بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب النكاح‌

النكاح مستحب في حد نفسه بالإجماع ، والكتاب ، والسنة المستفيضة بل المتواترة. قال الله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ، وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ، إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) (١). وفي النبوي المروي بين الفريقين : « النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني » (٢) ‌، و‌عن الصادق (ع) عن أمير المؤمنين (ع) قال : « تزوجوا فان رسول الله (ص) قال : من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج » (٣) ‌، و‌في النبوي : « ما بني بناء أحب الى الله تعالى من التزويج » (٤) ‌، و‌عن النبي (ص) : « من تزوج أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر » (٥)

__________________

(١) النور : ٣٢.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١٥. وكنز العمال الجزء : ٨. حديث : ٣٧٢٠.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١٤.

(٤) الوسائل باب : ١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١٢.


بل يستفاد من جملة من الاخبار : استحباب حب النساء ، ففي الخبر عن الصادق (ع) : « من أخلاق الأنبياء حب النساء » (١) ‌، و‌في آخر عنه (ع) : « ما أظن رجلا يزداد في هذا الأمر خيراً إلا ازداد حباً للنساء » (٢). والمستفاد من الآية وبعض الاخبار : أنه موجب لسعة الرزق ، ففي خبر إسحاق بن عمار : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الحديث الذي يرويه الناس حق؟ إن رجلا أتى النبي (ص) فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج حتى أمره ثلاث مرات. قال أبو عبد الله (ع) : نعم هو حق. ثمَّ قال (ع) : الرزق مع النساء والعيال » (٣).

( مسألة ١ ) : يستفاد من بعض الأخبار كراهة العزوبة‌ فعن النبي (ص) : « رذال موتاكم العزاب » (٤). ولا فرق على الأقوى في استحباب النكاح بين من اشتاقت نفسه ومن لم تشتق ، لإطلاق الاخبار ، ولأن فائدته لا تنحصر في كسر الشهوة ، بل له فوائد ، منها زيادة النسل وكثرة قائل : ( لا اله إلاّ الله ) ،

فعن الباقر (ع) : « قال رسول الله (ص) ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً لعل الله أن يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله » (٥).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.


( مسألة ٢ ) : الاستحباب لا يزول بالواحدة بل التعدد مستحب أيضا ، قال الله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) (١). والظاهر عدم اختصاص الاستحباب بالنكاح الدائم أو المنقطع بل المستحب أعم منهما ومن التسري بالإماء.

( مسألة ٣ ) : المستحب هو الطبيعة أعم من أن يقصد به القربة أو لا. نعم عباديته وترتب الثواب عليه موقوفة على قصد القربة.

( مسألة ٤ ) : استحباب النكاح إنما هو بالنظر الى نفسه وطبيعته ، وأما بالنظر الى الطوارئ فينقسم بانقسام الأحكام الخمسة ، فقد يجب بالنذر أو العهد أو الحلف وفيما إذا كان مقدمة لواجب مطلق ، أو كان في تركه مظنة الضرر ، أو الوقوع في الزنا أو محرم آخر. وقد يحرم كما إذا أفضى إلى الإخلال بواجب من تحصيل علم واجب أو ترك حق من الحقوق الواجبة ، وكالزيادة على الأربع. وقد يكره كما إذا كان فعله موجباً للوقوع في مكروه. وقد يكون مباحاً كما إذا كان في تركه مصلحة معارضة لمصلحة فعله مساوية لها. وبالنسبة إلى المنكوحة أيضا ينقسم إلى الأقسام الخمسة ، فالواجب كمن يقع في الضرر لو لم يتزوجها ، أو يبتلي بالزنا معها لو لا تزويجها والمحرم نكاح المحرمات عيناً أو جمعا ، والمستحب المستجمع‌

__________________

(١) النساء : ٣.


للصفات المحمودة في النساء ، والمكروه النكاح المستجمع للأوصاف المذمومة في النساء ، ونكاح القابلة المربية ونحوها ، والمباح ما عدا ذلك.

( مسألة ٥ ) : يستحب عند إرادة التزويج أمور : منها : الخطبة. ومنها : صلاة ركعتين عند إرادة التزويج قبل تعيين المرأة وخطبتها ، والدعاء بعدها بالمأثور ، وهو : « اللهم إني أريد أن أتزوج فقدر لي من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها ومالي وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة وقدر لي ولدا طيباً تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي ». ويستحب أيضا أن يقول : « أقررت الذي أخذ الله إمساك ( بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) ». ومنها : الوليمة يوماً أو يومين لا أزيد فإنه مكروه ، ودعاء المؤمنين ، والأولى كونهم فقراء ، ولا بأس بالأغنياء خصوصاً عشيرته وجيرانه وأهل حرفته ، ويستحب إجابتهم وأكلهم ، ووقتها بعد العقد أو عند الزفاف ليلا أو نهاراً ، و‌عن النبي (ص) : « لا وليمة إلا في خمس عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز » (١) ‌العرس : للتزويج والخرس : النفاس ، والعذار : الختان ، والوكار : شراء الدار والركاز : العود من مكة. ومنها : الخطبة أمام العقد بما يشتمل على الحمد والشهادتين والصلاة على النبي (ص) والأئمة (ع) والوصية بالتقوى ، والدعاء للزوجين ، والظاهر كفاية اشتمالها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٥.


على الحمد والصلاة على النّبي وآله (ص) ، ولا يبعد استحبابها أمام الخطبة أيضا. ومنها : الاشهاد في الدائم والإعلان به ، ولا يشترط في صحة العقد عندنا. ومنها : إيقاع العقد ليلا.

( مسألة ٦ ) : يكره عند التزويج أمور : منها : إيقاع العقد والقمر في العقرب أي في برجها لا المنازل المنسوبة إليها وهي القلب والإكليل والزّبانا والشولة. ومنها : إيقاعه يوم الأربعاء. ومنها : إيقاعه في أحد الأيام المنحوسة في الشهر ، وهي الثالث ، والخامس ، والثالث عشر ، والسادس عشر ، والحادي والعشرون ، والرابع والعشرون ، والخامس والعشرون ومنها : إيقاعه في محاق الشهر وهو الليلتان أو الثلاث من آخر الشهر.

( مسألة ٧ ) : يستحب اختيار امرأة تجمع صفات ، بأن تكون بكراً ، ولوداً ، ودودا ، عفيفة ، كريمة الأصل ـ بأن لا تكون من زنا أو حيض أو شبهة أو ممن تنال الألسن آباءها أو أمهاتها أو مسهم رق أو كفر أو فسق معروف ـ وأن تكون سمراء ، عيناء ، عجزاء ، مربوعة ، طيبة الريح ، ورمة الكعب ، جميلة ، ذات شعر ، صالحة ، تعين زوجها على الدنيا والآخرة ، عزيزة في أهلها ذليلة مع بعلها ، متبرجة مع زوجها حصاناً مع غيره‌ فعن النبي (ص) : « إن خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها المتبرجة مع زوجها الحصان على غيره التي تسمع قوله وتطيع


أمره وإذا خلا بها بذلت له ما يريد منها ولم تبذل كتبذل الرجل (١). ثمَّ‌ قال (ص) : ألا أخبركم بشرار نسائكم : الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها العقيم الحقود التي لا تدرع من قبيح ، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها ، الحصان معه إذا حضر لا تسمع قوله ولا تطيع امره وإذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تمنع الصعبة عن ركوبها ، لا تقبل منه عذرا ولا تغفر له ذنبا » (٢). ويكره اختيار العقيم ومن تضمنه الخبر المذكور من ذات الصفات المذكورة التي يجمعها عدم كونها نجيبة ، ويكره الاقتصار على الجمال والثروة ، ويكره تزويج جملة أخرى. منها : القابلة وابنتها للمولود. ومنها : تزويج ضرة كانت لأمه مع غير أبيه. ومنها : أن يتزوج أخت أخيه ومنها : المتولدة من الزنا. ومنها الزانية. ومنها : المجنونة.

ومنها : المرأة الحمقاء أو العجوز. وبالنسبة إلى الرجال يكره تزويج سي‌ء الخلق ، والمخنث ، والزنج ، والأكراد ، والخزر ، والأعرابي ، والفاسق وشارب الخمر.

( مسألة ٨ ) : مستحبات الدخول على الزوجة أمور : منها : الوليمة قبله أو بعده. ومنها : أن يكون ليلا لأنه أوفق بالستر والحياء ، و‌لقوله (ص) : « زفوا عرائسكم ليلا وأطعموا ضحى » (٣). بل لا يبعد استحباب الستر المكاني أيضا.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢‌


ومنها : أن يكون على وضوء. ومنها : أن يصلي ركعتين والدعاء بعد الصلاة بعد الحمد والصلاة على محمد وآله بالالفة وحسن الاجتماع بينهما. والأولى المأثور ، وهو : « اللهم ارزقني إلفتها وودها ورضاها بي وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأنفس ايتلاف فإنك تحب الحلال وتكره الحرام » ‌: ومنها : أمرها بالوضوء والصلاة أو أمر من يأمرها بهما. ومنها : أمر من كان معها بالتأمين على دعائه ودعائها. ومنها : أن يضع يده على ناصيتها مستقبل القبلة ويقول : « اللهم بأمانتك أخذتها وبكلماتك استحللتها فان قضيت لي منها ولدا فاجعله مباركا تقياً من شيعة آل محمد (ص) ولا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيباً » ‌، أو يقول : « اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها فان قضيت في رحمها شيئاً فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرك شيطان ». ويكره الدخول ليلة الأربعاء.

( مسألة ٩ ) : يجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع الاذن ولو بشاهد الحال ، إن كان عاما فللعموم وإن كان خاصا فللمخصوصين. وكذا يجوز تملكه مع الاذن فيه ، أو بعد الاعراض عنه فيملك ، وليس لمالكه الرجوع فيه وإن كان عينه موجوداً ، ولكن الأحوط لهما مراعاة الاحتياط.

( مسألة ١٠ ) : يستحب عند الجماع الوضوء والاستعاذة والتسمية وطلب الولد الصالح السوي والدعاء بالمأثور وهو أن‌


يقول : « بسم الله وبالله اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني » ‌، أو يقول : « اللهم بأمانتك أخذتها .. » ‌إلى آخر الدعاء السابق ، أو يقول : « ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) الذي لا إله إلا هو ( بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) اللهم إن قضيت مني في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيباً ولا حظاً واجعله مؤمناً مخلصاً مصفى من الشيطان ورجزه جل ثناؤك ». وأن يكون في مكان مستور.

( مسألة ١١ ) : يكره الجماع ليلة خسوف القمر ، ويوم كسوف الشمس ، وفي الليلة واليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء والصفراء والحمراء ، واليوم الذي فيه الزلزلة. بل في كل يوم أو ليلة حدث فيه آية مخوفة ، وكذا يكره عند الزوال ، وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق ، وفي المحاق وبعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، وفي أول ليلة من كل شهر إلا في الليلة الأولى من شهر رمضان فإنه يستحب فيها وفي النصف من كل شهر ، وفي السفر إذا لم يكن عنده الماء للاغتسال ، وبين الأذان والإقامة ، وفي ليلة الأضحى ، ويكره في السفينة ، ومستقبل القبلة ومستدبرها ، وعلى ظهر الطريق والجماع وهو عريان ، وعقيب الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء والجماع وهو مختضب أو هي مختضبة ، وعلى الامتلاء ، والجماع قائما ، وتحت الشجرة المثمرة ، وعلى سقوف البنيان ، وفي وجه الشمس إلا مع الستر ، ويكره أن يجامع وعنده من‌


ينظر اليه ولو الصبي غير المميز ، وأن ينظر الى فرج الامرأة حال الجماع ، والكلام عند الجماع إلا بذكر الله تعالى ، وأن يكون معه خاتم فيه ذكر الله أو شي‌ء من القرآن. ويستحب الجماع ليلة الاثنين والثلاثاء والخميس والجمعة ويوم الخميس عند الزوال ويوم الجمعة بعد العصر ، ويستحب عند ميل الزوجة إليه.

( مسألة ١٢ ) : يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلاً حتى يصبح.

( مسألة ١٣ ) : يستحب السعي في التزويج ، والشفاعة فيه بإرضاء الطرفين.

( مسألة ١٤ ) : يستحب تعجيل تزويج البنت وتحصينها بالزوج عند بلوغها‌ فعن أبي عبد الله (ع) : « من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته » (١).

( مسألة ١٥ ) : يستحب حبس المرأة في البيت فلا تخرج إلا لضرورة ، ولا يدخل عليها أحد من الرجال.

( مسألة ١٦ ) : يكره تزويج الصغار وقبل البلوغ.

( مسألة ١٧ ) : يستحب تخفيف مئونة التزويج وتقليل المهر‌

( مسألة ١٨ ) : يستحب ملاعبة الزوجة قبل المواقعة.

( مسألة ١٩ ) : يجوز للرجل تقبيل أي جزء من جسد زوجته ، ومس أي جزء من بدنه ببدنها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١‌


( مسألة ٢٠ ) : يستحب اللبث وترك التعجيل عند الجماع.

( مسألة ٢١ ) : تكره المجامعة تحت السماء.

( مسألة ٢٢ ) : يستحب إكثار الصوم وتوفير الشعر لمن لا يقدر على التزويج مع ميله وعدم طوله.

( مسألة ٢٣ ) : يستحب خلع خف العروس إذا دخلت البيت ، وغسل رجليها ، وصب الماء من باب الدار الى آخرها.

( مسألة ٢٤ ) : يستحب منع العروس في أسبوع العرس من الألبان والخل والكزبرة والتفاح الحامض.

( مسألة ٢٥ ) : يكره اتحاد خرقة الزوج والزوجة عند الفراغ من الجماع.

( مسألة ٢٦ ) : يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر الى وجهها وكفيها وشعرها ومحاسنها‌

______________________________________________________

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وله الحمد ، والصلاة والسلام على رسوله الأكرم ، وآله الطاهرين.

[١] في كشف اللثام : اتفاق الأصحاب عليه في الجملة. وفي الجواهر :

نفي الخلاف فيه بين المسلمين ، ودعوى الإجماع بقسميه عليه. ويشهد له النصوص ، منها‌ مصحح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إليها؟ قال (ع) : نعم ، إنما يشتريها بأغلى الثمن » (١) ‌، و‌مصحح هشام بن سالم وحماد بن عثمان وحفص بن البختري ، كلهم عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.


ينظر الى وجهها وكفيها وشعرها ومحاسنها [١] ، بل لا يبعد‌

______________________________________________________

لا بأس بأن ينظر الى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها » (١) ‌، و‌صحيح الحسن بن السري قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يريد أن يتزوج المرأة يتأملها وينظر الى خلفها ، والى وجهها ، قال (ع) : نعم ، لا بأس أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها. ينظر الى خلفها والى وجهها » (٢) ‌الى غير ذلك من النصوص.

[١] أما الأولان : فلا إشكال فيهما. والأول منهما صريح النصوص السابقة. وأما الثاني : فلاستفادته من ذكر المعاصم في مصحح الفضلاء. وأما الأخيران : فنسب الجواز فيهما الى المشايخ الثلاثة ، وجمع من الأصحاب ويشهد لأولهما‌ صحيح عبد الله بن سنان « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر الى شعرها؟ فقال (ع) : نعم ، إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن » (٣) ‌ويشهد لثانيهما‌ خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن علي (ع) : « في رجل ينظر الى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها ، قال (ع) » : لا بأس ، إنما هو مستام فان يقض أمر يكن » (٤). ونحوه خبر مسعدة بن اليسع الباهلي عن أبي عبد الله (ع) (٥). و‌في مرسل عبد الله بن الفضل عن أبيه عن رجل عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر الى شعرها ومحاسنها؟ قال (ع) : لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذاً » (٦).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٨.

(٥) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١٢.

(٦) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٥.


______________________________________________________

وفي الشرائع والإرشاد والقواعد وغيرها : تخصيص الجواز بالوجه والكفين. بل ربما نسب الى المشهور. وكأنه لحمل المعاصم في الصحيح السابق على الكفين ، وعدم الاعتداد بالنصوص الأخيرة. وضعفه ظاهر ، إذ المعصم غير الكف. والنصوص لا مانع من العمل بها بعد اعتماد الجماعة عليها ، بل إطلاق جواز النظر إلى المرأة في مصحح ابن مسلم‌ يقتضي ذلك ، ولا سيما بملاحظة التعليل فيه وفي غيره بأنه يشتريها بأغلى الثمن ، فإنه يقتضي ذلك ، وأوضح منه‌ موثق يونس المروي عن علل الصدوق : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يريد أن يتزوج المرأة يجوز له أن ينظر إليها قال (ع) : نعم ، وترقق له الثياب ، لأنه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن » (١) ‌، فان ترقيق الثياب ليس إلا من جهة التمكن من النظر الى ما خلف الثياب من سائر البدن ، ولذلك قال في الجواهر « فلا محيص للفقيه الذي كشف الله تعالى عن بصيرته عن القول بجواز النظر الى جميع جسدها بعد تعاضد تلك النصوص وكثرتها ـ وفيها الصحيح ، والموثق ، وغيرهما ـ الدالة بأنواع الدلالة على ذلك ».

لكن شيخنا الأعظم (ره) في رسالة النكاح استشكل في الإطلاق المذكور في مصحح ابن مسلم‌ تارة : من جهة أن المتبادر من النظر إلى المرأة بحكم العرف هو النظر الى الوجه واليدين لأنهما موقع النظر غالبا ، وغيرهما مستور غالباً بالثياب. وأخرى : من جهة أن تخصيص النظر في مصحح الفضلاء‌ بالوجه والمعاصم لا يظهر له وجه إلا اختصاصهما بجواز النظر ، وأوضح منه في ذلك ما في صحيح السري‌ (٢) فإنه (ع) بعد أن قال : « ينظر إليها » قال : « ينظر الى خلفها والى وجهها ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١١.

(٢) تقدم في أول المسألة.


جواز النظر إلى سائر جسدها ما عدا عورتها [١] ، وإن كان الأحوط خلافه ، ولا يشترط أن يكون ذلك بإذنها ورضاها [٢]

______________________________________________________

أقول : يشكل ما ذكره أولاً : بأن الغلبة لا توجب الانصراف المعتد به. مع أنها ممنوعة في نفسها ، فان الغالب عدم ستر مقدار من الشعر ، والرقبة ، والصدر والساقين ، ومقتضى ذلك عدم الاختصاص بالوجه والكفين ، لا الاختصاص بهما. وثانياً : بأن التخصيص في مصحح الفضلاء لا يصلح للتقييد إلا بناء على مفهوم اللقب. نعم ما ذكر لو سلم اقتضى سقوط إطلاق المصحح المذكور ، لا سقوط إطلاق غيره. وثالثاً : بأن التخصيص بالخلف والوجه في صحيح السري‌ إنما كان لذكره في السؤال لا لبيان المراد من الإطلاق. مع أنه لو سلم فلا يقتضي إلا سقوط الإطلاق المذكور فيه لا سقوط إطلاق غيره.

ومثله في الاشكال مناقشته ( قده ) في التعليل بأن المراد به تجويز النظر الى ما يندفع به معظم الغرر ، الحاصل من جهة حسن الخلقة واللون وقبحهما ، وان ذلك يندفع بالنظر الى الوجه والكفين ، إذ يستدل بهما غالباً على حسن سائر الأعضاء ، وقبحها من حيث الخلقة واللون. إذ فيه : أنه لا وجه للتخصيص بالمعظم من الغرر ، فإنه خلاف الإطلاق. مع أن الاستدلال بالوجه على غيره غير ظاهر. ومن ذلك يظهر لك الوجه في قول المصنف : « بل لا يبعد جواز النظر الى .. » كما تقدم من الجواهر.

[١] كما نص على ذلك في الجواهر. وكأن الوجه فيه الإجماع ، فإن أحداً لم يقل بالجواز فيها ، كما في كلام شيخنا الأعظم ، وإلا فإطلاق النص والتعليل شامل لها كغيرها.

[٢] كما نص على ذلك في الشرائع والقواعد وغيرهما. والظاهر عدم الخلاف فيه منا ، ولذا نسب في كشف اللثام الخلاف فيه الى مالك.


نعم يشترط أن لا يكون بقصد التلذذ [١] وإن علم أنه يحصل بنظرها قهراً [٢]. ويجوز تكرار النظر [٣] إذا لم يحصل الغرض ـ وهو الاطلاع على حالها ـ بالنظر الأول. ويشترط أيضا أن لا يكون مسبوقاً بحالها [٤] ، وأن يحتمل اختيارها [٥] وإلا فلا يجوز. ولا فرق بين أن يكون قاصداً لتزويجها بالخصوص ، أو كان قاصداً لمطلق التزويج [٦] وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا الاختبار ، وإن كان الأحوط الاقتصار على‌

______________________________________________________

ويقتضيه عموم النصوص. وليس النظر من حقوق الزوجة ، كي يحل بإذنها ، بل هو من الأحكام.

[١] الظاهر لا إشكال في ذلك ، لاختصاص النصوص المتقدمة بالنظر للاطلاع فيرجع في غيره الى عموم المنع ، وقد تقدم ما في مرسل عبد الله ابن الفضل‌ (١) ، المحمول على ذلك.

[٢] كما في كلام شيخنا الأعظم (ره). ويقتضيه عموم النصوص ، ولا سيما كونه الغالب.

[٣] كما في كلام شيخنا الأعظم (ره) بشرط أن يحتمل أن يفيده الثاني ما لا يفيده الأول ، لإطلاق النصوص ، والتعليل.

[٤] لخروجه عن مورد النصوص ، وهو النظر للاطلاع ، فيرجع فيه الى عموم المنع.

[٥] لأنه مورد النصوص فيرجع في غيره الى عموم المنع.

[٦] لإطلاق النصوص مورداً وتعليلاً. واحتمال أن مورد النصوص من يريد أن يتزوجها بالخصوص بعيد.

__________________

(١) راجع أول المسألة.


الأول. وأيضا لا فرق بين أن يمكن المعرفة بحالها بوجه آخر ـ من توكيل امرأة تنظر إليها وتخبره ـ أولا [١] ، وان كان الأحوط الاقتصار على الثاني. ولا يبعد جواز نظر المرأة أيضا الى الرجل الذي يريد تزويجها [٢]. ولكن لا يترك الاحتياط بالترك. وكذا يجوز النظر إلى جارية يريد شراءها [٣] ، وإن‌

______________________________________________________

[١] كما في رسالة شيخنا الأعظم (ره) ، لإطلاق الأدلة ، ولا سيما بملاحظة ما اشتهر من أنه ليس الخبر كالعيان.

[٢] كما في القواعد وغيرها ، وقواه شيخنا الأعظم (ره) في الرسالة. لما يستفاد من التعليل في أخبار المسألة ، فإن الرجل إذا جاز له النظر لئلا يضيع ماله الذي يعطيه على جهة الصداق وغيره ، فلأن يجوز للمرأة لئلا يضيع بضعها أولى. ويشكل بخفاء المقايسة بين البضع والمال. مع أنها لو تمت فإنما تقتضي لزوم معرفتها بالمال الذي هو عوض البضع لا بالرجل. ومثله في الاشكال الاستدلال عليه بما‌ ورد في بعض النصوص أنه (ص) قال لرجل من أصحابه وقد خطب امرأة : « لو نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما » (١). فان الخبر ضعيف لا مجال للاعتماد عليه فيما نحن فيه ، ولذلك اختار في الجواهر المنع. بل في كشف اللثام : « لم أعرف من الأصحاب من قال به غيره ( يعني : غير مصنفه ) ، والحلبي ، وابن سعيد. وإنما ذكرته العامة ، وروته عن عمر ».

[٣] نسب إلى الأصحاب. وفي المسالك : أن جواز النظر الى وجهها وكفيها ومحاسنها وشعرها موضع وفاق. وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه ». ويشهد له نصوص المقام المشتملة على التعليل بأنه يشتريها بأغلى الثمن. مضافاً الى النصوص الواردة فيها بالخصوص ، كخبر أبي بصير.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١٣‌


كان بغير إذن سيدها. والظاهر اختصاص ذلك بالمشتري لنفسه فلا يشمل الوكيل والولي والفضولي [١]. وأما في الزوجة فالمقطوع هو الاختصاص.

( مسألة ٢٧ ) : يجوز النظر الى نساء أهل الذمة [٢] ،

______________________________________________________

قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها. قال (ع) : لا بأس أن ينظر الى محاسنها ، ويمسها ما لم ينظر الى ما لا ينبغي النظر اليه » (١) ‌ونحوه غيره. وتحقيق المسألة في كتاب البيع.

[١] في الجواهر : منع جواز ذلك لغير مريد التزويج ولو ولياً ، لقصور الأدلة عن إخراجه عن مقتضى الحرمة ، بخلافه في شراء الأمة الشامل له ولغيره ، عدا الفضولي على الظاهر. انتهى. وكأن عدم الشمول للفضولي من جهة عدم تحقق الشراء حقيقة منه ، بخلاف الوكيل والولي. لكن الفرق بينهما في شراء الأمة وبينهما في التزويج غير ظاهر ، بعد اشتمال النصوص على الشراء ، وصدق المشتري على الوكيل والولي كصدقه على الأصيل. اللهم الا أن يقال الملحوظ في شراء الأمة المالية ، ولا مانع من شمول المشتري للولي والوكيل ، والملحوظ في التزويج مناسبات خاصة لا تقوم بغير من يريد التزويج لنفسه ، فينصرف المشتري عنه.

[٢] على المشهور ، كما في الحدائق ، وعن المسالك. قال في الشرائع : « ويجوز النظر الى نساء أهل الذمة وشعورهن لأنهن بمنزلة الإماء ». ونحوه ما عن المقنعة والخلاف والنهاية. فيحتمل أن يكون المراد أنهن بمنزلة الإماء للمسلمين ، لأن الكفار في‌ء المسلمين ، وإنما يحرمهم الذمة ، فتكون نساء أهل الذمة بمنزلة الأمة المزوجة بالعبد. لكن إثبات هذا المعنى غير ظاهر ، بل ممنوع ، وإنما يكون الملك بالاسترقاق. مع أنه يتوقف.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب بيع الحيوان حديث : ١‌


______________________________________________________

على جواز النظر إلى الأمة المشتركة. ويحتمل أن يكون المراد أنهن ملك للإمام ، لما‌ في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « إن أهل الكتاب مماليك الامام » (١) ، و‌خبر زرارة عنه (ع) : « إن أهل الكتاب مماليك للإمام ، ألا ترى أنهم يؤدون الجزية كما يؤدون العبيد الضريبة إلى مواليهم » (٢) ‌، و‌في صحيح أبي ولاد عن أبي عبد الله (ع) : « وهم مماليك للإمام ، فمن أسلم منهم فهو حر » (٣). لكن الاستدلال بها متوقف على ثبوت كلية جواز النظر الى أمة غيره ، وهو غير ظاهر. والاستدلال عليه بالسيرة ، ليس بأولى من الاستدلال بها على المقام. نعم يمكن الاستدلال على الحكم‌ بخبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال : « قال رسول الله (ص) : لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر الى شعورهن وأيديهن » (٤). فإنه لا بأس بالعمل به بعد اعتماد المشهور عليه. وإن كان ظاهر من علل بأنها بمنزلة الإماء عدم الاعتماد عليه. ولكن اعتماد غيره كاف في جبر ضعفه لو كان. ويؤيده‌ خبر أبي البختري عن جعفر (ع) عن أبيه عن علي بن أبي طالب (ع) : « لا بأس بالنظر الى رؤوس النساء من أهل الذمة » (٥). ومن ذلك يظهر ضعف ما عن ابن إدريس من المنع من النظر إليهن عملاً بعموم الآية المحرمة للنظر ، التي لا يجوز تقييدها بخبر الواحد. وتبعه على ذلك في المختلف ، وكشف اللثام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ٢. لكن وردت روايته عن ابي بصير كما في الكافي الجزء : ٥ صفحة ٣٥٨ والتهذيب الجزء : ٧ صفحة ٤٤٩ ويأتي من الشارح ( قده ) في فصل ما يحرم باستيفاء العدد.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب العدد حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب العاقلة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١١٢ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ١١٢ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.


بل مطلق الكفار ، مع عدم التلذذ والريبة [١] ، أي : خوف الوقوع في الحرام [٢]. والأحوط الاقتصار على المقدار الذي جرت عادتهن على عدم ستره [٣]. وقد يلحق بهم نساء أهل‌

______________________________________________________

[١] كما نص على ذلك في المقنعة ، والخلاف ، والنهاية ، والشرائع ، والقواعد وغيرها ، والعمدة في دليله الإجماع ظاهراً. وإلا فالنص مطلق.

[٢] قال في المسالك : « ينبغي أن يكون المراد بها خوف الوقوع معها في المحرم ، وهو المعبر عنه بخوف الفتنة » وفي كشف اللثام : « هي ما يخطر بالبال من النظر ، دون التلذذ به ، أو خوف افتتان. والفرق بينه وبين الريبة ظاهر مما عرفت ، ولذا ذكر الثلاثة في التذكرة ، ويمكن تعميم الريبة للافتتان ، لأنها من ( راب ) إذا وقع في الاضطراب ، فيمكن أن يكون ترك التعرض له هنا ، وفي التحرير ، وغيرهما لذلك ». والمراد مما يخطر بالبال من النظر : الميل الى الوقوع في الحرام مع المنظور اليه ، وإن كان عالماً بعدم وقوعه. فنقول : بناء على ذلك يكون المراد من الريبة مردداً بين الأمرين : الخطور الخاص ، وخوف الوقوع في الحرام. ويظهر من التذكرة : حرمة الجميع ، كما يظهر منها ومن كشف اللثام : حرمة الوقوع في الافتتان ، فان تمَّ إجماع عليه ـ كما هو الظاهر وفي المستند : « أنه متحقق في الحقيقة ، ومحكي في بعض المواضع حكاية مستفيضة » ـ فهو ، وإلا فيشكل تحريم أحدهما ، لعدم وضوح دليل على ذلك. وظاهر شيخنا في الرسالة : وضوح حرمة النظر مع خوف الوقوع في الحرام ، وأما حرمته مع أحد الأمرين ، فلأن فيهما الفساد المنهي عنه. والاشكال عليه ظاهر.

[٣] إذا كان المستند في الحل التعليل فهو يقتضي جواز جميع البدن. وإذا كان المستند خبر السكوني لزم الاقتصار على خصوص الشعور والأيدي.


البوادي والقرى من الاعراب وغيرهم [١] ، وهو مشكل [٢] نعم الظاهر عدم حرمة التردد في الأسواق ونحوها مع العلم بوقوع النظر عليهن ، ولا يجب غض البصر إذا لم يكن هناك خوف افتتان.

______________________________________________________

وقد عرفت أنه المتعين. اللهم إلا أن يفهم أن ذكر الشعور والأيدي من باب أن المتعارف كشفه ، لا لخصوصية فيهما.

[١] لخبر عباد بن صهيب : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : لا بأس بالنظر الى رؤوس نساء أهل تهامة ، والأعراب ، وأهل السواد ، والعلوج ، لأنهم إذا نهوا لا ينتهون » (١). وعن الفقيه أنه رواه مكان‌ « أهل السواد والعلوج » ‌: « أهل البوادي من أهل الذمة » (٢).

[٢] لضعف عباد. لكن رواه في الكافي هكذا : « عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عباد بن صهيب » وأحمد بن محمد بن عيسى أخرج البرقي من قم لأنه يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل. وابن محبوب هو الحسن بن محبوب من أصحاب الإجماع ، وممن لا يروي إلا عن ثقة. ولا يبعد أن يكون ذلك كافياً في جبر ضعف السند. واحتمل في الجواهر أن يكون المراد من التعليل عدم وجوب غض النظر وترك التردد في الأسواق والأزقة من أجلهن ، لأنهن لا ينتهين بالنهي ، فيلزم من ترك ذلك العسر والحرج. لكنه خلاف الظاهر. فلا يبعد إذاً العمل بالحديث ، لو لا ما قد يظهر من المشهور من عدم العمل به ، لعدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١٣ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) من لا يحضره الفقيه الجزء : ٣ صفحة ٣٠٠ طبعة النجف الحديثة. لكن الموجود فيه هكذا : « لا بأس بالنظر الى شعور أهل تهامة والاعراب وأهل البوادي من أهل الذمة والعلوج لأنهن إذا نهين لا ينتهين ».


( مسألة ٢٨ ) : يجوز لكل من الرجل والمرأة [١] النظر الى ما عدا العورة من مماثله شيخا أو شاباً ، حسن الصورة أو قبيحها ، ما لم يكن بتلذذ أو ريبة [٢]. نعم يكره كشف المسلمة بين يدي اليهودية والنصرانية [٣] ، بل مطلق الكافرة [٤] ، فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن. والقول بالحرمة‌

______________________________________________________

تعرضهم لمضمونه. نعم لا بأس بالعمل به بالمقدار الذي عليه السيرة ، وهو ما أشار إليه المصنف (ره) بقوله : « نعم الظاهر .. ».

[١] بلا إشكال ولا خلاف ، بل لعله من ضروريات الدين المعلومة باستمرار عمل المسلمين عليه في جميع الأعصار والأمصار. كذا في الجواهر ، ويشهد له النصوص الواردة في آداب الحمام‌ (١).

[٢] لما سبق.

[٣] لما‌ في صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله (ع) : « لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهودية والنصرانية ، فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن » (٢). وقوله (ع) : « لا ينبغي » ‌لا يدل على أكثر من الكراهة ، كما أن التعليل يقتضي اختصاص الكراهة بالمزوجة التي هي مظنة الوصف للزوج ، فلا تشمل من لا زوج لها ، أو كان مفقوداً ، أو كانت مأمونة من جهة التوصيف ، كما لا تشمل المرأة التي لا صفات لها حسنة لا يحسن نقلها ، كما أن مقتضى التعليل التعدي الى غير اليهودية والنصرانية إذا كانت تصف لزوجها من تراه من النساء.

[٤] كأنه لعموم التعليل.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٣ ، ٤ ، ٥ ، ١٨ من أبواب آداب الحمام.

(٢) الوسائل باب : ٩٨ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.


للآية [١] حيث قال تعالى ( أَوْ نِسائِهِنَّ ) فخص بالمسلمات ضعيف لاحتمال كون المراد من ( نِسائِهِنَّ ) [٢] الجواري والخدم لهن من الحرائر.

( مسألة ٢٩ ) : يجوز لكل من الزوج والزوجة النظر الى جسد الآخر [٣] ، حتى العورة [٤] ، مع التلذذ وبدونه ،

______________________________________________________

[١] قال في كشف اللثام : « والشيخ ، والطبرسي في تفسيرهما ، والراوندي في فقه القرآن ، على المنع من نظر المشركة الى المسلمة. قال الشيخ والراوندي : إلا أن تكون أمة ، وفسروا ( نِسائِهِنَّ ) بالمؤمنات وهو قوي » وفي الحدائق : موافقتهم ، لأن « لا ينبغي » في الصحيح بمعنى : لا يجوز ، ولأن النهي في الآية للتحريم.

[٢] هذا الاحتمال نسبه في المسالك الى المشهور ، وعن الكشاف : « المراد من ( نِسائِهِنَّ ) من في صحبتهن من الحرائر ». ويحتمل أن يكون المراد منه ما يعم الأمرين معا. ويحتمل أن يكون المراد منه مطلق النساء سواء كن في صحبتهن أو خدمتهن ، أم لم يكن كذلك ، كما احتمله في الجواهر. ويحتمل أن يكون المراد النساء اللاتي من الأرحام كالعمة والخالة والأخت. ولعل قرينة السياق تقتضي ذلك ، فيكون أقرب. وبالجملة : يكفي في الإضافة أدنى ملابسة ، والملابسة المصححة للإضافة في المقام مجهولة مرددة بين وجوه لا قرينة على واحد منها ، والحمل على جهة الاشتراك في الدين ليس أولى من غيره ، ومع الاجمال لا مجال للاستدلال.

وأقرب الاحتمالات الأخير ، وأبعدها ما في الجواهر.

[٣] إجماعاً ، نصا‌ (١) وفتوى ، بل هو من الضروريات.

[٤] كما صرح به في النصوص ، بل المصرح فيها أكثر من ذلك.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٥٩ من أبواب مقدمات النكاح‌.


بل يجوز لكل منهما مس الآخر بكل عضو منه كل عضو من الآخر مع التلذذ وبدونه [١].

( مسألة ٣٠ ) : الخنثى مع الأنثى كالذكر [٢] ، ومع الذكر كالأنثى.

______________________________________________________

نعم عن ابن حمزة حرمة النظر الى فرج المرأة حال الجماع. لما‌ في خبر أبي سعيد الخدري في وصية النبي (ص) لعلي (ع) : « ولا ينظر الرجل الى فرج امرأته. وليغض بصره عند الجماع ، فان النظر الى الفرج يورث العمى في الولد » (١). لكن‌ في موثق سماعة قال : « سألته عن الرجل ينظر في فرج المرأة وهو يجامعها. قال (ع) : لا بأس به إلا أنه يورث العمى » (٢).

[١] هذا كما قبله من القطعيات.

[٢] قال في جامع المقاصد : « الخنثى المشكل بالنسبة الى الرجل كالمرأة ، وبالنسبة إلى المرأة كالرجل ، لتوقف يقين امتثال الأمر بغض البصر والستر على ذلك ». وعن صاحب المدارك : الاتفاق عليه.

أقول : الخنثى مع ابتلائه بكل من الرجل والمرأة يعلم إجمالا بحرمة النظر الى أحد الصنفين فيجب عليه الاجتناب عنهما معا. وأما مع عدم الابتلاء إلا بأحدهما ، فيشكل وجوب الاحتياط عليه للشبهة الموضوعية ، كما أشار الى ذلك في الجواهر. ومثله الأنثى مع الخنثى فإنه لما لم يحرز ذكورته ، لم يجب التستر عنه ، ولم يحرم النظر اليه. وكذا الكلام في الذكر مع الخنثى. وسيأتي في المسألة الخمسين ما له تعلق بالمقام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.


( مسألة ٣١ ) : لا يجوز النظر إلى الأجنبية [١] ، ولا للمرأة النظر إلى الأجنبي [٢] من غير ضرورة.

______________________________________________________

[١] إجماعا ، بل ضرورة من المذهب. كذا في الجواهر. ويشهد له قوله تعالى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ، وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ، ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ ، وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ، وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ، أَوْ آبائِهِنَّ ، أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ ، أَوْ أَبْنائِهِنَّ ، أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ ، أَوْ إِخْوانِهِنَّ ، أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ ، أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ ، أَوْ نِسائِهِنَّ ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ، أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ. وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ، وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (١). وإن كانت دلالته لا تخلو من تأمل. فإن غض الابصار غير ترك النظر. مع أنه من المحتمل أن يكون المراد الفروج بقرينة السياق ، لا العموم. مع أن إرادة العموم تقتضي الحمل على الحكم الأولي ، وهو غض النظر عن كل شي‌ء. وحمله على الغض عن المؤمنات لا قرينة عليه. اللهم الا أن يكون المستند في تعيين المراد الإجماع.

[٢] كما هو المعروف ، لعموم الأمر بغضهن من أبصارهن ، بناء على ما عرفت من الإجماع ، ويؤيده ما ورد من‌ قول النبي (ص) لعائشة وحفصة ، حين دخل ابن أم مكتوم : « أدخلا البيت ، فقالتا : إنه أعمى. فقال : إن لم يركما فإنكما تريانه » (٢). لكن في التذكرة : « حكي عن بعض الجواز. مستدلا على ذلك بأنه لو استويا لأمر الرجل بالاحتجاب‌

__________________

(١) النور : ٣٠ ، ٣١.

(٢) الوسائل باب : ١٢٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.


واستثنى جماعة الوجه والكفين فقالوا بالجواز فيهما [١]

______________________________________________________

كالنساء ». وهو كما ترى. والذي يظهر من كلماتهم مساواة المرأة للرجل في المستثنى منه والمستثنى. فان الحكم في المستثنى بالنسبة إلى نظر الرجل كان مستنداً الى قوله تعالى : ( إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ) ، وليس مثله ثابتا في نظر المرأة ، فلا مستند في المساواة كلبة إلا الإجماع ، كما ادعاه بعضهم ، ففي الرياض : « تتحد المرأة مع الرجل ، فتمنع في محل المنع ، ولا تمنع في غيره ، إجماعا » ، ونحوه كلام شيخنا الأعظم (ره) في الرسالة. لكن الاعتماد على الإجماع المخالف للسيرة القطعية الفارقة بين الرجل والمرأة في ستر الوجه والكفين ، كما ترى.

[١] نسب هذا القول الى الشيخ وجماعة ، واختاره في الحدائق والمستند وشيخنا الأعظم في رسالة النكاح ، مستندين في ذلك الى‌ صحيح الفضيل قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الذراعين من المرأة ، هما من الزينة التي قال الله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ )؟ قال : نعم ، وما دون الخمار من الزينة ، وما دون السوارين » (١) ‌وظاهر أن ما يستره الخمار هو الرأس والرقبة ، والوجه خارج عنه ، وان الكف فوق السوار لا دونه ، فيكونان خارجين عن الزينة. و‌في موثق زرارة عن أبي عبد الله (ع) في قول الله عز وجل ( إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ) قال : « الزينة الظاهرة : الكحل والخاتم » (٢) ‌، وهما في الوجه والكف ، ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن قول الله عز وجل : ( وَلا يُبْدِينَ

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.


______________________________________________________

زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ) قال (ع) : الخاتم والمسكة ، وهي القلب ) (١) ‌والقلب ـ بالضم ـ : السوار ، و‌خبر مسعدة بن زياد : « سمعت جعفرا (ع) وسئل عما تظهر المرأة من زينتها ، قال (ع) : الوجه والكفين » (٢) ‌، و‌خبر أبي الجارود المروي عن تفسير علي بن إبراهيم عن أبي جعفر (ع) : « في قوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها ) ، فهي الثياب ، والكحل ، والخاتم ، وخضاب الكف ، والسوار. والزينة ثلاثة : زينة للناس ، وزينة للمحرم ، وزينة للزوج. فاما زينة الناس فقد ذكرنا. وأما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها ، والدملج فما دونه ، والخلخال وما سفل منه. وأما زينة الزوج فالجسد كله » (٣). الى غير ذلك من النصوص التي يستفاد منها صراحة ، أو ظهوراً ، أو إشعاراً : الجواز. ومنها : ما ورد في المرأة تموت وليس معها الا الرجال ، وفي الرجل يموت وليس معه الا النساء. ومنها : صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها ، إما كسر ، وإما جرح ، في مكان لا يصلح النظر إليه يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء ، أيصلح له النظر إليها؟ قال (ع) : إذا اضطرت فليعالجها إن شاءت » (٤) ‌، فإن الرواية كالصريحة في أن من جسد المرأة ما يصلح النظر إليه ، وما لا يصلح. بل يمكن الاستدلال بالآية الشريفة ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ ) ، فان استثناء ما ظهر من الزينة يدل على أن من الزينة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٠٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٥.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٨٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١٣٠ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.


______________________________________________________

ما هو ظاهر ، ولا يكون إلا بظهور موضعها ، فيدل على أن بعض جسد المرأة ما يجوز إظهاره ولا يحرم كشفه. لا أقل من استفادة ذلك من قوله تعالى ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ ) ، فان تخصيص الجيوب بوجوب الستر يدل على عدم وجوب ستر الوجه ، وإلا كان أولى بالذكر من الجيب ، لأن الخمار يستر الجيب غالباً ولا يستر الوجه. وقيل : لا يجوز. واختاره العلامة في التذكرة والإرشاد ، وتبعه عليه جماعة ، منهم كاشف اللثام ، وشيخنا في الجواهر ، لعموم ما دل على غض البصر ، وقوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) ، وما في كنز العرفان من إطباق الفقهاء على أن بدن المرأة عورة إلا على الزوج والمحارم ، ولسيرة المتدينين من الستر ، ولما في الروايات المتضمنة أن النظر سهم من سهام إبليس‌ ، وأن زنا العين النظر‌ ، وأنه رب نظرة أوجبت حسرة يوم القيامة‌ (١) و‌مكاتبة الصفار الى أبي محمد (ع) : « في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم ، هل يجوز له أن يشهد عليها وهو من وراء الستر يسمع كلامها ، إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك ، وهذا كلامها ، أو لا يجوز له الشهادة حتى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقع (ع) : تتنقب وتظهر للشهود » (٢) ‌، ولما ورد من أن المرأة الخثعمية أتت رسول الله (ص) بمنى في حجة الوداع تستفتيه ، وكان الفضل بن العباس رديف رسول الله (ص) ، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه فصرف رسول الله (ص) وجه الفضل عنها ، و‌قال : « رجل شاب وامرأة شابة. أخاف أن يدخل الشيطان بينهما » (٣).

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٠٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١ ، ٢ ، ٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه باب : ٢٩ من أبواب القضاء حديث : ٢.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٨٠ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٧ ، كنز العمال : ج : ٣ حديث : ٧٩٧.


مع عدم الريبة والتلذذ [١].

______________________________________________________

والمناقشة في جميع ذلك ممكنة ، فإن عموم ما دل على لزوم غض البصر مقيد بما سبق ، مع أن غض البصر أعم من ترك النظر. وقوله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ) قد استثني منه ما ظهر منها. وحمله على زينة الثياب ـ كما حكاه في كشف اللثام عن ابن مسعود ـ مع أنه خلاف الظاهر في نفسه ، مخالف لقرينة السياق مع قوله تعالى ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ ). وأما إطباق الفقهاء المحكي عن كنز العرفان : فلا مجال للاعتماد عليه مع وضوح الخلاف وشهرته ، وأما السيرة : فأعم من الوجوب. وأما ما في الروايات من أن النظر سهم من سهام إبليس‌ : فالظاهر أنه بملاحظة ما يترتب على النظر من الأثر المحرم ، فان ذلك هو المناسب للتعبير بالسهم ، فيكون مختصاً بالنظر بشهوة. وأظهر منه في ذلك هو المناسب للتعبير بالسهم ، فيكون مختصاً بالنظر بشهوة. وأظهر منه في ذلك ما ورد من أن زنا العين النظر‌ ، وأنه رب نظرة أوجبت حسرة‌. على أن الأخير إيجاب جزئي ، وهو لا يدل على عموم التحريم. وأما الأمر بالتنقب في المكاتبة : فلا يظهر أنه للوجوب التعبدي ، ومن الجائز أن يكون للمحافظة على خفارة المرأة ومنع ما يوجب الاستحياء. مع أنها تدل على جواز النظر الى بعض الوجه. وأما رواية الخثعمية : فتدل على الجواز ، كما في المسالك ، لأنه (ص) لم ينههما عن النظر ، وإنما صرف وجه الفضل عن المرأة ، معللا بخوف دخول الشيطان ، الناشئ من التلذذ ، الحاصل من وقوع النظر المؤدي إلى الافتتان. هذا مضافاً الى ما يظهر من الرواية من أن المرأة كانت مكشوفة الوجه ، وأن النبي (ص) كان ينظر إليها ، فرآها تنظر الى الفضل. وهناك وجوه أخرى للجواز ، والتحريم ، لا يهم ذكرها لوضوح المناقشة فيها.

[١] قد عرفت أن الريبة مفسرة في كلامهم بأحد أمور : خوف الوقوع في الحرام ، وما يخطر في البال عند النظر من الميل الى الوقوع‌


______________________________________________________

في الحرام مع المنظور اليه من تقبيل ونحوه. وخوف الافتتان. ويظهر من كلماتهم حرمة النظر في جميع ذلك ، وأن العمدة فيه الإجماع وارتكاز المتشرعة. وكذا النظر مع التلذذ.

وهل يختص التحريم بقصد التلذذ ـ كما قد يظهر من عبارة الشرائع ، والقواعد ، وغيرها ، حيث ذكر فيها أنه لا يجوز النظر لتلذذ أو ريبة ـ أو يعم ما إذا حصل التلذذ ، في حال النظر وإن لم يكن واقعاً بقصد التلذذ ، فيجب عليه الكف مع التلذذ؟ وجهان. وفي رسالة شيخنا الأعظم : الظاهر الأول ، لإطلاق الأدلة ، ولأن النظر الى حسان الوجوه من الذكور والإناث لا ينفك عن التلذذ غالباً بمقتضى الطبيعة البشرية المجبولة على ملائمة الحسان ، فلو حرم النظر مع حصول التلذذ لوجب استثناء النظر الى حسان الوجوه ، مع أنه لا قائل بالفصل بينهم وبين غيرهم. وأيده ( قده ) بصحيح علي بن سويد : « قلت لأبي الحسن (ع) : إني مبتلى بالنظر الى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها ، فقال (ع) : لا بأس يا علي إذا عرف الله من نيتك الصدق ، وإياك والزنا ، فإنه يذهب بالبركة ، ويذهب بالدين » (١) ‌، فان مراد السائل أنه كثيراً ما يتفق له الابتلاء بالنظر الى المرأة الجميلة ، وأنه حين النظر إليها يتلذذ لمكان حسنها. وفيه : أن الظاهر من المرتكزات الشرعية حرمة النظر مع التلذذ ، فيقيد به الإطلاق. وأما ما ذكره ثانيا ، ففيه : أن التلذذ الذي هو محل الكلام التلذذ الشهوي ، وما تقتضيه الطبيعة البشرية المجبولة على ملائمة الحسان هو التلذذ غير الشهوي ، كالتلذذ الحاصل بالنظر الى المناظر الحسنة ، كالحدائق النظرة ، والعمارات الجميلة ، والاشعة الكهربائية المنظمة على نهج معجب ، ونحو ذلك ، وكل ذلك ليس مما نحن فيه. وأما صحيح.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب النكاح المحرم حديث : ٣‌.


وقيل بالجواز فيهما مرة [١] ، ولا يجوز تكرار النظر. والأحوط المنع مطلقاً.

______________________________________________________

علي بن سويد فالظاهر منه الاضطرار الى النظر لعلاج ونحوه ، بقرينة‌ قوله (ع) : « إذا عرف الله من نيتك الصدق » ‌يعني : الصدق في أن نظرك للغاية اللازمة ، لا ما ذكره ( قده ) ولا ما ذكر في كشف اللثام والجواهر من النظر الاتفاقي ، إذ النظر الاتفاقي لا نية فيه.

[١] اختار هذا القول في الشرائع ، والقواعد. للجمع بين أدلة القولين ، كما يشهد به‌ النبوي : « لا تتبع النظرة النظرة ، فإن الأولى لك ، والثانية عليك ، والثالثة فيها الهلاك » (١) ‌وعن العيون روايته بدل : « فان .. » ‌: « فليس لك يا علي إلا أول نظرة » (٢) ‌، و‌خبر الكاهلي عن الصادق (ع) : « النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة » (٣). وفيه : أن من أدلة القولين ما يأبى هذا الجمع جدا. مع أنه بلا شاهد. والنبوي لا يصلح لذلك ، لقصوره سنداً ، بل دلالة أيضا ، لقرب كون المراد من أن النظرة الثانية عليه : أنها توجب الريبة واللذة ، بقرينة جعل المراتب ثلاثة. وبالجملة : القول المذكور أضعف الأقوال دليلا. وأقواها القول الأول ، لو لا ما عليه مرتكزات المتشرعة من المنع ، على وجه يعد ارتكاب النظر عندهم من المنكرات التي لا تقبل الشك والتردد ، ولا يقبل فيها عذر ولا اعتذار. واحتمال أن يكون ذلك من جهة الغيرة ، بعيد. ولذلك لا يستنكرون النظر الى‌

__________________

(١) لم نعثر على هذا النص ، نعم يوجد هذا المضمون متفرقاً في أحاديث الباب : ١٠٤ من أبواب مقدمات النكاح من الوسائل.

(٢) الوسائل باب : ١٠٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ١٠٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٦.


( مسألة ٣٢ ) : يجوز النظر الى المحارم [١] التي يحرم عليه نكاحهن ، نسباً ، أو رضاعا [٢] ،

______________________________________________________

القواعد من النساء استنكاراً دينياً ، وإن كانوا يستنكرونه من جهة الغيرة ولا يرونه حراماً. نعم يختص هذا الاستنكار في النساء التي يكون النظر إليها مظنة التلذذ ، وإن لم يكن بقصد التلذذ ، ولا مقروناً معه. ولأجل ذلك لا مجال للإقدام على الفتوى بالجواز فيهن ، وإن قام عليه دليل. اللهم إلا أن يكون الاستنكار من جهة ما يترتب عليه من التلذذ غالباً. والمسألة محتاجة إلى تأمل.

[١] إجماعا ، صريحاً وظاهراً. في كلام جماعة. وفي الجواهر : عده من الضروريات. ويشهد له في الجملة قوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ .. ) (١). وما ورد في تغسيل المحارم مجردات ويلقى على عورتهن خرقة‌ (٢). لكن في القواعد في آخر حد المحارب : « ليس للمحرم التطلع على العورة ، والجسد عاريا » ، ونسب الى ظاهر التحرير هناك ، وعن التذكرة : حكايته عن الشافعية في وجه ، وعن التنقيح : استثناء الثدي حال الرضاع. ولكنه كما ترى مخالف لإطلاق الكتاب ، ومعاقد الإجماع. وإن كان قد يشهد له خبر أبي الجارود المتقدم ‌(٣). لكنه لا يصلح لمعارضة ما ذكر.

[٢] إذا كان حكمه مستفاداً مما دل على أنه بمنزلة النسب ، فلا يشمل ما يستفاد حكمه مما دل على أنه لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن‌ (٤)

__________________

(١) النور : ٣١.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب غسل الميت.

(٣) راجع صفحة : ٢٧.

(٤) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث : ١٠.


أو مصاهرة [١] ، ما عدا العورة ، مع عدم تلذذ وريبة [٢]. وكذا نظرهن إليه [٣].

( مسألة ٣٣ ) : المملوكة كالزوجة بالنسبة إلى السيد [٤] إذا لم تكن مشتركة ، أو وثنية ، أو مزوجة [٥] أو مكاتبة أو مرتدة.

______________________________________________________

أو في أولاد المرضعة‌ (١) ، فإن دليل التحريم في مثل ذلك لا يقتضي الخروج عن عموم حرمة النظر وعموم وجوب التستر.

[١] بالمعنى الآتي بيانه ، وهو المختص بعلاقة الزوجية ، لا غير ، فإنه الذي تقتضيه الأدلة الموجبة للخروج عن عموم حرمة النظر. فلا يشمل التحريم الحاصل من الزنا ، أو اللواط ، أو نحو ذلك.

[٢] إجماعا على ما عرفت.

[٣] لما عرفت من البناء على المساواة بين الرجل والمرأة.

[٤] الذي يظهر من جماعة التلازم في الأمة بين جواز النكاح ذاتا والنظر ، فاذا جاز نكاح الأمة ذاتاً جاز النظر إليها ، والا فلا. وإذا حرم نكاحها عرضا لحيض ونحوه ، لم يحرم النظر إليها. ولأجل ذلك استثنى في المتن ـ تبعا للتذكرة ، وغيرها ـ المشركة وما بعدها ، لعدم جواز نكاحهن.

[٥] في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يزوج مملوكته عبده ، أتقوم عليه كما كانت تقوم فتراه منكشفاً أو يراها على تلك الحال؟ فكره ذلك ، وقال : قد منعني أن أزوج بعض خدمي غلامي لذلك » (٢) ‌، ونحوه غيره. لكن في دلالته على الحرمة تأمل. ولذا مال أو قال بالجواز فيها جماعة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث : ١ ، ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب نكاح العبيد حديث : ١.


( مسألة ٣٤ ) : يجوز النظر إلى الزوجة المعتدة بوطء الشبهة [١] ، وإن حرم وطؤها. وكذا الأمة كذلك. وكذا إلى المطلقة الرجعية [٢] ما دامت في العدة ، ولو لم يكن بقصد الرجوع [٣].

( مسألة ٣٥ ) : يستثنى من عدم جواز النظر من الأجنبي والأجنبية مواضع. ( منها ) : مقام المعالجة [٤] ، وما يتوقف عليه من معرفة نبض العروق ، والكسر ، والجرح ، والفصد‌

______________________________________________________

[١] لعموم ما دل على جواز الاستمتاع بالزوجة. وعليه كما يجوز النظر يجوز غيره من أنواع الاستمتاع ، عدا الوطء ، فإنه لا ريب عندهم في حرمته ، وكونه القدر المتيقن من اعتداد الزوجة للوطء شبهة. لكن في القواعد والمسالك : المنع من الاستمتاع بها الى أن تنقضي العدة. وفي الجواهر : « لا دليل عليه يصلح لمعارضة ما دل على الاستمتاع بالزوجة ».

[٢] لما تضمن النص من أنها زوجة فتترتب عليها أحكامها ، ومنها جواز النظر.

[٣] لكن ترتب الرجوع عليه غير ظاهر. لعدم كونه من أمارات الزوجية ، اللهم إلا أن يكون بتلذذ وشهوة.

[٤] لا إشكال في ذلك ولا خلاف ، وفي المسالك : الإجماع على جواز النظر مع الحاجة اليه. ويشهد له صحيح الثمالي المتقدم في أدلة جواز النظر الى الوجه والكفين‌ (١) ، وعموم نفي الضرر‌ (٢). ومقتضى عبارات الأكثر جواز النظر لمطلق الحاجة. ولكنه غير ظاهر. إذ صحيح‌

__________________

(١) راجع صفحة : ٢٧.

(٢) راجع الوسائل باب : ١٦ من أبواب الخيار في كتاب البيع ، وباب : من كتاب الشفعة ، وباب : ٧ ، ١٢ من كتاب احياء الموات.


والحجامة ، ونحو ذلك إذا لم يمكن بالمماثل [١] ، بل يجوز المس واللمس حينئذ [٢]. ( ومنها ) : مقام الضرورة ، كما إذا توقف الاستنقاذ من الغرق أو الحرق أو نحوهما عليه ، أو على المس [٣]. ( ومنها ) : معارضة كل ما هو أهم في نظر الشارع مراعاته من مراعاة حرمة النظر أو اللمس [٤]. ( ومنها ) : مقام الشهادة تحملا أو أداء مع دعاء الضرورة [٥] وليس منها ما عن العلامة من جواز النظر الى الزانيين لتحمل الشهادة [٦]. فالأقوى عدم الجواز. وكذا ليس منها النظر‌

______________________________________________________

الثمالي مختص بالضرورة. والعمومات لا تقتضي الجواز إلا معها. فالبناء على تسويغ النظر بمجرد الحاجة ضعيف.

[١] كما في المسالك ، وكشف اللثام ، وغيرهما. لعدم الضرورة أو الحاجة حينئذ. فالمرجع عموم المنع.

[٢] لعموم ما دل على الجواز للضرورة ، مثل قاعدة : « لا ضرر ولا ضرار ». وأما‌ قوله (ع) : « ما من شي‌ء إلا وقد أحله الله تعالى لمن اضطر اليه » (١). فيختص بالمضطر ، ولا يشمل الطبيب. نعم يمكن دخول ذلك في عموم صحيح الثمالي المتقدم‌. فلاحظ.

[٣] فان مزاحمة تحريم النظر بما هو أهم منه ـ من وجوب حفظ النفس المحترمة من الهلاك ـ يقتضي سقوطه ، وتقدم الأهم ، والعمل عليه.

[٤] لما عرفت. بل ما سبق من بعض موارده وصغرياته ، فكان الأولى الاقتصار على هذا وترك ما قبله.

[٥] لما سبق.

[٦] ذكر ذلك في القواعد. وعلله في المسالك : بأنه وسيلة إلى إقامة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ٦ ، ٧. مع اختلاف يسير عما في المتن.


الى الفرج للشهادة على الولادة ، أو الثدي للشهادة على الرضاع وإن لم يمكن إثباتها بالنساء ، وإن استجوده الشهيد الثاني [١]

______________________________________________________

حدود الله تعالى ، ولما في المنع من عموم الفساد ، واجتراء النفوس على هذا المحرم ، وانسداد باب ركن من أركان الشرع ، ولم تسمع الشهادة بالزنا ، لتوقف تحملها على الاقدام على النظر المحرم ، وإدامته لاستعلام الحال ، بحيث يشاهد الميل في المكحلة ، وإيقاف الشهادة على التوبة يحتاج الى زمان يعلم منه العزم على عدم المعاودة ، فيعود المحذور السابق. ثمَّ قال : « وهذا القول ليس بذلك البعيد ». لكن عن العلامة في قضاء القواعد والتذكرة : أنه استقرب المنع. وفي كشف اللثام : أنه الأقرب. وفي الجواهر : أنه الأقوى. لعدم ثبوت جواز النظر فيه. وما ذكره في المسالك لا يقتضيه ، إذ من الجائز أن لا يتعلق الغرض بإثباته بنحو يقتضي تحليل النظر. ويشير اليه عدم الاجتزاء بشهادة العدلين ، بل لا بد في إثباته من شهادة الأربعة ، فإن ذلك يناسب عدم الاهتمام به في مقام الإثبات. غير أن استقرار السيرة على عدم استنكار ذلك على الشاهد يقتضي الجواز. اللهم إلا أن يقال : إن السيرة مجملة ، لا يمكن أن يستفاد منها الجواز ، لاحتمال الحمل على الصحة ، للغفلة أو نحوها.

[١] في المسالك : « وأما نظر الفرج للشهادة على الولادة ، والثدي للشهادة على الرضاع ، فإن أمكن إثباتها بالنساء لم يجز للرجال. وإلا فوجهان ، أجودهما : الجواز ، لدعاء الضرورة اليه ، وكونه من مهام الدين وأتم الحاجات ، خصوصاً أمر الثدي ، ويكفي في دعاء الضرورة إلى الرجال المشقة في تحصيل أهل العدالة من النساء على وجه يثبت به الفعل ». وفيه : المنع من حصول الضرورة الى ذلك كلية. وكونه من مهام الدين وأتم الحاجات لا يقتضيه إلا مع وجود جهة تقتضي وجوب‌


( ومنها ) : ( الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ [١] اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً ) بالنسبة الى ما هو المعتاد له [٢] من كشف بعض الشعر والذراع‌

______________________________________________________

إثباته ، إذ من البديهي جواز الرجوع الى أصل الطهارة مع الشك في النجاسة ، والى أصل الحل مع الشك في الحرمة ، والى قاعدة الفراغ مع الشك في تمام الأداء ، والى أصالة الصحة مع الشك في أكثر الموارد التي هي من مهام الدين ، كما لا يخفى.

[١] قال الله تعالى ( وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ ، وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ، وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١).

[٢] ففي مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع). « أنه قرأ ( أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ ) قال : الخمار والجلباب. قلت : بين يدي من كان؟ قال (ع) : بين يدي من كان ، غير متبرجة بزينة » (٢) ‌، ونحوه مصحح حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع) (٣). لكن‌ في صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن؟ قال : الجلباب » (٤) ‌، و‌في خبر محمد بن أبي حمزة عنه (ع) : « الجلباب وحده » (٥). و‌في خبر الكناني عنه (ع) : « الجلباب إلا أن تكون أمة فليس عليها جناح أن تضع خمارها » (٦). والجمع بينها‌

__________________

(١) النور : ٦٠.

(٢) الوسائل باب : ١١٠ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١١٠ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١١٠ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ١١٠ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ١١٠ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٦.


ونحو ذلك ، لا مثل الثدي والبطن [١] ونحوهما مما يعتاد سترهن له. ( ومنها ) : غير المميز من الصبي والصبية [٢] ، فإنه‌

______________________________________________________

يقتضي حمل الأخير على الاستحباب. ومقتضى ذلك جواز كشف ما يستر الخمار من الشعر والرقبة وبعض الصدر ، وكشف ما يستره الجلباب وهو الذراع. ومنه يشكل ما في المتن من تخصيص الكشف ببعض الشعر. ولا سيما بملاحظة‌ صحيح البزنطي المروي في قرب الاسناد عن الرضا (ع) قال : « سألته عن الرجل يحل له أن ينظر الى شعر أخت امرأته؟ فقال (ع) : لا ، إلا أن تكون من القواعد. قلت له : أخت امرأته والغريبة سواء؟ قال (ع) : نعم. قلت : فما لي من النظر اليه منها؟ فقال (ع) : شعرها وذراعها » (١). ومنه يفهم عموم الحكم لعموم الذراع وإن لم يكن الجلباب ساتراً له بتمامه. كما أن الاقتصار على الشعر والذراع لا بد أن يكون لمزيد الاهتمام بهما ، وإلا فوضع الجلباب والخمار يقتضي جواز كشف غير ذلك ، ويتعين العمل به.

[١] لخروجه عن مفاد النصوص المذكورة ، فيرجع فيه الى عموم حرمة النظر وعموم الحجاب. وإن كان ظاهر عبارة التذكرة ارتفاع حكم العورة عن جميع أجسادهن. وحكاه في الجواهر عن ظاهر عبارة الشهيد وغيرها. وكأنه اعتماداً على ظاهر الآية. لكنه ضعيف ، لما ذكر.

[٢] هذا في الجملة من القطعيات. ويقتضيه قوله تعالى ( أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ ) (٢). فان المتيقن منه غير المميز. كما تقتضيه أيضا السيرة ، وما ورد في موارد متفرقة ، مثل ما ورد في تغسيل الرجل الصغيرة ، والمرأة الطفل الصغير‌ (٣) ، وغير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠٧ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) النور : ٣١.

(٣) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب غسل الميت.


يجوز النظر إليهما ، بل اللمس. ولا يجب التستر منهما. بل الظاهر جواز النظر إليهما قبل البلوغ [١] ،

______________________________________________________

ذلك. وكذلك الحكم في اللمس ، وعدم وجوب التستر منهما.

[١] كما صرح به جماعة. لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي لها أن تغطي رأسها ممن ليس بينها وبينه محرم؟ ومتى يجب عليها أن تقنع رأسها للصلاة؟ قال (ع) : لا تغطي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة » (١). وهو وإن كان وارداً في الصبية ، لكن يتعدى منها إلى الصبي بالأولوية فيجوز نظر المرأة إليه قبل البلوغ. كما يتعدى الى غير الشعر بعدم القول بالفصل. والرواية وإن كانت ظاهرة في جواز تكشف الصبية للبالغ ، لكنها تدل بالملازمة العرفية على جواز نظره إليها. وأما نظرهما الى غير المماثل البالغ ، فيدل على‌ صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الرضا (ع) : « قال : يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين ، ولا تغطي المرأة وشعرها منه حتى يحتلم » (٢) ‌، ونحوه صحيحه الآخر المروي عن قرب الاسناد‌ (٣). ودلالتهما على جواز التكشف له ظاهرة. ولا يحتاج في إثبات جواز نظره الى دعوى الملازمة العرفية ، إذ لا إشكال في حلية نظره ، لحديث رفع القلم عن الصبي‌ (٤) ، بل مقتضاه جواز النظر إلى عورة غير المماثل ، وإن وجب على المنظور التستر عنه. وقد يظهر من المستند أنه يحرم عليه النظر إلى العورة ، تخصيصاً منه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٢٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٢٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمات العبادات حديث : ١١.


______________________________________________________

لحديث رفع القلم عن الصبي بالآية الشريفة وهي قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ ، مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ ، وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ ، وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ، ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ ، كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ ، وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ ، وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (١). وفيه أن الآية الشريفة ليست واردة في تحريم نظر الصبي إلى العورة ، وانما واردة في تحريم التطلع على بعض الافعال والأحوال التي يستقبح التطلع عليها ويستحي منه ، التي يغلب وقوعها في الأوقات الثلاثة. والخطاب فيه للبالغين ، لا لغير البالغين ، يعني : يلزم البالغين أن يكلفوهم بالاستئذان على وجه يتحقق ذلك منهم ، فالآية الاولى ليست واردة في النظر إلى العورة الحرام ، ولا في تحريم ذلك على غير البالغ. نعم الآية الثانية ظاهرة في تحريم التطلع على البالغين والخطاب فيها لهم. يظهر هذا الاختلاف في المخاطب من اختلاف سياق الآيتين الشريفتين. وكما تختلف الآيتان في المخاطب تختلفان في زمان الخطاب ، فان مورد الآية الأولى يختص بالأوقات الثلاثة ومورد الآية الثانية عام لجميع الأزمنة. ولعل هذا الاختلاف موجب للاختلاف في موضوع التطلع بأن تختص الاولى بما يقبح والثانية شاملة له ولغيره. وكيف كان لا مجال للاستدلال بالآية على تحريم النظر إلى العورة على غير البالغ بنحو يخصص بها حديث رفع القلم. وإن بناء الفقهاء بل المسلمين على عدم تكليف الصبي مطلقاً حتى وقع الكلام في وجه عقابه على ترك الإسلام.

__________________

(١) النور : ٥٨ ، ٥٩‌.


إذا لم يبلغ مبلغاً يترتب على النظر منهما أو إليهما ثوران الشهوة [١].

( مسألة ٣٦ ) : لا بأس بتقبيل الرجل الصبية [٢].

______________________________________________________

[١] أما مع بلوغ الصبي ذلك ففي الجواهر : « ظاهر غير واحد من الأصحاب المفروغية عن وجوب التستر عنه ، ومنع الولي إياه ، بل في جامع المقاصد : نفي الخلاف فيه بين أهل الإسلام. كما أن فيه الإجماع على عدم جواز نظر البالغ إلى الأجنبية التي بلغت مبلغاً صارت به مظنة الشهوة ، من غير حاجة الى نظرها. فان تمَّ ذلك ، كان هو الحجة ، وإلا كان محل البحث ». وهو كما ذكر. لكن الظاهر أن الإجماع المدعى عليه لا طريق اليه إلا ارتكازيات المتشرعة ، التي لا ريب فيها ولا إشكال.

[٢] هذا في الجملة لا إشكال فيه. وتقتضيه السيرة العملية القطعية. مضافا الى أصل البراءة والنصوص ، كصحيح عبد الله بن يحيى الكاهلي ـ الذي رواه الصدوق في الفقيه ـ قال : « سأل أحمد بن النعمان أبا عبد الله (ع) عن جارية ليس بيني وبينها رحم تغشاني فأحملها وأقبلها. قال (ع) : إذا أتى عليها ست سنين فلا تضعها على حجرك » (١) ‌، و‌خبر زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « إذا بلغت الجارية الحرة ست سنين فلا ينبغي لك أن تقبلها » (٢) ‌، و‌مرفوع زكريا المؤمن : « قال أبو عبد الله (ع) : إذا بلغت الجارية ست سنين فلا يقبلها الغلام. والغلام لا يقبل المرأة إذا جاز سبع سنين » (٣). ونحوها غيرها. ولم يتعرض المصنف لحكم التقبيل بعد ست سنين ، والمستفاد من النصوص المذكورة هو الكراهة دون الحرمة ، كما يشير الى ذلك الصحيح الأول الذي اقتصر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢٧ من أبواب مقدمات النكاح ملحق حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢٧ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٢٧ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٤.


التي ليست له بمحرم ، ووضعها في حجره ، قبل أن يأتي عليها ست سنين ، إذا لم يكن عن شهوة [١].

( مسألة ٣٧ ) : لا يجوز للمملوك النظر الى مالكته [٢]

______________________________________________________

فيه على النهي عن الوضع في الحجر مع أن السؤال كان فيه عنه وعن التقبيل. وبعض النصوص وإن كان ظاهراً في الحرمة ، لكنه قاصر السند. فلاحظ.

[١] أما إذا كان عن شهوة فلما عرفت من الإجماع الارتكازي على الحرمة.

[٢] على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. وإن كان ظاهر المسالك : الميل إلى الجواز ، بل نسبة التردد في ذلك إلى الشيخ في المبسوط حيث قال : « مع أن الشيخ ذكر في المبسوط ما يدل على ميله إلى جواز نظر المملوك مطلقاً ، وإن كان قد رجع عنه أخيراً وهذه عبارته : « إذا ملكت المرأة فحلا أو خصياً فهل يكون محرما لها حتى يجوز له أن يخلو بها ويسافر معها؟ قيل : فيه وجهان » أحدهما ـ وهو الظاهر ـ : أنه يكون محرماً ، لقوله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ ) .. إلى قوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ). والثاني : ـ وهو الأشبه بالمذهب ـ : أنه لا يكون محرما ، وهو الذي يقوى في نفسي ». وهذا الكلام يدل على تردده ، وإن كان ميله أخيراً إلى التحريم. والمقصود أن الحكم بتحريم نظر المملوك الفحل ليس بإجماعي. فيمكن الاستدلال عليه بعموم الآية. و‌قد روى الشيخ في المبسوط وغيره : أن النبي (ص) أتى فاطمة (ع) بعبد قد وهبه لها ، وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها ، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها ، فلما رأى رسول الله (ص) ما تلقى قال : ( إنه ليس عليك بأس ، إنما هو أبوك وغلامك ) (١).

__________________

(١) الصفحة : ٤ من كتاب النكاح الطبعة الأولى. لكن فيه « وخادمك » بدل قوله : « وغلامك ».


______________________________________________________

وروى الكليني أخباراً كثيرة بطرق صحيحة عن الصادق (ع) : أن المراد بقوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) شامل للمملوك مطلقا ، و‌روى في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : ( قلت لأبي عبد الله (ع) : المملوك يرى شعر مولاته وساقها. قال (ع) : لا بأس ) » (١). انتهى ما في المسالك.

ويشهد للقول بالجواز الصحيح‌ عن يونس بن عمار ويونس بن يعقوب جميعاً عن أبي عبد الله (ع) : « لا يحل للمرأة أن ينظر عبدها إلى شي‌ء من جسدها إلا الى شعرها ، غير متعمد لذلك » (٢). قال في الكافي : « وفي رواية أخرى : لا بأس بأن ينظر الى شعرها إذا كان مأموناً » (٣) ‌، وصحيح معاوية بن عمار‌ (٤) المتقدم في كلام المسالك ، و‌خبر معاوية بن عمار قال : « كنا عند أبي عبد الله (ع) نحواً من ثلاثين رجلا إذ دخل أبي فرحب به. الى أن قال : هذا ابنك؟ قال : نعم ، وهو يزعم أن أهل المدينة يصنعون شيئاً ما لا يحل لهم. قال (ع) : وما هو؟ قال : المرأة القرشية والهاشمية تركب وتضع يدها على رأس الأسود وذراعها على عنقه. فقال أبو عبد الله (ع) : يا بني أما تقرأ القرآن؟ قلت : بلى. قال : اقرأ هذه الآية : ( لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ ). حتى بلغ : ( وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) ، ثمَّ قال : يا بني لا بأس أن يرى المملوك الشعر والساق » (٥) ‌، و‌مصحح إسحاق بن عمار : « قلت لأبي

__________________

(١) الكافي الجزء : ٥ الصفحة : ٥٣١ الطبعة الحديثة. وقد رواها في الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح.

(٢) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٥.


ولا للخصي النظر الى مالكته ، أو غيرها [١] ،

______________________________________________________

عبد الله (ع) : أينظر المملوك الى شعر مولاته؟ قال (ع) : نعم ، وإلى ساقها » (١) ‌، و‌خبر القاسم الصيقل قال : « كتبت إليه أم علي تسأل عن كشف الرأس بين يدي الخادم ، وقالت له : إن شيعتك اختلفوا علي فقال بعضهم : لا بأس. وقال بعضهم : لا يحل. فكتب (ع) : سألت عن كشف الرأس بين يدي الخادم ، لا تكشفي رأسك بين يديه ، فان ذلك مكروه » (٢). ولا يخفى أن مقتضى العمل بالنصوص الأخذ بما دل على الجواز.

لكن لا مجال له بعد إعراض الأصحاب عنها. فيتعين حملها على التقية ، أو الضرورة ، أو النظر الاتفاقي. وإن كان الأخيران في غاية البعد ولا سيما بملاحظة ما فيها من التفصيل بين الشعر والساق وغيرهما. ويشير إلى الأول ما في خبر معاوية الحاكي دخول أبيه على أبي عبد الله (ع). وأما الآية : فلا مجال للأخذ بإطلاقها بعد ورود مرسلة الشيخ في الخلاف : « روى أصحابنا في قوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) أن المراد به الإماء ، دون العبيد الذكران » ‌(٣). ونحوها في المبسوط (٤). وفي الشرائع : « وملك اليمين المستثنى في الآية المراد به الإماء ». ومعارضها قد عرفت إشكاله.

[١] على المشهور شهرة عظيمة. وفي الشرائع : « قيل : نعم ، وقيل : لا ». لكن في الجواهر : « لم نعرف القائل بالأول سابقاً على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ١٢٤ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٩.

(٤) آخر مقدمة كتاب النكاح الصفحة : ٤.


______________________________________________________

زمن المصنف (ره). نعم عن الفاضل في المختلف جوازه في المملوك بالنسبة إلى مالكته ». قال في المختلف : « والحق عندي أن الفحل لا يجوز له النظر الى مالكته. أما الخصي ففيه احتمال ، أقربه الجواز على كراهية ، للآية. والتخصيص بالإماء لا وجه له ، لاشتراك الإماء والحرائر في الجواز ». وعن المحقق الثاني : متابعته ، وفي التحرير استشكل فيه. ويشهد له بعض النصوص ، ففي صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن قناع الحرائر من الخصيان. فقال : كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن (ع) ولا يتقنعن. قلت : فكانوا أحراراً؟ قال (ع) : لا. قلت : فالأحرار يتقنع منهم؟ قال (ع) : لا » (١) ‌، و‌روى الشيخ (ره) مرسلا قال : « وروي في خبر آخر : أنه سئل عن ذلك فقال (ع) : أمسك عن هذا ، ولم يجبه » (٢) ‌، ولعله أراد بذلك ما‌ رواه في قرب الاسناد عن صالح بن عبد الله الخثعمي عن أبي الحسن (ع) قال : « كتبت إليه أسأله عن خصي لي في سن رجل مدرك يحل للمرأة أن يراها وتنكشف بين يديه؟ قال : فلم يجبني » (٣). ولعل في هذا الخبر دلالة على كون الصحيح وارداً للتقية. لكن العمدة في وهنه إعراض الأصحاب عنه ، مع صحة سنده وصراحة دلالته. فليحمل على التقية أو يطرح.

وقد يستدل على الجواز بقوله تعالى ( أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ) (٤) وفيه : أن المذكور‌ في صحيح زرارة قال : « سألت

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٢٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ١٢٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٨.

(٤) النور : ٣١.


كما لا يجوز للعنين والمجبوب بلا إشكال [١]. بل ولا لكبير‌

______________________________________________________

أبا جعفر (ع) عن قوله عز وجل ( أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ .. ) الى آخر الآية قال (ع) : الأحمق الذي لا يأتي النساء » (١) ‌ونحوه غيره. وهو لا ينطبق على الخصي. ومن ذلك تعرف ضعف القول بجواز نظره مطلقاً ، حراً كان الخصي أو مملوكاً ، الى مالكته وغيرها ، كما نسب الى ابن الجنيد ، وطائفة من المتأخرين ، منهم السبزواري في الكفاية ، وإن كان في النسبة إلى الأول تأمل. مع أنه قد ورد المنع في بعض النصوص من نظره الى غير مالكته ، ففي خبر عبد الملك بن عتبة النخعي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن أم الولد ، هل يصلح أن ينظر إليها خصي مولاها وهي تغتسل؟ قال (ع) : لا يحل ذلك » (٢) ‌، و‌خبر محمد بن إسحاق قال : « سألت أبا الحسن موسى (ع) قلت : يكون الرجل خصي يدخل على نسائه ، فيناولهن الوضوء فيرى شعورهن. قال (ع) : لا » (٣). وإن كان مقتضى الجمع العرفي بينهما وبين الصحيح المتقدم الحمل على الكراهة. فالعمدة عمومات المنع من النظر ووهن الصحيح المتقدم باعراض المشهور.

[١] لخروجهما عن الخصي الذي هو محل الخلاف والاشكال ، فيرجع فيهما الى عمومات المنع. وعن الشافعي : تفسير ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ) بالخصي ، والمجبوب. ولم يعرف ذلك لغيره. وكأنه حمل الآية على معنى من لم يكن له حاجة في النساء. لكن على هذا لا يختص بما ذكر. وكيف كان لا مجال للأخذ بالآية الشريفة في غير ما فسرت به في النصوص المتقدمة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.


السن الذي هو شبه القواعد من النساء ، على الأحوط [١].

( مسألة ٣٨ ) : الأعمى كالبصير في حرمة نظر المرأة إليه [٢]

______________________________________________________

[١] فإن المقداد في كنز العرفان في تفسير ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ) قال : « قيل : المراد بهم الشيوخ الذين سقطت شهوتهم وليس لهم حاجة الى النساء. وهو مروي عن الكاظم (ع). والإربة : الحاجة » وفيه : أنه مرسل ضعيف في نفسه. فضلا عن صلاحية معارضته لما عرفت. ولذا قال في محكي جامع المقاصد : « ولو كان شيخاً كبيراً جداً هرماً ففي جواز نظره احتمال. ومثله العنين والمخنث ، وهو المشبه بالنساء. واختار في التذكرة أنهم كالفحل ، لعموم الآية. وهو قوي ». لكن في الجواهر : « أن المراد بغير اولي الإربة من لا يشتهي النكاح ، لكبر سن ونحوه ، شبه القواعد من النساء التي لا ترجو نكاحا ولا تطمع فيه ». وضعفه ظاهر مما سبق.

[٢] نص على ذلك في الشرائع والقواعد وغيرهما. ويظهر من كلمات بعض : أنه من المسلمات ، لعمومات المنع من النظر ، و‌في مرفوع أحمد ابن أبي عبد الله قال : « استأذن ابن أم مكتوم على النبي (ص) وعنده عائشة وحفصة ، فقال لهما : قوما فادخلا البيت ، فقالتا : إنه أعمى. فقال (ص) : إن لم يركما فإنكما تريانه » (١) ‌، و‌المرسل عن أم سلمة قالت : « كنت عند رسول الله (ص) وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم ـ وذلك بعد أن أمر بالحجاب ـ فقال : احتجبا ، فقلنا : يا رسول الله : أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال : أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟! » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٤‌


( مسألة ٣٩ ) : لا بأس بسماع صوت الأجنبية [١] ، ما لم يكن تلذذ ولا ريبة [٢] ، من غير فرق بين الأعمى والبصير [٣]

______________________________________________________

[١] وفي الشرائع والقواعد والإرشاد والتحرير والتلخيص : القول بالحرمة ، بل نسب الى المشهور. لما ورد من أن صوتها عورة. و‌لموثق مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (ع) : « قال : قال أمير المؤمنين (ع) : لا تبدأوا النساء بالسلام ، ولا تدعوهن الى الطعام ، فإن النبي (ص) قال : النساء عي ، وعورة ، فاستروا عيهن بالسكوت ، واستروا عورتهن بالبيوت » (١) ‌، و‌في خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : « لا تسلم على المرأة » (٢). لكن الأول لا مأخذ له يعتد به ، فقد قال في كشف اللثام : « لا يحضرني الخبر بكون صوتها عورة مسنداً ، وإنما رواه المصنف في المدنيات الاولى مرسلا ، ونفقات المبسوط تعطي العدم ». والآخران قاصرا الدلالة ، كما يظهر من التأمل فيهما. ولو سلمت فالسيرة القطعية على خلافهما ، كما صرح بذلك جمع من الأعاظم. ولذا اختار الجواز العلامة في التذكرة ، والكركي ، وغيرهما ـ على ما حكي. واختاره في الجواهر ، وشيخنا الأعظم (ره) ، وغيرهما من أكابر علماء الأعصار الأخيرة ، بل كاد يكون من الواضحات التي لا يحسن الكلام فيها والاستدلال عليها.

[٢] قطعاً كما في الجواهر ، بإضافة خوف الفتنة ، وهو كذلك ، لما سبق.

[٣] كما نص على ذلك في الجواهر ، بل قال : « لا فرق بينهما نصاً ، وفتوى ». وهو كذلك. وكأن الاقتصار في الشرائع والقواعد على ذكر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٣١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.


وإن كان الأحوط الترك في غير مقام الضرورة. ويحرم عليها إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع بتحسينه وترقيقه. قال تعالى ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) [١].

( مسألة ٤٠ ) : لا يجوز مصافحة الأجنبية [٢].

______________________________________________________

الأعمى لأن ابتلاء النساء إنما يكون به. وأما سماع المرأة صوت الأجنبي فلم يعرف في جوازه كلام أو إشكال. نعم قال في المستند : « ومن الغريب فتوى اللمعة بحرمته مع أنها تقرب مما يخالف الضرورة ، فإن تكلم النبي (ص) والأئمة وأصحابهم مع النساء مما بلغ حداً لا يكاد يشك في » (١)

[١] صدر الآية الشريفة ( يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) (٢) ، وظاهر صدرها أنه حكم يختص بنساء النبي (ص) ، فالبناء على التحريم في غيرهن غير ظاهر. ولذا قال في الجواهر : « ينبغي للمتدينة منهن اجتناب إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع ، وتحسينه ، وترقيقه ، كما أومى إليه الله تعالى شأنه بقوله : ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ .. ) كما أنه ينبغي للمتدين ترك سماع صوت الشابة الذي هو مثار الفتنة .. ». نعم ارتكاز المتشرعة يقتضي الحرمة.

[٢] للنهي عن ذلك‌ في مصحح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : هل يصافح الرجل المرأة ليست بذات محرم؟ فقال : لا. إلا من وراء الثوب » (٣) ‌، و‌موثق سماعة : « سألت أبا عبد الله 7 عن مصافحة الرجل المرأة. قال (ع) : لا يحل للرجل‌.

__________________

(١) المظنون وقوع الغلط في نسخه اللمعة : منه 1.

(٢) الأحزاب : ٣٢.

(٣) الوسائل باب : ١١٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١‌.


نعم لا بأس بها من وراء الثوب. كما لا بأس بلمس المحارم [١].

( مسألة ٤١ ) : يكره للرجل ابتداء النساء بالسلام ،

______________________________________________________

أن يصافح المرأة. إلا امرأة يحرم عليه أن يتزوجها : أخت أو بنت ، أو عمة أو خالة. أو بنت أخت ، أو نحوها. وأما المرأة التي يحل له أن يتزوجها فلا يصافحها إلا من وراء الثوب ، ولا يغمز كفها » (١). وقد يستفاد منهما حرمة لمس الأجنبية ولو بغير المصافحة ، كما نص عليه جماعة. وفي الجواهر : « لا أجد فيه خلافاً ، بل كأنه ضروري على وجه يكون محرماً لنفسه ». وفي كلام شيخنا الأعظم (ره) : « إذا حرم النظر حرم اللمس قطعاً. بل لا إشكال في حرمة اللمس وإن جاز النظر ، للأخبار الكثيرة. والظاهر أنه مما لا خلاف فيه ». وكأنه يريد بالأخبار : أخبار المصافحة المتقدمة ، وما ورد في كيفية بيعة النساء للنبي (ص) (٢). ومورد الجميع المماسة في الكفين ، فالتعدي عنه لا دليل عليه إلا ظهور الإجماع.

[١] من غير خلاف يعتد به ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ولو بملاحظة السيرة القطعية. لكن‌ في مرسل محمد بن سالم عن بعض أصحابنا عن الحكم بن مسكين قال : « حدثني سعيدة ومنة أختا محمد بن أبي عمير قالتا : دخلنا على أبي عبد الله (ع) فقلنا : تعود المرأة أخاها؟ قال : نعم. قلنا : تصافحه؟ قال (ع) : من وراء الثوب .. » (٣) ولا بد أن يكون محمولا على الاستحباب.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣ ، ٤ ، ٥ وباب : ١١٧ حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١١٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١‌.


ودعائهن الى الطعام [١]. وتتأكد الكراهة في الشابة.

( مسألة ٤٢ ) : يكره الجلوس في مجلس المرأة إذا قامت عنه إلا بعد برده [٢].

( مسألة ٤٣ ) : لا يدخل الولد على أبيه إذا كانت عنده زوجته إلا بعد الاستئذان. ولا بأس بدخول الوالد على ابنه بغير إذنه [٣].

______________________________________________________

[١] لموثق مسعدة بن صدقة المتقدم‌ (١) المحمول على الكراهة بقرينة‌ مصحح ربعي عن أبي عبد الله (ع) : « كان رسول الله (ص) يسلم على النساء ويرددن عليه. وكان أمير المؤمنين (ع) يسلم على النساء. وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ويقول : أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما طلبت من الأجر » (٢). لكن لظهور المصحح في الاستمرار الظاهر في الاستحباب يشكل القول بالكراهة ، لتعارض النصوص في ذلك. وحمل المصحح على أنه من خواصه (ص) ، خلاف الظاهر. والمصحح أرجح سنداً ، فأولى بالعمل به. إلا أن يحمل الموثق على الشابة.

[٢] في خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « قال : قال رسول الله (ص) : إذا جلست المرأة مجلساً فقامت عنه فلا يجلس في مجلسها رجل حتى يبرد » (٣).

[٣] في صحيح أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله (ع) : « قال : يستأذن الرجل إذا دخل على أبيه ، ولا يستأذن الأب على الابن » (٤).

__________________

(١) راجع المسألة : ٣٩ من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ١٣١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٤٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١١٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١‌


( مسألة ٤٤ ) : يفرق بين الأطفال في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين. وفي رواية : إذا بلغوا ست سنين [١].

( مسألة ٤٥ ) : لا يجوز النظر الى العضو المبان من الأجنبي [٢]

______________________________________________________

و‌في خبر محمد بن علي الحلبي قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الرجل يستأذن على أبيه؟ فقال : نعم. قد كنت أستأذن على أبي وليست أمي عنده إنما هي امرأة أبي ، توفيت أمي وأنا غلام ، وقد يكون من خلوتهما ما لا أحب أن أفجأهما عليه ولا يحبان ذلك مني ، والسلام أحسن وأصوب » (١) ‌وظاهره الاستحباب. لكنه ضعيف بأبي جميلة ، فلا يكون قرينة على صرف غيره عن ظهوره في الوجوب. ثمَّ إن ظاهر الصحيح الاستئذان بالدخول على الأب وإن لم تكن معه زوجة ، فالتخصيص بذلك غير ظاهر.

[١] في مصحح عبد الله بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه : « قال : قال رسول الله (ص) : الصبي والصبي والصبي ، والصبية ، والصبية والصبية ، يفرق بينهم في المضاجع لعشر سنين » (٢).قال في الفقيه : « وروي أنه يفرق بين الصبيان في المضاجع لست سنين » (٣). وظاهر الجملة الوجوب. لكن الظاهر بناء الأصحاب على خلافه.

[٢] كما نص على ذلك غير واحد. وفي القواعد : « والعضو المبان كالمتصل على إشكال ». ووجهه : قصور الأدلة عن شمول حال الانفصال وان مقتضى الاستصحاب المنع. وقد يشكل الاستصحاب بتعدد الموضوع ، لأن موضوع المنع المرأة مثلا ، وهو غير صادق في الجزء المنفصل ، فالمرجع أصل البراءة كما في كلام شيخنا الأعظم (ره). وفيه : أنه يتم إذا كان المرجع في.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٢٨ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢٨ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢‌.


مثل اليد ، والأنف ، واللسان ، ونحوها ، لا مثل السن ، والظفر والشعر ، ونحوها [١].

( مسألة ٤٦ ) : يجوز وصل شعر الغير بشعرها [٢].

______________________________________________________

بقاء الموضوع وارتفاعه الدليل ، لأن موضوع الحكم في الدليل هو المرأة مثلا. أما إذا كان المرجع في بقاء الموضوع العرف فالموضوع باق ، فان الاتصال والانفصال من الحالات الطارئة على الاجزاء عرفا ، لا مقومة للموضوع. ولذا جاز استصحاب النجاسة للجزء المقطوع من الكلب ، والملكية للجزء المقطوع من المملوك. بل لا ينبغي التأمل في حرمة النظر للاجزاء المجتمعة بعد تقطيعها.

وقد يستدل على الجواز بما ورد من جواز وصل الشعر. وفيه : أنه ناظر الى حكم الوصل ، لا الى حكم النظر ، وليس هو من لوازمه كي يكون الاذن فيه إذناً فيه. اللهم إلا أن يكون منصرف نصوص الوصل التزين للزوج ، فيكون حكم النظر مسؤولا عنه ولو ضمناً.

[١] في كلام شيخنا الأعظم (ره) : « لا ينبغي الإشكال في جواز النظر الى مثل الظفر والسن ، بل وكذا الشعر » ، وقريب منه ما في الجواهر. وكأنه لأن مثل هذه الأمور من قبيل النابت في الجسم لا جزء منه وتحريمها في حال الاتصال بالتبعية ، ويحتمل أن يكون لأجل أنها يسيرة لا يعتد بها في بقاء الموضوع. ومثلها قشور الجلد. بل الأجزاء اليسيرة منه ومن العظم مما يشك في بقاء الموضوع فيه.

[٢] للأصل. و‌لخبر ثابت بن سعيد قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عن النساء تجعل في رؤوسهن القرامل ، قال (ع) : يصلح الصوف وما كان من شعر امرأة لنفسها. وكره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر


ويجوز لزوجها النظر إليه [١] على كراهة ، بل الأحوط الترك.

( مسألة ٤٧ ) : لا تلازم بين جواز النظر وجواز المس [٢] ، فلو قلنا بجواز النظر الى الوجه والكفين من الأجنبية لا يجوز مسها إلا من وراء الثوب.

( مسألة ٤٨ ) : إذا توقف العلاج على النظر دون اللمس ، أو اللمس دون النظر يجب الاقتصار على ما اضطر اليه [٣] ، فلا يجوز الآخر بجوازه.

( مسألة ٤٩ ) : يكره اختلاط النساء بالرجال ، إلا للعجائز ، ولهن حضور الجمعة والجماعات [٤].

______________________________________________________

غيرها ، فان وصلت شعرها بصوف أو شعر نفسها فلا يضرها » (١). ونحوه خبر سليمان بن خالد‌ (٢). [١] لما عرفت. والعمدة الأصل بعد قصور أدلة الحرمة عن شموله. ولا مجال للاستصحاب لتبدل الموضوع ، فإن حرمة النظر الى الشعر في حال الاتصال من باب النظر إلى المرأة بتوابعها ، لا على نحو الاستقلال.

[٢] نص على ذلك في الجواهر ، وكذلك شيخنا الأعظم. وهو كذلك. لكن عرفت الإشكال في عموم الدليل. فالعمدة فيه الإجماع.

[٣] لما عرفت من عدم التلازم في الجواز ، وحينئذ تقدر الضرورة بقدرها‌

[٤] في خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (ع) : « قال : قال أمير المؤمنين (ع) : يا أهل العراق نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق أما تستحيون؟! » (٣) ‌، و‌مرسل الكليني (ره) : « ان

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١٣٢ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١‌


( مسألة ٥٠ ) : إذا اشتبه من يجوز النظر اليه بين من لا يجوز بالشبهة المحصورة وجب الاجتناب عن الجميع [١]. وكذا بالنسبة الى من يجب التستر عنه ومن لا يجب ، وإن كانت الشبهة غير محصورة أو بدوية : فإن شك في كونه مماثلاً أو لا ، أو شك في كونه من المحارم النسبية أو لا فالظاهر وجوب الاجتناب ، لأن الظاهر من آية وجوب الغض : أن جواز النظر مشروط بأمر وجودي وهو كونه مماثلا أو من المحارم ، فمع الشك يعمل بمقتضى العموم ، لا من باب التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية ، بل لاستفادة شرطية الجواز [٢]

______________________________________________________

أمير المؤمنين (ع) قال : أما تستحيون ولا تغارون على نساءكم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن العلوج؟! » (١) ‌، و‌خبر محمد بن شريح قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن خروج النساء في العيدين فقال (ع) : لا. إلا العجوز عليها منقلاها. يعني : الخفين » (٢) ‌، و‌موثق يونس بن يعقوب قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن خروج النساء في العيدين والجمعة ، فقال (ع) : لا إلا امرأة مسنة » (٣). والمستفاد منها كراهة مزاحمة النساء للرجال في الطرق والأسواق ونحوها مطلقاً حتى للعجائز ، وكراهة خروج النساء للعيدين والجمعة إلا للعجائز. وهو مخالف لما في المتن.

[١] للعلم الإجمالي الموجب للاحتياط عقلا. وكذا فيما بعده.

[٢] هذا يتم لو كان دليل حرمة النظر عاماً وقد خرج عنه المماثل بدليل خاص. لكنه غير ظاهر ، فان قوله تعالى. ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا ).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣٢ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢‌.


بالمماثلة ، أو المحرمية ، أو نحو ذلك. فليس التخصيص في المقام من قبيل التنويع ، حتى يكون من موارد أصل البراءة ، بل من قبيل المقتضي والمانع [١]. وإذا شك في كونه زوجة أو لا‌

______________________________________________________

مِنْ أَبْصارِهِمْ .. ) (١) ، غير مراد منه العموم للمماثل ، بل المفهوم غير المماثل ، فموضوع الحرمة خاص ، فتكون حرمة النظر مشروطة بأمر وجودي ، وهو المخالف. وبالجملة : إذا لوحظ الأمر بالغض بنفسه فمقتضاه العموم حتى لغير الإنسان ، وإذا لوحظ مناسبة الحكم والموضوع وقرينة السياق اختص بغير المماثل. اللهم إلا أن يقال : قوله تعالى : ( أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) يدل على العموم للمماثل وإلا كان الاستثناء منقطعاً. اللهم إلا أن يقال إن الاستثناء كان في إبداء الزينة لا في الغض. فتأمل.

[١] يعني : أن النظر فيه مقتضى الحرمة ، والمماثلة من قبيل المانع ، فمع الشك في المانع يرجع الى أصالة عدمه ، فيبني على ثبوت أثر المقتضي. أقول : فيه المنع صغرى ، وكبرى. إذ من الجائز أن يكون النظر الى المخالف هو الذي يكون فيه مقتضى الحرمة ، لا مطلق النظر. ولو سلم فأصالة عدم المانع إن كان المراد بها قاعدة غير الاستصحاب ، فلا أصل لها ، وقد تحقق في محله عدم صحة قاعدة الاقتضاء. وإن كان المراد بها استصحاب عدم المانع ، يعني : استصحاب عدم المماثلة ، فحجيته مبنية على جريان الأصل في العدم الأزلي. بل لو قلنا به فلا نقول به في المقام مما كان مورده عرفا من الذاتيات ، مثل الأنوثة والذكورة. فلا يصح أن يقال : الأصل عدم ذكورية ما يشك في ذكوريته وأنوثيته ، ولا أصالة عدم أنوثيته ، فان الذكورة والأنوثة معدودة عرفا من الذاتيات الثابتة للذكر والأنثى

__________________

(١) النور : ٣٠‌.


______________________________________________________

مع قطع النظر عن وجودهما ، مثل إنسانية الإنسان ، وحجرية الحجر. وما عن الشهيد (ره) من جريان أصالة عدم كون الخنثى امرأة ، خلاف ما تقرر من الرجوع الى العرف في جريان الاستصحاب.

وإن بعض الأعاظم (ره) في حاشيته على الكتاب سلك في المقام مسلكا آخر ، فإنه قال : « يدل نفس هذا التعليق على إناطة الرخصة والجواز بإحراز ذلك الأمر ، وعدم جواز الاقتحام عند الشك فيه ، ويكون من المداليل الالتزامية العرفية ». وفيه : أنه إن كان المراد أن إناطة الرخصة بالأمر الوجودي مرجعها إلى إناطة الرخصة الواقعية بذلك الأمر الواقعي ، وإناطة الرخصة الظاهرية بالعلم بوجوده ، فيكون المجعول حكمين : واقعياً منوطاً بوجود ذلك الأمر واقعاً ، وظاهريا منوطاً بالشك في وجوده والأول مدلول مطابقي ، والثاني مدلول التزامي عرفي. فهو ممنوع ، وليست إناطة الرخصة بشي‌ء إلا كاناطة المنع بشي‌ء ليس المقصود منها إلا جعل حكم واقعي لموضوع واقعي ، بل استفادة الحكم الظاهري من دليل الحكم الواقعي غريبة. وإن كان المراد أن هنا قاعدة عقلائية ظاهرية ، نظير أصالة العموم ، وأصالة الظهور ، ونحوهما. فهو أيضا غير ثابت ، بل ممنوع. ولأجله يشكل أيضا ما ذكره بعض الأعاظم (ره) في حاشيته من أنه عليه يبتني انقلاب الأصل في النفوس ، والأموال ، والفروج. فان ما ذكره من الوجه ليس له في كلام الجماعة عين ولا أثر ، بل المذكور في كلامهم الرجوع الى عموم المنع تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية ، لبناء المشهور منهم على جواز ذلك. ومن لا يجوّز الرجوع منهم الى العموم في الشبهة المصداقية يرجع في إثبات المنع إلى الأصول الموضوعية ، مثل أصالة عدم الزوجية ، وأصالة عدم إذن المالك ، وأصالة عدم السبب الموجب لهدر الدم ، ونحو ذلك. وبالجملة : فليس مستند الجماعة في الأصول المذكورة‌


______________________________________________________

ما ذكره طاب ثراه ، بل إما الرجوع الى العام في الشبهة المصداقية ، وإما الأصول النافية موضوعية أو حكمية. لكن الأصول المذكورة ليست ثابتة بنحو العموم ، ضرورة جواز الرجوع الى استصحاب الزوجية الموجب لحلية الفروج ، وكذا أصالة عدم الرضاع المحرم ، ونحو ذلك. كما يجوز الرجوع الى استصحاب الملك ، أو إذن المالك ، أو نحوهما من الأصول المحللة للتصرف في المال. ويجوز الرجوع الى استصحاب بقاء الكفر ، أو عدم الذمة ، أو نحو ذلك مما يجوز قتل الشخص. فالأصول غالبية. والمستند فيها أحد الأمرين المذكورين فلا ابتناء لها عندهم على ما ذكر في الحاشية. والمتحصل : أن البناء على تحريم النظر في الفرض لا يتوجه بهذه الوجوه المذكورة في المتن ، ولا في الحاشية.

والذي يظهر بالتأمل في كلامهم : أن الوجه فيه هو الرجوع الى العام في الشبهة المصداقية. قال في التذكرة : « الخنثى المشكل إن كان حراً لم يجز للرجل النظر اليه ، ولا للخنثى النظر إليه ، ولا يجوز للمرأة النظر إليها ، وبالعكس. عملا بالاحتياط. وهو قول بعض الشافعية. وقال آخرون منهم بالجواز للرجل ، والمرأة ، ولها بالنسبة إليهما. استصحاباً لما كان في الصغر حتى يعلموا خلافه. وليس بجيد. لعموم الآية » ، ونحوه كلام غيره وشيخنا الأعظم (ره) في رسائله قال : « قد يقال : بجواز نظر كل من الرجل والمرأة إليها ( يعني : الخنثى ). لكونها شبهة في الموضوع ، والأصل الإباحة. وفيه : أن عموم وجوب الغض على المؤمنات إلا عن نسائهن ، أو الرجال المذكورين في الآية ، يدل على وجوب الغض عن الخنثى ». لكن في رسالة النكاح في مقام الرد على جامع المقاصد في البناء على حرمة النظر الى الخنثى ، قال : « ولهذا لا يحرم النظر الى البعيد المردد بين الرجل والمرأة ». وظاهره المفروغية عن جواز النظر في مفروض المسألة.


فيجري ـ مضافا الى ما ذكر من رجوعه الى الشك في الشرط ـ أصالة عدم حدوث الزوجية. وكذا لو شك في المحرمية من باب الرضاع. نعم لو شك في كون المنظور اليه أو للناظر حيواناً أو إنساناً فالظاهر عدم وجوب الاحتياط. لانصراف عموم وجوب الغض الى خصوص الإنسان [١]. وإن كان الشك في كونه بالغاً أو صبياً ، أو طفلا مميزاً أو غير مميز ، ففي وجوب الاحتياط وجهان. من العموم على الوجه الذي ذكرنا. ومن إمكان دعوى الانصراف. والأظهر : الأول [٢].

( مسألة ٥١ ) : يجب على النساء التستر [٣] كما يحرم على الرجال النظر. ولا يجب على الرجال التستر [٤] وإن كان يحرم على النساء النظر. نعم حال الرجال بالنسبة إلى العورة‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت إشكاله.

[٢] هذا خلاف مقتضى الأصل الموضوعي ، أعني : استصحاب الصبا ، وعدم التمييز ، فإنه لو سلم الرجوع الى العام في مثل هذه الشبهة الموضوعية ، فإنما هو حيث لا يكون أصل موضوعي يثبت عنوان الخاص. ولذا لو شك في بقاء زوجية المرأة يرجع الى استصحاب زوجيتها ، وترتيب أحكامها ، ومنها جواز النظر.

[٣] بلا إشكال ، ولا خلاف. ويقتضيه قوله تعالى : ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ .. ) (١).

[٤] يظهر من كلماتهم أنه من القطعيات عند جميع المسلمين. وينبغي أن يكون كذلك ، فقد استقرت السيرة القطعية عليه ، بل تمكن دعوى الضرورة عليه.

__________________

(١) النور : ٣١.


حال النساء [١]. ويجب عليهم التستر مع العلم بتعمد النساء في النظر من باب حرمة الإعانة على الإثم [٢].

( مسألة ٥٢ ) : هل المحرم من النظر ما يكون على وجه يتمكن من التمييز بين الرجل والمرأة. وأنه العضو الفلاني أو غيره ، أو مطلقه؟ فلو رأى الأجنبية من بعيد ، بحيث لا يمكنه تمييزها وتمييز أعضائها ، أو لا يمكنه تمييز كونها رجلا أو امرأة ، بل أو لا يمكنه تمييز كونها إنساناً أو حيواناً أو جماداً‌

______________________________________________________

[١] للأمر بسترها في النصوص الواردة في آداب التخلي ‌(١) والحمام‌ (٢). وقد ورد في تفسير قوله تعالى ( وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) (٣) أن المراد حفظها من أن ينظر إليها‌.

[٢] التحقيق : أن الإعانة على الشي‌ء تتوقف على قصد التسبب الى ذلك الشي‌ء بفعل المقدمة ، فإذا لم يكن الفاعل للمقدمة قاصداً حصوله لا يكون فعل المقدمة إعانة عليه. فمجرد علم الرجل بأن المرأة تنظر اليه عمداً لا يوجب التستر عليه من باب حرمة الإعانة على الإثم. مع أن مورد السيرة على عدم التستر من ذلك قطعاً. ومن ذلك يشكل البناء على تحريمه من باب وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بناء على عمومه للمقام. بحيث يقتضي ترك المقدمة ، كي لا يقع غيره في الحرام. وإن كان الظاهر عدم عمومه له ، إذ النهي عن المنكر يراد منه الزجر عن المنكر تشريعاً ، بمعنى : إحداث الداعي إلى الترك ، فلا يقتضي وجوب ترك بعض المقدمات لئلا يقع المنكر ، كما لا يقتضي الأمر بالمعروف فعل بعض المقدمات ليتحقق المعروف. فلاحظ.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١ من أبواب أحكام الخلوة.

(٢) راجع الوسائل باب : ٣ من أبواب آداب الحمام.

(٣) الوسائل باب : ١ من آداب الخلوة حديث : ٣ ، ٥.


هل هو حرام أو لا؟ وجهان. الأحوط : الحرمة [١].

فصل

فيما يتعلق بأحكام الدخول على الزوجة ، وفيه مسائل :

( مسألة ١ ) : الأقوى ـ وفاقاً للمشهور ـ جواز وطء الزوجة والمملوكة دبراً [٢] ، على كراهة شديدة‌

______________________________________________________

[١] كما يقتضيها إطلاق حرمة النظر ووجه الجواز : دعوى انصرافه الى غير ذلك. وفي مباحث التخلي قد يظهر من المصنف ترجيح الجواز بقوله : « والواجب ستر لون البشرة دون الحجم ». اللهم إلا أن يكون مراده من لون البشرة نفس البشرة ، ومن الحجم الهيئة الخاصة عند ما تستر بالنورة ونحوها ، كما تقدم هناك. وكيف كان فالإطلاق محكم ، والانصراف لا يعتد به.

فصل‌

فيما يتعلق بأحكام الدخول على الزوجة‌

[٢] عن الانتصار ، والخلاف ، والغنية ، والسرائر : الإجماع عليه وفي التذكرة : « ذهب علمائنا إلى كراهة إتيان النساء في أدبارهن ، وأنه ليس بمحرم ». ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح علي بن الحكم قال : « سمعت صفوان يقول : قلت للرضا (ع) : إن رجلا من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة ، فهابك واستحى منك أن يسألك عنها. قال (ع) : ما هي؟ قال : قلت : الرجل يأتي امرأته في دبرها قال :


______________________________________________________

نعم ، ذلك له. قلت : وأنت تفعل ذلك. قال (ع) : إنا لا نفعل ذلك » (١) ‌، و‌خبر عبد الله بن أبي يعفور : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال (ع) : لا بأس إذا رضيت. قلت : فأين قول الله عز وجل ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ )؟ قال (ع) : هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله ، إن الله عز وجل يقول ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) » (٢) ‌، و‌خبر حماد بن عثمان : « سألت أبا عبد الله (ع) ـ وأخبرني من سأله ـ عن الرجل يأتي المرأة في ذلك الموضع ـ وفي البيت جماعة ـ فقال لي ـ ورفع صوته ـ : قال رسول الله (ص) : من كلّف مملوكه ما لا يطيق فليعنه. ثمَّ نظر في وجه أهل البيت ثمَّ أصغى الي فقال (ع) : لا بأس به » (٣). ونحوها غيرها. وفي كشف اللثام ، وعن القميين ، وابن حمزة والشيخ أبي الفتوح الرازي ، والراوندي في اللباب ، والسيد أبي المكارم صاحب بلابل القلاقل : الحرمة ، وعن كشف الرموز لتلميذ المحقق : « وكان فاضل منا شريف يذهب إليه ( يعني : التحريم ) ويدعى أنه سمع ذلك مشافهة عمن قوله حجة ». وقد يشهد لهم‌ مصحح معمر بن خلاد ، قال : « قال لي أبو الحسن (ع) : أي شي‌ء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن؟ قلت : إنه بلغني أن أهل المدينة لا يرون به بأساً. فقال : إن اليهود كانت تقول : إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول ، فأنزل الله عز وجل : ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) من خلف أو قدام ، خلافاً

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٤‌.


______________________________________________________

لليهود ، ولم يعن في أدبارهن » (١) ‌، و‌خبر سدير قال : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : قال رسول الله (ص) : محاش النساء على أمتي حرام » (٢) ‌، و‌مرسل الصدوق في الفقيه : « قال رسول الله (ص) : محاش نساء أمتي على رجال أمتي حرام » (٣). ونحوها غيرها. لكن الأول إنما يدل على قصور الآية عن الدلالة على الجواز ، ولعل أهل المدينة يستدلون بها عليه ، فأراد (ع) بيان بطلان استدلالهم ، فلا يدل على الحرمة. وأما الثاني : فضعيف السند. وأما غيره من النصوص :فهو قاصر السند ، بل بعضها قاصر الدلالة. ولو سلمت الدلالة في الجميع ، فلا تصلح لمعارضة ما هو نص في الجواز مما عرفت ، بل الجمع بينها يقضي بالحمل على الكراهة.

هذا كله الكلام في النصوص. وأما في الآيات : فقد استدل القائلون بالجواز بقوله تعالى ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (٤) ، كما أشير الى ذلك في مصحح معمر‌. والقائلون بالمنع بقوله تعالى ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) (٥) كما أشير إليه في صحيح علي بن الحكم المتقدم‌. وفي كلا الاستدلالين إشكال ، لخفاء الدلالة في المقامين ، وعدم وضوح المقصود بنحو يعول عليه في إثبات الحكم الشرعي ، فإن ( أَنّى ) في الآية الاولى لا يظهر أن المراد منها المكان ، بمعنى الموضع من المرأة ، حتى يشمل الدبر ، والمنصرف من المكان مكان الفعل ، لا الموضع من المرأة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٥.

(٤) البقرة : ٢٢٣.

(٥) البقرة : ٢٢٢.


بل الأحوط تركه. خصوصاً مع عدم رضاها بذلك [١].

( مسألة ٢ ) : قد مر في باب الحيض الإشكال في وطء الحائض دبراً [٢] وإن قلنا بجوازه في غير حال الحيض.

( مسألة ٣ ) : ذكر بعض الفقهاء [٣] ممن قال بالجواز : أنه يتحقق النشوز بعدم تمكين الزوجة من وطئها دبراً. وهو مشكل [٤]

______________________________________________________

و ( مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ) في الآية الثانية لا يظهر المراد منها على وجه تختص بالقبل ، فالاستدلال بالآيتين محل تأمل وإشكال بالنظر إليهما. وأما بالنظر الى النصوص فهي متعارضة في تفسيرها والجمع العرفي بينها مشكل. لأن خبر ابن أبي يعفور‌ ظاهر في تفسير الآية الأولى مما يقتضي جواز الوطء في الدبر. ومصحح معمر بن خلاد‌ ظاهر في تفسيرها بغير ذلك. ولعل الجمع بينها يقتضي أن الاستدلال بالآية الأولى من باب المجاراة والإقناع ، لا من باب بيان الحقيقة والواقع. فلاحظ.

[١] لما تقدم في خبر عبد الله بن أبي يعفور (١).

[٢] وتقدم أن ظاهر النصوص الدالة على تحليل ما عدا القبل ، أو موضع الدم ، أو ذلك الموضع : تحليل الوطء في الدبر. فراجع.

[٣] المراد به صاحب الجواهر في مبحث النفقات.

[٤] يكفي في الاشكال ما في رواية عبد الله بن أبي يعفور المتقدمة‌ ، فإن اعتبار رضاها في جوازه دليل على أنه ليس من حقوق الزوجية. وما دل من النصوص على وجوب إطاعتها الزوج‌ (٢) لا يخلو من إجمال. إذ لا يمكن الأخذ به في كل فعل ضرورة. وما ورد من كونها لعبة‌

__________________

(١) راجع أول الفصل.

(٢) راجع الوسائل باب : ٩١ من أبواب مقدمات النكاح.


لعدم الدليل على وجوب تمكينها في كل ما هو جائز من أنواع الاستمتاعات ، حتى يكون تركه نشوزاً.

( مسألة ٤ ) : الوطء في دبر المرأة كالوطء في قبلها في وجوب الغسل [١] ، والعدة ، واستقرار المهر ، وبطلان الصوم وثبوت حد الزنا إذا كانت أجنبية ، وثبوت مهر المثل إذا وطأها شبهة ، وكون المناط فيه دخول الحشفة أو مقدارها ، وفي حرمة البنت والأم ، وغير ذلك من أحكام المصاهرة المعلقة على الدخول. نعم في كفايته في حصول تحليل المطلقة‌

______________________________________________________

الرجل‌ (١) ، أو ريحانته‌ (٢) ، أو نحو ذلك ، غير ظاهر فيما نحن فيه. ومثله ما ورد من أن من حق الزوج على الزوجة أن تطيعه في حاجته ولو كان على ظهر قتب‌ (٣).

[١] قال في القواعد : « وهو كالقبل في جميع الأحكام ، حتى ثبوت النسب وتقرير المسمى ، والحد ، ومهر المثل مع فساد العقد ، والعدة ، وتحريم المصاهرة ، إلا في التحليل ، والإحصان ، واستنطاقها في النكاح » ، وفي كشف اللثام : نسب ذلك الى الشيخ وكثير. والوجه فيه : صدق الوطء ، والمس ، والدخول ، والإيتاء ، ونحوها من العناوين التي أخذت موضوعاً للأحكام المذكورة.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٨٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢ ، باب : ٧٢ حديث : ٤ ، ١٠.

(٢) راجع الوسائل باب : ٨٧ من أبواب مقدمات النكاح.

(٣) الوسائل باب : ٧٩ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.


ثلاثا إشكال [١]. كما أن في كفاية الوطء في القبل فيه بدون الإنزال أيضاً كذلك ، لما ورد في الاخبار [٢] من اعتبار‌

______________________________________________________

[١] بل منع ، كما تقدم عن القواعد ، بل عن المبسوط : نفي الخلاف في ذلك ، لنصوص العسيلة التي أشار إليها في المتن ، والمرأة لا تذوق العسيلة بوطئها في الدبر ، كما نص على ذلك غير واحد ، ومنهم الشيخ في المبسوط ، واستدل له‌ بقوله (ص) : « حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك » (١).

[٢] قال في الجواهر : « ظاهرهم الاتفاق على الاكتفاء بذلك ( يعني الوطء ) وإن لم يحصل تكرار منه ، ولا إنزال. فإن تمَّ إجماع كان هو الحجة. وإلا فهو محل للنظر ، لظهور نصوص ذوق العسيلة في خلافه ، حتى على تفسيره بلذة الجماع ». والمراد من النصوص المشار إليها‌ موثق زرارة عن أبي جعفر (ع) في حديث قال : « فاذا طلقها ثلاثاً لم تحل له ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ، فاذا تزوجها غيره ، ولم يدخل بها وطلقها أو مات عنها لم تحل لزوجها الأول حتى يذوق الآخر عسيلتها » (٢) ‌ونحوه رواية أبي حاتم عن أبي عبد الله (ع) (٣). و‌في موثق زرعة عن سماعة قال : ( سألته عن رجل طلق امرأته فتزوجها رجل آخر ، ولم يصل إليها حتى طلقها تحل للأول؟ قال (ع) : لا ، حتى يذوق عسيلتها » (٤) ‌وهي خالية من التعرض لأن تذوق عسيلته. نعم هو مذكور في رواية المخالفين ، فقد‌ ذكر في الحدائق أنه روى غير واحد منهم : « أنه جاءت

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٧ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب أقسام الطلاق ملحق حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٧ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ٣.


ذوق عسيلته وعسيلتها فيه. وكذا في كفايته في الوطء الواجب في أربعة أشهر [١]. وكذا في كفايته في حصول الفئة والرجوع في الإيلاء [٢] أيضا.

______________________________________________________

امرأة رفاعة القرطي إلى النبي (ص) فقالت : كنت عند رفاعة فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير ، فطلقني قبل أن يمسني ، وفي رواية : وأنا معه مثل هدية الثوب ، فتبسم النبي (ص) وقال : أتريدين أن ترجعي الى رفاعة؟ لا ، حتى تذوقي عسيلته ، ويذوق عسيلتك ) (١). ولعل هذه الرواية هي مرسلة المبسوط المتقدمة. لكن الاستدلال بها على اعتبار تلذذ المرأة كما ترى.

[١] فقد جزم في المسالك بعدم كفايته. وكأنه لأن دليل وجوبه ظاهر في كونه إرفاقا بالزوجة ، بل هو صريحه ، والإرفاق إنما يحصل بالوطء في القبل ، وعليه فاللازم اعتبار كونه على نحو خاص ، لأنه الذي لا تصبر عنه ، كما تعرضت له النصوص الآتية.

[٢] وفي كشف اللثام : « من جهة أن الإيلاء لا يقع إلا به ( يعني : بالقبل ) دون الوطء دبراً. فلا حاجة الى استثنائه ». والوجه في عدم وقوع الإيلاء بالوطء في الدبر : أن المعتبر فيه وقوعه على وجه الإضرار بالزوجة ، ولا يحصل الإضرار بها بترك وطئها دبراً ، ولذا لو حلف على أن لا يطأ في دبرها لم يكن موليا. اللهم إلا أن يقال : ترك الوطء دبراً وإن لم يوجب إضرار بالزوجة من جهة التلذذ ، ولكنه إضرار بها من جهة الهجران ، فاذا وطأها دبراً فقد انتفى الهجران والإضرار المقصود منه.

__________________

(١) راجع مستدرك الوسائل باب : ٧ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ٥. مع اختلاف يسير عما في المتن ، كنز العمال الجزء : ٥ حديث ٣٢٣١ ، سنن البيهقي الجزء : ٧ الصفحة ٣٣٣ صحيح البخاري باب : ٣ من كتاب الطلاق حديث : ٢.


( مسألة ٥ ) : إذا حلف على ترك وطء امرأته في زمان أو مكان يتحقق الحنث بوطئها دبراً [١]. إلا أن يكون هناك انصراف الى الوطء في القبل ، من حيث كون غرضه عدم انعقاد النطفة.

( مسألة ٦ ) : يجوز العزل بمعنى : إخراج الآلة عند الانزال وإفراغ المني خارج الفرج [٢] ، في الأمة [٣]

______________________________________________________

[١] لأنه نوع من الوطء المنذور تركه.

[٢] بذلك فسر في المسالك ، وغيرها. وهو ظاهر النصوص الآتية.

[٣] إجماعا حكاه غير واحد كما في الجواهر. وفي الحدائق : « ظاهرهم الاتفاق عليه » وفي المستند : « الظاهر انه لا خلاف فيه ». ويشهد له‌ صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « أنه سئل عن العزل فقال : أما الأمة فلا بأس. فأما الحرة فإني أكره ذلك. إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها » (١). و‌في صحيحه الآخر عن أبي جعفر (ع) مثل ذلك ، وقال في حديثه : « إلا أن ترضى ، أو يشترط ذلك عليها » (٢) ‌، و‌صحيحه الثالث عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل المسلم يتزوج المجوسية؟ فقال : لا. ولكن إن كان له أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ، ولا يطلب ولدها » (٣) ‌، و‌خبر يعقوب الجعفي قال : « سمعت أبا الحسن (ع) يقول : لا بأس بالعزل في ستة وجوه : المرأة التي تيقنت أنها لا تلد. والمسنة ، والمرأة السليطة ، والبذية ، والمرأة التي لا ترضع ولدها والأمة » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٧٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٧٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٤.


وإن كانت منكوحة بعقد الدوام [١] ، والحرة المتمتع بها [٢] ومع إذنها وإن كانت دائمة [٣] ، ومع اشتراط ذلك عليها في العقد [٤] وفي الدبر [٥] ، وفي حال الاضطرار [٦] ، من ضرر ، أو نحوه. وفي جوازه في الحرة المنكوحة بعقد الدوام في غير ما ذكر قولان ، الأقوى ما هو المشهور [٧] من الجواز‌

______________________________________________________

[١] لإطلاق النص. وفي الجواهر : إطلاق النص ، والفتوى ، ومعقد الإجماع.

[٢] قولا واحداً ـ كما عن جامع المقاصد ـ وإجماعاً ـ كما عن غيره ـ وليس في النصوص تعرض لها بالخصوص ، فلو قيل بالحرمة يكون المعتمد في التخصيص : الإجماع.

[٣] كما هو المعروف. ويشهد به صحيح ابن مسلم المتقدم الثاني ، بل الثالث أيضاً. لظهوره في كونه من حقوق الزوجة ، فيجوز برضاها.

[٤] هذا مما لا إشكال فيه. ويقتضيه الصحيحان السابقان.

[٥] عن الفخر : أن محل الخلاف ما إذا كان الوطء في الفرج ، دون الدبر. ويقتضيه بعض أدلة المنع الآتية. بل قد يستفاد من خبر الجعفي‌.

[٦] لعموم ما دل على حلية ما اضطر اليه‌ (١) أو نفي ما اضطروا اليه‌ (٢).

[٧] للنصوص الدالة على الجواز ، مثل‌ صحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن العزل ، فقال : ذاك الى الرجل يصرفه

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١ من أبواب القيام حديث : ٦ ، ٧ ، باب : ١٢ من أبواب كتاب الايمان حديث : ١٨ ، مستدرك الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الأمر بالمعروف حديث : ٣‌

(٢) راجع الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.


______________________________________________________

حيث شاء » (١) ‌، و‌موثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن العزل ، فقال : ذاك الى الرجل » (٢) ‌، والصحيح‌ عن عبد الرحمن الحذاء عن أبي عبد الله (ع) : « قال : كان علي بن الحسين (ع) لا يرى بالعزل بأساً. يقرأ هذه الآية ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) (٣) فكل شي‌ء أخذ الله منه الميثاق فهو خارج ، وإن كان على صخرة صماء » (٤) ‌و‌موثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : « لا بأس بالعزل عن المرأة الحرة إن أحب صاحبها وإن كرهت ، وليس لها من الأمر شي‌ء » (٥) ‌، و‌صحيحه : « قلت لأبي جعفر (ع) : الرجل يكون تحته الحرة أيعزل عنها؟ قال : ذاك إليه إن شاء عزل وإن شاء لم يعزل » (٦).

وعن المقنعة والمبسوط والخلاف : الحرمة. بل في الأخير : الإجماع عليها. ومستنده الإجماع المذكور. وصحيح محمد بن مسلم المتقدم في الأمة‌ (٧). ولما روي أن النبي (ص) نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها‌ (٨). وما روي عنه (ص) أنه قال : « ذلك الوأد الخفي » ‌(٩). ومفهوم رواية الجعفي المتقدمة‌ (١٠). مضافاً الى ما فيه من تضييع النسل الذي لأجله‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٣) الأعراف : ١٧٢.

(٤) الوسائل باب : ٧٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٧٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٤.

(٦) الوسائل باب : ٧٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٥.

(٧) راجع أول المسألة.

(٨) مستدرك الوسائل باب : ٥٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٩) كنز العمال الجزء : ٨ حديث : ٤٢٤٥ ، وينقله عن علي (ع) في الجزء : ٨ حديث : ٥٢٠٩ الا أنه قال ( ذاك .. ) ..

(١٠) راجع أول المسألة‌.


مع الكراهة [١]. بل يمكن أن يقال : بعدمها ، أو أخفيتها في العجوزة [٢] ، والعقيمة ، والسليطة ، والبذية والتي لا ترضع ولدها. والأقوى عدم وجوب دية النطفة عليه [٣] وان قلنا بالحرمة. وقيل بوجوبها عليه [٤] للزوجة وهي عشرة دنانير ، للخبر للوارد [٥] فيمن أفزع رجلا عن عرسه ، فعزل عنها الماء من وجوب نصف خمس المائة : عشرة دنانير ، عليه. لكنه في‌

______________________________________________________

شرع النكاح ، ولذا حرم الاستمناء. وفيه : منع الإجماع مع شهرة الخلاف. ومنع ظهور الكراهة في الحرمة. وعدم حجية النبويين. ومفهوم رواية الجعفي‌ ليس بحجة. وتضييع النسل لا دليل على حرمته كلية ، ولذا يجوز ترك التزويج ، وترك الوطء ، وكذا الاحتلام. وحرمة الاستمناء لدليل خاص به ، فلا يتعدى الى غيره.

[١] لصحيح محمد بن مسلم المتقدم في الأمة‌.

[٢] لرواية الجعفي المتقدمة‌. وظاهرها عدم الكراهة في الموارد المذكورة ، ومنها الأمة. وتركها في المتن لأن كلامه في الحرة.

[٣] كما عن المعظم ، والمصرح به في كلام غير واحد من الأعاظم ، كالمحقق والشهيد الثانيين ، وغيرهم. للأصل مع عدم الدليل عليه. بل ظاهر نصوص جواز العزل عدمه.

[٤] كما عن الشيخ ، والقاضي ، وأبي الصلاح ، وابني حمزة وزهرة ، والكيدري ، والعلامة في القواعد ، والإرشاد ، وكاشف اللثام. ولعله ظاهر ، الشرائع هنا. لكن نفاه في كتاب الديات.

[٥] في جامع المقاصد : « روى الشيخ في الصحيح عن يونس عن أبي الحسن (ع) : أن علياً (ع) قضى في الرجل يفزع عن عرسه ،


غير ما نحن فيه ، ولا وجه للقياس عليه ، مع أنه مع الفارق [١] وأما عزل المرأة ـ بمعنى : منعها من الإنزال في فرجها ـ فالظاهر حرمته بدون رضا الزوج [٢] ، فإنه مناف للتمكين الواجب عليها. بل يمكن وجوب دية النطفة عليها [٣]. هذا ولا فرق في جواز العزل بين الجماع الواجب وغيره ، حتى فيما يجب في كل أربعة أشهر [٤].

( مسألة ٧ ) : لا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر [٥] ،

______________________________________________________

فيعزل عنها الماء ولم يرد ذلك : نصف خمس المائة : عشرة دنانير » (١) ‌، و‌روى في الكافي بأسانيده عن كتاب طريف عن أمير المؤمنين (ع) قال : « وأفتى (ع) في مني رجل يفزع عن عرسه ، فيعزل عنها الماء ، ولم يرد ذلك ، نصف خمس المائة : عشرة دنانير » (٢).

[١] لأن الجناية في الخبر من الأجنبي ، وفي المورد من الوالد ، ومن المعلوم أن جناية الوالد لا يلحقها حكم جناية الأجنبي.

[٢] كما نص على ذلك في الجواهر لما ذكر.

[٣] كما استظهره في الجواهر ضرورة كونها حينئذ كالمفزع أو أعظم في التفويت إذا كانت قد نحت نفسها عنه عند إنزاله. وإشكاله ظاهر ، للفارق المتقدم.

[٤] إلا أن يدعى انصراف دليل وجوبه الى المتعارف ، بملاحظة كونه إرفاقا بالزوجة ، نظير ما تقدم في الوطء في الدبر. فتأمل.

[٥] في المسالك : أنه موضع وفاق. ويشهد له‌ مصحح صفوان بن

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٩ من أبواب ديات الأعضاء ملحق حديث : ١ ، التهذيب الجزء ١٠ الصفحة : ٢٨٥ طبعة النجف الحديثة.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ديات الأعضاء حديث : ١‌.


من غير فرق بين الدائمة والمتمتع بها [١] ، ولا الشابة والشائبة على الأظهر [٢] ،

______________________________________________________

يحيى عن الرضا (ع) : « أنه سأله عن الرجل تكون عنده المرأة الشابة ، فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ليس يريد الإضرار بها يكون لهم مصيبة يكون في ذلك آثماً؟ قال (ع) : إذا تركها أربعة أشهر كان آثماً بعد ذلك » (١).كذا رواه الصدوق ، والشيخ. ورواه الشيخ بطريق فيه علي بن أحمد بن أشيم بزيادة : « إلا أن يكون بإذنها » (٢).

[١] لإطلاق النص. وفي الجواهر : « المتيقن هو الدائم » فلا يجب ذلك في المنقطع الساقط فيه الإيلاء ، وأحكام الزوجية من النفقة وغيرها. لأنهن مستأجرات » وفي رسالة شيخنا الأعظم (ره) : فيه وجهان. لكن ذلك لا يوجب وهناً في الإطلاق ، فالعمل به لازم. وعدم جريان أحكام الإيلاء لا يقتضي العدم في المقام ، لأنه حكم خاص ، ولو كان مبنياً على ما نحن فيه لم يكن وجه للكفارة ، لبطلان اليمين ، كما لا يخفى.

[٢] لإطلاق الفتاوى ومعقد الاتفاق. وفي كشف اللثام : « ولم يفرقوا بين الشابة وغيرها » ، وعن الرياض : الإجماع على التعميم ، ونسب في الجواهر التخصيص الى بعض القاصرين. وكأنه يريد به الكاشاني في مفاتيحه ، والبحراني في حدائقه ، والحر في وسائله ، وظاهر كشف اللثام : التوقف فيه. وهو في محله. لعدم ثبوت الإجماع المعتد به ، لاحتمال أن يكون المستند فيه الصحيح القاصر عن التعميم ، كما عرفت. والإجماع في الرياض إنما كان على التعميم في الإيلاء ، لا فيما نحن فيه. وأما‌ حسن حفص عن أبي عبد الله (ع) : « إذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين

__________________

(١) الوسائل باب : ٧١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧١ من أبواب مقدمات النكاح ملحق حديث : ١.


والأمة والحرة [١] ، لإطلاق الخبر. كما أن مقتضاه عدم الفرق بين الحاضر والمسافر [٢] ، في غير سفر الواجب. وفي كفاية الوطء في الدبر إشكال كما مر [٣].

______________________________________________________

أربعة أشهر استعدت عليه ، فاما أن يفي وإما أن يطلق ، فان كان من غير مغاضبة أو يمين فليس بمؤل » (١) ‌، وظاهره أن الاستعداء إنما هو ترك الوطء. لكن مورده المغاضبة ، وظاهره إلحاق المغاضبة بالإيلاء في الحكم ، فلا يكون مما نحن فيه.

[١] في الجواهر : « أما الدائمة الأمة فلم أجد فيها تصريحاً من الأصحاب ». لكن لا معدل عن العمل بإطلاق النص ، المؤيد بإطلاق الفتوى.

[٢] في شمول النص للغائب تأمل. لاحتمال أن يكون المراد من قوله في السؤال : « عنده المرأة الشابة » ‌: أن تكون حاضرة عنده. وربما تشهد به السيرة. ولذا قيد في كشف اللثام الحكم المذكور بحضور الزوج. نعم استدل على التعميم بما‌روي عن عمر : أنه سأل نساء أهل المدينة لما أخرج أزواجهن إلى الجهاد ، وسمع امرأة تنشد أبياتاً من جملتها :

فو الله لو لا الله لا شي‌ء غيره

لزلزل من هذا السرير جوانبه

عن أكثر ما تصبر المرأة عن الجماع ، فقيل له : أربعة أشهر ، فجعل المدة المضروبة للغيبة أربعة أشهر (٢). لكنه ليس بحجة سنداً ، ولا مسنداً اليه ، ولا دلالة ، إذ من الجائز أن يكون ضرب المدة من الأحكام السياسية ، لا الشرعية.

[٣] يعني : في المسألة الرابعة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الإيلاء حديث : ٢.

(٢) راجع كنز العمال الجزء : ٨ حديث : ٥٢٢٧ ، ٥٢٣٤. مع اختلاف يسير.


وكذا في الإدخال بدون الانزال [١] ، لانصراف الخبر الى للوطء المتعارف [٢] وهو مع الانزال والظاهر عدم توقف الوجوب على مطالبتها ذلك [٣]. ويجوز تركه مع رضاها ، أو اشتراط ذلك حين العقد عليها ، ومع عدم التمكن منه [٤]

______________________________________________________

[١] في المسالك : « المعتبر من الوطء الواجب ما أوجب الغسل وإن لم ينزل ، في المحل المعهود ، فلا يكفي الدبر ».

[٢] التعارف لا يوجب وهن الإطلاق ، كما هو محرر في محله. والعمدة في الانصراف أن الظاهر أن الحكم المذكور إرفاقي بالزوجة ، وهو لا يحصل بمجرد الوطء مطلقاً.

[٣] لإطلاق النص والفتوى لكن الظاهر من النصوص أنه من حقوق الزوجة ، بل صريح بعض متون الصحيح المتقدم ، وحينئذ يتوقف أداؤه على المطالبة كسائر الحقوق. إلا أن يقال : إن الأصل يقتضي وجوب أداء الحق إلا مع الرضا بالتأخر ، لا جواز ترك الأداء إلا مع المطالبة ، لأن إبقاء الحق بدون إذن من له الحق تصرف فيه ، وهو خلاف السلطنة على الحقوق والأموال. ولذا نقول : بأن الدائن إذا جهل الدين أو نسيه لا يجوز للمديون تأخيره ، فكذا في المقام إذا كانت الزوجة لا تدري أن لها حق الوطء ، أو جهلت ذلك فلم تطالب ، لم يجز للزوج ترك أدائه. وعلى هذا يكون عدم توقف الوجوب على مطالبتها من مقتضيات الأصل فيه وفي عموم الحقوق مع قطع النظر عن إطلاق النص. ومن ذلك يظهر الوجه في جواز تركه مع رضاها. وكذا مع اشتراط ذلك عند العقد.

[٤] فان العجز عذر عقلي في مخالفة التكليف. وكذلك الضرر لحديث نفي الضرر ، أو ما دل على حرمة الضرر.


لعدم انتشار العضو ، ومع خوف الضرر عليه أو عليها ، ومع غيبتها [١] باختيارها ، ومع نشوزها [٢]. ولا يجب أزيد من الإدخال والانزال ، فلا بأس بترك سائر المقدمات [٣] من الاستمتاعات. ولا يجري الحكم في المملوكة غير المزوجة [٤] فيجوز ترك وطئها مطلقاً.

( مسألة ٨ ) : إذا كانت الزوجة من جهة كثرة ميلها وشبقها لا تقدر على الصبر إلى أربعة أشهر بحيث تقع في المعصية إذا لم يواقعها. فالأحوط المبادرة إلى مواقعتها قبل تمام الأربعة [٥] ، أو طلاقها وتخلية سبيلها.

______________________________________________________

[١] لا يتضح الفرق بين غيبتها وغيبته ، فان كان يصدق عليه أنه عنده زوجة في حال سفره ، كان الصدق كذلك في حال سفرها ، وإن لم يصدق في الثاني لم يصدق في الأول.

[٢] هذا خلاف إطلاق النصوص المتقدم. إلا أن يفهم من الأدلة أن النشوز مسقط لجميع حقوق الزوجة. ويظهر من كلماتهم في مبحث القسم التسالم عليه.

[٣] للأصل ، وقصور النص المتقدم عن إثباته.

[٤] لخروجها عن مورد النص المتقدم. ويتعين الرجوع فيها الى الأصل.

[٥] للمرسل عن أبي عبد الله (ع) : « من جمع من النساء ما لا ينكح فزنى منهن شي‌ء فالإثم عليه » (١). لكن الاعتماد عليه غير ظاهر. ولا سيما بملاحظة التحديد في الصحيح السابق. ولا يجب الأمر بالمعروف على نحو يقتضي وجوب ما يوجب رفع المقتضي لداعي المعصية ، فلا يجب أن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧١ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.


( مسألة ٩ ) : إذا ترك مواقعتها عند تمام الأربعة أشهر لمانع من حيض أو نحوه ، أو عصياناً لا يجب عليه القضاء [١] نعم الأحوط ارضائها بوجه من الوجوه ، لأن الظاهر أن ذلك حق لها عليه [٢] وقد فوته عليها. ثمَّ اللازم عدم التأخير‌

______________________________________________________

يتزوج المرأة التي لو لم يتزوجها زنت ، ولا تزويج الرجل الذي لو لا تزوجه زنى ، ولا نحو ذلك.

[١] للأصل. فان قلت : الأصل يقتضي وجوب الوطء ، لأن الوجوب كان سابقاً فيستصحب. قلت : لا إشكال في وجوب الوطء بعد تمام الأربعة أشهر إذا لم يكن وطأ فيها. وإنما الكلام في وجوبه ثانياً بعنوان القضاء عما فات ، والأصل فيه البراءة ، واستصحاب عدمه.

[٢] كأنه يشير إلى قاعدة كلية ، وهي : من فوت حق غيره وجب عليه استحلاله. وقد استدل عليها شيخنا الأعظم في مكاسبه بالأصل ، والنصوص ، منها ما‌ رواه الكراجكي عن علي بن الحسين (ع) عن أبيه عن أمير المؤمنين 7 قال : « قال رسول الله (ص) : للمؤمن على أخيه ثلاثون حقاً لا براءة له منها إلا بأدائها أو العفو .. الى أن قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالبه به يوم القيامة ويقضى له عليه » (١). ونحوه غيره. لكن يشكل الأصل المذكور : بأنه بعد التصرف في الحق يسقط بذهاب موضوعه ، فلا يحتاج في سقوطه إلى عفو وإرضاء. مثلا إذا كان لأحد حق على آخر أن لا يأكل من طعام ، فأكل ، عصى وجرى على خلاف الحق ، فبطل الحق وسقط. ولا مجال لأصالة بقائه. نعم إذا احتمل دخله في رفع العقاب وجب عقلا تحصيله ، لكن إطلاق أن التوبة ماحية للذنب. رافع للاحتمال المذكور.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢٢ من أبواب أحكام العشرة حديث : ٢٤.


من وطء الى وطء أزيد من الأربعة ، فمبدأ اعتبار الأربعة اللاحقة إنما هو الوطء المتقدم [١] ، لا حين انقضاء الأربعة المتقدمة.

فصل‌

( مسألة ١ ) : لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين [٢]

______________________________________________________

وأما النصوص المشار إليها فلا يخلو سندها من إشكال. بل دلالتها أيضاً ، لاشتمالها على أمور لا قائل بوجوب البراءة منها ، كما اعترف بذلك شيخنا الأعظم (ره) في مكاسبه في مباحث حرمة الغيبة. مضافاً الى أن النصوص مرمية بالهجر والاعراض ، لعدم ذكر مضمونها في كتاب الكفارات. فلاحظ. وكأنه لذلك توقف المصنف عن الفتوى في المقام.

[١] لأن ظاهر النص إرادة المدة المساوية للأربعة أشهر من حين الوطء ، لا الأربعة أشهر المتعينة.

فصل في أحكام الدخول‌

[٢] بالنص ، والإجماع كما في كشف اللثام ، وإجماعاً بقسميه ، ونصوصاً ، كما في الجواهر. و‌في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة ، فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين » (١) ‌، و‌في خبر زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قال : لا يدخل

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.


جرة كانت أو أمة ، دواماً كان النكاح أو متعة [١]. بل لا يجوز وطء المملوكة [٢] والمحللة كذلك. وأما الاستمتاع بما‌

______________________________________________________

بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين ، أو عشر سنين » (١) ‌، ونحوه خبر أبي بصير عن أبي جعفر (ع) (٢). والتخيير فيهما بين الأقل والأكثر يستوجب حمل الأكثر عرفاً على الاستحباب. وأما‌ خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن علي (ع) : « قال : لا توطأ جارية لأقل من عشر سنين ، فان فعل فعيبت فقد ضمن » (٣). فشاذ مهجور ، يجب حمل صدره على الاستحباب ، بقرينة ما سبق ، إن أمكن ، وإلا طرح.

[١] إجماعاً ـ أيضاً ـ بقسميه ، كما في الجواهر. ويقتضيه إطلاق النصوص المتقدمة.

[٢] كما صرح به جماعة. وفي الجواهر : حكاية الإجماع عليه عن التنقيح ومحكي النهاية والكفاية وظاهر المجمع. ويقتضيه إطلاق الخبرين الأخيرين المتقدمين. وأما ما‌ في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال في رجل ابتاع جارية ولم تطمث ، قال (ع) : إن كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحبل فليس عليها عدة ، وليطأها إن شاء. وإن كانت قد بلغت ولم تطمث فان عليها العدة » (٤) ‌، و‌صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) : « في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحبل إذا اشتراها الرجل ، قال (ع) : ليس عليها عدة ، يقع عليها » (٥) ‌، ونحوهما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب نكاح العبيد حديث : ١.

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب نكاح العبيد حديث : ٣.


عدا الوطء من النظر واللمس بشهوة والضم والتفخيذ ، فجائز في الجميع [١] ، ولو في الرضيعة.

( مسألة ٢ ) : إذا تزوج صغيرة دواماً أو متعة ، ودخل بها قبل إكمال تسع سنين فأفضاها. حرمت عليه أبداً على المشهور [٢].

______________________________________________________

غيرهما وهي وإن كانت واردة في الجواز من حيث الاستبراء وعدمه ، لكنها ظاهرة في المفروغية عن الجواز في الصغيرة ، فيقيد بها إطلاق ما سبق. لكن من القريب حمل الصغيرة فيها على معنى : ما لا يتخوف عليها الحبل ، جمعاً بينها وبين الإطلاق المتقدم. وإن كان الإنصاف يقتضي البناء على المعارضة بين الإطلاقين ، فيرجع الى الأصل في مورد المعارضة. ولا وجه لتعين إطلاق هذه النصوص للتصرف ، ولا سيما بعد ملاحظة‌ رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع المروية في عيون الاخبار. عن الرضا (ع) : « في حد الجارية الصغيرة السن الذي إذا لم تبلغه لم يكن على الرجل استبراؤها. قال (ع) : إذا لم تبلغ استبرأت بشهر ، قلت : وإن كانت ابنة سبع سنين أو نحوها مما لا تحمل. فقال : هي صغيرة ، ولا يضرك أن لا تستبرأها ، فقلت : ما بينها وبين تسع ، فقال (ع) : نعم تسع سنين » (١). اللهم إلا أن يقال : لا مجال للعمل بها بعد ما عرفت من حكاية الإجماع على خلافها.

[١] كما نص على ذلك في الجواهر. للأصل السالم عن المعارضة.

[٢] بل إجماعاً محكياً صريحاً عن الإيضاح والتنقيح وكنز الفوائد ، وغاية المرام ، وظاهراً في المسالك ومحكي كشف الرموز والمقتصر والمهذب البارع بل والسرائر إن لم يكن محصلا. كذا في الجواهر. واستدل له.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب نكاح العبيد حديث : ١١‌.


______________________________________________________

بخبر يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما ، ولم تحل له أبداً » (١). وفيه : أنه لا مجال للاعتماد عليه مع ضعف سنده ، وشموله لصورة عدم الإفضاء ، ودلالته على انتفاء الزوجية بمجرد الوطء ، مع صراحة النصوص ببقاء الزوجية مع الإفضاء ، فضلا عن صورة عدمه ، كخبر بريد بن معاوية عن أبي جعفر (ع) : « في رجل افتض جارية ـ يعني : امرأته ـ فأفضاها ، قال (ع) : عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين. قال : وإن أمسكها ولم يطلقها فلا شي‌ء عليه. وإن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه ، إن شاء أمسك ، وان شاء طنق » (٢) ‌، و‌صحيح حمران عن أبي عبد الله (ع) قال : « سئل عن رجل تزوج جارية بكراً لم تدرك ، فلما دخل بها افتضها فأفضاها ، فقال : إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين افتضها فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج ، فعلى الامام أن يغرمه ديتها ، وان أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شي‌ء عليه » (٣). ولأجل ذلك قال في كشف اللثام : « ولم نظفر بخبر يدل على التحريم بالإفضاء. وما دل على التحريم بالدخول قبل التسع ضعيف مرسل. فالأقرب ـ وفاقاً للنزهة ـ الحل ». وفي الجواهر : أنه لا يخلو من قوة. اللهم إلا أن يقال : ضعف السند منجبر بعمل الأصحاب به. والنصوص الدالة على بقاء الزوجية مع الإفضاء ربما تنافي فتوى المشهور بالتحريم ، فقد قيل : إن التحريم المؤبد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.


وهو الأحوط وإن لم تخرج عن زوجيته [١]. وقيل بخروجها عن الزوجية أيضا [٢]. بل الأحوط حرمتها عليه بمجرد الدخول [٣] وإن لم يفضها. ولكن الأقوى بقاؤها على الزوجية وإن كانت مفضاة [٤] وعدم حرمتها عليه أيضا ، خصوصاً‌

______________________________________________________

ينافي مقتضى النكاح. أو هي مخالفة للمشهور من ثبوت الدية مطلقاً وإن أمسكها. فإذاً لا مجال للاعتماد عليها. فلم يبق إلا عموم المرسل ، ويمكن تقييده بصورة الإفضاء ، لظهور الإجماع على عدم التحريم بدونه. لكن يشكل ذلك : بأن الفتوى هي أن التحريم يستند إلى الإفضاء ، والمرسل ظاهر في أنه يستند الى الدخول ، فتكون الفتوى أجنبية عن المرسل ، لا مقيدة له ، لأن الإفضاء من مقارنات الدخول ، لا من حالاته. فحمل المرسل على مضمون الفتوى تصرف فيه بنحو آخر غير التقييد بعيداً جداً. ولعله الى ذلك أشار في الجواهر بقوله : « إنه لا يورث الفقيه ظناً ». وبالجملة : الاستدلال على فتوى المشهور بالمرسل بعيد عن السليقة العرفية. فلاحظ.

[١] كما في الشرائع ، وعن السرائر ، والجامع ، وغيرها. وفي كشف اللثام : أنه الأقوى لصحيحة حمران‌ ورواية بريد‌ المتقدمتين ، المصرحتين بذلك.

[٢] لأن التحريم المؤبد ينافي مقتضى النكاح ، إذ ثمرته حل الاستمتاع. ولما تقدم من مرسل يعقوب بن يزيد‌، الصريح في انتفاء الزوجية بمجرد الدخول ، فضلا عن الإفضاء ، أو بعد حمله على الإفضاء. ولكن المرسل قد عرفت إشكاله ، فلا معدل عن العمل بغيره.

[٣] فقد نسب ذلك الى الشيخين في المقنعة والنهاية والى ابن إدريس. ويشهد له المرسل المتقدم. لكن في صلاحيته لذلك تأمل ، لعدم ثبوت الفتوى المذكورة ، فضلا عن صلاحيتها لجبر المرسل‌.

[٤] عملا بالنصوص المتقدمة من دون معارض ظاهر. مضافاً الى‌


إذا كان جاهلا [١] بالموضوع أو الحكم ، أو كان صغيراً ، أو مجنونا ، أو كان بعد اندمال جرحها [٢] ، أو طلقها ثمَّ عقد عليها جديداً. نعم يجب عليه دية الإفضاء وهي دية النفس [٣] ففي الحرة نصف دية الرجل وفي الأمة أقل الأمرين من قيمتها ودية الحرة. وظاهر المشهور : ثبوت الدية مطلقاً وإن أمسكها‌

______________________________________________________

أنه مقتضى الأصل ، وليس ما يوجب الخروج عنه إلا المرسل الذي لم تثبت حجيته. ولأجل ذلك يتعين القول بعدم حرمتها عليه ، لما ذكر.

[١] فقد حكى في الجواهر عن تصريح بعضهم ، وظاهر كثير : عدم التحريم في ذلك ، حيث رتبوا الحكم على الوطء المحرم ، ولما في كلام جماعة من تعليل التحريم بأنه عقوبة ، وهي إنما تترتب على الحرام دون المباح. لكن إطلاق الدليل على التحريم ـ لو تمَّ ـ لا يخل به مثل ذلك. والانصراف والتعليل ممنوعان.

[٢] اقتصاراً في التحريم على المتيقن ، وهو غير هذا الفرد. ولكن ظاهر فتوى الأصحاب العموم له ، عملا بالاستصحاب. ولذلك حكي القطع به عن الصيمري في غاية المرام ، وعن السيوري : أنه أولى الوجهين. وأما ما ذكر من الاقتصار على القدر المتيقن فلا يجدي في الحل بعد جريان استصحاب التحريم. اللهم إلا أن يشك في ثبوت التحريم من أول الأمر ، فيبنى على الحل من الأول. ولكنه غير محل الكلام كما لا يخفي. وكذا الكلام بناء على البينونة. فالعمدة حينئذ ملاحظة دليل الحرمة. فإن كان هو المرسل فمقتضاه بقاء الحرمة ، ولو بالاستصحاب. ومثله الكلام فيما لو طلقها ثمَّ عقد عليها جديداً. فان مقتضى الاستصحاب أيضاً بطلان العقد ، إلا أن يكون الشك في الحرمة من أول الأمر.

[٣] على ما ذكروه في كتاب الديات. فراجع.


ولم يطلقها. الا أن مقتضى حسنة حمران‌ وخبر بريد‌ المثبتين لها [١] عدم وجوبها عليه إذا لم يطلقها. والأحوط ما ذكره المشهور. ويجب عليه أيضا نفقتها ما دامت حية [٢] وإن‌

______________________________________________________

[١] المتقدمين آنفاً. وعن ابن الجنيد : الفتوى بمضمونهما ولعله اعتماداً منه عليهما. لكن في الجواهر : « يجب حملهما على سقوطها صلحاً ، بأن تختار المقام معه بدلا عن الدية ، فإن الدية قد لزمته بالإفضاء بدلالة النص والفتوى ، فلا تسقط مجاناً من غير عوض. لأنه لو لم يحمل على الصلح فاما أن يكون المراد سقوط الدية بالعزم على الإمساك ، أو بنفس الإمساك المستمر الى الموت بأن تسقط الدية به ، أو يبقى الحكم بالسقوط مراعى بالموت فإن أمسكها حتى مات تبين السقوط من حين الإمساك ، أو عدم ثبوت الدية بالإفضاء. واللوازم ـ خصوصاً بعضها ـ في غاية البعد ». والاشكال عليه ظاهر ، فإنه أشبه بالاجتهاد في مقابل النص. نعم يمكن الإشكال : بأن النصوص مهجورة عند الأصحاب ، فلا مجال للاعتماد عليها. والدية وإن لم يصرح بلفظها في غير الخبرين ، لكن دل عليها جملة من الروايات ، منها خبر غياث المتقدم في أول الفصل‌ ، ومنها‌ صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « من دخل بامرأة قبل أن تبلغ تسع سنين فأصابها عيب ، فهو ضامن » (١). ونحوهما غيرهما.

[٢] بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل قد حكى الإجماع عليه جماعة ، كما في الجواهر : ويشهد له‌ صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « سألته عن رجل تزوج جارية فوقع عليها فأفضاها ، قال (ع) : عليه الاجراء عليها ما دامت حية » (٢). وعن الإسكافي : سقوطها بالطلاق. ووجهه غير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.


طلقها ، بل وان تزوجت بعد الطلاق [١] على الأحوط.

( مسألة ٣ ) : لا فرق في الدخول الموجب للإفضاء بين أن يكون في القبل أو الدبر [٢]. والإفضاء أعم من أن يكون [٣] باتحاد مسلكي البول والحيض ، أو مسلكي الحيض‌

______________________________________________________

ظاهر في مقابل الإطلاق ، ولا سيما مع دعوى الإجماع على خلافه.

[١] كما هو المشهور. وعن ابن فهد والصيمري وابن قطان والإيضاح والروضة : تقييد الحكم بما إذا لم تتزوج بغيره. وفي القواعد : « على إشكال » لزوال الزوجية التي هي علة الوجوب. ولزوال التعليل على الأزواج. ولأنها واجبة على الثاني ، فلا تجب على الأول. وفيه : أن ظاهر صحيح الحلبي‌ أن علة الوجوب الإفضاء ، لا الزوجية ومنه يظهر الإشكال في الأخير. وأما التعطيل على الأزواج فإنما ذكر في صحيح حمران‌ (١). علة للدية ، لا للنفقة ، فلا يكون انتفاؤه موجباً لانتفائها.

[٢] لإطلاق النص ، والفتوى.

[٣] قد اختلفت الكلمات في تفسير الإفضاء. قال في القواعد : « وهو ـ يعني : الإفضاء ـ صيرورة مسلك البول والحيض واحداً. أو مسلك الحيض والغائط واحداً ، على رأي ». وظاهر مجمع البحرين : أنه جعل مسلك البول والغائط واحداً. ونحوه عن كشف الرموز ، فيكون قولا ثالثاً. وفي الشرائع في مبحث العيوب وغيرها تفسيره بجعل مسلكيها مسلكاً واحداً. والظاهر منه القول الثاني. هذا ولا ريب في أن الأقوال المذكورة متقابلة مفهوماً. إنما الإشكال في أن الاحكام السابقة هل تختص بأحد هذه المعاني؟ وحينئذ يحتاج في تعيينه الى دليل. أو أنها عامة للجميع. ظاهر المشهور أن موضوع الاحكام المعنى الأول. وعن‌

__________________

(١) تقدم في أول المسألة.


والغائط ، أو اتحاد الجميع. وإن كان ظاهر المشهور الاختصاص بالأول.

( مسألة ٤ ) : لا يلحق بالزوجة في الحرمة الأبدية [١]

______________________________________________________

صريح كلام العلامة في جملة من كتبه ، وغيره أن موضوع الاحكام الجامع بين المعنيين. قال في الجواهر بعد نقل كلمات الفقهاء وأهل اللغة في تفسير الإفضاء : « وكيف كان فكلام الفقهاء وأهل اللغة متفق على أن إفضاء المرأة شي‌ء خاص. لا أن المراد به مطلق الوصل ، أو التوسعة ، أو الشق ، أو الخلط ، كي تترتب أحكامه على كل فرد من أفراد ذلك ، كما هو مبنى كلام العلامة ومن تابعه. ووجود معنى المطلق في ذلك الخاص لا يقتضي كون المراد المطلق وأن ذكر الخاص من باب المثال .. الى أن قال : نعم يبقى الكلام في تعيينه من بين الافراد التي سمعتها أقوالاً ، أو احتمالا. ولا ريب في أن المظنون منها ما هو المشهور ، للشهرة ، والإجماع المنقول ، وتعارف الوقوع ، وغير ذلك .. ». وما ذكره (ره) في محله ، لأن الجامع بين الافراد ليس من معاني الإفضاء ، كي يحمل عليه الكلام. وحمله على المعنى اللغوي يقتضي ثبوت الاحكام له وإن كان بنحو آخر غير الأنحاء المذكورة ، ولا يظن القول به من أحد. وعليه يتعين حمله على المشهور. لحصول الوثوق بصحته ، الموجب للترجيح ، كما تحقق ذلك في مبحث الأخذ بقول اللغوي.

[١] لخروجها عن مورد النصوص ، وهو الزوجة الصغيرة المفضاة بالوطء. كما نص على ذلك في الجواهر. وحينئذ يتعين الرجوع في غيرها الى القواعد المقتضية للعدم. وعن العلامة وولده : تحريم الأجنبية. وعن غيرهما : تحريم الأجنبية والأمة. وكأن الوجه في الأخير استفادة عدم الخصوصية من مورد النص. وفي الأول الأولوية ، لأن الإثم في الأجنبية أشد. أو لأن الزوجية ليست سبباً في الحرمة ، لأنها سبب الحل ، فلا تكون‌


ـ على القول بها ـ ووجوب النفقة المملوكة والمحللة والموطوءة بشبهة أو زنا ولا الزوجة الكبيرة. نعم تثبت الدية في الجميع [١] ـ عدا الزوجة الكبيرة [٢] ـ إذا أفضاها بالدخول بها [٣] ، حتى في الزنا ، وإن كانت عالمة مطاوعة [٤] وكانت كبيرة. وكذا لا يلحق بالدخول الإفضاء بالإصبع [٥] ونحوه ، فلا‌

______________________________________________________

سبباً لضده ، بل السبب الصغر والإفضاء ، والمفروض حصولهما في الأجنبية. وهو كما ترى.

[١] كما في الجواهر حاكياً عن بعضهم التصريح به ، لصحيح سليمان ابن خالد قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل كسر بعصوصه ، فلم يملك استه ، ما فيه من الدية؟ فقال (ع) : دية كاملة. وسألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد ، فقال (ع) : الدية كاملة » (١) ‌، ولما‌ رواه في الفقيه بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (ع) : أنه (ع) قضى في امرأة أفضيت بالدية (٢).

[٢] لما سبق من صحيح حمران‌ وخبر بريد‌ (٣) ، المعتضد بإجماع الخلاف. وعن الحلبيين : إطلاق لزوم الدية في الإفضاء. وهو ضعيف.

[٣] قيد للمستثنى منه.

[٤] لإطلاق الصحيح‌ ، كما نص على ذلك كله في الجواهر.

[٥] كما نص عليه في الجواهر ، ويظهر منه التسالم عليه. لخروجه عن مورد النص.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب ديات المنافع حديث : ١.

(٢) من لا يحضره الفقيه الجزء : ٤ صفحة : ١١١ طبعة النجف الحديثة ، الوسائل باب : ٢٦ من أبواب ديات الأعضاء حديث : ١.

(٣) راجع أول المسألة : ٢ من هذا الفصل.


تحرم عليه مؤبدا. نعم تثبت فيه الدية [١].

( مسألة ٥ ) : إذا دخل بزوجته بعد إكمال التسع فأفضاها لم تحرم عليه ولا تثبت الدية كما مر. ولكن الأحوط الإنفاق عليها ما دامت حية [٢].

( مسألة ٦ ) : إذا كان المفضي صغيراً أو مجنوناً ففي كون الدية عليهما أو على عاقلتهما إشكال [٣] ، وان كان الوجه الثاني لا يخلو عن قوة.

( مسألة ٧ ) : إذا حصل بالدخول قبل التسع عيب آخر غير الإفضاء ضمن أرشه. وكذا إذا حصل مع الإفضاء عيب آخر يوجب الأرش أو الدية ضمنه مع دية الإفضاء.

______________________________________________________

[١] لأنها من أحكام الجناية.

[٢] كما قد يستظهر من محكي الخلاف ، لإطلاق صحيح الحلبي المتقدم‌ (١) في الإنفاق على المفضاة. لكن في الجواهر : « المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً على اختصاص الصغيرة بذلك ». بل ظاهر الخلاف الإجماع على ذلك. ولعل وجهه إطلاق ما في صحيح حمران وخبر بريد من قوله (ع) : « لا شي‌ء عليه » ‌، فإنه شامل للنفقة والدية معاً. لكن يشكل ذلك بمعارضتهما بصحيح الحلبي ، فإنه كما يمكن تقييده بالصغيرة يمكن تقييدهما بالدية. بل الثاني هو المتعين لثبوت النفقة في الكبيرة ما دامت في حباله. وحينئذ لا يكونان متعرضين لها ، فلا مانع حينئذ من الأخذ بإطلاق صحيح الحلبي‌.

[٣] ينشأ من إطلاق النصوص أن عليه الدية. ومن إطلاق ما دل‌

__________________

(١) راجع آخر المسألة : ٢ من هذا الفصل.


( مسألة ٨ ) : إذا شك في إكمالها تسع سنين لا يجوز‌

______________________________________________________

على أن عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة‌ (١). لكن العمل على الثاني متعين ، لحكومته على الأول. نعم في الشرائع في كتاب الديات : « أن دية الإفضاء في مال المفضي ، لأن الجناية إما عمد أو شبه عمد ». ومثله ما عن المبسوط ، بل قال في محكيه : « وأحال بعضهم أن يتصور في الإفضاء خطأ محض ». لكن قال في الجواهر بعد حكاية ذلك : « قد يتصور في الصغير ، والمجنون ، والنائم ، بل وفيما لو كان له زوجة قد وطأها ويعلم أن وطأها لا يفضيها ، فأصاب على فراشه امرأة فأفضاها ، ويعتقدها زوجته ، فإنه أيضاً خطأ محض » ، والفرض الأخير حكاه في كشف اللثام عن بعض المتأخرين. وكأن الوجه في تأمل المصنف في الحكم المذكور : أن الظاهر من‌ قوله (ع) : « عمد الصبي وخطؤه واحد » (٢) ‌الاختصاص بما إذا كان المورد موضوع حكمين ، أحدهما في حال العمد ، والآخر في حال الخطأ ، مثل ما ورد في قتل العمد وقتل الخطأ ، ولا يشمل المورد الذي كان الدليل فيه للجامع بين العمد والخطأ ، مثل المقام ، ونحو قاعدة من أتلف مال غيره فهو له ضامن ، وكذا الضمان باليد مما لم يكن العمد فيه قد أخذ موضوعاً للضمان. وفيه : أن ذلك مسلم في مثل الحديث الشريف ، لا في مثل ما‌ في صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « كان أمير المؤمنين يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمداً » (٣). نعم لم أقف على مثل ذلك في الصبي. وبالجملة : فالإشكال يتم إذا لم يستفد من الأدلة ما يقضي بالتفصيل بين العمد والخطأ.

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٨ من أبواب العاقلة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب العاقلة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب العاقلة حديث : ١.


له وطؤها ، لاستصحاب الحرمة السابقة [١]. فإن وطأها مع ذلك فأفضاها ولم يعلم بعد ذلك أيضا كونها حال الوطء بالغة أو لا لم تحرم أبداً ولو على القول بها لعدم إحراز كونه قبل التسع [٢] والأصل لا يثبت ذلك. نعم يجب عليه الدية [٣]

______________________________________________________

[١] أو لاستصحاب الموضوع ، وهو عدم البلوغ ، لأن موضوع الحرمة ما لم يأت لها تسع سنين ، وهو عدمي.

[٢] فإن الرواية الدالة على الحرمة الأبدية قد جعل موضوعها الوطء قبل التسع ، والقبلية صفة وجودية لا يمكن إحرازها بالأصل ، بل الأصل عدمها ، فينتفي به كونها قبل التسع ، ولذلك تنتفي الحرمة الأبدية ، لأن موضوعها الموطوءة قبل التسع وهو منتف. وفيه : أن المراد من كونها قبل التسع : أنها لم تبلغ التسع ، لا أن يكون بعدها تسع ، كي يكون وجودياً. وإلا جاز وطؤها قبل التسع مع الشك في بلوغها التسع بعد ذلك ، لعدم إحراز القيد الوجودي المذكور. وهو كما ترى. وبالجملة : لا ينبغي التأمل في كون القيد المذكور عدمياً فيثبت بالأصل.

[٣] لأن موضوعها في صحيح حمران المتقدم‌ (١) من لم تبلغ التسع ، فيمكن إثباته بالأصل. ويشكل بأن المذكور في خبر بريد‌ : أن موضوع الدية أن يدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين. فاذا كان الوصف المذكور وجودياً ـ حسبما ذكره سابقاً ـ كان مقيداً لإطلاق صحيح حمران‌. فاذا لم يمكن إثباته بالأصل كان المرجع أصل البراءة من وجوب الدية.

__________________

(١) راجع أول المسألة : ٢ من هذا الفصل.


والنفقة عليها ما دامت حية [١].

( مسألة ٩ ) : يجري عليها بعد الإفضاء جميع أحكام الزوجة [٢] من حرمة الخامسة ، وحرمة الأخت واعتبار الاذن في نكاح بنت الأخ والأخت ، وسائر الاحكام ، ولو على القول بالحرمة الأبدية ، بل يلحق به الولد [٣] وإن قلنا بالحرمة لأنه على القول بها يكون كالحرمة حال الحيض.

( مسألة ١٠ ) : في سقوط وجوب الإنفاق عليها ما دامت حية بالنشوز إشكال لاحتمال كون هذه النفقة لا من باب إنفاق الزوجة [٤] ، ولذا تثبت بعد الطلاق ، بل بعد التزويج بالغير. وكذا في تقدمها على نفقة الأقارب [٥].

______________________________________________________

[١] كأنه لعموم صحيح الحلبي المتقدم‌ (١) ، والكبيرة ـ على تقدير خروجها عنه ـ يكون خروجها بالإجماع ، وهو مخصص لبي. فمع الشك من جهة الشبهة الموضوعية يرجع الى العموم.

[٢] كما نص على ذلك وعلى أنه لا إشكال في التوارث بينهما في الجواهر ، بناء على بقائها على الزوجية ، كما تقدم. والوجه فيه عموم أدلة الأحكام المذكورة.

[٣] كما في الجواهر ، لقاعدة الفراش.

[٤] الذي يقتضيه إطلاق النص هو ثبوت النفقة في حال النشوز ، وإن كانت من قبيل نفقة الزوجية ، فإنه لا مانع من أن يكون الإفضاء موجباً لاستمرارها حتى في حال النشوز. فيتعين العمل بإطلاق النص‌

[٥] يعني : أنه أيضاً محل إشكال. لأن الوجه في تقديم نفقة الزوجة‌

__________________

(١) راجع آخر المسألة : ٢ من هذا الفصل.


وظاهر المشهور أنها كما تسقط بموت الزوجة تسقط بموت الزوج [١] أيضا. لكن يحتمل بعيداً عدم سقوطها بموته. والظاهر عدم سقوطها بعدم تمكنه ، فتصير ديناً عليه. ويحتمل بعيداً سقوطها. وكذا تصير ديناً إذا امتنع من دفعها مع تمكنه ، إذ كونها حكماً تكليفياً صرفاً بعيد. هذا بالنسبة الى ما بعد الطلاق ، وإلا فما دامت في حباله الظاهر أن حكمها حكم الزوجة.

______________________________________________________

الإجماع ، وهو غير حاصل في المقام. وأما مجرد كونها ديناً مالياً فلا يكفي في وجوب التقديم ، ولذا لا يقدم الدين على نفقة الأقارب ، بل نفقة الزوجة إذا صارت ديناً بالفوات لا تقدم على نفقة الأقارب.

[١] كما نص على ذلك في الجواهر ، وقال : « كما هو واضح » ، ولم يستدل عليه بشي‌ء. وكأن وجهه : أن التعبير بالإجراء في الصحيح ظاهر في أن اشتغال الذمة به تدريجي ، فيختص بحال الحياة ، لا أنه تشتغل الذمة بتمام النفقة مدة العمر كي تكون كسائر الديون تتعلق بتركته. وإلا لزم ثبوت أمرين عليه : نفقة الزوجية تدريجاً ، ونفقة الإفضاء دفعة ، ولا يظن الالتزام به ، فان ظاهر الصحيح تشريع استمرار الإنفاق ما دامت حية ، لا تشريع أصل الإنفاق مضافاً الى تشريع نفقة الزوجية بحيث تكون عليه نفقتان. ولذلك جعل المصنف (ره) احتمال عدم السقوط بموته بعيداً. وبالجملة : الظاهر من الصحيح الحكم باستمرار نفقة الزوجية ما دامت حية ، فيكون لها ما لنفقة الزوجية من الأحكام ، ومنها السقوط بالموت ، وعدم السقوط بعدم التمكن ، وتكون ديناً عليه. وكذا إذا امتنع من أدائها مع عجزه أو قدرته. نعم السقوط بالنشوز وإن كان من أحكام نفقة الزوجية لا يثبت في المقام ، لظهور الصحيح في الاستمرار المنافي‌


فصل

لا يجوز في العقد الدائم الزيادة على الأربع [١] للسقوط. والسقوط بالموت من باب عدم الثبوت ، لا من باب السقوط ، فلا يقاس على السقوط بالنشوز. ومن ذلك يظهر الوجه في قول المصنف : « إذ كونها حكماً تكليفياً صرفاً بعيد ». وكذا ما ذكره بقوله : « الظاهر أن حكمها حكم الزوجة ».

______________________________________________________

فصل‌

[١] إجماعاً ، بل حكى غير واحد عليه إجماع المسلمين. قال في المسالك : « لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام ». وفي الجواهر : دعوى الضرورة من الدين عليه. وما عن طائفة من الزيدية من جواز نكاح تسع ، لم يثبت ، بل المحكي عن مشايخهم البراءة من ذلك. انتهى. وقد وردنا في هذه الأيام من العلويين في اللاذقية سؤال عن ميت مات عن ثمان. ولعله لم يكن عن اعتقاد المشروعية.

وتشهد به النصوص ، كمصحح زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا جمع الرجل أربعاً وطلق إحداهن فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلق. وقال (ع) : لا يجمع ماءه في خمس » (١). ونحوه غيره. ويستفاد مما ورد فيمن تزوج خمساً بعقد واحد‌ (٢) ، وفيمن كان عنده ثلاث نسوة فتزوج اثنتين في عقد ‌(٣) ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد.

(٣) راجع الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد.


حراً كان أو عبداً ، والزوجة حرة أو أمة [١]. وأما في الملك والتحليل : فيجوز ولو الى ألف [٢].

______________________________________________________

وفي الكافر إذا أسلم وعنده أكثر من أربع ‌(١) ، ومما ورد فيمن كانت عنده أربع زوجات فماتت إحداهن ‌(٢). فتأمل.

ثمَّ في جملة من النصوص المشار إليها ذكر الماء ، فيختص بحرمة الوطء والإنزال في أكثر من أربع ، ولا يمنع من أصل التزويج بالأكثر. لكن الظاهر أن المراد الكناية عن حلية الوطء فتأمل. وفي المسالك : « الأصل فيه قوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) » (٣). وتبعه عليه في الجواهر ، بقرينة أن الأمر فيها للإباحة ، ومقتضى اباحة الأعداد المخصوصة تحريم ما زاد عليها ، إذ لو كان مباحاً لما خص الجواز بها ، لمنافاته للامتنان ، وقصد التوسع في العيال ، ولأن مفهوم إباحة الأربع حظر ما دون الأربع ، أو ما زاد عليها ، والأول باطل بتجويز الثلاث فيها صريحاً ، فيتعين الثاني. ثمَّ قال : « فمن الغريب دعوى بعض الناس عدم دلالة الآية على تحريم ما زاد ». والاشكال عليه ظاهر. إذ ليس هو إلا تمسك بمفهوم العدد ، والتحقيق خلافه.

[١] كل ذلك لإطلاق الأدلة.

[٢] بلا خلاف بين المسلمين ، كما في الجواهر. وفي كشف اللثام : « اتفاقا من المسلمين ». وفي المسالك : « هو موضع وفاق من جميع المسلمين ». ويقتضيه إطلاق الأدلة. مضافاً الى‌ خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة ، فقال : الق عبد الملك

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ٥.

(٣) النساء : ٣.


وكذا في العقد الانقطاعي [١].

______________________________________________________

ابن جريح‌ .. الى أن قال : وكان فيما روى لي فيها ابن جريح أنه ليس فيها وقت ولا عدد ، إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء » (١) ‌، و‌صحيح ابن أذينة عن أبي عبد الله (ع) : قلت له : كم يحل من المتعة؟ قال : فقال : هن بمنزلة الإماء » (٢). ونحوهما غيرهما. والى ما ورد في العبد المأذون من مولاه ، وأنه يتسرى ما شاء إذا كان أذن له مولاه‌ (٣).

[١] على المشهور بين أصحابنا ، كما في المسالك. وفي الجواهر : « بلا خلاف معتد به فيه بيننا » وعن الحلي : الإجماع عليه. ويشهد له كثير من النصوص ، منها ما تقدم في الإماء ، و‌في موثق زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « ذكرت له المتعة أهي من الأربع؟ فقال : تزوج منهن ألفاً ، فإنهن مستأجرات » (٤) ‌، و‌صحيحه : « قلت : ما يحل من المتعة؟ قال (ع) : كم شئت » (٥). ونحوها غيرها.

نعم‌ في موثق عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) : « عن المتعة. فقال : هي أحد الأربع » (٦) ‌وفي المسالك : أنها حملت على الاستحباب ، جمعاً بينها وبين ما سبق. وعن ابن البراج : العمل به. وفي المسالك : « عن المختلف أنه اقتصر على حكاية الشهرة ، ولم يصرح بمختاره. وعذره‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب المتعة حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب المتعة حديث : ٦.

(٣) راجع الوسائل باب : ٢٢ من أبواب نكاح العبيد وباب : ٩ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب المتعة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب المتعة حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ٤ من أبواب المتعة حديث : ١٠.


ولا يجوز للحر أن يجمع بين أزيد من أمتين [١].

______________________________________________________

واضح ». ولكنه غير ظاهر ، فإنه حكى عن المشهور عدم انحصار المتعة في عدد. ثمَّ حكى عن ابن البراج ما سبق. ثمَّ قال : « لنا الأصل ، وما رواه زرارة في الصحيح‌ » ، ثمَّ ذكر غيره من النصوص الدالة على المشهور ، ثمَّ استدل لابن البراج بما سبق. ثمَّ ذكر جواب الشيخ عنه بأنه ورد احتياطاً ، لا حظراً. وظاهره موافقة المشهور ، لا التوقف. وكيف كان فلا مجال للأخذ بالموثق بعد إمكان الجمع العرفي بينه وبين ما سبق بالحمل على الاستحباب ، أو على التقية ، كما يظهر من‌ صحيح البزنطي عن الرضا (ع) : « قال أبو جعفر : اجعلوها من الأربع. فقال له صفوان بن يحيى : على الاحتياط فقال (ع) : نعم » (١) ‌، و‌صحيحه الآخر المروي عن قرب الاسناد عن الرضا (ع) قال : « سألته عن المتعة. الى أن قال : وسألته من الأربع هي؟ فقال (ع) : اجعلوها من الأربع على الاحتياط. قال : وقلت له : إن زرارة حكى عن أبي جعفر (ع) : إنما هن مثل الإماء يتزوج منهن ما شاء ، فقال (ع) : هي من الأربع » (٢). فإن الظاهر من الاحتياط : الاحتياط في المحافظة على نفسه وماله ، لأن التزويج بالخمس لا يصح دواماً ، والمتعة ممنوعة عند المخالفين. ويحتمل أن يكون المراد : الاحتياط في المحافظة على ملاكات الاحكام. لكنه بعيد. وعلى كل حال فالصحاح المذكورة بمنزلة الحاكم على الموثق ، فلا مجال للعمل بظاهره. على أنه مهجور ، ومعارض بما هو أصح سنداً ، وأكثر عدداً ، وأوضح دلالة. فلا مجال لتقديمه على غيره.

[١] بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه. كذا في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب المتعة حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب المتعة حديث : ١٣.


ولا للعبد أن يجمع بين أزيد من حرتين [١]. وعلى هذا فيجوز للحر أن يجمع بين أربع حرائر [٢] ، أو ثلاث وأمة أو حرتين وأمتين. وللعبد أن يجمع بين الأربع إماء ، أو حرة وأمتين ، أو حرتين. ولا يجوز له أن يجمع بين أمتين وحرتين [٣]

______________________________________________________

الجواهر. وفي الرياض : « بإجماعنا ، حكاه جماعة من أصحابنا » واستدل له‌ بمصحح أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوج عليها يهودية؟ فقال : إن أهل الكتاب مماليك للإمام ، وذلك موسع منا عليكم خاصة ، فلا بأس أن يتزوج. قلت : فإنه يتزوج عليهما أمة؟ قال (ع) : لا يصلح له أن يتزوج ثلاث إماء » (١). لكن في دلالة : « لا يصلح » ‌على المنع نظر.

[١] بلا خلاف ظاهر. لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « عن العبد يتزوج أربع حرائر؟ قال (ع) : لا ، ولكن يتزوج حرتين ، وإن شاء أربع إماء » (٢) ‌، و‌خبر الحسن بن زياد عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن المملوك ما يحل له من النساء؟ فقال (ع) : حرتان ، أو أربع إماء » (٣) ‌، و‌خبر زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قال : لا يجمع العبد المملوك من النساء أكثر من حرتين » (٤) ‌، ونحوها.

[٢] تقتضي الأدلة الأولية جواز ذلك. وكذا الفرضان اللذان بعده. وكذا الصور المذكورة للعبد.

[٣] فان الجمع بينها مخالفة لصحيح محمد بن مسلم‌. وكذا مرسل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ٤.


أو ثلاث حرائر ، أو أربع حرائر [١] ، أو ثلاث إماء وحرة [٢] كما لا يجوز للحر أيضا أن يجمع بين ثلاث إماء وحرة [٣].

( مسألة ١ ) : إذا كان العبد مبعضاً أو الأمة مبعضة ففي لحوقهما بالحر أو القن إشكال ، ومقتضى الاحتياط : أن يكون العبد المبعض كالحر بالنسبة إلى الإماء فلا يجوز له الزيادة على أمتين ، وكالعبد القن بالنسبة إلى الحرائر ، فلا يجوز له الزيادة على حرتين وأن تكون الأمة المبعضة كالحرة بالنسبة الى العبد ، وكالأمة بالنسبة إلى الحر [٤]. بل يمكن أن يقال : إنه بمقتضى القاعدة. بدعوى أن المبعض حر وعبد ، فمن حيث حريته لا يجوز له أزيد من أمتين ، ومن حيث عبديته‌

______________________________________________________

الفقيه : « يتزوج العبد حرتين أو أربع إماء أو أمتين وحرة » (١). ومنهما يظهر : أنه لا يجوز أن يجمع بين حرتين وأمة. قال في الشرائع : « إذا استكمل العبد أربعاً من الإماء ، أو حرتين ، أو حرة وأمتين ، حرم عليه ما زاد ». ومثله كلام غيره. وادعي عليه الإجماع في كلام جماعة كثيرة.

[١] لما سبق.

[٢] للمرسل السابق‌. وصحيح محمد بن مسلم‌ لا يدل على المنع فيه.

[٣] لمصحح أبي بصير السابق‌.

[٤] قال في القواعد : « والمعتق بعضها كالأمة في حق الحر ، وكالحرة في حق العبد ، والمعتق بعضه كالحر في حق الإماء ، وكالعبد في حق الحرائر » ونحوه كلام غيره. وعللوه بالاحتياط ، وتغليب جانب الحرمة. ولكن قال في الجواهر : « لا ريب في أنه أحوط ، وإن كان لا يخلو من بحث ، إن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب نكاح العبيد حديث : ١٠.


لا يجوز له أزيد من حرتين [١]. وكذا بالنسبة إلى الأمة المبعضة. إلا أن يقال : إن الاخبار الدالة على أن الحر لا يزيد على أمتين والعبد لا يزيد على حرتين منصرفة إلى الحر والعبد‌

______________________________________________________

لم يكن إجماعاً خصوصاً في التبعيض اللاحق للتزويج ، الذي قد يتعارض فيه الاحتياط » ، وفي الرياض : « لعل ذلك تغليب للحرمة ، كما يستفاد من‌ بعض المعتبرة : ( ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال ) (١). فتأمل ». وقاعدة التغليب غير ثابتة. والرواية إما محمولة على الشبهة المحصورة ، أو على صورة المزج بين الحرام والحلال. ولو لا ذلك لأشكل الحكم في كثير من الموارد ، كما لا يخفى.

[١] لا يقال : إنه يقع التزاحم بين الحرية المقتضية لعدم جواز أزيد من أمتين ، وبين العبدية المقتضية لجواز أربع إماء. وكذا بالنسبة إلى الحرائر ، فان العبدية تقتضي المنع من أزيد من حرتين ، والحرية مقتضية لجواز أزيد من حرتين.

فإنه يقال : التزاحم بينهما من قبيل التزاحم بين المقتضي واللامقتضي ، فإن اقتضاء الحرية لجواز أربع حرائر بمعنى عدم اقتضائها للمنع من أزيد من حرتين وكذلك اقتضاء العبدية لجواز أربع إماء بمعنى عدم المقتضي للمنع عن ذلك. ومع تزاحم المقتضي واللامقتضي يكون العمل والأثر للمقتضي.

ثمَّ إن هذا التوجيه مبني على أن يكون المراد من الحر والعبد الطبيعة ولو في جزء الفرد. فيكون المراد من العبد ما هو أعم مما كان بعضه عبداً. والمراد من الحر ما هو أعم مما كان بعضه حراً. وسيأتي الكلام فيه.

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٥.


الخالصين [١]. وكذا في الأمة. فالمبعض قسم ثالث خارج عن الاخبار ، فالمرجع عمومات الأدلة على جواز التزويج ، غاية الأمر عدم جواز الزيادة على الأربع ، فيجوز له نكاح أربع حرائر ، أو أربع إماء. لكنه بعيد من حيث لزوم كونه أولى من الحر الخالص [٢] ، وحينئذ فلا يبعد أن يقال : إن المرجع الاستصحاب. ومقتضاه إجراء حكم العبد والأمة عليهما [٣] ودعوى : تغير الموضوع. كما ترى [٤]. فتحصل : أن الاولى‌

______________________________________________________

[١] لا ينبغي التأمل في أن صفة الحرية والرقية من الصفات القائمة بتمام الموضوع ، فالحر من يكون تمامه حراً ، والعبد من يكون تمامه عبداً. وهو المعنى الحقيقي للفظ. فمن يكون بعضه حراً وبعضه عبداً خارج عن موضوع الحر والعبد ، فلا يجري عليه حكم أحدهما. فمن الغريب ما في بعض الحواشي على المقام من أنه لو سلم الانصراف فكونه من الانصرافات البدوية ظاهر. انتهى. فان من يكون بعضه حراً إنما الحر بعضه لا كله ، وكذلك من يكون بعضه عبداً إنما العبد بعضه لا كله ، ومن المعلوم أن موضوع الأحكام في الأدلة الإنسان الحر أو العبد ، والمبعض لا حر ولا عبد ، بل بعضه حر وبعضه عبد.

[٢] لم يتضح بطلان اللازم المذكور ، إذ من الجائز أن يكون الوجه في عدم تزويج الحر بأربع إماء كرامته وهي مفقودة في المبعض. وأن يكون الوجه في عدم تزويج العبد بأربع حرائر نقصه ، وهو مفقود في المبعض أيضاً.

[٣] فله أن يتزوج بأربع إماء ، وللعبد أن يتزوج أربعا منها.

[٤] لما عرفت مراراً من أن المعيار في تبدل الموضوع العرف ، بحيث‌


الاحتياط الذي ذكرنا أولا ، والأقوى العمل بالاستصحاب وإجراء حكم العبيد والإماء عليهما.

( مسألة ٢ ) : لو كان عبد عنده ثلاث أو أربع إماء فأعتق وصار حراً ، لم يجز إبقاء الجميع ، لأن الاستدامة كالابتداء [١] ، فلا بد من طلاق الواحدة أو الاثنتين. والظاهر‌

______________________________________________________

تكون القضية المشكوكة غير القضية المتيقنة عرفاً ، ومن المعلوم أن تحرير بعض القن لا يستوجب ذلك. نعم يمكن الإشكال في الاستصحاب بأنه تعليقي ، لأن معنى جواز عقده على أربع إماء حال الرقية : أنه لو عقد ترتب أثر الزوجية عليه ، فاستصحاب ذلك الى حال حرية بعضه معارض ـ على التحقيق ـ بالاستصحاب التنجيزي ، وهو أصالة عدم ترتب الأثر. فالمرجع لا بد أن يكون دليلا آخر ، وهو إما أصالة حرمة الوطء بناء على أصالة الحرمة في الفروج ، أو أصالة إباحة الوطء ، فيتحد مفاد الأصل مع مفاد الاستصحاب في الأثر المذكور. وإن كان يختلف معه بالنسبة إلى الآثار الأخرى ، فإن مقتضى الاستصحاب وجوب الإنفاق على الإماء الأربع لو عقد عليهن ، ومقتضى أصل البراءة العدم. وكذلك بالنسبة إلى التوارث. هذا بالنسبة إلى التزويج بأربع إماء الذي كان جائزاً له قبل التبعض. وأما بالنسبة الى عدم جواز تزويج أربع حرائر ، فالأصل المذكور يتحد مع أصالة عدم ترتب الأثر ، فلا بأس بالرجوع اليه ويحكم حينئذ بحرمة التزويج بأربع حرائر. وبالجملة : فالاستصحاب المذكور إن أشكل جريانه فهو من هذه الجهة. لكن عرفت أن النوبة لا تنتهي إليه بعد إمكان الرجوع الى عمومات الحل.

[١] هذا مما لا إشكال فيه ظاهر. لإطلاق دليل المنع.


كونه مخيراً بينهما كما في إسلام الكافر [١] عن أزيد من أربع. ويحتمل القرعة [٢]. والأحوط أن يختار هو القرعة بينهن.

______________________________________________________

[١] فإنه لا إشكال عندهم في ثبوته فيه. ويشهد له‌ خبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (ع) : « في مجوسي أسلم وله سبع نسوة ، وأسلمن معه ، كيف يصنع؟ قال (ع) : يمسك أربعاً ويطلق ثلاثاً » (١) ‌ويؤيده أو يعضده ما ورد فيمن تزوج خمساً بعقد واحد ، وفيمن تزوج الأختين بعقد واحد ، كصحيح جميل عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل تزوج أختين في عقدة واحدة ، قال (ع) يمسك أيتهما شاء ويخلي سبيل الأخرى. وقال في رجل تزوج خمساً في عقدة واحدة. قال (ع) : يخلي سبيل أيتهن شاء » (٢). والأخير وارد في الابتداء ، وجريانه في الاستدامة أولى ، بل الأول أيضاً وارد في الاستدامة بلحاظ إقرار الزوج على ما يراه في مذهبه ، ولكنه في الحقيقة وارد في الابتداء لأن الإقرار لا يقتضي أكثر من المعاملة معه معاملة الصحيح ، من دون حصول الصحة واقعاً.

[٢] هذا الاحتمال ذكره جماعة فيما لو أسلم الكافر على أكثر من أربع ومات قبل الاختيار. وأشكل عليه بأن القرعة إنما تكون طريقاً الى تعيين الواقع المتعين في نفسه ، والمفروض عدمه. ولذا اختار بعضهم في تلك المسألة التوقف حتى يصطلح الورثة. وبعضهم اختار القسمة بالسوية ، نظير ما لو تداعيا مالاً معيناً. والاشكال على الأخير ظاهر ، لاختصاص الدليل بصورة التداعي ، والمفروض عدمه. ويشكل ما قبله بأن تصالح الورثة تابع لاستحقاقهم ، وهو غير ظاهر. ومن هنا قوى في الجواهر القرعة ، مانعاً اختصاصها بصورة تعيين الواقع المتعين في نفسه ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.


______________________________________________________

لإطلاق أدلتها من الآية ، والرواية.

أقول : المراد من الآية قوله تعالى في سورة آل عمران ( وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ، وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) (١) ، أو قوله تعالى في سورة الصافات( فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) (٢). وأما الرواية : فمنها‌ رواية محمد بن حكيم قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن شي‌ء ، فقال لي : كل مجهول ففيه القرعة. قلت له : إن القرعة تخطئ وتصيب ، قال (ع) : كلما حكم الله به فليس بمخطئ » (٣) ‌، و‌عن دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين (ع) وأبي جعفر 7 وأبي عبد الله (ع) : أنهم أوجبوا القرعة فيما أشكل (٤) ‌، و‌قال أبو عبد الله (ع) : « وأي حكم في الملتبس أثبت من القرعة؟! أليس هو التفويض الى الله جل ذكره؟ .. » (٥) ‌، و‌خبر عبد الرحيم المروي في كتاب الاختصاص للمفيد (ره) : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : إن علياً (ع) كان إذا ورد عليه أمر لم يجي‌ء فيه كتاب ولا سنة رجم فيه ، يعني : ساهم فأصاب ، ثمَّ قال : يا عبد الرحيم وتلك من المعضلات » (٦). وقريب منه خبره الآخر ‌(٧). و‌صحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم ، قال (ع) : كان علي (ع) يسهم بينهم » (٨) ‌، وصحيح‌

__________________

(١) الآية : ٤٤.

(٢) الآية : ١٤١.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١١.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١.

(٥) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء حديث : ٢.

(٦) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١٤.

(٧) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء ملحق حديث : ١٤.

(٨) الوسائل باب : ١٣ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١٦.


______________________________________________________

الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل قال أول مملوك أملكه فهو حر ، فورث سبعة جميعاً ، قال (ع) : يقرع بينهم ، ويعتق الذي خرج اسمه (١). ونحوها غيرها ، ذكرها في الوسائل في أواخر مباحث القضاء. وقد ذكر في ذلك الباب أخباراً كثيرة متضمنة لجريان القرعة أيضاً فيما له تعين واقعاً. فلاحظه.

لكن يشكل الاستدلال بالآيتين الشريفتين على جريانها فيما لم يكن له تعين واقعاً أولا : لاحتمال أنه من باب التراضي والاتفاق منهم على ذلك ، لا من باب أنه حجة شرعية يرجع إليها على كل حال ، كما لو اتفقوا على ترجيح الأكبر سناً ، أو الأقوى بدناً ، أو نحو ذلك. وثانياً : أنه يتوقف على أن التنازع في موردهما لم يكن في تعيين الأولى ، وهو غير ظاهر ، بل يظهر من بعض الأخبار الواردة في تفسير الآية الثانية : أن الراكبين في السفينة علموا أن الخطر الوارد على السفينة كان من جهة أن فيها عبداً آبقاً ، واختلفوا في تعيينه (٢). نعم المذكور في الروايات أن النزاع في كفيل مريم (ع) كان بين أنبياء‌ (٣) ، ويمتنع أن يكون نزاعهم في أمر مجهول ، بل يكون حالهم حال المتسابقين الى الخير. لكن لا عموم في الآية ، لورودها في مورد خاص ، والتعدي منه غير ظاهر.

ومن ذلك يشكل الاستدلال بالنصوص الأخيرة ، فإنها واردة في موارد خاصة لا يستفاد منها العموم. فلم يبق إلا العمومات المستفادة من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١٥.

(٢) قال في مجمع البيان الجزء : ٨ الصفحة : ٤٥٨ « وقيل : ان السفينة احتبست فقال الملاحون : ان هاهنا عبداً آبقاً .. » وفي تفسير القمي الجزء : ١ الصفحة : ٣١٨ طبعة النجف الحديثة : « فخرج أهل السفينة فقالوا فينا عاص .. ».

(٣) الوسائل باب : ٤١ من أبواب الحيض حديث : ٥.


______________________________________________________

النصوص المتقدمة مثل : إن القرعة في كل مجهول ، الذي يظهر من محكي الخلاف ، وقواعد الشهيد الإجماع عليه ، أو : أنها لكل أمر مشكل ، كما هو المذكور في كلام الفقهاء ، وإن لم أقف على نص فيه غير ما تقدم عن الدعائم ، وإنما حكى عن رواية المخالفين. نعم نسبه في جامع المقاصد الى قولهم (ع). ومثله : « القرعة لكل أمر مشتبه ». لكن قول الراوي في الرواية الأولى : « قلت له : إن القرعة تخطئ وتصيب » ‌ظاهر في وروده فيما له تعين واقعي ، لأنه الذي يتصور فيه الخطأ والصواب. ولا ينافيه قوله (ع) في الجواب : « كلما حكم الله تعالى به فليس بمخطئ » ‌، لأن الظاهر منه أنه ليس بمخطئ باعتبار أنه حكم الله ، ولو ظاهراً. بل لعل منصرف « المجهول » ماله تعين واقعي وجهل تعيينه فالبناء على عموم الرواية لما نحن فيه غير ظاهر. مضافاً الى أن البناء على إطلاقه يوجب سقوط جميع أدلة الأصول. فلا بد أن يكون المراد من المجهول معنى غير الظاهر ، فيكون مجملا. وكذلك « المشكل » و « الملتبس » المذكوران في رواية الدعائم‌ ، فإنهما وإن كانا شاملين لما نحن فيه ، لكن الأخذ بعموم مفهومهما مشكل ، ولا سيما بملاحظة ما رواه المفيد في كتاب الاختصاص. فيتعين حملهما على ما لا مخرج فيه ، بنحو لا تفي الأدلة فيه ، بل لعله المنصرف اليه منهما ، فلا تشمل ما نحن فيه ، لأنه إذا فهم من أدلة الاختيار الواردة في الموارد المتقدمة العموم لما نحن فيه ، فلا إشكال ولا التباس ، وإن لم يمكن استفادة حكم ما نحن فيه منها. كان المرجع قاعدة امتناع الترجيح بلا مرجح ، ومقتضاها البطلان في الجميع. نعم لو أمكن البناء على بطلان العقد في أمتين وصحته في أمتين على وجه الترديد. كان الرجوع الى القرعة في محله ، للإشكال الذي لا يمكن التخلص فيه إلا بالرجوع إلى القرعة. كن ذلك ممتنع ، لامتناع قيام الزوجية في الفرد المبهم.


______________________________________________________

نعم لا يبعد صدق المشكل فيما إذا اشتبهت المطلقة أو المعقود عليها بين اثنتين أو أكثر ، فإن الرجوع الى القواعد في حرمة الوطء أو النظر لا يوجب إشكالا ، لكن الرجوع إليها في بقية الاحكام من النفقات ، وحق القسم ، والتوارث ، ونحوها ، مما يوجب الاشكال ، فيرجع فيه الى القرعة. وكذا إذا تردد مالك العين بين الشخصين ، لتعذر الرجوع الى القواعد فيه. ولعل منه مصحح محمد بن عيسى عن الرجل (ع) في الشاة الموطوءة إذا اشتبهت في قطيع غنم ، من أنه إن عرفها ذبحها وأحرقها ، وإن لم يعرفها قسم القطيع نصفين ، وأقرع بينهما ، ثمَّ لا يزال يقرع حتى يقع السهم على واحدة‌ (١). فإن وجوب الاحتياط بترك جميع الغنم وإن كان ممكنا ، لكن لزوم الضرر المنفي في الشريعة يستوجب الدوران بين محذورين ، فيكون من المشكل الذي يرجع فيه الى القرعة أيضاً.

لكن ظاهر الفقهاء أن الفتوى بذلك اعتماداً على الخبرين‌ ٢) الواردين فيه ، لا لعمومات القرعة. بل ظاهرهم عدم الرجوع الى القرعة عند تزاحم حقوق الله تعالى ، مثل تزاحم الواجبات ، أو المحرمات ، أو الواجب والحرام ، حتى فيما لو كان هناك تعين في الواقع ، كما في صورة الدوران بين الوجوب والحرمة ، فإن الجميع ـ وإن كان من المشكل ـ لا يرجع فيه الى القرعة. وإنما يرجع إليها عند تزاحم حقوق الناس ، مثل المال المردد بين المالكين ، والحق المردد بين شخصين ، كالأمثلة التي سبقت. وكذلك النصوص ، فان الوارد منها في الموارد الخاصة ـ على كثرتها ـ واردة في تزاحم حقوق الناس. وكذا مورد الآيتين الشريفتين. نعم مورد المصحح الوارد في الشاة الموطوءة من قبيل تزاحم حق الله وحق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث : ١ ، ٤.


ولو أعتقت أمة أو أمتان فإن اختارت الفسخ ـ حيث أن العتق موجب لخيارها بين الفسخ والبقاء ـ فهو [١] ، وإن اختارت البقاء يكون الزوج مخيراً. والأحوط اختياره القرعة كما في الصورة الأولى.

( مسألة ٣ ) : إذا كان عنده أربع وشك في أن الجميع بالعقد الدائم أو البعض المعين أو غير المعين منهن بعقد الانقطاع ففي جواز نكاح الخامسة دواماً إشكال [٢]

______________________________________________________

الناس. فالبناء على اختصاصها بمورد تزاحم حقوق الناس متعين.

ومن ذلك يظهر الإشكال في جريانها في المسألة لأنه إذا كان مقتضى القاعدة البطلان لا حقوق لها ، ولا تزاحم ، فلا يكون المورد من المشكل. فلاحظ ، وكذا الحكم لو عقد الوكيلان عن امرأة واقترن العقدان.

[١] يعني : تتعين هي للخروج عن الزوجية ، ويتعين غيرها للبقاء عليها. ويشكل بأن أدلة التخيير مطلقة ، وانصرافها إلى صورة بقاء الجميع على الزوجية غير ظاهر.

[٢] للإشكال في أن الزوجية المنقطعة هي الزوجية الدائمة ، والاختلاف بينهما في الدوام والانقطاع. أو أنها غيرها. الذي ذكره في الجواهر : الأول. واستدل له بظهور بعض النصوص فيه. ولأن شرط الأجل في المتعة على جهة الشرطية الخارجة عن معنى النكاح ، فمع عدم ذكر الشرط لا أثر له ، بناء على أن الشرط المقدر لا يجري عليه حكم الشرط المذكور ، فقصد النكاح حينئذ بحاله. وأورد عليه شيخنا الأعظم (ره) بأن الذي يظهر من النصوص والفتاوى أن الدائم والمنقطع حقيقتان مختلفتان ، وليس الفرق بينهما من قبيل الفرق بين المطلق والمشروط ، كما يشهد به تعبير‌


______________________________________________________

الفقهاء بقولهم : « إذا أخل بالأجل انقلب دائماً » ، فإن التعبير بالانقلاب يدل على أن الإنشاء الصادر من أول الأمر لم يكن مقتضياً للدوام. ويشهد له أيضاً اتفاق النص‌ (١) والفتوى على أن المهر ركن هنا للعقد ، دون الدائم ، فإنه يدل على أن المنقطع بمنزلة المعاوضة على التسليط على البضع وتمليك الانتفاع به ، كالإجارة كما ورد من أنهن مستأجرات‌ (٢). وبأنه لازم القول الأول أنه إذا أخل بالأجل والمهر معا انقلب دائماً أيضاً ، مع أن ظاهر المسالك الاتفاق فيه على البطلان ، وأن الخلاف يختص بما إذا ذكر المهر وترك ذكر الأجل. وبأنه لو لا ذلك لم يكن وجه لسقوط بعض المهر بعدم تمكين الزوجة في الانقطاع وعدم سقوطه بذلك في الدوام.

أقول : الوجوه المذكورة لا تدل على الاختلاف في الحقيقة بين الدوام والانقطاع. فان تعبير الفقهاء بالانقلاب ـ مع أنه معارض بتعبير غير واحد بالانعقاد قال في الشرائع : « ولو لم يذكره ـ يعني : الأجل ـ انعقد دائماً » ـ يكفي في صحته الاختلاف في بعض الأحوال ، كما يظهر ذلك من تعبيرهم بالانقلاب في باب المطهرات ، فقد ذكروا أن الانقلاب مطهر لخصوص الخمر ، وفرقوا بينه وبين الاستحالة بأن الانقلاب لا يقتضي اختلافاً في الحقيقة ، بخلاف الاستحالة ، ولذا اقتصروا في مطهرية الانقلاب على خصوص الخمر ، بخلاف الاستحالة ، فإنها مطهرة في جميع الموارد من غير استثناء. وأما كون المهر ركناً في المنقطع دون الدائم ، فلا يدل على كونه من قبيل المعاوضة. إذ من الجائز أن يكون لأجل الاختلاف بينهما ولو في التأجيل ، فإن القبض شرط في السلم ، مع أنه لا يختلف مع بقية أنواع البيع في الحقيقة. وما في بعض النصوص‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٧ ، ١٨ من أبواب المتعة.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب المتعة حديث : ٢ ، ٤.


______________________________________________________

من‌ قوله (ع) : « إنهن مستأجرات » ‌، مبني على نوع من المسامحة ، كما ورد في جواز النظر الى من يريد تزويجها : أنه مستام‌ (١) ، وأنه يشتريها بأغلى الثمن‌ (٢). والاتفاق المذكور في المسالك إن تمَّ كان هو الموجب للخروج عن القواعد. وإلا كان اللازم البناء على الانقلاب أيضاً في صورة عدم ذكر الأجل والمهر معاً. وأما سقوط بعض المهر عند عدم تمكين الزوجة : فمن الجائز أن يكون حكماً للمنقطع ثبت لبعض الجهات الخارجية ، لا لاختلاف الحقيقة.

ولو كان المنقطع من قبيل المعاوضة لزم بطلانه من أصله بالموت ، ولزم تبعيضه في الحيض أيضاً بالنسبة إلى سائر الاستمتاعات ، ولزم أيضاً استحقاق تمام المهر لو وهبها المدة قبل الدخول ، مع اتفاق النص والفتوى على التنصيف حينئذ.

فالعمدة في مبنى القولين هو أن مفاد عقد الدوام جعل الزوجية دائماً ، ومفاد عقد الانقطاع جعل الزوجية إلى الأجل. أو أن مفاد عقد الدوام جعل نفس الزوجية حدوثاً ، والدوام يكون لذاتها ، ومفاد عقد الانقطاع جعل الرافع لدوام الزوجية. فعلى الأول يكون عدم التعرض للأجل موجباً لبطلان العقد انقطاعاً ، ودواماً ، أما الأول فلعدم ذكر الأجل ، وأما الثاني فلعدم جعل الدوام. وعلى الثاني يكون عدم التعرض للأجل موجباً لعدم صحة الانقطاع ، ولصحة الدوام ، أما الأول فلما ذكر ، وأما الثاني فلعدم جعل الرافع ، والمفروض أن الدوام يكون لذاتها ، لا بجعل جاعل.

والتحقيق هو الأول ، فإن الزوجية وأمثالها من الملكية ، والحرية ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث : ١.


( مسألة ٤ ) : إذا كان عنده أربع فطلق واحدة منهن وأراد نكاح الخامسة ، فإن كان الطلاق رجعياً لا يجوز له ذلك إلا بعد خروجها عن العدة [١]. وإن كان بائناً ففي الجواز قبل الخروج عن العدة قولان ، المشهور على الجواز ، لانقطاع‌

______________________________________________________

والرقية ، والبيعية ، وغيرها من مضامين العقود والإيقاعات ، إنما يكون العقد موجباً لحدوثها ، وهو المقصود من إنشائها ، والبقاء إنما يكون باستعداد ذاتها ، فبقاؤها عند العقلاء لا يكون منشأه العقد ، بل استعداد ذاتها ، وليس العقد الا متضمناً لجعل الحدوث لا غير. فالاختلاف بين الانقطاع والدوام يرجع الى الاختلاف في أن الأول قد جعل فيه الانقطاع زائداً على جعل الحدوث ، بخلاف الثاني ، فإنه لم يجعل فيه إلا الحدوث. فاذا شك في الدوام والانقطاع فقد شك في جعل الانقطاع زائداً على جعل الحدوث وعدمه ، فيرجع فيه الى أصالة العدم. فالمقام نظير ما لو شك في شرط الانفساخ وعدمه ، فيكون الانقطاع على خلاف الأصل والدوام على وفقه. كيف ولو كان الدوام مجعولاً في الدائم كان الطلاق مخالفة لوجوب الوفاء بالعقد. وهو كما ترى. ومقتضى ما ذكرنا جواز اشتراط الطلاق في عقد النكاح ، كجواز اشتراط الإقالة فيه. لكن عن الشيخ : بطلان الشرط في الأول ، بل عن المسالك : الاتفاق عليه. وهو غير ظاهر.

[١] بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه. لأنها بحكم الزوجة نصاً وفتوى كذا في الجواهر.

أقول : قد استفاضت النصوص في ذلك ،ففي خبر محمد بن قيس قال : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : في رجل كانت تحته أربع نسوة فطلق واحدة ثمَّ نكح أخرى قبل أن تستكمل المطلقة العدة ، قال : فليلحقها


العصمة بينه وبينها [١]. وربما قيل بوجوب الصبر الى انقضاء‌

______________________________________________________

بأهلها حتى تستكمل المطلقة أجلها .. » (١) ‌، و‌موثق علي بن أبي حمزة. قال : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يكون له أربع نسوة فيطلق إحداهن ، أيتزوج مكانها أخرى؟ قال (ع) : لا حتى تنقضي عدتها » (٢) ‌، و‌مصحح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « إذا جمع الرجل أربعاً فطلق إحداهن فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلقت ، وقال : لا يجمع ماءه في خمس » (٣). ونحوها غيرها.

[١] هذا التعليل مذكور في كلام جماعة ، وإجماله كاشكاله ظاهر ، إذ المراد منه إن كان ارتفاع الزوجية ، فهو حاصل في الطلاق الرجعي ، ولا يجوز التزويج معه. وإن كان ارتفاع جميع العلائق ، فهو غير حاصل في البائن ، كما يشهد به عدم جواز تزويجها. نعم هو مذكور‌ في حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل طلق امرأته ، أو اختلعت منه ، أو بانت ، أله أن يتزوج أختها؟ فقال (ع) : إذا برئت عصمتها فلم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها » (٤). ونحوها صحيحة أبي بصير‌ (٥) ، وخبر الكناني‌ (٦). وقد فسر بأن لا يكون له عليها رجعة. لكن موردها الجمع بين الأختين ، واستفادة ما نحن فيه منها لا تخلو من تأمل. وأولى منه في الدلالة القواعد العامة المقتضية للجواز ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب العدد حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب العدد حديث : ١.

(٦) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.


عدتها ، عملاً بإطلاق جملة من الأخبار [١]. والأقوى المشهور. والأخبار محمولة على الكراهة [٢]. هذا ولو كانت‌

______________________________________________________

الحرام تزويج الخمس ، ومع الطلاق تخرج المطلقة عن الزوجية ، فلا يكون إلا تزويج الأربع. نعم يعارضها إطلاق النصوص المتقدمة وغيرها المتضمنة أنه لا يجوز تزويج الخامسة بعد طلاق أحد الأربع إلا بعد خروجها عن العدة ، الذي لا فرق فيه بين الرجعي وغيره. ولذلك قال في كشف اللثام : « وظاهر التهذيب الحرمة قبل الانقضاء. وهو ظاهر الاخبار ».

[١] إشارة الى ما تقدم في كشف اللثام. وظاهر المتن التوقف من نسبة القول بالتحريم إلى قائل.

[٢] عند المشهور. وفي المسالك : « في الحمل نظر من حيث عدم المعارض ». وفي الجواهر جعل ما في حسنة الحلبي المتقدمة قرينة على تقييد النصوص بالرجعي. ولكنه غير ظاهر. وكذا ما في الجواهر أيضاً من أن في النصوص ما يتضمن أنه لا يجوز له تزويج الخامسة حتى يعتد هو مثل عدة المطلقة ، وما يتضمن من أنه إذا ماتت إحدى الأربع لم يجز له أن يتزوج حتى يعتد أربعة أشهر وعشراً ، بل فيه أنه يعتد وإن كانت متعة.كما سيأتي بعضها. لكن قرينية ذلك غير ظاهرة ، فان ثبوت الاعتداد على وجه الاستحباب في بعض الموارد لا يقتضي مقايسة غيره عليه ، وإلا كان اللازم الحمل على الاستحباب حتى في الطلاق الرجعي.

وبالجملة : إطلاق النصوص يقتضي عدم الفرق بين الطلاق الرجعي والبائن ، ولا قرينة على تقييدها بالرجعي. ووحدة السياق في موثق عمار الآتي‌ لا تكون قرينة على التصرف فيه فضلا عن غيره.

فان قلت : المنع عن تزويج الخامسة بعد طلاق إحدى الأربع إنما هو من باب حرمة الجمع بين الخمس. فاذا كان الطلاق بائناً لا جمع.


الخامسة أخت المطلقة فلا إشكال في جواز نكاحها قبل الخروج عن العدة البائنة ، لورود النص فيه [١] ، معللا بانقطاع العصمة. كما أنه لا ينبغي الإشكال إذا كانت العدة لغير الطلاق [٢] كالفسخ بعيب أو نحوه. وكذا إذا ماتت الرابعة ، فلا يجب الصبر إلى أربعة أشهر وعشر [٣]. والنص الوارد بوجوب الصبر [٤]

______________________________________________________

قلت : هذا المقدار لا يوجب حمل النصوص على الكراهة ، لاحتمال كون وجود بعض العلائق كاف في المنع. كما في الطلاق الرجعي.

فالعمدة تسالم الأصحاب عليه من دون مخالف صريح فيه ، ويكون هو المقيد لإطلاق النصوص.

[١] يشير به الى حسنة الحلبي المتقدمة‌ ، ونحوها‌ صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن رجل اختلعت منه امرأته أيحل له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟ قال : نعم ، قد برأت عصمتها منه ولم يكن له عليها رجعة » (١). ونحوهما خبر الكناني‌. لكن النصوص المذكورة إنما اقتضت نفي الاشكال في الجواز من حيث الجمع بين الأختين ، لا من حيث الجمع بين الخمس ، فاذا اتفق كون الخامسة أختاً للمطلقة فالإشكال في المسألة السابقة بحاله.

[٢] كما هو مقتضى القواعد العامة ، فإن الفسخ يوجب انتفاء الزوجية.

فلا يكون جمع بين خمس نساء. والنصوص الدالة على الانتظار مختصة بالطلاق.

[٣] بلا اشكال ظاهر.

[٤] هو‌ موثق عمار ، قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عن الرجل يكون له أربع نسوة فتموت إحداهن ، فهل يحل له أن يتزوج أخرى

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب العدد حديث : ١.


معارض بغيره [١] ، ومحمول على الكراهة. وأما إذا كان الطلاق أو الفراق بالفسخ قبل الدخول فلا عدة حتى يجب الصبر أو لا يجب [٢].

______________________________________________________

مكانها؟ قال (ع) : لا حتى تأتي عليها أربعة أشهر وعشر ، سئل فإن طلق واحدة هل يحل له أن يتزوج؟ قال (ع) : لا حتى تأتي عليها عدة المطلقة » (١).

[١] ففي خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال : « سألته عن رجل كانت له أربع نسوة فماتت إحداهن ، هل يصلح له أن يتزوج في عدتها أخرى قبل أن تنقضي عدة المتوفاة؟ قال (ع) : إذا ماتت فليتزوج متى أحب » (٢).

[٢] في خبر سنان بن طريف ، عن أبي عبد الله (ع) ، قال : « سئل عن رجل كن له ثلاث نسوة ، ثمَّ تزوج امرأة أخرى فلم يدخل بها ، ثمَّ أراد أن يعتق أمة ويتزوجها ، فقال : إن هو طلق التي لم يدخل بها فلا بأس أن يتزوج أخرى من يومه ذلك » (٣).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ٦.


فصل

لا يجوز التزويج في عدة الغير [١] دواماً أو متعة ، سواء كانت عدة الطلاق بائنة أو رجعية ، أو عدة الوفاة ، أو عدة وطء الشبهة ، حرة كانت المعتدة أو أمة. ولو تزوجها حرمت عليه أبداً [٢]

______________________________________________________

فصل

لا يجوز التزويج في عدة الغير‌

[١] بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما في الجواهر. واستدل عليه بقوله تعالى ( وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ ) (١) بناء على أن المراد من عزم العقدة : نفس العقدة ، لا العزم نفسه ، لظهور تحليله كما يظهر من سياق الآيات. والمراد من بلوغ الكتاب أجله : انتهاء العدة ، بلا خلاف ، كما في مجمع البيان. ولكن مورد الآية عدة الوفاة ، فالتعدي عنها لا بد أن يكون بالإجماع‌

[٢] بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه. وتدل عليه النصوص بعد ضم بعضها الى بعض ، فان بعضها مطلق في الحرمة الأبدية ، كخبر محمد بن مسلم ، قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها. قال (ع) : يفرق بينهما ولا تحل له

__________________

(١) البقرة : ٢٣٥.


______________________________________________________

أبداً » (١). وبعضها مطلق في نفي الحرمة الأبدية ، كخبر علي بن جعفر عن أخيه (ع) قال : « سألته عن امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها. قال (ع) : يفرق بينها وبينه ، ويكون خاطباً من الخطاب » (٢) ‌، وبعضها يفصل فيه في الحرمة الأبدية بين الدخول وعدمه ، كمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن المرأة الحبلي يموت زوجها فتضع وتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر وعشر. فقال : إن كان دخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبداً ، وأعتدت ما بقي عليها من الأول ، واستقبلت عدة أخرى من الآخر ثلاثة قروء. وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما ، وأعتدت بما بقي عليها من الأول وهو خاطب من الخطاب » (٣). ونحوه موثق محمد بن مسلم‌ (٤) ، وخبر قرب الاسناد ‌(٥). وقريب منه مصحح سليمان بن خالد‌ (٦) ، وموثق أبي بصير‌ (٧). وبعضها يفصل فيه بين الجهل والعلم ، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (ع) قال : « سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة ، أهي ممن لا تحل

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢٢.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٩.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٩ لكنه وارد في مطلق المعتدة لا خصوص الحبلى. والذي ورد في خصوص الحبلى هو صحيح محمد بن مسلم وهو الحديث الثاني المروي في الوسائل في نفس الباب. والذي سيأتي من الشارح ( قده ) التعرض له في المسألة الثانية عشرة من هذا الفصل.

(٥) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢٠.

(٦) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٧) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٨.


______________________________________________________

له أبداً؟ فقال (ع) : لا ، أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها ، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك. قلت : بأي الجهالتين يعذر ، بجهالته إن لم يعلم أن ذلك محرم عليه ، أم بجهالته أنها في عدة؟ فقال (ع) : إحدى الجهالتين أهون من الأخرى ، الجهالة بأن الله تعالى حرم ذلك عليه ، وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها ، فقلت : فهو في الأخرى معذور؟ قال (ع) : نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها ، فقلت : فان كان أحدهما متعمدا والآخر يجهل؟ فقال (ع) الذي تعمد لا يحل له أن يرجع الى صاحبه أبداً » (١) ‌، و‌مصحح إسحاق بن عمار قال : « قلت لأبي إبراهيم (ع) : بلغنا عن أبيك أن الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبداً. فقال (ع) : هذا إذا كان عالماً ، فاذا كان جاهلاً فارقها وتعتد ، ثمَّ يتزوجها نكاحا جديداً » (٢) ‌وبعضها يفصل فيه بين كل من الدخول والجهل ، كمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له أبداً عالماً كان أو جاهلاً ، وإن لم يدخل بها حلت للجاهل ولم تحل للآخر » (٣).

والجمع العرفي يقتضي حمل النصوص السابقة على الأخير جمعاً بين المطلق والمقيد. مع أن الجمع العرفي بين الطوائف مع غض النظر عن المصحح الأخير يقتضي ما ذكره الأصحاب. أما بالنسبة إلى الجمع بين الطائفتين الأولتين والأخيرتين فظاهر ، لأنه من الجمع بين المطلق والمقيد. وأما بالنسبة إلى الجمع بين إحدى الطائفتين إلى الأخرى ، فالجمع العرفي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.


إذا كانا عالمين بالحكم والموضوع [١] ، أو كان أحدهما عالماً بهما [٢] مطلقاً ، سواء دخل بها أولا. وكذا مع جهلهما بهما‌

______________________________________________________

يقتضي كون سبب الحرمة الأبدية كل من العلم والدخول ، نظير الجمع بين القضايا الشرطية حيث يتعدد الشرط ويتحد الجزاء غاية الأمر في الفرق أن المفهوم هنا مصرح به ، فيحمل على كونه لعدم المقتضي.

[١] كما هو المصرح به في كلام جماعة ، ومنصرف إطلاق كلام غيرهم. والظاهر أنه لا إشكال فيه. ويقتضيه صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم‌. مضافا الى انصراف إطلاق العلم إلى ذلك بأن كان عالماً ان فعله في غير محله.

[٢] أما في علم الزوج. فيقتضيه إطلاق مصحح إسحاق بن عمار المتقدم‌ ، ونحوه ، وصحيح ابن الحجاج‌. ومنه يستفاد الاجتزاء بعلم الزوجة وفي الجواهر : استدل على التحريم مع علم أحدهما‌ بصحيحة علي بن رباب عن حمران قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن امرأة تزوجت في عدتها بجهالة بذلك ، فقال (ع) : لا أرى عليها شيئاً ، ويفرق بينها وبين الذي تزوج بها ، ولا تحل له أبدا. قلت : فان كانت قد عرفت أن ذلك محرم عليها ثمَّ تقدمت على ذلك ، فقال : إن كانت تزوجته في عدة لزوجها الذي طلقها عليها الرجعة ، فإني أرى أن عليها الرجم ، فان كانت تزوجته في عدة ليس لزوجها الذي طلقها عليها فيها الرجعة ، فإني أرى أن عليها حد الزاني ، ويفرق بينها وبين الذي تزوجها ، ولا تحل له أبداً » (١) ‌والدلالة غير ظاهرة ، لأن المفروض في الرواية الدخول بقرينة التعرض للحد. مع أنه حكم فيها بالحرمة الأبدية في كل من صورتي العلم والجهل. فلا حظ.

هذا ولا ينبغي الإشكال في أنه مع علم أحدهما يبطل العقد حتى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٧.


لكن بشرط الدخول بها. ولا فرق في التزويج بين الدوام‌

______________________________________________________

بالإضافة إلى الجاهل ، وإن اختلفا في الحكم الظاهري. ولعله المراد مما في القواعد : « ولو كانت هي العالمة لم يحل لها العود إليه أبداً ». ولو كان المراد منه الحكم الوضعي لم يكن وجه للاختصاص بها ، فإن الزوجية لا تقبل التبعض ، بحيث تكون الزوجية ثابتة من طرف وغير ثابتة من طرف آخر. ومثلها الأخوة ، والأبوة ، والبنوة ، والفوقية والتحتية ، والتقدم والتأخر ، وأمثالها من الإضافات القائمة بين اثنين ، فإنها لا تصح بالنسبة إلى أحدهما إلا مع صحتها بالنسبة إلى الآخر ، فاذا لم تصح في أحدهما لم تصح في الآخر. وكذا المراد مما‌ في صحيح ابن الحجاج المتقدم من قول السائل : « فقلت : فان كان أحدهما متعمداً والآخر يجهل فقال (ع) : الذي تعمد لا يحل له أن يرجع الى صاحبه أبداً » ‌، فان الظاهر منه الحكم التكليفي الظاهري ، وهو يختص بالجهل ، فاذا علم الزوج بعد العقد والدخول أن ذلك كان في العدة ، وان الزوجة كانت عالمة ، فقد انكشف له عدم صحة عقده عليها بعد ذلك ، فاذا عقد كان العقد باطلا بالنسبة إليه أيضا. وقد أشار الى ما ذكرنا في المسالك وغيرها. قال في الأول : « وإن جهل أحدهما وعلم الآخر اختص كل واحد بحكمه وإن حرم على الآخر التزويج به ، من حيث مساعدته على الإثم والعدوان ويمكن التخلص من ذلك بأن يجهل التحريم أو شخص المحرم عليه ، ومتى تجدد علمه تبين فساد العقد ، إذ لا يمكن الحكم بصحة العقد من جهة دون أخرى في نفس الأمر ، وإن أمكن في ظاهر الحال ، كالمختلفين في صحة العقد وفساده ». وإن كان يشكل بأنه مع جهل أحدهما لا يحرم العقد منه. والمساعدة على الإثم والعدوان غير ثابتة مع جهله بالبطلان. نعم هي مساعدة على التجري. ولعله المراد.


والمتعة [١]. كما لا فرق في الدخول بين القبل ، والدبر [٢]. ولا يلحق بالعدة أيام استبراء الأمة [٣] ، فلا يوجب التزويج فيها حرمة أبدية ، ولو مع العلم والدخول. بل لا يبعد جواز تزويجها فيها وإن حرم الوطء قبل انقضائها ، فإن المحرم فيها هو الوطء [٤] دون سائر الاستمتاعات. وكذا لا يلحق بالتزويج‌

______________________________________________________

[١] كما صرح به في المسالك. وجعله في الجواهر معقد الإجماع. ويقتضيه إطلاق النصوص.

[٢] كما صرح به في الجواهر. لإطلاق النصوص.

[٣] قال في القواعد : « هل وطء الأمة في الاستبراء كالوطء في العدة؟ إشكال ». وفي المسالك : « وفي إلحاق مدة الاستبراء بالعدة وجهان. وعدمها أقوى ، وقوفاً على موضع النص ، واستصحاباً للحل في غيره ». وفي الجواهر : جزم بذلك لذلك. وفي كشف اللثام : أنه الأقوى لعدم التبادر الى الفهم من العدة ، لاختصاصها باسم آخر.

[٤] كما هو المشهور. وعن الخلاف : الإجماع عليه. ويقتضيه صريح جملة من النصوص ، كصحيح محمد بن إسماعيل قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن الجارية تشترى من رجل مسلم يزعم أنه قد استبرأها أيجزي ذلك ، أم لا بد من استبرائها؟ قال : يستبرؤها بحيضتين. قلت : يحل للمشتري ملامستها؟ قال : نعم ، ولا يقرب فرجها » (١) ‌، و‌موثق عمار الساباطي : « قال أبو عبد الله (ع) : الاستبراء على الذي يبيع الجارية واجب إن كان يطؤها. وعلى الذي يشتريها الاستبراء أيضا. قلت : فيحل له أن يأتيها دون الفرج؟ قال (ع) : نعم قبل أن يستبرئها » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٥.


الوطء بالملك أو التحليل [١]. فلو كانت مزوجة فمات زوجها أو طلقها وإن كان لا يجوز لمالكها وطؤها ولا الاستمتاع بها في أيام عدتها ، ولا تحليلها للغير ، لكن لو وطأها أو حللها للغير فوطئها لم تحرم أبداً عليه ، أو على ذلك الغير ، ولو مع العلم بالحكم والموضوع.

______________________________________________________

و‌في خبر عبد الله بن محمد أنه قال له أبو عبد الله (ع) : « لا بأس بالتفخيذ لها حتى تستبرئها ، وإن صبرت فهو خير لك » (١).

وعن المبسوط : اعتبار ترك باقي الاستمتاعات فيه أيضا. وهو صريح محكي السرائر. وليس له دليل ظاهر. نعم‌ في خبر إبراهيم بن عبد الحميد قال : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى أيطؤها قال (ع) : لا. قلت : فدون الفرج ، قال : لا يقربها » (٢). وفيه ـ مع أنه وارد في الحبلى التي لا استبراء فيها ـ : أنه معارض‌ بصحيح رفاعة قال : « سألت أبا الحسن موسى (ع) فقلت : اشتري الجارية‌ .. ( الى أن قال ) : قلت : فان كانت حبلى فما لي منها إذا أردت؟ قال (ع) : لك ما دون الفرج » (٣). ونحوه موثق زرارة‌ (٤) ، وخبر أبي بصير‌ (٥) فالمتعين حمل الرواية على الكراهة.

[١] كما نص على ذلك في الجواهر ، وحكى عن الكركي : أنه استشكل فيه ولم يرجح ، ثمَّ قال : « لكن وجه الترجيح فيه واضح. ضرورة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٣.


( مسألة ١ ) : لا يلحق بالتزويج في العدة وطء المعتدة شبهة [١] من غير عقد ، بل ولا زنا ، إلا إذا كانت العدة رجعية [٢] ، كما سيأتي. وكذا إذا كان بعقد فاسد لعدم تمامية أركانه [٣]. وأما إذا كان بعقد تام الأركان وكان فساده لتعبد شرعي ـ كما إذا تزوج أخت زوجته في عدتها ، أو أمها ، أو بنتها [٤] ، أو نحو ذلك مما يصدق عليه التزويج وإن كان فاسدا شرعاً ـ ففي كونه كالتزويج الصحيح إلا من جهة كونه في العدة ، وعدمه ، لأن المتبادر [٥] من الاخبار التزويج الصحيح مع قطع النظر عن كونه في العدة ، إشكال.

______________________________________________________

عدم الاندراج في الأدلة ، والحكم مخالف للأصول ، والقياس محرم عندنا ».

[١] لخروجه عن مورد النصوص ، فيبقى داخلا تحت عموم الحل.

[٢] فيكون من الزنا بذات العدة الرجعية ، وهو بنفسه سبب للتحريم الأبدي ، كما سيأتي.

[٣] يعني : عند العرف ، فإنه حينئذ لا يصدق العقد ، فلا يكون موضوعاً لنصوص التحريم.

[٤] ذكر الأم غير ظاهر ، لأنها محرمة أبداً قبل أن يتحقق العقد عليها. وكذلك الكلام في ذكر البنت إذا كان قد دخل بالأم ، فإن الربيبة المدخول بأمها حرام أبداً ، وان لم يتحقق العقد عليها.

[٥] بل هو الظاهر من الاخبار. بل في التحرير : « والظاهر أن مراد علمائنا بالعقد في المحرم والعقد في ذات العدة إنما هو العقد الصحيح الذي لو لا المانع ترتب عليه أثره ». لكن في الجواهر : « وفيه : أن لفظ التزويج والنكاح للأعم ». وهو ـ كما ترى ـ غير ظاهر ، ولذا لا نقول‌


والأحوط الإلحاق في التحريم الأبدي فيوجب الحرمة مع العلم مطلقاً ، ومع الدخول في صورة الجهل.

( مسألة ٢ ) : إذا زوجه الولي في عدة الغير مع علمه بالحكم [١]

______________________________________________________

به في الشهادات ، وفي الإقرارات ، والوصايا ، والنذور ، وغيرها. وكون لفظ التزويج كغيره من ألفاظ المعاملات والعبادات موضوعة للأعم لا للصحيح لا ينافي ظهوره في مقام الاستعمال في خصوص الصحيح. ولذا قال في الجواهر في مبحث عقد المحرم : « نعم قد يقال : إن المنساق من نصوص المقام وفتاواه العقد الصحيح في نفسه ، خصوصاً خبر ابن قيس‌ (١). فلا عبرة بالفاسد كنكاح الشغار بل ولا بالفاسد لفقد شرط من شرائط الصحة ، كالعربية ونحوها. بخلاف ما لو كان فساده بالعدة ، والبعل ، ونحوهما مما هو كالإحرام في الإفساد. فتأمل ». ولم يتضح وجه الفرق في التفصيل الذي ذكره بين أن يكون الفساد من جهة المهر ، أو من جهة اللفظ ، وبين أن يكون من جهة المحل. ومثله في الاشكال ما ذكره في التحرير أخيراً حيث قال : « أما العقد الفاسد ، فان كان العاقد يعلم فساده ، فلا اعتبار به. وإن لم يعلم فساده ـ كمن اعتقد تسويغ نكاح الشغار لشبهة ـ ففي الاعتداد به إشكال ، أقربه أنه كالصحيح ». فإنه أيضاً تفصيل بلا فاصل ظاهر. وأما‌ خبر الحكم بن عيينة : « سألت أبا جعفر (ع) عن محرم تزوج امرأة في عدتها ، قال (ع) : يفرق بينهما ، ولا تحل له أبداً » (٢). فمع ضعفه في نفسه ، محمول على خصوص مورده ، فإن التعدي عنه الى غيره غير ظاهر في مقابل ما عرفت من الظهور.

[١] يعني : علم الولي.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٥.


والموضوع ، أو زوجه الوكيل في التزويج بدون تعيين الزوجة كذلك لا يوجب الحرمة الأبدية ، لأن المناط علم الزوج [١] لا وليه أو وكيله. نعم لو كان وكيلا في تزويج امرأة معينة وهي في العدة ، فالظاهر كونه كمباشرته بنفسه [٢] ، لكن المدار علم الموكل ، لا الوكيل.

______________________________________________________

[١] لأنه ظاهر الأدلة ، والمفروض عدمه ، وأن العالم هو الوكيل أو الولي لا غير. وعلى هذا لا موجب لتقييد الفرض بصورة عدم تعيين الزوجة ، فلو عينها ولم يكن عالماً وكان الوكيل عالماً لم تحرم.

[٢] لم يتضح هذا الاستدراك. إذ ليس الكلام في المباشرة وعدمها ، وإنما الكلام في صدق التزويج في العدة مع علم الزوج ، وهذا المعنى لا يفرق فيه بين تعيين الزوجة في التوكيل وعدمه ، فان الزوج إذا كان عالماً بأن فلأنه في العدة ، فوكل على التزويج بها ، فزوجه الوكيل ، صدق أنه تزوج امرأة في عدتها وهو عالم ، سواء كانت الوكالة على تزويجها بالخصوص أم بالعموم ، كما إذا قال : « زوجني إحدى بنات زيد أياً منهن شئت » ، وكان يعلم بأن واحدة منهن معينة في العدة ، فإنه يصدق أنه تزوج امرأة في عدتها وهو عالم. وأما المباشرة فليس في الأدلة ما يشعر باعتبارها في التحريم. لأن النصوص موضوعها أن يتزوج امرأة في عدتها ، وهذا المعنى حاصل في صورتي المباشرة وعدمها. نعم لو كان موضوع الحكم أن يعقد على امرأة في عدتها ، أمكن الإشكال في صورة التوكيل ، لعدم المباشرة في العقد. لكن النصوص تضمنت التزويج. ولو فرض أن بعضها تضمن العقد ، فالمراد منه التزويج. وعلى فرض اعتبار المباشرة ، فلا فرق بين صورتي تعيين الزوجة وعدمه في عدم حصول المباشرة.


( مسألة ٣ ) : لا إشكال في جواز تزويج من في العدة لنفسه [١] ، سواء كانت عدة الطلاق ، أو الوطء شبهة ، أو عدة المتعة ، أو الفسخ بأحد الموجبات [٢] أو المجوزات له. والعقد صحيح ، إلا في العدة الرجعية ، فإن التزويج فيها باطل لكونها بمنزلة الزوجة [٣]. وإلا في الطلاق الثالث الذي يحتاج الى المحلل ، فإنه أيضا باطل ، بل حرام [٤] ولكن مع ذلك لا يوجب الحرمة الأبدية ، وإلا في عدة الطلاق التاسع في الصورة التي تحرم أبداً ، وإلا في العدة لوطئه زوجة الغير‌

______________________________________________________

[١] لأن العدة إنما شرعت للمنع عن التزويج من غير ذي العدة احتراماً لذي العدة ، فلا تمنع من تزويجه.

[٢] مثل الكفر ، والرضاع ، ونحوهما مما يوجب انفساخ النكاح.

[٣] هذا غير كاف في المنع. لأن التنزيل يختص بالأحكام الشرعية ، ولا يشمل غيرها. والمنع من تزويج الزوجة إنما هو لأجل أن الزوجية لا تقبل التأكد ولا التكرر ، فيمتنع أن يترتب أثر على العقد على الزوجة. فإذا كان الطلاق الرجعي يوجب زوال علقة الزوجية وصيرورة المرأة أجنبية ، فلا مانع من حدوث الزوجية لها بالعقد. والزوجية التنزيلية ـ بمعنى : ثبوت أحكام الزوجة ـ لا يمنع من الزوجية الحقيقية. ويترتب على صحة العقد ثبوت المهر ، واستحقاقه بالدخول ، وغير ذلك من أحكام الزوجية الحديثة ، وإلا فهي ليست بذات بعل ، ولا معتدة.

[٤] لم أقف على ما يدل على هذه الحرمة ، إذ المذكور في الكتاب (١)

__________________

(١) وهو قوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا .. ) البقرة : ٢٣٠.


شبهة ، لكن لا من حيث كونها في العدة ، بل لكونها ذات بعل. وكذا في العدة لوطئه في العدة شبهة إذا حملت منه ، بناء على عدم تداخل العدتين ، فان عدة وطء الشبهة حينئذ مقدمة على العدة السابقة التي هي عدة الطلاق أو نحوه لمكان الحمل ، وبعد وضعه تأتي بتتمة العدة السابقة ، فلا يجوز له تزويجها في هذه العدة ـ أعني : عدة وطء الشبهة ـ وإن كانت لنفسه ، فلو تزوجها فيها عالماً أو جاهلا بطل [١] ، ولكن في إيجابه التحريم الأبدي إشكال [٢].

( مسألة ٤ ) : هل يعتبر في الدخول الذي هو شرط في الحرمة الأبدية في صورة الجهل أن يكون في العدة ، أو يكفي كون التزويج في العدة مع الدخول بعد انقضائها؟ قولان [٣]. الأحوط الثاني ، بل لا يخلو عن قوة ، لإطلاق الأخبار بعد منع الانصراف الى الدخول في العدة.

______________________________________________________

والسنة‌ (١) : أن المطلقة ثلاثاً لا تحل لزوجها ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) ، وذلك إنما يدل على بطلان العقد وعدم ترتب أثر عليه ، لا حرمة العقد تكليفاً.

[١] العمدة فيه : أنه معلوم من مذاق الشارع ، وأن جعل العدة يقتضي عدم جواز التزويج إلا بعد انتهائها. وسيأتي نظير ذلك في المسألة العاشرة.

[٢] وسيأتي منه في نظيره في المسألة العاشرة أن التحريم الأبدي لا يخلو من قوة. ولكنه غير ظاهر ، كما سيأتي. فانتظر.

[٣] اختار أولهما في المسالك ، قال فيها : « وطء الجاهل بالتحريم بعد العدة لا يؤثر في التحريم وإن تجدد له العلم ، وإنما المحرم الوطء فيها ،

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٧ من أبواب أقسام الطلاق.


( مسألة ٥ ) : لو شك في أنها في العدة أم لا مع عدم العلم سابقاً جاز التزويج [١] ، خصوصاً إذا أخبرت بالعدم [٢]

______________________________________________________

أو العلم بالتحريم حالة العقد ». وتبعه عليه في الجواهر ، وغيرها. ولا يخفى أن نصوص الباب مختلفة ، فبعضها وارد في صورة الدخول في العدة ، كمصحح الحلبي الأول‌. ونحوه مصحح ابن مسلم‌ ، وحسن حمران‌ ، وغيرهما. وبعضها مطلق ، كمصحح الحلبي الأخير‌ (١). ولا يخفى أن الأول لا يقوى على تقييد الثاني ، لعدم التنافي في الحكم بينهما. وحينئذ يتعين العمل بإطلاق الثاني. إلا أن يمنع إطلاقه ، لاقتران المطلق بما يصلح للقرينية من جهة المناسبات الكلامية ، إذ المقام نظير ما إذا تعقب المخصص جملا متعددة ، فإن المخصص قرينة على تخصيص الأخير ، ويصلح للقرينية على تخصيص ما قبل الأخير. وكذا في المقام ، فإنه لا فرق بين قولنا : « إذا جاءك زيد وأكرمك يوم الجمعة » ، وقولنا : « إذا جاءك زيد يوم الجمعة وأكرمك » في احتمال رجوع القيد إلى الجملة الأولى في المثال الأول ، والى الجملة الثانية في المثال الثاني. ولعل مثلهما ما إذا تقدم الظرف على الجميع ، مثل : « إذا جاء يوم الجمعة وجاء زيد وأكرمك فاخلع عليه » ، فان ذكر القيد صالح للقرينية على تقييد ما بعده فيسقط المطلق عن الإطلاق ، والصور الثلاث من باب واحد ، وإن اختلفت في الوضوح والخفاء. وحينئذ يتعين الرجوع في المقام الى عمومات الحل. ومن ذلك تعرف الإشكال في القول بالتحريم وإن كان الدخول في خارج العدة لإطلاق الفتاوى كالنصوص ، كما في الرياض.

[١] لأصالة عدم كونها في العدة.

[٢] ففي مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قال (ع) :

__________________

(١) تقدم التعرض لهذه النصوص في أول الفصل.


وكذا إذا علم كونها في العدة سابقاً وشك في بقائها إذا أخبرت بالانقضاء. وأما مع عدم إخبارها بالانقضاء فمقتضى استصحاب بقائها عدم جواز تزويجها. وهل تحرم أبداً إذا تزوجها مع ذلك؟ الظاهر ذلك [١]. وإذا تزوجها باعتقاد خروجها عن العدة ، أو من غير التفات إليها ثمَّ أخبرت بأنها كانت في العدة فالظاهر قبول قولها [٢] ، وإجراء حكم التزويج في العدة ، فمع الدخول بها تحرم أبداً [٣].

______________________________________________________

العدة والحيض للنساء ، إذا ادعت صدقت » (١). ومقتضى الجمود على عبارة النص وإن كان تصديق المرأة في دعوى وجود العدة والحيض ، فلا عموم فيه لعدم العدة وعدم الحيض ، لكن المنسبق منه العموم ، ولا سيما بملاحظة كون الابتلاء بالثاني أكثر ، فيكون بيان حكمه أولى. مضافا الى ما دل على حجية قول ذي اليد على ما في يده ، فضلا عن نفسه ، فإذا أخبر بطهارة بدنه أو نجاسته ونحوهما صدق ، كما عليه سيرة العقلاء والمتشرعة. فلاحظ مباحث الطهارة من هذا الشرح (٢). ومن ذلك يظهر الوجه في قوله (ره) : « إذا أخبرت بالانقضاء ».

[١] لأن الاستصحاب يقوم مقام العلم الموضوعي إذا أخذ موضوعاً على نحو الطريقية ، كما فيما نحن فيه. وتحقيق ذلك في محله من الأصول.

[٢] للمصحح وغيره مما تقدم. بل هو المتيقن من المصحح كما عرفت.

[٣] لأن إطلاق دليل الحجية يقتضي ثبوت جميع الأحكام الثابتة للعدة ، ولو بتوسط وقوع الدخول فيها. وما في بعض الحواشي من أنه أحوط ، كأنه مبني على عدم وضوح الإطلاق المذكور ، لاحتمال اختصاص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب الحيض حديث : ١.

(٢) راجع الجزء : ١ المسألة : ٦ من فصل ماء البئر.


( مسألة ٦ ) : إذا علم أن التزويج كان في العدة مع الجهل بها حكماً أو موضوعاً ، ولكن شك في أنه دخل بها حتى تحرم أبداً ، أو لا؟ يبنى على عدم الدخول [١]. وكذا إذا علم بعدم الدخول بها وشك في أنها كانت عالمة أو جاهلة فإنه يبنى على عدم علمها [٢] ، فلا يحكم بالحرمة الأبدية.

( مسألة ٧ ) : إذا علم إجمالا بكون إحدى الامرأتين المعينتين في العدة ، ولم يعلمها بعينها ، وجب عليه ترك تزويجهما [٣] ولو تزوج إحداهما بطل [٤]. ولكن لا يوجب الحرمة الأبدية‌

______________________________________________________

حجية قولها بما إذا لم يعارض أصل الصحة. ولذا ذكر في الشرائع : أنه لو راجع المطلق زوجته فادعت بعد الرجعة انقضاء العدة قبل الرجعة فالقول قول الزوج. إذ الأصل صحة الرجوع. انتهى. ونحوه ما في غيرها. وفيه : أن الاحتمال المذكور خلاف الإطلاق. نعم لو كان تاريخ انقضاء العدة معلوماً وتاريخ العقد مجهولا ، فأخبرت بأن العقد كان في العدة ، لم يسمع قولها ، لأنه إخبار عن العقد ، لا عن العدة. ويحتمل أن يكون وجه الإشكال في الفرض : أن قبول العقد منها إخبار منها بانتهاء العدة ، فيكون إخبارها بالعدة منافياً له. وفيه : ـ مع أن الفعل لا يدل على شي‌ء من ذلك ، إلا من باب الحمل على الصحة ، وهو لا يعارض الخبر اللاحق ـ أنه لو سلم التعارض يكون المرجع استصحاب العدة إلى حين وقوع العقد فيبطل ، ويقتضي التحريم الأبدي مع الدخول.

[١] لأصالة عدمه.

[٢] لأصالة عدم علمها.

[٣] للعلم الإجمالي ، الموجب لتنجز المعلوم ، فيجب فيه الاحتياط.

[٤] لأصالة عدم ترتب الأثر عليه.


لعدم إحراز كون هذا التزويج في العدة [١]. نعم لو تزوجهما معا حرمتا عليه في الظاهر [٢] ، عملا بالعلم الإجمالي.

( مسألة ٨ ) : إذا علم أن هذه الامرأة المعينة في العدة لكن لا يدري أنها في عدة نفسه أو في عدة لغيره ، جاز له تزويجها ، لأصالة عدم كونها في عدة الغير [٣] ، فحاله حال الشك البدوي.

( مسألة ٩ ) : يلحق بالتزويج في العدة في إيجاب الحرمة الأبدية تزويج ذات البعل [٤] ، فلو تزوجها مع العلم‌

______________________________________________________

[١] المقام نظير ما لو توضأ بأحد الإنائين المعلوم نجاسة أحدهما ، فإنه يبنى فيه على عدم ترتب الأثر ، عملا باستصحاب الحدث ، ولا يبنى على نجاسة أعضاء الوضوء ، لعدم إحراز نجاسة الماء ، إلا إذا كانت الحالة السابقة نجاسة الإنائين معاً ، بناء على صحة استصحاب النجاسة ، لعدم منافاته للعلم الإجمالي بطهارة أحدهما عملاً. وهنا أيضا لا يبنى على الحرمة الأبدية ، لعدم إحراز كون العقد في العدة ، إلا إذا كانت الحال السابقة في المرأتين معا أنهما في العدة ، وعلم خروج إحداهما عنها وبقاء الأخرى فيها ، فان التحقيق جواز جريان الاستصحاب فيهما معاً لما لم ينافيا العلم عملا.

[٢] لأصالة عدم ترتب الأثر ، ولا تجري أدلة الصحة ، للعلم الإجمالي بالبطلان في إحداهما.

[٣] ولا يعارضها أصالة عدم كونها في عدة نفسه ، لعدم الأثر له.

[٤] قال في القواعد : « ولو تزوج بذات البعل ، ففي إلحاقه بالمعتدة إشكال ، ينشأ من عدم التنصيص ، ومن أولوية التحريم ». وقد ذكر غير واحد ممن تأخر عنه أن في كل من الوجهين إشكالا. إذ الأولوية‌


______________________________________________________

غير ظاهرة ، لما عرفت من احتمال أن يكون التحريم الأبدي ، الذي هو حكم تعبدي ، من آثار العدة بالخصوص ، وإن كان لعلقة الزوجية دخل فيه في الجملة ، لكن لا على الاستقلال ، وحينئذ لا مجال للقطع بالأولوية. على أنه لو ثبتت الأولوية كان العمل عليها ، وعدم التنصيص لا يعارضها فإنها مقدمة على أصالة الحل ، أو عموم الحل. وأما عدم التنصيص فإشكاله أظهر ، لورود النصوص المتضمنة للتحريم المؤبد ، ففي موثق أديم بن الحر قال : « قال أبو عبد الله (ع). التي تتزوج ولها زوج يفرق بينهما ، ثمَّ لا يتعاودان أبداً » (١) ‌، و‌موثق زرارة عن أبي جعفر (ع) : « في مرأة فقد زوجها أو نعي إليها فتزوجت ، ثمَّ قدم زوجها بعد ذلك فطلقها قال (ع) : تعتد منهما جميعاً ثلاثة أشهر عدة واحدة ، وليس للآخر أن يتزوجها أبداً » (٢) ‌، و‌موثقه الآخر عن أبي جعفر (ع) : « قال (ع) إذا نعي الرجل إلى أهله أو أخبروها أنه قد طلقها ، فاعتدت ، وتزوجت فجاء زوجها الأول ، فإن الأول أحق بها من هذا الأخير ، دخل بها الأول أو لم يدخل بها. وليس للآخر أن يتزوجها أبداً. ولها المهر بما استحل من فرجها » (٣) ‌، و‌مرفوع أحمد بن محمد : « إن الرجل إذا تزوج امرأة وعلم أن لها زوجاً فرق بينهما ، ولم تحل له أبداً » (٤).

نعم يعارضها‌ صحيح عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : « سألت أبا عبد الله عن رجل تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم ، فطلقها الأول ، أو مات عنها ، ثمَّ علم الأخير ، أيراجعها؟ قال (ع) : لا حتى تنقضي

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

(٤) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٠.


بأنها ذات بعل حرمت عليه أبداً مطلقاً ، سواء دخل بها أم‌

______________________________________________________

عدتها » (١). فإنه أخص من الموثق الأول ، لاختصاصه بصورة الجهل فيقيد به الموثق‌ ، ويحمل على صورة العلم. كما أن بينه وبين الموثقين الآخرين عموماً من وجه ، لاختصاصهما بصورة الدخول ، بقرينة الاعتداد من الأخير في أحدهما ، واستحقاق المهر في ثانيهما ، والصحيح لا يختص بها ، كما أن الصحيح يختص بصورة عدم العلم ، وهما لا يختصان بها. وفي مورد المعارضة وهي صورة الجهل والدخول يرجع الى أصالة الحل. وفيه : أن الموثقين كما يختصان بصورة الدخول يختصان بصورة الجهل ، فيكونان أخص مطلقاً من الصحيح ، فيتعين حمله على صورة عدم الدخول. وحينئذ يكون أخص مطلقاً من الموثق الأول فيقيد به ، وتكون نتيجة الجمع عدم الحرمة في صورة الجهل وعدم الدخول ، والحرمة فيما عداها.

ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره كاشف اللثام من أنه لو عمل بأخبار التحريم أمكن الحكم بالتحريم مطلقاً ، مع الجهل والعلم ، ومع الدخول وبدونه ، لإطلاقها.

نعم‌ في صحيحه الآخر قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل تزوج امرأة ، ثمَّ استبان له بعد ما دخل بها أن لها زوجا غائباً ، فتركها. ثمَّ إن الزوج قدم فطلقها أو مات عنها ، أيتزوجها بعد هذا الذي كان تزوجها ولم يعلم أن لها زوجاً؟ قال (ع) : ما أحب له أن يتزوجها ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) » (٢). ولعل المراد من الدخول فيه الخلوة بها ، كما في الوسائل ، وإن كان بعيداً ، فإنه أولى من التصرف في النصوص السابقة. فتأمل. ومن الغريب ما وقع في هذه المسألة ، فقد عرفت ما في القواعد ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.


لا. ولو تزوجها مع الجهل لم تحرم إلا مع الدخول بها ، من غير فرق بين [١] كونها حرة أو أمة مزوجة ، وبين الدوام والمتعة في العقد السابق واللاحق. وأما تزويج أمة الغير بدون إذنه مع عدم كونها مزوجة ، فلا يوجب الحرمة الأبدية [٢] وإن كان مع الدخول والعلم.

( مسألة ١٠ ) : إذا تزوج امرأة عليها عدة ولم تشرع فيها كما إذا مات زوجها ولم يبلغها الخبر فان عدتها من حين‌

______________________________________________________

ونحوه في الروضة ، وعن الإيضاح ـ من نفي النص فيها. وفي كشف اللثام أن مقتضى إطلاق الاخبار عموم التحريم. وفي الجواهر ، والرياض ، والحدائق ، وغيرها لم يتعرض لهذا الصحيح وكيفية الجمع بينه وبين النصوص.

هذا كله في حكم الدخول مع الجهل. أما صورة عدم الدخول مع الجهل : ففي المسالك : أنه لا إشكال في الحل ، وفي الرياض : دعوى الإجماع عليه ، وفي الحدائق : « ليس فيه خلاف يعرف ». أما صورة العلم والدخول : فالظاهر أنه لا إشكال في التحريم الأبدي فيها ـ كما في المسالك. وفي الرياض : « لا خلاف فيه ». ونحوه كلام غيره ـ لأنه زنا بذات بعل ، فيدخل في المسألة الآتية. ثمَّ إن الذي يظهر من صحيح ابن الحجاج‌ أن جهل الزوج مانع من الحرمة الأبدية ، وإن كانت المرأة عالمة. فالبناء على الحرمة الأبدية مع علم الزوجة لا يكون إلا من طريق الأولوية التي قد عرفت الاشكال فيها ، أو بقاعدة الاشتراك ، بناء على جريانها في المقام. وسيأتي الكلام فيه في حكم التزويج حال الإحرام.

[١] لإطلاق الأدلة ، مع عدم ظهور خلاف في ذلك.

[٢] للأصل ، بعد خروجه عن مورد النصوص.


بلوغ الخبر ـ فهل يوجب الحرمة الأبدية ، أم لا؟ قولان [١] أحوطهما الأول ، بل لا يخلو عن قوة.

( مسألة ١١ ) : إذا تزوج امرأة في عدتها ودخل بها مع الجهل ، فحملت مع كونها مدخولة للزوج الأول ، فجائت بولد ، فان مضى من وطء الثاني أقل من ستة أشهر ، ولم‌

______________________________________________________

[١] قال في القواعد : « ولو تزوج بعد الوفاة المجهولة قبل العدة ، فالأقرب عدم التحريم المؤبد ». ونحوه في المسالك. وعلله في كشف اللثام والجواهر : بأنها ليست زوجة ، ولا معتدة ، لعدم الاعتداد عليها قبل العلم بالوفاة ، فيرجع فيها إلى أصالة الحل. لكن في الرياض : « لو تزوجها بعد هذا الزمان في زمان العدة لاقتضى التحريم البتة ، ففيه أولى ، لأنه أقرب الى زمان الزوجية. والمناقشة في هذه الأولوية ممنوعة. فالتحريم لا يخلو من قوة ». وفيه : أنه لا وجه للمنع عن المناقشة في الأولوية ، حيث لا دليل عليها ، إذ لم يثبت أن التحريم المؤبد مع التزويج في العدة من جهة نفس علقة الزوجية. إذ من الجائز أن يكون للعدة خصوصية اقتضت ذلك ، وان كان لعلقة الزوجية أيضاً دخل في ذلك.

نعم لا ينبغي التأمل في بطلان العقد ، فان المفهوم من الأدلة أن ذات العدة لا يصح تزويجها إلا بعد انقضاء العدة ، فما دامت العدة غير منتهية فعلاقة الزوجة للأول باقية ، وهي تنافي التزويج للآخر. ولأجل ذلك افترق المقام عما قبله ، فان ما قبله لما كان حكماً تعبدياً احتمل أن يكون للعدة دخل فيه. وأما المقام ـ وهو عدم صحة التزويج ـ فالذي تساعد عليه الأذواق العرفية أنه من أحكام نفس الزوجية للتمانع عندهم بين الزوجتين.


يمض من وطء الزوج الأول أقصى مدة الحمل لحق الولد بالأول [١]. وإن مضى من وطء الأول أقصى المدة ومن وطء الثاني ستة أشهر أو أزيد الى ما قبل الأقصى فهو ملحق بالثاني [٢]. وإن مضى من الأول أقصى المدة ومن الثاني أقل من ستة أشهر فليس ملحقاً بواحد منهما [٣]. وإن مضى من الأول ستة فما فوق ، وكذا من الثاني ، فهل يلحق بالأول ،

______________________________________________________

[١] قطعاً ، كما في المسالك والجواهر. وقد صرح به الجماعة على نحو يظهر التسالم عليه. ويقتضيه‌ مرسل جميل بن صالح (١) عن بعض أصحابه عن أحدهما (ع) : « في المرأة تزوج في عدتها ، قال (ع) : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعاً ، وإذا جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير ، وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول » ‌، وتقتضيه قاعدة الفراش ، فان الزوج الأول حال انعقاد النطفة هو الفراش ، فيكون الولد له.

[٢] قطعاً ، كما في المسالك والجواهر. وبلا إشكال ، كما في الرياض ، ويظهر من كلماتهم أنه لا خلاف فيه. لقاعدة الفراش ، بناء على أن الواطئ شبهة فراش ، لأن المراد به ما يقابل العاهر ، والواطئ شبهة غير عاهر. مضافاً الى مرسل جميل المتقدم‌.

[٣] بلا إشكال فيه عندهم. للعلم بانتفائه عنهما ، لتولده في خارج الحد.

__________________

(١) في هامش النسخة الخطية : « كذا ذكر في جامع الروات والوسائل » وقد روى الحديث هكذا في الوسائل في باب : ١٧ من أبواب أحكام الأولاد حديث : ١٣. وفي باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٤ رواه عن جميل من دون نسبته إلى أبيه. لكن نقل عن الصدوق في الموضعين روايته عن جميل بن دراج.


أو الثاني ، أو يقرع؟ وجوه أو أقوال [١] ، والأقوى لحوقه بالثاني ، لجملة من الاخبار. وكذا إذا تزوجها الثاني بعد تمام العدة للأول ، واشتبه حال الولد.

______________________________________________________

[١] حكي الأخير عن المبسوط. وفخر الإسلام. لأن كلا منهما فراش ، فتتعارض قاعدة الفراش فيهما ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فيكون المقام من المشكل ، فيرجع فيه الى القرعة لأنها لكل أمر مشكل. وفي الشرائع ـ في بعض فروع السبب الأول من أسباب التحريم ـ اختار الإلحاق بالثاني ، واختاره في القواعد ، والمسالك ، وكشف اللثام ، وغيرها. ونسبه في المسالك إلى الأكثر. للنصوص ، منها مرسل جميل المتقدم‌ ، كما يقتضيه إطلاقه. ومنها‌ صحيح الحلبي ، عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا كان للرجل منكم الجارية يطأها فيعتقها فاعتدت ونكحت ، فان وضعت لخمسة أشهر فإنه لمولاها الذي أعتقها ، وإن وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر فإنه لزوجها الأخير » (١). و‌صحيح البزنطي عمن رواه عن زرارة قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل إذا طلق امرأته ثمَّ نكحت وقد أعتدت ووضعت لخمسة أشهر فهو للأول ، وإن كان ولد أنقص من ستة أشهر فلأمه ولأبيه الأول ، وإن ولدت لستة أشهر فهو للأخير » (٢) ‌، و‌موثق أبي العباس قال : « قال : إذا جاءت بولد لستة أشهر فهو للأخير ، وإن كان لأقل من ستة أشهر فهو للأول » (٣). وإن كان الأخير لا يخلو من إجمال المورد. وما قبله ليس مما نحن فيه ، عدا المرسل. وكأنه لذلك ولضعف المرسل لم يعتد بالأخبار في المسالك ، وإنما اعتمد على قاعدة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أحكام الأولاد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أحكام الأولاد حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب أحكام الأولاد حديث : ١٢.


( مسألة ١٢ ) : إذا اجتمعت عدة وطء الشبهة مع التزويج [١] أو لا معه ، وعدة الطلاق أو الوفاة أو نحوهما فهل تتداخل العدتان ، أو يجب التعدد؟ قولان ، المشهور على الثاني [٢]. وهو الأحوط. وإن كان الأول لا يخلو عن قوة [٣] ، حملاً للأخبار الدالة على التعدد [٤] على التقية. بشهادة خبر زرارة‌

______________________________________________________

، الفراش بناء منه على ترجيح تطبيقها على الثاني على تطبيقها على الأول ، لأن الثابت أولى من الزائل. وفيه : أن المراد بالفراش : الفراش حال الانعقاد ، ونسبته إليهما متساوية ، والاحتمال بالنسبة الى كل منهما على السواء. لكن مرسل جميل بن صالح رواه الصدوق في الفقيه. عن جميل بن دراج‌ (١). وظاهره أنه بلا إرسال. على أن الظاهر بناء الأصحاب على عدم الفصل بين الموارد.

[١] يعني : التزويج الباطل ، ولذا كان الوطء شبهة.

[٢] وفي الجواهر : « يمكن دعوى الإجماع عليه ، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه ».

[٣] كما عن الصدوق ، وابن الجنيد ، ونسب في الجواهر الميل إليه إلى جماعة من متأخري المتأخرين.

[٤] يريد بها‌ صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « المرأة الحبلى يتوفى عنها زوجها ، فتضع وتتزوج قبل أن تعتد أربعة أشهر وعشراً ، فقال : إن كان الذي تزوجها دخل بها فرق بينهما ، ولم تحل له أبداً ، وأعتدت بما بقي عليها من عدة الأول ، واستقبلت عدة أخرى من الآخر

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه الجزء : ٣ صفحة ٣٠١ طبعة النجف الحديثة ، الوسائل باب : ١٧ من أبواب أحكام الأولاد ملحق حديث : ١٣ ، باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ملحق حديث : ١٤.


وخبر يونس [١].

______________________________________________________

ثلاثة قروء. وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما ، وأتمت ما بقي من عدتها ، وهو خاطب من الخطاب » (١). ونحوه مصحح الحلبي عن أبي عبد الله 7‌، وخبر علي بن جعفر عن أخيه » ‌(٢). وكلها واردة في الحامل وقد مات عنها زوجها فوضعت وتزوجت قبل تمام الأربعة أشهر وعشرة أيام ، وموثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في الرجل يتزوج المرأة في عدتها‌ (٣). ونحوه صحيح علي بن رئاب عن علي بن بشير النبال عن أبي عبد الله (ع) (٤). ودلالتها على وجوب الاعتداد للثاني بعد إتمام الاعتداد للأول ظاهرة.

[١] أما الأول : فرواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحكم عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدت وتزوجت ، فجاء زوجها الأول ففارقها الآخر كم تعتد للثاني؟ قال (ع) : ثلاثة قروء ، وإنما يستبرئ رحمها بثلاثة قروء ، وتحل للناس كلهم. قال زرارة : وذلك أن أناساً قالوا : تعتد عدتين من كل واحد عدة ، فأبى أبو جعفر 7 (ع) وقال : تعتد ثلاثة قروء ، وتحل للرجال » (٥). وكأن السؤال فيه عن صورة مفارقة الزوج لها أيضاً بالطلاق. وأما خبر يونس : فهو ما‌ رواه في الكافي عن يونس عن بعض أصحابه : « في امرأة

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦ ، ٢٠.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٩.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٨.

(٥) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.


______________________________________________________

نعي إليها زوجها فتزوجت ، ثمَّ قدم الزوج الأول فطلقها ، وطلقها الآخر قال : فقال إبراهيم النخعي : عليها أن تعتد عدتين. فحملها زرارة الى أبي جعفر (ع) ، فقال : عليها عدة واحدة » (١). والخبران المذكوران واردان في ذات البعل. وشهادتهما بحمل نصوص التعدد الواردة في المعتدة على التقية ، والأخذ بنصوص التداخل ـ كما استظهره في الحدائق ـ مبنية على كون المسألتين من باب واحد. والمراد بنصوص التداخل‌ صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « في امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها قال (ع) : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا » (٢). ونحوه موثق أبي العباس عن أبي عبد الله (ع) (٣) ، ومرسل جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما (ع) (٤). ونحوها موثق زرارة عن أبي جعفر (ع) المتقدم في ذات البعل‌ (٥). هذه نصوص التداخل ، مضافا الى الخبرين المذكورين في المتن.

وعن الشيخ : حمل نصوص التداخل على عدم دخول الثاني ، لعدم صراحتها في الدخول ، وصراحة نصوص التعدد فيه. وضعفه ظاهر ، كما ذكر جماعة ، إذ لا معنى للاعتداد من الثاني إذا لم يكن دخول منه. وحملها جماعة آخرون على التقية. وهو غير ظاهر ، لما عرفت ، ولما‌ حكي من أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي ، فطلقها البتة ، فنكحت في آخر عدتها ، ففرق عمر بينهما ، وضربها بالمخفقة وزوجها ضربات ، ثمَّ قال : « أيما رجل تزوج امرأة في عدتها ، فان لم يكن دخل بها زوجها الذي تزوجها فرق بينهما

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب العدد حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١١.

(٣) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٢.

(٤) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٤.

(٥) راجع أول المسألة : ٩ من هذا الفصل.


______________________________________________________

وتأتي ببقية عدة الأول ، فإن شاء تزوجها. وإن كان دخل بها فرق بينهما ، وتأتي ببقية عدة الأول ، ثمَّ تستأنف عدة الثاني ، ثمَّ لا تحل له أبداً » (١)

وقد ترجح نصوص التعدد بموافقتها لأصالة عدم التداخل. وفيه : أن الغرض من الاعتداد استبراء الرحم من الولد ، وهذا المعنى لا يحتاج الى التعدد. مع أن ظاهر الأدلة اعتدادها متصلا بالسبب الموجب له ، وهذا المعنى لا يقبل التعدد. فمقتضى ظاهر الأدلة الأولية هو التداخل ، فتكون نصوص التعدد معارضة لها معارضتها لنصوص التداخل.

فالعمدة حينئذ هو ثبوت صلاحية نصوص التداخل للمعارضة وعدمه ، فعلى الثاني : تسقط عن الحجية ، ولا حاجة الى توجيهها بالحمل على التقية ، أو عدم دخول الثاني ، أو نحو ذلك. وعلى الأول : يمكن الجمع العرفي بينها وبين نصوص التعدد ، بحمل الثانية على الاستحباب ، لأنه أبرأ للرحم وأحفظ للحقوق. والانصاف يقتضي البناء على ذلك ، لأن إعراض المشهور عنها لم يعلم أنه كان لاطلاعهم على خلل في الدلالة ، أو الصدور ، أو لبنائهم على ترجيح نصوص التعدد بموافقتها لأصالة عدم التداخل عندهم ، أو للاحتياط ، أو لأنها أشهر الروايتين ، كما في الشرائع. فلم يثبت ما يوجب سقوطها عن الحجية ، ولا سيما بملاحظة أنهم اعتنوا بها فوجهوها بما عرفت الذي قد عرفت إشكاله ، ولم يطعنوا بها بما يوجب خروجها عن الحجية.

ومن الغريب أن الصدوق الذي نسب اليه القول بالتداخل في كتاب المقنع ـ حيث قال في آخر كتاب الإيلاء منه : « فإن نعي إلى المرأة زوجها فاعتدت وتزوجت ، ثمَّ قدم زوجها فطلقها ، وطلقها الأخير ، فإنها تعتد‌

__________________

(١) كنز العمال الجزء : ٨ حديث : ٤٩٤٩ ، سنن البيهقي الجزء : ٧ باب اجتماع العدتين صفحة : ٤٤١.


وعلى التعدد يقدم ما تقدم سببه [١] ، إلا إذا كان إحدى العدتين بوضع الحمل فتقدم وان كان سببها متأخراً [٢] ، لعدم إمكان التأخير حينئذ. ولو كان المتقدمة عدة وطء الشبهة‌

______________________________________________________

عدة واحدة ثلاثة قروء » وهو مضمون موثق زرارة الوارد في ذات البعل ـ قال في كتاب النكاح منه : « وإذا تزوج الرجل امرأة في عدتها ولم يعلم ، وكانت هي قد علمت أنه قد بقي من عدتها ، ثمَّ قذفها بعد علمه بذلك ، فان كانت علمت أن الذي عملت محرم عليها ، فندمت على ذلك ، فان عليها الحد حد الزاني ، ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئاً. فإن فعلت بجهالة منها ثمَّ قذفها ضرب قاذفها الحد ، وفرق بينهما ، وتعتد عدتها الأولى ، وتعتد بعد ذلك عدة كاملة ». وهو مضمون رواية علي بن بشير المشار إليها في أخبار التعدد‌. فنسبة القول بالتداخل اليه غير ظاهرة. ولو أمكن التفكيك بين المسألتين ، كان اللازم نسبة التداخل إليه في تزويج ذات البعل ، والتعدد إليه في تزويج ذات العدة. لكن عرفت التسالم على عدم الفرق. فالكلامان متنافيان مع قرب ما بينهما.

[١] بلا خلاف فيه في الجملة ، ولا إشكال. للأصل ، والنصوص. نعم إذا كانت معتدة للشبهة فمات زوجها ، فقد احتمل في المسالك تقديم عدة الوفاة ، لكونها للزوج ، وهي مستندة الى العقد اللازم. وكذا لو كانت معتدة للشبهة فطلقها زوجها ، فقد احتمل تقديم عدة الطلاق ، لكونها أقوى سبباً. ولكنه ـ كما ترى ـ خلاف الأصل. هذا وإذا اقترن السببان فبناء على التعدد يكون لها الخيار في التقديم والتأخير ، لعدم المرجح.

[٢] كما صرح بذلك في الشرائع ، والقواعد ، وغيرهما. وفي غير موضع من الجواهر نفي الخلاف والاشكال فيه ، لما ذكر في المتن.


والمتأخرة عدة الطلاق الرجعي فهل يجوز الرجوع قبل مجي‌ء زمان عدته [١]؟ وهل ترث الزوج إذا مات قبله في زمان‌

______________________________________________________

[١] كما اختاره في كشف اللثام. لأن الرجعة استدامة ، وهي لا تنافي الاعتداد من الغير. وتبعه عليه في الجواهر. والأصل في ذلك ما في المبسوط ، قال : « إن مذهبنا أن له الرجعة في زمان الحمل ». قال : « لأن الرجعة تثبت بالطلاق فلم تنقطع حتى تنقضي العدة ، وهذه ما لم تضع الحمل وتكمل العدة الأولى ، فعدتها لم تنقض ، فتثبت الرجعة عليها. وله الرجعة ما دامت حاملا ، وبعد أن تضع مدة النفاس والى أن تنقضي عدتها بالأقراء ». قال : « وإذا قلنا لا رجعة له عليها في حال الحمل ما دامت حاملا ، فاذا وضعت ثبت له عليها الرجعة ، وإن كانت في عدة النفاس لم تشرع في عدتها منه ، لأن عدة الأول قد انقضت ، فثبت له الرجعة وإن لم تكن معتدة منه في تلك الحال ، كحال الحيض في العدة ». وفي القواعد : « إن له الرجعة في الإكمال دون زمان الحمل ». وفي المسالك : « له الرجعة في زمان إكمالها بعد الحمل ، لا زمان الحمل ، لأنها حينئذ ليست في عدة رجعية ».

أقول : العمدة في الوجهين ثبوت إطلاق يقتضي صحة الرجوع ما دامت لم تخرج من العدة وعدمه. والظاهر الأول ، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع). قال : « سألته عن رجل طلق امرأته واحدة ، قال (ع) : هو أملك برجعتها ما لم تنقض العدة » (١) ‌و‌في صحيحه الآخر عن أبي جعفر (ع) : « وإذا أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تنقضي أقراؤها » (٢) ‌، و‌في خبره عن أبي جعفر (ع) : « هي

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ٢.


عدة وطء الشبهة؟ [١] وجهان ، بل قولان ، لا يخلو الأول منهما من قوة. ولو كانت المتأخرة عدة الطلاق البائن فهل يجوز تزويج المطلق لها في زمان عدة الوطء قبل مجي‌ء زمان‌

______________________________________________________

امرأته ما لم تنقض العدة » (١) ‌، و‌في موثق ابن بكير وغيره عن أبي جعفر (ع) « وهو أحق برجعتها ما لم تنقض ثلاثة قروء » (٢) ‌، و‌في موثق عبد الله بن سنان عن عبد الله (ع) : « فان طلقها الثانية أيضاً فشاء أن يخطبها مع الخطاب إن كان تركها حتى يخلو أجلها ، فإن شاء راجعها قبل أن ينقضي أجلها ، فإن فعل فهي عنده على تطليقتين » (٣) .. الى غير ذلك من النصوص التي لا تحصى لكثرتها. وإطلاقها يقتضي جواز الرجوع له في المدة التي تكون بين الطلاق وعدته. ولم أقف عاجلا على ما يدل على اعتبار كون الرجوع في العدة ، ولو فرض أمكن حمله على إرادة نفي الرجوع بعد العدة جمعاً ، ويقتضيه ما‌ في صحيح علي بن رئاب عن يزيد الكناسي عن أبي جعفر (ع) : « قال (ع) : لا ترث المختلعة والخيرة ، والمبارأة ، والمستأمرة في طلاقها ، هؤلاء لا يرثن من أزواجهن شيئاً في عدتهن ، لأن العصمة قد انقطعت فيما بينهن وبين أزواجهن من ساعتهن ، فلا رجعة لأزواجهن ولا ميراث بينهم » (٤).

[١] هذه المسألة نظير المسألة السابقة دليلا ، فقد ورد في كثير من النصوص أن المطلقة ترث زوجها إذا مات قبل انقضاء العدة ، ففي صحيح زرارة عن أحدهما : « المطلقة ترث وتورث حتى ترى الدم الثالث ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ٦.


عدة الطلاق؟ وجهان لا يبعد الجواز بناء [١] على أن الممنوع‌

______________________________________________________

فإذا رأته فقد انقطع » (١) ‌، و‌في موثقه : « سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يطلق المرأة ، فقال (ع) : يرثها وترثه ما دام له عليها رجعة » (٢) ‌، و‌في رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « وإن ماتت قبل انقضاء العدة منه ورثها وورثته » (٣) ‌، و‌في موثق محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « أيما امرأة طلقت فمات عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها فإنها ترثه ثمَّ تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ، وإن توفيت في عدتها ورثها » (٤). نعم ظاهر ذيله اعتبار الوفاة في العدة. ونحو غيره ، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « إذا طلق الرجل امرأته توارثا ما كانت في العدة ، فإذا طلقها التطليقة الثالثة فليس له عليها رجعة ولا ميراث بينهما » (٥). ونحوه غيره. ولا يبعد أن يكون الجمع بينهما بحمل الثانية على كونه في مقابل الموت بعد العدة ، فإنه مقتضى مناسبة الحكم ، كما فيما سبق.

[١] قد تقدم من المصنف (ره) : أنه لا يجوز التزويج بذات العدة وإن كانت عدة وطء الشبهة ، وحكي في كشف اللثام : الاتفاق على أنه ليس لأجنبي أن ينكح امرأة في عدة شبهة. ولذا فرض في القواعد وغيرها المسألة فيما لو كانت عدة الطلاق البائن مقدمة ، واختار عدم جواز الرجوع إليها في عدة الطلاق بعقد جديد ، لأنه إذا لم يجز تجديد العقد في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ٨.

(٥) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ١٠.


في عدة وطء الشبهة وطء الزوج لها لا سائر الاستمتاعات بها كما هو الأظهر [١]. ولو قلنا بعدم جواز التزويج حينئذ للمطلق فيحتمل كونه موجباً للحرمة الأبدية أيضاً ، لصدق التزويج‌

______________________________________________________

عدة الوطء اللاحقة فعدم الجواز قبلها أولى. ولأن تجديد العقد يوجب انتهاء عدة الطلاق ودخول عدة الوطء ، فيمتنع عليه الاستمتاع فلا يكون للعقد أثر ، فيبطل. والمصنف فرض المسألة فيما لو تقدم الوطء على الطلاق ، وجواز تجديد العقد بعد الطلاق البائن في تتمة عدة الوطء ، لأنه لا مانع من العقد إلا دعوى أنه لا أثر للعقد ، لحرمة الاستمتاع بالمعتدة مطلقاً وطأ كان أو غيره. وقد قال في القواعد : « وكل نكاح لم يتعقبه حل الاستمتاع كان باطلاً » ، فاذا بنينا على جواز سائر الاستمتاعات غير الوطء لم يكن مانع من العقد.

[١] واستوجهه في الجواهر ، لعدم الدليل عليه يصلح لمعارضة ما دل على الاستمتاع بالزوجة. وفيه : أن الظاهر من الاعتداد الامتناع عن ذلك ، وبذلك افترقت العدة عن مدة الاستبراء. ولأجل ذلك لا يصح العقد عليها ، فإنه أيضاً مفهوم من الأمر بالاعتداد ، ولو لا ذلك لم يكن حرمة الوطء وسائر الاستمتاعات مانعاً من صحة العقد. ودعوى : أنه لا أثر له غير ظاهرة ، فان اعتبار الزوجية يكفي فيه الآثار الأخرى ، مثل وجوب النفقة والتوارث ، وحرمة الزوجة على أب الزوج وولده ، وحرمة أمها على الزوج ، وغير ذلك من الآثار. ولذا لو فرض عدم التمكن من الاستمتاع بالزوجة لم تبطل زوجيتها ، ولم يمتنع تزويجها. وكذا لو فرض حرمة الاستمتاع بها بنذر ونحوه ، فان ذلك لا يمنع من صحة التزويج بها ، ولا يبطل زوجيتها.

فإذاً الأقوى حرمة جميع الاستمتاعات بالموطوءة شبهة ، وعدم جواز‌


في عدة الغير. لكنه بعيد. لانصراف أخبار التحريم المؤبد عن هذه الصورة [١].

هذا ولو كانت العدتان لشخص واحد ، كما إذا طلق زوجته بائناً ثمَّ وطأها شبهة في أثناء العدة ، فلا ينبغي الإشكال في التداخل [٢] ، وإن كان مقتضى إطلاق بعض العلماء [٣] التعدد في هذه الصورة أيضا.

( مسألة ١٣ ) : لا إشكال في ثبوت مهر المثل [٤] في الوطء بالشبهة المجردة عن التزويج‌

______________________________________________________

التزويج بها ، لأنه الظاهر من الأمر بالاعتداد ذلك ، فان الاعتداد من المفاهيم المجملة التي أو كل الشارع معرفتها الى بيانه في عدة الطلاق. فكما أن المعتدة عدة الطلاق لا يجوز لغير من له العدة العقد عليها ، ولا الاستمتاع بها ، كذلك المعتدة للوطء لا يجوز لغير الواطئ العقد عليها ، ولا الاستمتاع بها. ونظيره كثير من المفاهيم الشرعية التي أو كل بيانها الى البيان الصادر في بعض الموارد ، كما أشرنا الى ذلك في جملة من المباحث من هذا الشرح.

[١] يعني : الانصراف إلى صورة سبق العدة بزوجية العاقد. لكن دعوى هذا الانصراف غير ظاهرة ، وإن وافقه عليها شيخنا الأعظم (ره) في رسالة النكاح. وإطلاق الفتوى يمنعه جداً ، بل إنهم تعرضوا لمدة الاستبراء ، وجعل بعضهم إلحاقها بالعدة محل إشكال ، وبعضهم لم يلحقها بها ، ولم يتعرضوا لعدة وطء الشبهة فليس ذلك إلا لبنائهم على العموم لها.

[٢] كما استوجهه في الجواهر وفاقا للفاضلين.

[٣] بل الأكثر ، كما في الجواهر.

[٤] لأنه عوض الانتفاع بالبضع. وقد تضمنت ذلك النصوص‌


إذا كانت الموطوءة مشتبهة [١] وإن كان الواطئ عالماً. وأما إذا كان بالتزويج ففي ثبوت المسمى أو مهر المثل قولان [٢] ، أقواهما الثاني. وإذا كان التزويج مجرداً عن الوطء فلا مهر أصلا [٣].

( مسألة ١٤ ) : مبدأ العدة في وطء الشبهة المجردة عن التزويج حين الفراغ من الوطء [٤]. وأما إذا كان مع التزويج‌

______________________________________________________

[١] إذ لو كانت عالمة كانت بغياً ، « ولا مهر لبغي ».

[٢] حكي أولهما عن الشيخ في المبسوط ، لأن العقد هو السبب في ثبوت المهر ، لأنه الوجه في الشبهة ، فكان كالصحيح المقتضي ضمان ما وقع عليه التراضي. وفيه : أن استحقاق المسمى إنما يكون بالعقد ، فاذا فرض بطلانه لم يكن وجه لاستحقاقه. وكونه سبب الشبهة ، لا يقتضي سببية ضمان المسمى. والرضا به إنما كان مبنيا على العقد ، فاذا بطل بطل. فيتعين الضمان بمهر المثل. نظير ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ، فإنه يكون بالمثل ، لا بالمسمى. نعم‌ في موثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « فان كان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها » (١). ونحوه ما في موثق سليمان بن خالد ‌(٢). ولا يبعد أن يكون المراد منه جنس المهر ، كما يشير اليه التعليل ، لا المسمى ، فان التعليل لا يقتضيه.

[٣] للأصل مع عدم المقتضي له ، إذ هو إما العقد ، وإما الوطء ، وكلاهما منتف.

[٤] كما في الجواهر. لأنه السبب في العدة ، وظاهر الأدلة كونها متصلة بالسبب ،

ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.


فهل هو كذلك ، أو من حين تبين الحال؟ وجهان [١]. والأحوط الثاني ، بل لعله الظاهر من الاخبار.

( مسألة ١٥ ) : إذا كانت الموطوءة بالشبهة عالمة بأن كان الاشتباه من طرف الواطئ فقط ـ فلا مهر لها إذا كانت حرة ، إذ لا مهر لبغي. ولو كانت أمة ففي كون الحكم كذلك‌

______________________________________________________

عن رجلين نكحا امرأتين ، فأتي هذا بامرأة ذا وهذا بامرأة ذا ، قال (ع) : تعتد هذه من هذا ، وهذه من هذا ، ثمَّ ترجع كل واحدة إلى زوجها » (١). ونحوه غيره.

[١] للأول : ما سبق. وللثاني : أنه ظاهر النصوص المتضمنة للأمر بالاعتداد بعد التفريق ، كما أشار الى ذلك في المتن ، ففي مصحح إبراهيم ابن عبد الحميد المروي في الفقيه : أن أبا عبد الله (ع) قال في شاهدين شهدا عند امرأة بأن زوجها طلقها ، فتزوجت ، ثمَّ جاء زوجها ، قال (ع) : « يضربان الحد ويضمنان الصداق للزوج ثمَّ تعتد وترجع الى زوجها الأول » (٢). وقريب منه غيره. والجميع ينسبق الى الذهن منه أن الاعتداد بعد التفريق ، وهو وقت تبين الحال. ولذلك مال في الجواهر الى ذلك. وعلله بعض : بأن الشبهة بمنزلة النكاح الصحيح ، فزوال الشبهة بمنزلة الطلاق ، فيكون الاعتداد منه. وهو ـ كما ترى ـ أشبه بالاستحسان. لكن لا يبعد أن يستفاد من النصوص المذكورة لزوم الاعتداد عند ارتفاع الشبهة ، سواء كان هناك عقد فاسد اشتباهاً ، أم لم يكن عقد وكان الاشتباه في وقوعه لاعتقاد وقوعه ، أو للاشتباه في المعقود له أو عليه ، وأن المدة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب العيوب حديث : ٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه الجزء : ٣ صفحة : ٣٥٥ طبعة النجف الحديثة ، الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٨.


أو يثبت المهر لأنه حق السيد ، وجهان ، لا يخلو الأول منهما من قوة [١].

______________________________________________________

التي تكون فيها الموطوءة تحت سلطان الواطئ وفي حباله يستمتع بها ويضاجعها ليست جزءاً من العدة ، فيكون مبدأ العدة في جميع الصور ارتفاع الاشتباه ، لا حين الوطء.

[١] كما اختاره في الشرائع في مباحث نكاح الإماء ، قال (ره) : « إذا تزوج الحر أمة من غير إذن المالك ، ثمَّ وطأها قبل الرضا عالماً بالتحريم كان زانيا ، وعليه الحد ، ولا مهر لها إذا كانت عالمة مطاوعة ». وفي كتاب الرهن قال : « ولو وطأ المرتهن الأمة مكرها لها كان عليه عشر قيمتها أو نصف العشر. وقيل : عليه مهر أمثالها. ولو طاوعته لم يكن عليه شي‌ء » ، وفي باب بيع الحيوان قال : « من أولد جارية ثمَّ ظهر أنها مستحقة انتزعها المالك ، ويجب على الواطئ عشر قيمتها إن كانت بكراً ونصف العشر إن كانت ثيباً. وقيل : يجب مهر أمثالها. والأول مروي ». وكلامه الثاني يدل على نفي المهر والأرش للمطاوعة ، فيحمل عليه كلامه الأخير ، فيحمل على غير المطاوعة ، بناء على اتحاد المسألتين حكماً. وأما كلامه الأول فلا تعرض فيه للأرش وإنما يتعرض لنفي المهر.

وقد يظهر من ذلك أن الكلام في مقامين. الأول : لزوم المهر للسيد في وطء الأمة مع علمها بعدم حلية الوطء وعدم لزومه ، الثاني : أنه على تقدير عدم لزوم المهر يلزم الأرش للسيد أو لا يلزم.

أما الكلام في الأول : فهو أنك عرفت ما ذكره المحقق. وتبعه عليه جماعة من نفي المهر. ووجهه : أما‌ النبوي المشهور : « لا مهر لبغي ». وإما لأن الانتفاع بالبضع مما لا يضمن كسائر الاستمتاعات ، فكما لا يضمن الاستمتاع بالتقبيل ونحوه لا يضمن الاستمتاع بالوطء. لكن ناقش في‌


______________________________________________________

المسالك في شمول الخبر للإماء ، بقرينة ذكر المهر الذي يكون للحرائر المتعارف إطلاقه على الصداق ، بخلاف عوض بضع الأمة فإنه يسمى بالعقر ، ولأجل ذلك سميت الحرة مهيرة ، دون الأمة. وبقرينة اللام أيضا ، فإنها ظاهرة في الملك ، وهو لا يكون إلا في الحرة ، فإن الأمة مهرها لسيدها. وحمل اللام على الاختصاص خلاف الظاهر. وناقش أيضا فيما بعده ـ وكذا في الجواهر ـ بأنه لا وجه لقياس الوطء على غيره من الاستمتاع ، لو سلم الحكم في المقيس عليه ، باعتبار عدم عده مالا في الشرع والعرف ، بخلاف الوطء المقابل به عرفاً وشرعاً. ويشكل : بأن عد الانتفاع بالبضع مالا شرعاً مصادرة ، ومالا عرفاً غير ظاهر ، إذ لا مجال لمقايسة ذلك باستخدام الرجل والمرأة ، فإنه مضمون إذا كانت له قيمة عندهم ، لكونه مالا ويعاوض عليه عند العرف ، بخلاف الاستمتاعات الواقعة بين الرجل والمرأة ، فإن استمتاع كل منهما بالآخر لا يعد مالا ولا يقابل بالمال ، وليس بضع المرأة أولى من بضع الرجل في انتفاع الطرف الآخر ، فكما لا يصح للرجل مطالبة المرأة بقيمة انتفاعها ببضعه ، لا يصح للمرأة مطالبة الرجل ، فإن الاستفادة من الطرفين على نحو واحد ، وفي الطرفين لا يعد عرفاً من المنافع المقصودة المعاوض عنها. ولعله يظهر ذلك بأقل تأمل. فالقواعد العامة لا تقتضي ضمان المهر. وما دل على ضمان المهر باستحلال الفرج مختص بالحرائر ، كما سبق. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن الشيخ في المبسوط وابن إدريس من لزوم المهر للسيد.

وأما الكلام في المقام الثاني : فهو أن الذي يظهر من كلام الشرائع في كتاب الرهن المتقدم عدم استحقاق الأرش على الواطئ. وعن جماعة استحقاقه. واختاره في الرياض حاكياً له عن المقنع والنهاية والقاضي وابن حمزة. واختاره في الجواهر ، وحكاه عن السيد في المدارك ، بل‌


______________________________________________________

نسبه الى فتوى المشهور فيمن اشترى أمة ووطأها ثمَّ ظهر أنها مستحقة لغير البائع ، لصحيح الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها قد دلست نفسها له ، قال : إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد‌ .. ( الى أن قال ) : وإن كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ، ولمواليها عليه عشر ثمنها إن كانت بكراً ، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها » (١) ‌، و‌صحيح الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (ع) : « فيمن أحل جاريته لأخيه ، قلت : أرأيت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها ، قال (ع) : لا ينبغي له ذلك. قلت : فان فعل أيكون زانياً؟ قال (ع) : لا ، ولكن يكون خائنا ، ويغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكراً ، وإن لم تكن فنصف عشر قيمتها » (٢). وإطلاقهما يقتضي عدم الفرق بين العالمة والجاهلة. بل نسب الى ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم الفرق بينهما فيما لو تزوجها لدعواها الحرية فتبين أنها أمة. بل في المسالك عن بعضهم : دعوى إجماع المسلمين عليه. فاذاً لا مجال للتوقف فيه بعد ورود الصحيحين المذكورين به.

ثمَّ إنه قد ادعي اختصاص الصحيح الأول بصورة علم الأمة. لكنه ضعيف ، لأن تدليسها كونها أمة لا يستلزم العلم بحرمة الوطء. وكذلك الصحيح الثاني ، لإمكان عدم اطلاع المحللة على ما وقع بين مالكها والمحلل له ، فاطلاقهما بالنسبة إلى حالتي علم الأمة وجهلها محكم ، نعم يختص الأول بصورة الشبهة في الواطئ ، والثاني بصورة علمه ، فتعميم الحكم لهما في محله. كما أنهما يختصان بموردهما. فالتعدي إلى غيرهما غير ظاهر ، إلا من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.


( مسألة ١٦ ) : لا يتعدد المهر بتعدد الوطء [١] مع استمرار الاشتباه. نعم لو كان مع تعدد الاشتباه تعدد.

( مسألة ١٧ ) : لا بأس بتزويج المرأة الزانية غير ذات البعل للزاني [٢] ،

______________________________________________________

جهة التعليل بالاستحلال. ولا يخلو من تأمل ، وإن كان هو الأظهر.

[١] كما استظهره في الجواهر في مبحث بيع الحيوان ، لأنه ظاهر الصحيح الأول.

[٢] كما هو المشهور. وعن الخلاف : الإجماع عليه. لعمومات الحل ، ولعموم : « الحرام لا يحرم الحلال » (١) ‌، وخصوص‌ صحيح عبيد الله ابن علي الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أيما رجل فجر بامرأة ثمَّ بدا له أن يتزوجها حلالا ، قال (ع) أوله سفاح وآخره نكاح ، ومثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراماً ثمَّ اشتراها بعد فكانت له حلالا » (٢) ‌، و‌صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن رجل فجر بامرأة ثمَّ بدا له أن يتزوجها ، فقال (ع) : حلال ، أوله سفاح وآخره نكاح ، أوله حرام وآخره حلال » (٣). ونحوهما غيرهما.

وعن الشيخين وجماعة : المنع إلا مع التوبة. ويشهد لهم جملة من النصوص ، كموثق عمار بن موسى عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن الرجل يحل له أن يتزوج امرأة كان يفجر بها؟ قال (ع) : إن أنس منها رشداً فنعم ، وإلا فليراودها على الحرام ، فان تابعته فهي عليه حرام ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤ ، ٥ وباب : ٦ حديث : ٦ ، ٩ ، ١١ ، ١٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.


وغيره [١]. والأحوط الأولى أن يكون بعد استبراء رحمها‌

______________________________________________________

وإن أبت فليتزوجها » (١). ونحوه غيره. وفيه ـ كما في الجواهر ـ : أنها قاصرة عن ذلك بالشهرة على خلافها. وبموافقتها لابن حنبل ، وقتادة. ويشكل : بأن مخالفتها المشهور في المقام لا يسقطها عن الحجية. وكذلك موافقتها لابن حنبل ، مع أنها مروية عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) ، وزمانهما متقدم على زمان ابن حنبل ، فلا مجال للاتقاء منه. فالجمع بين هذه النصوص وما قبلها بالتقييد متعين ، لو لا ما تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع ، وما في صحيح الحلبي المتقدم من التمثيل ، وما ورد من جواز تزويج الزانية ـ كما سيأتي ـ من الحمل على التنزيه مخافة اختلاط المياه واشتباه الأنساب.

[١] على المشهور شهرة عظيمة ، للنصوص الكثيرة ، منها‌ صحيح علي بن رئاب المروي في قرب الاسناد ، قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم؟ قال (ع) : نعم ، وما يمنعه؟! ولكن إذا فعل فليحصن بابه مخافة الولد » (٢) ‌، و‌خبر زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فاذا الثناء عليها في شي‌ء من الفجور ، فقال (ع) : لا بأس بأن يتزوجها ويحصنها » (٣) ، ونحوهما غيرهما.

وعن الحلبي ، وظاهر المقنع : الحرمة. للاية الشريفة : ( الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) ، بدعوى ظهورها في حرمة تزويج الزانية لغير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٤) النور : ٣.


بحيضة من مائه أو ماء غيره [١] إن لم تكن حاملا. وأما‌

______________________________________________________

الزاني والمشرك ، وحرمة التزويج من الزاني لغير الزانية والمشركة. وفيه : عدم ظهور كون الآية الشريفة في مقام تشريع التحليل والتحريم ، بل من الجائز كونها في مقام الاخبار ، ويكون المراد من النكاح الوطء إذ لو حمل على تشريع التحليل والتحريم كان مقتضاه جواز تزويج المسلم الزاني المشركة ، وجواز تزويج المشرك الزانية المسلمة ، ولم يقل به أحد ، فلا بد من تنزيلها على غير هذا المعنى ، ولا مجال حينئذ للاستدلال بها على ما نحن فيه. والنصوص الآتية ربما تشير الى ذلك.

[١] كما‌ في موثق إسحاق بن جرير ، عن أبي عبد الله (ع) ، قال : « قلت له الرجل يفجر بالمرأة ثمَّ يبدو له في تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال (ع) : نعم : إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوجها ، وإنما يجوز له أن يتزوجها بعد أن يقف على توبتها » (١) ‌وفيما‌ رواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن أبي جعفر محمد بن علي الجواد (ع) : « أنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا أيحل له أن يتزوجها؟ فقال : يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره ، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثاً كما أحدثت معه ، ثمَّ يتزوج بها إن أراد ، فإنما مثلها مثل نخلة أكل منها رجل حراماً ثمَّ اشتراها فأكل منها حلالا » (٢).

وفي المسالك عن التحرير : لزوم العدة على الزانية مع عدم الحمل ، ثمَّ قال : « ولا بأس به حذراً من اختلاط المياه وتشويش الأنساب » ، واختاره‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤. لكنه راوه عن إسحاق ابن حريز.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب العدد حديث : ٢.


الحامل : فلا حاجة فيها الى الاستبراء [١] ، بل يجوز تزويجها ووطؤها بلا فصل. نعم الأحوط ترك تزويج المشهورة بالزنا [٢]

______________________________________________________

في الوسائل ، والحدائق ، للروايتين المذكورتين ، المعتضدتين بعموم ما دل على لزوم العدة بالدخول‌ (١) ، و‌قولهم (ع) : « العدة من الماء » (٢). وفي الجواهر لم يستبعد حمل الخبرين على ضرب من الندب. والعمومات لا مجال للأخذ بها في بعض الموارد إجماعاً. والاشكال عليه ظاهر ، إذ الأول : لا قرينة عليه والثاني : لا يمنع من الأخذ بالعموم في غير مورد الإجماع. وكان الأولى الإشكال على العمومات بأنها واردة في العدة لغير صاحب الماء ، وقد تقدم أنه يجوز التزويج في عدة نفسه. وأما الخبران : فمخالفان للمشهور ، فلا مجال للعمل بهما. على أن الثاني منهما مرسل. فتأمل. وأما إطلاق ما دل على جواز تزويج الزانية فلا نظر فيه الى المقام. ولو فرض فهو مقيد بما ذكر.

[١] بلا إشكال ظاهر فيه ، ولا خلاف ، لعدم الدليل على لزوم العدة فيها. والنصوص المتقدمة لا تشملها ، بل ظاهرها عدمها.

[٢] فقد ورد في جملة من النصوص تفسير الآية الشريفة بها ، ففي صحيح زرارة قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله عز وجل : ( الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) (٣) ، قال (ع) : هن نساء مشهورات بالزنا ، ورجال مشهورون

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب العدد حديث : ٣. وباب ٥٤ من أبواب المهور حديث : ٣ ، ـ ٤ ـ ٨.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب العدد حديث : ٤. وباب : ١ حديث : ١ وباب : ٥٤ من أبواب المهور حديث : ١.

(٣) النور : ٣.


إلا بعد ظهور توبتها. بل الأحوط ذلك بالنسبة إلى الزاني بها وأحوط من ذلك ترك تزويج الزانية مطلقاً إلا بعد توبتها. ويظهر ذلك بدعائها إلى الفجور ، فإن أبت ظهر توبتها [١].

( مسألة ١٨ ) : لا تحرم الزوجة على زوجها بزناها [٢]

______________________________________________________

بالزنا ، قد شهروا بالزنا وعرفوا به ، والناس اليوم بذلك المنزل ، فمن أقيم عليه حد الزنا ، أو شهر منهم بالزنا ، لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه توبته » (١) ‌، ونحوه خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله 7(٢) وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) (٣) ، و‌خبر حكم ابن حكيم عن أبي عبد الله (ع) : « في قول الله عز وجل ( وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ) قال : إنما ذلك في الجهر ، ثمَّ قال : لو أن إنسانا زنا ثمَّ تاب تزوج حيث شاء » (٤). و‌في رسالة المحكم والمتشابه عن تفسير النعماني : « نزلت هذه الآية في نساء كنّ بمكة معروفات بالزنا ، منهن سارة ، وخيثمة ، ورباب ، حرم الله نكاحهن ، فالآية جارية في كل من كان من النساء مثلهن » (٥). وعن المفيد ، وتلميذه سلار : الحرمة اعتماداً على ما ذكر. لكن عرفت سابقاً أن الآية لا يراد منها التشريع. والاخبار المذكورة تشير الى ذلك ، وأن المقصود منها التبكيت والذم لنساء ورجال مشهورين بالزنا مواظبين عليه.

[١] كما تقدم في النصوص.

[٢] على المشهور ، للأصل ، ولما ورد من أن الحرام لا يحرم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ملحق حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ١٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.


وإن كانت مصرة على ذلك. ولا يجب عليه أن يطلقها [١].

( مسألة ١٩ ) : إذا زنا بذات بعل دواماً أو متعة حرمت عليه أبداً [٢] ، فلا يجوز له نكاحها بعد موت زوجها‌

______________________________________________________

الحلال‌ (١) ، و‌لرواية عباد بن صهيب عن جعفر بن محمد 8 : « قال : لا بأس أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني وإن لم يقم عليها الحد فليس عليه من إثمها شي‌ء » (٢). وعن المفيد وسلار : الحرمة. وكأنه للاية الشريفة ، التي قد عرفت الإشكال في دلالتها على التحريم ابتداء ، فضلا عن الاستدامة. أو لجملة من النصوص الدالة على حرمتها إذا زنت قبل الدخول ، كخبر الفضل بن يونس : « سألت أبا الحسن موسى (ع) عن رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فزنت ، قال (ع) : يفرق بينهما ، وتحد الحد ، ولا صداق لها » (٣) ‌ونحوه غيره‌ (٤). لكنها أخص من المدعى. ولما لم يقل بمضمونها أحد فلا مجال للعمل بها.

[١] للأصل ، بل الظاهر أنه لا خلاف فيه ، ولا قائل بوجوب الطلاق.

[٢] في كشف اللثام : « قطع به الأصحاب إلا المحقق في الشرائع ». وعن الانتصار. والغنية ، والحلي ، وفخر المحققين : الإجماع عليه ، وفي الرياض : حكاية الإجماع عليه عن جماعة ، وفي الحدائق : حكايته عن غير واحد وفي الشرائع : نسبته الى قول مشهور. وظاهره التوقف فيه. وحكى ذلك عن بعض المتأخرين ، لعدم ثبوت الإجماع. وفي المسالك : عدم تحقق الإجماع على وجه يكون حجة. ثمَّ استدل له بالأولوية ، لأن العقد‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦ ، ٩ ، ١١ ، ١٢.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب العيوب حديث : ٢.

(٤) راجع الوسائل باب : ٦ ، ١٧ من أبواب العيوب.


أو طلاقه لها ، أو انقضاء مدتها إذا كانت متعة. ولا فرق على الظاهر [١] بين كونه حال الزنا عالماً بأنها ذات بعل أو لا. كما لا فرق بين كونها حرة أو أمة ، وزوجها حراً أو عبداً ، كبيراً أو صغيراً ، ولا بين كونها مدخولا بها من زوجها أو لا ، ولا بين أن يكون ذلك بإجراء العقد عليها وعدمه بعد فرض العلم بعدم صحة العقد ، ولا بين أن تكون الزوجة مشتبهة أو زانية أو مكرهة. نعم لو كانت هي الزانية وكان الواطئ مشتبهاً فالأقوى عدم الحرمة الأبدية [٢]. ولا‌

______________________________________________________

على ذات البعل مع العلم إذا كان محرماً فالزنا أولى ، وإذا كان الدخول مع العقد محرماً فالزنا أولى. وتبعه على ذلك غيره. لكن القطع بالأولوية غير حاصل. فالعمدة ظهور الإجماع. وتوقف المحقق لا يدل على انتفائه ، وإنما يدل على عدم ثبوته عنده.

وقد يستدل بما‌ في الرضوي : « ومن زنا بذات بعل محصناً كان أو غير محصن ثمَّ طلقها زوجها أو مات عنها وأراد الذي زنا بها أن يتزوج بها لم تحل له أبداً » (١). لكن الرضوي غير حجة. ومجرد الموافقة للشهرة غير جابرة. ونحوه ما عن بعض المتأخرين من أنه قال : « روي أن من زنا بامرأة لها بعل ، أو في عدة رجعية حرمت عليه ، ولم تحل له أبداً ».

[١] لإطلاق معقد الإجماع ، كما نص على ذلك في الجواهر.

[٢] وفي الجواهر : « في الحرمة أبداً إشكال ، وإن كان ظاهر العبارات عدم شموله ، لاختصاص كلامهم بالزنا ، فلا يشمل الشبهة. لكن يمكن‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٨.


يلحق بذات البعل الأمة المستفرشة ولا المحللة [١]. نعم لو كانت الأمة مزوجة فوطئها سيدها لم يبعد الحرمة الأبدية عليه [٢] وإن كان لا يخلو عن إشكال [٣]. ولو كان الواطئ مكرهاً على الزنا فالظاهر لحوق الحكم [٤] ، وإن كان لا يخلو عن إشكال أيضا.

( مسألة ٢٠ ) : إذا زنا بامرأة في العدة الرجعية حرمت عليه أبداً [٥] ، دون البائنة ، وعدة الوفاة [٦] ، وعدة المتعة والوطء بالشبهة ، والفسخ. ولو شك في كونها في العدة أو لا‌

______________________________________________________

استفادته من حكم العقد على ذات البعل ، بناء على الأولوية المزبورة ، وأن حكمها الحرمة أبداً مع علمها دونه بمجرد العقد ». وفيه : ما عرفت من الإشكال في الأولوية بأنها غير قطعية.

[١] كما نص على ذلك في الجواهر ، وغيرها ، لخروجهما عن معقد الإجماع ، بل في الجواهر : « لم نجد فيه خلافا ».

[٢] لأنه زنا بذات بعل ، فيدخل في معقد الإجماع على الحرمة.

[٣] كأنه من جهة احتمال الانصراف.

[٤] لإطلاق معقد الإجماع ، وإن كان يحتمل انصرافه الى الوطء المحرم بالفعل ، الموجب للعقاب ، وهو منتف مع الإكراه. لكن الانصراف ممنوع.

[٥] لما تقدم في المسألة السابقة من الإجماع ، والمرسل. وتوقف فيه في الشرائع. لكن لا مجال للتوقف ، كما سبق بعينه.

[٦] لخروجها عن معقد الإجماع. لكن في الرياض : « فيه نظر ، لجريان بعض ما تقدم هنا ، كالأولوية الواضحة الدلالة في ذات العدة ، بناء على ما يأتي من حصول التحريم بالعقد عليها فيها مع العلم ، ومع‌


أو في العدة الرجعية أو البائنة فلا حرمة ما دام باقياً على الشك [١]. نعم لو علم كونها في عدة رجعية وشك في انقضائها وعدمه فالظاهر الحرمة [٢] ، وخصوصاً إذا أخبرت هي بعدم الانقضاء [٣]. ولا فرق بين أن يكون الزنا في القبل أو الدبر [٤]. وكذا في المسألة السابقة.

( مسألة ٢١ ) : من لاط بغلام فأوقب ولو بعض الحشفة [٥] حرمت عليه [٦] أمه أبداً وإن علت ،

______________________________________________________

الدخول في حال الجهل ». لكن عرفت الإشكال في الأولوية.

[١] للأصل المقتضي للبناء ظاهراً على الحل.

[٢] لاستصحاب كونها في العدة.

[٣] لأن اخبارها حجة ، كما سبق.

[٤] للإطلاق.

[٥] كما نص على ذلك في القواعد ، والمسالك ، وجامع المقاصد ، والروضة وغيرها. وفي الرياض : « الاتفاق في الظاهر واقع عليه ». لصدق الإيقاب ، وتقييده بتمام الحشفة في وجوب الغسل لدليله ـ مثل : « إذا التقى الختانان وجب الغسل » (١) ‌ـ لا يقتضي التقييد بذلك هنا ، لحرمة القياس. ودعوى الانسباق الى ما يحصل به حرمة المصاهرة في غير المقام ، ممنوعة بنحو يعتد به.

[٦] إجماعا ، كما عن الانتصار ، والخلاف. وفي المسالك : « أنه متفق عليه بين الأصحاب ». وفي الرياض : حكايته عن الغنية ، والتذكرة ، وشرح النافع للسيد وغيرهم. وفي الجواهر : « هو في أعلى درجات الاستفاضة أو التواتر ». ويشهد له النصوص ، منها‌ صحيح ابن أبي عمير عن بعض

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب الجنابة.


وبنته وإن نزلت [١] ، وأخته ، من غير فرق بين كونهما كبيرين أو صغيرين أو مختلفين [٢]. ولا تحرم على الموطوء‌

______________________________________________________

أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل يعبث بالغلام ، قال (ع) : إذا أوقب حرمت عليه بنته وأخته » (١) ‌، و‌موثق إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل لعب بغلام هل تحل له أمه؟ قال (ع) : إن كان ثقب فلا » (٢). ونحوهما غيرهما.

[١] نص على ذلك في القواعد ، وحكي عن ابن إدريس. وتنظر فيه في كشف اللثام ، لعدم وضوح عموم الأم للجدة والبنت لبنت البنت. والأصل يقتضي الحل لو لا دعوى الاتفاق عليه ، المحكية عن جماعة.

[٢] أما إذا كان الواطئ صغيراً : فقد استشكل فيه في القواعد وغيرها ، لاختصاص النصوص بالرجل الذي لا يشمل الصغير ، ولا إجماع على عدم الفصل بينه وبين الكبير ، فيتعين الرجوع فيه الى أصالة الحل. خلافا للمحقق والشهيد الثانيين وغيرهما ، فالأقوى عندهم عدم الفرق ، لعدم الفرق في حكم المصاهرة بين البالغ وغيره ، ولصدق عنوان الرجل عليه بعد البلوغ ، فيقال : « إنه رجل أوقب » وإن كان إيقابه سابقاً. ولأن التحريم في النص خارج مخرج الغالب. ولكن الجميع غير ظاهر. بل الثاني خلاف الظاهر ، فان الظاهر من قول القائل : « رجل أوقب » أنه أوقب حال كونه رجلا ، وكذا كل عنوان أخذ موضوعاً للحكم ، فان الظاهر منه المقارنة بين الحكم وبين العنوان ، مثل قولنا : « مسافر صلى قصراً ، وحاضر صلى تماماً » ، ونحو ذلك. ومن العجيب ما في كشف اللثام فإنه استدل على الحكم بالصحيح والموثق المتقدمين ، ثمَّ ذكر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.


أم الواطئ وبنته وأخته على الأقوى [١]. ولو كان الموطوء خنثى [٢] حرمت أمها وبنتها على الواطئ ، لأنه إما لواط‌

______________________________________________________

في وجه الإشكال الذي ذكره في القواعد فقال : « من عموم الخبر الثاني وهو خيرة التحرير والأصل واختصاص الخبر الأول .. » مع أن الخبر الثاني أيضا خاص كالأول.

وأما عدم الفرق في الموطوء بين الصغير وغيره : فهو المصرح به في القواعد وغيرها ، بل قد استظهر من عبارة جامع المقاصد : أنه من معقد إطباق الأصحاب ، ومن عبارة الروضة : أنه إجماع. وإن كان لا يخلو من نظر ، لاحتمال رجوع الإجماع في الثاني إلى النسب مقابل الرضاع ، ورجوع الإطباق في الأول إلى أصل الحكم. وكيف كان فالعمدة في وجه الاشكال : أن المذكور في النصوص هو الغلام ، وهو لا يشمل الشيخ والكهل. فالتعدي الى الرجل يحتاج إما الى فهم المثالية من الغلام ، والمراد مطلق الذكر ، أو الإجماع على عدم الفصل. لكن كلا من الأمرين معا غير ظاهر. وإن كان غير بعيد.

[١] للأصل. وفي كشف اللثام وغيره عن الشيخ أنه حكى عن بعض الأصحاب التحريم عليه أيضا. ومأخذه غير ظاهر غير احتمال رجوع الضمير في الاخبار لكل من الفاعل والمفعول. وفيه : أن المسؤول عن حكمه الواطئ ، فالحكم ـ وهو التحريم ـ يكون عليه ، وضمير المخاطب بالحكم راجع اليه. نعم الضمير الآخر راجع الى الموطوء. فالقول المذكور ضعيف. ولا سيما بعد دعوى الإجماع على العدم ، كما عن صريح التذكرة وظاهر الروضة.

[٢] قال في القواعد : « ولو أوقب خنثى مشكل ، أو أوقب ، فالأقرب عدم التحريم ». وعلله في كشف اللثام بالأصل مع الشك في‌


أو زنا [١] ، وهو محرم إذا كان سابقاً كما مر [٢]. والأحوط حرمة المذكورات على الواطئ وإن كان ذلك بعد التزويج [٣]

______________________________________________________

السبب ، ووجه الخلاف الاحتياط ، وتغليب جانب الحرمة ، ثمَّ قال : « نعم إن كان مفعولا وكان الإيقاب بإدخال تمام الحشفة لم يشكل تحريم الأم والبنت على القول بنشر الزنا الحرمة. وإن كان فاعلا حرمت عليه النساء قاطبة ، كما حرم على الرجال ، للإشكال في الذكورية والأنوثية. على أن كلامهم في إرث الخنثى المشكل إذا كان زوجاً أو زوجة يدل على الإباحة ». لكن قد يدفع الإشكال الأول : بأن الكلام بالنظر الى الإيقاب ، والمقصود نفي الحرمة من جهته ، لا من جهة الزنا.

[١] لكن المحرم باللواط بنته التي تتولد من مائه ، والمحرم بالزنا بنت الموطوءة التي تتولد منها ، فاختلف المفهوم والمصداق ، وحينئذ لا يحصل العلم بالتحريم إلا مع الابتلاء بالطرفين ، من جهة العلم الإجمالي ، ويكون التحريم في كل منهما عقلياً لا شرعياً.

[٢] بل يأتي في المسألة الثامنة والعشرين من الفصل الآتي.

[٣] كما عن ابن سعيد في الجامع ، بل هو ظاهر جماعة ممن أطلق التحريم للمذكورات ، لمرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله 7 : « في رجل يأتي أخا امرأته ، فقال : إذا أوقبه فقد حرمت عليه المرأة » (١) ‌، المعتضد بإطلاق نصوص الباب. والمشهور الحل في الفرض ، بل هو المذكور في كلام جماعة مرسلين له إرسال المسلمات ، بل في كلام شيخنا أنه اتفاقي لا مخالف فيه فتوى ورواية ، إلا ما يظهر من المرسل المذكور. ويتعين حمله على كونها امرأته في الحال دون زمان الإتيان ، وإن كان خلاف الظاهر. والعمدة : أن المرسل المذكور في نفسه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.


خصوصاً إذا طلقها وأراد تزويجها جديداً [١].

______________________________________________________

لا دليل على حجيته ، وإن كان المرسل ابن أبي عمير ، كما أشرنا الى ذلك في مبحث النجاسات من هذا الشرح ، فضلا عن ملاحظة دعوى الاتفاق أو الشهرة العظيمة على خلافه.

[١] أما إذا كان الطلاق بعد وقوع الإيقاب : فقد نسب في الجواهر الميل الى عدم الجواز الى بعض الأفاضل ، ولعله السيد في الرياض ، فقد جعل احتمال التحريم أقوى ، للإطلاقات المخصص بها الأصل والعموم. لكن في كشف اللثام : الأقرب عدم التحريم. وفي الجواهر : « يقوى الجواز ، للاستصحاب ». وفيه : أن استصحاب الحل الفعلي لا مجال له ، للحرمة بالطلاق. والاستصحاب التعليقي لا يقين سابق بمؤداه ، بل مقتضى استصحاب عدم ترتب الأثر على العقد هو الحرمة. مع أن الاستصحاب لا مجال له مع إطلاق الأدلة. والخروج عنها بالنسبة الى من سبق العقد عليها بعموم : « الحرام لا يحرم الحلال » (١) ‌، يختص بحال العقد ، ولا يشمل ما بعد الطلاق. فالإطلاق بالنسبة إليه محكم. كما ذكر في الرياض.

أما إذا كان الطلاق قبل وقوع الإيقاب : فالحكم بالعدم فيه أظهر لعدم الحل حال الإيقاب ، فلا يشمله‌ قوله (ع) : « الحرام لا يحرم الحلال » ‌، فيبقى داخلا تحت الإطلاق. ولم أجد من تعرض لهذا الفرض إلا شيخنا في رسالة النكاح ، وقد استظهر فيه الحرمة ، لما ذكر. ولم يتعرض للفرض السابق. وبالجملة : المستفاد من النصوص المتضمنة أن الحرام لا يحرم الحلال ، أو لا يفسده ، بعد ضم بعضها الى بعض وملاحظة مواردها : أن الحرام لا يرفع الحلية ، ولا تدل على أنه لا يدفع الحلية. والفرضان المذكوران من الثاني ، فالمرجع فيهما غير النصوص المذكورة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦ ، ٩ ، ١١ ، ١٢.


والأم الرضاعية كالنسبية [١]. وكذلك الأخت والبنت. والظاهر عدم الفرق [٢] في الوطء بين أن يكون عن علم وعمد واختيار أو مع الاشتباه ، كما إذا تخيله امرأته ، أو كان مكرهاً ، أو كان المباشر للفعل هو المفعول [٣]. ولو كان الموطوء ميتاً ففي التحريم إشكال [٤]. ولو شك في تحقق الإيقاب وعدمه بنى على العدم [٥]. ولا تحرم من جهة هذا العمل الشنيع غير الثلاثة المذكورة [٦] ، فلا بأس بنكاح ولد الواطئ ابنة الموطوء‌

______________________________________________________

[١] كما عن التحرير. وقواه في الروضة والرياض. وقربه في كشف اللثام. واستظهره في الجواهر. لعموم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١) ‌، الموجب لثبوت حكم النسب للرضاع. ومن ذلك يظهر ضعف الإشكال في القواعد ، للأصل والخروج عن ظاهر نصوص الباب ، لاختصاصها بالنسبية لا غير. فان الدليل على الحرمة ليس أدلة الباب ، وإنما هو عموم تنزيل الرضاع منزلة النسب.

[٢] للإطلاق ، المعتضد بإطلاق الفتاوى.

[٣] يشكل بأنه لا تصح حينئذ نسبة الفعل الى الفاعل ، وإنما تصح نسبته الى المفعول ، فيخرج عن ظاهر النصوص.

[٤] كما في القواعد. وفي جامع المقاصد : « لم يبعد التحريم ، لعموم النص ». وفيه : أن الغلام حقيقة في الحي ، وإطلاقه على الميت مجاز. فعموم النص ممنوع. وعموم الحل يقتضي الجواز.

[٥] لأصالة العدم.

[٦] بلا خلاف أجده فيه ، كما في الجواهر.

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يحرم من الرضاع.


أو أخته أو أمه ، وإن كان الأولى الترك في ابنته [١].

فصل

من المحرمات الأبدية التزويج حال الإحرام لا يجوز للمحرم أن يتزوج [٢] امرأة محرمة‌

______________________________________________________

[١] لمرسل موسى بن سعدان عن بعض رجاله قال : « كنت عند أبي عبد الله (ع) فقال له رجل : ما ترى في شابين كانا مصطحبين ، فولد لهذا غلام وللآخر جارية أيتزوج ابن هذا ابنة هذا؟ فقال (ع) : نعم ، سبحان الله ، لم لا يحل؟! فقال : إنه كان صديقاً له ، قال : وإن كان فلا بأس ، قال : فإنه كان يفعل به ، قال : فأعرض بوجهه ، ثمَّ أجابه وهو متستر بذراعه ، فقال : إن كان الذي كان منه دون الإيقاب فلا بأس أن يتزوج ، وإن كان قد أوقب فلا يحل له أن يتزوج » (١). ولأجل إرساله ، وعدم معرفة القائل به ، لا مجال للاعتماد عليه.

فصل

من المحرمات الأبدية التزويج حال الإحرام‌

[٢] بلا خلاف ولا إشكال ، وفي الجواهر : أن الإجماع بقسميه عليه. ويشهد له غير واحد من النصوص ، منها ما‌ رواه زرارة بن أعين ، وداود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ : « قال : والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لم تحل له أبداً » (٢). ونحوه ما رواه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.


أو محلة [١] ، سواء كان بالمباشرة أو بالتوكيل مع إجراء الوكيل العقد حال الإحرام [٢] ، سواء كان الوكيل محرماً أو محلا ، وكانت الوكالة قبل الإحرام أو حاله [٣]. وكذا لو كان بإجازة عقد الفضولي الواقع حال الإحرام ، أو قبله مع كونها حاله بناء على النقل [٤] ، بل على الكشف الحكمي [٥]

______________________________________________________

أديم بياع الهروي عن أبي عبد الله (ع) (١). وفي كشف اللثام : « الخبر وإن كان ضعيفاً لكن الأصحاب قطعوا بمضمونه ، وحكى عليه الإجماع في الانتصار ، والخلاف ، والغنية ».

[١] للإطلاق. وكذا ما بعده.

[٢] يعني : إحرام الموكل.

[٣] للإطلاق.

[٤] لتحقق التزويج حالها ، وهو حال الإحرام.

[٥] الكشف الحكمي بمعنى أنه حال الإجازة يثبت مضمون العقد ، ويجب ترتيب أحكام ثبوته من حين العقد ، فالمضمون لما كان على هذا القول ثابتاً حال الإجازة ، وهو حال الإحرام ، كان التزويج حال الإحرام ، فيبطل وإن كانت أحكام المضمون ثابتة من حين العقد. نعم لا مانع من صحة الإجازة بناء على الكشف الانقلابي ، الراجع الى أن زمان الإجازة هو زمان جعل المضمون من حين العقد فالمجعول هو المضمون من حين العقد وإن كان جعله حين الإجازة ، فإذا كان العقد المجاز واقعاً حال الإحلال يكون التزويج واقعاً حينئذ ، فلا مانع منه. اللهم الا أن يدعى أن المستفاد من الأدلة حرمة جعل التزويج حال الإحرام وإن كان زمان المجعول حال الإحلال. ولأجل ذلك قال المصنف (ره) : « بل الأحوط مطلقاً » يعني :

__________________

(١) أشار الى هذا الحديث في الوسائل باب : ٣١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.


بل الأحوط مطلقاً. ولا إشكال في بطلان النكاح في الصور المذكورة [١].

______________________________________________________

حتى على الكشف الحقيقي أو الكشف الانقلابي. واحتمله في الجواهر ، بناء على أنه نوع تعلق بالنكاح ممنوع منه ، كما يشير اليه‌ مرسل أبي شجرة : « في المحرم يشهد على نكاح المحلين؟ قال (ع) : لا يشهد. ثمَّ قال : يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل؟ » (١). ثمَّ قال : « ويحتمل الجواز ، لأنه ليس تزويجاً حال الإحرام بناء على الكشف. والأحوط الأول ، وإن كان الثاني لا يخلو من قوة ». وكأنه لضعف المرسل المانع من الخروج به عن عموم الصحة أو أصل البراءة. وأما ما سبق من احتمال أن يكون الممنوع جعل الزوجية ، كنفس الزوجية. فغير بعيد من النصوص الآتية ، المتضمنة أنه لا يتزوج ولا يزوج غيره ، فاذا منع من أن يزوج غيره فأولى أن يمنع من أن يزوج نفسه.

[١] ادعى عليه الإجماع غير واحد ، وتشهد له النصوص‌ كصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « ليس للمحرم أن يتزوج ، ولا يزوج. وإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل » (٢) ‌، و‌صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : « قال أبو عبد الله (ع) : إن رجلا من الأنصار تزوج وهو محرم فأبطل رسول الله (ص) نكاحه » (٣) ‌، و‌مصحح معاوية ابن عمار : « قال : المحرم لا يتزوج ، ولا يزوج ، فان فعل فنكاحه باطل » (٤) ‌، و‌صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) « قال : قضى

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب تروك الإحرام حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٩.


وإن كان مع العلم بالحرمة حرمت الزوجة عليه أبداً [١] ، سواء دخل بها أو لا [٢]. وان كان مع الجهل بها لم تحرم عليه على الأقوى [٣] ،

______________________________________________________

أمير المؤمنين (ع) في رجل ملك بضع امرأة وهو محرم قبل أن يحل فقضى أن يخلي سبيلها ، ولم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل. فإذا أحل خطبها إن شاء ، وإن شاء أهلها زوجوه ، وإن شاءوا لم يزوجوه » (١) ‌الى غير ذلك مما يأتي بعضه.

[١] إجماعا محكيا عن الانتصار والخلاف والغنية. وعن التذكرة ، والمنتهى : نسبته إلى علمائنا. ويشهد له ما تقدم من روايات زرارة ، وداود ابن سرحان ، وأديم بياع الهروي ، المعتضدة بإطلاق‌ خبر أديم بن الحر الخزاعي عن أبي عبد الله (ع) قال : « إن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ، ولا يتعاودان أبداً » (٢).

[٢] لإطلاق النص والفتوى.

[٣] كما هو المشهور شهرة عظيمة ، كما يقتضيه الجمع بين مثل صحيح محمد بن قيس المتقدم‌ ، وبين خبر أديم بن الحر الخزاعي المتقدم‌ ونحوه ، كخبر إبراهيم بن الحسن عن أبي عبد الله (ع) (٣) ، فيحمل الأول على صورة الجهل ، والأخيرة على صورة العلم ، بشهادة روايات زرارة ، وداود ابن سرحان ، وأديم بياع الهروي‌. ومن ذلك يظهر ضعف القول بالتحريم الأبدي كما عن الصدوق وسلار ، اعتماداً على إطلاق نصوص التحريم الأبدي ، لما عرفت من كونها محمولة على صورة العلم جمعاً.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب تروك الإحرام حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب تروك الإحرام حديث : ١.


دخل بها أو لم يدخل [١] ، لكن العقد باطل على أي حال [٢] بل لو كان المباشر للعقد محرماً بطل وإن كان من له العقد محلا [٣]. ولو كان الزوج محلا وكانت الزوجة محرمة فلا إشكال في بطلان العقد [٤]. لكن هل يوجب الحرمة الأبدية فيه قولان. الأحوط الحرمة [٥] ، بل لا يخلو عن قوة.

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه إطلاق صحيح محمد بن قيس‌. وعن الخلاف والكافي والغنية والسرائر والوسيلة : الحرمة أبداً مع الدخول ، وعن الأول : الإجماع عليه. ودليله غير ظاهر بعد ما عرفت. والإلحاق بذات العدة لا مجال له ، لأنه قياس باطل. والإجماع الذي ادعاه في الخلاف موهون بمخالفة الأكثر :

[٢] لما عرفت.

[٣] لما عرفت من النصوص الصريحة فيه.

[٤] وفي المنتهى : أنه ذهب إليه علماؤنا أجمع ، لدخوله في النصوص المتقدمة ، بناء على أن المراد من المحرم الجنس الشامل للمرأة ، أو لقاعدة الاشتراك‌

[٥] كما عن الخلاف ، مستدلا عليه بالإجماع ، والاحتياط ، والأخبار ، وأشكل عليه في محكي الرياض بأن الاخبار لم نقف عليها. ودعوى الوفاق غير واضحة. والاحتياط ليس بحجة.

وفي الجواهر : « قلت : يمكن إثباته بقاعدة الاشتراك. أو بإرادة الجنس من الألف واللام في بعض النصوص السابقة ». ثمَّ استشكل في الأول : بأن قاعدة الاشتراك تختص بما يصلح وقوعه منهما ، والنصوص السابقة دلت على تحريم تزويج المحرم ، بمعنى : اتخاذه زوجة ، وهذا المعنى يختص بالرجال ، فلا تشمله قاعدة الاشتراك. وفي الثاني : بأن الجنسية المرادة من الالف واللام بمعنى الجنسية في المدخول ، والمدخول هو المحرم المختص بالذكر ، والجنس منه لا يشمل الأنثى ، وإنما الذي يشملها الجنس من الجامع بين‌


______________________________________________________

الذكر والأنثى ، وهو غير المدخول.

وحاصل الإشكال الأول : أن مفاد قاعدة الاشتراك تعميم الخطاب المتوجه للرجال الى النساء مع المحافظة على جميع قيوده ، فاذا امتنعت المحافظة على القيود امتنعت قاعدة الاشتراك ، فاذا ورد خطاب : « يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة » المختص بالرجال وجب تعميمه الى النساء ، فكأنه قيل أيضا : « يا أيها النساء أقمن الصلاة ». وإذا ورد : « يا أيها الرجال أنفقوا على زوجاتكم » لم يصح تعميمه الى النساء بحيث يحكم بمضمون « يا أيها النساء أنفقن على أزواجكن » لاختلاف قيود الموضوع. وكذلك في المقام ، فان مفاد نصوص المقام أنه يحرم على الرجال المحرمين أن يتزوجوا النساء ، فإذا بني على تعميمه الى النساء فلا بد من اختلاف قيود الموضوع ، إذ الموضوع حينئذ يحرم على النساء المحرمات أن يتزوجن الرجال. وحاصل الإشكال الثاني : أن المراد من الجنس إن كان جنس المدخول فهو مختص بالجنس الذكري ، وإن أريد الشامل للذكر والأنثى فهو خلاف الظاهر محتاج إلى قرينة.

ودفع الإشكال الأول : بأن حرمة التزويج من أحكام نفس الإحرام المشترك بين الرجال والنساء ، راجع الى التمسك بإطلاق الدليل ، لا عمل بقاعدة الاشتراك. مع أنه غير ظاهر من عبارة النص بعد البناء على ظهور المحرم في الذكر ، لأنه يكون من أحكام إحرام الذكر ، لا مطلقاً. نعم يندفع بأن التزويج بالمعنى المضاف الى الذكر مضاف إلى الأنثى ، وليس هو بمعنى آخر. وحينئذ فإذا كان مطلق التزويج محرماً على الذكر كان ذلك المعنى محرماً على الأنثى بقاعدة الاشتراك ، ولا مانع من جريانها حينئذ ، نظير : « يا أيها الذين آمنوا أقيموا الصلاة » ، فإن قاعدة الاشتراك تقتضي وجوب الصلاة على الإناث وإن كانت صلاة الإناث تخالف صلاة الذكور ،


ولا فرق في البطلان [١] والتحريم الأبدي بين أن يكون الإحرام لحج واجب ، أو مندوب ، أو لعمرة واجبة أو مندوبة ، ولا في النكاح بين الدوام والمتعة.

( مسألة ١ ) : لو تزوج في حال الإحرام مع العلم بالحكم لكن كان غافلا عن كونه محرماً أو ناسيا له فلا إشكال في بطلانه [٢] ، لكن في كونه محرماً أبداً إشكال [٣]. والأحوط ذلك.

( مسألة ٢ ) : لا يلحق وطء زوجته الدائمة أو المنقطعة حال الإحرام بالتزويج في التحريم الأبدي ، فلا يوجبه وإن كان مع العلم بالحرمة والعمد [٤].

( مسألة ٣ ) : لو تزوج في حال الإحرام ولكن كان باطلا من غير جهة الإحرام كتزويج أخت الزوجة أو الخامسة ـ هل يوجب التحريم أو لا؟ الظاهر ذلك [٥] ،

______________________________________________________

لأن الواجب على الذكور طبيعة الصلاة ، فكذا في المقام.

[١] كما صرح به غير واحد. لإطلاق النصوص والفتاوى. وكذا لا فرق بين كون الإحرام لنفسه أو غيره.

[٢] لإطلاق النصوص.

[٣] لمنافاة الغفلة والنسيان للعلم بكونه حراماً عليه.

[٤] كما نص على ذلك في الجواهر. وحكى عن بعض الإجماع عليه.

للأصل من غير معارض ، لاختصاص الأدلة المتقدمة بغيره. مضافاً الى عموم عدم تحريم الحرام الحلال.

[٥] تقدم في المسألة الاولى من الفصل السابق الكلام في نظير المسألة.


لصدق التزويج ، فيشمله الاخبار. نعم لو كان بطلانه لفقد بعض الأركان بحيث لا يصدق عليه التزويج لم يوجب.

( مسألة ٤ ) : لو شك في أن تزويجه هل كان في الإحرام أو قبله بنى على عدم كونه فيه [١] ، بل وكذا لو شك في أنه كان في حال الإحرام أو بعده ، على إشكال [٢]. وحينئذ فلو اختلف الزوجان في وقوعه حاله ، أو حال الإحلال سابقاً أو لاحقاً. قدم قول من يدعي الصحة [٣] ، من غير‌

______________________________________________________

وقد تقدم منه (ره) التوقف. وتقدم أن الظاهر عدم التحريم ، لأن الظاهر من التزويج : التزويج الصحيح ، كما يظهر ذلك من ملاحظة باب الشهادة ، والإقرار ، والوصية والنذر ، والوقف ، ونحوها ، فان التزويج في جميع ذلك وغيره يراد منه الصحيح. وأما‌ خبر الحكم بن عيينة : « سألت أبا جعفر (ع) عن محرم تزوج امرأة في عدتها قال : يفرق بينهما ، ولا تحل له أبداً » (١) ‌، فضعيف. مع أنه مجمل من حيث أن السبب في التحريم الأبدي التزويج في حال الإحرام ، أو كونه في العدة ، أو هما. ووارد في مورد خاص لا يمكن استفادة قاعدة منه. فراجع ما سبق.

[١] لأصالة صحة العقد ، المعتضد بأصالة عدم الإحرام في صورة ما إذا كان تاريخ العقد معلوماً وتاريخ الإحرام مجهولا.

[٢] كأنه لأصالة بقاء الإحرام إلى حين العقد. وفيه : أنه لا يطرد في صورة ما إذا كان تاريخ الإحرام معلوماً وتاريخ العقد مجهولا. مع أن أصالة الصحة مقدمة على الاستصحاب.

[٣] كما في الشرائع وغيرها ، بل هو المعروف بينهم. لأصالة الصحة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٥.


فرق بين جهل التاريخين أو العلم بتاريخ أحدهما [١]. نعم لو كان محرماً وشك في أنه أحل من إحرامه أم لا ، لا يجوز له‌

______________________________________________________

في كل فعل يحتمل فيه الصحة والفساد ، بمعنى لزوم ترتيب آثار الصحة. فإنها من القواعد العقلائية ، ولا فرق فيها بين فعل نفسه وفعل غيره ، ولا بين فعل المسلم وغيره. وتشير إليها بعض النصوص. وهي غير حمل فعل المسلم على الصحة التي هي من الأحكام الأدبية الاجتماعية الاستحبابية ، المختصة بفعل المسلم أو المؤمن ، وفعل الغير ، الملحوظ فيها الحمل النفساني فقط ، أعني : الحمل في نفسه على ما لا يكون معصية. ويشهد بها جملة من النصوص. ومن ذلك يظهر ما بين القاعدتين من الاختلاف مفهوماً ، ومورداً ، ودليلا. وحكماً.

ولأجل ذلك يشكل ما ذكر في المدارك من النظر أولا ، بأنها إنما تتم إذا كان المدعي لوقوع الفعل في حال الإحرام عالماً بفساد ذلك ، أما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة. وثانياً : بأن كلا منهما يدعي وصفاً ينكره الآخر ، فتقديم أحدهما يحتاج الى دليل. فان ما ذكره مبني على أن المراد بأصالة الصحة المعنى النفساني ، الذي لا يجري مع الجهل والعذر ، ولا يكون من يوافقه منكراً وخصمه مدعياً.

[١] فإنه إذا جهل تاريخ الإحرام وعلم تاريخ العقد صح جريان أصالة عدم الإحرام إلى حين العقد ، فيثبت كون العقد في حال عدم الإحرام ، فيصح ولو لم تجر أصالة الصحة. وإذا انعكس الأمر فأصالة عدم العقد الى حين الإحرام لا يثبت بها وقوع العقد حال الإحرام ، فيتعين الرجوع الى أصالة الصحة. وإذا جهل التاريخان فالمرجع أصالة الصحة ، سواء قلنا بأن مجهولي التاريخ لا يجري الأصل فيهما ذاتاً ، أم قلنا بأنه يجري لكن يسقط فيهما للمعارضة ، فإن المرجع أصل الصحة على كل من القولين.


التزويج ، فان تزويج مع ذلك بطل ، وحرمت عليه أبدا ، كما هو مقتضى استصحاب بقاء الإحرام [١].

( مسألة ٥ ) : إذا تزوج حال الإحرام عالماً بالحكم والموضوع ، ثمَّ انكشف فساد إحرامه ، صح العقد ولم يوجب الحرمة [٢]. نعم لو كان إحرامه صحيحاً فأفسده ثمَّ تزوج ففيه وجهان [٣] : من أنه قد فسد. ومن معاملته معاملة الصحيح في جميع أحكامه.

( مسألة ٦ ) : يجوز للمحرم الرجوع في الطلاق [٤]

______________________________________________________

[١] ولا يجري أصل الصحة. لاختصاص جريانه بصورة حدوث الشك بعد العمل ، والمفروض في المقام الشك حال العمل.

[٢] لتبين انتفاء موضوع البطلان والتحريم.

[٣] في الجواهر عن غير واحد التصريح بإلحاق الإحرام بعد إفساده بالصحيح. ولعله لمعاملته معاملة الصحيح في جميع الاحكام ، انتهى. أقول : المذكور في كلامهم أن من جامع امرأته في إحرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته ، وحكي عليه الاتفاق ، والنصوص به وافرة. ومقتضاه عدم ترتب آثار الإحرام مطلقاً. لكن المصرح به في كلام جماعة وجوب الإتمام. وذلك يدل على عدم البطلان بالمرة. ولعله لبنائهم على استصحاب بقاء الإحرام ، لكنه خلاف ظاهر النصوص المتضمنة للفساد. أو للأمر بإتمام الحج والعمرة ، لكنه غير ظاهر ، لاختصاصه بالصحيحين ، فلا يشمل الفاسدين. نعم تشعر بعض النصوص بأن الفساد يراد به الفساد في الجملة. والكلام في ذلك موكول الى محله.

[٤] بلا إشكال ولا خلاف ، كما في الجواهر ، لخروجه عن موضوع‌


في العدة الرجعية. وكذا تملك الإماء [١].

( مسألة ٧ ) : يجوز للمحرم أن يوكل محلا في أن يزوجه بعد إحلاله [٢]. وكذا يجوز له أن يوكل محرماً في أن يزوجه بعد إحلالهما [٣].

( مسألة ٨ ) : لو زوجه فضولي [٤] في حال إحرامه لم يجز له إجازته في حال إحرامه. وهل له ذلك بعد إحلاله الأحوط العدم ، ولو على القول بالنقل [٥]. هذا إذا كان‌

______________________________________________________

نصوص التحريم ، فيبقى داخلا تحت أصالة الحل وعمومه ، مثل قوله تعالى : ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) (١).

[١] بلا خلاف أيضا ، لما ذكر فيما قبله. ويشهد له‌ صحيح سعد ابن سعد الأشعري القمي عن أبي الحسن الرضا (ع) : « سألته عن المحرم يشتري الجواري ويبيعها؟ قال (ع) : نعم » (٢).

[٢] بلا إشكال ولا خلاف أيضا ، لما سبق. وقد صرح به الأصحاب من دون تعرض لشبهة فيه وتأمل.

[٣] لما عرفت. لكن استثناها بعض من الجواز. ولعله لعدم قابلية المحرم لإيقاع الموكل فيه حال التوكيل ، الموجب للمنع من صحة الوكالة. وفيه : أنه لا دليل على منع ذلك ، وليس المنع الشرعي بأقوى من المنع العقلي ، مع أنه غير مانع عن صحة الوكالة.

[٤] تقدم الكلام فيه في أول الفصل.

[٥] هذا الاحتياط ضعيف إذ على هذا القول يكون التزويج حال الإحلال إنشاء ومنشأ ، ولا يرتبط بالإحرام. نعم على القول بالكشف‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٨.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب تروك الإحرام حديث : ١.


الفضولي محلا ، والا فعقده باطل [١] لا يقبل الإجازة ولو كان المعقود له محلا.

فصل

في المحرمات بالمصاهرة

وهي علاقة بين أحد الطرفين مع أقرباء الآخر تحدث بالزوجية أو الملك عيناً أو انتفاعا [٢] ، بالتحليل ، أو الوطء شبهة أو زنا ، أو النظر واللمس في صورة مخصوصة.

______________________________________________________

الحقيقي يكون التزويج حال الإحرام إنشاء ومنشأ. وعلى الكشف الانقلابي يكون التزويج حال الإحرام منشأ ، لا إنشاء. وعلى الكشف الحكمي لا يكون التزويج حال الإحرام لا إنشاء ، ولا منشأ ، وإنما محض جعل الاحكام. وتحريم ذلك غير ظاهر.

[١] لما عرفت من النصوص المتضمنة أنه لا يتزوج ولا يزوج. لكن الظاهر جريان أحكام الصور المتقدمة هنا بعينها ، فيصح بناء على النقل والكشف الحكمي ، ولا يصح بناء على الكشف الحقيقي والكشف الانقلابي. ولا فرق بين المسألتين ، كما يظهر بالتأمل.

فصل

في المحرمات بالمصاهرة‌

[٢] الذي يظهر من المصاهرة لغة وعرفا اختصاصها بالزوجية ، كما اعترف به في الجواهر ، وشيخنا الأعظم. ويشير اليه قوله تعالى : ( وَهُوَ


( مسألة ١ ) : تحرم زوجة كل من الأب والابن على الآخر [١] ، فصاعداً في الأول ونازلا في الثاني [٢] ، نسبا‌

______________________________________________________

الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) (١). لكن في المسالك عممها لما يحدث بالنظر ، واللمس ، والوطء ، على وجه مخصوص. وأخرج وطء الأمة ، والشبهة ، والزنا ، وأنكر أن تكون الحرمة فيها من باب المصاهرة. وفي الشرائع : « وهي تتحقق مع الوطء الصحيح ، وتشكل مع الزنا ، والوطء بالشبهة ، والنظر ، واللمس ». وكأن مراده بالوطء الصحيح الوطء الناشئ عن عقد ولو تحليلا ، وإلا فالوطء بالشبهة من الوطء الصحيح أيضا. كما أن مراده بيان مجرد التحقق بالوطء ، لا الحصر به ، وإلا فهي تتحقق بالعقد أيضا ، كما سيأتي. والمصنف (ره) جعل التحريم في جميع ذلك من باب المصاهرة ، جرياً على ما بني عليه الأصحاب من ذكر الحرمة في جميع ذلك في باب أحكام المصاهرة. وإلا فقد عرفت معناها لغة وعرفاً. ومن ذلك يظهر أن التفصيل بين الأسباب المذكورة غير ظاهر.

[١] إجماعا بل لعله ضروري من ضروريات الإسلام. ويشهد به قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) ، وقوله تعالى : ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) (٢).

[٢] إجماعاً. ويشهد له بعض النصوص ، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « أنه قال : لو لم تحرم على الناس أزواج النبي (ص) لقول الله عز وجل ( ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً ) حرمن على الحسن والحسين بقول الله عز وجل ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) ، ولا يصلح للرجل أن ينكح امرأة

__________________

(١) الفرقان : ٥٤.

(٢) النساء : ٢٢ ، ٢٣.


أو رضاعا [١] ، دواماً أو متعة [٢] ، بمجرد العقد وإن لم يكن دخل [٣]. ولا فرق في الزوجين والأب والابن بين الحر والمملوك [٤].

( مسألة ٢ ) : لا تحرم مملوكة الأب على الابن وبالعكس [٥] مع عدم الدخول وعدم اللمس والنظر. وتحرم مع الدخول [٦]

______________________________________________________

جده » (١). وأما قوله تعالى ( الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) فالمراد به النسبي ، في مقابل المتبنى ، الذي جرت عادة العرب على تسميته ابناً.

[١] لعموم : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (٢).

[٢] للإطلاق.

[٣] إجماعا. وهو العمدة فيه ، لاحتمال أن يكون المراد من النكاح في قوله تعالى ( ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) الوطء. نعم حلائل الأبناء تشمل المدخول بها وغيرها.

[٤] لإطلاق الأدلة.

[٥] كما صرح به جماعة على نحو يظهر أنه من المسلمات ، وفي كشف اللثام : دعوى الاتفاق عليه. وعن شرح النافع للسيد : دعوى الإجماع عليه. وكذا في الرياض. وفي الحدائق نفي الخلاف فيه. ويقتضيه الأصل بعد ظهور حصر المحرمات في غيرهما ، وللنصوص الآتية نحوها. ولاحتمال ظهور ( ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) وقوله تعالى ( حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) في الزوجات.

[٦] إجماعاً من المسلمين ، كما قيل. وقد استدل له بالكتاب ، والسنة.

وفيه تأمل ، لما عرفت من التأمل في عموم ( ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) و ( حَلائِلُ

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب ما يحرم من الرضاع.


أو أحد الأمرين إذا كان بشهوة [١]

______________________________________________________

أَبْنائِكُمُ ) لغير الزوجات (١). نعم‌ في خبر موسى بن بكر عن زرارة قال : « قال أبو جعفر (ع) في حديث : إذا أتى الجارية وهي حلال فلا تحل تلك الجارية لابنه ولا لأبيه » (٢).

[١] كما هو المشهور. وحكي عن الصدوق ، والشيخ ، والقاضي ، وابني حمزة وزهرة ، وغيرهم. ويشهد له‌ صحيح محمد بن إسماعيل قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل تكون له الجارية فيقبلها هل تحل لولده؟ قال : بشهوة؟ قلت : نعم. قال ما ترك شيئاً إذا قبلها بشهوة. ثمَّ قال ابتداء منه : إن جردها ونظر إليها بشهوة حرمت على أبيه وابنه. قلت : إذا نظر الى جسدها ، قال : إذا نظر الى فرجها وجسدها بشهوة حرمت عليه » (٣) ، و‌صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل تكون عنده جارية يجردها وينظر الى جسمها نظر شهوة هل تحل لأبيه؟ وإن فعل أبوه هل تحل لابنه؟ قال (ع) : إذا نظر إليها نظر شهوة ونظر منها الى ما يحرم على غيره لم تحل لابنه ، وإن فعل ذلك الابن لم تحل للأب » (٤) ‌و‌في صحيحه الآخر عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل تكون عنده الجارية فيكشف ثوبها ويجردها لا يزيد على ذلك ، قال (ع) : لا تحل لابنه إذا رأى فرجها » (٥) ‌و‌في صحيح محمد بن مسلم

__________________

(١) سيأتي في شرح المسألة الإحدى والأربعين تقريب دلالة الآية على عموم الحرمة الزوجة وملك اليمين. منه 1.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

(٥) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.


______________________________________________________

عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا جرد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل لابنه » (١) ‌، و‌مصحح عبد الرحمن بن الحجاج وحفص بن البختري ، وعلي بن يقطين قالوا : « سمعنا أبا عبد الله (ع) يقول في الرجل تكون له الجارية أفتحل لابنه؟ فقال (ع) : ما لم يكن جماع أو مباشرة كالجماع فلا بأس » (٢) ‌، ونحوها غيرها.

وفي الشرائع ، وعن الحلي ، والعلامة في أكثر كتبه ، وغيرهم : الجواز. لموثق علي بن يقطين عن العبد الصالح : « عن الرجل يقبل الجارية يباشرها من غير جماع داخل أو خارج أتحل لابنه أو لأبيه؟ قال (ع) : لا بأس » (٣) ‌، و‌خبر عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال : « سألته عن رجل تكون له جارية فيضع أبوه يده عليها من شهوة أو ينظر منها الى ما يحرم من شهوة فكره أن يمسها ابنه » (٤). بناء على أن الجمع بينهما وبين ما سبق بحمله على الكراهة. أو لأجل أن الخبر ظاهر فيها ، وفيه : أن الموثق نسبته الى الصحيحين الأولين نسبة المطلق الى المقيد ، فيقيد بهما. مضافاً الى أن الموثق والصحيح الثالث من قبيل المتعارضين ، والجمع بينهما بالتفصيل بين الشهوة وغيرها أقرب الى الجمع العرفي من الحمل على الكراهة. وأما خبر الكاهلي فالأمر فيه أهون ، لأنه إن كان ظاهراً في الحل جرى فيه ما جرى في الموثق ، وإن كان قاصر الدلالة فلا يصلح للحجية على الجواز. مع أن مورده صورة كون النظر أو اللمس من غير المالك ، وهو غير ما نحن فيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٧٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.


______________________________________________________

وهذا هو العمدة في القول بالتحريم ، لا ما قيل من أن النظر واللمس أقوى من العقد ، فاذا حصل التحريم به حصل بهما ، فإن الأولوية غير قطعية ، بل ولا ظنية.

هذا ، وعن المفيد ، والشهيد في اللمعة : حل منظورة الابن على الأب خاصة ، وربما ينسب الى أبي الصلاح وسلار ، حيث اقتصرا في التحريم على منظورة الأب خاصة. وليس له وجه ظاهر غير اقتصار بعض نصوص التحريم على منظورة الأب كما تقدم. وهو كما ترى لا يصلح لمعارضة نصوص التحريم فيهما معا ، كما هو ظاهر.

ثمَّ إنه لا إشكال في عدم نشر الحرمة على الأب والابن بالنظر الى الوجه والكفين بغير شهوة ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما في الجواهر. وفي القواعد نفي الخلاف فيه ، ولا يبعد ذلك بالنظر إليهما بشهوة ، وإن حرم على غير المالك. لظهور التجريد والكشف ونحوهما مما ذكر في النصوص في غير ذلك ، كما اعترف به في المسالك والجواهر. بل لا يبعد لذلك عدم شمول التحريم للنظر الى ما يبدو غالباً من الجواري مثل بعض الرقبة ، وبعض الذراع ، وبعض الساق ، ونحو ذلك ، فلا يكون النظر إليه بشهوة موجباً للتحريم على أب الناظر وابنه ، وإن كان مع التلذذ ، كما مال إليه في الجواهر. والظاهر أنه لا فرق بين أن يكون التجريد والكشف بداعي التلذذ أو بداع آخر ، فحصل به التلذذ ، لعموم النصوص. ودعوى الانصراف إلى الأول غير ظاهرة. ثمَّ إن النصوص المذكورة موردها الجارية المملوكة للناظر واللامس ، ولا يبعد شمول بعضها للمحللة ، فشمول الحكم لهما معا غير بعيد ، وإن كان ظاهر كلام المصنف وغيره الاختصاص بالأولى. لكن التعميم أقوى. والمعروف كما في الجواهر قصر الحكم على المملوكة ، ولعله يأتي التعرض لغيرها فيما يأتي إن شاء الله.


وكذا لا تحرم المحللة لأحدهما على الآخر إذا لم تكن مدخولة [١]

( مسألة ٣ ) : تحرم على الزوج أم الزوجة وإن علت نسباً أو رضاعاً [٢] ، مطلقاً [٣].

______________________________________________________

[١] يعني : بمجرد التحليل ، بشبهة أن التحليل بمنزلة العقد ، فإنها ممنوعة. والنصوص المقتضية للتحريم لا تشمله ، فيتعين الرجوع فيه الى عمومات الحل.

[٢] لعموم : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١). وتوضيحه يطلب من محله.

[٣] كما هو المشهور شهرة عظيمة ، وفي الروضة : « كاد يكون إجماعاً ». بل عن الغنية والناصريات : الإجماع عليه. لعموم قوله تعالى : ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (٢) ، وللنصوص ، ففي رواية إسحاق بن عمار عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) عن علي (ع) في حديث : « قال : والأمهات مبهمات ، دخل بالبنات أو لم يدخل بهن ، فحرموا وأبهموا ما حرم الله تعالى » (٣) ‌و‌في خبر أبي حمزة المروي عن تفسير العياشي قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل تزوج امرأة ثمَّ طلقها قبل أن يدخل بها هل تحل له ابنتها؟ قال : فقال : قد قضى في هذا أمير المؤمنين (ع) لا بأس ، إن الله تعالى يقول ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (٤) ، ولو تزوج الابنة ثمَّ طلقها قبل أن يدخل بها لم تحل له أمها. قال : قلت : أليس

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١ من أبواب ما يحرم من الرضاع.

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٤) النساء : ٢٣.


______________________________________________________

هما سواء؟ قال : فقال لا ، ليس هذه مثل هذه ، إن الله تعالى يقول : ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) ، ولم يستثن في هذه كما اشترط في تلك ، هذه هنا مبهمة ليس فيها شرط ، وتلك فيها شرط » (١) ‌، و‌خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) : « أن علياً (ع) قال : إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأم ، فإذا لم يدخل بالأم فلا بأس أن يتزوج بالابنة. فإذا تزوج بالابنة فدخل بها أو لم يدخل بها فقد حرمت عليه الام ، وقال : الربائب عليكم حرام كن في الحجر أو لم يكن » (٢) ‌، و‌موثق أبي بصير قال : « سألته عن رجل تزوج امرأة ثمَّ طلقها قبل أن يدخل بها ، فقال : يحل له ابنتها ، ولا تحل له أمها » (٣).

وعن ابن أبي عقيل : اشتراط الدخول بالبنت في تحريم الأم. للإشكال في عموم الآية ، لأن الآية هكذا ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ، وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) ومن المحتمل رجوع القيد الى الجملتين معا. وفيه : أنه خلاف الظاهر ، بل عن بعض : دعوى جمهور العلماء على خلافه ، لأن أهل العربية ذهبوا الى أن الخبرين إذا اختلفا لا يجوز أن يوصف الاسمان بوصف واحد ، فلا يجوز « قام زيد وقعد عمرو الظريفان ». مع أن القيد المدعى إرجاعه إلى الجملتين إن كان المراد به ( مِنْ نِسائِكُمُ ) ، فهو ممتنع ، لأنه إذا رجع الى الربائب كانت ( من ) ابتدائية ، وإن رجع الى ( نِسائِكُمْ ) كانت ( من ) بيانية ، فإرجاعه إليهما يوجب استعمال كلمة ( من ) في معنيين ، كما ذكره جماعة من المحققين ، ومنهم الزمخشري في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.


______________________________________________________

الكشاف. وإن كان المراد به ( اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) ، فإرجاعه إلى الجملتين وإن لم يلزم منه المحذور المذكور ، لكن يلزم من إرجاعه إلى الأولى الفصل بين الصفة والموصوف بالأجنبي ، كما ذكر في كشف اللثام ، بل هو لازم على الأول أيضا ، وهو غير جائز. والعمدة في الاشكال على رجوع القيد إلى الأول : أنه خلاف الظاهر ، وإلا فاللوازم المذكورة ليست محذوراً ، ولا سيما ما ذكر من لزوم استعمال كلمة ( من ) في معنيين ، فإنه مبني على كونها من قبيل المشترك اللفظي ، وهو بعيد جداً.

واستدل لهذا القول بالنصوص ، منها‌ صحيح جميل بن دراج وحماد ابن عثمان عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) : الام والبنت سواء إذا لم يدخل بها يعني إذا تزوج المرأة ثمَّ طلقها فإنه إن شاء تزوج أمها وإن شاء ابنتها » (١). و‌في الفقيه هكذا : « عن جميل بن دراج : أنه سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل تزوج امرأة ثمَّ طلقها قبل أن يدخل بها ، هل تحل له ابنتها؟ قال : الأم والبنت في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى » (٢) ‌، و‌صحيح منصور بن حازم ، قال : « كنت عند أبي عبد الله (ع) فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها أيتزوج بأمها؟ فقال أبو عبد الله (ع) قد فعله رجل منا فلم ير به بأسا. فقلت له : جعلت فداك : ما تفخر الشيعة إلا بقضاء علي (ع) في هذه الشمخية ( السجية خ ل ) التي أفتاها (٣) ابن مسعود أنه لا بأس بذلك ، ثمَّ أتى علياً فقال له علي (ع) من أين أخذتها؟ فقال : من قول الله عز وجل : ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

(٣) هكذا في الوسائل الطبعة الحديثة ، والثابت بقلم الشارح ( قده ) : « أفتى بها ».


______________________________________________________

دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ). فقال علي (ع) : إن هذه مستثناة وهذه مرسلة ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) ، فقال أبو عبد الله (ع) أما تسمع ما يروي هذا عن علي (ع)؟ فلما قمت ندمت وقلت : أي شي‌ء صنعت؟ يقول هو : قد فعله رجل منا فلم نر به بأساً ، وأقول أنا : قضى علي (ع) ، فلقيته بعد ذلك فقلت : جعلت فداك مسألة الرجل ، إنما كان الذي كنت تقول كان زلة مني فما تقول فيها؟ فقال : يا شيخ تخبرني أن علياً قضى فيها وتسألني ما تقول فيها!! » (١) ، و‌خبر محمد بن إسحاق ابن عمار قال : « قلت له : رجل تزوج امرأة ودخل بها ثمَّ ماتت ، أيحل له أن يتزوج أمها؟ قال (ع) : سبحان الله كيف يحل له أن يتزوج أمها وقد دخل بها؟! قال : قلت له : فرجل تزوج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها تحل له أمها؟ قال : وما الذي يحرم عليه منها ولم يدخل بها؟! » (٢).

وأشكل على الصحيح الأول : بأن قوله : « يعني .. » لم يعلم أنه من كلام الامام (ع). وما قبله لا يخلو من إجمال ، لعدم وضوح ما به المساواة. وفيه : أن ذلك خلاف الظاهر. ولو سلم فالقرينة الخارجية دالة على إرادة المساواة في التحريم الأبدي. مع أن المتن الذي رواه الصدوق كافٍ في الحجية. وعن الشيخ أنه أشكل على الصحيح المذكور : بأن الأصل فيه جميل وحماد ، وهما تارة يرويانه عن أبي عبد الله (ع) بلا واسطة ، وأخرى يرويانه عن الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ، ثمَّ إن جميلا تارة يرويه مرسلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١. ولم يثبت الحديث بتمامه المذكور وانما ذكر تتمته المعلق عليها في الطبعة الحديثة. وقد ذكره في الكافي الجزء : ٥ صفحة : ٤٢٢ الطبعة الحديثة ، وفي التهذيب الجزء : ٧ صفحة ـ ٢٧٤ الطبعة الحديثة ، وفي الاستبصار الجزء : ٣ صفحة : ١٥٧ الطبعة الحديثة.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.


وكذا بنتها [١] وإن نزلت [٢]

______________________________________________________

عن بعض أصحابه عن أحدهما (ع). وهذا الاضطراب في الحديث مما يضعف الاحتجاج به. وهذا الاشكال غير ظاهر ، ومن الجائز وقوع ذلك كله ، ولا محذور فيه. ومثله إشكاله على جميع النصوص المذكورة بأنها مخالفة لكتاب الله تعالى ، والاخبار المخالفة لها موافقة له ، فتكون أرجح. فإن ذلك إنما يتم بعد تعذر الجمع العرفي بين النصوص ، وهو ممكن بحمل المنع مع عدم الدخول على الكراهة ، ونتيجة ذلك تقييد إطلاق الكتاب بالحمل على صورة الدخول. ومثل ذلك حمل نصوص الجواز على التقية. فإنه إنما يكون بعد تعذر الجمع العرفي. مضافا الى أن المشهور بين علماء المخالفين عدم اعتبار الدخول في المنع. وفي المسالك حكاية ذلك عن أكثر علماء الإسلام. فتأمل.

فإذا العمدة في وجه الأخذ بنصوص المنع مطلقاً التسالم عليه بيننا ، بنحو لا يقدح في حجيته خلاف ابن أبي عقيل ممن تفرد بمخالفة المشهور والمسلمات ، الموجب لسقوط النصوص عن الحجية.

[١] بلا خلاف ، بل هو ضروري ، للآية الشريفة ، وهي قوله تعالى ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (١).

[٢] كما صرح بذلك في مجمع البيان ، والقواعد ، والتحرير ، وكنز العرفان ، واللمعة ، والروضة ، وكشف اللثام ، وآيات الأحكام للجزائري ، والجواهر ، وغيرها. وفي بعضها التصريح بعدم الفرق بين بنت الابن وبنت البنت ، قال في المستند : « فروع : الأول : حكم بنت البنت وبنت الابن فنازلا حكم البنت بالإجماع ، وإن لم يستنبط من الاخبار ». لكن في آيات‌

__________________

(١) النساء : ٢٣.


بشرط الدخول بالأم [١] ، سواء كانت في حجره أم لا [٢] وإن كان تولدها بعد خروج الأم عن زوجيته. وكذا تحرم أم‌

______________________________________________________

الأحكام : « يعلم الحكم من النصوص والإجماع ». بل في التذكرة استدل بعموم الآية. ولا يخلو من إشكال أو منع. نعم لا تبعد دعوى دلالة النصوص المشتملة على التعبير بالبنت ، لقرب عمومها للبنت بواسطة. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره في المستند.

[١] إجماعاً. ويقتضيه نص الكتاب ، وصريح السنة. وسيأتي في المسألة السابعة والثلاثين الكلام في تحريم البنت بالنظر الى أمها ولمسها.

[٢] بلا خلاف فيه. وفي التذكرة : « سواء كانت في حجره أو لم تكن في حجره عند جميع العلماء. وقال داود : إنما تحرم عليه إذا كانت في حجره وكفالته ، فاما إذا لم تكن في حجره وكفالته فإنها لا تحرم وإن دخل بأمها. وهو رواية عن مالك » ، وفي المسالك : « أجمع علماء الإسلام إلا من شذ منهم على أن هذا الوصف غير معتبر ، وإنما جرى على الغالب » وفي الحدائق : « وقع الاتفاق نصاً وفتوى على أن هذا الوصف غير معتبر ».

ويشهد لما ذكر‌ خبر إسحاق بن عمار عن جعفر (ع) عن أبيه : « ان عليا كان يقول : الربائب عليكم حرام من الأمهات اللاتي قد دخل بهن ، هن في الحجور وغير الحجور سواء. والأمهات مبهمات » (١) ‌ونحوه خبر غياث بن إبراهيم‌ (٢) ، ومرسل الفقيه‌ (٣). نعم‌ في خبر محمد بن عبد الله بن جعفر المروي في الاحتجاج عن صاحب الزمان (ع) : « انه

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.


المملوكة الموطوءة على الواطئ وإن علت مطلقاً ، وبنتها [١].

______________________________________________________

كتب اليه : هل يجوز للرجل أن يتزوج بنت امرأته؟ فقال (ع) : إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز. وإن لم تكن ربيت في حجره وكانت أمها في غير حباله فقد روي أنه جائز » (١). ولكن لا مجال للأخذ به مع ما هو عليه من ضعف السند ، والدلالة ، والمخالفة لما عليه الأصحاب.

[١] إجماعاً محققاً. والنصوص به وافية ، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « سألته عن رجل كانت له جارية وكان يأتيها ، فباعها ، فأعتقت ، وتزوجت فولدت ابنة ، هل تصلح ابنتها لمولاها الأول؟ قال : هي عليه حرام ، وهي ابنته. والحرة والمملوكة في هذا سواء » (٢) ‌، و‌صحيح الحسين بن سعيد قال : « كتبت الى أبي الحسن (ع) : رجل له أمة يطؤها ، فماتت أو باعها ، ثمَّ أصاب بعد ذلك أمها ، هل له أن ينكحها؟ فكتب (ع) : لا تحل له » (٣) ‌، و‌مرسل جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما (ع) : « في رجل كانت له جارية فوطئها ، ثمَّ اشترى أمها أو بنتها ، قال (ع) : لا تحل له » (٤) ‌، و‌في رواية رزين بياع الأنماط عن أبي جعفر (ع) : « في رجل كانت له جارية فوطئها ، ثمَّ اشترى أمها وبنتها ، قال (ع) : لا تحل له الأم والبنت » (٥) ‌ونحوها غيرها.

نعم يعارضها جملة أخرى ، منها‌ خبر رزين بياع الأنماط عن أبي جعفر (ع) قال : « قلت له : تكون عندي الأمة فأطأها ، ثمَّ تموت أو

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢. مع اختلاف في متن الرواية‌

(٣) الوسائل باب : ٢١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٢١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٨.

(٥) الوسائل باب : ٢١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٤.


( مسألة ٤ ) : لا فرق في الدخول بين القبل والدبر [١] ويكفي الحشفة أو مقدارها [٢].

______________________________________________________

تخرج عن ملكي فأصيب ابنتها ، أيحل لي أن أطأها؟ قال (ع) : نعم لا بأس به ، إنما حرم ذلك من الحرائر ، فأما الإماء فلا بأس به » (١) ‌، و‌خبر الفضيل بن يسار وربعي بن عبد الله قال : « سألنا أبا عبد الله (ع) عن رجل كانت له مملوكة يطؤها فماتت ، ثمَّ أصاب بعد أمها ، قال (ع) : لا بأس ، ليست بمنزلة الحرة » (٢). لكن لا مجال للعمل بها بعد دعوى الإجماع على خلافها.

[١] كما نص عليه غير واحد على نحو يظهر أنه من المسلمات. نعم في القواعد : « والأقرب مساواة الوطء في الفرجين » وفي كشف اللثام : « ويحتمل العدم. لتبادر القبل ، وانتفاء الإحصان في الدبر. وفيه : منع التبادر. وأن الإحصان ليس منوطاً بالدخول ». وبالجملة : ليس ما يوجب رفع اليد عن الإطلاق.

[٢] لا إشكال في ذلك ، ولا خلاف. ويقتضيه إطلاق الأدلة. بل مقتضاه الاجتزاء ببعض الحشفة ، لصدق الدخول معه ، كما تقدم في حكم من لاط بغلام. لكن ظاهرهم الإجماع على عدم الاكتفاء به هنا. وكأنهم أخذوه مما ورد من النصوص في اشتراط العدة ، والمهر ، والغسل بالتقاء الختانين‌ (٣). لكن دلالتها على المقام غير ظاهرة. فالعمدة الإجماع إن تمَّ.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ٢١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٥.

(٣) راجع الوسائل باب : ٦ من أبواب الجنابة ، وباب : ٥٤ من أبواب المهور.


ولا يكفي الإنزال على فرجها من غير دخول [١] وإن حبلت به [٢]. وكذا لا فرق بين أن يكون في حال اليقظة أو النوم اختياراً [٣] أو جبراً منه أو منها [٤].

( مسألة ٥ ) : لا يجوز لكل من الأب والابن وطء مملوكة الآخر من غير عقد ولا تحليل [٥] ، وإن لم تكن‌

______________________________________________________

[١] لخروجه عن موضع الأدلة ، فيرجع فيه الى أصالة الحل.

[٢] ونسب اليه الحمل ، فيكون ولداً ، كما في الدخول ، على ما في النصوص‌ (١).

[٣] كما نص على ذلك في كشف اللثام. وكأن وجه الاشكال : أن الخطاب في الآية الشريفة للمكلفين ، فالدخول متعلق بهم ، فلا يشمل دخول غيرهم. وفيه : أن الدخول مطلق لا يختص بحال التكليف.

[٤] عن الإيضاح أنه نفى احتمال الخلاف في جانب الموطوءة.

[٥] كما في الشرائع وغيرها ، بل إجماعا ، كما في الرياض ، لحرمة التصرف في ملك الغير بغير إذنه. وللنصوص الآتية. نعم‌ في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « قال : في كتاب علي (ع) إن الولد لا يأخذ من مال والده شيئاً ، ويأخذ الوالد من مال ولده ما شاء ، وله أن يقع على جارية ابنه إن لم يكن الابن وقع عليها. وذكر أن رسول الله (ص) قال لرجل : أنت ومالك لأبيك » (٢). وظاهره جواز الوطء من غير تقويم ، وإن كان الولد كبيراً. ولا بد حينئذ من تأويله ، أو طرحه.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٦ من أبواب أحكام الأولاد.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٦. لكن ذكره من دون الذيل وهو : « وذكر أن رسول الله .. » نعم رواه مع الذيل في ضمن حديث عن أبي عبد الله (ع) في باب : ٧٨ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١ ، مع خلاف يسير في متن الحديثين.


مدخولة له ، وإلا كان زانياً [١].

( مسألة ٦ ) : يجوز للأب أن يقوم مملوكة ابنه الصغير على نفسه ووطؤها [٢].

______________________________________________________

وقد تعرضنا لذلك في شرح المسألة الثامنة والخمسين من فصل شرائط وجوب حجة الإسلام.

[١] بلا خلاف ، ولا إشكال ، كما في الجواهر ، لأنه وطء غير مستحق من دون شبهة.

[٢] بلا خلاف ظاهر ، كما في الرياض. بل الإجماع بقسميه عليه ، كما في الجواهر ، للنصوص ، منها‌ صحيح الكناني عن أبي عبد الله (ع) : « عن رجل يكون لبعض ولده جارية وولده صغار ، هل يصلح له أن يطأها؟ فقال (ع) : يقومها قيمة عدل ثمَّ يأخذها ، ويكون لولده عليه ثمنها » (١) ‌ونحوه خبر داود بن سرحان عنه (ع) (٢) و‌في صحيح محمد ابن إسماعيل قال : « كتبت الى أبي الحسن (ع) في جارية لابن لي صغير ، يجوز لي أن أطأها؟ فكتب : لا ، حتى تخلصها » (٣). و‌في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن موسى قال : « قلت له : الرجل يكون لابنه جارية إله أن يطأها؟ قال : يقومها على نفسه ويشهد على نفسه بثمنها أحب الي » (٤). و‌في خبر الحسن بن صدقة قال : « سألت أبا الحسن (ع) فقلت له : إن بعض أصحابنا روى أن للرجل أن ينكح جارية ابنه وجارية بنته ، ولي ابنة وابن ، ولابنتي جارية اشتريتها لها من صداقها ، أفيحل لي أن أطأها؟ فقال (ع) : لا ، إلا بإذنها. فقال الحسن بن الجهم : أليس قد جاء أن هذا جائز؟ قال (ع) : نعم ذلك

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٣.


والظاهر إلحاق الجد بالأب [١] ، والبنت بالابن [٢] وإن كان الأحوط خلافه. ولا يعتبر إجراء صيغة البيع [٣]

______________________________________________________

إذا كان هو سببه. ثمَّ التفت إلي وأومى نحوي بالسبابة ، فقال : إذا اشتريت أنت لابنتك جارية أو لابنك وكان الابن صغيرا ولم يطأها حل لك أن تقبضها فتنكحها. وإلا فلا إلا بإذنهما » (١). وكأن المراد صورة ما إذا لم تدخل في ملك الابن والبنت ، وإنما كان من الوالد مجرد التحليل والعارية. و‌في صحيح الحسن بن محبوب قال : « كتبت الى أبي الحسن الرضا (ع) : اني كنت وهبت لابنة لي جارية حيث زوجتها ، فلم تزل عندها وفي بيت زوجها حتى مات زوجها ، فرجعت إلي هي والجارية ، أفيحل لي أن أطأ الجارية؟ قال : قومها قيمة عادلة ، وأشهد على ذلك ، ثمَّ إن شئت تطأها » (٢). وظاهره جواز التقويم في الكبير أيضاً. اللهم إلا أن يحمل على صورة ما إذا كانت البنت قد فوضت إلى الأب جميع شؤونها.

[١] كما نص على ذلك غير واحد ، منهم جامع المقاصد. وقواه في الجواهر ، للقطع باتحاد الجميع. لكنه غير ظاهر. قال في الرياض : « وفي تعدية الحكم الى الجد إشكال ، من اختصاص النصوص بالأب ، ومن اتحاد المعنى. وهو أقوى ».

[٢] يظهر من الرياض اختصاص الإشكال في الجد دون البنت. وكأن الوجه فيه. إطلاق صحيح الكناني المتقدم ، فان الولد شامل للبنت.

[٣] قال في جامع المقاصد : « ولا يكفي مجرد التقويم قطعاً ، إذ لا ينتقل الملك إلا بسبب ناقل ، وقبل الانتقال لا يجوز التصرف ، ولا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٧٩ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.


ونحوه ، وإن كان أحوط. وكذا لا يعتبر كونه مصلحة للصبي [١] نعم يعتبر عدم المفسدة [٢]. وكذا لا يعتبر الملاءة في الأب [٣] وإن كان أحوط.

( مسألة ٧ ) : إذا زنا الابن بمملوكة الأب حد [٤]. وأما إذا زنا الأب بمملوكة الابن فالمشهور عدم الحد عليه [٥]

______________________________________________________

أثر للتقويم بدون العقد المملك. ولا خلاف في شي‌ء من هذه الأحكام » وفي الجواهر : « عن غير واحد من الأصحاب التصريح بذلك. لأصالة عدم دخولها في الملك إلا بالمملك الشرعي ».

أقول : الذي يظهر من التقويم في النص والفتوى هو إيقاع المعاوضة عليه بالقيمة في ذمته والالتزام بذلك في نفسه ، فيكون إيقاعاً لا عقداً ، ونفسياً بحتاً بلا مظهر له من قول أو فعل. وبذلك يفترق أيضا عن اقتراض القيمي ، فإنه أيضا مشتمل على الإيجاب والقبول ، وله مظهر من قول أو فعل ، بخلاف المقام كما عرفت. ولا مانع عن الأخذ بظاهر النص المعتضد بالفتوى. إلا أن يكون إجماع ، كما يظهر من جامع المقاصد. ولكنه غير ثابت.

[١] كما يقتضيه إطلاق النص ، خلافا لآخرين فاشترطوها ، كما في الرياض. والإطلاق يردهم.

[٢] إجماعا كما في الرياض. وبه ترفع اليد عن إطلاق النصوص.

[٣] كما نص على ذلك في المسالك وجامع المقاصد ، للإطلاق. وكأن وجه الاشكال ما دل على اعتبار الملاءة في الاتجار بمال اليتيم. لكنه غير ما نحن فيه.

[٤] بلا إشكال ولا خلاف ، لعموم أدلة الحد.

[٥] كما في الشرائع ، والتذكرة ، والقواعد ، وجامع المقاصد ، والمسالك وغيرها. وفي جامع المقصد : أنه لا خلاف في ذلك. وفي الجواهر : « لا‌


وفيه إشكال [١].

( مسألة ٨ ) : إذا وطأ أحدهما مملوكة الآخر شبهة لم يحد [٢] ، ولكن عليه مهر المثل [٣]. ولو حبلت فان كان‌

______________________________________________________

أجد فيه خلافاً ».

[١] لعدم وضوح ما يستوجب الخروج عن عموم أدلة الحد. وما في جامع المقاصد من تعليله بأن الأب لما كان أصلا في وجود الابن أثبت له الشارع هذه المزية ونحوها ، ونحوه ما في كشف اللثام وغيره. غير ظاهر. نعم في المسالك قال : « والفرق بين الأب والابن بعد النص أن الأب أصل له فلا يناسبه إثبات العقوبة عليه ، بخلاف العكس ». وظاهره وجود النص الفارق ، ولم أعثر عليه ، ولا على من أشار إليه سواه. ولعله أراد به ما ذكره في جامع المقاصد بقوله : « و‌قوله (ع) : أنت ومالك لأبيك‌ إيماء الى ذلك » (١). وفيه : أن الظاهر منه كونه حكماً أدبياً ، كما تقتضيه قرينة السياق ، فان الولد حر لا مملوك لوالده ولا لغيره. ولأجل ذلك يكون الإشكال في محله. إلا أن يتم إجماع عليه. لكن في المسالك في أواخر حد السارق في شرح المسألة الرابعة ما يظهر منه المفروغية عن ثبوت الحد في المقام ، حيث قال في الفرق بين الزنا والسرقة : « ألا ترى أنه إذا سرق مال ابنه لا يقطع وإذا زنى بجاريته يحد ». لكن ذلك منه ينافي ما ذكره هو وغيره هنا ونفى الخلاف فيه. فلا بد أن يحمل على بعض الوجوه ، ويكون العمل على ما ذكره هنا.

[٢] لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

[٣] لما استحل من فرجها.

__________________

(١) تقدم التعرض له في المسألة : ٥ من هذا الفصل.


الوطي هو الابن عتق الولد قهراً مطلقاً [١]. وإن كان الأب لم ينعتق [٢] إلا إذا كان أنثى. نعم يجب على الأب فكه [٣] إن كان ذكراً.

( مسألة ٩ ) : لا يجوز نكاح بنت الأخ أو الأخت على العمة والخالة إلا بإذنهما [٤] ،

______________________________________________________

[١] كما في الشرائع ، والقواعد ، وجامع المقاصد ، والمسالك ، وغيرها. لأنه لو بقي رقا كان ملكا لمالك الأمة ، وهو جده ، والرجل لا يملك ولده وإن نزل ذكراً كان أم أنثى.

[٢] كما نص عليه الجماعة. لأنه لو بقي رقا كان ملكا لمالك الأمة ، وهو أخوه ، ولا مانع من أن يملك الرجل أخاه. نعم إذا كان الولد أنثى انعتق قهراً ، لأن الرجل كما لا يملك عموديه لا يملك محارمه ، ومنها الأخت ، فلما لم يمكن أن يكون مملوكا لمالك الأمة انعتق قهراً أيضاً. ثمَّ إنه يأتي من المصنف (ره) في نكاح الإماء تبعية الولد لأشرف الأبوين كما هو مذهب جماعة. وعليه يكون الولد حراً لا رقاً ، فيكون ما ذكره هنا منافيا لما يذكره فيما يأتي من نكاح الإماء. ولعل المراد من الحكم بالرقية : الرقية من حيث النسب ، بمعنى أن النسب لا يقتضي الحرية لا الرقية مطلقاً. وسيأتي إن شاء الله وجه الجمع بين الكلامين. فانتظر.

[٣] كما صرح به الجماعة للنصوص الدالة على ذلك ، الآتية في مبحث نكاح الإماء. ويتعين كون المراد منه بناء على الحرية : أن الأب ضامن لقيمته ، لا أنه رق يجب على الأب شراؤه.

[٤] بلا خلاف معتد به أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع مستفيضاً أو متواتراً عليه. كذا في الجواهر. ويشهد له النصوص الكثيرة ، منها‌ موثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « قال : لا تتزوج ابنة الأخ ولا


______________________________________________________

ابنة الأخت على العمة ولا على الخالة إلا بإذنهما ، وتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما » (١) ‌، و‌خبر أبي عبيدة الحذاء قال : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها إلا بإذن العمة والخالة » (٢) ‌، ونحوهما غيرهما.

وعن الإسكافي والعماني : الجواز مطلقاً. وفي المسالك ناقش في صحة النسبة. وعلى تقديرها فكأنه لعمومات الحل ، و‌لخبر علي بن جعفر (ع) المروي في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال : « سألته عن امرأة تزوج على عمتها أو خالتها؟ قال (ع) : لا بأس » (٣). ومثله خبره المروي في قرب الاسناد‌ (٤). وفيه : أن العموم مخصص ، والخبر مقيد بما ذكر.

ومثله ما في المقنع من المنع مطلقاً قال : « ولا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها ، ولا على ابنة أختها ، ولا على ابنة أخيها ، ولا على أختها من الرضاعة ». وكأنه لإطلاق بعض النصوص ، مثل‌ صحيح أبي عبيدة قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ، ولا على أختها من الرضاعة » (٥). ونحوه غيره. لكن الجميع مقيد بما ذكر ، ومحمول على صورة عدم الاذن. وبالجملة : النصوص طوائف ثلاث : مانعة مطلقاً ، ومجوزة مطلقاً ، ومفصلة بين الاذن وعدمه. والمقنع اعتمد على الأولى لا غير. والقديمان اعتمدا على الثانية. والمشهور‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الملحق الثاني للحديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الملحق الأول للحديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٨.


من غير فرق بين الدوام والانقطاع [١] ، ولا بين علم العمة والخالة وجهلهما. ويجوز العكس [٢] ، وإن كانت العمة والخالة جاهلتين بالحال على الأقوى [٣].

______________________________________________________

اعتمدوا على الجميع بعد الجمع بينها بحمل الأولتين على الأخيرة حملاً للمطلق على المقيد.

[١] لإطلاق الأدلة فيه ، وفيما بعده.

[٢] على المشهور شهرة عظيمة ، وعن التذكرة : الإجماع عليه ، للنصوص التي تقدم بعضها. و‌في خبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « قال : تزوج الخالة والعمة على بنت الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما » (١) ‌، و‌صحيح ابن مسلم المروي عن نوادر ابن عيسى عن أبي جعفر (ع) : « قال : لا تنكح ابنة الأخت على خالتها ، وتنكح الخالة على ابنة أخيها. ولا تنكح ابنة الأخ على عمتها ، وتنكح العمة على ابنة أخيها » (٢) ‌ونحوهما غيرهما. وتقدم عن المقنع المنع مطلقاً. وكأنه لإطلاق‌ خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها » (٣). لكنه مقيد بما سبق.

[٣] وهو المشهور. وفي المسالك : « يشترط علم الداخلة بكون المدخول عليها زوجته ، وإلا لم يصح ». ولم يعلم له وجه ظاهر. وفي الجواهر : « لعله أخذه مما تسمعه في نكاح الحرة على الأمة ، بناء على اشتراك المسألتين في كيفية دلالة الدليل ، وفي حكمة الحكم ، وهي الاحترام ، إلا أنه ستعرف هناك عدم اعتبار الاذن في الجواز والصحة ، وإنما تتسلط هي على الخيار ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.


______________________________________________________

ويحتمل أن يكون الوجه فيه : خبر محمد بن مسلم عن الباقر (ع) : « لا تزوج الخالة والعمة على بنت الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما » (١) ‌، كما ذكره بعض ، بناء على رجوع الضمير إلى العمة والخالة ، وفيه : أن المضبوط روايته : « تزوج الخالة والعمة .. » وقد رواه في المسالك كذلك. مع أن الظاهر رجوع الضمير الى المدخول عليهما. وحينئذ فهو معارض بغيره مما ظاهره التفصيل بين دخول العمة والخالة على ابنة الأخ والأخت وبين العكس ، كحديث علي بن جعفر الذي رواه في المسالك قال : « تزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وابنة الأخت ، ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضا منهما ، فمن فعل ذلك فنكاحه باطل » (٢). وكذا غيره من الأخبار المفصلة ، فإن الجمع بينهما يقتضي الجواز على كراهية.

ومن العجيب ما في الرياض حيث قال : « لا فرق في الجواز بين علم الداخلة بكون المدخول عليها بنت أخ أو أخت أم لا ، وفاقاً للأكثر ، للأصل ، وإطلاق النصوص. وعن العلامة : اشتراط العلم. ومستنده غير واضح. والنصوص باعتبار إذنهما مختصة بالصورة الاولى ». وظاهر الصورة الأولى صورة علم الداخلة ، فيكون عكس ما ذكر في المسالك. ولا يخفى ما فيه أولاً : من عدم الوقوف على هذه النصوص ، وثانياً : أنه مناف لما ذكره من إطلاق النصوص ، وثالثاً : أنه لا معنى لاعتبار اذن الداخلة مع علمها ، فان دخولها مع العلم إذن ، فلا معنى لاعتبار الإذن حينئذ. والمظنون أن أصل العبارة « بالصورة الثانية » الآتية في كلام مصنفه ، وهي صورة دخول بنت الأخ أو الأخت على العمة والخالة.

هذا وفي القواعد : « والأقرب أن للعمة والخالة فسخ عقدهما لو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.


( مسألة ١٠ ) : الظاهر عدم الفرق [١] بين الصغيرتين والكبيرتين والمختلفتين ، ولا بين اطلاع العمة والخالة على ذلك وعدم اطلاعهما ابداً ، ولا بين كون مدة الانقطاع قصيرة ولو ساعة أو طويلة ، على إشكال في بعض هذه الصور ، لإمكان دعوى انصراف الأخبار [٢].

( مسألة ١١ ) : الظاهر أن حكم اقتران العقدين حكم سبق العمة والخالة [٣].

______________________________________________________

جهلتا لا المدخول عليها ». ووجهه في كشف اللثام بعدم الفرق في الاحترام بين التقدم والتأخر ، ولخبر أبي الصباح. وفيه : أن مقتضى الاحترام البطلان ـ كما ذكر في المسالك ـ لا الصحة والتسلط على الفسخ. ولو سلم فالتعدي إلى الفرض غير ظاهر ، لاختصاصه بما إذا كان المدخول عليها العمة ، والفرق بين الداخلة والمدخول عليها في الاحترام وعدمه ظاهر عرفاً. وأما الخبر : فقد عرفت أنه مقيد بما سبق. وبالجملة : مقتضى القواعد الأولية صحة العقد ولزومه وليس ما يدل على البطلان أو الخيار فيتعين العمل بها.

[١] للإطلاق.

[٢] لكنه بدوي لا يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق.

[٣] النصوص الواردة في الباب كلها يتضمن إدخال بنت الأخ والأخت ، عدا رواية أبي الصباح‌ (١) المتضمنة للمنع عن الجمع بين العمة وابنة الأخ والخالة وبنت الأخت ، ومثلها النبوي‌ (٢) ، وهما شاملان للمقام. لكنهما مرميان بالضعف ، وظاهرهما المنع من مطلق الجمع كما هو مذهب المخالفين ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.


( مسألة ١٢ ) : لا فرق بين المسلمتين والكافرتين والمختلفتين [١].

( مسألة ١٣ ) : لا فرق في العمة والخالة بين الدنيا منهما والعليا [٢].

( مسألة ١٤ ) : في كفاية الرضا الباطني منهما من دون إظهاره ، وعدمها وكون اللازم إظهاره بالاذن قولا أو فعلا وجهان [٣].

______________________________________________________

فالاعتماد عليهما في ذلك غير ظاهر. وكأنه لذلك قال في الجواهر : « قد يقال : إن مقتضى ما ذكرنا جواز الجمع بينهما بعقد واحد بغير إذن منهما ، لاختصاص النصوص باعتبار الاذن لهما في صورة إدخالهما على العمة والخالة. اللهم إلا أن يستفاد حكم ذلك مما تسمعه في الجمع بين الحرة والأمة بعقد واحد ، بناء على اتحادهما في كيفية دلالة الدليل ، وقد ورد الخبر الصحيح هناك بصحة عقد الحرة دون الأمة ، أي مع عدم الاذن. فلاحظ وتأمل جيداً ». أقول : الوجه الثاني أضعف مما قبله ، لأنه أشبه بالقياس.

[١] لإطلاق الأدلة. اللهم إلا أن يقال : الاحترام المعلل به المنع في النصوص‌ (١) لا يقتضي المنع في صورة كون العمة أو الخالة كافرة.

[٢] كما عن المبسوط : الجزم به. واختاره جماعة. وقواه في الجواهر : واستشكل فيه في القواعد وغيرها ، للاشتراك في العلة ، ولاحتمال صدق العمة والخالة وبنت الأخ والأخت. ولزوم الاقتصار على المتيقن في الخروج عن عموم الحل. لكن الأول أقرب.

[٣] المذكور في أكثر النصوص اعتبار الاذن ، وفي خبر علي بن جعفر (ع) اعتبار الرضا. والجمع العرفي يمكن أن يكون بالتقييد ، فلا بد من الرضا والاذن معاً. ويمكن أن يكون بجعل الاذن طريقاً الى الرضا ، فيكون الشرط الرضا لا غير. والثاني أقرب ، فيكون الرضا هو الشرط والاذن طريق اليه ، فاذا حصل الرضا صح العقد واقعاً ، وإذا علم الرضا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٠.


( مسألة ١٥ ) : إذا أذنت ثمَّ رجعت ولم يبلغه الخبر فتزوج لم يكفه الاذن السابق [١].

( مسألة ١٦ ) : إذا رجعت عن الاذن بعد العقد لم يؤثر في البطلان [٢].

( مسألة ١٧ ) : الظاهر كفاية إذنهما وإن كان عن غرور [٣] ، بأن وعدها أن يعطيها شيئاً فرضيت ثمَّ لم يف بوعده ، سواء كان بانياً على الوفاء حين العقد أم لا. نعم لو قيدت الاذن بإعطاء شي‌ء فتزوج ثمَّ لم يعط كشف عن بطلان الاذن والعقد [٤] ، وإن كان حين العقد بانيا على العمل به [٥].

( مسألة ١٨ ) : الظاهر أن اعتبار إذنهما من باب الحكم الشرعي ،

______________________________________________________

بطريق آخر صح واقعاً وظاهراً. ولكنه مع ذلك لا يخلو من إشكال ، وإن قربناه فيما سبق من مباحث مكان المصلي من هذا الشرح.

[١] لأن العدول عنه يوجب كونه بمنزلة العدم. والقياس على فعل الوكيل الذي لم يبلغه العزل لا وجه له.

[٢] إذ لا دليل على كون العدول عن الاذن رافعاً لأثر العقد وفاسخاً له ، فاستصحاب بقاء الأثر بحاله. فإن قلت : العدول يوجب كون الاذن السابق بمنزلة العدم. قلت : إنما يوجب ذلك بالنسبة الى ما بعد العدول ، لا من أول الأمر ، فحين وقوع العقد عن إذنه يترتب عليه الأثر ، لتحقق شرط التأثير ولا موجب لارتفاعه ، فيستصحب.

[٣] لإطلاق الأدلة.

[٤] لانتفاء المقيد بانتفاء قيده.

[٥] لأن الشرط الإعطاء ، وهو مفقود ، لا البناء على العمل.


لا أن يكون لحق منهما [١] ، فلا يسقط بالإسقاط.

( مسألة ١٩ ) : إذا اشترط في عقد العمة أو الخالة إذنهما في تزويج بنت الأخ أو الأخت ، ثمَّ لم تأذنا عصياناً منهما في العمل بالشرط ، لم يصح العقد على إحدى البنتين [٢] وهل له إجبارهما في الاذن؟ وجهان [٣]. نعم إذا اشترط عليهما في ضمن عقدهما أن يكون له العقد على ابنة الأخ أو‌

______________________________________________________

[١] يعني : ليس اعتبار الاذن في المقام من باب اعتبار إذن المالك لعين أو حق في التصرف فيه. بل مجرد حكم الشارع بالتوقف على الاذن.

لأن البناء على الأول يتوقف على ثبوت ملك لعين أو فعل ، وهو خلاف الأصل ، بل خلاف إطلاق الدليل ، الموجب لاعتباره ولو بعد الإسقاط.

[٢] لإطلاق الأدلة.

[٣] مبنيان على أن الشرط يقتضي ثبوت حق للمشروط له على المشروط عليه بحيث يكون المشروط له مالكاً على المشروط عليه الفعل المشروط ، أو لا يقتضي ذلك؟ فعلى الأول : يكون الزوج مالكا عليها الاذن في العقد ، فيكون له المطالبة به ، ومع امتناعها يكون له الإجبار عليه. فان تعذر أمكن قيام الحاكم الشرعي مقامه في استيفاء الحقوق باعمال ولايته. وعلى الثاني : يكون مفاد الشرط محض الالتزام بالاذن ، فيجب عليها شرعاً كسائر الواجبات الشرعية ، فإذا امتنعت من أداء الواجب جاز إجبارها من باب الأمر بالمعروف ، فاذا تعذر الإجبار لم يكن للحاكم الشرعي القيام مقامها ، إذ لا ولاية للحاكم الشرعي على تحصيل الواجبات الشرعية على الناس ، وإنما له الولاية عليهم فيما لهم الولاية عليه لا غير. ومن ذلك يظهر أن اختلاف المبنيين ليس في مجرد جواز الإجبار وعدمه ، وإنما هو في نفوذ سلطان الحاكم الشرعي عند تعذر الاستيفاء. هذا ، وقد تقرر في‌


الأخت فالظاهر الصحة [١] ، وإن اظهرتا الكراهة بعد هذا.

( مسألة ٢٠ ) : إذا تزوجهما من غير إذن ثمَّ أجازتا صح على الأقوى [٢].

( مسألة ٢١ ) : إذا تزوج العمة وابنة الأخ ، وشك‌

______________________________________________________

غير موضع من هذا الشرح أن مفاد الشرط ثبوت حق للمشروط له. فراجع.

[١] بعد ما كان اعتبار الاذن من باب الحكم الشرعي يكون شرط أن يكون له العقد من قبيل الشرط المخالف للكتاب ، فيبطل ، إلا أن يرجع الى شرط الوكالة عنها في الاذن ، فيصح. لكن في جواز عزله الوجهان السابقان. أو يرجع الى اشتراط بقاء الاذن له الى حين العقد. لكن في جواز العدول عن الإذن أيضا الوجهان السابقان. أو يرجع الى اشتراط الاذن فعلا. لكنها غير كافية مع ظهور الكراهة بعد ذلك.

[٢] كما عن العلامة في جملة من كتبه ، وكثير من المتأخرين ، لتحقق شرط الصحة وهو الاذن ، فيشمله دليل الصحة من غير معارض. وفي الشرائع والنافع وغيرهما : البطلان ، للنهي عنه المقتضي للفساد. لكنه ممنوع بعد حصول الاذن. أو لدلالة النهي على خروج المعقود عليها عن قابلية النكاح. وهو أيضا ممنوع بعد حصول الاذن. أو‌ لخبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع) : « ولا تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضا منهما ، فمن فعل ذلك فنكاحه باطل » (١). وفيه : أنه لا يشمل المقام بعد الاذن وإن شمله قبل الاذن ، ولا تنافي بين الحكمين في زمانين. أو لظهور أدلة اعتبار الاذن في كونها مقارنة للعقد. وهو أيضا ممنوع : أو لأن العقد على بنت الأخ والأخت بدون إذن العمة أو الخالة معصية لله سبحانه ، فيكون فاسداً ، لما ورد في نكاح العبد بغير إذن مولاه من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.


______________________________________________________

أنه لم يعص الله وإنما عصى سيده فإذا أجاز جاز‌ (١) ، إذ يدل الحديث على أنه لو عصى الله تعالى كان نكاحه فاسداً ، فيدل على أن معصية الله تعالى كلية موجبة للفساد. وفيه : أن الظاهر من معصية الله سبحانه معصيته في نكاح المحرمات من النساء ، مثل الأصول والفروع ، لا مطلق المعصية ، وإلا كا التعليل غير ظاهر ، فيكون تعبدياً. وهو خلاف الأصل في التعليلات. على أن البناء على تحريم العقد تعبداً بحيث يوجب الإثم لنفسه غير ظاهر من الأدلة.

هذا ، وعن الشيخين ومن تبعهما ، بل عن غير واحد نسبته إلى الأكثر أن للعمة والخالة الخيار في فسخ العقد الواقع على بنت الأخ والأخت وبين فسخ عقدهما بلا طلاق. لوقوع العقدين صحيحين ، وحيث أنه لا يمكن الجمع بينهما إلا بإذن فهما مخيران في رفع الجمع بينهما بين رفع الأول ورفع الثاني. وفيه : أنه لا دليل على سلطنتهما على رفع الأول ، وإنما الدليل على سلطنتهما على رفع الثاني لا غير. وعن ابن إدريس : بطلان العقد الثاني وتزلزل العقد الأول ، فيكون للمدخول عليها فسخ عقد نفسها. ويظهر ضعف القول المذكور بكلا شقيه من وجوه الاشكال على القول الثاني والقول الثالث. مع أنه إذا بني على بطلان العقد الثاني لم يكن وجه لتزلزل الأول.

فإذاً العمدة القولان الأولان المبنيان على ظهور أدلة اعتبار الاذن في المقارنة وعدمه. وأما الوجوه الأخر مما ذكرناه وغيره فضعيفة. وقد عرفت منع ظهور الأدلة في اعتبار مقارنة الاذن للعقد. ويتضح ذلك بمقايسة المقام بعقد الفضولي. ولأجل ذلك يخرج عن الأصل بناء على أن مقتضاه مقارنة الشرط للعقد.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١ ، ٢.


في سبق عقد العمة أو سبق عقد الابنة حكم بالصحة [١]. وكذا إذا شك في السبق والاقتران بناء على البطلان مع الاقتران.

( مسألة ٢٢ ) : إذا ادعت العمة أو الخالة عدم الاذن وادعى هو الاذن منهما قدم قولهما [٢]. وإذا كانت الدعوى بين العمة وابنة الأخ مثلا في الاذن وعدمه فكذلك قدم قول العمة.

______________________________________________________

[١] لأصالة الصحة.

[٢] لأصالة عدم الاذن الموافق لقولها. وأصل الصحة وإن كان مقدماً على أصالة عدم الجزء أو الشرط الذي يكون فقده موجباً للفساد ، لكن دليله من السيرة والإجماع غير ثابت في مثل المقام مما كان المدعي لعدم الشرط ممن يقوم به الشرط. ففرق بين أن تكون دعوى عدم الإذن صادرة ممن تقوم به الاذن ، وأن تكون صادرة من غيره ، فاذا ادعى عدم الاذن غير من يقوم به الاذن كان المرجع أصل الصحة ، وإذا كان المدعي من يقوم به الاذن كان المرجع أصالة عدم الاذن ، لعدم ثبوت أصل الصحة فيه ، وإلا كان مقدماً أيضاً. فبناء على هذا لو ادعى البائع عدم البلوغ ، أو عدم العلم بالعوضين ، أو نحو ذلك يكون منكراً. وهو كما ترى. إلا أن يقال : إن دعواه ذلك خلاف ظاهر فعله واقدامه ، فيكون لأجل ذلك مدعياً. فتأمل. وربما يحتمل اختصاص أصل الصحة بالشك فيما يعتبر في موضوع السلطنة جزءاً أو شرطاً ، ولا يشمل الشك في السلطنة ، فالمدعي عدم السلطنة منكر. وفيه : أنه خلاف السيرة على البناء على الصحة لو شك في السلطنة مع عدم الدعوى ممن له السلطنة ، وعلى هذا يختص المنع من جريان القاعدة بصورة دعوى وجود إعطاء السلطنة بإذن أو بالتمليك أو نحوهما ، نظير قاعدة اليد المختصة بصورة عدم دعوى التمليك من خصمه وذلك غير بعيد من طريقة العقلاء والمتشرعة.


( مسألة ٢٣ ) : إذا تزوج ابنة الأخ أو الأخت ، وشك في أنه هل كان عن إذن من العمة أو الخالة أو لا؟ حمل فعله على الصحة.

( مسألة ٢٤ ) : إذا حصل بنتية الأخ أو الأخت بعد التزويج بالرضاع لم يبطل [١]. وكذا إذا جمع بينهما في حال الكفر ثمَّ أسلم على وجه [٢].

( مسألة ٢٥ ) : إذا طلق العمة أو الخالة طلاقا رجعياً لم يجز تزويج إحدى البنتين [٣] إلا بعد خروجهما عن العدة.

______________________________________________________

[١] لخروجه عن مورد النصوص. لكن بناء على ما تقدم من المنع عن اقتران العقدين إلا بإذن العمة أو الخالة ، عملاً بما دل على المنع عن الجمع بينهما إلا بإذنهما‌ (١) ، يتعين البناء على ذلك هنا ، لتحقق الجمع بعد الرضاع ، فلا يجوز إلا بالإذن ، إذ لا فرق بين اقتران العقد وبين المقام في صدق الجمع.

[٢] يوافق الاستصحاب. لنفوذ الجمع في حال الكفر ، فان لكل قوم نكاحا‌ (٢) ، فيستصحب بعد الإسلام. وفيه : أن المستفاد من الأدلة ترتب آثار النكاح حال الكفر ، لا نفوذه ، كما يقتضيه الجمع بين الأدلة الأولية ومثل : « لكل قوم نكاح ». واستصحاب بقاء الآثار لا مجال له مع الدليل الدال على حرمة نكاح الأجنبية. مع أنه لو فرض صحة النكاح حال الكفر ، فبعد الإسلام يرجع الى عموم المنع المقدم على الاستصحاب.

[٣] لأن المطلقة رجعياً زوجة ، ولا يجوز إدخال بنت أخيها وأختها‌

__________________

(١) راجع المسألة : ٩ من هذا الفصل.

(٢) هذا المضمون موجود في بعض النصوص راجع الوسائل باب : ٨٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، وباب : ٧٣ من أبواب جهاد النفس ، وباب : ١ من أبواب حد القذف.


ولو كان الطلاق بائنا جاز من حينه.

( مسألة ٢٦ ) : إذا طلق إحداهما بطلاق الخلع جاز له العقد على البنت ، لان طلاق الخلع بائن. وإن رجعت في البذل لم يبطل العقد [١].

( مسألة ٢٧ ) : هل يجري الحكم في المملوكتين والمختلفتين وجهان. أقواهما العدم [٢].

( مسألة ٢٨ ) : الزنا الطارئ على التزويج لا يوجب الحرمة‌

______________________________________________________

عليها إلا بإذنها.

[١] بل يكون من باب إدخال العمة أو الخالة على بنت الأخ والأخت ، لأن الرجوع في البذل يوجب الحكم بالزوجية التنزيلية ، وهو حادث. نعم إذا رجع هو بها يكون رجوعه بها بحسب اعتبار العقلاء ليس إحداثاً للزوجية بل رجوعاً للزوجية السابقة كما سيأتي من المصنف (ره) في المسألة الرابعة والثلاثين ، فيكون من إدخال بنت الأخ والأخت عليها. اللهم إلا أن يكون هذا النحو من الإدخال ليس موضوعاً لأدلة المنع ، حتى لو قيل بالمنع عن الجمع بينهما بغير إذن ، كما هو مضمون خبر أبي الصباح‌ (١) ، لأن رجوع العمة بالبذل بمنزلة الاذن في الجمع بينها وبين البنت. اللهم إلا أن تكون جاهلة بذلك.

[٢] وفي الجوهر : أنه التحقيق ، وأنه ظاهر النصوص والفتاوى ، لاشتمالها على التزويج والنكاح الظاهرين في العقد ، واشتمالها على الاذن المختص بالحرة. فتأمل. وخبر أبي الصباح لو سلمت حجيته ، فحمله على الوطء لا قرينة عليه ، وكذا على الجامع بينه وبين العقد ، لما ذكر. مع أن الجامع العرفي متعذر ، فيتعذر عرفا استعماله فيه ، فلا يصلح حجة على المقام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.


الحرمة ، إذا كان بعد الوطء [١] ، بل قبله أيضا على الأقوى [٢]

______________________________________________________

[١] إجماعا بقسميه عليه ، كما في الجواهر. ويشهد به النصوص المستفيضة أو المتواترة ، ففي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « أنه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة ، أيتزوج بابنتها؟ قال (ع) : لا ، ولكن إن كانت عنده امرأة ثمَّ فجر بأمها أو أختها لم تحرم عليه امرأته ، إن الحرام لا يفسد الحلال » (١) ‌، و‌في مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل تزوج جارية فدخل بها ثمَّ ابتلى بها ففجر بأمها أتحرم عليه امرأته؟ فقال : لا ، إنه لا يحرم الحلال الحرام » (٢) ‌، و‌مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « أنه قال في رجل زنا بأم امرأته أو ببنتها أو بأختها فقال (ع) : لا يحرم ذلك عليه امرأته. ثمَّ قال : ما حرم حرام حلالا قط » (٣). ونحوها غيرها.

[٢] وهو المشهور شهرة عظيمة. وعن أبي علي : أنه قال إن عقد الأب أو الابن على امرأة فزنى بها الآخر حرمت على العاقد ما لم يطأها. لعموم : ( ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (٤) مع عدم القول بالفرق ، و‌لموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل تكون عنده الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد ، أو الرجل يزني بالمرأة هل يجوز لابنه أن يتزوجها؟ قال (ع) : لا ، إنما ذلك إذا تزوجها فوطئها ثمَّ زنى بها ابنه لم يضره ، لأن الحرام لا يفسد الحلال. وكذلك الجارية » (٥). ونحوه‌ خبر أبي

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٤) النساء : ٢٢.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.


فلو تزوج امرأة ثمَّ زنا بأمها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته. وكذا لو زنا الأب بامرأة الابن لم تحرم على الابن. وكذا لو زنا الابن بامرأة الأب لا تحرم على أبيه. وكذا الحال في اللواط الطارئ على التزويج [١]. فلو تزوج امرأة ولاط بأخيها أو أبيها أو ابنها لم تحرم عليه امرأته إلا أن الاحتياط فيه لا يترك وأما إذا كان الزنا سابقاً على التزويج فان كان بالعمة أو الخالة‌

______________________________________________________

الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبداً ، وإن كان قد تزوج ابنتها قبل ذلك ولم يدخل بها فقد بطل تزويجه ، وإن هو تزوج ابنتها ودخل بها ثمَّ فجر بأمها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأمها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها ، وهو قوله : لا يفسد الحرام الحلال إذا كان هكذا » (١). ونسب هذا القول الى ظاهر الاستبصار. ومال إليه في الحدائق ، وحكى ذلك عن بعض مشايخه المحققين من متأخري المتأخرين ، اعتماداً على الخبرين ، لأنهما من المقيد الواجب حمل المطلق عليه.

ونوقش في الأول : بأنه استدلال بالمفهوم ، وهو ضعيف. وفي الثاني : بضعف السند. لكن مفهوم الحصر حجة. والثاني من الموثق ، وهو أيضا حجة. فالعمدة في وهن الخبرين إعراض المشهور عنهما. بل في الرياض بعد الاستدلال للقول المذكور بخبر الكناني قال : « وهو ضعيف ، لشذوذه ، وقد ادعى جماعة من الأصحاب الإجماع على خلافه ». فاذاً لا مجال للاعتماد عليهما في تقييد إطلاق نصوص الحل.

[١] كما تقدم الكلام فيه في المسألة الإحدى والعشرين من الفصل السابق ، كما تقدم فيها وجه الاحتياط الآتي. والظاهر أنه لا فرق في المقام بين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٨.


يوجب حرمة بنتيهما [١] ، وإن كان بغيرهما‌

______________________________________________________

الدخول وعدمه عندهم. وخلاف أبي علي كدليله يختص بغيره.

[١] على المشهور شهرة عظيمة ، بل في محكي الانتصار : الإجماع عليه. وفي التذكرة : نسبته إلى علمائنا. ويشهد له في الخالة‌ مصحح محمد بن مسلم قال : « سأل رجل أبا عبد الله (ع) وأنا جالس عن رجل نال من خالته في شبابه ثمَّ ارتدع يتزوج ابنتها؟ قال (ع) : لا. قلت : إنه لم يكن أفضى إليها إنما كان شي‌ء دون شي‌ء. فقال : لا يصدق ولا كرامة » (١) ‌، و‌موثق أبي أيوب عن أبي عبد الله (ع) قال : « سأله محمد بن مسلم وأنا جالس عن رجل نال من خالته وهو شاب ثمَّ ارتدع أيتزوج ابنتها؟ قال : لا. قال : إنه لم يكن أفضى إليها إنما كان شي‌ء دون ذلك ، قال (ع) : كذب » (٢). وبضميمة عدم القول بالفصل يتعدى من الخالة الى العمة ، أو‌ لرواية السرائر قال : « وقد روي أن من فجر بعمته أو خالته لم تحل له ابنتاهما » (٣). ثمَّ قال : « فان كان على المسألة إجماع فهو الدليل عليها ». ثمَّ ناقش في ثبوت الإجماع. وظاهره التوقف في الحكم المذكور. ولأجله يشكل الاستدلال بروايته فضلا عن كونها مرسلة. كما يشكل التمسك بالإجماع ، لما في المختلف من قوله : « ولا بأس بالتوقف في هذه المسألة ، فإن عموم قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٤) يقتضي الإباحة ». وظاهره أيضا عدم الاعتداد برواية الخالة. ولعله لما في المسالك من أنها ضعيفة السند ردية المتن ، فإن السائل لم يصرح بوقوع الوطء أولا ، وصرح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٤) النساء : ٢٤.


ففيه خلاف [١] ، والأحوط التحريم ، بل لعله لا يخلو عن قوة.

______________________________________________________

بعدمه ثانياً ، وكذبه الامام (ع) في ذلك ، وهذا غير لائق بمقامه ، وهو قرينة الفساد. انتهى. لكن السند مصحح في رواية الكافي وموثق في رواية التهذيب ، وكلاهما حجة. وتكذيب الامام (ع) لا بد أن يكون لوجه يعلمه. ونحوه‌ صحيح يزيد الكناسي قال : « إن رجلا من أصحابنا تزوج امرأة قد زعم أنه كان يلاعب أمها ويقبلها من غير أن يكون أفضى إليها. قال : فسألت أبا عبد الله (ع) ، فقال لي : كذب ، مره فليفارقها. قال : فأخبرت الرجل ، فو الله ما دفع ذلك عن نفسه ، وخلى سبيلها » (١). مع أنه لا يقدح في حجية الدلالة. ومثله الإشكال بأن الظاهر أن الروايتين حاكيتان عن واقعة واحدة ، وفي رواية محمد‌ أن السائل رجل وهو جالس ، وفي رواية أبي أيوب‌ أن السائل محمد وهو جالس ، فهذا الاختلاف يوجب نوعاً من الوهن.

وبالجملة : لا مجال للمناقشة في الرواية بعد اعتماد الأصحاب عليها. والموهنات المذكورة لا تخرجها عن موضوع الحجية. بل الإنصاف أن تسالم الأصحاب على الحكم المذكور وعدم حكاية الخلاف فيه من أحد ، بل ولا التوقف فيه إلا من الحلي والعلامة يوجب الاطمئنان بثبوته ، وأن منشأه التسالم عند أصحاب الأئمة (ع) عليه. ومن العجيب ـ كما قيل ـ توقف المختلف في الحكم المذكور مع بنائه على الحرمة في غير العمة والخالة ، فإن أدلة التحريم في غيرهما دالة عليه فيهما أيضا. إلا أن يكون مراده الحل من الحيثية المذكورة.

[١] فالمحكي عن الأكثر ، أو الأشهر ، أو المشهور : الحرمة. ويقتضيه جملة من النصوص ، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « أنه سئل

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.


______________________________________________________

عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج بابنتها؟ قال (ع) : لا ، ولكن إن كانت عنده امرأة ثمَّ فجر بأمها أو أختها لم تحرم عليه امرأته ، إن الحرام لا يفسد الحلال » (١) ‌، و‌صحيح العيص بن القاسم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل باشر امرأة وقبّل غير أنه لم يفض إليها ، ثمَّ تزوج ابنتها. فقال : إن لم يكن أفضى إلى الأم فلا بأس ، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها » (٢) ‌و‌صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل كان بينه وبين امرأة فجور ، هل يتزوج ابنتها؟ فقال : إن كان من قبلة أو شبهها فليتزوج ابنتها ، وليتزوجها هي إن شاء » ‌لكن‌ رواها في الكافي بسند فيه إرسال هكذا : « فليتزوج ابنتها إن شاء ، وإن كان جماعاً فلا يتزوج ابنتها وليتزوجها » (٣) ‌فتكون دلالتها بالمفهوم المصرح به. و‌روى الشيخ عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن رجل فجر بامرأة أيتزوج ابنتها؟ قال (ع) : إن كان قبلة أو شبهها فلا بأس ، وإن كان زنا فلا » (٤) ‌ونحوها غيرها.

والمنسوب الى الفقيه ، والمقنع ، والمقنعة ، والمسائل الناصرية ، والمراسم ، والسرائر ، والإرشاد ، وكشف الرموز : الجواز. وفي النافع : أنه الوجه. وفي الرياض : نسبته الى المشهور عند القدماء. وعن المسائل الناصرية : الإجماع عليه. للنصوص الكثيرة ، منها‌ صحيح سعيد بن يسار قال « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل فجر بامرأة ، يتزوج ابنتها؟ قال (ع) : نعم يا سعيد ، إن الحرام لا يفسد الحلال » (٥) ‌و‌صحيح هشام بن المثنى عن

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٨.

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.


______________________________________________________

أبي عبد الله (ع) : « أنه سئل عن الرجل يأتي المرأة حراماً أيتزوجها؟ قال (ع) : نعم ، وأمها وبنتها » (١). و‌صحيحته الأخرى قال : « كنت عند أبي عبد الله فقال له رجل : رجل فجر بامرأة أتحل له ابنتها؟ قال (ع) : نعم ، إن الحرام لا يفسد الحلال » (٢). وفي بعض النسخ رواية المتن الأول عن هاشم بن المثنى والظاهر منهما واحد. و‌موثق حنان بن سدير قال : « كنت عند أبي عبد الله (ع) إذ سأله سعيد عن رجل تزوج امرأة سفاحا ، هل تحل له ابنتها؟ قال (ع) : نعم ، إن الحرام لا يحرم الحلال » (٣). و‌صحيح صفوان قال : « سأله المرزبان عن رجل يفجر بالمرأة وهي جارية قوم آخرين ثمَّ اشترى ابنتها ، أتحل له ذلك؟ قال (ع) : لا يحرم الحرام الحلال. ورجل فجر بامرأة حراماً أيتزوج بابنتها؟ قال (ع) : لا يحرم الحرام الحلال » (٤). و‌المرسل عن زرارة قال : « قلت لأبي جعفر (ع) : رجل فجر بامرأة هل يجوز له أن يتزوج بابنتها؟ قال (ع) : ما حرم حرام حلالا قط » (٥). وهذه النصوص ـ كما ترى ـ مشتملة على الصحيح وغيره ، كالطائفة السابقة.

وفي الجواهر : « أن الجميع ـ كما ترى ـ قاصر عن معارضة ما عرفت ( يعني : الطائفة الأولى ) سنداً ، وعدداً ، وعاملا ، ودلالة ، لاحتمال الجميع الفجور بغير الجماع ، أو به ولكن بعد التزويج ، أو التقية ، وهو أحسن المحامل ».

ولا يخفى أن كلا من الطائفتين مشتمل على الصحيح وغيره. وتفاوت‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١١.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٢.

(٥) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٩.


______________________________________________________

العدد في الجملة ما لم يبلغ حد صدق الأشهر كتفاوت عدد العامل لا أثر له في الترجيح. واحتمال حمل الأخير على الفجور بغير الجماع ـ مع أنه بعيد في نفسه ـ لا يتأتى في صحيحة هشام‌ وموثق حنان‌. كما أن حملها على ما بعد التزويج أيضا بعيد. والحمل على التقية إنما يكون مع تعذر الجمع العرفي ، وهو ممكن بحمل الطائفة الأولى على الكراهة ، بل هو أقرب الوجوه. مع أنه لا قرينة على الحمل على التقية ، ولا سيما بملاحظة أن القول بالحرمة مشهور عند المخالفين ، فقد نسبه في التذكرة إلى عمران بن الحصين ، وعطا ، وطاوس ، ومجاهد والنخعي ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي.

ومن ذلك تشكل دعوى أن الظاهر من‌ النبوي : « الحرام لا يفسد الحلال ، أو لا يحرم الحلال » ‌: الحلال الفعلي ، وهو إنما يكون مع سبق التزويج على الزنا ، أما مع سبق الزنا فالحل تقديري ، والحمل على التقديري خلاف الظاهر ، فأرادوا (ع) تنبيه المخالفين على غلطهم في الحمل على التقديري. فإنها غير واضحة المأخذ ، كيف؟! وصريح الطائفة الثانية الحل التقديري ، كما هو ظاهر الآية الشريفة ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (١) فمن الجائز أن يكون الغلط في الحمل على الحلال الفعلي ، لأن النبوي جار مجرى الآية الشريفة ، والحل فيها تقديري ، فتكون قرينة على إرادة الحل التقديري من النبوي أيضاً ، ويكون التخصيص بالفعلي لأجل التقية.

وبالجملة : النصوص الواردة في هذه الأبواب على أربع طوائف. إحداها : ما لم يتعرض لبيان المراد من الحديث من حيث الاختصاص بالحلال الفعلي أو الأعم منه ومن التقديري ، كمصحح الحلبي‌ ، ومصحح زرارة‌ المتقدمين ونحوهما ، فان موردها وإن كان الحلال الفعلي لكن المورد لا يخصص الوارد. والطوائف الثلاث الباقية متعرضة لذلك. الأولى :

__________________

(١) النساء : ٢٤.


______________________________________________________

ما يدل على أن المراد بالحلال الحلال الفعلي بشرط الوطء ، كموثق عمار‌ ، وخبر الكناني‌ المتقدمين في صدر المسألة. الثانية : ما يدل على أن المراد الحلال الفعلي بعقد أو ملك. كصحيح محمد بن مسلم المتقدم‌. الثالثة : ما يدل على أن المراد الحلال ولو تقديرياً ، كصحيح سعيد بن يسار‌ ، وصحيح صفوان‌ ، وصحيحة هشام بن المثنى‌ ، وموثق حنان بن سدير‌ ، والمرسل عن زرارة‌. ونحوها ، و‌خبر محمد بن منصور الكوفي قال : « سألت الرضا (ع) عن الغلام يعبث بجارية لا يملكها ولم يدرك أيحل لأبيه أن يشتريها أو يمسها؟ فقال : لا يحرم الحرام الحلال » (١). وقد عرفت أن الطائفة الأولى منها مهجورة ، فيبقى التعارض بين الطائفتين الأخيرتين. ولا ينبغي التأمل في ترجيح الثانية ، لكثرة العدد ، وانفراد الثالثة بالصحيح المذكور.

وأما الحمل على التقية : فقد عرفت أنه لا مأخذ له في كلتا الطائفتين ، وليس في النصوص ما فيه دلالة أو إشعار بأن مذهب المخالفين في المسألة هو التحريم ، أو أن المراد بالحديث الشريف هو العموم أو الخصوص. نعم استدل في التذكرة على الحل بعد أن نسبه الى جماعة من المخالفين ومنهم مالك ، والشافعي ، بما‌ رواه العامة عن النبي (ص) : « أنه سئل عن رجل يزني بامرأة ثمَّ يريد أن يتزوج ابنتها. فقال : لا يحرم الحرام الحلال » (٢) ‌، ثمَّ استدل للشيخ بعد أن نسب اليه القول بالحل بأمور ، منها قوله : « لا يحرم الحرام الحلال » ‌، فحمل الحلال في الحديث على الحلال ولو تقديراً لا يختص بالمخالفين ، ولا هو مذهب جميعهم ، ولا المشهور بينهم. وأما‌ صحيح مرازم قال « سمعت أبا عبد الله (ع) وقد سئل عن

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

(٢) يوجد قريب منه في كنز العمال الجزء : ٨ حديث : ٤٠٦٤ ، سنن البيهقي الجزء : ٧ باب الزنى لا يحرم الحلال.


______________________________________________________

امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه فوقع ، فقال (ع) : أثمت ، وأثم ابنها. وقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له : أمسكها فإن الحلال لا يفسده الحرام » (١). فلا إشعار له بكون الحل مذهب المخالفين بوجه.

والمتحصل : أن نصوص التحريم صالحة للحمل على الكراهة ، عدا مصحح يزيد الكناسي المتقدم ‌، وصحيح محمد بن مسلم‌. والتعارض بينهما وبين نصوص التحليل يقتضي الأخذ بالثانية ، لأنها أرجح بكثرة العدد. وكأن ما في الشرائع من حكمه بأن نصوص التحريم أوضح طريقاً مبني على ملاحظة جميع نصوص التحريم حتى ما أمكن الجمع العرفي بينها وبين نصوص التحليل. وإلا فالذي لا يقبل الجمع العرفي منها منحصر بالروايتين المذكورتين ، بل مصحح يزيد‌ يمكن حمل الفراق فيه على الفراق بالطلاق ، فتنحصر المعارضة بصحيح محمد. ولو سلم التساوي من حيث السند والعدد فنصوص التحليل موافقة للكتاب ، ومعتضدة بعموم قوله تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) ، فالأخذ بها متعين.

ثمَّ إنه لو قلنا بالتحريم فكما تحرم بنت المزني بها وأمها على الزاني تحرم المزني بها على أبي الزاني وابنه. لأن الزنا على هذا القول بمنزلة الدخول بالعقد الصحيح ، فلا فرق عند القائلين بالنشر بين المسألتين ، فلاحظ كلماتهم. ونصوص التحريم أيضا متعرضة لذلك ، ففي صحيح أبي بصير : « سألته عن الرجل يفجر بالمرأة ، أتحل لابنه؟ أو يفجر بها الابن ، أتحل لأبيه؟ قال : إن كان الأب أو الابن مسها لم تحل » (٢). و‌خبر ابن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال : « سألته عن رجل زنى بامرأة ، هل تحل لابنه أن يتزوجها؟ قال (ع) : لا » (٣). ونحوهما غيرهما.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.


وكذا الكلام في الوطء بالشبهة ، فإنه إن كان طارئاً لا يوجب الحرمة [١] ، وإن كان سابقاً على التزويج أوجبها [٢].

______________________________________________________

[١] كما عن الأكثر ، للأصل.

[٢] كما هو المشهور شهرة عظيمة. وخالف في ذلك ابن إدريس قال : « فاما عقد الشبهة ووطء الشبهة فعندنا لا ينشر الحرمة ، ولا يثبت به تحريم المصاهرة بحال ». وقال في الشرائع : « وأما الوطء بالشبهة فالذي خرجه الشيخ أنه بمنزلة النكاح الصحيح. وفيه تردد ، أظهره أنه لا ينشر الحرمة ». ونحوه في النافع. وفي القواعد : « وهل يلحق الوطء بالشبهة والزنا بالصحيح؟ خلاف ». وفي جامع المقاصد « ان الزنا يحرم ، كما سيأتي إن شاء الله ، فالوطء بالشبهة أولى. لأنه وطء محترم شرعاً ، فيكون الحاقه بالوطء الصحيح في ثبوت حرمة المصاهرة أولى من الزنا. ولأن معظم أحكام الوطء الصحيح لاحقة به ، فإن أعظم الاحكام النسب ، وهو في الشبهة كالصحيح. وكذا وجود المهر. وتخلف المحرمية لا يضر ، فإنها متعلقة بكمال حرمة الوطء .. ». وسبقه الى بعض ذلك في التذكرة ، وتبعه على ذلك في المسالك وغيرها. لكن الخروج عن عموم الحل بذلك كما ترى. ومثله الاستدلال بقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (١) ، إذ لم يثبت إرادة الوطء من النكاح. ولأجل ذلك لم يعتمد في الجواهر إلا على الإجماع الذي ادعاه في التذكرة. وحكى فيها عن ابن المنذر دعوى الإجماع عليه من كل من يحفظ من علماء الأمصار ، وعد منهم أصحاب النص ، وهم الإمامية. وسبقه الى ذلك في الرياض. وهو كما ترى أيضا ، فإن خلاف مثل الحلي ، والمحقق ، وتوقف العلامة في القواعد مانع من صحة الاعتماد على الإجماع. وكان الأولى الاستدلال له‌ بحديث : « لا يحرم

__________________

(١) النساء : ٢٢.


( مسألة ٢٩ ) : إذا زنى بمملوكة أبيه ، فإن كان قبل أن يطأها الأب حرمت على الأب [١] ،

______________________________________________________

الحرام الحلال » ‌بناء على أن المراد من الحلال الأعم من التقديري ، فان تعليل انتفاء المصاهرة بالوطء من جهة الحرمة يقتضي ثبوت المصاهرة مع انتفاء الحرمة ، كما في الشبهة. لكن مقتضى ذلك ثبوت المصاهرة حتى إذا كان الوطء لاحقاً ، ولا يظن الالتزام به. مع أنه موقوف على إرادة الزنا من الحرام ، مع أن الظاهر منه الحرام الواقعي ولو مع العذر ، فيشمل الشبهة.

ثمَّ إن الأدلة المذكورة مختلفة المفاد ، فإن الإجماع يقتضي الاقتصار في التحريم على الوطء السابق على العقد ، لأنه القدر المتيقن منه. ومثله الأولوية من الزنا بناء على التحريم به ، فإنه مختص بالزنا السابق. وأما الاستقراء ، وعموم ( لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) : فمقتضاهما العموم للسابق واللاحق ، فان الوطء الصحيح إذا فرض لاحقاً لا بد أن يبطل السابق ، وكذا إطلاق الآية. فلاحظ.

[١] قال في القواعد : « ولو وطأ أحدهما مملوكة الآخر ( يعني : قبل وطء المالك ، كما يظهر مما بعده ) بزنا أو شبهة ففي التحريم نظر ». وحكى في كشف اللثام : التحريم عن الشيخ وابني الجنيد والبراج. واستدل له بعموم : ( ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) مع عدم القول بالفصل ـ يعني : بين منكوحة الأب ومنكوحة الابن ـ ، وكون النكاح في اللغة بمعنى الوطء. ولخبر عمار المتقدم في صدر المسألة‌. وهو وإن ضعف ، لكن يؤيده أخبار تحريم زوجة أحدهما عليه بزنا الآخر قبل العقد. انتهى. وفي جامع المقاصد جعل التحريم هو الأصح ، لما ذكر.

لكن انطباق العموم على ما نحن فيه غير ظاهر ، لعدم ثبوت إرادة‌


______________________________________________________

الوطء من النكاح. وموثق عمار‌ قد عرفت إشكال وعدم العامل به الا ابن الجنيد. اللهم إلا أن يكون حجة على الحرمة في الجارية غير الموطوءة للمالك وإن لم يكن حجة عليها في الزوجة غير الموطوءة ، ولا مانع من التفكيك بين المفادين في الحجية. مضافا الى‌ صحيح عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : « سئل أبو عبد الله (ع) وأنا عنده عن رجل اشترى جارية ولم يمسها ، فأمرت امرأته ابنه وهو ابن عشر سنين أن يقع عليها فوقع عليها ، فما ترى فيه؟ فقال : أثم الغلام ، وأثمت أمه ، ولا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع عليها » (١). نعم يعارضه صحيح مرازم المتقدم في أواخر المسألة السابقة. لكنه مطلق من حيث الوطء وعدمه ، فيقيد إطلاقه بالصحيح المذكور. وكذلك‌ خبر زرارة قال : « قال أبو جعفر (ع) : إذا زنى رجل بامرأة أبيه أو بجارية أبيه فإن ذلك لا يحرمها على زوجها ، ولا يحرم الجارية على سيدها ، إنما يحرم ذلك منه إذا أتى الجارية وهي له حلال ، فلا تحل تلك الجارية لابنه ولا لأبيه » (٢).

اللهم إلا أن يقال : إن ظاهر الموثق أن التحريم في الزنا السابق وكذا اللاحق إذا لم يكن دخول ناشئ من كون المراد من « أن الحرام لا يفسد الحلال » ‌(٣) خصوص الحلال بعد الوطء ، فالتحريم في الزوجة والجارية فرع على التفسير المذكور ، فاذا بطل الأصل بطل الفرع ، والتفكيك غير ممكن عرفاً. وأما صحيح الكاهلي فالظاهر أو المحتمل من‌ قوله (ع) : « ولا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع عليها » ‌أنه إشارة عليه بذلك ونصيحة له ، وإن كان لأجل الكراهة ، فلا يدل على الحرمة ، ولا يصلح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.


وإن كان بعد وطئه لها لم تحرم [١]. وكذا الكلام إذا زنى الأب بمملوكة ابنه [٢].

( مسألة ٣٠ ) : لا فرق في الحكم بين الزنا في القبل أو الدبر [٣].

______________________________________________________

لتقييد إطلاق ما دل على الحل. فالبناء على الحل أنسب بقواعد العمل بالأدلة. فتأمل.

[١] في القواعد : أنه الأصح. ونسبه في جامع المقاصد وكشف اللثام إلى الأكثر ، لعموم : « الحرام لا يحرم الحلال » ‌(١). ويقتضيه موثق عمار‌ ، وصحيح مرازم‌ (٢) ، وخبر زرارة‌ ، وقيل بالتحريم ، لعموم قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ). وهو ضعيف لعدم ثبوت كون النكاح هو الوطء أولا ، ولتخصيصه بما عرفت ثانيا. هذا ويظهر من الجواهر أنه لا قائل بالتحريم وأن الإجماع بقسميه على عدمه. لكن عرفت ما في جامع المقاصد وكشف اللثام من حكاية قولين في المسألة ، وأن الأكثر على عدم التحريم.

[٢] فإن المسألتين عند الأصحاب من باب واحد وحكم واحد ، وإن خلت النصوص عن التعرض للثانية مع تعرضها للأولى.

[٣] قال في التذكرة : « تنبيه : لا فرق في الزنا بين الوطء في القبل والدبر ، لعموم الآية قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) و ( وَرَبائِبُكُمُ ) و ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (٣). ولأنه يتعلق به التحريم فيما إذا وجد في الزوجة والأمة ، فكذلك في الزنا ». والاشكال عليه ظاهر. والعمدة صدق الزنا في المقامين. مع أن الحكم مما لا إشكال فيه على الظاهر.

__________________

(١) راجع المسألة : ٢٨ من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣ ، ٤.

(٣) النساء : ٢٢ ، ٢٣.


( مسألة ٣١ ) : إذا شك في تحقق الزنا وعدمه بنى على العدم [١]. وإذا شك في كونه سابقا أو لا بنى على كونه لاحقاً [٢]

______________________________________________________

[١] للأصل.

[٢] ظاهر العبارة : العمل بأصالة تأخر الحادث التي اشتهر ذكرها في كلماتهم. وقد تحقق أنها لا أصل لها ولا حجة عليها.

هذا والذي ينبغي أن يقال : إن الصور المفروضة في المقام ثلاث : تارة : يعلم تاريخ العقد ويشك في تاريخ الزنا. وأخرى : عكس تلك. وثالثة : يجهل تاريخ الأمرين ، أما إذا علم تاريخ العقد وشك في تاريخ الزنا فأصالة عدم الزنا الى حين العقد يقتضي الحل. وأما إذا شك في تاريخ العقد وعلم تاريخ الزنا فأصالة عدم العقد الى حين الزنا تثبت كون الزنا محرماً ، لأن من زنى بامرأة لم يعقد عليها أبوه أو ابنه حرمت عليهما ، وهذا المعنى يثبت بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل ، فيترتب التحريم عليه. وبالجملة : المستفاد من الأدلة أن من عقد على امرأة لم يزن بها أبوه أو ابنه فهي له حلال ، ومن زنى بامرأة لم يعقد عليها أبوه أو ابنه فهي عليهما حرام ، والأول يثبت بعضه بالوجدان وبعضه بالأصل إذا علم تاريخ العقد وشك في تاريخ الزنا. والثاني أيضا يثبت بعضه بالأصل وبعضه بالوجدان إذا علم تاريخ الزنا وجهل تاريخ العقد. وأما إذا جهل التاريخان معا فأصالة عدم أحدهما إلى زمان الآخر إما غير جارية ذاتا ، أو ساقطة للمعارضة ، فلا يمكن إثبات موضوع التحريم الأبدي ولا نفيه ، وحينئذ تكون الشبهة موضوعية ، ولأجل أنه لا يجوز الرجوع الى عمومات الحل فيها يتعين الرجوع الى أصالة عدم ترتب الأثر على العقد ، فيحكم ببطلانه. إلا أن يقال : المرجع أصالة الصحة في العقد ، فيبنى على ترتب أثره وتحقق الزوجية.

هذا في الزوجة. وأما الأمة : فالكلام فيها بعينه ما ذكر أولا في‌


( مسألة ٣٢ ) : إذا علم أنه زنى بإحدى الامرأتين ولم يدر أيتهما هي؟ وجب عليه الاحتياط إذا كان لكل منهما أم أو بنت [١]. وأما إذا لم يكن لإحداهما أم ولا بنت ، فالظاهر جواز نكاح الأم أو البنت من الأخرى [٢].

( مسألة ٣٣ ) : لا فرق في الزنا بين كونه اختياريا أو إجباريا أو اضطراريا [٣]

______________________________________________________

الزوجة ، فان المستفاد من الأدلة أيضا أن من زنى بمملوكة أبيه أو ابنه قبل أن يطأها المالك حرمت على المالك ، ومن زنى بها بعد أن وطأها المالك لم تحرم. فاذا علم بهما وشك في المتقدم منهما ، فان علم تاريخ الزنا وشك في تحقق الوطء من المالك قبله فأصالة عدم الوطء الى حين الزنا يثبت كونه محرماً. وإذا علم تاريخ الوطء وشك في تاريخ الزنا فأصالة عدم الزنا الى حين الوطء يثبت كونها حلالا. وإذا جهل التاريخان لم يجر الأصلان معا. ولا مجال للرجوع الى عمومات الحل ، لكون الشبهة موضوعية ولا مجال للرجوع إلى أصالة الصحة ، لأن الوطء لا يتصف بالصحة والفساد ، بل يتعين الرجوع الى استصحاب الحل الثابت قبل الزنا. ولولاه تعين الرجوع الى أصالة البراءة ، إلا بناء على ما اشتهر من لزوم الاحتياط في الفروج.

[١] لأن العلم الإجمالي بالحرمة يوجب تنجز الحرمة ، فيجب الاحتياط عقلا في جميع الأطراف والمحتملات.

[٢] لأنه مع خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء يكون الباقي بحكم الشبهة البدوية التي عرفت أن الحكم فيها الحل ، لأصالة عدم الزنا من غير مانع ولا معارض.

[٣] قد اختلفت كلمات الجماعة في تمييز الشبهة من الزنا ، فالذي‌


______________________________________________________

ذكره في المسالك في المقام أن المراد بوطء الشبهة ما ليس بمستحق منه مع عدم العلم بتحريمه ، كالوطء في نكاح فاسد ، أو شراء فاسد ، لم يعلم فسادهما ، أو لامرأة ظنها زوجته أو أمته ، أو أمة مشتركة بينه وبين غيره ، فظن إباحتها له بذلك. انتهى. وفي الجواهر عن مصابيح العلامة الطباطبائي : أنه الوطء الذي ليس يستحق في نفس الأمر مع اعتقاد فاعله الاستحقاق ، أو صدوره عنه بجهالة مغتفرة في الشرع. أو مع ارتفاع التكليف بسبب غير محرم. انتهى. ومقتضى التعريفين المذكورين للشبهة : أن الزنا الإجباري ، والإكراهي ، وفي حال الصبا ، وفي حال النوم ، وزنا الجنون ، كله من الشبهة ، لصدق عدم العلم بتحريمه في التعريف الأول ، وصدق ارتفاع التكليف بسبب غير محرم في التعريف الثاني ، في الجميع. وفي الجواهر ـ بعد ذكر التعريف الثاني وما يتعلق به ـ قال : « فالمتحصل من ذلك أن وطء الشبهة ثلاثة أقسام .. الى أن قال : الثالث : الوطء غير المستحق ولكن صدر ممن هو غير مكلف كالنائم والمجنون والسكران بسبب محلل ونحوهم » ، ثمَّ تعرض بعد ذلك للإشكال على التعريف المذكور من وجوه ، ولم يتعرض للإشكال في كون القسم الثالث من أقسام وطء الشبهة. ثمَّ حكى عن بعض عن الأكثر تعريفه بأنه الوطء الذي ليس بمستحق مع ظن الاستحقاق. وأشكل عليه بوجوه : منها : أنه يخرج منه وطء غير المكلف كالمجنون والنائم وغيرهما. وظاهره المفروغية عن كون وطء غير المكلف من الشبهة ، لا من الزنا.

وفي المسالك في كتاب الحدود في شرح قول ماتنه : « أما الموجب ( يعني : موجب حد الزنا ) فهو إيلاج الإنسان ذكره في فرج امرأة محرمة ، من غير عقد ولا ملك ولا شبهة » قال : « هذا تعريف لمطلق الزنا الموجب للحد في الجملة. ويدخل في الإنسان الصغير والكبير والعاقل والمجنون ،


______________________________________________________

فلو زاد فيه المكلف لكان أجود. ويمكن تكلف إخراجهما بقوله : « في فرج امرأة محرمة عليه » ، فإنه لا تحريم في حقهما. وكذا يدخل فيه المختار والمكره ، ويجب إخراج المكره ، إلا أن يخرج بما يخرج به الأولان ». وظاهره أيضاً كون وطء غير المكلف خارج عن الزنا وداخل في الشبهة. لكن في الجواهر أشكل عليه بأنهما على التقدير المزبور ( يعني : تقدير عدم التحريم في حقهما ) تكون من الشرائط في الحد ، لا في حقيقة الزنا. وظاهره أن وطء غير المكلف داخل في الزنا ، وإن لم يجب عليه الحد.

وفي الرياض بعد قول ماتنه في الكلام على حد الزنا : « أما الموجب فهو إيلاج الإنسان فرجه في فرج امرأة من غير عقد ولا ملك ولا شبهة » قال : « وإطلاق العبارة وإن شمل غير المكلف ، إلا أنه خارج بما زدناه من قيد التحريم. مع احتمال أن يقال : التكليف من شرائط ثبوت الحد بالزنا ، لا أنه جزء من مفهومه ، فلا يحتاج الى ازدياد التحريم من هذا الوجه ». وظاهره الميل الى ما سبق عن الجماعة من كون وطء غير المكلف من الشبهة ، وإن احتمل أخيراً أنه من الزنا ، وأشكل عليه في الجواهر : بأن ذلك لا يوجب الزيادة المزبورة ، ضرورة تحقق الإيلاج بامرأة بلا عقد ولا ملك ولا شبهة وإن لم يكن في ذلك حرمة عليه ، لعدم التكليف الذي فرض عدم مدخليته في تحقق معنى الزنا الذي هو على التقدير المزبور وطء الأجنبية التي هي غير الزوجة والمملوكة عيناً أو منفعة. ومقتضاه أن وطء الشبهة زنا لغة وعرفاً لكنه لا يوجب الحد ، وهو مناف لمقابلته به في النكاح ، المقتضية لكونه وطء الأجنبية على أنها أجنبية. ثمَّ قال : « ولعل ذكر الأصحاب بعض القيود في التعريف من حيث ثبوت الحد به وعدمه ولو للشرائط الشرعية لذلك ، لا لكشف مفهومه ، و‌قال رسول الله (ص) لماعز بعد إقراره بالزنا أربعاً ، أتعرف الزنا؟ فقال :


______________________________________________________

هو أن يأتي الرجل حراماً كما يأتي أهله حلالاً » (١). انتهى ما في الجواهر. وظاهره الميل الى عموم الزنا لوطء غير المكلف. وفي التذكرة قال : « أما إذا اختصت الشبهة بأحدهما والآخر زانياً بأن يأتي الرجل فراش غير زوجته غلطاً ، فيطؤها وهي عالمة ، أو أتت المرأة غير زوجها غالطة وهو عالم ، أو كانت هي جاهلة أو نائمة أو مكرهة وهو عالم ، أو مكنت البالغة العاقلة مجنوناً أو مراهقاً فكذلك ». وظاهره كون وطء النائم والمكره من وطء الشبهة .. الى غير ذلك من كلمات الجماعة الظاهرة في اختلافهم في دخول وطء من ارتفع عنه التكليف لصبا ونوم ونحوهما في الزنا ، أو في وطء الشبهة. وكلمات الجواهر في المقام وفي كتاب الحدود لا تخلو من مدافعة.

والذي يظهر بعد النظر والتأمل هو دخوله في الزنا بالمعنى اللغوي والعرفي ، بل دخول وطء الشبهة فيه ، وليس الزنا إلا مطلق الوطء غير المستحق وإن كان شبهة. وأما في عرف الشارع والمتشرعة : فالزنا يقابل وطء الشبهة. والمراد بوطء الشبهة : الوطء غير المستحق لشبهة ، بحيث تكون الشبهة من علل وجوده ، فاذا كان الوطء غير مستحق وكانت الشبهة دخيلة في وجوده فهو وطء شبهة ، وليس من الزنا ، وإن لم تكن دخيلة فيه فهو زنا. وهذا هو وجه المقابلة بين الشبهة والزنا ، ولا تقتضي المقابلة بينهما أن يكون معناه وطء الأجنبية على أنها أجنبية ، كما تقدم عن الجواهر. ولعل قول ماغر : « أتيت منها حراماً .. » بيان الزنا الذي يجب فيه الحد ، لا الزنا في مقابل الشبهة. على أنه غير ثابت. وعليه فالأحكام الثابتة للزنا في مقابل الشبهة تثبت في فروض المسألة كلها ، إلا أن تقوم القرينة على الاختصاص بنوع دون نوع وبحال دون حال.

__________________

(١) سنن البيهقي الجزء : ٨ صفحة ٢٢٧.


______________________________________________________

ومن ذلك يظهر أن الأحكام الأربعة المشهورة الثابتة للزنا في الجملة ـ وهي نفي العدة ، ونفي المهر ، ونفي النسب ، وثبوت الحد ـ لا بد من ملاحظة أدلتها ليتضح أنها ثابتة له مطلقاً أو مقيداً.

والظاهر من أدلة الحد اختصاصه بالمعصية ، لأنه المجازاة عليها لقطع دابر الفساد ، فلا يشمل صورة ارتفاع التكليف. مضافاً الى ما ورد من أنه لا حد على مجنون حتى يفيق ، ولا على صبي حتى يدرك ، ولا على النائم حتى يستيقظ‌ (١) ونحوه غيره مما ورد في الصبي ، والمستكره‌ (٢) وغيرهما. ولعل أدلة نفي النسب عن الزاني أيضاً مختصة بذلك ، لأن العمدة فيه‌ قول النبي (ص) : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » (٣). وعموم العاهر لمطلق الزاني غير ظاهر. ولا يبعد أيضاً ذلك في مثل : « لا مهر لبغي » ‌، فان البغاء غير ظاهر العموم لمطلق الزنا. وأما نفي العدة فهو محل كلام وخلاف ، وقد أفتى بعض بوجوب العدة على الزانية وعدم جواز تزويجها قبل انتهاء العدة. وبالجملة لا بد من ملاحظة أدلة الأحكام من حيث العموم والخصوص. والكلام في ذلك موكول الى مقام آخر. نعم لا ينبغي التأمل في أن نشر الحرمة بالزنا لا قصور في إطلاق أدلته ، فيجب الأخذ بها في فرض المسألة.

ثمَّ إن الذي يظهر من تعريف الشبهة المنسوب إلى الأكثر الاكتفاء بمطلق الظن وإن لم يكن حجة ، بل هو ظاهر المحكي من كلام جماعة من الفقهاء ، كالشيخ في النهاية ، والمحقق في الشرائع ، والنافع ، والعلامة في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب مقدمات الحدود حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب حد الزنا.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٧٣ من أبواب أحكام الأولاد حديث : ١ ، الوسائل باب : ٨ من أبواب ميراث ولد الملاعنة حديث : ١ ، ٤.


______________________________________________________

القواعد ، وغيرهم. فقد اشتملت عباراتهم في تمثيل الشبهة على ذكر الظن وإخبار مخبر. ونحو ذلك ما تقدم عن المسالك في تعريف الشبهة والتمثيل لها. وظاهر ذلك الاكتفاء بمطلق الظن وإن لم يكن حجة في نظر الواطئ. ويحتمل اعتبار كونه حجة شرعاً ، فاذا لم يكن حجة شرعاً كان الوطء زنا. وهو ظاهر محكي مصابيح العلامة الطباطبائي ، معللاً بأن الفروج لا تستباح إلا بسبب شرعي ، فإذا لم يتحقق فيه السبب المبيح فهو وطء محرم داخل في الزنا. ومن المعلوم ان الشارع لم يبح الوطء بمجرد الاحتمال أو الظن ، وإنما أباحه بشرط العلم بالاستحقاق أو حصول ما جعله امارة للحل ، فبدونهما لا يكون الوطء إلا زنا .. الى آخر كلامه المحكي. وفي المسالك ـ بعد أن نقل عن الشيخ وغيره تحقق الشبهة في الوطء بظن المرأة خلية من الزوج ، أو ظن موت زوجها ، أو طلاقه ، سواء استند الى حكم الحاكم ، أو شهادة الشهود ، أو إخبار مخبر ـ قال : « إن الحكم المذكور لا إشكال فيه على تقدير حكم الحاكم أو شهادة شاهدين يعتمد على قولهما شرعا وإن لم يحكم حاكم .. الى أن قال : وأما على تقدير كون المخبر ممن لا يثبت به ذلك شرعا ـ كالواحد ـ فينبغي تقييده بما لو ظنا جواز التعويل على خبره جهلاً منهما بالحكم ، فلو علما بعدم الجواز كانا زانيين ، فلا يلحق بهما الولد ، ولا عدة عليها منه. ولو جهل أحدهما ثبتت العدة ولحق به الولد ، دون الآخر وفي التحرير صرح بالاجتزاء بخبر الواحد. وهو محمول على ما ذكرنا ليوافق القوانين الشرعية ». ونحوه المحكي من عبارة شرح النافع وغيرها. وظاهره الاجتزاء باعتقاد الحجية غفلة ، وإن لم يكن حجة شرعاً ، وكان الوطء فيه محرماً ، لكون الواطئ من الجاهل المقصر المستحق للعقاب. ويحتمل الاكتفاء بمطلق عدم العلم بالحرمة لا واقعاً ولا ظاهراً ، بأن كان متردداً ومتنبها للسؤال ، فلم‌


______________________________________________________

يسأل وأقدم على الوطء. وفي الجواهر : أنه لا يخلو من قوة. وهو ظاهر تعريف المسالك ، بناء على إرادة الأعم من العلم حقيقة أو تعبداً. فهذه احتمالات أو أقوال أربعة في الفرق بين الشبهة والزنا مستفادة من كلمات الأصحاب.

وأما النصوص : ففي موثق زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « إذا نعي الرجل إلى أهله ، أو أخبروها أنه قد طلقها فاعتدت ، ثمَّ تزوجت ، فجاء زوجها الأول ، فإن زوجها الأول أحق بها من هذا الأخير ، دخل بها الأول أو لم يدخل بها ، وليس للآخر أن يتزوجها أبداً ، ولها المهر بما استحل من فرجها » (١). و‌مصحح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال : « قضى في رجل ظن أهله أنه قد مات أو قتل ، فنكحت امرأته وتزوجت سريته ، فولدت كل واحدة من زوجها ، ثمَّ جاء الزوج الأول أو جاء مولى السرية. قال : فقضى في ذلك أن يأخذ الزوج الأول امرأته ويأخذ السيد سريته وولدها ، أو يأخذ عوضاً من ثمنه » (٢). و‌مصحح يزيد الكناسي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن امرأة تزوجت في عدتها. فقال : إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فان عليها الرجم. الى أن قال : قلت : أرأيت إذا كان منها بجهالة قال : فقال ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلا وهي تعلم أن عليها عدة في طلاق أو موت. ولقد كن نساء الجاهلية يعرفن ذلك. قلت : فان كانت تعلم أن عليها عدة ولا تدري كم هي؟ فقال : إذا علمت أن عليها العدة لزمتها الحجة فتسأل حتى تعلم » (٣) ‌، و‌صحيح أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله (ع) : « عن امرأة تزوجت رجلاً ولها زوج

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب حد الزنا حديث : ٢.


______________________________________________________

فقال (ع) : إن كان زوجها الأول مقيما معها في المصر التي هي فيه تصل اليه ويصل إليها فإن عليها ما على الزاني المحصن الرجم‌ .. الى أن قال : قلت : فان كانت جاهلة بما صنعت. قال : فقال : أليس هي في دار الهجرة؟ قلت : بلى. قال : ما من امرأة من نساء المسلمين إلا وهي تعلم أن المرأة المسلمة لا يحل لها أن تتزوج زوجين. قال : ولو أن المرأة إذا فجرت قالت : لم أدر ، أو جهلت أن الذي فعلت حرام ، ولم يقم عليها الحد إذاً لتعطلت الحدود » (١).

لكن الأخير غير ظاهر في وطء الشبهة ، وإنما هو ظاهر في دعوى الشبهة وأنها غير مسموعة ، لا أنها لو صحت لا تجدي في رفع اليد حتى عن الحد ، حتى يكون مما نحن فيه. ونحوه ما قبله. نعم ظاهر ذيله صحة الدعوى ، لكن لا تعرض فيه للحد « وإنما فيه تعرض لوجوب السؤال وعدم المعذورية. اللهم إلا أن يكون المراد ان سماع دعواها لا يستوجب رفع الحد لوجوب السؤال. لكن على هذا التقدير يكون وجوب الحد مختصاً بالجاهل المتردد ، فلا يشمل الجاهل الغافل وإن كان مقصراً ومأثوماً. لكن هذا المصحح يكون نافياً للاحتمال الأخير الذي اختاره في الجواهر ، وللاحتمال الأول المنسوب الى ظاهر المشهور ، ولا ينفي الاحتمالين الآخرين. وأما مصحح محمد بن قيس‌ : فلا يظهر منه انه وارد في وطء الشبهة ، بل أخذ مالك السرية للولد من أحكام الزنا ، لا من أحكام الشبهة. وأما موثق زرارة‌ : فمقتضى ما فيه من استحقاق المهر أنه وارد في الشبهة. ومقتضى الجمود على مورد السؤال الاجتزاء في الشبهة بمطلق الخبر ولو مع التردد في حجيته. لكن المنصرف الى الذهن من قوله : « فاعتدت .. » ‌أن الاعتداد كان مبنيا على اعتقاد الحجية غفلة أو اعتقاد صدق المخبر.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب حد الزنا حديث : ١.


ولا بين كونه في حال النوم ، أو اليقظة. ولا بين كون الزاني بالغاً ، أو غير بالغ وكذا المزني بها. بل لو أدخلت الامرأة ذكر الرضيع في فرجها نشر الحرمة ، على إشكال [١]. بل لو زنا بالميتة فكذلك على إشكال أيضا [٢]. وأشكل من‌

______________________________________________________

ولو سلم إطلاقه فهو مقيد بمصحح الكناسي المتقدم‌ بناء على ظهوره في ثبوت الحد مع التردد ، وتكون نتيجة الجمع بينهما اعتبار عدم التردد في الحجية في ثبوت الشبهة وإن كان الواطئ مقصراً. فيتم ما ذكره في المسالك وغيرها. ومن ذلك يتضح وجه بقية النصوص التي ذكرها في الجواهر التي ادعى فيها إطلاقها من حيث وجود الحجة الشرعية وعدمها ، والتردد في الحجية وعدمه ، فإن إطلاقها لو سلم يكون مقتضى الجمع بينها وبين مصحح الكناسي اعتبار عدم التردد في الحجية.

والمتحصل مما ذكرنا أمران : الأول : أن المائز بين وطء الشبهة وبين الزنا ما ذكر في المسالك من أن الأول الوطء غير المستحق مع البناء فيه على الاستحقاق ولو كان جاهلاً مقصراً ، والثاني ما عداه. والثاني : أن اللازم ترتيب أحكام الزنا على الزنا بالمعنى المذكور. إلا إذا كان دليل الحكم لا عموم فيه ، فيقتصر فيه على القدر المتيقن.

[١] ينشأ من أن تعريفهم للزنا بأنه « إيلاج الإنسان ذكره .. » ‌ظاهر في عدم صدق الزنا إذا كان الإيلاج من طرف المرأة. لكن الظاهر أن القصور في التعريف. وإلا فلا ريب في أنه من الزنا ، كما اعترف بذلك كله في الجواهر في كتاب الحدود. ويحتمل أن يكون الاشكال من جهة كون الزاني الرضيع. وهو أيضا كما ترى ، لما عرفت في صدر المسألة.

[٢] ينشأ من ظهور الزنا في الإنسان الحي ، فلا يشمل الميت. واستعمال الزنا في الميت مجاز ، كاستعماله في غير الإنسان.


ذلك لو أدخلت ذكر الميت المتصل [١]. وأما لو أدخلت الذكر المقطوع فالظاهر عدم النشر [٢].

( مسألة ٣٤ ) : إذا كان الزنا لاحقاً فطلقت الزوجة رجعياً ثمَّ رجع الزوج في أثناء العدة لم يعد سابقاً حتى ينشر الحرمة ، لأن الرجوع اعادة الزوجية الأولى [٣]. وأما إذا نكحها بعد الخروج عن العدة ، أو طلقت بائناً فنكحها بعقد جديد ، ففي صحة النكاح وعدمها وجهان. من أن الزنا حين وقوعه لم يؤثر في الحرمة لكونه لاحقاً فلا أثر له بعد هذا أيضا. ومن أنه سابق بالنسبة الى هذا العقد الجديد. والأحوط النشر [٤].

( مسألة ٣٥ ) : إذا زوجه رجل امرأة فضولاً فزنى بأمها أو بنتها ثمَّ أجاز العقد فان قلنا بالكشف الحقيقي ، كان الزنا لاحقاً [٥]. وإن قلنا بالكشف الحكمي أو النقل كان سابقاً [٦]

______________________________________________________

[١] لأن الإشكال يكون من الوجهين السابقين معاً ، لكن عرفت أن الاشكال الأول ضعيف ، والثاني قوي.

[٢] ينبغي أن يكون من الواضحات. وكذا لو أدخل صاحب الذكر المقطوع ذكره في فرج امرأة لا يكون زانياً.

[٣] كما تقدمت الإشارة الى ذلك في المسألة السادسة والعشرين.

[٤] بل هو الأقوى. كما يقتضيه إطلاق الأدلة. كما عرفت في المسألة الواحدة والعشرين من الفصل السابق.

[٥] لتحقق الزوجية على هذا القول قبل الزنا.

[٦] تقدم الكلام فيه في نظير المقام. وتقدم أنه بناء على الكشف‌


( مسألة ٣٦ ) : إذا كان للأب مملوكة منظورة أو ملموسة له بشهوة حرمت على ابنه [١]. وكذا العكس على الأقوى فيهما. بخلاف ما إذا كان النظر أو اللمس بغير شهوة كما إذا كان للاختبار أو للطبابة أو كان اتفاقياً ، بل وإن أوجب شهوة أيضا [٢]. نعم لو لمسها لإثارة الشهوة ـ كما إذا مس فرجها أو ثديها أو ضمها لتحريك الشهوة ـ فالظاهر النشر [٣]

( مسألة ٣٧ ) : لا تحرم أم المملوكة الملموسة والمنظورة على اللامس والناظر على الأقوى [٤] ، وإن كان الأحوط‌

______________________________________________________

الانقلابي أيضاً يكون الزنا لاحقاً.

[١] تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثانية من هذا الفصل.

[٢] كما استظهر في الجواهر. لكنه خلاف النصوص كما تقدم.

[٣] كما لم يستبعده في الجواهر ، لإطلاق النصوص.

[٤] كما في القواعد ، بل هو ظاهر المشهور ، حيث اقتصروا على تحريم الأمة المنظورة والملموسة على أب الناظر وابنه ، ولم يتعرضوا لتحريم أمها وبنتها عليه. بل في الشرائع : « ومن نشر به الحرمة قصر التحريم على أب اللامس والناظر وابنه خاصة ، دون أم المنظورة أو الملموسة وبنتيهما ». نعم عن أبي علي والشيخ : القول بتحريمهما على الناظر. ولم يستبعده في الجواهر. وعن الشيخ : دعوى الإجماع عليه. وهو ممنوع كما في كشف اللثام. وقد استدل بالاحتياط ، ولكنه غير واجب في مقابل عمومات التحليل. وبالأخبار‌ فعن النبي (ص) : « لا ينظر الله تعالى الى رجل نظر الى فرج امرأة وابنتها » (١) ‌، و‌عنه (ص) : « من كشف قناع امرأة حرمت

__________________

(١) سنن البيهقي الجزء : ٧ صفحة : ١٧٠ وقريب منه في كنز العمال الجزء : ٨ حديث : ٥٠١٥.


الاجتناب. كما أن الأحوط اجتناب الربيبة الملموسة أو المنظورة أمها ، وإن كان الأقوى عدمه [١]. بل قد يقال : إن اللمس‌

______________________________________________________

عليه أمها وبنتها » (١) ‌، و‌صحيح محمد بن مسلم : « سئل أحدهما (ع) عن رجل تزوج امرأة فنظر الى رأسها وإلى بعض جسدها ، أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ، إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوج ابنتها » (٢). وفي كشف اللثام : « ونحوه أخبار أخر ». وكأنه أراد بها‌ خبر أبي الربيع قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل تزوج امرأة فمكث أياماً معها لا يستطيعها ، غير أنه قد رأى منها ما يحرم على غيره ، ثمَّ يطلقها ، أيصلح له أن يتزوج ابنتها؟ قال : أيصلح له وقد رأى من أمها ما رأى » (٣) ‌ونحوه موثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) (٤). لكن النبويين عاميان ضعيفان ، والأول قد أنكره المحدثون منهم ، كما قيل. ومورده النظر الى موضع خاص. ولا مجال للأخذ بإطلاقهما. وصحيح ابن مسلم‌ وما بعده واردة في الزوجة. فلا مجال للاستدلال بها على حكم الأمة.

[١] بل هو ظاهر الأصحاب ، حيث اشترطوا في تحريم الربيبة الدخول بأمها. كما يقتضيه ظاهر الكتاب المجيد ، لقوله تعالى ( فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (٥) ، و‌لصحيح العيص بن القاسم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل باشر امرأته وقبل غير أنه لم يفض إليها ، ثمَّ تزوج ابنتها. قال (ع) إن لم يكن أفضى إلى الأم

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانه من كنز العمال وسنن البيهقي.

(٢) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ملحق حديث : ٢.

(٥) النساء : ٢٣.


والنظر يقومان مقام الوطء في كل مورد يكون الوطء ناشراً للحرمة [١] ، فتحرم الأجنبية الملموسة أو المنظورة شبهة أو‌

______________________________________________________

فلا بأس ، وإن كان أفضى فلا يتزوج ابنتها » (١). نعم يعارض ذلك صحيح محمد بن مسلم‌ وموثقه‌ وخبر أبي الربيع‌ المتقدمة. لكن الأخيرين غير ظاهرين في الحرمة. والأول يمكن حمله على الكراهة. لكن في الجواهر قوى التحريم. وناقش في صحيح العيص‌ بأن الموجود في النسخة الصحيحة‌ « باشر امرأة » ‌بدل : « باشر امرأته » ‌فيكون محمولاً على الأجنبية ، فيبقى صحيح محمد بن مسلم‌ المعتضد بغيره من النصوص سالماً عن المعارض. وفيه : أن ظاهر الكتاب انحصار سبب التحريم بالدخول ، فلو كان المس سبباً للتحريم لكان الدخول لغواً ، لتقدم المس عليه دائماً. وكذلك النظر فإنه متقدم على الدخول غالباً إلا في الظلام والأعمى ونحوهما. فالبناء على محرمية النظر واللمس موجب لإلغاء سببية الدخول. فيكون الصحيح معارضاً للكتاب ، فلا مجال للعمل به. مع أن البناء على إطلاقه غير ممكن. وتقييده بما يكون عن شهوة ، ليس بأولى من حمله على الكراهة. ولو سلم التساوي فالمرجع الكتاب والنصوص المتفقة على انحصار سببية التحريم بالدخول لا غير. هذا مضافاً الى إعراض الأصحاب عن الصحيح المذكور ، وعدم تعرضهم لمضمونه ، فضلا عن الاعتماد عليه. ولأجل ذلك يظهر ضعف ما ذكره في الجواهر من كون النظر واللمس يقومان مقام الدخول المتمم لسبب المصاهرة ، وهو الملك والعقد. فكما تحرم أم المملوكة وبنتها بنظر المالك إليها ولمسه. كذلك تحرم أم المعقود عليها وبنتها بنظر العاقد إليها ولمسه فقد عرفت الاشكال عليه في المسألتين معاً. فلاحظ.

[١] قال في المسالك : « اختلف القائلون بأن الزنا ينشر حرمة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.


حراماً على الأب والابن ، وتحرم أمها وبنتها حرة كانت أو أمة. وهو وإن كان أحوط ، إلا أن الأقوى خلافه [١]. وعلى ما ذكر فتنحصر الحرمة في مملوكة كل من الأب والابن على الآخر إذا كانت ملموسة أو منظورة بشهوة [٢].

( مسألة ٣٨ ) : في إيجاب النظر أو اللمس الى الوجه والكفين إذا كان بشهوة نظر. والأقوى العدم [٣] ، وإن كان هو الأحوط.

______________________________________________________

المصاهرة في أن النظر إلى الأجنبية واللمس هل ينشر الحرمة فتحرم به الأم وإن علت ، والبنت وإن نزلت أم لا؟ هكذا نقله فخر الدين في شرحه. ولم نقف على القائل بالتحريم .. الى أن قال : وهو قول ضعيف جداً ، لا دليل عليه » وما ذكره قوي جداً. لاختصاص نصوص المحرمية بما إذا وقعا على الوجه الحلال بالأمة ، كما عرفت ، أو مع التعميم للزوجة ، كما سبق من الجواهر. فلا مجال للتعدي عن ذلك الى وقوعهما على الوجه الحرام في الأمة ـ كما لو نظر إليها المالك وهي مزوجة ـ فضلا عن الأجنبية.

[١] عملاً بأصالة الحل ، التي لم يثبت ما يستوجب الخروج عنها.

[٢] على الوجه المحلل ، كما أشرنا الى ذلك ، وقواه في الجواهر ، لاختصاص النصوص به ، فلو نظر إليها المالك كذلك وهي مزوجة ، أو قبل أن يتملكها ثمَّ تملكها لم تحرم على أبيه ، ولا على ابنه.

[٣] كما مال إليه في الجواهر ، لما سبق في صدر الفصل من اختصاص النصوص بالنظر واللمس المستتبعين لكشف أو تجريد أو نحوهما مما اشتملت عليه النصوص ، فلا تشمل مثل ذلك. وحينئذ يتعين الرجوع الى أصالة‌


( مسألة ٣٩ ) : لا يجوز الجمع بين الأختين في النكاح [١] دواماً أو متعة [٢] ، سواء كانتا نسبيتين أو رضاعيتين [٣].

______________________________________________________

الحل. نعم تقدم في الروايات محرمية التقبيل بشهوة. ولا يبعد التعدي إلى غيره من اللمس المتعلق بالوجه ، مثل وضع خده على خدها ، وقرصها ونحوهما. فاستثناء الوجه والكفين ينبغي أن يكون مختصاً بالنظر. فتأمل.

[١] إجماعاً. بل بإجماع علماء الإسلام كافة. ويشهد له صريح قوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (١) ، والنصوص المستفيضة بل المتواترة معنى ، ففي صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « قال : قضى أمير المؤمنين (ع) في أختين نكح أحدهما رجل ، ثمَّ طلقها وهي حبلى ، ثمَّ خطب أختها ، فجمعهما قبل أن تضع أختها المطلقة ولدها. فأمره أن يفارق الأخيرة حتى تضع أختها المطلقة ولدها ثمَّ يخطبها ، ويصدقها صداقاً مرتين » (٢). ونحوه غيره مما تأتي الإشارة إلى بعضه.

[٢] بلا إشكال ، لإطلاق الأدلة. و‌في صحيح البزنطي المروي في قرب الاسناد عن الرضا (ع) قال : « سألته عن رجل تكون عنده امرأة ، يحل له أن يتزوج أختها متعة؟ قال (ع) : » (٣) ‌، واما ما‌ في خبر منصور الصيقل عن ابي عبد الله (ع) « لا بأس بالرجل ان يتمتع أختين » (٤) ‌فلا بد ان يحمل على صورة التفريق ، وإلا فهو مطروح ، لمخالفته الأصحاب.

[٣] بلا إشكال ، ولا خلاف. ويقتضيه عموم : « يحرم من الرضاع

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.


وكذا لا يجوز الجمع بينهما في الملك مع وطئهما [١]. وأما الجمع‌

______________________________________________________

ما يحرم من النسب » (١). و‌في صحيح أبي عبيدة قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة » (٢). هذا وفي بعض النسخ زيادة : ( أو مختلفتين ). والظاهر انها غلط. وحمله على بعض المحامل البعيدة لا يظن من المصنف وقوعه ، مع عدم تعرضه لشرح ذلك.

[١] فاذا جمع بينهما في الملك فوطئ إحداهما حرم عليه وطء الأخرى. بلا خلاف ، كما في المسالك. واتفاقاً ، كما في كشف اللثام. وفي الجواهر : الإجماع بقسميه عليه. ويقتضيه قوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) بناء على إرادة الوطء. والنصوص ، كموثق الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : الرجل يشتري الأختين فيطأ إحداهما ، ثمَّ يطأ الأخرى بجهالة. قال (ع) : إذا وطئ الأخرى بجهالة لم تحرم عليه الأولى. وإن وطئ الأخيرة وهو يعلم انها عليه حرام حرمتا عليه جميعاً » (٣). و‌خبر عبد الغفار الطائي عن ابي عبد الله (ع) : « في رجل كانت عنده اختان فوطئ إحداهما ، ثمَّ أراد ان يطأ الأخرى. قال (ع) : يخرجها عن ملكه. قلت : الى من؟ قال (ع) : الى بعض اهله. قلت : فان جهل ذلك حتى وطئها. قال (ع) : حرمتا عليه كلتاهما » (٤). ونحوهما غيرهما. وقد يظهر من صحيح علي بن يقطين خلاف ذلك ، قال : « سألت أبا إبراهيم (ع) عن أختين مملوكتين وجمعهما. قال : تستقيم ، ولا

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١ من أبواب ما يحرم من الرضاع.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.


بينهما في مجرد الملك من غير وطء فلا مانع منه [١]. وهل يجوز الجمع بينهما في الملك مع الاستمتاع بما دون الوطء ، بأن لم يطأهما أو وطئ إحداهما واستمتع بالأخرى بما دون الوطء؟ فيه نظر. مقتضى بعض النصوص [٢] : الجواز وهو الأقوى. لكن الأحوط العدم.

______________________________________________________

أحبه لك » (١). وقريب منه غيره. لكن لا مجال للعمل به بعد الإجماع على خلافه.

[١] بلا إشكال نصاً وفتوى. وفي التذكرة والمسالك : الإجماع عليه. والنصوص الماضية والآتية دالة عليه.

[٢] هو‌ خبر عيسى بن عبد الله المروي عن تفسير العياشي قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عن أختين مملوكتين ينكح إحداهما ، أتحل له الأخرى؟ فقال (ع) : ليس ينكح الأخرى إلا فيما دون الفرج ، وإن لم يفعل فهو خير له. نظير تلك المرأة تحيض فتحرم على زوجها ان يأتيها في فرجها ، لقول الله عز وجل ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ) (٢) ، وقال ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ ) (٣) يعني : في النكاح فيستقيم للرجل أن يأتي امرأته وهي حائض فيما دون الفرج » (٤). لكن الخبر ضعيف ، ولا يصلح للخروج به عن ظاهر بعض النصوص والفتاوى من ان الأخت تكون حراماً بوطء أختها. فلاحظ موثق الحلبي المتقدم‌. وفي جامع المقاصد : « وإنما يحرم الجمع بينهما ( يعني : بين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٢) البقرة : ٢٢٢.

(٣) النساء : ٢٣.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١١.


( مسألة ٤٠ ) : لو تزوج بإحدى الأختين وتملك الأخرى ، لا يجوز له وطء المملوكة [١] إلا بعد طلاق المزوجة‌

______________________________________________________

الأختين ) في النكاح ، لعموم قوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) ، والمراد في النكاح ، كما يقتضيه سياق الآية ، فيتناول العقد والوطء ، وكذا توابع الوطء من الاستمتاعات ، فمتى وطئ أمته المملوكة حرمت عليه أختها بالملك ، فلو كانت الأخت مملوكة له حرم عليه الاستمتاع بها ما دامت الأولى في ملكه. ولا خلاف في ذلك ». وفي المسالك في الاستدلال على تحريم الثانية قال : « ولأن الجمع الحقيقي يمكن بالاستمتاع بما دون الوطء ، وإذا حرم ذلك حرم الوطء ، لعدم القائل بالفصل ». ونحوه في كشف اللثام. ولأجل ذلك يتعين ان يكون الأقوى تحريم سائر الاستمتاعات.

[١] كما نص عليه جماعة ، منهم في المسالك ، وكشف اللثام ، والجواهر. ويظهر منهم المفروغية منه. وكأنه بناء منهم على ان الجمع المحرم بين الأختين ما هو أعم من الجمع بالعقد والوطء ، فاذا ثبت أحدهما امتنع الآخر. ومقتضى الجمود على الأدلة اللفظية من الآية والرواية وإن كان الاقتصار على تحريم الجمع بين الأختين بالعقد ، وبين المملوكتين بالوطء. وأما الجمع بينهما بالعقد على إحداهما والوطء للأخرى فخارج عن مدلولهما. ومقتضى عموم الحل الجواز. إلا ان بناء الأصحاب على تحريم الجمع بالنحو المذكور. وكأنهم فهموا من التحريم في قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ). (١) تحريم مطلق الاستمتاع بها على النحو الخاص الذي يكون للرجال مع النساء ، لا تحريم العقد. نعم تحريم الاستمتاع المذكور يستوجب بطلان عقد الزوجية ، لأن قوامها ذلك النحو من الاستمتاع ،

__________________

(١) النساء : ٢٣.


وخروجها عن العدة إن كانت رجعية. فلو وطئها قبل ذلك‌

______________________________________________________

فاذا حرم امتنعت الزوجية ، وهي بخلاف الملكية ، فإنها ليست متقومة باستمتاع المالك ، فلا مانع من اعتبارها وإن حرم الاستمتاع ، ولذلك جاز ملك الأختين ، ولم يجز تزويج الأختين. وأما تحريم العقد تكليفاً فغير مستفاد من الآية ، بل إن ثبت فلا بد أن يكون لدليل آخر. وعليه فتحريم الجمع بين الأختين يستوجب تحريم الاستمتاع بهما سواء كان المحلل هو العقد ، أم الملك. فاذا عقد على إحداهما حل الاستمتاع بها ، فاذا ملك الأخرى حرم الاستمتاع بها ، لحرمة الجمع بين الأختين للاستمتاع.

نعم يبقى الإشكال في تعيين الثانية للتحريم ، دون الأولى ، مع أن الجمع إنما يكون بهما معا ، ونسبته إليهما على نحو واحد ، فلم لا تحرم الأولى وتحل الثانية؟! والتقدم الزماني لا أثر له في الترجيح.

فان قلت : التقدم الزماني إنما لا يكون له أثر في الترجيح عند تزاحم المقتضيات ـ مثل تزاحم الواجبين كصلاتين ، وصومين ، وصلاة وصوم ، ونحو ذلك ـ لا فيما نحن فيه ، إذ الحرام إنما هو الجمع بين الأختين ، والجمع إنما يكون بضم الثانية إلى الأولى ، فإذا حرم الجمع بين الأختين فقد حرم ضم الثانية إلى الأولى في الاستمتاع. وليس معنى ذلك إلا تحريم الثانية بعينها ، لأن الجمع إنما يكون بها ، لا بالأولى.

قلت : ليس معنى تحريم الجمع بين الأختين إلا تحريم الاستمتاع بهما معا ، وكما أن تحريم الثانية بعينها يتحقق به تحريم الجمع بينهما ، كذلك تحريم الأولى بعينها أيضاً يتحقق به تحريم الجمع بينهما ، فلا ميز بينهما في ذلك ، ولا مرجح لإحداهما على الأخرى. فإذاً العمدة في تعين الثانية للتحريم هو الاستصحاب ، لان تحريم الاولى بعد تملك الثانية رفع للحل السابق ، وتحريم الثانية إبقاء للتحريم. ومقتضى الاستصحاب عند الشك‌


فعل حراما. لكن لا تحرم عليه الزوجة بذلك [١]. ولا يحد حد الزنا بوطء المملوكة [٢] ، بل يعزر ، فيكون حرمة وطئها كحرمة وطء الحائض.

( مسألة ٤١ ) : لو وطئ إحدى الأختين بالملك ثمَّ تزوج الأخرى فالأظهر بطلان التزويج [٣] وقد يقال بصحته وحرمة وطء الأولى إلا بعد طلاق الثانية [٤].

______________________________________________________

في الترجيح شرعاً هو البناء على بقاء ما كان من تحليل الأولى ، وتحريم الثانية. فلا حظ.

[١] كما نص عليه في كشف اللثام ، وغيره. وفي الجواهر : « لم تحرم المنكوحة قطعاً ». وكأنه‌ لقوله (ص) : « الحرام لا يحرم الحلال » (١)

[٢] لاختصاصه بغير العقد والملك والشبهة. فلا يحد من وطئ زوجته وإن حرم وطؤها كالحائض والصائمة ، ولا من وطئ أمته وإن حرم وطؤها لحيض أو غيره. ومنه المقام. ولزوم الحد في وطء الأمة المزوجة للإجماع والنص. ويشير الى نفي الحد في المقام النصوص الآتية في المسألة الخامسة والأربعين.

[٣] لما عرفت في المسألة السابقة.

[٤] كما عن المبسوط ، والمختلف ، والتحرير. وظاهر المسالك : الميل اليه ، لكون التزويج أقوى من ملك اليمين ، لكثرة ما يتعلق به من الأحكام التي لا تلحق الملك ، كالطلاق ، والظهار ، والإيلاء ، والميراث ، وغيرها وهو كما ترى ، إذ الأحكام المذكورة لا تدل على الترجيح فيما نحن فيه ، ولا على رفع اليد عن الاستصحاب الذي قد عرفته.

__________________

(١) كنز العمال الجزء : ٨ حديث : ٤٠٦٤ والحديث منقول بالمعنى.


( مسألة ٤٢ ) : لو تزوج بإحدى الأختين ، ثمَّ تزوج بالأخرى بطل عقد الثانية [١] ، سواء كان بعد وطء الأولى أو قبله [٢]. ولا يحرم بذلك وطء الأولى [٣] وإن كان قد‌

______________________________________________________

[١] بلا إشكال ، ولا خلاف ، كما في الجواهر. وفي كشف اللثام : أنه قطعي. ويقتضيه ما عرفت من الاستصحاب. ويشهد له‌ صحيح زرارة بن أعين قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل تزوج امرأة في العراق ، ثمَّ خرج الى الشام فتزوج امرأة أخرى ، فإذا هي أخت امرأته التي بالعراق. قال (ع) : يفرق بينه وبين المرأة التي تزوجها بالشام. ولا يقرب المرأة العراقية حتى تنقضي عدة الشامية. قلت : فان تزوج امرأة ، ثمَّ تزوج أمها وهو لا يعلم أنها أمها. قال (ع) : قد وضع الله تعالى عنه جهالته بذلك. ثمَّ قال : إن علم أنها أمها فلا يقربها ولا يقرب الابنة حتى تنقضي عدة الام منه ، فاذا انقضت عدة الأم حل له نكاح الابنة » (١).

نعم‌ في صحيح ابن مسكان ، عن أبي بكر الحضرمي ، قال : « قلت لأبي جعفر (ع) : رجل نكح امرأة ، ثمَّ أتى أرضاً فنكح أختها ولا يعلم. قال (ع) يمسك أيتهما شاء ، ويخلي سبيل الأخرى » (٢). ولكن يتعين طرحه ، أو حمله على ما لا ينافي ما سبق ، كما عن الشيخ ، فحمله على أنه إذا أراد إمساك الأولى فليمسكها بالعقد الثابت المستقر ، وإن أراد إمساك الثانية فليطلق الأولى ، ثمَّ ليمسك الثانية بعقد مستأنف :

[٢] كما نص عليه الجماعة. ويقتضيه إطلاق النص ، والأصل ، والفتوى.

[٣] بلا إشكال. لأن الحرام لا يحرم الحلال.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.


دخل بالثانية. نعم لو دخل بها مع الجهل بأنها أخت الأولى يكره له وطء الأولى قبل خروج الثانية من العدة [١]. بل قيل : يحرم [٢] ، للنص الصحيح. وهو الأحوط.

( مسألة ٤٣ ) : لو تزوج بالأختين ولم يعلم السابق واللاحق ، فان علم تاريخ أحد العقدين حكم بصحته [٣] دون المجهول. وإن جهل تاريخهما حرم عليه وطؤهما [٤]. وكذا وطء إحداهما [٥] إلا بعد طلاقهما [٦] أو طلاق الزوجة‌

______________________________________________________

[١] كما صرح به جماعة. لأن العدة من علائق الزوجية ، كما في كشف اللثام. ولصحيح زرارة المتقدم بعد حمله على الكراهة ، بعد إعراض المعظم عنه.

[٢] حكي عن ظاهر نهاية الشيخ ، وعن ابني حمزة والبراج ، عملاً منهم بظاهر النص.

[٣] لأصالة عدم تزويج الأخرى إلى حينه ، المتمم لموضوع الصحة ، فإن العقد على الأخت إذا كان قد عقد على أختها باطل ، وإذا لم يعقد على أختها صحيح ، فموضوع الصحة مؤلف من العقد والقيد المذكور ، فاذا ثبت القيد بالأصل ثبتت الصحة ، ولا يجري مثل ذلك في مجهول التاريخ ، بناء على التحقيق ، كما ذكر في مباحث الخلل في الوضوء من هذا الشرح.

[٤] للعلم الإجمالي.

[٥] لوجوب الموافقة القطعية ، على ما هو التحقيق.

[٦] يعني : طلاق كل منهما برجاء انها زوجة ، وإلا فالاخرى ليست بزوجة كي تحتاج الى طلاق.


الواقعية منهما ثمَّ تزويج من شاء منهما بعقد جديد بعد خروج الأخرى من العدة [١] إن كان دخل بها أو بهما. وهل يجبر على هذا الطلاق دفعاً لضرر الصبر عليهما؟ لا يبعد ذلك [٢] ،

______________________________________________________

[١] لاحتمال أنها زوجة ، فلا يجوز تزويج أختها إلا بعد خروجها عن العدة إذا كان دخل بها ، وكان الطلاق رجعياً كما سيأتي.

[٢] كما جزم به في التذكرة. وفي القواعد : أنه أقرب. وتبعه في كشف اللثام. لكن في مبحث الولاية فيما إذا عقد الوليان مترتبين ونسي السابق منهما ، استشكل في الإلزام بالطلاق بأن الإجبار يوجب وقوعه عن إكراه ، وطلاق المكره باطل. وجعل الأقوى فسخ الحاكم ، وأجاب عنه غير واحد بأن الإكراه إنما يوجب البطلان إذا لم يكن إكراهاً على واجب ، وإلا فهو بمنزلة الاختيار. ووجوب الطلاق لأنه أحد عدلي الواجب التخييري المستفاد وجوبه من قوله تعالى في سورة البقرة. ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ، فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) ، وقوله تعالى منها ( وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) (١) وقوله تعالى في سورة الطلاق ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ ) (٢). لكن الظاهر من الآيتين الأخيرتين أن المراد من التسريح والفراق ترك الرجوع بها في العدة حتى تنتهي العدة ، لا الطلاق. وأما الآية الأولى : فالظاهر منها ذلك أيضا. لكن‌ في موثق الحسن بن فضال المروي في الفقيه عن الرضا (ع) ـ في حديث ـ : « إن الله عز وجل أذن في الطلاق مرتين ، فقال ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ، فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) يعني : في التطليقة الثالثة » (٣). و‌في رواية العياشي

__________________

(١) الآية : ٢٢٩ ، ٢٣١.

(٢) الآية : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ٧.


______________________________________________________

عن أبي عبد الله : « إن الله تعالى يقول ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ، فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) ، والتسريح هو التطليقة الثالثة » (١). ونحوها ما رواه العياشي عن أبي بصير‌ (٢) ، وسماعة بن مهران عن أبي عبد الله (ع) (٣). إلا أن ذلك خلاف ظاهر الآية المذكورة إلى تمامها وما بعدها ، وهو قوله تعالى ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ. فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ، فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ. وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا .. ) (٤) فان الظاهر ـ بعد ملاحظة ما ذكر بتمامه ـ أن المراد من التسريح ترك الرجوع بها كما هو الظاهر من الآيتين الأخيرتين والطلاق الثالث يشار اليه بقوله تعالى : ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ .. ).

وقد يستدل على وجوب الطلاق بما دل على نفي الحرج (٥) والضرر (٦)

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٤ من أبواب أقسام الطلاق حديث : ١٣.

(٤) البقرة : ٢٢٩ إلى ٢٣١.

(٥) مثل قوله تعالى ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة : ١٨٥ ، وقوله تعالى ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) المائدة : ٦ ، وقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج : ٧٨. وقد يدل عليه خبر عبد الأعلى مولى آل سام راجع الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٥.

(٦) راجع الوسائل باب : ١٧ من أبواب الخيار من كتاب البيع ، وباب : ٥ من كتاب الشفعة ، وباب ٧ ، ١٢ من كتاب إحياء الموات.


لقوله تعالى ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ). وربما يقال : بعدم وجوب الطلاق عليه ، وعدم إجباره ، وأنه يعين بالقرعة [١].

______________________________________________________

كما في كشف اللثام وغيره ، فان بقاء الزوجة على زوجيتها ضرر عليها وحرج ، وفيه : أن الضرر أو الحرج ليس من الزوجية ، بل من أحكام الزوجية بعد الاشتباه ، فدليل نفيهما يقتضي نفي تلك الاحكام. لكن ليس بناء الفقهاء عليه ، فلا يجوز الزنا للحرج ، ولا يجوز أكل مال الغير للحرج ، ولا يجوز شرب الخمر للحرج ، فلا يكون الحرج مجوزاً لفعل المحرمات عندهم ، وإن كان مجوزاً لترك الواجبات ، وإن كان الفرق بين الواجبات والمحرمات في ذلك غير ظاهر ، ومقتضى دليل نفيه نفي التحريم كنفي الوجوب. ومقتضى ذلك أنه يجوز لكل من الأختين أن يستمتع بها غير المعقود له رفعاً للحرج ، لا وجوب الطلاق على الزوج. وبما ذكرنا ظهر الفرق بين الضرر في المقام ، وبين الضرر في المعاملة المشتملة على الغبن. فان الضرر هناك من نفس المعاملة ، ومبادلة القليل بالكثير بخلاف المقام ، فان الضرر هنا يلزم من ثبوت أحكام الزوجية ، لا من نفس الزوجية. ولو سلم فمقتضى ذلك أن يكون للزوجة الخيار في الفسخ ، لا وجوب الطلاق على الزوج ، كما هو المدعى ، ولا سيما بملاحظة أن الطلاق يوجب الضرر على الزوج بنصف المسمى.

[١] هذا القول لم أقف على قائله. نعم في القواعد ، فيما لو زوجها الوليان من اثنين واشتبه السابق واللاحق ، احتمل القرعة. لكن قال : « ويؤمر من لم تقع له القرعة بالطلاق ويجدد من وقعت له النكاح ». واستدل له في جامع المقاصد وغيره بما‌ قالوه (ع) : « كل أمر مشكل فيه


وقد يقال : إن الحاكم يفسخ نكاحهما [١]. ثمَّ مقتضى العلم الإجمالي بكون إحداهما زوجة وجوب الإنفاق عليهما [٢] ما لم يطلق ، ومع الطلاق قبل الدخول نصف المهر لكل منهما ،

______________________________________________________

القرعة » (١). وأشكل عليه في جامع المقاصد : بأن القرعة لا مجال لها في الأمور التي هي مناط الاحتياط التام ، وهي الأنكحة التي تتعلق بها الأنساب ، والإرث ، والتحريم ، والمحرمية. وفيه : أن ذلك خلاف إطلاق دليل القرعة. نعم ليس بناء الأصحاب على العمل به في موارد الاحتياط كالشبهة المحصورة. لكن ذلك إذا لم يلزم منه محذور ، والمفروض لزومه. وقد ورد في نصوص القرعة ما تضمن مشروعيتها فيمن نزا على شاة في قطيع غنم وقد اشتبهت بغيرها. والمقام نظيره في لزوم الضرر من الاحتياط.

ومن ذلك يظهر توجه الاشكال على ما في القواعد : بأنه إذا عمل بالقرعة لم يكن وجه لأمر من وقعت له بالنكاح ، وأمر من لم تقع له بالطلاق. فان ذلك خلاف مقتضى القرعة. اللهم إلا أن تكون القرعة لتعيين من يؤمر بالطلاق أو النكاح ، لا لتعيين الزوجة. وهو كما ترى ، إذ لا دليل على هذا الأمر ، ليستخرج مورده بالقرعة ، بل أمر كل منهما بالطلاق أولى من أمر أحدهما به ، وأمر الآخر بالنكاح.

[١] هذا اختاره في القواعد في تزويج وليي المرأة من رجلين مع اشتباه السابق. وتبعه في جامع المقاصد. لان فيه دفع الضرر مع السلامة من ارتكاب الإجبار في الطلاق. وفيه : أن هذا المقدار لا يقتضي ولاية الحاكم على ذلك ، بل الاولى من ذلك ولايتها على الفسخ ، نظير المعاملة الغبنية.

[٢] لكن لزوم الضرر المالي من الاحتياط يوجب ارتفاعه ، وحينئذ يتعين الرجوع الى القرعة في تعيين المستحق للنفقة.

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١.


وإن كان بعد الدخول فتمامه [١]. لكن ذكر بعضهم أنه لا يجب عليه إلا نصف المهر لهما ، فلكل منهما الربع في صورة عدم الدخول [٢] ،

______________________________________________________

[١] عملا بالعلم الإجمالي. لكن عرفت إشكاله.

[٢] قال في القواعد : « فان اشتبه السابق منع منهما. والأقرب إلزامه بطلاقهما ، فيثبت لهما ربع المهرين ، مع اتفاقهما واختلافهما على إشكال ». ويحتمل أن قوله : « على إشكال .. » راجع الى أصل الحكم بقرينة قوله ـ بعد ذلك ـ : « ويحتمل القرعة في مستحق المهر ». ويحتمل أن يكون راجعاً إلى صورة اختلاف المهرين. لأنه مع اتفاق المهرين جنساً وقدراً ووصفاً يكون ربع مجموع المهرين عين نصف أحدهما ، فيكون تقسيمه على الأختين عملا بقاعدة العدل والانصاف. أما مع الاختلاف فالواجب نصف أحدهما ، وهو مخالف لربع مجموعهما ، فإيجاب الربع عليه يوجب إسقاط الواجب وإيجاب غيره. اللهم إلا أن تكون قاعدة العدل والانصاف مبنية على ذلك ، فكما أنه مع الاتفاق يلزم حرمان المستحق ، لعدم المرجح مع التردد ، فكذلك في صورة الاختلاف يلزم مع ذلك إعطاء غير الواجب. لعدم المرجح. فعدم المرجح الموجب للحرمان مع الاتفاق هو الموجب لإعطاء غير الواجب أيضا.

هذا ولأجل أن قاعدة العدل والانصاف لا دليل ظاهر عليها إلا ما يتراءى من كلام غير واحد من حكم العقل بذلك ، لعدم المرجح ، وقد يشير اليه التعبير عنها بقاعدة العدل والانصاف. أو من جهة النصوص الواردة في الموارد المتعددة ، المتضمنة للتنصيف.

والأول غير ظاهر ، فان عدم المرجح كما يقتضي جواز التنصيف ، يقتضي التخيير ، نظير ما ذكروه في مسألة الدوران بين الوجوب والحرمة ، من أن التخيير استمراري ، وأن حكم العقل بالتخيير ابتداء بعينه يقتضي‌


التخيير ثانياً ، وأنه لا فرق في نظر العقل بين احتمال الموافقة المقرون باحتمال المخالفة ، وبين القطع بالمخالفة المقرون بالقطع بالموافقة. ففي المقام تخصيص أحد الشخصين بتمام المال يوجب الموافقة الاحتمالية المقرونة بالمخالفة الاحتمالية ، والتوزيع يوجب الموافقة القطعية المقرونة بالمخالفة القطعية. ولا فرق بينهما في نظر العقل.

والثاني أيضا : غير ظاهر ، لأن ما ورد [*] في الموارد الخاصة المذكورة‌

______________________________________________________

[*] مثل رواية عبد الله بن المغيرة ، عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « في رجلين كان معهما درهمان ، فقال أحدهما : الدرهمان لي ، وقال الآخر : هما بيني وبينك. فقال : أما الذي قال : هما بيني وبينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له ، وأنه لصاحبه ، ويقسم الآخر بينهما » (١) ، ورواية السكوني عن الصادق (ع) عن أبيه : « في رجل استودع رجلا دينارين فاستودعه آخر دينار. فضاع دينار منهما. فقال (ع) : يعطى صاحب الدينارين دينارا ، ويقسم الآخر بينهما نصفين » (٢). ورواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) : « في رجلين اختصما في دابة في أيديهما‌ .. الى أن قال : فقيل له : فلو لم تكن في يد واحد منهما ، وأقاما البينة.فقال : أحلفهما ، فأيهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف. فان حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين » (٣) ، ورواية غياث بن إبراهيم : « لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين » (٤) ونحوهما رواية تميم بن طرفة (٥). ورواية يونس بن يعقوب عن ابي عبد الله (ع) : « في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة. قال : ما كان من متاع النساء فهو المرأة ، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما » (٦) ‌، ورواية رفاعة : « وما يكون الرجال والنساء قسم

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الصلح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب الصلح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب كيفية القضاء حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ١٢ من أبواب كيفية القضاء حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ١٢ من أبواب كيفية القضاء حديث : ٤.

(٦) الوسائل باب : ٨ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ٣.


وتمام أحد المهرين لهما في صورة الدخول. والمسألة محل إشكال كنظائرها من العلم الإجمالي في الماليات.

( مسألة ٤٤ ) : لو اقترن عقد الأختين بأن تزوجهما بصيغة واحدة ، أو عقد على إحداهما ووكيله على الأخرى في زمان واحد ـ بطلا معاً [١]. وربما يقال : بكونه مخيراً في‌

______________________________________________________

في كتاب الصلح‌ ، وفي كتاب القضاء ‌، وغيرهما‌ ، لا يمكن التعدي من مورده الى غيره. وليس فيه إشارة إلى قاعدة كلية. مع ثبوت خلافها في بعض مواردها ، وفي موارد أخرى ، كما يظهر ذلك من ملاحظة مواردها وباب إرث الغرقى والمهدوم عليهم. فالبناء عليها غير ظاهر. ولأجل ذلك يتعين الرجوع الى القرعة ـ كما احتمله في القواعد ، وجعله في جامع المقاصد وكشف اللثام : أقوى. وفي الجواهر : لعله الأقوى ـ عملا بعموم أدلتها.

ثمَّ إنه لو بني على التوزيع فلا بد من ملاحظة النسبة بين المهرين فاذا كان مهر إحداهما عشرة ، ومهر الثانية ثلاثين ، وبني على توزيع ربع المهرين كان اللازم إعطاء الأولى اثنين ونصفا وإعطاء الثانية سبعة ونصفا ، لا توزيع ربع الأربعين بينهما بالسوية. يظهر ذلك بالتأمل.

[١] كما نسب الى المبسوط ، وابني حمزة وإدريس ، بل الى أكثر المتأخرين أيضا. واختاره في الشرائع ، لبطلان العقد بالنسبة إليهما معا اتفاقاً ، فصحته بالنسبة إلى إحداهما بعينها ترجيح بغير مرجح بينهما » (١) ‌، ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (ع) : « في رجل أقر عند موته لفلان وفلان ، لأحدهما عندي ألف درهم ، ثمَّ مات على تلك الحال. فقال علي (ع) : أيهما أقام البينة فله المال ، وإن لم يقم واحد منهما البينة فالمال بينهما نصفان » (٢). منه 1.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب أحكام الوصايا حديث : ١.


اختيار أيهما شاء [١] ، لرواية [٢] محمولة على التخيير بعقد جديد [٣] ولو تزوجهما وشك في السبق والاقتران حكم ببطلانهما أيضا [٤].

______________________________________________________

[١] نسب في الجواهر ذلك الى الشيخ واتباعه. وفي كشف اللثام إلى النهاية والمهذب والجامع والمختلف.

[٢] يريد بها‌ صحيحة جميل ، المروية في الفقيه عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل تزوج أختين في عقدة واحدة. قال (ع) : يمسك أيتهما شاء ، ويخلي سبيل الأخرى. وقال! في رجل تزوج خمساً في عقدة واحدة ، قال (ع) : يخلي سبيل أيتهن شاء » (١). وفي الشرائع رمى الرواية بالضعف. وهو كما ذكر على رواية الكافي‌ (٢) ، للإرسال ، لأنها رواها عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما (ع). وعلى رواية التهذيب‌ (٣) ، لذلك أيضا ، ولأن في طريقه الى جميل علي بن السندي وهو مجهول. لكن عرفت رواية الفقيه لها بطريق صحيح. ومقتضى القاعدة الأخذ وتخصيص القاعدة بها.

[٣] هذا الحمل لا دليل عليه ، ولا داعي إليه ، إذ لا مانع من تخصيص القواعد العامة ، بل قد اشتهر ذلك حتى قيل : ما من عام إلا وقد خص. وفي كشف اللثام : « ان الخبر وإن كان صحيحاً ، لكنه ليس نصاً في المدعى. لاحتمال أن يراد يمسك أيتهما شاء بتجديد العقد ، فحينئذ لا يكون الخيار معيناً » وهو كما ترى ، إذ لا يعتبر في المخصص أن يكون نصاً بل يكفي في تخصيصه للقواعد أن يكون ظاهراً ، فان الظاهر حجة كالنص.

[٤] لعدم إمكان إحراز السبق بالأصل ، وإن كان بمعنى عدم سبق‌

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه الجزء : ٣ صفحة : ٢٦٥ طبعة النجف الحديثة ، الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ملحق حديث : ٢.


( مسألة ٤٥ ) : لو كان عنده اختان مملوكتان فوطئ إحداهما حرمت عليه الأخرى [١] حتى تموت الأولى أو يخرجها عن ملكه [٢] ببيع أو صلح أو هبة أو نحوهما ، ولو‌

______________________________________________________

العقد على الأخت ولا مقارنته ، لأن الأصل المثبت لذلك متعارض فيهما ، فان كل واحد منهما يصح أن يقال : العقد عليها لم يكن مسبوقا بالعقد على أختها ، ولا مقارنا له. وأصالة صحة العقد بالنسبة الى كل واحد منهما أيضا متعارضة. فيتعين الرجوع الى أصالة عدم ترتب الأثر فيهما معا. هذا إذا كان الشك في السبق والاقتران بالنسبة الى كل منهما. أما إذا كان بالنسبة إلى واحدة منهما بعينها ، دون الأخرى ، بأن تردد في العقد على هند بين كونه سابقاً ومقارناً ، وفي عقد زينب بين أن يكون لاحقاً ومقارناً. فقد علم ببطلان العقد على زينب ، إما لمقارنته ، أو للحوقه ، فلا يكون مجرى للأصول الموضوعية والحكمية. فلا مانع من جريانها بالنسبة إلى عقد هند ، فيقال : إنه لم يسبق بالعقد على الأخت ، ولم يقترن به ، كما يقال : إنه صحيح لأصالة الصحة.

[٢] إجماعاً كما تقدم في المسألة التاسعة والثلاثين.

[٣] فتحل حينئذ بلا إشكال ، ولا خلاف. ويقتضيه عمومات الحل بعد انتفاء صدق الجمع بين الأختين. مضافا الى‌ صحيح عبد الله بن سنان قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إذا كانت عند الرجل الأختان المملوكتان ، فنكح إحداهما ، ثمَّ بدا له في الثانية فنكحها ، فليس ينبغي له أن ينكح الأخرى حتى تخرج الاولى من ملكه ، يهبها ، أو يبيعها. فان وهبها لولده يجزيه » (١). ونحوه ما تقدم في خبر الطائي‌ (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) راجع المسألة : ٣٩ من هذا فصل.


بأن يهبها من ولده. والظاهر كفاية التمليك الذي له فيه الخيار [١] ، وإن كان الأحوط اعتبار لزومه. ولا يكفي ـ على الأقوى ـ ما يمنع من المقاربة مع بقاء الملكية [٢] ، كالتزويج للغير ، والرهن ، والكتابة ، ونذر عدم المقاربة ، ونحوها. ولو وطئها من غير إخراج للأولى لم يكن زنا [٣] ،

______________________________________________________

[١] لإطلاق الأدلة. لكن في القواعد : « وفي اشتراط اللزوم إشكال ». وفي التذكرة : « ولو باع بشرط الخيار فكل موضع يجوز للبائع الوطء لا تحل فيه الثانية ». وكأن ذلك من جهة دعوى ظهور النص في الخروج عن الملك على وجه يستوجب حرمة الوطء ، ومع عدم اللزوم يحل الوطء. وفيه : أن الحل إنما يكون بالفسخ ، لا بلا واسطة. كما أنه مع اللزوم أيضا يحل الوطء بالشراء ، أو الاستيهاب ، أو الاستحلال ، مع التمكن من ذلك ، بلا فرق بين المقامين ، فاللازم عدم الفرق بينهما في حل الثانية.

[٢] قال في القواعد : « وفي الاكتفاء بالتزويج ، أو الرهن ، أو الكتابة إشكال ». وفي التذكرة : « يكفي التزويج ، لان التحريم يحصل به. فان رهنها لم تحل الأخت ، لأن منعه من وطئها لحق المرتهن لا لتحريمها ، ولهذا تحل بإذن المرتهن في وطئها. ولأنه يقدر على فكها متى شاء واسترجاعها اليه. ولو حرم إحداهما باليمين على نفسه لم تبح الأخرى لأن هذا لا يحرمها ، وإنما هو يمين مكفر .. الى أن قال : ولو كاتب إحداهما حلت له الأخرى. وهو قول الشافعية. لأنها حرمت عليه بسبب لا يقدر على رفعه ، فأشبه التزويج ». وفيه : أن المستفاد من الأدلة أن التحليل إنما يكون بالخروج عن الملك ، وهو غير حاصل في الفروض المذكورة. مع أن المناقشة في التعليلات المذكورة ظاهرة.

[٣] لما تقدم في المسألة التاسعة والثلاثين.


فلا يحد ويلحق به الولد [١]. نعم يعزر.

( مسألة ٤٦ ) : إذا وطئ الثانية بعد وطء الأولى حرمتا عليه مع علمه بالموضوع والحكم [٢]. وحينئذ فإن‌

______________________________________________________

[١] لأنه فراش ، إذ المراد منه ما يقابل العاهر ، وهو الزاني.

[٢] أما حرمة الثانية : فلما تقدم. وقد عرفت أنه لا إشكال فيها ، وإن كان قد يظهر مما في الشرائع من قوله : « أما إذا وطئها ( يعني : الثانية ) قيل : حرمت الاولى حتى تخرج الثانية عن ملكه » وجود القائل بحلية الثانية بعد وطئها ، واختصاص التحريم بالأولى. لكن في المسالك : « لم نعرف قائله ، ولا من نقله ، غير المصنف ». ونحوه في الجواهر. وربما يستدل له‌ بخبر معاوية بن عمار قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل كانت عنده جاريتان أختان ، فوطئ إحداهما ثمَّ بدا له في الأخرى. قال (ع) : يعتزل هذه ويطأ الأخرى. قلت : فإنه تنبعث نفسه للأولى. قال (ع) : لا يقربها حتى تخرج تلك من ملكه » (١). لكنه لا يدل على ذلك ، وإنما يدل على حلية الثانية بمجرد الاعتزال عن الاولى ، الذي قد عرفت أنه خلاف النص ، والفتوى ، بل الإجماع. وأما حرمة الأولى بعد وطء الثانية : فيشهد به‌ خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) ـ في حديث ـ قال : « سألته عن رجل عنده أختان مملوكتان ، فوطئ إحداهما ، ثمَّ وطئ الأخرى. فقال (ع) : إذا وطئ الأخرى فقد حرمت عليه الاولى حتى تموت الأخرى. قلت : أرأيت إن باعها فقال (ع) : إن كان إنما يبيعها لحاجة ، ولا يخطر على باله من الأخرى شي‌ء فلا أرى بذلك بأسا. وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الاولى فلا » (٢). ونحوه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل في باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٩.


أخرج الأولى عن ملكه حلت الثانية مطلقاً [١] ، وإن كان ذلك بقصد الرجوع إليها [٢]. وإن أخرج الثانية عن ملكه يشترط في حلية الاولى أن يكون إخراجه لها لا بقصد الرجوع الى الاولى [٣] ، وإلا لم تحل. وأما في صورة الجهل بالحرمة موضوعاً أو حكماً فلا يبعد بقاء الاولى على حليتها والثانية على حرمتها [٤] ، وإن كان الأحوط عدم حلية الأولى إلا‌

______________________________________________________

مصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) (١) وموثق علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم‌ (٢) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) (٣). ففي صحيح الحلبي‌ التصريح بحرمتهما جميعاً بعد وطء الثانية عمداً.

[١] كما سبق في المسألة السابقة.

[٢] للإطلاق.

[٣] كما عرفت التقييد به من النصوص.

[٤] كما حكاه في الشرائع قولا لبعض ، أخذاً بظاهر‌ صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : الرجل يشتري الأختين فيطأ إحداهما ، ثمَّ يطأ الأخرى بجهالة. قال (ع) : إذا وطئ الأخيرة بجهالة لم تحرم عليه الأولى ، وإن وطئ الأخيرة وهو يعلم أنها عليه حرام حرمتا عليه جميعا » (٤). ولا ينافي ذلك ما‌ في خبر عبد الغفار الطائي ، فإن ما فيه من قوله : « قلت : فان جهل ذلك حتى وطئها‌ ( يعني : الثانية ).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ملحقا حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.


______________________________________________________

قال (ع) : حرمتا عليه كلتاهما » (١) ‌ظاهر في حرمة الأولى مع وطء الثانية جهلا ، لإمكان الجمع بالحمل على الكراهة. وهو أقرب مما ذكره في الجواهر من حمل صحيح الحلبي على أن المراد أنه لم تحرم عليه الأولى في حال الجهل كما تحرم في حال العلم ، فإنه في حال العلم لا ترتفع الحرمة إلا بإخراج الثانية عن الملك لا بقصد الرجوع الى الأولى ، أما في حال الجهل فيكفي خروج الثانية عن الملك ولو بقصد الرجوع الى الأولى ، وتحل الاولى بذلك. بل هو بعيد جداً وليس من الجمع العرفي أصلا ، وإن حكي عن النهاية ، وتبعه عليه في المختلف وجامع المقاصد وغيرهما ، فلو فرض تعين الجمع المذكور بينهما فاللازم إجراء حكم التعارض ، والترجيح للصحيح ، بل في حجية خبر الطائي‌ في نفسه إشكال ، لضعفه.

ومن ذلك يظهر ضعف ما ذكره في الشرائع ، ونسبه في المسالك الى أكثر المتأخرين ، بل هو ظاهر المبسوط من أن الثانية تحرم على التقديرين ـ أي : العلم والجهل ـ دون الأولى ، فإنها تبقى على الحل. فإنه مخالف لجميع النصوص على اختلاف مفادها. وأما الأصل ، واختصاص أدلة المنع من الجمع بين الأختين بالأخيرة ، وقاعدة : « الحرام لا يحرم الحلال » فلا تصلح لمعارضة النصوص المعتبرة سنداً ، ودلالة ، ولا يستوجب طرحها.

وقريب منه في الضعف التفصيل بين وطء الثانية جهلا فلا تحرم الاولى ، ووطئها عمداً فتحرم الاولى ، ولكن تحل بخروج الثانية عن الملك ، ولو بقصد الرجوع الى الأولى. فإنه وإن كان موافقاً لبعض النصوص ، لكنه مخالف لبعضها الآخر الصريح في تقييد حل الاولى بخروج الثانية عن الملك بما إذا لم يكن بقصد الرجوع الى الاولى.

والمتحصل : أن الأقوال في وطء الثانية بعد وطء الاولى خمسة :

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.


بإخراج الثانية ولو كان بقصد الرجوع الى الأولى [١]. وأحوط من ذلك كونها كصورة العلم [٢].

______________________________________________________

الأول : حرمة الثانية دون الاولى. اختاره في الشرائع والقواعد وغيرهما. الثاني : حرمة الأولى دون الثانية ، على ما حكاه في الشرائع قولا. الثالث : حرمة الاولى مع العلم ، ولا تحل إلا بإخراج الثانية عن الملك لا بقصد العود إلى الاولى. ومع الجهل لا تحرم الاولى ، كما حكاه في الشرائع قولا ، وحكاه في كشف اللثام عن ابن حمزة ، وجعله أقوى من قول الشيخ. وهو الذي اختاره في المتن. الرابع : القول المذكور بعينه ، لكن مع الجهل تحرم الاولى وتحل بإخراج الثانية عن ملكه. ولو بنية العود إلى الأولى. اختاره في النهاية. وتبعه عليه جماعة ، منهم صاحب الجواهر. الخامس : أنه إن كان عالماً حرمت عليه الاولى حتى تخرج الثانية عن ملكه مطلقاً. وإن كان جاهلا لم تحرم. وهذا القول حكاه في التهذيب قولا ، ولم يعرف قائله. ومن ذلك يظهر أن الأقوال في التفصيل بين العلم والجهل ثلاثة.

والمتحصل من الأدلة هو القول الثالث ، المختار في المتن. أما القولان الأولان : فهما منافيان لجميع النصوص المشتملة على التفصيل بين العلم والجهل ، وللنصوص المتضمنة أنه إذا وطئ الثانية حرمتا جميعاً. وأما الرابع : فمناف لنصوص التفصيل بين العلم والجهل والحرمة في الأول والحل في الثاني ، من دون وجه ظاهر ، غير خبر الطائي‌ الذي هو مع ضعف سنده ، يمكن الجمع بينه وبينهما بالحمل على الكراهة. وأما الخامس : فمناف لخبر الكناني وما بمضمونه من النصوص الكثيرة. من دون وجه ظاهر. فلاحظ.

[١] كما يقتضيه إطلاق القول الثاني والرابع.

[٢] يعني : فلا تحل الأولى إلا بإخراج الثانية عن ملكه لا بقصد الرجوع الى الأولى. لكن هذا الاحتمال لا قائل به.


( مسألة ٤٧ ) : لو كانت الأختان كلتاهما أو إحداهما من الزنا فالأحوط لحوق الحكم من حرمة الجمع بينهما [١] في النكاح ، والوطء إذا كانتا مملوكتين.

( مسألة ٤٨ ) : إذا تزوج بإحدى الأختين ثمَّ طلقها طلاقا رجعياً لا يجوز له نكاح الأخرى إلا بعد خروج الأولى عن العدة [٢]. وأما إذا كان بائنا بأن كان قبل الدخول ، أو ثالثا‌

______________________________________________________

[١] وإن كان خلاف المتسالم عليه عندهم من نفي النسب بالزنا ، كما يقتضيه‌ قوله (ص) : « الولد للفراش ، وللعاهر الحجر » (١) ‌، فان الظاهر منه أنه وارد في مقام بيان الحكم الواقعي من نفي النسب عن العاهر واقعا. ويشير اليه ما‌ في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال أيما رجل وقع على وليدة قوم حراماً ، ثمَّ اشتراها ، فادعى ولدها ، فإنه لا يورث منه شي‌ء ، فان رسول الله (ص) قال : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر. ولا يورث ولد الزنا ، إلا رجل يدعي ابن وليدته » (٢) ‌فان قوله : « ولا يورث ولد الزنا » ‌كالصريح في ولد الزنا الواقعي. ونحوه غيره. لكن المستفاد من بعض الروايات ، ومن مذاق الشرع الأقدس : أن حرمة النكاح والوطء تابعة للنسب العرفي. فلاحظ ما ورد في الاستنكار لان يكون أولاد آدم قد تزوجوا أخواتهم. وأن تحريم النكاح من الأحكام الإنسانية ، لا من الأحكام الشرعية تعبداً.

[٢] بلا خلاف ، كما في الجواهر ، لأنها بمنزلة الزوجة. ويقتضيه‌ خبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن رجل اختلعت منه امرأته ، أيحل له أن يخطب أختها قبل أن تنقضي عدتها؟

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب ميراث ولد الملاعنة حديث : ١ ، ٤.

(٢) الوسائل باب : ٧٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.


أو كان الفراق بالفسخ لأحد العيوب ، أو بالخلع ، أو المبارأة جاز له النكاح الأخرى [١]. والظاهر عدم صحة رجوع الزوجة في البذل بعد تزويج أختها [٢] ، كما سيأتي في باب الخلع إن شاء الله. نعم لو كان عنده إحدى الأختين بعقد الانقطاع وانقضت المدة لا يجوز له ـ على الأحوط ـ نكاح أختها في عدتها وإن كانت بائنة ، للنص الصحيح [٣].

______________________________________________________

قال : إذا برئت عصمتها منه ولم يكن له عليها رجعة فقد حل له أن يخطب أختها » (١) ‌، و‌خبر زرارة عن أبي جعفر (ع) : « في رجل طلق امرأته وهي حبلى ، أيتزوج أختها قبل أن تضع؟ قال (ع) : لا يتزوجها حتى يخلو أجلها ( بطنها خ ل ) » (٢) ‌بناء على حمله على الطلاق الرجعي ، جمعاً بينه وبين ما قبله.

[١] بلا خلاف ظاهر. ويقتضيه خبر الكناني المتقدم‌. مضافاً الى عمومات الحل بعد عدم كونه جمعا بين الأختين.

[٢] لما يستفاد من نصوص جواز رجوع المختلعة بالبذل من كونه أشبه بالمعاوضة بينه وبين رجوع الزوج بها ، فاذا تعذر الثاني ـ للزوم الجمع بين الأختين أو نحو ذلك من موانع الرجوع ـ تعذر الأول أيضا.

[٣] وهو ما‌رواه في التهذيب بإسناده عن الحسين بن سعيد قال : « قرأت في كتاب رجل الى أبي الحسن الرضا (ع) : الرجل يتزوج المرأة متعة إلى أجل مسمى ، فينقضي الأجل بينهما ، هل يحل له أن ينكح أختها من قبل أن تنقضي عدتها؟ فكتب (ع) : لا يحل له أن يتزوجها حتى

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.


والظاهر أنه كذلك إذا وهب مدتها [١] ، وإن كان مورد النص انقضاء المدة.

( مسألة ٤٩ ) : إذا زنى بإحدى الأختين جاز له نكاح الأخرى في مدة استبراء الأولى. وكذا إذا وطئها شبهة جاز له نكاح أختها في عدتها ، لأنها بائنة. نعم الأحوط اعتبار الخروج عن العدة [٢] ، خصوصاً في صورة كون الشبهة من طرفه‌

______________________________________________________

تنقضي عدتها » (١). ونحوه ما رواه في الفقيه أيضا عن علي بن أبي حمزة‌ (٢) ، وما رواه في الكافي عن يونس‌ (٣) ، وما رواه أحمد بن محمد ابن عيسى في نوادره‌ (٤). وعن نهاية المرام : أن العمل به متعين. لكن في السرائر : « وهي رواية شاذة ، مخالفة لأصول المذهب ، لا يلتفت إليها ولا يجوز التعريج عليها ». ولأجل ذلك توقف في المتن عن الفتوى بمضمونها. بل إعراض الأصحاب عنها موجب لسقوطها عن الحجية ، فلا مجال للخروج عن القواعد المقتضية للجواز.

[١] لأجل أن المفهوم عرفاً : أن موضوع الحكم العدة الموجبة للعلقة ، وليس لانقضاء الأجل خصوصية في ذلك.

[٢] كأن الوجه في الاحتياط المذكور الخبر الآتي بناء على عدم فهم خصوصية مورده.

__________________

(١) التهذيب الجزء : ٧ صفحة ٢٨٧ طبعة النجف الحديثة ، الوسائل باب : ٢٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الملحق الثالث للحديث : ١.

(٢) من لا يحضره الفقيه الجزء : ٣ صفحة : ٢٩٥. الوسائل باب : ٢٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الملحق الأول للحديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الملحق الرابع للحديث : ١.


والزنا من طرفها من جهة الخبر [١] الوارد في تدليس الأخت التي نامت في فراش أختها بعد لبسها لباسها.

( مسألة ٥٠ ) : الأقوى جواز الجمع بين فاطميتين [٢]

______________________________________________________

[١] وهو‌ صحيح بريد العجلي قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل تزوج امرأة فزفتها إليه أختها ، وكانت أكبر منها ، فأدخلت منزل زوجها ليلا ، فعمدت الى ثياب امرأته فنزعتها منها ، ولبستها ، ثمَّ قعدت في حجلة أختها ونحت امرأته وأطفأت المصباح ، واستحيت الجارية أن تتكلم ، فدخل الزوج الحجلة فواقعها ، وهو يظن أنها امرأته التي تزوجها ، فلما أن أصبح الرجل قامت إليه امرأته ، فقالت : أنا امرأتك فلانة التي تزوجت ، وان أختي مكرت بي فأخذت ثيابي فلبستها ، وقعدت في الحجلة ، ونحتني ، فنظر الرجل في ذلك فوجد كما ذكر. فقال : أرى أن لا مهر للتي دلست نفسها. وأرى أن عليها الحد لما فعلت حد الزاني غير محصن. ولا يقرب الزوج امرأته التي تزوج حتى تنقضي عدة التي دلست نفسها ، فاذا انقضت عدتها ضم إليه امرأته » (١). وهذا الصحيح نظير ما قبله يظهر من الأصحاب إعراضهم عنه ، لعدم تعرضهم لمضمونه. فالعمل به غير ظاهر. مع أن مورده وطء الزوجة قبل خروج أختها الموطوءة شبهة من عدتها ، وهو غير ما نحن فيه. اللهم إلا أن يستفاد منه حكم ما نحن فيه ، لعدم الفرق.

[٢] كما هو المعروف بين الأصحاب ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه ، وفي الجواهر : « لم أجد أحدا من قدماء الأصحاب ولا متأخريهم ذكر ذلك في المكروهات ، فضلا عن المحرمات المحصورة في ظاهر بعض وصريح آخر في غيره ». وقال في الحدائق : « هذه المسألة لم يحدث فيها الكلام‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب العيوب والتدليس حديث : ١.


على كراهة. وذهب جماعة من الاخبارية إلى الحرمة والبطلان بالنسبة إلى الثانية [١]. ومنهم من قال بالحرمة دون البطلان فالأحوط الترك [٢]. ولو جمع بينهما فالأحوط طلاق الثانية أو طلاق الاولى وتجديد العقد على الثانية بعد خروج الاولى عن العدة ، وإن كان الأظهر على القول بالحرمة عدم البطلان لأنها تكليفية ، فلا تدل على الفساد [٣]. ثمَّ الظاهر عدم‌

______________________________________________________

إلا في هذه الأعصار الأخيرة. وإلا فكلام المتقدمين من أصحابنا رضوان الله عليهم والمتأخرين خال من ذكرها والتعرض لها. وقد اختلف فيها الكلام وكثر النقض والإبرام بين علماء عصرنا ، ومن تقدمه قليلا ، فما بين من جزم بالتحريم ، ومن جزم بالحل ، ومن توقف في ذلك :

[١] يظهر ذلك من الحدائق ، حيث قال : « والتحقيق : أن هذه المسألة مثل مسألة الجمع بين الأختين حذو النعل بالنعل. وحينئذ فالمخرج منها هنا كما تقدم ثمة ، وهو أن يفارق الثانية ، وإن طلقها فهو أولى ». ولم أعرف من وافقه على ذلك.

[٢] يظهر ذلك من الشيخ جعفر بن كمال الدين ، ولم يتحقق لدي موافق له على ذلك. نعم نسب الى الشيخ سليمان البحراني ، فقد حكي عنه أنه أمر رجلاً بطلاق إحدى نسائه ، وكانت عنده فاطميتان. ونسب إليه أيضا التوقف ، كما نسب الى الحر العاملي ، وهو ظاهر الوسائل ، حيث قال : « باب حكم الجمع بين اثنتين من ولد فاطمة (ع) ». وكيف كان فالقائل بالحرمة والبطلان أو بالحرمة فقط نادر من الأخباريين. ونسبته إلى جماعة منهم غير ظاهرة.

[٣] أما أنها تكليفية على تقديرها : فلأجل التعليل في الخبر بالمشقة ،


الفرق في الحرمة أو الكراهة بين كون الجامع بينهما فاطمياً أو لا [١]. كما أن الظاهر اختصاص الكراهة أو الحرمة بمن كانت فاطمية من طرف الأبوين أو الأب ، فلا تجري في المنتسب إليها ـ صلوات الله عليها ـ من طرف الأم [٢]. خصوصاً إذا كان انتسابها إليها بإحدى الجدات العاليات. وكيف كان فالأقوى عدم الحرمة ، وإن كان النص الوارد في المنع صحيحاً ، على ما‌

______________________________________________________

رواه الصدوق في العلل بإسناده عن حماد [٣] قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : لا يحل لأحد أن يجمع بين اثنتين من ولد فاطمة (ع) ، إن ذلك يبلغها‌ المحمولة على الإيذاء المحرم. لا لأجل القصور في موضوع العقد ، لتدل على الفساد.

[١] لاطلاق النص الآتي.

[٢] هذا يتم لو كان موضوع المنع الفاطميتين. لكن الموضوع من كان من ولد فاطمة ، وهو يصدق على من تولد منها ، ولو من البنات. كما ذكره في الجواهر ، وجعله من جملة وجوه الإشكال في الخبر ، لأنه لا يخلو منه كثير من الناس ، بل أكثر الناس. ولعله لذلك خص المصنف (ره) الحكم بغيره.

[٣] رواه عن محمد بن علي ماجيلويه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن ابي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن حماد ، قال : « سمعت .. » (١) ‌و‌رواه الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن ، عن السندي بن الربيع ( عن علي بن السندي عن محمد بن الربيع. خ ) عن

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ملحق حديث : ١.


فيشق عليها. قلت : يبلغها؟ قال (ع) إي والله » ‌، وذلك لإعراض المشهور عنه [١] ، مع أن تعليله ظاهر في الكراهة. إذ لا نسلم أن مطلق كون ذلك شاقاً عليها [٢] إيذاء لها حتى يدخل في‌ قوله (ص) « من آذاها فقد آذاني ».

______________________________________________________

محمد بن أبي عمير ، عن رجل من أصحابنا ، قال : « سمعته يقول : لا يحل .. » (١).

[١] بل في الجواهر : « عن بعض الناس أنه من البدع ». واحتمل كون الخبر المزبور من انتحال أبي الخطاب ، نظير انتحاله أن العلويات إذا حضن قضين الصوم والصلاة. وكفى في تحقق الإعراض أنه لم يتعرض للحكم المذكور في كلام المتقدمين والمتأخرين ومتأخريهم إلى زمان المحدث البحراني وما قارب عصره ، ولم يتعرض له إلا جماعة من الأخباريين ، ولم يتضح البناء على الحرمة إلا من نادر منهم ، والباقون ما بين راد له ، ومتردد فيه.

[٢] هذا الاشكال ذكره في الحدائق ، وأجاب عنه بأن المشقة النقل والشدة والصعوبة ، وذلك يستلزم الأذى ، فان الأذى هو الضرر ، وهو أقل مراتب المشقة. وفيه : أن إيذاءها (ع) المنهي عنه يراد به الإيلام النفساني ، وهو غير لازم من المشقة ، فإنه إذا نزل على الإنسان ضيف عزيز يجد أعظم المشقة من نزوله للاهتمام في إكرامه وتهيئة الطعام ولوازم الضيافة له ، مع التلذذ النفساني في ذلك ، والصلحاء من الناس يتحملون المشقة في صيام شهر رمضان في الصيف ، مع التلذذ النفساني ، والمجاهدون في ميدان القتال والجلاد في أعظم مشقة ، مع التلذذ النفساني .. وهكذا. فالآلام النفسانية لا تلازم المشقة. نعم الحمل على الكراهة بقرينة التعليل المذكور موقوف على إثبات ان إدخال الشاق عليها مكروه. وهو غير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.


( مسألة ٥١ ) : الأحوط ترك تزويج الأمة دواماً مع عدم الشرطين [١] ،

______________________________________________________

ظاهر ، لجواز كونه حراماً ، كالإيذاء. فتأمل.

[١] بل هو المنسوب في كشف اللثام الى أكثر المتقدمين ، وحكاه في الحدائق عن المبسوط ، والخلاف ، والمفيد ، وابن البراج ، وابن الجنيد ، وابن أبي عقيل. وفي محكي كلام الأخير نسبته الى آل الرسول. لقوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ. وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ، فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ ، وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ. فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ. ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ. وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ. وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١) فان صدر الآية الشريفة ظاهر في اشتراط جواز نكاح الأمة بأن لا يستطيع طولا ، وظاهر ذيلها اشتراطه بخوف العنت. فلا يجوز إلا مع وجود الشرطين. و‌صحيح زرارة بن أعين عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل يتزوج الأمة؟ قال (ع) : لا ، إلا أن يضطر الى ذلك » (٢). و‌موثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « في الحر يتزوج الأمة. قال (ع) : لا بأس إذا اضطر إليها » (٣). و‌موثق محمد بن مسلم ، قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يتزوج المملوكة. قال (ع) : إذا اضطر إليها فلا بأس » (٤).

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٦.


______________________________________________________

ونوقش في الاستدلال المذكور بالآية تارة : بمنع حجية مفهوم الشرط. ويدفعها : أن المحقق في الأصول الحجية. وأخرى : بمنع حجية مفهوم الشرط في قبال عمومات التحليل. ويدفعها : أن المفهوم كالمنطوق ، فقد يكون مقتضى الجمع العرفي تقديم المفهوم ، لكونه أخص ، كما في المقام. وثالثة : بأن دلالة المفهوم على المنع بدون الشرط إذا لم يكن وارداً مورد الإرشاد الى ما فيه مصلحة المكلف بل كان وارداً في مقام جعل الحكم الشرعي. ويدفعها ، أن قرينة سياق الآية في سياق آيات التحليل والتحريم يقتضي الثاني ، ولا سيما وكون الأصل في كلام الشارع ذلك ، لا الإرشاد ، حيث يدور الأمر بينهما. ورابعة : بأن الشرط في المقام شرط للوجوب أو الاستحباب ، فمع انتفائه ينتفي الوجوب أو الاستحباب لا الجواز. وفيه : أن الظاهر كونه شرطاً للجواز ، بقرينة السياق ، وقوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ). وخامسة : بعدم ثبوت كون كلمة ( من ) بمنزلة ( إن ) في إفادة المفهوم. ويدفعها : أن الظاهر ذلك ، كما يظهر بمراجعة مباحث مفهوم الشرط في الأصول. وسادسة : بأن مقتضى المفهوم العموم للعبد ، وهو خلاف الإجماع على الجواز فيه بدون الشرط ، فيتعين رفع اليد عن المفهوم. ويدفعها : أنه لا مانع من البناء على تخصيص المفهوم بغير العبد ، كما في كثير من الموارد. وسابعة : بأن من المحتمل أن يكون المراد مما ملكت أيمانكم السراري والجواري. وفيه : ـ مع أنه لا يناسب الشرط ـ مناف لقوله تعالى : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ .. ) ، فإنه صريح في التزويج. ومثل هذه المناقشات مناقشات أخرى يظهر اندفاعها بأقل تأمل. فإذاً لا مجال إلا للأخذ بظاهر الآية.

وأما النصوص : فتمكن المناقشة فيها بأن الضرورة أخص من الشرطين. فيتعين حمل النهي على الكراهة ، للإجماع على عدم اشتراط الجواز بالأخص منهما ، كما سيأتي. وفيه : أنه يمكن الجمع بين النصوص وغيرها بحمل‌


من عدم التمكن من المهر للحرة ، وخوف العنت بمعنى : المشقة أو الوقوع في الزنا [١].

______________________________________________________

الضرورة على الشرطين. وهو أولى من التصرف بالحكم.

وقيل بالجواز ولو مع عدم الشرطين ، وفي الشرائع : أنه الأشهر. وعن الغنية : الإجماع عليه. لعمومات الحل التي يجب تقييدها بما سبق. ولما دل على أنه لا يجوز نكاح الأمة على الحرة بغير إذنها ، لاشعارها بالجواز في غير موردها من وجهين ـ كما في الرياض ـ أحدهما : تخصيص النهي بتزويجها على الحرة ، فلو عم النهي لخلا التقييد بالحرة عن الفائدة. والثاني : دلالتها على جواز تزويجها ولو في الجملة ، وهو ينصرف الى العموم ، حيث لا صارف له عنه. وفيه : أن الأدلة المذكورة واردة في مقام آخر ، ولا تعرض فيها لما نحن فيه. ووجود الحرة مع الاذن لا يوجب فقد أحد الشرطين. و‌لخبر يونس عنهم (ع) : « لا ينبغي للمسلم الموسر أن يتزوج الأمة إلا أن لا يجد حرة » (١) ‌، و‌خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « لا ينبغي للحر أن يتزوج الأمة وهو يقدر على الحرة » (٢). ونحوهما مرسل ابن بكير ، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) (٣). لكن ظهور « لا ينبغي » في الجواز ممنوع. ولو سلم فليس بحيث يقوى على صرف الظواهر المتقدمة في المنع.

[١] حمله على المعنى الأول جماعة. وهو الأوفق بالمعنى اللغوي وعلى الثاني جماعة أخرى ، بل في مجمع البيان نسبته الى أكثر المفسرين ، وفي كشف اللثام نسبته الى المشهور. وكأن الذي دعى الى هذا الحمل ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.


______________________________________________________

مع مخالفته للمعنى اللغوي ـ قوله تعالى : ( وَإِنْ تَصْبِرُوا .. ) ، إذ الصبر لا يكون إلا مع حصول المشقة ، ولا يكفي في تحقق مفهومه خوفها ، فيتعين إرادة الثاني ، إذ لا ثالث لهما. وعن بعض الفقهاء : أنه المعنى الشرعي للعنت ، نقل اليه عن المعنى اللغوي. لكنه ـ كما ترى ـ غير ظاهر.

والعلامة في القواعد مع أنه في هذا المقام فسر العنت بمشقة الترك ، قال في مبحث نكاح الإماء : « وخوف العنت إنما يحصل بغلبة الشهوة ، وضعف التقوى ». فكأنه حمل خشية العنت على خشية أثره مع تحققه فعلاً ، نظير قوله تعالى ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) (١) ، وقوله تعالى ( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) (٢) ، لا على خشية نفسه ، نظير قوله تعالى ( تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها ) (٣) ، وقوله تعالى ( خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ) (٤). وعلى هذا لا يكون خلاف في معنى العنت ، بل الخلاف في معنى خوف العنت ، فهو بمعنى المشقة الشديدة ، وخوفه : إما بمعنى خوف وقوعه ، أو بمعنى خوف أثره بعد المفروغية عن وقوعه. فالمشهور على الثاني. وغيرهم على الأول. وبذلك يرتفع ظهور التنافي بين كلامي العلامة ، وترتفع الغرابة عن تفسير المشهور بخوف الزنا.

نعم يبقى الإشكال في وجه تخصيص الزنا من بين الآثار المترتبة على المشقة الشديدة ، التي يخاف مما يترتب عليها ، فإنه لا قرينة على إرادته من أثر العنت. بل من الجائز أن يكون المراد مطلق المحذور المترتب على المشقة ، سواء لم يكن بالاختيار ، مثل المرض ونحوه ، أم كان بالاختيار ، مثل‌

__________________

(١) فاطر : ٢٨.

(٢) البينة : ٨.

(٣) التوبة : ٢٤.

(٤) الاسراء : ٣١.


______________________________________________________

الزنا ونحوه من المحرمات. اللهم إلا أن يقال : القسم الأول إذا كان مخوفاً يجب الاحتياط فيه. فيجب التزويج ، ولا يكون الصبر أفضل فيتعين حمله على القسم الثاني. لكن عرفت أنه لا قرينة على إرادة الزنا بالخصوص من بين المحرمات الشرعية ، بل من الجائز العموم للنظر المحرم ، واللمس المحرم ، وغيرهما. اللهم إلا أن يكون المراد من الزنا في كلامهم ما هو أعم من ذلك ، على أن الفرق بين ما يترتب بلا اختيار وما يترتب بالاختيار في وجوب التزويج في الأول ، وعدم وجوبه في الثاني ، غير ظاهر. إذ في المقامين لا يكون ترك التزويج مقدمة للحرام. فان ترك التزويج إنما يكون مقدمة لحرمة الزوجة ، إذ مع التزويج تحل ، وبدونه تحرم ، ولا يكون مقدمة لوقوع المرض ونحوه بلا اختيار ، ولا لوقوع الزنا ونحوه بالاختيار وهذا نظير ما يقال : « إن شراء الدواء واجب مقدمي لدفع المرض » ، فان الشراء إنما يوجب حل الشرب ، ولا يوجب دفع المرض ، وإنما الذي يدفع المرض شرب الدواء لا شراؤه. فالفرق بين القسمين في المقدمية للحرام ـ كي يدعي عدم جواز الصبر في القسم الأول ، وجواز الصبر في القسم الثاني ـ غير ظاهر. فاذاً لا مانع من كون ترك التزويج أفضل في المقامين. هذا بناء على أن الأفضلية حكم حقيقي. أما إذا كان حكماً فعلياً ، فلا يجوز في المقامين ، كما لا يخفى. وسيجي‌ء التعرض لذلك. فانتظر.

والذي يقتضيه العمل بالظاهر حمل العنت على المشقة الشديدة ، وحمل خوفها على خوف ما يترتب عليها من محذور شرعي أو عرفي. ودعوى : نقل العنت شرعاً الى خصوص الزنا. عرفت أنها لا دليل عليها ، كما لا قرينة على إرادته بالخصوص. فاللازم الأخذ بالإطلاق. ولا ينافيه قوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) الدال على أن ترك التزويج أفضل ، وهو لا يتم إذا لزم محذور شرعي منه ، لإمكان تخصيصه بما إذا لم يترتب‌


بل الأحوط تركه متعة أيضا ، وإن كان القول بالجوار فيها غير بعيد [١]. وأما مع الشرطين فلا إشكال في الجواز.

______________________________________________________

ذلك عليه ، كما عرفت.

[١] كما حكاه في الحدائق عن شرح النافع. فخص المنع بالدائم ، لأنه المنصرف اليه من أدلة المنع. و‌لمصحح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع) : « لا يتمتع بالأمة إلا بإذن أهلها » (١) ‌، و‌صحيحه الآخر عنه (ع) : « عن الرجل يتمتع بأمة رجل بإذنه؟ قال (ع) : نعم » (٢) ‌، و‌صحيحه الآخر المروي عن قرب الاسناد عنه (ع) : « أنه قال في الأمة : يتمتع بها بإذن أهلها » (٣) ‌، و‌صحيحه الآخر عنه (ع) قال : « سألته يتمتع بالأمة بإذن أهلها؟ قال (ع) : نعم. إن الله عز وجل يقول ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) » (٤).

وفيه : أن الانصراف ممنوع. بل الأنسب بقوله تعالى ( وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) الانصراف الى التمتع ، لما ورد في المتمتع بهن من أنهن مستأجرات‌ (٥). والنصوص واردة في مورد حكم آخر ، وهو اعتبار إذن المالك في صحة المتعة ، لرفع احتمال عدم اعتبار الاذن في المتعة ، كما يشير اليه‌ خبر سيف بن عميرة عن أبي عبد الله (ع) : « لا بأس بأن يتمتع بأمة المرأة بغير إذنها. فأما أمة الرجل فلا يتمتع بها إلا بأمره » (٦).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المتعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المتعة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المتعة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١٥ من أبواب المتعة حديث : ٣.

(٥) راجع الوسائل باب : ٤ من أبواب المتعة حديث : ٢ ، ٤.

(٦) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المتعة حديث : ١.


لقوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ .. ) الى آخر الآية [١]. ومع ذلك الصبر أفضل [٢] في صورة عدم خوف للوقوع في الزنا [٣].

______________________________________________________

ونحوه خبر داود بن فرقد‌ (١). ويشير الى ذلك صحيح البزنطي الثالث‌ حيث تمسك فيه بالآية الشريفة ، الدالة على أن التزويج متعة داخل في الآية الدالة على اعتبار إذن المالك في تزويج الأمة ، لدفع توهم خلاف ذلك. فاذاً التفصيل المذكور ضعيف.

ومثله التفصيل بين من عنده الحرة فلا يجوز ، وبين غيره فيجوز ، ولو مع فقد الشرطين. فعن الشيخ (ره) : أنه حكاه عن قوم من أصحابنا. لكن بعضهم أنكر وجود القول المذكور. وكيف كان فلا دليل عليه في قبال ما عرفت من أدلة المنع. ولذا كان الأولى إرجاعه إلى القول بالمنع. واستدل له‌ بمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال تزوج الحرة على الأمة ، ولا تزوج الأمة على الحرة. ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه باطل » (٢). ونحوه غيره. ودلالته على جواز تزوج الأمة لمن لم يكن عنده حرة ولو مع فقد الشرطين خفية.

[١] فان قوله تعالى : ( فَانْكِحُوهُنَّ .. ) صريح في الجواز.

[٢] لما في ذيل الآية الشريفة من قوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) ولا منافاة بين ذلك وبين اشتراط الجواز بخوف العنت. لإمكان تخصيصه بصورة ما إذا لم يترتب عليه محذور شرعي ، كما سيأتي.

[٣] قال في المسالك : « أطلق القائلون بجوازه بالشرطين أن الصبر له أفضل ، عملاً بظاهر قوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ). وفي الجمع بين خيريته مع اشتراط الجواز بخشية العنت إشكال ». وجه الإشكال :

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب المتعة حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.


كما لا إشكال في جواز وطئها بالملك [١] ، بل وكذا بالتحليل [٢] ولا فرق بين القن وغيره. نعم الظاهر جوازه في المبعضة ،

______________________________________________________

ما أشرنا إليه من أنه إذا كان ترك التزويج يترتب عليه الزنا ، يكون حراماً ، فيمتنع أن يكون أفضل. لكن عرفت ما فيه ، وأن ترك التزويج إنما يترتب عليه تحريم الزوجة ، ولا يترتب عليه الزنا. وإنما يترتب الزنا على حصول الشهوة ، نظير ترك شراء الدواء ، الذي لا يترتب عليه المرض ، وإنما يترتب على ترك استعمال الدواء. وحينئذ لا مانع من كون ترك تزويج الأمة أفضل في نفسه ، وإن كان يلازمه الوقوع في الزنا ، أو المرض ، أو نحوهما مما يحرم وقوعه اختياراً ، لعدم المقدمية ، ولا مانع من اختلاف المتلازمين في الأحكام.

لكن الظاهر من قوله تعالى ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) كونه حكماً فعلياً لا يصح مع تحريم ملازمه. فلا بد أن يختص بصورة ما إذا لم يلزم المحرم ، سواء كان اختيارياً كالزنا ونحوه ، أم لا كالمرض ونحوه. بأن يلزم منه ما ليس بمحرم كتشويش باله ، ووقوف أعماله ، ومكاسبه ، ونحو ذلك. فإنه حينئذ يكون الصبر أفضل. وهذا مما يؤكد ما ذكرناه من الإطلاق وعدم الاختصاص بالزنا. وفي الجواهر دفع الإشكال بأن الزنا بعد ما كان بالاختيار لم يكن ترك التزويج مقدمة محرمة ، كي ينافي ذلك كونه أفضل. وفيه : أن الظاهر من قوله تعالى ( خَيْرٌ لَكُمْ ) أنه أفضل فعلاً ، وأنه في مقام الحث عليه. وهو يتنافى مع تحريم ما يلازمه من الزنا ، كما عرفت.

[١] باتفاق المسلمين. وفي الجواهر : أنه لا ريب فيه.

[٢] بناء على التحقيق من أنه داخل في ملك اليمين ، وليس من قبيل التزويج. نعم بناء على الثاني يكون حكمه حكم الدائم ، كما في المسالك وغيرها.


لعدم صدق الأمة عليها [١] ، وإن لم يصدق الحرة أيضا.

( مسألة ٥٢ ) : لو تزوجها مع عدم الشرطين فالأحوط طلاقها [٢]. ولو حصلا بعد التزويج جدد نكاحها إن أراد على الأحوط [٣].

( مسألة ٥٣ ) : لو تحقق الشرطان فتزوجها ثمَّ زالا أو زال أحدهما لم يبطل [٤] ولا يجب الطلاق.

______________________________________________________

[١] كما نص على ذلك في الجواهر ، وإن كانت الآية الشريفة لم يذكر فيها الأمة وإنما ذكر فيها ( ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) ، وهو أيضا لا يشمل المبعضة ، فلا تدخل في أدلة المنع.

[٢] لاحتمال صحة النكاح ، فلا يجوز تركها بلا طلاق.

[٣] لاحتمال عدم صحته حين حدوثه.

[٤] كما في المسالك والجواهر ، لأن الشرطين ـ على تقدير اعتبارهما ـ شرط في الحدوث ، فاذا تحققا وصح حين حدوثه جرى استصحاب صحته بعد ذلك ، وإن زال الشرطان ، بل لو فرض أنه طلقها رجعياً جاز له الرجوع بها بعد فقد الشرطين ، لأنها بمنزلة الزوجة. واستشكل فيه في الحدائق. لخلو الفرض عن النص بنفي أو إثبات ، وعدم حجية الاستصحاب. وعن بعض العامة : بطلان العقد. والجميع ـ كما ترى ـ خلاف الأصل. بل خلاف النصوص الدالة على جواز نكاح الحرة على الأمة ، فإنها محمولة على صورة ما إذا تزوج الأمة لوجود الشرطين ، ثمَّ زال أحدهما بحصول الطول الى تزويج الحرة. بل‌ في صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « في الرجل نكح أمة فوجد طولاً إلى حرة وكره أن يطلق الأمة. قال (ع) : ينكح الحرة على الأمة ، إن كانت الأمة أولهما عنده » (١).

__________________

(١) ذكره بهذا المتن في الحدائق ـ عن البحار عن كتاب الحسين بن سعيد ـ في مسألة الجمع ـ


( مسألة ٥٤ ) : لو لم يجد الطول أو خاف العنت ولكن أمكنه الوطء بالتحليل أو بملك اليمين يشكل جواز التزويج [١]

( مسألة ٥٥ ) : إذا تمكن من تزويج حرة لا يقدر على مقاربتها ، لمرض ، أو رتق ، أو قرن ، أو صغر ، أو نحو ذلك ، فكما لم يتمكن [٢]. وكذا لو كانت عنده [٣] واحدة من هذه ، أو كانت زوجته الحرة غائبة.

______________________________________________________

[١] بل في المسالك والجواهر : لم يجز له نكاح الأمة ، لفقد الشرط وهو خوف العنت. وحكى فيهما احتمال الجواز ، لأنه لا يستطيع طول حرة. وفيه : أن خوف العنت شرط آخر ، وهو مفقود. ومن ذلك يظهر الإشكال في توقف المصنف عن الفتوى. إلا أن يكون من باب الإشكال في الحكم في أصل المسألة. نعم يشكل فرضه خوف العنت مع إمكان الوطء بالتحليل أو بملك اليمين. وكأنه يريد خوف العنت لا من جهة العجز عن النكاح ، فإنه لا ينافي التمكن من نكاح الأمة. لكن الظاهر منه في الآية الشريفة الخوف الناشئ من العجز الشرعي عن النكاح ، بحيث يكون العجز عن النكاح داعياً اليه. وهذا المعنى لا يتحقق مع التمكن من نكاح الأمة بالملك والتحليل. ولذا قال في القواعد : « والقادر على ملك اليمين لا يخاف العنت ، فلا يترخص ».

[٢] لصدق عدم الطول على نكاح الحرة.

[٣] كما في المسالك والجواهر والحدائق. وفي الأخير : نسبته الى تصريح الأصحاب. لصدق عدم الطول على نكاح الحرة. والظاهر عدم‌

__________________

ـ بين الحرة والأمة الجزء : ٦ صفحة : ١١٧ الطبعة القديمة ولا يوجد في الوسائل ، والموجود فيها حديث آخر عن محمد بن قيس مختلف معه متنا متحد معه معنى راجع الوسائل باب : ٨ من أبواب القسم والنشوز والشقاق حديث : ٢.


( مسألة ٥٦ ) : إذا لم تكفه في صورة تحقق الشرطين أمة واحدة ، يجوز الاثنتين [١]. أما الأزيد فلا يجوز ، كما سيأتي [٢].

( مسألة ٥٧ ) : إذا كان قادراً على مهر الحرة لكنها تريد أزيد من مهر أمثالها بمقدار يعد ضرراً عليه ، فكصورة عدم القدرة [٣] ، لقاعدة نفي الضرر. نظير سائر المقامات ،

______________________________________________________

الاشكال فيه ، كما يقتضيه ما سيأتي من جواز نكاح الأمة على الحرة بإذنها نصاً ، وفتوى. نعم إذا تمكن من بعض الاستمتاعات بها غير الوطء ، على وجه يزول خوف العنت ، لم يجز له نكاح الأمة ، لفقد الشرط الثاني.

[١] نسبه في الحدائق إليهم. لإطلاق دليل الجواز مع وجود الشرطين ، الشامل لمن لم يتزوج الأمة ولمن تزوجها.

[٢] وتقدم من أنه لا يجوز للحر نكاح أكثر من أمتين.

[٣] قال في المسالك : « لو وجدت الحرة ، وقدر على ما طلبته من المهر ، لكن طلبت أزيد من مهر مثلها ، بحيث تجحف بالزيادة ، ففي وجوب بذله ، وتحريم نكاح الأمة وجهان ، من تحقق القدرة المقتضية لوجود الطول. ومن لزوم الضرر والمشقة بدفع الزيادة ، وحمل القدرة على المتعارف. وهو قوي مع استلزام بذل الزيادة الإسراف عادة بحسب حاله ، أو الضرر. وإلا فالأقوى الأول ».

والمصنف (ره) فرض مجرد الضرر المالي. واستدل له بقاعدة نفي الضرر. ويشكل أولا : بأن قاعدة نفي الضرر تختص بما يلاحظ فيه المالية » كباب المعاوضات المالية ، والنكاح ليس منها ، فان المهر لم يلحظ فيه المعاوضة المالية ، فإن الزوجة لا كلا ولا بعضا تكون ملكا للزوج عوض المهر ، ولا حق له فيها أيضا لوحظ عوضا عنه. وانما عنوان الاصداق‌


كمسألة وجوب الحج إذا كان مستطيعاً ولكن يتوقف تحصيل الزاد والراحلة على بيع بعض أملاكه بأقل من ثمن المثل ، أو على شراء الراحلة بأزيد من ثمن المثل ، فان الظاهر سقوط الوجوب وإن كان قادراً على ذلك. والأحوط في الجميع‌

______________________________________________________

عنوان آخر. ولذا لم يكن بناء الفقهاء على الرجوع الى قاعدة نفي الضرر فيما لو تزوج وأصدق أكثر من مهر المثل ، كما هو حكم المغبون. وثانياً : أن غاية ما تقتضيه القاعدة المذكورة نفي الحكم الذي يؤدي الى الضرر ، لا إثبات صحة تزويج الأمة مع فقد شرطه ، ولا إثبات شرطه. نعم إذا توقف التخلص من الوقوع في الحرام على تزويج الحرة المذكورة ، وكان تزويجها ضرراً مالياً ، سقط وجوب تزويجها. لكن لا يشرع صحة تزويج الأمة مع فقد شرطها. ووجوب التخلص من الحرام لا يقتضي مشروعيتها. وكذلك رفع السهو والنسيان لا يقتضي صحة الصلاة التي وقع فيها السهو والنسيان. ودليل نفي الحرج لا يقتضي صحة المركب الذي كان بعض أجزاءه حرجياً.

فالمتحصل : أن قاعدة نفي الضرر تصلح لنفي الحكم الضرري ، ولا تصلح لتشريع الحكم الذي به يرتفع الضرر. ومن ذلك يظهر الإشكال في مقايسة المقام بمسألة وجوب الحج ، إذا توقف على بيع بعض أملاكه بأقل من ثمن المثل ، أو شراء الراحلة أو الزاد بأكثر من ثمن المثل ، فإن القاعدة هناك جارية على مقتضاها من نفي الحكم الضرري ، فينتفي وجوب الحج ، لأنه ضرري. وهنا يقصد إثبات صحة تزويج الأمة بالقاعدة ، وهي لا تصلح لذلك. مضافاً الى أن الذي اختاره المصنف عدم سقوط الحج بذلك. فراجع المسألة السابعة من مبحث الاستطاعة من حيث المال.


اعتبار كون الزيادة مما يضر بحاله [١] لا مطلقاً.

فصل

الأقوى جواز نكاح الأمة على الحرة مع إذنها [٢].

______________________________________________________

[١] كما فرضه في المسالك. وحينئذ يجوز التزويج لصدق عدم الاستطاعة عرفاً من نكاح الحرة. وليس من باب التمسك بقاعدة نفي الضرر.

تنبيه

حكي عن المفيد (ره) أنه قال : « ومن تزوج أمة وهو يجد طولا لنكاح الحرائر خالف الله عز وجل وشرطه عليه. إلا أنه لا ينفسخ بذلك نكاحه » ، وحكي مثله عن ابن البراج. وظاهره صحة العقد ولزوم الإثم. فتكون الحرمة تكليفية. وفيه : أن ذلك خلاف ظاهر الأدلة والآية وغيرها من الإرشاد الى عدم حصول الزوجية ، كما في أمثال المقام.

فصل‌

[٢] كما هو المعروف. نعم عن الشيخ : أنه حكي عن قوم من أصحابنا عدم الجواز ، وإن أذنت. ولعله أراد صورة عدم خوف العنت ، لوجود الحرة. وحينئذ يكون في محله. وإلا فلا ينبغي التأمل في بطلانه. وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه ». ويشهد له‌ صحيح محمد بن إسماعيل ابن بزيع : « سألت أبا الحسن (ع) هل للرجل أن يتمتع من المملوكة بإذن أهلها وله امرأة حرة؟ قال (ع) : نعم إذا رضيت الحرة. قلت : فان


والأحوط اعتبار الشرطين [١] من عدم الطول وخوف العنت وأما مع عدم إذنها فلا يجوز ، وإن قلنا في المسألة المتقدمة [٢] بجواز عقد الأمة مع عدم الشرطين ، بل هو باطل [٣].

______________________________________________________

أذنت الحرة يتمتع منها؟ قال (ع) : نعم » (١).

[١] على ما تقدم. وتوقف المصنف هنا من أجل توقفه في أصل المسألة ، كما سبق.

[٢] يعني مسألة الإحدى والخمسين.

[٣] بلا خلاف ظاهر ، لمصحح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « قال تزوج الحرة على الأمة ، ولا تزوج الأمة على الحرة. ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه باطل » (٢) ‌، و‌خبر أبي بصير : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن نكاح الأمة. فقال : تزوج الحرة على الأمة ، ولا تزوج الأمة على الحرة. ونكاح الأمة على الحرة باطل .. » (٣). و‌خبر محمد ابن الفضيل عن أبي الحسن (ع) : « قال لا يجوز نكاح الأمة على الحرة .. » (٤) ‌و‌خبر الحسن بن زياد : « قال أبو عبد الله (ع) : تزوج الحرة على الأمة ، ولا تزوج الأمة على الحرة .. » (٥). ونحوها غيرها. ودلالة الجميع على البطلان ما بين صريحة وظاهرة. ومقتضى إطلاقها : البطلان مطلقاً. وإن أذنت الحرة كما تقدمت حكاية ذلك عن قوم من أصحابنا. لكن عرفت لزوم تقييدها بصورة عدم إذن الحرة ، لصحيح ابن بزيع المتقدم‌. وهو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٦ من أبواب المتعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٤.

(٥) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٥.


نعم لو أجازت بعد العقد صح على الأقوى [١] بشرط تحقق‌

______________________________________________________

وإن كان مورده المتعة ، إلا أنه لا قائل بالفرق بينها وبين الدوام. كما في الرياض. ولا سيما بملاحظة دعوى الإجماع على الصحة مع الاذن ، كما عن التبيان ، والسرائر ، والتذكرة ، والمسالك.

[١] كما في الجواهر والمسالك ، لإطلاق صحيح ابن بزيع المتقدم‌ ، الذي عرفت تقييد نصوص البطلان به. فيكون المتحصل من الجمع بين النصوص : هو البطلان ما لم تأذن سابقا ، أو لاحقاً. خلافاً لما في الشرائع وغيرها من البطلان. بل عن المبسوط ، وظاهر التبيان ، والسرائر : الإجماع عليه ، واختاره في الرياض ، اعتماداً على ذلك. وهو كما ترى ، لشهرة الخلاف. فقد حكى في المختصر النافع قولا : بأن للحرة الخيار بين إجازة عقد الأمة وفسخه. ونسبه في الرياض الى الشيخين وابني البراج وحمزة ، فكيف يكون البطلان إجماعيا؟ وكيف يعتمد على نقل الإجماع على البطلان مع العلم بالخلاف؟!.

وحكى في المسالك عن الجماعة : القول بالخيار للحرة بين فسخ عقد الأمة وإمضائه ، وعقد نفسها وإمضائه ، لموثق سماعة عن أبي عبد الله (ع) : « عن رجل تزوج امة على حرة. فقال : إن شاءت الحرة أن تقيم مع الأمة أقامت ، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها. قال : قلت : فان لم ترض بذلك وذهبت إلى أهلها ، فله عليها سبيل إذا لم ترض بالمقام؟ قال (ع) : لا سبيل له عليها إذا لم ترض حين تعلم. قلت : فذهابها إلى أهلها طلاقها؟ قال (ع) : نعم إذا خرجت من منزله أعتدت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء ، ثمَّ تتزوج إن شاءت » (١). قال في المسالك ـ بعد ذكر الموثق ـ : « وهو يدل على جواز فسخها عقد نفسها. ويسهل بعده القول بجواز فسخ عقد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٣.


______________________________________________________

الأمة ». وفي المختلف حكى عن الشيخين ، وابن البراج ، وسلار ، وابن حمزة : القول بتخيير الحرة في فسخ عقد الأمة وإمضائه. ثمَّ قال : « هل للحرة أن تفسخ عقد نفسها لو دخلت الأمة عليها؟ قال الشيخان : نعم. وبه قال ابن البراج ، وسلار ، وابن حمزة ». وقريب منه ما في كشف اللثام. فيكون قول الجماعة مركباً من دعويين. خلافاً لما يظهر من بعضهم من أن قول الشيخين هو تخير الحرة في عقد نفسها لا غير ، ولما تقدم عن الرياض من أن المنسوب الى الشيخين وأتباعهما هو تخير الحرة بين إجازة عقد الأمة وفسخه.

وكيف كان لا مجال لدعوى الإجماع على البطلان بعد شهرة الخلاف من القدماء. وحينئذ يتعين الرجوع الى النصوص. وقد عرفت مقتضى الجمع بين نصوص البطلان مطلقاً وصحيح ابن بزيع‌. وأما موثق سماعة‌ فمقتضى الجمع بينه وبين نصوص البطلان مطلقاً وصحيح ابن بزيع‌ : هو مذهب الشيخين ، المؤلف من دعويين ، كما عرفت. فيثبت البطلان مع عدم الاذن من الحرة بمفهوم الصحيح ، الموافق لنصوص البطلان مطلقاً. والصحة مع الاذن منها بمنطوق الصحيح ، لإطلاقه. وثبوت الخيار لها حينئذ في عقد نفسها بموثق سماعة‌. والطعن بالموثق بالضعف ـ كما في النافع والمسالك ـ ضعيف.

وفي الحدائق : اختار البطلان. وأجاب عن الموثق بأنه لا يقوى على معارضة نصوص البطلان. وكأنه لأن الموثق ظاهر في صحة عقد الأمة مطلقا ، في قبال نصوص البطلان مطلقاً. ولم يتعرض للصحيح. وكأنه بناء منه على عدم إطلاقه. وفيه : أنه غير ظاهر. فاذا قيد الصحيح إطلاق البطلان بمنطوقه ، أمكن أن يقيد بمفهومه إطلاق الصحة في الموثق. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في الرياض من أن الموثق يدل على صحة نكاح‌


الشرطين على الأحوط [١]. ولا فرق في المنع بين كون العقدين دواميين أو انقطاعيين أو مختلفين [٢] ، بل الأقوى عدم الفرق [٣] بين إمكان وطء الحرة وعدمه لمرض ، أو‌

______________________________________________________

الأمة ، فيعارضه نصوص البطلان اللازم تقديمها عليه. نعم يشكل الموثق بأنه‌ رواه في الكافي هكذا : « في رجل تزوج امرأة حرة وله امرأة أمة ، ولم تعلم الحرة أن له امرأة. قال : إن شاءت الحرة .. » (١). فلا يكون فيما نحن فيه. وكأنه لذلك لم يتعرض في الجواهر للاستدلال به على المسألة ، بل استدل بما رواه في الكافي للمسألة الثانية ، وفي تزويج الحرة على الأمة. واحتمال أن تكونا روايتين في واقعتين مع اتحاد السائل ، والمسؤول منه ، والسند ، والجواب على طوله. واشتماله على سؤالات وأجوبة متكررة من السائل والمجيب. بعيد ، ولا سيما وأن الكليني لم ينقل المتن الأول ، والشيخ لم ينقل المتن الثاني. فلو كانا حديثين لكان اللازم نقلهما معا ، لأنهما جميعاً رويا ذلك عن الحسن بن محبوب عن يحيى اللحام ، عن سماعة ، والظاهر أن ذلك كان في كتاب الحسن بن محبوب ، فما الذي دعى الى هذا التبعيض؟! وإنه لبعيد جداً. والمظنون قوياً أنها حديث واحد اختلف النقلان في موضوع سؤاله. ولا ينبغي التأمل في تقديم نقل الكليني مع معارضته لنقل الشيخ. ولم يتحقق استدلال الشيخين وأتباعهما به على القول بالتخيير في الفرض ، بل من الجائز أن يكون دليلهم شيئاً آخر ، كما تقدم في تزويج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة. فراجع.

[١] على ما تقدم من الإشكال في أصل المسألة.

[٢] لإطلاق الأدلة.

[٣] يعني : في المنع إلا مع الإذن. لإطلاق أدلة المنع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ملحق حديث : ٣.


قرن ، أو رتق ، إلا مع عدم الشرطين [١]. نعم لا يبعد الجواز [٢] إذا لم تكن الحرة قابلة للاذن لصغر أو جنون ، خصوصاً إذا كان عقدها انقطاعياً. ولكن الأحوط مع ذلك المنع.

وأما العكس ـ وهو نكاح الحرة على الأمة ـ فهو جائز ولازم إذا كانت الحرة عالمة بالحال [٣]. وأما مع جهلها فالأقوى خيارها في بقائها مع الأمة وفسخها ورجوعها إلى أهلها [٤]

______________________________________________________

[١] لم يتضح وجه هذا الاستثناء ، لأنه مع عدم الشرطين يكون المنع أولى. والمظنون أن هذا الاستثناء راجع الى الجواز المذكور بقوله : « نعم لا يبعد الجواز .. ». لكن نسخة الأصل كما هنا.

[٢] كما احتمل ذلك في الجواهر ، بناء على ظهور دليل اعتبار الاذن في القابلة ، فيبقى غيرها داخلا تحت عمومات الحل. ثمَّ احتمل العدم ، لإطلاق النهي عن نكاح الأمة على الحرة ، المقتصر في تقييده على صورة الاذن من القابلة ، ويبقى غيرها داخلا تحت عموم المنع. وهذا هو الموافق للقواعد ، لأن عموم المنع أخص من عموم الحل ، فيقدم عليه. ومنه يظهر ضعف ما عن المبسوط من القول بالصحة.

[٣] بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لأصالة الحل واللزوم. وخصوص النصوص المتضمنة جواز تزويج الحرة على الأمة ، كما تقدم بعضها.

[٤] كما هو المعروف. ويشهد له‌ خبر يحيى الأزرق : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل كانت له امرأة وليدة ، فنزوج حرة ولم يعلمها بأن له امرأة وليدة. فقال (ع) : إن شاءت الحرة أقامت ، وإن شاءت لم تقم. قلت : قد أخذت المهر ، فتذهب به؟ قال (ع) : نعم ، بما استحل من فرجها » (١). ونحوه موثق سماعة المتقدم عن الكافي‌. وعن.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١‌


والأظهر عدم وجوب أعلامها بالحال [١]. فعلى هذا لو أخفى عليها ذلك أبداً لم يفعل محرماً.

( مسألة ١ ) : لو نكح الحرة والأمة في عقد واحد مع علم الحرة صح [٢]. ومع جهلها صح بالنسبة إليها [٣] وبطل بالنسبة إلى الأمة [٤] ،

______________________________________________________

التبيان : أن للحرة الخيار في عقد الأمة أيضا ، كالخيار في عقد نفسها. ودليله غير ظاهر في مقابل عمومات اللزوم. وعن المبسوط : أنه رواية ولكنها لم تثبت.

[١] كما في الجواهر ، للأصل ، ولما يستفاد من الخبرين المذكورين. ومجرد كون الخيار من حقوقها لا يستلزم وجوب أعلامها به. على أن كون الخيار في المقام من الحقوق غير ظاهر ، حتى في حال العلم ، فضلا عن حال الجهل. وحكى في الجواهر عن الرياض أنه قال : « ولو أدخل الحرة على الأمة جاز ، ولزم علم الحرة بأن تحته أمة إجماعا ونصوصاً ». ثمَّ قال في الجواهر : « ولم نتحقق ذلك. ويمكن أن يريد الإجماع والنصوص على الحكم الأول .. » ولكن نسخة الرياض التي عندنا هكذا : « جاز ولزم مع علم الحرة .. » ، فلا إشكال عليه حينئذ.

[٢] بلا إشكال ظاهر ، لعمومات الصحة. ولزم ، لدليل اللزوم.

[٣] بلا إشكال لعمومات الصحة.

[٤] بلا إشكال فيه في الجملة. ويقتضيه‌ صحيح أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (ع) قال : « سئل أبو جعفر (ع) : عن رجل تزوج امرأة حرة وأمتين مملوكتين في عقد واحد. قال (ع) : أما الحرة فنكاحها جائز ، وإن كان سمى لها مهراً فهو لها. وأما المملوكتان فان نكاحهما في عقد


إلا مع إجازتها [١]. وكذا الحال لو تزوجهما بعقدين في زمان واحد على الأقوى [٢].

( مسألة ٢ ) : لا إشكال في جواز نكاح المبعضة على المبعضة [٣]. وأما على الحرة ففيه إشكال [٤]. وإن كان لا يبعد جوازه [٥] ، لان الممنوع نكاح الأمة على الحرة ، ولا يصدق الأمة على المبعضة ، وإن كان لا يصدق أنها حرة أيضا.

______________________________________________________

مع الحرة باطل ، يفرق بينه وبينهما » (١).

[١] فيصح عقد الأمة حينئذ ، كما في المسالك والجواهر وغيرهما. وفي المسالك حكاه عن الشيخين وأتباعهما. وفي الرياض عن جماعة من الأعيان البطلان. ويقتضيه إطلاق صحيح أبي عبيدة المتقدم‌. لكن في الرياض احتمل الحمل على الغالب ، وهو صورة عدم الاذن وظاهره التردد في البطلان. وكذا قوله في القواعد : « كان عقد الأمة موقوفاً ، أو باطلاً ». لكن في الجواهر دعوى القطع بالصحة مع الاذن. وكأنه مستفاد مما تقدم في عقد الأمة على الحرة. وهو غير بعيد. وفي المختلف : « كان للحرة الخيار في فسخ عقد الأمة وإمضائه ، والخيار في عقد نفسها ، لأن العقد واحد وقع متزلزلاً ولا أولوية » ويشبه أن يكون من الاجتهاد في قبال النص.

[٢] فإنه وإن لم يدخل في عبارة النص صريحاً ، لكنه يدخل في مفهومه كما لا يخفى ، لإلغاء خصوصيته عرفاً.

[٣] فإنه لا يدخل في نصوص المنع ، فيرجع فيه الى عمومات الحل.

[٤] لاحتمال كون شرف الحرية هو الموجب للمنع عن الفاقد لها.

[٥] كما مال إليه في الجواهر ، لما ذكر في المتن.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ١.


( مسألة ٣ ) : إذا تزوج الأمة على الحرة فماتت الحرة أو طلقها أو وهب مدتها في المتعة أو انقضت لم يثمر في الصحة [١] بل لا بد من العقد على الأمة جديداً إذا أراد.

( مسألة ٤ ) : إذا كان تحته حرة فطلقها طلاقا بائناً يجوز له نكاح الأمة في عدتها [٢]. وأما إذا كان الطلاق رجعياً ففيه إشكال ، وإن كان لا يبعد الجواز ، لانصراف الاخبار عن هذه الصورة [٣].

( مسألة ٥ ) : إذا زوجه فضولي حرة فتزوج أمة ثمَّ أجاز عقد الفضولي ، فعلى النقل لا يكون من نكاح الأمة على الحرة فلا مانع منه ، وعلى الكشف مشكل [٤].

______________________________________________________

[١] لاستصحاب عدم ترتب الأثر. اللهم إلا أن يرجع الى عموم الصحة ، المقتصر في تقييده باعتبار إذن الحرة على صورة كونه عقد الأمة على حرة ، وهو غير صادق في الفرض.

[٢] إذ ليس عنده حرة ، فلا يكون من تزويج الأمة على الحرة ، الذي هو موضوع المنع ، فعموم الحل بحاله شامل له. اللهم إلا أن يرجع الى استصحاب حال ما قبل الطلاق. لكن التحقيق عدم جريانه في مثل المقام مقابل العموم.

[٣] لو سلم لا يجدي في الجواز ، لأن دليل تنزيل المطلقة رجعياً بمنزلة الزوجة كاف في ثبوت الحكم الأول ، المقدم على عموم الحل.

[٤] أما على الكشف الحقيقي : فلا ينبغي الإشكال في المنع ، لأنه بالإجازة ينكشف أن الحرة زوجة حين عقد الفضولي ، قبل عقد الأمة ، فيكون العقد على الأمة من تزويج الأمة على الحرة. وأما على الكشف‌


( مسألة ٦ ) : إذا عقد على حرة وعقد وكيله له على أمة وشك في السابق منهما لا يبعد صحتهما [١]. وإن لم تجز الحرة. والأحوط طلاق الأمة مع عدم إجازة الحرة.

( مسألة ٧ ) : لو شرط في عقد الحرة أن تأذن في‌

______________________________________________________

الانقلابي : فعقد الأمة حين وقوعه لم يكن من تزويج الأمة على الحرة ، لكن بعد الإجازة وحكم الشارع بتحقق الزوجية حين عقد الفضولي ينقلب العقد على الأمة بعد أن لم يكن من تزويج الأمة على الحرة ، فيكون من تزويج الأمة على الحرة. نعم يشكل المنع : بأن الأدلة منصرفة عن مثل ذلك ، والظاهر منها تزويج الأمة على الحرة حين حدوثه ، وليس الأمر كذلك على هذا المبنى. وأولى منه بالإشكال لو بني على الكشف الحكمي.

[١] أما عقد الحرة : فمعلوم الصحة على كل حال ، سابقاً كان أو لاحقاً أو مقارنا. وأما عقد الأمة : فإن كان لاحقاً أو مقارناً فهو باطل إلا بإذن الحرة ، وإن كان سابقاً فهو صحيح. ومع الشك في الصحة يبنى على الصحة ، لقاعدة الصحة. وأما الأصول الموضوعية : فمقتضاها الصحة أيضا إذا علم تاريخ عقد الأمة ، لأصالة عدم وقوع العقد على الحرة سابقاً ، ولا حين وقوع العقد على الأمة ، فلا يكون عقد الأمة لمن كانت عنده حرة لا سابقا ولا مقارناً ، فيكون صحيحاً وأما إذا علم تاريخ عقد الحرة فأصالة عدم وقوع العقد على الأمة سابقاً ولا حين وقوع العقد على الحرة لا يقتضي صحة عقد الأمة ، بل يلازم فساده ، كما هو ظاهر. وحينئذ لا يمكن إثبات صحة عقد الأمة بالأصل الموضوعي في هذه الصورة ، ويتعين الرجوع الى أصالة الصحة. إلا أن يستشكل فيها ، لأن الشك ناشئ من الشك في الأمور الاتفاقية ، وجريانها في مثله محل إشكال وكلام.


نكاح الأمة عليها صح. ولكن إذا لم تأذن لم يصح [١] ، بخلاف ما إذا شرط عليها أن يكون له نكاح الأمة.

فصل

في نكاح العبيد والإماء‌

( مسألة ١ ) : أمر تزويج العبد والأمة بيد السيد ، فيجوز له تزويجهما [٢] ولو من غير رضاهما ، أو إجبارهما على ذلك. ولا يجوز لهما العقد على نفسهما من غير إذنه [٣] ،

______________________________________________________

[١] تقدم الكلام في هذه المسألة في المسألة التاسعة عشرة من فصل المحرمات بالمصاهرة. فراجع.

فصل

في نكاح العبيد والإماء‌

[٢] بلا إشكال فيه ظاهر في الجملة. وسيأتي بيان التعرض لذلك في الفتاوى والنصوص في المسألة السادسة عشرة. وتقتضيه قاعدة السلطنة بعد ثبوت قابلية المحل ، فاذا كان للحر ولاية تزويج نفسه ، فالعبد تكون ولاية تزويجه لمولاه.

[٣] فقد طفحت بذلك عباراتهم من دون نقل خلاف أو احتمال خلاف في ذلك. وتقتضيه قاعدة السلطنة ، فإن ثبوت السلطنة على ذلك للمولى يقتضي نفيها عن غيره. مضافا الى قوله تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (١) ، وبعض النصوص الآتية في المسألة الثانية.

__________________

(١) النساء : ، ٢٥.


كما لا يجوز لغيرهما العقد عليهما كذلك [١] ، حتى لو كان لهما أب حر. بل يكون إيقاع العقد منهما أو من غيرهما عليهما حراماً إذا كان ذلك بقصد ترتيب الأثر [٢]. ولو لا مع إجازة المولى. نعم لو كان ذلك بتوقع الإجازة منه فالظاهر عدم حرمته ، لأنه ليس تصرفا في مال الغير عرفاً [٣] كبيع الفضولي مال غيره. وأما عقدهما على نفسهما [٤] من غير إذن المولى ، ومن غيرهما [٥] بتوقع الإجازة فقد يقال بحرمته [٦]

______________________________________________________

[١] لما عرفت ، من غير فرق بين أن يكون العاقد أباً حراً ، وغيره ، لعموم القاعدة للجميع.

[٢] لحكم العقل باستحقاق العقاب على ما يصدر من المكلف من فعل أو ترك بقصد التوصل الى الحرام ، فتكون الحرمة عقلية لا شرعية.

[٣] لاختصاص التصرف في مال غيره المحرم بما يكون تصرفا خارجياً ، وإيقاع التزويج ـ كإيقاع البيع الفضولي ـ من التصرف الاعتباري ، فلا يدخل في الدليل.

[٤] لم يتضح الفرق بين هذه المسألة وما قبلها ، فان ما قبلها كان في عقدهما على أنفسهما ، وعقد غيرهما عليهما ، وفي هذه المسألة كذلك.

[٥] التصرف من غيرهما لا يناسب التعليل الآتي ، فاللازم الضرب عليه. والمظنون أن أصل العبارة غير موجود فيه قوله : « ومن غيرهما ».

كما أن أصل العبارة السابقة هكذا : « نعم لو كان ذلك من غيرهما بتوقع الإجازة .. ». فتكون العبارة السابقة في إيقاع الغير لا غير ، وهذه العبارة في إيقاعهما لا غير. فحينئذ تختلف المسألتان. وقد راجعت نسخة الأصل فوجدتها كما ذكرنا ، على ما هو الظاهر.

[٦] يظهر ذلك من الجواهر ، فإنه بعد قول ماتنه : « لا يجوز للعبد‌


لسلب قدرتهما وإن لم يكونا مسلوبي العبارة. لكنه مشكل ، لانصراف سلب القدرة عن مثل ذلك [١]. وكذا لو باشر أحدهما العقد للغير بإذنه أو فضولة ، فإنه ليس بحرام على الأقوى وإن قيل بكونه حراماً [٢].

( مسألة ٢ ) : لو تزوج العبد من غير إذن المولى وقف على إجازته ، فإن أجاز صح. وكذا الأمة على الأقوى [٣].

______________________________________________________

ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحاً إلا بإذن المالك » قال : « بل ولا يجوز ـ على الأصح ـ أن يعقدا لغيرهما أيضا ذلك ولا غيره من العقود. وإن كان لو وقع منهما ترتب الأثر وإن أثما » ، فحمل كلام الشرائع على نفي الجواز التكليفي. وفي الرياض : علل الحكم المذكور في متن الشرائع بأنهما ملك له ، فلا يتصرفان في ملكه بغير إذنه ، لقبحه. انتهى. ونحوه كلام غيرهما.

[١] هذا الانصراف غير ظاهر. نعم ما جرت السيرة على وقوعه بغير إذن الولي مخصص لعموم سلب القدرة. لكن في كون المقام منه غير ظاهر. ومن ذلك يشكل ما يأتي في قوله (ره) : « على الأقوى ».

[٢] تقدم ذلك عن الجواهر.

[٣] كما عن الأشهر ، أو الأكثر ، أو المشهور. وفي الشرائع : أنه الأظهر. وفي المختصر النافع : أنه أشبه. للتصريح بذلك في جملة من النصوص الواردة في العبد ، كمصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده. فقال (ع) : ذلك الى سيده إن شاء أجازه. وإن شاء فرق بينهما. قلت : أصلحك الله تعالى ، إن الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إن أصل النكاح فاسد ، ولا تحل إجازة السيد له. فقال أبو جعفر (ع) : إنه لم يعص الله سبحانه ،


______________________________________________________

إنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز » (١). والمراد من معصية السيد فعله بغير إذنه ، كما أن المراد من عدم معصية الله سبحانه فعله بإذنه. توضيح ذلك : أن المعصية إنما يصح اعتبارها في التكليف ، فهي الجري على خلاف مقتضى التكليف ، كما أن الإطاعة الجري على وفق مقتضى التكليف ، والمقام لما لم يكن فيه تكليف ، لا من الله تعالى ، ولا من السيد ، تعين أن يكون المراد بالمعصية فيه معنى آخر ، وهو فعل ما لم يأذن به ، فمعصية السيد فعل ما لم يأذن به السيد. وعدم معصية الله تعالى عدم فعل ما لم يأذن به الله تعالى ، بأن كان فعله مأذوناً فيه منه تعالى ، فان عقد العبد لا قصور فيه في نفسه ، فهو مشروع ، ومأذون فيه من الله تعالى ، فلم يكن فعله معصية لله تعالى بهذا المعنى ، كما أنه لم يأذن فيه السيد ، فيكون فعله معصية للسيد بهذا المعنى. ويشير الى ما ذكرنا‌ خبر زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن رجل تزوج عبده امرأة بغير إذنه ، فدخل بها ، ثمَّ اطلع على ذلك مولاه. قال (ع) : ذاك لمولاه إن شاء فرق بينهما ، وإن شاء أجاز نكاحهما. فان فرق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقاً كثيراً. وإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأول. فقلت لأبي جعفر (ع) : فإن أصل النكاح كان عاصياً؟ فقال أبو جعفر (ع) : إنما أتى شيئا حلالاً ، وليس بعاص لله ، إنما عصى سيده ، ولم يعص الله ، إن ذلك ليس كإتيان ما حرم الله عليه ، من نكاح في عدة وأشباهه » (٢). ومن النصوص الواردة في العبد‌ صحيح معاوية بن وهب قال : « جاء رجل الى أبي عبد الله (ع) فقال : إني كنت مملوكاً لقوم ، وإني تزوجت امرأة حرة بغير إذن موالي ، ثمَّ أعتقوني

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.


______________________________________________________

بعد ذلك ، فأجدد نكاحي أباها حين أعتقت؟ فقال (ع) له : أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال نعم ، وسكتوا عني ولم يغيروا علي. قال : فقال : سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم. اثبت على نكاحك الأول » (١). ونحوها خبر الحسن بن زياد الطائي‌ (٢) وغيره.

ومن التعليل في الصحيح يظهر عموم الحكم للأمة. مضافاً الى إطلاق النصوص الدالة على أنه لا يجوز تزويج الأمة إلا بإذن مولاها ، مثل‌ خبر أبي العباس البقباق : « قلت لأبي عبد الله (ع) : يتزوج الرجل بالأمة بغير علم أهلها. قال : هو زنا إن الله تعالى يقول ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) » (٣) ‌و‌موثق أبي بصير قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن نكاح الأمة.قال (ع) : لا يصلح نكاح الأمة إلا بإذن مولاها » (٤) ‌بناء على عمومها للاذن بعد العقد ، كما تحقق ذلك في مبحث الفضولي. وقوله (ع) : « هو زنا » ‌مختص بصورة عدم الاذن ، كما يظهر من الاستشهاد بالآية الشريفة.

وقيل بالبطلان فيهما ، وهو المحكي عن أكثر القائلين ببطلان نكاح الفضولي ، وإن كان بعضهم بنى على الصحة في العبد ، كالشيخ في الخلاف والمبسوط ، فقد حكي عنه أنه استثنى نكاح العبد بدون إذن سيده. وفيه : أن البناء على بطلان الفضولي في النكاح ، لا يقتضي البناء عليه في المملوك ، للنصوص الخاصة به التي عرفتها.

وقيل بالبطلان ، وأن الإجازة كالعقد المستأنف. حكي عن النهاية والتهذيب والمهذب. لكن في كشف اللثام ـ تبعاً للمختلف ـ حمل البطلان‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٤.


والإجازة كاشفة [١]. ولا فرق في صحته بها بين أن يكون بتوقعها ، أو لا بل على الوجه المحرم. ولا يضره النهي ، لأنه متعلق بأمر خارج [٢] متحد. والظاهر اشتراط عدم الرد منه‌

______________________________________________________

على التزلزل ، فيرجع هذا القول الى المشهور.

وقيل بالبطلان في الأمة ، والصحة في العبد ، حكي عن ابن حمزة. واختاره في الحدائق. للنصوص الواردة في الأمة ، المتضمنة أن نكاحها بغير إذن مولاها فاسد أو زنا بناء منه على عدم عمومها للاذن بعد العقد. وأما الصحة في العبد فلما تقدم من النصوص. وفيه : ما عرفت في وجه الاستشهاد بنصوص الأمة.

[١] قد تحقق في مبحث الفضولي : أن الإجازة كاشفة. على نحو الكشف الانقلابي ، بمعنى : أن الشارع حين الإجازة يحكم بصحة العقد ، وثبوت مضمونه. ومضمون العقد وإن كان نفس الزوجية لا الزوجية حين العقد ، إلا أن المرتكز العرفي كون الزوجية من قبيل المسبب عن العقد ، على نحو المسببات الحقيقية عن أسبابها ، بحيث لا تنفك عنها. وهذا الارتكاز قرينة على حمل عمومات الصحة والنفوذ على النحو المذكور من النفوذ ، أعني : النفوذ على نحو المقارنة. فلاحظ مبحث الفضولي من كتابنا نهج الفقاهة.

[٢] التحقيق : أن النهي في المعاملات سواء كان متعلقاً بأمر داخل أم خارج ، متحد مع المعاملة أو غير متحد ـ لا يقتضي فساد المعاملة ، فإن النهي عن البيع وقت النداء نهي عن أمر داخل ، بل عن نفس مضمون العقد ، ولا يقتضي فساد العقد ، ولا عدم ترتب المضمون. نعم في العبادات يمكن التفصيل بين النهي عن العبادة نفسها أو عن أمر داخل فيها ، كالجزء ، وبين النهي عن أمر خارج ، فإن الأول يقتضي الفساد ، والثاني لا يقتضيه إذا لم يكن المنهي عنه متحداً مع ذات العبادة ، ومع الاتحاد يقتضي الفساد ،


قبل الإجازة ، فلا تنفع الإجازة بعد الرد [١]. وهل يشترط في تأثيرها عدم سبق النهي من المولى فيكون النهي السابق كالرد بعد العقد ، أولا؟ وجهان. أقواهما : الثاني [٢].

( مسألة ٣ ) : لو باشر المولى تزويج عبده أو أجبره على التزويج فالمهر إن لم يعين في عين يكون في ذمة المولى [٣]

______________________________________________________

إلا بناء على جواز اجتماع الأمر والنهي. ثمَّ إنك عرفت أن حرمة العقد لا بتوقع الإجازة عقلية ، لا شرعية ، فالنهي إرشادي من باب لزوم دفع الضرر ، لا شرعي ، فاستحقاق العقاب علة للنهي ، لا معلول له. ثمَّ إن صحة العقد الواقع على الوجه المحرم بالإجازة اللاحقة صريح النصوص المتقدمة.

[١] كما هو المشهور ، بل المدعى عليه الإجماع. وكأن الوجه فيه : أن الرد بمنزلة الحائل بين الإجازة والعقد ، فلا يمكن ارتباط الإجازة به ، كما إذا كان بعد الإيجاب قبل القبول ، فإنه مانع من ارتباط الإيجاب بالقبول عرفاً.

[٢] لعمومات الصحة. وعن جماعة : البناء على البطلان. وهو غير ظاهر الوجه ، إلا بناء على أن النهي السابق على العقد يستوجب وقوع الكراهة حال العقد وبعده آناً ما ، فيكون الكراهة بمنزلة الرد. وفيه : أن الكراهة لا تكون رداً ، ولذا يصح عقد المكره إذا أجاز بعد ذلك. وبالجملة : عمومات الصحة لا فرق في شمولها لعقد الفضولي بين سبق النهي وعدمه.

[٣] الكلام تارة يكون في المهر المذكور في متن العقد. وأخرى في المهر المستحق بالوطء إذا لم يذكر المهر في العقد. والظاهر أن مورد فرض المسألة الصورة الأولى. وحينئذ يكون الوجه فيه ظاهر ، لأن المهر المذكور لما لم يعين في ذمة ولا في عين انصرف الى ذمة العاقد المباشر‌


ويجوز أن يجعله في ذمة العبد يتبع به بعد العتق مع رضاه. وهل له ذلك قهراً عليه؟ فيه إشكال [١] كما إذا استدان على أن يكون الدين في ذمة العبد من غير رضاه. وأما لو اذن له في التزويج فان عين كون المهر في ذمته ، أو في ذمة العبد أو في عين معين تعين [٢]. وإن أطلق ففي كونه في ذمته ، أو في ذمة العبد مع ضمانه له وتعهده أدائه عنه [٣] ، أو كونه في كسب العبد ، وجوه. أقواها : الأول [٤]. لأن الإذن في الشي‌ء إذن في‌

______________________________________________________

وعهدته ، وفي صورة الإجبار يكون الآمر بمنزلة المباشر. لكنه غير ظاهر. فالأولى إلحاق صورة الإجبار بالصورة الآتية.

[١] للإشكال في دخول الذمة تحت سلطان المالك ، لأن الملكية قائمة بالعبد لا بذمته ، فلا تكون ذمته مملوكة ، ولا تحت ولاية المالك. إلا أن يقال : إن الذمة من شؤون المملوك ، فتكون تحت ولاية مالكه. ويحتمل أن يكون وجهه الإشكال في أن العبد حر بعد العتق ، فكونه يتبع به بعد العتق حق عليه في حال الحرية ، فلا سلطان للمولى على جعله. إلا أن يقال : إن المجعول أن يكون عليه حال الرقية أن يدفعه حال الحرية ، فالحق المجعول عليه جعل عليه في حال الرقية ، لا في حال الحرية.

[٢] لأنه مقتضى سلطان المولى.

[٣] الظاهر أن المراد من الضمان التعهد بالأداء ، لا الضمان الاصطلاحي ، بأن يكون المهر في ذمة المولى بعد أن كان في ذمة العبد.

[٤] كما في الشرائع والقواعد ، وغيرهما. وحكي عن ابني حمزة وإدريس وفي المسالك : أنه المشهور ، وأنه الأصح. لأن الاذن في النكاح يستلزم الاذن في توابعه ولوازمه ، كما لو أذن له في الإحرام بالحج ، فإنه يكون‌


لوازمه. وكون المهر عليه ـ بعد عدم قدرة العبد على شي‌ء ،

______________________________________________________

إذناً في توابعه من الافعال وإن لم يذكر. انتهى. لكن التعليل المذكور إنما يقتضي الاذن في جعل المهر ، لا كون المهر في ذمة المولى. نعم لو ثبت أن العبد لا ذمة له تعين أن يكون المهر المجعول المأذون في جعله في ذمة المولى. ولكنه غير ظاهر. بل خلاف المتسالم عليه. فقد ذكروا أنه إذا جعل المهر أكثر من مهر المثل كان الزائد على مهر المثل في ذمته. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في الجواهر من الاستدلال على المشهور بقوله : « ضرورة عدم ذمة العبد صالحة للاشتغال ، وإلا لكان المهر جميعه فيها ، ولم يقل به أحد ». وأما عدم كون المهر جميعه فيها إذا كان زائداً على مهر المثل فليس ذلك لعدم ذمة العبد ، بل من الجائز أن يكون لدليل آخر.

ولأجل ما ذكرنا من الاشكال على التعليل فسره في المتن : بأن المراد أن من لوازم الاذن في التزويج عرفا أن يكون المهر على المولى ، لعدم قدرة العبد وكونه كلاً على مولاه. فالجعل في ذمة العبد وإن كان ممكناً ، لكنه خلاف ظاهر الاذن عرفاً. فكأن مراد المسالك ذلك. وكذا قبله في جامع المقاصد ، فقد ذكر فيه التعليل بعينه ، بزيادة أن النكاح يمتنع إخلاؤه عن المهر ، والعبد لا يملك شيئاً ، فلا يجب عليه شي‌ء ، لامتناع أن يجب عليه ما لا يقدر عليه ، لامتناع التكليف بما لا يطاق. فيكون وجوبه على المولى. انتهى. فلو لم يكن تعهد من المولى بالمهر كان الاذن صورياً ، لا جديا. هذا بالنظر الى الغالب. ولذلك كان الاذن دالا على كون المولى متعهداً بالمهر بالدلالة العرفية. وليس من باب أن الاذن في الشي‌ء إذن في لوازمه ، بل من باب أن لازم الاذن عرفاً التعهد بالمهر. وكان الأولى لذلك إسقاط الجملة الأولى من التعليل ، والاقتصار على ما بعدها. وهو غير بعيد.


وكونه كلاً على مولاه ـ من لوازم الاذن في التزويج عرفا. وكذا الكلام في النفقة. ويدل عليه أيضا في المهر رواية علي ابن أبي حمزة [١] ، وفي النفقة موثقة عمار الساباطي [٢]. ولو تزوج العبد من غير إذن مولاه ثمَّ أجاز ، ففي كونه كالاذن‌

______________________________________________________

[١] رواها عنه الحسن بن محبوب عن أبي الحسن (ع) : « في رجل يزوج مملوكاً له امرأة حرة على مائة درهم. ثمَّ إنه باعه قبل أن يدخل عليها. فقال (ع) يعطيها سيده من ثمنه نصف ما فرض لها. إنما هو بمنزلة دين له استدانه بأمر سيده » (١). ومن ذيلها يظهر أن التزويج كان من العبد بإذن المولى ، لا من المولى مباشرة كما يظهر من صدر الرواية ، وإلا لم ينسجم بذيلها. فلاحظ.

[٢] قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة فتزوجها ثمَّ ان العبد أبق من مواليه ، فجائت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد. فقال (ع) : ليس على مولاه نفقة وقد بانت عصمتها منه. فإن إباق العبد طلاق امرأته .. » (٢). فإن تعليل نفي النفقة على المولى بأنها بانت عصمتها يدل على ثبوتها على السيد مع عدم البينونة.

وعن المبسوط وابني البراج وسعيد : أن المهر في كسب العبد. وفي كشف اللثام : « وهو عندي أقوى ، لأن الأصل براءة ذمة المولى. والاذن في النكاح لا يقتضي تعليق لازمه في الذمة ، وإنما يستلزم الاذن في لازمه ، وهو الكسب للمهر والنفقة ». وفيه : أنه لا مجال للأصل مع الدليل ، وقد عرفت أن من لوازم الاذن في النكاح عرفاً التعهد بالمهر والنفقة. ومنع استلزام الاذن في النكاح الاذن في الكسب والمهر ، بل لا بد في فعل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.


السابق في كون المهر على المولى ، أو بتعهده ، أولا ، وجهان [١].

______________________________________________________

الكسب من الاستئذان. وكذلك صرف النماء في الوفاء. نعم إذا كانت قرينة خاصة على ذلك كان العمل عليها. وأما الكلية فغير ظاهرة. بل لو كان العبد معتاداً للخدمة في المضيف أو المنزل ، فاذن له المولى في التزويج ، فذهب واشتغل بالكسب من نساجة وغيرها ، بلا إذن من المولى في ذلك كان شاذاً ومتمرداً على مولاه. ولذا قال في الجواهر : « ليس في الاذن ما يقتضي اختصاص ذلك بخصوص الكسب من أموال السيد ». والاشكال عليه ـ كما في رسالة شيخنا الأعظم ـ بأن مراد كاشف اللثام أنه لا تسلط عليه في إلزامه بالدفع من غير الكسب. ضعيف. كيف؟! ولم يقل بذلك أحد. وإنما القائلون بتعلقه في ذمة المولى يريدون بذلك أنه له الدفع من أي مال شاء من كسب أو غيره. والشيخ وأتباعه يعينون الدفع من الكسب. هذا إذا كان العبد كسوبا ، أما إذا لم يكن ، أو كان كسبه يقصر عن المهر ، بقي المهر في ذمته ، يتبع به بعد العتق. وقد يستفاد من كلام المبسوط : أنه يتعلق برقبته كأرش الجناية.

وفي الجواهر : « قد يقال : إنه في ذمة العبد ، لكونه عوض ما انتقل اليه من البضع ، ولكن يستحق على السيد أداؤه حالا ، أو عند حلول الأجل. ولعل هذا هو المراد من قولهم في ذمة السيد ، وأنه في عهدته أداؤه عن العبد ، وإلا فالمهر على الزوج نصا ، وفتوى ». وكأنه الى ذلك أشار في المتن بقوله : « أو في ذمة العبد .. » ، كما تقدم شرح المراد منه. وما ذكره (ره) غير بعيد عن الأذواق العرفية.

[١] أقربهما : الأول. لما ذكر فيما إذا كانت الاذن سابقة. وفي القواعد : « وإجازة عقد العبد كالإذن المبتدأة في النفقة. وفي المهر إشكال ». وفي كشف اللثام ـ في وجه الاشكال ـ : « أن العقد لما وقع تبعه المهر ،


ويمكن الفرق بين ما لو جعل المهر في ذمته فلا دخل له بالمولى [١] وإن أجاز العقد. أو في مال معين من المولى أو في ذمته [٢] فيكون كما عين أو أطلق ، فيكون على المولى. ثمَّ إن المولى إذا أذن فتارة يعين مقدار المهر ، وتارة يعمم ، وتارة يطلق ، فعلى الأولين : لا إشكال. وعلى الأخير : ينصرف الى المتعارف [٣]. وإذا تعدى وقف على إجازته [٤]. وقيل : يكون الزائد في ذمته [٥] يتبع به بعد العتق. وكذا‌

______________________________________________________

ولم يلزم المولى حينئذ ، وأنها رضيت بكونه في ذمة العبد. وفيهما منع ظاهر ».

[١] قد عرفت أن عدم قدرة العبد على الأداء قرينة عرفية على إرادة تعهد المولى بالدفع من إجازته العقد السابق.

[٢] الصورتان المذكورتان غير داخلتين في محل الكلام ، إذ لا ريب في أن مقتضى الإجازة صحة تعيين المملوك.

[٣] قد تكرر بيان أن التعارف لا يوجب الانصراف المعتد به ، ولو أوجب ذلك لزم تأسيس فقه جديد. لكن بناء الفقهاء في باب التوكيل في البيع والشراء والإجارة وأمثالها. على الانصراف الى المتعارف ، وتقييد الإطلاق به ، فاذا تعدى الوكيل كان العقد فضوليا ، ولا يصح إلا بإجازة المالك. ووجهه : أن الوكيل يجب عليه ملاحظة مصلحة الموكل ، فالتعدي عن مهر المثل خلاف مصلحته. وكأنه في المقام كذلك. وعليه فلا بد من ملاحظة مصلحة المالك في تصرف العبد ، والتجاوز عن مهر المثل خلاف مصلحته. وإذا كان المهر في ذمة العبد يتبع به بعد العتق ، وقد أذن له المولى ، فلا بأس لو تجاوز المهر مهر المثل ، لأنه لا يرتبط بمصلحة المولى.

[٤] راجع الى الصورة الأولى والأخيرة ، التي يمكن فرض التعدي فيهما.

[٥] كما لعله المشهور ، والمصرح به في الشرائع والقواعد. وفي المسالك :


الحال بالنسبة إلى شخص الزوجة ، فإنه إن لم يعين ينصرف إلى اللائق بحال العبد من حيث الشرف والضعة [١]. فإن تعدى وقف على إجازته.

( مسألة ٤ ) : مهر الأمة المزوجة للمولى [٢] ، سواء‌

______________________________________________________

ان الفرق بينه وبين الشراء بأكثر من ثمن المثل ـ حيث يبطل البيع من أصله إلا بإجازة المالك ، بخلاف المقام ـ : أن النكاح لا يتوقف على المهر ، ولا تلازم بينهما بخلاف البيع ، فان الثمن شرط في صحته. ويشكل : بأن ثبوت الزائد على العبد أيضا محتاج الى الاذن ، فمع عدمه لا يصح تصرف العبد ، ولا يثبت شي‌ء في ذمته. ولذا قال في جامع المقاصد : « إن الأنسب بالقواعد ثبوت الخيار للمولى في العقد أو الصداق ».

[١] قد عرفت الإشكال في الانصراف إذا لم يرجع الى مصلحة المالك. وحينئذ يتعين العمل بالإطلاق ، كما ذكره بعض. إلا إذا كان اللائق بحال العبد هو اللائق بحال المالك ، فإن التعدي عن ذلك خلاف مصلحة المالك حينئذ ، فيحتاج إلى الإجازة.

[٢] بلا خلاف ، كما في الرياض ، وبلا خلاف ، ولا إشكال ، كما في الجواهر ، واتفاقاً ، كما في رسالة شيخنا الأعظم. لأنه عوض منافعها المستوفاة منها ، فهو كأجرة الأمة المستأجرة. لكن عرفت أن باب النكاح ليس من قبيل المعاوضات ، والمهر المذكور في العقد لم يلحظ فيه عوضية. نعم المهر المستحق بالوطء لوحظ فيه ذلك. وكيف كان فالاتفاق المدعى كاف في استحقاق المولى للمهر. مضافاً الى‌ خبر أبي بصير عن أحدهما (ع) : « في رجل يزوج مملوكة له من رجل حر على أربعمائة درهم ، فعجل له مائتي درهم ، وأخر عنه مائتي درهم ، فدخل بها زوجها. ثمَّ إن سيدها باعها بعد من رجل ، لمن تكن المائتان المؤخرة على الزوج؟ قال (ع) :


كان هو المباشر ، أو هي بإذنه ، أو بإجازته. ونفقتها على الزوج ، إلا إذا منعها مولاها [١] عن التمكين لزوجها ، أو اشتراط كونها عليه [٢] وللمولى استخدامها بما لا ينافي حق الزوج. والمشهور أن للمولى أن يستخدمها نهاراً ويخلي بينها وبين الزوج ليلا [٣].

______________________________________________________

إن كان الزوج دخل بها وهي معه ، ولم يطلب السيد منه بقية المهر حتى باعها ، فلا شي‌ء له عليه ، ولا لغيره. وإذا باعها السيد فقد بانت من الزوج الحر ، إذا كان يعرف هذا الأمر .. » (١) ‌واشتماله على ما لا يعمل بظاهره غير قادح في حجيته على المقام.

[١] يعني : منعاً تكوينياً بأن حبسها ، أو تشريعياً وقد امتنعت بمنعه. لكن في الصورة الأولى لا موجب لسقوط النفقة ، لأنها معذورة في ترك التمكين ، ومعه لا تسقط النفقة. وكان الأولى استثناء صورة نشوزها ، بدل ما ذكر.

[٢] يعني : اشتراط كون أدائها عليه. أما إذا اشترط كون ثبوتها عليه ففيه إشكال ، لأنه مخالف للكتاب ، فقد جعل فيه ثبوتها على الزوج. قال تعالى ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٢).

[٣] قال في القواعد : « وللسيد استخدام الأمة نهارا. وعليه تسليمها الى زوجها ليلا ». وفي جامع المقاصد : « لم يلزمه تسليمها الى الزوج ليلا ونهاراً قطعاً. بل يستخدمها نهاراً ويسلمها الى الزوج ليلا ، لأن السيد يملك من أمته منفعة الاستخدام ، ومنفعة الاستمتاع ، فاذا زوجها فقد عقد على إحدى منفعتيها ، وبقيت المنفعة الأخرى يستحق استيفاؤها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) البقرة : ٢٣٣.


ولا بأس به. بل يستفاد من بعض الأخبار [١]. ولو اشترطا غير ذلك فهما على شرطهما [٢]. ولو أراد زوجها أن يسافر بها هل له ذلك من دون إذن السيد؟ قد يقال : ليس له ،

______________________________________________________

في وقتها. وهو النهار ، كما لو أجر الأمة .. ». ونحوه في كشف اللثام. ولم ينقل في ذلك خلاف ، ولذلك نسبه في المتن الى المشهور. وفيه : أنه غير ظاهر. وفي الجواهر ـ في المسألة الرابعة ، آخر مسائل تحليل الأمة ـ قال : « إن المتجه على أصول الإمامية جريان حكم الزوجة عليها ، فيجب تسليمها حينئذ ليلا ونهاراً. نعم يجوز للسيد الانتفاع بها في كل منهما ، ما لم يعارض حق الاستمتاع بها. وملك السيد لها لا يزيد على ملك الحرة نفسها ، الذي قد انقطع بعقد التزويج الوارد على ذلك. والمقتضي تسليط الزوج على زوجته في جميع الأزمنة والأمكنة ، فإن الرجال ( قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ ) ». ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما ذكر في المتن من قوله (ره) : « ولا بأس به ».

[١] وهو ما‌ رواه الراوندي في محكي نوادره ، بإسناده عن موسى ابن جعفر (ع) عن آبائه (ع) : « ان علياً (ع) قال : إذا تزوج الحر أمة ، فإنها تخدم أهلها نهارا ، وتأتي زوجها ليلا. وعليه النفقة إذا فعلوا ذلك » (١). لكن الخبر ضعيف لم يثبت جبره بعمل. ومورده الأمة المعدة للخدمة ، ولعل إعدادها لذلك قرينة على اشتراط عدم مزاحمة حقوق الزوج لها.

[٢] عملا بعموم نفوذ الشروط.

__________________

(١) لم نعثر عليه بالسند المذكور في كتب الحديث ، وإنما ذكره : باختلاف يسير في مستدرك الوسائل باب : ٥٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١ ، ورواه عن الجعفريات بسنده عن موسى قال : « حدثنا أبي عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (ع) .. ».


بخلاف ما إذا أراد السيد أن يسافر بها فإنه يجوز له من دون إذن الزوج [١]. والأقوى العكس ، لأن السيد إذا أذن بالتزويج فقد التزم بلوازم الزوجية ، و ( الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ ). وأما العبد المأذون في التزويج فأمره بيد مولاه [٢] ، فلو منعه من الاستمتاع يجب عليه طاعته ، إلا ما كان واجباً عليه من الوطء في كل أربعة أشهر ، ومن حق القسم.

( مسألة ٥ ) : إذا أذن المولى للأمة في التزويج وجعل المهر لها صح على الأقوى من ملكية العبد والأمة [٣] ، وإن كان للمولى أن يتملك ما ملكاه [٤].

______________________________________________________

[١] القائل العلامة في القواعد. وعلله في جامع المقاصد : بأن السيد مالك للرقبة ، وإحدى المنفعتين. وليس للزوج إلا المنفعة الأخرى ، فكان جانبه أقوى. وفي كشف اللثام : علله بسبق حقه ، وتعلقه بالرقبة ، وعدم منافاته لحق الزوج. انتهى. والأخير ممنوع. وما قبله لا يقتضي الجواز.

[٢] لأنه لا يقدر على شي‌ء ، ومخالفته لمولاه تصرف في ملك الغير بغير إذنه.

[٣] تعرضنا لتحقيق ذلك في أوائل كتاب الحج من هذا الشرح.

[٤] لعموم عدم قدرة العبد على شي‌ء ، وعموم : « الناس مسلطون على أموالهم » (١) ، فإن إخراج شي‌ء عن ملكه ـ كإدخال شي‌ء في ملكه ـ داخل في العموم المذكور ، بل مقتضاه جواز تمليك المالك مال العبد لشخص ثالث ، سواء كان فيه مصلحة للعبد ، أم مفسدة عليه ، إذ لا‌

__________________

(١) البحار الجزء : ٢ باب : ٣٣ ما يمكن أن يستنبط من الآيات والاخبار من متفرقات مسائل أصول الفقه حديث : ٧ الطبعة الحديثة ص : ٢٧٢.


بل الأقوى كونه مالكا لهما ولمالهما ملكية طولية [١].

______________________________________________________

يعتبر في عموم السلطنة وجود مصلحة للمملوك ، كما هو ظاهر. وعن المختلف : « لو ملك ( يعني : العبد ) لما جاز المولى أخذه منه قهراً. والثاني باطل إجماعاً ». وهو شامل لما نحن فيه.

[١] هذا لم يعرف قولا لأحد منا ، فإن الأقوال المحكية في المسألة ـ على كثرتها ـ ليس هذا منها ، فقد حكاها جماعة ، ومنهم الشيخ الكبير ( قده ) في شرح القواعد ، ولم يذكر هذا القول منها. قال (ره) ـ بعد الاستدلال على عدم الملكية مطلقاً ـ : « فلا وجه للقول بأنه يملك مطلقاً. فنسب إلى الأكثر في رواية ، والى ظاهر الأكثر في أخرى. أو يملك فاضل الضريبة فقط ، أو أرش الجناية كذلك. ونسبا الى الشيخ وأتباعه. أو ما ملكه مولاه. وربما عد منه فاضل الضريبة. أو ما أذن له في ملكه. أو المركب منهما ، على اختلاف أقسامه. أو يملك ملكا غير تام. أو التصرف خاصة ».

وكأن وجه هذا القول : الأخبار الصحيحة ـ كما قيل ـ الدالة على أن العبد وماله لمولاه. ومنها‌ صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « أنه قال في المملوك : ما دام عبداً فإنه وماله لأهله ، لا يجوز له تحرير ، ولا كثير عطاء ، ولا وصية ، إلا أن يشاء سيده » (١). وتقريب الاستدلال بها : أنه لما امتنع اجتماع ملكيتين مستقلتين على مملوك واحد ، يدور الأمر بين التصرف في إضافة المال الى العبد ، بحملها على غير الملكية الحقيقية ، لأنه يكفي في الإضافة على نحو المجاز أدنى ملابسة ، والتصرف في إضافتها إلى المالك ، بحملها على جواز التصرف فيه ، وبين التصرف في موضوع ملكية المولى ، فيجعل موضوعها المال المضاف الى العبد ، حتى تكون ملكية المولى قائمة بغير ما تقوم به ملكية العبد ، فإن ملكية العبد قائمة بذات‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب الوصايا حديث : ١.


( مسألة ٦ ) : لو كان العبد أو الأمة لمالكين أو أكثر توقف صحة النكاح على إذن الجميع أو إجازتهم [١]. ولو كانا مبعضين توقف على إذنهما وإذن المالك [٢]. وليس له إجبارهما حينئذ [٣].

______________________________________________________

المال ، وملكية المولى قائمة بالمال المضاف اليه ، فتكون ملكية المولى في طول ملكية العبد ، لأن موضوعها متأخر رتبة عن موضوع ملكية العبد ، فلا تكون من اجتماع الملكيتين في موضوع واحد ، بل هما في موضوعين مترتبين. وفيه : أن هذا المعنى بعيد عن الأذواق العرفية. فيتعين أحد التصرفين الأولين. وإذا دار الأمر بين التصرف في الصدر ، والتصرف في الذيل ، يتعين الثاني ، لأن الأول يقع في موقعه من الذهن ، فيحمل الثاني عليه ، لا العكس. مضافاً الى أن الظاهر تضاد الملكيتين ولو كانتا طوليتين. واختلاف الرتبة لا يرفع التضاد بينهما ، ولا يسوغ اجتماعهما. وملكية الله سبحانه للعباد وما هو لهم ليس من باب اجتماع الملكيتين الطوليتين ، فإن ملكية الله تعالى قائمة بذات مال العبد ، لا بما هو مضاف ، بل من باب اجتماع ملكيتين من سنخين ، فان سنخ ملكية الله تعالى غير سنخ ملكية العبد ، والإضافة القائمة بين المال والعباد غير الإضافة القائمة بين المال وخالقه ـ جل شأنه ، وتقدست أسماؤه ـ نظير اختلاف الإضافتين في مثل قولنا : « السرج للدابة » و « السرج لزيد ». فلاحظ وتأمل.

[١] على ما عرفت في المالك المتحد ، فإنه لا فرق بين اتحاد المالك وتعدده ، بلا إشكال ولا خلاف.

[٢] أما التوقف على ذلك : فلقاعدة السلطنة. وأما الصحة حينئذ : فلما عرفت سابقاً ، لعدم الفرق بين الفروض.

[٣] إذ لا دليل على ذلك ولا سلطنة للمالك عليهما ، بعد أن كان‌


( مسألة ٧ ) : إذا اشترت العبد زوجته بطل النكاح [١] وتستحق المهر إن كان ذلك بعد الدخول [٢]. وأما إن كان قبله ففي سقوطه ، أو سقوط نصفه ، أو ثبوت تمامه ، وجوه مبنية على أنه بطلان أو انفساخ [٣]. ثمَّ هل يجري عليها حكم‌

______________________________________________________

بعضهما خارجاً عن ملكه.

[١] لأنه إذا ملك أحد الزوجين صاحبه استقر الملك وبطل النكاح ، إجماعاً بقسميه ، كما في الجواهر. ويشهد له النصوص ، منها‌ خبر سعيد ابن يسار قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن امرأة حرة تكون تحت المملوك فتشتريه ، هل يبطل نكاحه؟ قال (ع) : نعم. لأنه عبد مملوك ( لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) » (١). ونحوه صحيح عبد الله بن سنان‌ ، ومصحح محمد بن قيس‌ (٢) ، وغيرهما.

[٢] بلا خلاف ظاهر. لأن الدخول سبب الاستحقاق ، فلا يزول ببطلان العقد الطارئ ، لأن البطلان الطارئ لا يرفع الاستحقاق السابق. نعم لو كان البطلان من أول الأمر كان مقتضاه الرجوع الى مهر المثل ، لا المسمى.

[٣] لا يظهر الفرق عرفاً بين البطلان والانفساخ ، فإنهما واحد. وكأن مراده من البطلان : البطلان من أول الأمر ، ومن الانفساخ : الانفساخ من حين السبب الطارئ. لكن لم يذكر في كلماتهم في مبنى المسألة ذلك. وإنما المذكور في المسألة احتمالان : التنصيف ، وسقوط المهر ، كما سيأتي في عبارة القواعد. ومبناهما إلحاق المقام بالخلع ، لأن الفسخ حصل من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١ ، ٣. لكن مورد الحديثين الملك بالإرث لا بالشراء.


______________________________________________________

الزوجين ، كباب الخلع قبل الدخول. أو من الزوجة فقط ، كما لو أسلمت مع كفره ، أو ارتدت مع إسلامه ، قبل الدخول ، فإنها لا تستحق من المهر شيئاً. نعم إذا ملك الحر زوجته الأمة قبل الدخول احتمل التنصيف ، وتمام المهر. قال في جامع المقاصد في الفرض الأول : « ففي سقوط نصف المهر أو جميعه وجهان ». ثمَّ ذكر أن وجه الأول : أن الفراق حصل بصنع الزوجين. ووجه الثاني : أن الفراق حصل بالزوجة والسيد ، لا اختيار للزوج فيها. ونحوه ذكر في الجواهر في آخر المسألة الأولى أول مبحث نكاح الإماء. ثمَّ قال في جامع المقاصد : « ولو انعكس الفرض فملك الحر زوجته الأمة قبل الدخول ، ففي وجوب نصف المهر أو جميعه الوجهان أيضا » ووجه الأول : أن الفراق كان بفعل الزوجين. ووجه الثاني : أن الفراق كان بفعل الزوج لا غير. ثمَّ قال : « لكن المتجه هنا وجوب الجميع ، وقد سبق نظائره في الرضاع ، وتجدد الإسلام ». والذي يتحصل من كلامه : أن الفراق إن كان بفعل الزوجين تعين التنصيف ، وإن كان بفعل الزوجة سقط جميع المهر ، وإن كان بفعل الزوج ثبت جميع المهر. قال في القواعد : « وإذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول فسد العقد في الحال. ولا مهر إن كان من المرأة ، وإلا فالنصف. ويحتمل الجميع إن كان عن فطرة ». وفي كشف اللثام : جعل الاحتمال الأخير قوياً ، إلحاقاً للارتداد بالموت ، الموجب لثبوت تمام المهر. وفي جامع المقاصد في شرح ذلك قال : « وقيده المصنف (ره) بما إذا كان الارتداد عن فطرة. ولا وجه له ، لأنه قد سبق في غير موضع من كلام المصنف (ره) احتمال وجوب جميع المهر بعروض الفسخ من قبل الرجل ، أو لا من قبل واحد من الزوجين ، لان المهر يجب جميعه بالعقد على أصح الأقوال ، ولم يثبت تشطيره إلا بالطلاق ، فيبقى وجوب جميعه ثابتاً في غير الطلاق. إذ الحمل‌


______________________________________________________

عليه قياس .. » وفي رسالة شيخنا الأعظم (ره) فيما لو أسلمت قبل الدخول : أنه لا مهر لها ، لأن الحدث جاء من قبلها. وفيما لو أسلم أحد الحربيين : أن عليه نصف المهر ، إن كان الإسلام منه. وقيل : عليه جميع المهر ، لثبوته بالعقد ، ولا دليل على سقوطه. وإلحاقه بالطلاق قياس ، وإلا يكن الإسلام منه بل كان الإسلام منها فلا شي‌ء ، لما تقدم. انتهى. لكن مقتضى التعليل المذكور وجوب الجميع حتى لو كان الفسخ من الزوجة. فما الذي أوجب الفرق بين الفسخ من الزوجة ، فلا يحتمل فيه التمام ـ كما في فرض المسألة المذكورة في المتن ـ والفسخ من الزوج ، فيكون المتجه فيه التمام.

وكيف كان فالمتحصل مما ذكرنا : أن الاحتمالات الثلاثة مبنية على الاحتمالات في إلحاق المقام بغيره مما ثبت فيه التمام ، كالموت بناء على المشهور. والتنصيف ، كالطلاق. أو السقوط ، كالفسخ من أحد الزوجين بعيب في صاحبه ، زوجاً كان الفاسخ أو زوجة ، إلا في العنن ، ففيه التنصيف ، للدليل.

والذي يقتضيه الذوق العرفي : أن الفراق إن كان لقصور في موضوع العقد ، لموت ، أو ارتداد ، أو رضاع موجب لكون الزوجة من المحارم ، أو نحو ذلك ، لزم جميع المهر. لعدم خلل في العقد ، بل الخلل في موضوعه ، فهو باق في موضوعه الحقيقي ، الذي ارتفع بطر والطارئ ، فالطارئ انما يرفع موضوع العقد ، ولا يرفع نفس العقد ، نظير ما لو باعه أو وهبه طعاماً ، فأكله ، فإن الأكل لا يبطل البيع ولا الهبة وكذا موت أحد الزوجين لا يبطل النكاح. ولذلك كان الأصل فيه بقاء تمام المهر ـ كما هو المشهور ـ وإن كان التحقيق هو التنصيف ، كالطلاق. لكنه للدليل ، لا لأنه مقتضى الأصل. فإنه إذا كان العقد‌


الطلاق قبل الدخول أو لا؟ وعلى السقوط كلاً إذا اشترته بالمهر الذي كان لها في ذمة السيد بطل الشراء ، للزوم خلو البيع عن العوض [١]. نعم لا بأس به إذا كان الشراء بعد‌

______________________________________________________

باقياً في موضوعه كان المهر باقياً أيضاً. وعلى هذا يتعين تمام المهر في جميع الصور المذكورة ، كما يتعين العمل بالشروط التي تضمنها العقد. فاذا ماتت الزوجة وقد اشترطت على زوجها في عقد النكاح أن يسرج في المسجد عشرين سنة ، وجب على الزوج الإسراج المدة المذكورة. وكذا الكلام في الشروط في عقد النكاح إذا ارتدت الزوجة ، أو أسلمت ، أو حرمت على زوجها برضاع ، فإنها لا تبطل بذلك ، وإن خرجت الزوجة عن الزوجية.

وإذا كان الفراق بالفسخ الاختياري بطل تمام المهر ، لأن المهر قائم بالعقد ، وقد ارتفع وانحل. وكذا الشروط القائمة بالعقد ، فإنها تبطل ، ولا يجب العمل بها. ولا فرق بين أن يكون المباشر للفسخ الزوج ، والزوجة ، كما هو الحكم في فسخ أحد الزوجين بعيب في الآخر قبل الدخول ، إلا في العنن ، ففيه التنصيف ، للدليل. كما لا فرق في الفرض الأول بين أن يكون السبب الطارئ باختيار الزوج ، أو الزوجة ، وأن يكون باختيارهما معاً ، وأن لا يكون باختيار أحدهما. وأما الطلاق بأنواعه فمما لا يرتبط بالعقد ، ولا بموضوعه ، وإنما يحدث أثراً مضاداً لأثر العقد ، فلا مجال لإلحاق المقام به. وعلى ما ذكرنا يشكل الحكم فيما ذكروه هنا ، وفي باب إسلام أحد الزوجين ، وفي باب الرضاع المحرم.

[١] قال في القواعد : « ولو اشترته زوجته أو اتهبته قبل الدخول سقط نصف المهر الذي ضمنه السيد ، أو جميعه. فان اشترته بالمهر المضمون بطل الشراء إن أسقطنا الجميع ، حذراً من الدور ، إذ سقوط العوض بحكم‌


______________________________________________________

الفسخ يقتضي عراء البيع عن العوض ». قال في جامع المقاصد في بيان ذلك : « انه إذا صح البيع دخل في ملكها ، وانفسخ النكاح ، فيسقط المهر ، لأنه المقدر. فيبقى البيع بغير عوض يقابله ، فينفسخ ، لامتناع صحة البيع بدون ثمن. فصحة البيع تستلزم بطلانه. وذلك دور عند الفقهاء. وبطلانه ظاهر. لأن كلما يفضي صحته الى بطلانه يجب الحكم ببطلانه ». وفي حاشية بعض الأعاظم : « أجيب عنه : بأن سقوط المهر معلول لشراء الزوجة العبد ، وفي رتبة الشراء يكون المهر ثابتاً ، وهو كاف في صحة الشراء ، فلا يلزم خلو البيع من العوض ». ويشكل : بأن سقوط المهر في الرتبة اللاحقة للشراء موجب لبطلان الشراء في الرتبة اللاحقة ، ويلزم المحذور. وهكذا كل ما يلزم من وجوده عدمه الذي قيل إنه محال ، فإنما يلزم من وجوده في رتبة عدمه في الرتبة اللاحقة.

نعم يمكن أن يقال : إن البناء على عدم صحة الشراء من جهة لزوم المحذور المذكور راجع الى تخصيص ما دل على صحة الشراء ، بإخراج المورد عنه. وحينئذ يدور الأمر بين التخصيص المذكور ، وبين تخصيص ما دل على أن الشراء يبطل النكاح ، وبين تخصيص ما دل على أن النكاح إذا بطل بطل المهر. فإنه لو بني على عدم التخصيص للعمومات المذكورة ، وعلى الأخذ بها ، لزم المحذور. والتخلص منه كما يكون بالبناء على عدم صحة الشراء ، يكون بالبناء على صحة الشراء وعدم بطلان النكاح به ، ويكون أيضا بالبناء على صحة الشراء وبطلان النكاح به وعدم سقوط المهر. ولأجل أن العمومات مترتبة لترتب موضوعاتها ، يتعين سقوط الأخير عن الحجية. للعلم الإجمالي إما بالتخصيص أو التخصص. ولا وجه للبناء على التخصيص الأول ، فإنه خلاف أصالة العموم. فالفتوى بصحة الشراء وبطلان النكاح وعدم سقوط المهر أولى من البناء على عدم صحة الشراء ،


الدخول ، لاستقرار المهر حينئذ. وعن العلامة في القواعد [١] : البطلان إذا اشترته بالمهر الذي في ذمة العبد وإن كان بعد الدخول ، لأن تملكها له يستلزم براءة ذمته من المهر ، فيخلو البيع عن العوض. وهو مبني على عدم صحة ملكية المولى في ذمة العبد [٢]. ويمكن منع عدم الصحة [٣]. مع أنه لا يجتمع‌

______________________________________________________

وأوفق بقواعد العمل بالأدلة. مضافا الى أن الاشكال إنما يتم لو كان الشراء بالمهر بما أنه مهر. أما إذا كان بعنوانه الذاتي ، فالسقوط يقتضي ضمانه على الزوجة لتصرفها فيه ، ولا يقتضي بطلان البيع. كما لو اشترت به شيئاً آخر ثمَّ فسخ النكاح ، فإنه يرجع عليها ببدل الصداق. وقد تنبه لذلك في جامع المقاصد. ولكن لم يكتف به في الجواب ، لأن التقدم اعتباري ، لا زماني ، بخلاف المثال المذكور. والفرق بين التقدم الزماني والاعتباري غير ظاهر.

[١] قال (ره) : « ولو اشترته به بعد الدخول صح. ولو جوزنا إذن المولى بشرط ثبوت المهر في ذمة العبد ، فاشترته به ، بطل العقد ، لان تملكها له يستلزم براءة ذمته ، فيخلو البيع عن العوض ».

[٢] إذ لو قلنا بجواز ملك السيد ما في ذمه عبده ، لا يكون تملك السيد للعبد موجباً لبراءة ذمة العبد ، فلا يلزم المحذور.

[٣] في جامع المقاصد : « لامتناع أن يستحق المولى في ذمة مملوكه مالا ، لأنه وذمته ملك له ، فكيف يعقل أن يستحق على ماله مالا؟! ». ونحوه في كشف اللثام. وقد استشكل في ذلك المصنف (ره) ، لعدم وضوح وجه المنع ، ولا سيما بملاحظة أنه لو أتلف مال المولى كان ضامناً. ودعوى : أن ذلك للضرورة ، حذراً من ضياع الأموال. كما ترى ، فإن الضرورة لا تجعل الممتنع ممكناً.


ملكيتها له ولما في ذمته [١] ، بل ينتقل ما في ذمته الى المولى بالبيع حين انتقال العبد إليها.

( مسألة ٨ ) : الولد بين المملوكين رق [٢] ، سواء كان عن تزويج مأذون فيه ، أو مجاز ، أو عن شبهة مع العقد أو مجردة ، أو عن زنا منهما ، أو من أحدهما ، بلا عقد أو عن عقد معلوم الفساد عندهما ، أو عند أحدهما. وأما إذا كان أحد الأبوين حراً فالولد حر [٣]

______________________________________________________

[١] لأن المعاوضة تقتضي انتقال كل من العوضين الى ملك مالك الآخر ، فكما أن العبد انتقل إلى الزوجة من مالكه ، كذلك ينتقل المهر منها الى مالكه ، فلا يجتمع المهر والعبد في ملكية مالك واحد ، وإلا لزم الجمع بين العوض والمعوض ، وهو خلف.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال. وفي كشف اللثام : دعوى الاتفاق عليه ، لأنه نماء المملوك ، والنماء تابع للأصل. ولو بنى على الإشكال في ذلك كان مقتضى الأصل الحرية. ولا فرق فيما ذكرنا بين الصور المذكورة في المتن.

[٣] على المشهور شهرة عظيمة. ويشهد له جملة من النصوص ، منها‌ صحيح جميل بن دراج قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن رجل تزوج بأمة فجاءت بولد. قال (ع) : يلحق الولد بأبيه. قلت : فعبد تزوج حرة. قال (ع) : يلحق الولد بأمه » (١) ‌، و‌خبره : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إذا تزوج العبد الحرة فولده أحرار. وإذا تزوج الحر الأمة فولده أحرار » (٢) ‌، و‌خبره الآخر قال : « سألت أبا عبد الله (ع)

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٦.


______________________________________________________

عن الحر يتزوج الأمة ، أو عبد يتزوج حرة. قال : فقال لي : ليس يسترق الولد إذا كان أحد أبويه حراً ، إنه يلحق بالحر منهما ، أيهما كان أباً أو أماً » (١) ‌، و‌مصحح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « في العبد تكون تحته الحرة. قال (ع) : ولده أحرار. فإن أعتق المملوك لحق بأبيه » (٢). ونحوها غيرها.

وعن ابن الجنيد : الإلحاق بالأم ، كانت أمة أو حرة. ويشهد له جملة من النصوص ، كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل زوج أمته من رجل ، وشرط عليه أن ما ولدت من ولد فهو حر ، فطلقها زوجها أو مات عنها ، فزوجها من رجل آخر ، ما منزلة ولدها؟ قال : منزلتها ، ما جعل ذلك إلا للأول ، وهو في الآخر بالخيار ، إن شاء أعتق ، وإن شاء أمسك » (٣) ‌، و‌خبر الحسن بن زياد : « قلت له أمة كان مولاها يقع عليها ، ثمَّ بدا له فزوجها ، ما منزلة ولدها؟ قال (ع) بمنزلتها ، إلا أن يشترط زوجها » (٤) ‌، و‌صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل زوج جاريته رجلا ، واشترط عليه أن كل ولد تلده فهو حر ، فطلقها زوجها ، ثمَّ تزوجت آخر ، فولدت. فقال (ع) : إن شاء أعتق ، وإن شاء لم يعتق » (٥). ونحوها غيرها. لكنها لمخالفتها للأصحاب عداه لا مجال للأخذ بها ، ولا سيما في مقابل ما تقدم ، فيتعين طرحها أو حملها على التقية. ثمَّ إنه ربما تقدم في المسألة الثانية من فصل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١٣.

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١٢.

(٥) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١١.


إذا كان عن عقد صحيح [١] ، أو شبهة مع العقد أو مجردة [٢] حتى فيما لو دلست الأمة نفسها [٣] بدعواها الحرية فتزوجها حر على الأقوى ، وإن كان يجب عليه حينئذ دفع قيمة الولد الى مولاها. وأما إذا كان عن عقد بلا إذن مع العلم من الحر بفساد العقد ، أو عن زنا من الحر منهما ، فالولد رق [٤].

______________________________________________________

ما يحرم بالمصاهرة ما ظاهره لمنافاة لما هنا ، وتقدم الكلام في ذلك.

[١] كما هو مورد أكثر النصوص.

[٢] إجماعا ظاهراً. ويقتضيه إطلاق قوله (ع) في خبر جميل : « ليس يسترق الولد إذا كان .. » ‌، فإنه ظاهر في عموم الولد للولد عن شبهة. ومورده وإن كان التزويج ، لكن المورد لا يخصص الوارد.

[٣] سيأتي الكلام فيه في المسألة الثانية عشرة.

[٤] الظاهر أنه لا إشكال فيه. ويقتضيه أن الحر إذا كان زانياً ، أو عالماً بفساد العقد ، كان ذلك مانعاً من انتساب الولد اليه ، فيتعين انتسابه الى الآخر. بل هو واضح إذا كان الحر هو الزوج ، فان لحوق الولد بالأم حينئذ في محله. أما إذا كان الحر الزوجة فالتحاقه بالأب دون الأم مبني على إهمال قاعدة تبعية الولد لأمه. وقد عرفت أنه محل تأمل. نعم قد يدل عليه‌ خبر العلاء بن رزين : « في رجل دبر غلاما له فأبق الغلام فمضى الى قوم فتزوج منهم ولم يعلمهم أنه عبد ، فولد له أولاد وكسب مالا ومات مولاه الذي دبره .. فقال (ع) العبد وولده لورثة الميت » (١). لكن مورده صورة جهل الحر وعلم العبد ، عكس مفروض المسألة ، وقد عرفت أن الحكم فيه اللحوق بالحر. فلا بد من تأويل الخبر ، وإلا أمكن استفادة حكم المقام منه بالأولوية. نعم يدل على الحكم في صورة زنا الزوج‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.


ثمَّ إذا كان المملوكان لمالك واحد فالولد له [١]. وإن كان كل منهما لمالك فالولد بين المالكين بالسوية [٢] ، إلا إذا اشترطا التفاوت أو الاختصاص بأحدهما [٣]. هذا إذا كان العقد‌

______________________________________________________

مرسل جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما (ع) : « في رجل أقر على نفسه بأنه غصب جارية رجل ، فولدت الجارية من الغاصب ، قال (ع) : ترد الجارية والولد على المغصوب إذا أقر بذلك الغاصب » (١).

[١] بلا ريب ، لأنه نماء ملكه أيا منهما كان. ويشهد به رواية أبي هارون المكفوف ‌(٢).

[٢] على المشهور بين الأصحاب ، بل كافتهم ، عدا أبي الصلاح ، فذهب إلى أنه يتبع الأم كغيره من الحيوانات. وفي المسالك : « فرقوا بينهما بأن النسب مقصود في الآدميين ، وهو تابع لهما. بخلاف غيره من الحيوانات ، فان النسب فيه غير معتبر ، والنمو والتبعية فيه لاحق بالأم خاصة. وفي الفرق خفاء ، إن لم يكن هناك إجماع ». ونحوه في الرياض. وفي كشف اللثام : « الفرق ضعيف ». وفي الحدائق : أنه مشكل. وفي جامع المقاصد : أن الفرق ـ وراء النص والإجماع ـ ثبوت النسب المقتضي للتبعية. انتهى. وكأنه يشير بالنص الى ما ورد في تزويج العبد حرة ، وبالعكس ، المتضمن أنه يلحق بالحر منهما. وفي الجواهر : أن هذه النصوص تومئ الى ذلك. ولكنه غير ظاهر فإن جهة الحرية غير جهة المالكية والمملوكية ، ومن الجائز غلبة الجهة الأولى على الثانية. فما ذكره أبو الصلاح أوفق بالقواعد ، لو لا أن خلافه مظنة الإجماع.

[٣] كما نص على ذلك في الشرائع ، والقواعد. وفي الجواهر : « بلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦١ من أبواب نكاح العبيد والإماء ملحق حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.


بإذن المالكين أو مع عدم الاذن من واحد منهما [١]. وأما إذا كان بالاذن من أحدهما فالظاهر أنه كذلك. ولكن المشهور‌

______________________________________________________

خلاف أجده. لعموم : المؤمنون عند شروطهم » (١). بناء على صحة شرط النتيجة في مثله ، كما ذكروا ذلك في كتاب الشركة.

[١] في المسالك : « ظاهرهم الاتفاق عليه ». وفي الجواهر : « بلا خلاف ولا إشكال في الصورتين » بناء على عدم المزية لأحدهما ، الموجبة لترجيح الإلحاق به على الإلحاق بالآخر. خلافا لأبي الصلاح ، كما تقدم. نعم يشكل : بأنه مع الزنا بالأمة يلحق الولد بالأم عندهم ، والعقد بلا إذن بمنزلة العدم ، فالنكاح معه يكون من الزنا. ولأجل ذلك خص بعض الحكم بالتشريك في المقام بصورة الجهل ، لئلا يكون من الزنا. وفي الجواهر دفعه بأن مقتضى النصوص الواردة في نكاح الأمة من غير إذن مولاها المتضمنة إلحاق الولد بها ، والنصوص الواردة في نكاح العبد من غير إذن مولاه المتضمنة إلحاق الولد به : هو أن عدم الاذن موجب للإلحاق ، وفي المقام حاصل في الأبوين معا ، فيلحق الولد بهما معاً. لكن ما ذكر لا يخلو من خفاء ، لاختلاف المورد. مع أنك عرفت الإشكال في خبر العلاء ابن رزين الدال على رقية ولد العبد المتزوج بلا إذن. وسيجي‌ء أيضا الإشكال في نصوص الأمة المتزوجة بغير إذن مولاها ، والخلاف في ذلك ، واختيار المصنف والجواهر حرية الولد ، خلافاً لما نسب الى المشهور. ولأجل ذلك يكون تخصيص الحكم المذكور بصورة جهلهما ، وإلحاق صورة علمها بالزنا في الإلحاق بالأم ـ عملا بقاعدة تبعية النماء للام ـ أولى ، لو لم يكن إجماع على خلافه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المهور حديث : ٤.


أن الولد حينئذ لمن لم يأذن [١]. ويمكن أن يكون مرادهم في صورة إطلاق الاذن [٢] ، بحيث يستفاد منه إسقاط حق نمائية الولد حيث ان مقتضى الإطلاق جواز التزويج بالحر أو الحرة ، وإلا فلا وجه له [٣]. وكذا لو كان الوطء شبهة [٤] منهما سواء كان مع العقد أو شبهة مجردة ، فان الولد مشترك. وأما لو كان الولد عن زنا من العبد فالظاهر عدم الخلاف في أن الولد لمالك الأمة [٥] ، سواء كان من طرفها شبهة أو زنا.

______________________________________________________

[١] وفي المسالك : « ظاهرهم الاتفاق عليه .. الى أن قال : عللوه بأن الآذن لمملوكه في التزويج مطلقاً مقدم على فوات الولد منه ، لأنه قد يتزوج من ليس برق ، فينعقد الولد حراً. بخلاف من لم يأذن ، فيكون الولد له خاصة ».

[٢] قد عرفت تعليلهم له بذلك. لكنه عليل ، لأن إلحاق الولد بالمملوك حكم شرعي ، لا يقبل الاسقاط ، فضلا عن السقوط بالاقدام على خلافه ، ولا مكان فرض اختصاص الاذن بتزويج المملوك ، مع أن الحكم عندهم فيه كذلك.

[٣] ذكر في الجواهر : أن الوجه فيه النصوص الواردة في تزويج العبد غير المأذون ، والواردة في تزويج الأمة غير المأذونة ، المتضمنة تبعية الولد لغير المأذون ، المستفاد منها اقتضاء عدم المأذونية الإلحاق ، كما تقدم منه نظيره في غير المأذونين. لكن عرفت إجمالا الإشكال في النصوص المذكورة. وسيأتي الكلام فيها في المسألة الثانية عشرة ، والثالثة عشرة.

[٤] لما تقدم في غير المأذونين.

[٥] وفي الجواهر : « من غير خلاف ، ولا إشكال ». وفي المسالك :


( مسألة ٩ ) : إذا كان أحد الأبوين حراً فالولد حر [١] لا يصح اشتراط رقيته على الأقوى [٢] في ضمن‌

______________________________________________________

« ظاهرهم الاتفاق عليه ». وقد يدل عليه مرسل جميل المتقدم.

[١] كما تقدم. وتقدم الخلاف فيه من الإسكافي.

[٢] كما في المسالك ، وغيرها. والمشهور بين الأصحاب ـ كما في المسالك ـ : القول بالصحة. وفي الشرائع : نسبه الى قول مشهور. وظاهره التردد فيه. وصرح بالتردد في المختصر النافع. وفي الجواهر : « لم أجد فيه ترددا ـ فضلا عن الخلاف ـ قبل المصنف ». ووجه المشهور عمومات نفوذ الشرط ، و‌رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « قال : لو أن رجلا دبر جارية ، ثمَّ زوجها من رجل فوطئها ، كانت جاريته وولدها مدبرين. كما لو أن رجلا أتى قوما فتزوج إليهم مملوكتهم كان ما ولد لهم مماليك » (١) ‌، بناء على حملها على صورة شرط الرقية ـ كما عن الشيخ (ره) ـ جمعاً بينها وبين ما دل على حرية المتولد بين الحر والمملوك ، كما سبق. لكن الرواية ـ مع أنها غير واضحة السند ، لأن في سندها أبا سعيد ، وهو مشترك بين الثقة والضعيف ـ غير واضحة الدلالة. والحمل على إرادة صورة شرط الرقية في مقام الجمع بينها وبين معارضها ، لا يقتضي حجيتها فيه ، كما لعله ظاهر. وأما عمومات نفوذ الشرط ـ مثل‌ قوله (ص) : « المؤمنون عند شروطهم » (٢) ‌ـ فمقيدة بما دل على بطلان الشرط المخالف للكتاب ، والمحقق في محله أن المراد به شرط حكم على خلاف المقتضي الشرعي ، وظاهر نصوص حرية المتولد بين الحر والمملوك‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١٠.

(٢) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المهور حديث : ٤ ، مستدرك الوسائل باب : ٥ من أبواب الخيار حديث : ٧.


عقد التزويج ، فضلا عن عقد خارج لازم. ولا يضر بالعقد [١] إذا كان في ضمن عقد خارج. وأما إن كان في ضمن عقد التزويج فمبني على فساد العقد بفساد الشرط وعدمه. والأقوى‌

______________________________________________________

ـ مثل : « ليس يسترق ولد حر » ـ ان الانتساب الى الحر مقتض للحرية. فشرط الرقية يكون مخالفاً للمقتضي الشرعي ، فلا يصح.

ودعوى : أن الشرط راجع الى رفع يد الحر عن مقتضى ما أثبته العقد له من الشركة في الولد ، فيختص الآخر بالنماء ، فيتبعه في الملك ، فالرقية تكون بالتبعية للمملوك ، لا بالشرط. وليس مفاد الشرط إلا رفع المزاحم لا غير. مندفعة : بأن رفع يد الحر عن المتولد خلاف الحكم الاقتضائي أيضا فيرجع الاشكال. ولا تنفع الدعوى في حله ، وإن ذكرها في الجواهر. ومثلها استدلاله للمشهور بالروايات الدالة على رقية ولد الأمة إذا كان زوجها حراً ، فإن إطلاقها شامل لصورتي الشرط وعدمه ، فيعمل بها في صورة الشرط ، لعمل الأصحاب بها حينئذ. وفيه : أن النصوص المذكورة ـ ومنها خبر أبي بصير المتقدم ـ ظاهرة في الرقية بالتبعية ، فالبناء على الرقية بالشرط ليس عملا بتلك النصوص. ومثلهما في الاشكال مقايسته شرط الرقية بشرط الحرية ، مع ما بينهما من البون البعيد ، فإنه لم يرد في الرقية : لا يتحرر الرق ، كما ورد في الحرية : لا يسترق الحر. ولذا جاز شرط الحرية ، ولم يجز شرط الرقية ، وإن كانا من شرط النتيجة ، لإمكان صحته في بعض الموارد ، كما لا يخفى.

[١] يعني : عقد التزويج. أما نفس العقد الخارج الذي كان في ضمنه الشرط فبطلانه مبني على فساد العقد بفساد الشرط ، كعقد التزويج إذا كان في ضمنه الشرط المذكور.


عدمه [١]. ويحتمل للفساد وإن لم نقل به في سائر العقود إذا كان من له الشرط جاهلاً بفساده ، لأن في سائر العقود يمكن جبر تخلف شرطه بالخيار ، بخلاف المقام حيث انه لا يجري خيار الاشتراط في النكاح [٢]. نعم مع العلم بالفساد‌

______________________________________________________

[١] لأن الشرط في ضمن العقد من قبيل الإنشاء في ضمن الإنشاء ، على نحو تعدد المطلوب ، فلا يكون فساده موجباً لفساده. وإن حكي ذلك عن أكثر المتأخرين.

[٢] لأن خيار الاشتراط ـ سواء كان حكماً تعبدياً ، دل على ثبوته الإجماع ، كما يظهر من شيخنا الأعظم ، أم حكماً عرفياً للاشتراط ، دل على إمضائه الإجماع وعدم الردع عنه ، أم خياراً جعلياً للمتعاقدين من لوازم الاشتراط ، دل على لزومه عمومات نفوذ الشروط ـ لا يجري في النكاح إجماعاً ، ولعدم تمامية الإجماع على ثبوته ، ولمثل‌ صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال في الرجل يتزوج الى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبينوا له. قال (ع) : لا ترد. وقال : إنما يرد النكاح من البرص ، والجذام ، والجنون ، والعفل » (١) ‌، بناء على أن خيار العيب من قبيل خيار الاشتراط ، لأن الصحة شرط في موضوع النكاح ، كما هي شرط في المبيع ، فاذا دل الدليل على عدم الخيار في غير الموارد المذكورة ، فقد دل على نفي خيار الاشتراط فيه. نعم مورد هذه النصوص شرط الصحة دون غيره من الشروط ، فيحتاج في التعميم لبقية الشروط الى دعوى الإجماع على عدم الفصل ، أو إلغاء خصوصية المورد. وربما يأتي تمام الكلام في المقام في فصل مسائل متفرقة. فانتظر.

ثمَّ إن عدم ثبوت خيار الشرط في النكاح لا يستوجب فساده بفساد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب العيوب والتدليس حديث : ٦.


لا فرق ، إذ لا خيار في سائر العقود أيضا [١].

______________________________________________________

الشرط ، لأن ذلك يتوقف على كون الإنشاء بنحو وحدة المطلوب. وهو كما ترى ، ضرورة عدم الفرق بين النكاح وغيره في كيفية إنشائه مشروطا ، فاذا كان غيره على نحو تعدد المطلوب كان هو كذلك. فيتعين البناء على الصحة من دون خيار. ولعل الوجه المميز بينه وبين غيره من العقود المالية : أن الملحوظ فيه الجهات الأدبية ، وتخلف الشرط لا يقدح فيها ، ولذلك لا يرد بالعيوب مهما كانت غير العيوب المخصوصة. فلاحظ.

كما أن عدم ثبوت خيار الاشتراط في النكاح ليس على كليته ، فقد ذكر في القواعد : أنه لو شرط أحد الزوجين على الآخر نسباً فظهر من غيره كان له الفسخ ، لمخالفة الشرط ، وكذا لو شرط بياضاً ، أو سواداً ، أو جمالا. انتهى. ووافقه عليه في الجواهر ، وغيرها. لكنه إن تمَّ فهو لدليل خاص ذكره في الجواهر ، وإن كان الاشكال عليه ظاهراً ، إذ لا دليل يقتضي العموم. نعم ورد في صحيح محمد بن مسلم : الخيار فيمن تزوجت مملوكاً على أنه حر فتبين أنه رق‌ (١) ، وفي صحيح الحلبي : ثبوته فيمن تزوجت رجلا على أنه من بني فلان فتبين أنه من غيرهم‌ (٢). ولكن التعدي عن موردهما إلى قاعدة كلية كما ترى.

[١] لأن العالم بالفساد مقدم على عدم لزوم العمل بالشرط ، فلا موجب لثبوت الخيار له. وفيه : أن الاقدام يكون حينئذ على عدم لزوم العمل بالشرط شرعاً ، لا على عدم العمل به ، والذي يسقط الخيار الثاني ، لا الأول.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب العيوب والتدليس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٦ من أبواب العيوب والتدليس حديث : ١.


( مسألة ١٠ ) : إذا تزوج حر أمة من غير إذن مولاها حرم عليه وطؤها [١] ، وإن كان بتوقع الإجازة [٢]. وحينئذ فإن أجاز المولى كشف عن صحته ، على الأقوى من كون الإجازة كاشفة [٣]. وعليه المهر [٤]. والولد حر. ولا يحد حد الزنا وإن كان عالما بالتحريم ، بل يعزر [٥]. وإن كان عالماً بلحوق الإجازة فالظاهر عدم الحرمة وعدم التعزير أيضا [٦].

______________________________________________________

[١] لأنها أجنبية.

[٢] إذ التوقع للإجازة غير الإجازة ، والموجب لكونها زوجة هو الإجازة ، والأصل عدمها ، فيكون الحكم الظاهري الحرمة.

[٣] أما بناء على الكشف الحقيقي : فيكون العقد صحيحاً حين وقوعه ، والوطء حلالا واقعاً حين وقوعه ، وإن كان حراماً ظاهراً حين وقوعه ، لأصالة عدم وقوع الإجازة ، كما عرفت. أما بناء على الكشف الانقلابي ـ كما هو الظاهر ـ : فيكون باطلا حين وقوعه ، والوطء حراماً حين وقوعه ، وبعد الإجازة يحكم بكون العقد صحيحاً والوطء حلالا من حين وقوعه. فلو أخذ الى الامام قبل تحقق الإجازة على الأول لا يجوز حده واقعاً ، وعلى الثاني يجوز حده واقعاً ، وإن كان يتبدل بالإجازة.

[٤] يعني. المسمى ، لصحة العقد. وكذا يكون الولد حراً ، لحرية الوالد ، ولا يلحق بالأمة ، لاختصاص ذلك بالزنا ، وهو منتف ، لأن المفروض صحة العقد واقعاً ، ولذا لا يحد الواطئ حد الزنا ، وإن كان عالماً بحرمة وطء أمة الغير من غير عقد بإذن مولاها.

[٥] لمخالفته الحكم الظاهري.

[٦] لصحة العقد حين وقوعه ، فيحل الوطء من أول الأمر ، ولا‌


وإن لم يجز المولى كشف عن بطلان التزويج. ويحد حينئذ حد الزنا إذا كان عالماً بالحكم [١] ، ولم يكن مشتبهاً من جهة أخرى [٢]. وعليه المهر بالدخول ، وإن كانت الأمة أيضا عالمة على الأقوى [٣]. وفي كونه المسمى ، أو مهر المثل‌

______________________________________________________

موجب للتعزير ، للعلم بحل الوطء حين وقوعه. نعم بناء على الكشف الانقلابي لا يكون العلم بلحوق الإجازة موجباً للعلم بصحة العقد حين وقوعه ، ولا لحلية الوطء حين وقوعه ، بل العقد باطل حين وقوعه ، والوطء حرام حين وقوعه ، ويجوز حد الواطئ قبل تحقق الإجازة ، كما عرفت.

[١] يعني : كان عالما بحرمة وطئها إذا لم يأذن المولى ولم يجز.

[٢] مثل أن يتخيل أنها أمته ، أو زوجته ، أو أن المولى قد حللها له ، أو نحو ذلك من الاشتباه ، فإنه يكون الوطء شبهة ، ولا يستحق الحد به ، لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

[٣] قد تقدم من المصنف (ره) في المسألة الخامسة عشرة من ( فصل : لا يجوز التزويج في عدة الغير ) : أن الأقوى عدم استحقاق السيد المهر مع علم الأمة بحرمة الوطء. وقد تقدم في الشرح أن الذي يظهر من كلام بعضهم أن الكلام في هذه المسألة في مقامين : الأول : استحقاق السيد المهر. والثاني : استحقاق السيد الأرش. والمصنف فيما سبق ذكر أن الأقوى عدم استحقاق المهر. وهنا ذكر أن الأقوى استحقاقه ، وتردد في أنه المسمى ، أو مهر المثل ، أو العشر ونصفه ، مع أن العشر ونصفه ليس من المهر ، بل هو من الأرش. وتبع في ذلك جماعة منهم صاحب المسالك والجواهر ، فإنه في الجواهر ـ بعد أن اختار ثبوت المهر للأمة ـ ذكر أن في وجوب المسمى عليه ، أو مهر المثل ، أو العشر إن كانت بكراً ونصفه إن كانت ثيباً. وجوه ، بل أقوال ، لا يخلو الأخير منها من‌


______________________________________________________

قوة ، وفاقاً للمحكي عن أبي حمزة. واختاره سيد المدارك ، والرياض ، على ما حكي عن أولهما. انتهى. فجعل العشر ونصفه من وجوه المهر مع أن المذكور في كلام بعضهم أنه في مقابل المهر. ولعله هو المراد من المهر في كلام المصنف فيما سبق ، فلا ينافي كلامه هنا.

وكيف كان لا دليل على ثبوت مهر المثل ، فضلا عن المسمى المعلوم فساده بفساد العقد. وأما الأرش ـ وهو العشر أو نصفه ـ : فيدل عليه‌ صحيح الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها له. قال (ع) : إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد. قلت : فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال (ع) : إن وجد مما أعطاها شيئاً فليأخذه ، وإن لم يجد شيئاً فلا شي‌ء له. وإن كان زوّجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه. ولمواليها عليه عشر ثمنها إن كانت بكرا ، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها. قال : وتعتد منه عدة الأمة قلت : فان جاءت منه بولد. قال (ع) : أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الموالي » (١). و‌صحيح الفضيل بن يسار ، قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : جعلت فداك إن بعض أصحابنا قد روى عنك أنك قلت : إذا أحل الرجل لأخيه فرج جاريته فهي له حلال. فقال (ع) : نعم يا فضيل. قلت. فما تقول في رجل عنده جارية له نفيسة وهي بكر ، أحل لأخيه ما دون فرجها ، إله أن يفتضها؟ قال (ع) : لا ، ليس له إلا ما أحل له منها ، ولو أحل له قبلة لم يحل له ما سوى ذلك. قلت أرأيت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال (ع) : لا ينبغي له ذلك. قلت : فان فعل أيكون زانياً؟ قال (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١‌.


أو العشر إن كانت بكراً ونصفه إن كانت ثيباً. وجوه ، بل أقوال ، أقواها : الأخير. ويكون الولد لمولى الأمة [١]. وأما إذا كان جاهلا بالحكم أو مشتبهاً من جهة أخرى فلا يحد [٢]. ويكون الولد حراً. نعم ذكر بعضهم : أن عليه قيمته يوم سقط حياً [٣]. ولكن لا دليل عليه في المقام [٤]

______________________________________________________

لا ، ولكن يكون خائناً. ويغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكراً ، وإن لم تكن فنصف عشر قيمتها » (١). والروايتان وان كانتا واردتين في موارد خاصة غير ما نحن فيه ، ولأجله استشكل في الحدائق في ثبوت ذلك فيما نحن فيه ، لكن التعليل في أولهما بقوله (ع) : « بما استحل من فرجها » ‌ظاهر في عموم الحكم لما نحن فيه. وقد تقدم فيما سبق ما له نفع في المقام. فراجع.

[١] بلا إشكال ، كما في الجواهر ، وبغير إشكال ، كما في المسالك ، لما عرفت في المسألة الثامنة.

[٢] لأن الحدود تدرأ بالشبهات. وبكون الولد حراً لما تقدم في المسألة الثامنة.

[٣] قال في الشرائع ـ فيما إذا تزوج الحر أمة بغير إذن المولى ـ : « وإن كان الزوج جاهلاً أو كان هناك شبهة فلا حد ، ووجب المهر ، وكان الولد حراً. لكن يلزمه لمولى الأمة قيمته يوم سقوطه حياً ». وتبعه عليه في القواعد ، والمسالك ، وكشف اللثام. وقال في جامع المقاصد : « ولا شك أن على الأب قيمته للمولى ».

[٤] في جامع المقاصد : جعله مما دلت عليه الرواية ، يريد بها موثقة سماعة الاتية في الأمة التي دلست نفسها. وصرح بذلك في كشف اللثام ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.


ودعوى : أنه تفويت لمنفعة الأمة [١]. كما ترى ، إذ التفويت إنما جاء من قبل حكم الشارع بالحرية. وعلى فرضه فلا وجه لقيمة يوم التولد ، بل مقتضى القاعدة قيمة يوم الانعقاد [٢]

______________________________________________________

والرياض ، والحدائق. وفي دلالتها على المقام إشكال ، لاختلاف المورد ، ولعدم ظهور قوله (ع) : فيها : « وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير إليه » ‌في قيمة يوم الولادة ، كما سيأتي. ومثله الاستدلال عليه‌ بموثق جميل عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ، ثمَّ يجي‌ء مستحق الجارية؟ قال (ع) : يأخذ الجارية المستحق. ويدفع اليه المبتاع قيمة الولد. ويرجع على من باعه بثمن الجارية ، وقيمة الولد التي أخذت منه » (١). ونحوه مرسله‌ (٢). وخبر إسماعيل ابن جابر عن أبي عبد الله (ع) الوارد في رجل زوجه قوم أمة غيرهم وقد كان طلب منهم أن يزوجوه امرأة منهم‌ (٣).

[١] علله في التذكرة : بأنه نماء ملكه ، وقد حال بينه وبينه بالحرية. وفي الجواهر : بأنه كالمتلف مال غيره بغير إذنه. وإشكال المصنف (ره) على ذلك ظاهر. وفي بعض الحواشي : أن الاستيلاد استيفاء لمنفعة أمة الغير ، فيكون مضموناً على المستوفي. ومقتضاه ضمان منفعة الأمة هذه المدة ، لا ضمان قيمة الولد كما هو المدعى.

[٢] قال في التذكرة : « ولا تقوم قبل سقوطه ، لأنه لا قيمة له حينئذ ». وفي جامع المقاصد : « وإنما تعتبر القيمة وقت سقوطه حياً ، لأنه وقت الحيلولة ، ووقت افراده بالتقويم ، ووقت الحكم عليه بالمالية ». ونحوه في المسالك. وقال في كشف اللثام : « لأنه أول وقت إمكان التقويم ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٧.


لأنه انعقد حراً ، فيكون التفويت في ذلك الوقت.

( مسألة ١١ ) : إذا لم يجز المولى العقد الواقع على أمته ولم يرده أيضا حتى مات ، فهل يصح إجازة وارثه له ، أم لا؟ وجهان ، أقواهما : العدم ، لأنها على فرضها كاشفة ، ولا يمكن الكشف هنا ، لأن المفروض أنها كانت للمورث [١] وهو نظير من باع شيئاً ثمَّ ملك [٢].

______________________________________________________

والاشكال في الجميع ظاهر ، ولا سيما بملاحظة أنه لو ضربها جان وهي حامل فأسقطت كان ضامناً. وذلك يدل على أن له مالية ، وقابل للتقويم ، وإلا لم يكن وجه للضمان. فكان الأولى الاستدلال عليه بأن النصوص الدالة على الضمان تضمنت ضمان قيمة الولد ، وعنوان الولد إنما يكون بالولادة ، لا بالانعقاد. نعم إذا كان المستند في ضمان القيمة القاعدة كان مقتضاها ضمان قيمة زمان الانعقاد.

[١] وعلى تقدير الكشف تكون للمشتري من حين العقد ، فيلزم اجتماع ملكيتين في زمان العقد : ملكية المورث ، وملكية المشتري ، إذ لو لم تكن ملكاً للمورث لم تنتقل الى الوارث.

[٢] فان المالك فيه حين البيع غير المالك حين الإجازة ، فيكون كما نحن فيه. نعم يفترقان بأن الفضولي في المقام غير المالك الثاني ، بخلاف النظير ، فإنه عينه. ويمكن أن يقال : بأن المالك حال الإجازة لما كان وارثاً فقد لوحظ فيه قيامه مقام مورثه ، فالإجازة منه كأنها إجازة من مورثه ، وكان المالك حال الإجازة هو المالك حال العقد ، ولا يلحقه حكم تجدد المالك حال الإجازة. ثمَّ إنه لو تعذر البناء على الكشف الحقيقي في الفرض ونحوه يدور الأمر بين البناء على البطلان وعدم الفائدة للإجازة ، والبناء على الصحة والقول بالنقل أو الكشف عن ثبوت المضمون حين تبدل المالك‌


( مسألة ١٢ ) : إذا دلست أمة فادعت أنها حرة فتزوجها حر ودخل بها ثمَّ تبين الخلاف [١] وجب عليه المفارقة. وعليه المهر لسيدها [٢]. وهو العشر ونصف العشر‌

______________________________________________________

لا حين العقد. وحيث يدور الأمر بينهما يكون البناء على أحد الأخيرين مما فيه العمل بالدليل في الجملة أولى من الأول الذي فيه طرح الدليل بالمرة. كما أن هذا كله مبني على القول بالكشف الحقيقي. أما بناء على الكشف الانقلابي أو الحكمي فلا مانع من الالتزام به هنا ، فيكون المال ملكاً للمورث حين الموت وينتقل الى الوارث ، وبعد إجازة الوارث يحكم الشارع بثبوت ملكية المشتري من حين وقوع العقد ، إما حقيقة ، أو حكما. ثمَّ إن هذا الاشكال المذكور في المتن إنما يتوجه في بيع الفضولي ونحوه ، لا في مثل النكاح بما لا نقل فيه للملكية. فلا تنافي بين الكشف فيه وبين ثبوت الملكية للمورث. نعم بعض الإشكالات في تلك المسألة جارية هنا ، مثل ما يقال من أنه يلزم نفوذ التصرف في ملك المالك بدون إجازته لا سابقاً ولا لاحقاً. ولعل ذلك مراد المصنف ، وإن بعد عن ظاهر كلامه.

[١] يعني : تبين أنها أمة غير مأذونه في التزويج ، لا سابقاً ولا لاحقا.

[٢] في المسالك : « هكذا أطلق الجميع. بل ادعى عليه بعضهم إجماع المسلمين ، ولم يفرقوا بين كونها عالمة بالتحريم وجاهلة » فان كان المراد من المهر العشر ونصفه كان الإطلاق في محله ، لأنه مقتضى إطلاق الصحيح السابق‌ (١) الشامل للعالمة والجاهلة. وإن كان المراد ، المسمى فلا وجه له ، وإن نسبه في المسالك الى ظاهر الشرائع والأكثر ، لأن فساد العقد يقتضي فساد المسمى فلا ملزم به. وكذا إذا كان المراد به مهر المثل‌

__________________

(١) راجع المسألة : ١٠ من هذا الفصل‌.


على الأقوى ، لا المسمى ، ولا مهر المثل. وإن كان أعطاها المهر استرد منها إن كان موجودا [١] ، وإلا تبعت به بعد العتق [٢]. ولو جاءت بولد ففي كونه حراً أو رقاً لمولاها قولان ، فعن المشهور : أنه رق [٣]

______________________________________________________

بناء على عموم‌ قوله (ص) : « لا مهر لبغي » (١) لما نحن فيه. وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الخامسة عشرة من ( فصل : لا يجوز التزويج في عدة الغير ). أما بناء على عدم عمومه ففي محله ـ كما عن الشيخ في المبسوط ، ونقل عن ابن حمزة ـ لو لا ورود الصحيح المذكور ، فإنه ظاهر في خلافه. ولأجله يتعين البناء على ما في المتن ، كما اختاره في الجواهر ، وحكاه عن سيد المدارك ، والرياض. وفي الشرائع جعله المروي. ولعل ظاهره الميل اليه ، وإن كان لا يخلو من تأمل ، ونسب في كشف اللثام الى المقنع ، والنهاية والمهذب والجامع.

[١] كما صرح به في الصحيح. وتقتضيه قاعدة السلطنة على المال بعد أن لم يخرج عن ملكه بالعقد الفاسد.

[٢] بذلك صرح في القواعد ، وجامع المقاصد ، والمسالك ، وكشف اللثام. عملا بالقواعد العامة. لكن ذكر في الصحيح : « وإن لم يجد شيئاً فلا شي‌ء له ». وظاهره عدم اشتغال ذمتها بشي‌ء من المهر مع التلف. ولعل المراد به أنه لا شي‌ء له فعلاً.

[٣] نسبه الى المشهور في الحدائق. واختاره في الشرائع ، والقواعد. ونسبه في الجواهر الى الشيخ واتباعه ، لأنه نماء المملوك ، و‌لخبر محمد بن

__________________

(١) لم نعثر عليه في كتب الحديث وان اشتهر في كتب الفقه ، نعم ورد في نصوص كثيرة عده من السحت. راجعها في الوسائل باب : ٥ من أبواب ما يكتسب به وغيرها. وفي مستدرك الوسائل في الباب المذكور وفي صحيح البخاري باب : ٥١ في مهر البغي من كتاب الطلاق‌.


______________________________________________________

قيس عن أبي جعفر (ع) قال : « قضى علي (ع) في امرأة أتت قوماً فخبرتهم أنها حرة ، فتزوجها أحدهم وأصدقها صداق الحرة ، ثمَّ جاء سيدها. فقال (ع) : ترد إليه. وولدها عبيد » (١) ‌، و‌موثق سماعة قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن مملوكة أتت قوماً وزعمت أنها حرة ، فتزوجها رجل منهم وأولدها ولداً ، ثمَّ إن مولاها أتاهم فأقام عندهم البينة أنها مملوكة ، وأقرت الجارية بذلك. فقال (ع) : تدفع الى مولاها هي وولدها. وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير اليه. قلت : فان لم يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به. قال (ع) : يسعى أبوه في ثمنه حتى يؤديه ويأخذ ولده. قلت : فان أبي الأب أن يسعى في ثمن ابنه. قال (ع) : فعلى الامام أن يفتديه. ولا يملك ولد حر » (٢) ‌، و‌حسن زرارة قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أمة أبقت من مواليها فأتت قبيلة غير قبيلتها فادعت أنها حرة ، فوثب عليها رجل حينئذ فتزوجها ، فظفر بها مولاها بعد ذلك وقد ولدت أولاداً. قال (ع) : إن أقام البينة الزوج على أنه تزوجها على أنها حرة أعتق ولدها وذهب القوم بأمتهم ، وإن لم يقم البينة أوجع ظهره واسترق ولده » (٣) ‌، و‌موثق سماعة الآخر قال : « سألته عن مملوكة قوم أتت قبيلة غير قبيلتها وأخبرتهم أنها حرة ، فتزوجها رجل منهم فولدت له. قال (ع) : ولده مملوكون ، إلا أن يقيم البينة أنه شهد لها شاهدان أنها حرة ، فلا يملك ولده ، ويكونون أحراراً » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.


ولكن يجب على الأب فكه [١] بدفع قيمته يوم سقط حياً [٢] وإن لم يكن عنده ما يفكه به سعى في قيمته [٣] ، وإن أبى‌

______________________________________________________

[١] بلا خلاف ، كما في كشف اللثام. ويقتضيه موثق سماعة الأول‌ ، وصحيح محمد بن قيس الآتي‌ ونحوه مرسل الفقيه‌ (١). كما يقتضي الأول ما يأتي من الأحكام ، ولم يشاركه في ذلك غيره من النصوص.

[٢] بلا خلاف ، كما في كشف اللثام. لكن الموثق ظاهر في القيمة يوم دفع القيمة. ويقتضيه إطلاق صحيح محمد بن قيس المتقدم‌ (٢).

[٣] كما في الشرائع ، والقواعد ، وغيرهما. وأنكر في المختلف الاستسعاء ، وكذا وجوب الأخذ من بيت المال ، لأنه دين يجب فيه الانتظار ، ولا يؤدى من بيت المال. وفيه : أنه لا مجال لذلك بعد ورود النص المعتبر به. والطعن في السند ، وحمل الأمر على الاستحباب غير ظاهر. نعم لم يعين في النص أنه من بيت المال ، ولا من الزكاة. ومقتضى أن الأول مصرفه المصالح العامة وليس هذا منها ، وأن سهم الرقاب مصرفه المكاتبون والعبيد تحت الشدة وليس هذا منهما : أنه لا يجوز الفك من المالين المذكورين. نعم لا بأس بصرف سهم سبيل الله في ذلك ، فكان اولى بالذكر في كلام الجماعة من ذكر المالين.

ثمَّ إنه بناء على الرقية فالقيمة ليست من الدين ، وانما يجب دفعها تكليفاً من باب وجوب الفك. وكذلك بناء على الحرية ، فإنه لم يثبت أنه من باب الضمان ليكون ديناً ، بل من الجائز كونه تكليفياً تعبدياً ، فإجراء أحكام الدين في المقام غير ظاهر. والكلام في ذلك لا يهم بعد أن كان من وظائف الإمام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٨. وقد رواه مرسلاً.

والموجود في الفقيه روايته بسنده عن محمد بن قيس فراجع الفقيه جزء : ٣ صفحة : ٢٦٢ الطبعة الحديثة.

(٢) لم يتقدم في كلامه ( قده ) التعرض له ، وانما يأتي منه ذكره قريباً.


وجب على الامام (ع) دفعها من سهم الرقاب [١] أو من مطلق بيت المال [٢]. والأقوى كونه حراً [٣] ،

______________________________________________________

[١] كما في كشف اللثام عن النهاية ، والغنية ، والوسيلة ، والمهذب.

[٢] كما عن النكت. وقد عرفت الاشكال فيه ، وفيما قبله.

[٣] في كشف اللثام حكاه عن المبسوط ، ونكت النهاية ، والسرائر. وفي الجواهر : أنه الأقوى ، للأصل ، ولظهور الأدلة في كون الشبهة كالعقد الصحيح في لحوق النسب ، المقتضي لحرية الولد على الوجه الذي عرفته سابقاً ، ولما في ذيل صحيح الوليد المتقدم‌ (١) و‌لصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « في رجل تزوج جارية رجل على أنها حرة ، ثمَّ جاء رجل آخر فأقام البينة على أنها جاريته. قال (ع) : يأخذها ويأخذ قيمة ولدها » (٢) ‌، بدعوى أنه ظاهر في حرية الولد ، وبموثق سماعة الأول‌ ، بناء على ما في جامع المقاصد من أن الذي ضبطه المحققون أن قوله (ع) : « ولا يملك ولد حر » بالوصف لا الإضافة. قال في جامع المقاصد : « نص جماعة ـ منهم ابن إدريس ـ على وجوب قراءة « حر » بالرفع والتنوين على أنه صفة لولد ، وقالوا : إن قراءته بالجر وهم ». وفي كشف اللثام : « الأظهر كون « حر » صفة. لأنه الذي لا يملك. وقال قبل ذلك : ولم نظفر في الباب بخبر صحيح. والأصل الحرية ، فهو الأقوى. ويعضده صحيح الوليد بن صبيح‌ ». ويشكل : بأن خبر محمد بن قيس السابق‌ في دليل الرقية موثق ، وهو حجة ، ومانع من الرجوع الى الأصل. ومنه يظهر الاشكال فيما في الجواهر ، فان ما ذكره من النصوص معارض بما‌

__________________

(١) راجع المسألة : ١٠ من هذا الفصل.

(٢) ذكره في الفقيه جزء : ٣ صفحة : ٢٦٢ بتغيير يسير ، وذكره في الوسائل مرسلا باب : ٦٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٨ ، كما أشرنا إليه قريباً.


______________________________________________________

دل على الرقية. مع أن الاستدلال بصحيح محمد بن قيس‌ على حرية الولد غير ظاهر ، وإن علله في الجواهر : بأنه لو كان رقاً كان الجائز له أخذها وأخذ ولدها. إذ فيه : أنه إذا كان يجب أخذ قيمة الولد بناء على الرقية لا يجوز له أخذ الولد. فلاحظ. وكذا الاستدلال بموثق سماعة الأول‌ ، لضعف المبنى الذي ذكره في جامع المقاصد من أنه بالوصف لا بالإضافة أولاً : من جهة أن الحكم بأنه لا يملك يكون عقلياً لا شرعياً. وثانياً : بأن الحر الذي لا يملك لا يختص بالولد ، بل الوالد الحر أيضا لا يملك ، فيكون التخصيص بلا مخصص ، بخلاف ما لو كان على الإضافة.

والتحقيق ان نصوص المقام في مقام الدلالة على أقسام : الأول : ما ظاهره رقية الولد ، كموثق محمد بن قيس المذكور في أدلة الرقية‌. الثاني : ما ظاهره حرية الولد ، كصحيح الوليد بن صبيح المتقدم في العشر ونصف العشر‌. الثالث : ما ظاهره التفصيل بين أن يشهد الشاهدان بحرية الأمة فيتزوجها الرجل ، وبين أن يتزوجها اعتماداً على قولها المعتضد بأصالة الحرية ، وهو موثق سماعة الأخير‌. لكن ظاهره التفصيل في الحكم الظاهري في مقام حسم النزاع بين الزوج والسيد ، لا الحكم الواقعي في حرية الولد مع شهادة الشاهدين. الرابع : ما ظاهره التفصيل بين أن يقيم بينة على أنه تزوجها على أنها حرة فالولد حر. وأن لا يقيم بينة على ذلك فالولد رق ، وهو رواية زرارة. وظاهرها أيضاً التفصيل في الحكم الظاهري في مقام حسم النزاع والخصومة. الخامس : ما هو قاصر الدلالة على الحرية والرقية ، كموثق سماعة الأول‌ ، فإن دفع الولد الى مولى الأمة فيه أعم من كونه رقاً أو حراً يتعلق به المال كالعين المرهونة. وكذلك قوله (ع) في ذيله : « ولا يملك ولد حر ». بناء على الإضافة ، كما هو الظاهر كما عرفت ، فان ذكر ذلك علة للافتداء بالقيمة ربما كان قرينة على كون المراد‌


______________________________________________________

أنه لا يبقى على الملكية. ومثله صحيح محمد بن قيس‌ ، فإن أخذ قيمة الولد فيه أعم من كونه حراً ، كما سبق.

ثمَّ إن دلالة الأول على الرقية لا مجال للمناقشة فيها. وما في الجواهر من حمله على الحكم الظاهري في مقام حسم النزاع ـ يعني : إذا لم تكن حجة للزوج على كونه مشتبهاً يحكم برقية الولد ـ خلاف الظاهر جداً ، ولا سيما بملاحظة عطف التزويج بالفاء على إخبارها بالحرية ، وقوله : « أصدقها صداق الحرة » ، فإنه كالصريح في كون التزويج من باب الاشتباه ، وأن السؤال عن حكمه من حيث هو. كما أن الظاهر تأتي المناقشة في الاستدلال بصحيح الوليد‌ على الحرية وإن كان تام الدلالة عليها ، لأن تعليق الحرية فيه على النكاح بغير إذن الموالي يقتضي انتفاءها إذا كان بإذن الموالي ، وليس الحكم كذلك كما تقدم. فيتعين التصرف فيه إما بحمل الكلام على الإنكار ـ كما ذكره في الوسائل ـ أو على صورة رد الأب القيمة ، أو صورة شهادة الشاهدين بحرية الأمة ـ كما ذكر الشيخ (ره) ـ أو حمل الشرط على تقرير موضوع الحكم بالحرية ـ كما ذكر الشيخ (ره) ـ أو حمل الشرط على تقرير موضوع الحكم بالحرية ـ كما احتمله في الجواهر ـ أو غير ذلك من المحتملات. ومع الاحتمال لا مجال للاستدلال. وأما الثالث : فدلالته على حرية الولد مع شهادة الشاهدين ، ورقيته مع عدمها لا غبار عليها. وهو في الحكم الثاني معاضد لموثق محمد بن قيس‌. وفي الحكم الأول غير مناف له ، لظهور السؤال فيه في غير هذه الصورة ، أو غير ظاهر فيها ، فلا يتنافى مع الموثق المذكور فيها ، ولا مانع من العمل به فيهما حينئذ ، وإن كان وارداً في مقام الحكم الظاهري للحاكم ، لا الحكم الواقعي ، لكن من المعلوم أن الحكم الظاهري عين الحكم الواقعي مع الموافقة ، فلا مانع من الأخذ بإطلاقه. وأما الرابع : فالكلام فيه هو الكلام في الثالث ، فيدل على الحكم الواقعي. لكن كان التعبير فيه بالإعتاق المناسب للرقية ،


كما في سائر موارد اشتباه الحر ، حيث أنه لا إشكال في كون الولد حراً ، فلا خصوصية لهذه الصورة. والاخبار الدالة على رقيته منزلة على أن المولى أخذه [١] ليتسلم القيمة ،

______________________________________________________

لأنه تحرير الرق ، ويكون المراد به الإعتاق بدفع القيمة إلى الأب ، فيكون الخبر موافقاً لموثق محمد بن قيس‌ في إطلاق الرقية مع الاشتباه. وكأنه لأجل ذلك استدل به على الرقية. ولا يمكن تقييده بصورة عدم شهادة الشاهدين بحرية الأمة ، لأنه لو قيد بذلك كان مفهومه لزوم أن يوجع ظهره إذا لم يشهد الشاهدان بحرية الأمة ، وهو مما لا يمكن الالتزام به. وحينئذ يتعارضان في صورة شهادة الشاهدين. ولا يبعد الأخذ بالموثق حينئذ ، لضعف الخبر ، لأن في سنده في الكافي عبد الله بن بحر (١) ، وفي التهذيب (٢) وإن كان بدله عبد الله بن يحيي ، لكن الكافي أضبط ، بل جزم المجلسي (ره) بأنه تصحيف.

ومن ذلك يظهر قوة ما عن الشيخ (ره) ـ في النهاية ، والتهذيب ، والاستبصار ، ونسب الى المهذب ـ من التفصيل بين أن يشهد شاهدان بحرية الأمة فيتزوجها الرجل لذلك فالولد حر ، وبين أن يتزوج اعتماداً على أصالة الحرية أو نحوها فالولد رق. وعلى الأب فكه بالقيمة. وجعله في الحدائق مقتضى التدبر في نصوص الباب بعد ضم بعضها الى بعض. كما يظهر ضعف القول بالرقية مطلقاً ، والحرية كذلك ، وإن كان أولهما أقرب من ثانيهما.

[١] قد عرفت أنه لا موجب لهذا التنزيل ، وأن العمدة فيما دل على الحرية صحيح الولد ، وقد عرفت إشكاله.

__________________

(١) الجزء : ٥ صفحة : ٤٠٥ الطبعة الحديثة.

(٢) الجزء : ٧ صفحة : ٣٥٠ الطبعة الحديثة ، والاستبصار الجزء : ٣ صفحة : ٢١٧.


جمعاً بينها وبين ما دل على كونه حراً. وعلى هذا القول أيضا يجب عليه ما ذكر من دفع القيمة ، أو السعي ، أو دفع الامام (ع) ، لموثقة سماعة [١]. هذا كله إذا كان الوطء حال اعتقاده كونها حرة. وأما إذا وطئها بعد العلم بكونها أمة [٢] فالولد رق ، لأنه من زنا حينئذ [٣] ، بل وكذا لو علم سبق رقيتها فادعت أن مولاها أعتقها ، ولم يحصل له العلم بذلك ولم يشهد به شاهدان ، فان الوطء حينئذ أيضا لا يجوز لاستصحاب بقائها على الرقية [٤]. نعم لو لم يعلم سبق رقيتها جاز له التعويل على قولها ، لأصالة الحرية [٥]. فلو تبين‌

______________________________________________________

[١] في الأحكام الثلاثة. ويشاركه في الأول منها صحيح محمد بن قيس ، ومرسل الفقيه‌ (١).

[٢] يعني : لم يأذن مولاها لها في النكاح.

[٣] تقدم في آخر المسألة الثامنة وجه الحكم فيه.

[٤] ويحتمل قبول خبرها ، لان إخبار الإنسان عن نفسه وعما في يده حجة مقدمة على الاستصحاب ، كما إذا أخبر عن تطهير بدنه ونحوه. نعم إذا كانت قرينة على اتهامه لم يقبل خبره. ولعل دعوى صيرورتها حرة من ذلك. ونظير المقام دعوى العدالة ، والاجتهاد ، والنسب ، ونحوها ، فلا يصدق مدعيها إلا ببينة. وقد تقدم الكلام في ذلك فيما تثبت به الطهارة والنجاسة من كتاب الطهارة. كما أنه إذا كان يباع في الأسواق فقد دلت النصوص (٢) على عدم قبول إخباره بالحرية مسبوقة بالرقية أو غير مسبوقة.

[٥] لصحيح عبد الله بن سنان قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) :

__________________

(١) تقدم التعرض لهما في أوائل المسألة.

(٢) راجع الوسائل باب : ٥ من أبواب بيع الحيوان.


الخلاف لم يحكم برقية الولد [١]. وكذا مع سبقها مع قيام البينة على دعواها [٢].

( مسألة ١٣ ) : إذا تزوج عبد بحرة من دون إذن مولاه ولا إجازته كان النكاح باطلا ، فلا تستحق مهراً ولا نفقة [٣] بل الظاهر أنها تحد حد الزنا [٤] إذا كانت عالمة‌

______________________________________________________

يقول كان على بن أبي طالب يقول : الناس كلهم أحرار ، إلا من أقر على نفسه بالعبودية وهو مدرك من عبد أو أمة ، ومن شهد عليه بالرق صغيراً كان أو كبيراً » (١). لكن على هذا يكون التعويل على الأصل لا على قولها.

[١] على ما تقدم منه. وهو مورد نصوص الباب.

[٢] هذا يدخل في عموم موثق سماعة الأخير‌ (٢) ، المتضمن لحرية الولد إذا شهد شاهدان لها بالحرية.

[٣] أما البطلان : فلما سبق من عدم سلطان الرق على نفسه. وأما نفي المهر : فلأنها بغي. و‌في خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) قال : « قال رسول الله (ص) أيما امرأة حرة زوجت نفسها عبداً بغير إذن مواليه فقد أباحت فرجها ، ولا صداق لها » (٣). وأما نفي النفقة : فلانتفاء الزوجية. والظاهر أنه لا إشكال في جميع ما ذكر.

[٤] لعموم الأدلة. لكن قال في كشف اللثام : « قيل : ولا حد عليها ، لمكان الشبهة. والفرق بينها وبين الحر إذا تزوج أمة كذلك : أنها لنقصان عقلها وعدم مخالطتها لأهل الشرع يكفي العقد شبهة لها. والفرق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب العتق حديث : ١.

(٢) راجع صفحة : ٣٣٠.

(٣) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٣‌


بالحال ، وأنه لا يجوز لها ذلك. نعم لو كان ذلك لها بتوقع الإجازة واعتقدت جواز الإقدام حينئذ بحيث تكون شبهة في حقها لم تحد. كما أنه كذلك إذا علمت بمجي‌ء الإجازة [١]. وأما إذا كان بتوقع الإجازة وعلمت مع ذلك بعدم جواز ذلك فتحد مع عدم حصولها ، بخلاف ما إذا حصلت ، فإنها تعزر حينئذ ، لمكان تجريها. وإذا جاءت بولد فالولد لمولى العبد [٢] مع كونه مشتبها‌

______________________________________________________

بين ذلك وما إذا تزوجت حراً بعقد تعلم فساده : أن هذا العقد فضولي يجوز فيه إجازة المولى. ويؤيده ما في الاخبار من : « أنه لم يعص الله وإنما عصى سيده » (١) ‌، و‌حسن منصور بن حازم عن الصادق (ع) : « في مملوك تزوج بغير إذن مولاه أعاص لله تعالى؟ قال (ع) : عاص لمولاه. قلت : حرام هو؟ قال (ع) : ما أزعم أنه حرام .. » (٢). انتهى كلام كشف اللثام. وكأنه لذلك اقتصر في الشرائع والقواعد على ذكر الحكمين الأولين فقط ولم يتعرض للحد. بل في الحدائق : لم يذكره أحد. وربما مال إليه في كشف اللثام. ولكنه يشكل ـ كما في الحدائق وفي الجواهر ـ بأن الشبهة العرفية منتفية ، والشرعية لا دليل عليها. والأخبار قد عرفت المراد منها في أول هذا المبحث. فراجع. ونقصان العقل غير كاف في تحقيق الشبهة الدارئة للحد بعد فرض العلم بالحرمة ، وإلا سقط الحد عن المرأة كلية‌

[١] تقدم الكلام في ذلك في شرح المسألة العاشرة.

[٢] بلا خلاف ، كما في الجواهر. وفي كشف اللثام : أنه قطع به الأصحاب ، لكونه من نماء المملوك ، لانتفاء النسب بينه وبين الام بالزنا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١ ، ٢.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢‌.


بل مع كونه زانياً أيضا ، لقاعدة النمائية بعد عدم لحوقه بالحرة. وأما إذا كانت جاهلة بالحال فلا حد. والولد حر [١]

______________________________________________________

ولكنه كما ترى ، فإنه شامل إذا كان العبد زانياً أيضا مع انتفاء النسب بينه وبينه أيضا ، فهو إما نماء لهما ، أو للأم ، ولا وجه لإلحاقه بالأب بالخصوص مطلقاً. وقد يستدل له‌ بخبر العلاء بن رزين عن أبي عبد الله (ع) قال : « في رجل دبر غلاماً له فأبق الغلام فمضى الى قوم ، فتزوج منهم ولم يعلمهم أنه عبد ، فولد له أولاد ، وكسب مالاً ، ومات مولاه الذي دبره ، فجاء ورثة الميت الذي دبر العبد فطالبوا العبد ، فما ترى؟ فقال : العبد وولده لورثة الميت .. » (١). لكن الاستدلال به يتوقف على إطلاقه وعدم ظهوره في الحرة الجاهلة. ولكنه غير ظاهر. وحينئذ ينحصر دليله بالفحوى إن أمكن العمل بمورد الخبر ، وبالإجماع.

[١] أما الأول : فللشبهة الدارئة للحد. وأما الثاني : فلما تقدم من أن المتولد بين الحر والرق يلحق بأشرف الأبوين. وعن مقنعة المفيد : أن الولد رق كما لو كانت عالمة. ومثله ظاهر محكي التهذيب ، عملاً بإطلاق النص المتقدم. لكن عرفت الإشكال في إطلاقه وأنه ظاهر في الجاهلة. وحمله في الجواهر على صورة عدم قيام البينة على كون الحرة مشتبهة ، لما بني عليه غير مرة من أن الولد يلحق بالرق غير المأذون. والمراد من قول السائل : « ولم يعلمهم أنه عبد » : أنه لم يعلمهم أنه عبد آبق ، لا أنه لم يعلمهم أنه عبد ، لتكون الحرة التي تزوجت مشتبهة. ولكن ما ذكره ( قده ) ـ وإن جعله مقطوعاً به غير ظاهر ، بل خلاف الظاهر. وقد عرفت في المسألة الثامنة الإشكال فيما بني عليه غير مرة. فراجع. نعم قد يقال : إن الخبر المذكور لا يصلح المعارضة ما دل على حرية الولد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١‌.


وتستحق عليه المهر [١] ، يتبع به بعد العتق [٢].

( مسألة ١٤ ) : إذا زنى العبد بحرة من غير عقد فالولد حر [٣] ، وإن كانت الحرة أيضا زانية. ففرق بين الزنا المجرد عن عقد والزنا المقرون به مع العلم بفساده حيث قلنا ان الولد لمولى العبد [٤]

( مسألة ١٥ ) : إذا زنى حر بأمة فالولد لمولاها [٥] وإن كانت هي أيضا زانية. وكذا لو زنى عبد بأمة الغير‌

______________________________________________________

المتولد من الحر ، بضعفة في نفسه ، وإعراض المشهور عنه.

[١] لما يفهم من غير واحد من النصوص من استحقاق المهر بالدخول في غير الزنا‌ (١).

[٢] كما صرح به في الشرائع ، والقواعد ، وغيرهما. لأنه مملوك لمولاه ، فلا يمكن استيفاء دينه من منافعه أو من عينه.

[٣] بلا خلاف ولا إشكال ، كما في الجواهر. ويقتضيه أصالة تبعية النماء للأم ما لم يقم دليل على خلافها.

[٤] في الجواهر : وجه الفرق النص ، وهو خبر العلاء المتقدم. لكن ظاهر المصنف الفرق من غير جهة النص ، فإنه في العقد المعلوم الفساد ألحق الولد بالعبد ، فيكون لمولاه ، لقاعدة النمائية. وهذه القاعدة بعينها جارية في الزنا بدون العقد.

[٥] كما في الجواهر. لقاعدة النماء في الأم. قال : « ولا يشكل ما ذكرنا بالحرة التي تزوجت عبدا غير مأذون عالمة بالتحريم ، لما عرفته من الدليل المخصوص في النكاح دون الزنا ». ويشير بذلك الى خبر العلاء‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٥٤ من أبواب المهور ، ومستدرك الوسائل باب : ٣٨ من أبواب المهور‌.


فان الولد لمولاها [١].

( مسألة ١٦ ) : يجوز للمولى تحليل أمته لعبده [٢].

______________________________________________________

[١] قد سبق ذلك في آخر المسألة الثامنة.

[٢] كما عن الحلي. واختاره في الشرائع. ولكن عن الشيخ في النهاية ، والعلامة في المختلف ، وولده : العدم ، لصحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن (ع) « أنه سئل عن المملوك أيحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه؟ قال (ع) : لا يحل له » (١) ‌، ولأنه نوع تمليك ، والعبد ليس أهلا له. والأخير كما ترى ، مبني على عدم ملك العبد مطلقاً. مع أن التحليل ليس تمليكا ، كما سيأتي. والصحيح معارض بغيره ، ففي صحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) قال : هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته فيقول : اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثمَّ يحبسها عنه حتى تحيض ، ثمَّ يمسها ، فاذا حاضت بعد مسه إياها ردها عليه بغير نكاح » (٢) ‌، و‌الصحيح عن فضيل مولى راشد قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : لمولاي في يدي مال فسألته أن يحل لي ما أشتري من الجواري ، فقال : إن كان يحل لي أن أحل لك فهو لك حلال. فقال (ع) : إن أحل لك جارية بعينها فهي لك حلال ، وإن قال : اشتر منهن ما شئت ، فلا تطأ منهن شيئاً إلا ما يأمرك ، إلا جارية يراها فيقول هي لك حلال ، وإن كان لك مال فاشتر من مالك ما بدا لك » (٣). ولعل وجه الجمع حمل الصحيح الأول على صورة التحليل من غير تعيين.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.


______________________________________________________

ولكن قال في الشرائع : « وفي تحليل أمته لمولاه روايتان : إحداهما : المنع ، ويؤيدها أنه نوع تمليك والعبد بعيد عن التمليك. والأخرى : الجواز إذا عين له الموطوءة ، ويؤيدها أنه نوع من الإباحة ، وللمملوك أهلية الإباحة. والأخير أشبه ». ومما ذكرنا تعرف أن القول بالجواز أشبه وأوفق بالقواعد ، سواء قلنا بأن التحليل عقد نكاح ، أم تمليك ، وأن العبد يملك ، أو لا يملك ، فإنه لا مجال لطرح النصوص المذكورة بالمباني المزبورة. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما في القواعد حيث قال : « ولو أباح أمته لعبده ، فان قلنا أنه عقد أو تمليك منفعة وأن العبد يملك خلت ، وإلا فلا. والأول أولى ، لأنه نوع إباحة ، والعبد أهل لها ».

وفي كلامه الأخير إشارة الى ما هو التحقيق من أن التحليل ليس عقد النكاح ـ كما عن المرتضى ـ ولا تمليك منفعة ـ كما عن المشهور ـ ولا تمليك انتفاع ـ كما قد يظهر من عبارة جامع المقاصد ـ بل هو إباحة وإذن في الانتفاع دل الدليل القطعي عليه ، فوجب القول به ، ويكون الدليل مخصصا لقوله تعالى ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ، إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ) (١) ، فيدل على جواز قسم ثالث في مقابل القسمين المذكورين. اللهم إلا أن يقوم إجماع على الانحصار بالقسمين ، كما يظهر من دعوى الاتفاق في كشف اللثام وغيره. فيتعين إرجاع التحليل الى أحد القسمين. ولأجل انتفاء أحكام العقد من الطلاق إن كان دائما ، ولزوم ذكر المهر إن كان متعة ، يتعين كونه من ملك اليمين ، كما قيل. ولما عرفت من أن العقد يقتضي ثبوت الزوجية ، وهي منتفية في التحليل ، وأنه لا ملكية للرقبة فيه ، ولا للمنفعة ، يتعين أن يكون المراد من ملك اليمين ما يشمل‌

__________________

(١) المؤمنون : ٥ ، ٦ ، ٧. المعارج : ٢٩ ، ٣٠ ، ٣١.


وكذا يجوز له أن ينكحه إياها [١]. والأقوى أنه حينئذ نكاح لا تحليل [٢]. كما أن الأقوى كفاية أن يقول له : « أنكحتك‌

______________________________________________________

تحليل الأمة المملوكة ، ولا موجب للالتزام بأنه تمليك منفعة ، أو انتفاع. كيف؟! وهو خلاف المرتكز في أذهان المتشرعة ، وكيف يمكن البناء على إنشاء الملك بالتحليل من دون قصد المنشئ؟! كما لعله ظاهر.

[١] بلا إشكال. وتشهد به النصوص ، كصحيحة علي بن يقطين المتقدمة في أول المسألة‌ ، ونحوها غيرها مما هو كثير ، ويأتي بعضه.

[٢] كما هو المشهور. لأن النكاح هو الزوجية القائمة بين الرجل والمرأة ، والموجب إنما يوقع هذه الزوجية. بخلاف التحليل فإنه إذن في الانتفاع من دون زوجية. وظاهر النصوص الواردة في المقام مشروعية التزويج وإيقاع الزوجية بين العبد والأمة. وعن ابن إدريس : أنه إباحة ، إما لجواز تفريق المولى بينهما بالأمر بالاعتزال ، ولو كان عقد نكاح لم ينفسخ إلا بالطلاق ، ونحوه من فواسخ النكاح. وفيه : أن الطلاق ليس انفساخا للعقد ، وإنما هو إيقاع الفراق ، ومن الجائز أن يكون الأمر بالاعتزال يقتضي ذلك ، أو يقتضي الانفساخ كغيره من أسباب الانفساخ. وإما‌ لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال (ع) : يجزيه أن يقول : قد أنكحت فلانة ، ويعطيها شيئاً من قبله أو من مولاه ولو مداً من طعام أو درهماً أو نحو ذلك .. » (١). وفيه أن قوله (ع) : « قد أنكحتك » ‌ظاهر في إيقاع الزوجية لا مجرد التحليل. فهو دليل على القول الأول ، ولا سيما بملاحظة الأمر بإعطاء شي‌ء ، فان الظاهر منه أنه من باب المهر الذي لا يجب في التحليل ، كما ذكر ذلك في المسالك.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.


فلانة » ، ولا يحتاج الى القبول منه أو من العبد [١] ، لإطلاق الأخبار [٢] ،

______________________________________________________

[١] كما اختاره في المختلف ، لأن القبول إنما يشترط في حق من يملكه ، والعبد هنا لا يملك القبول ، لأن للمولى إجباره على النكاح ، فله هنا ولاية طرفي العقد. وفي المسالك : « هو متجه ، لأن اعتبار قبول العبد ساقط ، وإيجاب المولى دال على قبوله ، والمعتبر من القبول الدلالة على رضاه ، فهو متحقق فيه بما يصدر عنه من اللفظ المفيد للنكاح ». وظاهر صدر كلامه كظاهر المختلف عدم اعتبار القبول في المقام ، وظاهر ذيل كلامه اعتبار القبول ، لكن من باب الدلالة على الرضا ، فاذا علم الرضا من الإيجاب كفى. ويشكل الأخير : بأن الرضا النفساني غير كاف في القبول ، وإنما المعتبر الرضا الإنشائي. وأما الأول فغير بعيد ، إذ ليس الفرق بين المعاني العقدية والإيقاعية أن الأولى تتعلق بغير الموجب ، والثانية لا تتعلق بغير الموجب ، ضرورة أن كلا من النكاح والطلاق يتعلق بغير الموجب ، مع أن الأول معنى عقدي والثاني إيقاعي. بل الفرق أن المعنى العقدي تحت سلطان الموجب والقابل ، والمعنى الإيقاعي لا يكون إلا تحت سلطان الموجب فقط ، وإنكاح المولى عبده لما لم يكن تحت سلطان العبد ، بل هو تحت سلطان المولى فقط ، كان معنى إيقاعياً.

[٢] كصحيح محمد بن مسلم المتقدم عن أبي جعفر (ع) ، و‌خبره عن أبي جعفر (ع) : « في المملوك يكون لمولاه أو لمولاته أمة فيريد أن يجمع بينهما ، أينكحه نكاحا ، أو يجزيه أن يقول : قد أنكحتك فلانة ويعطي من قبله شيئاً أو من قبل العبد؟ قال (ع) : نعم ولو مداً. وقد رأيته يعطي الدراهم » (١) ‌، و‌مصحح الحلبي قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٣.


ولأن الأمر بيده [١] ، فإيجابه مغن عن القبول. بل لا يبعد أن يكون الأمر كذلك في سائر المقامات ، مثل الولي والوكيل‌

______________________________________________________

الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال (ع) : يقول قد أنكحتك فلانة ، ويعطيها ما شاء من قبله أو قبل مولاه ولو مداً من طعام أو درهما أو نحو ذلك » (١). وفي الجواهر ـ تبعاً لجامع المقاصد ـ : « والخبران إنما كان السؤال فيهما عن كيفية إنكاح المولى العبد أي ما يتعلق بالمولى من الإيجاب ، لا أن المراد كفاية ذلك من دون قبول لا من العبد ولا من السيد الذي هو وليه ، بل لعل دلالته على القبول أوضح كما في كشف اللثام ، للفظ الإنكاح. واجتزأ به عن ذكر القبول لظهوره. فحينئذ يبقى ما دل على اعتبار العقدية في النكاح بحاله ». وفي القواعد : « ولو زوج عبده أمته ففي اشتراط قبول المولى أو العبد إشكال ينشأ من أنه عقد أو إباحة ». ويظهر منه المفروغية عن اعتبار القبول بناء على أنه عقد. وفي كشف اللثام : التردد في ذلك. والانصاف أن النصوص لا تخلو من دلالة على عدم اعتبار القبول. وما في جامع المقاصد والجواهر وغيرهما غير ظاهر.

[١] قد عرفت وجهه. وفي الجواهر : « قد يناقش بعدم التلازم بين تولية طرفي العقد وبين الاكتفاء في الإيجاب عن القبول ، فإن باقي الأولياء وإن جاز لهم تولي طرفي العقد لكن لا بد من ذكر صورة العقد. اللهم إلا أن يفرق بكونه هنا مالكاً لا أنه قائم مقام المولى عليه. وفيه : أنه مع ذلك لا بد من ذكر صورة العقد ، لمعلومية كون النكاح من العقود ». ويظهر ما فيه مما عرفت من منع كونه من العقود في الفرض ، بل هو من الإيقاع ، لأنه تحت سلطنة سلطان واحد.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.


عن الطرفين [١]. وكذا إذا وكل غيره في التزويج [٢] ،

______________________________________________________

[١] فإنه لما كان له سلطان على الإيجاب والقبول كان إيجابه فغنياً عن القبول ، لأنه في نفوذ إيجابه لا ينتظر قبول قابل ، فيكون نافذاً بلا قبول القابل. اللهم إلا أن يقال : لما كان كل من الموكل والمولى عليه ذا سلطان فالوكيل في إيجابه إنما يعمل سلطنة الموجب لا سلطنة القابل ، فلا يكون الإيجاب نافذاً إلا بعد إعمال سلطنة القابل ، وإنما يكون ذلك بالقبول عنه ، فلا ينفذ الإيجاب بدون القبول. اللهم إلا أن يقال : هذا إذا كان ولياً أو وكيلاً على الإيجاب وعلى القبول ، أما إذا كان ولياً أو وكيلاً عن الطرفين على إيجاد مضمون العقد ، وهو جعل الزوجية بينهما ، فإيقاعه للمضمون المذكور لا ينتظر فيه قبول ، لأنه مورد التسليط من الطرفين. وكذا الكلام في غير النكاح من العقود كالبيع والإجارة والرهن والصلح ونحوها ، فإنها من الإيقاع إذا وكل أحد الطرفين فيها الآخر أو وكلا ثالثاً ، ويكون المضمون حاصلا بمجرد حصول الإيجاب من الوكيل عن أحد الطرفين والأصيل من الطرف الآخر ، أو الوكيل عن الطرفين ، لما عرفت من أن المعيار في كون المفهوم عقداً أو إيقاعاً كونه تحت سلطنة واحدة أو سلطنتين متقابلتين ، ولما كان الوكيل له سلطان على الجهتين كان المفهوم حاصلاً بمجرد إيقاعه ، فإذا وقع من الأصيلين كان عقداً ، وإذا وقع من الوكيل عنهما كان إيقاعاً. وما في المسالك من دعوى الاتفاق على اعتبار كل من القبول والإيجاب في عقد الولي على الطرفين وأنه لا يكتفي أحد من الفقهاء بلفظ واحد منه عنهما ـ ذكر ذلك في مبحث الاجتزاء بالأمر عن القبول ـ غير مسموعة كما يظهر من تنزيل الشهيد في شرح الإرشاد خبر سهل. فراجع.

[٢] يعني : لا يحتاج الى القبول ، لان فعل الوكيل كفعل الأصيل.


فيكفي قول الوكيل : « أنكحتك أمة موكلي لعبده فلان » ، أو « أنكحتك عبد موكلي أمته ». وأما لو أذن للعبد والأمة في التزويج بينهما فالظاهر الحاجة الى الإيجاب والقبول [١].

( مسألة ١٧ ) : إذا أراد المولى التفريق بينهما لا حاجة الى الطلاق ، بل يكفي أمره إياهما بالمفارقة [٢]. ولا يبعد‌

______________________________________________________

[١] لأن ظهور الاذن لهما بالفعل على وجه التشريك يقتضي اختصاص التسليط بجهته دون جهة الآخر ، فلا بد من اعماله سلطان الآخر. نعم إذا كان الاذن لكل منهما في التزويج مطلقاً كان كما لو أذن لأجنبي في ذلك ، ولا يحتاج الى القبول ، كما ذكره فيما قبل.

[٢] بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه. كذا في الجوهر. ونحوه كلام غيره. ويشهد له النصوص ، كصحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن رجل ينكح أمته من رجل أيفرق بينهما إذا شاء؟ فقال (ع) : إن كان مملوكه فليفرق بينهما إذا شاء ، إن الله تعالى يقول ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) ، فليس للعبد شي‌ء من الأمر. وإن كان زوجها حراً فان طلاقها صفقتها » (١). و‌مصحح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) قال : « سمعته يقول : إذا زوج الرجل عبده أمته ثمَّ اشتهاها قال له : اعتزلها ، فاذا طمثت وطئها ، ثمَّ يردها عليه إن شاء » (٢) ‌، و‌صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا أنكح الرجل عبده أمته فرق بينهما إذا شاء » (٣). ونحوها غيرها ، ومنه صحيح محمد بن مسلم المتقدم في أول المسألة‌. وفي كشف اللثام ـ

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء ملحق حديث : ٤.


جواز الطلاق أيضا بأن يأمر عبده بطلاقها ، وإن كان لا يخلو من إشكال أيضا [١].

( مسألة ١٨ ) : إذا زوج عبده أمته يستحب أن يعطيها شيئاً سواء ذكره في العقد أم لا. بل هو الأحوط [٢].

______________________________________________________

بعد الاستدلال به على المقام ـ قال : « ويشكل على القول بكونه نكاحاً إن لم يكن عليه إجماع ، للاحتياط ، وعدم نصوص الاخبار ». لكن الاحتياط لا يجب مع وجود الحجة. وعدم نصوصيتها لا تقدح إذا كان لها ظهور ، فان الظهور حجة كالنص.

[١] فيه نوع دلالة على التوقف في صحة الطلاق ، مع أنه ادعى الإجماع عليه في كلام جماعة. وفي الجواهر : دعوى الإجماع بقسميه عليه. وفي جامع المقاصد : « إن زوجة العبد إذا كانت أمة لمولاه فان طلاقها وإزالة عقد نكاحها هو بيد المولى ولا دخل للعبد فيه إجماعاً ». وفي الحدائق : « لا خلاف نصاً وفتوى ـ فيما أعلم ـ في أنه إذا زوج السيد عبده أمته فإن الطلاق بيد السيد ، وله أن يأمره به ، وإن يفرق بينهما بغير لفظ الطلاق ». ونحوه كلام غيرهم. نعم في الجواهر : « قد تشكل صحته ( يعني : الطلاق ) من العبد بإذن السيد إذا لم يكن بطريق الوكالة ». وكأنه لأجل أن المفهوم من النصوص أن الطلاق من وظائف السيد ، فلا يصح من غيره إذا لم يكن وكيلا عنه. وفيه : أن الظاهر من كون الطلاق بيد السيد أنه لا يصح إلا بأمره أو إذنه ، لا أنه لا يصح إلا بالمباشرة أو التوكيل.

[٢] فإن المحكي عن الشيخين ، وابني حمزة والبراج ، وأبي الصلاح : الوجوب. للنصوص المتقدمة في مسألة عدم اعتبار قبول العبد في إنكاحه أمه مولاه ، المتضمنة للأمر بإعطائها مداً من طعام ، أو درهماً ، أو نحو‌


وتملك الأمة ذلك بناء على المختار من صحة ملكية المملوك إذا ملكه مولاه أو غيره.

( مسألة ١٩ ) : إذا مات المولى وانتقلا إلى الورثة فلهم أيضا الأمر بالمفارقة بدون الطلاق [١]. والظاهر كفاية أمر‌

______________________________________________________

ذلك. لكن الأكثر ـ كما قيل ـ على الاستحباب. وفي كشف اللثام : نسبه الى المفيد أيضاً. للأصل ، وعدم التنصيص على الوجوب. لكن الأصل لا مجال له مع الدليل وعدم التنصيص لا يقدح في الحجية مع وجود الظاهر. وفي الجواهر : استدل على الاستحباب بالأصل ، وعدم تصور استحقاقه لنفسه على نفسه : ضرورة أن مهر الأمة لسيدها ، كعدم تصور استحقاق ماله عليه مالاً. انتهى وهو كما ترى ، بناء على التحقيق من ملكية العبد ولو في الفرض. وكذا بناء على عدمها ، لامكان وجوب تمكينها من المهر وإن لم يكن ملكاً لها. ومثله الاشكال بعدم ظهور الخبرين في كون المدفوع مهراً ، مع أن المدعى ذلك ، فالدليل لا يثبت الدعوى ، والدعوى لا دليل عليها. إذ فيه : أنه إن تمَّ ذلك منع من القول بكون المدفوع مهراً ، لا من القول بوجوب الدفع.

ثمَّ إن الظاهر عدم كون المدفوع مهراً بقرينة أنه لم يذكر في ضمن الجملة الإنشائية ، وإنما ذكر الأمر به بعد ذلك ، فان قام إجماع على عدم وجوب دفع غير المهر تعين حمل النصوص على الاستحباب ، وإلا لزم الأخذ بظاهرها والبناء على وجوب الدفع تعبداً.

[١] كما نص على ذلك في الشرائع ، والقواعد ، وغيرهما. ويظهر من شراحهما كونه من المسلمات ، معللين له بأنه مقتضى انتقال الملك إليهم. بل في المسالك هنا أولى ، لقيامه مقام المورث الذي كان أمره بيده.


أحدهم في ذلك [١].

( مسألة ٢٠ ) : إذا زوج الأمة غير مولاها [٢] من حر فأولدها جاهلا بكونها لغيره ، عليه العشر أو نصف العشر لمولاها ، وقيمة الولد. ويرجع بها على ذلك الغير ، لأنه كان مغروراً من قبله [٣]. كما أنه إذا غرته الأمة بتدليسها ودعواها‌

______________________________________________________

[١] إن كان المراد كفاية أمر أحدهم في حرمة الوطء ففي محله ، لعدم جواز التصرف بدون إذن المالك ، وإن كان مالكاً جزءاً مشاعاً. وإن كان المراد الخروج عن الزوجية بذلك ، فلا يخلو من إشكال ، لأن الخروج عن الزوجية كالدخول في الزوجية تحت سلطة جميع المالكين ، فلا يستقل به أحدهم. اللهم إلا أن يقال : إذا حرم الوطء فقد بطلت الزوجية ، إذ لا مجال لانتزاعها حينئذ. ولذا استفيد بطلان عقد التزويج من تحريم وطء الأم وغيرها من ذوات المحارم.

[٢] هذا مورد صحيح الوليد بن صبيح المتقدم في المسألة الثانية عشرة ، المتضمن ضمان الزوج لمولى الأمة العشر أو نصف العشر. وأما ضمان قيمة الولد فيمكن استفادته مما يأتي ، ومن موثق سماعة المتقدم هناك.

[٣] إشارة إلى قاعدة الغرور ، المستفادة من‌ النبوي : « المغرور يرجع على من غره » (١) ‌، المعول عليها في جملة من الموارد اتفاقاً. ويقتضيها أيضاً‌ خبر محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن رجل نظر الى امرأة فأعجبته فسأل عنها فقيل : هي ابنة فلان ، فأتى أباها فقال : زوجني ابنتك ، فزوجه غيرها ، فولدت منه ، فعلم بها بعد أنها غير ابنته ، وأنها أمة ، قال (ع) : ترد الوليدة على مواليها. والولد

__________________

(١) هذا الحديث وان وجد في بعض الكتب الفقهية الا أنه لم نعثر عليه بعد الفحص في كتب الحديث للعامة والخاصة وبعد الاستعانة ببعض الفهارس المعدة لضبط السنة النبوية.


الحرية تضمن القيمة [١] ، وتتبع به بعد العتق. وكذا إذا صار مغروراً من قبل الشاهدين على حريتها [٢].

( مسألة ٢١ ) : لو تزوج أمة بين شريكين بإذنهما ثمَّ اشترى حصة أحدهما أو بعضها أو بعضا من حصة كل منهما بطل نكاحه ، ولا يجوز له بعد ذلك وطؤها [٣].

______________________________________________________

للرجل. وعلى الذي زوجه قيمة ثمن الوليد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل وخدعه » (١). و‌خبر رفاعة بن موسى قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : الى أن قال : وسألته عن البرصاء. قال : قضى أمير المؤمنين (ع) في امرأة زوجها وليها وهي برصاء أن لها المهر بما استحل من فرجها ، وأن المهر على الذي زوجها ، وأنه صار عليه المهر ، لأنه دلسها. ولو أن رجلا تزوج امرأة وزوجه إياها رجل لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شي‌ء وكان المهر يأخذه منها » (٢). وربما يستفاد أيضا من غيرها. لكنه قاصر عن إفادة العموم ، وإنما يدل عليها في موارد خاصة. والعمدة ما ذكرنا. والأول يدل على الرجوع بقيمة الولد بالخصوص.

[١] كما مال إليه في الجواهر ، لما ذكر من القاعدة.

[٢] كما عن الحلي في السرائر ، مدعياً نفي الخلاف في ذلك وأن الإجماع منعقد عليه. وهو مقتضى قاعدة الغرور المتقدمة.

[٣] على المشهور ، بل إجماعاً إذا لم يرض الشريك الآخر. لعدم التبعيض في أسباب النكاح ابتداء واستدامة ، كما يقتضيه ظاهر قوله تعالى : ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (٣) ، و‌موثق سماعة : « سألته

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب العيوب والتدليس حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب العيوب والتدليس حديث : ٢.

(٣) المعارج : ٣٠.


وكذا لو كانت لواحد واشترى بعضها [١]. وهل يجوز له وطؤها إذا حللها الشريك؟ قولان ، أقواهما : نعم ، للنص [٢].

______________________________________________________

عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل ، ثمَّ إن الرجل اشترى بعض السهمين. فقال (ع) : حرمت عليه باشترائه إياها. وذلك أن بيعها طلاقها. إلا أن يشتريها من جميعهم » (١) ‌وعن النهاية : جواز الوطء إذا رضي الشريك بالعقد ، وتبعه عليه القاضي. ودليله غير ظاهر في قبال ما عرفت. ولذا قال في الشرائع : « ولو أمضى الشريك الآخر العقد بعد الابتياع لم يصح. وقيل : يجوز له وطؤها بذلك. وهو ضعيف ».

[١] لما ذكر ، فان قوله (ع) : « وذلك أن بيعها طلاقها » ‌بمنزلة العام الشامل للمقام.

[٢] وهو‌ صحيح محمد بن قيس المروي في الكافي والتهذيب عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن جارية بين رجلين دبراها جميعاً ، ثمَّ أحل أحدهما فرجها لشريكه. قال (ع) : هو له حلال. وأيهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حراً من قبل الذي مات ونصفها مدبراً. قلت : أرأيت إن أراد الباقي منهما أن يمسها ، أله ذلك؟ قال (ع) : لا ، إلا أن يثبت عتقها ، ويتزوجها برضا منها متى ما أراد. قلت له : أليس قد صار نصفها حراً قد ملكت نصف رقبتها ، والنصف الآخر للباقي منهما؟ قال (ع) : بلى. قلت : فإن هي جعلت مولاها في حل من فرجها وأحلت له ذلك. قال (ع) : لا يجوز له ذلك. قلت : لم لا يجوز لها ذلك كما أجزت للذي كان له نصفها حين أحل فرجها لشريكه منها؟ قال (ع) : إن الحرة لا تهب فرجها ، ولا تعيره ، ولا تحلله. ولكن لها من نفسها يوم وللذي دبرها يوم ، فإن أحب أن يتزوجها متعة بشي‌ء في اليوم الذي

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.


وكذا لا يجوز وطء من بعضه حر إذا اشترى نصيب الرقية لا بالعقد ، ولا بالتحليل منها. نعم لو هايأها فالأقوى جواز التمتع بها [١] في الزمان الذي لها ، عملاً بالنص الصحيح ،

______________________________________________________

تملك فيه نفسها فيتمتع منها بشي‌ء قل أو كثر » (١). ورواه الشيخ بطريق فيه علي بن فضال‌ (٢) ، والصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) (٣). وما قواه المصنف حكي عن ابن إدريس وجماعة ، منهم الشهيد في اللمعة. وفي الشرائع : « ولو حللها ، قيل : تحل. وهو مروي. وقيل : لا ، لأن سبب الاستباحة لا يتبعض ». ويشكل ما ذكره أخيراً بأن التحليل نوع من الملك ، كما عرفت ، فلا تبعض ، كما أشار إليه في كشف اللثام بعد أن قوى الجواز. مع أنه لا مجال لرد النص والأخذ بالقواعد العامة لو تمت. فاذاً الجواز متعين. ومن الغريب نسبة الضعف إلى الرواية في المسالك وغيرها ، مع أنها مروية في الكافي والتهذيب عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) بطريق صحيح‌ (٤) ، وفي الفقيه عن محمد بن مسلم عنه (ع) بطريق صحيح أيضا‌ (٥) ، ورويت في التهذيب في أوائل كتاب النكاح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) بطريق فيه علي بن فضال‌ (٦) ، فيكون من الموثق.

[١] كما عن الشيخ ، وجماعة. وفي الشرائع : « قيل : يجوز أن‌

__________________

(١) الكافي الجزء : ٥ صفحة : ٤٨٢. التهذيب الجزء : ٨ الصفحة : ٢٠٣ ، الوسائل باب : ٤١ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١ وملحقة الأول.

(٢) الوسائل باب : ٤١ من أبواب نكاح العبيد والإماء الملحق الثاني لحديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٤١ من أبواب نكاح العبيد والإماء الملحق الثالث لحديث : ١.

(٤) الكافي الجزء : ٥ صفحة : ٤٨٢ ، التهذيب الجزء : ٨ صفحة : ٢٠٣ الطبعة الحديثة.

(٥) من لا يحضره الفقيه الجزء : ٣ صفحة : ٢٩٠ الطبعة الحديثة.

(٦) التهذيب الجزء : ٧ صفحة : ٢٤٥ الطبعة الحديثة.


وإن كان الأحوط خلافه.

فصل في الطوارئ

وهي العتق ، والبيع ، والطلاق. أما العتق : فإذا أعتقت الأمة المزوجة كان لها فسخ نكاحها إذا كانت تحت عبد [١]

______________________________________________________

يعقد عليها متعة في الزمان المختص بها. وهو مروي. وفيه تردد ، لما ذكرنا من العلة ». ويشكل بأن النص الصحيح المعول عليه عند الشيخ واتباعه لا مجال لرده بالعلة المذكورة ، وإن عول عليها المشهور ، كما قيل.كما لا مجال لما في المسالك من أن منافع البضع لا تدخل في المهاياة وإلا لحل المتعة بغيره في أيامها ، وهو باطل اتفاقاً. لإمكان منع الملازمة بين الحكمين ، وجواز التفكيك بين الفرضين ، كما ذكر في الجواهر.

فصل في الطوارئ‌

[١] بلا خلاف ، ولا إشكال. بل في الرياض : « إذا كانت تحت عبد إجماعاً من المسلمين ، كما حكاه جماعة ». ويشهد به النصوص المستفيضة ، كمصحح الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن أمة كانت تحت عبد فأعتقت الأمة. قال (ع) : أمرها بيدها إن شاءت تركت نفسها مع زوجها ، وإن شاءت نزعت نفسها منه. قال : وذكر أن بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة ، فاشترتها عائشة فأعتقتها ، فخيرها رسول الله 6 .. » (١) ‌، و‌موثق عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) :

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.


بل مطلقاً وإن كانت تحت حر على الأقوى [١]. والظاهر عدم‌

______________________________________________________

« أنه كان لبريرة زوج عبد فلما أعتقت قال لها رسول الله (ص) اختاري » (١) ، و‌صحيح محمد بن مسلم : « سألت أبا عبد الله (ع) : عن المملوكة تكون تحت العبد ثمَّ تعتق. فقال (ع) : تتخير ، فان شاءت أقامت على زوجها ، وإن شاءت فارقته » (٢). ونحوها غيرها.

[١] على المشهور ، ومنهم الشيخ في النهاية ، والمحقق في المختصر النافع. لجملة من النصوص ، منها‌ خبر محمد بن آدم عن الرضا (ع) : « إذا أعتقت الأمة ولها زوج خيرت إن كانت تحت عبد أو حر » (٣). ونحوه خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله (ع) (٤) ، وإطلاق‌ خبر الكناني : « أيما امرأة أعتقت فأمرها بيدها ، إن شاءت أقامت معه ، وإن شاءت فارقته » (٥). وخصوص‌ مرسل عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل حر نكح أمة مملوكة ثمَّ أعتقت قبل أن يطلقها. قال (ع) : هي أملك ببضعها » (٦). وعن الشيخ في المبسوط والخلاف : نفي الخيار. وفي الشرائع : أنه أشبه. وعن شرح النافع : أنه متعين. لضعف النصوص المذكورة سنداً ، فلا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل. ويشكل بأن ضعف النصوص مجبور بعمل المشهور بها واعتمادهم عليها. ولا سيما بملاحظة‌ قول النبي (ص) لبريرة : « ملكت

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١٢.

(٤) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١٣.

(٥) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٨.

(٦) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١١.


الفرق بين النكاح الدائم والمنقطع [١]. نعم الحكم مخصوص بما إذا أعتق كلها ، فلا خيار لها مع عتق بعضها على الأقوى [٢] نعم إذا أعتق البعض الآخر أيضاً ـ ولو بعد مدة ـ كان لها الخيار [٣].

( مسألة ١ ) : إذا كان عتقها بعد الدخول ثبت تمام المهر. وهل هو لمولاها أو لها؟ تابع للجعل في العقد [٤] ،

______________________________________________________

بضعك فاختاري » (١) ‌فإنه بمنزلة التعليل الشامل لغير مورده. لكن لم أعثر على ذلك في رواياتنا.

[١] كما يقتضيه إطلاق النص والفتوى. وقد يحتمل عدم الخيار في المنقطع ، لأنه كالإجارة لا تنفسخ بالعتق. ولكنه كما ترى.

[٢] كما نص على ذلك في القواعد وغيرها. ويقتضيه الأصل وقصور النصوص والفتوى عن شمول الفرض ، كما ذكر ذلك في كشف اللثام وغيره. ويظهر من عبارة المصنف أنه محل خلاف. لكن نسبة الخلاف في كشف اللثام الى بعض الشافعية يدل على الاتفاق عليه عندنا ، كما هو ظاهر الجواهر أيضا.

[٣] كما يستفاد من‌ قوله (ع) : « هي أملك ببضعها » ‌، وإن كان مقتضى الجمود عليها الاقتصار على صورة عتق الكل. لكن منصرفها صيرورتها بتمامها حرة ، ولو بالتدريج.

[٤] قد تقدم في المسألة الرابعة الجزم بأن مهر الأمة المزوجة لمولاها ، ودعوى الاتفاق عليه من جماعة. فلا وجه ظاهر لهذا التردد في المقام ، والتفصيل. ولذا قال في الجواهر : « وإن اختارت الفراق في موضع ثبوته‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في كتب الحديث ، نعم ورد ما يدل عليه في نصوص كثيرة ، راجع الوسائل باب : ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ومستدرك الوسائل باب : ٣٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، والمرط باب : ١٠ من كتاب الطلاق.


فان جعل لها فلها وإلا فله. ولمولاها في الصورة الأولى تملكه كما في سائر الموارد ، إذ له تملك مال مملوكه [١] بناء على القول بالملكية. لكن هذا إذا كان قبل انعتاقها [٢]. وأما بعد انعتاقها فليس له ذلك [٣]. وإن كان قبل الدخول [٤] ففي سقوطه ، أو سقوط نصفه ، أو عدم سقوطه أصلاً ، وجوه ، أقواها : الأخير [٥] ، وإن كان مقتضى الفسخ‌

______________________________________________________

بعد الدخول كان المهر ثابتاً لمولاها بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال إذا كان العتق بعد الدخول ». إلا أن يقال : إن ما سبق يختص بصورة ما إذا أطلق المهر ، والمقام يختص بما إذا عين للمولى ، أو لها ، أو أطلق. لكن ذلك لا يناسب عبارة المتن.

[١] لأنه تحت سلطانه مطلقاً.

[٢] يعني : التملك.

[٣] لخروجه عن سلطانه بحرية مالكه ، الموجبة لسلطنته عليه.

[٤] يعني : العتق والفسخ أيضا.

[٥] قال في المسالك : « إن كان ( يعني : الخيار ) قبله سقط المهر إذ الفسخ جاء من قبلها ». ونحوه في كشف اللثام. وفي الجواهر : « إذا اختارت الفراق في موضع ثبوته قبل الدخول سقط المهر من غير خلاف يعرف فيه ، لكون الفسخ منها قبل الدخول ، ولأنه كتلف المبيع قبل قبضه ، ولكون النكاح كالمعاوضة المبنية على التسلم بالتسليم. لكن قد يناقش بثبوت المهر بالعقد. وكون الفسخ من قبلها على تقدير اقتضائه سقوط المهر إنما يؤثر لو كان المهر لها لا إذا كان لغيرها. والقياس على تلف المبيع قبل قبضه باطل عندنا. وبناء هذه المعاوضة على احتمال جريان أمثال هذه العوارض‌


الأول ، وذلك لعدم معلومية كون المقام من باب الفسخ ، لاحتمال كونه من باب بطلان النكاح مع اختيارها المفارقة. والقياس على الطلاق في ثبوت النصف لا وجه له.

( مسألة ٢ ) : إذا كان العتق قبل الدخول والفسخ بعده فان كان المهر جعل لها فلها. وإن جعل للمولى ، أو أطلق ، ففي كونه لها أوله قولان ، أقواهما : الثاني ، لأنه‌

______________________________________________________

فيها ». وما ذكره من المناقشة متين ، إلا ما ذكره من ثبوت المهر بالعقد فإنه لا يقتضي بقاء المهر ، لكون المفروض انفساخ العقد باختيار الفراق ، وبعد انفساخه لا يبقى لمضمونه أثر ، فضلاً عن الشرط المذكور فيه. نعم احتمل المصنف (ره) أن اختيار الفراق في المقام ليس من باب الفسخ ، بل من باب بطلان النكاح مع اختيارها المفارقة. ولم يتضح الفرق بين الفسخ والبطلان فيما نحن فيه ، لأنه إذا بطل النكاح فقد بطل المهر ، لأنه شرط فيه ، وبالجملة : فبقاء المهر مع الفسخ ـ الذي ذكره في الجواهر ـ أو مع البطلان ـ الذي ذكر في المتن ـ غير ظاهر. نعم يمكن دعوى منع حصول الفسخ والبطلان باختيار الفراق ، واحتمال أن يكون نظير الطلاق. غاية الأمر أن إيقاع الطلاق جعل الفراق من الزوج وإيقاع هذا الفراق من الزوجة. ولا يأبى‌ قوله (ع) في الصحيح الأول : « وإن شاءت نزعت نفسها منه » ‌، و‌قوله (ع) في الصحيح الأخير : « وإن شاءت فارقته » (١) ‌أن يكون من قبيل الفراق المجعول ضد الزوجية ، لا نقض الزوجية المجعولة. وحينئذ يكون أقوى الوجوه ما اختاره المصنف (ره). وحمل الفراق في المقام على الطلاق في تنصيف المهر ، لا وجه له. فالعمل بالأصل متعين.

__________________

(١) تقدم التعرض لهما في أول هذا الفصل.


ثابت بالعقد [١] وإن كان يستقر بالدخول ، والمفروض أنها كانت أمة حين العقد [٢].

( مسألة ٣ ) : لو كان نكاحها بالتفويض ، فان كان بتفويض المهر [٣] فالظاهر ان حاله حال ما إذا عين في العقد [٤] وإن كان بتفويض البضع [٥] ، فان كان الانعتاق بعد الدخول وبعد التعيين ، فحاله حال ما إذا عين حين العقد [٦]. وإن كان قبل الدخول ، فالظاهر أن المهر لها [٧] ، لأنه يثبت‌

______________________________________________________

[١] على الأصح ، كما في المسالك ، والتحقيق ، كما في الجواهر ، ونحوهما ما في غيرهما : لوضوح أنه مذكور في العقد ، فاذا صح ثبت. وقيل : يثبت بالدخول ، ولذا يتنصف بالطلاق قبل الدخول. وفيه : أنه حكم على خلاف القاعدة قام عليه الدليل. على أن ثبوت النصف حينئذ يدل على عدم استقلال الدخول في ذلك.

[٢] فيكون مهرها لمولاها. وإذا قلنا بأن المهر يثبت بالدخول لا بالعقد اتجه حينئذ ثبوت المهر لها ، لأن الدخول كان في حال الحرية.

[٣] بأن يذكر المهر في العقد ويفوض تعيينه الى أحد الزوجين بعينه ، أو ولو مطلقاً لا بعينه ، أو ولو إليهما معا ، أو ولو الى أجنبي ، على خلاف في ذلك.

[٤] كما في كشف اللثام والجواهر. لأن المهر حينئذ يكون بالعقد ، فتجري فيه أحكام الصور الثلاث للمهر المعين في العقد.

[٥] بأن لا يذكر المهر في العقد أصلاً ، لا إجماعا ، ولا تفصيلاً.

[٦] لان التعيين اللاحق كالتعيين في العقد نافذ. وإن كان العتق بعد الدخول بلا تعيين تعين مهر المثل. ويكون للسيد في الفرضين.

[٧] يعني : إذا دخل بها قبل اختيار الفراق. أما إذا اختارت الفراق‌


حينئذ بالدخول ، والمفروض حريتها حينه.

( مسألة ٤ ) : إذا كان العتق في العدة الرجعية فالظاهر أن الخيار باق [١] ، فان اختارت الفسخ لم يبق للزوج الرجوع حينئذ ، وإن اختارت البقاء بقي له حق الرجوع. ثمَّ إذا اختارت الفسخ لا تتعدد العدة ، بل يكفيها عدة واحدة [٢] ولكن عليها تتميمها عدة الحرة [٣]. وإن كانت العدة بائنة فلا خيار لها على الأقوى [٤].

______________________________________________________

قبل الدخول فلا مهر لها ، ولا للسيد ، لعدم المقتضي له ، لا عقد ، ولا دخول ، إلا إذا قلنا بأن صداق المفوضة يجب بالعقد وإن لم يفرض لها ، وإنما الفرض كاشف عن قدر الواجب ، فهو للسيد ، كما ذكر في القواعد وكشف اللثام والجواهر.

[١] لأنها بحكم الزوجة. ولضرورة أولويته من فسخ النكاح المستقر ، كما في كشف اللثام وغيره.

[٢] نص على ذلك كله في القواعد وغيرها. ويقتضيه إطلاق الأدلة. ولا مجال للرجوع إلى أصالة عدم التداخل ، لأنها خلاف المرتكزات العرفية في المقام.

[٣] لصيرورتها حرة. لكن الاكتفاء بذلك يقتضي إلغاء سببية الفسخ للعدة ، وهو أمر زائد على التداخل ، ووجهه غير ظاهر ، لأنه إلغاء لسببية الفسخ من غير وجه ، والارتكاز إنما يساعد على التداخل ، لا على إلغاء السببية بالمرة. نعم ما في المتن مذكور في القواعد وغيرها ، ويظهر منهم المفروغية عنه ، فان كان إجماعاً فهو ، وإلا فالمتعين استئناف عدة الحرة للفسخ.

[٤] كما في الجواهر. لأنها حينئذ ليست زوجة ، ونصوص الخيار‌


( مسألة ٥ ) : لا يحتاج فسخها إلى إذن الحاكم [١].

( مسألة ٦ ) : الخيار على الفور [٢] على الأحوط ، فوراً عرفياً. نعم لو كانت جاهلة بالعتق ، أو بالخيار ، أو‌

______________________________________________________

مختصة بالزوجة (١). وكذا لو أعتقت في أثناء العدة الرجعية فلم تفسخ لعدم علمها الى أن خرجت عن العدة ، فإنها لا خيار لها حينئذ لخروجها عن الزوجية حقيقة وحكماً. والظاهر أن ذلك مما لا إشكال فيه ، وإن كان قول المصنف (ره) : « على الأقوى » يشعر بوجود الخلاف ، لكني لم أعثر عليه ، ولا على إشكال فيه.

[١] كما نص على ذلك في القواعد. وفي كشف اللثام : « للشافعية وجه بالافتقار ». وظاهره أنه لا خلاف فيه بيننا.

[٢] كما نص على ذلك في الشرائع والقواعد. وفي المسالك : « يظهر من الجماعة الاتفاق عليه ». وفي كشف اللثام : « اتفاقاً كما هو الظاهر ». وفي الحدائق : « ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ». وفي الرياض : أنه متفق عليه عند الجماعة ، كما حكاه طائفة.

واستدل له بلزوم الاقتصار على المتيقن في فسخ العقد اللازم. ومرجعه الى التمسك بعمومات اللزوم عند الشك فيه ، فان عمومات اللزوم كما لها عموم أفرادي لها عموم أزماني ، فإذا دل الدليل على عدم اللزوم في زمان وشك فيما بعده من الأزمنة في اللزوم وعدمه تعين الرجوع الى عموم اللزوم الأزماني في الزمان المشكوك. ويشكل بأن ذلك وإن سلم ، فإنما يصح إذا لم يكن لدليل الخيار إطلاق ، وإلا كان إطلاقه مقدما على العموم الأزماني ، ففي الزمان المشكوك يرجع الى إطلاق الخيار ، لا إلى إطلاق اللزوم الأزماني. فلاحظ ، فاذاً العمدة هو الاتفاق المدعى في المقام على الفورية.

__________________

(١) تقدم التعرض لها في أول هذا الفصل.


بالفورية جاز لها الفسخ بعد العلم [١] ، ولا يضره التأخير حينئذ.

( مسألة ٧ ) : إن كانت صبية أو مجنونة فالأقوى أن وليها يتولى خيارها [٢].

______________________________________________________

[١] أما في الأول : فمقطوع به ، كما في كشف اللثام. وأما في الأخيرين : فاحتمل في القواعد السقوط ، وعدمه ، والفرق بينهما. وعلل الأول في كشف اللثام : بأن الثبوت خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن ، ولأن الرضا بعد العلم بملكها بضعها بمنزلة العقد بعده ، ولأن الجهل لو كان عذراً لكان النسيان كذلك. وفي الجميع منع ظاهر ، إذ دليل الخيار يقتضي الثبوت في غير مورد الإجماع على السقوط. والمشابهة في الثاني ممنوعة. والملازمة في الثالث كذلك. مع أنه لا دليل على بطلان اللازم ، بل في المسالك : إلحاق النسيان بالجهل. والعمدة في الحكم في الجميع عدم تمامية الإجماع على السقوط ، ومقتضى إطلاق الدليل ثبوته. ومنه يظهر الإشكال في احتمال الفرق بينهما. وتوجيهه بأنه مع العلم بالخيار إذا أخرت الفسخ فقد رضيت بالإجازة ، ولاندفاع الضرر بإثبات الخيار لها مع العلم وإن لم تعلم الفورية. كما ترى ، إذ الأول ممنوع. والثاني مبني على ثبوت الخيار بالضرر ، وهو ممنوع ، لقيام الدليل عليه ، فيؤخذ بإطلاقه ما لم يقم إجماع على خلافه ، كما عرفت.

[٢] يظهر من الجواهر احتماله إن لم يكن إجماع على خلافه. وفي القواعد : « لو أعتقت الصغيرة اختارت عند البلوغ ، والمجنونة عند الرشد. وليس للولي الاختيار هنا ، لأنه على طريقة الشهوة ». وظاهر كشف اللثام : المفروغية عنه. وفي الحدائق : « قالوا ليس للولي هنا .. ». وظاهره النسبة إلى الأصحاب. لكن التعليل المذكور في القواعد كما ترى ، إذ الشهوة لا تزاحم المصلحة ، ولذا يصح تصرف الولي لو زوجها بمن‌


( مسألة ٨ ) : لا يجب على الزوج أعلامها بالعتق أو بالخيار إذا لم يعلم ، بل يجوز له إخفاء الأمر عليها [١].

( مسألة ٩ ) : ظاهر المشهور عدم الفرق في ثبوت الخيار لها بين أن يكون هو المباشر لتزويجها أو آذنها فاختارت هي زوجاً برضاها [٢]. ولكن يمكن دعوى انصراف الاخبار الى صورة مباشرة المولى بلا اختيار منها [٣].

( مسألة ١٠ ) : لو شرط مولاها في العتق عدم فسخها فالظاهر صحته [٤].

______________________________________________________

شاء إذا كان مصلحة لها ، كما لا يخفى. فالعمدة في الاشكال في ذلك عدم ثبوت العموم الدال على ولاية الولي بحيث يشمل المقام. ولأجل ذلك كان الإشكال في صحة هبة المدة من الولي في النكاح المنقطع ، إذ لا عموم في دليل الولاية يقتضي ذلك. فلاحظ.

[١] للأصل بعد عدم الدليل على الوجوب. وكذا لا يجب على المالك أعلامها بذلك ، لما ذكر.

[٢] كما يقتضيه إطلاق كلامهم.

[٣] لكن الدعوى المذكورة ضعيفة ، والانصراف بدوي لا يعتد به في رفع اليد عن إطلاق النصوص.

[٤] قال في الشرائع في كتاب العتق : « لو شرط على المعتق شرطاً في نفس العتق لزم الوفاء به ». ونحوه في القواعد وغيرها. والظاهر أنه لا اشكال فيه ، ولا خلاف. ويقتضيه النصوص الكثيرة المتضمنة صحة العتق مع شرط الخدمة ، أو شرط المال ، أو غير ذلك. مضافا الى احتمال عموم السلطنة ، وأن العبد تحت سلطان المولى حتى بالإضافة إلى ذمته ،


( مسألة ١١ ) : لو أعتق العبد لا خيار له [١] ، ولا لزوجته [٢].

______________________________________________________

فله إشغالها بما شاء. ولأجل ذلك يظهر أنه لا حاجة الى قبول العبد ، كما هو مذهب جماعة ، منهم المحقق في ظاهر كلامه. خلافاً لآخرين ، للشك في صدق الشرط بدون الرضا ، فلم يثبت عموم : « المؤمنون عند شروطهم » (١) ‌له. وفيه : ما لا يخفى. وفي القواعد : استقرب العدم في شرط الخدمة ، دون المال ، لأن الخدمة من المنافع المملوكة للمولى ، دون المال. وفيه : أنه لو قيل بعدم ملك المال فهو أيضا تحت سلطان المولى إن كان موجوداً. نعم إذا لم يكن موجوداً فلا سلطنة للمولى عليه. لكن سلطنة المولى على الذمة تقتضي قدرته على اشغالها بما يشاء من المال. ومن ذلك يظهر أن صحة اشتراط الخدمة ليس من قبيل استثناء المنافع ، بل هو من قبيل إشغال ذمة العبد بها ، لأنها تحت سلطانه. فلاحظ.

[١] على المشهور شهرة عظيمة ، بل لم يعرف الخلاف فيه إلا عن ابن الجنيد ، فاثبت له الخيار ، قياساً على الأمة ، وعن ابن حمزة ، فأثبت له الخيار إذا كان قد أكرهه على النكاح. وعن المختلف : موافقته في ذلك لأنه كالحر المكره. والاشكال عليهما ظاهر ، إذ القياس ليس بحجة. والحر المكره مسلط على نفسه ، فيمكن أن يكون الإكراه له مانعاً من نفوذ سلطانه على نفسه ، بخلاف العبد ، لأنه تحت سلطان المولى ، ولا سلطان له على نفسه. هذا وفي الرياض موافقتهما في ذلك بشرط استمرار الكراهة الى حال الاختيار. وكأنه لأن الكراهة في حال الحرية من قبيل الإكراه للحر. وفيه : أن الإكراه للحر مانع من الصحة ، ولا مجال لذلك هنا ، كما عرفت ، لا أنه يثبت الاختيار ، كي يلحق به المقام.

[٢] بلا خلاف ، لأنها رضيت به عبداً فأولى أن ترضى به حراً ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المهور حديث : ٤.


( مسألة ١٢ ) : لو كان عند العبد حرة وأمتان فأعتقت إحدى الأمتين فهل لها الخيار أو لا؟ وجهان [١]. وعلى‌

______________________________________________________

كما ذكر‌ في خبر علي بن حنظلة عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل زوج أم ولد له من عبد ، فأعتق العبد بعد ما دخل بها. هل يكون لها الخيار؟ قال (ع) : قد تزوجته عبداً ورضيت به فهو حين صار حراً أحق أن ترضى به » (١) ‌، ونحوه خبر أبي بصير‌ (٢).

[١] قد تقدم أنه لا يجوز للعبد أن يتزوج حرتين وأمة ، وله أن يتزوج أمتين وحرة. وفي المقام بعد عتق إحدى الأمتين يكون العبد قد جمع بين حرتين وأمة ، ولما لم يجز ذلك كان اللازم بطلان زوجية الجميع ، لعدم المرجح. لكن الظاهر إلحاق المقام بما إذا أسلم الزوج عن أكثر من أربع ، حيث ذكروا أنه يختار أربعاً ويترك الباقي. فإذا كان حكم الزوج الاختيار أشكل البناء على ثبوت الخيار للزوجة ، وإن كان مقتضى إطلاق الدليل ذلك ، لكن تمكن دعوى انصرافه عن صورة تزلزل حال المرأة من جهة أن للزوج اختيار غيرها ، فيبطل نكاحها. وفيه : أن هذا المقدار من التزلزل لا يستوجب الانصراف المعتد به ، لإمكان أن يكون الخيار لكل من الزوج والزوجة ، فثبوت الخيار للزوج لا يوجب قصور دليل الخيار للزوجة عن شمول الفرض ، نظير ما لو كان العتق في أثناء العدة الرجعية. مضافاً الى أن ذلك لو تمَّ فإنما يقتضي نفي خيارها قبل اختيار الزوج ، لا مطلقاً ، فلو اختارها الزوج كان لها الخيار ، لانتفاء المانع المذكور. ويحتمل بعيداً أن يكون تردد المصنف (ره) من جهة احتمال بطلان نكاحها بمجرد العتق ، وعدم الإلحاق بصورة ما إذا أسلم الزوج عن أكثر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٥٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.


الأول : إن اختارت البقاء ، فهل يثبت للزوج التخيير أو يبطل نكاحها؟ وجهان [١]. وكذا إذا كان عنده ثلاث أو أربع إماء [٢] فأعتقت إحداها. ولو أعتق في هذا الفرض جميعهن‌

______________________________________________________

من أربع. إذ لا دليل على هذا الإلحاق بعد كون الحكم هناك خلاف مقتضى القاعدة ، لأن عقده عليهن إن كان في زمان واحد تعين بطلان الجميع ، لعدم المرجح ، وإن كان في زمانين تعين البناء على بطلان اللاحق وصحة السابق. فالبناء على اختيار الزوج مستند إما الى الإجماع. أو الى‌ النص الوارد : « في المجوسي إذا أسلم وله سبع نسوة وأسلمن معه ، كيف يصنع؟ قال (ع) : يمسك أربعاً ، ويطلق ثلاثا » (١). والظاهر أنه ليس في روايات أصحابنا سواه. والإجماع والنص لا يشملان المقام. فيتعين البناء على بطلان الجميع في المقام ، لعدم المرجح. وحينئذ لا مجال لخيار الزوجة ، لانتفاء موضوعه.

[١] لم يتضح وجه البطلان مع اختيارها للبقاء. نعم إذا قلنا بأن الممتنع أن يجمع العبد بين حرتين وأمة مع استقرار النكاح فما دامت الأمة المعتقة لها الخيار لا مانع من الجمع ، فاذا استقر نكاحها باختيارها البقاء امتنع الجمع ، فبطل نكاحها. لكن لو تمَّ اقتضى بطلان نكاح الجميع. فاذاً التحقيق ـ بعد البناء على إلحاق المقام بصورة ما إذا أسلم الزوج عن أكثر من أربع ـ هو ثبوت الاختيار لكل من الزوجة والزوج في الفرض ، ولا يبطل نكاحها إلا إذا اختار الزوج غيرها.

[٢] إذا كان عند العبد ثلاث إماء فأعتق إحداها لم يكن مانع من الجمع بينها ، لأنه يجوز للعبد أن يجمع بين حرة وأمتين. وحينئذ فلا إشكال في ثبوت الخيار للمعتقة ، وليس هو مما نحن فيه. نعم إذا أعتق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ١.


دفعة ففي كون الزوج مخيراً وبعد اختياره يكون التخيير للباقيات ، أو التخيير من الأول للزوجات ، فان اخترن البقاء فله التخيير ، أو يبطل نكاح الجميع [١] ، وجوه.

فصل في العقد وأحكام‌

( مسألة ١ ) : يشترط في النكاح الصيغة ، بمعنى : الإيجاب والقبول اللفظيين [٢]. فلا يكفي التراضي الباطني ، ولا الإيجاب والقبول الفعليين. وأن يكون الإيجاب بلفظ النكاح أو التزويج على الأحوط. فلا يكفي بلفظ المتعة في‌

______________________________________________________

اثنان منهما كان قد جمع بين حرتين وأمة. ولا يجوز للعبد ذلك ، فحينئذ يجي‌ء الإشكال السابق. وكذا لو كانت أربع إماء فأعتقت واحدة ، فإنه لا يجوز للعبد أن يجمع بين ثلاث إماء وحرة ، فيجري فيه ما سبق.

[١] قد عرفت أنه مقتضى القاعدة ، وأن الإلحاق بصورة ما إذا أسلم الكافر عن أكثر من أربع غير ظاهر. ولو بني عليه لم يكن وجه لتقديم اختيار الزوج على اختيار الأمة ، أو تقديم اختيارها على اختياره ، فان كون اختياره موضوعاً لاختيارها وكذا العكس مما لم يشهد به شاهد. والمتعين أن يكون لكل منهما الاختيار ، كما لو أعتقت في أثناء العدة الرجعية.

فصل في العقد وأحكامه‌

[٢] قال في الحدائق : « أجمع العلماء من الخاصة والعامة على توقف النكاح على الإيجاب والقبول اللفظيين ». وفي كلام شيخنا الأعظم (ره) :


النكاح الدائم [١] ، وإن كان لا يبعد كفايته مع الإتيان بما يدل على إرادة الدوام. ويشترط العربية مع التمكن منها [٢] ،

______________________________________________________

« أجمع علماء الإسلام ـ كما صرح به غير واحد ـ على اعتبار أصل الصيغة في عقد النكاح ، لا يباح بالإباحة ، ولا المعاطاة ». ونحوهما كلام غيرهما. ولأجل هذا الإجماع افترق النكاح عن غيره من مضامين العقود ، فإنها يجوز إنشاؤها بالفعل ، بخلافه. وأما الفارق بينه وبين السفاح فلا يرتبط بذلك ، إذ السفاح الوطء لا بعنوان الزوجية ، وفي النكاح الوطء بعنوان الزوجية ، وإن لم يكن إنشاؤها باللفظ ، كما في نكاح بعض أهل الشرائع الباطلة ، فإنه نكاح وليس بسفاح ، وإن كان بغير لفظ. فلاحظ.

[١] كما عن التذكرة والمختلف. وفي كشف اللثام : نسبته إلى الأكثر وعن ظاهر السيد في الطبريات : الإجماع عليه. وفي المسالك الاستدلال له بأصالة عدم ترتب الأثر عليه ، للشك في جوازه ، لأنه حقيقة في المنقطع ، مجاز في الدائم ، والعقود اللازمة لا تقع بالمجاز. وفي كلتا المقدمتين منع. وأصالة عدم ترتب الأثر لا مجال لها في قبال عمومات النفوذ والصحة. ولذا اختار في الشرائع ، والمختصر النافع ، والقواعد ، والإرشاد : الجواز. ويشهد له ما ورد من انقلاب المنقطع دائماً إذا لم يذكر فيه الأجل نسياناً‌ (١).

[٢] قال في التذكرة : « فلو تلفظ بأحد اللفظين بالفارسية أو غيرها من اللغات غير العربية مع تمكنه ومعرفته بالعربية لم ينعقد عند علمائنا. وهو قول الشافعي وأحمد ». ونحوه عن المبسوط. وعلل في التذكرة : بأن غير العربي بالنسبة إليه كالكناية ، فلا يعتبر به. وفي الجواهر : بأنه مقتضى الأصل ، الذي لا يعارضه الإطلاق ، لانصرافه الى المتعارف ، وفي كشف اللثام : بأنه مقتضى الأصل ، والاحتياط في الفروج. والمناقشة في ذلك كله‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المتعة.


ولو بالتوكيل على الأحوط [١]. نعم مع عدم التمكن منها ولو بالتوكيل على الأحوط يكفي غيرها من الألسنة إذا اتى بترجمة اللفظين من النكاح والتزويج. والأحوط اعتبار الماضوية [٢].

______________________________________________________

ظاهرة ، إذ كونه كالكناية ممنوع ، كعدم الصحة في الكناية إذا كانت الدلالة ظاهرة. والأصل والاحتياط لا مجال لهما مع الإطلاق. والانصراف إلى العربية ـ لأنه المتعارف ـ بدوي ، لا يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق. مع أن كون المتعارف مطلقاً العربية ممنوع ، بل المتعارف عند أهل كل لغة ما هو بلغتهم ، فلو بني على تقييد المطلق بالمتعارف كان اللازم اعتبار كل لغة عند أهلها ، فلا يصح بالعربية لغير العربي ـ فالبناء على جواز غير العربي ـ كما عن ابن حمزة ـ غير بعيد ، بل هو المتعين.

[١] يظهر من التذكرة الاتفاق منا على الجواز مع عدم القدرة على العربية ، وعدم إمكان التعلم ، وإن تمكن من التوكيل. وكأنهم استفادوا ذلك مما ورد في طلاق الأخرس من الاجتزاء فيه بالفعل الدال على إنشاء الفراق‌ (١). لكن استفادة حكم المقام من ذلك المقام غير ظاهرة. فلو بني على لزوم الاحتياط في الباب كان اللازم عدم الاكتفاء بالترجمة حتى مع عدم إمكان التوكيل. اللهم إلا أن يكون الإجماع هو المستند.

[٢] كما هو المشهور بين علمائنا خصوص المتأخرين منهم. كذا في المسالك. واستدل له بأن الماضي دال على صريح الإنشاء المطلوب في العقود ، بخلاف صيغة المضارع والأمر ، فإنهما ليسا موضوعين للإنشاء. ولاحتمال الأول الوعد. وللزوم الاقتصار على المتيقن ، وغير الماضي مشكوك. ولأن تجويز غيره يؤدي الى انتشار الصيغة وعدم وقوفها على قاعدة. والجميع كما ترى. فإن الأول ممنوع. والماضي يكون خبراً تارة ، وإنشاء أخرى ،

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٩ من أبواب مقدمات الطلاق.


وإن كان الأقوى عدمه [١] ، فيكفي المستقبل ، والجملة الخبرية [٢] ، كأن يقول : « أزوجك » أو « أنا مزوجك فلانة ». كما أن الأحوط تقديم الإيجاب على القبول [٣] ،

______________________________________________________

كالمضارع ، بل لا فرق بين الفعلين إلا في الحكاية عن زمان التلبس. واحتمال الوعد لا أثر له مع القرينة على إرادة الإنشاء. والاقتصار على المتيقن غير لازم مع وجود الدليل في المشكوك ، وكفى بالإطلاق دليلاً. مضافاً الى النصوص الواردة في بيان عقد الانقطاع‌ (١) ، المتضمنة جواز إنشائه بمثل : « أتزوجك متعة على كتاب الله تعالى » ، ولا فرق بين الانقطاع والدوام.

[١] كما نسب الى ابن أبي عقيل ، والمحقق ، وجماعة.

[٢] فإنها كالجملة الفعلية صالحة للخبر والإنشاء ، وقد أجمع على جواز العتق بمثل : « أنت حر » ، وفي « أعتقتك » إشكال كما أجمعوا على صحة الطلاق بمثل : « أنت طالق ». فما الذي دعى إلى الإشكال فيها هنا؟!.

[٣] كما نسب إلى الأكثر ، والأشهر في مطلق العقود. ويقتضيه مفهوم القبول العقدي ، فإن مفهوم القبول في نفسه وإن كان يتعلق بالأمر الاستقبالي كما يتعلق بالأمر الماضي ، نظير الرضا والحب والبغض ونحوها ، بل لا يعتبر فيه وقوع الإيجاب لا في الماضي ولا في المستقبل ، لتعلقه بالوجود اللحاظي ، إلا أن القبول العقدي ـ أعني : ما يقابل الإيجاب ـ مختص بما يتعلق بالإيجاب الماضي ، فيكون معنى القبول المقابل للإيجاب هو الرضا بما جعل وأنشى‌ء. أما الرضا بما يجعل وينشأ فلا يكون قبولا بالمعنى المقابل للإيجاب ، فلو تقدم القبول لم يكن قبولاً بذلك المعنى. وأما ما ورد في الروايات الواردة في بيان كيفية المتعة المتضمنة : أنه يقول لها : « أتزوجك متعة على كتاب الله تعالى وسنة نبيه (ص) ، فاذا

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٨ من أبواب المتعة.


وإن كان الأقوى جواز العكس أيضاً. وكذا الأحوط أن يكون الإيجاب من جانب الزوجة والقبول من جانب الزوج [١] ،

______________________________________________________

قالت : نعم فقد رضيت وهي امرأتك » (١) ‌، فليس من باب تقديم القبول ، بل من باب الإيجاب ممن وظيفته القبول ، كما سيشير إليه في المتن ، فلا مجال للاستدلال به على ما نحن فيه. ومثله الإيجاب في البيع من المشترى بأن يقول : « اشتريت فرسك بدينار » مثلا ، فيقول البائع : « بعت » أو « قبلت » ، فإنه ليس من تقديم القبول على الإيجاب. ومن ذلك تعرف الاشكال فيما ذكره في الشرائع بقوله : « ولا يشترط تقديم الإيجاب ، بل لو قال : « تزوجت » فقال الولي : « زوجتك » صح ». لكن في المسالك : « وربما قيل بعدم صحته مقدماً ، لأن حقيقة القبول الرضا بالإيجاب ، فمتى وجد قبله لم يكن قبولا ، لعدم معناه. وفيه منع كون المراد من القبول قبول الإيجاب ، بل قبول النكاح ، وهو متحقق على التقديرين. ولأنا نقول بموجبة ، فان القبول حقيقة ما وقع بلفظ : « قبلت » ، ولا إشكال في عدم جواز تقديمه بهذا اللفظ ، وإنما الكلام فيما وقع بلفظ : « تزوجت » أو « نكحت » فهو في معنى الإيجاب ، وتسميته قبولا مجرد اصطلاح ». وعلى هذا يكون النزاع لفظياً ، ويكون مرجع القول بالجواز الى القول بجواز الإيجاب ممن وظيفته القبول ، لا جواز تقديم القبول على الإيجاب. وهو كما ترى لا يلتئم مع ما في المتن ، فان جواز الإيجاب من الزوج سيتعرض له بعد ذلك ، بل ولا يلتئم مع كلمات جماعة ممن قال بجواز تقديم القبول وأدلتهم عليه. فلاحظ.

[١] لا يخفى أن الزوجية المجعولة في عقد النكاح مقابل الفردية ، فكأن كل واحد من الرجل والمرأة فرد ، فاذا تزوج أحدهما بالآخر صار زوجاً‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المتعة حديث : ١.


وان كان الأقوى جواز العكس. وأن يكون القبول بلفظ : « قبلت » [١]. ولا يبعد كفاية « رضيت ». ولا يشترط ذكر المتعلقات ، فيجوز الاقتصار على لفظ : « قبلت » من‌

______________________________________________________

بضم الآخر اليه. وهذا الضم كما يمكن لحاظه في الزوجة بأن تنضم الى الرجل ، يمكن لحاظه في الرجل بأن يضم إلى الزوجة. لكن شرافة الذكر تقتضي الأول ، لأن الضم فيه تابعية ومتبوعية ، والرجل أولى بالمتبوعية ، كما أن الأنثى أولى بالتابعية ، فلذلك تعارف إيجاب المرأة بقولها للرجل : « زوجتك نفسي » ، ولم يتعارف إيجاب الرجل بقوله للمرأة : « زوجتك نفسي ». فإذا وقع الإيجاب من الرجل ، فتارة : يكون المعنى الذي يوجبه أن تنضم اليه المرأة ، فيقول : « تزوجتك » ، فتقول هي : « قبلت » ونحوه. وأخرى : يكون المعنى الذي يوجبه معنى آخر غيره ، مثل أن يقول الرجل للمرأة : « زوجتك نفسي ». أما الأول : فلا ينبغي الإشكال في صحته ، كما يقتضيه إطلاق الأدلة ، وما ورد في بيان كيفية المتعة. والاقتصار فيه على مورده ينافيه ما في بعض تلك النصوص ، من أنه إذا لم يذكر الأجل انقلب دائماً. فتأمل. وأما الثاني : فلا يخلو من إشكال. ومجرد كون المرأة زوجة في الكتاب والسنة والعرف لا يصحح الاستعمال المذكور ، لإمكان أن يكون الزوجية فيها تبعية لا أصلية ، نظير عوضية المبيع للثمن. نعم في مادة النكاح يجوز الإيجاب بـ « أنكحتك نفسي » من كل من الرجل والمرأة ، لورود كل من الأمرين في الاستعمال الصحيح ، قال الله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) (١) ، وقال تعالى ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٢).

[١] للاقتصار عليه في كلام جماعة. وكأنه للانصراف الى المتعارف.

__________________

(١) النساء : ٢٢.

(٢) البقرة : ٢٣٠.


دون أن يقول : « قبلت النكاح لنفسي أو لموكلي بالمهر المعلوم » [١] والأقوى كفاية الإتيان بلفظ الأمر [٢] كأن يقول : « زوجتي‌

______________________________________________________

لكن التعارف لا يوجب تقييد المطلق الدال على الاجتزاء بكل ما دل على القبول مثل : « رضيت » و « تزوجتك » ونحوهما.

[١] بلا خلاف عندنا ولا إشكال. وعن بعض الشافعية : المنع من ذلك ، لاحتمال إرادة غير قبول الإيجاب. وهو كما ترى.

[٢] كما عن الشيخ ، وابني حمزة وزهرة. وفي الشرائع : أنه حسن. لخبر سهل الساعدي ، المروي عند الخاصة والعامة. وفي المسالك : أنه المشهور بين العامة والخاصة ، ورواه كل منهما في الصحيح. وهو‌ « أن امرأة أتت رسول الله (ص) فقالت يا رسول الله وهبت نفسي لك ، وقامت قياماً طويلاً. فقام رجل وقال يا رسول الله : زوجنيها إن لم يكن لك فيها حاجة. فقال رسول الله (ص) : هل عندك من شي‌ء تصدقها إياه؟ فقال ما عندي إلا إزاري هذا. فقال رسول الله (ص) : إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك ، اجلس التمس ولو خاتماً من حديد ، فلم يجد شيئاً. فقال رسول الله (ص) : هل معك من القرآن شي‌ء؟ قال : نعم ، سورة كذا وسورة كذا ، السور سماها. فقال رسول الله (ص) : زوجتك بما معك من القرآن ». ولم أعرف من روى عن سهل هذه الرواية من أصحابنا غير ابن أبي جمهور الأحسائي في غوالي اللئالي (١) ، على ما حكي. نعم‌ في صحيح محمد بن مسلم المروي في الكافي والتهذيب عن أبي جعفر (ع) : « قال : جاءت امرأة إلى النبي (ص) فقالت : زوجني فقال رسول الله (ص) : من لهذه؟ فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله زوجنيها. فقال : ما تعطيها؟ فقال : ما لي شي‌ء قال (ص) : لا. فأعادت ،

__________________

(١) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.


______________________________________________________

فأعاد رسول الله (ص) الكلام ، فلم يقم أحد غير الرجل ، ثمَّ أعادت ، فقال رسول الله (ص) في المرة الثالثة : أتحسن من القرآن شيئاً؟ قال : نعم. قال : قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن. فعلمها إياه » (١). وليس في شي‌ء من طرق الحديث أن الرجل أعاد القبول فيكون أمره قبولا مقدماً على الإيجاب ، كما ذكره الجماعة.

وعن جماعة آخرين ـ منهم ابن إدريس والعلامة في المختلف ـ : عدم الاجتزاء بذلك. وعن الشهيد في شرح الإرشاد : تنزيل الرواية على أن الواقع من النبي (ص) قام مقام الإيجاب والقبول ، لثبوت الولاية المستفادة من قوله تعالى ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (٢) ، فيكون ذلك من خواصه. وتنظر فيه في المسالك : بأن الولي على الطرفين يعتبر وقوع الإيجاب والقبول منه ، وأن ذلك موضع وفاق ، ولا يكتفي أحد من الفقهاء بلفظ واحد عنهما منه ، ولا ضرورة إلى جعل ذلك من خصوصيات النبي (ص) مع وجود القبول اللفظي وقول جماعة من العلماء به. انتهى. ويريد بالقبول اللفظي الأمر بالتزويج. وفيه : أن دعوى الوفاق على ذلك غير ظاهرة بعد بناء الشهيد على تنزيل الرواية على ما ذكر ، وقد تقدم في تزويج المولى عبده القول من جماعة بأنه يكفي إيجاب المولى فقط ولا يعتبر قبول العبد ، وأن ذلك هو الذي يقتضيه التحقيق ، وكان الأولى للشهيد تنزيل الرواية على ما تقدم في ذلك المبحث ، من أن الوكيل عن الطرفين يجزي إيجابه عن القبول ، فان الرجل لما طلب تزويجه من النبي فقد جعله وكيلا عنه أو مأذوناً منه في تزويجه ، فلا حاجة الى قبوله حتى لو كان المأذون غير النبي (ص) ، وليس ذلك مبنياً على ولايته (ص)

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب المهر حديث : ١ وملحقة.

(٢) الأحزاب : ٦.


______________________________________________________

المستفادة من الآية الشريفة. وحينئذ يطرد الحكم المذكور في غير النبي (ص) من سائر الناس ، ولا يكون من خواصه (ص).

ولعل ذلك مراد المصنف (ره) ، لا كون الأمر قبولاً ، كما ذكره الجماعة ، فإنه غير معقول لأن الأمر بالتزويج إنشاء لإيقاعه من المخاطب المأمور ، لا إنشاء لنفسه ، كما في « لأتزوج » الذي هو إنشاء لزوجية نفسه. وحمل الأمر على غير معناه وهو إنشاء القبول ، خلاف المقطوع به. ومن ذلك يظهر أنه لو فرض عدم دلالة الرواية على عدم القبول من الرجل بعد إيجاب النبي (ص) ، لأن الراوي ليس في مقام حكاية جميع ما وقع من أجزاء العقد ، ولا في مقام الحكاية لجميع ما وقع في ذلك المجلس ، بل في مقام الحكاية لما جرى من المرأة مع النبي (ص) ، لزم البناء عليه ، عملاً بالقاعدة ، لا بالرواية. ولعله مراد جماعة ممن قال بهذا القول ، لا ما يقتضيه ظاهر كلامهم من كون الأمر قبولا. نعم لا يتأتى هذا الحمل في كلام الشرائع ، لتصريحه بكون الأمر قبولا إذا كان بقصد إنشاء القبول. وكذا كلام القواعد ، وغيرهما. فيكون الحكم على خلاف القاعدة من وجهين : تقدم القبول على الإيجاب ، وإنشاء القبول بلفظ الأمر ، الذي هو من قبيل الإنشاء بالألفاظ المستنكرة عرفاً. لكن عرفت أن إثبات ذلك بالرواية غير ممكن ، لأن حمل الأمر فيها على إنشاء القبول خلاف المقطوع به. فلاحظ.

وبالجملة : مراد الجماعة إن كان هو أن الأمر يغني عن القبول ، فيترتب الأثر على الإيجاب فقط ، فذاك مقتضى القاعدة ، ولا يحتاج في إثباته إلى الرواية. وإن كان هو أن الأمر قبول تعبداً ، فذلك مما لا دليل عليه ، والرواية لا تثبته. وإن كان هو أن الأمر قبول إذا كان صادراً بعنوان إنشاء القبول ـ كما يظهر من عبارة الشرائع ـ فالرواية لا تدل عليه‌


فلانة » ، فقال : « زوجتكها » ، وإن كان الأحوط خلافه.

( مسألة ٢ ) : الأخرس يكفيه الإيجاب والقبول بالإشارة مع قصد الإنشاء وإن تمكن من التوكيل على الأقوى [١]

( مسألة ٣ ) : لا يكفي في الإيجاب والقبول الكتابة [٢].

( مسألة ٤ ) : لا يجب التطابق بين الإيجاب والقبول في ألفاظ المتعلقات [٣] ، فلو قال : « أنكحتك فلانة ».

______________________________________________________

قطعاً ، والبناء عليه يتوقف على صحة إنشاء القبول بالألفاظ المستنكرة ، مثل أن يقول لولي المرأة : « أذنت لك في تزويجي » بقصد إنشاء القبول.

[١] في جامع المقاصد : « كأنه لا خلاف في ذلك » وفي كشف اللثام : « وهو مما قطع به الأصحاب ». واستدل له بفحوى ما ورد في الطلاق ، كصحيح البزنطي عن الرضا (ع) : « في الأخرس الذي لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال (ع) : بالذي يعرف به من أفعاله » ‌(١) ، وما ورد في قرائته وتلبيته وتشهده‌ (٢). والعمدة فيه إطلاق نفوذ العقود والإجماع على اعتبار اللفظ غير منعقد في المقام.

[٢] كما في القواعد وغيرها. وفي جامع المقاصد : « لا ريب عندنا في أن الكتابة لا تكفي في إيقاع عقد النكاح للمختار ». ويقتضيه ما تقدم من الإجماع على اعتبار اللفظ. ويشكل ما في جامع المقاصد من تعليله بأن الكتابة كناية ، ولا يقع النكاح بالكنايات. انتهى ، فإن الكتابة ليست من الكناية في شي‌ء ، ولا مانع من الكناية إذا كانت واضحة الدلالة.

[٣] كما نص على ذلك في الشرائع. وفي الجواهر : أنه لا خلاف فيه ولا إشكال ، لإطلاق الأدلة.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٩ من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ٥٩ من أبواب القراءة في الصلاة.


فقال : « قبلت التزويج » ، أو بالعكس كفى. وكذا لو قال : « على المهر المعلوم » فقال الآخر : « على الصداق المعلوم ». وهكذا في سائر المتعلقات.

( مسألة ٥ ) : يكفي ـ على الأقوى ـ في الإيجاب لفظ « نعم » [١] بعد الاستفهام ، كما إذا قال : « زوجتني فلانة بكذا؟ » فقال : « نعم » [٢] فقال الأول : « قبلت ». لكن الأحوط عدم الاكتفاء [٣].

______________________________________________________

[١] كما عن الشيخ وابن حمزة. وتبعهما في النافع والإرشاد. وتردد فيه في الشرائع. واستشكل فيه في القواعد.

[٢] بقصد إعادة اللفظ للإنشاء ، لا بقصد جواب الاستفهام. وقد يشير اليه ما‌ في رواية أبان بن تغلب قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه. لا وارثة ولا موروثة ، كذا وكذا يوما‌ .. الى أن قال (ع) : فاذا قالت : نعم ، فقد رضيت وهي امرأتك .. » (١).

[٣] لأن الظاهر أنه من قبيل الإيقاع بالمجازات المستنكرة عرفاً ، لأن الحذف والتقدير اعتماداً على السؤال إنما يكون في الجواب الخبري ، لا فيما لو قصد الإنشاء ، فإنه يكون ابتداء كلام. ولذا قد يشكل الأمر وإن صرح بالجملة ، بأن قال : « نعم زوجت ابنتي من فلان » قاصداً الإنشاء بها ، لأن كلمة « نعم » تقتضي الاخبار ، والجمع بينها وبين الجملة بقصد الإنشاء يقتضي التنافي بين الكلامين ، كما لو قال : « أخبرك أني قد زوجتك ابنتي » قاصداً الإنشاء بالجملة ، كما أشار الى ذلك في الرياض. ولا وجه لاستغرابه ، كما في الجواهر. وبالجملة : إذا كان الإنشاء بنحو مستنكر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٨ من أبواب المتعة حديث : ١.


( مسألة ٦ ) : إذا لحن في الصيغة ، فان كان مغيراً للمعنى لم يكف [١]. وإن لم يكن مغيراً فلا بأس به إذا كان في المتعلقات. وإن كان في نفس اللفظين ـ كأن يقول : « جوزتك » بدل « زوجتك » ـ فالأحوط عدم الاكتفاء به [٢]. وكذا اللحن في الاعراب.

( مسألة ٧ ) : يشترط قصد الإنشاء في إجراء الصيغة [٣].

( مسألة ٨ ) : لا يشترط في المجرى للصيغة أن يكون عارفاً بمعنى الصيغة تفصيلاً [٤] ، بأن يكون مميزاً للفعل والفاعل والمفعول ، بل يكفي علمه إجمالاً بأن معنى هذه الصيغة إنشاء النكاح والتزويج. لكن الأحوط العلم التفصيلي.

( مسألة ٩ ) : يشترط الموالاة بين الإيجاب والقبول [٥].

______________________________________________________

عرفاً لا يصح ، لأن إطلاق الصحة منزل على العرف ، والمستنكر عرفاً غير ثابت عندهم ، فلم يثبت شمول الإطلاق له. وأما رواية أبان ونحوها : فليست مما نحن فيه ، لأن « نعم » فيها واقعة موقع القبول ، لا موقع الجواب عن الاستفهام. فلاحظ.

[١] لأنه من المستنكر عرفاً.

[٢] لكن الظاهر أنه ليس من المستنكر عرفاً ، فيشمله إطلاق النفوذ.

[٣] لاشتراط ذلك في الإيقاع ضرورة.

[٤] لإطلاق الأدلة ، ولا سيما وأن أكثر غير العرب لا يعرف ذلك لو كان إجراء الصيغة بالنحو العربي المعلوم صحته.

[٥] لاعتبارها في ارتباط القبول بالإيجاب ، لاعتبار الهيئة الاتصالية في العقد.


وتكفي العرفية منها ، فلا يضر الفصل في الجملة ، بحيث يصدق معه أن هذا قبول لذلك الإيجاب [١] ، كما لا يضر الفصل بمتعلقات العقد من القيود والشروط وغيرها وإن كثرت.

( مسألة ١٠ ) : ذكر بعضهم [٢] : أنه يشترط اتحاد مجلس الإيجاب والقبول ، فلو كان القابل غائبا عن المجلس ، فقال الموجب : « زوجت فلاناً فلانة » وبعد بلوغ الخبر اليه قال : « قبلت » لم يصح. وفيه : أنه لا دليل على اعتباره [٣]

______________________________________________________

[١] فلو أوجب الموجب ، فلم يبادر صاحبه الى القبول ، فوعظه ونصحه حتى اقتنع ، فقال : « قبلت » ، صح عقداً. لكن الموالاة في المقام غير حاصلة ، لا حقيقة ولا عرفاً. فالهيئة الاتصالية المعتبرة في صدق العقد لا يعتبر فيها الموالاة الحقيقة ، ولا العرفية. نعم يعتبر فيها أن يكون الموجب منتظراً للقبول ، فاذا وقع القبول في ذلك الحال كان عقداً. وكأن المراد ذلك. ولذا قال في القواعد : « وكذا ( يعني : لم ينعقد ) لو أخر القبول مع الحضور ، بحيث لا يعد مطابقاً للإيجاب ». فالمدار على صدق المطابقة ، وهي تحصل بما ذكر ولو مع الفصل الطويل.

[٢] المراد به : العلامة في القواعد‌

[٣] وفي الجواهر : « لا دليل على اعتبار اتحاد المجلس فيه ، وفي غيره من العقود ». وفي جامع المقاصد في شرح ما ذكره العلامة قال : « لأن العقود اللازمة لا بد فيها من وقوع القبول على الفور عادة ، بحيث يعد جوابا للإيجاب ». فجعل الوجه في اعتبار اتحاد المجلس اعتبار الموالاة ، الراجع الى اعتبار صدق العقد. ومن المعلوم أن صدق العقد لا يتوقف على الفورية ، ولا على اتحاد المجلس ، بل يكون حاصلاً بما ذكرنا ، فإنه‌


من حيث هو. وعدم الصحة في الفرض المذكور إنما هو من جهة الفصل الطويل ، أو عدم صدق المعاقدة والمعاهدة ، لعدم التخاطب ، وإلا فلو فرض صدق المعاقدة وعدم الفصل مع تعدد المجلس صح ، كما إذا خاطبه وهو في مكان آخر لكنه يسمع صوته ويقول : « قبلت » بلا فصل مضر ، فإنه يصدق عليه المعاقدة.

( مسألة ١١ ) : ويشترط فيه التنجيز [١] كما في سائر العقود ، فلو علقه على شرط أو مجي‌ء زمان بطل. نعم لو علقه على أمر محقق معلوم ـ كأن يقول : « إن كان هذا يوم‌

______________________________________________________

ما دام الموجب منتظراً للقبول ، فاذا حصل صدق العقد ، ولو مع الفصل الطويل ، كما عرفت.

[١] العمدة في اعتباره الإجماع المدعي في كلام الجماعة. وأما دعوى : أن الإنشاء إيجاد للمنشإ ، وكما أن الإيجاد الحقيقي لا يقبل الإناطة والتعليق ، كذلك الإنشاء ، لأنه إيجاد ادعائي. فمندفعة بالفرق بينهما ، الناشئ من الفرق بين الحقيقة والادعاء ، لأن باب الادعاء واسع. وتحقيقه : أن الإنشاء راجع الى قصد تحقيق الأمر الادعائي ، ومن المعلوم أن القصد كما يتعلق بالموضوعات اللحاظية ، يمكن أن يناط أيضا بالأمور اللحاظية ، فيكون موجوداً في ظرف لحاظ الشرط ، ومفقوداً في ظرف عدمه ، فاذا فرض الإنسان وجود المرض قصد شرب الدواء ، وإذا فرض عدمه لم يقصد ذلك ، فيكون القصد دائراً مدار لحاظ الشرط وعدمه. مع إمكان دعوى أن التعليق ليس للإنشاء ، بل للمنشإ ، لأن الإنشاء ليس ملحوظاً ، فلا يكون موضوعاً لإضافة الإناطة بالشرط ، بخلاف المنشأ ،


______________________________________________________

فإنه الملحوظ وانه المجعول طرفاً لإضافة لإناطة بالشرط. وحينئذ لا مجال للإشكال المذكور. ودعوى : أنه إذا كان التعليق للمنشإ في الإنشاء ، يكون أيضا التعليق للمخبر به في الاخبار ، فيكون الخبر مطلقاً والمخبر به معلقاً. ولازم ذلك الكذب في مثل قوله تعالى ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا ) (١) ، لتحقق الخبر بلا مخبر به. مندفعة : بأن المخبر به الفساد على تقدير تعدد الآلهة ، لا الفساد مطلقاً ، فانتفاء الفساد في الجملة لا يستلزم الكذب ، وانما الذي يستلزمه انتفاء الفساد على تقدير تعدد الالهة ، لكنه غير منتف. ولا مجال لقياس المقام على بقية قيود المخبر به ، كما إذا قال : « يجي‌ء زيد يوم الجمعة » ، فإنه يكون كذباً إذا لم يجي‌ء زيد في يوم الجمعة ، أو جاء لكن في غير الجمعة ، فإن القيود المأخوذة في المخبر به يقتضي الخبر حصولها ، وفي قيد الشرط لا يكون الأمر كذلك ، فان صدق الخبر لا يقتضي حصوله ، بل يقتضي حصول الجزاء على تقدير حصوله. فصدق الشرطية في الآية الشريفة يقتضي تحقق الفساد على تقدير تحقق الشرط ، لا تحقق الفساد والشرط معاً ، كما في سائر القيود. ومن ذلك تعرف أن التحقيق أن التعليق في القضايا الشرطية التي يكون جزاؤها خبراً تارة ، وإنشاء أخرى ، إنما هو للمخبر به ، وللمنشإ ، لا لنفس الاخبار به أو إنشائه.

فإن قلت : إذا كان التعليق للمنشإ لا للإنشاء يلزم التفكيك بين المنشأ والإنشاء إذا كان المعلق عليه استقبالياً ، لحصول الإنشاء بالفعل ، وعدم حصول المنشأ ، وإلا كان خلفاً. والتفكيك بين الإنشاء والمنشأ كالتفكيك بين الإيجاد والوجود ممتنع ، لأن الإنشاء عين المنشأ ، كما أن الوجود عين الإيجاد ، والاختلاف إنما هو بالإضافة لا غير ، ويمتنع التفكيك بين‌

__________________

(١) الأنبياء : ٢٢.


الجمعة زوجتك فلانة » مع علمه بأنه يوم الجمعة ـ صح [١] وأما مع عدم علمه فمشكل [٢].

( مسألة ١٢ ) : إذا أوقعا العقد على وجه يخالف الاحتياط اللازم مراعاته فإن أراد البقاء فاللازم الإعادة على الوجه الصحيح [٣] ، وإن أراد الفراق فالأحوط الطلاق.

______________________________________________________

الشي‌ء ونفسه.

قلت : المنشأ حاصل حين الإنشاء ، لكنه معلق لا مطلق ، فإذا أنشأ البيع معلقاً على قدوم الحاج فقد حصل البيع المعلق على قدوم الحاج حال الإنشاء ، والذي لم يحصل هو البيع المطلق وهو غير المنشأ.

ولأجل ما ذكرنا لم يكن خلاف ولا إشكال في صحة الوصية التمليكية المعلقة على الموت ، وصحة التدبير ، وهو العتق المعلق على الموت ، وصحة النذر المعلق على أمر استقبالي. ودعوى أن صحة ذلك للدليل على خلاف القاعدة ، كما ترى ، خلاف المرتكزات العرفية.

ولأجل ذلك كان اللازم البناء في وجه المنع عن التعليق في العقود والإيقاعات هو الإجماع الذي يقتصر فيه على المتيقن.

[١] لعدم دخوله في معقد الإجماع ، بل المنسوب الى الفاضلين ، والشهيدين والمحقق الثاني ، وغيرهم : هو القول بالصحة.

[٢] لاحتمال عدم انعقاد الإجماع على البطلان فيه. لكن ظاهر شيخنا الأعظم في مكاسبه وصريح غيره ثبوت الإجماع على البطلان فيه. وإن كان مقتضى بعض الأدلة التي سيقت لإبطال التعليق عدم الشمول للمورد.

[٣] من المعلوم أن الزوجية موضوع أحكام لزومية ، مثل وجوب الإنفاق ، ووجوب الوطء في كل أربعة أشهر ، ونحو ذلك. وعدم الزوجية أيضا يكون موضوعاً لأحكام لزومية ، مثل حرمة الاستمتاع. فاذا ترددت‌


وإن كان يمكن التمسك بأصالة عدم التأثير في الزوجية [١]. وإن كان على وجه يخالف الاحتياط الاستحبابي ، فمع إرادة البقاء الأحوط الاستحبابي إعادته على الوجه المعلوم صحته ، ومع إرادة الفراق فاللازم الطلاق.

( مسألة ١٣ ) : يشترط في العاقد المجرى للصيغة الكمال بالبلوغ ، والعقل ، سواء كان عاقداً لنفسه ، أو لغيره ، وكالة أو ولاية ، أو فضولا. فلا اعتبار بعقد الصبي [٢] ، ولا المجنون ولو كان أدواريا حال جنونه ، وإن أجاز وليه أو‌

______________________________________________________

المرأة بين الزوجة وغيرها فقد تردد المكلف بين أحكام إلزامية ، قد يمكن التخلص منها بالاحتياط وقد لا يمكن. فإذا أراد ترتيب أحكام الزوجية لا يكون معذوراً في مخالفة الأحكام الإلزامية لعدم الزوجية ، وإذا أراد ترتيب أحكام غير الزوجية لا يكون معذوراً في مخالفة الأحكام الإلزامية للزوجية. فلا بد له في الصورة الأولى من تجديد العقد على الوجه المعلوم الصحة من باب الاحتياط ، ليأمن من المخالفة الاحتمالية غير المعذور فيها ، وفي الصورة الثانية لا بد له من الطلاق من باب الاحتياط ، ليأمن أيضا من المخالفة الاحتمالية غير المعذور فيها.

[١] صحة التمسك بالأصل المذكور ينافي كون المورد من موارد الاحتياط اللزومي.

[٢] استدل له تارة : بحديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم‌ (١) ، بناء على أن الظاهر منه رفع الحكم أعم من التكليفي والوضعي. وفيه : أن الظاهر منه رفع قلم السيئات ، ولا يرفع الإلزام المؤدي إليها ، فلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمات العبادات حديث : ١١.


______________________________________________________

يشمل ما نحن فيه. وأخرى : بالروايات المتضمنة منطوقاً أو مفهوماً عدم جواز أمر الصبي في البيع والشراء. كخبر حمزة بن حمران عن أبي جعفر (ع) في حديث أنه قال : « الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ، ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في الشراء والبيع. قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة ، أو يحتلم ، أو يشعر ، أو ينبت ، قبل ذلك » (١). وفيه :أن الظاهر من الجواز ما كان على نحو الاستقلال في مقابل الجواز الثابت حال البلوغ ، يظهر ذلك جداً بالتأمل في الرواية المتقدمة المشتملة على حكم الصبا والبلوغ معاً. وثالثة : بالروايات المتضمنة أن عمده بمنزلة الخطأ ، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « عمد الصبي وخطؤه واحد » (٢) ‌ونحوه غيره. وفيه : أن الظاهر منه تنزيل العمد منزلة الخطأ فيما كان للخطإ حكم خاص به. ليكون التنزيل بلحاظه ، فيختص بالجناية العمدية. ولا يشمل ما نحن فيه مما لم يكن الحكم فيه إلا للعمد ، ويكون حكم الخطأ انتفاء حكم العمد لانتفاء موضوعه. بل التعبير بالعمد والخطأ اللذين تعارف التعبير بهما عن الجناية العمدية والخطأية ، تبعاً للقرآن المجيد (٣) ، وما في بعض تلك النصوص من التعرض للعاقلة‌ (٤) كالصريح في الاختصاص بالجنايات العمدية ، فيكون أجنبياً عما نحن فيه.

وقد يستدل على جواز تصرفه بإذن الولي بأمور : الأول : قوله تعالى : ( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمات العبادات حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب العاقلة حديث : ٢.

(٣) النساء : ٩٢ ، ٩٣.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب العاقلة حديث : ٣.


______________________________________________________

فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ) (١) ، فإن الظاهر من ابتلائهم ابتلاؤهم بالمعاملة بالأموال ، لاختبار رشدهم. وحملها على الابتلاء بمقدمات العقد خلاف الظاهر. والمراد من قوله تعالى ( فَادْفَعُوا ) ادفعوا بقية أموالهم ، فلا ينافي دفع بعض أموالهم لأجل الابتلاء والاختبار.

الثاني : رواية السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « نهى رسول الله (ص) عن كسب الإماء ، فإنها إن لم تجد زنت ، إلا أمة قد عرفت بصنعة يد. ونهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده ، فإنه إن لم يجد سرق » (٢) ‌، فان التقييد والتعليل ظاهران في نفوذ كسبه في الجملة. وإذا حمل النهي على الكراهة فالدلالة أظهر ، وحمله على الكسب بنحو الالتقاط والاحتطاب ، أو العمل بأمر الغير ـ مع أنه خلاف الإطلاق ـ بعيد. و‌رواية إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي عبد الله (ع) : « قال تزوج رسول الله (ص) أم سلمة ، زوجها إياه عمر بن أبي سلمة ، وهو صغير لم يبلغ الحلم » (٣).

الثالث : السيرة التي ادعاها غير واحد من الأعلام على وقوع المعاملة مع الصبيان قبل البلوغ في بلاد الإسلام. وفي جميع الأعصار. وحملها على كونها صادرة من غير المبالين في الدين. كما ترى ، خلاف المقطوع به ، فان الظاهر استقرار سيرة العقلاء على المعاملة مع المميزين مع رشدهم كالبالغين. ولأجل عدم الردع عنها من الشارع المقدس جرى عليها المتشرعة. نعم تحقق الردع عن الاستقلال كما عرفت ، لا عن المعاملة كلية. فلاحظ.

فاذاً لا يبعد القول بجواز تصرف الصبي بإذن الولي ، كما عن جماعة ،

__________________

(١) النساء : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٣٣ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.


أجاز هو بعد بلوغه أو إفاقته ، على المشهور ، بل لا خلاف فيه. لكنه في الصبي الوكيل عن الغير محل تأمل ، لعدم الدليل على سلب عبارته إذا كان عارفا بالعربية ، وعلم قصده حقيقة وحديث رفع القلم منصرف عن مثل هذا. وكذا إذا كان لنفسه بإذن الولي ، أو إجازته ، أو أجاز هو بعد البلوغ. وكذا لا اعتبار بعقد السكران فلا يصح ولو مع الإجازة بعد الإفاقة [١]. وأما عقد السكرى إذا أجازت بعد الإفاقة ففيه قولان ، فالمشهور [٢] أنه كذلك.

______________________________________________________

منهم الأردبيلي ، وقبله الفخر في الإيضاح ، وقبله المحقق في عارية الشرائع. قال : « ولو أذن الولي جاز للصبي مع مراعاة المصلحة ». وفي كتاب الإجارة قال : « لو أجر المجنون لم تنعقد إجارته. وكذا الصبي غير المميز. وكذا المميز إلا بإذن وليه. وفيه تردد ». وظاهره الميل الى الجواز.

وإذا شك في حصول الاذن حمل تصرفه على الصحة. وإذا أخبر بها صدق خبره ، من باب إخبار ذي اليد ، أو عن النفس.

[١] كما هو المشهور. لانتفاء القصد المقوم للإيقاع والإنشاء ، فلا عقد حينئذ ، فلا زوجية ولا نكاح. كذا قيل. لكن الظاهر تحقق القصد من السكران ، بل والنائم ، بل والحيوان ، إذ القصد الإرادة ، والحيوان فصله المميز له عن مطلق الجماد كونه متحركاً بالإرادة. فالعمدة في عدم صحة عقد السكران والنائم ونحوهما وإيقاعهم : خروجه عن منصرف أدلة النفوذ والصحة ، لعدم الاعتداد به عند العرف ، فلا يكون سبباً عندهم ، ولا منشأ لاعتبار الأثر ، فلا يكون سبباً شرعاً ، لما عرفت من أن مقتضى الإطلاقات المقامية الرجوع الى العرف في تشخيص الأسباب.

[٢] ظاهر المتن : اختصاص الخلاف في عقد السكرى فقط ، للرواية‌


وذهب جماعة إلى الصحة [١] ، مستندين إلى صحيحة ابن بزيع [٢]. ولا بأس بالعمل بها ، وإن كان الأحوط خلافه ، لإمكان حملها على [٣] ما إذا لم يكن سكرها‌

______________________________________________________

الآتية وظاهر الشرائع : التردد في عقد السكران مطلقاً. وفي الجواهر : أنه محل الخلاف ، وأنه لا يختص الخلاف بعقد السكرى.

[١] قال الشيخ في النهاية : « وإذا عقدت المرأة على نفسها وهي سكرى كان العقد باطلاً. فإن أفاقت ورضيت بفعلها كان العقد ماضياً. فان دخل بها الرجل في حال السكر ثمَّ أفاقت الجارية فإن أقرته على ذلك كان ذلك ماضياً ». وتبعه ابن البراج. وحكي ذلك عن الصدوق في الفقيه والمقنع. وتبعهم على ذلك في شرح النافع ، والكفاية ، والحدائق ، والوسائل.

[٢] قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ ، فسكرت فزوجت نفسها رجلا في سكرها ، ثمَّ أفاقت فأنكرت ذلك ، ثمَّ ظنت أنه يلزمها ففزعت منه ، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج ، إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ، ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال (ع) : إذا أقامت بعد ما أفاقت فهو رضاً منها. قلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال (ع) : نعم » (١). ودلالة الرواية وافية. وحملها في المختلف على سكر لم يبلغ حد عدم التحصيل. وأورد عليه في المسالك : بأنه حينئذ يكون العقد صحيحاً بلا حاجة الى تقريرها ، فالجمع بين صحة عقدها واعتبار رضاها بعد ذلك غير مستقيم. بل اللازم إما طرح الرواية رأساً ، أو العمل بمضمونها. ولعل الأول أولى. انتهى. لكن الأولوية ممنوعة بعد صحة الرواية ، والعمل بها.

[٣] قد عرفت أن هذا الحمل ذكره في المختلف ، وهو الظاهر من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.


بحيث لا التفات لها الى ما تقول [١]. مع أن المشهور لم يعملوا بها ، وحملوها على محامل [٢] ، فلا يترك الاحتياط.

( مسألة ١٤ ) : لا بأس بعقد السفيه [٣] إذا كان وكيلا عن الغير في إجراء الصيغة ، أو أصيلا مع إجازة الولي. وكذا‌

______________________________________________________

قول السائل : « فزوجت نفسها ». ولا ينافيه قوله : « فأنكرت ذلك » ، لاحتمال أن يكون الإنكار بلحاظ كونه على خلاف مصلحتها ، لا بمعنى أنها لم تكن شاعرة بوقوعه منها. وحينئذ يكون الخروج بها عن القاعدة من جهة اعتبار الرضا بعد الإفاقة في ترتب الأثر على العقد الصحيح عرفاً. لا من جهة ترتب الأثر على ما ليس بصحيح عرفاً ، كما يظهر من الشيخ في النهاية ، وغيره.

[١] هذا هو المائز بين المقام وبين مثل عقد النائم والمجنون والسكران إذا كان الجنون والسكر غالباً على نحو يعد العقد منهما من قبيل الهذيان.

[٢] حملها في كشف اللثام على ما إذا كان الزوج جاهلاً بسكرها ، فإنه لا يسمع في حقه قول المرأة ، وتجري عليهما أحكام الزوجية ظاهراً ، وإن لم يكن لها زوجية واقعاً. وبعد ما علمت بالفساد فأحكام التزويج جائزة عليها ، أي : ماضية قهراً ، وإن وجب عليها الامتناع على التمكين منها ما أمكنها. فتكون الرواية واردة في مقام بيان الحكم في مقام الإثبات ، لا الثبوت. وهذا الحمل في غاية البعد ولم أقف على من حملها على غيره. والمتحصل مما ذكرنا : أن الرواية ظاهرة في السكر الذي لا ينافي الإيقاع ، ودالة على اعتبار الرضا بعد الإفاقة. ولا بأس بالعمل بها بعد صحتها ، وعمل الجماعة بها.

[٣] إجماعاً. ويقتضيه إطلاق الأدلة.


لا بأس بعقد المكره [١] على إجراء الصيغة للغير ، أو لنفسه إذا أجاز بعد ذلك.

( مسألة ١٥ ) : لا يشترط الذكورة في العاقد [٢] ، فيجوز للمرأة الوكالة عن الغير في إجراء الصيغة كما يجوز إجراؤها لنفسها.

( مسألة ١٦ ) : يشترط بقاء المتعاقدين على الأهلية إلى تمام العقد ، فلو أوجب ثمَّ جن أو أغمي عليه قبل مجي‌ء القبول لم يصح [٣]. وكذا لو أوجب ثمَّ نام ،

______________________________________________________

[١] إجماعاً. ويقتضيه إطلاق الأدلة. وحديث رفع الإكراه‌ (١) لا يقتضي البطلان في الصورة الأولى ، لعدم الامتنان على المكره في الرفع. وكذا في الصورة الثانية ، بل الرفع خلاف الامتنان.

[٢] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما. وفي الجواهر : « بلا خلاف ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ». وفي كشف اللثام : أنه كذلك عندنا ، خلافاً للشافعية. والوجه فيه : إطلاق الأدلة من دون مقيد. وفي نصوص كيفية عقد المتعة دلالة واضحة عليه.

[٣] قال في الشرائع : « إذا أوجب ثمَّ جن أو أعمى عليه بطل حكم الإيجاب ». وفي الجواهر قال في شرح ذلك : « بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف به بعضهم ». ومقتضى إطلاق كلامهم عدم الفرق بين استمرار ذلك الى حين القبول ، وبين ارتفاعه قبل القبول. ومثله ما لو كان القابل حال الإيجاب غير قابل للقبول. ومرجع ما ذكروه الى شرطين ، أحدهما : أن يكون كل من الموجب والقابل قابلا للإيقاع حال إيقاع الآخر. والثاني : أن يكون ذلك موجوداً فيما بين الإيجاب والقبول ، فلو أوجب ثمَّ نام ثمَّ‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس.


______________________________________________________

أفاق قبل قبول الآخر فقبل حال إفاقته لم يصح العقد.

واستدل عليه شيخنا الأعظم (ره) في مكاسبه بتوقف معنى المعاقدة والمعاهدة على ذلك. وفي الجواهر استدل عليه : بأن ظاهر أدلة شرطية القصد والرضا ونحوها في العقد اعتبار ذلك في تمام العقد المركب من الإيجاب والقبول ، لا اعتبار قصد الموجب في الإيجاب فقط ، وقصد القابل في القبول فقط ، فاذا ارتفعت القابلية بعد الإيجاب قبل القبول لم يحصل الشرط في تمام العقد. لكن في المسالك قال : « وجهه أن العقد اللازم قبل تمامه يكون بمنزلة الجائز ، يجوز لكل منهما فسخه ويبطل بما يبطل به الجائز ، ومن جملته الجنون ، والاغماء. ولا فرق بين النكاح والبيع وغيرهما من العقود اللازمة. ولا يضر عروض النوم ، كما لا يقدح ذلك في الوكالة. ولكن هل يصح الإتيان بالقبول من الآخر حالته؟ قيل : لا. وبه قطع في التذكرة ، لأن التخاطب بين المتعاقدين معتبر ، وهو منتف مع نوم صاحبه .. الى أن قال : ويحتمل الصحة هنا ، لأن الإيجاب توجيه الى هذا القابل قبل النوم. والأصل الصحة ». وظاهره المفروغية عن صحة العقد مع عروض النوم بعد الإيجاب ثمَّ الإفاقة حال القبول. واحتمل الصحة مع استمرار النوم الى حين القبول ، وإن كان يحتمل البطلان.

أقول : أما ما ذكره في الجواهر من الاستدلال ففيه : أن ظاهر أدلة اعتبار الرضا في العقد اعتباره ولو بعد العقد ، ولذا قلنا بصحة عقد الفضولي. وظاهر أدلة اعتبار القصد اعتبار قصد الموجب في الإيجاب فقط ، وقصد القابل في القبول فقط ، ولا تدل على اعتبار أكثر من ذلك. وأما ما ذكره في المسالك فالظاهر أنه تبع فيه ما في التذكرة ، فقد ذكر فيها أنه لو زال عقله بعد الإيجاب بنوم ثمَّ استيقظ لم يبطل حكم الإيجاب ، إن لم يحصل الفصل بطول الزمان ، لأنه لا يبطل العقود الجائزة ، فكذا هنا.


______________________________________________________

انتهى. ولكنه غير ظاهر من أصله ، إذ لا دليل على كون الإيجاب في العقد اللازم بمنزلة العقد الجائز ، يبطله ما يبطله.

وأما ما ذكره شيخنا الأعظم (ره) فتحقيقه أن فقدان الأهلية من كل منهما حال إنشاء الآخر تارة : يكون لوجود مانع من التخاطب من الجنون والاغماء ونحوهما. واخرى : لوجود ما يمنع من السلطنة على التصرف ، كالصبا ، والسفه ، والتفليس ، ونحوها. أما الأول : فالظاهر البطلان فيه ، لأن التخاطب بين المتعاقدين شرط في صدق المعاقدة والمعاهدة. ودعوى : أن النفوذ لا يختص بذلك ، بل التجارة والبيع والنكاح ونحوها أخذت موضوعاً للصحة ، وهي لا تتوقف على التخاطب. مدفوعة : بأن صيغها وإن لم يؤخذ فيها التخاطب لكنه مأخوذ في حاق معناها ، فإنها معاقدات ومعاهدات بين طرفين ، ولا تكون المعاهدة بين الاثنين إلا إذا كان أحدهما يوحي الى الأخر ويعاهده ، وإذا لم يكن أحدهما قابلاً للخطاب لا يكون قابلاً للعهد معه. نعم يظهر من التذكرة عدم اعتبار التخاطب بين الموجب والقابل ، قال في الفرع الثالث : « لو قال المتوسط : ( زوجت ابنتك من فلان ) ، فقال : ( زوجت ) ، ثمَّ أقبل على الزوج فقال : ( قبلت نكاحها ) ، فقال : ( قبلت ) ، فالأقرب صحة العقد. وهو أصح وجهي الشافعي. لوجود ركني العقد الإيجاب والقبول. والثاني : لا يصح ، لعدم التخاطب بين المتعاقدين ». والأظهر ما ذكرناه ، إذ لا أقل من الشك في اعتبار ذلك عرفاً في مفهوم العقد ، والأصل عدم ترتب الأثر.

وأما ما لا يمنع من صحة التخاطب ولكنه يمنع من صحة الإنشاء ونفوذه : فالظاهر عدم اعتباره إلا في حال الإنشاء ، فإذا كان القابل صبياً وبلغ بعد الإيجاب حال القبول صح. وكذا إذا كان محجوراً عليه للسفه أو التفليس أو غيرهما فارتفع الحجر عنه بعد الإيجاب حال القبول. وإذا‌


بل أو غفل عن العقد بالمرة. وكذا الحال في سائر العقود. والوجه عدم صدق المعاقدة والمعاهدة. مضافاً الى دعوى الإجماع [١] وانصراف الأدلة [٢].

( مسألة ١٧ ) : يشترط تعيين الزوج والزوجة [٣]

______________________________________________________

صار الموجب سفيهاً أو مفلساً بعد الإيجاب قبل القبول لم يضر ذلك في صحة العقد ، وإن بقي حال القبول. فضلا عما إذا زال قبل القبول. ولا مجال لمقايسة ذلك بما إذا رد الموجب الإيجاب قبل القبول ، فإن لغوية الإيجاب حينئذ لا تقتضي لغويته في الطوارئ المذكورة ، لأن الرد مانع من تحقق المعاهدة بينهما ، بخلاف طرو الحجر عليه. فإنه لا دخل له في المعاهدة بين الطرفين بوجه. مع أنه لو تمت المقايسة اختص الحكم بطرو الحجر بعد الإيجاب ، ولا تصلح لإثبات اعتبار وجدان القابل للقابلية حال الإيجاب. فلاحظ.

[١] قد عرفت خلاف المسالك في النوم ونحوه مما لا يبطل به العقد الجائز ، بل عرفت أن ظاهره المفروغية عن الصحة إذا أفاق حال القبول.

[٢] إذا تحقق الإطلاق وعدم اشتراط ذلك عرفاً فالانصراف بدوي لا يعتد به.

[٣] إجماعاً ، كما في التذكرة. واتفاقاً ، كما في كشف اللثام. وفي الجواهر : حكاه عن غيره أيضا. وفي الحدائق : نسبته إليهم. فإن كان المراد ما يقابل المردد : فوجهه ظاهر لأن المردد لا مطابق له في الخارج ولا مصداق ، فلا يكون موضوعاً للاحكام. وإن كان المراد ما يقابل الكلي أيضا : فوجهه غير ظاهر ، لجواز بيع الكلي وإجارته المعتبر فيهما العلم بالعوضين ، ففي المقام الذي لا يعتبر فيه ذلك أولى. وعلله في التذكرة وغيرها : بأن الاستمتاع يقتضي فاعلاً ومنفعلاً معينين لتعينه. انتهى. لكنه‌


على وجه يمتاز كل منهما عن غيره بالاسم ، أو الوصف الموجب له [١] ، أو الإشارة ، فلو قال : « زوجتك إحدى بناتي » بطل [٢]. وكذا لو قال : « زوجت بنتي أحد ابنيك » أو « أحد هذين ». وكذا لو عين كل منهما غير ما عينه الآخر [٣] بل وكذا لو عينا معيناً من غير معاهدة بينهما ، بل من باب الاتفاق صار ما قصده أحدهما عين ما قصده الآخر. وأما لو كان ذلك مع المعاهدة لكن لم يكن هناك دال على ذلك من لفظ أو فعل أو قرينة خارجية مفهمة فلا يبعد الصحة [٤] ،

______________________________________________________

لا يقتضي التعيين من أول الأمر ، ولذا تصح إجارة الكلي ، مع أن الانتفاع المقصود من الإجارة يتوقف على التعيين.

والمتعين أن يكون الوجه فيه : أن الزوجية من الإضافات التي لا تقوم بغير المتعينين ، نظير الأخوة والأبوة والبنوة ، فلا يصح اعتبارها بين غير المتعين ، كما لا يصح اعتبارها لغير الحي ، أو لغير الإنسان. والظاهر أن ذلك واضح بأقل مراجعة لمرتكزات العرف. وكيف كان فالإجماع المدعى كاف في إثبات المدعى.

[١] بأن كان الاسم أو الوصف مختصاً.

[٢] قال في التذكرة : « فلو قال : زوجتك إحدى ابنتي ، أو زوجت بنتي من أحدكما ، أو من أحد ابنيك ، لم يصح العقد بلا خلاف ».

[٣] لانتفاء التطابق بين الإيجاب والقبول ، الذي قد عرفت اعتباره في مفهوم العقد. ولأجل ذلك كان المناسب أن يجعل هذا من فروعه ، لا من فروع اعتبار التعيين. وكذا الكلام في الفرع الآتي. بل الحكم فيه أظهر.

[٤] وفي الجواهر : « الظاهر القطع بصحة ذلك ، كما صرح به في‌


وإن كان الأحوط خلافه. ولا يلزم تمييز ذلك المعين عندهما حال العقد [١] ، بل يكفي التميز الواقعي مع إمكان العلم به بعد ذلك ، كما إذا قال : « زوجتك بنتي الكبرى » ولم يكن حال العقد عالماً بتاريخ تولد البنتين لكن بالرجوع الى الدفتر يحصل له العلم. نعم إذا كان مميزاً واقعاً ولكن لم يمكن العلم به ظاهراً ـ كما إذا نسي تاريخ ولادتهما ، ولم يمكنه العلم به ـ فالأقوى البطلان [٢] ، لانصراف الأدلة [٣] عن مثله. فالقول بالصحة والتشخيص بالقرعة ضعيف.

( مسألة ١٨ ) : لو اختلف الاسم والوصف أو أحدهما‌

______________________________________________________

كشف اللثام والمسالك. وتعذر الشهادة بعد عدم اشتراطها عندنا غير قادح ». وفي القواعد : « لو كان له عدة بنات فزوجه واحدة منهن ولم يذكر اسمها حين العقد فان لم يقصد معينة بطل ، وإن قصد صح ». وفي التذكرة : « لو كان له بنت واحدة اسمها فاطمة فقال : زوجتك فاطمة ، ولم يقل : بنتي فلأنه ، لم يصح العقد. لكثرة الفواطم. ولو نواها صح عندنا. وهو قول الشافعية. وليس بجيد على رأيهم ، لأن النكاح عقد يفتقر إلى الشهادة ، والشهود إنما يشهدون على اللفظ دون النية ».

[١] لإطلاق الأدلة من دون مقيد ظاهر ، كما نص على ذلك في الجواهر.

[٢] وفي الجواهر : « لعله لا يخلو من قوة ».

[٣] هذا غير ظاهر. وقد اعترف في الجواهر : بأن الصحة مقتضى إطلاق الأدلة ، المقتصر في الخروج عنه على المتيقن ، وهو العقد على غير المتميز في الواقع. وهو ظاهر القواعد وكشف اللثام أيضاً. لكن بعد ذلك احتمل الرجوع الى أصالة عدم النقل. ولم يتضح المراد منها. ولعله‌


مع الإشارة ، أخذ بما هو المقصود [١] ، وألغي ما وقع غلطاً ، مثلاً لو قال : « زوجتك الكبرى من بناتي فاطمة » وتبين أن اسمها خديجة ، صح العقد على خديجة التي هي الكبرى. ولو قال : « زوجتك فاطمة وهي الكبرى » فتبين أنها صغرى ، صح على فاطمة ، لأنها المقصود ، ووصفها بأنها كبرى وقع غلطاً ، فيلغى. وكذا لو قال : « زوجتك هذه وهي فاطمة » أو « وهي الكبرى » فتبين أن اسمها خديجة ، أو أنها صغرى فان المقصود تزويج المشار إليها وتسميتها بفاطمة ، أو وصفها بأنها الكبرى وقع غلطاً ، فيلغى.

______________________________________________________

أراد أصالة عدم ترتب الأثر. لكن أصالة الإطلاق حاكمة عليها.

[١] قال في التذكرة : « لو قال له : زوجتك بنتي فلانة ، وسماها بغير اسمها ، ولا بنت له سوى واحدة ، فالأقوى الصحة. وهو أصح وجهي الشافعية. لأن البنتية صفة لازمة ، فيتعين ، ويلقى الاسم المذكور بعده. والثاني : لا يصح النكاح لأنه ليس له بنت بذلك الاسم. ولو قال : زوجتك هذه فاطمة ، وأشار إليها ، وكان اسمها زينب ، فالوجهان للشافعية ». ونحوه في الجواهر.

ومنشأ الاشكال : هو أن القيد أخذ على نحو تعدد المطلوب. أو وحدته ، فعلى الأول : يصح. وعلى الثاني : يبطل. ولا ينبغي التأمل في أن المرتكزات العرفية تقتضي الأول. ولذا بنوا مع تخلف الشرط على صحة العقد ، وخيار الاشتراط ، فلو قال : « بعتك هذا العبد الكاتب ». فتبين أنه غير كاتب ، صح العقد ، وكان له الخيار. نعم إذا كان القيد مقوماً للموضوع عرفاً وذاتياً من ذاتياته بطل العقد بفقده ، كما لو قال‌


( مسألة ١٩ ) : إذا تنازع الزوج والزوجة في التعيين وعدمه حتى يكون العقد صحيحاً أو باطلاً فالقول قول مدعي الصحة [١] ، كما في سائر الشروط إذا اختلفا فيها. وكما في سائر العقود. وإن اتفقا الزوج وولي الزوجة على أنهما عينا معيناً وتنازعا فيه أنها فاطمة أو خديجة ، فمع عدم البينة المرجع التحالف [٢] ،

______________________________________________________

له : « بعتك هذا العبد الحبشي ». فتبين أنه حمار وحشي. ولأجل ما ذكرنا كان المناسب لصاحب الجواهر 1 الجزم بالصحة ، لا ذكر الوجوه والاحتمالات ، وترجيح الصحة. فلاحظ.

[١] قد عرفت أن التعيين المعتبر في صحة العقد ما يقابل العقد على المردد أو الكلي ، فمدعي التعيين يدعي وقوع العقد على المعين ، وخصمه يدعي وقوع العقد على الكلي أو على المردد ، فالنزاع يكون حينئذ في موضوع العقد. لكن في كون أصالة الصحة تصلح لإثبات موضوع العقد تأمل ، فإذا اختلف البائع والمشتري في أن البيع وقع على عبد البائع أو على ولده ، فإثبات وقوعه على العبد بأصل الصحة محل تأمل. والمتيقن أن أصالة الصحة إنما تثبت شرائط العقد ، لا مقوماته ، فجعل الجميع من باب واحد غير ظاهر. وكذا الحكم في سائر العقود.

[٢] يظهر من الجواهر أنه مفروغ عنه عندهم. لأن كلاً منهما مدع ومنكر لما يدعيه الأخر ، فإن أقام أحدهما البينة عمل بها ، لأن البينة على المدعي ، وإن لم يكن لأحدهما بينة كان على كل منهما اليمين التي هي وظيفة المنكر ، فان حلف أحدهما ونكل الآخر حكم للحالف ، وإن حلفا معا تبطل الدعويان معا. ومقتضى ذلك الانفساخ. وكذا لو أقام كل منهما البينة على دعواه.


______________________________________________________

تنبيه فيه أمور :

الأول : أن كون المقام من باب التداعي لا من باب المدعي والمنكر مبني على أن المعيار في حصول التداعي والمدعي والمنكر مصب الدعوى ، فان دعوى الزوج أن العقد كان على فاطمة مثلاً خلاف الأصل ، فيكون بذلك مدعياً ، وكذا دعوى الولي أن العقد كان على خديجة مثلاً. أما إذا كان المعيار هو الغرض المقصود من الدعوى ، فقد يكون كل واحد منهما مدعياً ، بأن كان لكل واحد منهما غرض يقصد تحصيله ، فالزوج يدعي أنها فاطمة يقصد تمكينه من استمتاعه بها ، والولي يدعي أنها خديجة يطلب الإنفاق عليها ، فيكون كل واحد منهما مدعياً ومنكراً لما يدعيه الآخر. أما إذا كان الغرض لأحدهما دون الآخر ، كما إذا كانت فاطمة غائبة لا يمكن الاستمتاع بها ، فالمدعي يكون هو الولي لا غير. وكذلك إذا كانت خديجة ناشزاً أو غائبة على نحو لا تستحق نفقة مثلاً ، فالمدعي يكون هو الزوج لا غير. فالتداعي يتوقف على أن يكون الغرض من الدعوى من كل منهما المطالبة بحق.

الثاني : أن جعل الولي طرف الدعوى يتوقف على كونه ولياً في جميع الجهات وعلى جميع الحيثيات. أما إذا كان ولياً على العقد لا غير ـ كما هو الغالب ـ فهو لا يطالب بحق ولا يطالب بحق. وعلى التقدير الأول يكون من التداعي بالعرض ، لا بالأصل ، فإن الزوج يدعي الحق على فاطمة ، وخديجة تدعي الحق عليه ، فهناك خصومتان ، إحداهما بين الزوج وفاطمة ، والأخرى بينه وبين خديجة ، والزوج في الأولى مدع ، وفي الثانية منكر ، والولي كالوكيل للزوجتين ، ينكر دعوى الزوج على فاطمة ويدعي حقاً لخديجة عليه ، كما لو ادعى شخص على زيد ديناً ، وادعى عمرو على ذلك الشخص ديناً ، وقد وكل زيد وعمرو جميعاً بكراً على‌


كما في سائر العقود [١]. نعم هنا صورة واحدة اختلفوا فيها وهي ما إذا كان لرجل عدة بنات ، فزوج واحدة ، ولم يسمها عند العقد ، ولا عينها بغير الاسم ، لكنه قصدها معينة. واختلفا فيها ، فالمشهور على الرجوع الى التحالف [٢] ، الذي هو مقتضى قاعدة الدعاوي. وذهب جماعة إلى التفصيل [٣] بين ما لو كان الزوج رآهن جميعاً فالقول قول الأب ، وما لو لم‌

______________________________________________________

المخاصمة مع ذلك الشخص ، وليس هو من التداعي في شي‌ء.

الثالث : أن الزوج تارة : يوكل الأمر إلى الولي ، فيزوجه الولي ، ثمَّ يقع النزاع بينهما في تعيين الزوجة. وأخرى : يشترك معه في العقد ، فتارة : يوجب الولي ويقبل الزوج. وأخرى : يوجب الزوج ويقبل الولي. ففي الصورة الأولى لا ينبغي التأمل في أن القول قول الولي بيمينه ، لأنه وكيل على العمل ، فيقبل قوله ، ويكون خصمه مدعياً. وأما في الصورة الثانية ، ففي كونه كالصورة الأولى لكون الموجب هو المنشئ والقابل تابع له ، وعليه يكون الحكم في الصورة الثانية أن القول قول الزوج. أولا ، لعدم الاستقلال للموجب في الإيقاع ، لكونه متوقفاً على القبول ، فيكون الفعل مشتركاً بينهما. وجهان ، أقواهما : الثاني.

[١] مما ذكرنا تعرف عدم اطراد الحكم المذكور في سائر العقود أيضا. وأشرنا الى ذلك في فصل التنازع من كتاب الإجارة من هذا الشرح. فراجع.

[٢] لم أقف على من نسب ذلك الى المشهور. نعم حكي عن الحلي ، والمسالك ، والروضة ، وشرح النافع. واختاره في جامع المقاصد.

[٣] نسب الى الشيخ في النهاية ، والقاضي ابن البراج. واختاره الفاضلان ، والشهيد في اللمعة ، وغيرهم. وفي المسالك : نسب ما ذكره المحقق الى أكثر الأصحاب.


يرهن فالنكاح باطل. ومستندهم صحيحة أبي عبيدة الحذاء [١] وهي وإن كانت صحيحة إلا أن إعراض المشهور عنها [٢]

______________________________________________________

[١] رواها الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد. وعن علي بن إبراهيم عن أبيه ، جميعاً عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح عن أبي عبيدة قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل كن له ثلاث بنات أبكار ، فزوج إحداهن رجلا ، ولم يسم التي زوج للزوج ولا للشهود ، وقد كان الزوج فرض لها صداقاً ، فلما بلغ إدخالها على الزوج بلغ الزوج أنها الكبرى من الثلاثة ، فقال الزوج لأبيها : إنما تزوجت منك الصغيرة من بناتك. قال : فقال أبو جعفر (ع) : إن كان الزوج رآهن كلهن ولم يسم له واحدة فالقول في ذلك قول الأب. وعلى الأب فيما بينه وبين الله تعالى أن يدفع الى الزوج الجارية التي كان نوى أن يزوجها إياه عند عقدة النكاح. وإن كان الزوج لم يرهن كلهن ، ولم يسم له واحدة منهن عند عقدة النكاح ، فالنكاح باطل » (١). ورواه الصدوق بإسناده عن جميل بن صالح ، والشيخ بطريق فيه محمد بن عمرو.

[٢] قد عرفت أن الاعراض عنها إنما كان من الحلي ، الذي يعرف من مذهبه أنه لا يعمل بأخبار الآحاد. وتبعه على ذلك في الروضة والمسالك ، على ما قيل. وإن كان في المسالك ـ بعد ما حكى عن الحلي الرد ـ قال : « ولعله أجود .. الى أن قال بعد ذلك : وحينئذ يقوى الإشكال في رد هذه الرواية ، نظراً الى صحتها. وللتوقف في ذلك مجال ». وفي جامع المقاصد : جعل ما عن الحلي أقوى ، ومثله عن شرح النافع. وأما المحقق ، والعلامة ، وأكثر الأصحاب على ما تقدم في المسالك ، فقد عملوا بها. لكن بعد تخريجها وحملها على ما لا ينافي القواعد. فلم يكن منهم عمل‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ١٥ من أبواب عقد النكاح.


مضافاً الى مخالفتها للقواعد [١] مع إمكان حملها على بعض المحامل [٢] ، يمنع عن العمل بها. فقول المشهور لا يخلو عن قوة. ومع ذلك الأحوط مراعاة الاحتياط. وكيف كان لا يتعدى عن موردها.

______________________________________________________

واعتماد ، ولا إعراض مسقط عن الحجية.

[١] المخالفة للقواعد لازمة لأكثر أدلة الاحكام ، ولا توجب وهناً ولا انحطاطاً عن مقام الحجية.

[٢] قال في الشرائع : « إذا كان للرجل عدة بنات ، فزوج واحدة ، ولم يسمها عند العقد ، لكن قصدها بالنية ، واختلفا في المعقود عليها ، فان كان الزوج رآهن فالقول قول الأب ، لأن الظاهر أنه أوكل التعيين اليه. وعليه أن يسلم إليه التي نواها. وإن لم يكن رآهن كان العقد باطلا ». ونحوه في القواعد وغيرها. لكن في المسالك : « دعوى أن رؤيتهن دلت على الرضا بما عينه الأب ، وعدمها على عدمه في موضع المنع ، لأن كل واحدة من الحالتين أعم من الرضا بتعيين الأب وعدمه. وليس في الرواية على تقدير الاعتناء بها دليل على ذلك. بل في هذا التنزيل تخصيص لها في الحالين. وحينئذ فاللازم إما العمل بالرواية من غير حمل ـ كما فعله الشيخ ـ أوردها رأساً والحكم بالبطلان في الحالين ـ كما فعل ابن إدريس ـ ولعله أجود ، لأن العقد لم يقع على معينة مخصوصة منها ، وهو شرط صحته ». ولأجل ذلك قال في كشف اللثام : « لا بعد في أن يكون التفويض إلى الولي جائزا في النساء اللاتي رآهن ، لأنهن تعين عنده ، دون من لم يرهن ، لكثرة الجهالة. لا أن الرؤية دليل على التفويض ، وأن التفويض جائز مطلقاً ». فحمل الرواية على بيان أن الرؤية شرط في صحة التفويض ، فاذا لم ير الزوج البنات لا يصح منه تفويض الأمر إلى‌


______________________________________________________

الأب ، وإذا رآهن صح له ذلك.

ويشكل : بأن الرؤية ليست شرطاً في صحة التزويج مباشرة ، ولا في صحة تفويضه الى غيره. ضرورة أنه يجوز للإنسان أن يفوض تزويجه الى غيره وإن لم يكن قد رأى امرأة من النساء. فإن أراد أن الرؤية شرط في صحة التفويض كلية فذلك مما لا يمكن القول به. وإن أراد ذلك في مورد الرواية بالخصوص ـ وهو من كان له بنات فأراد إنسان تزويج واحدة منهن ، فإنه لا يجوز له تفويض الأمر اليه إلا إذا رآهن كلهن ـ فذلك إن تمَّ لا يجدي في توجيه الرواية وتطبيقها على القواعد ، لأن مورد الرواية النزاع في التفويض وعدمه ، فلو سلمنا أنه لا يصح التفويض إلا مع رؤية الجميع لم يجد ذلك في تقديم قول الأب. إلا إذا ثبت التلازم بين الرؤية والتفويض ، ولا يكفي في تقديم قول الأب شرطية الرؤية للتفويض ، كما لعله ظاهر بأقل تأمل. وكاشف اللثام ( قده ) لم يدع هذه الملازمة ، ليصح منه توجيه الرواية وتخريجها على وجه لا تخالف القواعد المانعة من تقديم قول الأب المدعي للتفويض بلا بينة. بل ظاهرها تقديم قوله بلا يمين أيضاً. وهذا الاشكال مشترك بين ما ذكره كاشف اللثام وما ذكره المحقق. اللهم إلا أن تحمل الرواية على إرادة تقديم قوله في الجملة ولو مع اليمين ، كما استظهره في الجواهر. لكنه غير ظاهر.

وبالجملة : تقديم قول الأب بناء على ما ذكره المحقق ومن وافقه من أن الرؤية أمارة على التفويض ، يكون في محله ، لأن دعوى الأب موافقة للحجة ، فيكون القول قوله. نعم ظاهر الرواية عدم الحاجة الى اليمين ، وهو غير جار على القواعد على كل من التخريجين ، فإن الأب وإن كان منكراً على تخريج المحقق ، لكن المنكر لا يقبل قوله بلا يمين. أما بناء على تخريج كاشف اللثام فالأب يكون مدعياً ، فقبول قوله بلا يمين ولا‌


( مسألة ٢٠ ) : لا يصح نكاح الحمل وإنكاحه [١]

______________________________________________________

بينة أبعد عن العمل بالقواعد. ولأجل ما ذكرنا يشكل التوجيهان معاً. وحينئذ يدور الأمر في الرواية بين الأخذ بظاهرها. وطرحها. لكن الأول متعين لصحتها ، وعدم ما يقتضي وهنها ، كما عرفت. فلاحظ.

[١] قال في الشرائع : « يشترط في النكاح امتياز الزوجة عن غيرها بالإشارة أو التسمية ، أو الصفة. فلو زوجه إحدى بنتيه. أو هذا الحمل ، لم يصح العقد ». ومثله في القواعد وغيرها. ويظهر من كلماتهم أنه مما لا خلاف فيه. بل في المسالك : جعل المنع في الحمل أولى ، لعدم التعيين لاحتمال كونه واحداً وأزيد. مضافاً الى احتمال كونه غير قابل لنكاح المخاطب ، بأن يكون ذكراً أو خنثى مشكلا. انتهى. ويشكل بأن اعتبار التعيين في مقابل الترديد أو جعله كلياً تقدم في المسألة السابعة عشرة. وأما التعيين في مقابل الجهالة بالوحدة والتعدد ، والذكورة والأنوثة ، فلا دليل عليه. فلو قال له : « زوجتك من في الحجرة من الجواري واحدة كانت أو متعددة » أو « زوجتكها إن كانت أنثى » فلا دليل على بطلانه ، ومقتضى الإطلاقات الصحة. لكن ظاهر الأصحاب المنع من نكاح الحمل وإنكاحه وإن علم أنه واحد ، أو أنثى ، أو ذكر. وحينئذ فلا يكون المنع من جهة فقد التعيين ، بل لخصوصية فيه. ولعله إجماع منهم. وفي الجواهر : أن العمدة فيه الإجماع إن تمَّ. انتهى. وكأنه متوقف في تحقق الإجماع على المنع.

والمصنف (ره) علل الحكم بالانصراف. وكأن منشأ الانصراف كون الحمل ناقص البشرية ، فلا ينصرف اليه الدليل. لكن إن كان توقف فهو في الحمل بعد ولوج الروح فيه. أما قبل ذلك : فلا ينبغي التأمل فيه لاعتبار الإنسانية في تحقق الزوجية المفقودة فيه. وإما بعد ولوج الروح : فيمكن أن يكون الوجه أيضاً في المنع عدم ثبوت الولاية على الحمل بالنسبة‌


وإن علم ذكوريته أو أنوثيته ، وذلك لانصراف الأدلة. كما لا يصح البيع أو الشراء منه ولو بتولي الولي. وإن قلنا بصحة الوصية له عهدية [١] ، بل أو تمليكية أيضا.

( مسألة ٢١ ) : لا يشترط في النكاح علم كل من الزوج والزوجة بأوصاف الآخر [٢] مما يختلف به الرغبات وتكون موجبة لزيادة المهر أو قلته ، فلا يضر بعد تعيين شخصها الجهل بأوصافها. فلا تجري قاعدة الغرر هنا [٣].

______________________________________________________

الى ذلك ، فيكون المنع لقصور في المتصرف ، لا في موضوع التصرف. وأما البيع والشراء له : فالظاهر أنه في الجملة لا إشكال فيه ، فإنه يجوز للوصي بيع التركة ، وإن كان بعض الورثة حملاً ، وإذا عزلت حصة الحمل فخيف عليها جاز للحاكم الشرعي أو غيره بيعها بما لا يخاف عليه. فلاحظ. ومن ذلك تعرف الإشكال في قوله : « كما لا يصح .. ».

[١] لا إشكال في أنه لا تصح الوصية العهدية إلى الصبي منفرداً ، فضلاً عن الحمل. وأما منضماً الى البالغ ـ بمعنى كونه وصياً حين الإيصاء وإن كان لا يصح تصرفه ـ فالظاهر الصحة أيضاً ، لعموم الأدلة ، ولا يحتاج فيها الى القبول ، كي يدعى عدم الدلالة عليه ، فلا تصح. وإما التمليكية : فإنه لو توقفت على القبول ـ كما هو المشهور ـ كفى القبول بعد الولادة منه بعد البلوغ ، أو من وليه قبله.

[٢] في الجواهر ادعى الضرورة على ذلك. ويقتضيه السيرة القطعية. نعم يظهر من كشف اللثام في المسألة السابقة قدح كثرة الجهالة. ولكنه غير ظاهر.

[٣] فإن‌ النبوي المشهور : « نهى النبي عن بيع الغرر » (١) ‌يختص‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب آداب التجارة حديث : ٣ ، مستدرك الوسائل باب : ٣١ من أبواب آداب التجارة حديث : ١ ، كنز العمال الجزء : ٢ حديث : ٤٩٢٠ ، ٤٩٢٣.


فصل في مسائل متفرقة‌

( الأولى ) : لا يجوز في النكاح دواماً أو متعة اشتراط الخيار في نفس العقد [١].

______________________________________________________

بالبيع. وما في بعض كتب العلامة من أنه نهى النبي عن الغرر (١) لم يثبت ، كي يدل على المنع عن الغرر في المقام وغيره من المعاوضات غير البيع. ولو ثبت فالسيرة القطعية توجب الخروج عنه. والله سبحانه ولي السداد.

فصل في مسائل متفرقة‌

[١] اتفاقاً ، كما في كشف اللثام. بل في الجواهر : « لا أجد خلافاً في بطلان شرط الخيار ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه » وفي مكاسب شيخنا الأعظم : « عن الخلاف والمبسوط والسرائر وجامع المقاصد والمسالك : الإجماع عليه ». وعلله في جامع المقاصد والمسالك وغيرهما : بأنه ليس معاوضة محضة. ولهذا لا يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه. ولأن فيه شائبة العبادة ، والعبادات لا يدخلها الخيار. ولأن اشتراط الخيار يفضي الى فسخه بعد ابتذال المرأة ، وهو ضرر ، ولهذا وجب بالطلاق قبل الدخول نصف المهر جبراً له. ولعدم الحاجة إليه ، لأنه لا يقع إلا بعد فكر ورؤية وسؤال كل من الزوجين عن صاحبه ، بخلاف البيع في الأسواق بلا فكر وروية. ولما‌ في خبر أبان من قول الصادق (ع) : « إنك إن لم تشترط‌ ( يعني : تشترط الأيام )

__________________

(١) التذكرة الفصل الثاني من الإجارة الركن الثالث المسألة الثانية.


فلو شرطه بطل. وفي بطلان العقد به قولان ، المشهور على أنه باطل [١].

______________________________________________________

كان تزويج مقام » (١). و‌في خبر آخر : « تزويج البتة » (٢) ‌، فإن ذلك يشعر بالاستقرار وعدم التزلزل ، لكن الجميع كما ترى ظاهر الاشكال.

وقد يستدل له بما‌ في صحيح الحلبي المروي في الفقيه والتهذيب : « إنما يرد النكاح من البرص ، والجذام ، والجنون ، والعفل » (٣). ويشكل بأن الظاهر نفي الرد من غير المذكورات من العيوب ، لا نفي الرد مطلقاً.

ومثله دعوى أن اللزوم في عقد النكاح من الأحكام لا من الحقوق ، فاذا كان من الأحكام كان منافياً لشرط الخيار ، والشرط المنافي لمقتضى العقد باطل. فإنها لا تخلو من مصادرة ، إذ لا يظهر الفرق في مرتكزات العرف بين النكاح وغيره من عقود المعاوضات. اللهم إلا أن يستدل على ذلك بعدم صحة التقابل فيه ، فيدل ذلك على لزومه بنحو لا يكون الاختيار فيه للمتعاقدين ، فيكون شرط الخيار منافياً لمقتضاه ، اللهم إلا أن يناقش في ذلك بدعوى كون ذلك مقتضى إطلاقه ، لا مقتضى ذاته.

فاذاً العمدة فيه الإجماع المدعى ، وإن كان ظاهر الحدائق وجود القائل بالجواز ، لأنه نسب المنع الى المشهور. ولكن لم يعرف بذلك قائل ، ولا من نسب ذلك الى قائل. وفي جامع المقاصد : أنه قطعي. وقد عرفت حكاية الإجماع عليه عن جماعة.

[١] نسب البطلان الى المشهور في كلام جماعة ، منهم المسالك ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٠ من أبواب المتعة حديث : ٢.

(٢) لم نعثر عليه في مظانه من أبواب الوسائل ومستدركها والحدائق. نعم ذكره في الجواهر في المسألة الرابعة في اشتراط الخيار في الصداق خاصة من مسائل أحكام العقد.

(٣) من لا يحضره الفقيه الجزء : ٣ صفحة : ٢٧٣ ، والتهذيب : الجزء : ٧ صفحة : ٤٢٤ طبعة النجف الحديثة ، الوسائل باب : ١ من أبواب العيوب والتدليس حديث : ٦ وملحقة.


وعن ابن إدريس : أنه لا يبطل [١] ببطلان الشرط المذكور. ولا يخلو قوله عن قوة ، إذ لا فرق بينه وبين سائر الشروط الفاسدة فيه ، مع أن المشهور على عدم كونها مفسدة للعقد. ودعوى : كون هذا الشرط [٢] منافياً لمقتضى العقد ، بخلاف سائر الشروط الفاسدة التي لا يقولون بكونها مفسدة. كما ترى [٣].

______________________________________________________

وكشف اللثام ، والجواهر.

[١] قال فيما حكى عنه : « لا دليل على بطلان العقد من كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، بل الإجماع على الصحة ، لأنه لم يذهب الى البطلان أحد من أصحابنا ، وإنما هو من تخريج المخالفين وفروعهم. اختاره الشيخ على عادته في الكتاب ».

[٢] هذه الدعوى ذكرها في الجواهر ، وجعلها الوجه في بطلان العقد ببطلان الشرط في المقام ، وإن قلنا بأن فساد الشرط بالمخالفة للكتاب والسنة لا يبطل النكاح. ووجه منافاة الشرط لمقتضى العقد : أن مقتضى العقد اللزوم ، فالخيار مناف له.

[٣] لأن بطلان العقد بالشرط المنافي إنما يكون في الشرط المنافي لمفهوم العقد كما في : « بعتك بلا ثمن » أو « أجرتك بلا أجرة » ، أو المنافي لمقتضاه وكان الاقتضاء عرفياً ، لأنه حينئذ يمتنع القصد الى مضمون العقد ومضمون الشرط ، لأنه من القصد الى المتنافيين. إما إذا كان الاقتضاء شرعياً محضاً ـ كما في المقام ـ فلا مانع من القصد الى المضمونين معاً ، إما لعدم الالتفات الى مقتضى العقد شرعاً ، أو مع الالتفات اليه وقصد خلافه تشريعاً. ودعوى : كون اللزوم من ذاتيات النكاح ، لا من أحكامه الشرعية ، ولا من حقوق المتعاقدين. كما ترى ، مما لا يساعدها عرف ، ولا شرع ، فان ثبوت الخيار لأحد الزوجين في العيوب إذا كانت في الآخر‌


وأما اشتراط الخيار في المهر فلا مانع منه [١] ، ولكن لا بد من تعيين مدته [٢]. وإذا فسخ قبل انقضاء المدة يكون كالعقد بلا ذكر المهر ، فيرجع الى مهر المثل. هذا في العقد الدائم الذي لا يلزم فيه ذكر المهر. وإما في المتعة حيث أنها لا تصح‌

______________________________________________________

مما لا ريب فيه ، ولا يعد منافياً لمفهومه. هذا مضافاً الى أن التحقيق أن عقد الانقطاع راجع الى عقد التزويج بشرط الانفساخ في الأجل ، ولا ريب أن شرط الانفساخ أولى بالمنافاة للنكاح من شرط الخيار ، فاذا ثبت عدم المنافاة في الأول ، فعدم المنافاة في الثاني أولى.

ومن ذلك يظهر ضعف ما ذكره في الشرائع من التردد ، وجعل منشأه الالتفات الى تحقق الزوجية لوجود المقتضي وارتفاعه عن تطرق الخيار ، والالتفات الى عدم الرضا بالعقد لترتبه على الشرط. انتهى. فان وجه الثاني إن تمَّ لم يكن وجه للصحة. وإلا فلا موجب للبطلان.

[١] كما هو المعروف بينهم ، المصرح به في كلام جماعة ، كالشرائع والقواعد والمسالك وكشف اللثام وغيرها ، مرسلين له إرسال المسلمات ، من دون تعرض فيه لخلاف ، أو إشكال ، معللين له بأن الصداق ليس ركناً في العقد ، بل عقد في ضمن العقد ، فلا مانع من الخيار فيه ، ويبقى أصل النكاح بحاله ، كما لو خلى من أول الأمر عن الصداق.

[٢] كما صرح بذلك في المسالك والجواهر وكشف اللثام أيضاً. لكن احتمل فيه العدم ، لإطلاق العبارات. وفي الجواهر : « ربما احتمل فيه عدم اعتبار ضبطه ، لذلك ( يعني : إطلاق الأصحاب ) ، ولأنه يغتفر فيه من الجهالة ما لا يغتفر في غيره. لكن المذهب الأول ». ولم يظهر وجهه في قبال إطلاق الأدلة. اللهم إلا أن يكون ترك التعيين موجباً للإبهام من كل وجه ، بحيث لا يقدم عليه العقلاء.


بلا مهر ، فاشتراط الخيار في المهر فيها مشكل [١].

( الثانية ) : إذا ادعى رجل زوجية امرأة فصدقته أو ادعت امرأة زوجية رجل فصدقها ، حكم لهما بذلك [٢] في ظاهر الشرع ، ويرتب جميع آثار الزوجية بينهما. لأن الحق لا يعدوهما [٣] ، ولقاعدة الإقرار [٤]. وإذا مات أحدهما ورثه‌

______________________________________________________

[١] لأنه بفسخ المهر ينفسخ العقد. لاعتبار المهر في عقد المتعة حدوثاً وبقاء ، فيرجع اشتراط الخيار فيه الى اشتراطه في عقد النكاح ، الذي عرفت الإجماع على عدم صحته. اللهم إلا أن لا يشمل المقام. لكنه كما ترى ، بل المقطوع به أن حكمهم بصحة اشتراطه في الصداق مختص بالدائم. يظهر ذلك بأقل تأمل في كلامهم. فلاحظ.

[٢] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما ، بلا خلاف في ذلك ظاهر ، وفي الحدائق : أنه لا ريب في الحكم المذكور.

[٣] قال في المسالك : « لأن الحق ينحصر فيهما. وقد أقرا به ، فيدخلان في عموم : ( إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ) (١) ‌، لأنه الفرض ، ونحوه ما في كشف اللثام والحدائق والجواهر. والمصنف جعله في مقابل قاعدة الإقرار. وهو بناء على ذلك غير ظاهر. اللهم إلا أن يرجع الى الدعوى بلا معارض. لكن دليله من النص ـ إن تمَّ ـ لا يشمل المقام. أو يرجع الى الاخبار عن نفسه أو ما تحت يده ، كما لو أخبر بطهارة بدنه ونجاسته ونحوهما. لكن عمومه للمقام غير ثابت. وكذا لو أخبر عن نسبه ، وعدالته واجتهاده ، وفقره.

[٤] لكن القاعدة تختص بما يكون على نفسه ، فلا تشمل ما يتعلق بغيره ، ومنه إرث أحدهما من الآخر ، فإنه يتعلق بوارثه. فالأولى التمسك‌

__________________

(١) غوالي اللئالي : أواخر الفصل التاسع من المقدمة ، كتاب الشهاب للقضاعي الصفحة : ١٢.


الآخر. ولا فرق في ذلك بين كونهما بلدين معروفين أو غريبين [١]. وإما إذا ادعى أحدهما الزوجية وأنكر الآخر فيجري عليهما قواعد الدعوى [٢] ، فان كان للمدعي بينة [٣] وإلا فيحلف المنكر أو يرد اليمين ، فيحلف المدعي ويحكم له بالزوجية. وعلى المنكر ترتيب آثاره في الظاهر [٤]. ولكن يجب على كل منهما العمل على الواقع [٥] بينه وبين الله. وإذا‌

______________________________________________________

له بالإجماع ، ويكون حينئذ من صغريات قاعدة : من ملك شيئاً ملك الإقرار به ، فيكون الإجماع عليه دليلا على القاعدة ، كسائر الموارد التي كان الإجماع عليها دليلاً على القاعدة المذكورة. والظاهر أن هذه القاعدة كما هي معقد إجماع قولي ، معقد إجماع عملي ، وسيرة المتشرعة. بل الظاهر أنها قاعدة عقلائية أيضاً.

[١] خلافاً لبعض العامة ، فمنع من قبول الإقرار في البلدين بناء منه على اعتبار الاشهاد في النكاح ، وسهولة إقامة البينة في البلديين. وضعف المبنى والابتناء ظاهر ، ضرورة عدم اعتبار الاشهاد عندنا. ولو سلم فإنما يعتبر في مقام الثبوت لا الإثبات. ولو سلم فلا فرق بين البلديين والغريبين ، لإمكان إشهاد البلديين غريبين ، فيصعب الاشهاد ، وبالعكس ، فيسهل الاشهاد. مضافاً الى أن قبول الإقرار لا يختص بالبلد.

[٢] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما ، مرسلين له إرسال المسلمات. ويقتضيه عموم الأدلة.

[٣] يعني : تسمع البينة ، ويحكم بثبوت الزوجية.

[٤] يعني : آثار الحكم بالزوجية في الظاهر. عملاً بأدلة وجوب العمل بالحكم ، وحرمة رده.

[٥] كما صرح به في المسالك وكشف اللثام وغيرهما ، ويظهر منهم‌


حلف المنكر حكم بعدم الزوجية بينهما ، لكن المدعي مأخوذ بإقراره المستفاد من دعواه. فليس له إن كان هو الرجل تزويج الخامسة ، ولا أم المنكرة ، ولا بنتها مع الدخول بها ، ولا بنت أخيها أو أختها إلا برضاها ، ويجب عليه إيصال المهر إليها. نعم لا يجب عليه نفقتها ، لنشوزها بالإنكار [١]. وإن‌

______________________________________________________

أنه إجماعي. فإن الحكم عندنا طريق ، لا موضوع لتبدل الواقع. ففي صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (ع) : « قال : قال رسول (ص) : إنما اقتضي بينكم بالبينات والايمان ، وبعضكم ألحن بحجته من بعض ، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له قطعة من النار » (١). هذا مع العلم بالواقع. إما مع قيام حجة عليه فالظاهر أن حكم الحاكم مقدم عليه ، كما أشرنا الى ذلك في بعض مباحث التقليد. فراجع.

[١] قال في المسالك : « وأما النفقة : فلا تجب عليه ، لعدم التمكين الذي هو شرط وجوبها » ونحوه في كشف اللثام والجواهر. وفي الحدائق نسبته إلى الأصحاب. وهو يتوقف على أن الشرط في النفقة التمكين ، فاذا فات ولو لعذر لم تجب. ولأجل أن التحقيق أن التمكين ليس شرطاً في وجوب النفقة ، بل عدم النشوز ، والنشوز مانع من وجوبها ، عدل المصنف عن التعليل المذكور في كلامهم الى التعليل بما ذكر. لكن لم يتضح كون الإنكار يقتضي النشوز ، لأنه التمرد على الزوج والامتناع من أداء حقوقه لغير عذر ، والإنكار نفسه ليس كذلك. نعم العمل عليه يكون نشوزاً. لكن لا مطلقاً ، بل إذا لم يكن عن عذر ، فإن الحائض يحرم عليها التمكين ، فاذا امتنعت منه لم تكن ناشزاً ، والمستطيعة يجب عليها السفر ، فاذا سافرت بغير إذن الزوج لم تكن ناشزاً ، إذ لا دليل على ذلك. مع أن الظاهر أنه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١.


كانت هي المدعية لا يجوز لها التزويج بغيره [١] إلا إذا طلقها ولو بأن يقول : « هي طالق إن كانت زوجتي ». ولا يجوز لها السفر من دون إذنه. وكذا كل ما يتوقف على إذنه. ولو رجع المنكر إلى الإقرار هل يسمع منه ويحكم بالزوجة بينهما؟ [٢] فيه قولان. والأقوى : السماع ، إذا أظهر عذراً لإنكاره ،

______________________________________________________

لا إشكال فيه. فاذا كان إنكارها الزوجية عن عذر لم تكن ناشزاً ، وإلا كانت ناشزاً إذا عملت على ذلك الإنكار ، بنحو يكون فيه تمرد على حقوق الزوج.

[١] كما صرح بذلك الجماعة لما سبق.

[٢] السماع منه تارة : بلحاظ الحكم بالزوجية ، فيكون الحكم كما لو تصادقا من أول الأمر. ولم أقف على وجود قولين في المسألة. والذي ينبغي أن يقال : إن الحكم بالزوجية إذا تصادقا من أول الأمر إن كان المستند فيه قاعدة : « من ملك شيئاً .. » فالظاهر أن القاعدة المذكورة كما تدل على حجية الإقرار بالثبوت ، كذلك تدل على حجية الإقرار بالعدم. وحينئذ تتعارض في المقام بالنسبة إلى الإنكار والإقرار ، فلا يسمع أحدهما. اللهم إلا أن يقال : إنه يملك الإقرار بكل منهما ، كما يملك الخدش فيهما ، فاذا ذكر عذراً له في الإنكار السابق كان الإقرار اللاحق حجة ، وإذا ذكر عذراً له في الإقرار اللاحق كان الإنكار السابق حجة. لأن دليل القاعدة يقتضي جواز التعويل عليه في ذلك كله. وإن كان المستند فيه قاعدة : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » تعين العمل على الإقرار ، ولا يعتد بالإنكار السابق ، عملاً بإطلاق دليل القاعدة. وكأن احتمال عدم السماع في المقام مبني على انصراف القاعدتين الى غير الفرض. وأخرى : بلحاظ جهات أخر يأتي الكلام فيها.


ولم يكن متهماً [١] ، وإن كان ذلك بعد الحلف [٢]. وكذا المدعي إذا رجع عن دعواه [٣] وكذب نفسه.

______________________________________________________

[١] اقتصاراً على القدر المتيقن من معقد الإجماع في قاعدة : « من ملك شيئاً ملك الإقرار به ».

[٢] فان الحلف وحكم الحاكم به لا يوجبان تبدل الواقع ، إذ لا موضوعية لهما في ذلك عندنا. نعم في مسألة اختلاف الزوجين في وقوع العقد حال الإحرام إذا كان المدعي لذلك الزوج ، وكانت المرأة منكرة ، فحلفت. وحكم لها الحاكم ، فعن المبسوط : أنه يتنصف المهر إذا كان قبل الدخول. وفي الدروس : « ظاهر الشيخ انفساخ العقد حينئذ ، ووجوب نصف المهر إذا كان قبل المسيس وجميعه بعده ». وإشكاله ظاهر ، إذ لا مقتضى لهذا الانفساخ ، ولا سيما وكونه خلاف ظاهر الأصحاب. وأما السماع بلحاظ الخصومة : فلا مجال له. إذ بالإقرار حصل الاتفاق بين الزوج والزوجة والتصادق على الزوجية ، فلا خصومة بينهما. وأما السماع بلحاظ إلزام المنكر باللوازم الشرعية ، بمعنى : أن الإقرار مانع من إلزامه بلوازم إلزام المنكر باللوازم الشرعية ، بمعنى : أن الإقرار مانع من إلزامه بلوازم الإنكار من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهو الظاهر ، لأنه يكفي في سقوط ذلك الإلزام احتمال الصحة ، إذ لا دليل على وجوب الأمر بالمعروف إذا لم تكن حجة على الإصرار على المنكر ، فما دام الفاعل محتمل الصحة يسكت ، ولا يجب أمره بالمعروف. اللهم إلا أن يكون دليل نفوذ الإقرار على المقر يقتضي ذلك ، كما سيأتي من بعض.

[٣] يعني : أنكر الزوجية ، ووافق خصمه على نفي الزوجية ، فإنه يسمع إنكاره وإن كان إنكاراً بعد الإقرار. والسماع هنا إن كان بالنسبة إلى نفي الزوجية : فهو في محله ، لما عرفت في الفرض السابق بعينه. وإن كان بالنسبة إلى إلزامه بأحكام الزوجية التي أقر بها : فقيل : يؤخذ‌


______________________________________________________

بإقراره ، قال في الجواهر : « وفي المسالك لا فرق في ثبوت هذه الاحكام بين حلف الآخر وعدمه. لأنها مترتبة على نفس دعوى الزوجية. بل قيل : ولا بين تكذيب المدعي دعواه بعد ذلك وعدمه. قلت : هو كذلك. لكن قد يقال : إن ذلك كله جائز للمدعي إذا اعترف بعد ذلك بأنه قد كان مبطلاً في الدعوى. لأنه شي‌ء لا يعلم إلا من قبله. مع احتمال الإلزام بإقراره ». انتهى ما في الجواهر. والظاهر أن مراد المصنف بالسماع في هذا الفرض : السماع بلحاظ ذلك ، لا بلحاظ نفي الزوجية. ووجهه : أنه لا عموم في قاعدة الإقرار لما إذا ذكر عذراً في الإقرار غير بيان الواقع ، لأنها وإن كانت شرعية ، لكنها إمضاء لما عند العقلاء ، لا تأسيس حجية. فالدليل الدال عليها بقرينة ذلك ينزل على ما عند العقلاء. والظاهر أن بناءهم على عدم الأخذ بالإقرار إذا كان صادراً لغير بيان الواقع بل لأمر آخر. لذلك قال في الشرائع في كتاب الإقرار : « إذا شهد على نفسه بالبيع وقبض الثمن ، ثمَّ أنكر فيما بعد ، وادعى أنه أشهد تبعاً للعادة ، ولم يقبض. قيل : لا تقبل دعواه ، لأنه مكذب لإقراره. وقيل : يقبل ، لأنه ادعى ما هو معتاد. وهو أشبه ». وفي المسالك : نسبة الأخير إلى الأكثر. وفي الجواهر : « لم نتحقق القائل بالأول من العامة ، فضلا عن الخاصة ، وانه لم نجد خلافه في القبول ». واستدل له بما دل على أن البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر. ويشكل : بأنه خلاف ما دل على عدم قبول الإنكار بعد الإقرار. ويندفع : بأن الدليل عليه ليس إلا ما دل على نفوذ الإقرار ، فإذا كان الدليل قاصراً عن شمول الإقرار الصادر لغير بيان الواقع ، بل لسبب من الأسباب ، لم يكن دليل على عدم قبول الإنكار في المقام ، فتكون دعوى المواطاة مسموعة ، لعموم الأدلة ، كدعوى فسق الشاهد.


______________________________________________________

نعم لما كانت دعوى المواطاة خلاف الأصل في الخبر كان مدعيها مدعياً ، ومنكرها منكراً عليه اليمين ، فاذا حلف المنكر المشتري على عدم المواطاة بطلت دعوى المواطاة من البائع. ومن ذلك يظهر أن اليمين من المنكر في المقام على عدم المواطاة لا على عدم القبض ـ كما عن الكفاية ـ ولا على أحدهما كما عن جامع المقاصد والروضة ـ لأن الدعوى لم تكن على القبض ، وإنما كانت على المواطاة لا غير ، فاليمين على القبض خارجة عن محط الدعوى.

ومن ذلك يتحصل أمور : ( الأول ) : ان الإقرار في قاعدة : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » وقاعدة : « من ملك شيئاً ملك الإقرار به » ، يختص بالإقرار الصادر لبيان الاعلام ، ولا يشمل ما كان صادراً لفرض آخر أو غلطاً. ( الثاني ) : ان الإقرار في قاعدة : « من ملك شيئاً ملك الإقرار به » لا يختص بالإقرار بالوجود ، بل يعم الإقرار بالعدم ، والإقرار بالخدش في إقراره بالوجود أو العدم. فإذا أقر الحاكم الشرعي بالحكم بالهلال قبل ، وإذا أقر بعدم الحكم قبل ، وإذا أقر بأن إقراره بالحكم كان سهواً أو غلطاً قبل ، وكذا في إقراره بالعدم. ( الثالث ) : أنه لا يختص الإقرار الخارج عن عموم القاعدتين بما كان خلافه عادياً كما يظهر من الشرائع. فإذا ادعى المقر بخدش في إقراره بأمر غير عادي يقبل الخدش ، ويسقط الإقرار. ولذلك قال في الجواهر : « إن الأقوى في النظر ، إن لم يكن إجماع ، عدم خصوصية للمقام ، فتسمع الدعوى مطلقاً إذا ذكر وجها ممكناً لإقراره الأول ». ( الرابع ) : ان السماع في الفرض الأول المذكور في المتن بلحاظ الحكم بالزوجية ، والسماع في الفرض الثاني بلحاظ إلزامه بأحكام ما أقر به أولا من باب الأمر بالمعروف ، فلا يلزم به ( الخامس ) : إن الوجه في السماع في الأول قاعدة : « من ملك .. » والوجه في السماع‌


نعم يشكل السماع منه إذا كان ذلك بعد إقامة البينة منه على دعواه [١] ، إلا إذا كذبت البينة أيضا نفسها.

( الثالثة ) : إذا تزوج امرأة تدعي خلوها عن الزوج فادعى زوجيتها رجل آخر ، لم تسمع دعواه ، إلا بالبينة [٢]. نعم له مع عدمها على كل منهما اليمين. فان وجه الدعوى‌

______________________________________________________

في الثاني : اختصاص قاعدة : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » بغير المورد. فالسماع في المقامين ليس بلحاظ واحد ، ولا دليله في المقامين واحد.

[١] لان تكذيبه البينة لا يسقطها عن الحجية ، وإنما يوجب سقوط حقه عند الحاكم ، فيجب العمل بالبينة ، ويكون الحال كما إذا أنكر بعد الإقرار من دون بيان خلل في الإقرار. وعليه فاذا كان مقتضاها إلزامه بأحكام الإقرار من عدم تزويج الخامسة ، أو تزويج أمها ، أو أختها ، أو بنتها ، ونحو ذلك ، لزم العمل به.

[٢] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما. ونسب الى جمع من الأصحاب. والى الأكثر. واستدل له‌ بخبر يونس قال : « سألته عن رجل تزوج امرأة في بلد من البلدان ، فسألها : لك زوج؟ فقالت : لا ، فتزوجها. ثمَّ إن رجلا أتاه ، فقال : هي امرأتي ، فأنكرت المرأة ذلك ، ما يلزم الزوج؟ فقال (ع) : هي امرأته إلا أن يقيم البينة » (١). ونحوه مكاتبة الحسين ابن سعيد‌. و‌في خبر عبد العزيز بن المهتدي قال : « سألت الرضا (ع) قلت : جعلت فداك إن أخي مات وتزوجت امرأته ، فجاء عمي ، فادعى أنه كان تزوجها سرا ، فسألتها عن ذلك ، فأنكرت أشد الإنكار. وقالت : ما بيني وبينه شي‌ء قط. فقال (ع) : يلزمك إقرارها. ويلزمه إنكارها » (٢).

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب عقد نكاح حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.


______________________________________________________

وكأن عدم التعرض فيه للبينة من جهة فرض السر في السؤال. واستدل له أيضا في المسالك وغيرها : بأن اليمين إنما تتوجه على المنكر إذا كان بحيث لو اعترف لزمه الحق ونفع المدعي ، والأمر هنا ليس كذلك ، لأن المرأة لو صادقت المدعي على دعواه لم تثبت الزوجية ، لأن إقرارها واقع في حق الغير ، وهو الزوج. وكذا الحال لو ردت اليمين على المدعي ، فإنها لا تصلح حجة في منع الزوج عن حقه الثابت شرعاً. ونحوه يقرر فيما لو وجه الدعوى على الزوج.

لكن في المسالك : « ذهب جماعة من الأصحاب إلى قبول الدعوى ، وتوجه اليمين والرد هنا ، وإن لم تسمع في حق الزوج. وفائدته على تقدير الإقرار ثبوت مهر المثل على الزوجة للمدعي ، لحيلولتها بينه وبين البضع بالعقد الثاني .. الى أن قال : وعلى تقدير رد اليمين على المدعي ، أو نكولها عن اليمين ، والقضاء للمدعي بالنكول ، أو مع اليمين ، فالحكم كذلك. ومبنى القولين : أن منافع البضع هل تضمن بالتفويت أم لا؟ .. الى أن قال : والقول بسماع الدعوى وثبوت الغرم متجه. عملا بالقاعدة المستمرة من ثبوت اليمين على من أنكر ».

ويمكن أن يقال ـ كما في الجواهر وغيرها ـ : بسماع الدعوى وإن لم نقل بمالية البضع ، ولا بثبوت الغرم للحيلولة ، لعموم الأدلة. ويكفي في صحة سماع الدعوى ترتب الأثر في الجملة ، ولو عند فراق الزوج الثاني ، أو عند توجيه الدعوى عليه أيضا فينكلان هو والزوجة ، فتثبت دعوى الأول ، أو يردا معا اليمين عليه ، فيحلف فتثبت أيضا. إذ يكفي في صحة السماع ترتب الثمرة العملية في الجملة ، فإنه إذا اختلف المالك والمستأجر في مدة الإجارة ، فقال المالك : عشر سنين ، وقال المستأجر : عشرين سنة ، سمعت دعوى المستأجر ، وإن لم يكن لها أثر فعلي. وكذلك لو باع عيناً‌


على الامرأة فأنكرت وحلفت سقط دعواه عليها. وإن نكلت أو ردت اليمين عليه فحلف لا يكون حلفه حجة على الزوج وتبقى على زوجية الزوج مع عدمها [١] ، سواء كان عالماً بكذب المدعي أولا ، وإن أخبر ثقة واحد بصدق المدعي ، وإن كان الأحوط حينئذ طلاقها [٢]. فيبقى النزاع بينه وبين‌

______________________________________________________

في يده على آخر ، فادعى ثالث أنها له ، لم تسمع دعواه ، وإن كان البائع عاجزاً عن دفع الغرامة ، فيكفي في سماع الدعوى ترتب الاستحقاق إذا كان في معرض أن يترتب عليه فعلية الاستيفاء. نعم إذا لم تكن هذه المعرضية لا مجال للسماع. والظاهر أنه إجماع.

ثمَّ إنك عرفت في بعض المباحث السابقة أن منافع البضع غير مضمونة ، فاذا صح الابتناء ـ كما في المسالك ـ فاللازم القول بعدم السماع. لكن الابتناء غير ظاهر ، كما تقدم. وهو العمدة فيما ذكره في الشرائع وغيرها.

وأما النصوص : فظاهرها بيان تكليف الزوج ، وما يلزمه حين ما يدعي الرجل الزوجية ، قبل مراجعة القاضي والتحاكم عنده ، لا بيان كيفية حسم النزاع والخصام فاذاً لا مجال للاستدلال بها على عدم انقطاع الدعوى إلا بالبينة ، أخذاً بالإطلاق.

ومن ذلك يظهر لك الوجه فيما ذكره المصنف (ره) بقوله : « نعم له مع عدمها .. » ، وكان المناسب أن يقيد عبارته الأولى بما إذا كان التداعي بينهم في غير مجلس القضاء ، وهذه العبارة بما إذا كان التداعي في مجلس القضاء.

[١] يعني : عدم البينة.

[٢] لموثق سماعة قال : « سألته عن رجل تزوج أمة ( جارية. خ ل ) أو تمتع بها ، فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة ، فقال : إن هذه امرأتي ،


الزوج ، فان حلف سقط دعواه بالنسبة إليه أيضا ، وإن نكل أو رد اليمين عليه فحلف حكم له بالزوجية إذا كان ذلك بعد أن حلف في الدعوى على الزوجية بعد الرد عليه ، وإن كان قبل تمامية الدعوى مع الزوجة فيبقى النزاع بينه وبينها كما إذا وجه الدعوى أولا عليه. والحاصل : ان هذه دعوى على كل من الزوج والزوجة ، فمع عدم البينة إن حلفا سقط دعواه عليهما ، وإن نكلا أو رد اليمين عليه فحلف ثبت مدعاه. وإن حلف أحدهما دون الآخر فلكل حكمه ، فإذا حلف الزوج في الدعوى عليه فسقط بالنسبة اليه ، والزوجة لم تحلف بل ردت اليمين على المدعي أو نكلت ورد الحاكم عليه فحلف وإن كان لا يتسلط عليها لمكان حق الزوج ، إلا أنه لو طلقها أو مات عنها ردت اليه ، سواء قلنا [١] إن اليمين المردودة بمنزلة الإقرار ، أو بمنزلة البينة ، أو قسم ثالث [٢]. نعم‌

______________________________________________________

وليست لي بينة. فقال (ع) : إن كان ثقة فلا يقربها ، وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه » (١). ولم يعرف عامل به ، فيتعين حمله على الاستحباب ، للاحتياط.

[١] إذ هي على كل واحد من الوجوه المذكورة تكون مثبتة لحق الحالف على خصمه.

[٢] إذا كانت بمنزلة الإقرار تكون طريقاً إلى إثبات الحق على المنكر فقط ، فلا يتعدى الى غيره ، كما هو حال الإقرار. وإذا كانت بمنزلة البينة تكون طريقاً إلى إثبات المدعى ولوازمه ، كما هو حال البينة. وإذا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.


في استحقاقها النفقة والمهر المسمى على الزوج إشكال [١] ، خصوصاً إن قلنا أنه بمنزلة الإقرار [٢] أو البينة. هذا كله إذا كانت منكرة لدعوى المدعي. وإما إذا صدقته وأقرت بزوجيته فلا يسمع بالنسبة إلى حق الزوج ، ولكنها مأخوذة بإقرارها ، فلا تستحق النفقة على الزوج ولا المهر المسمى ، بل ولا مهر المثل إذا دخل بها ، لأنها بغية بمقتضى إقرارها‌

______________________________________________________

كانت على وجه آخر فيمكن أن يثبت بعض اللوازم دون بعض. وقد ذكروا فروعاً تتفرع على الخلاف المذكور. منها : ما لو أقام المدعى عليه بينة على أداء الدين أو الإبراء منه ، بعد أن حلف المدعي للدين. فان قلنا أن اليمين كالبينة سمعت البينة من المدعى عليه. وإن جعلناها كالإقرار منه لم تسمع ، لكونه بإقراره (١) مكذب لبينته. والذي حكاه في الجواهر عن بعض متأخري المتأخرين : أنها قسم ثالث ، فقد يجري عليها حكم الإقرار ، وقد يجري عليها حكم البينة ، وقد لا يجري عليها حكم أحدهما. وجعله في الجواهر هو المتجه. وكذلك المصنف في كتاب القضاء.

[١] لأن النفقة والمهر المسمى من حقوق الزوجة الثابتة لها لأجل زوجيتها ، فاذا ثبتت زوجيتها للمدعي باليمين المردودة فقد سقطت حقوق زوجيتها للآخر ، وثبتت لها بالإضافة الى المدعي لو لا إقرارها بنفي الزوجية له ، فلا وجه لمطالبتها الزوج بها. وبالجملة : مقتضى اليمين المردودة نفي حقوقها الثابتة لها من جهة زوجيتها لغير المدعي.

[٢] لما هو ظاهر من مقتضى الإقرار ، وسيأتي في المتن. وحال البينة أظهر فإنها حجة على نفي الاستحقاق.

__________________

(١) كذا ذكر الجماعة لكنه لا ينطبق على الفرض ، لكون الحالف غير المقيم البينة ( منه 1 )


إلا أن تظهر عذراً [١] في ذلك. وترد على المدعي [٢] بعد موت الزوج أو طلاقه الى غير ذلك.

( الرابعة ) : إذا ادعى رجل زوجية امرأة وأنكرت فهل يجوز لها أن تتزوج من غيره قبل تمامية الدعوى مع الأول وكذا يجوز لذلك الغير تزويجها ، أولا إلا بعد فراغها من المدعي؟ وجهان [٣] ،

______________________________________________________

[١] على ما تقدم في المسألة الثانية.

[٢] عملا بحكم الحاكم.

[٣] قال في المسالك : « ومما يتفرع على الخلاف الأول ( يعني : الخلاف في المسألة الثالثة ) جواز العقد على هذه لغير المدعي قبل انتهاء الدعوى وعدمه. فان قلنا بسماعها بعد التزويج وترتب فائدتها السابقة صح العقد الثاني ، وبقيت الدعوى بحالها. لكن العقد الثاني يفيد سقوط تسلط المدعي على البضع ، فيحتمل لذلك عدم جواز العقد حتى ينهي الأول دعواه ، لسبق حقه ، فلا يسقطه الثاني بعقده. نعم لو تراخى الأول في الدعوى أو سكت عنها فجواز العقد أجود ، حذراً من الإضرار المترتب على المنع ، فان الزوج إذا علم بعدم إقدام أحد عليها أمكن أن يؤخر دعواه لذلك ، ليطول الأمر عليها ، ويتوجه عليها الضرر بترك التزويج ، فيكون وسيلة إلى الرجوع اليه ، وهو يستلزم الحرج والإضرار المنفيين بالآية والرواية‌ (١). وإن قلنا بعدم سماع الدعوى على المعقود عليها أصلا‌

__________________

(١) مثل قوله تعالى ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة : ١٨٥ وقوله تعالى ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ) المائدة : ٦ وقوله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج : ٧٨. وقد يدل عليه خبر عبد الأعلى مولى آل سام ( الوسائل باب : ٣٩ من أبواب الوضوء حديث : ٥. )


من أنها [١] قبل ثبوت دعوى المدعي خلية ومسلطة على نفسها. ومن تعلق حق المدعي بها [٢] ، وكونها في معرض‌

______________________________________________________

ـ كما ذهب اليه المصنف ـ اتجه عدم جواز تزويجها الى أن تخرج من حقه بانتهاء الدعوى. ويشكل الأمر حينئذ لو ماطل بها وقصد ما ذكرناه ولعل الجواز حينئذ مطلقاً أقوى ».

والتحقيق جواز التزويج على كل من القولين ، إذ ليس ما يحتمل المانعية على القول الأول إلا عدم تسلط المدعي على البضع على تقدير اليمين المردودة من المرأة أو نكولها ، وعلى القول الثاني إلا سقوط حق الدعوى ، لكنهما لا يصلحان للمانعية إذ لا دليل على قصر سلطنة المرأة على نفسها بمجرد ذلك. وسقوط حق الدعوى بالتزويج لا يقتضي حرمة التزويج ، ولا المنع من السلطنة عليه ، لأنه ليس تصرفاً في الحق ، بل من قبيل رفع موضوعه ، فيسقط على أن جواز الادعاء من الاحكام ، ولم يثبت أنه من الحقوق ، فإنه لا يسقط بالإسقاط. وبالجملة : بناء على عدم سماع الدعوى من المدعي على المزوجة ، يكون الشرط في سماع الدعوى كونها خلية ، فيكون من قبيل شرط الوجوب ، وشرط الوجوب لا يجب بالوجوب ، فلا مانع من أن تجعل نفسها مزوجة غير خلية ، فتتخلص من الادعاء عليها. وأولى منه بذلك عدم تسلط المدعي على البضع على تقدير النكول أو اليمين المردودة ، إذ هو محتمل الثبوت بعد ذلك ، ولا يصلح العلم بثبوته لقصر السلطنة ، فضلاً عن احتمال ثبوته. وفي كونه من الحقوق إشكال ظاهر ، فإنه أيضا لا يسقط بالإسقاط. والى بعض ما ذكرنا أشار في الجواهر.

[١] هذا وجه الجواز. ومرجعه إلى قاعدة السلطنة على النفس.

[٢] إن كان المراد به حق الدعوى ، فقد عرفت أن حق الدعوى مشروط بكونها خلية. مضافاً الى أنه لم يثبت كونه من الحقوق.


ثبوت زوجيتها للمدعي [١]. مع أن ذلك تفويت حق المدعي [٢] إذا ردت الحلف عليه وحلف ، فإنه ليس حجة على غيرها ، وهو الزوج. ويحتمل التفصيل [٣] بين ما إذا طالت الدعوى فيجوز ، للضرر عليها بمنعها حينئذ ، وبين غير هذه الصورة والأظهر الوجه الأول. وحينئذ فإن أقام المدعي بينة ، وحكم له بها كشف عن فساد العقد عليها [٤]. وإن لم يكن له بينة وحلفت بقيت على زوجيتها. وإن ردت اليمين على المدعي وحلف ففيه وجهان : من كشف كونها زوجة للمدعي فيبطل العقد عليها ، ومن أن اليمين المردودة لا يكون مسقطاً لحق الغير ، وهو الزوج. وهذا هو الأوجه [٥]. فيثمر فيما إذا‌

______________________________________________________

[١] المعرضية لا تزاحم قاعدة السلطنة على النفس.

[٢] الحق المذكور استقبالي ، فلا يمنع من قاعدة السلطنة إذا كان معلوماً ، فضلا عما إذا كان محتملا كما عرفت.

[٣] قد احتمله في المسالك.

[٤] لأن البينة حجة في المداليل الالتزامية.

[٥] الذي تقتضيه القواعد العامة ، فإنه لم يثبت أن اليمين المردودة تصلح لإثبات نفي زوجية الرجل الذي تزوجها حين الدعوى. اللهم إلا أن يقال : إذا ثبتت زوجية الرجل المدعي انتفت زوجية الآخر ، لأن الثاني من أحكام الأول لا من لوازمه ، فلو فرض أن اليمين المردودة كالأصل كانت كافية في نفي زوجية الآخر. اللهم إلا أن يقال : إنها لا تصلح لإثبات زوجية الرجل المدعي مطلقاً ، بل تثبيتها من وجه دون آخر. نظير أصالة صحة الصلاة مع الشك في الطهارة ، فإنها لا تثبت الطهارة‌


طلقها الزوج أو مات عنها ، فإنها حينئذ ترد على المدعي. والمسألة سيالة تجري في دعوى الأملاك [١] وغيرها أيضا. والله العالم.

( الخامسة ) : إذا ادعى رجل زوجية امرأة فأنكرت وادعت زوجيته امرأة أخرى لا يصح شرعا زوجيتها لذلك الرجل مع الامرأة الأولى ـ كما إذا كانت أخت الأولى أو أمها أو بنتها ـ فهناك دعويان : إحداهما : من الرجل على الامرأة والثانية : من الامرأة الأخرى على ذلك الرجل ، وحينئذ فاما أن لا يكون هناك بينة لواحد من المدعيين ، أو يكون لأحدهما دون الآخر أو لكليهما. فعلى الأول : يتوجه اليمين على المنكر في كلتا الدعويين ، فان حلفا سقطت الدعويان ، وكذا [٢] إن نكلا وحلف كل من المدعيين اليمين المردودة. وإن حلف‌

______________________________________________________

مطلقاً ، وإنما تثبتها بلحاظ الصلاة لا غير ، نظير الإقرار.

[١] كما إذا آجر الإنسان ما في يده ، فادعاه آخر ، فان كانت له بينة حكم له بها ، وإلا فاليمين المردودة أو نكول المالك لا يسوغ انتزاع المال من المستأجر. كالإقرار من المؤجر. وعليه فاذا ادعاه مدع قبل أن يؤجره يقع الكلام في صحة الإجارة قبل انتهاء الدعوى. وكذا إذا كان وقف بيد وليه فآجره ثمَّ ادعى الولاية عليه آخر ، فإنه يجري فيه ما ذكر في المسألة الثالثة. وهل يجوز له إيجاره بعد الدعوى على الولي ، أولا ، فينتظر حتى تنتهي الدعوى؟.

[٢] يعني : تسقط الدعويان ، مع أنه حينئذ تثبت الدعويان باليمين المردودة على المدعي ، لكن لما كانت الدعويان متكاذبتين ومتعلقتين بشخص‌


أحدهما ونكل الآخر وحلف مدعيه اليمين المردودة ، سقطت دعوى الأول [١] وثبت مدعي الثاني. وعلى الثاني ـ وهو ما إذا كان لأحدهما بينة ـ يثبت مدعى من له البينة. وهل تسقط دعوى الآخر ، أو يجري عليه قواعد الدعوى من حلف المنكر أو رده؟ قد يدعى القطع بالثاني ، لأن كل دعوى لا بد فيها من البينة أو الحلف. ولكن لا يبعد تقوية الوجه الأول. لأن البينة حجة شرعية وإذا ثبت بها زوجية إحدى الامرأتين لا يمكن معه زوجية الأخرى ، لأن المفروض عدم إمكان الجمع بين الامرأتين ، فلازم ثبوت زوجية إحداهما بالأمارة الشرعية عدم زوجية الأخرى [٢].

______________________________________________________

واحد لم يمكن الحكم بثبوتهما معاً. ولأجل ذلك قد يشكل جواز رد اليمين من أحدهما بعد أن رد عليه اليمين من الآخر ، لأن نتيجة الرد التساقط. ولذا قال في الجواهر : « ولو ردت الأولى عليه اليمين مثلا فحلف هو ، فهل له رد اليمين على المدعية؟ وجهان ». إلا أن يقال : إن التساقط ليس من آثار الرد الثاني ، بل من آثار الردين واجتماع اليمينين المردودتين.

[١] بيمين المنكر. وثبتت دعوى الثاني باليمين المردودة عليه.

[٢] هذا يتم بناء على قبول بينة المنكر ، وتكون بدلاً عن يمينه ، كما عليه جماعة ، ومنهم المصنف (ره). أما على المشهور من عدم قبولها فلا بد من الرجوع الى يمين المنكر ، أو اليمين المردودة على المدعي. مضافاً الى أن بينة أحدهما على الزوجية لا تكون بينة على نفي زوجية الأخرى حتى تشهد بذلك مطابقة ، وإلا فالشهادة بزوجية إحداهما لا تكون شهادة بنفي زوجية الأخرى ، لإمكان الغفلة عن ذلك ، أو لعدم اعتقاد الملازمة.


وعلى الثالث : [١] فاما أن يكون البينتان مطلقتين ، أو مؤرختين متقارنتين ، أو تاريخ إحداهما أسبق من الأخرى. فعلى الأولين تتساقطان [٢] ، ويكون كما لو لم يكن بينة أصلا. وعلى الثالث : ترجح الأسبق [٣] إذا كانت تشهد بالزوجية من‌

______________________________________________________

نعم هي حجة على نفي زوجية الأخرى ، لكنها ليست شهادة بالنفي. ثمَّ إن شيخنا في الجواهر ذكر أنه لا بد له من اليمين على نفي ما ادعته الأخت ، وفاقاً للشهيد. ضرورة كونه منكراً بالنسبة إلى دعواها. والبينة على زوجية أختها لا تقتضي العلم بكذبها ، ضرورة إمكان صدق البينة مع تقدم العقد عليها. انتهى. وفيه : أن ذلك يتم إن كان مستند البينة وقوع العقد المبني على ظاهر الصحة ، أما إذا كان المستند العلم فالبينة كما تشهد بالزوجية المدعاة للرجل مثلا ، تدل على كذب دعوى الأخت ضرورة.

[١] الصور المتصورة في المقام هي أن البينتين إما مطلقتان ، أو مؤرختان ، أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة. والمؤرختان تارة : يتفق تاريخهما ، وأخرى يختلف. ومع الاختلاف تارة : يتقدم تاريخ بينته ، وأخرى يتقدم تاريخ بينتها. والجميع تارة : يكون كل منهما مع الدخول ، وأخرى مع عدمه‌

[٢] للتعارض بينهما والتكاذب.

[٣] هذا إذا كانت تشهد بالبقاء استناداً الى العلم ، وكانت الثانية تشهد استناداً الى ظاهر وقوع العقد في كونه صحيحاً ، فإن الأولى على هذا تكون رافعة لمستند الثانية ، فتبطل. أما إذا كانت الثانية أيضا تشهد اعتماداً على العلم فهما حينئذ متعارضتان ، ولا وجه لترجيح الأسبق تاريخاً. كما أنه إذا كانت الأولى تشهد بالبقاء اعتماداً على الاستصحاب ، والثانية تشهد اعتماداً على العلم ، كانت الثانية مقدمة على الأولى ، لأنها رافعة لمستند‌


ذلك التاريخ الى زمان الثانية. وإن لم تشهد ببقائها إلى زمان الثانية فكذلك [١] إذا كانت الامرأتان الأم والبنت مع تقدم تاريخ البنت ، بخلاف الأختين والام والبنت مع تقدم تاريخ الام ، لإمكان صحة العقدين ، بأن طلق الاولى وعقد على الثانية في الأختين ، وطلق الام مع عدم الدخول بها. وحينئذ ففي ترجيح الثانية أو التساقط وجهان [٢]. هذا ولكن وردت رواية [٣] تدل على تقديم بينة الرجل ، الا مع سبق بينة‌

______________________________________________________

الأولى في البقاء ، وهو الاستصحاب. وكذا إذا كان مستند الثانية أصالة الصحة ، فإنها أيضا مقدمة على الاستصحاب.

[١] يعني : ترجح الأسبق. للتعارض والتكاذب الواقع بينهما الناشئ من تنافيهما وإن اختلف تاريخهما. هذا مع الاشتراك في المستند. وأما مع اختلافه : فاذا كانت الثانية تشهد استناداً الى العلم والأسبق تشهد استناداً الى الظاهر لزم ترجيح الثانية ، لأنها تشهد ببطلان مستند الأولى.

[٢] أقربهما الأول ، سواء كان مستند الثانية العلم ، أم وقوع العقد المبني على ظاهر الصحة. إذ بقاء العقد الأول إنما يكون بالاستصحاب ، وهو لا يجري مع الشهادة بمنافيه ، لتقدم البينة على الاستصحاب. وبالجملة : إذا كان مستند إحدى البينتين مقدماً على مستند الأخرى عند المشهور عنده تكون البينة الأخرى باطلة المستند ، فلا تكون حجة ، فالبينة التي مستندها العلم ترفع حجية الأصل أو الظاهر الذي هو مستند الأخرى ، فتكون الأخرى باطلة المستند ، فتخرج عن دليل الحجية. وكذا البينة التي مستندها الظاهر المقدم على الأصل ، فإن ذلك المستند يبطل الأصل عند المشهود عنده ، فتبطل البينة المستندة اليه.

[٣] وهي‌ رواية الزهري عن علي بن الحسين (ع) : « في رجل


الامرأة المدعية أو الدخول بها في الأختين. وقد عمل بها المشهور [١]

______________________________________________________

ادعى على امرأة أنه تزوجها بولي وشهود ، وأنكرت المرأة ذلك ، فأقامت أخت هذه المرأة على هذا الرجل البينة أنه تزوجها بولي وشهود ، ولم يوقتا وقتاً. فكتب : ان البينة بينة الرجل ، ولا تقبل بينة المرأة ، لأن الزوج قد استحق بضع هذه المرأة ، وتريد أختها فساد النكاح ، فلا تصدق ولا تقبل بينتها إلا بوقت قبل وقتها ، أو بدخول بها » (١). ورواها الشيخ في التهذيب أيضا عن عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفي عن أبي عبد الله (ع) (٢).

[١] في جامع المقاصد : « كان هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب » ، وفي المسالك : « لا يظهر فيه خلاف بينهم ، وأنه ربما ادعى عليه الإجماع » ، وفي كشف اللثام : « الأصحاب عملوا به من غير خلاف يظهر ، إلا من المحقق في النكت ». وفي الكفاية : أن بعضهم نقل الإجماع عليه. انتهى. وفي الجواهر : « من غير خلاف يعرف على ما اعترف به غير واحد. وعن بعض دعوى الإجماع عليه ».

وفي المسالك : « هو مخالف للقواعد الشرعية في تقديم بينة الرجل مع إطلاق البينتين أو تساوي التاريخين ، لأنه منكر ، ويقدم قوله مع عدم البينة ، ومن كان القول قوله فالبينة بينة صاحبه ». ونحوه في جامع المقاصد. وفيه : أنه منكر بالنسبة إلى دعوى الأخت لا بالنسبة إلى دعواه على أختها ، فإنه حينئذ مدع. إلا أن يقال : إن النص دل على تقديم بينته حتى بالإضافة إلى دعوى الأخت عليه ، التي يكون فيها منكراً. اللهم إلا أن يقال : إنما يتم بناء على عدم الحاجة الى اليمين ، أما بناء‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٢ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب كيفية القضاء حديث : ١٣.


______________________________________________________

على ضم اليمين إلى البينة فيكون الأخذ بقوله لأجل اليمين. فتأمل. والعمدة في مخالفة الرواية للقواعد الحكم فيها بتقديم بينة الرجل إلا في صورتين ، فان وجه التقديم غير ظاهر بالنظر الى القواعد.

وقد تصدى في كشف اللثام لتطبيقها على القواعد فقال : « إن الوجه في ترجيح بينته على بينتها أنها تنكر ما هو فعله ، ولعله عقد على الأولى قبل العقد عليها وهي لا تعلم ، ولا يعلم فعله إلا من قبله ».

وقد أطال شيخنا الأعظم في تقريبه ، وحاصله : أن كلا من بينة الرجل والأخت إنما يكون مستندها العقد فهما تتساويان في الاستناد والاعتماد ، لكن الرجل والأخت يختلفان في الاعتماد ، فان اعتماد الأخت في دعواها على ظاهر العقد كبينتها ، لكن اعتماد الرجل في دعواه على العلم بصحة ما يدعيه وفساد ما تدعيه الأخت ، لأن مناط صحة ما تدعيه الأخت من زوجية نفسها وتنكره من زوجية أختها إنما يعرف من قبل الرجل ، فهو أعرف به.

ويشكل : بأنه يمكن أن يكون الاعتماد من الأخت على العلم كما يمكن ذلك من بينتها ، فتكون حينئذ كالرجل. كما أنه يمكن أن يكون اعتماد الرجل على ظاهر قول أو فعل أو إخبار وكيل. وكذا اعتماد بينته. فلا وجه حينئذ لإطلاق الترجيح. ولا سيما وأن هذا المقدار من الاختلاف لا يوجب الترجيح. فاذاً ما ذكره ممنوع صغرى وكبرى.

وبالجملة : يتعين الرجوع في الترجيح الى ما سبق من أنه إذا تساوى مستند البينتين تساقطتا ، وإذا اختلف بأن كان مستند إحداهما العلم ومستند الأخرى حجة غيره فالبينة الأولى مقدمة ، لأنها دالة على بطلان مستند الثانية ، وإن كان مستند إحداهما أصلا ومستند الأخرى أمارة كانت الثانية مقدمة ، لأنها أيضا دالة على بطلان مستند الأولى ، ومع ثبوت بطلان‌


في خصوص الأختين. ومنهم من تعدى إلى الأم والبنت أيضا [١] ولكن العمل بها حتى في موردها مشكل ، لمخالفتها للقواعد [٢] وإمكان حملها على بعض المحامل [٣] التي لا تخالف القواعد.

______________________________________________________

المستند تخرج عن دليل الحجية. وكذا كل حجة تبين بطلان مستندها.

[١] يظهر من الجواهر الميل اليه ، قال (ره) في وجهه : « ضرورة عدم المدخلية للأخوة فيه ، بل إنما هو لتحريمه ، وهو مشترك بين الجميع. مضافا الى ما عرفته من موافقة الحكم للقواعد الشرعية في الجملة ، التي لا فرق فيها بين الجميع كما يومئ اليه التعليل في الخبر ». وفي القواعد : « وفي انسحاب الحكم في مثل الأم والبنت إشكال ». وفي جامع المقاصد : الجزم بعدم التجاوز عن مورد النص. ونحوه في المسالك.

[٢] قد تقدم في المسالك : أن الوجه في المخالفة للقواعد الأخذ ببينة المنكر. وفي غيرها : الوجه تقديم إحدى البينتين على الأخرى من غير مرجح. وكيف كان فقد عرفت أن هذا لا يصلح مانعاً من العمل بها ، فأكثر الروايات الدالة على الوجوب والحرمة ونحوهما مخالفة للقواعد العامة.

[٣] ذكر في الحدائق : أن حكمه (ع) بتقديم بينة الرجل وصحة دعواه وبطلان دعوى الأخت ، لعله لأمر ظهر له بقرائن الحال يومئذ ، فإنه (ع) جزم وحكم بصحة دعوى الزوج ، وأنه قد استحق بضع هذه المرأة ، وحكم ببطلان دعوى أختها. وأنها إنما تريد فساد النكاح ، فلا تصدق إلا على أحد الوجهين المذكورين. انتهى. فيحتمل أن يكون مراده أن مورد السؤال قضية خاصة لا كلية. لكن ينافيه جداً التفصيل المذكور. ويحتمل أن يكون مراده أن التعليل المذكور يشهد بأن السؤال في الرواية كان مشتملاً على بعض القيود الدالة على لزوم تقديم بينة الرجل وصحة دعواه ، وأن ما كان من الأخت كان مناصرة منها لأختها. وربما تشير الى ذلك في‌


( السادسة ) : إذا تزوج العبد بمملوكة ثمَّ اشتراها بإذن المولى ، فان اشتراها للمولى بقي نكاحها على حاله [١] ، ولا إشكال في جواز وطئها [٢]. وإن اشتراها لنفسه بطل نكاحها [٣]

______________________________________________________

الجملة فاء الترتيب في قول السائل : « فأقامت .. ». وعلى هذا تكون الرواية مجملة ، للجهل بالقيود المأخوذة في السؤال ، ولا مجال حينئذ للعمل بالرواية في الأختين ، فضلاً عن غيرهما ممن لا يمكن الجمع بينهما في الزوجية.

( تنبيه ) : قال في القواعد : « والأقرب الافتقار الى اليمين على التقديرين إلا مع السبق ». وقال في المسالك : « إن ظاهر النص أن من قدم جانبه لا يفتقر معه الى اليمين. وكذلك أطلق المصنف الحكم تبعاً لظاهره .. ( الى أن قال ) : والأقوى الافتقار الى اليمين إلا مع سبق تاريخ إحدى البينتين ». ثمَّ علله : بأنه مع التعارض بتساوي التاريخ أو إطلاقه يتساقط البينتان ، فلا بد من مرجح للحكم بإحداهما. وفيه : أنه لا وجه له بعد الاعتراف بأنه خلاف ظاهر النص.

[١] بلا خلاف فيه ظاهر ولا إشكال. ويظهر منهم أنه من المسلمات. ويقتضيه الأصل ، إذ ليس ما يحتمل إبطاله العقد إلا الانتقال من مالك الى آخر ، ولم يقم على إبطاله دليل ، فيتعين البناء على عدمه.

[٢] إذا أحرز الاذن من السيد له في ذلك ولو بالأصل ، وإلا فعموم عدم جواز التصرف من مال الغير بغير إذنه كاف في المنع.

[٣] بلا خلاف ظاهر ، وفي الجواهر ـ في مباحث بيع الحيوان ـ : دعوى الإجماع بقسميه على بطلان النكاح إذا اشترى أحد الزوجين صاحبه. وهذا هو العمدة. نعم تعضده النصوص الدالة على بطلان نكاح الأمة من العبد إذا ملكت زوجها‌ (١) ، بضميمة عدم القول بالفصل. وقد استدل‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٤٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١ ، ٣.


وحلت له بالملك [١] على الأقوى من ملكية العبد. وهل يفتقر وطؤها حينئذ الى الاذن من المولى ، أو لا؟ وجهان. أقواهما : ذلك [٢] ، لان الإذن السابق إنما كان بعنوان الزوجية وقد زالت بالملك [٣] فيحتاج الى الاذن الجديد. ولو اشتراها لا بقصد كونها لنفسه أو للمولى ، فان اشتراها بعين مال المولى كانت له [٤] ، وتبقى الزوجية [٥]. وإن اشتراها بعين ماله كانت له ، وبطلت الزوجية. وكذا إن اشتراها في الذمة ، لانصرافه إلى ذمة نفسه. وفي الحاجة الى الاذن الجديد وعدمها الوجهان‌

______________________________________________________

عليه بقوله تعالى ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (١) بناء على ظهوره في منع الجمع بينهما. لكنه لو تمَّ توقف على إثبات صحة البيع ، وإلا فالبناء على بطلان البيع وبقاء الزوجية أولى ، عملاً بالاستصحاب. فاذاً العمدة فيه الإجماع.

[١] عملاً بعموم الأدلة.

[٢] كما في الجواهر. للحجر عليه في التصرف وإن قلنا بملكيته. والاذن في شرائها لا يقتضي الاذن في التصرف.

[٣] يعني : وإذا زال الموضوع زال حكمه ، ولا مجال لاستصحابه. اللهم إلا أن يقال : الزوجية ليست مقومة لموضوع الاستصحاب عرفاً فزوالها لا يوجب تبدل الموضوع ، فلا مانع من الاستصحاب.

[٤] يعني للمولى. إذ المعاوضة بينها وبين المال تقتضي أن تدخل في كيس من خرج من كيسه المال.

[٥] لما سبق من الأصل. ومما ذكرنا يظهر وجه ما بعده.

__________________

(١) المؤمنون : ٦.


( السابعة ) : يجوز تزويج امرأة تدعي أنها خلية من الزوج من غير فحص [١] ، مع عدم حصول العلم بقولها ، بل وكذا إذا لم تدع ذلك [٢] ولكن دعت الرجل الى تزويجها‌

______________________________________________________

[١] بلا إشكال ظاهر. ويقتضيه‌ خبر ميسر قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد ، فأقول لها : ألك زوج؟ فتقول : لا فأتزوجها؟ قال (ع) : نعم ، هي المصدقة على نفسها » (١). و‌خبر أبان بن تغلب : « قلت لأبي عبد الله (ع) إني أكون في بعض الطرقات ، فأرى المرأة الحسناء ، ولا آمن أن تكون ذات بعل أو من العواهر. قال (ع) : ليس هذا عليك. إنما عليك أن تصدقها في نفسها » (٢). ونحوهما خبر يونس وخبر عبد العزيز بن المهتدي المتقدمان في المسألة الثالثة. وأما‌ خبر عمر بن حنظلة قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : إني تزوجت امرأة فسألت عنها ، فقيل فيها. فقال : وأنت لم سألت أيضا؟! ليس عليكم التفتيش » (٣) فغير ظاهر فيما نحن فيه.

[٢] كما يفهم من‌خبر الفضل مولى محمد بن راشد عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت » إني تزوجت امرأة متعة ، فوقع في نفسي أن لها زوجا ففتشت. فقال أبو عبد الله (ع) : ولم فتشت؟! (٤) ‌و‌خبر محمد بن عبد الله الأشعري قال : « قلت للرضا (ع) : الرجل يتزوج بالمرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا. فقال (ع) : وما عليه ، أرأيت لو سألها البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج؟ » (٥). لكن الظاهر من الخبرين ترك السؤال بعد التزويج‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.

(٢) الكافي الجزء ج : ٥ الصفحة ٤٦٢ طبعة إيران الحديثة.

(٣) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المتعة حديث : ٣.

(٥) الوسائل باب : ١٠ من أبواب المتعة حديث : ٥.


أو أجابت إذا دعيت اليه ، بل الظاهر ذلك وإن علم كونها ذات بعل سابقاً وادعت طلاقها أو موته [١]. نعم لو كانت متهمة في دعواها فالأحوط الفحص عن حالها [٢]. ومن هنا ظهر جواز تزويج زوجة من غاب غيبة منقطعة ولم يعلم‌

______________________________________________________

اعتماداً على العلم بأنها خلية ، وإن كان الجواب في الثاني يشعر بعموم الحكم لما قبل التزويج.

[١] لإطلاق النصوص.

[٢] كما يقتضيه‌ صحيح أبي مريم عن أبي جعفر (ع) : « أنه سئل عن المتعة ، فقال : إن المتعة اليوم ليست كما كانت قبل اليوم ، إنهن كن يومئذ يؤمن واليوم لا يؤمن ، فاسألوا عنهن » (١). لكن في الشرائع في مبحث المتعة استحباب السؤال مع التهمة وعدم وجوبه. ويظهر من الحدائق وغيرها : أنه إجماعي. وفي المسالك : « ليس السؤال شرطاً في الصحة ، للأصل ، وحمل تصرف المسلم على الصحيح. و‌قد روى أحمد ابن أبي نصر وغيره قال : ( قلت للرضا (ع) .. ) » ‌، وذكر رواية الأشعري السابقة. وكأن المراد من الأصل عموم الأدلة. لكنه غير ظاهر الجريان مع الشبهة الموضوعية. وأما أصالة عدم المانع ، فغير مطردة في صورة سبق المانع ، كما إذا علم أن لها زوجاً. ومثله في الاشكال حمل التصرف على الصحة ، فإنه غير ظاهر الشمول لما نحن فيه مما كان التصرف حلالاً أو حراماً ، لا صحيحاً أو فاسداً. مع أن ذلك لا يصلح لمعارضة الصحيح السابق. فالعمدة هو خبر الأشعري ونحوه المعول عليه عندهم على نحو يتعين الخروج به عن ظاهر الصحيح. ومن ذلك يظهر الكلام فيما يأتي من تزويج زوجة الغائب إذا لم تكن متهمة وإذا كانت متهمة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب المتعة حديث : ١.


موته وحياته ، إذا ادعت حصول العلم لها بموته من الامارات والقرائن ، أو بإخبار المخبرين ، وان لم يحصل العلم بقولها. ويجوز للوكيل أن يجري العقد عليها ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم. ولكن الأحوط الترك خصوصاً إذا كانت متهمة.

( الثامنة ) : إذا ادعت امرأة أنها خلية فتزوجها رجل ثمَّ ادعت بعد ذلك كونها ذات بعل لم تسمع دعواها [١]. نعم لو أقامت البينة على ذلك فرق بينها وبينه [٢] ، وإن لم يكن هناك زوج معين بل شهدت بأنها ذات بعل على وجه الإجمال.

( التاسعة ) : إذا وكلا وكيلاً في إجراء الصيغة في زمان معين لا يجوز لهما المقاربة بعد مضي ذلك الزمان [٣] ، إلا إذا حصل لهما العلم بإيقاعه. ولا يكفي الظن بذلك ، وإن حصل من إخبار مخبر بذلك ، وإن كان ثقة [٤]. نعم‌

______________________________________________________

[١] إذ لا دليل على سماعها. والنصوص المتقدمة لا تشملها.

[٢] عملاً بحجية البينة. بل يجب على الزوج فراقها لذلك. وإخبارها السابق لا يصلح لمعارضة البينة ، لا قبل التزويج ، ولا بعده ، لاختصاص دليله بغير ذلك.

[٣] للشك في تحقق العقد ، الموجب للرجوع إلى أصالة عدمه.

[٤] لعدم الدليل على حجية خبر الثقة. وبناء العقلاء إن تمَّ فهو لا يصلح لمعارضة ما دل على نفي الحجية في الموضوعات لغير البينة. مثل‌ قوله (ع) : « والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البينة » (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٤.


لو أخبر الوكيل بالإجراء كفى إذا كان ثقة ، بل مطلقاً [١] لأن قول الوكيل حجة فيما وكل فيه.

فصل في أولياء العقد

وهم الأب ، والجد [٢] من طرف الأب ، بمعنى :

______________________________________________________

[١] عموم الحجية لغير الثقة غير ظاهر من السيرة. نعم إطلاق معقد الإجماع على أن من ملك شيئاً ملك الإقرار به ـ بناء على كون المقام من صغرياته ، كما هو الظاهر ـ يقتضي عموم الحكم لغير الثقة.

فصل في أولياء العقد

[٢] ثبوت الولاية لهما في الجملة من القطعيات ، المدعى عليها الإجماع. والنصوص والفتاوى شاهدة بذلك. ففي صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن الصبية يزوجها أبوها ، ثمَّ يموت وهي صغيرة. فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، يجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال (ع) : يجوز عليها تزويج أبيها » (١) ‌، و‌صحيح عبد الله ابن الصلت قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها ، لها أمر إذا بلغت؟ قال (ع) : لا. ليس لها مع أبيها أمر. قال : وسألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء لها مع أبيها أمر؟ قال (ع) : ليس لها مع أبيها أمر ما لم تكبر » (٢) ‌، و‌صحيح الفضل بن عبد الملك

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.


أب الأب فصاعداً ، فلا يندرج فيه أب أم الأب [١] ، والوصي لأحدهما مع فقد الآخر ، والسيد بالنسبة إلى مملوكه ،

______________________________________________________

قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير. قال (ع) : لا بأس. قلت : يجوز طلاق الأب؟ قال (ع) : لا » (١) ‌، و‌صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « قال : إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه » (٢) ‌، و‌صحيح هشام بن سالم ومحمد بن حكيم عن أبي عبد الله (ع) قال : « إذا زوج الأب والجد كان التزويج للأول. فإن كانا جميعاً في حال واحدة فالجد أولى » (٣). ونحوها غيرها. ومن ذلك يظهر ضعف ما عن ابن أبي عقيل من نفي ولاية الجد.

[١] كما هو المعروف ، لما يستفاد من نصوص ولاية الجد من الاختصاص بأب الأب ، بقرينة التمسك‌ بقول النبي (ص) : « أنت ومالك لأبيك » (٤). وعن ابن الجنيد ثبوت الولاية للأم وآبائها ، مستدلا على ذلك بأن رسول الله (ص) أمر نعيم بن النحام أن يستأمر أم ابنته في أمرها ، و‌قال : وائتمروهن في بناتهن (٥). انتهى. وقد يستدل له أيضا‌ بموثق إبراهيم ابن ميمون عن أبي عبد الله (ع) : وقال (ع) : إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر. وإذا كانت قد تزوجت لم يزوجها إلا برضا منها » (٦). لكن لا مجال لذلك بعد دعوى الإجماع على خلافه ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٨ من أبواب المهور حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥.

(٥) سنن البيهقي الجزء : ٧ الصفحة : ١١٦.

(٦) الوسائل باب : ٩ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.


والحاكم. ولا ولاية للأم ، ولا الجد من قبلها ، ولو من قبل أم الأب ، ولا الأخ [١] ، والعم [٢] ، والخال ، وأولادهم [٣].

( مسألة ١ ) : تثبت ولاية الأب والجد على الصغيرين والمجنون المتصل جنونه بالبلوغ [٤].

______________________________________________________

ولا سيما بملاحظة اختصاص ذلك بالأم ، ولا يعم آباءها.

ومن الغريب ما في التذكرة : « الوجه أن جد أم الأب لا ولاية له مع جد أب الأب. ومع انفراده نظر » ، فإنه غير ظاهر المأخذ ، ولا سيما بملاحظة‌ صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « في الصبي يتزوج الصبية ، يتوارثان؟ فقال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم » (١) ‌، لظهوره في عموم نفي الولاية عن غير الأب.

[١] إجماعا ظاهراً. وما في بعض النصوص من ثبوت الولاية للأخ ـ كصحيح أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ). قال : هو الأب ، والأخ ، والرجل يوصى اليه » (٢) ‌وغيره ـ مؤول ، أو مطروح.

[٢] إجماعاً ، نصاً وفتوى ، فقد روى محمد بن الحسن الأشعري قال : « كتب بعض بني عمي إلي أبي جعفر الثاني (ع) : ما تقول في صبية زوجها عمها فلما كبرت أبت التزويج؟ قال : فكتب (ع) إلي : لا تكره على ذلك ، والأمر أمرها » (٣).

[٣] إجماعاً. ويقتضيه الأصل ، وعموم صحيح ابن مسلم المتقدم‌.

[٤] بلا خلاف أجده فيه. بل في المسالك : أنه موضع وفاق ، بل في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.


بل والمنفصل على الأقوى [١].

______________________________________________________

غيرها الإجماع عليه. كذا في الجواهر. ويقتضيه الاستصحاب. وكون الثابت منها قبل البلوغ كان للصغر وقد زال : لا يمنع من جريان الاستصحاب ، ولا يوجب تبدل الموضوع. وإن كان ظاهر الجواهر ذلك.

[١] قال في كشف اللثام : « وأما إن تجدد الجنون بعد البلوغ ففي عود ولايتهما نظر. ففي التذكرة والتحرير : أنها تعود. وهو الأقرب. بل لا عود حقيقة ، لأن ولايتهما ذاتية منوطة بإشفاقهما وتضررهما بما يتضرر به الولد ». وفي الجواهر قوة ذلك ، لأن المنشأ في ولايتهما الشفقة والرأفة ونحوهما مما لا فرق فيه بين المتصل والمنفصل. انتهى. ولا يخفى أن التعليل المذكور في كلامهم تخمين لا يعول عليه في إثبات حكم شرعي. وما في الجواهر من أن المتجه على تقدير التفصيل أنه لو كان الجنون أدواريا فاتفق دوره متصلاً بالبلوغ كانت الولاية لهما ، وبعد انتهائه ترتفع ، فاذا جاء الدور الثاني كانت الولاية للحاكم ، وهو كما ترى. انتهى. مجرد استبعاد ، لا يعول عليه في رفع اليد عن الدليل. نعم الإشكال في دليل ولاية الحاكم. و‌النبوي : « السلطان ولي من لا ولي له » (١) ‌وإن كان يقتضي ثبوت الولاية لمن لم يكن له ولي ، ولو بأصالة عدم الولي ، لكنه مختص بالسلطان. ولو بني على قيام الحاكم مقامه فلا إطلاق له يشمل غير الأمور الحسبية التي تدعو الضرورة إلى وقوعها. وقد يستدل على ما في المتن‌ بخبر زرارة عن أبي جعفر (ع) : « قال : إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت ، فإن أمرها جائز ، تزوج إن شاءت بغير إذن وليها. وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بأمر

__________________

(١) كنز العمال الجزء : ٨ ، صفحة : ٢٤٦ ، ٢٤٧ وقد ذكر أحاديث كثيرة. بهذا المضمون وسنن البيهقي الجزء : ٧ صفحة : ١٢٥.


ولا ولاية لهما على البالغ الرشيد [١] ، ولا على البالغة الرشيدة إذا كانت ثيباً [٢]. واختلفوا في ثبوتها على البكر الرشيدة‌

______________________________________________________

وليها » (١) ‌، إذ لا ريب أن المتبادر من وليها أبوها وجدها وارادة الحاكم منه في غاية البعد. ويشكل أولاً : بضعف السند. وثانياً : بإجمال الولي. ولا قرينة على تعيينه. وبعد إرادة الحاكم منه ليس مستنداً إلى دلالة ، ليكون حجة.

[١] بلا إشكال ولا خلاف. وفي كشف اللثام : « إجماعا منا ومن العامة ». ويقتضيه عموم السلطنة ، وبعض النصوص الواردة في تزويج الابن مع حضور الأب ‌(٢).

[٢] في جامع المقاصد : « اتفاق علمائنا عليه ». وفي المسالك : أنه لا خلاف بين أصحابنا في سقوط الولاية عنها ، إلا ما نقل عن الحسن ابن أبي عقيل من بقاء الولاية وهو شاذ. انتهى. وفي رسالة شيخنا الأعظم دعوى اتفاق النص والفتوى عليه. وتشهد له النصوص ، كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال في المرأة الثيب تخطب الى نفسها ، قال : هي أملك بنفسها تولي أمرها من شاءت إذا كان كفواً بعد أن كانت قد نكحت رجلاً قبله » (٣). ونحوه خبرا عبد الخالق‌ ، والحسن بن زياد‌ ، وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله‌ (٤) ، وغيرها. ولم يعرف لها معارض يمكن الاستناد إليه في إثبات قول ابن أبي عقيل ، إلا رواية عامة عامية ، على ما في المسالك. قال (ره) : « ورواياتنا خاصة خاصية. وهي مقدمة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب عقد النكاح حديث : ٦.

(٢) راجع الوسائل باب : ٦ حديث : ٤ ، ٩ وباب : ١٣ من أبواب عقد النكاح.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢ ، ملحق حديث : ٤ ، حديث : ١٢.


على أقوال ، وهي : استقلال الولي [١] ، واستقلالها [٢] ،

______________________________________________________

عند التعارض ». لكن التعارض فرع الحجية ، وهي غير ثابتة.

[١] حكي عن الشيخ في أكثر كتبه ، وعن الصدوق ، وابن أبي عقيل ، وظاهر القاضي ، وكاشف اللثام ، والكاشاني ، وغيرهم. واختاره في الحدائق. واستدل له بصحيح عبد الله بن الصلت المتقدم في صدر الباب‌ ، و‌صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ، ألها مع أبيها أمر؟ فقال (ع) : ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب » (١) ‌، و‌صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ، ليس لها مع الأب أمر. وقال (ع) : يستأمرها كل أحد ما عدا الأب » (٢) ‌، و‌خبر علي بن جعفر (ع) قال : « سألته عن الرجل هل يصلح له أن يزوج ابنته بغير إذنها؟ قال (ع) : نعم ، ليس للولد مع الوالد أمر ، إلا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك ، فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن تستأمر » (٣) ‌ونحوها غيرها. وقد استقصى شيخنا الأعظم (ره) ذكرها ، وقال بعد ذلك : « فهذه ثلاث وعشرون رواية تدل على استمرار ولاية الأب على البالغة الباكرة ».

[٢] كما في الشرائع ، والقواعد ، وغيرها ، والمنسوب الى المشهور بين القدماء والمتأخرين. وعن المرتضى في الانتصار والناصريات : الإجماع عليه. لعموم السلطنة على النفس الذي يجب الخروج عنه بما سبق. وللإجماع المدعى في الناصريات والانتصار ، الممنوع في مورد ظهور الخلاف. وللإجماع على زوال الولاية في المال فكذا في النكاح ، الموقوف على عدم الفصل ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب عقد النكاح حديث : ٨. مع اختلاف يسير.


______________________________________________________

وهو ممنوع بعد وضوح الخلاف في النكاح. وللإجماع على زوال الولاية عنها في المنقطع ، فكذا في الدائم ، الممنوع في نفسه ، كمنع عدم الفصل بين الدائم والمنقطع. و‌لمصحح الفضلاء الفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة ، وبريد بن معاوية كلهم عن ابي جعفر (ع) : « قال : المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها تزويجها بغير ولي جائز » (١). ومنع كون البكر مالكة أمرها غير مولى عليها ، إذ هو أول المسألة ـ كما في كشف اللثام ـ ضعيف ، لأن المراد من كونها مالكة أمرها أنها مالكة له في غير النكاح ، إذ لو كان المراد أنها مالكة أمرها في النكاح كان الحمل ضرورياً ، فيكون عقلياً لا شرعياً. نعم يمكن تخصيص الصحيح بالروايات السابقة ، فيحمل على غير الأب جمعاً. و‌لصحيح منصور بن حازم عن ابي عبد الله (ع) : « قال (ع) تستأمر البكر وغيرها ، ولا تنكح إلا بأمرها » (٢). واحتمال أن‌ « تستأمر » ‌بالبناء للفاعل ، يعني : هي تستأمر غيرها ، فتدل على الخلاف ـ كما في كشف اللثام ـ ضعيف ، لأنه يوجب عدم انسجام الكلام ، ولا يصح في غير البكر ، لما عرفت من حكم الثيب. نعم لا يدل على الاستقلال لان الاستثمار أعم منه. بل يمكن تخصيصه بما سبق جمعاً. و‌لخبر زرارة المتقدم عن ابي جعفر (ع) : « قال : إذا كانت المرأة مالكة أمرها ، تبيع ، وتشتري ، وتعتق ، وتشهد ، وتعطي من مالها ما شاءت ، فإن أمرها جائز ، تزوج إن شاءت بغير إذن وليها. وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بأمر وليها » (٣). ويشكل : بأنه يمكن تخصيصه بالروايات السابقة ، فيحمل على غير الأب‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ١٠.

(٣) الوسائل باب : ٩ من أبواب عقد النكاح حديث : ٦.


______________________________________________________

جمعاً. و‌لخبر سعدان بن مسلم : « قال أبو عبد الله (ع) : لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن وليها » (١). ويشكل : بأنه يمكن تخصيصه بما سبق و‌خبر ابي مريم عن ابي عبد الله (ع) : « قال : الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها. وقال : إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت » (٢). ويشكل بإجمال المراد من كونها مالكة لأمرها ، فيحتمل أن يكون المراد به البلوغ ، فيكون المراد من الجارية الصغيرة ، ويحتمل أن يكون المراد الثيب في مقابل البكر المذكورة في الصدر ، ويحتمل أن يكون المراد من ليس لها أب. والحمل على الأول غير ظاهر. ومن ذلك يظهر الإشكال في الاستدلال‌ بخبر عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (ع) : « تتزوج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها ، وإن شاءت جعلت ولياً » (٣). و‌لمرسلة سعدان بن مسلم عن رجل عن ابي عبد الله (ع) : « لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبويها » (٤) ‌، و‌خبر ابن عباس : « ان جارية بكراً جاءت إلى النبي (ص) فقالت : إن ابي زوجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته. وأنا له كارهة. فقال (ص) : أجيزي ما صنع أبوك. فقالت : لا رغبة لي فيما صنع ابي. قال (ص) : فاذهبي فانكحي من شئت. فقالت : لا رغبة لي عما صنع ابي ، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء في أمور بناتهم شي‌ء » (٥) ‌،

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ١١ من أبواب المتعة حديث : ٨.

(٥) لم نعثر على هذا الحديث فيما تحت أيدينا من كتب الحديث. نعم روى في سنن البيهقي ( الجزء : ٧. الصفحة : ١١٨ ) مرسل عبد الله بن بريدة بهذا المضمون.


والتفصيل بين الدوام والانقطاع باستقلالها في الأول دون الثاني [١]

______________________________________________________

لكن الروايتين ضعيفتان لم يثبت انجبارهما بعمل المشهور ، لاحتمال استنادهم في فتواهم الى غيرهما من الروايات.

ثمَّ إنك عرفت أن مقتضى الجمع بين الطائفة المذكورة دليلاً لهذا القول ، وبين الطائفة السابقة المذكورة دليلاً للقول الأول : هو التقييد بحمل الولي فيها على غير الأب. وشيخنا الأعظم (ره) في رسالة النكاح جعل الجمع بينهما كما يكون بالتقييد ، يكون أيضا بحمل الطائفة الأولى على الاستحباب ، يعني : يستحب للبكر إيكال أمرها إلى الأب. وان تقييد المطلق وإن كان أرجح من حمل المقيد على الاستحباب. لكن التقييد لما كان مستلزماً لطرح أخبار كثيرة ـ مثل مرسلة سعدان‌ وخبر ابن عباس المتقدمين ، والأخبار الواردة في جواز التمتع بالبكر بدون إذن أبيها ، الآتية في أدلة القول الثالث ـ تعين الجمع بحمل المقيد على الاستحباب. أقول : أما أخبار التمتع بالبكر فسيجي‌ء الكلام فيها ، وأنها متعارضة. وعدم القول بالفصل لم يثبت مع وجود الخلاف. وأما الخبران الآخران : فان صلحا للحجية كانا معارضين ، لا مرجحين للحمل على الاستحباب ، وإلا ـ كما هو الظاهر ، لضعف سندهما ، وعدم الجابر لهما ـ لا يصلحان للترجيح المذكور.

[١] حكاه في الشرائع والتذكرة وغيرهما قولاً. ولم يعرف قائله. كما في جامع المقاصد وغيره. وكأن وجهه : دعوى انصراف ما دل على استقلالها الى خصوص الدائم. و‌صحيح البزنطي عن الرضا (ع) : « قال : البكر لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها » (١) ‌، و‌صحيح ابي مريم عن ابي عبد الله (ع) قال : « العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها » (٢). لكن عرفت أن الأول معارض بغيره. كما أن الصحيحين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب المتعة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب المتعة حديث : ١٢.


والعكس [١] ، والتشريك ، بمعنى : اعتبار إذنهما معا [٢].

______________________________________________________

أيضا معارضان بغيرهما ، كخبر الحلبي قال : « سألته عن التمتع من البكر إذا كان بين أبويها بلا إذن أبويها. قال (ع) : لا بأس ، ما لم يفتض ما هناك .. » (١). و‌خبر ابي سعيد قال : « سئل أبو عبد الله (ع) عن التمتع من الأبكار اللواتي بين الأبوين. فقال : لا بأس. ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب » (٢). ونحوهما غيرهما.

[١] كما عن الشيخ في كتابي الأخبار. ولم ينسب إليه في غيرهما ، ولا الى غيره. ووجهه : الأخذ بنصوص استقلال الولي ، بعد تقييدها بالدوام ، وإخراج المتعة منها ، للأخبار المتقدمة. وإشكاله أيضاً ظاهر ، فان نصوص استقلال الولي معارضة. والاخبار المتقدمة أيضا معارضة بغيرها ، كما عرفت.

[٢] حكي عن المفيد ، والحلبيين ، وظاهر الوسائل للحر العاملي. جمعاً بين ما دل على اعتبار الاذن من الأب في تزويج البكر ـ مثل‌ صحيح العلاء بن رزين عن ابي عبد الله (ع) : « قال : لا تتزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن » (٣). ونحوه صحيح ابن ابي يعفور‌ (٤) ، و‌خبر ابي مريم عن ابي عبد الله (ع) : « قال : الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها » (٥) ‌، و‌صحيح زرارة : « سمعت أبا جعفر (ع) يقول : لا ينقض النكاح إلا الأب » (٦). ونحوه صحيح محمد بن مسلم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب المتعة حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب المتعة حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٦. لكن رواه عن العلاء بن رزين عن ابن ابي يعفور.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.

(٦) الوسائل باب : ٤ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.


______________________________________________________

عن ابي جعفر (ع) (١) ـ وبين ما دل على اعتبار إذنها ، كصحيح منصور المتقدم‌ ، و‌موثق صفوان : « قال : استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر (ع) في تزويج ابنته لابن أخيه ، فقال (ع) : افعل ، ويكون ذلك برضاها ، فان لها في نفسها نصيباً. قال : واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر (ع) في تزويج ابنته علي بن جعفر ، فقال (ع) : افعل ، ويكون ذلك برضاها ، فان لها في نفسها حظاً » (٢). لكن ينافي ذلك ما دل على استقلالها. كما ينافيه أيضاً ما دل على استقلال الأب. فلا بد من علاج ذلك ولا يكفي في إثبات القول المذكور كونه مقتضى الجمع بين طائفتين من النصوص ، وإهمال الطوائف الأخر.

والذي يقتضيه التأمل : أن نصوص المقام على طوائف : الأولى : ما دل على استقلال الولي. كصحيح محمد بن مسلم‌ ، وصحيح الحلبي‌ ، وصحيح ابن الصلت‌ ، وخبر علي بن جعفر‌ ، المتقدمة. ونحوها غيرها. الثانية : ما دل على اعتبار إذن الولي ورضاه ، كصحاح زرارة‌ ، ومحمد بن مسلم‌ ، والعلاء‌ ، وابن ابي يعفور‌ المتقدمة في أدلة القول الخامس. الثالثة : ما دل على استقلال البكر ، كمصحح الفضلاء‌ ، ورواية زرارة‌ ، ورواية عبد الرحمن‌ ، ورواية أبي مريم‌ ، ورواية سعدان‌. الرابعة : ما دل على اعتبار إذن البكر ورضاها ، كصحيح منصور بن حازم‌ ، وموثق صفوان‌ المتقدمين. ومن المعلوم أنه لا تنافي بين الأولتين ، ولا بين الأخيرتين ، ولا بين الثانية والرابعة وإنما يكون التنافي بين الأولى والثالثة ، وبين الثانية والثالثة ، وبين الأولى والرابعة. والجمع بين الأولى والثالثة يمكن بدواً بالبناء على استقلال كل منهما في الولاية ، فإذا تصرف أحدهما نفذ إلا أنه تأباه الطائفة الأولى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.


______________________________________________________

جداً ، فان‌ قوله (ع) : « ليس لها مع أبيها أمر » ‌ظاهر جداً في أنها لا استقلال لها ، ولا اشتراك. وإن كان لا تأباه الطائفة الثالثة. ولأجل ذلك يتعين الجمع بما سبق من تخصيص الطائفة الثالثة بغير الأب ، لاختصاص الأولى بالأب ، وعموم الثالثة لغيره. نعم مرسلة سعدان‌ وخبر ابن عباس مختصان بالأب. لكنهما ليسا بحجة. وبهذا الوجه بعينه يكون الجمع بين الثانية والثالثة. وأما وجه الجمع بين الاولى والرابعة فيمكن بحمل الرابعة على الاستحباب. كما يظهر من استرضاء النبي (ص) فاطمة (ع) في تزويجها من علي (ع) (١). فحينئذ تتفق مؤديات النصوص ، ويرتفع عنها إشكال التعارض ، وتكون نتيجة ذلك هو الفرق بين الأب والجلد ، فيستقل الأول معها دونها بلا استقلال ولا تشريك ، وتستقل هي مع الثاني دونه بلا استقلال ولا تشريك أيضاً. لكن يخدش فيه رواية سعدان على ما في نسخ التهذيب المعتبرة التي عثرنا عليها حيث رويت فيه هكذا : « لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها » (٢) ‌، فتكون نصاً في استقلالها مع وجود الأب. لكن رواها في المسالك وكشف اللثام ، والجواهر : « وليها » ‌بدل‌ « أبيها » ‌، كما سبق في أدلة القول الثاني. وحينئذ تكون كغيرها من روايات الاستقلال مقيدة بغير الأب. لكن يشكل الاعتماد على ذلك في مقابل نسخ التهذيب ، ولا سيما مع موافقتها لما في جامع المقاصد والوسائل والحدائق ، فقد رويت فيها كما في التهذيب. ولأجل ذلك لا مجال للبناء على نفي ولايتها ، كما يقتضيه ما عرفت من وجه الجمع. بل يتعين حينئذ البناء على ولايتها مستقلا ، فإن الرواية المذكورة نص في ذلك. ويتعين الجمع بينها وبين الطائفة الأولى بالاستقلال كل منها ومن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.

(٢) التهذيب الجزء : ٧ الصفحة : ٣٨٠ طبعة النجف الحديثة.


______________________________________________________

أبيها ، فإنه وإن بعد بالإضافة إلى الجمع بالتقييد لكنه أقرب بعد تعذره. ويكون الجمع بينها وبين الطائفة الثانية الحمل على استحباب استئذان الأب ، فإنه واضح بالإضافة إلى مثل صحيح العلاء المتقدم‌. وأما مثل صحيح زرارة‌ « لا ينقض .. » ‌فلا يخلو من خفاء. لكن يهون الأمر فيه أنه لا يعرف مورده ، ولم يتضح المراد منه ، فان النقض إنما يكون بعد الإبرام ، فيختص بالفسخ ، وهو غير المدعى. نعم لا بأس بالالتزام بمضمونه. فيكون للأب فسخ عقد البنت وإن كان صحيحاً بغير إذنه ، فان فسخه انفسخ ، وإن لم يفسخه بقي على صحته. ولعل‌ قوله (ع) في صحيح الحلبي : « ليس لها مع أبيها أمر » (١) ‌يراد به هذا المعنى ، يعني : له فسخ عقدها وحله ، نظير‌ قوله (ع) : « لا يمين للولد مع والده » (٢). وعلى هذا تكون النصوص بهذا المضمون طائفة خامسة. وأما الطعن في رواية سعدان‌ بالضعف فلا مجال له بعد اعتماد المشهور عليها ، وكون الراوي معتبر الرواية في نفسه ، وإن لم ينص عليه بتوثيق ، فان ملاحظة أحواله المسطورة في كتب الرجال تستوجب الوثوق به واعتبار حديثه. وكذا الطعن فيها بأنها عين المرسلة ، فلا تكون حجة. إذ فيه : أنه خلاف الأصل بعد أن رواهما الشيخ في التهذيب معاً. مع اختلاف في المتن من جهة إفراد الأب في المسند وتثنيته في المرسلة التهذيب الجزء ٧ الصفحة : ٢٥٤.

والذي يتحصل من جميع ما ذكرنا : نفوذ عقد الأب بدون إذن البنت اعتماداً على صحيح محمد بن مسلم‌ ، وخبر علي بن جعفر‌ ، ونحوهما. ونفوذ عقد البنت بدون إذن الأب اعتماداً على خبر سعدان‌ المعتضد بالنصوص الواردة في المتعة المتقدمة. وإن الأفضل أن يكون بإذنهما معاً حملاً لما دل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب عقد النكاح حديث : ١١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب اليمين.


والمسألة مشكلة. فلا يترك مراعاة الاحتياط بالاستيذان منهما. ولو تزوجت من دون إذن الأب أو زوجها الأب من دون إنها وجب [١] إما إجازة الآخر أو الفراق بالطلاق. نعم إذا عضلها الولي أي : منعها من التزويج بالكفو مع ميلها سقط اعتبار إذنه [٢].

______________________________________________________

على اعتبار إذن الأب ـ كصحيح العلاء‌ ـ واعتبار إذن البنت ـ كصحيح صفوان‌ ـ على الاستحباب ، جمعاً بين هاتين الطائفتين والطائفتين السابقتين. وأنه إذا عقدت البنت صح عقدها ، لكن يجوز للأب نقضه ، فاذا نقضه انتقض ، اعتماداً على‌ صحيح زرارة : « لا ينقض النكاح إلا الأب ». ونحوه صحيح محمد بن مسلم‌ ، وصحيح الحلبي‌ ، على ما عرفت. فالنصوص خمسة أصناف : صنف : يدل على استقلال الأب. وآخر : يدل على استقلال البنت. وثالث : يدل على جواز فسخ الأب عقد البنت. ورابع : يدل على اعتبار إذن الأب وخامس : يدل على اعتبار إذن البنت. فيعمل بالأصناف الثلاثة الأول ، ويحمل الأخيران على الاستحباب جمعاً. هذا كله بالإضافة إلى الأب. وأما الجد : فلا ولاية له على البكر لا منضما ، ولا مستقلا. اعتماداً على الطائفة الثالثة من غير معارض.

هذا والقول بالولاية على النهج المذكور وإن لم ينسب لأحد لا بأس به إذا دلت عليه الأدلة. ( وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) ، وهو حسبنا ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).

[١] هذا الوجوب من باب الاحتياط الذي ذكره.

[٢] إجماعا كما في الشرائع ، والتذكرة ، والقواعد ، وجامع المقاصد. والمسالك ، وكشف اللثام. وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه ». وهو العمدة في الخروج عن عموم الولاية. مضافاً الى عموم نفي الحرج في بعض‌


وأما إذا منعها من التزويج بغير الكفو شرعاً فلا يكون عضلاً [١] بل وكذا لو منعها من التزويج بغير الكفو عرفاً [٢] ، ممن في تزويجه غضاضة وعار عليهم وإن كان كفواً شرعياً. وكذا لو منعها من التزويج بكفو معين مع وجود كفو آخر [٣]. وكذا يسقط اعتبار إذنه إذا كان غائباً لا يمكن الاستئذان منه مع حاجتها الى التزويج [٤].

______________________________________________________

الموارد. لكنه إنما يقتضي نفي سلطنة الولي ، لا إثبات استقلال البنت ، لأنه ناف ، لا مثبت وأما قوله تعالى ( فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) (١) فغير ظاهر فيما نحن فيه. لاحتمال كون الخطاب للأزواج السابقين. مع أنه لو كان للأولياء لا يدل على سقوط الولاية ، لأن تحريم العضل لا يدل على ذلك.

[١] لفساد العقد فلا مورد للولاية عليها حتى من نفسها.

[٢] كأنه لإطلاق الكفو في كلامهم ، بل لعل الظاهر منه الكفو عرفاً.

[٣] كأنه لانصراف المستثنى عن ذلك ، فيرجع الى عموم أدلة المستثنى منه ، لا أقل من أنه خارج عن القدر المتيقن من معقد الإجماع ، فيرجع الى عموم أدلة الولاية.

[٤] قال في الخلاف : « وإن غابا جميعاً ( يعني : الأب والجد ) كان لها أن تعقد على نفسها ، أو توكل من شاءت من باقي الأولياء ». وفي الحدائق : « وفي حكم العضل الغيبة المنقطعة التي يحصل معها المشقة الشديدة من اعتبار استئذان الولي ». ونحوه ما في الرياض ورسالة شيخنا الأعظم (ره). والأول حكي ارتضاؤه عن كثير من الأصحاب. ويظهر من الجميع عدم الخلاف في ذلك. بل في كلام بعض أنه بلا خلاف ظاهر. وكأنه لما‌

__________________

(١) البقرة : ٢٣٢.


( مسألة ٢ ) : إذا ذهبت بكارتها بغير الوطء ـ من وثبة ونحوها فحكمها حكم البكر [١]. وأما إذا ذهبت بالزنا أو الشبهة ففيه إشكال [٢]. ولا يبعد الإلحاق بدعوى أن المتبادر من البكر من لم تتزوج [٣]. وعليه فاذا تزوجت‌

______________________________________________________

يستفاد من دليل السقوط بالعضل.

[١] كما نص على ذلك في المسالك ، والجواهر ، وغيرهما. لأن النصوص المتقدمة في استثناء الثيب ـ ومثلها خبر ابن جعفر المتقدم في أدلة استقلال الولي ـ مختصة بمن نكحت رجلاً ، فلا تشمل المورد. بل يرجع فيه الى عموم الولاية. نعم قد يشكل ذلك بأن بعض النصوص ولاية الولي مختصة بالبكر ، ولا تشمل الفرض. لكن لو تمَّ كفى نصوص استثناء الثيب المتقدمة في إثبات الولاية على من لم تنكح زوجاً آخر.

[٢] والذي اختاره في الجواهر إلحاقها بالثيب ، أخذاً بإطلاق الأدلة. قال : « وما في بعض النصوص من ظهور اعتبار النكاح في الثيب محمول على الغالب ونحوه ، بعد قصوره عن تقييد غيره من المطلق للشهرة ». أقول : لا ينبغي التأمل في أن الثيبوبة تتحقق بزوال البكارة بوطء أو غيره. وحينئذ فإن أخذ بإطلاق الثيب والبكر كان اللازم إلحاق زوال البكارة بالوثبة ونحوها بالثيبوبة ، لصدقها حقيقة. وإن بني على تقييد الإطلاق بالنصوص المتقدمة فهي مختصة بالمتزوجة. وحملها على الغالب في هذه الجهة دون غيرها تفكيك لا يساعد عليه العرف. فاذاً المتعين البناء على التقييد في الأمرين معاً. وحينئذ يتعين في زوال البكارة بالزنا والشبهة الإلحاق بالبكر.

[٣] هذه الدعوى غير ظاهرة ، بل ممنوعة ، لأن البكر ذات البكارة ، ولا دخل للتزويج وعدمه فيها. وكأن الأولى الاستدلال بالنصوص ، بدعوى أن المفهوم منها أن المدار على التزويج ، لا على الثيبوبة. وإن كان التأمل‌


ومات عنها أو طلقها قبل أن يدخل بها لا يلحقها حكم البكر [١] ومراعاة الاحتياط أولى.

( مسألة ٣ ) : لا يشترط في ولاية الجد حياة الأب ، ولا موته. والقول بتوقف ولايته على بقاء الأب ـ كما اختاره جماعة ـ [٢] ضعيف. وأضعف منه القول بتوقفها على موته ، كما اختاره بعض العامة.

______________________________________________________

فيها يقتضي كون المدار على الثيبوبة بالتزويج ، لا مطلق التزويج.

والمتحصل مما ذكرنا : أن المحتمل في الثيب أربعة معان : المعنى العرفي ، وهو زوال البكارة. وزوال البكارة بالوطء. وزوال البكارة بوطء الزوج ، ومجرد كونها مزوجة وإن كانت باكراً. ويقابلها الباكر. وأن ظاهر النصوص يقتضي المعنى الثالث ، وأن الأول لم يعرف به قائل ، والثاني اختاره في الجواهر ، والرابع اختاره المصنف ، ولم يعرف له موافق.

[١] يعني : فيلحقها حكم الثيب. وهو كما ترى.

[٢] حكاه في الشرائع قولا. ونسبه في كشف اللثام إلى الصدوق ، والشيخ ، والتقي ، وسلار ، وبني الجنيد والبراج وزهرة وحمزة. واستدل له‌ بموثق الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (ع) : « قال : إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حياً وكان الجد مرضياً جاز. قلنا فإن هوي أبو الجارية هوى ، وهوى الجد هوى .. » (١) ‌، لدلالة مفهومه على عدم الجواز مع فقد الأب. وأشكل بضعف سند الرواية ، ودلالتها. لكن الرواية من الموثق ، وهو حجة. والدلالة للمفهوم ، وهو أيضاً حجة. وحمله ـ كما في المسالك ـ على أنه من مفهوم الوصف ، الذي ليس بحجة غير ظاهر. نعم يحتمل في القيد المذكور أنه ذكر تمهيداً للحكم المذكور في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.


______________________________________________________

ذيل الرواية من التشاح بين الجد والأب ، الذي لا يمكن فرضه إلا في حال وجود الأب ، فتكون الشرطية من قبيل الشرطية لتحقيق الموضوع. فتأمل. ولذلك اختار هذا القول في الوسائل.

لكن في كشف اللثام مال إليه ، للأصل ، إلا فيما أجمع عليه ، وهو صورة حياة الأب بعد ضعف أدلة الطرفين. وفيه : أنه لا قصور في دليل القول المذكور بعد أن كان السند من الموثق ، والدلالة لمفهوم الشرط ، فيقيد به إطلاق ما دل على ولاية الجد ، على تقدير تماميته. مع أنها لا تخلو من تأمل إذ لم نقف على دليل لولاية الجد ، إلا ما تضمن أولويته من الأب ، مثل‌ موثق عبيد بن زرارة : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ، ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر. فقال (ع) : الجد أولى بذلك .. » (١). ونحوه خبره الآخر‌ (٢) ، وخبر علي بن جعفر المروي في قرب الاسناد وفي كتابه‌ (٣) ، وغيرهما. وكلها مختصة أيضاً بصورة حياة الأب. بل ظاهر تعليل ذلك في بعضها بأنها وأباها للجد كالصريح في الاختصاص بذلك ، إذ لا مجال للتعليل المذكور مع فقد الأب. وأما‌ صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « قال ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) هو ولي أمرها » (٤). فدلالته غير ظاهرة وحمل من هو ولي أمرها على من له ولاية المال ، ومنه الجد ، لا قرينة عليه ، وإن ذكر في المسالك وغيرها. ومثله‌ صحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٨ وملحقة.

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.


( مسألة ٤ ) : لا خيار للصغيرة إذا زوجها الأب أو الجد بعد بلوغها ورشدها [١].

______________________________________________________

النِّكاحِ ) قال : هو الأب ، والأخ ، والرجل يوصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري. فأي هؤلاء عفا فعفوه جائز في المهر إذا عفا عنه » (١). ودعوى : أن الجد يجوز أمره في مال المرأة حتى مع فقد الأب ، فيكون ممن ( بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ). مدفوعة : بأن ظاهر الآية الشريفة الاختصاص بالبالغات ، بقرينة نفوذ عفوهن ، فالروايات الواردة في تفسيرها قاصرة عن شمول غيرهن. ولذا ذكر الأخ في الصحيح المتقدم. ومن ذلك يظهر بالوجه فيما ذكره كاشف اللثام من ضعف أدلة الطرف الآخر.

نعم يشكل ما ذكره من أن قول الجماعة مطابق للأصل. وجه الاشكال : أن أصالة عدم تترتب الأثر محكومة لاستصحاب الولاية الثابتة للجد حال حياة الأب. نعم لا تجري إذا كان الأب قد مات في حال كون الصغير حملاً ، فيكون مقتضى الأصل العدم.

ثمَّ إنه تمكن المناقشة في مفهوم الموثق باحتمال كون الشرط مساقاً لتحقيق الموضوع بلحاظ ما في ذيله من قوله (ع) « فإن هوي .. » ‌، كما عرفت. وحينئذ يكون الدليل على القول المذكور ضعيفاً أيضاً.

[١] بلا خلاف ظاهر. وفي المسالك : أنه لا يظهر فيه مخالف. انتهى. وعن غيرها : الإجماع عليه. ويشهد له‌ صحيح عبد الله بن الصلت قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها إلها أمر إذا بلغت؟ قال (ع) : لا ، ليس لها مع أبيها أمر » (٢). وصحيح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.


بل هو لازم عليها. وكذا الصغير على الأقوى [١].

______________________________________________________

محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن الصبية يزوجها أبوها ، ثمَّ يموت وهي صغيرة ، فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، يجوز عليها التزويج ، أو الأمر إليها؟ قال (ع) : يجوز عليها تزويج أبيها » (١). ونحوهما صحيح علي بن يقطين‌ (٢) ، وغيره. لكن‌ في صحيح محمد بن مسلم قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن الصبي يتزوج الصبية. قال (ع) : إن كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز ، ولكن لهما الخيار إذا أدركا » (٣). ولكنه لم يعرف عامل به ، ولا مفت بمضمونه في الصغيرة. ونحوه ما‌ في خبر يزيد الكناسي عن أبي جعفر (ع) : « متى يجوز للأب أن يزوج ابنته ولا يستأمرها؟ قال (ع) : إذا جازت تسع سنين ، فان زوجها قبل بلوغ التسع سنين كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين .. » (٤).

[١] على المشهور. ويشهد له‌ صحيح الحلبي قال : « قلت لأبي عبد الله (ع) : الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ فقال (ع) : أما التزويج فصحيح. وأما طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتى يدرك .. » (٥). بذلك استدل في الحدائق. لكن دلالته على نفي الخيار غير ظاهرة ، لأن صحة العقد لا تنافي الخيار ، بل هي موضوع للخيار. ومثله ما دل على توارثهما إذا زوجهما الأبوان‌ (٦) ، فإن التوارث إنما يدل على الصحة لا غير ، وهي لا تنافي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٩.

(٥) الوسائل باب : ١١ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ٤.

(٦) الوسائل باب : ١٢ من أبواب عقد النكاح حديث : ١ وتقدم ذكر الحديث في الصفحة : ٤٣٧.


والقول بخياره في الفسخ والإمضاء [١] ضعيف. وكذا لا خيار للمجنون بعد إفاقته [٢].

( مسألة ٥ ) : يشترط في صحة تزويج الأب والجد ونفوذه عدم المفسدة [٣] ، وإلا يكون العقد فضولياً ، كالأجنبي‌

______________________________________________________

الخيار. وعلى هذا ينحصر دليل نفي الخيار في الصغير بما دل على اللزوم.

[١] نسب إلى الشيخ في النهاية ، وبني البراج وحمزة وإدريس : لصحيح ابن مسلم المتقدم ، ولتطرق الضرر إليه من جهة إثبات المهر في ذمته والنفقة من غير ضرورة ، وبذلك افترق عن الصبية ، فإن العقد عليها يثبت لها المهر والنفقة ، لا عليها ، و‌لخبر يزيد الكناسي : « إن الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان بالخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة ، أو يشعر في وجهه ، أو ينبت في عانته » (١). لكن الصحيح بعد عدم العامل به في الصبية يتعين حمل الخيار فيه على خلاف ظاهره ، لتعذر التفكيك في معنى الخيار في الصبي والصبية. والضرر المذكور إن تمَّ كونه ضرراً منفياً كان موجباً لقصور الولاية ، وعدم صحة العقد كالفضولي. وإلا ـ كما هو المفروض في كلامهم ـ فلا يصلح لإثبات الخيار ، ولا لإثبات غيره. وأما خبر الكناسي‌ فالإشكال فيه كالإشكال في الصحيح ، فقد ذكر في صدره الخيار للصغيرة ، ولأجله يتعين حمل الخيار فيه على خلاف ظاهره. مضافاً الى أنه غير ظاهر الحجية ، لعدم ثبوت وثاقة يزيد الكناسي. نعم في السند أحمد بن محمد بن عيسى ، والحسن بن محبوب ، وأبو أيوب الخراز. وقد يشعر ذلك بالوثاقة.

[٢] إجماعاً ، كما في المسالك وفي كشف اللثام : لا يعرف فيه خلاف. ويقتضيه ما دل على لزوم العقود.

[٣] يظهر من المسالك الاتفاق عليه ، حيث جعل الفارق بين ولاية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب عقد النكاح حديث : ٩.


ويحتمل عدم الصحة بالإجازة أيضا [١]. بل الأحوط مراعاة المصلحة [٢]. بل يشكل الصحة إذا كان هناك خاطبان أحدهما أصلح من الأخر بحسب الشرف ، أو من أجل كثرة المهر أو‌

______________________________________________________

الأب وولاية الحاكم الاجتزاء بعدم المفسدة في الأولى ، واعتبار المصلحة في الثانية. فكأن ولاية الأب في النكاح غير ولايته في المال ، فان المشهور بين القدماء ، المدعى عليه الإجماع ، والمصرح به في كلام جماعة من المتأخرين : اعتبار المصلحة فيها. والفارق بين المقامين هو عدم وضوح الإطلاق في ولاية الأب في المال ، بخلاف المقام. وعلى هذا فالذي يدل على اعتبار الشرط المذكور هنا دليل نفي الضرر. ويقتضي الاجتزاء به في صحة العقد وإن لم يكن مصلحة إطلاق أدلة الولاية ، المقتصر في تقييده على ما ذكر. وأما ما ورد في جواز الأخذ من مال الولد‌ (١) إذا لم يكن فيه سرف ، أو إذا كان بالمعروف ، أو إذا كان مما لا بد منه ، معللاً بأن الله لا يحب الفساد فمورده التصرف في مال الكبير. مع كون التصرف راجعاً الى المتصرف لا إلى الولد ، فالتعدي إلى الصغير في التصرف الراجع إليه في غير المال ، غير ظاهر. فالعمل بالإطلاق متعين.

[١] بناء على أنه يعتبر في المجيز أن يكون جائز التصرف حال العقد ، وإلا لم تصح اجازته ، كما سينبه المصنف على ذلك في المسألة السادسة. لكن اشتراط ذلك خلاف إطلاق الأدلة.

[٢] لما عرفت من أن المشهور بين المتقدمين اعتبار المصلحة في نفوذ تصرف الولي الإجباري في المال. بل قد يستظهر من حجر التذكرة دعوى نفي الخلاف فيه بين المسلمين وقد صرح به جماعة كثيرة فيتعدى منه الى المقام ، فيلحق المقام به. لكنه ـ مع عدم ثبوت ذلك في الملحق به ـ غير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب ما يكتسب به.


قلته بالنسبة إلى الصغير [١] ، فاختار الأب غير الأصلح لتشهي نفسه.

( مسألة ٦ ) : لو زوجها الولي بدون مهر المثل ، أو زوج الصغير بأزيد منه ، فان كان هناك مصلحة تقتضي ذلك صح العقد والمهر ولزم [٢] ، وإلا ففي صحة العقد وبطلان المهر والرجوع الى مهر المثل ، أو بطلان العقد أيضاً قولان [٣]

______________________________________________________

ظاهر في قبال إطلاق الأدلة. ودعوى الانصراف الى خصوص المصلحة ممنوعة. ومن ذلك يظهر نفي الاشكال الذي ذكره المصنف بقوله : « بل يشكل .. » ، فإن إطلاق الأدلة محكم.

[١] لا يخلو هذا المثال من الإشكال. لأن الصغير إذا زوج بمهر كثير كان ذلك التزويج ضرراً عليه ، لا خلاف الأصلح. بخلاف الصغيرة إذا زوجت بالمهر القليل ، فإنه خلاف الأصلح لا غير.

[٢] لعموم دليل الولاية. وعن جامع المقاصد : أنه المعتمد في الفتوى‌

[٣] وعن الشيخ (ره) : قول ثالث ، وهو صحة العقد والمهر ولزومهما ، عملاً بإطلاق أدلة الولاية ، المعتضد بما دل على جواز عفوه عن المهر بعد ثبوته. وفيه : أن التعدي عن العفو الى المقام غير ظاهر ، فان نقص المهر ربما يكون مهانة على الزوجة ، وليس العفو كذلك. وأدلة نفي الضرر مقدمة على إطلاق أدلة الولاية. وحينئذ يدور الأمر بين القولين الأولين. ولأجل ذلك قال في الشرائع : « إذا زوجها الولي بدون مهر المثل هل لها أن تعترض؟ فيه تردد. والأظهر أن لها الاعتراض » ولم يتعرض لمورد الاعتراض ، وأنه خصوص المهر ، أو العقد نفسه. وقد ذكر في المسالك وغيرها وجهين أو قولين. وقد تبع المصنف صاحب الجواهر في اختيار ثانيهما ، لأن الواقع في الخارج أمر واحد مشخص ، فاما أن‌


______________________________________________________

يكون صحيحاً بلا إجازة ، أو موقوفاً عليها. ولا مجال للتفكيك فيه بين ذات العقد فيصح وبين المهر فيتوقف على الإجازة. ولذا لو عقد فضولا بمهر خاص لم يجز للأصيل إجازة العقد دون المهر.

وفي المسالك اختار الأول ، لأن العقد صحيح ، وإنما المانع من قبل المهر ، ويمكن جبره بفسخه خاصة ، والرجوع الى مهر المثل. ولا نسلم أنهما واحد ، بل اثنان لا تلازم بينهما. وأوضحه شيخنا الأعظم (ره) في رسالة النكاح بأن دليل صحة تصرف الولي شامل لنفس العقد ، فلا وجه لتوقفه على الإجازة. غاية الأمر أن الضرر في الصداق اقتضى خروجه عن دليل الولاية ، فيتوقف على الإجازة. والتفكيك بين العقد والمهر في مثل ذلك ثابت لا مانع منه. وأما عدم جواز التفكيك فيما لو عقد فضولا بمهر خاص ، فهو لأجل أن الإجازة بمنزلة القبول ، لا يجوز التفكيك فيه بين أبعاض العقد الواحد. وليس منه المقام ، لما عرفت من أن العقد في نفسه لا يحتاج إلى الإجازة ، وأن المحتاج إليها خصوص المهر لا غير. وقد أطال 1 في توضيح ذلك. فراجع.

ويشكل بأن الضرر ليس في جعل المهر نفسه ، وإنما هو بالنكاح على المهر المذكور ، فالضرر يكون بالنكاح المقيد بالمهر ، وانتفاؤه بدليل نفي الضرر عين البطلان. وبالجملة : لو كان الضرر حاصلا من جعل المهر نفسه أمكن أن يقال بصحة العقد عملا بعموم الولاية ، وببطلان المهر ، عملا بعموم نفي الضرر. لكنه ليس كذلك ، بل الضرر حاصل من التزويج بالمهر المذكور. فنفيه بدليل نفي الضرر يقتضي بطلان نفس التزويج ، لا بطلان المهر وحده ونظير ذلك ما تقدم في مبحث الرياء في الصلاة ، فإنه إذا صلى جماعة رياء ، فالرياء يكون بالصلاة فتحرم ، لا بالجماعة فتحرم هي دون الصلاة ، فتبطل الجماعة وتصح الصلاة.


أقواهما : الثاني. والمراد من البطلان عدم النفوذ ، بمعنى توقفه على إجازتها بعد البلوغ. ويحتمل البطلان ولو مع الإجازة بناء على اعتبار وجود المجيز في الحال [١].

( مسألة ٧ ) : لا يصح نكاح السفيه [٢] المبذر إلا بإذن الولي. وعليه أن يعين المهر والمرأة [٣]. ولو تزوج‌

______________________________________________________

[١] قد عرفت أن هذا خلاف إطلاق أدلة الصحة.

[٢] قال في الشرائع : « والمحجور عليه للتبذير لا يجوز له أن يتزوج غير مضطر ، ولو أوقع كان العقد فاسداً وإن اضطر الى النكاح جاز للحاكم أن يأذن له سواء عين الزوجة أو أطلق ». ونحوه ما في القواعد. ووجه عدم نفوذ نكاحه : أن النكاح تصرف في المال ، لما يترتب عليه من المهر والنفقة ، والسفيه محجور عن ذلك إجماعاً. وهذا مما لا إشكال فيه. إنما الإشكال في لزوم الاقتصار في الاذن على حال الضرورة ، فإذا تزوج مع عدم الضرورة الى ذلك لم يصح وإن أذن له الولي ، فإن الظاهر أنه لا خلاف عندهم فيه ، مع أنه لا يظهر الفرق بين النكاح وغيره ، إذ في غير النكاح يصح تصرفه إذا أذن له الولي وكان التصرف عقلائياً وإن لم تكن ضرورة تدعو اليه ، فما الذي ميز النكاح عن غيره؟! اللهم إلا أن تحمل الضرورة في كلامهم على الحاجة المتعارفة ، كما هو غير بعيد عن مذاقهم ، وإن كان بعيدا عن عبارتهم. ولأجل ما ذكرنا لم يتعرض في المتن لذكر الضرورة ، واكتفى بالمصلحة.

[٣] تعيين المهر من وظائف الولي. أما تعيين المرأة فمن وظائف الزوج ، وليس هو سفيهاً في هذه الجهة حتى يكون مولى عليه فيها. نعم إذا كان تعيينه يؤدي الى ضياع المال لم يقبل ، لكون المفروض كونه محجوراً عن المال ، فلو عين امرأة شريفة يستغرق مهر مثلها ماله أو يزيد عما يليق‌


بدون إذنه وقف على إجازته فان رأى المصلحة وأجاز صح ، ولا يحتاج إلى إعادة الصيغة ، لأنه ليس كالمجنون والصبي [١] مسلوب العبارة ، ولذا يصح وكالته عن الغير في إجراء الصيغة ومباشرته لنفسه بعد إذن الولي.

( مسألة ٨ ) : إذا كان الشخص بالغاً رشيداً في الماليات لكن لا رشد له بالنسبة إلى أمر التزويج وخصوصياته من تعيين الزوجة وكيفية الامهار ونحو ذلك فالظاهر كونه كالسفيه في الماليات في الحاجة إلى إذن الولي ، وإن لم أر من تعرض له [٢].

______________________________________________________

بحاله لم يقبل منه. وكذلك الكلام في تعيين مكان العقد أو زمانه ، فإنه يقبل منه التعيين ، إلا إذا كان موجباً لضياع المال بحسب حاله. وبالجملة : إذا اعتبرت الضرورة في جواز تزويجه وجب الاقتصار على الضرورة في الزوجة والمكان والزمان وغيرهما من الجهات التي تختلف في زيادة المال ، ولا يقبل تعيين السفيه في واحدة من الجهات إذا كان يوجب اختلاف المال. وإن اكتفى بكون التصرف متعارفاً وإن لم تدع الضرورة إليه قبل تعيينه ، إلا إذا لم يكن لائقاً بحاله ، وكان موجباً لزيادة المال.

[١] هذا مما لا إشكال فيه. ويقتضيه عموم الأدلة ، بل قد تقدم في كتاب الإجارة أن من المحتمل أن يكون الصبي كذلك.

[٢] لكن ظاهر حصرهم أسباب الحجر بخصوص السفه في المال وأن الحجر يرتفع بالرشد في المال : أن السفه في غير الماليات لا أثر له في الحجر. ويقتضيه عموم السلطنة. وليس السفه في التزويج إلا كالسفه في المأكل ، والمسكن ، والملبس ، والمركب ، ومعاشرة الاخوان ، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالإنسان مما لا يستوجب إتلاف المال وتبذيره. فان من الضروري‌


( مسألة ٩ ) : كل من الأب والجد مستقل في الولاية [١] فلا يلزم الاشتراك ، ولا الاستئذان من الآخر. فأيهما سبق مع مراعاة ما يجب مراعاته لم يبق محل للآخر [٢]. ولو زوج كل منهما من شخص ، فان علم السابق منهما فهو المقدم ولغي‌

______________________________________________________

أنه لا ولاية على السفيه فيها ، وليس هو ممنوعاً من التصرف إلا بإذن وليه ، فليكن السفه في التزويج كذلك. نعم قد يستفاد من‌ رواية عبد الله ابن سنان : « إذا بلغ ونبت عليه الشعر جاز أمره ، إلا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً » (١) بناء على إطلاق السفيه ، الشامل لما نحن فيه. لكنه غير ظاهر.

[١] بلا إشكال ظاهر ويقتضيه إطلاق النصوص وظاهر الجواهر التوقف في ذلك. حيث أنه في شرح قول ماتنه : « فمن سبق عقده صح » ذكر أنه بناء على استقلال كل منهما بالولاية. انتهى.

[٢] يعني : يصح السابق ، كما في الشرائع والقواعد وغيرهما. وعن الغنية والسرائر : الإجماع عليه وفي الجواهر : « لم نعرف فيه خلافاً بينهم ، بل يمكن دعوى الإجماع عليه ». والظاهر أنه كذلك. ويقتضيه إطلاق الأدلة. ويشهد له‌ صحيح هشام بن مسلم ومحمد بن حكيم عن أبي عبد الله (ع) : « قال إذا زوج الأب والجد كان التزويج للأول. فإن كانا جميعاً في حال واحدة فالجد أولى » (٢). و‌موثق عبيد بن زرارة : « قلت لأبي عبد الله

__________________

(١) هذا المضمون مروي بتعبيرات مختلفة وأقرب الكل اليه ما رواه في الوسائل باب : ٢ من احكام الحجر حديث : ٥ ، الا أنه نقله عن الخصال عن ابي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ من دون توسط ابن سنان. لكن الموجود في الخصال الجزء : ٢ الصفحة : ٨٩ روايته عن بياع اللؤلؤ عن عبد الله بن سنان. فلاحظ.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.


الآخر. وإن علم التقارن قدم عقد الجد [١]. وكذا إذا جهل التاريخان [٢]. وأما إن علم تاريخ أحدهما دون الآخر ، فان‌

______________________________________________________

7 : الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ويريد جدها أن يزوجها عن رجل آخر. فقال : الجد أولى بذلك ما لم يكن مضاراً ، إن لم يكن الأب زوجها قبله. ويجوز عليها تزويج الأب والجد » (١).

[١] اتفاقاً ، كما عن السرائر والغنية. ويشهد به الصحيح والموثق المتقدمان ، و‌صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ولابنه أيضا أن يزوجها. فقلت : فإن هوى أبوها رجلاً وجدها رجلاً. فقال (ع) : الجد أولى بنكاحها » (٢). ونحوه موثق عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) (٣).

[٢] لما يأتي في المتن من أنه يستفاد من الموثق المتقدم أن الشرط في نفوذ عقد الجد أن لا يسبقه عقد الأب ، وهذا الشرط يمكن إحرازه بالأصل في الفرض. إذ الأصل يقتضي عدم سبق عقد الأب على عقد الجد ، فيصح. لكن يعارضه أصالة عدم سبق عقد الجد على عقد الأب ، المقتضي لصحة عقد الأب ، لما سبق من استقلال كل منهما بالولاية ، فإذا سبق أحدهما بالعقد صح. هذا بناء على جريان الأصل بالنسبة الى كل من مجهولي التاريخ. وأما بناء على التحقيق من عدم جريانه بالنسبة الى كل منهما. ذاتا فلا مجال لإحراز الشرط المذكور بالنسبة الى كل منهما. وحينئذ يعلم بصحة أحد العقدين وفساد الآخر من دون تعيين ، فيتعين الرجوع الى القرعة ، أو غيرها ، على ما تقدم في مبحث تزويج الأختين ، وغيره.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٧.


كان المعلوم تاريخ عقد الجد قدم أيضا [١] وإن كان المعلوم تاريخ عقد الأب احتمل تقدمه [٢]. لكن الأظهر تقديم عقد الجد ، لان المستفاد من خبر عبيد بن زرارة أولوية الجد ما لم يكن الأب زوجها قبله ، فشرط تقديم عقد الأب كونه سابقاً [٣]

______________________________________________________

[١] هذا واضح بناء على عدم جريان الأصل بالنسبة إلى مجهول التاريخ ، لأنه بعد أن كان عقد الجد معلوم التاريخ ، أمكن جريان أصالة عدم عقد الأب قبله الى حينه ، المثبت لصحته ، لما عرفت من استقلاله بالولاية. ولا يعارضه أصالة عدم عقد الجد الى زمان عقد الأب ، الموجب لصحته ، لأنه مجهول التاريخ. نعم بناء على جريان الأصل بالنسبة إلى مجهول التاريخ يكون الأصل متعارضاً في الطرفين ، ويكون الحكم كما في صورة الجهل بالتاريخين معاً.

[٢] بل المتعين ذلك بناء على عدم جريان الأصل بالنسبة إلى مجهول التاريخ ذاتاً ، فإن أصالة عدم سبق عقد الجد وعدم مقارنته لعقد الأب بلا معارض ، فيثبت صحة عقد الأب. أما بناء على جريان الأصل يكون الأصل في الطرفين متعارضاً ، ويكون الحكم كما في مجهولي التاريخ.

[٣] إن كان المراد من كونه سابقا أن لا يتقدمه عقد الجد ولا يقارنه. فهو مما يمكن إثباته بالأصل ، لأصالة عدم عقد الجد الى ما بعد انتهاء عقد الأب. وإن كان المراد من كونه سابقاً أن يكون بحيث يلحقه عقد الجد ، بأن يكون عنوان السبق بنفسه ملحوظاً شرطاً ، فهذا غير مفهوم من أدلة الولاية للأب ، فإن عقد الأب صحيح وإن لم يلحقه عقد الجد. وبالجملة : المفهوم من النصوص : صحة عقد الجد إذا كان وارداً على امرأة خلية غير مزوجة ، فيكون الشرط ذلك ، لا مجرد عدم السبق لعقد الأب من حيث هو ، فالشرط وجودي لا عدمي. وكذلك المفهوم منها : أن شرط‌


وما لم يعلم ذلك يكون عقد الجد أولى [١] فتحصل : أن اللازم‌

______________________________________________________

صحة عقد الأب أن يرد على خلية غير مزوجة ولا يقارنه عقد الجد ، لا مجرد السبق على عقد الجد من حيث هو سبق. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما في الجواهر ، فإنه ذكر أنه مع العلم بتاريخ أحدهما وجهل الآخر يحكم بصحة المعلوم ، بناء على أصالة تأخر المجهول عنه. وإن جهلا معاً قدم عقد الجد بناء على أن مقتضى الأصلين الاقتران ، الذي قد عرفت تقدم عقد الجد فيه. وإن قلنا أن الاقتران أيضا حادث كان الحكم بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل. مع احتمال تقدم عقد الجد ، لإطلاق ما دل عليه ما لم يسبقه عقد الأب ، فمتى لم يعلم يحكم بتقدم عقده. فتأمل جيداً. انتهى. ولعله أشار بالأمر بالتأمل إلى ضعف الاحتمال المذكور. كما أن من المحتمل أن يكون المراد من أصالة تأخر الحادث استصحاب عدمه الى ما بعد زمان الحادث الآخر ، فيكون صحيحاً. وحينئذ يتم ما ذكره من الأخذ بالعقد المعلوم التاريخ ، ورفع اليد عن مجهول التاريخ. والبناء على القرعة مع الجهل بالتاريخين.

[١] لأصالة عدم سبق عقد الأب إلى حين عقد الجد. لكن عرفت أنه مع البناء على عدم جريان الأصل بالنسبة إلى مجهول التاريخ كيف يجري في المقام أصالة عدم عقد الأب إلى حين عقد الجد مع كونه مجهول التاريخ؟. والذي يتحصل : أن المصنف (ره) يستظهر من النصوص أن الشرط في نفوذ عقد الأب أن لا يسبق عقد الجد ، والشرط في نفوذ عقد الجد أن لا يسبقه عقد الأب. فمع الجهل بالتاريخين يمكن نفي شرط نفوذ عقد الأب بأصالة عدم سبقه على عقد الجد ، وإثبات شرط نفوذ عقد الجد بأصالة عدم سبق عقد الأب عليه. وكذا مع الجهل بتاريخ أحدهما دون الآخر أياما كان منهما. لكن الاستظهار المذكور غير ظاهر الوجه ، بل المستفاد‌


تقديم عقد الجد في جميع الصور إلا في صورة معلومية سبق عقد الأب. ولو تشاح الأب والجد فاختار كل منهما واحداً قدم اختيار الجد [١]. ولو بادر الأب فعقد ، فهل يكون باطلاً أو يصح؟ وجهان ، بل قولان [٢] ، من كونه سابقاً‌

______________________________________________________

من الأدلة أن العقد من كل من الأب والجد ينفذ مع قابلة المحل ، فاذا وقع العقد من أحدهما لم يصح العقد من الآخر ، لعدم قابلية المحل ، وإذا اقترنا كان عقد الجد مقدما. فعنوان السبق بما هو لم يؤخذ موضوعاً لنفوذ عقد الأب ، وإنما لو حظ طريقاً الى كون الصغيرة مزوجة. وكذا عدم سبق عقد الأب يراد منه كونها خلية. ومن ذلك يظهر لك الاشكال فيما في الجواهر من احتمال تقديم عقد الجد مع الجهل بالتاريخين ، لإطلاق ما دل عليه إذا لم يسبقه عقد الأب ، فمتى لم يعلم يحكم بتقدم عقده. انتهى. فان ذلك خلاف الظاهر. والمتعين الرجوع الى القرعة بعد أن كان الأصل لا يصلح لإثبات كونها خلية إلى حين العقد بالنسبة الى كل منهما ، كما هو التحقيق. وإذا بني على ما احتمله في الجواهر تعين البناء على صحة عقد الجد حتى فيما جهل تاريخ أحدهما وعلم تاريخ الآخر اعتماداً على الأصل ، حسب ما اختاره المصنف. ولا وجه للفرق بين صورة الجهل بالتاريخين والجهل بتاريخ أحدهما. فلاحظ.

[١] كما في الشرائع والقواعد وغيرهما. وفي كشف اللثام : حكاية الإجماع عليه عن الانتصار والخلاف والمبسوط والسرائر. ويشهد له النصوص ، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) ، وموثقي عبيد بن زرارة‌ المتقدمة في أوائل المسألة.

[٢] اختار في المسالك ثانيهما قال : « لو كان السابق الأب وقد علم بأن الجد مخالف له وقصد سبقه بالعقد ، فقد ترك الأولى ، وصح عقده ».


فيجب تقديمه. ومن أن لازم أولوية اختيار الجد عدم صحة خلافه. والأحوط مراعاة الاحتياط. ولو تشاح الجد الأسفل والأعلى هل يجري عليهما حكم الأب والجد أو لا؟ وجهان ، أوجههما : الثاني ، لأنهما ليسا أباً وجداً بل كلاهما جد ، فلا يشملهما ما دل على تقديم الجد على الأب [١]

______________________________________________________

لكن في الجواهر : « قد يقال ببطلان عقده حينئذ. لأولوية الجد منه في هذا الحال ، الظاهرة في انتفاء الولاية للأب ، بل هو المعنى المعروف المستعمل فيه لفظ الأولى في غير المقام ». ثمَّ حكى في آخر كلامه عن كشف اللثام : دعوى الاتفاق على صحة السابق ، وجعله مقتضى إطلاق الصحيح ، يعني : صحيح هشام‌ ، والموثق‌ المتقدمين ، وعليه فلا مجال للإشكال فيه. ويتعين حمل الأولوية في كلامهم في صحيح محمد بن مسلم‌ وغيره على التكليفية ، استحبابية أو وجوبية ، لا الوضعية. وعلى هذا لا يظهر وجود قائل بالأول. فقول المصنف (ره) : « قولان » إن أراد بالأول ما في الجواهر ، فليس هو إلا إشكالاً على الدليل. وإن كان غيره فلم أعثر عليه.

[١] لكن‌ في خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) : « قال (ع) إني لذات يوم عند زياد بن عبد الله إذا جاء رجل يستعدي على أبيه ، فقال : أصلح الله الأمير إن أبي زوج ابنتي بغير إذني. فقالوا زياد لجلسائه الذين عنده : ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ فقال : نكاحه باطل. قال (ع) : ثمَّ أقبل علي فقال : ما تقول يا أبا عبد الله. فلما سألني أقبلت على الذين أجابوه ، فقلت لهم : أليس فيما تروون أنتم عن رسول الله (ص) أن رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا فقال له رسول الله (ص) : أنت ومالك لأبيك؟ قالوا : بلى. فقلت لهم : فكيف يكون هذا وهو وماله لأبيه


( مسألة ١٠ ) : لا يجوز للولي تزويج المولى عليه بمن به عيب [١] ، سواء كان من العيوب المجوزة للفسخ أولا ،

______________________________________________________

ولا يجوز نكاحه؟ قال (ع) : فأخذ بقولهم وترك قولي » (١). وقد يظهر من التعليل أولوية الجد باعتبار ولايته على الأب ، كما في الجواهر. لكن التعليل المذكور علل به نفوذ تصرف الجد ، لا أولويته من الأب عند الاقتران. ومنه يظهر الإشكال في الاستدلال على ذلك بخبر قرب الاسناد‌ (٢) المشتمل على أولوية الجد مع اختلافهما فيمن يراد تزويجه. معللاً بذلك. إلا أن يقال : عموم التعليل شامل للمقام وإن كان التعليل في مورد خاص. اللهم إلا أن يشكل التعليل شامل للمقام وإن كان التعليل في مورد خاص. اللهم إلا أن يشكل التعليل في الأول بمعارضته بغيره ، كما تقدم في مسألة أنه لا يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده شيئاً ويحج به ، فراجع هذا المبحث من الشرح. فتأمل جيداً. كما يشكل التعليل في الثاني بأنه لا عامل به على ظاهره ومؤولة مجمل لا يمكن الاستدلال به. فلاحظ.

[١] قال في الشرائع : « إذا زوجها الولي. بالمجنون والخصي صح ، ولها الخيار. وكذا لو زوج الطفل بمن بها أحد العيوب الموجبة للفسخ ». وفي المسالك استدل على الصحة : بأن العيوب المذكورة لا تنافي الكفاءة التي هي شرط الصحة. واستدل على الخيار بالأدلة الدالة على ثبوت الخيار بالعيوب المذكورة. ومقتضى ذلك : أنه إذا زوج الولي بمن به عيب غير العيوب المذكورة كان العقد صحيحاً ولا خيار. ثمَّ حكى في المسالك عن الشيخ في الخلاف القول بالصحة ولم يذكر الخيار ، وعن الشافعية قولاً بعدم الصحة ، من حيث أنه لاحظ للمولى عليه في تزويج المعيب سواء علم الولي أم لم يعلم ، ووجهاً ثالثاً بالتفصيل بين علم الولي بالعيب فيبطل ، كما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب عقد النكاح حديث : ٨.


لأنه خلاف المصلحة. نعم لو كان هناك مصلحة لازمة المراعاة جاز. وحينئذ لا خيار له ولا للمولى عليه [١] إن لم يكن من العيوب المجوزة للفسخ ، وإن كان منها ففي ثبوت الخيار للمولى عليه بعد بلوغه أو إفاقته ، وعدمه لان المفروض إقدام الولي مع علمه به. وجهان ، أوجههما : الأول ، لإطلاق أدلة تلك العيوب [٢]. وقصوره‌

______________________________________________________

لو اشترى له المعيب مع علمه بالعيب ، والجهل فيصح. ويثبت الخيار للولي على أحد الوجهين ، أولهما عند البلوغ. قال : « وهذا الوجه الأخير موجه ». واختاره المصنف ، وعلله بأنه خلاف المصلحة. وكأنه يريد بذلك أنه فيه ، مفسدة ، ولو الغضاضة العرفية والاستنكار. وحينئذ يكون البطلان في محله ، لما عرفت من اشتراط تصرف الولي بعدم المفسدة ولذا قال في الجواهر : « لا يخلو من قوة إن لم يكن إجماعاً ، ولم تحصل مصالح تقتضي الفعل ، أو مرجحات بحيث ترتفع المرجوحية معها ، وحينئذ ينفذ ويلزم على المولى عليه ». والوجه في الحكم الثاني أيضا إطلاق أدلة الولاية. ومما ذكرنا يظهر أن المراد بالعيب في كلام المصنف لا بد وأن يكون خصوص ما كان وجوده موجباً للضرر عرفاً ، فلا يشمل العيب الذي لا يكون وجوده ضرراً على الزوجة ولا مهانة عليها ، مثل كونه ناقصا بعض الأصابع أو زائدها. وإلا كان الوجه الصحة ، عملاً بإطلاق الأدلة.

[١] إذ لا دليل على هذا الخيار ، والأصل اللزوم.

[٢] كما في المسالك. وتبعه في الجواهر في توجيه الخيار الذي ذكره المحقق. لكن هذا الإطلاق غير ظاهر ، فان تلك الأدلة كما لا تشمل صورة علم الزوج لا تشمل صورة علم وليه أو وكيله مع إقدامهما على العيب لاقتضاء المصلحة ذلك ، كما هو الحال في سائر المعاملات التي يوقعها الولي‌


بمنزلة جهله [١]. وعلم الولي ولحاظه المصلحة لا يوجب سقوط الخيار للمولى عليه. وغاية ما تفيد المصلحة إنما هو صحة العقد ، فتبقى أدلة الخيار بحالها. بل ربما يحتمل ثبوت الخيار للولي أيضا [٢] من باب استيفاء ما للمولى عليه من الحق. وهل له إسقاطه أم لا؟ مشكل [٣] ، إلا أن يكون هناك مصلحة ملزمة لذلك. وأما إذا كان الولي جاهلا بالعيب ولم يعلم به إلا بعد العقد ، فان كان من العيوب المجوزة للفسخ فلا إشكال في ثبوت الخيار له [٤] ، وللمولى عليه إن لم يفسخ ،

______________________________________________________

أو الوكيل على المعيب.

[١] يعني : حتى لو فرض أن الصغير كان عالماً بالعيب. ولكن لا دليل على هذه المنزلة وإن ادعياها في المسالك والجواهر. ولو سلمت لم تجد في ثبوت الخيار ، لأن علم الولي بمنزلة علم المولى عليه ، كما أن علم الوكيل بمنزلة علم الموكل في خروجه عن منصرف أدلة الخيار ، كما سبق.

[٢] في الجواهر : « لا يبعد ثبوته للولي أيضا باعتبار نيابته عن المولى عليه المفروض عدم إسقاط إقدامه مع علمه إياه ». وهو في محله. لكن عرفت عدم تمامية المبنى. ووجه التوقف في ذلك ما ذكره في المسالك من أن الخيار هنا أمر يتعلق بشهوة الزوجين ، ولا حظ فيه لغيرهما ، فيناط بنظرهما. والى ذلك أشار في عبارته السابقة بقوله : « على أحد الوجهين ». ويضعفه أنه خلاف ما دل على ولاية الولي. فلاحظ.

[٣] بل لما كان تضييعاً للحق كان ممنوعاً.

[٤] ثبوته للولي لا بد أن يكون من حيث كونه ولياً ونائباً عن المولى عليه ، فالخيار للمولى عليه لا غير ، لكن قبل البلوغ ينوب عنه فيه الولي ،


وللمولى عليه فقط إذا لم يعلم به الولي الى أن بلغ أو أفاق. وإن كان من العيوب الأخر فلا خيار للولي [١]. وفي ثبوته للمولى عليه وعدمه وجهان ، أوجههما : ذلك [٢] ، لأنه يكشف عن عدم المصلحة في ذلك التزويج. بل يمكن أن يقال : إن العقد فضولي حينئذ لا أنه صحيح وله الخيار.

______________________________________________________

وبعد البلوغ يقوم به بنفسه أو بوكيله. وعلى هذا فقول المصنف (ره) : « لا إشكال في ثبوت الخيار له » غير ظاهر ، لما عرفت من الإشكال الذي ذكره في المسالك ، وأنه أحد الوجهين. نعم لا إشكال في ثبوت الخيار للمولى عليه لإطلاق أدلته. هذا بعد البناء على صحة العقد. أما إذا بني على فساده ، للمفسدة ، كما يأتي في غير العيوب المجوزة للفسخ ، وكما سبق في حال علم الولي. لأن كونه مصلحة وغير مصلحة تابع للواقع ، لا للعلم وعدمه ، فالعقد باطل من أصله. نعم لو فرض أن فيه مصلحة يتدارك بها نقص العيب ، وكان الولي جاهلاً بذلك ، كان العقد صحيحاً حينئذ ، ويثبت الخيار لإطلاق أدلته. ولا مجال للإشكال المتقدم ، للفرق بين المقامين. وكذا الحكم في سائر المعاملات التي يوقعها الولي مع الجهل بالعيب.

[١] لأصالة اللزوم بعد أن لم يكن دليل على الخيار. هذا لو كان المراد نفي الخيار للولي في مقابل المولى عليه. وإن كان المراد نفيه للولي من حيث كونه ولياً فلا وجه له بعد أن بنى على ثبوت الخيار للمولى عليه ، فإنه إذا ثبت له ثبت للولي من حيث كونه ولياً.

[٢] الخيار هنا خلاف ما دل على أنه لا يرد النكاح إلا من العيوب المخصوصة. وأما التعليل الذي ذكره في المتن ، فان كان المراد به المفسدة ـ كما هو الظاهر ـ اقتضى بطلان العقد من أصله ، إذ لا ولاية للولي حينئذ ، فيتعين كون العقد فضولياً تتوقف صحته على الإجازة. وبالجملة : إن دل‌


( مسألة ١١ ) : مملوك المملوك كالمملوك في كون أمر تزويجه بيد المولى [١].

( مسألة ١٢ ) : للوصي أن يزوج المجنون المحتاج الى الزواج [٢] ،

______________________________________________________

على صحة العقد هنا دليل فلا وجه للخيار للولي ولا للمولي عليه ، لما دل على أنه لا يرد النكاح إلا من العيوب المخصوصة. وإن لم يدل على الصحة دليل كان اللازم القول بالبطلان.

والمتحصل من جميع ما ذكرناه : أنه إذا زوج الولي بمن فيه العيب الموجب للمنقصة بطل العقد من دون فرق بين العالم والجاهل ، والعيب الموجب للخيار وغيره. وإنه إذا كان الولي قد لاحظ مصلحة يتدارك بها النقص صح العقد ، ولا خيار للمولى عليه ، كما هو ظاهر المسالك ، والجواهر. وأما ما ذكره المصنف (ره) فيتوجه عليه الاشكال من وجوه. أحدها : التفصيل بين الولي والمولى عليه. والثاني : إثباته للمولى عليه. والثالث : تعليل الخيار بما يوجب البطلان لا الخيار.

[١] الظاهر أنه لا إشكال فيه ، لأن المملوك كسائر الأموال التي تكون للمملوك كلها تحت سلطان المولى ، لما في الصحيح من أن العبد وماله لأهله ، لا يجوز له تحرير ، ولا كثير عطاء ، ولا وصية ، إلا أن يشاء سيده‌ (١). ونحوه غيره.

[٢] قال في الشرائع : « للوصي أن يزوج من بلغ فاسد العقل إذا كان به ضرورة إلى النكاح » ونحوه في القواعد. وفي المسالك : يظهر منهما عدم الخلاف في هذه الصورة. يعني : صورة ما إذا بلغ فاسد العقل. وفي الجواهر : « نفى بعضهم الخلاف عن ثبوتها في ذلك. بل عن ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب الوصايا حديث : ١.


بل الصغير أيضاً [١]

______________________________________________________

الكفاية : الإجماع عليه ، بل عن القطيفي : دعواه صريحاً ». وهو عجيب بعد تصريح المسالك : بأن غيرهما أطلق الخلاف في تصرف الوصي فيه ، وأنه هو الوجه.

وكيف كان فان قلنا بعدم الولاية للوصي على الصغير ، فاللازم القول بذلك في المجنون ، لعدم الدليل على هذه الولاية. والاستدلال عليها بثبوت الضرورة. وعجز المحتاج عن المباشرة ، فأشبه ذلك الإنفاق عليه ـ كما حكاه في المسالك وغيرها ـ غير ظاهر ، إذ لو اقتضى ذلك لزوم التزويج فاما أن يختص بالحاكم الشرعي ، وإما أن يعم جميع المكلفين على نحو الوجوب الكفائي ولم يختص بالوصي. وإن قلنا بولاية الوصي على الصغير ، أمكن استصحاب الولاية الى ما بعد البلوغ إذا بلغ فاسد العقل. وبالجملة : لما لم يكن دليل على ولاية الوصي على تزويج المجنون كان المرجع فيها القواعد العامة. ومقتضاها ما ذكرنا.

ومن ذلك يظهر الإشكال في إطلاق المجنون في المتن ، وكان اللازم الاقتصار على من بلغ مجنوناً ، كما هو المذكور في كلام الأصحاب. ومثله ما في بعض الحواشي من تقييده بالجنون المتصل بالصغر ، مع الاشكال منه في ولاية الوصي على الصبي. فلاحظ.

[١] كما جعله الأقوى في الجواهر ، وحكاه عن المبسوط ، والخلاف ، والجامع وغاية المراد ، وموضع من المختلف ، والكركي. لقوله تعالى : ( وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) (١) ، ومن المعلوم أن التزويج مع المصلحة إصلاح. إلا أن يقال : الكلام في المقام في القدرة على هذا الإصلاح ، والآية الشريفة ليست في مقام تشريع القدرة ، بل‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٠.


______________________________________________________

في مقام الحث على المقدور. مع أنها لو تمت لم تختص بالوصي ، بل تعم غيره من الأقارب والأجانب.

ولقوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (١) ودعوى : انسباق خصوص الإيصاء بالمعروف للوالدين ، بقرينة كون ما قبلها قوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ). مدفوعة : بأن الاستدلال به في النصوص الكثيرة على وجوب العمل بالوصية يدل على عدما لاختصاص بالمورد. ولو سلم كفت تلك النصوص في الدلالة على لزوم العمل بالوصية. اللهم إلا أن يقال : المنصرف من الآية الإيصاء بما ترك ، لا بما يتعلق بغيره نفساً أو مالاً فإنه خارج عن منصرف الآية. وكذلك الروايات المستدل فيها بالآية على وجوب العمل بالوصية‌ (٢) كلها واردة في خصوص الوصية بماله. مضافاً الى إمكان دعوى كونه من الجنف المتعلق بالغير ، إذ لا فرق بين الإيصاء بتزويج صغيره وبتزويج غيره من الأجانب في دخوله تحت قوله تعالى ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (٣) ، ففي صحيح أبي أيوب عن محمد بن سوقه قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله تبارك وتعالى : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ .. ) قال (ع) : نسختها الآية التي بعدها قوله عز وجل : ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ .. ) قال : يعني : الموصى إليه إن خاف جنفاً من الموصي فيما أوصى به اليه مما لا يرضي الله عز ذكره من خلاف الحق ( فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) .. » (٤). وكما لا تصح الوصية‌

__________________

(١) البقرة : ١٨١.

(٢) راجع الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الوصايا.

(٣) البقرة : ١٨٢.

(٤) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب الوصايا حديث : ١.


______________________________________________________

بالتزويج بالنسبة إلى أخيه وابن أخيه لا تصح بالنسبة الصغير ، لصدق الجنف. وهو العدوان.

و‌لصحيح أبي بصير ، ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن ( الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ). قال : هو الأب ، والأخ ، والرجل يوصى اليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري ، فأي هؤلاء عفا فعفوه جائز في المهر إذا عفا عنه » (١) ‌، ونحوه ما رواه في الكافي عن الحلبي في الصحيح أو الحسن‌ (٢) ، وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن الحلبي وأبي بصير وسماعة عن أبي عبد الله (ع) (٣) ، وما رواه في التهذيب عن أبي بصير في الحسن عن أبي عبد الله (ع) (٤) ، وما رواه في التهذيب أيضا عن أبي بصير ومحمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر (ع) (٥). لكن ذكر الأخر في تلك النصوص مما يستوجب القصور في الدلالة ، لاحتمال إرادة الوكيل من الأخر والموصى إليه ، لا مطلقاً ، فيختص بالكبيرة وما في الجواهر من أن الاشتمال على ذكر الأخ لا يسقط النص عن الحجية في غيره. غير ظاهر في مثل المقام مما يكون بين الطرفين نحو ارتباط في الدلالة. نعم يتم مع الاستقلال في الدلالة في كل من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب المهور ملحق حديث : ١ ، الكافي الجزء : ٦ الصفحة : ١٠٦ طبعة إيران الحديثة.

(٣) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب المهور الملحق الثاني لحديث : ١. لكن رواه عن التهذيب فقط. حديث : ١ وملحقة الأول والثالث ، الكافي الجزء : ٦ ، الصفحة : ١٠٦ ، الطبعة الحديثة ، الفقيه الجزء : ٣ الصفحة : ٣٢٧ الطبعة الحديثة‌

(٤) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤ ، التهذيب الجزء : ٧ الصفحة ، ٣٩٣ طبعة النجف الحديثة. لكن في سنده إرسال.

(٥) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ٥ ، التهذيب الجزء : ٧ الصفحة : ٤٨٤ طبعة النجف الحديثة. هذا هو الحديث الذي ذكره أولا فعده حديثا مستقلا لا وجه له.


______________________________________________________

الطرفين ، لا أقل من وجوب الحمل على غير الظاهر بقرينة‌ صحيح ابن بزيع : « سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين وابنة ، والبنت صغيرة ، فعمد أحد الأخوين الوصي فزوج البنة من ابنه ثمَّ مات أب الابن المزوج ، فلما أن مات قال الآخر : أخي لم يزوج ابنه ، فزوج الجارية من ابنه. فقيل للجارية : أي الزوجين أحب إليك الأول أو الآخر؟ قالت : الآخر. ثمَّ إن الأخ الثاني مات وللأخ الأول ابن أكبر من ابن المزوج ، فقال للجارية : اختاري أيهما أحب إليك الزوج الأول أو الزوج الآخر. فقال (ع) : الرواية فيها أنها للزوج الأخير. وذلك أنها قد كانت أدركت حين زوجها. وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها » (١). ونسبة الصحيح الى الآية الثانية نسبة العامين من وجه ، يرجع في مورد المعارضة ـ وهو محل الكلام ـ إلى أصالة العدم. وما في الجواهر من كون الصحيح مضمراً لا يقدح في الحجية. وكذلك النسبة إلى الرواية ، المشعرة بالتقية. مع أن الاشعار ممنوع. ولو سلم فالأظهر أن تكون التقية في خلاف الرواية ، لا في مضمون الرواية. وما في الجواهر أيضا من أن التعليل عليل. غير ظاهر ، فان المفهوم من عقدته أن العقد كان بإمضائها ، كما يشير قولها الأخير بعد أن سئلت عنهما. وكأنه حمله على كون العقد فضولياً ، فلا ميز بينه وبين ما كان حال الصغر ولا مرجح له عليه ومثله‌ صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم » (٢) ‌، فان مفهومه نفي التوارث إذا كان المتولي للتزويج غير الأب وإن كان هو الوصي. وليست الدلالة من باب دلالة المفهوم فقط ، بل من باب أن التفصيل قاطع للشركة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.


لكن بشرط نص الموصي عليه [١] سواء عين الزوجة أو الزوج أو أطلق. ولا فرق بين أن يكون وصياً من قبل الأب أو من قبل الجد ، لكن بشرط عدم وجود الآخر [٢] ، وإلا فالأمر إليه.

( مسألة ١٣ ) : للحاكم الشرعي تزويج من لا ولي له [٣]

______________________________________________________

ونحوه صحيح الحذاء‌ الدال على أنه إذا زوج الصغير غير الأب توقف التوارث بعد موت أحدهما على بلوغ الآخر وإجازته. اللهم إلا أن يكون ذكر الأب من باب المثال للولي ، بقرينة عموم الحكم للجد إجماعا ، لا لنفي الولاية عن غير الأب.

[١] قد عرفت أن الأدلة المتقدمة على ولاية الوصي مختلفة المفاد ، فالآية الأولى عامة لغير الوصي من جميع المكلفين ، والروايات مختصة بالوصي ، لكنها عامة للوصي في غير الإنكاح ، والمختص بالوصي في الإنكاح خصوص الآية الثانية. فكأن الجماعة اعتمدوا عليها لا غير. وعن جماعة : القول بالولاية للوصي مطلقاً. وكأنهم اعتمدوا على النصوص الذي قد عرفت إشكالها والأقوى النفي مطلقاً كما هو المشهور ، كما عرفت.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال ، كما يأتي في كتاب الوصية إن شاء الله تعالى.

[٣] المشهور أنه ليس للحاكم ولاية النكاح على الصبي. وفي رسالة شيخنا الأعظم (ره) أنه لا يبعد كونه إجماعياً. وعلل بالأصل ، وعدم الحاجة اليه. والأول لا يعارض عموم الولاية ، المستفاد من قوله (ع) في رواية أبي خديجة : « فإني قد جعلته قاضياً » (١). بناء على أن التزويج مع الحاجة من مناصب القضاة ووظائفهم. وما‌ عن النبي (ص) : « السلطان ولي من لا ولي له » (٢) ‌وفي الجواهر : أن هذه القاعدة استغنت عن الجابر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب صفات القاضي حديث : ٦.

(٢) كنز العمال الجزء : ٨ ، صفحة : ٤٠٠٣ السنن الكبرى البيهقي الجزء : ٧ حديث : ١٢٥.


______________________________________________________

في خصوص الموارد نحو غيرها من القواعد. والثاني ممنوع بنحو الكلية ، فقد تكون الحاجة اليه ، ولا تختص الحاجة إليه بالوطء. وكأنه لذلك أفتى المصنف (ره) واشترط الحاجة أو المصلحة الملزمة في ثبوت الولاية. وفي المسالك بعد أن ذكر دليل المنع المتقدم قال : « ولا يخلو من نظر إن لم يكن إجماعياً ». وفي كشف اللثام قال : « ولا ولاية له ( يعني : للحاكم ) على الصغيرين للأصل ، وعدم الحاجة فيهما. وفيه نظر ظاهر. فان استند الفرق إلى الإجماع صح ، وإلا أشكل ». ولأجل أنه لم يتضح الإجماع على العدم يتعين البناء على الثبوت مع الضرورة والحاجة الشديدة ، من باب ولاية الحسبة ، التي مرجعها الى العلم بأن الشارع المقدس يريد التصرف في الجملة ، والقدر المتيقن منه أن يكون من الحاكم أو بإذنه مع الإمكان ، وإلا فمن غيره. والظاهر أنها من مناصب القضاة. كما أنها المقصودة من ولاية السلطان ، يعني : أن السلطان ولي في المورد الذي لا بد فيه من نصب الولي وتصرفه. ولعل تعليل الأصحاب المنع في الصبي بعدم الحاجة يقتضي البناء منهم على الولاية مع الحاجة ، وليس الفرق بين الصبي والمجنون إلا عدم الحاجة في الأول غالباً والحاجة في الثاني غالباً ، لا أمر آخر تعبدي. نعم قد يشكل الحكم بملاحظة مثل‌ صحيح محمد بن مسلم المتقدم عن أبي جعفر (ع) : « في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ .. » (١) ‌ونحوه صحيح الحذاء‌ (٢). وقد تقدم الإشكال في ذلك. وإلا فمن أبعد البعيد عدم صحة العقد للصبي مع الضرورة ، ويكون مستثنى من ولاية الحسبة. بل لا تبعد نسبة الجواز إلى الأصحاب مع الحاجة الشديدة.

__________________

(١) راجع أول الفصل.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ١.


من الأب والجد والوصي ، بشرط الحاجة اليه ، أو قضاء المصلحة اللازمة المراعاة.

( مسألة ١٤ ) : يستحب للمرأة المالكة أمرها أن تستأذن أباها أو جدها [١]. وإن لم يكونا فتوكل أخاها [٢]. وإن‌

______________________________________________________

وأما المجنون : فالظاهر أنه لا خلاف بينهم في ولاية الحاكم على تزويجه وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه ، بل الظاهر كونه مجمعاً عليه » وفي الحدائق ـ بعد أن ذكر ذلك ـ قال : « من غير إشكال عندهم ولا خلاف ». وقد نص على ذلك في الشرائع ، والقواعد ، وغيرهما ، على نحو يظهر أنه من المسلمات. ودليله ما تقدم في الصبي. ويتعين الاقتصار على الضرورة والحاجة الشديدة ، التي هي مورد ولاية الحسبة ، على ما عرفت. وأما مع الحاجة في الجملة فلا دليل على ثبوت ولاية الحاكم في تزويجه. وقد عرفت أن القدر المتيقن من النبوي صورة لزوم التصرف والحاجة الى الولي ، لا مطلقاً. وأما رواية أبي خديجة : فالاستدلال بها لا يخلو من تأمل ، لعدم ثبوت كون التزويج من مناصب القضاء ووظائف القضاة. والمتحصل مما ذكرناه : أن الصبي والمجنون إن كانت حاجة ملزمة الى تزويجهما فالحاكم الشرعي وليهما في ذلك. وإلا فلا ولاية له على أحدهما. ولا يكفي مجرد الحاجة في الجملة في ثبوت الولاية في المقامين.

[١] كما في الشرائع ، والقواعد ، وغيرهما. لما تقدم من نصوص ولايتهما ، فإنه بعد البناء على استقلالها بالولاية على نفسها يتعين حمل الأخبار المذكورة على الاستحباب.

[٢] كما في الشرائع ، والقواعد وغيرهما. لما تقدم من النصوص الدالة على أن الأخ ممن بيده عقدة النكاح ، المحمولة على التوكيل. وكان المناسب حينئذ ذكر الوصي وغيره ممن ذكر في الأخبار مع الأخ ، للاشتراك في الدليل.


تعدد اختارت الأكبر [١].

( مسألة ١٥ ) : ورد في الاخبار أن إذن البكر سكوتها عند العرض عليها [٢] ،

______________________________________________________

[١] كما في القواعد. لأن الأخ الأكبر بمنزلة الأب ، كما في مرسل الحسن بن علي عن الرضا (ع) (١). ويقتضيه‌ خبر الوليد بن بياع الاسقاط ، قال : « سئل أبو عبد الله (ع) ـ وأنا عنده ـ عن جارية كان لها أخوان ، زوجها الأكبر بالكوفة ، وزوجها الأصغر بأرض أخرى. قال (ع) : الأول بها أولى ، إلا أن يكون الآخر قد دخل بها فهي امرأته ونكاحه جائز » (٢) ‌بناء على أن المراد أن الأكبر أولى بإمضاء عقده ، واستثناء دخول الثاني من جهة أن تمكين الثاني من الدخول إمضاء لعقد الأصغر ، فلا مجال لإمضاء الأول.

[٢] في صحيح البزنطي قال : « قال أبو الحسن (ع) في المرأة البكر : إذنها صماتها ، والثيب أمرها إليها » (٣). و‌في صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل يريد أن يزوج أخته. قال (ع) ، يؤامرها ، فإن سكتت فهو إقرارها ، وإن أبت لم يزوجها » (٤) ‌ونحوه مصحح الحلبي‌ (٥). و‌في خبر الضحاك بن مزاحم قال : « سمعت علي بن أبي طالب (ع) يقول ، وذكر حديث تزويج فاطمة (ع) وأنه طلبها من رسول الله (ص) .. الى أن قال. فقام‌ ( يعني : رسول الله (ص) )

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب عقد النكاح حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٥ من أبواب عقد النكاح حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٥ من أبواب عقد النكاح حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٤ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.


وأفتى به العلماء [١]. لكنها محمولة على ما إذا ظهر رضاها [٢] وكان سكوتها لحيائها عن النطق بذلك.

( مسألة ١٦ ) : يشترط في ولاية الأولياء المذكورين البلوغ ، والعقل ، والحرية ، والإسلام إذا كان المولى عليه‌

______________________________________________________

وهو يقول : الله أكبر سكوتها إقرارها » (١).

[١] بل هو المشهور بين الأصحاب ، بل الظاهر أنه لا خلاف فيه إلا من ابن إدريس ، طرحا منه للأخبار ، بناء على أصله في أخبار الآحاد. نعم عن المبسوط : أنه احتاط في استنطاقها.

[٢] قال في الجواهر : « لا إشكال في الاكتفاء بالسكوت الدال قطعا على الرضا. وكذا السكوت المقرون بقرائن ولو ظنية. بل والسكوت من حيث كونه سكوت بكر وإن لم تكن ثمة قرائن خارجية. كما أنه لا إشكال في عدم الاكتفاء به مع اقترانه بقرائن تدل على عدم الرضا. بل لعل المتجه ذلك أيضاً في المقترن بقرائن ظنية تدل على ذلك أيضاً. بل لا يبعد ذلك فيما إذا تعارضت فيه الامارات على وجه لم يحصل الظن بدلالته على الرضا ولو من حيث كونه سكوت بكر. واحتمال القول بحجية ما عدا المقترن بما يدل على عدم الرضا قطعاً ، تمسكاً بإطلاق النص. ضعيف ». فالصور ـ على ما ذكر ـ ست ، الثلاث الأول منها يكون السكوت حجة فيها ، دون الثلاث الأخيرة. وظاهر المصنف (ره) اختصاص الحجية بالصورتين الأولتين. ومقتضى إطلاق النصوص اللفظي عموم الحجية لجميع الصور عدا الصورة الرابعة واستضعفه في الجواهر ، لأنه خلاف منصرف النصوص. وهو في محله.

لكن لما كان السكوت من الامارات العرفية يتعين حمل الحجية على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.


مسلماً. فلا ولاية للصغير والصغيرة على مملوكهما [١] ، من عبد أو أمة ، بل الولاية حينئذ لوليهما [٢]. وكذا مع فساد عقلهما ، بجنون ، أو إغماء ، أو نحوه [٣]. وكذا لا ولاية للأب والجد مع جنونهما ونحوه [٤].

______________________________________________________

أن تكون إمضاء لما عند العرف ، وهي تختص بالصورتين الأولتين ، ولا تشمل الثانية. وبالجملة : بعد أن كان احتمال كون السكوت بمنزلة الرضا موضوعاً للصحة واقعاً ، خلاف الظاهر جداً ، وتعين كونه موضوعاً للحكم الظاهري ـ أعني : الحجية ـ يدور الأمر بين أن تكون الحجية إمضاء لما عند العرف ، وأن تكون تأسيساً في مقابل ما عند العرف ، والأول أظهر ، فإنه المنصرف من الخطاب ، فتختص الحجية بالصورتين الأولتين فقط ، كما هو ظاهر المتن ، فهو المتعين. فان لم يتم ذلك تعين البناء على ما حكاه في الجواهر واستضعفه ، من كون الحجية عامة لجميع الصور عدا صورة العلم بالخلاف ، أخذاً بالإطلاق اللفظي. فما في الجواهر أضعف الوجوه.

[١] إجماعاً ، كسائر أموالهما.

[٢] كسائر أموالهما.

[٣] الظاهر أن هذه العبارة زائدة ، وقعت سهواً ، فان الجنون مانع من الولاية في مقابل الصغر ، يعني : يكون مانعاً في الكبير ، لا في الصغير.

[٤] بلا خلاف ولا إشكال. وعلل بالقصور عن الولاية ، لأن اختلال العقل يوجب قصور النظر والرأي ، وقوام الولاية بذلك. لكن يشكل الأمر في الإغماء ، فإنه يشبه النوم في أنه يقتضي القصور في العمل ، لا في الرأي ، فاذاً العمدة فيه الإجماع.


وإن جن أحدهما دون الآخر فالولاية للآخر [١]. وكذا لا ولاية للمملوك [٢] ولو مبعضاً [٣] على ولده ، حراً كان أو عبداً. بل الولاية في الأول للحاكم [٤] ، وفي الثاني لمولاه [٥] وكذا لا ولاية للأب الكافر على ولده المسلم [٦].

______________________________________________________

[١] لأن الجنون إنما يمنع الولاية عن المجنون ، لا عن غيره ، فعموم دليل الولاية بالنسبة إليه محكم.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال ، كما في الجواهر. ويقتضيه ما دل على نفيها عن نفسه ، مثل قوله تعالى ( لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (١). لكن يظهر من عبارة المختلف ثبوت ولايته ، قال : « وأما العبد : فالأقوى صحة ولايته ، لأنه بالغ رشيد ، فأشبه الحر. وكونه مولى عليه لا ينافي ولايته ». وضعفه مما ذكرنا ظاهر.

[٣] بلا خلاف ولا إشكال ، كما في الجواهر ، وظاهر غيره. وهو العمدة ، وإلا فدليل نفي قدرة العبد على شي‌ء ، لا يشمل المبعض.

[٤] لما سبق من أنه ولي من لا ولي له.

[٥] لما سبق من قاعدة السلطنة.

[٦] إجماعاً ، كما في المسالك ، وكشف اللثام ، والجواهر. وفي الحدائق : « الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب فيه ». ثمَّ ادعى الإجماع على ذلك بالنسبة إلى الولد المسلم. وقد استدل له بقوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٢). و‌قوله (ص) « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (٣). وقوله تعالى ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (٤)

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) النساء : ١٤١.

(٣) غوالي اللئالي : الفصل التاسع من المقدمة ، صحيح البخاري الجزء : ٢ كتاب الجنائز باب : إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه ، كتاب الشهاب في الحكم والآداب القضائي الصفحة : ٥.

(٤) التوبة : ٧١.


فتكون للجد إذا كان مسلماً [١] ، وللحاكم إذا كان كافراً أيضاً [٢]. والأقوى ثبوت ولايته على ولده الكافر [٣].

______________________________________________________

ولا يخلو الاستدلال من المناقشة ، فإن الولاية في الآية الثانية يراد بها غير ما نحن فيه ، بقرينة العموم للكبير والصغير وظهورها في ثبوت الولاية من الطرفين ، ومثله قوله تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ) (١). وكذا العلو في النبوي يراد منه الظهور ، فهو نظير قوله تعالى ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (٢). وأما الآية الأولى فبقرينة سياق ما قبلها ، وهو قوله تعالى ( فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) ، ووجود حرف الاستقبال فيها ، يكون الظاهر منها الجعل التكويني فيما يتعلق بأمور الآخرة ، لا الجعل التشريعي لتكون مما نحن فيه. مضافا الى إمكان انصراف السبيل عليه عما كان لمصلحته وخدمته ، فلاحظ.

[١] كما نص على ذلك في الشرائع ، والقواعد. ويظهر من شراحهما : أنه من المسلمات. لعموم دليل الولاية ، المقتصر في الخروج عنه على المتيقن.

[٢] لما سبق.

[٣] كما صرح به في القواعد ، وغيرها. لعموم الأدلة. لكن مقتضى إطلاق ما في الشرائع من قوله : « إذا كان الولي كافراً فلا ولاية له » انتفاء ولاية الكافر حتى على الولد الكافر. ونحوه حكي عن التحرير. ورده في الجواهر بقوله تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ). وقد عرفت الإشكال في الآية المذكورة ، وأنها ليست فيما نحن فيه. فالعمدة في الاشكال عليه مخالفته لإطلاق دليل الولاية من غير وجه ظاهر. وما أبعد ما بينه وبين ما عن المبسوط من أن ولي الكافر لا يكون إلا كافراً ، فلو كان له‌

__________________

(١) الأنفال : ٧٣.

(٢) التوبة : ٣٣.


ولا يصح تزويج الولي في حال إحرامه [١] ، أو إحرام المولى عليه ، سواء كان بمباشرته ، أو بالتوكيل [٢]. نعم لا بأس‌

______________________________________________________

وليان مسلم وكافر فالولاية للكافر. وهو غريب. وأغرب منه التمسك له بقوله تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ). إذ هو في غير ما نحن فيه قطعاً ، كما تقدم.

[١] بلا خلاف ولا إشكال فيه وفيما بعده. فان المحرم لا يصح العقد منه له ولا لغيره. وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض إن لم يكن متواتراً ». و‌في صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) : « قال ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج. وإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل » (١). ونحوه غيره.

[٢] كما نص على ذلك في الجواهر في الفرع الثاني من مبحث تحريم النساء على المحرم. ويظهر منه أنه مفروغ عنه عندهم. لإطلاق النص الشامل للثاني شموله للأول ، لأن الوكيل نائب عن الموكل ، ففعله فعله. فاذا وكل الولي وهو محرم محلا على تزويج المولى عليه المحل ، ففعل الوكيل ذلك حال إحرام الولي ، صدق أنه زوج المولى عليه وهو محرم. وكذا لو وكل الولي حال إحلاله محلا على تزويج المولى عليه المحل ، ففعل الوكيل ذلك حال إحرام الولي ، فإنه يصدق أنه زوجه وهو محرم. لأن فعل الوكيل إذا كان فعلا للموكل صدق أن الموكل المحرم زوج المولى عليه ، وان كان التوكيل سابقاً على الإحرام. اللهم إلا أن يقال : إن الظاهر من قولهم (ع) : « إن المحرم لا يزوج » ‌(٢) : المنع من أن يصدر منه حال الإحرام ما يوجب التزويج ، والتزويج في الفرض ليس صادراً من الولي حال الإحرام. ومجرد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب تروك الإحرام حديث : ١.

(٢) يوجد هذا المضمون في أحاديث باب : ١٤ من أبواب تروك الإحرام من الوسائل.


بالتوكيل حال الإحرام ليوقع العقد بعد الإحلال [١].

( مسألة ١٧ ) : يجب على الوكيل في التزويج أن لا يتعدى عما عينه الموكل من حيث الشخص ، والمهر ، وسائر الخصوصيات. وإلا كان فضولياً [٢] وقوفاً على الإجازة. ومع الإطلاق وعدم التعيين يجب مراعاة مصلحة الموكل [٣] من سائر الجهات. ومع التعدي يصير فضولياً [٤]. ولو وكلت المرأة رجلاً في تزويجها لا يجوز له أن يزوجها من نفسه [٥]. للانصراف عنه. نعم لو كان التوكيل على وجه‌

______________________________________________________

صحة النسبة إليه أعم من ذلك. ولا يجي‌ء ذلك فيما لو وكل في تزويج نفسه ، ثمَّ أحرم فزوجه الوكيل حال الإحرام ، للفرق بين المصدر وحاصل المصدر. فلاحظ. فالمنع في الولي يختص بما إذا كان التوكيل حال الإحرام والعقد كذلك. إلا أن يقوم إجماع على خلافه.

[١] لإطلاق الأدلة من غير معارض.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال. لعدم شمول الاذن للعقد الواقع ، فلا يصح بدون الإجازة ، لقاعدة السلطنة.

[٣] كما في سائر موارد الوكالة ، من غير خلاف بينهم في ذلك ، كما يظهر من مراجعة كلماتهم في مبحث الوكالة. ويقتضيه منصرف التوكيل ، الذي هو استنابة في التصرف لمصلحة الموكل.

[٤] لعدم الاذن في التصرف ، فلا يصح بدون الإجازة ، كما تقدم.

[٥] كما نص على ذلك في الشرائع ، والقواعد ، وغيرهما. وفي المسالك : أنه لا خلاف في أنه لا يجوز له تزويجها من نفسه مع تعيين الزوج ، ومع الإطلاق. وحكى عن التذكرة احتمال جواز أن يزوجها من نفسه مع الإطلاق ،


يشمل نفسه أيضاً بالعموم ، أو إطلاق [١] جاز. ومع التصريح فأولى بالجواز. ولكن ربما يقال : بعدم الجواز مع الإطلاق ، والجواز مع العموم. بل قد يقال : بعدمه حتى مع التصريح بتزويجها من نفسه [٢] ، لرواية عمار [٣] ، المحمولة‌

______________________________________________________

معللاً بإطلاق الاذن. وعلل المصنف المنع ـ تبعا للمشهور ـ بالانصراف.

[١] يعني : كان الإطلاق مقروناً بما يمنع الانصراف عن نفسه. وإلا فالانصراف مانع عن العمل بالإطلاق. لكن الإنصاف : أن الانصراف الى غيره بدوي ، ناش من تغاير الفاعل والمفعول غالباً ، فلا يعتد به في رفع اليد عن الإطلاق. نعم إذا كان موضوع الوكالة من الأفعال الخارجية القائمة بين الاثنين ـ كما إذا أعطاه مالا فقال له : أعطه الفقير ، أو اكس الفقير ، أو أشبع الفقير ، أو نحو ذلك من الافعال ـ اقتضى التغاير والانصراف الى غيره. أما إذا كان من الأمور الاعتبارية ـ مثل : بعه ، وملكه ، وزوجه ، وأمثال ذلك ـ فالانصراف بدوي ، لا يمنع من الأخذ بالإطلاق.

[٢] قال في الشرائع : « ولو وكلته في تزويجها منه قيل : لا يصح لرواية عمار‌. ولأنه يلزم أن يكون موجباً قابلاً. والجواز أشبه ». ويظهر من كشف اللثام : أنه المشهور ، فإنه نسب الجواز الى أبي علي والمحقق لا غير.

[٣] رواها الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمار الساباطي قال : « سألت أبا الحسن (ع) عن امرأة تكون في أهل بيت ، فتكره أن يعلم بها أهل بيتها ، أيحل لها أن توكل رجلاً يريد أن يتزوجها ، تقول له : قد وكلتك فأشهد على تزويجي؟ قال (ع) : لا. قلت : جعلت فداك وإن كانت أيماً؟ قال : وإن كانت أيماً. قلت : فان وكلت غيره بتزويجها منه؟


على الكراهة ، أو غيرها من المحامل [١].

( مسألة ١٨ ) : الأقوى صحة النكاح الواقع فضولا مع الإجازة [٢] ، سواء كان فضولياً من أحد الطرفين ،

______________________________________________________

قال (ع) : نعم » (١).

[١] قال في المسالك : « والرواية ضعيفة السند ، قاصرة الدلالة ، لجواز كون المنفي هو قولها : « وكلتك فأشهد » ‌، فإن مجرد الاشهاد غير كاف. فالجواز أقوى ». والمراد من قصور السند عدم الصحة. لكنها من الموثق ، وهو حجة كالصحيح. واحتمال كون المنفي قولها : « وكلتك فأشهد » ‌بعيد ، بل الواضح كونه راجعاً الى الحل ، كما يظهر أيضاً من قرينة السياق مع ما بعده ، مع أن كون مجرد الاشهاد غير كاف ، غير ظاهر ، لأن الإشهاد لا بد أن يكون مع وجود المشهود به ، ومعه لا بد أن يكون عدم الكفاية لعدم الصحة. وبالجملة : لا قصور في سند الرواية ، ولا في دلالتها. نعم هي مخالفة للقواعد. لكنها غير قادحة ضرورة.

[٢] على الأظهر ، كما في الشرائع. وفي الجواهر : « الأشهر ، بل المشهور شهرة عظيمة بين القدماء والمتأخرين ، بل في الناصريات الإجماع عليه ، وفي محكي السرائر : نفي الخلاف عنه في غير تزويج العبد نفسه والأمة نفسها بغير إذن المولى ، بل فيه الإجماع على ذلك ، بل فيه ـ مضافا الى ذلك ـ دعوى تواتر الأخبار به. بل من أنكر الفضولي في غير النكاح أثبته هنا ، للإجماع ، والنصوص »

. ويشهد له العمومات الدالة على صحة العقود ونفوذها ، مثل قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ، فان العقد المجاز داخل‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب عقد النكاح حديث : ٤.

(٢) المائدة : ١.


______________________________________________________

في عموم العقود ، فيجب الوفاء به. وتقريب ذلك : أن العقود في الآية الشريفة يحتمل بدواً أموراً ثلاثة : ( الأول ) : مطلق العقود ، ويكون عقد غير من له السلطنة على العقد بدون الاذن من السلطان والإجازة خارجاً بالإجماع. وهذا الاحتمال يظهر من كلام شيخنا الأعظم (ره) في مكاسبه. وفيه : أن الوفاء المذكور في الآية الشريفة يتوقف على تحقق الالتزام بالعقد ، فاذا لم يكن إذن من المالك لا سابقاً ولا لاحقاً ، لا يكون مورداً للوفاء ولا موضوعاً له. ( الثاني ) : العقد الصادر من السلطان ، ويكون دخول عقد الوكيل والمأذون بالإجماع ، ويكون العقد المجاز خارجاً عنه. وهذا الاحتمال قد يظهر من الشهيد في غاية المراد. ولكنه خلاف الإطلاق. ( الثالث ) : العقد المنسوب الى السلطان وإن لم يكن بلحاظ الصدور ، فيدخل فيه عقد الوكيل والمأذون ، ويتبعه العقد المجاز ، لاتحاد جهة النسبة. وهذا هو الأظهر. وحينئذ يراد بالعقود : العقود المنسوبة الى من له السلطنة عليها ، سواء كان وجه النسبة الصدور ، أم الالتزام به بالإذن أو التوكيل أو الإجازة ، لأن الجميع على نحو واحد. وحينئذ يكون وجوب الوفاء دالاً على الصحة والنفوذ ، فإنه إرشادي الى ذلك ، لا تكليفي ، وإلا لزم تعدد المخالفة والمعصية عند ترك الوفاء ، وهو خلاف المقطوع به.

هذا ويدل على القول المذكور أيضاً جملة من النصوص ، بعضها وارد في الحر ، كخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « انه سأله عن رجل زوجته أمه وهو غائب قال (ع) : النكاح جائز ، إن شاء المتزوج قبل ، وإن شاء ترك » (١) ‌، وبعضها وارد في الرق ، كمصحح زرارة عن أبي جعفر (ع) قال : « سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب عقد النكاح حديث : ٣.


______________________________________________________

فقال (ع) : ذاك الى سيده إن شاء أجازه ، وإن شاء فرق بينهما. قلت : أصلحك الله إن الحكم بين عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إن أصل النكاح فاسد ، ولا تحل إجازة السيد له. فقال أبو جعفر (ع) : إنه لم يعص الله تعالى ، إنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز » (١). و‌صحيح معاوية بن وهب قال : « جاء رجل الى أبي عبد الله (ع) فقال : إني كنت مملوكا لقوم ، وإني تزوجت امرأة حرة بغير إذن موالي ، ثمَّ أعتقوني بعد ذلك ، فأجدد نكاحي إياها حين أعتقت؟ فقال له : أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال : نعم ، وسكتوا عني ولم يغيروا علي. فقال (ع) : سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم. أثبت على نكاحك الأول » (٢). ونحوهما غيرهما.

وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط : البطلان. وعن فخر الإسلام : موافقته. واستدل له بجملة من النصوص المتضمنة لفساد النكاح بغير إذن الولي أو المولى ، كرواية أبي العباس البقباق : « قلت لأبي عبد الله (ع) : يتزوج الرجل بالأمة بغير علم أهلها. قال : هو زنا ، إن الله تعالى يقول : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (٣) » (٤). ونحوه غيره. وبأن العقود الشرعية تحتاج إلى الأدلة ، وهي منتفية في محل النزاع. وعن فخر الإسلام : الاستدلال له بأن العقد سبب الإباحة ، فلا يصح صدوره من غير معقود عليه أو وليه. وبأن رضا المعقود عليه أو وليه شرط ، والشرط متقدم. وفيه : أن الظاهر من النصوص السؤال عن صحة العقد بدون الاذن ولا الإجازة ، فلا تشمل صورة وقوع الإجازة. ولو سلم عمومها لذلك يتعين‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٣) النساء : ٢٥.

(٤) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.


أو كليهما ، كان المعقود له صغيراً أو كبيراً ، حراً أو عبداً. والمراد بالفضولي : العقد الصادر من غير الولي والوكيل [١] ، سواء كان قريباً ـ كالأخ ، والعم ، والخال ، وغيرهم ـ أو أجنبياً. وكذا الصادر من العبد أو الأمة لنفسه بغير إذن الولي. ومنه العقد الصادر [٢] من الولي أو الوكيل على غير الوجه المأذون فيه من الله ، أو من الموكل. كما إذا أوقع الولي العقد‌

______________________________________________________

حملها على ذلك ، جمعاً بينها وبين غيرها مما عرفت. وأما ما ذكر أخيراً : فالإشكال عليه أظهر ، فإن دعوى نفي الأدلة على الصحة مصادرة. مضافاً الى ما عرفت من الأدلة. ومثله ما ذكره أولاً فخر الإسلام. وأما ما ذكره أخيراً : ففيه أن كون الشرط متقدماً لا يقتضي البطلان ، فان المشروط هو الحكم بالصحة ، وهو متأخر. ومثله القبض في الصرف. والسلم ، والهبة.

[١] الفضولي : هو العاقد الذي لا سلطان له على العقد حين العقد ، كما حكي عن الشهيد ، فيقال : « عقد الفضولي » ، وتكون الإضافة بمعنى اللام. وقد يطلق على نفس العقد ، فيقال : « العقد الفضولي » أو « عقد الفضول » من باب إضافة الموصوف إلى الصفة. ولعله تسامح ، كما في كلام شيخنا الأعظم (ره).

[٢] المشهور عدم الفرق في صحة الفضولي بين الأفراد المذكورة. وعن ابن حمزة : اختصاصه بتسعة. مواضع : عقد البكر الرشيدة على نفسها مع حضور وليها ، وعقد الأبوين على الابن الصغير ، وعقد الجد مع عدم الأب ، وعقد الأخ والأم والعم على صبيته ، وتزويج الرجل عبد غيره بغير إذن سيده ، وتزويجه من نفسه بغير إذن سيده ، لأن هذه التسعة مورد الأدلة ، والتعدي من موردها الى غيره لا دليل عليه ، والأصل عدم ترتب الأثر. وفيه : أنه لا فرق بين التسعة وغيرها في شمول العمومات المقتضية‌


على خلاف المصلحة ، أو تعدى الوكيل عما عينه الموكل. ولا يعتبر في الإجازة الفورية [١] ، سواء كان التأخير من جهة الجهل بوقوع العقد ، أو مع العلم به وإرادة التروي ، أو عدمها أيضاً. نعم لا تصح الإجازة بعد الرد [٢].

______________________________________________________

للصحة. مع إمكان التعدي عرفاً عن مورد النصوص الى غيره ، لفهم عدم الخصوصية عرفاً.

[١] كما هو المعروف. ويقتضيه إطلاق الأدلة المتقدمة عمومها وخصوصها ، وخصوص صحيحة محمد بن قيس الواردة في البيع ، فيتعدى منه الى المقام بعدم الفصل. فقد‌ روى عن أبي جعفر الباقر 7 : « قال : قضى أمير المؤمنين (ع) في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب ، فاستولدها الذي اشتراها ، فولدت منه ، فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر ، فقال : وليدتي باعها ابني بغير اذني. فقال (ع) : الحكم أن يأخذ وليدته وابنها. فناشده الذي اشتراها ، فقال له : خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ البيع لك ، فلما رآه أبوه قال له : أرسل ابني ، قال : لا والله لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني ، فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه » (١).

وإذا لزم الضرر على الطرف الآخر من تأخير الإجازة أمكن رفعه بقاعدة نفي الضرر ، بتشريع الفسخ ، بناء على صلاحية القاعدة لذلك ، على ما ذكروه في مبحث خيار الغبن. ولا ينافي ذلك ما دل على نفي الخيار في النكاح ، فإن قاعدة الضرر لو جرت تكون حاكمة عليه.

[٢] على المعروف بينهم ، بل في كلام شيخنا الأعظم دعوى ظهور الإجماع عليه ، بل عن بعض مشايخه دعواه صريحاً. واستدل له بأن الإجازة بمنزلة القبول فكما يقدح رد القابل قبل القبول في صدق العقد كذلك الرد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١ ، منقولة بالمعنى.


كما لا يجوز الرد بعد الإجازة [١] ، فمعها يلزم العقد [٢].

______________________________________________________

قبل الإجازة. وبأن مقتضى سلطنة المالك على ماله قطع علقه الطرف الآخر عن ماله.

وفي كل من الوجهين تأمل ونظر. وأما في الأول : فلعدم الدليل على ثبوت الحكم في المقاس عليه ، فضلا عن المقاس. مع وضوح الفرق بين المقامين بتمامية العقد في الثاني ، غاية الأمر أنه محتاج إلى إضافته إلى المالك ، وهي حاصلة بالإجازة وإن كانت بعد الرد ، بخلاف الأول ، لإمكان دعوى كون الرد المتخلل بين الإيجاب والقبول مانعاً من الالتئام بينهما على نحو يكونان عقداً.

وأما في الثاني : فلأن عقد الفضولي ليس تصرفاً في موضوعه حتى لا يكون تحت سلطان غير من له السلطان ، فلا يوجب علقة لغير من له السلطان. ولو أوجب ذلك فرضاً على خلاف قاعدة السلطنة ، فلا تصلح قاعدة السلطنة لقطعها ، للشك في مشروعية ذلك ، وقاعدة السلطنة لا تصلح للتشريع. وبالجملة : مقتضى قاعدة السلطنة عدم نفوذ العقد ، لا عدم صحته التأهلية ، بحيث لو انضمت إليه الإجازة ممن له السلطنة لترتب عليه الأثر. ولو سلم كان مقتضى القاعدة عدم الصحة التأهلية ، الراجع الى بطلان عقد الفضولي ، لا رفع الصحة التأهلية بعد ثبوتها. ولذا كان من الواضح أن مقتضاها عدم صحة تصرف غير السلطان ، لا إبطال التصرف بعد صحته من غير السلطان. فإذاً العمدة الإجماع المتقدم. ويعضده الإجماع على صحة إنشاء الرد بقول : « فسخت » ، فان ذلك إجماع منهم على انحلال العقد به ، كانحلال العقد الجائز به ، إذ لو لا ذلك لا معنى لإنشاء الفسخ به.

[١] إجماعاً ، لصحة العقد بالإجازة ، ولا دليل على بطلانه بالرد.

[٢] لأصالة اللزوم.


( مسألة ١٩ ) : لا يشترط في الإجازة لفظ خاص. بل تقع بكل ما دل على إنشاء الرضاء بذلك العقد [١] ، بل تقع بالفعل الدال عليه [٢].

( مسألة ٢٠ ) : يشترط في المجيز علمه بأن له أن لا يلتزم بذلك العقد ، فلو اعتقد لزوم العقد عليه فرضي به لم يكف في الإجازة [٣]. نعم لو اعتقد لزوم الإجازة عليه‌

______________________________________________________

[١] كما يقتضيه إطلاق أدلة الصحة.

[٢] وعن صريح جماعة وظاهر آخرين : اعتبار اللفظ في إجازة عقد الفضولي في البيع لأن الإجازة كالبيع في استقرار الملك. ولأن الاستقراء في النواقل الاختيارية اللازمة ـ كالبيع وشبهه ـ يقتضي اعتبار اللفظ. وهذان الوجهان يمكن إجراؤهما في المقام ، فيقال : الإجازة كعقد النكاح الذي لا يصح بالفعل ولأن الاستقراء في العقود اللازمة ـ كالبيع والتزويج ونحوهما ـ يقتضي اعتبار اللفظ. لكن الأول مصادرة. والاستقراء ليس بحجة ، ولا سيما في مقابل العمومات الدالة على الصحة حتى بالإجازة الفعلية. وخصوص صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في أدلة صحة الفضولي‌ (١). فالعمل بها متعين. ولذا حكي عن تصريح العلامة بأن تمكين الزوجة من الدخول بها إذا زوجت فضولا إجازة للعقد.

[٣] كما في المستند ، لعدم الصدق ، ولاستصحاب الخيار. انتهى. والظاهر منه إرادة عدم صدق الإجازة. لأن مجرد الرضا بالعقد على الحال المذكورة لا يكون إجازة. وفيه : أنه يمكن فرض الإجازة منه وإن علم بعدم الحاجة إليها لترتب الأثر. كما لو قال : « أجزت ما وقع ورضيت به ». فالعمدة حينئذ أن مثل هذه الإجازة ليس مما تقتضيه قاعدة السلطنة ،

__________________

(١) راجع المسألة : ١٨ من هذا الفصل.


بعد العلم بعدم لزوم العقد ، فأجاز ، فإن كان على وجه التقييد لم يكف [١]. وإن كان على وجه الداعي يكون كافياً.

( مسألة ٢١ ) : الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه [٢] ، فيجب ترتيب الآثار من حينه.

______________________________________________________

لأنها تقتضي السلطنة على الوجود بعد العدم ، والمفروض أن المجيز يرى تحقق الوجود بعد العدم ، فليس في مقام إعمال قدرته وسلطنته على ذلك. نظير الرضا بما قسم الله تعالى له ، فإنه غير إيجاد ما قسم له. وربما يكون في صحيحة ابن بزيع المتقدمة في عقد السكرى‌ (١) ما ينافي ذلك. لكن العمل بالرواية محل تأمل ، كما تقدم. فراجع.

[١] لعدم تحقق القصد الى المقيد بعد فرض انتفاء القيد.

[٢] قد اختلف القائلون بصحة عقد الفضولي في البيع في أن الإجازة ناقلة ـ بمعنى : أنها تقتضي ترتب الأثر من حينها ـ أو كاشفة عن ترتب الأثر من حين العقد ، إما لكون العقد تمام السبب المؤثر ـ كما يقتضيه ما عن جامع المقاصد وغيره من الاستدلال على الكشف بأن العقد سبب تام في الملك ، لعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ـ أو لكون شرط تأثير العقد هو الرضا التقديري الحاصل حال العقد ـ كما هو ظاهر بعض المحققين في إجازته ـ أو لكون الشرط هو الوصف الانتزاعي ، وهو تعقب الإجازة للعقد ـ كما نسبه شيخنا الأعظم إلى جماعة من معاصريه ـ أو لأن الشرط هو نفس الإجازة المتأخرة ، ولا مانع من تأخر الشرط في العلل الشرعية ـ كما اختاره في الجواهر ـ لأن الشرط في العلل الشرعية يراد منه ما يكون قيداً لموضوع الحكم ، لا ما له دخل في سبب الحكم وعلته ،

__________________

(١) راجع صفحة : ٣٨٧.

(٢) المائدة : ١.


______________________________________________________

فإن الحكم لما كان فعلا اختيارياً للحاكم ، كانت علته الإرادة لا غير ، والشرط الشرعي لا دخل له في تأثير العلة ، وإنما دخله باعتبار أن وجوده العلمي وتصوره دخيل في ترجح الوجود على العدم. الموجب لتعلق الإرادة به ، وليس لوجوده الخارجي دخل في الحكم أصلا ، فشرطية الإجازة في المقام بهذا المعنى ، لا بمعنى أن لها الدخل في الوجود ، وفي ترتب المعلول على العلة ، كما هو معنى الشرط في العلل العقلية أو لكون الإجازة موجبة لحكم الشارع من حين الإجازة بحصول المضمون حقيقة من حين العقد. على وجه الانقلاب ، المعبر عنه بالكشف الانقلابي ـ كما اختاره بعض المحققين ، وقد يظهر من عبارة جماعة من الأعيان ، حيث ذكروا أن الإجازة موجبة للحكم بصحة العقد من حينه ، لأنها رضا بمضمون العقد وهو النقل من حينه ـ أو أنها موجبة لحكم الشارع من حينها بحصول المضمون من حين العقد حكماً لا حقيقة ، المعبر عنه بالكشف الحكمي ، وهو الذي حكاه شيخنا الأعظم عن أستاذه شريف العلماء في بعض تحقيقاته. كما أن الكشف على أحد الوجوه الأربعة الأول يعبر عنه بالكشف الحقيقي. وعبارة المصنف (ره) خالية عن تعيين وجه من هذه الوجوه. والأقرب منها هو الكشف الانقلابي.

أما النقل : فيشكل بأن مقتضى العمومات وإن كان هو نفوذ العقد وترتب مضمونه حين الحكم بالصحة ، وهو بعد الإجازة ، فإن زمان العقد لم يؤخذ قيداً للمضمون ، حتى يتعين ثبوت المضمون فيه ، لكن المرتكزات العرفية تستوجب حمل الأسباب الشرعية على الأسباب العقلية ، وكما أن آثار الأسباب العقلية كائنة في زمان أسبابها ، كذلك مضمون العقد كائن في زمانه ، فكأنه السبب ، والإجازة دخيلة في سببيته ، فالبناء على أنه كائن في زمان الإجازة المتأخرة خلاف الارتكاز المذكور ، فيكون خلاف الظاهر.

وأما الوجه الأول من وجوه الكشف الحقيقي : فيشكل بأنه خلف ،


______________________________________________________

ومخالف لما دل على اعتبار الإجازة ، المعول عليه عندهم ، فكيف يكون مقتضى العموم أن يكون العقد سبباً تاماً؟ إذ لا موجب حينئذ لاعتبار الإجازة.

وأما الوجه الثاني : فيشكل بأن الرضا التقديري لا دليل على الاجتزاء به ، كما سيأتي في المسألة الآتية. بل سيأتي أن الرضا الفعلي من الأصيل لا يكفي في صحة العقد من الفضولي ، فضلا عن الرضا التقديري ، لأنه غير كاف في صحة نسبة العقد إلى الأصيل. مع أن البناء على حصول الرضا التقديري غير ظاهر ، لإمكان انتفائه ، ويكون حصول الإجازة بعد ذلك لتبدل الطوارئ والمناسبات ، كما لا يخفى. ولا سيما إذا كان الأصيل قد توقف عن الإجازة برهة من الزمن ، ثمَّ أجاز ، فإن مثل هذه الإجازة لا تدل على الرضا التقديري ، الذي يراد منه الرضا على تقدير الالتفات ، يعني : الرضا بمجرد الالتفات ، إذ المفروض أنه غير حاصل بمجرد الالتفات.

وأما الوجه الثالث : فيشكل بما عرفت من اختصاص عموم وجوب الوفاء بالعقد المنسوب إلى الأصيل ، والإجازة هي المصححة للنسبة ، والوصف الاعتباري ـ وهو التعقب بالإجازة ونحوه ـ لا يصحح النسبة ، فالبناء على صحة العقد به خلاف ظاهر الأدلة. مع أن التعقب غير حاصل إلا بعد الإجازة ، لأنه قائم بالمتعقب ، وهو الإجازة.

وأما الوجه الرابع : فيشكل بأن ظاهر أدلة الصحة الترتب بين نفس الإجازة والحكم بالصحة ، فإن الحكم بوجوب الوفاء بالعقد المنسوب إلى الأصيل ظاهر في كون وجوب الوفاء مترتباً على النسبة ، فلا يكون قبلها. وكذا‌ قوله (ع) : « فإذا أجازه فهو له جائز » (١) ‌ظاهر في كون الجواز مترتباً على الإجازة ، لا قبلها. هذا هو ظاهر تمام أدلة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.


______________________________________________________

الصحة ، ولا يتناسب مع جميع وجوه الكشف الحقيقي المذكورة.

وأما الكشف الانقلابي : فهو الذي يقتضيه ظاهر الأدلة ، فإنه إذا تحققت لإجازة تحقق الحكم بصحة العقد وترتب مضمونه من حينه ، لا من حين الإجازة ، لما عرفت في تقريب الاشكال على القول بالنقل ، من أن الإجازة شرط في الحكم بثبوت مضمون العقد ، ومقتضى الحمل على المرتكزات العرفية يكون زمان المضمون هو زمان العقد ، كما في الأسباب العقلية ، وإن لم يكن زمان المضمون مقيداً بزمان العقد.

ومن ذلك يندفع إشكال شيخنا الأعظم (ره) على هذا النحو من الكشف بمنع كون مضمون العقد هو النقل من حينه ، بل مضمونه هو النقل مجرداً عن ملاحظة زمان خاص. فان ذلك مسلم ، لكن لا ينافي ثبوت المضمون حين العقد ، الذي يقتضيه إطلاق العقد بعد حمل دليل السببية بمقتضى الارتكاز على كونها بنحو السببية العقلية.

وأما ما أشكله ثانياً على هذا الوجه من أن وجوب الوفاء بالعقد إنما يصح تطبيقه بعد الإجازة ، لاختصاص موضوعه بعقد المالك الأصيل ، والإضافة إلى المالك إنما تكون بالإجازة ، فيكون وجوب الوفاء بالعقد حينئذ ، فيمتنع ثبوت الملكية حين العقد ، لأن الملكية إنما تنتزع من التكليف ، والتكليف إنما يكون بالإجازة ، فيمتنع اعتبارها قبلها حين العقد. ففيه : أن ذلك إنما يقتضي كون اعتبار الملكية حين الإجازة ، لا كون الملكية المعتبرة حين الإجازة ، لجواز تأخر الاعتبار عن الإجازة ، وتكون الملكية المعتبرة حين العقد سابقة على الاعتبار. مع أن دعوى كون الملكية منتزعة من التكليف بوجوب الوفاء ممنوعة. كيف؟! والملكية موضوع لوجوب الوفاء ، فان الوفاء الواجب هو العمل بمضمون العقد ، الذي هو الملكية في عقد البيع مثلاً ، والزوجية في عقد النكاح .. وهكذا ، فالملكية‌


______________________________________________________

والزوجية موضوع للوجوب ، لا منتزعة منه.

وقد أشكل ثالثاً على هذا القول بعدم معقولية نفوذ العقد من حينه بعد الإجازة ، لأن العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له ، لاستحالة خروج الشي‌ء عما وقع عليه. فاذا دل دليل على ذلك تعين التصرف فيه بحمله على نفوذ العقد من حينه حكماً ، لا حقيقة. ولأجل هذا الاشكال جعل 1 الأنسب بالقواعد ـ بعد البناء على بطلان النقل ـ هو هذا المعنى من الكشف ، وسماه الكشف الحكمي. وفيه : أن ذلك يختص بما إذا كان الأثر حقيقياً. أما إذا كان اعتبارياً ـ مثل الملكية ، والزوجية ، ونحوهما ـ فلا مانع من ذلك ، لجواز انتفاء سبب الاعتبار في الزمان الأول ، ووجوده في الزمان الثاني. مثلا إذا شككنا في طهارة ماء يوم الخميس ، حكم بطهارته ظاهراً ، وجاز استعماله في الطهارة من الحدث والخبث ، فاذا قامت البينة بعد ذلك على نجاسته يوم الأربعاء ، كان الماء في يوم الخميس محكوماً بالنجاسة ظاهراً ، فيكون الماء المذكور في يوم الخميس محكوماً بطهارته ظاهراً في وقت ، ومحكوماً بنجاسته في وقت بعده. فكذا العقد في المقام غير محكوم بسببيته للملكية في وقت قبل الإجازة ، ومحكوم بسببيته لها في وقت آخر. بل لو تمَّ الاشكال المذكور كان مانعاً من النقل أيضاً ، لأنه حين وقوعه لم يكن سبباً للملكية ، فلا ينقلب عما هو عليه بعد الإجازة. اللهم الا أن يدعى أنه حين وقوعه سبب للملكية بعد الإجازة وإن لم يكن سبباً للملكية قبلها.

والذي يتحصل مما ذكرنا أمور : ( الأول ) : أن أصول الأقوال في المسألة أربعة : الكشف الحقيقي ، والنقل ، والكشف الحكمي ، والكشف الانقلابي. ( الثاني ) : أن الكشف الحقيقي هو المشهور. وقد اختلفت كلماتهم في تقريبه ، فالذي يظهر من جامع المقاصد وغيره : أن العقد هو‌


( مسألة ٢٢ ) : الرضا الباطني التقديري لا يكفي في الخروج عن الفضولية [١] ، فلو لم يكن ملتفتاً حال العقد‌

______________________________________________________

السبب التام ، والإجازة لا دخل لها في سببيته ، وإنما لها الدخل في الكشف عن ثبوت الأثر حينه. والمختار للمحقق الرشتي في إجازته : أن الشرط هو الرضا التقديري ، وهو حاصل والذي يظهر من جماعة ، وحكاه شيخنا الأعظم عن غير واحد من معاصريه : ان الشرط هو الوصف الانتزاعي ، وهو تعقب الإجازة ولحوقها. والذي اختاره في الجواهر : أن الشرط هو نفس الإجازة ، لكنها بنحو الشرط المتأخر. ( الثالث ) : أن الوجوه المذكورة للكشف الحقيقي مخالفة لمقتضى الأدلة. ( الرابع ) : أن الذي يقتضيه النظر البدوي في عمومات صحة عقد الفضولي هو النقل. لكن الارتكاز العرفي هو القرينة على حمل الأدلة على حصول الأثر حال العقد ، لا حال الإجازة. وهو المراد من الكشف الانقلابي. ولا يتوقف البناء على ذلك على كون مضمون العقد هو التمليك من حينه ، كي يشكل هذا القول بأن ذلك خلاف الواقع. ( الخامس ) : ان استحالة خروج الشي‌ء عما هو عليه لا مجال لها في الأمور الاعتبارية. ولأجل ذلك لا داعي إلى رفع اليد عن ظهور الأدلة في الكشف الانقلابي وحملها على الكشف الحكمي.

هذا وإن الذي يظهر من عبارة المتن هنا وفيما يأتي في آخر المسألة الثانية والثلاثين : هو الكشف الحقيقي ، الذي قد عرفت أنه أضعف الوجوه ، وأبعدها عن ظاهر الأدلة.

[١] لعموم الدليل على ذلك. والعمومات الدالة على اعتبار رضا المالك وإجازته لا تشمل الرضا التقديري. نعم ذكر الفقهاء في مبحث مكان المصلي وغيره : جواز التصرف بإذن الفحوى ، المراد منها الرضا التقديري لكنه يختص كلامهم بالتصرف الخارجي ، ولا يشمل التصرف‌


إلا أنه كان بحيث لو كان حاضراً حال العقد كان راضياً لا يلزم العقد عليه بدون الإجازة. بل لو كان حاضراً حال العقد وراضياً به ، إلا أنه لم يصدر منه قول ولا فعل يدل على رضاه ، فالظاهر أنه من الفضولي [١] ، فله أن لا يجيز.

______________________________________________________

الاعتباري الحاصل بالعقود والإيقاعات.

[١] كما نسبه شيخنا الأعظم إلى ظاهر الأصحاب. لكنه قوى الاكتفاء بالرضا في صحة العقد ، وعدم الحاجة الى الإجازة ، لعموم وجوب الوفاء بالعقود. لكن العموم غير ظاهر ، بل الظاهر الاختصاص بالعاقدين الذين من شأنهم العقد ومن وظائفهم ، ولا يشمل غير العاقدين ، ولا العاقدين الذين ليس من شأنهم العقد. نظير قوله تعالى ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) (١) ، وقوله تعالى ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا ) (٢) ، فلا بد من كون العقد مضافاً الى المالك الأصيل ، والرضا النفساني غير كاف في هذه النسبة ، بل لا بد إما من المباشرة ، أو التوكيل ، أو الاذن بالعقد اللاحق ، أو الإجازة للعقد السابق. فالفرق بين الاذن والتوكيل وبين الإجازة ـ مع اشتراكها في أنها مصححة للنسبة ـ أنهما يصححان نسبة العقد اللاحق ، والإجازة تصحح نسبة العقد السابق. والرضا ليس من هذا القبيل ، فان كثيراً من العقود الحاصلة بين المالكين محبوبة لكثير من غيرهم ، لحصول الأغراض لهم بذلك ، ولا تكون منسوبة لهم بمجرد الرضا.

ومن ذلك يظهر الإشكال في الاستدلال بمثل قوله تعالى ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) ، وقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٤)

__________________

(١) الحج : ٢٩.

(٢) البقرة : ١٧٧.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

(٤) النساء : ٢٩.


______________________________________________________

فان منصرف الجميع ما ذكرنا ، يعني : البيع الصادر من أهله ، والتجارة الصادرة من أهلها. ولا سيما وأن قوله تعالى ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (١) قرينة على ذلك ، يعني : التجارة من ذوي الأموال ، لا من الفضولي ، ولا مجال للاستدلال على ذلك بإطلاق التراضي ، فإن الظاهر من التراضي ما يقابل الإكراه ، وإلا فإن عقد المكره حاصل عن تراض. وكذلك كل عقد صادر من المختار لا يكون إلا عن تراض. فلا بد أن يحمل القيد على نفي عقد المكره ، وإلا كان مؤكداً ، وهو خلاف الظاهر.

ومن ذلك يظهر الإشكال في الاستدلال على ذلك‌ بقوله (ع) : « لا يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه » (٢). مضافاً الى أن السياق يقتضي اختصاصه بالتكليف ، فلا يشمل ما نحن فيه. وأما ما دل على أن علم المولى بنكاح العبد وسكوته إقرار منه‌ (٣) ، فالظاهر من الإقرار الإمضاء للعقد إنشاء ، لا مجرد طيب النفس. وأما‌ رواية عروة البارقي المتضمنة : أنه دفع إليه النبي (ص) ديناراً ، وقال : اشتر لنا به شاة للأضحية ، فاشترى شاتين ، ثمَّ باع إحداهما في الطريق بدينار ، فأتى النبي (ص) بالشاة والدينار ، فقال له رسول الله (ص) : بارك الله تعالى لك في صفقة يمينك (٤). فالوجه في جواز القبض والإقباض فيها كما يمكن أن يكون لأجل خروج العقد عن كونه فضولياً ، من جهة حصول الرضا النفساني من النبي (ص) ، يمكن أن يكون من جهة حصول العلم بكون عروة مفوضاً اليه هذه المعاملة ونحوها من قبل النبي (ص) ، والفعل‌

__________________

(١) النساء : ٢٩.

(٢) الوسائل باب : ٣ من أبواب مكان المصلي حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ١٨ من أبواب نوادر عقد البيع حديث : ١ ، كنز العمال الجزء ٧ حديث : ٥١٩ ، سنن البيهقي الجزء : ٦ الصفحة : ١١١ ، ١١٢.


( مسألة ٢٣ ) : إذا كان كارها حال العقد إلا أنه لم‌

______________________________________________________

مجمل لا يدل على أحد الأمرين بعينه.

وأما كلمات الأصحاب مثل قولهم في مقام الاستدلال على صحة الفضولي : إن الشرائط كلها حاصلة إلا رضا المالك ، وقولهم : الإجازة لا يكفي فيها السكوت لأنه لا يدل على الرضا ، ونحوها من كلماتهم. فلا بد أن تحمل على الرضا الإنشائي لا مطلق الرضا. وإلا لم يكن وجه لاعتبار الإجازة ، ولا للأبحاث التي ذكروها فيها ، بل كان اللازم أن يكون العنوان الرضا.

والظاهر أنه لا فرق فيما ذكرنا بين العبد الذي عقد بغير إذن سيده ، وبين غيره. وما في كلام شيخنا الأعظم (ره) من أنه لا إشكال في عقد العبد نكاحاً أو بيعاً مع العلم برضا السيد ، لعدم تحقق المعصية له ، التي هي مناط المنع في الاخبار ، كما يقتضيه ما في الصحيح من‌ قوله (ع) : « إنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيده » (١). فيه : أن المراد من معصية السيد عقده بغير إذنه ، لا العقد مع الكراهة ، كما هو معنى المعصية عرفاً ، حتى يكون الرضا كافياً في رفع المعصية ، إذ لازم ذلك صحة عقده مع غفلة السيد ، لعدم الكراهة حينئذ ، مع أنه لا ريب في عدم صحة عقده حينئذ. ويشهد لذلك قوله (ع) : « فإذا أجازه جاز » ‌(٢) ، ولم يقل : « فإذا رضي جاز » ، أو « إذا لم يكره جاز ».

ولأجل ما ذكرنا يتعين البناء على ما في المتن ، كما هو ظاهر الأصحاب ، حيث اشترطوا في صحة الفضولي الإجازة ، وهي غير الرضا. وكأنه لأجل ذلك نسب شيخنا الأعظم (ره) كونه من الفضولي إلى ظاهر الأصحاب.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.

(٢) تقدم في ص : ٤٩٦ أن نص الحديث : « فإذا أجازه فهو له جائز ».


يصدر منه رد له ، فالظاهر صحته بالإجازة [١]. نعم لو استؤذن فنهى ولم يأذن ، ومع ذلك أوقع الفضولي العقد ، يشكل صحته بالإجازة ، لأنه بمنزلة الرد بعده [٢]. ويحتمل صحته بدعوى الفرق بينه وبين الرد بعد العقد ، فليس بأدون من عقد المكره [٣] ، الذي نقول بصحته إذا لحقه الرضا. وإن كان لا يخلو ذلك أيضاً من إشكال [٤].

( مسألة ٢٤ ) : لا يشترط في الفضولي قصد الفضولية [٥] ولا الالتفات الى ذلك. فلو تخيل كونه ولياً أو وكيلا.

______________________________________________________

[١] قد يظهر من شيخنا الأعظم (ره) في التنبيه الثاني من تنبيهات القول في الإجازة : أنه مسلم عند الأصحاب. ويقتضيه القواعد العامة ، لأن قدح الكراهة في الصحة خلاف عمومات الصحة.

[٢] هذه المنزلة غير طاهرة ، بل هي واضحة المنع في صورة عدم الإذن ، فإنها خلاف عمومات الصحة من دون مخصص.

[٣] قد يقال : إنه أدون ، من جهة أن عقد المكره كان صادراً بمباشرة المكره ، فالنسبة إليه ظاهرة ، بخلاف المقام.

[٤] الاشكال ضعيف. ولذا كان المشهور الصحة. وعن الحدائق : دعوى الاتفاق عليها.

[٥] هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه. وفي الجواهر : القطع به ، لإطلاق الأدلة. انتهى. وقد يقتضيه صحيح محمد بن قيس الوارد في بيع ولد المالك جارية أبيه بغير اذنه‌ (١) ، بناء على ظهور كون البيع لاعتقاد كونه ولياً على البيع كأبيه.

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١.


وأوقع العقد ، فتبين خلافه ، يكون من الفضولي ، ويصح بالإجازة.

( مسألة ٢٥ ) : لو قال في مقام إجراء الصيغة : « زوجت موكلتي فلانة » مثلاً ، مع أنه لم يكن وكيلا عنها فهل يصح ويقبل الإجازة ، أم لا؟ الظاهر الصحة [١]. نعم لو لم يذكر لفظ : « فلانة » ونحوه ، كأن يقول : « زوجت موكلتي » وكان من قصده امرأة معينة ، مع عدم كونه وكيلا عنها ، يشكل صحته بالإجازة [٢].

( مسألة ٢٦ ) : لو أوقع الفضولي العقد على مهر معين هل يجوز إجازة العقد [٣] دون المهر ، أو بتعيين المهر على وجه آخر من حيث الجنس ، أو من حيث القلة والكثرة؟ فيه إشكال.

______________________________________________________

[١] عملاً بعمومات الصحة من دون مقيد. وقد سبق في المسألة السابقة.

[٢] لعدم وقوع العقد عليها صريحاً ، ولا ظاهراً. بل هو من قبيل العقد بالمجازات البعيدة ، التي لا دليل واضح على صحة العقد بها.

[٣] قد تحقق أن العقد الوارد على الجملة ينحل الى عقود متعددة بتعدد الأبعاض. ولذا جاز تبعض الصفقة. كما أن العقد الوارد على المشروط ينحل الى عقدين أحدهما وارد على المشروط ، والآخر وارد على الخالي عن الشرط. ولذا كان التحقيق أن بطلان الشرط لا يقتضي بطلان العقد ، وأنه يثبت الخيار بتخلف الشرط. ولأجل ذلك قد يدعى جواز إجازة العقد دون المهر ، لان المهر بمنزلة الشرط. لكن ظاهر الجواهر ـ فيما لو زوجها الولي بدون مهر المثل ـ التسالم على عدم جواز إجازة العقد دون المهر.


بل الأظهر عدم الصحة في الصورة الثانية [١] ، وهي ما إذا عين المهر على وجه آخر. كما انه لا تصح الإجازة مع شرط لم يذكر في العقد ، أو مع إلغاء ما ذكر فيه من الشرط.

______________________________________________________

[١] الصورتان تشتركان في عدم التطابق بين الإيجاب والقبول ، وتختلفان في أن الأولى خالية عن تعيين المهر ، والثانية مشتملة عليه. والأول لا يوجب الاختلاف في البطلان. والثاني إن أوجب شيئاً أوجب بطلان الشرط ، لا بطلان العقد. فالجزم ببطلان العقد في الثانية دون الأولى غير ظاهر. ومثله في الاشكال جزمه ببطلان الإجازة مع إلغاء ما ذكر في العقد من الشرط ـ كما ذكر في آخر المسألة ـ فإنه لا يتناسب مع توقفه في البطلان في الصورة الأولى ، لما عرفت من أن المهر من قبيل الشرط في العقد ، فالإجازة للعقد دون المهر تكون من الإجازة للعقد بدون الشرط.

والتحقيق أن عدم التطابق بين الإيجاب والقبول ( تارة ) : يكون للاختلاف في موضوع العقد وركنه ، كما إذا زوجه زينب فضولاً فأجاز في هند ، أو باعه الفرس فأجاز في الحمار. ولا ينبغي التأمل في البطلان حينئذ ، لانتفاء العقد بانتفاء موضوعه. ( وأخرى ) : للاختلاف في الجزء والكل مع تعدد الموضوع عرفاً ، كما لو زوجه زينب وهنداً فأجاز في زينب دون هند ، أو باعه الفرس والحمار فأجاز في الفرس دون الحمار. ولا مانع من إجازة أحد العقدين ورد الآخر. لتعدد العقد بتعدد الموضوع. ( وثالثة ) : يكون للاختلاف بالجزئية والكلية مع الاتحاد عرفاً ، كما إذا باعه الفرس بدينار فأجاز في نصف الفرس بنصف دينار. لكن فرضه في باب النكاح غير ممكن. ( رابعة ) : يكون للاختلاف في الشرط. وله صور ، لأن الشرط ( تارة ) : يثبت في العقد ويلغى في الإجازة ، كما في الصورة الأولى. ومثلها أن يشترط الفضولي على الزوجة إرضاع ولد الزوج ،


______________________________________________________

فتجيز العقد دون الشرط. أو يشترط الفضولي على الزوج أن لا يخرجها من بيت أبيها ، فيجيز الزوج العقد دون الشرط. ( وأخرى ) : لا يكون الشرط في العقد ويكون في الإجازة. ( وثالثة ) : يكون فيهما ، لكن في الإجازة يلغى الشرط المذكور في العقد ويثبت غيره. والظاهر في الجميع البطلان ، لأن عدم التطابق يوجب انتفاء العقد ، فلا أثر له.

ودعوى : انحلال العقد المشروط الى عقدين ، أحدهما غير مشروط ، والآخر مشروط. ولذلك كان التحقيق أن بطلان الشرط لا يوجب بطلان العقد ، فيمكن تعلق الإجازة بالعقد غير المشروط. فيها : أن هذه الانحلال انضمامي وارتباطي ، لا استقلالي على وجه يقبل التفكيك ، فإنه خلاف الوجدان في كثير من الموارد ، إذ لا غرض إلا في المشروط ، فكيف يصح إنشاء ما ليس بمشروط؟! وصحة العقد مع بطلان الشرط تحليل ادعائي ، جرت عليه الأحكام عرفاً ، لا على الحقيقة ، كما أشرنا الى ذلك في بعض مباحث الإجارة من هذا الشرح. فراجع. ولأجل ذلك لا يصح التفكيك في القبول ، بحيث يتعلق القبول بذات المشروط من دون الشرط ، أو ببعض الأجزاء دون بعض.

فان قلت : إذا باع العين على جماعة ، فقبل أحدهم دون الآخرين ، صح القبول في البعض. وكذا إذا باع العين المشتركة فضولا ، فأجاز بعض الشركاء دون غيره ، صحت الإجازة في البعض دون البعض قطعاً.

فدل ذلك على إمكان التفكيك في القبول والإجازة بين أجزاء العين الواحدة ، وإذا جاز التفكيك في الأبعاض جاز في المشروط والشرط بطريق أولى.

قلت : القبول من بعض دون بعض في الصورة الاولى ليس قبولا لبعض الإيجاب ، بل هو قبول لتمام الإيجاب. وكذلك إجازة بعض الشركاء في الصورة الثانية إجازة لنفس العقد ، وإن كان لا يترتب الأثر بالنسبة‌


( مسألة ٢٧ ) : إذا أوقع العقد بعنوان الفضولية فتبين كونه وكيلا فالظاهر صحته [١] ، ولزومه إذا كان ناسياً لكونه وكيلا. بل وكذا إذا صدر التوكيل ممن له العقد ولكن لم يبلغه الخبر ، على إشكال فيه [٢]. وأما لو أوقعه بعنوان الفضولية فتبين كونه ولياً ، ففي لزومه بلا إجازة منه ، أو من المولى عليه ، إشكال [٣].

______________________________________________________

إلى الجميع إلا مع قبول الجميع ، أو إجازة الجميع. فليس ذلك من التفكيك. ولذلك لم يصح القبول من كل واحد إذا كان مبنياً على التفكيك في الصورة الأولى ، كما إذا قال : « قبلت بيع حصة منه بحصة من الثمن » فان ذلك أيضاً مانع من انعقاد العقد. وكذا الكلام في قبول المشروط دون الشرط.

[١] لحصول الاذن من الموكل ، المقتضية للصحة. نعم لو كانت الاذن مشروطة بالالتفات إلى الوكالة انتفت مع الغفلة عنها. لكنه خلاف المفروض.

[٢] لكنه ضعيف. لإطلاق الاذن ـ كما عرفت ـ المقتضية للصحة. فما عن القاضي من أنه لا يصح تصرف العبد إذا لم يعلم بإذن سيده ، ولا علم بها أحد. غير ظاهر. ودعوى : أن الاذن إذا لم يعلم بها أحد نظير الرضا التقديري ، لا أثر لها. ممنوعة ، إذ المفروض تحقق الإنشاء بالكتابة أو باللفظ ، والرضا التقديري لا إنشاء فيه.

[٣] لاحتمال اختصاص نفوذ تصرف الولي بصورة التفاته الى ذلك ، كما هو الظاهر في المالك ، إذ أنه لا ينفذ تصرفه إذا لم يعلم أنه مالك ، فلو باع الوارث مال أبيه معتقداً حياته ، فتبين موت أبيه قبل البيع وأنه وارثه ، توقفت صحة البيع على الإجازة منه. لكن هذا الاحتمال ضعيف ، لأن ذلك خلاف إطلاق الاذن إذا كانت عرفية ، كما في الوصي ، والوكيل ، وخلاف إطلاق دليلها إذا كانت شرعية كما في ولاية الأب ، والجد ، والسيد.


( مسألة ٢٨ ) : إذا كان عالماً بأنه وكيل أو ولي ومع ذلك أوقع العقد بعنوان الفضولية ، فهل يصح ويلزم ، أو يتوقف على الإجازة ، أو لا يصح؟ وجوه ، أقواها : عدم الصحة ، لأنه يرجع الى اشتراط كون العقد الصادر من وليه جائزا [١] فهو كما لو أوقع البالغ العاقل بقصد أن يكون الأمر بيده في‌

______________________________________________________

فما في المتن من الفرق بين الوكيل والولي ـ بالجزم بالصحة في الأول ، والتوقف فيها في الثاني ـ ضعيف جداً. وبالجملة : فالفروض الثلاثة المذكورة في هذه المسألة كلها بحكم واحد. وإن اختلفت بالخفاء والوضوح.

[١] إن أريد بالجواز هنا ما يقابل اللزوم فالتعليل المذكور لا يقتضي البطلان ، لأن اشتراط كونه جائزاً بهذا المعنى راجع الى اشتراط كونه جائزاً شرعاً ، أو راجع الى اشتراط الخيار بالفسخ والإمضاء. والأول شرط باطل ، لعدم كونه مقدوراً ، والثاني شرط صحيح. وعلى كلا التقديرين لا موجب لبطلان العقد في نفسه ، لأن الشرط الفاسد غير مفسد ، وشرط الخيار لا مانع منه في العقود اللازمة. وعدم صحته في عقد النكاح لا يقتضي بطلانه ، كما تقدم في المتن.

وإن أريد من الجواز ما يقابل الصحة والنفوذ ـ فكأنه اشتراط أن لا ينفذ إلا بالإجازة. كما في عقد الفضولي ـ فهذا الشرط وإن كان لا يصح ، لأنه غير مقدور ، لكنه لا يقتضي البطلان ، لما عرفت من أن الشرط الفاسد لا يفسد. اللهم إلا أن يرجع الى التعليق ، فكأنه قال : « زوجت فلانة من فلان إذا أجزت ، أو أجازت العقد ». وحينئذ يكون البطلان من جهة التعليق.

لكن رجوع قصد الفضولية هنا الى اشتراط الجواز على أحد المعاني غير ظاهر. ولم يتقدم منه احتمال البطلان في المسألة السابقة من جهة رجوع‌


الإبقاء والعدم. وبعبارة أخرى : أوقع العقد متزلزلا.

( مسألة ٢٩ ) : إذا زوج الصغيرين وليهما فقد مر أن العقد لازم عليهما [١] ، ولا يجوز لهما بعد البلوغ رده ، أو فسخه. وعلى هذا فاذا مات أحدهما قبل البلوغ أو بعده ورثه الآخر [٢]. وأما إذا زوجهما الفضوليان ، فيتوقف على‌

______________________________________________________

قصد الفضولية فيها الى اشتراط الجواز ، والفرق بين المسألتين غير ظاهر. وبالجملة : فالمصنف (ره) لم يتضح مراده من الجواز مع كونه بصدد التوضيح بتكرار العبارة والتمثيل ، كما لم يتضح وجه ما قواه من البطلان.

والتحقيق : أن إنشاء من له السلطنة على العقد ـ لكونه ولياً ، أو وكيلاً ، أو أصيلا ـ إذا كان بعنوان الفضولية ( فتارة ) : لا يكون منه إلا قصد العنوان الذي لا واقع له ، مثل أن يقصد كونه عربياً وهو عجمي ، أو هاشمياً وهو غير هاشمي. ولا ينبغي التأمل في كون القصد المذكور لا أثر له. ( وأخرى ) : يكون قصده إنشاء أمر زائد على عنوان العقد ، مثل أن يقصد أن لا يترتب أثر على العقد إلا بعد الإجازة ، أو يقصد أن يكون له الخيار في العقد ، أو نحو ذلك. وهذا على قسمين : أحدهما : أن يختص القصد بأحد المتعاقدين ، بأن يكون من الموجب فقط ، أو من القابل كذلك. الثاني : أن يكون من الموجب والقابل ، بأن يكون الشرط مورد الإيجاب والقبول. ففي الأول يبطل العقد ، لعدم التطابق بين الإيجاب والقبول. وفي الثاني يصح العقد ، ويبطل الشرط.

[١] تقدم ذلك في المسألة الرابعة.

[٢] وفي الجواهر : « حتى على القول بالخيار ، كما حكي عنه التصريح به. ضرورة عدم منافاته لتحقق موجب الإرث ، الذي هو الزوجية ». وكأن ذلك إذا لم يختر الفسخ ، وإلا فلا موجب للإرث ، لانتفاء الزوجية.


إجازتهما بعد البلوغ [١] ، أو إجازة وليهما قبله [٢]. فان بلغا وأجازا ثبتت الزوجية ، ويترتب عليها أحكامها من حين العقد ، لما مر من كون الإجازة كاشفة [٣]. وإن ردا ، أو رد أحدهما أو ماتا أو مات أحدهما قبل الإجازة ، كشف عن عدم الصحة من حين الصدور [٤]. وإن بلغ أحدهما وأجاز ثمَّ مات قبل بلوغ الآخر ، يعزل ميراث الآخر على تقدير الزوجية [٥] ، فان بلغ وأجاز يحلف على أنه لم يكن إجازته للطمع في الإرث ، فإن حلف يدفع اليه. وإن لم يجز ، أو‌

______________________________________________________

[١] إذ لا ولاية لهما على نفسهما قبل ذلك.

[٢] إذ لا ولاية له بعده.

[٣] تقدم ذلك في المسألة الواحدة والعشرين.

[٤] هذا لا كلام فيه ـ كما في المسالك ـ لأنه مقتضى الأصول ، والقواعد ، والصحيحة الآتية.

[٥] بلا خلاف ظاهر. لصحيحة أبي عبيدة الحذاء قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين. قال : فقال (ع) : النكاح جائز ، أيهما أدرك كان له الخيار. فان ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر ، إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا. قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال (ع) : يجوز ذلك عليه ان هو رضي. قلت : فان كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي النكاح ، ثمَّ مات قبل أن تدرك الجارية ، أترثه؟ قال (ع) : يعزل ميراثها منه حتى تدرك وتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج ، ثمَّ يدفع إليها الميراث ، ونصف المهر. قلت : فان ماتت الجارية ولم تكن


أجاز ولم يحلف ، لم يدفع ، بل يرد إلى الورثة [١]. وكذا لو مات بعد الإجازة وقبل الحلف [٢]. هذا إذا كان متهما بأن إجازته للرغبة في الإرث. وأما إذا لم يكن متهما بذلك‌

______________________________________________________

أدركت ، أيرثها الزوج المدرك؟ قال (ع) : لا ، لأن لها الخيار إذا أدركت قلت : فان كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال (ع) : يجوز عليها تزويج الأب ، ويجوز على الغلام. والمهر على الأب للجارية » (١).

والاشكال على الصحيحة من جهة فرضها في تزويج الوليين ، مع أن تزويج الولي لا خيار فيه للمولى عليه بعد البلوغ ، كما تقدم. يندفع : بلزوم حملها على الولي العرفي ، كما قد يشهد به ما في ذيلها من فرض تزويج الأب ، وأنه لا خيار فيه للولد. وأما ما فيها من تنصيف المهر بالموت قبل الدخول. فلا يتوجه من أجله الإشكال على الصحيحة وإن كان هو خلاف المشهور ، لأنه هو التحقيق الذي يقتضيه الجمع بين النصوص ، كما أوضحناه في محله. ثمَّ إن مورد الصحيحة هو موت الزوج ، ولكن الفتاوى عامة له ولموت الزوجة ، بل الظاهر الإجماع على عدم الفرق ، حتى بناء على كون الحكم على خلاف القواعد.

[١] كما يقتضيه الصحيح المتضمن اشتراط الميراث بالحلف.

[٢] قال في القواعد : « فان مات بعد الإجازة وقبل اليمين فإشكال » ، وفي المسالك : « وربما احتمل مع موته قبل اليمين ثبوت الإرث من حيث أنه دائر مع العقد الكامل ». ثمَّ قال : « وليس بشي‌ء ، لأنه لو كان كذلك لم يتوقف على اليمين ابتداء » ، وفي كشف اللثام : « انه أقوى ، وفاقاً لفخر الإسلام ، لمنع تمام الزوجية ، فإنه بالإجازة الخالية عن التهمة ».

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب ميراث الأزواج حديث : ١.


ـ كما إذا أجاز قبل أن يعلم موته ، أو كان المهر اللازم عليه أزيد مما يرث ، أو نحو ذلك ـ فالظاهر عدم الحاجة الى الحلف [١].

( مسألة ٣٠ ) : يترتب على تقدير الإجازة والحلف جميع الآثار المترتبة على الزوجية [٢] ، من المهر ، وحرمة الأم والبنت ، وحرمتها ـ إن كانت هي الباقية ـ على الأب والابن ، ونحو ذلك. بل الظاهر ترتب هذه الآثار بمجرد الإجازة [٣] ، من غير حاجة الى الحلف. فلو أجاز ولم‌

______________________________________________________

[١] وفي المسالك : جعل الأقوى اعتبار اليمين وإن لم تحصل التهمة ، لأنها ليست علة تامة في اعتباره ، بل هي حكمة لا يجب اطرادها ، عملا بإطلاق النص والفتوى. ووافقه على ذلك في الحدائق. لكن الظاهر من النص أن اليمين طريق الى نفي التهمة ، فإذا انتفت التهمة لم يحتج إليها.

[٢] هذا مما لا إشكال فيه ، لكونه ظاهر الصحيحة المتضمنة لثبوت الزوجية ، وترتيب بعض آثارها ، كالميراث والمهر.

[٣] فان الحكم الذي تضمنه النص جار على طبق القاعدة. وموت أحد الزوجين بين العقد والإجازة لا يوجب ارتفاع موضوع الإجازة ، بناء على التحقيق من الكشف الانقلابي. إذ لا مانع من أن يحكم بتحقق الزوجية حال العقد ، وإن كان زمان الحكم بها بعد الإجازة وبعد موت أحد الزوجين بعد إجازته. ودعوى : أن الموت مانع من ثبوت الزوجية. مندفعة : بأن الزوجية المدعى ثبوتها بالإجازة ، الزوجية حال العقد ، ولا دليل على اعتبار استمرار الحكم بمضمون العقد من حين العقد الى زمان الإجازة في صحة الإجازة ، بل يكفي في صحتها صحة ثبوته حال العقد لا غير.

نعم ما تضمنه الصحيح من عدم استحقاق المهر والميراث إذا لم تحلف على أن إجازتها لم تكن طمعاً في المهر والميراث ، جار على خلاف القاعدة ،


يحلف مع كونه متهما لا يرث ، ولكن يترتب سائر الأحكام.

( مسألة ٣١ ) : الأقوى جريان الحكم المذكور في المجنونين [١] بل الظاهر التعدي إلى سائر الصور. كما إذا كان أحد الطرفين الولي والطرف الآخر الفضولي ، أو كان أحد الطرفين المجنون والطرف الآخر الصغير ، أو كانا بالغين‌

______________________________________________________

فيقتصر فيه على مورده ، وهو المهر والميراث ، ويرجع في غيره من الأحكام الى القواعد المقتضية الصحة وإن كانت الإجارة طمعاً في المهر والميراث ، فتترتب تلك الأحكام بمجرد الإجازة وإن علم أنها كانت طمعاً في المهر والميراث ، فضلا عن صورة التهمة. لكن يظهر من المسالك وغيرها خلاف ذلك ، كما يأتي.

[١] قال في المسالك : « النص ورد في تزويج الأجنبي للصغيرين. فلو كانا كاملين فزوجهما الفضولي ، ففي انسحاب الحكم إليهما وجهان : من تساويهما في كون العقد فيهما عقد فضولي ، ولا مدخل للكبر والصغر في ذلك. ومن أن في بعض أحكامه ما هو خلاف الأصل ، فيقتصر على مورده. وهذا أقوى. وحينئذ فيحكم ببطلان العقد إذا مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته وقبل إجازة الآخر ، سواء قلنا إن الإجازة جزء السبب ، أم كاشفة عن سبق النكاح من حين العقد. إما على الأول : فظاهر ، لأن موت أحد المتعاقدين قبل تمام السبب مبطل ، كما لو مات أحدهما قبل تمام القبول. وإما على الثاني : فلأن الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت هذا العقد ، بل لا بد معها من اليمين ، وقد حصل الموت قبل تمام السبب. خرج منه ما ورد فيه النص ، وهو العقد على الصغيرين ، فيبقى الباقي ». ونحوه ما عن شرح النافع. وفي القواعد : « وفي انسحاب الحكم في البالغين إذا زوجهما الفضولي ، إشكال. أقربه البطلان ». وفي جامع المقاصد‌


كاملين ، أو أحدهما بالغاً والآخر صغيراً أو مجنوناً. أو نحو ذلك ، ففي جميع الصور إذا مات من لزم العقد بالنسبة إليه ـ لعدم الحاجة الى الإجازة ، أو لإجازته بعد بلوغه أو رشده ـ وبقي الآخر ، فإنه يعزل حصة الباقي من الميراث الى أن يرد أو يجيز. بل الظاهر عدم الحاجة الى الحلف في ثبوت الميراث‌

______________________________________________________

ذكر في وجه القرب ما سبق عن المسالك ، ثمَّ قال : « إنه المفتي به ». وفي الحدائق : « الظاهر أنه المشهور بينهم. وهو الأنسب بقواعدهم ».

أقول : مقايسة المقام بموت الموجب قبل القبول لا تتم بناء على كون الإجازة كاشفة ، سواء كان الكشف حقيقياً ، أم حكمياً ، أم انقلابياً ، إذ هي مع الفارق ، فان موت الموجب قبل القبول مانع من انعقاد العقد وتماميته ، فلا يمكن أن يترتب مضمونه بخلاف المقام ، لتمامية العقد ، وإنما المنتظر هو الإجازة ، فإذا حصلت ترتب الأثر. نعم مضمون العقد في المقام ـ وهو الزوجية ـ لما امتنع أن يقوم بالمعدوم ، تعذر ترتب الأثر على العقد بناء على النقل ، لانعدام أحد الزوجين. أما بناء على الكشف على أحد وجوهه ـ فلا مانع من ترتب الأثر قبل الموت بتوسط الإجازة اللاحقة ، أو مع اليمين. فالإجازة وإن كانت جزء السبب ، لكن الأثر يثبت قبلها بناء على الكشف. ومثل الإجازة اليمين مع الحاجة إليه من جهة الميراث والمهر.

والذي يتحصل أن الفرق بين الإجازة والقبول من وجهين. الأول : أن القبول جزء مقوم للعقد ، والإجازة ليست كذلك. الثاني : أن القبول ناقل ، يترتب مضمون العقد من حينه ، والإجازة كاشفة على ما عرفت.

ومن ذلك يظهر جريان حكم الصغيرين إذا زوجهم الفضوليان في غيرهما من سائر الصور المشتركة معها في الجري على مقتضى القاعدة. نعم في‌


في غير الصغيرين من سائر الصور. لاختصاص الموجب له من الأخبار بالصغيرين [١]. ولكن الأحوط الإحلاف في الجميع بالنسبة إلى الإرث ، بل بالنسبة إلى سائر الأحكام أيضاً.

( مسألة ٣٢ ) : إذا كان العقد لازماً على أحد الطرفين من حيث كونه أصيلا ، أو مجيزاً ، والطرف الآخر فضولياً ولم يتحقق إجازة ولا رد ، فهل يثبت على الطرف اللازم تحريم المصاهرات؟ فلو كان زوجاً يحرم عليه نكاح أم المرأة وبنتها ، وأختها ، والخامسة ، وإذا كانت زوجة يحرم عليها التزويج بغيره. وبعبارة أخرى : هل يجري عليه آثار الزوجية‌

______________________________________________________

المسالك فيما لو كان العاقد لأحد الصغيرين الولي والآخر الفضولي فمات من عقد له الولي أولا : أنه يجري الحكم المذكور ، للأولوية لأن الجائز من الطرفين أضعف حكما من اللازم من أحدهما ، فإذا ثبت الحكم في الأضعف ثبت في الأقوى بطريق أولى. وكذا إذا كانا بالغين ، فأوقع أحدهما العقد لنفسه مباشرة ، والآخر زوجه الفضولي ، فإنه أيضاً يجري الحكم فيه للأولوية. بل قال : « يظهر منهم الجزم بالحكم في هذا أيضاً. وهو متجه ». لكن الأولوية غير ظاهرة.

[١] قد عرفت اختصاص الصحيح‌ (١) بصورة موت الزوج بعد بلوغه وإجازته ، وبقاء الزوجة. لكن يجب التعدي إلى صورة موت الزوجة بعد بلوغها وإجازتها وبقاء الزوج ، في عدم استحقاق الإرث إلا بعد اليمين مع التهمة ، لاتفاق الأصحاب على ذلك ، كما يظهر من تحريرهم المسألة. أما بقية الصور فلم يثبت الاتفاق على اشتراط استحقاق إرث الثاني باليمين. فيتعين فيها الرجوع الى القواعد المقتضية لترتب جميع الآثار بمجرد الإجازة فقط‌

__________________

(١) راجع صفحة : ٥١٠.


وإن لم تجر على الطرف الآخر ، أو لا؟ قولان [١] ، أقواهما :

______________________________________________________

[١] قال في القواعد في فصل الأولياء : « ولو تولى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة. فإن كان زوجاً حرم عليه الخامسة. والأخت ، والبنت ، والأم ، إلا إذا فسخت. على إشكال في الأم » وفي كشف اللثام في شرح العبارة ، بعد قوله (ره) : « الخامسة والأخت » قال : « بلا إشكال ، لصدق الجمع بين الأختين ، ونكاح أربع بالنسبة اليه. ولا يجدي التزلزل ». لكن في القواعد في مبحث المصاهرة : « وهل يشترط في التحريم لزومه مطلقاً ، أو من طرفه ، أو عدمه مطلقاً؟ نظر. فلو عقد عليه الفضولي عن الزوجة الصغيرة ففي تحريم الأم قبل الإجازة ، أو بعد فسخها مع البلوغ ، نظر » فان هذا النظر لا يتناسب مع نفي الاشكال في كلام كاشف اللثام.

وشيخنا الأعظم (ره) في مسألة ما لو كان العقد بين الأصيل والفضولي قال : « إن الذي يستفاد من كلام جماعة وظاهر آخرين عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه ». واختاره بناء على المشهور في معنى الكشف من كون الإجازة شرطاً لكون العقد السابق بنفسه مؤثراً تاماً ، فيكون موضوع وجوب الوفاء نفس العقد غير مقيد بالإجازة. بل حتى لو علم بعدم الإجازة فإن الإجازة شرط لتأثيره ، لا لوجوب الوفاء به ، ومقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقد لزومه على الأصيل وحرمة نقضه من جانبه.

لكن الاستدلال المذكور يتوقف على أمور : الأول : أن يكون المراد من وجوب الوفاء الحكم التكليفي ، لا الإرشاد إلى ثبوت مضامين العقود. الثاني : أن يكون موضوع الوفاء نفس العقد ، لا موضوع العقد من بيع ونكاح ونحوهما ، ولا هو بلحاظ ترتب موضوعه. الثالث : أن يكون الرضا والإجازة شرطاً لوجوب الوفاء بالإضافة إلى الراضي ، لا مطلقاً.


______________________________________________________

وهذه الأمور كلها محل نظر ، ولا سيما الأولان ، فلا مجال للاستدلال المذكور وتوضيح ذلك يظهر بمراجعة كتاب ( نهج الفقاهة ) في مبحث الفضولي. فراجع. مضافاً الى النظر والاشكال فيما ذكره من الفرق بين النقل والكشف ، وأنه على النقل تكون الإجازة دخيلة في نفس العقد شطراً أو شرطاً ، وتكون على الكشف شرطاً في تأثير العقد لا في نفس العقد. إذ هو كما ترى غير ظاهر. والفرق بينهما ليس في هذه الجهة ، بل من جهة أخرى ، كما عرفت الإشارة الى ذلك في المسألة الواحدة والعشرين.

وفي حاشية بعض مشايخنا ( قده ) في المقام على قول المصنف : « أقواهما الثاني » قال : « بل الأول » ، وذكر في درسه في تقريب عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه ، أنه قد ملك التزامه ، وانقطعت إضافته عن ماله ، فيتعين عليه العمل على طبق التزامه. وفيه : أنه لم يتحصل لنا أن العقد بين الاثنين يقتضي تمليك كل واحد منهما التزامه لصاحبه زائداً على إنشاء مضمون العقد الذي هو الملتزم به ، بل ليس مفاده إلا إنشاء مضمونه والملتزم به فقط. مضافاً الى أن المتملك لهذا الالتزام إن كان هو الطرف الأصيل ، فلا مجال لهذا التملك قبل الإجازة ، لعدم قبوله لهذا التمليك إلا بالإجازة. وإن كان هو الطرف الآخر الفضولي ، فمقتضاه جواز التقابل بينهما ولو بعد إجازة المالك بلا رضا منه بذلك التقابل ، لأن لزوم العقد على هذا المبنى من آثار تمليك الالتزام المذكور. بل مقتضاه أيضاً عدم جواز التقايل بين الأصيلين بعد الإجازة إلا برضا الفضولي ، لأنه الذي ملك الالتزام. وهو كما ترى.

ولأجل ذلك كان مقتضى التحقيق هو القول الثاني ، وعدم الفرق بين الأصيل المباشر والأصيل الذي ناب عنه الفضولي في عدم ترتب آثار العقد الصحيح بالنسبة إليهما معاً قبل تحقق الإجازة من الثاني ، فيجوز‌


الثاني ، إلا مع فرض العلم بحصول الإجازة بعد ذلك [١] ، الكاشفة عن تحققها من حين العقد. نعم الأحوط الأول ، لكونه في معرض ذلك بمجي‌ء الإجازة. نعم إذا تزوج الأم أو البنت مثلاً ثمَّ حصلت الإجازة كشفت عن بطلان ذلك.

( مسألة ٣٣ ) : إذا رد المعقود أو المعقودة فضولا العقد ولم يجزه لا يترتب عليه شي‌ء من أحكام المصاهرة ،

______________________________________________________

للمباشر تزويج أخت الزوجة المعقود عليها ، وتزويج أمها ، وبنتها ، وتزويج الخامسة. نعم إذا أجاز الطرف الآخر بطل العقد الثاني بناء على الكشف الانقلابي والحكمي ، وتبين بطلانه من أول الأمر بناء على الكشف الحقيقي.

[١] هذا يتم بناء على الكشف الحقيقي. أما بناء على الكشف الحكمي أو الكشف الانقلابي فلا مانع من التصرف قبل الإجازة وإن علم بتحققها ، لعدم حصول الزوجية قبلها ، فلا تترتب أحكامها. نعم إذا أجاز الأصيل بعد ذلك يحكم بتحقق الزوجية من أول الأمر ، وبطلان التصرفات المنافية ، فيبطل بعد الإجازة تزويج المباشر للأم ، أو البنت ، أو الأخت ، أو الخامسة. لا أنه باطل من أول الأمر. فالحكم بالبطلان من أول الأمر مقارن للتصرف بناء على الكشف الحقيقي ، ومقارن للإجازة بناء على الكشف الانقلابي والحكمي. وأما مع الشك في حصول الإجازة ، فيحكم بصحة التصرف المنافي ما دامت الإجازة غير حاصلة. لكن الحكم المذكور ظاهري بناء على الكشف الحقيقي ، لأصالة عدم الإجازة ، وواقعي بناء على الكشف الحكمي أو الانقلابي.

ثمَّ إنه إذا قلنا بجواز فسخ الأصيل ، وأن التصرفات المنافية فسخ فعلي ، كانت مانعة من صحة الإجازة ، لحصول الفسخ. لا أنه تصح الإجازة ، وتبطل التصرفات.


سواء أجاز الطرف الآخر ، أو كان أصيلا ، أم لا. لعدم حصول الزوجية بهذا العقد الغير المجاز ، وتبين كونه كأن لم يكن. وربما يستشكل في خصوص نكاح أم المعقود عليها [١] وهو في غير محله بعد أن لم يتحقق نكاح. ومجرد العقد لا يوجب شيئاً. مع أنه لا فرق بينه وبين نكاح البنت. وكون الحرمة في الأول غير مشروطة بالدخول بخلاف الثاني ، لا ينفع في الفرق [٢].

( مسألة ٣٤ ) : إذا زوجت امرأة فضولا من رجل ولم تعلم بالعقد ، فتزوجت من آخر ، ثمَّ علمت بذلك العقد ليس لها أن تجيز ، لفوات محل الإجازة [٣]. وكذا إذا زوج‌

______________________________________________________

[١] تقدم هذا الاستشكال في عبارة القواعد المحكية في شرح المسألة السابقة. وكأن وجه الاشكال ـ كما في كشف اللثام ـ : أن الفسخ كاشف عن الفساد أو رافع له من حينه. ثمَّ قال : في كشف اللثام « والأول أصح ، فإن الأصح أن الإجازة إما جزء ، أو شرط ». وفي الجواهر : « من الغريب ما سمعته من احتمال تحريم الأب ، والابن ، والأم ، بمجرد صدور العقد فضولا ، الذي تعقبه عدم الإجازة ولو من طرف واحد ، لاحتمال كون الفسخ من حينه ، فإنه لا يقتضيه أصل ، ولا قاعدة ، ولا فتوى. بل يمكن تحصيل الإجماع بل الضرورة بخلافه ». وما ذكره في غاية من القوة.

[٢] يعني : فيبنى على صحة العقد على البنت قبل الإجازة ، كي يؤدي ذلك الى حرمة الأم وإن حصل الرد.

[٣] كما نص على ذلك شيخنا الأعظم (ره) في مكاسبه‌


رجل فضولا بامرأة ، وقبل أن يطلع على ذلك تزوج أمها ، أو بنتها ، أو أختها ، ثمَّ علم. ودعوى : أن الإجازة حيث أنها كاشفة إذا حصلت تكشف عن بطلان العقد الثاني. كما ترى.

( مسألة ٣٥ ) : إذا زوجها أحد الوكيلين من رجل ، وزوجها الوكيل الآخر من آخر ، فان علم السابق من العقدين‌

______________________________________________________

عليه المصنف (ره) في حاشيته على ذلك بانصراف أدلة الفضولي عن شمول الفرض ، فان لازمه جواز الإجازة ولو بعد مضي خمسين سنة. والحكم ببطلان عقدها الذي عملت بمقتضاه خمسين سنة من المنكرات. انتهى. ويمكن أن يقال في وجهه : إن المرأة المذكورة في المثال بعد أن صارت ذات بعل حرم عليها التزويج ولم يصح منها. والإجازة العقد الفضولي تزويج ، فلا يجوز لها ، ولا يصح منها. وكذلك الحكم في مثال الرجل الذي زوج فضولاً ، فإنه إذا تزوج مباشرة أم الزوجة التي عقد عليها فضولاً ، فإذا أجاز العقد الفضولي ، فقد تزوج بنت زوجته ، ولا يصح منه ذلك. وبالجملة : الإجازة لا تصح إلا إذا كان المجيز له سلطان عليها ، وفي المثالين بعد وقوع التصرف المباشري من المرأة والرجل ، خرجت إجازة العقد الفضولي عن سلطنة المجيز ، فإنه لا يصح لذات البعل أن تتزوج ، ولا يصح لمن تزوج الأم أن يتزوج بنتها ، وإطلاق ذلك يقتضي المنع حتى من هذا التزويج الحاصل بالإجازة.

ودعوى اختصاص ذلك بالتزويج اللاحق ، ولا يشمل السابق ، فان السابق يمنع اللاحق ، والإجازة في المقام ليست تزويجاً لاحقاً ، بل تزويج سابق ، بناء على الكشف على أي وجوهه كان. مدفوعة : بأن الممنوع عنه التزويج اللاحق إنشاءً ، لا منشأ ، والإجازة لاحقة إنشاء وإن كان المجاز هو التزويج السابق. فالمدار في السبق واللحوق على الإنشاء ، لا على المنشأ.


فهو الصحيح [١]. وإن علم الاقتران بطلا معاً [٢]. وإن شك في السبق والاقتران فكذلك. لعدم العلم بتحقق عقد صحيح ، والأصل عدم تأثير واحد منهما [٣]. وإن علم السبق واللحوق ، ولم يعلم السابق من اللاحق ، فان علم تاريخ أحدهم حكم بصحته دون الآخر [٤]. وإن جهل التاريخان ففي المسألة وجوه.

أحدها : التوقيف حتى يحصل العلم [٥].

______________________________________________________

[١] لعموم أدلة الصحة ، التي لا تشمل اللاحق ، لما عرفت من فوات شرط الصحة ، وهو أن تكون خلية.

[٢] لبطلان الترجيح بلا مرجح.

[٣] لكن مع العلم بتاريخ أحدهما يتعين الحكم بصحته. لاستصحاب كونها خلية الى ما بعده الذي هو شرط صحته ، ويتعين الحكم بصحة تزويجها بمورده ، وهو حاكم على أصالة عدم ترتب الأثر ، كما تقرر ذلك في الصورة الآتية بعينها. وحينئذ لا فرق بين الصورتين في ذلك. ومجرد الفرق بينهما بالعلم بصحة أحدهما إجمالا في الصورة الآتية ، بخلاف هذه الصورة. لاحتمال الاقتران ، الموجب لاحتمال بطلانهما معاً. لا توجب الفرق بينهما في جريان الأصل المصحح لمعلوم التاريخ. غاية الأمر أن الأصل المصحح له في الصورة الآتية ينفي السبق فقط ، وفي هذه الصورة ينفي السبق والاقتران معاً ، فيتعين جعل الصورتين بحكم واحد.

[٤] لما عرفت من جريان أصالة عدم سبق الآخر عليه ، الموجب لكونها خلية ، يصح تزويجها. ولا يصح جريان ذلك في الآخر المجهول التاريخ ، لما ذكر مراراً من عدم جريان الأصل في مجهول التاريخ.

[٥] حكاه في كشف اللثام عن المبسوط ، والتحرير. ووجهه : العمل بالقواعد الأولية.


الثاني : خيار الفسخ للزوجة [١].

الثالث : أن الحاكم يفسخ [٢].

الرابع : القرعة [٣].

والأوفق بالقواعد هو الوجه الأخير [٤]. وكذا الكلام إذا زوجه أحد الوكيلين برابعة والآخر بأخرى ، أو زوجه أحدهما بامرأة ، والآخر ببنتها ، أو أمها ، أو أختها.

______________________________________________________

[١] لم أقف عاجلا على قائل به. وكأن وجهه لزوم الضرر من هذه الزوجية ، فيتدارك بالخيار ، كما في المعاملة الغبنية. لكن الضرر يلزم من ترتيب أحكام الزوجية ، لا من نفس الزوجية.

[٢] جعله في القواعد الأقوى. لأن فيه دفع الضرر. وقد عرفت إشكاله بأن الضرر لازم من أحكام الزوجية ، لا من نفسها. ولو سلم كان الأولى كون الفسخ للزوجة ، كما في المعاملة الغبنية ، لا للحاكم.

[٣] احتمل ذلك في القواعد ، والتذكرة.

[٤] لعموم ما دل على أن القرعة لكل أمر مشكل‌ (١). لكن في جامع المقاصد : أن القرعة لا مجال لها في الأمور التي هي مناط الاحتياط التام ، وهي الأنكحة التي يتعلق بها الأنساب ، والإرث ، والتحريم. وفيه : أن ذلك يتم إذا لم يلزم محذور به يكون الأمر مشكلاً ، وبدونه لا إشكال. ولذا ورد الرجوع الى القرعة فيما لو نزا إنسان على واحد من قطيع الغنم واشتبه. ولزوم المحذور في المقام ظاهر ، لتزاحم الحقوق من الطرفين ، فيجب على الزوج الإنفاق والوطء في كل أربعة أشهر ، ويجب عليها بذل نفسها لزوجها. وحينئذ يكون الأقوى ما ذكره المصنف. وقد تقدم في المسألة الثالثة والأربعين من فصل المحرمات بالمصاهرة ما يمكن استفادة حكم المقام منه. ولأجل ذلك لم نتعرض هنا لتفصيل هذه الوجوه.

__________________

(١) تقدم التعرض لما يدل عليه في صفحة : ١٠٣.


وكذا الحال إذا زوجت نفسها من رجل وزوجها وكيلها من آخر ، أو تزوج بامرأة وزوجه وكيله بأخرى لا يمكن الجمع بينهما. ولو ادعى أحد الرجلين المعقود لهما السبق ، وقال الآخر : لا أدري من السابق ، وصدقت المرأة المدعي للسبق ، حكم بالزوجية بينهما ، لتصادقهما عليها [١].

______________________________________________________

[١] قال في القواعد : « ولو ادعى كل منهما الزوجية ، فصدقه الآخر ، حكم بالعقد ، وتوارثا ». وفي كشف اللثام : « ولزومهما أحكام الزوجية ظاهراً ، لانحصار الحق فيهما ، وقد اعترفا به ». وفي جامع المقاصد : « ذلك عندنا لعموم : ( إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ) .. الى أن قال : ولا يعتبر عندنا كونهما غريبين. خلافاً للشافعي ، حيث حكم بمطالبة البلديين بالبينة ، وعدم ثبوت النكاح من دونها ». والاستدلال عليه بعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » غير ظاهر ، لأن أحكام الزوجية التي يقصد ترتيبها قد تكون على وارثهما ، أو على أجنبي عنهما ، ومن المعلوم أن العموم المذكور لا يصلح لإثبات ذلك. فإذاً العمدة في الحكم المذكور الإجماع ، المعتضد بالسيرة القطعية. والله سبحانه وتعالى العالم العاصم ، وهو حسبنا ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).

إلى هنا انتهى الكلام في تنقيح وإصلاح شرح كتاب النكاح من كتاب ( العروة الوثقى ) ، في النجف الأشرف ، في جوار الحضرة المقدسة العلوية ، على مشرفها أفضل الصلاة والسلام ، ليلة الثلاثاء ، خامس عشر شهر صفر المظفر ، سنة ثمانين بعد الألف والثلاثمائة هجرية. بقلم الفقير الى الله تعالى « محسن » خلف العلامة المرحوم السيد « مهدي » الطباطبائي الحكيم ، 1. ( وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) كما هو أهله ، والصلاة والسلام على نبيه الكريم ، وآله الطاهرين ، الغر الميامين.


______________________________________________________

بسمه تعالى

نظراً الى أن هذه الرسالة الشريفة تشتمل على مسألة ذات بال ، كثيرة الابتلاء ، ولم تحرر قبل هذا على هذا الشكل أمر سيدنا ـ 1 ـ بنشرها ملحقة بكتاب النكاح من ( مستمسك العروة الوثقى ) ليعم نفعها. والله سبحانه الموفق والمسدد.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ما يقول مولانا حجة الإسلام والمسلمين آية الله العظمى في العالمين السيد محسن الحكيم دام ظله العالي. في رجل من أهل السنة طلق زوجته طلاقاً غير جامع للشرائط عندنا ، وجامعاً للشرائط عندهم ، ثمَّ استبصر ، وكذا إذا طلقها ثلاثاً بإنشاء واحد ، فهل له الرجوع بزوجته بعد الاستبصار ، أو لا؟ افتونا مأجورين ، مع بيان الدليل على المسألة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وله الحمد

الظاهر في مفروض السؤال جواز الرجوع بزوجته المذكورة ، ويقتضيه العمل بالأدلة الدالة على بطلان الطلاق الفاقد للشرائط المقررة عندنا ، لعدم ما يوجب الخروج عنها ، إلا ما قد يتوهم من دلالة النصوص على بينونة المرأة المذكورة إذا كان الزوج من المخالفين حسب ما يقتضيه مذهبه. لكن التوهم المذكور ضعيف. إذ النصوص الواردة في الباب على طوائف ثلاث :

الأولى : ما دل على قاعدة الإلزام. مثل‌ رواية عبد الله بن جبلة عن غير واحد عن علي بن أبي حمزة : « أنه سأل أبا الحسن (ع) عن المطلقة على غير السنة أيتزوجها الرجل؟ فقال (ع) : ألزموهم من ذلك ما ألزموه


______________________________________________________

أنفسهم. وتزوجوهن ، فلا بأس بذلك » (١). ومن المعلوم أن جواز الإلزام أو وجوبه لا يدل على صحة الطلاق المذكور ، وإنما يدل على مشروعية الإلزام بما ألزم به نفسه. ومن الواضح أن الإلزام بذلك إنما يصح مع بقائه على الخلاف ، لا مع تبصره ، فإنه مع تبصره لا يلزم نفسه بالطلاق وإنما يلزم نفسه بالزوجية ، فلا يقتضي عدم مشروعية الرجوع بها.

ومثل هذه الطائفة ما تضمن الأمر بالتزويج ، مثل‌ صحيح ابن سنان قال : « سألته عن رجل طلق امرأته لغير عدة ، ثمَّ أمسك عنها حتى انقضت عدتها ، هل يصلح لي أن أتزوجها؟ قال : نعم ، لا تترك المرأة بغير زوج » (٢) ‌، و‌مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني إلى أبي جعفر (ع) في من حنث بطلان امرأته غير مرة. قال (ع) : « .. وإن كان ممن لا يتولانا ولا يقول بقولنا ، فاختلعها منه ، فإنه إنما نوى الفراق بعينه » (٣) ‌، و‌رواية عبد الله بن طاوس فيمن يكثر ذكر الطلاق : « .. وإن كان من هؤلاء فأبنها منه ، فإنه إنما عنى الفراق » (٤) ‌، و‌موثق عبد الرحمن البصري عن أبي عبد الله (ع) قال : « قلت له : امرأة طلقت على غير السنة. فقال : تتزوج هذه المرأة ، لا تترك بغير زوج » (٥) ، و‌رواية عبد الله بن محرز الواردة في الأخذ بالتعصيب : « خذوا منهم كما يأخذون منكم في سنتهم » (٦) ‌، و‌في روايته الأخرى : « خذهم بحقك في أحكامهم وسنتهم ، كما يأخذون منكم فيه » (٧).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ١١.

(٥) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٣.

(٦) الوسائل باب : ٤ من أبواب ميراث الاخوة حديث : ١.

(٧) الوسائل باب : ٤ من أبواب ميراث الاخوة حديث : ٢.


______________________________________________________

فإن الأمر بالتزويج ، والاختلاع ، والإبانة ، والأخذ ، لا يدل على الصحة ، بل من الجائز تشريع تزويج زوجة المخالف ، فتخرج عن الزوجية بذلك ، نظير استرقاق الكافر الذي هو حر قبل الاسترقاق ، وحيازة المباح الموجبة لملكية المباح قبل الحيازة ، واسترقاق زوجة الكافر ، فتكون أم ولد للمسترق ، وإن كانت قبل ذلك زوجة للكافر. ومن المعلوم أن ارتكاب ذلك في مقام الجمع بين الأدلة أهون من البناء على صحة الطلاق الفاقد للشرائط. بل هو مقتضى الجمع العرفي بين الأدلة الأولية وبين هذه النصوص ، و‌صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « سألته عن الأحكام. قال (ع) : يجوز على أهل كل ذوي دين ما يستحلون » (١) ‌، فان المقصود ليس نفوذ ذلك لهم ، وإنما هو نفوذ ذلك لغيرهم ، يعني : إذا كان يستحل تزويج المطلقة ثلاثاً يجري ذلك الاستحلال عليه لغيره ، فيجوز تزويج مطلقته ثلاثاً ، وإذا كان يستحل الأخذ بالتعصيب يجري ذلك لغيره ، فيجوز لغيره الأخذ بالتعصيب. فالمقصود هو الحلية لغيره عليه ، لا الحلية له على غيره. ولذلك عبر (ع) بقوله : « على أهل .. » ‌ولم يقل : « لأهل .. » ، فالجواز والحل يكون لغيرهم عليهم ، لا لهم على غيرهم. فليس فيه تنفيذ دين كل أهل دين ، بل الإلزام لهم ، والإحلال لغيرهم عليهم. فالصحيح نظير : « ألزموهم .. ».

الطائفة الثانية : ما تضمنت اللزوم دون الإلزام ، مثل ما‌ في رواية عبد الله بن طاوس المتقدمة : « قلت : أليس قد روي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : إياكم والمطلقات ثلاثاً في مجلس ، فإنهن ذوات الأزواج؟ فقال : ذلك من إخوانكم لا من هؤلاء ، إنه من دان بدين قوم لزمته أحكامهم ». و‌رواية عبد الأعلى عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن الرجل يطلق

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ميراث الاخوة حديث : ٤.


______________________________________________________

امرأته ثلاثاً. قال (ع) : إن كان مستخفاً بالطلاق ألزمته ذلك » (١) ‌، بناء على أن المراد من الاستخفاف بالطلاق عدم اعتبار الشرائط فيه ، وأن المراد لزوم ذلك له. وربما يوجد بهذا المضمون غير هاتين الروايتين.

ودلالتها على صحة الطلاق أيضاً غير ظاهرة ، فان اللزوم أعم. ولا سيما بملاحظة لزوم التعارض بين تطبيقي الحديث فيما لو كان أحد الزوجين مخالفا ، والآخر مستبصراً ، فان المستبصر يدين بفساد الطلاق ، والمخالف يدين بصحته ، ولا يمكن الجمع بين الحكمين ، لان الطلاق لا يقبل الوصف بالصحة والفساد من جهتين ، فلا بد أن يكون المراد مجرد الحكم على من دان منهما بما دان ، فاذا تبصر المخالف وصارا معاً متبصرين ، كان مقتضى الحديث جواز ترتيب أحكام الزوجية منهما ، لأنهما معاً يدينان بذلك.

الطائفة الثالثة : ما تضمن تحريم المطلقة ثلاثاً على الزوج إذا كان يعتقد ذلك. كرواية الهيثم بن أبي مسروق عن بعض أصحابه ، قال : « ذكر عند الرضا (ع) بعض العلويين ممن كان ينتقصه ، فقال : أما انه مقيم على حرام. قلت : جعلت فداك كيف وهي امرأته؟ قال (ع) : لأنه قد طلقها. قلت : كيف طلقها؟ قال (ع) : طلقها ، وذلك دينه ، فحرمت عليه » (٢). فان التحريم يقتضي نفوذ طلاقه. وهذه الرواية ـ مع ضعف سندها ، وقصور دلالتها ، لعدم تعرضه أن طلاقها كان على خلاف المشروع ـ لا تصلح لإثبات نفوذ الطلاق غير الجامع للشرائط إذا كان مذهب المطلق ذلك ، لأن التحريم عليه أعم ، كما عرفت في دلالة الطائفة الثانية ، فإن من الجائز أن يكون التحريم بما أنه دينه ، ولو استبصر فصار دينه حلية الزوجة كانت له حلالاً ، بل قوله (ع) : « وذلك دينه » ‌ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٢.


______________________________________________________

في ذلك ، فيدل على التحليل لو استبصر. ومثل الرواية المذكورة‌ رواية محمد بن عبد الله العلوي قال : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن تزويج المطلقات ثلاثاً. فقال (ع) لي : إن طلاقكم الثلاث لا يحل لغيركم ، وطلاقهم يحل لكم ، لأنكم لا ترون الثلاث شيئاً ، وهم يوجبونها » (١).

والذي يتحصل من هذه الأخبار : لزوم العمل على من تدين بدينه على حسب دينه ، وجواز إلزامه بذلك وكلا الأمرين لا يقتضيان التحريم في مورد السؤال المذكور. نعم‌ في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع : « سألت الرضا (ع) عن ميت ترك أمه ، واخوة ، وأخوات ، فقسم هؤلاء ميراثه ، فأعطوا الأم السدس ، وأعطوا الاخوة والأخوات ما بقي. فمات بعض الأخوات ، فأصابني من ميراثه. فأحببت أن أسألك هل يجوز لي أن آخذ ما أصابني من ميراثها على هذه القسمة ، أم لا؟ فقال : بلى. فقلت : إن أم الميت ـ فيما بلغني ـ قد دخلت في هذا الأمر ، أعني : لدين. فسكت قليلاً. ثمَّ قال (ع) : خذه » (٢). فقد يتوهم منها أن الاستبصار لا يوجب تغير الحكم. وفيه : أنه لا ريب في أن مقتضى قاعدة الإلزام جواز أخذ الأخوات من الأم إلزاماً لها بما تدين. وبعد الأخذ والتملك لا يستوجب الاستبصار تبدل الحكم ، فان من تزوج المطلقة ثلاثاً على غير السنة كان تزويجه صحيحاً ، وتخرج به عن الزوجية للمطلق ، فاذا استبصر لا يبطل التزويج الثاني. وكذا إذا أخذ الأخ بالعصبة ، فاستبصرت البنت ، أو الأم ، أو الأخوات ، لا يوجب استبصارهن رجوع المال الى ملكهن. غاية الأمر أن مفاد الرواية عموم القاعدة لإلزام المخالف المخالف الآخر ، ولا تختص بإلزام الموافق للمخالف ، لا غيره. ولا مانع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٩.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب ميراث الأخوة حديث : ٦.


______________________________________________________

من الالتزام بعموم الإلزام ، كما يقتضيه خبر عبد الله بن طاوس المتقدم‌ ، بل وصحيح محمد بن مسلم المتقدم‌ ، كما يظهر بالتأمل فيه.

ثمَّ إنه‌ قد روى عثمان بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) : « أنه قال : إياكم وذوات الأزواج المطلقات على غير السنة. قال : قلت له : فرجل طلق امرأته من هؤلاء ولي بها حاجة. قال : فيلقاه بعد ما طلقها وانقضت عدتها عند صاحبها ، فيقول له : أطلقت فلانة؟ فإذا قال : نعم فقد صارت تطليقة على طهر. فدعها من حين طلقها تلك التطليقة حتى تنقضي عدتها ، ثمَّ تزوجها وقد صارت تطليقة بائنة » (١) ‌، ونحو ذلك رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) (٢). وظاهرهما عدم جواز الإلزام بما التزم به لكن تضمنت صحة الطلاق بقول الزوج : « نعم » بعد السؤال منه : هل طلقت زوجتك فلانة؟ ومثلها في ذلك غيرها. وهي مهجورة عند الأصحاب ، وإن عمل بها جماعة.

ومن ذلك تعرف أن الطلاق الواقع منهم ليس صحيحاً ، وإنما اقتضى إلزامهم به بما أنه مذهبهم ، فاذا تبصرا خرج عن كونه مذهبهم ، فلا موجب للإلزام به.

وقد يستدل على ذلك‌ برواية علي بن سويد عن أبي الحسن موسى (ع) في حديث : « أنه كتب إليه يسأله عن مسائل كثيرة. فأجابه بجواب هذه نسخته : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .. الى أن قال : وسألت عن أمهات الأولاد ، وعن نكاحهم وطلاقهم. فأما أمهات الأولاد فهن عواهر الى يوم القيامة ، نكاح بغير ولي ، وطلاق في غير عدة. فلما من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلاله ، ويقينه شكه » (٣) ‌، بناء على أن المراد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب مقدمات الطلاق حديث : ٢.

(٣) روضة الكافي الجزء : ٨ الصفحة : ١٢٥ طبعة إيران الحديثة.


______________________________________________________

منه أن الاستبصار يهدم ما قبله. فالتحريم الثابت للمطلق ثلاثاً يتبدل بالتحليل. لكن لا يخلو عن إشكال وغموض ، لعدم وضوح رجوع هذه الفقرة الى ما ذكر ، بل من المحتمل رجوعها إلى مسألة أخرى غير هذه المسألة ، فلا تنفع فيما نحن فيه.

ويعضد ظاهر النصوص المذكورة ما هو ظاهر الفقهاء ـ 5 ـ من الإجماع على عدم توارث المسلمين بالسبب الفاسد ، وإن كان صحيحاً بنظر المتوارثين. فمن تزوج أمه من الرضاعة لا يرثها ، وإن كان مذهبه صحة التزويج. نعم اختلفوا في توارث المجوس ، والمنسوب الى أكثر المتأخرين عدم توارثهم بالسبب الفاسد. وقيل بالتوارث به بينهم. ونسب إلى جماعة من القدماء والمتأخرين. أما في توارث المسلمين فلا خلاف عندهم في عدم صحة السبب إذا كان مخالفاً للواقع ، وإن كان صحيحاً بنظر المتوارثين. ومقتضى ذلك عدم الخلاف في توارث الزوجين المذكورين ، وإن اعتقدا صحة طلاق الثلاث ، فكيف إذا عدلا عن هذا الاعتقاد الى اعتقاد بطلان طلاق الثلاث؟! والموثق : « لكل قوم نكاح » ‌(١) ، لا بد أن يكون محمولا على صحة النسب ، لأن المتولد من وطء الشبهة كالمتولد من الوطء بالعقد ، يصح انتسابه الى الواطئ والموطوء شرعاً وعرفاً. بل لو لا النص على نفي ولد الزنا كان اللازم البناء على صحة انتسابه إلى الزاني والمزني بها ، فيكون دليل النفي هو المانع من صحة الانتساب ، وهو غير موجود في وطء الشبهة. ومن ذلك تعرف أن البناء على جواز الرجوع في المسألة ينبغي أن يكون مما اتفق عليه ظاهر النصوص والفتاوى ، وإن كانت المسألة غير محررة في كلماتهم بالخصوص.

ومما يتفرع على ذلك : أن المستبصر إذا تزوج امرأة من المخالفين فطلقها‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ٢.


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الوصية‌

وهي إما مصدر « وصى يصي » بمعنى الوصل [١] ، حيث أن الموصي يصل تصرفه بعد الموت بتصرفه حال الحياة وإما اسم مصدر بمعنى العهد من « وصى يوصي توصية » ‌

______________________________________________________

الطلاق الثلاث غير الجامع للشرائط بحسب مذهبنا ، لم تخرج عن الزوجية ، وجاز له مراجعتها. فاذا مات كان عليها عدة الوفاة ، ولا يجوز تزويجها في العدة. وليس لها المطالبة بالميراث ، عملاً بقولهم (ع) : « ألزموهم .. ». ولو لم ترض الزوجة بالرجوع إلا بعقد جديد فالحكم كذلك. ومما يشهد لما ذكرنا ما ورد في المجوسي إذا أسلم على سبع أنه يمسك أربعاً ، ويطلق ثلاثاً‌ (١). فإنه ظاهر في أن إقراره على دينه ونفوذ ما يعتقده عليه يختص بما قبل الاستبصار. أما بعده فيجري عليه الحكم الأولي. والله سبحانه وتعالى العالم. وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[١] قال في المبسوط : « الوصية مشتقة من وصى يصي ، وهو من الوصل ، قال الشاعر :

نصي الليل بالأيام حتى صلاتنا

مقاسمة يشتق أنصافها السفر

__________________

(١) الوسائل باب : ٦ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد حديث : ١.


______________________________________________________

هو معناه يصل تصرفه بما يكون بعد الموت ما قبل الموت ، ونحوه ما في السرائر ، غير أنه نسب البيت إلى ذي الرمة ، كما نسبه إليه أيضاً الجوهري في الصحاح ، وفي التذكرة في الوصية : « هي مشتقة من قولهم : وصى إليه بكذا يصيه صيةً ، إذا وصل به. وأرض واصية متصلة النبات فسمي هذا التصرف وصية ، لما فيه من وصلة القربة بعد الموت بالقربات المنجزة في الحياة ، فكأنه وصل تصرفه في حياته بتصرفه بعد مماته » ، ونحوه في جامع المقاصد. وعن بعض أهل اللغة. وظاهرهم الجزم بأن الوصية مأخوذة من الثلاثي بمعنى الوصل. وفي الروضة : « الوصية مأخوذة من وصى يصي ، أو أوصى يوصي ، أو وصى يوصي. وأصلها الوصل ، سميت به لما فيه من وصلة التصرف في حال الحياة به بعد الوفاة » ، ونحوه في الرياض. وظاهرهما التردد في أن الوصية مأخوذة من الثلاثي أو من الرباعي ، وتبعهما على ذلك المصنف.

لكن الذي يظهر من الصحاح والقاموس أن الثلاثي بمعنى الوصل لا غير ، والرباعي سواء كان مضاعفا ـ كوصي توصية ـ أم مهموزاً ـ كأوصى إيصاءً ـ بمعنى العهد لا غير. والوصية لا تكون إلا بالمعنى الثاني كما هي كذلك في القرآن المجيد ، مثل قوله تعالى ( وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ ) (١) و ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) و ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ ) و ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٢) ، وغير ذلك ، فلم تذكر الوصية إلا بمعنى العهد بقرينة السياق ، فهي اسم مصدر للإيصاء أو التوصية ، لا مصدر « وصى يصي » فإن مصدره « الوصي » ولم يذكر الوصية مصدراً له في القاموس والصحاح ، وإنما ذكر المصدر‌

__________________

(١) البقرة : ٢٤٠.

(٢) النساء : ١١ ، ١٢.


______________________________________________________

وهو الوصي لا غير.

ومن ذلك يظهر ضعف التردد من المصنف ومن سبقه في مبدأ اشتقاق الوصية ، والمتعين الجزم بالثاني ، كما هو كذلك في القرآن المجيد. وأما ما ذكره الشيخ ومن وافقه فمرادهم أن الرباعي مأخوذ من الثلاثي ، كما أشار إلى ذلك في الروضة والرياض أيضاً ، لا أن الوصية اسم مصدر ل « وصى يصي » ، وإلا فهو ممنوع ، كما عرفت. وإن كان الأول أيضاً محل إشكال ، كيف والرباعي أيضاً بمعنى العهد لا غير ، كما يظهر من موارد الاستعمال في القرآن المجيد ، مثل قوله تعالى في سورة الأنعام ( إِذْ وَصّاكُمُ اللهُ بِهذا ) (١) وفيها أيضاً : ( ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .. ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ .. ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (٢) ، وفي غيرها من السور ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) (٣) ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً ) (٤). ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ) (٥) ( وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى ) (٦) ( وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ) (٧) ( أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ ) (٨) .. إلى غير ذلك من الموارد التي ذكر فيها الإيصاء والتوصية في الكتاب والسنة والعرف العام مما لا يحصى ، من‌

__________________

(١) الأنعام : ١٤٤.

(٢) الانعام : ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣.

(٣) النساء : ١٣١.

(٤) العنكبوت : ٨.

(٥) لقمان : ١٤.

(٦) الشورى : ١٣.

(٧) مريم : ٣١.

(٨) الذاريات : ٥٣.


أو « أوصي يوصي إيصاء ». وهي إما تمليكية أو عهدية [١] وبعبارة أخرى : إما تمليك عين أو منفعة ، أو تسليط على حق ، أو فك ملك ، أو عهد متعلق بالغير ، أو عهد متعلق بنفسه كالوصية بما يتعلق بتجهيزه. وتنقسم انقسام الأحكام الخمسة.

______________________________________________________

دون ملاحظة الوصل بين شيئين ، فضلا عن الحياة والممات.

والمتحصل مما ذكرنا أمران : ( الأول ) : أن الوصية مأخوذة من الرباعي اسم مصدر ، لا مصدر للثلاثي ، ولا اسم مصدر له ، ولا ترتبط به. ( الثاني ) : أن الرباعي والثلاثي مادتان متباينتان ليس بينهما أي نوع من الاشتقاق ، الثلاثي بمعنى الوصل والرباعي بمعنى العهد مطلقاً.

هذا بحسب اللغة والعرف العام ، وأما بحسب عرف الفقهاء والمتشرعة فالوصية هي العهد في حال الحياة بما بعد الوفاة. والوجه في هذا الاصطلاح ليس هو ملاحظة وصل الممات بالحياة ، بل المتابعة للقرآن المجيد ، حيث عبر عن العهد المذكور بالوصية ، مثل ما تقدم وقوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ .. ) (١) ، وقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ ) (٢) وغير ذلك ، فهذا التعبير عن العهد الخاص بالوصية هو الذي دعا إلى الاصطلاح المذكور. فلا تستعمل الوصية في عرف الفقهاء وفي عرف المتشرعة إلا بالعهد الخاص.

[١] قال في الشرائع : « وهي ( يعني : الوصية ) تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة » ، ونسب ذلك إلى أكثر الأصحاب. ويشكل : بأنه غير جامع لخروج الوصية بالولاية على الثلث ، وبالولاية على الأطفال والمجانين الذين‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٠.

(٢) البقرة : ٢٤٠.


______________________________________________________

تجوز له الوصية عليهم ، مع أنها من الوصية. ولذلك أضيف إليه في النافع وغيره قوله : « أو تسليط على تصرف بعد الوفاة » ، بل في النافع وعن التذكرة زيادة قيد المجانية ، لإخراج الوصية بالبيع والتمليك المعاوضي لكن ادعى في الجواهر انصراف التمليك في التعريف إلى المجاني ، فلا يحتاج إلى القيد المذكور. ولا يخلو من تأمل.

وفي المسالك : « وينتقض في عكسه أيضاً بالوصية بالعتق ، فإنه فك ملك لا تمليك للعبد نفسه. وكذلك التدبير على القول بأنه وصية ـ كما ذهب إليه الأكثر ـ والوصية بإبراء المديون وبوقف المسجد ، فإنه فك ملك ، وبالوصية بالمضاربة والمساقاة ، فإنهما وإن أفادا ملك العامل للحصة من الربح والثمرة على تقدير ظهورهما ، إلا أن حقيقتهما ليست كذلك ، وقد لا يحصل ربح ولا ثمرة ، فينتفي التمليك ».

وفيه : المنع من صحة الوصية بما ذكر عدا التدبير ، الذي دل عليه الدليل. وأما غيره مما ذكر فلا دليل على صحة الوصية فيه ، للإجماع على بطلان الإنشاء المعلق ، بلا فرق بين أن يكون المعلق عليه الموت وغيره ، فلا يصح الوقف المعلق على الموت ، ولا الإبراء المعلق على الموت ولا المضاربة والمساقاة كذلك. ودعوى : اختصاص مانعية التعليق بالبيع المعلق على غير الموت ـ كما في الجواهر ـ غير ظاهرة ، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في وجه مانعية التعليق. فلاحظه.

ومثلهما ما فيها من دعوى كون الوجه في بطلان البيع المعلق على الموت عدم صدق الوصية عليه ، لانصرافها إلى التمليك المجاني ، فالمرجع فيه أصالة عدم ترتب الأثر. إذ فيها : أنه يكفي في الصحة صدق البيع وعمومات صحته بعد أن لم يكن التعليق على الموت مانعاً عن صحته ، كما ادعاه مضافاً إلى أن عمومات صحة الوصية ولزوم العمل بها ـ كما عليه‌


( مسألة ١ ) : الوصية العهدية لا تحتاج إلى القبول [١] وكذا الوصية بالفك ، كالعتق. وأما التمليكية فالمشهور على‌

______________________________________________________

الأصحاب ، المستفاد من قوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) (١) بملاحظة الاستشهاد به في بعض النصوص على لزوم العمل بالوصية في غير مورده ـ كافية في دعوى الصحة. ولا وجه لدعوى اختصاص العموم بالتمليك المجاني ، كما سبق. بل لا وجه لاختصاصه بالتمليك ، إذ لا موجب لهذا التخصيص ، فيشمل جميع أنواع الإيقاعات والعقود. ولأجل عدم بنائهم على ذلك يتضح أن الوجه فيه هو التعليق الممنوع إلا فيما دل الدليل على خلافه ، وهو التمليك المجاني ، والتسليط على التصرف ـ المعبر عنه بالوصاية ـ والتدبير ، والمضاربة بمال الصغير ، وغير ذلك مما دل عليه الدليل بالخصوص وعمل به الأصحاب.

[١] هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه ، وإن كان المحكي عن القواعد وجامع المقاصد والمسالك وغيرها : أنها عقد ، وفي الحدائق : أنه المشهور في كلامهم ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه. انتهى. لكنه غير ظاهر ، بل في الجواهر : أنها بهذا المعنى ليست من العقود قطعاً ، بل ضرورة. انتهى. ويقتضيه ما دل على وجوب العمل بالوصية على الموصى إليه إذا لم يرد أو إذا رد ولكن لم يبلغ الموصي الرد ، فان ذلك ينافي اعتبار القبول تنافيا ظاهراً. ومن ذلك تعرف منافاة بناء المشهور على ذلك مع بنائهم على كونها عقداً. ولأجل ذلك قال في الدروس : « وعلى ما قلناه من اللزوم بالموت وعدم الرد لا عبرة بقبول الوصي وعدمه ، بل العبرة بعدم الرد الذي يبلغ الموصي فإن حصل وإلا ألزم ».

__________________

(١) البقرة : ١٨١.


أنه يعتبر فيها القبول [١] جزءاً. وعليه تكون من العقود. أو شرطاً ـ على وجه الكشف أو النقل ـ فيكون من الإيقاعات.

______________________________________________________

[١] الذي يظهر من المسالك في تحرير المسألة هو أن القبول جزء أو شرط لانتقال المالك إلى الموصى له من حينه ، أو جزء أو شرط لانتقال الملك إلى الموصى له ولو من حين العقد ، أو أنه لا دخل له في انتقال الملك بل ينتقل الملك بمجرد الموت ، لكنه متزلزل ، فاذا حصل القبول استقر. فيه أقوال ثلاثة. نسب الأول في المسالك إلى العلامة في المختلف ، ونسب أيضاً إلى المحقق في الشرائع وجماعة. وفي المسالك : نسب الثاني إلى الأكثر ، ونسبه غيره إلى المشهور. وفي كلام شيخنا الأعظم أنه مخالف لإطلاق المشهور. بل كل من جعله عقداً. والقول الثالث محكي عن موضع من المبسوط ، وقد يظهر من عبارة الخلاف ، وقد يحكى عن ابن الجنيد أيضاً. لكن في موضع من المبسوط ضعفه ، وجعل الأقوى الأول.

ويظهر من تحرير المسألة على ما ذكر أن الاحتمالات خمسة : كون القبول شرطاً ناقلا ، وكونه شرطاً كاشفاً ، وكونه جزءاً ناقلا ، وكونه جزءاً كاشفاً ، وكونه شرطا في استقرار الملك ولا دخل له في ثبوته. والقول بشرطية القبول كاشفاً أو ناقلا لم يعرف قائله ، وإن استظهره شيخنا من عبارة الشرائع : « وينتقل بها الملك إلى الموصى له بموت الموصي وقبول الموصى له » ، لأن الموت شرط قطعا ، فسياق القبول مساقه يقتضي كونه شرطاً أيضاً. وفيه تأمل. والاحتمالات الثلاثة الأخرى قد عرفت القائل به. والمصنف ( قده ) حرر المسألة على شكل آخر ، ولم يتعرض للقول الثالث وذكر احتمالا أو قولا آخر واختاره ، وهو عدم دخل القبول في الملك ولا في استقراره ، بل الرد مانع عنه ، فاذا لم يقبل الموصى له ولم يرد ثبت الملك.


______________________________________________________

هذا وكأن الوجه في جزئية القبول ما طفحت به عباراتهم من كون الوصية التمليكية من العقود مما يظهر منه أنه إجماعي. ويشكل بما ذكروه من اعتبار التوالي بين الإيجاب والقبول ، وأن موت الموجب قبل القبول مانع من تألف العقد فكيف يصدق العقد في المقام؟ ويظهر من شيخنا الأعظم : أن الوجه فيه أصالة عدم انتقال المال مع عدم القبول. وفيه ـ مع أنه لا يقتضي الجزئية بل ما هو أعم منها ومن الشرطية ـ : أنه لا مجال للأصل مع الدليل ، وهو إطلاقات نفوذ الوصية وصحتها. ودعوى : أنها مسوقة لبيان حكم الوصية بعد إحراز ما يعتبر فيها من شرائط الموصي والموصى له والموصى به. فيها : أن ذلك خلاف إطلاقها. ولا سيما بعد قوله تعالى : ( فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً .. ) (١) الظاهر في استثناء ذلك من عموم حرمة التبديل ونفوذ الوصية ، فإن الاستثناء دليل العموم ، نظير‌ قوله (ع) : « الصلح جائز بين المسلمين إلا ما حلل حراماً أو حرم حلالا » (٢) ‌فان الاستثناء فيه دليل على عموم القابلية. فلاحظ.

ومن ذلك أيضا يظهر ضعف ما عن غير واحد من أن الوجه فيه أنه خلاف قاعدة السلطنة على النفس. إذ فيه أيضاً أنه لا يقتضي الجزئية بالخصوص وأن عموم نفوذ الوصية مقدم على القاعدة ، وإن كان بينهما عموم من وجه ، والأصل في مورد المعارضة بينهما هو التساقط والرجوع إلى دليل آخر ، لاختصاص ذلك بما إذا لم يظهر لأحد الدليلين خصوصية تستدعي التقديم كما في المقام ، ومن ذلك يظهر لك دليل شرطية القبول وضعفه أيضاً. فإذاً القول بعدم جزئية القبول أو شرطيته أقوى.

__________________

(١) البقرة : ١٨٢.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٣ من أبواب الصلح حديث : ١ ، الوسائل باب : ٣ من أبواب الصلح حديث : ٢. مع اختلاف يسير في متن الحديث.


ويحتمل قويا عدم اعتبار القبول فيها ، بل يكون الرد مانعاً [١] ، وعليه تكون من الإيقاع الصريح. ودعوى : أنه يستلزم الملك القهري ، وهو باطل [٢] في غير مثل الإرث. مدفوعة : بأنه لا مانع منه عقلا ، ومقتضى عمومات الوصية ذلك. مع أن الملك القهري موجود في مثل الوقف.

( مسألة ٢ ) : بناء على اعتبار القبول في الوصية يصح إيقاعه بعد وفاة الموصي بلا إشكال [٣] ، وقبل وفاته على الأقوى [٤]. ولا وجه لما عن جماعة [٥] من عدم صحته حال الحياة ، لأنها تمليك بعد الموت ، فالقبول قبله كالقبول قبل‌

______________________________________________________

[١] في الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه » وتكرر في كلام شيخنا الأعظم دعواه الإجماع عليه ، وفي الحدائق : « ظاهرهم الاتفاق عليه ». وهذا هو الدليل عليه ، وإلا فإطلاق الأدلة مانع عنه أيضاً.

[٢] لما عرفت من كونه خلاف قاعدة السلطنة ، أو لكونه عديم النظير. والأول عرفت الجواب عنه ، والثاني إشكاله ظاهر ، لعدم صلاحيته لإثبات حكم في مقابل الأدلة.

[٣] في المسالك : « حيث اعتبرنا قبول الموصى له فقبل بعد وفاة الموصي فلا إشكال في اعتبار قبوله » وفي الحدائق : أنه لا إشكال ولا خلاف فيه.

[٤] نسبه في المسالك إلى الأكثر.

[٥] منهم العلامة وجامع المقاصد ، قال الأول في القواعد : « وتفتقر إلى إيجاب .. ( إلى أن قال ) : وقبول بعد الموت. ولا أثر له لو تقدم .. ». وعلله في الثاني : بأنه لو قبل في حال الحياة لم يطابق القبول‌


الوصية ، فلا محل له ، ولأنه كاشف أو ناقل ، وهما معاً منتفيان حال الحياة. إذ نمنع عدم المحل له ، إذ الإنشاء المعلق على الموت قد حصل ، فيمكن القبول المطابق له. والكشف والنقل إنما يكونان بعد تحقق المعلق عليه ، فهما في القبول بعد الموت ، لا مطلقاً.

( مسألة ٣ ) : تتضيق الواجبات الموسعة بظهور أمارات‌

______________________________________________________

الإيجاب. فإن قيل : المراد بقبوله التمليك بعد الموت. قلنا : ما قبل الموت لما لم يكن متعلق الإيجاب وجب أن لا يعتد بالقبول الواقع فيه ، كما لو باعه ما سيملكه فقبل. ولأن القبول إما كاشف أو جزء السبب ، على كل تقدير يمتنع اعتباره قبل الموت ، أما إذا جعل كاشفا فلأن الكاشف عن الملك وجب أن يتأخر عنه ، ويمتنع الملك قبل الوفاة. وأما إذا جعل جزء سبب فلأنه إذا تمَّ العقد وجب أن يترتب عليه أثره ، وهو هنا ممتنع قبل الموت. ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يكون شرطاً لحصول الملك بالعقد؟ كالبيع ، فإنه لا يثمر الملك إلا بعد انقضاء مدة الخيار على رأي الشيخ. وجوز ابن إدريس القبول قبل الموت وبعده ، ويلوح من الدروس اختياره. ومختار المصنف (ره) أقوى .. إلخ.

والاشكال عليه ـ كما ذكره المصنف ـ ظاهر ، بل من العجيب التفكيك بين الإيجاب والقبول ، بحيث يصح الإيجاب ، ولا يصح القبول المتعلق به ، مع أن القبول هو الرضا بمضمون الإيجاب ، فإذا جاز التعليق في الإيجاب جاز التعليق في القبول أيضاً ، فكيف لا يكون القبول مطابقاً للإيجاب؟ وكيف لا يكون معتداً به إذا وقع قبل الوفاة لأنه لم يكن متعلق الإيجاب؟ وأما المثال الذي ذكره فلا يصح الإيجاب فيه ولا القبول لمانع فيه بالخصوص ، لا كمثل المقام.


الموت [١] ، مثل قضاء الصلوات والصيام والنذور المطلقة والكفارات ونحوها ، فيجب المبادرة إلى إتيانها مع الإمكان. ومع عدمه يجب الوصية بها ، سواء فاتت لعذر أو لا لعذر ، لوجوب تفريغ الذمة بما أمكن في حال الحياة ، وإن لم يجز فيها النيابة فبعد الموت تجري فيها يجب التفريغ بها بالإيصاء [٢] وكذا يجب رد أعيان أموال الناس التي كانت عنده [٣] ، كالوديعة والعارية ومال المضاربة ونحوها. ومع عدم الإمكان‌

______________________________________________________

[١] لأن الواجبات الموسعة إنما يجوز التأخير فيها لأن لها أفراداً طولية ، فيجوز عقلا ترك الأول والإتيان بالثاني ، وترك السابق والإتيان باللاحق ، فاذا شك في الموت والبقاء فقد شك في وجود فرد لاحق وحينئذ يدور الأمر بين التعيين والتخيير ، وفي مثله يحكم العقل بالتعيين ، وإن قيل بالتخيير عند الدوران بين التعيين والتخيير الشرعي ، لأن التخيير في المقام عقلي ، ومع الشك في التخيير العقلي يحكم بالتعيين ، لان ترك الفرد السابق المعلوم الفردية موجب لاحتمال الضرر من دون مؤمن منه ما دام لم يعلم وجود الفرد الآخر. ومقتضى ذلك لزوم المبادرة بمجرد احتمال عدم التمكن من الفرد الآخر وإن لم تكن أمارة على عدمه ولا ظن بعدمه ، إلا أن الإجماع القولي والعملي اقتضى جواز التأخير مع عدم الظن بالضيق.

[٢] أما مع العلم بالعمل بالوصية فظاهر ، لأنه نوع من التفريغ للذمة ، وأما مع عدم العلم فلوجوب العمل عقلا مع الشك في القدرة ، ولا يجوز ترك العمل حينئذ لاحتمال عدم القدرة.

[٣] كما في الجواهر في كتاب الوديعة ، حاكياً له عن التذكرة ، مستدلا عليه بإطلاق ما دل على وجوب رد الوديعة من الاخبار الكثيرة‌


______________________________________________________

التي عقد لها في الوسائل باباً في كتاب الوديعة ، فإن هذا الإطلاق كسائر الخطابات المطلقة التي تتضيق بظن الوفاة. لكن المذكور في الشرائع وجوب الاشهاد ، وفي الجواهر : « صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافاً بينهم. نعم في القواعد إبدال ذلك بالوصية بها. ولعله يريد ذلك ».

أقول : الرد والتوديع متنافيان ، إذ التوديع استنابة في الحفظ ، وهو يقتضي الاستيلاء على العين على وجه المحافظة. وهو يتنافى مع الرد ، فلا بد أن يكون المراد من رد الأمانة والوديعة الواجب هو ردها عند انتهاء الاستيداع ، إما بالمطالبة ، وإما بانتهاء المدة المفروضة للاستيداع ، والمفرض في المقام انتفاء الأمرين معاً ، فلا يصلح دليل وجوب الرد للأمانات والودائع للمرجعية فيه.

وقد اختلف كلام التذكرة في ذلك ، ففي مسألة قال : « إذا مرض المستودع مرضاً مخوفا ، أو حبس ليقتل ، وجب عليه الإيصاء بالوديعة. وإن تمكن من صاحبها أو وكيله وجب عليه ردها إليه. وإن لم يقدر على صاحبها ولا على وكيله ردها إلى الحاكم .. ». وقال في الفرع الثالث من فروع المسألة : « الأقرب الاكتفاء بالوصية وإن امكنه الرد على المالك لأنه مستودع لا يدري متى يموت ، فيستصحب الحكم. ويحتمل أنه يجب عليه الرد إلى المالك ووكيله عند المرض » ثمَّ قال : « وهو قول أكثر الشافعية ». لكن يظهر من كلامه الثاني وجوب الرد مع العلم بالموت. لكن عرفت أنه غير ظاهر من الدليل ، ومخالف للمشهور من فتاوى الأصحاب. وحملها في الجواهر على إرادة بيان القضية المهملة ، يعني : بيان وجوب الاشهاد في الجملة ولو عند عدم التمكن من الرد. غير ظاهر ولا داعي إليه بعد ما عرفت.


يجب الوصية بها. وكذا يجب أداء ديون الناس الحالة [١] ، ومع عدم الإمكان أو مع كونها مؤجلة ، يجب الوصية بها [٢] إلا إذا كانت معلومة [٣] ، أو موثقة بالإسناد المعتبرة. وكذا إذا كان عليه زكاة أو خمس أو نحو ذلك ، فإنه يجب عليه أداؤها أو الوصية بها [٤]. ولا فرق فيما ذكر بين ما لو كانت له تركة أو لا إذا احتمل وجود متبرع أو أداؤها من بيت المال.

______________________________________________________

[١] لقاعدة السلطنة المانعة من التصرف في الدين بحبسه عن مالكه ، لأن حبسه عنه خلاف قدرته عليه ، وخلاف ما دل على حرمة حبس الحقوق عن أهلها المعدود من الكبائر ، فلا يتوقف وجوب الرد على المطالبة الموجبة لكراهة بقائه في الذمة ، فإنه لا فرق في حرمة التصرف في ملك الغير بين أن يكون مع كراهته للتصرف وبين أن يكون لعدم إذنه فيه. نعم إذا أذن المالك ببقاء الدين في الذمة لم يجب الرد ، لعدم المقتضي. ومن ذلك يظهر أن وجوب الأداء حينئذ لا يتوقف على ظهور أمارات الموت ، بل يجب حتى مع العلم بالبقاء.

[٢] لوجوب إفراغ ذمته منها ، المتوقف على ذلك.

[٣] يعني بحيث لا يكون للوصية أثر ، أما إذا كان للوصية أثر ، ـ بأن لا تكون للورثة دواع قوية إلى الأداء بغير الوصية ـ فالوصية أيضاً تكون واجبة ، بل إذا لم يكن للوصية أثر إلا بالتهديد والتوعيد بالعقاب على تقدير المخالفة وجب ذلك أيضاً. فاللازم فعل كل ما له دخل في حصول الفراغ من إشهاد أو وصية ووعظ وتهديد وغير ذلك مما يتوقف عليه الفراغ.

[٤] لعين ما ذكر من أن حبس المال عن أهله بغير اذن خلاف قاعدة السلطنة ، وخلاف ما دل على حرمه حبس الحقوق عن أهلها المعدود في الكبائر.


( مسألة ٤ ) : رد الموصى له للوصية مبطل لها إذا كان قبل حصول الملكية ، وإذا كان بعد حصولها لا يكون مبطلا لها ، فعلى هذا إذا كان الرد منه بعد الموت وقبل القبول ، أو بعد القبول الواقع حال حياة الموصي مع كون الرد أيضا كذلك يكون مبطلا لها [١] ، لعدم حصول الملكية بعد ، وإذا كان‌

______________________________________________________

[١] إما في الفرض الأول فلا خلاف ولا إشكال. وفي الجواهر : « الإجماع بقسميه عليه » ، وفي رسالة شيخنا الأعظم ( قده ) تكرر نقل الإجماع عليه ، وفي التذكرة : « لا نعلم فيه خلافا » ويظهر من كلماتهم أنه من المسلمات. وقد عرفت أنه هو العمدة فيه بناء على كون الوصية من الإيقاع وأما بناء على أنها من العقود ـ كما هو المشهور ـ فلأن الرد مانع من تألف القبول الواقع بعده مع الإيجاب الواقع قبله.

وأما في الفرض الثاني فينافيه ما ذكره في الشرائع وغيرها من أنه إذا رد في حياة الموصي جاز أن يقبل بعد وفاته إذ لا حكم لذلك ، فان مقتضى إطلاقه عدم ترتب الأثر على الرد في الحياة وإن كان بعد القبول ، فاذا اكتفينا بالقبول حال الحياة لم تبطل بالرد بعده. لكن في الجواهر : « يشكل ذلك بما ظاهرهم الإجماع عليه من كون الوصية عقداً جائزاً من الطرفين ، ومقتضاه تسلط الموصى له على فسخه حينئذ ، ولا ريب في اقتضائه بطلان العقد ». ولأجل ذلك احتمل حمل كلامهم على رد الإيجاب خاصة ، الذي لا يدخل تحت حكم فسخ العقد الجائز ، فلا يشمل فسخ الموصى له بعد القبول. لكن لا دليل على كون الوصية عقداً جائزاً من الطرفين ، كما سيأتي في كلام المصنف ( قده ) وإلا لم يكن وجه لبطلان الرد في الفرض الأول.

ولأجل ذلك ينبغي أن يقال : إنه إذا بنينا على كون الوصية إيقاعاً ـ كما هو التحقيق ـ فمقتضى إطلاق أدلة النفوذ هو البناء على عدم تأثير‌


بعد الموت وبعد القبول ولا يكون مبطلا ، سواء كان القبول بعد الموت أيضاً أو قبله ، وسواء كان قبل القبض أو بعده ، بناء‌

______________________________________________________

الرد في جميع الصور حتى في الفرض الأول ، لكن يوجب الخروج عن ذلك بالإجماع ، ولم يقم إجماع عليه في الفرض الثاني. وإذا بنينا على كونها عقداً فاللازم البناء على ابطال الرد لها إذا وقع قبل القبول ـ بناء على أنه مانع من تألف الإيجاب الواقع قبله مع القبول الواقع بعده ـ وعدم إبطاله إذا وقع بعده إلا إذا قلنا بأنها عقد جائز من الطرفين ، الذي لازمه بطلانها بالرد بعد القبول بعد الموت ، الذي عرفت أنه خلاف الإجماع.

والذي يظهر من عبارة المصنف ( قده ) أن الوجه في مبطلية الرد إذا وقع قبل حصول الملكية أصالة عدم ترتب الملكية ، وفي عدم مبطليته إذا وقع بعد حصول الملكية استصحاب بقاء الملكية ، لكن الأصل في الفرض الأول لا مجال له ، بناء على كون الوصية إيقاعاً ـ كما تقدم من المصنف ـ لأن إطلاق نفوذه حاكم عليه ، فالبناء على الأصل المذكور يتوقف على التغافل عن المبنى المذكور.

ومن ذلك كله يتحصل أن في مسألة قبول رد الوصية وعدمه مباني مختلفة النتيجة ولا تلتئم مع فتاوى الأصحاب : كون الوصية إيقاعاً ، وكونها عقداً لازماً ، وكونها عقداً جائزاً. فإن الأول لا يتناسب مع بنائهم على مبطلية الرد إذا كان بعد الوفاة قبل القبول. والثاني لا يتناسب مع بنائهم على عدم مبطلية الرد في حال الحياة وإن كان بعد القبول ، فله أن يجدد القبول بعد ذلك إن كان قد سبق ، على ما اختاره المحقق وجماعة ، كما في المسالك ، وظاهر الحدائق نسبته إلى الأصحاب ، وظاهرهم أن له أن يستمر على الرد فلا يتحقق التمليك مع تحقق القبول ، وهو يقتضي كونها عقداً جائزاً بالنسبة إلى الموصى له في الجملة ، والثالث لا يتناسب مع بنائهم‌


على الأقوى من عدم اشتراط القبض في صحتها [١] ، لعدم الدليل على اعتباره ، وذلك لحصول الملكية حينئذ له ، فلا تزول بالرد. ولا دليل على كون الوصية جائزة [٢] بعد تماميتها بالنسبة الى الموصى له ، كما أنها جايزة بالنسبة الى الموصي ، حيث أنه يجوز له الرجوع في وصيته ، كما سيأتي. وظاهر كلمات العلماء [٣] حيث حكموا ببطلانها بالرد عدم صحة القبول بعده ، لأنه عندهم مبطل للإيجاب الصادر من الموصي‌

______________________________________________________

على عدم مبطلية الرد إذا كان بعد الوفاة وبعد القبول.

والمصنف (ره) زاد في الاشكال ، إذ أفتى بمبطلية الرد إذا كان في حال الحياة بعد القبول ، فان ذلك لا يلتئم مع مختاره من كون الوصية إيقاعاً ، فإن مقتضى إطلاق النفوذ عدم الابطال به وليس هناك إجماع يقتضي الخروج عن هذا الإطلاق ، كما كان في الفرض الأول ، على ما عرفت.

[١] كما هو المشهور وعن الشيخ في مبسوطه وابن سعيد في جامعه أنه شرط في تحقق الملك ، كالهبة والوقف ، لاشتراكها في العلة المقتضية ، وهو العطية المتبرع بها مع أولوية الحكم في الوصية من حيث أن العطية في الهبة وما في معناها منجزة ، وفي الوصية مؤخرة ، والملك في المنجز أقوى منه في المؤخر ، بقرينة نفوذ المنجز الواقع من المريض على خلاف بخلاف المؤخر. كذا في المسالك. وأشكل عليه : بأنه خلاف إطلاق النفوذ من دون مخرج عنه ، والوجوه المذكورة استحسانات موهونة كما هو ظاهر.

[٢] قد عرفت ما في الجواهر من نسبة الجواز في الوصية بالنسبة إلى الطرفين إلى ظاهر إجماعهم. لكنه ممنوع. لمخالفته لإطلاق الأدلة.

[٣] كلماتهم صريحة في ذلك ، وقد عرفت دعوى الإجماع عليه في‌


كما أن الأمر كذلك في سائر العقود ، حيث أن الرد بعد الإيجاب يبطله وإن رجع وقبل بلا تأخير ، وكما في إجازة الفضولي ، حيث أنها لا تصح بعد الرد. لكن لا يخلو عن إشكال إذا كان الموصي باقياً على إيجابه. بل في سائر العقود أيضاً مشكل ، ان لم يكن إجماع [١] ، خصوصاً في الفضولي [٢] حيث أن مقتضى بعض الاخبار صحتها ولو بعد الرد. ودعوى عدم صدق المعاهدة عرفاً إذا كان القبول بعد الرد ، ممنوعة [٣]. ثمَّ انهم ذكروا أنه لو كان القبول بعد الرد الواقع حال الحياة صح. وهو ايضاً مشكل على ما ذكروه من كونه مبطلا للإيجاب ، إذ لا فرق حينئذ بين ما كان في حال الحياة أو بعد الموت إلا إذا قلنا : ان الرد والقبول لا أثر لهما حال الحياة ، وأن محلهما إنما هو بعد الموت وهو محل منع [٤].

______________________________________________________

الجواهر وغيرها. نعم ظاهرهم أن الوجه فيه أن الرد إنما يكون مبطلا للإيجاب إذا وقع في محله ، والرد في حال الحياة إنما لا يكون مبطلا للإيجاب لعدم وقوعه في محله. والتفصيل المذكور منهم غير ظاهر ، إذ كيف لا يكون الرد في حال الحياة في محله ويكون محل القبول كما عرفت؟. وما الفارق بين حالي الحياة والممات؟!

[١] بل هو الظاهر من المرتكزات العرفية ، وظاهرهم الإجماع عليه.

[٢] قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثامنة عشرة من فصل أولياء العقد.

[٣] عرفت أن المنع المذكور خلاف المرتكزات العرفية ، وعليه إجماعهم ظاهراً.

[٤] كما تقدم في المسألة الثانية.


( مسألة ٥ ) : لو أوصى له بشيئين بإيجاب واحد ، فقبل الموصى له أحدهما دون الآخر ، صح فيما قبل وبطل فيما رد [١].

______________________________________________________

[١] كما في الشرائع والقواعد. ويظهر من جامع المقاصد والحدائق والجواهر ورسالة شيخنا الأعظم : أنه فتوى الأصحاب ، واستوضحه شيخنا الأعظم ( قده ) لانحلال العقد على الجملة إلى عقود متعددة ، كانحلال العقد المشروط إلى ذلك ، ولذلك صح تبعض الصفقة ، كما صح العقد مع فوات وصف الصحة وغيره من الشروط في ضمن العقد. وفيه : أن ما ذكروه من اعتبار المطابقة بين الإيجاب والقبول في العقد يدل على عدم انحلال الإيجاب إلى إيجابات متعددة ، وإلا لم يكن لاعتبار ذلك وجه ، فلا تصح المقايسة بين المقام ومسألة تبعض الصفقة أو خيار تخلف الشرط ، فان انحلال العقد بعد تماميته غير انحلال الإيجاب نفسه.

وفي جامع المقاصد : أن الوصية لما كانت تبرعا محضا لم ترتبط أجزاؤها بعضها ببعض ، فكما يصح قبولها جميعا يصح قبول بعضها ، وهذا بخلاف البيع ونحوه من عقود المعاوضات. وفي الجواهر : « يقوي في الوصية عدم كونها من العقود المعتبر فيها المطابقة ، لتحقق اسم العقد الذي هو الإيجاب وقبول ذلك بالإيجاب بها ». ويشكل ما ذكراه : بأن العقد لا يختلف مفهومه باختلاف الموارد. وفي الجواهر : « الفرق بين المقام والمعاوضات أن في المقام لم يصدر من الموجب غير تعلق قصد الإيصاء بكل منهما من غير مدخلية لاجتماعهما وانفرادهما ، بخلافه في عقد المعاوضة الظاهر بسبب الجمع بالعوض في أن القصد حصل عليهما من حيث الاجتماع وإن لم يكن ذلك على جهة الشرطية ». ويشكل : بأن المدار ليس على قصد الموجب ، بل المدار على وحدة الإنشاء عرفاً وتعدده ، فمع وحدته عرفاً لا بد من مطابقة القبول للإيجاب. مع إمكان منع ما ذكره على وجه الكلية كما إذا‌


وكذا لو أوصى له بشي‌ء فقبل بعضه مشاعاً أو مفروزاً ورد بعضه الآخر ، وان لم نقل بصحة مثل ذلك في البيع ونحوه ، بدعوى : عدم التطابق حينئذ بين الإيجاب والقبول. لان مقتضى‌

______________________________________________________

أوصى له بمصراعي باب ، فقبل أحدهما بعينه ، فإن الوصية مختصة بحال الاجتماع قطعاً.

وعليه لا يمكن التخلص عن الإشكال إلا بما عرفت من عدم كون الوصية من العقود ، واعتبار القبول ـ على تقدير القول به ـ من قبيل اعتبار القبض في بيع الصرف والسلم ، لا أنه جزؤ من العقد ، ويكفي في القبول المعتبر القبول للبعض. بل عرفت عدم اعتبار القبول ، وإنما المعتبر عدم الرد ، وهو بالنسبة إلى البعض حاصل. اللهم إلا أن يشكل : بأنه لا إطلاق يشمل الوصية بالبعض ، ضرورة كون الإنشاء إنما تعلق بالمجموع ، فكل جزء وإن كان موضوعاً للوصية ، لكنه في حال الاجتماع ، ولا يشمل حال الانفراد ، فلا موضوع حينئذ لدليل الصحة والنفوذ ، كي يحكم بالصحة. وفيه : أنه إن تمَّ هذا الاشكال اقتضى البطلان في تبعض الصفقة ، وكذا إذا أوصى بما يزيد على الثلث فلم يقبل الورثة ، مع أنه لا إشكال في الصحة في المقامين ، الكشاف عن اكتفاء العرف في صدق البيع والوصية بمثل هذا القصد الضمني وإن لم يشمله قصد المنشئ.

ونظيره باب تخلف الشرط ، فان البيع إنما وقع على المشروط ، فلا يشمل ذات المشروط الخالية عن الشرط مع بناء الأصحاب على صحة العقد لبناء العرف على صدق البيع ولو ادعاء بالنسبة إلى الذات نفسها ، ولذلك تجد المشتري يعتقد جواز التصرف بالذات الخالية عن الشرط ، ولا يحتاج في تصرفه فيها إلى معاملة جديدة مع البائع ، وكذلك في باب تبعض الصفقة إذا تبين للمشتري أن بعض المبيع لغير البائع فأخذه مالكه ، يرى أن له‌


القاعدة الصحة في البيع أيضاً [١] إن لم يكن إجماع. ودعوى عدم التطابق ممنوعة. نعم لو علم من حال الموصي ارادته تمليك المجموع من حيث المجموع [٢] لم يصح التبعيض.

______________________________________________________

جواز التصرف في البعض الباقي ، بلا حاجة الى مراجعة البائع ، كل ذلك اكتفاء من العرف في صدق المعاملة بمجرد هذا القصد الضمني الذي لا إطلاق له يشمل حال الانفراد ، فهي أفراد ادعائية جرت عليها الأحكام العرفية وتبعثها الأحكام الشرعية ، كما أشرنا إلى ذلك في بعض مباحث الإجارة من هذا الشرح. فراجع.

ومن ذلك يظهر الحكم في الفرض الآتي. كما يظهر أيضاً أنه لا يصح الحكم بالصحة في المقام بناء على اعتبار القبول جزءاً وكأنه بناء على ذلك قوى بعض المحشين البطلان في الفرض الثاني ، وتوقف في الصحة في الفرض الأول ، لاحتمال عدم الارتباط بين الشيئين في الوصية ، بخلاف أجزاء الشي‌ء الواحد ، فان الارتباط فيها ظاهر ، فلا يصح القبول في بعضه دون بعض ، بخلاف الشيئين غير المرتبطين ، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث الفضولي من كتاب النكاح. فراجع.

[١] هذا ممنوع ، لأنه مع عدم التطابق بين الإيجاب والقبول لا يصدق العقد عرفاً ، ولا البيع ، ومنع عدم التطابق غير ظاهر ، لأنه مبني على تحليل الإيجاب إلى إيجابات ، وقد عرفت منعه.

[٢] المدار على الإنشاء لا على ما في نفس الموصي ، فإذا لم يشترط في الإنشاء شرط جاء فيه التبعض ، كما في بيع الصفقة بعينه. وبالجملة : الآثار التكليفية تتبع الترجحات النفسانية ، والآثار الوضعية تتبع الإنشاء ولا ترتبط بما في النفس من الترجيحات ، فاذا كانت الأغراض غير ارتباطية والإنشاء واحد جاء خيار تبعض الصفقة لتخلف المقصود ، وإذا كان الإنشاء متعدداً لم يكن خيار تبعض الصفقة وان كانت الأغراض ارتباطية.


( مسألة ٦ ) : لا يجوز للورثة التصرف في العين الموصى بها قبل أن يختار الموصى له أحد الأمرين من القبول أو الرد [١]

______________________________________________________

[١] الظاهر أنه لا ريب ولا خلاف يعتد به في عدم اعتبار اتصال قبول الوصية بالوفاة ، ويقتضيه إطلاق الأدلة الشامل لذلك قطعاً ، لندرة اتفاق حصول ذلك ، بل تعذره فيما لو كان الموصى له غائبا ، كما ذكر. ذلك في الجواهر. وعليه فمقتضى أصالة عدم القبول جواز تصرف الوارث ظاهرا حتى يثبت العلم بالقبول ، بل بناء على كون القبول ناقلا يجوز للوارث التصرف واقعاً ، لعدم حصول الوصية حال الموت المقتضي لانتقال الموصى به إلى الورثة كغيره من أموال التركة. وبالجملة بناء على اعتبار القبول في الوصية يكون الكلام في هذه المسألة نظير الكلام في مبحث الفضولي في جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه قبل حصول الإجازة ، وفي جواز تصرف الناذر في المنذور قبل حصول المعلق عليه النذر ، فان الجميع من باب واحد.

نعم بناء على كون الرد مبطلا لها تكون الوصية تمام السبب الناقل فيملك الموصى له بالموت ، فلا يجوز للوارث التصرف فيه لكونه تصرفا في ملك الموصى له. وحينئذ لا فرق في حرمة التصرف بين ما يوجب إتلاف العين وغيره ، حتى مثل ركوب الفرس ، لعدم الفرق في حرمة التصرف في مال الغير بين القسمين. لكن الذي يظهر من عبارة المتن أن مبنى كلامه ما هو المشهور من اعتبار القبول. وحينئذ لا يظهر وجه المنع.

اللهم إلا أن يفهم من الوصية المنع من التصرف المنافي وبقاء العين بحالها إلى أن تكون لزيد ، كما قد يقال بذلك في النذر المعلق ، فاذا نذر أن يعطي فرسه لزيد إذا رزق ولداً فكأنه نذر أن تبقى الفرس إلى أن تعطى لزيد ، فلا يجوز التصرف المنافي للبقاء ، وكذلك نقول في المقام.


وليس لهم إجباره على اختيار أحدهما معجلا [١] ، إلا إذا كان تأخيره موجباً للضرر عليهم ، فيجبره الحاكم حينئذ على اختيار أحدهما [٢].

( مسألة ٧ ) : إذا مات الموصى له قبل القبول أو الرد فالمشهور قيام وارثه مقامه في ذلك [٣] ، فله القبول إذا لم يرجع الموصي عن وصيته ، من غير فرق بين كون موته في حياة الموصي أو بعد موته ، وبين علم الموصى بموته وعدمه. وقيل بالبطلان بموته قبل القبول [٤]. وقيل بالتفصيل بين ما إذا علم أن غرض الموصي خصوص الموصى له فتبطل ، وبين غيره‌

______________________________________________________

لكن على هذا يختص المنع بما ينافي البقاء ، ويجوز ما لا ينافي ذلك. وهذا غير بعيد عن المتفاهم العرفي. وإن كان التحقيق ما عرفت من كون الوصية إيقاعاً ويترتب عليه المنع من جميع التصرفات ، حتى غير المنافية.

[١] كما في الجواهر ، لعدم الدليل عليه.

[٢] كما قواه في الجواهر. لا لقاعدة نفي الضرر ، لأنها نافية ، فلا تصلح للإثبات. بل لعموم حرمة الإضرار بالغير ، بل في الجواهر لو تعذر إجبار الحاكم تولاه الحاكم بنفسه. لكنه تأمل فيه. وكأنه ليس من الحقوق التي ينوب فيها الحاكم عن الممتنع ، بل من الاحكام ، وعموم حرمة الإضرار لا يصلح لتشريع مثل هذه النيابة.

[٣] وفي رسالة شيخنا الأعظم : أنه المشهور بين القدماء والمتأخرين. انتهى. وعن كشف الرموز : أنه انعقد عليه العمل.

[٤] في الحدائق : أنه نقل عن جماعة من الأصحاب ، منهم ابن الجنيد والعلامة في المختلف.


فلورثته [١]. والقول الأول وان كان على خلاف القاعدة مطلقاً ـ بناء على اعتبار القبول في صحتها ـ لأن المفروض أن الإيجاب مختص بالموصى له [٢]. وكون قبول الوارث بمنزلة قبوله ممنوع [٣]. كما أن دعوى انتقال حق القبول الى الوارث ايضاً محل منع [٤] صغرى وكبرى ، لمنع كونه حقاً [٥] ،

______________________________________________________

[١] حكاه في الجواهر ، ثمَّ قال : « بل ربما ظهر من بعضهم خروج القسم الأول من الخلاف » ، وفي الدروس : أن التفصيل المذكور حق ، وبه يجمع بين النصوص. وقيل بالتفصيل بين موته في حياة الموصي فتبطل ، وموته بعد حياته فتصح. حكاه في المسالك عن بعض الأصحاب وفي الدروس عن المحقق.

[٢] يعني : مضمون الإيجاب تمليك الموصى له لا تمليك وارثه ، فالقبول يجب أن يكون من الموصى له ، لأنه الذي يتعلق به الإيجاب.

[٣] لأنه ليس ولياً عليه ، ولا وكيلا عنه ، فقيامه مقامه في القبول خلاف القاعدة. وهذا هو العمدة في إشكال القول بالصحة بالنظر إلى القواعد. وأما إشكاله بملاحظة عدم مطابقة القبول للإيجاب ، باعتبار أن الإيجاب يتضمن تمليك الموصى له ، والقبول يتضمن تمليك الوارث. ففيه : أنه مبني على كون الوارث يتلقى الملك من الموصي أما إذا كان يتلقى الملك من الموصى له فقبول الوارث أيضاً يتضمن تمليك الموصى له ، فهو قبول لنفس ذلك الإيجاب. وكان الأولى للمصنف أن يقول : وقبول الوارث إن كان لنفسه فهو مخالف للإيجاب ، وإن كان للموصى له فهو لا وكيل عنه ولا ولي عليه.

[٤] هذا أحد الأدلة التي استدل بها على القول المشهور ، ذكره جماعة.

[٥] الفرق بين الحق والحكم مفهوماً واضح ، فان الحق نوع من الملك‌


______________________________________________________

يختص بهذا الاسم بحسب الاصطلاح ، والحكم لا يكون ملكاً. وكذلك الفرق بينهما أثراً ، فان الحق يسقط بالإسقاط ، للقاعدة المقررة بين العقلاء من أن لكل ذي حق إسقاط حقه ـ كما ادعاها شيخنا الأعظم في مبحث خيار المجلس من مكاسبه ـ والحكم ليس كذلك ، فإنه تابع لرأي الحاكم ، فان شاء أبقاه ، وإن شاء أسقطه وألغاه ، وليس أمره راجعاً إلى المحكوم له ضرورة.

والفرق بينهما في مقام الإثبات هو أنك تقول : زيد له أكل لحم الضأن وليس له أكل لحم الميتة ، وتقول : المغبون له الخيار في الفسخ ، وليس للغابن الخيار في الفسخ ، فاللام في الأول لام الصلة والتعدية ، متعلقة بمحذوف ، يعني : زيد يجوز له أكل لحم الضأن فالظرف لغو بحسب اصطلاحهم ، واللام في الثاني لام الملك ، يعني المغبون يملك الخيار فهي متعلقة بمحذوف عام ، فالظرف مستقر ، يعني المغبون كائن له الخيار كما تقول لزيد مال. هذا هو وجه الفرق بين الحق والحكم.

وأما الفرق بين الحق والملك فهو أن الحق نوع من الملك يختص باصطلاح العرف بالعين القائمة بغيره ، أو بالمعنى القائم بغيره ، على نحو لا يصح اعتباره إلا في ظرف إضافته إلى المالك ، بحيث لو لا إضافته إلى المالك لم يصح اعتباره. ويختص الملك عرفاً بما عداه. وتوضيح ذلك : أن ما يكون مضافاً إلى المالك إما أن يكون عينا أو معنى ، والعين إما أن تكون في الخارج ـ كالفرس الخارجي ـ أو في الذمة ـ كالمبيع في السلف كما إذا باعه تمراً أو حنطة إلى أجل ، فإن المبيع عين ذمية لا خارجية ـ أو لا يكون في الخارج ولا في الذمة ، لكنه قائم في عين أخرى ـ كحق الجناية القائم في عين الجاني ، وكحق الزكاة القائم بالعين الزكوية على‌


______________________________________________________

بعض الأقوال ، فإن الشاة الزكاة قائمة في الأربعين شاة ، وليست جزءاً منها لتكون خارجية ، ولا في ذمة المالك إجماعاً منا لتكون ذمية ، بل هي قائمة في الأربعين شاة ـ أو قائم في معنى مثله ، كما إذا كان المدين يملك منافع أعيان فاشترط عليه الدائن في عقد بينهما أن ينتقل دينه إلى المنافع المملوكة. فإن الدائن يكون له حق استيفاء الدين من المنافع وهو قائم بها. هذه أقسام العين التي تكون ظرفاً لإضافة الملكية ، وهي أربعة.

ومثلها أقسام المعنى الذي يكون طرفاً لإضافة الملكية ، فإنها أيضاً أربعة ( الأول ) : المعنى القائم بالعين الخارجية مع كون اعتباره من لوازم وجود العين مثل منافع المملوكات الخارجية ، مثل الدار والفرس ( والثاني ) المعنى القائم بالذمة ، مثل ما لو استأجره على خياطة ثوب ، فإن الخياطة معنى مملوك للمستأجر ، وهو في ذمة الأجير ( والثالث ) : المعنى القائم بالعين الخارجية ولا يكون اعتباره من لوازم وجودها مثل استيفاء الدين من العين المرهونة ـ المعبر عنه بحق الرهانة ـ ومنافع الأجير الخاص الحر ، فإنها متعلقة بعينه لا بذمته ( والرابع ) : المعنى القائم بالمعنى ، مثل استيفاء الدين من منافع المديون إذا شرط الدائن على المديون ذلك في عقد ، فإن الدائن يملك الدين في الذمة ويملك استيفاءه من المنافع.

فهذه أنواع المملوكات من العين والمعنى تختلف في كونها حقاً أو ملكاً باختلاف الموارد ، فالقسمان الأولان من أقسام العين من الاملاك ، وليسا من الحقوق ، والقسمان الآخران من الحقوق ، وكذلك القسمان الأولان من المعنى أيضاً من الاملاك ولبسا من الحقوق ، والقسمان الآخران من الحقوق.

كل ذلك بحسب اصطلاح الفقهاء. لا لاختلاف مراتب الملكية ، بأن تكون الحقوق مرتبة من الملكية ضعيفة ، والملك مرتبة من الملكية قوية ـ كما ادعاه بعض الأعاظم ـ فإنه غير ظاهر ، كيف والملك في الجميع‌


______________________________________________________

على نحو واحد. ولا للاختلاف في السقوط بالإسقاط وعدمه. فيكون الحق ما يسقط بالإسقاط ، والملك ما لا يكون كذلك ـ كما قد يتوهم ـ فان المملوكات في الذمم كلها تسقط بالإسقاط ، سواء كانت أعياناً ـ كالديون المعينة ـ أم معاني ـ كعمل الأجير ـ مع أنها أملاك قطعاً. بل الفرق ما عرفت من الاختلاف في الموارد لمجرد الاصطلاح.

فاذاً يصح تعريف الحق بأنه عين أو معنى قائم في غيره من عين أو معنى ، على نحو لا يصح اعتباره إلا في ظرف إضافته إلى مالك. والوجه في اعتبار القيد الأول إخراج الأعيان الخارجية والذميات ، أعياناً كانت أو معاني ، لأنها جميعا ليست قائمة في غيرها. والوجه في اعتبار القيد الثاني إخراج منافع الأعيان الخارجية ، فإن اعتبارها تابع لقابلية العين لها فالدار تعتبر منافعها وإن لم تكن مملوكة لمالك ، ولأجل ذلك لا تكون من الحقوق ولذا لا تسقط بالإسقاط ، فلو قال المستأجر : أسقطت حقي ، لم تخرج المنافع عن ملكه. والسر في ذلك أن السقوط بالإسقاط من لوازم كون الشي‌ء لا يصح اعتباره إلا بإضافته إلى المالك ، ومنافع الأعيان لا يكون المصحح لاعتبارها إضافتها إلى المالك ، بل المصحح لاعتبارها قابلية العين للانتفاع بها. كما عرفت.

والمتحصل من جميع ما ذكرنا أمور ( الأول ) : أن الاختلاف بين الملك والحق ليس لاختلافها في مراتب الملكية ، ولا لاختلافها في السقوط بالإسقاط وعدمه ، بل للاختلاف في المورد لمجرد الاصطلاح ( الثاني ) : أن الحق قد يكون عيناً ، مثل حق الجناية الخطائية المتعلق بالعبد ، وحق الزكاة المتعلق بالنصاب على بعض الأقوال ، وقد يكون معنى ، وهو الأكثر كحق الخيار ، وحق الأخذ بالشفعة ، وحق القصاص ، وحق القسم للزوجة وحق الرهانة ، وحق الحضانة ، وحق الرضاعة .. إلى غير ذلك.


ومنع كون كل حق منتقلا الى الوارث حتى مثل ما نحن فيه من الحق الخاص به ، الذي لا يصدق كونه من تركته [١]. وعلى ما قوينا من عدم اعتبار القبول فيها بل كون الرد مانعاً ايضاً يكون الحكم على خلاف القاعدة في خصوص صورة موته‌

______________________________________________________

( الثالث ) : أن الحق لا يكون قائماً بنفسه ، بل قائماً بغيره من عين أو معنى. ( الرابع ) : أن الحق لا يصح اعتباره إلا في حال إضافته إلى المالك ، وكذلك الملك في الذمة من أعيان ومعان ، فإنها لا يصح اعتبارها إلا في حال إضافتها إلى المالك. ( الخامس ) : أن الولاية ليست من الحقوق لأنها لا تسقط بالإسقاط ، فتكون من الاحكام. ( السادس ) : أن حق القسم للزوجة وحق الإنفاق عليها ليسا من الحقوق ، بل من الأملاك ، لأنها في الذمة ، وجميع المملوكات في الذمة أملاك لا حقوق.

( السابع ) : أن السقوط بالإسقاط من أحكام المملوكات التي لا يصح اعتبارها إلا في حال إضافتها إلى المالك ، ومنها الذميات من أعيان ومعان ومنافع الحر إذا كان أجيراً خاصاً ، فإنها لا تعتبر إلا في حال الإجارة ، ومع عدمها لا تعتبر ولا تكون مملوكة لمالك. ومن ذلك تعرف الفرق بين منافع العبد إذا كان أجيراً خاصاً وبين منافع الحر إذا كان كذلك ، فان منافع الأول تسقط بإسقاط المستأجر ، ومنافع الثاني لا تسقط ، وكذلك منافع الدار المستأجرة. فتأمل.

ومما ذكرنا تعرف الوجه في منع كون القبول حقاً للموصى له ، فإنه لا يقبل الاسقاط ، فيمتنع أن يكون من الحقوق ، ويتعين أن يكون من الاحكام.

[١] تبع في هذا ما في المسالك قال (ره) فيها : « مع أنا نمنع من كون القبول حقاً للوارث مطلقاً ، وإنما كان حقاً للمورث على تقدير مباشرته. ويرشد اليه أن الأغراض في الوصية تختلف باختلاف الأشخاص ،


قبل موت الموصى له ، لعدم ملكيته في حياة الموصي [١]. لكن الأقوى مع ذلك هو إطلاق الصحة ، كما هو المشهور. وذلك لصحيحة محمد بن قيس [٢] الصريحة في ذلك ، حتى في‌

______________________________________________________

فقد يكون للموصي غرض في تخصيص الميت دون وارثه. وهذا بخلاف حق الخيار والشفعة ونحوهما ، فان ذلك من الحقوق الثابتة المستقرة للمورث شرعاً ، بحيث لا قدرة لمن عليه الحق على إسقاطه بنفسه .. ». أقول : قد عرفت أن قبول الوارث إذا كان للمورث فكونه من الحقوق غير القابلة للانتقال غير ظاهر ، إذ لا تخلف لغرض الموصي بوجه.

[١] يعني : فلا وجه لانتقال الموصى به إلى ورثته. وانتقال الموصى به إلى الموصى له بعد وفاة الموصي وإن كان ممكناً كانتقال الدية ، إلا أن الأدلة العامة لا تفي بذلك ، وتقصر عن إثباته.

[٢] رواها في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) : « قال : قضى أمير المؤمنين (ع) في رجل أوصى لآخر والموصى له غائب ، فتوفي الموصى له الذي أوصي له قبل الموصي. قال (ع) : الوصية لوارث الذي أوصي له. قال : ومن أوصى لأحد شاهداً كان أو غائباً فتوفي الموصى له قبل الموصي فالوصية لوارث الذي أوصي له ، إلا أن يرجع في وصيته قبل موته » (١). ورواه الصدوق بإسناده عن عاصم بن حميد ، وفي طريقه إبراهيم بن هاشم. ورواه الشيخ بإسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه كما في سند الكافي ، فيكون علي بن إبراهيم واقعاً في جميع الأسانيد وحينئذ فتصحيح الحديث مبني على حجية حديث إبراهيم بن هاشم ، كما هو الظاهر ، لأنه من الحسن ، كما هو ظاهر المشهور.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.


صورة موته في حياة الموصي ، المؤيدة بخبر الساباطي [١]

______________________________________________________

ثمَّ إنه في المسالك أشكل على الاستدلال بالصحيحة المذكورة : بأن محمد بن قيس الذي يروي عن الباقر (ع) مشترك بين الثقة والضعيف وغيرهما فكيف تجعل روايته مستند الحكم؟ إلا أن يدعوا جبرها بالشهرة ، على ما هو المشهور بينهم في ذلك ، وفيه ما فيه. انتهى. وسبقه إلى ذلك في المختلف ، قال فيه : « فان محمد بن قيس مقول على جماعة أحدهم ضعيف ولعله الراوي ». لكن الذي حققه جماعة ممن تأخر أن محمد بن قيس الذي يروي عنه عاصم بن حميد هو البجلي الثقة ، كما عن الشيخ في الفهرست وهو الذي يروي كتاب قضايا أمير المؤمنين (ع) كما عن النجاشي ، فالرواية صحيحة كما في المتن. كما أنها صريحة في الموت في حياة الموصي ، وبقرينة ذكر الغيبة تكون كالصريحة في كون الموت قبل القبول.

[١] رواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن عمران بن موسى عن موسى ابن جعفر عن عمر بن سعيد المدائني عن محمد بن عمر الساباطي ـ كما في بعض نسخ الوسائل المذكورة في الهامش ، وفي المتن : « الباهلي » وكذا نسخة الكافي التي تحضرني ـ

قال : « سألت أبا جعفر (ع) عن رجل أوصى إلي وأمرني أن أعطي عماً له في كل سنة شيئاً فمات العم. فكتب : أعط ورثته » (١) ‌ورواه في الفقيه بإسناده عن عمر بن سعيد عن محمد بن عمر الساباطي ، كما في نسخة الفقيه التي تحضرني. لكن الخبر غير ظاهر في الوصية التمليكية ، بل ظاهر في الوصية بالتمليك في كل سنة وهو غير ما نحن فيه ، لأن إيجاب التمليك يكون من الوصي ، لا من الموصى ، ومقتضى القاعدة البطلان بالموت ، لانتفاء الموضوع ، وعموم كلامهم للمقام غير ظاهر. ولأجل ذلك يشكل العمل بالخبر في مورده ، لضعفه بمحمد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٣.


وصحيح المثنى [١]. ولا يعارضها صحيحتا محمد بن مسلم ومنصور بن حازم [٢] ،

______________________________________________________

ابن عمر المجهول ، وعدم الجابر.

[١] رواه العياشي في تفسيره عن المثنى بن عبد السلام عن أبي عبد الله 7 قال : « سألته عن رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقباً. قال (ع) : أطلب له وارثاً أو مولى فادفعها إليه. قلت : فان لم أعلم له ولياً قال (ع) : اجهد أن تقدر له على ولي فان لم تجد وعلم الله تعالى منك الجد فتصدق بها » (١) ‌ورواه في الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أيوب بن نوح عن العباس بن عامر‌ « قال : سألته .. » ‌ورواه الصدوق بإسناده عن العباس بن عامر عن المثنى مثله والمثنى غير صحيح حتى لو كان ابن عبد السلام ، كما هو الظاهر بقرينة رواية العباس بن عامر عنه. وعلى هذا فاللازم على المصنف أن يقول : والصحيح عن المثنى ، كما عبر في الجواهر اعتماداً على رواية الصدوق أو صحيح العباس بن عامر اعتماداً على رواية الكافي. وكيف كان فالاقتصار في الخبر على ذكر عدم القبض يدل على وقوع القبول ، فلا يكون مما نحن فيه. لا أقل من عدم ظهوره في عدم القبول.

[٢] أما الأولى‌ فرواها الشيخ ( قده ) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن شعيب عن أبي بصير ، وعن فضالة عن العلاء عن محمد بن مسلم جميعاً عن أبي عبد الله (ع) قال : « سئل عن رجل أوصى لرجل فمات الموصى له قبل الموصي. قال : ليس بشي‌ء » (٢). ومقتضى ذلك أن تكون الرواية المذكورة قد رواها أبو بصير ومحمد بن مسلم ،

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٤.


بعد اعراض المشهور عنهما [١] وإمكان حملهما على محامل ، منها التقية ، لأن المعروف بينهم عدم الصحة. نعم يمكن دعوى انصراف الصحيحة عما إذا علم كون غرض الموصي خصوص شخص الموصى له على وجه التقييد [٢]

______________________________________________________

واللازم عدهما صحيحتين لأبي بصير ومحمد بن مسلم ، لا صحيحة واحدة.

وأما الثانية‌ فرواها أيضاً الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال عن العباس بن عامر عن أبان بن عثمان عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن رجل أوصى لرجل بوصيته إن حدث به حدثاً ، فمات الموصى له قبل الموصي. قال : ليس بشي‌ء » (١). ولا يخفى أن اللازم عدا الرواية الثانية من الموثق ، لوجود علي بن فضال في سندها.

[١] قد سبق أن الشهرة العظيمة على خلافهما. نعم يحتمل أن يكون الوجه في تقديم صحيحة محمد بن قيس كونها أوضح دلالة عندهم ، فلا يكون الاعراض عن غيرها قدحاً منهم فيه. وهذا هو الأظهر ، فإن قوله (ع) : « ليس بشي‌ء » ‌ممكن حمله جمعاً على أن الموت ليس بشي‌ء قادح في الوصية ، لا أن الإيصاء ليس بشي‌ء. وبالجملة : التعارض في المقام من قبيل التعارض بين الظاهر والأظهر ، أو بين النص والظاهر ، فيتعين التصرف في الظاهر ، لا رفع اليد عن الأظهر. نعم لو فرض تساوي الدلالة فالترجيح مع الأخيرة ، لأنها أصح سنداً وأكثر عدداً ، والترجيح بذلك مقدم على الترجيح بمخالفة العامة.

[٢] في الرياض ادعى أن القدر المتيقن من النصوص غير هذه الصورة ، فيرجع فيها إلى القواعد المقتضية للبطلان. وقد تقدم عن الدروس أن الحق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٥.


بل ربما يقال : إن محل الخلاف غير هذه الصورة [١]. لكن الانصراف ممنوع [٢]. وعلى فرضه يختص الاشكال بما إذا كان موته قبل موت الموصي ، والا فبناء [٣] على عدم اعتبار القبول بموت الموصي صار مالكاً [٤] ، بعد فرض عدم رده فينتقل الى ورثته‌ بقي هنا أمور :

أحدها : هل الحكم يشمل ورثة الوارث؟ كما إذا مات الموصى له قبل القبول ومات وارثه أيضاً قبل القبول ، فهل‌

______________________________________________________

التفصيل بين ما إذا علم تعلق غرضه بالمورث لا غير فالبطلان ، وغيره فالصحة ، وأنه به يجمع بين النصوص. أقول : لا ريب في أن محل الكلام صورة ما إذا أوصى إلى شخص بعينه فمات ، فالشخص الخاص لا يقبل الإطلاق والتقييد ، لتباين الأشخاص. نعم يقبل التحليل الارتباطي واللاارتباطي فان الشخص الموصى له شخص وخصوصية ، فقد يكون غرض الموصي الشخص والخصوصية على نحو التقييد والارتباط ، وربما لا يكون كذلك. لكن إخراج الصورة الأولى عن نصوص المشهور وتخصيصها بالصورة الثانية بعيد بل متعذر لندرة ذلك جداً.

هذا إذا كان قبول الوارث لنفسه ، أما إذا كان للميت فيمكن فرض الإطلاق والتقييد ، بأن يكون غرض الموصي تمليك الشخص المذكور لا بشرط الحياة تارة ، وبشرط الحياة أخرى ، وحينئذ يمكن الجمع بين النصوص بحمل النصوص الأولى على الأول » والثانية على الثاني. لكنه جمع بلا شاهد.

[١] تقدم مثل ذلك في كلام الجواهر.

[٢] قد عرفت أن الأخذ به لو فرض متعذر.

[٣] يعني : إذا كان موته بعد موت الموصي.

[٤] وحينئذ يحصل غرض الموصي.


الوصية لوارث الوارث أو لا؟ وجوه : الشمول [١] ، وعدمه ـ لكون الحكم على خلاف القاعدة ـ والابتناء على كون مدرك الحكم انتقال حق القبول فتشمل. وكونه الأخبار فلا.

الثاني : إذا قبل بعض الورثة ورد بعضهم فهل تبطل [٢] أو تصح ويرث الراد أيضاً مقدار حصته [٣] أو تصح بمقدار حصة القابل فقط [٤] ، أو تصح وتمامه للقابل [٥] أو للتفصيل [٦] بين كون موته قبل موت الموصي فتبطل [٧] أو بعده فتصح بالنسبة إلى مقدار حصة القابل [٨]؟ وجوه [٩].

______________________________________________________

[١] هو الذي يقتضيه ظاهر النصوص ، بناء على أنها دالة على أنها موروثة للوارث ، لأن التفكيك بين إرث وارث الموصى له وإرث وارثه بعيد عن فهم العرف. نعم لو كان مفاد النصوص لزوم الإعطاء للوارث تعبداً ، لا من باب الإرث ، فالتعدي إلى وارث الوارث لا قرينة عليه. وعلى هذا فهذه الوجوه مبنية على الوجهين الآتيين في الأمر الثالث.

[٢] لعدم حصول القبول المطابق للإيجاب.

[٣] للاجتزاء في الصحة بمجرد القبول في الجملة.

[٤] أخذا بمقتضى كل من القبول والرد.

[٥] للاجتزاء بالصحة بمجرد القبول وكون الإرث تابعا له ، فلا يرث إلا القابل.

[٦] عملا بالقواعد.

[٧] لأن الموت مانع من ملكيته بعد وفاة الموصي.

[٨] وتبطل بالنسبة إلى غير القابل ، لعدم القبول.

[٩] أقربها البطلان ، بناء على اعتبار القبول جزءاً ، لعدم حصول‌


الثالث : هل ينتقل الموصى به بقبول الوارث إلى الميت ثمَّ إليه ، أو إليه ابتداء من الموصي؟ وجهان ، أوجههما الثاني [١]

______________________________________________________

القبول المطابق للإيجاب. أما بناء على كونه شرطا فالأقرب الصحة على النحو الثاني من وجوهها. لا الأول منها ، لظهور كون الرد مانعاً من إرث الموصى به. ولا الثالث ، لعدم استحقاق القابل أكثر من حصته.

وأما التفصيل فقد عرفت أنه مبني على إهمال النصوص في المقام ، لعدم شمولها له والرجوع إلى القواعد المقتضية للبطلان في صورة موت الموصى له قبل الموصي ـ كما عرفت ـ وللصحة إذا مات بعد موت الموصي لانتقال المال إلى الورثة بلا حاجة إلى القبول. نعم الرد مانع عن إرث الراد إجماعا ظاهراً. لكن إهمال النصوص بدعوى عدم شمولها للمقام غير ظاهر. فالأقوى إذاً هو الصحة على الوجه الثاني من وجوهها ، لما عرفت من عدم الدليل على اعتبار القبول ، والرد وإن كان مانعاً إجماعاً ، لكنه يختص بحصة الراد فقط. ويظهر من القواعد وجامع المقاصد : المفروغية عن الصحة على النحو المذكور.

[١] على ما جزم في الشرائع وغيرها ، ويظهر من العلامة في صدر كلامه ، قال : « ولو مات قبل القبول قام وارثه مقامه في قبول الوصية ، ولا يدخل في ملك الميت ».

لعدم قبول الميت للملك ، لأنه بمنزلة المعدوم ، والملكية تستدعي نحوا خاصاً من التابعية والمتبوعية ، والمعدوم لا يقبل المتبوعية الخاصة ، بل هو أولى من الجماد والحيوان في عدم قبول المالكية والمتبوعية ، فاذا قلنا : بأن ملك الجهات ليس على الحقيقة ، فالوقف على المساجد أو الثغور أو المصالح الأخرى لا يستدعي ملك النماء للمسجد أو الثغر أو نحوهما من المصالح ، وإنما يقتضي اختصاص النماء بها ، لان المتبوعية الناشئة عن نحو من الاستيلاء‌


______________________________________________________

والجدة التي تصحح اعتبار المالكية لا تكون للمساجد ولا للثغور ، وكذلك الحيوان لا يقبل مثل هذه المتبوعية ، فاللام في قولنا : السرج للدابة ليست للملك مهما أراد مالكهما ذلك ، لعدم أهلية الدابة لذلك ، فالميت أولى من الحيوان والجماد في ذلك ، لأنه معدم لا يقوى على هذه المالكية ، بل هو بعيد عنها جداً.

ولا بد حينئذ من البناء في المقام على انتقال المال من الموصي إلى ورثة الموصي له. ومجرد كون الميت ينتفع بالمال ـ كما ثبت ذلك في الشرع المقدس ـ لا يقتضي أنه له قابلية المالكية لأنه أعم ، فإن الحيوان ينتفع بالعلف ولا يقوى على المالكية. وبالجملة : المالكية إضافة خاصة لا تقوم إلا بحياة خاصة ، فالميت مهما كان له من أهلية التنعم والانتفاع وخلافهما لا يقوى على المالكية. ولعل النفوس المجردة ـ مثل الجن والملك ـ كذلك مهما كان لها من أعمال جبارة عن شعور خاص ، فان العرف لا يستطيع الحكم عليها بالمالكية.

فان قلت : إذا لم تدخل الوصية في ملك الموصى له ، وكان الانتقال من الموصى إلى الورثة بلا واسطة الموصى له تعين أن تكون القسمة بين الورثة بالسوية لا قسمة الميراث ، وهو خلاف ظاهر النص والفتوى. قلت : إن تمَّ ما ذكره المشهور من انتقال حق القبول إلى الورثة في المقام كان انقسام الحق انقسام الميراث ، ويكون بتبع موضوع الحق ، لأن الحق لا يقبل الانقسام إلا بلحاظ موضوعه ، كما في سائر موارد إرث الحق ، مثل حق الشفعة ، وحق الخيار ، وحق الرهانة ، وغيرها ، فان انقسام الحق فيها إنما يكون بلحاظ انقسام موضوعه. وان لم يتم ما ذكر المشهور تعين أن يكون ملك الورثة في المقام بحكم الميراث من هذه الجهة ، لا أنه ميراث حقيقي. وكذلك الحكم في دية المقتول ، فإنها بحكم الملك للميت توفى منها ديونه وتخرج منها وصاياه ، كما في النص ، لا أنها ملك له حقيقة ، كيف والدية عوض الحياة ،


وربما يبنى على كون القبول كاشفاً أو ناقلا [١] فعلى الثاني : الثاني ، وعلى الأول : الأول. وفيه : أنه على الثاني أيضاً يمكن أن يقال بانتقاله إلى الميت آناً ما [٢] ثمَّ إلى وارثه. بل على الأول‌

______________________________________________________

والحياة ليست مملوكة للحي ، فكيف يملك عوضها؟ وكذلك ثلث الميت إذا كان قد أوصى بصرفه على جهات مخصوصة ، فإنه باق على حكم ماله ، لا أنه ماله بعد وفاته.

نعم يبقى الاشكال فيما لو رمى صيداً فمات قبل الإصابة ، فإن الصيد إذا لم يملكه الميت لم ينتقل إلى ورثته ، وحينئذ يبقى على إباحته الأصلية. وفيه : أنه يملكه الوارث لا الميت ، لان الصيد من آثار الرمي ، والرمي كان للميت ، فيرثه وارثه ، فالارث يكون للسبب ، لا للمسبب. وكذا الحكم إذا نصب شبكة فمات ، فدخل فيها الصيد ، فان النصب موروث للوارث فيملك ما هو من آثاره ، وهو الصيد.

والمتحصل مما ذكرنا : أن الميت لما امتنع أن يكون مالكاً على الحقيقة تعين أن يكون المراد من النص في المقام المتضمن لزوم الإعطاء إلى الورثة الظاهر في كونه على نحو الميراث أنه على نحو الميراث الحكمي من حيث القسمة ، لا الميراث الحقيقي.

[١] يظهر ذلك البناء من جامع المقاصد ، فإنه ذكر أن إطلاق مصنفه عدم دخولها في ملك الميت ( يعني : في عبارته السابقة ) لو قبل الوارث لا يستقيم ، لأنه إن قبل بعد الموت وقلنا ان القبول كاشف ـ كما سيأتي اختياره في كلام المصنف ـ دخلت في ملك الميت ، وما ذكره منسوب إلى الشيخ والعلامة والشهيدين ، ونسب أيضاً إلى الأكثر.

[٢] قد عرفت أن بناء الجماعة على عدم قابلية الميت للمالكية ، فكيف ينتقل إليه الملك آنا ما ، فان الآن الواحد كالآنات المتعددة.


يمكن أن يقال بكشف قبوله عن الانتقال اليه من حين موت الموصي ، لأنه كأنه هو القابل [١] ، فيكون منتقلا إليه من الأول.

الرابع : هل المدار على الوارث حين موت الموصى له إذا كان قبل موت الموصي ، أو البناء على كون القبول من الوارث موجباً للانتقال إلى الميت ثمَّ إليه ، أو كونه موجباً للانتقال إليه أولاً من الموصي ،

______________________________________________________

[١] المناسب أن يقول : لأنه هو القابل ، إذ المفروض أن القبول صدر من الوارث ، فهو قابل حقيقة ، لا أنه مثل القابل. وهذا الاحتمال حكي عن السيد في المناهل : الجزم به. لكن استشكل فيه في الجواهر : بأنه كيف يكون قبول الوارث كاشفاً عن ملكه للمال حين موت الموصي والموصى له موجود؟! فلا بد من البناء على النقل. ويندفع : بأنه لا مانع من انتقال الموصى به إلى وارثه وهو موجود ، لعدم الأثر لمثل هذا الوجود بعد أن لم يكن منه قبول.

اللهم إلا أن يقال : الوارث وإن كان هو القابل لكن قبوله بعد أن كان مطابقاً لإيجاب الموصي تعين أن يكون أثره ملك الموصى له ، لا ملك وارثه فإذا بني على تمامية دليل الكشف ، تعين أن يكون المنكشف ملك المورث ، لأنه مفاد إيجاب الوصية ، لا ملك الوارث. وبالجملة : إذا دل الدليل على اعتبار القبول من الوارث ، فالمراد من القبول إذا كان قبول الإيجاب تعين البناء على ملك المورث ، لأنه مفاد الإيجاب لا ملك الوارث ، وإذا كان قبول الملك لنفسه وإن كان مخالفاً للإيجاب تعين البناء على ملك الوارث. لكن التحقيق بناء على اعتبار القبول هو الأول.

ثمَّ إن هذا الكلام مبني على اعتبار القبول من الوارث ، أما إذا كان المعتبر عدم الرد تعين التفصيل بين موت الموصى له في حياة الموصي‌


فعل الأول : الأول ، وعلى الثاني : الثاني؟ وجوه [١].

الخامس : إذا أوصى له بأرض فمات قبل القبول فهل ترث زوجته منها أو لا؟ وجهان مبنيان على الوجهين في المسألة المتقدمة ، فعلى الانتقال إلى الميت ثمَّ إلى الوارث لا ترث وعلى الانتقال إليه أولا لا مانع من الانتقال إليها ، لأن المفروض أنها لم تنتقل إليه إرثا من الزوج بل وصية من الموصي [٢]. كما أنه يبنى على الوجهين إخراج الديون والوصايا من الموصى به بعد قبول الوارث وعدمه [٣]. أما إذا كانت بما يكون‌

______________________________________________________

وبين موته بعد وفاته ، فعلى الأول ينتقل المال إلى الوارث بلا واسطته بناء على ما عرفت من امتناع تملك الميت ، وعلى الثاني ينتقل المال إلى الموصى له ثمَّ إلى وارثه.

[١] أقربها الأول ، فإنه الظاهر من النصوص ، والحمل على الوارث حين موت الموصي تقييد يحتاج إلى قرينة ، حتى إن قلنا بأن المال ينتقل من الموصي إلى الوارث بلا واسطة المورث. وربما احتمل بعضهم ذلك بناء على صحة القبول منهم في حياة الموصي ، وإلا فالمراد الورثة حال موت الموصي ، لأن عدم صحة القبول تمنع من التأهل للقبول ، فلا يستحق. وفيه : أن الإطلاق مانع من الأخذ بالتعليل المذكور.

[٢] لكن الدليل دل على كونها على نحو الإرث ، ولذا يجب أن تقسم على نحو قسمة الميراث ، فاذا انحصر الوارث في زوجته وبنته كان للزوجة الثمن والباقي للبنت ، ولا يقسم بالسوية ، فتحرم الزوجة مما زاد على النصف ، كذلك تحرم من الأصل في الفرض.

[٣] ذكر ذلك في القواعد وغيرها. ويشكل أيضاً لما عرفت من أنه‌


من الحبوة ففي اختصاص الولد الأكبر به بناء على الانتقال الى الميت أولا فمشكل ، لانصراف الأدلة عن مثل هذا [١].

السادس : إذا كان الموصى به ممن ينعتق على الموصى له [٢] ، فان قلنا بالانتقال إليه أولاً بعد قبول الوارث ، فان‌

______________________________________________________

على الوجه الثاني يكون التملك على نحو التملك في الميراث ، فكما تقدم الديون والوصايا في الميراث تقدم في المقام أيضا. اللهم إلا أن يقال : إن ذلك خلاف صريح النص : إنها لورثة الموصى له. وبذلك يفترق المقام عما قبله ، بأن ما قبله من قبيل تقييد إطلاق النص بالانصراف ، وهنا من قبيل رفع اليد عن الظاهر ، لأنه قد يؤدي إلى حرمان جميع الورثة من ذلك فلا يجوز ارتكابه.

اللهم إلا أن يقال : إن الحرمان على تقديره يكون في بعض الفروض فلا يخرج عن كونه مخالفاً ، لإطلاق الدليل. ومن هنا يتعين عدم الفرق بين هذه المسألة وما سبق. فإذاً الأقوى أنه لا فرق بين الوجهين في لزوم البناء على التسهيم في الميراث ، وعلى حرمان الزوجة من الأرض ، وعلى تقديم الدين والوصية.

[١] لا يظهر الفرق بين المقام وما سبق ، وقد عرفت ما هو الأظهر : نعم يشكل الفرض نفسه باعتبار أن الوصية بما يكون من الحبوة لا توجب صدق الحبوة ، لاختصاصها بما يستعمله الميت على نحو الاعداد له ، فلا يشمل المملوك غير المعد للاستعمال ، فضلا عن غير المملوك.

[٢] قال في الشرائع : « فرع : لو أوصى بجارية وحملها أزوجها وهي حامل منه ، فمات قبل القبول. كان القبول للوارث ، فاذا قبل ملك الوارث الولد إن كان ممن يصح له تملكه. ولا ينعتق على الموصى له لأنه لا يملك بعد الوفاة. ولا يرث أباه ، لأنه رق. إلا أن يكون ممن ينعتق على الوارث ويكونوا جماعة ، فيشاركهم ، ويرث بعتقه قبل القسمة » ‌


قلنا به كشفا وكان موته بعد موت الموصي انعتق عليه [١] ، وشارك الوارث ممن في طبقته ، ويقدم عليهم مع تقدم طبقته فالوارث يقوم مقامه في القبول [٢] ، ثمَّ يسقط عن الوارثية ، لوجود من هو مقدم عليه. وإن كان موته قبل موت الموصي أو قلنا بالنقل وأنه حين قبول الوارث ينتقل إليه آنا ما ،

______________________________________________________

وفي القواعد : « ولو أوصى له بأبيه فمات فقبل ابنه فعلى الأول ( يعني القول بأن القبول كاشف ) تثبت حريته من حين الموت ، فيرث السدس ». والمصنف (ره) حرر المسألة بصورة عامة وهي الإيصاء بمن ينعتق على الموصى له فمات قبل القبول.

[١] لأنه لا يملكه في حياته ، فينعتق عليه ، فاذا مات مات عن وارث حر ـ أبا أو ولداً أو غيرهما ـ كما مات عن غيره من الورثة ، فإن كان في طبقتهم شاركهم ، وإن كان مقدما عليهم ـ كما إذا كان الموصى به أباً أو ولداً للموصى له وكان غيره أخاً له ـ اختص هو بالميراث دونهم.

[٢] لانحصار الوارث به قبل القبول ، كما أنه بعد القبول ينحصر الوارث بغيره ، لأنه مقدم عليه في الطبقة. لكن ذكر الشيخ في المبسوط : أنه ينعتق لكن لا يرث شيئاً من مال الموصى له ، لأن صحة الوصية تتوقف على قبول جميع الورثة ، إذ لو أراد بعض الورثة أن يقبل جميع ما أوصي به لمورثه لم يكن له ذلك ، فاذا جعلنا هذا الولد وارثا لم تصح الوصية إلا بقبوله ، والقبول منه لا يصح قبل حريته ، فكأن ذلك يؤدي إلى إبطال حريته وإبطال الوصية ، فابطلنا الإرث حتى تصح الحرية. انتهى.

وقد أشار العلامة في القواعد إلى الإشكال المذكور ، والجواب عنه بقوله : « ولا دور باعتبار أن توريته يمنع كون القابل وارثا ، فيبطل‌


______________________________________________________

قبوله ، فيؤدي توريثه إلى عدمه. لأنا نعتبر من هو وارث حال القبول لولاه ». وحاصله : أن المعتبر من القبول القبول الصادر ممن هو وارث لو لا القبول ، أما من هو وارث بالقبول فلا يعتبر قبوله ، إما لأن المستفاد من الأدلة اعتبار قبول من كان وارثاً حال القبول.

وفيه : أنه غير ظاهر ، فإنه لو فرض تجدد وجود وارث بعد القبول كان المعتبر قبوله كغيره. وإما لأنه لو اعتبر قبوله كان قبوله موجباً لبطلان قبول غيره ، وإذا بطل قبول غيره بطل إرثه ، وإذا بطل إرثه بطل قبوله.

لأن القبول إنما يصح من الوارث ، فلا بد أن يكون القابل وارثاً لو لا القبول ، ولا يجوز أن يكون وارثاً بالقبول. وكأن مرجع الجواب إلى المانع العقلي ، وهو أنه يلزم من صحة قبوله عدمه فيمتنع. ويمكن تقرير ذلك بالنسبة إلى قبول غيره من الورثة فإنه إذا صح منه القبول تحرر الموصى به ، وإذا تحرر كان وارثاً ، وإذا كان وارثاً كان مستحقاً للقبول ويبطل قبول غيره. ويمكن تقريره بالنسبة إلى الحرية أيضاً ، فإنه إذا صار حراً صار وارثاً ، وإذا صار وارثاً صار مستحقاً للقبول ، وإذا استحق القبول بطل قبول غيره ، وإذا بطل قبول غيره بطلت حريته.

وبالجملة : توجد سلسلة أمور مترتبة وهي : قبول الوارث ، وانتقال الموصى به إلى الموصى له ، وحرية الموصى به ، وإرثه ، واستحقاقه للقبول وكل واحد منهما يلزم من وجوده عدمه. فالشيخ (ره) قرره في الإرث وحكم بامتناعه ، والعلامة (ره) أجابه بتقريره في استحقاق الموصى به للقبول وحكم بامتناعه ، وقد ذكرنا أنه يمكن تقريره في صحة قبول الورثة وفي انتقال الموصى به ، وفي حرية الموصى به المترتبة عليه ، فيحكم بامتناع حريته ، وبامتناع انتقاله ، وبامتناع صحة قبول الورثة. وبالجملة إذا كان في سلسلة المترتبات ما يلزم من وجوده عدمه فقد لزم من كل منهما ذلك ،


فينعتق ، لكن لا يرث [١] إلا إذا كان انعتاقه قبل قسمة الورثة. وذلك لأنه ـ على هذا التقدير ـ انعتق بعد سبق سائر الورثة بالإرث [٢].

______________________________________________________

ولا يختص بواحد منها بعينه ، لأن استحالة المعلول تستدعي استحالة العلة وبالعكس ، كما أن استحالة الملازم تستدعي استحالة ملازمه ، وفي المقام إذا استحال واحد من السلسلة استحال الباقي ، للزوم الحاصل بينها.

نعم هذه اللزومات إذا كانت عقلية صح ما ذكرنا وبطل الجميع ، لعدم المرجح ، أما إذا كانت شرعية يبطل الأخير منها ويصح ما قبله ، فان الأخير معلوم البطلان ، إما من باب التخصيص أو من باب التخصص وغيره مشكوك البطلان يرجع فيه إلى عموم دليله من دون معارض. وحينئذ يتعين البناء على صحة قبول الورثة ، وصحة انتقال الموصى به ، وترتب حرمة الموصى به عليه وترتب وارثيته من الموصى له ، وأنه لا يصح منه قبول الوصية ، كما ذكر المشهور.

[١] لأن الإرث مشروط بالحرية حال حياة الموروث ، والمفروض أنه في حال حياة الموصي له لم يكن حراً ، أما في صورة موت الموصى له في حال حياة الموصي فلأنه في حال حياة الموصي له كان ملكاً للموصي لم ينتقل منه فلا حرية له ، وأما في صورة موته بعد وفاة الموصي له فلأنه بناء على النقل يكون الانتقال إلى الموصى له بعد وفاته حال القبول ، فتكون حريته حينئذ لا في حياة الموصي له ، فلا يكون وارثاً في الصورتين لانتفاء شرط الإرث.

[٢] لأن إرثهم مقارن لموت الموصى له ، وهو متقدم على حريته في الصورتين ، كما عرفت.


نعم لو انعتق قبل القسمة في صورة تعدد الورثة [١] شاركهم [٢] وإن قلنا بالانتقال إلى الوارث من الموصي لا من الموصى له [٣] فلا ينعتق عليه [٤] ، لعدم ملكه ، بل يكون للورثة ، إلا إذا كان ممن ينعتق عليهم أو على بعضهم [٥] فحينئذ ينعتق ، ولكن لا يرث إلا إذا كان ذلك مع تعدد الورثة وقبل قسمتهم.

______________________________________________________

[١] هذا من الأحكام الثابتة للوارث إذا كان ممنوعاً من الإرث من جهة الرقية حال موت الموروث ، فإنه إذا تحرر قبل قسمة الميراث بين الورثة يرث ، كما إذا كان حراً حال حياة الموروث. أما إذا كان الوارث واحداً فإنه لا مجال لفرض القسمة واللاقسمة ، فالتحرر بعد موت الموروث لا أثر له في الإرث ، لسبق الوارث غيره بالميراث.

[٢] إذا كان في طبقتهم ، وان كان مقدماً عليهم في الطبقة تفرد بالميراث ، كما تقدم في الصورة السابقة.

[٣] هذا هو الوجه الثاني من الوجهين السابقين في الأمر الثالث.

[٤] يعني على الموصى له. وقد عرفت فيما سبق أن ظاهر الأدلة أن انتقاله إلى الورثة على نحو الميراث ، فكأنه انتقل إلى الموصى له ثمَّ إلى ورثته ، وحينئذ لا فرق بين الوجهين في ذلك.

[٥] قد تحقق في محله أن الرجل لا يملك عموديه آبائه وأمهاته وأولاده ذكوراً وإناثاً ، ولا يملك محارمه من الأخت والعمة والخالة وبنت الأخ والأخت ، وأن المرأة لا تملك عموديها وتملك محارمها. فاذا كان الموصى به ابناً للميت وكان الوارث أولاداً له فهو لا ينعتق على الورثة ، ولو ملكه الميت انعتق عليه. وإذا كان الموصى به بنتاً للميت وكان الورثة أبناءه فهو ينعتق على الميت وعلى ورثته ، وإذا كان الورثة أولاده ذكوراً وإناثاً فهو ينعتق على الذكور ولا ينعتق على الإناث منهم.


السابع : لا فرق في قيام الوارث مقام الموصى له بين التمليكية والعهدية [١].

( مسألة ٨ ) : اشتراط القبول على القول به مختص بالتمليكية كما عرفت ـ فلا يعتبر في العهدية [٢]. ويختص بما إذا كان الشخص معين أو أشخاص معينين ، وأما إذا كان للنوع أو للجهات ـ كالوصية للفقراء والعلماء أو للمساجد ـ فلا يعتبر قبولهم ، أو قبول الحاكم فيما للجهات [٣] ، وإن احتمل‌

______________________________________________________

[١] بأن يوصي إلى وصيه أن يعطي زيداً ـ مثلا ـ شيئاً ، فيموت زيد قبل القبول ، كما تضمن ذلك خبر الساباطي المتقدم. لكن العمل به غير ظاهر ـ كما عرفت ـ لضعف الخبر ، وعدم الجابر له من عمل الأصحاب. أو غيره ، لاختصاص كلماتهم بالوصية التمليكية التي يكون الموت فيها قبل القبول مع تحقق إيجاب التمليك ، فلا يشمل الوصية العهدية بالتمليك التي يكون الموت فيها قبل إيجاب التمليك وقبوله.

[٢] يعني : لا يعتبر قبول الموصى إليه. فيجب العمل بالإيصاء وان لم يحصل القبول من الموصى إليه أو غيره. نعم للموصى إليه الرد بشرط كونه في حياة الموصي وإعلامه بذلك.

ويحتمل أن يكون المراد قبول الموصى له إذا كانت الوصية عهدية بالتمليك ـ كما تقدم في الأمر السابع ـ فإنه يجب العمل بالوصية وإن لم يتحقق القبول من الموصى له ، فإذا أوصى بأن يعطى زيد مالا وجب الإعطاء وإن لم يقبل زيد. لكنه كما ترى ، فإنه لا يصح الإعطاء الموصى به إلا بالقبول إجماعاً ، كسائر الهبات.

[٣] قال في القواعد : « ولو كانت الوصية لغير معين كفى في التمليك‌


ذلك أو قيل. ودعوى : أن الوصية لها ليست من التمليكية ، بل هي عهدية [١] ، وإلا فلا يصح تمليك النوع أو الجهات. كما ترى [٢]. وقد عرفت سابقا قوة عدم اعتبار القبول مطلقا وإنما يكون الرد مانعاً ، وهو أيضاً لا يجري في مثل المذكورات فلا تبطل برد بعض الفقراء مثلا ، بل إذا انحصر النوع في ذلك الوقت في شخص فرد لا تبطل.

______________________________________________________

الإيجاب والموت ، ولا يتوقف على القبول ، كمن أوصى للفقراء ، وكذا لو أوصى للمصالح ، كعمارة المساجد ». وفي المسالك : « وإطلاق عبارة الإيجاب والقبول فيه ( يعني : في قول ماتنه في الشرائع : ويفتقر إلى إيجاب وقبول ) يشمل الوصية لمعين كزيد ، وغيره كالفقراء ، فيقبل لهم الحاكم. والأصح في الثاني عدم اشتراط القبول ، لتعذره في المستحق إن أريد من الجميع ، ومن البعض ترجيح من غير مرجح. مع أن الوصية ليست له بخصوصه. وقد تقدم مثله في الوقف » ، ونحوه ما في جامع المقاصد. وفي الحدائق : « والمفهوم من كلام أكثر الأصحاب أن الوصية عقد يفتقر إلى الإيجاب والقبول من الموصى إليه إن كان معيناً ، وأما غيره ـ كالفقراء مثلا ـ فيقبل الحاكم الشرعي أو من ينصبه. والظاهر في الثاني ـ كما استظهره جمع من المتأخرين ، منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ عدم التوقف على القبول. وقد تقدم مثله في الوقف ».

[١] هذه الدعوى ادعاها في الجواهر ، وتخلص بها عن الاشكال المتوجه على الجماعة ، فيكون إطلاق كلامهم أنه يعتبر القبول في الوصية التمليكية في محله من دون أن يلزم محذور.

[٢] أولا : من جهة أن المعروف بينهم أن الوصية المذكورة من قبيل الوصية التمليكية ، ولذلك عللوا عدم الاحتياج إلى القبول بما ذكر ،


______________________________________________________

لا بأنها وصية عهدية. كيف؟! والمعروف بينهم أيضاً أن اللام في قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ. ) (١) للملك.

وثانياً : من جهة أن الوصية العهدية تختص بالإيصاء والوصية هنا ليست كذلك ، بل إن بنينا على امتناع ملك العناوين والجهات تعين أن تكون الوصية المذكورة قسماً ثالثاً ، لا تمليكية ولا عهدية ، بل هي تخصيصية تفيد إنشاء التخصيص بالعنوان والجهة. فإن كان المراد من الوصية التمليكية ما يعم ذلك جاء الاشكال السابق ، وإن كان المراد ما يقابل ذلك كان اللازم تقسيم الوصية إلى ثلاثة أقسام : تمليكية وعهدية وتخصيصة ، لا تقسيمها إلى القسمين الأولين فقط.

والتحقيق : ما ذكر في الجواهر من امتناع تمليك النوع والجهات ، لأن الملكية تستوجب نوعاً من التابعية والمتبوعية ، وذلك لا يتحقق في النوع ولا في الجهة ، لأن المتبوعية لا يصح اعتبارها إلا مع الهيمنة للمتبوع على التابع ، والنوع والجهة لا تصلح لذلك. كما أن التحقيق أن الوصية بمال للفقراء أو المسجد ليست من قبيل الوصية العهدية ، بل هي من سنخ الوصية التمليكية ، لكن لا تمليك فيها ، بل اختصاص وتخصيص.

وعلى هذا فان كان الوجه في اعتبار القبول في الوصية التمليكية هو الإجماع على أنها من العقود فهو غير شامل لما نحن فيه. وإن كان هو أصالة عدم الانتقال بدون القبول فهو مشترك بينها وبين ما نحن فيه. وإن كان قاعدة السلطنة على النفس الجارية في حق الموصى له فهو غير آتٍ هنا ، إذ التخصيصية ليس فيها تصرف في المخصص له ، وإنما هو تصرف في المال فقط ، فاذا ملكت زيداً شيئاً فقد جعلته مالكاً ومهيمناً ، وإذا خصصت مالك به فلم تكن تصرفت في زيد ، وإنما تصرفت في مالك.

__________________

(١) التوبة : ٦٠.


( مسألة ٩ ) : الأقوى في تحقق الوصية كفاية كل ما دل عليها من الألفاظ [١] ، ولا يعتبر فيه لفظ خاص ، بل يكفي كل فعل دال عليها [٢] ، حتى الإشارة والكتابة ـ ولو في حال الاختيار ـ إذا كانت صريحة في الدلالة ، بل أو ظاهرة‌

______________________________________________________

[١] قال في الشرائع : « فالإيجاب كل لفظ دل على ذلك القصد » ونحوه كلام غيره. ويظهر من المتن وجود قول بأنه يعتبر فيها لفظ خاص ولم أقف على ذلك فيما يحضرني. نعم في الجواهر : « ينبغي أن يكون استعماله اللفظ في ذلك جارياً مجرى الاستعمال المتعارف ، ولا يكفي إرادته ذلك من لفظ غير صالح لإرادته حقيقة ولا مجازاً ». ويشكل بأنه بعد ظهور المراد لا مجال للتوقف في الصحة عملا بإطلاق الأدلة.

[٢] كما عن التذكرة احتماله ، وعن المناهل والرياض : الجزم به ، وفي الجواهر : « لعله الظاهر من النافع ». لكن المشهور العدم ، بل في الجواهر : أنه ظاهر الأصحاب وصريح بعضهم ، وعن السرائر : نفي الخلاف فيه ، وفي رسالة شيخنا الأعظم ظهور عدم الخلاف فيه ، وفي الشرائع : « فالإيجاب كل لفظ دل على ذلك القصد » ونحوه ما في القواعد ، ويظهر من شروحهما المفروغية عنه. وكأنه لأنه مقتضى كونها عقداً ، لعدم تحقق العقد بالفعل.

وفي الجواهر ـ بعد أن اختار الجواز ـ قال : « إلا أنه ليس عقداً لها ( يعني للوصية ) فهو شبه المعاطاة في العقود اللازمة التي تندرج في الاسم ، ولا يجري عليها حكم العقد » يعني : يصدق أنه وصية ولا يصدق عقد الوصية وفيه : أن ذلك ينافي ما ذكروه من أنها عقد ، فاذا كان إنشاؤها بالفعل يندرج في الاسم وجب كونها عقداً حينئذ ، وإلا لم تكن الوصية عقداً على وجه الكلية.

فإذاً التحقيق : أن مقتضى إطلاق الأدلة الصحة إذا كان الإنشاء‌


فإن ظاهر الافعال معتبر كظاهر الأقوال. فما يظهر من جماعة [١] اختصاص كفاية الإشارة والكتابة بحال الضرورة ، لا وجه له ، بل يكفي وجود مكتوب منه [٢] بخطه ومهره إذا علم كونه إنما كتبه بعنوان الوصية. ويمكن أن يستدل عليه‌

______________________________________________________

بقوله (ع) : « لا ينبغي لامرء مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه » [٣] بل يدل عليه ما رواه الصدوق عن إبراهيم بن محمد الهمداني [٤] بالفعل كالقول. وما في جامع المقاصد من أنه مع إمكان النطق لا تكفي الإشارة ، لانتفاء دليل الصحة ، كما ترى ، إذ التحقيق حصول إنشاء المعنى العقدي بالفعل كالقول.

[١] قد عرفت نسبته إلى المشهور ، وظاهر الأصحاب ، وظهور عدم الخلاف ، ونفي الخلاف ، وعن ظاهر الغنية : الإجماع عليه.

[٢] كما يقتضيه الإطلاق. ولا مقتضي للتقييد بما إذا كانت الكتابة مشاهدة حال حدوثها.

[٣] رواه المفيد في المقنعة مرسلا‌ ، وكذا الشيخ في المصباح‌ (١). وإرساله مانع عن العمل به ، ولا سيما مع مخالفة المشهور. مع إشكال دلالته ، لعدم كونه في مقام حجية الكتابة ، فمن الجائز أن الاعتماد يكون على قوله : إن هذه وصيتي فاعملوا بها ، كما يشير إلى ذلك الخبر الآتي.

[٤] ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن عمر بن علي عن إبراهيم بن محمد الهمداني‌ (٢) وظاهره التفصيل بين الولد وغيرهم من‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٥ ، ٧. لكن مع اختلاف يسير في متن الحديث لا يخل بالمعنى.

(٢) الوسائل باب : ٤٨ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٢. لكن مع اختلاف يسير في متن الحديث لا يخل بالمعنى.


قال : « كتبت إليه : كتب رجل كتاباً بخطه ، ولم يقل لورثته هذه وصيتي ولم يقل إني قد أوصيت ، إلا أنه كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصي به ، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب ، بخطه ولم يأمرهم بذلك؟ فكتب : إن كان له ولد ينفذون كل شي‌ء يجدون في كتاب أبيهم في وجه البر وغيره ».

( مسألة ١٠ ) : يشترط في الموصي أمور‌ ( الأول ) : البلوغ‌

______________________________________________________

الورثة ، ولم يعرف قائل بذلك.

نعم عن نهاية الشيخ إلزام الورثة بالمكتوب إذا عملوا ببعضه ، وهو تفصيل آخر نسبه في الجواهر إلى رواية قاصرة سنداً ودلالة. وفي رسالة شيخنا الأعظم : أنها قاصرة سنداً. ولم نقف على غير رواية المتن ، ولعلها هي المرادة من كلامهم.

لكن قصور سندها غير ظاهر ، فان طريق الصدوق إلى إبراهيم المذكور أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني عن علي بن إبراهيم عن أبيه. وأحمد بن زياد ثقة ، وعلي بن إبراهيم من الأجلاء ، وأبوه مصحح الحديث ، وأما إبراهيم فهو من الوكلاء الثقات.

نعم قصور دلالتها على هذا التفصيل ظاهر. وإن كان المحكي عن التذكرة أنه‌ رواها هكذا : « إن كان له ولد ينفذون شيئاً منه وجب عليهم أن ينفذوا كل شي‌ء ». وحمله على أنهم اعترفوا بصحة الخط.

والأنسب في رواية المتن حملها على كون هذا التنفيذ من خواص الولد ، نظير قضاء الصلاة والصوم ، فتدل على عدم حجية الكتابة المجردة عن القول ، لا على حجيتها ، كما قصد المصنف (ره).


فلا تصح وصية غير البالغ [١]. نعم الأقوى ـ وفاقا للمشهور [٢] ـ صحة وصية البالغ عشرا ، إذا كان عاقلا ، في وجوه المعروف ، للأرحام أو غيرهم. لجملة من الأخبار المعتبرة [٣].

______________________________________________________

[١] هذا من القطعيات في الجملة. لما دل على قصور سلطنة الصبي على نفسه وماله ، كتاباً وسنة.

[٢] كما في المختلف وجامع المقاصد والحدائق والجواهر وغيرها ، والمصرح به في عبارات الشيخين وابن البراج وأبي الصلاح وابن حمزة وغيرهم ، وفي الشرائع : أنه الأشهر.

[٣] منها‌ مصحح عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « قال أبو عبد الله 7 : إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته » (١) ‌، و‌صحيح زرارة عن أبي جعفر 7 قال : « إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف وحق فهو جائز » (٢) ‌، و‌موثق منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال : « سألته عن وصية الغلام هل تجوز؟ قال : إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته » (٣) ‌، و‌موثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) « قال : إذا بلغ الصبي خمسة أشبار أكلت ذبيحته ، وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيته » (٤) ‌، و‌موثق أبي أيوب وأبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « في الغلام ابن عشر سنين يوصي قال : إذا أصاب موضع الوصية جازت » (٥) ‌، و‌صحيح محمد بن مسلم قال : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إن الغلام

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٧.

(٤) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٥.

(٥) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٦.


خلافا لابن إدريس [١].

______________________________________________________

إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيته لذوي الأرحام ، ولم تجز للغرباء » (١) ‌، و‌صحيح ابي بصير عن ابي عبد الله (ع) : « قال : إذا بلغ الغلام عشر سنين واوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته ، وإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته » (٢) ‌و‌موثق محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) : « قال : يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته وإن لم يحتلم » (٣).

وهذه النصوص اشتمل بعضها على العقل وبعضها على العشر سنين ، ولا يبعد ان يكون الجمع العرفي هنا التقييد فيشترط الأمران معاً. بل اعتبار العقل إجماعي ـ كما في الجواهر ـ فلا مجال لاحتمال سببية كل منهما كما هو الأصل في القضايا الشرطية التي يتعدد فيها الشرط ويتحد فيها الجزاء لوجوب رفع اليد عنه بالإجماع المذكور في الشرطية التي شرطها العشر ، ويلزمه رفع اليد عن إطلاق الشرط في الشرطية التي شرطها العقل ، لئلا يكون شرط العشر بلا فائدة.

ثمَّ إن بعض النصوص المذكورة ذكر فيه الحد المعروف والحق ، وآخر ذكر فيه إصابة موضع الوصية. والظاهر من الجميع ما تكون الوصية فيه عقلائية شرعية. وبها يقيد الإطلاقات السابقة. وحينئذ يتم ما ذكر المشهور.

[١] قال : « الذي يقتضيه أصول مذهبنا ان وصية غير المكلف البالغ غير صحيحة ، سواء كانت في وجوه البر أو غير وجوه البر ».

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٢.

(٣) التهذيب : باب وصية الصبي والمحجور عليهم حديث : ٨ لكن رواه في الوسائل عن جميل بن دراج عن أحدهما (ع) في باب : ١٥ من أبواب كتاب الوقوف والصدقات حديث : ٢.


وتبعه جماعة [١].

______________________________________________________

ثمَّ استدل على ذلك بما دل على حجر الصبي ، ثمَّ قال : « وإنما هذه اخبار آحاد أوردها في النهاية إيراداً ». وإشكاله ظاهر ، فان في الاخبار المذكورة الصحيح والموثق وهما حجة ، فلا يجوز رفع اليد عنها.

[١] منهم ظاهر المختلف ، قال : « وهذه الروايات وإن كانت متظافرة ، والأقوال مشهورة ، لكن الأحوط عدم إنفاذ وصيته مطلقاً حتى يبلغ ، لعدم مناط التصرف في المال عنه » ، وجامع المقاصد قال : « والمناسب لأصول المذهب وطريقة الاحتياط القول بعدم الجواز » ، والمسالك قال : « وهذه الروايات التي دلت على الحكم وإن كان بعضها صحيحاً ، إلا انها مختلفة ، بحيث لا يمكن الجمع بينها ، وإثبات الحكم المخالف للأصل بها مشكل ».

والإشكال في الجميع ظاهر ، فان الاحتياط ليس بحجة. مع ان اقتضاءه عدم النفوذ ممنوع. والأصل لا مجال له مع الدليل. واختلاف النصوص المتقدمة مع إمكان الجمع العرفي بحمل المطلق على المقيد لا يمنع من وجوب الأخذ بها. ولو فرض عدم إمكان الجمع العرفي فاللازم التخيير لا سقوط الطرفين. نعم ورد في الأخبار ما فيه نوع مخالفة لغيره ، كصحيح محمد وابي بصير المتقدمين ، فان الجمع العرفي بينهما وبين غيرهما ممكن بتقييده بهما. لكنهما غير معمول بهما ، فيسقطان عن الحجية ، لا انه تسقط جميع النصوص ويرجع إلى عموم المنع.

هذا وعن ابن الجنيد انه تصح وصيته إذا بلغ ثماني سنين ، لرواية الحسن بن راشد عن ابي الحسن العسكري (ع) : « إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله ، وقد وجب عليه الفرائض والحدود. وإذا تمَّ


( الثاني ) : العقل ، فلا تصح وصية المجنون [١]. نعم تصح وصية الأدواري منه إذا كانت في دور إفاقته [٢]. وكذا لا تصح وصية السكران حال سكره. ولا يعتبر استمرار العقل فلو اوصى ثمَّ جن لم تبطل [٣]. كما انه لو أغمي عليه أو سكر لا تبطل وصيته [٤]. فاعتبار العقل إنما هو حال إنشاء الوصية. ( الثالث ) : الاختيار [٥]. ( الرابع ) : الرشد ، فلا‌

______________________________________________________

للجارية سبع سنين فكذلك » (١). وفي الشرائع : « الرواية شاذة ». لمخالفتها لإجماع المسلمين على ظاهرها من حصول البلوغ بذلك ، فان عمل بها لزم ترتيب جميع احكام البلوغ ببلوغ الثمان سنين. وإن طرحناها في غير الوصية للإجماع تعين طرحها فيها ايضاً لذلك.

[١] بلا خلاف ولا إشكال. لسلب عبارته لسلب قصده ، فلا يصح إنشاؤه وإن كان عن قصد. والعمدة الإجماع.

[٢] كما نسب إلى الأصحاب لعدم المانع ، فيدخل في عموم الأدلة.

[٣] للأصل. ويقتضيه الإجماع المحكي عن مصابيح العلامة الطباطبائي بل تصريح الأصحاب بصحة وصية الأدواري ظاهر في بنائهم على عدم بطلانها بطرو الجنون ، فيكون المقام خارجاً عن قاعدة بطلان العقود الجائزة بطرو الجنون ـ بناء على ان الوصية منها ـ كما لا تبطل بالموت ضرورة ، بل الموت ملزم لها ، كما هو ظاهر.

[٤] لما ذكر.

[٥] إجماعاً. ويقتضيه حديث نفي الإكراه المروي عند الفريقين ، بل قيل : إنه متفق عليه بين المسلمين. وهو وإن كان ظاهراً في نفي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب كتاب الوقوف والصدقات حديث : ٤.


تصح وصية السفيه [١] وإن كانت بالمعروف سواء كانت قبل حجر الحاكم أو بعده. واما المفلس فلا مانع من وصيته وإن كانت بعد حجر الحاكم ، لعدم الضرر بها على الغرماء [٢] ، لتقدم الدين على الوصية ، ( الخامس ) : الحرية ، فلا تصح‌

______________________________________________________

المؤاخذة لكن استشهاد الامام (ع) به في نفي الصحة يقتضي جواز التمسك به في المقام. ففي صحيح البزنطي عن ابي الحسن (ع) : « في الرجل يستكره على اليمين ، فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك أيلزمه ذلك؟ فقال (ع) : لا. قال رسول الله (ص) : وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وما اخطأوا » (١).

[١] كما عن ظاهر ابن حمزة ، وعن التحرير ، وهو ظاهر القواعد ، وفي جامع المقاصد : انه قوي. لعموم حجر السفيه عن التصرف في ماله لكن في جامع المقاصد : « المشهور بين الأصحاب جواز وصية السفيه في البر والمعروف » وفي الحدائق عن الدروس : انه حكى عن المفيد وسلار والحلبي عدم نفوذ وصيته إلا في البر والمعروف. ويقتضيه عموم الصحة وقصور أدلة الحجر عن شمول المقام ، لظهورها في الامتنان عليه ، فلا تقتضي حرمانه عن الانتفاع بماله.

[٢] لأن المانع من صحة تصرفه كونه مزاحماً لحقوق الغرماء ، وهذا المعنى غير آت في الوصية ، لتقدم الدين عليها. وإن كانت لا يترتب الأثر عليها إلا بعد خروجه حال الموت عن التفليس ، إما لتملكه مالاً يزيد على دينه ، أو لبراءة ذمته من بعض الدين. وكذا إذا برئت ذمته بعد الموت من بعض الدين بتبرع أو بإبراء بعض الغرماء. وبالجملة : المفلس لا يترتب الأثر على وصيته إلا إذا مات غير مفلس ، فيكون حال التفليس‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب جواز الحلف باليمين الكاذبة حديث : ١٢.


وصية المملوك ، بناء على عدم ملكه وإن أجاز مولاه [١] بل وكذا بناء على ما هو الأقوى من ملكه [٢] ، لعموم أدلة الحجر وقوله (ع) : لا وصية لمملوك [٣] ، بناء على إرادة نفي وصيته لغيره [٤] ، لا نفي الوصية له. نعم لو أجاز مولاه صح ، على البناء المذكور. ولو اوصى بماله ثمَّ انعتق وكان المال باقياً في‌

______________________________________________________

حال الرقية ، فإنه لا تصح وصية الرق إلا إذا مات حراً ، كما سيأتي. وعليه فلا وجه للفرق بينهما في الشرطية وعدمها.

[١] لأن التعليق مبطل للتصرف المعلق عليه الا في موارد مخصوصة ومن تلك الموارد الوصية التمليكية ، وتختص بمال الموصي ولا تشمل الوصية بمال غيره ، كما ذكر في الجواهر. فاذا قال القائل : مال زيد لعمرو بعد وفاتي لم يصح وصية ولا غيرها وإن أجاز المالك ، لما عرفت من مانعية التعليق.

[٢] قد تعرضنا لذلك في مباحث الاستطاعة من كتاب الحج.

[٣] رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن علي بن حديد عن جميل بن دراج عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أحدهما (ع) (١). والسند صحيح لو لا علي بن حديد ، وإن كان الأظهر اعتبار حديثه. لكن في الجواهر : ان الخبر غير جامع لشرائط الحجية.

[٤] فتكون نظير الإضافة إلى الفاعل ، وهو الأظهر ، فإنه إذا دار المضاف إليه بين كونه فاعلا ومفعولا حمل على الأول ، فإذا قلت : ضرب زيد حسن ، ولم تكن قرينة على إرادة الإضافة إلى المفعول حملت على كونها إضافة الى الفاعل. هذا وكان الأولى الاستدلال‌ بصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر (ع) « انه قال في المملوك : ما دام عبداً فإنه وماله لأهله ، لا يجوز له تحرير

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٢.


يده صحت [١] ، على اشكال [٢].

______________________________________________________

ولا كثير عطاء ، ولا وصية إلا ان يشاء سيده » (١). وبما ورد في المكاتب من انه تصح وصيته بقدر ما أعتق منه‌ (٢) ، فإنهما أصح سنداً وأوضح دلالة. وكأن المصنف (ره) لاحظ الاختصار.

[١] كما قواه في الجواهر. لعموم أدلة الصحة ، والحجر المانع عن الصحة يختص بزمان الرقية ، فإذا زالت زال ، ومجرد الوقوع في زمان الحجر لا يقتضي المنع إلى الأبد ، وإنما يقتضي الحجر ما دام الرق.

[٢] لوقوع الوصية حال الرقية. و‌لقوله (ع) : « لا وصية لمملوك » ‌ولأنها بمنزلة الوصية المعلقة على الحرية لكن عرفت ان وقوع الوصية حال الرقية والحجر لا يقتضي المنع إلى الأبد ، إذ لا قصور في التصرف وإنما القصور في المتصرف ـ كما يشير إليه‌ قوله (ع) في صحيح محمد بن قيس : « إلا ان يشاء سيده‌ ـ فاذا زال المانع ترتب الأثر. و‌قوله (ع) : « لا وصية لمملوك » ‌ظاهر في عدم ترتب الأثر ما دامت لمملوك ، لا مطلقاً وتعليق الوصية على الحرية ممنوع ، وإنما المعلق حكم الشارع بالصحة والنفوذ.

بل قد يقال : بأنه لو سلم فهو غير قادح ، نظير قوله : إن كانت زوجتي فهي طالق. مما كان المنشأ معلقاً ذاتاً على الشرط. اللهم إلا ان يفرق بين الشرط الحالي المشكوك والاستقبالي ، فلا يصح : إن تزوجت فزوجتي طالق ، وإن صبح : إن كانت زوجتي فهي طالق. اللهم إلا ان يقال : يصح التعليق في الوصية على الأمر الحالي والاستقبالي ، كما يصح التعليق على الموت ، ضرورة صحة الوصية بأنه إذا تزوج زيد فاخلعوا عليه وإذا ولد له فاختنوا ولده ، وثلثي لاولادي إذا كانوا من الأخيار ، أو‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٨ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

(٢) راجع الوسائل باب : ٨١ من أبواب كتاب الوصايا.


نعم لو علقها على الحرية [١] فالأقوى صحتها. ولا يضر التعليق المفروض ، كما لا يضر إذا قال : هذا لزيد إن مت في سفري. ولو اوصى بدفنه في مكان خاص لا يحتاج إلى صرف مال فالأقوى الصحة [٢]. وكذا ما كان من هذا القبيل. ( السادس ) : ان لا يكون قاتل نفسه ، بأن أوصى بعد ما أحدث في نفسه ما يوجب هلاكه ـ من جرح أو شرب سم أو نحو ذلك ـ فإنه لا تصح وصيته ، على المشهور [٣] المدعى عليه‌

______________________________________________________

من أهل العلم ، ونحو ذلك مما كان المعلق عليه في الوصية العهدية والتمليكية أمراً آخر غير الموت ، فإنه لا يمكن الالتزام ببطلانها. واما ما ذكره الماتن من المثال فهو من قبيل التعليق على الموت الذي هو داخل في مفهوم الوصية ، فلا يقاس عليه المقام.

[١] كان المناسب في التعبير ان يقول : ولو علقها ..

[٢] لكنه خلاف إطلاق أدلة الحجر ، مثل قوله تعالى ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (١). و‌في صحيح زرارة عن ابي جعفر (ع) وابي عبد الله (ع) قالا : « المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده. قلت : فان السيد كان زوجه بيد من الطلاق؟ قال : بيد السيد ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) أفشي‌ء الطلاق » (٢).

[٣] في المسالك : « هذا مشهور بين الأصحاب » ، ونحوه في الحدائق وفي الجواهر : « بلا خلاف معتد به أجده ». بل عن الإيضاح : نسبته غير مرة إلى الأصحاب مشعراً بالإجماع عليه ، ولم أقف على من ادعى الإجماع صريحاً.

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب مقدمات الطلاق وشروطه حديث : ١.


الإجماع. للنص الصحيح [١] ، الصريح. خلافاً لابن إدريس [٢] وتبعه بعض [٣]. والقدر المنصرف إليه الإطلاق الوصية‌

______________________________________________________

[١] وهو‌ صحيح ابي ولاد حفص بن سالم قال : « سمعت أبا عبد الله 7 يقول : من قتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنم خالداً فيها. قلت ( قيل له. خ ل ) : أرأيت إن كان اوصى بوصية ثمَّ قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيته؟ قال : فقال : إن كان اوصى قبل ان يحدث حدثاً في نفسه من جراحة أو قتل أجيزت وصيته في ثلثه ، وإن كان اوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو قتل لعله يموت لم تجز وصيته » (١). وعلل ايضاً ـ كما في المختلف ـ بدلالة الفعل على سفهه وبعدم استقرار حياته ، فيكون في حكم الميت ، وبأن القاتل يمنع عن الميراث لغيره فيمنع من نفسه ، لأن قبول وصيته نوع إرث لنفسه. لكن ضعف الجميع ظاهر ، وان أتعب نفسه في المسالك والجواهر في بيان ذلك فلاحظ.

[٢] قال : « الذي يقتضيه أصولنا وتشهد بصحته أدلتنا ان وصيته ماضية صحيحة إذا كان عقله ثابتاً عليه » ، واحتج على ذلك بأنه حي عاقل مكلف ، وبالنهي عن تبديل الوصية بعد سماعها بالقرآن ، وانه لا يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد.

[٣] كالعلامة في المختلف ، فإنه بعد ما نقل عن ابن إدريس الاحتجاج بما ذكر قال : « وقول ابن إدريس لا بأس به » ، وعن الروضة : انه حسن وفي المسالك : ان لكلام ابن إدريس وجهاً وجيهاً ، وان كان الوقوف مع المشهور والعمل بالنص الصحيح أقوى. وفي القواعد : « ولو قيل بالقبول مع تيقن رشده بعد الجرح كان وجهاً ». وفي الجواهر : « وأغرب من ذلك قوله فيها ( يعني : في القواعد ) وتحمل الرواية على عدم استقرار‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٢ من أبواب أحكام الوصايا حديث : ١.


بالمال [١]. واما الوصية بما يتعلق بالتجهيز ونحوه مما لا تعلق له بالمال فالظاهر صحتها. كما ان الحكم مختص بما إذا كان فعل ذلك عمداً [٢] لا سهواً أو خطأ ـ وبرجاء ان يموت [٣] ـ لا لغرض آخر ـ وعلى وجه العصيان [٤] ـ لا مثل الجهاد في سبيل الله ـ وبما لو مات من ذلك. واما إذا عوفي ثمَّ اوصى صحت وصيته بلا إشكال [٥].

وهل تصح وصيته قبل المعافاة إشكال [٦]. ولا يلحق التنجيز‌

______________________________________________________

الحياة » ، وهل من الممكن احتمال اعتبار استقرار الحياة في صحة الوصية؟ وهل هو إلا تقييد للأدلة من غير مقيد؟ وكيف جاز ارتكابه ولم يجز ارتكاب تقييدها بالنص الصحيح؟.

[١] الصحيح المتقدم مختص بالمال ، بقرينة قوله (ع) : « في ثلثه » ‌وليس ذلك من باب انصراف الإطلاق.

[٢] كما قيد به في الصحيح.

[٣] كما قيد به في الصحيح بقوله (ع) : « لعله يموت ».

[٤] كما يقتضيه قوله : « فهو في نار جهنم .. ».

[٥] كما في الجواهر. لاختصاص النص بمن قتل نفسه ، فلا يشمل المقام.

[٦] وفي الجواهر : « لا يخلو من نظر مع فرض عدم تجدد إنشاء تمليك ، ولذا لو نسيها ولم يجددها لم تنفذ على الأقوى ». وفيه : ان الدليل مختص بما إذا مات بذلك السبب ، فلا يشمل ما لو عوفي ثمَّ عرضه سبب آخر فمات به وإن كان قد نسي الوصية. كيف ومورد النص من قتل نفسه ، وهو غير شامل للفرض ، فلا إطلاق له يشمل المقام ، فلا مانع من صحة إيجاب الوصية فيه قبل ان يعافي إذا كان قد عوفي بعد ذلك‌


بالوصية [١]. هذا ولو أوصى قبل ان يحدث في نفسه ذلك ثمَّ أحدث صحت وصيته ، وإن كان حين الوصية بانياً على أن يحدث ذلك بعدها. للصحيح المتقدم [٢]. مضافاً إلى العمومات.

( مسألة ١١ ) : يصح لكل من الأب والجد الوصية بالولاية على الأطفال [٣].

______________________________________________________

وما في الجواهر من أن مقتضى إطلاق الصحيح عدم الأثر للإيجاب قبل أن يعافي من العارض غير ظاهر.

[١] كما استظهره في الجواهر ، لعدم صدق الوصية عليه ، فلا يشمله الدليل ، وفي الجواهر : « اللهم إلا أن يقال : إن منع الشارع له من الوصية لعدم الثلث له ، فيمنع التنجيز أيضاً لذلك ، بناء على أنه منه. لكن لا يخلو من نظر ». بل منع عملا بإطلاق الأدلة.

[٢] فإن إطلاقه شامل للمقام.

[٣] نصاً وفتوى ، بل إجماعاً بقسميه ، كما في الجواهر ، وفي المسالك : انه محل النص والوفاق انتهى. والمراد من النص ما ورد في جملة من أبواب الوصايا ، كرواية سعد بن إسماعيل عن أبيه قال : « سألت الرضا 7 عن وصي أيتام يدرك أيتامه ، فيعرض عليهم أن يأخذوا الذي لهم فيأبون عليه كيف يصنع؟ قال (ع) : يرد عليهم ويكرههم عليه ( على ذلك. خ ل ) » (١). و‌رواية محمد بن عيسى عمن رواه عن أبي عبد الله (ع) : « قال في رجل مات وأوصى الى رجل وله ابن صغير فأدرك الغلام وذهب الى الوصي وقال له رد علي مالي لأتزوج ، فأبى عليه .. » (٢). و‌موثقة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « أنه

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.


مع فقد الآخر ، ولا تصح مع وجوده [١]. كما لا يصح ذلك لغيرهما [٢] حتى الحاكم الشرعي ،

______________________________________________________

سئل عن رجل أوصى الى رجل بولده وبمال لهم وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال وأن يكون الربح بينه وبينهم ، فقال : لا بأس به ، من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك وهو حي » (١). ونحوها غيرها.

[١] قال في الشرائع : « وإذا أوصى بالنظر في مال ولده إلى أجنبي وله أب لم تصح ، وكانت الولاية إلى جد اليتيم دون الوصي ، وقيل : يصح ذلك في قدر الثلث مما تركه وفي أداء الحدائق » ، وفي الجواهر : « بلا خلاف أجده فيه في الجملة ، بل الظاهر الإجماع عليه ». ويظهر من الشرائع ذلك أيضاً ، حيث لم يتعرض لنقل قول بصحة الوصية. والقول الآخر للشيخ ، ولكنه خارج عن موضوع المسألة من النظر في مال ولده. اللهم الا بناء على انتقال المال إلى الورثة وتعلق الحقوق بها. وفي الجواهر : « المتجه ـ بناء على ذلك ـ صحة الوصاية على مثل ذلك ، وليس معارضاً لولاية الجد ».

وكيف كان فالذي يظهر منهم المفروغية عن عدم صحة الوصاية للأجنبي مع معارضتها لولاية الجد وهو مقتضى الأصل بعد قصور النصوص عن الإطلاق الشامل للصورة المذكورة. بل قد ذكرنا في ( نهج الفقاهة ) في مبحث الولاية الإشكال في وجود إطلاق في دليل ولاية الأب في حال حياته ، فضلا عن المقام. وعليه فلا مجال للتأمل في عدم الوصية بالولاية من الأب على الولد مع وجود الجد.

[٢] يعني : الوصية بالولاية على الأطفال لغير الأب والجد ، كالوصي والحاكم الشرعي. لعدم دليل على ولايتهما على الأطفال بعد الموت ، فكيف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٩٢ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.


فإنه بعد فقدهما [١] له الولاية عليهم ما دام حياً ، وليس له أن يوصي بها لغيره بعد موته [٢] ، فيرجع الأمر بعد موته‌

______________________________________________________

يصح لهما جعلها لغيرهما؟. أما الوصي فولايته بجعل الموصي ، والمجعول إنما هو أن يتولى مباشرة لا غير ، فلا يصح له جعلها لغيره. نعم إذ كان الموصي قد أوصى إليه أن يجعل بعده لغيره جاز له ذلك حينئذ ، أما إذا لم يجعل له ذلك فليس له ذلك. واما الحاكم الشرعي فالعمدة في الدليل على ولايته مقبولة ابن حنظلة المتضمنة جعل الحاكم الشرعي حاكماً ، الموجبة لثبوت أحكام الحاكم له ، ومنها تولي الأيتام وشؤونهم ، ولم يثبت أن للحاكم ولاية نصب الولي بعده ، فالمرجع أصالة عدم ترتب الأثر.

[١] وفقد الوصي لأحدهما. بلا خلاف ولا إشكال ، كما يستفاد من النصوص ، كصحيح علي بن رئاب‌ ، وموثق سماعة‌ ، وصحيح إسماعيل بن سعد‌ المذكورة في أواخر أبواب الوصية من الوسائل (١). ويقتضيه الأصل بعد قصور دليل ولاية الحاكم عن شمول المقام. فراجع.

[٢] بلا خلاف ظاهر. ونص عليه في الجواهر وأطال في تقريبه والعمدة فيه ما عرفت من قصور أدلة ولاية الحاكم الشرعي عن إثبات ولايته على الوصية إلى غيره بالولاية بعد وفاته. واما كون الولاية للصنف ، فاذا فقد فرد منه كان له فرد آخر لا يقتضي ذلك ، لجواز أن يكون حال الفرد الآخر مع الوصي حاله مع الموصي.

وبالجملة : الولاية للصنف تقتضي أن لا تكون الولاية للفرد إلا بعمل وهو إنشاء التولي ، فإذا أنشأ التولي ، أحد الأفراد صار هو الولي ، فإذا أوصى الى شخص كان هو الولي ، وكما أنه مع تولي أحد أفراد الصنف لا يمكن تولي الفرد الآخر ، كذلك مع إنشاء الوصية لبعض الأشخاص‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٨٨ من كتاب الوصايا.


إلى الحاكم الأخر ، فحاله حال كل من الأب والجد مع وجود الأخر. ولا ولاية في ذلك للأم [١] ، خلافاً لابن الجنيد [٢] حيث جعل لها بعد الأب إذا كانت رشيدة. وعلى ما ذكرنا فلو أوصى للأطفال واحد من أرحامهم أو غيرهم بمال ، وجعل أمره إلى غير الأب والجد وغير الحاكم ، لم يصح [٣] ، بل يكون للأب والجد مع وجود أحدهما ، وللحاكم مع فقدهما. نعم لو أوصى لهم على أن يبقى بيد الوصي ثمَّ يملكه لهم بعد بلوغهم ، أو على أن يصرفه عليهم من غير أن يملكهم ، يمكن أن يقال بصحته [٤] وعدم رجوع أمره إلى الأب والجد أو الحاكم.

______________________________________________________

لا يمكن تولي الفرد الآخر ، لأن صحة التولي موقوفة على عدم وجود الولي.

[١] على المشهور شهرة عظيمة ، وفي الجواهر : « بلا خلاف معتد به ». للأصل بعد عدم الدليل على ولايتها.

[٢] حكي أنه قال : « الأب الرشيد أولى بأمر ولده الأطفال من كل أحد. وكذا الأم الرشيدة بعده ». ولم يعرف له موافق ، كما لم يعرف له دليل. وفي المسالك وغيرها : أنه شاذ.

[٣] كما نص عليه في الشرائع وغيرها ، لما عرفت.

[٤] في الجواهر « ففي تسلط الأب حينئذ إشكال ، من عدم ملكيتهم للمال فلا تسلط لوليهم عليه ، ومن كونه حقاً لهم والولي مسلط عليه كالمال. وقد يفرق بين الأول والثاني ، ولعل الأول أقوى ». بل هو الأقوى لأن الوصية تكون بالولاية على مال الموصي ، لا مال الطفل ، وليس هناك حق للطفل كي يكون تحت ولاية وليه ، لأن مجرد الوصية بالتمليك له أو الصرف عليه لا يوجب حقاً له ، ولذلك لا يسقط بالإسقاط ، فهو من الأحكام لا غير. والله سبحانه العالم العاصم الحاكم ، وهو حسبنا ( وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ).


فصل في الموصى به

به تصح الوصية بكل ما يكون فيه غرض عقلائي محلل [١] من عين ، أو منفعة ، أو حق قابل للنقل. ولا فرق في العين بين أن تكون موجودة فعلا أو قوة ، فتصح بما تحمله الجارية ، أو الدابة أو الشجرة [٢] ،

______________________________________________________

فصل في الموصى به

[١] عملا بعمومات الصحة والنفوذ من غير معارض.

[٢] كما نص على ذلك في الجواهر ، بل قال فيها : « بل وإن لم يكن معتاد الوقوع إذا كان ممكناً ». كل ذلك عملا بإطلاق الأدلة من غير معارض. نعم إذا لم يكن له شجر وكان عازماً على شراء الشجر فأوصى بثمر ما يشتريه بعد ذلك ، أو أوصى بعين الشجر الذي سيشتريه ، ففي جواز الوصية إشكال ، لعدم العلقة المصححة لصدق الوصية أو الموجبة للسلطنة عليها ، وإن كان الأظهر الصحة ، لحصول العلقة بعد ذلك الموجبة للصدق والسلطنة ، كما إذا أوصى بالمرهون ففكه ، أو بثلث ماله فاشترى أموالا أو ورثها ، فإنها داخلة في الوصية.

وبالجملة : ليس هنا ما يوجب الخروج عن عمومات الصحة ، فإذاً لا بأس بالوصية بالمعدوم حال الوصية إذا صار موجوداً حال الموت ، وكذا بالمعدوم حال الموت إذا كان أصله موجوداً حينئذ ، قال في جامع المقاصد :


وتصح بالعبد الآبق منفرداً [١] ، ولو لم يصح بيعه إلا بالضميمة [٢]. ولا تصح بالمحرمات [٣] ـ كالخمر والخنزير ونحوهما ـ ولا بآلات اللهو ، ولا بما لا نفع فيه ولا غرض عقلائي [٤] ، كالحشرات وكلب الهراش ، وأما كلب الصيد فلا مانع منه ، وكذا كلب الحائط والماشية والزرع ، وإن قلنا بعدم مملوكية ما عدا كلب الصيد ، إذ يكفي وجود الفائدة فيها. ولا تصح بما لا يقبل النقل من الحقوق ، كحق القذف‌

______________________________________________________

« لو أوصى بما يتجدد له تملكه ولو على وجه الندرة ـ كما يتجدد له بشراء أو هبة وارث ونحو ذلك ـ صح ، لأن وجود ذلك ممكن وقد قدر أن الشرط إمكان وجوده ».

[١] لما عرفت من الإطلاقات.

[٢] فإن ذلك الدليل الخاص به ، الذي لا يشمل المقام.

[٣] لعدم كونها قابلة للتمليك ، فلا تصح الوصية التمليكية فيها.

لكن قد تقدم أن الوصية قد تكون تخصيصية ـ كما إذا أوصى بعين للمسجد ـ والأمور المذكورة تقبل التخصيص إذا كان لها فائدة ولو نادرة ، فيصح الوصية بها على نحو التخصيص ، وإن لم تصح على وجه التمليك. والظاهر أن فتوى الأصحاب مبنية على ملاحظة الفائدة المحرمة ، مثل الشرب في الخمر واللعب بآلات اللهو ونحو ذلك ، فإذا أوصى بالخمر للشرب وبآلات اللهو للعب بطلت ، وإذا أوصى بالخمر للطلي وبآلات اللهو للشعال صحت الوصية. فالوصية بالكحول الذي لا يشرب ، وإنما يستعمل لفوائد أخرى تصح ، عملا بالعمومات من دون مخصص.

[٤] لعدم ما يستوجب الملك أو الاختصاص.


ونحوه. وتصح بالخمر المتخذ للتخليل [١]. ولا فرق في عدم صحة الوصية بالخمر والخنزير بين كون الموصي والموصى له مسلمين أو كافرين أو مختلفين ، لأن الكفار أيضاً مكلفون بالفروع. نعم هم يقرون على مذهبهم وإن لم يكن عملهم صحيحاً ولا تصح الوصية بمال الغير ولو أجاز ذلك الغير إذا أوصى لنفسه [٢]. نعم لو أوصى فضولا عن الغير [٣] احتمل صحته إذا أجاز [٤].

______________________________________________________

[١] أو لغيره من الفوائد كالسراج والتعقيم ونحو ذلك.

[٢] بأن علق التمليك على موت نفسه. لما عرفت من عدم صدق الوصية عرفاً ، فيكون التعليق مبطلا للإنشاء. وقد تقدم ذلك في وصية العبد بناء على عدم ملكه إذا كان قد أجازها مولاه.

[٣] بأن علق التمليك على موت ذلك الغير.

[٤] لصدق الوصية من المالك ، كما في سائر موارد الفضولي ، فإن الإجازة توجب صدق العنوان ، فكما أنه إذا باع الإنسان مال غيره فأجاز المالك صحت نسبة البيع إلى المجيز ، كذلك في المقام. وإذا أوصى بماله لزيد إذا مات عمرو لم تصح وصية منه ، لعدم التعليق على موته ، ولا وصية من عمرو لعدم تعلقها بماله ، فلا تعلق لها به. وحينئذ فما يظهر من المصنف (ره) من التوقف في الصحة في غير محله. وكذا ما يظهر من بعض الحواشي من الظهور في البطلان.

وكيف يمكن الالتزام بأن بعض أهل العلم إذا رأى من بعض السواد الإهمال ، فكتب له وصية تتعلق بآخرته وصلاحها وبورثته وصلاح حالهم وعرضها على ذلك الإنسان ، فقبلها وأجازها ، أن لا تصح تلك الوصية؟.


( مسألة ١ ) : يشترط في نفوذ الوصية كونها بمقدار الثلث أو بأقل منه ، فلو كانت بأزيد بطلت في الزائد [١] إلا مع إجازة الورثة بلا إشكال. وما عن علي بن بابويه من نفوذها مطلقاً [٢] ـ على تقدير ثبوت النسبة ـ شاذ. ولا فرق بين أن‌

______________________________________________________

[١] بلا خلاف معتد به أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص مستفيضة فيه أو متواترة. كذا في الجواهر. وفي المسالك : « ربما كان إجماعاً ، والأخبار الصحيحة به متظافرة ». ففي رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) : « في رجل أوصى بأكثر من الثلث وأعتق مماليكه في مرضه. فقال : إن كان أكثر من الثلث رد الى الثلث وجاز العتق » (١) ‌و‌رواية حمران عن أبي جعفر (ع) : « في رجل أوصى عند موته وقال : أعتق فلاناً وفلاناً حتى ذكر خمسة ، فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة التي أمر بعتقهم. قال : ينظر إلى الذين سماهم وبدأ بعتقهم فيقومون ، وينظر إلى ثلثه فيعتق منه أول شي‌ء ذكر ثمَّ الثاني والثالث ثمَّ الرابع ثمَّ الخامس ، فان عجز الثلث كان في الذين سمى أخيراً ، لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك ، فلا يجوز له ذلك » (٢) ‌، ونحوهما غيرهما مما هو كثير ، ولعله متواتر.

[٢] حكي عن علي بن بابويه صحة الوصية بالكل ، وعبارته غير ظاهرة في ذلك ، قال : « فإن أوصى بالثلث فهو الغاية في الوصية. فإن أوصى بماله كله فهو أعلم وما فعله ، ويلزم الوصي إنفاذ وصيته على ما أوصى » فإن قوله (ره) : « فهو الغاية في الوصية » مطابق لفتوى الأصحاب ، وقوله : « وهو أعلم وما فعله » ظاهر في صورة احتمال عذره في الوصية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٦٦ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.


يكون بحصة مشاعة من التركة أو بعين معينة [١]. ولو كانت زائدة وأجازها بعض الورثة دون بعض نفذت في حصة‌

______________________________________________________

بالجميع ، بأن كان ذلك لازماً عليه لنذر أو شرط أو حق واجب أو غير ذلك مما يسوغ معه الوصية بالجميع ، كما ستأتي الإشارة إليه في المسألة الثالثة وعبارته المذكورة مطابقة لعبارة الفقه الرضوي. ولأجل ذلك يسهل الجمع بينه وبين الأخبار المشهورة بلا تكلف. وعلى تقدير تمامية المعارضة فهو لا يصلح لمعارضة نصوص المشهور ، بناء على حجيته في نفسه. لكنه غير ثابت.

نعم يشهد له‌ موثق عمار عن أبي عبد الله (ع) قال : « الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح ، إذا أوصى به كله فهو جائز » (١) ‌و‌موثق محمد ابن عبدوس : « أوصى رجل بتركته متاع وغير ذلك لأبي محمد (ع) فكتبت اليه : رجل أوصى إلي بجميع ما خلف لك ، وخلف ابنتي أخت له ، فرأيك في ذلك. فكتب إلى : بع ما خلف وابعث به إلي. فبعث وبعثت به إليه ، فكتب إلي : قد وصل » (٢) ‌، ونحوه موثق علي بن الحسن‌ (٣) وغيره.

لكنها لا تصلح لمعارضة تلك النصوص بعد أن كانت أصح سنداً وأكثر عدداً وأوضح دلالة ، وموافقة لفتوى الأصحاب ظاهراً. ولذلك أولها الأصحاب وحملوها على محامل بعيدة ، بناء على أن الجمع أولى من الطرح. فالعمل على المشهور لازم.

[١] بلا إشكال في ذلك ، والنصوص الدالة على المشهور واردة في القسمين.

__________________

(١) الوسائل باب : ١١ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١٩.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١٦.

(٣) الوسائل باب : ١١ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١٧.


المجيز فقط [١] ، ولا يضر التبعيض ، ـ كما في سائر العقود ـ فلو خلف ابناً وبنتاً وأوصى بنصف تركته ، فأجاز الابن دون البنت ، كان للموصى له ثلاثة إلا ثلث من ستة [٢]. ولو انعكس كان له اثنان وثلث من ستة.

( مسألة ٢ ) : لا يشترط في نفوذها قصد الموصي كونها من الثلث الذي جعله الشارع له [٣] ، فلو أوصى بعين غير ملتفت إلى ثلثه وكانت بقدره أو أقل صحت. ولو قصد كونها من الأصل ، أو من ثلثي الورثة وبقاء ثلثه سليماً مع وصيته بالثلث سابقاً أو لاحقاً ، بطلت مع عدم إجازة الورثة [٤]. بل‌

______________________________________________________

[١] قال في الشرائع : « ولو كانوا جماعة ، فأجاز بعضهم نفذت الإجازة في قدر حصته من الزيادة ». ويظهر من المسالك والجواهر وغيرهما : المفروغية عن ذلك. عملاً بالعمومات ، كما في سائر العقود. وفي الجواهر : « وكذا لو أجاز الجميع البعض ، أو البعض البعض ، لاتحاد الجميع في المدرك » ‌

[٢] هذا المثال ذكره في المسالك. فاذا فرضنا أن التركة ستة وكان الموصى به نصف الستة ـ وهو ثلاثة ـ كانت تزيد على الثلث الراجع للميت بسدس ، فهذا السدس مشترك بين الابن والبنت أثلاثاً فإن أجازا جميعاً صحت الوصية في الثلث والسدس معاً ، وإن أجاز الابن فقط صحت الوصية في ثلثي السدس وبطلت في ثلثه ، فتصح في اثنين وثلثين منه ، وإن أجازت البنت فقط صحت الوصية في ثلثه وبطلت في الثلاثين منه ، فتصح في اثنين وثلث.

[٣] كما صرح بذلك في الجواهر. ويقتضيه إطلاق الأدلة.

[٤] ولا تصح من الثلث في الصورة الثانية ، لأن المفروض أنه‌


وكذا إن اتفق أنه لم يوص بالثلث أصلا. لأن الوصية المفروضة مخالف للشرع [١]. وإن لم تكن حينئذ زائدة على الثلث. نعم لو كانت في واجب نفذت ، لأنه يخرج من الأصل إلا مع تصريحه بإخراجه من الثلث.

( مسألة ٣ ) : إذا أوصى بالأزيد أو بتمام تركته ، ولم يعلم كونها في واجب ـ حتى تنفذ ـ أولا ـ حتى يتوقف الزائد علي إجازة الورثة ـ فهل الأصل النفوذ إلا إذا ثبت عدم‌

______________________________________________________

قصد كونها من ثلثي الورثة ، فإذا صحت من الثلث كان ذلك خلاف ما قصد. نعم إذا قصد كونها من الأصل صحت في ثلثها وبطلت في ثلثيها إلا إذا أجاز الورثة ، ولا تصح كلها من الثلث ، لأن المفروض أنه قصد أنها من الأصل ، وهو راجع إلى قصد أن ثلثها من الثلث وثلثيها من ثلثي الورثة ، فإذا صحت كلها من الثلث فقد صحت على خلاف قصده.

[١] هذا إذا كان مقصوده من الأصل ما يقابل الثلث ، أما إذا قصد منه ما يقابل جزءاً معيناً منه ـ كما يقال ثلث الميت يخرج من الأصل ـ فلا مخالفة فيها للشرع ، بل موافقة له ، لأن ثلث الميت يخرج من الأصل وبهذا المعنى كذلك ديونه ، وبهذا المعنى يصح أن يقال : إن الوصايا تخرج من الأصل.

ثمَّ إنك عرفت أنه على تقدير إرادة المعنى الأول من الأصل لا تبطل الوصية كلها إذا لم يجز الورثة ، وإنما يبطل ثلثاها اللذان يخرجان من ثلثي الورثة ، أما الثلث الذي يخرج من ثلث الميت فلا موجب للبطلان فيه. ومن ذلك يظهر الاشكال فيما ذكر في الجواهر ، فإنه أطلق نفوذ الوصية وإن قصد أنها من الأصل.


كونها بالواجب ، أو عدمه إلا إذا ثبت كونها بالواجب؟ وجهان ، ربما يقال بالأول [١] ، ويحمل عليه ما دل من الاخبار على أنه إذا أوصى بماله كله فهو جائز [٢] وأنه أحق بماله ما دام فيه الروح. لكن الأظهر الثاني [٣] ، لان مقتضى‌

______________________________________________________

اللهم إلا أن يقال : حمل الأصل على ما يقابل الثلث لا يمنع من صحة الوصية من الأصل ، لأن ثلثيها وإن كانا من ثلثي الورثة ، لكن لما لم يكن وصية من الميت بالثلث فثلثه فرضي ـ يعني على تقدير الوصية به ـ وكذلك الثلثان أيضاً فرضيان بالمعنى المذكور ولا دليل على بطلان الوصية من ثلثي الورثة إذا كانا فرضيين لا غير ، فما دام الميت لم يوص بالثلث تصح وصيته من ثلثي الورثة حينئذ إذا لم تزد على الثلث ، ويتم ما ذكره في الجواهر.

[١] قيل به في توجيه كلام علي بن بابويه ، كما سبق.

[٢] قد تقدم ذلك. لكن الحمل المذكور بعيد عن هذا اللسان وإن لم يكن بعيداً من غيره مما تقدم.

[٣] ومال إليه في الجواهر قال (ره) : « لظهور النصوص ـ كما لا يخفى على من لاحظها ـ في الحكم بالوقوف على إجازة الورثة بمجرد اشتمال الوصية على الأزيد من الثلث ، فيكون الأمر على العكس مما ذكره الموجه ، ضرورة كون المدار الحكم بذلك حتى يعلم أن صدورها منه بسبب من الأسباب التي توجب الإخراج من الأصل ، عملا بظاهر ما دل على تعلق حق الوارث بالزائد من الثلث حتى يعلم خلافه. وأصالة النفوذ في الوصية ـ بعد تسليمها ـ إنما هي حيث لا تعارض حق الغير. ومن هنا قد اشتملت جملة من النصوص قولا وفعلا على رد الوصية الزائدة عن الثلث إليه بمجرد صدورها من الموصي كذلك ، ما لم يعلم سبب من أسباب التعلق بالأصل ، ولو من إقراره. ولعل ذلك هو الأقوى ، ترجيحاً لهذه‌


______________________________________________________

الأدلة على تلك الأدلة ، وإن سلم كون التعارض بينهما بالعموم من وجه ».

أقول : عندنا مقامان : ( الأول ) : الحكم الواقعي ، وهو أنه لا تجوز الوصية بما زاد على الثلث إلا بإجازة الورثة إذا لم يكن حق يقتضي ذلك ، فاذا كان هناك حق يقتضي ذلك. من نذر أو شرط في عقد لازم أو نحو ذلك ـ صحت الوصية بما زاد على الثلث وإن لم يرض الورثة. ( المقام الثاني ) : الحكم الظاهري ، وهو أنه إذا أوصى بأزيد من الثلث وشك في أنها كانت بلا حق أو بحق فهل اللازم الحكم بالصحة أو بالبطلان؟ ولا يخفى أن النصوص المتضمنة أن الوصية بالزائد موقوفة على إجازة الورثة مختصة بالمقام الأول بحسب العنوان الأول ، ولا ترتبط بالمقام الثاني الذي هو مورد كلام الموجه.

ومن ذلك يظهر الإشكال في قول الجواهر : « فيكون الأمر على العكس .. » وقوله : « ضرورة كون المدار الحكم .. » فهو كلام في المقام الثاني. وأشكل منه استدلاله بظاهر ما دل على تعلق حق الوارث بالزائد على الثلث حتى يعلم خلافه ، فإنه لم نقف على ذلك الدليل المتعرض للمقام الثاني ـ أعني الحكم الظاهري ـ وإشكاله على أصالة نفوذ الوصية بأنها على تقدير تسليمها مختصة بما إذا لم تعارض حق الغير ، فإنها يجب تسليمها ، كما في سائر موارد الشك في صحة عقد أو إيقاع. وعلى تقدير جريانها لا تعارض حق الغير ، لأن المعارضة لحق الغير مختصة بالمقام الأول ، وجريانها إنما هو في المقام الثاني. وأما النصوص المشتملة قولا وفعلا على رد الوصية في الزائد فهي واردة في المقام الأول ، ولا تعرض لها للمقام الثاني ، أعني الحكم الظاهري.

ومن ذلك يظهر الإشكال في المعارضة بين أدلة صحة الوصية بما زاد على الثلث مع وجود السبب المقتضى ، وبين أدلة رد الوصية فيما زاد على‌


ما دل على عدم صحتها إذا كانت أزيد من ذلك ، والخارج منه كونها بالواجب ، وهو غير معلوم [١]. نعم إذا أقر بكون ما أوصى به من الواجب عليه يخرج من الأصل [٢] ، بل وكذا إذا قال : أعطوا مقدار كذا خمساً أو زكاة أو نذراً‌

______________________________________________________

الثلث ، لأن المراد من الأدلة الثانية إن كان الأدلة الواردة في الحكم الواقعي فلا تعارض بينها وبين الأدلة الأولة ، لما عرفت من وجوب العمل بهما في المقام الأول. وإن كان الأدلة الواردة في الحكم الظاهري فمن المعلوم أن الأدلة الواردة في الحكم الظاهري لا تعارض الأدلة الواردة في الحكم الواقعي.

والمتحصل : أن نصوص المقام كلها متعرضة للحكم الواقعي بالنسبة إلى العنوان الأولي لا غير ، فالحكم بالنظر إلى العنوان الثانوي في المقام الأول يؤخذ من القواعد العامة. كما أن الحكم الظاهري يؤخذ من أصالة الصحة. ولا مجال لفرض المعارضة بينها.

ثمَّ إن النذر يوجب حقاً لله تعالى في فعل المنذور ، فاذا نذر أن يتصدق بدرهم فقد جعل الله تعالى حقاً عليه في أن يتصدق بالدرهم ، فاذا مات لم يبطل الحق ، بل يجب إخراجه من التركة. وكذلك إذا اشترط لزيد في عقد لازم أن يتصدق عليه أو على الفقراء بدرهم ، فان الشرط المذكور يوجب حقاً لزيد لا يبطل بالموت ، فيجب إخراجه من التركة وإن لم يوص به. نعم إذا نذر أن يوصي بالصدقة بدرهم وكان ذلك منافياً لحق الورثة لم يصح النذر ، لعدم مشروعية الوصية كذلك ، فيبطل النذر من حينه. وكذلك إذا اشترط في ضمن عقد لازم أن يتصدق بما زاد على الثلث ، فإنه باطل ، لمخالفته للكتاب والسنة.

[١] لكن الأصل الصحة ، فيكون بحكم المعلوم.

[٢] العمل بهذا الإقرار ليس لقاعدة : « إقرار العقلاء على أنفسهم


أو نحو ذلك ، وشك في أنها واجبة عليه أو من باب الاحتياط المستحبي ، فإنها أيضاً تخرج من الأصل ، لأن الظاهر من الخمس والزكاة الواجب منهما ، والظاهر من كلامه اشتغال ذمته بهما.

( مسألة ٤ ) : إذا أجاز الوارث بعد وفاة الموصي فلا إشكال في نفوذها [١] ، ولا يجوز له الرجوع في إجازته [٢]. وأما إذا أجاز في حياة الموصي ففي نفوذها وعدمه قولان ،

______________________________________________________

جائز » (١) ‌، لكون هذا الإقرار متعلقاً بالورثة ، فهو ليس إقراراً على النفس ، بل هو للنصوص الدالة على نفوذ إقرار الإنسان بالدين وبالزكاة وبالحج ، وأنه يجب على الورثة العمل به.

[١] وفي الجواهر : أنه إجماع بقسميه. انتهى. و‌في صحيح أحمد بن محمد : « كتب أحمد بن إسحاق الى أبي الحسن (ع) : إن درة بنت مقاتل توفيت وتركت ضيعة أشقاصاً في مواضع ، وأوصت لسيدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث ، ونحن أوصياؤها ، وأحببنا إنهاء ذلك إلى سيدنا ، فإن أمرنا بإمضاء الوصية على وجهها أمضيناها ، وإن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء الله. قال فكتب 7 بخطه : ليس يجب لها في تركتها إلا الثلث ، وإن تفضلتم وكنتم الورثة كان جائزاً لكم إن شاء الله (٢).

[٢] الظاهر أنه مما لا إشكال فيه. ويقتضيه الأصل ، لأنها بالإجازة نفذت ، فبطلانها بالرجوع يحتاج إلى دليل.

__________________

(١) غوالي اللئالي : أواخر الفصل التاسع من المقدمة.

(٢) الوسائل باب : ١١ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.


أقواهما الأول ، كما هو المشهور [١]. للأخبار [٢] ،

______________________________________________________

[١] حكى الشهرة في الجواهر والحدائق.

[٢] منها‌ صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) : « في رجل أوصى بوصية وورثته شهود ، فأجازوا ذلك ، فلما مات الرجل نقضوا الوصية ، هل لهم أن يردوا ما أقروا به؟ فقال : ليس لهم ذلك ، والوصية جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته » (١) ‌، ونحوه صحيح منصور بن حازم‌ (٢). وفي المسالك : جعل الحكم مدلولا لغيرهما من الاخبار أيضاً ، وكذا في الجواهر.

واستدل له في المختلف بعموم قوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٣). ولأن الرد حق للورثة ، فاذا رضوا بالوصية سقط حقهم ، كما لو رضي المشتري بالعيب. ولأن الأصل عدم اعتبار إجازة الوارث ، لأنه تصرف من المالك في ملكه ، لكن منع من الزيادة على الثلث إرفاقاً بالورثة فإذا رضي الوارث زال المانع. ولأن المال الموصى به لا يخرج عن ملك الموصي والورثة ، لأنه إن برئ كان المال له ، وإن مات كان للورثة ، فإن كان للموصي فقد أوصى به وإن كان للورثة فقد أجازوه. انتهى وفي جامع المقاصد : استدل بالوجهين الأولين فقط ، وفي المسالك : ذكر الأولين والأخير مؤيدة للاستدلال بالنصوص لا معاضدة ، ونحوه في الجواهر.

لكنها جميعاً ضعيفة لا تصلح للدليلية ولا للتأييد. إذ يشكل الأول : بأنه مع الشك يرجع إلى عموم ما دل على عدم صحة الوصية بما زاد على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٣ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٣ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٢.

(٣) النساء : ١٢.


المؤيدة باحتمال كونه ذا حق في الثلاثين [١] ، فيرجع إجازته إلى إسقاط حقه ، كما لا يبعد استفادته من الاخبار الدالة على أن ليس للميت من ماله إلا الثلث [٢]. هذا والإجازة من‌

______________________________________________________

الثلث ، الذي هو أخص من عموم صحة الوصية. ويشكل الثاني : بأنه لم يثبت الحق للورثة حال الحياة ، فلا معنى لإسقاطه ، وإذا أريد ثبوته بعد الموت فإسقاطه حال الحياة من قبيل إسقاط ما لم يجب : ويشكل الثالث : بأن زوال المانع إنما يتم على تقدير استمرار رضى الوارث ، أما إذا رد بعد ذلك فالارفاق به يقتضي عدم صحة الإجازة السابقة والعمل على رده. ويشكل الرابع : بأن موضوع الكلام صورة الموت ، فالملك يكون للورثة ، لكنه بعد الموت لا قبله ، فالإجازة قبله إجازة من غير المالك. هذا والقول بعدم اعتبار الإجازة حال الحياة منسوب في الجواهر إلى المقنعة والمراسم والسرائر والوسيلة والجامع والإيضاح وشرح الإرشاد. وعن السرائر : الاستدلال له بأنها أجازه في غير ما يستحقونه بعد ، فلا يلزمهم ذلك بحال. وفيه : أنه اجتهاد في مقابل النص المعتبر ، فلا يركن إليه ولا يؤبه به. ومثله في الاشكال التفصيل بين كون الإجازة حال مرض الموصي فتصح وحال صحته فلا تصح. فإنه خلاف إطلاق النص. وكذا في الاشكال التفصيل بين غنى الوارث فتصح اجازته بلا استدعاء ، وفقره أو باستدعاء من الموصي فلا تصح.

[١] الاحتمال لا يصلح للتأييد ، إذ يقابله الاحتمال الآخر المؤيد لخلافه. نعم إذا كان الاحتمال مفاد حجة كانت الحجة مؤيدة.

[٢] بل تبعد ، والمستفاد منها أنه ليس للميت التصرف في ماله بعد الوفاة إلا بمقدار الثلث ، أما أن ذلك لأجل ثبوت حق فعلي للوارث أو لأمر آخر لاحق بعد الوفاة ، كل محتمل.


الوارث تنفيذ لعمل الموصي [١] وليست ابتداء عطية من‌

______________________________________________________

[١] قال في الشرائع : « وإذا وقعت بعد الوفاة كان ذلك إجازة لفعل الموصي ، وليس بابتداء هبة ، فلا تفتقر صحتها إلى القبض » ، وفي المسالك : « فإن أجازوا في حال الحياة حيث يعتبر كان تنفيذاً لا ابتداء عطية بغير إشكال ، لأن الوارث لم يملك حينئذ فلا يأتي فيه الاحتمال ». وفيه : ان الانتقال الى الموصى له انما يكون بعد موت الموصي ، والوارث يملك حينئذ ، فيأتي فيه الاحتمال. ولذلك لم يخص الاحتمالين في القواعد بالإجازة بعد الوفاة ، فقال : « والإجازة تنفيذ لفعل الموصي ، لا ابتداء عطية ، فلا تفتقر الى قبض ». وفي المسالك : « وان وقعت الإجازة بعد الوفاة ففي كونها تنفيذ أو ابتداء عطية من الوارث وجهان » وفي آخر كلامه نسب ما ذكره المصنف (ره) الى مذهب الأصحاب لا يتحقق فيه خلاف بينهم ، وانما يذكر الأخير وجهاً أو احتمالا وإنما هو قول العامة وأن المرجح عندهم ما اخترناه. انتهى.

ومحصل الخلاف في المقام : هو أن المال ينتقل من الموصي إلى الموصى له ، أو من الوارث الى الموصى له ، ولا ريب أن الإنشاء للتمليك كان من الموصي ، والوارث لم يكن منه إنشاء التمليك ، وإنما كان منه إجازة ذلك الإنشاء ، فهو تنفيذ لذلك الإنشاء ، لا إنشاء ابتدائي. فالعبارة لا تخلو من حزازة.

والوجه فيما ذكر الأصحاب : أن المال حال التصرف ملك للموصي إلى حين الموت ، فاذا صح التصرف وانتقل المال إلى الموصى له فقد انتقل إليه من الموصي ، لا من الورثة ، لأن انتقاله إلى الورثة خلاف مقتضى نفوذ الوصية ، لأن مفاد الوصية الانتقال إلى الموصى له ، لا إلى غيره. ( وما قيل ) في وجه الاحتمال الآخر من أن الزائد على الثلث ملك للورثة‌


الوارث ، فلا ينتقل الزائد إلى الموصي له من الوارث ـ بأن ينتقل إليه بموت الموصى أولا ثمَّ ينتقل إلى الموصى له ـ بل ولا بتقدير ملكه ، بل ينتقل إليه من الموصي من الأول.

( مسألة ٥ ) : ذكر بعضهم [١] أنه لو أوصى بنصف ماله‌

______________________________________________________

بعد الموت ، فاذا صحت الوصية به بإجازة الورثة فقد صح الانتقال منهم إلى الموصى له ( ضعيف ) لأن الانتقال إلى الورثة فرع عدم صحة الوصية لأن الميراث بعد الوصية ، فإذا صحت الوصية ، ولو بالإجازة فقد صح عدم انتقال الموصى به إلى الورثة.

اللهم إلا أن يقال : ذلك بالنسبة إلى الوصية بالثلث ، أما الوصية بالزائد عليه فليست مقدمة على الميراث ، ولذا كانت محتاجة إلى إجازة الورثة. لكنه خلاف إطلاق ما دل على تقدم الوصية على الميراث من الكتاب والسنة ، والاحتياج إلى الإجازة لا ينافي ذلك ، لأن الوصية مع الإجازة لا تخرج عن الوصية ، فيشملها إطلاق الأدلة.

اللهم الا أن يقال. إن ما تضمن أنه ليس للميت من ماله إلا الثلث يدل على أن الثلاثين للورثة ، فالوصية بهما وصية بمال الورثة ، فإذا صحت الوصية بالإجازة فقد انتقل المال منهم إلى الموصى له. ولكنه يشكل : بأن لازم ذلك أن الثلث للميت وإن لم يوص به ، وهو ـ كما ترى ـ لا يمكن الالتزام به ، وخلاف ما دل على أن الميراث بعد الدين والوصية ، فيتعين حمله على إرادة بيان ما يصح له التصرف فيه ، وأنه ليس إلا الثلث ، والمال كله له حال الحياة ، فإذا مات وتصرف فيه وقد صح التصرف انتقل منه بمقتضى التصرف إلى الموصى له ، وإن لم يتصرف انتقل إلى الوارث ، فالمال حين ينتقل إلى غير الوارث ينتقل من الموصي لا من الوارث.

[١] قال في الشرائع : « ولو أوصى بنصف ماله مثلا ، فأجاز الورثة‌


ماله مثلا فأجاز الورثة ، ثمَّ قالوا : ظننا أنه قليل ، قضى عليهم بما ظنوه ، وعليهم الحلف على الزائد ، فلو قالوا : ظننا أنه ألف درهم ، فبان أنه ألف دينار ، قضى عليهم بصحة الإجازة في خمسمائة درهم ، وأحلفوا على نفي ظن الزائد ، فللموصى له نصف ألف درهم من التركة وثلث البقية [١] وذلك لأصالة عدم تعلق الإجازة بالزائد [٢] ، وأصالة عدم علمهم بالزائد. بخلاف ما إذا أوصى بعين معينة ـ كدر أو عبد ـ فأجازوا ثمَّ ادعوا أنهم ظنوا أن ذلك أزيد من الثلث‌

______________________________________________________

ثمَّ قالوا : ظننا أنه قليل قضي عليهم بما ظنوه ، وأحلفوا على الزائد. وفيه تردد. وأما لو أوصى بعبد أو بدار ، فأجازوا الوصية ، ثمَّ ادعوا أنهم ظنوا أن ذلك بقدر الثلث أو أزيد بيسير ، لم يلتفت إلى دعواهم ، لأن الإجازة هنا تضمنت معلوماً ». والحكم المذكور ذكره جماعة من الأصحاب ، وفي الجواهر : « لا أجد فيه خلافاً صريحاً ».

[١] كما في المسالك والجواهر وغيرهما. لنفوذ الوصية في ثلث التركة ومنه ثلث الباقي. ولعل الأولي في التعبير أن يقال : إنه يعطى ثلث الألف دينار بالوصية وسدس الألف درهم بالإجازة ، لأنهم لما ظنوا أن التركة ألف درهم فأجازوا الوصية بنصفها فقد ظنوا أن الزائد المجاز سدس الألف درهم ، فتصح الإجازة فيه لا غير.

[٢] قال في المسالك : « ووجه قبول قولهم استناده إلى أصالة عدم العلم بالزائد. مضافاً إلى أن المال مما يخفى غالباً. ولأن دعواهم يمكن أن تكون صادقة ، ولا يمكن الاطلاع على صدق ظنهم إلا من قبلهم ، لأن الظن من الأمور النفسانية ، فلو لم يكتف فيه باليمين لزم الضرر ،


بقليل ، فبان أنه أزيد بكثير ، فإنه لا يسمع منهم ذلك ، لأن إجازتهم تعلقت بمعلوم [١] وهو الدار أو العبد. ومنهم من سوى بين المسألتين في القبول [٢] ومنهم من سوى بينهما في عدم القبول [٣]. وهذا هو الأقوى ، أخذاً بظاهر كلامهم في‌

______________________________________________________

لتعذر إقامة البينة على دعواهم » ، وفي الجواهر : زاد في توجيه ذلك أصالة عدم الإجازة ، كما في المتن. وحاصل التوجيه : أن دعوى الوارث مطابقة لأحد الأصلين ، فيكون منكراً ، ويقبل قوله بيمينه. أو لأنها موافقة لقاعدة قبول الاخبار بما لا يعلم الا من قبل المخبر وإن كان الخبر على خلاف الأصل.

[١] تقدم التعليل بذلك عن الشرائع. وهو بظاهره مصادرة ، فان الدليل عين الدعوى. وفي المسالك : جعل وجه الفرق بين المسألتين أن في هذه المسألة موضوع الإجازة الدار ، وهي معلومة ، وفي المسألة السابقة موضوعها الجزء المشاع ، والعلم بمقداره يتوقف على معرفة مقدار مجموع التركة والأصل عدمه. ونحوه ما إذا أوصى بثلثه وعشرة ، فأجازوا ثمَّ ادعوا ظن كثرة المال ، فتبين قلته ، لكون العشرة التي هي موضوع الإجازة معلومة. وقد يفرق بين المسألتين بأن دعوى الورثة في الأولى مطابقة لأصالة عدم كثرة المال ، وفي الثانية مخالفة لذلك ، لأنهم يدعون الظن بالكثرة فتبين أنه قليل.

[٢] قال في المسالك : « لعله الأوجه » وحكي هو عن الدروس : الميل إليه ، وعن التحرير : أنه جعله وجهاً ، وعن القواعد احتمالا. لأن الإجازة وإن وقعت على معلوم ـ وهو الدار أو العشرة في مثالنا ـ لكن كونه مقدار الثلث أو ما قاربه مما تسامحوا فيه مجهولا ، ولا يعرف إلا بمعرفة مجموع التركة ، والأصل عدمه.

[٣] يظهر ذلك من الجواهر.


الإجازة [١] ، كما في سائر المقامات ، كما إذا أقر بشي‌ء ثمَّ ادعى أنه ظن كذا ، أو وهب أو صالح أو نحو ذلك ثمَّ ادعى أنه ظن كذا ، فإنه لا يسمع منه [٢]. بل الأقوى عدم السماع‌

______________________________________________________

[١] لا يخفى أن أصالة عدم كثرة المال ، أو أصالة عدم العلم بمقداره ونحوهما لا مجال للرجوع إليهما ، لعدم الأثر الشرعي لمجراهما ، والأثر إنما هو لإجازة الورثة ، فإن كان الخلاف في تحقق الإجازة منهم بنحو مفاد كان التامة وعدمه ، فالأصل عدم الإجازة ، وإن كان الخلاف في مفاد كان الناقصة وأن الإجازة الواقعة منهم هل كانت تشمل صورة ما إذا كان النصف الموصى به خمسمائة دينار ، أو الدار الموصى بها تمام التركة ـ مثلا ـ أو لا تشمل ذلك ، فأصالة عدم الشمول وإن كانت جارية في نفسها ، لكن إطلاق الإجازة الصادرة من الوارث حاكم عليها ، وحينئذ يكون قول الوارث : ظننا كذا ، أو اعتقدنا كذا فأجزنا على تقدير غير حاصل ، ولم نجز على التقدير الحاصل ، دعوى على خلاف الإطلاق. وقد كان بناء الأصحاب (رض) على الأخذ به في الإقرارات والنذور والوصايا والعقود وغيرها ، كما في الجواهر. بل قال : « إن تقييد الإجازة بالمظنون مع ظهور ما أفادها في خلافه مخالف للضوابط الشرعية ، كما هو واضح ».

[٢] إن كان المراد منه أنه لا يقبل خبره ولا يترتب الأثر عليه ، فهو في محله ، لما ذكر من أنه مخالفة لظاهر قوله وفعله وهو حجة ، فلا ترفع اليد عنه بمجرد الخبر ، كما إذا أخبر بملك ما في يد غيره ، فان الخبر لا يقبل ويعمل على مقتضى اليد حتى يثبت الخلاف. وإن كان المراد أن الدعوى لا تسمع في مقام التداعي وترد عليه ، فهو غير ظاهر ، لإطلاق ما دل على سماع الدعوى والنظر فيها ، والرجوع إلى قواعد القضاء. ولذا ذكر الأصحاب أنه إذا أقر بقبض الثمن ، ثمَّ ادعى أن إقراره كان للتواطؤ‌


حتى مع العلم بصدقهم في دعواهم [١]. إلا إذا علم كون‌

______________________________________________________

بينه وبين المشتري قبل ذلك منه ، وفي الجواهر : « لم نجد خلافاً في القبول » ثمَّ قال : « ولعل الأقوى في النظر إن لم يكن إجماع عدم خصوصية للمقام فتسمع الدعوى مطلقاً إذا ذكر وجهاً ممكناً لإقراره الأول ». فإذا كان يقبل ذلك مع كونه مخالفاً لظاهر الإقرار فأولى أن يقبل إذا كان مخالفاً لظاهر القول أو الفعل. نعم على تقدير القبول يكون مدعياً ، لان قوله يخالف الحجة ـ وهو ظاهر الإجازة ـ وخصمه منكراً لموافقته لظاهر الإجازة ، فيكون البينة عليه واليمين على خصمه. وبذلك يفترق عن حكم القبول عند الأصحاب ، فإن الوارث عندهم يقبل قوله لأنه منكر ، وبناء على ما ذكرنا يقبل قوله لأنه مدع وخصمه منكر. ونظير المقام ما إذا باع مثلا ثمَّ ادعى فساد البيع ، فإنه يقبل قوله ـ اتفاقاً ظاهراً ، كما في الجواهر ـ على أنه مدع ، لأن قوله مخالف لأصالة الصحة ، ويكون خصمه منكراً ، لموافقة قوله لها. وكذلك بناؤهم في باب الإقرار ، فإنه يكون مدعياً عندهم وخصمه منكراً ، فيحلف خصمه على القبض ـ كما هو الظاهر ـ أو على نفي المواطاة ، كما قيل.

[١] لأن الظن من قبيل الداعي إلى الإجازة ، لا قيد لموضوعها ، ومع تخلف الداعي لا يبطل الإنشاء ، لأن الدواعي بوجودها العلمي مؤثرة في المدعو إليه ، والوجود العلمي حاصل ، لا بوجودها الخارجي ، حتى يكون فقدها موجباً لانتفاء المدعو إليه ، كما ذكرنا ذلك مكرراً في هذا الشرح. فاذا قال إنسان : من كان صديقي فليأكل من طعامي ، لا يجوز لمن لم يكن صديقاً له أن يأكل ، لأنه غير مأذون ، لانتفاء قيد موضوع الاذن ، وإذا قال إنسان لآخر : كل من طعامي ، وعلم أن الداعي إلى هذا الاذن اعتقاد الصداقة جاز له أن يأكل وإن لم يكن صديقاً له. وعلى‌


إجازتهم مقيدة بكونه بمقدار كذا [١] ، فيرجع إلى عدم الإجازة [٢]. ومعه يشكل السماع فيما ظنوه أيضاً [٣].

( مسألة ٦ ) : المدار في اعتبار الثلث على حال وفاة الموصي [٤].

______________________________________________________

هذا فلو فرض صدق الوارث في دعواه الظن بقلة المال أو بزيادته ، لكن تخلف ذلك ، لا يوجب بطلان الإجازة. اللهم إلا أن يقال : قاعدة نفي الضرر موجبة للبطلان ، لأن صحة الإجازة ضرر على الوارث لم يقدم عليه لكن يشكل : بأن الإجازة لا توجب الضرر ، وإنما توجب عدم النفع ، لان المال لم يخرج من ملك الوارث ، وإنما خرج من ملك الموصي ، كما تقدم.

[١] بناء على ما ذكرنا يكون مورد الشك في كون الخصوصية أخذت بنحو الداعي أو القيد مورداً لأصالة عدم الإجازة لو لم يكن محكوماً بظاهر الإطلاق ، فإن إطلاق الخطاب وعدم تقييده يوجب البناء على كون الخصوصية لوحظت داعياً فما لم يعلم التقييد يبنى على صحة الوصية.

[٢] هذا إذا احتمل تحقق إجازة أخرى غير الإجازة التي قيدت ، وإلا فلا شك كي يرجع إلى الأصل.

[٣] إذا كان ما ظنوه زائداً على المقيد ، أما إذا كان هو المقيد فلا إشكال في كونه مورد الإجازة.

[٤] بلا خلاف أجده ، بل الإجماع محكي عن الخلاف ، إن لم يكن محصلا. كذا في الجواهر. ويقتضيه إطلاق الأدلة ، فإنه يقتضي كون المراد من الثلث ما كان حال الوفاة ، وكذلك غيره من السهام ، كالنصف والربع والثمن وغيرها ، فان الجميع من باب واحد ، وإنها جميعاً واردة بالنسبة إلى ما يتركه الميت ويفارقه ويذهب إلى غيره ، فكأن الموصي في مقام التصرف في المال الذي يذهب منه. ولو لا ذلك كان المتعين الحمل‌


لا حال الوصية [١] ، بل على حال حصول قبض الوارث للتركة [٢] إن لم تكن بيدهم حال الوفاة ، فلو أوصى بحصة مشاعة ـ كالربع أو الثلث ـ وكان ماله بمقدار ثمَّ نقص كان النقص مشتركاً بين الوارث والموصي ، ولو زاد كانت الزيادة لهما مطلقاً ، وان كانت كثيرة جداً. وقد يقيد بما إذا لم‌

______________________________________________________

على حال الوصية ، كما في سائر الموارد التي يحمل فيها العنوان على ما يكون حال الخطاب ، فاذا قال المقر : لزيد نصف مالي ، كان المراد نصفه حال الإقرار ، وإذا قال : لله علي أن أتصدق بنصف مالي ، فالمراد حال النذر ، وهكذا. لكن القرينة في المقام قائمة على حال الوفاة.

[١] خلافاً لبعض الشافعية.

[٢] قال في جامع المقاصد : « قد بينا فيما تقدم أن الثلث يعتبر بعد الموت ، إذ قد يتجدد مال للميت بعد الموت ـ كالدية إذا ثبتت صلحاً ـ وقد يتجدد تلف بعض التركة قبل قبض الوارث. وكأن المصنف (ره) إنما اعتبر ذلك ( يعني حال الوفاة ) في مقابل وقت الوصية ، لا مطلقاً ، فكأنه قال : لا يعتبر وقت الوصية » ، وتبعه على ذلك من تأخر عنه. وهو في محله في المتجدد ـ كما يأتي ـ للدليل. وإما في التلف قبل قبض الوارث فغير ظاهر ، لأن النقص يكون من أصل التركة ، ولا يختص بمال الوارث ضرورة ، لعدم المخصص. وحينئذ لا يكون المدار في الثلث على حال القبض بل على حال الوفاة ، وورود النقص عليه بالتلف لا ينافي ذلك ، بل يحققه ، وكذا إذا قبضه الوارث قبض أمانة ، فتلف بعضه ، فان النقص يكون على الجميع. وإذا قبضه الوارث قبض ضمان ، فتلف بعضه ، ضمنه الوارث لا غير. وكيف كان فالنقص على نحو الضمان وعدمه لا يستدعي كون العبرة بالثلث على حال قبض الوارث. فلاحظ.


تكن كثيرة [١] ، إذ لا يعلم إرادته هذه الزيادة المتجددة ، والأصل عدم تعلق الوصية بها. ولكن لا وجه له ، للزوم العمل بإطلاق الوصية [٢].

______________________________________________________

[١] قال في جامع المقاصد : « هذا يستقيم فيما إذا أوصى بقدر معلوم ، أما إذا أوصى بثلث تركته ، وكان في وقت الوصية قليلا ، فتجدد له مال كثير ـ بالإرث أو بالوصية أو بالاكتساب ـ ففي تعلق الوصية بثلث المتجدد مع عدم العلم بإرادة الموصي للموجود وقت الوصية والمتجدد نظر ظاهر ، منشؤه قرائن الأحوال على أن الموصي لم يرد ثلث المتجدد حيث لا يكون تجدده متوقعاً. وقد تقدم الاشكال فيما لو أوصى لأقرب الناس إليه ، وله ابن وابن ابن ، فمات الابن ، فان استحقاق ابن الابن لها لا يخلو من تردد ».

[٢] قد عرفت أن الحمل على حال الوفاة مقتضى قرينة المقام القطعية وحينئذ لا مجال للتشكيك المذكور. ولا لدفعه بالتمسك بالإطلاق ، فإن المقام ليس مقام الإطلاق والتقييد لتعين المراد. نعم يمكن فرض الإطلاق بلحاظ أن المال حال الوفاة تارة : يكون موجوداً حال الوصية ، وأخرى : لا يكون كذلك. لكن المستشكل لم يكن توقفه لذلك ، ولا لاحتمال هذا النحو من التقييد ، بل كأنه لاحظ حال الوصية في المقدار ولاحظ الزيادة من أحواله ، فكأن الموصي قال : ادفعوا ثلث مالي حال الوصية وإن زاد. وشكك جامع المقاصد في شموله للزيادة الكثيرة والمصنف تمسك بالإطلاق الشامل للزيادة الكثيرة مع أن الزيادة ليست من أحوال المال الثابت حال الوصية وربما تكون مباينة له ، بأن كان يملك حال الوصية دراهم فصار يملك دنانير ، فكيف يكون الإطلاق شاملا للزيادة مع المباينة؟ فلاحظ. وعلى تقدير الإطلاق فقرائن الأحوال التي ذكرها في جامع المقاصد غير ثابتة بنحو تصلح للتقييد ، فان مجرد عدم التوقع للزيادة لا يصلح لذلك.


نعم لو كان هناك قرينة قطعية [١] على عدم إرادته الزيادة المتجددة صح ما ذكر. لكن عليه لا فرق بين كثرة الزيادة وقلتها. ولو أوصى بعين معينة [٢] كانت بقدر الثلث أو أقل ثمَّ حصل نقص في المال أو زيادة في قيمة تلك العين ، بحيث صارت أزيد من الثلث حال الوفاة بطلت بالنسبة إلى الزائد مع عدم إجازة الوارث ، وإن كانت أزيد من الثلث حال الوصية ، ثمَّ زادت التركة أو نقصت قيمة تلك العين فصارت بقدر الثلث أو أقل ، صحت الوصية فيها. وكذا الحال إذا أوصى بمقدار معين كلي كمائة دينار مثلا.

( مسألة ٧ ) : ربما يحتمل [٣] فيما لو أوصى بعين معينة أو بكلي كمأة دينار مثلا ـ أنه إذا أتلف من التركة بعد موت‌

______________________________________________________

[١] أو غير قطعية مع كونها قرينة لتقييد المطلق ، أو صالحه للقرينة وإن لم يثبت كونها قرينة عند العرف ، فان ذلك كاف في رفع اليد عن الإطلاق ، ولا يختص ذلك بالقرينة القطعية ، ولا بالقرينة على التقييد وإن لم تكن قطعية ، فإن ما يصلح للقرينية كاف في رفع اليد عن الإطلاق.

[٢] هذا وما بعده يتفرع على كون العبرة بالثلث حال الوفاة لا حال الوصية.

[٣] قال في الجواهر : « إنما الإشكال في أن هذا ونحوه ( يعني الوصية بشي‌ء معين أو بمقدار كلي كمائة دينار ) هل يرجع إلى الوصية بحصة مشاعة من الثلث حتى أن التالف منه ينقص من الموصى به على حسب النسبة ، لأنه كالوصية بربع الثلث ـ مثلا ـ وأنه لا يرجع إلى ذلك ، بل هو كلي مضمون في الثلث ، حتى لو لم يبق منه إلا مقدار ما يساوي ذلك نفذت‌


الموصي يرد النقص عليهما أيضاً بالنسبة ، كما في الحصة المشاعة ، وإن كان الثلث وافياً. وذلك بدعوى أن الوصية بها ترجع إلى الوصية بمقدار ما يساوي قيمتها ، فيرجع إلى الوصية بحصة مشاعة. والأقوى عدم ورود النقص عليهما [١] ما دام الثلث وافياً ، ورجوعهما إلى الحصة المشاعة في الثلث أو في التركة لا وجه له ، خصوصاً في الوصية بالعين المعينة.

( مسألة ٨ ) : إذا حصل للموصي مال بعد الموت كما إذا نصب شبكة فوقع فيها صيد بعد موته ـ يخرج منه الوصية كما يخرج منه الديون [٢] ، فلو كان أوصى بالثلث أو الربع أخذ ثلث ذلك المال أيضاً مثلا ، وإذا أوصى بعين ، وكانت‌

______________________________________________________

الوصية؟ فيه وجهان منشؤهما أن الكلي يملك في الخارج لا على جهة الإشاعة على وجه تشمله عمومات الوصية ـ مثلا ـ أو أنه لا يملك إلا على جهة الإشاعة إلا ما خرج بالدليل ، كبيع الصاع من الصبرة بناء عليه ، لخبر الأطنان ».

[١] لإطلاق وجوب العمل بالوصية إذا لم تزد على الثلث ، وورود النقص على الموصى به في الفرضين المذكورين في المتن خلاف ذلك الإطلاق كما اختاره في الجواهر. ( ودعوى ) عدم ملك الكلي إلا على نحو الإشاعة ممنوعة مخالفة لما عند العرف. نعم إذا كانت الإشاعة في نفس الموصى به ـ كما إذا أوصى بالثلث أو الربع أو نحوهما ـ فورود النقص عليهما مقتضى الاشتراك في المشاع كما هو ظاهر.

[٢] نص على ذلك جماعة. لأن النصب فعل الميت ، والصيد أثره والأثر تابع المؤثر تبعية النماء الذي النماء.


أزيد من الثلث حين الموت ، وخرجت منه بضم ذلك المال ، نفذت فيها [١]. وكذا إذا أوصى بكلي كمائة دينار مثلا. بل لو أوصى ثمَّ قتل حسبت ديته من جملة تركته ، فيخرج منها الثلث [٢] كما يخرج منها ديونه إذا كان القتل خطأ ، بل وإن‌

______________________________________________________

[١] يشكل بأن النصب حال الوفاة يكون للوارث ، لأنه غير موصى به ، وإذا كان النصب للوارث كان أثره ـ وهو الصيد ـ له لا للميت حتى تخرج منه وصيته. نظير ما إذا ترك شاتين قد أوصى بأحدهما بعينها لزيد وكانتا متساويتين في القيمة ، فإنه ترد الوصية في سدس الشاة الموصى بها ، فاذا ولدت الشاة الأخرى لم يكن متداركاً به النقص ، لأنه ملك الوارث لا غير. وكذا الكلام فيما لو أوصى بمائة دينار مثلا فان العين الخارجية للوارث ، والنماء تابع لها ، فيكون للوارث.

[٢] إجماعا محكياً إن لم يكن محصلا ، كذا في الجواهر ، وفي جامع المقاصد : دعوى الإطباق عليه. وهو كذلك على الظاهر ، فإنه لم ينقل فيه خلاف أو إشكال. وتدل عليه النصوص ، كصحيح محمد بن قيس ، قال : « قلت له : رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع ، فيقتل الرجل خطأ ، يعني الموصي. فقال يجاز لهذه الوصية من ماله ومن ديته » (١). و‌خبر السكوني عن أبي عبد الله (ع) : « قال : قال أمير المؤمنين 7 : من أوصى بثلثه ثمَّ قتل خطأ ، فإن ثلث ديته داخل في وصيته » (٢) ‌، ونحوهما غيرهما.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب كتاب الوصايا حديث : ٢ ، ويوجد في الباب غير ذلك من الاخبار الدالة على المطلوب.


كان عمداً [١] وصالحوا على الدية. للنصوص الخاصة. مضافاً إلى الاعتبار ، وهو كونه أحق بعوض نفسه من غيره [٢].

______________________________________________________

[١] كما هو المشهور. وفي الجواهر « قيل : إنه حكيت إجماعات على ذلك وانه لم يخالف فيه ، الا ما يوهمه كلام ابن إدريس في باب قضاء الدين عن الميت ، وهو اجتهاد في مقابلة النص ». ويشير بالنص الى‌ خبر عبد الحميد : « سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن رجل قتل ، وعليه دين ، وأخذ أهله الدية من قاتله ، أعليهم أن يقضوا الدين؟ قال (ع) : نعم. قلت : وهو لم يترك شيئاً. قال (ع) : إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين » (١) ‌ونحوه خبر يحيى الأزرق عن أبي الحسن (ع) (٢). وإطلاقهما شامل للعمد. بل هو صريح‌ خبر أبي بصير عن أبي الحسن موسى ابن جعفر (ع) قال : « قلت : فان هو قتل عمداً وصالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى من الدين ، على أوليائه أم من الدية أو على إمام المسلمين؟ فقال (ع) : بل يؤدوا دينه من ديته التي صالح عليها أولياؤه ، فإنه أحق بديته من غيره » (٣). لكن النصوص المذكورة غير متعرضة الوصية ، فكأن الجماعة ألحقوها به ، بناء منهم على أن الدية ميراث ، والميراث بعد الوصية كما هو بعد الدين.

[٢] كأن المقتول ملك نفس القاتل عوض نفسه ، والولاية على ما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الدين والقرض ملحق حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الدين والقرض حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب أحكام القصاص حديث : ٢. لكن رواه عن الفقيه بطريقه عن علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن موسى بن جعفر (ع). وهو مروي هكذا في التهذيب الجزء : ٤ صفحة : ٨٣ طبع النجف. لكن رواه في الوافي ـ في باب أولياء الدم من أبواب القصاص في المجلد الثاني صفحة : ١٩٢ ـ عن التهذيب عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي الحسن موسى بن جعفر 7.


وكذا إذا أخذ دية جرحه خطأ [١] ، بل أو عمداً [٢].

______________________________________________________

ملكه لوليه ، فله العفو ، وله القتل ، وله المصالحة عليها بالعوض ، وهو الدية ، فالدية تكون للوارث بلحاظ كونه بمنزلة مورثه وقائماً مقامه ، فالمقتول وإن كان لا يملك نفسه حقيقة ، ولا يملك عوضها ـ وهي نفس القاتل ـ ولا يملك الدية التي هي عوض نفس المقتول بالصلح ، لكن لما كان ملك الوارث للدية بلحاظ كونه قائماً مقام مورثه ، فكأنه يأخذ المال بالإرث من المقتول ، لا بالأصالة عن نفسه ، والى ذلك يشير قوله (ع) في رواية أبي بصير : « فإنه أحق بديته » ‌، فهو حينئذ أحق باستيفاء الدية بتنفيذ وصيته من ورثته ، فهذه الاعتبارات متلازمة عرفاً ، فلا مجال للإشكال في نفوذ الوصية في الفرض.

[١] فان الميت يملك الدية في حياته ، وهي كسائر أمواله التي تخرج منها وصاياه إذا لم تزد على الثلث.

[٢] فإنه في العمد لم يملك الدية في حياته لكنه يملك القصاص ، والدية عوضه بالصلح ، فيكون ما يملكه قابلا لتنفيذ وصيته ولو بالمصالحة عليه. فلا إشكال.

وَما تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ وهو حسبنا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. الى هنا انتهى الكلام في مباحث الوصية. وكان في جوار الحضرة العلوية المقدسة ، على مشرفها أفضل الصلاة والسلام. في الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة احدى وثمانين وثلاثمائة وألف هجرية. وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.


فهرس الجزء الرابع عشر

من مستمسك العروة الوثقي

كتاب النكاح

٢٤

حكم الخنثى مع الذكر والأنثى

٣

استحباب النكاح في نفسه وكراهة العزوبة

٢٥

حكم النظر إلى الوجه والكفين وغيرهما من الأجنبية والأجنبي

٦

ما يستحب لمن يريد النكاح

٣٢

يجوز النظر إلى المحارم عدا العورة

٧

ما يكره لمن يريد النكاح

٣٣

المملوكة كالزوجة إلا ما استثني

٧

ما يستحب اختياره من النساء وما يكره

٣٤

النظر إلى الزوجة المعتدة من وطء الشبهة والطلاق الرجعي ، والأمة المعتدة من وطء الشبهة

٨

مستحبات الدخول على الزوجة

٣٤

ما يستثنى من عدم جواز النظر

٩

الكلام فيما ينثر في الأعراس

٣٨

النظر إلى الصبي والصبية مع التمييز وبدونه

٩

ما يستحب عنه الجماع

٤١

حكم تقبيل الرجل الصبية ووضعها في حجره

١٠

الأوقات التي يكره فيها الجماع

٤٢

نظر المملوك إلى مالكته

١١

بعض أحكام التزويج

٤٤

نظر الخصي إلى المرأة

١٢

يجوز النظر إلى المرأة التي يريد نكاحها

٤٦

حكم العنين والمجبوب والكبير الذي

١٧

يجوز النظر إلى الجارية التي يريد شراءها

١٨

حكم النظر إلى نساء أهل الذمة والبوادي

٢٢

جواز النظر إلى المماثل عدا العورة

٢٣

يجوز نظر الزوج إلى الزوجة وبالعكس


سقطت شهوته

٦٠

تحديد النظر المحرم

٤٧

الأعمى كالبصير في حرمة نظر المرأة إليه

[ فصل فيما يتعلق بأحكام الدخول على الزوجة ]

٤٨

سماع صوت الأجنبية والأجنبي

٦١

حكم الوطء في الدبر

٤٩

مصافحة الأجنبية والمحارم ولمسها

٦٤

وطء الحائض دبراً

٥٠

حكم ابتداء الرجل المرأة بالسلام

٦٤

هل يتحقق النشوز بعدم تمكين الزوجة من وطئها دبراً

٥١

يكره الجلوس في مجلس المرأة قبل برده

٦٥

ما يشترك فيه الوطء في الدبر مع الوطء في القبل من الاحكام وما يختلفان فيه

٥١

استئذان الولد إذا دخل على أبيه ، وعدم استئذان الوالد إذا دخل على ابنه

٦٨

إذا حلف على ترك الوطء يحنث بالوطء دبرا ً إلا مع قرينة صارفة

٥٢

الحد الذي يفرق فيه بين الأطفال في المضاجع

٦٨

حكم العزل عند الوطء

٥٢

النظر إلى العضو المقطوع من الأجنبي

٧١

حكم الدية لو تحقق العزل

٥٣

حكم وصل المرأة شعر غيرها بشعرها

٧٢

يحرم ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر

٥٤

لا تلازم بين جواز النظر وجواز المس

٧٤

تحديد الوطء الواجب

٥٤

يكره اختلاط النساء بالرجال إلا العجائز

٧٥

موارد جواز ترك الوطء

٥٥

صور الشك في كون الشخص ممن يجوز النظر إليه

٧٦

حكم ما لو كانت المرأة شبقة

٥٧

ما ذكره بعض الأعاظم (ره) في توجيه حرمة النظر مع الشك. ومناقشته

٧٧

حكم قضاء الوطء لو تركه عند تمام الأربعة أشهر

٥٩

يجب على النساء التستر كما يحرم على الرجال النظر ، وحكم العكس

( فصل )

٧٨

لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمالها تسع


سنين

٩٤

جواز الزيادة على الأربع في غير العقد الدائم

٧٩

حكم وطء المملوكة قبل إكمالها تسع سنين

٩٦

لا يجوز للحر أن يجمع بين أكثر من أمتين

٨٠

لو وطأ زوجته الصغيرة فأفضاها

٩٧

لا يجوز للعبد أن يجمع بين أكثر من حرتين. مع صور الجمع للحر والعبد

٨٣

وجوب دية الافضاء

٩٨

حكم العبد والأمة المبعضين

٨٤

وجوب النفقة على المفضاة ما دامت حية

١٠١

إذا أعتق العبد وعنده أكثر من أمتين

٨٥

تحقيق معنى الافضاء

١٠٢

تحقيق حال القرعة دليلا ومورداً

٨٦

إفضاء غير الزوجة

١٠٧

إذا أعتقت الأمة وهي عند العبد

٨٨

إفضاء الزوجة بعد إكمالها تسع سنين

١٠٧

من كان عنده أربع واحتمل أن بعضها بالعقد المنقطع فهل يتزوج الخامسة؟

٨٨

إذا كان المفضي صغيراً أو مجنوناً فهل الدية عليه أو على العاقلة؟

١١٠

حكم تزوج الخامسة في عدة طلاق الرابعة

٨٨

إذا حصل بالدخول قبل التسع عيب غير الافضاء ضمنه

١١٢

لو كانت الخامسة أخت المطلقة

٨٩

لو شك في إكمالها تسع سنين

١١٤

لو كانت العدة لغير الطلاق

٩١

يجري على الزوجة مع الافضاء جميع أحكام الزوجة

( فصل )

٩١

حكم النفقة عليها لو نشزت ، مع بعض أحكام نفقتها

١١٥

لا يجوز التزويج في عدة الغير

( فصل )

١١٥

تحريم المزوجة في العدة مؤبداً مع العلم أو الدخول بها

٩٣

لا يجوز في العقد الدائم الزيادة على أربع

١٢٠

لا يلحق استبراء الأمة بالعدة


١٢٠

جواز الاستمتاع بالأمة قبل الاستبراء بما دون الوطء

١٣٠

تزويج ذات البعل كتزويج المعتدة

١٢٠

لا يلحق بالتزويج الوطء بالملك أو التحليل

١٣٣

تزويج أمة الغير بدون اذنه

١٢٢

لا يلحق بالتزويج الوطء شبهة ، بل ولا زناء الا أن تكون العدة رجعية

١٣٣

لو تزوج امرأة عليها عدة لم تبدأ بها

١٢٢

لو عقد على المعتدة بعقد فاسد من جهة أخرى غير العدة

١٣٣

لو تزوج المعتدة ودخل بها ثم ولدت ولداً

١٢٣

المدار على علم الزوج لا الوكيل أو الولي

١٣٧

لو اجتمعت عدد مختلفة هل تتداخل أو تتعدد ، مع بعض الاحكام على القول بتعددها

١٢٥

لا مانع من تزويج المعتدة بصاحب العدة

١٤٦

لو كانت العدتان لشخص واحد

١٢٦

هل المعتبر في التحريم المؤبد الوطء في العدة ، أو يكفي العقد فيها مع الوطء بعدها؟

١٤٦

حكم المهر للموطوءة أو المزوجة في العدة

١٢٧

لو شك في أنها في العدة

١٤٧

مبدأ العدة في وطء الشبهة المصاحب للعقد والمجرد عنه

١٢٩

لو علم بتحقق العقد في العدة جاهلا وشك في الدخول أو علم بعدم الدخول وشك في علمه بكونها معتدة

١٤٨

حكم المهر لو كانت الموطوءة شبهة عالمة ، وحكم الأرش لو كانت أمة

١٢٩

حكم العلم الاجمالي بكون إحدى الامرأتين في العدة

١٥٢

لا يتعدد المهر بتعدد الوطء

١٣٠

لو علم أن المرأة في العدة وشك في أنها عدة لنفسه أو لغيره

١٥٢

حكم تزويج الزانية للزاني وغيره

١٥٣

حكم استبراء الزانية قبل التزويج

١٥٦

لا تحرم الزوجة على زوجها بزناها

١٥٨

الزنا بذات البعل

١٥٩

الزنا بذات العدة الرجعية

١٦٠

من لاط بغلام فأوقب حرمت عليه أمه وبنته وأخته


١٦١

لا تحرم على الموطوء أم الواطئ وبنته وأخته

ناسياً له

١٦٢

لو كان الموطوء خنثى

١٧٢

وطء الزوجة في حال الاحرام

١٦٣

الكلام في حرمة المذكورات إذا كان الوطء بعد التزويج بهن

١٧٢

لو تزوج في حال الاحرام بعقد فاسد من غير جهة الاحرام

١٦٥

لافرق في الام والبنت والأخت بين الرضاعية والنسبية

١٧٢

لو شك في وقوع التزويج حال الاحرام

١٦٥

لافرق في الوطء بين العمدي وغيره

١٧٣

بعض الكلام في أصالة الصحة

١٦٥

يجوز نكاح ولد الواطئ ابنة الموطوء أو أمه أو أخته

١٧٣

لو انكشف فساد الاحرام

[ فصل من المحرمات الأبدية التزويج حال الاحرام ]

١٧٥

لو أفسد إحرامه ثم تزوج

١٦٦

حرمة الزواج على المحرم

١٧٥

يجوز للمحرم الرجوع بالمطلقة الرجعية وتملك الإماء

١٦٧

اجازة نكاح الفضولي الواقع حال الاحرام

١٧٦

يجوز للمحرم التوكيل في ايقاع التزويج بعد الاحرام

١٦٨

بطلان نكاح المحرم

١٧٦

لو زوجه الفضولي في حال الاحرام

١٦٩

نكاح المحرم موجب للحرمة الأبدية مع العلم منه بحرمته

[ فصل في المحرمات بالمصاهرة ]

١٧٠

لو كان الزوج محلا وكانت الزوجة محرمة

١٧٧

تحديد مفهوم المصاهرة

١٧٢

لو تزوج المحرم غافلا عن احرامه أو

١٧٨

تحريم زوجة كل من الأب ولو كان صاعداً والابن ولو كان نازلا على الآخر نسبياً كان أو رضاعياً

١٧٩

لا تحرم مملوكة أحد هما على الآخر إذا لم تكن مدخولا بها ولا منظورة ولا ملموسة بشهوة ، وتحرم مع شئ من ذلك. وكذا المحللة


١٨٣

تحرم أم الزوجة وان علت حتى مع عدم الدخول بالزوجة

خالتها إلا بإذنهما

١٨٧

تحرم بنت الزوجة وان نزلت بشرط الدخول بالام ، ولا يعتبر كونها في حجره

١٩٨

يجوز نكاح العمة على بنت أخيها والخالة على بنت أختها وإن لم تأذنا ولا يعتبر علم العمة والخالة حينئذ بالحال

١٨٨

تحرم أم المملوكة الموطوءة وبنتها على الواطئ

٢٠٠

لو اقترن العقدان على العمة وبنت أخيها ، أو الخالة وبنت أختها

١٩٠

تحديد الدخول المحرم

٢٠١

هل يكفي الرضا من العمة والخالة أو يعتبر الاذن؟ مع بعض فروع المسألة

١٩١

لا يجوز للأب ولا للابن وطء مملوكة الآخر من غير عقد ولا تحليل

٢٠٣

لو اشترط على العمة أو الخالة الاذن في تزويج بنت الأخ أو الأخت

١٩٢

يجوز للأب تقويم مملوكة ابنه الصغير على نفسه

٢٠٤

إذا تزوج من غير إذنهما ثم أجارتا

١٩٣

الكلام في إلحاق الجد بالأب ، ومملوكة البنت بمملوكة الابن

٢٠٦

إذا ادعتا عدم الاذن وادعى هو الاذن

١٩٣

لا يلزم اجراء صيغة العقد مع التقوم كما لا يلزم ملاءة الأب ، ويلزم أن لا يكون مفسدة للصبي

٢٠٦

إذا تزوج العمة وابنة الأخ وشك في السابق منهما

١٩٤

إذا زنى الابن بمملوكة الأب حد ، وحكم الأب لو زنى بمملوكة الابن

٢٠٧

إذا تزوج بنت الأخ أو الأخت ثم شك في اذن العمة أو الخالة

١٩٥

إذا وطئ أحدهما مملوكة الآخر شبهة لم يحد مع الكلام في حكم الولد

٢٠٧

إذا تزوج امرأة ثم صارت بنت أخ لامرأته أو بنت أخت بالرضاع مع الكلام فيما لو جمع بينهما في حال الكفر ثم أسلم

١٩٦

لا يجوز نكاح المرأة على عمتها أو

٢٠٧

حكم تزوج بنت الأخ أو الأخت في عدة عمتها أو خالتها


٢٠٨

الكلام في جريان الحكم في المملوكتين والمختلفتين

٢٣٣

تحرم منظورة الأب وملموسته بشهوة على الابن ، وكذا العكس بخلاف ما إذا لم يكن النظر أو اللمس عن شهوة

٢٠٨

الزنا بعد العقد لا يوجب حرمة المعقودة بالمصاهرة

٢٣٣

هل تحل أم الملموسة أو المنظورة وبنتها للامس والناظر؟

٢١٠

الزنا بالعمة والخالة يحرم نكاح بنتيهما

٢٣٤

هل يقوم النظر واللمس مقام الوطء في التحريم؟

٢١١

حكم الزنا بغير العمة والخالة في تحريم بنتها وعدمه

٢٣٦

الكلام في لمس الوجه والكفين والنظر إليهما

٢١٨

حكم وطء الشبهة

٢٣٧

يحرم الجمع بين الأختين في النكاح

٢١٩

إذا زنى بمملوكة أبيه هل تحرم على الأب؟

٢٣٨

يحرم الجمع بين الأختين في الملك مع الوطء

٢٢١

الكلام في ترتب حكم الزنا مع الوطء في الدبر

٢٣٩

حكم الجمع بينهما في الملك مع الاستمتاع بما دون الوطء

٢٢٢

بعض فروع الشك في الزنا

٢٤٠

يحرم الجمع بين الأختين بتزويج إحداهما ووطء الأخرى بالملك

٢٢٣

الكلام في الضابط الفارق بين الزنا ووطء الشبهة

٢٤٢

لو وطء إحدى الأختين بالملك ثم تزوج الأخرى

٢٣١

حكم الزنا بالميتة ، وادخال عضو الميت في فرج المرأة

٢٤٣

لو تزوج إحدى الأختين ثم تزوج الأخرى بطل عقد الثانية.

٢٣٢

إذا كان الزنا بعد العقد ثم طلقت لم يمنع من الرجوع بها في العدة ، ومنع من تجديد العقد عليها

٢٤٤

لو تزوج بالأختين واشتبه العقد السابق

٢٣٢

إذا وقع العقد فضولا ثم حصل الزنا قبل الإجازة


٢٤٥

هل يجبر على طلاقهما احتياطاً ، لا يد التسريح بالاحسان ، أو لقاعدة نفى الضرر والحرج. مع التنبيه للفرق في القاعدة بين الواجبات والمحرمات

عدم الطول. وخوف العنت

٢٤٧

الرجوع إلى القرعة

٢٦٨

تحقيق المراد بخوف العنت

٢٤٨

احتمال فسخ الحاكم طلاقهما

٢٧١

التمتع بالأمة مع عدم الشرطين

٢٤٨

حكم المهر مع الطلاق

٢٧٢

أفضلية الصبر عن نكاح الأمة حتى مع الشرطين

٢٤٩

قاعدة العدل والانصاف في الماليات

٢٧٤

لو تزوجها مع الشرطين ثم فقدهما مع فروع للمسألة

٢٥١

لو اقترن عقد الأختين

٢٧٦

لو طلبت الحرة أكثر من مهر المثل وكان قادراً عليه. وفيه تحقيق في مورد قاعدة نفي الضرر

٢٥٣

لو كان عنده أختان مملوكتان فوطئ إحداهما حرمت عليه الأخرى

٢٧٨

( تنبيه ) في أن الحرمة وضعية لا تكليفية

٢٥٥

إذا وطئ الثانية حرمت عليه الموطوءة الأولى على تفصيل مع بيان بعض فروع ذلك

( فصل )

٢٥٩

حكم الجمع بين الأختين من الزنا

٢٧٨

يجوز نكاح الأمة على الحرة مع إذنها

٢٥٩

حكم التزوج بإحدى الأختين في عدة أختها

٢٧٩

بطلان نكاح الأمة مع عدم إذن الحرة

٢٦١

حكم تزوج إحدى الأختين مع الزنا بالأخرى أو وطئها شبهة

٢٨٠

إذا رضيت الحرة بالعقد على الأمة بعد وقوعه

٢٦٢

يجوز الجمع بين فاطميتين

٢٨٣

لو لم تكن الحرة صالحة للاذن لصغر ونحوه

٢٦٦

حكم تزويج الأمة مع عدم الشرطين :

٢٨٣

نكاح الحرة على الأمة

٢٨٤

لو تزوج الحرة والأمة في عقد واحد مع بعض فروع المسألة


٢٨٦

لو زوج الحرة فضولا ، ثم تزوج الأمة ، ثم أجاز عقد الحرة

٣٠٣

هل يملك العبد والأمة ، أولا؟

٢٨٧

لو عقد على الحرة والأمة واشتبه السابق من العقدين

٣٠٦

إذا اشترت العبد زوجته بطل النكاح وحكم المهر. مع التعرض إلى الضابط الذي يرجع إليه في سقوط المهر وبقائه

٢٨٧

لو شرط على الحرة أن تأذن في عقد الأمة

٣١١

إذا اشترت العبد زوجته بالمهر الذي لها في ذمة السيد أو العبد

[ فصل في نكاح العبيد والإماء ]

٣١٢

الولد بين المملوكين رق

٢٨٨

أمر تزويج المملوك راجع إلى مالكه

٣١٢

إذا كان أحد الأبوين حراً فالولد حر

٢٩٠

لو تزوج العبد أو الأمة بدون إذن المولى وقف على إجازته

٣١٤

إذا كان الحر زانياً فالولد رق

٢٩٣

الإجازة كاشفة

٣١٥

بيان مالك الولد إذا كان أبواه لمالكين في الصور المختلفة

٢٩٣

حكم الإجازة بعد الرد ، أو النهي عن العقد

٣١٨

لا يصح اشتراط رقية الولد إذا كان أحد أبويه حراً

٢٩٤

حكم المهر والنفقة ، وأنهما على العبد أو على المولى على اختلاف صور المسألة

٣١٩

فساد الشرط هل يوجب فساد العقد؟ مع الكلام في خصوصية النكاح في ذلك

٢٩٩

إذا أطلق المولى الاذن حملت على المتعارف من حيث الزوجة والمهر. مع الإشارة إلى أن التعارف في الماليات ونحوها يوجب تقييد الاطلاق دون سائر المقامات ، والى وجه ذلك

٣٢٢

الكلام فيما لو تزوج الحر الأمة من غير إذن مولاها ، من حيث حكم الولد ، والمهر ، والأرش

٣٠٠

مهر الأمة المزوجة للمولى. ونفقتها على زوجها

٣٢٧

لو لم يجز المولى حتى مات فهل يصح العقد بإجازة وارثه؟

٣٠١

حكم استخدام المولى للأمة

٣٢٨

إذا دلست الأمة فادعت الحرية


وتزوجت. مع الكلام في حكم الولد حينئذ

شيئاً أو زوجها من عبده؟

٣٣٦

لو ادعت الحرية فهل تقبل دعواها؟

٣٤٩

إذا مات المولى فلورثته الامر بالمفارقة وحكم ما لو تعدد الورثة

٣٣٧

إذا تزوج عبد بحرة من دون إذنه مولاه

٣٥٠

إذا زوج الأمة غير مولاها بغير اذنه مع جهل الزوج بذلك

٣٤٠

إذا زنى العبد بحرة

٣٥١

لو تزوج أمة بين شريكين ثم اشترى بعضها

٣٤٠

إذا زنى الحر بأمة

٣٥٢

حكم المبعضة ، وكيفية استمتاع مالك بعضها بها

٣٤١

يجوز للمولى تحليل أمته لعبده

[ فصل في الطوارئ ]

٣٤٢

هل يدخل التحليل في عقد النكاح ، أو ملك اليمين ، أو دو قسم ثالث؟ (ش)

٣٥٤

إذا أعتقت الأمة كان لها فسخ نكاحها

٣٤٣

يجوز للمولى أن ينكح عبده أمته ، وأن ذلك لا يرجع إلى التحليل

٣٥٦

حكم المهر لو أعتقت الأمة مع بعض فروع المسألة

٣٤٣

هل يحتاج إنكاح المولى عبده أمته إلى القبول؟ وتحقيق الفرق بين العقد والإيقاع

٣٦٠

إذا كان العتق في العدة الرجعية ، أو البائنة

٣٤٥

حكم الولي والوكيل عن الطرفين من حيث الحاجة إلى القبول وعدمها

٣٦١

لا يحتاج فسخ المعتقة إلى إذن الحاكم

٣٤٧

لو أذن لعبده وأمته في ايقاع النكاح بينهما فهل يحتاج إلى القبول؟

٣٦١

فورية الخيار

٣٤٧

كيفية تفريق المولى بين عبده وأمته المزوجة منه

٣٦٢

حكم ما لو كانت المعتقة صبية أو مجنونة لا يصح منها الاختيار

٣٤٨

هل يجب على المولى أن يدفع لامته

٣٦٣

لا يجب على الزوج إعلامها بالعتق أو ثبوت حق الخيار لها

٣٦٣

الكلام في ثبوت الخيار لها لو كان


التزويج باختيارها للزوج

٣٧٨

هل يعتبر الموالاة بين الايجاب والقبول؟

٣٦٣

لو شرط المولى في العتق عدم الفسخ

٣٧٩

هل يعتبر اتحاد مجلس الايجاب والقبول

٣٦٤

لو أعتق العبد فلا خيار له ولا لزوجته

٣٨٠

يعتبر في العقد التنجيز

٣٦٥

لو كان عند العبد حرة وأمتان وأعتقت إحدى الأمتين ، أو نحو ذلك

٣٨٠

تحقيق في مفاد التعليق في الانشاء

[ فصل في العقد وأحكامه ]

٣٨٢

ما يلزم مراعاته مع ايقاع العقد على وجه مخالف للاحتياط اللزومي

٣٦٧

يعتبر في العقد الايجاب والقبول اللفظيان

٣٨٣

في عقد الصبي

٣٦٨

في ألفاظ الايجاب

٣٨٦

في عقد السكران

٣٦٨

هل يعتبر في العقد العربية؟

٣٨٦

عقد السكري إذا أجازت بعد الإفاقة وتحقيق حال صحيحة ابن بزيع

٣٦٩

هل يعتبر في العقد الماضوية؟

٣٨٨

عقد السفيه ، والمكره إذا أجاز.

٣٧٠

هل يعتبر تقديم الايجاب على القبول؟

٣٨٩

لا يشترط الذكورة في العاقد

٣٧١

هل يعتبر كون الايجاب من الزوجة والقبول من الزوج؟

٣٨٩

يعتبر بقاء المتعاقدين على الأهلية في تمام العقد

٣٧٢

في ألفاظ القبول

٣٩٢

اعتبار تعيين الزوج والزوجة

٣٧٣

هل يجزي القبول بلفظ الامر ، ورواية سهل الساعدي

٣٩٤

الكلام فيما لو اختلف الاسم والوصف والإشارة

٣٧٦

عقد الأخرس

٣٩٦

إذا تنازعا في التعيين وعدمه

٣٧٦

لا يكفي العقد بالكتابة

٣٩٦

إذا تنازع الزوج وولي الزوجة في المرأة التي عيناها

٣٧٦

لا يجب التطابق بين الايجاب والقبول في الفاظ المتعلقات

٣٩٧

( تنبيه ) في بيان اختلاف المسألة باختلاف المباني. مع تحقيق المدعي

٣٧٧

حكم الايجاب بلفظ ( نعم ). مع بعض فروع العقد


من المنكر على بعض صور المسألة مع الكلام في وظيفة الولي (ش)

٤١٥

المسألة الثالثة : إذا تزوج امرأة ثم ادعى رجل آخر سبق زوجيتها

٣٩٨

من كان له عدة بنات فزوج واحدة ولم يسمها عند العقد

٤١٦

سماع الدعوى وإن لم يكن لها أثر فعلي (ش)

٣٩٩

صحيحة أبي عبيدة الحذاء وتوجيه الأصحاب لها

٤١٩

إذا صدقت المرأة المزوجة المدعي لزوجيتها

٤٠٢

لا يصح تزويج الحمل

٤٢٠

المسألة الرابعة إذا ادعى رجل زوجية امرأة وأنكرت فهل يجوز أن تتزوج قبل تمامية الدعوى؟

٤٠٣

لا يشترط في النكاح علم كل من الزوجين بأوصاف الآخر

٤٢٣

المسألة الخامسة : لو ادعى رجل زوجية امرأة وأنكرت ، وادعت زوجيته امرأة لا يجوز نكاحها مع الأولى

[ فصل في مسائل متفرقة ]

٤٢٦

رواية الزهري وتحقيق الكلام فيها

٤٠٤

الأولى : لا يصح اشتراط الخيار في النكاح

٤٣٠

المسألة السادسة : إذا تزوج العبد بمملوكة ثم اشتراها لنفسه أو للمولى أو مطلقاً

٤٠٥

هل يبطل العقد باشتراط الخيار فيه؟

٤٣٢

المسألة السابعة : يجوز تزويج امرأة تدعي أنها خلية من غير فحص

٤٠٧

يصح اشتراط الخيار في المهر في العقد الدائم دون المنقطع

٤٣٣

إذا كانت متهمة في دعواها أنها خلية

٤٠٨

المسألة الثانية : إذا تصادق الرجل والمرأة على الزوجية حكم لها بها

٤٣٤

المسألة الثامنة : إذا ادعت أنها خلية فتزوجت ثم ادعت أنها كانت مزوجة

٤٠٩

إذا ادعى أحد هما الزوجية وانكر الآخر

٤٣٤

المسألة التاسعة : إذا وكلا في إيقاع عقد النكاح لا يجوز لهما ترتيب أحكامه

٤١١

إذا رجع المنكر إلى الاقرار أو المقر إلى الانكار

٤١٣

تحقيق في قاعدة الاقرار ، وسماع دعوى المواطأة ونحوها فيه


إلا إذا علما بوقوعه ، وحجية قول الوكيل في ذلك

بالزنا ، أو بوطء الشبهة ، أو تزوجت ومات زوجها أو طلقها قبل أن يدخل بها

[ فصل في أولياء العقد ]

٤٥١

لا يشترط في ولاية الجد حياة الأب ، أو موته

٤٣٥

ولاية الأب والجد للأب

٤٥٣

لاخيار للصغيرين بعد كما لهمام في فسخ تزويج الولي لهما

٤٣٧

عدم ولاية الام ، ولا الجد من جهة الأمهات

٤٥٥

يشترط في صحة تزويج الولي عدم المفسدة

٤٣٧

عدم ولاية الأخ والعم والخال وأولادهم

٤٥٦

هل يشترط ملاحظة المصلحة ، أو الأصلح؟

٤٣٧

تثبت ولاية الأب والجد على الصغيرين والمجنون المتصل جنونه بالصغر

٤٥٧

إذا زوجها الولي بدون مهر المثل

٤٣٨

هل تثبت ولاية الأب والجد على المجنون المنفصل جنونه على الصغر؟

٤٥٨

تحقيق الكلام في أنه مع التزويج بدون مهر المثل هل يكون موضوع الضرر هو المهر فقط أو هو التزويج بذلك المهر؟(ش)

٤٣٩

لا ولاية للأب والجد على البالغ الرشيد ، والبالغة الرشيدة الثيب

٤٥٩

لا يصح نكاح السفيه المبذر إلا بإذن الولي

٤٣٩

الكلام في ولاية الأب والجد على البالغة الرشيدة البكر مع التعرض للأقوال الكثيرة ، وأدلتها ، والجمع بين الأدلة بوجه لم يسبق إليه

٤٦٠

حكم السفيه في أمر النكاح مع الرشد في الماليات

٤٤٨

لا ولاية للولي إذا عضل المرأة

٤٦١

استقلال كل من الأب والجد في الولاية فإذا سبق أحد هما لم يبق

٤٤٩

سقوط ولاية الأب والجد إذا غابا مع حاجتها إلى التزويج

٤٥٠

إذا ذهبت بكارتها بغير الوطء ، أو


موضوع للاخر

٤٨٤

لا يجوز تزويج الولي في حال الاحرام

٤٦١

لو عقدا معاً وجهل السابق أو علم بالتقارن

٤٨٥

لا يجوز للوكيل التعدي عما عينه الموكل ومع الاطلاق يراعي المصلحة

٤٦٥

إذا تشاح الأب والجد قدم اختيار الجد ، وحكم ما لو بادر الأب فعقد

٤٨٥

إذا وكلت المرأة رجلا في تزويجها فهل له أن يزوجها من نفسه؟

٤٦٦

لو تشاح الجد الأسفل والجد الأعلى

٤٨٦

هل يجوز أن توكل المرأة رجلا في تزويجها من نفسه من التعرض لموثقة عمار في المسألة

٤٦٧

حكم تزويج الولي للمولى عليه بمن به عيب

٤٨٧

النكاح الفضولي يصح الإجازة

٤٧١

مملوك المملوك كالمملوك يتولى تزويجه المولى

٤٩٠

بيان المراد بالفضولي

٤٧١

في ثبوت الولاية للوصي على المجنون والصغير ، وعدمه

٤٩١

لا يعتبر في الإجازة الفورية

٤٧٣

في أن آية الوصية لا تشمل الوصية بشؤون الغير

٤٩١

لا تصح الإجازة بعد الرد

٤٧٦

لا ولاية لوصي الأب مع حضور الجد ، وبالعكس

٤٩٣

تقع الإجازة بكل ما يدل على إن شاء الرضا

٤٧٦

ولاية الحاكم الشرعي

٤٩٣

حكم إجازة من يرى لزوم العقد أو الإجازة عليه

٤٧٧

توجيه ولاية الحسبة

٤٩٤

الإجازة كاشفة. مع بيان وجه النقل ووجوه الكشف الحقيقي والحكمي والإنقلابي. وتوجيه الكشف الانقلابي بما يوافق الارتكاز والقواعد

٤٧٨

يستحب للمرأة أن تستأذن أباها أو جدها أو أخاها الأكبر

٤٩٩

الرضا التقديري لا يكفي في الخروج عن الفضولية

٤٧٩

في أن اذن البكر سكوتها

٤٨٠

شرائط الأولياء : البلوغ ، والعقل ، والحرية ، والاسلام إذا كان المولى عليه مسلماً


٥٠٠

حكم الرضا الفعلي غير المقرون بما يدل عليه

حق غير الفضولي قبل الإجازة من الأصيل أو بعدها؟

٥٠٢

إذا كان كارها حال وقوع عقد الفضولي فهل يصح بالإجازة؟

٥١٩

هل تصح إجازة الفضولي إذا أوقع المجيز عقداً ينافيه

٥٠٣

إذا اعتقد الفضولي أنه ولي أو وكيل

٥٢٠

إذا زوجها الوكيلان من رجلين واشتبه السابق. مع بيان أن في المسألة وجوهاً خمسة. وتقريب الرجوع إلى القرعة

٥٠٤

إذا قال : « زوجت موكلتي » ولم تكن وكلته

٥٢٣

إذا تصادقا على الزوجية حكم لهما بها

٥٠٤

هل يجوز إجازة العقد في بعض مضمونه دون بعض؟ وفيه تحقيق مهم وتنبيه على أن انحلال العقد في تبعيض الصفقة ونحوه ليس حقيقياً بل ادعائياً عرفياً

٥٢٣

نهاية كتاب النكاح

٥٠٧

إذا أوقع العقد بعنوان الفضولية ولم يكن فضولياً. أو كان وكيلا في العقد ولم يبلغه التوكيل

٥٢٤

رسالة فيما لو طلق المخالف على طبق مذهبه ثم استبصر فهل له الرجوع إذا لم يكن الطلاق صحيحاً عندنا

٥٠٨

إذا كان عالماً بأنه وكيل وقصد الفضولية

كتاب الوصية

٥٠٩

إذا زوج الصغيران فضولا ، فمات أحد هما بعد بلوغه واجازته قبل إجازة الآخر وكذا الحال في المجنونين

٥٣١

اشتقاق الوصية لغة

٥١٥

إذا كان العقد فضولياً من أحد الطرفين ، فهل تترتب أحكامه في

٥٣٤

تقسيم الوصية إلى عهدية وتمليكية

٥٣٦

الوصية العهدية لا تحتاج إلى قبول وكذا الوصية بفك الملك كالعتق

٥٣٦

هل يعتبر القبول في الوصية التمليكية جزءاً أو شرطاً ، كاشفاً أو ناقلا ، أولا يعتبر بل يكون الرد مانعاً؟

٥٣٩

هل يصح قبول الوصية في حياة الموصي؟


٥٤٠

ما يجب عند ظهور إمارات الموت

ورد بعضهم

٥٤٤

هل يمنع رد الوصية من قبولها؟

٥٦٤

( الثالث ) : هل ينتقل الموصى به إلى وارث الموصى له من ورثه أو من الموصي ابتداء؟

٥٤٦

لا يعتبر في صحة الوصية التمليكية القبض

٥٦٧

( الرابع ) : هل المدار على الوارث حين موت الموصى له أو حين موت الموصي؟

٥٤٨

إذا أوصى لشخص بشيئين فقبل الموصى له أحد هما دون الآخر. مع تحقيق الكلام في وجه التفكيك بين المضامين الانشائية في الصحة والبطلان

٥٦٨

( الخامس ) : إذا أوصي له بأرض فمات قبل القبول فهل ترث منها الزوجة؟

٥٥١

الكلام في جواز التصرف للورثة في العين الموصى بها قبل قبول الموصى له ، وفي اجباره على التعجيل باختياره القبول أو الرد

٥٦٩

( السادس ) : إذا كان الموصى به ممن ينعتق على الموصى له

٥٥٢

إذا مات الموصى له قبل القبول أو الرد قام وارثه مقامه

٥٧٤

( السابع ) : هل يخص الحكم بالوصية التمليكية أو يجري في العهدية أيضاً؟

٥٥٣

تفصيل الكلام في الفرق بين الحق والملك والحكم

٥٧٤

لا يعتبر القبول في الوصية العهدية ولا في الوصية التمليكية للنوع أو الجهة

٥٥٨

اخبار مسألة موت الموصى له قبل القبول

٥٧٧

يكفي في تحقق الوصية كل لفظ دل عليها ، بل يكفى الفعل أيضاً حتى الإشارة والكتابة على كلام

٥٦٢

فروع مسألة موت الموصى له قبل القبول ( الأول ) : هل يشمل الحكم ورثة الوارث؟

٥٧٩

يشترط في الموصي أمور ( الأول ) البلوغ ، فلا تصح وصية الصبي ، إلا أن يبلغ عشراً

٥٦٣

( الثاني ) : فيما إذا قبل بعض الورثة


٥٨٣

( الثاني ) : العقل.

٥٩٩

إذا قصد الوصية بثلثي الورثة لم تصح وان كانت دون الثلث إلا بإجازة الورثة ، إلا إذا كانت في واجب فتنفذ من الأصل

٥٨٣

( الثالث ) : الاختيار.

٦٠٠

إذا أوصى بما زاد على الثلث ولم يعلم كونها في واجب حتى تنفذ أولا حتى لا تنفذ فهل يحكم بنفوذها أولا؟

٥٨٣

( الرابع ) : الرشد على كلام

٦٠٤

إذا أقر بكون ما أوصى به من الواجب نفذ إقراره ووجب إخراجه من الأصل

٥٨٤

لا بأس بوصية المفلس

٦٠٤

إذا أجاز الوارث في حياة الموصي فهل له العدول عن إجازته؟

٥٨٤

( الخامس ) : الحرية. مع الكلام فيما لو أوصى العبد ثم عتق

٦٠٧

الإجازة من الوارث تنفيذ لعمل الموصي لا ابتداء عطية

٥٨٧

( السادس ) : أن لا يكون قاتل نفسه قبل الوصية في الوصية بالمال

٦٠٨

إذا أجاز الورثة ثم ادعوا قلة المال الموصى به

٥٩٠

يصح لكل من الأب والجد مع فقد الآخر الوصية بالولاية على الأطفال دون غير هما من الأولياء

٦١٣

المدار في الثلث على حال وفاة الموصي لاحال الوصية

[ فصل في الموصى به ]

٦١٦

لو أوصى بمقدار فتلف بعض التركة قبل تنفيذ الوصية لم يلحقه النقص إذا لم يتجاوز ثلث الباقي

٥٩٤

تصح الوصية بكل ما فيه غرض عقلائي وإن لم يكن موجوداً فعلا

٦١٧

إذا حصل للموصي مال بعد الموت نفذت منه وصيته كباقي أمواله على تفصيل

٥٩٥

لا تصح الوصية بالمحرمات على كلام

٦١٨

إذا قتل خطأ أو عمداً فديته بحكم ماله تنفذ منها الوصية وكذا دية الجروح

٥٩٦

حكم وصية الكافر المحرمات

٥٩٦

لا تصح الوصية بمال الغير

٥٩٦

حكم الوصية عن الغير فضولا

٥٩٧

يشترط في نفوذ الوصية عدم زيادتها على الثلث ومع زيادتها عليه يتوقف نفوذها في الزائد على إجازة الورثة

٥٩٩

إذا أجاز بعض الورثة دون بعض نفذت في حصة المجيز فقط

مستمسك العروة الوثقى - ١٤

المؤلف: السيد محسن الطباطبائي الحكيم
الصفحات: 637