أشهد أنِّي رسول اللّه » ، وتارة يقول : « أشهد أنّ محمّدا
رسول اللّه » ، وأنكر العامّة أذانه 7 .
نعم ان النهج
الحاكم طرح مفاهيم وتبنى افكارا تصب فيما يهدفون إليه ، منها تشكيكهم في أذان
الرسول ؛ لعدم ارتضاء الشيخين التأذين بها في خلافتهما ، فأرادوا القول بعدم أذان
رسول اللّه ، لكي يعذروا الشيخين ولكي يقولوا بأ نّهم اقتدوا برسول اللّه في عدم
أذانه!!
إِبعادُ قريشٍ آلَ
البيت عن الخلافة!!
لا شكّ ـ نظرا
لرواية الإمام الكاظم 7 الآنفة ـ في أنّ موضوع الخلافة والإمامة يرتبط بنحوٍ وآخر
بمسألة الحيعلة الثالثة في الأذان ، وأنّ عمر أراد أن لا يكون حَثٌّ عليها كي يوقف
مستلزماتها وتواليها معها ، وأنّ البحث عن دواعي إبعاد عمر أهل البيت عن الخلافة
له ارتباط وثيق مع تصر يحات رسول اللّه عن آل البيت وأنّهم عترته وخلفاؤه من بعده
، وهم القربى المأمور بمودّتهم في القرآن ، والمؤكَّد على اتّباعهم في سنّة رسول
اللّه ، لقوله 6 : «
أذكّركم اللّه في أهل بيتي ،
__________________
أذكّركم
اللّه في أهل بيتي ، أذكّركم اللّه في أهل بيتي » .
وبما أنّ الإمام
عليّا هو أعلم الناس وأقضاهم ، وهو خير البشر ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وأنّ عمر كان
قد عرف بأنْ ليس بين هذه النصوص وبين التصريح باسم عليّ إلاّ خطواتٍ ، سعى لإبعاده
وإبعاد كلّ شيء يَمُتُّ إليه.
ومن المعلوم أنّ
عمر بن الخطّاب كان لا يرضى باجتماع النبوّة والخلافة في بني هاشم ، لذلكَ سأل
ابنَ عبّاسٍ عمّا في نفس عليّ بن أبي طالب بقوله : أيزعم أنّ رسول اللّه نصّ عليه؟
قال ابن عباس :
نعم ، وأزيدك : سألت أبي عما يدّعيه ، فقال : صدّق ، قال عمر : لقد كان من رسول
اللّه في أمره ذَروٌ من قول لا يثبت حجّة ، ولا يقطع عذرا ، كان يَرْبَعُ في أمره
وقتا ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعتُ من ذلك إشفاقا وحيطةً على
الإسلام ... فعلم رسولُ اللّه أنّي علمت ما في نفسه فأمسك .
__________________
وقال العيني في
عمدة القاري : واختلف العلماء في الكتاب الذي هَمَّ النبيّ بكتابته ، فقال
الخطّابي : يحتمل وجهين ، أحدهما أنّه أراد أن ينصّ على الإمامة بعده فترتفع تلك
الفتن العظـيمة كحرب الجمل وصفين .
وقد تناقل أصحاب
كتب التاريخ والسـير أنّ عمر بن الخطاب منع من تدو ين حديث رسول اللّه ، كي لا
يختلط التنزيل مع أسباب النزول ، ونحن فصّلنا البحث عن هـذا الأمر في كتابنا ( منع
تدو ين الحديث ) فليراجع.
قال المعلمي ـ من
علماء العامّة ـ تعليقا على مرسلة ابن أبي مُليكة في منع أبي بكر لحديث رسول
اللّه : إنْ كان لمرسل ابن أبي مُليكة أصل فكونه عقب الوفاة يشعر بأ نّه يتعلّق
بأمر الخلافة.
كأنّ الناس عقب
البيعة بقوا يختلفون يقول أحدهم : أبو بكر أهلها ، لأنّ النبي قال : كيت وكيت ، فيقول
آخر : وفلان [ أي علي ] قد قال له النبي : كيت وكيت.
فأحبّ أبو بكر
صرفهم عن الخوض في ذلك وتوجيههم إلى القرآن .
فقريش كانت لا
ترتضي أن تكون الخلافة في عليّ وولده ، بل كانت تريد مشاركة الرسول في الوصاية
والخلافة ، وقد اشترطت على رسول اللّه بالفعل أن يشركها في أمر الخلافة ، وأنّهم لا
يبايعوه إلاّ أن يجعل لهم في الأمر نصيبا ، فنزل فيهم قوله تعالى : ( يَقُولُونَ هَل لَّنَا
مِنَ الاْءَ مْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الاْءَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ) ، مؤكدا سبحانه وتعالى لهم بأن ليس بيده 6 شيء ، فإنّ
اللّه هو الذي ينصب الخليفة.
__________________
لكنّهم كانوا
يتصوّرون أنّ بمقدورهم التلاعب بالذكر الحكيم وتغيير الآي الكريم.
وممّا قيل بهذا
الصدد : أنّ ضيفين نزلا قرية انطاكية ، فأبى أهلها أن يضيّفوهما ، فنزل فيهم الوحي
، وصار هذا عارا وشنارا عليهم ، فأرادوا أن يغيّر الرسول ما نزل فيهما بإبدال حرف
الباء في ( أبوا ) ويجعلها تاءا ( أتوا ) في قوله تعالى : ( حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ
أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا ) فجاؤوه بأحمال الذهب والفضة والحرير كرشوة له 6 في مقابل ما
يريدونه ، لكنّه أبى مستنكِرا فعلهم .
إنّ قبائل العرب ـ
وخصوصا قريشا ـ كانوا لا يعلمون بأنّ دين اللّه خالصٌ نقيٌّ ، ورسوله مُطهّرٌ
زكيٌّ مصطفى ، بعيدٌ عن الأهواء والمغريات ، ولاجل هذا نزل الوحي موضحا لهم ، بأ
نّه 6 ( وَلَوْ
تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاْءَقَـاوِيلِ * لاَءَخَـذْنَا مِنْـهُ
بِالْيمِينِ
* ثُمَّ
لَقَطَـعْنَا مِنْهُ الْوَتِـينَ * فَـمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) ، وأنّه ( مَا
يَكُـونُ لِي أَنْ أُبَـدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّـبِعُ إِلاَّ مَا
يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَـذَابَ يَـوْمٍ عَظِيمٍ ) .
فنحن لو جمعنا ما
مرّ عن ابن عباس آنفا ، وما قاله عمر بأ نّه عرف مقصود رسـول اللّه ، وأنّه أراد
أن يصـرّح باسم الإمام عليّ وأن ينصّ عليه بالإمامـة ، فمنعه إشفاقا على الإسلام ،
كلّ ذلك لو جمعناه مع قوله «
إن الرجل ليهجر » أو «
إنّ
__________________
النبي
غلبه الوجع وعندنا كتاب اللّه حسبنا » ، لعلمنا أنّ تلك
النصوص قيلت تعريضا بالنبيّ وآله ، لأ نّه وحسب كلامه كان قد عرف تأكيدات النبي
على أهل البيت في حجّة الوداع «
أُذكّركم اللّه في أهل بيتي ، أُذكّركم اللّه في أهل بيتي ، أُذكركم اللّه في
أهل بيتي » ، وفي حديث الثقلين « كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ما إن أخذتم
بهما لن تضلوا بعدي أبدا » ، وفي عشرات بل مئات الأحاديث الأخرى.
فإنّ تأكيد النبيّ
على العترة ، وأنّ تركهم يعني الضلال عن الجادّة ، يفهمنا بارتباط أمر آل البيت
بالشريعة ، لا بالمحبّة فقط كما يصوّره البعض.
فنحن لو جمعنا كلّ
هذه المفردات ، وطابقناها مع مواقف النهج الحاكم بعد رسول اللّه من أهل بيت
الرسالة ، وموت الزهراء وهي واجدة على أبي بكر وعمر ، لعرفنا مدى
المفارقة بين ترك بِرِّ فاطمة وترك الدعوة للولاية بـ « حيّ على خير العمل » في الأذان ، ولماذا جاء تفسير « حيّ على خير العمل »
في كلام الإمامين
الباقر والصادق بـ «
بر فاطمة وولدها » وغيرها من النصوص الأخرى.
إنّ وقوف الرسول
كل يوم على باب فاطمة ولمدّة ستة أشهر بعد نزول آية التطهير ، وقوله لأهل بيت
الرسالة : « الصلاة ،
الصلاة إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم
__________________
الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا » يؤكّد على وجود ترابط بين التوحيد والنبوّة والإمامة في
الأذان وكذا في الصلاة ، بل في كلّ شيء ، وقد كان الرسول الأكرم هو حلقة الوصل
والرابط بين ركيزتي التوحيد ( الصلاة ) والعترة ( إِنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) .
وكان القوم قد
عرفوا هذا الارتباط من خلال الآيات الكثيرة النازلة في حقّ أهل البيت ، وتأكيدات
الرسول المتوالية عليهم ، فأرادوا إبعادهم عما خصهم به اللّه ورسوله حسدا
وازورارا ، وهم يعلمون بهذه الحقيقة ، وأنّ موضوع آل البيت ولزوم اتّباع عترته كان
من موارد الابتلاء والفتنة التي أخبر بها رسول اللّه أُمّته ، وقد نقلنا سابقا ما
جاء عن أبي سفيان ومعاوية في الأذان وأنّهما كانا لا يحبّان أن يذكر اسم النبي محمّد
في الأذان.
بل إنّ معاوية ، وعثمان حذفا اسمه 6 من آخر الأذان.
وجاء في مجمع
الزوائد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى ، قال : كان علي ابن أبي طالب إذا سمع المؤذّن
يؤذّن ، قال كما يقول ، فإذا قال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ،
__________________
وأشهد أن محمدا
رسول اللّه.
قال علي : أشهد أن
لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أنّ محمدا رسول اللّه ، وأنّ الذين جحدوا محمّدا هم الكاذبون .
وفي هذا الكلام من
الإمام علي معنى لطيف وتنو يه ظريف إلى الجاحدين بنبوّة محمد من القرشيّين وغيرهم
من الكاذبين.
لكن لا يتسنى
لأولئك الذين أسلموا والسيفُ على رقابهم في فتح مكة أن يجحدوا النبوة بصراحة أو أن
يجحدوا ارتباط القربى بالرسول والرسالة ، لذلك عمدوا إلى أن لا يذكر النبيّ في
الأذان ، ومع كلّ هذا الصلف والحقد كيف يرضون بذكر وصيه وخليفته من بعده علي بن
أبي طالب ، فيما لو تصوّرنا ثبوت التشريع بذكره في الأذان؟! وقس على ذلك بترهم
الآل من الصلاة على محمد وآل محمد ، وغير ذلك.
وجاء في ( الفقيه
) عن الصادق أنّه قال : من سمع المؤذّن يقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد
أن محمدا رسول اللّه ، فقال مصدقا محتسبا : « وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أن
محمّدا رسول اللّه ، أكتفي بهما عن كل من أبى وجحد ، وأعين بهما من أقرَّ وشهد » ، كان له من الأجر عدد من أنكر وجحد ، وعدد من أقرَّ وشهد .
نعم ، إنّ مسألة
اصطفاء النبي محمد من بين ولد آدم ، واصطفاء أهل بيت الرسول من بين قريش ، دعت
الناس أن يحسدوهم ( عَلَى
مَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ) ، فسعوا ليطفئوا نور اللّه بأفواهم ، محرّفين ومزوّرين
كلامه جلّ جلاله.
فهم أوّلاً أرادوا
أن يكون التحريف على لسان رسوله الأمين ـ كما مرّ عليك في قضيّة أهل أنطاكية ـ
ولمّا علموا عدم إمكان ذلك سعوا إلى التحريف المعنويّ وسلكوا شتى من الطرق
الملتوية التي كانوا يرونها مناسبة ، لكن الحقيقة بقت
__________________
واضحة لا غبار
عليها رغم كلّ محاولات التضليل والإيهام من القرشيّين ، وعلى سبيل المثال ـ لا
الحصر ـ فإنّ عبداللّه بن الزبير مكث أيّام خلافته أربعين جمعة لا يصلّي على
النبيّ 6 في صلاة الجمعة ، فقيل له في ذلك ، فقال : لا يمنعني من ذكره إلاّ أن تشمخ
رجال بآنافها ؛ إنّ له أُهيل بيت سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره !
الاسراء والمعراج ، الهاشميون
والقرشيون
فلنأخذ مثالاً على
ذلك ، وهو موضوع الإسراء والمعراج ؛ لأ نّه يرتبط بموضوع الأذان ، والمطالع فيما
قلناه سابقا يقف على الأقوال التي قيلت في مكان الإسراء ، فهو : إمّا من شعب أبي
طالب ، أو من بيت خديجة ، أو من بيت أُمّ هاني بنت أبي طالب ـ أُخت الإمام
عليّ ـ هذه هي الأقوال المشهورة ، وكلّها ترتبط بنحوٍ ما بآل أبي طالب.
لكنّهم حرَّفوا
الأمر وجعلوه من بيت عائشة ، في حين يعلم المحقّق الخبير وبتأمّل بسيط بأنّ هذا
تحريف للحقائق ؛ لأنّ المعروف عن عائشة أنّها كانت صغيرة لم تشاهد ، ولا حدثت عن
النبي ، وكذا معاو ية فإنّه كان كافرا في ذلك الوقت غير مشاهد للحال ولم يحدث عن
النبي ، هذان الشخصان هما مَن روى بأنّ إسراء رسول اللّه كان في المنام ، لا في
اليقظة ، في حين أنّ الباري جلّ شأنه يقول في محكم كتابه : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى
بِعَبْدِهِ لَيْلاً ) والعرب لا تقول للنائم : ( أَسْرَى ) وخصوصا لو جاء مع قوله : ( بعبده )
والذي هو عبارة عن مجموع الروح
__________________
والجسد .
نعم ، قد يمكن أن
يقال للذي يرى الأُمور في المنام أنّها ( رؤيا ) لا إسراء ، وهذا ما كانت بنو
أُميّة تريد التأكيد عليه في موضوع الإسراء ، والأذان المشرّع فيه ، إذ القول بأنّ
الإسراء كان مناما ينسف إعجازه ، ومن ثمّ يتسنى لهم الطعن والتلاعب بالأذان
المشرّع فيه ، لذلك كان أئمّة مدرسة أهل البيت يصرّون على أنّ الإسراء كان جسمانيا
، وأنّه معجز ربّانيّ فوق الفهم الإنساني ، وليس كما تقوله بنو أُميّة.
وقد اعترف بعض العامة
بذلك ؛ فقال ابن كثير : ... فلو كان مناما لم يكن فيه كبير شيء ولم يكن مستعظَما ،
ولَمَا بادرت قريش إلى تكذيبه ، ولما ارتدّت جماعة ممّن كان قد أسلم .
وأجاب ابن عطية عن
دعوى عائشة ومعاو ية ، بقوله : .. واعتُرِضَ قولُ عائشة بأنّها كانت صغيرة لم
تشاهد ، ولا حدّثت عن النبي ، وأمّا معاو ية فكان كافرا في ذلك الوقت ، غير مشاهد
للحال ، صغيرا ، ولم يحدّث عن النبي .
بلى ، إنّهم
بتشكيكهم هذا أرادوا أن يقولوا بأنّ الأذانَ لم يُشرّع في السماء بل شُرّع في
المنام ، وأنَّ بعض الصحابة قد شُرّف بهذا المنام الوحياني الذي
لم يُحْظَ به رسول اللّه ، إذ سمع النداءَ السماويَّ : عبدُاللّه بن زيد ، أو
عمرُ ، أو معاذُ ، ولم يسمعه رسول اللّه ، فأمر 6 بلالاً أن يأخذ الأذان من عبداللّه بن زيد!!
وجاءت روايات
أُخرى تقول : إنّ رسول اللّه استشار بعض الصحابة في هذا
__________________
الحكم الإلهيّ ، فأشاروا
عليه بأشياء استقبح الرسول بعضها ، ورضي بالآخر منها.
وفي آخر : إنّ عمر
أضاف الشهادة بالنبوّة في الأذان ، إلى غيرها من التمحّلات الكثيرة التي أُسْقِطَتْ على
الأذان وحرّفته عن وجهته الحقيقية.
في حين قد وقفت
سابقا على كلام الإمامين الحسن والحسين وكلام محمد بن الحنفية وغيرهم في بدء
الأذان وعدم قبولهم لما طُرح من قبل الامو يّين في هذا الأمر ، مؤكِّدين بأنّ
اللّه سبحانه رفع ذكر الرسول في الصلاة والتشهد والأذان ، فلا حاجة بعد
ذلك لمدح المادحين ولا خوف من جحود الضالّين المعاندين.
وممّا يجب التنبيه
عليه كذلك هو أنّ قريشا كانت تقول لمن مات الذكور من أولاده : أبتر ، فلمّا مات
أبناء الرسول 6 : ـ القاسم وعبداللّه بمكة ، وإبراهيم بالمدينة ـ قالوا :
بُتِرَ ، فليس له من يقوم مقامه .
فنزلت سورة الكوثر
ردّا على من عابه بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه جل شأنه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ
الزمان.
قال الفخر الرازي
: فانظُرْ كم قُتِلَ من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم ، ولم يبق من بني أُميّة
في الدنيا أحد يُعبأ به.
ثم انظُر كم فيهم
من الأكابر من العلماء كالباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا ، والنفس الزكية
وأمثالهم .
__________________
تحريفات مقصودة
إنّ أُطروحة كون
حقيقة الأذان مناميّة وليست سماو يّة هي اُطروحة أمو ية طُرحت بعد صلح الإمام
الحسن مع معاو ية للاستنقاص من الرسول ومن آله الكرام ، لأنّ أوّل نصّ وصلنا في
ذلك هو لسفيان بن الليل ، إذ قال :
لمّا كان من أمر
الحسن بن علي ومعاو ية ما كان ، قدمتُ عليه المدينة وهو جالس في أصحابه ...
فتذاكرنا عنده الأذان ، فقال بعضنا : إنّما كان بدء الأذان برؤ يا عبداللّه بن
زيد ، فقال له الحسن بن علي : إنّ شأن الأذان أعظمُ من ذلك ، أذَّن جبرائيل في
السماء مثنى مثنى وعلَّمَهُ رسول اللّه ... الخبر .
وجاء عن الإمام
الحسين أنّه سئل عن هذا الأمر كذلك ، فقال : الوحيُ يتنزّل على نبيّكم وتزعمون
أنّه أخذ الأذان عن عبداللّه بن زيد؟! والأذان وَجْهُ دينكم .
وجاء عن أبي
العلاء قال : قلت لمحمّد بن الحنفية : إنّا لنتحدث أنّ بدء هذا الأذان كان من رؤيا
رآها رجل من الأنصار في منامه.
قال : ففزع لذلك
محمد بن الحنفية فزعا شديدا ، وقال : عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام
ومعالم دينكم ، فزعمتم أنّه إنّما كان من رؤ يا رآها رجل من الأنصار في منامه ، تحتمل
الصدق والكذب ، وقد تكون أضغاث أحلام؟
قال : فقلت [ له ]
: هذا الحديث قد استفاض في الناس!
قال : هذا واللّه
هو الباطل ، ثم قال : وإنما أخبرني أبي : أنّ جبريل ... الخبر .
__________________
إذا الأمر يتعلّق
بالأمويين وأنّهم يريدون أن يشكّكوا في قوله تعالى ( وَمَا
جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِيآ أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ
وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ )
وفي منام الرسول الأكرم الّذي شاهد فيه بني أمية ينزون على منبره الشريف نزو
القردة ، وربط هذا المنام بخبر الإسراء والمعراج ، والذي جاء في
صدر هذه السورة المباركة.
فأبو سفيان ، ومعاو
ية ، ويزيد كانوا يريدون طمس ذكر محمّد ، فكيف بذكر عليّ وآل محمّد ، والذي مرَّ
عليك كلامهم .
وحكى الأبشيهي في
( المستطرف في كلّ فنّ مستظرف ) عن الإمام [ علي بن ] الحسين أنّه دخل يوما على
يزيد بن معاو ية ، فجعل يزيد يفتخر ويقول : نحن ونحن ، ولنا من الفخر والشرف كذا
وكذا ، و [ علي ابن ] الحسين ساكت ، فأذّن المؤذّن ، فلمّا قال : أشهد أنّ محمّدا
رسول اللّه ، قال [ علي بن ] الحسين : يا يزيد جَدُّ من هذا؟ فخجل يزيد ولم يردَّ
جوابا .
وروى صاحب الأغاني
بسنده إلى يحيى بن سليمان بن الحسين العلوي ، قال : كانت سكينة في مأتم فيه بنتٌ
لعثمان ، فقالت بنتُ عثمان : أنا بنت الشهيد ،
__________________
فسكتت سكينة ، فلمّا
قال المؤذّن : أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه ، قالت سكينة : هذا أبي أو أبوكِ؟
فقالت العثمانية :
لا جَرَمَ ، لا أفخر عليكم أبدا .
وهذا معناه أنّ
القرشيين كانوا يتحينون الفرص للحطّ من شأن قربى الرسول وأهل بيته علاوة على أمير
المؤمنين علي الذي هو على رأس هذا البيت المقدس ، وهذا يوقفنا على أنّ الشهادة
بالولاية لعلي مع افتراض تشريعها أو محبوبية ذكرها أو جواز ذكرها من باب التفسير
سيعارض الاتّجاه القرشي أقوى معارضة ، ولهذا وأدلّة أخرى احتملنا أنّ الشهادة
بالولاية لعلي في الأذان لم ينشرها النبيّ بنحو الجزئية خوفا على الأ مّة من
التقهقر ؛ إذ بالنظر لمجموع الأدلة في الشهادة الثالثة ـ علاوةً على اعتراف الشيخ
الطوسي بوجود أخبار شاذّة فيها ، وأنّ الشاذّ ـ كما عرفه المجلسي ـ هو الصحيح غير
المعمول به ، وذهاب طائفة عظيمة من فقهاء الأصحاب إلى محبوبيّتها ـ يمكن احتمال
أنْ يكون ملاك التشريع موجودا فيها لكنّ المانعَ أيضا موجود آنذاك.
ومما يدل على ان
القوم كانوا بصدد اخماد ذكر محمد 6 هو ما جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : أن فاطمة
الزهراء لامت الإمام عليّا على قعوده ، وأطالت عتابَهُ ، وهو ساكت حتى أذّن
المؤذّن ، فلمّا بلغ إلى قوله : «
أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه » قال لها : أتحبّين أن تزول هذه الدعوة من الدنيا؟
قالت : لا.
قال : فهو ما أقول
لك .
وفي نص آخر : قد
روي عن عليّ أنّ فاطمة حرّضته يوما على النهوض
__________________
والوثوب ، فسمع
صوت المؤذّن « أشهد أن
محمدا رسول اللّه » فقال لها : أيسرك زوال هذا النداء من الأرض؟
قالت : لا.
قال : فإنّه ما
أقول لك .
فقريش كانت لا
تريد الجهر باسم الرسول الأكرم ، فكيف ترضى الجهر باسم وصيّه وخليفته من بعده؟!
وحسبك أنّ أبا محذورة المؤذن خفض صوته بالشهادة الثانية استحياءً من أهل مكة ، لأ
نّهم لم يعهدوا ذكر اسم رسول اللّه بينهم جهرا ، ففرك رسول اللّه أذُنه وقال :
ارفع صوتك . فماذا يمكن أن نتوقّع لو ذكر اسم علي في الأذان على سبيل
الجزئية كل يوم؟!
بلى ان بلالاً كان
لا يستحي من قريش ولا يداهن فكان يجهر ويصيح بأعلى صوته : « أشهد أنّ محمدا رسول
اللّه » من على بيت أبي
طلحة .
ونقل الواقدي قصة
فتح مكة ، وفيه : إنّ رسول اللّه أمر بلالاً أن يؤذّن فوق ظهر الكعبة ... فلمّا
أذّن وبلغ إلى قوله «
أشهد أن محمّدا رسول اللّه » رفع صوته كأشدّ ما يكون ، فقالت جو يرية بنت أبي جهل : قد لعمري « رفع لك ذكرك » ... وقال خالد بن سعيد بن العاص : الحمد للّه الذي اكرم
أبي فلم يدرك هذا اليوم.
وقال الحارث بن
هشام : واثكلاه ، ليتني مت قبل هذا اليوم ، قبل ان اسمع بلالاً ينهق فوق الكعبة!.
وغيرها من النصوص
الكثيره الدالة على وجود مجموعتين إحداهما تحرص
__________________
على إعلاء ذكر
محمد ، والأُخرى تسعى لإخماده ، وهذا هو الذي كان يدعو آل البيت لأن يشيدوا بهذه
المفخره أمامَ من ينكرونها.
ولأجل هذا وغيره
نرى النصوص الحديثية تؤكّد على لزوم رفع الصوت بالصلاة على محمّد وآل محمد ؛ وأنّه
يبعد النفس عن النفاق .
ومن خلال كلما مضى
تعرف أنّ سمات الولاية يجب أن تظهر ملامحها بصورتها الكنائية في الأذان وهو المعنى
في كلام الفقهاء بالشعارية وان تاكيدهم على القول بالشهادة الثالثة جاء من هذا
الباب.
أذان النبي يتضمّن
ولاية علي
لقد أكّد الإمام
علي بن الحسين 7 على أنّ «
حي على خير العمل » كانت في الأذان الأوّل ، ويعني بكلامه أنّه قد شُرّع في الإسراء والمعراج ، وأنّ
جبرئيل قد أذّن بها هناك ، وهذه الحقيقة قد وضّحها الإمام الباقر كذلك بقوله :
إنّ رسول اللّه
لما أُسري به إلى السماء نزل إليه جبرئيل ومعه محملة من محامل الرب عزّ وجلّ ، فحمل
عليها رسول اللّه إلى السماء ، فأذّن جبرئيل فقال : اللّه اكبر ، اللّه أكبر ، اللّه
أكبر ، اللّه أكبر ، أشهد أن ... ـ إلى أن قال ـ حيّ على خير العمل ، حيّ على خير
العمل ... .
وروي عن جعفر بن
محمد الصادق ، عن أبيه ، عن جده ، أنّه قال : أوّل من أذّن
__________________
في السماء جبرئيل
حين أُسري بالنبي ، فقال : اللّه أكبر ... ـ إلى أن قال ـ فقال : حي على خير
العمل ، حي على خير العمل ، فقالت الملائكة : أُمِرَ القوم بخير العمل .
وقد ثبت قبل كلّ
هذا عن الإمام علي أنّه كان يقول حينما يسمع المؤذن ابن النباح يقول في أذانه : « حيّ على خير العمل ،
حي على خير العمل » : « مرحبا بالقائلين عدلاً
، وبالصلاة مرحبا وأهلاً » .
وجاء عن محمد بن
الحنفية أنّه ذكر عنده خبر بدء الأذان ، فقال : لمّا أُسري بالنّبي إلى السماء
وتناهز إلى السماء السادسة ... ثم قال : حي على خير العمل ، فقال اللّه جل جلاله
: هي أفضل الأعمال وأزكاها عندي ... .
وهذه النصوص عن
الأئمة : السجاد ، والباقر ، والصادق وقبلهم عن أمير المؤمنين علي : وعن محمّد بن
الحنفية كلّها تؤكّد تشريع الحيعلة الثالثة في الأذان الأوّل وعند الإسراء
والمعراج.
ولا شكَّ أنّ
الإمام عليا بكلامه السابق كان يشير إلى الجاحدين لرسالة الرسول والمنكرين لوصايته
، خصوصا بملاحظة سياق الرواية ، حيث إنّه كان يقول عند سماعه الشهادتين : « وأشهد أنّ محمّدا
رسول اللّه وأنّ الّذين جحدوا محمّدا هم الكاذبون » ، وعند سماعه الحيعلة الثالثة : « مرحبا بالقائلين
عـدلاً » ، كلّ ذلك تعريضا
بمن جحدوها ورفعوها بغضا وعنادا.
__________________
فعلي بن أبي طالب
هو خير العمل كما نصّت عليه حسنة ابن أبي عمير عن الكاظم 7 الآنفة ، وهي مؤ
يدَّة بعشرات الأدلّة التي منها أنّ ضربةً واحدةً منه يوم الخندق عدلت عبادة
الثقلين ، فكيف بمن كان كلّ وجوده عدلاً وعملاً صالحا ، وهو خيّر
البرية وخير البشر بعد الرسول بلا منازع.
وعن حذيفة ، عن
رسول اللّه أنّه قال : لو علم الناس متى سُمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله
، تسمّى أميرَ المؤمنين وآدمُ بين الروح والجسد ؛ قال اللّه تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ
مِن بَنِيء آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ )؟ قالت الملائكة : بلى ، فقال : أنا ربكم ، محمّد نبيّكم ، عليّ أميركم .
إن أئمة النهج
الحاكم قد عرفوا مغزى «
خير العمل » ، وأنَّ اللّه
قد أنزل أكثر من ثلاثمائة آية في علي وأهل بيته ، منها آية التطهير ، والمباهلة ، وسورة
الدهر ، وقوله ( إِنَّمَا
وَلِيُّكُمُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ ) ، و ( أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولِ وَأُوْلي الاْءَ مْرِ مِنكُمْ ) و ( فَأَنَّ
لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) ، و ( فَسْـئَلُواْ
أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) و ( إِنَّمَآ
أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ
__________________
هَادٍ ) ، و ( وَالَّذِي
جَآءَ بِالصِّدقِ وَصَدَّقَ بِهِ )
، و ( رِجَالٌ
صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىْ نَحْبَهُ
وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ )
، و ( وَكُونُواْ
مَعَ الصَّادِقِينَ ) و ( وَأَنَّ هَذَا
صِرَاطِي مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ ) ، وغيرها من النصوص النبو ية المتواترة فيه وفي عترته
الطاهرين ، فأرادوا الحدّ من نشر فضائل علي 7 كي لا يقف المسلمونَ على كُنْهِ مكانته ، بل جدّوا
لِسَبِّه ، وحذفوا الصلاة على النبي محمد من الخطبة بدعوى أنّ
للرسول أبناء سوء يشمخون بأُنوفهم عند سماعهم أسم جدّهم يعلو على المنابر ، فكيف بهم لو
سمعوا بذكر علي؟!
فالقوم وبقولهم
أنّ الأذانَ مناميٌّ جدّوا لتحريف الحقائق ، وأنكروا أن يكون تشريعه في الإسراء
والمعراج ـ الدال على أنّه سماوي ـ لأنّ القول بذلك يستتبع ذكر أُمور اُخرى ؛
كوجود اسم الإمام علي على ساق العرش ، وأن مثاله موجود في الجنة ، وأنّ النّبي
نودي وكُلِّم بصوت عليّ ، وغيرها من الأمور.
ولمّا صرّح النّبي
6 بذلك وشاع وذاع حاولوا معارضة تلك المنازل المعراجية بمنازل مختلقة لآخرين ، فذكروا
أن لبلال خشخشة في الجنة ، ولم يذكروا وجود اسم الإمام في الجنة ، لا حبا ببلال ، بل
كرها للإمام علي ، وقالوا أن اسم أبا بكر كان على ساق العرش بدل اسم الإمام علي.
__________________
اقتران ذكر علي
بالنبيّ في الإسراء
روى القاسم بن
معاوية ، قال : قلت لأبي عبداللّه الصادق :
هؤلاء يروون حديثا
في معراجهم أنّه لمّا أُسرى برسول اللّه رأى على العرش مكتوبا : « لا إله إلاّ اللّه
، محمد رسول اللّه ، أبو بكر الصدّيق ».
فقال : سبحان
اللّه!! غيّروا كلَّ شيء ، حتّى هذا!!
قلت : نعم.
فقال الصادق ـ ما
ملخّصه ـ : إنّ اللّه تعالى لمّا خلق العرش ، والماء ، والكرسي
واللوح ، وإسرافيل
، وجبرائيل ، والسماوات والأرضين ، والجبال ، والشمس ، والقمر ، كتب على كل منها :
« لا إله
إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، عليّ أمير المؤمنين » ، ثمّ قال 7 : فإذا قال أحدكم
« لا إله
إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه » فليقل «
علي أمير المؤمنين » .
ويؤيّد المروي عن
الإمام الصادق بما جاء عن أنس بن مالك ، قال : قال النبيّ 6 : لمّا عُرِجَ بي
رأيت على ساق العرش مكتوبا : «
لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، أيّدته بعليّ ، نصرته بعليّ » .
وعن جابر بن
عبداللّه الأنصاري ، قال : قال رسول اللّه : مكتوب على باب الجنة
__________________
قبل أن يُخُلِق
السماوات والأرض بألفي عام : «
لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، أيّدته بعلي » .
وعن أبي الحمراء ـ
خادم الرسول ـ قال : قال رسول اللّه : لمّا أُسرى بي إلى السماء نظرت إلى ساق
العرش الأيمن فإذا عليه : «
لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، أيّدته
بعلي ، ونصرته بعلي » .
ويؤكد هذا الكلام ما رواه فرات الكوفي ، عن علي بن عتاب
معنعنا ، عن فاطمة الزهراء أنّها قالت : قال رسول اللّه : لمّا عرج بي إلى السماء
صرت إلى سدرة المنتهى ( فَكَانَ
قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) فأبصرته بقلبي ، ولم أره بعيني ، فسمعت أذانا مثنى مثنى وإقامة
وترا وترا.
فسمعت مناديا
ينادي : يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي اشهدوا أنّي لا إله إلاّ أنا
وحدي لا شريك لي ، قالوا : شهدنا وأقررنا.
قال : اشهدوا يا
ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أنّ محمدا عبدي ورسولي ، قالوا : شهدنا
وأقررنا.
قال : اشهدوا يا
ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أنّ عليّا وليّي ، ووليّ رسولي ، ووليّ
المؤمنين من بعد رسولي ، قالوا : شهدنا وأقررنا .
__________________
ومما يحتمل أن
يقال جمعا واستنتاجا لاخبار الاسراء والمعراج في الأذان هو إن غالب روايات ذكر اسم
علي بعد اسم النبي كانت عند سدرة المنتهى وفي السماء السابعة ، ولم ترد رواية بذلك
في السماوات التي دون الرابعة ، وإذا ثبت أن الأذان قد شرّع في السماء الثانية أو
الثالثة ، فإن معنى ذلك ان الشهادة الاقتضائية لعلي بالولاية ذكرت
في السماء الثانية أو الثالثة ثم ابلغت الملائكة بذلك ، ولذلك شهدت الملائكة
بالشهادة الثالثة عند السماء السابعة ، وفي هذا ما يمكن أن يستند عليه القائل
بالجزئية ، في حين إنا نستفيد منها على أنّها محبوبة للشارع لا غير.
وكذا أن رواية
القاسم بن معاوية الآنفة هي من الأدلّة التي استدلّ بها بعض فقهاء الإمامية على
جواز ذكر الشهادة الثالثة في الأذان وفي غيره. لكن لا ينبغي أن تفرد هذه الرواية
بالاستدلال عندهم ، لأنّ مجموع تلك الروايات تثبت التقارن بين علي والنبي في الذكر
مطلقا ، وعلى هذا الأساس أفتى بعض الفقهاء بالاستحباب الشرعيّ فضلاً عن الجواز
والإباحة ؛ من دون اعتقاد الجزئية ، والشهادة الثالثة تكون حينئذ ذكرا محبوبا في
الأذان وفي غيره يراد منه التيمّن والتبرّك ويؤتى بها بقصد القربة المطلقة ؛ إذ
عمومات وإطلاقات الاقتران تتناول الأذان وغيره ، خصوصا إذا جمع مع حسنة ابن أبي
عمير عن الكاظم الاتية بعد قليل والداعية إلى الحث على الولاية في الأذان.
وعليه فإن ما جاء
في تفسير فرات يوضّح الارتباط الوثيق بين الشهادات الثلاث ، لأنّ الفاء في « فسمعتُ » إن أُخذت على أنّها تفسيرية كان النداء الذي سمعه رسول
اللّه من جملته الشهادة بالولاية ، وهذا يكون نصّا على وجود الشهادة بالولاية
لعليٍّ في الأذان.
__________________
أمّا لو لم تكن
ضمن الأذان ـ المسموع للنبي ـ بل كان المنادي قد نادى بها بعد الأذان ، فهذا
الترتيب أيضا يدلّ على الترابط الملحوظ بين الشـهادات الثلاث في كلِّ شيء ويوكد
على محبوبية الاجهار به.
وقد يكون ذلك معنى
آخر لما قاله الإمام علي بن الحسين عن الحيعلة الثالثة وأنّها كانت في الأذان
الأوّل. وانّ الملائكة أتو بالحيعلة مع تفسيرها.
كلّ هذه النصوص
تؤكّد وجود شيء دالّ على الإمامة والولاية في الأذان ، وخاصّة حسنة ابن أبي عمير
عن الإمام الكاظم 7 التي جزمت بأنّ صيغة « حيّ على خير العمل » تدلّ على معنى الولاية.
صحيحة ابن اذينة تقرن ذكر
علي بالنبيّ
والآن مع خبر آخر
أخرجه الكليني بسند صحيح وكذلك الصدوق ـ بأكثر من طريق ـ عن سدير الصيرفي ومحمد بن
النعمان الأحول مؤمن الطاق وعمر بن اذينة مستفيضا عن الإمام الصادق أنّه قال: يا
عمر بن أُذينة ، ما تروي هذه النّاصبة؟
قال : قلت : في
ماذا؟
قال : في أذانهم
وركوعهم وسجودهم.
قال : قلت : إنّهم
يقولون أنّ أبيّ بن كعب رآه في النوم.
قال : كذبوا ، فإنّ
دين اللّه عزّوجلّ أعزّ من أن يُرى في النوم.
قال : فقال له
سدير الصيرفي : جعلت فداك فأَ حْدِثْ لنا مِن ذلك ذِكرا ، فبدا الإمام الصادق
ببيان عروج الرسول إلى السماوات السبع ، وذكر لهم خبر الأذان والصلاة هناك بكلّ
تفاصيله.
وإليك بعض الفقرات
الحساسة منه : فقال جبرئيل : اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، ثم فتحت أبواب السماء
واجتمعت الملائكة فسلّمت على النبي 6 أفواجا ، وقالت :
يا محمّد كيف أخوك
، إذا نزلت فَأَقْرِئْهُ السلام.
قال النبي 6 : أفتعرفونه؟
قالوا : وكيف لا
نعرفه وقد أخذ ميثاقك وميثاقه منّا ، وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنّا
لنتصفح وجوه شيعته في كلّ يوم وليلة خمسا [ يعنون في كل وقت صلاة ] وإنّا لنصلّي
عليك وعليه.
ـ إلى أن يقول ـ
فقال جبرئيل : أشهد أنّ محمدا رسول اللّه ، أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه.
فاجتمعت الملائكة
وقالت : مرحبا بالأوّل ، ومرحبا بالآخر ، ومرحبا بالحاشر ، ومرحبا بالناشر ، محمّد
خير النبيين ، وعليّ خير الوصيين ... إلى آخر خبر الإسراء والمعراج .
وجاء في العلل
لمحمّد بن علي بن إبراهيم بن هاشم أنه قال : علّة الأذان أن تكبّر اللّه وتعظّمه
، وتقرّ بتوحيد اللّه وبالنبوّة والرسالة ، وتدعو إلى الصلاة ، وتحثّ على الزكاة.
ومعنى الأذان :
الإعلام ؛ لقوله تعالى ( وَأَذَانٌ
مِنَ اللَّهِ وَرَسولِهِ إِلَى النَّاسِ ) أي إعلام ، وقال أمير المؤمنين : كنت أنا الأذان في الناس
بالحجّ ، وقوله : ( وَأَذِّن
فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) أي أعلمهم وادْعُهُمْ .
وفي « من لا يحضره الفقيه
» عن الإمام الرضا
أنّه قال في علل الأذان : ... إنما امر الناس بالأذان لعلل كثيره ، منها أن يكون
تذكيرا للناسي ، وتنبيها للغافل ، وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عنه ، ويكون
المؤذن بذلك داعيا لعبادة الخالق ومرغبا
__________________
فيها ، ومقرا
للّه بالتوحيد مجاهرا بالإيمان معلنا بالإسلام مؤذنا لمن ينساها
إلى أن يقول : وجعل بعد التكبير الشهادتان لأن أول الإيمان هو التوحيد والإِقرار
للّه تبارك وتعالى بالوحدانية والاقرار للرسول 6 بالرسالة وأن اطاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ، ولأن أصل
الإيمان إنّما هو الشهادتان فجعل شهادتين شهادتين كما جعله في ساير الحقوق شاهدان
فإذا أقر العبد للّه عزّ وجلّ بالوحدانية وأقر للرسول 6 بالرسالة فقد أقر
بجملة الإيمان ، لأن أصل الإيمان إنما هو [ الشهادة ] باللّه وبرسوله وإنما جعل
بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة ، لأن الأذان إنما وضع لموضع الصلاة وإنما هو
نداء إلى الصلاة في وسط الأذان والدعاء إلى الفلاح وإلى خير العمل ، وجعل ختم
الكلام باسمه كما فتح باسمه .
موثقة طريف تقرن
الشهادة بالولاية مع الشهادة بالرسالة
وروى الكليني عن
سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد ، قال : سمعت يونس بن يعقوب ، عن سنان بن طريف ، عن
أبي عبداللّه الصادق ، قال : إنّا أوّل بيت نوّه اللّه بأسمائنا ، إنّه لمّا خلق
السماوات والأرض أمر مناديا فنادى :
أشهد أنّ لا إله
إلاّ اللّه ، ثلاثا.
أشهد أنّ محمدا
رسول اللّه ، ثلاثا.
أشهد أنّ عليا
أمير المؤمنين حقّا ، ثلاثا .
__________________
وقد أخرجها الشيخ
الصدوق في أماليه ، قال : حدثنا محمّد بن علي بن ماجيلويه 2 ، قال : حدثنا
محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثني سهل بن زياد ... ، وساق ما أخرجه الكليني سندا
ومتنا .
وروى الصدوق في « كمال الدين » بسند متّصل إلى ابن أبي حمزة الثمالي ، عن الصادق ، عن
أبيه ، عن آبائه ، قال : قال رسول اللّه : حدّثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله
أنّه قال : « من علم
أن لا إله إلاّ أنا وحدي ، وأنّ محمدا عبدي ورسولي ، وأنّ علي بن أبي طالب خليفتي
، وأنّ الأئمة من ولده حُججي » أدخلته الجنّة برحمتي ، ونجّيته من النار بعفوي ، ومَن لم يشهد أن لا إله إلاّ
أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ محمّدا عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد أنّ
الأئمّة من ولده حججي فقد جحد نعمتي وصغّر عظمتي وكفر بآياتي ... .
فإذا كان اللّه
قد أمر ملكا بأن ينادي بهذه الشهادات الثلاث ، فهو يعني محبوبيتها وكمال الحسن في
الإتيان بها عنده ، لأنّ اللّه لا يأمر بشيء عبثا إلاّ وفيه مصلحة ، فكيف يُشكَل
على العامل بها في الحياة الدنيا ، لا على أنّها أمر من اللّه سبحانه واجبٌ في
خصوص الأذان ، بل لأ نّها محبوبة عنده سبحانه وتعالى بنحو مطلق ، أي من دون اعتقاد
الجزئية.
فإِذَنْ مضمون
الشهادة بالولاية في الأذان لم يكن منافيا للشريعة حتّى يقال بحرمة الإجهار بها ، بل
هو جاء ضمن السياق المأمور به في الشريعة.
__________________
فلو ثبت جواز
ذكرها ـ فضلاً عن استحبابها قاصداً بعمله امتثال امر الباري ـ فكيف يجوز نسبة
الحرمة إلى اللّه.
الم يكن ذلك
تحريما للحلال ، وهو الداخل ضمن قوله تعالى : ( آللَّهُ
أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ).
إن البدعة هو
ادخال في الدين ما ليس منه تحليلاً وتحريما ، فكما ان تحليل الحرام غير جائز.
فتحريم الحلال هو حرام بإجماع المسلمين.
ان الإتيان بذكر
علي من الذكر الجائز ، وقيل انه مستحب لمجيئه في شواذ الاخبار ، فلو كان جائزا فلا
يجوز منعه خصوصا بعد علمنا بأن القوم منعوا من الجهر بالبسملة ، والمُتعتين ، وحيّ
على خير العمل ، وغيرها من المسائل الخلافية إخماداً لسنّة رسول اللّه وبغضاً
لعلي ، والذي وضّحناها في كتابنا « منع تدوين الحديث » وان اعمالهم تلك هي اماتة للدين وتحريف للشريعة وهو مصداق
لقوله تعالى ( وَلاَ
تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ ألْسِنَتُكُمُ ألْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ
لِتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ ألْكَذِبَ إِنَّ ألَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ
ألْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ).
وعلى ضوء ما سبق
نقول : إنّ اللّه ورسوله قد أعلنا عن ولاية علي في كتابه وسنته تصريحا وتلميحا ، وإنّ
الأذان المشرّع في الإسراء والمعراج كان فيه : « حي على خير العمل » الدالة على الولاية ، ونحن ناتي بتفسيرها معها لا على أنّها
جزءُ بل لمحبوبيتها عند رب العالمين ، ولمعرفتنا بأن القوم غيروا اسم الإمام علي
الذي كان مكتوبا على ساق العرش إلى أبي بكر ، وشكّكوا في كون الإسراء جسمانيا ، إذ
ذهب كُلٌّ من عائشة ومعاو ية إلى القول بأنّ الإسراء كان مناميّا ، وذلك مثل ما
قالوه في الأذان وأنه مناميّ ، كل ذلك للحدّ من تناقل فضائل الإمام علي الظاهرة في
السماوات والأرض ، في حين قد عرفت أنّ آل البيت كانوا يرفضون فكرة تشريع الأذان في
المنام وما اتى به القوم من تحريفات.
إذن التحريف والز
يادة والنقصان في الدين جاءت من قِبَلِهِم وكانت هي
سجيَّتهم ، وقد
طالبوا الرسول أن يحرّف الكتاب العزيز فأبى 6 أن يغيّر ( فأبوا ) إلى ( فأتوا ) ، لكنّ عثمان ما رأى
بأسا في أن يزيد الأذان الثالث يوم الجمعة ، وعمر ما رأى ضيرا في أن ينقص الحيعلة الثالثة من أصل
الأذان ويضيف : « الصلاة
خير من النوم » في أذان صلاة الصبح .
كل ذلك وهم
يتهموننا بالزيادة في الدين وأني في كتابي « وضوء النبي » وضحت بأنهم زادوا في الوضوء على ما فرض اللّه على عباده ، فغيروا
صريح الآية من المسح إلى الغسل.
وعليه لا وجه
للترابط بين المنع من المتعتين ورفع الحيعلة الثالثة من قبل عمر ، إلا أن نقول
أنهما مرتبطتان بالولاية والخلافة ، لان الرواية في فضائل علي يعني لزوم الاتباع
له ، أي ان لتلك الروايات الطريقية للاخذ عن علي. لان نقل الفضائل هو مقدمة لاخذ
الدين عنه ، وبما أنّ الطالبيّين كانوا يتبنون فكر ومنهج الإمام علي وخصوصا في هذه
المفردات الثلاث ـ تبعا له 7 ـ ، ولهذا ترى التخالف قائم بين المدرستين في هذه المفردات
إلى يومنا هذا ولا يمكن تصوّر شيء آخر غير هذا؟
وإلاّ فما هو سّر
حذف الحيعلة الثالثة واستبدالها في أذان الصبح بالتثويب؟ وهل هما يرتبطان بموضوع
الخلافة والإمامة كذلك؟ انه تساءل يمكن أن تقف على جوابه في كتابنا « الصـلاة خير من النوم
شرعة أم بدعة ».
وبعد كلّ هذا نقول
: يمكننا أن نستدلّ على رجحان الشهادة بالولاية من خلال وجود الحيعلة الثالثة في
الأذان الأوّل ، كما يمكننا أن نستدلّ على رجحانها أيضا من خلال أمر الإمام الكاظم
7 بالحث عليها مطلقا ، مضافا إلى الاستدلال على رجحانها بأخبار الاقتران
المعتبرة حين العروج برسول اللّه إلى السماء ، وأنّها
__________________
كانت تعني الإمامة
والولاية لعلي ، كما جاء في روايات أهل البيت ، وتمّ التوصّل إليه خلال الصفحات
السابقة ، لكن من دون اعتقاد الجزئية.
وقفة مع ما رواه
الصدوق في العلل
لنتوقف هنا قليلا
عند ما رواه الشيخ الصدوق في علله : حدثنا عبدالواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري 2 ، قال : حدثنا
علي بن [ محمد بن [ قتيبة ، عن الفضل بن شاذان قال : حدثني محمد بن أبي عمير : أنّه
سأل أبا الحسن [ الكاظم ] 7 عن «
حي على خير العمل » لِمَ تُركتْ من الأذان؟ فقال : ... فإنّ خير العمل الولاية ، فأراد مَنْ أمر
بترك « حي على
خير العمل » من الأذان [ وهو
عمر كما في روايات اُخرى ] ألاّ يقع حَثٌّ عليها ودعاءُ إليها .
والخبر مسند كما
تراه ، ووجود عبدالواحد بن محمد بن عبدوس فيه لا يخدشه ، لأ نّه من مشايخ الصدوق ،
وقد ترضّى عليه كثيرا ، قال الوحيد البهبهاني : وأكثر الرواية عنه ، مترضّيا ، وحسَّنَهُ
خالي ، ولم يرد فيه قدح من أحد.
وكذا علي بن محمد
بن قتيبة ، فقد اعتمده الكشّي ، وروى عنه كثيرا ، والعلاّمة حكم بصحة روايته وقد أدرجه في
القسم الأول من رجاله ، وكذلك ابن داود ،
__________________
بل قد جزم
الجزائري بوثاقته حيث أدرجه في قسم الصحاح ، وكذلك جزم به الكاظمي في هداية
المحدّثين ، وقال الشيخ عنه : «
فاضل » ، وهو مدح للرجل .
قال الشهيد الثاني
عن بن عبدوس : وهو مجهول الحال مع انه شيخ ابن بابويه ، وهو قد عمل بها ، فهو في
قوة الشهادة له بالثقه ، ومن البعيد أن يروي الصدوق ; عن غير الثقه بلا واسطة واعلم أن العلامة في التحرير في
باب الكفارات شهد بصحة الرواية وهو صريح في التزكية لعبد الواحد .
وقال المحقق
السبزواري في ذخيرة المعاد : ولا يخفى أن عبدالواحد بن عبدوس وان لم يوثق صريحا
لكنه من مشايخ الصدوق المعتبرين الذين اخذ منهم الحديث ، وفي ذلك اشعار بالاعتماد
على ما نقله على ان الظاهر انه من مشايخ الاجازة من المصنفين والنقل من كتاب بعض
الرواة المتقدمة عليه فلا يتوقف الاعتماد على الرواية على حسن حاله ، وفي طريق
الرواية علي بن محمد القتيبي ولم يوثقوه لكن مدحه الشيخ في كتاب الرجال بأنه فاضل
وذكر النجاشي في ترجمته أن عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال وانه صاحب
الفضل بن شاذان ومن رواية كتبه وفي ذلك اشعار بحسن حاله .
وقد نقل الشيخ
يوسف البحراني عن بعض مشايخه قوله : صحّح العلامة في الخلاصة في ترجمة يونس بن عبد
الرحمن طريقين فيهما علي بن محمد بن قتيبة واكثر الكشي الرواية عنه في كتابه
المشهور في الرجال ، فلا يبعد الاعتماد على حديثه لأنه من مشايخه المعتبرين الذين
اخذ الحديث عنهم . فالرواية حسنة
__________________
على أقّل تقدير.
فإنّ قوله 7 : « فإنّ خير العمل
الولاية » يفهم بأنّ عمر بن
الخطاب كان لا يريد أن يقع حثٌّ على الولاية ودعوةٌ إليها ، وهو ما يفنّد قول من
يدّعي أنّ الضمير في ( عليها ) أو ( فيها ) راجع إلى الصلاة ، إذ لا يعقل أن يكون
عمر لا يريد حثا على الصلاة والدعوة إليها لان منصبه يمنعه من ذلك ، مع أنّ الدعوة
إلى الصلاة ، وإلى الفلاح قد كانت موجودة في الفصلين السابقين ، فلا معنى لحذفها ،
فلم يبق إلاّ أن نقول بأنّ لـ «
حي على خير العمل » معنىً آخر غير الصلاة والفلاح ، وهذا هو الصحيح ، ويتأكّد ذلك لكلّ من يتأمل
قليلاً في لغة العرب ، إذ من غير الطبيعي أن يأتي العربي بالكناية بعد التصريح ، فالمؤذّن
حينما يقول وبلسان عربي فصيح : «
حيّ على الصلاة » فلا معنى لإتيانه بمعناها الكنائيّ ثانية.
نعم قد يمكن أن
يأتي بالكناية أولاً ثم يصرّح بالمقصود ، كل هذا يرشدنا إلى أنّ المعنيَّ في جملة « حي على خير العمل » شيءٌ غير الصلاة ، وهو الّذي وضّحه آل بيت الرسالة.
وعليه ، فالمعنيُّ
بالحيعلة الثالثة ـ وحسب كلام الإمام الكاظم ـ هو الولاية ، لأنّ الأذان ـ وكما
وضّحنا سابقا ـ هو بيان لأُصول العقيدة من التوحيد ، والنبوة ، والإمامة
حسب نظر الإمامية ، لا أنّه مختصّ ببيان وقت الصلاة كما يفهمه الآخرون.
__________________
دفعُ دَخْل
لكن هنا سؤال يطرح
نفسه ، وهو : كيف تكون الحيعلة الثالثة حثا على الولاية ودعوة إليها ، في حين نعلم
أنّ جملة « حيَّ على
خير العمل » ليس لها ظهور في
الولاية ، بل ظاهرها يشمل كلّ عمل صالح من صلاة وغيرها.
الجواب :
إنّا لو ألقينا
نظرة سريعة إلى أسباب النزول لاتّضح لنا جواب هذا السؤال وغيره ، إذ من المعلوم
أنّ الصحابة كانت لهم مصاحف وقراءات مختلفة ، والبعض
منهم كان يدرج شأن
النزول مع الآية ، والآخر يذكر تفسيرها ـ من المعصوم ـ معها ، وثالث يأتي بها
بصورة ثالثة ، فمثلاً جاء عن جابر بن عبداللّه الأنصاري ، قال : سمعت رسول اللّه
قرأ ( فَإِنَّا
مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ) ، فقال : بعلي بن أبي طالب .
وعن شقيق ، قال :
قرأتُ في مصحف عبداللّه بن مسعود ( إِنَّ
اللَّهَ أصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ ) وآل محمد ( عَلَى ألْعَالَمِينَ ) .
وعن زبيد اليامي ،
عن مرّة ، قال : كان عبداللّه بن مسعود يقرأ ( وَكَفَى
اللَّهُ ألْمُؤْمِنِينَ ألْقِتَالَ ) بعليّ ( وَكَانَ
اللَّهُ قَوِيّا عَزِيزا )
.
وفي مصحف عائشة
وحفصة وأُم سلمة ، وأُبيّ ، وابن عمر ، وابن عباس أنّهم قرؤوا الآية ( حَافِظُواْ عَلَى
الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ ألْوُسْطَى ) هكذا : ( حافظوا على
__________________
الصلوات والصلاة
الوسطى وصلاة العصر وقوموا للّه قانتين ) .
وفي قراءة أُبيّ
بن كعب للآية ١١ من سورة الرعد : ( لَهُ
مُعَقِّبَاتٌ مِّنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ) ورقيب من خلفه ( يَحْفَظُونَهُ
مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) .
وقرأ أُبيّ قوله
تعالى ( فَمَن
كَانَ مِنكُم مَّرِيضا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أيَّامٍ أخَرَ وَعَلَى ألَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ ) : ( فعدّة من أيام اُخر متتابعات ) .
وفي مصحف أُبي : (
وإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا أكابر مجرميها ). بدل قوله ( وَإِذَآ أرَدْنَآ أَن
نُّهلِكَ قَرْيَةً أمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ألْقَوْلُ ) .
وقرأ كذلك قوله
تعالى ( وَمَن
قَتَلَ مُؤْمِنا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ
إِلَى أهْلِهِ ) : ( فتحرير رقبة مؤمنة لا يجزئ فيها صبي ) .
وفي مصحفه أيضا :
( يا أيّها الناس ان اللّه أسرع مكرا وإن رسله لديكم
يكتبون ما تمكرون )
.
وجاء في مصحف
عبداللّه بن مسعود : ( وربائبكم اللاتي دخلتم بأ مّهاتهم ) بدل
__________________
قوله ( وَأَمَّهَاتُ
نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ ألَّـتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ألَّـتِي
دَخَلْتُم بِهَنَّ ) .
وفي مصحف
عبداللّه بن مسعود : ( ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلاّ اللّه رابعهم ، ولا أربعة
إلاّ اللّه خامسهم ، ولا خمسة إلاّ اللّه سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاّ
هو معهم إذا أَخَذُوا في التناجي ) .
وفي مصحفه أيضا عن
الآية ٧٩ من سورة النساء : ( فمن نفسك وأنا قضيتها عليك ) ، وقرأ بها ابن عباس ، وحكى
أبو عمرو أنّها في مصحف ابن مسعود ( وأنا كتبتها ) وروي أنّ أُبيّا وابن مسعود قرآ
( وأنا قدرتها عليك ) .
وفي مصحف ابن
مسعود بدل قوله تعالى ( إِنَّهُ
عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) : ( إنّه عمل غير
صالح أَنْ تسأَلَني ما ليس لك به علم ) .
وفي مصحفه أيضا :
( تبيَّنتِ الإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ) بدل قوله ( فَلَمَّا خَرَّ
تَبَيَّنَتِ ألْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ألْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي
ألْعَذَابِ ألْمُهِينِ )
.
وغيرها الكثير ، فترى
الصـحابيَّ يذكر في بعضها ما يظهر فضائل أهل البيت ، وفي بعضها الآخر مثالب
الآخرين ، وفي ثالث يذكرها توضيحا لبعض الأحكام ،
__________________
وكان عمر بن
الخطاب قد منع هذا النوع من التفسير والبيان مع القرآن ، بدعوى اختلاطه مع القرآن ؛ كما أنّه منع
من الأخذ بالقرآن الذي جمعه وفسّره علي بن أبي طالب عن رسول اللّه لأ نّه وجد فيه
الكثير من التفسير السياقي والبياني والذي يكشف فيه فضائحهم ، ويبيّن منزلة
المطّهرين من آل البيت ، ويكشف جهل الخلفاء بالأحكام الشرّعية وعلوم السماء.
قال سليم الكوفي :
فلمّا رأى عليٌّ غـدرهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه فلم يخرج من بيته
حتى جمعه ... ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول اللّه ، فنادى
عليٌّ بأعلى صوته :
يا أيّها الناس ، إنّي
لم أزل منذ قبض رسـول اللّه 6 مشغولاً بغسله ، ثم بالقرآن حتى جمعته كلّه في هذا الثوب
الواحد ، فلم ينزل اللّه تعالى على رسول اللّه آية إلاّ وقد جمعتها ، وليست منه
آية إلاّ وقد أقرأنيها رسول اللّه 6 وعلّمني تأو يلها ... ثم قال لهم علي 7 : لئلاّ تقولوا
يوم القيامة أنّي لم أدعكم إلى نصرتي ولم أُذُكّركم حقّي ، ولم أدعكم إلى كتاب
اللّه من فاتحته إلى خاتمته.
فقال عمر : ما
أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه .
وفي مناقب ابن
شهرآشوب : انه [ أي علي ] آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلاّ
__________________
للصلاة حين يؤلف
القرآن ويجمعه ، فانقطع عنهم مدة إلى أن جمعه ، ثم خرج إليهم به في ازار يحمله وهم
مجتمعون في المسجد ، فانكروا مصيره بعد انقطاع مع البته ، فقالوا : الأمر ما جاء
به أبو الحسن ، فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم ثم قال : ان رسول اللّه قال : اني
مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، وهذا الكتاب
وانا العترة.
فقام إليه الثاني
فقال له : ان يكن عندك قرآن فعندنا مثله فلا حاجة لنا فيكما ، فحمل الكتاب وعاد
بعد ان الزمهم الحجة .
وفي الاحتجاج :
فلمّا فتحه أبو بكر خرج في أوّل صفحة فتحها فضائح القوم ، فوثب عمر وقال : يا علي
اردده فلا حاجة لنا فيه .
وقيل : بأنّ الإمام
عليّا أرسل مصحفه إلى عثمان لمّا أراد جمع القرآن فردّه .
نعم ، إنّهم ردّوا
مصحف علي ، وهو أعلم الناس بتنز يله وتأو يله ، وكذا تركوا مصحف ابن مسعود ذلك
الغلام المُعَلّم حسب تعبير الرسول والذي أمر 6 بالقراءة وفق مصحفه بقوله : ( اقرؤوا بقراءة ابن أُمّ عبد
) ، وأيضاً لم يأخذوا بقراءة عبداللّه بن عباس وهو حبر الأمة في كثير من
الآيات ، بل لم يكتفوا بذلك حتى نسبوا إليه الإسرائيليات في التفسير ، ولم يكن ذلك
إلاّ اتّباعا للسياسة المسنونة المشؤومة.
إنّها سياسة
الحكّام وبني أميّة وقريش في ردّ ما هو مرتبط بأهل البيت وذو يهم ،
__________________
والاستنان بسنّة
الخلفاء ، وقد أكّدت الصدّيقة فاطمة الزهراء على هذه الحقيقة في خطابٍ وجّهته إلى
نساء المهاجرين والأنصار ، قالت فيه : « ويعرف التالون غب ما أسّس الأوّلون ... » .
اذن قضية الأذان
لا تختلف عن القرآن ، فالخُلّص من الصحابة كانوا يفتحون بعض جمله ، لكونهم قد
عرفوا معناها ، أو لدفع تهمة الغلوّ عنهم ، أو لرفع شأن ومنزلة الإمام علي عند
المنكرين لها ، وهذا هو الذي دعا عمر للوقوف ضدّه ، ورفع الحيعلة الثالثة من
الأذان.
والأفصح من ذلك ما
جاء في كتاب الفضائل لابن شاذان بإسناده إلى المقداد بن الأسود الكندي ، قال :
كنّا مع سيّدنا رسول اللّه وهو متعلّق بأستار الكعبة وهو يقول : اللَّهم أعضدني
واشدد أَزْري ، واشرح صدري ، وارفع ذكري ، فنزل عليه جبرئيل 7 وقال : اقرأ يا
محمد.
قال : وما أقرأ؟
قال : اقرأ ( ألَمْ نَشْرَحَ لَكَ
صَدْرَكَ
* وَوَضَعْنَا
عَنكَ وِزْرَكَ
* ألَّذِيآ
أَنقَضَ ظَهْرَكَ
* وَرَفَعْنَا
لَكَ ذِكْرَكَ ) مع علي بن أبي طالب صهرك.
فقرأها النبيّ
وأثبتها عبداللّه بن مسعود في مصحفه ، فأسقطها عثمان ابن عفان حين وحّد المصاحف .
فالمعية في قوله (
مع علي بن أبي طالب صهرك ) صريحة في لزوم رفع ذكر الوصي مع رفع ذكر النبي ، فتكون
هذه الرواية وما كان على شاكلتها فيما يمكن أن يقال استنادا للعموم الآنف
بمحبوبيّة ذكر عليّ بعد النبيّ بنحو مطلق ، وهو بالتالي من الأدلّة على اقتران ذكر
علي بذكر النبيّ.
__________________
وفي اُخرى عن
عبداللّه بن مسعود أنّه كان يقرأ قوله تعالى ( وَرَفَعْنَا
لَكَ ذِكْرَكَ ) بعلي بن أبي طالب صهرك .
والباء في ( بعلي
) للسببية ، أي بسبب علي بن أبي طالب سيبقى ذكرك وأنّه سيحفظ شريعتك من الضلال ، وأنّ
كلمة ( صهرك ) فيها إشارة إلى ديمومية النهج النبوي بواسطة علي وفاطمة وآل البيت
الطاهرين المطّهرين ، وهو معنى آخر لقوله 6 : «
خلفائي اثنا عشر كلّهم من قريش » وهم عليّ والأحد عشر من ولد فاطمة ، وهو كذلك بيان ضمنيّ
لمعنى « لا
تصلّوا عَلَيَّ الصلاة البتراء » ، بل قولوا : « اللهم صَلِّ على
محمد وآل محمد » و « حسين
منّي وأنا من حسين ، أحبّ اللّه من أحبّ حسينا » و « أنا وعليّ أبوا هذه
الأمة » ، و «
فاطمة أم أبيها » ، وغيرها من الأحاديث الكثيرة الدالة على الاقتران ووحدة
الملاك بين الرسالة والإمامة ، وهي التي جاءت نصّا وإجمالاً في كثير من الأمور
العبادية والأدعية في أطار الصلاة على محمدٍ وآل محمد.
وبما أنّ اللّه
رفع ذكر الرسول في الأذان ، والتشهد ، والخطبة ـ كما في روايات العامة والخاصة ، ولمناسبة
الحكم والموضوع بين النبي والوصي ، ولوحدة الملاك
__________________
الموجود في اقتران
الشهادات الثلاث معا ، ولمدخليّة موضـوع الولاية في العبادات ـ يمكن القول بحقيقة
اقتران ذكر عليّ عند ذكر النبيّ في مواطن الذكر العامّة ، وأنّ مثل هذا الاقتران
محبوب بنحو مطلق في الشريعة ، لكن ننبّه على أنّ مثل هذه المحبوبية عند مشهور
فقهاء الإمامية لا تؤسّس حكما شرعيا يجعل من ذكر علي في الأذان جزءا واجبا ، بل
ولا مستحبا ، كلّ ما يمكن استفادته بأنّ ذكره محبوب في الأذان وفي غيره للاقتران ؛
لكن لا بعنوان الجزء الواجب أو المستحب في خصوص الأذان.
ومما تجب الإشارة
إليه هنا هو استظهار بعض الأفاضل بأنّ ذكر عليّ في الأذان راجحٌ للاقتران في
الواجبات ، فالاقتران ملاحظ في التشهّد والخطبة في صلاة الجمعة وغيرها ؛ وبما أنّ
الموردين الاخيرين ( أي التشهد والخطبة ) عليهما روايات كثيرة في كتبنا ، يبقى
الأذان هو الذي يجب الانتصار له ، وطبق قاعدة الاقتران العقليّ والشرعيّ قد يسوّغ
القول برجحان الإتيان بالشهادة الثالثة فيه ، وهذا ما أراد البعض الذهاب إليه في
بحوثه ، إذ من المناسب أن تكون النصوص الشرعية التي تجيز ذكر الإمام عليّ في
التشهّد والخطبة تنطوي على ملاك ذكره في الأذان بحسب أصول تنقيح المناط العقلية ، وهذا
الكلام وإن كنّا قد لا نقبله على عمومه ، لكنّه رأي كان علينا ذكره.
ومن الروايات التي
تؤكّد على وحدة المناط بين الرسول والوصي ، ما جاء في أمالي الصدوق : حدّثنا علي
بن أحمد بن عبداللّه بن أحمد بن أبي عبداللّه البرقي 2 ، قال : حدثنا أبي
، عن جدّه ، عن أبي عبداللّه البرقي ، عن أبيه محمد بن خالد البرقي ، قال :
حدّثنا سهل بن المرزبان الفارسي ، قال حدثنا محمد بن منصور ، عن عبداللّه بن جعفر
، عن محمد بن فيض بن المختار ، عن الفيض بن المختار ، عن أبي جعفر 7 ، عن آبائه ، عن
جدّه رسول اللّه 6 [ في عليّ 7 ] :
وما أكرمني اللّه
بكرامة إلاّ وقد أكرمك بمثلها ، وفي آخر : ما ذُكرتُ إلاّ ذُكرتَ معي . وقد روت العامّة
عن رسول اللّه قريبا من هذا ، إذ قال الرسول لعلي : ما سألتُ ربّي شيئا في صلاتي
إلاّ أعطاني ، وما سألتُ لنفسي شيئا إلاّ سالتُ لك .
ويمكن تقريب
الاستدلال بخبر الأمالي ، فنقول : إنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم ، وكذا
مقتضى مفهوم الحصر ، يفيد بأنّ كلّ مكرمة لرسول اللّه هي ممنوحة لعلي كذلك ، بعضها
على نحو التشريع وبعضها على نحو التشريف ، وبما أنّ الشهادة بالرسالة في الأذان
والإقامة هي مكرمة لرسول اللّه ، فيمكن أن نأتي بذكر عليّ مع الأذان لا على نحو
الجزئية بل لمحبوبيتها النفسية ؛ امتثالاً لما جاء في مرسلة الاحتجاج من قوله 7 : « من قال محمد رسول
اللّه فليقل علي أمير المؤمنين ». تحصيلاً للمثليّة التشريفيّة لا التشريعيّة.
وقد جاء عنهم : : « ذكرنا عبادة » أو : «
ذكر عليٍّ عبادة » ، وفي موثّقة أبي
__________________
بصير عن أبي
عبداللّه ، قال : «
ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا اللّه ولم يذكرونا إلاّ كان ذلك المجلس حسرة
عليهم يوم القيامة » ثمّ ، قال : قال أبو جعفر : « إنّ ذكرنا من ذكر اللّه ، وذكر عدوّنا من
ذكر الشيطان » .
تلخّص من جميع ما قلناه لحدّ الآن أنّ الدليل الكنائي الآنف لا
يثبت سوى الاقتران وأنّ ذكر علي مقترن بذكر النبي بنحو عام ؛ بالنظر للعمومات
والإطلاقات الآنفة عن الروايات والأخبار الصحيحة والمعتبرة ، ولازم ذلك أنّ ذكر
علي محبوب في نفسه بنحو مطلق في الأذان وفي غيره ، لكنّ هذا لا يثبت حكما شرعيا ـ
عند مشهور فقهاء الإمامية ـ لا جزءا واجبا ولا جزءا مستحبّا. وبالجملة : فكلّ ما
يثبته هذا الدليل هو أنّ ذكر عليّ محبوب بعد ذكر النبيّ في الأذان وفي غيره من دون
اعتقاد الجزئية.
الشهادة بالولاية
على عهد الرسول والأئمّة المعصومين
حكى الشيخ
عبدالنبي العراقي ـ عن المرحوم الميرزا هادي الخطيب الخراساني في النجف ـ وغيره عن الشيخ
محمد طه نجف أنّه سمع مَن يثق بدينه أنّه قد وقف على كتاب ( السلافة في أمر
الخلافة ) للشيخ عبداللّه المراغي المصري من علماء القرن السابع الهجري في مكتبة
المدرسة الظاهرية بدمشق ، وفيه : أن أبا ذرٍّ ، وفي آخر : سلمان : قد شهدا
بالولاية لعليٍّ في أذانهما بعد واقعة الغدير ، وقد سمع ذلك بعض الصحابة ونقلوه
إلى رسول اللّه ، وهم على اعتقاد بأنّ النبيّ سيستنكر هذا الفعل ويوبّخهما ، لكنّهم
هم الذين لاقوا التأنيب والتوبيخ
__________________
من قبل رسول
اللّه ؛ إذ قال لهم بما مضمونه : أما وعيتم خطبتي يوم الغدير لعلي بالولاية؟ وما
قلته قبل ذلك في أبي ذر وأنّه أصدق ذي لهجة؟ وإنّي قد عنيت بكلامي أمرا ، وخصوصا
حينما جمعتكم في ذلك الحر الشديد والصحراء الملتهبة عند غدير خُمّ. ويكون معنى
كلامه 6 إنّي أحبّ أن يُؤتى بهذا ، ولكن لا ألزمكم به.
أنا لا اريد أن
استدل بهذا الكلام في بحثي ، لأ نّه كلام عامي ومرسل لا يمكن الاعتماد عليه في
الاستدلال ، وذلك لوجود قرائن وأدلة قو ية تعينني للوصول إلى ما اريد قوله مستغنا
عن هذه الحكاية وامثالها ، لكني في الوقت نفسه لا استبعد صدور هذا النص عن سلمان
وأبي ذر ، لأ نّه كان بمقدورهما التعرف على ملاكات الاحكام وروح التشريع ، فهما
كانا من خلص أصحاب الرسول وحواري الإمام علي.
وقد جاء في كتاب
الاحتجاج عن عبداللّه بن الصامت ، قال : رأيت أبا ذر الغفاري آخذا بحلقة باب
الكعبة مقبلاً على الناس بوجهه وهو يقول : أيّها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن
لم يعرفني فسأنبئه باسمي ، أنا جُندَب بن [ جنادة بن ] السكن بن عبداللّه ، أنا
أبو ذر الغفاري ، أنا رابع أربعة ممّن أسلم مع رسول اللّه 6 ... إلى أن قال :
أيَّتُها الأ مّة المتحيّرة بعد نبيّها ، لو قدّمتم من قدّمه اللّه ، وأخّرتم من
أخّره اللّه ، وجعلتم الولاية حيث جعلها اللّه ، لما عال وليّ اللّه ، ولما ضاع
فرض من فرائض اللّه. ولا اختلف اثنان في حكم من أحكام اللّه .
وما جاء عنه أيضا
: أيّها الناس ، إنّ آل محمد 6 هم الأسرةُ من نوح ، والآلُ من إبراهيم ، والصفوة والسلالة
من إسماعيل ، والعِترَةُ الطيبة الهادية من محمّد ، فأَ نْزِلوا آل محمدٍ بمنزلة
الرأس من الجسد ، بل بمنزلة العينين من الرأس ، فإنّهم
__________________
فيكم كالسَّماء
المرفوعة ، وكالجبال المنصوبة ، وكالشمس الضاحية ، وكالشجرة الزيتونة ، أضاء زيتها
، وبورك وقدها .
وقد جاء عن سلمان
في آل البيت أكثر مما قاله أبو ذر عنهم ، وقد اعتبر سلمان من آل البيت لولائه
وشدّة معرفته بمقامهم ، وهو الذي قال عنه رسول اللّه : سلمان منّا أهل البيت ، ومن أحبّ
الوقوف على مكانة سلمان فليراجع كتاب ( نفس الرحمن في فضائل سلمان ).
وهذه النصوص
تتلائم تماما مع سيرة النبي 6 حيث كان يقف دوما في وجه المعترضين على إمامة الإمام عليّ
، ويُعلِمهم بأ نّه 7 منه ، وهو منه ، وأنّهما خلقا من نور واحد ، وإليك حديثا
آخر في هذا السياق :
عن عمران بن
الحصين في الصحيح ، قال : بعث رسول اللّه سريّة وأمّر عليها علي بن أبي طالب ، فأحدث
شيئا في سفره ، فتعاقد أربعة من أصحاب محمّد أن يذكروا أمره إلى رسول اللّه.
قال عمران : وكنّا
إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول اللّه فسلمنا عليه ، قال : فدخلوا عليه ، فقام رجل
منهم ، فقال : يا رسول اللّه إنّ عليّا فعل كذا وكذا ، فأعرض عنه.
ثم قام الثاني ، فقال
: يا رسول اللّه إن عليّا فعل كذا وكذا ، فأعرض عنه.
ثم قام الثالث ، فقال
: إن عليّا فعل كذا وكذا.
ثم قام الرابع
فقال : يا رسول اللّه إن عليّا فعل كذا وكذا.
فأقبل رسول اللّه
على الرابع وقد تغيّر وجهه ، فقال : دعوا عليّا ، دعوا عليّا ، دعوا
__________________
عليّا ، إنّ عليّا
منّي وأنا منه ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي .
فتأمّل في جملة « دعوا عليّا ، دعوا
عليّا ، دعوا عليّا » ، وهو معنى آخر لقوله 6 فيما رواه مسلم
في الصحيح : « أذكركم
اللّه في أهل بيتي ، أُذكركم اللّه في أهل بيتي ، أُذكركم اللّه في أهل بيتي » ، لأ نّه 6 كان يعلم بأنّ القوم يبغضون عليّا ويوشُونَ به في حياته 6 فكيف بعد مماته ،
وان جملته : « إنّه
منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي » تحمل معانيَ كثيرة وعالية.
وممّا يؤكّد تنصيص
النبيّ على عليّ وأهل بيته ومحاولة بعض الصحابة بالنيل منه 7 هو ما جاء عن
الإمام الكاظم من قوله : إنّ عمر لا يريد الحث على الولاية والدعوة إليها ، وقد
اتّضح لك سابقا بأنّ جملة «
حيّ على خير العمل » ليس لها ظهور في الإمامة والولاية إلاّ إذا فسرت بعبارات أخرى ، وقد كان هذا
الأمر سيرة لبعض الصحابة والتابعين في عهده 6 ثم من بعده. وهو يوضح امكان الاتيان بالشهادة بالولاية لا
على نحو الجزئية في الأذان ، وقد كان بعض خلص الصحابة يأتون بها على عهد عمر ثم من
بعده إلى عصر الإمام الكاظم 7 ، وان كلام الإمام ينبىء عن وجود هذه السيرة عند المؤمنين
من عهد عمر إلى عصره الشريف.
نعم لا يمكن البتّ
تاريخيا في أنّ الصيغ ـ المحكية في مرسلة الفقيه وشواذ الأخبار عند الطوسي ـ كانت
توتى بعد الحيعلة الثالثة أو بعد الشهادة بالنبوة؟
وكذا العبارات
التي كان يأتي بها الشيعة في عصر الصحابة والتابعين ما هي؟
لا نعلمها
بتفاصيلها ، بل الذي نعلمه ومن خلال كلام الإمام الكاظم هو أن الإمام كان لا يرتضي
فعلة عمر ويراه مخالفا للشريعة وأن مثل الأذان عنده مثل منع عمر للمتعتين وغيرها
من احداثاته ، وبذلك يكون مفهوم كلام الإمام هو
__________________
التأكيد على
محبوبية هذا الفعل عنده في الأذان ، والحث عليها والدعوة إليها ، أي انا نفهم من
ذلك شرعيتها ومحبوبيتها عند الأئمّة ومنذ عهد عمر بن الخطاب ، أو قل منذ عهد رسول
اللّه والصحابة ، لوجود معنى الحيعلة الثالثة معها اينما كانت وفي أي زمان.
وبهذا ، فقد عرفنا
أن سيرة المتشرّعة كانت على القول بجزئية ( حيّ على خير العمل ) وأن بعض الصحابة
والتابعين حتى عصر الإمام الكاظم المتوفى ١٨٣ هـ كانوا يفسرونها ، والإمام حبذ ذلك
وتهجم على من رفعها ودعا إلى عدم الدعوة إليها.
ومن الطريف أني
وحين نقلي لأقوال أهل البيت في بدء الأذان لم أتِ بكلام للإمام الكاظم في ذلك مع إني ذكرت أقوال جميع
الأئمّة إلى الإمام الرضا ، وأرى فيما أتيت به هنا هو ملئ لفراغ قد يشاهده الباحث
في الكتاب الأول من هذه الدراسة ( حي على خير العمل ، الشرعية والشعارية ).
وبهذا فقد أتضّح
لك أن للسياسة دورا في تحريف بعض الأحكام الشرعية واستبدالها بأخرى غيرها ، فلا
يستبعد أن يكون بعض الرواة تركوا ما جاء في البيان السياقي للحيعلة الثالثة من قبل
الأئمة تقية لأ نّها هي الاشد من ذكر الحيعلة الثالثة والتي تركها الراوي فيما
رواه عن الإمام علي في تفسـير الفاظ الأذان حسبما رواه الصدوق في التوحيد ومعاني
الاخبار .
فالرواة فيما
يحتمل بقوة حذفوا الحيعلة الثالثة والتي جاءت بيانا سياقيا من بعض الروايات مع
شدّة حرصهم وتمسكهم بها لهذا السبب.
وقد جاء في بعض
روايات أهل البيت أنّهم قالوا بـ ( الصلاة خير من النوم )
__________________
وحملها الفقهاء
والمحدّثون ـ أغلبهم ان لم نقل كلهم ـ على التقية ، وبعد هذا فلا يستبعد أن يتركوا
روايات الشهادة الثالثة التفسيرية تقية أيضا.
وقد تمخّض البحث
إلى الآن عن أنّ الحيعلة الثالثة ليس لها ظهور في الولاية إلاّ بضميمة نصوص أُخرى
دالّة عليها وهي نصوص الاقتران المارة ، والنصوص المفسِّرة لها على نحو التفسير
السياقي ، كلّ هذا يضاف إلى أنّ خُلّص الشيعة في حلب وحمص وبغداد والقاهرة وفي
القرون الثلاثة الأُولى ـ الثالث والرابع والخامس بالتحديد ـ كانوا يأتون بالشهادة
الثالثة ، لأنّ الأئمة قد أجازوا لهم ذلك ، مضافا إلى محكيّة تأذين أبي ذرّ أو
سلمان بها في زمان رسول اللّه 6 وأنّ مثله في الأحكام مثل الآيات المقروءة مع شأن نزولها
في مصاحف الصحابة ، وأنّهم كانوا يقرؤونها لا اعتقادا منهم بأنّها من القرآن ، بل لإثبات
الحقائق ، وكذلك حال الأذان ، فالصحابة والتابعون وأمثالهم كانوا يأتون بها لا على
نحو الشرّطيّة والجزئيّة ، بل يأتون بها أوّلاً لأ نّها جملةٌ تفسير يّة مباح
الإتيان بها ، بل محثوثٌ على الإتيان بها ، وثانيا لمحبوبيّتها الذاتيّة ورجحانها
النفسيّ ، أو لإحقاق حقوق الأئمّة ، والوقوف أمام مطامع الحكّام والسلاطين ، شريطة
أن يأمنوا من مكر السلطان وبطشه.
وقفة عند معتبرة
الفضل بن شاذان عن الرضا 7
أكّدت معتبرة
الفضل بن شاذان المرويّة في عيون أخبار الرضا عن الإمام الرضا بأنّ الأذان دعوة
إلى الإيمان لقوله 6 : «
... ويكون المؤذّن بذلك داعيا إلى عبادة الخالق ، مرغّبا فيها ، مقرّا له بالتوحيد
، مجاهرا بالإيمان ، معلنا بالإسلام » ـ إلى أن يقول ـ : « لأنّ أوّل الإيمان إنّما هو التوحيد والإقرار
للّه عزّ وجلّ بالوحدانية ، والثاني
__________________
الإقرار
للرسول بالرسالة ، وأنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ، ولأنّ أصل الإيمان إنّما هو
الشهادة ، فجعل الشهادتين في الأذان ... فإذا أقرّ [ العبد ]
للّه بالوحدانية ، وأقرّ للرسول بالرسالة ، فقد أقرّ بجملة الإيمان ، لأنّ أصل
الإيمان إنّما هو الإقرار باللّه وبرسوله
... » .
وهنا لابدّ من
توضيح بسيط لهذه الرواية ، فأقول :
من المحتمل قو يا
عندي وجود تقديم وتأخير في كلمتي الإسلام والإيمان من قبل الراوي ، فتكون العبارة
هكذا : « مجاهرا
بالإسلام ومعلنا بالإيمان » وهذا ما يؤكّده ذيل الخبر ، لأنّ الإقرار بالشهادتين ـ وحسب قول الإمام ـ
إقرار بجملة الإيمان لا كُلِّه وتفصيله ، وإن كنت لا أنكر أن يراد من « بجملة للإيمان » كليّة الشيء وهو الشهادتان ، لكنْ هناك احتمال آخر يجب
أخذه بنظر الاعتبار ، وهو أنّه 7 أراد الإشارة إلى الولاية كذلك ، لأنّ الإيمان حقيقته أخص
من الإسلام ، فقد يكون الإنسان مسلما لكنّه ليس بمؤمن ، كما نراه في قوله تعالى ( قَالَتِ ألاْءَعْرَابُ
ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـكِن قُولُواْ أسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ
ألاْءيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ )
فقد يكون الإمام أراد الإشارة إلى هذه الحقيقة بالخصوص.
ويؤكّد قولنا ما
قاله 7 : « لأنّ
أوّل الإيمان هو التوحيد ، والإقرار للّه بالوحدانية ، والثاني الإقرار للرسول
بالرسالة » ففي كلامه تلو يح
إلى وجود حقيقة ثالثة يكمل بها الإيمان ، وهي الولاية.
وقد احتمل التقيّ
المجلسي هذا الأمر قبلنا في شرحه على « من لا يحضره الفقيه » ، إذ قال : ويمكن أن
يكون الإيمان إشارة إلى الشهادة بالولاية المفهومة من
__________________
شهادة الرسالة (
مُؤذنا ) أي معلنا ( لمن ينساها ) والمرجع [ أي الضمير في ينساها يرجع إلى ]
المذكورات من قبل ، من التوحيد والإيمان والإسلام .
إذن روح الإيمان
هي ولاية الإمام عليّ وإن كان أصله ومنبته وأوله وأساسه الإقرار باللّه وبرسوله ،
ولولاها لما وصلنا إلى الكمال في الدين.
فعن حمران بن أعين
أنّه سأل الإمام الباقر 7 ، قال : قلت : أرايت من دخل في الإسلام أليس هو داخلاً في
الإيمان؟
فقال : لا ، ولكنّه
قد أضيف إلى الإيمان وخرج من الكفر ، وسأضرب لك مثلاً تعقل به فضل الإيمان على
الإسلام ، أرأيت لو بصرت رجلاً في المسجد أكنت تشهد أنّك رأيته في الكعبة؟
قلت : لا يجوز لي
ذلك ، قال : فلو بصرت رجلاً في الكعبة أكنت شاهدا أنّه قد دخل المسجد الحرام؟
قلت : نعم.
قال : وكيف ذلك؟
قلت : إنّه لا يصل
إلى دخول الكعبة حتى يدخل المسجد.
فقال : قد أصبت
وأحسنت ، ثمّ قال : كذلك الإيمان والإسلام .
وعن فضيل بن يسار
، قال : سمعت أبا عبداللّه يقول : إنّ الإيمان يشارك الإسلام ولا يشاركه الإسلامُ
، إنّ الإيمان ما وقر في القلوب ، والإسلام ما عليه المناكح ، والمواريث ، وحقن
الدماء ، والإيمانُ يشركُ الإسلامَ والإسلامُ لا يشركُ الإيمانَ .
ولو تأمّلت فيما
رواه الفضل بن شاذان عن محمد بن أبي عمير أنّه سأل ابا
__________________
الحسن الكاظم عن
معنى « حيَّ على
خير العمل » وقوله : « إنّها الولاية ، وإنّ
عمر أراد أن لا يكون حثٌّ عليها ودعاء إليها » ، وجمعته مع ما جاء عن الإمام الرضا الآنفة ، لعرفتَ وجود
مفهوم الإمامة والولاية في الأذان في القرن الثاني الهجري.
ومن كلّ ما مرّ
يتّضح لك أنّ معنى الولاية موجود في الأذان وهو المصرَّح به من قبل الأئمّة :
الباقر ، والصادق ، والكاظم : ، وكذلك الإمام الرضا بقوله : ( مجاهرا بالإيمان ) كما
قررناه آنفا.
وعليه فالنداء
بالحيعلة الثالثة هو نداء المؤمنين المعتقدين بولاية علي أمير المؤمنين ، ومن
خلاله يمكن أن نقول برجحان الشهادة بالولاية في الأذان بتقريب أنّ الإمام الرضا 7 من جهة قال : إنّ
المؤذن مجاهرا بالإيمان إذا ما دعا إلى اللّه ، والإيمان هو الذي يدور مدار
الولاية ، بخلاف الإسلام الذي يدور مدار الشهادتين فقط ، ومن جهة اخرى فإنّ الإمام
الكاظم 7 في حسنة ابن أبي عمير حثّ على الولاية من خلال حيّ على خير العمل ، ونتيجة
ذلك محبوبية المجاهرة بالولاية في الأذان ، لكن لا على أنّها جزء فيه وفصل من
فصوله بل لمجرّد الذكر المحبوب الذي يدور مدار الإيمان الذي لا يتحقّق إلاّ
بالولاية علاوة على الشهادتين.
ونحن إن شاء
اللّه سنُفصّل قولنا هذا أكثر فأكثر في الفصل الثالث « الشهادة الثالثة
شعار وعبادة » والذي سنثبت فيه الترابط المعرفي بين الشهادات الثلاث ، وإن في الأذان لفّا
ونشرا مرتَّبا بين الشهادات الثلاث ، والحيعلات الثلاث ، وهذا يؤكّد كونه تشريعا
سماويا وليس بمناميّ.
الأذان في زمن
الإمام الهادي 7
لقد مشت هذه
السيرة ـ السيرةُ الأذانية ـ عند الشيعة ، حتّى عهد المتوكّل العباسي الذي أراد
الإزدراء بالإمام الهادي ، لكنّه ازدرى بنفسه وبأسياده القرشيين والأمويين حينما
ذكّره الإمام 7 مفتخرا على الجميع بأنّ الجوامع والمساجد تأتي
باسم جده أحمد
وأبنائه المطهَّرين ، وهو فضلٌ اختصّهم اللّه به ، يشهد بذلك كلّ مسلم في أذانه ،
وإن كانوا أهل البيت سكوتا مطاردين من قبل الحكّام.
فقد جاء في أمالي
الطوسي : أنّ الإمام عليا الهادي 7 دخل يوما على المتوكّل ، فقال له المتوكل : يا أبا الحسن
مَن أشعر الناس؟ وكان قد سأل قبله عليّ بن الجهم ، فذكر شعراء الجاهلية وشعراء
الإسلام ، فلمّا سأل الإمامَ أجابه 7 : الحماني ؛ حيث يقول :
لقد فاخَرَتْنا من قريشٍ عصابةٌ
|
|
بمطّ خُدودٍ وامتدادِ أصابعِ
|
فلمّا تَنازَعنا القضاءَ قضى لنا
|
|
عليهم بما نهوى نداءُ الصَّوامعِ
|
قال المتوكّل :
وما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟ [ كي يقف على مقصود الشاعر من نداء الصوامع ، هل
هي الجمل التفسيرية في عليّ أم شي آخر ، إذ لا يعقل أن لا يعرف المتوكّل معنى
الصوامع حتى يسأل الإمام عنها ]؟
قال : « أشهد أن لا إله إلاّ
اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه » جدّي أم جدّك؟ فضحك المتوكّل ثمّ قال : هو جدّك لا ندفعك
عنه . وقد أفصح الحمّاني عن ذلك بتتمة البيتين فقال :
تَرانا سُكوتا والشهيدُ بفضلِنا
|
|
تَراهُ جَهيرَ الصوتِ في كلِّ جامعِ
|
بأنّ رسولَ اللّهِ أحمدَ جدُّنا
|
|
ونحن بَنُوهُ كالنجومِ الطَّوالعِ
|
قال ابن اسفنديار
في تاريخ طبرستان عن المتوكّل : وإنّه كان مولعا بقتل آل الرسول ، كما كان
المترفون مولعين بالعبيد والملاهي.
وقد جاء في تاريخ
بغداد في ترجمة ( الحسن بن عثمان الزيادي ) أنّ المتوكّل وجّه من سامراء بسياط جدد
، وأمر بضرب عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم
__________________
ـ صاحب خان عاصم ـ
ألف سوط ، لأ نّه شهد عليه الشاهدون أنّه يشتم أبا بكر وعمر ويقذف عائشة ، فضرب
بالسياط وترك في الشمس حتى مات ، ثم رُمي به في دجلة .
وفي معالم العلماء
في ترجمة علي بن محمد بن عمار البرقي ، وهو من شعراء أهل البيت المجاهرين ، قال :
حرقوا ديوانه وقطعوا لسانه .
فإذا كان المتوكّل
يقطع لسان شاعر ينشد في فضل علي ، أو يضرب ألف سوط لشتم أبي بكر وعمر ، ويهدم قبر
الحسين ، فهل من المعقول أن يسمح في الاجهار بولاية علي من على المآذن؟ الجواب :
لا وألف لا ، فالكلّ تراهم سكوتا ، لكنّ الشهادة بفضلهم ـ كناية أو تصريحا ـ من
الأوّليات في كلّ جامع.
والمتامل في تاريخ
الشيعة يقف على شدّة الخوف الذي كان يحيط بهم ، فكانوا يخافون حتّى من أصدقائهم ، وقد
نقل ياقوت الحموي في ترجمة عمر بن إبراهيم ـ المتوفّى ٥٣٩ ه ، وهو من أحفاد
الإمام زيد الشهيد ـ أنّه لم يُطْلِعِ السمعاني الحنفيّ المذهب على الجزء المصحّح
بالأذان بحيّ على خير العمل ، وأخذه منه وقال له : هذا لا يصلح لك ، له طالب غيرك ، ثمّ عَلَّلَ
سرّ وجود مثل هذه الكتب والأجزاء مصحّحة عنده بأ نّه ينبغي للعالم أن يكون عنده ، كلّ
شيء ، فإنّ لكلّ نوعٍ طالبا.
كلّ ذلك لأنّ
الفقه الحاكم آنذاك كان فقه أبي حنيفة وأن السمعاني كان منهم ، وعمر بن إبراهيم
وغيره من الطالبيين كانوا يخافون بطش السلطان.
ومثله كلام
إبراهيم بن عبداللّه بن الحسن المار ذكره في الدراسة السابقة عن
__________________
( حيَّ على خير
العمل ) وأنّه كان يأمر اصحابه إذا كانوا بالبادية أن يزيدوا في الأذان « حيَّ على خير العمل
» .
ولمّا سئل أحمد بن
عيسى عن التأذين بحيّ على خير العمل ، قال : نعم ، ولكن أخفيها .
فلو كانت التقية
تجري مع إظهار « حي على
خير العمل » الحاملة لمعنى
الولاية كناية ، فكيف باظهار الشهادة الثالثة علنا وجهارا؟!
بل كيف يعقل أن
يأمر اللّه ورسوله بالشهادة الثالثة في الأذان ، وهما يعلمان بانقلاب الأ مّة بعد
رسول اللّه؟!
إنّ الإمام عليّا
وشيعته قد اضطهدوا في جميع العصور ، بدءا بغصب الخلافة بعد رسول اللّه ، ومرورا
بسبّ الإمام علي من على المنابر في عهد معاو ية ، وسم الحسن ، وأن لا صلاة إلاّ
بلعن أبي تراب ، وانتهاءً بلا نهائية الظلم والجور.
وقد أمر معاو ية
بحرمان من عرف منه موالاة عليّ من العطاء وإسقاطه من الديوان والتنكيل به ، وهدم
داره ، وأن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي الشهادة ، والإمامُ
الحسين في رسالته إلى معاوية ذكّره ببعض تعليماته لزياد وأنّه أمره بتسميل العيون
، وقطع الأيدي والأرجل ، وتعليق الناس على النخيل ، وقتل من
__________________
كان على دين علي
... .
وقد خاطب السائب
بن مالك الاشعري ـ من قادة جيش المختار ـ أهل الكوفة بقوله : ويحكم يا شيعة آل
رسول اللّه ، إنّكم قد كنتم تُقْتَلُون قبل اليوم ، وتقطع أيديكم وأرجلكم من خلاف
، وتُسمل أعينكم ، وتصلبون أحياءً على جذوع النخل ، وأنتم إذ ذاك في منازلكم لا
تقاتلون أحدا ، فما ظنّكم اليوم بهؤلاء القوم إن ظهروا عليكم ...
وأبشع من كلّ ذلك
قتل الحسين ، وسبي النساء مع علي بن الحسين ، وقد وضّح الإمام الباقر بعض ما جرى
على الشيعة في كلام له لبعض اصحابه ، حيث قال 7 : ما لقينا من ظلم قريش إيّانا وتظاهرهم علينا ، وما لقي
شيعتنا ومحبّونا من الناس ، إنّ رسول اللّه 6 قبض وقد أخبر أنّا أولى الناس بالناس ، فتمالأت علينا قريش
حتى أخرجت الأمر من معدنه ... إلى أن قال : ثمّ لم نزل نُستَذَلُّ ونُستضامُ
ونُقصى ونُمتهن ونُحرم ونُقتل ونخاف ، ولا نأمن على دمائنا ... الخ .
قال دعبل الخزاعي
:
إنّ اليهودَ بحبّها لنبيِّها
|
|
أمنت بوائِقَ دهرها الخوَّانِ
|
وكذا النصارى حُبَّهُم لنبيِّهم
|
|
يمشونَ زهوا في قرى نجرانِ
|
والمسلمونَ بِحُبِّ آلِ نبيِّهم
|
|
يُرْمَونَ في الآفاق بالنيرانِ
|
__________________
هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإنّ
بني أميّة ـ وكما قلنا ـ سعوا لتحريف اُمور كثيرة في الأذان ، وقد وقفت على بعضها
، وكان الطالبيون لا يستطيعون الجهر بالحيعلة الثالثة من على المآذن في عهدهم ، فكيف
بالشهادة الثالثة؟!
لذلك اكتفوا ـ عند
عدم المانع أيضا ـ بالإجهار بـ «
حيّ على خير العمل » الحاملة لمعنى الولاية ، وفي حالات خاصّة كانت تفتح بجمل دالّة عليها ؛ إن
أمنوا من مكر السلطان ، أو إذا أرادو إظهار فضل آل البيت ، أو التصريح بموقفهم
السياسي والعقائدي في الخلافة.
فـ « حيّ على خير العمل » و «
محمد وعليّ خير البشر » و « محمد وآل
محمد خير البرية » وأمثالها كانت شعارات دالة على الاعتقاد بولاية عليّ وأهل البيت ، يستعينون
بها في الأذان وغيره لإظهار أحقيّة وفضل علي واولاده المعصومين فإنّهم كانوا يقولون بها ، لأ
نّهم قد وقفوا على شرعيّتها من قبل أئمتهم.
إنّ الحيعلة
الثالثة كانت تقال على عهد رسول اللّه 6 ، وقد فُتح مدلولها بالفعل من قبل بعض الصحابة ، لكنّ
فتحها لم يكن حالة سائدة وشعارا لكل الشيعة في جميع الأصقاع ، بل كان يقولها بعض
الخُلّص من الصحابة العارفين بمكانة أهل البيت التي أنزلهم اللّه فيها.
وإنّ الإمام
الكاظم بقوله آنف الذكر أراد الإشارة إلى هذه الحقيقة الشرعية التأريخية ، وأنّ
هذا العمل هو ممّا كان يعمل عليه في العصر الأوّل ، لكنّ عمر لم يرتضِ شيوع هذه
الثقافة عند المسلمين ، فجدّ لحذفها ؛ بدعوى أنّ الناس سيتركون الجهاد تعو يلاً
على الصلاة.
إنّ قول « حيّ على خير العمل » ـ وكما قلنا ـ بظاهره لا يفهم منه الدعـوة إلى
__________________
الولاية ، إلاّ
إذا فُسّر ووضّح من قبل الصحابة والتابعين بجمل ولائية ، وقد أكّدنا مرارا على أنّ
الإمام الكاظم فسّرها بالولاية ودعا إلى الحث عليها ، وقد جيء بها وبتفسيرها معها
في عصر الغيبة الصغرى وقبل ولادة الشيخ الصدوق في حلب ، أمّا اعتقاد الصدوق بوضع
المفوضة لها فلا يوافقه عليه السيّد المرتضى والشيخ الطوسي حسبما سنوضّحه لاحقا ، بل
أفتيا بعدم الإثم في الإتيان بها ، وقالا بورود أخبار شاذّة عليها ، وهذا يؤكّد
عدم قبولهما دعوى الوضع من قبل المفوّضة لتلك الأخبار ، بل يرون لتلك الأخبار
الحجيّة الاقتضائية لا الفعلية.
وعليه فالشيعة
وعبر التاريخ ـ وبحسب الادلة الواصلة إليهم ـ كانوا يأتون بها لا على نحو الشطرية
والجزئية بل على نحو التفسيريّة ، والمحبوبية الذاتية ، والذكر المطـلق ، ولأجل
هذا لم يمنعهم أو ينهاهم النبي ـ والأئمة من ذريته ـ بل حبذّوا ذلك ، إذ كان فيه
بقاءُ الحقّ وشيوع مذهبهم ، حتى صار اليوم شعارا لهم.
وبهذا فقد اتّضح
لنا أنّ للحيعلة معنى كنائيا ، قد عرفه بعض الصحابة والتابعين ، فمنهم من دعا
إليها ، والآخر عارضها ، فترى أمثال : أبي ذر ، وسلمان ، كانا يدعوان إليها وإلى
الشهادة الثالثة ـ كما في المحكيّ عن كتاب السلافة ـ أما عمر بن الخطاب وأتباعه ، فكانوا
ينهـون عنها ، ولا يريدون حثّا عليها ودعـوة إليها.
وكذا الحال في
العصور التي تلت عهد عمر وعثـمان ، فالإمام علي كان يُشيد بهذا الموقف الصحيح من
مؤذنه ابن النباح ، ويقول : أهلاً بالقائل عدلاً .
وقد مرَّ عليك
موقف الإمامين الحسن والحسين ، وأخيهما محمد بن الحنفية ومعارضتهم لفكرة الأمويين
في بدء الأذان.
وكذا قول الإمام
علي بن الحسين عن الحيعلة الثالثة أنّها كانت في الأذان الأول.
__________________
وفي شعر خالد بن
يزيد بن معاو ية بن أبي سفيان إشارة إلى من كان يرفع الآل مع ذكر الرسول ـ بعد
واقعة الطف ـ إذ قال :
نقمت عليّ بنو أمية أنّني
|
|
أبغي النجاة وللنّجاةِ أريدُ
|
أهوى عليّا والحسينَ وصنوه
|
|
عهدي بذلك مبدئٌ ومعيدُ
|
لو أنّني يوم الحسين شهدته
|
|
لنصرته ربِّي بذاك شهيدُ
|
يا ليت لم يكُ لي معاويةٌ أبا
|
|
في العالمين ولا الشقيُّ يزيدُ
|
واللّه يُخرجُ من خبيثٍ طَيِّبا
|
|
جاء القُران بذاك وهو وَكيدُ
|
يا هاشمُ ، المبعوثُ فينا أحمدٌ
|
|
إنّ المطيفَ ببعضكم لسعيدُ
|
في كلّ يوم خمسة مفروضة
|
|
يعلو الأذان بذكركم ويشيدُ
|
ولكم مساكنه وأهل جواره
|
|
ومرافقوه وحوضه المورودُ
|
وإذا تشاء سقيتم من شئتُمُ
|
|
وعدوّكم عن ورده مردود
|
إنّ حكاية الإمام
الباقر للإسراء والمعراج وتشريع الأذان فيه ـ بما فيه الحيعلة الثالثة ـ وما قاله
الإمام الصادق عن القوم وأنّهم غيروا اسم الإمام علي الموجود على ساق العرش إلى
ابي بكر ، إلى غيرها من الحقائق التي اتضحت لنا ، وسـنقف على المزيد منها لاحقا ، كُلّها
حجج مؤ يّدة لما قلناه.
وها هو الآن أمامك
كلام الإمام الكاظم ، وقد جاء ظاهرا صريحا وامتدادا للسيرة والشرع ، مذّكرا 7 ومنوها إلى أنّ
معنى الحيعلة الثالثة هو بيان لـ « محمد وعلي خير البشر » و «
أشهد أن عليا ولي اللّه » و « محمد وآل
محمد خير البرية » لا غير ، وأنّ القوم لا يريدون الإشادة بذكر علي وأولاده المعصومين.
ومفهوم كلامه 7 : « أنّ عمر أراد أن لا
يكون حثٌّ عليها ودعاء إليها » أي إلى
__________________
الولاية ، يعني
أنّ الإمام 7 يجيز هذا الأمر ويدعو إليه ، قال بهذا الكلام وهو قابع في سجون الرشيد ، كلّ
ذلك للإشادة بالحقّ والحقيقة الضائعة بين ثنايا الأمة.
كان هذا عرضا
سريعا لسيرة الشارع في الشهادة بالولاية ، وكذا لموقف المتشرّعة فيها إلى عهد
الكاظم 7 ، وتراه واضحا صر يحا ليس فيه غموض.
نعم كان هذا الأمر
بين الشدّة والفتور في عهد الإمام الرضا وأبنائه المعصومين حتى غيبة الإمام المهدي
عجل اللّه تعالى فرجه الشريف في سنة ٢٦١ هـ ، ومن الطريف أنّ البعض يطالبنا
لإثبات الشهادة الثالثة بالأخبار المتواترة فيه ، وهو الواقف على مجريات الأحداث
بعد رسول اللّه وما لاقى الشيعة من الظلم والاضطهاد لحبهم الإمام علي 7 ، فكيف يمكن
الجهر بالولاية لعلي بن أبي طالب وبنو أمية راحت تلعنه على المنابر قُرابة قرن؟
بل كيف يمكن تناقل
تلك الروايات الداعية إلى الشهادة الثالثة ، وانت ترى الرواة لا يمكنهم ان يحدّثوا
عن علي إلاّ بالتكنية : قال الحسن البصري : لو أردنا أن نروي عن علي لقلنا قال أبو
زينب؟
بل هل فكر اولئك
بالتضحيات التي قدمها رجالنا حتى وصلت إلينا تلك الأخبار الشاذة على لسان الطوسي
والحليّين؟
وعليه فالحيعلة
الثالثة شرعت على عهد الرسول ، واذن بها على عهد علي والصحابة ، وان الإمام علي
كان يشجع القائل بالحيعلة ، وروى عن الإمام السجاد انه قال أنّها كانت في الأذان
الاول ، واخبر الباقر والصادق أنّها كانت في الاسراء والمعراج وقالا بأن معناها هو
الولاية ، وجاء عن الإمام الكاظم جواز فتح معناها معها ، والإمام الرضا اشار إلى
وجود معنى الولاية في الأذان واخيرا الكلام عن وجود معنى الولاية في اذان الشيعة
على عهد الإمام الهادي.
وإليك الآن نصين
يمكن الاستشهاد بهما في زمن الغيبة الصغرى :
نصّان في الغيبة الصغرى
قال ابن اسفنديار
الكاتب المتوفّى ٦١٣ ه ، في كتابه ( تاريخ طبرستان ) : استقرّ الداعي الكبير [
وهو الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل ] بن زيد في آمل [ سنة ٢٥٠ ه ] ، وأعلن في
أطراف طبرستان ، وگيلان ، والديلم أنّه : قد رأينا العمل بكتاب اللّه وسنّة رسوله
، وما صحَّ عن أمير المؤمنين ، وإلحاق « حيّ على خير العمل » ، والجهر بالبسملة ،
والتكبير خمسا على الميّت ، ومن خالف فليس منّا .
وجاء في كتاب بغية
الطلب في أخبار حلب لابن العديم المتوفّى ٦٦٠ هـ : « ... عن أبي بكر الصولي أنّه لمّا جلس أحمد بن
عبداللّه على سدة الحكم سار
إلى حمص ودُعِيَ له بها وبكورها ، وأمرهم أن يصلّوا الجمعة أربع ركعات ، وأن
يخطبوا بعد الظهر ويكون في أذانهم: أشهد أن محمدا رسول اللّه ، أشهد أنّ عليّا
وليّ المؤمنين ، حيّ على خير العمل » .
وهذان النصان هما
قبل ولادة الشيخ الصدوق يقينا ، وترى الشيعة يؤذّنون بهذا الأذان ، لأنّ له مخرجا
شرعيا عندهم ، لكن لم يصبح بعد شعارا سائدا عندهم ، وذلك لما كانوا يلاقونه من جور
وتعسّف من قبل الحكّام العباسيّين وقبلهم الأمويين ، فلا يمكنهم التصريح به إلاّ
إذا سيطروا على مكان وأمنوا من مكر السلطان.
ومجمل القول : إنّ
الشيعة ـ فيما أعتقد ـ كانت ترى ، فيما ترى ـ رجحان الإتيان
__________________
بالشهادة بالولاية
لعلي في الأذان طبقا لجزئية الحيعلة الثالثة فيها ؛ فكانوا يفتحون دلالتها بصيغ
متفاوتة ، وقد تختلف تلك العبارات ؛ فتارة : « محمد وعلي خير البرية » ، وثانية : « محمد وعلي خير البشر » ، وثالثة : « أشهد أنّ عليا ولي اللّه » ، ورابعة : « أنّ عليا أمير
المؤمنين حقا » وخامسة ، وسادسة ، وذلك لما في مفهوم كلام الإمام الكاظم وغيره من الأئمّة من
دلالات ، وأنّه 7 ـ بكلامه الانف الذكر ـ أراد أن يعيّن المصداق والمناط في
كل ذلك وهو الولاية لآل البيت ، علي وبنيه والسماح لهم بالبيان عن ذلك بأي شكل كان
، وفي المقابل أراد بيان السبب الخفي لمنع عمر لها.
أي ، أنّ المكلّف
لمّا كان يعلم بأنّ الولاية هي مطلوب الشارع سواء من جملة « حي على خير العمل » أو من العمومات الكثيرة الأُخرى الدالة عليه ، أو من غيرها
، فإنّه يقف على رجحانها من باب تنقيح المناط ووحدة الملاك حسب تعبير الفقهاء ، وهو
: ضرورة الدعوة للولاية بعد الدعوة للرسالة في كلّ مورد ، وهذا هو ما يستفاد من
رواية الإمام الكاظم 7 في سبب حذف عمر لها.
ويتأكد هذا ويستحكم
خصوصا حينما نقف على أقوال الأئمّة ، وأنّ الأعمال لا تقبل إلاّ بولايتهم ، وأنّهم
هم مفتاح قبول الصلاة ، والزكاة ، والصيّام ، والحجّ ، أي أنّ أيّ عمل وإن كان
صحيحا فإنه لا يقبل إلاّ بولايتهم ، فهم شرط قبول الأعمال عندنا .
وبهذا فقد انتهينا
من بيان المرحلتين الاوليين من مراحل الشهادة بالولاية في الأذان وهي الشهادة لعلي
كنائيا من خلال حملة «حي
على خير العمل» لان الظروف والاستعداد النفسي لقريش لم يسمح لتشريع الشهادة الثالثة في
الأذان
__________________
صريحا وقد مر عليك
بعض الظلم الذي اصاب أهل البيت وشيعتهم فقد بقت الشهادة بالولاية بمعناها الكنائي
إلى اواخر العهد الاموي ، اما اوائل العهد العباسى فكان الانفتاح شيئا ما ، فجاء
عن القاسم بن معاوية انه اخبر الصادق عما يرويه الناس في حديث معراجهم وتغييرهم
وجود اسم الإمام علي على ساق العرش إلى اسم أبي بكر وهذا مما دعى الإمام الصادق
إلى بيان ما شاهده رسول اللّه في الاسراء والمعراج وان اسم الإمام علي كان موجودا
لما خلق اللّه السماوات والأرض ، وجبرئيل واسرافيل إلى آخر الخبر.
وان الإمام الصادق
ـ كما في خبر عمر بن اذينه ومحمد بن النعمان الاحول وسدير الصيرفي ـ سأل عمر بن
اذينه عما يقوله الناس في اذانهم وركوعهم وسجودهم فقال عمر بن اذينه انهم يقولون
ان الأذان كان بمنام راه أبي بن كعب فانبرى الإمام معترضا واخذ يذكر ما شاهده رسول
اللّه في الاسراء والمعراج وفيه ان جبرئيل لما قال أشهد أن محمدا رسول اللّه
اجتمعت الملائكة وسلمت على رسول اللّه وسالته عن اخيه فقال 6 هل تعرفونه ، قالوا
: كيف وقد اخذ اللّه ميثاقه وميثاقك منا.
وهذين النصين
يشيران إلى الانفتاح شيئا ما في بيان خبر الأذان ، ويؤكد ذلك ما رواه ، الفضل بن
شاذان عن ابن أبي عمير عن الكاظم وقوله وان الذي امر بحذفها اراد ان لا يكون حثا
عليها ودعوة إليها ، وما جاء في معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا 7 وفيه ما يشير إلى
وجود معنى الولاية في الأذان ، وعليه فكل هذه النصوص تؤكد على محبوبية الأتيان
بالشهادة بالولاية في الأذان لا على نحو الجزئية.
سؤال وجواب
وهنا سؤال لابدّ
من الإجابة عليه ، وهو : إذا كان الأذان يحمل معنى الولاية ـ كما قلت ـ من خلال « حيّ على خير العمل » ، فما الدّاعي للحثّ على الولاية والإتيان بجملة « أشهد أنّ عليّا ولي
اللّه » في الأذان تارة
أخرى؟! خصوصا مع عدم ورود ذلك ضمن فصول الأذان المحكي عن الأئمة :؟
الجواب :
نحن وضّحنا سابقا
أنّ الأحكام المباحة وحتّى الاستحبابية قد تصير واجبةً بعنوانها الثانوي ، بمعنى
أنّ شرب الماء المباح قد يصير واجبا لو توقّف إنقاذ النفس المحترمة عليه ، ومن تلك
الأمور التي قد تجب هو ما نحن فيه ، لأنّ الإمام الكاظم وببيانه لعلّة حذف عمر بن
الخطاب لـ « حيّ على
خير العمل » أكّد بأنّ عمر
كان لا يريد الحثّ على الولاية والدعوة إليها ، بمعنى أنّه حذف الحيعلة الثالثة
خوفا من تواليها ومستلزماتها ، والإمام كان يريد الدعوة إليها ، فلو لم يكن الإمام
7 يريد الدعوة إليها لكان كلامه لغوا ، لأ نّه 7 قالها بعد أن فسر معنى الحيعلة الثالثة بالولاية.
نعم ، إنّ عمر بن
الخطاب بعمله هذا حذف فصلاً ثابتا من فصول الأذان ، ليُميت مفهومه ، والإمام 7 بدوره أراد
احيائها والدعوة إلى الولاية وبرّ فاطمة كما في حسنة ابن أبي عمير عن الكاظم ، وعليه
فإنّ فعل الإمام جاء في سياق الحفاظ على السنّة والقِيَم ، وهو مما يجب أن يفعله
كلّ مسلم ، لأنّ الآخرين كانوا يريدون إماتة الفرائض والسنن ، والإمام كان يريد أن
يحييها بالإتيان بها ، وهو يدلّ على شرعية ذلك الإتيان.
وعليه فإنّ
الإتيان بجملة : «
أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه » أو « محمد وآل
محمد خير البرية » وأمثالهما قد تتأكد مطلوبيتها بالعنوان الثانوي ، وذلك لسعي الحكّام لحذفها وإماتتها
، وهذا ما وضّحناه في دراستنا عن « حيّ على خير العمل » ؛ إذ أنّ
الحكومات
الخلفائية والأموية والعباسية والسلجوقية وأمثالها كانت تسعى لحذف الحيعلة الثالثة
مع ما جاء في تفسيرها وذلك حينما يستقرّ الأمر لهم ، بعكس الحكومات الفاطمية
والحمدانية والطبرستانية وغيرها ، فإنّهم كانوا يأتون بالحيعلة الثالثة مع تفسيرها
، فيقولون « حيّ على
خير العمل محمد وآل محمد خير البرية ».
بلى ، قد يتأكد
الإتيان بالشهادة بالولاية والإصرار عليها في هذه الأزمنة بالعنوان الثانوي كذلك ،
لأنّ خصومنا يتّهموننا بأنّا نعتقد بأُلوهيّة الإمام علي ، أو أنّا نقول بخيانة
الأمين جبرئيل ، فعلينا الجهر بـ « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه » دفعا لاتّهامات المتَّهِمين وافتراءات المفترين ، مؤكّدين
في أذاننا وإعلامنا بأ نّا نشهد أن « لا إله إلاّ اللّه » نافين في شهادتنا
وجود الشريك للّه ، ثم نشهد بنبوّة محمّد بن عبداللّه معلِمِين الجميعَ بأ نّا
نتّبعه وهو رسول رب العالمين للناس أجمعين ، وأخيرا نشهد بأنّ عليّا وأولاده
المعصومين ما هم عندنا إلاّ حجج رب العالمين. نافين بذلك كل ما اتهمونا به ولنقول
بأنّ الإمام علي بن أبي طالب ليس بإله ولا نبيّ ، بل هو وليّ رب العالمين وحجّته
على خلقه أجمعين.
وعليه ، فإنّ
الإتيان بالشهادة الثالثة لمحبوبيتها لا يتقاطع مع جملة « حيّ على خير العمل » لأ نّه تفسير وتلميح وبيان لهذه الجملة ، وقد حثّ عليها
الإمام الكاظم ودعا إليها ، وقد يتأكد هذا المحبوب بالعنوان الثانوي ؛ لأنّ
الآخرين كانوا يريدون حذفها ، والإمام ببيانه لعلّة حذف عمر للحيعلة الثالثة أراد
إيقافنا على ضرورة الإتيان بما يدلّ على الولاية في الأذان وعدم الاكتفاء بالحيعلة
الثالثة ، لأنّ هدف عمر يجب أن لا يتحقق بل يجب ان يقابل بمشروع يضادّه ، وهذا ما
أراده الإمام الكاظم 7 في حسنة ابن أبي عمير.
ومعنى كلامنا هو
أنّ الإصرار العمريّ وبعده الأموي والعبّاسي على إماتة ذكر علي 7 ـ الذي هو عبادة
ـ في الأذان من خلال حذف الحيعلة الثالثة كان داعيا للقول بعدم كفاية الإتيان بـ « حي على خير العمل » في الأذان في هذه الأزمنة
المتأخّرة ، بل
يتأكّد الجهر بالشهادة بالولاية لعلي ـ ولو بعنوانها الثانوي ـ معها أو قبلها
رعاية للترتيب بين الشهادات الثلاث المأتية في الاخبار ، وقد يقال بجواز الإتيان
بها بعنوانها الأوّلى لأ نّها محبوبة عند الإمام كما في حسنة ابن أبي عمير ، وكما
دلّت عليه باقي الروايات الموجودة في شواذّ الأخبار التي حكاها الطوسي.
وعليه فالمحبوبية
كانت موجودة على عهد الباقر والصادق : وإن لم يصرّحا بها في كلامهما لظروف التقية ، إذ أنّ
المحبوبيّة التي كانت عند الإمام الكاظم هي استمرار لمحبوبيتها في زمن الإمام علي
والحسن والحسين والسجاد ، وأنّ الإمامين الصادقين كانا واقِفَين على دواعي حذفها
من قبل الحكّام ، لكنّ ظروف التقيّة لم تسمح لهما بنشرها ، وهي التي سمحت للإمام
الكاظم بنشرها.
وعليه فإنّا لا
ناتي بـ « أشهد أنّ
عليّا ولي اللّه » على أنّها جزءً من الأذان ، وبذلك فلا تخالف من الإتيان بها لمحبوبيّتها
الذاتية أو للشعارية مع عدم وجودها في الروايات المحكيّة عن الأئمة في فصول الأذان
، لأنّ تلك الروايات ظاهرة في جزئيّتها ونحن نأتي بها لمحبوبيتها.
سؤال آخر
وهنا سؤال آخر
يطرح نفسه وهو : كيف تأتون بالمفسَّر قبل المفسِّر ، أي تقولون بـ « أشهد أن عليّا ولي
اللّه » قبل الإتيان
بجملة « حي على
خير العمل » وهذا لا يصح في
الأدب العربي؟
الجواب
: كلامكم غير صحيح
، إذ ان ذلك يصح في لغة العرب ولنا شواهد كثيرة عليه ، نترك ذكرها خوفا من الاطالة
، ولعدم ضرورة الأخذ باللّغة في حكم شرعي يتوقف على أمر الشارع فيه ، هل أنّه جائز
أم لا؟ لان الحقيقه الشرعية غالبة على المعنى والاصل اللغوي في الامور الشرعية ، وبما
أن غالب الروايات عندنا جاءت مراعية للترتيب بين الشهادات الثلاث ـ الشهادة
بالتوحيد ، ثم الشهادة
بالنبوة ، ثم الشهادة
بالولاية ـ في جميع العوالم التي جاء فيها ذكر الإمامة ، والتي سيأتي بعضها في
الفصل الثالث من هذه الدراسة : «
الشهادة الثالثة الشعار ، العبادة ».
اذن الشيعة كانت
تأتي بالشهادة بالولاية بعد الشهادة بالنبوة رعاية للترتيب الملحوظ بين الشهادات
الثلاثة ، في روايات أهل البيت والتي جاءت في عالم الذر والميثاق وغيرها ، ولان
الإمام الكاظم لم يحدد مكان الإتيان بها هل هو بعد الحيعلة الثالثة أم قبلها ، بل
انه 7 حبّذ الدعوة إليها والحث عليها ، وعليه فالشيعة تأتي بالشهادة الثالثة في
مكانها الملحوظ اليوم نظرا لتلك الروايات ، ولعدم تحديد الإمام الكاظم مكانها.
وبهذا ، فقد
انتهينا من بيان حكم الشارع في الشهادة بالولاية وسيرة المتشرّعة فيها إلى ما قبل
ولادة الشيخ الصدوق ؛ وكذا اتَّضح لنا أنّهم كانوا يعيشون في أعلى مراتب التقيّة ،
فاكتفوا بقول الحيعلة الثالثة وبيان دلالتها في حالات خاصّة ، ثمّ استقرّ الأمر
بهم ـ بعد الأمن والاستقرار ـ على شكلها الجديد المشهور الآن.
والآن مع القسمين
الثاني والثالث كي نبين فيهما تقرير الإمام الحجة في عصر الغيبة ، ولكي نواصل
امتداد هذه السيرة من عصر الشيخ الصدوق إلى ما بعده ، حتّى نقف على ما نحن بصدد
إثباته ، أي إلى أن صارت الشهادة الثالثة شعارا يعرف به المسلم الشيعي من غيره. كل
ذلك بعد تلخيص ما مر في هذا القسم في نقاط :
تلخص ممّا سبق :
١ ـ إنّ قريشا سعت
لتحريف الشريعة وطلبت من الرسول تحريف الذكر الحكيم ، لكنّ الوحي نزل بقوله ( وَلَوْ تَقَوَّلَ
عَلَيْنَا بَعْضَ الاْءَقَاوِيلِ * لاَءَ خَذْنَا مِنْهُ بِالَْيمِينِ ... ) .
٢ ـ جدّت قريش
لطمس ذكر الرسول محمد 6 ، إذ مر عليك مواقف أبي سفيان ومعاوية ويزيد من الرسول وآل
بيته حين الدعوة ثم من بعده ، وكذا عرفت أنّ أبا محذورة استحى من أهل مكّة أن يرفع ذكر
النبيّ ففرك الرسول أذنه وقال : «
ارفع صوتك » ، وقد جاءت الروايات صريحة
في لزوم رفع الصوت بالصلاة على محمد وآله ولأ نّه يبعد النفاق ، وقد وقفت كذلك على
موقف عبداللّه بن الزبير وتركه ذكر الصلاة على النبيّ لكي لا تشمخ أنُوف أبنائه.
كل هذه النصوص
تؤكّد وجود مجموعتين إحداهما تجهر بذكر النبيّ ـ وحتى الوصيّ ـ والأُخرى لا ترضى
ذلك ، وهو ما شاهدناهُ كذلك في التحديث عن رسول اللّه فطائفة تحدّث وإن وضعت
الصمصامة على أعناقها ، والأخرى لا تحبّ التحديث والتدو ين بل تسعى جادّة لطمس
معالم دينه ودفنه ، وقد مر عليك كلام معاو ية « إلاّ دفنا دفنا ».
وفي المقابل ترى
الآل : كانوا يسعون لرفع ذكر الرسول استجابةً للذكر الحكيم ، وقد كان الإمام عليّ 7 يقول ـ حين يسمع
الشهادتين في الأذان ـ :
__________________
«
أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأشهد أن محمدا رسول اللّه وأن الذين جحدوا محمدا
هم الكاذبون » ، وكذلك كان يقول حينما يسمع « حيّ على خير العمل » :
« أهلاً بالقائل عدلاً وبالصلاة أهلاً وسهلا » ، وفي هذين النصيين تعريض بالمخالفين لمحمد وآله الطاهرين.
٣ ـ لمّا يَئِسَت
قريش من تحريف الكتاب العزيز سعت لتحريف مفاهيم الإسلام ، فقالت أنّ الإسراء
والمعراج كانا مَنامِيَّيْنِ ، وأنّ الأذان كان مناميّا ؛ كل ذلك لتقليل شأن
الرؤيا التي رآها الرسول في بني امية. في حين أنّ المتأ مّل يرى ذكر الإمام عليّ
موجودا على ساق العرش وجبهة إسرافيل وغيرها ، والقوم أبدلوها إلى أبي بكر ، وهذا
ما ساء الإمام الصادق 7 ودعاه أن يذكر كلّ ما جاء في ذلك من فضائل لعلي 7.
٤ ـ استمرار
التحريف والابتداع في الأذان بعد رسول اللّه ، حيث أضاف عمر بن الخطاب « الصلاة خير من النوم
» في أذان الفجر ، واضاف
عثمان الأذان الثالث يوم الجمعة ، وقيل بأنّ الشهادة بالنبوّة لم تكن على عهد رسول
اللّه فأضافها عمر بن الخطاب ، إلى غيرها من الأمور.
٥ ـ إنّ « حيّ على خير العمل » هو فصل ثابت موجود على عهد رسول اللّه والشيخين ، وقد
أذّن بها بعض الصحابة والتابعين ، وادّعى القوم نسخها من طرف واحد ، وهذا هو الذي
دعا السيّد المرتضى أن يطالبهم أن يأتوا بالناسخ لها ، وتحدّاهم بأ نّهم ما يجدونه.
٦ ـ إنّ موضوع
الحيعلة الثالثة ما هو إلاّ نافذة من النوافذ الكثيرة المختلف فيها في الشريعة ، وشأنه
شأن المتعتين والتكبير على الميت أربعا أم خمسا ، وصلاة التراو يح ، وغيرها.
٧ ـ ارتباط موضوع
الحيعلة الثالثة بأمر الخلافة ، فعمر بن الخطاب لا يرتضي ذكرها كما كان لا يرتضي
أن يكتب الرسول كتابا في شأن عليّ يوم رزيّة الخميس ،
فكيف يرضى هو
وأتباعه الإتيان بذكر عليّ ولو كنائيّا في الأذان؟!
٨ ـ إنّ معنى
الحيعلة الثالثة تعني الولاية كما جاء صريحا في كلام الأئمة الباقر ، والصادق
والكاظم :.
٩ ـ إنّ فتح معنى « حيّ على خير العمل » محبوبٌ عند الأئمة كما جاء في كلام الإمام الكاظم لأنّ
كلامه 7 ناظر إلى رفعه من قبل عمر بن الخطاب.
١٠ ـ وجود الحيعلة
الثالثة في الأذان الأوّل ـ أي في الإسراء ـ كما جاء في كلام الإمام السجاد 7 ، وقد عضّدنا ذلك
بروايات الكليني في الكافي والصدوق في العلل تدل على وجود اسم الإمام علي عندما
خلق السماوات ، وهم اول أهل بيت نوه اللّه باسمائهم.
كل هذه النقاط
تعلن بوضوح عن سرّ جعل دليل الشهادة بالولاية لعلي كنائيّا من قبل الشارع ؛ لأنّ
القوم كانوا يقابلون الأدلّة الكنائية المختصة بالإمامة بالحذف والتحريف ، فكيف
بالأدلّة الصريحة والواضحة؟! إنّهم كانوا لا يرتضونها من باب الأولى. وقد وقفت على
كلام الإمام عليّ للزهراء : أتحبيّن أن تزول دعوة أبيك من الدنيا؟! فقالت : لا ، فقال
7 : هو ما أقول لكِ.
وعليه فإنّ في
الأذان فصلاً ثابتا دالاًّ على الولاية وهي الحيعلة الثالثة ، لكنّ الظروف لم تسمح
بتفسيره والحثّ عليه ، وإن سمحت فمن الجائز الاتيان بتفسيرها معها لا على أنّها
جزءا من الأذان ، وإنّ عدم ذكر الشهادة بالولاية صريحا في الأذان هو مثل عدم ذكر
الإمام علي صريحا في القرآن ، لأنّ القوم لا يطيقون أن يسمعوا الشهادة للرسول
بالنبوة ، فكيف يرضون سماع الشهادة لعلي بالولاية؟!
وقد اوضحت السيده
فاطمة الزهراء في خطبتها في المسجد هذه الحقيقة بأن القوم جدّوا لكتمان الحق بعد
الصدع به ، لقولها وهي تعرف القوم : « منكرة للّه مع عرفانها » وأنّهم اسروا بمفاهيم الدعوة بعد اعلانها وكتموا الحق بعد
معرفته لقولها 3 : «
واسررتم بعد الاعلان » وفي هذين النصين معنى ظريف وتنبيه عظيم
على ما فعلته قريش
مع الرسالة والرسول ، فكيف مع الجهر بذكر أهل بيته المعصومين في الأذان.
ولا يخفى عليك
بأنّ هناك روايات شاذّة دالّة على وجود ملاك التشريع في القول بالولاية ، لكنّنا
غير مامورين بالأخذ بها ، لعدم وجودها في الروايات البيانية عن المعصومين في
الأذان ولمخالفتها للمعمول عليه عند الطائفة.
القسم الثاني:
تقرير الإمام 7
بعد أن انتهينا من
ذكر أقوال الشارع المقدّس مدعومةً بسيرة المتشرّعة فيها ، وقبل أن نواصل البحث عن
بيان هذه السيرة في عهد الشيخ الصدوق ت ٣٨١ ه إلى عهد العلاّمة الحلي ت ٧٢٦ ه ، علينا
تسليط الضوء على موقف المعصوم في عصر الغيبة ، لأ نّه الدليل الأقوى في هكذا مسألة.
وموقف المعصوم
ينكشف من حديثه الذي هو قوله وفعله وتقريره كما لا يخفى.
والقول هو الدليل
الشرعي اللفظي الذي يُستَنَدُ إليه في عملية الاستنباط ، وما قيل بأن ليس لدينا
دليل شرعي لفظيّ على الشهادة الثالثة ـ لخلوّ الروايات البيانيّة الصادرة عن
المعصومين من ذلك ـ يردّه حكاية الشيخ الطوسي والعلاّمة ويحيى بن سعيد الحلي بورود
شواذ الاخبار فيه ، وهو كافٍ لإثبات الحجية الاقتضائية للشهادة الثالثة لا الفعلية
على التفصيل الآتي في القسم الثالث.
وفعلُ المعصوم
دلالتُهُ صامتةٌ ، أي ليس للفعل لسانٌ ليُتَمَسَّكَ بظهوره كما هو الشأن في الدليل
الشرعي اللفظي ، فلابدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن في أفعال الإمام والقول
بالاباحة فيما يفعله 7 ، وقيل بالاستحباب إذا كان الفعل الصادر منه 7 عبادة.
وما تركه 7 أو سكت عنه فإنّ
سكوته عنه يدل على عدم وجوب الفعل عنده ، وعلى عدم الاستحباب على بعض المباني ، وقيل
: إنّ سكوته 7 هو إمضاء لفعل الآخرين ، لأنّ المعصوم مكلّف كغيره من الناس ، فلو كان السلوك
الذي يراه عند
المؤمنين مخالِفا
للشرع كان عليه النهي عنه لأ نّه نهي عن المنكر ، فإذا لم ينه عنه علمنا أنّه ليس
منهيّا عنه وليس بمنكر ، لأنّ المعصوم لا يترك المأمور به يقينا ولا يرتكب المنهيّ
عنه.
وللمعصوم خصوصية
أُخرى غير التكليف ، وهي ائتمانه على ودائع النبوة فلا يعقل أن يفوّت الحافظ للدين
والامين على الشريعة غرضه كما هو المشاهد في الشهادة الثالثة ، فلو لم يكن سلوكهم
مرضيا عنده 7 لنهى عنه ، لأ نّه تهديد فعلي لأغراض الشريعة التي جاء من أجلها ، كل ذلك
بناءً على تمامية اجماع الطائفة على جواز الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان.
وأمّا ما قيل من
عدم إمكان الاستفادة من هذا فيما نحن فيه : « لأنّ سكوت المعصوم في غيبته لا يدلّ على
إمضائه ... فلأ نّه غير مكلّف في حالة الغيبة بالنهي عن المنكر وتعليم الجاهل ، وليس
الغرض بدرجة من الفعليّة تستوجب الحفاظ عليه بغير الطريق الطبيعي الذي سبب الناس
انفسُهُم إلى سَدِّهِ بالتسبيب إلى غيبته » فلا نقبله ؛ لأنّ الإمام هو حجة اللّه في الأرض وبمقدوره
إيصال ما يريده اللّه سبحانه عن طريق نوابه الفقهاء وأُمناء اللّه على حلاله
وحرامه وعن طريق الصالحين وغيرها من الطرق الصحيحة ، وخصوصا أنّه ميزان الشرع الذي
لولاه لضاع الدين ، ولا يخفى عليك بأنّ اللّه قد أعدّ لهذا الدين من ينفي عنه
تحريف الغالين ، لقوله 7 : إنّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عُدُولاً ينفون عنه تحريف
الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأو يل الجاهلين .
وعليه فإنّ
المعصوم لا يسكت عن الزيادة والنقصان في الدين ، فيما لو كان هناك إطباق على
الزيادة أو النقيصة أو إجماع على الخطأ عند الطائفة ، بل إنّ
__________________
وظيفته ردّ أهل
الدين إلى الحقّ ، ولولا ذلك لما عرف الحقّ من الباطل ، ولالتبست على المؤمنين
أمورهم ، وخصوصا لو كانت الأمور المأتية من قبل الناس تأخذ طابعا جماعيّا شعاريا
وارتكازا عرفيّا كما هو المشاهد في الشهادة الثالثة ..
إنّ الأقوال الشاذّة
عند بعض الفقهاء في حرمتها أو القول بجزئيتها الواجبة لا ينقض الإجماع العملي عند
الإمامية على الجواز ـ بناء على تماميته ـ من باب القربة المطلقة وحرمتها من باب
الجزئية ، وإليك الآن بعض الروايات في ذلك.
١ ـ روى الصدوق في
علل الشرائع عن أبيه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد
بن سنان وصفوان بن يحيى وعبداللّه ابن المغيرة وعلي بن النعمان ؛ كلُّهم عن
عبداللّه بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه 7 ، قال : إنّ
اللّه لا يدع الأرض إِلاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنّقصان ، فإذا زاد المؤمنون
شيئا ردّهم ، وإذا نقصوا أكمله لهم ، فقال : خذوه كاملاً ، ولولا ذلك لالتبس على
المؤمنين أمرهم ، ولم يُفرّق بين الحقّ والباطل .
وهذه الرواية
صحيحة.
٢ ـ وفي العلل
كذلك : أبي ، عن سعد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ومحمد بن الحسين بن
أبي الخطّاب ومحمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن سنان وعليّ بن النعمان ، عن
عبداللّه بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه 7 ، قال : إنّ
اللّه عزّ وجلّ لم يدع الأرض إلاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان في الأرض ، فإذا
زاد المؤمنون شيئا ردّهم ، وإذا نقصوا أكمله لهم ، فقال : خذوه كاملاً ، ولولا ذلك
لالتبس على المؤمنـين أمـورهم ، ولم يفرّقـوا بين الحق والباطل .
__________________
وهذه الرواية صحيحة.
٣ ـ وفي العلل
كذلك : أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ومحمد بن عبدالجبار ، عن
عبداللّه بن محمد الحجّال ، عن ثعلبة ابن ميمون ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي
عبداللّه 7 ، قال : إنّ الأرض لا تخلو من أن يكون فيها من يعلم الزيادة والنقصان ، فإذا
جاء المسلمون بزيادة طرحها ، وإذا جاءوا بالنقصان أكمله لهم ، فلولا ذلك اختلط على
المسلمين أُمورهم .
وفي بصائر الدرجات
: محمد بن عبدالجبار ، عن الحجّال ، مثله .
وفيه أيضا : حدثنا
محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي
عبداللّه ، مثله .
وهذه الطرق صحيحة
عند المشهور على كلام في أُستاذ الصدوق : أحمد بن محمد بن يحيى القمي.
٤ ـ وفي العلل
كذلك : حدثنا محمد بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين
بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن شعيب الحذاء ، عن أبي
حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر 7 قال : إنّ الأرض لا تبقى إلاّ ومنّا فيها من يعرف الحق ، فإذا
زاد الناس ، قال : زادوا ، وإذا نقصوا منه قال : قد نقصوا ، ولولا أنّ ذلك كذلك لم
يُعْرَف الحقّ من الباطل .
ومثله في بصائر
الدرجات عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن
__________________
النضر بن سويد ، عن
محمد بن عبدالرحمن .
ورواية العلل
صحيحة بناءً على وثاقة أو قبول روايات ابن أبان ، وأمّا رواية بصائر الدرجات فهي
معتبره كذلك.
٥ ـ وفي العلل
كذلك : أبي ، حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يحيى ابن أبي عمران الهمداني ، عن
يونس ، عن إسحاق بن عمار ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ، قال : إنّ اللّه لم
يدع الأرض إلاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان من دين اللّه تعالى ، فإذا زاد
المؤمنون شيئا ردّهم ، وإذا نقصوا أكمله لهم ، ولولا ذلك لالتبس على المسلمين
أمرهم .
ومثله في بصائر
الدرجات عن إبراهيم بن هاشم .
فالرواية صحيحة
بناءً على وثاقة يحيى بن أبي عمران الهمداني ، وهو الاظهر.
٦ ـ وفي العلل
كذلك : أبي ، قال : حدثنا سعد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمد ومحمد بن عبدالجبار
، عن محمد بن خالد البرقي ، عن فضالة بن أيوب ، عن شعيب ، عن أبي حمزة ، قال ، قال
أبو عبداللّه 7 : لن تبقى الأرض إلاّ وفيها من يعرف الحق ، فإذا زاد الناس
فيه قال : قد زادوا ، وإذا نقصوا منه قال : قد نقصوا ، وإذا جاؤوا به صدقهم ، ولو
لم يكن كذلك لم يُعرَف الحقّ من الباطل .
ومثله في بصائر
الدرجات عن محمد بن عبدالجبار .
والرواية معتبرة.
٧ ـ وفي إكمال
الدين للصدوق : حدّثنا أبي ، ومحمد بن الحسن ، قالا : حدثنا
__________________
سعد بن عبداللّه
وعبداللّه بن جعفر ، قالا : حدثنا محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عن أبي
الصباح ، عن أبي عبداللّه 7 ، قال : إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يدع الأرض إلاّ وفيها
عالم يعلم الزيادة والنقصان ، فإذا زاد المؤمنون شيئا ردّهم ، وإذا نقصوا شيئا
أكمله لهم ، ولولا ذلك لالتبست على المؤمنين أمورهم .
وهذا الخبر صحيح
بناءً على وثاقة محمد بن عيسى اليقطيني ، وهو الصحيح.
٨ ـ وفي العلل كذلك
: أبي ، قال : حدثنا سعد بن عبداللّه ، عن يعقوب ابن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير
، عن منصور بن يونس ، عن إسحاق ابن عمار ، عن أبي عبداللّه 7 قال : سمعته يقول
: إنّ الأرض لا تخلو إلاّ وفيها عالم كلّما زاد المؤمنون شيئا ردّهم وإن نقصوا
شيئا تمَّمه لهم .
وفي إكمال الدين :
حدّثنا أبي ومحمد بن الحسن ، قالا : حدثنا عبداللّه ابن جعفر الحميري ، عن محمد
بن الحسين ، عن علي بن اسباط ، عن سليم مولى طربال ، عن إسحاق بن عمار ، مثله .
وفي بصائر الدرجات
: أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أسباط ، مثله . وهذه الطرق
معتبرة وموثّقة بمنصور بن يونس.
٩ ـ وفي الكافي
للكليني : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن منصور بن يونس
وسعدان بن مسلم ، عن إسحاق بن عمار ـ عن أبي عبداللّه 7 ـ قال : سمعته
يقول : إنّ الأرض لا تخلو إلاّ وفيها إمام ، كيما إن زاد المؤمنون شيئا ردّهم ، وإن
نقصوا شيئا أتمّه لهم .
__________________
وهذه الرواية
معتبرة.
١٠ ـ وفي العلل
كذلك : أبي ، قال : حدثنا سعد بن عبداللّه ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد ، عن
علي بن إسماعيل الميثمي ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبدالأعلى مولى آل سام ـ عن أبي
جعفر 7 قال ـ سمعته يقول : ما ترك اللّه الأرض بغير عالم ينقص ما زاد الناس ، ويزيد
ما نقصوا ، ولولا ذلك لاختلط على الناس أُمورهم .
وفي إكمال الدين :
حدثنا محمد بن الحسن ، قال حدثنا سعد بن عبداللّه ، وعبداللّه بن جعفر الحميري
جميعا ، عن محمد بن عيسى ... مثله .
وفي بصائر الدرجات
: حدثنا عبداللّه بن جعفر ، عن محمد بن عيسى ، مثله .
وهذه الرواية
صحيحة إلى عبدالأعلى مولى آل سام.
١١ ـ وفي العلل
كذلك : حدثنا محمد بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين
بن سعيد ، عن على بن أسباط ، عن سليم مولى طربال ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سمعت
أبا عبداللّه 7 يقول : إنّ الأرض لن تخلو إلاّ وفيها عالم كلّما زاد
المؤمنون شيئا ردّهم ، وإذا نقصوا أكمله لهم ، فقال : خذوه كاملاً ، ولولا ذلك
لالتبس على المؤمنين أُمورهم ، ولم يفرّقوا بين الحقّ والباطل .
فالرواية صحيحة
بناءً على وثاقة أو قبول روايات ابن أبان ، والقول بوثاقة رواة كامل الزيارات ، لأنّ
سليما ـ أو سليمان ـ مولى طربال هو ممن روى عنه ابن قولويه.
__________________
١٢ ـ وفي إكمال الدين : حدّثنا محمد بن الحسن بن
أحمد بن الوليد ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبداللّه وعبداللّه
بن جعفر الحميري جميعا ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن علي بن حديد ، عن علي بن
النعمان و [ الحسن بن علي ] الوشّاء جميعا ، عن الحسن بن أبي حمزة الثمالي ، عن
أبيه ، قال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : لن تخلو الأرض إلاّ وفيها رجل منّا يعرف الحقّ ، فإذا
زاد الناس فيه قال قد زادوا ، وإذا نقصوا منه قال : قد نقصوا ، وإذا جاؤوا به
صدّقهم ، ولو لم يكن ذلك كذلك لم يعرف الحقّ من الباطل.
قال عبدالحميد بن
عوّاض الطائي : باللّه الذي لا إله إلاّ هو لسمعت هذا الحديث من أبي جعفر 7 ، باللّه الذي
لا إله إلاّ هو لسمعته منه .
والسند معتبر على
كلام في علي بن حديد.
وعليه فلو كان ما
تفعله الشيعة ـ عبر القرون الماضية ـ غلوّا وانتحالاً وتأويلاً ، لكان على الإمام
أن ينفي ذلك عن الدين ، بل إنّ في سكوت الإمام وخصوصا في أمر مقدّميٍّ عباديّ
كالأذان مما يشير إلى جواز الإتيان بهذا الفعل عنده ، لأ نّه ذكر وعبادة فلو كان
في الواقع حراما وممّا يوجب الخلل في الدين والتعدّي على قِيَمِهِ لكان عليه 7 نهي الناس عنه
وردعهم بطريقة من الطرق خلال أُمناء الشريعة من الفقهاء الصائنين لأنفسهم ، المطيعين
لأمر مولاهم ، وخصوصا مع معرفتنا باستمرار هذه السيرة عند المتشرّعة إلى عصر الأئمة
: لان عمر بن الخطاب حينما حذف الحيعلة الثالثة = الولاية كان لا يريد حثا
عليها ودعوة إليها ، ومعناه ان الأئمة المعاصرين للخلفاء بدءا من الإمام علي حتى
الإمام الكاظم ـ الذي ذكرنا بهذا الامر ـ كانوا يحبذون الإتيان بها لا على نحو
الجزئية ، وهو الاخر يشير إلى ان الأمة كانت تأتي بها على عهد الصحابة حسبما جاء
في محكي السلافة عن أبي ذر
__________________
وسلمان.
وعليه فالشيعة في
غالب الازمان وفي كثير من البلدان كانوا يأتون بما يدل على الولاية ، ولم نقف على
مدركه عندهم ، وهذا يكشف عن رضا المعصوم في حدود الجواز.
وهنا كلام للمرحوم
الشيخ عبدالنبي العراقي يَجدر بنا نقله فإنّه ; قال : فلو كان حراما وبدعة ، بل لم يكن مشروعا وراجحا
فيهما ، أَفَتَرَى أنّ أمثال الشيخ محمد بن الحسن العاملي ، والمجلسيّ ، والبهبهانيّ
، والاسترآباديّ ، والمقدّس الأردبيليّ ، والسيّد بحر العلوم ، والشيخ الأنصاريّ ،
وأمثالهم ـ المشرَّفين بلقاء الحجّة روحي له الفداء ـ وغيرهم من الأساطين والأكابر
في كلّ دورة وكورة ... يرون أنّها بدعة وحرام ومع ذلك كلّه كانوا ساكتين عنها وعن
ردعها؟! وتركوا الجهال على حالهم بلا رادع ولا مانع؟! فكيف؟! ولم؟! ومتى؟! فعلى
الإسلام السلام ، فأين تبقى حجيّة للسيرة العقلائية التي لا زال في الفقه يتمسكون
بها ... إلى اخر كلامه ;.
وعليه فيمكننا أن
نستفيد من سكوت الإمام الحجّة تقريره لفعل أُولئك الشيعة ورضاه بما يأتون به ، لأن
ما يأتون به هو راجح في نفسه وغير مخلٍّ بالأذان.
ولا يخفى عليك بأن
شأن الشهادة الثالثة لم تكن كـ ( حي على خير العمل ) لان حكم الاول هو الجواز
والثاني اللزوم ، أي ان الاول ليس من فصول الأذان اما الثاني فهو من ماهية الأذان
واصوله المقومة لها. فيجوز ترك ما هو جائز ولا ضرورة لاطباق الأمة واجماعهم على
أمر جائز بعكس الأمر اللازم فيجب اطباق الأمة عليه في جميع العصور وشيوعه بين
الأمة.
وعليه فإن سكوت
الإمام وعدم ورود نهي عنه دليل على جوازه ، فلو كان بدعة
__________________
وحراما لوجَبَ
التنبيه عليه من خلال وكلائه والصالحين من فقهاء العباد ، وخصوصا حينما نرى عدم
وجود ضيق في بيان هذا الأمر لهم ، لأ نّه قد استمرّ ـ القول بالجواز ـ عند الشيعة
لعدة قرون بدءا من عهد عمر بن الخطاب الذي حذف الحيعلة الثالثة إلى يومنا هذا ، فلو
كان ما تأتي به الشيعة منكرا لوصلنا نهيه عن ذلك وحيث لا ، فلا.
كان هذا مختصر
الكلام عن تقرير الإمام المعصوم وسأعود إليه في ثنايا البحث إن اقتضى الأمر.
القسم الثالث:
النّصوص الدالّة على
الشّهادة الثّالثة
عَرِفنا ممّا سـبق
أنّ الظـروف لم تكن مؤاتية للشيعة للاجهار بالشهادة بالولاية إلاّ بمعناها الكنائي
الكامن في صيغة « حيّ على
خير العمل » ، فهم كانوا
يقولونها في عهد الرسول ، وفي عهد الشيخين ، وفي العهد الأموي ، وفي العهد العباسي
الأوّل ، خفيّةً بعيدا عن أنظار الحكّام ، لا على نحو الجزئية ، لأ نّها لو كانت
جزءا عندهم لما جاز لهم تركها ، ولما اختلفوا في صيغها ، وقد رأيت أنّهم يذكرونها
إمّا على أنّها جملة تفسيرية ، وإمّا لمحبوبيتها المطلقة المستفادة من عمومات
اقتران الرسالة والولاية بالذكر ، كما هو مفاد كثير من النصوص النبو ية والولوية.
وقد حكي عن مجموعة
من المفوِّضة ، أو المتَّهمة بالتفويض ـ والتي قد ظهرت في أيّام الغيبة ـ أنّها
تدّعي لزوم الإتيان بها على نحو الشطرية والجزئية وكونها من فصول الأذان وداخلة في
ماهيته ، ورووا في ذلك أخبارا ، وهذا هو الذي ألزم بعض الفقهاء والمحدّثين كالشيخ
الصدوق ; للوقوف أمامهم ، لأ نّه ليس بين ثنايا الأخبار الواصلة إلينا ما يدعو إلى
وجوب ذكر الشهادة بالولاية في الأذان على نحو الجزئية ، وبذلك فنحن لا نُخْرِجُ
كلام شيخنا الصدوق ; من أحد ثلاث احتمالات : أن يكون هجومه على المفوّضة جاء
لاعتقادهم بالجزئية ، أو أنّه ; قالها تبعا لمشايخه القميين ، وقد يكون نص الفقيه قد صدر
عنه تقيةً ، وهذا الاحتمال الأخير تؤكّده بعض فقرات النص الآتي.
نحن لا نتردّد في
أنّ الصدوق ; ، هو الفقيه الورع ، ولا يمكنه بحسب قواعد الاستنباط المتّفق عليها بين الأ
مّة أن يفتي بعدم جواز الإتيان بالشهادة بالولاية ،
بقصد القربة
المطلقة ، أو لمحبوبيتها الذاتية ، أو التفسير ية.
نعم ، نحن مع
شيخنا الصدوق في عدم جواز الإتيان بها على نحو الجزئية الواجبة ، وقد عرفت بأن
أغلب الشيعة الزيدية والإسماعيلية والإمامية الاثني عشرية لا يأتون بها على نحو الجزئية.
ولعلّ ترك الزيدية
والإسماعيلية في العصور اللاّحقة قول « محمد وعليّ خير البشر » أو «
محمد وآل محمد خير البرية » بعد « حيّ على
خير العمل » يؤكد على أنّهم لا
يقصدون جزئيتها مع الحيعلة الثالثة ، فهم يأتون بها في بعض الأحيان ويتركونها في
أحيان أخرى ، وهو المقصود بنحو عام من التفسيرية والمحبوبية الذاتية ، والقربة
المطلقة ، والأمور الثلاثة الأخيرة لا تعترضها شبهة التشريع المحرّم والبدعة ، وعلى
هذا الأساس نحن لا نشك ولا نتردد في أنّ الشيخ الصدوق قدسسره لم يقصد هذه المعاني
؛ إذ يبعد ذلك منه جدّا بعد وقوفه على أدلّة الجواز ، لذلك نراه يشدّد النكير فقط
على من شرّعها طبقا لروايات اعتقدها الشيخ موضوعة.
وعليه : فكلامه ; لا يعني كلّ
زيادة ـ بما أنّها زيادة على الموجود ـ لأ نّه قد وقف على روايات فيها زيادات على
ما رواه الحضرمي وكليب الأسدي ، وبذلك فإنّه ; يعني بكلامه الزيادات الجديدة الموضوعة التي لم ترد في
الأخبار الأذانية من قِبَلِ المعصومين.
أمّا لو كانت هناك
روايات أو عمومات يُرادُ الأخذ بها لا على نحو الجزئية فلا يمانعه الشيخ الصدوق.
إذن فالشيخ الصدوق
; لا يعني هؤلاء يقينا ، بل اعترض ; على الأخبار الموضوعة من قبل المفوّضة المفيدة للجزئية ؛
إذ لا يعقل أن يلعن الشيخ قدسسره من اجتهد من الشيعة وأفتى بمحبوبيتها العامة وأنّها
ليست بجزء ، من خلال العمومات وشواذ الأخبار والأدلّة الاُخرى الدالّة على ذلك.
وممّا يؤكد ذلك
أنّ الشيخ الصدوق لا يعترض على مضمون ما يقوله
المفوضة ، وفي
الوقت نفسه لا يرضى قولها على نحو الجزئية وأنّها من أصل الأذان لقوله في آخر
كلامه :
|
(
لا شكّ أنّ عليّا ولي اللّه ، وأنّه أمير المؤمنين حقّا ، وأنّ محمّدا وآله خير
البرية ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان ).
|
نعم ، المطالع في
كلمات اللاّحقين يقف على ما هو دالّ على الشهادة الثالثة ـ على نحو القربة المطلقة
، ولمحبوبيّتها الذاتية ، ولرجاء المطلوبيّة ـ من قبل الشيعة ، وهي موجودة في أصول
أصحابنا ، بحيث يمكن الاستدلال بها تارة بالدلالة التطابقية ـ وهذا ما فعله الشيخ
الطوسي وابن البرّاج رحمهما اللّه تعالى ومن تبعهما كالمجلسي ـ وأُخرى بالدلالة
الالتزامية ، كمرسلة الصدوق في «
من لا يحضره الفقيه » ، وفتاوى السيّد المرتضى ، والشيخ
الطوسي ، وابن البراج ، ويحيى بن سعيد الحلي ، والعلاّمة الحلي ، ونحن خصصنا هذا
القسم لتفسير كلامهم 4 وبيان الملابسات التي لازمتها ؛ لأنّ اللاحقين كثيرا ما
يكتفون بفتاوى هؤلاء الأعلام دون التعريف بملابساتها وظروفها الحقيقية والموضوعية
، وعلى كلّ تقدير فكلمات هؤلاء الأعلام نابعة من روح العقيدة وعليها تدور رحى
الاجتهاد.
١ ـ مرسلات الصدوق ( ٣٠٦ هـ ـ ٣٨١ هـ
)
|
روى
الشيخ الصدوق بسنده عن أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي عن الإمام الصادق فصول
الأذان فقال : اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر.
أشهد
أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه.
أشهد
أنّ محمّدا رسول اللّه ، أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه.
حيّ
على الصلاة ، حيّ على الصلاة.
حيّ
على الفلاح ، حيّ على الفلاح.
حيّ
على خير العمل ، حيّ على خير العمل.
اللّه
أكبر ، اللّه أكبر.
لا
إله إلاّ اللّه ، لا إله إلاّ اللّه.
والإقامة
كذلك ، ولا بأس أن يقال في صلاة الغداة على إثر « حيّ على خير العمل » ، «
الصلاة خير من النوم ». مرّتين للتقيّة.
وقال
مصنف هذا الكتاب [ أي الصدوق ] : هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولاينقص منه
، والمفوِّضة لعنهم اللّه قد وضعوا أخبارا وزادوا في الأذان « محمّد وال محمّد
خير
|
__________________
|
البرية
» مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد « أشهد أن محمدا رسول اللّه » « أشهد أن عليا
وليّ اللّه » مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك : « أشهد أنّ عليّا أمير المومنين
حقّا مرتين.
ولا
شكّ في أنّ عليا وليّ اللّه ، وأنّه أمير المؤمنين حقا ، وأنّ محمّدا وآله
صلوات اللّه عليهم خير البرية ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان ، وإنّما ذكرت ذلك
ليُعرَفَ بهذه الزيادة المتَّهمون بالتفو يض المدلِّسون أنفسَهم في جملتنا .
|
ولنا مع شيخنا
الصدوق ; عدة وقفات لشـرح ما تضمن كلامه :
الاُولى
: إنّ الخبر السابق
والذي حكم الشيخ الصدوق ; بصحته بقوله : « هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص
منه » هو خبر شاذّ لا
يعمل به أصحابنا اليوم ، لأنّ فيه اتّحاد عدد فصول الأذان والإقامة ، لقوله ; : « والإقامة كذلك » وهو قول شاذّ لا يوافقه عليه أحد.
وكذا لم يُذكر فيه
جملة : « قد قامت
الصلاة » مرّتين في
الإقامة ، ومعنى كلامه هو أنّ الإقامة مثل الأذان في فصوله حتى فصل « لا إله إلاّ اللّه
» في آخر الأذان ، إلاّ
أنّه يؤتى بها قبل إقامة الصلاة.
ولو كان ; يريد وجود : « قد قامت الصـلاة » مرّتين في الإقامة لكان عليه أن يقول كما قال الطوسي
في النهاية : والإقامة مثل ذلك ، إلاّ أنّه يقول في أول الإقامة مرتين : « اللّه أكبر ، اللّه
أكبر » ، يقتصر على مرّة
واحدة : « لا إله
إلاّ اللّه » في آخره ، ويقول بدلاً من التكبيرتين في أوّل الأذان : « قد قامت الصلاة ، قد
قامت
__________________
الصلاة
» بعد الفراغ من
قوله : « حيّ على
خير العمل ، حي على خير العمل » في حين أن الشيخ الصدوق لم يقل بهذا.
وكذا قوله ; « ولا بأس أن يُقال في
صلاة الغداة على إثر حيّ على خير العمل : الصلاة خير من النوم ، مرتين للتقية » لا يمكن تصوّره والقول به ، لأنّ المؤذّن لو كان في حال
التقية فلا يمكنه أن يجهر بـ
« حي على خير العمل » ، وإن لم يكن في حال التقيّة فلا يجوز له أن يقول : « الصلاة خير من
النوم » ، إلاّ أن نقول أنّه
كان يعيش في تقيّه عالية فأفتى بالقول بالحيعلة سرّا وبالتثويب علنا ، جمعا بين
الأمرين ، أو لعلّ هناك ملابسات أخرى سنوضّحها لاحقا.
الوحيد البهبهاني ومقصود
الصدوق من مثلية الأذان والإقامة
قال الوحيد
البهـبهاني وبعد أن ذكر رواية الحضـرمي والأسدي : فلعل المراد أنّ الإقامة كذلك
غالبا ، إلاّ فيما ندر ، وهو تثنية التكبير في الأوّل ، ووحدة التهليل في الآخر ...
فيحتمل أن يكون
المراد من كون الإقامة مثل الأذان ، أنّها مثله في كونها مثنى مثنى ، ردّا على
العامة القائلين بكونها مرّة مرّة مطلقا ...
والصدوق في « الفقيه » لم يذكر إلاّ هذه الرواية ، ثمّ قال : هذا هو الأذان
الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص ...
فلو لم يكن ما
ذكرناه هو المراد من هذه الرواية ، ولم يكن ذلك ظاهرا عليهم ، لم يكن لما ذكره
الشيخ وما ذكره الصدوق وجه ، لأنّ ظاهر هذه الرواية مخالف للمُجمع عليه ، إذ لم
يرضَ أحد أن تكون الإقامة مثل الأذان ، لأنّ فيها « قد قامت الصلاة » يقينا دون الأذان ... وأمّا أن يكون المراد غيره ولا قرينة
أصلاً على تعيين
__________________
ذلك ...
فكيف لم يجعلها
الشيخ معارَضَةً ، ولا توجّه إلى وجه الحمل ورفع التعارض بإبداء المراد؟
والصدوق كيف ردّ
بها المذاهب النادرة الّتي هي خارجة عن مذهب الشيعة ، ولم يتعرّض لردّ ما هو
المذهب المشهور في الشيعة ، لو لم يكن متّفقا عليه؟!
ولو لم يكن هو
المشهور ، فلا أقل من كونه مذهبا مشهورا منهم ، ولو لم يكن كذلك فلا أقلّ من كونه
مذهب بعض منهم ، وأين هذا من مذهب من هو خارج من الشيعة؟
هذا ، مع أنّه لم
يبيّن : أيُّ شيء اُريد من هذه الرواية؟ فظاهرها بديهيّ الفساد لا يرتكبه أحد ، فضلاً
أن يكون مثل الصدوق.
وخلاف الظاهر
تتوقّف معرفته على سبيل التعيين ، فإنّ تأليفه ( الفقيه ) لمن لا يحضره الفقيه ، فمن
لا يحضره الفقيه كيف يعرف الاحتمال المخالف للظاهر على سبيل التعيين من غير معيِّن؟!
بل من يحضره الفقيه لا يمكنه ذلك فضلاً عمّن لا يحضره.
وخلاف الظاهر ، إمّا
أن يكون المراد أنّها مثل الأذان ، إلاّ زيادة « قد قامت الصلاة » مرتين ، أو تكون هذه الزيادة مكان التكبير مرّتين في أوّل
الأذان ، فيصير عددها وفصولها سواء ، وهو أقرب إلى قوله : والإقامة مثل ذلك . انتهى كلام
الوحيد البهبهاني.
فكيف يمكن ـ علميا
ـ أن يعارِضَ خبرٌ شاذّ غير معمول به ، الأخبارَ الصحيحة الاُخرى في الأذان
والإقامة والتي عمل بها الشيعة حتى صارت سيرة لهم؟!
__________________
أضف إلى ذلك أنّ
الأصحاب الّذين أجازوا العمل بالروايات المختلفة في الأذان والإقامة ، سواء كانت
٣٥ فصلاً ، أو ٣٧ ، أو ٣٨ ، أو ٤٢ أو غيرها ، قالوا بذلك لصحّة تلك الروايات عندهم
، فكيف يصحّ أن يقول الشيخ الصدوق : « هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص
منه » ، مُغفِلاً
الروايات الاُخرى المعمول بها عند الآخرين؟! إذن لا سبيل لحلّ هذا الإشكال إلاّ
بأن نقول كما قال الوحيد قدسسره ، أو نقول: إنّها محمولة على التقية ، وهذا ما
استظهره الشيخ يوسف البحراني في قوله :
|
والأظهر عندي
أنّ منشأ هذا الاختلاف إنّما هو التقية ، لا بمعنى قول العامة بذلك ، بل التقيّة بالمعنى الذي قدّمناه
في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب .
|
والمقصود هو أنّ
المعصوم كان يتعمّد إلقاء الخلاف بين شيعته حتى لا يكون هو والدين غرضين للأعداء ؛
إذ لو عرف الأمو يون والعباسيون منهج آل البيت وشيعتهم بوضوح لسهل عليهم الفتك بهم
والقضاء عليهم نهائيا.
وبنحو عام وبغضّ
النظر عن كيفية تفسير التقية ؛ فإنّ الملاحظ أنّ الصدوق ; وإن كان معاصرا
للدولة البو يهية الشيعية إلاّ أنّه مع ذلك يعتقد جازما بلزوم التقيّة حتى خروج
القائم فلا يخلو منها عصر من العصور ؛ وذلك جليٌّ في قوله ; :
|
والتقية
واجبة لا يجوز تركها إلى أن يخرج القائم سلام اللّه عليه ، فمن تركها فقد دخل
في نهي اللّه ونهي رسوله والأئمّة صلوات اللّه عليهم .
|
الثانية
: نظرا لقرينة أخرى
يمكن حمل ما رواه الشيخ الصدوق عن أبي بكر الحضرمي وكليب الاسدي على التقيّة ؛
لقوله بعدم البأس بالإتيان بـ «
الصلاة خير
__________________
من
النوم » مرّتين تقيةً.
ويؤكّد احتمال
التقية ما رواه الشيخ في التهذيب والاستبصار والذي ليس فيه هذه الزيادة ، ممّا يؤكّد بأن ما قاله الشيخ
الصدوق كان للتقية.
ولا يخفى أنّ ما
جاء في بعض الأخبار عن الإمام الباقر أو الصادق 8 من أنّهما كانا يؤذّنان بالصلاة خير من النوم لا يمكن جعله
دليلاً على الكلام الآنف ؛ لأ نّهما كانا يأتيان بذلك للإشعار والإعلام ـ حسب ما
صُرِّح في بعض الأخبار ـ لا على أنّه من فصول الأذان ، وهي محمولة على التقية ، وهذا يختلف عن
قول الشيخ بعدم الباس وخصوصا بعد « حي على خير العمل » ، فإن قوله هذا يخضع لملابسات نذكرها في الوقفة الثالثة
عشر إن شاء اللّه تعالى.
الثالثة
: إنّ الجروح التي
تصدر عن القميّين لا يمكن الوثوق بها والاعتماد عليها ـ إذا ما انفردوا بها ـ لأ
نّها قد تكون لمجرّد التشدّد ، أو لتصوّرهم فساد عقيدة الراوي حيث يروي حديثا لا
يعتقدون به ، وكلاهما ليس بشيء.
قال الوحيد
البهبهاني : ثمّ اعلم أنّه [ أحمد بن محمد بن عيسى ] وابن الغضائري ربّما ينسبان
الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضا بعد ما نسباه إلى الغلو وكأ نّه لروايته ما
يدلّ عليه ، ولا يخفى ما فيه .
وقال الوحيد في
حاشيته على مجمع الفائدة والبرهان : وقد حقّقنا [في تعليقاتنا] على رجال الميرزا
ضعف تضعيفات القميّين ، فإنّهم كانوا يعتقدون ـ بسبب اجتهادهم ـ اعتقاداتٍ من
تعدّى عنها نسبوه إلى الغلوّ ، مثل نفي السهو عن
__________________
النبي ، أو إلى
التفو يض ، مثل تفو يض بعض الأحكام إليه ، أو إلى عدم المبالاة في الرواية والوضع
، وبأدنى شيء كانوا يتهّمون ـ كما نرى الآن من كثير من الفضلاء والمتديّنين ـ
وربّما يخرجونه من قمّ ويوذونه وغير ذلك .
وقال الشيخ محمد
ابن صاحب المعالم : إنّ أهل قمّ كانوا يخرجون الراوي بمجرّد توهّم الريب فيه .
فإذا كانت هذه
حالتهم وذا ديدنهم ، فكيف يعوّل على جروحهم وقدحهم بمجرده ، بل لابدّ من التروّي
والبحث عن سببه والحمل على الصحّة مهما أمكن .
والمطالع في رجال
قمّ وتاريخها يقف على أسماء بعض المحدّثين الذين نقم عليهم أهل قمّ لاتّهامهم
بالغلّو ، والّذي مرّ عليك سابقا سقم كلامهم ، كما فعلوه مع محمد بن أورمة الذي
أشاعوا عنه بأنّ عنده أوراقا في تفسير الباطن ، والذي قال عنها ابن الغضائري :
أظنّها موضوعة عليه ، وقد بَرَّأَ الإمام أبو الحسن 7 ابنَ أورمة من
هذا الاتّهام وكتب إلى القميّين ببراءته.
بناءً على ذلك
فليس من البعيد أن يكون شيخنا الصدوق قدسسره قد اتّهم القائلين بالشهادة بالولاية
في الأذان بالوضع ، وذلك لنقلهم ما لا يتّفق مع مبناه ومبنى مشايخه المحدّثين ، فهم
كانوا إذا وجدوا رواية على خلاف معتقدهم وصفوها بالضعف ، وراو يها بالجعل والدس ، وهذا
الاعتقاد يوجب إخراج كثير من الروايات واتّهام كثير من المشايخ بالكذب ، قال الشيخ
الصدوق في ( الاعتقادات في دين الإمامية ) : وعلامة المفوّضة والغلاة وأصنافهم [
اليوم ] نسبتهم مشايخ قمّ
__________________
وعلماءهم إلى
القول بالتقصير ، هذا مع ملاحظة تفرّد الشيخ الصدوق قدسسره بأنّ الأخبار
موضوعة إذ لم يقل أحد بذلك قبله.
الرابعة
: لعلّ الشيخ
الصدوق اتّهم المفوّضة بوضع أخبار ؛ لأ نّهم تجاوزوا حد ما كانت تعمل به بعض
الشيعة آنذاك من قبيل : «
محمد وآل محمد خير البرية » ، و « عليّ خير
البشر » قاصدين بها
الجزئية ، ثم أتى بنصوص دالّة على الشهادة الثالثة بإرسال ، دون ذكر أسانيدها ، مؤكّدا
بكلامه على تعدّد طرقها ومتونها ، وهي صريحة بأنّ ما وقف عليه الشيخ الصدوق ; عند من سمّاهم
المفوّضة ليس خبرا واحدا ، بل هي أخبار كثيرة ، لذلك قال : ( وفي بعض رواياتهم )
ثم أردف ذلك قائلاً : ( ومنهم من روى بدل ذلك ) ، وهاتان العبارتان تؤكدان بوضوح
تعدّد تلك الروايات ، وتكثّر طرقها ، واختلاف صيغها على غرار المعمول عليه عند بعض
الشيعة من الزيدية والإسماعيلية الذين كانوا يأتون بها على نحو التفسيرية أو
القربة المطلقة ؛ لأنّ تعدّد الصيغ ينبئ عن عدم الجزئية عندهم.
فكأنّ المفوّضة ـ
حسب اعتقاد الصدوق ; ـ وضعوا أخبارا مسندةً بتلك الصيغ المعمول بها عند بعض
الشيعة ليلزموا الآخرين بالإجهار بها ، وهذه الزيادة ـ وعلى نحو الجزئية ـ لا
يرتضيها الشارع المقدّس ولا يقبلها الشيخ الصدوق ولا غيره من علماء الإمامية إذا
كان مستندها تلك الأخبار الموضوعة ـ فيما لو ثبت وضعها ، فهذا العمل من أبطل
الباطل ـ لكنّ الكلام ليس في الكبرى بل في الصغرى ، وهي أنّ الأخبار هل كانت
موضوعة فعلاً؟ وهل أنّ رواتها هُمُ المفوّضة أم المتّهمون بالتفو يض؟ إلى غير ذلك
من الاحتمالات.
وهو الآخر لا يعني
مخالفته ; للذين يأتون بها لمحبوبيّتها الذاتيّة للقربة المطلقة ، بل في كلامه ; ـ وكذا في كلام
الإمام الكاظم 7 من قبله ـ ما يشير إلى
__________________
امكان تعدّد الصيغ
الدالّة على الشهادة بالولاية إلى أكثر من صيغة وأنّها مجازة شرعا إن لم يأت بها
الإنسان على نحو الجزئية ، ولذلك ذكر الشيخ الصدوق ثلاث صيغ منها ، كدلالة على
تكثّرها ، تلك الدلالة التي تعني أنّ مستند الإتيان بالشهادة الثالثة ليس الأخبار
الموضوعة ، ولا أنّها جزء توقيفيّ فيها ، بل تعني المحبوبيّة العامّة لا غير.
وعلى أيّ حال ، فإن
ما أشار إليه الصدوق ; من روايات الشهادة الثالثة يدلّ من ناحية أخرى على تناقلها
في عصره ، وستقف لاحقا على أنّ بعض الشيعة في حلب وبغداد كانوا يؤذّنون بها في عصر
الصدوق ومن قبله ، وهذا يوقفنا أيضا على أنّ مخالفته كانت مع الذين يضعون الأخبار
ويزيدون فيها على نحو الجزئية لا غير ذلك ، وإلاّ فمن الصعب على العقل احتمال أن
يتّهم الشيخ الصدوق بالتفويض كلَّ من قال بالشهادة الثالثة في الأذان حتّى من باب
القربة المطلقة ، فعبارته كالنصّ في أنّه يقصد مَنْ وَضَعَ الأخبار ومن استند
إليها على نحو الجزئية لا غير. لقوله « وضعوا اخبارا وزادوا في الأذان » وقوله «
ولكن ذلك ليس من اصل الأذان ».
الخامسة
: إنّ اختلاف الصيغ
وتعدّدها لا معنى له سوى تأكيد أنّهم كانوا لا يأتون بها على أنّها جزء من الأذان
، بل قد تكون تفسيرية لجملة «
حي على خير العمل » ، وقد تكون لمحبوبيّتها الذاتية ورجحانها النفسي وما ذكرناه من تنقيح المناط
ووحدة الملاك في الشهادات الثلاث.
فإنَّ الإتيان بها
تارة بعد الحيعلة الثالثة ، واُخرى بعد الشهادة بالنبوة لَيُؤَكِّد بأنّ القائلين
بها لا يأتون بها على نحو الجزئية والشطرية حتى يكون القائلون بها مصداقا للتدليس
وأنّهم ادخلوا ما ليس من الدين في الدين. إلاّ أن نقول أن الشيخ الصدوق عنى
المفوضة القائلين بها على وجه الخصوص ، أو أنّ قوله السابق قد صدر عنه تقيّةً.
السادسة
: إنّ الشـيخ
الصدوق قد ذكر متن بعض تلك الروايات دون ذكر سندها ـ وهو ديدنه في كثير من الأبواب
الفقهية ـ لكنّ الفقيه والمحدِّث قد يرى سند تلك الروايات في المجاميع الحديثية
الاُخرى كالتهذيب والكافي وغيرهما. فلماذا لا نقف على اسناد تلك الروايات اذن؟
من المعلوم أنّ
وثاقة الـراوي لا تكفي لحجـيّة الرواية ما لم تسلم من الشذوذ والعلّة ، ولأجل ذلك
نرى الأئمّة يؤكّدون على شيعتهم لزوم عرض أقوالهم على الكتاب المجيد ، للأخذ
بالصحيح وترك الزخرف منه.
لكنّ الصدوق ; وغيره من
القميّين كانوا يعتمدون وثاقة الراوي أكثر من راجحية الرواية ، فقد نقل الشيخ
الطوسي في ترجمة سعد بن عبداللّه الأشعري عن الصدوق قوله : وقد رويت عنه كلّ ما
في المنتخبات مما أعرف طريقه من الرجال الثقات .
وقال في الفقيه :
وأمّا خبر صلاة يوم غدير خمّ ، والثواب المذكور فيه لمن صامه ، فإنّ شيخنا محمد بن
الحسن كان لا يصحّحه ... إلى أن قال : فهو عندنا متروك غير صحيح .
وقد مرّ عليك
اعتراض أبي العباس بن نوح على الصدوق وشيخه في استثنائهما محمد بن عيسى بن عبيد من
نوادر الحكمة بقوله : «
فلا أدري ما رابه فيه ، لأ نّه كان على ظاهر العدالة والثقة ». ويفهم من كلامه أنّ أبا العباس بن نوح وابن الوليد
والصدوق 4 يعتبرون الوثاقة في الراوي دون أرجحية الرواية.
نعم ، قد يأتي
الصدوق بكلام الواقفيّ وغيره ، وخصوصا لو جاء في كتب أحد
__________________
مشايخه ، لكونها
موجودة في أُصول الرجال الثقات.
والشيخ هنا ترك
ذكر اسانيد تلك الروايات لأ نّها موضوعة بنظره تبعا لمشايخه ، علما ان مشايخه
الكرام اخبروا بحذف «حي
على خير العمل» من الروايات تقية.
فكيف لا يُحذف أو
يُترك ما فيه دلالة على رجحان الشهادة بالولاية في الأذان؟
وكلامنا هذا لا
يوحي بأنا نذهب إلى الجزئية ، لان الترك المقصود من قبل الأئمّة يحمل بين طياته
معاني كثيرة ، وعليه فشيخنا الصدوق ; كان يروي عن من يخالفه في المعتقد ، وفاسدي العقيدة
كالواقفية ، لأ نّها جاءت في اُصول أصحابنا الثقات ، وأمّا فيما نحن فيه فلا نراه
يهتمّ بوجهة نظر الآخرين ، ولم يروِ ما روته المفوضة لانهم بمنزلة الكفار
والمشركين عنده ، وعندنا كذلك ، وربّما لثقته العالية بأن الشهادة الثالثة بعنوان
الجزئية هي من موضوعاتهم ، لقوله « ليعرف المدلسون انفسهم في جملتنا » وبذلك يختلف الفعل عنده ، فتارة يتكلم عن الضعيف وآخر عن
الوضاع ، فيأتي بما رواه الأوّل ولا يذكر ما رواه الثاني ، ويؤكّد مقولتنا هذه ما
قاله ; في ( باب الصلاة في شهر رمضان ) تعقيبا على من روى الزيادة في التطوّع في شهر
رمضان ـ زرعة عن سماعة وهما واقفيان ـ قال :
|
قال
مصنف هذا الكتاب : إنّما أوردت هذا الخبر في هذا الباب مع عدولي عنه وتركي
لاستعماله ليعلم الناظر في كتابي هذا كيف يُروَى ومن رواه ، وليعلم من اعتقادي
فيه أنّي لا أرى بأسا باستعماله .
|
وعليه فالشيخ ; يأخذ بالخبر
الضعيف لا الموضوع ، لأن الاخير ساقط بنظره ومتروك لسقوط راويه ، وإن كان منهج
القدماء يدعوه للاخذ به ، لأن الاصل في
__________________
الأخبار عندهم صحة
المضمون لا السند ، وما اتى به صحيح المضمون بلا خلاف ، لكنه ترك ذلك لاعتقاده
بوضع المفوضة لها.
وكون روايات
المفوضة موضوعة حسب اعتقاده لا يلزم منه عدم تجويز الإتيان بها لا على نحو الجزئية.
السابعة
: ممّا لا شـكّ فيه
أنّ المفوّضة والغلاة من شرّ خلق اللّه ، لكنّ مجرّد عمل المفوّضة بشيء لا يمكن
اعتباره معيارا للترك وأنّه من الباطل ؛ فقد يكون لدى المفوّضة أدلّة على شرعية ما
يفعلونه غير تلك الأخبار الموضوعة التي قصدها الشيخ ; ؛ لاحتمال أنّه وقف عليها فقط ولم يقف على غيرها مما هو
غير موضوع ، ويكون مثالهم في الشهادة الثالثة نظير العامّة القائلين بالحيعلتين
الاُوليين ، المتطابقتين مع المرويّ عندنا في الأذان الصحيح وإن كان رواتهما
بنظرنا غير ثقات ، فهل يمكننا أن نقول بتركهما لموافقتها للعامة؟ إنّ هذا قول عجيب
، ولا يقول به أحد منّا.
لكنّ الأمر لم يكن
كذلك ، وذلك فيما نعتقد لعدم وجود روايات دالّة على الجزئية في الأذان ، نعم هناك
شواذ اخبار وعمومات يمكن القول من خلالها برجحان الشهادة بالولاية كما جاء في حسنة
ابن أبي عمير ومرسلة الاحتجاج : «
من قال محمد رسول اللّه فليقل علي أمير المؤمنين » وخصوصا لو دمج ذلك مع سيرة المتشرّعة قبل ولادة الشيخ
الصدوق ، وأنّهم كانوا يأتون بصيغ مختلفة دالّة على الولاية في أذانهم تصريحا أو
تلميحا ، واقرار الإمام الحجة لفعلهم وعدم ورود نهي عنه في ذلك ، فكلّ هذا يدعونا
للقول بعدم الضير بالإتيان بها في الأذان ، بشرط أن لا تكون على نحو الجزئية ، ـ
كما كان معمولاً عليه في عهد الأئمة ـ وهذا ما كان يلحظ في عمل أصحابنا ، والذي يدلّ عليه ويؤكّده
كلام
__________________
كُلٍّ من الأئمّة
: الكاظم ، والرضا ، والهادي :.
وهنا يمكن القول
بأنّ ذهابنا إلى رجحان الشهادة بالولاية في الأذان ومن دون اعتقاد الجزئية إنّما
هو لتلك العمومات وما جاء تلميحا واشارة لا لما رواه المفوّضة ، فلا تأتي شبهة
العمل بأخبارهم الباطلة لعنهم اللّه.
الثامنة
: إنّ إتيان الشـيخ
الصدوق بصيغ الزيدية والإسماعيلية وبعض الإماميّة ـ ضمن هجومه على المفوّضة ـ « المدلسون انفسهم في
جملتنا » لا يعني أنّه ; كان يعتقد بأنّ
هؤلاء كانوا يأتون بها استنادا لأخبار المفوّضة الموضوعة ، بل كانوا يتداولونها
لما عندهم من العمومات ، يوضّح ذلك أنّه لم يلعن غير المفوّضة.
فالزيدية كانوا
يقـولون بها بعد الحيعلة الثالثة ـ قبل ولادة الصدوق ـ بصيغة « محمد وعلي خير البشر
» ، ولم نجد في كلّ كلمات الصدوق أنّه لعنهم لذلك.
والإسماعيلية
كانوا يأتون بها بصـيغة : «
محمد وال محمد خير البرية » ، ولم يلعنهم لذلك أو يذمّهم.
والإمامية رعاية
للتـرتيب الملحوظ في جميع الروايات الصادرة عن أهل البيت قالوها بعد الشهادة
بالنبوة لرسول اللّه.
لكن الشيخ الصدوق ; تسـامح في عبارته
، فتصوّر الكثيرون بأنّ جميع هذه الصيغ تقال بعد الشهادة بالنبوة فقط ، وهي
للمفوضة الملعونة! ، ولا يقول بها غيرهم ، وأنّ مستندها فقط الأخبار الموضوعة ، في
حين أن صيغتين منها تقال بعد
__________________
الحيعلة الثالثة
وهي للزيدية والإسماعيلية ، أما الصيغة الثالثة فتقال بعد الشهادة الثانية ، وهي
للإمامية الاثني عشرية ، فعدم تحديد الشيخ الصدوق لأماكن ورودها ومن يقولها ، هو
تسامح منه ;.
التاسعة
: احتمل بعض
الأفاضل أنّ عدم ارتضاء الصدوق ; للشهادة الثالثة يرجع إلى معارضتها لرواية أبي بكر الحضرمي
وكليب الأسدي ، والتي ليس فيها الشهاده بالولاية.
لكنّ هذا الاحتمال
مردودٌ بأنّ رواية الحضرمي والأسدي لا تقوى على المعارضة ؛ لأنّ فيها تربيع
التكبير في الإقامة ، ووجود «
لا إله إلاّ اللّه » مرتين في آخرها ، وهو مما لا تعمل به الإمامية باتّفاقٍ ، فكيف يريد الشيخ
الصدوق قدسسره أن يعتمدها مع أنّها رواية شاذة تخالف المعمول به عند الإمامية
قاطبة؟! ويعتبرها معارضة للاخبار الشاذّة الاخرى التي حكاها الشيخ الطوسي والتي
فيها الشهادة بالولاية لعلي.
فلو كانت تلك
الأخبار في الشـهادة الثالثة شاذّة ، فهذه هي الاُخرى شاذة بل متروكة ، فكيف يعتمد
الشيخ هذه ويترك تلك؟!
إِلاّ أن نقول بما
قاله هو عن تلك الأخبار من أنّها من وضع المفوّضـة ، وفيه جواب ما احتمله البعض من
وجود التعارض ، بل الأمر عند الصدوق هو وجود اخبار لها قابلية التصحيح وأخبار
موضوعة في ماهية الأذان ، مع الاشارة إلى أنّه ; كان يعمل بالأخبار الشاذّة ، وإنّ طعنه في تلك الروايات لا
لشذوذها بل لوضع المفوّضة لها ودعواهم بجزئيتها ، لقوله ; : « والمفوّضة لعنهم
اللّه قد وضعوا أخبارا » ، وهو مثل قول الإمام الصادق : « المغيرة بن سعيد لعنه اللّه دسّ في كتب
أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي » أو « كان المغيرة بن سعيد
يتعمّد
__________________
الكذب
على أبي » ، فسبب لعن الإمام ولعن الصدوق هما لأمر واحد ، وهو وضع
الأحاديث على لسان الأئمّة لا لشي آخر. وعليه فإن الاخبار التي ليس فيها الشهادة
بالولاية لا تعني حرمة الإتيان بها بل تنفي جزئيتها ليس إلاّ.
هذا وباعتقادي أنّ
تفريق الشيخ التستري في ( النجعة في شرح اللمعة ) بين الأذان
والإقامة غير صحيح لإمكان إطلاقها على الإقامة كذلك في لسان الأئمة والفقهاء. هذا
أوّلاً.
وثانيا : احتملنا
سابقاً إنّ رواية الحضرمي صدرت عنه تقيّةً ، فلا وجه لهذا الاحتمال.
وثالثا : إنّ
الشهادة بالولاية ـ لا على نحو الجزئية ـ كانت سيرة لمجموعة كبيرة من المتشرعة ولم
تكن لمجموعة صغيرة من هذا المذهب أو ذاك ، بل هي عمل لسيرة متشرّعة ، على اختلاف
اعتقاداتهم واماكن تواجدهم ـ إن أمنوا مكر السلطان ـ : زيدية ، إسماعيلية ، إمامية
اثني عشرية ، فمنهم في بغداد ، وآخر في القاهرة ، وثالث في حمص ، ورابع في الريّ ،
وخامس في شمال العراق ، فإنّ دعوى الوضع لعمل قطاعات كثيرة من الشيعة ، وفي بلدان
مختلفة بعيدةٌ جدّا.
فالشيخ لا يريد
اتّهام الجميع بالتفويض أو الغلوّ ، بل كان يتهم فقط الذين
__________________
يوجبون الاتيان
بها على نحو الشطرية ؛ راو ين في ذلك روايات مكذوبة عن المعصومين.
العاشرة
: ذكرنا سابقا بعض
موارد الاختلاف بين القميّين والبغداديّين في الأُصول الرجالية والعقائدية ، وكذا
تخالف منهج المحدّثين مع منهج المتكلّمين والفقهاء ، فلا نرى شيخنا الصدوق ـ في
مجاميعه الحديثية ـ يتهجّم على أحد أو مجموعة كما تهجّم في مبحث الشهادة الثالثة ،
فهو ; مُتَّزِنُ القلم ، ورقيق التعبير ، متين رصين في كلامه ، فلم أقف على كلمة « لعنهم اللّه » أو «
أخزاهم اللّه » أو « خذلهم
اللّه » وأمثالها عند
بياناته الاُخرى ، بل وقفت على ترحّمه على من لم يلتقِ معهم في المذهب ، وذلك دليل
على رزانته ومتانته ومرونته وتسامحه وبعده عن العصبية.
وبعد هذا فليس لي
أن أخـرج عبارته هنا إلاّ من خلال محمل التقية ، أو أنّه عنى الّذين يأتون
بالشهادة الثالثة على نحو الجزئية اعتمادا على الأحاديث الموضوعة ، ولا ثالث في
البين غير هذين الاحتمالين ؛ لأنّ وصف جميع الشيعة القائلين بالشهادة الثالثة
باللعنة مستحيل ، خصوصا ونحن نراه يروي روايات يمكن الاستدلال بها على محبوبية
الشهادة الثالثة في أماكن أخرى من مجاميعه الحديثية ؛ ولسنا بعيدين عمّا رواه ; بسند معتبر في
الأمالي عن الإمام الصادق بأنّ اللّه نوّه باسم عليّ في سماواته .
ومن المعلوم عند
الجميع أنّ كلام المعصوم [ الصادق ] ـ في الأمالي مثلاً ـ يقدَّم على غيره ، وأنّ
نقله عن الإمام مقدّم على اجتهاده ، وبذلك يكون مقتضى القاعدة في تفسير خبر
الأمالي استمرارية الشهادة بالولاية في الأرض كذلك ، ويؤ يد ذلك ما رواه الكليني
قدسسره في الموثّق أنّ اللّه أمر مناديا ينادي بالشهادات الثلاث لمّا خلق
__________________
السماوات والأرض .
وبعد هذا فلا
أستبعد صدور نص الفقيه عنه إمّا تقيّة ـ وهو الجازم بلزوم العمل بها حتى ظهور
القائم 7 ـ وإمّا ردّا على وضع المفوّضة فيما يعتقد هو انهم وضعوها ، ويشهد لذلك
اضطراب عبارته ; ، فمرّة قال : « والمفوضة لعنهم اللّه » وبعد أسطر قال مرّة اُخرى « والمتهمون بالتفو يض » ، وكلّ هذا وغيره يرجّح احتمال أنّه عنى باللّعن القائلين
بالجزئية اعتمادا على الأخبار التي يعتقد هو أنّها موضوعة ، لا عموم القائلين بها
ـ من الأدلّة العامّة ـ كما سيتّضح أكثر بعد قليل.
الحادية
عشر : مرّ عليك قبل قليل
أنّ الشـيخ الصدوق بعد إخباره بأنّ الشهادة الثالثة من وضع المفوضة عاد وقال عنهم
: «
المتّهمون بالتفويض » ، فنتساءل : هل هم من المفوّضة بضرس قاطع ، أم هم من « المتّهمين بالتفو يض
المدلّسين أنفسهم في جملتنا »؟
إنّ الشيخ الصدوق ; لمّا لم يمكنه
إثبات كونهم من المفوّضة يقينا ، عاد واحتاط في كلامه فقال « المتهمون بالتفويض » ، وهذا يؤكّد عدم جزمه بأ نّهم من المفوّضة ، وأنّ ما قاله
هو مدركي اجتهادي يمكن الخدش فيه لا حِسِّيٌّ غير قابل للردّ.
بل لا يبعد أن
يتولّد لدينا اعتقاد راسخ بأنّ الشيخ الصدوق قد قسّم القائلين بالشهادة الثالثة
إلى قسمين :
القسم
الأول : هم من قال عنهم :
«
والمفوّضة لعنهم اللّه قد وضعوا أخبارا وزادوا في الأذان ... ».
والقسم
الثاني : هم من قال عنهم :
« وإنّما
ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتّهمون بالتفويض ».
__________________
وحاصل ذلك أنّ
الذي يأتي بما يدلّ على رجحان الشهادة بالولاية ليس مفوّضا على الحقيقة بل هو
متّهم بالتفو يض ؛ آية ذلك أنّه لم يلعنه ، وهذا هو الصحيح ؛ لأنّ من يستحقّ اللعن
هو الّذي يضع حديثا لتلك الزيادة ، لا لمجرّد الزيادة مع احتمال قيام أدلّة
الاقتران والشعارية على إثباتها ؛ وفي مجموع كلمتيه إشارة واضحة لهذه المسألة ، وقد
يُتَصوّر من كلمة «
المدلسين » أنّ الشيخ الصدوق
; اُبتلي ببعض المتسلّلين إلى جماعة الشيعة من غيرهم ، وكانوا يقومون بما يشوّه
السمعة عند الأكثرين ، فأراد ; التخلّص منهم ، وليس حديثه عن الشيعة المعتقدين الذين
يلتزمون بالولاية بحسن قصد.
وعليه ، فالصدوق ; شأنه شأن باقي
علماء الاُمّة سنة وشيعة ؛ قد يفتي بشيء اعتقادا منه أنّه شرعي ومجاز من خلال
العمومات وادلّة اقتران ذكر الولاية بالنبوة ، في حين أنّه هو لا يرتضي الافتاء
إذا كان مستندها ليس مشروعا ، كالحديث الموضوع مثلاً.
والشيخ ; اورد رواية
التطوع في الزيادة في التطوع في الصلاة في شهر رمضان مع عدوله عنه وتركه لاستعماله
إلى اخر كلامه ; لأ نّه حديث ضعيف وليس بموضوع.
وعليه : أنّ الجزم
بالوضع متفرّع على الجزم بالتفو يض عنده ، ولمّا لم يمكن الجزم بالتفو يض فلا يمكن
الجزم بالوضع كذلك. وهذا من قبيل الحكم بالوضع ـ من قبل العامة ـ على رواية صحيحة
لمجرّد شبهة الرفض فضلاً عن الجزم به ، فلربّما ـ وهو احتمال قائم في معترك البحث
في هذه المسألة ـ حَكَمَ الشيخ الصدوق بوضع الأخبار لمجرّد تهمة التفويض ؛ وهذا هو
شان القميّين وتسرعهم في بت الاحكام ؛ فهم طردوا البرقي لمجرّد التهمة وبلا دليل.
لكن قد يقال :
بأنّ هذا الكلام صحيح فيما لو جزمنا بتلك الملازمة في كلمات الشيخ الصدوق ، لكن
دون ذلك خرط القتاد.
أمّا أولاً : فلأن الشيخ قسّم القائلين بالشهادة الثالثة إلى قسمين ، والقسم
الثاني ينافي الملازمة ؛ فمجرّد الزيادة لا تعني الوضع كما لا تعني التفو يض
واستحقاق اللعن.
وأمّا
ثانيا : فلا يتّجـه القول
بأنّ تشدّد القميّين يستدعي الحكم بالوضع والتفو يض واستحقاق اللعن مع احتمال
التقيّة.
وبذلك فالخدش
والضعف ليس في الإسناد ، بل لرواية المفوّضة الساقطة تماما وعملهم بذلك ، وإنّك قد
عرفت ـ وستعرف أكثر من ذلك بعد قليل ـ بأنّ الشهادة بالولاية في الأذان بعنوانها
الذكر المحبوب ولمطلق القربة العامّ لم تكن من وضع المفوّضة ، بل كانت عند جميع
المذاهب الشيعية ، وهي مأخوذة من الأدلة العامة ، وقد عمل بها ـ بالنظر لذلك بعض
الخاصة ، وقال الشيخ الطوسي بعدم اثم فاعلها ـ وإن كانوا قد تركوها في بعض العصور
جريا مع ظروف عايشوها.
الثانية
عشر : إنّ علماء بغداد
وغيرهم اتّهموا الشـيخ الصدوق ومشايخه من أهل قمّ بالتقصير في أمر الأئمّة ، وأنّهم
لا يدركون مكانتهم : كما هي ، ولذلك كتب الشيخ المفيد كتابا في تصحيح عقائد
الصدوق كما قيل.
ونحن لا نوافق
البغداديين فيما اتّهـموا به أهل قمّ بهذه البساطة ، لأنّ في « الفقيه » وغيره من كتب الصدوق وسائر كتب القميّين ما يدلّ على
ارتفاع مستواهم المعرفي ورقيّ مرتبتهم العقائدية في المعصومين سلام اللّه عليهم ،
وكُلُّ ما قالوه كان خوفا من دخول روايات المفوّضة والغلاة ضمن أصولنا الحديثية.
فالصدوق ; هو صدوق هذه
الأمّة وثقة وعدل ، ويجب الأخذ بكلامه في مواطن الأخذ واعتباره في مواطن الاعتبار
، لكنّه فيما عدا ذلك فهو قدسسره ليس بمعصوم ، وما يقوله لا يلزم الفقهاء من أهل
الفتوى عبر الأزمان ، نعم هو محدث وفقيه وأمين على ودائع بيت النبوة ، وناشر
لعلمهم ، وليس في كلامه ما يلزم
الآخرين من
المجتهدين من معاصريه ومن غيرهم التعبد به بنحو مطلق.
ونحن قد توصلنا
وفق الصفحات السابقة إلى أنّ الشيخ الصدوق لا يقصد بكلامه القائلين بالشهادة
الثالثة من باب القربة المطلقة ، بل يقصد القائلين بالجزئية ، وعلى أسوأ التقادير
لسنا ملزمين بالأخذ بقوله ; إذا قصد القائلين بالشهادة الثالثة من باب القربة المطلقة
، لكنّ هذا الاحتمال غير ممكن في حقّ الشيخ الصدوق ؛ إذ هو قدسسره ـ بالنظر
للعمومات ـ قد جزم بأنّ عليّا وليّ اللّه حقّا ، وروى روايات كثيرة في ذلك ، وهذا
غاية ما يقال في هذه المسألة.
الثالثة
عشر : إنّ الشيخ الصدوق
كان يعتقد بصحّة بعض أقسام التفويض ، كالتفو يض في التشريع من النبي 6.
قال الشيخ المجلسي
في البحار بعد نقله لكلام الصدوق في صفة وضوء رسول اللّه :
«
ولعلّ الصدوق إنّما نفى المعنى الأوّل ـ من المعاني التي قيلت في التفو يض ـ حيث
قال في الفقـيه : وقد فوض اللّه سبحانه إلى نبيّه أمر دينه ولم يفوض إليه تعدّي
حدوده. وأيضا هو ; قد روى كثيرا من
أخبار التفو يض في كتبه ولم يتعرّض لتأو يلها » .
وقال الصدوق في
كتابه الاعتقادات : وقد فوّض اللّه إلى نبـيّه أمر دينه ؛ فقال عزّ وجل ( وَمَآ اَتَاكُمُ
الرَّسُوُل فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ ) ، وقد فوض ذلك إلى الأئمّة .
وفي الفقيه : قال
زرارة بن أعين : قال أبو جعفـر [ الباقر ] 7 : كان الذي فرض
__________________
اللّه على العباد
عشر ركعات ، وفيهن القراءة وليس فيهن وَهَمٌ ـ يعني السهو ـ فزاد رسول اللّه سبعا
، وفيهنّ السـهو وليس فيهنّ القراءة .
إنّ اعتقاد الصدوق
ببعض أقسام التفويض ، وكونه عنده وعند غيره على قسمين : تفو يض مشروع ، وتفو يض
محرّم ، يرشدنا إلى لزوم دراسة موضوع التفو يض أكثر ممّا مضى ، وما الذي يعنيه
الصدوق من التفويض وهل حقّا إنّه يرتبط بالشهادة الثالثة؟ فلو كانت الشهادة
بالولاية في معناها العام من التفو يض ، كان علينا القول بأنّ جميع فقهاء الإمامية
ومنهم الشيخ الصدوق من المفوّضة أو الغلاة ، وهذا ما لا يجرؤُ على قوله أحد بل هو
مستحيل منطقيا.
وأن رواية الشيخ
الصدوق لأخبارٍ دالّة على وجود الشـهادة بالولاية بعد تكبيرة الإحرام ، وحين دعاء
التوجّه إلى الصلاة ، وفي قنوت الصلاة ، وفي التشهد ، وفي تعقيبات صلاة الزوال ، كلها تؤكّد
بأنّ الشهادة الثالثة من الذكر المحبوب الوارد في الشريعة ، وهو يدعونا أن نحتمل
مرة أخرى علاوة على ما سبق أن نصّ الفقيه في الأذان قد صدر عنه تقيةً ، أو أنّه
عنى المفوضة بالخصوص لزيادتهم أخبارا موضوعة دالّة على وجوبها. بل قد يكون مجموع الأمرين
في بعض الأحيان ؛ لشهادة الشيخ بأنه والمذهب يعيشان ظروف التقية حتّى ظهور القائم
، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى كان يرى قدسسره ـ وهذا هو الحقّ ـ الوقوف بوجه
الكذّابين الوضّاعين الذين يريدون تشويه صورة المذهب وحقيقته من خلال الأذان وغيره.
__________________
ويقوى احتمال
التقية حينما تقف على أخذه الرواية عن كثير من أعلام العامّة وقراءته عليهم بعض
رواياته متجنّباً مشايخه من الشيعة ، فقد شدّ الرحال إلى مختلف الحواضر العلمية
آنذاك كبغداد ، والكوفة ، والريّ ، وخراسان ، ونيسابور ، ومرو الروذ ، وهمذان ، واستراباد
، وجرجان ومكة ، والمدينة ، لتحمّل الحديث عنهم.
وقد خرج بالفعل
إلى ما وراء النهر ومرّ بـ «
سمرقند » ، وسمع بها من
أبي أسد ، وعبد الصمد بن عبد الشهيد ، وعبدوس بن علي الجرجاني في سنة ٣٦٨ هـ ، و « ايلاق » ، وسمع فيها من أبي نصر محمد بن الحسن الكرخي الكاتب ، وأبي
الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري في سنة ٣٦٨ هـ ، و « فرغانة » ، وسمع فيها من أبي أحمد ، محمد بن جعفر بن بندار الشافعي
، وتميم بن عبد اللّه بن تميم القرشي ، وغيرهما.
وكان بين مشايخه
ومن روى عنهم من النواصب ، فقد روى الصدوق عن أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد
الضبيّ ، أبي نصر في كتاب العلل ، والمعاني ، والعيون ، وقال فيه : ما لقيت انصب
منه ، وبلغ من نصبه أنّه كان يقول : « اللهم صل على محمد » فردا ، ويمتنع من الصلاة على آله .
وقد كتب كتابه « من لا يحضره الفقيه
» في بلخ ، وقد أحصى
المحدّث
__________________
النوري في خاتمة
مستدركه أسماء مشايخه ، وقد تجاوز عددهم عن المائتين .
وفي مثل تلك
الظروف والرحلات والمشاهدات ، نستطيع استقراب أن تكون جملته الأخيرة : « وإنما ذكرت لتُعرف
ذلك بهذه الز يـادة المتهمون بالتفو يض المدلّسون أنفسهم في جملتنا » قيلت تقيةً ، لأن الشيخ كان يرى بعض الشيعة يجهرون
بالشهادة الثالثة ، وهو ما لا يرتضيه غالب العامّة ، وهم الأغلبية في جميع البلدان
، فأراد الشيخ بجملته السابقة الحفاظ على أرواح البقية الباقية منهم ، من خلال
البراءة من القائلين بالشهادة الثالثة ونفي هذا القول من جملة الشيعة ظاهرا ، وقد
مرّ تنبيهنا على أنّ الشيخ الصدوق قد لوّح في عبارته في الفقيه إلى وجود قسمين
يشهدون بالشهادة الثالثة ، فقسم مفوّضة ملعونون بسبب الوضع ، وقسم ثان غير وضّاعين
بل متّهمون فقط ، ولا معنى لذلك من هذه الجهة غير التقية على الأرجح.
الرابعة
عشر : إنّ رواة خبر
الشـهادة الثالثة في المعراج ، وكون اسم عليّ 7 مكتوبا على ساق العرش ، وأنّ نوره 7 كان مع الأنوار ،
وأنّ اللّه أخذ الميثاق على ولايته في عالم الذرّ ، وما يماثلها من الروايات ، كان
راووها وناقلوها يعتقدون برجحانها ، ويأتون بها في أذانهم لوحدة الملاك الملحوظ
بينها وبين الأذان وهو دليل الشعارية الذي استند عليه بعض الفقهاء ، لكنّ الشيخ
الصدوق ; وغيره من المنكرين لفعل المفوّضة ، اكتفوا بالاتّهام دون بيان أدلّتهم ، مع أنّهم
كانوا في مقام الاستدلال ، فلو صحّ اتّهام التفو يض كان عليهم أن يأتوا باسم راوٍ
واحد من المفوّضة كان يؤذّن بهذا الأذان. نعم قد يقال بأنّ الشيخ قالها عن حسٍّ
وهو كاف في الجواب عن هذا ، وهذا لم يثبت ؛ لاعتماده كثيرا على اقوال مشايخه والذي
اثبت التحقيق خطائهم في بعض القرارات هذا من جهة.
__________________
ومن
جهة اُخرى : من المعـلوم
درائيا عند جميع المسلمين ـ وخصوصا عند العامّة ـ أنّ الجرح لا قيمة له إذا عارض
التعديل إلاّ إذا كان جرحا مفسّرا ، وذلك ببيان ملابسات الخبر.
وطبق هذه القاعدة
الدرائية نقول : إنّ الشيخ الصدوق اتّهم رواة الشهادة الثالثة بالتفو يض ، وهو جرح
مجمل غير مفسّر ، لتعدد معاني التفويض ـ عنده ـ ولعدم ثبوت كون هذا الفعل هو عمل
المفوضة الغلاة. وبما أنّه غير مفسّر فلنا ترك ما قاله شيخنا الصدوق ; ، لأ نّه مبنيّ
على اجتهاد تفرّد به وحده وهو مجمل غير مفسّر ، ولأنّ شهادته ; لا تكون بالنسبة
لنا عن حسٍّ في مثل هذه الموارد ، لأ نّنا لا نعلم كيفيّة وصوله إلى تلك القناعة ،
وهل قالها لِما رآه وعرفه ، أم اتّباعا لمشايخه المحدّثين وعلى رأسهم ابن الوليد؟
فلو كان الثاني فقد قال بهذا القول بدون فحص ودليل بل تقليدا لشيخه الثقة ، والذي
صرّح مرارا بأ نّه لا يتعدّى كلامهم.
وبذلك فتكون
شهادته حدسية لا حسية ، فلا تكون حجّة علينا ، وخصوصا مع تشدّد ابن الوليد وباقي مشايخه
، وكذلك إذا تأكّد لدينا أنّه مقلّد لمشايخه في الصحيح والضعيف ، وهذا ما رأيناه
في كثير من الأمور ، منها ما مر عليك في « منهج القمّيين والبغداديين » من اتّباعه لابن الوليد في القول بأنّ محمد بن موسى
الهمداني هو الذي وضع أصل زيد الزرّاد وزيد النرسي ، فقد يكون الشيخ الصدوق هنا قد
اعتمد على مقولة هؤلاء المشايخ واتّهم القائلين بالشهادة بالولاية بالوضع.
أمّا لو قلنا بأ
نّه ; عنى القائلين بالجزئية ـ الواضعين حديثا في ذلك ـ فكلامه صحيح.
إن الشيخ الصـدوق
اتُّهم بالتقصير لقوله : بأنّ من لم يقل بسهو النبي فهو من الغلاة ، أو قوله بأنّ
من قال بأنّ للنبيّ 6 الزيادة في العبادات فهو من الغلاة ، في حين لم نر أحدا من
علماء الشيعة يوافقه في كلامه ، وقد اعترضوا على اعتقاده.
وقد حكى بعض
المعاصرين عن الشيخ الصدوق انه لم يقل بجزئية الصلاة على النبي وآله في التشهّد ، لأ
نّه لم يروِ في الفقيه في باب «
التشهد وآدابه وأدعيته » ما يدل على ذلك ، خلافا لغالب المذاهب الإسلامية القائلين
بجزئيّتها.
لكنا لا نقبل هذا
الكلام ، لأمور :
أوّلاً
: لأنّ الشيخ ; لم يعتمد تلك
الرواية ؛ لقوله ; : «
وروي عن زرارة » وهو يؤكّد عدم اعتماده عليها.
وثانيا
: لأنّ وجود جملة « سلام على الأئمّة
الراشدين المهديين » هو معنى آخر للصلاة على النبيّ وآله.
وثالثا
: لأنّ الشيخ روى
في كتاب الصوم « باب
الفطـرة » عن حماد بن عيسى
، عن حريز ، عن أبي بصير وزرارة ، قالا : قال أبو عبد اللّه : كما أنّ الصلاة على
النبيّ من تمام الصلاة ... ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي وآله ... وهو يعني جزئيتها
، لكنه اتى بها في غير بابها.
والحاصل
: فمن يقف على
تاريخ الشيعة وما لاقوه من الخلفاء يعرف جواب كثير من الملابسات دون أدنى تأمل ، إذ
أنّ المقتضي كان موجودا للتأذين بالشهادة الثالثة ، لكن المانع هو الآخر كان
موجودا ، نعم لا دليل على امكان اعتبارها جزءا ومن أصل الأذان ، لأنّ الأذان أمرٌ
توقيفيّ ، فلا تجوز الزيادة فيه أو النقصان منه.
الخامسة
عشر : المشهور شهرة
عظيمة عند الطائفة عدم اعتقاد جزئية الشهادة الثالثة ولا أنّها من فصول الأذان ، لكن
هذا لا يعني عدم جواز الإتيان بها من باب التيمّن والتبّرك ، ومن باب رجاء
المطلوبية ، والمحبوبية النفسية ، والقربة المطلقة
__________________
وغير ذلك ، فلماذا
ينسب إلى الشيخ الصدوق ; بأ نّه يتّهم جميع القائلين بها بالتفويض والبدعة ، مع
احتمال أن يكونوا قد أتوا بها من باب القربة المطلقة ولمحبوبيتها الذاتية ، وخصوصا
حينما وقفَ الشيخ الصدوق نفسه على اختلاف الصيغ فيها ، وأماكن ورودها ، تارة بعد
الحيعلة الثالثة ، واُخرى بعد الشهادة الثانية.
ولماذا يريد البعض
أن يستفيد من كلام الشيخ الصدوق الحرمة ولا يحتمل قوله ; بالجواز حسبما
وضحناه في النقاط السابقة.
إنّ اختلاف
العبارات يؤكّد أنّهم كانوا لا يأتون بها على نحو الشطرية ، وبذلك فلا يتصوّر في
الأمر إلاّ احتمالان : أحدهما أنّه عنى المفوّضة الذين قالوا بجزئيتها فقط لقوله «وذلك ليس من اصل
الأذان» ، أو أنّه ; قالها تقيّةً
للحفاظ على البقية الباقية من الشيعة ، لا بالمعنى المعروف عن التقيّة وهو موافقة
العامة ، بل بالمعنى الذي قاله صاحب الحدائق في المقدّمة الأولى من كتابه ، أي أنّ
التقية قد تكون من الشيعة حتى لا يجتمع رأيهم على شيء واحد ، ولكي يسخفهم ويسحقهم
الحكام ، وبه سيبقى التشيّع سالما من كلّ محاولات اغتياله.
السادسة
عشر : يمكن لقائلٍ أن
يقول على سبيل البحث والإلمام بأطرافه : إنّ المراجع لكتاب ( حجـية الإجماع )
للشيخ أسد اللّه الدزفولي وفي آخر كتاب ( الأنوار النعمانية ) للسيد نعمة اللّه
الجزائري ، وكتاب ( التنبيه على غرائب الفقيه ) للصيمري ، وغيرها ، يقف على مسائل
كثيرة أخطأ الصدوق ; في استنباطها ، فهو لا يختلف عن غيره من الفقهاء
والمحدّثين ، قد يخطأ وقد يصيب ، وقد يعدل عما أفتى به ، فالعلماء يقبلون بروايته
ولا يقبلون باجتهاده ودرايته ، خصوصا إن خالف المتواتر والسيرة القطعية وما عليه
دليل من الكتاب والسنة.
__________________
فما قاله الشـيخ
الصدوق «
والمفوّضة لعنهم اللّه قد وضعوا ... » ليس من البديهيات الشرعية ، والمسلّمات الإسلامية حتى
يلزمنا القبول به ، بل إنّه من النظريات القابلة للقبول والرد.
قال الشيخ
عبدالنبي العراقي بعد أن ذكر إعراض الصدوق عمّا ذكره من الأخبار : لم يقل أحد من
الإمامية ، حجيّة الخبر هو عمل الصدوق أو عدم ارتضائه ، فليس لعمله ولا لإعراضه
دخل في مسألة حجية الخبر الواحد ، على مسالكهم العديدة ، فإنَّ له فتاوى نادرة
كثيرة لم يوافقه أحد من الفقهاء فيها .
وخصوصا حينما ترى
غالب الفقهاء يقولون بجواز الإتيان بها إن لم تكن على نحو الجزئيه ، وقد جرت
سيرتهم على ذلك من قديم الزمان إلى يومنا هذا.
هذا ، وقد مرّ
عليك أنّ علماء بغداد كانوا لا يرتضون بعض اعتقادات الشـيخ الصدوق ; ومقرّرات شيوخه
من أهل قمّ لاختلاف مباني الطرفين ، فقد طعن ابن الغضائري على الصدوق وشيخه
لطعنهما في أصلي زيد الزراد وزيد النرسي ، وقولهما بأنّ أصليهما موضوعان من قبل
محمد بن موسى الهمداني .
وكذا النجاشي ، فقد
روى عن شـيخه أبي العباس بن نوح طعنه في الصدوق ؛ لاستثنائه روايات محمد بن أحمد
الأشعري من روايات محمد ابن عيسى بن عبيد ، تبعا لشيخه محمد بن الحسن بن الوليد .
ولو أحببت الوقوف
على المزيـد من تخطئات العلماء للصدوق فراجع الكتابين الآنفي الذكر ، وكتاب (
الهداية ) للشيخ عبدالنبي العراقي ، وكلمات
__________________
الشهيدين الأول ، والثاني ، والمحقق الكركي
، وابن فهد الحلي ، والسبزواري ، والفاضل الهندي ، وصاحب الحدائق ، وصاحب الجواهر ، وصاحب الرياض ، وغيرهم.
ما نريد قوله هنا
: هو أنّ الكلمات الآنفة لا تقتضـي طعنا في الصدوق ; ولا في علمه ، لأنّ الكثير من العلماء قد يسوقهم اجتهادهم
الى الخطأ ، غاية ما في الأمر أنّ على الباحث أن لا يتناسى كلّ ما له علاقة بالبحث
حتى يكون موضوعيا ، وبالتالي فهذه النقطة تؤخذ بنظر الاعتبار للوقوف على نزعة
الصدوق ; في الفتوى وفي الأخبار ، لاحتمال أنّ لها دخلاً علميا في مناقشة ما نحن بصدده
، وهذا ما تقتضيه أمانة البحث العلمي ، ومهما كان الأمر فالملاحظ أنّ أغلب علماء
الطائفة ـ إن لم نقل كلّهم ـ قد خالفوه في تلك المسائل ، وهو ممّا يؤكد بأ نّه
كغيره من المجتهـدين يخطئُ ويصيب ، وليس في قوله ما يلزم الآخرين.
السابعة
عشر : لا ملازمة بين
التـأذين بالشهادة الثالثة والتفويض ، كما أنّ إجهار العامة بالشهادتين والحيعلتين
في الأذان لا يدلّ على أنّها من وضعهم ، فقول المفوّضة بالشهادة الثالثة ليس
دليلاً على أنّه قد شرّع من قبلهم ، فقد يكونون محقيّن في هذه المفردة ، وآخذِين
بأمر شرعي ورد فيه الدليل ـ غير
__________________
الأخبار الموضوعة
التي عناها الصدوق ؛ إن سُلِّمَ أنّها من وضعهم ـ كالعمومات الدالة على محبوبيتها
الذاتية العامة ، ولا يمكننا ترك عمل مشروعٍ لمجرّد عمل المفوضة أو العامة به ـ أو
وضعها أخبارا فيه ـ وبذلك يكون المعمول به هو أمر شرعي استُقي من النصّ ، والمفوّضة
والعامّة ليسوا إلا عاملين به.
ولا يدفعنا هذا
الاحتمال لتوهّم اعتماد أخبار المفوّضة لعنهم اللّه في الشهادة الثالثة ؛ إذ لا
يسوغ شرعا الاعتماد عليهم في شيء ، كلُّ ما في الأمر هو أنّ الشيخ الطوسي قدسسره
وصف تلك الأخبار بالشذوذ ، وليس الوضع كما جزم الصدوق قدسسره بذلك ، ومعنى الشاذ
ان للخبر قابلية ان يكون صحيحا ، وهذا يفتح بابا شرعيا لاحتمال أنّ يكون بعض ما
عند المفوّضة ليس من وضعهم بل مستقىً عن غيرهم.
وقد أثبتنا سابقا
بأنّ الشـهادة بالولاية بمعناها الكنائيّ المطويّ في فصل : « حي على خير العمل » كانت سيرة لبعض الشيعة على عهد رسول اللّه ثم من بعده ، حتى
وصل الأمر إلى آل بويه الذين كانوا يقولون بها ـ كناية أو تصريحا في بعض الأحيان ـ
ولا يمنعون من الجهر بها في بغداد ، والريّ ، وشمال العراق ، فنسأل شيخنا
الصدوق : هل أنّ آل بو يه ـ الذين يعرفهم جيدا ـ هم من المفوّضة؟
الجواب قطعا يأتي
بالنفي ، وهو يقوّي ما احتملناه من صدور النص عن الصدوق إمّا تقية بالمعنى الذي
قاله الشيخ يوسف البحراني ، وإمّا أن يكون مقصوده المفوّضة الواضعين لتلك الأخبار
فقط ؛ لأنّ المشهور عند فقهاء الإمامية في حجيّة الخبر هو حجيّة المضمون وموافقته
للكتاب والسنة ، وهي عندهم مقدّمة على صحّة الصدور ، ويكتفون في الموافقة
بالموافقة الإجمالية للكتاب
__________________
والسنة ، وهي
حاصلة هنا.
فإذا تبيّن ذلك
نقول : بأنّ مضـمون الشهادة بالولاية مطابق لأصول المذهب ، لكونها من أُصول
الإيمان ، وأنّ الأعمال لا تقبل إلاّ بولايتهم ، وقد قررّنا سابقا بأن الأذان هو
إعلام لأُصول العقيدة من التوحيد ، والنبوة ، والإمامة بحسب أدلّة الاقتران
الماضية ، وحسنة ابن أبي عمر عن الكاظم سلام اللّه عليه الداعية إلى الحثّ عليها
، وغير ذلك من الأدلة التي حثّت على ذكر عليّ مطلقا وفي كل حال ، فنحن نأتي بها
مؤكّدين بأنّها ليست جزءً.
وبعد كلّ ذلك فلا
يمكن لأحد أن ينكر وجود الموافقة الإجمالية وحتى التفصيلية ـ في بعض الأحيان ـ
فيها ، لأنّ الروايات التي نقلناها عن الباقر ، والصادق ، والكاظم ، وحتى الرضا : عن الحيعلة
الثالثة وعلل الأذان ، كلّها نصوص تؤكّد وجود معنى الولاية في الأذان ، وقد سُمِحَ
من قِبَلِهِم : بتفسيرها كما فُسِّرت الآيات القرآنية مع شأن نزولها على
عهد الصحابة.
الثامنة
عشر : قال الصدوق في
باب معرفة الأئمّـة من كتابه ( الهداية في الأُصول والفروع ) عند حديثه عن المهدي 7 : « وهو الذي يظهر
اللّه عزّ وجلّ به دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون ، وإنّه هو الذي يفتح
اللّه عزّ وجلّ على يديه مشارق الأرض ومغاربها حتى لا يبقى في الأرض مكان إلاّ
ينادي فيه بالأذان ، ويكون الدّين كلّه للّه » ، فممّا يمكن أن
يفهم من هذه الجملة ، وبقرينة المهدي : « يقوم بأمر جديد وسنّة جديدة » أنّ الأذان في
عهده 7 سيكون غير الأذان المعمول عليه الآن ، لأنّ الشيعة آنذاك يخرجون من بوتقة
التقية ويتعاملون مع الأحكام بواقعية ، ولعلّ صلاة عيسى بن مريم خلف المهدي 7 يرشدنا إلى
إمامته في ذلك الزمان ، فقد
__________________
يكون الأذان في
ذلك الزمان مصرّحا بذكر علي 7 بغضّ النظر عن جزئيته أو مجرّد ذكره للتبرك.
فلو صحّ هذا ، يمكن
تاكيد دعوى احتمال كون الشهادة بالولاية موجودة في القرار الإلهي من بدء الخلقة
إلى آخرها في أرضها وسمائها ، وجائز الإتيان بها مع الأذان إن سنحت الظروف. اقول
بهذه النقطة على نحو الفرض والاحتمال لا القطع واليقين.
التاسعة
عشر : إنّ الشيخ الصدوق
قد عاصر تأسيس بعض الدول الشـيعية ، كالدولة العبيدية = الفاطمية في مصر ، وآل
بويه في العراق ، والحمدانية في الشام ، وقبلها الديالمة في إيران ، وإنّه قد وقف
على أعمال هذه الدول ، وسعيهم لتحكيم منهج الإمام عليّ في الأحكام وإعادة الـدين
إلى مجراه الصحيح ، وقد مرّ عليك ما عمله الداعي الكبير لمّا استقر في آمل سنة ٢٥٠
ه من الجهر بالبسملة في الصلاة ، وجعل التكبير على الميت خمسا ، مع إعادة حيّ على
خير العمل إلى الأذان الصحيح ، وموضوع الشهادة بالولاية جاء في سياق عملهم
الاصلاحي لتطبيق الشريعة ، وإليك هذا النص وما بعده عن العبيديين والحمدانيين.
نصان تاريخيان
قال محمد بن علي
بن حماد ( ت ٦٢٨ ه ) في كتابه أخبار بني عبيد = أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم : ...
وكان مما أحدث عبيداللّه [ مؤسس الدوله العبيدية المتوفىّ ٣٢٢ هـ ] أن قطع صلاة
التراويح في شهر رمضان ، وأمر بصيام يومين قبله [ للاختلاف الموجود بين النهجين في
ثبوت الهلال ] ، وقنت في صلاة
__________________
الجمعة قبل الركوع
، وجهر بالبسملة في الصلاة المكتوبة ، وأسقط من أذان صلاة الصبح « الصلاة خير من النوم
» وزاد : « حي على خير العمل »
« محمد وعلي خير البشر » ، ونصّ الأذان طول مدّة بني عبيد بعد التكبير والتشهدين : حي على الصلاة ، حي
على الفلاح مرتين ، حي على خير العمل محمد وعلي خير البشر مرتين ، لا إله إلاّ
اللّه مرة .
وكتب المقريزي عن
المعـزّ لدين اللّه : أنه لمّا دخل مصر أمر في رمضان سنة اثنتين وستين وثلاثمائة
فكتب على سائر الأماكن بمدينة مصر : « خير الناس بعد رسول اللّه أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب » .
وقال قبل ذلك عن
علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب :
وكان أوّل تأذينه بذلك في أيّام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين
وثلاثمائة ، قاله الشريف محمد بن أسعد الجوياني النسابة.
ولم يزل الأذان
بحلب يزاد فيه : «
حي على خير العمل ومحمد وعلي خير البشر » إلى أيّام نور الدين محمود ، فلمّا فتح المدرسة الكبيرة
المعروفة بالجلاو ية استدعى أبا الحسن علي بن الحسن بن محمد البلخي الحنفي إليها ،
فجاء ومعه جماعة من الفقهاء ، وألقى بها الدروس ... إلى آخر الخبر.
وجاء في زبدة
الحلب في تاريخ حلب ، لابن أبي جرادة الشهير بابن العديم المتوفى سنة ٦٦٠ ه : واستقرّ
أمر سعد الدولة بحلب وجدّد الحلبيون عمارة المسجد الجامع بحلب ، وزادوا في عمارة
الأسوار في سنة سبع وستين [ وثلاثمائة ] ، وغيّر سعد الأذان بحلب ، وزاد فيه : « حي على خير العمل
محمد
__________________
وعلي
خير البشر » ، وقيل : إنّه
فعل ذلك في سنة تسع وستين وثلاثمائة ، وقيل : ثمان وخمسين .
وقال التنوخي
المتوفَّى ٣٨٤ هـ : أخبرني أبو الفرج الاصفهاني ( المتوفَّى ٣٥٦ هـ ) ، قال : سمعت
رجلاً من القطيعة [ أو القطعية
] يؤذن : اللّه أكبر ، اللّه
أكبر ، أشهد أن لا
إله إلاّ اللّه ، أشهد أنّ محمدا رسول اللّه ، أشهد أنّ عليّا ولي اللّه ، محمّد وعلي خير البشر فمن أبى فقد كفر ، ومن رضي فقد شكر
، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، اللّه أكبر ، اللّه
أكبر ، لا إله إلاّ اللّه ....
كل هذه النصوص
تؤكد تخالف المنهجين في كثير من المفردات الفقهية وأن الأمر لم يختص بالشهاة
الثالثة ومحبوبيتها ، والحيعلة الثالثة وشرعيتها ، فالأمر أكبر من ذلك ، فخط يدعو
إلى الاصالة ، وخط يوجد فيه التحريف.
العشرون
: ثبت علميا
وتاريخيا تخالف منهج الحكام مع منهج أهل البيت في كثير من الأحكام الشرعية ، وأن
العلويين عندما كان يحكمون كانوا يسعون لتطبيق ما عرفوه عن ابائهم من سنة رسول
اللّه بالطرق الصحيحة ، وقد مر عليك قبل قليل ان عبيداللّه مؤسس الدولة الفاطمية
أمر بقطع صلاة التراويح في شهر رمضان وأمر بالجهر بالبسملة في الصلاة المكتوبة ، والقنوت
في صلاة الجمعة قبل الركوع واسقط من اذان الصبح الصلاة خير من النوم ، وزاد حي على
خير العمل مع تفسيرها محمد وعلي خير البشر لورودها في الروايات الصحيحة عند
__________________
أهل البيت :.
وقد كان هذا عمل
الحكومات الشيعية الاخرى ، فالبعض حرّم شرب الفقاع ، وأكل السمك الذي لا قشر له ، وجوّز
لبس السواد في محرم والاحتفال بعيد الغدير والاخر ـ نظرا لظروفه ـ امكنه تطبيق اُمور اخرى إلى غيرها
من عشرات المسائل.
والشهادة الثالثة
وما جاء في تفسير معنى ( حيّ على خير العمل ) لا يمكن إفرادها عن اخواتها ، فمن
المؤكد أن تكون هناك أدلّة عليها عند هؤلاء وقد وصلت للشيخ الصدوق ، لكن النزاع
السياسي بين العباسيين والعلو يين لم يكن يسمح بنشرها ، لأنّ الشهادة الثالثة تعني
بطلان شرعية حكوماتهم ، وهذا ما فهموه من الروايات وما كانت تأتي به الشيعة ، وهو
ما فهمه اسلافهم كعمر من الحيعلة الثالثة ، لأن اعتقاد كون ولاء الإمام علي خير
العمل يساوي بطلان خلافة الاخرين ، وبما أن الشيخ الصدوق كان يعيش تحت وطاة
العباسيين فمن غير البعيد أن يبرر الشهادة بالولاية بالوضع خوفا على نفسه وعلى
المذهب لئلا يقتل الشيعة بحجة التآمر مع الدول الشيعية القائمة آنذاك.
نتيجة ما تقدّم
تلخص من كلّ ما
سبق واتّضح : أنّ الشيخ الصدوق لا يقصد في هجومه كل من أتى بالشهادة الثالثة في
أذانه حتّى لو أتى بها بقصد القربة المطلقة ورجحانها الذاتي العامّ أو بعنوان
التفسيرية ، بل عنى فقط المفوّضة الملعونين بسبب الوضع ، والقائلين بالجزئية تبعا
للأخبار الموضوعة ، إذ عرفت بأنّ الشهادة الثالثة كان عملاً لسيرة مجموعة ايمانية
تابعة لآل البيت ، أتى بها العبيديون في مصر ، والحمدانيون في الشام ، والبويهيون
في العراق ، وغيرهم في الريّ ، وقم ، وشمال العراق ، ممّا يؤكد استمرار سيرة المتشرّعة
في التأذين بها إلى عهده ، وأنّهم لم يأتوا بها عن هوى ورأي ، بل لما وقفوا عليه
من دليل في روايات أهل البيت عند الإمامية الاثني
عشرية ، والزيدية
، والإسماعيلية ، وهذا ليس ببدعة وادخال في الدين ما ليس منه فلا سبيل إلاّ أن
نقول بأنّ تهجمه قد يكون جاء تقية ، للحفاظ على أرواح الشيعة آنذاك.
وبذلك فقد اتضّح
لنا أنّ الشيخ الصدوق ; لم يعني بكلامه نفي محبوبية الشهادة بالولاية ، بل كان
بصدد نفي جزئيتها ردّا على المفوّضة القائلين بها ؛ لأن قوله : « زادوا في الأذان » و «
ليس ذلك من أصل الأذان » يفهم منه أنه ; يريد أن ينفي
جزئيتها المستندة على الأخبار الموضوعة ، لا محبوبيتها ، لأنّ محبوبيتها العامّة ـ
لا في خصوص الأذان ـ من المسلّمات الشرعية التي لا ينكرها الشيخ ولا غيره من
الشيعة ، بل حتى في الأذان لما جاء في حسنة ابن أبي عمير المتقدمة عن الإمام
الكاظم والتي رواها الشيخ في التوحيد ومعاني الأخبار ، وللشيخ روايات كثيرة دالّة
على محبوبيّتها في كتبه الحديثية ، وقد أكّد عليها بقوله : « لا شك أنّ عليّا ولي اللّه ، وأنّه أمير
المؤمنين ، وأنّ محمدا وآله خير البرية ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان » .
وبهذا فقد ثبت سقم
من يدعي أن الشيخ الصدوق ; عنى كل زيادة في الأذان سواء جاءت بقصد الجزئية أو بقصد
القربة المطلقة ، نعم صحيح ان الشيخ الصدوق أشار إلى جانب تاركا الجانب الآخر منه
، لكن هذا لا يعني عدم قبوله بالتفصيل بين الامرين لأ نّه حقيقة ثابتة عند جميع
الفقهاء وقد افتوا على طبقه ، ولو تاملت في فتاوي من جاء بعده بدءا من السيّد
المرتضى والشيخ الطوسي وابن البراج وغيرهم لرايتهم يفرقون بين الجزئية والمحبوبية
، والشيخ الصدوق لا تختلف فتاواه عنهم حسبما بيناه ، إلاّ أنّه وجه سهامه إلى
القائلين بالجزئية في
__________________
زمانه تاركا
الكلام عن الاتين بها بقصد القربة المطلقة ، لقوله : « المدلسون انفسهم في جملتنا ».
وعليه فالشيخ
الصدوق ; لا يعني الذين ذكروها إعظاما لأمير المؤمنين ، أو دفعا لاتّهام المتهمين
للشيعة ـ في تلك العصور وحتّى من بعدهم ـ بأ نّهم : يقولون بألوهية الإمام عليّ ، أو
أنّهم يدّعون خيانة الأمين جبرئيل في مأموريته ، وأنه كان مكلّفا في إنزل الوحي
على علي بن أبي طالب ، لكنه ـ والعياذ باللّه ـ خان ونزل على محمد 6 ، إلى غيرها من
التّهم الموجّهة جُزافا إلى الشيعة.
فلو أتى الشيعي
بالشهادة الثالثة لكي ينفي هذه التهم عنه ، وليقول : بأنّ اللّه هو الإله الذي
نعبده ولا نشرك به ، وأنّ محمدا هو الرسول الذي جاء من عنده ، وأنّ الإمام عليا
ليس إلاّ وليّ للّه وحجّته على عباده.
فإنّ الشيخ لا
يمانع من ذلك ؛ لأن الأدلّة الشرعيّة هي مع القائل بها ، ولا نرى مانعا من أن يأتي
المكلّف بالشهادة الثالثة لهذا الغرض.
وبهذا ، فنحن
نوافق الصدوق في هجومه على الذين يأتون بها على نحو الجزئية ـ استنادا للأخبار
الموضوعة ـ وفي الوقت نفسه لا نتردّد في أنّ الشيخ الصدوق على منوال جميع الأصحاب
قائل بمحبوبيتها الذاتية العامّة ؛ لأنّ ذلك لا بأس به بالنظر للمعايير الفقهية
والحديثية العامّة.
وباعتقادي أنّ
الشيخ كان يرى رجحان الإتيان بها في الأذان لعموم الأدلة التي كانت عنده لكنْ لا
بقصد الجزئية. ولعلّه قد فهم من المفوّضة أنّهم كانوا يأتون بها على نحو الجزئية ،
ولأجله تهجّم عليهم.
ونحن نعتقد وكذا
الشيخ قبلنا ، بأنّ هؤلاء الأئمة هم وسائط الفيض الالهي ، وقد منحهم ربّ العالمين
هذه القدرة ، وليس كلّ ما يذكر لهم من منازل عالية في كتب الحديث والعقائد يستتبعه
القول بالغلوّ أو التفويض ، فهم عباد مكرمون من
البشر لا يسبقونه
بالقول وهم بأمره يعملون ، وهؤلاء الأئمة قالوا عن أنفسهم : « لا ترفعوا البناء
فوق طاقتنا فينهدم ، اجعلونا عبيدا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم » وفي آخر : « لا تتجاوزوا بنا
العبودية ، ثم قولوا فينا ما شئتم ، ولن تبلغوا ، وإيّاكم والغلوّ كغلو النصارى
فإنّي بريءُ من الغالين » ، وهو مقام لا يمكن لأحد أن يصل إليه ويعرف كنهه ، فإنّ
الشيخ هو الذي روى لنا صحيحا ، حديثَ : « إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك
مقرَّب أو نبي مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان أو مدينة حصينة » .
وبعد كل هذا نقول
: يمكننا بناءً على كلّ ما تقدّم الأخذ بمرسلة الصدوق بعنوان أنّها تتضمّن الشهادة
بالولاية وأنّها محبوبة ذاتا بنحو عامّ ، كما جزم به ; في قوله : « ولا ريب في أنّ عليّا ولي اللّه حقا » ، لا بعنوان أنّها مستند للجزئية.
وكذا يمكننا
اعتبار هذه الصيغ التي أتى بها الشيخ الصدوق إحدى الأدلّة على محبوبية الشهادة
الثالثة في الأذان لا على نحو الجزئية ، وذلك لموافقتها مع سيرة المتشرّعة من عصر
الرسول إلى عصرنا الحالي وامضاء المعصوم لها ـ أي الإمام الحجة 7 ـ.
وأن أخذُنا بالصيغ
التي ذكرها الصدوق يبتني على المحبوبية الذاتية القربة
__________________
المطلقة ، لا
بعنوان أنّها مستقاة من أخبار موضوعة وضعها المفوِّضة ، فنحن لا نقول بالجزئية كما
لا يقول بها الشيخ الصدوق ; ، كما إنّنا قائلون بالمحبوبيّة الذاتية وكذلك الصدوق ; في جزمه الآنف في
مرسلته ، وفي ما رواه عن ابن أبي عمير عن الكاظم الصريحة في المحبوبية.
وعليه فالأخذ
بمرسلة الصدوق في الفقيه مساوِقٌ للأخذ بمرسلة القاسم بن معاو ية المروية في
الاحتجاج أو أقوى منها ؛ لعمل الشيعة بها ، وكذا لوجودها في شواذ الاخبار التي
حكاها الشيخ الطوسي والعلاّمة ويحيى بن سعيد الحلي.
وعليه فإن نقل
الصدوق وإرساله ـ وهو من القدماء المتثبّتين ـ أولى من الأخذ بمرسلة الطبرسي
المتأخّر عنه بعدة قرون ، وكذا الاخذ بحسنة ابن أبي عمير عن الكاظم الحاثة على
الاتيان بأمر الولاية في خصوص الأذان أولى من الاخذ بمرسلة الاحتجاج العامة في كل
شيء. وان تقرير الإمام المعصوم ـ بناء على تمامية اجماع الطائفة ـ أولى من الاخذ
باحاديث من بلغ وهذا ما نريد أن نلفت نظر الأعلام إليه.
وبهذا ، قد اتّضح
للجميع ضرورة توضيح هكذا أمور في الشريعة ، وأنّ الفقيه لا يمكنه الحكم على ظاهر
نصوص السابقين بعيدا عن الوقوف على الظروف التي كان يعيش فيها هؤلاء الفقهاء
والمحدّثون والأماكن التي كانوا يسكنونها ، وهذا ما أكّدنا عليه في مقدّمة هذا
المبحث.
وبه ارتفعت
الإشكالية المثارة حول كلام الشيخ الصدوق في بعض الكتب من أنّه يعارض القول
بالشهادة الثالثة دون توضيحهم الفرق بين الإتيان بها على نحو الجزئية أو من باب
القربة المطلقة.
٢ ـ الشيخ المفيد (
٣٣٦ ـ ٤١٣ ه )
من المعلوم أنّ
الشيخ المفيد من كبار فقهاء الإمامية ومتكلّميهم ، وقد اختلف بالفعل مع الشيخ
الصدوق ـ ومع غيره من علماء الإمامية ـ في مسائل ذكرها في كتابه ( تصحيح الاعتقاد
) و ( أوائل المقالات ).
والآن نتساءل :
لماذا لا نراه ; يعترض على الصدوق فيما قاله في الشهادة الثالثة؟ وهل أنّ
عمله هذا يعدّ تأييدا له في هذه المفردة؟ أم هناك ملابسات اُخرى يجب توضيحها؟
الجواب : نعم ، إنّ
الشيخ المفيد ومعاصِرَيْه «
ابن الجنيد والعماني
» لم يتعرضوا إلى
الشـهادة الثالثة في فتاويهم لا سلبا ولا إيجابا ، بل اكتفى المفيد في المقنعة
بالقول في باب « عدد فصول
الأذان والإقامة » :
|
والأذان
والإقامة خمسة وثلاثون فصلاً : الأذان ثمانية عشر فصلاً ، والإقامة سبعة عشر
فصلاً .
|
وكلامه هذا يقتضي
أنّه لا يتّفق مع الصدوق فيما ادّعاه في صحّة ما رواه أبو بكر الحضرمي وكليب
الأسدي والذي فيه تربيع التكبير وتثنية التهليل في الإقامة ، وبه
تصير الإقامة عند الصدوق ٢٠ فصلاً ، وهذا ما لا يتبنّاه المفيد في « المقنعة » ، هذا
أوّلاً.
وثانيا
: إنّ الشيخ المفيد
قد اختلف مع شيخه الصدوق ; في المسائل
__________________
الضرورية والتي
تمسّ أصل العقيدة ، أمّا قول الشهادة الثالثة في الأذان فليست من أصل الأذان ، ومعنى
ذلك أنّ تركها لا يضرّ بالدين بالعنوان الأوّليّ في تلك الازمان ، وهذا ممّا لا
يختلف عليه جمهور الشيعة.
إنّ تبنّي المفيد
لرواية غير رواية الحضرمي تؤكّد وجود روايات صحيحة أُخرى تعمل بها الشيعة الإمامية
« تزيد أو
تنقص » عمّا رواه
الحضرمي والأسدي ، خصوصا وأنّ مذهب أكثر فقهائنا قديما وحديثا هو أنّ فصول الأذان
والإقامة خمسة وثلاثون فصلاً.
وبعبارة اُخرى :
إنّ الشيخ المفيد كان لا يريد الدخول في اُمور جزئية اجتهادية ، وخصوصا حينما لا تكون
تلك الأمور شائعة ورائجة عند جميع الشيعة ، وكان ـ فيما نحتمل ـ يرى الكفاية في
إتيان بعض الخلّص من الشيعة بما يدلّ على الولاية في أذانهم للمحافظة على
شعاريّتها واستمرار شرعيّتها ، ولا داعي بعد ذلك للإفتاء بشيء قد يسبّب مشكلة
للشيعة في وقت هم في أمسّ الحاجة فيه إلى الاستقرار.
نعني بذلك كفاية
الحيعلة الثالثة للدلالة على وجود معنى الولاية في الأذان بحسب حسنة ابن أبي عمير
عن الكاظم 7 ، ولا ضرورة للإجهار بـ «
أشهد أن عليا ولي اللّه » في تلك الأزمان المفعمة بالاضطرابات السياسية والعقائدية.
وثالثا
: إنّ الشيخ المفيد
وطبق منهجه أكد على شرعية الحيعلة الثالثة في كتاب ( الإعلام فيما اتّفقت عليه
الإمامية ) ، فقال :
|
واتّفقت
الإمامية على أنّ من ألفاظ الأذان والإقامة للصلاة : حي على خير العمل ، وأنّ من
تركها متعمّدا في الإقامة والأذان من غير اضطرار فقد خالف السنّة ، وكان كتارك
غيرها من حروف الأذان ، ومعهم في ذلك روايات متظافرة عن رسول اللّه وعن الأئمة
من عترته :.
|
|
وأجمعت
العامّة فيما بعد أعصار الصحابة على خلاف ذلك وأنكروا أن تكون السنة فيما ذكرناه
.
|
وجملة « ومعهم في ذلك روايات
متظافرة ... » و « أجمعت
العامة فيما بعد أعصار الصحابة ... » لتؤكّدان اهتمامه بالثوابت العامّة عندنا ، وسعيه لتحكيمها
، مع التأكيد على الدور التحريفي للعامّة في العصور اللاحقة ، متغاضيا عن الإشارة
إلى الفصول غير الواجبة والتكميلية كالشهادة الثالثة.
ورابعا
: إنّ الفترة التي
عاش فيها المفيد في بغداد ـ وهي عاصمة الدولة العباسية السنية ـ كانت طافحة
بالصراع السني الشيعي ، لأنّ كلّ واحد من الطرفين كان يسعى لتحكيم موقفه الفقهيّ
والسياسيّ.
ولأنّ الشيعة
أخذوا يشكّلون ويؤسسون الدول ، والمفيد ; كان في مأزق حقيقي ، لأ نّه كان يعيش في بغداد عاصمة أهل السنّة
آنذاك ، ومن المعلوم أنّ الذي يعيش في وسط كهذا ، لابدّ له أن يحترم آراء الآخرين
، ويكون مسالما متقيا ، وخصوصا مع علمه بأنّ له أعداء كثيرين يريدون أن يقفوا على
رأي متطرف منه ـ حسب اعتقادهم ـ حتّى يمكنهم النيل منه.
جاء في البداية
والنهاية : أنّ عبيد اللّه بن الخفاف المعروف بابن النقيب ، سجد شكرا للّه ، وجلس
للتهنئة ، لمّا سمع بموت المفيد ، وقال : لا أُبالي أيّ وقت متّ بعد أن شاهدت موتَ
ابن المعلم ، هذا من جهة.
ومن جهة أُخرى
فانّ الشيخ المفيد رأى الدول الشيعية في تنامٍ مستمرّ ، فعبيداللّه ( المتوفّى ٣٢٢
ه ) قد أسّس الدولة العبيدية في مصر ، وسيف الدولة الحمداني ( المتوفّى ٣٥٦ ه )
أسس الدولة الحمدانية في حلب ، وقبل كلّ ذلك
__________________
حَكَمَ الداعي
الكبير طبرستان في إيران والبويهيّون ـ بغداد وإيران وغيرها ـ مائة وثلاث عشرة سنة
، بدءا من وفاة آخر سفراء الإمام المهدي بأربع سنوات إلى أواسط عصر الشيخ الطوسي ،
أي من سنة ٣٣٤ ه إلى ٤٤٧ ه ، فإنّ وجود انشقاقات كهذه في الدولة العباسية يزيد
في الطين بلّة ، ويُعقّد الأمور أكثر فأكثر على الشيخ المفيد.
لقد انتهج
البويهيّون ـ أيّام حكمهم ـ سياسة التوازن بين الطوائف ، فكانوا يريدون أن يعيش
الشيعة بدون تقيّة ، والآخرون يحكمون بحرّيّة ، وكان ممّا قرّر في عهد بهاء الدولة
ـ وزير القادر ـ هو نظام النقابة للعلو يين ، وقد عيّن بالفعل والد الشريفين :
الرضي والمرتضى لهذا المنصب .
لكنّ الخليفة
القادر العباسي ـ الذي حكم بين سنة ٣٨١ ه إلى ٤٢٢ ه ـ سحب هذه النقابة من والد
الشريفين في سنة ٣٩٤ ه ، لملابسات كثيرة مذكورة في كتب التاريخ ، ساعيا لإعادة
مجد الحكم السني للخلافة ، وذلك لاختلافه مع البويهيّين ، ولنشوء دول شيعية في مصر
والشام ، وهذه الأعمال كانت تشدّد الأزمة بين البويهيين والعباسيين.
فأوّل عمل عمله
القادر العباسي هو أن أعدّ ـ في سنة ٤٠٢ هـ ـ مذكّرة موقّعة من قبل علماء بارزين
من الشيعة والسنة يشكّكون فيها بنسب الخلفاء الفاطميّين في مصر ، ويفنّدون فيها
الباطنية ، إلى غيرها من الاُمور التي شددت الصدام بين الفريقين .
وكان مما حكاه ابن
الجوزي هو : ان بعض الهاشميّين من أهل باب البصرة قصدوا أبا عبداللّه محمد بن
النعمان ، المعروف بابن المعلم ، وكان فقيه الشيعة في
__________________
مسجده بدرب رباح ،
وتعرّض به تعرضا امتعض منه أصحابه ، فساروا واستنفروا أهل الكرخ ، وصاروا إلى دار
القاضي أبي محمد بن الأكفاني وأبي حامد الإسفرايني فسبّوهما وطلبوا الفقهاء
ليوقِعُوا بهم ، ونشأت من ذلك فتنة عظيمة ، واتّفق أنّه أَحضر مصحفا ذكر أنّه مصحف
ابن مسعود وهو يخالف المصاحف ، [ لان فيه التفسير السياقي للآيات ] فجمع الأشراف
والقضاة والفقهاء في يوم الجمعة لليلة بقيت من رجب ، وعرض المصحف عليهم ، فأشار
أبو حامد الإسفرايني والفقهاء بتحر يقه ، ففُعل ذلك بمحضرهم.
فلمّا كان شهر
شعبان كُتب إلى الخليفة بأنّ رجلاً من أهل جسر النهروان حضر المشهد بالحائر ليلة
النصف ودعا على من أحرق المصحف وسّبه ، فتقدم بطلبه ، فأُخِذَ فرُسِمَ قتله ، فتكلّم
أهل الكرخ في هذا المقتول لأ نّه من الشيعة ، ووقع القتال بينهم وبين أهل باب
البصرة وباب الشعير والقلاّئين ... .
وقد علل الشيخ
المفيد سبب ظهور مصحفي أُبيّ وابن مسعود [ السياقيين [ عند الناس واستتار مصحف
أمير المؤمنين ، بأنّ السبب في ذلك عظم وطأة أمير المؤمنين على ملوك الزمان وخفّة
وطأة أُبيّ وابن مسعود عليهم ـ إلى أن قال ـ فصل : مع أنّه لا يثبت لأُبيّ وابن
مسعود وجود مصحفين منفردين ، وإنّما يذكر ذلك من طريق الظنّ وأخبار الآحاد ، وقد
جاءت بكثير مما يضاف إلى أمير المؤمنين من القرّاءِ أخبارُ الآحادِ الّتي جاءت
بقراءة أُبيّ وابن مسعود على ما ذكرنا .
وبهذا ، فلا
يستبعد أن يكون الشيخ المفيد أراد أن يبتعد عن أمر هو في غنى عنه ، لأنّ الاحداث
كانت تجري باتّجاه آخر ، والشيخ ; لا يريد تشديد الأزمة ،
__________________
وخصوصا بعد أنّ
وقف على أن بعض الشيعة في مصر ، وحلب ، وبغداد ، كانوا يأتون بـ « محمد وعلي خير البشر
» بعد الحيعلة
الثالثة ، والذي نقلنا خبرهما سابقا ، وأنّ الحسين المعروف بأمير بن شكنبه كان
يقولها في مصر .
والشيخ كان لا
يريد أن يبين نفسه بأ نّه يتّفق مع هؤلاء ، لأن الشهادة بالولاية من خلال جملة « حيّ على خير العمل » كانت تعني بطلان خلافة الاخرين الذين غصبوا خلافة الإمام
علي الذي هو خير البرية وولايته خير العمل.
وبذلك صارت
الحيعلة الثالثة شعارا سياسيا من دون النظر إلى كونها حكما شرعيا ، وعلماءُ الشيعة
ـ في تلك الأزمان ـ كانوا يريدون الحفاظ على الأمور الثابتة دون تأجيج الخلاف في
المختلف فيه من المسائل التي لم تكن ضرورية وإلزامية ، كالشّهادة الصريحة بولاية
الإمام عليّ في الأذان.
قال المقريزي : وإنّ
جوهرا ـ القائد لِعساكر المعز لدين اللّه ـ لمّا دخل مصر سنة ٣٥٦ ه وبنى القاهرة
أظهر مذهب الشيعة ، وأذّن في جميع المساجد الجامعة وغيرها بـ « حيّ على خير العمل » ، وأعلن
بتفضيل علي ابن أبي طالب على غيره ، وجهر بالصلاة عليه وعلى الحسن والحسين وفاطمة
رضوان اللّه عليهم .
وكذا جاء في حوادث
سنة ٣٥٨ ه من وفيات الأعيان : أُقيمت الدعوة للمعزّ في الجامع العتيق ، وسار جوهر
إلى جامع ابن طولون ، وأمر بأن يؤذّن فيه بـ « حيّ على خير العمل » وهو أوّل ما أذّن ، ثم أذّن بعده بالجامع العتيق ، وجهر في
الصلاة ببسم اللّه الرحمن الرحيم .
__________________
وقال ابن خلّكان
بعد الخبر السابق : وفي يوم الجمعة الثامن من ذي القعدة أمر جوهر بالزيادة عقب
الخطبة : اللّهم صلّ على محمّد المصطفى ، وعلى عليّ المرتضى ، وعلى فاطمة البتول ،
وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول ، الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، اللّهم
صل على الأئمة الطاهرين .. .
فالإعلان بتفضيل
عليّ على غيره ، والجهر بالصلاة عليه ـ بعد ابن عمّه ـ وعلى فاطمة وعلى الحسن
والحسين ، وكذا الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، وحيّ على خير العمل ، والصلاة
على الخمسة أهل الكساء ، كلّها اُمور تصحيحية تبنّاها الفاطميون. والشيعة آنذاك
كانوا يهتمون بتطبيق ما هو الاهم تاركين ما هو المهم.
ولا ينكر الشيخ
المفيد ولا غيره من فقهائنا بأنّ الصلاة على محمّد وآله قد جاءت في التشهّد ، والتسليم
، وخطبة صلاة الجمعة ، وفي غيرها من عشرات الموارد التي سنذكرها لاحقا إن شاء
اللّه تعالى ، فكان اعتقاد فقهاء الإمامية هو أنّ عمل هؤلاء كافٍ
للحفاظ على الشـرعية في مثل هذه الأمور.
وقد مرّ عليك
سابقا بأنّ الشيعة ـ في سنة ٣٤٧ هـ ـ زادوا في حلب « حي على خير العمل محمد وعلي خير البشر » ، وضربوا على
دنانيرهم : « لا اله
إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فاطمة الزهراء
، الحسن ، الحسين ، جبرئيل » .
نعم إنّ أعمالاً
كهذه في مصر والشام وغيرها كانت تثير حفيظة العباسيين في بغداد وغيرها من البقاع
التي كانت تحت سلطنتهم ، فمن المنطقيّ جدّا أن يترك الشيخ المفيد ذِكْرَ الشهادة
بالولاية لعليّ تخفيفا لحدّة النزاع الدائر آنذاك ؛ لما فيها
__________________
من حساسية مذهبية ؛ ولأ نّها ليست جزءا واجبا في
الأذان تلزمه الإتيان بها في كل الظروف.
قال الذهبي : إنّ
الرافضة شمخت بأنفها في مصر ، والحجاز ، والشام ، والمغرب بالدولة العبيدية ، وبالعراق
والجزيرة والعجم ببني بويه ... وأعلن الأذان بالشام ومصر بـ « حي على خير العمل » .
وقال ابن كثير :
... استقرّت يد الفاطميّين على دمشق في سنة ٣٦٠ هـ وأذّن فيها وفي نواحيها بـ « حي على خير العمل » أكثر من مائة سنة ، وكتب لعنة الشيخين على أبواب الجوامع
بها وأبواب المساجد .. .
ومر عليك أيضا ما
حكاه أبو الفرج الاصفهاني المتوفى ٣٥٦ عن أذان رجل من القطيعة في بغداد ، وفيه : أشهد أنّ عليّا ولي
اللّه ، محمد وعلي خير البشر.
والآن استمع لما
يحكيه ناصر خسرو المروزيّ الملّقب بالحجّة المتوفّى سنة ٤٥٠ ه عما شاهده في رحلته
إلى اليمامة سنة ٣٩٤ ه ، وحديثه عن أحوال مدينتها ، قال : ...
وأُمراؤها علويّون
منذ القديم ، ولم ينتزع أحد هذه الولاية منهم ... ومذهبهم الزيدية ، ويقولون في
الإقامة : « محمد
وعلي خير البشر » ، و « حي على
خير العمل » .
ومما تقدّم نعتقد
أنّ الشيخ المفيد لم يكن من القائلين بجزئية الشهادة الثالثة في الأذان ـ كالصدوق ; ـ وإن كان يرى
جواز الإتيان بالشهادة بالولاية في مفتتح الصلاة ، وقنوت الوتر ، والتسليم للروايات الصحيحة
الواردة فيها.
__________________
وإذا لاحظنا أخبار
الاقتران المارّة بين الشهادات الثلاث في غالب الاُمور العبادية أمكننا أن نميل
إلى أن المفيد كان يذهب إلى القول بإمكان وجودها في الأذان كذلك ؛ وذلك للإطلاق في
جميع الموارد ، لكنّ ظروف التقيّة وما لاقاه الشيعة من الظلم والاضطهاد جعلهم
يبتعدون عن الجهر بها .
__________________
ويتقوّى هذا
الاحتمال حينما نعلم أنّ الشيخ المفيد يجيز الكلام في الأذان ؛ لقوله في المقنعة :
وإن عرض للمؤذّن حاجة يحتاج إلى الاستعانة عليها بكلام ليس من الأذان فليتكلّم به
، ثمّ يصله من حيث انتهى إليه ما لم يمتـدّ به الزمان ، ولا يجوز أن يتكلّم في
الإقامة مع الاختيار .
وقال قدسسره في
المقنعة أيضا : وليفتتح الصلاة ... ويقول : وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض
حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ، ودين محمـد ، وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وما أنا من المشـركين .
وقال أيضا : ويستحبّ
أن يقنت في الوتر بهذا القنوت ـ وهو طو يل نقتطف منه بعض الجمل ـ : اللّهم صلّ على
محمّد عبدك ورسولك وآله الطاهرين ، أفضل ما صلّيت على أحد من خلقك ، اللّهم صلّ
على أمير المؤمنين ووصيّ رسول رب العالمين ، اللّهم صلّ على الحسن والحسين سبطي
الرحمة وإمامي الهدى ، وصلّ على الأئمة من ولد الحسين : علي بن الحسين ، ومحمد بن
علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي ابن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن
محمد ، والحسن بن علي ، والخلف الحجة : ، اللّهم اجعله الإمام المنتظر القائم الذي به ينتصر ، اللّهمّ
انصره نصرا عزيزا و ... .
__________________
وقال أيضا : فليقل في التشهّد والسلام الأخير :
بسم اللّه وباللّه والحمد للّه ... أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له
، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، أرسله بالحقّ بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، أشهد
أنّ ربّي نعم الربّ ، وأنّ محمدا نعم الرسول ، وأنّ الجنة حقّ ، والنار حقّ ، وأنّ
الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللّه يبعث من في القبور ، اللّهم صلّ على محمد
وآل محمد ، وبارك على محمّد وآل محمّد ، وارحم محمّدا وآل محمد ، وتحنّن على محمد
وآل محمد ، كأفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت وتحنّنت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك
حميد مجيد ، السلام عليك أيُّها النبّي ورحمة اللّه وبركاته. ويومئُ بوجهه إلى
القبلة ويقول : السلام على الأئمّة الراشدين ، السلام علينا وعلى عباد اللّه
الصالحين .
وعلى ضوء ما تقدّم
قد يترجّح القول بمحبوبية الشهادة الثالثة في الأذان عند الشيخ المفيد قدسسره ، وذلك
لوجودها في التشهّد والتسليم وافتتاح الصلاة ، وللعمومات الموجودة في الشريعة ، ولأنّ
ذكر عليّ عبادة لا يخلّ بالأذان ، ولكون الشيعة لا يأتون بها على نحو الجزئية ، كلّ
ذلك مع معرفتك بالظروف التي كانت تحيط به ;.
ويمكننا بلا ترديد
أن نحتمل احتمالاً معقولاً بأنّ الشيخ المفيد يفتي بجواز الشهادة الثالثة في
الأذان ، ولذلك قرينتان ، بل دليلان.
الأُولى : إنّ
الشهادة الثالثة كان يؤذَّن بها في عهده في الشام ، وبغداد ، ومصر ، واليمامة ، وهذا
فعل مبتلىً به ينبغي على الفقيه تناوله في رسالته العملية ، لكن الشيخ المفيد سكت
عنه ، وكُلُّنا يعلم بأنّ الرسائل العملية لا تسكت في الغالب عن حاجيات المؤمنين
إلاّ أن تكون من أوضح الواضحات عند عموم المكلفين أو أنّها غير مبتلى بها أساسا ، أو
لأن الظروف لا تسمح ببيانها ، وهذا معناه أنّ التأذين
__________________
بالولاية كان
جوازه الشرعيّ من أوضح الواضحات حيث لا يمكن القول بأنّها غير مبتلى بها. نعم يمكن
القول بأن المفيد كان في غنى ان يشغل نفسه باُمور جائز تركها ، وعلى كلا التقديرين
فإن عدم ذكره ، له مخرج معقول ، وملخص الكلام ان موقفه لا يعني موافقته للشيخ
الصدوق ;.
والقرينة الثانية
للدلالة على الجواز هي قول السيّد المرتضى بجوازها بعد أن سُئل عنها ـ كما سيأتي ـ
إذ لم نعرف موقف السيّد المرتضى في الشهادة بالولاية في الأذان وأنّه الجواز إلاّ
بعد أنّ سُئل من قبل أهل الموصل ـ الّذين لم يكونوا يشكّون بجوازها وأنّ جوازها
كانت عندهم من أوضح الواضحات ـ لذلك لم يسألوه عن مشروعيتها بل سالوه عن وجوبها ، والسيّد
أرجعهم إلى الواضح عندهم وهو الجواز وأفتى به دون الوجوب ، ومعنى هذا الكلام ان
أهل الموصل لو لم يسألوه لما وصلتنا فتواه ; بالجواز ، حال الشيخ المفيد مثل حال السيّد المرتضى ، فلو
سُئِلَ لأجاب بالجواز خاصّة ، لأنّه معتقد أغلب الشيعة في ذاك العصر.
٣ ـ الشريف المرتضى ٣٥٥
ه ـ ٤٣٦ هـ
قد اتّضح من عبارة
الصدوق الآنفة ، وممّا حكيناه من سيرة المتشرّعة في تلك الفترة وما بعدها أنّ
الشيعة في حمص ، وبغداد ، ومصر ، وحلب ، واليمامة ، والشام ، كانوا يؤذّنون بالشهادة الثالثة بعد الحيعلة الثالثة أو
بعد الشهادة الثانية ، بصيغ متفاوتة دالة على الولاية ، وكان جامعها المشترك أنّ
محمّدا وعليّا هما خير البشر ، لأنّ الخيريّة الملحوظة في خير العمل هي عنوان
لإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين عليّ أمير المؤمنين ، والذي هو نفس رسول
اللّه ، وأخوه ، ووصيّه ، وخليفته من بعده ، وهو خير البشر وخير البريّة حسب
تعبير الروايات المتظافرة عن المعصومين وخصوصا النبي 6 الموجودة في كتب الفريقين.
والآن لنواصل
امتداد هذه السيرة في عهد السيّد المرتضى ; لنرى بعض ملامحها ظاهرةً في شمال العراق ، وبالتحديد في
مدينة ميافارقين القريبة من مدينة الموصل العراقية.
فقد سأل جمعٌ من
الشيعة هناك مرجعهم وعالمهم ذا الحسبين السيّد الشريف علي بن الحسين الشهير
بالمرتضى بست وستين مسألة ، وكان السؤال الخامس
__________________
عشر منه هو :
|
المسألة
الخامسة عشر : هل يجب في الأذان ـ بعد قول حيّ على خير العمل ـ محمّد وعليّ خير
البشر؟
الجواب
: إن قال : محمّد وعليّ خير البشر ، على أنّ ذلك من قوله خارج من لفظ الأذان ، جاز
، فإنّ الشهادة بذلك صحيحة ، وإن لم يكن فلا شيء عليه .
|
قبل كلّ شيء ينبغي
التذكير بأنّ هذا النص يدلّ دلالة ظاهرة واضحة على أنّ الشيعة لم يكونوا قائلين
ومعتقدين بأنّ صيغ ذكر الولاية في الأذان داخلة في ماهيّة الأذان وأنّها جزء واجب
فيه ، بل هم كانوا في شكّ من ذلك وإلاّ لما سألوا ، وهذا معناه أنّ القول بالجزئية
ليس ديدن الشيعة في ذلك العصر بل ديدنهم الذكر من منطلق المحبوبية العامة ، هذا
شيء.
والشيء الآخر هو
أنّ هذا بحدّ ذاته دليل على أنّ المتيقَّن عند عامّة الشيعة محبوبيّة هذا الذكر
عندهم ، وأمّا وجوب ذكر الشهادة الثالثة فمشكوك عندهم وإلاّ لما سألوا السيّد
المرتضى عنه ، ويترتّب على ذلك أنّ غالب الشيعة في عهد الصدوق ; لم يكونوا
يعتقدون بوجوب الذكر لعلي في الأذان وأنّه جزء واجب داخل في ماهيته ، وإلاّ لو
كانوا كذلك لما جاء من بعدهم وشكَّ في الوجوب في زمن السيّد المرتضى قدسسره ، فلاحظ
هذا بدقّة.
والحاصل : هو أنّ
هذا النص ينبئ عن عمل مجموعة من الشيعة آنذاك به ، وممارستهم له ، ووضوح مشروعيته
العامة دون الخاصة لديهم ، لكنّ سؤالهم كان عن لزوم الإتيان به؟
__________________
فالسيّد المرتضى ; أجاب وبصراحة : « إن قال : محمّد وعلي
خير البشر ، على أنّ ذلك من قوله خارج لفظ الأذان جاز ، فإنّ الشهادة بذلك صحيحة » ، وهذا الكلام لا يحتاج إلى توضيح وتعليق وذلك لوضوحه.
نعم قوله « وإن لم يكن فلا شيء
عليه » فهو غير واضح ، إذ
قد يعني ; أحد معنيين :
أحدهما : أنّ
القائل لو قالها على أنّها جزء ماهية الأذان ومن فصوله فلا شيء عليه.
فلو صحّ هذا
الاحتمال فهو دليل على أنّ السيّد المرتضى كان يعتقد بصحّة الروايات الدالّة على
الشهادة بالولاية ـ والتي حكى بعضها الصدوق ـ لأنّ الإفتاء متفرّع على اعتبار تلك
الروايات عنده ، وهو بمثابة القرينة الموجِبة للوثوق بصدور ما حكاه الصدوق أو
روايات أُخرى عن الأئمة.
ثانيها : قد يريد
السيّد المرتضى بكلامه الآنف الإشارة إلى عدم لزوم الإتيان بها ، لعدم جزئيّتها
عنده ، مع اعترافه بأنّ الشهادة بها صحيحة ، أي أنّ الإنسان لو لم يأتِ بها فلا
شيء عليه ، وهو مثل كلام الشيخ الطوسي الآتي عن الشهادة بالولاية.
ولو تأمّلت في
سؤال السائل لرأيته محدَّدا ـ وهو الإتيان بمحمد وعلي خير البشر بعد حيّ على خير
العمل ـ وهذا يفهم بأ نّهم كانوا لا يأتون بها على نحو الجزئية ولا يعتبرونها من
أصل الأذان ، وهي الأُخرى لم تكن ضمن الصيغ التي أتى بها الشيخ الصدوق ، كلّ ذلك
يؤكّد بأنّ أهل الموصل لا يقولون بجزئيّتها بل بمحبوبيّتها الجائزة.
إنّ فتوى السيّد
المرتضى بجواز القول بـ «
محمد وعلي خير البشر » هي دعم حقيقي لسيرة الشيعة في بغداد ، وشمال العراق ، ومصر ، والشام ، وإيران
، وهي من ناحية أُخرى تصريح بأنّ ما يقوله الحمدانيون والفاطميون والبويهيون ليس
شعارا فقط بل هو دين وشرع أجازه الدين والأئمة ، لأ نّك قد عرفت بأنّ هذه
الصيغ لا تقتصر
على الزيدية والإسماعيلية بل هي شعار لدى الشيعة الإمامية كذلك.
وقد يمكننا من
خلال هذا النص أن ندعم ما قلناه عن شيخنا الصدوق ; سابقا ، من أنّ القضيّة تدور مدار الجزئية وعدمها ، والسيّد
المرتضى كما رأينا نفى ذلك على منوال الصدوق ؛ إذ أنّ السيّد المرتضى حكم بأنّ من
لم يأت بها فلا شيء عليه ، وهذه قرينة على أنّ الصدوق كان يقصد باللعن القائلين
بوجوب الإتيان بها على أنّها جزء ، فالملاحظ أنّ كلاًّ من المرتضى والصدوق رحمهما
اللّه نفيا الجزئية والوجوب ؛ إذ الوجوب ليس من دين اللّه ، وهذا هو الذي دفع
الصدوق لأَنْ يلعن القائلين به ، وأمّا الجواز لا بعنوان الجزئية فالمرتضى قائل به
وكذلك الصدوق على ما قدّمنا!
وهو يفهم بأنّ هذه
الصيغ موجودة في شواذّ الأخبار ـ وربّما في أخبار أخرى ـ والعمومات التي ذكرنا
بعضها في هذا الكتاب لا المحكيّة عن روايات المفوّضة. وإنّما المفوّضة ، كانت
قائلة بالوجوب بحسب أخبار موضوعة لا الجواز.
ولو كانت الصيغ
الثلاث من موضوعات المفوّضة لَمَا أفتى السيّد المرتضى والشيخ الطوسي وابن البراج
رحمهم اللّه تعالى بجواز الإتيان بها في الأذان من دون قصد الجزئية.
وهذا يؤكّد
استمرار الشيعة من بداية الغيبة الكبرى إلى عهد السيّد المرتضى في التأذين بها
استنادا للروايات التي كانت عندهم ، كخبر الفضل ابن شاذان عن ابن أبي عمير عن أبي
الحسن الكاظم ـ والذي مر عليك آنفا ـ المجيزة لفتح دلالة حيّ على خير العمل في
الأذان وما رواه عمر بن ادينه ومحمد بن النعمان الاحول مؤمن الطاق وسدير الصيرفي
عن الصادق والذي فيه بأن الملائكة سالوا رسول اللّه عن علي فقال 6 اتعرفونه قالوا :
كيف لا وقد اخذ اللّه الميثاق منا لك وله. وانا نتطلع كل يوم خمس مرات ـ اشارة
إلى اوقات الصلاة ـ إلى اخر الخبر وغيرها.
فالسيّد المرتضى
لم يتعامل مع موضوع الشهادة بالولاية كما تعامل مع موضوع التثو يب حيث اعتبر
الأوّل جائزا والثاني بدعة وحراما ، فقد قال في جواب مسالة ١٦ :
|
المسألة
السادسة عشر : من لفظ أذان المخالفين ، يقولون في أذان الفجر : « الصلاة خير من
النوم » ، هل يجوز لنا أن نقول ذلك أم لا؟
الجواب
: مَن قال ذلك في أذان الفجر فقد أبدع وخالف السنّة ، وإجماعُ أهل البيت : على
ذلك .
|
ففتواه ببدعية « الصلاة خير من النوم
» رغم ورودها في
بعض رواياتنا وفتوى بعض المتقدمين بجوازها عند التقية ، يؤكّد بأنّ موضوع الشهادة
بالولاية عند السيّد المرتضى لم يكن كالتثويب ، بل أنّه ; بالنظر لفتواه
بالجواز كان يأخذ بتلك الروايات ؛ روايات الاقتران التي تفيد المحبوبية أو
التفسيرية ولا يراها بدعة ، وإلاّ لما أفتى بالجواز من دون قصد الجزئية ، بل ربّما
وصلت إليه روايات أخرى في هذا المضمار.
فلو كانت الشهادة
بالولاية بدعة كالصلاة خير من النوم لما قال : « جاز ، فإنّ الشهادة بذلك صحيحة ».
وقد قال ; في جواب المسائل
الموصليّات أكثر من ذلك في «
حي على خير العمل » الدالّة على الإمامة والولاية ، فقال :
|
استعمال
« حي على خير العمل » في الأذان ، وان تركه كترك شيء من ألفاظ الأذان.
|
__________________
|
والحجّة
أيضا اتّفاق الطائفة المحقّة عليه ، حتّى صار لها شعارا لا يدفع ، وعلما لا يجحد
.
|
كان هذا بعض الشيء
عن الشهادة بالولاية في عهد السيّد الشريف المرتضى ; ، وقد رأيت عدم تخطئته للذين يأتون بها ، في حين خطّأَ
الذين يأتون بالتثويب في أذان الصبح ، وهو دليل على رجحان الإتيان بها عنده ، وخصوصا
لو كان في ذلك ما يُنفَى به افتراءات المفترين على الشيعة ، أو يعلو به ذكر الإمام
علي ، لكن لا على نحو الشطرية والجزئية بل لرجاء المطلوبيّة ، وهذا ثابت لمن تعقّب
السيرة.
__________________
٤ ـ الشيخ الطوسي ٣٨٥
ه ـ ٤٦٠ هـ
قال الشيخ الطوسي
في كتاب الصلاة من المبسوط :
|
... والأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلاً :
ثمانية عشر فصلاً الأذان ، وسبعة عشر فصلاً الإقامة ... ومن أصحابنا من جعل فصول
الإقامة مثل فصول الأذان ، وزاد فيها : قد قامت الصلاة مرتين ، ومنهم من جعل في
آخرها التكبير أربع مرات ، فأمّا قول : أشهد أن عليا أمير المؤمنين ، وآل محمد
خير البرية على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله
الإنسان لم يأثم به ، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله .
|
وقال ; في كتاب النهاية
، بعد أن عدّ الأذان والإقامة خمسة وثلاثين فصلاً :
|
وهذا
الذي ذكرناه من فصول الأذان هو المختار المعمول عليه ، وقد رُوي سبعة وثلاثون
فصلاً في بعض الروايات ، وفي
|
__________________
|
بعضها
ثمانية وثلاثون فصلاً ، وفي بعضها اثنان وأربعون .
|
ثم جاء ; يصور تلك الأقوال
، فقال :
|
فإن
عمل عامل على إحدى هذه الروايات ، لم يكن مأثوما.
وأمّا
ما رُوي في شواذّ الأخبار من قول : «أشهد أنّ عليا ولي اللّه ، وآل محمّد خير
البرية» فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل بها كان مخطئا .
|
وقد يتصوّر المطالع أنّ الشيخ قد عارض نفسه ، لأ نّه قال في المبسوط : « ولو فعله الإنسان لم
يأثم به » ، وفي النّهاية :
« فمن عمل
بها كان مخطئا ».
لكنّ هذا التوهّم
بعيد جدا حسب قواعد العلم ومعايير الاجتهاد ، لأنّ الشيخ ; عنى بقوله الأوّل
: الإنسان لو فعلها بقصد القربة المطلقة ولمحبوبيتها الذاتية « لم يأثم به » ، وأمّا لو فعلها بقصد الجزئية « كان مخطئا » بحسب أصول الاجتهاد ، لأنّ الشيخ الطوسي لا يأخذ بالأخبار
الشاذّة إذا عارضت ما هو أقوى منها ، وسيأتي أنّ بعض العلماء ـ كالمجلسي وغيره ـ
تمسّكوا بشهادة الشيخ ، فأفتوا بموجب ذلك باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان ، باعتبار
أنّ الشاذ هو الحديث الصحيح غير المشهور ، في حين ان الشاذ هو مما يؤخذ فيه انواع
الحديث الاربعة ، منه الصحيح ، ومنه الضعيف ، وما بينهما عند الكثير.
واحتمل الاخر جمعا
بين القولين : بأن الشيخ ; عنى بقوله في النهاية الذي يأتي بها على نحو الجزئية ، فإنه
لا يأثم وإن كان مخطئا بحسب الصناعة ، لأ نّه بذل وسعه وتعرف على الحكم وإن كان
مخطئا في اجتهاده ، لأخذه بالمرجوح وترك الراجح. وهو كلام بعيد عن الصواب لا
نلتزمه.
__________________
اما لو قلنا بأن
معنى الشاذ عند الشيخ الطوسي هو الضعيف الذي لا يعمل به ، فالشيخ صرح بأن العامل
به لا يأثم.
وعلى كل التقادير
والاحتمالات في معنى الشاذ عند الشيخ الطوسي يكون العامل بالشهادة الثالثة غير
مأثوم.
ولكي نفهم كلام
الشيخ أكثر لابدّ من توضيح بعض الأمور :
الأمر
الأول : تفسير معنى الشاذ
عنده وعند غيره من علماء الدراية والفقه ، فنقول : اختلفت تعابير علمائنا وعلماء
العامة في معنى الشاذّ مع اتّفاقهم على معناه اللّغويّ وهو الانفراد عن الجماعة.
فقال البعض : هو
ما رواه الثقة ، مخالفا للمشهور ، أو للأكثر ، أو لجماعة الثقات ، والمعنى في جميعها متقارب.
وقال الاخر : هو
ما يتفرّد به ثقة من الثقات ، وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة .
وقال الشافعي :
ليس الشاذّ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره ، هذا ليس بشاذ ، إنّما
الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف فيه الناس .
إذن الشاذّ في
الأغلب عندنا وعند العامّة هو ما يقابل المشهور والمحفوظ ، وقد يطلق الشاذّ عندنا
خاصّة على ما لم يعمل بمضمونه العلماء وإن صح إسناده ولم يعارضه غيره. وحكى عن
الإمام البروجردي قوله : كلما ازداد [الشاذ] صحةً ازدادا ضعفا وذلك لترك
الطائفة العمل به.
__________________
قال ابن فهد
الحلّيّ في المهذّب البارع : ومنها المشهور ... ويقابله الشاذّ والنادر ، وقد يطلق
على مرويّ الثقة إذا خالف المشهور .
والمراد من « المجمع عليه » الوارد في مقبولة عمر بن حنظلة ـ المرويّة في كتب المشايخ
الثلاثة : ـ .. ليس ما اتّفق الكلّ على روايته ، بل المراد ما هو
المشهور بين الأصحاب في مقابل ما ليس بمشهور ، ويوضح ذلك قول الإمام 7 : « ويترك الشاذّ النادر
الذي ليس بمشهور عند أصحابك » .
ومعنى كلام الإمام
أنّ الشاذّ النادر قد يكون من أقسام الحديث الصحيح الذي لا يعمل به ، لوجود ما هو
أقوى منه أو أنّه صدر لظروف التقية ونحوها.
إذن الشذوذ في
الغالب هو وصف للمتن لا للسند ، فهو مقابل الضعف الذي يأتي غالبا للسند دون المتن
، ولو تأ مّلت في منهج الشيخ ; في الاستبصار لرأيته يسعى للجمع بين الأخبار ورفع التعارض
فيما بينها بعد أن ييأس من الأخذ بالراجح ، وإنّ جمعه بين الأخبار الشاذّة
والمعمول بها في بعض الأَحيان يُفهِمُ بأ نّه ; لا يحكم على الأخبار الشاذّة بأنّها دخيلة وموضوعة ، بل
يرى لها نحو اعتبار عنده وهي داخله عنده ضمن انواع الحديث الاربعة ؛ أي أنّ
حجيّتها عنده اقتضائية ، بمعنى أنّها حجّة لولا المعارضة.
ولتوضيح المسألة
إليك خمسة نماذج من المجلد الاول من كتابه ( الاستبصار فيما اختلف من الأخبار )
تيمنا بالخمسة من آل العبا :
١ ـ قال الشيخ في « باب البئر يقع فيها
الكلب والخنزير وما أشبههما » ـ بعد أن
__________________
أورد عدّة روايات
كان آخرها ما رواه غياث بن كلوب ، عن إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبيه : إنّ
عليا ; كان يقول : الدجاجة ومثلها تموت في البـئر ينزح منها دلوان أو ثلاثة ، وإذا
كانت شاة وما أشبهها فتسعة أو عشرة ـ :
|
فلا
ينافي ما قدّمناه ، لأنّ هذا الخبر شاذّ وما قدّمناه مطابق للأخبار كلّها ، ولأ
نّا إذا عملنا على تلك الأخبار نكون قد عملنا على هذه الأخبار ، لأ نّها داخلة
فيها ، وإن عملنا على هذا الخبر احتجنا أن نسقط تلك جملةً ، ولأنّ العلم يحصل
بزوال النجاسة مع العمل بتلك الأخبار ولا يحصل مع العلم بهذا الخبر .
|
فالشيخ لا يمنع
العمل بالخبر الشاذّ مطلقا إلاّ إذا امتنع الجمع ، وهذا يفهم بأنّ دلالة الشاذ
عنده بنحو الاقتضاء والقابلية ؛ أي أنّه بنفسه حجّة لولا المعارضة ، لأنّ الترجيح
فرع الحجّيّة الاقتضائيّة كما يقولون.
٢ ـ ونحوه قال
الشيخ في (باب المصلي يصلي وفي قبلته نار) :
فأما ما رواه محمد
بن أحمد بن يحيى عن الحسن بن الحسين بن عمرو عن أبيه عمرو بن إبراهيم الهمداني رفع
الحديث ، قال قال : أبو عبداللّه 7 ، لا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه ،
ان الذي يصلي له اقرب إليه من الذي بين يديه.
|
فهذه
الرواية شاذة مقطوعة الاسناد وهي محمولة على ضرب من الرخصة وان كان الافضل ما
قدمناه .
|
٣ ـ وقال الشيخ في
باب « من فاتته
صلاة فريضة فدخل عليه وقت صلاة أُخرى
__________________
فريضة
» :
فأمّا ما رواه سعد
بن عبداللّه ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن
مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبداللّه 7 ، قال : سألته عن الرجل يفوته المغرب حتى تحضر العتمة ، فقال
: إِن حضرت العتمة وذكر أنَّ عليه صلاة المغرب فإن أحبَّ أن يبدأ بالمغرب بدأ وإن
أحبّ بدأ بالعتمة ثم صلّى المغرب بعدها.
|
فهذا
خبر شاذّ مخالف للأخبار كلّها ، لأنّ العمل على ما قدمناه من أنّه إذا كان الوقت
واسعا ينبغي أن يبدأ بالفائتة ، وإن كان الوقت مضيّقا بدأ بالحاضرة ، وليس هاهنا
وقت يكون الإنسان فيه مخيّرا ، ويمكن أن يحمل الخبر على الجواز والأخبار الأوّلة
على الفضل والاستحباب .
|
انظر إلى الشيخ
كيف يسعى للجمع بين الخبر الشاذّ وغيره ، فلو لم يكن للخبر الشاذ حجيّة اقتضائيّة
عنده ـ أو قل صحيحا عنده لدرجة مّا ـ لما سعى للجمع بينه وبين الأخبار الأخرى ؛
يشهد لذلك أنّه أفتى بمضمونه حيث قال : « يحمل الخبر على الجواز » ؛ أي جواز الابتداء بصلاة المغرب أو العتمة ، مع أنّ المشهور
الروائي ينصّ على أن يبتدئ بالعتمة ويقضي المغرب ، وصلاة العتمة هي صلاة العشاء.
٤ ـ وقال الشيخ
الطوسي في أبواب «
ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه » باب مس الحديد : وأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن الحسن بن
علي بن فضال ، عن عمرو بن سعيد المدائني ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسى ، عن
أبي عبداللّه 7 في الرجل إذا قصّ أظفاره بالحديد ، أو جزّ من شعره أو حلق
قفاه : فإنّ عليه أن يمسحه بالماء قبل أن يصلي :
__________________
سُئل : فإن صلّى
ولم يمسح من ذلك بالماء؟ قال : يعيد الصلاة لأنّ الحديد نجس ، وقال : لأنّ الحديد
لباس أهل النار والذهب لباس أهل الجنّة.
|
فالوجه
في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من الاستحباب دون الإيجاب ؛ لأنه خبر شاذّ مخالف
للأخبار الكثيرة ، وما يجري هذا المجرى لا يعمل عليه على ما بيّنّاه .
|
فالشيخ ; حمل الخبر الشاذ
هنا على ضرب من الاستحباب ، وهو يؤكّد أخذه بمضمونه.
٥ ـ وقال الشيخ في
« باب
البئر يقع فيها الدم القليل والكثير » :
فأمّا ما رواه
الحسين بن سعيد ، عن محمد بن زياد ، عن كردويه ، قال : سألت أبا الحسن 7 عن البئر يقع
فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر؟ قال : ينزح منها ثلاثون دلوا.
|
فهذا
الخبر شاذّ نادر ، وقد تكلّمنا عليه فيما تقدّم ؛ لأ نّه تضمّن ذكر الخمر
والنبيذ المسكر الذي يوجب نزح جميع الماء ، مضافا إلى ذكر الدم ، وقد بيّنّا
الوجه فيه ، ويمكن أن يحمل فيما يتعلّق بقطرة دم أن نحمله على ضرب من الاستحباب
، وما قدّمناه من الأخبار على الوجوب لئلا تتناقض الأخبار .
|
وهذا أيضا رقم آخر
يؤكّد ما قلناه من أنّ الشيخ يفتي بمضمون الشاذ نظرا لدلالته الاقتضائية.
ونحوه ما رواه
الشيخ في التهذيب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سالت الرضا 7 عن المذي فأمرني
بالوضوء منه ، ثم أعدت عليه في سنة أخرى فأمرني
__________________
بالوضوء منه وقال
: ان علي بن أبي طالب 7 أمر المقداد بن الاسود أن يسأل النبي 6 واستحيا أن يسأله
فقال : فيه الوضوء.
|
فهذا
خبر ضعيف شاذ والذي يكشف عن ذلك الخبر المتقدم الذي رواه إسحاق بن عمار عن أبي
عبداللّه 7 وذكر قصة أمير
المؤمنين 7 مع المقداد وانه
لما سأل النبي 6 عن ذلك فقال : لا
بأس به ، وقد روى هذا الراوي بعينه انه يجوز ترك الوضوء من المذي ، فعلم بذلك ان
المراد بالخبر ضرب من الاستحباب .
|
وقد ذكر الشيخ
المفيد في المقنعة عدة انواع من الاستخارات وقال :
|
وهذه
الرواية شاذة ليست كالذي تقدم ، لكنا اوردناها للرخصة دون تحقيق العمل بها .
|
وعلق المحقق في
المعتبر على ما رواه الشيخ بسنده عن الحسن بن محبوب عن العلاء قال سألت أبا
عبداللّه 7 عن الرجل يصيب ثوبه الشيء فينجسه فنسى أن يغسله ويصلي فيه ثم تذكر أنه لم يكن
غسله أيعيد الصلاة قال : «لا
يعيد قد مضت صلاته وكتبت له».
|
قال
الشيخ هذا خبر شاذ لا يعارض به الأخبار التي ذكرناه ويجوز أن يكون مخصوصا بنجاسة
معفو عنها. وعندي إن هذه الرواية حسنة والأصول يطابقها لأنه صلى صلاة مشروعة
مأمور بها فيسقط بها الفرض ويؤيد ذلك قوله 6
عفي لأمتي عن الخطا والنسيان لكن القول الاول اكثر والرواية اشهر .
|
وقال أيضا في بعض
اقوال زكاة الذهب والفضة :
__________________
|
والجواب
عما احتج به بعض الاصحاب ، إنما ذكرناه أشهر في النقل ، وأظهر في العمل ، فكان
المصير إليه أولى. وقال الشيخ 2 في الخلاف : وقد
تأولنا الرواية الشاذة ، وأشار إلى هذه الرواية ، وقال في التهذيب : «يحمله قوله
«وليس فيما دون الاربعين دينارا شيء» على أن المراد بالشيءِ دينار ، لان لفظ
الشيء يصح أن يكنى به عن كل شيء». وهذا التأويل عندي بعيد وليس الترجيح إلاّ بما
ذكرناه .
|
كان هذا بعض الشيء
عن الخبر الشاذّ عند القدماء وطريقة تعامل الشيخ الطوسي معه.
الطوسي بين الفتوى بالجواز
وشذوذ أخبار الشهادة
تبيّن من الأمثلة
التي سقناها آنفا أنّ الشيخ الطوسي لا يعمل بالشاذ إذا ما استحكمت المعارضة مع ما
هو مشهور ، لكن إذا أمكنه الجمع فإنه لا يترك الشاذّ ويفتي بمضمونه ، فقد مرّ أنّ
الشاذّ عند الشيخ ـ خلال الأمثلة الآنفة ـ يكون دليلاً على الجواز كما في خبر من
فاتته صلاة المغرب حتى دخل وقت صلاة العتمة ، وهذا معناه أنّ الخبر الشاذ عند
الشيخ قد يصل إلى مرحلة الحجّيّة الفعلية مع إمكانية الجمع ولا يقف على الحجية
الاقتضائية فقط.
وبناءً على ذلك
نقول : إنّ الشيخ وصف أخبار الشهادة الثالثة بأنّها شاذّة لكنّه مع ذلك قال بجواز
الإتيان بها حين جزم قائلاً : «
لم يأثم به » ، وليس لهذا معنى
إلاّ أنّه أفتى بمضمونها. وهذا معناه أنّ أخبار الشهادة الثالثة لا تنهض لإثبات
جزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان لشذوذها ، ولأنّ روايات الأذان المشهورة المعوّل
عليها
__________________
لم تذكر ذلك ، لكن
مع ذلك يمكن الجمع والفتوى بالجواز ، وعلى هذا الأساس يمكن للفقيه الفتوى بالجواز
بالنظر لذلك ، وهذا بغضّ النظر طبعا عن الأدلّة الأخرى التي تؤدِّي إلى الاستحباب.
الأمر
الثاني : من خلال المقارنة
بين عبارتي الشيخ في «
المبسوط » و « النهاية » نحتمل بأنه ; كان يفتي بجواز العمل بمضمون الروايات المتضمنة للشهادة
الثالثة ، لأنّ قوله في المبسوط بعدم إثم من يقول بـ « أشهد أن عليا أمير المؤمنين » ، و «
آل محمد خير البرية » ، هو معنى آخر لما قاله عن اختلاف الروايات في فصول الأذان ، وأنّ العامل على
إحدى هذه الروايات لم يكن مأثـوما ، أمّا لو أراد القائل أن يقول بالجزئية فيها
استنادا لبعض هذه الروايات فسيكون مأثوما ومخطئا ، لشذوذها وقد مر عليك ما احتمله
البعض بأ نّه ليس بمأثوم وإن كان مخطئا ، لأ نّه بذل وسعه للحصول على الحكم وإن
كان مخطئا فيما توصل إليه ، وبهذا لا يكون تلازم بين الاثم والخطا ، فتأمل.
توضيح ذلك : أنّ
الشـيخ يجيز الإتيان بها لا على نحو الجزئية ، لأ نّه لم يعتبر الشهادة بالولاية
من « فضيلة
الأذان ولا من كمال فصوله » ، وهو معنى آخر لما قاله في النّهاية من أنّ العامل بها كان مخطئا ، وبذلك
يكون نهيه من الاتيان بها إنّما هو الإتيان بها على نحو الجزئية ، لكونها ليست من
أصل الأذان وأنّ العامل بها على نحو الجزئية يكون مخطئا.
أمّا لو أتى بها
لمحبوبيّتـها أو بقصد القربة المطلقة ، فالشيخ لا يمانع من الفتوى بالجواز ، كما
جزم في قوله : « ولو فعله
لم يأثم به » ، وكلام الشيخ
هنا يجري مجرى كلام الشيخ الصدوق ; وما ذهب إليه السيّد المرتضى ; ، فكلّهم لا يرتضون الجزئية لعدم مساعدة النصوص على القول
بها ، وهذا يعني عند هؤلاء الأعلام الثلاثة أنّه لا توجد روايات ناهضة للقول
بجزئيتها ، ولقد تقدّم في الأمثلة التي سردناها عن الشيخ الطوسي بأنّ الشيخ يرى
حجيّة الشاذّ بنحو الاقتضاء ـ بل
الفعلية فيما لو
أمكن الجمع ـ ولذلك أفتى بمقتضى هذا المبنى بالاستحباب ، فقد قال في ردّ مضمون الخبر
المصرّح بضرورة غسل موضع قصّ الأظافر بالحديد : « فالوجه في هذا الخبر ( الشاذ ) أن نحمله على
ضرب من الاستحباب ».
ومن كلّ ذلك نقف
على نتيجة مهمّة ، وهي أنّ الشيخ لم يكن يرى الحجيّة الفعلية في أخبار الشهادة
الثالثة للقول بجزئيتها أو للفتوى بالاستحباب ، فالشيخ لم يقل بحملها على ضرب من
الاستحباب هنا كما فعل بالخبر الشاذّ المصرِّح بوجوب غسل موضع قص الاظافر بالحديد
، وهذا معناه أنّ أخبار الشهادة الثالثة لا تمتلك حجيّة فعلية في خصوص ذلك ، لكن
يبدو كما احتملنا قو يّا بأنّ الشيخ يرى أنّ لها حجيّة فعلية لتكون دليلاً للفتوى
بالجواز ؛ يشهد لذلك أنّه قال : «
لم يأثم به » فالتفِتْ لذلك
فهذا التفضيل قد غاب في كلمات العلماء.
هذا مع الإشارة
إلى أنّ القول برجحان أو عدم رجحان الشهادة الثالثة لا يقف عند هذا الحدّ ؛ إذ
هناك أدلّة أخرى لم يتعرّض لها الشيخ الطوسي ، كالعمومات ، وموثقة سنان بن طريف
وحسنة ابن أبي عمير ، وغير ذلك مما يثبت الرجحان المطلق كما اتضح وسيتّضح أكثر.
الأمر
الثالث : قال الشيخ الطوسي
في مقدمة كتابه المبسوط :
وكنت على قديم
الوقت عملت كتاب النهاية ، وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنّفاتهم وأُصولها من
المسائل ، وفرّقوه في كتبهم ، ورتّبته ترتيب الفقه ، وجمعت من النظائر ، ورتّبت
فيه الكتب على ما رتّبت للعلّة التي بيّنتها هناك ، ولم أتعرّض للتفريع على
المسائل ولا لتعقيد الأبواب وترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين نظايرها ، بل
أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتّى لا يستوحشوا من ذلك .
__________________
هذا وقد عُرِفَ عن
السيّد البروجردي ; ـ وغيره ـ أنّه كان يصرّح في دروسه بأنّ كتب المتقدّمين هي
بمنزلة الأصول المتلقّاة عن المعصومين ، وأنّها متون روائية ، وأنّ جميع كتاب « النهاية » أو أكثره نصوص روايات منقولة عن المعصومين ، وفيها ما يرتبط
بالأذان والإقامة ، والشهادة بالولاية ، ومعناه : أنّ ما فيها لم يكن من وضع
المفوِّضة ، وخصوصا مع تأكيد الشيخ في « النهاية » بأنّ أخبار الشهاده بالولاية جاءت ضمن روايات قد وقف عليها
.
وهذا قد يؤكّد
وجود روايات موجودة في أُصول أصحابنا لا أُصول المفوّضة لعنهم اللّه ، غاية ما في
الأمر أنّ الشيخ لم يتوصّل إلى إمكانيّة حجيّتها الفعليّة للفتوى بالاستحباب وان
تَوَصَّلَ لإمكانيّة الحجّيّة الفعليّة للفتوى بالجواز حسبما بيّنّا.
ولابد لي أن أشير
هنا إلى أنّ البعض يطالبنا بتواتر الأخبار لإثبات الشهادة الثالثة ، وهذا طلب عجيب
منهم ، لأنّ هذا البعض يعلمُ بأنّ الشيعة قد مرّت بظروف قاسية أدّت إلى إزهاق
أرواح الكثير من علمائها ، وأنّ وصول هذه الأخبار الشاذّة قد كلّفنا الكثير من
التضحيات ، فكيف يطلبون منّا لإثبات أمرٍ إعلاميّ كهذا بالتواتر؟!
ألم يكن ذلك من
التعسّف بحقّ علمائنا ورواتنا؟!
نعم ، نحن بكلامنا
هذا لا نريد القول بجزئيّتها ، لأن ليس بحوزتنا ما يدلّ على ذلك ، لكن في الوقت
نفسه نريد التأكيد على عدم استبعاد وجود روايات على ذلك ، وهذا ما نعبّر عنه
بالحجية الاقتضائية لأخبار الشهادة بالولاية.
فعلى سبيل المثال
، قال الشيخ محمد باقر المجلسي ( ت ١١١٠ ه ) في بحار الأنوار مذيِّلاً عبارة
الصدوق : « لا يبعد
كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة
__________________
في
الأذان والإقامة ، لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الاخبار بها » . وهذا يعني عدم
الشكّ في وجود روايات في أصول أصحابنا ؛ دالة على الشهادة الثالثة.
وهذا هو ما جزم به
المجلسيّ الأول في روضة المتّقين ؛ حيث قال : والظاهر أنّ الأخبار بزيادة هذه
الكلمات أيضا كانت في الأصول وكانت صحيحة أيضا كما يظهر من الشيخ والعلاّمة
والشهيد 4 ، فإنّهم نسبوها إلى الشذوذ ، والشاذّ ما يكون صحيحا غير مشهور ... .
وقال الشيخ حسين
العصفور البحراني في ( الفرحة الانسية ) : « واما الفصل المرويّ في بعض الأخبار
المرسلة وهو : « أشهد أن
عليا ولي اللّه » فممّا نفاه الأكثر ، وظاهر الشيخ في المبسوط ثبوته وجواز العمل به ، وهو
الاقوى » .
الأمر
الرابع : إنّ ما حكاه
الشيخ من ورود أخبار شاذّة في الشهادة الثالثة لا يعارضه مع ما حكاه الصدوق عن
المفوِّضة ، فقد تكون الأخبار الشاذّة وما عند المسمَّين بالمفوِّضة مقصودة من قبل
الأئمّة حتى لا يقف الخصم على رأيهم : في الشهادة الثالثة ، وهو أحد الوجوه التي يمكن قولها في
مفهوم التقيّة ، وأنّها لا تقتصر على الخوف من الحكّام ، أو النظر إلى رأي العامّة
، أو ما شابه ذلك ، لأ نّا نعلم أنّ الإمام قد أجاب شيعته في بعض الموارد بأجوبة
مختلفة في المسألة الواحدة ، ولم يكن هناك أحد يخاف منه ، أو أنّ ما رواه أو قاله
ليس فيه ما يوافق رأي السلطة ، بل قالها لأجل عدم إيقاف الخصم على رأي الأئمّة في
ذلك الموضوع.
__________________
بمعنى : أنّ ملاك
تشريع الشهادة الثالثة موجودٌ لكن اقتضاءً وإن لم تُشرَّع فعليا ، أي أنّ الإمام
ذكرها على نحو الاقتضاء وما له إمكانية التشريع لا بنحو العلّة التامّة ، وأودعها
عند بعض اصحابه ولم يرضَ بالبوح بها في ذلك الزمان ، لإمكان تشريعهم
لها ، أي أنّ المقتضى كان موجودا وكذا المانع ، ولا ريب في أنّ المانع ، كفيل
بعدم التشريع ، خصوصا للحفاظ على دماء الشيعة ورقابهم ، وهو نظير قوله 6 : « لولا أن أشقّ على أمّتي
لأ خّرت العشاء إلى ثلثي الليل » ، أو قوله 6 لعائشة : « لولا أنّ قومَك حديثو عهد بجاهلية لنقضت
البيت ولبنيته كما بناه إبراهيم » وهو ظاهر في أن ملاك نقض البيت وإعادة بنائه موجود ، لكن
لم يؤسس النبي عليه حكما ، لوجود مانع ، وهو حداثة عهد الصحابة بالجاهلية ، وكذا
الحال بالنسبة إلى تأخير العشاء ؛ فقد تركه لأ نّه إحراج للأمّة.
وعلى هذا الأساس
يمكننا القـول بأنّ الاحتمال السابق يقوّي استدلال القائلين برجحان ذكر الشهادة
بالولاية في الأذان ، وذلك لارتفاع المانع اليوم من ذكرها ، ولا خوف اليوم على
الشيعة منها ، بل صارت شعارا ورمزا للتشيّع ، فلا يُستبعد ضرورة التمّسك بها ، كما
هو مذهب السّيّدين الحكيم والخوئي ومذهب غيرهما
__________________
قدّس اللّه
أرواحهم.
وفي الجملة : فإنّ
الشـارع المقدّس وإن كان يدور تشريعه مدار الملاكات والمصالح والمفاسد إلاّ أنّ
الموانعَ مأخوذةٌ أيضاً في عملية التشريع ، ومن ذلك ما روته الأ مّة عن النبيّ أنّ
ملاك تشريع وجوب صلاة الليل في ليالي شهر رمضان موجود لكنّ النبيّ مع ذلك لم يشرّع
ذلك لمانع وهو خوفه على الأمة من عدم الامتثال ثمّ الوقوع في المعصية ، ومن هذا
القبيل الشهادة الثالثة ، فيمكن القول أنّ النبي لم يشرّعها مع وجود ملاكها خوفا
على الأمة من التخبط والتقهقر.
ومهما يكن ، فقد
ورد عن أئمّة العصمة في ذلك روايات ظاهرة في أنّ الملاك لا يؤسّس حكما شرعيا لو
كان اقتضائيا ما لم يرتفع المانع ، وهو هنا الخوف على دماء الشيعة.
وإليك الآن بعض الروايات
الدالّة على أنّ الأئمّة هم الّذين يوقعون الاختلاف بين الشيعة كي لا تعرف السلطات
رأيهم ونظرهم في بعض الأحكام كما أشرنا.
فمن ذلك ما رواه
في الكافي في الموثّق عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 قال : « سألته عن
مسألة فأجابني ، ثمّ جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثم جاء رجل آخر
فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمّا خرج الرجلان قلت : يا ابن رسول اللّه
رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان ، فأجبت كلّ واحد منهما بغير ما أجبت
به صاحبه!!
فقال : يا زرارة ،
إنّ هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم. ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدَّقكم الناس علينا ،
ولكان أقلَّ لبقائنا وبقائكم.
قال : ثمّ قلت
لأبي عبداللّه 7 [ الصادق ] : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة أو على النار
لمضوا ، وهم يخرجون من عندكم مختلفين ، قال : فأجابني بمثل
__________________
جواب أبيه.
قال الشيخ يوسف
البحراني في الحدائق : فانظر إلى صراحة هذا الخبر في اختلاف أجوبته 7 في مسألة واحدة
في مجلس واحد ، وتَعَجُّب زرارة ، ولو كان الاختلاف إنّما وقع لموافقة العامّة
لكفى جواب واحد بما هم عليه ، ولما تعجّب زرارة من ذلك ، لعلمه بفتواهم : أحيانا بمّا
يوافق العامة تقيّة.
ولعلّ السرّ في
ذلك أنّ الشيعة إذا خرجوا عنهم مختلفين ، كلٌّ ينقل عن إمامه خلاف ما ينقله الآخر
، هان مذهبهم على العامّة ، وكذّبوهم في نقلهم ، ونسبوهم إلى الجهل وعدم الدين ، وقَلُّوا
وتشتَّتوا في نظرهم ، بخلاف ما إذا اتّفقت كلمتهم وتعاضدت مقالتهم ، فانّهم
يصدّقونهم ويعلمون أنّهم طائفة كبيرة ذات خطر فيشتدّ بغضهم لهم ولإمامهم ومذهبهم ،
ويصير ذلك سببا لثوران العداوة ، ويكون دافعا لاستئصالهم ومحو شوكتهم وإلى ذلك ، يشير
قوله 7 : « ولو
اجتمعتم على أمرٍ واحد لصدّقكم الناس علينا وكان أقلّ لبقائنا وبقائكم » .
ومن ذلك أيضا ما
رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح ـ على الظاهر ـ عن سالم أبي خديجة ، عن أبي
عبداللّه 7 ، قال : « سأله
إنسان وأنا حاضر فقال : ربّما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلّي العصر ، وبعضهم
يصلّي الظهر؟ فقال : أنا أمرتهم بهذا ، لو صلّوا على وقت واحد لعُرِفُوا فأُخذوا
برقابهم » ، وهو أيضا صر يح
في المطلوب ، إذ لا يخفى أنّه لا تطرُّقَ للحمل هنا على موافقة العامّة ، لاتّفاقهم
على التفر يق بين وقتي الظهر والعصر ومواظبتهم على ذلك .
__________________
ومن ذلك أيضا ما
رواه الشيخ في كتاب العدّة مرسلا عن الصادق 7 : أنه «
سئل عن اختلاف أصحابنا في المواقيت؟ فقال : أنا خالفت بينهم ».
وما رواه الصدوق ; في علل الشرائع بسنده عن [ محمّد
بن بشير و [ حريز ، عن أبي عبداللّه 7 قال : ( قلت له : إنّه ليس شيء أشدّ عليّ من اختلاف
اصحابنا ، قال : ذلك من قِبَلِي ».
وما رواه أيضا عن
الخزاز ، عمّن حدثه ، عن أبي الحسن 7 ، قال : «
اختلاف أصحابي لكم رحمة ، وقال 7 : إذا كان ذلك جمعتكم
على أمر واحد ».
وسئل عن اختلاف
أصحابنا فقال 7 : «
أنا فعلت ذلك بكم ، ولو اجتمعتم على أمر واحد لأُخِذَ برقابكم » .
كان هذا عن
المسائل المتباينة في الأحكام ، أمّا ما نحن فيه فلا تباين في أخبار الأذان ، بل
بينهما إجمال وتفصيل ، ممّا يمكن الجمع بينها ، وخصوصا بعد أن عرفنا أنّ الاختلاف
في الرواية هو خير للأئمّة وأبقى لشيعتهم ، لانه 7 قال : «
ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدَّقَكم الناس علينا ». ثم يكيدون بنا ، وهذا ما لا يريده الأئمّة قطعا.
وعلى هذا الأساس
يمكن القول أيضا بناء على ذلك الاحتمال : أنّ روايات الشهادة الثالثة ـ التي وصفها
الشيخ الطوسي بالشاذّة ـ قد صدرت عن الأئمّة فعلاً ، لكنّها صدرت لا على نحو
التشريع ؛ إذ لا تمتلك ملاكا تامّا للتشريع والفتوى بالاستحباب والقول بالجزئية ، بل
صدرت عنهم : باعتبار أنّ الملاك هنا اقتضائي لا غير.
__________________
وهنا لابدّ من
التاكيد إلى أنّ الشيخ قد يحتجّ ـ كما مّر ـ بالشاذّ ، فيحمل مضمونه تارة على
الجواز ، وتارة على ضرب من الاستحباب ، ولكنّه هنا لم يفعل ، كما هو مقتضى الجمع
بين الشاذّ وغيره سوى أنّه أفتى بالجواز بقوله : « لم يأثم » ، ومعلوم أنّ الجواز لا يتقاطع مع مفهوم التقيّة ، ولقد
بَيَّنَّا سابقا أنّ ما أسماها أخبارا شاذة لها حجيّة فعليّة في الجواز ، اقتضائية
فيما عداه من الاستحباب. ونحتمل أنَّ الشيخَ لم يفت بالاستحباب طبق ما أسماه
بشواذّ الأخبار لِما قلناه من أنّ الملاك عنده اقتضائيّ ولم يرتق لأن يكون علّة
تامّة للحكم ، وعليه فلا يمكن القول بالجزئية.
الأمر
الخامس : كما قُلنا بأنّ
الشيخ الطوسي لا يرى تعارضا مستقرّا بين الروايات التي فيها الشهادة بالولاية مع
التي ليس فيها ذلك ـ وأنّ إفتاءه بعدم الإثم في العمل بها يؤكّد بأ نّه ; يرى لها نحوَ
اعتبارٍ على ما بينّاه سابقا ـ كذلك يمكننا القول بأنّ الشيخ الطوسي لَحَظَ أدلّة
المحبوبية المطلقة الأخرى التي تدعوه للقول بالجواز ، وأنّه يراها مشابهةً لما ورد
من الأخبار في اختلاف فصول الأذان والإقامة ٣٥ ، ٣٧ ، ٣٨ ، ٤٢ فصلاً.
وقد اراد البعض ان
يستفيد من عدم وجود نصوص دالة من المعصومين على الشهادة الثالثة أو عدم فعل
المعصومين له الحرمة ، فقالوا أنّ المعصوم لو أراد الجزئية لكان عليه بيان ذلك ، ولمّا
لم يذكرها عرفنا أنّها غير مطلوبةٍ للشارع.
في حين أنّ
المستدل على الجزئيّة يقول: من الثابت علميّا أنّ إحدى مقدّمات الحكمة ، هي امكان
البيان ، بمعنى أنّه يصحّ استدلالهم على نفيها فيما لو كان الإمام يمكنه أن يقولها
لكنّه لم يَقُلْها.
لكنّ الواقع خلاف
ذلك ، لأنّ المطّلع على مجريات الأحداث بعد رسول اللّه 6 يعلم بأنّ الإمام
كان لا يمكنه قولها ، لأنّ شيعته سيفهمون من كلامه الجزئية ـ لأنّ كلامه 7 نصٌّ شرعيٌّ يجب
التعبد به ـ ولصارت سببا لإهدار دماء كثيرة ، وهذا ما لا يريده الإمام 7 ، فهو على غرار
قول النبي 6 : « لولا أن
أشقّ على اُمتي
لأخّرت
العشاء إلى ثلثي الليل » ولكون الاتيان بالشهادة الثالثة في الأذان أمر جائز وليس بواجب حتى يلزم
للإمام ان يبينه مثل «حي
على حي العمل».
لأنّ الشهادة
بالولاية في الأذان لم تكن كغيرها من الأمور المعرفيّة التي يمكن الإسرار بها
والاحتفاظ بها عند الخاصة ، بل انه أمرٌ إعلاميّ يجب الجهر به ، والجهر بالولاية
في مثل تلك الظروف يساوق قتل المعصوم وقتل شيعته ، ولأجل ذلك لم يلزم الشارع
المقدس المسلمين للقول بها ، فكان تركها وعدم إيجابها رحمة للمؤمنين ، وسعة لشيعة
أمير المؤمنين.
وعليه فلا تحقُّقَ
للإطلاق المقاميّ هنا ، لعدم قدرة الإمام على بيانه ، لما في هذا البيان من عواقب
تستوجب هدر الدماء ، كلُّ ذلك مع توفّر الملاكات في ذلك لكنّ الجعل غير ميسور ، وبمعنى
آخر : المقتضي موجود ، والمانع موجود كذلك.
ويمكن أن يجاب
كلامهم بنحو آخر وهو : إنّ عدم الذكر أعمّ من عدم الجعل ، فقد يكون الأمر مجعولا
شرعيّا لكنّ الشارع أخّر بيانه لأمورٍ خاصة ، وهذا يتّفق مع مرحليّة التشريع وأنّ
الأحكام لم يؤمر بها المكلّف دفعةً واحدة في بدء التشريع ، بل نزلت تدريجا ، بل قد
يكون الحكم مُودَعا عند الأئمة موكولاً إلى وقت رفع المانع عنه ، وهذا ما رأيناه
في عصر النبي 6 والأئمة ، فكم حكم اتّضح حاله بعد رفع المانع ، وهناك
أحكام أُخرى مخفيّة ستظهر بعد ظهور الإمام الحجة عجل اللّه تعالى فرجه الشريف ، والذي
مر عليك بأ نّه سيأتي بأمر جديد .
الأمر
السادس : ان الشيخ الطوسي
كثيرا ما يتعرّض في التهذيب والاستبصار والمبسوط والعدّة لآراء مَن قَبْلَهُ ، وخصوصا لآراء امثال
الشيخ الصدوق ؛ قال في العدة : إنّا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه
الأخبار ، فوثّقت الثقات منهم
__________________
وضعّفت الضعفاء ، وفرّقوا
بين من يعتمد على حديثه وروايته ومن لا يعتمد ... إلى أن قال : وصنّفوا في ذلك
الكتب واستثنوا الرجال من جملة ما رووهُ من التصانيف في فهارسهم ، حتّى أنّ واحدا
منهم إذا انكر حديثا نظر في إسناده وضعّفه بروايته ، هذه عادتهم على قديمِ الوقت
وحديثِهِ لا تنخرم .
وقول الشيخ : « واستثنوا الرجال من
جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم » منصرف إلى الشيخ الصدوق وشيخه ابن الوليد اللذين استثنيا
كثيرا من رواة نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري ، قال النجاشي في
ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى : ... وكان محمّد بن الحسن ابن الوليد يستثني من رواية
محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمد ابن موسى الهمداني ، وما رواه عن رجل أو
يقول : بعض اصحابنا ... وأخذ النجاشي يعدّد الأسماء حتى وصلت إلى ٢٥ اسما ، ثم قال
: قال أبو العباس ابن نوح : وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في
ذلك كلّه ـ وتبعه أبو جعفر بن بابويه ; على ذلك ـ إلاّ في محمد بن عيسى بن عيسى ، فلا أدري ما
رابه فيه ، لأ نّه كان على ظاهر العدالة والثقة .
أمّا فيما نحن فيه
فقد عنى الشّيخُ الطوسيُّ الشيخَ الصدوقَ كذلك ، لأ نّه قال في النهاية : وأمّا ما
روي في شواذّ الأخبار من قول «
أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه ، وآل محمد خير البرية » ... ، وقال في المبسوط : فأمّا قول : أشهد أنّ عليّا أمير
المؤمنين ، وآل محمد خير البرية على ما ورد في شواذّ الأخبار ...
وكلامه ; ناظر إلى كلام
الشيخ الصدوق ـ فيما احتمل قويّاً ـ ، لأنّ العبارات الثلاث التي أتى بها الشيخ هي
نفس عبارات الصدوق.
١ ـ محمد وآل محمد
خير البرية.
__________________
٢ ـ أشهد أن عليا
ولي اللّه.
٣ ـ أشهد أن عليا
أمير المؤمنين حقّا.
فهذه الجمل الثلاث
التي وردت في «
النّهاية» و « المبسوط » هي نفس ما حكاه الصدوق في « الفقيه » ، لكن بفارق جوهريّ هو أنّ الشيخ الصدوق ادّعى وضعها من
قبل المفوّضة ، والشيخ الطوسي ; كان يراها روايات شاذّة غير معمول بها لظروف التقية ، وكان
كلاهما متّفقين على عدم لزوم الاخذ بها ، لكنّ الشيخ الطوسي أفتى بجواز فعلها لا
على نحو الجزئية لقوله : «
ولو فعله الإنسان لم يأثم به ».
فلو كان الشيخ
الطوسي لا يعني الصدوق لأتى بالجملة التي كانت تقال في الموصل على عهد أُستاذه
السيّد المرتضى : «
محمد وعلي خير البشر » مع الجمل الثلاث الأخرى ، دون اختصاصه بالجمل الثلاث التي اتى بها الصدوق :
إنّ الشيخ الطوسيّ
بعد أن عدّ الأقوال في صيغ الأذان والإقامة وأنّها : خمسة وثلاثون فصلاً ، وروي
سبعة وثلاثون فصلاً في بعض الروايات ، وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلاً ، وفي بعضها
اثنان وأربعون ، قال : فإن
عمل عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوما ، وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار
منها قول « أشهد أن عليا ولي اللّه » و « آل محمد خير البرية » فممّا لا يعمل
عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل بها كان مخطئا.
وقال في المبسوط :
وفي
أصحابنا من جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان وزاد فيها : « قد قامت الصلاة »
مرتين ، ومنهم من جعل في آخرها التكبير أربع مرّات ، فأما قول : « أشهد أن عليا
أمير المؤمنين » و « آل محمد خير البرية » على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس
بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير أنّه ليس من فضيلة
الأذان ولاكمال فصوله.
وهذان النصان
يوقفاننا على أنّ أخبار الشهادة بالولاية معتبرة عند الشيخ
الطوسي إلى حدٍّ
ما وهو حد الاقتضاء دون الفعلية ، وهو ما سوّغ له فيما احتملنا قو يّا إفتاؤه
بالجواز وعدم الإثم بموجب اقتضائيّتها ، وهذا يقارب قوله: « لم يكن مأثوما » في العمل طبق أخبار اختلاف عدد فصول الأذان.
هذا التقارب
يجعلنا نحتمل قو يّا أنّ الشيخ جوّز ذكر الشهادة الثالثة في الأذان اعتمادا على
الأخبار الشاذّة ، لكن في مرحلتها الاقتضائية دون الفعلية ، وقد يمكن أن يقال أن
الشيخ كان يرى الحجية الكاملة لشواذّ الأخبار لقوله « فإن عمل عامل على احدى هذه الروايات لم يكن
مأثوما » لأ نّه ; لم يقل « كان مصيبا » بل قال «
لم يكن مأثوما » فمعناه أن العامل بتلك الاخبار لم يكن مأثوما وإن كان مخطئا بنظر الشيخ
الطوسي ؛ لأ نّه عمل باخبار شاذة مع وجود الأذان المحفوظ عندهم وعملهم به فتأمل!!!
وقد يكون الشيخ
اعتبر تلك الأخبار شاذة لتصوره أنّها قد وردت عن الأئمة على نحو الجزئية ، وأن عدم
عمل الطائفة بتلك الأخبار جعلتها شاذة ، اما لو اعتبرنا ورود تلك الأخبار على نحو
التفسيرية والبيانية من قبل المعصومين فلا معنى لاعتبارها اخبارا شاذة وذلك لعدم
معارضتها مع الروايات البيانية الصادرة عن المعصومين في صيغ الأذان.
وبهذا فلا يجوز
الاخذ بالأخبار الشاذة أن اخذت على نحو الجزئية اما إذا اعتبرت من قبيل التفسير
والاتيان بالمستحب ضمن المستحب كما هو الحال في استحباب الصلاة على الرسول كلما
ذكر اسمه في الأذان أو في غيره لا يجعلها جزءا من الأذان والإقامة ولا يبقى مانع
من الاخذ بتلك الاخبار والعمل بها.
وعليه فالشيخ
الطوسي فيما يحتمل كان قد عنى بكلاميه الانفين الشيخ الصدوقَ ، وذلك لاتّحاد النصّ
الموجود في « الفقيه » مع ما قاله الشيخ في « النهاية » و «
المبسوط ».
الأمر
السابع : من المعلوم أن
الشيخ الطوسي قد وقف على كتب لم يقف عليها غيره ، منها
مكتبتين عظيمتين : أولاهما : مكتبة أبي نصر
سابور وزير بهاء الدولة البويهي ، والذي قال عنها ياقوت الحموي : « ولم يكن في الدنيا
أحسن كتبا منها ، كانت كلّها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحرّرة ... » .
وثانيتهما مكتبة
أستاذه السيّد المرتضى الثمانيني ـ والذي لقّب بهذا اللقب لأنّ مكتبته كانت تحتوي
أكثر من ثمانين ألف كتابا سوى التي أهديت إليه من الرؤساء والأشراف والتجّار ، وله
ثمانون قرية ، وتوفّي وعمره ثمانون عاما ـ وقد كان السيّد المرتضى شيخ الشيعة في
وقته وموضع اهتمام الجميع.
وقد استفاد الشيخ
الطوسي من هاتين المكتبتين كثيرا قبل دخول السلاجقة بغداد عام ٤٤٧ ه وإسقاط
الدولة البويهية وحرقهم لمكتبة أبي نصر سابور وغيرها من الدور الشيعية في الكرخ.
قال ابن الجوزي في
حوادث سنة ٤٤٨ ه : وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره . ثم قال في حوادث
سنة ٤٤٩ ه : وفي صفر من هذه السنة كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة بالكرخ
، وأُخِذَ ما وجد من دفاتره ، وكرسيٌّ كان يجلس عليه للكلام ، وأُحرِقت مكتبته .
فيحتمل قو يّا أن
يكون الشيخ الطوسيّ ; ـ قبل هجوم السلاجقة على بغداد ـ قد وقف على أخبار دالّة
على الشهادة الثالثة في أُصول أصحابنا ، لكنّها كانت أخبارا آحادا لا تقوى على
معارضة غيرها ، ونظرا لاعتقاده بحجيّتها الاقتضائيّة دون الفعلية على ما فصّلنا
سابقا ، وأنّها حجّة عنده ، لفتواه بالجواز وعدم الإثم ـ خلافا لأُستاذه المرتضى
وتلميذه ابن إدريس في خبر الاحاد ـ كان عليه أن يأخذ
__________________
بها ، ولمّا لم
نره يأتِ بأسانيدها في كتبه فليس لنا إلاّ أن نقول أنّه تركها لمخالفتها لما اشتهر
عند الأصحاب من أنّ الشهادة بالولاية ليست جزءً في الأذان ، أو للتقيّة لأنّ الشيخ
لم يأتِ بتلك الأخبار وأسانيدها للظروف التي كان يعيشها ؛ لأ نّه مرّ بظروف قاسية
جدّا.
وممّا حُكي بهذا
الصدد أنّه وُشي بالشيخ الطوسي إلى الخليفة العباسي بأ نّه وأصحابه يسبّون الصحابة
، وكتابَهُ المصباح يشهد بذلك ؛ لما في دعاء زيارة عاشوراء : « اللّهمّ خصَّ أنتَ
أوَّل ظالم باللعن مني ... ».
فأجاب الشيخُ
الخليفَة بأنّ المراد بالأول قابيل قاتل هابيل ، وهو أوّل من سنّ القتل والظلم.
وبالثاني عاقر ناقة صالح. وبالثالث قاتل يحيى. وبالرابع عبدالرحمن بن ملجم قاتل
علي بن أبي طالب.
فرفع الخليفة عنه
العقوبة .
فتلّخص ممّا سبق أنّه
ليس هناك تعارضٌ بين قولي الشيخ في النهاية والمبسوط ، لأ نّه ; عنى بقوله الأوّل
الذين يأتون بها على نحو الجزئية وهؤلاء مخطئون حسب قواعد الاستنباط ، وأمّا الذين
يأتون بها لجوازها في نفسها فلا إثم عليهم.
ولا يخفى عليك أنّ
الشيخ قال في النهاية : «
كان مخطئا » ولم يقل : « كان مبدعا » كما قاله في الذين يأتون بجملة « الصلاة خير من النوم
» ، والفرق بين
الأمر ين واضح.
وممّا يجب التنبيه
عليه هنا هو أنّ الشيخ ألّف كتابه « النهاية » قبل «
المبسوط » ، لأ نّه ; ذكر النهاية
والتهذيب في مقدّمة الاستبصار وفي مشيخته ولم يذكر غيرهما
__________________
من كتبه ، وهو
يؤكّد بأنّ النهاية والتهذيب قد ألِّفا قبل الاستبصار.
وبمراجعةٍ لكتاب
الخلاف والمبسـوط والعدّة وغيرها من كتبه نرى الشيخ ذكر « الاستبصار » فيهما ، وهذا يعلمنا بأنّ المبسوط قد ألِّف بعد الاستبصار
، ومنه نفهم بأنّ نص النّهاية هو الأوّل ثم يتلوه نصّ المبسوط الذي نفى فيه الإثم.
وهو الآخر يرشدنا
إلى أنّ القول الأوّل للشـيخ في «
النّهاية » كان قريبا إلى
الصدوق حيث أنّهما كانا يعنيان بكلامهما الآتِينَ بالشهادة الثالثة بقصد الجزئية
المسمَّين بالمفوَّضة ، ولكنّ الشيخ في « المبسوط » عنى الذين يأتون بها لمحبوبيّتها الذاتية ، ولذلك ليسوا هم
بآثمين.
وفي هذين النصَّين
إشارة إلى حدوث نقلة نوعية في كلامه ; ؛ لأ نّه في نصّ « النهاية » كان يتصوّر ـ كالشيخ الصدوق ـ أنّ القائلين بالشهادة
بالولاية غالبهم ممن يقولون بها على نحو الجزئية ، وأنّ تهمة التفو يض المحرّم
تدور مدارهم ، ولأجله خَطَّأَهُم ولم يشر إلى الرأي الآخر ، لكنّه في « المبسوط » تحقق له أنّ عمل غالب الشيعة ـ الذين يأتون بها آنذاك ـ لم
يكن على نحو الجزئيّة ، بل أنّهم كانوا يأتون بها لمبحوبيّتها الذاتيّة ولرجاء
المطلوبية فأشار إلى الحكم الآخر في المسألة وقال بعدم الإثم في العمل بها.
ويؤيّد ذلك ما ورد
عن السيّد المرتضى بعد أن سُئل عن قول القائل : « محمد وعلي خير البشر » ، بعد : «
حي على خير العمل » ، فقال :
إن قال : « محمد وعلي خير البشر
» على أن ذلك من
قوله خارج من لفظ الأذان جاز ، وإن لم يكن فلا شيء عليه.
اذن فالسيّد
المرتضى والشيخ الطوسي رحمهما اللّه تعالى هما أوّل من فكّكا بين الأمرين :
الجزئية والمحبوبيّة الذاتية ، والشيخ لا يقول باستحباب الشـهادة بالولاية في
الأذان ، علاوة على عدم القول بجزئيّتها تبعا لما ورد في شواذّ الأخبار ، لأ نّه
لا يأخذ بالخبر الشاذّ إلاّ إذا سلم من المعارِض ، كالعمومات ، والإجماع ،
والأخبار
المتواترة ، لأنّ أمثال هذه الأمور لا يجوز تخصيصها بمثل الشاذّ النادر.
وعليه : فالشيخ
يرى في شواذّ الأخبار الحجيّة الاقتضائية لا الفعلية ، وهذا هو الذي دعاه أن لا
يقول باستحبابها ، لقوله : «
غير انه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله » لعدم عمل الطائفة بها ، لكنّه في الوقت نفسه ـ حسب ما
احتملناه سابقا ـ يرى حجيّتها الفعلية في مرحلة الجواز ، ولذلك أفتى بعدم الإثم
بفعلها لو قيلت على غير الجزئية كالمحبوبية الذاتية أو بقصد القربة المطلقة ، وهو
يؤكّد وجود عمومات أخرى يمكن الاستدلال بها على الجواز.
٥ ـ ابن البراج
الطرابلسي ٤٠٠ ه ـ ٤٨١ هـ
القاضي عبدالعزيز
بن البراج الطرابلسي ، هو من كبار تلامذة الشيخ المفيد والسيّد المرتضى رحمهما
اللّه تعالى ، ويعدّ في مرتبة الشيخ الطوسي ، وعلى أثر تتبّعي لكتابات أعلامنا
حول الشهادة الثالثة لم أقف في كتب ابن البراج المطبوعة ـ بصرف النظر عن المفقودة
ـ على شيء يدل على الشـهادة بالولاية لآل البيت في الأذان غير ما جاء في كتابه « المهـذب ».
فإنه ; لم يُسأل في (
جواهر الفقه ) عن فصول الأذان والإقامة حتى يجيب ، لكنّه في ( شرح جمل العلم
والعمل ) شرَحَ كلام أستاذه المرتضى في فصل الأذان ، ولم يتعرّض إلى
موضوع الشهادة الثالثة لا من قريب ولا من بعيد.
وهكذا كان حال
معاصريه : أبي الصلاح الحلبي ( ٣٧٤ ه ـ ٤٤٧ ه ) ، وأبي يعلى حمزة بن عبدالعزيز
الديلمي المتوفى ٤٤٨ ه ، وسلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي ( من
أعلام القرن السادس ) ، فهم وإن تعرّضو إلى الأذان والإقامة وأنّهما خمسة
وثلاثون فصلاً ، لكنّهم لم يتعرّضوا إلى الشهادة الثالثة لا من باب التفسيرية ولا
من باب المحبوبية الذاتية ، مع أنّ أبا الصلاح قد أشار في ( الكافي ) إلى ما يفتتح
به الصـلاة من التكبير والدعاء وذكر فيه أسماء الأئمّة الاثني عشر واحدا بعد واحد.
__________________
والآن
مع ما قاله ابن البراج في المهذب :
|
ويسـتحبّ
لمن أذّن أو أقام أن يقول في نفسـه عند « حي على خير العمل » : « آل محمّد خير
البرية » ، مرّتين ، ويقول في نفسه إذا فرغ من قوله « حيَّ على الصلاة » : « لا
حول ولا قوّة إلاّ باللّه » ، وكذلك يقول عند قوله « حيَّ على الفلاح » ، وإذا
قال : « قد قامت الصلاة » قال : « اللّهّم أقمها وأدمها واجعلني من خير صالحي
أهلها عملاً » ، وإذا فرغ من قوله « قد قامت الصلاة » قال : « اللهم ربَّ هذه
الدعوة التامّة ، والصلاة الدائمة ، أعْطِ محمّدا سؤله يوم القيامة ، وبلّغه
الدرجة والوسيلة من الجنّة وتقبّل شفاعته في أُمّته » .
|
إنّ هذا النصّ
يوقفنا على أمرين :
أحدهما
: صحّة ما قاله
الشيخ الطوسي في مقدّمة المبسوط من أنَّ الأصحاب كانوا يستوحشون من الفتوى بغير
ألفاظ الروايات ، وأنّ غالب كتب القدماء هي متون روايات وبمنزلة الأُصول المتلقّاة
عن المعصومين ، لأنّ الفتوى بالاستحباب من قبل ابن البرّاج متفرِّع على وجود رواية
في الباب وخصوصا حينما يقيّدها بعدد كمرتين.
ويؤيد ذلك أن
الاذكار الموجودة في كلام ابن البراج إنما هي مروية في روايات أهل البيت وجاءت في
كلمات الفقهاء ، ولعل ترتـيب ذكر الأذكار من تقديم الحيعلة الثالثة على الحيعلتين « حيَّ على الصلاة » و «
حيَّ على الفلاح » كان كذلك في أصل الرواية ولذلك قدمها بالذكر.
الثانية
: وقوف ابن البرّاج
على تلك الروايات ووصولها لديه ؛ فقد يقال بأن قوله ; باستحباب قول « محمد وآل محمد خير البرية » في النفس هو لفك
__________________
الحيعلة الثالثة ،
وذلك كاستحباب حكاية ما يقول المؤذن عند سماع الأذان.
فقد روى الشيخ في « المبسوط » والعلاّمة في « التذكرة » مرسلاً بقولهما : وروي أنّه إذا سمع المؤذن يقول « أشهد أن لا إله إلاّ
اللّه » أن يقول : وانا
أشهد ان لا إله إلاّ اللّه ، وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، رضيت
باللّه ربا وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولاً وبالأئمة الطاهرين ائمة ، ويصلي على
النبي وآله .
فقد يكون ابن
البراج من جهة يرى شرعيّة القول بـ « آل محمد خير البرية مرتين » ، لتلك الروايات الدالة على فك معنى الحيعلة ، فيكون كلامه
; معنى آخر لحسنة ابن أبي عمير عن الإمام الكاظم 7 الصريحة في الولاية.
ومن جهة أخرى كان
يخاف من الجهر بها لظروف التقيّة التي كان يعيش فيها ولذلك ذهب إلى قولها سرا ، ومعناه
: إنّ المقتضي موجودٌ للقول بها وكذا المانع وهو الخوف على النفس ، فسعى للجمع بين
الأمرين فأفتى باستحباب أن يقولها المؤذّن سرّا في نفسه عند « حيَّ على خير العمل
» ، خلافا للصدوق
الذي نفاها تقيّةً ، أو لاعتقاده أنّها من وضع المفوّضة يقينا ، أو لعدم ارتضاء
مشايخه لها ، وكذا خلافا للشيخ الطوسي الذي لم يذهب إلى استحباب القول بها ، لكونها
وردت في شواذّ الأخبار ، المخالفة للمعمول عليه عند الطائفة ، فالشيخ أفتى بجواز
العمل بها لكنّه لم يقل باستحبابها لعدم اعتبار الأخبار الشاذّة عنده إن عارضت ما
هو أقوى منها.
وأمّا ابن البرّاج
فقد قال باستحباب قولها سرّا للروايات التي وقف عليها ، وبهذا ترى في فتوى ابن
البراج نقلة نوعيّة وفقهيّة أُخرى في تطوّر سير هذه المسألة الفقهية بعد السيّد
المرتضى والشيخ الطوسي رحمهما اللّه تعالى.
وإنّ تقييد ابن
البرّاج الحكم بمرّتين صريح في أنّه أخذه من روايات كانت
__________________
موجودة عنده تجزم
بالمرتين ، وإلاّ لما ساغ له أن يجزم في فتواه بهذا القيد لشرعي الذي لا يمكن
التفوّه به لفقيه من دون أصل من الأخبار.
وقد يظهر جليا في
ان ابن البرّاج قد وقف على خبر أو اخبار غير التي وقف عليها الشيخ الصدوق ، وذلك
لتقييد الذكر هنا بالاخفات في النفس ، وهذا ما لم نجده عند الصدوق ، مع ان محكي
الشيخ الصدوق تدل على الجزئية ، وهذه الرواية ظاهرة في أنّها مجرد ذِكْر وليست
جزءا ، وعليه تكون هذه الرواية غير مراسيل الصدوق ; المحكية في « الفقيه ».
قال الشهيد في
الذكرى ـ : المسألة الرابعة عشر من باب فيما يؤذّن له وأحكام الأذان ـ : قال ابن
البرّاج ; : يستحبّ لمن أذّن أو أقام أن يقول في نفسه عند « حي على خير العمل » : «
آل محمد خير البرية » مرتين.
وهذا النص من
الشهيد الأوّل يفهم بأ نّه يقرّ بما أفتى به ابن البرّاج ; ، وقد يكون فهم
من فتوى ابن البرّاج أنّ الشهادة بالولاية لآل محمّد هي من أذكار الأذان المندوبة
بالندب الخاصّ لا جزء فصوله ـ كما قدمنا ـ لأ نّه ; قال بعدها : ويقول أيضا في نفسه إذا فرغ من قوله « حي على الصلاة » : لا حول ولا قوة إلاّ باللّه ، وكذلك يقول عند قوله : « حي على الفلاح » ، وإذ قال : « قد قامت الصلاة » قال : «
اللهم أَقِمْها وأَدِمْها ، واجعلني من صالحي أهلها عملاً » ، وإذا فرغ من قوله : « قد قامت الصلاة » قال في نفسه : « اللّهّم ربّ الدعوة التامّة والصلاة القائمة
، أَعط محمدا صلواتك عليه وآله سؤله يوم القيامة ، وبلّغه الدرجة والوسيلة من
الجنة ، وتقبّل شـفاعته في أمّـته » . وهذه هي نفس العبائر التي جاءت في المهذب لابن البراج.
وكلها تشير إلى أنّها ذِكْر وليست جزءا.
وعلاوةً على ما
تقدّم يمكننا القول بأنّ ابن البرّاج قال بذلك لعلمه بأن « حي
__________________
على
خير العمل » معناها الولاية ،
ويجوز تفسيرها بجمل دالّة عليها تدعو لها تحث عليها حسبما اتّضح في الدليل الكنائي
، كمحمد وآل محمد خير البرية ، لأ نّه قيّد الاستحباب للمؤذّن والمقيم لا للسامع ،
لأنّ النداء وظيفة المؤذّن ويتلوه المقيم.
إنّ الصيغة التي
أفتى بها ابن البرّاج : «
آل محمد خير البرية » هي إحدى الصـيغ الثلاث التي قالها الشـيخ الطوسي وغيره من الأعلام بعد الصدوق.
فابن البراج قال
بشرعية « آل محمد
خير البرية ، مرتين » حين الحيعلة وفي نفسه ومن باب الذكر.
والسيّد المرتضى
ذهب إلى شرعية « محمد
وعلي خير البشر ».
والشيخ الطوسي
أشار إلى الصيغ الثلاث التي جاء بها الصدوق في الفقيه.
ففي « النهاية » أشار إلى صيغتين منها ١ ـ أشهد أنّ عليا وليّ اللّه ، ٢ ـ آل
محمد خير البرية.
وفي « المبسوط » أكّد على وجود أشهد أنّ عليا أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية في شواذّ الأخبار.
فالسيّد المرتضى
وضّح جواز الشهادة بالولاية لأهل الموصل في العراق ، وقد يكون الشيخ الطوسي أشار
في كلامه إلى تأذين أهل بغداد وحواليها بالشهادات الثلاث ، وفي كلام ابن البرّاج
إشارة إلى تأذين أهل حلب وضواحيها بصيغة « محمد وآل محمد خير البرية » وقد يمكن أن نقول ان شيعة حلب اذنوا بذلك تبعا لمن
يقلدونهم من الفقهاء كابن البرّاج والسيّد المرتضى والشيخ الطوسيّ رحمهم اللّه
تعالى ، وهو الصحيح الذي لا خلاف فيه.
إذن فصيغة « محمد وعلي خير البشر
» و « أشهد أنّ عليا ولي
اللّه » أو « أشهد أنّ عليا أمير
المؤمنين » أو « آل محمد خير البرية
» كانت صيغا تقال
في الموصل وبغداد وحلب وحمص ، وجميعها تدلّ على أنّها كانت تقال بعد الحيعلة
الثالثة ،
أو قبلها ، وهذا
هو الذي كان عمر بن الخطاب لا يريد فتحها والإتيان بتفسيرهامعها ، وحسب تعبير
الإمام الكاظم « أراد أن
لا يكون حثٌّ عليها ودعاءٌ إليها ».
ولقد أكثرنا القول
بأنّ حذف عمر بن الخطاب لـ «
حيّ على خير العمل » كان بسبب تفسيرها ، وأنّ الحكومات الموالية لعمر والتي جاءت بعده كانت حساسة
تسعى لرفع هذا الشعار الشرعي النبوي ومحوه من المآذن ، وتسعى جاهدة لإخماده خوفا
من إعلاءِ ذكر عليّ 7 من بعده ؛ ولأ نّه يدل على بطلان حكومة من يخالف الإمام
علي ، لأن المؤذن حينما يقول «
حي على خير العمل » يعني بكلامه ـ تبعا لتفسير الأئمة ـ أن الإمام علي هو خير البرية ، وخير البشر
، وبما ان انصار النهج الحاكم كانوا يعتقدون بأن هذا الفصل فيه تعريض بخلفائهم
وتخطئة لمنهجهم فجدّوا لحذف الحيعلة خوفا من تواليه ، ولذلك ترى الصراع قائما
ودائما بين العلو يين وبين الامويين والعباسيين في شعارية هذه المفردة الفقهية
العقائدية السياسية ، كما هو ظاهر في تخالف النهجين في مفردات فقهية اخرى ، وهذا
ما أكّدناه بالأرقام في الباب الأول من هذه الدراسة : ( حي على خير العمل
والشعارية ) .
__________________
٦ ـ يحيى بن سعيد
الحلي ( ت ٦٨٩ ه )
٧ ـ العلاّمة الحلي ( ت ٧٢٦ ه )
اتّضح ممّا سبق
أنّ قوّة الظنّ حاصلة برجحان القول بالشهادة بالولاية في كل شيء ومنها الأذان بغير
قصد الجزئية ، إن لم نقل الشهرة متحقّقة في ذلك قبل الشيخ الطوسي ; ، لأ نّك قد وقفت
في القسم الأوّل من هذا الفصل على محبوبيّة ذكر الولاية في الأذان من خلال تفسير
الإمام الكاظم 7 لـ «
حيَّ على خير العمل » ، ولِما روي عن الإمامين
الباقر والصادق 8 بأنّ الحيعلة الثالثة هي معنى كنائي للشهادة الثالثة ، ولِما
روى الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا أنّه أشار إلى وجود معنى الولاية في الأذان.
وهذه الروايات عن الأئمة لتؤكّد على وجود معنى الولاية في الأذان وجواز التعبير
عنها بأي لفظ شاء وكما جاء في حسنة ابن أبي عمير من قوله 7 : « وإنّ الّذي أمر
بحذفها أراد أن لا يكون حثٌّ عليها ودعاءٌ إليها ». المفهمة بمحبوبيّة ذكر معناها معها.
وكذا وقفت على
تأذين الشيعة بها في بلدان مختلفة قبل ولادة الشيخ الصدوق ، وفي عصره ، ثم من بعده
، وهو مؤشّر آخر على محبوبية الإتيان بهذا الأمر عند الشيعة آنذاك.
وإن ما حكاه الشيخ
الطوسي من وجود روايات شاذّة ، وإفتاء ابن البرّاج باستحباب قولها سرّا بقيد
المرّتين الدالّ على وجود رواية بذلك ، كلّها تؤكّد ما نريد قوله من أنّ هناك
مستندا روائيّا في أصول أصحابنا سوّغ للشيخ الطوسي والسيّد المرتضى الإفتاء
بالجواز وعدم الإثم ، كما سوّغ لابن البرّاج الإفتاء باستحباب «محمد وآل محمد خير
البرية » مرتين.
ولمّا كان غالب
فقهائنا اللاّحقين يستندون في أقوالهم على فتاوى الشيخ الطوسي ومنها هذه المسألة ،
رأينا من الضروريّ أن نقدّم مقطعا من كلام الشيخ
حسن بن زين الدين العاملي في « معالم الأصول » ؛ إذ قال :
|
... وبأنّ الشّهرة الّتي تحصل معها قوّة
الظّنّ ، هي الحاصلة قبل زمن الشّيخ ; لا الواقعة بعده ، وأكثر مايوجد مشهورا في كلامهم حدَثَ
بعد زمان الشيخ ، كما نبّه عليه والدي ; في كتاب الرّعاية الّذي ألّفه في رواية الحديث ، مُبيِّنا لوجهه ، وهو أنّ
أكثر الفقهاءِ الّذين نَشَؤُوا بعد الشيخ ، كانوا يتّبعونه في الفتوى تقليدا له
، لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنّهم به ، فلمّا جاء المتأخّرون ، ووجدوا أحكاما
مشهورة ، قد عمل بها الشّيخ ومتابعوه ، فحسبوها شهرة بين العلماءِ ، وما دروا
أنّ مرجعها إلى الشّيخ ، وأن الشّهرة إنّما حصلت بمتابعته.
قال الوالد ; : وممّن اطّلع
على هذا الّذي تبيّنته وتحققّته ، من غير تقليد : الشيخ الفاضل المحقّق سديد
الدّين محمود الحمصي ، والسيّد رضي الدّين بن طاوس وجماعة. وقال السيّد في كتابه
المسمّى بـ (البهجة لثمرة المهجة) : أخبرني جدّي الصّالح ورّام بن أبي فراس ، أنّ
الحمصي حدّثه أنّه لم يبق للإِماميّة مفتٍ على التّحقيق ، بل كلّهم حاكٍ ، وقال
السيّد عقيب ذلك : والآن فقد ظهر أنّ الّذي يُفتَى به ويُجاب ، على سبيل ما
حُفِظ من كلام العلماءِ المتقدّمين .
|
__________________
وما قلناه سابقا يؤكّد لك بأنّ السيرة في
الشهادة بالولاية لم تكن قد نشأت في عهد الشيخ الطوسي ; ، أو من بعده ، بل
هي كانت سيرة عند أغلب الطوائف الشيعية : زيدية ، وإسماعيلية ، واثني عشرية ، مختلفة
في صيغ الأداء فيها ، فبعضهم يقول : « محمد وعلي خير البشر » ، والآخر « محمد وآل محمد خير البرية » ، وثالث «
أنّ عليا ولي اللّه » أو أن « عليا
أمير المؤمنين » وأن هذه الصيغ هي التي حكاها الشيخ الصدوق في الفقيه والطوسي في المبسوط
والنَّهاية ، وهو مما ينبأ بأن السيرة كانت قائمة على التأذين بها قبل عهد الصدوق
عملاً ورواية.
لكن لم تكن هذه
السيرة إلزاميّة على جميع المؤمنين ، ولم يؤت بها على نحو الجزئية حتّى نقول
بتحقيق الشهرة فيها ، بل هي كانت تؤتى في بعض البقاع دون أُخرى ، وقد تكون في
البقعة الواحدة يأتي بها البعض ويتركها الآخر لعدم كونها جزءا من الأذان وهو ما
نعنيه بكلمة الجواز.
فالذي نريد أن
نؤكّد عليه هنا هو أنّ هذه السيرة لم يكن مرجعها الشيخ الطوسي حتى يقال فيها ما
يقال ، وأنّ الفقهاء من بعده لم يكونوا يتّبعونه في الفتوى بجواز الاتيان بالشهادة
بالولاية في الأذان تقليدا ، وإن كانوا يعيرون إليه كمال الاهتمام ، ويأخذون بقوله
ويستندون على فتاواه ، مع ما لهم من أدلّة أُخرى كالعمومات ونحوها.
إذن ما ينبغي أن
يقال : هو أنّ السيرة في رجحان الشهادة بالولاية مقرونة بتسالم الفقهاء بعدم الإثم
في الإتيان بها ، شريطةَ أن لا تكون على نحو الجزئية والشطرية ، وقد أفتى بذلك
السيّد المرتضى ، والشيخ الطوسي ، وابن البراج رحمهم اللّه تعالى وغيرهم ، وإنّ
ترك الفقهاء من بعد الشيخ الطوسي التعرض لموضوع الشهادة بالولاية في كتبهم ، لا
يعني عدم قولهم بمحبوبيتها بل لتسالمهم على عدم جزئيتها.
وعلى سبيل المثال
، نرى الشهيد الثاني قدسسره جمع بين المطلبين في الروضة
بقوله : « ولا يجوز اعتقاد شرعيّة غير هذه الفصول في
الأذان والإقامة ، كالتشهّد بالولاية لعليّ وأنّ محمّدا وآله خير البرية أو خير
البشر وإن كان الواقع كذلك ، فما كلّ واقع حقّا يجوز إدخاله في العبادات الموظّفة
شرعا المحدودة من اللّه تعالى ، فيكون إدخال ذلك فيها بدعةً وتشريعا .. ، ولو فعل
هذه الزيادة أو إحداها بنيّة أنّها منه أَثِمَ في اعتقاده ، ولا يبطل الأذان بفعله
، وبدون اعتقاد ذلك لا حرج » .
أمّا عدم إشارة البعض إلى حكم من يقول : « محمد وآل محمد خير
البرية » و « عليا ولي اللّه » وأمثالها في اذانه ، فقد يعود لعدم شيوع هذا الأمر في ذلك
الزمان الذي كانوا يعيشون فيه ، وقد يكون تركهم جاء خوفا من السلطان الجائر. وقد
يكون لجوازه وانه لا يلزم الفقيه الاشارة إليه.
وكذا الحال
بالنسبة إلى الذي قد أفتى بالحرمة كالشيخ عبدالجليل القزو يني صاحب كتاب ( النقض )
باللّغة الفارسية والذي كتبه في سنة ٥٦٠ ه ، فقد أفتى بالحرمة لأ نّه رأى بعض
الناس في عهده يقولون بالشهادة بالولاية على أنّها جزء الأذان ، ولأجل ذلك تهجّم
عليهم ولعنهم وقال بلزوم إعادة الأذان .
وعليه فالاشارة من
الفقهاء تأتي لتعديل حالة الافراط والتفريط في الأمة ولبيان الاحكام الواجبة
والمحرمة وقد يشار إلى الأمور المكروهة والمستحبة أمّا الأمور المباحة فليست من
وظائف الفقيه.
وأمّا ابن زهرة
الحلبي ( ٥١١ ـ ٥٨٥ ه ) ، والفضل بن الحسن الطبرسي ( ت ٥٤٨ ه ) ، وابن إدريس الحلي ( ت ٥٩٨ ه ) ، وابن
حمزة ( محمد بن علي
__________________
الطوسي ) ( ت حدود
٥٨٥ ه ) ، وابن أبي المجد الحلبي ( من فقهاء القرن السادس ) . والمحقّق الحلي ( ٦٠٢ ه ـ ٦٧٦ ه
) ، والمحقق الآبي ، المعروف بالفاضل ( من أعلام القرن السابع ) ، وفخر المحقّقين
محمد بن الحسن بن يوسف ( ابن العلاّمة الحلي ) ( ٦٨٢ ـ ٧٧١ ه ) ، فإنّهم لم
يتعرّضوا إلى موضوع الشهادة بالولاية في الأذان ، مع أنّهم قد اشاروا إلى الأذان
والإقامة وأنّ فصولهما خمسة وثلاثون فصلاً.
نعم ، قال يحيى بن
سعيد الحلي ( ٦٠١ ه ـ ٦٩٠ ه ) في « الجامع للشرائع » :
|
والمرويّ
في شاذّ الأخبار من قول « أنّ عليّا ولي اللّه » ، و « آل محمّد خير البريّة »
فليس بمعمول عليه .
|
وهذا النص من يحيى
بن سعيد الحلّيّ يشير إلى وقوفه على ذلك الخبر لأ نّه لم يحكه عن الشيخ ، وهو
يؤكّد بأ نّه ; لم يقل ذلك تقليدا واتّباعا للشيخ ; ، وإن كان نظره
يتّفق مع الشيخ في لزوم ترك الخبر الشاذّ إذا خالف المعمول عليه.
وكذا قال العلاّمة
الحلّيّ ( ت ٧٢٦ ه ) في «
منتهى المطلب » :
|
وأمّا
ما روي في الشاذ من قول « أنّ عليّا وليّ اللّه » ، و « آل محمّد خير البريّة »
فممّا لا يعوّل عليه ، قال الشيخ في المبسوط : فإن فعله لم يكن آثما ، وقال في
النهاية : كان مخطئا .
|
وهذا النصّ من
العلاّمة قد يفهم بأ نّه قد وقف على تلك الأخبار لأ نّه لم يحكها
__________________
اتّباعا وتقليدا
للشيخ ;.
بخلاف ما جاء عنه
في ( تذكرة الفقهاء ) ، حيث قال :
|
قال
الشيخ : ولو عمل عامل بذلك لم يكن مأثوما ، فأمّا ما رُوي في شواذّ الأخبار من
قول : « أنّ عليّا ولي اللّه » ، و « آل محمد خير البرية » فممّا لا يعمل عليه
في الأذان ، فمن عمل به كان مخطئا .
|
كانت هذه هي
النصوص التي وصلتنا من أواخر القرن السابع الهجري وحتى أوائل القرن الثامن الهجري
، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ العلاّمة لم يشر إلى هذه الحقيقة إلاّ في كتابيه
المعنيَّين بأمور الخلاف مثل : «
منتهى المطلب » و « تذكرة
الفقهاء » ، وأمّا في كتبه
الأخرى كالتحرير والمختلف والتبصرة وارشاد الاذهان والقواعد وتلخيص المرام فلم يشر إلى ما جاء في شواذّ الأخبار ، وإن ذكر الأذان
والإقامة وأنّ فصولهما خمسة وثلاثون فصلاً على الأشهر ، فعدم تعرّضه إلى موضوع
الشهادة بالولاية في الأذان ، في الكتب المعنيّة بالاستدلال والإفتاء ـ داخل دائرة
المذهب الواحد ـ ليشير إلى عدم صيرورة الشهادة بالولاية شعارا عامّا لكلّ الشيعة
في ذلك الزمان ، وذلك لعدم جزئيته لا لعدم مشروعيته ، إذ الشيعة لم يكن بمقدورهم
أن يأتون بها جهارا من على المآذن ، وإن كان البعض من خلّص الشيعة يأتي بها سرّا.
فالقول بالجواز
شيء ، والقول بالاستحباب أو كونه جزءا شيء آخر.
__________________
فالشيخ الطوسي ، وابن
البرّاج ، والعلاّمة رحمهم اللّه تعالى ، وغيرهم كانوا يخالفون من يأتي بها كجزء
في الأذان ؛ لعدم الدليل عندهم عليها ، في حين أنّهم يجيزون الاتيان بها لمطلق
القربة لأدلّة أخرى عندهم ، وقد وضّح العلاّمة الحلي الشق الاول [ وهو نفي الجزئية
] في ( نهاية الأحكام ) تاركا الشق الاخر إذ قال :
|
ولا
يجوز قول ( أنّ عليّا وليّ اللّه ) و ( آل محمّد خير البرية ) في فصول الأذان ،
لعدم مشروعيته .
|
وعليه فيحيى بن
سعيد الحلي والعلاّمة الحلي رحمهما اللّه تعالى لم يكونا مقلِّدَين للشيخ الطوسي
فيما حكاه من الأخبار الشاذّة ، بل يفهم من كلام التقي المجلسي ( ت ١٠٧٠ ه ) أنّهما
وقفا على تلك الأخبار ، لعدّ المجلسي : الشيخ والعلاّمة والشهيد في مرتبة واحدة ، إذ
قال :
|
والظاهر
أنّ الأخبار بزيادة هذه الكلمات أيضا كانت في الأصول ، وكانت صحيحة أيضا ، كما
يظهر من الشيخ والعلاّمة والشهيد 4 فإنّهم نسبوها إلى
الشذوذ ، والشاذّ ما يكون صحيحا غير مشهور .
|
ولو ألقيت نظرةً
سر يعةً على تاريخ تلك الفترة وما فيها من صراعات دامية في الموصل والشام ومصر ، وما
قام به صلاح الدين الأ يّوبي مع الفاطميين والعلويين لوقفت على سرّ عدم تعرّض
الأعلام ـ ما بين ابن البراج ( ت ٤٨١ ه ) ويحيى بن سعيد الحلي ( ت ٦٨٩ ه ) أي بمدة
قرنين ـ إلى ما يدلّ على رجحان الشهادة بالولاية في الكتب الموجودة بين أيدينا.
وبذلك فقد أمكننا
وبهذا العرض السريع إعطاء فكرة بسيطة عن سير هذه
__________________
المسألة الفقهية
الكلامية ، وما يمكن أن يستند عليه في الأحكام الشرعيّة عند القدماء والمتأخّرين.
وكذا اتّضح للقارئ
أنّ الشهادة بالولاية لم تكن سيرة شائعة عند جميع الشيعة وفي جميع فتراتها ، وان
عدم شيوعها لا ينفي محبوبيّتها وجوازها ، بل إنّ في ترك بعض الشيعة لها في بعض
الأحيان دلالة قو يّة على عدم قولهم بجزئيتها ، وكذا في عمل البعض الآخر منهم
دلالة على محبوبيّتها ، إذ من غير المعقول أن تُطبِق أغلبُ الدول الشيعية على
الإتيان بها خصوصا في ظروف خاصة لا تسمح لهم بالإجهار بها ، فما من حاكم شيعي
مبسوط اليد إلاّ أتى بـ «
حي على خير العمل » مع ما لها من تفسير عن الأئمّة.
ونحن إن شاء
اللّه في الفصل القادم سنواصل هذه السيرة مقرونة مع بيان تسالم الفقهاء على جواز
الإتيان بها بقصد القربة المطلقة أو لمحبوبيّتها الذاتية بحسب أخبار اقتران
الشهادات الثلاث المارة المعتبرة سندا. وهو ما يؤكّد جواز الاتيان بهذا العمل
المحبوب ان لم تعقبه مخاطر تودّي إلى إراقة الدماء.
وقد يصير الإتيان
بهذا العمل مطلوبا بنحو أكيد بالعنوان الثانوي خصوصا مع دفع اتّهامات المتَّهمين
وافتراءات المفترِين الذين يريدون أن ينسبوا الغلوّ إلى شيعة أمير المؤمنين ، فيجب
على الشيعة أن يجهروا بالتّوحيد والنبوة مقرونة بالولاية حتى يدفعوا ومن على
المآذن تلك الافتراءات ، وهم يعلمون ويؤكّدون في رسائلهم العملية بأنّها ليست من
أصل الأذان أو جزءً داخلاً في ماهيته.
الخلاصة
سبق أن وضحنا في
القسم الأوّل وجود فصل في الأذان دالّ على الولاية لأمير المؤمنين عليّ 7 كنائيا ، وكذا
فهمنا من فحوى كلام الإمام الكاظم 7 أنه يحبّ الحثّ عليها والدعوة إليها ، أي يريد الإتيان
بتفسيرها معها.
وفي القسم الثاني
بيّنّا موضوع سكوت وتقرير الإمام الحجّة في عصر الغيبة ، وأنّه قد يمكن التمسّك به
عند البعضِ كدليل لإثبات القول بجواز الشهادة الثالثة إن ثبت إجماع الطائفة على
الجواز.
أمّا القسم الثالث
فكان الكلام فيه عن بيان مغزى كلام فقهائنا الأقدمين من الشيخ الصدوق ( ت ٣٨١ ه )
إلى = العلاّمة الحلي ( ت ٧٢٦ ه ).
فقد ورد عن الشيخ
الصدوق ; لعنه المفوّضة ، لوضعهم أخبارا في زيادة الشهادة الثالثة في الأذان ، لكنّه
ترك لعن المتّهمين بالتفو يض ، وهذا يشير إلى احتمال تفريقه بين الأمرين ، فهو ; قد ترحم على من
لم يلتق معهم في المذهب وروى عنهم ولم يلعنهم ، وهذا ليؤكّد أنّه عنى بمن لعنهم
القائلين بالجزئية على نحو الخصوص ، وقد احتملنا في صدور موقف الصدوق ; ثلاثة احتمالات :
الأوّل
: أنّه عنى
القائلين بالجزئية الواضعين الأخبار فيها ، أمّا القائلون بمحبوبيّتها النفسيّة
فلا يعنيهم في كلامه ، لأنّ من الصعب أن يلعن ; من اجتهد من الشيعة وأفتى بمحبوبيّتها ، لأنّ رجحان ذلك لا
غبار عليه ، خصوصا وهم يؤكدون أنّهم يأتون بها لا على نحو الجزئية الواجبة لأ نّها
لو كانت جزءا لاتّحدت الصيغ عندهم ، ولما اختلفت ، فتارة يروون « محمد وآل محمد خير
البرية » ،
وأخرى « أشهد أن عليّا ولي
اللّه » .. وثالثة ورابعة ، وتارة
يأتون بها بعد الحيعلة الثالثة ، وأُخرى بعد الشهادة الثانية.
وقد يكون الذين
سُمُّوا بالمفوِّضة عند الصدوق لم يأتوا بها للأخبار الموضوعة من قبل المفوِّضة ، بل
لما وجدوها في العمومات الواردة في رجحان الشهادة الثالثة في كلّ شيء ، وبذلك يكون
مثلهم مثل العامّة الآتين بأشياء موجودة في أخبارنا ، فنحن نأخذ بها لورودها في
أخبارنا لا لعمل العامّة بها.
الثاني
: أنّه قالها تقيةً
، لإقراره ; بأنّ التقية واجبة إلى قيام يوم الدين ، ولكون بعض مشايخه من العامّة وقيل
بأن بعضهم كان من النواصب ، فقد روى الصدوق عن أحمد بن الحسين الضبّي الذي بلغ من
نصبه أنه كان يقول : اللهم صل على محمد فردا ، ويمتنع من الصلاة على آله.
وكذلك قوله ; « ولا باس أن
يقال في صلاة الغداة على إثر «
حي على خير العمل » : الصلاة خير من النوم مرتين للتقية » فإنّه يشير بوضوح إلى صدور النص عنه
تقيةً ، لأنّ المؤذّن لو كان في حال التقية فلا يمكنه أن يجهر بـ « حيّ على خير العمل » ، وإن لم يكن في حال التقية فلا يجوز له أن يقول « الصلاة خير من النوم
» ، وقد يكون تشدّد في الشهادة الثالثة للحفاظ على أرواح البقية
الباقية من الشيعة ، والبراءة الشكليّة ممن يقولونها ، لأنّ الشهادة بالولاية لم
تكن واجبة حتى يصرَّ عليها ، مع أنّ كثيرا من الأحكام تترك تقية ، فكيف لا يجوز
ترك ما هو جائز الإتيان به؟
الثالث
: أنّه اتّبع
مشايخه الثقات الذين تسرّعوا في الحكم بالوضع على بعض الأخبار والأصول ، كما
شاهدناه في اتّباعه لشيخه ابن الوليد بالحكم بوضع موسى الهمداني لأَ صْلَي زيد
الزراد والنرسي ، في حين اجمع الأصحاب على خطأ هذا الحكم من قبل ابن الوليد ومن
تبعه كالشيخ الصدوق ; ، ومثل هذا يشكّكنا فيما يجتهد فيه ودعانا التأمّل بحكمه
بوضع أخبار الشهادة الثالثة وأنّها من وضع
المفوّضة.
وفي عصر الشيخ
المفيد ( ت ٤١٣ ه ) تساءلنا عن سبب تركه ; الاعتراض على الصدوق في هذه المفردة ، مع أنّه صحّح
اعتقاداته في كتاب آخر ، وهل يعني ذلك تأييده له أم لا؟ فقلنا : إنّ الشيخ لم يقبل
ما رواه الصدوق في فصول الأذان ، ولكنّ الشهادة الثالثة لم تكن عنده بتلك الأهمية
؛ لاعتقاده بعدم كونها من أصل الأذان ، وجواز فعلها أو تركها ، وأنه ; كان لا يريد
الدخول في أُمور جزئية اجتهادية مع الآخرين ، لأنّ الإفتاء بشيء حسّاس كالشهادة
الثالثة قد يسبّب مشكلة بين الشيعة أنفسهم ، في حين هم بأمس الحاجة إلى وحدة
الكلمة ، لأنّ الحكومات الشيعية كانت في تصاعُدٍ وتَنَامٍ في عهده ، وكانوا
يؤذّنون بـ « محمد
وعلي خير البشر » في مصر وحلب وبغداد واليمامة ، وكان الشيخ المفيد لا يريد أن يبيّن أنّه
يتّفق مع هذه الحكومات أو يختلف معهم ، المُهِمُّ أنّه رأى الكفاية فيما تأتي به
الشيعة للدلالة على الجواز ولا داعي للإفتاء صريحا بذلك ، وخصوصا أنّه ; لم يُسْئَل ـ
كتلميذه المرتضى ـ حتى يجيب.
والخلاصة : أنّ
الشيخ اكتفى ببيان الضروري في الأذان وهو جزئيّة الحيعلة الثالثة ، وفي مطاوي
كلامه ما يدلّ على قوله بالجواز ، لأ نّه لا يرى بأسا بالكلام في الأذانِ ، والشهادةُ
بالولاية من الكلام فلا يخلّ بالأذان حسب قوله ومبناه ، بل إنّ سكوته هو إمضاء
لفعل الشيعة في حدود قولهم بالجواز ، أمّا لو اعتقدوا بالجزئية وأتوا بها على هذا
الاعتقاد فمن البعيد أن يسكت الشيخ المفيد على خطائهم.
ومن هنا نفهم بأنّ
الشيخ المفيد لا يتّفق مع الشيخ الصدوق في القول إتّهام القائلين بالشهادة الثالثة
بالوضع والزيادة ، لأنّ الشيخ المفيد كان يرى جواز فعلها لأ نّها من الكلام الراجح
والمحبوب ، وكان يعلم بأنّ الناس لا يأتون بها على أنّها جزء ، لاختلاف الصيغ
المُؤَدّاة من قبلهم ، فالبعض يأتي بها بعد الحيعلة الثالثة والآخر بعد الشهادة
الثانية.
وكان الشيخ الصدوق
يعتقد أنّهم يأتون بها على نحو الجزئية واضعين في ذلك الأخبار ولاجل ذلك تهجم
عليهم.
وأمّا السيّد
المرتضى ( ت ٤٣٦ ه ) ، فهو أوّل من أعلن فتوائيّا الجواز بالشهادة بالولاية في
الأذان بـ جملة « محمد
وعلي خير البشر » ، وذلك بعدما سئل من قبل أهل الموصل فقال ; : «
إن قال : محمد وعلي خير البشر ، على أنّ ذلك من قوله خارجٌ من لفظ الأذان جاز ، فإنّ
الشهادة بذلك صحيحة ، وإن لم يكن فلا شيء عليه ».
فالفقرة الأولى من
كلامه ; واضحة لا تحتاج إلى تعليق ، والفقرة الأخيرة « وان لم يكن فلا شيء عليه » ، فالظاهر في « يكن » هنا التامة لا الناقصة ، أي أنّ المؤذن إذا لم يقلها فلا
شي عليه ، ويحتمل أن يكون معناها أنّ المؤذّن لو قالها على أنّها جزء فلا شيء عليه
، وهو احتمال مرجوح بنظرنا ، والسياق يأباه تماما.
إنّ فتوى السيّد
المرتضى بجواز القول بـ «
محمد وعلي خير البشر » دعم حقيقي لسيرة الشيعة في بغداد ، وشمال العراق ، ومصر ، والشام ، وإيران ، والسيّد
المرتضى أيضا نفى الجزئية والوجوب على منوال الصدوق ، وأمّا الجواز فالمرتضى قائل
به ، وكذلك الصدوق حسبما استظهرناه.
ومن هنا نعلم بأنّ
هذه الصيغ موجودة في شواذّ الأخبار ـ وربما في أخبار اخرى ـ وفي العمومات لا في
روايات المفوّضة ، وهذا يؤكّد استمرار الشيعة من بداية الغيبة الكبرى إلى عهد
السيّد المرتضى في التأذين بها استنادا لما رواه الفضل بن شاذان عن ابن ابي عمير
عن ابى الحسن الكاظم المار سابقا ولغير ذلك من الأدلّة ، وأنّه ; لم يتعامل مع
الشهادة الثالثة كما تعامل مع «
الصلاة خير من النوم » حيث اعتبر الأولى جائزة والثانية بدعة وحراما.
أفتى الشيخ الطوسي
( ت ٤٦٠ ه ) بعدم إثم من قال بالشهادة الثالثة ، لان الشهادة بالولاية عنده جائز
الفعل والترك ، وهو ليس بمستحبّ «
ولا من كمال
فصوله
» كالقنوت. الشيخ ; لا يمنع العمل
بالأخبار الشاذّة إلاّ إذا امتنع الجمع ، وهو يفهم بأنّ الشاذّ عنده له حجيّة بنحو
الاقتضاء لا الفعلية ، لأنّ الترجيح فرع الحجية الاقتضائية.
واللاّفت للنظر هو
أنّ الشيخ أول من صَرَّح بوجود أخبار شاذّة في الشهادة بالولاية ، دون أن يرميها
بالوضع كما فعل الصدوق ; ، وهو يتضمّن إمكانية اعتبارها في مرتبة ما من مراتب
الاعتبار الشرعي ، والمراجع لكتاب الاستبصار يرى أنّ الشيخ لا يترك الأخبار
الشاذّة بالمّرة وإن أمكنه الحمل على الجواز أو الاستحباب حَمَلها على ذلك ، وقد
مر عليك بأ نّه ; قد حكم بالشذوذ على الرواية التي أوجبت الوضوء من قص
الأظافر بالحديد وترك العمل بها ، لكنّه لم يترك القول باستحباب الوضوء جمعا بين
الأدلة.
فالّذي نحتمله هنا
أنّ الشيخ تعامل مع روايات الشهادة الشاذّة على منوال رواية الوضوء من الحديد ، فأفتى
بالجواز استنادا لذلك.
هذا ، وإنّ فتواه ; تكشف عن سيرة بعض
المتشرّعة في عصره ـ في حدود من يرجع له بالفتوى ـ وأنّها امتداد للسيرة التي كانت
في عصر المرتضى ; ، وهذا يعني بأنّ لهذه السيرة وجودا في العصور المتأخرة
تدور مدار المرتضى والطوسي وغيرهما ممن أفتى بالجواز ، وهم مشهور الطائفة.
وعليه فغالب
العلماء بدءً من السيّد المرتضى والشيخ وحتّى الصدوق لا يرتضون جزئيّتها ، وفي
الوقت نفسه يذهبون إلى جوازها.
وإنّ مطالبة البعض
بنقل التواتر في هكذا اُمور ممّا يأباه العقل ، لأنّ وصول أمثال هذه الروايات
الشاذّة قد كلَّفنا الكثير ، فكيف يريد هذا البعض نقل التواتر على ما ندّعيه
وخصوصا نحن لا نريد إثبات الجزئية؟!
أمّا ابن البرّاج
( ت ٤٨١ هـ ) فهو أوّل من أفتى باستحباب الشهادة بالولاية ولكن على نحو قَوْلها في
النفس ، وفي مثل هذه الفتوى نقلةٌ نوعيّة من فتوى
الجواز عند السيّد
المرتضى والشيخ الطوسي إلى القول بالاستحباب بها في النفس ، والمناطُ واحد في
الجميع وهو التبرّك والتيمّن.
والمثير للانتباه
أنّ ابن البرّاج قيّد الشهادة الثالثة بالعدد أعني المرَّتين ، ومعلوم بأنّ مثل
هذا القيد يستبعد أن يكون عن حدس واجتهاد ، بل هو مبتَنٍ على وجود رواية قد شاهدها
ابن البراج عن حِسٍّ ، إذ يلوح من التقييد بعددٍ مخصوص التوقيفيَّةُ ، والتوقيفيّةُ
لا يناسبها إلاّ الأخبار والروايات ، يشهد لذلك أنّ جملة « محمد وآل محمد خير
البرية » هي عينها التي
جزم الشيخ الطوسي بورود الأخبار الشاذّة بها ، وشهادة الصدوق بأنّها موضوعة ، ومعنى
هذا أنّ هذه الأخبار ليست بشاذّة عند ابن البراج ولا موضوعة.
وممّا يجب التنبيه
عليه أنّ الاستحباب عند ابن البراج لا علاقة له بماهية الأذان إلاّ للتبرّك
والتيمّن ، بقرينة الشهادة بها في النفس ، بل نحتمل قويّا أنّ كلامه قدسسره كان
ناظرا إلى أمثال حسنة ابن أبي عمير ، فأراد تفسير الحيعلة الثالثة بما أفتى به.
أمّا حكاية يحيى
بن سعيد الحلي ( ت ٦٨٩ ه ) والعلاّمة الحلي ( ت ٧٢٦ ه ) لشواذّ الأخبار ، فهي
لتشير إلى وقوف الحليين على تلك الأخبار بعد الشيخ الطوسي ، وذلك لعدم حكايتهما
ذلك عن الشيخ الطوسي ، وهو الأخر يؤكّد بأنّ هذه السيرة عند الشيعة لم يكن مرجعها
الشيخ الطوسي ، بل كانت قبله واستمرت من بعده ، وأنّ الفقهاء من بعد الشيخ لم
يتّبعوه في الفتوى بالجواز تقليدا بل لوقوفهم على تلك الأخبار ، والتي كانت موجودة
إلى عهد العلاّمة الحلي.
الفصل الثاني
بيان أقوال الفقهاء
المتأخّرين ، ومتأخّري
المتأخّرين ،
وبعض المعاصرين
بعد أن انتهينا من
بيان أقوال الشارع المقدّس ، وسيرة المتشرّعة في عصر القدماء إلى أول المتأخرين ـ
اعني العلاّمة الحلي ; والنصوص التي وقف عليها قدماء أصحابنا الى أول المتأخرين ،
ـ نريد الآن أن نقف على أقوال وآراء متأخّري الأصحاب الناطقة بمحبوبيّة الإتيان
بالشهادة بالولاية في الأذان من باب القربة المطلقة مع إصرارهم وتأكيدهم على عدم
جزئيتها ، ومخالفتهم لمن أتى بها على نحو الجزئية ، وإنّك من خلال عرضنا لأقوال
هؤلاء الفقهاء سترى بأ نّا لا نخرج عن إجماعهم ـ أو مشهورهم الأعظم ـ في ما قالوه
عن الشهادة الثالثة ؛ لأ نّهم يتّفقون على حقيقةٍ واحدة هي رجحانها الذاتيّ ، وأنّ
ما نسب إلى البعض من أنّه يذهب إلى تحريم كلّ زيادة في الأذان وإن كانت لرجاء
المطلوبيّة ، فهو ـ في أحسن تقاديره ـ رأي شاذّ لا يقاومُ الإجماعَ أو الشهرة
العظيمة التي كادت أن تكون إجماعا ؛ لأ نّنا وبوقوفنا على كلام متأخّري الأصحاب
سنوضح مواضع الالتباس الذي وقع للبعض وسوء فهمه لكلماتهم ، إذ غالب هؤلاء الفقهاء
ـ ان لم نقل كلّهم ـ لا يريدون نفي المشروعيّة والمحبوبيّة ، بل يريدون نفي
الجزئيّة ، وهذا هو منهجهم في التعامل مع هذه المسألة من عصر القدماء إلى يومنا
هذا.
وإليك الآن سير
هذه المسألة في القرن الثامن الهجري ، ثمّ القرون التي تلته إلى يومنا هذا.
القرن الثامن الهجري
٨ ـ الشهيد الأوّل (
٧٣٤ ه ـ ٧٨٦ ه )
قال الشهيد الأوّل
محمّد بن مكي العـاملي الجزيني في « ذكرى الشيعة » :
|
الرابعـة
: قال الشيخ : وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول : « أنّ عليّا ولي اللّه »
و « آل محمد خير البرية » ، مما لا يعمل عليه في الأذان ، ومن عمل به كان مخطئا.
وقال
في المبسوط : لو فعل لم يأثم به.
وقال
ابن بابويه : والمفوّضة رووا أخبارا وضعوها في الأذان : « محمد وآل محمد خير
البرية » ، و « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه » ، وأنّه أمير المؤمنين حقّا حقّا ، ولا
شكّ أنّ عليّا وليّ اللّه ، وأنّ آل محمد خير البريّة ، وليس ذلك من أصل الأذان
.
|
وقال في البيان :
|
قال
الشيخ : فأمّا قول : أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه ، وأنّ محمّدا خير البرية على
ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله الإنسان لم يأثم
به ، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله .
|
وقال في « الدروس الشـرعية » :
__________________
|
قال
الشيخ : أمّا الشهادة لعلي 7 بالولاية وأنّ
محمدا وآله خير البرية فهما من أحكام الإيمان لا من ألفاظ الأذان ، وقطع في
النّهاية بتخطئة قائله ، ونسبه ابن بابويه إلى وضع المفوّضة ، وفي المبسوط : لا
يأثم به .
|
فالشـهيد الأوّل
في هذه النصـوص حكى كلام الشيخ الطوسي ، وليس في كلامه ; ما يشير إلى أنّه
قد وقف على تلك الأخبار بنفسه ـ كما استظهرنا ذلك من كلام يحيى بن سعيد الحلي ، والعلاّمة
الحلي واحتملناه بقوّة ، مؤكّدين أنّهما وقفا على أخبار الشهادة الثالثة كالشيخ ; ـ لكنّ الشيخ
التقيّ المجلسي عدّه مع الشيخ الطوسي والعلاّمة ضمن من وقفوا على تلك
الأخبار ، وهذا لا يمكن استفادته من « الذكرى » و «
البيان » بوضوح ، فقد يكون
الشهيد صرّح بما يشير إلى وقوفه عليها ضمن كتبه المفقودة ، أو أنّ المجلسيّ عدّه
مع الشيخ الطوسي لتبنّيه قول الشيخ وأخذه به في كتابَيْه « ذكرى الشيعة » و «
البيان ».
وأمّا ما قاله ; : « فهما من أحكام
الإيمان لا من ألفاظ الأذان » ، فهذا ما لا نخالفه ، بل إنّا نقول بما قاله الشيخ الطوسي من عدم الإثم في
الإتيان بها ، وأمّا كونها من ألفاظ الأذان فلا نقول به.
والحاصل
: أنّ الذي يظهر من
الشـهيد الأوّل هو أنّه يفتي بعدم إثم قائل الشهادة الثالثة في الأذان بشرط عدم
اعتقاد الجزئية فيها ، على غرار فتوى الشيخ الطوسي ، ويشير إلى ذلك نقله لقول
الشيخ الطوسي وعدم تعليقه عليه بشيء ، وهذا يعني التزامه به ، وإلاّ فمن غير
المعقول أن تكون كتبه الذكرى والدروس والبيان ، وهي تجمع فتاويه ساكتة عن الشهادة
الثالثة مع أنّها مسألة فقهية لها علاقة وثيقة
__________________
بالعقيدة وقد تكون
التقيّة العامل الاقوى في ذلك ، لأنّ الشهيد قتل بأيدي العامة.
وفي الجملة فنقل
العالِمِ لقولٍ في كتبه الفتوائية وسـكوته عن التعليق عليه يدلّ على التزامه به ، خاصّة
إذا اخذنا بنظر الاعتبار ان كتبه قد صُنّفت على أساس البحث والتمحيص والنقض
والإبرام.
القرنان التاسع والعاشر
الهجريَّان
يوجدُ في هذين
القرنين علماء ، وفقهاء ، ومحدّثون ومتكلّمون ، عظام ، لكنّ غالب كتب هؤلاء
العلماء مفقودة ، والموجود منها لم يصرّح بما يرتبط ببحثنا ، فاقتصرنا على ذكر من
وقفنا على كتبهم ، وخصوصا البارزين منهم :
فقد ذكر ابن فهد
الحلي ( ت ٧٥٧ ـ ٨٤١ ه ) ، والمقداد السيوري الحلي ( ت ٨٢٦ ه ) ، وشمس
الدين محمد بن شجاع القطان الحلي ( كان حيّا عام ٨٣٢ ه ) الأذانَ والإقامةَ في كتبهم
، ولم يتعرضوا لموضوع الشهادة بالولاية اصلاً.
٩ ـ الشهيد الثاني (
٩١١ ـ ٩٦٥ ه )
وأما الشـيخ
الجليل زين الدين بن علي العاملي الشهير بـ « الشهيد الثاني » فلم يتعرّض إلى الأذان في كتابه « المقاصد العليّة في
شرح الألفية » ، لكنّه أشار إلى الاختلاف الواقع في فصوله في ( حاشية المختصر النافع ) و ( فوائد
القواعد ) و ( حاشية شرائع الإسلام ) دون الإشارة إلى
الشهادة بالولاية لعلي.
__________________
وقال في ( الفوائد
الملية لشرح الرسالة النفلية ) :
( والدُّعاء عند
الشهادة الأولى ).
بقوله : « أشهد أن لا إله إلاّ
اللّه ، وأنّ محمّدا رسول اللّه ، أُكفى بها عن كُلِّ من أبى وجحد ، وأُعِينُ
بها من أَقَرَّ وشهد » ، ليكون له من الأجر عدد الفريقين ؛ روي ذلك عن الصادق 7.
وليقل عند سـماع
الشهادتين : وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده
ورسوله ، رضيت باللّه ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمّد رسولاً ، وبالأئمّة
الطاهرين أئمّةً ، اللّهّم صل على محمدٍ وآل محمد ، اللّهّم ربّ هذه الدعوة
التامّة والصلاة القائمة ، آتِ محمّدا الوسيلةَ والفضيلةَ ، وابعثه المقامَ
المحمود الذي وعدته ، وارزقني شفاعته يوم القيامة. وإسرارُ المتّقي بالمتروك. لا تركُهُ ، إذ لا تقية في الإِسرار ، نعم لو خافَ من
التلفّظ به ـ وإن كان سرا بسبب ظهور حركة شفتيه أو طول زمانه ـ أجراه على قلبه .
وكان قد قال قبله
: ( وروي التعميل ). وهو ( حيّ على خير العمل ) مرّتين قبلها ، أي قبل ( قَد قامت
) ، لأنّ مؤذّنهم لم يقل ذلك .
وقال بعدها : وترك
( الحيعلتين بين الأذان والإقامة ) لأ نّه بدعـة أحدثها بعض العامّة ، وهذا إذا لم
يعتقد توظيفها وإلاّ حرم ( والكلامُ فيهما مطلقا ) أي بعد قوله : « قد قامت الصلاة » وقبلها .
وهذه النصوص
الثّلاثة توحي لنا ما كان يعيشه هو والشـيعة آنذاك من ظروف قاسية ونزاعات تؤدّي
إلى التقية ، فهو ; لم يتعرّض إلى الشهادة الثالثة إلاّ في
__________________
كتابيه ( شرح
اللمعة الدمشقية ) و ( روض الجنان ) ، وبلحن اعتراضي شديد ؛ إذ قال في « اللمعة » ما نصه :
|
(
ولا يجوز اعتقاد شرعيّة غير هذه ) الفصول ( في الأذان والإقامة كالتشهّد
بالولاية ) لعلي 7 ( وأنّ محمّدا وآله
خير البرية ) أو خير البشر ( وإن كان الواقع كذلك ) فما كلّ واقع حقّا يجوز
إدخاله في العبادات الموظَّفه شرعا ، المحدودة من اللّه تعالى ، فيكون إدخال
ذلك فيها بدعةً وتشريعا ، كما لو زاد في الصلاة ركعة أو تشهّدا ، أو نحو ذلك من
العبادات ، وبالجملة فذلك من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان.
قال
الصدوق : إنّ إدخال ذلك فيه من وضع المفوّضة ، وهم طائفة من الغلاة ، ولو فعل
هذه الزيادة ، أو إحداها بنّية أنّها منه أثم في اعتقاده ، ولا يبطل الأذان
بفعله ، وبدون اعتقادِ ذلك لا حرج .
|
وقال ; في ( روض الجنان
في شرح إرشاد الأذهان ) :
|
وأمّا
إضافة « أنّ عليا وليّ اللّه » و « آل محمد خير البرية » ونحو ذلك فبدعة ، وأخبارُها
موضوعة وإن كانوا خيرَ البرية ؛ إذ ليس الكلام فيه ، بل في إدخاله في فصول
الأذان المتلقَّى من الوحي الإلهي ، وليس كلُّ كلمةِ حقٍّ يسوغ إدخالها في
العبادات الموظّفة شرعا .
|
وقال في ( مسالك
الإفهام ) ـ معلّقا على كلام صاحب ( شرائع الإسلام ) « وكذا
__________________
يكره
قول الصلاة خير من النوم » ـ :
|
بل
الأصحّ التحريم ، لأنّ الأذان والإقامة سنّتان متلقَّيتان من الشرع كسائر
العبادات ، فالزيادة فيهما تشريع محرّم ، كما يحرم زيادة « محمد وآله خير البرية
» وإن كانوا : خير البرية ، وما ورد في شذوذ أخبارنا من استحباب « الصلاة خير من
النوم » محمولٌ على التقية .
|
فنحن نوافق الشهيد
الثاني فيما قاله معترضا على الذين يأتـون بها على أنّها جزءٌ ، لأ نّه « ليس كلّ كلمة حقّ
يسوغ إدخالها في العبادات الموظّفة شرعا » ، لكن لو قالها من دون اعتقاد الجزئية ولمطلق القربة
لكونها كلمة حق في نفسها فلا حرج في ذلك عند الشهيد الثاني ؛ لقوله : « وبدون اعتقادِ ذلك
لا حرج » ، وهذا ما نريد
التأكيد عليه ، لأنّ الأذان أمرٌ توقيفيّ وشرعيّ فلا يجوز إدخال شيء فيه بقصد
التشريع.
لكن يبقى قوله ; « وأخبارها موضوعة » أو «
فذاك من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان » ، وهذا القول لا نرتضيه على عمومه ، وذلك لاعتبار الشيخ
الطوسي تلك الأخبار شواذَّ لا موضوعة ، أي عدم استبعاد العمل به وعدم اثم فاعلها.
إذن دعوى الشهيد
الثاني الوضعَ وجزمه بها في غاية الإشكال ، إلاّ أن نقول أنّه جزم بذلك تبعا للشيخ
الصدوق والذي وضّحنا كلامه وما يمكن أن يرد عليه.
وعلى هذا ، فما
يجب أخذه بنظر الاعتبار هو ورود أخبار كثـيرة دالّة على محبوبية الشهادة بالولاية
تلو يحا وإيماء وإشارة ، كما جاء عن الأئمة في معنى «حي على خير العمل» وفي علل الأذان ، وما قلناه من اقتران الشهادات الثلاث في
الأدعية والأذكار وسائر الأحكام ، ولحاظ وحدة الملاك بين الشهادة بالنبوّة
__________________
والشهادة بالولاية
، إلى غيرها من العمومات التي ذكرناها ، والتي فيها جملة : « أشهد أن عليا ولي
اللّه » « ومحمد وآل محمد خير البرية » ونحوها.
فإن أتى شـخص
بجملة : « علي ولي
اللّه » أو « آل محمّد خـير
البرية » طبقا لامثال هذه
الروايات التي حكاها الشيخ الطوسي في باب فصول الأذان ، أو طبقا لما جاء في تفسير
معنى الحيعلة الثالثة عن المعصومين فلا يجوز القول عنها بأ نّه عمل بروايات موضوعة
، إذ الروايات في هذا المجال عامة ـ وقد تكون خاصة ـ وردت عن الأئمّة في جواز
القول بها مقرونة مع النبوة ، ولا يمكن انتسابها إلى الوضع.
ثمّ إنّ ما قاله ; عن الشهادة
بالولاية وأنّها من «
أحكام الإيمان لا من فصول الأذان » فهو كلام سديد ، لكنّه في الوقت نفسه لم يمنع الشهيد
الثاني أن يفتي بجواز أن يأتي المكلّف بأمر إيمانيّ في الأذان لا بقصد الجزئية ، فالاستغفار
أو القنوت مثلاً هما أمران مستحبّان ، ويا حبّذا أن يُؤتى بهما في الصلاة كذلك ، لا
باعتبارهما جزءا من الصلاة ، بل لمحبوبيّتهما النفسية ، وهذا ما التزم به ; في قوله في
الروضة : « ولو فعل
هذه الزيادة ، أو إحداها بنيّة أنّها منه أثم في اعتقاده ، ولا يبطل الأذان بفعله
، وبدون اعتقاده لا حرج ».
على أننا لا يمكن
أن نغفل احتمال كون الشهيد الثاني قد قالها انسياقا مع مجريات الأحداث الّتي أدّت
إلى شهادته ، أو أنّه قالها لوحدة الكلمة بين المسلمين ، أو أنّه عنى الذين قالوها
على نحو الجزئية ، لكنّ المتيقّن حسبما جزم به نفسه هو أنّه لا حرج من قولها بدون
اعتقاد.
١٠ ـ المولى أحمد الأردبيلي ( ت ٩٩٣ ه )
وهكذا هو الحال
بالنسبة إلى نصّ المقدّس الأردبيلي الآتي ، فإنّ الأردبيلي لم يحكم بحرمة الإتيان
بها إذا جيء بها من باب المحبوبيّة الذاتية ، بل أشار ; إلى
قضية موضوعية يجب
أخذها بنظر الاعتبار مع الموافق والمخالف ، فإنه ; وبعد أن نقل كلام الصدوق في الفقيه قال :
|
فينبغي
اتّباعه لأ نّه الحقّ [ أي كلام الصدوق حقّ ] ، ولهذا يُشَنَّع على الثاني
بالتغيير في الأذان الذي كان في زمانه 6 ، فلا ينبغي ارتكاب
مثله مع التشنيع عليه.
ولا
يتوهّم عن المنع الصلاة على النبيّ 6 فيه ، لظهور خروجه
منه وعموم الأخبار الدالّة بالصلاة عليه مع سماع ذكره ، ولخصوص الخبر الصحيح
المنقول في هذا الكتاب عن زرارة الثقة :
وصَلِّ
على النبيّ 6 كلّما ذكرته ، أو
ذكره ذاكر عنده في أذان أو غيره ، ومثله في الكافي في الحسن ( لإبراهيم ) كما مر
.
|
فالمقدّس
الأردبيلي لا يتعامل مع الشهادة الثالثة كما تعامل مع مسالة « الصلاة خير من النوم
» ، حيث قال في
الأخيرة :
|
والعمدة
أنّه تشريع ، وتغيير للأذان المنقول ، وزيادة بدل ما هو ثابت شرعا ، فيكون حراما
، ولو قيل من غير اعتقاد ذلك ، بل مجرّد الكلام ، فلا يبعد كونه غير حرام .
|
ولا ريب في أنّ
كلمة المقـدّس الأردبيلي تصبّ في مجرى ما استظهرناه عن الشهيدين الأوّل والثاني
رحمهما اللّه تعالى علاوة على الشيخ الطوسي ، فالتشنيع منه يدور مدار القول
بالجزئية ، وفيما عدا ذلك لا تشنيع ، فالمقدّس الأردبيلي صرّح في خصوص التثويب
بقوله : ولو قيل من غير اعتقاد الجزئية بل بمجرد
__________________
الكلام فلا يبعد
كونه غير حرام ، وهو المقصود والمفتى به عند علمائنا قديما وحديثا.
فلو كان هذا هو
كلامه ; في التثو يب فمن الطبيعي أن يجيز الاتيان بالشهادة الثالثة أو ما يقال في
تفسير معنى الحيعلة الثالثة من باب أولى ، لأن غالب الفقهاء يأتون بها من غير
اعتقاد الجزئية بل لمجرد أنّه كلام حق « فلا يبعد أن يكون غير حرام » حسب تعبير المقدس الاردبيلي.
القرن الحادي عشر الهجري
وفق تتبّعي ورصدي
لأقوال الفقهاء في هذه المسـألة لم أقف ـ فيما بين يدي من التراث الفقهي لفقهائنا
العظام في القرن العاشر الهجري ـ على ما يدل على الشهادة بالولاية لعليّ في الأذان
، وقد يعود ذلك إلى أنّ غالب الكتب المصنّفة في هذا القرن هي شروح على كتب لم
يتطرّق أصحابها إلى هذه المسألة. وقد يعود اهمالهم لذكرها هو تجنب اثارة الحكومة
العثمانية والتي كانت تسعى للحصول على احجية لاثارة العامة ضد الشيعة.
فمثلاً الشيخ مفلح
الصيمري البحراني هو من أعلام القرن التاسع والعاشر الهجريين لا نراه يشير إلى
موضوع الشهادة بالولاية في كتابه ( غاية المرام في شرح شرائع الإسلام ) .
وكذلك في كتابه
الآخـر ( تلخيص الخلاف ) مع أنّه قد ذكر مضمون الأذان وما فيه من مسائل فقهية
وخلافية.
ومثله المحقّق
الكـركي ( ت ٩٤٠ ه ) ، الذي لم يتعرّض لهذه المسألة في كتابه
__________________
( جامع المقاصد في
شرح القواعد ) ، و ( حاشية المختصر النافع ) ، و ( حاشـية
شرائع الإسلام ) ، و ( حاشية إرشاد الأذهان ) .
ونحو ذلك السيّد
محمد بن علي الموسوي العاملي ( ت ١٠٠٩ ه ) في ( مدارك الأحكام في شرح شرائع
الإسلام ) وغيرهم من فقهاء القرن العاشر الهجري.
لكنّ هذا لا يشير
إلى أنّ موضوع الشهادة بالولاية في الأذان لم يكن منتشرا ورائجا عند الشيعة آنذاك.
إذ فيما حكاه
المجلسيّ الأوّل ممّا دار بينـه وبين أستاذه الملاّ عبداللّه ما يؤكّد بأن هذه
السيرة كانت منتشرة بأعلى صورها في ذلك العصر لأن شيوع أمر الشهادة ـ أو أي امر
آخر ـ لا يمكن أن يكون وليد ساعته ، بل لابدّ أن تكون له جذور سابقة من القرون
الماضـية وهذا ما اكدنا ونؤكد عليه.
قال المجلسيّ
الأوّل ما ترجمته :
|
وبناءً
على هذا ، فالقولُ بأنّ هذه الأخبار موضوعة أمرٌ مشكل ، إلاّ أن يَرِدَ ذلك عن
أحد المعصومين : ، وإذا قال بها بعنوان التيمّن والتبرّك فلا بأس به ، وإن لم
يقلها كان أَفْضَلَ [ حتى لا يتوهّم فيها الجزئية ] إلاّ أن يخاف من عدم ذكرها ،
لأنّ الشائع في أكثر البلدان [ ذكرها ] ، وقد سمعتُ كثيرا أنّ من تركها قد
اتُّهِمَ بأ نّه من العامّة .
|
وأمّا القرن الحادي عشـر الهجري فقد عاش فيه فقهاء وحكماء ومتكلّمون
__________________
كُثُرٌ ، فمن كبار
الفقهاء والمحدّثين الذين عاشوا في هذا العصر الشيخ حسن بن زين الدين العاملي « ابن الشهيد الثاني » ( ت ١٠١١ ه ) صاحب ( منتقى الجمان ) ، وابنه الشيخ
محمد بن الحسن ( ت ١٠٣٠ ه ) صاحب ( استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ) ، والشـيخ
البهائي ( ت ١٠٣١ ه ) صاحب المصنفات المتعدّدة والكثيرة ، منها ( الحبل المتين ) ، و ( الإثنا
عشرية ) ، و ( الجامع العباسي ) ، و ( مفتاح
الفلاح ) وغيرها ، فإنّ هؤلاء الأعاظم لم يتعرّضوا إلى الشهادة
بالولاية في كتبهم السـابقة رغم أنّهم تعـرّضوا إلى الأذان والإقامة وفصـولهما
وأحكامهما.
لكنّ هناك فقهاء
آخرين ، كالشـيخ محمد تقي المجلسيّ ( ت ١٠٧٠ هـ ) ، والمحقّق السبزواري ( ت ١٠٩٠ ه
) ، والفيض الكاشاني ( ت ١٠٩١ ه ) ، قد أشاروا إلى موضوع الشهادة بالولاية في
الأذان ضمن ما كتبوه ، بفارق أنّ التقيّ المجلسي قال بعدم اثم فاعلها من دون قصد
الجزئية ، وقد يكون بنظره أنّها شرعت واقعا وتركت تقية ، والمحقق السبزواري والفيض
الكاشاني كانا مخالِفَين في الإتيان بها ، وإليك الآن قول المولى محمد تقي المجلسي.
١١ ـ الشيخ محمد تقي
المجلسي ( ت ١٠٧٠ ه )
قال المولى محمد
تقي المجلسي في ( روضة المتّقين في شـرح من لا يحضره الفقيه ) معلّقا على كلام
الصدوق :
__________________
|
الجزم
بأنّ هذه الأخبار من موضوعاتهم مشكلٌ ، مع ان الأخبار الّتي ذكرنا في الزيادة
والنقصان ، وما لم نذكره كثيرةٌ ، والظاهر أنّ الأخبار بزيادة هذه الكلمات أيضا
كانت في الأُصول ، وكانت صحيحةً أيضا ، كما يظهر من المحقّق
والعلاّمة والشهيد 4 ، فإنّهم نسبوها
إلى الشذوذ ، والشاذُّ : ما يكون صحيحا غير مشهور ، مع أنّ الذي حكم بصحّته أيضا
شاذٌّ كما عرفت ، فبمجرّد عمل المفوّضة أو العامّة على شيء لا يمكن الجزم بعدم
ذلك ، أو الوضع إلاّ أن يرد عنهم صلوات اللّه عليهم ما يدلّ عليه ، ولم يَرِدْ
، مع أنّ عمل الشيعة كان عليه في قديم الزمان وحديثه.
والظاهر
أنّه لو عمل عليه أحدٌ لم يكن مأثوما إلاّ مع الجزم بشرعيّته فإنّه يكون مخطئا ،
والأَولى أن يقوله على أنه جزء الإيمان لا جزء الأذان ، ويمكن أن يكون واقعا ، ويكون
سبب تركه التقيّة ، كما وقع في كثير من الأخبار ترك « حيّ على خير العمل » تقية.
على
أنّه غير معلوم أنّ الصدوق ، أيَّ جماعةٍ يريد من المفوِّضة ، والذي يظهر منه ـ
كما سيجيء ـ أنّه يقول : كلُّ من لم يقل بسهو النبي فإنّه [ من ] المفوّضة ، وكلّ
من يقول بزيادة العبادات من النبيّ فإنّه من المفوّضة ، فإن كان هؤلاء ، فهم
كلُّ الشيعة غيرَ الصدوق وشيخه ، وإن كانوا غير هؤلاء فلا نعلم مذهبهم حتى
|
__________________
|
ننسب
إليهم الوضع واللعن ، نعم كلّ من يقول بأُلوهية الأئمة أو نبوّتهم فإنّهم
ملعونون .
|
وقال في كتابه
الآخر ( حديقة المتقين ) باللغة الفارسية ما ترجمته :
|
يكره
تكرار الفصول زيادة على القدر الوارد من الشارع المقدّس فيه ، وهكذا قول «
الصلاة خير من النوم » ، وقال البعض : إنّه حرام ؛ لأ نّه غير متلقّى من الشارع
المقدّس ، وهكذا قول « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه ، ومحمد وعليّ خير البشر»
وأمثالها ؛ لأ نّها ليست من أصل الأذان وإن كان عليّا ولي اللّه ، ومحمّدٌ
وعليٌّ خيرَ الخلائق ، لكن لا كلّ حق يجوز إدخاله في الأذان.
ولو
أتى بها شخص اتّقاءً من الجَهَلَة أو تيمّنا وتبرّكا وهو يعلم أنّه ليس من فصول
الأذان فذاك جائز ، ونقل بعض الأصحاب ورودها في بعض الأخبار الشاذّة على أنّها
جزء الأذان ، فلو ثبت ذلك عند الشارع وعمل بها أحدٌ فلا بأس وإلاّ فالإتيان بها
من باب التيمّن والتبرّك أفضل .
|
نلخص كلام التقي المجلسي ; في نقاط ، نظرا لاهميته ولاشتماله على فوائد متعددة :
١ ـ عدم قبوله
بجزم الصدوق ومن تبعه بكون الأخبار موضوعة.
٢ ـ وجود اخبار
كثيرة في الزيادة والنقصان في فصول الأذان والإقامة ، وفي
__________________
غيرها.
٣ ـ وجود هذه
الزيادات في اصول اصحابنا.
٤ ـ كون هذه
الزيادات صحيحة ، لأن الشاذّ بتعريف الشيخ المجلسي هو ما يكون صحيحا غير مشهور ، وما
حكم به الصدوق بالصحة هو خبر شاذّ كذلك.
٥ ـ عمل المفوّضة
أو العامّة لا يعني عدم الورود أو الوضع إلاّ أن يرد عن الأئمّة ما يدل على ذلك ، ولم
يرد.
٦ ـ ان سيرة
الشيعة كانت قائمة على الأذان بالولاية من قديم الزمان إلى عهد الشيخ المجلسي
الأوّل ; لا على نحو الجزئية ، ولا يمكن نقض دعواه بكلام الصدوق والشهيد الثاني
والمولى الاردبيلي وغيرهم لأ نّهم ينكرون قولها على نحو الجزئية لا بقصد القربة.
٧ ـ إن الآتي
بالشهادة الثالثة في الأذان لم يكن مأثوما وإن كان مخطئا بصناعة الاستنباط ، لأ
نّه بذل وسعه وعمل باخبار شاذة تاركا المحفوظ والمعمول عليه عند الاصحاب.
٨ ـ الاولى
باعتقاد الشيخ المجلسي أن ياتي بالشهادة بالولاية على أنّها جزء الإيمان لا جزء
الأذان ، وإن أمكن القول بوجـودها واقعا وتركها للتقيّة كما وقع في كثـير من الأخبار
ترك « حيّ على
خير العمل » تقيّة.
٩ ـ ثبت ان
للتفويض معاني عديدة فلذلك تساءل المجلسي ; : أي جماعة يريده الصدوق من المفوّضة ، فلو أراد القائلين
بعدم سهو النبيّ أو ان للنبيّ الزيادة في العبادات وامثالها فهو ما يقول به « كل الشيعة غير
الصدوق [ وشيخه ابن الوليد ] ، وان كانوا غير هؤلاء فلا نعلم مذهبهم حتى ننسب إليهم الوضع
واللعن ، نعم كل من يقول بالوهية الأئمّة أو نبوتهم فإنهم ملعونون ».
١٠ ـ ان تكرار
فصول الأذان مكروه ، وقيل يحرم في « الصلاة خير من النوم » لأ نّه غير متلقى من الشارع المقدّس ، ولا يجوز ادخال
الشهادة بالولاية في الأذان
لأ نّها ليست من
أصل الأذان ، نعم لو اتي بها شخص ـ بدون اعتقاد الجزئية ـ اتقاءً من جهلة الشيعة
الذين يرمونه بالنصب أو تيمنا وتبركا فذاك جائز وخصوصا مع ورودها في شواذ الأخبار
، ثم لخص كلامه بالقول : «
فلو ثبت ذلك عند الشارع وعمل بها أحد فلا باس ، وإلاّ فالإتيان بها من باب التيمن
والتبرك أفضل » مع التاكيد على أنّها ليست من اصل الأذان.
١٢ ـ الملا محمد
باقر السبزواري ( ت ١٠٩٠ ه )
قال المحقق
السبزواري في « ذخيرة
المعاد في شرح الارشاد » :
|
واما
اضافة ان عليا ولي اللّه وآل محمد خير البرية وامثال ذلك ، فقد صرح الاصحاب
بكونها بدعة وان كان حقا صحيحا ، إذ الكلام في دخولها في الأذان ، وهو موقوف على
التوقيف الشرعي ، ولم يثبت .
|
ولا يخفى أنّ حاصل عبارتـه ; أنّ الشهادة الثالثة لا يمكن أن تدخل في ماهية الأذان حتى
تصير جزءا منه ؛ لأنّ مثل هذا يحتاج إلى دليل شرعيّ معتبر ، ولم يثبت ، فالمحقّق
السبزواري تحدّث عن جهة ، وسكت عن الجهة الثانية ؛ وهي جواز الشهادة الثالثة من
باب التيمّن والتبرّك وبقصد القربة المطلقة ، فبعض الفقهاء كانوا يشيرون إلى الجهة
المانعة للشهادة بالولاية فقط خوفا من وقوع الناس في ذلك دون الإشارة إلى الجهة
الأُخرى ، لكن منهج غالب الفقهاء كان الإشارة إلى الأمرين معا ابتـداءً من الشيخ
الطوسي حتّى يومنا هذا ، فهم يجمعون بين الجهتين في كلامهم.
__________________
١٣ ـ الفيض الكاشاني
( ت ١٠٩١ ه )
قال الفيض
الكاشاني في المفتاح ١٣٥ من ( مفاتيح الشرائع ) : « ما يكره في الأذان والإقامة » :
|
وكذا
التثويب سواء فُسِّر بقول « الصلاة خير من النوم » أو بتكرير الشهادتين دفعتين ،
أو الإتيان بالحيعلتين مثنى بين الأذان والإقامة ، وكذا غير ذلك من الكلام وإن
كان حقّا ، بل كان من أحكام الإيمان ، لأنّ ذلك كلّه مخالف للسنة ، فإن اعتقده
شرعا فهو حرام .
|
فالفيض الكاشاني قال بهذا في ( مفاتيح الشرائع ) ولم يقله في كتابه ( النخبة
في الحكمة العملية والأحكام الشرعية ) ، مع أنّه كان قد أشار في ( النخبة ) إلى الأذان والإقامة
واستحباب حكايتهما وعدد فصولهما.
بلى ، علّق الفيض
في ( الوافي ) على ما جاء في ( التهذيب ) عن أبي عبداللّه : سئل عن الأذان هل
يجوز أن يكون من غير عارف؟
|
قال 7 : لا يستقم
الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلاّ رجل مسلم عارف ، فإن عَلِمَ الأذان فأذّن به ولم يكن عارفا لم يجزئ
أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به.
قال ; : المراد
بالعارف ، العارف بإمامة الأئمّة كما مرّ مرارا فإنّه بهذا المعنى في عرفهم : ، ولعمري إنّ
من لم يعرف هذا الأمر لم يعرف شيئا كما في الحديث النبوي : من مات ولم يعرف
إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، ومن عرفه كفاه به معرفةً إذا عرفه حقّ معرفته ...
|
__________________
فكلامـه في (
الوافي ) كان عن شرائط المؤذّن ، وأمّا وجود معنى الولاية في الأذان وعدمه فهو مما
لم يتطرّق إليه فيه.
ولا يفوتنك أنّ
عبارات المجلسي والسبزواري والفيض الكاشاني وان اختلفت في الظاهر لكنّها جاءت في
إطار واحد وهو حرمة الإتيان بالشهادة بالولاية على نحو الجزئية والشطرية ، لأن
الأذان أمرٌ توقيفيٌّ.
أمّا لو أتى بها
تيمّنا وتبـرّكا فالظاهر أنّ هذا ما يقبله المحقّق السبزواري والفيض الكاشاني ، لأ
نّك لو تأمّلت في عباراتهم لرأيتهم يؤكّدون على بدعية وحرمة الإتيان بها جزءا ، لقول
السبزواري « إضافة »
« بدعة » « إذ الكلام في دخولها في الأذان وهو موقوف على التوقيف الشرعيّ ولم يثبت
» ، وقول الفيض
الكاشاني « فإن
اعتقده شرعا فهو حرام » وكلّ هذه التعابير تشبه ما جزم به الشهيد الثاني والمقدّس الأردبيلي وغيرهما
حيث ذكروا جواز الإتيان بها بشرط أن لا تكون على نحو الجزئيّة ، فالعبارات واحدة
المؤدّى عند كلّ العلماء ابتداءً من الشيخ الطوسي حتّى الفيض الكاشاني.
نعم ، في كلام
السـيّد عبداللّه بن نور الدين الجزائري ( ت ١١١٤ ه ) ـ عند شرحه لكلام الفيض في
كتابه ( التحفة السنية في شرح النخبة المحسنية ) ـ ما يفهم منه بأنّ بعض فقهاء
الشيعة كانوا يأتون بها على أنّها جزءٌ ، ولأجله قال ; : زلّة العالِم زلّةُ العالَم .
في حين لو تأ مّلت
فيما قلناه سابقا ، لعرفت بأنّ غالب الشيعة لم يأتوا بهذه الصيغ على أنّها جزءٌ
وشطرٌ في الأذان ، بل كانوا يأتون بها على نحو الذكر المحبوب تيمّنا وتبرّكا ، وأنّ
اختلاف الصيغ الرائجة عند الشيعة آنذاك ، ومنذ عهد الصدوق إلى يومنا هذا ، يؤكّد
بأ نّهم لا يأتون بها إلاّ على هذا النحو ، وقد صرّح
__________________
الفقهاء بذلك من
قديم الزمان إلى يومنا هذا في رسائلهم العملية.
فلا تخالف إذن بين
من يقول بجوازها وبين من يقول بحرمتها وبدعيتها حسب التوضيح الّذي قلناه.
القرن الثاني عشر الهجري
وهو قرن حافل
بالأعلام والفقهاء العظام ، ولو راجعت كتاب « طبقات أعلام الشيعة » لوقفـت على أسمائهم ، وفي هذا القرن لم يتعرّض الفاضل
الهندي ( ت ١١٣٧ ه ) في ( كشف اللثام ) ، ولا جدّي السيّد محمد إسماعيل المرعشي الشهرستاني في (
المقتضب ) ، ولا الحرّ العاملي ( ت ١١٠٤ ه ) في ( هداية الامة ) إلى موضوع
الشهادة بالولاية في الأذان ، وإن كان المحدّث الحرّ العاملي قد أشار إلى هذا
الموضوع تلويحا بعد أن ذكر الروايات المختلفة في عدد فصول الأذان والإقامة ، وأنه
: ٣٧ أو ٣٨ أو ٤٢ ، فقال :
|
وهنا اختـلافٌ
غير ذلك ، وهو من أمارات الاستحباب .
|
لكنّ بعض الأعـلام
في هذا القرن تطرّقوا إلى موضوع الشهادة الثالثة في كتبهم ورسائلهم العملية بشيء
من التفصيل ، وهو يشير إلى جواز هذا العمل عندهم وعدم لزومه ، وان اشارة هؤلاء إلى
هذه المسألة كاف للدلالة على امتداد السيرة بالشهادة بالولاية في هذا القرن ، وهم
:
__________________
١٤ ـ علي بن محمّد
العاملي ( ت ١١٠٣ ه ) سبط الشهيد الثاني
أتى الشيخ علي بن
محمد بن الحسن العاملي «
سبط الشهيد الثاني » ـ في حاشيته على شرح اللمعة الدمشقية لجدّه الشهيد الثاني ، المسمى : بـ (
الزاهرات الرويّة في الروضة البهية ) ـ بكلام الشيخ في المبسوط ، ثمّ قال :
|
وأطلق
عدم الإثم به ، أي لم يقيّده بعدم الاعتقاد ، أو بعدم نيّة أنّه منه ، وفي
البيان : قال الشيخ : فأمّا قول أشهد أنّ عليّا ولي اللّه ... وفي الذكرى نقل
عدم الإثم عن المبسوط بعد قول الشيخ : ومن عمل به كان مخطئا .
|
فالشـيخ العاملي أراد من مجموع كلامه السابق الإشارة إلى جواز الإتيان بها ، لكن
ربّما يظهر من عبارته أنّه فهم من كلام الشيخ الطوسي أنّ القائل بالشهادة الثالثة
بنيّة أنّها جزء الأذان جائز لقوله ; : «
واطلق عدم الاثم به ، أي لم يقيده بعدم الاعتقاد ، أو بعدم نية أنّه منه ».
لكن يـردّه أن
الشيخ حكم بخطأ ذلك في النّهاية ، بحسب الجمع بين قوليه والذي تقدّم التفصيل فيه.
والحاصل
: أنّ سـبط الشهيد
الثاني قائل بأنّ الشهادة الثالثة من الأذان ، وأنّ من عمل بشواذ الأخبار هنا ليس
مأثوما وان كان مخطئا للأخذه بالمرجوح وترك الراجح.
١٥ ـ الشيخ محمد
باقر المجلسي ( ت ١١١١ ه )
قال الشيخ محمد
باقر المجلسي في ( بحار الأنوار ) :
__________________
|
لا
يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان ، لشهادة الشيخ
والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الاخبار بها.
قال
الشيخ في المبسوط : فأمّا قول «أشهد أنّ عليا أمير المؤمنين» ، و «آل محمد خير
البرية» على ما ورد في شواذّ الأخبار ، فليس بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله
الإنسان لم يأثم به ، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله.
وقال
في النّهاية : فأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول : « أنّ عليا ولي اللّه »
و «أنّ محمدا وآله خير البشر » ، فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن
عمل به كان مخطئا.
وقال
في المنتهى : وأمّا ما روي في الشاذّ من قول : « [ أشهد ] أنّ عليا ولي اللّه »
، و « آل محمد خير البرية » ، فمما لا يعوّل عليه.
ويؤيّده
ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي ; في كتاب الاحتجاج عن القاسم بن معاوية
، قال : قلت لأبي عبداللّه 7 : هؤلاء يروون
حديثا في معراجهم أنّه لمّا اُسري برسول اللّه رأى على العرش لا إله إلاّ
اللّه ، محمّد رسول اللّه ، أبو بكر الصدّيق.
فقال
: سبحان اللّه!! غيرّوا كلّ شيءٍ حتّى هذا؟!
قلت
: نعم.
قال
: إنّ اللّه عزّ وجلّ لمّا خلق العرش كتب عليه « لا إله إلاّ اللّه ، محمد
رسول اللّه ، علي أمير المؤمنين » ، ثمّ ذكر كتابة ذلك على الماء ، والكرسي ، واللوح
، وجبهة إسرافيل ، وجناحي جبرئيل ، وأكناف السماوات والأرضين ، ورؤوس الجبال
والشمس والقمر ، ثم قال 7 : « فإذا قال احدكم
: لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ،
|
|
فليقل
: علي أمير المؤمنين » ، فيدلّ على استحباب ذلك عموما ؛ والأذان من تلك المواضع
، وقد مرّ أمثال ذلك في أبواب مناقبه 7 ، ولو قاله المؤذّن
أو المقيم لا بقصد الجزئيّة ، بل بقصد البركة ، لم يكن آثِما ، فإنّ القوم
جوّزوا الكلام في أثنائهما مطلقا ، وهذا من أشرف الأدعية والأذكار .
|
ولا يخفى ان الشيخ المجلسي كان لا يستبعد القول بأنّها من الاجزاء المستحبة
لورود الأخبار الشاذه بها لقوله في بداية كلامه : ( لا يبعد كون الشهادة بالولاية
من الاجزاء المستحبة للأذان لشهادة الشيخ والعلاّمة وغيرهم بورود الأخبار بها )
وأنّ فتواه في قوله «
فيدل على استحباب ذلك عمـوما » مبنيّ على أساس قاعدة التسامح في أدلّة السنن الّتي تسوّغ لبعض الفقهاء أن
يحتجوا بالأخبار المرسلـة ، كمرسلة القاسم بن معاوية الآنفة.
١٦ ـ السيّد نعمة
اللّه الجزائري ( ت ١١١٢ ه )
قال السيّد نعمة
اللّه الجزائـري في ( الأنوار النعمانية ) معلّقا على خبر القاسم بن معاو ية :
|
ويستفادُ
من قوله 7 : « إذا قال أحدكم
: لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، فليقل علي أمير المؤمنين » عمومُ
استحباب المقارنة بين اسميهما 8 إلاّ ما أخرجه
الدليل كالتشهّدات الواجبة في الصّلوات ، لأ نّها وظائف شـرعية ، وأمّا الأذان
فهو وإن كان من مقدّمات الصلاة إلاّ أنّه مخالف لها في أكثر الأحكام ، فلا يبعد
القول من هذا الحديث باستحباب لفظ « علي ولي اللّه » أو « أمير
|
__________________
|
المؤمنين
» أو نحو ذلك في الأذان ، لأنّ الغرض الإتيان باسمه كما لا يخفى.
|
ثم ذكر السيّد
الجزائري مناما بهذا الصدد فقال :
|
فلمّا
تيقّظت رأيت ذلك الدعاء في بعض الكتب وفيه اسم علي 7
، والّذي يأتي على هذا أن يذكر اسم علي 7 في الأذان وما
شابهه ، نظرا إلى استحبابه العامّ ولا يقصد أنّه وظيفة شرعية في خصوص هذا الموضع
، وهكذا الحال في أكثر الأذكار ، مثلاً « قول لا إله إلاّ اللّه » مندوب إليه
في كلّ الأوقات ، فلو خُصّ منه عدد في يوم معيّن لكان قد ابتدع في الذكر
، وكذا سائر العبادات المستحبّة ، فتأمّل .
|
فالملاحظ أنّ
الجزائـري قدسسره قد أفتى باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان لا بعنوان أنّها
وظيفة شرعية فيه ، ولا أنّها من فصوله أو جزءٌ منه ، غاية ما في الأمر هو اسـتحباب
الاقتران العامّ في ذكر عليٍّ بعد ذكر النبيّ استنادا لخبر القاسم بن معاوية ، وهذا
يعني أنّ الاسـتحباب على قسمين :
الأول
: أن يبتـني على
نصّ خاصّ في خصوص الأذان ، وهو مفقود في المقام إلاّ ما ذكره الشيخ الصدوق والشيخ
الطوسي ، وقد تقدّم البحث في ذلك.
والثاني
: ينطلق من منطلق
الاسـتحباب النفسي للشهادة بالولاية ، وهذا ثابت لا كلام فيه.
وقيل أنّ هذا
الاستحباب يمكن تعميمه لكن بشرط أن لا يدخل في ماهيّة العبادات الأخرى ؛ وعلى هذا
الأساس فالشهادة بالولاية مستحبّة في كلّ حال ،
__________________
لكنّها ليست جزءا
من الأذان ؛ أي ليست داخلة في ماهيّته ، وعلى هذا الأساس يتفرّع التفصيل : فإن
كانت الشهادة الثالثة تدور مدار الأول فهي بدعة عند السيّد الجزائري ، وإذا دارت
مدار الثاني فهي مستحبة لعموم الاقتران لا غير ، ولا دخل لها في الأذان ، ألا
كونها مما ينطبق عليها ذلك العموم لا غير.
١٧ ـ محمد بن حسين
الخونساري ( ت ١١١٢ ه )
قال آقا جمال
الدين محمد بن حسين الخونساري في ( آداب الصلاة ) :
|
ويكره
الكلام في أثنائهما ، وخصوصا في الإقامة بعد الإتيان بـ « قد قامت الصلاة » ، وإذا
أتى شخص بعد الشهادتين ـ بقصد التيمّن والتبرّك ، ولتجديد الإيمان لا اعتقادا
منه أنّها جزء الأذان ، مرة أو مرتين ـ بـ « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه » ، فلا
اشكال فيه .
|
ولا ريب في أنّ
زبدة فتـواه هي الجواز ، لكن لا بعنوان الجزئية بل بعنوان التيمّن والتـبرّك
وتجديد الإيمان ، وقد مرّ عليك كلام المجلسي الثاني الذي أكّد بأنّ ذكر علي مقترنا
بذكر النبيّ من أشرف الأذكار ، لِما في ذلك من التيمّن والتبرّك والثبات على
الإيمان.
١٨ ـ الشيخ يوسف
البحراني ( ت ١١٨٦ ه )
قال الشيخ يوسـف
البحراني ـ بعد أن نقل بعض الروايات في الباب وبياناته عليها ، وما ذكره الصدوق
قدسسره من قوله : «
والمفوضة لعنهم اللّه » ، وتعليقة شيخنا المجلسي في البحار عليه ـ قال :
|
انتهى
[ كلام المجلسي ] ، وهو جيّد ، أقول : أراد بالمفوّضة هنا
|
__________________
|
القائلين
بأنّ اللّه عزّ وجلّ فوّض خلق الدُّنيا إلى محمّد 6
وعليّ 7 ، والمشهور بهذا
الاسم إنّما هم المعتزلة القائلون بأنّ اللّه عزّوجلّ فوّض إلى العباد ما يأتون
به من خير وشر .
|
وأشـار في آخر كلامه إلى بعض الأمور المهمّة التي تتعلّق بأصل الأذان وأنّه وحيٌّ
لا منام عند أهل البيت ، نزل به جبرئيل على رسول اللّه ، وأنّ جبرئيل أذّن له به
في صلاته بالنبيّين والملائكة في حديث المعراج ، ثمّ ناقش الشيخ البحراني ما قالته
العامّة من أنّ الأذان كان برؤ يا ، وأخيرا نقل ما رواه الصدوق في كتاب العلل
والعيون عن الفضل بن شاذان في العلل في معنى الحيعلة ، وجاء بما روي عن الإمام
الكاظم عن معناها وأنّها الولاية ، وفي كلّ هذه الأمور التي ذكرها إشارات إلى
محبوبيّة ذكر الولاية في الأذان عنده.
والحاصل هو أنّ
المحقق البحراني يذهـب إلى ما ذهب إليه المجلسي قدسسره ، حيث علق على كلامه بقوله
: « وهو جيّد
» ، أي أنّ البحراني قائل على غرار ما قاله المجلسي.
القرن الثالث عشر الهجري
وإليك الآن كلمات
علماء هذا القـرن حول الشهادة بالولاية مع بعض تعليقاتنا عليها.
١٩ ـ الوحيد
البهبهاني ( ١١١٧ ـ ١٢٠٥ ه )
قال جدّي لأمي المولى محمد
باقـر الوحيد البهبهاني ـ معلّقا على قول
__________________
صاحب المدارك : « فتكون الزيادة فيه
تشريعا محرما » ـ :
|
التشريع
إنَّما يكون إذا اعتقد كونه عبادة مطلوبة من الشرع من غير جهةٍ ودليلٍ شرعيِّ ، والترجيعُ
على ما حقّقه ليس إلاّ مجرّد فعل وتكرار ، أمّا كونه داخلاً في العبادة ومطلوبا
من الشارع فلا ، فيمكن الجمع بين القولين بأنّ القائل بالتحريم بناؤه على ذلك ، والقائل
بالكراهة بناؤه على الأوّل ، وكونُهُ مكروها لأ نّه لغوٌ في أثناء الأذان وكلامٌ
، أو للتشبّه بالعامّة أو بعضهم ، فتأمّل.
وممّا
ذكرنا ظهر حال « محمّد وآله خير البريّة » و « أشهد أنّ عليا ولي اللّه » بأ
نّهما حرامان بقصد الدخول والجزئية للأذان لا بمجرّد الفعل.
نعم
، توظيف الفعل في أثناء الأذان ، ربّما يكون مكروها ( بكونه مغيِّرا لهيئة
الأذان ) بحسب ظاهر اللفظ ، أو
كونه كلاما فيه ، أو للتشبّه بالمفوّضة ، إلاّ أنّهُ ورد في العمومات : أنّه متى
ذكرتم محمّدا فاذكروا آله ، أو متى قلتم : محمد رسول اللّه ، فقولوا : علي ولي
اللّه ، كما رواه في الاحتجاج ، فيكون حاله حال
الصلاة على محمد وآله بعد قوله : « أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه » في كونه
|
__________________
|
خارجا
عن الفصول ومندوبا إليه عند ذكر محمّد ، فتأ مّل جدّا .
|
وقال في ( مصابيح
الظلام في شرح مفاتيح الشرائع ) :
|
السابع
: قد عرفت كيفيّة الأذان والإقامة وهيئتهما ، وأنّه ليس فيهما « أشهد أنّ عليّا
وليّ اللّه » ، ولا « محمّد وآله خير البريّة » وغير ذلك ، فمن ذكر شيئا من ذلك
، بقصد كونه جزء الأذان ، فلا شكّ في حرمته ، لكونه بدعة.
وأمّا
من ذكر لا بقصد المذكور ، بل بقصد التيمّن والتبرّك ، كما أنّ المؤذّنين يقولون
بعد « اللّه أكبر » ، أو بعد « أشهد أن لا إله إلاّ اللّه » : جلَّ جلاله ، وعَمَّ
نواله ، وعظم شأنه ، وأمثال ذلك تجليلاً له تعالى ، وكما يقولون : 9
بعد « محمّد رسول اللّه » ، لِما ورد من قوله 7
: «من ذكرني فليصلّ عليّ » ، وغير ذلك ممّا
مرّ في شرح قول المصنّف : « والصلاة على النبي 6
، إذ لا شكّ في أنّ شيئا من ذلك ليس جزءً من الأذان ».
فإن
قلت : الصلاة على النبي وآله : ورد في الأخبار
، بل احتُمِل وجوبهما ، لما مرّ ، بخلاف غيره.
قلت
: ورد في الأخبار مطلوبيّتهما عند ذكر اسمه 6
، لا أنّهما جزء الأذان ، فلو قال أحد بأ نّه جزء الأذان ، فلا شكّ في حرمته ، وكونه
بدعة ، وإن قال بأ نّه لذكر اسمه 6 فهو مطلوب.
|
__________________
|
وورد
في « الاحتجاج » خبر متضمّن لمطلوبيّة ذكر « عليّ وليّ اللّه » ، في كلّ وقت
يذكر محمّد رسول اللّه 6
، مضافا إلى العمومات الظاهرة في ذلك.
مع
أنّ الشيخ صرّح في ( النّهاية ) بورود أخبار تتضمّن ذكر مثل « أشهد أنّ عليّا
وليّ اللّه » في الأذان .
والصدوق
أيضا صرّح به ، إلاّ أنّه قال ما قال .
ومرّ
في بحث كيفيّة الأذان ، فأيّ مانع من الحمل على الاستحباب؟ موافقا لما في «
الاحتجاج » ، و [ ما ] ظهر من العمومات ، لا أنّه جزء الأذان ، وإن ذكر فيه.
ألا
ترى إلى ما ورد من زيادة الفصول ، وحملوه على الاستحباب والمطلوبيّة في مقام
الإشعار وتنبيه الغير على ما مرّ ، مضافا
إلى التسامح في أدلّة السنن.
وغاية
طعن الشيخ على الأخبار المتضمّنة لما نحن فيه أنّها شاذّة
، والشذوذ لا ينافي البناء على الاستحباب ، ولذا دائما شغل الشيخ بحمل الشواذّ
على الاستحباب.
منها
صحيحة ابن يقطين الدالّة على استحباب إعادة
|
__________________
|
الصلاة
مطلقا عند نسيان الأذان والإقامة ، ورواية زكريّا بن
آدم السابقة ، مع تضمّنها ما لم
يقل به أحد ، بل وحرام ، من قوله : « قد قامت الصلاة » في أثناء الصلاة ، وغير
ذلك من الحزازات التي فيها وعرفتها.
وبالجملة
: كم من حديث شاذّ ، أو طعن عليه بالشذوذ ، أو غيره ، ومع ذلك عمل به في مقام
السنن والآداب ، بل ربّما يكون حديث مطعون عليه عند بعض الفقهاء والمحدّثين غير
مطعون عليه عند آخرين ، فضلاً عن الآخر ، سيّما في المقام المذكور.
والصدوق
وإن طعن عليها بالوضع من المفوّضة .
لكن لم يُجْعَلْ كلّ طعن منه حجّة ، بحيث يرفع اليد من جهته عن الحديث ، وإن كان
في مقام المذكور. ومن هنا ترى الشيخ لم يطعن عليها بذلك أصلاً.
على
أنّا نقول : الذكر من جهة التيمّن والتبرّك ، لا مانع منه أصلاً ، ولا يتوقّف
على صدور حديث ، لأنّ التكلّم في خلالهما جائز ، كما عرفت ، فإذا كان الكلام
اللغوُ الباطلُ غيرَ مضرٍّ ، فما ظنّك ربمّا يفيد التبرّك والتيمّن؟
لا
يقال : ربّما يتوهّم الجاهل كونه جزءَ الأذان ، إذا سمع الأذان كذلك ، فيفسّر
فيقول على سبيل الجزئيّة.
لأنّا
نقول : ذكر « 9 » في الأذان
والإقامة ،
|
__________________
|
والالتزام
به أيضا ، ممّا يصير منشأً لتوهّم الجاهل الجزئيّة ، بل كثير من المستحبّات
والآداب في الصلاة وغيرها من العبادات يتوهّم الجاهل كونها جزء.
وكان
المتعارف من زمان الرسول 6 إلى الآن يرتكب في
الأعصار والأمصار من دون مبالاة من توهّم الجاهل ، فإنّ التقصير إنّما هو من
الجاهل ، حيث لم يتعلّم فتخرب عباداته ، ويترتّب على جهله مفاسد لا تحصى ، منها
استحلاله كثيرا من المحرّمات من جهة عدم فرقه بين الحرام من شيء والمباح منه.
وربّما يعكس الأمر .. إلى غير ذلك من الأحكام.
هذا
؛ مع أنّه يمكن تعبيره بنحو يرتفع توهّم المتوهّم ، بأن يذكر مرّة ، أو ثلاث
مرّات ، أو يجعل من تتمّته 6 ، وغير ذلك .
|
وشـيخنا الوحيد البهبهاني قدسسره أراد بكلامه في ( حاشـية المدارك ) و (
مصابيح الظلام ) نفي الجزئية عن الشهادة الثالثة ، لأنّ الإتيان بها بهذا القصد
بدعة محرمة ، لكنّه فرّق بين الإتيان بالترجيع وبين الإتيان بالشهادة بالولاية ، فقال
بكراهة الأوّل ، لأ نّه لغو في أثناء الأذان ، وأنّه كلام آدمي ، أو للتشبّه
بالعامة أو ببعضهم ، بعكس الشهادة بالولايه لعلي فهي مستحبّة ومندوبة لما دلّت
عليه أدلّة الاقتران ، لقوله ; في حاشية المدارك : « إلاَّ أنَّه ورد في العمومات : أنّه
متى ذكرتم محمدا فاذكروا آله ، أو متى قلتم : محمد رسول اللّه فقولوا : علي ولي
اللّه كما رواه في الاحتجاج فيكون حاله حال « الصلاة على محمد وآله » بعد قوله : أشهد ان محمدا رسول اللّه في كونه خارجا عن
الفصول ومندوبا إليه عند ذكر محمد 6 ).
ثمّ ذكر الوحيد
البهبهاني هذا الأمر بتفصيل أكثر في ( مصابيح الظلام ) متعرّضا
__________________
للشبهات التي قيلت
أو يمكن أن تقال في الشهادة بالولاية ، كشبهة توهّم الجزئية للمكلّفين ، وَرَدَّ
جميعَ تلك الشبهات ، وهو يؤكّد بنحو الجزم ذهابه إلى رجحان الإتيان بها لا بقصد
الجزئية. لأ نّه ذكر مستحب في نفسه للاقتران المذكور.
٢٠ ـ السيّد مهدي
بحر العلوم ( ١١٥٥ ـ ١٢١٢ ه )
قال السيّد بحر
العلوم في منظومته المسمّاة ( الدرة النجفية ) في الفصل المتعلّق بالأذان والإقامة
« السنن
والاداب » :
صلِّ إذا ما اسمُ محمَّدٍ بدا
|
|
عليه والآلَ فَصِلْ لِتُحْمَدا
|
وأكمِلِ الشَّهادتين بالَّتي
|
|
قد أُكمِل الدّينُ بها في الملَّةِ
|
وإنّها مثل الصلاة خارِجَه
|
|
عن الخصوصِ بالعمومِ والِجَه
|
فالسيّد بكلامه
هنا اعتبر الشهادة بالولاية مكمّلة للشهادتين في الأذان ؛ استنادا لقوله تعالى ( ألْيَوْمَ أكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ
دِينا ) وجريا مع الصلوات على محمد وآل محمد ، والذي فيه التوحيد والنبوة والإمامة ، لأنّ
جملة « اللهم
صَلِّ على محمد وآل محمد » فيه طلب ودعاء من اللّه لنزول الرحمة على النبي محمد وعلى آله الطيبين
الطاهرين.
فقوله :
صَلِّ إذا ما اسمُ محمّد بدا
|
|
عليه والآلَ فَصِلْ لِتُحْمَدا
|
هو إشارة إلى هذه
المقارنة بين الشهادة بالولاية في الأذان مع الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه.
فكما يسـتحبّ
للمؤذن عند قوله «
أشهد أنّ محمدا رسول اللّه » أن يقول : « اللهم صل
على محمد وآله » ، فكذلك يُستحبّ أن يقول : «
أشهد أنّ عليّا ولي
__________________
اللّه
» ، وكما أنّ
الصلاة على محمّد وآله عند شهادة المؤذّن بالرسالة لا تخلّ بالأذان ، فكذلك
الشهادة لعليّ لا تخلّ فيه لأ نّه ذكر محبوبٌ دعا إليه الشارع من خلال العمومات
الواردة في الذكر الحكيم والحديث النبويّ الشريف.
وعليه فالسيّد بحر
العلوم ; عدّ الشهادة الثالثة من كمال فصول الأذان خلافا للشيخ الطوسي ، وكان القائل
بكونها مكملة للشهادتين يلزم من كلامه كونها جزءا مستحبا ، فلو ثبتت هذه الملازمة
فسيكثر القائلون بالجزئية المستحبة.
هذا وإني راجعت كتاب
السيّد بحر العلوم «
مصابيح الاحكام المخطوط » للوقـوف على رأيه في الشهادة الثالثة فلم اجد فيه شيئاً عنها مكتفياً بالقول:
يستحبّ الأذان في الفرائض اليوميّة والجمعة استحباباً مؤكداً في حقّ الرجال
وخصوصاً في الجماعة ، وصلاتي الغداة والمغرب كما هو المشهور.
٢١ ـ الشيخ محمد علي
الكرمانشاهي ( ت ١٢١٦ ه )
قال جدّي الأمّيّ
الشـيخ محمد علي الكرمانشاهي بن محمد باقر البهبهاني المعروف بـ « الوحيد البهبهاني » في ( مقامع الفضل ) ما ترجمته :
|
لا
مانع أن يقول القائل بعد « أشهد أنّ محمدا رسول اللّه » : « أشهد أنّ عليّا ولي
اللّه » مرتين ، والأولى أن يقولها بقصد التبرّك لا بقصدِ الأذان .... والإقامة
مثل الأذان .
|
وقد يستفاد من كلمة «
والاولى » امكان الاتيان
بها بقصد الجزئية المستحبة ، وان كان الاولى قولها بقصد التبرك ، وعليه فهو من
المجيزين للاتيان بها في الأذان والإقامة.
__________________
٢٢ ـ الشيخ حسين
البحراني ( ت ١٢١٦ ه )
قال الشـيخ حسين
البحراني في كتابه ( الفرحة الأُ نْسيّة في شرح النّفحة القُدسيّة في فقه الصّلوات
اليوميّة ) :
|
وأمّا
الفصل المرويّ في بعض الأخبار المرسلة وهو « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه » أو «
محمّدا وآله خير البرية » فممّا نفاه الأكثر ، وظاهر الشيخ في المبسوط ثبوته
وجواز العمل به وإن كان غيرَ لازم ، وهو الأقوى ، والطعنُ فيه بأ نّه من أخبار
المفوّضة والغلاة كما وقع للصّدوق في الفقيه ممّا يشهد بثبوته وهو غير محقّق فلا
باس بما ذهب إليه الشيخ ، وليس من البِدَعِ كما زعمه الأكثر ، ويؤيّده وجود
أخبار عديدة آمرة بأ نّه كلّما ذُكِرَ محمّد 6
وشهد له بالنبوة فليُذْكَر معه علىٌّ 7 ويُشهَد له
بالولاية .
|
فالشيخ البحراني ; استفاد من ظاهر
الشيخ في المبسوط ثبوته وجواز العمل به وان كان غير لازم وهو الاقوى عنده.
ثم جاء ليرد الطعن
الوارد فيه بأ نّه من اخبار المفوّضة والغلاة بأن طعن الصدوق يشهد بالثبوت ، لان
الطعن فرع الورود والثبوت ولذلك قال : « وهو غير محقق » أي طعن الصدوق غير محقق.
٢٣ ـ حسين آل عصفور البحراني ( ت ١٢٢٦ ه )
قال الشيخ حسين بن
محمد آل عصفور البحراني ـ ابن أخ الشيخ يوسف صاحب الحدائق في ( سداد العباد ورشاد
العُبّاد ) ما نصه :
|
وأمّا
قول : « أشهد أنّ عليا أمير المؤمنين » أو « وليّ اللّه » و « أنّ آل محمد خير
البرية» على ما ورد في بعض الأخبار ، فليس بمعمول
|
__________________
|
عليه
في الاشهر ، وفاعله لا يأثم ، غير أنّه ليس من فصولهما المشهورة ـ وإن حصل به
الكمال ، وليس من وضع المفوّضة ـ سيّما إذا قصد التبرُّك بضمّ هذه الفصول .
|
فالشـيخ آل عصفور
أراد بكلامه هذا التعليق على ما قاله الشيخ الطوسيّ في المبسوط : « غير أنّه ليس من
فضيلة الأذان ولا كمال فصوله » ، وكذا التعليق على كلام الشيخ الصدوق القائل بأنّها من وضع المفوّضة ، والقول
بأنّ الشهادة الثالثة وإن حصل بها كمال الأذان إلاّ أنّها مع ذلك ليست جزءا واجبا
داخلاً في ماهيته ، وعليه فإنّه ; وإن كان يقول بمثل كلام الشيخ الطوسي بعدم إثم فاعلها ، إلاّ
أنّه لا يقول بها من خلال الأخبار الشـاذّة بل للعمومات ، ولا سـيّما إذا قصد
بعمله التبرّك والتيمّن.
٢٤ ـ الشيخ جعفر
كاشف الغطاء ( ت ١٢٢٨ ه )
قال الشيخ جعفر
كاشف الغطاء في كتابه ( كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ) ما نصه :
|
وروي
: أنّه [ أي الأذان ] عشرون فصلاً ؛ بتربيع التكبير في آخره .
(
والمرويّ عن النبيّ 6 مرّة قول : « أشهد
أنّ محمّدا » ـ واُخرى : أنّي ـ رسول اللّه »
، والظاهر نحوه في الإقامة ، والتشهّد ) .
|
__________________
|
وليس
من الأذان قول : « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه » أو « أنّ محمّدا وآله خير
البريّة » ، و « أنّ عليّا أمير المؤمنين حقّا » مرّتين مرّتين ؛ لأ نّه من وضعِ
المفوّضة ـ لعنهم اللّه ـ على ما قاله الصدّوق .
ولما
في النّهاية : أنّ ما روي أنّ منه : « أنّ عليّا وليّ اللّه ، و « أنّ محمّدا
وآله خير البشر أو البرية » من شواذّ الأخبار ، لا يعمل عليه .
وفي
المبسوط : قول : « أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين 7
» و « آل محمّد خير البريّة » من الشّـاذّ لا يعول عليه .
وما
في المنتهى : ما روي من أنّ قول : « إنّ عليّا وليّ اللّه ، و « آل محمّد
خيرالبريّة » من الأذان من الشاذّ لا يعوّل عليه .
ثمّ
إنّ خروجه من الأذان من المقطوع به ( لإجماع الإماميّة من غير نكير ، حتّى لم
يذكره ذاكرٌ بكتاب ، ولا فاه به أحد من قدماء الأصحاب ) .
ولأ
نّه وضع لشعائر الإسلام ، دون الإيمان ، ( ولذا ترك فيه ذكر باقي الأئمّة : ) .
ولأنّ
أمير المؤمنين 7 حين نزوله كان
رعيّة للنبيّ 6 ، فلا يذكر على
المنابر.
(
ولأنّ ثبوت الوجوب للصّلاة المأمور بها موقوف على التوحيد
|
__________________
|
والنبوّة
فقط ) .
على
أنّه لو كان ظاهرا في مبدأ الإسلام ، لكان في مبدأ النبوّة من الفترة ما كان في
الختام ، وقد أُمِرَ النبيّ 6 مكرّرا في نصبه
للخلافة ، والنبيُّ 6 يستعفي حذرا من
المنافقين ، حتّى جاءه التشديد من ربّ العالمين.
ومَن
حاول جعله من شعائر الإيمان ، لزمه ذكر الأئمّة : ، ( ولأ نّه لو كان من فصول
الأذان ، لنُقل بالتواتر في هذا الزمان ، ولم يخفَ على أحدٍ من آحادِ نوع
الإنسان) .
وإنّما
هو من وضع المفوّضة الكفّار ، المستوجبين الخلود في النّار ، كما رواه الصدوق ، وجعله
الشيخ والعلاّمة من شواذّ الأخبار كما مرّ.
وروي
عن الصادق 7 : « أنّه من قال :
لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه ، فليقل : عليّ أمير المؤمنين » .
ولعلّ
المفوّضة أرادوا أنّ اللّه تعالى فوّض الخلقَ إلى عليّ 7
، فساعَدَهُ على الخلق ، فكانَ وليّا ومُعينا.
فمَن
أتى بذلك قاصدا به التأذين ، فقد شرّع في الدّين. ومَن قصدَهُ جزءا من الأذان في
الابتداء ، بطل أذانه بتمامه ، وكذا كلُّ ما انضمّ إليه في القصد ، ولو اختصَّ
بالقصد ، صحّ ما عداه.
ومن
قصد ذِكر أمير المؤمنين 7 ( لرجحانه في ذاته
، أو مع ذكر
|
__________________
|
سيّد
المرسلين ) أُثيب على ذلك.
لكنّ
صفة الولاية ليس لها مزيد شرفيّة ( إذا لم تُقرن مع اللّه ورسوله في الآية
الكريمة ؛ لحصول القرينة فيها ) لأنّ جميع المؤمنين
أولياء اللّه ، فلو بدّل بـ « الخليفة بلا فصل » ، أو بقول : « أمير المؤمنين »
، أو بقول : « حجّة اللّه تعالى » ، أو بقول : « أفضل الخلق بعد رسول اللّه 6
» ونحوها ، كان أولى .
ثمّ
قول : « وإنّ عليّا وليّ اللّه » ، مع ترك لفظ « أشهد » أبعد عن الشُبهة ، ولو
قيل بعد ذكر رسول اللّه : « صلى اللّه على محمد سيّد المرسلين ، وخليفته بلا
فصل عليّ وليّ اللّه أمير المؤمنين » لكان بعيدا عن الإيهام ، وأجمع لصفات
التعظيم والاحترام .
ويجري
في وضعه في الإقامة نحو ما جرى في الأذان.
ويجري
في جميع الزيادات هذا الحكم ، كالترجيع ، وهو زيادة الشّهادة بالتوحيد مرّتين ، فيكون
أربعا ، أو تكرير التكبير ، والشّهادتين في أوّل الأذان ، أو تكرار الفصل زيادة
على الموظّف ، أو تكرار الشّهادتين جهرا بعد إخفاتهما ، وفي تكرير الحيعلات ،
|
__________________
|
أو
« قد قامت الصّلاة » ، وجميع الأذكار المزادة فيه ، فيختلف حكمها باختلاف القصد
، ولا بأس بها ما لم يقصد بها الجزئيّة أو التقريب بالخصوصية ما لم يحصل فصل
مخلّ بهيئة الأذان .
|
قد يتصور البعض
بأنّ الشيخ كاشف الغطاء بكلامه هذا كان يعتقد بصحة كلام الشيخ الصدوق ، وذلك لقوله
: وليس من الأذان قول : «
أشهد أن عليّا ولي اللّه » ... إلى آخره ، ثم قوله بعد ذلك : « وإنما هو وضع المفوضة الكفار ، المستوجبين
الخلود في النار ، كما رواه الصدوق ، وجعله الشيخ والعلاّمة من شواذّ الأخبار كما
مر » ، وهذا التصوّر غير
صحيح ؛ وذلك لأمور :
الأوّل
: إنّ ما قاله ; كان حكاية عن قول
الصدوق وليس تبنّيا منه لذلك ؛ لقوله ; : «
على ما قاله الصدوق » وفي الآخر : «
كما رواه الصدوق ، وجعله الشيخ والعلاّمة من شواذّ الأخبار ».
الثاني
: إنّ الشيخ كاشف
الغطاء قد أتى بغالب الصيغ التي قيلت في الشهادة الثالثة وأضاف عليها المزيدَ ؛
لقوله ; : « لكنّ صفة
الولاية ليس لها مزيد شرفيّة ، لأنّ جميع المؤمنين أولياء اللّه ، فلو بدّل
بالخليفة بلا فصل له ، أو بقول : أمير المؤمنين ، أو بقول : حجّة اللّه تعالى ، أو
بقول : أفضل الخلق بعد رسول اللّه 6 ، ونحوها كان اولى ».
الثالث
: إنّه ; مع الشيخ الصدوق ; إن صحّ وضعها من
قبل المفوّضة ، كما نحن وجميع المسلمون معه ، لأ نّها ليست من أصل الأذان ، لكنّ
إفتاء الشيخ بالصيغ المحكيّة عن الصدوق ، وإضافته جُمَلاً جديدة عليها تؤكّد سماحه
بالإتيان بها لا على نحو الجزئيّة ؛ لقوله : « ومن قصد ذكر أمير المؤمنين 7
لرجحانه في ذاته أو مع ذكر سيّد المرسلين أثيب على ذلك ».
__________________
أمّا قوله ; «لأ
نّه وضع لشعائر الإسلام ، دون الإيمان » فهو صحيح ان كان يعني الإسلام الصحيح الكامل وهو المتمثل
بالشهادة بالولاية لعلي ، لان ليس هناك إسلام صحيح كامل دون الولاية باعتقاد الشيخ
تبعا لائمته ، وقد وقفت سابقا على اعتراض الإمام الحسين 7 لمن اعتبر الأذان
رؤيا بقوله 7 : « الأذان
وجه دينكم » ، فلا يتحقق
الوجهية للدين إلاّ من خلال الولاية ، ولا معنى للدين عند الأئمة إلاّ مع الولاية
، ولاجل ذلك نرى الإمام الرضا حينما يروي حديث السلسلة الذهبية يقول : « بشرطها وشروطها وأنا
من شروطها » ، فقد يكون الشيخ
; أراد الوقوف امام الذين يريدون ادخال الشهادة الثالثة على نحو الجزئية ، وان
قوله الانف جاء لهذا الغرض ، لأ نّه ; وحسبما عرفت لا يخطا من يأتي بها لرجحانها في ذاته أو مع
ذكر سيد المرسلين بل يعتقد بأن الذي يأتي بها يثاب على فعله ; ، لقوله « فمَن أتى بذلك قاصدا
به التأذين ، فقد شرّع في الدّين. ومَن قصدَهُ جزءا من الأذان في الابتداء ، بطل
أذانه بتمامه ، وكذا كلُّ ما انضمّ إليه في القصد ، ولو اختصَّ بالقصد ، صحّ ما
عداه. ومن قصد ذِكر أمير المؤمنين 7 ... ».
وعليه فالإسلام لا
يتحقّق ولا يكمل إلاّ بالولاية لعلي ، لأنّ ( فِطْرَتَ
اللَّهِ ألَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) تشهد بذلك ، وذلك لما روي عن الباقر والصادق 8 في تفسير قوله
تعالى « فِطْرَتَ
اللَّه » قالا : هو لا إله
إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، عليّ أمير المؤمنين ولي اللّه ، إلى ها هنا
التوحيد .
فإذن الولاية هي
كالتوحيد والنبوة ؛ إذ لا يمكن فهم الإسلام إلاّ من خلال الاعتراف باللّه ورسوله
ووليه ، وقد مرّ عليك أنّ الشارع كان يحبّذ الدعوة إلى الولاية مع الشهادتين في
الأذان ، لما جاء في العلل عن ابن أبي عمير أنّه سال أبا
__________________
الحسن « الكاظم » عن «
حيّ على خير العمل » لم تركت؟ ... فقال 7 أن الذي أمر بحذفها [ أي عمر ] لا يريد حثا عليها ودعوةً
إليها.
فالشيخ ; بكلامه لا يريد
المنع من المحبوبية بل يريد المنع من الجزئية ، ومعنى كلامه أن الأذان بدون ذكر
الولاية لا يخل به ولا يبطله.
بل يمكننا أن
نتجاوز هذا الكلام ونقول بامكان لحاظ معنى الولاية في الأذان لأ نّه إعلام وإشعار
للصلاة ولا يتحقّق الأذان الصحيح إلاّ من المؤمن الموالي.
ويؤيّد ذلك ما جاء
عن الإمام الرضا : «
من أقرّ بالشّهادتين فقد أقر بجملة الإيمان » لا كلّه ، وسبق أن قلنا بأنّ في كلامه 7 إشارة إلى أنّ في
الأذان معنى الولاية ، وبه يكون الأذان هو شعار الإسلام والإيمان معا ، وقد استظهر
هذا ـ من الرواية ـ قَبْلَنا جدُّنا الأُمّي التقيّ المجلسي ; الذي مرّ عليك
كلامه سابقا.
ومن هنا أُثيرت
مسألة بين الفقهاء ، هي هل الأذان إعلام ، أم شهادة ، أم ذكر ، أم ... فذهب البعض
منهم إلى أنّها إعلام ، فجوّزوا أذان الكافر لو كان مأمونا ، وذهب البعض الآخر إلى
أنّها شهادة ، فاختلفوا : هل يجوز تأذين الكافر أم لا؟ وعلى فرض أنّ الكافر شهد
الشهادتين في الأذان فهل يعتبر مسلما بهذه الشهادة أم لا؟ فغالب الفقهاء اختاروا
العدم لكون ألفاظ الشهادتين في الأذان غير موضوعة لأَِنْ يُعتقد بها ، بل الأذان
للإعلام بوقت الصلاة ، وإن كان هذا الإعلام في غالب الأحيان يقترن بالاعتقاد ويصدر
من المعتقِد ، وكذا تشهّد الصلاة لم يوضع لذلك ، بل لأ نّه جزء من العبادة ، ولو
صدرت عن غافل عن معناها صحّت صلاته لحصول الغرض المقصود منها ، بخلاف الشهادتين
المجرّدتين ، فإنّهما موضوعتان للدلالة على اعتقاد قائلهما.
وقد اشترط البعض
لزوم اشتراط الإيمان في المؤذّن ، لما روي في التهذيب
__________________
عن أبي عبداللّه 7 أنّه سئل عن
الأذان : هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال 7 : لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلاّ رجل مسلم
عارف ، فإن علم الأذانَ فأذّن به ولم يكن عارفا لم يجزئ أذانه ولا إقامته ولا يُقتدى
به .
وقد علق الفيض
الكاشاني على هذا الخبر بقوله : المراد بالعارف ، العارف بإمامة الأئمّة ، فإنّه
بهذا المعنى في عرفهم : ، ولعمري إنّ من لم يعرف هذا الأمر لم يعرف شيئا كما في
الحديث النبوي : من مات ولم يعرف إمام زمانه ...
كلّ هذه النصوص
تؤكّد لحاظ معنى الولاية ضمن الأذان ، وإن لم يشرّع من قبل الأئمّة : على نحو الجزئية.
أمّا قوله : « لأنّ أمير المؤمنين
حين نزوله كان رعيَّةً للنبيّ فلا يذكر على المنابر » فهذا ينقضُهُ ذكر الرسول عليّا من على المنابر وفي أكثر من
مناسبة ، وحسبك واقعة الغدير في حجّة الوداع واجتماع أكثر من مائة وعشرين ألف مسلم
، وخطاب الرسول فيهم خير دليل على وجود ذكر عليّ في عهد رسول اللّه من على
المنابر ، وكونه رعيّةً للنبيّ الأكرم لا ينافي ذكره في الأذان ، كما أنّ كون
النبيّ عبدا للّه لا ينافي ذكره في الأذان.
فلو ثبت ذكر
الرسول 6 لعلي ـ وهو واقع يقينا ـ من على المنابر ، فما المانع أن يذكره الصحابة في
عهده 6 أو من بعده 6 لا على نحو الجزئية ، وقد كان مثلُهُ ممّا يعمل به بعض
الصحابة مثل كدير الضبيّ الذي كان يسلّم على النبي والوصي في صلاته ، وهناك روايات
كثيرة أخرى في مرو يّات أهل البيت تُلْزِمُ بذكر الأئمة واحدا بعد الآخر في خطبة
الجمعة ، كما يشترط الفقهاء ذكر الصلاة
__________________
على النبيّ والآل
في تشهد الصلاة ، وفي أمور عباديّة اخرى ، وكل هذه الأمور تؤكد محبوبية هذا الأمر
ومعروفيته وإعلانه عندهم ، وبذلك فلا مانع من ذكر اسمه المبارك على المنابر مع
كونه رعيّةً للنبي 6.
وقد قال الشيخ
كاشف الغطاء في مبحث التشهّد ما يؤكّد وجود معنى الولاية في الصلاة بقوله : ...
وهو وإن كان بالنسبة إلى المعنى الأصليّ يحصل بإحدى الشهادتين ، إلاّ أنّ المراد
منه في لسان الشارع والمتشرّعة مجموع الشهادتين بلفظ : « أشهد أن لا إله إلاّ
اللّه » والاحوط قول : « أشهد أن محمّدا رسول
اللّه » من غير واو ، ثمّ
الصلاة على النبي وآله بلفظ «
اللّهم صلي على محمّد وآله ».
ثم الأقرب منهما
إلى الاحتياط قول : «
أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، اللّهمّ
صَلِّ على محمد وآل محمد » محافظا على العربية ، والترتيب والموالاة .
كلّ هذا يؤكّد عدم
اقتصار الصلاة المأمور بها على التوحيد والنبوّة ، بل لابدّ من ذكر الولاية معهما
، وإن أجمل المكلّف ما أمر به بالصلاة على محمد وآل محمد كان أفضل وأحسن .
__________________
٢٥ ـ الميرزا القمي
( ١١٥٢ ـ ١٢٣١ ه )
قال الميرزا أبو
القاسم القمّي في كتابه ( غنائم الأ يّام في مسائل الحلال والحرام ) :
__________________
|
وأمّا
قول « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه » و « أنّ محمّدا وآله خير البريّة » فالظاهر
الجواز.
قال
الصدوق : والمفوّضة ـ لعنهم اللّه ـ قد وضعوا أخبارا وزادوا في الأذان « أنّ
محمّدا وآل محمّد خير البريّة » مرتّين ، وفي بعض رواياتهم بعد « أشهد أنّ
محمّدا رسول اللّه » : « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه » مرتين ، ومنهم من روى
بدل ذلك « أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين حقّا » مرتّين ، ولا شكّ في أنّ عليّا
وليّ اللّه ، وأنّه أمير المؤمنين حقّا ، وأنّ محمّدا وآله صلوات اللّه عليهم
خير البريّة ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان .
وقال
الشيخ في النّهاية : وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول « أنّ عليّا وليّ
اللّه » ، و « أنّ محمّدا وآله خير البشر » ، فمما لا يعمل عليه في الأذان
والإقامة ، فمن عمل به كان مخطئا ، وتقرب من ذلك
عبارة المنتهى .
وكذلك
قال في المبسوط ما يقرب من ذلك ، ولكنّه قال : ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير
أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله .
ويظهر
من هؤلاء الأعلام ورود الرواية ، فلا يبعد القول بالرجحان ، سيّما مع المسامحة
في أدلّة السنن ، ولكن بدون اعتقاد الجزئية.
|
__________________
|
وممّا
يؤ يّد ذلك ما ورد في الأخبار المطلقة : « متى ذكرتم محمّدا 9
فاذكروا آله ، ومتى قلتم : محمّد رسول اللّه ، فقولوا : عليّ وليّ اللّه »
والأذان من جملة ذلك.
ومن
جملة تلك الأخبار ما رواه أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج عن الصادق 7
، وفي آخره : « فإذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه ، فليقل
: عليّ أمير المؤمنين » .
|
وقال في « مناهج
الأحكام » :
|
ومما
ذكرنا يظهر حال « أشهد أن عليّا ولي اللّه » ، و « أن محمدا خير البرية ».
نعم
، يمكن القول فيه بالاستحباب إذا لم يقصد الجزئية ، لما ورد في الأخبار المطلقة
« متى ذكرتم محمدا 6 فاذكروا آلَهُ ، ومتى
قلتم : محمد رسول اللّه ، فقولوا : علي ولي اللّه » ، كما نقل عن الاحتجاج ، فيكون
مثل الصلاة على محمد وآله بعد الشهادة بالرسالة .
|
وقال في ( جامع
الشتات ) ما ترجمته :
|
سؤال
: أوجب بعض الفضلاء قولَ « علي ولي اللّه » في الأذان مرة واحدة ، وقال : لا
تتركوه ، لأنّ عليّا هو روح الصلاة ، وبدونه لا تتحقّق صورة الصلاة.
الجواب
:
«
أشهد أن عليّا ولي اللّه » ليس جزء الأذان ولا جزء الإقامة ، لكن لا
|
__________________
|
نمانع
من قوله في الأذان بقصد التيمّن والتبرّك ، أو لما ورد في الإتيان بذكر الولاية
عقيب ذكر الرسالة ، والأحوط تركها في الإقامة لمنافاة ذلك مع الحَدْر والتوالي
في الإقامة.
أما
ما قالوه من الإتيان بها مرّةً في الأذان فذلك لكي يختلف ما هو الأذان عن غيره
ولكي لا يتوّهم فيها الجزئية ، أما ما قالوه من أنّ صورة الصلاة لا تتحقّق إلاّ
بذكر اسمه فهو غير صحيح .
|
ويظـهر من مجموع
كلام الميرزا القمي قوله برجحان الإتيان بالشـهادة الثالثة في الأذان ، وجواز
فعلها عنده سيما مع المسامحة في ادلة السنن ، وقد يمكن القول باستحبابها إذا لم
يقصد الجزئية لما ورد في الأخبار المطلقة ، ملخصا كلامه «ولكن لا نمانع من
قوله في الأذان بقصد اليتمن والتبرك ، ولما ورد في الاتيان بذكر الولاية عقيب ذكر
الرسالة» ثم أفتى بتركها
من باب الاحتياط الوجوبيّ في الإقامة ، لمنافاتها للموالاة والحدر فيها.
وعلّة ذلك : أنّ
بعض العلماء ـ وهم قليلون ـ يتشدّدون في أحكام الإقامة لأ نّها من الصلاة في بعض
الروايات ، وقال البعض بوجوبها الملزِم نظرا لتلك الروايات ، وهو قول نادر خلاف ما
عليه المشهور الأعظم من الفقهاء.
وقد قال ; قبل ذلك بجواز
الزيادة في آخر الإقامة لا بقصد الجزئية بقوله :
وفي بعض الأخبار
ما يدل على ان الإقامة مثل الأذان ونقل عن بعض الاصحاب أيضا القول بأن الإقامة مثل
الأذان إلاّ في زيادة «قد
قامت الصلاة» ولهذا قيل : لو زيد في آخر الإقامة لا بقصد الجزئية لعدم القائل به فلا باس ، وهذا
الكلام يجري في تربيع التكبير في اوله أيضا .
__________________
٢٦ ـ السيّد علي
الطباطبائي ( ت ١٢٣١ ه )
قال السيّد علي بن
السيّد محمد علي الطباطبائي في ( رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل ) وحين
كلامه عن مكروهات الأذان :
|
«
و » من الكلام المكروه « الترجيع » كما عليه معظم المتأخّرين ، بل عامتهم عدا
نادر ، وفي المنتهى وعن
التذكرة أنّه مذهب علمائنا .
وهو
الحجّة ؛ مضافا إلى الإجماع في الخلاف على أنّه غير مسنون
، فيكره لأمور : قلّة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان ، وإخلاله بنظامه ، وفصله
بأجنبيّ بين أجزائه ، وكونه شبه ابتداع.
وقال
أبو حنيفة : إنّه بدعة ، وعن التذكرة : هو
جيّد ، وفي السـرائر وعن
ابن حمـزة : أنّه لا يجوز .
وهو
حسن إن قصد شرعيّته ، كما صرّح به جماعة من المحقّقين
، وإلاّ فالكراهة متعيّن ؛ للأصل ، مع عدم دليل على التحريم حينئذ ، عدا ما قيل
: من أنّ الأذان سنّة متلقّاة من الشارع
|
__________________
|
كسائر
العبادات ، فتكون الزيادة فيه تشريعا محرّما ، كما تحرم زيادة : « أنّ محمدا
وآله خير البرية » ، فإنّ ذلك وإن كان من أحكام الإيمان إلاّ أنّه ليس من فصول
الأذان .
وهو
كما ترى ، فإنّ التشريع لا يكون إلاّ إذا اعتقد شرعيّته من غير جهةٍ أصلاً.
ومنه
يظهر جواز زيادة : « أنّ محمدا وآله » ـ إلى آخره ـ وكذا « عليّا وليّ اللّه »
، مع عدم قصد الشرعيّة في خصوص الأذان ، وإلاّ فيحرم قطعا. ولا أظنّهما من
الكلام المكروه أيضا ؛ للأصل ، وعدم انصراف إطلاق النهي عنه إليهما بحكم عدم
التبادر ، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولاية بعد الشهادة
بالرسالة .
|
أراد السيّد الطباطبائي ; بكلامه نفي الجزئية عن الشهادة الثالثة وهو ما يذهب إليه
عامة فقهاء الإمامية ، أمّا لو أراد المؤذّن الزيادة مع عدم قصد الجزئية فهي جائزة
عنده ، لقوله : « ومنه
يظهر جواز زيادة : أنّ محمّدا وآله ـ إلى آخره ـ وكذا عليّا ولي اللّه مع عدم قصد
الشرعية في خصوص الأذان ، وإلاّ فيحرم قطعا » ، ثمّ جاء السيّد
الطباطبائي ليفرّق بين الشهادة الثالثة وبين الترجيع ، فقال عن الترجيع : « لأ نّه غير مسنون
فيكره لأمور : قلّة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان ، وإخلاله بنظامه وفصله
بأجنبي بين أجزائه ، وكونه شبه ابتداع ».
في حين قال عن
الشـهادة بالولاية وعن «
أنّ محمّدا وآله خير البرية » : «
ولا أظنّهما من الكلام المكروه أيضا ، للأصل ، وعدم انصراف إطلاق النهي عنه إليهما
__________________
بحكم
عدم التبادر ، بل يستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولاية بعد الشهادة
بالرسالة ».
وهناك أمر ثالث
يمكننا أن ننتزعه من نصّ صاحب ( رياض المسائل ) وهو اتيان بعض الشيعة بجملة « أنّ محمّدا وآله خير
البرية » في الأذان في
عصره ، وهذا يؤكّد ما نقوله من أنّ الشيعة كانوا لا يأتون بهذهِ الصيغة على أنّها
جزءٌ ، لان المعلوم من الجزئية هو الوقوف على صيغة واحدة لا صِيَغٍ متعدّدة.
٢٧ ـ الشيخ محسن
الأعسم ( ت ١٢٣٨ ه )
قال الشيخ محسن بن
مرتضى الأعسم في كتابه ( كشف الظلام عن وجوه شرائع الإسلام ) المخطوط ما نصه :
|
تنبيه
: لا يجوز اعتقاد شرعيّة غير هذه الفصول كالتّشهّد بالولاية للأمير 7
وأولاده ، وبأنّ محمّدا وآله خير البرية ، وإن كان الواقع كذلك ، فإنّه لا تلازم
بين الواقع وجواز إدخاله في الموظَّف حتَّى لو كان من العقائد اللاّزمة كمحلِّ
البحث ؛ قال [ الصدوق ] : المفوّضة وضعوا أخبارا وزادوا في الأذان « محمد وآله
خير البرية » ، وفي بعض [ الروايات ] بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بأنّ عليا
وليّ اللّه ، ومنهم من روى بدل ذلك « أشهد أنّ عليا أمير المؤمنين حقا » مرّتين.
وفي
البحار : لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان ؛ لشهادة
الشيخ والعلاّمة وغيرهما بورود الأخبار بذلك ، وأمّا قول « أشهد أنّ عليا أمير
المؤمنين » و « آل محمّد خير البرية » على ما ورد في شواذّ الأخبار فإنّه لا
يعمل عليه في الأذان والإقامة.
وفي
المنتهى نسبة قائل هذا إلى الخطأ ؛ قال المجلسي : ويؤيدّه
|
|
الخبر
: « قلت له 7 : إنّ هؤلاء يروون
حديثا في معراجهم أنّه 6 لما أُسري به إلى
السماء رأى على العرش : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه وأبو بكر الصديق
، فقال 7 : سبحانَ اللّه!
غيَّروا كلّ شيء حتّى هذا؟! إنّ اللّه كتب على العرش والكرسي واللوح وجبهة
إسرافيل ، وجناحي جبرئيل ، وأكناف السماوات والأرض ، ورؤوس الجبال : لا إله إلاّ
اللّه ، محمّد رسول اللّه ، عليّ أمير المؤمنين 7
، فإذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه ، فليقل : عليّ أمير
المؤمنين ، فيدلّ على استحباب ذلك عموما في الأذان ، فإنّ القوم جوّزوا الكلام
في أثنائهما ، وهذا من أشرف الأدعية والأذكار» ، انتهى [كلام المجلسي].
وبعد
ما سمعت من رميِ الأساطين لذلك ، وأنّها من روايات المفوّضة ـ كما سمعت عن
الصدوق ; ـ ونحوه غيره من
حَمَلَةِ الأخبار التابعين للآثار [ كالشيخ الطوسي ] ، فلا وجه للاستدلال بما
ذكر حتّى العموم في الخبر المزبور ، وإِن احتمل أنّه في الأصل مشروعٌ وسقط
للتقيّة .
|
سلك الشيخ الأعسم
قدسسره مسلكا آخر في الكلام عن الشهادة الثالثة كما ترى ، وهو ما احتملناه في بعض
البحوث الآنفة ، فهو قدسسره يقول : « وإن احتمل أنّه في الأصل مشروع وسقط للتقية »
، ومعنى كلامه أنّ اقتضاء وملاك ومصلحة تشريع الشهادة الثالثة
في الأذان موجودة ، لكنّ الخوف على دماء الشيعة والحفاظ على المذهب مانعٌ من
فعليّة هذا التشريع ، وهذا وإن كان صحيحا بنفسه إلاّ أنّه يتمّ
__________________
على فرض الذهاب إلى القول بالجزئية ، فيقال :
أنّ الشارع لم يشرّع الجزئية لمانع وهو التقية ، لكنّه لا يتم بدون اعتقاد الجزئية
ـ وهو المعمول عندنا اليوم ـ إذ الشهادة الثالثة على الفرض الأخير لا تعدو كونها
ذِكْرا مستحبّا لا دخل له في ماهيّة الأذان ، بل يؤتى بها لمجرّد التبرّك والتيمّن
وكونه كلاما حقا خارجا يقال في الأذان أو لحصول ثواب وفضيلة غير اذانيه ، وهذا لا
يتنافى مع المـنع من الإتيان بها بقصد الجزئية والاذانية.
٢٨ ـ الشيخ محمد رضا
جدّ محمد طه نجف ( ت ١٢٤٣ ه )
قال الشيخ محمد
رضا في ( العدّة النجفية في شرح اللمعة الدمشقية ) عند ذكر الأذان :
|
الذي
يقوى في النفس أنّ السرّ في سقوط الشهادة بالولاية في الأذان إنّما هو التقيّة ،
ومعه فقد يكون هو الحكمة فيطّرد ، نعم لو قيل لا بقصد الجزئية لم يبعد رجحانه .
|
فالشيخ لم يستبعد
رجحان الاتيان بالشهادة الثالثة ـ لا بقصد الجزئية ـ وقد قوى ان يكون السر في سقوط
الشهادة بالولاية في الأذان إنما هو التقية.
٢٩ ـ المولى أحمد بن
محمد مهدي النّراقي ( ت ١٢٤٥ ه )
قال الشيخ أحمد بن
محمد مهدي النّراقي في كتابه ( مستند الشيعة في أحكام الشريعة ) :
|
صرّح
جماعة ـ منهم الصدوق ، والشيخ في
المبسوط ـ بأنّ
|
__________________
|
الشهادة
بالولاية ليست من أجزاء الأذان والإقامة الواجبة ولا المستحبّة.
وكرهها
بعضهم مع عدم اعتقاد مشروعيّتها للأذان ، وحرّمها معه .
ومنهم
من حرّمها مطلقا ؛ لخلوّ كيفيّتهما المنقولة .
وصرّح
في المبسوط بعدم الإثم وإن لم يكن من الأجزاء
، ومفاده الجواز.
ونفى
المحدّث المجلسي في البحار البُعد عن كونها من الأجزاء المستحبة للأذان .
واستحسنه
بعض من تأخّر عنه .
أقول
: أمّا القول بالتحريم مطلقا فهو ممّا لا وجه له أصلاً ، والأصل ينفيه ، وعمومات
الحثّ على الشهادة بها تردّه.
وليس
من كيفيّتهما اشتراطُ التوالي وعدم الفصل بين فصولهما حتّى يخالفها الشهادة ، كيف؟!
ولا يحرم الكلامُ اللّغو بينهما فضلاً عن الحقّ.
|
__________________
|
وتوهُّمُ
الجاهلِ الجزئيةَ غيرُ صالحٍ لإثبات الحرمة كما في سائر ما يتخلّل بينهما من
الدعاء ، بل التقصير على الجاهل حيث لم يتعلّم.
بل
وكذا التحريم مع اعتقاد المشروعيّة ، إذ لا يتصوّر اعتقادٌ إلاّ مع دليل ، ومعه
لا إثم ، إذ لا تكليف فوق العلم ، ولو سلّم تحقّق الاعتقاد وحرمته فلا يوجب حرمة
القول ولا يكون ذلك القول تشريعا وبدعةً كما حقّقنا في موضعه.
وأمّا
القول بكراهتها : فإن اُريد بخصوصها ، فلا وجه لها أيضا.
وإن
اُريد من حيث دخولها في التكلّم المنهيّ عنه في خلالهما ، فلها وجه لولا
المعارِض ، ولكن تعارضه عمومات الحثّ على الشهادة مطلقا ، والأمر بها بعد ذكر
التوحيد والرسالة بخصوصه كما في المقام ، رواه في الاحتجاج عن الصادق 7
: قال : « فإذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، فليقل :
عليّ أمير المؤمنين 7 »
بالعموم من وجه ، فيبقى أصل الإِباحة سليما عن المزيل ، بل الظاهر من شهادة
الشيخ والفاضل والشهيد ـ كما صرّح به في
البحار ـ ورود الأخبار بها
في الأذان بخصوصه أيضا.
قال
في المبسوط : وأمّا قول : أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين 7
، على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه.
|
__________________
|
وقال
في النّهاية قريبا من ذلك.
وعلى
هذا فلا بُعْد في القول باستحبابها فيه ؛ للتسامح في أدلّته.
وشذوذ
أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها ، كيف؟! وتراهم كثيرا يجيبون عن الأخبار
بالشذوذ ، فيحملونها على الاستحباب .
|
فالشيخ النراقي
وبعد عرضه لأهمّ الأقوال في المسألة فَنّدَ جميع الأقوال المطروحة التي لا تتّفق
مع رأيه ، سواء القائلة بالحرمة ، لتوهّم الجاهلين الجزئية ، أو لفوت الموالاة ، أو
لكونها لم ترد في الأذان البياني المنقول عن الأئمّة ، وهكذا الحال بالنسبة إلى
القائلين بالكراهة ، فإنه ; قرّر كلامهم وردّه في سطر واحد ، ثم ختم كلامه بإعطاء وجهة
نظره ، فقال : « وعلى هذا
فلا بعد في القول باستحبابها فيه ، للتسامح في أدلّته ، وشذوذُ أخبارها لا يمنع عن
إثبات السنن بها ، كيف؟! وتراهم كثيرا يجيبون عن الأخبار بالشذوذ ، فيحملونها على
الاستحباب ».
ثم جاء ; في كتابه ( رسائل
ومسائل ) يستنصر لقول شيخه كاشف الغطاء القائل بعدم جزئية الشهادة الثالثة في
الأذان ، مؤ يِّدا ما اقترحه في استبدال جملة « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه » بـ «
أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين وخليفته بلا فصل وانه افضل الناس بعد رسول اللّه » ، مستشكلاً على كلام المجلسي الثاني في « بحار الانوار » الذي لم يستبعد أنّها من الأجزاء المستحبة في الأذان ، فقال
:
|
وتحقيق ما أفاده
شيخنا الاعظم ومخدومنا الأفهم أدام اللّه أيّام إفاداته ، ومتّع أهل الإسلام بطول حياته : من أنّه ليس من
الأذان قول « أشهد
أنّ عليّا وليّ اللّه » وأمثاله ، فهو كذلك ، والأحاديث الواردة في بيان الأذان وتعداد فصوله عن
أئمّتنا الطاهرين يرشد
|
__________________
|
إليه ، والإجماعُ
المحقّق قطعا يدلّ عليه ، وعدّ جماعة من فحول فقهائنا الأخبارَ المتضمّنة له من الشواذّ غير المعمول
بها ، ونسبتها إلى الوضع يؤكّده ، والشواهد التي ذكرها شيخنا الفريد يؤ يّده ، ولم أعثر
على من يجوّز كونه من الأذان.
نعم قال شيخنا
المجلسي قدسسره في البحار بعد نقل قول الصدوق : « ولا يبعد كون
الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان ، لشهادة الشيخ والعلاّمة به
بورود الأخبار بها » ، ثمّ نقل عبارات النهاية والمبسوط والمنتهى الّتي نقلها شيخنا أدام اللّه
بقاءه ، وزاد في عبارة النهاية : «
ومن عمل بها كان مخطئا » ، وهو مردود بأ نّه ...
كيف يسمع شهادته
بوجود الخبر ولا يسمع بكونه شاذّا غير معمول به ، بل يكون العمل به خطأً ، وأيّ حجّة في نقل ذلك الخبر الذي لا يُعلَمُ
سنده ولا متنه لينظر في حاله ودلالته ، مع كونه مخالفا للإجماع المقطوع به وتصريح الصدوق بكونه موضوعا ومع معارضته مع
سائر الأخبار المشهورة بل الصحيحة أيضا الواردة في فصول الأذان ، ولم يقل أَحَدٌ بحجيّة مثل
ذلك الخبر.
وإن كان نظره
إلى التسامح في أدلّة السنن ، ففيه أنّه إذا لم يكن لها معارض من إجماع وغيره ،
وأمّا معه فلا يبقى دليل حتّى يتسامح ، مع أنّه كما صرّح به جماعة أنّ التسامح فيها
إنّما هو إذا كان الدليل مظنونَ الصدق أو غيرَ مظنون الكذب. ويدلّ عليه أنّ معظم دليل التسامح
الأخبار المستفيضة المصرّحة بأ نّه « من بلغه شيء
من الثواب ففعله التماس ذلك الثواب أو رجاءه فله أجره » ولا يتحقّق التماس الثواب ولا رجاؤه مع ظنّ الكذب. ولا
شكّ
|
|
في حصول الظنّ
بالكذب مع تصريح مثل الصدوق بالوضع ، وشهادة الجماعة بالشذوذ ، بل يحصل العلم
بالمخالفة للواقع بملاحظة الإجماع القاطع.
ثمّ ما أفاده
شيخنا المحقّق دام ظله من قوله : « ومن قصد ذكر أمير المؤمنين
7 لإظهار شأنه ، أو لمجرّد رجحانه لذاته ، أو
مع ذكر ربّ العالمين ، أو
ذكر سيد المرسلين ، كما روي ذلك فيه وفي باقي الأئمة
الطاهرين ، أو الردّ على المخالفين وإرغام أنوف المعاندين
، أُثيب على ذلك ». فهو أيضا مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه ، وبملاحظة الدليلين الأول والآخر يظهر أولويّة
التبديل الذي أفاده ، وذلك لأنّ الولاية وإن كانت من المراتب العظيمة والصفات العليّة إلاّ
أنّ لفظها يستعمل في معان كثيرة أحدها المحبّ ، فلا يدلّ على المطلوب إلاّ مع القرينة.
ولو سلّمنا
ظهوره في المطلوب فإنّما نسلّمه في الصدر [ الأوّل [ قبل ورود النصّ بولاية
أمير المؤمنين 7 ، وأمّا بعده فلمّا ثقل ذلك على المخالفين المنافقين ذكروا للفظ الوليّ المعاني
الكثيرة وأثبتوها في كتبهم المضلّة ، وأذاعوا بين الناس ، بحيث يمكن أن يقال بصيرورة المعنى
المطلوب مهجورا عندهم ، بل الظاهر أنّهم في أمثال هذا الزمان ـ سيّما عوامّهم ـ لا يفهمون المعنى المطلوب ، فلا يحصل به
أمرٌ عامُّ الفهم ولا إظهار شأن مولانا أمير المؤمنين 7 ، بل من الأخبار الواردة في ذكر مولانا مع ربّ العالمين وذكر سيّد
المرسلين ما يأمر بذكر أمير المؤمنين ، كما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج عن القاسم
بن معاو ية ، عن أبي عبداللّه 7 ، انه قال : فإذا قال أحدكم :
|
|
لا إله إلاّ
اللّه محمد رسول اللّه ، فليقل : علي أمير المؤمنين.
بل لا يبعد أن
يستفاد أولو يّة التبديل في هذا الزمان ممّا ذكره بعض العلماء في وجه امر النّبي بشهادة « ان لا إله إلاّ
اللّه » دون « انّ اللّه
موجود » ، من أنّه لم
يكن أحد نافيا لوجود الصانع ، بل كانوا يثبتون الشريك ، فلو أمر بشهادة الوجود لكان يوهم الخلاف فيه.
فيمكن أن يقال
أنّه لمّا كان الشائع في هذا الزمان عند عوامّ المخالفين بل الكفّار من اليهود والنصارى أنّ معنى الوليّ المحبّ ، فالإذعان
بشهادته يمكن أن يوهم الخلاف بين المسلمين في كونه محبّا للّه.
وبالجملة : ما
أفاده شيخنا سلّمه اللّه تعالى موافقٌ للاعتبار ، نابع من عين شدّة الخلوص
والحرص على إظهار شأن إمام الأخيار ، وإرغام أنوف مخالفيه عند الخواصّ والعوامّ ، وقد سمعتُ استبعادَ بعضٍ لذلك بل
الطعن فيه ، وهو إمّا لعدم الاطّلاع على كلام الشيخ الأجلّ الأوحد ، أو للعناد ...
|
وهذا الكلام يدلّنا على أنّ فقهاءنا يتعاملون مع المسائل بروح علمية موضوعية
بعيدا عن الطائفية ، فيناقشون المشايخ من قبلهم ، ولا يهابون أن يقولوا بعدم حجيّة
الأخبار الشواذّ عندهم ، وذلك لأنّ محبوبيّتها الذاتيّة والإتيان بها لمطلق القربة
تبعا للعمومات ما لا ينكره أحد.
فالشيخٍ النراقي
أراد الإشارة إلى إمكان القول باستحبابها في السنن ، أمّا القول بكونها جزءا
مستحبا فبعيد جدا عنده.
__________________
هذا ، ونحن لا
نرتضي استدلال كاشف الغطاء والنراقي رحمهما اللّه في حذف كلمة ( الولاية ) من
الأذان ، لأنّ كلمة الولاية وردت في غالب رواياتنا ، فلا يمكننا أن نتغاضى عما
فيها من دلالات ومفاهيم عرفها المتشرّعة ، أو نرفع اليد عنها ، لأنّ معناها معروف
عندنا ـ بل وعند العامّة ـ بمعنى الأولى بالمؤمنين من أنفسهم ، لقوله 6 : في يوم عيد
الغدير عن علي 7 : «
هو أولى بكم من أنفسكم » ، وإن كان الآخرون يريدون أن يتغافلوا عن معناها أو
يستفيدوا منها شيئا آخر ، فهذا لا يعنينا بل يعنيهم ؛ فالمؤذّن الشيعي حينما يقول
هذه الجملة يريد أن يبوح بما يعتقد به في أئمته ، وهي الرئاسة والزعامة والخلافة
المنصوبة من قبل اللّه للأئمّة المعصومين عليٍّ والأَحد عشر من أولاد رسول اللّه
، وإن كان الآخرون يحاولون التنكُّر لها ، لكنّهم يعرفون معناها تماما على الأقلّ
من وجهة نظر الإمامية ، وذلك كافٍ في إظهار شأنه 7 ورجحانه الذاتي ، وردّ المخالفين وإرغام أنوف المعاندين.
فلو أذعنّا لِما
يتأوّله المعاندون ، ويحرّفه المحرّفون للزمنا أن نرفع اليد عن غالب المشتركات
اللفظية الاخرى ، كلفظة «
الإمام » المخصوصة عندنا
بالمعصومين من آل الرسول ، مع أنّها لغةً يصحّ إطلاقها على كُلّ من أَمَّ جماعة
قومٍ ؛ حقّا أو باطلاً ، وحسبك قوله تعالى ( وَجَعَلْنَاهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا )
، وقوله تعالى ( وَجَعَلْنَاهُمْ
أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ )
، فهذا لا يمنع من استعمالها في خُصوص الإمام المعصوم ومعرفة غير الإمامية
بذلك ، بعد استقرار استعمالهم لها في ذلك ، حتّى صارت مصطلحا في الإمام المعصوم ، بحيث
لا يتبادر للذهن
__________________
عند استعمالنا لها إلاّ ذلك ، ولو أردنا
استعمالها في غير ذلك لزم علينا نصب قرينة مقالية أو حالية ، وكذلك بالضبط لفظ
المولى والوليّ.
ومن الطريف أن
أنقل هنا قصّة حدثت لأحد أعلامنا في القرن الأخير وهو السيّد الكلبايكاني ; ، حيث إنّ
الاشتراك اللفظي في كلمة «
الولي » قد أنقذه من الفتك
به في بلد اللّه الحرام ؛ إِذ شرح هو قصته في كتابه ( نتائج الأفكار في نجاسة
الكّفار ) فقال : وقد وقعت ـ في المرّة الأولى من تشرّفي لحجّ بيت اللّه الحرام ـ
قضية لطيفة يناسب ذكرها في المقام ، وهي : إنّه عندما تشرّفنا بالمدينة الطيّبة
لزيارة قبر النبيّ الأقدس وقبور الأئمة : ، فقد سمحت لنا الظروف وساعدنا الأمر فكنّا نصلّي بالناس
جماعة في مسـجد النـبيّ 6 ، وأذّن مـؤذّننا وأجهـر بشـهادة الولايـة ، فأفضى المخبِر
الدوليّ هذه القضية إلى قاضي القضاة وأخبره أنّ مؤذّن جماعة الشيعة قال في أذانه :
« أشهد أنّ
عليّا ولي اللّه » ، ولكنّ القاضي أجابه : وأنا أيضا أقول : « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه »! فهل أنت تقول : « أشهد أنّ عليّا عدو اللّه »؟! فأجابه بقوله : لا واللّه وأنا أيضا أقول أنّه ولي
اللّه ، وعلى الجملة فقاضيهم أيضا قد صَرَّح بأن نقول أنّه وليّ اللّه ، غاية
الأمر أنّا لا نقول به في الأذان ، وبذلك فقد قضى على الأمر وأُطفِئت نار الفتنة .
٣٠ ـ حجة الإسلام
الشفتي ( ت ١٢٦٠ ه )
قال السيّد محمد
باقر الشفتي المشهور بـ «
حجّة الإسلام الشفتي » في كتابه « مطالع
الأنوار في شرح شرائع الإسلام ».
|
فعلى
هذا ظهر لك أنّ الشهادة بثبوت الولاية لمولانا الأمير 7
ليس من جزء الأذان ، نعم هو من أعظم الإيمان ، قال في « الفقيه »
|
__________________
|
بعد
أن أورد حديث الحضرمي والاسدي المتقدم : « هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا
ينقص منه ، والمفوّضة لعنهم اللّه قد وضعوا أخبارا زادوا بها في الأذان « محمد
وآل محمد خير البرية » مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد « أشهد أنّ محمدا رسول
اللّه » : « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه » مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك « أشهد
أنّ عليّا أمير المؤمنين حقا » مرتين ، قال : ولا شكّ في أنّ عليّا وليّ اللّه
، وأنّه أمير المؤمنين حَقا ، وأنّ محمّدا وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين خير
البرية ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان ».
وعن
النهاية : وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول أن عليّا ولي اللّه حقا وأنّ
محمّدا وآله خير البشر فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل به كان
مخطئا.
وبالجملة
: لم أجد في الأصحاب من ذهب إلى أنّ الشهادة بالولاية من الأجزاء المقوِّمة
للأذان ولا المستحبّة له ، عدا ما يظهر من العلاّمة المروّج السّمِيِّ المجلسي ؛
قال في البحار : لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاءِ المستحبّة للأذان ، لشهادة
الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها ، قال الشيخ في المبسوط : «
وأمّا قول أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية على ما ورد في
شواذّ الأخبار ، فليس بمعمول عليه في الأذان ، ولو فعله الإنسان لم يأثم به ، غير
أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله ».
قال
في النهاية : « فأمّا ما روى في شواذّ الأخبار من قول أنّ عليّا ولي اللّه وأنّ
محمّدا وآله خير البشر ، فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل به
كان مخطئا ».
|
|
وقال
في المنتهى : « وأمّا ما روي من الشاذّ من قول أنّ عليّا ولي اللّه وأنّ محمّدا
وآل محمد خير البرية فمما لا يعوّل عليه ».
قال
: ويؤ يّده ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج ، عن
القاسم بن معاو ية ، قال : قلت لأبي عبداللّه 7
: هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنّه لمّا أُسري برسول اللّه 6
رأى على العرش لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه أبو بكر الصديق ، فقال :
سبحان اللّه! غيّروا كلّ شيء حتى هذا؟! قلت : نعم ، قال : إنّ اللّه عزّوجلّ
لمّا خلق العرش كتب عليه « لا إله إلاّ اللّه محمد رسول الله علي أمير المؤمنين
» ، ثم ذكر 7 كتابة ذلك على
الماءِ ، والكرسيّ ، واللّوح ، وجبهة إسرافيل ، وجناحي جبرئيل ، وأكناف السماوات
والأرضين ، ورؤوس الجبال ، والشمس والقمر ، ثمّ قال 7
: « فإذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول ، اللّه فليقل : علي أمير
المؤمنين. فيدلّ على استحباب ذلك عموما ، والأذان من تلك المواضع ، انتهى كلامه
أعلى اللّه مقامه.
وفي
التأييد ما لا يخفى ؛ إذ ذكره في الأذان من حيث كونه فردا من أفراد العموم
رجحانه ممّا لا ريب فيه ، وإنّما الكلام في إيراده في الأذان من حيث الخصوصيّة.
ومما
ذكر يظهر أنّ مَن جمع بين الشهادة بالإمارة والولاية فيقول : « أنّ عليّا أمير
المؤمنين ولي اللّه » كان أولى ، ليحصل الامتثال بكلا النصيّن ، فتأمل .
|
وقال في « تحفة الأبرار » بالفارسية ما ترجمته :
__________________
|
وأمّا
الشهادة بالولاية لعليّ فليست من الأجزاء اللاّزمة ولا الأجزاء المستحبة ، وعليه
إطباق الفقهاء إلاّ العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ؛ حيث ادّعى أنّها من
الأجزاء المستحبّة ، لكنّ الإنصاف أنّ الحكم بالجزئية ضعيف ، لكنّ بما أنّ في
الاحتجاج حديثا مضمونه أنّ من قال لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه فليقل
عليّا ولي اللّه ، فلو شهد أحد بالولاية لعليّ بعد الشهادة بالرسالة لمحمد بن
عبداللّه بقصد امتثال هذا الحديث لا بقصد أنّه جزء الأذان فقد أتى بعمل مستحبّ
وراجح مطلقا ، لا بعنوان الأذان.
لكنّ
بعض الأعاظم مثل الشيخ الطوسي والعلاّمة الحليّ قالا بورود أخبار شاذّة في
الشهادة بالولاية لعليّ ، فلو قال المؤذّن بعد شهادته بالنبوّة لمحمد : « أشهد
أنّ عليّا أمير المؤمنين وليّ اللّه » جمعا بين الخبرين المحكيَّين لكان كلامه
موافقا لتلك الأخبار ، لكن لا بقصد الجزئية ، بل بقصد امتثال الخبرين الآنفين .
|
أقول : وكلامه
صريح في المطلوب ؛ فهو قدسسره جزم بأنّ الإنصاف يقضي بضعف القول بالجزئية ، كما
يقضي بأنّ الشهادة الثالثة ليست من فصول الأذان ؛ إذ لا دليل واضح على ذلك ، لكنّ
هذا لا يمنع أنّ تكون الشهادة الثالثة مستحبة دائما وراجحة مطلقا حسبما جزم به
قدسسره أيضا ، بقوله : «
وفي التاييد ما لا يخفي اذ ذكره في الأذان من حيث كونه فردا من افراد العموم
رجحانه مما لا ريب فيه » والسبب في ذلك هو وجود أدلّة منها خبر القاسم ابن معاو ية الذي ينفع لإثبات
الاستحباب المطلق انطلاقا من أنّ الأخذ بالحديث الضعيف برجاء الثواب أمرٌ لا يعترض
عليه كلّ علماء الإسلام ، سنّة وشيعة ، نعم لا يمكن التمسّك به للقول بالجزئية ، وهذا
__________________
هو معنى كلامه.
وعليه ، فلو تعبّد المسلم بهذا الحديث بقصد الامتثال رجاءً للثـواب فقط ، لا بقصد
التشريع وتأسيس الأحكام ، أُثيب على ذلك.
٣١ ـ الميرزا
إبراهيم الكرباسي ( ت ١٢٦١ ه )
قال الميرزا
إبراهيم الكرباسي في ( المناهج ) عند ذكر كيفية الأذان :
|
الشهادة
بالولاية ليست من أجزاء الأذان والإقامة ، ولكن لو شهد بها بقصد رجحانها بنفسها
أو بعد ذكر الرسول كان حسنا .
وللفقيه الكرباسي
رسالة عملية باسم ( النخبة ) علّق عليها جمع من الأعلام ، كالشيخ الانصاري ، والميرزا
الشيرازي ، والسيّد إسماعيل الصدر ، والشيخ الميرزا حسين الخليلي ، ومحمد تقي
الشيرازي ، والآخوند ملا كاظم الخراساني ، والشيخ زين العابدين الحائري ، وولده
الشيخ حسين وغالب هؤلاء امضوا ما قاله الكرباسي.
|
٣٢ ـ الشيخ محمد حسن
النجفي ( ت ١٢٦٦ ه )
قال الشيخ محمد
حسن النجفي في ( جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ) بعد أن ذكر كلام الشيخ
الطوسي في النّهاية ، وكلام الصدوق في الفقيه :
|
قلت
: وتبعهما غيرهما على ذلك ، ويشهد له خلوّ النصوص عن الإشارة إلى شيء من ذلك ، ولعلّ
المراد بالشواذّ في كلام الشيخ وغيره ما رواه المفوّضة ، لكنْ ومع ذلك كلّه فعن
المجلسي أنّه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان استنادا
|
__________________
|
إلى
هذه المراسيل التي رُميت بالشذوذ وأنّه ممّا لا يجوز العمل بها ، وإلى ما في خبر
القاسم بن معاوية المرويّ عن احتجاج الطبرسي ، عن الصادق 7
: « إذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه 6
، فليقل : علي أمير المؤمنين » وهو كما ترى ، إلاّ أنّه لا بأس بذكر ذلك لا على
سبيل الجزئية عملاً بالخبر المزبور ، ولا يقدح مثله في الموالاة والترتيب ، بل
هي كالصلاة على محمد 6 عند سماع اسمه ، وإلى
ذلك أشار العلاّمة الطباطبائي في منظومته عند ذكر سنن الأذان وآدابه ، فقال :
|
صلِّ إذا ما اسمُ مُحمَّدٍ بدا
|
|
عليهِ والآلَ فَصلِّ لِتُحْمدا
|
وأَ كْمِلِ الشَّهادتينِ بالَّتي
|
|
قد أُكمِل الدِّينُ بها في الملَّةِ
|
وأ نّها مثلُ الصّلاةِ خارِجَة
|
|
عن الخصوصِ بالعمومِ والِجَة
|
|
بل
لو لا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناءً على صلاحية العموم لمشروعية
الخصوصيّة ، والأمر سهل .
وفي
( نجاة العباد ) قال :
يستحبُّ
الصلاة على محمّد وآله عند ذكر اسمه ، وإكمالُ الشهادتين بالشهادة لعليٍّ
بالولاية للّهِ وإِمرةِ المؤمنين في الأذان وغيره .
|
|
|
|
|
وقد أمضى هذه
الفتوى كلُّ من علّق على ( نجاة العباد ) من الأعلام ، كالشيخ مرتضى الأنصاري ، والسيّد
الميرزا حسن الشيرازي ، والسيّد إسماعيل الصدر ،
__________________
والسيّد محمد كاظم
اليزدي ، والميرزا محمّد مهدي الشهرستاني.
وذكر
صاحب الجواهر عين هذه الفتوى في رسالته العملية باللغة الفارسية المطبوعة في إيران
سنة ١٣١٣ ، والتي عليها حاشية الشيخ مرتضى الأنصاري ، والميرزا الشيرازي ، والحاج
ميرزا حسين الخليلي ، وكلّهم أمضوا الفتوى بلا تعقيب.
٣٣ ـ الشيخ مرتضى
الأنصاري ( ت ١٢٨١ ه )
لم يتعرّض الشـيخ
الأنصاري في كتاب الصلاة إلى بحث الأذان ، فلذلك لم نقف على نظره فيه ، لكنّ
الموجود في رسالته العملية باللّغة الفارسـية المسماة بـ ( النخبة ) ما ترجمته :
|
الشهادة
بالولاية لعليّ ليست جزءا من الأذان ، ولكن يستحب أن يؤتى بها بقصد الرجحان أمّا
في نفسه أو بعد ذكر الرسول ، أمّا لو قالها بقصد الجزئية فحرام .
|
٣٤ ـ الشيخ مشكور
الحولاوي ( ت ١٢٨٢ ه )
قال الشيخ مشـكور
في ( كفاية الطالبين ) :
|
ويستحبّ
الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه ، وإكمال الشهادتين بالشهادة لعلي 7
بالولاية للّه تعالى وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره .
|
وأمضى ذلك ولده
الشيخ محمد جواد المتوفّى ١٣٣٤ ه فيما علقه على تلك الرسالة.
__________________
٣٥ ـ المُلاّ آقا
الدربندي ( ت ١٢٨٥ ه )
قال الشـيخ الملاّ
آقا الدربندي وهو من تلامذة شريف العلماء في رسالته الفارسية المطبوعة أيّام حياته
ما ترجمته :
|
لا
بأس بالشهادة لعليّ بأمرة المؤمنين وقول «أن محمدا وآله خير البرية» إذا لم يكن
بقصد الجزئية ، أما لو قالها بقصد الجزئية فإنّه وإن كان حراما إلاّ أنّه لا
يبطل الأذان به.
|
ونحن نفهم من كلامه بأنّ جملة « انّ محـمدا وآله خير البرية » كانت تقال على عهده ، وأنّ شعار الشيعة لم يقتصر على « أشهد أن عليّا ولي
اللّه » ، وهو يفهمنا ويؤكّد
لنا أنّهم كانوا يأتون بها لا على نحو الجزئية لاختلاف صيغها عندهم منذ تشريعها
وحتى أواخر القرن الثالث عشر الهجري.
٣٦ ـ الشيخ علي الزنجاني
( ت ١٢٩٠ ه )
قال الشيخ الملاّ
علي الزنجاني في شـرحه على القواعد :
|
وأمّا
الشهادة على ولاية علي 7 فليست منه [ أي من
الأذان [ إجماعا من المسلمين إلاّ بعض المفوّضة كما حكاه في الفقيه ، نعم إطلاق
المرويّ عن الاحتجاج : « إذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه
، فليقل : علي أمير المؤمنين » وما يدلّ على استحبابها دائما وكونها ذكرا لمن
ذكره وزينة للمجالس ـ حتّى باعتراف عائشة كما روي عنها عن النّبي 6
ـ ناهضٌ على استحبابها هنا أيضا في أيّ موضع منه كان ، وإن كان بعد الشهادة على
الرسالة أولى ، وكذا في الإقامة مضافا إلى الحُسْنِ العقليّ .
|
__________________
٣٧ ـ السيّد محمد
علي المرعشي الشهرستاني ( ت ١٢٩٠ ه )
أتى السـيّد الجدّ
محمد علي بن محمد حسين بن محمد إسماعيل المرعشي الحسيني الشهرستاني في كتابه ( شرح
التبصرة ) بكلام الصدوق في الفقيه ، وكلامَي الشيخ في النّهاية والمبسوط ، وكلام
العلاّمة في التذكرة ، ثمّ قال :
|
ويجوز
الإتيان بالشهادة بالولاية لأمير المؤمنين في الأذان لا على نحو الجزئية ، بل
لما لها من المحبوبية تيمّنا وتبرّكا.
|
٣٨ ـ السيّد علي بحر العلوم ( ت ١٢٩٨ ه )
قال السـيّد علي
بن السيّد رضا بن السيّد بحر العلوم في ( البرهان القاطع في شرح المختصر النافع )
:
|
وأمّا
قول « أشهد أنّ عليّا ولي اللّه » و «أمير المؤمنين » وما أشبه ذلك مما يفيد
الشهادة بولاية الأئمّة بعد الشهادة بالرسالة ، فليس من فصول الأذان والإقامة باتّفاق
الفتوى ، بل النصّ ، ما عدا شاذّ مرويّ عن المفوّضة ، واعترف بشذوذه الشيخ في
المبسوط ، ولعلّ مراده مَن يقول بتفويض اللّه سبحانه إلى عليّ 7
لأ نّهم الذين يروون هذا الحديث دون المفوّضة المعهودة في مقابل المجبّرة.
لكنْ
في البحار بعد حكايتها قال : لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة
للأذان ؛ لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها ، قال : ويؤ
يّده ما رواه في الاحتجاج عن القاسم بن معاو ية في حديث عن الصادق 7
في ذيله « إذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه ، فليقل : عليٌّ
أمير المؤمنين » فيدلّ ذلك على استحباب ذلك عموما ، والأذان من تلك المواضع ، واستجوده
في الحدائق.
|
|
ومراد
المجلسيّ 2 من الاستناد
بالأخبار ـ التي اعترف بها الشيخ والعلاّمة وغيرهما ـ أنّها وإن كانت شاذّة وهم
قالوا « من عمل بها كان مخطئا » لكنه من اجتهادهم ، وتؤخذ روايتهم وتطرح درايتهم
؛ إذ لا بأس بالاستناد إلى الشاذّ في المستحبّات تسامحا. لكنّ التسامح ممنوعٌ في
مثله ممّا منعه جُلُّ الأصحاب بل كلّهم.
واجود
منه ما في الجواهر من أنّه لو لا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناءً على
صلاحيّة العموم لمشروعيّة الخصوص ، ومراده من العموم نحو رواية القاسم لورود
مثلها في أخبار أُخر كما أومأ المجلسي 2 إليه بقوله : وقد
مرّ امثال ذلك في مناقبه 7. لكن فيه أيضا أنّ
العمومات غير صالحة لشرع الجزئية ، بل غايتها استحباب التلفّظ بالشهادة بالولاية
حيثما ذَكَرَ الشهادتين ، وهو أعمّ من كونه جزءا ، بل سبيل تلك الاخبار سبيل
الوارد بأ نّه « كلّما ذكر اسم محمد 6 قل : اللهمّ صل على
محمد وآل محمد » ، وكلما ذكر اللّه سبِّحه وقدِّسه كما ورد في خصوص الأذان
والإقامة ، ولم يقل أحد بجزئية التسبيح المذكور أو الصلاة على محمد.
وبالجملة
: بالنظر إلى ورود تلك العمومات يستحبّ كلّما ذُكِرَ الشهادتان ذكر الشهادة
بالولاية وإن لم ينصّ باستحبابه في خصوص المقام ؛ إذ العمومات كافية له ، ومنه
الأذان والإقامة ، فيستحبّ الشهادة بالولاية بعد الشهادتين فيهما لا بقصد
جزئيّتها منهما لعدم الدليل على الجزئية ، وفاقا للدرّة حيث قال :
|
صلِّ إذا ما اسمُ محمّد بدا
|
|
عليه والال فصلِّ تُحْمَدا
|
وأَكمِلِ الشَّهادتين بالّتي
|
|
قد أُكمل الدين بها في الملة
|
|
|
|
|
وإِنّها مثل الصلاة خارجه
|
|
عن الخصوصِ بالعموم والجِه
|
|
أي
داخلة بالعموم المذكور وإن خرج عن خصوص حقيقته ، وبملاحظة الخروج عن الحقيقة لا
يثبت المرجوحية الثابتة لعموم الكلام في خلالهما ، وهذه منه بعد الخروج ؛ ضرورة
استثنائها بتلك العمومات المشار إليها ، مضافا إلى قوّة دعوى عدم انصراف إطلاق
الكلام إليها .
|
|
|
|
|
٣٩ ـ السيّد حسين
الكوهكمري الترك ( ت ١٢٩٩ ه )
قال السـيّد
الجليل السيّد حسين الترك في رسالته العملية باللّغة الفارسية طبعة إيران ما
ترجمته :
|
ويستحبّ
بعد الشهادة بالرسالة ، الشهادة لعلي بالولاية.
|
وقال في رسالة أخرى له تحت عنوان ( سوال وجواب ) باللّغة الفارسية ما ترجمته :
|
هذه
الكلمة الطيّبة ليست جزءً من الأذان والإقامة ، ولكنّها تذكر تيمّنا وتبركا
باسمه الشريف.
|
وبعد هذا العرض السريع لأقوال الفقهاء الذين توفّوا في القرن الثالث عشر الهجري
أريد أن اشير إلى أنّي قد تركت الإشارة إلى الكتب التي ألّفت كشروح على الكتب التي
لم تذكر فيها الشهادة بالولاية مثل ( مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة )
للعاملي المتوفى ( ١٢٢٦ ه ) ، لأنّ ترك امثال هؤلاء لموضوع الشهادة بالولاية له
مبرّره الخاص.
وقد حكى الشيخ علي
النمازي في ( مستدرك سفينة البحار ) عن السيّد محمد
__________________
قلي خان المَعْنِيّ
( ت ١٢٦٠ ه ) ـ والد صاحب العبقات ـ أنّ له رسالة في أنّ الشهادة بالولاية جزءٌ
من الأذان .
وهذا يدلّ على أنّ
الشهادة بالولاية كان لها أنصارها من الفقهاء والعلماء في ذلك العصر حتّى ذهب
البعض منهم إلى القول بجزئيّتها كوالد صاحب العبقات.
وقد حُكي عن جدّي
السيّد محمد حسين بن محمد إسماعيل المرعشي الشهرستاني ـ صهر الميرزا مهدي
الشهرستاني احد المهادي الاربعة ـ أنّه لمّا سافر إلى الهند ـ في أوائل القرن
الثالث عشر ـ سمع أذانا وفيه الولاية لعليّ بصورة مختلفة عمّا كان يسمعها في
العراق وإيران ، وأَحْتَمِلُ أنّه سمع ما أنا سمعته في العام المنصرم حين سفري إلى
الهند سنة ١٤٢٧ ه وهو : «
أشهد أنّ أمير المؤمنين وإمام المتّقين عليّا وليُّ اللّه ووصيُّ رسول اللّه
وخليفته بلا فصل ».
إنّ اختلاف صـيغ
الأذان في العراق وإيران والهند وعلى مرّ العصور والأزمان والبلدان يؤكّد أنّهم
كانوا لا يأتون بها على أنّها جزء ، بل من باب المحبوبية وبقصد القربة المطلقة.
ومن هذا القبيل ما نسمع به من اذكار ومقدمات دعائية قبل الأذان وبعده في بعض
البلدان الشيعية ، فالبعض يستفتح الأذان بهذه الجمل : اعوذ باللّه من شر الشيطان
الرجيم ، بسم اللّه الرحمن الرحيم : « ان اللّه وملائكته يصلون على النبيّ يا أيّها
الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما » اللهم صلّى على محمد وآل محمد ، سبحان اللّه والحمد للّه
ولا إله إلاّ اللّه واللّه اكبر ، فهذه الجمل الدعائية ليست زيادات في الأذان
كما يريد أن يصوره البعض ، بل هي خارجة عن الأذان صورة وحكما.
وبهذا انتهينا من
بيان سـير هذه المسألة في هذا القرن ، ولا أرى ضرورة ملزِمة لمتابعة المسار كما
تابعناه سابقا ـ في القرنين الرابع عشر والخامس عشر
__________________
الهجريين ـ لأ نّها صارت حقيقة معروفة عند
الجميع ولا يمكن تجاهلها ، بل أكتفي بنقل عبارات بعض أعلام هذين القرنين غير
معلِّق عليها ، لأنّ فتاوى الأعلام في هذين القرنين كثيرة جدا ، وأنّ وظيفتي كانت
إيصال سفينة البحث إلى يومنا هذا وقد وصلت بحمد اللّه تعالى ، رافعين كل العقبات
التي كانت تعيق هذه الدراسة ، معطين صورة توافقية بين من يقول بالمنع أو الجواز أو
الاستحباب ؛ لأنّ رسم أصول المصالحة بين الأطراف في مسألة كهذه تستوجب الاستقراء
والاستدلال وهو ما سعينا لتطبيقه في بحثنا.
القرن الرابع عشر الهجري
٤٠ ـ السيّد الميرزا
محمود البروجردي ( ت ١٣٠٠ ه )
قال السيّد
الميرزا محمود بن الآقا الميرزا علي نقي بن السيّد جواد ـ أخي السيّد مهدي بحر
العلوم ـ الطباطبائي البروجردي في كتابه ( المواهب السنية في شرح الدرة الغرويه )
من نظم عمّ والده السيّد مهدي بحر العلوم :
|
«
وأكمل الشهادتين » شهادتي التوحيد والرسالة « بالتي » بالشهادة التي « قد أكمل
الدين بها في الملة » وتمّت على أهله النعمة كالشهادة بالولاية لعليّ أمير
المؤمنين 7 ، وكذا آل محمد 6
خير البرية ، لا لأنّ ذلك من أجزاء الأذان وداخل في ماهيته ؛ للإجماع الظاهر من
كلمات الأصحاب المحكيّ عن صريح جماعة حيث حصروا فصول الأذان في غيره ، وللأخبار
الماضية الواردة في بيانها ، مع أنّ تشريع الأذان كان قبل ظهور ولايته 7
وهذا ممّا لا إشكال فيه ...
وكيف
كان فلا إشكال في عدم دخول ذلك في ماهية الأذان ، والأقوى أنّه ليس جزءً مستحبّا
له أيضا ؛ لعدم الدليل على الجزئية
|
|
مطلقا
، فالإتيان به بقصدها بدعة وتشريع ؛ خلافا لما عن البحار واستجوده في الحدائق.
قلت
، والخبر ( أي خبر الاحتجاج ) لا تأييد فيه لجزئية هذه الشهادة كما لا دلالة فيه
، والتحقيق أن يقال : «أ نّها مثل الصلاة » على النبيّ 6
في بين الأذان والإقامة « خارجة » « عن الخصوص » ولا تدخل في ماهيتهما على وجه
الجزئية اصلا لا وجوبا ولا ندبا ، ولكن « بالعموم » المستفاد من خبر الاحتجاج
وغيره ممّا لا يحصى ممّا دلّ على فضل ذكره 7
وإظهار ولايته وإمارته وساير مناقبه صلوات اللّه عليه « والجه »وداخلة ، منها
النبوي 6 : «إنّ اللّه
تبارك وتعالى جعل لأخي فضائل لا يحصي عددَها غيرُهُ ، فمن ذكر فضيلة من فضائله
مقرّا بها غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ولو أتى في القيامة بذنوب
الثقلين ، وفي آخر زينوا مجالسكم بذكر علي بن أبي طالب » .
وخبر
الاحتجاج لا يفيد أزيد من الرجحان العامّ كما في غيره من غير خصوصيّةٍ للأذان
والإقامة أصلا.
وأمّا
شهادة الأجلاّء بورود الأخبار فلا تجدي مع رميهم لها بالشذوذ أو الوضع وفي
الشوارع : إنّ الاصحاب بين
محرِّمٍ وغير محرِّمٍ ، مع ردّ كلّهم الاخبار الدالّة عليه بالشذوذ والوضع ، وعدم
حمل أحد منهم إيّاها على الاستحباب ، مع أنّ عادتهم ذلك ، وذكرهم مستحبات كثيرة
له ولو بأخبار ضعاف وهجرهم
|
__________________
|
ذلك رأسا بحيث
يظهر إجماعهم على خلافه.
فما في كلام بعض
محدّثي الأواخر من أنّه لا يبعد أن يكون من الأجزاء المسـتحبّة له ، فيه ما فيه ، ثمّ نفى البعد عن
اختيار ما اخترناه لخبر الاحتجاج وغيره وربّما يلوح من آخر كلام البحار ما رجّحناه ، ويمكن التأويل
على بُعْدٍ في صدر كلامه ، وهذا مستثنى من كراهة الكلام في الأثناء ، وفي «الشوارع» ما سبق من
الحكم بكراهة الكلام في خلال الأذان ، فقد عرفت عدم الدليل عليه إلاّ التسامح مع عدم شموله
لمثله ، انتهى. واعلم : أنّه ينبغي للآتي بهذه الشهادة أن يأتي بها بحيث لا يوهم الجزئية ولا يوقع
الناس في وهمها ، فيأتي بها تارة ويتركها أُخرى ، ولا يكررها كالأُخريين مرتين ، ويسقط لفظة
«أشهد» ، وفي جعلها في خلال الصلاة على النبيّ 6 وإدراجها فيها كما نبّه عليه في كشف الغطاء جمعٌ بين الحقّين والوظيفتين .
|
٤١ ـ الشيخ جعفر التُّستري (
ت ١٣٠٣ ه )
|
قال الشيخ جعفر
التُّستري في رسالته باللغة الفارسية «منهج الرشاد» ما تعريبه : إنّ الشهادة بالولاية ليست جزءً من الأذان ، ولكن يستحبّ الإتيان بها
تيمّنا وتبرّكا للرجحان المطلق .
|
__________________
٤٢ ـ الميرزا محمد حسن القمي
( ت ١٣٠٤ ه )
قال الميرزا محمد
حسن القمي ـ وهو من تلامذة الشيخ الانصاري ـ في كتابه « مصباح الفقاهة » بعد أن نقل كلام الشيخ الصدوق ;.
|
وعن
المجلسي قدسسره : أنّه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة
استنادا إلى ما عرفت ، وإلى خبر القاسم بن معاوية المرويّ عن احتجاج الطبرسي عن
الصادق ... وفيه ما لا يخفى ، إلاّ أنّه لا باس بذكر اسمه الشريف لا على سبيل
الجزئية .
|
٤٣
ـ الشيخ محمد الايرواني ( ت ١٣٠٦ ه )
قال الشيخ
الايرواني في رسالته باللغة الفارسية « نجاة المقلّدين » ما تعريبه :
|
من
الجائز القول بـ « أشهد ان عليّا ولي اللّه » و « ان آل محمد خير البرية » في
الأذان والإقامة ، لكن بدون قصد الجزئية ، والأحوط الاكتفاء بمرّة واحدة في هذه
الشهادة .
|
٤٤ ـ الشيخ زين العابدين
الحائري المازندراني ( ت ١٣٠٩ ه )
أجاب الشيخ في
رسالته باللغة الفارسية «
ذخيرة المعاد » بعد أن سئل هل الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة جائز الإتيان بها أم يجب
تركها؟ قال ; :
|
لا
بأس بالشهادة بالولاية بقصد الاستحباب لا بقصد الجزئية .
|
__________________
٤٥ ـ الميرزا محمد حسن
الشيرازي ( ت ١٣١٢ ه )
قال الميرزا
الشيرازي في رسالته «
مجمع الرسائل » باللغة الفارسية والتي عليها حاشية للسيّد إسماعيل الصدر العاملي ، ما تعريبه
:
|
الشهادة
بالولاية لعليّ ليست جزءا من الأذان ، ولكن يؤتى بها إمّا بقصد الرجحان في نفسه
، وإمّا بعد ذكر الرسالة ، فإنه حَسَنٌ ولا بأس به .
|
٤٦ ـ ملا محمد بن محمد مهدي
الأشرفي البارفروشي ( ت ١٣١٥ ه )
قال الشـيخ
البارفروشـي في « شـعائر
الإسـلام » ما تعريبه :
|
الشهادة
بالولاية كأن يقول بعد «أشهد أن محمدا رسول اللّه» : «أشهد أن عليّا ولي
اللّه» ، والشهادة بالإِمْرَةِ كأن يقول : «أشهد أن عليّا أمير المؤمنين» ، وكلاهما
ليسا بجزء واجب ولا مندوب ، لكن إذا قالهما أحد مجتمعا « أشهد أن عليّا أمير
المؤمنين ولي اللّه » بدون واو العطف وبقصد القربة المطلقة والرجحان النفسي
للأمر كان مثابا ومأجورا وقد أُعطى ثواب الشهادة بالإِمرة والولاية .
|
__________________
٤٧ ـ السيّد محمد حسين
الشهرستاني ( ت ١٣١٥ ه )
إنّ لجدي السيّد
محمد حسين المرعشي الشهرستاني كتاب «شوارع الأعلام في شرح شرائع الإسلام» لا أدري هل أنّه تعرّض للشهادة بالولاية فيه أم تركها تبعا
للمحقّق ، لكنّ السيّد عبدالرزاق المقرّم نقل عن حاشيةٍ له ; على «نجاة العباد» لصاحب الجواهر امضياءه فتوى صاحب الجواهر بالاستحباب .
٤٨ ـ الشيخ محمد علي بن محمد
باقر « صاحب الحاشية على المعالم » ( ت ١٣١٨ ه )
أمضى الشيخ في
حاشيته على « مجمع
الرسائل » للسيّد الميرزا
حسن الشيرازي الكبير ما قاله المجدّد الشيرازي في رجحان الشهادة بإمرة المؤمنين
لعلي .
٤٩ ـ السيّد إسماعيل الطبرسي
النوري ( ت ١٣٢١ ه )
قال السيّد في « شرح نجاة العباد » :
|
أقول
: من تصفّح وتتبّع ما ورد في الروايات في فضائله ومناقبه 7
يحصل له القطع بمحبوبية اقتران اسمه المبارك والشهادة بولايته وإمارته باسم
اللّه سبحانه وتعالى ورسوله كلما يذكران نطقا وذكرا وكتابة ، ولا معنى
للاستحباب إلاّ رجحانه الذاتي ومطلوبيته النفس الأمري ، إلاّ أن يقال بأنّ غاية
ذلك استحبابه العقلي وهو غير الاستحباب التعبدي ، فتأمّل .
|
__________________
٥٠ ـ الشيخ محمد الشربياني (
ت ١٣٢٢ ه )
له حاشية على
رسالة السيّد حسين الترك ، وله حاشية أُخرى على رسالة الشيخ محمد الأشرفي ، وقد
أمضى ما أفتى به العلمان الآنفان من رجحان الشهادة بالولاية واستحبابها.
٥١ ـ آغا رضا الهمداني ( ت ١٣٢٢
ه )
حكى الشيخ
الهمداني في كتابه «
مصباح الفقيه » كلام الشيخ الصدوق في «
الفقيه » والشيخ في « النهاية » والعلاّمة في « المنتهى » وقال :
|
أقول
: ولولا رمي الشيخ والعلاّمة لهذه الأخبار بالشذوذ وادّعاء الصدوق وضعها ، لأمكن
الالتزام بكون ما تضمّنته هذه المراسيل ـ من الشهادة بالولاية والإمارة وأنّ
محمّدا وآله خير البريّة ـ من الأجزاء المستحبّة للأذان والإقامة ، لقاعدة
التسامح ، كما نفى عنه البُعْدَ المحدّثُ المجلسي في محكيّ البحار تعو يلاً على
هذه المراسيل ، وأيّده بما في خبر القاسم بن معاوية ـ المرويّ عن احتجاج الطبرسي
ـ عن أبي عبداللّه 7 : « إذا قال أحدكم
: لا إله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، فليقل : علي أمير المؤمنين »
وغيره من العمومات الدالّة عليه .
ولكنّ
التعو يل على قاعدة التسامح في مثل المقام ـ الذي أخبر مَنْ نقل إلينا الخبر
الضعيف بوضعه أو شذوذه ـ مشكل ، فالأولى أن
|
__________________
|
يشهد
لعليّ 7 بالولاية وإمرة
المؤمنين بعد الشهادتين قاصدا به امتثال العمومات الدالّة على استحبابه ، كالخبر
المتقدّم ، لا الجزئيّة من
الأذان أو الإقامة ، كما أنّ الأولى والأحوط الصلاة على محمّد وآله بعد الشهادة
له بالرسالة بهذا القصد ، واللّه العالم .
|
٥٢ ـ الشيخ محمد طه نجف ( ت ١٣٢٣
ه )
للشيخ حاشية على « نجاة العباد » لم يعلّق فيها على ما أفتى به صاحب الجواهر ، ومعناه أنّه
أمضى ما أفتى به صاحب الجواهر .
٥٣ ـ الشيخ حسن المامقاني (
ت ١٣٢٣ ه )
أفتى الشيخ
المامقاني في رسالته العملية باللغة الفارسية باستحباب الصلاة على محمد وآله
والشهادة بالولاية لعلي بإمرة المؤمنين بعد ذكر الشهادة بالرسالة لكن لا بقصد
الجزئية .
٥٤ ـ السيّد محمد بحر العلوم
( ت ١٣٢٦ ه )
قال صاحب « بلغة الفقيه » في رسالته « الوجيزة » عند ذكر فصول الأذان والإقامة :
|
ويستحبّ
فيهما إكمال الشهادتين بالشهادة بالولاية لعليّ وإن
|
__________________
٥٥ ـ الميرزا حسين الخليلي (
ت ١٣٢٦ ه )
للشيخ الخليلي
حواشٍ وتعليقات على رسائل مَنْ قَبْلَهُ مثل « نجاة العباد » لصاحب الجواهر ، و « مجمع الرسائل » للميرزا المجدد الشيرازي ، و « النخبة » للميرزا الكرباسي ، فقد أمضى فتاوى من سبقه باستحباب
الشهادة بالولاية لعلي في الأذان .
٥٦ ـ الآخوند محمد كاظم
الخراساني « صاحب كفاية الأصول » ( ت ١٣٢٩ )
قال الآخوند في « ذخيرة العباد » ما تعريبه :
|
الشهادة
بالولاية لأمير المؤمنين ليست جزءا من الأذان ، ولكن لا بأس بذكرها بقصد القربة
المطلقة بعد ذكر الشهادة لرسول اللّه .
|
٥٧ ـ الشيخ عبداللّه
المازندراني ( ت ١٣٣٠ ه )
لم يعلّق الشيخ
بالخلاف على ما أفتى به الملاّ محمد الأشرفي من استحباب الشهادة بالولاية لعلي 7 .
__________________
٥٨ ـ الشيخ محمد تقي ( حفيد
صاحب الحاشية على المعالم ) المعروف بآقا نجفي ( ت ١٣٣٢ ه )
قال الشيخ في
رسالته العملية له باللغة الفارسية ، ما تعريبه :
|
الشهادة
بالولاية لعلي ليست جزءا من الأذان ، ولكن يستحبّ أن يؤتى بها بقصد الرجحان ، اما
في نفسه أو بعد ذكر الرسول .
|
٥٩ ـ الملا محمد علي
الخونساري الإمامي ( ت ١٣٣٢ ه )
قال ; في رسالته باللغة
الفارسية :
|
الشهادة
لعلي ليسـت جزءا بل يؤتى بها بقصد الرجحان إمّا في نفسه ، أو لما ورد بعد ذكـر
الرسـول .
|
٦٠ ـ الميرزا أبو القاسم
الأُوردبادي ( ت ١٣٣٣ ه )
قال الشيخ
الأَوردبادي في كتابه الاستدلالي في الفقه ـ مخطوط ـ وكان من تلامذة النهاوندي
والفاضل الايرواني :
|
لقد
ورد الإقرار بأنّ عليا أمير المؤمنين كلّما أُقِرَّ بالتوحيد والرسالة ، وهو
بعمومه يقتصي الاستحباب في الأذان والإقامة .
|
٦١ ـ الشيخ محمد علي المدرس
الجهاردهي ( ت ١٣٣٤ ه )
قال الشيخ في
رسالته « زبدة
العبادات » باللغة الفارسية
، ما تعريبه :
__________________
|
الشهادة
بالولاية ليست جزءا من الأذان والإقامة ، بل يؤتى بها بعد الشهادة بالرسالة
بعنوان الرجحان المطلق لدلالة الروايات عليها بعد الرسالة في كل وقت .
|
٦٢ ـ الشيخ محمد جواد بن
الشيخ مشكور الحولاوي ( ت ١٣٣٤ ه )
له حاشية على
رسالة والده المسماة بـ «
كفاية الطالبين » ، وقد أمضى فيها ما أفتى به والده . وكان والده المتوفّى سنة ١٢٨٢ ه قد قال في رسالته
المذكورة : ويُستحب الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه ، وإكمال الشهادتين
بالشهادة لعليّ 7 بالولاية للّه تعالى وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره .
٦٣ ـ السيّد محمد مهدي بن
أحمد بن حيدر الكاظمي ( ت ١٣٣٦ ه )
له رسالة عملية
طبعت في بمبي الهند سنة ١٣٢٧ ه مع حاشية الميرزا النائيني قال فيها :
|
ويستحبّ
الشهادة لعلي بالولاية للّه وامرة المؤمنين بعد الشهادتين لا بعنوان الجزئية .
|
٦٤ ـ السيّد محمد كاظم
اليزدي ( ت ١٣٣٧ ه )
قال السيّد اليزدي
في « العروة
الوثقى » :
|
ويستحبّ
الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه ، وأمّا الشهادة
|
__________________
|
لعلي
بالولاية وإمرة المؤمنين فليست جزءا منهما .
|
وقد علق الشيخ
محمد حسين كاشف الغطاء ( ت ١٣٧٣ ه ) عليها بقوله : ويمكن استفادة كون الشهادة
بالولاية والصلاة على النبي أجزاء مستحبة في الأذان والإقامة من العمومات.
وقال السيّد
اليزدي في « طريق
النجاة » : الشهادة لعليّ بالولاية لم تكن جزءا من الأذان ، وبعنوان
القربة حَسَنٌ.
وقد عرفت موافقته
على الاستحباب في حواشيه على «
نجاة العباد » وغيرها.
٦٥ ـ السيّد إسماعيل الصدر (
ت ١٣٣٨ ه )
قال السيّد في
رسالته « أنيس
المقلّدين » :
|
الشهادة
لعلي بالولاية وإمرة المؤمنين في الأذان والإقامة بقصد القربة لا بقصد الجزئية
لا إشكال فيه.
|
وقال أعلى اللّه
مقامه في رسالته «
مختصر نجاة العباد » :
|
و
إكمال الشهادتين بالشهادة لعليّ بالولاية للّه وإمرة المؤمنين لا بأس به .
|
٦٦ ـ الميرزا محمد تقي
الشيرازي ( ت ١٣٣٨ ه )
قال الشيخ في
رسالته العملية :
|
ويستحبّ
الصلاةُ على محمد وآله عند ذكر اسمه الشريف ،
|
__________________
|
وإكمالُ
الشهادتين بالشهادة لعلي بالولاية وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره .
|
٦٧ ـ شيخ الشريعة الاصفهاني
( ت ١٣٣٩ ه )
قال الشيخ في « الوسيلة » بالفارسية ما تعريبه :
|
والشهادة
بالولاية لعليّ ليست جزءا من الأذان ، وبقصد القربة بعد الشهادة بالرسالة حَسَنٌ
جيّدٌ .
|
٦٨ ـ الشيخ أحمد كاشف الغطاء
( ت ١٣٤٤ ه )
قال الشيخ في « سفينة النجاة » :
|
ويستحبّ
في الأذان والإقامة إكمال الشهادتين بالشهادة بالولاية لعليّ مرتين وإن كانت
خارجةً عن فصولهما .
|
٦٩ ـ الشيخ عبداللّه النوري
( ت ١٣٤٤ ه )
وهو من تلامذة
الميرزا المجدّد الشيرازي ، له تعليقة على رسالة أستاذه ( مجمع الرسائل ) ، وافق
فيها أستاذه على الفتوى بالاستحباب .
__________________
٧٠ ـ السيّد الميرزا محمد
علي الشهرستاني ( ت ١٣٤٤ ه )
ذهب عمّ والدي
السيّد الميرزا محمد علي الشهرستاني في كتابيه « التذكرة في شرح التبصرة » و «
نصرة الشريعة في الاستنصار لمذهب الشيعة » إلى استحباب القول بالشهادة الثالثة في الأذان والإقامة.
٧١ ـ الشيخ البارفروشي ( ت ١٣٤٥
ه )
قال الشيخ في « سراج الأمّة » :
|
ولا
يجوز اعتقاد شرعيّة غير هذه الفصول في الأذان والإقامة ، كالتشهد بالولاية لعلي 7
، وأنّ محمدا وآله خير البرية ، أو خير البشر ، أو نحو ذلك وإن كان الواقع كذلك
، وليس كل ما هو حق مطابق للواقع ونفس الأمر يجوز إدخاله في العبادات التوقيفيّة
المحدودة من اللّه بحدود لا يزيد ولا ينقص.
نعم
، ورد في بعض الأخبار الشهادة [ بالولاية ] ولكن قد قيل أنّها من وضع المفوّضة.
|
ثم ذكر الشيخ
البارفروشي كلام العلاّمة في المنتهى والصدوق في الفقيه ثم قال :
|
وبالجملة
أنّ ذلك من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان ، نعم قد عرفت سابقا عن المجلسي
أنّه نفى البعد عن كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان ؛ استنادا
إلى هذه المراسيل التي رميت بالشذوذ وأنّه مما لا يجوز العمل بها ، وإلى ما في
خبر القاسم بن معاوية ... وتبعه في جواهر الكلام ونفى البأس بذكر ذلك لا على سبيل
الجزئية عملاً بالخبر المزبور.
وأنت
خبير بأنّ العمل بالخبر يقتضي الجزئية
وإلاّ فليس عملاً
|
|
بالخبر
، ثمّ أنّه لو فعل هذه الزيادة أو أحدها بنيّة أنه منه على تقدير أنّه ليس منه
أثم في اعتقاده ولكن لا يبطل الأذان بفعله ، ولا يقدح مثل ذلك في الترتيب
والموالاة كما ذكر في جواهر الكلام تبعا للطباطبائي في المنظومة ، لكونه حينئذ
كالصلاة على محمّد عند سماع اسمه .
|
٧٢
ـ السيّد محمد الفيروزابادي ( ت ١٣٤٦ ه )
قال السيّد في « ذخيرة العباد » بالفارسية ، ما تعريبه :
|
الشهادة
بالولاية لعليّ ليست جزءا من الأذان ، والإتيان بها بعد الشهادة بالرسالة بقصد
القربة جيد .
|
٧٣ ـ الشيخ شعبان الرشتي ( ت
١٣٤٧ ه )
قال الشيخ في
رسالته « وسيلة
النجاة » الفارسية ما
تعريبه :
|
الشهادة
بالولاية لم تكن جزءا من الأذان ، ولكن يؤتى بها بقصد القربة المطلقة بعد
الشهادة لرسول اللّه .
|
٧٤ ـ الشيخ عبداللّه
المامقاني ( ت ١٣٥١ ه )
قال الشيخ في « مناهج المتقين في
فقه أئمّة الحقّ واليقين » :
|
ولو
أتى بالشهادة بولاية علي صلوات اللّه عليه مرتين بعد الشهادة بالرسالة تيمّنا
بقصد القربة المطلقة لا بقصد الجزئية لم يكن به
|
__________________
٧٥ ـ الشيخ محمد رضا
الدزفولي ( ت ١٣٥٢ ه )
قال الشيخ في
كتابه « كلمة
التقوى » :
|
وليست
الشهادة بالولاية جزءا لأحدهما ، نعم لا بأس بها
تبركا ، بل أداءً للاستحباب المطلق .
|
٧٦ ـ السيّد حسن الصدر
الكاظمي ( ت ١٣٥٤ ه )
قال السيّد في « المسائل المهمة » :
|
ويستحبّ
الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه الشريف ، وإكمالُ الشهادتين بالشهادة لعلي
بالولاية وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره .
|
٧٧ ـ الميرزا محمد حسين
النائيني ( ت ١٣٥٥ ه )
قال الشيخ
النائيني في « وسيلة
النجاة » :
|
يستحبّ
الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه الشريف ، وإكمال الشهادتين بالشهادة لعلي 7
بالولاية وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره .
|
__________________
٧٨ ـ الشيخ محمد حسين
الاصفهاني ( المعروف بالكمپاني ) ( ت ١٣٦١ ه )
أدخل الشيخ
الكمپاني حواشيه في أصل كتاب «
وسيلة النجاة » وقال بنفس ما قاله الشيخ النائيني ; .
٧٩ ـ السيّد أبو الحسن
الاصفهاني ( ت ١٣٦٥ ه )
قال السيّد في « ذخيرة العباد » بالفارسية ما هذا تعريبه :
|
والشهادة
بالولاية لعلي 7 ليست جزءا من
الأذان ، ولكن إذا أتي بها بعد الشهادة بالرسالة بقصد القربة كان حَسَنا .
|
٨٠ ـ السيّد حسين القمّي ( ت
١٣٦٦ ه )
قال السيّد في « مختصر الأحكام » بالفارسية ما تعريبه :
|
ويستحبّ
الصلاة على محمد وآله بعد الشهادة بالرسالة في الأذان والإقامة ، ومن كمال
الشهادتين الشهادة بالولاية وإمرة المؤمنين لعلي .
|
٨١ ـ الشيخ محمد رضا آل
ياسين ( ت ١٣٧٠ ه )
له ; حاشية على « بغية المقلدين » للسيّد محمد مهدي الصدر ـ خطية ـ وافق فيها السيّد على ما
أفتى به من الاستحباب .
__________________
٨٢ ـ السيّد صدر الدين الصدر
( ت ١٣٧٣ ه )
له ; حاشية على « منتخب المسائل » للسيّد حسين القمّي وافق ، فيها السيّد على قوله : « وأمّا
الشهادة بالولاية لعليّ فليست جزءً من الأذان ، ولو أتى بها بقصد القربة بعد
الرسالة كان حسنا» .
٨٣ ـ الشيخ مرتضى آل ياسين
كتب الشيخ في جواب
من سأله عن هذه المسالة بما هذا نصه :
|
لا
ينبغي الإشكال في استحباب الشهادة لعلي 7 بالولاية عقيب ذكر
الشهادتين في كلّ من الأذان والإقامة إذا لم يقصد بها الجزئية كما عليه سيرة
المؤذّنين من أبناء الشيعة الإمامية في كلّ زمان وكلّ مكان ، وذلك للأخبار
الدالّة بكلّ صراحة على استحباب القِران بين الشهادتين : الشهادة للنبي 6
بالرسالة والشهادة لعلي أمير المؤمنين 7 بالولاية.
ودعوى
لزوم التشريع مِن ذكرها ـ زيادة على الفصول المعتبرة في الأذان والإقامة ـ
مدفوعةٌ بعدم لزومه قطعا مع عدم قصد الجزئية فيهما كما هو المفروض.
وأمّا
الأخبار الدالّة على كراهة التكلّم في الأذان والإقامة فلا تصلح معارضا لتلك
الأخبار الدالّة على استحباب القران بين الشهادتين مطلقا ، لأنّ مورد الكراهة
حسبما هو المستفاد من أدلّتها مختصّ بالتكلم بعد إقامة الصلاة ، أي بعد قول
المقيم : « قد قامت
|
__________________
|
الصلاة
» ، أو فيما بين الأذان والإقامة فيخصوص صلاة الغداة ، وليس فيها ما يدلّ على
كراهته في الإقامة قبل إقامة الصلاة ، كما ليس فيها ما يدل على كراهته في الأذان
مطلقا كما لا يخفى ذلك على من راجع أخبار الباب ، هذا بعد تسليم كون الشهادة
الثالثة من الكلام الخارج عن عنوان الكلام المرخّص فيه شرعا في مثل الصلاة فضلا
عن غيرها من الوظائف الشرعية كالتكلّم بذكر اللّه جل شأنه وذكر النبي 6
، مع أنّ للمنع من خروجه عن هذا العنوان مجالاً واسعا.
أمّا
أولاً : فلإِمكان دعوى انصراف الكلام المحكوم عليه بالكراهة أو الحرمة عن مثل
الشهادة بالولاية لعليّ 7 كما اعترف به غير
واحد من أهل العلم.
وأمّا
ثانيا : فلما دلّ على أنّ ذكره وذكر الأئمة من ولده عليهم أفضل الصلاة والسلام
من ذكر اللّه تعالى ، وذلك ما رواه في الكافي عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه 7
: ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا اللّه ولم يذكرونا إلاّ كان ذلك المجلس حسرة
عليهم يوم القيامة ، ثم قال : قال أبو جعفر 7
: إنّ ذكرنا من ذكر اللّه ، وذكر عدونا من ذكر الشيطان
، وهذا التنزيل المستفاد صريحا من هذه الرواية الشريفة يقضي بخروج ذكرهم صلوات
اللّه عليهم عن دائرة الكلام المكروه والمحرّم ولحوقه بذكر اللّه سبحانه
وتعالى في جميع ما رُتِّب عليه من الأحكام ، وقد جاء في رواية الحلبي عن أبي
عبداللّه 7 : كل ما ذكرت
اللّه عزّوجلّ به والنبي فهو من
|
__________________
|
الصلاة
، ومن هنا يظهر لك وجه القول بجواز ذكر الشهادة الثالثة في الصلاة فضلاً عن
الأذان والإقامة واللّه العالم .
|
٨٤ ـ السيّد عبد الحسين شرف
الدين ( ت ١٣٧٧ ه )
قال السيّد في « النص والاجتهاد » :
|
ويستحبّ
الصلاة على محمد وآل محمد بعد ذكره 6 ، كما يستحبّ إكمال
الشهادتين بالشهادة لعلي بالولاية للّه تعالى وإمرة المؤمنين في الأذان
والإقامة ، وقد أخطأ وشذّ من حرّم ذلك ، وقال بأ نّه بدعة ، فإنّ كلّ مؤذّن في
الإسلام يقدّم كلمة للأذان يوصلها به ، كقوله : الحمد للّه الذي لم يتّخذ ولدا
... الآية أو نحوها ، ويلحق به كلمة يوصلها بها كقوله : الصلاة والسلام عليك يا
رسول اللّه أو نحوها ، وهذا ليس من المأثور عن الشارع في الأذان ، وليس ببدعة ،
ولا هو محرّم قطعا ، لأنّ المؤذّنين كلّهم لا يرونه من فصول الأذان ، وإنّما
يأتون به عملاً بأدلّة عامّة تشمله ، وكذلك الشهادة لعليّ بعد الشهادتين في
الأذان ، فإنّما هي عمل بأدلّة عامّة تشملها ، على أن الكلام القليل من ساير
كلام الادميين لا يبطل به الأذان ولا الإقامة ولا هو حرام في أثنائهما ، فمن أين
جاءت البدعة والحرام ... .
|
__________________
٨٥ ـ الشيخ محمد صالح
السمناني
قال الشيخ ما
ترجمته :
|
يجوز
الشهادة بالولاية لأمير المؤمنين بعد الشهادة بالرسالة بقصد استجابة النداء
بالولاية ، وبقصد قبول الشهادتين وصحّة الأعمال ، لا بقصد الجزئية وورودها في
الأذان التوقيفي من قبل اللّه ، فلا يجوز إدخال شيء في فصول الأذان ، كأن يقول
: أشهد أنّ أشرف الأنبياء محمّدا رسول اللّه ، أو : أشهد أنّ اللّه أجلّ وأكبر
، نعم يجوز أن يأتي بها بعد إكمال الفصل ، كأن يقول : اللّه اكبر جل جلاله ربّي
، أو : أشهد أنّ محمدا رسول اللّه 9 .
|
وله في كتابه «
توضيح المسائل » كلام طويل آخر في هذه المسألة جدير بمراجعتها لما فيها من بعض الغرائب.
٨٦ ـ السيّد حسين البروجردي
( ت ١٣٨٠ ه )
قال السيّد في
رسالته « توضيح
المسائل » الفارسية :
|
«أشهد
أنّ عليا وليّ اللّه » ليست جزءا من الأذان ، ولكن من المحبّذ أن يؤتى بها بعد
« أشهد أنّ محمدا رسول اللّه » بقصد القربة .
|
وقال ; في « أنيس
المقلّدين » في جواب من سأله
عن حكم من شهد بالولاية وإمرة المؤمنين لعليّ في الأذان؟
قال ; : إذا قالها بقصد القربه
لا بقصد الجزئية لا إشكال فيه .
__________________
وما أفتى به
السيّد البروجردي في رسائله العملية لا يتّفق مع ما ادّعاه الشيخ محمد واعظ زاده
الخراساني على السيّد البروجردي.
٨٧ ـ السيّد علي مدد القائني
( ت ١٣٨٤ ه )
قال السيّد في
جواب من استفتاه عن الشهادة الثالثة :
|
لا
ريب ولا إشكال في رجحان الشهادة بالولاية لعلي ابن أبي طالب في الأذان والإقامة
لا بقصد الجزئية ؛ للأصل وعدم المانع ، والأخبارِ المطلقـة الآمرة بـذكر الآل
بعـد ذكر الرسالة ، وما رواه في الاحتجاج من اقتران الشـهادة بإمرة المؤمنين
لعليّ 7 بعد الشهادتين ، والأخـبارِ
الخاصـةِ التي شـهد بها الصـدوق والشيخ الطوسي ، ولأجلها ذهب المجلسيّ وبعض من
تأخّر عنه إلى استحباب الشهادة الثالثة في الأذان ولو بقصد الجزئية ، وبعد
اعتراف هذين العلمين ـ الصدوق والطوسي ـ بوجود الاخبار الآمرة بالشهادة الثالثة
في الأذان لا وجه لرفع اليد عنها.
وأمّا
رميهم لها بالشذوذ فيردّه ما تسالم عليه العلماء من جبر الخبر الضعيف بالتسامح
في أدلة السنن ، مع أنّ مسألة الولاية من كمال الدين ، كما نص عليه الكتاب ( ألْيَوْمَ
أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ، ومما بُني عليها
الإسلام ، فقد ورد في الحديث : بني الإسلام على خمس وعد منها الولاية ، ولم يناد
بشيء كما نودي بالولاية.
أمّا
رواية الاحتجاج « إذا قال احدكم : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه ، فليقل
: علي أمير المؤمنين » ، وإن كان لسانها العموم فتشمل حتى الأذان إلاّ أنّ
العارف بأساليب كلام المعصومين لا يفوته الجزم بأنّ غرض الإمام 7
الإشارة إلى جزئية الشهادة الثالثة في
|
|
الأذان
الذي يكرره الإنسان في اليوم والليلة ، ولكن لمّا أوصد سلطان الضلال الأبواب على
الأئمة : ـ كما تشهد به جدران الحبوس وقعر السجون المظلمة ـ لم يجد الإمام بدّا
من اختيار هذا النحو من البيان لعلمه بتأثير كلامه في نفوس الشيعة وقيامهم بما
يأمرهم به في كلّ الأحوال ، وأهمّها حال الأذان ، لأ نّه وجه العبادة ومفتاح
الأصول إلى ساحة الجلال الإلهي ، وهذا لطفٌ من إمام الأمة 7
بشيعته لينالوا الدرجات العالية وأقصى المثوبات ، ومن هنا يمكن دعوى اتّصال سيرة
العلماء والمتديّنين على الجهر بالولاية في الأذان في صلواتهم بزمان المعصوم 7
، وهذه السيرة من العلماء مع العمومات الآمرة بالولاية في كلّ الأحوال في السرّ
والعلانية تصدّ دعوى البدعة ، فالشهادةُ بالولاية لأمير المؤمنين في الأذان
والإقامة ممّا لا ريب في رجحانه .
|
٨٨ ـ السيّد الحكيم ( ت ١٣٩٠
ه )
قال السيّد الحكيم
في « المستمسك
» :
|
الظاهر
من المبسوط إرادة نفي المشروعية بالخصوص ، ولعلّه أيضا مراد غيره ، لكنّ هذا
المقدار لا يمنع من جريان قاعدة التسامح على تقدير تماميتها في نفسها ، ومجرّد
الشهادة بكذب الراوي لا يمنع من احتمال الصدق الموجب لاحتمال المطلوبية ، كما
أنّه لا بأس بالإتيان به بقصد الاستحباب المطلق ؛ لما في خبر الاحتجاج «إذا قال
أحدكم : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه ، فليقل :
|
__________________
|
علي
أمير المؤمنين» ، بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الإيمان ورمز إلى التشيع
، فيكون من هذه الجهة راجحا شرعا ، بل قد يكون واجبا ، لكن لا بعنوان الجزئية من
الأذان ، ومن ذلك يظهر وجه ما في البحار من أنّه لا يبعد كون الشهادة بالولاية
من الأجزاء المستحبّة للأذان ؛ لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود
الأخبار بها ، وأُيد ذلك بخبر القاسم بن معاوية ... .
|
وقال ; في « منهاج الصالحين » :
|
وتستحبّ
الصلاةُ على محمد وآله عند ذكر اسمه الشريف ، وإكمالُ الشهادتين لعليّ بالولاية
وإمرة المؤمنين في الأذان وغيره .
|
٨٩ ـ السيّد الخميني ( ت ١٤٠٩ ه )
قال السيّد الإمام
الخميني في « الآداب
المعنوية » :
|
قد
ورد في بعض الروايات غير المعتبرة أن يقال بعد الشهادة بالرسالة في الأذان :
أشهد أن عليّا وليّ اللّه ، مرّتين وفي بعض الروايات : أشهد أن عليّا أمير
المؤمنين حقا مرّتين ، وفي بعض آخر : محمد وآل محمد خير البرية ، وقد جعل الشيخ
الصدوق ; هذه الروايات من موضوعات المفوّضة وكذّبها ، والمشهور بين العلماء
رضوان الله عليهم عدم الاعتماد بهذه الروايات ، وجعل بعض المحدّثين هذه الشهادة
جزءا مستحبّا من جهة
التسامح في
|
__________________
|
أدلّة
السنن ، وهذا القول ليس ببعيد عن الصواب وإن كان أداؤها بقصد القربة المطلقة
أولى وأحوط ، لأ نّه يستحب بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولاية وإمارة
المؤمنين كما ورد في حديث الاحتجاج عن قاسم بن معاوية ؛ قال : « قلت لأبي
عبداللّه : هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنّه لما أسري برسول اللّه رأى على
العرش مكتوبا : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه أبو بكر الصدّيق ، فقال :
سبحان اللّه غيّروا كل شيء حتى هذا؟! قلت نعم ، قال : ان اللّه عزّ وجل لما
خلق العرش كتب عليه : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه عليّ أمير المؤمنين ،
ولما خلق اللّه عزّوجلّ الماء كتب في مجراه : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول
اللّه عليّ أمير المؤمنين ، ثمّ تذكر الرواية كتابة هذه الكلمات على قوائم
الكرسي واللوح وعلى جبهة إسرافيل وعلى جناحي جبرائيل وأكناف السماوات وأطباق
الأرضين ورؤوس الجبال وعلى الشمس والقمر ، ثم قال : فإذا قال أحدكم : لا إله
إلاّ اللّه محمد رسول اللّه ، فليقل : عليّ أمير المؤمنين ».
وبالجملة
هذا الذكر الشريف يستحبّ بعد الشهادة بالرسالة مطلقا ، وفي فصول الأذان لا يبعد
استحبابه بالخصوص وإن كان الاحتياط يقتضي أن يؤتى به بقصد القربة المطلقة لا
بقصد الخصوصية في الأذان ؛ لتكذيب العلماء الأعلام تلك الروايات .
|
__________________
٩٠ ـ السيّد الخوئي ( ت ١٤١٣
ه )
قال السيّد الخوئي
في « المستند
في شرح العروة الوثقى » ـ وبعد أن نقل كلام الشيخ الصدوق في الفقيه والشيخ في النهاية والمبسوط ـ :
|
ونحوه
ما في المنتهى ، وغيره من كلمات الأصحاب ، هذا وربّما يتمسّك لإثبات الاستحباب
بقاعدة التسامح نظرا إلى ما سمعته من ورود الشهادة الثالثة في شواذّ الأخبار ، وفيه
ـ مضافا إلى أنّ القاعدة غير تامّة في نفسها ، إذ لا يثبت بها إلاّ الثواب دون
الاستحباب ، لتكون الشهادة من فصول الأذان وأجزائها المستحبة كما فصّلنا البحث
حوله في الاُصول ـ أنّه على تقدير
تسليمها فهي خاصّة بصورة بلوغ الثواب فحسب لا بلوغه مع بلوغ عدمه كما في المقام
، حيث إنّ الراوي وهو الشيخ الصدوق قد بلغنا عنه القطع بكذب تلك الرواية وعدم
الثواب على الشهادة.
أضف
إلى ذلك : أنّها لو كانت جزءا من الأذان لنقل ذلك عن المعصوم 7
ولفعله ولو مرّة واحدة ، مع أنّ الروايات الحاكية للأذان خالية عن ذلك بتاتا.
نعم
، قد يقال : إنّ رواية الاحتجاج تدلّ عليه بصورة العموم ، فقد روى الطبرسي في
الاحتجاج عن القاسم ابن معاوية ، عن الصادق 7
« أنّه إذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول ، فليقل : علي أمير
المؤمنين » ، لكنّها لضعف
سندها غير صالحة للاستدلال إلاّ بناءً على قاعدة التسامح ، ولا نقول بها كما
عرفت.
|
__________________
|
ولعلّ
ما في البحار من كون الشهادة من الأجزاء المستحبة
مستند إلى هذه الرواية ، أو ما عرفته من شهادة الصدوق والشيخ وغيرهما بورود
النصوص الشاذّة.
هذا
، ولكنّ الذي يهوّن الخطب أنّنا في غنى من ورود النص ، إذ لا شبهة في رجحان
الشهادة الثالثة في نفسها بعد أن كانت الولاية من متمّمات الرسالة ومقوّمات
الإيمان ، ومن كمال الدين بمقتضى قوله تعالى : ( الْيَومَ
أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) ، بل من الخمس التي
بني عليها الإسلام ، ولا سيّما وقد أصبحت في هذه الأعصار من أجلى أنحاء الشعار
وأبرز رموز التشيع وشعائر مذهب الفرقة الناجية ، فهي إذن أمر مرغوب فيه شرعا
وراجح قطعا في الأذان وغيره ، وإن كان الإتيان بها فيه بقصد الجزئية بدعة باطلة
وتشريعا محرّما حسبما عرفت ، ويستدل له برواية أبي بصير ، عن أبي عبداللّه 7
« قال : لو أنّ مؤذّنا أعاد في الشهادة أو في حيّ على الفلاح المرتين والثلاث
وأكثر من ذلك إذا كان إماما يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس » .
|
وقال السيّد في
جواب له على سؤالٍ وُجِّه إليه :
|
وقد
جرت سيرة العلماء الأبرار على الشهادة بالولاية في الأذان والإقامة لا بقصد الجزئية
منذ عهد بعيد من دون نكير من أحدهم ، حتى أصبح ذلك شعارا للشيعة ومميّزا لهم عن
غيرهم ، ولا ريب
|
__________________
|
في
أنّ لكل أمّة أن تأخذ ما هو سائغ في نفسه بل راجح في الشريعة المقدّسة شعارا لها
.
|
هذا ، وقد أفتى غالب من عاصرناهم من الفقهاء كالسيّد الميلاني ، والسيّد
الشاهرودي ، والسيّد الكلبايگاني ، والسيّد الخونساري وغيرهم بما قاله من سبقهم من
الأعلام بجواز الإتيان بها بقصد القربة المطلقة ولرجاء المطلوبية وللتيمّن
والتبرّك ، ولإمتثال الأخبار الواردة في الاتيان بالشهادة بالولاية بعد الشهادة
بالرسالة ، أمّا القول بالجزئية فالكلّ ينفونه.
ولا نرى ضرورة في
التفصيل اكثر من هذا في نقل اقوال فقهاءنا العظام ، ففيما نقلناه عنهم كفاية وغنىً
إن شاء اللّه.
__________________
الخلاصة
تلخص مما سبق أنّ
فقهاء الإمامية وعبر جميع القرون كانوا يجيزون الإتيان بالشهادة الثالثة إمّا
لمحبوبيتها الذاتية ، أو بقصد القربة المطلقة ، أو لامتثال العمومات والأخبار
الواردة في اقتران الشهادات الثلاث ، أو لكونها صارت شعارا ورمزا للشيعة ، إلى
غيرها من التخاريج الفقهية التي صرّحوا بها في مصنفاتهم. وفي الوقت نفسه أنكر
الجميع الإتيان بها بقصد الجزئية ، وحتّى المتشدّدين من الإمامية في أمر الولاية
كالشيخ أحمد الاحسائي ( ت ١٢٤١ ه ) والشيخ محمّد كريم خان الكرماني ( ت ١٢٨٨ ه )
، والشيخ زين العابدين الكرماني ( ت ١٣٦٠ ه ) وغيرهم من الذي سماهم الخالصي
بمفوضة هذا العصر ، كانوا لا يجيزون الإتيان بها بقصد الجزئية.
نعم ، بعض المتأخّرين
من أتباع محمد حسن گوهر ( ت ١٢٥٧ ه ) وهم الأسكوئية اليوم ، وبعض أتباع محمد كريم
خان الكرماني ، قالوا بالجزئية لكنّ ذلك رأي لا يعتدّ به. وعليه فالقول بالجزئية
راي شاذ متروك لا يعمل به اصحابنا وحتى المتشددين كالشيخ أحمد الاحسائي والكرماني.
ولا يخفى عليك أنّ
بعض الكتّاب استظهروا من كلام بعض فقهائنا القدماء والمتأخّرين أنّهم كانوا ينكرون
الشهادة الثالثة ، في حين أنّ هذا النقل عنهم ليس بدقيق ، لأنّ هؤلاء الفقهاء قد
أشاروا إلى وجهٍ من المسألة تاركين الوجه الآخر منه ، إذ الإتيان بها بقصد القربة
المطلقة ـ أو لما فيها من الرجحان الذاتي ـ لا يمكن لأحد إنكاره ، فالشيخ في « النّهاية » ، أو الشهيد في « روض الجنان » أو المقدّس الأردبيلي في « مجمع الفائدة والبرهان » ، أو الشيخ جعفر في « كشف الغطاء » ، أشاروا إلى جانب من المسألة تاركين الوجه الآخر منه.
قال الشيخ أحمد
الأحسائي ( ت ١٢٤١ ه ) في رسالته العملية المسماة بـ
«
الحيدرية » : وأمّا قول « أشهد أنّ عليّا ولي
اللّه » ، و « محمد وآل محمد خير
البرية » في الأذان فلا يعمل عليه وليس من
فصول الأذان وإن كان حقّا ، بل قال ابن بابويه : إنّه من موضوعات المفوّضة .
وقال الشيخ محمد
كريم خان الكرماني في «
الجامع لأحكام الشرائع » بعد أن ذكر عدد فصول الأذان وأنّها ثمانية عشر فصلاً ، قال : وروي أنّه عشرون
فصلاً بزيادة تكبيرتين بعد التكبيرتين الأخيرين ، وروي سبعة عشر بجعل التهليل مرّة
، والكلّ موسّع ، والإقامة سبعة عشر على ما هو المعروف ، وروي أنّها عشرون بزيادة
التكبيرتين بعد الأوّلتين ، وروي أنّها اثنان وعشرون بجعل التكبيرتين الأخيرتين
أيضا أربعا ، والكلّ موسّع.
وفصول الأذان :
التكبير ، والشهادة بالتوحيد والرسالة والحيعلات الثلاث ، والتكبير ، والتهليل ، ويزاد
في الإقامة : « قد قامت
الصلاة » ، والشهادة بالولاية
بنفسها مستحبة مطلقا بعد ذكر التوحيد والرسالة ويشهد بأمرة المؤمنين » .
وقال في كتابه
الاخر « فصل
الخطاب » : أمّا ورود
الرواية فثبت لإقراره ، وأمّا كونهم مفوّضة وكون رواياتهم مجعولة فيحتاج إلى
تامّل وتثبّت ، ولا شكّ أنّ الروايات لا تنافي كتابا ولا سنة ، مع انّ اليوم بناء
الشيعة قاطبة على العمل بها بحيث من تركها سمّوه سنيّا.
أمّا ابنه الشيخ
محمد بن محمد كريم خان ( ت ١٣٢٤ ه ) فقد ذهب إلى الجزئية ، فقال في رسالته باللغة
الفارسية « الوجيزة
في الأحكام الفقهية » : فصول
__________________
الأذان أن تقول
اللّه أكبر أربع مرّات ، وأشهد أن لا إله إلاّ اللّه مرتين ، وأشهد أن محمّدا
رسول اللّه مرّتين ، وأشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين ولي اللّه مرّتين ، حيّ على
الصلاة مرتين ، حيّ على الفلاح مرتين ، حيّ على خير العمل مرتين ، والإقامة مثلها
إلاّ أن تقول في أوّلها التكبير مرتين وفي آخرها لا إله إلاّ اللّه مرة واحدة .
أمّا زين العابدين
بن محمد كريم خان ( ت ١٣٦٠ ه ) فقد كتب رسالته العملية بعد وفاة أخيه محمد ، واسمها
« الموجز
في أحكام الطهارة والصلاة والصوم والاعتكاف والخمس والزكاة » والذي طبع في مطبعة السعادة ببلدة كرمان سنة ١٣٥٠ ه ، جاء
فيها :
فصل في كيفية
الأذان : الأخبارُ في فصول الأذان والإقامة مختلفة ، والكلّ موسّع ، إلاّ أنّ
المشهور أنّها خمسة وثلاثون ، ففي الأذان أربع تكبيرات ، ثمّ أشهد أن لا إله إلاّ
اللّه ، أشهد أنّ محمدا رسول اللّه ، حيّ على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على
خير العمل ، اللّه أكبر ، لا إله إلاّ اللّه كلها مثنى مثنى فهي ثمانية عشر ، وفي
الإقامة سبعة عشر بنقص تكبيرتين من الأوّل وتهليلة من الآخر ، وزيادة « قد قامت الصلاة » مرّتين قبل التكبيرتين الأخيرتين.
روى عن أبي سلمان راعي رسول اللّه
6 ، قال : سمعت رسول اللّه 6 يقول : ليلةَ أُسري بي إلى السماء قال لي الجليل جل جلاله
.. وساق الحديث إلى أن قال : ثمّ اطلعت الثانية فاخترت منها عليا ، وشققت له اسما
من أسمائي ، فلا أُذْكَرُ في موضع إلاّ ذُكِرَ معي ، فأنا الأعلى وهو عليّ 7 الحديث.
__________________
وعن القاسم بن
معاوية بن عمار عن أبي عبداللّه 7 في حديث ذكر فيه أنّ اللّه عزّوجلّ لمّا خلق العرش كتب
على قوائمه « لا إله
إلاّ اللّه محمد رسول اللّه 6 عليّ أمير المؤمنين 7
» وكذا على الماء
والكرسي واللوح وإسرافيل وجبرئيل والسماوات والأرضين والجبال والشمس والقمر ، إلى
ان قال : فإذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه 6 ، فليقل : عليّ
أمير المؤمنين 7.
أقول
: فذكرُ عليٍّ أمير المؤمنين 7 بنفسه مستحبّ مندوبٌ
إليه أينما ذكر التوحيد والرسالة ، ولا نحكم بأ نّه من أجزاء الأذان ، ونفى المجلسي ; والمحدث البحراني البعد من أن يكون من الأجزاء المستحبة
للأذان ؛ لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها ، وقال شيخ
الجواهر : لولا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية ، وعن العلاّمة الطباطبائي في
منظومته عند ذكر سنن الأذان وآدابه :
وأكمل الشهادتين بالّتي
|
|
قد أُكمل الدين بها في الملّةِ
|
وقال الشيخ
الميرزا حسن الأسكوئي في «
أحكام الشيعة » : فصول الأذان ثمانية عشر ومع الشهادتين عشرون .. إلى أن يقول : الشهادة
الثالثة وهي « أشهد أن
عليّا أمير المؤمنين ولي اللّه » ولو أنّها ظاهرا ليست من فصول الأذان والإقامة وأجزائهما
ولكنّها ركن الإيمان وكمال الدين ورمز التشيع فلا ينبغي تركها بنيّة الزينة
والاستحباب.
بل أقول كما قال
صاحب الجواهر في جواهره : لولا تسالم الأصحاب لأمكن ادّعاء جزئيتها بناءً على
صلاحية العموم في مشروعية الخصوص. لقول أبي عبداللّه الصادق 7 المروي عن قاسم
في احتجاج الطبرسي «
إذا قال أحدكم : لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه ، فليقل : علي أمير
المؤمنين » وغيره من الأخبار.
__________________
وقال المرحوم أخي
المعظم في رسالته العملية «
منهاج الشيعة » : ولولا الاتّفاق على عدم جزئيّتها لأمكن القول بها لعموم بعض الأخبار « من قال محمّد رسول
اللّه فليقل على ولي اللّه » ... كما أنه من قال : لا إله إلاّ اللّه ، فليقل : محمد رسول اللّه ، بل
اسم عليّ 7 توأم مع اسم أخيه محمّد 6 ، كلّما يذكر اسمه أو يكتب في الألواح ، والأشباح ، والسماوات
، والأرضين ، بل والدنيا والآخرة ، فاسم أخيه وابن عمه وصهره علي 7 مذكور ومكتوب معه
... كما في الاحتجاج عن القاسم بن معاوية ابن عمار ، قال : قلت لأبي عبداللّه 7 : هؤلاء يروون
حديثا في معراجهم أنّه لمّا أسري برسول اللّه 6 رأى على العرش : لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه أبو
بكر الصديق ،
فقال 7 سبحان اللّه!!
غيّروا كل شيء حتى هذا؟! قلت نعم ... إلى آخر الخبر .
وعليه فالمشهور
بين الإمامية بجميع أطيافها وتشعبّاتها هو حرمة الإتيان بها بقصد الجزئية ، وجواز
ما عدا ذلك.
__________________
الفصل الثالث
الشهادة الثالثة ، الشعار
والعبادة
يقع الكلام في هذا
الفصل في عدة مراحل :
|
الأولى
: توضيح معنى
الشّعاريّة لغة واصطلاحا وبيان بعض تطبيقاتها.
الثانية
: وجوب الحفاظ
على الشعائر ، لأ نّها طاعة للّه ولرسوله ، ولأَولي الأمر المفروض علينا طاعتهم.
الثالثة
: كون ولاية علي
من الشّعائر الإيمانية.
الرابعة
: كيفية ذكر هذه
الشعيرة في الأمور العبادية ومنها الأذان.
|
فالشعار والشعيرة
والشعائر لغةً بمعنى العلامَةِ ، وهي كُلُّ ما اُشعر إلى البيت أو المسجد أو
الطريق ، ولكلِّ ما جُعِل علما لطاعة اللّه ، قال الخليل : ومنه ليت شعري ، أي
عِلْمِي ، وما يشعرك وما يدريك. ومنهم من يقول : شَعَرْتُهُ : عقلته وفهمته .
وقال الجوهرى : ...
والمشاعر الحواسّ ، والشعار : ماوَلِيَ الجسدَ من الثياب ، وشعار القوم في الحرب :
علامتهم ليعرف بعضهم بعضا .
وقال الفيروزآبادي
: وأشعره الأمر وبه أعلمه ، وأشعرها : جعل لها شعيرة ، وشعار الحجّ : مناسكه وعلاماته
، والشعيرة والشعارة والمشعر : معظمها ، أو
__________________
شعائره : معالمه
التي ندب اللّه إليها وأمر بالقيام بها .
وقال ابن فارس :
الشعار : الذي يتنادى به القوم في الحرب ليعرف بعضهم بعضا ، والاصل قولهم شَعَرت
بالشيء ، إذا علمته وفطنت له .
وشرعا : ما يؤدّى
من العبادات على سبيل الاشتهار بحيث يكون علامة لطاعة اللّه وإعلاما لدينه. « وهي ماخوذة من
الاشعار وهي الاعلام من جهة الاحساس ومنه مشاعر البدن وهي الحواس ، والمشاعر أيضا
هي المواضع التي قد اشعرت بالعلامات » .
«
وشعائر اللّه يُعني بها هي جميع متعبّدات اللّه التي أشعرها اللّه ، أي جعلها
أعلاما لنا ، وهي كلّ ما كان من موقف أو مسعى أو مذبح ، وإنما قيل : شعائر اللّه
، لكلّ عَلَمٍ تعبد به ، لأنّ قولهم : شعرت به ، علمته ، فلهذا سمّيت الأعلام التي
هي متعبّدات للّهِ شعائر » ، وقال الحسن : شعائر اللّه دين اللّه تعالى .
وهذه الشعائر
بعضها منصوصة في الذكر الحكيم كالبُدْن ، والصفا والمروة والمشعر ، وأخرى موجودة كقواعد كلية في الذكر الحكيم وكلام سيّد
المرسلين وأولاده المعصومين ، كالحبّ للّه والبعض للّه ، والحبّ في اللّه
والبغض في اللّه ، وجاءت في مواطن عديدة وعلى لسان الشارع المقدس بحيث
__________________
يستفاد منها هذه
الكلية ومن تلك المواضيع الاشهاد بالولاية لعلي بن أبي طالب ، مصداقا لقول الصادق 7 : رحم اللّه من
أحيا أمرنا .
وعليه فالبحث في
الشعائر ، تارة يكون عن شعائر الإسلام ، وأُخرى عن شعائر الإيمان.
إذن الشعار لغة :
العلامة المميزة لكل دين أو طائفة أو معتقد ، بل لكل حزب وشريحة اجتماعية أو وطنية
، ولاجل هذا نرى لكل دولة ، ومؤسسة ثقافية ، أو اجتماعية ، أو خيرية ، أو وطنية
شعارا خاصا بها يحمل هويتها ويميزها عن غيرها ، وقد يلحظ هذا داخل الدين الواحد أو
الحزب الواحد أو المؤسسة الواحدة.
فهنا
سؤال يطرح نفسه : هل الإسلام غير التشيع والتشيع غير الإسلام ، فما يعني التفريق بين الامرين
والقول هذا من شعائر الايمان وذاك من شعائر الإسلام؟
الجواب :
كلا ، التشيع هو
الإسلام الصحيح الناصع ، وشعارنا هو شعار الإسلام ، لكن القوم اردوا تحريفه بغضا
لعلي الذي جعله اللّه علما لهذا الدين ، وان دعوتنا ـ بل دعوة رب العالمين ـ
الزمتنا إلى أن نميز انفسنا عن الذين حرفوا هذا الدين ، بدعوى انهم خلفاء الرسول
والامناء على الشريعة والأمة.
فعن الصادق 7 أنّه قال : أتدري
لم أُمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة؟ فقلت: لا أدري فقال : إن عليا لم يكن يدين
اللّه بدين إلاّ خالفت عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره ، وكانوا يسألون
أمير المؤمنين عن الشيء الذي لا يعلمونه ،
__________________
فإذا افتاهم ، جعلوا
له ضدا من عندهم ، ليلبسوا على الناس .
وعن الباقر 7 : الحكم حكمان
حكم اللّه عزّوجلّ وحكم أهل الجاهلية ، وقد قال اللّه عزّوجلّ ( وَمَنْ
أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْما لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) وأشهد على زيد بن
ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية .
وعن محمد بن مسلم
قال سمعت أبا جعفر [الباقر] يقول : ليس عند أحد من الناس حق ولا صواب ولا أحد من
الناس يقضي بقضاء حق إلاّ ما خرج من عندنا أهل البيت ، وإذا تشعبت بهم الأمور كان
الخطا منهم والصواب من علي .
بلى إن القوم سعوا
إلى تحريف كل ما يمت إلى علي وآله بصلة ، فحذف عمر الحيعلة الثالثة ، وادّعوا أن
تشريع الأذان كان مناميا لا سماويا للتشكيك فيما نقل به من مشاهدات لرسول اللّه عند
الاسراء والمعراج ، وقالوا بأن اسم أبي بكر موجود على ساق العرش بدل اسم الإمام
علي ، كل هذه التحريفات والاحقاد دعتنا للاصرار على ما حذفوه ، والاتيان بكل ما
يمت إلى الدين بصلة.
ومن ذلك أنّهم
جعلوا شعارهم لختمة القران : « صدق
اللّه العظيم » حصرا دون غيره ، متناسين ما قاله اللّه عن نفسه ( لَهُ
مَا فِي السَّماوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) وقوله تعالى ( وَلاَ
يَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) كل ذلك بغضا لعلي ، أو اعتقادا منهم بأن الشيعة تعتقد
بالوهية الإمام علي بن أبي طالب إلى غيرها من الترهات ، مع أن جملة (العلي العظيم)
موسعة على المسلم وواردة في الذكر الحكيم رفضوها بغضا له 7 ليس إلاّ ، وإليك
الآن بعض النصوص على ترك
__________________
العامّة للسنة
النبوية مخالفة لعلي ولنهجه :
عن سعيد بن جبير ،
قال : كنت مع ابن عباس بعرفات فقال لي : مالي لا اسمع الناس يلبون؟
قلت : يخافون من
معاوية.
فخرج ابن عباس من
فسطاطه ، فقال : لبيك اللهم لبيك لبيك فإنهم تركوا السنة من بغض علي .
وقال الإمام
الرازي في تفسيره : أن عليا كان يبالغ في الجهر بالتسمية في الصلاة ، فلما وصلت
الدولة إلى بني امية بالغوا في المنع من الجهر ، سعيا في ابطال آثار علي .
قال ابن أبي هريرة
: أن الجهر بالتسمية [أي البسملة] إذا صار في موضع شعارا للشيعة فالمستحب هو
الاسرار بها ، مخالفة لهم .
قال المناوي ـ عند
شرحه خطبة السيوطي في الجامع الصغير والتي فيها الصلاة على محمد وعلى آل محمد ـ :
قلت : نعم ، وهي الإشارة إلى مخالفة الرافضة والشيعة ؛ فإنّهم مطبقون على كراهة
الفصل بين النبي وآله بلفظ «على» وينقلون في ذلك حديثا ... .
وقال ابن حجر في
فتح الباري : وتكره الصلاة في غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعارا كما يفعله
الرافضة ، فلو اتفق وقوع ذلك مفردا في بعض
__________________
الأحايين من غير
أن يكون شعارا فلا بأس به .
وقال ابن أبي
هريرة أيضا : الأفضل الآن العدول من التسطيح في القبور إلى التسنيم ؛ لأنّ التسطيح
صار شعارا للروافض ، فالأولى مخالفتهم وصيانة الميت وأهله عن الاتهام بالبدعة .
ونقل الميرداماد
في تعليقاته على الكشي عن بعض شراح صحيح مسلم قوله : إنّما ترك القول بالتكبيرات
الخمس في صلاة الميت إلى القول بالأربع ؛ لأنّه صار علما للتشيع .
وقال ابن أبي
هريرة : ويستحب ترك القنوت في صلاة الصبح ؛ لأنّه صار شعار قوم من المبتدعة ؛ إذ
الاشتغال به تعريض النفس للتهمة .
وفي شرح الزرقاني
على المواهب اللدنية : لما صار إرخاء العذبة من الجانب الايمن شعارا للإمامية
فينبغي تجنبه .
وقال الغزالي :
تسطيح القبور عند الشافعي أفضل من تسنيمها ، لكن التسنيم الآن أفضل مخالفة لشعار
الروافض ، حتى ظن ظانون إن القنوت إن صار شعارا لهم كان الأولى تركه ، هذا بعيد في
إبعاض الصلاة ، وإنما نخالفهم في هيئات مثل التختم في اليمين وأمثاله .
وقال الحلواني عن
صدر الإسلام : وجب التحرز عن التختم باليمين لأنه من شعار الروافض .
__________________
وقال الشربيني لبس
الخاتم سنة سواء أكان في اليمين أم في اليسار ، لكن اليمين أفضل على الصحيح ، وقيل
اليسار أفضل لان اليمين صار شعارا للروافض .
هذه بعض النماذج
المميزة لنهج التعبد المحض عن نهج الاجتهاد والراي ذكرناها كي يعرف
القارئ أن ما نقوله ليس إدعاءً طائفيا بل بيانا لحقيقة تاريخية ثابتة ، وهو الاخر
توضيح لما قاله الأئمة من أهل البيت في لزوم ترك مرويات العامة ، لان الرشد في
خلافهم .
وعليه فشعائر
الإيمان هو ما يعتبر شاخصا ومميزا للمؤمن عن غيره ، وهذا ما يطلبه كل مسلم خصوصا
في المسائل الخلافية والحاكيه عن العقائد الحقة.
أمّا شعائر
الإسلام فهي متعبدات اللّه ، وهي كل ما نصبه اللّه للعبادة كالصفا والمروة.
إذن بيان شعائر
الإيمان يرتبط بنحو وآخر بعلم الكلام والعقائد ، وهو يبحث في الفقه الكلامي.
أمّا شعائر
الإسلام فهو ما يبحث في الفقه الخاص بكل مذهب وتدور مدار الفروع وما يترتّب عليها
من أحكام عبادية.
وقد خلط بعض
الكتاب بين الأمرين ، فبحثوا ما هو أمر اعتقادي إيماني في أمر أذانيّ شرعيّ ، واتخذوه
كدليل مستقل لاثبات جزئية الشهادة الثالثة في الأذان مثلاً ، وهذا غير صحيح. نعم
ان تلك النصوص لها دلالة على المحبوبية والشعارية.
ومثال شعائر
الإسلام : الفرائض والسنن الشرعيّة ، كالصّلاة ، والصّوم ، ودفع
__________________
الزّكاة ، وأداء
الحج ، وأمثال ذلك.
ومثال شعائر
الإيمان : كأصول العقائد الأساس من قبيل ما يتعلّق بالاعتقاد بالإمامة ـ عندنا ـ
وما يستتبعها من الطّاعة للمعصوم ، بل كلّ أمر حَبَّذَهُ الشارع ودعا إليه ، مثل :
الجهر بالبسملة في الفرائض ، والصلاة إحدى وخمسين ، والتختّم باليمين ، وتعفير
الجبين ، وزيارة الأربعين ، وهي الخمس اللاتي عُدَّت من علامات المؤمن ، وكذا المسح على
القدمين وعدم جواز غسلهما ، وعدم الاتّقاء في المسح على الخفين ، والقول بجواز
المتعتين والقول بحرمة الفقّاع ، وجعل يوم الغدير ـ وهو الثامن عشر من ذي الحجة ـ عيدا ، وجعل يوم
عاشوراء يوم حزن ، إلى غيرها من الأمور التي تختص بها الشيعة الإمامية.
وقد اعتبرت العامة
صلاة التراو يح جماعة ، وتسنيم القبور ، والتختم باليسار ، من شعائر الإيمان والإسلام.
ولا يخفى عليك
بأنّ الشعائر ممّا يجب الحفاظ عليها وإقامتها ، لقوله تعالى : ( لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ) ومثله الحج ؛
لقوله تعالى : ( يَا
أيُّهَا ألَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ ، وَلاَ الشَّهْرَ
ألْحَرَامَ وَلاَ ألْهَدْيَ وَلاَ ألْقَلاَئِدَ وَلاَ ءَآ مِّينَ ألْبَيْتَ ألْحَرَامَ ) ،
__________________
ولقوله تعالى : ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ يَأْ تُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأَتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ
عَمِيقٍ ) إلى قوله تعالى ( ذَلِكَ
وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رّبِّهِ ) لأنّ الدين لا
يزال قائما ما قامت الكعبة .
وعن الإمام الصادق
7 قوله : أَما إنَّ الناس لو تركوا حجّ هذا البيت لنزل بهم العذاب وما نوظِرُوا
.
وقد أفرد الحرُّ
العامليُّ في وسائل الشيعة بابا تحت عنوان « وجوب إجبار الوالي الناس على الحجّ وزيارة
الرسول 6 والإقامة بالحرمين
كفايةً ، ووجوب الإنفاق عليهم من بيت المال إن لم يكن لهم مال » .
وقد قال الشيخ
البهائي من الشيعة ، والعيني من العامة ، وغيرهما : إنّ أهل بلدة إذا اجتمعوا على ترك الأذان فإنّ الإمام
يقاتلهم ، وجاء في صحيح مسلم والبخاري ان رسول اللّه كان يغير إذا طلع الفجر وكان
يستمع الأذان فإذا سمع اذانا امسك وإلاّ أغار وكذلك كلّ شيء من شعائر الإسلام ، كلُّ ذلك لأ نّها شعائر
يجب الحفاظ عليها.
والأذان والإقامة
ـ حسب النصّ السابق ـ هما من شعائر اللّه ، وممّا يجب
__________________
الحفاظ عليهما
بأيّ شكل من الأشكال ، لكنّ الكلام في مطلوبية الإتيان بالشهادة الثالثة أو
جوازه فيها من باب الشعارية في هذه الأعصار ، هل يجوز ذلك أم لا؟
قبل الإجابة عن
هذا السؤال لابدّ من توضيح المرحلة الثالثة من مراحل البحث ، وهو كون ولاية الإمام
علي من أهمّ الشعائر الدينية ، وأنّ القوم سعوا لطمس ذكره وذكر آله حقدا وحسدا
وحاولوا محوه ، ولأجل ذلك ترحّم الإمام 7 على من أَحْيا أمرهم ، وأنّ الحوراء زينب خاطبت يزيد
بقولها « فواللّه
لا تمحو ذكرنا » موضحة أهداف القوم وأنّهم يريدون طمس ذكر محمدٍ وآله 6.
وعليه فإنّ كلّ ما
يؤدِّي لطاعة اللّه ويكون إعلاما لدينه فهو من شعائر اللّه ، وإنّ الشهادة
بالتوحيد للّه وبالنبوة لرسوله في الأذان من أسمى أنواع الاظهار والإقرار
بالعبودية للّه والإقرار برسالة رسوله محمد ، فسؤالنا هو : هل يمكن ذكر ما هو
أمرٌ إيمانيّ كالشهادة بالولاية لعلي في أمرٍ عباديّ كالأذان جنبا إلى جنبِ ذكرِ
التوحيد والشهادة بالرسالة أم لا؟
نحن لا ننكر أنّ
ولاية علي بن أبي طالب 7 وأولاده المعصومين أولى الشعائر الإيمانية لمذهب الحقّ
وعصابة الصدق ؛ الإمامية الاثني عشرية ، وأنّ هذه الولاية الشريفة هي عنوان كامل
لحقيقة مذهب الحق ؛ وشعار عظيم له ؛ وأنّ المذهب متوقّف عليها كتوقف الأربعة على
الزوجية بنص النبي 6 المتواتر في حديث الثقلين وغيره.
ولا كلام في ذلك ؛
إذ الكلام في كيفية جعله شعارا عباديا للمذهب بعد الاعتقاد بكونه أمرا إيمانيّا له
؛ وهو ما نريد أن نبيّن وجه مشروعيته ، والمسوّغ الشرعيّ لذكره في الإذان.
__________________
فهل تكفي
الشّعارية الإيمانيّة للولاية للقول بأنّها شعار عباديّ يسوغ ذكره في الأذان شرعا؟
أم إننّا بحاجة لدليل شرعيّ يثبت هذه الشّعارية في الأذان على وجه الخصوص؟
بالطبع لا تكفي
الأدلّة الإيمانية وحدها لإثبات الأحكام الشرعية العبادية ، لأنّ الشهادة الثالثة
هي من لوازم الإيمان لا من أحكام الإسلام الظاهرية ، كما قال بعض الأعاظم.
نعم دلّت الأدلّة
على رجحان الشهادة بالولاية ـ رجحانا ذاتيا في نفسه ـ وكذا محبوبية التعبّد بها
مطلقا سواء في الأذان أو في غيره من دون اعتقاد الجزئية ، نظرا للأدلّة التي تقدمت.
وبعض الفقهاء لم
يكتفوا في إثبات جواز الشهادة بالولاية في الأذان من خلال المحبوبيّة والعمومات ، بل
أضافوا إليها دليلاً آخر أطلقوا عليه اسم «الشعار ية» ، وهو ما تمسك به السيّد الحكيم في المستمسك ، والسيّد
الخوئي قدس اللّه سِرَّيْهما في مستند العروة ، إذ قال السيّد الحكيم :
|
... بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر
الإيمان ، ورمزٌ إلى التشيع ، فيكون من هذه الجهة راجحا ، بل قد يكون واجبا ، لكن لا بعنوان الجزئية من
الأذان .
وقال
السيّد الخوئي قدسسره : وممّا يهوّن الخطب أنّنا في غنىً عن ورود النص ؛ إذ لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة بعد أن كانت
الولاية من متمِّمات الرسالة ومقوِّمات الإيمان ومن كمال الدين بمقتضى قوله تعالى : ( ألْيَوْمَ أكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
|
__________________
|
عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي
... )
، بل من الخَمْس التي بني عليها الإسلام لا سيّما وقد أصبحت في هذه الأعصار من أجلى أنحاء الشعائر
، وأبرز رُموز التشيع ، وشعار مذهب الفرقة الناجية ؛ فهي إذن أمرٌ مرغوب فيه شرعا
وراجح قطعا في الأذان وفي غيره .
|
لكن قد يقال ـ على
سبيل التوهّم ـ بأنّ هذا الاستدلال من قبل فقهاء كبارٍ كالسيّد الحكيم والسيّد
الخوئي قُدِّس سِرَّهما غريب ؛ إذ ما هو الدليل الشرعيّ الذي يسوّغ أن يقال أَنَّ
الشهادةَ الثالثة أمرٌ مرغوبٌ فيه شرعا وراجحُ قطعا ، في الأذان وفي غيره كما جزم
به السيّد الخوئي ; ، أو : «
قد يكون واجبا » كما احتمله السيّد الحكيم ; ، انطلاقا من الشعارية؟
والأغرب من ذلك
أنّ السيّد الخوئي قدسسره يقول : « نحن في غنىً عن ورود النص » ؛ إذ ما الذي سوّغ له الإفتاء بجواز الشهادة الثالثة في
الأذان بلا نصّ ؛ انطلاقا من الشعارية فقط؟ بل ماذا تعني الشعارية عندهم بحيث تأخذ
هذه القيمة الشرعية في هذه الأزمان؟
يبدو أنّ الامامين
الحكيم والخوئي ، ومن قبلهما ومن بعدهما من فقهاء الطائفة ـ قدّس اللّه أسرارهم ـ
قد جعلوا من الشعارية دليلاً أقوى للفتوى بالجواز بل الاستحباب.
لكن من أين تأَ
تَّت شرعية الشعارية عندهم حتى يجعل منها دليلاً أقوى من مرسلة الاحتجاج ، وحسنة
ابن أبي عمير المتقدّمتين ، وسيرة المتشرعة؟
الحقيقة هي أنّ
السيّد الخوئي قدسسره أجاب عن كلّ ذلك إجابة مجملة بما يلائم مقام بحثه ، في قوله
: « لا شبهة
في رجحان الشهادة الثالثة باعتبارها من متمِّمات
__________________
الرسالة
... » ، وهذا هو ما
نريد توضيحه ، لأنّ الاجابة الإجمالية لا تغني غير العلماء ولا تُشبِع إلاّ
الفقهاء ، وهو الذي دعانا لتفصيل الكلام في هذا الإجمال ، لتعمّ الفائدة لكل
القرّاء.
وكذا لوجود شبهة
مفادها : أن الاستدلال بالشعار ية لإثبات الشهادة الثالثة في الأذان هو مصداق من
مصاديق الرأي المذموم والظنّ الذي لا يغني من الحق شيئا ، وهو كإثبات عمر بن
الخطاب لجملة « الصلاة
خير من النوم » في الأذان ؛ إذ ما الفرق بين الإثباتين ، ولماذا تنكرون على عمر فعله وتعملون
بعمله؟!
لكن يجاب عن هذا
الإشكال والتوهّم بافتراق الأمر كليا بين الأمرين ، لانّ عمر بن الخطاب حينما أمر المؤذّن
أن يضعها في الأذان كان يعني بعمله التشريع في الدين وإدخاله كجزء لقوله : « اجعلها في الأذان »
، وهو الذي دعا ابن رشد أن يشكّ في كون « الصلاة خير من النوم
» سنة رسول اللّه
، لقوله في بداية المجتهد : وسبب اختلافهم : هل ذلك قيل في زمان النبي 6 أو إنّما قيل في
زمان عمر ؟
وهذا يختلف عما
تأتي به الإمامية ، فإنّهم حينما يأتون بالشهادة الثالثة يؤكّدون على عدم جواز
الاتيان بها على نحو الجزئيّة ، والفرق واضح بين الأمرين ، فذاك إدخال في الدين ما
ليس فيه بلا دليل شرعي اتباعا للرأي ، وهذا بيان لوجه مشروعيّة جواز الإتيان بالشهادة الثالثة
من منطلق القربة المطلقة والمحبوبية الذاتية وأدلّة الاقتران ، والعمومات ، والأخبار
الشاذّة ، وأخيرا الشعارية مع التأكيد على عدم جزئيّتها وعدم كونها من أصل الأذان.
__________________
وبما أنّا قد
تكلّمنا بعض الشيء عما يدل على محبوبيّتها ، فالآن نريد أن نوضّحها من خلال كونها
شعارا للإيمان ، وأنّ الشهادة بالولاية لعلي هي علامة للخطّ الصحيح ، والمنهج
القويم ، وصراط اللّه المستقيم ، بل لا توجد حقيقة في دين الإسلام ـ من بعد
الشهادتين ـ ناهضة لتكون علامة للمنهج الصحيح أجلى من الشهادة الثالثة ، وهذا ما
يجب أن يعتقد به المؤمن قلبا ، وأمّا الإتيان بها لسانا في الأذان فهو ما يجب أن
يبحث عن دليله.
أمّا كونها من أصل
الأذان وأنّها جزء منه ، فلا دليل عليه إلاّ الأخبار الشاذّة التي حكاها الشيخ
الطوسي والعلاّمة ويحيى بن سعيد الحلي ، والتي لم يعمل بها الأصحاب ، ورمي الصدوق
لها بأنّها من وضع المفوّضة.
وإمّا الإتيان بها
من باب القربة المطلقة والمحبوبية الذاتية وأدلّة الاقتران ، فقد مرّ البحث فيها
سابقا. والآن مع أدلّة جواز الإتيان بها من باب الشعارية ، والبحث فيه يقع في
مقامين :
الأول
: إثبات كونها شعارا من شعائر المذهب والدين الحنيف.
والثاني
: التخريج الفقهي
لجواز الإتيان بها في الأذان لا بقصد الجزئية.
وإليك أمّهات
الأدلّة على كون الشهادة بالولاية لعلي هي من أسمى الشعائر الإسلامية الإيمانية :
ما أخرجه الكليني
قدسسره عن علي بن إبراهيم ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي الربيع
القزاز ، عن جابر ، عن أبي جعفر 7 ، قال : قلت له : لمَّ سمي أمير المؤمنين؟ قال : « اللّه سمّاه وهكذا
أنزل في كتابه ( وَإِذْ أخَذَ رَبُّكَ
مِن بَنِيء ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّ يَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى
أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) وأنّ محمدا رسولي
وأنّ عليا أمير المؤمنين » .
__________________
والرواة ثقات إلاّ
أبا ربيع القزاز فهو مجهول الحال ، لكنّ الرواية مع ذلك صحيحة عندنا من وجهين ؛
فهي أوّلاً من رواية ابن أبي عمير الذي لا يحكي إلاّ عن ثقة بالاتّفاق ، وثانيا
أنّ ابن أبي عمير ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، والحاصل : لا ريب في
صحّة هذه الرواية. ثمّ إنّ دلالتها واضحة على أنّ هناك غرضا عظيما لأَِنْ يُشهِدَ
اللّهُ سبحانه وتعالى عمومَ بني آدم ، ومنهم الأنبياء والمرسلين والأولياء
والصدّيقين والملائكة أجمعين بأ نّه ـ جلّت قدرته ـ لا إله إلاّ هو ربّ العالمين ،
وأنّ محمدا رسول اللّه ، وأنّ عليا وليّ اللّه.
وقد كان هذا
الإشهاد في عالم الذرّ ، وهو العالم الذي كان بعد عالم الأنوار الذي خلق فيه نور
محمدٍ وعليٍ من نوره لمّا كان آدم بين الروح والجسد. وقد جاء هذا صريحا في قول
الرسول 6 : خُلِقتُ أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد قبل أن يخلق اللّه آدم ، فلما
خلق اللّه آدم أَسْكَنَ ذلك النور في صلبه إلى أن افترقنا في صلب عبدالمطلب ، فجزء
في صلب عبداللّه وجزء في صلب أبي طالب .
وعليه فنور رسول
اللّه خُلِقَ قبل خَلق آدم ، ولم يولد 7 بشرا إلاّ بعد انقضاء ١٢٤ ألف نبي ، فإنّ مجيء رسول اللّه
خاتما للأنبياء وعلي خاتما للأوصياء وهما الأوّلان في عالم الأنوار يرشدنا إلى
عظيم مكانتهما في المنظومة الإلهيّة والسنّة الربانية.
ولا ريب في أنّ
الإشهاد لا معنى له إلاّ الجزم بأنّ جملة « أشهد أنّ عليا ولي اللّه » هي الشعار للصراط الصحيح المطوي في جملة « أشهد ان لا إله إلاّ
اللّه » ، والتي لا يمكن الاهتداء
إليها إلاّ بواسطة «
أشهد أنّ محمدا رسول اللّه » والشهادة الثانية ترشدنا إلى عظم مرتبة الإشهاد بالشهادة الثالثة.
__________________
وهذا الترتيب بين
الشهادات الثلاث في ذلك اليوم ؛ يوم الميثاق العظيم ، بمحضر الأنبياء والمرسلين
والأولياء والصدّيقين والملائكة والناس أجمعين ، يدلّ دلالة واضحة على أنّ اللّه
سبحانه وتعالى جعل من الشهادة الثالثة شعارا ومفتاحا وعلامة لأخذ الميثاق من
المخلوقات المكلّفة.
وان ما قاله
الإمام الباقر في الحديث الانف هو نحو من انحاء التفسير السياقي الذي جوّز العمل
به عند الصحابة والتابعين ، والذي ذكرنا نماذج عليه فيما سبق .
وإذا ثبت هذا فلا
يمكن الارتياب في إمكانية اتّخاذه شعارا وعلامة في الأمور الدينية الأُخرى على
مستوى العقيدة وعلى مستوى التشريع بسواء بل من باب أولى.
وعدم الارتياب هذا
هو الذي دعا السيّد الخوئي قدسسره للجزم بأنّ شعار الشهادة بالولاية : « راجح قطعا في الأذان
وفي غيره » ، لأن الشهادة بالولاية اعتقادا
من الضروريّات عندنا ، وأنّها كالصلاة والحج ـ أو قل إنّها أَهم من تلك ـ لتوقف
قبول الأعمال عليها ، وهذا المعنى يغنينا عن ورود نص جديد في ذلك.
وبعبارة أُخرى :
إنّ القطع الذي جزم السيّد الخوئي قدسسره من خلاله برجحان الشهادة الثالثة في
الأذان وفي غيره إنّما حصل عليه من مجموعة الأخبار المعبترة بل المتواترة التي
ولّدت عنده وعند باقي الأصحاب القطع بالرجحان.
ومن تلك الأدلة
المعتبرة موثّقة سنان بن طريف التي تقدم الحديث عنها في الدليل الكنائي ، فقد ورد
فيها ..
أنّ الإمام الصادق
7 قال : « إنّا
أوّل أهل بيت نَوَّه اللّه بأسمائنا ، إنّه لما خلق السماوات والأرض أمر مناديا
فنادى :
__________________
أشهد
أنّ لا إله إلاّ اللّه ، ثلاثا.
أشهد
أنّ محمدا رسول اللّه ، ثلاثا.
أشهد
أنّ عليا أمير المؤمنين حقّا ، ثلاثا» .
وتقريب الاستدلال
من هذه الموثّقة يكون على نحو ما تقدّم في صحيحة أو مصححة ابن أبي عمير السابقة ، لأنّ
اللّه سبحانه وتعالى ـ بعد أن فرغ من خلق السماوات والأرض ـ أمر مناديا ينادي
بالشهادات الثلاث بمحضر كلّ من الملائكة ، ومَنْ خلق مِنْ خلقه ، وهذا النداء لا
معنى له إلاّ أن يفترض منطقيا بأنّ الشهادة الثالثة تنطوي على ما يريده اللّه ، وأنّها
شعار وعلامة لدينه القويم ومنهجه الصحيح المنطوية في : « أشهد ان محمدا رسول
اللّه » ، وأنّ الشهادة
الثانية لا تتحقق إلاّ من خلال الإتيان بالشهادة الثالثة ، كما أنّ الأُولى
متوقّفة على الثانية ، وبعبارة أخرى : إنّ غرض اللّه سبحانه وتعالى من خلق
السماوات والأرض لا يتحقّق إلاّ بمثل هذا النداء الثلاثيّ ، كما في قوله تعالى ( أَطِيعُواْ اللَّهَ
وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاْءَمْرِ مِنكُمْ ) وقوله ( إِنَّمَا
وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ ) .
وإذا ثبت هذا فلا
يمكن الشك في ضرورة اتّخاذه شعارا لما يريده اللّه سبحانه وتعالى ـ فيما دون خلق
السماوات والأرض ـ وبدون افتراض ذلك نقع في محذور اللَّغْوِ يّة من قبل رب
العالمين ـ والعياذ باللّه ـ وصدور الكلام الخالي من المعنى عنه جل شانه ؛ أي نقع
في محذور لغو ية النداء بالشهادات الثلاث ، لأ نّه لا فائدة من هذا الإشهاد ، إذا
لم يترتب عليه شيء في عالم الدُّنيا.
لا يقال : بأ نّه
يكفي أن تترتّب عليه فائدة توكيد الولاية ، لأنّ ذلك يردّه : أنّه ما فائدة ذكر
الشهادتين بالتوحيد وبالرسالة إذا كان المقصود توكيد الولاية فقط؟
__________________
ولماذا لم ينتظر
اللّه سبحانه وتعالى عالم الدنيا فيؤكّده؟ ولماذا الإمام عليٌّ دون بقيّة البشر؟!!
ولا يتوهّم
متوهِّمُ بأننا نريد اثبات جزئية الشهادة الثالثة في الأذان من خلال هذا الاستدلال!!!
لوضوح أنّ ما نقدّمه لا يثبت أكثر من كونها شعارا شرعيّا عند المولى ، وهو لا ينهض
لاثبات الجزئية.
بلى ، إنّ رجحان
الإتيان بها في الأذان وفي غيره يمكن اعتباره من منطلق : « الندائية » أو قل «
الإشهادية » وذلك لمّا امر
اللّه سبحانه المنادي أن يشهد بالولاية لعلي ؛ استنادا للموثّقة الآنفة ولغيرها
من الأدلّة الصحيحة والمعتبرة ، وهذا ما ذهب إليه الأصحاب الذين جعلوا من الشعارية
أو الندائية أو الاشهادية دليلاً لجواز الإتيان بها في الأذان ومنهم السيّد الخوئي
قدسسره.
ومنه يمكننا
الجواب عن شبهة قد ترد على بعض الأذهان مفادها : إذا ثبت أنّ الشهادة بالولاية
عندكم غير واجبة ، فلماذا لا تخفتون التلفظ بها ، كي تُمَيَّزَ عن غيرها.
قلنا
: إنّ أدلّة
الشعارية ـ ومنها موثّقة سنان بن طريف الآنفة ـ قد ساوت بالجهر في كلّ من الشهادات
الثلاث بسواء ؛ لقوله : «
امر مناديا أن فنادى » ، والنداء معناه الجهر بلا خلاف ، على أنّ إطلاقات أدلّة الاقتران بين
الشهادات الثلاث آبية عن التقييد بإخفات خصوص الشهادة الثالثة ؛ إذن نحن نجهر في
أذاننا بالولاية لعليّ كما نجهر بالشهادة للّه ولرسوله انطلاقا من موثقة سنان بن
طريف ، لكن بفارق أنّ فقهاءنا يؤكّدون على جزئية الشهادتين وعدم جزئية الشهادة
بالولاية في رسائلهم العملية ، وهو كافٍ لرفع تَوَهُّم من يتوهّم جزئيّتها.
ومن الجدير بالذكر
هنا الإجابة عن إشكالين طرحهما البعض على ما تقوله الشيعة.
اشكالان :
أورد بعض الكتّاب
إشكالين على خبر الاحتجاج.
احدهما
: إذا صحّ الالتزام
بخبر الاحتجاج فعليكم التقيد بالنص الوارد فيه : « من قال : محمد رسول اللّه ، فليقل : علي
أمير المؤمنين » ، فلماذا تقولون : «أشهد
أن عليّا ولي اللّه» وتضيفون إليه : «وأولاده
المعصومين حجج اللّه» ، أليست هذه الإضافة وهذا التغيير عدم تَعَبُّدٍ بالنص؟!
ثانيهما
: إذا اخذتم بخبر
الاحتجاج فعليكم أن تقولوها مرّة واحدة ، لأنّ التكليف يسقط به ، فما السرّ في
الإتيان بها مرّتين في الأذان.
أما
الجواب عن الإشكال الأول ، فيكون من عدة وُجُوه :
الأوّل : قد يصحّ
ما قلتموه إذا اعتبرنا ذلك من أجزاء الأذان ، لكنّنا أثبتنا في الصفحات السابقة
أنّا لا نأتي بها على نحو الجزئية والأخذ بها من باب التوقيفيّة ، بل كُلّ ما في
الأمر هو الإشارة إلى محبوبيّتها عند الشارع ورجحانها عنده.
الثاني : إنّ
الصفة الغالبة في الروايات التي جاءت في عليّ تحمل كلمة « ولي اللّه » ، فنحن نأتي بهذا القيد تعبدا بتلك النصوص.
الثالث : إنّ حسنة
ابن أبي عمير ، عن الكاظم 7 ، سمحت لنا بفتح جملة « حيّ علي خير العمل » بأيّ شكل كان مع حفظ المضمون ، وقد فتحت بصيغ مختلفة ، فأهل
الموصل كانوا يقولون «
محمد وعلي خير البشر » ، وهو عمل الشيعة في مصر أيّام الدولة الفاطمية ، وأهل حلب أيّام
الدولة الحمدانية ، أما أهل القطيعة في بغداد ـ كما حكاه التنوخي عن أبي
الفرج الأصفهاني ـ فكانوا يقولون
__________________
«أشهد ان عليّا ولي اللّه» ، و «محمد
وعلي خير البشر» وقد افتى ابن البراج لمن يقلده من أهل حلب باستحباب القول
مرتين « آل محمد
خير البرية » .
الرابع : إنّ النصوص
الصادرة عن المعصومين في معنى الحيعلة الثالثة وفي غيرها لم تختص بـ « أشهد أنّ عليّا أمير
المؤمنين » حتى يلزمنا
التعبّد بها ، بل جاءت الصـيغ الثلاث الآنفة في شواذّ الأخبار التي حكاها الشيخ
الطوسي ويحيى بن سعيد ، وهي الموجودة في مرسلة الصـدوق كذلك.
وأمّا
الجواب عن الإشكال الثاني : فإنّ العدد مرتبط بالإشهاد ، فإن شهد للرسول بالرسالة مرّة فعليه أن يشهد
لعلي بالولاية مرة ، ومن شهد للّه وللرسول مرتين فله أن يشهد لعلي بالولاية مرتين
، لقوله 7 : « من قال :
محمد رسول اللّه ، فليقل : علي أمير المؤمنين » ، أي أنّ المثلية في
العدد ملحوظة في النصّ ، ومن هذا الباب ترى الإشهاد للّه ولرسوله ولعلي ثلاثا في
موثقة سنان بن طريف الانفة.
إذن المثليّة
ملحوظة بين فعل الشرط وجزائه ، كما هو ملحوظ في الترتيب بين الشهادات الثلاث ، فتكون
الشهادة للّه بالوحدانية أوّلاً ، ثم الشهادة للرسول بالنبوة ثم الشهادة لعلي
بالولاية ، ومن هنا تعرف معنى ما جاء في تفسير القمي « إلى ها هنا التوحيد ».
وبهذا البيان
ارتفع ما أشكله البعض بهذا الصدد.
ولنرجع إلى أصل
الموضوع.
ومما يدلّ على
الشعارية كذلك مرسلة الحسين بن سعيد ، عن حنان بن سدير ، عن سالم الحنّاط ، قال :
قلت لأبي جعفر الباقر 7 : أخبرني عن قول اللّه سبحانه وتعالى : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ
الأَمِينُ
* عَلَى
قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ألْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ
__________________
عَرَبِيٍّ
مُبِينٍ ) فقال 7 : هي الولاية .
إذ من المعلوم أنّ
ما نزل على قلب النبي هو القرآن وشريعة الإسلام ، فلا معنى للتفسير بالولاية إلاّ
إذا اعتقدنا بأنّ الولاية هي اكمال للدين ، والعلامَةُ للتعريف بذلك المُنْزَل ، وهذا
ما نعني به من الشعارية ، وهي تدعونا إلى النداء بها ، والدعوة إليها ، والإجهار
بألفاظها ، حسبما يستفاد من موثقة سنان بن طريف ، وحسنة ابن أبي عمير ، وصحيحة أبي
الربيع القزاز ..
لقد تقدّم الكلام
فيما يخصّ حسنة ابن أبي عمير عن الكاظم 7 في الدليل الكنائي ، وأنّ : « حيّ على خير العمل » تعني الولاية ، وأنّ عمر بن الخطاب حذفها من الأذان كي لا
يكون حثٌّ عليها ودعاءٌ إليها ، وأنّ الإمام الكاظم 7 لم يكن بصدد بيان الأمر المولوي بها في الأذان على نحو
الوجوب والجزم ، بل أراد الإشارة إلى جذورها ومعناها الكامن فيها ، وأنّ هناك دورا
تخريبيا من النهج الحاكم لها ، وهذا الكلام بلا شكّ ينطوي على رجحان الدعوة
لشعاريّتها ، والدعاء إليها ، والحثّ عليها في الأذان خاصّة ، وفي غيره عامّة ، لكن
لمّا لم يصلح هذا لإثبات الجزئية ، لعدم صدور النص عنه 7 مولويا بل كان
إخباريّا وإرشاديا لم يبق إلاّ الاعتقاد بأنّ الإمام يريد اتّخاذها شعارا على
المستو يَيْن العقائدي الكلامي والفقهي العبادي.
أي يريد اعلامنا
بامكان ذكرها في الأذان بحكمها الثانوي ، وخصوصا في هذه الازمان التي كثرت فيها
الشبهات على الشيعة ، ووقوفنا على هم الاعداء في اماتة الحق لكن ( َاللَّهُ مُتِمُّ
نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )
.
__________________
ويؤيد ذلك ما
أخرجه الكليني بسنده عن أبي بصير ، عن أبي جعفر 7 في قوله تعالى : ( فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفا ) ، قال : هي الولاية .
إذ لا معنى لأن
يفسّر إقامة الوجه للدين الحنيف بالولاية ؛ إذ القيام قيامٌ للّه ، والولاية
ولاية وإقرار لولي اللّه ، ولا يصلح أحدهما أن يحلّ محل الاخر ، إلاّ بأن يقال :
بأنّ الولاية امتداد للتوحيد والنبوّة ، وهو معنى آخر لحديث الثقلين ، وحبل اللّه
الذي أمرنا بالاعتصام به ، وهو الذي جاء عن المعصوم في تفسير قوله تعالى ( وَاعْتَصِمُواْ
بِحَبْلِ اللَّهِ ) : التوحيد والولاية .
وفي تفسير العياشي
عن الباقر 7 : آل محمد حبل اللّه المتين .
وعن الصادق 7 : نحن الحبل ، وفي رواية أخرى
في الكافي عنه 7 : أثافي الإسلام ثلاثة : الصلاة والزكاة والولاية ، ولا
تصحّ واحدة منهنّ إلاّ بصاحبتيها .
وعن الكاظم 7 : علي بن أبي
طالب حبل اللّه المتين .
نعم ، إنّ انحصار
السبيلية في الولاية لعلي وأهل بيته ، يعني كونها شعارا راجحا تعاطيه في كلّ
مفردات الشريعة ، وهو الملاحظ في الاشهادات الثلاث في كتب الادعية وأنّ الأئمّة قد
أكدوا عليها ، وأنّ ذكر الشهادة الثالثة في الأذان من باب الشعارية لا يستلزم
تشريعها فيه وكونها جزء داخل في ماهيته كما نبّهنا عليه كثيرا.
كما ننبّه على أنّ
الاستدلال بالشعارية لا يقتصر على الشهادة الثالثة في الأذان ، فقد استفاد منها
الفقهاء لبيان أحكام أُخرى تتوقّف عليها العقيدة واصل الدين ،
__________________
وذلك لورود
الأخبار الصحيحة والمعتبرة فيها ، إذ لا معنى لهذه الأخبار ولا لصدورها غير ذلك.
وإليك خبر آخر في
هذا السياق : أخرج علي بن إبراهيم القمي 2 في تفسيره بسنده عن الرضا ، عن جده الباقر 7 في قوله : ( فِطْرَتَ اللَّهِ ألَّتِي
فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) فقال : هو لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول اللّه ، علي
أمير المؤمنين ، إلى ها هنا التوحيد .
هذه الرواية لها
دلالة واضحة على أنّ إقامة الدين لا تتم إلاّ بهذه الاصول الثلاثة ، كما أنّ
التوحيد لا يمكن تحقّقه أفعاليا في الخارج ـ كما أراده اللّه ـ إلاّ من خلال هذه
الشهادات الثلاث التي نصّت عليها الرواية.
لكن نتساءل : ما
علاقة التوحيد بولاية علي؟ وكيف تكون ولاية عليّ هي نهاية التوحيد والمعنى المتمّم
له ، مع أنّهما حقيقتان متغايرتان؟!
الجواب على ذلك :
أنّهما حقيقتان دالّتان على أمرٍ واحد ، لأنّ ولاية الإمام علي والاقرار له
بالولاية هو اقرار للّه بالتوحيد وللرسول بالرسالة ، إذ أنّ طاعة علي من طاعة
اللّه ، ولا يوجد من تفسير وتوجيه للخبر الآنف إلاّ التزام الشعارية ، إذ المعني
من الشعارية هنا هو الإقرار بعد الاعتقاد ، لأنّ المسلم وبعد أن اعتقد بوحدانية
اللّه ورسالة النبي محمد 6 وولاية علي ابن أبي طالب 7 عليه أن يحمد اللّه وأن يسبحه وأن يصلي على النبي وآله ، أي
عليه أن يذكر اللّه ذكر قلب واعتقاد لا لقلقة لسان ، فالاذكار والتسبيحات هي
أقرار بالمعتقد الذي آمن به.
والرواية السابقة
من هذا القبيل وهي تشير إلى ان فطرة اللّه التي فطر الناس عليها ما هي إلاّ
الشهادات الثلاث ، وما على المؤمن إلاّ ان يتوجه إليها من خلال الذكر والصلاة
والتسبيح ، لأنّ الاقرار اليومي بتلك الاصول هي بمثابة تثبيت
__________________
العقيدة والهوية في النفس.
ولو تأملت في الاحاديث
الواردة عن المعصومين لرايتها مفعمة بهذه الشهادات الثلاث وكذا الشهادة بغيرها من
المعتقدات ، اذن الإقرار هو «الاشهاد» و «النداء» و «الشعار» ، وإليك فقرة من دعاء العشرات ، والذي يستحب أن يقرأه
المؤمن في كل صباح ومساء نأتي به توضيحا لما نقوله ، وفيه :
اللّهُمَّ
إنّي اُشهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهيدا وَأشهِدُ مَلآئكَتَكَ وَاَنْبِيائَكَ
وَرُسُلَكَ وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ وَسُكّانَ سَماواتك وَأرضك وَجَميَع خَلْقِكَ
بِآنَّكَ اَنْتَ اللّهُ لا اِلهَ إلاّ اَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرَيكَ لَكَ وَاَنَّ
مُحمَّدا 9 عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ
وَاَنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ تُحيْي وَتُميِتُ وَتُمِيتُ وَتُحيْي وَاَشْهَدُ
اَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النّارَ حَقٌّ ، وَالنُّشُورَ حَقٌّ ، وَالسّاعَةَ
اتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَاَنَّ اللّه يَبْعَثُ مَنْ في القُبُورِ وَاَشْهَدُ
اَنَّ عَلِيَّ بْنَ أبي طالب اَميرُ المُؤْمِنينَ حَقّا حَقّا وَاَنَّ الأَئِمَةَ
مِنْ وُلْدِهِ هُمُ الأَئِمَّةُ الهُداةُ الْمَهْدِيّونَ غَيْرُ الضَّالينَ وَلاّ
الْمُضِلِّيْنَ وَاَنَّهُمْ اَوْلِيائُكَ المُصْطفَوْنَ وَحِزْبُكَ الغالِبُونَ
وَصِفْوَتُكَ وَخِيَرتُكَ مِنْ خَلْقِكَ وَنُجَبآئُكَ الّذَينَ اَنتَجَبْتَهُمْ
لِدينِكَ وَاخْتَصَصْتَهُمْ مِنْ خَلْقِكَ واصْطَفَيْتَهُمْ عَلى عِبادِكَ
وَجَعَلْتَهمْ حُجَّةً عَلَى العالَمينَ صَلَواتُكَ عَلَيَّهِمْ والسَّلامُ
وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ اَللّهُمَّ اكْتُب لي هذِهِ الشَّهادَةَ عِنْدَكَ
حَتّى تُلَقِّنيها يَوْمَ القيامَةِ وَاَنْتَ عَنّي راضٍ اِنَّكَ عَلى ما تَشآءُ
قَديرٌ.
هذا هو الإقرار
بالمعتقد والذي يسمى بالاشهاد كذلك وهو الذي يجدر بالمؤمن تكراره كل يوم لان فيه
ترجمان عقائدنا وهويتنا ، وان التاكيد على الصلاة على آل محمد ، وعدم ارتضاء
الرسول الصلاة البتراء عليهم هو معنى اخر للشعارية كل ذلك للحفاظ على الهوية في
مسائل الفقه والعقيدة ، وبه تكون ولاية عليّ الشعار الذي يعرّفنا بالتوحيد الصحيح
النقيّ من الشوائب ؛ ذلك التوحيد الذي عرَّفنا به سيد الأنبياء محمد 6 ، كما أنّ
التوحيد الخالص يظهر جليا من خطب الإمام ورسائله وكلماته 7 ، لأ نّه الوحيد
ـ من أصحاب رسول اللّه ـ الذي لم
يسجد لصنم قط. وهو
الذي ولد في الكعبة ، واستشهد في المحراب ، وفي هاتين النكتتين ـ الولادة والشهادة
ـ معنى لطيف وظريف ، ويترتب عليه محبوبية تعاطي الشهادة بالولاية شعاريا في غالب
الأمور المعرفية باعتبارها مفتاح رسالة النبيّ 6 ومفتاح معرفة التوحيد الصحيح ، فمع ثبوت هذه الحقيقة لا
مناص من القول برجحانها في كلّ عبادةٍ لدليل الإباحة وخلّو المعارض.
وممّا يدلّ على
ذلك أيضا ما أخرجه الكليني بسند صحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 ، قال : بُني
الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية ، فقلت : أيّ
شيء من ذلك أفضل؟ قال 7 : «
الولاية أفضل لأ نّها مفتاحهنّ ؛ والوالي هو الدليل عليهنَّ ... » .
فقوله 7 : «الولاية مفتاح الصلاة
والصوم ...» ، وقوله 7 الآخر : « الوالي هو الدليل
عليهنّ » ظاهر في الشعارية
بلا أدنى كلام ؛ لأنّ الإمام الباقر 7 جعل الولاية مفتاحا لغالب الأمور العبادية وعلى رأسها
الصلاة والصوم والزكاة والحج ، ومعنى كلامه 7 أنّ الولاية تنطوي على ملاك عباديّ وتشريعي ؛ إذ لا معنى
لكون الولاية دليلاً ومفتاحا للعبادات إلاّ أن يكون معنى من معانيها عبادة.
وقد جاء في تفسير
القمّي في قوله تعالى ( إِلَيْهِ
يَصْعَدُ ألْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) ، قال : كلمة
الإخلاص والإقرار بما جاء من عند اللّه من الفرائض ، والولايةُ ترفع العمل الصالح
إلى اللّه.
وعن الصادق 7 أنّه قال : الكلم
الطيب قول المؤمن «
لا إله إلاّ اللّه ، محمد رسول
اللّه ، علي ولي اللّه وخليفة رسول اللّه » وقال : والعمل الصالح الاعتقاد بالقلب أنّ هذا هو الحقّ من
عند اللّه لا شك فيه من رب العالمين .
__________________
فلو كان مصداق
الكلم الطيب هو كلمة التوحيد ، والإيمان بما جاء به رسوله ، ومنها لزوم الولاية
لعلي 7 ، ألا يحق أن تصعد هذه الولاية إلى السماء كما نزلت إلينا عن طريق الروايات
الكثيرة المتواترة؟
روى الحاكم
النيسابوري والسيوطي عن ابن مردويه ، عن أنس بن مالك وبريدة ، قالا : قرأ رسول
اللّه هذه الآية ( فِي
بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ) ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول اللّه أي بيوت هذه؟ فقال
بيوت الأنبياء ، فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول اللّه هذا البيت منها ـ لبيت
علي وفاطمة ـ قال : نعم من أفاضلها .
وعن أبي جعفر
الباقر أنّه قال : هي بيوت الانبياء ، وبيت علي منها .
وذكر ابن البطريق
في « خصائص
الوحي المبين » ما جرى بين قتادة والإمام الباقر 7 ، وفيه : فقال قتادة لمّا جلس بين يدي الإمام الباقر : لقد
جلست بين يدي الفقهاء وقدّامَ ابن عباس فما اضطرب قلبي قُدّامَ واحد منهم ما اضطرب
قُدَّامَكَ.
قال له أبو جعفر
الباقر 7 : ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي ( بُيُوتٍ
أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا أسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِآ
لْغُدُوِّ وَالاْءَ صَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن
ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ ) فأنتَ ثَمَّ ، ونحن
أُولئك .
وهذه الأحاديث
تؤكّد بوضوح على أن بيت علي وفاطمة هو من بيوت الأنبياء ، إذ لا معنى لأن يسال أبو
بكر عن موقع بيت علي وفاطمة بين تلك البيوت إلاّ أن يكون ذلك معلوما عنده أو
مشكوكا ، لأنّ سؤاله يدعونا للقول بهذا ، وعليه
__________________
فكلامه ليؤكّد
بأنّ بيتهما هو امتداد لبيوت اللّه وبيوت الأنبياء ، وأنّ الشهادة بالولاية لعلي
هي امتداد لطاعة اللّه ، لأنّ المؤذّن بشهادته في الأذان يبيّن الصلة بين علي
وبين اللّه ورسوله ، وأنّ الإمام عليّا ما هو إلاّ وليٌّ للّه تعالى ، لا أنّه
يريد أن يقول أنّ عليا هو الخالق والرازق والمحيي والمييت. حتّى يقال أنّه من
الشرك والتفو يض وأمثال ذلك ، وقد قلنا مرارا بأن ما تشهد به الشيعة في الأذان ليس
أجنبيّا عن الأخبار والآيات.
ونحن لو جمعنا بين
الآيتين القرآنيتين ( وَرَفَعْنَا
لَكَ ذِكْرَكَ ) مع ( فِي
بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ) ، لعرفنا الترابط
الملحوظ بين التوحيد والنبوة والإمامة ، ولأجل هذا جُعل ذكرهم من ذكر اللّه
وأنّهم السبيل إليه ، وأنّ فطرة اللّه مبتنية عليه ، وبذلك يتّضح تماما معنى كلام
الإمامين الباقر والصادق 8 في معنى ( حي على خير العمل ) : « أنّه برّ فاطمة
وولدها » .
لأنّ القوم كانوا
يفترون على اللّه الكذب ويريدون طمس ذكرهم ؛ قال تعالى : ( وَمَنْ أظْلَمُ
مِمَّنِ أفْتَرَى عَلَى اللَّهِ ألْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى ألاْءِسْلاَمِ
وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي ألْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ
اللَّهُ بِأَ فْوَاهِهِمْ وَاللَّهِ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) .
روى الكليني بسنده
عن محمد بن الفضيل ـ عن أبي الحسن 7 ـ قال : سألته عن قول اللّه تعالى ( يُرِيدُونَ
لِيُطْفِئوا نُورَ اللَّهِ بِأَ فْوَاهِهِمْ ) قال : يريدون
ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين بأفواههم قلت : « واللّه متم نوره » ، قال : يقول : واللّه متم الإمامة ، والإمامة هي النور ،
وذلك قوله عزّ وجلّ ( فَأَمِنُواْ
بِآللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ ألَّذِيآ أَنزَلْنَا ) ، قال : النور هو
الإمام .
__________________
هذا ، وقد أخرج
الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ، والحاكم النيسابوري في معرفة علوم الحديث ، وابن عساكر في
ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ، والخوارزمي في مناقبه ، في تفسير قوله
تعالى ، ( وَاسْأَلْ
مَنْ أرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا ) عن الأسود ، عن عبداللّه بن مسعود ، قال ، قال النبي : يا
عبداللّه أتاني الملك فقال : يا محمّد ( وَاسْأَلْ
مَنْ أرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا ) على ما بعثوا؟
قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.
فتنزيل الآية في
التوحيد وفي تقرير الرسل على أنّهم بعثوا للدعوة إلى وحدانية اللّه وعبادته ، وأنّه
لا معبود سواه ، وتأو يلها في تقرير الرسل على رسالة المصطفى وولاية المرتضى.
وبعد كلّ هذا
لابدّ من توضيح حقيقة أخرى في هذا السياق ، وهي : أنّ كثيرا من النصوص الثابتة
الصادرة عن ساحة النبوة والعصمة لا يمكن فهمها وقرائتها علميا إلاّ من خلال
الإيمان بأنّ للقرآن والسنة المطهرة ظهرا وبطنا ، وأنّ القراءة السطحية للأمور عند
البعض غير قادرة للوقوف على الكنوز المعرفية الكامنة في القرآن الحكيم والسنّة
المطهرة ، ولأجل ذلك جاء عن المعصومين « إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك
مقرب أو نبي مرسل أو عبدٌ امتحن اللّه قلبه للايمان » لأنّ معرفة
كلامهم أو ما جاء في مقاماتهم من الصعب المستصعب
__________________
على عامة الناس ، ولعلّ
من هذا المنطلق نُسِب البعض إلى الغلوّ ولم يكن غاليا في الحقيقة.
نعم ، وظيفة
المسلم التعبّد بهذه النصوص الصحيحة والانقياد والتسليم لها ، لكن مع ذلك ينبغي
تفسيرها بما يتلائم مع ثوابت الدين الأخرى لكي لا يتصوّر أنّها غلو أو تفويض وخروج
عن الدين ؛ وقد تقدّم عليك أنّ حدّ التوحيد هو ولاية أمير المؤمنين علي 7 ـ كما جاء في
تفسير القمي ـ ولا ريب في أنّ فهم هكذا أمور ليس بسهلٍ ، خصوصا إذا قرأناها طبقا
للمنهج البسيط الذي لا يرى أبعد من قدميه ؛ إذ يبدو للمطالع العادي عدم وجود علاقة
بين التوحيد وولاية علي؟
في حين أنّ
المعرفة الأصيلة الكاملة ـ حسب أخبارنا ـ جازمة بأ نّه ليس من أحد على وجه الأرض
يعرف اللّه حق معرفته غير رسول اللّه والإمام علي وأولاده المعصومين ، وليس هناك
منهج صحيح يعرّفنا باللّه ورسوله غير منهج أهل البيت الذين طهّرهم اللّه من
الرجس ، ولأجل ذلك جاء في بعض مصادرنا كمختصر بصائر الدرجات : عن النبي قوله : يا
علي ما عرف اللّه إلاّ أنا وأنت ، وما عرفني إلاّ اللّه وأنت ، وما عرفك إلاّ
اللّه وأنا . وفي كتاب سليم بن قيس : يا علي ، ما عُرف اللّه إلاّ بي
ثم بك ، من جحد ولايتك جحد اللّه ربوبيته .
وجاء في الزيارة
الجامعة الكبيرة : «
بموالاتكم علَّمنا اللّه معالمَ ديننا ».
وعليه فالتوحيد
الصحيح لا يتحقق إلاّ عن طريق أهل البيت ، كما لا يمكن الاهتداء إليه إلاّ بواسطة
هذا السراج والشعار والعلامة.
وبهذا نقول : إنّ
معنى الشعارية ، والإشهادية ، والندائية ليس بكلام جديد كما قد يتوهّمه البعض ، بل
هو منهج علمي استُظهِر واتُّخِذ من الأخبار المتواترة ، فلا
__________________
يوجد أحد من المؤمنين ـ يؤمن باللّه حق الإيمان
ـ يمكنه أن ينكر مقام الإمام علي ، وأنّه سيّد عباد اللّه الصالحين ، وأنّ اسمه
موجود في السماء وفي الأرض ، وفي عالم الذر ، والبرزخ ، وفي تلقين الميت وامثالها
، وأنّ الإمام علي بن أبي طالب 7 أكّد على هذه الكلية وأنه هو الشعار لهذا الدين ، بقوله 7 : « نحن الشعار والأصحاب
، والخزنة والأبواب ، لا تُؤتى البيوت إلاّ من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها
سُمّي سارقا» .
إنّ مضمون الشهادة
بالولاية ـ في الأذان وفي غيره ـ لم يكن منافيا للشريعة ، حتى يقال بحرمة الإجهار
به ، بل هو مضمون ثابت في العقيدة ، ولا أعتقد بأنّ مسلما يشكّ في صوابيّته
ومطابقته للواقع حسبما اوضحناه وذكرنا بعض نصوصه سابقا ، وقد أقرّ الشيخ
الصدوق وغيره من العلماء بصحّة مضمون الشهادة الثالثة بقوله ; « بأن لا شكّ بأنّ
عليّا ولي اللّه وأنّ محمّدا وآله خير البرية » ، لكنّ كلامهم في وضع المفوّضة أحاديث لها على نحو الجزئية
في الأذان ، وهو ما لا يقبله الشيخ الصدوق ; كما لا نقبله نحن ، لكنّ دعوى كون التوقيفية مانعة من
الإتيان بالشهادة بالولاية في الأذان بأيّ نحو كان غير صحيح ، لأنّ المعروف عن
الشيعة في هذه الأزمان وحتى في العصور الماضية أنّهم لم يكونوا يأتون بها على
أنّها جزءٌ حتى يقال أنّها مانعة ، وعلى نحو التضاد مع التوقيفية ، بل أنّهم كانوا
يأتون بها بقصد القربة المطلقة واستجابةً لأمر الباري بأن يُنادي بالشهادة
بالولاية لعلي ، وبذلك تكون الشهادة بالولاية لعلي عبادة محبوبة للّه ، فلو صار
هذا الإشهاد
__________________
محبوبا صار عباديا
يمكن الإتيان به في الأذان لا على نحو الجزئية بل على نحو الإشهاد ، والشعارية ، والندائية.
والعلماء كانوا قد
عرفوا معنى قوله تعالى : ( يَا
أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنَ رَّبِّكَ وَإِنْ لَّمْ
تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) لكنّهم تساءلوا لكي يفهموننا ما مغزى هذه الآية ، وهو :
كيف يتساوى تبليغ الرسالة بأجمعها ـ خلال ثلاث وعشرين سنة ـ بتبليغ ولاية علي خلال
ساعة من نهار ، إلى درجةِ أنّ تبليغ الرسالة لا قيمة له من دون تبليغ هذه الولاية؟
إنْ العلماء كلّهم
على اختلاف ألفاظهم وتعدّد صياغاتهم مجمعون على تعاطي الشعارية لحلّ أمثال هكذا
أمور في الشريعة والعقيدة ، لأنّ اللّه جعل الأئمّة من أهل البيت : معيارا للإيمان
وميزانا لقبول الأعمال ، وسفنَ نجاة للبرية ومعالم للدين.
وهذا المنهج
يدعونا لإثبات بعض الأحكام العبادية علاوة على الإيمانية ، لأنّ هناك نصوصا عبادية
كثيرة ترى ذكر عليّ فيها ، كخطبة الجمعة ، وقنوت الجمعة ، وقنوت الوتر ، والتشهد
في الصلاة ، ودعاء التوجّه قبل تكبيرة الإحرام ، وقد سئل الإمام الصادق 7 عن تسمية الائمة
في الصلاة؟ فقال 7 : أجْملِهْم ، وهو يؤكّد بأن لا رسالة بلا ولاية ، بنص الآية.
وعليه فلا يمكن
تعظيم الرسالة إلاّ بتعظيم الولاية ، كما لا يتحقّق الغرض من النداء بالشهادة
الثانية إلاّ بالنداء بالشهادة الثالثة ، كما أوضحت موثقة سنان بن طريف وغيرها ، وأنّ
اللّه لا يكتفِ بالشهادة لنفسه حتى أردفها بالشهادة لرسوله ، ولم يكتف بالشهادة
لرسوله حتى أردفها بالشهادة لوليه.
مفهما ـ جلّ شانه
ـ بأنّ الشهادة بالنبوّة لمحمد لا تكفي إلاّ إذا اتّبعوه واخذو عنه
__________________
امور دينهم ، وهكذا الأمر بالنسبة إلى الشهادة
بالولاية لعليّ فهو لم يكن لغوا بل فيه اشارة إلى امتداد خلافة اللّه في الأرض
عبر أولاد عليّ المعصومين ووجود بقية اللّه في الارضين وهو الإمام الحجة المهدي
المنتظر عجل اللّه فرجه بين ظهرانينا اليوم.
وعليه فالشهادة
لعلي يحمل مفهوما إيمانيا وفقهيا.
أمّا إيمانيا
وعقائديا فلا شك في لزوم الاعتقاد بأ نّه الوصي والخليفة ، وأمّا عباديا وفقهيا ، فقد
ورد اسمه واسم الأئمة من ولده في كثير من الأمور العبادية ـ كخطبة الجمعة ـ وهذا
يدعونا لعدم الشك في ان ذكر علي عبادة وخصوصا بعد أن أضحت الولاية أهمّ من الصلاة
والزكاة والحج ، وأنّ الأعمال لا تقبل إلاّ بها ، وبعد أن أضحى تبليغ الولاية
والإعلان عنها خلال ساعة من نهار يعدل تبليغ الرسالة برمّتها خلال ثلاث وعشرين سنة
، ولمناداة الملائكة بأمر من اللّه بـ « أشهد ان عليّا ولي اللّه ».
فالمسلم لو أراد
أن يشهد بالولاية مع أذانه لا على أنّها جزءا منه ، بل لعلمه بأنّها دعوة ربانية
ومحبوبة عند الشارع ، فقد أتى بعبادة ترضي اللّه ، لأنّ اللّه لم يكتف بالدعوة
إلى ولاية علي في السماوات حتى ألزم رسوله أن يبلغها في ذلك الحر الشديد ، وهو
يعني أنّه يريدها شعارا للمسلمين في جميع مجالات الحياة إلاّ أنّه لا يجوز إدخالها
الماهويّ الجزئي في الأذان ، ولا الاستحباب الخاصّ ـ عند البعض ـ وذلك لعدم ورود
النص الخاصّ فيها.
وبعبارة أخرى :
يمكن لحاظ الشعارية في كلّ مفاصل الدين الإسلامي ومفرداته شريطة عدم وجود دليل
واضح على المنع من قبل الشارع ، ومع عدم الدليل يكفي دليل الجواز على أقل التقادير.
أمّا في خصوص الأذان فليس لدينا دليل شرعي يمنع من الإتيان بالشهادة الثالثة
شعاريا ، نعم التوقيفية تمنع من إدخالها الماهوي والجزئي ، وأمّا الشعاري فيكفيه دليل
الجواز ، والندائية في
السماوات ، وأخذ
الميثاق عليها.
وقد تقدم ما رواه
فرات الكوفي بسنده عن فاطمة الزهراء 3 أنّها قالت : قال رسول اللّه 6 : لمّا عرج بي
إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى ... ، فسمعت مناديا ينادي : يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي ، اشهدو أني
لا إله إلاّ أنا وحدي لا شريك لي ، قالوا : شهدنا وأقررنا.
قال : اشهدوا يا
ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أنّ محمدا عبدي ورسولي ، قالوا : شهدنا
وأقررنا.
قال : اشهدوا يا
ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أنّ عليّا وليّي ووليّ رسولي ، وولي
المؤمنين بعد رسولي ، قالوا : شهدنا وأقررنا .
فلو تأملنا قليلاً
في هذا النص فإننا بين خيارين ؛ فإمّا أن نطرحه جانبا ونقول أنّه مجرد ذكر فضيلة
لأمير المؤمنين علي ، وإما أن نقول بأ نّه لا يقتصر على بيان الفضيلة فحسب ، بل
يعني الولاية للأئمة على الأموال والأنفس ولزوم اتباع أقوالهم فقها واعتقادا لمجيء
كلمة « وليّي
وولي رسوليّ وولي المؤمنين بعد رسولي ».
وعلى الأول تأتي
إشكالية اللَّغوية ؛ إذ ما معنى أن ينادي اللّه ـ عزت أسماؤه ـ بنفسه ويقول :
اشهدوا يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أنّ عليا وليي ... ، ثم إجابة
الملائكة : شهدنا وأقررنا؟ فلو كان الأمر مجرّد ذكر فضيلة لاكتفى اللّه سبحانه
بالقول : بأنّ عليا وليي فقط ، لكنّ نداء اللّه وإشهاد الملائكة بأنّ عليا وليه
وولي رسوله وولي المؤمنين بعد رسوله يعني شيئا آخر غير بيان الفضيلة ، وهو أنّ لعلي
دورا في التشريع لاحقا ، وأنّه امتداد لتوحيد اللّه وسنة نبيّه ، كما هو الاخر
يعني أن الشعارية لعلي محبوبة عند اللّه وإلاّ لما امر لأمره بالاشهاد
__________________
إذ أنّ الإشهاد
والإقرار والإظهار وما يماثلها تحمل مفاهيم أكثر من المحبوبية ، بل حتّى لو قلنا
بأنّها بيان للفضائل ، فبيان الفضائل بهذا النحو هو مقدمة للأخذ بأقوال هؤلاء
المعصومين ، لأ نّهم معالم الدين وأعلامه.
وعليه فذكر
الفضائل فيه طريقية للانقياد لهم ورفع ذكرهم ، لكن الأمة لم تعمل بوصايا الرسول
وانكرت مكانة أهل البيت الذين اقرهم اللّه فيها وقد عاتب الإمام علي 7 الناس بقوله :
أَلا وإنّكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة ، وثلمتم حصن اللّه ـ المضروب عليكم ـ
بأحكام الجاهلية ، فإن اللّه سبحانه قد امتنَّ على جماعة هذه الأمة فيما عقد
بينهم من حبل هذه الأُلفة التي ينتقلون في ظلها ، ويأوون إلى كنفها ، بنعمة لا
يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة ، لأ نّها أرجح من كلّ ثمن ، وأجلّ من كلّ خطر ...
إلى أن يقول : أَلاَ وقد قطعتم قيد الإسـلام وعطّلتم حدوده وأمتّم أحكامه ...
وقال علي بن
الحسين 8 : إلى من يفزع خلف هذه الأمة ، وقد درست أعلام الملّة ، ودانت الأمة بالفرقة
والاختلاف ، يكفّر بعضهم بعضا .. فمن الموثوق به على ابلاغ الحجّة؟ وتأويل الحكمة؟
إلاّ أهل الكتاب وأبناء ائمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، الذين احتجّ اللّه بهم على
عباده ، ولم يدع الخلق سدىً من غير حجة.
هل تعرفونهم أو
تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا الصفوة الذين أذهب اللّه عنهم
الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وبرّأهم من الآفات ، وافترض مودّتهم في الكتاب .
إذن لا يوجد طريق
علمي وشرعي لقراءة مثل هذه النصوص إلاّ القول
__________________
بالشعارية ، وهو
المعنيُّ بالنداء والإشهاد والشعارية ، إذ ما يعني أمر اللّه بالمناداة لو لم يكن
ما قلناه ، ولماذا يشهد بها الملائكة أمام الخلائق أجمعين ، لو لم تكن العلامة
الوحيدة لمعرفة اللّه ورسوله؟
وعلى غرار
الروايات الآنفة آية البلاغ في قوله سبحانه : ( بَلِّغْ ) والتي تنطوي على
معنى الشعارية كذلك ؛ إذ الملاحظ أنّ القرآن قد وصف وظيفة النبي 6 بالبيان والتبيين
كما في قوله تعالى : ( لِتُبَيِّنَ
لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهُمْ ) ، لكن لمّا وصلت النوبة إلى إعلان ولاية علي 7 قال سبحانه
وتعالى ( بَلِّغْ
مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِنّ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ
رِسَالَتَهُ ) ، ولم يقل بيّن.
ولا يخفى عليك بأن معنى الشعارية منطوية في كلمة ( بَلِّغْ ) اكثر وأعمق من
لفظة : ( لِتُبَيِّنَ ) ، إذ البيان
للعقيدة والتشريع قد فعله النبي 6 للناس ونشره للأمّة على أحسن وجه ، ولم يبق إلاّ التأكيد
على المعنى المطوي في لفظ ( بَلِّغْ ) وهو إعلانه أنّ
عليا وليّ اللّه ووليّ رسوله ، وأنّه الشعار والنور الذي تهتدي به الأمّة من
خلاله.
لنأخذ دليلاً آخر على الشعارية من
القرآن ، وهو في سورة المائدة ـ بعد أن ذكر الكافرين وأهل الكتاب ـ مخاطبا
المؤمنين بقوله : ( إِنَّمَا
وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ ألَّذِينَ يُقِيمُونَ
الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ
ألْغَالِبُونَ
* يَا
أيُّهَا ألَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَتَّخِذُواْ ألَّذِينَ أتَّخَذُواْ دِينَكُمْ
هُزُوا وَلَعِبا مِّنَ ألَّذِينَ أُوتُواْ ألْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ
أوْلِيَآءَ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ
إِلَى الصَّلاَةِ أتَّخَذُوهَا هُزُوا وَلَعِبا ذَلِكَ بِأَ نَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ
يَعْقِلُونَ ) .
فالآية الأُولى
نزلت في الإمام عليّ حين تصدّق بخاتمه وهو راكع ، وهي
__________________
ترشدنا إلى
الترابط بين الشهادات الثلاث في الولاية الإلهية ، ومن أراد التأكد من كلامنا
فليراجع كتب التفاسير في ذيل الآية الآنفة .
أمّا الآية
الثانية فهي تعني لزوم موالاة اللّه ورسوله والذين آمنوا ، أي أنّ الآية الأُولى
جاءت للإخبار بأنّ الولاية إنما هي للّه ولرسوله وللذين آمنوا ، ثمّ اتت بمصداق
للذين آمنوا ـ وهو الإمام علي ـ وفي الآية الثانية أكّد سبحانه على لزوم موالاة
اللّه ورسوله والذين آمنوا ، مخبرا بأنّ من تولى هذه الولايات الثلاث معا فهو من
حزب اللّه ( ألا انَّ
حِزْبَ اللَّهِ هُمُ ألْمُفْلِحُونَ ).
فقد جاء عن الإمام
علي 7 أنّه قال : قال لي رسول اللّه : يا علي أنت وصيّي ، وخليفتي ، ووزيري ، ووارثي
، وأبو ولدي ، شيعتك شيعتي ، وأنصارك أنصاري ، وأولياؤك أوليائي ، وأعداؤكَ أعدائي
... قولك قولي ، وأمرك أمري ، وطاعتك طاعتي ، وزجرك زجري ، ونهيك نهي ، ومعصيتك
معصيتي ، وحزبك حزبي ، وحزبي حزب اللّه ( وَمَن
يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ
ألْغَالِبُونَ ) .
ومن خطبة للإمام
الحسن 7 أيام خلافته : نحن حزب اللّه الغالبون ، وعترة رسوله الأقربون ، وأهل بيته
الطيبون الطاهرون ، وأحد الثقلين الذين خلفهما رسول اللّه ... ، وجاء قريب منه
عن الإمام الحسين 7 . وقد سئل زيد بن
__________________
علي بن الحسين عن
قول رسول اللّه 6 : من كنت مولاه فعلي مولاه ، قال : نصبه علما ليعلم به حزب
اللّه عند الفُرْقة .
وعليه فاللّه ـ
سبحانه وتعالى ـ بعد ان ذكّر المؤمنين ـ في الآيتين الأولى والثانية ـ بأن الولاية
للّه ولرسوله وللذين آمنوا جاء في الآية الثالثة ليحذّرهم بأن لا يتخذوا الكفّار
وأهل الكتاب أولياء ، لأ نّهم اتخذوا دين اللّه هزوا ولعبا أي أنّه جلّ وعلا لحظ
الولاء والبراءة معاً.
ومن الطريف أن ترى
ذكر الأذان يأتي في القرآن بعد الآيتين السابقتين ـ أي بعد ذكر التولّي والتبري ـ
موكدا سبحانه بأنّ الكفار وأهل الكتاب اتّخذوا هذه الشعيرة هزوا ولعبا ، فعن ابن
عباس : إن الذين اتّخذوا الأذان هزوا : المنافقون والكفّار ، وقيل : اليهود
والنصارى .
وفي مسند أحمد :
قال أبو محذورة : خرجت في عشرة فتيان مع النبي ، وهو [ يعني النبي ] ابغض الناس
إلينا ، فأذّنوا فقمنا نؤذن نستهزي بهم ، فقال النبي : ائتوني بهؤلاء الفتيان ، فقال
: أذنوا ، فأذنوا ، فكنت أحدهم ، فقال النبي : نعم ، هذا الذي سمعت صوته اذهب
فأذّن لأهل مكة ... .
قال ابن حبان :
قدم النبي 6 مكة يوم الفتح فراه [ أي ابا محذورة [يلعب مع الصبيان يؤذن ويقيم ويسخر
بالإسلام ... .
وفي سنن الدار
قطني عن أبي محذورة ، قال : لمّا خرج النبي إلى حنين خرجتُ عاشر عشرةٍ من أهل مكة
أطلبهم ، قال : فسمعناهم يؤذّنون للصلاة فقمنا نؤذن
__________________
نستهزئُ بهم ، فقال
النبي : لقد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت ، فأرسل إلينا فأذنا رجلاً ...
ولا يخفى عليك بأن
الأذان المحرّف هو الذي فيهما «
الصلاة خير من النوم » والترجيع ، وهما مما رواه أبو محذورة ، ومنه وقع الاختلاف بين المسلمين في
هذين الأمرين ؛ هل أنّهما سنة أم لا.
بلى ان القوم قد
حرفوا خبر المعراج المرتبط بالأذان ـ كما في رواية عمرو بن أذينه ـ وجعلوا اسم أبا
بكر الصدّيق على ساق العرش بدل «
علي أمير المؤمنين ». ولو أردنا استقراءه هذه الموارد لصار مجلدا ، مكتفين بما مر وما جاء في كتب
القوم أنّهم جعلوا ابن أمّ مكتوم الأعمى يؤذن لصلاة الفجر ، وبلالاً يؤذّن الأذان
الأوّل ـ أي قبل الفجر ـ كل ذلك لأنّ بلالاً لم يصح عنه أنّه قال في صلاة الصبح : « الصلاة خير من النوم
».
قال أبو محذورة :
كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيت ، فجاء النبي فأخذ بعضادتي الباب ، فقال : آخركم
موتا في النار ، قال أوس بن خالد : فمات أبو هريرة ثم مات سمرة ، وقيل بأن أبا محذورة كان آخر الثلاثة موتا.
هذا بعض ما يمكن
أن يستدل به على الشعارية ، نترك باقي الكلام عنه إلى البحوث الكلامية المطروحة في
كتب أعلامنا ، ولنأتِ إلى بيان التخريج الفقهي للشعارية في خصوص الأذان ، معتذرين
سلفا مما نقوله في بيان وجهة نظر الفقهاء ، لأ نّه لم يبحث بالشكل المطلوب في
مصنّفاتهم ، وأنّ ما نقوم به هو فهمناه لفحوى كلامهم قدس اللّه اسرارهم ، وهي
محاولة بسيطة منا في هذا السياق نأمل تطويرها وتشييدها من قبل الفضلاء والأساتذة.
__________________
التخريج الفقهي
للشّعاريّة
لقد تقدم بين
ثنايا الكتاب بعض الأدلّة على جواز الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان من دون
اعتقاد الجزئية ، أبرزها الدليل الكنائي ودليل الاقتران. وفي هذا الفصل نريد البحث
في التخريج الفقهي الذي أفتى على أساسه أكثر الفقهاء بجواز أو استحباب الإتيان
بالشهادة الثالثة في الأذان.
فقد يقول القائل :
إنّ الشهادة بالولاية من اللّه سبحانه تعالى يوم الميثاق ، ومرورا بالملائكة ، وانتهاءً
ببني آدم في عالم الذر ... ، لا ينهض لجواز الفتوى بدخول الشهادة الثالثة في
الأذان ؛ فما هو التخريج الفقهي إذن؟
هناك ثلاثة أو
أربعة تخاريج يمكن للفقيه أن يستند إليها للإفتاء بجواز أو استحباب الشهادة
الثالثة في الأذان بالخصوص.
التخريج
الأول : أصالة الجواز ؛ ومجرى هذا الاصل لو شك المكلف في الحكم هل هو الجواز أم
المنع ، فمقتضى الاصل جواز الفعل في مورد فقدان الدليل على حرمته ، وفيما نحن فيه
لم يقم دليل معتبر على حرمة الشهادة الثالثة بدون قصد الجزئية ، فيكون مجرى اصالة
الجواز.
وقد يرد هنا سؤال
وهو : لا يمكنكم التعبد باصالة الجواز هنا وذلك لخلو الروايات البيانية الواردة عن
المعصومين من وجود الشهادة بالولاية لعلي فيها ، فكيف تجيزونها في الأذان؟
الجواب
: هذا صحيح في
الجملة وهو تام لو كان ذكرنا للشهادة الثالثة في الأذان ذكرا جزئيّا وماهو يّا ، لكن
إذا كان إتياننا لها شعار يا فالأمر مختلف تماما ؛ توضيح ذلك : أنّ « أشهد أن عليّا ولي
اللّه » ليست من فصول
الأذان ولا من أجزائه ولا من مقوّمات ماهيته المتوقّفة على نص الشارع ، غاية ما في
الأمر أنّا نأتي بها على أنّها شعار للحقِّ ، وعَلَمُ للإيمان الكامل الصحيح ، وترجمة
للنبوة والتوحيد كما هو
مفاد النصوص
المارّة.
وحيث لا يوجد دليل
شرعي يمنعنا من الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان من باب الشعارية جاز فعله ، لأنّ
دليل التوقيفية لا يمنع إلاّ الإدخال الماهويّ الجزئيّ في الأذان ، وعليه فلا مانع
من الإتيان بها شعار يا بمعونة أصالة الجواز.
وهذه هي الشريعة
بين أيدينا ليس فيها ما يمنع من الإتيان بها شعاريا ، بل إنّ الإمام 7 ـ كما في حسنة
ابن أبي عمير المتقدّمة ـ أمرنا بالدعاء إليها والحثّ عليها بحي على خير العمل ، لأنّ
الذي أمر بحذفها ـ أي عمر ـ أراد أن لا يكون حَثٌّ عليها ودعاء إليها ، ومقتضى
الإطلاق في الدعوة إليها هو جوازها في الأذان وفي غيره جوازا شعاريا ، أما الدخول
الماهويّ فلا يجوز لمانع التوقيفية كما اتضح.
وهناك نصوص شرعية
أخرى أكّدت على محبوبيّة النداء بالولاية كما جاء صريحا في كلام الإمام الباقر 7 بقوله : « ما نودي بشيء مثل ما
نودي بالولاية » ولا ريب في أنّ مقتضى الاطلاق في قوله 7 : «
ما نودي » يصحّح ذكره في
الأذان وفي غيره شعاريا.
لكن قد يقال بأنّ
هذا التخريج يوصل للقول بجواز ذكر الشهادة الثالثة في الأذان لا استحبابه ، فما هو
مستند فتاوى أمثال السيّد الخوئي قدس اللّه أسرارهم بالاستحباب إذن؟
قلنا
: المستند هو أنّ
الدليل مركّب من أمرين :
الأول
: هو أنّ نفس جواز
الذكر تم بمعونة أصالة الجواز بعد فقدان المانع ، والمسألة بناء على ذلك من صغريات
الشك في التكليف ؛ فهي مجرى لأصالة الجواز بلا شبهة.
والأمر
الثاني : إنّ الشهادة
بالولاية مستحبّة نفسيّا ومطلوبة ذاتيا.
ومن مجموع الأمرين
أمكن القول باستحبابها في الأذان عند امثال السيّد الخوئي قدسسره ؛ لاستحبابها
النفسي ؛ غاية ما في الأمر هو أنّ ذكرها في الأذان يحتاج
إلى دليل ، وأصالة
الجواز تجيز ذكرها بحسب البيان المتقدم. فإذا نهض دليل الجواز لإتيان ما هو مستحب
في عبادة ما ، أمكن الفتوى بالاستحباب فيه كذلك ، مع الالتفات إلى أنّ الاستحباب
هنا هو الاستحباب الشعاري دون التكليفي الخاصّ كاستحباب القنوت في الصلاة ؛
فالثاني يحتاج إلى دليل خاصّ وهو مفقود ، أمّا الأول فأدلته هي المارة من قبيل : « ما نودي بشيء مثل ما
نودي بالولاية » وغيرها من النصوص الصحيحة التي سردنا بعضها في هذا الفصل.
ولابد هنا من
الإشارة إلى نقطة مهمّة أخرى ، وهي : هل أنّ الإتيان بالذكر الشعاري للشهادة
الثالثة في العبادات الأخرى غير الأذان يكفيه الاستدلال المتقدم. كأنْ ندخل جملة « أشهد أنّ عليّا ولي
اللّه » في الصلاة
الواجبة ، بين آيات الفاتحة أثناء القراءة للصلاة ـ أكثر من مرة ـ فهل تسوّغ أصالة
الجواز مثل هذا الذكر الشعاري؟
الجواب
: لا يسوغ ذلك على
الأشبه في مثل المثال الآنف ؛ لانعدام هيئة الصلاة ، ومحو صورتها حينئذ ، وهذا
مانع قويّ من التمسك بأصالة الجواز في هذا الفرض ، ولا يقاس هذا بالذكر الشعاري في
الأذان ؛ إذ المسلمون جلّهم أو كلّهم ـ مَنْ منع الشهادة الثالثة ومن لم يمنع ـ
سواء كانوا من السنة أم من الشيعة ، لم يروا أنّ الذكر الشعاري يمحو صورة الأذان ،
أمّا السنّة فواضح ؛ إذ أنّ جمهورهم لم يقل بمحو صورة الأذان حتى مع إدخال جزء
بدعي فيها وهو « الصلاة
خير من النوم ».
وأمّا الشيعة
فمشهورهم الأعظم لا يرى في الذكر الشعاري مَحْوا لصورة الأذان الشرعية كما ترى ذلك
واضحا في سيرة الفقهاء ، وقد تقدمت كلماتهم في ذلك.
نعم يمكن افتراض
محو صورة الأذان الشرعي لو كان ادخال الشهادة الثالثة في الأذان ماهو يّا ، لكنّا
وفاقا للمشهور لا نأتي بها على أنها جزء داخل في الأذان بل ناتي به على أنّه كلام
خارج يذكر مع الأذان تحت عنوان الشعارية دفعا لاتهامات المتهمين ورفعة لشأن أمير
المؤمنين.
والحاصل : فالذكر
الشعاري دون الماهوي للشهادة الثالثة في خصوص الأذان لا مانع منه ، ودليل
التوقيفية يمنع من الإدخال الماهوي فيه فقط ؛ ولا دليل على منع الذكر الشعاري في
خصوص الأذان لا عند السنة ولا عند الشيعة ، وبالتالي أمكن للسيّد الخوئي وأمثاله
من الأعاظم الفتوى باستحبابها الشعاري ؛ للجزم باستحبابها النفسي ورجحانها الذاتي
بمعونة اصالة الجواز على ما اتّضح.
التخريج الثاني :
تنقيح المناط
لا ريب ـ بالنظر
للأخبار الصحيحة بل المتواترة التي أوردنا بعضها في هذا الفصل ـ في وجود تلازم غير
منفك بين الشهادات الثلاث ١ ـ الشهادة بالتوحيد ٢ ـ والشهادة بالرسالة ٣ ـ
والشهادة بالولاية.
فالتوحيد مفهوما
غير الرسالة ، والرسالة غير الولاية ؛ لكن يبدو من خلال النصوص الصحيحة أنّه لا
توجد مصداقية للايمان بالتوحيد من دون رسالة سيّد الخلق محمد 6 ، كما لا يمكن
تصوّر وجود مصداقية للايمان بالرسالة المحمدية من دون ولاية أمير المؤمنين علي ، وخبر
الغدير المتواتر خير شاهد على ذلك وكذلك آية الولاية وغيرها.
وهنا نتساءل : كيف
يمكن تحقيق المصداقية الخارجية لولاية علي 7؟
أعلنت النصوص
الشرعية بأ نّه لا يمكن تحقيق هذه المصداقية عملاً وإيمانا إلاّ من خلال الشعارية
؛ لأ نّه السبيل الوحيد لتوفير المصداقية الخارجية للايمان بولاية أمير المؤمنين
علي 7. وإذا تمّ ما قلناه تحقّق الغرض الإلهيّ من التلازم غير المنفكّ بين الشهادات
الثلاث.
نعم ، لقد تقدمت
بعض الأدلّة الصحيحة على هذا المقدار من ضرورة التلازم بين الشهادات الثلاث :
التوحيد ، النبوة ، الولاية ، لكن كيف يمكن جعلها شعارا ، بناء على التلازم غير
المنفك؟ وبالتالي كيف تتحقق لها مصداقية خارجية؟!
فالإشهاد الثلاثي
اذن ينطوي على ملاك إلهي عظيم ، وغرض ربّاني كبير ، كما هو ملاحظ في كتب الادعية ،
وإلاّ لا معنى لأن يعلن اللّه بنفسه تقدّست أسماؤه الشهادة الثالثة بعد الشهادتين
لولا تعلق ارادته سبحانه وتعالى استمرار الاستخلاف في الأرض بولاية علي 7.
وما ينبغي أن
نتساءل عنه هنا هو القول بوجود ملاك تشريعها في الأذان ؛ إذ ما دخل اعلان اللّه
سبحانه وتعالى للشهادة الثالثة في ذلك العالم ؛ الذي ليس هو بعالم تكليف وتشريع
وأحكام ... ، ومقايسته بعالمنا عالم التكليف؟
فقد يقال بأنّ هذا
من القياس الباطل الذي لا يغني من الحق شيئا؟
لكن يجاب عنه أنّ
هذا وان كان صحيحا ، لكنّ العبرة ليست بمجرد شهادة اللّه سبحانه وتعالى بالولاية
فيما هو خارج عن عالم التكليف حتى نقول ببطلان القياس وبعدم وجود الملاك في عالم
التكليف بناء على ذلك ..
إذ العبرة كل
العبرة بالنصوص الشرعية المعتبرة الصادرة في عالم التكليف ؛ بمعنى أنّ الإمام
الصادق أخبرنا في عالمنا هذا ـ عالم التكليف ـ أنّ اللّه شهد لعلي بالولاية يوم
الميثاق العظيم ..
وهنا نتساءل لماذا
يخبرنا الإمام بذلك وما يعني اخباره هذا؟ لا جواب إلاّ أن نعتقد بوجود ملاكا عظيما
فيما فعله اللّه سبحانه وتعالى حتى في عالم التكليف ، وإلاّ لا معنى لأن يخبرنا
الإمام والنبي والقرآن في الروايات المتواترة والآيات الواضحة وفي حسنة بن أبي
عمير بذلك ، لولا أنّ في المجموع ملاكا له مدخلية في كثير من التشريعات ولو في
الجملة!!
ولا يقال : بأنّ
غاية اخبار الإمام والنبي والقرآن هو بيان فضيلة أمير المؤمنين علي فقط؟
فلقد قلنا سابقا
أنّ هذا لا يصار إليه لاستلزام اللغوية ؛ فلو كان المقصود هو هذا لاكتفى المعصوم
بالقول : أنّ عليّا أمير المؤمنين فقط ، ولا حاجة به لان يفصل
الكلام ويخبر عن
ملابسات ذلك اليوم وغير ذلك مما هو لغو في ظاهره ، وكلام المعصوم منزّه عن ذلك.
وزبدة القول : هو
أنّ في شهادة اللّه سبحانه وتعالى بالولاية ملاكا عظيما ، وهذا الملاك تراه
ملحوظا في كلام الإمام في عالم التكليف ، وإلاّ لما أخبر به المعصوم في أكثر من
مناسبة ، ويكفي مثل هذا الملاك للقول بجواز ذكر الشهادة في الأذان شعاريا.
إذ قد أجمع فقهاء
الأمّة على إمكانية الفتوى فيما لا نصّ فيه بعد إحراز الملاك إحرازا معتبرا يسوغ
التعبد به ، ولا ريب بالنظر للرواية الآنفة وغيرها من الروايات والآيات من وجود
هذا الملاك وإلاّ كان الإشهاد الإلهي يوم الميثاق لغوا ، ولا يلتزم به مسلم.
لكن سؤالنا : هل
يكفي مثل هذا الملاك لإدخالها الماهويّ والجزئي في الأذان ، أم ما يدل عليه إنّما
هو الشعار ية لا غير؟
شذّ البعض وقال بالجزئية
بناء على تلك النصوص وغيرها ، وهو مشكل بنظرنا ؛ إذ الصحيحة الآنفة وخبر الغدير
وأمثالها يكشف عن ملاك الشعار ية فقط ولا يكشف عن ملاك القول بالجزئية.
وبعبارة اُخرى :
إنّ قوله : « ما نودي
بشيء مثل ما نودي بالولاية » يكشف عن شرعية شعار ية النداء بالولاية ، وهو القدر المتيقّن منه ، ولا يكشف
عن شرعية جزئيتها إلاّ من باب الظن الذي لا يغني من الحق شيئا ، هذا علاوة على أنّ
دليل التوقيفية مانع من القول بالجزئية حسبما تقدّم.
وعليه فكل ما في
تلك النصوص يدلنا على إمكان اتخذها شعارا عمليا في الخارج وليس اعتقادا نظريا في
القلب فقط ، أي أن للشهادة بالولاية في الجملة ملاكا قطعيا للقول بأنّها من
الاحكام العبادية بشرط عدم المانع وليست من أحكامه الإيمانية فقط.
والذي يدعونا لهذا
القول علاوة على الملاك القطعي في الشعارية وأنّ ولاية علي من أعظم شعائر اللّه
بل أعظم شعائر اللّه على الاطلاق من بعد الرسالة ـ بشهادة آية البلاغ ـ هو ضرورة
توفير المصداقية الخارجية لها في الأذان وفي غيره ، وهذا هو ما يريده اللّه
سبحانه وتعالى من الإشهاد بها بعد الشهادتين يوم الميثاق العظيم ، وإلاّ لا معنى
لان يخبرنا المعصوم بما لا دخل له بعالم التكليف كما عرفت.
وبعبارة ثالثة :
نحن نعلم بأن
المنظومة المعرفية الالهية مترابطة كمال الارتباط ، إذ شاهدت التلازم بين الشهادات
الثلاث في القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين ، والآن لنطبق ما نريد قوله في شعيرة
الأذان.
فالأذان وحسبما
وضحناه سابقا لم يكن إعلاما لوقت الصلاة فحسب ، بل هو بيان لكليات
الإسلام وأُصول العقيدة والعقائد الحقة من التوحيد والنبوة والإمامة ـ بنظر
الإمامية ـ فلو كان الأذان إعلاما لوقت الصلاة فقط لاكتفى الشارع بتشريع علامة
لأداء هذا الفرض الإلهي ، كما هو المشاهد في الناقوس عند النصارى ، والشبّور عند
اليهود ، وإشعال النار عند المجوس.
في حين أنّا لا
نرى أمثال هذه العلائم في هذه الشعيرة ، بل نرى الإسلام اسمى من كل ذلك فهو يشير
في إعلامه إلى كليّات الشريعة وأصول الدين الأساسية قولاً وعملاً ، وهذا ما لا
نشاهده عند الأديان الأخرى ، فهو الدين السماوي الوحيد الذي يلخّص أصول عقيدته كلّ
يوم عدة مرات ـ في هذه الشعيرة ـ لتكون تذكرة لمتّبعيه ، وإعلاما للآخرين بأصول
هذا الدين.
فالأذان إذن يحمل
في طيّاته معاني سامية ، وله آثار كثيرة في الحياة الاجتماعية
__________________
غير الإعلام بوقت
الصلاة ، كالتأذين في أُذن الصبي عند ولادته ، ولإِبعاد المرض عن المبتلين ، ولطرد
الجنّ ، ولرفع عسر الولادة والسقم ، ولسعة الرزق ، ولرفع وجع الراس ، وسوء الخلق ،
ولمشايعة المسافر .. إلى غيرها من عشرات المسائل التي ورد فيها نصّ خاص بالتأذين
فيها.
وبما أنّ تشريع
الأذان سماويّ وليس بمناميٍّ ـ حسبما فصلناه سابقا ـ وأنّه ليس إعلاما
لوقت الصلاة فقط ، فلابدّ أن يحمل بين فقراته معاني سامية واُصولاً سماو ية لا
يرقى إليها شكٌّ قد أقرّها النبي وأهل بيته والقرآن ، ولأجل ذلك ترى منظومة
العقائد الإلهيّة مترابطة في الأذان ترابطا وثيقا في المفاهيم والأعداد.
وكذا بين فصوله
ترى تصويرا بلاغيا رائعا ، فالمؤذّن بعد أن يشهد للّه بالوحدانية مرتين : « أشهد أن لا إله إلاّ
اللّه ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه » تقابلها الدعوة له بالصلاة لربه مرتين : « حي على الصلاة ، حي
على الصلاة » معلما الشارع
المكلّف في الفقرة الثانية بأن الشهادة للّه لا تكفي إلاّ من خلال عبادته وطاعته
، لأنّ الصلاة لا تؤدَّى إلاّ للّه.
وانّ اللفّ والنشر
الملحوظ بين الشهادة الأولى والصلاة للّه يعلمنا بأنّ اللّه هو الأول والآخر في
كل شيء ، تشريعا وتكو ينا ، لأنّ بدء الأذان بكلمة « اللّه » وختمه بكلمة « اللّه » ليؤكّد بأنّ كل الأمور مرجعها إلى اللّه ، وأنّ كل ما
أُعطي لرسوله محمد أو لغيره إنّما هو من عنده جل وعلا.
وبعد الإقرار
بالوحدانية للّه يأتي دور الشهادة لرسوله الأمين مرتين : « أشهد أنّ محمدا رسول
اللّه ، أشهد أنّ محمدا رسول اللّه » وقبال هذه الشهادة توجد حيعلتان « حي على الفلاح ، حي
على الفلاح » والتي تدعو إلى
لزوم اتّباع الرسول.
ومن المعلوم أنّ
الفلاح اسم جنس يشمل الصلاة ، والجهاد ، والأمر بالمعروف
__________________
والنهي عن المنكر
، وطاعة اللّه ، وطاعة رسوله ، بل إنّ كل ما أتى به الرسول هو الفلاح وفيه الفوز
والنجاح.
لأنّ رسول اللّه
بَدَأَ دعوته بقوله : «
قولوا لا إله إلاّ اللّه تفلحوا » ، ثم جاءت النصوص
الواحدة تلو الأُخرى معلنة بأن ما أتى به الرسول هو الفلاح كما في قوله تعالى ( قَدْ أفْلَحَ مَن
تَزَكَّى ) ، و ( قَدْ أفْلَحَ ألْمُؤمِنُونَ * ألَّذِينَ هُمْ فِي
صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ )
، و ( إِنَّمَا
كَانَ قَوْلُ ألْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ
بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ ألْمُفْلِحُونَ ) ، و ( وَالَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالاْءَخِرَةِ
هُمْ يُوقِنُونَ
* أوْلَئِكَ عَلَى
هُدًى مِن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ألْمُفْلِحُونَ ) وقوله تعالى ( ألِّذينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ ألَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبا
عِنَدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِأْلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ
عَنِ ألْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ
الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاْءَغْلاَلَ ألَّتِي كَانَتْ
عَلَيْهِمْ فَآلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ
النُّورَ ألَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ ألْمُفْلِحونَ ) إلى غيرها من عشرات الآيات.
وعليه فالفلاح هو
كُلُّ ما جاء به الرسول من فرائض أو سنن ، وبذلك يكون معنى الحيعلة الثانية في
الواقع ، هو : هلمّوا إلى اتّباع الرسول وعدم الأخذ عن غيره.
ففي معاني الأخبار
عن أبي عبداللّه 7 ، قال : لما أُسري برسول اللّه وحضرت الصلاة فاذن جبرئيل 7 ، فلمّا قال :
اللّه اكبر ، اللّه أكبر ، قالت الملائكة : اللّه اكبر ، اللّه
__________________
اكبر ، فلمّا قال
: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، قالت الملائكة : خلع الأنداد ، فلما قال : أشهد
أنّ محمدا رسول اللّه ، قالت الملائكة : نبي بُعِث ، فلما قال : حي على الصلاة ، قالت
الملائكة : حثّ على عبادة ربه ، فلما قال حي على الفلاح قالت الملائكة : قد أفلح
من اتّبعه .
وفي التوحيد عن
الإمام الحسين 7 عن أبيه الإمام علي 7 في تفسير فصول الأذان : ( حي على الفلاح ) فانه يقول : سابقوا
إلى ما دَعَوْتُكُم إليه وإلى جزيل الكرامة وعظيم المنة وسَنِيِّ النعمة والفوز
العظيم ونعيم الأبد في جوار محمّد في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
وفي الكافي عن علي
بن إبراهيم ، بإسناده عن أبي عبداللّه 7 في معنى قوله تعالى ( وَاتَّبَعُواْ
النُّورَ ألَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ) ـ والذي مر قبل قليل ـ قال : النور في هذا الموضع عليٌّ
أمير المؤمنين والأئمة : .
وفي علل الشرائع
عن الإمام الصادق 7 أنّه قال لعمر بن أُذينة : ما ترى هذه الناصبة في اذانهم ـ
إلى أن يقول ـ فقال جبرئيل : حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي
على الفلاح ، فقالت الملائكة : صوتين مقرونين ، بمحمّد تقوم الصلاة وبعلي الفلاح ،
فقال جبرئيل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، فقالت الملائكة : هي لشيعته
أقاموها إلى يوم القيامة .
وجاء في النصوص
الحديثية والتاريخية بأنّ الشيعة كانوا يُعرَفُون بكثرة صلاتهم ، وأنّ القوم كانوا
يتعرّفون عليهم من خلال الصلاة ، وعن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر الباقر 7 أنّه قال : ...
وما كانوا يعرفون يا جابر إلاّ بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر اللّه
والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعهّد
__________________
للجيران من
الفقراء ... .
وبهذا فقد اتّضح
لنا معنى الحيعلتين الأُوليين ، فالحيعلة الأُولى فيها إشارة إلى طاعة اللّه ، والحيعلة
الثانية إشارة إلى لزوم اتّباع سنة رسوله ، فما معنى الحيعلة الثالثة إذن؟
مرّ عليك سابقا ما
جاء عن الأئمة : الباقر والصادق والكاظم بأنّ معناها الولاية ، وأنَّ هناك ارتباطا
وثيقا بين القول بإمامة الإمام علي والقول بشرعية الحيعلة الثالثة ، وبين رفض
إمامة أمير المؤمنين والقول برفع الحيعلة ، بل هناك ترابط بين حذف الحيعلة ووضع « الصلاة خير من النوم
» مكانه ، فالذي
يقول بشرعية « الصلاة
خير من النوم » لا يرتضي القول بالحيعلة الثالثة ، والعكس بالعكس.
وعليه فالمنظومة
المعرفيّة في الأذان مترابطة كمال الارتباط ، وإنّ بَتْرَ حلقة منها يخلّ بأصل
المنظومة ، وذلك للارتباط الوثيق بين الشهادات الثلاث ( أَطِيعُواْ اللَّهَ
وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي ألاْءَمْرِ مِنكُمْ ) ، و ( أنَّمَا
غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ألْقُرْبَى ) ، و ( وَقُلِ
اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وِالْمُؤمِنُونَ ) .
نعم ، إنّ المشرع
فيما هو محتمل ـ ولظروف التقية ـ اكتفى بالبيان الكنائي للولاية في الحيعلة
الثالثة مع الإشارة إلى وجود الأهليّة والملاك لتشريعها كشهادة ثالثة وان لم تشرّع
على أنّها جزء بعد الشهادتين رحمة للعالمين. أو قل : شرعت في اللوح المحفوظ ولم
تصلنا لأي سبب كان ؛ التقية أو غيرها.
ومن هذا المجموع
المنظّم نصل إلى أنّ أصول الإسلام بكامله متجسدة في
__________________
الأذان ، وإنّ تكرار الحيعلات توحي لنا بأنّ
المراد من الأذان هو بيان كلّيات العقيدة ، إذ النظرة البدوية الأوليّة تنبئُ عن أنّها
دعوة للصلاة ، ولكن بما بيّنّاه عرفنا أنّ الأمر أسمى من ذلك بكثير ، وهو إشارة
إلى الأصول الأساسية في الشريعة من التوحيد والنبوة والإمامة ـ بنظر الإمامية ـ
ومن هنا تعرف معنى قول المعصوم : « إلى ها هنا التوحيد ».
إذن في الأذان
معاني ومفاهيم كثيرة سامية تَلْحَظ بين أجزائها ارتباطا فكريا عقائديا منسجما
يتكون من مجموع الشهادات الثلاث ، أما الشهادتان الاولى والثانية فلا كلام فيهما ،
وأما الشهادة الثالثة ، فلما مر في الدليل الكنائي وأنّ الإمام اراد حث عليها ودعا
إليها بعامة ، وفي الأذان بخاصة.
وهذا هو الذي
دعانا للقول بأنّ هناك مناطا صحيحا لذكر الولاية في الأذان من باب الشعارية.
وقد مرّ في اخر
الدليل الكنائي مطلوبية الإتيان بالشهادة الثالثة ـ خصوصا في هذه الأزمنة ـ مع
اقرارنا بوجود معنى الولاية في الأذان من خلال جملة « حيّ على خير العمل » ولو احببت راجع .
التخريج الثالث :
وجود المصلحة
قبل البحث في هذه
المسألة لابد من القول بأنّ دعوى المصلحة لتأسيس حكم شرعي ليست صالحة في كل الفروض
؛ فما لم يُقطع بوجود المصلحة قطعا حقيقيا أو تعبديا لا يجوز تأسيس حكم عليها
ونسبته إلى الشارع ؛ لأ نّه حينئذ من التشريع المحرّم الذي يدور مدار الظنّ الذي
لا يغني من الحق شيئا ؛ وعلى هذا الأساس رفض مذهبنا العمل بالاستحسان ، وكذلك
الشافعي في قوله : «
من
__________________
استحسن
فقد شرّع » .
والتاريخ أنبأنا
أنّ الاستحسان أبدعه عمر بن الخطاب ؛ وإنّما صار الاستحسان أحد مصادر التشريع
الإسلامي عند بعض العامة اتباعا لعمر وانقيادا لما فعل ـ وان استندوا عليه بآيات
وروايات ـ في حين ان تلك الآيات والروايات لا تصحح ما يقولون به ، وعلى سبيل
المثال فإنّ نافلة ليالي شهر رمضان قد صلاّها رسول اللّه 6 والصحابة فُرادى
، لكنّ عمر استحسن أن تُصلّى جماعة واستقبح أن تكون فرادى ، والأخبارُ الصحيحة في
جامع البخاري وغيره جزمت بأنّ النبيّ خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا 6 نهاهم عن ذلك ، لكن لمّا وصلت الخلافة
إلى عمر أصرّ على الجماعة مستحسنا إيّاها حتى قال : نِعْمَ البدعة هذه ؛ فعمر قد استحسن
ما قبّحه النبي ، وقبّح ما جاء عن النبي 6.
وفي الحقيقة فهذه
المرتبة أقبح مراتب البدعية في الدين ؛ لوجود نهي نبوي في ذلك. بل حتى مع عدم وجود
مثل هذا النهي ، فالشريعة لا تجيز لنا الاستحسان ولا ما يسمّى بالمصالح المرسلة
والرأي بنحو عامّ ، لوجود نهيٍّ فوقانيّ قرآني يمنعنا من العمل بالظن لأ نّه لا
يغني من الحق شيئا.
وفيما نحن فيه ، فقد
يقال بأنّ إدخال الشهادة الثالثة في الأذان هو تشريع قام على أساس الاستحسان أو
المصالح المرسلة أو الرأي ... ، ممّا هو باطل بأصل الشرع ، بل إنّ بطلانه من
ضروريات المعرفة الإسلامية المستقاة عن النبيّ 6 وأهل البيت :.
__________________
وتقريب ذلك : أنّ الأذان
اُصوله معروفة ، وأجزاؤه معدودة معينة ، وروايات الأذان التي عليها العمل وإن
اختلفت في عدد الفصول ـ كما ذكر الشيخ الطوسي ـ إلاّ أنّها متّفقة على عدم دخول
الشهادة الثالثة في أجزائه ، وإذا كان الأمر كذلك ـ وهو كذلك ـ لم يبق من مسوّغ
للإتيان بها إلاّ المصلحة الظنية ، وهو باطل ؛ لما عرفنا من أنّ كلّ هذه العملية
تدور مدار الظن غير الشرعي الذي لا يغني من الحقّ شيئا. وبناء على ذلك لا يجوز ذكر
الشهادة الثالثة في الأذان!!
ويجاب عن ذلك بأنّ
أصل الإشكال صحيح ، لكنّه مجمل ، إذ لم يفرق الإشكال بين الذكرين الشّعاري والماهويّ
، ومعنى ذلك أنّ الإدخال الماهوي قد قام على أساس المصلحة فيه ، ويكفي أنّها ظنّية
لتندرج فيما هو محرم ؛ إذ ليست المصلحة هنا ناهضة لتشريع جزئية الشهادة الثالثة في
الأذان وأنّها داخلة في ماهيته ، وحتى مَن استقرب الجزئية من الأصحاب لم يقبل
بنهوض هذه المصلحة للقول بالجزئية إلاّ أن يستدل على ذلك بشيء آخر غير المصلحة
كالأخبار وغيرها ، وهو أيضا غير مقبول كما مرّ من قبل.
فتحصل أنّ دعوى
وجود المصلحة في تشريع الشهادة الثالثة في الأذان على أنّها جزء منه وداخلة في
ماهيته من الباطل بمكان ؛ إذ لم يدّع أحد من الأصحاب ذلك اكتفاءً بالمصلحة الظنية
، وقد يكفي هذا للقول بالبطلان.
إذا تمّ هذا نقول
: هل تعدم المصلحة في ذكر الشهادة الثالثة ذكرا شعاريا؟
وهل أنّ التشريع
الشعاري يقوم على أساس الاستحسان والمصالح المرسلة والرأي المحرَّم على غرار
التشريع الماهوي آنف الذكر أَم لا؟
وقبل ذلك ما هي
الأدلّة على وجود المصلحة الشعارية في الأذان للشهادة بالولاية؟
للجواب عن السؤال
الثالث نقول : حسبنا الأدلة الصحيحة المارة ، بل حسبنا حديث الغدير النبوي الظاهر
في وجود المصلحة الشعارية للشهادة بالولاية ؛
فكلنا يعلم بأنّ
النبي جمع كل المسلمين ممّن حضر معه 6 حجّة الوداع أثناء عودته إلى المدينة وهم ٠٠٠ ,١٢٠ ألفا ، ثمّ
رفع يد علي بن أبي طالب حتى بان بياض إبطيهما 6 ، وكان الجوّ حارا قاسيا ثم قال : « ألست أولى بكم من
أنفسكم »؟ قالوا : بلى يا
رسول اللّه ، قال 6 : «
فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل
من خذله » .
وهنا نتساءل : ما
معنى أن يجمع النبي 6 المسلمين لإخبارهم بذلك؟ ولماذا يرفع بضُبْع علي بن أبي
طالب حتى يبين بياض إبطيهما 7؟
أما كان له 6 أن ينتظر حتى يصل
المدينة ويخبرهم بذلك بدل أن يجمعهم في ذلك الجوّ القاسي؟ وعدا هذا وذاك ما معنى
أن تنزل آية قبل وصوله 6 إلى الغدير تتوعّد النبي 6 إن لم يبلّغ ويعلن ويُشْهِدْ بولاية عليّ فإنّه ما بلّغ
الرسالة التي ناءَ بكاهلها ثلاث وعشرين سنة؟ إذ ما معنى حصر نزول قوله تعالى : ( يَا أيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنَ رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ
فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) بالتبليغ بولاية علي إعلانا وإشهادا بمحضر كلّ من كان مع
النبي آنذاك؟
وما معنى نزول
قوله تعالى : ( ألْيَوْمَ
أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلاَمَ دِينا ) بمجرّد أن بلّغ
النبي المسلمين بولاية علي في
__________________
غدير خم؟
بل ما معنى أن
ينزل قوله تعالى : ( سَأَلَ
سَآئِلُ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ )
في الفهري الذي شكّك واعترض على عملية تبليغ النبي بولاية علي حتى ورد في
الأخبار الصحيحة أنّ اللّه رماه بحجر بسبب اعتراضه؟ كل ذلك يلفت النظر إلى أنّ
اللّه سبحانه وتعالى لم يرض لنا دين الإسلام ـ كما هو صريح آية إكمال الدين
وإتمام النعمة ـ إلاّ بولاية عليّ ، فما معنى هذا؟
بل يظهر أنّ دين
الإسلام ـ طبق آية البلاغ ـ ناقص لا يكمل إلاّ بالتبليغ بولاية علي والإعلان عنها
، فما معنى كلّ ذلك؟
يستحيل أن يجاب عن
هذه الاسئلة وعشرات غيرها من دون الجزم بوجود مصلحة قطعية في عملية التبليغ
النبوية والقرآنية للولاية ، كما يستحيل أن يجاب بوجود هذه المصلحة من دون
الالتزام بأنّها ذات مصلحة شعار ية ؛ إذ هذا هو معنى الأمر بالتبليغ بها ، بحبس
الصحابة في ذلك الجو القاسي في غدير خم ، وهذا هو معنى بروز بياض إبطي النبي 6 لما رفع بضبعي
عليّ 7 ، وهذا هو معنى أنّ اللّه لا يرتضي الإسلام من أحد من دون التبليغ بالولاية
والإعلان عنها ، وهذا معنى أنّ الدين كمل بالنظر لذلك ، وأنّه ناقص لولا أنّ
النبيّ بلّغ بها بأحسن وجه وأتمّ بيان في طول تبليغ الشريعة المقدّسة.
إنّ كل هذا يكشـف
عن وجود مصلحة شعارية قطعية ، لا شك فيها ولا شبهة ، ناهضة للفتوى باستحباب أو
جواز ذكر الشهادة بالولاية مع الأذان ومع غيره بشرط عدم المانع الشرعي ؛ من منطلق
الجزم بوجودها يوم الغدير ، ومن منطلق أنّ اللّه لا يرتضي إسلام المسلم كاملاً من
دونها ، بل من منطلق التبليغ بها والإعلان عنها أسوة بالنبي 6 في يوم الغدير ؛
ولا ريب في أنّ التأسي بالنبيّ 6 في عملية
__________________
التبليغ بالولاية انطلاقا من وجود المصلحة من
أعظم الأعمال وأشرف الطاعات.
مع ملاحظة أنّ
التأسي بالنبي 6 فيما نحن فيه إنّما هو التأسي الشعاري بدليل وجود المصلحة
المقطوع بها ، على ما تبيّن من محبوبية الإعلان والتبليغ والإشهاد بالولاية ، وليس
هو التأسي به 6 في الأحكام والماهيّات العبادية المنصوص عليها بأدلّة
خاصّة ؛ إذ يكفي لإثبات التأسي الشعاري أمثال نص الغدير ، وموثّقة سنان بن طريف ، وحسنة
ابن أبي عمير ، وأضراب ذلك من الروايات.
وبهذا يندفع
الإشكال القائل : بأنّ النبيّ 6 لم يؤذّن بالشهادة الثالثة في الأذان ، فعلينا التأسـي به 6 وترك الشهادة
الثالثة في الأذان!!
نعم ، هذا صحيح
إذا أتينا بالشهادة الثالثة في الأذان على نحو الجزئية فلكم القول بلزوم تركه
تأسّيا برسول اللّه ، أمّا فيما نحن فيه فإنّا نتأسى بالرسول شعاريا لأ نّه اكد
عليها واجازها وإن لم يأت بها ، فلا ينبغي خلط هذا بذاك.
أضف إلى ذلك ما قد
ثبت في النصوص الصحيحة التي رواها الفريقان من أنّ النبي كان لا يأتي ببعض
المباحات بل ببعض المستحبات خوفا على الأ مّة من الفتنة أو خوفا من أن يؤاخذ
اللّه الأ مّة بذلك ، فعلى سبيل المثال ترك النبي صلاة نافلة شهر رمضان في مسجده
الشريف خوفا عليهم من أن تفرض ، ومن هذا القبيل ما مر عليك قوله 6 : لولا قومك
حديثو عهد بالجاهلية. فقد ترك 6 ارجاع مقام إبراهيم إلى البيت خوفا من الاختلاف وعدم
قبولهم حكمه.
والحاصل
: فكما أنّ النبي 6 بلّغ بولاية علي
وإمامته يوم غدير خمّ ، وترك النصّ عليها في رزيّة يوم الخميس خوفا على الأ مّة من
الهلاك والسقوط ، فهذا بعينه يجري فيما نحن فيه حذو القذة بالقذة ؛ فالنبي 6 قد أشهد الصحابة
في غدير خمّ بولاية عليّ وأعلن عنها وبلغ بها ، لكنّه لم يؤذِّن بها شعاريّا لنفس
المانع من النص بها في رزية يوم الخميس ، لأ نّه لو أذّن بها لاستظهر منها الوجوب
، وعدم عملهم يدعو إلى الهلاك والسقوط ، وقد استمرّ عدم تأذين الأئمة لنفس الشروط
والظروف والأسباب
، فالأئمة وقبلهم النبيّ 6 اكتفوا بالتأكيد على ولاية علي وأنّها شعار يجب الأخذ به
في كلّ الأمور.
وبهذا يتضح جواب
إشكال القائل بضرورة التأسي بالنبيّ 6 فيما لم يفعله ؛ أي أنّه 6 لم يؤذّن بالشهادة الثالثة وينبغي على المسلمين اتّباعه ؛
ولنضيف على ذلك امورا اخرى :
أولاً
: بأ نّه ليس كلّ
ما ترك فعله النبيّ 6 كان واجبَ الترك ؛ فهناك ما هو جائز الترك أيضا ، وما كان
كذلك يجوز الإتيان به ؛ لأنّ سبيله سبيل المباحات كما هو معلوم ، والأمثلة على ذلك
لا تحصى ، ولقد تقدّم أنّ النبي ترك التنفّل جماعةُ في بعض ليالي شهر رمضان كما في
صحيح البخاري خشيةً على الأمة من الهلاك ، وليس معنى ذلك إسقاط النافلة من التشريع
بالإجماع.
وثانيا
: إنّ ترك النبي
للشهادة الثالثة في الأذان تجري مجرى العلّة التي دفعت به 6 لأن لا يكتب
كتابه في عليّ في رزية يوم الخميس ، إذ نص 6 بقوله : «
قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع » ، وهي خاصة بشأنه المقدس فيما يلوح من النص « عندي التنازع ».
وكلّنا يعلم بأنّ
النبي قد ترك قتل من حاول اغتياله ليلة العقبة خوفا على الأمة من الهلاك ، مع أنّ
الشرع جازم باستحقاقهم القتل ، وكذلك الفرار من الزحف في يوم أحد ؛ فالنبي 6 ترك معاقبتهم ؛
مع أنّهم يستحقونها بالإجماع ، وعلة الترك هي الحفاظ على بيضة الدين ، ترك الإتيان
بهذا مع التنبيه على أنّ سكوته حجّة في التأسي به في عدم التأذين بالشهادة الثالثة
من باب أنّها جزء فقط ، أمّا غير ذلك فلا ، أي ان سكوته وتركه لها ينفي جزئيتها لا
مشروعيتها ومحبوبيتها ، كما سيتوضح في النقطة الاتية.
وثالثا
: لا يستقيم
الإشكال من الأساس ؛ فليس معيار التأسي بالنبي 6 أنّه ترك العمل بشعارية الشهادة الثالثة في خصوص الأذان ؛
ولا أنّه ترك التبليغ بولاية علي
في رزية يوم
الخميس ؛ إذ الأصل ليس هذا بعد الجزم بأنّه 6 بلّغ بولاية علي وأشهد الناس عليها يوم غدير خم ؛ فالمعيار
هو أصل التبليغ والإعلان والإشهاد ؛ وهذا قد حصل قطعا وجزما ، والقطع بوجود الملاك
والمصلحة بذلك التبليغ والإشهاد حاصل لكل المسلمين بلا شبهة ولا كلام وإلاّ استلزم
لغويّة ما فعله النبيّ ولا يقول به مسلمٌ.
والحاصل
: فنحن نتأسى
بالنبي 6 في أصل التبليغ والإشهاد والإعلان مما هو معلوم بالضرورة عنه 6 ، ونشهد بالولاية
لعلي مع الأذان لا على أنّها جزء بل لأ نّها محبوبة عند النبي 6 وخصوصا مع عدم
ورود نهي خاص فيها عن المعصومين للقول بها في الأذان.
رابعا
: يمكن القول بأنّ
النبيّ خارج عن دائرة الإشهاد بها في الأذان تخصّصا لأ نّه 6 اكد بأن الولاية
لعلي تكون من بعده ، ومعناه لا ولاية لعلي في عهده ، لأنه النبي والإمام ، وخصوصا
مع علمنا بأن الشهادة الثالثة ليسـت جزءا من الأذان فلا ضرورة لذكرها والاجهار بها
في عهد رسول اللّه.
نعم هو 6 أوضح لنا بأنّ
الشهادة بالولاية في الأذان وغيره شعار يجب التمسك به والحفاظ عليه ؛ فقوله الشريف
: « من كنت
مولاه فهذا علي مولاه » يشير إلى أنّ الخطّ المحمديّ الأصيل سيستمر بعليّ عقيدة وشعارا ، بشهادة ما
جاء في مصحف ابن مسعود «
ورفعنا لك ذكرك » بعلي ابن أبي طالب صهرك .
ولا يخفى أنّ أبرز
مصاديق رفع الذكر في العبادات الإسلامية ، خطبة الجمعة ، والتشهد ، والأذان ، كما
أثر عن ابن عباس وغيره ، وعلى هذا الأساس لا يستبعد أن تكون الشهادة بالولاية
لعليّ في الأذان ـ من باب الشعارية ـ لها مصلحة قطعية ، وخصوصا بعد أن وقفنا على
أنّ ربَّ العالمين أشهد الملائكة على هذه الشهادة ،
__________________
ووجود اسمه 7 على ساق العرش ، والكرسي ، وعلى جبهة إسرافيل ، وغيرها من
الأمور التي جاءت في مرسلة القاسم بن معاو ية ، كلّ هذه الأمور تؤكّد وجود مصلحة
للإجهار بها مع الأذان من باب الشعارية ، إذ لو لم يكن هناك مصلحة قطعية فيها لما
دعا الإمام الكاظم إلى الحثّ عليها والدعوة إليها.
فالإمام في كلامه
اشار إلى اهداف الذي حذف الحيعلة الثالثة ، داعيا إلى الحث عليها ، منوها في إمكان
الاستفادة منه في الازمان المتاخرة وخصوصا في هذه الازمان والتي تكالبت علينا
الأعداء بالتهم والافتراءات ، لان اعدائنا رمونا بتأليه الإمام علي ، أو اعتقادنا
بخيانة الامين جبرئيل في انزال الوحي ، فكل هذه الامور تدعونا للجهر بالولاية لعلي
دفعا لاتهامات المتهمين وافتراءات المفترين ، ولما في ذكر علي من مصلحة قطعية.
وعليه فالأذان ليس
اعلاما للصلاة ودخول الوقت فقط ، بل هو كذلك شعار وعلامة لحقائق الإسلام والإيمان
، كما جاء في معنى ( حي على خير العمل ) ، وما جاء في رواية سنان بن طريف بأن
اللّه امر مناديا ان ينادي ، وفي الروايات القائلة بأنّ الاعمال لا تقبل إلاّ
بالولاية ، وما جاء في علي أنّه الأذان يوم الحج الأكبر وغيرها ؛ فقد روى حكيم بن
جبير ، عن علي بن الحسين 7 في قوله تعالى ( وَأَذَانٌ
مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) قال : الأذان أمير المؤمنين .
وفي رواية أخرى عن
أبي عبداللّه 7 قال : إنّ اللّه سمّى عليّا من السماء أَذانا ، لأ نّه
الذي أدّى عن رسول اللّه براءةَ : أنّه اسم نَحَلَهُ اللّه من السماء إلى عليّ .
وجاء عن علي 7 أنّه قال : وكنت
أنا الأذان في الناس ، وفي آخر : أنا
__________________
المؤذّن في الدنيا
والآخرة .
إذن فالإمام علي
هو عين الدين والاعلام الحقيقي له ، كما أنّه هو نفس الرّسول في آية المباهلة ( وَأَنفُسَنَا
وَأَنفُسَكُمْ ) ونرى هذه العينية تنطبق في إبلاغ سورة براءة ، فقد قال رسول اللّه لأبي بكر
حينما سأله عن سرّ ارجاعه عن تبليغ سورة براءة بقوله : قيل لي : إنّه لا يبلّغ عنك
إلاّ أنت أو رجل منك .
وبذلك فقد عرفنا
من كلّ ما تقدم وجود فصل ثابت في الأذان دالّ على الولاية ، وهو الحيعلة الثالثة ،
وعمر بن الخطاب سعى لحذفه مما دعا الإمام الكاظم على لزوم الحثّ على الولاية
والدعوة إليها ، أي أنّ الدعوة جاءت للحفاظ على السنّة النبوية في الحيعلة مع بيان
مفاهيمها ، بأن معنى الولاية كان موجودا في الأذان ومنه تشريعه في الاسراء
والمعراج بصورته الكنائية «
حي على خير العمل » وان التأكيد على الحث عليها كان مما يريده الإمام الصادق كذلك ، ولاجل
ذلكترى اتباع ابني الإمام الصادق ـ أي اتباع الإمام الكاظم وهم نحن ، واتباع
إسماعيل بن الصادق وهم الاسماعيلية ـ كانوا يؤذنون بالحيعلة الثالثة مع تفسيرها.
وكذا ان فتح معنى
الحيعلة كان مرضيا للإمام الباقر والإمام السجاد ، ذلك لأن الزيدية تجيز فتح معنى
الحيعلة الثالثة وقد صرح الإمام السجاد بأن جملة « حيّ على خير العمل » كان في الأذان الاول ، ومن كل هذا السير التاريخي تعرف
معنى تشجيع الإمام علي للقائل بالحيعلة الثالثة : «مرحبا بالقائلين عدلاً» كل ذلك تعريضا بعمر الذي حذفها.
وعليه فالنهج
الحاكم كان في تضاد مع كل ما يمت إلى أهل البيت بصلة وهذا يدعونا إلى مطلوبية
الاصرار والإجهار بها في هذه الأزمنة لكي يُمَيَّزَ بها المؤمن
__________________
عن غيره ، وهذه النقطة هي التي دعتنا إلى افراد
هذا التخريج عن سابقه ؛ وهذا التخريج ناظر للخارج والعناو ين الثانو ية ، دون
التخريج الثاني الناظر للعنوان الأولي والجزم بوجود الملاك بحسب التلازم بين
الشهادات الثلاث الوارد في الأخبار المتواترة معنى فهذا في طول ذلك ؛ والغرض منه
تأكيد المحبوبية والمطلوبية.
التخريج الرابع :
دفع المفسدة
قد يلحق صناعيا
مثل هذا التخريج بالتخريج الثالث الآنف ؛ باعتبار أنّ البحث يدور مدار الملاك
وعدمه ، وإنّما أفردنا له عنوانا خاصا بعناية دفع المفسدة علاوة وجود الملاك
والمصلحة ، فلقد تقدّم وجود ملاك سماوي في عملية التبليغ والإشهاد بالولاية من قبل
النبي 6 ، ومثل هذا ناهض لجواز التبليغ بها شعاريا ، بأيّ طريقة كانت وبأي صيغة ، في
الأذان وفي غيره.
لكنّ هناك أمرا
آخر ، وهو دفع المفسدة عن الدين وأهله شعاريا ؛ وأصل ذلك ثابت في القرآن الكريم
وسنة النبيّ 6 ، وبلا تطو يل حسبنا بعض آيات الكتاب العزيز تدليلاً على هذه المسألة ، فلقد
ذكر القرآن الكريم عن الأنبياء سلام اللّه عليهم بأ نّهم يأكلون الطعام ويمشون في
الأسواق ، وبالطبع فإنّه لا معنى لاِءن يدرج مثل هذا الكلام في كتاب مقدس مثل
القرآن إلاّ لغرض واحد هو إيقاف الأمم على حقيقة أنّ الأنبياء مهما علت درجاتهم
وتقدّست مادّتهم وطهرت أنفسهم فهم ليسوا إلاّ بشرا يأكلون الطعام ويمشون في
الأسواق ؛ كناية عن ما يلازم البشر ية من لوازم المادة ؛ لينفي اللّه عنهم شبهة
الألوهية واحتمال الربانية أو الملائكية أو غيرها من التوهمات المخرجة لهم عن
مجرّد البشرية ؛ ولقد أخبرنا التاريخ أنّ بعض البشر ـ وهم كثير ـ قد يقعون في
براثن هذه الشبهة بقصد وبغير قصد ، والقرآن والأنبياء وقفوا بالمرصاد لذلك ؛ حفظا
للحدود المقدّسة بين الربوبية
والعبودية.
وهذا هو الذي
يفسّر لنا ما دفع بالنبي 6 لأن يقول في شأن علي 7 : «
يهلك فيك رجلان ، محبّ غال ومبغض قالٍ » ، فالمبغض القال هو الناصبّي الذي يضمر العداء والبغض لمن
أمر اللّه بمودّتهم من أهل البيت الذي طهرهم اللّه من الرجس تطهيرا.
والمحب المفرط
بمقتضى الحديث لا يقل خطورة على الدين وأهله من الناصبّي ؛ فالمحبّ المفرط هو الذي
يعطي مقاما لأمير المؤمنين عليّ 7 لا يرتضيه اللّه ورسوله ووليّه وبقية أهل العصمة : ، ولقد ذكر لنا
التاريخ أنّ هناك مَن أَلَّه عليّا 7 ففتقوا في الدين فتقا أثّر كثيرا في مسيرة الدين الإسلامي
الصحيح ؛ الأمر الذي حدا بالنّواصب لأن يصطادوا في الماء العكر ويتّهموا أهل الحق
من شيعة أمير المؤمنين بأ نّهم ليسوا من الإسلام والقرآن في شيء ، وأنّهم مشركون
وكفرة ، وأنّ جبرائيل ـ سلام اللّه عليه ـ خان الأمانة ، إلى غير ذلك من التّهم
والتُرَّهات التي ما زالت تلاك في ألسـنة بقايا النواصب وذراري أعداء أهل البيت
سلام اللّه عليهم أجمعين.
وبذلك نكاد نقطع
بأنّ ثبات الشيعة على مرّ العصور على صيغة : « أشهد أنّ عليّا وليّ اللّه » أو «
حجّة اللّه » دون صيغ الشعارية الأخرى التي من قبيل « محمد وآل محمد خير البريّة » جاءت لدفع المفسدة عن مذهبهم الحق ، ولكي لا يُرموا بالغلو
والتفو يض ، وإشارة إلى أنّ عليّا مهما بلغ من الفضيلة والقدسيّة فلا يعدو ـ صلوات
اللّه عليه ـ كونه حجّة اللّه وولي اللّه وأشرف عبيداللّه من بعد النبي 6 ، وأنّ هاتين
الصيغتين أصرح وأوضح للدلالة على الولاية من غيرهما.
وهذا معناه أنّ
شعارية الشهادة الثالثة لا تقف على القطع بوجود المصلحة في عملية التبليغ بها كما
تواتر عن النبيّ 6 فقط ، بل أيضا على القطع بدفع مفسدة شبهة الألوهية الملقاة
على عاتق الشيعة من قبل النواصب وأعداء أهل البيت :
زورا وبَهْتا.
وان الشيعة
استحبابا تأتي بالشهادة الثالثة بعنو انها الثانوي ، أي لردّ هجمات الخصوم عليها ولكونه
كلاما حقا وشعارا مطلوبا ومحبوبا للشارع مؤكدة بعدم جواز الإتيان بها بقصد الجزئية.
وليس من الاعتباط
في شيء أن نحتمل قو يّا أنّ أغلب الشيعة قد ثبتوا على صيغة « أشهد أنّ عليّا ولي
اللّه » دون غيرها من
الصيغ لوردوها في الأحاديث المتواترة في غير الأذان ، مراعين ذكر ترتيبها بعد
الشهادتين ، كما جاءت في الأخبار ، ولإِعلام الآخرين أنّهم يعتقدون بأن اللّه هو
الواحد الاحد ولا إله غيره ، وأنّ نبيّه ورسوله هو محمد بن عبداللّه بن عبدالمطلب.
كلّ ذلك لدفع هذه الشبهة وهذه المفسدة ، ولو تأملّنا قليلاً في الأمر أكثر ، لوجدنا
أنّ إصرار الشيعة على هذه الصيغة بالخصوص لم يكن منشؤه النواصب وأعداء أهل البيت : فقط ، بل كان
هناك أيضا المفوّضة ـ لعنهم اللّه ـ الذين أعطوا للأئمة : صفات خاصّة فوق
حدهم تمسّ بمقام الربوّبية.
ولا بأس بالتنويه
هنا إلى أنّ فقهاء العامة قد قبلوا من عمر بن الخطاب زيادة « الصلاة خير من النوم
» في الأذان بدعوى
دفع مفسدة ترك صلاة الفجر بسبب النوم ولكونه شعارا لتعظيم حق الصلاة ، وقد يتخيل
لذلك وجه شرعيّ بنظرهم أو بنظر الباحث الموضوعي؟ لكنّ السبب الذي جعله يخترعها مما
لا يمكن قبوله ، وكيفية الجعل أيضا تنافي وتجافي الدليل ؛ لأ نّه جعلها جزءا
داخلاً في ماهية الأذان ، وهذا أوّل البدعة هذا أوّلاً.
وثانيا : إنّه حذف
صيغة « حيّ على
خير العمل » من الأذان بعد
ثبوتها على عهد رسول اللّه وتأذين الصحابة بها وهذه بدعة ثانية.
وعلى هذا لا يصح
أن يقال من أنّ هذا الفعل هو كفعل عمر ، ومقايسة الشهادة الثالثة في الأذان بما
فعله عمر من حذف الحيعلة الثالثة وإدخال « الصلاة خير من
النوم
» ، فنحن لم ندخلها في ماهية الأذان ، بل نؤكد على جواز الإتيان
بها شعاريا ، أي عدم الضير بالقول بها مع الأذان.
نعم قد نؤكد على
مطلوبية الإتيان ؛ لكثرة هجمات الخصوم علينا ، وفقهائنا قد اكدوا على عدم جزئية
الشهادة الثالثة ولم يعدوه ضمن الفصول الثابتة ، ولو راجعت رسائلهم العملية لرأيت
الأذان ثمانية عشر فصلاً والإقامة سبعة عشر فصلاً عندهم ، وليس في هذه الفصول
الشهادة بالولاية لعلي ، وهو خير دليل على نفيهم للجزئية ، وبعد هذا فلا يصح نسبة
الابتداع إلى الشيعة في الأذان لأنهم يؤكدون على نفي جزئيتها لكنهم في الوقت نفسه
يسمحون للقول بها ـ ويؤكدون على مطلوبيتها بعنوانها الثانوي ـ من باب الشعارية
وأمثالها من التخاريج الفقهية.
كان هذا مجمل ما
أردنا بيانه بهذا الصدد ، وقد سعينا أن لا نخرج عن قول المشهور الأعظم من أصحابنا
، رافعين خلال ما نكتبه التساؤلات والشبهات المطروحة عنه ، غير مدّعين بأنّا قد
وفّينا البحث حقه ؛ بل اعتقادنا هو أنّ مبحثا حساسا ومهما كهذا يحتاج إلى جهد أكثر
مما قدمناه ، تاركين تكميله وتطويره لإخواننا الأساتذة والفضلاء ، سائلين المولى
سبحانه أن يتقبّل هذا القليل ويجعله في حسناتي ، مكفّرا به عن سَيِّئاتي ، وآخر
دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.
وقد وقع
الفراغ منه في يوم السبت ٣ جمادى الاخرة ١٤٢٩ هـ
يوم
شـهادة الصديقة الطـاهرة فاطـمة الزهراء
مشهد
الإمام الرضا 7 / إيران
الخلاصة
بدأنا الحديث في
هذا الفصل عن معنى الشّعار يّة لغة واصطلاحا ، ووجوب الحفاظ على الشعائر لأ نّها
طاعة للّه ولرسوله ، وفيها أثبتنا أنّ الولاية لعلي من أسمى الشعائر الإيمانية ، لأنّ
اللّه أمر مناديا أن ينادي بالشهادة الثالثة ، ولم يكتفِ سبحانه وتعالى بالمناداة
بالشهادتين حتّى ثلَّثهما ، وأنّ النداء بهذا في ذلك العالم ـ قبل عالم التكليف ـ
ليشير إلى أهمية هذا الموضوع عنده سبحانه بحيث يريده أن يصَبح شعارا ومعلما له في
عالم الدنيا.
إنّ هذه الرواية
وغيرها كانت من أدلتنا على كون الشهادة لعلي من شعائر الإيمان وأنّها محبوبة عند
الشارع ، ثم تساءلنا عن مدى إمكان ذكر هذه الشعيرة الإيمانية في أمر عبادي كالأذان
، موضحين من خلاله كلام السيّدين الحكيم والخوئي رحمهما اللّه تعالى ، وأنّ هناك
أربعة تخاريج استند على أساسها الفقهاء للقول بالجواز ، أو استحباب التأذين
بالشهادة الثالثة من باب الشّعاريّة ، علاوة على التخاريج الآنفة في الفصول
السابقة ، والتخار يج الاربع هي :
١
ـ أصالة الجواز : بعد ثبوت وجود ملاك النداء والاعلان بالشهادة الثالثة في ذلك العالم ، وجواز
الحثّ عليها والدعوة إليها من قبل الإمام الكاظم 7 في عالم الدنيا ، ومع ورود شواذّ الأخبار من قبل الأئمة في
الشهادة بالولاية ، وعدم علمنا سبب ترك الأصحاب لها وقد يكون تقية ، فإنّ أصالة
الجواز ناهضة للقول بجواز الإتيان بالشهادة الثالثة حسبما وضّحناه سابقا ، خصوصا
لو كان ذكرنا لها شعاريا لا ماهويا وجزئيا.
٢
ـ تنقيح المناط والقطع بالملاك : وهذا التخريج مبنيٌّ على عدم وصول النوبة إلى الأصول
العملية كأصالة الجواز وغيرها ، إذ نقطع بوجود مصلحة للشهادة بها
والنداء لها ، كما
هو ظاهر صحيحة أبي الربيع القزاز ، وموثقة سنان بن طريف ، وحسنة ابن أبي عمير ، وهذا
كافٍ لجواز الإتيان بها من دون قصد الجزئية خصوصا في هذه الازمنة ، بتقريب : أنّ
الملاك ناهض لتأسيس حكم حتى لو لم يرد ذكره في الشرع ـ إذا قطع بوجوده حقيقة أو
تعبدا ـ والحكم حينئذ حجّة ، كالحجية المستفادة من الملازمات والمفاهيم والأولويّة
؛ فإذا قطعنا بوجود الملاك بالنداء حينما خلق اللّه السماوات ، ويوم الميثاق ، ويوم
غدير خم وغيرها ، أمكن الجزم بعدم البأس بالإتيان بها في العبادات مع عدم المانع ،
ولا يوجد مانع إلاّ التوقيفية ، وهو خاصّ بالإتيان الماهويّ لا الشعاريّ.
٣
ـ وجود المصلحة : والفرق بين هذا التخريج وما قبله هو أنّ الثاني اعتمد على الملاك المنتزع من
النصوص المتواترة والحقائق الشرعية الثابتة ، وهذا التخر يج الثالث ابتنى علاوة
على ما سبق على البعد التاريخي ولحاظ شرائط الزمان والمكان والمصلحة المستفادة من
الشعارية ، ولأجل ذلك قيّد السيّد الحكيم فتواه : ( بل ذلك في هذه الأعصار معدود
من شعائر الإيمان ورمز إلى التشيع فيكون من هذه الجهة راجحا ) ، ونحوه جاء كلام
السيّد الخوئي الذي جمع بين التخريجين الثاني والثالث.
٤
ـ دفع المفسدة : وهذا التخر يج قد يدخل ضمن ما سبق ، وإنّما أفردناه بعنوان مستقل ، لأنّ
المصلحةَ غير المفسدة ، وبما أنّ خصومنا يتّهموننا بأُلوهية الإمام عليّ ، وقولنا
بخيانة الأمين جبرئيل ، فعلينا ودفعا لكلّ هذه الأكاذيب أن نجهر بأصواتنا بـ « أشهد أنّ عليّا ولي
اللّه » بعد الشهادتين ـ
بالتوحيد للّه وبالرسالة لمحمد 6 ـ كي نؤكّد بأن الإمام عليّا 7 ما هو عندنا إلاّ وليا للّه ، نتّخذه شعارا لبيان توحيدنا
لربّ العالمين ، والاشادة برسوله الأمين ، وأنّ عليّا وأولاده المعصومين ما هم
إلاّ حجج رب العالمين ، نقول بذلك إعلاءً لذكرهم الذي جدّ القوم لطمسه وحذفه من
الأذان.
ولا بأس بالتنويه
إلى أنّ هذه التخاريج الأربعة كلّها تصبّ في مصبّ واحد وان كان التخريجان الأوّلان
هما الأصل لمبحث الشعارية ، وأنّ من يقول بالشعارية يلحظ هذه الأُمور جميعا.
كما لا تنبغي
الغفلة عن أنّ القول بالجواز هنا لا ينفي الأدّلة المارّة ، كأدلة الاقتران ، وفتوى
المشهور الأعظم على الجواز ، بل هو في طولها أو مما يضاف إليها.
وفي الختام
بعد أن انتهيت من
كتابة الباب الثالث من دراستي حول الأذان المرتبط بموضوع الشهادة الثالثة ، أحببت
الوقوف على رأي القرّاء فيه ، لأ نّه بحث جديد لم يبحث بهذه الصيغة من ذي قبل ، وبخاصة
التخريجات الفقهية لدليل الشعارية وموضوع تقرير الإمام ، ولحاظ الترابط بين
الحيعلة الثالثة والشهادة الثالثة ، وبيان مغزى كلام فقهائنا الأقدمين ـ وبخاصة
الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي ـ وسيرة المتشرّعة في هذا الأمر منذ عهد عمر بن الخطاب
ـ الذي منع من الحيعلة الثالثة ـ إلى يومنا هذا.
فالقارئ غير الكاتب
قد يقف على ما لا يقف عليه الكاتب ، وإنّي وإن لم أخرج عن مشهور كلام الفقهاء لكنّ
باب النقاش العلمي والحوار الموضوعي واحتمال الملاحظة البناءة وارد في عملي
استدلالاً واستنتاجا ، كل ذلك خدمة للعلم والعقيدة.
وإنَّي من هنا
أشكر كل من قرأ لي ـ أو سيقرأ أن يتحفني برأيه ـ لا سيما عزيزيّ الفاضلين الجليلين
حجّتي الإسلام الشيخ باسم الحلّي ، والشيخ قيس العطار لإبدائهم ملاحظات مفيدة
انتفعت ببعضها.
كما أشكر الأخ
الفاضل سمير الكرماني لمراجعته النصوص التي نقلنا عنها واعداده الفهرست النهائي
للكتاب.
وكذلك أشكر الأخ
مجيد اللاّمي لتحمّله أعباء صف هذا الكتاب وإخراجه بهذه الحلّة القشيبة ، وآخر
دعوانا أن الحمدُ للّهِ ربِّ العالمين.
ثبت المصادر
بعد
القرآن الكريم
١
ـ الإبانة عن أصول الديانة :
لأبي الحسن
الأشعري ، علي بن إسماعيل بن أبي بشر ( ت ٣٢٤ ه ) ، تحقيق : د. فوقية حسين محمود
، دار الأنصار ـ القاهرة ١٣٩٧ ه ، الطبعة :الأولى.
٢
ـ اتفاق المباني وافتراق المعاني :
للدقيقي ، سليمان
بن بنين النحوي ( ت ٦١٣ ه ) ، تحقيق : يحيى عبدالرؤوف جبر ، دار عمار ـ الأردن ـ ١٤٠٥
ه ، ١٩٨٥ م ، الطبعة : الأولى.
٣
ـ آثار البلاد واخبار العباد :
للقزويني ، زكريا
بن محمد بن محمود ( ت ٦٨٢ ه ) ، دار صادر ـ بيروت.
٤
ـ الاثنا عشرية في الصلاة اليومية :
للشيخ البهائي ، محمد
بن الحسين بن عبدالصمد الحارثي ( ت١٠٣٠ ه ) ، تحقيق : الشيخ محمد الحسون ، مكتبة
السيّد المرعشي ـ قم ١٤٠٩ ه ، ط اولى.
٥
ـ الاحاديث المختارة :
للمقدسي ، محمد بن
عبدالواحد بن محمد الحنبلي ( ت ٦٤٣ ه ) ، تحقيق : عبد الملك بن عبد اللّه بن
دهيش ، مكتبة النهضة ـ مكة المكرمة ١٤١٠ ه ، ط الاولى.
٦
ـ الاحتجاج :
الطبرسي ، أحمد بن
علي بن أبي طالب ( من اعلام القرن السادس الهجري ) ، تحقيق : محمد باقر الخرسان ، مؤسسة
الاعلمى ـ لبنان ١٤٠٣ ه ، الطبعة : الثانية.
٧
ـ أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم (مختارات) :
للمقدسي ، محمد بن
أحمد بن أبي بكر ( ت ٤١٤ ه ) ، تحقيق : غازي طليمات ، وزارة الثقافة والارشاد
القومي ـ دمشق ١٩٨٠ م.
٨
ـ احقاق الحق وازهاق الباطل :
للقاضي نور اللّه
التستري ( ت ١٠١٩ ه ) مع ملحقات السيّد المرعشي النجفي ، تصحيح: السيّد إبراهيم
الميانجي ، مكتبة المرعشي النجفي ـ قم ـ إيران.
٩
ـ الإحكام في أصول الأحكام :
لابن حزم ، علي بن
أحمد بن حزم الأندلسي ( ت ٤٥٦ ه ) ، دار الحديث ـ القاهرة ١٤٠٤ ه ، الطبعة :
الأولى.
١٠
ـ أحكام الشيعة :
للاسكوئي ، ميرزا
حسن الحائري ، نشر : مطبعة الشفق ـ تبريز.
١١
ـ أحكام القرآن :
لابن العربي ، محمد
بن عبداللّه بن العربي ( ت ٥٤٦ ه ) ، تحقيق : محمد عبدالقادر عطا ، دار الفكر
للطباعة والنشر ـ لبنان.
١٢
ـ أحكام القرآن :
للجصاص ، أحمد بن
علي الرازي ( ت ٣٧٠ ه ) ، تحقيق : محمد الصادق قمحاوي. دار إحياء التراث العربي ـ
بيروت ١٤٠٥ ه.
١٣
ـ أخبار وحكايات :
لأبي الحسن
الغساني ، كان حيا سنة ٤٦٠ ه ، تحقيق : رشدي الصالح ملحس ، دار الأندلس للنشر ـ
بيروت ١٩٩٦ م ـ ١٤١٦ ه.
١٤
ـ أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار :
للازرقي ، محمد بن
عبداللّه بن أحمد ( ت ٢٤٤ ه ) ، تحقيق : رشدي الصالح ملحس ، دار الأندلس للنشر ـ
بيروت ١٩٩٦ م ـ ١٤١٦ ه.
١٥
ـ أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم :
لابن حماد ، محمد
بن علي بن حماد ( ت ٦٢٨ ه ) ، تحقيق : د. التهامي نقرة ، د. عبد الحليم عويس ، دار
الصحوة ـ القاهرة ـ ١٤٠١ ه.
١٦
ـ الاختصاص :
للشيخ المفيد ، محمد
بن محمد بن النعمان العكبري ( ت ٤١٣ ه ) ، تحقيق : علي اكبر غفاري ، السيّد محمود
الزرندي ، دار المفيد ـ بيروت ١٤١٤ ه ، ط ثانية.
١٧
ـ الآداب المعنوية للصلاة :
للإمام الخميني ، عرّبه
وشرحه : السيّد أحمد الفهري ، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر ـ دمشق ١٩٨٤ م ، الطبعة
الاولى.
١٨
ـ ادب الطلب ومنتهى الأدب :
للشوكاني ، محمد
بن علي ( ت ١٢٥٥ ه ) ، تحقيق : عبداللّه يحيى السريحي ، دار ابن حزم ـ بيروت ١٤١٩
ه ـ ١٩٩٨ م ، الطبعة : الأولى.
١٩
ـ الأذان بحي على خير العمل :
لابي عبداللّه
العلوي ، محمد بن علي بن الحسن ( ت ٤٤٥ ه ) ، تحقيق : محمد يحيى سالم عزان ، مركز
النور للدراسات والبحوث ، اليمن ١٤١٦ ه ، الطبعة الثانية ، وطبعة ثانية : بتحقيق
: يحيى عبدالكريم الفضيل ، المكتبة الوطنية ١٣٩٩ ه ، الطبعة الثانية.
٢٠
ـ ارشاد الاذهان إلى أحكام الإيمان :
للعلامة الحلي ، أبي
منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الاسدي ( ت ٧٢٦ ه ) ، تحقيق : الشيخ فارس الحسون ،
مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ١٤١٠ هـ ، الطبعة الاولى.
٢١
ـ ارشاد العباد إلى لبس استحباب السواد.
لحفيد صاحب الرياض
، السيّد ميرزا جعفر الطباطبائي الحائري ( ت ١٣٢١ ه ) ، تحقيق : السيّد محمد رضا
الجلالي.
٢٢
ـ الاستبصار فيما اختلف من الاخبار :
للشيخ الطوسي ، محمد
بن الحسن ( ت ٤٦٠ ه ) ، تحقيق : السيّد حسن
الموسوي الخرسان ،
دار الكتب الإسلامية ، طهران ١٣٩٠ ه ، الطبعة الرابعة.
٢٣
ـ استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار :
لحفيد الشهيد
الثاني ، محمد بن جمال الدين الحسن بن زين الدين ( ت ١٠٣٠ ه ) ، تحقيق ونشر :
مؤسسة آل البيت لاحياء التراث ـ مشهد ١٤١٩ ه ، الطبعة الاولى.
٢٤
ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب :
لابن عبدالبر ، يوسف
بن عبداللّه بن محمد ( ت ٤٦٣ ه ) ، تحقيق : علي محمد البجاوي ، دار الجيل ـ
بيروت ـ ١٤١٢ ، الطبعة الأولى.
٢٥
ـ اشارة السبق :
لابن أبي المجد
الحلبي ، علي بن الحسن (من اعلام القرن السادس) ، تحقيق : الشيخ إبراهيم بهادري ، مؤسسة
النشر الإسلامي ، قم ١٤١٤ ه ، الطبعة الاولى.
٢٦
ـ اقبال الاعمال :
لابن طاووس ، رضي
الدين ، علي بن موسى بن جعفر ( ت ٦٦٤ ه ) ، تحقيق : جواد القيومي الاصفهاني ، مكتب
الاعلام الإسلامي ـ قم ١٤١٤ ه ، الطبعة الاولى.
٢٧
ـ اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم :
لابن تيمية
الحراني ، أحمد بن عبدالحليم ، ( ت ٧٢٨ ه ).
تحقيق : محمد حامد
الفقي ، مطبعة السنة المحمدية ـ القاهرة ـ ١٣٦٩ ه ، الطبعة : الثانية.
٢٨
ـ اكمال الدين واتمام النعمة :
للشيخ الصدوق ، محمد
بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ١٤٠٥
ه ، الطبعة الاولى.
٢٩
ـ أمالي الصدوق :
للشيخ الصدوق ، محمد
بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) ،
تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة ، نشر مؤسسة البعثة ، قم ١٤١٧ ه
، الطبعة الاولى.
٣٠
ـ أمالي المحاملي (برواية ابن يحيى البيع) :
للمحاملي ، الحسين
بن إسماعيل الضبي ( ت ٣٣٠ ه ) ، تحقيق : د. إبراهيم القيسي ، المكتبة الإسلامية ،
دار ابن القيم ـ عمان ـ الأردن ، الدمام ١٤١٢ ه ، الطبعة : الأولى.
٣١
ـ الإصابة في تمييز الصحابة :
لابن حجر ، أحمد
بن علي العسقلاني الشافعي ( ت ٨٥٢ ه ) ، تحقيق : علي محمد البجاوي ، دار الجيل ـ
بيروت ـ ١٤١٢ ه ـ ١٩٩٢ م ، الطبعة : الأولى.
٣٢
ـ أصول السرخسي :
لمحمد بن أحمد بن
أبي سهل السرخسي ، ( ت ٤٨٣ ه ) ، دار المعرفة ـ بيروت.
٣٣
ـ الاصول الستة عشر :
لمجموعة من أصحاب
الأئمة ، دار الشبستري للمطبوعات ، قم ١٤٠٥ ه ، الطبعة الثانية.
٣٤
ـ أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن :
للشنقيطي ، محمد
الأمين بن محمد بن المختار الجكني ( ت ١٣٩٣ ه ) ، تحقيق : مكتب البحوث والدراسات
، دار الفكر للطباعة والنشر ـ بيروت ١٤١٥ ه ـ ١٩٩٥ م.
٣٥
ـ الاعتصام بحبل اللّه :
للقاسم بن محمد ، الإمام
الزيدي ( ت ١٠٢٩ ه ) ، مطابع الجمعية الملكية ، عمان ـ الأردن ، ١٤٠٣.
٣٦
ـ اعتقادات الصدوق = الاعتقادات في دين الإمامية :
للشيخ الصدوق ، محمد
بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) ، تحقيق : عصام عبدالسيد ، دار
المفيد ، بيروت ١٤١٤ ه ، الطبعة الثانية.
٣٧
ـ أعيان الشيعة :
للسيد محسن الأمين
، ( ت ١٣٧١ ه ) ، تحقيق : حسن الامين ، دار التعارف ـ بيروت.
٣٨
ـ الأغاني :
لأبي فرج
الاصفهاني ، علي بن الحسين بن الهيثم القرشي ( ت ٣٥٦ ه ) ، تحقيق : عبدعلي مهنا ،
دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٠٧ ه ، الطبعة الاولى.
٣٩
ـ الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع :
لمحمد الشربيني
الخطيب ، ( ت ٩٧٧ ه ) ، تحقيق : مكتب البحوث والدراسات ـ دار الفكر ، دار الفكر ـ
بيروت ١٤١٥ ه.
٤٠
ـ الإكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول اللّه والثلاثة الخلفاء :
لأبي الربيع
سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي ، ( ت ٦٣٤ ه ) ، تحقيق : د. محمد كمال الدين عز
الدين علي ، عالم الكتب ـ بيروت ١٤١٧ ه ، ط اولى.
٤١
ـ الإكمال = الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى :
لابن ماكولا ، علي
بن هبة اللّه بن أبي نصر ( ت ٤٧٥ ه ) دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ١٤١١ ه ، الطبعة
: الأولى.
٤٢
ـ اكليل المنهج في تحقيق المطلب :
محمد جعفر بن محمد
طاهر الخراساني الكرباسي ( ت ١١٧٥ ه ) ، تحقيق : السيد جعفر الحسيني الاشكوري ، دار
الحديث ، قم ١٤٢٥ ه ، الطبعة الاولى.
٤٣
ـ الإمام الصادق والمذاهب الأربعة :
لاسد حيدر ، تحقيق
: ونشر : نشر الفقاهة ـ قم ١٤٢٧ ه ، الطبعة الاولى.
٤٤
ـ الإمامة والسياسة :
لابن قتيبة ، أبي
محمد ، عبداللّه بن مسلم الدينوري ( ت ٢٧٦ ه ) ، تحقيق : طه محمد الزيني ، نشر
مؤسسة الحلبي وشركاه.
٤٥
ـ امالي الإمام أحمد ين عيسى :
لأحمد ، بن عيسى
بن زيد بن علي ( ت ٢٤٧ ه ) ، تحقيق : علي بن إسماعيل بن عبداللّه المؤيد ، دار
النفائس ، بيروت ، الطبعة الاولى.
٤٦
ـ امالي الطوسي :
لمحمد بن الحسن ، أبي
جعفر الطوسي ( ت ٤٦٠ ه ) ، تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية ، نشر مؤسسة البعثة ، قم
١٤١٤ ه ، الطبعة الاولى.
٤٧
ـ امالي المفيد :
للشيخ المفيد ، محمد
بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي ( ت ٤١٣ ه ) ، تحقيق : حسين الاستاد ولي ، علي
اكبر الغفاري ، دار المفيد ـ بيروت ١٤١٤ ه ، الطبعة الثانية.
٤٨
ـ امتاع الاسماع بما للنبي من الاحوال والاموال والحفدة والامتاع :
للمقريزي ، تقي
الدين أحمد بن علي بن عبدالقادر بن محمد ( ت ٨٤٥ ه ) ، تحقيق : محمد عبدالحميد
النميسي ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٢٠ ه ، الطبعة الاولى.
٤٩
ـ انساب الاشراف :
للبلاذري ، أحمد
بن يحيى بن جابر ( ت ٢٧٩ ه ) ، تحقيق : د. سهيل زكار ـ د. رياض زركلي ، دار الفكر
ـ بيروت ١٤١٧ ه ـ ١٩٩٦ م ، الطبعة الاولى.
٥٠
ـ الانوار النعمانية (طبعة حجرية) :
لنعمة اللّه
الجزائري ( ت ١١١٢ ه ) ، طبع في إيران ١٣١٩ ه.
٥١
ـ الأوائل لابن أبي عاصم :
لأحمد بن عمرو بن
أبي عاصم الشيباني ( ت ٢٨٧ ه ) ، تحقيق : محمد بن ناصر العجمي ، دار الخلفاء
للكتاب الإسلامي ـ الكويت.
٥٢
ـ الأوائل للطبراني :
سليمان بن أحمد
الطبراني ( ت ٣٦٠ ه ) ، تحقيق : محمد شكور بن محمود الحاجي أمرير ، مؤسسة الرسالة
، دار الفرقان ـ بيروت ـ ١٤٠٣ ه ، الطبعة : الأولى.
٥٣
ـ اوائل المقالات :
للشيخ المفيد ، أبي
عبداللّه ، محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي ( ت ٤١٣ ه ) ، تحقيق :
الشيخ إبراهيم الانصاري ، دار المفيد ـ بيروت ١٤١٤ ه ، الطبعة الثانية.
٥٤
ـ الانتصار :
للشريف المرتضى ، علي
بن الحسين الموسوي البغدادي ( ت ٤٣٦ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي ـ
قم ١٤١٥ ه.
٥٥
ـ الايضاح :
للقاضي نعمان بن
محمد بن حبون ( ت ٣٦٣ ه ) ، المطبوع في المجلد العاشر من كتاب (ميراث حديث شيعة ـ
فارسي) ، تحقيق : محمد كاظم رحمتي ، مركز تحقيقات دار الحديث ـ قم ١٣٨٢ ه ش.
٥٦
ـ إيضاح الفوائد في شرح اشكالات القواعد :
لابن العلامة ، أبي
طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي ( ت ٧٧١ ه ) ، تحقيق : محمد كاظم
رحمتي ، مركز تحقيقات دار الحديث ـ قم ١٣٨٢ ه ش.
٥٧
ـ بحار الانوار الجامعة لدرر اخبار الأئمة الاطهار :
للعلامة المجلسي ،
الشيخ محمد باقر ( ت ١١١١ ه ) ، مؤسسة الوفاء ، بيروت ١٤٠٣ ه ، الطبعة الثانية.
٥٨
ـ البحر الزخار الجامع لمذاهب أهل الأمصار :
لاحمد ، بن يحيى
المرتضى ( ت ٨٤٠ ه ) ، طبع سنة ١٣١٦ ه.
٥٩
ـ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع :
لعلاء الدين
الكاساني ( ت ٥٨٧ ه ) ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ١٩٨٢ م ، الطبعة : الثانية.
٦٠
ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد :
لابن رشد ، محمد
بن أحمد بن محمد القرطبي ، ( ت ٥٩٥ ه ) ، دار الفكر ـ بيروت.
٦١
ـ البداية والنهاية :
لابن كثير ، إسماعيل
بن عمر بن كثير القرشي ( ت ٧٧٤ ه ) ، مكتبة المعارف ـ بيروت.
٦٢
ـ البرهان في اصول الفقه :
للزركشي ، محمد بن
بهادر بن عبداللّه ، ( ٧٩٤ ه ) ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعرفة
ـ بيروت ١٣٩١.
٦٣
ـ برهان الفقه = البرهان القاطع في شرح المختصر النافع :
لبحر العلوم ، السيّد
علي بن السيد رضا ( ت ١٢٩٨ ه ).
٦٤
ـ بشارة المصطفى لشيعة المرتضى :
للطبري الشيعي ، أبي
جعفر محمد بن أبي القاسم (من علماء الإمامية في القرن السادس) ، تحقيق : جواد
القيومي الاصفهاني ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤٢٠ ه ، الطبعة الاولى.
٦٥
ـ بصائر الدرجات في فضائل آل محمد :
للصفار ، محمد بن
الحسن بن فروخ القمي ( ت ٢٩٠ ه ) ، الحاج ميرزا حسن كوجه باغي ، منشورات الاعلمي
ـ طهران ١٤٠٤ ه.
٦٦
ـ البصائر والذخائر :
لابي حيان
التوحيدي ، علي بن محمد بن العباس ( ت ٤١٤ ه ) ، تحقيق : الدكتورة وداد القاضي ، دار
صادر ـ بيروت ١٤٠٨ ه ـ ١٩٨٨ م ، الطبعة الاولى.
٦٧
ـ بغية الطلب في تاريخ حلب :
لابن أبي جرادة ، كمال
الدين عمر بن أحمد ( ت ٦٦٠ ه ) ، تحقيق : د. سهيل زكار ، دار النشر : دار الفكر.
٦٨
ـ بغية المقلدين في أحكام الدين (رسالة عملية فارسية) :
للسيد محمد مهدي
بن السيّد إسماعيل صدر الدين العاملي الكاظمي ، طبع في حيدر آباد ـ الهند.
٦٩
ـ بلاغات النساء :
لابن طيفور ، أبي
الفضل بن أبي طاهر ( ت ٣٨٠ ه ) ، مكتبة بصيرتي قم.
٧٠
ـ البيان (طبعة حجرية) :
للشهيد الاول ، محمد
بن جمال الدين مكي العاملي ( ت ٧٣٢ ه ) ، مجمع الذخائر الإسلامية ـ قم.
٧١
ـ تاريخ أبي الفداء = المختصر في اخبار البشر :
لابي الفداء ، إسماعيل
بن نور الدين ( ت ٧٦٢ ه ) ، مكتبة المتنبي ـ القاهرة.
٧٢
ـ تاريخ إربل :
للاربلي ، شرف
الدين بن أبي البركات ( ت ٦٣٧ ه ) ، تحقيق: سامي بن سيد خماعد الصقار ، وزارة
الثقافة والإعلام ـ العراق ١٩٨٠ م.
٧٣
ـ تاريخ الإسلام :
للذهبي ، شمس
الدين محمد بن أحمد بن عثمان ( ت ٧٤٨ ه ) ، تحقيق : د. عمر عبدالسلام تدمري ، دار
الكتاب العربي ـ لبنان / بيروت ـ ١٤٠٧ ه ـ ١٩٨٧ م ، الطبعة : الأولى.
٧٤
ـ تاريخ بغداد :
للخطيب البغدادي ،
أحمد بن علي بو بكر ( ت ٤٦٣ ه ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
٧٥
ـ تاريخ خليفة بن خياط :
لخليفة بن خياط
الليثي العصفري ( ت ٢٤٠ ه ) ، تحقيق : د. أكرم ضياء العمري ، دار القلم ، مؤسسة
الرسالة ـ دمشق ، بيروت ـ ١٣٩٧ ه ، الطبعة : الثانية.
٧٦
ـ تاريخ دمشق :
لابن عساكر ، أبي
القاسم على بن الحسن إبن هبة اللّه بن عبداللّه الشافعي ( ت ٥٧١ ه ) ، تحقيق :
محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمري ، دار الفكر ـ بيروت ـ ١٩٩٥ م.
٧٧
ـ تاريخ الخميس :
للديار بكري ، الشيخ
حسين بن محمد بن الحسن ( ت ٩٦٦ ه ) ، مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع ـ بيروت.
٧٨
ـ تاريخ الخلفاء :
للسيوطي ، عبدالرحمن
بن أبي بكر ( ت ٩١١ ه ) ، تحقيق : محمد محي الدين عبدالحميد ، مطبعة السعادة ـ
مصر ـ ١٣٧١ ه ـ ١٩٥٢ م.
٧٩
ـ تاريخ الطبري = تاريخ الامم والملوك :
لأبي جعفر محمد بن
جرير الطبري ( ت ٣١٠ ه ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
٨٠
ـ تاريخ قم (باللغة الفارسية) :
للاشعري القمي ، الحسن
بن محمد بن الحسن بن السائب ، ( ت ٣٧٨ ه ) ، ترجمها إلى الفارسية : حسن بن بهاء
الدين علي بن حسن القمي ( ت ٨٠٥ ه ) ، تحقيق : محمد رضا الانصاري القمي ، مكتبة
المرعشي النجفي ـ قم ١٤٢٧ ه ، الطبعة الاولى.
٨١
ـ التاريخ الكبير :
للبخاري ، محمد بن
إسماعيل بن إبراهيم أبو عبداللّه الجعفي ( ت ٢٥٦ ه ) ، تحقيق : السيد هاشم
الندوي ، دار النشر : دار الفكر.
٨٢
ـ تاريخ الكوفة :
للبراقي ، حسين بن
أحمد النجفي ، ( ت ١٣٣٢ ه ) ، تحقيق : ماجد بن أحمد العطية ، انتشارات المكتبة
الحيدرية ـ ١٤٢٤ ه ، الطبعة الاولى.
٨٣
ـ تاريخ المدينة المنورة = أخبار المدينة النبوية :
لابن شبه ، عمر بن
شبة النميري البصري ( ت ٢٦٢ ه ) ، تحقيق : علي محمد دندل ، ياسين سعد الدين بيان
، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٧ ه ـ ١٩٩٦ م.
٨٤
ـ تاريخ اليعقوبي :
لأحمد بن أبي
يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي ( ت ٢٩٢ ه ) ، دار النشر : دار صادر ـ
بيروت.
٨٥
ـ تبصرة المتعلمين في أحكام الدين :
للعلامة الحلي ، الحسن
بن يوسف المطهر الحلي ( ت ٧٢٦ ه ) ، تحقيق : الشيخ حسين الاعلمي ، السيد أحمد
الحسيني ، الشيخ هادي اليوسفي ، انتشارات فقيه ـ طهران ١٣٦٨ هـ ش ، الطبعة الاولى.
٨٦
ـ تبين الحقائق شرح كنز الدقائق :
للزيعلي ، فخر
الدين عثمان بن علي الحنفي ( ت ٧٤٣ ه ) ، دار الكتب
الإسلامي ـ القاهرة ١٣١٣ ه.
٨٧
ـ التحرير الطاووسـي ( المسـتخرج من كتاب الاشكال ، لابن طاووس المتوفى ٦٧٣ ه ) :
للشيخ حسن بن زين
الدين (صاحب المعالم) ، ( ت ١٠١١ ه ) ، تحقيق : فاضل الجوهري ، مكتبة المرعشي ـ
قم ١٤١١ ه ، الطبعة الاولى.
٨٨
ـ تحفة الابرار الملتقط من اثار الأئمة الاطهار :
للشفتي ، السيد
محمد باقر ( ت ١٢٦٠ ه ) ، تحقيق : مكتبة مسجد السيّد ـ اصفهان ، ١٤٠٩ ، الطبعة
الاولى.
٨٩
ـ تحفة الفقهاء :
لعلاء الدين
السمرقندي ( ت ٦٣٩ ه ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٤ م ، الطبعة
الأولى.
٩٠
ـ تحف العقول عن آل الرسول :
لابن شعبة الحراني
، الحسن بن علي بن الحسين (من اعلام القرن الرابع) ، تحقيق : علي اكبر الغفاري ، مؤسسة
النشر الإسلامي ـ قم ١٤٠٤ ه ، الطبعة الثانية.
٩١
ـ تحرير الاحكام الشرعية على مذهب الإمامية :
العلامة الحلي ، أبي
منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الاسدي ( ت ٧٢٦ ه ) ، تحقيق : الشيخ إبراهيم
البهادري ، مؤسسة الإمام الصادق ـ قم ١٤٢٠ هـ ، الطبعة الاولى.
٩٢
ـ التحفة المدنية في العقيدة السلفية :
لال معمر ، الشيخ
حمد بن ناصر بن عثمان ( ت ١٢٥٥ ه ) ، تحقيق : عبدالسلام بن برجس بن ناصر آل
عبدالكريم ، دار العاصمة للنشر والتوزيع ـ الرياض ـ ١٤١٣ ه ، الطبعة : الأولى.
٩٣
ـ تذكرة الفقهاء :
للعلامة الحلي ، أبي
منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الاسدي ( ت ٧٢٦ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة ال البيت
لاحياء التراث ـ قم ١٤١٤ ه ، الطبعة الاولى.
٩٤
ـ التسهيل لعلوم التنزيل :
الغرناطي ، محمد
بن أحمد بن محمد الكلبي ( ت ٧٤١ ه ) ، دار الكتاب العربي ـ لبنان ـ ١٤٠٣ ه ـ
١٩٨٣ م ، الطبعة : الرابعة.
٩٥
ـ تصحيح اعتقادات الإمامية :
للشيخ المفيد ، محمد
بن أحمد بن محمد الكلبي ( ت ٧٤١ ه ) ، دار الكتاب العربي ـ لبنان ـ ١٤٠٣ ه ـ
١٩٨٣ م ، الطبعة : الرابعة.
٩٦
ـ تطور المباني الفكرية للتشيع في القرون الثلاثة الاولى :
للدكتور حسين
الطباطبائي المدرسي ، ترجمة : الدكتور فخري مشكور ، طبع في قم ـ إيران.
٩٧
ـ تعليقة الوحيد البهبهاني على كتاب منهج المقال للاسترابادي (المطبوع في أوله) :
المولى محمد باقر
الوحيد البهبهاني ( ت ١٢٠٥ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم
١٤٢٢ ه ، الطبعة الاولى.
٩٨
ـ تفسير الإمام العسكري = ( المنسوب إليه 7 ) ( ت ٢٦٠ ه ) ، مدرسة
الإمام الهادي ـ قم ١٤٠٩ ه ، الطبعة الاولى.
٩٩
ـ تفسير ابن كثير = تفسير القرآن العظيم :
لإسماعيل بن عمر
بن كثير الدمشقي أبو الفداء ( ت ٧٧٤ ه ) ، دار الفكر ـ بيروت ـ ١٤٠١ ه.
١٠٠
ـ تفسير أبي حمزة الثمالي :
لثابت بن دينار
الثمالي ( ت ١٤٨ ه ) ، تحقيق : عبدالرزاق محمد حسين حرز الدين ، الشيخ محمد هادي
معرفة ، دفتر نشر الهادي ـ قم ١٤٢٠ ه ، الطبعة : الاولى.
١٠١
ـ تفسير البحر المحيط :
لأبي حيان
الاندلسي ، محمد بن يوسف ( ت ٧٤٥ ه ) ، تحقيق : الشيخ عادل أحمد عبدالموجود ـ
الشيخ على محمد معوض ، دار الكتب العلمية ـ لبنان / بيروت ـ ١٤٢٢ ه ـ ٢٠٠١ م ، الطبعة
: الأولى.
١٠٢
ـ تفسير البغوي :
للحسين بن مسعود
الفراء البغوي الشافعي ، ( ت ٥١٦ ه ) ، تحقيق : خالد عبدالرحمن الك ، دار المعرفة
ـ بيروت.
١٠٣
ـ تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القران :
لعبد الرحمن بن
محمد بن مخلوف الثعالبي ( ت ٨٧٥ ه ) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.
١٠٤
ـ تفسير الثعلبي = الكشف والبيان في تفسير القران :
لأبي إسحاق
الثعلبي ، أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري ( ت ٤٢٧ ه ) تحقيق : أبي محمد بن
عاشور ، نظير الساعدي ، دار احياء التراث العربي ـ بيروت ١٤٢٢ ه ، الطبعة الاولى.
١٠٥
ـ تفسير الحبري :
لأبي عبداللّه
الكوفي ، الحسين بن الحكم بن مسلم ( ٢٨٦ ه ) ، تحقيق : السيد محمد رضا الحسيني
الجلالي ، مؤسسة آل البيت لاحياء التراث ـ قم ١٤٠٨ ه ، الطبعة الاولى.
١٠٦
ـ تفسير السمرقندي = بحر العلوم :
لأبي الليث
السمرقندي ، نصر بن محمد بن أحمد ( ت ٣٨٣ ه ) ، تحقيق : د. محمود مطرجي ، دار
الفكر ـ بيروت.
١٠٧
ـ تفسير السمعاني = تفسير القرآن :
لأبي المظفر منصور
بن محمد بن عبدالجبار السمعاني ( ت ٤٨٩ ه ) ، تحقيق : ياسر بن إبراهيم وغنيم بن
عباس بن غنيم ، دار الوطن ـ الرياض ١٤١٨ ه ـ ١٩٩٧ م ، الطبعة : الأولى.
١٠٨
ـ تفسير الصنعاني :
لعبد الرزاق بن
همام الصنعاني ( ت ٢١١ ه ) ، تحقيق : د. مصطفى مسلم محمد ، مكتبة الرشد ـ الرياض
١٤١٠ ، الطبعة : الأولى.
١٠٩
ـ تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن :
لمحمد بن جرير بن
يزيد بن خالد الطبري ( ت ٣١٠ ه ) ، دار الفكر ـ بيروت ١٤٠٥ ه.
١١٠
ـ تفسير العياشي :
لمحمد بن مسعود بن
عياش السلمي ( ت ٣٢٠ ه ) ، تحقيق : السيّد هاشم المحلاتي ، المكتبة العلمية
الإسلامية ـ طهران.
١١١
ـ تفسير فرات الكوفي :
لفرات بن إبراهيم
( ت ٣٥٢ ه ) ، تحقيق: محمد كاظم ، مؤسسة الطباعة والنشر التابعة لوزارة الثقافة
والارشاد الإسلامي ـ طهران ١٤١٠ هـ ، الطبعة الاولى.
١١٢
ـ تفسير القرطبي = الجامع لاحكام القرآن :
لأبي عبداللّه
القرطبي ، محمد بن أحمد الأنصاري ( ت ٦٧١ ه ) ، دار الشعب ـ القاهرة.
١١٣
ـ تفسير القمي :
لأبي الحسن القمي
، علي بن إبراهيم (من اعلام القرنين الثالث والرابع الهجري) ، تحقيق : السيد طيب
الموسوي الجزائري ، دار الكتاب للطباعة والنشر ـ قم ١٤٠٤ ه ، الطبعة الثالثة.
١١٤
ـ التفسير الكبير = مفتاح الغيب :
للفخرالرازي ، محمد
بن عمر التميمي الشافعي ( ت ٦٠٦ ه ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٢١ ه ـ ٢٠٠٠ م
، الطبعة : الأولى.
١١٥
ـ تفسير النيسابوري = تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان : لنظام الدين الحسن بن
محمد بن حسين القمي النيسابوري ( ت ٧٢٨ ه ) ، تحقيق : زكريا عميرات ، دار الكتب
العلمية ـ بيروت ١٤١٦ ه ـ ١٩٩٦ م ، الطبعة الاولى.
١١٦
ـ تقريرات السيد البروجردي في اصول الفقه :
لعلي بناه
الاشتهاردي ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤١٧ ه ، الطبعة الاولى.
١١٧
ـ التقرير والتحبير في علم الأصول :
لابن أمير الحاج ،
محمد بن محمد الحلبي الحنفي ( ت ٨٧٩ ه ) ، دار الفكر ـ بيروت ١٤١٧ ه ـ ١٩٩٦ م.
١١٨
ـ تقييد العلم :
للخطيب البغدادي ،
أحمد بن علي ( ت ٤٦٣ ه ) ، دار إحياء السنة النبوية.
١١٩
ـ تلخيص الخلاف وخلاصة الاختلاف :
لراشد الصيمري ، مفلح
بن الحسن (الحسين) البحراني ( ت حدود ٩٠٠ ه ) ، نشر مكتبة المرعشي النجفي ـ قم ١٤٠٨
ه.
١٢٠
ـ تلخيص المرام في معرفة الاحكام :
العلامة الحلي :
الحسن بن يوسف بن المطهر الاسدي ( ت ٧٢٦ ه ) ، تحقيق : هادي القبيسي ، مركز النشر
الإسلامي ـ قم ١٤٢١ ه ، الطبعة الاولى.
١٢١
ـ تمام المنة في التعليق على فقه السنة :
للالباني ، محمد
ناصر الدين ، دار الراية ـ الرياض ، المكتبة الإسلامية ـ عمان ١٤٠٩ ه ، الطبعة
الثانية.
١٢٢
ـ التنبيه والاشراف :
للمسعودي ، أبي
الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي ، ( ت ٣٤٦ ه ).
١٢٣
ـ التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع :
لأبي الحسن الملطي
، محمد بن أحمد بن عبدالرحمن الشافعي ( ت ٣٧٧ ه ) ، تحقيق : محمد زاهد بن الحسن
الكوثري ، المكتبة الأزهرية للتراث ـ مصر ١٤١٨ ه ـ ١٩٩٧ م.
١٢٤
ـ التنقيح الرائع لمختصر الشرائع :
للفاضل المقداد
السيوري ، جمال الدين المقداد بن عبداللّه ( ت ٨٢٦ ه ) ، تحقيق : السيد عبداللطيف
الحسيني الكوهكمري ، مكتبة المرعشي النجفي ـ قم ١٤٠٤ ه ، الطبعة الاولى.
١٢٥
ـ تنوير الحوالك شرح موطأ مالك :
للسيوطي ، عبدالرحمن
بن أبي بكر ( ت ٩١١ ه ) ، المكتبة التجارية الكبرى ـ مصر ١٣٨٩ ه ـ ١٩٦٩ م.
١٢٦
ـ تهذيب الاحكام :
للشيخ الطوسي ، محمد
بن الحسن ( ت ٤٦٠ ه ) ، تحقيق : السيد حسن الموسوي الخرسان ، دار الكتب الإسلامية
ـ طهران ١٣٦٤ ه ش ، الطبعة الثالثة.
١٢٧
ـ التوحيد :
للشيخ الصدوق ، أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) تحقيق ، السيد هاشم
الحسيني الطهراني ، ط جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم ـ إيران.
١٢٨
ـ تهذيب اللغة :
للازهري ، أبي
منصور محمد بن أحمد ( ت ٣٧٠ ه ) ، تحقيق : محمد عوض مرعب ، دار إحياء التراث
العربي ـ بيروت ٢٠٠١ م ، الطبعة : الأولى.
١٢٩
ـ التيسير بشرح الجامع الصغير :
للمناوي ، زين
الدين عبدالرؤوف ( ت ١٠٣١ ه ) ، مكتبة الإمام الشافعي ـ الرياض ـ ١٤٠٨ ه ـ ١٩٨٨ م
، الطبعة : الثالثة.
١٣٠
ـ ثواب الاعمال وعقاب الاعمال :
للشيخ الصدوق ، أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) ، تحقيق : السيد محمد
مهدي حسن الخرسان ، الشريف الرضي ـ قم ١٣٦٨ ه ش ، الطبعة الثانية.
١٣١
ـ الجامع لاحكام الشرائع :
للحاج محد كريم
خان الكرماني ، نشر مطبعة السعادة ـ كرمان ١٣٦٧ ه ، الطبعة الاولى.
١٣٢
ـ جامع الشتات (فارسي) :
للميرزا القمي ، أبي
القاسم بن الحسن الجيلاني الجابلاقي القمي ( ت ١٢٣١ ه ) ، تحقيق : مرتضى مرتضوي ،
مؤسسة كيهان ـ طهران ١٣٧١ ه ش ، الطبعة الاولى.
١٣٣
ـ الجامع للشرائع :
للحلي ، محمد بن
سعيد ( ت ٦٨٩ ه ) ، تحقيق : الشيخ جعفر السبحاني ، مؤسسة سيد الشهداء ـ قم ١٤٠٥ ه
، الطبعة الاولى.
١٣٤
ـ الجامع الصغير في احاديث البشير النذير :
للسيوطي ، جلال
الدين عبدالرحمن بن أبي بكر ( ت ٩١١ ه ) ، دار الفكر ـ بيروت ١٤٠١ ه ، الطبعة
الاولى.
١٣٥
ـ جامع المقاصد في شرح القواعد :
للمحقق الكركي ، الشيخ
علي بن الحسين ( ت ٩٤٠ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم ١٤٠٨
ه ، الطبعة الاولى.
١٣٦
ـ جزء اشيب :
لأبي علي الاشيب ،
الحسن بن موسى البغدادي ( ت ٢٠٩ ه ) ، تحقيق : خالد بن قاسم ، دار علوم الحديث ـ
الفجيرة ١٤١٠ ه ـ ١٩٩٠ م ، الطبعة : الأولى.
١٣٧
ـ الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم :
لمحمد بن فتوح
الحميدي ( ت ١٠٩٥ ه ) ، تحقيق : د. علي حسين البواب ، دار النشر : دار ابن حزم ـ
لبنان / بيروت ١٤٢٣ ه ـ ٢٠٠٢ م ، الطبعة : الثانية.
١٣٨
ـ جمهرة الأمثال :
لأبي هلال العسكري
( ت ٣٩٥ ه ) ، دار الفكر بيروت ١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٨ م.
١٣٩
ـ جمهرة خطب العرب :
لأحمد زكي صفوت ، دار
النشر : المكتبة العلمية ـ بيروت.
١٤٠
ـ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح :
لأبن تيمية ، أحمد
عبدالحليم بن عبدالسلام ( ت ٧٢٨ هـ ) ، تحقيق : علي سيد صبح المدني ، مطبعة المدني
ـ القاهرة.
١٤١
ـ جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار :
للصعدي ، محمد بن
يحيى بن محمد بن أحمد ( ت ٩٥٧ ه ) ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ١٣٧٩ ه.
١٤٢
ـ جواهر الفقه :
للقاضي ابن براج
الطرابلسي ، عبدالعزيز بن براج ( ت ٤٨١ ه ) ، تحقيق : إبراهيم بهادري ، مؤسسة
النشر الإسلامي ـ قم ١٤١١ ه ، الطبعة الاولى.
١٤٣
ـ جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام :
للشيخ محمد حسن
النجفي ( ت ١٢٦٦ ه ) ، تحقيق : الشيخ عباس القوجاني ، الشيخ علي الآخوندي ، دار
الكتب الإسلامية ـ طهران ١٣٩٢ ه ، الطبعة الاولى.
١٤٤
ـ جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب :
للباعوني الشافعي
، محمد بن أحمد الدمشقي ( ت ٨٧١ ه ) ، تحقيق : الشيخ محمد باقر المحمودي ، مجمع
احياء الثقافة الإسلامية ـ قم ١٤١٥ ه ، الطبعة الاولى.
١٤٥
ـ حاشية الشيخ سليمان الجمل على شرح المنهج ( لزكريا الأنصاري ت ٩٢٦ ه ) :
لسليمان الجمل ، سليمان
بن عمر بن منصور العجيلي الازهري ( ت ١٢٠٤ ه ) ، دار الفكر ـ بيروت.
١٤٦
ـ حاشية شرائع الإسلام :
للشهيد الثاني ، زين
الدين بن علي بن أحمد العاملي ( ت ٩٦٥ ه ) ، مكتب الاعلام الإسلامى ـ قم ـ إيران.
١٤٧
ـ الحاشية على مدارك الاحكام :
للمولى محمد باقر
الوحيد البهبهاني ( ت ١٢٠٥ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ، مشهد
١٤١٩ ه ـ الطبعة الاولى.
١٤٨
ـ حاشية مجمع الفائدة والبرهان :
للمولى محمد باقر
الوحيد البهبهاني ( ت ١٢٠٥ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة العلامة المجدد الوحيد
البهبهاني ، قم ١٤١٧ ه ، الطبعة الاولى.
١٤٩
ـ الحبل المتين :
للبهائي العاملي ،
محمد بن الحسين بن عبدالصمد الحارثي ( ت ١٠٣٠ ه ) ، مكتبة بصيرتي ـ قم.
١٥٠
ـ الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة :
للشيخ يوسف
البحراني ( ت ١١٨٦ ه ) ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم.
١٥١
ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء :
لأبي نعيم
الأصبهاني ، أحمد بن عبداللّه ( ت ٤٣٠ ه ) ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ١٤٠٥ ه
، الطبعة : الرابعة.
١٥٢
ـ حي على خير العمل الشرعية والشعارية = الأذان بين الأصالة والتحريف :
للسيد علي
الشهرستاني ، دار الغدير قم ١٤٢٦ ه ٢٠٠٦ م ، ط الاولى.
١٥٣
ـ حياة المحقق الكركي وآثاره :
للشيخ محمد الحسون
، دار الاحتجاج ـ قم ١٤٢٣ ه ، الطبعة الاولى.
١٥٤
ـ حلية الابرار في احوال محمد وآله الاطهار :
للسيد هاشم
البحراني ( ت ١١٠٧ ه ).
تحقيق : الشيخ
غلام رضا مولانا البروجردي ، مؤسسة المعارف الإسلامية ـ قم ١٤١١ ه ، الطبعة
الاولى.
١٥٥
ـ خاتمة المستدرك = خاتمة مستدرك الوسائل :
للميرزا النوري ، الشيخ
حسين النوري الطبرسي ( ت ١٣٢٠ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ
قم ١٤١٥ ه ، ط الاولى.
١٥٦
ـ الخصال :
للشيخ الصدوق ، أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) ، تحقيق : علي اكبر
غفاري ، جماعة المدرسين ـ قم ١٤٠٣ ه ، الطبعة الاولى.
١٥٧
ـ خصائص الأئمة :
للشريف الرضي ، أبي
الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي ( ت ٤٠٦ ه ) ، تحقيق : الدكتور
محمد هادي الأميني ، مجمع البحوث
الإسلامية ـ
الاستانة الرضوية ـ مشهد ١٤٠٦ ه.
١٥٨
ـ خصائص علي = خصائص أمير المؤمنين :
للنسائي ، أبي
عبدالرحمان ، أحمد بن شعيب الشافعي ( ت ٣٠٣ ه ) ، تحقيق : محمد هادي الاميني ، مكتبة
نينوى الحديثة ـ طهران ـ إيران.
١٥٩
ـ الخصائص الكبرى :
للسيوطي ، جلال
الدين عبدالرحمن أبي بكر ( ت ٩١١ ه ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٥
م.
١٦٠
ـ خصائص الوحي المبين :
لابن البطريق ، يحيى
بن الحسن الأسدي الربعي الحلي ( ت ٦٠٠ ه ) ، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي ، دار
القرآن الكريم / قم ١٤١٧ ه ، ط الأولى.
١٦١
ـ خلاصة الاقوال في معرفة الرجال = رجال العلامة :
للعلامة الحلي ، أبي
منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الاسدي ( ت ٧٢٦ ه ) ، تحقيق : الشيخ جواد القيومي
، مؤسسة نشر الفقاهة ـ قم ١٤١٧ ه ، الطبعة الاولى.
١٦٢
ـ الخلاف :
للشيخ الطوسي ، أبي
جعفر ، محمد بن الحسن ( ت ٤٦٠ ه ) ، جماعة المدرسين ـ قم ١٤٠٧ ه.
١٦٣
ـ الدارس في تاريخ المدارس :
للنعيمي ، عبدالقادر
بن محمد الدمشقي ( ت ٩٢٧ ه ) ، تحقيق : إبراهيم شمس الدين ، دار الكتب العلمية ـ
بيروتن ١٤١٠ ه ، الطبعة : الأولى.
١٦٤
ـ الدر المنثور :
للسيوطي ، جلال
الدين عبدالرحمن بن الكمال ( ت ٩١١ ه ) ، دار الفكر ـ بيروت ـ ١٩٩٣ م.
١٦٥
ـ الدرة النجفية :
للسيد مهدي بحر
العلوم ( ت ١٢١٢ ه ) ، تقديم : الشيخ محمد هادي الاميني ، مكتبة المفيد ـ النجف
الاشرف ١٤٠٥ ه.
١٦٦
ـ الدروس الشرعية في فقه الإمامية :
للشهيد الأول ، شمس
الدين محمد بن مكي العاملي ( ت ٧٨٦ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم
١٤١٢ ه ، الطبعة الاولى.
١٦٧
ـ دعائم الإسلام :
للقاضي النعمان
المغربي ، النعمان بن محمد بن منصور بن حيون التميمي ( ت ٣٦٣ ه ) ، تحقيق: آصف بن
علي ، دار المعرفة القاهرة ١٣٨٣ ه.
١٦٨
ـ ده رساله = عشرة رسائل ـ فارسي ـ :
لرضا استادي ، مكتب
النشر الإسلامي ـ قم ١٣٨٠ ه.
١٦٩
ـ ديوان دعبل الخزاعي :
لدعبل بن علي بن
الخزاعي ( ت ٢٤٦ ه ) ، شرح وضبط : ضياء حسين الأعلمي ، مؤسسة الاعلمي ـ بيروت ١٤١٧
ه ، الطبعة الاولى.
١٧٠
ـ ديوان علي الحماني :
لعلي بن محمد بن
جعفر العلوي ( ت ٢٤٥ ه ) ، تحقيق : الدكتور محمد حسين الاعرجي ، دار صادر ـ بيروت
١٩٩٨ ه ، الطبعة الاولى.
١٧١
ـ ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى :
لمحب الدين الطبري
، أحمد بن عبداللّه ( ت ٦٩٤ ه ) ، دار الكتب المصرية ـ مصر.
١٧٢
ـ الذخيرة :
للشريف المرتضى ، علم
الهدى علي بن الحسين الموسوي البغدادي ( ت ٤٣٦ ه ) ، مؤسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤١١
ه.
١٧٣
ـ الذخيرة في علم الكلام :
للشريف المرتضى ، علم
الهدى علي بن الحسين الموسوي البغدادي ( ت ٤٣٦ ه ) ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤١١
ه.
١٧٤
ـ ذخيرة المعاد في شرح الارشاد (طبعة حجرية) :
لملا محمد باقر
السبزواري ( ت ١٠٩٠ ه ) ، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم.
١٧٥
ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة :
للشيخ اغا بزرك
طهراني ( ت ١٣٨٩ ه ) ، دار الاضواء ـ بيروت ١٤٠٣ ه ، الطبعة الثالثة.
١٧٦
ـ ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة :
للشهيد الأول ، محمد
بن جمال الدين مكي العاملي ( ت ٧٨٦ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء
التراث ـ قم ١٤١٩ ه ، الطبعة الاولى.
١٧٧
ـ ذيل تاريخ بغداد :
لابن النجار
البغدادي ، محمد بن محمود بن الحسن ( ت ٦٤٣ ه ) ، تحقيق : مصطفى عبدالقادر يحيى ،
دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٧ ه ، الطبعة الاولى.
١٧٨
ـ الذيل على جزء بقي بن مخلد (ما روي في الحوض والكوثر) :
لابن بشكوال ، خلف
بن عبدالملك بن مسعود ( ت ٥٧٨ ه ) ، تحقيق : عبدالقادر محمد عطا صوفي ، مكتبة
العلوم والحكم ـ المدينة المنورة ١٤١٣ ، الطبعة : الأولى.
١٧٩
ـ رجال ابن داود :
لتقي الدين الحسن
بن علي بن داود الحلي ( ت ٧٠٧ ه ) ، تحقيق : السيد محمد صادق ال بحر العلوم ، المطبعة
الحيدرية ـ النجف ، دار الرضي ـ قم ١٣٩٢ ه.
١٨٠
ـ رجال ابن الغضائري :
لاحمد بن الحسين
بن عبيداللّه بن إبراهيم البغدادي (من أعلام القرن الخامس الهجري) ، تحقيق :
السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، دار الحديث ـ قم ١٤٢٢ ه ، الطبعة الأولى.
١٨١
ـ رجال بحر العلوم = الفوائد الرجالية :
للسيد محمد المهدي
بحر العلوم ( ت ١٢١٢ ه ) ، تحقيق : محمد صادق بحر العلوم ، حسين بحر العلوم ، مكتبة
الصادق ـ طهران ١٣٦٣ ه ش ، الطبعة الأولى.
١٨٢
ـ رجال الشيخ = رجال الطوسي :
لأبي جعفر محمد بن
الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ ه ) ، تحقيق : جواد القيومي الاصفهاني ، مؤسسة النشر
الإسلامي ـ قم ١٤١٥ ه ، الطبعة الأولى.
١٨٣
ـ رجال الكشي = اختيار معرفة الرجال :
لأبي جعفر محمد بن
الحسن الطوسي ( ت ٤٦٠ ه ) ، مع تعليقات ميرداماد الاستربادي ، تحقيق : السيد مهدي
الرجائي ، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم ١٤٠٤ ه.
١٨٤
ـ فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشي :
لأبي العباس أحمد
بن علي بن أحمد بن العباس الأسدي الكوفي ( ت ٤٥٠ ه ) ، مؤسسة النشر الإسلاميئ ـ
قم ١٤١٦ ه ، الطبعة الخامسة.
١٨٥
ـ الرسائل التسع :
للمحقق الحلي ، أبي
القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن ( ت ٦٧٦ ه ) ، تحقيق : رضا استادي ، مكتبة
المرعشي النجفي ـ قم ١٤١٣ ه ، الطبعة الأولى.
١٨٦
ـ رسائل الخونساري :
لجمال الدين محمد
بن حسين الخونساري ( ت ١١٢٢ ه ) ، تحقيق : علي اكبر زماني نجاد ، نشر : مؤتمر
المحقق الخونساري ـ قم ، الطبعة الأول.
١٨٧
ـ الرسائل العشر :
لأبن فهد الحلي ، أحمد
بن محمد بن فهد الحلي ( ت ٨٤١ ه ) ، تحقيق : السيد مهدي رجائي ، السيد محمود
المرعشي ، مكتبة المرعشي النجفي ـ قم ١٤٠٩ ه ، الطبعة الأولى.
١٨٨
ـ رسائل الشريف المرتضى :
لعلي بن الحسين بن
موسى ( ت ٤٣٦ ه ) ، تحقيق : السيد أحمد الحسيني ، دار القران ـ قم ١٤٠٥ ه.
١٨٩
ـ رسائل ومسائل (فارسي) :
للنراقي ، ملا
أحمد النراقي ( ت ١٢٤٥ ه ) ، تحقيق : رضا استادي ، نشر المؤتمر العالمي لإحياء
ذكرى الملا مهدي والملا أحمد النراقي قم ١٣٨٠.
١٩٠
ـ الرعاية في علم الدراية :
للشهيد الثاني ، زين
الدين علي بن أحمد الجعبي العاملي ( ت ٩٦٥ ه ) ، تحقيق : عبدالحسين محمد علي
البقال ، مكتبة المرعشي النجفي ـ قم ١٤٠٨ ه ، الطبعة الثانية.
١٩١
ـ الرفع والتكميل في الجرح والتعديل :
للكنوي ، محمد
عبدالحي الهندي ( ت ١٣٠٤ ه ) ، تحقيق : عبدالفتاح أبو غدة ، مكتب المطبوعات الإسلامية
ـ حلب ١٤٠٧ ه ، الطبعة : الثالثة.
١٩٢
ـ الرواشح السماوية :
للميرداماد ، محمد
باقر الحسيني الاسترآبادي ( ت ١٠٤١ ه ) ، تحقيق : غلام حسين قيصريه ها ، نعمة
اللّه الجليلي ، دار الحديث للطباعة والنشر ـ قم ١٤٢٢ ه ، الطبعة الأولى.
١٩٣
ـ روض الجنان في شرح الاذهان (طبعة حجرية) :
للشهيد الثاني ، زين
الدين علي بن أحمد الجعبي العاملي ( ت ٩٦٥ ه ) ،
مؤسسة آل البيت
لإحياء التراث ـ قم.
١٩٤
ـ الروض النضير :
للسياغي ، شرف
الدين الحسين بن أحمد ( ت ١٢٢١ ه ) ، مكتبة المؤيد ـ الطائف ، الطبعة الثانية.
١٩٥
ـ روضات الجنات في احوال العلماء والسادات :
للخوانساري ، الميرزا
محمد باقر الموسوي الاصبهاني ( ت ١٣١٣ ه ) ، نشر مؤسسة إسماعيليان ـ قم.
١٩٦
ـ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية :
للشهيد الثاني ، زين
الدين الجبعي العاملي ( ت ٩٦٥ ه ) ، تحقيق : السيد محمد كلانتر ، مكتبة الداوري ـ
قم ١٤١٠ ه ، الطبعة الأولى.
١٩٧
ـ روضة الواعظين :
للفتال النيسابوري
، محمد بن الفتال النيسابوري ( ت ٥٠٨ ه ) ، تحقيق : السيد محمد مهدي حسن الخرسان
، دار الشريف الرضي ـ قم.
١٩٨
ـ روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه :
للمجلسي الاول ، محمد
تقي بن مقصود علي الاصفهاني ( ت ١٠٧٠ ه ) ، تحقيق : السيد حسين الموسوي الكرماني
، الشيخ علي بناه الاشتهاردي ، السيد فضل اللّه الطباطبائي ، المؤسسة الثقافية
الإسلامى لكوشانبور ـ قم ١٤٠٦ ه ، الطبعة الثانية.
١٩٩
ـ رياض المسائل :
للسيد علي
الطباطبائي ( ت ١٢٣١ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤١٢ ه ، الطبعة
الأولى.
٢٠٠
ـ زاد المسير في علم التفسير :
لابن الجوزي ، عبدالرحمن
بن علي بن محمد الجوزي ( ت ٥٩٧ ه ) ، المكتب
الإسلامي ـ بيروت
١٤٠٤ ، الطبعة : الثالثة.
٢٠١
ـ سداد العباد ورشاد العباد :
لآل عصفور البحراني
، الحسين بن محمد ( ت ١٢١٦ ه ) ، تحقيق : محسن آل عصفور ، نشر محلاتي ـ قم ١٤١٢ ه
، الطبعة الأولى.
٢٠٢
ـ سر الإيمان :
للمقرم ، عبدالرزاق
الموسوي ( ت ١٣٩١ ه ) ، نشر سيد الشهداء ـ قم ١٤١٢ ه ، الطبعة الثالثة.
٢٠٣
ـ السرائر :
لابن إدريس الحلي
، أبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد ( ت ٥٨٩ ه ) ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤١٠
ه ، الطبعة الثانية.
٢٠٤
ـ سفرنامه ناصر خسرو :
لناصر خسرو
قبادياني ( ت ٤٨١ ه ) ، تحقيق : الدكتور يحيى الخشاب ، دار الكتاب الجديد ـ بيروت
١٩٨٣ م ، الطبعة الثالثة.
٢٠٥
ـ سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي :
للعاصمي ، عبدالملك
بن حسين بن عبدالملك الشافعي المكي ( ت ١١١١ ه ) ، تحقيق : عادل أحمد عبدالموجود
ـ علي محمد معوض ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٩ ه ـ ١٩٩٨ م.
٢٠٦
ـ سنن أبي داود :
لأبي داود
السجستاني ، سليمان بن الأشعث الأزدي ( ت ٢٧٥ ه ) ، تحقيق : محمد محيي الدين
عبدالحميد ، دار الفكر ـ بيروت.
٢٠٧
ـ سنن ابن ماجة :
لأبي عبداللّه
القزويني ، محمد بن يزيد ( ت ٢٧٥ ه ) ، تحقيق : محمد فؤاد عبدالباقي ، دار الفكر
ـ بيروت.
٢٠٨
ـ سنن البيهقي الكبرى :
لأبي بكر البيهقي
، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ( ت ٤٥٨ ه ) ، تحقيق : محمد عبدالقادر عطا ، مكتبة
دار الباز ـ مكة ١٤١٤ ه ـ ١٩٩٤ م.
٢٠٩
ـ سنن الترمذي = الجامع الصحيح :
لأبي عيسى الترمذي
السلمي ، محمد بن عيسى بن سورة ( ت ٢٧٩ ه ) ، تحقـيق : أحمد محمد شـاكر وآخرون ، دار
إحياء التـراث العربي ـ بيـروت ١٣٥٧ ه.
٢١٠
ـ سنن الدارقطني :
لعلي بن عمر أبو
الحسن الدارقطني البغدادي ، تحقيق : السيد عبداللّه هاشم يماني المدني ، دار
النشر : دار المعرفة ـ بيروت ـ ١٣٨٦ ـ ١٩٦٦.
٢١١
ـ سنن الدارمي :
لأبي محمد الدارمي
، عبداللّه بن عبدالرحمن ( ت ٢٥٥ ه ) ، تحقيق : فواز أحمد زمرلي ، خالد السبع
العلمي ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ ١٤٠٧ ، الطبعة : الأولى.
٢١٢
ـ سنن سعيد بن منصور :
لسعيد بن منصور
الخراساني ( ت ٢٢٧ ه ) ، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي ، الدار السلفية ـ الهند ١٤٠٣
ه ـ ١٩٨٢ م ، الطبعة الأول ، وطبعة ثانية ، تحقيق : د. سعد بن عبداللّه بن
عبدالعزيز آل حميد ، دار العصيمي ـ الرياض ١٤١٤ ه ، الطبعة الأولى.
٢١٣
ـ السنن الكبرى للنسائي :
لأبي عبدالرحمن
النسائي ، أحمد بن شعيب ( ت ٣٠٣ ه ).
تحقيق : د.
عبدالغفار سليمان البنداري ، سيد كسروي حسن ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١١ هـ ـ
١٩٩١ م ، الطبعة الأولى.
٢١٤
ـ السنة لابن أبي عاصم :
لعمرو بن أبي عاصم
الضحاك الشيباني ( ت ٢٨٧ ه ) ، تحقيق : محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب
الإسلامي ـ بيروت ١٤٠٠ ه ، الطبعة الأولى.
٢١٥
ـ سنن النسائي (المجتبى من السنن) :
لأبي عبدالرحمن
النسائي ، أحمد بن شعيب ( ت ٣٠٣ ه ) ، تحقيق : عبدالفتاح أبو غدة ، مكتب
المطبوعات الإسلامية ـ حلب ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦ م ، الطبعة الثانية.
٢١٦
ـ سير اعلام النبلاء :
للذهبي ، محمد بن
أحمد بن عثمان بن قايماز ( ت ٧٤٨ ه ) ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، محمد نعيم العرقسوسي
، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ ١٤١٣ ه ، الطبعة التاسعة.
٢١٧
ـ السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون :
لعلـي بن برهـان
الدين الحلـبي ( ت ١٠٤٤ ه ) ، دار المعـرفة ـ بيروت ـ ١٤٠٠ ه.
٢١٨
ـ السيرة النبوية لابن هشام = سيرة ابن هشام :
للحميري المعافري
، عبدالملك بن هشام بن أيوب ، ( ت ٢١٨ ه ) ، تحقيق : طه عبدالرؤوف سعد ، دار
الجيل ـ بيروت ١٤١١ ه ، الطبعة الأولى.
٢١٩
ـ السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار :
للشوكاني ، محمد
بن علي بن محمد ( ت ١٢٥٥ ه ) ، محمود إبراهيم زايد ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ
١٤٠٥ ه ، الطبعة الأولى.
٢٢٠
ـ شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام :
للمحقق الحلي ، أبي
القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن ( ت ٦٧٦ ه ) ، تحقيق : السيد صادق الشيرازى ، مؤسسة
الوفاء ـ بيروت ١٤٠٣ ، الطبعة الثالثة.
٢٢١
ـ شرح الاخبار في فضائل الأئمة الاطهار :
للقاضي النعمان
المغربي ، أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي ( ت ٣٦٣ ه ) ، تحقيق : السيد محمد
الحسيني الجلالي ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤١٤ ه ، الطبعة الثانية.
٢٢٢
ـ شرح الأزهار :
لأحمد المرتضى ( ت
٨٤٠ ه ) ، مكتبة غمضان ، صنعاء ـ اليمن.
٢٢٣
ـ شرح اصول الكافي :
للمازندراني ، المولى
محمد صالح ( ت ١٠٨١ ه ) ، تحقيق : الميرزا أبو الحسن الشعراني ، السيد علي عاشور
، دار احياء التراث العربي ـ بيروت ١٤٢١ ه ، الطبعة الأولى.
٢٢٤
ـ شرح البداية في علم الدراية :
للشهيد الثاني ، زين
الدين بن عليبن أحمد العاملي ( ت ٩٦٥ ه ) ، تحقيق : عبدالحسين محمد علي البقال ، مكتبة
جهل ستون العامة ـ اصفهان ١٤٠٢ ه ، الطبعة الأولى المحققة.
٢٢٥
ـ شرح التجريد :
للقوشجي ، علاء
الدين ( ت ٨٧٩ ه ) ، منشورات الرضي ، قم ـ إيران.
٢٢٦
ـ شرح الزرقاني على موطأ مالك :
للزرقاني ، محمد
بن عبدالباقي بن يوسف ( ت ١١٢٢ ه ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١١ ه ، الطبعة
الأولى.
٢٢٧
ـ شرح العضدي علي المختصر الاصولي لابن الحاجب :
لعضد الدين الايجي
، عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالغفار الشيرازي الشافعي ( ت ٧٥٦ ه ) ، صحيحه : أحمد
رامز ، طبع حسن حلمي ١٣٠٧ هـ.
٢٢٨
ـ شرح مذاهب أهل السنة ومعرفة شرائع الدين والتمسك بالسنن :
لأبي حفص ، عمر بن
أحمد بن عثمان بن شاهين ( ت ٣٨٥ ه ، تحقيق : عادل بن محمد ، مؤسسة قرطبة للنشر
والتوزيع ٧ ١٤١٥ ه ـ ١٩٩٥ م ، الطبعة الأولى.
٢٢٩
ـ شرح مشكل الآثار :
لأبي جعفر الطحاوي
، أحمد بن محمد بن سلامة ( ت ٣٢١ ه ) ، تحقيق : شعيب الأرنؤوط ، مؤسسة الرسالة ـ
بيروت ١٤٠٨ ه ـ ١٩٨٧ م ، الطبعة الأولى.
٢٣٠
ـ شرح معاني الآثار :
لأبي جعفر الطحاوي
، أحمد بن محمد بن سلامة ( ت ٣٢١ ه ) ، تحقيق : محمد زهري النجار ، دار الكتب
العلمية ـ بيروت ١٣٩٩ ه ، الطبعة الأولى.
٢٣١
ـ شرح المعتمد :
لأبي السراج
القاضي ، محمود بن أحمد بن مسعود القونوي الحنفي ( ت ٧٧٠ ، ٧٧٧ ه ).
٢٣٢
ـ شرح المقاصد في علم الكلام :
للتفتازاني ، سعد
الدين مسعود بن عمر بن عبداللّه ( ت ٧٩٣ ه ) ، دار المعارف النعمانية ـ باكستان ١٤٠١
ه ـ ١٩٨١ م ، الطبعة الأولى.
٢٣٣
ـ شرح نهج البلاغة :
لأبن أبي الحديد ،
عز الدين بن هبة اللّه بن محمد ( ت ٦٥٦ ه ) ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار
احياء الكتب العربية ـ ١٣٧٨ ه ، الطبعة الأولى.
٢٣٤
ـ شرح النووي علي صحيح مسلم :
لأبي زكريا ، يحيى
بن شرف بن مري النووي ( ٦٧٦ ه ) ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ١٣٩٢ ه ، الطبعة
الثانية.
٢٣٥
ـ الشمائل الشريفة :
للسيوطي ، جلال
الدين عبدالرحمن بن أبي بكر ( ت ٩١١ ه ) ، تحقيق : حسن
بن عبيد باحبيشي ،
دار طائر العلم للنشر والتوزيع.
٢٣٦
ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل :
للحاكم الحسكاني ،
عبيداللّه بن عبداللّه بن أحمد (من أعلام القرن الخامس ، تحقيق : الشيخ محمد
باقر المحمودي ، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الإسلامي ـ
طهران ١٤١١ ه ، الطبعة الأولى.
٢٣٧
ـ الشهادة الثالثة :
للشيخ محمد السند
، قرره : الشيخ علي الشكري البغدادي ، طهران ١٣٨٥ ه ، الطبعة الأولى.
٢٣٨
ـ الشهادة الثالثة (فارسي) :
لعبد الرضا
الابراهيمي ، نشر مطبعة السعادة ـ كرمان.
٢٣٩
ـ صبح الأعشى في صناعة الإنشا :
للقلقلشندي ، أحمد
بن علي بن أحمد الفزاري ( ت ٨٢١ ه ) ، تحقيق : عبدالقادر زكار ، وزارة الثقافة ـ
دمشق ـ ١٩٨١ م.
٢٤٠
ـ صحيح ابن حبان (بترتيب ابن بلبان الفارسي) :
لأبي حاتم التميمي
البستي ، محمد بن حبان بن أحمد ( ت ٣٥٤ ه ) ، تحقيق : شعيب الأرنؤوط ، مؤسسة
الرسالة ـ بيروت ١٤١٤ ه ـ ١٩٩٣ م ، الطبعة الثانية.
٢٤١
ـ صحيح ابن خزيمة :
لأبي بكر السلمي النيسابوري
، محمد بن إسحاق بن خزيمة ( ت ٣١١ ه ) ، تحقيق : د. محمد مصطفى الأعظمي ، المكتب
الإسلامي ـ بيروت ١٣٩٠ ه ـ ١٩٧٠ م.
٢٤٢
ـ صحيح البخاري :
لأبي عبداللّه
البخاري ، محمد بن إسماعيل الجعفي ( ت ٢٥٦ ه ) ، تحقيق : د. مصطفى ديب البغا ، دار
ابن كثير ، اليمامة ـ بيروت ١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧ م ، الطبعة
الثالثة.
٢٤٣
ـ صحيح مسلم :
لأبي الحسين
القشيري النيسابوري ، مسلم بن الحجاج ( ت ٢٦١ ه ) ، تحقيق : محمد فؤاد عبدالباقي
، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
٢٤٤
ـ الصحيفة السجادية :
للإمام زين
العابدين 7 ( ت ٩٤ ه ) ، تحقيق : السيد محمد باقر الموحد الابطحي الاصفهاني ، مؤسسة
الإمام المهدي ـ قم ١٤١١ هـ ، الطبعة الأولى.
٢٤٥
ـ الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم :
للبياضي العاملي ،
علي بن يونس النباطي أبي محمد ( ت ٨٧٧ ه ) ، تحقيق : محمد باقر البهبودي ، المكتبة
المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ـ إيران ١٣٨٤ ه ، الطبعة الأولى.
٢٤٦
ـ صفات الشيعة :
للشيخ الصدوق :
أبي محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) ، مركز عابدي
للنشر ـ طهران.
٢٤٧
ـ الصواعق المحرقة :
لابن حجر الهيثمي
، أبي العباس أحمد بن محمد بن علي ( ت ٩٧٣ ه ) ، تحقيق : عبدالرحمن بن عبداللّه
التركي ـ كامل محمد الخراط ، مؤسسة الرسالة ـ لبنان ١٤١٧ ه ـ ١٩٩٧ م ، الطبعة
الأولى.
٢٤٨
ـ طبقات ابن سعد = الطبقات الكبرى :
لمحمد بن سعد بن
منيع البصري الزهري ( ت ٢٣٠ ه ) ، دار النشر : دار صادر ـ بيروت.
٢٤٩
ـ طبقات الشافعية الكبرى :
للسبكي ، تاج
الدين بن علي بن عبدالكافي ( ت ٧٥٦ ه ) ، تحقيق : د. محمود
محمد الطناحي د.
عبدالفتاح محمد الحلو ، دار النشر : هجر للطباعة والنشر والتوزيع ـ ١٤١٣ ه ، الطبعة
: ط ٢.
٢٥٠
ـ عدة الاصول = العدة في اصول الفقه :
للشيخ الطوسي ، أبي
جعفر محمد بن الحسن ( ت ٤٦٠ ه ) ، تحقيق : محمد رضا الانصاري ، مطبعة ستارة ـ قم ١٤١٧
ه ، الطبعة الأولى.
٢٥١
ـ عدة الرجال :
للاعرجي ، السيد
محسن بن الحسن الحسيني الكاظمي ( ت ١٢٢٧ ه ) ، تحقيق : مؤسسة الهداية لإحياء
التراث ، نشر مؤسسة إسماعيليان ـ قم ١٤١٥ ه.
٢٥٢
ـ العزلة :
للخطابي ، أبي
سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم البستي ( ت ٣٨٨ ه ) ، المطبعة السلفية ـ القاهرة ١٣٩٩
ه ، الطبعة الثانية.
٢٥٣
ـ العقد النضيد والدر الفريد في فضائل أمير المؤمنين وأهل البيت :
للقمي ، محمد بن
الحسن (من اعلام القرن السابع) ، تحقيق : علي أواسط الناطقي ، دار الحديث للطباعة
والنشر ـ قم ١٤٢٣ ه ، الطبعة الأولى.
٢٥٤
ـ علل الشرائع :
للشيخ الصدوق ، أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) ، تحقيق : السيد محمد
صادق بحر العلوم ، المكتبة الحيدرية ـ النجف الأشرف ١٣٨٥ ه.
٢٥٥
ـ العمدة = عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب امام الابرار :
لأبن البطريق ، يحيى
بن الحسن الأسدي ( ت ٦٠٠ ه ) ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤٠٧ ه.
٢٥٦
ـ عمدة القارئ شرح صحيح البخاري :
للعيني ، بدر
الدين محمود بن أحمد ٨٥٥ ه ، دار إحياء التراث العربي ـ
بيروت.
٢٥٧
ـ عوالي اللئالي العزيزية في الاحاديث الدينية :
لابن أبي جمهور
الاحسائي ، محمد بن علي بن إبراهيم ( ت ٨٩٥ ه ) ، تحقيق : الحاج آقا مجتبى
العراقي ، مطبعة سيد الشهداء ـ قم ١٤٠٣ ه ، الطبعة الأولى.
٢٥٨
ـ عيون أخبار الرضا :
للشيخ الصدوق ، أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بايويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) ، تحقيق : الشيخ حسن
الاعلمي ، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ـ بيروت ١٤٠٤ ه.
٢٥٩
ـ عيون الحكم والمواعظ :
للواسطي ، الشيخ
كافي الدين أبي الحسن علي بن محمد الليثي (من اعلام الإمامية في القرن السادس) ، تحقيق
: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي ، دار الحديث ـ قم ، الطبعة الاولى.
٢٦٠
ـ الغارات :
للثقفي ، أبي
إسحاق إبراهيم بن محمد الكوفى ( ت ٢٨٣ ه ) ، تحقيق : السيد جلال الدين المحدث ، طبع
بالاوفسيت في مطابع بهمن.
٢٦١
ـ غاية المرام في شرح شرائع الإسلام :
لراشد الصيمري ، مفلح
بن الحسن ( ت حدود ٩٠٠ ه ) ، تحقيق : جعفر الكوثراني العاملي ، دار الهادي ـ
بيروت ١٤٢٠ ه ، الطبعة الأولى.
٢٦٢
ـ الغدير في الكتاب والسنة والادب :
للاميني ، عبدالحسين
بن أحمد الاميني ( ت ١٣٩٢ ه ) ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ١٣٩٧ ه ، الطبعة
الرابعة.
٢٦٣
ـ غرر الخصائص الواضحة :
للوطواط ، محمد بن
إبراهيم الأنصاري الكتبي ، (ت ٧١٨ ه ـ ١٣١٨ م).
٢٦٤
ـ غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام :
للميرزا أبو
القاسم القمي ( ت ١٢٢١ ه ) ، تحقيق : الشيخ عباس تبريزيان ، مكتب الاعلام
الإسلامي ـ قم ١٤١٧ ه ، الطبعة الأول.
٢٦٥
ـ غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع :
لابن زهرة الحلبي
، حمزة بن علي ( ت ٥٨٥ ه ) ، تحقيق : الشى إبراهيم البهادري ، مؤسسة الإمام
الصادق ـ ق ١٤١٧ ه ، الطبعة الأولى.
٢٦٦
ـ الغيبة :
لابن أبي زينب
النعماني ، أبي عبداللّه محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب من علماء القرن الرابع
الهجري ، تحقيق : فارس حسون كريم ، انوار الهدى ـ قم ١٤٢٢ هـ ، الطبعة الأولى.
٢٦٧
ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري :
لابن حجر
العسقلاني ، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل الشافعي ( ت ٨٥٢ ه ) ، تحقيق : محب
الدين الخطيب ، دار المعرفة ـ بيروت.
٢٦٨
ـ فتح العزيز = الشرح الكبير :
للرافعي ، عبدالكريم
( ت ٦٢٣ ه ) ، نشر دار الفكر.
٢٦٩
ـ فتح المغيث شرح ألفية الحديث :
للسخاوي ، شمس
الدين محمد بن عبدالرحمن ( ت ٩٠٢ ه ) ، دار الكتب العلمية ـ لبنان ـ ١٤٠٣ ه ، الطبعة
الأولى.
٢٧٠
ـ الفتوح :
لابن اعثم الكوفي
، أبي محمد أحمد بن اعثم ( ت ٣١٤ ه ) ، تحقيق : علي شيري ، دار الاضواء ـ بيروت ١٤١١
ه ، الطبعة الأولى.
٢٧١
ـ فتوح البلدان :
للبلاذري ، أحمد
بن يحيى بن جابر ( ت ٢٧٩ ه ) ، تحقيق : رضوان محمد
رضوان ، دار الكتب
العلمية ـ بيروت ـ ١٤٠٣ ه.
٢٧٢
ـ الفتوحات المكية :
لابن العربي ، أبي
عبداللّه محمد بن علي ( ت ٦٣٨ ه ) ، دار صادر ـ بيروت.
٢٧٣
ـ الفرحة الانسية في شرح النفحة القدسية :
لآل عصفور
البحراني ، الحسين بن محمد ( ت ١٢١٦ ه ) ، طبعة بيروت.
٢٧٤
ـ الفردوس بمأثور الخطاب :
للديلمي ، أبي
شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الهمذاني ، الملقب : بـ (إلكيا) ( ت ٥٠٩ ه ) ، تحقيق
: السعيد بن بسيوني زغلول ، دار النشر : دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦
م ، الطبعة : الأولى.
٢٧٥
ـ الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية :
لابن طاهر
البغدادي ، عبدالقاهر بن طاهر بن محمد ( ت ٤٢٩ ه ) ، دار الآفاق الجديدة ـ بيروت
١٩٧٧ م ، الطبعة الثانية.
٢٧٦
ـ الفصول المختارة :
للشيخ المفيد ، أبي
عبداللّه محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي ( ت ٤١٣ ه ) ، تحقيق : السيد
علي مير شريفي ، دار المفيد ـ بيروت ١٤١٤ ه ، الطبعة الثانية.
٢٧٧
ـ فضائل ابن شاذان = الروضة في فضائل أمير المؤمنين :
لسديد الدين شاذان
بن جبرئيل القمي ( ت ٦٦٠ ه ) ، تحقيق : علي الشكرجي ، الطبعة الأولى ١٤٢٣ ه.
٢٧٨
ـ فضائل الاشهر الثلاثة (رجب ، شعبان ، رمضان) :
للشيخ الصدوق ، محمد
بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) ، تحقيق : ميرزا غلام رضا
عرفانيان ، دار المحجة البيضاء ـ بيروت ١٤١٢ ه ، الطبعة الثانية.
٢٧٩
ـ فضائل الصحابة :
لأحمد بن حنبل
الشيباني ( ت ٢٤١ ه ) ، تحقيق : د. وصي اللّه محمد عباس ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت
١٤٠٣ ـ ١٩٨٣ ، الطبعة الأولى.
٢٨٠
ـ فقه الرضا :
لابن بابويه القمي
، علي بن الحسين ( ت ٣٢٩ ه ) ، تحقيق : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ، نشر
المؤتمر العالمي للإمام الرضا ـ مشهد ١٤٠٦ ه ، الطبعة الأولى.
٢٨١
ـ الفقيه = من لا يحضره الفقيه :
للشيخ الصدوق ، أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) ، تحقيق : علي اكبر
الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ، الطبعة الثانية.
٢٨٢
ـ فلاح السائل :
لابن طاووس ، أبي
القاسم علي بن موسى بن جعفر ( ت ٦٦٤ ه ) ، مكتب الإعلام الإسلامي ـ قم.
٢٨٣
ـ فوائد الاصول :
للشيخ محمد علي
الكاظمي الخراساني ( ت ١٣٦٥ ه ) ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤٠٤ ه.
٢٨٤
ـ الفوائد الرجالية للبهبهاني (المطبوع بآخر رجال الخاقاني) :
للمولى محمد باقر
الوحيد البهبهاني ( ت ١٢٠٥ ه ) ، تحقيق : السيد محمد صادق بحر العلوم ، مكتب
الاعلام الإسلامي ـ قم ١٤٠٤ ه ، الطبعة الثانية.
٢٨٥
ـ الفوائد الملية لشرح الرسالة النفلية :
للشهيد الثاني ، زين
الدين بن علي بن أحمد العاملي ( ت ٩٦٦ ه ) ، تحقيق : محمد حسين المولوي ، مركز
النشر الإسلامي ـ قم ١٤٢٠ ه ، الطبعة الأولى.
٢٨٦
ـ الفهرست :
للشيخ الطوسي ، أبي
جعفر محمد بن الحسن ( ت ٤٦٠ ه ) ، تحقيق : الشيخ جواد القيومي ، مؤسسة نشر
الفقاهة ـ قم ١٤١٧ ه ، الطبعة الأولى.
وطبعة أخرى :
تحقيق : أحمد عبدالسلام ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٥ ه ، الطبعة الأولى.
٢٨٧
ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير :
للمناوي ، عبدالرؤوف
محمد بن علي الشافعي ( ت ١٠٣١ ه ) ، المكتبة التجارية الكبرى ـ مصر ـ ١٣٥٦ ه ، الطبعة
الأولى.
٢٨٨
ـ قاموس الرجال :
للتستري ، الشيخ
محمد تقي ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ ١٤١٩ ه ، الطبعة الأولى.
٢٨٩
ـ قرب الاسناد :
للحميري ، أبي
العباس عبداللّه بن جعفر القمي (من اعلام القرن الثالث) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل
البيت لإحياء التراث ـ قم ١٤١٣ ه.
٢٩٠
ـ قصص الأنبياء :
لقطب الدين
الراوندي ، سعيد بن هبة اللّه ( ت ٥٧٣ ه ).
تحقيق : غلام رضا
عرفانيان ، مؤسسة الهادي ١٤١٨ ه ، الطبعة الأولى.
٢٩١
ـ القول المسدد في الذب عن المسند للإمام أحمد :
لابن حجر
العسقلاني ، أحمد بن علي أبي الفضل ( ت ٨٥٢ ه ) ، تحقيق ونشر : مكتبة ابن تيمية ـ
القاهرة ١٤٠١ ، الطبعة الأولى.
٢٩٢
ـ قواعد الاحكام :
للعلامة الحلي ، أبي
منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي ( ت ٧٢٦ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة النشر
الإسلامي ـ قم ١٤١٣ ه ، الطبعة الأولى.
٢٩٣
ـ الكافي :
للكليني ، محمد بن
يعقوب بن إسحاق ( ت ٣٢٩ ه ) ، تحقيق : علي اكبر الغفاري ، دار الكتب الإسلامية ـ
طهران ١٣٦٣ ش ، الطبعة الخامسة.
٢٩٤
ـ الكافي في فقه أهل المدينة :
لابن عبدالبر ، أبي
عمر يوسف بن عبداللّه القرطبي ( ت ٤٦٣ ه ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٠٧ ه
، الطبعة الأولى.
٢٩٥
ـ الكافي في الفقه :
لأبي الصلاح
الحلبي ( ت ٤٤٧ ه ) ، تحقيق : رضا استادي ، مكتبة أمير المؤمنين علي العامة ـ
اصفهان.
٢٩٦
ـ كامل الزيارات :
لابن قولويه القمي
، أبي القاسم جعفر بن محمد ( ت ٣٦٨ ه ) ، تحقيق : الشيخ جواد القيومي ، مؤسسة نشر
الفقاهة ـ قم ١٤١٧ ه ، الطبعة الأولى.
٢٩٧
ـ الكامل في التاريخ :
لابن الأثير ، أبي
الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبدالكريم الشيباني ( ت ٦٣٠ ه ) ، تحقيق
: عبداللّه القاضي ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٥ هـ ، الطبعة الثانية.
٢٩٨
ـ كتاب الآثار :
لأبي يوسف القاضي
، يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ( ت ١٨٢ ه ) ، تحقيق : أبو الوفا ، دار الكتب
العلمية ـ بيروت ١٣٥٥ ه.
٢٩٩
ـ كتاب سليم بن قيس :
لسليم بن قيس
الهلالي ( ت ٧٦ ه ) ، تحقيق : محمد باقر الانصاري الزنجاني.
٣٠٠
ـ كتاب الصلاة (التنقيح في شرح العروة الوثقى) :
لعلي التبريزي
الغروي ، دار الهادي للمطبوعات ـ قم ١٤١٠ ه ، الطبعة الثالثة.
٣٠١
ـ كتاب العين :
الفراهيدي ، الخليل
بن أحمد ( ت ١٧٥ ه ) ، تحقيق : د مهدي المخزومي ، د إبراهيم السامرائي ، دار
ومكتبة الهلال.
٣٠٢
ـ الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل : للزمخشري ، أبي
القاسم محمود بن عمر الخوارزمي ( ت ٥٨٣ ه ) ، تحقيق : عبدالرزاق المهدي ، دار
إحياء التراث العربي ـ بيروت.
٣٠٣
ـ كشف الاسرار عن أصول البزدوي :
لعلاء الدين
عبدالعزيز بن أحمد البخاري ( ت ٧٣٠ ه ) ، تحقيق : عبداللّه محمود محمد عمر ، دار
الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٨ ه ـ ١٩٩٧ م.
٣٠٤
ـ كشف الرموز في شرح المختصر النافع :
للفاضل الآبي ، زين
الدين أبي علي الحسن بن أبي طالب ابن أبي المجد اليوسفي ، كان حيا سنة (٦٧٢ ه ) ،
تحقيق : علي بناه الاشتهاردي ، الحاج اغا حسين اليزدي ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم
١٤٠٨ ه.
٣٠٥
ـ كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء (طبعة حجرية) :
للشيخ جعفر كاشف
الغطاء ( ت ١٢٢٨ ه ) ، نشر مهدوي ـ اصفهان.
٣٠٦
ـ كشف الغمة في معرفة الأئمة :
للأربلي ، علي بن
عيسى بن أبي الفتح ( ت ٦٩٣ ه ) ، دار الاضواء ـ بيروت ١٤٠٥ ه.
٣٠٧
ـ كشف اللثام عن قواعد الاحكام :
للفاضل الهندي ، بهاء
الدين محمد بن الحسن الاصفهاني ( ت ١١٣٧ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي
ـ قم ١٤١٦ ه ، الطبعة الأولى.
٣٠٨
ـ كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين :
للعلامة الحلي ، الحسن
بن يوسف بن المطهر ( ت ٧٢٦ ه ) ، تحقيق : حسين
الدركاهي ، الطبعة
الأولى ١٤١١ ه.
٣٠٩
ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر :
للخزاز القمي ، أبي
القاسم علي بن محمد بن علي الرازي (من علماء القرن الرابع) ، تحقيق : السيد
عبداللطيف الحسيني الكوه كمري ، نشر بيدار ـ قم ١٤٠١ هـ.
٣١٠
ـ كفاية الأحكام = كفاية الفقه :
للسبزواري ، المولى
محمد باقر ( ت ١٠٩٠ ه ) ، تحقيق : الشيخ مرتضى الواعظي الاراكي ، مؤسسة النشر
الإسلامي ـ قم ، ١٤٢٣ ه ، الطبعة الثانية.
٣١١
ـ كفاية الطالب :
للكنجي ، محمد بن
يوسف الشافعي ( ت ٦٥٨ ه ) ، طبعة النجف الأشرف.
٣١٢
ـ كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني :
لأبي الحسن
المالكي ، علي بن ناصر الدين الشاذلي ( ت ٩٣٩ ه ) ، تحقيق : يوسف الشيخ محمد
البقاعي ، دار الفكر ـ بيروت ١٤١٢ ه.
٣١٣
ـ الكفاية في علم الرواية :
للخطيب البغدادي ،
أحمد بن علي بن ثابت أبي بكر ( ت ٤٣٦ ه ) ، تحقيق : أبو عبد اللّه السورقي ، إبراهيم
حمدي المدني ، المكتبة العلمية ـ المدينة المنورة.
٣١٤
ـ كنز العرفان في فقه القرآن :
للفاضل المقداد
السيوري ، جمال الدين المقداد بن عبداللّه ( ت ٨٢٦ ه ) ، الطبعة الأولى ـ قم.
٣١٥
ـ كنز العمال في سنن الاقوال والافعال :
للمتقي الهندي ، علاء
الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي ( ت ٩٧٥ ه ) ، تحقيق : محمود عمر الدمياطي
، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٩ ه ـ ١٩٩٨ م ، الطبعة الأولى.
٣١٦
ـ كنز الفوائد (طبعة حجرية) :
لأبي الفتح
الكراجكي ، محمد بن علي ( ت ٤٤٩ ه ) ، مكتبة المصطفوي ـ قم ، الطبعة الثانية ١٣٦٩
ش.
٣١٧
ـ اللباب في تهذيب الأنساب :
لابن الأثير
الجزري ، أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد الشيباني ( ت ٦٣٠ ه ) ، دار
صادر ـ بيروت ١٤٠٠ ه ـ ١٩٨٠ م.
٣١٨
ـ لسان الميزان :
لابن حجر
العسقلاني ، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل الشافعي ( ت ٨٥٢ ه ) ، تحقيق : دائرة
المعارف النظامية ـ الهند ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ١٤٠٦ ه ـ ١٩٨٦ م ، الطبعة
الثالثة.
٣١٩
ـ اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء :
للتبريزي ، المولى
محمد علي بن أحمد القراجه داغي الانصاري ( ت ١٣١٠ ه ) ، تحقيق : السيد هاشم
الميلاني ، مكتب الهادي للنشر ـ قم ١٤١٨ ه ، الطبعة الأولى.
٣٢٠
ـ لوامع صاحبقراني = شرح الفقيه :
للمجلسي الاول
محمد تقي ( ت ١٠٧٠ ه ) ، دار النشر مؤسسة اسماعيليان ـ قم ١٤١٤ ه ، الطبعة
الثانية.
٣٢١
ـ المبسوط :
للسرخسي ، محمد بن
أحمد بن أبي سهل ( ت ٤٨٣ ه ) ، دار النشر : دار المعرفة ـ بيروت.
٣٢٢
ـ المبسوط في فقه الإمامية :
للشيخ الطوسي ، أبي
جعفر محمد بن الحسن بن علي ( ت ٤٦٠ ه ) ، تحقيق : السيد محمد تقي الكشي ، المكتبة
الرضوية لإحياء آثار الجعفرية ـ طهران
١٣٨٧ ش.
٣٢٣
ـ مجالس المؤمنين :
للشوشتري ، القاضي
نور اللّه الشهيد ( ت ١٠١٩ ه ) ، المكتبة الإسلامية ـ طهران ١٣٦٥ ش.
٣٢٤
ـ مجمع الرجال :
للقهبائي ، المولى
عناية اللّه بن علي ( ت بعد سنة ١١٢٦ ه ) ، تحقيق : السيد علاء الدين الشهير
بالعلامة الاصفهاني ، مؤسسة اسماعيليان ـ قم.
٣٢٥
ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد :
للهيثمي ، نور
الدين علي بن أبي بكر ( ت ٨٠٧ ه ) ، دار الريان للتراث ، دار الكتاب العربي ـ
القاهرة ، بيروت ١٤٠٧ ه.
٣٢٦
ـ مجمع الفائدة والبرهان في شرح ارشاد الاذهان :
للاردبيلي ، أحمد (
ت ٩٩٣ ه ) ، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي ، الشيخ علي بناه الاشتهاري ، الحاج اغا
حسين اليزدي ، منشورات جماعة المدرسين ـ قم.
٣٢٧
ـ المجموع شرح المهذب :
للنووي ، محيي
الدين بن شرف ( ت ٦٧٦ ه ).
تحقيق : محمود
مطرحي ، دار الفكر ـ بيروت ١٤١٧ ه ـ ١٩٩٦ م ، الطبعة الأولى.
٣٢٨
ـ مجموعة فتاوى ابن الجنيد :
للشيخ علي بناه
الاشتهاردي ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤١٦ ه ، الطبعة الأولى.
٣٢٩
ـ المحاسن :
للبرقي ، أبي جعفر
أحمد بن محمد بن خالد ( ت ٢٧٤ ه ) ، تحقيق : السيد جلال الدين الحسيني ، دار
الكتب الإسلامية ـ طهران ١٣٧٠ ه.
٣٣٠
ـ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز :
لابن عطية
الاندلسي ، أبو محمد عبدالحق بن غالب ( ت ٥٤٦ ه ) ، تحقيق : عبدالسلام عبدالشافي
محمد ، دار الكتب العلمية ـ لبنان ١٤١٣ ه ـ ١٩٩٣ م ، الطبعة الأولى.
٣٣١
ـ المحلى :
لابن حزم الاندلسي
، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري ، أبو محمد ( ت ٤٥٦ ه ) ، تحقيق : لجنة
إحياء التراث العربي ، دار الآفاق الجديدة ـ بيروت.
٣٣٢
ـ مختصر بصائر الدرجات :
للحلي ، عز الدين
الحسن بن سليمان (من اعلام القرن التاسع) ، نشر الطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ١٣٧٠
ه ، الطبعة الأولى.
٣٣٣
ـ المختصر النافع في فقه الإمامية :
للمحقق الحلي ، أبي
القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي ( ت ٦٧٦ ه ) ، قسم الدراسات الإسلامية في
مؤسسة البعثة ـ طهران ١٤١٠ ه ، الطبعة الثالثة.
٣٣٤
ـ مختلف الشيعة :
للعلامة الحلي ، أبي
منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي ( ت ٧٢٦ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة النشر
الإسلامي ـ قم ١٤١٣ ه ، الطبعة الثانية.
٣٣٥
ـ مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام :
للعاملي ، السيد
محمد بن علي الموسوي ( ت ١٠٠٩ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ
قم ١٤١٠ ه ، الطبعة الأولى.
٣٣٦
ـ المدخل إلى السنن الكبرى :
للبيهقي ، أحمد بن
الحسين بن علي أبي بكر ( ت ٤٥٨ ه ) ، تحقيق : د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي ، دار
الخلفاء للكتاب الإسلامي ـ الكويت ١٤٠٤ ه.
٣٣٧
ـ المدونة الكبرى :
لمالك بن أنس ( ت ١٧٩
ه ) ، دار النشر : دار صادر ـ بيروت.
٣٣٨
ـ المراسم العلوية في الأحكام النبوية :
لسالار بن
عبدالعزيز ، الشيخ أبي يعلى حمزة بن عبدالعزيز الديلمي ( ت ٤٤٨ ه ) ، تحقيق :
السيد محسن الحسيني الاميني ، المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت ـ قم ١٤١٤
ه.
٣٣٩
ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر :
للمسعودي ، أبي
الحسن علي بن الحسين بن علي ( ت ٣٤٦ ه ) ، وضع فهارسه : يوسف أسعد داغر ، الطبعة
الثانية ، دار الهجرة ١٤٠٤ ه إيران ـ قم ، اوفسيت عن الطبعة الأولى ١٣٨٥ ه بيروت
ـ لبنان.
٣٤٠
ـ المسائل السروية :
للشيخ المفيد ، محمد
بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي ( ت ٤١٣ ه ) ، تحقيق : صائب عبدالحميد ، دار
المفيد ـ بيروت ١٤١٤ ه ، الطبعة الثانية.
٣٤١
ـ مسالك الافهام إلى تنقيح شرائع الإسلام :
للشهيد الثاني ، زين
الدين بن علي العاملي ( ت ٩٦٥ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة المعارف الإسلاميبة ـ قم ١٤١٣
ه ، الطبعة الأولى.
٣٤٢
ـ مستدرك الحاكم = المستدرك على الصحيحين :
للحاكم النيسابوري
، محمد بن عبداللّه أبو عبداللّه ( ت ٤٠٥ ه ) ، تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا ، دار
الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١١ ه ـ ١٩٩٠ م ، الطبعة الأولى.
٣٤٣
ـ مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل :
للميرزا النوري ، الطبرسي
، حسين ( ت ١٣٢٠ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم ١٤٠٨ ه ،
الطبعة الأولى المحققة.
٣٤٤
ـ مستدركات أعيان الشيعة :
لحسن الامين ، دار
التعارف للمطبوعات ـ بيروت ١٤١٨ ه ، الطبعة الثانية.
٣٤٥
ـ المسترشد في امامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :
للطبري الامامي ، محمد
بن جرير بن رستم (توفي اوائل القرن الرابع) ، تحقيق : الشيخ أحمد المحمودي ، مؤسسة
الثقافة الإسلامية لكوشانبور ـ قم ١٤١٥ ه ، الطبعة الأولى المحققة.
٣٤٦
ـ المستطرف في كل فن مستظرف :
للابشيهي ، شهاب
الدين محمد بن أحمد الفتح ( ت ٨٥٠ ه ) ، تحقيق : مفيد محمد قميحة دار الكتب
العلمية ـ بيروت ١٤٠٦ ه / ١٩٨٦ م ، الطيعة الثانية.
٣٤٧
ـ مستطرفات السرائر :
لابن إدريس الحلي
، أبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد ( ت ٥٩٨ ه ) ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤١١
ه ، الطبعة الثانية.
٣٤٨
ـ مستمسك العروة الوثقى :
للسيد محسن الحكيم
( ت ١٣٩٠ ه ) ، نشر مكتبة المرعشي ـ قم ١٤٠٤ ه ، ( بالاوفسيت عن مطبعة الآداب ـ
النجف الاشرف ١٣٩١ ه ) ، الطبعة الرابعة.
٣٤٩
ـ مستند الشيعة في أحكام الشريعة :
للنراقي ، المولى
أحمد بن محمد بن مهدي ( ت ١٢٤٥ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث
ـ مشهد ١٤١٥ هـ ، الطبعة الأولى.
٣٥٠
ـ مستند العروة الوثقى :
تقريرات السيد أبو
القاسم الموسوي الخوئي ( ت ١٤١٣ ه ) ، بقلم : الشيخ مرتضى البروجردي.
٣٥١
ـ مسند ابن أبي شيبة :
لأبي بكر ، عبداللّه
بن محمد بن أبي شيبة ( ت ٢٣٥ ه ) ، تحقيق : عادل بن
يوسف العزازي ، وأحمد
بن فريد المزيدي ، دار الوطن ـ الرياض ـ ١٩٩٧ م ، الطبعة الأولى.
٣٥٢
ـ مسند أبي عوانة :
للاسفرايني ، أبي
عوانة يعقوب بن إسحاق ( ت ٣١٦ ه ) ، دار المعرفة ـ بيروت.
٣٥٣
ـ مسند أبي يعلى :
لأبي يعلى الموصلي
، أحمد بن علي بن المثنى التميمي ( ت ٣٠٧ ه ) ، تحقيق : حسين سليم أسد ، دار
المأمون للتراث ـ دمشق ١٤٠٤ ه ـ ١٩٨٤ م ، الطبعة الأولى.
٣٥٤
ـ مسند أحمد :
لأحمد بن حنبل ، أبي
عبداللّه الشيباني ( ت ٢٤١ ه ) ، مؤسسة قرطبة ـ مصر.
٣٥٥
ـ مسند الرضا :
للغازي ، داود بن
سليمان ( ت ٢٠٣ ه ).
تحقيق : السيد
محمد جلال الحسيني الجلالي ، مكتب الاعلام الإسلامي ـ قم ١٤١٨ ه ، الطبعة الأولى.
٣٥٦
ـ مسند البزار :
لأبي بكر البزار ،
أحمد بن عمرو بن عبدالخالق ( ت ٢٩٢ ه ) ، تحقيق : د. محفوظ الرحمن زين اللّه ، مؤسسة
علوم القرآن ، مكتبة العلوم والحكم ـ بيروت ، المدينة ١٤٠٩ ه ، الطبعة الأولى.
٣٥٧
ـ مسند زيد بن علي :
لزيد بن علي بن
الحسين بن أبي طالب ( ت ١٢٢ ه ) ، منشورات دار الحياة ـ بيروت.
٣٥٨
ـ مسند سعد بن أبي وقاص :
لأبي عبداللّه
الدورقي ، أحمد بن إبراهيم بن كثير ( ت ٢٤٦ ه ) ، تحقيق : عامر حسن صبري ، دار
البشائر الإسلامية ـ بيروت ١٤٠٧ ه ، الطبعة الأولى.
٣٥٩
ـ مشاهير علماء الانصار :
لأبن حبان البستي
، محمد بن حبان بن أحمد أبي حاتم التميمي ( ت ٣٥٤ ه ) ، تحقيق : م. فلايشهمر ، دار
الكتب العلمية ـ بيروت ١٩٥٩ م.
٣٦٠
ـ مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع :
للوحيد البهبهاني
، المولى محمد باقر ( ت ١٢٠٥ هـ ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة العلامة المجدد الوحيد
البهبهاني ، الطبعة الأولى ١٣٢٤ ه.
٣٦١
ـ مصباح الفقيه :
للشيخ اغا رضا بن
محمد هادي الهمداني ( ت ١٣٢٢ ه ).
تحقيق : المؤسسة
الجعفرية لإحياء التراث ، دار الفكر ـ ١٤٢٤ ه.
٣٦٢
ـ مصباح المتهجد :
للشيخ الطوسي ، أبي
جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن ( ت ٤٦٠ ه ) ، مؤسسة فقه الشيعة ـ بيروت ١٤١١
ه ، الطبعة الأولى.
٣٦٣
ـ المصنف :
للصنعاني ، أبي
بكر عبدالرزاق بن همام ( ت ٢١١ ه ) ، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي ، المكتبب
الإسلامي ـ بيروت ١٤٠٣ ه ، الطبعة الثانية.
٣٦٤
ـ مصنف ابن أبي شيبة :
لأبي بكر بن أبي
شيبة ، عبداللّه بن محمد الكوفي ( ت ٢٣٥ ه ) ، تحقيق : كمال يوسف الحوت ، مكتبة
الرشد ـ الرياض ١٤٠٩ ه ، الطبعة الأولى.
٣٦٥
ـ مصنفات الشيخ المفيد :
لأبي عبداللّه
محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي ( ت ٤١٣ ه ) ، نشر : المؤتمر العالمي
لألفية الشيخ المفيد ، الطبعة الأولى ١٤١٣ ه.
٣٦٦
ـ المطالب العالية :
لأبن حجر
العسقلاني ، أحمد بن علي الشافعي ( ت ٨٥٢ ه ) ، تحقيق :
د. سعد بن ناصر بن
عبدالعزيز الشتري ، دار العاصمة / دار الغيث ـ السعودية ١٤١٩ ه ، الطبعة الأولى.
٣٦٧
ـ مطالع الأنوار في شرح شرائع الإسلام (طبعة حجرية) :
للشفتي ، السيد
محمد باقر ( ت ١٢٦٠ ه ).
٣٦٨
ـ معارج القبول :
للحكمي ، حافظ بن
أحمد بن علي ( ت ١٣٧٧ ه ) ، تحقيق : عمر بن محمود أبو عمر ، دار ابن القيم ـ
الدمام ١٤١٠ ه ـ ١٩٩٠ م ، الطبعة الأولى.
٣٦٩
ـ معالم العلماء :
لابن شهرآشوب ، مشير
الدين أبي عبداللّه محمد بن علي ( ت ٥٨٨ ه ) ، قم ـ إيران.
٣٧٠
ـ معاني الاخبار :
للشيخ الصدوق ، محمد
بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) ، تحقيق : علي اكبر الغفاري ، مؤسسة
النشر الإسلامي ـ قم ١٣٧٩ ه.
٣٧١
ـ معاني القرآن الكريم :
لأبي جعفر النحاس (
ت ٣٣٨ ه ) ، تحقيق : محمد علي الصابوني ، جامعة أم القرى ـ مكة المكرمة ـ١٤٠٩ ه
، الطبعة الأولى.
٣٧٢
ـ المعتبر في شرح المختصر :
للمحقق الحلي ، نجم
الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن ( ت ٦٧٦ ه ) ، تحقيق ، عدة من الافاضل ، مؤسسة
سيد الشهداء ـ قم ١٣٦٤ ش.
٣٧٣
ـ معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب :
للحموي ، ياقوت بن
عبداللّه الرومي ( ت ٦٢٦ ه ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١١ ه ـ ١٩٩١ م ، الطبعة
الأولى.
٣٧٤
ـ المعجم الأوسط :
للطبراني ، أبي
القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ( ت ٣٦٠ ه ) ، تحقيق : طارق بن عوض اللّه بن
محمد ، عبدالمحسن بن إبراهيم الحسيني ، دار الحرمين ـ القاهرة ـ ١٤١٥ ه.
٣٧٥
ـ معجم البلدان :
لياقوت الحموي ، أبي
عبداللّه ( ت ٦٢٦ ه ) ، دار الفكر ـ بيروت.
٣٧٦
ـ معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرجال :
للسيد أبو القاسم
الخوئي ( ت ١٤١١ ه ) ، طبع مركز نشر الثقافة الإسلامية ، الطبعة الخامسة ، منقحة
ومزيدة ١٤١٣ ه ـ إيران.
٣٧٧
ـ معجم الشيوخ :
للغساني الصيداوي
، محمد بن أحمد بن جميع أبي الحسين ( ت ٤٠٢ ه ) ، تحقيق : د. عمر عبدالسلام تدمري
، مؤسسة الرسالة ، دار الإيمان ـ بيروت ، طرابلس ١٤٠٥ ه ، الطبعة الأولى.
٣٧٨
ـ معجم الصحابة :
لابن قانع ، عبدالباقي
بن قانع أبي الحسين ( ت ٣٥١ ه ) ، تحقيق : صلاح بن سالم المصراتي ، مكتبة الغرباء
الأثرية ـ المدينة المنورة ١٤١٨ ه ، الطبعة الأولى.
٣٧٩
ـ المعجم الصغير :
للطبراني ، سليمان
بن أحمد بن أيوب أبي القاسم ( ت ٣٦٠ ه ) ، تحقيق : محمد شكور محمود الحاج أمرير ،
المكتب الإسلامي ، دار عمار ـ بيروت ، عمان ١٤٠٥ هـ ـ ١٩٨٥ م ، الطبعة الأولى.
٣٨٠
ـ المعجم الكبير :
للطبراني ، سليمان
بن أحمد بن أيوب أبي القاسم ( ت ٣٦٠ ه ) ، تحقيق : حمدي بن المجيد السلفي ، مكتبة
الزهراء ـ الموصل ١٤٠٤ ه ـ ١٩٨٣ م ، الطبعة
الثانية.
٣٨١
ـ معجم المؤلفين (تراجم مصنفي الكتب العربية) :
لعمر كحالة ، مكتبة
المثنى ـ بيروت ، دار احياء التراث العربي ـ بيروت.
٣٨٢
ـ المعرفة والتاريخ :
للفسوي ، أبي يوسف
يعقوب بن سفيان ( ت ٢٨٠ ه ) ، تحقيق : خليل المنصور ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٩
ه ـ ١٩٩٩ م.
٣٨٣
ـ معرفة علوم الحديث :
للحاكم النيسابوري
، أبي عبداللّه محمد بن عبداللّه (٤٠٥ ه ) ، تحقيق : السيد معظم حسين ، دار
الكتب العلمية ـ بيروت ١٣٩٧ ه ـ ١٩٧٧ م ، الطبعة الثانية.
٣٨٤
ـ مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج :
للشربيني ، محمد
الخطيب الشربيني ( ت ٩٧٧ ه ) ، دار الفكر ـ بيروت.
٣٨٥
ـ المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني :
لابن قدامة
الحنبلي ، عبداللّه بن أحمد بن قدامة المقدسي ( ت ٦٢٠ ه ) ، دار الفكر ـ بيروت ١٤٠٥
ه ، الطبعة الأولى.
٣٨٦
ـ مفاتيح الشرائع :
للفيض الكاشاني ، المولى
محمد محسن ( ت ١٠٩١ ه ) ، تحقيق : السيد مهدي الرجائي ، مجمع الذخائر الإسلامية ـ
قم ١٤٠١ ه.
٣٨٧
ـ مفتاح الفلاح في عمل اليوم والليلة :
للشيخ البهائي
العاملي ( ت ١٠٣١ ه ) ، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ـ بيروت.
٣٨٨
ـ المفردات في غريب القرآن :
للراغب الاصفهاني
، أبي القاسم الحسين بن محمد ( ت ٥٠٢ ه ) ، تحقيق : محمد سيد كيلاني ، المعرفة ـ
لبنان.
٣٨٩
ـ مقامع الفضل :
للكرمانشاهي ، محمد
علي بن الوحيد البهبهاني ( ت ١٢١٦ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة العلامة البهبهاني ـ
قم ١٤٢١ ه ، الطبعة الأولى.
٣٩٠
ـ مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين :
لأبي الحسن
الاشعري ، علي بن إسماعيل ( ت ٣٣٠ ه ) ، تحقيق : هلموت ريتر ، دار إحياء التراث
العربي ـ بيروت ، الطبعة الثالثة.
٣٩١
ـ مقباس الهداية في علم الدراية :
للمامقاني ، الشيخ
عبداللّه المامقاني ( ت ١٣٥١ ه ) ، تحقيق : الشيخ محمد رضا المامقاني ، مؤسسة آل
البيت لإحياء التراث ـ قم ١٤١١ ه ، الطبعة الأولى المحققة.
٣٩٢
ـ المقتصر في شرح المختصر :
لابن فهد الحلي ، جمال
الدين أحمد بن محمد الأسدي ( ت ٨٤١ ه ) ، تحقيق : السيد مهدي الرجائي ، مجمع
البحوث الإسلامية ـ مشهد ١٤١٠ ه ، الطبعة الأولى.
٣٩٣
ـ المقتنى في سرد الكنى :
لأبي عبداللّه
الذهبي ، محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز ( ت ٧٤٨ ه ) ، تحقيق : محمد صالح
عبدالعزيز المراد ، الجامعة الإسلامية بالمدينة ـ المدينة المنورة ـ السعودية ١٤٠٨
ه ، الطبعة الأولى.
٣٩٤
ـ المقنع :
للصدوق ، محمد بن
علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة الإمام الهادي ـ
قم ١٤١٥ ه.
٣٩٥
ـ المقنعة :
للمفيد ، أبي
عبداللّه محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي ( ت ٤١٣ ه ) ، تحقيق ونشر :
مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤١٠ ه ، الطبعة الثانية.
٣٩٦
ـ مكارم الأخلاق :
لابن أبي الدنيا ،
أبي بكر عبداللّه بن محمد بن عبيدالقرشي البغدادي ( ت ٢٨١ ه ) ، تحقيق : مجدي
السيد إبراهيم ، مكتبة القرآن ـ القاهرة ١٤١١ ه ـ ١٩٩٠ م.
٣٩٧
ـ منادمة الأطلال ومسامرة الخيال :
لابن بدران ، عبدالقادر
بدران الحنبلي ( ت ١٣٤٦ ه ).
تحقيق : زهير
الشاويش ، المكتب الإسلامي ـ بيروت ١٩٨٥ م ، الطبعة الثانية.
٣٩٨
ـ المناقب :
للموفق الخوارزمي
، الموفق بن أحمد بن محمد المكي ( ت ٥٦٨ ه ) ، تحقيق : الشيخ مالك المحمودي ، مؤسسة
النشر الإسلامي ـ قم ١٤١٤ ه ، الطبعة الثانية.
٣٩٩
ـ مناقب بن شهرآشوب = مناقب آل أبي طالب :
لابن شهرآشوب ، مشير
الدين أبي عبداللّه بن علي ( ت ٥٨٨ ه ) ، تحقيق : لجنة من اساتذة النجف الاشرف ،
المكتبة الحيدرية ـ النجف ١٢٧٦ ه.
٤٠٠
ـ مناقب الكوفي = مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :
للكوفي ، محمد بن
سليمان القاضي (من اعلام القرن الثالث) ، تحقيق : الشيخ محمد باقر المحمودي ، مجمع
احياء الثقافة الإسلامية ـ قم ١٤١٢ ه ، الطبعة الأولى.
٤٠١
ـ المنتظم :
لابن الجوزي ، عبدالرحمن
بن علي بن محمد أبو الفرج ( ت ٥٩٧ ه ) ، دار صادر ـ بيروت ـ ١٣٥٨ ه ، الطبعة :
الأولى.
٤٠٢
ـ منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان :
للشيح حسن (صاحب
المعالم) ، أبي منصور الحسن بن زين الدين الشهيد ( ت ١٠١١ ه ) ، تحقيق : علي اكبر
الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٣٦٢
ش ، الطبعة الأولى.
٤٠٣
ـ المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال :
للذهبي ، أبي عبد
اللّه محمد بن عثمان ( ت ٧٤٨ ه ) ، تحقيق : محب الدين الخطيب.
٤٠٤
ـ منتهى المطلب في تحقيق المذهب :
للعلامة الحلي ، الحسن
بن يوسف بن المطهر ( ت ٧٢٦ ه ) ، تحقيق ونشر : مجمع البحوث الإسلامية ـ مشهد ١٤١٢
ه ، الطبعة الأولى.
٤٠٥
ـ منتهى المقال في أحوال الرجال :
لأبي علي الحائري
: الشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني ( ت ١٢١٦ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت
لإحياء التراث ـ قم ١٤١٦ ه ، الطبعة الأولى.
٤٠٦
ـ منح الجليل على مختصر الشيخ خليل :
لمحمد عليش ، أبي
عبداللّه محمد بن أحمد بن محمد المالكي ( ت ١٢٩٩ ه ) ، دار الفكر ـ بيروت ـ ١٤٠٩
ه ـ ١٩٨٩ م.
٤٠٧
ـ منهاج السنة النبوية :
لابن تيمية
الحراني ، تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبدالحليم الحراني ( ت ٧٢٨ ه ) ، تحقيق :
د. محمد رشاد سالم ، مؤسسة قرطبة ١٤٠٦ ه ، الطبعة الأولى.
٤٠٨
ـ منهج المقال في تحقيق احوال الرجال :
للاسترابادي ، الميرزا
محمد بن علي ( ت ١٠٢٨ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لاحياء التراث ـ قم ١٤٢٢
ه ، الطبعة الاولى.
٤٠٩
ـ المهذب البارع في شرح المختصر النافع :
لابن فهد الحلي ، أبي
العباس أحمد بن محمد بن فهد ( ت ٨٤١ ه ) ، تحقيق : الشيخ مجتبى العراقي ، مؤسسة
النشر الإسلامي ـ قم ١٤٠٧ ه.
٤١٠
ـ مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام :
للسيد عبدالاعلى
السبزواري ، ط النجف العراق.
٤١١
ـ المهذب :
للقاضي ابن البراج
، عبدالعزيز بن البراج الطرابلسي ( ت ٨٤١ ه ) ، تحقيق : مؤسسة سيد الشهداء
العلمية ، نشر : مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤٠٦ ه.
٤١٢
ـ المهذب في فقه الإمام الشافعي :
لأبي إسحاق
الشيرازي ، إبراهيم بن علي بن يوسف ( ت ٤٨١ ه ) ، دار النشر : دار الفكر ـ بيروت.
٤١٣
ـ المواعظ والاعتبار في معرفة الخطط والآثار ، المعروف بالخطط المقريزية :
للمقريزي ، تقي
الدين أبي العباس أحمد بن علي ( ت ٨٤٥ ه ) ، دار صادر ـ بيروت.
٤١٤
ـ الموافقات في أصول الفقه :
للشاطبي ، إبراهيم
بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي ( ت ٧٩٠ ه ) ، تحقيق : عبداللّه دراز ، دار
المعرفة ـ بيروت.
٤١٥
ـ المواقف :
لعضد الدين الايجي
، عبدالرحمن بن أحمد ( ت ٧٥٦ ه ) ، تحقيق : عبدالرحمن عميرة ، دار الجيل ـ لبنان
ـ بيروت ١٤١٧ ه ـ ١٩٩٧ م ، الطبعة الأولى.
٤١٦
ـ مواهب الجليل لشرح مختصر خليل :
للحطاب الرعيني ، محمد
بن عبدالرحمن المغربي ( ت ٩٥٤ ه ) ، دار الفكر ـ بيروت ١٣٩٨ ه ، الطبعة الثانية.
٤١٧
ـ الموجز :
لزين العابدين خان
الكرماني ( ت ١٢٨٨ ه ) ، نشر مطبعة السعادة ـ كرمان ١٣٥٠ ه.
٤١٨
ـ موطا الإمام مالك :
لمالك بن أنس ، أبي
عبداللّه الأصبحي ( ت ١٧٩ ه ) ، تحقيق : محمد فؤاد عبدالباقي ، دار إحياء التراث
العربي ـ مصر.
٤١٩
ـ الموفقيات :
للزبير بن بكار (
ت ٢٥٦ ه ) ، طبع في بغداد ، سنة ١٩٧٢ م.
٤٢٠
ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال :
للذهبي ، شمس
الدين محمد بن أحمد ( ت ٧٤٨ ه ) ، تحقيق : الشيخ علي محمد معوض ، والشيخ عادل
أحمد عبدالموجود ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٩٩٥ م ، الطبعة الأولى.
٤٢١
ـ نتائج الافكار في نجاسة الكفار (تقرير ابحاث آية اللّه الكبايكاني) :
لعلي الكريمي
الجهرمي ، دار القرآن ـ قم ١٣١٤ ه ، الطبعة الأولى.
٤٢٢
ـ النجعة في شرح اللمعة :
للشيخ محمد تقي
التستري ( ت ١٤١٦ ه ) ، مكتبة الصدوق ـ طهران ١٤٠٦ ه ـ الطبعة الأولى.
٤٢٣
ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة :
لابن تغري بردي ، جمال
الدين أبي المحاسن يوسف الأتابكي ( ت ٨٧٤ ه ) ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ـ
مصر.
٤٢٤
ـ النخبة في الحكمة العملية والأحكام الشرعية :
للفيض الكاشاني ، محمد
بن مرتضى الفيض الكاشاني ( ت ١٠٩١ ه ).
تحقيق : مهدي
الانصاري القمي ، مركز الطباعة والنشر لمنظمة الاعلام الإسلامي الطبعة الثانية ١٤١٨
ه.
٤٢٥
ـ نزهة المشتاق في اختراق الآفاق :
للشريف الادريسي ،
أبي عبداللّه محمد بن عبداللّه بن ادريس الحمودي
الحسني ( ت ٥٦٠ ه
) ، عالم الكتب ـ بيروت ١٤٠٩ ه ، الطبعة الأولى.
٤٢٦
ـ نشوار المحاضرة :
للتنوخي ، المحسن
بن علي ( ت ٣٨٤ ه ) ، تحقيق : عبود الشالجي ، الطبعة الاولى ١٣٩١ ه.
٤٢٧
ـ النص والاجتهاد :
للسيد شرف الدين ،
عبدالحسين شرف الدين الموسوي ( ت ١٣٧٧ ه ) ، تحقيق ونشر : أبو مجتبى ، قم ١٤٠٤ ه
، الطبعة الأولى.
٤٢٨
ـ نصب الراية لأحاديث الهداية :
للزيلعي ، عبداللّه
بن يوسف أبي محمد الحنفي ( ت ٧٦٢ ه ) ، تحقيق : محمد يوسف البنوري ، دار الحديث ـ
مصر ١٣٥٧ م.
٤٢٩
ـ نظام الفرائد :
للشيخ علي
الزنجاني ( ت ١٢٩٠ ه ) ، طبع في طهران ، سنة ١٣٣٢ ه.
٤٣٠
ـ نفس الرحمن في فضائل سلمان :
للميرزا النوري ، الطبرسي
( ت ١٣٢٠ ه ) ، تحقيق : جواد القيومي الاصفهاني ، مؤسسة الآفاق ـ طهران ١٤١١ ه ،
الطبعة الأولى.
٤٣١
ـ النقض ، المعروف بـ (بعض مناقب النواصب) في نقض (بعض فضائح الروافض) ـ فارسي ـ :
لنصير الدين عبدالجليل القزويني الرازي ، صححه جلال الدين المحدث الارموي ، طبع
ضمن سلسلة انتشارات مجمع التراث الوطني / الرقم (١٤٣) ، إيران.
٤٣٢
ـ نقد الرجال :
للتفرشي ، السيد
مصطفى بن الحسين الحسيني (من اعلام القرن الحادي عشر) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل
البيت لإحياء التراث ـ قم ١٤١٨ ه ، الطبعة الأولى.
٤٣٣
ـ نهاية الإحكام في معرفة الأحكام :
للعلامة الحلي ، الحسن
بن يوسـف بن علي المطهر الحلي ( ت ٧٢٦ ه ) ، تحقيق : السيد مهدي الرجائي ، مؤسسة
اسماعيليان ـ قم ١٤١٠ ه ، الطبعة الثانية.
٤٣٤
ـ نهاية الدراية :
للسيد حسن الصدر ،
( ت ١٣٥١ ه ) ، تحقيق : ماجد الغرباوي ، نشر المشعر ـ قم.
٤٣٥
ـ النهاية في غريب الحديث والأثر :
لابن الاثير ، أبي
السعادات المبارك بن محمد الجزري ( ت ٦٠٦ ه ) ، تحقيق : طاهر أحمد الزاوي ـ محمود
محمد الطناحي ، المكتبة العلمية ـ بيروت ١٣٩٩ ه ـ ١٩٧٩ م.
٤٣٦
ـ النهاية في مجرد الفقه والفتاوى :
للشيخ الطوسي ، أبي
جعفر محمد بن الحسن بن علي ( ت ٤٦٠ ه ) ، منشورات قدس محمدي ، قم ـ إيران.
٤٣٧
ـ نهج الايمان :
لابن جبر ، زين
الدين علي بن يوسف بن جبر (من اعلام القرن السابع) ، تحقيق : السيد أحمد الحسيني ،
مجمع الإمام الهادي ـ مشهد ١٤١٨ ه ، الطبعة الأولى.
٤٣٨
ـ نهج البلاغة :
جمعه الشريف الرضي
( ت ٤٠٦ ه ) ، تحقيق : الشيخ محمد عبده.
٤٣٩
ـ نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار :
للشوكاني ، محمد
بن علي بن محمد ( ت ١٢٥٠ ه ) ، دار الجيل ـ بيروت ١٩٧٣ م.
٤٤٠
ـ الهداية في الاصول والفروع :
للشيخ الصدوق ، أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت ٣٨١ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة
الإمام الهادي ـ قم ١٤١٨ ه ، الطبعة الاولى.
٤٤١
ـ هداية الامة إلى احكام الائمة :
للحر العاملي ، محمد
بن الحسن بن علي ( ت ١١٠٤ ه ) ، تحقيق ونشر : مجمع البحوث الإسلامية ـ مشهد ١٤١٢
ه ، الطبعة الاولى.
٤٤٢
ـ الهداية في كون الشهادة بالولاية جزء كسائر الاجزاء :
تقريرات عبدالنبي
العراقي ( ت ١٣٨٥ ه ) ، بقلم : محمد حسين آل طاهر الحميني ، نشر مطبعة الحكمة ـ
قم ١٣٧٨ ه.
٤٤٣
ـ الوافي :
للفيض الكاشاني ، محمد
محسن بن الشاه مرتضى بن الشاه محمود ( ت ١٠٩١ ه ) ، تحقيق : ضياء الدين الحسيني
الاصفهاني ، مكتبة أمير المؤمنين ـ اصفهان ١٤٠٦ ه ، الطبعة الأولى.
٤٤٤
ـ الوافي بالوفيات :
للصفدي ، صلاح
الدين خليل بن أيبك ( ت ٧٦٤ ه ) ، تحقيق : أحمد الأرناؤوط ، وتركي مصطفى ، دار
إحياء التراث ـ بيروت ١٤٢٠ ه ـ ٢٠٠٠ م.
٤٤٥
ـ الوجيزة في الاحكام الفقهية (فارسي) :
لمحمد بن محمد
كريم خان الكرماني ( ت ٣٢٤ ه ) ، طبعة حجرية تم الفراغ منها سنة ١٢٩٧ ه.
٤٤٦
ـ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة :
للحر العاملي ، الشيخ
محمد بن الحسن ( ت ١١٠٤ ه ) ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم ١٤١٤
ه ، الطبعة الثانية.
٤٤٧
ـ الوسيط :
للغزالي ، أبي
حامد محمد بن محمد ( ت ٥٠٥ ه ) ، تحقيق : أحمد محمود إبراهيم ، محمد محمد تامر ، دار
السلام ـ القاهرة ١٤١٧ ه ، الطبعة الأولى.
٤٤٨
ـ وفيات الأعيان وانباء أبناء الزمان :
لابن خلكان ، أبي
العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر ( ت ٦٨١ ه ) ، تحقيق : احسان عباس ، دار
الثقافة ـ لبنان.
٤٤٩
ـ وقعة صفين :
للمنقري ، نصر بن
مزاحم ( ت ٢١٢ ه ) ، تحقيق : عبدالسلام محمد هارون ، المؤسسة العربية الحديثة ـ
القاهرة ١٣٨٢ ه ، الطبعة الثانية.
٤٥٠
ـ اليقين بإختصاص مولانا علي بإمرة المؤمنين :
للسيد ابن طاووس ،
رضي الدين علي بن طاووس ( ت ٦٦٤ ه ) ، مؤسسة دار الكتاب ـ قم ١٤١٣ ه ، الطبعة
الأولى.
٤٥١
ـ الينابيع الفقهية :
لعلي أصغر مرواريد
، نشر مؤسسة فقه الشيعة ـ بيروت ١٤١٠ ه ، الطبعة الأولى.
٤٥٢
ـ ينابيع المودة لذوي القربى :
للقندوزي ، الشيخ
سليمان بن إبراهيم الحنفي ( ت ١٢٩٤ ه ) ، تحقيق : سيد علي جمال أشرف الحسيني ، دار
أسوة للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى ١٤١٦ هـ.
بعض
المصادر الخطّية :
١
ـ التحفة السنية في شرح النخبة المحسنية :
لمحمد بن مرتضى
الفيض الكاشاني ( ت ١٠٩١ ه ) ، مكتبة الحضرة الرضوية ، مشهد ـ إيران.
٢
ـ العدة النجفية في شرح اللمعة الدمشقية :
الشيخ محمد رضا جد
الشيخ طه نجف ( ت ١٢٤٣ ه ) / مكتبة العائلة.
٣
ـ نجاة العباد :
للشيخ محمد حسن
النجفي ( ت ١٢٦٦ ه ) ، مؤسسة كاشف الغطاء العامة ـ النجف الأشرف.
٤
ـ كشف الظلام عن وجوه شرائع الإسلام :
للشيخ محسن بن
مرتضى الاعسم ( ت ١٢٣٨ ه ) ، مؤسسة كاشف الغطاء العامة ـ النجف الأشرف.
٥
ـ الزهرات الروية في الروضة البهية :
لعلي بن محمد بن
الحسن العاملي ( ت ١١٠٣ ه ) ، مؤسسة كاشف الغطاء العامة ـ النجف الاشرف.
٦
ـ تعليقة المجلسي على حديقة المتقين :
للعلامة محمد باقر
المجلسي ( ت ١١١١ ه ) ، مؤسسة كاشف الغطاء العامة ـ النجف الأشرف.
٧
ـ حديقة المتقين :
للعلامة محمد تقي
المجلسي (الاول) ( ت ١٠٧٠ ه ) ، مؤسسة كاشف الغطاء العامة ـ النجف الأشرف.
الفهرس
مقدمة المؤلف ............................................................ ٥
بحوث تمهيديّة
توطئة .................................................................. ٣٥
١
ـ علاقة الغلوّ والتفويض بالشهادة الثالثة ................................ ٣٩
هل الغلو من عقائد
الشيعة أم ............................................. ٤٩
الشهادة الثالثة بين
التفويض والتقصير ..................................... ٦٧
٢
ـ منهج القميين والبغداديين في العقائد والرجال .......................... ٧٥
التشيّع في العراق وقم
.................................................... ٨٠
الأخذ بتوثيقات المتشددين
ترك طعوناتهم ................................... ٨٩
نماذج من تشدّد
القمّيين .................................................. ٩٤
نتيجة ما تقدّم ........................................................... ٩٩
الرواية عن الضعفاء
واعتماد المراسيل ..................................... ١٠٠
منهج القمّيين
الالتزام والتبرير ........................................... ١٠٦
الغلو عند القميين ، نقل
الفضائل أم ترك الضروريات؟ ..................... ١٠٨
نماذج اخرى من تشدّد
القمّيين .......................................... ١١٦
٣
ـ الشهادة الثالثة شرع أم بدعة؟ ...................................... ١٢٧
الأقوال
في المسألة ....................................................... ١٣٩
الخلاصة
................................................................ ١٥١
الفصل الأول / الادلة الشرعية ، وهي في ثلاثة اقسام
القسم الاول : الدليل الكنائيّ ........................................... ١٥٧
الحيعلة الثالثة معيار
الانتماء ومحك الاختلاف ............................. ١٦١
إِبعادُ قريشٍ آلَ
البيت عن الخلافة ....................................... ١٦٤
الاسراء والمعراج ، الهاشميون
والقرشيون .................................. ١٧١
تحريفات مقصودة ..................................................... ١٧٤
أذان النبي يتضمّن
ولاية علي ............................................ ١٧٨
اقتران ذكر علي
بالنبيّ في الإسراء ....................................... ١٨٢
موثقة طريف تقرن
الشهادة بالولاية مع الشهادة بالرسالة .................. ١٨٧
وقفة مع ما رواه
الصدوق في العلل عن الكاظم ............................ ١٩١
دفعُ دَخْل ............................................................. ١٩٤
الشهادة بالولاية على
عهد الرسول والأئمّة ............................... ٢٠٣
وقفة عند معتبرة الفضل
بن شاذان عن الرضا 7 ........................ ٢٠٨
الأذان في زمن الإمام
الهادي 7 ....................................... ٢١١
سؤال وجواب ......................................................... ٢٢٣
سؤال آخر ............................................................ ٢٢٥
تلخص
مما سبق ......................................................... ٢٣٠
القسم
الثاني : تقرير
الإمام 7 ......................................... ٢٣٠
القسم
الثالث: النّصوص
الدالّة على الشّهادة الثّالثة ........................ ٢٤٠
مرسلات الصدوق (٣٨١ هـ
) ........................................ ٢٤٤
الشيخ المفيد (٤١٣ ه )
................................................ ٢٨٢
الشريف المرتضى (٤٣٦
هـ ) ......................................... ٢٩٤
الشيخ الطوسي ( ٤٦٠ هـ
) .......................................... ٣٠٠
ابن البراج ( ٤٨١ هـ )
............................................... ٣٢٦
يحيى بن سعيد الحلي (
ت ٦٨٠ ه ) ..................................... ٣٣٢
العلاّمة
الحلي ( ت ٧٢٦ ه ) ........................................... ٣٣٢
الخلاصة .............................................................. ٣٤١
الفصل الثاني / بيان اقوال الفقهاء المتاخرين ومتاخري
المتأخرين
الشهيد الأوّل ( ت ٧٨٦
ه ) .......................................... ٣٥٠
الشهيد الثاني ( ت ٩٦٥
ه ) ........................................... ٣٥٢
المولى أحمد الأردبيلي
( ت ٩٩٣ ه ) .................................... ٣٥٦
الشيخ محمد تقي
المجلسي ( ت ١٠٧٠ ه ) ............................... ٣٦٠
الملا محمد باقر
السبزواري ( ت ١٠٩٠ ه ) .............................. ٣٦٤
الفيض الكاشاني ( ت
١٠٩١ ه ) ...................................... ٣٦٥
علي بن محمّد العاملي
سبط الشهيد الثاني ( ت ١١٠٣ ه ) ................ ٣٦٨
الشيخ محمد باقر
المجلسي ( ت ١١١١ ه ) ............................... ٣٦٨
السيّد نعمة اللّه
الجزائري ( ت ١١١٢ ه ) .............................. ٣٧٠
محمد بن حسين الخونساري
( ت ١١١٢ ه ) ............................ ٣٧٢
الشيخ يوسف البحراني (
ت ١١٨٦ ه ) ................................ ٣٧٢
الوحيد البهبهاني ( ت
١٢٠٥ ه ) ...................................... ٣٧٣
السيّد مهدي بحر
العلوم ( ت ١٢١٢ ه ) ................................ ٣٧٩
الشيخ محمد علي
الكرمانشاهي ( ت ١٢١٦ ه ) ......................... ٣٨٠
الشيخ حسين البحراني (
ت ١٢١٦ ه ) ................................. ٣٨١
الشيخ حسين آل عصفور
البحراني ( ت ١٢١٦ ه ) ...................... ٣٨١
الشيخ جعفر كاشف
الغطاء ( ت ١٢٢٨ ه ) ............................ ٣٨٢
الميرزا القمي ( ١١٥٢
ـ ١٢٣١ ه ) ................................... ٣٩١
السيّد علي الطباطبائي
( ت ١٢٣١ ه ) ................................. ٣٩٥
الشيخ محسن الأعسم ( ت
١٢٣٨ ه ) .................................. ٣٩٧
الشيخ محمد رضا جدّ
محمد طه نجف ( ت ١٢٤٣ ه ) .................... ٣٩٩
الشيخ أحمد النّراقي (
ت ١٢٤٥ ه ) ................................... ٣٩٩
حجة الإسلام الشفتي (
ت ١٢٦٠ ه ) .................................. ٤٠٧
الميرزا إبراهيم
الكرباسي ( ت ١٢٦١ ه ) ............................... ٤١١
صاحب الجواهر ( ت ١٢٦٦
ه ) ...................................... ٤١١
الشيخ مرتضى الأنصاري
( ت ١٢٨١ ه ) .............................. ٤١٣
الشيخ مشكور الحولاوي
( ت ١٢٨٢ ه ) .............................. ٤١٣
المُلاّ آقا الدربندي
( ت ١٢٨٥ ه ) ..................................... ٤١٤
الشيخ علي الزنجاني (
ت ١٢٩٠ ه ) ................................... ٤١٤
السيّد محمد علي
المرعشي الشهرستاني ( ت ١٢٩٠ ه ) ................... ٤١٥
السيّد علي بحر العلوم
( ت ١٢٩٩ ) .................................... ٤١٥
السيّد حسين الترك ( ت
١٢٩٩ ه ) .................................... ٤١٧
بعض علماء القرن
الرابع عشر الهجري ................................... ٤١٩
بعض علماء القرن
الخامس عشر الهجري ................................. ٤٤١
الخلاصة
................................................................ ٤٤٧
الفصل الثالث / الشهادة الثالثة الشعار والعبادة
الشعار لغة وشرعاً ..................................................... ٤٥٥
لزوم الحفاظ على
الشعائر الالهية ......................................... ٤٥٨
ولاية على من اسمي
الشعائر الالهية ....................................... ٤٦٩
اشكالان ............................................................. ٤٧٣
التخريج الفقهي
للشّعاريّة ............................................... ٤٩٣
التخريج الأول : أصالة
الجواز ........................................... ٤٩٣
التخريج الثاني :
تنقيح المناط ............................................ ٤٩٦
التخريج الثالث : وجود
المصلحة ........................................ ٥٠٤
التخريج الرابع : دفع
المفسدة ........................................... ٥١٤
الخلاصة
................................................................ ٥١٩
وفي الختام .............................................................. ٥٢٣
ثبت
المصادر .......................................................... ٥٢٥
فهرس
الموضوعات ..................................................... ٥٨٩
|