

المقصد السادس
: في الوكالة
وفيه فصول :
الفصل الأوّل
: في حقيقتها ومشروعيّتها
الوكالة : عقد
شُرِّع للاستنابة في التصرّف ، وهي جائزة بالكتاب والسنّة والإجماع.
أمّا الكتاب : فقوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ
لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ) فجوّز العمل [
عليها ] وذلك بحكم النيابة عن المستحقّين.
وقوله تعالى : (
فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ
أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ) وهذه وكالة.
وقوله تعالى : ( اذْهَبُوا
بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً ) وهذه وكالة.
__________________
وأمّا السنّة : فما روى العامّة عن جابر بن عبد الله قال : أردت
الخروج إلى خيبر فأتيت النبي 6 وقلت له : إنّي أردتُ الخروج إلى خيبر ، فقال : « إذا
لقيتَ وكيلي فخُذْ منه خمسة عشر وسقاً ، فإن ابتغى منك آيةً فضَعْ يدك على ترقوته
» .
وروي أنّه 6 وكّل عمرو بن
أُميّة الضمري في قبول نكاح أُمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، ووكّل أبا رافع
في نكاح ميمونة .
وروى عروة بن
الجعد البارقي قال : عُرض للنبيّ 6 جَلَبٌ فأعطاني ديناراً ، فقال : « يا عروة ائت الجَلَب فاشتر لنا
شاةً » قال : فأتيتُ الجَلَبَ فساوَمْتُ صاحبَه فاشتريتُ شاتين بدينار فجئتُ
أسوقهما ، أو : أقودهما ، فلقيني رجل بالطريق فساومني ، فبعتُ منه شاةً بدينار
وأتيت النبيّ 6 بالدينار والشاة ، فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه
شاتكم ، قال : « وصنعتَ كيف؟ » قال : فحدّثته الحديث ، فقال : « اللهمّ بارك في
صفقة يمينه » .
__________________
وروي أنّه وكّل
حكيم بن حزام في شراء شاة .
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة
ثابتة أبداً حتى يُعْلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها » وغير ذلك من
الأحاديث.
وقد أجمعت الأُمّة
في جميع الأعصار والأمصار على جواز الوكالة في الجملة.
ولأنّ اشتداد
الحاجة الداعية إلى التوكيل ظاهرٌ ، فإنّه لا يمكن كلّ أحدٍ مباشرة جميع ما يحتاج
إليه من الأفعال ، فدعت الضرورة إلى الاستنابة ، فكانت مشروعةً.
ولا بدّ في
الوكالة من عقدٍ مشتملٍ على إيجابٍ وقبولٍ ، ومن موكّلٍ يصدر عنه الإيجاب ، ومن
وكيلٍ يصدر عنه القبول ، ومن أمرٍ تقع الوكالة فيه. فأركان الوكالة أربعة نحن
نذكرها في فصلٍ ثمّ نعقّب بأحكام الوكالة في فصلٍ آخَر إن شاء الله تعالى.
__________________
الفصل الثاني
: في أركان الوكالة
وفيه أربعة مباحث
:
البحث
الأوّل : في الصيغة.
الوكالة عقد
يتعلّق به حقّ كلّ واحدٍ من المتعاقدين ، فافتقر إلى الإيجاب والقبول ، كالبيع.
والأصل فيه عصمةُ
مال المسلم ، ومنعُ غيره من التصرّف فيه إلاّ بإذنه ، فلا بدّ من جهة الموكّل من
لفظٍ دالٍّ على الرضا بتصرّف الغير له ، وهو كلّ لفظٍ دالٍّ على الإذن ، مثل أن
يقول : وكّلتك في كذا ، أو فوّضته إليك ، وأنَبْتُك فيه ، وما أشبهه.
ولو قال : وكِّلني
في كذا ، فقال : نعم ، أو أشار بما يدلّ على التصديق ، كفى في الإيجاب.
ولو قال : بِعْ
وأعتق ، ونحوهما ، حصل الإذن ، وهذا لا يكاد يُسمّى إيجاباً ، بل هو أمر وإذْنٌ ،
وإنّما الإيجاب قوله : وكّلتك ، أو : استنبتك ، أو : فوّضت إليك ، وما أشبهه.
وقوله : « أذنتُ
لك في فعله » ليس صريحاً في الإيجاب ، بل إذْنٌ في الفعل.
وقد وكّل النبيّ 6 عروة بن الجعد
البارقي في شراء شاة بلفظ الشراء .
__________________
وقال تعالى
مُخبراً عن أهل الكهف : ( فَابْعَثُوا
أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى
طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ) .
ولأنّه لفظ دلّ
على الإذن ، فجرى مجرى قوله : وكّلتك.
مسألة
٦٤٥ : لا بدّ من القبول
إمّا لفظاً ـ وهو كلّ ما يدلّ على الرضا بالفعل ـ أو فعلاً.
ويجوز القبول
بقوله : « قبلت » وما أشبهه من الألفاظ الدالّة عليه ، وبكلّ فعلٍ دلّ على القبول
، نحو أن يأمره بالبيع فيبيع ، أو بالشراء فيشتري ؛ لأنّ الذين وكّلهم النبيّ 6 لم ينقل عنهم سوى
امتثال أمره ، ولأنّه إذنٌ في التصرّف ، فجاز القبول فيه بالفعل ، كأكل الطعام.
والقبول يُطلق على
معنيين :
أحدهما : الرضا
والرغبة فيما فوّضه إليه. ونقيضه الردّ.
والثاني : اللفظ
الدالّ عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر المعاملات.
ويعتبر في الوكالة
القبولُ بالمعنى الأوّل حتى لو ردّ وقال : لا أقبل ، أو : لا أفعل ، بطلت الوكالة.
ولو ندم وأراد أن يفعل أو يرجع [ لا ينفع ] بل لا بُدَّ من استئناف إذنٍ جديد مع علم الموكّل ؛ لأنّ
الوكالة جائزة من الطرفين ترتفع في الالتزام بالفسخ ، فلأن تُرتدّ في الابتداء
بالردّ كان أولى.
وأمّا بالمعنى
الثاني ـ وهو القبول اللفظي ـ فالوجه عندنا : أنّه لا يشترط ؛ لأنّه إباحة ورفع
حجر ، فأشبه إباحة الطعام لا يفتقر إلى القبول اللفظي ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.
__________________
والثاني :
الاشتراط ؛ لأنّه إثبات حقّ التسليط والتصرّف للوكيل ، فليقبل لفظاً ، كما في سائر
المملّكات .
ولهم طريقٌ آخَر :
إنّ الوجهين فيما إذا أتى بصيغة عقدٍ بأن قال : وكّلتك ، أو : استنبتك ، أو : فوّضت
إليك ، وأمّا في صِيَغ الأمر ـ نحو : بِعْ ، أو : اشتر ـ فلا يشترط القبول لفظاً
جزماً ، بل يكفي الامتثال على المعتاد ، كما في إباحة الطعام .
وقال بعض
الشافعيّة : إنّ قوله : « أذنت لك في كذا » بمثابة قوله : « بِعْ واعتق » لا
بمثابة قوله : « وكّلتك » وإن كان « أذنت » على صِيَغ العقود .
إذا ثبت هذا ،
فإنّ الوكيل إن شاء قَبِل بلفظه ، وإن شاء تصرّف ، وكان ذلك قبولاً منه ؛ لأنّ
الوكالة أمر له ، فيصير بالتصرّف محصّلاً للأمر ، بخلاف سائر العقود من البيع
والإجارة والهبة والوصيّة ، فإنّها تتضمّن التمليك ، فافتقرت إلى القبول بالقول ،
والتوكيل جارٍ مجرى الوديعة والعارية لا يفتقر إلى القبول بالقول ؛ لأنّ ذلك أمر
وإباحة.
مسألة
٦٤٦ : ويجوز عندنا
القبول على الفور والتراخي ، نحو أن يبلغه أنّ رجلاً وكّله في بيع شيء منذ سنة
فيبيعه ، أو يقول : قبلت ، أو يأمره بفعل شيء فيفعله بعد مدّة طويلة ؛ لأنّ قبول
وكلاء النبيّ 6 لوكالته كان بفعلهم ، وكان متراخياً عن توكيله إيّاهم ،
ولأنّه أذن في التصرّف ، والإذن قائم ما لم يرجع عنه ، فأشبه الإباحة ، ولأنّ
الوكالة عقد يحتمل فيه
__________________
ضروب من الجهالة ،
ويصحّ في الموجود والمفقود ، فيحتمل فيه تأخير القبول ، كالوصيّة ، وهو الظاهر من
مذهب الشافعي .
وقال القاضي أبو
حامد من أصحابه : إنّه يجب أن يكون على الفور ، كالبيع .
وقال بعضهم :
يكتفى بوقوعه في المجلس .
هذا في القبول
اللفظي ، فأمّا بالمعنى الأوّل الفعلي فلا يجب التعجيل ـ عندنا وعنده ـ بحال.
وإن [ لم نشرط ] القبول فلو وكّله
والوكيل لا يشعر به ، ففي ثبوت وكالته إشكال.
وللشافعيّة وجهان
يقربان من القولين في أنّ العزل هل ينفذ قبل بلوغ خبره إلى الوكيل؟ والوكالة أولى
أن لا تثبت ؛ لأنّها تسليط على التصرّف .
فإن لم نثبتها ،
فهل نحكم بنفوذها حالة بلوغ الخبر كالعزل ، أم لا؟ للشافعيّة وجهان .
__________________
قال بعضهم : إن لم
نحكم به ، فقد شرطنا اقتران علمه بالوكالة .
والأظهر : ثبوت
الوكالة وإن لم يعلم.
فعلى هذا لو تصرّف
الوكيل وهو غير عالمٍ بالتوكيل ثمّ ظهر الحال ، خرج على الخلاف فيما إذا باع مال
أبيه على ظنّ أنّه حيّ وكان ميّتاً.
مسألة
٦٤٧ : إذا شرطنا القبول
، لم يكتف بالكتابة والرسالة ، كما لو كتب بالبيع.
وإن لم نشترط
القبول ، كفت الكتابة والرسالة ، وكان مأذوناً في التصرّف. وهو الأقرب عندي.
وإذا شرطنا القبول
، لم يكف الاستدعاء بأن يقول : وكِّلني ، فيقول : وكّلتك ، بل يشترط القبول ،
فيقول بعد ذلك : قبلت.
وللشافعيّة قولان
، كما في البيع ، بل الوكالة أحوج إلى الاشتراط ؛ لأنّها ضعيفة .
وقيل : يجوز ؛
لأنّ الوكالة يحتمل فيها ما لا يحتمل في البيع ، فكانت أولى بعدم الاشتراط . ولا بأس به.
مسألة
٦٤٨ : لا يصحّ عقد
الوكالة معلّقاً بشرطٍ أو وصف ، فإن عُلّقت عليهما ، بطلت ـ مثل أن يقول : إن قدم
زيد ، أو : إذا جاء رأس الشهر فقد وكّلتك ـ عند علمائنا ـ وهو أظهر مذهب الشافعي ـ لأنّه عقد يملك
به
__________________
التصرّف حال
الحياة لم يبن على التغليب والسراية ، فلم يجز تعليقه بشرطٍ ، كالبيع. ولأنّ
الشركة والمضاربة وسائر العقود لا تقبل التعليق ، فكذا الوكالة.
وقال بعض
الشافعيّة وأبو حنيفة وأحمد : يصحّ تعليقها على الشرط ؛ لأنّ النبيّ 6 قال في جيش مُؤتة
: « أميركم جعفر ، فإن قُتل فزيد بن حارثة ، فإن قُتل فعبد الله بن رواحة » ، والتأمير في
معنى التوكيل.
ولأنّه لو قال :
أنت وكيلي في بيع عبدي إذا قدم الحاج ، أو : وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا ، صحّ
إجماعاً ، ومحلّ النزاع في معناه .
والفرق ظاهرٌ بين
تنجيز العقد وتعليق التصرّف ، وبين تعليق العقد.
إذا ثبت هذا ، فلا
خلاف في جواز تنجيز الوكالة وتعليق العقد ، مثل أن يقول : وكّلتُك في بيع العبد
ولا تبعه إلاّ بعد شهر ، فهذا صحيح ، وليس للوكيل أن يخالف.
واعلم أنّ بعض
الشافعيّة خرّج الخلاف بينهم في وجوب التنجيز وصحّة التعليق على أنّ الوكالة هل
تفتقر إلى القبول؟ إن قلنا : لا تفتقر جاز التعليق ، وإلاّ لم يجز ؛ لأنّ فرض
القبول في الحال ، والوكالة لم تثبت بَعْدُ ، وتأخيرها إلى أن يحصل الشرط مع الفصل
الطويل خارج عن قاعدة
__________________
التخاطب .
تذنيب
: يصحّ توقيت
الوكالة ، فيقول : وكّلتك إلى شهرٍ ، مثلاً ، فليس للوكيل بعد مضيّ الشهر التصرّف.
مسألة
٦٤٩ : قد بيّنّا بطلان
الوكالة المعلّقة على الشرط ، وهو أظهر قولَي الشافعيّة .
فلو تصرّف الوكيل
بعد حصول الشرط ، فالأقرب : صحّة التصرّف ؛ لأنّ الإذن حاصل لم يزل بفساد العقد ،
وصار كما لو شرط في الوكالة عوضاً مجهولاً ، فقال : بِعْ كذا على أنّ لك العُشْر
من ثمنه ، تفسد الوكالة ، ولكن إن باع يصحّ ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.
والثاني : لا يصحّ
؛ لفساد العقد ، ولا اعتبار بالإذن الضمني في عقدٍ فاسد ، ألا ترى أنّه لو باع
بيعاً فاسداً وسلّم إليه المبيع ، لا يجوز للمشتري التصرّف فيه وإن تضمّن البيعُ
والتسليمُ الإذنَ في التصرّف والتسليط عليه .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
الإذن في تصرّف المشتري باعتبار انتقال الثمن إليه والملك إلى المشتري ، وشيءٌ
منهما ليس بحاصل ، وإنّما أذن له في التصرّف لنفسه ليسلم له الثمن ، وهنا إنّما
أذن له في التصرّف عن الآذن لا لنفسه.
قال بعض الشافعيّة
: أصل المسألة ما إذا كان عنده رهن بدَيْنٍ مؤجَّل ، فأذن المرتهن في بيعه على أن
يعجّل حقّه من الثمن ، وفيه
__________________
اختلاف سبق.
وهذا البناء يقتضي
ترجيح الوجه الثاني ؛ لأنّ ظاهر المذهب للشافعيّة هناك فساد الإذن والتصرّف.
فإن قلنا بالصحّة
ـ وهي الذي اخترناه نحن ـ [ فأثر ] بطلان الوكالة أنّه يسقط الجُعْل المسمّى إن كان قد سمّى
له جُعْلاً ، ويرجع إلى أُجرة المثل ، وهذا كما أنّ الشرط الفاسد في النكاح يفسد
الصداق ، ويوجب مهر المثل وإن لم يؤثّر في النكاح .
مسألة
٦٥٠ : لو قال : وكّلتك
بكذا ومهما عزلتك فأنت وكيلي ، صحّت الوكالة المنجّزة ، وبطل التعليق ، فله عزله ،
فإذا عزله لم يصر وكيلاً بذلك العقد ، بل بتجدّد عقدٍ آخَر.
وللشافعيّة في
صحّة الوكالة المنجّزة وجهان :
أصحّهما : صحّة
الوكالة في الحال.
والثاني : البطلان
؛ لاشتمالها على الشرط الفاسد ، وهو إلزام العقد الجائز .
فعلى قولنا وعلى
الأصحّ من قولَي الشافعيّة أو كان قوله : « مهما عزلتك » مفصولاً عن الوكالة ،
فإذا عزله نُظر إن لم يشعر به الوكيل واعتبرنا شعوره في نفوذ العزل ، فهو على
وكالته. وإن لم نعتبره أو كان شاعراً به ، لم يَعُدْ وكيلاً بعد العزل عندنا.
__________________
وللشافعيّة وجهان
مبنيّان على أنّ الوكالة هل تقبل التعليق ؛ لأنّه علّق التوكيل ثانياً بالعزل؟
أظهرهما : المنع.
والثاني ـ وبه قال
أبو حنيفة ـ أنّه يعود وكيلاً.
فعلى هذا يُنظر في
اللفظة الموصولة بالعزل ، فإن قال : « إذا عزلتك » أو « مهما » أو « متى » لم يقتض
ذلك عود الوكالة إلاّ مرّة واحدة.
وإن قال : « كلّما
عزلتك » اقتضى التكرار والعود مرّة بعد أُخرى ؛ لأنّ « كلّما » تقتضي التكرار ،
دون غيرها.
فلو أراد أن لا
يعود وكيلاً ، فسبيله أن يوكّل غيره بعزله ، فينعزل ؛ لأنّ المعلّق عليه عزل نفسه.
فإن كان قد قال :
« إن عزلتك » أو : « عزلك أحدٌ من قِبَلي » فالطريق أن يقول : « كلّما عُدْتَ
وكيلي فأنت معزول » فإذا عزله ينعزل ؛ لتقاوم التوكيل والعزل ، واعتضاد العزل بالأصل ، وهو
الحجر في حقّ الغير ، وعصمة مال المسلم عن تصرّف الغير .
قال الجويني :
وفيه نظر على بُعْدٍ متلقّى من استصحاب الوكالة .
وهذا كلّه عندنا
باطل ؛ لأنّ الوكالة عندنا لا تقبل التعليق.
مسألة
٦٥١ : كما أنّ الوكالة
لا تقبل التعليق ، فالعزل هل يقبل التعليق؟ الأقرب ذلك ؛ لأنّه لا يشترط فيه
القبول ، واشتراطه في الوكالة مختلف فيه.
__________________
والخلاف للشافعيّة
في أنّ الوكالة هل تقبل التعليق أم لا؟ جارٍ في العزل هل يقبل التعليق أم لا؟ ولكن
بالترتيب ، والعزل أولى بقبوله ؛ لما تقدّم من عدم اشتراط القبول فيه. وتصحيح
إرادة الوكالة والعزل جميعاً مبنيّ على قبولهما التعليق .
قال الجويني : إذا
أنفذنا العزل وقلنا : تعود الوكالة ، فلا شكّ أنّ العزل ينفذ في وقتٍ وإن لطف ،
ثمّ تترتّب عليه الوكالة .
فلو صادف تصرّف
الوكيل ذلك الوقت اللطيف هل ينفذ؟ فيه وجهان للشافعيّة .
وإنّما كان يتّضح
هذا الفرض والتصوير أن لو وقع بينهما ترتّب [ زمانيّ ] حتى يتصوّر وقوع التصرّف
بينهما ، لكنّ الترتّب في مثل هذا لا يكون إلاّ عقليّاً.
مسألة
٦٥٢ : تجوز الوكالة
بجُعْلٍ وغير جُعْل ؛ لأنّ النبيّ 6 وكَّل أُنَيْساً في إقامة الحدود ، وعروةَ في شراء شاة من غير جُعْلٍ ، وكان يبعث عُمّاله ليقبضوا الصدقات ،
ويجعل لهم عمالةً ، ولهذا قال له [ ابنا
__________________
عمّه ] : لو بعثتنا على
هذه الصدقات فنؤدّي إليك ما يؤدّي الناس ، ونصيب ما يصيبه الناس .
البحث
الثاني : في الموكّل.
مسألة
٦٥٣ : يشترط في الموكّل
أن يملك مباشرة ذلك التصرّف ، ويتمكّن من المباشرة لما يُوكّل فيه إمّا بحقّ الملك
لنفسه أو بحقّ الولاية عن غيره ، فلا يصحّ للصبي ولا المجنون ولا النائم ولا
المغمى عليه ولا الساهي ولا الغافل أن يوكّلوا ، سواء كان الصبي مميّزاً أو لا ،
وسواء كانت الوكالة في المعروف أو لا.
وعلى الرواية المقتضية لجواز
تصرّف المميّز أو مَنْ بلغ خمسة أشبار في المعروف ووصيّته بالمعروف ينبغي القول
بجواز توكيله.
وكذا لو وكّل مَنْ
يعتوره الجنون حالَ جنونه.
ولو وكّل حالَ
إفاقته ، صحّت الوكالة ، لكن إذا طرأ الجنون بطلت الوكالة.
مسألة
٦٥٤ : كلّ مَنْ صحّ
تصرّفه في شيء تدخله النيابة صحّ أن يوكّل فيه ، سواء كان رجلاً أو امرأةً ،
حُرّاً أو عبداً ، مسلماً أو كافراً ، فإنّ
__________________
المكاتَب يتصرّف
في بيعه وشرائه بنفسه ، فصحّ أن يوكّل فيه.
وأمّا المرأة
فعندنا يصحّ أن توكّل في النكاح ، خلافاً للشافعيّة .
وكذا يصحّ عندنا
توكيل الفاسق في تزويج ابنته ـ خلافاً للشافعيّة في أحد القولين ـ لأنّ الفاسق
عندنا له ولاية النكاح.
ولا يصحّ توكيل
السكران كسائر تصرّفاته ، عندنا.
مسألة
٦٥٥ : شرطنا في الموكّل
أن يكون متمكّناً من المباشرة إمّا بحقّ الملك أو الولاية ليدخل فيه توكيل الأب أو
الجدّ له في النكاح والمال. ويخرج عنه توكيل الوكيل ، فإنّه ليس بمالكٍ ولا وليّ ،
وإنّما يتصرّف بالإذن.
نعم ، لو مكّنه
الموكّل من التوكيل لفظاً أو دلّت عليه قرينة ، نفذ.
والعبد المأذون
ليس له أن يوكّل فيما أذن له مولاه فيه ؛ لأنّه إنّما يتصرّف بالإذن.
وكذا العامل في
المضاربة إنّما يتصرّف عن الإذن لا بحقّ الملك ولا الولاية.
وفي توكيل الأخ
والعمّ ومَنْ لا يجبر في النكاح للشافعيّة وجهان يعودان في النكاح ؛ لأنّه من حيث
إنّه لا يعزل كالوليّ ، ومن حيث إنّه لا يستقلّ كالوكيل .
__________________
وعندنا لا ولاية
له ، ولا مدخل له في النكاح البتّة ، فلا يصحّ له أن يوكّل فيه.
وللمحجور عليه
بالفلس أو السفه أو الرقّ أن يوكّلوا فيما لهم الاستقلال [ به ] من التصرّفات ،
فيصحّ من العبد أن يوكّل فيما يملكه دون إذن سيّده ، كالطلاق والخُلْع.
وكذا المحجور عليه
لسفهٍ لا يوكّل إلاّ فيما لَه فعله ، كالطلاق والخُلْع وطلب القصاص.
والمفلس له
التوكيل في الطلاق والخُلْع وطلب القصاص والتصرّف في نفسه ، فإنّه يملك ذلك ،
وأمّا ماله فلا يملك التصرّف فيه.
وأمّا ما لا
يستقلّ أحدهم بالتصرّف فيه فيجوز مع إذن الوليّ والمولى.
ومَنْ جوّز
التوكيل بطلاق امرأة سينكحها وبيع عبد سيملكه فقياسه تجويز توكيل المحجور عليه بما سيأذن له
فيه الوليّ .
وكلّ هذا عندنا
باطل.
ومَنْ مَنَع من
بيع الأعمى وشرائه من العامّة جوّز له أن يوكّل فيه ؛ للضرورة.
وإذا نفذ توكيل
الوكيل ، فمنصوبه وكيل الموكّل أم وكيل الوكيل؟ فيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى.
فإذا جعلناه
وكيلاً للوكيل ، لم يكن من شرط التوكيل كون الموكّل مالكاً للتصرّف بحقّ الملك أو
الولاية.
__________________
مسألة
٦٥٦ : الوكالة جائزة في
كلّ ما يصحّ دخول النيابة فيه من البيع والشراء والمحاكمة ومطالبة الحقوق ممّن هي
عليه وإثباتها ، عند علمائنا كافّة مع حضور الموكّل وغيبته وصحّته ومرضه ـ وبه قال
ابن أبي ليلى ومالك وأحمد والشافعي وأبو يوسف ومحمّد ـ لأنّ الخصومة
تصحّ فيها النيابة ، فكان له الاستنابة فيها من غير رضا خصمه لدفع المال الذي عليه
إذا كان غائباً أو مريضاً. ولأنّ الخصومة حقّ تجوز النيابة فيه ، فكان لصاحبه
الاستنابة بغير رضا خصمه ، كحالة غيبته أو مرضه.
ولأنّ الصحابة
أجمعوا عليه ، فإنّ العامّة رووا أنّ عليّاً 7 وكّل عقيلاً وقال : « ما قضي له فلي ، وما قضي عليه
فعلَيَّ » ، ووكّل [ عبد الله ] بن جعفر أيضاً وقال : « إنّ للخصومة قحماً ، وإنّ الشيطان
ليحضرها ، وإنّي أكره أن أحضرها » . والقحم : المهالك. واشتهر ذلك بين الصحابة ، ولم ينكره
أحد ، فكان إجماعاً.
__________________
ومن طريق الخاصّة
: قول الصادق 7 : « مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة
ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها » وهو من ألفاظ
العموم.
وقال أبو حنيفة :
للخصم أن يمتنع من مخاصمة الوكيل ومحاكمته إذا كان الموكّل حاضراً ؛ لأنّ حضوره
مجلسَ الحكم ومخاصمته حقٌّ لخصمه عليه ، فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضا خصمه ،
كالدَّيْن يكون عليه .
والفرق : إنّ
الحوالة إسقاط الحقّ عن ذمّته ، فلا يملكه ، وهنا الوكالة نيابة عنه ، فهو بمنزلة
توكيله في تسليم الحقّ الذي عليه. ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى التوكيل ، فإنّه قد لا
يُحسن الخصومة ، أو [ يترفّع ] عنها ، فإنّه يكره للإنسان أن يباشر الخصومة بنفسه ، بل
ينبغي لذوي المروءات وأهل المناصب الجليلة التوكيل في محاكماتهم إذا احتاجوا
إليها.
مسألة
٦٥٧ : ولا فرق في ذلك
بين الطلاق وغيره عند أكثر علمائنا . وللشيخ ; قولٌ : إنّه إذا وكّل الإنسان غيره في أن يطلّق عنه امرأته
وكان غائباً ، جاز طلاق الوكيل ، وإن كان شاهداً لم يجز طلاق الوكيل .
__________________
ولا وجه له ،
والمعتمد : جواز طلاق الوكيل في حضرة الموكّل وغيبته.
وللفاسق أن يوكّل
غيره في إيجاب العقد على ابنته وفي قبول النكاح عن ابنه.
وللشافعيّة فيهما
وجهان .
وبعض العامّة فرّق
بين القبول عن ابنه والإيجاب عن ابنه والإيجاب عن ابنته ، فجوّز الأوّل ، ومَنَع
الثاني .
وليس للكافر ولاية
التزويج لابنته المسلمة ، فليس له أن يوكّل فيه ؛ لقوله تعالى : ( وَلَنْ
يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) .
وكذا ليس للمُحْرم
أن يوكّل في شراء الصيد ولا في عقد النكاح إيجاباً وقبولاً.
مسألة
٦٥٨ : التوكيل على
أقسام ثلاثة :
الأوّل
: أن يأذن الموكّل
لوكيله في التوكيل ، فيجوز له أن يوكّل إجماعاً ؛ لأنّه عقد أذن له فيه ، فكان له
فعله ، كالتصرّف المأذون فيه.
الثاني
: أن ينهاه عن
التوكيل ، فليس له أن يوكّل إجماعاً ؛ لأنّ ما نهاه عنه غير داخل في إذنه ، فلم
يجز له فعله ، كما لو لم يوكّله.
الثالث
: أطلق الوكالة. وأقسامه
ثلاثة :
أحدها
: أن يكون العمل
ممّا يترفّع الوكيل عن مثله ، كالأعمال الدنيئة في حقّ أشراف الناس
المترفّعين عن فعل مثلها في العادة ، كما لو وكّله في البيع والشراء
، والوكيل ممّن لا يبتذل بالتصرّف في الأسواق ، أو
__________________
يعجز عن عمله ؛
لكونه لا يُحسنه ، فله التوكيل فيه ؛ لأنّ تفويض مثل هذا التصرّف إلى مثل هذا
الشخص لا يقصد منه إلاّ الاستنابة ، وهو قول علمائنا أجمع وأكثر الشافعيّة .
ولهم وجهٌ آخَر :
إنّه لا يوكّل ؛ لقصور اللفظ .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
[ العمل ] إذا كان ممّا لا يعمله [ الوكيل ] عادةً انصرف الإذن إلى
ما جرت العادة من الاستنابة فيه.
الثاني
: أن يكون العمل
ممّا لا يترفّع الوكيل عن مثله ، بل له عادة بمباشرته إلاّ أنّه عملٌ كثير
منتشر لا يقدر الوكيل على فعل جميعه فيباشره بنفسه ، ولا يمكنه الإتيان بالكلّ ؛
لكثرتها ، فعندنا يجوز له التوكيل ، ولا نعلم فيه مخالفاً.
وله أن يوكّل فيما
يزيد على قدر الإمكان قطعاً ، وفي قدر الإمكان إشكال أقربه ذلك أيضاً ؛ لأنّ
الوكالة اقتضت جواز التوكيل فيه ، فجازت في جميعه ، كما لو أذن له في التوكيل فيه
بلفظٍ.
وللشافعيّة ثلاثة
طرق :
أصحّها عندهم :
إنّه يوكّل فيما يزيد على قدر الإمكان.
وفي قدر الإمكان
وجهان :
أحدهما : يوكّل
فيه أيضاً ؛ لأنّه ملك التوكيل في البعض ، فيوكّل في الكلّ ، كما لو أذن صريحاً.
__________________
وأصحّهما عندهم :
أنّه لا يوكّل في القدر المقدور عليه ؛ لأنّه لا ضرورة إليه ، بل يوكّل في الزائد
خاصّةً ؛ لأنّ التوكيل إنّما جاز لأجل الحاجة ، فاختصّ بما دعت إليه الحاجة ،
بخلاف وجود إذنه فيه ؛ لأنّه مطلق.
والثاني
: إنّه لا يوكّل في
قدر الإمكان ، وفيما يزيد عليه وجهان.
والثالث
: إطلاق الوجهين في
الكلّ .
قال الجويني :
والخلاف على اختلاف الطرق نظراً إلى اللفظ أو القرينة ، وفي القرينة تردّد في التعميم والتخصيص .
الثالث
: ما عدا هذين
القسمين ، وهو ما أمكنه فعله بنفسه ولا يترفّع عنه ، فقد قلنا : إنّه لا يجوز له
أن يوكّل فيه إلاّ بإذن الموكّل ؛ لأنّه لم يأذن له في التوكيل ولا تضمّنه إذنه ،
فلم يجز ، كما لو نهاه. ولأنّ التوكيل استئمان ، فإذا استأمنه فيما يمكنه
النهوض به ، لم يكن له أن يولّيه مَنْ لم يأتمنه عليه ، كالوديعة ، وبهذا قال أبو
حنيفة وأبو يوسف والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين.
وقال في الأُخرى :
يجوز له أن يوكّل ـ وبه قال ابن أبي ليلى إذا مرض أو غاب ـ لأنّ الوكيل له أن
يتصرّف بنفسه ، فملكه نيابةً للموكّل .
[ و ] الأوّل
أولى. ولا يشبه الوكيل المالك ، فإنّ المالك يتصرّف في
__________________
ملكه كيف شاء ،
بخلاف الوكيل.
لا
يقال : للوصي أن يوكّل
وإن كان الموصي لم يأذن له في التوكيل.
لأنّا
نقول : إنّ الوصي يتصرّف
بولايةٍ ؛ لأنّه يتصرّف فيما لم ينص له على التصرّف فيه ، والوكيل لا يتصرّف إلاّ
فيما نصّ له عليه ، كذلك التوكيل. ولأنّ الوصي لا يملك أن يوصي إلى غيره ، كذا
أيضاً الوكيل ينبغي أن لا يملك أن يوكّل غيره ، أمّا إذا أذن له الموكّل في
التوكيل ، فإنّه يجوز له أن يوكّل ؛ لأنّ التوكيل عقد أُذن له فيه ، فكان كما لو
أُذن له في البيع.
مسألة
٦٥٩ : إذا وكّله
بتصرّفٍ وقال له : افعل ما شئت ، لم يقتض ذلك الإذنَ في التوكيل ؛ لأنّ التوكيل
يقتضي تصرّفاً يتولاّه بنفسه ، وقوله : « اصنع ما شئت » لا يقتضي التوكيل ، بل
يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرّفه بنفسه ، وهذا أصحّ قولَي الشافعيّة.
وفي الثاني : إنّه
له التوكيل ـ وبه قال أحمد ، واختاره الشيخ ; في الخلاف ـ لأنّه أطلق الإذن بلفظٍ يقتضي العموم في جميع ما شاء ،
فيدخل في عمومه التوكيل .
وهو ممنوع.
مسألة
٦٦٠ : كلّ وكيلٍ جاز له
التوكيل فليس له أن يوكّل إلاّ أمينا ؛ لأنّه لا نظر للموكّل في توكيل مَنْ ليس
بأمين ، فيفيد جواز التوكيل فيما فيه الحظّ والنظر ، كما أنّ الإذن في البيع يفيد
البيع بثمن المثل ، إلاّ أن يعيّن له الموكّل مَنْ يوكّله ، فيجوز ، سواء كان
أميناً أو لم يكن ؛ اقتصاراً على مَنْ نصّ عليه
__________________
المالك ، ولأنّ
المالك قطع نظره بتعيينه.
ولو وكّل أميناً
فصار خائناً ، فعليه عزله ؛ لأنّ تركه يتصرّف في المال مع خيانته تضييعٌ وتفريطٌ
على المالك ، والوكالة تقتضي استئمان أمين ، وهذا ليس بأمين ، فوجب عزله.
وللشافعيّة وجهان
في أنّه هل له عزله؟ .
مسألة
٦٦١ : إذا أذن له أن
يوكّل ، فأقسامه ثلاثة :
الأوّل : أن يقول له : وكِّل عن نفسك ، فَفَعَل ، كان الثاني
وكيلاً للوكيل ينعزل بعزل الأوّل إيّاه ؛ لأنّه نائبه ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.
والثاني : لا
ينعزل ؛ لأنّ التوكيل فيما يتعلّق بحقّ الموكّل حقٌّ للموكّل ، وإنّما حصّله
بالإذن ، فلا يرفعه إلاّ بالإذن .
ويجري هذا الخلاف
في انعزاله بموت الأوّل وجنونه .
والأصحّ :
الانعزال.
ولو عزل الموكّل
الأوّلَ ، انعزل. وفي انعزال الثاني بانعزاله هذا الخلاف بين الشافعيّة .
ولو عزل الأوّل
الثاني ، فالأقرب الانعزال ؛ لأنّه وكيله ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ـ كما ينعزل
بموته وجنونه.
والثاني : لا
ينعزل ؛ لأنّه ليس بوكيلٍ من جهته .
__________________
والأصل في ذلك أنّ
الثاني وكيل الوكيل كما [ لو ] صرّح [ به ] ٢ في التوكيل ، أو وكيل الموكّل ، ومعنى كلامه
: أقم غيرك مقام نفسك؟
والأصحّ أنّه وكيل
الوكيل ، لكن إذا كان وكيل الوكيل ، كان فرعُ الفرع فرعَ أصل الأصل ، فينعزل
بعزله.
الثاني : لو قال : وكِّل عنّي ، فوكَّل عن الموكّل ، فالثاني
وكيلٌ للموكّل ، كما أنّ الأوّل وكيل الموكّل ، وليس لأحدهما عزل الآخَر ، ولا
ينعزل أحدهما بموت الآخَر ولا جنونه ، وإنّما ينعزل أحدهما بعزل الموكّل ، فأيّهما
عزل انعزل.
الثالث : لو قال : وكّلتُك بكذا وأذنتُ لك في توكيل مَنْ شئتَ ،
أو : في أن توكّل وكيلا ، أو : في أن توكّل فلاناً ، ولم يقل : عنّي ، ولا عن نفسك
، بل أطلق ، فللشافعيّة وجهان :
أحدهما : إنّه
كالصورة الأُولى ـ وهو أن يكون وكيلاً عن الوكيل ـ لأنّ المقصود من الإذن في
التوكيل تسهيل الأمر على الوكيل.
وأصحّهما عندهم :
إنّه كالصورة الثانية يكون وكيلاً عن الموكّل ؛ لأنّ التوكيل تصرّف يتولاّه بإذن
الموكّل ، فيقع عنه .
وإذا جوّزنا
للوكيل أن يوكّل في صورة سكوت الموكّل عنه ، فينبغي أن يوكّل عن موكّله.
ولو وكّله عن نفسه
، فللشافعيّة وجهان ؛ لأنّ القرينة المجوّزة للتوكيل كالإذن في مطلق التوكيل .
مسألة
٦٦٢ : يجوز للوصي أن
يوكّل وإن لم يفوّض الموصي إليه
__________________
ذلك بالنصوصيّة ؛
لأنّه يتصرّف بالولاية ، كالأب والجدّ ، لكن لو منعه الموصي من التوكيل ، وجب أن
يتولّى بنفسه ، وليس له أن يوكّل حينئذٍ ؛ لقوله تعالى : ( فَمَنْ
بَدَّلَهُ ) الآية.
ويجوز للحاكم أن
يوكّل عن السفهاء والمجانين والصبيان مَنْ يتولّى الحكومة عنهم ، ويستوفي حقوقهم ،
ويبيع عنهم ويشتري لهم ، ولا نعلم فيه خلافاً.
البحث
الثالث : في الوكيل.
مسألة
٦٦٣ : كما يشترط في
الموكّل التمكّن من مباشرة التصرّف للموكّل فيه بنفسه ، يشترط في الوكيل التمكّن
من مباشرته بنفسه ، وذلك بأن يكون صحيحَ العبارة فيه ، فلا يصحّ للصبي ولا
للمجنون أن يكونا وكيلين في التصرّفات ، سواء كان الصبي مميّزاً ، أو لا ، وسواء
بلغ عشر سنين أو خمسة أشبار ، أو لا ، وسواء كان في المعروف ، أو لا.
وعلى الرواية المسوّغة
تصرّفاتِ الصبي إذا بلغ عشر سنين في المعروف والوصيّة يحتمل جواز وكالته فيما
يملكه من ذلك.
لكنّ المعتمد
الأوّل.
ولو جُنّ الوكيل
أو الموكّل أو أُغمي على أحدهما ، بطلت الوكالة ؛ لخروجه حينئذٍ عن التكليف ،
وسقوط اعتبار تصرّفه وعبارته في شيء البتّة. وقد استثني في الصبي الإذن في الدخول
إلى دار الغير والملك في إيصال الهديّة.
وفي اعتبار عبارته
في هاتين الصورتين للشافعيّة وجهان ، فإن جاز
__________________
فهو وكيل من جهة
الآذن والمُهْدي .
وإذا قلنا : إنّ
تجويزهما على سبيل التوكيل ، فلو أنّه وكّل غيره فيه ، فقياس الشافعيّة أنّه على
الخلاف في أنّ الوكيل هل يوكّل؟ فإن جاز ، لزم أن يكون الصبي أهلاً للتوكيل أيضاً .
وقال أبو حنيفة
وأحمد : يجوز أن يكون الصبيّ وكيلاً في البيع والشراء وغير ذلك من أنواع التصرّفات
إذا كان يعقل ما يقول ، ولا يحتاج إلى إذن وليّه ؛ لأنّه يعقل ما يقول ، فجاز
توكيله ، كالبالغ .
وهو غلط ؛ لأنّه
غير مكلّف ، فلا يصحّ تصرّفه ، كالمجنون.
والفرق بينه وبين
البالغ ظاهرٌ ؛ فإنّ البالغ مكلّف ، بخلافه.
إذا عرفت هذا ،
فيستحبّ أن يكون الوكيل تامَّ البصيرة فيما وكّل فيه ، عارفاً باللغة التي يحاور
بها.
مسألة
٦٦٤ : يجوز للمرأة أن
تتوكّل في عقد النكاح إيجاباً وقبولاً عندنا ؛ لأنّ عبارتها في النكاح معتبرة ،
بخلاف المُحْرم ، فإنّه لا يجوز أن يتوكّل فيه إيجاباً ولا قبولاً ، وبه قال أبو
حنيفة .
وقال الشافعي : لا
يجوز للمرأة أن تكون وكيلةً في النكاح إيجاباً ولا قبولاً ، كالمُحْرم ؛ لأنّهما
مسلوبا العبارة في النكاح ، فلا يتوكّلان فيه كما لا يوكّلان .
__________________
ونحن نمنع ذلك في
النكاح على ما يأتي.
ويجوز توكيل
المطلّقة الرجعيّة في رجعة نفسها وتوكيل امرأةٍ أُخرى ، خلافاً للشافعيّة ؛ لأنّ
الفرج ـ عندهم ـ لا يستباح بقول النساء ، ومنعوا من توكيل المرأة في الاختيار
للنكاح إذا أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة .
وكلّ هذا عندنا
جائز.
وكذا يجوز توكيل
المرأة في الاختيار للفراق لما زاد على أربع.
وللشافعيّة وجهان
، أحدهما : المنع ؛ لأنّه يتضمّن اختيار الأربع للنكاح .
مسألة
٦٦٥ : يجوز تعدّد
الوكيل في الشيء الواحد ، ووحدته ، ولا نعلم فيه خلافاً ، فإذا وكّل اثنين في
تصرّفٍ بأن جَعَل لكلّ واحدٍ منهما الانفراد بالتصرّف ، فله ذلك ؛ لأنّه مأذون له
فيه. وإن منعه من الانفراد ، لم يكن له التفرّد. وإن أطلق ، فكذلك لا ينفرد أحدهما
؛ لأنّه لم يأذن له في ذلك ، وإنّما يتصرّف فيما أذن له فيه موكّلُه ، وبه قال
الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي .
مسألة
٦٦٦ : يجوز أن يتوكّل
العبد في الشراء لنفسه أو لغيره.
وللشافعيّة وجهان .
__________________
وفي توكّله في
قبول النكاح بغير إذن السيّد وجهان :
أحدهما : المنع ،
كما لا يقبل لنفسه بغير إذن السيّد.
وأصحّهما عندهم :
الجواز .
والحقّ ذلك إن لم
يمنع شيئاً من حقوق السيّد ، وإنّما لم يجز قبوله لنفسه ؛ لما يتعلّق به من المهر
ومُؤن النكاح.
وكذا يصحّ أن
يتوكّل في طرف الإيجاب لصحّة عبارته ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.
والثاني : المنع ؛
لأنّه لا يزوّج ابنته فأولى أن لا يزوّج بنت غيره .
والفرق : إنّه
إنّما لم يَلِ أمر ابنته ؛ لأنّه لا يتفرّغ للبحث والنظر ، وهنا قد تمّ البحث
والنظر من جهة الموكّل.
ويوكّل المحجور
عليه بالسفه في [ طرفي ] النكاح ، كتوكيل العبد ، وتوكيل الفاسق في إيجاب النكاح
إذا سلبنا الولاية بالفسق ، ونحن لا نسلبه الولاية.
ولا خلاف في جواز
قبوله بالوكالة.
والمحجور عليه
بالفلس يتوكّل فيما لا يلزم ذمّته عُهْدة ، وكذا فيما
__________________
يلزم على أصحّ
وجهي الشافعيّة ، كما يصحّ شراؤه على الصحيح .
ويجوز توكّل
المرأة في طلاق زوجة الغير ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ـ كما يجوز أن
يفوّض الزوج طلاق زوجته إليها ، ويوكّلها في طلاق نفسها.
مسألة
٦٦٧ : كلّ مَنْ لا يملك
التصرّف في شيء لنفسه لا يصحّ أن يتوكّل فيه ، كالكافر في تزويج مسلمةٍ ،
والمُحْرم في شراء صيدٍ ، والطفل والمجنون في الحقوق كلّها.
وللمكاتَب أن
يتوكّل بجُعْلٍ ؛ لأنّه من اكتسابه للمال وإن لم يأذن له مولاه ؛ لأنّه ليس له
منعه من الاكتساب بأنواع وجوهه.
وأمّا بغير جُعْلٍ
فإن لم يمنع شيئاً من حقوق السيّد ، فالأقرب : الجواز ، كما قلناه في العبد ،
وإلاّ افتقر إلى إذن السيّد ؛ لأنّ منافعه كأعيان ماله ، وليس له بذل عين ماله
بغير عوضٍ ، فكذا منافعه.
وليس للعبد
المأذون له في التجارة التوكّل في شيء يمنع بعض حقوق سيّده بغير إذنه ؛ لأنّ
الإذن في التجارة لا يتناول التوكّل.
مسألة
٦٦٨ : مدار الوكالة
بالنسبة إلى الإسلام والكفر على ثمان مسائل تبطل فيها وكالة الذمّيّ على المسلم ،
وهي صورتان : أن يتوكّل الذمّيّ للمسلم على المسلم ، أو للكافر على المسلم ، عند
علمائنا أجمع ؛ لقوله تعالى : ( وَلَنْ يَجْعَلَ
اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) .
__________________
ويكره أن يتوكّل
المسلم للذمّي ، عند علمائنا أجمع. ولم يذكر ذلك أحد من العامّة ، بل أطلقوا القول
بأنّ المسلم إذا وكّل ذمّيّاً أو مستأمناً أو مرتدّاً أو حربيّاً ، صحّ التوكيل
فيما يصحّ تصرّف الكافر فيه ؛ لأنّ العدالة غير مشروطة فيه ، فكذلك الدين ، كالبيع
.
ولأنّ كلّ ما صحّ
أن يتصرّف فيه لنفسه ودخلته النيابة ولم يشترط فيه العدالة ، لم يعتبر فيه الدين ،
كما لو كان الوكيل فاسقاً ، فإنّه يجوز.
فإن وكّل الكافر
مسلماً ، جاز ، وكان أولى.
وإن وكّل المسلم
مرتدّاً ، جاز ؛ لأنّ ردّته لا تؤثّر في تصرّفه ، وإنّما تؤثّر في ماله.
مسألة
٦٦٩ : لو وكّل المسلم
مسلماً ثمّ ارتدّ الوكيل ، لم تبطل وكالته ، سواء لحق بدار الحرب أو لا ؛ لأنّه
يصحّ تصرّفه لنفسه ، فلم تبطل وكالته ، كما لو لم يلحق بدار الحرب. ولأنّ الردّة
لا تمنع ابتداء وكالته ، فلم تمنع استدامتها ، كسائر الكفر.
وقال أبو حنيفة :
إن لحق بدار الحرب ، بطلت وكالته ؛ لأنّه صار منهم .
ولا دلالة فيه ؛
لجواز أن يكون الوكيل حربيّاً.
ولو ارتدّ الموكّل
، لم تبطل الوكالة فيما له التصرّف فيه ، وتبطل فيما ليس للمرتدّ التصرّف فيه.
وللشافعي أقوال
ثلاثة ، إن قلنا : يزول ملكه أو قلنا : لا يزول ولكن
__________________
لا يصحّ تصرّفه ،
لم تصح وكالته فيه. وإن قلنا ببقاء ملكه وتصرّفه فيه نافذ ، صحّ أن يوكّل فيه ،
وإن قلنا : إنّه موقوف ، فالوكالة موقوفة .
ولو وكّل المرتدّ
مسلماً في التصرّفات الماليّة ، يبنى على انقطاع ملكه وبقائه ، إن قطعناه لم تصح ،
وإن أبقيناه صحّ. وإن قلنا : إنّه موقوف فكذلك التوكيل.
فلو وكّله مرتدّاً
أو ارتدّ الوكيل ، لم يقدح في الوكالة ؛ لأنّ التردّد في تصرّفه لنفسه ، لا لغيره.
وقال بعض
الشافعيّة : إنّه يبنى على أنّه [ هل ] يصير محجوراً عليه؟ إن قلنا : نعم ، انعزل عن الوكالة ،
وإلاّ فلا .
البحث
الرابع : فيما فيه التوكيل.
والنظر في شرائطه
، وهي ثلاثة :
الأوّل
: أن يكون مملوكاً
للموكِّل.
الثاني
: أن يكون قابلاً
للنيابة.
الثالث
: أن يكون ما به
التوكيل معلوماً ولو إجمالاً.
النظر الأوّل : أن يكون مملوكاً للموكّل.
يشترط فيما تتعلّق
الوكالة به أن يكون مملوكاً للموكِّل ، فلو وكَّل غيره بطلاق زوجةٍ سينكحها [ أو
بيع عبد ] سيملكه ، أو إعتاق رقيق سيشتريه ،
__________________
أو قضاء دَيْنٍ
يستدينه ، أو تزويج امرأة إذا انقضت عدّتها أو طلّقها زوجها ، وما أشبه ذلك ، لم
يصح ؛ لأنّ الموكّل لا يتمكّن من مباشرة ذلك بنفسه ، فلا تنتظم إنابة غيره فيه ،
وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.
والثاني : إنّه
صحيح ، ويكتفى بحصول الملك عند التصرّف ، فإنّه المقصود من التوكيل .
وقال بعض
الشافعيّة : الخلاف عائد إلى أنّ الاعتبار بحال التوكيل أم بحال التصرّف؟ .
ولو وكّله في شراء
عبدٍ وعتْقِه ، أو في تزويج امرأة وطلاقها ، أو في استدانة دَيْنٍ وقضائه ، صحّ
ذلك كلّه ؛ لأنّ ذلك مملوك للموكِّل.
النظر الثاني : في قبول متعلّق الوكالة النيابة.
مسألة
٦٧٠ : الضابط فيما تصحّ
فيه النيابة وما لا تصحّ أن نقول : كلّ ما تعلّق غرض الشارع بإيقاعه من المكلّف
مباشرةً ، لم تصح فيه الوكالة ، وأمّا ما لا يتعلّق غرض الشارع بحصوله من مكلّفٍ
معيّن ، بل غرضه حصوله مطلقاً ، فإنّه تصحّ فيه الوكالة.
وذلك ؛ لأنّ
التوكيل تفويض وإنابة ، فلا يصحّ فيما لا تدخله النيابة ، كالطهارة مع القدرة لا
يصحّ التوكيل فيها ؛ لأنّ غرض الشارع تعلَّق بإيقاعها من المكلّف بها مباشرةً ،
وهي عبادة محضة لا تتعلّق بالمال. ولأنّ محلّها متعيّن ، فلا ينوب غيره منابه.
نعم ، عند الضرورة
تجوز الاستنابة في غَسْل الأعضاء ، والاستنابة في
__________________
صبّ الماء على
أعضائه ؛ لأنّ إيصال الماء إلى أعضائه واجب عليه ، فيجوز أن يستنيب فيه.
وتجوز الاستنابة
في إزالة النجاسة عن بدنه وثوبه مع القدرة ، لا في النيّة ، حتى لو غسله ساهياً أو
مجنوناً مع نيّة العاجز ، صحّ. ولو غسله ناوياً مع غفلة العاجز ، بطل.
وكذا الصلاة
الواجبة لا تصحّ فيها النيابة ما دام حيّاً ، فإذا مات ، جازت الاستنابة فيها ،
كالحجّ ، عند علمائنا.
وكذا الاستنابة في
ركعتي الطواف إجماعاً ، وفي فعل الصلاة المنذورة عند أحمد في إحدى الروايتين .
ومَنَع الجمهور من
الاستنابة في الصلاة إلاّ صلاة ركعتي الطواف .
وأمّا الصوم فلا
يصحّ دخول النيابة فيه ما دام حيّاً ، فإذا مات صحّ أن يصوم عنه غيره بعوضٍ
ومجّاناً.
وللشافعي قولان
فيما لو مات فصام عنه وليُّه .
والاعتكاف لا
تدخله النيابة بحال ، وبه قال الشافعي . وعن أحمد
__________________
روايتان .
وأمّا الزكاة
فتجوز النيابة في أدائها ، فيؤدّيها عنه غيره.
وكذا كلّ ما
يتعلّق بالمال من الصدقات الواجبة والمندوبة والخُمْس ، فإنّه
يجوز التوكيل في قبض ذلك كلّه وتفريقه.
ويجوز للمُخرج
التوكيل في إخراجها وتفريقها ودفعها إلى مستحقّها ، ويستنيب الفقراء والإمام أيضاً
في تسلّمها من أربابها ؛ لأنّ النبيّ 6 بعث عُمّاله لقبض الصدقات وتفريقها ، وقال لمعاذ حين بعثه
إلى اليمن :
« أعلمهم أنّ
عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُردّ في فقرائهم فإن هُمْ أطاعوك بذلك فإيّاك
وكرائم أموالهم ، واتّق دعوة المظلوم ، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب » .
وأمّا الحجّ فتجوز
النيابة فيه إذا يئس المحجوج عنه من الحجّ بنفسه بزمانةٍ ، عند الشيخ ; وعند الشافعي
وأكثر العامّة ، أو بموتٍ إجماعاً. وكذا العمرة وكثير من أفعال الحجّ ،
كطواف النساء والرمي.
وكذا تجوز النيابة
في ذبح الضحايا والهدايا ؛ لأنّ النبيّ 6 أناب فيه.
__________________
ونحر عن عليّ 7 ـ وهو غائب ـ وعنه
6 مائة ناقة ثلثيها عنه 6 وثلثها عن عليّ 7 .
وتجوز النيابة في
الجهاد ؛ لأنّ الغرض حراسة المسلمين ، وحفظ عمود الدين ، وليس الغرض متعلّقاً
بمباشرة معيّن ، إلاّ أن يعيّنه الإمام للخروج بنفسه إمّا لشدّة بلائه في الحرب ،
أو لجودة شوره ووفور عقله وربط جأشه وقوّة بأسه ، أو لغير ذلك من الحِكَم والمصالح ، فحينئذٍ
لا تجوز الاستنابة فيه.
مسألة
٦٧١ : يصحّ التوكيل في
البيع إيجاباً وقبولاً ، وفي جميع أنواعه ـ كالسَّلَم والصرف والتولية وغيرها ـ وفي
جميع أحكامه وتوابعه من الفسخ بالخيار والأخذ بالشفعة وإسقاطهما ، فإنّه قد يترفّع
عن التردّد في الأسواق ، وقد لا يُحْسن التجارة ، وقد لا يتفرّغ لها ، وقد يكون
مأموراً بالتخدير ، كالمرأة ، فأجاز الشارع التوكيل فيه ؛ دفعاً للحاجة ، وتحصيلاً
لمصلحة الآدمي المخلوق لعبادة الله تعالى ، كما قال عزّ من قائل : ( وَما
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ ) .
ويجوز التوكيل في
الحوالة والضمان والكفالة وعقد الرهن والشركة والوكالة والصلح ؛ لأنّه إمّا بيع
عند الشافعي ، أو عقد مستقلّ برأسه.
__________________
والتفليس لا
يتصوّر فيه الوكالة.
وأمّا الحجر فيصحّ
أن يوكّل الحاكم مَنْ ينوب عنه فيه ، ويوكّل الغرماء مَنْ يطلبه من الحاكم. وأمّا
المحجور عليه فلا يتصوّر فيه أن يستنيب مَنْ يحكم عليه بالحجر عليه.
وكذا تصحّ الوكالة
في القراض في عقده وفعله بأن يستنيب العامل إن أذن له المالك ، وإلاّ فلا.
وفي الإقرار خلاف
يأتي .
ويصحّ التوكيل في
الهبة والعارية ـ لأنّها هبة المنافع ـ في عقدها وفعلها ، إلاّ في مثل إعارة
الثوبِ ليلبسه ، والدابّةِ ليركبها بنفسه ، وشبه ذلك.
والغصب لا يتصوّر
فيه التوكيل ، فإذا وكّل رجل رجلاً في غصبٍ ، كان الغاصبُ الوكيلَ ، دون الموكّل ؛
لأنّ فعل ذلك حرام ، فلا تصحّ النيابة فيه.
وتصحّ النيابة في
المطالبة بالشفعة وأخذها.
وكذا تصحّ في
المساقاة والمزارعة والإجارة والوديعة والجعالة والفعل المتعلّق بالجعالة ،
والحوالة والقرض عقداً وتسليماً وأخذاً ، والوقف والحبس والعمرى والرقبى ،
والوصيّة إيجاباً وقبولاً ، وفعل متعلّقها.
ولبعض الشافعيّة
قولٌ في منعها ؛ لأنّها قربة .
والقربة لا تنافي
النيابة ، كالحجّ وصلاة الطواف.
__________________
وتصحّ النيابة في
الصدقة ـ كالزكاة وشبهها ـ والإبراء وقبض الأموال ، مضمونةً كانت أو غير مضمونة ،
وفي قبض الديون وإقباضها ؛ لأنّ ذلك كلّه في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل
فيها ، فيثبت فيها حكمه.
ولا نعلم في شيء
من ذلك خلافاً ، إلاّ ما قلناه.
وكذا تصحّ النيابة
في العطايا وقسمة الفيء والغنيمة والصدقة.
مسألة
٦٧٢ : يصحّ التوكيل في
عقد النكاح إيجاباً وقبولا ؛ لأنّ النبيّ 6 وكّل عمرو بن أُميّة الضمري وأبا رافع في النكاح له .
ولأنّ الحاجة قد
تدعو إلى ذلك ، فإنّه ربما احتاج إلى التزويج من مكانٍ بعيد لا يمكنه السفر إليه ،
فإنّ النبيّ 6 تزوّج أُمّ حبيبة وهي يومئذٍ بأرض الحبشة .
ويجوز التوكيل في
الطلاق ، حاضراً كان الموكّل أو غائباً على ما قدّمناه ، وفي الخلع ، وفي الرجعة ـ
وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ـ كابتداء النكاح ، فإنّ كلّ واحدٍ منهما استباحة فرجٍ
محرَّم.
والثاني : المنع ،
كما لو أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة ووكّل بالاختيار ، وكذا لو طلّق إحدى
امرأتيه ، أو أعتق أحد عبديه ، ووكّل بالتعيين .
__________________
ونمنع الملازمة
وثبوت الحكم في الأصل.
وكذا يصحّ التوكيل
في تعيين المهر وقبضه ، ولا تصحّ الوكالة في القَسْم ؛ لأنّه يتعلّق ببدن الزوج
ويتضمّن استمتاعاً.
مسألة
٦٧٣ : كما يصحّ التوكيل
في العقود ، كذا يصحّ في فسخها والتوكيل في الإقالة منها وسائر الفسوخ.
وما هو على الفور
قد يكون التأخير بالتوكيل تقصيراً.
ويصحّ التوكيل في
خيار الرؤية.
وللشافعيّة خلاف
فيه .
ويجوز التوكيل في
الإعتاقِ والتدبيرِ.
وللشافعيّة فيه
وجهان يبنى على أنّه وصيّة أو تعليق عتقٍ بصفةٍ؟ فإن قلنا بالثاني منعناه .
والكتابةِ.
ولا يتصوّر في
الاستيلاد ؛ لأنّه متعلّق بالوطي ، والوطء مختصّ بالفاعل.
ولا تصحّ الوكالة
في الإيلاء ؛ لأنّه يمين. وكذا اللعان لا يصحّ التوكيل فيه أيضاً ؛ لأنّه يمين
كالإيلاء ، أو شهادة على خلافٍ ، وكلاهما لا تدخلهما النيابة ، وكذا القسامة.
ولا تصحّ في
الظهار ؛ لأنّه منكر وزور وبهتان ، فلا تدخله النيابة.
وللشافعيّة وجهان
مبنيّان على أنّ المغلَّب فيه معنى اليمين أو
__________________
الطلاق؟ ومعظمهم
مَنَع من التوكيل فيه .
وأمّا العدّة فلا
تدخلها النيابة ؛ لأنّها تجب لاستبراء رحمها.
والرضاع لا تدخله
النيابة ؛ لأنّه متعلّق بالمُرضع والمرتضع ؛ لأنّه يختصّ بإنبات لحم المرتضع
وانتشار عظمه بلبن المُرضع.
والنفقة يصحّ
التوكيل في دفعها وقبضها.
ولا تصحّ النيابة
في الأيمان ؛ لأنّها عبادة. ولأنّ الحكم في الأيمان يتعلّق بتعظيم اسم الله ،
فامتنعت النيابة فيها ، كالعبادات.
وكذا النذور
والعهود لا تدخلها النيابة.
وأمّا الشهادات
فلا يصحّ التوكيل فيها ؛ لأنّا علّقنا الحكم بخصوص لفظ الشهادة حتى لم يقم غيرها
مقامها ، فكيف يحتمل السكوت عنها بالتوكيل!؟ ولأنّ الشهادة تتعلّق بعين الشاهد ؛
لكونها خبراً عمّا سمعه أو رآه ، ولا يتحقّق هذا المعنى في نائبه.
فإن استناب فيها ،
كان النائب شاهداً على شهادته ؛ لكونه يؤدّي ما سمعه من شاهد الأصل ، وليس ذلك
بتوكيل ، فحينئذٍ تصحّ الاستنابة في الشهادة على وجه الشهادة.
وكذا تصحّ النيابة
في القضاء والحكم.
مسألة
٦٧٤ : في صحّة التوكيل
في المباحات ـ كالاصطياد والاحتطاب والاحتشاش وإحياء الموات وإجارة الماء وشبهه ـ إشكال
ينشأ : من أنّه أحد أسباب الملك ، فكان كالشراء. ولأنّه عمل مقصود يصحّ أخذ
الأُجرة عليه ، فجاز فيه النيابة كغيره من الأعمال ، فحينئذٍ يحصل الملك للموكّل
إذا قصده
__________________
الوكيل ـ وهو أصحّ
وجهي الشافعيّة ، وبه قال أحمد ـ لأنّه تملّك مالٍ بسببٍ لا يتعيّن عليه ، فجاز التوكيل
فيه ، كالشراء والاتّهاب.
والثاني للشافعيّة
: لا يصحّ كالاغتنام ؛ لأنّ الملك يحصل فيها بالحيازة وقد وُجدت من الوكيل ، فيكون
الملك له .
فعلى هذا إن
جوّزنا التوكيل فيه ، جوّزنا الإجارة عليه ، فإذا استأجره ليحتطب أو يستقي المال
أو يحيي الأرض ، جاز ، وكان ذلك للمستأجر. وإن قلنا بالمنع هناك ، منعناه هنا ،
فيقع الفعل للأجير.
والجويني رأى جواز
الاستئجار عليه مجزوماً به ، فقاس عليه وجه تجويز التوكيل .
مسألة
٦٧٥ : يجوز التوكيل في قبض الجزية وإقباضها والمطالبة بها ، وفي
عقد الذمّة.
وفي تجويز توكيل
الذمّي المسلمَ [ فيه ] خلافٌ بين الشافعيّة .
وأمّا العقوبات ـ كالقتل
والجنايات والزنا والقذف والسرقة والغصب وأشباه ذلك ـ فلا مدخل للتوكيل فيها ، بل
أحكامها تثبت في حقّ متعاطيها ومرتكبها ؛ لأنّ كلّ شخصٍ بعينه مقصود بالامتناع
منها ، فإذا لم يفعل
__________________
أُجري حكمها عليه.
وأمّا حدود الله
تعالى ـ كحدّ الزنا والسرقة ـ فيجوز التوكيل فيها لاستيفائها ؛ لأنّ النبيّ 6 أمر برجم ماعِز ،
فرُجم .
وقال 6 : « اغْدُ يا
أُنَيْس إلى امرأة هذا فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها » فغدا أُنَيْس عليها فاعترفت
فأمر بها فرُجمت .
ووكّل أمير
المؤمنين 7 عبد الله بن جعفر في إقامة حدّ الشرب على الوليد بن عقبة ، فأقامه .
ولأنّ الحاجة تدعو
إلى ذلك ، فإنّ الإمام لا يمكنه تولّي ذلك بنفسه ، فيجوز التوكيل في استيفائها
للإمام.
وللسيّد أن يوكّل
في استيفاء الحدّ من مملوكه.
ويجوز التوكيل في
إثبات حدود الله تعالى ـ وبه قال بعض العامّة ـ لأنّ النبيّ 6 وكّل أُنَيْساً في إثبات الحدّ واستيفائه جميعاً ، فإنّه
قال : « فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها » وهذا يدلّ على أنّه لم يكن قد ثبت وقد وكّله في إثباته.
ولأنّ الحاكم إذا
استناب نائباً في عملٍ ، فإنّه يدخل في تلك النيابة
__________________
الحدودُ وإثباتُها
، فإذا دخلت في التوكيل بالعموم فبالتخصيص أولى.
وقال الشافعي : لا
يجوز التوكيل في إثباتها ؛ لأنّها تُدرأ بالشبهات ، وقد أُمر بإدرائها بالشبهة ، والتوكيل
توصّلٌ إلى إثباتها .
وهو غير منافٍ
لقولنا ؛ فإنّ للوكيل أن يدرأها بالشبهات.
وأمّا عقوبات
الآدميّين فيجوز التوكيل في استيفائها في حضور المستحقّ إجماعاً.
وأمّا في غيبته
فإنّه يجوز ذلك أيضاً عندنا ؛ للأصل.
وللشافعي فيه
ثلاثة طُرق أشهرها : أنّه على قولين :
أحدهما : المنع ؛
لأنّه لا نتيقّن بقاء الاستحقاق عند الغيبة ؛ لاحتمال العفو ، ولأنّه ربما يرقّ
قلبه حالة حضوره فيعفو ، فليشترط الحضور.
وأصحّهما : الجواز
ـ كما قلناه ـ لأنّه حقّ يستوفى بالنيابة في الحضور ، فكذا في الغيبة ، كسائر
الحقوق. واحتمال العفو كاحتمال رجوع الشهود فيما إذا ثبت بالبيّنة ، فإنّه لا يمنع
الاستيفاء في [ غيبته ] .
الثاني : القطع
بالجواز ، وحمل المنع على الاحتياط.
الثالث : القطع
بالمنع ؛ لعظم خطر الدم . وبهذا الأخير قال أبو حنيفة .
__________________
مسألة
٦٧٦ : ويجوز التوكيل في
إثبات حدّ القذف والقصاص عند الحاكم وإقامة البيّنة عليه ، عند عامّة الفقهاء ؛
لأنّه حقٌّ لآدميّ ، فجاز التوكيل في إثباته ، كسائر الحقوق.
وقال أبو يوسف :
لا يصحّ التوكيل فيه ؛ لأنّه يثبت الحدّ بما قام مقام العفو ، والحدّ لا يثبت بذلك
، كما لا يثبت بالشهادة على الشهادة ، ولا بكتاب القاضي إلى القاضي ولا برجل
وامرأتين ، كذا هنا .
ونمنعه في الشهادة
على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي ، على أنّ الحدّ لا يثبت بالتوكيل ، وإنّما
يثبت بالبيّنة ، فلم يصح ما قاله.
مسألة
٦٧٧ : يجوز لكلّ واحدٍ
من المدّعي والمدّعى عليه التوكيل بالخصومة ، رضي صاحبه أو لم يرض ، وليس لصاحبه
الامتناع من خصومة الوكيل.
وقال أبو حنيفة :
له الامتناع ، إلاّ أن يريد الموكّل سفراً أو يكون مريضاً أو تكون مخدّرةً .
وقال مالك : له
ذلك ، إلاّ أن يكون سفيهاً خبيثَ اللسان ، فيعذر
__________________
الموكّل في
التوكيل .
والحقّ ما قلناه ؛
لأنّه توكيلٌ في خالص حقّه ، فيُمكّن منه ، كالتوكيل باستيفاء الدَّيْن من غير رضا
مَنْ عليه.
ولا فرق في
التوكيل في الخصومة بين أن يكون المطلوب مالاً أو عقوبةً للآدميّين ، كالقصاص وحدّ
القذف.
وكذا حدود الله
تعالى عندنا ، خلافاً للشافعي .
مسألة
٦٧٨ : في التوكيل
بالإقرار إشكال.
وصورته أن يقول :
وكّلتُك لتقرَّ عنّي لفلان.
قال الشيخ ; : إنّه جائز . وهو أحد قولَي
الشافعيّة ؛ لأنّه قول يلزم به الحقّ ، فأشبه الشراء وسائر التصرّفات ، وبه قال أبو
حنيفة أيضاً.
ومعظم الشافعيّة
على المنع ؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ عليه ، ولا يلزم الغير إلاّ على وجه
الشهادة ، وهذا كما لو قال : رضيت بما يشهد به عَلَيَّ فلان ، فإنّه لا يلزمه ،
كذلك هنا. ولأنّه إخبار ، فلا يقبل التوكيل كالشهادة ، وإنّما يليق التوكيل
بالإنشاءات .
__________________
فعلى هذا هل يُجعل
مُقرّاً بنفس التوكيل؟ فيه للشافعيّة وجهان :
أحدهما : نعم ،
تخريجاً ، واختاره الجويني ؛ لأنّ توكيله دليل ثبوت الحقّ عليه ؛ لأنّ قوله : «
أقرّ عنّي بكذا » يتضمّن وجوبه عليه.
وأظهرهما : أنّه
لا يُجعل مُقرّاً ، كما أنّ التوكيل بالإبراء لا يجعل إبراءً ، وكالتوكيل في البيع
، فإنّه لا يكون بيعاً ، ورضاه بالشهادة عليه لا يكون إقراراً بالحقّ .
وعندي في ذلك
تردّد ، فإن قلنا بصحّة التوكيل في الإقرار ، ينبغي أن يبيّن للوكيل جنس المُقرّ
به وقدره ، فلو قال : أقرّ عنّي بشيء لفلان ، طُولب الموكّل بالتفسير.
ولو اقتصر على
قوله : أقرّ عنّي لفلان ، فللشافعيّة وجهان :
أحدهما : أنّه كما
لو قال : أقرّ عنّي له بشيء.
وأصحّهما : أنّه
لا يلزمه شيء بحال ؛ لجواز أن يريد الإقرار بعلمٍ أو شجاعة ، لا بالمال .
مسألة
٦٧٩ : لا يصحّ التوكيل
بالالتقاط ، فإذا أمره بالالتقاط فالتقط ، كان الملتقط أحقَّ به من الآمر.
والميراث لا تصحّ
النيابة فيه ، إلاّ في قبض الموروث وقسمته.
__________________
وتصحّ النيابة في
دفع الديات إلى مستحقّها.
والجنايات لا تصحّ
النيابة فيها ؛ لأنّها ظلم ، فتتعلّق بفاعلها.
وأمّا قتال أهل
البغي فيجوز أن يستنيب فيه.
والأشربة لا تصحّ
النيابة فيها ، ويجب الحدّ على الشارب ؛ لأنّه فَعَل المحرَّم.
وأمّا الجهاد فقد
مَنَع الشافعي من دخول النيابة فيه بحال ، بل كلّ مَنْ حضر الصفّ توجّه الفرض عليه
.
وهو بهذا المعنى
صحيح ، وكذا ما قلناه أوّلاً من صحّة النيابة في الجهاد على معنى أنّ للرجل أن
يُخرج غيره بأُجرة أو غيرها في الجهاد.
وأمّا الذبح فيصحّ
التوكيل فيه.
وكذا يصحّ في
السبق والرمي ؛ لأنّه إمّا إجارة أو جعالة ، وكلاهما تدخله النيابة.
ويصحّ التوكيل في
الدعوى ؛ لأنّ ذلك مطالبة بحقّ غيره ، فهو كاستيفاء المال.
ويجوز التوكيل في
مطالبة الحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها ، حاضراً كان الموكّل أو غائباً ، صحيحاً
أو مريضاً.
النظر الثالث : في العلم.
مسألة
٦٨٠ : لا يشترط في
متعلّق الوكالة ـ وهو ما وُكّل فيه ـ أن يكون معلوماً من كلّ وجهٍ ، فإنّ الوكالة
إنّما جُوّزت لعموم الحاجة ، وذلك
__________________
يقتضي المسامحة
فيها ، ولذلك جوّز بعضهم تعليقها بالإغرار . ولم يشترط القبول اللفظي فيها ، ولا الفوريّة في القبول ،
لكن يجب أن يكون معلوماً مبيَّناً من بعض الوجوه حتى لا يعظم الغرر.
ولا فرق في ذلك
بين الوكالة العامّة والخاصّة.
فأمّا الوكالة
العامّة : فبأن يقول : وكّلتُك في كلّ قليل وكثير.
فإن لم يُضف إلى
نفسه ، فالأقوى : البطلان ؛ لأنّه لفظ مبهم في الغاية.
ولو ذكر الإضافة
إلى نفسه فقال : وكّلتُك في كلّ أمر هو إلَيَّ ، أو : في كلّ أُموري ، أو : في كلّ
ما يتعلّق بي ، أو : في جميع حقوقي ، أو : بكلّ قليل وكثير من أُموري ، أو : فوّضت
إليك جميع الأشياء التي تتعلّق بي ، أو : أنت وكيلي مطلقاً فتصرَّف في مالي كيف
شئت ، أو فصَّل الأُمور المتعلّقة به التي تجري فيها النيابة ، فقال : وكّلتُك
ببيع أملاكي وتطليق زوجاتي وإعتاق عبيدي ، أو لم يفصّل على ما تقدّم ، أو قال :
وكّلتُك بكلّ أمر هو إلَيَّ ممّا يناب فيه ، ولم يفصّل أجناس التصرّفات ، أو قال :
أقمتك مقام نفسي في كلّ شيء ، أو : وكّلتُك في كلّ تصرّفٍ يجوز لي ، أو : في كلّ
ما لي التصرّف فيه ، فالوجه عندي : الصحّة في الجميع ـ وبه قال ابن أبي ليلى ـ ويملك كلّ ما
تناوله لفظه ؛ لأنّه لفظ عامّ فيصحّ فيما تناوله ، كما لو قال : بِعْ مالي كلّه.
ولأنّه لو فصّل
وذكر جميع الجزئيّات المندرجة تحت اللفظ العامّ ،
__________________
صحّ التوكيل ،
سواء ضمّها بعضها إلى بعضٍ ، أو لا ، فيكون الإجمال صحيحاً.
وقال الشيخ ; : لا تصحّ
الوكالة العامّة . وهو قول جميع العامّة ـ إلاّ ابن أبي ليلى ـ لما فيه من
الغرر العظيم والخطر الكبير ؛ لأنّه تدخل فيه هبة ماله وتطليق نسائه وإعتاق رقيقه
، وأن يزوّجه نساء كثيرة ، ويلزمه المهور الكثيرة والأثمان العظيمة ، فيعظم الضرر .
والجواب : إنّا
نضبط جواز تصرّف الوكيل بالمصلحة ، فكلّ ما لا مصلحة للموكّل فيه لم ينفذ تصرّف
الوكيل [ فيه ] كما لو وكّله في بيع شيء وأطلق ، فإنّه لا يبيع إلاّ
نقداً بثمن المثل من نقد البلد ، كذا في الوكالة العامّة.
وكذا يصحّ لو قال
له : اشتر لي ما شئت ـ خلافاً لبعض العامّة ، وعن أحمد رواية أنّه يجوز ـ عملاً بالأصل ،
ولأنّ الشريك والمضارب وكيلان في شراء ما شاء. وحينئذٍ ليس له أن يشتري إلاّ بثمن
المثل وأدون ، ولا يشتري ما يعجز الموكّل عن ثمنه ، ولا ما لا مصلحة للموكّل فيه.
ولو قال : بِعْ
مالي كلّه واقبض ديوني كلّها ، صحّ التوكيل ؛ لأنّه قد يعرف ماله وديونه.
ولو قال : بِعْ ما
شئت من مالي واقبض ما شئت من ديوني ، صحّ التوكيل ؛ لأنّه إذا جاز التوكيل في
الجميع ، ففي البعض أولى.
__________________
ووافقتنا العامّة
في جواز : وكّلتُك في بيع أموالي واستيفاء ديوني ، أو : استرداد ودائعي ، أو :
إعتاق عبيدي .
والتفاوت ليس
بطائلٍ.
وأمّا الوكالة
الخاصّة : فهي المقصورة على نوعٍ من الأنواع ، كبيع عبدٍ أو شراء جاريةٍ أو محاكمة
خصمٍ أو استيفاء دَيْنٍ منه ، وما أشبه ذلك ، ولا خلاف في جوازها.
مسألة
٦٨١ : إذا وكّله في بيع
أمواله ، صح ، ولا يشترط كون أمواله معلومةً حينئذٍ ، بل يبيعها الوكيل ويبيع ما
يعلم انتسابها إليه.
وللشافعيّة فيه
وجهان ، هذا أصحّهما .
ولو قال : وكّلتُك
في قبض جميع ديوني على الناس ، جاز مجملاً وإن لم يعرف مَنْ عليه الدَّيْن ، وأنّه
واحد أو أشخاص كثيرة ، وأيّ جنسٍ ذلك الدَّيْن.
أمّا لو قال :
وكّلتُك في بيع شيء من مالي ، أو : في بيع طائفةٍ منه أو قطعة منه ، أو في قبض شيء
من ديوني ، ولم يعيّن ، فالأقوى : البطلان ؛ لجهالته من الجملة ، ولا بدّ من أن
يكون الموكّل فيه ممّا يسهل استعلامه.
أمّا لو قال :
بِعْ ما شئت من أموالي ، أو : اقبض ما شئت من ديوني ، فإنّه يجوز.
وكذا لو قال :
بِعْ مَنْ رأيت من عبيدي.
وقال بعض
الشافعيّة : لا يجوز حتى يعيّن . وليس شيئاً.
__________________
مسألة
٦٨٢ : لو قال له : بِعْ
ما شئت من مالي ، جاز ، خلافاً لبعض الشافعيّة . ولو قال : بِعْ ما شئت من عبيدي ، جاز عندنا وعندهم .
وفرّقوا : بأنّ
الثاني محصور الجنس ، بخلاف الأوّل .
وليس بجيّد ؛ لأنّ
ما جاز التوكيل في جميعه جاز في بعضه ، كعبيده.
ولو قال : اقبض
دَيْني كلّه وما يتجدّد من ديوني في المستقبل ، صحّ على إشكالٍ في المتجدّد.
ولو قال له : اشتر
لي شيئاً أو حيواناً أو رقيقاً أو عبداً أو ثوباً ، ولم يعيّن الجنس ، فالأقوى
عندي : الجواز ، ويكون الخيار في الشراء إلى الوكيل ، ويكون ذلك كالقراض حيث أمره
صاحب المال بشراء شيء.
وقال أصحاب
الشافعي : لا يصحّ مع الإطلاق حتى يبيّن أنّ الرقيق عبد أو أمة ، ويبيّن النوع
أيضاً من أنّه تركيّ أو هنديّ أو غيره ؛ لأنّ الحاجة قد تقلّ إلى شراء عبدٍ مطلق
على أيّ نوعٍ ووصفٍ كان ، وفي الإبهام ضرر عظيم ، فلا يحتمل ، وإنّما تمسّ الحاجة
في الأكثر وتدعو إلى غلامٍ من جنسٍ معيّن ، هذا مذهب أكثرهم .
وذكر بعضهم وجهاً
: أنّه يصحّ التوكيل بشراء عبدٍ مطلق .
__________________
مسألة
٦٨٣ : إذا وكّله في
شراء عبدٍ وأطلق ، فقد بيّنّا جوازه. وعند الشافعيّة لا بدّ من تعيين جنسه .
وهل يفتقر مع
تعيين النوع إلى تعيين الثمن؟ الأقرب عندي : عدمه ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، وبه
قال أبو حنيفة وابن سريج ـ لأنّه إذا ذكر نوعاً فقد أذن له في أعلاه ثمناً ، فيقلّ
الغرر. ولأنّ ضبط الثمن ممّا يعسر معه التحصيل ؛ لأنّه قد لا يوجد به ، ولأنّ
تعلّق الغرض بعبدٍ من ذلك النوع نفيساً كان أو خسيساً ليس ببعيدٍ.
والثاني للشافعيّة
: لا بدّ من تقدير الثمن ، أو بيان غايته بأن يقول : مائة ، أو من مائة إلى ألف ؛
لكثرة التفاوت فيه ، ويجوز أن يذكر له أكثر الثمن أو أقلّه ، وإذا كان التفاوت في
الجنس الواحد كثيراً ، لم يتمّ التوكيل إلاّ بالتعيين .
وهو ممنوع.
ولا يشترط استقصاء
الأوصاف التي تُضبط في السَّلَم ولا ما يقرب منها إجماعاً.
نعم ، إذا اختلفت
الأصناف الداخلة تحت النوع الواحد اختلافاً ظاهراً ، قال بعض الشافعيّة : لا بدّ
من التعرّض له .
__________________
وليس شيئاً.
وهل يكفي ذكر
الثمن عن ذكر النوع فيقول له مثلاً : اشتر لي عبداً بمائة ، وإن لم يقل : تركيّاً
أو هنديّاً؟ الوجه عندنا : جوازه ، وبه قال بعض الشافعيّة .
وقال بعضهم بعدم
الاكتفاء .
ولو قال : اشتر لي
عبداً كما تشاء ، جاز أيضاً عندنا ـ وبه قال بعض الشافعيّة ـ لأنّه صرّح
بالتفويض التامّ ، بخلاف ما لو اقتصر على قوله : اشتر لي عبداً ، فإنّه لم يأت فيه
ببيانٍ معتاد ولا تفويضٍ تامّ.
والأكثرون منهم لم
يكتفوا بذلك ، وفرّقوا بينه وبين أن يقول في القراض : اشتر مَنْ شئت من العبيد ؛
لأنّ المقصود هناك الربح بنظر العامل وتصرّفه ، فليس التفويض إليه .
وفي التوكيل بشراء
الدار يجب عندهم التعرّض للمحلّة والسكّة ، وفي الحانوت للسوق .
وكلّ هذا عندنا
غير لازمٍ.
مسألة
٦٨٤ : إذا وكّله في
الإبراء من الحقّ الذي له على زيدٍ ، صحّ.
فإن عرف الموكّل
مبلغ الدَّيْن كفى ، ولم يجب إعلام الوكيل قدر الدَّيْن وجنسه ، وبه قال بعض
الشافعيّة .
__________________
وقال بعضهم : لا
بدّ من أن يبيّن للوكيل قدر الدَّيْن وجنسه .
والمعتمد : الأوّل
؛ لأصالة صحّة الوكالة.
أمّا لو قال :
بِعْ عبدي بما باع به فلان فرسه ، اشتُرط في صحّة البيع عِلْمُ الوكيل ؛ لأنّ
العهدة تتعلّق به ، فلا بدّ أن يكون على بصيرةٍ من الأمر ، ولا عهدة في الإبراء.
ولو كان الموكّل
جاهلاً بما باع به فلان فرسه ، لم يضر.
واشترط بعضهم
العلم بما يقع الإبراء منه .
وأصل الخلاف : إنّ
الإبراء هل هو محض إسقاط ، أو تمليك؟ إن قلنا : إسقاط ، صحّ مع جَهْل مَنْ عليه
الحقّ بمبلغ الحقّ. وإن قلنا : تمليك ، فلا بدّ من علمه ، كما أنّه لا بدّ من علم
المتّهب بما يوهب منه .
ولو قال : وكّلتُك
في أن تُبرئه من الدَّيْن الذي لي عليه ، ولم يعلم الموكّل قدره ولا الوكيل ، صحّ
أيضاً عندنا.
ولو وكّله في
الإبراء من شيء ، وأطلق ، لم يكن للوكيل التعيين ، بل يُبرئه من شيء مبهم ،
ويُحمل على أقلّ ما يتموّل ؛ لأنّه المتيقّن بالإسقاط ، والزائد عليه ثابت في
الذمّة ، فلا يزول عنها إلاّ بمزيل.
ولو قال : وكّلتُك
في أن تُبرئه ممّا شئت ، أو ممّا شاء ، فالوجه : الصحّة ، ويرجع في القدر إلى
مشيئته أو مشيئة الغريم.
ولو وكّله بأن قال
: ابرئ فلاناً عن دَيْني ، اقتضى ذلك أن يُبرئه من الجميع. ولو قال : عن شيء منه
، أبرأه عن أقلّ ما يتموّل.
__________________
ولو قال : أبرأه
عمّا شئت ، لم يجز الاستيعاب ، مع احتماله.
مسألة
٦٨٥ : إذا وكّله في
الإبراء من الحقّ الذي له عليه ، فأبرأه الوكيل ، صح ، وبرئت ذمّته.
ولو كان له على
رجل حقٌّ ، فوكّل صاحب الحقّ مَنْ عليه الحقّ في إبراء نفسه ، صحّ ؛ لأنّه وكّله
في إسقاط حقٍّ عن نفسه ، فوجب أن يصحّ ، كما لو وكّل العبدَ في إعتاق نفسه
والمرأةَ في طلاقها ، وهو المشهور عند الشافعيّة .
وقال بعضهم : لا
يصحّ ؛ لأنّه لا يملك إسقاط الحقّ عن نفسه بنفسه ، كما لو كان في يده عين مضمونة
عليه ، فإنّه لا يصحّ أن يوكّله في إسقاط الضمان عن نفسه .
وهو ضعيف ؛ لأنّه
يخالف إسقاط الحقّ عن الذمّة ؛ لأنّ ذلك لا يسقط إلاّ بالقبض ، ولا يكون قابضاً من
نفسه ، وهنا يكفي مجرّد الإسقاط ، على أنّا نمنع الحكم في الأصل.
إذا ثبت هذا ،
فإذا وكّل المضمونُ له المضمونَ عنه في إبراء الضامن ، جاز ، فإذا أبرأه ، برئ
الضامن والمضمون عنه عندنا.
وعند العامّة لا
يبرأ المضمون عنه .
وإن وكّل الضامنَ
في إبراء المضمون عنه فأبرأه ، لم يبرأ الضامن عندنا ؛ لأنّ الدَّيْن انتقل من
ذمّة المضمون عنه ، ولا تصحّ هذه الوكالة ، كما لو وكّله في إبراء مَنْ لا حقّ له
عليه.
__________________
وعند العامّة يبرأ
الضامن ؛ لأنّه فرع على المضمون عنه .
وهنا للشافعيّة
وجهٌ واحد : أنّه لا يبرأ بإبراء نفسه ، وإنّما يبرأ ببراءة المضمون عنه .
تذنيب : لو وكّله في إبراء غرمائه وكان الوكيل منهم ، لم يكن له
أن يُبرئ نفسه ، كما لو وكّله في حبس غرمائه أو مخاصمتهم.
ولعلّ بينهما
فرقاً.
ولو وكّله في
تفرقة شيء على الفقراء وهو منهم ، لم يكن له أن يصرف إلى نفسه من ذلك شيئاً عند
الشافعيّة ؛ لأنّه مخاطب في أن يخاطب غيره ، فلا يكون داخلاً في خطاب غيره.
فإن صرّح له أن
يُبرئ نفسه ، فالوجهان .
والمعتمد : الجواز
في ذلك كلّه.
مسألة
٦٨٦ : إذا وكّله في
الخصومة وأطلق بأن قال : وكّلتُك لمخاصمة خصمائي ، فإنّه يصح ، ويصير وكيلاً في
جميع الخصومات ؛ عملاً بالعموم ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.
والثاني : لا يصحّ
، بل يجب تعيين مَنْ يخاصم معه ؛ لاختلاف العقوبة.
وهذا الاختلاف
قريب من الخلاف الذي سبق فيما إذا وكّله ببيع أمواله وهي غير معلومة .
__________________
الفصل الثالث
: في أحكام الوكالة
وفيه مطالب :
الأوّل
: في صحّة ما وافق من التصرّفات ، وبطلان ما خالف.
وتُعرف الموافقة
باللفظ تارةً ، وبالقرينة أُخرى.
وفيه مباحث :
الأوّل : المباينة والمخالفة.
مسألة
٦٨٧ : يجب على الوكيل
اعتماد ما عيّن الموكّل له وقرّره معه ، ولا يجوز له المخالفة في شيء ممّا رسمه
له ، فيصحّ تصرّف الوكيل فيما وافق الموكّل ، ويبطل فيما خالفه مع صحّة الوكالة.
والموافقة
والمخالفة قد تُعرفان بالنظر إلى اللفظ تارةً ، وبالقرائن التي تنضمّ إليه أُخرى ،
فإنّ القرينة قد تقوى ، فيترك لها إطلاق اللفظ ، فإنّه إذا أمره في الصيف بشراء
الجمد ، لا يشتريه في الشتاء.
وقد يتعادل اللفظ
والقرينة ، وينشأ من تعادلهما خلاف في المسألة ، وهذا كما لو أطلق البيع وقال : قد
وكّلتُك في بيعه ، ولم يعيّن ثمناً ولا نقداً ولا حلولاً ، فباع بغير نقد البلد من
العروض والنقود ، أو بغبنٍ فاحش ، أو مؤجَّلاً ، فإذا فَعَل ذلك ، لم يصح ، وكان
مخالفاً ؛ لأنّ العرف اقتضى انصراف إطلاق اللفظ إلى المعتاد المتظاهر بين الناس من
البيع بالنقد ، ومن نقد البلد الذي يقع فيه البيع ، وبثمن المثل ، والحالّ ، فلا
يملك الوكيل غير ذلك ، عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى
الروايتين ومالك ؛ قياساً على الوصي ، فإنّه لا يبيع إلاّ بثمن المثل من نقد البلد
حالًّا.
ولأنّه وكيل في
عقد البيع ، فتصرّفه بالغبن لا يلزم الموكّل ، كالوكيل بالشراء إذا اشترى بغبنٍ
فاحش ، ولأنّه إذا باع وأطلق ، كان الثمن حالًّا ، فإذا وكّل بالبيع وأطلق ، حُمل
على الثمن الحالّ .
وقال أبو حنيفة :
إذا وكّله في البيع وأطلق ، جاز له أن يبيع بأيّ ثمن كان ، قليلاً كان أو كثيراً ،
حالًّا ومؤجَّلاً من أيّ نقدٍ شاء ؛ لأنّ المبيع ملكه ، فإذا أمر ببيعه مطلقاً ،
حُمل على العموم في كلّ بيعٍ .
وهو ينتقض بالشراء
، فإنّه إذا أطلق له الشراء ، انصرف الإطلاق إلى الشراء بثمن المثل عنده .
وقال أبو يوسف
ومحمّد : إذا أطلق له البيع ، لم يجز إلاّ بثمن المثل من نقد البلد ، ويجوز حالًّا
ومؤجَّلاً ؛ لأنّ البيع يقع بالحالّ والمؤجَّل في العادة ، فانصرف الأمر إليه .
__________________
وهو ممنوع ؛ فإنّ
الثمن إنّما يكون حالًّا في غالب العادة ، فانصرف الإطلاق إليه ، كثمن المثل.
وأمّا إذا قيّد الموكّل الأمر فأمره بأن يبيعه بنقدٍ بعينه ، فإنّه لا يجوز له
مخالفته ، إلاّ أن يأذن له في بيعه بنقدٍ فيبيعه بأكثر. وقال أحمد في الرواية
الأُخرى : إذا باع بأقلّ من ثمن المثل بما لا يتغابن الناس به ، صحّ ، ولا يصحّ
الشراء بأكثر من ثمن المثل ، ويضمن الوكيل في صورة البيع النقصَ ؛ لأنّ مَنْ صحّ
بيعه بثمن المثل صحّ بدونه ، كالمريض .
فعلى هذه الرواية
يكون البيع صحيحاً ، وعلى الوكيل ضمان النقص.
وفي قدره وجهان :
أحدهما : ما بين
ثمن المثل وما باعه به.
والثاني : ما بين
ما يتغابن الناس به وما لا يتغابن الناس به.
والوجه : الأوّل ؛
لأنّه لم يأذن للوكيل في هذا البيع ، فأشبه بيع الأجنبيّ.
وأمّا إذا باع بما
يتغابن الناس بمثله ، فإنّه يجوز ويعفى عنه ولا ضمان عليه إذا لم يكن الموكّل قدّر
له الثمن ؛ لأنّ ما يتغابن الناس به يُعدّ من ثمن المثل ، ولا يمكن التحرّز عنه.
فروع
:
أ ـ إذا باع على
الوجه الممنوع منه بأن يبيع بأقلّ من ثمن المثل أو بالعروض أو نسيئةً ، كان حكمه
حكم الفضولي يكون بيعه موقوفاً إن أجازه الموكّل ، صحّ البيع ولزم ، وإلاّ بطل ،
ولا يقع باطلاً من أصله ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.
__________________
والمشهور عندهم :
الأوّل .
ب
ـ لو كان في البلد نقدان وأحدهما أغلب ، فعليه أن يبيع به ،
فإن استويا في المعاملة ، باع بما هو أنفع للموكّل ، فإن استويا تخيّر.
وقال بعض
الشافعيّة : إذا استويا في المعاملة ، وجب أن لا يصحّ التوكيل ما لم يبيّن ، كما
لو باع بدراهم وفي البلد نقدان متساويان ، لا يصحّ حتى يقيّد بأحدهما .
والمشهور عندهم ما اخترناه
أوّلاً.
ج
ـ لو باع الوكيل على أحد الوجوه المذكورة ، لم يصر ضامناً
للمال ما لم يسلّم إلى المشتري ، فإن سلّم ضمن.
د
ـ بيع ما يساوي عشرةً بتسعةٍ محتملٌ في الغالب ما يتغابن
الناس بمثله ، فيصحّ فعله من الوكيل. وبيعه بثمانيةٍ غير محتملٍ ، وهو قول بعض
الشافعيّة .
وقال بعضهم :
يختلف القدر المحتمل باختلاف أجناس الأموال من الثياب والعبيد والعقارات وغيرها .
هـ
ـ كما لا يجوز أن ينقص الوكيل عن ثمن المثل ، لا يجوز أن
يقتصر عليه وهناك طالبٌ بالزيادة ، بل يجب عليه بيعه على باذل الزيادة مع تساوي
الغريمين ؛ لأنّه منصوب لمصلحة الموكّل ، وليس من مصلحته بيعه
__________________
بالأقلّ مع وجود
الأكثر.
و
ـ لو باع بثمن المثل ووجد مَنْ يزيد عليه ، فإن كان بعد
انقضاء الخيار ، فلا كلام.
وإن كان في زمن
الخيار ولو في المجلس ، فالأقرب : إنّ على الوكيل الفسخَ ؛ لاقتضاء مصلحة الموكّل
ذلك ، والتزام البيع منافٍ لها ، فلا يملكه الوكيل.
وقال بعض العامّة
: إنّه لا يلزمه فسخ العقد ؛ لأنّ الزيادة ممنوع منها منهيّ عنها ، فلا يلزمه
الرجوع إليها ، ولأنّ المزايد قد لا يثبت على الزيادة ، ولا يلزم الفسخ بالشكّ .
وهو غلط ؛ لأنّها
زيادة في الثمن أمكن تحصيلها ، فأشبه ما لو جاء به قبل البيع ، والنهي يتوجّه إلى
الذي زاد ، لا إلى الوكيل ، فأشبه مَنْ جاءته الزيادة قبل البيع بعد الاتّفاق
عليه.
مسألة
٦٨٨ : لو قال الموكّل
للوكيل : بِعْه بكَمْ شئت ، جاز البيع بالغبن ، ولا يجوز بالنسيئة ولا بغير نقد
البلد ؛ لأنّه فوّض إليه تعيين القدر بلفظ « كَمْ » لأنّها كناية عن العدد ، ويبقى
في النقد والنسيئة على إطلاق الإذن ، فلا يتناول إلاّ الحالّ بنقد البلد ؛ لأنّ
تعميمه في أحد الثلاثة لا يقتضي تعميمه في الباقيين.
ولو قال : بِعْه
بما شئت ، فله البيع بغير نقد البلد ، ولا يجوز بالغبن ولا النسيئة.
ولو قال : بِعْه
كيف شئت ، فله البيع بالنسيئة ، ولا يجوز بالغبن ولا بغير نقد البلد ، وبه قال بعض
الشافعيّة .
__________________
وقال بعضهم : يجوز
الجميع . ولا بأس به عندي.
ولو قال : بِعْه
بما عزّ وهان ، فهو كما لو قال : بِعْه بكَمْ شئت ، قاله بعض الشافعيّة .
وقال آخَرون : له
البيع بالعرض والغبن ، ولا يجوز بيعه بالنسيئة . وهو المعتمد.
مسألة
٦٨٩ : للحاكم بيع
المرهون ومال المفلَّس بنقد البلد. ولو لم يكن دَيْن المستحقّين من ذلك الجنس أو
على تلك الصفة ، صرفه إلى مثل حقوقهم.
وقد يحتاج الحاكم
في ذلك إلى توسيط عقدٍ آخَر ومعاملةٍ أُخرى ، كما لو كان نقد البلد المكسَّرَ وحقُّهم
الصحيحَ ، فلا يمكن تحصيل الصحيح بالمكسَّر إلاّ ببذل زيادةٍ وإنّه ربا ، فيحتاج
إلى شراء سلعةٍ بالمكسّرة ثمّ يشتري الصحيحة بتلك السلعة.
ولو رأى الحاكم
المصلحة في البيع بمثل حقوقهم في الابتداء ، جاز ، وقد سبق .
والمرتهن عند
امتناع الراهن عن أداء الحقّ يرفع أمره إلى الحاكم ، فإن تعذّر عليه وافتقر إلى
بيّنةٍ ولم تكن له ، قام مقام الحاكم في توسيط المعاملة بالأُخرى وفي بيعه بجنس
الدَّيْن وعلى صفته ، وبه قال بعض الشافعيّة .
__________________
ومَنَع بعضُهم من
تسلّط المرتهن على بيع المرهون بمجرّد امتناع الراهن عن أداء ما عليه .
وإذا أُلحق المرتهن
بالحاكم فيما ذكرنا ، أشبه أن يلحق وكيل الراهن ببيع المرهون وقضاء الدَّيْن منه
بالمرتهن ، بل أولى ؛ لأنّ نيابة المرتهن حينئذٍ قهريّة ، و [ الموكّل ] قد رضي بتصرّفه ،
ونصبه لهذا الغرض.
مسألة
٦٩٠ : الوكيل بالبيع
المطلق يبيع من ابنه الكبير وأبيه وسائر أُصوله وفروعه ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ـ لأنّه باع بثمن
المثل الذي لو باع به من أجنبيّ لصحّ ، فأشبه ما لو باع من صديقه ، ولأنّه يجوز
للعمّ أن يزوِّج موليتَه من ابنه إذا أطلقت الإذن ، ولم يُجعل تعيين الزوج شرطاً ،
فكذا هنا ، ولأنّ القابل غير العاقد ، فصحّ البيع ، كالأجنبيّ.
والثاني للشافعيّة
: أنّه لا يجوز ـ وبه قال أبو حنيفة ، ويعتبر أبو حنيفة قبولَ الشهادة له ـ لأنّ التهمة
تلحقه في حقّ أبيه وابنه الكبير بالميل إليهما ، كما تلحقه في حقّ نفسه ، ولهذا لا
تُقبل شهادته لهما ، كما لا تُقبل شهادته لنفسه ، ومن الجائز أن يكون هناك راغب
بأكثر من الثمن .
__________________
وأُجري الوجهان
للشافعيّة في البيع من الزوج والزوجة ، فإذا قلنا : لا تُقبل شهادة أحدهما للآخَر
، فكالأب والابن ، وإلاّ فلا .
وهذا عندنا باطل ؛
لأنّا نجوّز الشهادةَ لهم والبيعَ أيضاً ؛ إذ الضابط ثمن المثل ، فإذا بذله [ أيّ
] مَنْ كان ، جاز البيع.
ولو باع من
مكاتَبه ، صحّ أيضاً.
وللشافعيّة وجهان
: الجواز ؛ لأنّ المكاتَب يملك دونه. والمنع ؛ للتهمة ، لأنّه يتعلّق حقّه بكسبه .
وكذا يصحّ البيع
من جميع أقاربه ، كأخيه وعمّه وغيرهما.
والوجهان
للشافعيّة في الفروع والأُصول المستقلّين .
أمّا لو باع من
ابنه الصغير ، فإنّه جائز عندنا أيضاً.
ومَنَع منه
الشافعيّة ؛ لأنّه يستقصي لطفله في الاسترخاص ، وغرض الموكّل الاستقصاء في البيع بالأكثر ،
وهُما غرضان متضادّان ، فلا يتأتّى من الواحد القيام بهما .
__________________
وعن أحمد روايتان.
وللشافعيّة وجهان .
مسألة
٦٩١ : إذا وكّله في بيع
شيء ، فإن جوّز له أن يشتريه هو ، جاز أن يبيعه على نفسه ، ويقبل عن نفسه.
وإن مَنَعه من ذلك
، لم يجز له أن يشتريه لنفسه إجماعاً.
وإن أطلق ، مَنَع
الشيخ من ذلك ؛ لأنّه قال : جميع مَنْ يبيع مال غيره ـ وهُمْ ستّة أنفس : الأب
والجدّ ووصيّهما والحاكم وأمين الحاكم والوكيل ـ لا يصحّ لأحدٍ منهم أن يبيع المال
الذي في يده من نفسه إلاّ لاثنين : الأب والجدّ ، ولا يصحّ لغيرهما ، وبه قال مالك
والشافعي .
وقال الأوزاعي :
يجوز ذلك للجميع. وهو منقول عن مالك أيضاً.
وقال زفر : لا
يجوز لأحدٍ منهم أن يبيع من نفسه شيئاً .
وقال أبو حنيفة :
يجوز للأب والجدّ والوصي ذلك ، إلاّ أنّه اعتبر في الوصي أن يشتريه بزيادة ظاهرة ،
مثل أن يشتري ما يساوي عشرةً بخمسة عشر ، فإن اشتراه بزيادة درهمٍ ، لم يمض البيع
استحساناً .
__________________
ثمّ استدلّ ; على مذهبه :
بإجماع الفرقة وأخبارهم أنّه يجوز للأب أن يقوّم جارية ابنه الصغير على نفسه ، ثمّ
يستبيح وطأها بعد ذلك.
وأيضاً روي أنّ
رجلاً وصّى إلى رجلٍ في بيع فرس ، فاشتراه الوصي لنفسه ، فاستفتى عبد الله بن
مسعود ، فقال : ليس له ، ولم يُعرف له مخالف .
إذا عرفت هذا ،
فقد اختلفت الشافعيّة في صحّة بيع الوكيل من نفسه ، والوصي يبيع مال الطفل من
نفسه.
فالمشهور عندهم :
المنع ـ وهو إحدى الروايتين عن أحمد ـ لأنّه يستقصي لنفسه في الاسترخاص ، وغرض
البائع الاستقصاء في البيع بالأكثر ، وهُما غرضان متضادّان ، فلا يتأتّى من الواحد
القيام بهما.
وأيضاً فإنّ
التوكيل بالبيع مطلقاً يشعر بالبيع من الغير ، والألفاظ المطلقة تُحمل على [
المفهوم ] منها في العرف الغالب.
ولأنّه تلحقه
التهمة ، بخلاف الأب والجدّ ، فإنّ شفقتهما الطبيعيّة على الولد تمنعهما من
التسامح معه ، فانتفت التهمة عنهما ؛ لشفقتهما عليه .
ونقل عن الاصطخري
من الشافعيّة أنّ للوكيل أن يبيع من نفسه ؛ لحصول الثمن الذي لو باع من غيره لحصل .
__________________
واحتجّ أبو حنيفة
على جوازه للأب والجدّ والوصي إذا اشترى بأكثر من ثمن المثل [ بأنّه ] إذا اشترى الوصي
بأكثر من ثمن المثل ، فقد قرب مال اليتيم بالتي هي أحسن ، فوجب أن يجوز .
واحتجّ مَنْ جوّز
مطلقاً : بأنّ الوصي والوكيل نائب عن الأب ، فإذا جاز ذلك للأب ، جاز للنائب عنه .
وينتقض قول أبي
حنيفة : بأنّ الوصي يلي بتوليته ، فأشبه الوكيل.
واحتجّ زفر : بأنّ
حقوق العقد تتعلّق بالعاقد ، فلا يصحّ أن يتعلّق به حكمان متضادّان ، ويشبه في ذلك
الوصي والوكيل .
واعلم أنّ المشهور
أنّ للأب والجدّ أن يتولّيا طرفي العقد ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يلي بنفسه ، فجاز
أن يتولّى طرفي العقد ، كالجدّ يزوّج ابن ابنه ببنت ابنه الآخَر.
ولا نسلّم ما ذكره
من تعلّق حقوق العقد بالعاقد لغيره.
وأمّا غيرهما
فالمشهور : المنع.
وعندي في ذلك
تردّد.
فروع
:
أ
ـ إذا منعنا من شراء الوكيل لنفسه ، لم يجز أيضاً أن يشتري
لولده
__________________
الصغير ولا لمن
يلي عليه بوصيّةٍ ؛ لأنّه يكون بيعاً من نفسه ، وبه قال الشافعي .
وعندي فيه نظر
أقربه : الجواز في ذلك كلّه.
وأمّا عبده
المأذون له في التجارة فحكمه حكم بيعه من نفسه.
ب
ـ إذا أذن لوكيله أن يبيع من نفسه ، جاز عندنا على ما تقدّم.
وللشافعيّة وجهان .
قال ابن سريج :
يجوز ، كما لو أذن له في البيع من أبيه وابنه ، وكما لو قال لزوجته : طلّقي نفسكِ
على ألف ، ففَعَلت ، يصحّ ، وتكون نائبةً من جهته ، قابلةً من جهة نفسها.
ولأنّ التهمة قد
انتفت عنه بذلك ، فجاز .
وهذا على قول مَن
اعتبر التهمة.
وحكى أبو حامد من
الشافعيّة في نكاح بنت العمّ من نفسه وجهين أيضاً .
وقال الأكثرون :
لا يجوز ؛ لما تقدّم من تضادّ الغرضين ، وأيضاً فإنّ وقوع الإيجاب والقبول من شخصٍ
واحد بعيد عن التخاطب ووَضْع الكلام ، وتجويزه في حقّ الأب والجدّ خلاف القياس ،
ولأنّه لا يكون موجباً قابلاً فيما يتولاّه بالإذن ، كما لا يجوز أن يزوّج بنت
عمّه من نفسه بإذنها .
ونحن نمنع الحكم
في الأصل.
ج
ـ لو وكّل أباه بالبيع ، فهو كالأجنبي إن جوّزنا في حقّ
الأجنبيّ أن
__________________
يشتري لنفسه جاز
هنا ، وإن منعناه ثَمَّ منعناه هنا.
وقال بعض
الشافعيّة المانعين في حقّ الأجنبيّ : يجوز هنا ؛ لأنّ الأب يبيع مال ولده من نفسه
بالولاية ، فكذلك بالوكالة .
وفيه بُعْدٌ.
د
ـ لو صرّح له بالإذن في بيعه من ابنه الصغير ، قطع بعض
الشافعيّة بالجواز ـ كما اخترناه نحن ـ لأنّه رضي بالنظر إلى الطفل وبترك
الاستقصاء ، وتولّي الطرفين في حقّ الولد معهود على الجملة ، بخلاف ما لو باع من
نفسه. ولأنّ التهمة قد انتفت ، والقابل غير الموجب .
وقال بعضهم : لا
يجوز ، كما لو أذن في بيعه من نفسه .
ويجري الوجهان
للشافعيّة فيما لو وكّله بالهبة وأذن له أن يهب من نفسه ، أو بتزويج ابنته وأذن له
في تزويجها من نفسه.
والنكاح أولى
بالمنع عندهم ؛ لأنّهم رووا أنّه « لا نكاح إلاّ بأربعة : خاطبٍ ووليٍّ
وشاهدَيْن » .
هـ
ـ لو وكّل مستحقّ الدَّيْن المديونَ باستيفائه من نفسه ، أو
وكّل مستحقّ القصاص الجانيَ باستيفائه من نفسه إمّا في النفس أو الطرف ، أو وكّل
الإمام السارقَ ليقطع يده ، جاز.
وللشافعيّة
الوجهان .
أمّا لو وكّله
الإمام في جلد نفسه ، فالأقرب : المنع ؛ لأنّه متّهم بترك
__________________
الإيلام ، بخلاف
القطع ؛ إذ لا مدخل للتهمة فيه.
وظاهر مذهب
الشافعيّة : المنع في الجميع .
مسألة
٦٩٢ : لو وكّله
المتداعيان أن يخاصم من الجانبين ، فيدّعي عن أحدهما ويُنكر عن الآخَر ، الأقرب :
الجواز ؛ لأنّه يتمكّن من إقامة البيّنة للمدّعي ثمّ من إقامة البيّنة الدافعة
للمدّعى عليه ، وعدالته وأمانته تمنعه من الميل عن أحد الجانبين ، وهو أضعف وجهي الشافعيّة.
وأصحّهما عندهم :
المنع ؛ لما فيه من اختلال غرض كلّ واحدٍ منهما ، فإنّه يحتاج إلى التعديل من
جانبٍ وإلى الجرح من جانبٍ ، وعلى هذا [ فإليه ] الخيرة يخاصم
لأيّهما شاء .
ولا منافاة لما
بيّنّاه من اقتضاء عدالته وأمانته عدمَ الميل بغير الحقّ ، وهو مكلّف باعتماد
الصحيح ، حتى لو طلب الموكّل منه الخروجَ عنه ، لم يجز له موافقته عليه.
ولو توكّل رجل في
طرفَي النكاح أو البيع ، جاز عندنا.
وعند الشافعيّة
وجهان .
ومنهم : مَنْ قطع
بالمنع .
ولو وكّل مَنْ
عليه الدَّيْن بإبراء نفسه ، جاز عندنا.
__________________
وللشافعيّة طريقان
:
أحدهما : التخريج
على الوجهين.
والثاني : القطع
بالجواز.
وهُما مبنيّان على
أنّه هل يحتاج إلى القبول؟ إن قلنا : نعم ، جرى الوجهان. وإن قلنا : لا ، قطعنا
بالجواز ، كما لو وكّل مَنْ عليه القصاص بالعفو ، والعبد بإعتاق نفسه .
والوكيل بالشراء
بمنزلة الوكيل بالبيع في أنّه لا يشتري من نفسه ولا مال ابنه الصغير على
الخلاف السابق ، وفي تخريج شرائه من ابنه البالغ على الوجهين في سائر
الصور.
مسألة
٦٩٣ : كلّ ما جاز
التوكيل فيه جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل وغيبته ، عند علمائنا ـ وبه قال مالك
وأحمد في إحدى الروايتين ـ لأنّ ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكّل جاز في غيبته ،
كالحدود وسائر الحقوق.
وقال أبو حنيفة
وبعض الشافعيّة : لا يجوز استيفاء القصاص وحدّ القذف في غيبة الموكّل ـ وهو
الرواية الأُخرى عن أحمد ـ لاحتمال أن يعفو .
__________________
وهو بعيد ،
والظاهر أنّه لو عفا ، لأعلم الوكيل ، والأصل عدمه ، وقد كان قُضاة رسول الله 6 يحكمون في البلاد
ويقيمون الحدود التي تُدرأ بالشبهات ، مع احتمال النسخ.
وكذا لا يحتاط في
استيفاء الحدود بإحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو تغيّر اجتهاد
الحاكم.
مسألة
٦٩٤ : إذا وكّل عبده في
إعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها ، صحّ.
ولو وكّل العبد في
إعتاق عبيده أو المرأة في طلاق نسائه ، لم يدخل العبد ولا المرأة في ذلك ـ على
إشكالٍ ـ لأنّ ذلك ينصرف بإطلاقه إلى التصرّف في غيره.
ويحتمل أن يملكا
ذلك ؛ عملاً بعموم اللفظ ، كما يجوز للوكيل في البيع البيعُ من نفسه على ما
اخترناه.
وكذا لو وكّل
غريمه في إبراء غرمائه ، بخلاف ما إذا وكّله في حبسهم أو في خصومتهم ، لم يملك حبس
نفسه ولا خصومتها ؛ عملاً بالظاهر.
ولو وكّل رجلاً في
تزويج امرأة ولم يعيّن ، فالأقرب : أنّ له أن يزوّجه ابنته ، وبه قال أبو يوسف
ومحمّد .
ولو أذنت له في
تزويجها ، فالأقرب : أنّه ليس له أن يزوّجها من نفسه ، بل لولده ووالده.
__________________
وفيه لبعض العامّة
وجهان .
ولو وكّله في شراء
عبدٍ ، جاز أن يشتري نفسه له من مولاه.
والحكم في الحاكم
وأمينه والوصي كالحكم في الوكيل في بيع أحد هؤلاء لوكيله أو لولده الصغير أو طفل
يلي عليه أو لوكيله أو لعبده المأذون.
وقد سبق الخلاف في ذلك
كلّه.
مسألة
٦٩٥ : لو وكّل عبداً
بشراء نفسه من سيّده ، أو يشتري منه عبداً آخَر ، ففَعَل ، صحّ عندنا ـ وبه قال
أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعيّة ـ لأنّه يجوز أن يشتري عبداً من غير مولاه ، فجاز أن
يشتريه من مولاه ، كالأجنبيّ ، وإذا جاز أن يشتري غيره من مولاه ، جاز أن يشتري
نفسه ، كالمرأة لمّا جاز توكيلها في طلاق غيرها ، جاز توكيلها في طلاق نفسها. ولأنّه
قابل للنقل وقابل للاستنابة فيه ، فلا مانع مع وجود المقتضي.
وقال بعض
الشافعيّة : لا يجوز ؛ لأنّ يد العبد كيد سيّده ، فأشبه ما لو وكّله في الشراء من
نفسه ، ولهذا يُحكم للإنسان بما في يد عبده .
وهو باطل ؛ لأنّ
أكثر ما يقدّر فيه جَعْل توكيل العبد كتوكيل سيّده ، وقد ذكرنا صحّة ذلك ، فإنّ
السيّد يصحّ توكيله في الشراء والبيع من نفسه ،
__________________
فهنا أولى.
فعلى هذا لو قال
العبد : اشتريت نفسي لزيدٍ ، وصدّقه سيّده وزيدٌ ، صحّ ، ولزم الثمن.
ولو قال السيّد :
ما اشتريت نفسك إلاّ لنفسك ، فإن جوّزناه ، عُتق العبد بقوله وإقراره على نفسه ،
ويلزم العبد الثمن لسيّده ؛ لأنّ زيداً لا يلزمه الثمن ؛ لعدم حصول العبد له ،
وكون سيّده لا يدّعيه عليه ، فلزم العبد ؛ لأنّ الظاهر ممّن يباشر العقد أنّه له.
وإن صدّقه السيّد
وكذّبه زيدٌ ، نُظر في تكذيبه ، فإن كذّبه في الوكالة ، حلف وبرئ ، وللسيّد فسخ
البيع واسترجاع عبده ؛ لتعذّر ثمنه. وإن صدّقه في الوكالة وكذّبه في أنّك ما
اشتريت نفسك لي ، فالقول قول العبد ؛ لأنّ الوكيل يُقبل قوله في التصرّف المأذون
فيه.
مسألة
٦٩٦ : لو وكّله في
إخراج صدقته على المساكين وهو منهم ، أو أوصى إليه بتفريق ثلثه عليهم ، أو دفع
إليه مالاً وأمره بتفريقه على مَنْ يريد أو يدفعه إلى مَنْ شاء ، ففي جواز الأخذ
منه روايتان تقدّمتا .
وقال أحمد : لا
يجوز ؛ لأنّه أمره بتنفيذه .
وأصحابنا قالوا :
إذا أخذ شيئاً ، فلا يفضّل نفسه ، بل يأخذ مثل ما يعطي غيره.
وهل هذا على سبيل الوجوب ، أو
الاستحباب؟ نظر.
وهل له الاختصاص
إذا سوّغ له تخصيص واحدٍ به؟ إشكال.
__________________
وله أن يعطي ولده
وأباه وامرأته ومَنْ تلزمه نفقته مع الاستحقاق.
وعن أحمد روايتان .
مسألة
٦٩٧ : إذا وكّله في
البيع مؤجَّلاً ، فإن قدّر الأجل صحّ التوكيل ، وإن أطلق فالأقرب : الجواز ، ويرجع
في ذلك إلى مصلحة الموكّل ، والمتعارف إن كان فيه عرف.
وللشافعيّة وجهان
:
أحدهما : أنّه لا
يصحّ التوكيل مع الإطلاق ؛ لاختلاف الأغراض بتفاوت الآجال طولاً وقصراً.
وأصحّهما عندهم :
الصحّة.
وعلى ما ذا يُحمل؟
فيه ثلاث أوجُه :
أحدها : أنّه ينظر
إلى المتعارف في مثله ، فإن لم يكن فيه عرفٌ راعى الوكيلُ الأنفعَ للموكّل.
والثاني : له
التأجيل إلى أيّة مدّة شاء ؛ عملاً بإطلاق اللفظ.
والثالث : يؤجّل
إلى سنة ولا يزيد عليها ؛ لأنّ الديون المؤجَّلة تتقدّر بها ، كالجزية والدية .
البحث الثاني : فيما يملك الوكيل بالبيع.
مسألة
٦٩٨ : إذا وكّله في
البيع مطلقاً ، لم يملك الوكيل قبض الثمن ،
__________________
إلاّ إذا دلّت
القرينة عليه ، كما لو أمره بالبيع في سوقٍ بعيدٍ من بلدٍ آخَر يضيع الثمن بترك
قبضه ، أو لا يتمكّن الموكّل من قبض الثمن ، أو يقول له : بِعْه على مَنْ كان من
الغرباء ولا تصاحبه ، ففي مثل ذلك يكون مأذوناً له في القبض ، فإن دفع السلعة إلى
المشتري ولم يقبض ، كان ضامناً ؛ لأنّ ظاهر حال الموكّل أنّه إنّما أمره بالبيع
لتحصيل ثمنه ، ولا يرضى بتضييعه ، ولهذا يُعدّ مَنْ فَعَل ذلك مضيّعاً مفرّطاً.
وإن لم تدلّ
القرينة عليه ، فإن دلّت على المنع ، لم يجز له القبض إجماعاً.
وإن لم تكن هناك
قرينة تدلّ على أحدهما ، لم يملك القبض أيضاً ؛ لأنّ الوكالة بالبيع مغايرة
للوكالة بالقبض ، وأحدهما غير الآخَر ، وغير دالٍّ عليه بإحدى الدلالات الثلاث ،
فيكون القبض غيرَ مأذونٍ فيه ، والموكّل إنّما أذن بالبيع ، وقَبْضُ الثمن أمرٌ
وراء البيع ، وليس كلّ مَنْ يرتضي للبيع يرتضي لقبض الثمن ، فقد لا يأتمنه عليه.
وأصحّهما عند
الشافعيّة : أنّه يملكه ؛ لأنّه من توابع البيع ومقتضياته ، فالإذن
في البيع إذْنٌ فيه وإن لم يصرّح به .
مسألة
٦٩٩ : إذا وكّله في
البيع ، فقد قلنا : إنّه لا يملك قبض الثمن ، لكن يملك تسليم المبيع إلى المشتري إن
كان في يده ـ وهو قول أكثر الشافعيّة ٣ ـ لأنّ البيع يقتضي إزالة الملك ، فيجب
التسليم. ولأنّ تسليم المبيع إلى المشتري من تمامه وحقوقه.
__________________
وقال بعضهم : فيه
وجهان هُما الوجهان في أنّه هل يملك قبض الثمن؟ فإنّهما جاريان في أنّه هل يملك
تسليم المبيع ؟.
واتّفقوا على أنّ
الوكيل بعقد الصرف يملك القبض والإقباض ؛ لأنّه شرط صحّة العقد ، وكذا في السَّلَم
يقبض وكيل المُسْلَم إليه رأس المال ، ووكيل المُسْلم يقبضه إيّاه لا محالة عندهم .
وعندي في ذلك كلّه
نظر ، والوجه : أنّه لا يملك القبض بحالٍ.
مسألة
٧٠٠ : إذا وكّله في
البيع ، لم يملك قبض الثمن على ما تقدّم ، ويملك تسليم المبيع إلى المشتري ، لكن لا يسلّم قبل أن
يقبض الموكّل أو مَنْ يرتضيه الثمنَ ، فإن سلّمه قبل قبض الثمن ، كان ضامناً.
وقال بعض العامّة
: إن قلنا : لا يملك قبض الثمن لو تعذّر قبضه من المشتري ، لم يكن ضامناً
، وإن قلنا : يملك قبض الثمن ، لم يملك تسليم المبيع قبل قبضه ، فإن سلّم قبل قبضه
كان ضامناً .
والتقدير الأوّل
يقتضي جواز أن يسلّم المبيع قبل إيفاء الثمن ، وهو ضعيف.
أمّا لو أذن له في
البيع بثمن مؤجَّل ، فهنا يسلّم المبيع ؛ إذ لا يثبت للبائع هنا حقّ حبس المبيع
على الثمن عند تأجيل الثمن.
ويجيء للشافعيّة
قول : إنّه لا يجوز له التسليم ، لا لغرض الحبس ، لكن لأنّه لم يفوّض إليه .
__________________
ثمّ إذا حلّ الأجل
، لم يملك الوكيل قبض الثمن إلاّ بإذنٍ مستأنف.
مسألة
٧٠١ : الوكيل في البيع
يملك تسليم المبيع بعد الإيفاء على ما قلناه نحن ، ولا يملك قبض الثمن على ما
اخترناه ، ولا يملك إبراء المشتري من الثمن ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي
وأحمد ـ لأنّ إبراء الموكّل يصحّ ، فلا يصحّ إبراء وكيله بغير إذنه. ولأنّ الإبراء
ليس من البيع ولا من تتمّته ، وهو مغاير للبيع وغير لازمٍ له ، فلا يكون التوكيل
في البيع توكيلاً فيه. ولأنّ فيه إضراراً بالبائع ، والوكيل منصوب لمصلحته ، لا
لفعل ما يتضرّر به. ولأنّه مغاير للبيع حقيقةً ، وغير مستلزمٍ له ولا لازم ، فكان
كالإبراء من غير الثمن.
وقال أبو حنيفة :
الوكيل في البيع إذا أبرأ المشتري من الثمن ، برئ ، وضمنه الوكيل ؛ لأنّ حقوق
البيع تتعلّق بالوكيل ، فلمّا مَلَك المطالبة مَلَك الإسقاط .
وهو باطل ؛ فإنّه
إنّما يتعلّق بالوكيل من الحقوق ما نصّ عليه الموكّل أو تضمّنه نصّه.
ويبطل ما قاله
بأمين الحاكم والوصي والأب ، فإنّه يملك المطالبة بثمن المبيع ، ولا يملك الإبراء.
__________________
مسألة
٧٠٢ : إذا وكّله في
البيع فباعه بثمنٍ حال وقلنا : له قبض الثمن أو جعل له الموكّل ذلك ، فلا يسلّم
المبيع حتى يقبض الثمن ، كما لو أذن فيهما.
ولكلٍّ من الوكيل
والموكّل مطالبة المشتري بالثمن على كلّ حال ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ الموكّل
يصحّ قبضه لهذا الدَّيْن ، فجاز له المطالبة به ، كسائر ديونه التي وكّل فيها.
وقال أبو حنيفة :
ليس للموكّل المطالبة بالثمن ؛ لأنّ حقوق العقد تتعلّق بالوكيل ، دون الموكّل ،
ولهذا يتعلّق مجلس الصرف والخيار به ، دون موكّله .
والفرق ظاهر ؛
لأنّ مجلس العقد من شروط العقد وهو العاقد ، فيتعلّق به ، وأمّا الثمن فهو حقّ
الموكّل ومالٌ من أمواله ، فكان له المطالبة به.
مسألة
٧٠٣ : إذا وكّله في
البيع ومَنَعه من قبض الثمن ، لم يكن للوكيل القبضُ إجماعاً.
ولو مَنَعه من
تسليم المبيع ، فكذلك.
وقال بعض
الشافعيّة : هذا الشرط فاسد ؛ فإنّ التسليم مستحقّ
__________________
بالعقد .
ثمّ اختلف هؤلاء
فقال بعضهم : إنّ الوكالة تفسد بهذا الشرط حتى أنّه يسقط الجُعْل المسمّى فيه ،
ويرجع إلى أُجرة المثل ؛ لأنّ استحقاقه مربوط بالبيع ، والامتناع من التسليم ،
فكان الجُعْل مقابلاً بشيءٍ صحيح وشيءٍ فاسد ، فليفسد المسمّى.
وقيل : المسألة
مبنيّة على أنّ في صورة الإطلاق هل للوكيل التسليم ، أم لا؟ إن قلنا : لا ، فعند
المنع أولى. وإن قلنا : نعم ، فكذلك ؛ لأنّه من توابع البيع وتمام العقد ، كالقبض
، لا لأنّ تسليمه مستحقّ بالعقد ، فإنّ المستحقّ هو التسليم لا تسليمه ، والممنوع
منه تسليمه.
نعم ، لو قال :
امنع المبيع ، فهذا الشرط فاسد ؛ لأنّه لا يجوز منع المالك عن ملكه حيث يستحقّ
إثبات اليد عليه ، وفرقٌ بين أن يقول :
لا تسلّمه إليه ،
وبين أن يقول : أمسكه وامنعه منه .
وأمّا الوكيل
بالشراء فإن لم يسلّم الموكّل إليه الثمنَ واشترى في الذمّة ، فسيأتي الكلام في [
أنّ ] المطالبة على مَنْ تتوجّه؟ وإن سلّمه إليه واشترى بعينه أو في الذمّة ،
فالقول في أنّه هل يسلّمه؟ وهل يقبض المبيع بمجرّد التوكيل بالشراء؟ كالقول في أنّ
وكيل البائع هل يسلّم المبيع ويقبض الثمن بمجرّد التوكيل بالبيع؟.
وجزم بعض الشافعيّة
هنا بتسليم الثمن وقبض المبيع ؛ لأنّ العرف يقتضي ذلك. ولأنّ الملك في الثمن لا
يتعيّن إلاّ بالقبض ، فيستدعي إذناً جديداً ، وأمّا المبيع فإنّه متعيّن للملك .
__________________
ومَنْ طرد الخلاف
مَنَع العرف الفارق بين الطرفين. ولو كان المعنى الثاني معتبراً ، لوجب أن يجزم
بقبض وكيل البائع الثمن إذا كان معيّناً ، ولم يفرّقوا بين أن يبيع بثمنٍ معيّن أو
في الذمّة ، بل ذكروا الوجهين وأطلقوا فيهما .
مسألة
٧٠٤ : إذا دفع المشتري
الثمن إلى الموكّل أو إلى الوكيل المأذون له أو إلى المطلق إذا جوّزنا له قبض
الثمن ، فالوكيل يسلّم المبيع ، سواء أذن له الموكّل أو لا ، أو مَنَعه ؛ لأنّ
المشتري إذا دفع الثمن ، صار قبض المبيع مستحقّاً ، وللمشتري الانفراد بأخذه ، فإن
أخذه المشتري فذاك ، وإن سلّمه الوكيل فالأمر محمول على أخذ المشتري ، ولا حكم
للتسليم.
مسألة
٧٠٥ : قد بيّنّا أنّه
ليس للوكيل أن يسلّم المبيع إلى المشتري قبل أن يستوفي الموكّل الثمن أو الوكيل إن
أذن له أو لغيره ، فلو سلّمه إلى المشتري قبل ذلك ، غرّمه الموكّل قيمته إن كانت
القيمة والثمن متساويين.
ولو كان الثمن
أكثر ، لم يكن عليه إلاّ القيمة ؛ لأنّه لم يقبض الثمن ، فلا يكون مضموناً عليه ،
وإنّما يضمن ما فرّط فيه ، وهو العين حيث سلّمها قبل الإيفاء.
ولو كانت القيمة
أكثر بأن باعه بغبنٍ محتمل يتغابن الناس بمثله ، فالأقوى أنّه يغرم جميع القيمة
حيث فرّط فيها ، كما لو لم يبع بل أتلفها ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني :
أنّه يغرم القيمة ، ويحطّ قدر الغبن ؛ لصحّة البيع بذلك الثمن .
__________________
ولو باع بغبْنٍ
فاحش بإذن الموكّل ، احتُمل الوجهان.
أمّا الأوّل :
فظاهر.
وأمّا الثاني :
فقياسه أن لا يغرم إلاّ قدر الثمن ؛ لصحّة البيع به بالإذن. فإن قبض الوكيل الثمن
بعد ما غرم ، دفعه إلى الموكّل ، واستردّ ما غرمه.
البحث الثالث : فيما يملك الوكيل بالشراء.
مسألة
٧٠٦ : الوكيل بالشراء
إذا اشترى ما وُكّل فيه ، مَلَك تسليم ثمنه ؛ لأنّه من تتمّته وحقوقه ، فهو كتسليم
المبيع في الحكم ، والحكم في قبض المبيع كالحكم في قبض الثمن في البيع ، الوجه
عندنا أنّه لا يملكه كما قلنا في البيع : لا يملك الوكيل فيه قبض الثمن. فإذا
اشترى الوكيل بثمنٍ معيّن ، فإن كان في يده ، طالَبه البائع به ، وإلاّ فلا.
فإن اشترى عبداً
ونقد ثمنه ، فخرج العبد مستحقّاً ، لم يملك مخاصمة البائع في الثمن.
ولو اشترى شيئاً
وقبضه وأخّر دفع الثمن إلى البائع لغير عذرٍ فهلك في يده ، ضمن. وإن كان لعذرٍ ـ مثل
أن مضى لينقده فهلك ، أو نحو ذلك ـ فلا ضمان عليه ؛ لأنّه في الصورة الأُولى مفرّط
، دون الثانية.
مسألة
٧٠٧ : إذا وكّله في
الشراء فإمّا أن تكون العين شخصيّةً أو كلّيّةً.
فإن كانت كلّيّةً
ـ مثل أن يقول : وكّلتُك في شراء عبدٍ هنديّ أو تركيّ ، أو يطلق على الأصحّ كما
قلنا ـ اقتضى ذلك شراء السليم دون المعيب ، عند
__________________
علمائنا أجمع ـ وبه
قال الشافعي وأحمد ـ لأنّ الإطلاق في الشراء يقتضي السلامة ، كما أنّ الإطلاق
في البيع يقتضي سلامة المبيع ، حتى أنّ للمشتري الردَّ لو خرج معيباً.
وقال أبو حنيفة :
يجوز أن يشتري العمياء والمقعدة والمقطوعة اليدين والرِّجْلين ؛ لعموم أمره ،
كالمضارب .
وهو خطأ بما
تقدّم. ولأنّه إذا أسلم في شيء موصوف استحقّ السليم منه.
والفرق واقع بين
الوكيل والمضارب حيث جوّزنا له أن يشتري الصحيح والمعيب ؛ لأنّ صاحب المال أمره أن
يشتري ذلك للتجارة وطلب الربح ، وذلك قد يحصل بالمعيب كما يحصل بالسليم ، فلهذا
كان له شراؤهما ، بخلاف الوكيل ؛ فإنّه يقتضي السلامة ؛ لجواز أن يريد المالك
القنية والانتفاع ، والعيب قد يمنع بعض المقصود من ذلك ، وإنّما يقتنى ويدّخر
السليم دون المعيب.
وقد ناقض أبو
حنيفة نفسَه في أصله ؛ فإنّه قال في قوله تعالى : ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
) : لا تجوز العمياء ولا المقطوعة اليدين والرِّجْلين .
__________________
مسألة
٧٠٨ : لو اشترى الوكيل
المعيبَ جاهلاً بعيبه ، صحّ البيع ؛ لأنّه إنّما يلزمه الشراء الصحيح في الظاهر ،
وليس مكلَّفاً بالسلامة في الباطن ؛ لأنّ ذلك لا يمكن الوقوف عليه ، فلا يجوز
تكليفه به ، ويعجز عن التحرّز عن شراء معيبٍ لا يظهر عيبه.
ويقع البيع
للموكّل ـ وهو قول أكثر الشافعيّة ـ كما لو اشتراه بنفسه جاهلاً بعيبه.
وقال الجويني : لا
يقع عن الموكّل ؛ لأنّ الغبن يمنع الوقوع عن الموكّل مع سلامة المبيع وإن لم يعرف
الوكيل فعند العيب أولى .
ويفارق مجرّد
الغبن ؛ لأنّه لا يُثبت الخيار عندهم ، فلو صحّ البيع ولزم الموكّل للزم ، ولحقه الضرر ، والعيب
يُثبت الخيار ، فالحكم بوقوعه عنه لا يورّطه في الضرر.
وحيث يقع عن
الموكّل وكان الوكيل جاهلاً بالعيب ، فللموكّل الردّ إذا اطّلع عليه ؛ لأنّه
المالك.
وهل يملك الوكيل
الردّ بالعيب؟
أمّا عندنا : فلا
؛ لأنّه إنّما وكّله في الشراء ، وهو مغاير للردّ ، فلا يملكه ، وهو قول بعض
الشافعيّة .
وقال أكثرهم :
إنّه يملك الردّ ، وينفرد الوكيل بالفسخ ؛ لأنّ الموكّل أقامه مقام نفسه في هذا
العقد ولواحقه. ولأنّه لو لم يكن له الردّ وافتقر إلى
__________________
استئذان الموكّل ،
فربما لا يرضى الموكّل ، فيتعذّر الردّ حينئذٍ ؛ لكونه على الفور ، ويبقى المبيع
في عهدة الوكيل ، وفيه ضرر عظيم .
ونمنع إقامة
الموكّل له مقامه في جميع الأشياء ، بل إنّما أقامه مقام نفسه في العقد ، وهو
مضادٌّ للفسخ.
ونمنع كون الخيار
على الفور.
سلّمنا ، لكن
بالنسبة إلى المالك ، فإذا علم بالعيب ، اختار حينئذٍ على الفور إمّا الفسخ أو
الإمضاء ، كما لو اشترى شيئاً فغاب ولم يعلم بعيبه إلاّ بعد مدّةٍ ثمّ ظهر على
العيب.
ولأنّا لو لم
نُثبت الردَّ له ، لكان كسائر الأجانب عن العقد ، فلا أثر لتأخيره. ولأنّ مَنْ له
الردّ قد يعذر في التأخير لأسبابٍ داعية إليه ، فهلاّ كانت مشاورة الوكيل عذراً؟!
وأيضاً فإنّه وإن
تعذّر منه الردّ فلا يتعذّر نفس الردّ ؛ إذ الموكّل يردّ إذا كان قد سمّاه في
العقد أو نواه ، على أنّ في كون المبيع للوكيل وفي تعذّر الردّ منه بتقدير كونه له
خلافاً سيأتي.
مسألة
٧٠٩ : لو كان الوكيل في
الشراء وكيلاً في ردّ المعيب ، فاشترى معيباً جاهلاً بعيبه ، كان له الرد ،
وللموكّل أيضاً الردّ ؛ لأنّ الملك له.
وإن حضر الموكّل
قبل ردّ الوكيل ورضي بالعيب ، لم يكن للوكيل ردّه ؛ لأنّ الحقّ له ، بخلاف عامل
المضاربة إذا اشترى المعيب جاهلاً بعيبه ، فإنّ له الردَّ وإن رضي ربّ المال
بالعيب ؛ لأنّ له حقّاً في العين ، ولا يسقط حقّه برضا غيره.
__________________
وإن لم يحضر
الموكّل وأراد الوكيل الردَّ ، فقال البائع : توقّف حتى يحضر الموكّل فربما يرضى
بالمعيب ، لم يلزمه ذلك ؛ لأنّه لا يأمن فوات الردّ بهرب البائع وفوات الثمن
بتلفه.
فإن أخّره بناءً
على هذا القول فلم يرض به الموكّل ، لم يسقط الردّ وإن قلنا بأنّ الردّ على الفور
؛ لأنّه أخّره بإذن البائع.
وإن قال البائع :
موكّلك قد علم بالعيب فرضيه ، لم يُقبل قوله إلاّ ببيّنةٍ ، فإن لم تكن له بيّنة ،
لم يستحلف الوكيل إلاّ أن يدّعي علمه ، فيحلف على نفيه عند الشافعي .
وقال أبو حنيفة :
لا يستحلف ؛ لأنّه لو حلف كان نائباً في اليمين .
وفيه إشكال من حيث
إنّه لا نيابة هنا ، وإنّما يحلف على نفي علمه ، وهذا لا ينوب فيه عن أحد.
وإن أقرّ بذلك ،
لزمه ـ عندنا ـ في حقّ نفسه ، دون موكّله ، فيمينه في حقّه دونه.
وقال ابن أبي ليلى
: إنّه لا يردّ حتى يحضر الموكّل ويحلف .
فإن ردّ الوكيل
فحضر الموكّل ورضي بأخذه معيباً ، افتقر إلى عقدٍ جديد ؛ لخروجه عن ملكه بالردّ ،
فلا يعود إلاّ بالعقد.
ولو قال الموكّل :
قد كان بلغني العيب ورضيت به ، فصدّقه البائع ، أو
__________________
قامت به بيّنة ،
بطل الردّ ، وعلمنا أنّه لم يقع موقعه ، وكان للموكّل استرجاعه ، وعلى البائع ردّه
عليه ؛ لأنّ رضاه به عزل للوكيل عن الردّ ؛ لأنّه لو علم لم يكن له الردّ ، إلاّ
أن نقول : إنّ الوكيل لا ينعزل حتى يعلم العزل.
وإن رضي الوكيل
بالعيب أو أمسكه إمساكاً ينقطع به الردّ فحضر الموكّل فأراد الردّ ، فله ذلك إن
صدّقه البائع على أنّ الشراء له ، أو قامت به بيّنة.
وإن كذّبه ولم تكن
له بيّنة فحلف البائع أنّه لا يعلم أنّ الشراء له ، فليس له الردّ ؛ لأنّ الظاهر
أنّ مَن اشترى شيئاً فهو له ، ويلزمه ، وعليه غرامة الثمن ، وبهذا قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة :
للوكيل شراء المعيب ؛ عملاً بالإطلاق .
مسألة
٧١٠ : لو اشترى الوكيل
المعيبَ مع علمه بالعيب ، فإن كان بإذن الموكّل ، فلا ردّ هنا لا للوكيل ولا
للموكّل إجماعا ، كما لو باشر الموكّل العقد مع علمه بالعيب.
وإن لم يأذن له ،
فهل للوكيل الردّ إن كان الموكّل قد جعل إليه ذلك ، أو قلنا : إنّه يملكه؟ يحتمل
عدمه ؛ لإقدامه على شراء المعيب عالماً بعيبه ، فلا يكون له الردّ ، وبه قال
الشافعي .
ويحتمل أن يكون له
الردّ ؛ لأنّه نائب عن الموكّل ، وللموكّل الردّ ؛ لجهله ، فكذا للوكيل.
أمّا الموكّل فهل
له الردّ؟ للشافعيّة وجهان :
__________________
أحدهما : المنع ؛
لأنّه نزّل الوكيل منزلة نفسه في العقد ولواحقه ، فيكون اطّلاعه على العيب كاطّلاع
الموكّل ، كما أنّ رؤيته كرؤيته في إخراج العقد عن أن يكون على قولَي شراء الغائب.
وأصحّهما عندهم :
أنّ له الردَّ ـ وهو المعتمد ـ لأنّ اطّلاعه ورضاه بعد العقد لا يُسقط حقَّ الردّ
للموكّل ، فكذا اطّلاعه في الابتداء .
وعلى هذا فينتقل
الملك إلى الوكيل ، أو ينفسخ العقد من أصله؟ للشافعيّة وجهان .
والقائل بالانتقال
إلى الوكيل كأنّه يقول بانعقاد العقد موقوفاً إلى أن يتبيّن الحال ، وإلاّ فيستحيل
ارتداد الملك من الموكّل إلى الوكيل.
وهذه الاختلافات
متفرّعة على وقوع العقد للموكّل مع علم الوكيل بالعيب ، ومذهب الشافعيّة [ خلافه ]
.
والوجه : أن نقول
: إنّه يقع عن الموكّل إن نسبه إليه أو نواه وصدّقه على ذلك ، لكن لا وقوعاً
لازماً ، بل بمنزلة عقد الفضولي ؛ لأنّ الإطلاق إذا كان يقتضي شراء السليم فإذا
اشترى المعيب يكون قد اشترى ما لم يوكّل فيه ، فيكون فضوليّاً ، ولا يقع العقد عن
الوكيل ؛ لأنّ المالك لو رضي بالمعيب وأجاز عقد وكيله ، كان الملك له ، فدلّ على
أنّه يقع عن الموكّل ، لكن للموكّل الفسخ حيث لم يأذن له فيه.
مسألة
٧١١ : إذا كانت العين
شخصيّةً بأن وكّله في شراء عبدٍ بعينه أو سلعةٍ بعينها ، فاشتراها ثمّ ظهر أنّها
معيبة ، فإن كان الوكيل جاهلاً بالعيب ،
__________________
لم يكن له الردُّ
بالاستقلال ؛ لأنّه لم يكن له الردُّ مع الإطلاق فمع التعيين أولى ، ولأنّ المالك
قطع نظره بالتعيين ، وربما رضيه على جميع صفاته ، وربما كان قد اطّلع على عيبه.
وللشافعيّة وجهان
:
هذا أحدهما ؛
لأنّه ربما يتعلّق غرضه بعينه فينتظر مشاورته.
والثاني ـ وهو
الأصحّ عندهم ـ : إنّ له الردَّ ؛ لأنّ الظاهر أنّ الموكّل طلب السليم لا المعيب .
فروع :
أ
ـ لا استبعاد عندي في أنّه إذا أطلق بأن قال له : اشتر عبداً
هنديّاً ، فاشترى معيباً جاهلاً بعيبه : أنّه يملك الرد ؛ لأنّه اشترى ما لم يؤذن
له فيه.
لكن الأقرب :
المنع ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الشراء وقع عن الموكّل ، فلا ينتقل خيار الردّ إلى
الوكيل.
ب
ـ لم تذكر الشافعيّة فيما إذا وكّله في ابتياع عينٍ شخصيّة
وظهر عيبها أنّه متى يقع عن الموكّل؟ ومتى لا يقع؟
والقياس عندهم
يقتضي أنّه كما سبق في الحالة الأُولى.
نعم ، لو كان
المبيع معيباً يساوي ما اشتراه به وهو عالم به ، فإيقاعه عن الموكّل هنا أولى ؛
لجواز تعلّق الغرض بعينه .
ج
ـ لو وكّله في الشراء مطلقاً وعيّن له عيناً شخصيّة فوجدها
الوكيل معيبةً قبل أن يعقد الشراء ، فهل للوكيل شراؤها؟ يحتمل ذلك والعدمُ.
__________________
قال بعض العامّة :
فيه وجهان مبنيّان على ما إذا علم عيبه بعد شرائه ، إن قلنا : يملك ردّه ، فليس له
شراؤه ؛ لأنّ العيب إذا جاز به الردّ بعد العقد فلأن يمنع الشراء أولى. وإن قلنا :
لا يملك الردّ هناك ، فله الشراء هنا ؛ لأنّ تعيين الموكّل قطع نظره واجتهاده في
جواز الردّ [ فكذلك ] في الشراء .
والوجه عندي :
أنّه يجوز له شراؤه ، فإن كان الموكّل قد علم بسبق العيب ، فلا ردّ. وإن لم يكن قد
علم ، كان له الردّ ، ولا يضرّه علم الوكيل ؛ لأنّ الحقّ للموكّل لا للوكيل ، سواء
قلنا : إنّه يملك الردّ لو علم بعد البيع ، أو لا.
ونمنع الملازمة
بين جواز الردّ بعد العقد ومنع الشراء ؛ فإنّه يجوز أن يملك الردّ والشراء معاً.
مسألة
٧١٢ : جميع ما ذكرنا في
الحالتين ـ أعني في كلّيّة العين أو شخصيّتها ـ مفروض فيما إذا اشترى الوكيل بمالٍ
في الذمّة ، أمّا إذا اشترى بعين مال الموكّل ، فحيث قلنا هناك : لا يقع عن
الموكّل ، فهنا لا يصحّ أصلاً ، وحيث قلنا : يقع ، فكذلك هنا.
وهل للوكيل الردّ؟
أمّا عندنا : فلا ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني : نعم .
ويمكن أن يكون
الوجهان عندهم مبنيّين على المعنيين السابقين ، فإن علّلنا انفراد الوكيل بالردّ
بأنّه أقامه مقام نفسه في العقد ولواحقه ، فنعم. وإن علّلنا بأنّه لو أخّر ربما
لزمه العقد وصار المبيع كَلاًّ عليه ، فلا ؛ لأنّ المشترى
__________________
بملك [ الغير ] لا يقع له بحال .
مسألة
٧١٣ : إذا ثبت الردّ
للوكيل في صورة الشراء في الذمّة لو اطّلع الموكّل على العيب قبل اطّلاع الوكيل أو
بعده ورضيه ، سقط عن الوكيل ، بخلاف عامل القراض ؛ فإنّه يبقى له الردّ وإن رضي
المالك لحظّه في الربح ، ولا يسقط خيار الموكّل بتأخير الوكيل وتقصيره ، فإذا أخّر
أو صرّح بالتزام العقد ، فله الردّ ؛ لأنّ أصل الحقّ باقٍ بحاله ، على إشكالٍ من
حيث إنّه نائب ، فكأنّه بالتزام العقد أو التأخير عزل نفسه عن العقد.
والأظهر عند
الشافعيّة : المنع .
وإذا قلنا بأنّه
ليس له العود إلى الردّ أو أثبتنا له العود ولم يعد ، فإذا اطّلع الموكّل عليه
وأراد الردّ ، فله ذلك إن سمّاه الوكيل في الشراء ، أو نواه وصدّقه البائع عليه.
وإن كذّبه ، ردّه على الوكيل ، ولزمه البيع ؛ لأنّه اشترى في الذمّة ما لم يأذن
فيه الموكّل ، فينصرف إليه ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.
والثاني : أنّ
المبيع يكون للموكّل ، والردّ قد فات ؛ لتفريط الوكيل ، فيضمن للموكّل .
والذي يضمنه قدر
نقصان قيمته من الثمن ، فلو كانت القيمة تسعين والثمن مائةً ، رجع بعشرة ، ولو
تساويا فلا رجوع ، وهو قول بعض الشافعيّة .
وقال الأكثر منهم
: يرجع بأرش العيب من الثمن ؛ لفوات الردّ بغير تقصيره ، فكان له الأرش ، كما لو
تعذّر الردّ بعيبٍ حادث ، إلاّ أنّ هناك
__________________
يؤخذ الأرش من البائع
؛ لتلبيسه ، وهنا من الوكيل ؛ لتقصيره .
ولو التمس البائع
من الوكيل تأخير الردّ حتى يحضر الموكّل ، فقد قلنا : إنّه لا تجب عليه الإجابة ؛
لأنّ الردّ حقٌّ ثبت له ، فلا يكلّف تأخيره.
فإن أخّر كما
التمسه البائع ، فحضر الموكّل ولم يرض به ، قال بعض الشافعيّة : المبيع للوكيل ،
ولا ردّ ؛ لتأخيره مع الإمكان .
وقال بعضهم : له
الردّ ؛ لأنّه لم يرض بالعيب .
ولو ادّعى البائع
رضا الموكّل بالعيب فأنكر الوكيلُ العلمَ ، ففي إحلافه خلاف سبق .
فإن قلنا بالحلف
فعرضت اليمين على الوكيل ، فإن حلف ردّه ، ثمّ إن حضر الموكّل وصدّق البائع ، فله
استرداد المبيع من البائع ؛ لموافقته إيّاه على الرضا قبل الردّ ، وبه قال بعض
الشافعيّة .
وقال بعضهم : لا
يستردّ ، وينفذ فسخ الوكيل .
وإن نكل ، حلف
البائع ، وسقط ردّ الوكيل ، فإذا حضر الموكّل فإن صدّق البائع ، فذاك. وإن كذّبه ،
قال بعض الشافعيّة : لزم العقد الوكيل ، ولا ردّ ؛ لإبطال الحقّ بالنكول .
مسألة
٧١٤ : هذا كلّه في طرف
الشراء ، أمّا الوكيل بالبيع إذا باع فوجد المشتري عيباً ، ردّه عليه إن لم يعلمه
وكيلا ، ثمّ هو يردّ على الموكّل. وإن علمه وكيلاً ، ردّه على الموكّل خاصّةً.
وقال بعض
الشافعيّة : إن شاء ردّه على الوكيل ، وإن شاء ردّه على
__________________
الموكّل ، فإذا
ردّه على الوكيل ردّه على الموكّل .
وهو ممنوع ؛
لبراءة ذمّة الوكيل من العهدة.
وهل للوكيل حطّ
بعض الثمن للعيب؟ للشافعيّة قولان .
ويحتمل أنّه ليس
له ذلك ؛ لأنّه مأمور بالبيع ، وأن يكون له ؛ لأنّ الأمر بالبيع إنّما يتناول ثمن
مثل السلعة ، وثمن مثل سلعته ما قبضه ثمناً بعد إسقاط الأرش.
ولو زعم الموكّل
حدوث العيب في يد المشتري ، وصدّق الوكيل المشتري ، ردّ المشتري على الوكيل ، ولم
يردّ الوكيل على الموكّل عند الشافعيّة .
والوجه : إنّه مع
عدم البيّنة يحلّف المشتري البائعَ على عدم السبق ، ويستقرّ البيع للمشتري
مجّاناً.
هذا إن علم
المشتري بالوكالة. وإن لم يعلم ، ردّ على الوكيل.
تذنيب : هل لعامل القراض أن يشتري مَنْ ينعتق على المالك؟ سيأتي.
فإن قلنا : له ذلك
فلو اشترى أباه فظهر معيباً ، فللوكيل ردّه إن جعلنا للوكيل الردَّ أو كان وكيلاً
فيه ؛ لأنّه لا يعتق على الموكّل قبل الرضا بالعيب.
البحث الرابع : في تخصيصات الموكّل.
مسألة
٧١٥ : يجب على الوكيل
تتبّع تخصيصات الموكّل ، ولا يجوز له العدول عنها ولا التجاوز بها ، إلاّ في صورة
السُّوق على ما يأتي ، بل
__________________
يجب النظر إلى
تقييدات الموكّل في الوكالة.
ويشترط على الوكيل
رعاية المفهوم منها بحسب العرف ، فإذا عيّن الموكّل بالبيع شخصاً فقال : بِعْ على
زيدٍ ، لم يجز له بيعه من غيره ؛ لاختلاف الأغراض في أعيان المشترين ، فقد يرغب
إلى شخصٍ دون غيره إمّا لسهولة معاملته ، وإمّا لخلوّ ماله عن الشبهات ، فقد يكون
أقرب إلى الحِلّ وأبعد عن الشبهة ، وإمّا لإرادة تخصيصه بذلك المبيع إمّا لإفادته
إيّاه شيئاً ، أو لإمكان استرداده منه ، فإن باع الوكيل من غير مَنْ عيّن له
الموكّل ، كان موقوفاً ، فإن أجازه الموكّل صحّ البيع ، وإلاّ فلا.
تذنيب
: لو قال : بِعْه
من زيدٍ بمائة ، لم يجز بيعه على غيره بأزيد إلاّ أن يجيز.
مسألة
٧١٦ : لو عيّن له
زماناً ، لم يجز له التخطّي ولا العدول عنه ، فإذا قال : بِعْه اليوم ، أو يوم
كذا ، لم يجز له التقديم ولا التأخير ؛ لأنّه ربما يحتاج إلى البيع في ذلك الوقت ،
دون ما قبله وما بعده ، فإن قدّم أو أخّر ، وقف على الإجازة.
ولو عيّن له
مكاناً من سُوقٍ ونحوه ، فإن كان له في ذلك المكان غرضٌ صحيح بأن كان الراغبون فيه
أكثر والنقد فيه أجود والمتعاملون فيه أسمح ، لم يجز له البيع في غيره.
وإن لم يكن له غرض
، فالأقرب : جواز بيعه في غيره ؛ لأنّ التعيين في مثل ذلك يقع اتّفاقاً من غير
باعثٍ إليه ، وإنّما الغرض والمقصود تحصيل الثمن ، فإذا حصل في غيره ، جاز ، وهو
أحد وجهي الشافعيّة.
والثاني : لا يجوز
التعدّي ؛ لجواز أن يكون له فيه غرض صحيح
لا يطّلع عليه .
وهو غير محلّ
النزاع ؛ لأنّا نفرض الكلام فيما لو انتفى الغرض بالكلّيّة ، أمّا لو جوّزنا حصول
غرضٍ صحيح ، فإنّه لا يجوز له التعدّي.
ولو نهاه صريحاً
عن البيع في غير السُّوق الذي عيّنه ، لم يجز له التعدّي إلى المنهيّ عنه إجماعاً.
ولو قال : بِعْه
في بلد كذا ، احتُمل أن يكون كقوله : بِعْه في السُّوق الفلاني ، حتى لو باعه في
بلدٍ آخَر ، جاء فيه التفصيل : إن كان له غرض صحيح في التخصيص ، لم يجز التعدّي ،
وإلاّ جاز ، لكن يضمن هنا الوكيل بالنقل إلى غير المعيّن ، وكذا الثمن يكون
مضموناً في يده ، بل لو أطلق التوكيل في بلدٍ ، يبيعه في ذلك البلد ، فلو نقله صار
ضامناً.
مسألة
٧١٧ : الموكّل إذا أذن
للوكيل في البيع ، فإمّا أن يُطلق ، أو يُقيّد.
فإن أطلق ، فقد
بيّنّا أنّه يُحمل على البيع بثمن المثل بنقد البلد حالًّا.
وإن قيّد فقال :
بِعْه بمائة درهمٍ ، لم يجز له البيع بأقلّ ، فإن باع بالأقلّ ، كان موقوفاً ؛
لأنّه غير مأذون فيه ، ويكون الوكيل هنا فضوليّاً ، إن أجاز المالك البيعَ صحّ ،
وإلاّ فلا ، وكان للموكّل فسخ البيع.
وقول الشيخ ; : « إذا تعدّى
الوكيل شيئاً ممّا رسمه الموكّل ، كان ضامناً لما تعدّى فيه » لا ينافي ما
قلناه.
ولو باعه بأكثر من
مائة درهمٍ ، فإن كانت الكثرة من غير الجنس ـ مثل : أن يبيعه بمائة درهمٍ وثوبٍ ـ
جاز عند علمائنا ، سواء كانت الزيادة قليلةً أو كثيرةً ، وسواء كانت الزيادة
__________________
من الأثمان أو لا
؛ لأنّها زيادة تنفعه ولا تضرّه.
وقال أصحاب
الشافعي : لا يصحّ بيعه بمائةٍ وثوبٍ ـ في أحد الوجهين ـ لأنّه من غير جنس الأثمان
.
وكونه من غير جنس
الأثمان لا ينافي كونها زيادةً. ولأنّ الإذنَ في بيعه بمائة إذنٌ في بيعه بزيادة
عليها عرفاً ، فإنّ مَنْ رضي بمائة لا يكره الزيادة عليها بثوبٍ ينفعه.
ولو باعه بمائة
دينار ، أو بمائة ثوب ، أو بمائة دينار وعشرين درهماً ، أو بمهما كان غير ما عيّن
له ، لم يجز ؛ لأنّ المأتيّ به غير المأمور بتحصيله ، ولا هو مشتمل على تحصيل ما
أُمر بتحصيله ، والوكيل متصرّف بالإذن ، فإذا عدل عن المأذون فيه ، كان فضوليّاً.
ويحتمل عندي
قويّاً : جواز بيعه بأكثر من المائة ولو من غير الجنس ، إلاّ أن يكون له غرض صحيح
في التخصيص بالدراهم خصوصاً إذا جعل مكان الدراهم دنانير أو مكان بعضها ؛ لأنّه
مأذون فيه عرفاً ، فإنّ مَنْ رضي بدرهمٍ رضي مكانه بدينارٍ ، فجرى مجرى ما إذا
باعه بمائة درهمٍ ودينارٍ ، بخلاف ما لو باعه بمائة ثوبٍ ؛ لأنّه من غير الجنس.
ويحتمل عندي مع
الزيادة الجواز.
ولو باعه بالأزيد
ولو قلّ ـ مثل أن يبيعه بمائة درهمٍ ودرهمٍ ـ صحّ ؛ لأنّ المقصود من التقدير أن لا
ينقص منها في العرف.
__________________
وقال بعض
الشافعيّة : إذا أمره ببيعه بمائة درهم ، لم يجز أن يبيعه بالأزيد ، سواء كان من
الجنس أو لا ، وسواء نهاه عن الزيادة أو لم ينهه ؛ لأنّه لم يرض بعهدة ما فوق
المائة. ولأنّ البيع بالمائتين غير البيع بالمائة ، ولهذا لو قال : بعت بمائة
درهمٍ ، لم يصح القبول بمائتين ، كما لا يصحّ القبول بمائتي دينار.
والأولى الصحّة.
والتغاير مسلّم ، لكنّ الإذنَ في أحدهما إذنٌ في الآخَر بطريق الأولى ، بخلاف
القبول ؛ لأنّ من شرطه المطابقةَ ، فعلى هذا البيعُ بعرضٍ يساوي مائة دينارٍ
كالبيع بمائة دينارٍ.
فروع :
أ
ـ لو أمره ببيعه بمائة ونهاه عن البيع بالأزيد ، لم يكن له
البيع بالأزيد قطعا ؛ لاحتمال تعلّق غرضه بذلك ، فلا يجوز التخطّي.
ب
ـ لو أمره ببيعه بمائة وهناك مَنْ يرغب بالزيادة على المائة ،
جاز له بيعه بالمائة امتثالاً لأمره.
ويحتمل المنع ؛
لأنّه منصوب لمصلحة الموكّل ، وترك الزيادة مضرّة به.
وللشافعيّة وجهان
:
أحدهما : الجواز ؛
لموافقته صريح إذنه.
والثاني : المنع ،
كما لو أطلق الوكالة فباع بثمن المثل وهناك مَنْ يرغب بالزيادة ٢.
ج
ـ لا فرق بين أن يكون المشتري قد عيّنه الموكّل أو لا إذا لم
يقصد إرفاقه.
__________________
فلو قال : بِعْه
من زيدٍ بمائةٍ وقصد إرفاق زيدٍ ، لم يبع بأكثر ، فإن باع كان فضوليّاً.
وإن لم يقصد
إرفاقه ، بل قصد سهولة معاملته أو خلوص ماله عن الشبهة أو بُعْده عنها ، جاز أن
يبيع بأكثر من المائة ، كما لو أطلق.
ولو جهل الأمر ،
لم يبعه إلاّ بالمائة ، مع احتمال الأزيد.
د
ـ لو قال : بِعْ بكذا ، ولا تبعه بأكثر من مائة ، لم يبِعْ بالأكثر ،
ويبيع بها وبأقلّ ؛
لاحتمال أمره الشيئين ، وشموله لهما.
نعم ، لا يبيع
بأقلّ من ثمن المثل.
ولو كانت المائة
أقلّ من ثمن المثل ، باع بها لا بالأقلّ.
هـ
ـ لو قال : بِعْه بمائةٍ ولا تبعه بمائةٍ وخمسين ، لم يبِعْ
بأقلّ من مائةٍ ولا بمائةٍ وخمسين ؛ للنهي. وله بيعه بأزيد من مائةٍ وأقلّ من مائةٍ
وخمسين ، وله بيعه أيضاً بأزيد من مائةٍ وخمسين.
وللشافعيّة في
بيعه بأزيد من مائةٍ وخمسين وجهان ، أصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّه نهاه عن زيادة
خمسين فما فوقها أولى .
و
ـ البحث في طرف المشتري كالبحث في طرف البائع ، فلو قال له : اشتر
كذا بمائة ، فله أن يشتري بما دونها ، إلاّ مع النهي ، فلا يصحّ ؛ لأنّه خالفه ،
وصريح قوله مقدَّم على دلالة العرف. وكذا لو قصد الإرفاق للبائع ، وليس له أن
يشتري بأزيد من مائة.
__________________
ولو قال : اشتر
بمائة ، ولا تشتر بخمسين ، جاز له أن يشتري بما بين مائة وخمسين ، ولا يشتري
بخمسين ؛ لأنّ إذنه في الشراء بمائة دلّ عرفاً على الشراء بما دونها ، خرج منه
المحصور بصريح النهي [ و ] بقي فيما فوقها على مقتضى الإذن.
وفيما دونها
للشافعيّة وجهان .
والوجه عندي :
الجواز ؛ لأنّه لم يخالف صريح نهيه ، فأشبه ما إذا زاد على الخمسين.
مسألة
٧١٨ : لو وكّله في بيع
عبدٍ بمائة فباع نصفه بها ، أو وكّله مطلقاً فباع نصفه بثمن الكلّ ، جاز ؛ لأنّه
مأذون فيه من جهة العرف ، فإنّ مَنْ رضي بمائة ثمناً للكلّ رضي بها ثمناً للنصف ،
ولأنّه حصّل له المائة وأبقى له زيادة تنفعه ولا تضرّه ، فكان بمنزلة ما لو باعه
بمائةٍ وثوبٍ أو عبد أو نصف عبدٍ.
إذا ثبت هذا ، فله
بيع النصف الآخَر ؛ لأنّه مأذون له في بيعه ، فأشبه ما لو باع العبد كلّه بمثلَي
ثمنه.
ويحتمل المنع ؛
لأنّه قد حصل للموكّل غرضه من الثمن ببيع نصفه ، فربما لا يؤثّر بيع باقيه ؛ للغنى
عن باقيه بما حصل له من ثمن نصفه.
وكذا لو وكّله في
بيع عبدين بمائة ، فباع أحدهما بالمائة ، صحّ.
وهل له بيع الآخَر؟
فيه الاحتمالان السابقان.
ولو وكّله في بيع
عبدٍ بمائة ، فباع نصفه بأقلّ منها ، لم يجز ؛ لأنّه غير المأذون فيه.
__________________
وإن وكّله مطلقاً
، فباع بعضه بأقلّ من ثمن الكلّ ، لم يجز ، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو يوسف
ومحمّد .
وقال أبو حنيفة :
يجوز ، كما إذا أطلق الوكالة ؛ بناءً على أصله في أنّ للوكيل المطلق البيعَ .
وهو غلط ؛ لما فيه
من الضرر على الموكّل ببيع بعضه ، ولم يوجد الإذن فيه نطقاً ولا عرفاً ، فلم يجز ،
كما لو وكّله في شراء عبدٍ ، فاشترى نصفه.
ولو قال : اشتره
بمائة دينارٍ ، فاشتراه بمائة درهمٍ ، فالحكم فيه كالحكم فيما لو قال : بِعْه
بمائة درهمٍ ، فباعه بمائة دينارٍ.
والأقرب : الجواز.
ولو قال : اشتر
نصفه بمائة ، فاشتراه كلّه أو أكثر من نصفه بالمائة ، صحّ ؛ لأنّه مأذون فيه
عرفاً.
ولو قال : اشتر
نصفه بمائة ولا تشتر جميعه ، فاشترى أكثر من النصف وأقلّ من الكلّ بمائة ، صحّ على
ما تقدّم في البيع ؛ لأنّ دلالة العرف قاضية بالإذن في شراء كلّ ما زاد على النصف
، خرج الجميع بصريح نهيه ، فيبقى ما عداه على مقتضى الإذن.
مسألة
٧١٩ : لو وكّله في شراء
عبدٍ موصوفٍ بمائة ، فاشتراه على الصفة بدونها ، جاز ؛ لأنّه مأذون فيه عرفاً ،
فلو خالف في الصفة أو اشتراه
__________________
بأكثر منها ، لم
يلزم الموكّل.
ولو قال : اشتر لي
عبداً بمائة ، فاشترى عبداً يساوي مائةً بدونها ، جاز ؛ لأنّه لو اشتراه بمائةٍ
جاز ، فإن اشتراه بدونها فقد زاده خيراً ، فيجوز.
وإن كان لا يساوي
مائةً ، لم يجز وإن كان يساوي أكثر ممّا اشتراه به ؛ لأنّه خالف أمره ، ولم يحصل
غرضه.
مسألة
٧٢٠ : لو قال له :
بِعْه إلى أجل ، وبيّن قدره ، فامتثل ، صحّ.
وإن باع حالًّا ،
فإن باع بما يساويه حالًّا ، لم يصح ؛ لأنّه يكون ناقصاً عمّا أمره به ، فإنّ ما
يشترى به الشيء نقداً أقلّ ممّا يشترى به نسيئةً.
وإن باعه بما
يساويه نسيئةً إلى ذلك الأجل الذي عيّنه ، فإن لم يكن هناك للموكّل غرض في النسيئة
بأن يكون في وقتٍ لا يؤمن فيه من النهب أو السرقة ، أو كان لحفظه مئونة في الحال ،
صحّ البيع ؛ لأنّه زاده خيراً وقد أحسن إليه ، وقال تعالى : ( ما عَلَى
الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.
وفي الثاني :
المنع ؛ لأنّه ربما كان يحتاج إلى الثمن في ذلك الوقت ، أو يخاف من التعجيل خروجه
في النفقة .
وهو غلط ؛ لأنّا
فرضنا انتفاء الأغراض بأسرها ؛ إذ الكلام فيه.
وإن كان هناك غرض
صحيح ممّا ذكرناه أو غيره ، لم يصح البيع ؛ لأنّه قد خالف ما أمره ، فيكون
فضوليّاً فيه ، إن أجازه صحّ ، وإلاّ فلا.
فروع
:
أ
ـ لا فرق فيما ذكرناه بين ثمن المثل عند الإطلاق ، وبين ما
يقدّره
__________________
من الثمن بأن قال
: بِعْ بمائةٍ نسيئةً ، فباع بمائةٍ نقداً.
ب
ـ لو قال : بِعْه بكذا إلى شهرين ، فباعه به إلى شهر ، ففيه
ما قدّمناه في النسيئة والحالّ.
ج
ـ لو قال : اشتر حالًّا ، فاشتراه مؤجَّلا ، فإن اشتراه بما
يرغب به فيه إلى ذلك الأجل ، لم يصح الشراء للموكّل ؛ لأنّ الثمن يكون
أكثر ، فيكون فضوليّاً في هذا الشراء.
وإن اشتراه بما
يرغب به فيه حالًّا إلى ذلك الأجل ، فللشافعيّة وجهان ، كما في طرف البيع .
والحقّ أن نقول :
إن كان له غرض بأن يخاف هلاك المال وبقاء الدَّيْن عليه أو غير ذلك من الأغراض ،
لم يصح ، وإلاّ جاز.
وقال بعض
الشافعيّة : هذا إذا قلنا : إنّ مستحقّ الدَّيْن المؤجَّل إذا عجّل حقّه ، يلزمه
القبول ، أمّا إذا قلنا : لا يلزمه القبول ، لا يصحّ الشراء هنا للموكّل بحال .
وخرّجوا عليه أنّ
الوكيل بالشراء مطلقاً لو اشترى نسيئةً بثمن مثله نقداً ، جاز ؛ لأنّه زاده خيراً
، والموكّل بسبيلٍ من تفريغ ذمّته بالتعجيل .
د
ـ إذا وكّله في البيع نسيئةً ، ولم يعيّن الأجل ، صحّ عندنا ،
وحُمل الإطلاق على المتعارف بين الناس. ولو عيّن له ، لم تجز الزيادة. وفي النقصان
قولان.
مسألة
٧٢١ : لو وكّله في
الشراء بخيار أو في البيع به ، فاشتراه منجّزاً أو باعه منجّزاً ، كان فضوليّا ؛
لأنّه خالف ما أُمر به ، فإن أمضاه الموكّل
__________________
صحّ ، وإلاّ فلا.
ولو أمره بالشراء
بخيارٍ له ، فجَعَله للآخَر أو في البيع ، لم يلزم ، وكان فضوليّاً ؛ لأنّه خالف
أمره ، وربما كان له غرض في ذلك صحيح.
أمّا لو قال :
اجعل الخيار للآخَر ، فجَعَله له ، أو قال : اجعل الخيار للجميع ، فجَعَله للموكّل
خاصّةً ، احتُمل الصحّة ؛ لأنّه زاده خيراً ، وهو الأقوى. والمنع ؛ للمخالفة.
مسألة
٧٢٢ : لو سلّم إلى
وكيله ديناراً ليشتري له شاةً موصوفة ، فاشترى الوكيل بالدينار شاتين كلّ واحدةٍ
بتلك الصفة تساوي ديناراً ، صح الشراء ، وحصل الملك للموكّل فيهما ؛ لأنّه إذا أذن
له في شراء شاة بدينارٍ فإذا اشترى شاتين كلّ واحدةٍ منهما تساوي ديناراً بدينار ،
فقد زاده خيراً مع تحصيل ما طلبه الموكّل ، فأشبه ما إذا أمره ببيع شاة بدينار ،
فباعها بدينارين ، أو بشراء شاة تساوي ديناراً بدينار ، فاشتراها بنصفه ، وهو أصحّ
وجهي الشافعيّة.
والثاني : إنّ
الشاتين معاً لا تقعان للموكّل ؛ لأنّه لم يأذن له إلاّ في شراء واحدة ، ولكن
يُنظر إن اشتراهما في الذمّة ، فللموكّل واحدة بنصف الدينار ، والأُخرى للوكيل ،
ويردّ على الموكّل نصف دينارٍ ، وللموكّل أن ينتزع الثانية منه ، ويقرّر العقد
فيهما ؛ لأنّه عقد العقد فيهما له. وإن اشتراهما بعين الدينار ، فكأنّه اشترى
واحدةً بإذنه ، وأُخرى بغير إذنه ، فيبنى على أنّ العقود هل تتوقّف على الإجازة؟
إن قلنا : لا
تتوقّف ، بطل العقد في واحدة ، وفي الثانية قولا تفريق الصفقة.
وإن قلنا : تتوقّف
، فإن شاء الموكّل أخذهما بالدينار ، وإن شاء اقتصر
على واحدةٍ ، وردّ
الأُخرى على المالك .
واستشكله بعض
الشافعيّة ومَنَعه ؛ لأنّ تعيين واحدة للموكّل أو بطلان العقد فيها ليس بأولى من
تعيين الأُخرى ، والتخيير شبيه بما إذا باع شاةً من شاتين على أن يتخيّر المشتري ،
وهو باطل .
ونقل الجويني فيما
إذا اشترى في الذمّة قولاً ثالثاً : إنّ الشراء لا يصحّ للموكّل في واحدةٍ منهما ،
بل تقعان للوكيل .
ولو كانت كلّ
واحدةٍ من الشاتين تساوي أقلّ من دينارٍ ، لم يلزم الشراء ، وكان فضوليّاً وإن كان
مجموعهما تساوي أكثر من الدينار ؛ لأنّه لم يمتثل ما أمره به.
ولو كانت إحداهما
تساوي ديناراً والأُخرى تساوي أقلّ من دينارٍ ، صحّ الشراء ؛ لأنّه امتثل وزاد
خيراً.
واعلم أنّ الشافعي
ذكر في كتاب الإجارات هذه المسألة ، وقال : إذا أعطاه ديناراً وقال : اشتر به شاةً
، فاشترى به شاتين ، ففيها قولان :
أحدهما : ينتقل
ملك الشاتين معاً إلى الموكّل.
والثاني : ينتقل
ملك إحداهما إلى الموكّل ، وملك الأُخرى إلى الوكيل ، ويكون الموكّل فيها بالخيار
إن شاء أقرّها على ملك وكيله ، وإن شاء انتزعها .
قال القاضي أبو
الطيّب من أصحابه : لا وجه لهذا القول ، إلاّ أن يكون
__________________
على قولٍ محكيٍّ
عن الشافعي في المبيع الموقوف .
وذكر أبو حامد
أنّه إذا اشترى ذلك في الذمّة ، وقع للموكّل في أحد القولين و [ تقع ] إحداهما للوكيل
في القول الآخَر ، وللموكّل أخذها منه.
قال أبو العباس بن
سريج : إنّ ذلك جارٍ مجرى الأخذ بالشفعة ؛ لتعلّقه بملكه ، ومشاركته له في العقد .
فأمّا إذا
اشتراهما بعين مال الموكّل ، ففي أحد القولين يقع الكلّ للموكّل. وعلى القول
الآخَر لا يصحّ العقد في الشاتين ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقع الملك للوكيل والثمن عين ملك
الموكّل .
والأوّل عندهم
أشبه ؛ لأنّ المسألة إذا دفع إليه ديناراً وقال : اشتر به شاة.
والقول الصحيح عند
الشافعيّة أنّ الشاتين تقعان للموكّل . وهو مذهبنا أيضاً نصّ عليه الشيخ في الخلاف .
وقال أبو حنيفة :
تقع للموكّل إحدى الشاتين بنصف دينار ، وتقع الأُخرى للوكيل ، ويرجع الموكّل عليه
بنصف دينار ؛ لأنّ الموكّل لم يرض إلاّ بأن تلزمه عهدة شاة واحدة ، فلا تلزمه
شاتان .
__________________
واحتجّ الشيخ ; بحديث عروة
البارقي ، فإنّ النبيّ 6 أعطى عروة ابن الجعد البارقي ديناراً وقال له : « اشتر لنا
به شاة » قال : فأتيت الجلب فاشتريت به شاتين بدينار ، فجئت أسوقهما ـ أو أقودهما
ـ فلقيني رجل بالطريق فساومني ، فبعت منه شاةً بدينار ، وأتيت النبيّ 6 بالدينار وبالشاة
، فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم ، فقال : « وصنعت كيف؟ » فحدّثته ،
فقال : « اللهمّ بارك له في صفقة يمينه » .
ولأنّه فَعَل
المأذون فيه وزيادة من جنسه تنفع ولا تضرّ ، فوقع ذلك كلّه له ، كما لو قال :
بِعْه بدينار ، فباعه بدينارين.
وما ذكره أبو
حنيفة يبطل بالبيع.
مسألة
٧٢٣ : قد بيّنّا أنّه
يصحّ شراء الشاتين للموكّل ؛ استدلالاً بحديث عروة البارقي ، فإذا باع الوكيل إحدى
الشاتين من غير إذن الموكّل ، فالوجه عندي : إنّ بيعه يقع موقوفاً على إجازة
الموكّل إن أجازه نفذ ، وإلاّ بطل.
وللشافعيّة قولان
:
أحدهما : المنع ـ كما
قلناه ـ لأنّه لم يأذن له في البيع ، فأشبه ما إذا اشترى شاةً بدينارٍ ثمّ باعها
بدينارين. ولأنّه باع مال موكّله بغير أمره فلم يجز ، كما لو باع الشاتين معاً.
والثاني : إنّه
يصحّ ؛ لأنّه إذا جاء بالشاة ، فقد حصل مقصود الموكّل ، فلا فرق فيما زاد بين أن
يكون ذهباً أو غيره ، هذا إذا كانت الباقية تساوي ديناراً .
__________________
وبالصحّة قال أحمد
؛ لحديث عروة البارقي .
وعندنا أنّ بيع
الفضولي يقع موقوفاً ، ولا يلزم من إجازة بيع النبيّ 6 له ملكه لذلك ، فجاز أن يجيز عقد الفضولي. وأيضاً جاز أن
يكون عروة وكيلاً عامّاً في البيع والشراء.
وعند الشافعي
يُخرَّج على هذا ما إذا اشترى [ الشاة بدينار وباعها ] بدينارين ، ويقال
: هذا الخلاف هو بعينه القولان في بيع الفضولي ، فعلى الجديد يلغو ، وعلى القديم
ينعقد موقوفاً على إجازة الموكّل .
لكن فعل النبيّ 6 من تقرير البارقي
على الشراء والبيع يعطي صحّة وقوع العقد ، ولا يكون باطلاً في أصله.
واحتجّ أبو حنيفة للشافعي على أحد
قوليه ـ من وقوع إحدى الشاتين للوكيل ـ بأنّ الشاتين لو وقعتا للنبيّ 6 لما باع إحداهما
قبل مراجعته ؛ إذ الإنسان لا يبيع مال الغير ، كيف! وقد سلّم وتصرّف الفضولي ، فإن
حكم بانعقاده ، فلا كلام في أنّه ليس له التسليم قبل مراجعة المالك وإجازته ،
فلمّا باع إحداهما دلّ على أنّها دخلت في ملكه .
وهذا ليس بشيءٍ ؛
لأنّ عروة لمّا عرف أنّ الاحتياج إلى الشاة للأُضحية لا إلى أزيد ، حصّل المطلوب
وباع فضوليّاً وسلّم المبيع وقبض
__________________
الثمن كذلك ،
ويكون موقوفاً على الإجازة ، فلمّا رضي النبيّ 6 بالبيع وما فَعَله البارقي ، لزم.
ولو سلّمنا أنّ
إحداهما دخلت في ملكه ، لكنّها لا تتعيّن ما لم يختر الموكّل واحدةً منهما ، أو
يجري بينهما اصطلاح في ذلك ، وإذا لم تكن التي ملكها متعيّنةً ، فكيف يبيع واحدةً
على التعيين!؟.
والقائلون بالصحّة
احتجّ مَنْ ذهب منهم إلى صحّة بيع إحدى الشاتين : بالحديث ، ومَنْ مَنَع حَمَل
القضيّة على أنّ عروة كان وكيلاً مطلقاً من جهة النبيّ 6 في بيع أمواله ،
فيبيع إذا رأى المصلحة فيه .
لكن في هذا
التأويل بحث ؛ لأنّه إن كان قد وكّله في بيع أمواله ، لم يدخل فيه ما يملكه من
بَعْدُ.
وإن قيل : وكّله
في بيع أمواله وما سيملكه ، وقع في الخلاف المذكور في التوكيل ببيع ما سيملكه ،
إلاّ أن يقال : ذلك الخلاف فيما إذا خصّص بيع ما سيملكه بالتوكيل ، أمّا إذا
جَعَله تابعاً لأمواله الموجودة في الحال ، فيجوز ، وهذا كما أنّه لو قال :
وَقَفْتُ على مَنْ سيولد من أولادي ، لا يجوز. ولو قال : على أولادي ومَنْ سيولد ،
جاز.
ولو قال له : بِعْ
عبدي بمائة درهم ، فباعه بمائة وعبد أو ثوب يساوي مائة درهم ، قال ابن سريج : إنّه
على قولين بالترتيب على مسألة الشاتين ، وأولى بالمنع ؛ لأنّه عدل عن الجنس الذي
أمره بالبيع به ، إن منع منه فليمنع في القدر الذي يقابل غير الجنس ـ وهو النصف ـ أو
في
__________________
الجميع ؛ كي لا
تتفرّق الصفقة؟ فيه قولان .
إن قلنا : في ذلك
القدر خاصّةً ، قال بعضهم : إنّه لا خيار للبائع ؛ لأنّه إذا رضي ببيع الجميع
بالمائة كان راضياً ببيع النصف بها ، وأمّا المشتري إن لم يعلم كونه وكيلاً بالبيع
بالدراهم فله الخيار. وإن علم فوجهان ؛ لشروعه في العقد مع العلم بأنّ بعض المعقود
لا يسلم له .
مسألة
٧٢٤ : لو دفع إليه
ألفاً وقال : اشتر بها بعينها شيئاً ، فاشترى شيئاً في الذمّة لينقد ما سلّمه إليه
في ثمنه ، لم يلزمه ، وكان الوكيل فضوليّاً ، إن رضي المالك بالبيع جاز ،
وإلاّ فلا ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه أمره بعقدٍ ينفسخ لو تلف ما سلّمه إليه ، والوكيل
أتى بعقدٍ لا ينفسخ لو تلف ما سلّمه إليه ، ويلزم أن يؤدّي ألفاً أُخرى ، وقد لا
يريد لزوم ألفٍ أُخرى.
ولو قال : اشتر في
الذمّة وسلِّم هذا في ثمنه ، فاشترى بعينه ، لم يلزم أيضاً ، وكان الوكيل فضوليّاً
؛ لأنّه ربما يريد حصول ذلك المبيع له ، سواء سلّم ما سلّمه إليه أو تلف ، وهو
أصحّ قولَي الشافعيّة.
وفي الثاني : أنّه
يلزم الوكيل ؛ لأنّه زاد خيراً حيث عقد على وجهٍ لو تلف ما سلّمه إليه لم يلزمه شيء
آخَر .
__________________
ولو سلّم إليه
ألفاً وقال : اشتر كذا بألف ، ولم يقل : بعينه ، ولا قال : في الذمّة ، بل قال :
اصرف هذا في الثمن ، فالأقرب : إنّ الوكيل يتخيّر بين أن يشتري بعينها أو في
الذمّة ؛ لأنّه على التقديرين يكون آتياً بالمأمور به ، ويجوز أن يكون غرضه من
تسليمه إليه مجرّد انصرافه إلى ثمن ذلك الشيء ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.
والثاني : إنّه
يشتري بالعين ، فإن اشترى في الذمّة لم يصح ، ويكون بمنزلة ما لو قال : اشتر بعينه
؛ لأنّ قرينة التسليم تشعر به .
وهو ممنوع.
مسألة
٧٢٥ : إذا وكّله في بيع
عينٍ أو شرائها ، لم يملك العقد على بعضه ؛ لأنّ التوكيل إنّما وقع بالجميع ، وهو
مغاير للأجزاء. ولأنّ في التبعيض إضراراً بالموكّل ، ولم يأذن له فيه ، فإن فَعَله
كان فضوليّاً.
أمّا لو أذن له في
بيع عبيدٍ أو شرائهم ، مَلَك العقد جملةً وفرادى ؛ لأنّ الإذن تناول العقد عليهم
جملةً ، والعرف في بيعه وشرائه العقد على واحدٍ واحدٍ ، ولا ضرر في جمعهم ولا
إفرادهم. ولو كان أحدهما أنفع ، وجب المصير إليه ؛ لأنّ الوكيل منصوب للمصلحة.
ولو نصّ على الجمع
، فقال : اشتر لي عبيداً صفقةً واحدة ، أو : بِعْهم كذلك ، أو على التفريق ، فقال
: اشتر لي عبيداً واحداً واحداً ، أو : بِعْهم كذلك ، وجب الامتثال ، فإن خالف كان
فضوليّاً ؛ لأنّ تنصيصه على أحدهما
__________________
بعينه يدلّ على
ثبوت غرضٍ له فيه ، فلا تجوز مخالفته ، ولم يتناول إذنه سوى ما عيّنه.
وإن قال : اشتر لي
عبدين صفقةً ، فاشترى عبدين لاثنين مشتركين بينهما من وكيلهما أو من أحدهما وأجاز
الآخَر ، جاز.
وإن كان لكلّ
واحدٍ منهما عبد منفرد فاشتراهما من المالكين [ بأن ] أوجبا له البيع
فيهما وقَبِل ذلك منهما بلفظٍ واحد ، صحّ.
وقال الشافعي : لا
يصحّ ؛ لأنّ عقد الواحد مع الاثنين عقدان .
وليس بجيّدٍ ؛
لأنّ القبول من المشتري ، وهو متّحد ، والغرض لا يختلف.
ولو اشتراهما من
وكيلهما وعيّن ثمن كلّ واحدٍ منهما ، مثل أن يقول : بعتك هذين العبدين هذا بمائة
وهذا بمائتين ، فقال : قبلت ، صحّ.
ولبعض العامّة
وجهان .
ولو لم يعيّن ثمن
كلّ واحدٍ منهما ، صحّ عندنا ـ خلافاً لبعض العامّة ٤ ـ ويقسّط الثمن على قدر
القيمتين.
مسألة
٧٢٦ : إذا أمره بشراء
سلعةٍ ، لم يكن له أن يشتري غيرها ، فلو أمره بشراء جاريةٍ معيّنة أو عبدٍ معيّن ،
فاشترى غير ما عيّن له ، فإن كان قد سمّاه أو نواه وصدّقه البائع وقف العقد على
الإجازة ، وكان الوكيل فضوليّاً ؛ لأنّه اشترى له شيئاً لم يأذن له فيه ، فلا
يلزمه ، ولا يقع عن الوكيل ، سواء
__________________
اشتراه بعين مال
الموكّل أو في ذمّته.
وإن أطلق العقد
ولم يضفه إلى الموكّل ولا نواه ، فإن اشترى بالعين ، احتمل الوقوف على الإجازة ،
فإن أجازه المالك صحّ ، وإلاّ بطل ؛ لحديث عروة البارقي ،
فإنّه باع مال النبيّ 6 ، والشراء بالعين كبيع مال الغير ، وأقرّه النبيّ 6 ودعا له. ولأنّه
تصرّفٌ له مجيزٌ ، فصحّ ، ووقف على الإجازة كالوصيّة بالزائد على الثلث ، وهو إحدى
الروايتين عن أحمد.
وفي الأُخرى :
يبطل ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه عقد على مال مَنْ لم يأذن له في العقد ، فلم يصح ،
كما لو باع مال الصبي ثمّ بلغ فأجاز ، وقد نهى رسول الله 6 حكيم بن حزام عن
بيع ما ليس عنده ، فقال : « لا تبع ما ليس عندك » يعني ما لا تملك .
وإن اشترى في
الذمّة ثمّ نقد ثمنه ، وقع البيع للوكيل ؛ لأنّه تصرّفٌ صدر من بالغٍ عاقلٍ غير
محجورٍ عليه ، فصحّ ، ووقع للوكيل حيث لم ينو الموكّلَ ولا سمّاه ولا اشترى ما أذن
له فيه.
وقال بعض
الشافعيّة : إذا اشترى بمالٍ في ذمّته للموكّل ، فالشراء صحيح ؛ لأنّه إنّما اشترى
بثمنٍ في ذمّته ، وليس ذلك ملكاً لغيره ، ويقع البيع للوكيل .
__________________
وقال بعضهم : لا
يصحّ للموكّل ولا للوكيل ؛ لأنّه عقده على أنّه للموكّل ، فلم يقع عن الوكيل ،
والموكّل لم يأذن له فيه ، فلم يقع عنه .
وعن أحمد روايتان
:
إحداهما : إنّ
الشراء للوكيل ؛ لأنّه اشترى في ذمّته بغير إذنه ، فكان الشراء له ، كما لو لم ينو
غيره.
والثانية : إنّه
يقف على إجازة الموكّل ـ كما قلناه نحن ـ فإن أجازه ، صحّ ؛ لأنّه اشترى له وقد
أجازه فلزمه ، كما لو اشترى بإذنه. وإن لم يُجزه ، قال : يلزم الوكيل ؛ لأنّه لا
يجوز أن يلزم الموكّل ؛ لأنّه لم يأذن في شرائه ، ولزم الوكيل ؛ لأنّ الشراء صدر
منه ، ولم يثبت لغيره ، فيثبت في حقّه ، كما لو اشتراه لنفسه .
وليس بحقٍّ ؛
لأنّه اشترى لغيره ، فإذا لم يرض الغير ، بطل العقد.
وهذا الحكم في كلّ
مَن اشترى شيئاً في ذمّته لغيره بغير إذنه ، سواء كان وكيلاً للّذي قصد الشراء له
، أو لم يكن وكيلاً.
مسألة
٧٢٧ : إذا قال له :
بِعْ هذا العبد ، فباع عبداً آخَر ، فهو فضوليّ في بيع الآخَر ؛ لأنّه غير مأذونٍ
له فيه ، فكان كالأجنبيّ بالنسبة إليه ، فإن أمضى المالك البيعَ ، صحّ ، وإلاّ بطل
؛ لأنّ المالك لم يرض بإزالة ملكه عنه.
وقال الشافعي في
أحد القولين : إنّه باطل .
وأمّا الشراء :
فإن وقع بعين مال الموكّل ، فهو كالبيع. وإن كان في الذمّة ، فإن لم يسمّ الموكّلَ
ولا نواه ، فهو واقع عن الوكيل ؛ لجريان الخطاب معه ، وإنّما ينصرف إلى الموكّل
بشرط أن ينويه أو يوافق إذنه.
__________________
وقال الشافعي :
إذا نواه ، لم يعتبر بالنيّة ، ووقع الشراء للوكيل ، لأنّه لم يوافق أمره ، فلغت
النيّة .
وليس بجيّد.
قال : ولو سمّاه ،
فوجهان :
أحدهما : إنّه
يبطل العقد رأساً ؛ لأنّه صرّح بإضافته إلى الموكّل ، وامتنع إيقاعه عنه ، فيلغو . وهو الذي
اخترناه.
والأظهر عندهم :
إنّه يقع عن الوكيل ، وتلغو تسمية الموكّل ؛ لأنّ تسمية الموكّل غير معتبرة في
الشراء ، فإذا سمّاه ولم يمكن صرف العقد إليه ، صار كأنّه لم
يسمّه .
ونحن نمنع وقوعه
عن الوكيل ؛ لأنّه لم يشتر لنفسه.
هذا كلّه فيما إذا
قال البائع : بعت منك ، فقال المشتري : اشتريته لفلان ، يعني موكّله ، فأمّا إذا
قال البائع : بعت من فلان ، وقال المشتري : اشتريته لفلان ، فظاهر مذهب الشافعيّة
بطلان العقد ؛ لأنّه لم تجر بينهما مخاطبة ، ويخالف النكاح حيث يصحّ من الزوج
ووكيل الزوج على هذه الصفة ، بل لا يجوز إلاّ ذلك ، وللبيع أحكام تتعلّق بمجلس
العقد ، كالخيار وغيره ، وتلك الأحكام إنّما يمكن الاعتبار فيها بالمتعاقدين ،
فاعتبر جريان المخاطبة بينهما ، والنكاح سفارة محضة .
ونحن لا فرق عندنا
بين أن يوجب ويخاطب الوكيل أو يوجب
__________________
للموكّل في
البطلان.
مسألة
٧٢٨ : وكيل المتّهب
بالقبول يجب أن يسمّي موكّله ، وإلاّ وقع عنه ؛ لجريان الخطاب معه ، ولا ينصرف
بالنيّة إلى الموكّل ؛ لأنّ الواهب قد يقصده بالتبرّع بعينه ، وما كلّ أحد تسمح
النفس بالتبرّع عليه ، بخلاف المشتري ، فإنّ المقصود فيه حصول العوض ، هكذا قاله
بعض الشافعيّة ، ولا استبعاد في هذا القول.
البحث الخامس : في التوكيل بالخصومة.
مسألة
٧٢٩ : الوكيل بالخصومة
إمّا أن يتوكّل عن المدّعي أو عن المدّعى عليه.
فإن كان وكيلاً عن
المدّعي ، مَلَك الدعوى وإقامة البيّنة وتعديلها والتحليف وطلب الحكم على الغريم
والقضاء عليه. وبالجملة ، كلّ ما يقع وسيلةً إلى الإثبات.
وأمّا الوكيل عن
المدّعى عليه فيملك الإنكار والطعن في الشهود وإقامة بيّنة الجرح ومطالبة الحاكم بسماعها
وتبيينها والحكم بها. وبالجملة ، عليه السعي في الدفع ما أمكن.
ولو ادّعى المنكر
في أثناء حكومة وكيله الإقباضَ أو الإبراءَ ، انقلب مدّعياً ، ومَلَك وكيله الدعوى
بذلك وإقامة البيّنة وطلب الحكم بها من الحاكم ، ومَلَك وكيل المدّعي الإنكار
لذلك والطعن في بيّنة المشهود عليه.
__________________
مسألة
٧٣٠ : لا يُقبل إقرار
الوكيل ، فلو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض ، أو الإبراء ، أو قبول الحوالة ، أو
المصالحة على مال ، أو بأنّ الحقّ مؤجَّل ، أو أنّ البيّنة فسقة ، أو قد زوّروا ،
أو قد أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ المدّعى ، لم يُقبل ، سواء أقرّ في مجلس
الحكم أو غيره ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ومالك وابن أبي ليلى وزفر
وأحمد ـ لأنّ الإقرار معنى يقطع الخصومة وينافيها ، فلا يملكه الوكيل فيها ،
كالإبراء. ولأنّه غير وكيلٍ في الإقرار ، فلا يكون نائباً عنه ، وإخبار الغير عن
حقّ الغير إن كان شهادةً سُمعت ، وإلاّ فلا ، والإقرار إخبار.
وقال أبو حنيفة
ومحمّد : يُقبل إقراره إذا كان في مجلس الحكم فيما عدا الحدود والقصاص .
وقال أبو يوسف :
يُقبل إقراره في مجلس الحكم وغيره ؛ لأنّ الإقرار
__________________
أحد جوابي الدعوى
، فصحّ من الوكيل في الخصومة ، كالإنكار .
والفرق : أنّ الإنكار
لا يقطع الخصومة ، ولا يسقط حقّ الموكّل منها ، بخلاف الإقرار ، ألا ترى أنّه يصحّ
منه الإنكار في الحدود والقصاص ، ولا يصحّ منه الإقرار ، فنحن نقيس على أبي حنيفة
على الحدود والقصاص ودعوى النكاح والطلاق والعفو عن القصاص ، فإنّه سلّم أنّه لا
يملك الوكيل الإقرار في ذلك كلّه ، فنقيس المتنازع عليه. ولأنّ الوكيل لا يصالح ولا يبرئ ،
فكذلك الإقرار. وكذا يُنقض عليه بما إذا أقرّ في غير مجلس الحكم لا يلزمه ، فكذا
في مجلس الحكم. ولأنّ الوكيل لا يملك الإنكار على وجهٍ يمنع الموكّل من الإقرار ،
فلو مَلَك الإقرار ، لامتنع على الموكّل الإنكار ، فافترقا.
فروع
:
أ
ـ لو وكّله في الإقرار ، ففيه خلاف ، واختار الشيخ جوازه . ولا استبعاد
فيه. ويلزم الموكّل ما أقرّ به ، فإن كان معلوماً ، لزمه ذلك. وإن كان مجهولاً ،
رجع في تفسيره إلى الموكّل دون الوكيل.
ب
ـ لو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض أو الإبراء ، لم يلزم إقراره
الموكّل على ما قلناه ، لكن ينعزل الوكيل عن الوكالة. وكذا وكيل المدّعى عليه لو
أقرّ بالحقّ في ذمّة موكّله ، لم يسمع في حقّه ، لكن تبطل وكالته بالإنكار ؛
__________________
لأنّه بعد الإقرار
ظالم في الخصومة بزعمه.
وللشافعيّة وجهان
في بطلان وكالته .
ج
ـ هل يشترط في التوكيل بالخصومة بيان ما فيه الخصومة من دم أو
مال ، أو عين أو دَيْن ، أو أرش جناية أو بدل مال؟ الأقرب عندي : عدم الاشتراط ،
بل يصحّ التعميم.
وللشافعيّة وجهان .
أمّا لو وكّله في
خصومةٍ معيّنة وأبهم ، لم يصحّ.
د
ـ الأقرب : عدم اشتراط تعيين مَنْ يخاصم معه.
وللشافعيّة وجهان .
هـ
ـ الأقرب : إنّ الوكيل بالخصومة من جهة المدّعى [ عليه ] لا
يُقبل منه تعديل بيّنة المدّعي ؛ لأنّه كالإقرار في كونه قاطعاً للخصومة ، وليس للوكيل
قطع الخصومة بالاختيار ، وهو قول بعض الشافعيّة .
وقال بعضهم : إنّ
تعديله وحده لا ينزّل منزلة إقرار الموكّل بعدالتهم ، لكن ردّه مطلقاً بعيد ؛ لأنّ
التعديل غير مستفادٍ من الوكالة ، إلاّ أن يوجّه بأنّه بالتعديل مقصّرٌ في الوكالة
وتاركٌ حقَّ النصح .
مسألة
٧٣١ : لو وكّله في
استيفاء حقٍّ له على غيره ، فجحده مَنْ عليه الحقّ وأمكن ثبوته عليه ، لم يكن
للوكيل مخاصمته ولا محاكمته ، ولا يثبت الحقّ عليه ؛ لأنّ الإذن إنّما انصرف إلى
الاستيفاء ، وهذه طُرقٌ إليه مغايرة
__________________
له ، فلا يملكها ،
وقد يرتضى للقبض مَنْ لا يرتضى للخصومة ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، وبه قال أبو
يوسف ومحمّد ، ورواه الحسن عن أبي حنيفة ـ لأنّ الأمين قد لا يُحسن الخصومة ، فلا يرتضيه الموكّل
في القبض لها.
والثاني : نعم ؛
لأنّه لا يتمكّن من الاستيفاء عند إنكار مَنْ عليه إلاّ بالإثبات ، فليُمكَّن ممّا
يتوسّل به إلى الاستيفاء ، وبه قال أبو حنيفة .
إذا عرفت هذا ،
فلا فرق بين أن يكون الموكّل باستيفائه عيناً أو دَيْناً ، فإذا وكّله في قبض عينٍ فجحدها مَنْ هي
في يده ، لم يكن وكيلاً في التثبيت أيضاً ، وهو أحد قولَي الشافعيّة .
وقال أبو حنيفة :
إن كان دَيْناً مَلَك الإثبات ، وإن كان عيناً لم يملكه ؛ لأنّه وكيل في النقل ،
فلا يملك الإثبات ، كالوكيل في نقل الزوجة .
__________________
والحقّ ما قلناه ؛
فإنّ القبض في العين كالقبض في الدَّيْن ، فإذا جاز له الخصومة في الدَّيْن ، جاز
له في العين ، بخلاف الزوجة ؛ لأنّ ذلك ليس بقبضٍ.
مسألة
٧٣٢ : إذا وكّله في
تثبيت حقّه على خصمه ، لم يكن للوكيل القبض ـ وبه قال أحمد ـ لأنّ القبض لم
يتناوله الإذن نطقاً ولا عرفاً ؛ إذ ليس كلّ مَنْ يُرتضى للخصومة يُرتضى للقبض ،
فإنّه قد يكون خائناً.
وللشافعيّة في
استيفائه بعد الإثبات طريقان :
أحدهما : إنّ فيه
وجهين أيضاً ، كالوجهين في أنّ الوكيل بالبيع هل يملك قبض الثمن ؛ لأنّه من توابع
الإثبات ومقاصده ، كقبض الثمن بالإضافة إلى البيع؟
وأظهرهما : القطع
بالمنع ؛ لأنّ الاستيفاء يقع بعد الإثبات ، فليس ذلك نفس المأذون فيه ولا واسطته ،
بخلاف العكس [ و ] بخلاف مسألة قبض الثمن ؛ لأنّه إذا وكّله بالبيع ، أقامه
مقام نفسه فيه ، وأنّه عقد يتضمّن عُهَداً منها : تسليم المبيع وقبض الثمن ، فجاز أن يُمكّن من
قضاياه ، وأمّا الإثبات فليس فيه ما يتضمّن التزاماً .
قال بعض الشافعيّة
: الخلاف في الصورة الثانية في الأموال ، أمّا القصاص والحدّ فلا يستوفيهما بحال .
__________________
وقال بعضهم : إنّه
على الوجهين .
وإذا جمعت بين
الأمرين : الاستيفاء والإثبات وقلت : الوكيل بأحدهما هل يملك الثاني؟ حصل ـ عند
الشافعيّة ـ في الجواب ثلاثة أوجُه ، لكنّ الظاهر عندهم أنّه لا يفيد واحد منهما
الثاني .
فروع
:
أ
ـ الوكيل بالخصومة لا يملك الصلح ولا الإبراء منه ، ولا نعلم
فيه خلافاً ؛ لأنّ الإذن في الخصومة لا يقتضي شيئاً من ذلك.
ب
ـ قال بعض العامّة : لو كان الموكّل عالماً بجَحْد مَنْ عليه
الحقّ ، أو مَطْله ، كان التوكيل في القبض توكيلاً في الخصومة والتثبيت ؛ لعلمه
بوقوف القبض عليه .
وليس بشيءٍ ؛
لاحتمال أن يرجع الغريم إلى الحقّ ، أو يستنيب الموكّل غير وكيل القبض وكيلاً في
التثبيت بعد المطالبة وتصريح الجحود.
ج
ـ قد عرفت أنّ الوكيل بالبيع لا يُسلّم المبيعَ قبل أن يقبض
الموكّل أو وكيلُه الثمنَ ، فإن سلّمه قبله ، غرم للموكّل قيمته إن
كانت القيمة والثمن سواءً ، أو كان الثمن أكثر. وإن كانت القيمة أكثر بأن باعه
بغبنٍ محتمل ، غرّمه جميع القيمة.
ويحتمل أن يحطّ
قدر الغبن ؛ لصحّة البيع بذلك الثمن.
وللشافعيّة وجهان
كهذين ، أصحّهما عندهم : الأوّل .
ولو باع بغبنٍ
فاحشٍ بإذن الموكّل ، فقياس الوجه الثاني عندهم : إنّ
__________________
المالك لا يغرّمه
إلاّ قدر الثمن ، ثمّ لو قبض الوكيل الثمنَ بعد ما غرم ، دَفَعه إلى الموكّل ،
واستردّ الثمن .
د
ـ تُقبل شهادة الوكيل مع الشرائط على موكّله مطلقا ، وتُقبل
لموكّله في غير ما هو وكيلٌ فيه ، كما لو وكّله في بيع دارٍ فشهد له بعبدٍ.
ولو شهد فيما هو
وكيلٌ فيه ، فإن كان ذلك قبل العزل ، لم تُقبل ؛ لأنّه متّهم حيث يجرّ إلى نفسه
نفعاً ، وهو ثبوت ولاية التصرّف لنفسه.
وإن كان بعد العزل
، فإن كان قد خاصم الغريم فيه حالَ وكالته ، لم تُقبل أيضاً ؛ لأنّه متّهم أيضاً
حيث يريد تمشية قوله وإظهار الصدق فيما ادّعاه أوّلاً.
وإن لم يخاصم ،
سُمعت شهادته عندنا ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أصحّ الوجهين ـ لأنّه ما انتصب
خصماً ، ولا يُثبت لنفسه حقّاً ، فكان كالأجنبيّ ، فأشبه ما لو شهد قبل التوكيل.
وفي الثاني
للشافعي : لا تُقبل أيضاً ، كما لو شهد قبل العزل .
والفرق ظاهر ، وهو
أنّه قبل العزل يثبت لنفسه محلّ ولاية التصرّف.
وقال الجويني :
هذه هي الطريقة المشهورة عند الشافعيّة ، وقياس المراوزة أن ينعكس ، فيقال : إن لم
يخاصم ، تُقبل شهادته. وإن كان قد خاصم ، فوجهان. ورأى أنّ هذا التفصيل فيما إذا
جرى الأمر على التواصل ، فأمّا إذا طال الفصل ، فالوجه : القطع بقبول الشهادة ، مع
احتمالٍ فيه .
__________________
مسألة
٧٣٣ : لو وكّل رجلين
بالخصومة ولم يصرّح باستقلال كلّ واحدٍ منهما ، لم يستقلّ بها أحدهما ، بل
يتشاوران ويتباصران ، ويعضد كلّ واحدٍ منهما صاحبَه ، ويُعينه على ما فُوّض
إليهما ، كما لو وكّل رجلين ببيعٍ أو طلاقٍ أو غيرهما ، أو أوصى إلى اثنين ، لم
يكن لأحدهما الانفراد ، وهو أصحّ وجهي الشافعي.
والثاني : إنّ
لكلّ واحدٍ منهما الاستقلال ؛ لعسر الاجتماع على الخصومة .
وكذا لو وكّل
رجلين بحفظ متاعٍ ، حفظاه معاً في حرزٍ لهما ؛ لأنّ قوله : « افعلا كذا » يقتضي
اجتماعهما على فعله ، وهو ممّا يمكن ، فتعلّق بهما ، بخلاف قوله : « بعتكما » حيث
كان منقسماً بينهما ؛ لأنّه لا يمكن كون الملك لهما على الاجتماع ، فانقسم بينهما
، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.
والثاني لهم :
إنّه ينفرد به كلّ واحدٍ منهما ، فإن قَبِل التقسيم قُسّم ليحفظ كلّ واحدٍ منهما
بعضَه .
والحقّ ما قدّمناه
؛ لأنّ الأصل عصمة مال المسلم ، ومنع الغير من التصرّف فيه إلاّ بإذنه ، فإذا أذن
اتّبع حدّ إذنه.
مسألة
٧٣٤ : إذا وكّل اثنين
في التصرّف فغاب أحدهما ، لم يكن للآخَر أن يتصرّف ، ولا للحاكم ضمّ أمينٍ إليه ليتصرّفا
؛ لأنّ الموكّل رشيد جائز التصرّف لا ولاية للحاكم عليه ، فلا يقيم الحاكم وكيلاً
له بغير أمره ،
__________________
بخلاف ما لو مات
أحد الوصيّين حيث قال بعضهم بأنّ الحاكم يضيف إلى الوصي أميناً ليتصرّفا ؛ لكون
الحاكم له النظر في حقّ الميّت واليتيم ، ولهذا لو لم يوص إلى أحدٍ أقام الحاكم
أميناً في النظر لليتيم .
فإن حضر أحد
الوكيلين والآخَر غائب وادّعى الوكالة لهما وأقام البيّنة ، سمعها الحاكم ، وحَكَم
بثبوت الوكالة لهما ، ولم يملك الحاضر التصرّف وحده ، فإذا حضر الآخَر تصرّفا معاً
، ولا يحتاج إلى إعادة البيّنة ؛ لأنّ الحاكم سمعها لهما مرّةً.
لا
يقال : هذا حكم للغائب.
لأنّا
نقول : الأصل الحكم
للحاضر ، وأمّا الغائب فدخل ضمناً ، كما أنّه يحكم للوقف الذي ثبت لمن يخلق بَعْدُ
لأجل مَنْ يستحقّه في الحال ، فكذا هنا.
ولو جحد الغائب
الوكالة أو عزل نفسه ، لم يكن للآخَر أن يتصرّف ، ولا نعلم فيه خلافاً. وجميع
التصرّفات في هذا سواء.
وقال أبو حنيفة :
إذا وكّلهما في خصومةٍ ، فلكلّ واحدٍ منهما الانفراد بها .
وليس بجيّدٍ ؛
لأنّه لم يرض بتصرّف أحدهما ، فأشبه البيع والشراء.
مسألة
٧٣٥ : إذا وكّل الرجل
وكيلاً بحضرة الحاكم في خصوماته واستيفاء حقوقه ، صحّت الوكالة ، فإذا قدّم الوكيل
خصماً لموكّله بعد ذلك إلى الحاكم ، حَكَم الحاكم بعلمه عندنا ـ وهو أحد قولَي
الشافعيّة ـ فيسمع
__________________
الحاكم دعواه على
خصم موكّله.
وعند القائلين
بأنّ الحاكم لا يحكم بعلمه لا يسمع دعواه حتى يشهد بوكالته شاهدان .
وإن كان قد وكّله
في غير حضور الحاكم وحضر عند الحاكم وادّعى وكالة موكِّله وأحضر شاهدين يشهدان له
بالوكالة ، سمع الحاكم الشهادة بذلك ، وبه قال مالك والشافعي .
ولو أحضر خصماً
وادّعى عليه الحقَّ لموكّله قبل ثبوت الوكالة ، لم يسمع الحاكم دعواه.
وقال أبو حنيفة :
لا تُسمع الشهادة على الوكالة ، إلاّ أن يقدّم خصماً من خصماء الموكّل فيدّعي عليه
حقّاً لموكّله ، فإذا أجاب المدّعى عليه حينئذٍ يسمع الحاكم البيّنةَ .
فحصل الخلاف بيننا
وبين أبي حنيفة في فصلين :
أحدهما : إنّ
عندنا يسمع الحاكم البيّنةَ من غير خصمٍ ، وعنده لا يسمع.
والثاني : إنّ
عندنا لا تُسمع دعواه لموكّله قبل ثبوت وكالته ، وعنده
__________________
تُسمع.
وأبو حنيفة بنى
ذلك على أصله ، وأنّ القضاء على الغائب لا يجوز ، وأنّ سماع البيّنة بالوكالة من
غير خصمٍ قضاءٌ على الغائب ، وأنّ الوكالة من الحاضر لا تلزم الخصم ، فما لم يُجب
عن دعوى الوكيل لم يكن رضاً بالوكالة .
والشافعي وافقنا
على ما قلناه ؛ لأنّه إثبات وكالةٍ ، فلم يفتقر إلى حضور الموكّل عليه ، كما إذا
كان الموكّل [ عليه ] جماعةً فأُحضر واحد منهم ، فإنّ الباقين لا يفتقر إلى
حضورهم ، كذلك هنا الواحد.
وإنّما لم يسمع
الحاكم الدعوى قبل ثبوت الوكالة ؛ لأنّ الدعوى لا تُسمع إلاّ من خصمٍ إمّا عن نفسه
أو عن موكّله ، وهذا لا يخاصم عن نفسه ، ولا يثبت أنّه وكيل لمن يدّعي له ، فلا
تُسمع دعواه ، كما لو ادّعى لمن لم يدّع وكالته.
مسألة
٧٣٦ : إذا ادّعى أنّه
وكيل فلان في خصومة فلان ، فإن كان المقصود بالخصومة حاضراً وصدّقه ، ثبتت الوكالة
، وله مخاصمته على إشكالٍ. وإن كذّبه ، أقام البيّنة على الوكالة ، فلا يحتاج إلى
أن يدّعي حقّاً لموكّله على الخصم ، عند علمائنا ، وبه قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة :
لا تُسمع البيّنة على الوكالة حتى يدّعي عليه حقّاً لموكّله فينكر .
__________________
وإن كان غائباً
وأقام البيّنةَ على الوكالة ، سمعها وأثبتها ، ولا يعتبر حضور المقصود بالخصومة في
إثبات الوكالة ، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال : لا تُسمع البيّنة إلاّ في وجه الخصم
، بناءً على امتناع القضاء على الغائب . وقد تقدّم .
وقال بعض
الشافعيّة : لا بدّ وأن ينصب القاضي مسخراً ينوب عن الغائب ، ليقيم المدّعي البيّنةَ في وجهه . وهو مخالف لباقي
الشافعيّة.
ثمّ قال : وقد
اصطلح القُضاة على أنّ مَنْ وكّل في مجلس القضاء وكيلاً بالخصومة ، يختصّ [
التوكيل ] بالخصومة في ذلك المجلس .
قال الجويني :
والذي يعرفه أصحاب الشافعي أنّه يخاصم في ذلك المجلس وبعده ، ولا نعرف للقُضاة
العرف الذي ادّعاه .
مسألة
٧٣٧ : لو وكّل رجلاً
عند القاضي بالخصومة عنه وطلب حقوقه ، فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام حاضراً
اعتماداً على العيان. فإن غاب وأراد الوكيل الخصومة عنه بناءً على اسمٍ ونسبٍ
يذكره ولم يكن معروفاً عند الحاكم ، فلا بدّ من إقامة البيّنة على أنّ فلان بن
فلان وكّله ، أو على أنّ الذي وكّله عند الحاكم هو فلان بن فلان.
__________________
وبالجملة ، لا بدّ
وأن يعرف الموكّل شاهدان يعرفهما القاضي ويوثّقهما إمّا بمعرفته بعدالتهما أو
بحضور اثنين يزكّيانهما أو أكثر.
وقال بعض
الشافعيّة : إنّ القُضاة عادتهم التساهل في هذه البيّنة بالعدالة الظاهرة ، وترك
البحث والاستزكاء ، تسهيلاً على الغرماء .
وهو خطأ عندنا.
وقال بعضهم أيضاً
: يمكن أن يكتفي بمعرِّفٍ واحد إذا كان موثوقاً به ، كما في تعريف المرأة في تحمّل
الشهادة عليها يحصل بمعرِّفٍ واحد ؛ لأنّه إخبار وليس بشهادة .
وهو خطأ عندنا
أيضاً ، بل لا بدّ في التعريف من عَدْلين.
مسألة
٧٣٨ : إذا وكّله في
شراءٍ فاسد أو عقدٍ باطل ، مثل أن يقول : اشتر لي شيئاً إلى مقدم الحاج ، أو مجيء
الغلّة ، أو : بِعْ كذلك ، لم يملك هذا العقد ؛ لأنّ الله تعالى لم يأذن في الفاسد
، ولأنّ الموكّل لا يملكه فالوكيل أولى.
ولا يملك الصحيح
عندنا ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ لأنّه أذن له في عقدٍ فاسد ، فإذا عَقَد صحيحاً ، يكون
فضوليّاً قد فَعَل غير المأذون فيه. ولأنّه أذن له في عقدٍ فاسد ، فإذا عَقَد
صحيحاً ، لم يلزم ، كما لو أذن له في شراء خمر أو خنزير. ولأنّه أذن له في محرَّمٍ
، فيكون الإذن محرّماً ، فلا يملك الحلال بهذا الإذن ، كما لو أذن له في شراء خمر
أو خنزير
__________________
لم يملك شراء
الخَلّ والغنم.
وقال أبو حنيفة :
يملك بذلك الشراءَ الصحيح ؛ لأنّ الشراء الفاسد يملك عقده ، فإذا عقد له عقداً
صحيحاً فقد مَلَكه بما هو أولى .
وهو ممنوع ، على
أنّ البيع الصحيح يملك به ، والفاسد لا يملك بالعقد فيه ، وإنّما يملك بالقبض
ملكاً غير لازمٍ.
مسألة
٧٣٩ : لو وكّله بالصلح
عن الدم على خمرٍ ففَعَل ، حصل العفو ، كما لو فَعَله الموكّل بنفسه ؛ لأنّ الصلح
على الخمر وإن كان فاسداً فيما يتعلّق بالعوض ولكنّه صحيح فيما يتعلّق بالقصاص ،
فيصحّ التوكيل فيما لو فَعَله الموكّل بنفسه لصحّ ، لا أنّا نصحّح التوكيل في
العقد الفاسد.
ولو وكّله بالصلح
عن القصاص على خمرٍ فصالح على خنزير ، فهو لغو ، ويبقى القصاص مستحقّاً على ما كان
عليه قبل الصلح ؛ لأنّه مستبدّ بما فَعَل غير موافقٍ أمرَ الموكّل ، وهو أظهر وجهي
الشافعيّة.
والثاني : إنّه
كما لو عفا على خمر ؛ لأنّ الوكالة بالصلح تامّة ، والخمر لا تثبت وإن ذكرت ،
وإنّما تثبت الدية ، فلا فرق فيما يصحّ ويثبت بين أن يذكر الخمر أو الخنزير. وعلى
هذا لو صالح على ما يصلح عوضاً كالعبد والثوب ، أو على الدية نفسها ، يجوز .
ولا خلاف بينهم في
أنّه لو جرى هذا الاختلاف بين الموجب والقابل في الصلح ، يلغو ؛ لعدم انتظام
الخطاب والجواب .
__________________
ولو وكّله بأن
يخالع زوجته على خمر ، فخالَع على خمر أو خنزير ، فعند الشافعيّة أنّه على ما
تقدّم في الصلح عن الدم .
المطلب
الثاني : في حكم العهدة.
مقدّمة
: قد بيّنّا أنّه
يجوز التوكيل بجُعْلٍ وبغير جُعْل ، فإذا وكّله على البيع أو الشراء أو غير ذلك
وجَعَل له جُعْلاً ، كان للوكيل المطالبة بجُعْله قبل أن يتسلّم الموكّل الثمن أو
المثمن ؛ لأنّ الأُجرة مستحقّة بالبيع أو الشراء ، وليس التسليم شرطاً في ذلك.
وكذا لو وكّله في
حجٍّ أو غيره ، استحقّ الأُجرة بنفس العمل.
وإنّما تقف
الأُجرة على تسليم المنفعة التي يمكن تسليمها دفعةً واحدة ، كالحياكة والخياطة والصياغة وأشباه ذلك ،
فإذا استأجره على نساجة ثوبٍ أو خياطته أو قصارته فإذا سلّمه إلى المستأجر معمولاً
، فله الأجر.
ولو كان العمل في
دار المستأجر فكلّما عمل شيئاً ، وقع مقبوضاً ، فيستحقّ الخيّاط الجُعْل إذا فرغ
من الخياطة.
أمّا في مسألتنا
فقد استحقّ الأُجرة بالبيع ، فلا يقف ذلك على تسليم الثمن.
أمّا لو قال :
وكّلتك في بيع مالي فإذا سلّمتَ الثمن إلَيَّ فلك كذا وكذا ، فإنّه يقف استحقاقه
على التسليم ؛ لأنّه شرطه في الاستحقاق ، بخلاف الأوّل.
__________________
مسألة
٧٤٠ : الوكيل أمين ويده
يد أمانةٍ لا يضمن ما يتلف في يده ، إلاّ بتفريطٍ منه أو تعدٍّ فيه ، فإن تلف ما
قبضه من الديون أو الأثمان أو الأعيان من الموكّل أو غرمائه ، فلا ضمان عليه ،
سواء كان وكيلاً بجُعْلٍ أو بغير جُعْلٍ. فإن تعدّى فيه ـ كما لو ركب الدابّة ، أو
لبس الثوب ، أو فرّط في حفظه ـ ضمن إجماعاً.
وكذا باقي
الأمانات ، كالوديعة وشبهها.
وبالجملة ، الأيدي
على ثلاثة أقسام :
يد أمانة ،
كالوكيل والمستودع والشريك وعامل المضاربة والوصي والحاكم وأمين الحاكم والمرتهن
والمستعير على وجهٍ يأتي.
ويد ضامنة ،
كالغاصب والمستعير على وجهٍ والمساوم والمشتري شراءً فاسداً والسارق.
ويد مختلف فيها ،
وهو يد الأجير المشترك ، كالقصّار والصائغ والحائك والصبّاغ وما أشبه ذلك.
وفيها للشافعيّة
قولان .
وعندنا أنّها يد
أمانة.
إذا عرفت هذا ،
فكلّ يد أمانة لا ضمان على صاحبها إلاّ بتعدٍّ أو تفريطٍ ؛ لأنّه لو كُلّف الضمان
لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها ، فيلحقهم الضرر ، فاقتضت
الحكمة زوال الضمان عنهم.
__________________
مسألة
٧٤١ : إذا تعدّى الوكيل
أو فرَّط ـ مثل أن يلبس الثوب الذي دفعه الموكّل إليه ليبيعه ، أو ركب الدابّة ـ ضمن
إجماعاً ، سواء تلفت العين بذلك التصرّف أو بغيره. ولا تبطل وكالته بمجرّد التعدّي
، فله بيع الثوب بعد لُبْسه ، والدابّةِ بعد ركوبها ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ـ لأنّ الوكالة
تضمّنت شيئين : الأمانة والإذن في التصرّف ، فإذا تعدّى ، زالت الأمانة وبقي الإذن
بحاله. ولأنّ الوكالة أمانةٌ وإذنٌ في التصرّف ، والأمانة حكمٌ يترتّب عليه ، فلا
يلزم من ارتفاع هذا الحكم بطلان أصل العقد ، كما أنّ الرهن لمّا كان المقصود منه
التوثيق ومن حكمه الأمانة ، لا يلزم من ارتفاع حكم الأمانة فيه بطلان أصل الرهن ،
بخلاف الوديعة ؛ فإنّها أمانة محضة ، فلا يبقى مع التعدّي.
والثاني : إنّه
تبطل الوكالة ؛ لأنّها أمانة ، فترتفع بالتعدّي ، كالوديعة .
وقد بيّنّا
بطلانه.
فعلى ما اخترناه
من صحّة تصرّفه إذا باع وسلَّم العين إلى المشتري ، زال الضمان عنه إجماعاً ؛
لاستقرار ملك المشتري عليه ، وزوال ملك الموكّل عنه ، وقد أخرجه من يده بإذن
المالك.
فروع :
أ
ـ هل يخرج من الضمان بمجرّد البيع قبل التسليم؟ الأقرب : عدم
الخروج ؛ لأنّه ربما يبطل العقد بتلفه قبل قبض المشتري ، فيكون التلف على ملك
الموكّل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.
__________________
والثاني : إنّه
يخرج من ضمان عهدته ؛ لزوال ملك الموكّل عنه بالبيع ، ودخوله في ملك المشتري
وضمانه .
ونحن فيه من
المتردّدين.
ب
ـ إذا باع ما فرّط فيه وقبض الثمن ، كان الثمن أمانةً في يده غير
مضمونٍ عليه وإن كان أصله مضموناً ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه ، وقد قبضه بإذن الموكّل ،
فيخرج عن العهدة.
ج
ـ لو دفع إليه مالاً ووكّله في شراء شيء به ، فتعدّى في
الثمن ، صار ضامناً له ، فإذا اشترى به وسلّم ، زال الضمان.
وهل يزول بمجرّد
الشراء به؟ وجهان تقدّما .
وإذا قبض المبيع ،
كان أمانةً في يده.
د
ـ لو تعدّى في العين ثمّ باعها وسلّمها ، زال الضمان على ما
تقدّم ، فإذا ردّها المشتري عليه بعيبٍ ، عاد الضمان.
مسألة
٧٤٢ : لو دفع إلى وكيله
دراهم ليشتري بها طعاماً ـ مثلاً ـ فتصرّف فيها على أن تكون قرضاً عليه ، صار ضامنا
؛ لتعدّيه بالتصرّف ، وليس له أن يشتري للموكّل بدراهم من نفسه ولا في الذمّة ،
فإن فَعَل ونسب الشراء إلى الموكّل أو نواه ، كان فضوليّاً فيه إن أجاز الموكّل
صحّ ، وإلاّ بطل. وإن لم ينوه ولا سمّاه ، وقع عنه.
ولو عادت الدراهم
التي أنفقها إلى يده فأراد أن يشتري بها للموكّل
__________________
ما أمره ، كان له
ذلك ؛ لأنّ الوكالة لا تبطل بالتعدّي.
وللشافعيّة قولان
:
أحدهما كما قلناه.
والثاني : إنّ
الوكيل ينعزل بتعدّيه ، فليس له الشراء حينئذٍ ، فإذا اشترى شيئاً ، لم يكن
مضموناً عليه ؛ لأنّه لم يتعدّ فيه. ولو ردّ ما اشتراه بعيبٍ واستردّ الثمن ، عاد مضموناً
عليه .
مسألة
٧٤٣ : إذا قبض الوكيل
ثمن المبيع فهو أمانة في يده ، ولا يلزمه تسليمه إليه قبل طلبه ، ولا يضمنه
بتأخيره ؛ لأنّه رضي بكونه في يده حيث وكّله في القبض ، ولم يرجع عن ذلك ، فإن
طلبه الموكّل فأخّر ردّه ، فإن كان لعذرٍ لم يضمن ، ويجب عليه مع أوّل وقت الإمكان
وإن لم يجدّد الطلب ، فإن أخّر ضمن. وإن كان تأخيره لا لعذرٍ ، كان ضامناً
كالمودع ، ولا نعلم فيه خلافاً.
مسألة
٧٤٤ : إذا وكّله في
الشراء ، فإن اشترى ما أمره به على الوجه الذي أمره به ، وقع الملك للموكّل ،
وانتقل من البائع إلى الموكّل ، ولا ينتقل إلى الوكيل بحالٍ عند علمائنا أجمع ـ وبه
قال الشافعي في أصحّ قولَيْه ، وأحمد ـ لأنّ الوكيل قَبِل عقداً لغيره ، فوجب أن ينتقل الملك
إلى ذلك الغير دونه ، كالأب والوصي.
وقال أبو حنيفة :
إنّه يقع للوكيل أوّلاً ثمّ ينتقل إلى الموكّل ؛ لأنّ
__________________
حقوق العقد تتعلّق
بالوكيل ؛ بدليل أنّه لو اشتراه بأكثر من ثمنه دخل في ملكه ، ولم ينتقل إلى
الموكّل . ولأنّ الخطاب إنّما جرى مع الوكيل وأحكام العقد تتعلّق به
.
ونمنع تعلّق حقوق
العقد بالوكيل ، والخطاب وقع له على سبيل النيابة للغير.
وينتقض ما ذكره
بشراء الأب للطفل ابتداءً.
ثمّ نقول : لو ثبت
الملك للوكيل لكان إذا وكّله في شراء أب الوكيل فاشتراه ، وجب أن يعتق عليه ؛
لدخوله في ملكه ، وليس كذلك ، بل يملكه الموكّل.
وألزمتُ بعضَ
الحنفيّة بذلك ، فأجاب بأنّه في الزمن الأوّل يقع للوكيل ، وفي الزمن الثاني ينتقل
إلى الموكّل ، فألزمتُه بأنّه بِمَ يرجّح الانتقال في الزمن الثاني إلى الموكّل
دون العتق؟
مسألة
٧٤٥ : إذا وكّل المسلم
ذمّيّاً في شراء خمر أو خنزير ، فاشتراه له ، لم يصح الشراء عند علمائنا أجمع ـ وبه
قال الشافعي وأحمد ـ لأنّ كلّ ما لا يجوز للمسلم العقد عليه بنفسه لا يجوز أن
يوكّل فيه الذمّي ، كالعقد على المجوسيّة ، وبهذا خالف سائر الأموال.
__________________
وقال أبو حنيفة :
يصحّ ويقع للمسلم ؛ لأنّ الخمر مالٌ للذمّي ، لأنّ أهل الذمّة يتموّلونها
ويتبايعونها ، فصحّ توكيلهم فيها ، كسائر أموالهم .
وهو باطل ؛ فإنّ
المسلم لا يصحّ أن يملك الخمر ، سواء باشر شراءها بنفسه أو بوكيله ، وأيّ سببٍ
اقتضى تجويز التمليك إذا اشتراها الذمّيّ؟
وإذا باع الوكيل
بثمنٍ معيّن ، مَلَك الموكّل الثمنَ دون الوكيل ؛ لأنّه بمنزلة المبيع.
ولو كان الثمن في
الذمّة ، فالملك للموكّل أيضاً ، لكن له وللوكيل معاً المطالبة به.
وقال أبو حنيفة :
ليس للموكّل المطالبة ، وقد سبق .
وأمّا ثمن ما
اشتراه إذا كان في الذمّة فإنّه يثبت في ذمّة الموكّل أصلاً.
وإذا علم البائع
أنّ الملك للموكّل ، لم يكن له مطالبة الوكيل ، بل إنّما يطالب الموكّل خاصّةً
عندنا.
وقال بعض العامّة
: إنّ الثمن يثبت في ذمّة الوكيل تبعاً ، وللبائع مطالبة مَنْ شاء منهما ، فإن
أبرأ الوكيل لم يبرأ الموكّل ، وإن أبرأ الموكّل برئ الوكيل أيضاً .
وإن دفع الثمن إلى
البائع فوجد به عيباً فردّه على الوكيل ، كان أمانةً في يده ، وهو من ضمان
الموكّل.
ولو وكّل رجل غيره
حتى يستسلف له ألفاً في كُرّ طعامٍ ، ففَعَل ، مَلَك
__________________
الموكّل الثمنَ ،
وعليه عهدة الطعام ، دون الوكيل.
وقال بعض العامّة
: يكون الوكيل ضامناً عن موكّله .
وليس بشيء.
مسألة
٧٤٦ : إذا وكّله في
عقدٍ كبيعٍ أو شراء ، تعلّق أحكام العقد ـ من رؤية المبيع أو المشترى ـ بالوكيل
دون الموكّل ، حتى تعتبر رؤية الوكيل للمبيع ، دون الموكّل ، ويلزم العقد بمفارقة
الوكيل مجلس العقد ، ولا يلزم بمفارقة الموكّل إن كان حاضراً فيه ، وتسليم رأس
المال في السَّلَم والتقابض حيث يشترط التقابض يعتبران قبل مفارقة الوكيل ، والفسخ
بخيار المجلس والرؤية يثبت للوكيل.
والأقرب : أنّه
يثبت للموكّل.
وقال بعض
الشافعيّة : يثبت للوكيل دون الموكّل حتى لو أراد الموكّل الإجازة ، كان للوكيل أن
يفسخ .
وليس بجيّدٍ.
وفرّقوا بينه وبين
خيار العيب حيث قالوا : لا ردّ للوكيل إذا رضي الموكّل .
مسألة
٧٤٧ : إذا اشترى الوكيل
بثمنٍ معيّن ، فإن كان في يده ، طالَبه البائع به ، وإلاّ طالَب الموكّل ؛ لأنّ
الملك يقع له.
وإن اشترى في
الذمّة ، فإن كان الموكّل قد سلّم إليه ما يصرفه إلى الثمن ، طالَبه البائع أيضاً.
__________________
وإن لم يسلّم ،
فإن أنكر البائع كونه وكيلاً ، أو قال : لا أدري هل هو وكيل أم لا ، ولا بيّنة ،
طالَبه.
وإن اعترف بوكالته
، فالمطالَب بالثمن الموكّلُ لا غير ؛ لوقوع الملك له ، والوكيل سفيرٌ بينهما
ومُعبّرٌ للموكّل ، فلا يغرم شيئاً ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.
والثاني : أنّ
البائع مع تصديق الوكالة يطالب الوكيل لا غير ؛ لأنّ أحكام العقد تتعلّق به ،
والالتزام وُجد منه.
والثالث : أنّه
يطالب مَنْ شاء منهما ؛ نظراً إلى المعنيين .
والمعتمد :
الأوّل.
مسألة
٧٤٨ : قد بيّنّا أنّ
المطالبة مع علم البائع بالوكالة إنّما تتوجّه إلى الموكّل.
وقال بعض
الشافعيّة : المطالبة للوكيل خاصّةً .
فعلى قوله هل
للوكيل مطالبة الموكّل قبل أن يغرم؟ فيه للشافعيّة وجهان ؛ لأنّ بعضهم قال : يثبت
الثمن للبائع على الوكيل ، وللوكيل مثله على الموكّل ، بناءً على أنّ الوكيل يثبت
الملك له ثمّ ينتقل إلى الموكّل ، فعلى هذا للوكيل مطالبته بما ثبت له وإن لم يؤدّ
ما عليه.
وقال آخَرون :
يُنزّل الوكيل منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه ، وعلى هذا ففي رجوعه قبل
الغرم وجهان ، كالمحال عليه.
والأصحّ عندهم :
المنع.
__________________
فإذا غرم الوكيل
للبائع ، فقياس تنزيله منزلة المحال عليه الذي لا دَيْن عليه الخلافُ المذكور في
الحوالة.
والمذهب عندهم :
القطع بالرجوع ، وإلاّ لخرج المبيع [ عن ] أن يكون مملوكاً للموكّل بالعوض ، وفي ذلك تغيير لوضع
العقد .
وهذا ساقط عندنا ؛
لأنّ البائع يطالب الموكّل خاصّةً.
مسألة
٧٤٩ : على قول القائلين
بمطالبة البائع مَنْ شاء من الوكيل أو الموكّل فالوكيل كالضامن ، والموكّل
كالمضمون عنه ، فيرجع الوكيل إذا غرم.
والقول في اعتبار
شرط الرجوع وفي أنّه [ هل ] يطالبه بتخليصه قبل الغرم؟ كما سبق في الضمان .
وقد فرّع ابن سريج
على الخلاف في المسألة ، فقال : لو سلّم دراهم إلى الوكيل ليصرفها إلى الثمن
الملتزم في الذمّة ، ففَعَل ثمّ ردّها البائع بعيبٍ ، فإن قلنا بأنّ البائع يطالب
الموكّل أو يطالب مَنْ شاء ، فعلى الوكيل ردّ تلك الدراهم بأعيانها إلى الموكّل ،
وليس له إمساكها أو إبدالها.
وإن قلنا : يطالب
الوكيل ، فله ذلك ؛ لأنّ ما دفعه الموكّل إليه على هذا الوجه كأنّه أقرضه منه
ليبرئ به ذمّته ، فإذا عاد إليه فهو ملكه ، وللمقترض إمساك ما استقرضه وردّ مثله .
واعلم أنّه لا
خلاف في أنّ للوكيل أن يرجع على الموكّل في الجملة ،
__________________
وإنّما الكلام في
أنّه متى يرجع؟ وبأيّ شيء يرجع؟ وإذا كان كذلك ، توجّه أن يكون تسليم الدراهم
دفعاً لمئونة التراجع ، لا إقراضاً.
مسألة
٧٥٠ : الوكيل بالبيع
إذا قبض الثمن إمّا بإذنٍ صريح أو بالإذن في البيع على رأي جماعةٍ من العامّة وتلف المقبوض في
يده ثمّ خرج المبيع مستحقّاً والمشتري معترف بالوكالة ، فحقّ رجوعه على الموكّل
عندنا ؛ لأنّ الوكيل واسطة بينهما.
وقال بعض
الشافعيّة : حقّ الرجوع بالثمن يكون على الوكيل ؛ لأنّه الذي تولّى القبض ، وحصل
التلف في يده .
وقال بعضهم كما
قلناه من أنّه يرجع على الموكّل ؛ لأنّ الوكيل سفير ، ويده يد موكّله .
وقال بعضهم : يرجع
على مَنْ شاء ، كما تقدّم .
فإن قلنا : حقّ
الرجوع على الموكّل ، فإذا غرم لم يرجع على الوكيل ؛ لأنّه أمينه ، فلا يضمن.
وقال بعض
الشافعيّة : إذا قلنا : إنّ حقّ الرجوع على الموكّل إذا رجع على الموكّل ، رجع
الموكّل على الوكيل ؛ لأنّ التلف في يده.
وهو مسلّم ، لكن
لا يجب عليه الضمان ، كما لو تلف في يد الموكّل ؛ لأنّ يد الوكيل في الحقيقة هي يد
الموكّل.
وإن جعلنا حقّ
الرجوع على الوكيل فغرم ، لم يرجع على الموكّل.
وإذا قلنا : يرجع
على مَنْ شاء منهما ، فثلاثة أوجُهٍ :
أشهرها عندهم :
أنّه إن غرم الموكّل لم يرجع على الوكيل ، وإن غرم
__________________
الوكيل رجع على
الموكّل ؛ لأنّ الموكّل قد غرّ الوكيل ، والمغرور يرجع على الغارّ ، دون العكس.
والثاني : إنّ
واحداً منهما لا يرجع على الآخَر ، أمّا الموكّل : فلأنّه غارّ. وأمّا الوكيل :
فلحصول التلف في يده.
والثالث : إنّ
الموكّل يرجع على الوكيل ، دون العكس ؛ لحصول التلف في يد الوكيل.
والذي يفتى به
عندهم من هذه الاختلافات أنّ المشتري يغرم مَنْ شاء منهما والقرار على الموكّل .
وأمّا عندنا فمع
تصديق الوكالة يرجع على الموكّل خاصّةً ، سواء تلف بتفريطٍ من الوكيل أو لا ، إلاّ
أنّه إذا فرّط الوكيل ، كان له أن يرجع عليه ، ولا يرجع هو على الموكّل ؛ لأنّ
التلف حصل بتفريطه ، فكان ضامناً. وإن رجع على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل.
وإنّما كان له أن
يرجع على الموكّل ؛ لأنّه سلّط الوكيل على القبض منه.
وإن كان التلف
بغير تفريطٍ من الوكيل ، لم يضمن ، ولا يرجع المشتري عليه بالثمن.
وإن كان جاهلاً
بالوكالة ، كان له أن يرجع على الوكيل ؛ لأنّه القابض.
ولو قامت بيّنة
الوكالة ، سقط رجوعه عليه ، وكان له الرجوع على الموكّل خاصّةً.
ولو اعترف الموكّل
بالوكالة ، لم يسقط رجوعه على الوكيل ؛ لإمكان تواطئهما على إسقاط حقّ المشتري من
مطالبة الوكيل ، لكن له الرجوع على مَنْ شاء منهما.
__________________
مسألة
٧٥١ : إذا وكّله في
شراء عينٍ فاشتراها وقبض الوكيل العينَ وتلفت في يده بغير تفريط ثمّ ظهر أنّه كان
المبيع مستحقّاً لغير البائع ، فللمستحقّ مطالبة البائع بقيمة المبيع إن لم يكن
مثليّاً ، أو كان وتعذَّر المثل ، وبالمثل إن كان مثليّاً ؛ لأنّه غاصب ، ومن يده
خرج المال.
وللشافعيّة ثلاثة
أوجُهٍ :
أحدها : هذا.
والثاني : يطالب
الوكيل.
والثالث : يطالب
مَنْ شاء ، كما سبق في المسألة السابقة.
قال الجويني :
الأقيس في المسألتين أنّه لا رجوع له إلاّ على الوكيل ؛ لحصول التلف عنده. ولأنّه
إذا ظهر الاستحقاق ، بانَ فساد العقد ، وصار الوكيل قابضاً ملكَ الغير بغير حقٍّ.
ويجري الخلاف في القرار في هذه الصورة أيضاً .
وأمّا نحن فهنا
نقول : للمستحقّ مطالبة الوكيل ؛ لأنّه قبض ماله.
فإن تلفت بغير
تفريطٍ ، رجع على الموكّل بما غرمه ؛ لأنّه أمينه لا ضمان عليه. وإن رجع على
الموكّل ، لم يرجع على الوكيل ، بل استقرّ الرجوع على الموكّل.
وإن تلفت بتفريطٍ
، استقرّ الضمان عليه ، فإن رجع عليه لم يرجع هو على موكّله ؛ لأنّه ضامن. وإن رجع
على الموكّل ، رجع الموكّل على الوكيل ؛ لأنّه فرّط بالإتلاف.
مسألة
٧٥٢ : إذا وكّله في
البيع وأطلق ، انصرف إلى البيع بثمن المثل.
__________________
وهل يختصّ بالبيع بالعين
، أو يشمل بالعين والبيع بثمنٍ في الذمّة؟ إشكال.
فإن قلنا بالشمول
أو أذن فيه فباع بثمنٍ في الذمّة واستوفاه ودَفَعه إلى الموكّل فخرج الثمن
مستحقّاً أو معيباً وردّه ، فللموكّل أن يطالب المشتري بالثمن ، وله أن يغرّم
الوكيل ؛ لأنّه صار مسلّماً للمبيع قبل أخذ عوضه.
وفيما يغرم؟
يحتمل قيمة العين
؛ لأنّه فوّت عليه العين.
والثاني : الثمن ؛ لأنّ
حقّه انتقل من العين إلى الثمن.
فإن قلنا بالأوّل
فإن أخذ منه القيمة ، طالَب الوكيلُ المشتري بالثمن ، فإذا أخذه ، دَفَعه [ إلى ] الموكّل ،
واستردّ القيمة.
مسألة
٧٥٣ : لو دفع إليه دراهم ليشتري له بعينها عبدا ، فاشترى العبد بالعين وتلفت في يده قبل
التسليم ، انفسخ البيع ، ولا شيء على الوكيل. ولو تلفت قبل الشراء ، ارتفعت
الوكالة.
ولو قال : اشتر في
الذمّة واصرفها إلى الثمن الملتزم ، فتلفت في يد الوكيل بعد الشراء ، لم ينفسخ
العقد ، وكان للبائع مطالبة الموكّل بعوض الثمن التالف إن علم الوكالة ، وإلاّ
طالَب الوكيل ، ويرجع الوكيل على الموكّل.
ولا ينقلب الشراء
إلى الوكيل عندنا ، ولا يلزمه الثمن ، وهو أحد
__________________
أقوال الشافعيّة.
والثاني : إنّ
البيع ينقلب إلى الوكيل ، ويلزمه الثمن.
والثالث : أن يعرض
الحال على الموكّل ، فإن رغب فيه وأتى بمثل تلك الدراهم ، فالشراء له ، وإلاّ وقع للوكيل
، وعليه الثمن .
والحقّ ما
قدّمناه.
ولو تلفت قبل
الشراء ، لم ينعزل الوكيل.
وإن اشترى للموكّل
، وقع للموكّل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : يقع للوكيل .
مسألة
٧٥٤ : لو اشترى الوكيل
شراءً فاسداً وقبض المبيع وتلف إمّا في يده أو بعد تسليمه إلى الموكّل ، فللمالك
مطالبته بالضمان.
وهل يرجع هو على
الموكّل؟ إن كان قد أذن له في الشراء الفاسد ، أو علم به وقبضه ، كان له مطالبة
الموكّل ، وإلاّ فالأقرب : أنّه لا يطالبه به ؛ لأنّه إنّما وكّله في عقدٍ صحيح ،
فإذا عقد فاسداً فقد فَعَل غير المأمور به ، فكان الضمان عليه ؛ لأنّ الموكّل لم
يأمره بهذا القبض ، بل هو قَبَض لنفسه عن الموكّل ، والموكّل لم يأذن فيه ، فلا
يقع عنه.
ولو أرسل رسولاً
ليستقرض له شيئاً ، فاستقرض ، فهو كوكيل المشتري ، وفي مطالبته ما في مطالبة وكيل
المشتري بالثمن.
والظاهر عند
الشافعيّة أنّه يطالب ، ثمّ إذا غرم رجع على الموكّل .
__________________
المطلب
الثالث : في نسبة الوكالة إلى الجواز.
مسألة
٧٥٥ : العقود على أربعة
أضرب :
الأوّل : عقدٌ لازمٌ من الطرفين لا ينفسخ بفسخ أحد المتعاقدين ،
وهو البيع والإجارة والصلح والخلع والنكاح ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة .
وفيه وجهٌ آخَر :
إنّ النكاح غير لازمٍ من جهة الزوج .
والقائل الأوّل
منهم قال : إنّ الزوج لا يملك فسخه ، وإنّما يملك قطعه وإزالة ملكه ، كما يملك
المشتري عتق العبد المشترى وإزالة ملكه عنه ، ولا يمنع ذلك لزومه في حقّه .
وأمّا الخلع فإنّ
الرجل والمرأة معاً ليس لهما فسخه ، بل إذا رجعت المرأة في البذل ، كان له الرجوع
في النكاح.
الثاني : عقدٌ جائزٌ من الطرفين ، وهي الوكالة والشركة والمضاربة
والجعالة ، فلكلٍّ منهما فسخ العقد في هذه.
الثالث : عقدٌ لازمٌ من أحد الطرفين جائزٌ من الآخَر ، كالرهن ؛
فإنّه لازمٌ من جهة الراهن جائزٌ من جهة المرتهن.
والكتابة عند
الشيخ جائزة من جهة العبد ؛ لأنّ له أن يعجّز نفسه ، ولازمة من جهة المولى .
الرابع : المختلف فيه ، وهو السبق والرمي ، إن قلنا : إنّه إجارة
، كان لازماً. وإن قلنا : إنّه جعالة ، كان جائزاً.
__________________
ولا نعلم خلافاً
من أحدٍ من العلماء في أنّ الوكالة عقد جائز من الطرفين ؛ لأنّه عقد على تصرّفٍ
مستقبل ليس من شرطه تقدير عملٍ ولا زمان ، فكان جائزاً ، كالجعالة. فإن فسخها
الوكيل انفسخت ، وبطل تصرّفه بعد الفسخ ، وإن فسخها الموكّل فكذلك.
والأصل في ذلك أنّ
[ في ] الوكالة قد يبدو للموكّل في الأمر الذي أناب فيه وفي نيابة
ذلك الشخص ، وقد لا يتفرّغ له الوكيل ، فالإلزام مضرٌّ بهما جميعاً.
ولا خلاف في أنّ
العزل مبطل للوكالة.
مسألة
٧٥٦ : قد بيّنّا أنّ
الوكالة جائزة من الطرفين ، وتبطل بعزل الموكّل في حضرته وغيبته إمّا لفظاً بلفظ العزل ، كقوله : عزلتك عن الوكالة ، أو بلفظٍ
يؤدّي معناه ، مثل : فسخت الوكالة ، أو : أبطلتها ، أو : نقضتها ، أو : صرفتك عنها
، أو : أزلتك عنها ، أو : رفعت الوكالة ، أو : أخرجته عن الوكالة ، فينعزل ، ويبطل
تصرّفه بعد ذلك ، سواء ابتدأ بالتوكيل أو وكّل بمسألة الخصم ، كما إذا سألت المرأة
زوجَها أن يوكّل بالطلاق أو الخلع ، أو المرتهنُ الراهنَ أن يوكّل ببيع الرهن ، أو
الخصمُ الخصمَ أن يوكّل في الخصومة ، ففَعَل المسئول ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال
الشافعي ـ لأنّ الوكالة استنابة تابعة لاختيار الموكّل ، فله العزل
متى شاء ، كغيرها من الوكالات.
__________________
وقال أبو حنيفة :
إذا كان التوكيل بمسألة الخصم ، لم ينعزل .
وإمّا معنىً ، بأن يفعل متعلّق الوكالة.
مسألة
٧٥٧ : إذا عزل الموكّل
الوكيلَ في غيبته ، قال الشيخ ; : لأصحابنا روايتان :
إحداهما : إنّه
ينعزل في الحال وإن لم يعلم الوكيل بالعزل ، وكلّ تصرّفٍ للوكيل بعد ذلك يكون
باطلاً.
والثانية : إنّه
لا ينعزل حتى يعلم الوكيل ذلك ، وكلّ تصرّفٍ له يكون واقعاً موقعه إلى أن يعلم.
ثمّ استدلّ على
صحّة الثاني : بأنّ النهي لا يتعلّق به حكم في حقّ المنهي إلاّ بعد حصول العلم به
، ولهذا لمّا بلغ أهل قبا أنّ القبلة قد حُوّلت إلى الكعبة وهُمْ في الصلاة داروا
وبنوا على صلاتهم ، ولم يؤمروا بالإعادة.
قال : وهذا القول
أقوى .
وقال في النهاية :
ومَنْ وكّل وكيلاً وأشهد على وكالته ثمّ أراد عزله ، فليشهد على عزله علانيةً
بمحضرٍ من الوكيل ، أو يُعلمه ذلك ، كما أشهد على وكالته ، فإذا أعلمه عَزْلَه أو
أشهد على عزله إذا لم يمكنه إعلامه ، فقد انعزل الوكيل عن وكالته ، فكلّ أمر ينفذه
بعد ذلك كان باطلاً ، ولا يلزم الموكِّل منه قليل ولا كثير. وإن عزله ولم يُشهد
على عزله أو لم يُعلمه ذلك مع إمكان ذلك ، لم ينعزل الوكيل ، وكلّ أمرٍ ينفذه بعد
ذلك يكون ماضياً
__________________
على موكّله إلى أن
يعلم بعزله .
وقال أبو حنيفة :
الوكيل إذا عزل نفسه ، لم ينعزل إلاّ بحضرة الموكّل. وأمّا الموكِّل إذا عزله
فإنّه لا ينعزل قبل علمه ، فإن بلغه العزل من رجلٍ ثقةٍ أو امرأةٍ ، انعزل. وإن
بلغه من فاسقٍ ، لم ينعزل ؛ لأنّ الوكيل يتصرّف بإذن الموكّل وأمره ، فلا يصحّ أن
يردّ أمره بغير حضوره ، كالمودع. وكذلك الأمر الشرعي لا يثبت وقوعه في حقّ المأمور
قبل علمه ، كالفسخ في حقّ المأمورين قبل علمهم ، وكذا القاضي لا ينعزل ما لم يبلغه
الخبر ، ولأنّ تنفيذ العزل قبل بلوغ الخبر إليه يُسقط الثقة بتصرّفه .
وللشافعي قولان :
أحدهما : إنّه لا
ينعزل بالعزل.
وأصحّهما :
الانعزال ؛ لأنّه رَفْع عقدٍ لا يحتاج فيه إلى الرضا ، فلا يحتاج إلى العلم ،
كالطلاق ، ولأنّه لو جنّ الموكّل أو مات انعزل الوكيل وإن لم يبلغه الخبر .
وكذا لو وكّله
ببيع عبدٍ أو إعتاقه ثمّ باعه أو أعتقه الموكّل ، نفذ تصرّفه ، وانعزل الوكيل وإن
لم يشعر بالحال ضِمناً ، وإذا لم يعتبر بلوغ
__________________
الخبر في العزل
الضمني ، ففي صريح العزل أولى. ولأنّه رَفْعُ عقدٍ ، فلا يفتقر إلى حضور مَنْ لا
يفتقر إلى رضاه ، كالنكاح.
وإن علّلتَ بعزل
الموكّل ، قلتُ : فِلمَ يفتقر إلى علم مَنْ لا يفتقر إلى حضوره؟
وأمّا الوديعة :
فمن الشافعيّة مَنْ يقول : لا تنفسخ إلاّ بالردّ ؛ لأنّ الأمانة باقية ما لم تُردّ
أو يُتعدّى ، فإذَنْ لم يقف على العلم.
ومنهم مَنْ يقول :
إنّها تنفسخ إذا علم أنّ الوديعة ليس فيها إلاّ الاستئمان والاستحفاظ ، وإنّما
يلزمه الردّ إذا علم ، وليس كذلك في مسألتنا ؛ فإنّ فيه تصرّفاً بالرجوع ليمنع
صحّة التصرّف ، فلهذا أراد الرجوع من غير علم الوكيل. وأمّا النسخ : ففيه لهم
وجهان ، على أنّهما يفترقان ؛ لأنّ أمر الشريعة يتضمّن تركه المعصية ، فلا يجوز أن
يكون عاصياً من غير علمه ، وهنا يتضمّن إبطال التصرّف ، وهذا لا يمنع منه عدم
العلم.
وأيضاً لا فرق بين
النسخ وما نحن فيه ؛ لأنّ حكم النسخ إمّا إيجاب امتثال الأمر الثاني ، وإمّا إخراج
الأوّل عن الاعتداد به ، فما يرجع إلى الإيجاب والإلزام لا يثبت قبل العلم ؛
لاستحالة التكليف بغير المعلوم ، وهذا النوع لا يثبت في الوكالة أصلاً ورأساً ؛
لأنّ أمر الموكّل غير واجب الامتثال. وأمّا النوع الثاني فهو ثابت هناك أيضاً قبل
العلم حتى يلزمه القضاء ، ولا تبرأ ذمّته بالأوّل .
وأمّا انعزال
القاضي : فمنهم مَنْ طرّد الخلاف فيه. وعلى التسليم ـ وهو الظاهر من مذهبهم ـ فالفرق
: تعلّق المصالح الكلّيّة بعمله .
__________________
وعن أحمد روايتان ، كقولَي الشافعي
، وكذا عن أصحاب مالك قولان .
والشيخ ; استدلّ على عدم
العزل قبل العلم : بما رواه جابر بن يزيد ومعاوية بن وهب عن الصادق 7 قال : « مَنْ
وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج
منها كما أعلمه بالدخول فيها » .
وفي طريقها عمرو
بن شمر ، وهو ضعيف.
وفي الصحيح عن
هشام بن سالم عن الصادق 7 : عن رجلٍ وكّل آخَر على وكالة في إمضاء أمرٍ من الأُمور
وأَشهد له بذلك شاهدين ، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر ، فقال : اشهدوا أنّي قد
عزلت فلاناً عن الوكالة ، فقال : « إن كان الوكيل قد أمضى الأمر الذي وُكّل عليه
قبل أن يعزل عن الوكالة فإنّ الأمر واقع ماضٍ على ما أمضاه الوكيل ، كره الموكّل
أم رضي » قلت : فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أنّه قد عُزل
عن الوكالة فالأمر ماضٍ على ما أمضاه؟ قال : « نعم » قلت له : فإن بلغه العزل قبل
أن يمضي الأمر ثمّ ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشيء؟ قال : « نعم ، إنّ الوكيل إذا
وُكّل ثمّ قام عن المجلس فأمره ماضٍ أبداً ، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن
الوكالة بثقة أو يشافهه بالعزل عن الوكالة » .
وعن العلاء بن
سيابة عن الصادق 7 في حديثٍ : « إنّ عليّاً 7 أتته امرأة مستعدية على أخيها ، فقالت : يا أمير المؤمنين
وكّلتُ أخي هذا بأن يزوّجني رجلاً فأشهدت له ثمّ عزلته من ساعته تلك ، فذهب
وزوّجني
__________________
ولي بيّنة إنّي قد
عزلته قبل أن يزوّجني ، فأقامت البيّنة ، وقال الأخ : يا أمير المؤمنين إنّها
وكّلتْني ولم تُعلِمْني بأنّها عزلتْني عن الوكالة حتى زوّجتها كما أمرَتْني ،
فقال لها : ما تقولين؟ فقالت : قد أعلمتُه يا أمير المؤمنين ، فقال لها : لكِ
بيّنة بذلك؟ فقالت : هؤلاء شهودي يشهدون بأنّي قد عزلتُه ، فقال أمير المؤمنين 7 : كيف تشهدون؟
قالوا : نشهد أنّها قالت : اشهدوا أنّي قد عزلتُ أخي فلاناً عن الوكالة بتزويجي
فلاناً ، وأنّي مالكة لأمري من قبل أن يزوّجني فلاناً ، فقال : أشهدَتْكم على ذلك
بعلمٍ منه ومحضر؟ قالوا : لا ، قال : أفتشهدون أنّها أعلَمَتْه العزل كما
أعلَمَتْه الوكالة؟ قالوا : لا ، قال : أرى الوكالة ثابتة والنكاح واقع ، أين
الزوج؟ فجاء فقال خُذْ بيدها بارك الله لك فيها ، فقالت : يا أمير المؤمنين احلفه
أنّي لم أُعلِمْه العزل وأنّه لم يعلم بعزلي إيّاه قبل النكاح ، قال : وتحلف؟ قال
: نعم يا أمير المؤمنين ، فحلف وأثبت وكالته وأجاز النكاح » .
وهذه الرواية تدلّ
على أنّه لا عبرة بالشهادة وقول العزل إن لم يعلم الوكيل ، ولا بأس به عندي.
تذنيب : إذا قلنا بعدم العزل قبل بلوغ الخبر إليه ، فالمعتبر
إخبار مَنْ يُقبل قوله من شهود العدالة ، دون الصبي والفاسق. فإذا قلنا بالانعزال
، فينبغي أن يشهد الموكّل على العزل ؛ لأنّ قوله بعد تصرّف الوكيل : « كنتُ قد
عزلتُه » غير مقبولٍ.
مسألة
٧٥٨ : إذا قال الوكيل :
عزلتُ نفسي ، أو : أخرجتُها عن الوكالة ، أو : رددت الوكالة ، انعزل.
وقال بعض
الشافعيّة : إن كانت صيغة الموكّل « بِع » و« اعتق » ونحوهما
__________________
من صِيَغ الأمر ،
لم ينعزل بردّ الوكالة وعَزْله نفسَه ؛ لأنّ ذلك إذن وإباحة ، فأشبه ما إذا أباح
الطعام لغيره ، لا يرتدّ بردّ المباح له .
ولا يُشترط في
انعزال الوكيل بعزله نفسَه حضورُ الموكّل ، وبه قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة :
يُشترط حضور الموكّل ، فإن عزل نفسه بغير حضور الموكّل ، لم ينعزل . وقد سبق .
إذا عرفت هذا ،
فإن عزل نفسه ثمّ تصرّف ، كان فضوليّاً ، سواء كان الموكّل حاضراً أو غائباً.
ويحتمل مع الغيبة
الصحّة ؛ عملاً بالإذن العامّ الذي تضمّنته الوكالة.
وكذا مع الحضور
وعدم الرضا بعزله.
مسألة
٧٥٩ : متى خرج الوكيل
أو الموكّل عن أهليّة التصرّف بموتٍ أو جنونٍ أو إغماءٍ ، بطلت الوكالة ، سواء كان
العارض للوكيل أو للموكّل.
وفي الجنون إذا
كان ممّا يطرأ ويزول على قُربٍ لبعض الشافعيّة تردّد.
وموضع التردّد ما
إذا كان امتداده بحيث لا تعطل المهمّات ويحوج إلى نصب قُوّامٍ ، فيلتحق حينئذٍ
بالإغماء في وجهٍ .
__________________
وفي الإغماء لهم
وجهان :
أظهرهما عندهم :
إنّه كالجنون في اقتضاء الانعزال.
والثاني ـ وهو
الأظهر عند الجويني ـ : إنّه لا يقتضي الانعزال ؛ لأنّ المغمى عليه لا يلتحق بمن
يُولّى عليه ، والمعتبر في الانعزال التحاق الوكيل أو الموكّل بمن يولّى عليه .
مسألة
٧٦٠ : والمحجور عليه
لسفهٍ أو فلسٍ في كلّ تصرّفٍ لا ينفذ من السفيه والمفلس كالمجنون ؛ لأنّه لا يملك
التصرّف ، فلا يملكه غيره من جهته.
ولا فرق في ذلك
بين أن يحجر عليه قبل التوكيل أو بعده ، فإن سبقت الوكالة الحجر ، بطلت. وكذا إن
كان الحجر سابقاً ، لم تقع صحيحةً.
ولو وكّل أحدهما
فيما لَه التصرّف فيه ، صحّ ؛ لأنّه مكلَّف ، ولم يخرج عن أهليّة التصرّف فيه.
ولو تجدّد الرقّ
بأن كان حربيّاً فاستُرقّ ، بطلت وكالته السابقة إن كان هو الموكّل ، فلو كان هو
الوكيلَ ، كان بمنزلة توكيل عبد الغير يشترط رضا المولى إن منعت الوكالة شيئاً من
حقوقه.
ولو حُجر على
الوكيل لفلسٍ ، لم تبطل الوكالة ، سواء تعلّقت بأعيان الأموال أو لا ؛ لأنّه بفقره
لم يخرج عن أهليّة التصرّف.
ولو حُجر على
الموكّل وكانت الوكالة في أعيان ماله ، بطلت ؛ لانقطاع تصرّفه في أعيان أمواله.
وإن كانت في الخصومة أو الشراء في الذمّة أو الطلاق أو الخلع أو القصاص ، فالوكالة
بحالها ؛ لأنّ الموكّل أهلٌ لذلك
__________________
مباشرةً ، فله أن
يستنيب فيه ابتداءً ؛ للأصل السالم عن المعارض ، ولا تنقطع الاستدامة.
مسألة
٧٦١ : لو فسق الوكيل ،
لم ينعزل عن الوكالة إجماعا ؛ لأنّه من أهل التصرّف ، إلاّ أن تكون الوكالة [ فيما
ينافيه ] الفسق ، كالإيجاب في عقد النكاح عند العامّة ، فإنّه ينعزل
عندهم بمجرّد فسقه أو فسق موكّله ؛ لخروجه عن أهليّة التصرّف فيه عندهم .
وعندنا لا يخرج
بالفسق أيضاً ؛ إذ لا تُشترط العدالة في وليّ النكاح.
وأمّا في القبول :
فلو فسق الموكّل فيه ، لم ينعزل وكيله بفسقه ؛ لأنّه لا ينافي جواز قبوله.
وهل ينعزل الوكيل
بفسق نفسه؟ فيه للعامّة وجهان .
ولو كان وكيلاً
فيما تُشترط فيه الأمانة ـ كوكيل وليّ اليتيم ووليّ الوقف على المساكين ونحوه ـ انعزل
بفسقه وفسق موكّله ؛ لخروجهما بذلك عن أهليّة التصرّف.
وإن كان وكيلاً لوكيل
مَنْ يتصرّف في مال نفسه ، انعزل بفسقه ؛ لأنّه ليس للوكيل أن يوكّل فاسقاً. ولا
ينعزل بفسق موكّله ؛ لأنّه وكيل لربّ المال ، ولا ينافيه الفسق.
ولا تبطل الوكالة
بالنوم والسكر ؛ لأنّ [ هذين عذران يمكن زوالهما بسهولة وسرعة ، ولا تثبت عليه
ولاية ، ولا يخرج بهما ] عن أهليّة
__________________
التصرّف ، إلاّ أن
[ يحصل ] الفسق بالسكر ، فتبطل فيما شُرط فيه العدالة.
مسألة
٧٦٢ : إذا فَعَل
الموكّل متعلَّقَ الوكالة ، أو تلف المتعلَّق ، بطلت الوكالة ، كما لو وكّل غيره
في بيع عبدٍ ثمّ باعه الموكّل ، أو مات العبد ، بطلت الوكالة ؛ إذ لا متعلَّق لها
حينئذٍ ، وقد ذهب محلّها.
هذا إذا باعه
الموكّل بيعاً صحيحاً ، ولو باعه بيعاً فاسداً ، احتُمل البطلان أيضاً ؛ إذ شروعه
في البيع رغبة عن الوكالة.
وقال ابن المنذر :
لا تبطل الوكالة ؛ لبقاء ملكه في العبد .
ولو دفع إليه
ديناراً ووكّله في الشراء بعينه ، فهلك أو ضاع أو استقرضه الوكيل وتصرّف فيه ،
بطلت الوكالة أيضاً.
ولو وكّله في
الشراء مطلقاً ونقد الدينار عن الثمن ، بطلت أيضاً إذا تلف ذلك الدينار ؛ لأنّه
إنّما وكّله في الشراء ، ومعناه أن ينقد ثمن ذلك المبيع إمّا قبل الشراء أو بعده ،
وقد تعذّر ذلك بتلفه. ولأنّه لو صحّ شراؤه للزم الموكّل ثمن لم يلزمه ولا رضي
بلزومه.
وإذا استقرضه
الوكيل ثمّ عزل ديناراً عوضه واشترى به ، فهو كالشراء له من غير إذنٍ ؛ لأنّ
الوكالة بطلت ، والدينار الذي عزله عوضاً لا يصير للموكّل حتى يقبضه ، فإذا اشترى
للموكّل ، وقف على إجازته ، فإن أجازه صحّ ، ولزم الثمن ، وإلاّ لزم الوكيل ، إلاّ
أن يُسمّيه في العقد.
__________________
وقال بعض العامّة
: إذا اشترى بعين ماله لغيره شيئاً ، فالشراء باطل ؛ لأنّه لا يصحّ أن يشتري
الإنسان بعين ماله ما يملكه غيره بذلك العقد .
وقال أصحاب
الشافعي : إذا اشترى لغيره بمال نفسه ، صحّ الشراء للوكيل ، سواء اشتراه بعين
المال أو في الذمّة .
والوجه : المنع ؛
لأنّه اشترى له ما لم يأذن له في شرائه ، فأشبه ما لو اشتراه في الذمّة.
مسألة
٧٦٣ : لو وكّله في بيع
عبدٍ أو جاريةٍ ثمّ أعتقه قبل البيع ، بطلت الوكالة ؛ لأنّ ذلك هلاك للماليّة ،
فأشبه هلاك العين.
ولو آجره الموكّل
، فالوجه : بطلان الوكالة أيضاً ـ وبه قال بعض الشافعيّة ـ لأنّ الإجارة
إن منعت البيع ، لم يبق الوكيل مالكاً للتصرّف ، ولا الموكّل أيضاً. وإن لم تمنعه
، فهي علامة الندم ؛ لأنّ مَنْ يريد البيع لا يؤاجر ؛ لقلّة الرغبات فيه بسبب
الإجارة.
وكذا تزويج
الجارية.
ويحتمل [ عدم ] بطلان الوكالة.
ولو كاتبه أو
دبّره ، انفسخت الوكالة ؛ لأنّه يعطي رجوعه عن إذن إخراجه عن ملكه. ولأنّ الكتابة
تقطع تصرّف المولى فيه ، فلم يُبق محلاًّ للبيع.
وفي طحن الحنطة
الموكّل ببيعها للشافعيّة وجهان :
أحدهما : الانعزال
؛ لبطلان اسم الحنطة ، وإشعاره بالإمساك.
__________________
والثاني : العدم ؛
عملاً بالاستصحاب ، وبقاء العين صالحةً للنقل .
هذا إذا عيّن وقال
له : « بِعْ هذه الحنطة » ولو أطلق فقال له : « بِعْ حنطةً » ثمّ طحن غلّته ، لم
تبطل وكالته.
ولو عرض السلعة
الموكّل ببيعها على البيع ، لم يكن عزلاً لوكيله عن بيعها ؛ لجواز
طلب التساعد في الأغراض .
وكذا لو وكّل
وكيلاً آخَر ، لم ينعزل الأوّل ؛ لجواز طلب المساعدة والاعتضاد.
مسألة
٧٦٤ : إذا وكّل السيّد
عبدَه في بيعٍ أو شراءٍ أو غيرهما من التصرّفات ثمّ أعتقه أو باعه ، فإن قلنا :
إنّ توكيله لعبده توكيلٌ حقيقيٌّ ، لم ينعزل بالبيع ولا بالعتق ، وبقي الإذن بحاله
؛ عملاً بالاستصحاب. ولأنّه بعد العتق صار أكمل حالاً ممّا كان عليه أوّلاً.
وإن قلنا : إنّه
ليس بتوكيلٍ حقيقيٍّ ولكنّه استخدام وأمر ، ارتفع الإذن ؛ لزوال الملك ، لأنّه
إنّما استخدمه وأمره بحقّ الملك وقد زال بالبيع والعتق. وإذا باعه ، فقد صار إلى
ملك مَنْ لم يكن في توكيله ، وثبوت ملك غيره فيه يمنع ابتداء توكيله بغير إذنه ،
فيقطع استدامته.
وعلى تقدير ارتفاع
الوكالة بالعتق أو البيع لو قال العبد : عزلت نفسي ، فهو لغو.
__________________
وفصَّل بعض
الفقهاء فقال : إن كانت الصيغة : « وكّلتُك بكذا » بقي الإذن. وإن أمره به ، ارتفع
الإذن بالعتق والبيع. وإذا حكمنا ببقاء الإذن في صورة البيع ، فعليه استئذان المشتري
؛ لأنّ منافعه صارت مستحقّةً له .
والكتابة كالبيع
والإعتاق في جريان الوجهين.
مسألة
٧٦٥ : لو وكّل عبد غيره
في بيع شيءٍ أو شرائه أو غير ذلك من التصرّفات ، افتقر إلى إذن المالك.
فلو وكّله بإذنه
ثمّ باع المالك عبده ، ففي ارتفاع الوكالة أيضاً وجهان : أحدهما : الارتفاع ؛
لبطلان إذنه بزوال ملكه. و [ ثانيهما ] عدمه ؛ لأنّ سيّد العبد أذن له في بيع
ماله.
وكذا لو أعتق
سيّدُ العبدِ عبدَه ، لم تبطل الوكالة هنا قطعاً ؛ لأنّ توكيل عبد الغير توكيلٌ حقيقيٌّ ليس
استخداماً ولا أمراً.
وهكذا إن باعه ،
لكن يعتبر رضا المشتري.
وعلى الموكّل أن
يستأذن المشتري ، سواء كان الوكيل عبده أو عبد الغير ؛ لأنّ منافعه صارت مستحقّةً
له ، فإن رضي ببقاء الوكالة بقيت ، وإلاّ بطلت.
ولو لم يستأذن ـ في
الصورتين ـ المشتري ، نفذ تصرّفه ؛ لدوام الإذن وإن ترك واجباً.
قال الجويني :
وفيه احتمال .
مسألة
٧٦٦ : لو وكّل زوجته في
بيعٍ أو شراءٍ أو غيرهما من التصرّفات ، صحّ التوكيل. فإن طلّقها ، لم تبطل
الوكالة ؛ لأنّ زوال النكاح
__________________
لا يمنع ابتداء
الوكالة فلا يقطع استدامتها.
ولو وكّل رجلاً في
نقل امرأته أو بيع عبده أو قبض داره من فلان ، فقامت البيّنة بطلاق الزوجة وعتق
العبد وانتقال الدار عن الموكّل ، بطلت الوكالة ؛ لأنّه زال تصرّف الموكّل فزالت
وكالته.
مسألة
٧٦٧ : لو وكّله في قبض
دَيْنه من رجلٍ فمات ، نُظر في لفظ الموكّل ، فإن قال : « اقبض حقّي من فلان »
بطلت الوكالة ، ولم يكن له القبض من وارثه ؛ لأنّه لم يؤمر بذلك ، وإنّما وكّله في
قبضٍ مبدؤه من المديون وقد مات.
وإن قال : « اقبض
حقّي الذي على فلان » أو « الذي في قِبَل فلان » فله مطالبة وارثه ، والقبض منه ؛
لأنّ قبضه من الوارث قبضٌ للحقّ الذي على مورّثه ، وإذا قبض من الوارث لم يكن
قبضاً من فلان.
لا
يقال : لو قال له : «
اقبض حقّي من زيدٍ » فوكّل زيد إنساناً في الدفع إليه ، كان له القبض منه ، فكذا
ينبغي أن يقبض من الوارث ؛ لأنّ الوارث نائب الموروث ، كما أنّ الوكيل نائب
الموكّل.
لأنّا
نقول : الوكيل إذا دفع
عنه بإذنه ، جرى مجرى تسليمه ؛ لأنّه أقامه مقام نفسه ، وليس كذلك هنا ؛ فإنّ
الحقّ انتقل إلى الورثة ، فاستحقّت المطالبة عليهم لا بطريق النيابة عن الموروث ،
ولهذا لو حلف : لا يفعل شيئاً ، حنث بفعل وكيله ، ولا يحنث بفعل وارثه.
مسألة
٧٦٨ : إذا وقعت الوكالة
مطلقةً غير مؤقّتة ، مَلَك الوكيل التصرّفَ أبدا ما لم يفسخ الوكالة بقوله : فسخت
الوكالة ، أو : أبطلتها ، أو : نقضتها ، أو : عزلتك ، أو : صرفتك عنها ، أو :
أزلتك عنها ، أو نهاه عن فعل ما أمره به ووكّله فيه ، وما أشبه ذلك من ألفاظ العزل
أو المؤدّية معناه ، أو يعزل
الوكيل نفسه ، أو
يوجد من أحدهما ما يقتضي فسخ الوكالة.
فإذا وكّله في
طلاق زوجته ثمّ وطئها ، احتُمل بطلان الوكالة ؛ لدلالة وطئه لها على رغبته فيها
واختيار إمساكها.
وكذلك لو وطئها
بعد طلاقها رجعيّاً ، كان ذلك ارتجاعاً لها ، فإذا اقتضى الوطء رجعتها بعد طلاقها
فلأن يقتضي استبقاءها على زوجيّتها ومنع طلاقها أولى.
وإن باشرها دون
الفرج أو قبَّلها أو فَعَل بها ما يحرم على غير الزوج ، فهل تنفسخ الوكالة في
الطلاق؟ إشكال ينشأ : من حصول الرجعة به ، وعدمه.
مسألة
٧٦٩ : لو جحد الموكّل
الوكالةَ ، ففي كونه عزلاً للوكيل إشكال ينشأ : من استصحاب الحال وعدم التصريح
بالعزل ، ومن حكمه بارتفاع الوكالة وبطلانها من أصلها.
ولو جحد الوكيل
الوكالةَ وأنكرها ، ففي كونه ردّاً للوكالة إشكال ، أقربه : أن نقول : إن كان هذا
الإنكار لنسيانٍ أو لغرضٍ في الإخفاء ، لم يكن ردّاً. وإن تعمّد ولا غرض له في
الإخفاء ، فالأقرب : أنّه ردٌّ.
تنبيه : كون الوكالة جائزةً حكمٌ سارٍ في الوكالة بجُعْل وغير
جُعْل.
وقال بعض
الشافعيّة : إذا شُرط فيها جُعْلٌ معلوم واجتمعت شرائط الإجارة وعقد العقد بصيغة
الإجارة ، فهو لازم. وإن عقد بلفظ الوكالة ، أمكن تخريجه على أنّ الاعتبار بصِيَغ
العقود أو بمعانيها؟ .
ونحن لا ننازع في
كون الإجارة لازمةً.
__________________
مسألة
٧٧٠ : لو وكّله في
البيع وأمره بشرط الخيار فشرطه ثمّ ردّه المشتري بالخيار ، أو البائع ، أو ظهر فيه
عيب فردّه المشتري به ، أو ظهر في الثمن المعيّن عيب فردّه البائع ، انفسخ البيع ،
ولم يكن للوكيل بيعه ثانياً ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ الوكيل فَعَل
متعلَّق الوكالة ، فارتفعت وكالته. ولأنّه لو بقي وكيلاً فإمّا أن يكون في البيع
الأوّل ، وهو محال ؛ لاستحالة تحصيل الحاصل ، أو في البيع ثانياً ، ووكالته لم
تتعلّق إلاّ ببيعٍ واحد.
وقال أبو حنيفة :
لا ترتفع وكالته ، ويكون له البيع ثانياً .
وليس بجيّدٍ.
مسألة
٧٧١ : إذا وكّله في بيع
نصيبه من دارٍ ، أو في قسمته مع شركائه ، أو في أخذه بالشفعة ، فأنكر الخصم ملكيّة
الموكّل ، لم يملك التثبيت على ما قدّمناه في نظائره ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.
وفي الثاني : يملك .
وقال أبو حنيفة :
إذا وكّله في القسمة أو طلب الشفعة ، كان وكيلاً في تثبيت ذلك ؛ لأنّه لا يتوصّل
إلى ذلك إلاّ بإثبات الملك فيه .
والحقّ ما قلناه ؛
لأنّه قد يرتضى للإثبات مَنْ لا يرتضى للمطالبة ، وبالعكس.
__________________
وقال بعض
الشافعيّة : لا يملك التثبيت قولاً واحداً .
مسألة
٧٧٢ : لو قال له : بِعْ
كذا ، واشترط الخيارَ لي أو للمشتري ، أو لنا معا ، أو اشتر كذا ، واشترِط الخيارَ
كذلك ، لم يملك البيع المنجّز.
ولو أمره بالبيع
وأطلق ، لم يكن للوكيل شرط الخيار للمشتري.
وكذا لو وكّله
بالشراء ، لم يكن له شرط الخيار للبائع.
والأقرب : أنّهما
يملكان شرطَ الخيار لأنفسهما ولموكّليهما.
وللشافعيّة وجهان
، أحدهما : المنع ؛ لأنّ إطلاق العقد يقتضي عقداً بلا شرط .
والوجه : ما تقدّم
؛ لأنّه زاده خيراً.
مسألة
٧٧٣ : التوكيل في شراء
العين أو بيعها لا يقتضي الإذن في شراء بعضها ولا بيعه ؛ للتضرّر بالتبعيض.
ولو فرض فيه غبطة
ـ كما لو أمره بشراء عبدٍ بألف فاشترى نصفه بأربعمائة ثمّ نصفه الآخَر كذلك ـ كان
فضوليّاً إن سمّاه في العقد أو نواه ، وإلاّ وقع عنه.
ولا ينقلب الملك
إلى الوكيل بعد انصراف العقد الأوّل عنه.
وفيه وجهٌ ضعيف
للشافعيّة .
ولو قال له :
اشتره بهذا الثوب ، فاشتراه بنصفه ، صحّ ؛ لأنّه إذا رضي بزوال كلّ الثوب في
مقابلته ، فهو بزوال بعضه أشدّ رضاً.
ولو قال : بِعْ
هؤلاء العبيد ، أو : اشتر لي خمسة أعْبُدٍ ، ووصَفَهم له ،
__________________
فله الجمع
والتفريق ؛ لعدم التضرّر.
ولو قال : اشترهم
صفقةً واحدة ، لم يفرّق ، فإن فرَّق لم يصحّ للموكّل عند الشافعيّة .
وعندنا يكون
فضوليّاً.
ولو اشترى خمسةً
من مالكَيْن ـ [ لأحدهما ] ثلاثة ، و [ للآخَر اثنان ـ دفعةً واحدة ، وصحّحنا مثل هذا العقد ، ففي وقوع
شرائهم عن الموكّل للشافعيّة وجهان :
أحدهما ـ وبه قال
ابن سريج ـ : إنّه يقع ؛ حَمْلاً لكلامه على الأمر [ بتملّكهم ] دفعةً واحدة.
وأظهرهما : المنع
؛ لأنّه إذا تعدّد البائع لم تكن الصفقة واحدةً .
والمعتمد عندنا :
الأوّل ؛ لصدق الوحدة باعتبارٍ.
ولو قال : بِعْ
هؤلاء الأعْبُد الثلاثة بألفٍ ، لم يبِعْ واحداً منهم بدون الألف ؛ لجواز أن لا
يشترى الباقيان بالباقي من الألف.
ولو باعه بألفٍ ،
صحّ.
وهل له بيع
الآخَرَيْن؟ للشافعيّة وجهان ، أصحّهما : نعم ، وبه نقول ؛ عملاً بالإذن السابق.
__________________
ولو قال : بِعْ من
عبيدي مَنْ شئت ، أبقى بعضَهم ولو واحداً.
وكذا لو قال : ما
شئت ، فكذلك.
مسألة
٧٧٤ : إذا وكّله في
البيع نسيئةً ، فباع كذلك ، لم يملك التقاضي ، ولم يلزمه أيضاً لو طلبه المالك منه
بعد حلول الأجل ، ولكن عليه بيان المعامل حتى لا يكون مضيّعاً لحقّه.
وكذا لو قال :
ادفع هذا الثوب إلى صانعٍ ، فقال : دفعتُه ، طالَبه المالك ببيانه ، وكان عليه
البيان ، فإن امتنع كان متعدّياً.
فلو تلف في يد
الصانع ثمّ بيّنه ، كان عليه الضمان عند بعض الشافعيّة .
وعندي فيه نظر.
وقال أكثر
الشافعيّة : لا يلزمه البيان .
وليس بشيءٍ.
ولو قال لغيره :
بِعْ عبدك من فلان بألفٍ أدفعُه إليك ، فباعه منه ، فالأقوى : إنّ البائع يستحقّ
الألف على الآمر دون المشتري ، فإذا غرم الآمر رجع على المشتري مع الإذن ومطلقاً
على إشكالٍ.
ولو قال : اشتر
عبدَ فلانٍ لي بثوبك هذا أو بدراهمك ، ففَعَل ، فالأقرب : البطلان ؛ إذ لا يملك
الإنسان شيئاً والثمن على غيره.
وقالت الشافعيّة :
يحصل الملك للآمر ، ويرجع المأمور عليه بالقيمة أو المثل .
__________________
وفيه لهم وجهٌ
آخَر : أنّه إذا لم يَجْر شرط الرجوع ، لا يرجع. وإذا قبض وكيل المشتري
المبيع وغرم الثمن من ماله ، لم يكن له حبس المبيع ليغرم الموكّل له .
وفيه وجه
للشافعيّة : إنّ له الحبسَ ـ وبه قال أبو حنيفة ـ بناءً على أنّ الملك يحصل للوكيل
ثمّ ينتقل إلى الموكّل .
مسألة
٧٧٥ : لو وكّله في
استيفاء دَيْنه من زيدٍ ، فجاء إلى زيد للمطالبة ، فقال زيد للوكيل : خُذْ هذه
الدراهم واقض بها دَيْن فلانٍ ، يعني موكّله ، فأخذها ، صار وكيلَ زيدٍ في قضاء
دَيْنه ، حتى يجوز لزيدٍ استردادها ما دامت في يد الوكيل ، ولو تلفت عنده
، بقي الدَّيْن بحاله.
ولو قال : خُذْها
عن الدَّيْن الذي تطالبني به لفلان ، فأخذ ، كان قابضاً للموكّل ، وبرئت ذمّة زيدٍ
، وليس له الاسترداد.
ولو قال : خُذْها
قضاءً عن دَيْن فلان ، احتُمل الوجهان معاً.
فلو تنازع الموكّل
وزيدٌ ، فالقول قول زيدٍ مع يمينه.
مسألة
٧٧٦ : لو دفع إليه
شيئاً وقال : تصدّق به على الفقراء ، فتصدّق ونوى نفسَه ، لغت نيّته ، وكانت
الصدقة للآمر.
وعندي فيه نظر.
ولو وكّل عبداً
ليشتري له نفسَه أو مالاً آخَر من سيّده ، جاز عندنا ـ وهو أظهر وجهي الشافعيّة ـ كما يجوز
توكيله في الشراء من غير سيّده.
__________________
والثاني : لا يجوز
؛ لأنّ يدَه يدُ السيّد ، فأشبه ما لو وكّل إنساناً ليشتري له من نفسه .
وهو ممنوع.
فعلى ما اخترناه
يجب أن يصرّح بذكر الموكّل ، فيقول : اشتريت نفسي منك لموكّلي فلان.
ولو لم يضف بل قال
: اشتريت نفسي منك ونوى الإضافة إلى الموكّل ، صحّ ، ووقع للموكّل.
وقال بعض
الشافعيّة : إذا لم يضف ، لم يقع له ؛ لأنّ قوله : « اشتريت نفسي » صريح في اقتضاء
العتق ، فلا يندفع بمجرّد النيّة .
وهو ممنوع.
ولو قال العبد
لرجلٍ : اشتر لي نفسي من سيّدي ، ففَعَل ، جاز ، وبه قال بعض الشافعيّة .
وهل يشترط التصريح
بالإضافة إلى العبد؟ الأقرب : العدم ، بل تكفي النيّة.
وقال بعض
الشافعيّة : يشترط التصريح بالإضافة إلى العبد ، فلو أطلق وقع الشراء للوكيل ؛ إذ
البائع قد لا يرضى بعقدٍ يتضمّن الإعتاق قبل توفية الثمن .
والرضا بالمشتري
غير شرط في البيع.
__________________
مسألة
٧٧٧ : لو قال لغيره :
أسلم لي في كذا وأدِّ رأسَ المال من مالك ثمّ ارجع علَيَّ ، جاز ، كما إذا قال :
اشتر هذه السلعة بيني وبينك وأدِّ الثمن عنّي ـ وبه قال ابن سريج من الشافعيّة ـ ويكون رأس
المال قرضاً على الآمر.
وقال بعض الشافعيّة
: لا يصحّ ؛ لأنّ الإقراض لا يتمّ إلاّ بالإقباض ، ولم يوجد من المستقرض قبضٌ .
فإذا أبرأ وكيل
المُسْلِم المُسْلَم إليه ، لم يلزم إبراؤه الموكّل.
لكن ، المُسْلَم
إليه لو قال : لا أعرفك وكيلاً ، وإنّما التزمت لك شيئاً فأبرأتني عنه ، نفذ في
الظاهر ، وتعطّل بفعله حقّ المسلم.
وفي وجوب الضمان
عليه قولا الغرم بالحيلولة للشافعيّة.
والأظهر عندهم :
وجوبه ، لكن لا يغرم مثلَ المُسْلَم فيه ولا قيمته لئلاّ يكون اعتياضاً عن
المُسْلَم [ فيه ] وإنّما يغرم له رأس المال .
قال الجويني : وهو
حسن .
وقال بعضهم : إنّه
يغرم للموكّل مِثْلَ المُسْلَم [ فيه ] .
ولو قال : اشتر لي
طعاماً بكذا ، قال الشافعي : يُحمل على الحنطة ؛ اعتباراً بعُرْفهم .
والوجه عندي :
اعتبار العرف عند كلّ قومٍ.
وعلى قول الشافعي
لو كان بطبرستان ، لم يجز التوكيل ؛ لأنّه لا عُرْف فيه لهذا اللفظ عندهم ، فيكون
[ التوكيل ] في مجهولٍ .
__________________
ولو وكّله في شراء
ما ينطلق عليه الاسم بالاشتراك ، وجب التعيين في الوكالة ، وإلاّ بطلت.
ويجيء على قول
مَنْ يحمل المشترك على كلا المعنيين الجواز ، وحمله على المعنيين معاً.
ولو قال له :
وكّلتُك في إبراء غرمائي ، لم يملك إبراء نفسه.
فإن كان قد قال :
فإن شئت تبرئ نفسك فافعل ، جاز.
وللشافعي خلافٌ
تقدّم في أنّه هل يجوز توكيل المديون بإبراء نفسه؟
ولو قال : فرِّق
ثلثي على الفقراء ، وإن شئت أن تضعه في نفسك فافعل ، جاز.
وعند الشافعي يبنى
على الخلاف فيما إذا أذن للوكيل في البيع من نفسه .
ولو قال له : اشتر
لي بدَيْني عليك طعاماً ، صحّ ، خلافاً لبعض العامّة .
ولو قال : استسلف
لي ألفاً من مالك في كُرّ طعامٍ ، لم يصحّ ؛ لأنّه لا يجوز أن يشتري الإنسان بماله
ما يملكه غيره.
وإن قال : اشتر لي
في ذمّتك ، أو قال : اسلف ألفاً في كُرّ طعامٍ واقبض الثمن عنّي من مالك أو من
الدَّيْن الذي عليك ، صحّ ؛ لأنّه إذا اشترى في الذمّة ، حصل الشراء للموكّل ،
والثمن عليه ، فإذا قضاه من الدَّيْن
__________________
الذي عليه فقد دفع
الدَّيْن من ماله بأمر صاحب الدَّيْن بدفعه إليه. وإن قضاه من ماله غير الدَّيْن
الذي عليه صار قرضاً عليه.
* * *
الفصل الرابع
: في التنازع وفيه مباحث :
وفيه مباحث :
الأوّل
: في النزاع في أصل الوكالة وصفتها.
مسألة
٧٧٨ : إذا اختلفا في
أصل الوكالة ، فادّعى الوكيل أنّه وكّله في كذا ، وأنكر الموكّل ، فإن كان هناك
بيّنة ، حُكم بها ، وإلاّ فالقول قول الموكّل ـ لأنّه المنكر ـ مع يمينه ؛ لأصالة
عدم التوكيل ، ولم يثبت أنّه أمينه ليقبل قوله عليه.
ولو اتّفقا على
أصل العقد واختلفا في بعض الكيفيّات أو المقادير ـ كما إذا قال : وكّلتني ببيع
كلّه ، أو ببيعه نسيئةً ، أو بشرائه بعشرين ، وقال الموكّل : بل ببيع بعضه ، أو
ببيعه نقداً ، أو بشرائه بعشرة ـ فالقول قول الموكّل ؛ لأنّ الأصل عدم الإذن فيما يدّعيه
الوكيل.
ولأنّ الإذن صادر
عن الموكّل ، وهو أعرف بحال الإذن ومقاصده الصادرة عنه.
ولأنّه لمّا كان
القولُ قولَه في أصل العقد وجب أن يكون في الصفة كذلك ، كما لو اختلف الزوجان في
عدد الطلاق ، كان القولُ قولَ الزوج فيه ؛ لأنّهما لو اختلفا في أصله ، كان القولُ
فيه قولَه.
والأصل في ذلك
كلّه أنّ الوكيل يدّعي خلاف الأصل ، فيكون القولُ قولَ الموكّل مع اليمين ، وعلى
مَنْ يدّعي خلافَه البيّنةُ.
وفرقٌ بين هذا
وبين ما إذا اختلف الخيّاط ومالك الثوب ، فقال
الخيّاط : أمرتني
بقطع الثوب قباءً ، فقطعتُه كذلك كما أمرتَني ، وقال المالك : بل أمرتُك أن تقطعه
قميصاً ، كان القولُ قولَ الخيّاط ، مع أنّهما لو اختلفا في أصل الإذن ، كان
القولُ قولَ المالك : بأنّ المالك هناك يريد إلزام الخيّاط الأرشَ ، والأصل عدمه ،
وهاهنا الموكّل لا يلزم الوكيل غرامة ، وإن لزمه الثمن فإنّما لزمه بحكم إطلاق
البيع.
مسألة
٧٧٩ : لو وكّله في شراء
جاريةٍ ، فاشتراها الوكيل بعشرين ، وزعم الوكيل أنّ الموكّل أذن له فيه ، وقال
الموكّل : ما أذنتُ إلاّ في الشراء بعشرة ، فالقول قول الموكّل ؛ لما تقدّم.
فإذا حلف فإن كان
الشراء بعين مال الموكّل فإن ذكر في العقد أنّ المال لفلان أو أنّ الشراء له ، كان
باطلاً ؛ لأنّ المال في يده لم يتعلّق به حقّ الغير قبل الشراء فيُقبل إقراره فيه
، وحينئذٍ يكون العقد واقعاً بمال الغير ، وقد ثبت بيمين صاحب المال أنّه لم يأذن
في الشراء الذي باشره الوكيل ، فيلغو العقد.
وإن لم يذكره في العقد
، وقال بعد الشراء : إنّني اشتريت له ، فإن صدّقه البائع فالعقد باطل أيضاً ، وإذا
بطل الشراء فالجارية باقية على ملك البائع ، وعليه ردّ ما أخذ.
وإن كذّبه البائع
وقال : إنّما اشتريتَ لنفسك والمال لك ، ولا بيّنة ، حلف على نفي العلم بالوكالة ،
وحُكم بصحّة الشراء للوكيل في الظاهر ، وسلّم الثمن المعيّن إلى البائع ، وغرم
الوكيل مثلَه للموكّل.
وإن كان الشراء في
الذمّة ، فإن نوى الموكِّلَ ولم يسمّه ، كانت الجارية للوكيل ، والشراء له ظاهراً
؛ لأنّ المتصرّف لغيره في الذمّة يلزمه التصرّف إذا لم يقع لذلك الغير.
وإن سمّاه فإن
صدّقه البائع ، بطل الشراء ؛ لاتّفاقهما على كونه للغير ؛ لأنّ البائع أوجبه
للموكّل ، فإذا لم يلزمه لم يصح ، كما إذا تزوّج امرأةً لغيره بغير إذنه ، وهو أحد
وجهي الشافعيّة.
والثاني : إنّه
يلزمه ، كما لو أطلق ، بخلاف النكاح ؛ لأنّ ذكر الزوج شرط فيه ، بخلاف البيع ،
وثبوت كونه بغير إذنه بيمينه .
وإن كذّبه البائع
وقال : أنت مبطل في تسميته فيلزم الشراء الوكيل ، ويكون كما لو اقتصر على النيّة ،
أو يبطل الشراء من أصله؟ للشافعيّة وجهان. والأظهر عندهم : صحّته ووقوعه للوكيل .
وحيث صحّحنا
الشراء وجعلنا الجارية للوكيل ظاهراً وزعمه أنّها للموكّل ، فيأمره الحاكم بالرفق
للمأمور ، فيقول له : إن كنتُ أمرتُك أن تشتريها بعشرين فقد بعتُكها بعشرين ،
ويقول الآخَر : قبلتُ ، ليحلّ له الفرج.
والضابط : إنّ
الوكيل إن كان كاذباً فيما ادّعاه ، فإنّ العين المبيعة له في الباطن والظاهر ؛
لأنّ البيع وقع له ، وإن كان صادقاً فهي له في الظاهر ، دون الباطن.
واختلف الشافعيّة
في ذلك :
منهم مَنْ قال :
إنّ هذا الشرط لا يكون في كلام الموكّل ، وإنّما يكون في كلام الحاكم ، وينبغي أن
يقول الموكّل : بعتكها بعشرين ، ليقع البيع ، فإنّ البيع لا يقبل التعليق بالشرط ،
ولهذا لو قال : إن كان قدم فلان فقد بعتك ،
__________________
لم يصح ، كذا هنا .
وقال بعضهم : يجوز
أن يقول ذلك الموكّل ويصحّ ؛ لأنّه شرطٌ يقتضيه الإيجاب ، فلا يمنع صحّته ؛ لأنّه
لا يصحّ الإيجاب إلاّ أن يكون الوكيل صادقاً فيما قال ، وقد وقع البيع للموكّل ،
كما إذا قال : « إن كان مالي الغائب سالماً فهذه زكاته ، وإن لم يكن سالماً فهي
نافلة » يصحّ ؛ لأنّ ذلك مقتضى الإطلاق وإن كانت الزكاة لا تتعلّق بشرطٍ .
قال بعض الشافعيّة
: القول الأوّل خطأ ؛ لأنّ هذا الموكّل إذا أطلق قوله : « بعتك » يكون ذلك إقراراً
منه بالملك وتكذيباً لنفسه فيما ادّعاه فلا يؤمر به ، وأمّا الشرط المذكور فلا
يضرّ ؛ لأنّه أمر واقع يعلمان وقوعه ، مثل أن يتّفقا على أنّ هذا الشيء ملك
أحدهما ، فيقول : إن كان ملكي فقد بعتك ، فيصحّ. وكذا كلّ شرطٍ علما وجوده لا
يؤدّي إلى وقوف البيع ، بخلاف ما ذكره .
إذا ثبت هذا ، فإن
أوجب الموكّل البيع للوكيل إمّا مطلقاً أو مشروطاً ، فقد مَلَك الوكيل المبيعَ
ظاهراً وباطناً ، وإن امتنع لم نجبره على ذلك ؛ لأنّه قد ثبت بيمينه براءته منه ،
ولأنّ البيع لا يُجبر عليه ، إلاّ أنّ هذا المبيع في يد هذا الوكيل فما يصنع به؟
الأقوى عندي : إنّه يكون في يده للموكّل ، وله عليه ما لزمه من الثمن ، فيكون له
بيعه واستيفاء ذلك منه ؛ لتعذّر وصول حقّه إليه إلاّ بذلك ، وهو أحد وجوه
الشافعيّة.
والثاني : إنّه
يكون للوكيل ظاهراً وباطناً ؛ لأنّا إذا فسخنا العقد في حقّ
__________________
الموكّل عاد إلى
الوكيل ، كالمتبايعين إذا تحالفا فسخنا العقد بينهما ، وعاد الملك إلى البائع.
والثالث : إنّه لا
يبيعه الوكيل بنفسه ، ولكن يواطئ رجلاً يدّعيه رهناً عليه فيقرّ به فيبيعه الحاكم
عليه .
والثاني ليس بشيء
؛ لأنّه بفسخ البيع عن الموكّل لا يرجع إلى الوكيل ، وإنّما يرجع إلى البائع ،
بخلاف ما ذكره من المتبايعين ؛ لأنّه هناك يرجع إلى البائع بملكه السابق.
وأمّا الثالث
فيشتمل على المشقّة المنفيّة بالأصل ، وعلى الأمر بالكذب ، فلهذا جوّزنا له بيعه
بنفسه ، كالمديون المماطل مع قدرته إذا ظفر صاحب الدَّيْن له بشيء يخالف جنس
دَيْنه.
إذا عرفت هذا ،
فسواء أطلق البيع أو علّق لا يجعل ذلك إقراراً بما قاله الوكيل وتكذيباً لنفسه.
إذا عرفت هذا ،
فإذا امتنع الموكّل من البيع مطلقاً ومشروطاً فإن كان الوكيل كاذباً ، لم يحلّ له
وطؤها ولا التصرّف فيها بالبيع وغيره إن كان الشراء بعين مال الموكّل ؛ لأنّ
الجارية حينئذٍ تكون للبائع. وإن كان الشراء في الذمّة ، ثبت الحلّ ؛ لوقوع الشراء
للوكيل ؛ ضرورة كونه مخالفاً للموكّل.
وعندي أنّه لا
يبطل إن سمّاه أو نواه.
وقال بعض
الشافعيّة : إذا كان كاذباً والشراء بعين مال الموكّل ، فللوكيل بيعها إمّا بنفسه
أو بالحاكم ؛ لأنّ البائع حينئذٍ يكون آخذاً لمال الموكّل بغير استحقاقٍ ، وقد غرم
الوكيل للموكّل ، فله أن يقول للبائع : ردّ
__________________
مال الموكّل ، أو
اغرمه إن كان تالفاً ، لكنّه قد تعذّر ذلك بسبب اليمين فيأخذ حقّه من الجارية التي
هي ماله.
وإن كان الموكّل
صادقاً ، ففيه الوجوه الثلاثة السابقة :
أحدها : إنّها
تكون للوكيل ظاهراً وباطناً حتى يحلّ له الوطء وكلّ تصرّفٍ ـ وبه قال أبو حنيفة ـ بناءً
على أنّ الملك يثبت للوكيل أوّلاً ثمّ ينتقل منه إلى الموكّل ، فإذا تعذّر نقله
منه ، بقي على ملكه.
ومنهم مَنْ خصّ
هذا الوجه بما إذا كان الشراء في الذمّة ولم يطّرده في الحالتين ، وإليه مال
الجويني .
وثانيها : إنّه إن
ترك الوكيل مخاصمة الموكّل ، فالجارية له ظاهراً وباطناً ، وكأنّه كذّب نفسه ،
وإلاّ فلا.
وثالثها ـ وهو
الأصحّ ـ : إنّه لا يملكها باطناً ، بل هي للموكّل ، وللوكيل الثمن عليه ، فهو كمن
له على رجلٍ دَيْنٌ لا يؤدّيه فظفر بغير جنس حقّه من ماله ، فيجيء خلافٌ
للشافعيّة في أنّه هل له بيعه وأخذ الحقّ من ثمنه؟ والأصحّ عندهم : إنّ له ذلك ، كما اخترناه
نحن.
ثمّ يباشر البيع
أو يرفع الأمر إلى القاضي؟ فيه لهم وجهان ، أصحّهما هنا : إنّ له بيعها بنفسه ؛
لأنّ القاضي لا يجيبه إلى البيع ، ولأنّ المظفور بماله في سائر الصور يدّعي المال
لنفسه فيسلّط غيره عليه ، وقد يستبعد ، وهنا الموكّل لا يدّعي المال لنفسه .
وإذا قلنا : إنّه
ليس له أن يأخذ الحقّ من ثمنها فتوقف في يده حتى
__________________
يظهر مالكها ، أو
يأخذها القاضي فيحفظها؟ فيه للشافعيّة وجهان .
مسألة
٧٨٠ : لو اشترى الوكيل
جاريةً لموكّله ، فأنكر الموكّل الإذن في شرائها وقال : ما وكّلتُك في شراء هذه ،
بل الجارية الأُخرى ، فالقول قول الموكّل على ما تقدّم ، فإذا حلف بقيت الجارية
المشتراة في يد الوكيل ، والحكم على ما تقدّم في المسألة الأُولى ، فيرفق الحاكم
ويتلطّف ، كما تقدّم.
مسألة
٧٨١ : لو باع الوكيل
نسيئةً وادّعى إذن المالك فيه ، فإن صدّقه المالك صحّ البيع.
وإن كذّبه وقال :
ما أذنتُ لك في بيعه نسيئةً ، بل في بيعه نقداً ، أو قلتُ لك : بِعْه ، ولم أذكر
شيئاً [ فالقول قول المالك ] لأنّ الإطلاق ينصرف إلى النقد.
ثمّ إن صدّقه
الوكيل والمشتري جميعاً ، حكمنا بفساد البيع. فإن كانت السلعة قائمةً رجع بها ،
وكان له أن يطالب أيّهما شاء ، وإلاّ رجع بالقيمة على مَنْ شاء منهما.
وإن كذّباه ،
فالقول قول المالك مع يمينه على القطع وعدم البيّنة.
فإن أنكر المشتري
الوكالةَ وقال : إنّ البائع باع ملكه ، فالموكّل حينئذٍ يحتاج إلى إقامة البيّنة ،
فإن لم تكن هناك بيّنة ، قُدّم قول المشتري مع يمينه على نفي العلم بالوكالة ؛
لأنّها يمين على نفي فعل الغير.
فإن حلف ، قُرّر
المبيع في يده ، ويكون للمالك الرجوعُ على الوكيل إن كذّبه في عدم إذنه في النسيئة
بعد حلف الموكّل له بالقيمة.
__________________
وإن نكل المشتري
عن اليمين على نفي علم الوكالة ، حلف الموكّل على ثبوتها ، فإذا حلف حُكم ببطلان
البيع. وإن لم يحلف ونكل ، فهو كما لو حلف المشتري ، ونكول الموكّل عن يمين الردّ
في خصومة المشتري لا يمنعه من الحلف على الوكيل ، فإذا حلف عليه فله أن يغرم
الوكيل قيمة المبيع أو مثله إن كان مثليّاً.
والوكيل لا يطالب
المشتري بشيء حتى يحلّ الأجل مؤاخذةً له بموجب تصرّفه.
فإذا حلّ ، نُظر
إن رجع عن قوله الأوّل وصدّقه الموكّل ، فلا يأخذ من المشتري إلاّ أقلّ الأمرين من الثمن
أو القيمة ؛ لأنّه إن كان الثمن أقلَّ ، فهو موجب عقده وتصرّفه ، فلا يُقبل رجوعه
فيما يلزمه من زيادة على العين ، وإن كانت القيمة أقلَّ فهي التي غرمها ، فلا يرجع إلاّ
بما غرم ؛ لأنّه قد اعترف أخيراً بفساد العقد.
وإن لم يرجع وأصرّ
على قوله الأوّل ، فيطالبه بالثمن بتمامه ، فإن كان مِثْلَ القيمة أو أقلَّ فذلك ،
وإن كان أكثر فالزيادة في يده للموكّل بزعمه ، والموكّل ينكرها ، فيحفظها أو يلزمه
دفعها إلى القاضي؟ فيه للشافعيّة خلاف .
اعترض بعض الفقهاء
بأنّ الموكّل إذا أنكر التوكيل بالنسيئة ، كان ذلك عزلاً للوكيل على رأي ، فكيف
يملك الوكيل بعده استيفاء الثمن!؟
وأُجيب : بأنّه
إنّما يستوفي الثمن لأنّ الموكّل ظلمه بتغريمه في
__________________
زعمه ، وظفر بجنس
حقّه من مال مَنْ ظلمه ، وإن كان من غير الجنس فيأخذه أيضاً .
ولا يخرج على
القولين في الظفر بغير جنس الحقّ في غير هذه الصورة ؛ لأنّ المالك يدّعيه لنفسه ،
ويمنع الغير عنه ، والموكّل لا يدّعي الثمن هنا ، فأولى مصرفٍ يُفرض له التسليم
إلى الوكيل الغارم.
مسألة
٧٨٢ : هذا كلّه إذا لم
يعترف المشتري بالوكالة ، فإن اعترف بها فإن صدّق الموكّل ، فالبيع باطل ، وعليه
ردّ المبيع إن كان باقياً. وإن تلف ، فالموكّل بالخيار إن شاء غرّم الوكيل ؛ لأنّه
تعدّى ما أمره الموكّل ، وإن شاء غرّم المشتري ؛ لتفرّع يده على يدٍ مضمونة ،
ولأنّه أتلف السلعة على الموكّل بشرائه من غير إذن مالكها ، وقرار الضمان على
المشتري ؛ لحصول الهلاك في يده.
فإن رجع الموكّل
عليه ، لم يرجع على الوكيل ؛ لحصول التلف في يده ، بل يرجع عليه بالثمن الذي سلّمه
إليه ؛ لخروج المبيع مستحقّاً.
وإن صدّق الوكيل ،
قُدّم قول الموكّل مع يمينه ، فإن حلف أخذ العين ، وإن نكل حلف المشتري وبقيت له.
وإن رجع على
الوكيل ، لم يكن للوكيل أن يرجع في الحال ؛ لأنّه يُقرّ أنّه ظلمه بالرجوع عليه ،
وإنّما يستحقّ عليه الثمن المؤجَّل.
فإذا حلّ الأجل ،
كان للوكيل أن يرجع عليه بأقلّ الأمرين من القيمة والثمن ؛ لأنّ القيمة إن كانت
أقلَّ ، فصاحب السلعة يقول : إنّه لا يستحقّ ذلك ولا يغرم إلاّ القيمة. وإن كان
الثمن المسمّى أقلَّ ، رجع به ؛ لأنّه
__________________
معترف بأنّ صاحب
السلعة ظلمه بأخذ القيمة ، وأنّ الذي يستحقّه الثمن ، فلا يرجع بأكثر منه.
وإن كذّبه أحدهما
دون الآخَر ، رجع على المصدِّق ، وحلف على المكذِّب ، ويرجع حسب ما ذكرناه في
تكذيبهما.
البحث
الثاني : في المأذون.
مسألة
٧٨٣ : إذا وكّله في
بيعٍ أو هبةٍ أو صلحٍ أو طلاقٍ أو عتقٍ أو إبراءٍ أو غير ذلك ، ثمّ اختلف الوكيل
والموكّل ، فادّعى الوكيل أنّه تصرّف كما أذن له ، وأنكر الموكّل وقال : لم تتصرّف
البتّة بَعْدُ ، فإن جرى هذا النزاع بعد عزل الوكيل ، لم يُقبل قوله إلاّ ببيّنةٍ
؛ لأنّ الأصل العدم ، وبقاء الحال كما كان ، والوكيل غير مالكٍ للتصرّف حينئذٍ.
وإن جرى قبل العزل
، فالأقرب أنّه كذلك ، وأنّ القول قول الموكّل ؛ لأنّ الأصل العدم ، ولأنّ الوكيل
يقرّ عليه بزوال الملك عن السلعة ، فوجب أن لا يُقبل ، بخلاف ما إذا ادّعى الردّ
أو التلف ، فإنّه يبغي [ دفع ] الضمان عن نفسه ، لا [ إلزام ] الموكّل شيئاً ،
وهو أحد قولَي الشافعي.
والثاني : إنّ
القول قول الوكيل ؛ لأنّه ائتمنه ، فعليه تصديقه ، ولأنّه مالك لإنشاء التصرّف ،
ومَنْ مَلَك الإنشاء قُبِل إقراره ، كالوليّ المُجبَر إذا أقرّ بنكاح مولّيته .
__________________
وبهذا القول قال
أبو حنيفة إلاّ في النكاح إذا اختلف فيه الوكيل والموكّل ، فإنّ القول قول الموكّل
.
واختلف أصحاب
الشافعي فيما هو الأصحّ من القولين وما كيفيّتهما؟
أمّا [ الأوّل ] : فكلام أكثر
الشافعيّة ترجيح قول تصديق الموكّل حتى أنّ بعضهم لم يورد غيره.
وقال بعضهم :
الأصحّ تصديق الوكيل من جهة القياس.
وأمّا [ الثاني ] : فإنّ قول تصديق
الموكّل منقول عن الشافعي في مواضع.
واختلف الناقلون
في القول الآخَر :
فقال بعضهم : إنّه
منصوص الشافعي.
وقال آخَرون :
إنّه مخرَّج خرَّجه ابن سريج وغيره.
وفي المسألة وجهٌ
ثالث للشافعيّة ، وهو : إنّ ما يستقلّ به الوكيل ـ كالطلاق والإعتاق والإبراء ـ يُقبل
فيه قوله مع يمينه ، وما لا يستقلّ ـ كالبيع ـ لا بدّ فيه من البيّنة .
مسألة
٧٨٤ : لو صدّق الموكّل
الوكيلَ في البيع ونحوه ، ولكن قال : كنتُ عزلتُك قبل التصرّف. وقال الوكيل : بل
كان العزل بعد التصرّف ، فهو
__________________
كما لو قال الزوج
: راجعتكِ قبل انقضاء العدّة ، وقالت : انقضت عدّتي قبل أن تراجعني.
وحينئذٍ يحتمل
تقديم قول الوكيل ؛ لأصالة صحّة تصرّفه ، وتقديم قول الموكّل ؛ لأصالة عدم سبق
العقد.
والتحقيق أنّ كلّ
واحدٍ منهما يدّعي التقديم ، والأصل عدمه ، فلا أولويّة من هذه الحيثيّة ، فتبقى
أصالة بقاء الملك على صاحبه خاليةً عن المعارض.
ولو قال الموكّل :
قد باع الوكيل ، وقال الوكيل : لم أبِعْ ، فإن صدّق المشتري الموكّل ، حُكم
بانتقال الملك إليه ، وإلاّ فالقول قوله ؛ لأصالة عدم البيع.
مسألة
٧٨٥ : إذا ادّعى الوكيل
تلفَ المال الذي في يده للموكّل أو تلفَ الثمن الذي قبضه عن متاعه في يده ، وأنكر
المالك ، قُدّم قول الوكيل مع يمينه وعدم البيّنة ؛ لأنّه أمينه ، فكان كالمودع.
ولأنّه قد تتعذّر إقامة البيّنة عليه ، فلا يكلَّف ذلك.
ولا فرق بين أن
يدّعي التلف بسببٍ ظاهر ، كالحرق والنهب ، أو بسببٍ خفيّ ، كالسرقة والتلف.
وكذا كلّ مَنْ في
يده شيء لغيره على سبيل الأمانة ، كالأب والوصي والحاكم وأمينه والودعي والشريك
والمضارب والمرتهن والمستأجر والأجير المشترك ؛ لأنّه لو لا ذلك لامتنع الناس من
الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها.
__________________
وقال بعض العامّة
: إذا ادّعى التلف بأمرٍ ظاهر ـ كالحرق والنهب ـ كان عليه إقامة البيّنة على وجود
هذا الأمر في تلك الناحية ، ثمّ يكون القولُ قولَه في تلفها بذلك ـ وبه قال
الشافعي أيضاً ـ لأنّ وجود الأمر الظاهر ممّا لا يخفى ، ولا تتعذّر إقامة البيّنة
عليه .
مسألة
٧٨٦ : إذا اختلفا في
الردّ فادّعاه الوكيل وأنكره الموكّل ، فإن كان وكيلاً بغير جُعْلٍ ، احتُمل تقديم
قول الوكيل ؛ لأنّه قبض المال لنفع مالكه ، فكان القولُ قولَه مع اليمين ،
كالودعي.
ويحتمل العدم ؛
لأصالة عدم الردّ. والحكم في الأصل ممنوع.
وإن كان وكيلاً
بجُعْلٍ ، فالوجه : أنّه لا يُقبل قوله ؛ لأنّه قبض المال لنفع نفسه ، فلم يُقبلْ
قوله في الردّ ، كالمستعير ، وهو أحد قولَي العامّة.
والثاني : إنّ
القولَ قولُ الوكيل ؛ لأنّه وكيل ، فكان القولُ قولَه ، كالوكيل بغير جُعْلٍ ؛
لاشتراكهما في الأمانة .
وسواء اختلفا في
ردّ العين أو ردّ ثمنها.
وجملة الأُمناء
على ضربين :
أحدهما : مَنْ قبض
المال لنفع مالكه لا غير ، كالمودع والوكيل بغير جُعْلٍ ، فيُقبل قولهم في الردّ
عند بعض الفقهاء من علمائنا وغيرهم ؛ لأنّه لو لم يُقبل قولهم لامتنع الناس من قبول الأمانات
، فيلحق الناسَ الضررُ.
والثاني : مَنْ
ينتفع بقبض الأمانة ، كالوكيل بجُعْلٍ والمضارب والأجير
__________________
المشترك والمستأجر
والمرتهن.
والوجه : إنّه لا
يُقبل.
مسألة
٧٨٧ : لو أنكر الوكيلُ
قبضَ المال ثمّ ثبت ذلك ببيّنةٍ أو اعترافٍ ، فادّعى الردَّ أو التلفَ ، لم يُقبل
قوله ؛ لثبوت خيانته بجحوده.
فإن أقام بيّنةً
بما ادّعاه من الردّ أو التلف ، لم تُقبل بيّنته.
وللعامّة وجهان :
أحدهما : لا تُقبل
ـ كما قلناه ـ لأنّه كذّبها بجحده ؛ فإنّ قوله : « ما قبضت » يتضمّن أنّه لم يردّ
شيئاً.
والثاني : تُقبل ؛
لأنّه يدّعي الردّ والتلف قبل وجود خيانته .
وإن كان صورة
جحوده : أنّك لا تستحقّ علَيَّ شيئاً ، أو : ما لك عندي شيء ، يُسمع قوله مع
يمينه ؛ لأنّ جوابه لا يكذّب ذلك ، لأنّه إذا كان قد تلف أو ردّ ، فليس له عنده شيء
، فلا تنافي بين القولين ، إلاّ أن يدّعي أنّه ردّ أو تلف بعد قوله : « ما لك عندي
شيء » فلا يُسمع قوله ؛ لثبوت كذبه وخيانته.
هذا كلّه فيما إذا
ادّعى الأمين الردَّ على مَن ائتمنه ، أمّا إذا ادّعى الردّ على غيره فلا.
ولو ادّعى القيّمُ
الردَّ على اليتيم الذي كان يقوم بأمره ، فكذلك.
ولو ادّعى الوكيلُ
الردَّ على رسول المالك لاسترداد ما عنده ، فلا خلاف في أنّ الرسول إذا أنكر
القبضَ كان القولُ قولَه مع يمينه.
وأمّا الموكّل
فإنّه لا يلزمه تصديق الوكيل ؛ لأنّه يدّعي الردّ على مَنْ
__________________
لم يأتمنه فليُقم
البيّنةَ ، وهو قول أكثر الشافعيّة .
وفي وجهٍ : عليه
تصديقه ؛ لأنّه معترف ، ويد رسوله يده ، فكأنّه يدّعي الردَّ عليه .
مسألة
٧٨٨ : إذا وكّل وكيلاً
باستيفاء دَيْنٍ له على إنسان ، فقال له : قد استوفيتُه ، وأنكر الموكّل ، نُظر إن
قال : استوفيتُه وهو قائم في يدي فخُذْه ، فعليه أخذه ، ولا معنى لهذا الاختلاف.
وإن قال :
استوفيتُه وتلف في يدي ، فالقول قوله مع يمينه على نفي العلم باستيفاء الوكيل ؛ لأصالة بقاء
الحقّ ، فلا يُقبل قول الوكيل والمديون إلاّ ببيّنةٍ ؛ لأنّ قولهما على خلاف
الأصل.
وهو الظاهر من
مذهب الشافعي .
وجَعَله بعض
الشافعيّة على الخلاف المذكور فيما إذا اختلفا في البيع ونحوه .
وعلى ما اخترناه
إذا حلف الموكّل ، أخذ حقّه ممّن كان عليه ، ولا رجوع له على الوكيل ؛ لاعترافه
بأنّه مظلوم.
مسألة
٧٨٩ : لو وكّله في
البيع وقبض الثمن ، أو بالبيع مطلقا وقلنا : إنّ الوكيل يملك بالوكالة في البيع
قبضَ الثمن ، واتّفقا على البيع واختلفا في قبض الثمن ، فقال الوكيل : قبضتُه وتلف
في يدي ، وأنكر الموكّل ، أو قال الوكيل : قبضتُه ودفعتُه إليك ، وأنكر الموكّل
القبضَ ، فالأقوى : عدم قبول قول الوكيل في ذلك.
__________________
وللشافعيّة في ذلك
طريقان :
أحدهما : إنّه على
الخلاف المذكور في البيع وسائر التصرّفات.
وأظهرهما عندهم :
إنّ هذا الاختلاف إن كان قبل تسليم المبيع ، فالقول قول الموكّل ، كما في المسألة
السابقة.
وإن كان بعد
تسليمه ، فوجهان :
أحدهما : إنّ
الجواب كذلك ؛ لأنّ الأصل بقاء حقّه.
وأصحّهما : إنّ
القولَ قولُ الوكيل ؛ لأنّ الموكّل ينسبه إلى الخيانة بالتسليم قبل قبض الثمن ،
ويلزمه الضمان ، والوكيل ينكره ، فأشبه ما إذا قال الموكّل : طالبتُك بردّ المال
الذي دفعتُه إليك ، أو بثمن المبيع الذي قبضتَه فامتنعتَ مقصّراً إلى أن تلف ،
وقال الوكيل : لم تطالبني بذلك ، أو لم أكن مقصّراً ، فإنّ القولَ قولُه.
وهذا التفصيل فيما
إذا أذن في البيع مطلقاً أو حالًّا ، فإن أذن في التسليم قبل قبض الثمن ، أو أذن
في البيع بثمنٍ مؤجَّل ، وفي القبض بعد الأجل ، فهنا لا يكون خائناً بالتسليم قبل
القبض ، فالاختلاف كالاختلاف قبل التسليم .
مسألة
٧٩٠ : إذا صدّقنا
الوكيلَ فحلف ، فالأقوى : براءة ذمّة المشتري ؛ لأنّا قَبِلنا قول الوكيل في قبض
الثمن فكيف نوجبه؟ وهو أحد وجهي الشافعيّة.
والثاني : لا تبرأ
ذمّة المشتري ؛ لأصالة عدم الأداء ، وإنّما قَبِلنا من الوكيل في حقّه ؛ لائتمانه
إيّاه .
__________________
ولا بأس به.
فعلى الأوّل إذا
حلف الوكيل وقلنا ببراءة ذمّة المشتري ثمّ وجد المشتري بالمبيع عيباً.
فإن ردّه على
الموكّل وغرمه الثمن ، لم يكن له الرجوعُ على الوكيل ؛ لاعترافه بأنّ الوكيل لم
يأخذ شيئاً.
وإن ردّه على
الوكيل وغرمه ، لم يرجع على الموكّل ، والقول قوله مع يمينه في أنّه لم يأخذ منه
شيئاً ، ولا يلزم من تصديقنا الوكيلَ في الدفع عن نفسه بيمينه أن نثبت بها حقّاً
على غيره.
ولو خرج المبيع
مستحقّاً ، يرجع المشتري بالثمن على الوكيل ؛ لأنّه دفعه إليه ، ولا رجوع له على
الموكّل ؛ لما مرّ.
ولو اتّفقا على
قبض الوكيل الثمنَ ، وقال الوكيل : دفعتُه إليك ، وقال الموكّل : بل هو باقٍ عندك
، فهو كما لو اختلفا في ردّ المال المسلَّم إليه.
والظاهر أنّ القول
قول الوكيل.
ولو قال الموكّل :
قبضتَ الثمن فادفعه إلَيَّ ، وقال الوكيل : لم أقبضْه بَعْدُ ، فالقول قول الوكيل
، وليس للموكّل طلب الثمن من المشتري ؛ لاعترافه بأنّ وكيله قد قبض.
نعم ، لو سلّم
الوكيل المبيعَ حيث لا يجوز التسليم قبل قبض الثمن ، فهو متعدٍّ بفعله ، فللموكّل
أن يغرمه قيمة المبيع.
البحث
الثالث : في الوكالة بالقضاء.
مسألة
٧٩١ : إذا دفع إليه
مالاً ووكّله في قضاء دَيْنه ، ثمّ قال الوكيل : دفعتُه إلى ربِّ الدَّيْن ، فأنكر
ربُّ الدَّيْن ، فالقول قوله مع يمينه ؛ لأنّه
لم يأتمن الوكيل
حتى يلزمه تصديقه ، والأصل عدم الدفع ، فإذا حلف طالَب الموكّل بحقّه ، وليس له
مطالبة الوكيل.
ولا يُقبل قول
الوكيل على الموكّل ، بل لا بدّ من البيّنة ؛ لأنّه أمره بالدفع إلى مَنْ لم
يأتمنه ، فكان من حقّه الإشهادُ عليه ، فإذا لم يفعل ، كان مفرّطاً غارماً ، وهو
أصحّ قولَي الشافعي.
والثاني : إنّه
يُقبل ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّ الموكّل قد ائتمنه ، فأشبه ما إذا ادّعى الردَّ
عليه .
فعلى الأوّل إن
ترك الإشهاد على الدفع ، فإن دفع بحضرة الموكّل ، فلا رجوع للموكّل عليه ـ وهو
أصحّ وجهي الشافعيّة ٢ ـ وإن دفع في غيبته ، فله الرجوع.
ولا فرق بين أن
يصدّقه الموكّل على الدفع ، أو لا يصدّقه.
وعن بعض الشافعيّة
وجهٌ : إنّه لا يرجع عند التصديق .
وعلى الثاني يحلف
الوكيل ، وتنقطع مطالبة المالك عنه ، ولا يغنيه تصديق المدفوع إليه عن اليمين.
وعلى قولنا لو
اختلفا ، فقال الوكيل : دفعتُه بحضرتك ، فأنكر الموكّل ، فالقول قول الموكّل مع
يمينه.
وإن كان قد أشهد
عليه ولكن مات الشهود أو عرض لهم جنون أو فسق أو غيبة ، فلا رجوع.
وإن كان قد أشهد
شاهداً واحداً أو مستورين فبانا فاسقين ، فالأقرب : عدم الرجوع.
__________________
وللشافعيّة قولان .
ولكن ذلك على ما
تقدّم في رجوع الضامن على الأصيل.
ولو أمره بإيداع
ماله ، ففي لزوم الإشهاد إشكال يأتي إن شاء الله تعالى.
مسألة
٧٩٢ : لو ادّعى قيّم
اليتيم أو الوصي دَفْعَ المال إليه عند البلوغ ، لم يُقبل قوله إلاّ بالبيّنة ؛
لأصالة عدم الدفع ، وهو لم يأتمنه حتى يكلّف تصديقه.
ولقوله تعالى : ( فَإِذا
دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ) أمر بالإشهاد ،
ولو كان قوله مقبولاً ، لما أمر به ؛ لقوله تعالى : ( فَلْيُؤَدِّ الَّذِي
اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) ولم يأمره بالإشهاد.
ولأنّ الصبي لم
يأتمنه عليه ، فلم يُقبل قوله عليه ، كما إذا ادّعى المودَع أو الوكيل التسليمَ
إلى غير المستودع والموكّل ، لم يُقبل قولهما عليه ، كما يُقبل على المودِع
والموكّل.
وهو أظهر مذهب
الشافعي .
وله آخَر : إنّه
يُقبل قوله مع اليمين ؛ لأنّه أمين. ولأنّه يُقبل قوله في النفقة عليه ، والإشهاد
للإرشاد إلى التورّع عن اليمين .
__________________
والأوّل أقوى.
والفرق : إنّ
النفقة تتعذّر عليه إقامة البيّنة عليها ، بخلاف الدفع.
إذا عرفت هذا ،
فكلّ مَن ادّعى الردَّ على مَنْ لم يأتمنه ، لم يُقبل قوله عليه ، مثل أن يدّعي
الأب والجدّ ردَّ المال إلى الصبي ، أو يدّعي المودع الردَّ على ورثة المستودع ،
أو يدّعي الملتقط الردَّ على مالك اللقطة أو ورثته ، أو مَنْ أطارت الريح ثوباً
إلى داره فادّعى ردَّه ، لم يُقبل قوله.
وكذا الشريك
والمضارب إذا ادّعيا الردَّ على ورثة شريكه.
مسألة
٧٩٣ : كلّ مَنْ عليه
حقٌّ أو في يده مالٌ لغيره يجب عليه ردّه إلى مالكه عند الطلب.
فلو قال مَنْ في
يده المال أو عليه : لا أدفع المال إليه إلاّ بالإشهاد ، فالأقرب : إنّ له ذلك ،
سواء كان ممّا يُقبل قوله فيه ، كالوديعة وشبهها ، أو لم يكن ، كالدَّيْن والغصب
وشبههما ، وسواء كان على مَنْ في يده المالُ بيّنةٌ بالمال أو لا بيّنة عليه ،
احترازاً من لزوم اليمين ، وللإنسان غرض في التحرّز من الإقدام على اليمين وإن كان
صادقاً ؛ لقوله تعالى : ( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ
عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) وعادة الأُمناء التحرّز من الأيمان.
وللشافعيّة تفصيلٌ
هنا واختلاف.
قال أكثرهم : ننظر
في ذلك ، فإن كان الذي عنده المال أميناً لصاحب الحقّ إذا ادّعى الردَّ قُبل قوله
، كالوكيل والودعيّ ، كان عليه تسليم ما في يده من غير إشهادٍ ، فإن أخّر الدفع
لأجل الإشهاد ، ضمن ؛ لأنّه لا ضرر عليه في التسليم ، لأنّ قوله مقبول في الردّ ،
فلا حاجة به إلى البيّنة.
__________________
وإن كان لا يُقبل
قوله في الردّ ، كالمرتهن والشريك والمضارب والوكيل بجُعْلٍ ـ في أحد الوجهين ـ والمستعير
، نُظر فإن كان الحقّ لا بيّنة لصاحبه به ، وجب عليه الدفع من غير إشهادٍ ؛ لأنّه
إن ادّعاه عليه بعد ردّه ، أمكنه الجواب بأنّك لا تستحقّ علَيَّ شيئاً ، ويكون
القولُ قولَه مع يمينه.
وإن كان لصاحبه به
بيّنةٌ ، لم يجب عليه الردّ إلاّ بعد الإشهاد ؛ لأنّه لا يأمن أن يطالبه به بعد
الردّ وتقوم به عليه البيّنة ، ولا يُقبل قوله في الردّ ، فيلزمه غرمه .
وللشافعيّة وجهٌ
آخَر ، وهو : إنّه إن كان التوقّف إلى الإشهاد يورث تأخيراً أو تعويقاً في التسليم
، لم يكن له الامتناع ، وإلاّ فله ذلك .
ولا فرق بين
المديون والغاصب في هذا الباب.
ولو قال الموكّل
للوكيل : إنّني طلبته منك فمنعتَني فأنت ضامن ؛ لأنّه كان يمكنك الردّ ، فأنكر
الوكيل ولا بيّنة ، قُدّم قوله مع اليمين.
فإذا حلف ، كان
على أمانته.
وهل يجب الردّ
حينئذٍ؟ الأقرب ذلك.
وإن نكل ، حلف
الموكّل بالله بأنّه لقد طالَبه فمنَعَه من غير عذرٍ ، وصار الوكيل ضامناً ، فإن
كان المال قد تلف في يده ، وجب عليه ضمانه.
مسألة
٧٩٤ : إذا كان لرجلٍ
على زيدٍ دَيْنٌ ، أو كان له في يده عين ، فجاء شخص إلى زيدٍ وقال : إنّ الرجل
وكّلني في استيفاء دَيْنه منك ، أو في أخذ العين التي في يدك له ، فإن قامت للوكيل
بيّنةٌ بذلك ثبتت وكالته ، واستحقّ المطالبة.
__________________
وإن لم تكن بيّنةٌ
، فإن صدّقه الغريم في دعوى الوكالة ، فإن كانت الدعوى عيناً ، لم يؤمر بالتسليم
إليه ؛ لجواز كذبهما معاً ، ولصاحب العين تكذيبهما معاً ، لكن لو دفع لم يمنع منه
أيضاً ؛ لأنّه إذا علم أنّه وكيله ، جاز له الدفع إليه.
وإن كان دَيْناً ، احتُمل
وجوب الدفع إليه ؛ لاعترافه بأنّه مستحقٌّ للمطالبة.
والفرق بين الدَّيْن
والعين ظاهر ، فإنّ المدفوع في الدَّيْن ليس عين مال الموكّل ، وأمّا العين فإنّها
عين مال الغير ، ولم يثبت عند الحاكم أنّه وكيل ، فلم يكن له أمره بالدفع.
قال بعض الشافعيّة :
إن كان هناك بيّنة تثبت الوكالة ، وإن لم تكن فإنّه لا يجب على مَنْ عليه الدَّيْن
تسليمه إليه ، سواء صدّقه أو كذّبه ، فإذا كذّبه لم يكن له إحلافه.
ثمّ قال : والذي
يجيء على أصلنا أنّه لا تُسمع دعواه عليه ؛ لأنّ عندنا أنّ الوكيل في الخصومة لا
يصحّ أن يدّعي قبل ثبوت وكالته .
وقال أبو حنيفة :
إذا صدّقه ، وجب عليه تسليم الدَّيْن.
وله في تسليم
العين روايتان ، أشهرهما : إنّه لا يجب عليه تسليمها.
وإن كذّبه ، كان
له إحلافه.
وعنده لا تُسمع
بيّنة الوكيل إلاّ بعد الدعوى.
__________________
واحتجّ بأنّه أقرّ
بحقّ الاستيفاء ، فكان له مطالبته ، كما لو كان الحقّ عيناً ، وكما لو أقرّ بأنّ
هذا وصيٌّ لصغيرٍ .
مسألة
٧٩٥ : إذا دفع المديون
الدَّيْنَ أو المستودع الوديعةَ إلى مدّعي الوكالة بعد أن صدّقه عليها ، فإذا حضر
المستحقّ وأنكر الوكالة ، فالقول قوله مع يمينه.
فإن كان الحقّ
عيناً أخذها إن كانت باقيةً. وإن تلفت فله إلزام مَنْ شاء منهما ، ولا رجوع للغارم
منهما على الآخَر ؛ لأنّه مظلوم بزعمه ، والمظلوم لا يؤاخذ إلاّ ظالمه.
هذا إذا تلف من
غير تفريطٍ منهما ، فأمّا إذا تلف بتفريطٍ من القابض ، فيُنظر إن غرّم المستحقّ
القابضَ فلا رجوع ، وإن غرّم الدافعَ فله الرجوع ؛ لأنّ القابض وكيل عنده ،
والوكيل يضمن بالتفريط ، والمستحقّ ظلمه بأخذ القيمة منه ، وما لَه في ذمّة القابض
فيستوفيه بحقّه.
مسألة
٧٩٦ : إذا كان الحقّ
دَيْناً وكذّب الموكّلُ الوكيلَ في الوكالة بعد أن قبض الوكيل ، كان للموكّل
مطالبةُ الدافع بحقّه.
وإذا غرمه فإن كان
المدفوع باقياً ، فله استرداده وإن صار ذلك للمستحقّ في زعمه ؛ لأنّه ظلمه بتغريمه
، وذلك مالٌ له ظَفَر به ، فكان له أخذه قصاصاً.
وإن كان تالفاً
فإن فرّط فيه ، غرمه ، وإلاّ فلا.
وهل للمستحقّ
مطالبة القابض؟ يُنظر إن تلف المدفوع عنده ،
__________________
لم يكن له
المطالبة ؛ لأنّ المال للدافع بزعمه ، وضمانه له.
وإن كان باقياً ،
احتُمل ذلك أيضاً ؛ لأنّ الآخذ فضوليٌّ بزعمه ، والمأخوذ ليس حقّاً له ، وإنّما هو
مال المديون ، فلا تعلّق للمستحقّ به ، وهو قول أكثر الشافعيّة .
وقال بعضهم : إنّ
له المطالبة بتسليمه إليه ؛ لأنّه إنّما دفعه إليه ليدفعه إلى المستحقّ ، وكأنّه
انتصب وكيلاً في الدفع من جهته .
ولا بأس به.
وإن قلنا به فإذا
أخذه المستحقّ ، برئ الدافع عن الدَّيْن.
وهل يلزم مَنْ
عنده الحقّ دفعه إليه بعد التصديق ، أم له الامتناع إلى قيام البيّنة على الوكالة؟
الأقرب : الأوّل.
ونصّ الشافعي :
إنّه لا يلزمه الدفع إلاّ بعد البيّنة .
ونصّ فيما إذا
أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ من تركة إنسانٍ وبأنّه مات ووارثه فلان : إنّه يلزمه الدفع
إليه ، ولا يكلّف البيّنة .
ولأصحابه في ذلك
طريقان :
أحدهما : إنّ
المسألتين على قولين :
في قولٍ : يلزمه
الدفع إلى الوكيل والوارث ؛ لأنّه اعترف باستحقاقه الأخذَ ، فلا يجوز له منع الحقّ
عن المستحقّ.
وفي قولٍ : لا
يلزمه الدفع إلى واحدٍ منهما إلاّ بالبيّنة.
__________________
أمّا في الصورة
الأُولى : فلاحتمال إنكار الموكّل الوكالة. وأمّا في الثانية : فلاحتمال استناد
إقراره بالموت إلى ظنٍّ خطأً.
وأصحّهما عندهم :
تقرير الحقّ للوارث ، وعدم اليأس عن إنكار الموكّل للوكالة وبقاء الحقّ له .
مسألة
٧٩٧ : لو ادّعى الوكالة
فكذّبه المديون أو مَنْ عنده الوديعة أو المال ، لم يكلّف المديون والودعيّ الدفع
إليه ؛ لتجرّد دعواه عن البيّنة ، وعدم اعتضادها بالتصديق.
فإن دفع ثمّ حضر
الموكّل وأنكر الوكالة ، فالقول قوله مع اليمين.
فإذا حلف على نفي
الوكالة وغرم الدافع ، كان له أن يرجع على القابض ، دَيْناً كان أو عيناً ؛ لأنّه
لم يصرّح بتصديقه ، وإنّما دفع بناءً على الظاهر من قوله ، فإذا تبيّن خلافه غرم
ما غرم.
ولو أنكر الوكالة
أو الحقّ وكان الوكيل مأذوناً في إقامة البيّنة ، أو قلنا : إنّ الوكيل بالقبض مطلقاً
يملك إقامة البيّنة ، فله أن يقيم البيّنة ويأخذ.
فإن لم تكن بيّنة
، فهل له التحليف؟ يبنى الأمر فيه على أنّه إذا صدّقه هل يلزمه الدفع إليه؟ إن
قلنا : نعم ، فله تحليفه ، فلعلّه يصدق إذا عُرضت اليمين عليه.
وإن قلنا : لا ،
فيبنى على أنّ النكول وردّ اليمين كإقامة البيّنة من المدّعي أو الإقرار من
المدّعى عليه؟ إن قلنا بالأوّل فله تحليفه طمعاً في أن ينكل ، فيحلف الوكيل. وإن
قلنا بالثاني فلا.
مسألة
٧٩٨ : لو جاء رجل إلى
المديون وقال : قد أحالني عليك
__________________
صاحبُ الدَّيْن
بكذا ، فصدّقه وقلنا : إذا صدّق مدّعي الوكالة فلا يلزمه الدفع إليه ، فالأقرب :
إنّه يلزمه الدفع إليه ؛ لأنّه يقول : الحقّ لك وأنّه لا حقّ لغيرك علَيَّ ، فصار
كالوارث ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.
والثاني : لا
يلزمه الدفع إليه ؛ لأنّه دَفْعٌ غير مبرئ ، فلا يأمن أن يجحد المحيل الحوالةَ
فيحلف ، ويستحقّ الرجوع عليه ، كما قلنا في الوكالة قد ينكر الموكّل الوكالةَ.
ويفارق الميراث ؛
لأنّه آمن من ذلك ، لأنّه إذا لم يكن وارث غيره فقد أمن الغرامة.
ويبنى على الوجهين
أنّه لو كذّبه ولم تكن بيّنة هل له تحليفه؟ إن ألزمناه الدفع إليه فله تحليفه ،
وإلاّ فكما سبق .
مسألة
٧٩٩ : لو قال : مات زيد
وله عندي كذا وهذا وصيّه ، فهو كما لو قال : هذا وارثه. ولو قال : مات وقد أوصى
به لهذا الرجل ، فهو كما لو أقرّ بالحوالة.
وإذا أوجبنا الدفع
إلى الوارث والوصي أو لم نوجب فدفع ثمّ بانَ أنّ المالك حيّ وغرم الدافع ، فله
الرجوع على المدفوع إليه ، بخلاف صورة الوكالة ؛ لأنّه صدّقه على الوكالة ، وإنكار
صاحب الحقّ لا يرفع تصديقه ، فصدق الوكيل لاحتمال أنّه وكّل ثمّ جحد ، وهنا بخلافه
، والحوالة في ذلك كالوكالة.
مسألة
٨٠٠ : إذا ادّعى على
إنسان أنّه دفع إليه متاعاً ليبيعه ويقبض ثمنه وطالَبه بردّه ، أو قال : بعتَه
وقبضتَ ثمنه فسلِّمه إلَيَّ ، فأنكر المدّعى عليه ، فأقام المدّعي بيّنةً على أنّه
ما أدّاه ، فادّعى المدّعى عليه أنّه كان قد تلف أو ردّه ، فيُنظر في صيغة جحوده.
__________________
فإن قال : « ما لك
عندي شيء » أو « لا يلزمني تسليم شيء إليك » قُبِل قوله في الردّ والتلف ؛ لأنّه
إذا كان قد تلف أو ردّه ، كان صادقاً في إنكاره ، ولم يكن بين كلاميه تناقضٌ. وإن
أقام عليه بيّنةً سُمعت بيّنته.
وإن كانت صيغة
جحوده : « أنّك ما وكّلتني » أو « ما دفعتَ إلَيَّ شيئاً » أو « ما قبضت الثمن »
نُظر إن ادّعى التلفَ أو الردَّ قبل أن يجحد ، لم يُصدَّقْ ؛ لأنّه مناقض للقول
الأوّل ، ولزمه الضمان.
وإن أقام بيّنةً
على ما ادّعاه ، فوجهان للشافعيّة :
أوّلهما عندهم :
إنّها تُسمع ؛ لأنّه لو صدّقه المدّعي لسقط الضمان عنه ، فكذلك إذا قامت الحجّة
عليه. وأيضاً فلما يأتي في الوديعة.
والثاني ـ وهو
الأظهر عند الجويني ـ : أنّها لا تُسمع ؛ لأنّه بجحوده الأوّل كذّب هذه البيّنةَ ،
ولأنّه لا تُسمع دعواه ، وكلّ بيّنةٍ تقام فإنّ قيامها يستدعي دعوى مَنْ يقيمها ،
فإذا فسدت الدعوى استقلّت البيّنة ، وهي غير مسموعةٍ من غير دعوى.
لكن عدم سماع
الدعوى ليس متّفقاً عليه ، ومَنْ يسمع البيّنة يسمع الدعوى لا محالة ، فإذَنْ
الخلاف في سماع البيّنة يجري في سماع الدعوى ، بل يجوز أن تكون الدعوى مسموعةً
جزماً ، مع الخلاف في سماع البيّنة ؛ إذ الدعوى قد تُسمع بمجرّد تحليف الخصم .
وإن ادّعى الردَّ
بعد الجحود ، لم يُصدَّقْ ؛ لصيرورته خائناً.
لكن لو أقام
بيّنةً ، فالمشهور عند الشافعيّة في هذا الباب أنّها تُسمع ؛ لأنّ غايته أن يكون
كالغاصب في ابتداء الأمر ، ومعلومٌ أنّه لو أقام بيّنةً على
__________________
الردّ تُسمع .
ورأى الجويني أن
يكون سماع بيّنته على الوجهين السابقين ؛ لتناقض دعوى الردّ والجحود .
وإن ادّعى التلف
بعد الجحود ، صُدّق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة بردّ العين ، ولكن يلزمه الضمان ؛
لخيانته ، كما لو ادّعى الغاصب التلفَ.
مسألة
٨٠١ : قد بيّنّا أنّه
يجب على الوكيل رعاية تنصيص الموكّل واتّباع أمره والعدول عن مخالفته ، فإذا قال
له : بِعْ هذا ثمّ هذا ، وجب عليه الامتثال في الترتيب.
ولو جَعَل للوكيل
بالبيع جُعْلاً فباع ، استحقّه ؛ لأنّه فَعَل ما أمره به وإن تلف الثمن في يده ؛
لأنّ استحقاقه بالعمل وقد عمل.
فإذا ادّعى خيانةً
عليه ، لم تُسمع حتى يبيّن القدر الذي خان به بأن يقول : بعتَ بعشرةٍ وما دفعتَ
إلَيَّ إلاّ خمسةً.
وإذا وكّل بقبض
دَيْنٍ أو استرداد وديعةٍ ، فقال المديون والمودع : دفعتُ ، وصدّقه الموكّل وأنكر
الوكيل ، غرم الدافع بترك الإشهاد ـ وهو أحد وجهي الشافعيّة ـ كما لو ترك
الوكيل بقضاء الدَّيْن الإشهادَ.
وإذا قال شخص :
أنا وكيل في بيعٍ أو نكاحٍ ، وصدّقه مَنْ يعامله ، صحّ العقد. فلو قال الوكيل بعد
العقد : لم أكن مأذوناً فيه ، لم يلتفت إلى قوله ، ولم يُحكم ببطلان العقد ، وكذا
لو صدّقه المشتري بحقّ مَنْ توكّل عنه ، إلاّ أن يقيم المشتري بيّنةً على إقراره
بأنّه لم يكن مأذوناً من جهته في ذلك التصرّف.
__________________
الفصل الخامس
: في اللواحق
مسألة
٨٠٢ : إذا ولّى الإمام رجلاً القضاء في
ناحيةٍ ، فإن أذن له في الاستنابة ، جاز له ذلك.
وإن لم يأذن له ،
نُظر فإن كان المتولّي يمكنه النظر بنفسه ، لم يجز له الاستنابة.
وإن كان العمل
كثيراً لا يمكنه النظر فيه بنفسه ، جازت له الاستنابة ؛ عملاً بقرينة الحال وظاهر
الأمر.
وإذا جازت له ،
فهل تجوز في جميع العمل ، أو فيما يتعذّر عليه أن يتولاّه؟ الأقوى : الأوّل.
وللشافعيّة فيه
وجهان .
والحكم في ذلك كما
تقدّم في الوكالة.
مسألة
٨٠٣ : إذا ادّعى الوكيل الردَّ إلى الموكّل ،
فالأقوى أنّه يفتقر إلى البيّنة.
وقسّم الشافعيّة
الأُمناءَ في ذلك على ثلاثة أضرُبٍ :
منهم مَنْ يُقبل
قوله في الردّ مع يمينه ، وهُم المودعون والوكلاء بغير جُعْلٍ.
ومنهم مَنْ لا
يُقبل قوله في الردّ إلاّ ببيّنةٍ ، وهُم المرتهن والمستأجر.
__________________
ومنهم : مَن
اختُلف فيه على وجهين ، وهُم الوكلاء بجُعْلٍ والشريك والمضارب والأجير المشترك
إذا قلنا : إنّه أمين.
أحدهما : إنّه لا
يُقبل قولهم في الردّ ؛ لأنّهم قبضوا لمنفعة أنفسهم ، فصاروا كالمرتهن والمستأجر
والمستعير.
والثاني : إنّه لا
منفعة لهم في العين المقبوضة ؛ لأنّ الوكيل ينتفع بالجُعْل دون العين التي قبضها.
وكذلك الشريك والمضارب [ والأجير ] ينتفعون بالربح وعوض عملهم ، بخلاف المرتهن ، فإنّه يتوثّق
بالعين. وكذلك المستأجر ؛ فإنّه يستوفي منفعتها ، فافترقا .
مسألة
٨٠٤ : لو ادّعى الوكيل بيعَ العين التي أذن
الموكّل له في بيعها ، فقال الموكّل : لم تبعها ، أو يدّعي قبض الثمن من المشتري ، فيصدّقه في الإذن وينكر
قبضه إيّاه ، فللشافعي قولان :
أحدهما : يُقبل
إقرار الوكيل في ذلك ، وبه قال أبو حنيفة.
إلاّ أنّ أبا
حنيفة ناقَضَ في مسألةٍ ، وهي : إذا قال لوكيله : زوّجني من امرأة ، فأقرّ الوكيل
أنّه تزوّجها له وادّعت ذلك المرأةُ ، وأنكر الموكّل العقد ، لم يُقبل قول الوكيل.
قال : لأنّه يمكنه إقامة البيّنة على النكاح ، لأنّه لا يعقد حتى تحضر البيّنة.
والثاني للشافعي :
إنّه لا يُقبل إقراره على موكّله ؛ لأنّ الوكيل يُقرّ بحقٍّ لغيره على موكّله ،
فلم ينتقل إليه ، كما لو أقرّ بدَيْنٍ عليه أو إبراءٍ من
__________________
حقٍّ .
وهذا يلزم عليه
إقرار أب البكر.
فأمّا أبو حنيفة
فلا يصحّ ما فرّق به ؛ لأنّ النكاح عنده ينعقد بفاسقين ولا يثبت بهما ، وقد تموت
الشهود وتتعذّر البيّنة.
مسألة
٨٠٥ : إذا وكّله في البيع وقبض الثمن فقبضه ،
كان أمانةً في يده قبل أن يطالبه الموكّل ، فإذا لم يسلّمه إليه لم يضمنه بتأخيره عنده ، وإن طالَبه وجب عليه ردّه على
حسب إمكانه.
فإن أخّر لعذرٍ ـ مثل
أن يكون في الحمّام ، أو يأكل الطعام ، أو يصلّي ، أو ما أشبه ذلك ـ لم يصر
مفرّطاً ؛ لأنّه لا يلزمه في ردّ الأمانة ما يضرّ به. فإن تلفت الوديعة قبل زوال
عذره أو بعد زوال عذره حالَ اشتغاله بردّها ، فلا ضمان ؛ لما بيّنّاه.
وإن أخّر بغير
عذرٍ ، ضمن سواء تلفت قبل مضيّ زمان إمكان الردّ ، أو لم يمض ؛ لأنّه خرج من
الأمانة بمنعه الدفع من غير عذرٍ.
ولو طالَبه
الموكّل بالدفع فوعده به ثمّ ادّعى أنّه كان قد تلف قبل مطالبته ، أو قال : كنتُ
رددتُه قبل مطالبته ، لم يُقبل قوله ؛ لأنّه مكذّب لنفسه ، وضامن في الظاهر بدفعه.
فإن أقام البيّنةَ
، احتُمل سماعها ؛ لأنّ الموكّل لو صدّقه على ما ادّعاه ،
__________________
سقط عنه الضمان ،
فإذا أقام البيّنةَ على ذلك قُبل. وعدمُه ؛ لأنّه يكذّب بيّنته ، فإنّه كان وَعَده
بدفعه إليه ، وإذا كذّب بيّنته لم تُسمع له.
ويفارق ما إذا
صدّقه ، فإنّه إذا صدّقه فقد أقرّ ببراءته ، فلم يستحقّ مطالبته.
وإن ادّعى أنّه
تلف بعد ما دفعه عن تسليمه ، أو أنّه ردّه إليه لم يُقبل قوله ؛ لأنّه صار بالدفع
ضامناً ، ولا يُقبل قوله في الردّ ؛ لأنّه خرج من الأمانة ، فيحتاج إلى بيّنةٍ
بذلك.
وللشافعيّة وجهان كالاحتمالين.
فإن كان قد تلف
قبل أن مَنَعَه ولم يعلم ، فلا ضمان عليه.
وللشافعيّة وجهٌ
آخَر : إنّه يضمن ؛ لأنّه لمّا منعه تبيّنّا أنّه كان ممسكاً على نفسه .
وليس بشيء.
مسألة
٨٠٦ : لو دفع إلى وكيله عيناً وأمره بإيداعها
عند زيدٍ ، فأودعها ، وأنكر زيد ، فالقول قوله مع اليمين ، فإذا حلف برئ.
وأمّا الوكيل فإن
كان قد سلّمها بحضرة الموكّل لم يضمن ، وإن كان بغيبته ففي الضمان إشكال.
وللشافعيّة وجهان
:
أحدهما : يضمن كما
في الدَّيْن ؛ لأنّ الوديعة لا تثبت إلاّ بالبيّنة.
والثاني : لا يضمن
؛ لأنّ الودعي إذا ثبتت عليه البيّنة بالإيداع ، كان القولُ قولَه في التلف والردّ
، فلم تُفد البيّنة شيئاً ، بخلاف الدَّيْن ؛ لأنّ
__________________
القضاء لا يثبت
إلاّ بها .
وإن صدّقه
المُودَع وادّعى التلف وحلف ، لم يضمنها.
وأمّا الوكيل فإن
سلّم بحضرة الموكّل ، لم يضمن. وإن سلّم في غيبته ، فالوجهان.
فأمّا إذا قال
الوكيل : دُفع بحضرتك ، وقال الموكّل : لم تدفع بحضرتي ، أو قال : لم
تدفعها إلى المودَع ، وقال : دفعتُها على الوجه الذي تقول ، لا يضمن إذا دفع بغير
إشهادٍ.
قال بعض الشافعيّة
: القول قول الوكيل مع اليمين ، كما إذا ادّعى الردَّ إليه وأنكره ، ولا يشبه هذا
[ ما ] إذا أقرّ بأنّه باع أو قبض وأنكر الموكّل ، فإنّه لا يُقبل
قوله في أحد القولين ؛ لأنّه يُثبت حقّاً على موكّله لغيره ، وهنا يُسقط عن نفسه
الضمانَ بما ذكره ، فكان القولُ قولَه مع يمينه فيه .
مسألة
٨٠٧ : إذا دفع إلى وكيله دراهم ليشتري له بها
شيئاً ، فاستقرضها الوكيل وأخرجها ، بطلت الوكالة ؛ لأنّه إن كان أمره بأن يشتري له بعين تلك الدراهم ، فقد
تعذّر بتلفها ، كما لو مات العبد الموكَّل ببيعه. وإن كان قد وكّله في الشراء
مطلقاً ونقد الدراهم في الثمن ، بطلت أيضاً ؛ لأنّه إنّما أمره بالشراء على أن
ينقد ذلك الثمن ، فإذا تعذّر نقد ذلك لم يكن له أن يشتري.
وقال أبو حنيفة :
لا تفسد الوكالة ، ولا يتعيّن الشراء بتلك الدراهم ،
__________________
ويجوز أن يشتري من
مال نفسه ، ويأخذ الدراهم .
وهو غير صحيح ؛
لأنّه وكّله في الشراء بتلك الدراهم ، فإذا تلفت سقط الإذن ، كما قلناه في العبد.
فإن اشترى للموكّل
بمثل تلك الدراهم من مال نفسه ، فإذا أضاف العقد إليه لم يصح ، وإلاّ وقع الشراء له لا للموكّل
؛ لأنّه اشترى لغيره شيئاً بعين مال نفسه ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقبض للموكّل من نفسه
بدل المال الذي أتلفه.
والثاني : إنّه اشترى له
بغير المال الذي عيّنه.
وإن اشترى له في
الذمّة ، وقع أيضاً للوكيل ؛ لأنّه على غير الصفة التي أذن له فيها.
ويجب على الوكيل
ردّ مثل الدراهم التي قبضها من الموكّل.
تذنيب : إذا دفع إليه دراهم ليشتري بها سلعة ولم ينص على الشراء
بالعين ، بل ينقدها عن الثمن الذي يشتري به ، فاشترى في الذمّة على أنّه ينقد تلك
الدراهم كما أمره الموكّل ، صحّ الشراء. فإن استقرض بعد ذلك الدراهمَ وأخرجها ،
وجب عليه دفع عوضها في الثمن ، ولم يخرج المبيع عن ملك الموكّل بالتفريط اللاحق.
مسألة
٨٠٨ : إذا وكّله في شراء عبدٍ بدراهم في
الذمّة ثمّ دفع إليه دراهم لينقدها في الثمن ، ففرّط فيها بأن ترك حفظها ، ضمنها ، فإذا اشترى العبدَ
صحّ الشراء قولاً واحداً ؛ لأنّه لم يتعدّ فيما تناوله العقد ، فإذا نقد تلك
__________________
الدراهم بعينها
برئ من ضمانها.
ولا فرق في ذلك
بين مَنْ قال : إنّ الوكيل بالتعدّي يخرج من الأمانة ـ وفي صحّة بيعه وجهان عنده ـ
وبين مَنْ قال : إنّه يصحّ بيعه مع التعدّي.
لا
يقال : لِمَ لا يبطل بيعه
عند القائل بعدم صحّة بيع الوكيل إذا تعدّى؟
لأنّا
نقول : إنّما يخرج من
الأمانة فيما تعدّى فيه ، فإنّه لو استودع شيئين ففرّط في أحدهما ، لم يضمن الآخَر
، ولم يخرج من حكم الأمانة جملةً ، كذا هنا.
مسألة
٨٠٩ : لو وكّله في تزويج امرأةٍ فزوّجه غيرها
، بطل العقد عند العامة ، أو كان
فضوليّاً عندنا ؛ لأنّ من شرط صحّة النكاح ذكر الزوج ، فإذا كان بغير أمره لم يقع
له ولا للوكيل ؛ لأنّ المقصود من النكاح أعيان الزوجين ، بخلاف البيع ، ولهذا يجوز
أن يشتري من غير تسمية المشتري ، فافترقا.
وإذا عيّن الموكّل
للوكيل الزوجةَ ، صحّ إجماعاً.
ولو وكّله في أن
يزوّجه بمن شاء ، فالأقرب : الجواز ، وهو قول بعض الشافعيّة .
وقال بعضهم : لا
يجوز ؛ لأنّ الأغراض تختلف ، فلا يجوز حتى يصف . واختار الزهري هذا الوجه.
__________________
والمعتمد :
الأوّل.
فعلى هذا هل له أن
يزوّجه ابنته؟ الأقرب : الجواز ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد .
وقال بعض العامّة
: لا يجوز له ذلك .
ولو أذنت المرأة
له في تزويجها ، لم يكن له أن يزوّجها من نفسه ؛ لأنّ القرينة اقتضت التزويج بالغير.
وقد روى الحلبي عن
الصادق 7 قال في المرأة ولّت أمرها رجلاً ، فقالت : زوّجني فلاناً ، فقال : لا زوّجتكِ
حتى تُشهدي أنّ أمركِ بيدي ، فأشهدت له ، فقال عند التزويج للّذي يخطبها : يا فلان
عليك كذا وكذا ، فقال : نعم ، فقال هو للقوم : أشهدوا أنّ ذلك لها عندي وقد
زوّجتها من نفسي ، فقالت المرأة : ما كنت أتزوّجك ولا كرامة وما أمري إلاّ بيدي
وما ولّيتك أمري إلاّ حياءً ، قال : « تنزع منه ، ويوجع رأسه » .
ويحتمل مع إطلاق
الإذن صحّة أن يزوّجها من نفسه.
وكذا له أن
يزوّجها من ولده ووالده.
ولبعض العامّة
وجهان .
مسألة
٨١٠ : إذا وكّله في شراء عبدٍ فاشتراه ، ثمّ
اختلف الوكيل والموكّل ، فقال الوكيل :
اشتريته بألف ، وقال الموكّل : بخمسمائة ، فالقول فيه كما قلنا فيما إذا اختلف
الوكيل والموكّل في تصرّفه ؛ لأنّ ذلك إثباتٌ
__________________
لحقّ البائع على
الموكّل.
وقال أبو حنيفة :
إن كان الشراء في الذمّة ، فالقول قول الموكّل ، فإن كان اشترى ذلك بمال الموكّل ،
فالقول قول الوكيل.
وفرّق بينهما بأنّ
الشراء إذا كان في الذمّة ، فالموكّل هو الغارم ؛ لأنّه يطالبه بالثمن. وإذا
اشتراه بما في يده للموكّل ، فإنّ الغارم الوكيل ؛ لأنّه يطالبه بردّ ما زاد على
خمسمائة ، فالقول في الأُصول قول الغارم .
وقد بيّنّا أنّ
إقرار الوكيل لا يصحّ على موكّله.
وما ذكره من الفرق
ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ في الموضعين يثبت بذلك الغرم على الموكّل ؛ لأنّه إمّا أن
يطالبه به ، أو يؤدّي من ماله الذي في يد الوكيل ، والحقّ يثبت بقول الوكيل عليه
في الموضعين.
مسألة
٨١١ : إذا دفع إلى الوكيل ألفاً ليشتري بها
سلعة ، فاشترى بالعين ، ثمّ
ظهر فيها عيب ، فردّها البائع على الوكيل ، كانت أمانةً في يده لموكّله.
وإن كان [ اشتراها
] بألفٍ في الذمّة ، فإن بانَ العيب في الألف التي دفعها وقبضها الوكيل ، فهي
أيضاً على الأمانة ، ويبدلها من الموكّل إن امتنع البائع من قبضها.
وإن بانَ العيب
بعد أن قبضها البائع فردّها على الوكيل فتلفت عنده ، لم يضمنها عندنا.
__________________
وللشافعيّة قولان
مبنيّان على ما ذكروه في الثمن.
إن قلنا : إنّ
الثمن يثبت في ذمّة الموكّل ، كان الوكيل وسيطاً في الدفع ، وكان ذلك في يده
أمانةً.
وإن قلنا : يثبت
في ذمّة الوكيل دون الموكّل ، وعلى الموكّل أن يسقط ذلك عن ذمّته ، فإذا دفع إليه
ألفاً ليقضيها عن نفسه ، كانت أمانةً ما لم يدفعها إلى البائع ، فإذا دفعها وقضى
بها دَيْنه ، وجب مثلها عليه للموكّل ، وله الرجوع على الموكّل بألفٍ تقاصّاً ،
وصارت مضمونةً عليه ، فإذا عادت إليه بردّ البائع ، كانت مضمونةً عليه للموكّل ألف
معيبة ، وعليه للبائع ألف سليمة ، فإذا قضاها رجع على الموكّل بألف سليمة .
مسألة
٨١٢ : إذا دفع إليه ألفاً ليُسلمها في كُرّ
طعامٍ ، تناول المتعارف عند الموكّل.
ويحتمل عند
الوكيل.
وقال بعض
الشافعيّة : ينصرف إلى الحنطة خاصّةً ؛ لانطلاقه إليه عرفاً .
وهو غير سديدٍ ؛
لاختلاف العرف فيه.
ولو كان لرجلٍ في
ذمّة آخَر ألف ، فقال : أسلفها في طعامٍ ، فأسلفها فيه ، صحّ ، وإذا أسلمها برئ من
الدَّيْن. وإذا قبض الطعام كان أمانةً في يد الوكيل إن تلف فلا ضمان عليه.
قال أبو العباس من
الشافعيّة : وإن لم يكن عليه شيء ، فقال له : أسلف من مالك ألفاً في كُرٍّ من
طعامٍ ويكون لك ألف قرضاً علَيَّ ، ففَعَل ،
__________________
صحّ .
وقال بعضهم :
هاتان المسألتان سهو من أبي العباس ؛ لأنّه لا يجوز أن يُسلم ماله في طعامٍ لغيره
، ومذهب الشافعي أنّه لا يجوز أن يكون العوض لواحدٍ ويقع المعوَّض لغيره .
وتأوّلوا
المسألتين بأن يقول : إن أسلمت ألفاً في كُرٍّ من طعامٍ ، ولا يعيّنه بالدَّيْن ،
ثمّ يأذن له أن يُسلم الدَّيْن عنه ، ويبرأ. هذا في المسألة الأُولى ، وفي الثانية
: أسلم ألفاً في ذمّتي في كُرٍّ من طعامٍ ، فإذا فَعَل هذا ، قال : اقض عنّي الألف
لأدفع إليك عوضها .
قال بعض الشافعيّة
: إنّ الذي أراد أبو العباس أن يسلم هكذا ، ولا يحتاج إلى ما شرطه من تأخّر الإذن .
ويجوز أن يأذن له
قبل أن يعقد بدفع الثمن من عنده أو بدفع الدَّيْن الذي عليه ؛ لأنّ التصرّف من
الوكيل يجوز تعليقه بالشرط.
وكذا لو قال له :
اشتر به عبداً ، سواء عيّنه أو لم يعيّنه ، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمّد .
وقال أبو حنيفة :
إن عيّن العبد ، جاز. وإن لم يعيّنه ، لم يجز ؛ لأنّه إذا [ لم ] يعيّن ، فقد وكّل
في قبض الدَّيْن من ذمّة البائع ، وهو مجهول .
__________________
ولنا : إنّه دفع
بإذنه ، فأشبه ما إذا عيّن. وقول أبي حنيفة باطل ؛ لأنّ المدفوع له ليس بوكيلٍ له
، ولا يتعيّن بالشراء منه ، ويبطل عليه به إذا قال : أطعم عنّي عشرة مساكين ،
فإنّهم غير معيّنين ، ويصحّ عنه.
مسألة
٨١٣ : إذا دفع إليه ألفاً ليشتري بها سلعةً
أو يسلف بها في طعام ، فاشترى السلعة
واستسلف ولم يُسمّ الموكّلَ في العقد ، ثمّ اختلفا ، فقال الوكيل : إنّما اشتريت
لنفسي ، وقال الموكّل : بل لي ، فالقول قول الوكيل مع يمينه ، فإذا حلف حُكم له
بذلك في الظاهر ، وكان للموكّل الرجوع عليه بالألف.
وقال أصحاب أبي
حنيفة : يكون السَّلَم للموكّل؟ لأنّه دفع دراهمه . واختلفوا إذا [
تصادقا ] أنّه لم يَنْو لا لَه ولا للموكّل.
فقال أبو يوسف :
يكون بحكم الدراهم .
وقال محمّد : يكون
للوكيل .
أمّا الأوّل : فلأنّهما
إذا اختلفا ، رجّح قول الموكّل ؛ لأنّه دفع دراهمه ، فكان الظاهر معه.
وإذا أطلق قال
أيضاً : يرجّح بالدراهم .
ودليلنا : إذا نوى
ذلك عن نفسه وصدّقه عليه ، وقع لنفسه ، فإذا أطلق واختلفا كان القولُ قولَه ، كما
لو لم ينقد دراهم.
وما ذكروه فليس
بصحيحٍ ؛ لأنّ إذن الدراهم بعد حصول العقد ،
__________________
فلا يؤثّر فيه.
مسألة
٨١٤ : إذا كان وليّاً عن امرأةٍ في التزويج
بأن يكون أباً أو جدّاً له ، كان له أن يوكّل ؛ لأنّه وليٌّ بالأصالة ولايةَ الإجبار.
أمّا غيرهما ـ كالوكيل
ـ هل له أن يوكّل؟ الوجه عندنا : لا ، إلاّ مع الإذن ـ ولأصحاب [ الشافعي ] فيه وجهان ، وعن أحمد
روايتان ـ لأنّه لا يملك التزويج إلاّ بإذنها ، فلا يملك التوكيل
فيه إلاّ بإذنها.
احتجّ أحمد بأنّ
ولايته من غير جهتها ، فلم يعتبر إذنها في توكيله ، كالأب ٤.
وأمّا الحاكم
فيملك تفويض عقود الأنكحة إلى غيره بغير إذن المولّى عليه.
مسألة
٨١٥ : لو أنكر الموكّل الوكالةَ بعد عقد النكاح
على المرأة ، فالقول قول الموكّل مع يمينه ، فإذا حلف برئ من الصداق ، وبطلت الزوجيّة بينهما ، وكان
على الوكيل أن يدفع إليها نصف المهر ؛ لأنّه أتلف عليها البُضْع.
ثمّ إن كان الوكيل
صادقاً ، وجب على الموكّل طلاقها ؛ لئلاّ يحصل الزنا بنكاحها مع الغير.
ولما رواه عمر بن
حنظلة عن الصادق 7 في رجلٍ قال لآخَر :
__________________
اخطب لي فلانة فما
فعلتَ من شيء ممّا قاولتَ من صداقٍ أو ضمنتَ من شيء أو شرطتَ فذلك رضاً لي وهو
لازم لي ، ولم يُشهدْ على ذلك ، فذهب فخطب وبذل عنه الصداق وغير ذلك ممّا طالبوه
وسألوه ، فلمّا رجع إليه أنكر ذلك كلّه ، قال : « يغرم لها نصف الصداق عنه ، وذلك
أنّه هو الذي ضيّع حقّها ، فلمّا أن لم يُشهدْ لها عليه بذلك الذي قال ، حلّ لها
أن تتزوّج ، ولا تحلّ للأوّل فيما بينه وبين الله ، إلاّ أن يطلّقها ، لأنّ الله
تعالى يقول : ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسانٍ ) فإن لم يفعل فإنّه مأثوم فيما بينه وبين الله تعالى ، وكان
الحكم الظاهر حُكْمَ الإسلام قد أباح [ الله تعالى ] لها أن تتزوّج » .
مسألة
٨١٦ : للأب أن يقبض صداق ابنته الصغيرة تحت
حجره ؛ لأنّه الوليّ عليها ،
فكان له طلب حقّها أين كان.
ولو كانت كبيرةً
فوكّلته بالقبض ، كان له ذلك أيضاً.
وإن لم توكّله ،
لم تكن له المطالبة ؛ لزوال ولايته عنها بالبلوغ والرشد.
فإن أقبضه الزوج ،
كان لها مطالبة الزوج بحقّها ، ويرجع الزوج على الأب بما قبضه منه ؛ لأنّ ذمّته لم
تبرأ بدفع حقّها إلى غيرها وغير وكيلها ، ولم يقع القبض موقعه ، فكان للزوج
الرجوعُ به.
ولو مات الأب ،
كان له الرجوعُ به في تركته إن خلّف مالاً. ولو مات معسراً ، ضاع ماله ؛ لما رواه
ابن أبي عمير عن غير واحدٍ من أصحابنا عن
__________________
الصادق 7 في رجلٍ قبض صداق
ابنته من زوجها ثمّ مات هل لها أن تطالب زوجها بصداقها ، أو قبضُ أبيها قبضُها؟
فقال 7 : « إن كانت وكّلته بقبض صداقها من زوجها فليس لها أن تطالبه ، وإن لم تكن
وكّلته فلها ذلك ، ويرجع الزوج على ورثة أبيها بذلك ، إلاّ أن تكون حينئذٍ صبيّةً
في حجره ، فيجوز لأبيها أن يقبض عنها ، ومتى طلّقها قبل الدخول بها فلأبيها أن
يعفو عن بعض الصداق ويأخذ بعضاً ، وليس له أن يدع كلّه ، وذلك قول الله عزّ وجلّ :
( إِلاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي
بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) يعني الأب والذي توكّله المرأة وتولّيه أمرها من أخ أو
قرابة أو غيرهما » .
مسألة
٨١٧ : لو زوّجها الوليّ أو الوكيل وكانت قد
دلّست نفسها وأخفت عيبها الذي
يجب ردّ النكاح به ، فإذا ردّها الزوج ، كان له الرجوعُ عليها بالمهر ، ولا يغرم
الوكيل شيئاً إذا لم يعلم حالها ؛ لعدم التفريط منه ، واستناد الغشّ إليها خاصّةً.
ولما رواه الحلبي
ـ في الصحيح ـ عن الصادق 7 أنّه قال في رجل ولّته امرأة أمرها إمّا ذات قرابة أو جارة
له لا يعلم دخيلة أمرها ، فوجدها قد دلّست عيباً هو بها ، قال : « يؤخذ المهر منها
، ولا يكون على الذي زوّجها شيء » .
مسألة
٨١٨ : لو قال رجل لآخَر : وكّلتَني أن أتزوّج
لك فلانة بصداق كذا ، ففَعَلتُ ، وادّعت المرأة ذلك ، فأنكر الموكّل ، فالقول
قوله.
فإن أقام الوكيل
أو المرأة البيّنةَ ، وإلاّ حلف المدّعى عليه عقد النكاح.
__________________
وقال أحمد بن حنبل
: لا يستحلف ؛ لأنّ الوكيل يدّعي حقّاً لغيره .
هذا إن ادّعى
الوكيل ، وإن ادّعته المرأة ، استحلف ؛ لأنّها تدّعي الصداق في ذمّته.
ونحن لمّا أوجبنا
نصف المهر على الوكيل ، كان له إحلاف الموكّل.
وقال أحمد : لا
يلزم الوكيل شيء ؛ لأنّ دعوى المرأة على الموكّل ، وحقوق العقد لا تتعلّق بالوكيل
.
وعنه رواية أُخرى
: إنّه يلزمه نصف الصداق ـ كما قلناه ـ لأنّ الوكيل في الشراء ضامن [ للثمن و ] للبائع مطالبته
به ، كذا هنا .
أمّا لو ضمن
الوكيل المهر ، فلها الرجوع عليه بنصفه ؛ لأنّه ضمنه للموكّل ، وهو مُقرٌّ بأنّه
في ذمّته.
وقال أبو حنيفة
وأبو يوسف والشافعي : لا يلزم الوكيل شيء .
وقال محمّد بن
الحسن : يلزم الوكيل جميع الصداق ؛ لأنّ الفرقة لم تقع بإنكاره ، فيكون ثابتاً في
الباطن ، فيجب جميع الصداق .
واحتجّ أحمد بأنّه
يملك الطلاق ، فإذا أنكر فقد أقرّ بتحريمها عليه ، فصار بمنزلة إيقاعه لما تحرم به
.
إذا ثبت هذا ،
فإنّ المرأة تتزوّج وإن لم يطلّق الموكّل ؛ لأنّه لم يثبت عقده.
__________________
وقال أحمد : لا
تتزوّج حتى يطلّق ، لعلّه يكون كاذباً في إنكاره .
قال أصحابه : ظاهر
هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها ؛ لأنّها معترفة بأنّها زوجة له ، فيؤخذ بإقرارها ،
وإنكاره ليس بطلاقٍ .
وهل يلزم الموكّل
طلاقها؟ الأقوى : الإلزام ؛ لإزالة الاحتمال ، وإزالة الضرر عنها بما لا ضرر عليه
فيه ، فأشبه النكاح الفاسد.
ويحتمل عدم اللزوم
؛ لأنّه لم يثبت في حقّه نكاح ، ولو ثبت لم يكلَّف الطلاق.
مسألة
٨١٩ : لو ادّعى أنّ فلاناً الغائب وكّله في
تزويج امرأةٍ فزوّجها منه ثمّ مات الغائب ، فإن صدّقه الورثة على التوكيل أو قامت له البيّنة به ، ورثت المرأة نصيبها
من تركته. وإن لم تصدّقه الورثة ولا قامت البيّنة ، لم يكن لها ميراث ، ولها إحلاف
الوارث إن ادّعت علمه بالتوكيل ، فإن حلف فلا ميراث ، وإلاّ حلفت وأخذت.
ولو أقرّ الموكّل
بالتوكيل في التزويج وأنكر أن يكون تزوّج له ، فهنا الاختلاف في تصرّف الوكيل ،
وقد سبق .
فقيل : القول قول
الموكّل مع اليمين ، وبه قال أبو حنيفة ، وهو المعتمد ؛ لأنّه مدّعٍ لما لا تتعذّر إقامة البيّنة
عليه خصوصاً عند العامّة ؛ حيث إنّ البيّنة شرط في العقد عندهم ، فأشبه ما لو
أنكر الموكّل الوكالة من
__________________
أصلها.
وقال بعض العامّة
: القول قول الوكيل ، فيثبت التزويج هنا ؛ لأنّهما اختلفا في فعل الوكيل ما أُمر
به ، فكان القولُ قولَه ، كما لو وكّله في بيع ثوبٍ فادّعى أنّه باعه .
ولو غاب رجل فجاء
آخَر إلى امرأته فذكر أنّ زوجها طلّقها وأبانها ووكّله في تجديد نكاحها بألف ،
فأذنت في نكاحها ، فعقد عليها وضمن الوكيل الألف ، ثمّ جاء الزوج وأنكر ذلك كلّه ،
فالقول قوله ، والنكاح الأوّل بحاله. ثمّ المرأة إن صدّقت الوكيل ، لزمه الألف ،
إلاّ أن يطلّقها زوجها قبل الدخول ـ وبه قال مالك وزفر ـ لأنّ الوكيل قد
أقرّ بأنّ الحقّ في ذمّة المضمون عنه ، وأنّه ضامن عنه ، فلزمه ما أقرّ به ، كما
لو ادّعى على رجل أنّه ضمن له ألفاً له على أجنبيّ ، فأقرّ الضامن بالضمان وصحّته
وثبوت الحقّ في ذمّة المضمون [ عنه ] وأنكر المضمون عنه ، وكما لو ادّعى شفعةً على
إنسانٍ في شقصٍ اشتراه ، فأقرّ البائع بالبيع وأنكر المشتري ، فإنّ الشفيع يستحقّ
الشفعة.
وقال أبو حنيفة
والشافعي : لا يلزم الضامن شيء ؛ لأنّه فرع المضمون عنه ، والمضمون عنه لا يلزمه
شيء فكذا فرعه .
ولو لم تدّع
المرأة صحّة ما ذكره الوكيل ، لم يكن عليه شيء.
__________________
ويحتمل أنّ مَنْ
أسقط عنه الضمان أسقطه في هذه الصورة ، ومَنْ أوجب أوجبه في الصورة الأُخرى.
مسألة
٨٢٠ : قد بيّنّا أنّه إذا اختلف الوكيل
والموكّل ـ فقال الموكّل : أذنتُ لك في البيع نقدا أو في الشراء بخمسةٍ ، وقال الوكيل : بل أذنتَ لي في البيع
نسيئةً وفي الشراء بعشرة ـ أنّ القولَ قولُ الموكّل مع يمينه ؛ لأصالة عدم الإذن ،
وبه قال الشافعي وابن المنذر وأصحاب الرأي .
وقال أحمد : القول
قول الوكيل ؛ لأنّه أمينه في التصرّف ، فكان القولُ قولَه في صفته ، كالخيّاط إذا
قال : أذنتَ لي في تفصيله قباءً ، فقال : بل قميصاً .
وكذا إذا قال :
وكّلتُك في البيع بألفين ، فقال : بل بألف.
وقال مالك : إن
أُدركت السلعة فالقول قول الموكّل ، وإن فاتت فالقول قول الوكيل ؛ لأنّها إذا فاتت
لزم الوكيل الضمان ، والأصل عدمه ، بخلاف ما إذا كانت موجودةً .
والأوّل أصحّ ؛
لأنّه اختلاف في التوكيل الذي يدّعيه الوكيل ، والأصل عدمه ، فالقول قول مَنْ
ينفيه ، كما لو لم يُقرّ الموكّل بتوكيله في غيره.
ولأنّهما اختلفا
في صفة قول الموكّل ، فكان القولُ قولَه في صفة كلامه.
ولو قال الوكيل :
اشتريتُ لك هذه الجارية بإذنك ، فقال الموكّل :
__________________
ما أذنتُ لك إلاّ
في شراء غيرها ، أو قال : اشتريتُها لك بألفين ، فقال : ما أذنتُ لك إلاّ في
شرائها بألف ، فالقول قول الموكّل مع اليمين ، فإذا حلف برئ من الشراء.
ثمّ إن كان الشراء
بعين مال الموكّل ، بطل البيع ، وتُردّ الجارية على البائع. وإن كان في الذمّة
وسمّاه أو نواه وصدّقه البائع ، فكذلك ، وإلاّ وقع للوكيل.
ولو كذّبه البائع
في أنّ الشراء لغيره أو بمال غيره بغير إذنه ، حلف البائع على عدم العلم ؛ لأنّ
الأصل أنّ ما في يد الإنسان له ، وكان على الوكيل غرامةُ الثمن للموكّل ، ودَفْعُ
الثمن إلى البائع ، وتبقى الجارية له ، ولا تحلّ له ؛ لأنّه إن كان صادقاً فهي للموكّل ، وإن
كان كاذباً فللبائع ، فإذا أراد استحلالها اشتراها ممّن هي له في الباطن ، فإن
امتنع من بيعه إيّاها ، رفع الأمر إلى الحاكم ليثبت له الدَّيْن ظاهراً وباطناً ،
ويصير له ما ثبت في ذمّته قصاصاً بالذي أخذ منه الآخَر ظلماً ، فإن امتنع الآخَر
من البيع ، لم يُجبر على البيع ؛ لأنّه عقد مراضاة.
وإن قال له : إن
كانت الجارية لي فقد بعتُكها ، أو قال الموكّل : إن كنتُ أذنتُ لك في الشراء فقد
بعتُكها ، صحّ توصّلاً إلى الخلاص.
وللشافعيّة وجهان .
وكلّ موضعٍ كانت
للموكّل في الباطن ، فإن امتنع من بيعها للوكيل ،
__________________
فقد حصلت في يد
الوكيل ، وهي للموكّل ، وفي ذمّته للوكيل ثمنها ، فيأذن الحاكم في بيعها وتوفية
حقّه من ثمنها ، فإن كانت للموكّل فقد باعها الحاكم في إيفاء دَيْنٍ امتنع المديون
من إيفائه. وإن كانت للوكيل ، فقد أذن في بيعها.
مسألة
٨٢١ : إذا بعث المالك إلى المديون رسولاً
ليقبض دَيْنه الذي له عليه ، وكان الدَّيْن دراهم مثلاً ، فبعث معه ديناراً فضاع الدينار من الرسول ، فهو
من مال الباعث ؛ لأنّه إنّما أمره بقبض دَيْنه وهو دراهم. فإذا دفع إليه ذهباً ،
يكون قد صارفه من غير أمره ، وقد دفع المديون إلى الرسول غير ما أمر به المرسل ،
والصَّرف شرطه رضا المتصارفين ، فصار الرسول وكيلاً للباعث في تأديته إلى صاحب
الدَّيْن ومصارفته به ، فإذا تلف في يد وكيله كان من ضمانه.
ولو كان الرسول قد
أخبر المديونَ بأنّ المالك قد أذن له في قبض الدينار عوضاً عن الدراهم ، كان من
ضمان الرسول ؛ لأنّه غرّه ، وأخذ الدينار على أنّه وكيل.
ولو قبض الدراهم
فضاعت ، كانت من ضمان صاحبها ؛ لأنّها تلفت في يد وكيله. ولو قبض أزيد ممّا أمره
بقبضه ثمّ تلف الجميع ، فالضمان في الأصل على صاحب الدراهم ، وفي الزائد على
الباعث ، حيث دفع إلى مَنْ لم يؤمر بالدفع إليه ، ويرجع الباعث على الرسول ؛ لأنّه
غرّه ، وحصل التلف في يده ، فاستقرّ الضمان عليه للموكّل ، وللموكّل أن يضمن الوكيل
؛ لأنّه تعدّى بقبض ما لم يؤمر بقبضه ، فإذا ضمنه لم يرجع على أحدٍ ؛ لأنّ التلف
حصل في يده ، فاستقرّ الضمان عليه.
مسألة
٨٢٢ : لو وكّله في قبض دَيْنه وغاب ، فأخذ
الوكيل به رهناً
فتلف الرهن في يد
الوكيل ، فقد أساء الوكيل بقبض الرهن وأخذه حيث لم يأمره المالك ، ولا ضمان عليه
في الرهن ؛ لأنّه رهن فاسد ، والقبض في العقد الفاسد كالقبض في الصحيح ، فكلّ قبضٍ
صحيح كان مضموناً فالفاسد فيه يكون مضموناً ، وما لا يكون صحيحه مضموناً لا يكون
فاسده مضموناً ، والرهن الفاسد كالصحيح في عدم الضمان بقبضه.
ولو دفع إليه دراهم
ليشتري بها سلعةً فخلطها مع دراهمه فضاعا معاً ، ضمن. وإن ضاع أحدهما ، فكذلك ؛
لأنّه فرّط بالمزج.
وقال بعض العامّة
: إن ضاعا معاً ، فلا شيء عليه. وإن ضاع أحدهما أيّهما ضاع ، غرمه .
وهذا كلام غير
محصّل ، وكيف جعل ضياع مال الاثنين شرطاً في زوال الضمان عنه!؟
__________________
الفصل السادس
: فيما به تثبت الوكالة
مسألة
٨٢٣ : تثبت الوكالة بإقرار الموكّل على نفسه
بأنّه وكّله ، وبشهادة عَدْلين ذكرين ، ولا تثبت بشهادة رجلٍ وامرأتين ، ولا بشهادة رجلٍ ويمين ، عند علمائنا أجمع
، سواء كانت الوكالة بمالٍ أو لا ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ الوكالة
إثبات للتصرّف ، فلا تثبت إلاّ بشاهدَيْن ، كالوصيّة.
وقال أحمد في إحدى
الروايتين : إنّه تُقبل في الوكالة بالمال شهادة رجلٍ وامرأتين وشهادة رجلٍ ويمين .
وهو غلط ؛ لأنّها
شهادة بولايةٍ ، فلا تُقبل إلاّ برجلين.
ويفارق ما إذا
ادّعى أنّه أوصى له بكذا ، فإنّه يُقبل فيه شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين ؛ لأنّ
المقصود فيه إثبات المال ، دون التصرّف.
مسألة
٨٢٤ : يشترط بقاء شهادة الشاهدَيْن على
الوكالة ، فلو شهد أحدهما أنّه
وكّله ثمّ شهد الآخَر أنّه وكّله ثمّ عزله ، لم تثبت الوكالة بهذه الشهادة ؛ لأنّ
أحدهما لم يُثبت وكالته في الحال.
ولو شهدا له
بالوكالة مطلقاً ثمّ عاد أحدهما قبل الحكم بها ، فقال : قد
__________________
عزله بعد التوكيل
، لم يحكم بالشهادة ؛ لأنّه رجوع عن الشهادة قبل الحكم ، فلا يصحّ للحاكم الحكم
بما رجع عنه.
وقال بعض
الشافعيّة : إنّه [ لا ] يُقبل ؛ لأنّه رجوع عن الشهادة ، فأشبه ما إذا كان بعد
الحكم .
وهو غلط ؛ لأنّه
إذا رجع بعد الحكم ، فقد نفذ الحكم بالشهادة. وإذا كان قبل الحكم ، لا يمكن الحكم
بشهادةٍ مرجوعٍ عنها.
فأمّا إذا حكم
بذلك ثمّ قالا أو أحدهما : إنّه عزله بعد ما وكّله ، فإن كان ذلك رجوعاً عن
الشهادة لم يُقبل.
وكذا لو شهد
الشاهدان بالوكالة ثمّ شهد ثالث غيرهما بالعزل ، لم يثبت العزل بشهادة واحدٍ ؛
لأنّ العزل إنّما يثبت بما يثبت به التوكيل.
ولو شهد الشاهدان
بالوكالة ثمّ شهدا معاً بالعزل ، تمّت الشهادة في العزل كتمامها في التوكيل.
مسألة
٨٢٥ : من شرط قبول الشهادة اتّفاق الشاهدَيْن
على الفعل الواحد ، فلو شهد أحدهما
أنّه وكّله يوم الجمعة ، وشهد الآخَر أنّه وكّله يوم السبت ، لم تتمّ البيّنة ؛ لأنّ
التوكيل يوم الجمعة غير التوكيل يوم السبت ، فلم تكمل شهادتهما على فعلٍ واحد.
ولو شهد أحدهما
أنّه أقرّ بتوكيله يوم الجمعة ، وشهد الآخَر أنّه أقرّ به يوم السبت ، تثبت
الشهادة ؛ لأنّ الإقرارين إخبار عن عقدٍ واحد ، ويشقّ جمع الشهود على إقرارٍ واحد
ليقرّ عندهم في حالةٍ واحدة ، فجُوّز له الإقرار
__________________
عند كلّ واحدٍ
وحده رخصةً للمُقرّ.
وكذا لو شهد
أحدهما أنّه أقرّ عنده بالوكالة بالعربيّة ، وشهد الآخَر أنّه أقرّ بها بالعجميّة
، تثبت الوكالة.
ولو شهد أحدهما
أنّه وكّله بالعربيّة ، وشهد الآخَر أنّه وكّله بالعجميّة ، لم تثبت ؛ لأنّ
الإنشاء هنا متعدّد لم يشهد بأحدهما شاهدان .
وكذا لو شهد
أحدهما أنّه قال : وكّلتُك ، وشهد الآخَر أنّه قال : أذنتُ لك في التصرّف ، أو قال
: جعلتُك وكيلاً ، أو شهد أنّه قال : جعلتُك جريّاً ، أي وكيلاً ، لم تتمّ
الشهادة ؛ لاختلاف اللفظ.
ولو شهد أحدهما
أنّه وكّله وشهد الآخَر أنّه أذن له في التصرّف ، تمّت الشهادة ؛ لأنّهما لم يحكيا
لفظ الموكّل ، وإنّما عبّرا عنه بلفظهما ، واختلاف لفظهما لا يؤثّر إذا اتّفق
معناه.
ولو قال أحدهما :
أشهد أنّه أقرّ عندي أنّه وكيله ، وشهد الآخَر أنّه وكّله ، لم تثبت الوكالة ؛
لأنّ الإقرار غير الإنشاء ، وكلّ واحدٍ لم تكمل شهادته.
ولو قال أحدهما :
أشهد أنّه أقرّ عندي أنّه وكيله ، وقال الآخَر : أشهد أنّه أقرّ أنّه جريُّه ، أو
أنّه أوصى إليه بالتصرّف في حياته ، تثبت الوكالة بذلك ؛ لأنّهما أخبرا بلفظهما.
ولو شهدا على
الإنشاء لكن شهد أحدهما أنّه وكّله في بيع عبده ، وشهد الآخَر أنّه وكّله وزيداً ،
أو أشهد أنّه وكّله في بيعه وقال : لا تبعه حتى تستأمرني أو تستأمر فلاناً ، لم
تتم الشهادة ؛ لأنّ الأوّل أثبت استقلاله بالبيع من
__________________
غير شرطٍ ،
والثاني ينفي ذلك ، فاختلفت الشهادة.
أمّا لو شهد
أحدهما أنّه وكّله في بيع عبده وشهد الآخَر أنّه وكّله في بيع عبده وجاريته ، حُكم
بالوكالة في العبد ؛ لاتّفاقهما عليه ، وزيادة الثاني لا تقدح في تصرّفه في الأوّل
ولا تضرّ.
وهكذا لو شهد
أحدهما أنّه وكّله في بيعه لزيدٍ وشهد الآخَر أنّه وكّله في بيعه لزيدٍ وإن شاء
لعمرو ، على إشكالٍ.
مسألة
٨٢٦ : لا تثبت الوكالة والعزل بشهادة واحدٍ
ولا بخبره ، عند علمائنا أجمع
ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ لأنّه حقٌّ ماليّ ، فلا يثبت بخبر الواحد ولا بشهادته ،
كالبيع.
وقال أبو حنيفة :
تثبت الوكالة بخبر الواحد وإن لم يكن ثقةً ، ويجوز التصرّف للمُخبر بذلك إذا غلب
على ظنّه صدق المُخبر بشرط الضمان إن أنكر الموكّل. ويثبت العزل بخبر الواحد إذا
كان رسولاً ؛ لأنّ اعتبار شاهدَيْن عَدْلين في هذا مشِقٌّ ، فسقط اعتباره [ و ] لأنّه أذن في
التصرّف ومنع منه ، فلم يعتبر في هذا شرط الشهادة ، كاستخدام غلامه وإسلام عبده .
وهو غلط ؛ لأنّ
العقد لا يثبت بشاهدٍ واحد ، بخلاف الاستخدام وإسلام العبد ؛ لأنّه ليس بعقدٍ.
ولو شهد اثنان أنّ
فلاناً الغائب وكّل فلاناً الحاضر ، فقال الوكيل : ما علمتُ هذا وأنا أتصرّف عنه ،
ثبتت الوكالة ؛ لأنّ معنى ذلك أنّي لم أعلم إلى الآن ، وقبول الوكالة يجوز
متراخياً ، وليس من شرط التوكيل حضور
__________________
الوكيل ولا علمه ،
ولا يضرّ جهله به.
ولو قال : ما أعلم
صدق الشاهدَيْن ، لم تثبت وكالته ؛ لقدحه في شهادتهما ، على إشكالٍ أقربه ذلك إن
طعن في الشهود ، وإلاّ فلا ؛ لأنّ الاعتبار بالسماع عند الحاكم ، وجهله بالعدالة
مع علم الحاكم بها إمّا بنفسه أو بالتزكية لا يضرّ في ثبوت حقّه.
مسألة
٨٢٧ : يصحّ سماع البيّنة بالوكالة على الغائب
، وهو أن يدّعي أنّ
فلاناً الغائب وكّلني في كذا ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّه لا يعتبر
رضاه في سماع البيّنة ، فلا يعتبر حضوره كغيره.
وقال أبو حنيفة :
لا يصحّ .
وإذا قال له مَنْ
عليه الحقّ : إنّك لا تستحقّ مطالبتي ، أو لستَ بوكيلٍ ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّ
ذلك طعن في الشهادة. ولو طلب منه الحلف على استحقاق المطالبة ، لم يُسمع كذلك.
ولو قال : قد عزلك
الموكّل فاحلف أنّه ما عزلك ، لم يستحلف ؛ لأنّ الدعوى على الموكّل ، واليمين لا
تدخلها النيابة.
ويحتمل الحلف ؛
لأنّه يدّعي عليه استحقاق المطالبة ، فيحلف على نفي العلم.
ولو قال له : أنت
تعلم أنّ موكّلك قد عزلك ، سُمعت دعواه.
وإن طلب اليمين من
الوكيل ، حلف أنّه لا يعلم أنّ موكّله عزله ؛ لأنّ
__________________
الدعوى عليه.
وإن أقام الخصم
بيّنةً بالعزل ، سُمعت ، وانعزل الوكيل.
مسألة
٨٢٨ : تُقبل شهادة الوكيل على موكّله وله
فيما ليس بوكيلٍ فيه ، ولا تُقبل
لموكّله فيما هو وكيل فيه ؛ لأنّه يُثبت لنفسه حقّاً.
ولو شهد بما كان
وكيلاً فيه بعد عزله ، فإن لم يكن قد خاصم قُبلت ، وإلاّ فلا ، وبه قال أبو حنيفة .
وقال أبو يوسف
ومحمّد وأحمد بن حنبل : لا تُقبل شهادته ، سواء خاصم أو لا ؛ لأنّه بعقد الوكالة
صار خصماً فيه ، فلم تُقبل شهادته فيه ، كما لو خاصم فيه ، بخلاف ما إذا لم يكن
وكيلاً ، فإنّه لم يكن خصماً فيه .
وهو خطأ ؛ لأنّ
الوكيل بعد عزله كالأجنبيّ ، بل ربما كان متّهماً في حقّ موكّله.
مسألة
٨٢٩ : لو كانت الأمة بين اثنين فشهدا لزيدٍ
أنّ زوجها وكّله في طلاقها ، لم تُسمع شهادتهما ؛ لأنّهما يجرّان إلى أنفسهما نفعاً ، وهو زوال حقّ الزوج
من البُضْع الذي هو ملكهما.
ولو شهدا بعزل
الوكيل في الطلاق ، لم تُقبل شهادتهما ؛ لأنّهما يجرّان إلى أنفسهما نفعاً ، وهو
إبقاء النفقة على الزوج.
وتُقبل شهادة ولدي
الرجل له بالوكالة وشهادة أبويه ، خلافاً للعامّة .
__________________
وتُقبل شهادة ابني
الموكّل وأبويه بالوكالة ، وبه قال بعض الشافعيّة .
أمّا عندنا :
فلأنّه تُقبل شهادة الولد لوالده ، وبالعكس.
وأمّا عنده :
فلأنّ هذا حقٌّ على الموكّل يستحقّ به الوكيل المطالبة ، فقُبلت فيه شهادة قرابة
الموكّل ، كالإقرار .
ونحن متى فُرضت
الشهادة على الأب منعنا قبولها.
وقال أحمد بن حنبل
: لا تُقبل ؛ لأنّها شهادة يثبت فيها حقٌّ لأبيه أو ابنه ، فلم تُقبل ـ كشهادة ابني الوكيل
وأبويه ـ لأنّهما يُثبتان لأبيهما نائباً متصرّفاً له ، وفارق الشهادة عليه
بالإقرار ؛ فإنّها شهادة عليه متمحّضة .
والأقرب : إنّه إن
كانت الشهادة على الأب ، لم تُسمع. وإن كانت له أو على الولد أو للولد ، سُمعت.
ولو ادّعى الوكيل
الوكالةَ ، فأنكرها الموكّل ، فشهد عليه ابناه ، لم تثبت عندنا ؛ لأنّه لا تُقبل
شهادة الولد على والده ، خلافاً للعامّة .
ولو شهد عليه
أبواه ، قُبلت عندنا وعندهم .
وإن ادّعى الموكّل
أنّه تصرّف بوكالته ، وأنكر الوكيل ، فشهد عليه ابناه ، لم تُقبل. فإن شهد أبواه
سُمعت.
وإن ادّعى وكيل
لموكّله الغائب حقّاً وطالَب به ، فادّعى الخصم أنّ الموكّل عزله وشهد له بذلك
ابنا الموكّل ، لم تُقبل إن كانت شهادة عليه.
__________________
وقال الجمهور :
تُسمع ، ويثبت العزل ؛ لأنّهما يشهدان على أبيهما .
وإن لم يدّع الخصم
عزله ، لم تُسمع شهادتهما ؛ لأنّهما يشهدان لمن لا يدّعيها.
فإن قبض الوكيل فادّعى
[ الموكّل ] أنّه كان قد عزل الوكيل وأنّ حقّه باقٍ في ذمّة الغريم ،
وشهد له ابناه ، قُبلت ؛ لأنّهما يثبتان حقّاً لأبيهما ، خلافاً للعامّة .
ولو ادّعى مكاتَبٌ
الوكالةَ فشهد له سيّده ، لم تُقبل.
ولو شهد له ابنا
سيّده أو أبواه ، قُبلت عندنا ، خلافاً للعامّة .
ولو أُعتق العبد
وأعاد السيّد الشهادةَ ، احتُمل عدمُ القبول ؛ لأنّها رُدّت للتهمة. والقبولُ ؛
لأنّها رُدّت للملك ، لا للتهمة وقد زال المانع.
وللشافعيّة قولان .
مسألة
٨٣٠ : لو حضر رجل وادّعى على غائبٍ مالاً في
وجه وكيله ، فأنكره ، فأقام بيّنةً بما
ادّعاه ، حلّفه الحاكم ، وحكم له بالمال ، فإذا حضر الموكّل وجحد الوكالةَ ، أو
ادّعى أنّه كان قد عزله ، لم يؤثّر ذلك في الحكم ؛ لأنّ القضاء على الغائب لا
يفتقر إلى حضور وكيله.
ولو قال له : بِعْ
هذا الثوب بعشرة ، فما زاد عليها فهو لك ، فمال الجعالة هنا مجهول ، فيبطل المسمّى
، ويثبت له أُجرة المثل ، ولا يلزم
__________________
ما عيّنه له ، وبه
قال الشافعي .
وقال أحمد : يصحّ
، ويكون للمأمور الزائدُ ؛ لأنّ ابن عباس كان لا يرى بذلك بأساً. ولأنّه يتصرّف في
ماله بإذنه ، فصحّ شرط الربح له ، كالمضارب والعامل في المساقاة .
والفرق : تعذّر
تعيين الأُجرة في المضارب والمساقي ، بخلاف الدلالة.
مسألة
٨٣١ : لو ادّعى الوكالة على الغائب وأقام
شاهدَيْن وثبتت عند الحاكم وثبت الحقّ لموكّله ، فادّعى مَنْ عليه الحقّ أنّ الموكّل أبرأه من الحقّ أو
قضاه ولم يدّع علم الوكيل بذلك ، لم تُسمع منه هذه الدعوى ؛ لأنّ سماع هذه الدعوى
يؤدّي إلى إبطال الوكالة في استيفاء حقّ الغائب ، لأنّه متى ادّعى ذلك مَنْ عليه
الحقُّ وسُمعت منه ، وقفت المطالبة بالحقّ إلى حضور الموكّل ويمينه ، فتقف بذلك
الحقوقُ ، فيقال له : ادفع الحقّ الذي عليك ، وتقف دعواك إلى حضور الموكّل ويمينه.
وإن ادّعى علم
الوكيل بذلك ، سُمعت دعواه ، وسأله عن ذلك ، فإن صدّقه بطلت وكالته ، وسقطت
مطالبته. وإن أنكر ، حلف على ذلك ، وبه قال الشافعي وزفر .
وقال أبو حنيفة
وصاحباه : لا يحلف ؛ لأنّ هذه اليمين متوجّهة على الموكّل ، فلا ينوب فيها الوكيل .
وليس بصحيح ؛
لأنّه ليس بنائبٍ عن الموكّل ؛ لأنّ إقراره بذلك
__________________
لا يثبت به حقٌّ
على الموكّل عندنا ، فلا تسقط بيمينه الدعوى.
ويدلّ على قولنا
أنّه لو أقرّ الوكيل بذلك ، سقطت مطالبته ، فإذا أنكر توجّهت عليه اليمين ، كصاحب
الحقّ.
* * *
__________________
المقصد السابع
: في الإقرار
وفيه فصول :
الفصل الأوّل
: في ماهيّته ومشروعيّته
نريد أن نبحث في
هذا الفصل عن جميع ما يتعلّق بالإقرار ، ولا شكّ في أنّه متعلّق بمُقِرٍّ ومُقَرٍّ
له ومُقَرٍّ به ، وصيغةٍ تترتّب عليها المؤاخذة. وهذه الأربعة هي أركان الإقرار.
ثمّ المُقَرّ به
قد يكون مالاً ، وقد يكون غيره ، وعلى التقديرين فالمستعمل فيه قد يكون مفصّلاً ،
وقد يكون مجملاً ، وعلى كلّ تقديرٍ فقد يُعقَّب الإقرار بما ينافيه وقد لا يُعقَّب.
وإذا لم يكن
المُقَرّ به مالاً ، فقد يكون عقوبةً من قصاصٍ أو حدٍّ ، وقد يكون نسباً وغيره.
ثمّ قد يحصل بحيث يكون من لواحق ذلك ، فالفصول خمسة.
الإقرار : الإثبات
، من قولك : قرّ الشيء يقرّ وأقررته وقرّرته إذا أفدته القرار ، ولم يُسمّ ما
يشرع فيه إقراراً من حيث إنّه افتتاح إثباتٍ ، ولكن لأنّه إخبار عن ثبوتٍ ووجوبٍ
سابق.
وهو إخبار عن حقٍّ
سابق.
__________________
وهو معتبر بالكتاب
والسنّة والإجماع.
أمّا الكتاب :
فقوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ) إلى قوله : ( أَأَقْرَرْتُمْ
وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا ) الآية.
وقوله تعالى : ( وَآخَرُونَ
اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ) .
وقوله تعالى : ( أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) .
وقوله تعالى : ( كُونُوا
قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ ) .
قال المفسّرون :
شهادة المرء على نفسه إقراره .
والآيات في ذلك
كثيرة في القرآن العزيز.
وأمّا السنّة :
فما روي عن النبيّ 6 أنّه أقرّ ماعز عنده بالزنا ، فرجمه رسول الله 6 .
وكذلك الغامديّة ،
وقال : « اغْدُ يا أُنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها » والاعتراف هو
الإقرار.
وقال 6 : « قُولوا الحقّ
ولو على أنفسكم » .
وأمّا الإجماع :
فقد أجمعت الأُمّة كافّةً على صحّة الإقرار.
__________________
ولأنّ الإقرار
إخبار على وجهٍ ينفي عنه التهمة والريبة ؛ لأنّ العاقل لا يكذب على نفسه فيما يضرّ
بها ، ولهذا كان آكد من الشهادة ؛ لأنّ المدّعى عليه إذا اعترف لم تُسمع عليه
الشهادة ، وإنّما الشهادة يحتاج إليها إذا أنكر. ولو كذّب المدّعي بيّنته ، لم
تُسمع. وإن كذب المُقرّ ثمّ صدّقه ، سُمع.
* * *
الفصل الثاني
: في أركانه
وهي أربعة ؛ لأنّ
الإقرار إنّما يتمّ بالصيغة والمُقرّ والمُقَرّ له والمقَرّ به ، فهنا مباحث :
البحث
الأوّل : في الصيغة.
مسألة
٨٣٢ : الصيغة هي اللفظ
الدالّ على الإخبار بحقٍّ واجب ، كقوله : له علَيَّ ، أو : عندي ، أو : في ذمّتي.
ويشترط فيها
التنجيز والجزم بالحكم.
فإذا قال :
عَلَيَّ لفلان كذا ، فهو صيغة إقرارٍ.
وكذا : « لفلان
علَيَّ ، أو : في ذمّتي » إقرار بالدَّيْن ظاهراً.
وقوله : « عندي ،
أو : معي » إقرار بالعين.
ولو قال له :
قِبَلي ألف ، فهو دَيْن.
ويحتمل أن يصلح
للدَّيْن والعين معاً.
ولو علّق إقراره
على الشرط ، لم يصح ، وكان لاغياً.
مسألة
٨٣٣ : إذا قال لغيره :
لي عليك ألف ، فقال في الجواب : زِنْ ، أو خُذْ ، لم يكن إقرارا ؛ لأنّه لم توجد
منه صيغة التزامٍ ، وقد يذكر مثل ذلك مَنْ يستهزئ ويبالغ في الجحود.
وكذا لو قال :
استوف ، أو : اتّزن ، فكذلك.
وقال بعض
الشافعيّة : إنّ قوله : « اتّزن » إقرار ؛ لأنّه يستعمل في العادة فيما يستوفيه
الإنسان لنفسه ، بخلاف قوله : « زِنْ » وبه قال أبو حنيفة .
ولو قال : زِنْه ،
أو : خُذْه ، فليس بإقرارٍ أيضاً ؛ للاحتمال المذكور ، وهو ظاهر مذهب الشافعي .
وقال بعض العامّة
: يكون إقراراً ؛ لأنّ الكناية تعود إلى ما تقدّم في الدعوى .
ولو قال : شدّه في
هميانك ، أو : اجعله في كيسك ، أو : اختم عليه ، فهو كقوله : زِنْه ، أو : خُذْه.
مسألة
٨٣٤ : يصحّ الإقرار
بالعربيّة والعجميّة معاً من العربيّ والعجميّ معاً بالإجماع ؛ لأنّ كلّ واحدةٍ
منهما لغة كالأُخرى يُعبَّر بها عمّا في الضمير ، وتدلّ على المعاني الذهنيّة بسبب
العلاقة الراسخة بينهما بحسب المواضعة ، فإذا كان اللفظ موضوعاً لشيءٍ دلّ عليه.
فإن أقرّ عربيّ
بالعجميّة ، أو عجميّ بالعربيّة ، فإن عرف أنّه عالم بما أقرّ به ، لزمه.
وإن قال : ما
عرفتُ معناه ، فإن صدّقه المُقرّ له على ذلك ، سقط الإقرار. وإن كذّبه ، فالقول قول
المُقرّ مع يمينه ؛ لأنّ الظاهر من حال
__________________
العجميّ أن لا
يعرف العربيّة ، وكذا العربيّ لا يعرف العجميّة ظاهراً.
مسألة
٨٣٥ : لو قال المدّعي :
لي عليك ألف ، فقال في الجواب : نعم ، أو : بلى ، أو : أجل ، أو : صدقتَ ، كان
إقراراً ؛ لأنّ هذه الألفاظ موضوعة للتصديق في عرف اللغة.
قال الله تعالى : هل
( وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا
نَعَمْ ) .
ولو قال : لعمري ،
قيل : يكون إقراراً ؛ لأنّه يستعمل فيه .
والأقرب : أنّه
ليس كذلك ؛ لاختلاف العرف فيه.
ولو قال : أنا
مُقرٌّ به ، أو : بما تدّعيه ، أو : بما ادّعيتَ ، أو : بدعواك ، أو : لستُ منكراً
له ، فهو إقرار.
ولو قال : أنا
مُقرٌّ ، ولم يقل : به ، أو قال : لستُ منكراً ، أو : أنا أُقرّ ، لم يكن إقراراً
؛ لجواز أن يريد الإقرار ببطلان دعواه ، أو بأن الله تعالى واحد.
وهذا يدلّ على أنّ
الحكم بأنّ قوله : « أنا مُقرّ به » إقرار فيما إذا خاطبه وقال : « أنا مُقرٌّ لك
به » وإلاّ فيجوز [ أن يريد ] الإقرار به لغيره.
ولو قال : أنا
أُقرّ لك به ، لم يكن إقراراً ؛ لجواز إرادة الوعد ، ولأنّه ليس صريحاً في الإخبار
؛ لجواز إرادة الإنشاء والوعد بالإقرار في ثاني الحال ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.
والثاني : إنّه
إقرار ؛ لأنّ قرينة الخصومة وتوجّه الطلب تشعر
__________________
بالتنجيز .
والأوّل أصحّ.
ولو قال : لا
أُنكر ما تدّعيه ، كان إقراراً غير محمولٍ على الوعد عند بعض الشافعيّة ؛ لأنّ
العموم إلى النفي أسرع منه إلى الإثبات ، ولهذا كانت النكرة في معرض النفي تعمّ ،
وفي الإثبات لا تعمّ .
وهو مشكل ، والأقرب
: إنّه كالإثبات.
ولو سُلّم الفرق ،
لكنّه لا ينفي الاحتمال ، وقاعدة الإقرار الأخذ بالقطع والبتّ والحكم بالمتيقّن ؛
لأصالة براءة الذمّة.
وقال الجويني من
الشافعيّة : بتقدير حمله على الوعد فالقياس أنّ الوعد بالإقرار إقرارٌ ، كما أنّا
نقول : التوكيل بالإقرار إقرار .
وهو غلط ، والحكم
في الأصل ممنوع.
ولو قال في الجواب
: لا أُنكر أن يكون مُحقّاً ، لم يكن مُقرّاً بما يدّعيه ؛ لجواز أن يريد في شيءٍ
آخَر ، ولو قال : فيما يدّعيه ، فهو إقرار.
ولو قال : لا
أُقرّ به ولا أُنكره ، فهو كما لو سكت ، فيُجعل منكراً ويطالب بالجواب.
وقيل : تُعرض عليه
اليمين .
ولو قال : أبرأتني
عنه ، أو قبضتَه ، فهو إقرار ، وعليه بيّنة القضاء أو الإبراء.
__________________
وقال بعض
الشافعيّة : إنّ قوله : « أبرأتني عنه » ليس بإقرارٍ ؛ لقوله تعالى : (
فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمّا قالُوا ) [ و ] تبرئته عن عيب الأُدْرَة لا تقتضي إثباته
له .
ولو قال : أقررت
بأنّك أبرأتني ، أو : استوفيت منّي ، لم يكن إقراراً. ولو قال في الجواب : لعلّ ،
أو : عسى ، أو : أظنّ ، أو : أحسب ، أو : أقدر ، أو : أتوهّم ، لم يكن مُقرّاً.
مسألة
٨٣٦ : اللفظ قد يكون
صريحاً في التصديق وتنضمّ إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء والتكذيب ،
ومن جملتها : الأداء ، والإبراء ، وتحريك اللسان الدالّ على شدّة
التعجّب والإنكار ، فعلى هذا يُحمل قوله : « صدقت » وما في معناه على هذه الحالة ،
فلا يكون إقراراً.
فإن وُجدت القرائن
الدالّة على الإقرار ، حُكم به ، وإن وُجدت القرائن الدالّة على غيره ، حُكم بعدم
الإقرار.
ولو قال : لي عليك
ألف ، فقال في الجواب : لك علَيَّ ألف ، على سبيل الاستهزاء ، لم يكن إقراراً.
وحكى أبو سعيد
المتولّي من الشافعيّة أنّ فيه وجهين .
مسألة
٨٣٧ : لو قال : أليس لي
عليك ألف؟ فقال : بلى ، كان مُقرّا ، ولزمه الألف ؛ لأنّه تصديق للإيجاب المناقض
للنفي ؛ لقوله تعالى : ( أَلَسْتُ
__________________
بِرَبِّكُمْ
قالُوا بَلى ) .
ولو قال : نعم ،
فاحتمالان :
أحدهما : إنّه لا
يكون مُقرّاً.
والفرق : إنّ «
نعم » في جواب الاستفهام [ تصديق لما دخل عليه الاستفهام ] ، و« بلى » تكذيب
له من حيث إنّ أصل « بلى » « بل » زِيدت [ عليها ] « الياء » وهي
للردّ والاستدراك ، وإذا كان كذلك فقوله : « بلى » ردّ لقوله : ليس لي عليك ألف ،
فإنّه الذي دخل عليه حرف الاستفهام ، ونفيٌ له ، ونفي النفي إثبات ، فكأنّه قال :
لك علَيَّ ألف ، وقوله : « نعم » تصديق له ، فكأنّه قال : ليس [ لك علَيَّ ] .
هذا تلخيص ما نُقل
عن الكسائي وجماعة من فضلاء اللغة ، وعلى وفقه ورد القرآن العزيز.
قال الله تعالى : ( أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) .
قيل : لو قالوا :
« نعم » لكفروا .
وقال تعالى : ( أَمْ
يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى ) .
__________________
وقال تعالى : ( أَيَحْسَبُ
الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى ) .
وقال تعالى في «
نعم » : ( فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا
قالُوا نَعَمْ ) وقال : ( أَإِنَّ لَنا
لَأَجْراً إِنْ كُنّا نَحْنُ الْغالِبِينَ * قالَ نَعَمْ ) .
والثاني : إنّه
يكون مُقرّاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ من « نعم » و« بلى » يقام مقام الآخَر في العرف.
والاحتمالان وجهان
أيضاً للشافعيّة .
وقال الآخَرون :
إنّ الأقارير تُحمل على مفهوم أصل العرف ، لا على دقائق العربيّة .
ولو قال : هل لي
عليك ألف؟ فقال : نعم ، فهو إقرار.
مسألة
٨٣٨ : إذا قال لغيره :
اشتر منّي عبدي هذا ، أو : أعطني عبدي هذا ، فقال : نعم ، فهو إقرار له بملكيّة
العبد.
وكذا لو قال :
اعتق عبدي هذا ، فقال : نعم.
ويحتمل عدمه ، وبه
قال بعض الشافعيّة .
ولو قال : بِعْني
هذا العبد ، فهو إقرار بعدم ملكيّة القائل له.
وهل هو إقرار
للمخاطب بالملكيّة؟ إشكال ؛ لاحتمال أن يكون وكيلاً.
ولو قال : اشتر
منّي هذا العبد ، فقال : نعم ، فهو إقرار بأنّ المخاطب مالك للبيع ، وليس إقراراً
بأنّه مالك للمبيع.
__________________
ولو ادّعى عليه
عبداً في يده ، فقال : اشتريته من وكيلك فلان ، فهو إقرار له ، ويحلف المدّعى عليه
على أنّه ما وكّل فلاناً بالبيع.
مسألة
٨٣٩ : لو قال : له
علَيَّ ألف في علمي ، أو : فيما أعلم أو أشهد ، فهو إقرار ؛ لأنّ ما في علمه لا
يحتمل إلاّ الوجوب.
ولو قال : كان له
علَيَّ ألف ، وسكت ، أو : كانت هذه الدار له في السنة الماضية ، فالأقرب : إنّه
يلزمه الألف وتسليم الدار إليه ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه ـ لأنّه أقرّ بالوجوب
، ولم يذكر ما يرفعه ، فيبقى على ما كان عليه ، ولهذا لو تنازعا داراً فأقرّ
أحدهما للآخَر أنّها كانت ملكه ، حُكم بها له ، إلاّ أنّه هنا إن عاد فادّعى
القضاء أو الإبراء ، سُمعت دعواه ؛ لأنّه لا تنافي بين إقراره وبين ما يدّعيه.
وللعمل بالاستصحاب.
والثاني للشافعيّة
: إنّه ليس بإقرارٍ في الحال بشيء ؛ لأصالة براءة الذمّة. ولأنّه لم يذكر أنّ
عليه شيئاً في الحال ، إنّما أخبر بذلك في زمنٍ ماضٍ ، فلا يثبت في الحال. وكذا لو
شهدت البيّنة به ، لم يثبت .
مسألة
٨٤٠ : لو قال : هذه
داري أسكنت فيها فلاناً ثمّ أخرجتُه منها ، لم يكن إقراراً بالملكيّة قطعاً.
وهل يكون إقراراً
باليد؟ قال بعض الشافعيّة : نعم ؛ لأنّه اعترف
__________________
بثبوتها من قَبْلُ
وادّعى زوالها .
وقال بعضهم : إنّه
ليس بإقرارٍ ؛ لأنّه لم يعترف بيد فلان إلاّ من جهته . وهو الأقوى
عندي.
ولو قال : ملّكتُ
هذه الدار من زيدٍ ، فهو إقرار بالملك لزيدٍ ، على إشكالٍ ، وادّعى انتقالها منه
إليه ، فإن لم يصدّقه زيد دُفعت إليه. وإن صدّقه ، أُقرّت في يده.
ولو قال : اقض
الألف التي لي عليك ، فقال : نعم ، فهو إقرار.
ولو قال في الجواب
: أُعطي غداً ، أو : ابعث مَنْ يأخذه ، أو أمهلني يوماً ، أو أمهلني حتى أضرب
الدراهم ، أو أفتح باب الصندوق ، أو أقعد حتى تأخذ ، أو لا أجد اليوم ، أو لا تدم
التقاضي ، أو قال : ما أكثر ما تتقاضى والله لأقضينّك ، قال أبو حنيفة : يكون
مُقرّاً في جميع هذه الصور .
وعندي فيه تردّد ،
واضطربت الشافعيّة فيه .
وكذا لو قال :
اسرج دابّة فلان هذه ، فقال : نعم ، أو قال : أخبرني زيد أنّ لي عليك كذا ، فقال :
نعم ، أو قال : متى تقضي حقّي؟ فقال : غداً.
[ ولو ] قال له قائل :
غصبتَ ثوبي ، فقال : ما غصبتُ من أحدٍ قبلك
__________________
ولا بعدك ، لم يكن
مُقرّاً ؛ لأنّ نفي الغصب من غيره لا يقتضي ثبوت الغصب فيه.
وكذا لو قال : ما
علَيَّ لزيدٍ أكثر من مائة درهم ؛ لأنّ نفي الزائد على المائة لا يوجب إثبات
المائة.
ويحتمل أن يكون
إقراراً بالمائة. وهو أيضاً وجه للشافعيّة .
مسألة
٨٤١ : قد بيّنّا أنّ من
شرط صحّة الصيغة بالإقرار التنجيز ، فلو علّق إقراره على شرطٍ أو صفةٍ ، بطل ،
كقوله : إن جاء زيد فله علَيَّ كذا ، أو إذا جاء رأس الشهر فله كذا.
ولا فرق بين أن
يكون الشرط معلومَ الوقوع أو مجهولَه.
ولو قال المعسر :
لفلان علَيَّ ألف إن رزقني الله تعالى مالاً ، لم يكن إقراراً ؛ للتعليق ، وبه قال
بعض الشافعيّة .
وقال بعضهم : إنّه
إقرار ، وصيغة الشرط لبيان وقت الأداء .
والمعتمد : أن
يستفسره ، فإن فسّر بالتأجيل صحّ. وإن فسّره بالتعليق بطل.
وكذا في قوله : «
إذا جاء رأس الشهر فله علَيَّ كذا » إن قصد بيان وقت الأداء لزم. وإن قصد التعليق
بطل.
مسألة
٨٤٢ : لو ادّعى عليه
ألفاً وقال : إنّ فلاناً يشهد لي بها ، فقال المدّعى عليه : إن شهد بها علَيَّ
فلان فهو صادق ، وجب الألف عليه في الحال ، سواء شهد فلان أو لا.
__________________
ولو قال فلان : لا
أشهد ، أو : أنّ المدّعي كاذب ، أو : أنا أشهد ببراءة المُقرّ ، كان عليه الأداء
في الحال ؛ لأنّه حكم بصدقه على تقدير الشهادة.
وإنّما تتمّ هذه
الملازمة ويصدق هذا الحكم لو كان الحقّ ثابتاً في ذمّته ؛ لأنّه لو لم يكن ثابتاً
لم يصدق هذا الحكم لو شهد ، فتكون الملازمة كاذبةً ، لكنّا إنّما نحكم بصدقها
كغيره من الإقرارات.
وهو أصحّ وجهي
الشافعيّة. والثاني : إنّه لا يكون إقراراً ؛ لما فيه من التعليق .
والأقرب : إنّه إن
ادّعى عدم علمه بما قال وأنّ المُقرّ له لا يستحقّ في ذمّته شيئاً وأنّه توهّم أنّ
فلاناً لا يشهد عليه ، فإن كان ممّن يخفى عنه ذلك قُبِل قوله ، وحُمل على التعليق
، وكان كلامه لاغياً ، وإلاّ ثبت.
ولو شهد عليه شاهد
بألفٍ ، فقال : هو صادق ، أو عَدْل ، لم يكن مُقرّاً.
ولو قال : إنّه
صادق فيما شهد به ، أو عَدْل فيما قال ، كان مُقرّاً.
ولو قال : إن شهدا
علَيَّ صدّقتُهما ، لم يكن مُقرّاً ؛ لأنّ غير الصادق قد يصدق.
ولو قال : إن شهد
علَيَّ فلان فهو حقٌّ أو صحيح ، فكقوله : صادق.
ولو قال : له
علَيَّ ألف إن شهد بها فلان ، لم يكن إقراراً ، لأنّه معلّق على شرطٍ.
مسألة
٨٤٣ : لو علّق إقراره
بمشيئة الله تعالى ، بطل ، فلو قال : لك علَيَّ ألف إن شاء الله ، لم يكن إقراراً
ـ وهو قول الشافعيّة ـ لأنّه علّق
__________________
إقراره على شرطٍ ،
فلم يصح ، كما لو علّقه على مشيئة زيدٍ. ولأنّ المعلّق على مشيئة الله تعالى لا
سبيل إلى معرفته.
وقال أحمد بن حنبل
: إنّه يكون إقراراً ؛ لأنّه وصل إقراره بما يرفعه بأجمعه ، ولا يصرفه إلى غير
الإقرار ، فلزمه ما أقرّ به ، وبطل صلته به ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إلاّ ألفاً.
ولأنّه عقّب الإقرار بما لا يفيد حكماً آخَر ولا يقتضي رفع الحكم ، فأشبه ما لو
قال : له علَيَّ ألف في مشيئة الله تعالى .
وهو ممنوع ؛ لأنّه
محض تعليقٍ على شرطٍ ، فأشبه التعليق بدخول الدار ومشيئة زيدٍ.
ولو قال : له
علَيَّ ألف إلاّ أن يشاء الله تعالى ، صحّ الإقرار ؛ لأنّه علّق رفع الإقرار على
أمرٍ لا يعلم ، فلا يرتفع.
ولو قال : لك
علَيَّ ألف إن شئت ، أو إن شاء زيد ، لم يصح ، وبه قال أحمد أيضاً.
وقال بعض أصحابه :
يصحّ ؛ لأنّه عقّب بما يرفع الإقرار ، فأشبه استثناء الكلّ .
وهو غلط ؛ لأنّه
علّقه على شرطٍ يمكن علمه فلم يصح ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إن شهد به فلان ،
وذلك لأنّ الإقرار إخبار بحقٍّ سابق ، فلا يتعلّق على شرطٍ مستقبل.
__________________
ولو قال : له
علَيَّ ألف إن شاء الله ، وقصد التبرّك بالمشيئة والصلة والتفويض إلى الله تعالى ،
فهو إقرار ، كقوله تعالى : ( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ
الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ ) وقد علم الله تعالى أنّهم سيدخلونه.
مسألة
٨٤٤ : لو قال : له
علَيَّ ألف إن شاء زيد ، أمكن جَعْل مشيئة زيدٍ شرطاً يتوقّف الأمر على وجودها ؛
لأنّ مشيئته متجدّدة ، وأمّا مشيئة الله تعالى فإنّها غير متجدّدةٍ ، والماضي لا
يمكن رفعه ، فتعيّن حمل الأمر في مشيئة زيدٍ على المستقبل ، فيكون وعداً لا
إقراراً.
ولو قال : بعتك إن
شاء الله ، أو زوّجتك إن شاء الله ، لم يقع البيع ولا النكاح.
وقال أبو حنيفة :
يقع النكاح والبيع ، وبه قال أحمد .
ولو قال : بعتك
بألف إن شئتَ ، فقال : قد شئتُ وقبلتُ ، لم يصح ، على إشكالٍ ؛ لأنّ هذا الشرط من
موجَب العقد ومقتضاه ، فإنّ الإيجاب إذا وُجد من البائع كان القبول إلى مشيئة
المشتري واختياره.
والحقُّ : البطلان
من حيث التعليق ؛ إذ لا نعلم حاله عند العقد هل يشاء أم لا ، فأشبه ما لو قال : إن
شاء زيد.
ولو قال : له
علَيَّ ألف إن قدم فلان ، لم يلزمه ؛ لأنّه لم يُقرّ به في الحال ، وما لا يلزمه
في الحال لا يصير واجباً عند وجود الشرط.
البحث
الثاني : في المُقر.
مسألة
٨٤٥ : يشترط في المُقرّ
البلوغ ، فأقارير الصبي لاغية ، سواء كان
__________________
مميّزاً أو لا ،
وسواء أذن له الوليّ أو لا ، عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ـ لقول النبيّ 6 : « رُفع القلم
عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه » .
وقال أبو حنيفة :
إذا كان الصبيّ مميّزاً ، صحّ الإذن في البيع والشراء ، ويصحّ إقراره فيه .
وقال أحمد :
اليتيم إذا أُذن له في التجارة وهو يعقل البيع والشراء ، فبيعه وشراؤه جائز. وإن
أقرّ أنّه قبض شيئاً من ماله ، جاز بقدر ما أذن له فيه وليُّه . وليس بشيء.
وقول أبي حنيفة :
« إذا كان مأذوناً من جهة الوليّ صحّ إقراره ؛ قياساً على تصرّفاته » باطل بالحديث ، وأصله ممنوع.
ولنا وللشافعيّة
قولٌ في صحّة تدبيره ووصيّته ، فعلى هذا القول
__________________
عندنا وعند
الشافعي يصحّ إقراره بهما .
والحقّ ما تقدّم ؛
لأنّ إقراره لا يصحّ بغير ذلك وبغير ما أذن له فيه ، فكذا بهما وبالبيع والشراء ،
كالمجنون.
ولو ادّعى أنّه قد
بلغ بالاحتلام ، أو ادّعت الجارية البلوغَ بالحيض ، قُبِل إن كان ذلك في وقت
الإمكان ، وإلاّ فلا.
ولو فُرض ذلك في
خصومةٍ ، لم يحلفا ؛ لأنّه لا يُعرف ذلك إلاّ من جهتهما ، فأشبه ما إذا علّق نذر
العتق بمشيئة الغير ، فقال : شئت ، يُصدّق بغير يمينٍ. ولأنّهما إن صُدّقا فلا
تحليف ، وإن كُذّبا فكيف يحلفان واعتقاد المكذّب أنّهما صغيران؟ ولأنّه لو حلّفناه
لأراد في تحليفه تغرير الصبي ، والصبي لا يحلف ، فإذَنْ لو حُلّف لما حلف.
ولو بلغ مبلغاً
تيقّن بلوغه فيه ، لم يحلف أيضاً على أنّه كان بالغاً حينئذٍ ؛ لأنّا إذا حكمنا
بموجب قوله فقد أنهينا الخصومة نهايتها ، فلا عود إلى التحليف.
ولو جاء واحد من
الغُزاة يطلب سهم المقاتلة وذكر أنّه احتلم ، دُفع إليه سهمه ؛ لأنّا لا نشترط
البلوغ في استحقاق سهم الغنيمة.
__________________
وعند المشترطين
يحلف ويأخذ السهم .
فإن لم يحلف ،
فللشافعيّة وجهان :
قال بعضهم : يعطى
؛ لأنّ الظاهر استحقاقه بحضور الوقعة .
وقال بعضهم : لا
يعطى ؛ لعدم العلم بالبلوغ ، وقوله متّهم .
ولو ادّعى البلوغ
بالسنّ ، طُولب بالبيّنة ؛ لإمكانها.
ولو كان غريباً أو
خاملَ الذِّكْر ، التُحق بدعوى الاحتلام.
وقال بعض
الشافعيّة : يُطالَب بالبيّنة ؛ لإمكانه في جنس المدّعي ، أو يُنظر إلى الإنبات ؛ لتعذّر معرفة
التأريخ ، كما في صبيان الكفّار .
والأظهر عند
الشافعيّة : الثاني ؛ لأنّه إذا أمكن إقامة البيّنة ، كُلّف إقامتها ، ولم يُنظر
إلى حال المدّعي وعجزه .
والوجه : إنّ دعوى
الصبي البلوغَ بالاحتلام ليس إقراراً ؛ لأنّ المفهوم من الإقرار الإخبارُ عن ثبوت
حقٍّ عليه للغير ، ونفس البلوغ ليس كذلك ، ولهذا يُطالَب مدّعي البلوغ بالسنّ
بالبيّنة ، واختلفوا في تحليف مدّعي البلوغ بالاحتلام ، والمُقرّ لا يكلَّف
البيّنة ولا اليمين.
نعم ، لو قال :
أنا بالغ ، فقد اعترف بثبوت الحقوق المنوطة بالبلوغ ، فحقّ هذا الوجه أن يكون
متضمّناً للإقرار ، لا أنّه نفسه إقرار. وبتقدير كونه
__________________
إقراراً فليس ذلك
بإقرار الصبي ؛ لأنّه إذا قال : أنا بالغ ، يُحكم ببلوغه سابقاً على
قوله ، فلا يكون إقرارُه إقرارَ الصبي.
مسألة
٨٤٦ : يشترط في المُقرّ
العقل ، فلا يُقبل إقرار المجنون ؛ لأنّه مسلوب القول في الإنشاء والإقرار بغير
استثناء.
ولا فرق بين أن
يكون الجنون مطبقاً أو يأخذه أدواراً ، إلاّ أنّ الذي يأخذه أدواراً إن أقرّ في
حال إفاقته ، صحّ ؛ لأنّه حينئذٍ عاقل.
ولا بدّ من
كماليّة العقل في الإقرار ، فالسكران الذي لا يحصّل أو لا يكون كاملَ العقل حالة
سكره لا يُقبل إقراره ، عند علمائنا أجمع ، وكذا بيعه وجميع تصرّفاته ؛ لعدم
الوثوق بما يقول ، وعدم العلم بصحّته ، ولا تنتفى عنه التهمة فيما يُخبر به ، فلم
يوجد معنى الإقرار الموجب لقبول قوله.
وللشافعي فيه
اضطراب .
قال بعض أصحابه :
يصحّ إقرار السكران ، ولا يصحّ بيعه .
وقال بعضهم : بيع
السكران يحتمل وجهين : الجواز ، وعدمه .
وقال بعضهم
بالجواز ؛ لأنّ أفعاله تجري مجرى أفعال الصاحي .
قال الشافعي : لو
شرب رجل خمراً أو نبيذاً فسكر فأقرّ في حال
__________________
سكره ، لزمه ما
أقرّ به .
وروى المزني في
ظهار السكران ما إذا صحّ كان بمنزلة المجنون في إقراره .
ومَنْ أُكره
فأُوجر خمراً حتى ذهب عقله ثمّ أقرّ ، لم ينفذ إقراره وعند الشافعي أيضاً ؛ لأنّه
معذور.
ولا فرق عندنا بين
أن يسكر قاصداً أو غيره ، خلافاً للشافعي .
مسألة
٨٤٧ : لا بدّ من القصد
في الإقرار ، فلا عبرة بإقرار الغافل والساهي والنائم ؛ لقوله 6 : « رُفع القلم
عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه » .
وكذا المغمى عليه
لا ينفذ إقراره ؛ لزوال رشده وتحصيله ، وكذا المبرسم ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛
لدخول المبرسم والمغمى عليه في معنى المجنون والنائم. ولأنّه قولٌ من غائب العقل ،
فلا يثبت له حكم ، كالبيع والطلاق.
مسألة
٨٤٨ : يشترط في المُقرّ
الاختيار ، فلا يقع إقرار المُكره على الإقرار ، عند علمائنا أجمع ـ وبه قال
الشافعي وأحمد ـ لقول النبيّ 6 :
__________________
« رُفع عن أُمّتي
الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه » .
ولأنّه قول أُكره
عليه بغير حقٍّ ، فلم يصح ، كالبيع.
ولو أقرّ بغير ما
أُكره عليه ـ مثل أن يُكره على الإقرار لرجلٍ فيقرّ لغيره ، أو يُكره على أنّه
يُقرّ بنوعٍ من المال فيُقرّ بغيره ، أو يُكره على الإقرار بطلاق امرأةٍ فيُقرّ
بطلاق أُخرى ، أو يُكره على الإقرار بعتق عبدٍ فيُقرّ بعتق غيره ـ صحّ ؛ لأنّه
أقرّ بما لم يُكره عليه ، فصحّ ، كما لو أقرّ به ابتداءً.
ولو أُكره على
الإقرار بمائةٍ فأقرّ بمائتين ، فالأقرب : نفوذه. ولو أُكره على الإقرار بمائةٍ
فأقرّ بخمسين ، لم يُنفذ.
ولو أُكره على
أداء مالٍ ، فباع شيئاً من ماله ليؤدّي ذلك ، صحّ بيعه ؛ لأنّه لم يُكره على
البيع.
ولو ادّعى المُقرّ
الإكراهَ على الإقرار ، لم يُقبل قوله ، إلاّ بالبيّنة ، سواء أقرّ عند سلطانٍ أو
عند غيره ؛ لأصالة عدم الإكراه ، إلاّ أن يكون هناك دلالة على الإكراه ، كالقيد
والحبس والتوكيل به ، فيكون القولُ قولَه مع يمينه ؛ لدلالة هذه الحال على الإكراه
، على إشكالٍ.
ولو ادّعى أنّه
كان زائلَ العقل حالة إقراره ، لم يُقبل قوله إلاّ بالبيّنة ؛ لأصالة السلامة حتى
يُعلم غيرها.
ولو لم يُعلم له
حالة جنونٍ البتّة ، لم يلتفت إليه. ولو عُلم ، فالقول قوله مع اليمين.
ولو شهد الشهود
بإقراره ، لم تفتقر صحّة الشهادة إلى أن يقولوا : أقرّ
__________________
طوعاً في صحّة
عقله وبدنه ؛ لأنّ الظاهر سلامة الحال وصحّة الشهادة.
مسألة
٨٤٩ : لا يُقبل إقرار
المحجور عليه للسفه بالمال ، ويصحّ في الحدّ والقصاص ؛ لانتفاء التهمة فيه.
وإذا فُكّ الحجر
عنه ، لم يلزمه المال الذي أقرّ به في الحجر ؛ لأنّ عدم قبول إقراره صيانة لماله
لموضع التهمة فيه ، فلو ألزمناه بعد فكّ الحجر بطل معنى الحجر.
ولو أقرّ بالسرقة
، لزمه القطع ، دون المال.
وللشافعي في المال
قولان : اللزوم ؛ لئلاّ يتبعّض إقراره. والعدم ؛ لعدم قبول قوله في المال .
والتبعيض غير
ضائرٍ ، كما لو شهد رجل وامرأتان ، ثبت المال ، دون القطع.
وأمّا في الباطن :
فإن كان الذي أقرّ به حقّاً تعلّق به حال الحجر برضا صاحبه كالقرض ، لم يلزمه
أيضاً ؛ لأنّ الحجر مَنَع من معاملته ، فصار كالصبي. وإن لزمه بغير اختيار صاحبه
كالإتلاف ، لزمه أداء ذلك المال في الباطن ، ولهذا لو قامت البيّنة عليه حال الحجر
، لزمه.
ويُقبل إقرار
المحجور بالفلس في النكاح ، دون السفيه المحجور ؛ اعتباراً للإقرار بالإنشاء.
وقال الجويني :
إقرار السفيهة بأنّها منكوحة فلانٍ كإقرار الرشيدة ؛ إذ لا أثر للسفه في النكاح من
جانب المرأة.
__________________
قال : وفيه احتمال
من جهة ضعف قولها وخبل عقلها ؛ لأنّها غير تامّة الرشد ولا كاملة العقل ، فأشبهت
المجنون .
أمّا المحجور عليه
للفلس : فالأقرب نفوذ إقراره في حقّه خاصّةً ، وقد سبق البحث فيه.
ويُقبل إقرار
المفلس قبل الحجر عليه ، سواء أقرّ بعينٍ أو دَيْنٍ.
مسألة
٨٥٠ : يشترط في صحّة
الإقرار الحُرّيّة ، فلا يُقبل إقرار العبد بالعقوبة ولا بالمال ، عند علمائنا
أجمع ، سواء كانت العقوبة توجب القتل أو لا ـ ووافقنا أحمد والمزني على أنّه لا
يُقبل إقراره بعقوبةٍ توجب القتل ، دون غيرها من العقوبات ـ لأنّه لا يملك
نفسه ولا التصرّف في نفسه ، وهو مال غيره ، فإقراره على نفسه إقرار على مولاه ،
وهو غيره ، وإقرار الشخص على غيره غير مسموعٍ.
وقال الشافعي :
يُقبل إقراره فيما يوجب الحدّ والقصاص في النفس والطرف ؛ لأنّ عليّاً 7 قطع عبداً
بإقراره. ولأنّه لو قامت به البيّنة قُبِل ، فالإقرار أولى .
ونمنع استناد
القطع إلى الإقرار ، فجاز أن يكون اقترن بتصديق المولى. والفرق بين الإقرار
والبيّنة ظاهر.
ولو صدّقه المولى
على العقوبة ، نفذ الحكم فيه ، كالبيّنة.
__________________
ولو أقرّ المولى
عليه ولم يُقر هو ، لم يُسمع ؛ لأنّه غيره وإقرار الشخص على غيره غير مسموعٍ.
ولأنّ المولى لا يملك من العبد إلاّ المال.
وقال بعض العامّة
: يصحّ إقرار المولى عليه بما يوجب القصاص ، ويجب المال دون القصاص ؛ لأنّ المال
تعلّق برقبته ، وهي مال السيّد ، فصحّ إقراره به كجناية الخطأ .
ولو أقرّ بما يوجب
القتل ، لم يُقبل عندنا.
وقال أحمد : لا
يُقبل أيضاً ، ويُتبع به بعد العتق ـ وبه قال زفر والمزني وداوُد [ و ] ابن جرير
الطبري ـ لأنّه يسقط حقّ سيّده بإقراره. ولأنّه متّهم في أن يُقرّ لرجلٍ ليعفو عنه
ويستحقّ أخذه فيتخلّص بذلك من سيّده .
وقال أبو حنيفة ومالك
والشافعي : يصحّ إقراره بما يوجب القتل أيضاً ؛ لأنّه أحد نوعي القصاص ، فصحّ
إقراره به ، كما دون النفس .
وينبغي على هذا
القول أن لا يصحّ عفو وليّ الجناية على مالٍ إلاّ باختيار سيّده ؛ لئلاّ يلزم
إيجاب المال على سيّده بإقرار غيره.
وهذا كلّه عندنا
باطل ، ولا شيء ممّا يوجب القصاص في النفس أو
__________________
الطرف أو الحدّ أو
المال بثابتٍ على العبد بإقراره على نفسه ولا بإقرار مولاه عليه.
ولا يُقبل إقرار
العبد بجناية الخطأ ولا شبيه العمد ولا بجناية عمدٍ موجَبها المال ، كالجائفة
والهاشمة والمأمومة ؛ لأنّه إيجاب حقٍّ في رقبته ، وذلك يتعلّق بالمولى ، ويُقبل
إقرار المولى عليه ؛ لأنّه إيجاب حقٍّ في ماله.
ولو أقرّ بسرقةٍ
توجب المال ، لم يُقبل إقراره ، ويُقبل إقرار المولى عليه.
وإن أوجبت القطع
في المال فأقرّ بها العبد ، لم يُقبل منه.
وعند العامّة
يُقبل في القطع ، ولم يجب المال ، سواء كان ما أقرّ بسرقته باقياً أو تالفاً ، في
يد العبد أو في يد السيّد ، ويُتبع بذلك بعد العتق .
وللشافعي في وجوب
المال في هذه الصورة وجهان .
ويحتمل أن لا يجب
القطع عند العامّة ؛ لأنّه شبهة ، فيُدرأ بها القطع ، لكونه حدّاً يدرأ بالشبهات ـ
وبه قال أبو حنيفة ـ وذلك لأنّ العين التي يُقرّ بسرقتها لم يثبت حكم السرقة فيها
، فلا يثبت حكم القطع بها .
مسألة
٨٥١ : لو أقرّ العبد
برقّيّته لغير مَنْ هو في يده ، لم يُقبل إقراره بالرق ؛ لأنّ إقراره بالرقّ إقرار
بالملك ، والعبد لا يُقبل إقراره في المال بحال. ولأنّا لو قَبِلنا إقراره لضرّرنا
بسيّده ؛ لأنّه إذا شاء أقرّ بنفسه لغير سيّده
__________________
فأبطل ملك سيّده.
ولو أقرّ به
السيّد لرجلٍ وأقرّ هو بنفسه لآخَر ، فهو للّذي أقرّ له السيّد ؛ لأنّه في يد
السيّد ، لا في يد نفسه. ولأنّ السيّد لو أقرّ به منفرداً قُبِل ، ولو أقرّ العبد
منفرداً لم يُقبل ، فإذا لم يُقبل إقرار العبد منفرداً فكيف يُقبل في معارضة
السيّد!؟ ولو قُبِل إقرار العبد لما قُبِل إقرار السيّد ، كالحدّ وجناية العمد
عندهم .
مسألة
٨٥٢ : المكاتَب المشروط
كالقِنّ عندنا لا يُقبل إقراره ؛ لأنّه إقرار في حقّ الغير.
وعند العامّة إنّ
حكمه حكم الحُرّ في صحّة إقراره . ولا بأس به.
ولو أقرّ بجناية
خطأ أو عمد توجب المال ، فكالإقرار بالمال يُتبع به بعد العتق.
وعند العامّة
يُقبل إقراره .
فإن عجز عن
الكتابة ، بِيع في الجناية إن لم يفده سيّده.
وقال أبو حنيفة :
يستسعى في الكتابة ، فإن عجز بطل إقراره بها ، سواء قضي بها أو لم يقض .
وعن الشافعي كقولنا.
وعنه قولٌ آخَر :
إنّه مراعى إن أدّى لزمه ، وإن عجز بطل .
وأمّا المطلق :
فإذا تحرّر بعضه ، كان حكمُ نصيب الحُرّيّة حكمَ الأحرار ، وحكمُ نصيب الرقّيّة
حكمَ العبيد.
__________________
مسألة
٨٥٣ : قد بيّنّا أنّ
العبد إذا أقرّ بالسرقة أو غيرها ، لم يلتفت إليه ، خلافاً للعامّة .
فإن صدّقه المولى
، نفذ إقراره.
ثمّ المال إن كان
باقياً ، يُسلَّم إلى المالك ، سواء كان في يد العبد أو في يد المولى. ولو كان
تالفاً ، تُبع به بعد العتق.
ولو لم يصدّقه
المولى ، فللشافعيّة قولان :
أحدهما : إنّه يُقبل
إقراره ، ويتعلّق الضمان برقبته مع تلف العين ؛ لأنّ إقراره لمّا تضمّن عقوبةً ،
انقطعت التهمة عنه.
وأصحّهما عندهم :
إنّه لا يُقبل ، كما لو أقرّ بمال ، ويتعلّق الضمان بذمّته ، إلاّ أن يصدّقه
السيّد .
وإن كان المُقرّ
به باقياً ، فإن كان في يد السيّد ، لم ينتزع من يده إلاّ بتصديقه ، كما لو قال
حُرٌّ : سرقتُه ودفعتُه إليه. وإن كان في يد العبد ، لم ينتزع منه ، ولم يُقبل
قوله بسرقته.
وللشافعيّة طريقان
:
أحدهما عن ابن
سريج : إنّ في انتزاعه قولين ، إن قلنا : لا ينتزع ، ثبت بدله في ذمّته ، وبه قال
أبو حنيفة ومالك. وأبو حنيفة لا يوجب القطع أيضاً والحال هذه.
ومن الشافعيّة
مَنْ قَطَع بنفي القبول في المال ، كما لو كان في يد السيّد ؛ لأنّ يده يد السيّد
، بخلاف ما لو كان تالفاً ؛ لأنّ غاية ما في الباب فوات رقبته على السيّد ؛ إذ
يتبع في الضمان ، والأعيان التي تفوت عليه لو
__________________
قَبِلنا إقراره
فيها لا تنضبط ، فيعظم ضرر السيّد.
ومنهم مَنْ عَكَس
وقال : إن كان المال باقياً في يد العبد ، قُبِل إقراره ؛ بناءً على ظاهر اليد.
وإن كان تالفاً ، لم يُقبل ؛ لأنّ الضمان حينئذٍ يتعلّق بالرقبة ، وهي محكوم بها
للسيّد .
فتلخّص من أقوال
الشافعيّة أربعة أقوال :
أ
: يُقبل مطلقاً.
ب
: لا يُقبل مطلقاً.
ج
: يُقبل إذا كان المال باقياً.
د
: يُقبل إذا كان المال تالفاً.
ولو أقرّ ثمّ رجع
عن الإقرار بسرقةٍ ، لم يجب القطع.
مسألة
٨٥٤ : لو أقرّ العبد
بما يوجب القصاص على نفسه ، لم يُقبل.
وعند العامّة
يُقبل .
فلو أقرّ فعفا
المستحقّ على مالٍ أو عفا مطلقاً وقلنا : إنّه يوجب المال ، فوجهان :
أصحّهما عند
الشافعيّة : إنّه يتعلّق برقبته وإن كذّبه السيّد ؛ لأنّه إنّما أقرّ بالعقوبة ،
والمال توجّه بالعفو ، ولا يُنظر إلى احتمال أنّه واطأ المستحقّ على أن يقرّ ويعفو
المستحقّ لتفوت الرقبة على السيّد ؛ لضعف هذه التهمة ، إذ المستحقّ ربما يموت أو
لا يفي ، فيكون المُقرّ مخاطراً بنفسه.
__________________
والثاني : إنّه
كذلك إن قلنا : إنّ موجَب العمد القصاصُ ، أمّا إذا قلنا : موجَبه أحدُ الأمرين ،
ففي ثبوت المال عندهم قولان ؛ بناءً على الخلاف في ثبوت المال إذا أقرّ بالسرقة
الموجبة للقطع .
مسألة
٨٥٥ : إذا أقرّ العبد
بدَيْن خيانةٍ من جهة غصبٍ أو سرقةٍ لا توجب القطع أو إتلافٍ وصدّقه السيّد ،
تعلّق بذمّته يُتبع به بعد العتق ؛ لأنّ ما يفعله العبد لا يلزم السيّد منه شيء.
وقال الشافعي :
يتعلّق برقبته ، كما لو قامت عليه بيّنة ، فيباع فيه ، إلاّ أن يختار السيّد
الفداء .
وإذا بِيع فيه
وبقي شيء من الدَّيْن ، فهل يُتبع به بعد العتق؟ قولان للشافعيّة .
وإن كذّبه السيّد
، لم يتعلّق برقبته عندنا وعنده ، بل يتعلّق بذمّته ، ويُتبع به بعد العتق.
ولا يُخرَّج عندهم
على الخلاف فيما إذا بِيع في الدَّيْن وبقي شيء ؛ لأنّه إذا ثبت التعلّق بالرقبة
فكأنّ الحقّ انحصر فيها وتعيّنت محلاًّ للأداء .
وقال بعضهم : إنّ
القياسيّين خرّجوه على ذلك الخلاف ، وقالوا : الفاضل عن قدر القيمة غير متعلّقٍ
بالرقبة ، كما أنّ أصل الحقّ غير متعلّقٍ بها هنا .
مسألة
٨٥٦ : لو أقرّ العبد
بدَيْن معاملةٍ ، نُظر إن لم يكن مأذوناً له في التجارة ، لم يُقبل إقراره على
السيّد ، ويتعلّق المُقرّ به بذمّته يُتبع به إذا
__________________
أُعتق ، سواء
صدّقه السيّد أو كذّبه.
وإن كان مأذوناً
له في التجارة ، ففي قبوله إشكال.
وقال الشافعي :
يُقبل ويؤدّي من كسبه وما في يده ، إلاّ إذا كان ممّا لا يتعلّق بالتجارة ، كالقرض
.
ولو أطلق المأذون
الإقرارَ بالدَّيْن ولم يبيّن جهته ، احتُمل عندهم أن يُنزَّل على دَيْن المعاملة .
والأظهر : إنّه
يُنزَّل على دَيْن الإتلاف.
ولا فرق في دَيْن
الإتلاف بين المأذون وغيره.
ولو حجر عليه
مولاه فأقرّ بعد الحجر بدَيْن معاملةٍ أسنده إلى حال الإذن ، فللشافعيّة وجهان
مبنيّان على القولين فيما لو أقرّ المفلس بدَيْنٍ لزمه قبل الحجر ، هل يُقبل في
مزاحمة الغرماء؟
والأظهر عندهم هنا
: المنع ؛ لعجزه عن الإنشاء في الحال ، ويمكن التهمة .
قال الجويني :
وجوب القطع على العبد في مسألة الإقرار بالسرقة إذا لم نقبله في المال مُخرَّج على
الخلاف فيما إذا أقرّ الحُرّ بسرقة مال زيدٍ ، هل يُقطع قبل مراجعة زيد؟ لارتباط
كلّ واحدٍ منهما بالآخَر .
مسألة
٨٥٧ : مَنْ نصفه حُرٌّ
ونصفه رقيقٌ إذا أقرّ بدَيْن جنايةٍ ، لم يُقبل في حقّ السيّد ، إلاّ أن يصدّقه ،
ويُقبل في نصفه ، وعليه قضاؤه ممّا في يده.
وإن أقرّ بدَيْن
معاملةٍ ، قضى نصفه ـ نصيب الحُرّيّة ـ ممّا في يده ،
__________________
وتعلّق نصيب
الرقّيّة بذمّته.
وقال الشافعيّة :
إن صحّحنا تصرّفه ، قَبِلنا إقراره عليه ، وقضيناه ممّا في يده. وإذا لم نصحّحه ،
فإقراره كإقرار العبد .
وإقرار السيّد على
عبده بما يوجب عقوبةً مردود ، وبدَيْن الجناية مقبول ، إلاّ أنّه إذا بِيع فيه
وبقي شيء ، لم يُتبع به بعد العتق ، إلاّ أن يصدّقه.
وأمّا إقراره
بدَيْن المعاملة فلا يُقبل على العبد ؛ لأنّه لا ينفذ إقرار رجلٍ على آخَر.
مسألة
٨٥٨ : المريض مرضَ
الموت يُقبل إقراره بالنكاح وبموجبات العقوبات.
ولو أقرّ بدَيْنٍ
أو عينٍ لأجنبيٍّ ، فالأقوى عندي من أقوال علمائنا : إنّه ينفذ من الأصل إن لم يكن
متّهماً في إقراره. وإن كان متّهماً ، نفذ من الثلث ؛ لأنّه مع انتفاء التهمة يريد
إبراء ذمّته ، فلا يمكن التوصّل إليه إلاّ بالإقرار عن ثبوته في ذمّته ، فلو لم
يُقبل منه بقيت ذمّته مشغولةً ، وبقي المُقرّ له ممنوعاً عن حقّه ، وكلاهما مفسدة
، فاقتضت الحكمة قبول قوله. أمّا مع التهمة فإنّ الظاهر أنّه لم يقصد الإخبار
بالحقّ ، بل قَصَد منعَ الوارث عن جميع حقّه أو بعضه والتبرّعَ به للغير ، فأُجري
مجرى الوصيّة.
ويؤيّده ما رواه
العلاء بيّاع السابري عن الصادق 7 ، قال : سألته عن امرأة استودعت رجلاً مالاً فلمّا حضرها
الموت قالت له : إنّ المال الذي دفعتُه إليك لفلانة ، وماتت المرأة ، فأتى
أولياؤها الرجل وقالوا له : إنّه كان لصاحبتنا مال لا نراه إلاّ عندك ، فاحلف لنا
ما قِبَلك شيء ، أفيحلف لهم؟
__________________
فقال : « إن كانت
مأمونةً عنده فليحلف ، وإن كانت متّهمةً فلا يحلف ، ويضع الأمر على ما كان ،
فإنّما لها من مالها ثلثه » .
وقال الشافعي :
يصحّ إقراره للأجنبيّ ، وأطلق ، وهو إحدى الروايات عن أحمد .
وعنه رواية أُخرى
: إنّه لا يُقبل ؛ لأنّه إقرار في مرض الموت ، فأشبه الإقرار لوارثٍ .
وعنه ثالثة : إنّه
يُقبل في الثلث ، ولا يُقبل في الزائد ؛ لأنّه ممنوع من عطيّة ذلك للأجنبيّ ، كما
هو ممنوع من عطيّة الوارث عندهم ، فلم يصحّ إقراره بما لا يملك عطيّته ، بخلاف
الثلث فما دون .
والحقّ ما قلناه
من أنّه إذا لم يكن متّهماً ، صحّ إقراره ، كالصحيح ، بل هنا أولى ؛ لأنّ حال
المريض أقرب إلى الاحتياط لنفسه وإبراء ذمّته وتحرّي الصدق ، فكان أولى بالقبول ،
أمّا الإقرار للوارث فإنّه متّهم فيه.
مسألة
٨٥٩ : لو أقرّ لأجنبيٍّ
في مرضه وعليه دَيْنٌ ثابت بالبيّنة أو بالإقرار في الصحّة وهناك سعة في المال
لهما ، نفذ إقراره من الأصل مع نفي التهمة ، ومطلقاً عند العامّة .
ولو ضاق المال
عنهما ، فهو بينهما بالحصص ـ وبه قال مالك
__________________
والشافعي وأبو
عبيد وأبو ثور . قال أبو عبيد : إنّه قول [ أكثر ] أهل المدينة ـ لأنّهما حقّان
تساويا في وجوب القضاء من أصل المال لم يختص أحدهما برهنٍ فاستويا ، كما لو ثبتا
ببيّنةٍ.
وقال النخعي :
إنّه يُقدَّم الدَّيْن الثابت بالبيّنة ـ وبه قال الثوري وأصحاب الرأي ، وعن أحمد
روايتان كالمذهبين ـ لأنّه أقرّ بعد تعلّق الحقّ بتركته ، فوجب أن لا يشارك
المُقرّ له مَنْ ثبت دَيْنه ببيّنةٍ ، كغريم المفلس الذي أقرّ له بعد الحجر عليه .
وإنّما قلنا :
إنّه تعلّق الحقّ بتركته ؛ لأنّ الشارع مَنَعه من التصرّف في أكثر من الثلث ،
ولهذا لم تُنفذ هباته وتبرّعاته من الأصل ، فلم يشارك مَنْ أقرّ له قبل الحجر
ومَنْ ثبت دَيْنه ببيّنةٍ الذي أقرّ له المريض في مرضه.
ولو أقرّ لهما
جميعاً في المرض ، فإنّهما يتساويان ، ولا يُقدَّم السابق منهما.
مسألة
٨٦٠ : لو أقرّ المريض
لوارثه بمال ، فالأقوى عندي اعتبار
__________________
العدالة.
فإن كان عَدْلاً
غير متّهمٍ في إقراره ، نفذ من الأصل ، كالأجنبيّ.
وإن لم يكن
مأموناً وكان متّهماً في إقراره ، نفذ من الثلث ؛ لما تقدّم في الأجنبيّ.
ولما رواه منصور
بن حازم عن الصادق 7 أنّه سأله عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه دَيْناً ،
فقال : « إن كان الميّت مريضاً فأعطه الذي أوصاه له » .
وقال بعض علمائنا
: إنّ إقرار المريض من الثلث مطلقاً .
وبعضهم قال : إنّه
من الثلث في حقّ الوارث مطلقاً ؛ لأنّ الوراثة موجبة للتهمة .
ولما رواه هشام [
بن سالم عن إسماعيل بن جابر قال : سألت أبا عبد الله 7 ] عن رجل أقرّ لوارثٍ له ـ وهو مريض ـ بدَيْنٍ عليه ، قال : «
يجوز إذا كان الذي أقرّ به دون الثلث » .
وقال بعضهم : إنّ
إقرار المريض مطلقاً من الأصل . ولم يعتبر التهمة.
__________________
قال ابن المنذر من
العامّة : أجمع كلّ مَنْ نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ إقرار المريض في مرضه لغير
الوارث جائز .
وللشافعيّة في
الإقرار للوارث طريقان :
أحدهما : إنّه على
قولين :
أحدهما : إنّه لا
يُقبل ـ وبه قال شريح وأبو هاشم وابن أُذينة والنخعي والثوري ويحيى الأنصاري وأبو
حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل ـ لأنّه موضع التهمة بقصد حرمان بعض الورثة ، فأشبه
الوصيّة للوارث. ولأنّه إيصال لماله إلى وارثه بقوله في مرض موته ، فلم يصح بغير
رضا بقيّة ورثته ، كهبته. ولأنّه محجور عليه في حقّه ، فلم يصح إقراره له ، كالصبي.
وأصحّهما : القبول
ـ كما ذهبنا إليه ، وبه قال الحسن البصري وعمر ابن عبد العزيز ، ومن الفقهاء أبو
ثور وأبو عبيد ـ كما لو أقرّ لأجنبيٍّ ، وكما لو أقرّ في حال الصحّة ، والظاهر
أنّه لا يُقرّ إلاّ عن حقيقةٍ ، ولا يقصد حرماناً ، فإنّه انتهى إلى حالةٍ يصدق
فيها الكاذب ويتوب الفاجر.
الطريق الثاني :
القطع بالقبول ، وحَمْلُ قول الشافعي : « فمَنْ أجاز الإقرار لوارثٍ أجازه ، ومَنْ
أبى ردّه » [ على ] حكاية مذهب الغير .
__________________
وقال مالك : إن
كان المُقرّ متّهماً ، بطل الإقرار. وإن لم يكن متّهماً ، صحّ ونفذ ، ويجتهد
الحاكم فيه .
مسألة
٨٦١ : الأصل في إخبار
المسلم الصدقُ ، فلا يُحمل على غيره إلاّ لموجبٍ.
فإذا أقرّ المريض
لوارثٍ أو لغيره واعتبرنا التهمة ، كان الأصل عدمها ؛ لأصالة ثقة المسلم وعدالته.
فإن ادّعاها الوارث وقال
المُقرّ له : إنّه غير متّهم ، فالقول قول المُقرّ له مع اليمين ؛ لالتزامه
بالظاهر ، فلا يُقبل قول الوارث إلاّ بالبيّنة.
وإن اعتبرنا
التهمة في الوارث خاصّةً وجعلنا الوراثة موجبةً للتهمة وأمضينا إقراره من الثلث
كالوصيّة ، فالاعتبار في كونه وارثاً بحال الموت أم بحال الإقرار؟ الأقوى : الثاني
ـ وبه قال مالك والشافعي في القديم ، وهو قول عثمان البتّي ـ لأنّ التهمة
حينئذٍ تعرض.
وقال أبو حنيفة
والشافعي في الجديد : إنّ الاعتبار بحال الموت ، كما في الوصيّة ، وهذا لأنّ
المانع من القبول كونه وارثاً ، والوراثة تتعلّق بحالة
__________________
الموت .
وليس بمعتمدٍ.
فعلى ما اخترناه
لو أقرّ لزوجته ثمّ طلّقها أو لأخيه ثمّ ولد له ولد ، صحّ الإقرار.
ولو أقرّ
لأجنبيّةٍ ثمّ نكحها أو لأخيه وله ابن فمات ، لم يصح من الأصل ، وعلى الآخَر
بالعكس فيهما.
ولو أقرّ في المرض
أنّه كان قد وهب من وارثه وأقبض في الصحّة ، فالأقوى أنّه لا ينفذ من الأصل.
وللشافعيّة طريقان
:
أحدهما : القطع
بالمنع ؛ لذكره ما هو عاجز عن إنشائه في الحال.
والثاني : إنّه
على القولين في الإقرار للوارث [ و ] رجّح بعضهم القبولَ ؛ لأنّه قد يكون صادقاً
فيه ، فليكن له طريق إلى إيصال الحقّ إلى المستحقّ .
ولو أقرّ لمتّهمٍ
وغير متّهمٍ ، نفذ في حقّ غير المتّهم من الأصل ، وفي المتّهم من الثلث.
وعند الشافعيّة لو
أقرّ لوارثه وأجنبيٍّ معاً ، هل يصحّ في حصّة الأجنبيّ إذا لم يُقبل للوارث؟ قولان
، والظاهر عندهم : الصحّة .
مسألة
٨٦٢ : لو أقرّ في صحّته
أو مرضه بدَيْنٍ ثمّ مات فأقرّ وارثه عليه
__________________
بدَيْنٍ لآخَر
وقصرت التركة عنهما ، احتُمل تساويهما وأنّهما يتضاربان في التركة ، كما لو ثبت
الدَّيْنان بالبيّنة ، وكما لو أقرّ بهما في حياته ، فإنّ الوارث خليفته ، فإقراره
كإقراره.
ويحتمل أنّه
يقدَّم ما أقرّ به المورّث ؛ لأنّه تعلّق بالتركة ، فليس للوارث صَرف التركة عنه.
وفي الثاني قوّة.
وللشافعيّة وجهان كهذين.
والوجهان جاريان
فيما لو أقرّ الوارث بدَيْنٍ عليه ثمّ أقرّ لآخَر بدَيْنٍ عليه .
وهُما مبنيّان على
أنّ المحجور عليه بالفلس إذا أقرّ بدَيْنٍ أسنده إلى ما قبل الحجر هل يُقبل إقراره
في زحمة الغرماء؟ للشافعي فيه قولان ، فالتركة كمال المحجور عليه من حيث إنّ
الورثة ممنوعون عن التصرّف فيها .
ولو ثبت عليه
دَيْنٌ في حياته بالبيّنة ثمّ مات فأقرّ وارثه عليه بدَيْنٍ ، جرى الخلاف أيضاً ،
كما تقدّم.
مسألة
٨٦٣ : لو ثبت عليه
دَيْنٌ في حياته أو بعد موته بأن تردّت بهيمة في بئرٍ كان قد احتفرها في محلّ عدوان
، زاحم صاحبُ البهيمة ربَّ الدَّيْن القديم ؛ لأنّ وجود السبب كوجود المسبّب.
وللشافعي قولان
تقدّما فيما إذا جنى المفلس بعد الحجر عليه .
ولو مات وخلّف ألف
درهم فجاء مُدّعٍ وادّعى أنّه أوصى بثلث ماله ، فصدّقه الوارث ثمّ جاء آخَر وادّعى
عليه ألف درهم دَيْناً ، فصدّقه الوارث ،
__________________
احتُمل صَرفُ
الثلث إلى الوصيّة ؛ لتقدّمها ، وتقدُّمُ الدَّيْن ، لأنّه في وضع الشرع مقدَّم
على الوصيّة.
وللشافعيّة قولان
مخرَّجان على قولهم : إنّ إقرار الوارث والموروث سواء .
ولو صدّق الوارث
مدّعي الدَّيْن أوّلاً ، فالأقوى صَرف المال إليه.
ولو صدّق
المدّعيَيْن دفعةً ، قسّم الألف بينهما أرباعاً ؛ لأنّا نحتاج إلى ألف للدَّيْن
وإلى ثلث ألف للوصيّة ، فيزاحم على الألف الألف وثلث الألف ، فيخصّ الوصيّة ثلث
عائل ، فيكون ربعاً ، وهو قول أكثر الشافعيّة .
وقال بعضهم : تبطل
الوصيّة ، ويُقدّم الدَّيْن كما لو ثبتا بالبيّنة .
وهو الأقوى ، سواء
قدّمنا عند الترتيب الأوّلَ منهما أو سوّينا بينهما.
مسألة
٨٦٤ : لو أقرّ المريض
بعين ماله لإنسان ثمّ أقرّ بدَيْنٍ لآخَر مستغرق أو غير مستغرقٍ ، سُلّمت العين
للمُقرّ له ، ولا شيء للثاني ؛ لأنّ المُقرّ مات ولا شيء له.
ولو أقرّ
بالدَّيْن أوّلاً ثمّ أقرّ بعين ماله ، احتُمل مساواة هذه للأُولى ـ وهو أصحّ وجهي
الشافعيّة ـ لأنّ الإقرار بالدَّيْن لا يتضمّن حَجْراً في العين ،
ولهذا تنفذ تصرّفاته فيه.
ويحتمل تزاحمهما ـ
وهو الثاني للشافعيّة ، وبه قال أبو حنيفة ٥ ـ لأنّ لأحد الإقرارين قوّةَ السبق ،
وللآخَر قوّة الإضافة إلى العين ، فاستويا.
__________________
البحث
الثالث : في المُقرّ له.
وله شروط ثلاثة :
أهليّته للاستحقاق ، وأن لا يكذّب المُقرّ له ، والتعيين ، فهنا مطلبان :
الأوّل : أهليّة المُقرّ له للاستحقاق للحقّ المُقرّ به ، وإلاّ
كان الكلام لغواً لا عبرة به ، فلو قال : لهذا الحمار أو الحائط أو لدابّة فلان
علَيَّ ألف ، بطل إقراره.
ولو قال : لفلان
علَيَّ بسببها ألف ، صحّ ، وحُمل على أنّه جنى عليها أو استعملها أو اكتراها.
وقال بعض
الشافعيّة : لا يصحّ ؛ لأنّ الغالب لزوم المال بالمعاملة ، ولا تتصوّر المعاملة
معها .
ولو قال : لعبد
فلان علَيَّ أو عندي ألف ، صحّ ، وكان الإقرار لسيّده ، بخلاف الدابّة ؛ لأنّ
المعاملة معها لا تُتصوّر ، وتُتصوّر مع العبد ، والإضافة إليه كالإضافة في الهبة
وسائر الإنشاءات.
ولو قال : علَيَّ
ألف بسبب الدابّة ، ولم يقل : لمالكها ، فالأقرب : إنّه لا يلزمه لمالكها شيء ؛
لجواز أن يلزمه بسببها ما ليس لمالكها بأن ينفرها على راكبٍ أجنبيّ فيسقط ، أو
يركبها ويجني بيديها على أجنبيٍّ.
نعم ، إنّه يُسأل
ويُحكم بموجب بيانه ، فإن امتنع من البيان وادّعى المالك قصده ، حلف له ، وإلاّ
فلا.
مسألة
٨٦٥ : الحمل يصحّ أن
يملك ، ولهذا يُعزل له في الميراث
__________________
نصيبٌ ، وتصحّ
الوصيّة به وله.
فإذا قال : لحمل
فلانة علَيَّ ألف ، أو عندي له ألف ، فأقسام أحواله ثلاثة :
فإن أسنده إلى
جهةٍ صحيحة بأن يقول : ورثه من أبيه ، أو أوصى به فلان له ، صحّ إقراره.
ثمّ إن انفصل
الحمل ميّتاً ، فلا حقّ له ، ويكون لورثة مَنْ قال : إنّه ورثه منه ، أو للموصي ،
أو لورثته إن أسنده إلى الوصيّة.
وإن انفصل حيّاً
لدون ستّة أشهر من يوم الإقرار ، استحقّ ؛ لأنّا تبيّنّا وجوده يومئذٍ.
وإن انفصل لأكثر
من مدّة الحمل ـ وهي سنة على روايةٍ ، وعشرة على أُخرى ، وتسعة على ثالثةٍ عندنا ، وعند الشافعي أربع سنين ـ فلا شيء له ؛
لتيقّن عدمه حينئذٍ.
وإن انفصل لستّة
أشهر فما زاد إلى السنة أو العشرة الأشهر أو التسعة عندنا أو إلى أربع سنين عند
الشافعي ، فإن كانت فراشاً فالأقرب : صحّة الإقرار ؛ عملاً بأصالة الصحّة.
ويحتمل البطلان ؛
لاحتمال تجدّد العلوق بعد الإقرار ، والأصل عدم الاستحقاق ، وعدم المُقرّ له عند
الإقرار.
والثاني قول
الشافعيّة .
__________________
وإن لم تكن
مستفرشةً ، فللشافعي قولان :
أحدهما : إنّه لا
يستحقّ ؛ لأنّا لا نتيقّن وجوده عند الإقرار.
وأظهرهما عندهم :
الاستحقاق ـ وهو المعتمد ـ إذ لا سبب في الظاهر يتجدّد به العلوق ، فالظاهر وجوده
وقت الإقرار ، ولهذا يُحكم بثبوت نسبه ممّن كانت فراشاً له .
فإن ولدت المرأة
ذكراً ، فهو له.
وكذا لو ولدت
ذكرين فصاعداً ، فلهم بالسويّة.
وإن ولدت أُنثى ،
فلها.
وإن ولدتهما معاً
، فهو بينهما بالسويّة إن [ أسنده ] إلى الوصيّة ، وإلاّ فهو بينهما أثلاثاً إن أسنده إلى
الإرث.
ولو اقتضى جهة
الوراثة التسويةَ بأن يكونا ولدي الأُمّ ، كان ثلثه بينهما بالسويّة.
ولو أطلق الإرث
حكمنا بما يجب به عند سؤالنا إيّاه عن الجهة.
مسألة
٨٦٦ : لو أسند الإقرار
إلى جهةٍ فاسدة بأن يسند الاستحقاق إلى القرض منه أو البيع عليه ، فالوجه عندي :
الصحّة ـ وهو أظهر قولَي الشافعيّة ـ لأنّه عقّبه بما هو غير معقولٍ ولا منتظم ، فأشبه ما إذا
قال :
لفلان علَيَّ ألف
لا تلزمني.
والثاني للشافعيّة
: البطلان .
ولهم طريقٌ آخَر :
إنّ المطلق إن كان فاسداً ، فهنا أولى بالبطلان. وإن
__________________
قلنا : المطلق صحيح ، كانت المسألة على قولين .
ولو أطلق الإقرار
، فالأقوى عندي الصحّة أيضاً ؛ عملاً بمقتضى إقراره ، وحملاً للأقارير على الصحّة
والجهة الممكنة في حقّه وإن كانت نادرةً ، وهو أصحّ قولَي الشافعي ، وبه قال أبو
حنيفة ومحمّد .
والثاني للشافعي :
البطلان ـ وبه قال أبو يوسف ـ لأنّ المال في الغالب إنّما يثبت بمعاملةٍ أو جنايةٍ
، ولا مساغ للمعاملة معه ولا للجناية عليه .
مسألة
٨٦٧ : لو انفصل الحمل
ميّتاً وقلنا بصحّة الإقرار حالة ما إذا نسب الإقرار إلى المستحيل أو أطلق ، لم
يكن له حق ؛ لأنّه إن كان عن وصيّةٍ ، فقد ظهر بطلانها ؛ لأنّه لا تصحّ الوصيّة
إلاّ بعد أن ينفصل حيّاً. وإن كان ميراثاً ، فلا يثبت له إذا انفصل ميّتاً.
ويُسأل المُقرّ عن
جهة إقراره من الإرث أو الوصيّة ويُحكم بموجبها.
قال بعض الشافعيّة
: ليس لهذا السؤال والبحث طالبٌ معيّن ، وكان
__________________
القاضي يسأل [
حسبةً ] ليصل الحقّ إلى مستحقّه ، فإن مات قبل البيان ، كان كما لو
أقرّ لإنسانٍ فردّه .
وقال بعضهم :
يطالب ورثته ليفسّر .
وإن انفصل حيّاً
للمدّة التي قدّرنا من قَبْلُ ـ وهي أقلّ من ستّة أشهر ـ فالكلّ له ، ذكراً كان أو
أُنثى.
وإن انفصل لأقصى مدّة
الحمل ، فإن كان لها زوج يطؤها أو مولى ، لم يصح الإقرار ؛ لأنّا لا نعلم وجوده
حين الوصيّة ؛ لجواز أن يحدث بعدها.
وعندي فيه نظر ؛
لأنّ الإقرار وغيره يُحمل على الصحّة ما أمكن.
وإن لم يكن لها
زوج ولا مولى ، صحّت الوصيّة ؛ لأنّا نحكم بوجوده حال الوصيّة ، فصحّت له.
وإن ولدت ولداً
بعد آخَر ، فإن كان بينهما أقلّ من ستّة أشهر ، فالمال لهما ؛ لأنّهما حملٌ واحد.
وإن كان بينهما ستّة أشهر فصاعداً ، فهو للحمل الأوّل ، دون الثاني.
وإن ولدت ذكراً
وأُنثى ، فهو لهما بالسويّة ؛ لأنّ ظاهر الإقرار يقتضي التسوية ، ومن المحتمل أن
تكون الجهة الوصيّةَ.
ومتى انفصل حيّ
وميّت ، جُعل الميّتَ كأن لم يكن ، ويُنظر في الحيّ على ما ذكرنا.
مسألة
٨٦٨ : لو أقرّ بحمل
جاريةٍ أو حمل دابّةٍ لإنسانٍ ، صحّ الإقرار ، وفيه ما تقدّم من التفصيل فيما إذا
أقرّ للحمل ، ويُنظر كم بين انفصاله وبين
__________________
يوم الإقرار من
المدّة على ما سبق ، ويرجع في حمل البهيمة إلى أهل الخبرة.
وإن أطلق أو أسند
إلى جهةٍ فاسدة ، خرج على ما تقدّم من الخلاف.
ولو أقرّ لرجلٍ
بالحمل ، وبالأُم لآخَر ، صحّ الإقرار.
وللشافعيّة خلاف.
قالوا : إن جوّزنا
الإقرار بالحمل ، صحّ الأمران ، وإلاّ فلا .
قال بعضهم : هُما
جميعاً للأخير ؛ بناءً على أنّ الإقرار بالحامل إقرار بالحمل .
مسألة
٨٦٩ : لو أقرّ لمسجدٍ
أو مشهدٍ أو مقبرةٍ أو رباطٍ أو مدرسةٍ ونحوها من القناطر وغيرها ، فإن أسنده إلى
جهةٍ صحيحة ، كغلّة وقف عليه أو نذر لمصالحه ، صحّ.
وإن أطلق ، فكذلك.
وللشافعيّة وجهان
تخريجاً من القولين في مسألة الحمل .
وعلى قياسه ما إذا
أضاف إلى جهةٍ فاسدة .
والأقوى عندي
اللزوم ، ولا يلتفت إلى الإضافة الفاسدة على ما تقدّم.
المطلب الثاني : في اشتراط عدم التكذيب.
مسألة
٨٧٠ : يشترط في الإقرار
والحكم بصحّته عدم تكذيب المُقرّ له للمُقرّ وعدم إنكاره لما أقرّ له به.
نعم ، لا يشترط
قبوله لفظاً على رسم الإيجاب والقبول في الإنشاءات.
__________________
فإذا أقرّ لزيدٍ
بألفٍ فكذّبه زيد ، لم يدفع إليه ، ولا شيء عليه في ذمّته.
ولو أقرّ بعينٍ له
، فأنكر زيد أنّها له ، لم تُدفع العين إلى المُقرّ له.
ثمّ للقاضي الخيار
إن شاء انتزعه من يده وسلّمه إلى أمينه ليحفظه لمالكه إذا ظهر سلّمه إليه
، وإن شاء أبقاه في يد المُقرّ كما كان ؛ لأنّ يده أولى الناس بحفظه.
وبالجملة ،
فالحاكم هو المتولّي لحفظ ما يضيع ، وهذا في حكم مالٍ ضائعٍ ، فيحتاط لمالكه ،
فإذا رأى استحفاظ صاحب اليد ، فهو كما لو استحفظ عَدْلاً آخَر.
وقال بعض
الشافعيّة : فيه وجهان :
أظهرهما : تركه في
يد المُقرّ.
والثاني : يحفظه
القاضي .
وقال قوم منهم :
إنّه يُجبر المُقرّ له على القبول والقبض .
وهو بعيد عن
الصواب.
وقال بعضهم : موضع
الخلاف ما إذا قال صاحب اليد للقاضي : في يدي مال لا أعرف مالكه ، فالوجه : القطع
بأنّ القاضي يتولّى حفظه .
وأبعد بعضهم فقال
: لا يجوز انتزاعه هنا أيضاً .
مسألة
٨٧١ : لو رجع المُقرّ
له عن الإنكار وصدّق المُقرّ في إقراره ،
__________________
فالأقرب : إنّ له
الأخذ ؛ عملاً بإقرار المُقرّ ، السالم عن الإنكار ، لزوال حكمه بالتصديق الطارئ
فتعارضا ، وبقي الإقرار سالماً عن المعارض ، وبه قال بعض الشافعيّة .
وقال آخَرون : هذا
تفريع على الخلاف السابق ، إن قلنا : يُترك في يد المُقرّ ، فهذا حكمٌ منّا بإبطال
ذلك الإقرار ، فلا يصرف إلى المُقرّ له إلاّ بإقرارٍ جديد. وإن قلنا : ينتزعه
الحاكم ويحفظه ، فكذلك لا يُسلّم إليه ، بل لو أراد إقامة البيّنة على أنّه ملكه ،
لم تُسمع. وإنّما يُسلّم له إذا فرّعنا على الوجه البعيد من أنّ المُقرّ له يُجبر
على أخذه ، والظاهر من قول الشافعيّة أنّه لا يُسلّم إليه .
مسألة
٨٧٢ : لو أقرّ لزيدٍ
فأنكر زيدٌ ثمّ رجع المُقرّ حال إنكار زيد ، فقال : غلطت ، أو تعمّدت الكذب والمال
ليس لزيدٍ ، لم يلتفت إلى رجوعه إن قلنا : ينتزعه الحاكم.
وإن قلنا : يُترك
في يده ، احتُمل أنّه لا يُقبل إنكاره أيضاً ؛ بناءً على أنّه لو عاد المُقرّ له
إلى التصديق قُبِل منه ، فإذا كان ذلك متوقَّعاً ، لم يلتفت إلى رجوعه.
واحتُمل القبول ؛
بناءً على أنّ الترك في يده إبطال للإقرار.
وللشافعيّة وجهان
أظهرهما : الثاني .
مسألة
٨٧٣ : لو أقرّ لزيدٍ
بعبدٍ فأنكر زيد ملكيّته ، فالحكم كما لو أقرّ بغيره من ثوبٍ وشبهه ؛ لأنّه محكوم
له بالرقّ ، فلا يرفع إلاّ بيقينٍ.
__________________
وللشافعيّة وجهان
:
أحدهما : إنّه
يُحكم بعتقه ـ وهو قول الشيخ ; ـ لأنّ صاحب اليد لا يدّعيه ، والمُقرّ له ينفيه ، فيصير
العبد في يد نفسه ، ويُعتق ، وهذا كما إذا أقرّ اللقيط بعد البلوغ بأنّه مملوك
زيدٍ فأنكر زيد ، يُحكم له بالحُرّيّة ، كذا هنا.
والثاني : المنع ـ
كما قلناه ـ ويبقى على الرقّيّة المجهولة المالك ، بخلاف صورة اللقيط ؛ فإنّه
محكوم بحُرّيّته بالدار ، فإذا أقرّ ونفاه المُقرّ له ، بقي على أصل الحُرّيّة ،
فإذاً لا فرق بين العبد وغيره من أعيان الأموال .
ولو أقرّ العبد
بأنّه ملكٌ لفلان غير مَنْ أقرّ له مولاه به ، كان لغواً ، وبقي على الرقّيّة
المجهولة المالك.
ولو كان المُقرّ
به قصاصاً أو حدَّ قذفٍ فكذّبه المُقرّ له ، سقط الإقرار. وكذا لو أقرّ بسرقةٍ
توجب القطع ، وأنكر ربٌّ المال السرقةَ ، سقط القطع. وفي المال ما تقدّم .
ولو أقرّت المرأة
بنكاحٍ فأنكر الزوج ، سقط حكم الإقرار في حقّه.
مسألة
٨٧٤ : لو كان في يده
عبدان ، فقال : أحد هذين العبدين لزيدٍ ، طُولب بالتعيين ، فإن عيّن واحداً منهما
، فقال زيد : ليس هذا عبدي ، بل الآخَر ، فهو مكذّب للمُقرّ في المعيَّن ، وحكمه
ما تقدّم ، ومُدّعٍ في العبد الآخَر ، فإن أقام البيّنة به حُكم له ، وإلاّ حلف
المُقرّ ، وسقطت دعواه فيه.
ولو ادّعى على
آخَر ألفاً من ثمن مبيعٍ ، فقال المدّعى عليه : قد
__________________
أقبضتُك ، فأقام
البائع على المشتري بيّنةً بعد بيّنته بأنّه ما أقبضه الثمن بَعْدُ ، سُمعت ،
وأُلزم المشتري الثمن ؛ لأنّه وإن قامت البيّنة على إقراره بالقبض فقد قامت على
أنّ صاحبه كذّبه ، فيبطل حكم الإقرار ، ويبقى الثمن على المشتري.
مسألة
٨٧٥ : قد ذكرنا أنّ من
شرط صحّة الإقرار تعيينَ المُقرّ له ، فلو قال : لإنسانٍ عندي كذا ، أو لواحدٍ من
بني آدم ، أو لواحدٍ من خلق الله تعالى ، أو لواحدٍ من أهل البلد ، احتُمل البطلان
؛ لعدم التعيين ، فلا يطالب به.
وللشافعيّة وجهان
مبنيّان على أنّه إذا أقرّ لمعيَّن بشيء فكذّبه المُقرّ له ، هل يخرج من يده؟ إن
قلنا : نعم ؛ لأنّه مال ضائع ، فكذا هنا ، ويصحّ الإقرار ، ويكون معتبراً ، ويخرجه
الحاكم من يده ويحفظه من صاحبه. وإن قلنا : لا ، لم يصح هذا الإقرار .
والأقرب عندي
القبول ، وصحّة هذا الإقرار ، ثمّ للحاكم انتزاعه من يده وإبقاؤه في يده.
فعلى قولنا
بالصحّة لو جاء واحد وقال : أنا الذي أردتَني ولي عليك ألف ، فالقول قول المُقرّ
مع يمينه في نفي الإرادة ونفي الألف.
ومَنْ أبطل هذا
الإقرار فرّق بينه وبين قوله : غصبت هذا من أحد هذين الرجلين ، أو هؤلاء الثلاثة ،
حيث يعتبر ؛ لأنّه إذا قال : هو لأحد هذين ، فله مُدّعٍ وطالب ، فلا يبقى في يده
مع قيام الطالب واعترافه بأنّه ليس له ، وأمّا إذا قال : لواحدٍ من بني آدم ، فلا
طالب له ، ويبقى في يده .
__________________
والوجه : ما قلناه
من عدم اشتراط تعيينه.
والقائلون به لا
يشترطون التعيين من كلّ وجهٍ ، بل أن يكون معيّناً ضرب تعيينٍ تتوقّع منه الدعوى
والطلب .
البحث
الرابع : في المُقرّ به.
مسألة
٨٧٦ : يشترط في المُقرّ
به أن يكون مستحقّا إمّا بأن يكون مالاً مملوكاً ، أو بأن يكون حقّاً تصحّ المطالبة به ، كشفعةٍ وحدِّ قذفٍ
وقصاصٍ وغير ذلك من الحقوق الشرعيّة ، كاستطراقٍ في دربٍ ، وإجراء ماءٍ في نهرٍ ،
وإجراء ماء ميزابٍ إلى ملكٍ ، وحقّ طرح خشبٍ على حائطٍ ، أو بأن يكون نسباً.
ولو أقرّ بما لا
يصحّ تملّكه مطلقاً ـ كالأبوال والعذرات وجميع الفضلات ـ لم يصح ، وكان الإقرار
لاغياً لا يجب به شيء.
ولو أقرّ بما
يتموّله أهل الذمّة ـ كالخمر والخنزير ـ للمُسلم ، لم يصح ، ويصحّ للذمّي ؛ لأنّ
المُسلم يضمنه بقيمته عند مستحلّيه لو أتلفه عليهم وكانوا مستترين به.
مسألة
٨٧٧ : يشترط في القضاء
والحكم بالإقرار بالملكيّة لمن أُقرّ له كون المُقرّ به تحت يد المُقرّ وتصرّفه ،
فلو أقرّ بما ليس في يده بل في يد الغير ـ كعبدٍ في يد زيدٍ أقرّ به لغيره ـ لم
يُحكم بثبوت الملكيّة في العبد للمُقرّ له بمجرّد الإقرار ، بل يكون ذلك دعوىً أو
شهادةً.
ولا يلغو الإقرار
من كلّ وجهٍ ، بل لو حصل المُقرّ به في يده بملكيّةٍ ظاهرة ساعةً من الزمان ، أُمر
بتسليمه إلى المُقرّ له.
فلو قال : العبد
الذي في يد زيدٍ مرهون عند عمرو بكذا ، ثمّ ملك
__________________
العبد ظاهراً ، أُمر ببيعه في دَيْن عمرو.
ولو أقرّ بحُرّيّة
عبدٍ في يد زيدٍ ، لم يُقبل منه ، أو شهد [ بها ] فردّت شهادته ،
لم يُحكم بحُرّيّته في الحال.
فإذا أقدم على
شرائه من زيدٍ صحّ ؛ تنزيلاً للعقد على قول مَنْ صدّقه الشرع ، وهو البائع صاحب
اليد ، بخلاف ما إذا قال : فلانة أُختي من الرضاع ، ثمّ أراد أن ينكحها ، لم
يُمكّن منه ؛ لأنّ في الشراء يحصل غرض استنقاذه من أسر الرقّ ، وهذا الغرض لا يوجد
في النكاح ؛ للاستمتاع بفرجٍ اعترف بأنّه حرام عليه.
ثمّ إذا اشترى
العبد ، حُكم بُحرّيّته ، وأُمر برفع يده عنه ؛ عملاً بإقراره.
مسألة
٨٧٨ : إذا كان صورة
إقراره : إنّ عبد زيدٍ حُرّ الأصل ، أو أنّه أُعتق قبل أن أشتريه ، فإذا اشتراه
فهو فداء من جهته إجماعاً.
فإذا مات العبد
وقد اكتسب مالاً ولا وارث له من الأنساب ، فالمال للإمام ، وليس للمشتري أن يأخذ
منه شيئاً ؛ لأنّه بتقدير صدقه لا يكون المال للبائع حتى يأخذ منه عوض ما دفعه
إليه من الثمن.
ولو مات العبد قبل
أن يقبضه المشتري ، لم يكن للبائع أن يطالبه بالثمن ؛ لأنّه لا حُرّيّة في زعمه ،
والمبيع قد تلف قبل قبضه ، فبطل البيع.
مسألة
٨٧٩ : لو كانت صيغة
الإقرار : إنّك أعتقته والآن أنت تسترقّه ظلماً ، ثمّ عقد البيع معه ، فالوجه :
إنّه بيع من جهة البائع ؛ لأنّه ملكه ، وهو يدّعي ملكيّته ، واليد تشهد له ، فلا
يلتفت إلى إقرار الغير عليه ، فكان بمنزلة
__________________
ما لو باعه على
غيره ، ويكون افتداءً من جهة المُقرّ ؛ لاعترافه بالحُرّيّة ، وأنّ هذا العقد ليس
بصحيحٍ ، حيث لم يصادف محلاًّ قابلاً له ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.
والثاني : إنّه
بيع من الجانبين.
والثالث : إنّه
افتداء من الجانبين .
وهذا الثالث خطأ ؛
لأنّه كيف يقال : إنّه استنقاذ في طرف البائع!؟ وكيف يأخذ المال لينقذ مَنْ
يسترقّه ويعرفه حُرّاً فيفتديه به!؟ بل لو قيل فيه المعنيان معاً والخلاف في أنّ
الأغلب منهما ما ذا؟ كان محتملاً على ضعفٍ.
وأكثر الشافعيّة
على أنّه بيع من جهة البائع ، وأمّا من جهة المشتري فوجهان :
أحدهما : إنّه
شراء ، كما في جانب البائع.
والثاني : إنّه
افتداء ؛ لاعترافه بحُرّيّته وامتناع شراء الحُرّ .
مسألة
٨٨٠ : إذا ثبت أنّه بيع
من طرف البائع وافتداء من طرف المشتري ، لا يبطل خيار المجلس في طرف البائع ، بل
يثبت له الخيار ما داما في المجلس. وكذا يثبت له خيار الشرط لو شرط وإن طال زمانه
، وهو أحد قولَي الشافعيّة ؛ بناءً على ظاهر مذهبهم من أنّه بيع من جانبه .
ولو كان البيع
بثمنٍ معيّنٍ فخرج معيباً وردّه البائع ، كان له أن يستردّ العبد ، بخلاف ما لو
باع عبداً وأعتقه المشتري ثمّ خرج الثمن المعيّن معيباً ورُدّ ، فإنّه لا يستردّ
العبد ، بل يعدل إلى القيمة ؛ لاتّفاقهما على العتق هناك.
وأمّا المشتري فلا
يثبت له خيار المجلس ولا خيار الحيوان ؛ لأنّه
__________________
ليس شراء في طرفه
، بل هو فداء.
ومَنْ قال من
الشافعيّة : إنّه شراء في طرفه ، أثبت له الخيار .
وعلى الوجهين فلا
ردّ له لو خرج العبد معيباً ؛ لاعترافه بحُرّيّته ، لكن يأخذ الأرش إن جعلناه
شراءً ، وإلاّ فلا أرش له.
وبهذا الثاني
نقول.
وقال الجويني : إذا
لم يثبت خيار المجلس للمشتري ، ففي ثبوته للبائع وجهان ؛ لأنّ هذا الخيار لا يكاد
يتبعّض .
وليس بمعتمدٍ.
وقال بعض
الشافعيّة : لا يثبت للبائع خيار أيضاً ، كما لو باع عبده من نفسه ، أو باع عبده
على مَنْ يعتق عليه .
وقال بعضهم بثبوت
الخيار للبائع في هاتين الصورتين أيضاً .
وليس بجيّدٍ.
مسألة
٨٨١ : إذا حكمنا بالعتق
في هذا العبد ، لم يكن للمشتري ولاؤه ؛ لاعترافه بأنّه لم يعتقه ، ولا للبائع ؛
لأنّه يزعم أنّه لم يعتقه ، فيكون موقوفاً.
ولو مات العبد وقد
اكتسب مالاً ، فإن كان له وارث بالنسب ، فهو له ، وإلاّ فيُنظر إن صدّق البائع
المشتري ، ردّ الثمن.
وإن كذّبه وأصرّ
على كلامه الأوّل ، قال بعض فقهائنا : للمشتري أن
__________________
يأخذ منه قدر ما
دفعه ثمناً إلى البائع ؛ لأنّ المشتري إن كان كاذباً فجميع كسبه له ؛ لأنّه مملوكه
، وإن كان صادقاً فالكسب للبائع إرثاً بالولاء ، وهو قد ظلمه بأخذ الثمن وتعذّر
استرداده ، فإذا ظفر بماله كان له أن يأخذ منه حقّه ، وهو قول المزني .
وظاهر مذهب
الشافعي أنّه يوقف المال بأسره ، كما كان الولاء موقوفاً .
واضطرب أصحابه.
فقال بعضهم : قول
المزني خطأ ؛ لأنّ المشتري لو أخذ شيئاً فإمّا أن يأخذ بجهة أنّه كسب مملوكه ، وقد
بانَ أنّه حُرٌّ بإقراره ، أو بجهة الظفر بمال ظالمه ، وهو ممتنع ؛ لأنّه إنّما
بذله فداءً تقرّباً إلى الله تعالى باستنقاذ حُرٍّ ، فيكون سبيلُه سبيل الصدقات ،
والصدقات لا يرجع فيها ، ولأنّه لا يدري أنّه يأخذ بجهة الملك ، أو بجهة الظفر
بمال ظالمه ، فيمنع من الأخذ إلى ظهور جهته .
وأكثر الشافعيّة
على ما قال المزني .
وقال جماعة منهم :
إنّ الشافعي ذكر ما قاله المزني أيضاً ، وإنّما حَكَم بوقف الزائد على الثمن وقف
الولاء ، وأمّا المستحقّ بكلّ حالٍ فلا معنى للوقف فيه ، ويجوز الرجوع في المبذول
فيه على جهة الفدية والدية ، كما لو فدى أسيراً في يد المشركين ثمّ استولى
المسلمون على بلادهم ووجد الباذل عين ماله ، أخذه. واختلاف الجهة لا يمنع الأخذ
بعد الاتّفاق على أصل الاستحقاق ، كما لو قال : لي عليك ألف ضمنته ، فقال : ما
ضمنت
__________________
شيئاً ولكن لك علَيَّ ألف عن قيمة متلفٍ .
والأصحّ : الثبوت
، وقطع النظر عن الجهة.
مسألة
٨٨٢ : لو استأجر العبد
الذي أقرّ بحُرّيّته بدلاً عن الشراء ، صحّ العقد بالنسبة إلى المؤجر ، وكان له
المطالبة بالأُجرة ، ولا يحلّ للمستأجر استخدامه والانتفاع به ، فإن استخدمه وجب
عليه دفع أُجرة المثل إليه ، ولم يكتف بما دفعه إلى المؤجر.
ولو أقرّ بحُرّيّة
جارية الغير ثمّ قَبِل نكاحها منه ، لم يحل له وطؤها إلاّ برضاها بما عقد عليه
مولاها ، وللمولى مطالبته بالمهر ، وعليه مهرٌ آخَر لها إن أجازت نكاحه.
ولو قال لزيدٍ :
العبد الذي في يدك غصبتَه من فلان ، وأنكر زيد ، فالقول قوله.
فإن اشتراه ،
فالأقرب : صحّة العقد ، كما لو أقرّ بحُرّيّته ثمّ اشتراه.
ويحتمل البطلان ؛
لأنّه مكذّب لإقراره ، وإنّما صحّحناه في طرف الحُرّيّة ؛ لأنّ الشراء هناك افتداء
له من العبوديّة و [ إنقاذ ] من الرقّ ، وهذا غير آتٍ هنا.
وللشافعيّة وجهان كهذين.
ولو أقرّ بعبدٍ في
يده لزيدٍ ، وقال العبد : بل أنا ملك عمرو ، سُلّم إلى زيدٍ دون عمرو ، ولم يعتبر
قول العبد ؛ لأنّه في يد مَنْ يسترقّه ، لا في يد نفسه ، فلو أعتقه زيد لم يكن
لعمرو أخذه.
__________________
ولو مات العبد عن
مالٍ ، لم يكن لعمرو التصرّفُ فيه ؛ لما فيه من إبطال الولاء على المعتق ،
واستحقاق الكسب فرع الرقّ ، ولم يثبت له.
مسألة
٨٨٣ : لا يشترط في
الإقرار أن يكون المُقرّ به ملكاً للمُقرّ حين يُقر ، بل الشرط في الإقرار
بالأعيان أن لا تكون مملوكةً للمُقرّ حين إقراره ؛ لأنّ الإقرار لا يزيل الملك عن
صاحبه ، وإنّما هو إخبار عن كونه مملوكاً للمُقرّ له ، والخبر حكاية عن المخبر به
، والحكاية متأخّرة ، وذو الحكاية متقدّم ، فلا بدّ وأن يكون الملك للمُقرّ له في
نظر المُقرّ وعنده حتى تقع المطابقة بين إقراره وما هو في نفس الأمر عنده.
فلو قال : داري
هذه أو ثوبي الذي أملكه لفلان ، بطل الإقرار ؛ لما فيه من التناقض ، والمفهوم منه
الوعد بالهبة.
ولا يحتمل أن يقال
: إنّه أضاف إلى نفسه ؛ لما بينهما من الملابسة ، وقد يضاف الشيء إلى غيره بأدنى
ملابسةٍ ، كما في قوله :
إذا كوكب الخرقاء .....
وقول الرجل لأحد
حاملي الخشبة : خُذ طرفك.
ولا ريب في أنّ
هذه الدار في يده ، أو قد كانت ملكه ، أو أنّها تُعرف بأنّها ملكه عند الغير ،
فيُحكم بصريح إقراره للغير ؛ لأنّ الاحتمال ولو كان نادراً ينفي لزوم الإقرار ،
عملاً بالاستصحاب.
ولو قال : مسكني
هذا لفلان ، كان إقراراً ؛ لأنّه أضاف إلى نفسه السكنى ، وقد يسكن ملك غيره.
__________________
ولو قال : هذه
الدار التي في يدي ، أو تُنسب إلَيَّ ، أو تُعرف بي ، أو التي كانت ملكي ، كان
إقراراً لازماً.
ولو شهدت البيّنة
على أنّ فلاناً أقرّ بأنّ له دار كذا ، وكانت ملكه إلى أن أقرّ ، كانت الشهادة
باطلةً.
ولو قال المُقرّ :
هذه الدار لفلان وكانت ملكي إلى وقت الإقرار ، نفذ إقراره ، والذي قاله بعده مناقض
لأوّله ، فيلغو ، كما لو قال : هذه الدار لفلان ، وليست له.
ولو قالت البيّنة
: نشهد أنّه باع هذه الدار أو وقفها ، وكانت ملكه إلى حين البيع أو الوقف ، سُمعت
الشهادة ، بل كانت مؤكّدةً للبيع والوقف.
مسألة
٨٨٤ : حكم الديون حكم
الأعيان في ذلك ، فلو كان له دَيْنٌ على زيدٍ في الظاهر من قرضٍ أو أُجرةٍ أو ثمن
مبيعٍ ، فقال : دَيْني الذي على زيد لعمرو ، فهو باطل.
ولو لم يُضف ، بل
قال : الدَّيْن الذي على زيد لعمرو ، واسمي في الكتاب عاريّة ومعونة وإرفاق ، صحّ
؛ لإمكان أن يكون وكيلاً عنه في الإقراض والإجارة والبيع ، ثمّ عمرو يدّعي المال
على زيدٍ لنفسه ، فإن أنكر زيد ، تخيّر عمرو بين أن يُقيم البيّنة على دَيْن
المُقرّ على زيدٍ ثمّ على إقراره له بما على زيدٍ ، وبين أن يُقيم البيّنة أوّلاً
على الإقرار ثمّ على الدَّيْن.
واستثنى بعض
الشافعيّة ثلاثة ديون منع من الإقرار بها : أحدها :
الصداق في ذمّة
الزوج ولا تقرّ المرأة به. والثاني : بدل الخُلْع في ذمّة المرأة ولا يُقرّ الزوج
به. والثالث : أرش الجناية ولا يُقرّ به المجنيّ عليه ؛ لأنّ الصداق لا يكون إلاّ
للمرأة ، وبدل الخُلْع لا يكون إلاّ للزوج ، وأرش الجناية لا يكون إلاّ للمجنيّ
عليه.
نعم ، لو كانت
الجناية على عبدٍ أو مال آخَر ، جاز أن يُقرّ به للغير ؛ لاحتمال كونه له يوم
الجناية .
وهذا خطأ فاحش ؛
فإنّ هذه الديون وإن امتنع ثبوتها للغير ابتداءً و [ تقديراً بوكالةٍ ] فلا امتناع من
انتقالها من مُلاّكها إلى الغير إمّا بالحوالة أو بالبيع ، فيصحّ الإقرار بها عند
احتمال جريان ناقلٍ.
نعم ، لو أقرّ بها
عقيب ثبوتها بلا فصلٍ بحيث لا يحتمل جريان [ ناقلٍ ] لم يصح.
لكن سائر الديون
كلّها كذلك ، بل الأعيان أيضاً كذلك ، حتى لو أعتق عبده ثمّ أقرّ له السيّد أو غيره
عقيب العتق بلا فصلٍ بدَيْنٍ أو عينٍ ، لم يصح ؛ لأنّ أهليّة التملّك لم تثبت له
إلاّ في الحال ، ولم يَجْر بينهما ما يوجب المال.
ولو فُرض ذلك ـ كما
لو نذر الصدقة على عبده بعد عتقه بشيءٍ ـ جاز له الإقرار به.
والضابط : إمكان
التملّك ، فمتى فُرض ، صحّ الإقرار ، وإلاّ فلا.
قال بعض الشافعيّة
: إن أسند الإقرار بالديون الثلاثة إلى جهة حوالةٍ أو بيعٍ ، فذاك ، وإلاّ فعلى
قولين ؛ بناءً على ما لو أقرّ للحمل بمالٍ وأطلق .
__________________
الفصل الثالث
: في الأقارير المجهولة
وفيه مباحث :
الأوّل
: الإقرار بالشيء المطلق.
مسألة
٨٨٥ : لا يشترط كون
المُقرّ به معلوماً ، بل يصحّ الإقرار بالمجهول ؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق
، والخبر قد يقع عن الشيء على جهة الإجمال ، كما قد يقع عنه على جهة التفصيل ،
وربما كان في ذمّة الإنسان شيء لا يعلم قدره ، فلا بدّ له من الإخبار عنه ليتواطأ
هو وصاحبه على الصلح بما يتّفقان عليه ، فدعت الحاجة واقتضت الحكمة إلى سماع
الإقرار بالمجمل ، كما يسمع بالمفصّل ، بخلاف الإنشاءات التي لا تحتمل الجهالة
والإجمال في أغلبها ؛ احتياطاً لابتداء الثبوت ، وتحرّزاً عن الغرر ، وبخلاف
الدعوى ؛ فإنّها لا تُسمع إلاّ محرّرة لكون الدعوى له والإقرار عليه ، فيلزم مع
الجهالة ، دون ما له.
ولأنّ المدّعي إذا
لم يُحرّر دعواه ، انتفى داعيه ، مع أنّ له داعياً إلى تحريرها ، وأمّا المُقرّ
فلا داعي له إلى التحرير ، ولا يؤمن رجوعه مع إقراره ، فيضيع حقّ المُقرّ له ،
فألزمناه إيّاه مع الجهالة.
ولا فرق في
الأقارير المجملة بين أن يقع ابتداءً أو في جواب دعوى معلومة ، كما لو ادّعى عليه
ألف درهم ، فقال : لك علَيَّ شيء.
والألفاظ التي يقع
فيها الإجمال لا تنحصر ، فلنقتصر على أكثرها دوراناً بين الناس وأظهرها في الألسنة
ولنبدأ بأعمّها ، وهو : « الشيء » ثمّ نعقّبه بما يتلوه من مشهورات الألفاظ إن
شاء الله تعالى.
مسألة
٨٨٦ : إذا قال : علَيَّ
شيء ، طُولب بالبيان والتفسير ، فإن امتنع ، فالأقرب : إنّه يُحبس حتى يبيّن ؛
لأنّ البيان واجب عليه ، فإذا امتنع منه حُبس عليه كما يُحبس على الامتناع من أداء
الحقّ ، وهو أحد وجوه الشافعيّة.
والثاني لهم :
إنّه لا يُحبس ، بل يُنظر إن وقع الإقرار المبهم في جواب دعوى وامتنع من التفسير ،
جُعل ذلك إنكاراً منه ، وتُعرض اليمين عليه ، فإن أصرّ جُعل ناكلاً عن اليمين ،
وحلف المدّعي ، وإن أقرّ ابتداءً قلنا للمُقرّ له : ادّع عليه حقّك ، فإذا ادّعى
فأقرّ بما ادّعاه أو أنكر ، أجرينا عليه حكمه ، وإن قال : لا أدري ، جعلناه منكراً
، فإن أصرّ جعلناه ناكلاً ؛ لأنّه إذا أمكن تحصيل الغرض من غير حبسٍ لا يُحبس.
والثالث : إنّه إن
أقرّ بغصبٍ وامتنع من بيان المغصوب حُبس ، وإن أقرّ بدَيْنٍ مبهم فالحكم كما
ذكرناه في الوجه الثاني .
وقال بعض
الشافعيّة : إذا قال : علَيَّ شيء ، وامتنع من التفسير ، لم يُحبس. وإن قال :
علَيَّ ثوب أو فضّة أو طعام ، ولم يبيّن ، حُبس ؛ بناءً على ما لو فسّر الشيء
بالخمر أو الخنزير قُبِل ، فحينئذٍ لا يتوجّه بذلك مطالبة ولا حبس .
مسألة
٨٨٧ : إذا أقرّ بالشيء
وطُولب بالبيان ، فإن فسّره بما يتموّل ، قُبِل ، سواء كان قليلاً أو كثيراً.
وإن فسّره بما لا
يتموّل ، فإن كان من جنس ما يتموّل ـ كحبّةٍ من الحنطة أو الشعير أو السمسم ، وقمع
باذنجانة ـ فالأقوى : القبول ـ وهو
__________________
أصحّ وجهي
الشافعيّة ـ لأنّه شيء يحرم أخذه ، وعلى مَنْ أخذه ردّه.
والثاني لهم :
إنّه لا يُقبل منه هذا التفسير ؛ لأنّه لا قيمة له ، فلا يصحّ التزامه بكلمة «
علَيَّ » ولهذا لا تصحّ الدعوى به .
ونمنع عدم سماع
الدعوى به.
والتمرة الواحدة
والزبيبة الواحدة حيث لا قيمة لها من هذا القبيل ، وهي أولى بالقبول ممّا لو فسّره
بحبّة حنطةٍ.
وإن لم يكن من جنس
ما يتموّل ، فإمّا أن يجوز اقتناؤه لمنفعةٍ ، أو لا.
فالأوّل كالكلب
المعلَّم والسرجين.
وفي التفسير بهما
إشكال ، أقربه : القبول ؛ لأنّهما أشياء يثبت فيها الحقّ والاختصاص ، ويحرم أخذها
، ويجب ردّها ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.
والثاني : لا
يُقبل ؛ لأنّها ليست بمالٍ ، وظاهر الإقرار للمال .
ولو فسّر بجلد
الميتة ، لم يُقبل عندنا ؛ لأنّه لا يطهر بالدباغ.
وللشافعيّة وجهان
؛ لقبوله الدباغ .
ومن هذا القسم :
الخمر المحترمة ، والكلب القابل للتعليم.
وكلب الماشية
والزرع والحائط مُلحَق بالمعلَّم.
__________________
والثاني : كالخمر
التي لا حرمة لها ، والخنزير ، وجلد الكلب ، والكلب الذي لا منفعة فيه ، وهذا لا
يُقبل تفسيره به عندنا.
وللشافعيّة وجهان
، هذا أصحّهما ، والثاني : أنّه يُقبل .
والصحيح ما قلناه
؛ لأنّه ليس فيه حقّ واختصاص ، ولا يلزم ردّه ، وقوله : « علَيَّ » يقتضي ثبوت
حقٍّ للمُقرّ له.
مسألة
٨٨٨ : لو قال : له
علَيَّ شيء ، وفسّره بالوديعة ، قُبِل ؛ لوجوب ردّها عليه عند الطلب ، وقد يتعدّى
فيها فتكون مضمونةً عليه.
ونقل الجويني
وجهاً للشافعيّة : إنّه لا يُقبل ؛ لأنّها في يده ، لا عليه .
وهو غلط بما
تقدّم.
ولو فسّره بحقّ
الشفعة ، أو حدّ قذفٍ ، قُبِل. أمّا لو فسّره بالعيادة أو ردّ السلام أو جواب
الكتاب ، لم يُقبل ؛ لبُعْده عن الفهم في معرض الإقرار ؛ إذ لا مطالبة بهما ،
والإقرار في العادة بما يطلبه المُقرّ له ويدّعيه ، ولأنّهما يسقطان ؛ لفواتهما ،
ولا يثبتان في الذمّة ، والإقرار يدلّ على ثبوت الحقّ في الذمّة.
وكذا لو فسّره
بتسميت عطسةٍ.
ويحتمل القبول إذا
أراد أنّ حقّاً علَيَّ ردّ السلام إذا سلّم وتسميته إذا
__________________
عطس ؛ لما روي في
الخبر : « للمسلم على المسلم ثلاثون حقّاً : يردّ سلامه ، ويُسمّت عطسته ، ويُجيب
دعوته ... » .
أمّا لو قال : له
علَيَّ حقٌّ ، فإنّه يُقبل التفسير بالعيادة وردّ السلام.
وقال بعض
الشافعيّة : لا فرق بين أن يقول : له علَيَّ شيء ، أو حقٌّ ، كيف! والحقّ أخصّ من
الشيء ، فيبعد أن يُقبل تفسير الأخصّ بما لا يُقبل به تفسير الأعمّ .
مسألة
٨٨٩ : لو قال : غصبته
شيئاً ، طُولب بالتفسير والبيان ، فإن فسّر بما يُقبل به التفسير في الصورة
السابقة ، قُبِل هنا بطريق الأولى إذا احتمله اللفظ ليخرج الوديعة وحقّ الشفعة ؛
إذ لا يحتملهما لفظ الغصب.
ولو فسّره بالخمر
والخنزير وغيرهما ممّا لا يُعدّ مالاً ، قُبِل هنا ؛ لأنّ الغصب لا يقتضي إلاّ
الأخذ قهراً ، وليس في لفظه ما يشعر بالتزامٍ وثبوت حقٍّ ، بخلاف قوله : « علَيَّ
» وبه قال الشافعي .
ويحتمل قبوله إن
كان المُقرّ له ذمّيّاً ، وإن كان مسلماً فإشكال.
وما ليس بمالٍ يقع
اسم الغصب عليه.
ولو قال : غصبته
شيئاً ، ثمّ قال : أردت نفسه فحبستُه ساعةً ، لم يُقبل ؛ لأنّه جعل له مفعولين ،
الثاني منهما : « شيئاً » فتجب مغايرته للأوّل.
أمّا لو قال :
غصبتُه ، ثمّ قال : أردت نفسه ، قُبِل.
وقيل : لا يُقبل ؛
لأنّ الغصب لا يثبت عليه .
__________________
وكذا لو قال :
غبنته ؛ لأنّه قد يغصب ويغبن في غير المال.
قال الشافعي : إذا
قال الرجل للرجل : غصبت منك شيئاً ، ثمّ قال : أردت به كلباً ، أُجبر على دفعه
إليه. وكذا إن قال : جلد ميتة. فإن قال :
خمراً أو خنزيراً
، لم أُجبره على دفعه إليه ، وقتلتُ الخنزيرَ وأرقتُ الخمرَ .
وحكي عن أبي حنيفة
أنّه قال : لو قال : لفلان علَيَّ شيء أو كذا ، لم يُقبل تفسيره بغير المكيل
والموزون ؛ لأنّ غير ذلك لا يثبت في الذمّة بنفسه .
وهو خطأ ؛ لأنّ
غير المكيل والموزون متموَّل يدخل تحت العقود ، فجاز أن يُفسَّر به الشيء ،
كالمكيل والموزون.
وتعليله باطل ؛
لأنّه يثبت في الذمّة ، ولا اعتبار بسبب ثبوته في الإخبار عنه والإقرار به.
مسألة
٨٩٠ : لو قال : له عندي
شيء ، قُبِل تفسيره بالخمر والخنزير على إشكال ـ وهو المشهور من مذهب الشافعيّة ـ لأنّه شيء
ممّا عنده.
ويحتمل عدم القبول
ـ وهو قول الجويني ـ لأنّ لفظة « له » تُشعر بثبوت ملكٍ أو حقٍّ.
ويمكن منعه ؛
لتسويغ قول القائل : لفلان عندي خمر أو خنزير.
إذا عرفت هذا ،
فلو شهد بالمجهول ، احتُمل السماع ، كما إذا كان له عليه مائة فأقرّ صاحب
الدَّيْن أنّه قبض منه شيئاً من الحقّ وقامت بذلك
__________________
بيّنة ، فإنّها تُسمع ، ويُقبل قول صاحب
الدَّيْن في قدره مع اليمين ، فإن لم يحلف حتى مات ، قام وارثه مقامه ، وهو أحد
قولَي الشافعيّة.
والثاني : إنّ
البيّنة إن شهدت بالإقرار بالمجهول ، جاز. وإن شهدت بالمجهول ، فلا ؛ لأنّ البيّنة
سُمّيت بيّنةً ؛ لأنّها تبيّن ما تشهد به وتكشف عنه ، بخلاف الإقرار ؛ لأنّه ليس
ببيّنةٍ .
وعلى هذا فالأقوى
أنّ الدعوى كالإقرار ، فإذا ادّعى أنّه أقرّ له بقبض شيءٍ ، أو بأنّ له عليه
شيئاً ، سُمعت دعواه ، وإلاّ فلا.
مسألة
٨٩١ : إذا أقرّ
بالمجهول وفسّره بتفسيرٍ صحيح وصدّقه المُقرّ له ، فلا بحث.
وإن كذّبه المُقرّ
له ، فليبيّن جنس الحقّ وقدره ، ويدّعيه ، ويكون القولُ قولَ المُقرّ في [ نفيه ] .
ثمّ لا يخلو
التنازع إمّا أن يكون في القدر أو في الجنس.
فإن كان في القدر ، مثل : أن يفسّر
إقراره بمائة درهم ، فيقول المُقرّ له : بل عليه مائتان ، فإن صدّقه على إرادة
المائة ، فهي ثابتة باتّفاقهما ، ويحلف المُقرّ على نفي الزيادة.
وإن قال : أراد به
المائتين ، حلف المُقرّ على أنّه ما أراد مائتين ، وأنّه ليس عليه إلاّ مائة ،
ويجمع بينهما في يمينٍ واحدة ، وبه قال بعض الشافعيّة .
__________________
وقال بعضهم : لا
بدّ من يمينين .
والمشهور :
الأوّل.
فإن نكل المُقرّ ،
حلف المُقرّ له على استحقاق المائتين.
ولا يحلف على
الإرادة ؛ لعدم إمكان الاطّلاع عليها ، بخلاف ما إذا مات المُقرّ وفسّر الوارث
وادّعى المُقرّ له زيادةً ، فإنّ الوارث يحلف على [ نفي ] إرادة المورّث ؛
لأنّه قد يطّلع من حاله مورّثه على ما لا يطّلع عليه غيره.
وكذا لو أوصى له
بمجمل ، فبيّنه الوارث ، وزعم الموصى له أنّه أكثر ، حلف الوارث على نفي العلم
باستحقاق الزيادة ، ولا يتعرّض للإرادة.
والفرق أنّ
الإقرار إخبار عن سابقٍ وقد يفرض فيه الاطّلاع ، والوصيّة إنشاء أمرٍ [ على ] الجهالة ، وبيانه
ـ إذا مات الموصي ـ إلى الوارث.
مسألة
٨٩٢ : لو كان التنازع
في الجنس ، مثل : أن يقول : له علَيَّ شيء ، ثمّ يفسّره بعبدٍ أو درهمٍ أو بمائة
درهم ، فيقول المُقرّ له : بل لي عليك جارية أو دينار أو مائة دينار ، فيُنظر إن
صدّقه المُقرّ له في الإرادة وقال : هو ثابت لي عليه ولي عليه مع ذلك كذا ، ثبت
المتّفق عليه ، وكان القولُ قولَ المُقرّ في نفي غيره.
وإن صدّقه في
الإرادة وقال : ليس لي عليه ما فسّره به ، إنّما لي عليه كذا ، بطل حكم الإقرار
بردّه ، وكان مدّعياً في غيره.
__________________
وإن كذّبه في دعوى
الإرادة وقال : إنّما أراد ما ادّعيتُه ، حلف المُقرّ على نفي الإرادة ونفي ما
يدّعيه. ثمّ إنّ المُقرّ له إن كذّبه في استحقاق المُقرّ به ، بطل الإقرار فيه ،
وإلاّ ثبت.
ولو اقتصر المُقرّ
له على دعوى الإرادة وقال : ما أردتَ بكلامك ما فسّرتَه به وإنّما أردتَ كذا إمّا
من جنس المُقرّ به أو من غيره ، لم يُسمع منه ذلك ؛ لأنّ الإقرار والإرادة لا
يُثبتان له حقّاً ، بل الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ، فعليه أن يدّعي الحقّ بنفسه.
وللشافعيّة وجهٌ
آخَر ضعيف عندهم : أنّه تُقبل دعوى الإرادة المجرّدة .
وهو كالخلاف في
أنّ مَن ادّعى على غيره أنّه أقرّ له بألف هل تُسمع منه دعوى الإقرار ، أم عليه [
دعوى ] نفس الألف؟
واعلم أنّ مَنْ لا
يسمع دعوى الإرادة لا يريد عدم الالتفات إليها أصلاً ، وإنّما المراد أنّها وحدها
غير مسموعة ، فأمّا إذا ضمّ إليها دعوى الاستحقاق ، فيحلف المُقرّ على نفيهما على
الأظهر.
وللشافعيّة في
البيع وجهان : إنّه إذا ادّعى المشتري عيباً قديماً بالمبيع ، وقال البائع : بعتُه
وأقبضتُه سليماً ، يلزمه أن يحلف كذلك ، أو يكفيه الاقتصار على أنّه لا يستحقّ
الردّ؟ فيجيء لهم هنا وجه : أنّه يكفيه نفي اللزوم ، ولا يحتاج إلى التعرّض
للإرادة .
__________________
مسألة
٨٩٣ : إذا أقرّ بالمبهم
ثمّ مات قبل التفسير ، طُولب الوارث به ؛ لأنّه المستحقّ للتركة ، فإن فسّر قُبِل
منه بمهما كان ، فإن ادّعى المُقرّ له خلافه قُدّم قول الوارث مع اليمين ، فإن نكل
حلف المُقرّ له ، وأخذ ما حلف عليه.
وإن امتنع الوارث
من البيان ، احتُمل أن يوقف أقلّ ما يتموّل ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، وأن يوقف الكلّ
ـ وهو الأظهر ـ لأنّ الجميع وإن لم يدخل في التفسير فهو مرتهن بالدَّيْن.
ولو قال الوارث :
لا أدري ما أراد ولا أعلم لك شيئاً ، حلف ـ إن طلب المُقرّ له ـ على نفي العلم ،
ثمّ سلّم إلى المدّعي أقلّ ما يتموّل ، ولا يُسلّم إليه ما يدّعيه مع اليمين ؛ إذ
لا يمين على المدّعي إلاّ بالردّ.
البحث
الثاني : في الإقرار بالمال.
مسألة
٨٩٤ : إذا قال : له
علَيَّ مال ، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يتموّل ، ولا يُقبل تفسيره بما ليس بمالٍ
إجماعاً ، كالكلب والخنزير وجلد الميتة.
ويُقبل بالتمرة
الواحدة حيث يكثر ؛ لأنّه مال قليل وإن لم يتموّل في ذلك الموضع ، وكلّ متموَّلٍ
مالٌ ، ولا ينعكس.
وكذا لو فسّره
بالحبّة من الحنطة والشعير.
إذا عرفت هذا ،
فإنّه يُقبل ـ فيما إذا قال : له علَيَّ مال ـ التفسير بالقليل والكثير ، عند
علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأحمد ـ لصدق اسم المال
__________________
عليه ، والأصل عدم
الزائد.
وقال أبو حنيفة :
لا يُقبل تفسيره بغير المال الزكوي ؛ لقول الله تعالى : ( خُذْ مِنْ
أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) وقوله تعالى : ( وَفِي أَمْوالِهِمْ
حَقٌّ ) .
والآية عامّة
دخلها التخصيص بالسنّة المتواترة ، فلا يخرج اللفظ عن حقيقته.
وقوله : ( وَفِي
أَمْوالِهِمْ حَقٌّ ) ليس المراد الزكاة ؛ لأنّها نزلت بمكة قبل فرض الزكاة ،
فلا حجّة له فيها.
ثمّ ينتقض بقوله
تعالى : ( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ ) والتزويج جائز
بأيّ نوعٍ كان من المال قليله وكثيره ولو بدرهمٍ.
وعن مالك ثلاثة
أوجُهٍ.
أحدها : كما
قلناه.
والثاني : لا
يُقبل إلاّ أقلّ نصابٍ من نُصُب الزكاة من نوع أموالهم.
[ و ] الثالث : ما
يُستباح به البُضْع والقطع في السرقة ؛ لقوله تعالى : ( أَنْ
تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ ) .
__________________
ويبطل بوقوع اسم
المال على القليل والكثير ، والبُضْع ـ عندنا وعند الشافعي ـ يُستباح
بالقليل والكثير.
وهل يُقبل تفسيره
بالمستولدة؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّها مال يجوز بيعها بعد موت ولدها ، ويُنتفع بها
وتُستأجر وإن كانت لا تُباع ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة .
ولو فسّره بوقفٍ
عليه ، قُبِل.
وخرّج بعض
الشافعيّة ذلك على الخلاف في أنّ الملك في الوقف هل هو للموقوف عليه أم لا؟ .
مسألة
٨٩٥ : لو قال : له
علَيَّ مالٌ عظيم أو جليل أو نفيس أو خطير أو غير تافه أو مال وأيّ مال ، قُبِل
تفسيره بأقلّ ما يتموَّل أيضا ، كما لو قال : « مال » لم يزد عليه ؛ لأنّه يحتمل
أن يريد به عظم خطره بكفر مستحلّه ووزر غاصبه والخائن فيه ؛ لأنّ أصل ما يبنى عليه
الإقرار الأخذ بالمتيقّن والترك لغيره ، ولا يعتبر الغلبة.
واختلف أصحاب أبي
حنيفة :
فمنهم مَنْ قال :
لا يُقبل أقلّ من عشرة دراهم ـ وذكر أنّه مذهب
__________________
أبي حنيفة ـ لأنّه
يُقطع به السارق ، ويكون صداقاً عنده .
وقال أبو يوسف
ومحمّد : لا يُقبل أقلّ من مائتي درهم ـ قال الرازي :
هذا مذهب أبي
حنيفة ـ لأنّه الذي تجب فيه الزكاة .
وقال أبو عبد الله
الجرجاني : نصّ أبو حنيفة على ذلك ، وقال : إذا أقرّ بأموال عظيمة ، يلزمه ستمائة
درهم .
واختلف أصحاب مالك
:
فمنهم مَنْ يقول :
يُقبل ما يُقبل في المال.
ومنهم مَنْ قال :
يزيد على ذلك أقلّ زيادة.
ومنهم مَنْ قال :
قدر الدية.
ومنهم مَنْ قال :
ثلاثة دراهم نصاب القطع ؛ لأنّ الدانق والحبّة لا يُسمّى عظيماً ، فلا يصحّ
التفسير به ، كما لو قال : مال جزيل .
__________________
وهو غلط ؛ لأنّا
نجري الجزيل مجرى العظيم.
والأصل في ذلك
أنّه ليس في العظيم حدٌّ في الشرع ولا في اللغة ولا في العرف ، والناس يختلفون في
ذلك ، فبعضهم يستعظم القليل ، وبعضهم لا يستعظم الكثير ، فلم يثبت في ذلك حدٌّ
يرجع إليه ، ولا في اللغة ولا في العرف قانون يُعوَّل عليه ، فيرجع إلى تفسيره
وبيانه ؛ لأنّه أعرف بمراده.
مسألة
٨٩٦ : لو قال : له
علَيَّ مالٌ كثير ، قال الشيخ ; : إنّه يلزمه ثمانون ؛ بناءً على الرواية التي تضمّنت أنّ
الوصيّة بالمال الكثير وصيّة بثمانين ، ولم يعرف هذا التفسيرَ أحدٌ من الفقهاء .
وقد عرفتَ قولهم
في العظيم ، وكذا في الكثير عندهم.
وقال الليث بن سعد
: يلزمه اثنان وسبعون درهماً ؛ لأنّ الله تعالى قال : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ) وكانت غزواته 6 وسراياه اثنين وسبعين .
وهو غلط ؛ لأنّ
ذلك ليس بحدٍّ لأقلّ الكثير ، وإنّما وصف ذلك بالكثرة ، ولا يمنع ذلك وقوع الاسم
على ما دون ذلك ، وقد قال الله تعالى :
( كَمْ مِنْ فِئَةٍ
قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً ) وليس المراد ما ذكره ، وكذا قوله
__________________
تعالى : ( اذْكُرُوا
اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ) ولم ينصرف إلى ذلك ، ولهذا أمثال كثيرة في القرآن ،
وأصحابنا التجئوا في ذلك إلى الرواية ، وكانت المواطن عندهم ثمانين موطناً.
إذا عرفت هذا ،
فنقول : تُقصر الرواية على ما وردت عليه ، ويبقى الباقي على الإجمال.
مسألة
٨٩٧ : وافقنا أبو حنيفة
في الجليل والنفيس والخطير على قبول التفسير بأقلّ ما
يتموّل.
وقال بعض
الشافعيّة : إنّه يجب أن يزيد تفسير المال العظيم على تفسير مطلق المال ؛ ليكون
لوصفه بالعظيم فائدة .
واكتفى بعضهم
بالعظم من حيث الجرم والجثّة .
ولو قال : له
علَيَّ مال عظيم جدّاً ، أو : عظيم عظيم ، فكقوله : له علَيَّ مالٌ ، ويُقبل
تفسيره بما قلّ وكثر.
وكذا لو قال : وافر
، أو : خطير.
ولو قال : له
علَيَّ مالٌ قليل أو خسيس أو تافه أو يسير ، فهو كما لو قال : مال ، وتُحمل هذه
الصفات على استحقاق الناس إيّاه ، وعلى أنّه فانٍ زائل ، فكثيره بهذه الاعتبار
قليل ، وقليله بالاعتبار الأوّل كثير ، وقد يستعظم الفقير ما يستحقره الغني.
مسألة
٨٩٨ : لو قال : لزيدٍ
علَيَّ أكثر من مال فلان ، قُبِل تفسيره بأقلّ
__________________
ما يتموّل وإن كثر
مال فلان ؛ لأنّه يحتمل أن يريد به أنّه دَيْنٌ لا يتطرّق إليه الهلاك ، وذلك عين
معرَّض للهلاك ، أو يريد أنّ مال زيد علَيَّ حلال ، ومال فلان حرام ، والقليل من
الحلال أكثر بركةً من الكثير من الحرام ، وكما أنّ القدر مبهم في هذا الإقرار ،
فكذلك الجنس والنوع مبهمان.
ولو قال : له
علَيَّ أكثر من مال فلان عدداً ، فالإبهام في الجنس والنوع.
ولو قال : له
علَيَّ من الذهب أكثر ممّا لفلان ، فالإبهام في القدر والنوع. ولو قال : من صحاح
الذهب ، فالإبهام في القدر وحده.
ولو قال : له
علَيَّ أكثر من مال فلان ، وفسّره بأكثر منه عدداً أو قدراً ، لزمه أكثر منه ،
ويرجع إليه في تفسير الزيادة ولو حبّة أو أقلّ.
ولو قال : ما
علمتُ أنّ مال فلانٍ كذا ، أو ما علمتُ لفلانٍ أكثر من كذا ، وقامت البيّنة بأكثر
منه ، لم يلزمه أكثر ممّا اعترف به ؛ لأنّ المال يخفى كثيراً عن الغير ، ولا يعرف
أحد قدره في الأكثر ، وقد يكون ظاهراً وباطناً ، فيملك ما لا يعرفه المُقرّ ، فكان
المرجع إلى ما اعتقده المُقرّ مع يمينه إذا ادّعي عليه أكثر منه. وإن فسّره بأقلّ
من ماله مع علمه بماله ، لم يُقبل.
مسألة
٨٩٩ : لو قال : لي عليك
ألف دينار ، فقال : لك علَيَّ أكثر من ذلك ، لم يلزمه أكثر من الألف ، بل ولا
الألف ؛ لأنّ لفظة « أكثر » مبهمة ؛ لاحتمالها الأكثريّة في القدر أو العدد ،
فيحتمل أنّه أراد أكثر منه فلوساً أو حَبّ حنطة أو حَبّ شعير أو دخن ، فيرجع في
ذلك إلى تفسيره.
واستبعده بعض
العامّة ؛ لأنّ « أكثر » إنّما تُستعمل حقيقةً في العدد أو في القدر ، فيُصرف إلى
جنس ما أُضيف « أكثر » إليه ، لا يُفهم في الإطلاق غير
ذلك ، قال الله
تعالى : ( كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ ) وقال تعالى : ( أَكْثَرُ
مِنْكَ مالاً ) ( وَقالُوا نَحْنُ
أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً ) مع أنّه إذا قال : له علَيَّ دراهم ، لزمه ثلاثة أقلّ
الجمع وازنة صحيحة حالّة ، مع احتمال إرادة الأدون والأردأ والمؤجَّل ، ولا يُقبل
تفسيره بهذه ؛ حملاً للّفظ على ظاهره ، واحتمال « أكثر » هنا أبعد .
والتحقيق أنّ «
أكثر » إن قُرن بـ « من » لم تجب مشاركته في الجنس ، وإلاّ وجب ؛ لأنّ « أفعل »
بعض لما يضاف إليه.
مسألة
٩٠٠ : لو قال : لزيدٍ
علَيَّ مال أكثر ممّا تشهد به الشهود على فلان ، قُبِل تفسيره بأقلّ ما يُتموّل
أيضا ؛ لاحتمال أنّه يعتقد أنّهم شهدوا زوراً ، ويريد أنّ القليل من الحلال أكثر
بركةً.
ولو قال : أكثر
ممّا قضى [ به ] القاضي على فلان ، فهو كما لو قال : أكثر ممّا شهد به الشهود ؛
لأنّ قضاء القاضي قد يكون مستنداً إلى شهادة الزور وإلى شهادة الفُسّاق ، ويجوز أن
يغلط أو يعصي ، فيقضي بغير الحقّ ، والحكم الظاهر لا يغيّر ما عند الله.
وهذا أظهر وجهي
الشافعيّة. والثاني : إنّه يلزمه القدر الذي قضى به القاضي ؛ لأنّ قضاء القاضي
محمول على الحقّ والصدق .
وليس جيّداً.
مسألة
٩٠١ : لو قال : لفلانٍ
علَيَّ أكثر ممّا في يد زيدٍ ، قُبِل تفسيره
__________________
بأقلّ ما يُتموّل ،
كما لو قال : أكثر من مال فلان.
ولو قال : له
علَيَّ أكثر ممّا في يد فلان من الدراهم ، لا يلزمه التفسير بجنس الدرهم ، لكن
يلزمه ذلك العدد من أيّ جنسٍ شاء وزيادة بأقلّ ما يُتموّل ، وبه قال بعض الشافعيّة
.
واعتُرض بأنّه
يخالف قياس ما سبق ؛ لوجهين :
الأوّل : التزام
ذلك العدد.
والثاني : التزام
زيادةٍ عليه .
والتأويل الذي
تقدّم للأكثريّة ينفيهما جميعاً.
ولو قال : له
علَيَّ من الدراهم أكثر ممّا في يد فلان من الدراهم ، وكان في يد فلان ثلاثة دراهم
، قال بعض الشافعيّة : يلزمه ثلاثة دراهم وزيادة أقلّ ما يُتموّل .
وقال بعضهم : لا
يلزمه زيادة ؛ حملاً للأكثر على ما سبق .
والأقرب عندي :
إنّه يُقبل لو فسّر بما دون الثلاثة أيضاً.
ولو كان في يده
عشرة دراهم وقال المُقرّ : لم أعلم وظننتُ أنّه ثلاثة ، قُبِل قوله مع يمينه.
البحث
الثالث : في الإقرار بكناية العدد.
مسألة
٩٠٢ : لو قال : لفلان
علَيَّ كذا ، فهو مبهم بمنزلة قوله : له علَيَّ شيء ، فيُقبل تفسيره بما يُقبل به
تفسير الشيء.
__________________
ولو قال : له
علَيَّ كذا كذا ، فهو كما لو قال : كذا ، والتكرار للتأكيد لا للتجديد ، فكأنّه
قال : له علَيَّ شيء شيء.
ولو قال : له
علَيَّ كذا وكذا ، فعليه التفسير بشيئين مختلفين أو متّفقين يُقبل كلّ واحدٍ منهما
في تفسير « كذا » من غير عطفٍ.
وكذا لو قال :
علَيَّ شيء ، أو قال : شيء وشيء.
ولو عقّبه بالدرهم
مثلاً ، فقال : له علَيَّ كذا درهم ، فلا يخلو إمّا أن ينصب الدرهم أو يرفعه أو
يجرّه أو يقف عليه.
فإن نصبه فقال :
له علَيَّ كذا درهماً ، لزمه درهم واحد ، وكان الدرهم منصوباً على التمييز ؛ لأنّه
تفسير لما أبهمه.
وقال بعض
الكوفيّين : إنّه منصوب على القطع ، فكأنّه قطع ما ابتدأ به وأقرّ بدرهمٍ .
وبه قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة :
يلزمه عشرون درهماً ؛ لأنّه أقلّ اسم عددٍ مفرد ينتصب الدرهم المفسّر عقيبه .
وهو جيّد إن كان
المُقرّ عارفاً بالعربيّة. والأقرب : الأوّل ؛ لأنّه المتيقّن.
__________________
وإن رفعه فقال :
كذا درهمٌ ، لزمه درهم واحد إجماعاً ، وتقديره : شيء هو درهم ، فجعل الدرهم بدلاً
من « كذا ».
وإن جرّه ، لزمه
بعض درهمٍ ، وصار تقديره : له علَيَّ جزء درهمٍ ، أو بعض درهمٍ ، ويرجع في تفسير
قدره إليه ، ويكون « كذا » كنايةً عن ذلك الجزء.
وقال بعض أصحاب
أبي حنيفة : إنّه يلزمه مائة درهم ؛ لأنّه أقلّ عددٍ يضاف اسم العدد إليه ويجرّ به .
وما ذكرناه أولى ؛
لأنّه المتيقّن ، ولا يُنظر إلى الإعراب في تفسير الألفاظ المبهمة ، ولا تُوازن
المبهمات المبيّنات.
ولا فرق بين أن
يقول : علَيَّ كذا درهم صحيح ، أو لم يقل لفظة « صحيح ».
وبعضهم فرّق بأنّه
إذا قال : له علَيَّ كذا درهم صحيح ، بالجرّ ، لم يجز حمله على بعض درهمٍ ،
فتتعيّن المائة .
والحقّ أنّه يلزمه
درهم واحد.
وقال بعض
الشافعيّة : إذا جرّ ، لزمه درهم واحد إذا لم يقل : « صحيح » .
ولو وقف ، لزمه
بعض درهمٍ ، كما في حالة الجرّ ؛ لأنّه المتيقّن ، لأنّه يجوز أن يسقط حركة الجرّ
للوقف.
__________________
وقال بعض
الشافعيّة : يلزمه درهم .
مسألة
٩٠٣ : لو قال : له
علَيَّ كذا كذا ، فهو بمنزلة مَنْ لم يكرّر ، يلزمه درهم واحد.
ثمّ التقدير أن
نقول : إمّا أن ينصب الدرهم أو يرفعه أو يجرّه أو يقف.
فإن نصب ، لزمه
درهم لا غير ، ولا يقتضي التكرير الزيادة ، كأنّه قال : له شيء شيء.
وقال أبو حنيفة :
يلزمه أحد [ عشر ] درهماً ؛ لأنّه أقلّ عددٍ مركّبٍ ينتصب بعده المميّز إن
كان عالماً بالعربيّة .
والأجود ما قلناه
؛ تنزيلاً للإقرارات على المتيقّن ، لا على المظنون ؛ حيث أُخرجت أصالة براءة
الذمّة عن أصلها.
ولو رفع ، لزمه
درهم واحد أيضاً. وتقديره : كذا كذا هو درهم. ولا خلاف فيه.
ولو جرّ ، لزمه
بعض درهمٍ ؛ لاحتمال أن يكون قد أضاف جزءاً إلى جزءٍ ثمّ أضاف الجزء الآخر إلى
الدرهم ، فيصير كأنّه قال : له بعضُ بعضِ
__________________
درهمٍ ، ويُقبل
تفسيره.
وكذا لو وقف.
وقال بعض
الشافعيّة : يلزمه في الجرّ والوقف والنصب والرفع درهم واحد .
والوجه ما قلناه.
ولو قال : كذا كذا
كذا درهم ، لزمه بعض درهمٍ أيضاً ؛ لاحتمال أنّه أراد ثُلث سُبع عُشر درهمٍ.
مسألة
٩٠٤ : لو كرّر « كذا »
مع العطف ، فقال : له علَيَّ كذا وكذا ، فإن رفع الدرهم ، لزمه درهم واحد ؛ لأنّه
ذكر شيئين ثمّ أبدل منهما درهماً ، فكأنّه قال : هُما درهم ، وهو أحد قولَي
الشافعيّة. والثاني : إنّه يلزمه درهم وزيادة .
ولو نصب ، فالأقرب
: إنّه يلزمه درهم واحد ؛ لأنّ « كذا » يحتمل أن يكون أقلّ من درهمٍ ، فإذا عطف
عليه مثله ثمّ فسّرهما بدرهمٍ واحد ، جاز.
وقال الشافعي :
يلزمه درهمان ؛ لأنّ « كذا » يقع على درهمٍ ، يعني لمّا وصل الجملتين بالدرهم كان
كلّ واحدٍ من المعطوف والمعطوف عليه واقعاً على درهمٍ ، فكأنّه كناية عنه .
قال المزني : وقال
في موضعٍ آخَر : إذا قال : كذا وكذا درهماً ، قيل : أعطه درهماً أو أكثر من قِبَل
أنّ « كذا » يقع على أقلّ من درهمٍ ، وقوله :
__________________
« أو أكثر » أي :
إذا فسّره بأكثر من درهمٍ ، لزمه ، وإلاّ فالدرهم يقين. ويُروى في بعض النسخ : «
وأكثر ». هذا ما نقله المزني .
واختلف أصحاب
الشافعي في المسألة على طريقين :
أشهرهما : إنّه
على قولين :
أصحّهما : إنّه
يلزمه درهمان ؛ لأنّه أقرّ بجملتين مبهمتين ، وعقّبهما بالدرهم ، فالظاهر كونه
تفسيراً لهما ، كما لو قال : له علَيَّ عشرون درهماً ، فإنّ الدرهم تفسير للعشرين.
والثاني ـ وهو
اختيار المزني ـ : إنّه لا يلزمه إلاّ درهم واحد ؛ لجواز أن يريد به تفسير اللفظين
معاً بالدرهم ، وحينئذٍ يكون المراد من كلّ واحدٍ نصف درهمٍ .
وزاد بعضهم قولاً
ثالثاً ، وهو : إنّه يلزمه درهم وشيء ، أمّا الدرهم : فلتفسير الجملة الثانية ،
وأمّا الشيء : فللأُولى الباقية على إبهامها. وهو موافق لرواية مَنْ روى « أعطه
درهماً وأكثر » .
والطريق الثاني :
القطع بأنّه يلزمه درهمان.
واختلفوا في نقل
المزني والتصرّف فيه من وجوه :
أ
ـ حمل ما نقله عن
موضعٍ آخَر على ما إذا قال : « كذا وكذا درهم »
__________________
بالرفع ، كأنّه
يقول : وكذا الذي أبهمته درهم.
ب
ـ إنّه حيث قال : «
درهمان » أراد ما إذا أطلق اللفظ ، وحيث قال : « درهم » أراد ما إذا نواه ، فصرف
اللفظ عن ظاهره بالنيّة.
ج
ـ إنّه حيث قال : «
درهم » أراد ما إذا قال : « كذا وكذا درهماً » فشكّ أنّ الذي يلزمه شيئان أو شيء
واحد.
د
ـ إنّه حيث قال : «
يلزمه درهم » صوّر فيما إذا قال : « كذا كذا درهماً » .
وقال أبو حنيفة :
يلزمه أحد وعشرون درهماً ؛ لأنّه أقلّ مفرد ميّز عددين أحدهما معطوف على الآخَر .
وحكي عن أبي يوسف
أنّه إذا قال : « كذا وكذا ، أو : كذا وكذا درهماً » لزمه أحد عشر
درهماً .
ولو جرّ الدرهم ،
لزمه درهم عند بعض الشافعيّة .
والحقّ أنّه يلزمه
بعض الدرهم ، والتقدير أنّه يلزمه شيء وبعض درهمٍ ، وكلاهما بعض درهمٍ.
ولو قال : كذا
وكذا وكذا درهماً ، فإن قلنا : إن كرّر مرّتين لزمه
__________________
درهمان ، فهنا
يلزمه ثلاثة. وإن قلنا : يلزمه درهم ، فكذا هنا.
مسألة
٩٠٥ : لو قال : له
علَيَّ ألف ودرهم ، أو ألف ودراهم ، أو ألف وثوب ، أو ألف وعبد ، فقد عطف معيّن
الجنس على مبهمه ، فله تفسير الألف بغير جنس المعطوف بأيّ شيء أراد ، عندنا ـ وبه
قال الشافعي ومالك ـ إذ لا منافاة بين عطف بعض الأجناس على ما يغايرها ، بل
هو الواجب ، فبأيّ شيء فسّره قُبِل ، حتّى لو فسّره بحبّات الحنطة قُبِل.
ولو فسّره بألف
كلب ، فوجهان على ما سلف .
وقال أبو حنيفة :
إن عطف على العدد المبهم موزوناً أو مكيلاً ، كان تفسيراً له. وإن كان مذروعاً أو
معدوداً ، وبالجملة يكون [ متقوّماً ] لم يكن تفسيراً ـ كالثوب
والعبد ـ لأنّ « علَيَّ » للإيجاب في الذمّة ، فإذا عطف عليه ما يثبت في الذمّة
بنفسه ، كان تفسيراً له ، كقوله : مائة وخمسون درهماً ، وقوله : خمسة وعشرون
درهماً ، فإنّ الدرهم تفسير العشرين ، والعشرون تفسير الخمسة .
__________________
وما قدّمناه أصحّ
؛ لأنّه مفسّر معطوف على مبهمٍ ، فلم يكن تفسيراً ، كقوله : مائة وثوب. وما ذكره
أبو حنيفة منتقض بالثوب ، فإنّه يثبت في الذمّة بنفسه ، لأنّه يقول : إذا أتلف
عبداً أو ثوباً ، وجب مثله في ذمّته ، ولهذا يجوز أن يصطلحا على أكثر من قيمته. وما ذكروه من مائة وخمسين
فإنّ الدرهم المنصوب على التمييز يميّز الجملتين جميعاً ، ويكون لفظه بحكم ما يليه
مبهماً ، مع أنّ جماعةً من الشافعيّة لا يسلّمون ذلك .
وقد اختلف أصحاب
مالك ، فمنهم مَنْ وافقنا ، ومنهم مَنْ قال : يفسّر بالمعطوف بكلّ حال.
إذا عرفت هذا ،
فلا فرق بين أن يقول : علَيَّ ألف ودرهم ، أو : درهم وألف ، أو : ألف ودرهمان في
أنّ الألف مبهمة.
مسألة
٩٠٦ : لو قال : له
علَيَّ خمسة عشر درهماً ، فالكلّ دراهم ؛ لأنّه
__________________
لا عطف ، وإنّما
هُما اسمان جُعلا واحداً ، فالمذكور تفسير له ، فلو باعه بخمسة عشر درهماً ، صحّ
البيع إجماعاً.
ولو قال : ألف
وثلاثة دراهم ، فالكلّ دراهم أيضاً ؛ قضاءً للعرف فيه.
ولو قال : خمسة
وعشرون درهماً ، أو : مائة وخمسة وعشرون درهماً ، أو : ألف ومائة وخمسة وعشرون
درهماً ، فالكلّ دراهم ؛ لأنّ عرف اللغة والاستعمال إذا أُريد الإخبار بالدراهم
كلّها أتى بهذه العبارة ، ولأنّ لفظ الدرهم لا يجب به شيء زائد ، بل هو تفسير ،
وليس تفسيراً للبعض ؛ لاحتياج الكلّ إلى التفسير ، فيكون تفسيراً للكلّ.
وقال بعض
الشافعيّة : في « خمسة وعشرين » الخمسةُ مجملة ، والعشرون مفسَّرة بالدرهم ؛ لمكان
العطف ، فلو باعه بخمسة وعشرين درهماً ، لم يصح على هذا القول.
وكذا الخلاف في
مائة وخمسة وعشرين درهماً ، وقوله : ألف ومائة وخمسة وعشرون درهماً ، أو : خمسون
وألف درهم ، أو : مائة وألف درهم ، فقال أبو علي بن خيران من الشافعيّة وأبو سعيد
الاصطخري : لا يكون تفسيراً إلاّ لما يليه من الجملتين ، وما قبل ذلك يُرجع إلى
تفسيره .
وقال أكثر
الشافعيّة : إنّه يكون تفسيراً للجملتين ، ويكون الدرهم المفسّر عائداً إلى
الجملتين ؛ لأنّ إحدى الجملتين تفسير للأُخرى .
ولو قال : ثمانية
دراهم وألف ، فإنّه لا يكون تفسيراً للألف.
__________________
ولو قال : ألف
وثلاثة أثواب ، فالجميع أثواب.
وكذا : مائة
وأربعة دنانير ، فالجميع دنانير.
ولو قال : مائة
ونصف درهم ، فالأقرب : إنّ المائة دراهم.
ولو قال : درهم
ونصف ، فالنصف يرجع إلى الدرهم ، وكذا : عشرة دراهم ونصف ، وهو أحد وجهي
الشافعيّة. والثاني : إنّ النصف مبهم ؛ لأنّه معطوف على ما تقدّم مفسّراً ، فلا
يتأثّر به .
وأكثرهم قال :
الجميع دراهم ؛ لجريان العادة به حتى لو قال : له علَيَّ درهم ونصف درهمٍ ، عُدّ
مُطوّلاً تطويلاً زائداً على قدر الحاجة .
أمّا لو قال : له
علَيَّ نصف ودرهم ، فالنصف مبهم.
ولو قال : مائة
وقفيز حنطة ، فالمائة مبهمة ، بخلاف قوله : مائة وثلاثة دراهم ؛ لأنّ الدراهم تصلح
تفسيراً للكلّ ، والحنطة لا تصلح تفسيراً للمائة ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقال : مائة
حنطة.
ولو قال : له
علَيَّ ألف درهمٌ ، فسّر الألف بما لا تنقص قيمته عن درهمٍ ، كأنّه قال :
الألف ممّا قيمة الألف منه درهم.
البحث
الرابع : في الإقرار بالدرهم.
وفيه مطلبان :
الأوّل : في المفرد.
مسألة
٩٠٧ : الدرهم الإسلامي
المعتبر في نُصُب الزكوات ومقادير
__________________
الديات وغيرها
وزنة ستّة دوانيق ، وزن عشرة دراهم منها سبعة مثاقيل ، والدانق : ثماني حبّات
وخُمْسا حبّةٍ ، فيكون الدرهم الواحد خمسين حبّةً وخُمْسي حبّةٍ.
والمراد من الحبّة
حبّةُ الشعير لا من كباره ولا من صغاره ، بل المتوسّط بينهما التي لم تقشر ، بل
قُطع من طرفها ما دقّ وطال.
والدينار : اثنتان
وسبعون حبّة منها ، هكذا قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم .
والمشهور عند
علمائنا : إنّ الدانق ثمان حبّات ، وبه قال ابن سريج من الشافعيّة ،
فعلى هذا يكون الدرهم ثمانيةً وأربعين حبّةً.
إذا عرفت هذا ،
فإذا قال : له علَيَّ درهم ، وأطلق ، حُمل على المتعارف عند القائل في المعاملة ،
فإن وافق المشروع فذاك ، وإلاّ كان حمله على المتعارف أولى من حمله على العرف
الشرعي.
فلو قال : له
علَيَّ ألف درهم ، ثمّ قال : هي ناقصة ـ كدراهم « طبريّة الشام » الواحد منها
أربعة دوانيق ، أو كدراهم خوارزم ، وزن الخوارزميّة أربعة دوانيق ونصف ، أو
كدراهمنا ـ اليوم ـ السلطانيّة ، الواحد منها نصف مثقالٍ ـ فإن كان الإقرار في عرف
المُقرّ أو بلد الإقرار ودراهمه تامّة وكان قد ذكره متّصلاً ، فالأقوى : القبول ،
كالاستثناء ، فكأنّه استثنى من كلّ درهمٍ دانقين ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.
وقال ابن خيران :
إنّها على قولين ؛ بناءً على أنّ الإقرار هل
__________________
يتبعّض؟ .
والثاني : المنع ؛
لأنّ اللفظ صريح فيه ، وليس كلّ لفظٍ يتضمّن نقصاناً يصلح للاستثناء ، ولهذا لو
قال : له علَيَّ ألف بل خمسمائة ، يلزمه الألف ، ولأنّ قوله : « ألف درهم » يقتضي
الوازنة ، كما لو باع ولم يعيّن ، فإذا قال : نقص ، فقد رجع عن إقراره ؛ لأنّ
الوازنة غير النقص ، وليس النقص من جملتها .
وهو خطأ ؛ لأنّ
الدراهم يعبَّر بها عن الوازنة وعن الناقصة ، وإنّما حُملت على الوازنة ؛ لأنّ عرف
الإسلام قائم فيها ، لأنّها دراهم الإسلام ، فإذا فسّرها بالناقصة فلم يرجع عن
إقراره ، وإنّما صرفه عن ظاهره إلى مستعملٍ ، فافترقا.
وإن ذكره منفصلاً
، لم يُقبل ؛ لأنّه كالاستثناء ، ولا يصحّ الاستثناء المنفصل ، وعليه وزن الدراهم
المتعارفة عند المُقرّ وبلد الإقرار ، وإن لم يكن هناك عُرْفٌ حُمل على وزن دراهم
الإسلام ، إلاّ أن يصدّقه المُقرّ له ؛ لأنّ لفظ الدرهم صريح في المقدار المعلوم ،
وعرف البلد [ مؤيّد له ] .
واختار بعض
الشافعيّة القبولَ ؛ لأنّ اللفظ محتمل له .
والأصل براءة
الذمّة.
وإن كان الإقرار
في بلدٍ دراهمه ناقصة ، فإن ذكره متّصلاً ، قُبِل ؛ لأنّ اللفظ والعرف يصدّقانه
فيه.
__________________
وإن ذكره منفصلاً
، احتُمل قويّاً القبول ؛ حملاً لكلامه على نقد البلد ، لأنّ للعرف أثراً بيّناً
في تقييد الألفاظ ، حتى أنّه لو طرأ على اللغة أو الشرع كان الحمل عليه متعيّناً ،
وصار كما في المعاملات ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.
والثاني : لا
يُقبل ، ويُحمل مطلق إقراره على وزن الإسلام ، كما أنّ نُصُب الزكاة لا تختلف
باختلاف البلدان .
والفرق ظاهر.
وكذا الخلاف فيما
إذا أقرّ في بلدٍ وزنُ دراهمه أكثر من وزن دراهم الإسلام ، احتُمل حمل إقراره على
دراهم البلد وعلى دراهم الإسلام.
فإن قلنا بالأوّل
فلو قال : « عنيت دراهم الإسلام » منفصلاً ، لم يُقبل.
ولو قال متّصلاً ،
فالأقرب : القبول.
وللشافعيّة وجهان
، هذا أصحّهما .
مسألة
٩٠٨ : ولا فرق بين أن
يُقرّ بمائة درهم ويسكت ثمّ يقول : ناقصة ، أو صغار وهي دَيْن ، أو يقول : هي
وديعة ، أو غصب ، وبه قال الشافعي .
وقال أبو حنيفة :
في الغصب والوديعة يُقبل ؛ لأنّه أقرّ بفعلٍ في عينٍ ، وذلك لا يقتضي سلامتها ،
فأشبه ما لو أقرّ بغصب عبدٍ ثمّ جاء به معيباً .
وهو ممنوع ؛ لأنّ
إطلاق الاسم يقتضي الوازنة الجياد ، فلم يُقبل
__________________
تفسيره بما يخالف
ذلك ، كالدَّيْن ، بخلاف العبد ، فإنّ العيب لا يمنع إطلاق اسم العبد عليه.
ولو أقرّ بدراهم
وأطلق في بلدٍ أوزانهم ناقصة أو مغشوشة ، أو بدنانير في بلدٍ دنانيرهم مغشوشة ،
فالأقرب : الحمل على عرف ذلك البلد ودنانيره ؛ لأنّ مطلق كلامهم يُحمل على عرف
بلدهم ، كما في البيع والأثمان.
مسألة
٩٠٩ : الدرهم عند
الإطلاق إنّما يُستعمل في النقرة ، فلو أقرّ بدراهم وفسّرها بالفلوس ، لم يُقبل.
ولو فسّر بالدراهم
المغشوشة ، فهو كالتفسير بالناقصة ؛ لأنّ وزنها لا يبلغ وزن الدراهم ، فيجيء فيه
التفصيل الذي تقدّم في الناقصة.
فإن سكت بعد
إقراره بالدراهم سكوتاً يمكنه الكلام فيه [ أو ] أخذ في كلامٍ غير
ما كان فيه ، استقرّ عليه الخالصة ، فإن عاد وقال : زيوفاً ، لم يقبل.
ولو وصل الكلام أو
سكت للتنفّس أو لعروض سعالٍ وشبهه ثمّ وصفها بالرداءة ، فالأقرب : القبول ؛ لأنّ
الإنسان قد يكون في ذمّته دراهم رديئة ويحتاج إلى الإقرار بها حذر الموت ، فلو لم
يُسمع منه ذلك لأدّى إلى كتمان الحقّ وعدم التخلّص وبراءة الذمّة ، وهو ضرر عظيم ،
ولأنّه كما قبل الاستثناء ، فالقبول هنا أولى ؛ لأنّ في الاستثناء نقضاً للأوّل ،
بخلاف الوصف بالغشّ.
ولو قال : له
علَيَّ دراهم صغار ، وليس للناس دراهم صغار وهي
__________________
الناقصة ، قُبِل
أيضاً تفسيره ، خلافاً لبعض الشافعيّة .
ولو فسّر بجنس رديء
من الفضّة قُبِل ، كما لو قال : علَيَّ ثوب ، ثمّ فسّر بجنس رديء أو بما لا يعتاد
أهل البلد لُبْسه ، بخلاف ما لو فسّر بالناقصة ؛ لأنّه يرفع شيئاً ممّا أقرّ به ،
وهنا بخلافه.
مسألة
٩١٠ : إذا أقرّ بدرهمٍ
، انصرف الإطلاق إلى سكّة البلد الذي أقرّ بها فيه ، فإن فسّرها به قُبِل.
وإن فسّرها بسكّة
غير سكّة البلد أجود منها ، قُبِل ؛ لأنّه يُقرّ على نفسه بما هو أغلظ.
وكذا إن كانت
مثلها ؛ لأنّه لا يُتّهم في ذلك.
وإن كانت أدنى من
سكّة البلد لكنّها متساوية في الوزن ، احتُمل أن لا يُقبل ؛ لأنّ إطلاقها يقتضي
دراهم البلد ونقده ، فلا يُقبل منه دونها ، كما لا يُقبل في البيع ، ولأنّها ناقصة
القيمة ، فلم يُقبل تفسيره بها ، كالناقصة وزناً.
ويحتمل القبول ـ وهو
الأقوى عندي ، وبه قال الشافعي ـ لأنّه يحتمل ما فسّره به ، بخلاف الناقصة ؛ لأنّ إطلاق
الشرع الدراهم لا يتناولها ، بخلاف هذه ، ولأنّه يرفع شيئاً ممّا أقرّ به ، بخلاف
هذه ، ولهذا يتعلّق به مقدار النصاب في الزكاة وغيره ، بخلاف الثمن ، فإنّه إيجاب
في الحال ،
__________________
وهذا إخبار عن
حقٍّ سابق ، ولأنّ البيع إنشاء معاملة ، والغالب أنّ المعاملة في كلّ بلدةٍ تقع
فيما يروج فيها ويتعامل الناس بها ، والإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ربما يثبت
بمعاملةٍ في تلك البلدة وربما يثبت بغيرها ، فوجب الرجوع إلى إرادته ، ولأنّه لا
بدّ من صيانة البيع عن الجهالة ، والحمل على ما يروج في البلد أصلح طريقٍ تنتفي به
الجهالة ، والإقرار لا تجب صيانته عن الجهالة.
وقال المزني : لا
يُقبل تفسيره بغير سكّة البلد .
مسألة
٩١١ : لو قال : له
علَيَّ دُرَيْهم ، أو دُرَيْهمات ، أو درهم صغير ، أو دراهم صغار ، فالوجه : قبول
تفسيره بما أراد بما يطلق عليه هذا الاسم.
واضطرب قول
الشافعيّة :
فالذي رواه
الجويني : إنّه كما لو قال : درهم ، أو دراهم ، فيعود في التفسير بالنقص التفصيلُ
السابق ، وليس التقييد بالصغير كالتقييد بالنقصان ؛ لأنّ لفظ الدرهم صريح في الوزن
، والوصف بالصغر يجوز أن يكون من حيث الشكل ، ويجوز أن يكون بالإضافة إلى الدراهم
البغليّة .
وقال بعض
الشافعيّة بذلك في قوله : « دُرَيْهم » وقال في قوله : « درهم صغير » : إن كان
بطبريّة يلزمه نقد البلد ، وإن كان ببلدٍ وزنه وزن مكّة فعليه وزن مكّة ، وكذلك إن
كان بغزنة.
وفي هذا القول
اضطراب ؛ لأنّه إمّا أن يعتبر اللفظ أو عرف البلد ، إن اعتبرنا اللفظ فيجب الوزن
بطبريّة ، وإن اعتبرنا عرف البلد فيجب نقد البلد
__________________
بغزنة .
وقال بعضهم : إذا
قال : دُرَيْهم ، أو درهم صغير ، لزمه درهم من الدراهم الطبريّة ؛ لأنّها أصغر من
دراهم الإسلام ، وهي أصغر من البغليّة ، فهي أصغر الصغيرين ، فيؤخذ باليقين. ولم
يفرّق بين بلدةٍ وبلدةٍ ، ولأنّا لا نفرّق بين أن يقول : مال ، وبين أن يقول : مال
صغير ، فكذلك في الدراهم .
مسألة
٩١٢ : لو قال : له
علَيَّ درهم كبير ، لزمه درهم من دراهم الإسلام ؛ لأنّه كبير في العرف.
ولو كان هناك ما
هو أكثر وزناً منه ، فالأقرب : المساواة.
فلو فسّره بالأقلّ
من دراهم الإسلام ، احتُمل القبول ؛ لاحتمال إرادة الكبير لا في الوزن ، بل
بالحلال.
ولو قال : له
دُرَيْهم ، فهو كما لو قال : درهم ؛ لأنّ التصغير قد يكون لصغرٍ في ذاته أو لقلّة
قدره عنده ، وقد يكون لمحبّته.
المطلب الثاني : في المتعدّد.
مسألة
٩١٣ : إذا قال : له
علَيَّ دراهم ، ولم يفسّر العدد ، لزمه ثلاثة ؛ لأنها أقلّ الجمع ، ولا يُقبل
تفسيره بأقلّ منها ـ وهو الظاهر من مذهب الشافعيّة ـ لأنّ العرب
وضعت صيغة آحاد وتثنية وجمع ، فقالوا : رجل
__________________
ورجلان ورجال.
ويحتمل عندي
القبول لو فسّره باثنين ؛ لأنّ الاثنين قد يُعبَّر عنهما بلفظ الجمع ، كما في قوله
تعالى : ( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) والمراد أخوان ،
وقال 7 : « الاثنان فما فوقهما جماعة » ولأنّ حقيقة الجمع موجودة في الاثنين.
ولو سُلّم أنّه
مجاز ، فلا تستحيل إرادته ، فإذا فسّر به قُبِل ؛ لأنّه أعرف بقصده ، والألفاظ لا
تدلّ على المعاني بذواتها ، بل باعتبار قصد المتكلّم.
وبه قال بعض
الشافعيّة .
ولو قال : له
علَيَّ أقلّ أعداد الدراهم ، لزمه اثنان ؛ لأنّ العدد هو المعدود ، وكلّ معدودٍ
متعدّد ، فيخرج عنه الواحد ، ولأنّ الاثنين مبدأ العدد وأوّل مراتبه ، بخلاف
الواحد.
مسألة
٩١٤ : لو قال : له
علَيَّ دراهم عظيمة ، أو جليلة ، أو جزيلة ، أو وافرة ، كان له ثلاثة ، وكان كقوله
: ثلاثة ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ الكثرة لا حدّ لها شرعاً ولا لغةً ولا عرفاً ،
وتختلف بالأوصاف وأحوال الناس ، فالثلاثة أكثر من الاثنين وأقلّ ممّا فوقها ،
فيحتمل أنّ المُقرّ أراد كثيرة بالنسبة
__________________
إلى ما دونها ،
ولأنّ الناس يختلفون ، فمنهم مَنْ يستعظم القليل ، ومنهم مَنْ يستقلّ الكثير ،
فجاز أن يريد كثيرة في وهمه وظنّه ، وتكون الثلاثة عنده كثيرةً.
وقال أبو حنيفة :
لا يُقبل تفسيره في الكثرة بدون العشرة ؛ لأنّها أقلّ جمع الكثرة .
وقال أبو يوسف
ومحمّد : لا يُقبل أقلّ من مائتين ؛ لأنّ بها يحصل الغنى وتجب الزكاة .
والحمل على يقين
الأقلّ وبراءة الذمّة أولى.
ولو قال : علَيَّ
دراهم كثيرة ، احتُمل لزوم ثمانين على الرواية .
والوجه : ما قلناه
في العظيمة.
ولو قال : دنانير
كثيرة ، فعلى الرواية يلزمه ثمانون ، وعلى قول أبي حنيفة يلزمه عشرة ، وعلى قول أبي
يوسف ومحمّد يلزمه عشرون .
__________________
ولو قال : حنطة
عظيمة ، أو كثيرة ، فعلى قول أبي حنيفة يرجع إلى بيانه فيما يُسمّى كثيراً في
العادة ، وعلى قولهما يلزمه خمسة أوسق .
ولو قال : له
علَيَّ مائة درهم عدداً ، فالأقرب : قبول قوله في إرادة الناقصة.
وقال بعض
الشافعيّة : يلزمه مائة درهم ـ بوزن الإسلام ـ صحاح ، ولا يشترط أن يكون لكلّ
واحدٍ ستّة دوانيق ، وكذا في البيع ، ومَنَع من قبول مائة بالعدد ناقصة بالوزن ،
إلاّ أن يكون نقد البلد عدديّةً ناقصة ، وظاهر مذهب الشافعيّة حينئذٍ القبول .
ولو قال : علَيَّ
مائة عدد من الدراهم ، فهُنا يعتبر العدد دون الوزن إجماعاً.
مسألة
٩١٥ : إذا قال : له
علَيَّ ألف درهم زُيَّف ، جمع زائف ، وهي التي لم تَجْر ، فإن فسّر وقال : أردتُ
به أنّها كلّها نحاس أو رصاص ، لم يُقبل ، سواء فَصَله عن إقراره أو وصله به ؛
لأنّ النحاس والرصاص لا يُسمّى دراهم ، فكأنّه وَصَل إقراره بما رفعه ، فصار
كاستثناء الكلّ.
وإن فسّر ذلك بما
لفظه نحاس أو رصاص ، قال بعض الشافعيّة : الذي يقتضيه المذهب أنّه إن وصل ذلك
بإقراره أو فصله قُبِل منه ؛ لأنّ الشافعي قال : « ولو قال : هي من سكّة كذا ،
صُدّق مع يمينه ، كانت أدنى
__________________
الدراهم أو وسطها
» ـ قال بعض الشافعيّة : أدنى الدراهم هي المغشوشة ـ وقول الشافعي :
« ثمّ قال : هي نقص أو زيف لم يُصدَّق » يريد إذا قال : زيف جميعها رصاص أو نحاس .
وقال بعضهم : حكم
الزيف كالنقص إذا وَصَلها بإقراره قُبِل ، وإن فَصَلها لم يُقبل .
وهو ظاهر كلامه في
المسألة ؛ لأنّه جمع بين النقص والزيف ولم يفصل.
والقول الأوّل غير
لازمٍ ؛ لأنّ قوله : « أدنى الدراهم » إنّما عاد إلى السكّة ؛ لأنّه قال : « ولو
قال : هي من سكّة كذا » لأنّ المغشوشة خارجة عن ضرب الإسلام كالنقص.
فعلى ما ذكرناه في
النقص إذا كان البلد يتعامل فيه بالدراهم المغشوشة ، ينبغي إذا أطلق أن لا يلزمه
منها إلاّ كما قلنا في النقص.
ولو قال : غصبت ألف درهم ، أو :
له عندي ألف درهم وديعة ، ثمّ قال : هي نقص أو زيف ، مفصولاً ، لم يُقبل ـ وهو
مذهب الشافعي ـ كما لو قال : له علَيَّ ألف درهم.
__________________
وقال أبو حنيفة :
يُقبل في الغصب والوديعة ؛ لأنّ ذلك إيقاع فعلٍ في العين ، وذلك لا يقتضي سلامتها
، كما لو أقرّ بغصبِ عبدٍ فجاء به معيباً .
وهو غلط ؛ لأنّ
الاسم يقتضي الوازنة غير الزيوف ، فلم يُقبل منه ما يخالف الاسم ، كما لو قال : له
علَيَّ ألف.
وما علّل به باطل
؛ لأنّ الغصب وإن كان إيقاع فعلٍ في عينٍ فإنّ ذلك يوجب وقوعه فيما سمّاه ، دون ما
لا ينصرف إليه إطلاق الاسم. ويفارق العيب ؛ لأنّ العيب لا يمنع إطلاق الاسم فيه.
مسألة
٩١٦ : إذا قال : له
علَيَّ ما بين واحدٍ وعشرة ، لزمه ثمانية ؛ لأنّ ذلك ما بينهما.
ولو قال : ما بين
واحدٍ إلى عشرة ، فكالأُولى.
ولم يفرّق أكثر
الشافعيّة بينهما .
والوجه : القطع في
الأُولى بالثمانية ، وفي الثانية احتمال.
ولو قال : له
علَيَّ من درهمٍ إلى عشرة ، احتُمل لزوم عشرة ـ وبه قال محمّد بن الحسن الشيباني ـ ويدخل الطرفان
فيها ، كما يقال : من فلان إلى فلان لا يرضى أحد بكذا ، وقد سبق في المرافق ؛
لأنّ الحدّ إذا كان
__________________
من جنس المحدود
دخل فيه.
وقد حكى ابن القاص
عن الشافعي أنّه إذا قال : له علَيَّ ما بين الدرهم إلى العشرة ، لزمه تسعة .
فعلى هذا يكون
قولُه مثلَ قول محمّد بن الحسن ؛ لأنّه أدخل الحدّ في الإقرار ، ولو قال : قرأتُ
القرآن من أوّله إلى آخره ، دخل الطرفان ، أو : أكلتُ الطعام من أوّله إلى آخره ،
دخل الطرفان ، فكذا هنا.
وهو أحد وجوه
الشافعيّة .
ويحتمل وجوب تسعة
ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعيّة ـ لأنّ الأوّل ابتداء الغاية ، والعاشر هو الحدّ ، فدخل
الابتداء فيه ، ولم يدخل الحدّ ، ولأنّ الملتزم زائد على الواحد ، والواحد مبدأ
العدد والالتزام ، فيبعد إخراجه عمّا يلتزم ، ولأنّ « من » لابتداء الغاية ، وأوّل
الغاية منها ، و« إلى » لانتهائها ، فلا يدخل فيها ؛ لقوله تعالى : ( ثُمَّ
أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) .
__________________
ويحتمل وجوب
ثمانية ـ وبه قال زفر ـ لأنّ الأوّل والعاشر حدّان لا يدخلان في المحدود ، كما
لو قال : بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار ، لا يدخل الجداران في المبيع.
والمعتمد :
الأوّل.
وجماعة من
الشافعيّة رجّحوا الثاني ؛ لأنّه لو قال : لفلان من هذه النخلة إلى هذه النخلة ،
تدخل النخلة الأُولى في الإقرار ، دون الأخيرة .
وما ينبغي أن يكون
الحكم في هذه الصورة كما ذكر ، بل هو كما لو قال : بعتك من هذا الجدار إلى هذا
الجدار.
ولو قال : له
علَيَّ ما بين درهمٍ إلى عشرة ، فقد قلنا : إنّه يلزمه ثمانية ؛ لأنّ « ما » بمعنى
« الذي » كأنّه قال : له العدد الذي يقع بين الواحد إلى العشرة ، وهو صريح في
إخراج الطرفين.
وعن الشافعي أنّه
يلزمه تسعة ؛ لأنّ الحدّ إذا كان من جنس المحدود يدخل فيه ، فيضمّ الدرهم العاشر
إلى الثمانية .
وحكي عن القفّال
أنّه يلزمه عشرة .
فحصل للشافعيّة في
هذه المسألة ثلاثة أوجُه ، كما في قوله : له علَيَّ من درهمٍ إلى عشرة.
__________________
ولو قال : أردتُ
بقولي : « من واحدٍ إلى عشرة » مجموع الأعداد كلّها ، لزمه خمسة وخمسون درهماً.
وطريقه : أن يزيد
أوّل العدد ـ وهو الواحد ـ على العشرة ، فيصير أحد عشر ، ثمّ يضربها في نصف العشرة
، فما بلغ فهو الجواب.
مسألة
٩١٧ : لو قال : له
علَيَّ درهم في عشرة ، احتُمل أن تكون العشرة ظرفا ، وأن تكون مضروباً فيها ، فإن
أراد الأوّل لزمه درهم ، كأنّه قال : له درهم في عشرة لي ، وإن أراد الضرب والحساب
لزمه عشرة.
ولو أراد بـ « في
» « مع » لزمه أحد عشر درهماً ؛ لأنّ « في » قد ترد بمعنى « مع » يقال : جاء
الأمير في جيشه ، أي مع جيشه. ويرجع في ذلك إليه ، ويُقبل قوله بغير يمين ؛ لأنّ
لفظه محتمل لذلك كلّه ، وهو أعرف بمراده ، فإن أطلق سُئل ، فإن تعذّر لزمه واحد ؛
لأنّه المتيقّن ، والأصل براءة الذمّة.
وعند الشافعيّة
أنّه لو قال : أنتِ طالق واحدة في اثنتين ـ في قولٍ لهم ـ أنّه يُحمل على الحساب
وإن أطلق ؛ لأنّه أظهر في الاستعمال ، وذلك القول عائد هنا .
ولو قال : له
علَيَّ درهمان في عشرة ، وقال : أردتُ الحساب ، لزمه عشرون.
وإن قال : أردتُ
درهمين مع عشرة ، ولم يكن يعرف الحساب ، قُبِل منه ، ولزمه اثنا عشر ؛ لأنّ كثيراً
من العامّة يريدون بهذا اللفظ هذا المعنى.
وقال بعض العامّة
: لو كان عارفاً بالحساب ، لم يُقبل منه ؛ لأنّ الظاهر من الحساب استعمال ألفاظه
لمعانيها في اصطلاحهم .
__________________
والوجه : القبول
منه ؛ لاحتمال أن يستعمل مصطلحات العامّة.
وإن قال : أردتُ
درهمين في عشرة لي ، لزمه درهمان ؛ لاحتمال ما يقول.
ولو قال : درهمان
في دينار ، لم يحتمل الحساب وسُئل عن المراد ، فإن قال : أردت العطف ، أو معنى «
مع » لزمه الدرهمان والدينار.
وإن قال :
أسلمتهما في دينارٍ فصدّقه المُقرّ له ، بطل إقراره ؛ لأنّ سَلَم أحد النقدين في
الآخَر باطل ، وإن كذّبه فالقول قول المُقرّ له ؛ لأنّ المُقرّ وصل إقراره بما
يُسقطه ، فلزمه ما أقرّ به ، وبطل قوله : « في دينار ».
وكذا لو قال : له
درهمان في ثوبٍ ، وفسّره بالسَّلَم ، أو قال : في ثوبٍ اشتريته منه إلى سنة ،
فصدّقه ، بطل إقراره ؛ لأنّه إن كان بعد التفرّق بطل السَّلَم ، وسقط الثمن ، وإن
كان قبل التفرّق فالمُقرّ بالخيار بين الفسخ والإمضاء ، ولو كذّبه المُقرّ له
فالقول قوله مع يمينه ، وله الدرهمان.
البحث
الخامس : في الإقرار بالظرف والمظروف.
مسألة
٩١٨ : الإقرار بأحد
شيئين لا يستلزم الإقرار بالآخَر ، والظرف والمظروف شيئان متغايران ، فلا يلزم من
الإقرار بأحدهما الإقرار بالآخَر ؛ لأنّ الأصل البناء على اليقين ، فلا يلزم من
الإقرار بالظرف الإقرار بالمظروف ، ولا بالعكس.
فلو قال : له عندي
ثوب في منديلٍ ، أو : تمر في جرابٍ ، أو : لبن في كوزٍ ، أو : طعام في سفينةٍ ، أو
: دراهم في كيسٍ ، لم يدخل الظرف في الأقارير ؛ لاحتمال أن يريد : في جرابٍ لي ،
أو : في منديلٍ لي ، وإذا احتُمل ذلك لم يلزمه من إقراره المحتمل ، ولا تناقض لو
ضمّ هذه اللفظة إلى
الإقرار ، ولو كان
اللفظ المطلق يدلّ على الإضافة إلى المُقرّ له ، لزم التناقض مع التصريح بالإضافة
إلى المُقرّ.
وكذا لو قال :
غصبتُه زيتاً في جرّةٍ ، أو : ثوباً في منديلٍ ، لم يكن مُقرّاً إلاّ بغصب الزيت
والثوب خاصّةً ، دون الجرّة والمنديل.
وبه قال الشافعي
ومالك .
وقال أبو حنيفة :
إذا قال : غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ ، كان غاصباً لهما ؛ لأنّ المنديل يكون ظرفاً
للثوب ، فالظاهر أنّه ظرف له في حال الغصب ، فصار كأنّه غصبه ثوباً ومنديلاً .
وهو خطأ ؛ لاحتمال
أن يكون المنديل للمُقرّ بأن يقول : غصبتُ ثوباً في منديلٍ لي ، ولو قال ذلك لم
يكن غاصباً للمنديل ، ومع الإطلاق يكون محتملاً له ، فلم يكن مُقرّاً بغصبه ، كما
لو قال : له عندي ثوب في منديلٍ ، وكما لو قال : غصبتُه دابّةً في اصطبلها.
مسألة
٩١٩ : لو قال : له عندي
غمد فيه سيف ، أو : جرّة فيها زيت ،
__________________
أو : جراب فيه تمر
، فهو إقرار بالظرف خاصّةً ، دون المظروف ؛ للتغاير الذي قلناه ، وعدم الاستلزام
بين الإقرار بالشيء والإقرار بغيره ، ولصدق الإضافة إلى المُقرّ في المظروف.
ولو قال : غصبتُه
فرساً في اصطبلٍ ، فهو إقرار بالفرس خاصّةً.
ولو قال غصبتُه
دابّةً عليها سرج ، أو زمام ، أو : بغلاً عليه برذعة ، فهو إقرار بالدابّة والبغل
خاصّةً ، دون السرج والزمام والبرذعة.
أمّا لو قال :
غصبتُه عبداً على رأسه عمامة ، أو : في وسطه منطقة ، أو : في رِجْله خُفٌّ ، فهو
إقرار بها مع العبد ؛ لأنّ للعبد يداً على ملبوسه ، وما في يد العبد فهو في يد
سيّده ، فإذا أقرّ بالعبد للغير ، كان ما في يده لذلك الغير ، بخلاف المنسوب إلى
الفرس ، فإنّه لا يد لها على ما هو عليها ، ولهذا لو جاء بعبدٍ وعليه عمامة وقال :
هذا العبد لزيدٍ ، كانت العمامة له أيضاً. ولو جاء بدابّةٍ وعليها سرج وقال : هذه
الدابّة لزيدٍ ، لم يكن السرج له.
قال بعض الشافعيّة
: هذا يقتضي فرقاً لا من جهة الإقرار ، وتكون العمامة غير داخلةٍ في الإقرار ،
وإنّما تثبت من جهة العبد .
وعامّة أصحاب
الشافعي على أنّه لا فرق بينهما .
ولو قال : له عندي
دابّة مسروجة ، أو : دار مفروشة ، لم يكن مُقرّاً بالسرج والفرش ، بخلاف ما لو قال
: بسرجها وبفرشها ، فإنّه يلزمه السرج والفرش ؛ لأنّ الباء تُعلّق الثاني على
الأوّل.
وكذا لو قال : له
عندي سفينة بطعامها ، كان إقراراً بالطعام.
ولو قال : سفينة
فيها طعام ، أو : طعام في سفينةٍ ، لم يكن مُقرّاً
__________________
بالطعام في
الأُولى ولا بالسفينة في الثانية.
ولو قال : له عندي
ثوب مطرز ، كان إقراراً بالطراز ؛ لأنّ الطراز جزء من الثوب.
وقال بعضهم : إن
رُكّب عليه بعد النسج ، فوجهان .
مسألة
٩٢٠ : لو قال : له
علَيَّ فَصٌّ في خاتمٍ ، فهو إقرار بالفَصّ خاصّةً ، دون الخاتم.
ولو قال : خاتم
فيه فَصٌّ ، فالأقوى أنّه لا يكون مُقرّاً بالفَصّ ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ـ لجواز أن يريد
: فيه فَصٌّ لي ، فصار كالصورة السابقة.
والثاني : إنّه
يكون مُقرّاً بالفَصّ ؛ لأنّ الفَصّ من الخاتم حتى لو باعه دخل فيه ، بخلاف تلك
الصورة .
واعلم أنّ بعض العامّة ذكر وجهين في جميع الصُّوَر السابقة ـ مثل
قوله : له عندي درهم في ثوبٍ ، أو : زيت في جرّةٍ ، أو : سكّين في قرابٍ ، أو :
فَصٌّ في خاتمٍ ، أو : غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ ، أو : زيتاً في زقٍّ. وبالجملة
، كلّ مظروف مع ظرفه ، وبالعكس ـ أحدهما : دخول الظرف في المظروف وبالعكس. والثاني
: عدم الدخول .
ولو اقتصر على
قوله : عندي خاتم ، ثمّ قال بعد ذلك : ما أردتُ
__________________
الفَصّ ، فالأقوى
عندي : القبول ، ولا يدخل الفَصّ في الإقرار.
وأصحّ وجهي
الشافعيّة : إنّه لا يُقبل تفسيره ، فيدخل الفَصُّ في الإقرار ؛ لأنّ الفَصّ مندرج تحت اسم الخاتم ،
فتفسيره رجوع عن بعض المُقرّ به .
ولو قال : له
حَمْلٌ في بطن جاريةٍ ، لم يكن مُقرّاً بالجارية.
وكذا لو قال : نعل
في حافر دابّةٍ ، أو : عروة على قمقمةٍ.
ولو قال : جارية
في بطنها حَمْلٌ ، ودابّة في حافرها نعل ، وقمقمة عليها عروة ، فالأقوى : عدم
الدخول.
وللشافعيّة وجهان
، كما في قوله : خاتم فيه فَصٌّ .
ويترتّب الوجهان
عند الشافعيّة في صورة الحمل على الوجهين فيما إذا قال : هذه الجارية لفلان ،
وكانت حاملاً ، هل يتناول الإقرار بالحمل؟ فيه وجهان لهم :
أحدهما : نعم ،
كما في البيع.
وأظهرهما : لا ،
وله أن يقول : لم أُرد الحمل ، بخلاف البيع ؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ،
وربما كانت الجارية له ، دون الحمل بأن كان الحمل موصًى به ، أو كان حُرّاً .
وسلّم القفّال
أنّه لو قال : هذه الجارية لفلان إلاّ حملها ، يجوز ،
__________________
بخلاف البيع .
فإن قلنا :
الإقرار بالجارية يتناول الحمل ، ففيه وجهان كما في الصورة السابقة ، وإلاّ فنقطع
بأنّه لا يكون مُقرّاً بالحمل إذا قال : جارية في بطنها حمل .
وعندنا أنّ الحمل
لا يدخل في الإقرار ولا في البيع.
مسألة
٩٢١ : لو قال : له ثمرة
على شجرةٍ ، كان إقراراً بالثمرة خاصّةً ، ولم يكن مُقرّاً بالشجرة.
ولو قال : شجرة
عليها ثمرة ، فليرتّب على أنّ الثمرة هل تدخل في مطلق الإقرار بالشجرة؟
عند الشافعيّة هي
لا تدخل بعد التأبير ، كما في البيع .
وفي فتاوى القفّال
أنّها تدخل .
وهو بعيد.
وأمّا قبل التأبير
فوجهان ، أظهرهما : إنّها لا تدخل أيضاً ؛ لأنّ الاسم لا يتناولها ، والبيع ينزّل
على المعتاد .
والمعتمد عندنا :
إنّها لا تدخل الشجرة ولا الثمرة لو أقرّ بإحداهما.
وضبط القفّال فقال
: كلّ ما يدخل تحت المبيع المطلق يدخل تحت الأقارير ، وما لا فلا ، إلاّ الثمار
المؤبَّرة .
وقال آخَرون : ما
لا يتبع في المبيع ولا يتناوله الاسم فهو غير داخلٍ ، وما يتبع ويتناول فهو داخل ،
وما يتبع ولا يتناوله الاسم ففيه وجهان .
مسألة
٩٢٢ : لو قال : له
علَيَّ ألف في هذا الكيس ، لزمه ، سواء كان
__________________
فيه شيء أو لم
يكن ؛ لأنّ قوله : « علَيَّ » يقتضي اللزوم ، ولا يكون مُقرّاً بالكيس.
وإن كان فيه دون
الألف ، فالأقوى : إنّه يلزمه الإتمام ، كما لو لم يكن فيه شيء يلزمه الألف ، وهو
أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : إنّه لا يلزمه إلاّ ذاك القدر ؛ لحصر المُقرّ به
فيه .
ولو قال : [ له ]
علَيَّ الألف الذي في هذا الكيس ، فإن كان فيه دون الألف لم يلزمه إلاّ ذلك القدر
؛ لجمعه بين التعريف والإضافة إلى الكيس.
وقال بعض
الشافعيّة : يلزمه الإتمام .
وهو مبنيّ على أنّ
الإشارة إذا عارضت اللفظ أيّهما يُقدَّم؟
والأقوى عندي هنا
لزوم الإتمام.
ولو لم يكن في
الكيس شيء ، فللشافعيّة قولان مبنيّان على ما إذا حلف ليشربنّ ماء هذا الكوز ،
ولا ماء فيه ، هل تنعقد يمينه ويحنث ، أم لا؟ .
والوجه عندي :
لزوم الألف ، وعدم انعقاد اليمين حيث لا متعلّق لها.
مسألة
٩٢٣ : لو قال : له في
هذا العبد ألف درهم ، فهو مجمل يحتاج إلى الاستفسار ، فاذا طولب بالبيان فإن قال :
أردتُ أنّه جنى عليه أو على عبده جناية أرشها ألف ، قُبِل وتعلّقت الألف برقبته.
__________________
وإن قال : أردتُ
أنّه رهن عنده بألف علَيَّ ، فالأقوى : القبول ؛ لأنّ الدَّيْن وإن كان محلّه
الذمّة فله تعلُّقٌ ظاهر بالمرهون ، فصار كالتفسير بأرش الجناية ، وهو أظهر وجهي
الشافعيّة.
والثاني : إنّه لا
يُقبل ؛ لأنّ الألف تقتضي كون العبد محلاًّ للألف ، ومحلّ الدَّيْن الذمّة ، لا
المرهون ، وإنّما المرهون وثيقة له ، وعلى هذا فإذا نازعه المُقرّ له أخذناه
بالألف الذي ذكره في التفسير ، وطالبناه للإقرار المجمل بتفسيرٍ صالح .
والمعتمد :
الأوّل.
وإن قال : أردتُ
أنّه وزن في ثمنه عنّي ألفاً ، كان ذلك قرضاً عليه.
وإن قال : نقد في
ثمنه لنفسه ألفاً ، قيل له : كم ثمنه؟ وهل وزنت شيئاً ، أم لا؟ فإن قال : الثمن
ألف ولم أزن فيه شيئاً ، قال الشافعي : كان العبد كلّه للمُقرّ له .
وإن قال : وزنت
أنا شيئاً أيضاً في ثمنه ، سئل عن كيفيّة الشراء هل كان دفعةً أو لا؟ فإن قال :
كان دفعةً واحدة ، سئل عن قدر ذلك ، فإن قال : وزنت ألفاً أيضاً ، فالعبد بينهما
بالسويّة ، وإن قال : وزنت ألفين ، فثلثا العبد له ، والثلث للمُقرّ له ، وعلى هذا
القياس.
والقول قوله في
ذلك مع يمينه ، سواء كانت القيمة أقلّ من ذلك أو أكثر ، فقد يكون غابناً ، وقد
يكون مغبوناً ، فلا يُنظر إلى قيمة العبد.
خلافاً لمالك ؛
فإنّه قال : لو كان العبد يساوي ألفين وقد زعم أنّه وزن
__________________
ألفين ووزن
المُقرّ له ألفاً ، يكون العبد بينهما بالسويّة ، ولا يُقبل قوله : إنّي وزنت
ألفين في ثلثيه. وقد يُعبّر عن مذهبه بأنّ للمُقرّ له من العبد ما يساوي ألفاً .
والشافعي وافقنا على ما
قلناه.
وإن قال :
اشتريناه بإيجابين وقبولين ، ووزن هو في شراء عُشْره ـ مثلاً ـ ألفاً ، وأنا
اشتريت تسعة أعشاره بألف ، قُبِل ـ لأنّه محتمل ـ مع يمينه ، سواء وافق قيمته أو
لم يوافق ، وسواء كان الألف أقلّ ثمناً ممّا عيّنه له من الحصّة أو أكثر ، وسواء
كان ما عيّنه لنفسه أزيد أو أقلّ.
وإن قال : أردتُ
به أنّه أوصى له بألف من ثمنه ، قُبِل وبِيع ودُفع إليه ألف من ثمنه.
وإن أراد أن يعطيه
ألفاً من غير ثمن العبد ، لم يكن له ذلك إلاّ برضا المُقرّ له ؛ لأنّه استحقّ
ألفاً من ثمنه ، فوجب البيع في حقّه ، إلاّ أن يرضى بتركه.
وإن فسّره بأنّه
دفع إليه ليشتري له العبد ففعل ، فإن صدّقه المُقرّ له فالعبد له ، وإن كذّبه فقد
ردّ إقراره بالعبد ، وعليه ردّ الألف الذي أخذه.
وإن قال : أردتُ
أنّه أقرضني ألفاً فصرفتُه إلى ثمنه ، قُبِل ، ولزمه الألف.
__________________
والخلاف للشافعيّة
فيما إذا فسّره بالرهن آتٍ هنا .
ولو قال : له من
هذا العبد ألف درهم ، فهو كما لو قال : له في هذا العبد.
ولو قال : من ثمن
هذا العبد ، فكذلك عند بعض الشافعيّة .
ولو قال : له
علَيَّ درهم في دينار ، فهو كما لو قال : ألف في هذا العبد.
وإن أراد بـ « في
» « مع » لزمه الدرهم والدينار معاً على إشكالٍ.
مسألة
٩٢٤ : لو قال : له في
ميراث أبي ألف ، فهو إقرار على أبيه بدَيْنٍ.
وكذا لو قال : له
من ميراث أبي.
ولو قال : له في
ميراثي من أبي ، أو : من ميراثي من أبي ألف ، رجع إليه في التفسير ؛ لأنّه يحتمل
أنّه يريد هبةً منه غير لازمة ، فهو بالخيار بين أن يسلّمها أو لا يسلّمها ، إلاّ
أن يريد إقراراً.
والفرق : إنّه في
الصورة الثانية أضاف الميراث إلى نفسه ، وما يكون له لا يصير لغيره بالإقرار ،
فكان كما لو قال : داري أو مالي لفلان ، وفي الأُولى لم يُضف الميراث إلى نفسه ،
فكان مُقرّاً بتعلّق الألف بالتركة ، واقتضى قوله وجوبها له في الميراث ، ومع
الإضافة اليه لا يُحمل ذلك على الوجوب ؛ لأنّه أضاف الميراث إلى نفسه ثمّ جعل له
جزءاً ، فكان ذلك هبةً ؛ لأنّه جعل له جزءاً من ماله ، وذلك كما يقول : لفلان في
هذه الدار نصفها ، فإنّه يكون إقراراً بالنصف ، وإن قال : له من داري نصفها ، كان
ذلك
__________________
هبةً منه ، لا
إقراراً.
ومَنَع بعضُ
الشافعيّة التناقضَ بين إضافة الميراث إلى نفسه وبين تعلّق دَيْن الغير به ، فإنّ
تركة كلّ مديونٍ مملوكة لورثته على الصحيح والدَّيْن متعلّق بها .
وقال أكثرهم : إنّ
الفرق أنّه إذا قال : في ميراث أبي ، فقد أثبت حقّ المُقرّ له في التركة ، وذلك لا
يحتمل إلاّ شيئاً واجباً ، فإنّ التبرّعات التي لا تلزم ترتفع بالموت ، ولا تتعلّق
بالتركة. وإذا قال : في ميراثي من أبي ، فقد أضاف التركة إلى نفسه ، ثمّ جعل
للمُقرّ له شيئاً فيها وأضافه إليه ، وذلك قد يكون بطريقٍ لازم ، وقد يكون على
سبيل التبرّع ، فاذا فسّر بالتبرّع قُبِل ، واعتبر فيه شرطه .
وقال بعض الشافعيّة
: لا فرق بين الصورتين .
والمشهور : الفرق .
ومثله لو قال : له
في هذه الدار نصفها ، فهو إقرار.
ولو قال : في داري
نصفها ، فهو وعد بهبةٍ .
واشتهر عن الشافعي
أنّه لو قال : له في مالي ألف درهم ، كان إقراراً.
ولو قال : من مالي
، كان وعداً بهبةٍ ، لا إقراراً .
والبحث هنا في
موضعين :
__________________
أحدهما : إنّ هذا
القول في قوله : « في مالي » يخالف ما قال قبل ذلك في قوله : « في ميراثي » و« في
داري ».
والثاني : لِمَ
فرّق بين « في » و« من »؟
أمّا الأوّل :
فللشافعيّة فيه طريقان فيما إذا قال : له في مالي ألف درهم.
منهم مَنْ قال :
فيه قولان :
أحدهما : إنّه وعد
هبة ؛ لإضافة المال إلى نفسه.
والثاني : إنّه
إقرار ؛ لأنّ قوله : « له » يقتضي الملك ، وبوعد الهبة لا يحصل الملك .
ومنهم مَنْ قطع
بأنّه وعد هبة ، وحمل ما روي في القول الأخير على خطأ الناسخ ، وربما أوّله على ما
إذا أتى بصيغة الالتزام ، فقال : علَيَّ في مالي ألف درهم ، فإنّه يكون إقراراً .
وإذا أثبتنا
الخلاف ، فعن بعض الشافعيّة أنّه يطّرد فيما إذا قال : في داري نصفها ، وامتنع من
طرده فيما إذا قال : في ميراثي من أبي .
وقال آخَرون :
إنّه يلزم تخريجه بطريق الأولى ؛ لأنّ قوله : « في ميراثي من أبي » أولى بأن يجعل
إقراراً من قوله : « في مالي ، أو : في داري » لأنّ التركة مملوكة للورثة مع تعلّق
الدَّيْن بها ، فيحسن إضافة الميراث إلى نفسه مع الإقرار بالدَّيْن ، بخلاف المال
والدار .
وأمّا الثاني فمن
الشافعيّة مَنْ قال : لا فرق ، ولم يثبت هذا النصّ ، و
__________________
أوّله .
ومنهم مَنْ فرّق
بأنّ « في » تقتضي كون مال المُقرّ ظرفاً لمال المُقرّ له ، وقوله : « من مالي »
يقتضي الفصل والتبعيض ، وهو ظاهر في الوعد بأنّه يقطع شيئاً من ماله له ، وإذا
فرّقنا بينهما لزم مثله في الميراث والدار لا محالة .
والظاهر عندهم عدم
الفرق ، وأنّ الحكم في قوله : « في مالي » كما قلنا أوّلاً في « ميراثي » .
واستبعد الجويني
تخريجَ الخلاف فيما إذا قال : له في داري نصفها ؛ لأنّه إذا أضاف الكلّ إلى نفسه ،
لم ينتظم منه الإقرار ببعضه ، كما لا ينتظم منه الإقرار بكلّه بأن يقول : داري
لفلان ، وخصَّص طريقةَ الخلاف بما إذا لم يكن المُقرّ به جزءاً من مسمّى ما أضافه
إلى نفسه ، كقوله : في مالي ألف درهم ، أو : في داري ألف درهم .
هذا كلّه إذا لم
يذكر كلمة الالتزام ، فأمّا إذا أدخلها بأن يقول : علَيَّ ألف درهم في هذا
المال ، أو : في مالي ، أو : في ميراثي ، أو : في ميراثي من أبي ، أو : في داري ،
أو : في عبدي ، أو : في هذا العبد ، فهو إقرار بكلّ حال. والذي تقدّم من التفصيل
مفروض فيما إذا اقتصر على قوله : « في هذا العبد » ولم يقل : « علَيَّ ».
ولو قال : له في
ميراثي من أبي ، أو : في مالي ألف بحقٍّ لزمني ، أو بحقٍّ ثابت ، أو : بأمرٍ صحيح
، وما أشبهه ، أو قال : له في مالي بحقٍّ ، أو في داري نصفها بحقٍّ ، أو : له داري
هذه بحقٍّ ، لزم ذلك ، وكان كما لو قال :
__________________
« علَيَّ » فيكون إقراراً بكلّ
حالٍ ؛ لأنّه قد اعترف أنّ المُقرّ له يستحقّ ذلك ، فلزمه.
واعلم أنّ قضيّة قولنا : إنّ قوله : « علَيَّ في هذا المال ، أو
: في هذا العبد ألف درهم » إقرار له بالألف : أن يلزمه الألف وإن لم يبلغ ذلك
المال ألفاً.
وربما يخطر الخلاف
المذكور فيما إذا قال : « لفلان علَيَّ ألف في هذا الكيس » وكان فيه دون الألف ،
إلاّ أنّ ظرفيّة العبد للدراهم ليس كظرفيّة الكيس لها ، فيمكن أن يختلفا في الحكم.
لكن لو قال : في
هذا العبد ألف ، من غير كلمة « علَيَّ » وفسّره بأنّه أوصى له بألف من ثمنه ، فلم
يبلغ ثمنه ألفاً ، فلا ينبغي أن يجب عليه تتمّة الألف بحالٍ.
واعلم أنّ بعض العامّة قال : لو قال : له في مالي هذا ، أو : من
مالي ألف ، وفسّره بدَيْنٍ أو وديعة أو وصيّة فيه ، قُبِل ؛ لأنّه أقرّ بألف ،
فقُبِل ، كما لو قال : في مالي. ويجوز أن يضيف إليه مالاً بعضه لغيره ، ويجوز أن
يضيف غير ماله إليه ؛ لاختصاصٍ له ، أو يدٍ له عليه أو ولاية ، كما قال
تعالى : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ
الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً ) وقال تعالى : ( لا تُخْرِجُوهُنَّ
مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) وقال تعالى : ( وَقَرْنَ فِي
بُيُوتِكُنَّ ) فلا يبطل إقراره مع احتمال صحّته.
__________________
ولو قال : أردتُ
هبةً ، قُبِل منه ؛ لأنّه محتمل ، وإن امتنع من تقبيضها لم يُجبر عليه ؛ لأنّ
الهبة فيها لا تلزم قبل القبض .
وكذا لو قال :
لفلان في داري هذه نصفها ، أو : من داري نصفها .
وعن أحمد روايتان
:
ففي إحداهما : في
مَنْ قال : نصف عبدي هذا لفلان ، لم يجز له إلاّ أن يقول : وهبته ، وإن قال : نصف
مالي هذا لفلان ، لا أعرفه.
والثانية : إذا
قال : فرسي هذه لفلان ، فإقراره جائز .
وقد بيّنّا أنّ
الشافعي قال تارة : إذا قال : له في مالي ألف درهم ، كان إقراراً ، ولو قال : من
مالي ، كان هبةً .
واختلف أصحابه :
فقال بعضهم : إنّه
سهو.
وفرّق بعضهم بين «
في ميراثي » و« في داري » لأنّ « في مالي » تقتضي أن يكون ماله ظرفاً ، فيكون قد
امتزجت ألف للمُقرّ له بماله ، وإذا قال : « من مالي » لم يحتمل ذلك ، ويفارق
الدار ؛ لأنّ قوله : « في داري نصفها » بمنزلة قوله : « من داري » لأنّها لا
تُسمّى بعد إخراج النصف داراً ، ويُسمّى ما بقي
__________________
بعد الألف مالاً .
وبعد هذا كلّه
فالقول الذي سوّغ الإقرار بقوله : « في مالي ، أو : في داري ، أو : من مالي ، أو :
من داري ، أو : ملكي هذا لفلان » لا بأس به عندي ، وقد سلف.
مسألة
٩٢٥ : لو قال : له في
هذا العبد شركة ، صحّ إقراره ، وله التفسير بما شاء من قليلٍ فيه وكثير ، وبأيّ
قدر شاء.
وقال أبو يوسف :
يكون إقراراً بنصفه ؛ لقوله تعالى : ( فَهُمْ شُرَكاءُ فِي
الثُّلُثِ ) واقتضى ذلك التسويةَ بينهم كذا هنا .
وهو غلط ؛ لأنّ
أيّ جزءٍ كان له منه فله فيه شركة ، فكان له تفسيره بما شاء ، كالنصف ، وليس إطلاق
لفظ الشركة على ما دون النصف مجازاً ، ولا يخالف الظاهر ، والتسوية في الآية ثبتت
لدليلٍ.
وكذا الحكم إذا
قال : هذا العبد شركة بيننا.
البحث
السادس : في تكرير المُقرّ به مع عدم العطف ومعه ، وبالإضراب مع عدم السلب ومعه.
مسألة
٩٢٦ : لو قال : له
علَيَّ درهمٌ درهمٌ درهمٌ ، لم يلزمه إلاّ درهمٌ واحد ؛ لاحتمال إرادة التأكيد
بالتكرير.
__________________
وكذا لو كرّره
مائة مرّة فما زاد.
ولو قال : له
علَيَّ درهم ودرهم ، أو : ثمّ درهم ، لزمه درهمان ؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة بين
المعطوف والمعطوف عليه ، ولا يصحّ عطف الشيء على نفسه.
ولو قال : له
علَيَّ درهم ودرهم ودرهم ، لزمه بالأوّل والثاني درهمان.
وأمّا الثالث فإن
أراد به العطف والمغايرة ، لزمه ثلاثة ؛ لأنّه أراد به درهماً آخَر.
وإن قال : أردتُ
به تكرير الثاني وتأكيده ، قُبِل ، ولزمه درهمان لا غير ، ويُصدَّق باليمين.
ولو قال : أردتُ
به تكرير الأوّل ، لم يُقبل ، ويلزمه ثلاثة ؛ لأنّ التكرار إنّما يؤكّد به إذا لم
يتخلّل بينهما فاصل. وهو أظهر وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يُقبل .
وكذا الحكم عندهم
فيما إذا قال : أنتِ طالق وطالق وطالق ، فإن أطلق ففي الطلاق قولان يُنظر في أحدهما
إلى صورة اللفظ ، وفي الثاني إلى احتمال التكرار وجريان العادة به. وفي الإقرار
طريقان .
وقال ابن خيران من
الشافعيّة : إنّه على قولين في الطلاق .
__________________
وقطع الأكثرون
منهم بأنّه يلزمه ثلاثة ، وفرّقوا بأنّ دخول التأكيد في الطلاق أكثر منه في
الإقرار ؛ لأنّه يقصد به التخويف والتهديد ، ولأنّه يؤكّد بالمصدر ، فيقال : هي
طالق طلاقاً ، والإقرار بخلافه ، وعلى هذا لو كرّر عشر مرّات أو أكثر ، لزمه من الدراهم
بعدد ما كرّر ، ولأنّ الواو للعطف ، والعطف يقتضي المغايرة ، فوجب أن يكون الثالث
غير الثاني ، كما كان الثاني غير الأوّل ، والإقرار لا يقتضي تأكيداً ، فوجب حمله
على العدد .
والحقّ : الأوّل ،
وأنّه يُحمل على التأكيد لو قصده ، وهو أخبر بلفظه ، ولا شكّ أنّ اللفظ محتمل
للتأكيد والإقرار ، فلا يثبت في ذمّته بالتجويز والاحتمال.
وكذا لو قال : له
علَيَّ درهم ثمّ درهم ثمّ درهم ، فهو كما لو قال : درهم ودرهم ودرهم.
ولو قال : درهم
ودرهم ثمّ درهم ، لزمه ثلاثة قطعاً ؛ لتغاير لفظتي « ثمّ » والواو ، فلا تصلح
للتأكيد اللفظي.
مسألة
٩٢٧ : لو قال : له
علَيَّ درهم مع درهم ، أو : معه درهم ، أو : فوق درهم ، أو : فوقه درهم ، أو : تحت
درهم ، أو : تحته درهم ، فالأقرب : إنّه يلزمه درهم واحد ؛ لاحتمال أن يكون المراد
« مع درهمٍ لي » أو « فوق درهمٍ لي » وأيضاً فقد يريد فوقيّة الجودة وتحتيّة
الرداءة ، وبه قال
__________________
أكثر الشافعيّة .
ولهم مذهبان
آخَران :
أحدهما : إنّه
يلزمه درهمان.
واختلف هؤلاء ،
منهم مَنْ ناسبٌ [ إلى ] قول الشافعي.
ومنهم مَنْ قال :
إنّه مُخرَّج.
فقيل : من الطلاق
، فإنّه لو قال : أنتِ طالق مع طلقة أو فوق طلقة ، وقعت طلقتان.
وقيل : مُخرَّج
ممّا لو قال : له علَيَّ درهم قبل درهم ، فإنّه يلزمه درهمان على ما يأتي.
وفرّقوا بينه وبين
الطلاق ؛ لأنّ لفظه الصريح موقع ، فإذا أنشأه عمل عليه ، والإقرار إخبارٌ عن سابقٍ
، فإذا كان فيه احتمال رُوجع حتى يتبيّن المراد .
الثاني : قال بعض
الشافعيّة : إن قال : درهم معه درهم ، أو : فوقه درهم ، لزمه اثنان ؛ لرجوع الكناية
إلى الأوّل الذي لزمه .
ولو قال : درهم
عليه درهم ، أو : على درهمٍ ، فهو كما لو قال : فوقه درهم ، أو : فوق درهمٍ.
ولو قال : علَيَّ
درهم قبل درهمٍ ، أو : قبله درهم ، أو : بعده درهم ، روى المزني عن الشافعي أنّه
يلزمه درهمان ، بخلاف الصورة
__________________
السابقة. والفرق :
إنّ الفوقيّة والتحتيّة ترجعان إلى المكان فيتّصف بهما نفس الدرهم ، والقبليّة
والبعديّة ترجعان إلى الزمان ، ولا يتّصف بهما نفس الدرهم ، فلا بدّ من أن يرجع
إليه التقدّم والتأخّر ، وليس ذلك إلاّ الوجوب عليه .
وفيه قولٌ آخَر
للشافعيّة : إنّه لا يلزمه إلاّ درهم ؛ لأنّ القبليّة والبعديّة كما يكونان
بالزمان يكونان بالرتبة وغيرها. ثمّ هَبْ أنّهما زمانيّان فإنّ نفس الدرهم لا
يتّصف بهما ، لكن يجوز رجوعهما إلى غير الواجب بأن يريد :
درهم مضروب قبل
درهمٍ ، وما أشبهه. سلّمنا أنّهما راجعان إلى الواجب ، لكن يجوز أن
يريد : لزيدٍ درهم قبل وجوب درهمٍ لعمرو .
وفيه نظر ؛ إذ لو
سُمع مثل هذه الاحتمالات لسُمع في مثل « له عندي درهم ودرهم » مع اتّفاقهم على
لزوم درهمين.
وفي المسألة وجهٌ
آخَر أنّه إن قال : « قبله أو بعده درهم » لزمه درهمان ، وإن قال : « قبل درهم أو
بعد درهم » لم يلزمه إلاّ درهم ؛ لاحتمال أن يريد « قبل لزوم درهمٍ ، أو : بعد
درهمٍ كان لازماً » .
وقال أصحاب الرأي
: إذا قال : فوق درهم ، لزمه درهمان ، وإذا قال : تحت درهمٍ ، لزمه واحد ؛ لأنّ «
فوق » تقتضي في الظاهر الزيادة ، وقوله :
__________________
« تحت » يقتضي [
أنّ ] ذلك درهم .
وكذا البحث لو قال
: له علَيَّ درهم مع دينار ، لزمه الدرهم لا غير عندنا ، وبه قال الشافعي .
ولو قال : له
علَيَّ دينار قبله قفيز حنطة ، كان عليه دينار لا غير ، ولم يكن عليه القفيز ، وهذا
قولٌ آخَر للشافعيّة .
واختلفوا ، فمنهم
مَنْ قال : في المسائل كلّها يلزمه درهمان ؛ لأنّ قوله : « فوق » و« تحت » و« قبله
» و« معه » يجري مجرى العطف ؛ لأنّ ذلك يقبل ضمّ درهمٍ آخَر إليه.
ومنهم مَنْ قال :
يلزمه درهم واحد.
ومنهم مَنْ قال :
إذا قال : « فوق » أو « تحت » أو « مع » لزمه واحد ، وإذا قال : « قبل » و« بعد »
لزمه درهمان. وفرّقوا بأنّ « قبل » و« بعد » لا يحتمل إلاّ التاريخ ، فصار أحد
الدرهمين مضموماً إلى الآخَر في الإقرار ، و« فوق » و« تحت » تُحمل على الجودة
والرداءة ، و« مع » تُحمل [ على ] « مع درهمٍ لي » .
وأمّا أحمد فإنّه
ذهب إلى أنّه يلزمه درهمان في جميع الصُّور .
مسألة
٩٢٨ : إذا قال : له
علَيَّ ، أو : عندي درهم فدرهم ، إن أراد
__________________
العطف لزمه درهمان
، وإن لم يرد العطف لم يلزمه إلاّ درهم واحد ، وبه قال الشافعي ، مع أنّه نصّ
على أنّه إذا قال : أنتِ طالق فطالق ، أنّه تقع طلقتان .
ونقل ابن خيران
الجواب من كلّ واحدةٍ منهما إلى الأُخرى ، وجَعَلهما على قولين للشافعي :
أحدهما : إنّه
يلزمه درهمان ، وتقع طلقتان ؛ لأنّ الفاء حرف عطفٍ كالواو ، و« ثمّ ».
والثاني : إنّه لا
يلزمه إلاّ واحد ، ولا تقع إلاّ طلقة ؛ لأنّ الفاء قد تُستعمل لغير العطف ، فيؤخذ باليقين
.
وذهب الأكثر إلى
تقرير النصّين ، وفرّقوا بوجهين :
أحدهما : إنّه
يحتمل في الإقرار أن يريد : فدرهم لازم ، أو : فدرهم أجود منه ، ومثل هذا لا ينقدح
في الطلاق.
والثاني : إنّ
الطلاق إنشاء ، والإقرار إخبار ، والإنشاء أقوى وأسرع نفوذاً ، ولهذا لو أقرّ اليوم
بدرهمٍ وغداً بدرهمٍ ، لا يلزمه إلاّ درهم ، ولو تلفّظ اليوم بالطلاق ثمّ تلفّظ به
غداً ، وقعت طلقتان .
__________________
وقال أصحاب الرأي
وأحمد : إنّه يلزمه درهمان ؛ لأنّ الفاء من حروف العطف ، كالواو .
والتحقيق عندي
أنّه إن أراد العطف لزمه اثنان ؛ لأنّ المعطوف يغاير المعطوف عليه ، وإن لم يرد
العطف لم يلزمه الاثنان قطعاً ، حيث لم يقصد التعدّد ، ولا وجه للاختلاف ، وإن
أطلق حُمل على ما يفسّره.
وينبغي أن يكون
موضع الخلاف الإطلاقَ ؛ لأنّه يحتمل كلّ واحدٍ منهما ، لكنّ الحقيقة العطف أو لا؟
إن قلنا : العطف ، لزمه المتعدّد ، وإلاّ فلا.
ونقل عن الشافعي
أنّه يلزمه درهمان ؛ لأنّه إذا قال : له علَيَّ درهم ودرهم ، لزمه درهمان .
ولا يمتنع فيه مثل
التقديرات المذكورة في الفاء.
ولو قال : له
علَيَّ درهم فقفيز حنطة ، فما الذي يلزمه؟
قيل : درهم لا غير
؛ لاحتمال إرادة قفيز حنطة خير منه .
وقيل : الدرهم
والقفيز .
ولو قال : بعتك
بدرهم فدرهم ، يكون بائعاً بدرهمين ؛ لأنّه إنشاء.
مسألة
٩٢٩ : لو قال : له
علَيَّ درهم بل درهم ، لم يلزمه إلاّ درهم واحد ؛ لجواز أن يقصد الاستدراك لزيادة
، فتذكّر أنّه لا حاجة إليه ولا زيادة عليه ، فلم يستدرك فيعيد الأوّل.
__________________
ولو قال : له درهم
لا بل درهم ، أو : لا درهم ، فكذلك.
ولو قال : له
علَيَّ درهم لا بل درهمان ، أو : قفيز حنطة لا بل قفيزان ، لم يلزمه إلاّ درهمان ،
وإلاّ قفيزان ؛ لأنّ « بل » للاستدراك ؛ ولا يمكن أن يكون المقصود هاهنا نفي
المذكور أوّلاً ؛ لاشتمال الدرهمين والقفيزين على الدرهم وعلى القفيز ، فلم يبق
المقصود إلاّ الاقتصار على الواحد وإثبات الزيادة عليه.
وقال زفر وداوُد :
يلزمه ثلاثة أقفزة وثلاثة دراهم ؛ لأنّه أقرّ بقفيز ثمّ نفاه ثمّ أثبت قفيزين ،
ومَنْ أقرّ بشيء ثمّ نفاه لم يُقبل رجوعه ، فلزمه القفيز الذي نفاه والقفيزان
اللّذان أقرّ بهما أيضاً ، كما لو قال : قفيز حنطة لا بل قفيزا شعير .
والحقّ أنّه يلزمه
القفيزان ؛ لأنّ قوله : « لا بل قفيزان » ليس نفياً للقفيز ، بل نفياً للاقتصار
على واحدٍ وإثبات الزيادة عليه ، وهذا بمنزلة ما إذا قال : له قفيز لا بل أكثر ،
فإنّه يلزمه أكثر من قفيز ، ولا يطالب بأكثر من قفيزين ، ولا يجوز أن يكون نفياً ؛
لأنّ القفيزين اللّذين أقرّ بهما يشتملان على القفيز.
ويخالف هذا [ ما ]
إذا قال : له علَيَّ قفيزا حنطة لا بل قفيزا شعير ؛ لأنّه نفى الإقرار الأوّل حيث
لم يدخل في الإقرار الثاني ، وفي صورة النزاع دخل الأوّل في الثاني ، فافترقا.
وقد أورد بعض
الشافعيّة إشكالاً ، وهو : ما إذا قال : أنتِ طالق طلقة
__________________
بل طلقتين ، فإنّه
يقع الثلاث .
تنبيه : هذا الخلاف إنّما هو مفروض فيما إذا أرسل المُقرّ به ولم
يعيّنه ، أمّا لو قال : له عندي هذا القفيز بل هذا القفيز ، أو : بل هذان القفيزان
، أو :
هذا الدرهم بل
هذان الدرهمان ، فإنّه يلزمه الثلاث قطعاً ؛ لأنّ القفيز المعيّن لا يدخل في
القفيزين المعيّنين.
وكذا لو اختلف جنس
الأوّل والثاني ، لزماه معاً مع الإرسال أيضاً ، كما لو قال : له علَيَّ درهم بل
دينار ، أو : بل ديناران ، أو : قفيز حنطة بل قفيز شعير ، أو : قفيزا شعير ؛ لعدم
دخول الأوّل في الثاني ، فهو راجع عن الأوّل مثبت للثاني ، والرجوع غير مقبولٍ ،
فالذي أقرّ به ثانياً يلزمه.
ولو دخل الأوّل في
الثاني ، لزمه الزائد ، فلو قال : له علَيَّ هذا القفيز بل هذا القفيز وهذا الآخَر
، فإنّه يلزمه القفيزان معاً ؛ لأنّه ضمّ المُقرّ به أوّلاً إلى المُقرّ به ثانياً
وأقرّ بهما معاً ، فلزماه معاً ، ولا يلزمه هنا ثلاثة قطعاً.
فروع
:
أ
ـ لو قال : له درهمان بل درهم ، أو : له علَيَّ عشرة لا بل
تسعة ، لزمه الدرهمان والعشرة لا الأقل ؛ لأنّ الرجوع عن الأكثر لا يُقبل إلاّ في
الاستثناء ، ويدخل الأقلّ فيه ، ويخالف ما إذا قال : له علَيَّ درهم لا بل درهمان
؛ لأنّه أضرب عن الاقتصار ، وأدخله في إقراره الثاني ، ويخالف ما إذا قال : درهم
لا بل قفيز ، فإنّه يلزمه الجميع ؛ لأنّ أحدهما لا يدخل في الآخَر ، وهنا التسعة
داخلة في العشرة ، ويخالف الاستثناء ؛ لأنّه ليس بإضرابٍ ، بل « عشرة إلاّ درهماً
» عبارة عن تسعة ، فافترقا.
__________________
ب
ـ لو قال : له علَيَّ درهم بل درهمان بل ثلاثة ، لزمه ثلاثة
لا غير.
ولو قال : له
دينار بل ديناران بل قفيز بل قفيزان ، لزمه ديناران وقفيزان.
ج
ـ لو قال : له علَيَّ دينار وديناران بل قفيز وقفيزان ، لزمه
ثلاثة دنانير وثلاثة أقفزة. وعلى هذا القياس.
البحث
السابع : في تغاير الزمان.
مسألة
٩٣٠ : إذا قال في يوم
السبت : لزيدٍ علَيَّ ألف ، ثمّ أقرّ له يوم الأحد بألف ، لم يلزمه إلاّ ألف واحد.
والأصل فيه أنّ
تكرير الإقرار تكرير للإخبار ، ولا يلزم من تكرير الخبر تكرير المُخبَر عنه ، فقد
يُخبر عن الشيء الواحد أشخاص متعدّدة بإخبارات متعدّدة أو مُخبر واحد بإخبارات
كثيرة ، ولهذا يحتمل فيه الإبهام ، ولو كان إنشاءً لما احتُمل ، فتعدّد الخبر لا
يقتضي تعدّد المُخبَر عنه فيجمع ، إلاّ إذا عرض ما يمنع الجمع والتنزيل على واحدٍ
فحينئذٍ يُحكم بالمغايرة ، أمّا مع عدم المانع من الجمع فإنّه يجمع ، ويكون
الخبران عبارتين عن مُخبرٍ واحد ؛ لأصالة البراءة. وأمّا لو اعترف بأنّ الإقرار
الثاني عبارة عن شيء مغاير لما أقرّ به أوّلاً ، فإنّه يُحكم بالتعدّد.
وبهذا قال مالك
والشافعي وأبو يوسف ومحمّد وأحمد ؛ لأنّ الإقرار إخبار على ما بيّنّاه ، فإذا أقرّ
ثمّ أقرّ بذلك ، احتُمل أن يكون الثاني هو الأوّل وأن يكون غيره ، فكان المرجع
إليه ، ولا يلزمه بالشكّ .
__________________
وقال أبو حنيفة :
يلزمه درهمان .
واختلف أصحابه ،
منهم مَنْ قال : لا فرق بين المجلس الواحد والمجلسين. ومنهم مَنْ فرّق بين
المجلسين والمجلس الواحد ، إلاّ أنّهم لا يختلفون أنّه إذا قال : « درهم درهم »
موصولاً أنّه يكون درهماً واحداً .
وكذلك إذا سمع
شاهدان إقراره بألف ثمّ رفع إلى الحاكم فأقرّ بألفٍ ، فقال المدّعي : لي بيّنة
بإقراره بألف وهي أُخرى ، وقال المُقرّ : هي واحدة ، لم تُسمع البيّنة.
وكذلك إذا أقرّ
بما في كتابٍ عند جماعة فهو إقرار ؛ لأنّه إذا أقرّ ثمّ أقرّ ولم يعرّف الأوّل
بالألف واللام فالظاهر أنّه إقرارٌ آخَر ، فلزمه ذلك.
وهذا يبطل بما إذا
وصل كلامه ، وبما إذا أقرّ به عند الحاكم ، ولأنّ التعريف إنّما يكون عند مَنْ له
عهد به وقد يقرّ عند مَنْ لم يسمع الأوّل ، وقد يترك التعريف ، ولا يمنع ذلك صحّة
كلامه ، فلم يكن تركه التعريفَ يوجب عليه مالاً آخَر.
واعلم أنّه لا فرق
عندنا بين أن يكون الإقراران في مجلسٍ واحد أو مجلسين فما زاد ، وسواء كتب به
صكّاً وأشهد عليه شهوداً ، أو على
__________________
التعاقب بأن كتب
صكّاً بألف وأشهد عليه ثمّ كتب صكّاً آخَر بألف وأشهد عليه ، خلافاً لأبي حنيفة
فيما إذا كتب صكّين وأشهد عليهما ، أو فيما إذا أقرّ في مجلسين .
ومن أصحابه مَنْ
لا يفرّق بين المجلس والمجلسين .
مسألة
٩٣١ : لو أقرّ بإقرارين
مختلفين بالعدد في مجلسٍ واحد أو في مجلسين ، دخل الأقلّ في الأكثر ، سواء تقدّم
الأقلّ أو تأخّر ، فلو أقرّ في أحد اليومين بألف وفي الآخَر بخمسمائة ، لزمه الألف
خاصّةً ، ودخل الإقرار بالخمسمائة تحت الإقرار بالألف عندنا وعند الشافعي .
ولو أقرّ مرّةً
بالعربيّة وأُخرى بالعجميّة ، لم يلزمه إلاّ واحد ، ولا اعتبار باختلاف اللغات
والعبارات ، فقد يعبّر عن الشيء الواحد ويخبر عن المُخبَر الواحد بإخبارات
متعدّدة وألفاظ مختلفة ، والمخبر عنه واحد في نفسه غير متعدّدٍ.
مسألة
٩٣٢ : لو لم يمكن الجمع
بين الإقرارين في عينٍ واحدة ومُخبَر عنه واحد ، تعدّد الحقّ وتغاير ، كما لو أضاف
إلى شيئين مختلفين ، فقال يوم السبت : له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ ، ثمّ قال يوم
الأحد : له علَيَّ ألف من ثمن جاريةٍ ، أو وصف كلّ واحدٍ من المُقرّ به بوصفٍ
مخالفٍ مضادٍّ للوصف الآخَر ، كما إذا قال يوم السبت : له علَيَّ ألف من صحاح
الدراهم ، وقال يوم الأحد : له علَيَّ ألف درهم من مكسّر الدراهم ، لزمه الألفان
في الصورتين معاً ؛ لتغاير ثمن العبد وثمن الجارية ، وصحيح الدراهم ومكسّرها.
__________________
وكذا يتعدّد لو
قال : قبضتُ منه يوم السبت ألف درهم ، ثمّ قال : قبضتُ منه يوم الأحد ألف درهم ،
لزمه الألفان ؛ لتغاير القبضين ، ويلزم منه تغاير المقبوضين ؛ إذ لا يمكن تعدّد
القبض في الشيء الواحد ، إلاّ مع الدفع إلى المُقرّ له ، ولكن ذلك دعوى غير
مسموعة إلاّ بالبيّنة.
ولو قال :
طلّقتُها يوم السبت طلقة ، ثمّ قال : طلّقتُها يوم الأحد طلقة ، حُكم عليه بوقوع
طلقتين.
ولو قال يوم السبت
: طلّقتُها طلقة ، وقال يوم الأحد : طلّقتُها طلقة ، لم يلزمه إلاّ طلقة.
وكذا لو قال : يوم
السبت طلّقتُها طلقة ، ثمّ قال : ويوم الأحد تطليقتين ، لم يلزمه إلاّ طلقتان.
أمّا لو وصف
الدراهم بصفةٍ في أحد الإقرارين وأطلق في الآخَر ، أو أضاف أحد الإقرارين إلى سببٍ
وأطلق في الآخَر ، نُزّل المطلق على المضاف ، ولم يجب التعدّد ؛ لإمكان الجمع ،
والأصل براءة الذمّة.
وكذا لو قامت
البيّنة على إقرارين بتأريخين ، يُجمع بينهما ؛ لأنّ تكرير الإشهاد وتكرير الصكّ
لا تأثير له ، لأنّ الحجّة على الإقرارين لا تفيد إلاّ ثبوت الإقرارين ، وقد تقدّم
أنّ تعدّد الإقرار لا يوجب تعدّد المُقرّ به.
مسألة
٩٣٣ : لو شهد شاهد على
أنّه أقرّ يوم السبت بألفٍ أو بغصب ثوب ، وشهد شاهدٌ آخَر على أنّه أقرّ يوم الأحد
بألفٍ أو بغصب ذلك الثوب ، ثبت الألف والغصب بتلفيق الشهادتين ؛ لأنّ الإقرار لا
يوجب حقّاً بنفسه ، وإنّما هو إخبار عن شيء سابق ، فيُنظر إلى المُخبَر عنه وإلى
اتّفاقهما
__________________
على الإخبار عنه.
وكذا لو شهد
أحدهما على إقراره بألفٍ بالعربيّة ، والآخَر على إقراره بالفارسيّة.
ولو شهد أحدهما
على الإدانة والآخَر على الإقرار بها ، لم يثبت الدَّيْن ، سواء اتّفق الزمان أو
اختلف. وكذا لو شهد أحدهما أنّه وكّل أو طلّق يوم السبت ، وشهد الآخَر أنّه وكّل
أو طلّق يوم الأحد ، أو شهد أحدهما على أنّه وكّل أو طلّق يوم السبت ، والآخَر على
أنّه أقرّ بالوكالة أو بالطلاق يوم السبت أو الأحد ، لم يثبت بشهادتهما شيء ؛
لأنّهما لم يتّفقا على شيء واحد ، وليس هو إخباراً حتى يُنظر إلى المقصود
المُخبَر عنه.
واعلم
: أنّ بعض الشافعيّة
لم يفرّق بين الإقرارين والإنشاءين ، فكما لا يُقبل إذا شهد أحدهما على إنشاء
الطلاق أو الوكالة يوم السبت وشهد الآخَر على إنشائهما يوم الأحد ، كذا لا يُقبل
لو شهد أحدهما على أنّه أقرّ يوم السبت وشهد الآخَر على أنّه أقرّ يوم الأحد ؛
لأنّ الشاهدَيْن لم يشهدا على شيء واحد ، بل شهد هذا على إقرارٍ ، وذلك على
إقرارٍ آخَر ، والمقصود من اشتراط العدد في الشهادة زيادة التوثّق والاستظهار ،
فإذا شهد كلّ واحدٍ على شيء لم يحصل هذا المقصود ، فاتّجه أن لا يُحكم
بقولهما .
وبعض الشافعيّة
أجرى الإنشاءات مجرى الإقرارات ، فكما تُقبل شهادة أحدهما بالإقرار يوم السبت مع
شهادة الآخَر بالإقرار يوم الأحد ، تُقبل لو شهد أحدهما بإنشاء الطلاق ـ مثلاً ـ يوم
السبت ، والآخَر بإنشائه
__________________
يوم الأحد .
وكلاهما غلط.
أمّا الأوّل :
فلأنّ أحد الشاهدَيْن إذا شهد بالإقرار يوم السبت فقد شهد بثبوت حقٍّ في ذمّته ،
وإذا شهد الآخَر بالإقرار يوم الأحد فقد شهد بثبوت حقٍّ في ذمّته ، فحصل الاتّفاق
بينهما على شيء واحد ، والاجتماع لا يفيد زيادةً في هذا المشترك ، وصار كما لو
أطلقا الشهادة بالإقرار من غير تعيين الزمان ، ولا يتأتّى هذا في الإنشاء ؛ لأنّ
مَنْ طلّق اليوم ثمّ طلّق غداً والمرأة رجعيّة فزعم أنّه أراد طلقة واحدة ، لم
يُقبل منه ، خصوصاً عند مَنْ لا يشترط الرجعة ، كالعامّة بأسرهم ، فكيف يُجمع بين
شهادة شاهدٍ على طلاق اليوم وشهادة آخَر على طلاق غدٍ!؟ وكذا باقي الإنشاءات
والأفعال ، كالقتل والغصب وغيرهما.
على أنّه لا تخلو
هذه الشهادة في كثير من المواضع من التضادّ والتنافي ؛ فإنّ شهادة قتل يوم السبت
تنافي شهادة قتل يوم الأحد ، بخلاف الإقرارين.
وأمّا الثاني :
فلما مرّ من التغاير بين الإنشاءين.
ولو شهد أحدهما
على أنّه قذفه يوم السبت ، أو بالعربيّة ، والآخَر أنّه قذفه يوم الأحد ، أو
بالفارسيّة ، لم يثبت بشهادتهما شيء.
ولو شهد أحدهما
على إقراره بأنّه قذفه يوم السبت ، أو بالعربيّة قذفه ، والثاني على إقراره بأنّه
قذفه يوم الأحد ، أو بالعجميّة قذفه ، فلا يلفّق بين الشهادتين أيضاً ؛ لأنّ
المُقرّ به شيئان مختلفان.
مسألة
٩٣٤ : لو شهد أحدهما
عليه بألفٍ من ثمن مبيع ، وشهد الآخَر بألفٍ من قرضٍ ، أو شهد أحدهما بألفٍ
استقرضه يوم السبت ، والآخَر
__________________
بألفٍ استقرضه يوم
الأحد ، لم يثبت بشهادتهما شيء ، إلاّ أنّ للمدّعي أن يعيّن أحدهما ، ويستأنف
الدعوى عليه ، ويحلف مع الذي شهد به ، وله أن يدّعيهما ويحلف مع كلّ واحدٍ من
الشاهدَيْن.
وإن كانت
الشهادتان على الإقرار بأن شهد أحدهما على أنّه أقرّ بألفٍ من ثمن مبيعٍ ، وشهد
الثاني على إقراره بألفٍ من قرضٍ ، فالأقرب : إنّه لا تثبت الألف بهذه الشهادة ،
وهو أظهر وجهي الشافعيّة .
وبنوا الوجهين هنا
على الوجهين فيما إذا ادّعى عليه ألفاً من ثمن مبيعٍ ، فقال المدّعى عليه : لك
علَيَّ ألف ولكن عن قرضٍ ، فهل يحلّ للمدّعي أخذ الألف ؛ لاتّفاقهما عليه ، أو
يحرم ؛ لاختلافهما في الجهة؟ إن قلنا : اختلاف الجهة يمنع الأخذ ، لم تثبت الألف ، وإلاّ ثبتت .
ولو ادّعى ألفاً
فشهد أحد الشاهدَيْن على أنّه ضمن ألفاً ، والثاني على أنّه ضمن خمسمائة ، ففي
ثبوت خمسمائة إشكال. وللشافعي قولان .
وهو أحد أقسام
الإنشاءات ، وقد سلف البحث فيها.
ولو شهد أحد شاهدي
المدّعى عليه أنّ المدّعي استوفى الدَّيْن ، والثاني على أنّه أبرأه ، فلا تلفيق
على الأقوى ، وله أن يحلف مع أيّهما شاء.
ولو شهد الثاني
على أنّه برئ إليه منه ، احتُمل التلفيق ؛ لأنّ إضافة البراءة إلى المديون عبارة
عن إيفائه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة .
__________________
مسألة
٩٣٥ : لو ادّعى على
رجلٍ ألفين ، وشهد له شاهد بألفين ، وشهد له آخَر بألف ، ثبتت الألف بشهادتهما ؛
لاتّفاقهما عليها ، وله أن يحلف مع الذي شهد بألفين ، ويأخذهما معاً.
وكذا لو كانت
الشهادتان على الإقرار.
هذا إذا لم يختلفا
في الشهادة ، أمّا لو اختلفا بأن أضاف كلٌّ منهما ما شهد به إلى سببٍ غير الآخَر ،
مثل : أن يقول أحدهما : من ثمن عبدٍ ، ويقول الآخَر : من ثمن جاريةٍ ، فإنّه لا
تلفيق ولا اتّفاق ، ولا تقوم البيّنة بأحدهما ؛ لأنّهما مختلفان ، ويحلف مع كلّ
واحدٍ منهما ، ويستحقّ ما شهد به.
وكذا لو اختلفا في
صفتها ، فقال أحدهما : من ضَرْب كذا ، والآخَر : من ضرب آخَر ، أو قال أحدهما :
حالّة ، وقال الآخَر : مؤجّلة ، أو شهد أحدهما أنّه أقرّ عنده أنّها لزمته في
شعبان ، وشهد الآخَر أنّه أقرّ أنّها لزمته في شهر رمضان.
وأمّا إذا أضاف
الشاهدان الشهادة إلى سببٍ واحد ، فقال كلّ واحدٍ منهما : من ثمن عبدٍ ، أو أطلقا
ولم يضيفا إلى سببٍ ، أو أطلق أحدهما وأضاف الآخَر ، فإنّ في هذه المسائل الثلاثة
تقوم البيّنة بألفٍ واحدة ، ويحلف للأُخرى ، وبه قال الشافعي ومالك .
وقال أصحاب الرأي
: لا يثبت شيء من ذلك ؛ لأنّ الشهادتين اختلفتا
__________________
لفظاً ومعنى ، كما
لو أضافا ذلك إلى سببين مختلفين .
وهو غلط ؛ لأنّهما
مالان من نوعٍ واحد غير مضافين إلى سببين مختلفين ، فإذا شهد بهما اثنان ثبت
الأقلّ منهما ، كما لو شهد أحدهما بألفٍ والآخَر بألفٍ وخمسمائة ، فإنّ أبا حنيفة
سلّم أنّه إذا شهد أحدهما بألفٍ والآخَر بألفٍ وخمسمائة تثبت الألف .
ولو شهد أحدهما
بعشرين والآخَر بثلاثين ، ثبتت العشرون بشهادتهما ، كالألف والألفين على إشكالٍ.
ويحتمل عدم الثبوت
؛ لأنّ لفظ « الثلاثين » لا يشتمل على لفظ « العشرين » ولفظ « الألفين » يشتمل على
لفظ الألف ، فربما سمع أحد الشاهدين الألف وغفل عن آخره.
وللشافعيّة وجهان .
مسألة
٩٣٦ : لو ادّعى ألفاً ،
فشهد له شاهد بألفٍ وآخَر بألفين ، فالثاني قد شهد بالزيادة قبل أن يستشهد ، فيكون
متبرّعاً تبطل شهادته بالزيادة خاصّةً.
__________________
ويحتمل بطلانها في
الجميع ؛ لأنّه متبرّع بهذه الشهادة ، وهي شهادة واحدة وقد رُدّت ، بخلاف ما لو
قال : أشهد له بألفٍ وألفٍ أُخرى ، فإنّه تُردّ شهادته بالألف الأُخرى خاصّةً.
وعلى التقديرين لا
يصير مجروحاً بهذه الزيادة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : إنّه يصير مجروحاً.
وإذا لم يصر مجروحاً عندهم ، فالشهادة بالزيادة مردودة.
وفي المدّعى قولان
:
أحدهما : إنّها
تُردّ ؛ لأنّ الشهادة لا تتبعّض ، فإذا رُدّت في البعض رُدّت مطلقاً.
وقال بعضهم : لا
تُردّ ، وتثبت الألف خاصّةً ، والتبعيض مخصوص بما إذا اشتملت الشهادة على ما يقتضي
الردّ ، كما إذا شهد لنفسه ولغيره ، وأمّا إذا زاد على المدّعى ، فقوله في الزيادة
ليس بشهادة ، بل هو كما لو أتى بلفظ الشهادة في غير مجلس الحكم. وعلى تقدير قولهم
بالجرح فإنّ المدّعي يحلف مع شاهد الألف ويأخذها .
وقال الجويني :
إنّه على هذا الوجه إنّما يصير مجروحاً في الزيادة ، فأمّا الألف المدّعاة فلا جرح
في الشهادة عليه ، لكن إذا رُدّت الشهادة في الزائد كانت الشهادة في المدّعى على
قولَي التبعيض ، فإن لم نبعّضها فلو أعاد الشهادة بالألف ، قُبلت ؛ لموافقتها
الدعوى [ وهل ] يحتاج إلى إعادة
__________________
الدعوى؟ قال : فيه
وجهان ، أظهرهما : المنع .
البحث
الثامن : في لواحق هذا الفصل.
مسألة
٩٣٧ : المُقرّ به
المجهول قد يمكن استعلامه من غير رجوعٍ إلى تفسير المُقرّ بأن يحيله على معرّفٍ.
وفيه قسمان :
أحدهما
: لو قال : له
علَيَّ من الدراهم بقدر وزن هذه الصنجة ، أو بالعدد المكتوب في كتاب كذا ، أو بقدر
ما باع به فلان عبده ، أو بقدر ما في يدي من الدراهم ، وما أشبه ذلك ، رجع إلى ما
أحال عليه.
والثاني
: أن يذكر ما يمكن
استخراجه بالحساب ، وهو قسمان :
أ
ـ ما اشتمل على
العطف ، مثل أن يقول : لزيدٍ علَيَّ مائة درهم ونصف ما لعمرو علَيَّ ، ولعمرو
علَيَّ مائة ونصف ما لزيدٍ ، فطريق معرفته بالجبر والمقابلة أن تفرض ما لزيدٍ
شيئاً ، فتقول : لزيدٍ شيء ولعمرو مائة ونصف شيء ؛ لأنّه نصف ما لزيدٍ ، فلزيدٍ
حينئذٍ مائة وخمسون وربع شيء تعدل شيئاً ، يسقط من الشيء ربع شيء مقابلة الربع
، تبقى مائة وخمسون تعدل ثلاثة أرباع شيء ، فالربع خمسون ، والشيء مائتان ،
فلزيدٍ عليه مائتان ، وكذا لعمرو عليه مائتان.
ولو قال : لزيدٍ
علَيَّ مائة وثلث ما لعمرو ، ولعمرو علَيَّ مائة وثلث ما لزيدٍ ، فلكلٍّ منهما
عليه مائة وخمسون ؛ لأنّ لزيدٍ شيئاً ، ولعمرو مائة وثلث شيء ، فلزيدٍ مائة وثلث
مائةٍ وتُسْع شيء تعدل شيئاً ، يسقط تُسْع شيء بمثله ، تبقى مائة وثلث مائة تعدل
ثمانية أتساع شيء ، فالشيء مائة
__________________
وخمسون.
ولو قال : لزيدٍ
علَيَّ مالٌ ونصف ما لعمرو ، ولعمرو علَيَّ مالٌ ونصف ما لزيدٍ ، فلكلٍّ من زيدٍ
وعمروٍ عليه أربعة ؛ لأنّ لزيدٍ شيئاً ، ولعمرو مالٌ ونصف شيء ، فلزيدٍ مالٌ ونصف
مالٍ وربع شيء يعدل شيئاً ، يسقط ربع شيء بربع شيء ، يبقى مالٌ ونصف مالٍ يعدل
ثلاثة أرباع شيء ، فالشيء مالان ، ولكلّ مالٍ نصفٌ.
مسألة
٩٣٨ : لو قال : لزيدٍ
علَيَّ عشرة ونصف ما لعمرو ، ولعمرو علَيَّ عشرة وثلث ما لزيدٍ ، نفرض ما لزيدٍ
شيئا ، فلعمرو عشرة وثلث شيء ، فلزيدٍ خمسة عشر وسدس شيء تعدل شيئاً ، يسقط
السدس بمثله ، تبقى خمسة عشر تعدل خمسة أسداس شيء ، فالشيء ثمانية عشر هي ما
لزيدٍ ولعمرو ستّة عشر.
ولو قال : لزيد
ستّة ونصف ما لعمرو ، ولعمرو اثنا عشر ونصف ما لزيدٍ ، فلزيدٍ ستّة عشر ، ولعمرو
عشرون ؛ لأنّا نفرض ما لزيد شيئاً ، فلعمرو اثنا عشر ونصف شيء ، ولزيدٍ اثنا عشر
وربع شيء يعدل شيئاً ، يسقط ربع شيء بمثله ، يبقى اثنا عشر يعدل ثلاثة أرباع شيء
، فالشيء ستّة عشر ، ولعمرو اثنا عشر وثمانية هي نصف ما لزيدٍ ، فلعمرو عشرون.
ولو قال : لزيدٍ
ستّة ونصف ما لعمرو ، ولعمرو اثنا عشر وثلث ما لزيدٍ ، فلزيدٍ أربعة عشر وخُمْسان
، ولعمرو ستّة عشر وأربعة أخماس ؛ لأنّا نفرض ما لزيدٍ شيئاً ، فلعمرو اثنا عشر
وثلث شيء ، فلزيدٍ اثنا عشر وسدس شيء يعدل شيئاً ، يسقط سدس شيء من الشيء ،
يبقى اثنا عشر يعدل خمسة أسداس شيء ، فالشيء أربعة عشر وخُمْسان ، ولعمرو اثنا
عشر وثلث أربعة عشر وخُمْسان ، وهو أربعة وأربعة أخماس ، فيكمل لعمرو
ستّة عشر وأربعة
أخماس.
ب
: ما اشتمل على
الاستثناء.
مسألة
٩٣٩ : إذا قال : لزيدٍ
علَيَّ ستّة إلاّ نصف ما لبكرٍ ، ولبكرٍ ستّة إلاّ نصف ما لزيدٍ ، نفرض ما لزيدٍ
شيئا ، فلبكر ستّة إلاّ نصف شيء ، فلزيدٍ ستّة إلاّ ثلاثة تعدل ثلاثة أرباع شيء
؛ لأنّك تسقط الربع في مقابلة الربع المستثنى ، فإذا جبرتَ وقابلْتَ ، صارت ستّةً
تعدل ثلاثةً وثلاثة أرباع شيء ، فإذا أسقطتَ ثلاثة بمثلها ، بقي ثلاثة تعدل ثلاثة
أرباع شيء ، فالشيء أربعة ، فلكلٍّ منهما أربعة.
ولو قال : لزيدٍ
عشرة إلاّ نصف ما لبكرٍ ، ولبكرٍ عشرة إلاّ ثلث ما لزيدٍ ، فلزيدٍ شيء ولبكر عشرة
إلاّ ثلث شيء ، فلزيدٍ عشرة إلاّ خمسة تعدل خمسةَ أسداس شيء ، فإذا جبرتَ
وقابلْتَ ، صارت عشرةً تعدل خمسةً وخمسة أسداس شيء ، فإذا أسقطتَ خمسةً بمثلها ،
بقي خمسة تعدل خمسةَ أسداس شيء ، فالشيء يعدل ستّةً ، فهي لزيدٍ ، ولبكرٍ
ثمانية.
ولو قال : لزيدٍ
عشرة إلاّ ثلث ما لبكرٍ ، ولبكرٍ خمسة عشر إلاّ نصف ما لزيدٍ ، فلزيدٍ شيء ،
ولبكرٍ خمسة عشر إلاّ نصف شيء ، فلزيدٍ عشرة وسدس شيء إلاّ خمسة تعدل شيئاً ،
يسقط السدس بمثله ، تبقى خمسة تعدل خمسة أسداس شيء ، فالشيء يعدل ستّةً لزيدٍ ،
ولبكرٍ اثنا عشر.
واعلم
: أنّ الأقسام
الممكنة في العطف منفرداً أو الاستثناء منفرداً ثمانية.
أمّا في العطف
فأربعة :
أ
: أن يتّفق المال
فيهما والعطف فيهما.
ب
: أن يتّفق المال
فيهما ويختلف العطف فيهما.
ج
: أن يختلف المال
فيهما ويتّفق العطف فيهما.
د
: أن يختلف المال
فيهما والعطف فيهما.
وأمّا في
الاستثناء فأربعة أيضاً :
أ
: أن يتّفق المال
فيهما والاستثناء فيهما.
ب
: أن يتّفق المال
فيهما ويختلف الاستثناء فيهما.
ج
: أن يختلف المال
فيهما ويتّفق الاستثناء.
د
: أن يختلف المال
فيهما والاستثناء فيهما.
واعلم
: أنّه قد يكون في
أحدهما الاستثناء وفي الآخَر العطف ، كما إذا قال : لزيدٍ علَيَّ ألف ونصف ما
لبكرٍ ، ولبكرٍ علَيَّ ألف إلاّ نصف ما لزيدٍ ، فلزيدٍ ألف ومائتان ، ولبكرٍ
أربعمائة ؛ لأنّا نجعل ما لزيدٍ شيئاً فلبكرٍ ألف إلاّ نصف شيء ، فلزيدٍ ألف
وخمسمائة إلاّ ربع شيء تعدل شيئاً كاملاً ، فألف وخمسمائة كملاً تعدل شيئاً وربع شيء
، فالشيء ألف ومائتان هي لزيدٍ ، ولبكرٍ ألف إلاّ نصف ما لزيدٍ ، ونصفه ستّمائة
تبقى له أربعمائة.
واعلم
: أنّه إذا اجتمع
العطف في أحدهما والاستثناء في الآخَر ، فقد يتّفق المال وقد يختلف ، ومع الاتّفاق
قد يتّفق العطف والاستثناء وقد يختلف ، وكذا مع الاختلاف. وعلى كلّ تقدير فقد يقع
الاستثناء في الأوّل والعطف في الثاني ، وبالعكس. فعليك باستخراج ذلك كلّه ، فإنّه
سهل بعد ما أعطيناك من القانون.
واعلم
: أنّه قد يزيد
الإقرار على اثنين. وحكمه كما تقدّم.
فلو قال : لزيدٍ
علَيَّ ستّون مثقالاً ونصف ما لعمروٍ ـ والتقدير على سبيل التسهيل أنّ المثقال
يساوي ثلاثةً وعشرين درهماً ، كما في زماننا ـ ثمّ قال : ولعمرو عندي ستّون وثلث
ما لبكرٍ ، ولبكرٍ ستّون وربع ما لزيدٍ ، فلزيدٍ شيء ، ولبكرٍ ستّون وربع شيء ،
ولعمرو ثمانون مثقالاً وثلث ربع
شيء ، فلزيدٍ
مائة وسدس ربع شيء تعدل شيئاً ، يسقط سدس ربع شيء بسدس ربع شيء ، تبقى مائة
تعدل ثلاثة أرباع شيء وخمسة أسداس ربع شيء ، فالشيء أربعة وعشرون ، فمائة مثقال
تعدل ثلاثة وعشرين جزءاً من أربعة وعشرين ، فإذا بسطْتَ مائة مثقال على ثلاثة
وعشرين جزءاً ، كان نصيب الجزء أربعة مثاقيل وثمانية دراهم.
مسألة
٩٤٠ : إذا قال : لزيدٍ
علَيَّ ألف درهم إلاّ نصف ما لبكرٍ ، ولبكرٍ علَيَّ ألف إلاّ ثلث ما لزيدٍ ،
فلمعرفة ذلك طُرق :
أ
: أن نجعل لزيدٍ
شيئاً ونقول : لبكرٍ ألف إلاّ ثلث شيء ، فنأخذ نصفه ـ وهو خمسمائة إلاّ سدس شيء
ـ ونسقطه من الألف ، تبقى خمسمائة وسدس شيء ، وذلك يعدل شيئاً المفروض لزيدٍ ؛
لأنّه جعل له ألفاً إلاّ نصف ما لبكرٍ ، فيسقط سدس شيء بسدس شيء ، تبقى خمسة
أسداس شيء في مقابلة خمسمائة ، فيكون الشيء التامّ ستّمائة ، وهو ما لزيدٍ ،
فإذا أخذتَ ثلثها مائتين وأسقطتَه من الألف ، تبقى ثمانمائة ، وهو ما أقرّ به
لبكرٍ.
ب
: أن نجعل لزيدٍ
ثلاثة أشياء ؛ لاستثنائه الثلث منه ، ونسقط ثلثها من الألف المضاف إلى الاثنين ،
فيكون لهما ألف ناقص شيء ، ثمّ نأخذ نصفه وهو خمسمائة ناقصة بنصف شيء ، وتزيد
على ما فرضناه لزيدٍ وهو ثلاثة أشياء ، يكون خمسمائة وشيئين ونصف شيء ، وذلك يعدل
ألف درهم ، تسقط خمسمائة بخمسمائة ، تبقى خمسمائة في مقابلة شيئين ونصف شيء ،
فيكون الشيء مائتين ، وقد كان لزيدٍ ثلاثة أشياء ، فهي إذَنْ ستّمائة.
ج
: أن نقول : استثنى
من أحد الإقرارين النصفَ ومن الآخَر الثلثَ ، فنضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخَر
يكون ستّةً ، ثمّ ننظر في الجزء
المستثنى من
الإقرارين ، وكلاهما واحد ، فنضرب واحداً في واحدٍ يكون واحداً ننقصه من الستّة
تبقى خمسة ، فنحفظها ونسمّيها المقسوم عليه ، ثمّ نضرب ما يبقى من مخرج كلّ واحدٍ
من الجزءين ـ بعد إسقاطه ـ في مخرج الثاني ، وذلك بأن نضرب ما يبقى من مخرج النصف
بعد النصف ـ وهو واحد ـ في مخرج الثلث ـ وهو ثلاثة ـ تحصل ثلاثة نضربها في الألف
المذكورة في الإقرار يكون ثلاثة آلاف نقسّمها على العدد المقسوم عليه ـ وهو خمسة ـ
يخرج نصيب الواحد ستّمائة ، فهي ما لزيدٍ ، ونضرب ما يبقى من مخرج الثلث بعد الثلث
ـ وهو اثنان ـ في مخرج النصف ـ وهو اثنان ـ يكون أربعةً نضربها في الألف يكون
أربعة آلاف نقسّمها على الخمسة ، يخرج من القسمة ثمانمائة ، وهي ما لبكرٍ.
ولو قال : لزيد
علَيَّ عشرة إلاّ ثلثي ما لعمرو ، ولعمرو عشرة إلاّ ثلاثة أرباع ما لزيدٍ ، نضرب
المخرج في المخرج يحصل اثنا عشر ، ثمّ نضرب أحد الجزءين في الثاني ، وهو اثنان في
ثلاثة ، يكون ستّةً نسقطها من اثني عشر تبقى ستّة ، ثمّ نضرب الباقي من مخرج الثلث
بعد إخراج الثلثين ـ وهو واحد ـ في أربعة ، يكون أربعةً نضربها في العشرة المذكورة
في الإقرار يكون أربعين نقسّمها على الستّة يكون ستّةً وثُلثين ، وذلك ما أقرّ به
لزيدٍ. ثمّ نضرب واحداً وهو الباقي من مخرج الربع بعد إخراج الأرباع الثلاثة ،
يكون ثلاثةً نضربها في العشرة يكون ثلاثين نقسّمها على الستّة يكون خمسةً ، وهي ما
أقرّ به لعمرو.
والطريقان
الأوّلان يجريان في أمثال هذه الصُّور بأسرها.
وأمّا الطريق
الثالث فإنّه لا يطّرد فيما إذا اختلف المبلغ المذكور في الإقرارين.
وإذا تكثّرت
الإقرارات ، احتاج إلى تطويلٍ ليس هذا موضعه ، كما لو قال : لزيدٍ عشرة إلاّ نصف
ما لعمرو ، ولعمرو عشرة إلاّ ثلث ما لبكرٍ ، ولبكرٍ عشرة إلاّ ربع ما لزيدٍ.
ولو قال : لزيدٍ
علَيَّ عشرة إلاّ نصف ما لعمرو ، ولعمرو ستّة إلاّ ربع ما لزيدٍ ، يكون مُقرّاً
لزيدٍ بثمانية ، ولعمرو بأربعة.
ولو قال : لزيدٍ
علَيَّ عشرة إلاّ نصف ما لعمرو ، ولعمرو عشرة إلاّ ربع ما لزيدٍ ، يكون مُقرّاً
لزيدٍ بخمسة وخمسة أسباع ، ولعمرو بثمانية وأربع أسباع.
وقد يتصوّر صدور
كلّ إقرارٍ من شخصٍ بأن يدّعي مالاً على زيدٍ وعلى عمرو ، فيقول زيد : لك علَيَّ
عشرة إلاّ نصف ما لك على عمرو ، ويقول عمرو : لك علَيَّ عشرة إلاّ ثلث ما لك على
زيدٍ. وطريق الحساب ما تقدّم.
مسألة
٩٤١ : لو أقرّ لزيدٍ
بجميع ما في يده أو بجميع ما ينسب إليه أو يعرف به ، صحّ الإقرار ، فلو تنازع
المُقرّ والمُقرّ له في شيء هل كان في يد المُقرّ وقت الإقرار أو لا؟ فالقول قول
المُقرّ ، وعلى المُقرّ له البيّنة ؛ لأصالة الاستصحاب ، وقضاء اليد بالملكيّة ،
وعدم سبق النسبة على الإقرار.
ولو قال : ليس لي
ممّا في يدي سوى ألف ، صحّ الإقرار ، وعُمل بمقتضاه.
ولو قال : لا حقّ
لي في شيء ممّا في يد فلان ، ثمّ ادّعى شيئاً منه وقال : لم أعلم كونه في يده يوم
الإقرار ، صُدّق بيمينه.
ولو قال : لزيدٍ
علَيَّ درهم أو دينار ، لزمه أحدهما ، وطُولب بالتعيين.
وقال بعض
الشافعيّة : لا يلزمه شيء .
وهو خطأ.
ولو قال : علَيَّ
ألف أو على زيد أو على عمرو ، لم يلزمه شيء.
وكذا لو قال على
سبيل الإقرار : أنتِ طالق أوّلاً. وإن ذكره في معرض الإنشاء طُلّقت ، كما لو قال :
أنتِ طالق طلاقاً لا يقع عليك.
ولو كان في يده
عبد وجارية ، فقال : أحد هذين لزيدٍ ، صحّ الإقرار ، وطُولب بالتعيين ، فإن قال : له العبد ،
نظرتَ في المُقرّ له ، فإن صدّقه سلّم العبد إليه. وإن قال : لي
الجارية دون العبد ، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه في الجارية ، وأمّا العبد
فقد ردّ إقراره ، وفيه وجهان :
أحدهما : يقرّ في
يده.
والثاني : ينزعه
الحاكم ، فيكون في يده.
مسألة
٩٤٢ : لو قال : غصبتُ
هذا العبد من أحد هذين ، صحّ هذا الإقرار ـ وبه قال الشافعي ـ لأنّ الإقرار
بالمجهول يصحّ ، كذا يصحّ الإقرار لمجهولٍ.
ثمّ يُطالب
بالبيان ، فإن قال : لا أعرف عينه ، فإن صدّقاه على ذلك انتُزع العبد من يده ،
وكانا خصمين فيه. وإن كذّباه وادّعى كلّ واحدٍ منهما أنّه يعلم أنّه غصبه منه ،
كان القولُ قولَه مع يمينه ؛ لأنّه أعلم بما يعلمه ، فإذا حلف انتُزع منه ، وكانا
خصمين فيه. وإن نكل حلف المدّعي ، وكان بمنزلة
__________________
الإقرار له.
إذا ثبت هذا ،
فإذا كانا خصمين فيه فليس لأحدهما عليه يد. فإن أقام أحدهما البيّنةَ ، حُكم له
به. وإن أقام كلّ واحدٍ منهما بيّنةً ، تعارضت البيّنتان. وإن لم يكن لكلّ واحدٍ
منهما بيّنةٌ ، حلف كلّ واحدٍ منهما وقسّم ، أو وقف حتى يصطلحا. وإن حلف أحدهما
ونكل الآخَر ، حُكم به للحالف.
هذا إذا لم يبيّن
، فأمّا إذا بيّن فقال : هو لهذا ، فإنّه يكون له ، ولا يغرم للآخَر قولاً واحداً
؛ لأنّه لم يقرّ به للآخَر ، بخلاف قوله : هذا لزيدٍ لا بل لعمرو.
فإن قال الآخَر :
احلفوه أنّه ليس لي ، فإن قلنا : إنّه لو عاد وأقرّ للآخَر لم يغرم
له ، لم نحلفه ؛ لأنّه إذا نكل لم يلزمه شيء. وإن قلنا : يغرم ، عرضنا عليه
اليمين ، فإن حلف سقطت الدعوى ، وإن نكل حلف المدّعي وغرم.
مسألة
٩٤٣ : لو كان معه عشرة
أعْبُد ، فقال : هؤلاء العبيد لفلان إلاّ واحداً ، صحّ الاستثناء ؛ لأنّ الإقرار
بالمجهول صحيح ، وكذا الاستثناء ؛ لأنّ مقتضاه تجهيل المُقرّ به ، وهو غير قادحٍ
في الإقرار.
ثمّ يُطالَب
بالبيان ، فإن عيّن الاستثناء في واحدٍ ، صحّ تعيينه ، وكان القولُ قولَه ، فإن
عيّن الواحد الذي استثناه كان الباقي للمُقرّ له.
ولو عيّن ما
للمُقرّ له جاز ، وكان الواحد الفاضل له.
فإن خالفه المُقرّ
له وقال : ليس هذا الذي استثنيتَه ، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه ؛ لأنّ ذلك
البيان لإقراره ، وهو أعلم بما أقرّ به واستثناه.
فإن هلك منها تسعة
وبقي واحد ، فالوجه : إنّه يُقبل لو عيّن الاستثناء
__________________
في الباقي ـ وهو
أصحّ وجهي الشافعيّة ـ لأنّ التفسير يعتبر وقت الإقرار ، وتفسيره لا يرفع جميع
( ما أقرّ به ) وإنّما تعذّر تسليم المُقرّ به إليهم لا لمعنى يرجع إلى
التفسير ، وجرى ذلك مجرى ما لو قال : هؤلاء العبيد لفلان إلاّ غانماً ، ثمّ مات
الكلّ إلاّ غانماً ، كان غانم للمُقرّ ، ولم يُبطل ذلك إقراره ، كذا هنا.
والثاني لهم : لا
يُقبل منه أن يدّعي أنّه له ؛ لأنّ تفسيره بذلك يؤدّي إلى أن لا يجعل للمُقرّ له
شيئاً .
مسألة
٩٤٤ : إذا أقرّ بمالٍ
لزيدٍ ، لزمه ، وكان مؤاخذاً بإقراره ـ وهو المشهور من مذهب الشافعي ـ عملاً بمقتضى
الإقرار.
وقال بعض
الشافعيّة : إنّه لا يلزمه حتّى يُسأل المُقرّ عن سبب اللزوم ؛ لأنّ الأصل براءة
الذمّة ، والإقرار ليس موجباً في نفسه ، وأسباب الوجوب مختلف فيها بين العلماء ،
فربما توهّم ما ليس بموجبٍ موجباً ، وهذا كما أنّ الجرح المطلق لا يُقبل ، وكما لو
أقرّ بأنّ فلاناً وارثه ، لا يُقبل حتى يبيّن جهة الوراثة .
ولو قال : علَيَّ
ألف درهم وإلاّ لفلان علَيَّ ألف دينار ، لزمه [ و ]
__________________
هذا للتأكيد.
ولو قال : وهبتُ
منك كذا وخرجتُ منه إليك ، لم يكن مُقرّاً بالقبض ؛ لجواز أن يريد بالخروج منه
الهبة.
وقال القفّال :
إنّه يكون مُقرّاً بالقبض ؛ لأنّه نسب إلى نفسه ما يشعر بالإقباض بعد العقد
المفروغ عنه .
ولو قال : وهبتُه
، ثمّ قال : لم أقبضه ، سُمع منه ذلك ، وكان دعوى ترك الإقباض مسموعةً ؛ لأنّ
الهبة لا تستلزم الإقباض ، لكن لا تلزم إلاّ به.
وكذا الرهن والوقف
وكلّ ما يشترط فيه القبض.
ولو قال : وهبتُه
وملّكته ، ثمّ ادّعى نفي الإقباض ، لم تُسمع منه ؛ لأنّ الهبة إنّما تُملك بالقبض
، إلاّ أن يعتقد مذهب مالك ، فتُسمع منه هذه الدعوى ؛ لأنّه يعتقد الملكيّة بالهبة
المجرّدة عن الإقباض .
مسألة
٩٤٥ : لو أقرّ الأب
بعين ماله لولده ، لم يكن له الرجوعُ في إقراره ، فإن رجع لم يُقبل منه ؛ لأنّ
الأصل بقاء الملك للمُقرّ له ، وبه قال بعض الشافعيّة .
وقال بعضهم : له
الرجوع ؛ لأنّه يمكن أن يكون مستند إقراره ما يمنع الرجوع ، ويمكن أن يكون مستنده
ما لا يمنع ، كالهبة ، فيثبت له الرجوع ؛
__________________
تنزيلاً للإقرار
على أضعف المِلْكين وأدنى السببين ، كما يُنزّل على أقلّ المقدارين .
وقال آخَرون : إن
أقرّ بانتقال الملك منه إلى الابن ، فإنّه يثبت له الرجوع. وإن أقرّ بالملك المطلق
، لم يكن له الرجوع .
ولو أقرّ في
وثيقةٍ بأنّه لا دعوى له على فلان ولا طلبة بوجهٍ من الوجوه ولا سببٍ من الأسباب ،
ثمّ قال : إنّما أردت في عمامته أو في قميصه ، لا في داره وبستانه ، قال بعض
الشافعيّة : إنّه يُقبل بمقتضى القياس ؛ لأنّ غايته تخصيص عمومٍ . وهو محتمل.
ويشكل بما إذا قال
: كلّ هذه الدراهم لزيدٍ ، ثمّ قال : لم أُرِدْ هذا الدرهم منها.
__________________
الفصل الرابع
: في تعقيب الإقرار بما يرفعه
وفيه بحثان :
الأوّل
: في الاستثناء.
مسألة
٩٤٦ : الاستثناء جائز
في الإقرار وغيره ـ والأصل فيه قوله تعالى : ( فَسَجَدَ
الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ ) وقوله تعالى : ( فَلَبِثَ
فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً ) وهو كثير في
القرآن والسنّة ولسان العرب ـ بشرط اتّصاله بالمستثنى منه وعدم استغراقه له ، فإن
سكت بعد الإقرار طويلاً أو شرع في كلامٍ أجنبيّ عمّا هو بصدده ثمّ استثنى ، لم
يصح.
والرواية عن ابن
عباس متأوّلة ، وكذا قوله 7 : « إن شاء الله » .
ولو كان الاستثناء
مستغرقاً بطل ، فلو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ عشرة ، كان الاستثناء لغواً ، وتثبت
العشرة ؛ لبطلان الاستثناء في لغة العرب ، وعدم انتظامه بين أرباب اللسان.
__________________
والأصل فيه أنّه
رجوع وإبطال لما أقرّ به أوّلاً بالكلّيّة ، فكان باطلاً.
وقواعد الاستثناء
خمس :
الأوّل
: حكم الاستثناء
والمستثنى منه متناقضان ، فالاستثناء من النفي إثبات ، وبالعكس.
الثاني
: الاستثناء
المتكرّر مع حرف العطف يعود إلى المستثنى منه.
ولو خلا عن حرف
العطف ، فإن زاد الثاني على الأوّل أو ساواه عادا معاً إلى المستثنى منه ، كما في
العطف ، وإن نقص عنه كان الاستثناء الثاني عائداً إلى الاستثناء الأوّل ،
والاستثناء الأوّل إلى المستثنى منه ، وتناقضا.
الثالث
: إذا ورد الاستثناء
عقيب جُملٍ متعدّدة معطوف بعضها على البعض ، فالأقوى : عود الاستثناء إلى الجملة
الأخيرة إلاّ مع القرينة.
الرابع
: الاستثناء من
الجنس جائز إجماعاً ، ومن غيره جائز على الأقوى.
الخامس
: الاستثناء
المستوعب والزائد باطل إجماعاً ، وأمّا الأقلّ فإنّه جائز ، سواء زاد المستثنى على
الباقي أو ساواه أو نقص عنه.
وقال ابن درستويه
وأحمد بن حنبل : لا يجوز أن يستثنى إلاّ الأقلّ من الباقي ؛ لأنّه لم يوجد في كلام
العرب إلاّ ذلك ، واللغة توقيف ، ولأنّ الاستثناء في الأصل استدراك لما غفل
المتكلّم عنه ، ولا يتأتّى ذلك إلاّ في القليل ، أمّا المساوي والأزيد فتبعد
الغفلة عنه والنسيان له .
__________________
وهو يبطل بقوله
تعالى : ( إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ
سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ ) وهو يقتضي كون
الغاوين أقلَّ على ما ذهبوا إليه.
وقال في موضعٍ
آخَر : ( لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاّ
عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ )
وذلك يقتضي كون المخلصين أقلَّ ، وهو تناقض.
وقال الشاعر :
أدّوا التي نقصت
تسعين من مائة
|
|
ثمّ اطلبوا
حكماً بالحقّ مقوالا
|
وهذا استثناء
للتسعين من المائة ، أو هو في معنى الاستثناء.
مسألة
٩٤٧ : لا خلاف في أنّ
الاستثناء من الإثبات نفي ؛ لأنّ الاستثناء مشتقّ من الثني ، وهو الصرف ، والصرف
إنّما يكون من الإثبات إلى النفي ، وبالعكس ، ولأنّ الاستثناء في الحقيقة إخراج
بعض ما تناوله اللفظ عن الحكم الثابت للمستثنى منه على وجهٍ لولاه لدخل فيه ، ولا
ريب أنَّ الحكم بالإثبات مخالف للأصل ، وهو العدم في جميع الأشياء ، فإذا أخرج بعض
الجملة من الحكم الإثباتي ، بقي على أصالة العدم ، فكان نفياً.
وأمّا الاستثناء
من النفي فهو إثبات عند المحقّقين ؛ لأنّه إخراج من النفي ، ولا خروج عن النقيضين
، فيكون مثبتاً ، ولأنّه لو لا ذلك لم يكن قولنا : « لا إله إلاّ الله » توحيداً ،
ولما كان كافياً في الإسلام ، ولا خلاف في الاكتفاء به ؛ فإنّ النبيّ 6 كان إذا جاءه
الأعرابي وتكلّم بهذه اللفظة وبالشهادة بالرسالة له 7 حكم بتمام إسلامه ، ولو لم يكن الاستثناء من
__________________
النفي إثباتاً لم
يكن ذلك إثباتاً لله تعالى.
وقال أبو حنيفة :
الاستثناء من النفي ليس بإثباتٍ ؛ لثبوت الواسطة بين الحكم بالثبوت والحكم بالنفي
، وهو نفي الحكم .
وليس بصحيح ؛ لما
تقدّم.
مسألة
٩٤٨ : إذا قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ تسعة ، فقد بيّنّا أنّ الاستثناء يناقض المستثنى منه ، والمناقض
للثبوت عدم.
ولو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ واحداً ، لزمه تسعة ، وهو قول أكثر العامّة .
وقال مالك منهم :
لا يصحّ استثناء الآحاد من العشرات ولا المئين من الأُلوف ، وإنّما يصحّ استثناء
الآحاد والعشرات من المئين والأُلوف .
ونُقل عنه أيضاً
أنّه لا يصحّ الاستثناء في الإقرار أصلاً .
وكلاهما باطل ؛
لأنّه مخالف لمصطلح الفصحاء ولما ورد به الكتاب العزيز والسنّة المتواترة واستعمال
أهل اللغة.
مسألة
٩٤٩ : لو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ تسعة إلاّ ثمانية ، فهو إقرار بتسعة ، والمعنى : إلاّ تسعة لا
تلزم إلاّ ثمانية تلزم ، فتلزم الثمانية والواحد الباقي من العشرة ، فإذا استثنى
تسعةً من العشرة فقد نفى التسعة من العشرة المثبتة ، فيبقى المثبت واحداً ، فإذا
استثنى من التسعة المسقَطة ثمانيةً ، بقي الساقط واحداً لا غير ، وعلى هذا.
والطريق فيه وفي
نظائره أن يُجمع كلّ ما هو إثبات وكلّ ما هو نفي ،
__________________
فيسقط المنفيّ من
المثبت ، فيكون الباقي هو الواجب ، فالعشرة في الصورة المذكورة مثبتة وكذا
الثمانية تجمعهما وتُسقط التسعةَ المنفيّة من المجموع ، تبقى تسعة.
ولو قال : عشرة
إلاّ تسعة إلاّ ثمانية إلاّ سبعة ، وهكذا إلى الواحد ، فعليه خمسة ؛ لأنّ الأعداد
المثبتة ثلاثون ، والمنفيّة خمسة وعشرون.
وطريق تمييز
المثبتة من المنفيّة أن يُنظر إلى العدد المذكور أوّلاً ، فإن كان زوجاً فالأوتار
منفيّة والأزواج مثبتة ، وإن كان وتراً فبالعكس ، وذلك بشرط أن تكون الأعداد
المذكورة على التوالي الطبيعي ، أو يتلو كلّ شفعٍ منها وتراً ، وبالعكس.
مسألة
٩٥٠ : لو قال : ليس
لفلان علَيَّ شيء إلاّ خمسة ، لزمه خمسة.
ولو قال : ليس
علَيَّ عشرة إلاّ خمسة ، لم يلزمه شيء عند الأكثر ؛ لأنّ « عشرة إلاّ خمسة »
عبارة عن خمسة ، فكأنّه قال : ليس له علَيَّ خمسة .
وللشافعيّة وجهٌ
آخَر : إنّه يلزمه خمسة ؛ بناءً على أنّ الاستثناء من النفي إثبات .
والتحقيق أن نقول
: إنّ هذا القول صالح للأمرين ؛ لأنّه إن قصد بالنفي سلبَ المركّب ـ وهو : عشرة
إلاّ خمسة ـ لم يلزمه شيء ، وإن قصد سلبَ العشرة لا غير ثمّ قصد بالأنقص ذلك
السلب في الخمسة ، لزمه خمسة ، فحينئذٍ يرجع إليه في البيان ، ويُقبل تفسيره مع
اليمين.
__________________
مسألة
٩٥١ : لو كرّر
الاستثناء من غير عطفٍ وكان الثاني مستغرقاً ، صحّ الأوّل ، وبطل الثاني ، فلو قال : له علَيَّ
عشرة إلاّ خمسة إلاّ عشرة ، بطل ، ولزمه خمسة ؛ عملاً بالاستثناء الأوّل لا غير.
ولو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ خمسة إلاّ خمسة ، بطل الاستثناء الثاني أيضاً ؛ إذ لا يمكن عوده
إلى المستثنى منه الأوّل ، وإلاّ لم يبق شيء ؛ لخروج خمسةٍ بالاستثناء الأوّل
وخمسةٍ بالثاني ، ولا إلى الاستثناء السابق عليه ؛ لأنّه مستوعب له ، فوجب الحكم
ببطلان الاستثناء الثاني ، فيبقى اللازم في ذمّته خمسة.
ولو كان الاستثناء
الأوّل مستغرقاً ، كما لو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ عشرة إلاّ أربعة ، فالأقرب :
إنّه يلزمه أربعة ، ويصحّ الاستثناءان معاً ؛ لأنّ الكلام إنّما يتمّ بآخره ،
وآخره يُخرج الأوّلَ عن كونه مستغرقاً ، ويصير كأنّه استثنى من أوّل الكلام ستّةً
؛ لأنّ « عشرة إلاّ أربعة » في تقدير « ستّة » فيصير قوله : « له علَيَّ عشرة إلاّ
عشرة إلاّ أربعة » في تقدير « له علَيَّ عشرة إلاّ ستّة » وهو أحد وجوه الشافعيّة .
والثاني : إنّه
يلزمه عشرة ، ويبطل الاستثناء الأوّل ؛ لاستغراقه ، والثاني ؛ لبطلان المستثنى منه
.
__________________
وهو غلط ؛ إذ لا
يمكن العدول إلى الهذريّة في الكلام مع إمكان الحمل على الصواب.
والثالث لهم :
إنّه يلزمه ستّة ؛ لأنّ الاستثناء الأوّل باطل ؛ لاستغراقه ، فيكون وجوده كعدمه ،
ورجع الاستثناء إلى أوّل الكلام .
ولو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ عشرة إلاّ خمسة ، فعلى الوجه الثاني يلزمه عشرة ، وعلى الآخَرين
خمسة.
ولو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ ثلاثة إلاّ ثلاثة ، لزمه أربعة ؛ لأنّ الأصل التأسيس لا التأكيد
، ولا يمكن عود الثاني إلى الأوّل ؛ لأنّه مستوعب ، ولا إبطال أحدهما ؛ إذ الأصل
الإفادة ، فيرجعان إلى المستثنى منه.
مسألة
٩٥٢ : إذا كرّر
الاستثناء مع العطف ، رجعا جميعاً إلى المستثنى منه ، فإن استوعبا معاً بطل
الثاني.
فلو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ خمسة وإلاّ أربعة ، لزمه واحد.
وكذا لو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ خمسة وأربعة ، لزمه واحد ، وكانا جميعاً مستثنيين من العشرة.
ولا فرق بين أن
يكون الاستثناء الثاني أكثرَ من الأوّل أو أقلَّ أو مساوياً.
فإذا قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ أربعة وإلاّ أربعة ، لزمه اثنان.
ولو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ أربعة وإلاّ خمسة ، لزمه واحد.
ولو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ سبعة وإلاّ ثلاثة ، لزمه العشرة ؛ لأنّ الواو
__________________
تجمعهما وتوجب
الاستغراق ، هذا عند بعض الشافعيّة .
وعند بعضهم ما
اخترناه أوّلاً من بطلان الثاني خاصّةً ؛ لأنّ الأوّل صحّ استثناؤه ، والثاني مثل
العدد الباقي ، فهو المستغرق .
والأصحّ عندهم :
الثاني ؛ لأنّه إذا قال : له عندي عشرة إلاّ سبعة ، فقد بقي مُقرّاً بثلاثة ، فإذا
قال : وإلاّ ثلاثة ، أو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ سبعة وثلاثة ، كانت الثلاثة هي
المستغرقة ، فوقعت باطلةً .
وفرّق بعضهم بين
قوله : عشرة إلاّ سبعة وثلاثة ، وبين قوله : عشرة إلاّ سبعة وإلاّ ثلاثة ، فقَطَع
في الصورة الثانية بالبطلان ؛ لأنّهما استثناءان مستقلاّن (٤).
مسألة
٩٥٣ : إذا كان في
الاستثناء أو المستثنى منه عددان عطف أحدهما على الآخَر ، ففي الجمع بينهما وجهان ـ
كما في الصورة السابقة ـ أصحّهما : عدم الجمع ـ وهو الأصحّ عند الشافعيّة ، ونصّ
عليه الشافعي ـ لأنّ الواو العاطفة وإن اقتضت الجمع لكنّها لا تُخرج
الكلام عن كونه ذا جملتين من جهة اللفظ ، والاستثناء يدور على اللفظ ، مثلاً : لو
قال : له علَيَّ درهمان ودرهم إلاّ درهماً ، إن لم نجمع يلزمه ثلاثة ؛ لأنّه
استثنى درهماً من درهمٍ ، وإن جمعنا لزمه درهمان ، وكان الاستثناء من ثلاثة.
ولو قال : له
علَيَّ ثلاثة إلاّ درهمين ودرهماً ، إن لم نجمع لزمه درهم ، وصحّ استثناء الدرهمين
، وإن جمعنا لزمه ثلاثة ، وكان الاستثناء مستغرقاً.
ولو قال : له
ثلاثة إلاّ درهماً ودرهمين ، فإن لم نجمع لزمه درهمان ،
__________________
وإن جمعنا فثلاثة.
ولو قال : له درهم
فدرهم ودرهم إلاّ درهماً ودرهماً ودرهماً ، لزمه ثلاثة على الوجهين ؛ لأنّا إن
جمعنا ، جمعنا في الطرفين : الاستثناء والمستثنى منه ، وإن لم نجمع كان مستثنياً
درهماً من درهمٍ.
مسألة
٩٥٤ : لو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ خمسة أو ستّة ، قال بعض الشافعيّة : يلزمه أربعة ؛ لأنّ الدرهم
الزائد مشكوك فيه ، فصار كما لو قال : علَيَّ خمسة أو ستّة ، لم يلزمه إلاّ خمسة .
والوجه : إنّه
يلزمه خمسة ؛ لأنّه حَكَم بإثبات العشرة في ذمّته ، واستثنى خمسةً ، واستثناء
الدرهم الزائد مشكوك فيه ، فيبقى الأصل على الثبوت.
ولو قال : له
علَيَّ درهم غير دانق ، فإن نصب « غيراً » كان استثناءً للدانق من الدرهم ، ولزمه
خمسة دوانيق ، وإن لم ينصبه كان عليه درهم تامّ ؛ لأنّ معناه : علَيَّ درهم لا
دانق.
وحَكَم أكثر
الشافعيّة بأنّه استثناء ، سواء نصب أو رفع ؛ لأنّ السابقَ إلى الفهم الاستثناء ،
فيُحمل عليه وإن أخطأ في الإعراب .
مسألة
٩٥٥ : الاستثناء حقيقة
في الجنس ، مجاز في غيره ؛ لتبادر الأوّل إلى الفهم ، دون الثاني ، ولأنّ
الاستثناء إخراج ، وإنّما يتحقّق في الجنس ، وفي غيره يحتاج إلى تقديرٍ ، ومع هذا
إذا استثنى من غير الجنس ، سُمع منه وقُبِل ، وكان عليه ما بعد الاستثناء.
فإذا قال : له
علَيَّ ألف درهم إلاّ ثوباً ، أو : إلاّ عبداً ، صحّ عند علمائنا
__________________
ـ وبه قال الشافعي
ومالك ـ لوروده في القرآن العزيز :
قال الله تعالى : ( فَسَجَدَ
الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ ) استثناه من الملائكة ، ولم يكن منهم ؛ لقوله تعالى : ( إِلاّ
إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ ) .
وقال تعالى : ( لا
يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً ) و ( لا تَأْكُلُوا
أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً ) وأمثال ذلك
كثيرة.
وقال النابغة :
وقفت فيها
أُصيلالاً أُسائلها
|
|
أعيت جواباً وما
بالرَّبْع من أحد
|
إلاّ الأواريّ
لَأْياً ما أُبيّنها
|
|
والنؤْي كالحوض
بالمظلومة الجَلَد
|
وقال الشاعر :
وبلدة ليس بها
أنيس
|
|
إلاّ اليعافير
وإلاّ العيس
|
واليعافير : ذكور
الظباء ، والعيس : الجِمال. والأواريّ : المعالف.
__________________
وقال أبو حنيفة :
إن استثنى مكيلاً أو موزوناً جاز ، وإن استثنى عبداً أو ثوباً من مكيلٍ أو موزونٍ
لم يجز.
وبالجملة ، لا
يصحّ عنده الاستثناء من غير الجنس ، إلاّ في المكيل والموزون والمعدود ، فيستثنى
بعضها من بعضٍ مع اختلاف الجنس .
وقال محمّد بن
الحسن وزفر : لا يجوز الاستثناء من غير الجنس ـ مطلقاً ـ بحال ـ وبه قال أحمد بن
حنبل ـ لأنّ الاستثناء إخراج بعض ما تناوله اللفظ ، ولم يتناول اللفظ إلاّ جنسه ،
فلم يصح استثناؤه منه .
والمرجع في ذلك
إلى اللغة ، دون ما ذكروه.
ونمنع أنّ
الاستثناء مطلقاً ما حدّوه ، فقد قيل : معنى الاستثناء أن ينبئ خبراً بعد خبرٍ ، وذلك حاصل في
غير الجنس.
__________________
مسألة
٩٥٦ : إذا ثبت صحّة
الاستثناء من غير الجنس كما إذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلاّ ثوبا ، أو : إلاّ عبداً
، وشبهه ، وجب عليه أن يبيّن قيمة الثوب والعبد بما لا يستغرق ، فإن فسّره
بالمستغرق بطل التفسير ، كما لو قال : له علَيَّ ألف درهم إلاّ ثوباً وقيمته ألف
درهم ؛ لأنّه رجوع ونقض لما اعترف به أوّلاً.
وهل يبطل
الاستثناء؟ إشكال ينشأ من أنّه بيّن ما أراد باللفظ ، فكأنّه تلفّظ به ، ولا ريب
في أنّه لو قال : له علَيَّ ألف إلاّ ألفاً ، بطل الاستثناء ، وكذا لو قال : له
علَيَّ ألف إلاّ ثوباً قيمته ألف ، فكذا إذا استثنى الثوب ثمّ فسّره بالمستوعب ،
فيبطل الاستثناء ، ويلزمه الألف ، ومن أنّه استثناء صحيح من جهة اللفظ ، وإنّما
الخلل فيما فسّر به اللفظ ، فيقال له : هذا التفسير غير صحيحٍ ، ويُطالب بتفسيرٍ
صحيحٍ.
وللشافعيّة وجهان كهذين ، والأوّل
أصحّ عند الجويني .
مسألة
٩٥٧ : إذا قال : له
علَيَّ ألف إلاّ درهماً ، فقد استثنى المعيّن من المبهم.
فإن قلنا بأنّ
الاستثناء من غير الجنس باطل ، اقتضى كون الألف دراهمَ ؛ لصحّة الإقرار والاستثناء
، وإنّما يصحّان لو كانت الألف دراهمَ.
وإن قلنا بالجواز
سواء كان الاستثناء من غير الجنس حقيقةً أو مجازاً ، طُولب بتفسير الألف ؛ لأنّ
المجاز قد يراد خصوصاً في هذا الموضع ، فإنّ التعيين يقتضي إثبات شيء في الذمّة
بالإجمال ، فإن فسّر الألف بما يساوي الدرهم أو يقلّ عنه ، بطل التفسير ؛ لاشتماله
على الاستثناء المستوعب ،
__________________
ويقال له :
الاستثناء قد صحّ بحكم الإطلاق ، ففسّر ذلك بما يبقى بعد الدرهم منه شيء.
ويحتمل إلزامه بما
فسّر به الألف ، فيبطل الاستثناء ؛ لأنّه إذا بيّن المُقرّ به ، كان الاستثناء
رافعاً لجميعه ، فيبطل.
ولو استثنى
المجهول من المعلوم ، صحّ ، وطُولب بالبيان ، كما إذا قال : له علَيَّ عشرة دراهم
إلاّ شيئاً ، فيُطالَب بتفسير الشيء ، ويُقبل تفسيره بمهما كان إذا قلّ عن العشرة
، فإن استوعب أو زاد بطل التفسير. وفي الاستثناء الوجهان.
ولو استثنى
المجهول من المجهول ، صحّ الإقرار والاستثناء ، وطُولب بالتفسير فيهما على وجهٍ لا
يستوعب ، فإن استوعب فالوجهان ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إلاّ شيئاً ، طُولب
بتفسير الألف والشيء ، فيبيّن جنس الألف أوّلاً ثمّ يفسّر الشيء بما لا يستغرق
الألف من الجنس الذي بيّنه.
ولو قال : له
علَيَّ شيء إلاّ درهماً ، فقد استثنى المعلوم من المجهول ، فيفسّر الشيء بما
يزيد على الدرهم وإن قلّ ، كما تقدّم في قوله : علَيَّ ألف إلاّ درهماً ، ولا يلزم
من استثناء الدرهم أن تكون الألف دراهمَ.
قال بعض الشافعيّة
: مهما بطل التفسير في هذه الصورة ففي بطلان الاستثناء وجهان .
ويشكل في استثناء
المعلوم من المجهول.
مسألة
٩٥٨ : لو اتّفق اللفظ
في المستثنى منه والاستثناء ، كما لو قال : له علَيَّ شيء إلاّ شيئاً ، أو : له
علَيَّ مالٌ إلاّ مالاً ، فالأقوى : صحّة الإقرار
__________________
والاستثناء ؛
لوقوعه على القليل والكثير ، فلا يمتنع حمل الثاني على أقلّ ما يتموّل ، وحمل
المستثنى منه على الزائد على أقلّ ما يتموّل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.
والثاني : إنّه
يبطل الاستثناء ، كما لو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ عشرة .
ولا معنى لهذا التردّد
؛ فإنّ فيه غفلةً ؛ لأنّا إذا ألغينا استثناءه اكتفينا بأقلّ ما يتموّل ، وإن
صحّحناه ألزمناه [ أيضاً أقلّ ما يتموّل ، فيتّفق ] الجوابان.
قيل : يمكن أن
يقال : حاصل الجواب لا يختلف ، لكنّ التردّد غير خالٍ عن فائدةٍ ، فإنّا إذا
أبطلنا الاستثناء لم نطالبه إلاّ بتفسير اللفظ الأوّل ، وإن لم نبطله طالبناه
بتفسيرهما. وله آثار في الامتناع من التفسير ، وكون التفسير الثاني غير صالحٍ
للاستثناء من الأوّل ، وما أشبه ذلك .
مسألة
٩٥٩ : قد بيّنّا أنّه
إذا فسّر المجهول بالمستوعب ، بطل التفسير.
مثلاً : إذا قال :
له علَيَّ ألف درهم إلاّ ثوباً ، أو : ألف إلاّ درهماً ، ثمّ فسّر الثوب بما يزيد
قيمته على ألف درهم أو يساويه ، فإنّ التفسير يبطل.
وهل يُطالب
بتفسيرٍ آخَر ممكن يبقى معه شيء من الألف ، أو لا؟ مبنيّ على بطلان الاستثناء
ببطلان التفسير ، إن قلنا : يبطل ، لزمه الألف ، ولم يُطالَب بتفسيرٍ آخَر ، وإن
قلنا : لا يبطل الاستثناء ، طُولب بتفسيرٍ يُسمع ، فإذا قال : له علَيَّ ألف درهم
إلاّ ثوباً ، صحّ الاستثناء على ما تقدّم ؛ لأنّه يحتمل أن يكون أتلف عليه ثوباً ،
فتكون قيمته مستثناةً من الألف.
__________________
مسألة
٩٦٠ : إذا قال : له علَيَّ درهم ودرهم إلاّ درهما ، قال بعض علمائنا : إن
قلنا : إنّ الاستثناء المتعقّب للجُمل يعود إلى الجميع ، صحّ ، ولزمه درهم واحد ؛
لأنّ الواو تقتضي الجمع ، لأنّها للعطف ، فتجمع بين المتفرّقين ، كما تجمع واو
الجمع في الأسماء المتفرّقة ، فيصير كأنّه قال : له علَيَّ درهمان إلاّ درهماً ،
وبه قال بعض الشافعيّة .
والحقّ : بطلان
الاستثناء ، سواء قلنا بعود الاستثناء المتعقّب إلى الجُمل السابقة أو إلى الأخيرة
؛ لأنّ الاستثناء إخراج ، وإنّما احتمل مع اشتماله على التناقض في الجمع ؛ لجواز
إرادة الأكثر ، فإذا قال : جاء المسلمون إلاّ زيداً ، كان لفظ المسلمين صالحاً لما
عدا زيدٍ ، كما صلح لذلك ، فجاز الاستثناء ، ويكون بالاستثناء قد
بيّن مراده.
أمّا إذا جاء
بلفظٍ يدلّ بالنصوصيّة على كلّ فردٍ فردٍ ، فإنّه لا يصحّ الاستثناء ، كما لو قال
: جاء زيد المسلم وعمرو المسلم وخالد المسلم إلاّ زيداً ؛ لاشتماله على التناقض
الصريح ، بخلاف ما لو قال : جاء المسلمون إلاّ زيداً ، كذا هنا إذا قال : له درهم
ودرهم إلاّ درهماً ، فقد أخرج أحدهما بعد أن نصّ على ثبوته ، وهو تناقضٌ صريح.
مسألة
٩٦١ : قد بيّنّا أنّه
يجوز الاستثناء من الاستثناء ، فإذا قال : له علَيَّ عشرة إلاّ ثلاثة إلاّ اثنين ،
لزمه تسعة.
والأصل في جواز
الاستثناء من الاستثناء قوله تعالى : ( قالُوا إِنّا
أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ
أَجْمَعِينَ * إِلاَّ
__________________
امْرَأَتَهُ ) .
ومَنَع بعضُ أهل
العربيّة من ذلك وأنكره ، قال : لأنّ العامل في الاستثناء الفعلُ الأوّل بتقوية
حرف الاستثناء ، والعامل الواحد لا يعمل في معمولين. ونقول في الآية : إنّ
الاستثناء الثاني من قوله عزّ وجلّ : ( أَجْمَعِينَ ) .
ونمنع من امتناع
تعدّد المعمول مع وحدة العامل هنا ؛ لأنّ الاستثناء مُقوٍّ للفعل ، وبعضهم قال :
العامل « إلاّ » خاصّةً ، فلا يرد عليه ذلك.
مسألة
٩٦٢ : يصحّ الاستثناء
من الأعيان ، كما يصحّ من الكلّيّات ، فإذا قال : لزيدٍ هذه الدار إلاّ هذا البيت
، أو : له هذا القميص إلاّ كُمّه ، أو : هذه الدراهم إلاّ هذا الواحد منها ، أو :
هذا القطيع إلاّ هذه الشاة ، أو : هذا الخاتم إلاّ هذا الفصّ ، وما أشبه ذلك ، صحّ
الاستثناء ، وهو قول أكثر الشافعيّة .
ولهم وجهٌ آخَر :
إنّه لا يصحّ ؛ لأنّ الاستثناء المعتاد هو الاستثناء من الأعداد المطلقة ، فأمّا
المعيّنة فالاستثناء منها غير معهود ، ولأنّه إذا أقرّ بالعين كان ناصّاً على ثبوت
الملك فيها ، فيكون الاستثناء بعده رجوعاً .
وقد ذكر بعض
الشافعيّة أنّه إذا قال : أربعكنّ طوالق إلاّ فلانة ، لم يصح هذا الاستثناء ، كما
لو قال : هؤلاء الأعْبُد الأربعة لفلان إلاّ هذا
__________________
الواحد ، لم يصح ؛
لعدم الاعتياد بالاستثناء في الأعيان .
والحقّ : الجواز ،
وصحّة الاستثناء في الإقرار بالأعْبُد الأربعة ، فلو قال : هؤلاء العبيد لفلان
إلاّ واحداً ، فالمستثنى منه معيّن ، والمستثنى غير معيّنٍ ، وهو صحيح عندنا وعند
أكثر الشافعيّة ، ويُرجع إليه في التعيين.
فإن ماتوا إلاّ
واحداً ، فقال : هو الذي أردتُه بالاستثناء ، قُبِل منه مع اليمين ـ وهو أحد وجهي
الشافعيّة ـ لاحتماله.
والثاني : لا
يُقبل ؛ للتهمة ، وندرة هذا الاتّفاق .
ولو قال : غصبتهم
إلاّ واحداً ، فماتوا إلاّ واحداً ، فقال : هو المستثنى ، قُبِل إجماعاً ؛ لأنّ
أثر الإقرار يبقى في الضمان. وكذا لو قُتلوا في الصورة الأُولى إلاّ واحداً ؛ لأنّ
حقّه يثبت في القيمة.
ولو قال : هذه
الدار لفلان وهذا البيت منها لي ، أو : له هذا الخاتم وفصّه لي ، قُبِل ؛ لأنّه
إخراج بعض ما يتناوله اللفظ ، فكان كالاستثناء.
تنبيه : لو قال : له ثلاثة ودرهمان إلاّ درهمين ، صح ، وحُمل على
الاستثناء من الجملة الأُولى ؛ لامتناع رجوعه إلى الثانية ؛ لأنّها مستوعبة ، أو
على رجوعه إلى مجموعهما .
ولو قال : له
درهمان ودرهمان إلاّ درهمين ، فالأقرب : الصحّة ،
__________________
ويكون عائداً إلى مجموع
الجملتين ؛ لأنّ الاستثناء إنّما يرجع إلى الجملة الأخيرة لو لم توجد قرينة الرجوع
إلى الجميع.
آخَر : لو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ درهم ، بالرفع ، لزمه
العشرة ، وتكون « إلاّ » هنا قائمةً مقام « غير » وتكون وصفاً.
ولو قال : ما له
عندي عشرة إلاّ درهم ، فهو إقرار بدرهم.
ولو نصب ، لم يكن
مُقرّاً بشيء.
نكتة : أدوات الاستثناء حكمها حكم « إلاّ » فإذا قال : له عندي
عشرة سوى درهم ، أو : ليس درهماً ، أو : خلا ، أو : عدا ، أو : ما خلا ، أو : ما
عدا ، أو : لا يكون ، أو : غير درهم ، بالنصب ، فهو إقرار بتسعة.
ولو رفع في الأخير ،
فهو وصف إن كان عارفاً ، وإلاّ لزمه تسعة.
البحث
الثاني : فيما عدا الاستثناء.
وفيه مطالب :
الأوّل : فيما يقتضي رفع المُقرّ به.
مسألة
٩٦٣ : إذا قال : لفلان
علَيَّ ألف من ثمن خمر ، أو خنزير ، أو كلب ، فإن فصل بين الإقرار ـ وهو قوله :
علَيَّ ألف ـ وبين الرافع ـ وهو قوله : من ثمن خمر ، أو خنزير ـ بسكوتٍ أو كلامٍ
آخَر ، لم يُسمع منه ، ولزمه الألف إجماعاً ؛ لأنّ وصفه بذلك رجوع عن الإقرار.
وإن كان موصولاً
بحيث لم يقع بين الإقرار ورافعه سكوتٌ ولا كلامٌ ، لم يُقبل أيضاً
، ولزمه الألف ؛ لما فيه من الرجوع والتناقض ، وهو
__________________
أحد قولَي
الشافعيّة ؛ لأنّه وصل بإقراره ما يرفعه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : علَيَّ ألف لا
تلزمني ، أو فصل قوله : « من ثمن خمرٍ » عن الإقرار ، وبه قال أبو حنيفة .
والثاني للشافعيّة
: إنّه يُقبل ـ وبه قال المزني ـ ولا يلزمه شيء ؛ لأنّ الجميع كلامٌ واحد ،
والكلام يُعتبر بآخره ولا يُبعّض ، ولأنّ الإقرار إخبار عمّا جرى ، وهذه المعاملات
على فسادها جارية بين الناس ، فعلى هذا للمُقرّ له تحليف المُقرّ أنّه كان من ثمن
خمر أو خنزير .
وليس بجيّدٍ ؛
لأنّا نمنع وحدة الكلام.
سلّمنا ، لكن
إنّما يتمّ بآخره لو لم يناقض أوّله ، أمّا إذا تناقضا فإنّه يُحكم بما عليه ، لا
له.
وعلى ما اخترناه
لو قال المُقرّ : كان ذلك من ثمن خمر وظننته لازماً لي ، فله تحليف المُقرّ له على
نفيه.
مسألة
٩٦٤ : إذا وصل إقراره
بما ينتظم لفظه عادةً لكنّه يبطل حكمه شرعا ، كما إذا أضاف المُقرّ به إلى بيعٍ
فاسد ، كالبيع بأجلٍ مجهول أو خيارٍ مجهول ، أو قال : تكفّلت ببدن فلان بشرط
الخيار ، وقلنا : ثبوت الخيار في الكفالة يقتضي بطلانها ، أو قال : ضمنت لفلان كذا
بشرط الخيار ، وأبطلناه به ، وما أشبه ذلك ، فالوجه : بطلان الإضافة ، وصحّة
الإقرار والحكم به ،
__________________
فإذا قال : له
علَيَّ ألف درهم من ثمن مبيعٍ مجهول ، أو بأجلٍ مجهول ، أو بخيارٍ مجهول ، لم
يُقبل منه ، ولزمه الألف في الحال.
وللشافعي قولان .
ولأصحابه مأخذان
في هذا الخلاف :
أحدهما : بناؤه
على القولين في تبعيض الشهادة إذا شهد لشريكه ولأجنبيٍّ.
وقيل : إنّه غير
مشابهٍ للمتنازَع ؛ لأنّ الشهادة للأجنبيّ والشهادة للشريك أمران لا تعلّق لأحدهما
بالآخَر ، وإنّما قرن الشاهد بينهما لفظاً ، والخلاف فيها شبه الخلاف في تفريق
الصفقة ، وأمّا هاهنا فالمذكور أوّلاً مسند إلى المذكور آخِراً ، وأنّه فاسد في
نفسه مُفسدٌ للأوّل ، ولهذا لو قدّم ذكر الخمر فقال : لفلانٍ من ثمن الخمر علَيَّ
ألف ، لم يلزمه شيء بحال ، وفي الشهادة لا فرق بين أن يقدّم ذكر الشريك أو
الأجنبيّ.
ثمّ هَبْ أنّهما
متقاربان ، لكن ليس بناء الخلاف في الإقرار على الخلاف في الشهادة بأولى من العكس.
والثاني : إنّه
يجوز بناء هذا الخلاف على الخلاف في حدّ المدّعي والمدّعى عليه ، إن قلنا :
المدّعي مَنْ لو سكت تُرك ، فهاهنا لو سكت عن قوله : « من ثمن خمرٍ » لتُرك ، فهو
بإضافته إلى الخمر مُدّعٍ ، فلا يُقبل قوله ، ويحلف المُقرّ له. وإن قلنا :
المدّعي مَنْ يدّعي أمراً باطناً ، قُبِل قول المُقرّ ؛ لأنّ الظاهر معه ، وهو
براءة الذمّة ، والمُقرّ له هو الذي يدّعي أمراً باطناً ،
__________________
وهو زوال أصل
البراءة .
وقيل : لو صحّ هذا
البناء ، لما افترق الحال بين أن يضيفه إلى الخمر موصولاً أو مفصولاً ، ولوجب أن
يخرج التعقيب بالاستثناء على هذا الخلاف .
قال الجويني بعد
ذكر القولين : كنتُ أودّ لو فُصّل بين أن يكون المُقرّ جاهلاً بأنّ ثمن الخمر لا
يلزم ، وبين أن يكون عالماً ، فيعذر الجاهل دون العالم ، لكن لم يصر إليه أحد من
الشافعيّة .
إذا ثبت هذا ، فلو
أقرّ بالكفالة بشرط الخيار وأنكر المكفول له شرط الخيار ، قُدّم قول المُقرّ له
عندنا ، وبه قال أبو حنيفة .
وللشافعي قولان تقدّما .
وكذا يجري القولان
في كلّ مَنْ وصل إقراره بما يرفعه ، لا من الوجه الذي أثبته ، مثل أن يقول : له
علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ أو مبيعٍ هلك قبل قبضه ، أو يقول : قبّضتها ؛
لأنّه وصل إقراره بما يرفعه ، فلم يُقبل منه ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إلاّ
ألفاً.
مسألة
٩٦٥ : إذا قال : له
علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه إذا سلّمه
__________________
سلّمتُ الألف ،
قال الشيخ ; : إن وصل الكلام ، كان القولُ قولَه مع اليمين وإن أنكر
المُقرّ له وقال : بل هي دَيْن ، أو قال : قبضتَه.
وللشافعيّة طريقان
:
أحدهما : قبول
قوله : « من ثمن عبدٍ لم أقبضه » على القولين السابقين ، ففي قولٍ يُقبل ولا
يُطالب بالألف إلاّ بعد تسليم العبد. وفي قولٍ يؤخذ بأوّل الإقرار ، ولا يُحكم
بثبوت الألف ثمناً.
والأصحّ عندهم :
القطع بالقبول وثبوته ثمناً ، ويفارق صُور القولين ؛ فإنّ المذكور فيها أخيراً
يرفع المُقرّ به ، وهنا بخلافه .
واعلم أنّ الشيخ ; قسّم هذه المسألة على ثلاثة أنحاء :
أ
: أن يقول : له
علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ لم أقبضه ، متّصلاً بعض الكلام ببعضٍ ، وهذا يُقبل قوله ،
وهو أحد قولَي الشافعي ، وقد تقدّم ، ويكون القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه.
ولا فرق بين أن
يعيّن المبيع بأن يقول : له علَيَّ ألف من ثمن هذا العبد ولم أقبضه ، أو لم يعيّنه
، وبه قال أبو يوسف ومحمّد .
وقال أبو حنيفة :
إن عيّن المبيع قُبل منه ، سواء وصل بإقراره أو فصل ، وإن أطلق لم يُقبل منه ؛
لأنّه إذا أطلق فقد وصل إقراره بما يبطله ؛
__________________
لأنّه مبيع مجهول
، والمجهول لا يلزم فيه الثمن ، كما لو قال : من ثمن خمرٍ أو خنزير .
واحتجّ الآخَرون :
بأنّه أقرّ بحقٍّ عليه في مقابلة حقٍّ له لا ينفكّ أحدهما عن الآخَر ، فإذا لم
يثبت ما له لم يثبت ما عليه ، كما لو عيّن المبيع .
وقول أبي حنيفة
ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ إطلاق الإقرار لا يوجب كونه مطلقاً في البيع.
وأمّا إذا قال :
من ثمن خنزيرٍ ، ففيه قولان.
وإن سلّمنا ، فإنّ
بيع الخنزير لا يصحّ بكلّ حال ، وهذا المبيع يجوز أن يكون معلوماً حال العقد.
والوجه عندي : عدم
القبول مطلقاً.
ب
: أن يقول : له عندي
ألف ، ثمّ يسكت ، ثمّ قال بعد ذلك : من ثمن مبيعٍ لم أقبضه ، فإنّه لا يُقبل قوله
، ويُقدّم قول المُقرّ له مع يمينه ، فإذا حلف على أنّه ليس على ما ذكر ، استحقّ
الألف ؛ لأنّه فسّر إقراره بما يُسقط وجوب تسليمه منفصلاً عنه ، فلم يُقبل ، كما
لو قال : قبّضتُها ، وبه قال الشافعي .
ج
: إذا قال : لفلانٍ
علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ ، ثمّ سكت ، ثمّ قال بعد
__________________
ذلك : لم أقبضه ،
قُبل قوله عنده ; ـ وبه قال الشافعي ـ فإن خالفه المُقرّ له ، كان القولُ قولَ المُقرّ مع
يمينه ؛ لأنّ إقراره تعلّق بالمبيع ، والأصل عدم القبض ، فقُبل قوله فيه.
والأقوى عندي :
عدم القبول.
مسألة
٩٦٦ : لو قال : له
علَيَّ ألف لا تلزمني ، أو : علَيَّ ألف ، أو لا ، لزمه ؛ لأنّ هذا الكلام غير
منتظمٍ ، فلا يبطل به الإقرار.
ويحتمل القبول بأن
يكون عليه ثمن مبيعٍ غير لازمٍ ، أو من هبةٍ له الرجوعُ فيها.
ولو قال : له
علَيَّ ألف قضيتُه ، لزمته الألف ، ولم تُقبل دعواه في الإقباض.
وللشافعيّة فيه
طريقان :
أحدهما : القطع
بلزوم الألف ؛ لقرب اللفظ من عدم الانتظام ، فإنّ ما قضاه لا يكون عليه ـ وهو الذي
اخترناه نحن ـ بخلاف قوله : من ثمن خمرٍ ؛ لأنّه ربما يظنّ لزومه.
والطريق الثاني :
إنّه على القولين ؛ لأنّ مثله يطلق في العرف ، والتقدير : كان له علَيَّ ألف
فقضيتُه .
وكذا يجري
الطريقان فيما إذا قال : لفلانٍ علَيَّ ألف أبرأني عنه .
__________________
ولو ادّعى عليه
ألفاً فقال : قد قضيتُه ، فالمشهور : أنّه إقرار.
وجَعَله بعض
الشافعيّة بمنزلة ما لو قال : علَيَّ ألف قضيتُه .
تذنيب
: لو قال : كان له علَيَّ ألف ، فالأقرب : اللزوم ، ويحتاج
في البراءة إلى البيّنة.
وقيل : لا يُسمع
هذا كما لا تُسمع الشهادة به .
والإقرار بالإقرار
إقرار.
مسألة
٩٦٧ : لو قال : لفلان
علَيَّ ألف إن شاء الله ، احتُمل بطلان الإقرار ؛ لأنّه تعلّق على المشيئة ،
وتعليق الإقرار باطل ؛ لأنّه إخبار عن حقٍّ سابق ولم يجزم به ، وعلّق إقراره على
مشيئة الله تعالى ، وهي خفيّة عنّا ، ولأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ، فيكون
المخبر عنه واقعاً ، والواقع لا يعلّق على متجدّدٍ ولا على غيره.
وقيل : إنّه بمنزلة قوله : له
علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ ؛ لأنّه لو اقتصر على أوّل الكلام لكان إقراراً جازماً .
والأقرب : الأوّل
؛ لأنّ تعليق السابق لا ينتظم ، فلا يُقبل تعليقه ، ويلزمه ما أقرّ به ، وبه قال
أحمد ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة .
__________________
ولو قال : علَيَّ
ألف إن شئتَ ، أو : إن شاء فلان ، احتُمل بطلان الإقرار ؛ لتعلّقه على الشرط.
وقال الجويني :
إنّه مُخرَّج على القولين ؛ لأنّه نفى بآخر كلامه مقتضى أوّله ، بخلاف قوله : إن
شاء الله ، فإنّه يجري في الكلام للتردّد تارةً وللتبرّك أُخرى ، بخلاف التعليق
بمشيئة غيره .
ووجّه بعضُ
الشافعيّة البطلانَ في قوله : « إن شاء الله ، أو : إن شاء زيد » : بأنّ مثل هذا
الكلام قد يطلق للالتزام في المستقبل ، ولهذا يقال : لك علَيَّ كذا إن رددتَ عبدي
الآبق ، أو : جملي الشارد ، ويكون ذلك التزاماً في المستقبل .
وكذا لو قال : لك
علَيَّ ألف إن جاء زيد ، أو : قدم الحاج. وكذا لو قال : لك علَيَّ ألف إن شهد لك
بذلك شاهدان ؛ لأنّ ذلك كلّه معلّق بشرطٍ.
وكذا لو قال : إن
شهد شاهدان بألف فهي علَيَّ ، لم يكن إقراراً.
ولو قال : إن شهد
شاهدان فهُما صادقان ، كان إقراراً ، وقد سلف .
ولو قال : لك
علَيَّ ألف إن قبلتَ إقراري ، لم يكن إقراراً ؛ لتعلّقه على الشرط ، بخلاف ما لو
قال : هذا لك بألف إن قبلتَ ، فإنّه يكون إيجاباً.
والفرق : إنّ
الإيجاب يقع متعلّقاً بالقبول حتى إذا لم يقبل جواباً بطل الإيجاب ، فيصحّ تعليقه
، فأمّا الإقرار فلا يتعلّق بالقبول ؛ لأنّه إقرار عن حقٍّ سابق.
لا
يقال : أليس المُقرّ له
إذا لم يقبل الإقرار بطل؟
__________________
لأنّا
نقول : إنّما يبطل إذا
كذّبه أو ردّه ، فأمّا إذا سكت فالإقرار صحيح غير مفتقرٍ إلى القبول ، بل لو كذّب
الإقرار أو ردّه لم يكن باطلاً في نفسه ، بل لا يتعلّق به حكم ظاهراً.
هذا إن جوّزنا
تعليق الإيجاب بمثل هذا الشرط ، كما هو مذهب بعض الشافعيّة .
مسألة
٩٦٨ : لو قال : له
علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر ، أو : إذا قدم فلان ، قال بعض الناس : إنّه لا يكون
إقرارا ؛ لأنّ الشرط لا أثر له في إيجاب المال ، والواقع لا يعلَّق بشرطٍ .
وقال الجويني :
إنّه على القولين ؛ لأنّ صدر الكلام صيغة التزامٍ ، والتعليق يرفع حكمها .
والوجه عندي :
إنّه يرجع إلى استفساره ، فإن قصد تعليق الإقرار بالشرط بطل إقراره ، وإن قصد
التأجيل صحّ إقراره ؛ لاحتمال الصيغة لهذين ، ويُسمع كلامه مع اليمين لو أنكر
المُقرّ له.
هذا إذا قدّم
الإقرار وأخّر التعليق ، ولو عكس فقال : إذا جاء رأس الشهر ، أو : إن جاء [ فلان ]
فعلَيَّ ألف ، لم يلزمه شيء ؛ لأنّه لم تُوجد صيغة التزامٍ جازمة.
نعم ، لو قال :
أردتُ به التأجيل برأس الشهر ، قُبل.
__________________
وقال بعض
الشافعيّة : مطلقه يُحمل على التأجيل برأس الشهر .
واعلم
: أنّ المشهور بين
الشافعيّة أنّه إذا قال : له علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر ، إنّه يكون إقراراً ،
ولو قدّم الشرط فقال : إذا جاء رأس الشهر فله علَيَّ ألف ، لم يكن إقراراً.
والفرق : إنّه إذا
قال : له علَيَّ ألف ، فقد أقرّ بالألف ، فإذا قال : إذا جاء رأس الشهر ، احتُمل
أن يكون أراد محلّها ووجوب تسليمها ، وإذا احتُمل ذلك لم يبطل الإقرار ، فأمّا إذا
قال : إذا جاء رأس الشهر ، فبدأ بالشرط ، فإنّه لم يُقرّ بالحقّ ، وإنّما علّقه
بالشرط ، فلم يكن إقراراً .
والحقّ أنّه لا
فرق بين تقدّم الشرط وتأخّره ؛ لأنّ الشرط وإن تأخّر لفظاً فإنّه مقدَّم معنىً وله
صدر الكلام.
واعترض بعض
الشافعيّة على قول الفارق بين قوله : « له علَيَّ ألف من ثمن خمر » وبين قوله : «
له علَيّ ألف إن جاء رأس الشهر » بأنّ كلّ واحدٍ منهما قد عقّب إقراره بما يرفعه ،
فلِمَ كان التعقيب الأوّل باطلاً والثاني صحيحاً؟.
وأُجيب : بأنّه
يمكن أن يقال : دخول الشرط على الجملة يُصيّر الجملة جزءاً من الجملة الشرطيّة ،
والجملة إذا صارت جزءاً من جملةٍ أُخرى تغيّر معناها ، وقوله : « من ثمن خمر » لا
يغيّر معنى صدر الكلام ، وإنّما هو بيان جهته ، فلا يلزم من أن لا يبعّض الإقرار
عند التعليق ـ بل يلغى ؛ تحرّزاً من اتّخاذ جزء الجملة جملةً برأسها ـ أن لا يبعّض
في
__________________
الصورة الأُخرى .
مسألة
٩٦٩ : لو قال : له
علَيَّ ألف مؤجَّل إلى سنةٍ ، فإن ذكر الأجل مفصولاً بكلامٍ غريب أو سكوت ، لم
يُقبل التأجيل ، ويثبت الدَّيْن في الحال.
وإن ذكره موصولاً
بغير فصلٍ بسكوتٍ ولا كلامٍ البتّة ، فالأقرب عندي : قبول قوله ، كما لو قال : له
علَيَّ ألف طبريّة أو موصليّة ، فإنّه يُقبل تفسيره وإن اشتمل على عيبٍ في المُقرّ
به ، كذا هنا ، ولأنّه ربما يكون الحقّ في ذمّته مؤجَّلاً ولا شاهد له بالتأجيل ،
فلو مُنع من الإخبار به ولم يُصدَّق به ، تعذّر عليه الإقرار بالحقّ وعدم تخليص
ذمّته بالإشهاد ، فوجب أن يُسمع كلامه توصّلاً إلى تحصيل هذه المصلحة.
وللشافعيّة طريقان
كالطريقين فيما إذا قال : له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه ، أو : علَيَّ ألف
قضيتُها.
والظاهر عندهم : القبول
ـ وبه قال أحمد بن حنبل ـ لأنّ هذا لا يُسقط الإقرار ، وإنّما وصفه بصفةٍ دون
صفةٍ.
ولهم قولٌ آخَر :
إنّه لا يُقبل ؛ لأنّه وصل إقراره بما يسقط عنه المطالبة به ، فأشبه ما إذا قال :
قضيتُها .
وقد تقدّم الفرق.
وقال أبو حنيفة :
إنّه يكون مدّعياً للأجل ، فالقول فيه قول المُقرّ له مع
__________________
يمينه ؛ لأنّه
أقرّ لغيره بحقٍّ وادّعى فيه حقّاً لنفسه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : هذه الدار
لزيدٍ ولي سكناها سنة . وعليه أكثر علمائنا .
وفيه نظر ؛ لأنّ
الدَّيْن المؤجَّل أحد نوعي الدَّيْن ، فوجب أن يثبت بالإقرار كالحالّ ، بخلاف ما
قالوه ؛ لأنّه هناك أقرّ له بالملك وادّعى عليه عقداً مستأنفاً ، وفي صورة النزاع
أقرَّ بدَيْنٍ على صفةٍ ، فقُبل منه ، كما لو قال : من نقدٍ رديء.
وهذا الخلاف إنّما
هو فيما إذا كان الدَّيْن المُقرّ به مطلقاً أو مستنداً إلى سببٍ ، وهو بحيث
يتعجّل ويتأجّل ، أمّا إذا أسنده إلى جهةٍ لا تقبل التأجيل ، كما إذا قال : له
علَيَّ ألف أقرضنيها مؤجَّلةً ، لغا ذكر الأجل إجماعاً.
وإن أسنده إلى
جهةٍ يلازمها التأجيل ، كالدية على العاقلة ، فإن ذكر ذلك في صدر إقراره بأن قال :
قَتَل عمّي فلاناً خطأً ولزمني من دية ذلك القتل كذا مؤجَّلاً إلى سنةٍ انتهاؤها
كذا ، فهو مقبول لا محالة.
ولو قال : علَيَّ
كذا من جهة تحمّل العقل مؤجَّلاً إلى وقت كذا ، فللشافعيّة طريقان :
أحدهما : القطع
بالقبول ؛ لأنّه كذلك يثبت.
والثاني : إنّه
على القولين.
والثاني عندهم
أظهر ؛ لأنّ أوّل كلامه ملزم لو اقتصر عليه ، وهو في الإسناد إلى تلك الجهة مُدّعٍ
، كما في التأجيل .
__________________
تذنيبان
:
أ
: لو قال : بعتك
أمس كذا فلم تقبل ، فقال : بل قبلتُ ، قُدّم قول مدّعي القبول ، على إشكالٍ.
وللشافعيّة قولا
تبعيض الإقرار ، إن بعّضوه فهو مصدَّق بيمينه في قوله : قبلتُ .
وكذا الحكم فيما
إذا قال لعبده : أعتقتك على ألف فلم تقبل ، أو قال لامرأته : خلعتك على ألف فلم
تقبلي ، وقال العبد : قبلتُ. وقالت المرأة : قبلتُ.
ب
: لو قال : إنّي
أُقرّ الآن بما ليس علَيَّ لفلان علَيَّ ألف ، أو قال : ما طلّقت امرأتي ولكنّي
أُقرّ بطلاقها فأقول : طلّقتُها ، فالأقرب : عدم نفوذ إقراره ، والحكم ببطلانه.
وللشافعيّة قولان
:
أحدهما : كما
قلناه.
والثاني : إنّه
كما لو قال : علَيَّ ألف لا تلزمني .
المطلب الثاني : في تعقيب الإقرار بالإيداع.
مسألة
٩٧٠ : إذا قال : لفلان
علَيَّ ألف درهم وديعة ، ولم يفصل بين كلامه ، فالأولى القبول ، وبه قال الشافعي .
__________________
فإن أنكر المُقرّ
له ، كان القولُ قولَ المُقرّ مع يمينه ؛ لأنّه أقرّ بما يمكن ، ولا تناقض في
قولَيْه ، فكان مسموعاً منه.
وقال أبو حنيفة
وأحمد : القول قول المُقرّ له ، ويكون للمُقرّ له أن يطالبه بالألف التي أقرّ
؛ لأنّ « علَيَّ » للإيجاب ، وذلك يقتضي كونها في ذمّته ، ولهذا لو قال : ما على
فلان علَيَّ ، كان ضامناً ، والوديعة ليست واجبةً عليه ، فلم يُقبل تفسيره بها .
ونحن نمنع من عدم
وجوب الوديعة ، فإنّه يجب عليه ردّها وحفظها ، وذلك واجب عليه ، فإذا قال : «
علَيَّ » وفسّر بها ، احتمل قوله ذلك فقُبِل منه ؛ لأنّه يجوز أن يريد بكلمة «
علَيَّ » الإخبار عن هذا الواجب ، ويحتمل أنّه تعدّى فيها حتى صارت مضمونةً عليه ،
فلذلك قال : « علَيَّ » وقد تُستعمل « علَيَّ » بمعنى « عندي » كقوله تعالى : ( وَلَهُمْ
عَلَيَّ ذَنْبٌ ) وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعضٍ ، فيجوز أن تُستعمل «
علَيَّ » بمعنى « عندي ».
وقال أبو إسحاق من
الشافعيّة : إنّ المسألة على قولين عند الشافعي ، كما لو قال : له علَيَّ ألف
قضيتُه .
مسألة
٩٧١ : لو فصل بين
كلاميه ، فقال : له علَيَّ ألف ، ثمّ سكت ثمّ جاء بألف بعد إقراره وقال : أردتُ هذا
وهو وديعة عندي ، وقال المُقرّ له : هو وديعة ولي عليك ألف آخَر دَيْن وهو الذي
أردتَه بإقرارك ، فالأقوى
__________________
عندي : إنّ القول
قول المُقرّ مع يمينه ـ وهو أصحّ قولَي الشافعي ـ لما تقدّم من
أنّ الوديعة يجب حفظها والتخلية بينها وبين المالك ، فلعلّه أراد بكلمة « علَيَّ »
الإخبار عن هذا الواجب ، أو أنّه تعدّى فيها فصارت مضمونةً عليه ، فلذلك قال : «
علَيَّ » أو أراد : عندي ، على ما تقدّم.
والثاني له : إنّ
القول قول المُقرّ له ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد ـ فما أتى به وديعة ، وعليه ألف
آخَر ؛ لأنّ كلمة « علَيَّ » تقتضي الثبوت في الذمّة .
وحكى الجويني
طريقةً قاطعة بالقول الأوّل .
لكنّ المشهور
إثبات القولين ، وترجيح الأوّل .
ولو كان قد قال :
له علَيَّ ألف في ذمّتي ، أو : له ألف علَيَّ دَيْناً ، وفسّر كما تقدّم ، فإن لم
نقبل تفسيره في السابق ، فهنا عدم القبول أولى.
وإن قبلنا هناك ،
فللشافعيّة وجهان :
أحدهما : يُقبل ؛
لجواز أن يريد : له ألف في ذمّتي إن تلفت الوديعة ؛ لأنّي تعدّيتُ فيها.
وأصحّهما عندهم :
إنّه لا يُقبل ، والقول قول المُقرّ له مع يمينه ؛ لأنّ العين لا تثبت في الذمّة ،
وكذا الوديعة لا تثبت في الذمّة. ويفارق ما إذا قال : له علَيَّ ألف ، ثمّ فسّرها
بالوديعة ؛ لأنّه لم يصرّح بالمحلّ ، واحتُمل أن
__________________
يكون المراد وجوب
الحفظ والردّ ، وهنا صرّح بالذمّة .
إذا عرفت هذا ،
فإذا قبلنا منه التفسير بالوديعة فيما إذا قال : له علَيَّ ألف ، ثمّ جاء بألف
وقال : هو وديعة عندي ، فإنّه لا يُقبل قوله في سقوط الضمان لو ادّعى التلف ؛ لأنّ
الألف مضمون عليه وليس بأمانةٍ ؛ لأنّ قوله : « علَيَّ » يتضمّن الإلزام.
فلو ادّعى تلف
الألف التي زعم [ أنّها ] وديعة ، لم يسقط الضمان عنه ، ولو ادّعى ردّه لم يُصدَّق ؛
لأنّه ضامن ، وإنّما يُصدَّق المؤتمن.
فخلص من هذا أنّه
لا يُصدّق في دعوى تلفه بعد الإقرار أو ردّه.
وأُشكل عليه :
بأنّ كلمة « علَيَّ » كما يجوز أن يريد بها صيرورتها مضمونةً عليه ؛ لتعدّيه ،
يجوز أن يريد بها وجوب الحفظ والتخلية ، ويجوز أن يريد بها : عندي ، كما سبق.
وهذان المعنيان لا ينافيان الأمانة ، مع أنّ النقل عن الشافعي أنّه إن ادّعى أنّه
تلف أو ردّه قبل الإقرار ، لم يُصدَّق ؛ لأنّ التالف والمردود لا يكون عليه بمعنى
من المعاني ، وإن ادّعى أنّه تلف بعد الإقرار صُدّق .
مسألة
٩٧٢ : لو قال : له عندي
ألف درهم وديعة دَيْناً ، أو : ألف درهم مضاربة دَيْنا ، فالذي يحتمل ذلك أن تكون
الوديعة مضمونةً عليه بأن تعدّى فيها ، وكذا مال المضاربة ، فإن فسّر بذلك قُبِل
منه ، وإن قال : أردتُ أنّه شرط علَيَّ ضمانها لم يُقبل ؛ لأنّها لا تكون دَيْناً
بذلك.
__________________
فإن قال : عندي
ألف وديعة شرط علَيَّ ضمانها ، كانت وديعةً ، ولم تكن مضمونةً بالشرط ؛ لأنّ ما
أصله الأمانة لا يصير بالشرط مضموناً ، وكذا ما أصله الضمان لا يصير بالشرط أمانةً
، ألا ترى أنّه لو دفع مالاً على وجه المساومة وشرط أن يكون أمانةً ، لم يصر بذلك
أمانةً.
ولو قال : لفلان
علَيَّ ألف درهم في ذمّتي ، فجاءه بألف فقال : الألف التي أقررتُ بها كانت وديعةً
وتلفت وهذه بدلها ، قُبِل ذلك ؛ لأنّه يجوز أن يكون بتعدٍّ منه أو تفريطٍ ، فيكون
بدلها في ذمّته.
ولو جاء بألف فقال
: الألف التي أقررتُ بها هذه وهي وديعة لك ، فللشافعيّة وجهان على ما تقدّم .
ولو قال : لك
علَيَّ ألف ، ثمّ قال : كانت وديعةً وكانت تلفت قبل إقراري وكنت أظنّ أنّها باقية
، لم يُقبل منه ؛ لأنّه كذّب بهذا إقراره ، فلم يُقبل منه.
فإن قال : ما
أقررتُ به كان وديعةً وتلفت بعد إقراري ، قُبِل منه.
ولو قال : له
علَيَّ ألف درهم وديعة ، وفسّر إقراره بوديعةٍ موجودة ، قُبِل.
وكذا إذا قال :
أقررتُ بوديعةٍ وقد هلكت بعد إقراري ، فالقول قوله مع اليمين. وإن قال : كانت هالكةً
حين أقررتُ ، لم يُقبل منه ؛ لأنّ الوديعة الهالكة لا تكون عليه ، فيكون قد أكذب
إقراره ، إلاّ أن تكون هلكت بتعدٍّ أو تفريطٍ ، فيكون إقراره صحيحاً.
__________________
وأمّا إذا وصل
إقراره فقال : علَيَّ ، أو : عندي ألف وديعة هلكت ، فللشافعيّة قولان ، كما في قوله :
علَيَّ ألف قضيتُها.
ولو فصل فقال : له
علَيَّ ألف ، وسكت ، ثمّ قال مفصولاً : وديعة هلكت ، لم يُقبل قولاً واحداً ؛
لأنّه فسّر إقراره بما يرفعه منفصلاً.
مسألة
٩٧٣ : لو قال : لفلان
علَيَّ ألف وديعة ، قُبِل على ما تقدّم من الخلاف.
فعلى القبول لو
جاء بألف وقال : هذا هو ، قنع به.
وإن لم يأت بشيء
وادّعى التلف أو الردّ ، ففي القبول للشافعيّة وجهان مبنيّان على تأويل كلمة «
علَيَّ » إن حملناها على وجوب الحفظ قُبِل ، وهو الأصحّ عندهم. وإن حملناها على
صيرورته مضموناً عليه فلا .
ولو قال : معي ،
أو : عندي ألف ، فهو محتمل للأمانة ، فيُصدَّق في قوله : إنّه كان وديعةً ، وفي
دعوى التلف والردّ.
ولو قال : له عندي
ألف درهم مضاربة دَيْناً ، أو وديعة دَيْناً ، فهو مضمون عليه ، ولا يُقبل قوله في
دعوى الردّ والتلف على ما تقدّم.
هذا إذا فسّر
منفصلاً ، وإن فسّره متّصلاً ، ففيه للشافعيّة قولا تبعيض الإقرار .
مسألة
٩٧٤ : يجوز عندنا إعارة
الدراهم والدنانير ؛ لأنّه قد يمكن الانتفاع بها وردّ عينها إن كان يتجمّل بها.
__________________
وللشافعي قولان :
أحدهما : هذا.
والثاني : المنع ؛
لأنّه لا ينتفع بها مع بقاء عينها انتفاعاً مقصوداً .
وقد وافقنا على
أنّها مضمونة .
أمّا عندنا :
فلأنّ العارية وإن لم تكن مضمونةً لكن لنا نظر في ضمان عارية الدراهم والدنانير ،
وكان الأصل فيه أنّ الانتفاع التامّ بها إنّما يكون بإتلافها ، فلهذا وقعت العارية
فيه مضمونةً.
وأمّا عند الشافعي
: فلأنّ العارية مطلقاً مضمونة .
فعلى كلا
التقديرين ـ أعني تقدير صحّة العارية فيها وفسادها ـ تكون مضمونةً ؛ لأنّ حكم
الضمان يستوي فيه الصحيح والفاسد من العقود ، فإذا كان صحيح العقد يقتضي الضمان ،
كان فاسده كذلك ، وإن لم يقتضِ فلا.
إذا عرفت هذا ،
فإذا أقرّ بألف عارية ، كان الألف مضمونةً عليه.
مسألة
٩٧٥ : لو قال : دفع
إلَيَّ ألفاً ، ثمّ فسّره بوديعةٍ ، وزعم تلفها في يده ، صُدّق بيمينه ؛ لأنّ
الدفع لا يستلزم الثبوت في الذمّة ، فقُبل تفسيره بالوديعة وبالتلف.
__________________
ولو قال : أخذتُ
منه ألفاً وديعة ، فكذلك ـ وبه قال الشافعي ـ إذ لا فرق بين الدفع والأخذ.
وقال أبو حنيفة :
إذا قال : أخذتُ منه ألفاً ، ثمّ فسّره بوديعةٍ ، وقال المأخوذ منه : بل غصبتَه ،
فالقول قول المُقرّ له ؛ لأنّ الأخذ منه قد لا يكون برضاه ، والدفع قد يكون برضاه . وبه قال بعض
الشافعيّة .
ولو ذكره على
الاتّصال فقال : أخذتُ من فلان ألفاً وديعة ، لم يُقبل عند أبي حنيفة .
وعلى قول بعض
الشافعيّة يجيء فيه الوجهان في تبعيض الإقرار .
ولو قال : أودعني
ألفاً فلم أقبضها ، أو : أقرضني ، أو : أعطاني فلم أقبض ، قُبِل قوله مع الاتّصال
، ولم يُقبَل مع الانفصال ، على إشكالٍ.
وكذا إذا قال :
نقدني ألفاً فلم أقبضها ، وبهذا قال الشافعي .
وقال أبو يوسف :
لا يُصدَّق ؛ لأنّ « نقدني » يُفهم منه القبض ، ولهذا يقولون : بِعْ بالنقد ،
ويريدون : بالقبض .
وهو غلط ؛ لأنّه
أضاف ذلك إلى المُقرّ له ، فصار بمنزلة قوله : أعطاني
__________________
وأقرضني.
المطلب الثالث : في تعقيب الإقرار بالعارية والهبة بعدم
القبض أو بعدم الفهم.
مسألة
٩٧٦ : إذا قال : لك هذه
الدار عارية ، فهو إقرار بالإعارة ، وله الرجوع فيها متى شاء ، وبه قال جماعة من الشافعيّة .
وقال بعضهم : قوله
: « هي لك » إقرار بالملك لو اقتصر [ عليه ] فذِكْرُ العارية بعده ينافيه ، فيكون على القولين في تبعيض
الإقرار .
وردّه قومٌ بأنّ
الإضافة باللام تقتضي الاختصاص بالملك أو غيره ، فإذا تُجرَّد وأمكن الحمل على
الملك ، يُحمل عليه ؛ لأنّه أظهر وجوه الاختصاص. وإن وصل بها ذِكْر وجهٍ آخَر من
الاختصاص ، أو لم يمكن الحمل على الملك ، كقولنا : « الجلّ للفرس » حُمل عليه .
ولو قال : « هذه
الدار لك هبة عاريةٍ » بإضافة الهبة إلى العارية ، أو : « هبة سكنى » فهو كما لو
قال : « لك عارية » بغير فرقٍ.
وإذا ثبت أنّها
عارية ، كان له الرجوع في العارية فيرجع في المستقبل ، فأمّا ما استوفاه من المنفعة فلا.
__________________
فإن
قيل : قوله : « هذه
الدار لك » إقرار بها ، فإذا قال : « هبة سكنى » كان رجوعاً عن إقراره بالدار.
قلنا
: إنّ قوله : « هذه
الدار لك » يكون إقراراً بها إذا سكت ، فإذا قال له : « لك سكناها » كان إقراراً
بالسكنى. ولأنّ سكنى الدار منافعها ، والمنافع منها ، فكأنّه استثنى أكثر الجملة ،
وهو جائز.
مسألة
٩٧٧ : الإقرار بالهبة
لا يتضمّن الإقرار بالقبض ؛ لتغايرهما ، وعدم التلازم بينهما ، وكون القبض شرطاً
في لزوم الهبة لا يوجب كونه شرطاً في تحقّق حقيقتها ، وكيف لا! والهبة متقدّمة على القبض ،
ولا يجوز اشتراط المتأخّر في المتقدّم ، وإلاّ دارَ ؛ لتقدّم الشرط على المشروط.
وهذا هو المشهور
أيضاً عند الشافعيّة .
وقال بعضهم : إذا
أقرّ بالهبة ثمّ قال : ما كنتُ أقبضتُه فلي الرجوع ، وقال الموهوب له : كنتُ
قبضتُها ، فالقول قول الواهب ؛ لأصالة عدم القبض ، والإقرار بالهبة لا يتضمّن
القبض .
ومن الشافعيّة
مَنْ قال : إنّ الشافعي قال : إذا كانت العين في يد الموهوب له ، كان القولُ قولَ
الموهوب له.
وهذا قاله على
القول الذي يقول : إنّه إذا وهب له شيئاً في يده لا يحتاج إلى الإذن في القبض ،
وإذا مضى زمان يمكن فيه القبض صار مقبوضاً .
__________________
ولو قال : وهبتُه
وخرجتُ منه إليه ، فقد تقدّم أنّ الظاهر أنّه ليس إقراراً بالقبض أيضاً.
وكذا لو قال :
وهبتُ منه ومَلَكها ، أو ملّكتُه ، لم يكن إقراراً بالقبض إن اعتقد رأي مالك ، وإلاّ كان
إقراراً به.
مسألة
٩٧٨ : لو أقرّ بالهبة
والقبض معاً ، فقال : وهبتُه وأقبضتُ ، أو : سلّمتُه منه ، أو : حازه منّي ، لزمه الإقرار ، وحُكم عليه بمقتضاه ، فإن عاد وأنكر القبض ، لم يُلتفت
إلى إنكاره ؛ لاشتماله على تكذيب نفسه ، سواء ذكر لإقراره تأويلاً ـ بأن يقول : كان
وكيلي أخبرني بأنّه أقبضه فأقررتُ به ولم يكن قد قبّض ـ أو لم يذكر.
ولو قال : إنّي
أقررتُ بالقبض ؛ لقضاء العادة بالإقرار بالشيء قبل تحقّقه فأحلفوه على أنّه قبضه ، كان له إحلافه
، وبه قال الشافعي .
وقال أبو إسحاق :
إن لم يكذّب نفسه ، أُحلف له ، بأن يقول : كان وكيلي أخبرني بأنّه كان قبّضه
فأقررتُ به .
والشافعي لم يفرّق
بين الحالين ؛ لأنّ العادة جرت أن يشهد قبل أن يقبض ليقبض بعد ذلك المقبوض منه.
وكذا قبض الثمن
والرهن والوقف.
وكذا لو أقرّ أنّه
اقترض منه ألفاً وقبضها ، ثمّ قال : ما كنتُ قبضتُ
__________________
وإنّما أقررتُ على
رسم الشهادة لأقبض ، كان على المُقرّ له اليمين ؛ لأنّ ذلك محتمل بحكم العادة.
ولو شهدت البيّنة
بالقبض ، ثمّ قال : احلفوه أنّي أقبضتُه ، لم تُسمع دعواه ؛ لأنّه طعن في البيّنة.
هذا إذا شهدت
البيّنة بمشاهدة القبض ، ولو شهدت بالإقرار به ، فهو كما تقدّم.
مسألة
٩٧٩ : لو أقرّ ببيعٍ أو
هبةٍ وقبْضٍ ، ثمّ قال : كان ذلك فاسداً وأقررتُ لظنّي الصحّة ، لم يُصدَّق ، لكن
له تحليف المُقرّ له ، فإن نكل حلف المُقرّ ، وحُكم ببطلان البيع والهبة.
ولو أقرّ بإتلاف
مالٍ على إنسانٍ وأشهد عليه ، ثمّ قال : كنتُ عازماً على الإتلاف فقدّمتُ الإشهاد
على الإتلاف ، لم يُقبل منه بحال ، بخلاف ما لو أشهد على نفسه بدَيْنٍ ، ثمّ قال :
كنتُ عازماً على أن أستقرض منه فقدّمتُ الإشهادَ على الاستقراض ؛ لأنّ هذا معتاد ،
وذلك غير معتاد.
والوجه عندي :
تساوي الصورتين ؛ لأنّه في الأُولى ادّعى دعوىً لو صدّقه المُقرّ له برئ ، فكان له
إحلافه ؛ لانتفاعه بالنكول.
مسألة
٩٨٠ : يصحّ الإقرار
بالعربيّة وغيرها من اللغات ؛ لأنّه إخبار ، فلا ينحصر طريقه في لغةٍ دون أُخرى ؛
لدلالة كلّ واحدٍ من اللغات على المعنى المراد ، فيصحّ إقرار كلّ أهل لغةٍ بلغتهم
وغير لغتهم إذا عرفوها صحيحةً.
فلو أقرّ أعجميّ
بالعربيّة أو بالعكس ، ثمّ قال : لم أفهم معناه لكن لُقّنتُ فتلقّنت ، صُدّق
باليمين إن كان ممّن يجوز عليه ذلك وممّن يخفى عليه.
وكذا البحث في
جميع العقود والإيقاعات.
ولو أقرّ ثمّ قال
: كنتُ يوم الإقرار صغيراً ، وهو محتمل ، صُدّق بيمينه ؛ إذ الأصل عدم الكبر.
وكذا لو قال :
كنتُ مجنوناً يوم الإقرار ، وقد عهد له جنون ؛ لأصالة البراءة ، والاستصحاب.
ولو قال : كنتُ
مُكرَهاً ، وهناك أمارة الإكراه من حبسٍ أو وكيل ، فكذلك. وإن لم تكن هناك أمارة ، لم يُقبل قوله.
والأمارة إنّما
تثبت بإقرار المُقرّ له أو بالبيّنة. وإنّما تؤثّر إذا كان الإقرار لمن ظهر منه
الحبس والتوكيل ، أمّا لو كان في حبس غيره أو وكيل غيره ، لم يقدح ذلك في الإقرار
للمُقرّ له.
ولو شهد الشهود
على إقراره وتعرّضوا لبلوغه وصحّة عقله واختياره ، فادّعى المُقرّ خلافَه ، لم
يُقبل ؛ لما فيه من تكذيب الشهود.
أمّا لو ادّعى
الإكراه وأقام به البيّنة وشهدت بيّنة المُقرّ له بالاختيار ، قُدّمت بيّنة
المُقرّ ؛ لأنّها تشهد بأمرٍ زائد ربما خفي عن بيّنة المُقرّ له.
مسألة
٩٨١ : إذا شهد الشهود
بإقرار رجلٍ ، سُمعت شهادتهم ، ولم تفتقر صحّة الشهادة إلى أن يقولوا : « في صحّةٍ
من عقله طائعاً غير مُكره حالة بلوغه وحُرّيّته ورشده » بل يُعوّل على الاكتفاء
بأنّ الظاهر وقوع الشهادة على الإقرار الصحيح.
فإن قالوا ذلك ،
كان تأكيداً ؛ لأنّ الظاهر سلامة العقل ، وعدم الإكراه ؛ لأنّه هو الأصل ، والظاهر
أيضاً من حال الشهود صحّة الشهادة ، فإنّهم
__________________
لا يشهدون على
زائل العقل ولا مُكره.
فإن ادّعى المشهود
عليه أنّه كان حين الإقرار زائلَ العقل ، فإن صدّقه المشهود له بطلت الشهادة ، وإن
كذّبه حلف المشهود له ؛ لأنّ الشهود ربما خفي عليهم باطن حاله ؛ لأنّهم يتحمّلون
الشهادة على الظاهر ، فلمّا أمكن صدق المدّعي حلف المشهود له.
ولو كان المُقرّ
مجهولَ الحُرّيّة ، لم يشترط تعرّض الشهود في شهادتهم إلى ذكر الحُرّيّة ، وبني
على أصالة الحُرّيّة ، وهو الظاهر من مذهب الشافعيّة .
ولهم قولٌ آخَر :
يشترط التعرّض للحُرّيّة ، وخرّجوا منه اشتراط التعرّض لسائر الشروط .
لكنّ المشهور
عندهم : الأوّل .
وكلّ ما يُكتب في
الوثائق ـ من أنّه أقرّ طوعاً في صحّةٍ من عقله وجواز أمره ـ ضربٌ من الاحتياط.
وقد بيّنّا أنّ
بيّنة الإكراه تُقدَّم على بيّنة الاختيار لو تعارضتا.
ولا تُقبل الشهادة
على الإكراه مطلقاً ، بل لا بدّ من التفصيل.
المطلب الرابع : في تعقيب الإقرار لواحدٍ بالإقرار لغيره.
مسألة
٩٨٢ : لو قال : غصبتُ
هذه الدار من زيدٍ وهي ملك عمرو ، سُلّمت إلى زيد ؛ لاعترافه له باليد ، والظاهر
كونه مُحقّاً فيها ؛ لأنّ قوله : « غصبتُها من زيدٍ » يقتضي أنّها كانت في يده
بحقٍّ. وقوله : « وملكها لعمرو »
__________________
لا ينافي ذلك ؛
لأنّه يجوز أن يكون في يده بإجارةٍ أو وصيّةٍ ، فإذا سلّمها إلى زيدٍ وادّعاها
عمرو ، كانت الخصومة بين زيدٍ وعمرو ، ولم تُقبل شهادة المُقرّ ؛ لأنّه غاصب ، فلا
تُقبل شهادته لعمرو.
إذا ثبت هذا ، فهل
يغرم المُقرّ لعمرو؟ للشافعيّة طريقان :
أحدهما : إنّه على
القولين [ فيما ] إذا قال : غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو.
وأصحّهما عندهم :
القطع بأنّه لا يغرم ؛ لأنّ الإقرارين هناك متنافيان ، والإقرار الأوّل مانع من
الحكم بالثاني ، وهنا لا منافاة ؛ لجواز أن يكون الملك لعمرو وقد يكون في يد زيدٍ
بإجارةٍ أو رهنٍ أو وصيّةٍ بالمنافع ، فيكون الأخذ منه غصباً منه .
ونقل بعض
الشافعيّة عن الشافعي قولاً واحداً ، وهو عدم الغرم ، بخلاف ما إذا قال : هذه
الدار لزيدٍ لا بل لعمرو ، حيث يغرم ؛ لأنّه أقرّ للثاني بما أقرّ به للأوّل ،
ويعارض إقراره ، وفي صورة النزاع لا منافاة بين إقراريه ، وليس الثاني
رجوعاً عن الأوّل ، فلم يلزمه ضمان به ، ويكون القولُ قولَ زيدٍ ؛ لأنّ له يداً
فيها .
ولو أخّر ذكر
الغصب فقال : هذه الدار ملكها لعمرو وغصبتُها من زيدٍ ، فللشافعيّة طريقان :
منهم مَنْ قال :
لا فرق بين أن يقدّم الغصب وبين أن يؤخّره ؛ لأنّهما
__________________
لا يتنافيان ،
فتُسلّم إلى زيدٍ ، ولا يغرم لعمرو.
ومنهم مَنْ قال :
إذا أقرّ بالملك لعمرو ، لم يُقبل إقراره باليد لزيدٍ ، ووجب تسليمه إلى عمرو.
وفي الغرم لزيدٍ
القولان .
قيل : إذا غرّمنا
المُقرّ ـ في الصورة السابقة ـ للثاني فإنّما نغرّمه القيمة ؛ لأنّه أقرّ له
بالملك ، وهنا جعلناه مُقرّاً باليد دون الملك ، فلا وجه لتغريمه القيمة ، بل
القياس أن يسأل عن يده أكانت بإجارةٍ أو رهنٍ أو غيرهما؟ فإن أسندها إلى الإجارة ،
غرم قيمة المنفعة. وإن أسندها إلى الرهن ، غرم قيمة المرهون ليتوثّق به زيد ،
وكأنّه أتلف المرهون. ثمّ إن وفّى الدَّيْن من موضعٍ آخَر ، فتردّ القيمة عليه .
مسألة
٩٨٣ : لو قال : هذه
الدار غصبتُها من زيدٍ لا بل من عمرو ، أو قال : غصبتُ هذه الدار من زيدٍ وغصبها
زيد من عمرو ، أو قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو ، فإنّه تُسلّم الدار إلى
زيدٍ المُقر له أوّلاً في المسائل الثلاث.
وهل يغرم المُقرّ
القيمةَ لعمرو؟ الأقرب : الغرم ـ وهو أصحّ قولَي الشافعيّة ، وبه قال أحمد بن حنبل
ـ لأنّه حالَ بين عمرو وبين داره بإقراره الأوّل لزيدٍ ، والحيلولة سبب
الضمان كالإتلاف ، فإنّه لو غصب عبداً فأبق في يده ضمنه.
__________________
وكذا لو شهد اثنان
على شخصٍ بأنّه أعتق عبده ثمّ رجعا عن الشهادة بعد الحكم بالعتق ، فإنّهما يغرمان
القيمة لمولاه ؛ لأنّهما حالا بينه وبين عبده بشهادتهما ، كذا هنا.
والثاني : إنّه لا
يغرم ؛ لأنّه أقرّ للثاني بما عليه ، وإنّما منع الحكم من قبوله ، وذلك لا يوجب
الضمان عليه ، ولأنّ الإقرار للثاني صادف ملك الغير ، فلا يلزمه شيء ، كما لو
أقرّ لعمرو بالدار التي هي في يد زيدٍ .
وقطع بعض
الشافعيّة في الصورة الثالثة ـ وهي ما إذا قال : هذه الدار لزيدٍ لا بل لعمرو ـ بعدم
الغرم ؛ لأنّه لم يُقرّ بجنايةٍ في مال الغير ، بخلاف الصورتين الأُوليين ، فإنّه
أقرّ فيهما بالغصب ، فضمن لذلك .
وقال أبو حنيفة :
إذا قال : غصبتُ هذه الدار من فلان لا بل من فلان ، غرم للثاني. ولو قال : هذه
لفلان لا بل لفلان ، لا يغرم للثاني ، وتُدفع إلى الأوّل. وفرّق بأنّ الغصب سبب
الضمان ، فإذا أقرّ به لزمه ، فأمّا إقراره فليس بسببٍ للضمان .
وقد اختلفت
الشافعيّة في موضع القولين حيث ثبتا ، فقال بعضهم : إنّهما مخصوصان بما إذا انتزعها الحاكم من
يد المُقرّ وسلّمها إلى زيدٍ ، فأمّا
__________________
إذا سلّمها
المُقرّ بنفسه إليه غرم لعمرو ، بلا خلافٍ بينهم .
وقال آخَرون منهم
بجريان الخلاف ؛ لأنّ سبب انتزاع الحاكم أيضاً إقراره ، فتسليم الحاكم بمنزلة
تسليمه بنفسه .
مسألة
٩٨٤ : إذا باع عيناً
وأقبضها المشتري واستوفى الثمن ، ثمّ قال : قد كنتُ بعتُه من فلان أو غصبتُه ، لم
يُقبل قوله على المشتري.
وهل يغرم القيمة
للمُقرّ له؟ للشافعيّة طريقان :
أحدهما : إنّه على
القولين.
وأصحّهما عندهم :
القطع بالغرم ؛ لتفويته عليه بتصرّفه وتسليمه ، ولأنّه استوفى عوضه ، وللعوض مدخل
في الضمان ، ألا ترى أنّه لو غرّ بحُرّيّة أمة ، فنكحها وأحبلها ثمّ أجهضت بجناية
جانٍ ، يغرم المغرور الجنينَ لمالك الجارية ؛ لأنّه يأخذ الغرّة أو دية الجنين ، ولو سقط ميّتاً من غير
جنايةٍ لا يغرم .
ويبنى على هذا
الخلاف أنّ مدّعي العين المبيعة هل له دعوى القيمة على البائع مع بقاء العين في يد
المشتري؟ إن قلنا : لو أقرّ يغرم القيمة ، فله دعواها ، وإلاّ فلا.
ولو كانت في يد
إنسانٍ عينٌ فانتزعها منه مُدّعٍ بيمينه [ بعد نكول ]
__________________
صاحب اليد ثمّ جاء
آخَر يدّعيها ، هل له طلب القيمة من الأوّل؟ إن قلنا : النكول وردّ اليمين
كالبيّنة ، فلا ، كما لو كان الانتزاع بالبيّنة. وإن جعلناها كالإقرار ، ففي سماع
دعوى الثاني عليه القيمةَ الخلافُ.
مسألة
٩٨٥ : لو قال : غصبتُ
هذه العين من أحدكما ، صحّ الإقرار على ما تقدّم ، فيُطالَب
بالتعيين ، فإن عيّن أحدهما سُلّمت إليه.
وهل للثاني تحليفه؟
يبنى على أنّه لو أقرّ للثاني هل يغرم له القيمة؟ إن قلنا : لا ، فلا ، وإن قلنا :
نعم ، فنعم ؛ لأنّه ربما يُقرّ له إذا عُرضت اليمين عليه ، فيغرم. فعلى هذا إن نكل رُدّت اليمين
على الثاني ، فإذا حلف فليس له إلاّ القيمة.
ومنهم مَنْ قال :
إن قلنا : إنّ النكولَ وردَّ اليمين كالإقرار من المدّعى عليه ، فالجواب كذلك ،
أمّا إذا قلنا : إنّه كالبيّنة ، فتُنتزع الدار من الأوّل ثمّ تُسلّم إلى الثاني ،
ولا غرم عليه للأوّل ، وعلى هذا فله التحليف .
وإن قلنا : لا
يغرم القيمة لو أقرّ للثاني طمعاً في أن ينكل ، فيحلف المدّعي ويأخذ العين.
وإن قال المُقرّ :
لا أدري من أيّكما غصبتُ ، وأصرّ عليه ، فإن صدّقاه فالعين موقوفة بينهما حتى
يتبيّن المالك أو يصطلحا.
وكذا لو كذّباه
وحلف لهما على نفي العلم.
__________________
الفصل الخامس
: في الإقرار بالنسب وفيه قسمان :
الأوّل
: الإقرار
بالولد.
مسألة
٩٨٦ : يشترط في المُقرّ
بالنسب مطلقاً أن يكون بالصفات المعتبرة في المُقرّين ، كما سبق ، فإذا أقرّ
بمَنْ يلحق النسب بنفسه وهو الولد ، اشترط فيه أُمور :
الأوّل : أن لا يكذّبه الحسّ بأن يكون ما يدّعيه ممكنا ، فلو كان
في سنٍّ لا يتصوّر أن يكون ولداً للمُقرّ بأن يكون أكبر منه في السنّ أو مساوياً
له أو أصغر بقدر ما لا يولد لمثله ، فلا اعتبار بإقراره.
ولو قدمت امرأة من
بلد كفرٍ ومعها صبي فادّعاه رجل من المسلمين ، فإن احتُمل أنّه خرج إليها وأنّها
قدمت قبل ذلك ، لحقه ، وإن لم يُحتمل ذلك لم يلحقه.
الثاني : أن لا يكذّبه الشرع بأن يكون المستلحَق معروفَ النسب من
غيره ؛ لأنّ النسب الثابت من شخصٍ لا ينتقل إلى غيره.
ولا فرق بين أن
يصدّقه المستلحَق أو يكذّبه.
ولو نفى نسب ولده
باللعان ، فاستلحقه آخَر ، ففي صحّة استلحاقه إشكال ينشأ : من أنّه أقرّ بنسبٍ لا
منازع له فيه فيلحق به ، ومن أنّ فيه شبهةً للمُلاعِن.
__________________
الثالث : أن يصدّقه المُقرّ له إن كان من أهل التصديق بأن يكون
بالغاً عاقلا ، فلو ادّعى بنوّة بالغٍ رشيدٍ فكذّبه لم يثبت النسب ، إلاّ أن يقيم
عليه بيّنةً ، فإن لم تكن بيّنةٌ حلف المنكر ، فإن حلف سقطت دعواه ، وإن نكل حلف
المدّعي ويثبت نسبه.
وكذا لو قال رجل
لآخَر : أنت أبي ، فالقول قول المنكر مع يمينه.
فإن استلحق صغيراً
، ثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات ، ويرث المُقرّ لو مات الصغير. ولا اعتبار
بتصديقه وتكذيبه حالة الصغر.
ولو استلحق صغيراً
فلمّا بلغ كذّبه ، فالأقرب : إنّه لا اعتبار بالتكذيب ، ولا يندفع النسب ؛ لأنّ
النسب ممّا يحتاط له ، فإذا حُكم بثبوته لم يتأثّر بالإنكار ، كما لو ثبت بالبيّنة
، وهو أظهر قولَي الشافعيّة.
والثاني : إنّه
يندفع النسب ، ويبطل إقراره ؛ لأنّا إنّما حكمنا به حين لم يكن إنكار ، فإذا تحقّق
الإنكار لم يثبت .
والمعتمد :
الأوّل.
وعلى ما اخترناه
لو أراد المُقرّ به تحليفه ينبغي أن لا يُمكَّن منه ؛ لأنّه لو رجع لم يُقبل ، فلا
معنى لتحليفه.
أمّا لو استلحق
مجنوناً فأفاق وأنكر ، فالأقرب : أنّه كالصغير.
وللشافعيّة وجهان
كالوجهين في الصغير .
الرابع : أن لا ينازعه في الدعوى غيره.
مسألة
٩٨٧ : لو استلحق صبيّاً
بعد موته وادّعى بنوّته وكان الصبي
__________________
مجهولَ النسب ،
لحق به ، وثبت نسبه ، سواء كان ذا مال أو لا ، ولا يُنظر إلى التهمة بطلب المال ،
بل يُورَّث ؛ لأنّ أمر النسب مبنيّ على التغليب ، ولهذا يثبت بمجرّد الإمكان ، حتى
أنّه لو قتله ثمّ استلحقه فإنّه يُقبل استلحاقه ، ويُحكم بسقوط القصاص ، وبه قال
الشافعي .
وقال أبو حنيفة :
لا يلحقه ، ولا يثبت نسبه به ؛ لثبوت التهمة في حقّه .
وهو غلط ؛ لأنّه
لو كان حيّاً موسراً والمُقرّ فقيرٌ مُدْقعٌ فإنّه يثبت نسبه بإقراره وإن كان متّهماً ؛ لأنّه يتصرّف
في ماله وينفق منه على نفسه ، كذا هنا.
ولو كان الميّت
كبيراً فادّعى شخص أنّه ولده وكان الميّت مجهولَ النسب ، فإشكال ينشأ : من أنّ شرط
لحوق البالغ تصديقُه ولا تصديق هنا ، ولأنّ تأخير الاستلحاق إلى الموت يوشك أن
يكون خوفاً من إنكاره ، ومن أنّ التصديق إنّما يعتبر مع إمكانه ، وهو ممتنع في طرف
الميّت ، كالصغير والمجنون ، ولهذا يثبت نسبهما من غير تصديقٍ من جهتهما ؛ لتعذّره
، كذا هنا.
وللشافعيّة وجهان
كهذين ، والثاني عندهم أظهر ؛ لأنّا نمنع كون
__________________
التصديق شرطاً على
الإطلاق ، بل هو شرط إذا كان المستلحَق أهلاً للتصديق ، والتهمة غير معتبرة هنا ؛
فإنّ النسب لا يُلتفت فيه إلى التهمة على ما تقدّم في الفقير إذا استلحق صبيّاً
موسراً .
ويجري الوجهان
فيما إذا استلحق مجنوناً طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلاً .
مسألة
٩٨٨ : يشترط في
الاستلحاق أن لا ينازع المُقرّ بالبنوّة آخَر ، فلو ازدحم اثنان فصاعداً على
الاستلحاق ، نُظر فإن كان المستلحَق بالغاً رشيداً ثبت نسبه ممّن صدّقه
، وإن كان صبيّاً لم يلحق بواحدٍ منهما ، إلاّ بالبيّنة أو القرعة.
وهل حكم المرأة في
إقرارها بالولد حكم الرجل؟ نظر. وكذا النظر لو أقرّ العبد.
ولو أقرّ رجل
ببنوّة ولدٍ بينه وبين أُمّه مسافة لا يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها ، لم
يقبل.
ولو دخلت من أرض
الروم أو غيرها من بلاد الكفر امرأة ومعها صغير فأقرّ به رجل ، أُلحق به مع
الإمكان وعدم المنازع على ما قدّمناه بأن يمكن أنّه قد دخل دارهم أو دخلت هي إلى
دار الإسلام ، وإلاّ فلا.
قالت الشافعيّة :
وإن أمكن أن ينفذ إليها الماء وتستدخله في فرجها ، لحق النسب ، ولا اعتبار بقول
الأطبّاء : إنّ الماء إذا برد لم يخلق منه الولد ؛
__________________
لأنّ ذلك مظنون ،
والبيض يبرد ثمّ يخلق منه الفرخ ، فإذا كان النسب ممكناً ألحقناه به وإن كان خلاف
الظنّ والظاهر .
قالوا : ولا يجري
هذا مجرى ما يقوله أبو حنيفة في [ تزوّج ] المشرقيّ بالمغربيّة ؛ لأنّه لا يعتبر إمكان قطع المسافة ، وذلك خلاف القطع
واليقين دون الظاهر.
ولو استلحق صغيراً
مجهولَ النسب ، فكذّبته أُمّه وقالت : إنّه ليس لك بل لغيرك ، فالأقرب : عدم
الالتفات إلى تكذيب الأُمّ ، وثبوت النسب من جهته.
مسألة
٩٨٩ : لو أقرّ ببنوّة
عبد الغير أو ببنوّة معتَقه ، لم يلحق به إن كان صغيرا ؛ محافظةً على حقّ الولاء
للسيّد ، بل يفتقر إلى البيّنة.
وإن كان بالغاً
فصدّقه ، فالأقرب : إنّه كذلك.
ولو استلحق عبداً
في يده ، نُظر فإن لم يوجد الإمكان بأن كان أكبر منه سنّاً ، لم يلتفت إلى قوله ،
وإقراره باطل.
وإن أمكن إلحاقه
به فإن كان مجهولَ النسب ، لحقه إن كان صغيراً ، وحُكم بعتقه.
وكذا إن كان
بالغاً وصدّقه ، وإن كذّبه لم يثبت النسب.
والأقرب : عتقه ؛
عملاً بإقراره بالنسب المتضمّن للعتق.
ويحتمل عدمه ؛
لعدم ثبوت النسب الذي هو الأصل للعتق ، وإذا لم يثبت الأصل لم يثبت التبع.
__________________
ولو كان العبد
مشهورَ النسب بالغير ، لم يثبت نسبه. وفي العتق احتمال.
مسألة
٩٩٠ : إذا أقرّ بالولد
وحصلت الشرائط ، ثبت النسب بينه وبين الولد ، وكذا بين الولد وبين كلّ مَنْ يثبت
بينه وبين الولد المشهور ، وبه قال الشافعي .
وحكي عن مالك :
إنّه إن شاع بين الناس أنّه استلحق مَنْ ليس ولداً له ، لم يلحقه وإن اجتمعت
الشرائط التي تقدّمت .
واعلم : أنّ انتفاء التكذيب في البالغ غير كافٍ في الالتحاق ، بل
المعتبر تصديقه ، فلو أقرّ ببنوّة البالغ فسكت البالغ لم يثبت النسب ، ولم يكن
كافياً في الالتحاق ، بل يعتبر أن يصدّقه.
ولو استلحق بالغاً
عاقلاً فصدّقه الولد ، ثبت النسب على ما قلناه.
فإن رجعا ،
فالأقرب : إنّه لا يسقط النسب ؛ لأنّه يثبت بتصادقهما ، والنسب المحكوم بثبوته لا
يرتفع بالمواطأة والاتّفاق على رفعه ، كما لو ثبت بالفراش.
ويحتمل رفع النسب
؛ لأنّه ثبت لا بالفراش ، بل بمجرّد الإقرار ، فإذا رجعا عنه وجب أن يبقى الأمر
على ما كان عليه قبل الإقرار ، كما لو أقرّ بمالٍ ورجع وصدّقه المُقرّ له.
وللشافعيّة وجهان كالاحتمالين.
__________________
مسألة
٩٩١ : إذا كان له جارية
ذات ولد فقال : هذا ولدي من هذه الجارية ، ثبت نسبه مع الإمكان.
وهل تكون الجارية
أُمَّ ولدٍ؟ فيه إشكال ينشأ : من إمكان استيلادها بالنكاح ثمّ ملكها بعد ذلك ، فلا
تكون أُمَّ ولدٍ ، أو أنّه استولدها بشبهةٍ أو بإباحة المولى ، فلا تكون أيضاً
أُمَّ ولدٍ ، ومن أنّ الظاهر أنّه استولدها في الملك ؛ لأنّه حاصل محقّق ، والنكاح
غير معلومٍ ، والأصل فيه العدم ، وكذا الأصل عدم الشبهة وعدم الإباحة.
وللشافعي قولان كهذين.
وللمسألة خروج
ظاهر عند الشافعيّة على قولَي تقابل الأصل والظاهر.
وما الأظهر من
الخلاف في المسألة؟
قال جماعة منهم :
إنّ الثاني أظهر ، وهو ظاهر نصّ الشافعي في المختصر.
لكنّ الأوّل أقرب
إلى القياس ، وأشبه بقاعدة الإقرار ، وهي البناء على المتيقّن .
ولو قال : إنّه
ولدي منها ولدَتْه في ملكي ، فهي أُمّ ولدٍ ؛ لتصريحه بالولادة في الملك.
وللشافعيّة فيه
طريقان :
__________________
أحدهما : القطع
بثبوت أُمّيّة الولد ؛ لتصريحه بالولادة في الملك.
وأصحّهما عندهم :
إنّه على القولين ؛ لاحتمال أن يحبلها قبل الملك بالنكاح ثمّ يشتريها فتلد في
الملك . ولا بأس به عندي.
ولو قال : إنّه
ولدي استولدتها به في ملكي ، أو عَلِقَتْ في ملكي ، فهي أُمّ ولدٍ قطعاً ، وانقطع
الاحتمال.
وكذا لو قال : هذا
ولدي منها وهي في ملكي منذ عشر سنين ، وكان الولد ابنَ سنةٍ.
هذا كلّه مفروض
فيما إذا لم تكن الأمة مزوّجةً ولا فراشاً عند الشافعي ، أمّا إذا كانت
مزوّجةً لم ينسب الولد إلى السيّد ، ولم يعتد باستلحاقه ؛ للحوقه بالزوج.
وإن كانت فراشاً
له ، فإن أقرّ بوطئها فالولد يلحقه بحكم الفراش لا بالإقرار عند الشافعي ، فلا يعتبر فيه
إلاّ الإمكان.
ولا فرق في
الإقرار بالاستيلاد بين أن يكون في الصحّة أو في المرض ؛ لأنّ إنشاءه نافذ في
الحالين.
مسألة
٩٩٢ : لو كان له
جاريتان لكلّ واحدةٍ منهما ولد ، فقال : ولد إحداهما ولدي ، فللأمتين أحوال :
أ
ـ أن لا تكون واحدة
منهما مزوّجةً ولا فراشاً للسيّد ، فيؤمر بالتفسير والتعيين ، كما لو أقرّ بطلاق
إحدى امرأتيه ، فإذا عيّن أحدهما ثبت نسبه ، وكان حُرّاً وورثه.
ثمّ إن صرّح بأنّه
استولد أمةً في النكاح ، لم تصر أُمَّ ولدٍ.
__________________
وإن أضافه إلى وطئ
شبهةٍ ، فكذلك على الأقوى.
وللشيخ ; فيه قول .
وللشافعيّة قولان .
ولو قال :
استولدتها بالزنا ، مفصولاً عن الاستلحاق ، لم يُقبل ، ولحق به النسب ؛ عملاً
بأوّل كلامه.
وفي حُرّيّته
إشكال ، الأقرب : ذلك.
وفي أُمّيّة الولد
للشافعيّة قولان ، كما إذا أطلق الاستلحاق .
وإن وصله باللفظ ،
قال بعض الشافعيّة : لا يثبت النسب ولا أُمّيّة الولد .
وينبغي أن يخرّج
ذلك عندهم على [ قولَي ] تبعيض الإقرار .
وقد سبق البحث في مثله.
إذا ثبت هذا ،
فإنّ الولد الآخَر يكون رقّاً.
وكذا لو كانا من
أمةٍ واحدة.
ولو ادّعت الأمة
الأُخرى أنّ ولدها هو الذي استلحقه ، وأنّها التي استولدها ، فالقول قول السيّد مع
يمينه ؛ لتمسّكه بالأصل ، وكذا لو بلغ الولد
__________________
وادّعى ، فإن نكل
السيّد حلف المدّعي ، وقُضي بمقتضى يمينه.
ولو مات السيّد
قبل التعيين قام ورثته مقامه في التعيين عند الشافعيّة .
والأقرب عندي :
القرعة.
فإن عيّن الورثة ،
كان حكمُ تعيينهم حكمَ تعيين المولى في النسب والحُرّيّة والإرث عندهم .
وتكون أُمّ
المعيّن مستولدةً إن ذكر السيّد ما يقتضي الاستيلاد ، وإلاّ سُئلوا ، وحكم بيانهم
حكم بيان المورّث ، فإن قالوا : لا نعلم أنّه استولدها ، فعلى الخلاف فيما إذا
أطلق المستلحق استلحاقه.
ولو لم يكن وارثٌ
أو قال الورثة : لا نعلم ، حُكم بالقرعة قطعاً عندنا ؛ لأنّه أمر مشتبه.
وقالت الشافعيّة :
يُعرض الولدان على القافة ، فأيّهما ألحقوه به لحق ، والحكم في النسب والحُرّيّة
والإرث كتعيين المُورّث أو الوارث عندهم ، وفي الاستيلاد كما لو أطلق الاستلحاق .
قالت الشافعيّة :
ويجوز ظهور الحال للقائف مع موت المستلحق بأن كان قد رآه ، أو بأن يراه قبل الدفن
، أو بأن يرى عصبته فيجد الشبه ، فإن
__________________
عجزنا عن
الاستفادة من القائف ؛ لعدمه ، أو لإلحاقه الولدين به أو نفيهما [ عنه ] أو أشكل
الأمر عليه ، أقرعنا بينهما لنعرف الحُرّ منهما .
فأمّا عندنا فإنّه
يُحكم بالقرعة من رأس ، ولا يُنتظر بلوغ الولدين ـ عندنا وعندهم ـ حتى ينتسبا ،
بخلاف ما لو تنازع اثنان في ولدٍ ولا قائف هناك ؛ لأنّ الاشتباه هاهنا في أنّ
الولد أيّهما ، فلو اعتبر الانتساب ربما ينسب كلّ واحدٍ منهما إليه ، فلا يرتفع
الإشكال.
ولا يُحكم عندهم
لمن خرجت قرعته بالنسب والميراث ؛ لأنّ القرعة عندهم على خلاف القياس ، وإنّما ورد
الخبر ـ عندهم ـ بها في العتق ، فلا تُعمل في النسب والميراث .
وعندنا أنّها تجري
في كلّ أمرٍ مشكل بالنصّ عن الأئمّة : .
ومع القرعة عندهم
هل يوقف نصيب ابنٍ بين مَنْ خرجت له القرعة وبين الآخَر؟ للشافعيّة وجهان ، والأظهر
عندهم : إنّه يوقف .
وأمّا الاستيلاد
فهو على التفصيل السابق.
وعندنا القرعة
تنفذ في النسب وتوابعه من الميراث وغيره.
__________________
وأمّا الاستيلاد
فإن لم يوجد من السيّد ما يقتضيه ، لم يثبت.
وإن وُجد ، فهل
تحصل أُمّيّة الولد في أُمّ ذلك الولد بخروج القرعة؟
ذكر الجويني
للشافعيّة وجهين.
ثمّ قال : المذهب
أنّها لا تحصل ؛ لأنّها تبع النسب ، فإذا لم نجعله ولداً لم نجعلها أُمَّ ولدٍ.
والذي أورده
الأكثر أنّها تحصل ؛ لأنّ المقصود العتق ، والقرعة عاملة فيه ، فكما تفيد حُرّيّته
تفيد حُرّيّتها .
وهو الذي نذهب نحن
إليه.
وهل يفتقر في
إخراج الأُمّيّة لإحداهما إلى قرعةٍ أُخرى ، أم تثبت بحكم القرعة الأُولى؟ الأقوى
عندي : الثاني ـ وهو قول أكثر الشافعيّة ـ إذ لا يؤمن خروج القرعة على غير التي خرجت لولدها.
مسألة
٩٩٣ : كلّ موضعٍ يثبت
الاستيلاد فيه فالولد حُرّ الأصل لا ولاء عليه ، وكلّ موضعٍ لا يثبت فعليه الولاء ،
إلاّ إذا نسبه إلى وطئ شبهة وقلنا : إنّها لا تصير أُمَّ ولدٍ له إذا مَلَكها بعد
ذلك.
وإذا لم يثبت
الاستيلاد ومات السيّد ، ورث الولد أُمّه وعُتقت عليه ، وهذا إذا تعيّن لا
بالقرعة.
وإن كان معه وارثٌ
آخَر ، عُتق نصيبه عليه ولم يَسْرِ.
هذا كلّه حكم
الحالة الأُولى في الأمتين ، و [ هي ] أن لا تكونا مزوّجتين.
__________________
ب
: أن تكون الأمتان
مزوّجتين ، فإنّه لا يُقبل قول السيّد ، وولد كلّ أمةٍ ملحق بزوجها وإن كانتا
فراشاً للسيّد ، فإن كان قد أقرّ بوطئهما ، لحقه الولدان بحكم الفراش.
ج
: لو كانت إحداهما
مزوّجةً ، لم يتعيّن إقراره في الأُخرى ، بل يُطالَب بالتعيين ، فإن عيّن في ولد
المزوّجة لم يُقبل ، وإن عيّن في ولد الأُخرى قُبِل ، وثبت نسبه.
وإن كانت إحداهما
فراشاً له ، لم يتعيّن إقراره في ولدها ، بل يؤمر بالتعيين ، فإن عيّن في ولد
الأُخرى لحقه بالإقرار ، والولد الآخَر ملحق به بالفراش.
مسألة
٩٩٤ : لو كان له جارية
لها ثلاثة أولاد ، فقال : أحد هؤلاء الثلاثة ولدي ، ولم تكن الأمة مزوّجةً ولا
فراشاً للسيّد قبل ولادتهم ، عندهم ـ فإنّها لو كانت مزوّجةً كان الولد للزوج ولم يلتفت إلى
إقراره ، وإن كانت موطوءةً للمولى ثبت الولد بالفراش ، لا بالإقرار ، عندهم ـ فحينئذٍ يطالَب
بالتعيين ، فمَنْ عيّنه منهم فهو نسيب حُرّ وارث. والقول في الاستيلاد على التفصيل
الذي مرَّ.
ثمّ إن عيّن
الأصغر منهم ، ثبت نسبه ، وكان الأكبران رقيقين ، ولكلّ واحدٍ منهما أن يدّعي أنّه
الولد ، والقول قول المنكر مع يمينه.
وإن عيّن الوسط ،
فالأكبر رقيق.
وأمّا الأصغر
فمبنيّ على استيلاد الأمة ، فإذا لم نجعلها مستولدةً فهو
__________________
رقيق كالأُمّ.
وإن جعلناها
مستولدةً فيُنظر إن لم يدّع الاستبراء بعد الأوسط فقد صارت فراشاً له بالأوسط ،
فيلحقه الأصغر ويرثه.
وإن ادّعى
الاستبراء ، فيبنى على أنّ نسب ملك اليمين هل ينتفي بدعوى الاستبراء؟ وسيأتي
الخلاف فيه في اللعان.
فإن قلنا : لا
ينتفي ، فهو كما لو لم يدّع الاستبراء. وإن قلنا : ينتفي ، فلا يلحقه الأصغر.
وفي حكمه
للشافعيّة وجهان :
أظهرهما : إنّه
كالأُمّ يُعتق بوفاة السيّد ؛ لأنّه ولد أُمّ الولد ، وأُمّ الولد إذا ولدت من زوج
أو زنا عُتق ولدها بعتقها.
والثاني : إنّه
يكون قِنّاً ؛ لأنّ ولد أُمّ الولد قد يكون كذلك ، كما لو أحبل الراهن الجاريةَ
المرهونة وقلنا : إنّها لا تصير أُمَّ ولدٍ له فبِيعت في الحقّ فولدت أولاداً ثمّ
مَلَكها وأولادها ، فإنّا نحكم بأنّها أُمّ ولدٍ له على الصحيح عندهم ، والأولاد
أرقّاء لا يأخذون حكمها.
وأيضاً فإنّه إذا
أحبل جاريةً بالشبهة ثمّ أتت بأولادٍ من زوج أو زنا ثمّ مَلَكها وأولادها ، تكون
أُمَّ ولدٍ على قولٍ ، والأولاد لا يأخذون حكمها ، فإذا أمكن ذلك لم يلزم من ثبوت
الاستيلاد أن يأخذ الولد حكمها بالشكّ والاحتمال .
ولصاحب الوجه
الأوّل أن يقول : الأولاد في الصورتين المذكورتين وُلدوا قبل الحكم بالاستيلاد ،
والأصغر وُلد بعد الحكم بالاستيلاد.
__________________
على أنّ بعض
الشافعيّة حكى في صورة الرهن وجهاً : أنّ الأولاد يأخذون حكمها ، ولا يبعد ـ عندهم
ـ أن يجيء مثله في صورة الإحبال بالشبهة .
وقد ذكر بعضهم
وجهاً آخَر فيما إذا لم يدّع الاستبراء : إنّه لا يثبت نسبه ، ويكون حكمه حكمَ
الأُمّ يُعتق بموت السيّد ؛ لأنّ الاستبراء حصل بالأوسط .
وإن عيّن الأكبر ،
فالقول في حكم الأوسط والأصغر كما ذكرناه في الأصغر إذا عيّن الأوسط.
ولو مات السيّد
قبل التعيين ، عيّن وارثه.
ويحتمل القرعة
عندنا.
فإن لم يعيّن
الوارث أو لم يكن ، عُرضوا على القائف ، عند الشافعي ـ وهو غلط عندنا ـ فإن تعذّر
معرفة القائف ، فالقرعة .
ونحن نقول بالقرعة
ابتداءً لمعرفة الحُرّيّة وثبوت الاستيلاد على ما سلف .
واعترض المزني :
بأنّ الأصغر حُرٌّ بكلّ حال عند موت السيّد ؛ لأنّه إمّا أن يكون هو المُقرّ به ،
أو يكون ولدَ أُمّ الولد ، وولد أُمّ الولد يُعتق بموت السيّد ـ عندهم ـ وإذا كان
حُرّاً بكلّ حال ، وجب أن لا يدخل في القرعة .
__________________
لكن عندنا لا
يتحرّر ولد أُمّ الولد بموت السيّد.
قالوا : وإنّما لم
يدخل في القرعة ؛ لأنّه ربما تخرج القرعة على غيره ، فيلزم إرقاقه .
واختلف أصحاب
الشافعي في الجواب عنه.
فقال بعضهم : إنّه
حُرٌّ ، ولا يدخل في القرعة ليرقّ إن خرجت لغيره ، بل ليرقّ غيره إن خرجت عليه ،
ويقتصر العتق عليه .
ومَنَع آخَرون
حُرّيّته [ بناءً ] على أنّها وإن كانت أُمَّ ولدٍ فولد أُمّ الولد يجوز أن يكون رقيقاً . وهذا مذهبنا.
لكنّ الأظهر عندهم
الأوّل .
وهو عين الوجه
الأوّل المذكور فيما إذا عيّن الأوسط وادّعى الاستبراء بعده وقلنا : إنّه ينتفي به
النسب.
ثمّ إذا أقرعنا
بينهم وخرجت القرعة لواحدٍ منهم فهو حُرٌّ.
والمشهور : إنّ
النسب والميراث لا يثبتان عندهم ، كما في المسألة الأُولى.
وحكي عن المزني
أنّ الأصغر نسيب بكلّ حال ؛ لأنّه بين أن يكون هو المراد بالاستلحاق ، وبين أن
يكون ولد أمته التي صارت فراشاً له بولادة مَنْ قبله .
ثمّ جرى أصحاب
الشافعي على دأبهم في الطعن على اعتراضاته
__________________
متبادرين.
وقال بعض
الشافعيّة : لكنّ الحقّ المطابق لما تقدّم أن يُفرَّق بين ما إذا كان السيّد قد
ادّعى الاستبراء قبل ولادة الأصغر ، وبين ما إذا لم يدّعه ، ويساعد في هذه الحالة ،
وإذا ثبت النسب ثبتت الحُرّيّة لا محالة .
وحيث لا نحكم
بثبوت النسب فهل يوقف الميراث؟ فيه للشافعيّة وجهان :
أحدهما : نعم ؛
لأنّا نتيقّن أنّ أحدهما ابنه وإن لم تُفد القرعة تعيينَه عندهم ، فأشبه ما إذا
طلّق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان ، حيث يوقف نصيب امرأةٍ.
والثاني : لا ؛
لأنّه إشكال وقع اليأس عن زواله ، فأشبه ما إذا غرق المتوارثان ولم يعلم هل ماتا
معاً أو على التعاقب ، لا توريث ولا وقف.
وهذا أصحّ عند
أكثر الشافعيّة .
واختار المزني
الوقفَ.
ثمّ اختلفت
الرواية عنه في كيفيّته ، ففي بعضها : إنّه إذا كان له ابن معروف النسب يُدفع إليه
ربع الميراث ، ويُدفع ربعه إلى الأصغر ، ويوقف النصف. وفي أُخرى : إنّه يُدفع نصف
الميراث إلى معروف النسب ، ويوقف النصف للمجهول .
والرواية الأُولى
مبنيّة على ما ذهب إليه المزني من أنّ الأصغر نسيب
__________________
بكلّ حال ، فهو والمعروف
ابنان يقيناً ، فيُدفع النصف إليهما ، ويوقف النصف بينهما وبين الأكبرين ، فيجوز
أن يكونا ابنين أيضاً ، ويجوز أن يكون واحد منهما ابناً ، ويجوز أن يكون الأوسطَ ،
دون الأكبر.
والرواية الثانية
اختيار منه للشافعي جواباً على أنّه لا يثبت نسب واحدٍ منهم على التعيين ، لكن
نعلم أنّ فيهم ابناً ، فيوقف النصف له ، ويُدفع النصف إلى الابن المعروف .
إذا عرفت هذا ،
فاعلم أنّ أبا حنيفة قال : إذا مات المُقرّ قبل البيان لم يُقرع ، ويكون الأصغر
حُرّاً كلّه ، ويُعتق من الأوسط ثلثاه ؛ لأنّه حُرٌّ في حالتين ـ وهُما : إذا
عيّنه أو عيّن الأكبر ـ رقيق في حالةٍ واحدة ـ وهي : إذا عيّن الأصغر ـ ومن الأكبر
ثلثه ؛ لأنّه حُرٌّ في حالةٍ واحدة ـ وهي : إذا عيّن فيه ـ رقيق في حالتين ، وهُما
: إذا عيّن الأوسط أو الأصغر.
قال : ويُعتق من
الأُمّ ثلثاها ؛ لأنّه قد عُتق ثلثا ولدها .
مسألة
٩٩٥ : إذا أقرّ ببنوّة
صغيرٍ ، لم يكن ذلك اعترافاً بزوجيّة الأُم ، سواء كانت أُمّه مشهورةً بالحُرّيّة
أو بالزنا ، أو غير مشهورةٍ بأحدهما ؛ لأنّ الزوجيّة والنسب أمران متغايران غير
متلازمين ، فلا يدلّ أحدهما على الآخَر بالمطابقة ولا بالتضمّن ولا بالالتزام.
وخالف فيه أبو
حنيفة ، فقال : إن كانت أُمّه مشهورةً بالحُرّيّة كان الإقرار بالولد إقراراً
بزوجيّة أُمّه ، وإن لم تكن مشهورةً فلا .
__________________
ولو عيّن أحد
الولدين في الاستلحاق ثمّ اشتبه ومات ، أو لم يعيّن وكانا من جاريةٍ له ، استُخرج
بالقرعة ، وكان الآخَر رقّاً له ، ويثبت الاستيلاد لأُمّ مَنْ أخرجته القرعة على
ما تقدّم.
ولو كان للجاريتين
زوجان ، بطل إقراره.
ولو كان لإحداهما
زوجٌ ، انصرف الإقرار إلى ولد الأُخرى.
القسم
الثاني
: الإقرار بغير الولد من الأنساب.
مسألة
٩٩٦ : إذا أقرّ مَنْ
يلحق النسب بغيره ، مثل أن يقول : أخي ، كان معناه أنّه ابن أبي أو ابن أُمّي. ولو
أقرّ بعمومة غيره ، كان النسب ملحقاً بالجدّ ، فكأنّه قال : ابن جدّي.
ويثبت النسب بهذا
الإلحاق بالشرائط السابقة وبشروط أُخَر زائدة عليها :
أ
: أن يصدّقه المُقرّ
به أو تقوم البيّنة على دعواه وإن كان ولدَ ولدٍ.
ب
: أن يكون الملحق به
ميّتاً ، فما دام حيّاً لم يكن لغيره الإلحاق به وإن كان مجنوناً.
ج
: أن لا يكون الملحق
به قد نفى المُقرّ به ، أمّا إذا نفاه ثمّ استلحقه وارثه بعد موته ، فإشكال ينشأ :
من أنّه لو استلحقه المورّث بعد ما نفاه باللعان وغيره ، لحق به وإن لم يرثه عندنا
، ومن سبق الحكم ببطلان هذا النسب ، ففي إلحاقه به بعد الموت إلحاق عارٍ بنسبه ،
وشرط الوارث أن يفعل ما فيه حظّ المورّث ، لا ما يتضرّر به.
وللشافعيّة فيه
وجهان كهذين ، لكنّ الأوّل عندهم أشبه ، وهو
__________________
الأقوى عندي.
د
: صدور الإقرار من
الورثة الحائزين للتركة ، فلو أقرّ الأجنبيّ لم يثبت به النسب.
ولو مات مسلم عن
ابنٍ كافر أو قاتل أو رقيق ، لم يُقبل إقراره عليه بالنسب ، كما لا يُقبل إقراره
عليه بالمال.
ولو كان له ابنان
: مسلم وكافر ، لم تعتبر موافقة الكافر.
ولو كان الميّت
كافراً ، كفى استلحاق الكافر عند العامّة .
ولا فرق في ثبوت
النسب بين أن يكون المُقرّ به كافراً أو مسلماً.
مسألة
٩٩٧ : لو مات وخلّف
ولداً فأقرّ ذلك الولد بابنٍ آخَر للميّت ، ثبت نسبه.
ولو خلّف ابنين أو
جماعة أولاد ذكور أو إناث أو ذكور وإناث ، لم يكن بُدٌّ من اتّفاقهم جميعاً.
وكذا تعتبر موافقة
الزوج والزوجة ؛ لأنّهما من الورثة ، وهو قول أكثر الشافعيّة .
وفيه وجهٌ آخَر
لهم : إنّه لا تعتبر موافقتهما له ؛ لأنّ الزوجيّة تنقطع بالموت ، ولأنّ المُقرّ
به النسب ، ولا شركة لهما فيه .
ويجري مثل هذا
الخلاف في العتق .
ولو مات وخلّف
بنتاً لا غير ، ورثت الجميع عندنا.
__________________
فلو أقرّت بولدٍ
آخَر ذكر أو أُنثى ، ثبت النسب عندنا.
وفصّل الشافعيّة
فقالوا : إن كانت حائزةً بأن كانت معتقةً ثبت النسب بإقرارها ، وإن لم تكن حائزةً
ووافقها الإمام فوجهان جاريان فيما إذا مات مَنْ لا وارث له ، فألحق الإمام به
مجهولاً .
والخلاف مبنيّ
عندهم على أنّ الإمام له حكم الوارث أو لا؟
قال بعض الشافعيّة
: إنّه يثبت النسب بموافقة الإمام.
ثمّ هذا الكلام
فيما إذا ذكر الإمام ذلك لا على وجه الحكم ، أمّا إذا ذكره على وجه الحكم فإن قلنا
: إنّه يقضي بعلم نفسه ، ثبت النسب ، وإلاّ فلا .
ولا فرق عندهم بين
أن تكون حيازة المُلحِق تركة المُلحَق به بواسطةٍ أو بغيرها بأن كان قد مات أبوه
قبل جدّه والوارث ابن الابن فلا واسطة .
مسألة
٩٩٨ : لو خلّف ابنين
بالغين فأقرّ أحدهما بأخٍ ثالث ، لم يستقل بالإقرار ، ولم يثبت النسب إن لم يوافقه
الآخَر ، وكان للثالث مشاركة المُقرّ في الميراث دون الآخَر.
وإنّما لم يثبت
نسبه ؛ لأنّ المنكر يُقدَّم قوله مع عدم البيّنة ، فلا يثبت النسب بالنسبة إليه
ولا بالنسبة إلى المُقرّ أيضاً ؛ لأنّ النسب لا يتبعّض ، بل يشارك بالنسبة إلى
حصّة المُقرّ ، فيأخذ ثلث ما في يده ، وهو فضل ما في يد المُقرّ عن ميراثه.
ولا فرق بين أن
يُقرّ أحدهما بأب أو أخ.
__________________
ونقل الجويني وجهاً
آخَر : إنّه ينفرد ، ويُحكم بثبوت النسب في الحال ؛ لأنّ أمر النسب خطير ، فالظاهر
من حال كامل الحال من الورثة أنّه يعتني به ولا يجازف فيه .
ولو كان أحد
الولدين صغيراً وأقرّ البالغ ، فعلى ما اخترناه من عدم ثبوت النسب بقول الواحد ـ وهو
قول أكثر الشافعيّة ـ ينتظر بلوغ الصبي ، فإذا بلغ ووافق البالغ ثبت النسب
حينئذٍ.
وإن مات قبل
البلوغ ، فإن لم يكن الميّت قد خلّف سوى المُقرّ ثبت النسب ، ولا يحتاج إلى تجديد
الإقرار ، وإن خلّف ورثةً سواه اعتبر موافقتهم.
فإن كان أحد
الوارثين مجنوناً ، فهو كما لو كان أحدهما صبيّاً.
مسألة
٩٩٩ : لو خلّف وارثين
بالغين رشيدين فأقرّ أحدهما بوارثٍ ثالث وأنكر الآخَر ، قال الشافعي : الذي أحفظه
من قول المدنيّين في مَنْ خلّف ابنين فأقرّ أحدهما بأخٍ : إنّ نسبه لا يلحق ، ولا
يأخذ شيئاً ؛ لأنّه أقرّ له بمعنى إذا ثبت وَرِث ووَرَّث ، فإذا لم يثبت بذلك عليه
حقٌّ ، لم يثبت له. قال : وهذا أصحّ ما قيل عندنا .
وقد عرفت أنّ الذي
نصير نحن إليه ثبوت الميراث بالنسبة إلى المُقرّ ، فيأخذ ما فضل عن نصيبه ممّا في
يده خاصّةً.
وأمّا عدم النسب
فإجماعٌ ؛ لأنّ النسب لا يتبعّض ، فلا يمكن إثباته
__________________
في حقّ المُقرّ
دون المنكر ، ولا يمكن إثباته في حقّهما ؛ لأنّ شهادة الواحد لا يثبت بها نسب.
إذا عرفت هذا ،
فإنّ المُقرّ له يشارك المُقرّ في الميراث بالنسبة ، فلو كان الميّت قد خلّف ابنين
فأقرّ أحدهما بثالثٍ وأنكر الآخَر ، فالتركة في قول المنكر نصفان بينه وبين
المُقرّ ، وفي قول المُقرّ أثلاث وفي يده النصف ، فيدفع منه السدس الذي فضل في يده
إلى الثالث ، ويكون للمُقرّ الثلث ، وللمنكر النصف ، وللثالث السدس ، عند علمائنا
أجمع ـ وبه قال مالك وابن أبي ليلى ـ لأنّه أقرّ بمالٍ تعلّق بسببٍ لم يحكم
ببطلانه ، فوجب أن يلزمه المال ، كما لو أقرّ ببيع شقصٍ له وأنكر المشتري وحلف ،
فإنّ الشفعة تثبت فيه. وكذا لو أقرّ بدَيْنٍ على أبيه وأنكره الآخَر.
وقال أبو حنيفة
وأحمد : يأخذ الثالث نصف ما في يد المُقرّ .
__________________
وقال الشافعي :
ليس للمُقرّ له شيء من الميراث لا من حصّة المُقرّ ولا من أصل التركة ـ وبه قال
ابن سيرين ـ لأنّه أقرّ بنسبٍ لم يثبت ، فوجب أن لا يثبت له ميراث ، كما لو أقرّ
بنسب معروف النسب .
والملازمة ممنوعة
، والفرق ظاهر بين مشهور النسب وغيره.
مسألة
١٠٠٠ : لو أقرّ أحد
الولدين الرشيدين بثالثٍ وأنكر الآخَر ثمّ مات المنكر ولم يخلّف إلاّ أخاه المُقرّ
، فالأقرب : إنّه يثبت النسب والميراث ـ وبه قال الشافعيّة في أظهر الوجهين ـ لأنّ جميع
الميراث قد صار له.
والثاني لهم :
المنع ؛ لأنّ إقرار الفرع مسبوق بإنكار الأصل .
ويجري هذا الخلاف
فيما إذا خلّف المنكر غير المُقرّ وارثاً فأقرّ ذلك الوارث .
والوجهان عند بعض
الشافعيّة مبنيّان على الوجهين في استلحاق مَنْ
__________________
نفاه المورّث .
ولو أقرّ أحد الابنين
وسكت الآخَر ثمّ مات الساكت وخلّف ابناً وأقرّ الابن ، ثبت النسب قطعاً عندنا ،
وهو ظاهر.
وكذا عند الشافعي
؛ لأنّ إقراره غير مسبوقٍ بتكذيب الأصل .
مسألة
١٠٠١ : إذا مات وخلّف
ابناً بالغاً رشيداً لا ولد له مشهور سواه ، فأقرّ الابن بأُخوّة مجهول النسب وأنكر
المجهول نسب المعروف المُقرّ له ، لم يلتفت إلى إنكاره ، ولم يتأثّر بقوله نسب
المشهور ، وهو قول أكثر الشافعيّة .
وفيه وجهٌ آخَر
لهم : إنّ المُقرّ يحتاج إلى البيّنة على نسبه ؛ لأنّه قد اعترف بنسب المجهول وقد
أنكر المجهول نسب المُقرّ ، فالمجهول ثبت نسبه بإقرار المنفرد بالميراث.
لكنّ الأوّل أصحّ
عندهم .
وفي ثبوت نسب
المجهول عند الشافعيّة وجهان : المنع ؛ لأنّ المُقرّ ليس بوارثٍ بزعمه.
والثاني ـ وهو
الأصحّ عندهم وعندنا ـ أنّه يثبت ؛ لأنّا قد حكمنا بأنّه وارث حائز للتركة .
ولو أقرّ بأُخوّة
مجهولٍ ثمّ إنّهما معاً أقرّا بثالثٍ وأنكر الثالث نسب الثاني ، ففي سقوط نسب
الثاني للشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم :
__________________
السقوط ؛ لأنّه
ثبت نسب الثالث ، فاعتبر موافقته لثبوت نسب الثاني .
ولو أقرّ بأُخوّة
مجهولَيْن وصدّق كلّ واحدٍ منهما الآخَر ، ثبت نسبهما.
فإن كذّب كلّ
واحدٍ منهما الآخَر ، فللشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : ثبوت النسبين ؛ لوجود
الإقرار ممّن يحوز التركة .
وإن صدّق أحدهما
الآخَر وكذّبه الآخَر ، ثبت نسب المصدِّق ، دون المكذِّب.
هذا إذا لم يكن
المجهولان توأمين ، فإن كانا توأمين فلا أثر لتكذيب أحدهما الآخَر ، فإذا أقرّ
الوارث بأحدهما ثبت نسب كليهما.
مسألة
١٠٠٢ : لو أقرّ بنسب
مَنْ يحجب المُقر ـ كما إذا مات عن أخٍ أو عمٍّ فأقرّ بابنٍ للميّت ـ فللشافعيّة
وجهان :
أحدهما : إنّه لا
يثبت نسبه ، وإلاّ لزم الدور ؛ لأنّه لو ثبت لورث ، ولو ورث لحجب المُقرّ ، ولو
حجب لخرج عن أهليّة الإقرار ، فإذا بطل الإقرار بطل النسب.
وأصحّهما عندهم ـ وهو
مذهبنا ـ : إنّه يثبت النسب ؛ لأنّ ثبوت النسب بمجرّده لا يرفع الإقرار ، وإنّما
يلزم ذلك من التوريث ، وسيأتي
__________________
البحث فيه. ثمّ
التوريث قد ينتفي لأسباب وتوابع ، فلا يبعد أن يكون هذا منها .
وعندنا أنّ
المُقرّ به يرث ، وسيأتي.
مسألة
١٠٠٣ : المُقرّ به لا
يخلو إمّا أن يحجب المُقرّ عن الميراث ، أو لا يحجب ، أو يحجب بعض الورثة
المُقرّين دون بعضٍ.
فإن لم يحجب
المُقرّ ، اشتركا في التركة على فريضة الله تعالى.
ولو أقرّ أحد
الابنين المستغرقين بأخٍ وأنكر الآخَر ، فالذي ذهبنا إليه أنّ المُقرّ به يرث
السدس يأخذه من نصيب المُقرّ.
وظاهر مذهب
الشافعي ـ وهو منصوصة ـ أنّه لا يرث ؛ لأنّ الإرث فرع النسب ، وأنّه غير ثابتٍ كما
سبق ، وإذا لم يثبت الأصل لم يثبت الفرع .
وعن بعض الشافعيّة
: إنّ المُقرّ به يرث ، فيشارك المُقرّ فيما في يده. وهو منسوب إلى ابن سريج ، وبه
قال أبو حنيفة ومالك وأحمد . وقد تقدّم بيانه.
__________________
مسألة
١٠٠٤ : لو خلّف الميّت
ابنين فقال أحدهما : فلانة بنت أبينا ، وأنكر الآخَر ، حرم على المُقرّ نكاحها وإن
كان ذلك فرع النسب الذي لم يثبت.
ولو قال أحدهما :
إنّ العبد الذي في التركة ابن أبينا ، لم يثبت النسب ؛ لعدم الاتّفاق.
لكنّ الأقرب :
إنّه يُعتق ؛ لإقراره بأنّه حُرٌّ ، فيثبت عتق نصيبه ، ولا يسري ؛ لأنّه لم يباشر
العتق ، فلا يُقوَّم عليه.
وللشافعيّة في
الحكم بعتقه وجهان .
ولو قال أحد شريكي
العقار لثالثٍ : بعتُ منك نصيبي ، فأنكر ، لا يثبت الشراء.
وفي ثبوت الشفعة
للشريك خلاف.
ولو قال : لزيدٍ
على عمرو كذا وأنا به ضامن ، فأنكر عمرو ، ففي مطالبة المُقرّ بالضمان خلاف.
والأصحّ عند
الشافعيّة : المطالبة .
ولو اعترف الزوج
بالخلع وأنكرت المرأة ، ثبتت البينونة وإن لم يثبت المال الذي هو الأصل.
فعلى ظاهر مذهب
الشافعيّة هذه الأحكام في ظاهر الحكم ، فأمّا في الباطن فهل على المُقرّ إذا كان
صادقاً أن يشركه فيما في يده؟ فيه وجهان :
أحدهما : لا ، كما
في الظاهر.
والثاني : نعم ـ وهو
الصحيح عندهم ـ لأنّه عالم باستحقاقه ، فيحرم
__________________
عليه منع حقّه منه .
وعلى هذا فبما
يشركه؟ فيه وجهان :
أحدهما : بنصف ما
في يده ؛ لأنّ قضيّة ميراث البنين التسويةُ ، فلا يسلم لأحدهم شيء إلاّ ويسلم
للآخَر مثله ، والثالث بزعمهما غصبهما بعض حقّهما ، وبه قال أبو حنيفة.
وأصحّهما عندهم :
ما ذهبنا نحن إليه ، وهو قول مالك وأحمد : بثلث ما في يده ؛ لأنّ حقّ الثالث بزعم
المُقرّ شائع فيما في يده وما في يد صاحبه ، فله الثلث من هذا والثلث من ذاك .
ويقال : الوجهان
مبنيّان على القولين فيما إذا أقرّ أحد الابنين بدَيْنٍ على أبيه وأنكر الآخَر ،
هل على المُقرّ توفية جميع الدَّيْن ممّا في يده ، أم لا يلزمه إلاّ القسط؟ فإن
قلنا بالثاني ـ وهو مذهبنا ـ لم يلزمه إلاّ الثلث ؛ لجَعْلنا الحقَّ الثابت
بالإقرار شائعاً في التركة.
ولكلّ واحدٍ من الوجهين
عبارة تجري مجرى الضابط لأخوات هذه الصورة.
فالعبارة على وجه
النصف أنّا ننظر في أصل المسألة على قول المنكر ونصرف إليه نصيبه منها ، ثمّ نقسّم
الباقي بين المُقرّ والمُقرّ به ، فإن انكسر صحّحناه بالضرب.
وأصل المسألة في
الصورة التي نحن فيها اثنان على قول المنكر ،
__________________
ندفع إليه واحداً
منهما ، يبقى واحد لا ينقسم على اثنين ، فنضرب اثنين في أصل المسألة ، يكون أربعةً
: سهمان منها للمنكر ، ولكلّ واحدٍ من الآخَرين سهم.
وعلى الوجه الذي
حكمنا فيه بالثلث نأخذ أصل المسألة على قول المنكر ، وأصلها على قول المُقرّ ،
ونضرب أحدهما في الآخَر ، ونقسّم الحاصل باعتبار مسألة الإنكار ، فندفع نصيب
المنكر منه إليه ، ثمّ باعتبار مسألة الإقرار ، فندفع نصيب المُقرّ منه إليه ،
وندفع الباقي إلى المُقرّ به.
ومسألة الإنكار
فيما نحن فيه من اثنين ، ومسألة الإقرار من ثلاثة ، فنضرب أحدهما في الآخَر يكون
ستّةً : ثلاثة منها للمنكر ، وسهمان للمُقرّ ، وسهم للمُقرّ له.
ولو كانت المسألة
بحالها وأقرّ أحد الابنين بآخَرين ، فعلى الوجه الأوّل المسألة على قول المنكر من اثنين ،
ندفع نصيبه إليه ، يبقى واحد لا ينقسم على ثلاثة ، نضرب ثلاثة في اثنين ، يكون
ستّةً : ثلاثة منها للمنكر ، ولكلّ واحدٍ من الباقين سهم.
وعلى الوجه الثاني
أصلها على قول المنكر من اثنين ، وعلى قول المُقرّ من أربعة ، نضرب أحدهما في
الآخَر يكون ثمانيةً : أربعة منها للمنكر ، واثنان للمُقرّ ، ولكلّ واحدٍ من
المُقرّ بهما سهم .
وقال بعضهم : نصرف
بالتوسّط بين الوجهين ، وهو أن ننظر فيما حصل في يد المُقرّ أحصل بقسمةٍ أجبره
المنكر عليها ، أم بقسمةٍ هو مختار فيها؟
__________________
أمّا على تقدير
الإجبار : فالجواب ما ذكرنا في الوجه الثاني.
وأمّا على تقدير
الاختيار : فننظر إن كان عالماً عند القسمة بأنّ معهما ثالثاً مستحقّاً ، فالجواب
ما ذكرناه في الوجه الأوّل ؛ لأنّه متعدٍّ بتسليم نصف حصّة الثالث إليه ، فيغرم ما
حصل في يد صاحبه ، كما يغرم الحاصل في يده.
وإن لم يكن عالماً
حينئذٍ ثمّ علم ، فوجهان ، وُجّه أحدهما : بأنّه لا تقصير منه ، والثاني :
بأنّه لا فرق بين العلم والجهل فيما يرجع إلى الغرم .
مسألة
١٠٠٥ : لو كان المُقرّ
به ممّن يحجب المُقرّين عن الميراث أو بعضهم ، كما لو كان الوارث في الظاهر أخاً
أو ابنَ عمّ أو معتقاً فأقرّ بابنٍ للميّت ، حاز المالَ الابنُ بأجمعه ، ولا شيء
للمُقرّ.
وأمّا الشافعي
فقال : إن لم يثبت نسبه فذاك ، وإن ثبت ففي الميراث وجهان :
أحدهما : المنع ،
وهو الأظهر عندهم.
والثاني : إنّه
يرث ـ وبه قال ابن سريج ـ و يحجب المُقر ، كما اخترناه نحن.
__________________
ومنعوا لزوم بطلان
الإقرار من حرمانه ، وقالوا : المعتبر كونه وارثاً لو لا إقراره ، وذلك لا ينافي
خروجه عن الوارثيّة بالإقرار ، كما أنّ المعتبر كونه حائزاً للتركة لو لا إقراره ،
وذلك لا ينافي خروجه عن كونه حائزاً بالإقرار ، فلا جرم لو أقرّ الابن الحائز
للتركة في الظاهر بأُخوّة غيره قُبِل وتشاركا في الإرث ، كذا هنا .
ولو خلّف بنتاً هي
معتقة فأقرّت بأخٍ ، ورثا عندنا جميعَ المال.
وللشافعيّة في
ميراثه وجهان ـ تفريعاً على الوجه الأوّل في المسألة السابقة ـ :
أحدهما : يثبت
ويكون المال بينهما أثلاثاً ؛ لأنّ توريثه لا يحجبها.
والثاني : لا ؛
لأنّه يحجبها عن عصوبة الولاء ، فصار كما لو خلّف بنتاً ومعتقاً فأقرّا بابنٍ
للميّت ، لا يثبت الميراث ؛ لحجبه المعتق .
وقد عرفت مذهبنا
في ذلك.
ولو ادّعى مجهولٌ
على أخ الميّت أنّه ابن الميّت فأنكر الأخ ونكل عن اليمين فحلف المدّعي اليمينَ
المردودة ، ثبت نسبه.
ثمّ إن جعلنا
النكولَ وردَّ اليمين كالبيّنة ورث وحجب الأخ ، وإن جعلناهما كالإقرار ففيه الخلاف
المذكور فيما إذا أقرّ الأخ به.
ولو مات عن بنتٍ
وأُختٍ فأقرّتا بابنٍ للميّت ، فعندنا لا اعتبار بإقرار الأُخت ؛ إذ لا يثبت في
حقّها ؛ حيث إنّها لا ترث عندنا ، ولا في حقّ البنت ، لكنّ المعتبر إقرار البنت ،
فتُقسّم التركة أثلاثاً : للبنت الثلث ، وللابن الثلثان.
__________________
أمّا العامّة
فإنّهم حيث ورّثوا الأُخت هنا اعتبروا إقرارها.
ثمّ اختلف قول
الشافعيّة.
فقال بعضهم : نصيب
الأُخت يُسلّم إليها على الوجه الأظهر عندهم ؛ لأنّه لو ورث الابن لحجبها.
وعلى الثاني يأخذ
ما في يدها كلّه .
وكذا الحكم فيما
لو خلّف زوجةً وأخاً فأقرّا بابنٍ ، فعندنا للزوجة الثُّمن ، والباقي للابن.
وعند الشافعيّة
للزوجة الربع على الوجه الأظهر عندهم ، وهذا الابن لا ينقص حقّها ، كما لا يسقط
الأخ (٢).
مسألة
١٠٠٦ : لو خلّف ابناً
واحداً فأقرّ بآخَر ، لم يثبت نسب الآخَر ، إلاّ إذا صدّقه أو أقام البيّنة ، ومع
البيّنة يُحكم بالنسب مطلقاً ، ومع التصديق يتوارثان بينهما ، ولا يتعدّى التوارث
إلى غيرهما.
ولو كان للمُقرّ
به ورثة مشهورون ، لم يُقبل إقراره في النسب وإن تصادقا ، وكان له الميراث.
ولو أقرّ أحد
الابنين ببنتٍ وأنكر الآخَر ، دفع المُقرّ خُمْس ما في يده. ولو أقرّا معاً ، ثبت
لها خُمْس الجميع.
ولو تناكر الابنان
اللّذان أقرّ بهما الوارث دفعةً ، لم يلتفت إلى تناكرهما ، لكن لا يثبت النسب ،
ويأخذان الميراث.
مسألة
١٠٠٧ : لا يشترط في
المُقرّ أن يكون جميعَ الورثة ، عندنا ، بل لو أقرّ بعضهم دون بعضٍ لزم المُقرّ
حكم إقراره في نصيبه ، دون نصيب
__________________
الباقي ، فلا
يشترط إقرار جميع الورثة.
ولا يشترط عندنا
عدد الشهادة ، بل لو أقرّ واحد لزمه الحكم في نصيبه.
وقال الشافعي :
يشترط إقرار جميع الورثة .
وقال أبو حنيفة :
لا يشترط الجميع ، بل عدد الشهادة شرط ، فإذا لم يكن إلاّ ابنٌ واحد لم يثبت النسب
بإقراره .
فإذا خلّف بنين
عدّة فأقرّ اثنان منهم ، فإن كانا عَدْلين أُجيزت شهادتهما على باقي الورثة ، وثبت
النسب والميراث ، وإن لم يكونا عَدْلين أخذ المُقرّ به من نصيبهما بالنسبة خاصّةً
، وبه قال مالك .
مسألة
١٠٠٨ : إقرار الورثة
بزوجٍ أو زوجةٍ للميّت مقبولٌ ، ويشارك المُقرّ به.
ولو أقرّ بعضهم ،
ثبت نصيبه عندنا خاصّةً بالنسبة إليه ، دون باقي الورثة.
وللشافعي قولان في
أنّه هل يُقبل إقرار جميع الورثة بالزوج أو
__________________
الزوجة؟ ففي
الجديد ـ كما قلناه ـ : إنّه يُقبل. وفي القديم قولٌ : إنّه لا يُقبل. فإن قبلنا
فلو أقرّ أحد الابنين المستغرقين وأنكر الآخَر ، فالتوريث على ما ذكرناه فيما إذا
أقرّ أحدهما بأخٍ وأنكر الآخَر .
ولو قال ابن
الميّت : فلان أخي ، ثمّ فسّره بالأُخوّة من الرضاع أو في الدين ، فالأقوى عندي :
القبول ؛ لاحتماله ، وهو أعلم بمراده من لفظه.
وقال بعض
الشافعيّة : لا يُقبل هذا التفسير ؛ لأنّه خلاف الظاهر ، ولهذا لو فسّر بأُخوّة
الإسلام لم يُقبل .
وهو ممنوع.
ولو أقرّ على أبيه
بالولاء ، فقال : إنّه معتق فلان ، ثبت الولاء عليه.
وشرط الشافعيّة أن
يكون المُقرّ مستغرقاً ، كالنسب .
ونحن لا نشترط
ذلك.
مسألة
١٠٠٩ : قد بيّنّا أنّ
المُقرّ به إذا كان بالغاً رشيداً افتقر المُقرّ إلى تصديقه ، سواء كان المُقرّ به
ولداً أو غيره.
وللشيخ ; قول : إنّ الولد
الكبير لا يعتبر تصديقه ، بل لو كذّب المُقرّ في إقراره ثبت نسبه ، كالصغير .
وليس بمعتمدٍ.
ولو أقرّ الأخوان
بابنٍ للميّت وكانا عَدْلين ، ثبت نسبه ، وحاز الميراث ، ولا دَوْر عندنا.
__________________
ولو كانا فاسقين ،
أخذ الميراث ، ولم يثبت النسب ، وإنّما يثبت النسب بشهادة رجلين عَدْلين ، ولا
يُقبل فيه شاهد وامرأتان ، ولا شهادة فاسقين وإن كانا وارثين.
وإذا أقرّ الولد
بآخَر فأقرّا بثالثٍ ، ثبت نسب الثالث إن كانا عَدْلين.
ولو أنكر الثالث
الثاني ، لم يثبت نسب الثاني ، وأخذ السدسَ ، والثالثُ النصفَ ، والأوّل الثلثَ.
فإن مات الثالث عن ابنٍ مُقرّ ، دفع السدس إلى الثاني أيضاً.
ولو كان الأوّلان
معلومَي النسب ، لم يُلتفت إلى إنكاره لأحدهما ، وكانت التركة أثلاثاً.
ولو أنكر الأوّل
وكان معلومَ النسب ، لم يُلتفت إلى إنكاره ، وإلاّ فله النصف ، وللأوّل السدس إن
صدّقه الثاني.
ولو أقرّ الوارث
بمَنْ هو أولى منه ، كان المال للمُقرّ له ، فلو أقرّ العمّ بأخٍ سلَّم إليه
التركة ، فإن أقرّ الأخ بولدٍ سُلّمت التركة إلى الولد.
ولو كان المُقرّ
العمَّ بعد إقراره بالأخ ، فإن صدّقه الأخ فالمال للولد ، وإن كذّبه فالتركة للأخ
، ويغرم العمّ التركة للولد إن نفى وارثاً غيره ، وإلاّ ففيه إشكال.
مسألة
١٠١٠ : لو أقرّ الأخ
بولدٍ للميّت ، فالمال للولد.
فإن أقرّ بآخَر
فإن صدّقه الأوّل فالتركة بينهما ، وإن كذّبه فالتركة للأوّل ، ويغرم النصف
للثاني.
وإن أنكر الثاني
الأوّلَ فإن أقرّ بثالثٍ وكان الأوّل قد كذّب الثاني ، فإن صدّقه الأوّل فللثالث
نصف التركة ، وإن كذّبه الأوّل في الثالث أيضاً غرم المُقرّ للثالث الثلثَ.
ولو أقرّ الأخ
بولدٍ ثمّ أقرّ بآخَر أيضاً ، فصدّقه الأوّل وأنكر الثاني الأوّلَ ، فالتركة
للثاني ولا غرم.
ولو أقرّت الزوجة
أو الزوج لولد الميّت وهناك إخوة مشهورون ، فإن صدّقهما الإخوة فللزوج أو الزوجة
نصيبهما الأدنى ، والباقي للولد ، ولا شيء للإخوة.
وكذا كلّ وارثٍ في
الظاهر إذا أقرّ بمن هو أولى منه ، دفع ما في يده إلى المُقرّ له ، وإن أقرّ
بمساوٍ فبالنسبة.
وإن كذّبهما
الإخوة ، فلهم النصف مع الزوج ، وثلاثة الأرباع مع الزوجة ، وللزوج النصف يدفع
نصفه إلى الولد ، وللمرأة الربع تدفع نصفه إلى الولد.
مسألة
١٠١١ : لو أقرّ الأخ
بولدين دفعةً فصدّقه كلّ واحدٍ عن نفسه خاصّةً ، لم يثبت النسب ، ويثبت الميراث ،
فيأخذ كلّ واحدٍ النصفَ ، ولو تناكرا بينهما لم يلتفت إلى تناكرهما.
ولو خلّف الميّت
أخوين فأقرّ أحدهما بولدٍ وكذّبه الآخَر ، أخذ الولد نصيبَ المُقرّ خاصّةً ، فإن
أقرّ المنكر بآخَر دفع إليه ما في يده.
ولو أقرّ بزوجٍ
لذات الولد أعطاه ربع ما في يده ، ولو لم يكن ولد أعطاه النصفَ.
فإن أقرّ بزوجٍ
آخَر لم يُقبل ، فإن كذّب إقراره الأوّل غرم للثاني ما دفع إلى الأوّل.
وهل يثبت الغرم
بمجرّد الإقرار أو بالتكذيب؟ الظاهر من كلام الأصحاب : الثاني.
ولو أقرّ بزوجةٍ
لذي الولد أعطاها ثُمن ما في يده ، ولو لم يكن ولد
أعطاها الربعَ.
فإن أقرّ بأُخرى
فإن صدّقته الأُولى اقتسمتا ، وإلاّ غرم لها نصف ما أخذت الأُولى من حصّته.
ولو أقرّ بثالثةٍ
أعطاها الثلث ، فإن أقرّ برابعةٍ أعطاها الربع ، فإن أقرّ بخامسةٍ لم يلتفت إليه
على إشكالٍ.
فإن أنكر إحدى
الأربع غرم لها ربع الثُّمْن أو ربع الربع.
ولو كان إقراره
بالأربع دفعةً واحدة ، ثبت نصيب الزوجيّة لهنّ ، ولا غرم ، سواء تصادقن أو لا.
مسألة
١٠١٢ : لو أقرّ الأخ من
الأب بأخٍ من الأُمّ ، أعطاه السدس.
فإن أقرّ الأخ من
الأُمّ بأخوين منها وصدّقه الأوّل ، سلّم الأخ من الأُمّ إليهما ثلث السدس بينهما
بالسويّة ، ويبقى معه الثلثان ، وسلّم إليهما الأخ من الأب سدساً آخَر.
ويحتمل أن يسلّم
الأخ من الأُمّ الثلثين ، ويرجع كلٌّ منهم على الأخ من الأب بثلث السدس.
ولو كذّبه فعلى
الأوّل يكون للأوّل ثلثا السدس ، ولهما الثلث ، وعلى الثاني السدس بينهم أثلاثاً.
ولو أقرّ الولد
بالزوجة أعطاها الثُّمْن ، فإن أقرّ بأُخرى أعطاها نصف الثُّمْن إذا كذّبته
الأُولى ، فإن أقرّ بثالثةٍ فاعترفت الأُوليان بها واعترفت الثانية بالأُولى ،
استعاد من الأُولى نصف الثُّمْن ، ومن الثانية سُدسَه ، فيصير معه ثلثا الثُّمن
يسلّم إلى الثالثة منه ثلثاً ويبقى له ثلثٌ آخَر.
ولو كان أحد
المذكورين عبداً أو كافراً فأقرّ الحُرّ المسلم بآخَر فأُعتق العبد أو أسلم الكافر
قبل القسمة ، شارك ، وإلاّ فلا.
ولو كذّب بعد زوال
المانع أو قبله الثاني ، فلا شيء له ، إلاّ أن يرجع إلى التصديق.
ولو كان أحدهما
غيرَ مكلّفٍ فأقرّ المكلّف بآخَر ، عزل لغير المكلّف النصف ، فإن اعترف بعد زوال
المانع ، دفع الفاضل عن نصيبه ، وإن كذّب ملك المعزول.
ولو مات قبل الكمال
وقد تخلّف السدس خاصّةً ، فإن كان قد أفرزه الحاكم للإيقاف فهو للمُقرّ له ، وإلاّ
فثلثاه.
مسألة
١٠١٣ : لو أقرّ أحد
الولدين بابنٍ فأنكر الثاني ثمّ مات المنكر عن ابنٍ مصدَّق ، فالأقرب : ثبوت نسب
العمّ.
ويحتمل العدم ،
لكن يأخذ من تركة الميّت ما فضل عن نصيبه.
ولو أقرّ الولد
بزوجةٍ وللميّت أُخرى ، فإن صدّقته الأُخرى فالثُّمن بينهما ، وإلاّ فللأُخرى ،
ولا غرم على إشكالٍ.
ولو أقرّ الأخ من
الأُمّ بأخٍ إمّا من الأب أو من الأُمّ أو منهما ، فكذّبه الأخ من الأب ، فللمُقرّ
حصّته كملاً.
وكذا لو أقرّ
بأخوين من الأب أو منهما.
ولو كانا من
الأُمّ فإنّه يدفع إليهما ثلث السدس ؛ لاعترافه بأنّهما شريكان في الثلث ، لكلٍّ
منهما تُسْعٌ وفي يده تُسْع ونصف تُسْعٍ ، فيفضل في يده نصف تُسْعٍ.
ولو أقرّ الأخوان
من الأُمّ بأخٍ منها ، دفعنا إليه ثلث ما في يدهما ،
سواء صدّقهما الأخ
من الأب أو كذّبهما.
ولو أقرّ به
أحدهما خاصّةً ، دفع إليه ثلث ما في يده.
ولا اعتبار بتصديق
الأخ من الأب أو تكذيبه ، لكن لو صدّق وكان عَدْلاً كان شاهداً ، فإن كان المُقرّ
عَدْلاً ثبت النسب ، وإلاّ فلا.
* * *
الفصل السادس
: في اللواحق
مسألة
١٠١٤ : لو كانت جارية في يد إنسانٍ فجاء غيره
وقال له : بعتك هذه الجارية بكذا وسلّمتُها إليك فأدِّ الثمن ، وقال المتشبّث : بل زوّجتنيها على صداق كذا وهو علَيَّ ،
فإن جرى هذا التنازع وصاحب اليد لم يولدها ، حلف كلّ واحدٍ منهما على نفي ما
يدّعيه الآخَر ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما مُدّعٍ وقد اتّفقا معاً على إباحة الوطء ،
فإن حلفا سقط دعوى الثمن والنكاح ، ولا مهر ، سواء دخل بها صاحب اليد أو لم يدخل ؛
لأنّه وإن أقرّ بالمهر لمن كان مالكاً فهو منكر له ، وتعود الجارية إلى المالك.
وفي جهة رجوعها
احتمال بين أنّها تعود إليه ، كما يعود المبيع إلى البائع لإفلاس المشتري بالثمن ،
وبين أنّها تعود بجهة أنّها لصاحب اليد بزعمه ، وهو يستحقّ الثمن عليه ، وقد ظفر
بغير جنس حقّه من ماله.
وللشافعيّة وجهان كهذين.
فعلى هذا الثاني
يبيعها ويستوفي ثمنها ، فإن فضل شيء فهو لصاحب اليد ، ولا يحلّ له وطؤها.
وعلى الأوّل يحلّ
له وطؤها والتصرّف فيها ، ولا بدّ من التلفّظ بالفسخ.
__________________
وإن حلف أحدهما
دون الآخَر ، فإن حلف مدّعي الثمن على نفي التزويج ونكل صاحب اليد عن اليمين على
نفي الشراء ، حلف المدّعي اليمينَ المردودة على الشراء ، ووجب الثمن.
وإن حلف صاحب اليد
على نفي الشراء ونكل الآخَر عن اليمين على نفي التزويج ، حلف صاحب اليد اليمينَ
المردودة على النكاح ، وحُكم له بالنكاح وبأنّ رقبتها للآخَر.
ثمّ لو ارتفع
النكاح بطلاقٍ أو غيره ، حلّت للسيّد في الظاهر ، وكذا في الباطن إن كان كاذباً.
وعن بعض الشافعيّة
: إنّه إذا نكل أحدهما عن اليمين المعروضة عليه ، اكتفي من الثاني بيمينٍ واحدة
يجمع فيها بين النفي والإثبات .
والمشهور عند
الشافعيّة : الأوّل .
مسألة
١٠١٥ : لو جرى هذا التنازع وصاحب اليد قد
أولدها ، فالولد حُر ، والجارية أُمّ
ولدٍ له باعتراف المالك القديم وهو يدّعي الثمن ، فيحلف صاحب اليد على نفيه ، فإن
حلف على نفي الشراء سقط عنه الثمن المدّعى.
وهل يرجع المالك
عليه بشيء؟ فيه احتمال أن يرجع بأقلّ الأمرين من الثمن أو المهر ؛ لأنّه يدّعي
الثمن وصاحب اليد يُقرّ له بالمهر ، فالأقلّ منهما [ متّفق ] عليه ، وأن لا
يرجع عليه بشيء ؛ لأنّ صاحب اليد أسقط الثمن عن نفسه بيمينه ، والمهر الذي يُقرّ
به لا يدّعيه الآخَر ، فلا يتمكّن من المطالبة به.
__________________
وللشافعيّة كهذين
الاحتمالين.
وهل لصاحب اليد
تحليف المالك على نفي الزوجيّة بعد ما حلف على نفي الشراء؟ فيه للشافعيّة وجهان :
أحدهما : لا ؛
لأنّه لو ادّعى ملكها وتزويجها بعد اعترافه أنّها أُمّ ولدٍ للآخَر لا يُقبل منه
فكيف يحلف على ما لو أقرّ به لم يُقبل!؟
والثاني : نعم ،
طمعاً في أن ينكل فيحلف فيثبت له النكاح .
ولو نكل صاحب اليد
عن اليمين على نفي الشراء ، حلف المالك القديم اليمينَ المردودة ، واستحقّ الثمن.
وعلى كلّ حال
فالجارية مقرّرة في يد صاحب اليد وأنّها أُمّ ولده أو زوجته ، وله وطؤها في الباطن
، وفي الحلّ ظاهراً وجهان للشافعيّة :
أظهرهما عندهم :
الحلّ.
ووجه المنع : إنّه
لا يدري أنّه أيطأ زوجته أو أمته؟ وإذا اختلفت الجهة وجب الاحتياط للبُضْع ، كما
قال الشافعي [ فيما ] إذا اشترى زوجته بشرط الخيار : إنّه لا يطأها في زمن
الخيار ؛ لأنّه لا يدري أيطأ زوجته أو أمته؟ .
واعتذر الجويني عن
قول الشافعي هذا ، وقال : ليس المنع من الوطء في هذه الصورة لاختلاف الجهة ، بل
لأنّ الملك في زمن الخيار للمشتري على قولٍ ، وإذا ثبت الملك انفسخ النكاح ،
والملك الثابت ضعيف لا يفيد
__________________
حلّ الوطء .
ونفقتها على صاحب
اليد إن جوّزنا له الوطء ، وإلاّ فللشافعي قولان :
أحدهما : إنّها
على المالك القديم ؛ لأنّها كانت عليه ، فلا يُقبل قوله في سقوطها وإن قُبِل فيما
عليه ، وهو زوال الملك وثبوت الاستيلاد.
وأصحّهما عندهم :
إنّها في كسب الجارية ، ولا يُكلّف بها المالك القديم ، كما لا يُكلّف نفقة الولد
وإن كانت حُرّيّته مستفادةً من قوله أيضاً ، فعلى هذا لو لم يكن لها كسبٌ كانت من
محاويج المسلمين .
ولو ماتت الجارية
قبل موت المستولد ، ماتت قِنّةً ، وللمالك القديم أخذ الثمن ممّا تركته من كسبها ؛
لأنّ المستولد يقول : إنّها بأسرها له ، وهو يقول : إنّها للمستولد وله عليه الثمن
، فيأخذ حقّه منها ، والفاضل موقوف لا يدّعيه أحد.
وإن ماتت بعد موت
المستولد ، ماتت حُرّةً ، ومالُها لوارثها النسيب ، فإن لم يكن فهو موقوف ؛ لأنّ
الولاء لا يدّعيه واحد منهما ، وليس للمالك القديم أخذ الثمن من تركتها ؛ لأنّ
الثمن بزعمه على المستولد ، وهي قد عُتقت بموته ، فلا يؤدّى دَيْنه ممّا جمعَتْه
بعد الحُرّيّة.
هذا كلّه فيما إذا
أصرّا على كلاميهما ، أمّا إذا رجع المالك القديم وصدّق صاحبَ اليد ، لم يُقبل في
حُرّيّة الولد وثبوت الاستيلاد ، فيكون اكتسابها له ما دام المستولد حيّاً ، فإذا
مات عُتقت ، وكان اكتسابها لها.
ولو رجع المستولد
وصدّق المالكَ القديم ، لزم الثمن ، وكان ولاؤها له.
__________________
مسألة
١٠١٦ : إذا أقرّ الورثة بأسرهم بدَيْنٍ على
الميّت أو بشيء من ماله للغير ، كان مقبولاً ؛ لأنّه كإقرار الميّت ، وذلك لأنّ الإقرار هنا في الحقيقة
على أنفسهم ؛ لانتقال التركة إليهم.
ولو أقرّ بعض
الورثة عليه بدَيْنٍ وأنكر البعض ، فإن أقرّ اثنان وكانا عَدْلين ثبت الدَّيْن على
الميّت بشهادتهما.
وإن لم يكونا
عَدْلين ، نفذ إقرار المُقرّ في حقّ نفسه خاصّةً ، ويؤخذ منه من الدَّيْن الذي
أقرّ به بنسبة نصيبه من التركة ، فإذا كانت التركة مائةً ونصيب المُقرّ خمسين
فأقرّ الوارث بخمسين للأجنبيّ وكذّبه الآخَر الذي نصيبه أيضاً خمسون ، أُخذ من
نصيب المُقرّ خمسة وعشرون ، وهو القدر الذي يصيبه من الدَّيْن ؛ لأنّا نبسط جميع الدَّيْن
على جميع التركة ، وقد أصاب المُقرّ من التركة نصفها ، فعليه نصف الدَّيْن ـ وبه
قال الشافعي في الجديد ـ لأنّ الوارث لا يُقرّ بالدَّيْن على نفسه ، وإنّما يُقرّ
على الميّت بحكم الخلافة عنه ، فلا ينفذ إقراره إلاّ بقدر الخلافة ، ولأنّ أحد
الشريكين في العبد إذا أقرّ بجنايةٍ لم يلزمه إلاّ بقدر حصّته ، فكذا هنا.
وفي قديم الشافعي
: إنّ على المُقرّ توفيةَ جميع الدَّيْن من نصيبه من التركة ، فإن كان وافياً ،
وإلاّ صُرف جميع نصيبه في الدَّيْن ـ وبه قال أبو حنيفة ـ لأنّ الدَّيْن مقدَّم
على الميراث ، فإذا أقرّ بدَيْنٍ على الميّت ، لم يحل أخذ شيء من التركة ما بقي
شيء من الدَّيْن ـ وبه قال ابن سريج من الشافعيّة ـ لأنّ المُقرّ في نصيبه لا
يقصر عن الأجنبيّ في جملة التركة ،
__________________
ولو أقرّ أجنبيٌّ
بدَيْنٍ في التركة يستغرقها ، لزمه إقراره حتى لو وقعت التركة في يده يوماً من
الدهر أُمر بصَرفها إلى ذلك الدَّيْن .
وهو غلط ؛ لأنّ
المُقرّ إنّما يمضى إقراره في حقّ نفسه ، والذي يصيبه من التركة نصفها ، فكأنّه
يقول : إنّه يستحقّ كذا من نصيبي ونصيب أخي ، فينفذ في قدر نصيبه ، ويكون ما عيّنه
في نصيب أخيه لاغياً ، بخلاف إقرار الأجنبيّ ؛ لأنّ الأجنبيّ أقرّ باستحقاق الغير
لهذه التركة ، فإذا أخذ منها شيئاً وجب دفعه إلى المُقرّ له ، بخلاف المتنازع ؛
فإنّه أقرّ فيه بجزءٍ شائعٍ ، فلزمه الدفع بالنسبة.
واعلم
: أنّ الخلاف هنا
محمول على أنّ إقراره يُثبت جميع الدَّيْن على الميّت تبعاً لثبوته على المُقرّ ،
أم لا يُثبت إلاّ حصّته؟
وفائدته : التقدّم
على الوصيّة ، فعلى قولٍ : يتقدّم جميع الدَّيْن المُقرّ به على الوصايا. وعلى
قولٍ : حصّته.
والمشهور : الأوّل
عند الشافعيّة .
وعلى الجديد لو
مات المنكر ووارثه المُقرّ ، فهل يلزمه جميع المُقرّ به الآن؟ فيه للشافعيّة وجهان
، أصحّهما عندهم : نعم ؛ لحصول جميع التركة في يده .
مسألة
١٠١٧ : لو شهد بعض الورثة على المورّث بدَيْنٍ
فإن كان عَدْلاً وكانا اثنين ثبت الدَّيْن ، ولزم جميع الورثة أداؤه.
وإن لم يكونا
عَدْلين مضى الإقرار في قدر نصيبهما بالنسبة من الدَّيْن
__________________
عندنا.
وقالت الشافعيّة :
إن قلنا : لا يلزمه بالإقرار إلاّ حصّته ، يُقبل. وإن قلنا : يلزمه الجميع ، لم
يُقبل وإن كانا عَدْلين ؛ لأنّه متّهم بإسقاط بعض الدَّيْن عن نفسه .
لكن لمّا لم نقل
بهذا المذهب لم يلزمنا ذلك ، كما اختاروه في الوجه الأوّل.
قالوا : ولا فرق
بين أن تكون الشهادة بعد الإقرار أو قبله ؛ لأنّه متّهم بالعدول عن طريق الإقرار
إلى طريق الشهادة ، وعليه إظهار ما على مورّثه بأحد الطريقين .
وعند أبي حنيفة إن
شهد قبل الإقرار قُبِل ، وإن شهد بعده لم يُقبل .
ولو كان في يد
رجلين كيس فيه ألف دينار ، فقال أحدهما لثالثٍ : لك نصف ما في الكيس ، فالأقرب :
حمل إقراره على الإشاعة ، وأنّ النصف المُقرّ به من جميع ما في الكيس ، فإن وافقه
شريكه دفعا النصف كملاً إلى المُقرّ له ، وإن كذّبه في إقراره وجب على المُقرّ دفع
نصف نصيبه ، وهو الربع ، وبطل في الربع الآخَر ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.
والثاني : حمل
إقراره على النصف الذي في يده بأجمعه ، بناءً على القولين السابقين لهم ، وبناءً
على الخلاف فيما إذا أقرّ أحد الشريكين في العبد المشترك بالسويّة لآخَر بنصفه
أنّه يُحمل على نصيبه أم يوزّع النصف المُقرّ به على النصفين؟ .
مسألة
١٠١٨ : لو خلّف الميّت ابنين لا غير ، فأقرّ
أحدهما بأنّ أباه أوصى لزيدٍ بعشرة ، فهو بمنزلة ما لو أقرّ عليه بدَيْن ، يلزمه من الوصيّة
__________________
نصفها بالنسبة إلى
ما في يده.
وعلى القديم
للشافعي : تتعلّق كلّ العشرة بثلث نصيبه. وعلى الجديد : يتعلّق نصف العشرة بثلث
نصيبه ـ وهو الذي اخترناه ـ وبه قال أبو حنيفة ، بخلاف ما قال في الإقرار بالدَّيْن .
ولو أقرّ أحدهما
بأنّه أوصى بربع ماله ، وأنكر الآخَر ، فعلى المُقرّ أن يدفع ربع ما في يده إلى
الموصى له.
ولو أقرّ بأنّه
أوصى بعينٍ من أعيان أمواله ، فإن لم يقتسما التركة فنصيب المُقرّ من تلك العين
يصرف إلى الموصى له ، والباقي للمنكر.
وإن اقتسماها نُظر
، فإن كانت تلك العين في يد المُقرّ فعليه دفعها إلى الموصى له ، والباقي للمنكر ،
وإن كانت في يد المنكر فللموصى له أخذ نصف القيمة من المُقرّ ؛ لأنّه فوّته عليه
بالقسمة.
ولو شهد المُقرّ
للموصى له ، قُبلت شهادته ، ويغرم المشهود عليه نصف قيمة العين ، كما لو خرج بعض
أعيان التركة مستحقّاً.
مسألة
١٠١٩ : لو قال لعبده : أعتقتك على ألف ،
وطالَب بالألف ، فأنكر العبد وحلف ، سقطت دعوى المال ، ويُحكم بعتق العبد ؛ لإقراره ، وكذا لو قال له : بعت منك
نفسك بألف ، وجوّزناه ، وهو الصحيح من مذهب الشافعي .
ولو قال لوالد
عبده : بعت منك ولدك بكذا ، فأنكر وحلف ، لم يجب الألف ، وعُتق العبد باعتراف
المولى وإقراره بصيرورته حُرّاً ؛ لأنّه أقرّ بدخول العبد في ملك أبيه.
__________________
ولو قال : لفلانٍ
عندي خاتم ، ثمّ جاء بخاتم وقال : هذا هو الذي أقررتُ به ، فالأقرب : وجوب التسليم
عليه إلى المُقرّ له ، ولو كذّبه المُقرّ له لم يجب ، إلاّ إذا طلبه بعد التكذيب
وصدّقه.
وقد اختلف قول
الشافعي هنا.
فقال في موضعٍ : يُقبل
منه ، ويجب عليه تسليمه للمُقرّ له.
وقال في موضعٍ
آخَر : لا يلزمه التسليم.
قال أصحابه :
الأوّل محمول على ما إذا صدّقه المُقرّ له ، والثاني على ما إذا قال : الذي أقررت
به غيره وليس هذا لي ، فلا يسلّم ما جاء به إليه ، والقول قول المُقرّ في نفي غيره
.
مسألة
١٠٢٠ : قد بيّنّا أنّه إذا كان له جارية لها
ولد ، فقال : إنّ هذا ولدي من هذه الجارية ، فإنّه يُطالَب بالبيان ، فإذا قال : استولدتها في ملكي ، كان حُرَّ الأصل لا ولاء
عليه ، وكانت أُمُّه أُمَّ ولدٍ له تعتق بموته من نصيب ولدها عندنا ، ومن رأس مال
الميّت عند العامّة.
قالوا : ويُقدّم
ذلك على حقوق الغرماء ؛ لأنّ الاستيلاد آكد من حقوقهم ، فإذا أقرّ به قُدّم ، ألا
ترى أنّه بعد الإقرار لا سبيل إلى إبطاله ، بخلاف الديون .
وعندنا ليس كذلك ،
وسيأتي.
وإن قال :
استولدتها في ملك الغير بشبهةٍ ، فالولد حُرّ الأصل.
وهل تصير أُمُّه
أُمَّ ولدٍ له؟ قولان للشافعيّة سبقا .
__________________
وإن قال :
استولدتها في ملك غيري بنكاحٍ ، فإنّ الولد يكون حُرّاً بملكه إيّاه ، ويثبت له
عليه الولاء عند العامّة ، وعندنا لا ولاء له عليه ولا لغيره ، ولا تصير أُمَّ
ولدٍ.
وإن لم يبيّن حتى
مات ، فالولد حُرٌّ ، ولا يثبت عليه الولاء بالشكّ.
واختلفت الشافعيّة
في الجارية :
فمنهم مَنْ قال :
لا يثبت لها حكم الاستيلاد بالشكّ ، وتُباع في ديون الغرماء.
ومنهم مَنْ قال :
يثبت لها حكم الاستيلاد ؛ لأنّ الولادة موجودة وملكه عليها موجود ، فالظاهر حصولها
في الملك .
والأقوى عندي :
الأوّل.
مسألة
١٠٢١ : قد بيّنّا أنّه إذا أقرّ للحمل ، صحّ
الإقرار على ما تقدّم من التفصيل فيه.
فإن ولدت واحداً ، فالمال له.
وإن ولدت اثنين
فإن كانا ذكرين أو أُنثيين ، فالمال بينهما بالسويّة.
وإن كانا ذكراً
وأُنثى فإن كان المال عن وصيّةٍ ، كان بينهما بالسويّة.
وإن كان عن ميراثٍ
، فللذكر ضِعْف الأُنثى ، إلاّ أن يكونا إخوةً من الأُمّ ، فإنّه يستوي فيه الذكر
والأُنثى.
وإن أطلق المُقرّ
، سئل عن ذلك ، ورجع إلى بيانه.
وقال بعض
الشافعيّة : إنّه إذا كان مطلقاً ، كانا فيه سواءً .
__________________
إذا ثبت هذا ،
فإنّ وليّ الصبي يُطالب المُقرّ بالمال ويقبضه له ، وبه قال الشافعي .
واعترض المزني
عليه : بأنّه خلاف قوله في الوكالة : « إذا أقرّ رجل بأنّ فلاناً الغائب وكّله في
قبض دَيْنه وصدّقه مَنْ عليه الدَّيْن [ أنّه ] لا يلزمه دفعه
إليه » وهذه المسألة تنافيها .
وأُجيب : بالفرق
بين أن يُقرّ بأنّ هذا المال لزيدٍ وهذا وارثه ، وبين الوكالة ؛ لأنّ في الوكالة
لا يتضمّن إقراره براءته ، وهنا يتضمّن براءته ؛ لأنّه يقول : ليس لهذا المال
مستحقّ إلاّ هذا الوارث الذي هو الصبي ، فلزمه بإقراره دفع المال إليه أو إلى مَنْ
ينوب عنه .
__________________
فهرس الموضوعات
المقصد السادس : في الوكالة
الفصل الأوّل : في حقيقتها ومشروعيّتها
تعريف الوكالة والدليل
عليها................................................... ٥
الفصل الثاني : في أركان الوكالة
البحث الأوّل : في الصيغة
احتياج عقد الوكالة
إلى الإيجاب والقبول......................................... ٩
كفاية قول : « وكّلني
في كذا في الإيجاب........................................ ٩
لابدّ في عقد الوكالة
من القبول لفظاً أو فعلاً.................................... ١٠
بيان أقسام القبول وما
يعتبر منها في الوكالة..................................... ١٠
حكم القبول على الفور
والتراخى............................................. ١١
هل تكفي الكتابة
والرسالة؟.................................................. ١٣
حكم تعليق الوكالة
بشرط أو وصف.......................................... ١٣
صحّة توقيت الوكالة........................................................ ١٥
حكم تصرّف الوكيل بعد
حصول الشرط فيما إذا عُلّقت الوكالة به.............. ١٥
حكم الوكالة المنجّزة
فيما لو قال : وكّلتك بكذا ومهما عزلتك فأنت وكيلي...... ١٦
فيما إذا عزله الموكّل
ـ في الفرض المزبور ـ فهل يعود وكيلاً؟.................. ١٦
هل العزل يقبل التعليق؟...................................................... ١٧
جواز الوكالة بجُعْل
وغير جُعْل................................................ ١٨
البحث الثاني : في الموكّل
عدم صحّة توكيل الصبي
والمجنون والنائم والمغمى عليه والساهي والغافل............ ١٩
صحّة الوكالة في كلّ
ما تصحّ النيابة فيه........................................ ١٩
حكم وكالة المرأة في
النكاح وتوكيل الفاسق في تزويج ابنته...................... ٢٠
اشتراط كون الموكّل
متمكّناً من المباشرة إمّا بحقّ الملك أو الولاية.................. ٢٠
جواز الوكالة في كلّ
ما يصحّ دخول النيابة فيه.................................. ٢٢
حكم طلاق الوكيل في
حضرة الموكّل.......................................... ٢٣
حكم توكيل الفاسق غيره
في إيجاب العقد على ابنته وقبول النكاح عن ابنه......... ٢٤
أقسام التوكيل
وأحكامها..................................................... ٢٤
هل يقتضي التوكيل في التصرّف
الإذن في التوكيل؟............................. ٢٧
ليس للوكيل المجاز في
التوكيل توكيل غير الأمين................................ ٢٧
أقسام الوكيل المأذون
في التوكيل وأحكامها.................................... ٢٨
البحث الثالث : في الوكيل
اشتراط التمكّن من
المباشرة في الوكيل......................................... ٣٠
حكم توكيل المرأة في
عقد النكاح إيجاباً وقبولاً.................................. ٣١
حكم توكيل المطلّقة الرجعيّة
في رجعة نفسها وتوكيل امرأة أُخرى................. ٣٢
حكم توكيل المرأة في
الاختيار للفراق لما زاد على أربع نسوة..................... ٣٢
جواز تعدّد الوكيل في
الشيء الواحد ووحدته................................... ٣٢
حكم توكّل العبد في
الشراء لنفسه أو لغيره..................................... ٣٢
حكم توكّل العبد في
قبول النكاح وإيجابه بغير إذن السيّد........................ ٣٣
جواز توكيل المحجور
عليه بالسفه في طرفي النكاح............................... ٣٣
جواز توكيل المحجور
عليه بالفلس فيما لا يلزم ذمّته عهدة وفيما يلزم.............. ٣٣
جواز توكّل المرأة في
طلاق زوجة الغير......................................... ٣٤
عدم صحّة وكالة مَنْ
لا يملك التصرّف في شيء لنفسه.......................... ٣٤
بطلان وكالة الذمّي
للمسلم أو الكافر على المسلم............................... ٣٤
كراهة وكالة المسلم
للذمّي................................................... ٣٥
حكم ما لو وكّل المسلم
مسلماً ثمّ ارتدّ الوكيل.................................. ٣٥
حكم ما لو وكّل
المرتدّ مسلماً في التصرّفات الماليّة............................... ٣٦
البحث الرابع : فيما فيه التوكيل
النظر الأوّل : أن يكون مملوكاً للموكّل
اشتراط كون متعلّق
الوكالة مملوكاً للموكّل..................................... ٣٦
النظر الثاني : في قبول متعلّق الوكالة النيابة
بيان الضابط لما تصحّ
فيه النيابة وما لا تصحّ.................................... ٣٧
صحّة التوكيل في البيع
إيجاباً وقبولاً وفي جميع أنواعه وأحكامه وتوابعه............. ٤٠
صحّة توكيل الحاكم
مَنْ ينوب عنه في الحجر................................... ٤١
صحّة التوكيل في عقود
القراض والهبة والعارية وفعلها............................ ٤١
صحّة النيابة في
المطالبة بالشفعة وأخذها........................................ ٤١
صحّة النيابة في
المساقاة والمزارعة والإجارة والوديعة والجعالة والفعل المتعلّق بالجعالة والحوالة
والقرض والوقف والحبس وغير ذلك ٤١
صحّة النيابة في
الصدقة والإبراء وقبض الأموال والديون وإقباضها................. ٤٢
صحّة النيابة في
العطايا وقسمة الفيء والغنيمة والصدقة.......................... ٤٢
صحّة التوكيل في عقد
النكاح إيجاباً وقبولاً..................................... ٤٢
جواز التوكيل في
الطلاق والخلع والرجعة....................................... ٤٢
صحّة التوكيل في تعيين
المهر وقبضه........................................... ٤٣
عدم صحّة الوكالة في
القَسْم.................................................. ٤٣
صحّة التوكيل في فسخ
العقود وفي الإقالة منها.................................. ٤٣
صحّة التوكيل في خيار
الرؤية والإعتاق والتدبير والكتابة......................... ٤٣
عدم صحّة الوكالة في
الإيلاء واللعان والظهار................................... ٤٣
في أنّ العدّة والرضاع
لا تدخلهما النيابة........................................ ٤٤
صحّة التوكيل في دفع
النفقة وقبضها وعدمها في الأيمان والنذور والعهود والشهادات ٤٤
صحّة النيابة في
القضاء والحكم................................................ ٤٤
حكم التوكيل في
المباحات.................................................... ٤٤
جواز التوكيل في قبض
الجزية وإقباضها والمطالبة بها وفي عقد الذمّة................ ٤٥
عدم صحّة التوكيل في
العقوبات............................................... ٤٥
جواز التوكيل في
استيفاء الحدود وإثباتها........................................ ٤٦
جواز التوكيل في
استيفاء عقوبات الآدميّين في حضور المستحقّ وغيبته............. ٤٧
جواز التوكيل في إثبات
حدّ القذف والقصاص عند الحاكم وإقامة البيّنة عليه....... ٤٨
جواز التوكيل بالخصومة
لكلّ واحد من المدّعي والمدّعى عليه..................... ٤٨
حكم التوكيل بالإقرار....................................................... ٤٩
عدم صحّة التوكيل
بالالتقاط................................................. ٥٠
عدم صحّة النيابة
بالميراث..................................................... ٥٠
صحّة النيابة في دفع
الديات إلى مستحقّها...................................... ٥١
عدم صحّة النيابة في
الجنايات................................................. ٥١
جواز النيابة في قتال
أهل البغي................................................ ٥١
عدم صحّة النيابة في
الأشربة.................................................. ٥١
حكم التوكيل في الجهاد...................................................... ٥١
صحّة التوكيل في الذبح
والسبق والرمي والدعوى ومطالبة الحقوق وإثباتها.......... ٥١
النظر الثالث : في العلم
عدم اشتراط كون متعلّق
الوكالة معلوماً من كلّ وجه............................ ٥١
حكم الوكالة العامّة.......................................................... ٥٢
حكم التوكيل في بيع
أموال الموكّل............................................ ٥٤
جواز التوكيل في قبض
جميع ديون الموكّل على الناس............................ ٥٤
حكم التوكيل فيما لو
قال : وكّلتك في بيع شيء من مالي ، أو بيع طائفة أو قطعة منه أو في قبض شيء من
ديوني بدون التعيين ٥٤
جواز التوكيل فيما لو
قال : بِعْ ما شئت من أموالي أو اقبض ماشئت من أموالي..... ٥٤
حكم التوكيل فيما لو
قال : بِعْ مَنْ رأيت من عبيدي............................ ٥٤
حكم التوكيل فيما لو
قال : بِعْ ما شئت من مالي............................... ٥٥
جواز التوكيل فيما لو
قال : بِعْ ما شئت من عبيدي............................. ٥٥
حكم التوكيل فيما لو
قال : اقبض ديني كلّه وما يتجدّد من ديوني في المستقبل...... ٥٥
حكم التوكيل فيما لو
قال : اشتر لي شيئاً أو حيواناً أو رقيقاً أو ثوباً بدون التعيين... ٥٥
فيما إذا وكّله في
شراء عبد هل يفتقر إلى تعيين الثمن؟........................... ٥٦
هل يكفي ذكر الثمن عن
ذكر النوع؟......................................... ٥٧
حكم ما لو قال : اشتر
لي عبداً كما تشاء...................................... ٥٧
هل يجب إعلام الوكيل
قدر الدَّيْن وجنسه فيما إذا وكّله في الإبراء من الدَّيْن؟...... ٥٧
حكم ما لو قال : بِعْ
عبدي بما باع به فلان فرسه............................... ٥٨
صحّة التوكيل فيما لو
قال : وكّلتك في أن تبرئه من الدَّيْن الذي لي عليه ولم يعلم الموكّل قدره ولا
الوكيل ٥٨
فيما لو وكّله في
الإبراء من شيء وأطلق لم يكن للوكيل التعيين................... ٥٨
صحّة التوكيل فيما لو
قال : وكّلتك في أن تبرئه ممّا شئت أو ممّا شاء.............. ٥٨
مقتضى الوكالة فيما لو
قال : ابرأ فلاناً عن دَيْني أو عن شيء منه................. ٥٨
مقتضى الوكالة فيما لو
قال : ابرأه عمّا شئت.................................. ٥٩
حكم التوكيل في
الإبراء من الحقّ الذي له على زيد............................. ٥٩
حكم توكيل صاحب الحقّ
مَنْ عليه الحقّ في إبراء نفسه.......................... ٥٩
حكم توكيل المضمون له
المضمونَ عنه في إبراء الضامن.......................... ٥٩
حكم توكيل المضمون له
الضامنَ في إبراء المضمون عنه.......................... ٥٩
حكم ما لو وكّله في
إبراء غرمائه أو في تفرقة شيء على الفقراء وكان الوكيل منهم. ٦٠
حكم ما إذا وكّله في
الخصومة وأطلق.......................................... ٦٠
الفصل الثالث : في أحكام الوكالة
المطلب الأوّل : في صحّة ما وافق من التصرّفات وبطلان ما خالف
البحث الأوّل : المباينة والمخالفة
وجوب اعتماد الوكيل ما
عيّن الموكّل له....................................... ٦١
ما به تُعرف الموافقة
والمخالفة................................................. ٦١
حكم ما لو أطلق
الوكالة في بيع شيء فباعه الوكيل بغير نقد البلد أو بغبن فاحش
أو مؤجَّلاً................................................................... ٦١
فروع :
١ ـ فيما إذا باع على
الوجه الممنوع منه كان حكمه حكم الفضولي............. ٦٣
٢ ـ حكم التوكيل فيما
لو كان في البلد نقدان واستويا في المعاملة................ ٦٤
٣ ـ فيما لو باع
الوكيل بغير نقد البلد أو بغبن فاحش أو مؤجَّلاً لم يصر ضامناً للمال ما لم يسلّم
إلى المشتري ٦٤
٤ ـ بيع ما يساوي
عشرةً بتسعة محتمل في الغالب ما يتغابن الناس بمثله........... ٦٤
٥ ـ عدم جواز بيع
المال بثمن المثل مع طالب له بالزيادة........................ ٦٤
٦ ـ حكم ما لو باع
بثمن المثل ووجد مَنْ يزيد عليه في زمن الخيار ولو في المجلس.. ٦٥
حكم ما لو قال الموكّل
للوكيل : بِعْه بكم شئت أو بما شئت أو كيف شئت....... ٦٥
حكم ما لو قال الموكّل
للوكيل : بِعْه بما عزّ وهان............................... ٦٦
للحاكم بيع المرهون
ومال المفلَّس بنقد البلد..................................... ٦٦
هل للمرتهن بيع
المرهون بمجرّد امتناع الراهن عن أداء ما عليه؟................... ٦٦
هل يبيع الوكيل بالبيع
المطلق من ابنه الكبير وأبيه وسائر أُصوله وفروعه؟........... ٦٧
حكم بيع الوكيل من
نفسه وكذا بيع الوصي مال اليتيم من نفسه................. ٦٩
فروع :
١ ـ حكم شراء الوكيل
لولده أو مَنْ يلي عليه بوصيّة........................... ٧١
٢ ـ حكم إذن الموكّل
للوكيل بالبيع من نفسه................................. ٧٢
٣ ـ حكم شراء الوكيل
لنفسه إن كان أباً للموكّل............................ ٧٢
٤ ـ حكم ما لو صرّح
الموكّل للوكيل بالإذن في البيع من ابنه الصغير............. ٧٣
٥ ـ حكم ما لو وكّل
مستحقّ الدَّيْن المديونَ باستيفائه أو وكّل مستحقّ القصاص الجاني باستيفائه من
نفسه ٧٣
حكم ما لو وكّله
المتداعيان أن يخاصم من الجانبين............................... ٧٤
حكم توكّل رجل في طرفي
النكاح أو البيع..................................... ٧٤
حكم ما لو وكّل مَنْ
عليه الدَّيْن بإبراء نفسه.................................... ٧٤
جواز استيفاء ما جاز
التوكيل فيه في حضرة الموكّل وغيبته........................ ٧٥
صحّة توكيل الموكّل
عبده في إعتاق نفسه أو امرأته في طلاق نفسها............... ٧٦
فيما لو وكّل الموكّل
العبد في إعتاق عبيده أو امرأته في طلاق نسائه فهل يدخل العبد والمرأة في ذلك؟ ٧٦
فيما إذا وكّل الموكّل
غريمه في إبراء غريمه فهل يدخل الغريم في ذلك؟............. ٧٦
فيما لو وكّل رجلاً في
تزويج امرأة ولم يعيّن فهل له أن يزوّجه ابنته؟.............. ٧٦
فيما لو أذنت المرأة
للوكيل في تزويجها فهل له أن يزوّجها من نفسه؟.............. ٧٦
حكم ما لو وكّل عبداً
بشراء نفسه من سيّده أو يشتري منه عبداً آخَر............. ٧٧
فيما لو وكّله في
إخراج صدقته على المساكين أو أوصى إليه بتفريق ثلثه عليهم وهو منهم فهل يجوز له
الأخذ منه؟ ٧٨
حكم ما إذا وكّله في
البيع مؤجَّلاً وأطلق....................................... ٧٩
البحث الثاني : فيما يملك الوكيل بالبيع
الوكيل في البيع
مطلقاً لم يملك القبض.......................................... ٧٩
الوكيل في البيع
مطلقاً يملك تسليم المبيع إلى المشتري إن كان في يده............... ٨٠
عدم تسليم الوكيل
المبيعَ إلى المشتري قبل قبض الموكّل أو مَنْ يرتضيه الثمن........ ٨١
الوكيل في البيع هل
يملك إبراء المشتري من الثمن؟.............................. ٨٢
هل لكلٍّ من الوكيل والموكّل
مطالبة المشتري بالثمن؟............................ ٨٣
حكم منع الموكّل
الوكيلَ من تسليم المبيع إلى المشتري............................ ٨٣
وجوب تسليم المبيع إلى
المشتري بعد دفعه الثمن إلى الموكّل أو الوكيل............. ٨٥
حكم ما لو سلّم الوكيل
المبيعَ إلى المشتري قبل استيفاء الموكّل أو الوكيل المأذون له الثمنَ ٨٥
البحث الثالث : فيما يملك الوكيل بالشراء
الوكيل بالشراء إذا
اشترى ما وُكّل فيه مَلَك تسليم ثمنه إلى البائع................. ٨٦
الوكيل في شراء العين
الكلّيّة هل يملك شراء المعيب؟............................. ٨٦
فيما لو اشترى الوكيل
المعيبَ جاهلاً بعيبه فهل يقع البيع للموكّل؟ وهل يملك الوكيل الردّ بالعيب؟ ٨٨
فيما يتعلّق بما لو
كان الوكيل في الشراء وكيلاً في ردّ المعيب فاشترى معيباً جاهلاً بعيبه ٨٩
حكم ما لو اشترى
الوكيل المعيبَ مع علمه بالعيب.............................. ٩١
حكم ما إذا كان وكيلاً
في شراء عين شخصيّة فاشتراها ثمّ ظهر أنّها معيبة......... ٩٢
فروع :
١ ـ حكم ما إذا أطلق
الموكّل الشراء فاشترى الوكيل المعيبَ جاهلاً بعيبه......... ٩٣
٢ ـ فيما إذا وكّله
الموكّل في ابتياع عين شخصيّة وظهر عيبها متى يقع عن الموكّل ومتى لا يقع؟ ٩٣
٣ ـ فيما إذا وكّله في
الشراء مطلقاً وعيّن له عيناً شخصيّة فوجدها الوكيل معيبةً قبل
عقد الشراء فهل له
شراؤها؟.................................................. ٩٣
حكم ما إذا اشترى
الوكيل بعين مال الموكّل في حالتي كلّيّة العين وشخصيّتها....... ٩٤
سقوط الردّ عن الوكيل
فيما إذا ثبت له الردّ في صورة الشراء في الذمّة لو اطّلع الموكّل على العيب ٩٥
حكم ما إذا باع الوكيل
بالبيع فوجد المشتري عيباً.............................. ٩٦
تذنيب : حكم ما إذا
اشترى عامل القراض مَنْ ينعتق على المالك فظهر معيباً....... ٩٧
البحث الرابع : في تخصيصات الموكّل
وجوب تتبّع تخصيصات
الموكّل على الوكيل.................................... ٩٧
فيما لو عيّن الموكّل
للوكيل زماناً لم يجز له التخطّي والعدول عنه.................. ٩٨
فيما لو عيّن له
مكاناً معيّناً للبيع ولم يكن للموكّل فيه غرض صحيح فهل يجوز البيع في غيره؟ ٩٨
فيما لو قال : بِعْه
في بلد كذا فهل يجوز التعدّي؟................................ ٩٩
حكم ما لو قيّد
الموكّل البيع بمائة درهم مثلاً وباع الوكيل بأقلّ من ذلك أو أكثر... ٩٩
فروع :
١ ـ حكم ما لو أمره
بالبيع بمائة ونهاه عن البيع بالأزيد........................ ١٠١
٢ ـ حكم ما لو أمره
بالبيع بمائة وهناك مَنْ يرغب بالزيادة على المائة........... ١٠١
٣ ـ عدم الفرق بين كون
المشتري قد عيّنه الموكّل أو لا...................... ١٠١
٤ ـ حكم ما لو قال :
بِعْ بكذا ولا تبعه بأكثر من مائة....................... ١٠٢
٥ ـ حكم ما لو قال :
بِعْه بمائة ولا تبعه بمائة وخمسين........................ ١٠٢
٦ ـ حكم ما لو قال
للوكيل : اشتر كذا بمائة................................ ١٠٢
حكم ما لو وكّله في
بيع عبد بمائة فباع نصفه بها أو وكّله مطلقاً فباع نصفه بثمن الكلّ ١٠٣
حكم ما لو وكّله في
بيع عبد بمائة فباع نصفه بأقلّ منها........................ ١٠٣
حكم ما لو وكّله
مطلقاً فباع بعضه بأقلّ من ثمن الكلّ......................... ١٠٤
حكم ما لو قال : اشتره
بمائة دينار فاشتراه بمائة درهم......................... ١٠٤
حكم ما لو قال : اشتر
نصفه بمائة فاشتراه كلّه أو أكثر من نصفه بالمائة.......... ١٠٤
حكم ما لو قال : اشتر
نصفه بمائة ولا تشتر جميعه فاشترى أكثر من النصف وأقلّ من الكلّ بمائة ١٠٤
حكم ما لو وكّله في
شراء عبد موصوف بمائة فاشتراه على الصفة بدونها......... ١٠٤
حكم ما لو قال : اشتر
لي عبداً بمائة فاشترى عبداً يساوي مائةً بدونها............ ١٠٥
حكم ما لو قال : بِعْه
إلى أجل فباعه حالاًّ.................................... ١٠٥
فروع :
١ ـ عدم الفرق بين ثمن
المثل عند الإطلاق وبين ما يقدّره من الثمن............ ١٠٥
٢ ـ حكم ما لو قال :
بِعْه بكذا إلى شهرين فباعه به إلى شهر.................. ١٠٦
٣ ـ حكم ما لو قال :
اشتر حالاًّ فاشتراه مؤجَّلاً............................. ١٠٦
٤ ـ حكم ما إذا وكّله
في البيع نسيئةً ولم يعيّن الأجل......................... ١٠٦
حكم ما لو وكّله في
الشراء أو البيع بخيار فاشتراه أو باعه منجّزاً................ ١٠٦
حكم ما لو أمره
بالشراء أو البيع بخيار له فجَعَله للآخَر........................ ١٠٧
حكم ما لو قال : اجعل
الخيار للآخَر فجَعَله له ، أو : اجعله للجميع فجَعَله للموكّل ١٠٧
حكم ما لو كان وكيلاً
في شراء شاة موصوفة بدينار فاشترى به شاتين كلّ واحدة منهما تساوي ديناراً ١٠٧
حكم ما لو كانت كلّ
واحدة من الشاتين تساوي أقلّ من دينار أو إحداهما تساوي ديناراً والأُخرى أقلّ من
دينار ١٠٨
حكم ما إذا باع الوكيل
إحدى الشاتين من غير إذن الموكّل.................... ١١٠
حكم ما لو دفع إليه
ألفاً وقال : اشتر بها بعينها شيئاً فاشترى شيئاً في الذمّة لينقد ما سلّمه إليه
في ثمنه ١١٣
حكم ما لو قال : اشتر
في الذمّة وسلِّم هذا في ثمنه............................. ١١٣
حكم ما لو سلّم إليه
ألفاً وقال : اشتر كذا بألف ولم يقل : بعينه ولا قال : في الذمّة بل قال : اصرف
هذا في الثمن ١١٤
فيما إذا وكّله في بيع
عين أو شرائها لم يملك العقد على بعضه................... ١١٤
فيما لو أذن له في بيع
عبيد أو شرائهم مَلَك العقد جملةً وفرادى................. ١١٤
حكم ما لو نصّ الموكّل
على الجمع أو على التفريق فخالف الوكيل ............. ١١٤
فيما إذا قال : اشتر
لي عبدين صفقةً فاشترى عبدين لاثنين مشتركين بينهما جاز.. ١١٥
حكم ما لو كان لكلّ
واحد منهما عبد منفرد فاشتراهما من المالكين.............. ١١٥
حكم ما إذا أمر بشراء
جارية معيّنة أو عبد معيّن فاشترى غير ما عُيّن له......... ١١٥
حكم ما إذا قال له :
بِعْ أو اشتر هذا العبد فباع أو اشترى عبداً آخَر١............ ١٧
وجوب تسمية الموكّل
على وكيل المتّهب بالقبول.............................. ١١٩
البحث الخامس : في التوكيل بالخصومة
فيما يتعلّق بالوكيل
بالخصومة عن المدّعي أو عن المدّعى عليه.................... ١١٩
هل يُقبل إقرار
الوكيل؟..................................................... ١٢٠
فروع :
١ ـ حكم التوكيل في
الإقرار.............................................. ١٢١
٢ ـ انعزال الوكيل عن
الوكالة فيما لو أقرّ وكيل المدّعي بالقبض أو الإبراء أو أقرّ وكيل المدّعى عليه
بالحقّ في ذمّة موكّله......................................................................... ١٢١
٣ ـ هل يشترط في
التوكيل بالخصومة بيان ما فيه الخصومة؟.................. ١٢٢
٤ ـ هل يشترط تعيين
مَنْ يخاصم معه؟...................................... ١٢٢
٥ ـ هل يُقبل من
الوكيل بالخصومة من جهة المدّعى عليه تعديل بيّنة المدّعي؟.... ١٢٢
هل للوكيل مخاصمة
ومحاكمة مَنْ جحد حقّاً عليه.............................. ١٢٢
هل للوكيل في تثبيت
حقّ الموكّل على خصمه القبض؟......................... ١٢٤
فروع :
١ ـ الوكيل بالخصومة
لا يملك الصلح ولا الإبراء منه......................... ١٢٥
٢ ـ فيما لو كان
الموكّل عالماً بجحد مَنْ عليه الحقّ أو مَطْله هل يكون التوكيل في القبض توكيلاً
في الخصومة والتثبيت؟ ١٢٥
٣ ـ حكم ما إذا سلّم
الوكيل بالبيع المبيعَ قبل قبض الموكّل الثمنَ............... ١٢٥
٤ ـ قبول شهادة الوكيل
مع الشرائط على موكّله مطلقاً....................... ١٢٦
حكم ما لو شهد الوكيل
على موكّله فيما هو وكيل فيه........................ ١٢٦
حكم ما لو وكّل رجلين
بالخصومة ولم يصرّح باستقلال كلّ واحد منهما فيها.... ١٢٧
حكم ما لو وكّل اثنين
في التصرّف فغاب أحدهما.............................. ١٢٧
حكم الحاكم بعلمه فيما
إذا قدّم الوكيل خصماً لموكّله إلى الحاكم بعد توكيله بحضوره ١٢٨
هل تُسمع الشهادة على
الوكالة؟............................................ ١٢٩
هل يعتبر حضور الخصم في
سماع البيّنة؟...................................... ١٣١
وجوب إقامة البيّنة
على الوكيل في توكّله عن الموكّل........................... ١٣١
هل يملك الوكيل في عقد
فاسد العقدَ الصحيح؟............................... ١٣٢
حكم التوكيل بالصلح عن
الدم على خمر..................................... ١٣٣
حكم ما لو وكّله
بالصلح عن القصاص على خمر فصالح على خنزير............. ١٣٣
المطلب الثاني : في حكم العهدة
فيما إذا وكّله على
البيع والشراء وغير ذلك وجَعَل له جُعْلاً فللوكيل المطالبة بجُعله قبل تسلّم
الموكّل الثمنَ أو المثمنَ ١٣٤
توقّف الأُجرة على
تسليم المنفعة التي يمكن تسليمها دفعةً واحدة................. ١٣٤
الوكيل أمين ويده يد
أمانة لا يضمن ما يتلف في يده من دون تعدٍّ أو تفريط منه.. ١٣٥
أقسام اليد في الضمان
وعدمه والمختلف فيها.................................. ١٣٥
ضمان الوكيل لما تعدّى
فيه أو فرّط.......................................... ١٣٦
هل تبطل وكالة الوكيل
بمجرّد التعدّي فيما وُكّل فيه؟......................... ١٣٦
فروع :
١ ـ هل يخرج الوكيل من
الضمان بمجرّد البيع قبل التسليم؟................... ١٣٦
٢ ـ حكم ما إذا باع
الوكيل ما فرّط فيه وقبض ثمنه.......................... ١٣٧
٣ ـ حكم ما لو دفع
إليه مالاً ووكّله في شراء شيء به فتعدّى في الثمن......... ١٣٧
٤ ـ حكم ما لو تعدّى
في العين ثمّ باعها وسلّمها............................. ١٣٧
حكم ما لو دفع إلى
وكيله دراهم ليشتري بها طعاماً فتصرّف فيها على أن تكون قرضاً عليه ١٣٧
حكم ما إذا قبض الوكيل
ثمن المبيع.......................................... ١٣٨
ما يشتريه الوكيل هل
يقع ملكه للموكّل ابتداءً أو يقع للوكيل ثمّ ينتقل إلى الموكّل؟ ١٣٨
حكم ما إذا وكّل
المسلم ذمّيّاً في شراء خمر أو خنزير فاشتراه له................. ١٣٩
تعلّق أحكام العقد
بالوكيل دون الموكّل....................................... ١٤١
فيما يتعلّق بما إذا
اشترى الوكيل بثمن معيّن أو في الذمّة........................ ١٤١
هل للوكيل مطالبة
الموكّل قبل أن يغرم بناءً على أنّ المطالبة للوكيل خاصّة؟....... ١٤٢
في أنّ الوكيل كالضامن
والموكّل كالمضمون عنه بناءً على القول بمطالبة البائع مَنْ شاء من الوكيل أو
الموكّل ١٤٣
حكم ما إذا قبض الوكيل
بالبيع الثمنَ وتلف المقبوض في يده ثمّ خرج المبيع مستحقّاً والمشتري معترف
بالوكالة ١٤٤
حكم ما إذا اشترى
الوكيل العينَ وقبضها وتلفت في يده بغير تفريط ثمّ ظهر أنّ المبيع مستحقّ لغير
البائع ١٤٦
فيما إذا وكّله في
البيع وأطلق فهل يختصّ بالبيع بالعين أو يشمل بالعين والبيع بثمن في الذمّة؟ ١٤٧
حكم ما لو دفع إلى
الوكيل دراهم ليشتري له بعينها عبداً فاشترى العبد بها وتلفت في يده قبل التسليم ١٤٧
حكم ما لو قال للوكيل
: اشتر في الذمّة واصرفها إلى الثمن الملتزم فتلفت في يد الوكيل بعد الشراء أو
قبله ١٤٧
حكم ما لو اشترى
الوكيل شراءً فاسداً وقبض المبيع وتلف في يده أو بعد تسليمه إلى الموكّل ١٤٨
المطلب الثالث : في نسبة الوكالة إلى الجواز
أقسام العقود لزوماً
وجوازاً من الطرفين أو أحدهما والمختلف فيه................ ١٤٩
الوكالة من العقود
الجائزة................................................... ١٥٠
بطلان الوكالة بعزل
الموكّل في حضرة الوكيل وغيبته.......................... ١٥٠
فيما إذا عزل الموكّل
الوكيلَ في غيبته فهل ينعزل في الحال؟..................... ١٥١
تذنيب : فيما يعتبر
على القول بعدم العزل قبل بلوغ الخبر إلى الوكيل............ ١٥٥
بيان الصِّيَغ التي
بها ينعزل الوكيل............................................ ١٥٥
بطلان الوكالة بما
يتحقّق به خروج الوكيل أو الموكّل عن أهليّة التصرّف......... ١٥٦
فيما يتعلّق بوكالة
المحجور عليه.............................................. ١٥٧
فيما يتعلّق بفسق
الوكيل.................................................... ١٥٨
بطلان الوكالة بفعل
الموكّل متعلّق الوكالة أو تلفه.............................. ١٥٩
بطلان الوكالة فيما لو
وكّله في بيع عبد أو جارية ثمّ أعتقه قبل البيع............. ١٦٠
بطلان الوكالة بإجارة
الموكّل ما وكّل في بيعه................................. ١٦٠
حكم ما إذا وكّل
السيّد عبدَه في بيع أو شراء أو غيرهما ثمّ أعتقه أو باعه......... ١٦١
حكم ما لو وكّل عبد
الغير بإذنه ثمّ باع المالك عبده أو أعتقه................... ١٦٢
عدم بطلان وكالة
الزوجة بعد طلاقها........................................ ١٦٢
بطلان الوكالة فيما لو
وكّل رجلاً في نقل امرأته أو بيع عبده أو قبض داره فقامت البيّنة بطلاق الزوجة
وعتق العبد وانتقال الدار عن الموكّل.................................................................... ١٦٣
حكم ما لو وكّله في
قبض دَيْنه من رجل فمات المدين.......................... ١٦٣
ملك الوكيل للتصرّف
فيما وُكّل فيه ما لم يفسخ الوكالة ولم ينهه الموكّل عن فعل ما أمره به ووكّله فيه ١٦٣
فيما لو جحد الموكّل
الوكالة فهل يكون ذلك عزلاً للوكيل؟................... ١٦٤
فيما لو جحد الوكيل
الوكالة فهل يكون ذلك ردّاً للوكالة؟.................... ١٦٤
تنبيه : جواز الوكالة
حكم سار في الوكالة بجُعل وغير جُعل..................... ١٦٤
حكم ما لو وكّله في
البيع وأمره بشرط الخيار فشرطه ثمّ ردّه المشتري أو البائع بالخيار ١٦٥
حكم ما إذا وكّله في
بيع نصيبه من دار أو في قسمته مع شركائه أو في أخذه بالشفعة فأنكر الخصم ملكيّة
الموكّل ١٦٥
فيما إذا قال الموكّل
للوكيل : بِعْ أو اشتر كذا واشترط الخيار لي أو للمشتري أو لنا معاً لم يملك البيع
المنجّز ١٦٦
عدم اقتضاء التوكيل في
شراء العين أو بيعها الإذنَ في شراء بعضها أو بيعه........ ١٦٦
فيما لو قال : بِعْ
هؤلاء العبيد أو اشتر لي خمسة أعبُد فله الجمع والتفريق......... ١٦٦
فيما لو قال : اشتر
هؤلاء العبيد صفقةً واحدة لم يفرّق الوكيل في الشراء......... ١٦٧
فيما لو اشترى خمسة
أعبُد من مالكين فهل يقع شراؤهم عن الموكّل؟............ ١٦٧
فيما لو قال الموكّل
للوكيل : بِعْ هؤلاء الأعبُد الثلاثة بألف لم يكن له بيع الواحد منهم بدون الألف ١٦٧
حكم ما لو قال : بِعْ
من عبيدي مَنْ شئتَ أو ما شئتَ......................... ١٦٨
فيما إذا وكّله في
البيع نسيئةً فباع كذلك لم يملك التقاضي..................... ١٦٨
حكم ما لو قال لغيره :
بِعْ عبدك من فلان بألف أدفعه إليك فباعه منه........... ١٦٨
حكم ما لو قال : اشتر
عبدَ فلان لي بثوبك هذا أو بدراهمك ففَعَل.............. ١٦٨
حكم ما لو وكّله في
استيفاء دَيْنه من زيد فجاء إليه للمطالبة فقال زيد للوكيل : خُذْ هذه الدراهم
واقض بها دَيْن فلان يعني موكّله......................................................................... ١٦٩
حكم ما لو دفع إليه
شيئاً وقال : تصدّق به على الفقراء فتصدّق ونوى نفسه..... ١٦٩
حكم ما لو وكّل عبداً
ليشتري له نفسَه أو مالاً آخَر من سيّده.................. ١٦٩
حكم ما لو قال العبد
لرجل : اشتر لي نفسي من سيّدي ففَعَل................... ١٧٠
حكم ما لو قال لغيره :
أسلم لي في كذا وأدِّ رأس المال من مالك ثمّ ارجع علَيَّ.... ١٧١
حكم ما لو وكّله في
شراء ما ينطلق عليه الاسم بالاشتراك...................... ١٧٢
حكم ما لو قال له :
وكّلتك في إبراء غرمائي................................. ١٧٢
حكم ما لو قال له :
فإن شئت تبرئ نفسك فافعل............................ ١٧٢
حكم ما لو قال : فرِّق
ثلثي على الفقراء وإن شئت أن تضعه في نفسك فافعل.... ١٧٢
حكم ما لو قال له :
اشتر لي بدَيْني عليك طعاماً............................... ١٧٢
حكم ما لو قال :
استسلف لي ألفاً من مالك في كُرّ طعام...................... ١٧٢
حكم ما لو قال : اشتر
لي في ذمّتك أو قال : اسلف ألفاً في كُرّ طعام واقبض الثمن عنّي من مالك أو من
الدَّيْن الذي عليك......................................................................... ١٧٢
الفصل الرابع : في التنازع
البحث الأوّل : في النزاع في أصل الوكالة وصفتها
حكم ما إذا اختلف
الموكّل والوكيل في أصل الوكالة فادّعاها الوكيل وأنكرها الموكّل ١٧٥
حكم ما لو اتّفقا على
أصل العقد واختلفا في بعض الكيفيّات أو المقادير.......... ١٧٥
حكم ما لو وكّله في
شراء جارية فاشتراها الوكيل بعشرين وزعم أنّ الموكّل أذن له فيه وقال الموكّل : ما
أذنتُ إلاّ في الشراء بعشرة......................................................................... ١٧٦
حكم ما لو اشترى
الوكيل جاريةً لموكّله فأنكر الموكّل الإذن في شرائها وقال : وكّلتك في شراء جارية
أُخرى ١٨١
حكم ما لو باع الوكيل
نسيئةً وادّعى إذن المالك فيه........................... ١٨١
حكم نفس الفرض المزبور
مع اعتراف المشتري بالوكالة........................ ١٨٣
البحث الثاني : في المأذون
حكم ما إذا وكّله في
بيع أو هبة أو غيرهما ثمّ اختلف الوكيل والموكّل فادّعى الوكيل تصرّفه كما أذن له
وأنكر الموكّل ذلك......................................................................... ١٨٤
حكم ما لو صدّق
الموكّل الوكيل في البيع ونحوه ولكن قال : كنت عزلتك قبل التصرّف وقال الوكيل : بل
كان العزل بعده......................................................................... ١٨٥
حكم ما إذا ادّعى
الوكيل تلف المال الذي في يده للموكّل أو تلف الثمن الذي قبضه عن متاعه في يده
وأنكر المالك ١٨٦
حكم ما إذا اختلف
الموكّل والوكيل في الردّ وعدمه............................ ١٨٧
حكم ما لو أنكر الوكيل
قبض المال ثمّ ثبت ذلك ببيّنة أو اعتراف فادّعى الردَّ أو التلف ١٨٨
حكم ما إذا وكّل
وكيلاً باستيفاء دَيْن له على إنسان فقال له : قد استوفيتُه وأنكر الموكّل ١٨٩
حكم ما لو وكّله في
البيع مطلقاً أو مع قبض الثمن واتّفقا على البيع واختلفا في قبض الثمن فقال الوكيل
: قبضته وتلف في يدي أو دفعته إليك وأنكر الموكّل القبض.................................................. ١٨٩
حكم ما إذا صُدِّق
الوكيل فحلف........................................... ١٩٠
البحث الثالث : في الوكالة بالقضاء
حكم ما إذا دفع إليه
مالاً ووكّله في قضاء دَيْنه ثمّ قال الوكيل : دفعتُه إلى ربّ الدَّيْن فأنكر ربّ
الدَّيْن ١٩١
حكم ما لو ادّعى قيّم
اليتيم أو الوصي دفع المال إليه عند البلوغ................. ١٩٣
فيما لو قال مَنْ في
يده مال للغير أو عليه : لا أدفع المال إليه إلاّ بالإشهاد فهل له ذلك؟ ١٩٤
حكم ما إذا كان لرجل
على زيد دَيْن أو كان له في يده عين فجاء شخص إلى زيد وادّعى أنّ الرجل وكّله في
استيفاء دَيْنه منه أو في أخذ العين التي في يده ..................................................... ١٩٥
حكم ما إذا دفع
المديون الدَّينَ أو المستودع الوديعةَ إلى مدّعي الوكالة بعد تصديقه عليها ثمّ
حضر المستحقّ وأنكر الوكالة ١٩٧
حكم ما إذا كان الحقّ
دَيْناً وكذّب الموكّل الوكيلَ في الوكالة بعد قبض الوكيل... ١٩٧
حكم ما لو ادّعى
الوكالة فكذّبه المديون أو مَنْ عنده الوديعة أو المال............. ١٩٩
حكم ما لو جاء رجل إلى
المديون وقال : قد أحالني عليك صاحب الدَّيْن بكذا وقلنا بعدم لزوم الدفع إليه إذا
صدّقه المحال عليه......................................................................... ١٩٩
حكم ما لو قال : مات
زيد وله عندي كذا وهذا وصيّه ، أو قال : مات وقد أوصى به لهذا الرجل ٢٠٠
حكم ما إذا ادّعى على
إنسان أنّه دفع إليه متاعاً ليبيعه ويقبض ثمنه وطالبه بردّه أو قال : بعتَه وقبضتَ
ثمنه فسلِّمه إلَيَّ فأنكر المدّعى عليه فأقام المدّعي بيّنةً على أنّه ما أدّاه
وادّعى المدّعى عليه أنّه كان قد تلف أو ردّه ٢٠٠
فيما إذا جعل للوكيل
بالبيع جُعْلاً فباع استحقّه وإن تلف الثمن في يده........... ٢٠٢
حكم ما إذا وكّل بقبض
دَيْن أو استرداد وديعة فقال المديون والمودَع : دفعتُ وصدّقه الموكّل وأنكر الوكيل ٢٠٢
حكم ما إذا قال شخص :
أنا وكيل في بيع أو نكاح وصدّقه مَنْ يعامله........... ٢٠٢
الفصل الخامس : في اللواحق
حكم ما إذا ولّى
الإمام رجلاً القضاء في ناحية ولم يأذن له في الاستنابة........... ٢٠٣
حكم ما إذا ادّعى
الوكيل الردَّ إلى الموكّل.................................... ٢٠٣
حكم ما إذا ادّعى
الوكيل بيع العين وقال الموكّل : لم تبعها أو ادّعى قبض الثمن من المشتري وينكر
الموكّل قبضه إيّاه ٢٠٤
حكم ما إذا وكّله في
البيع وقبض الثمن فقبضه وأخّر تسليمه إلى الموكّل بعد مطالبته ٢٠٥
حكم ما لو دفع إلى
وكيله عيناً وأمره بإيداعها عند زيد فأودعها وأنكر زيد...... ٢٠٦
حكم ما إذا دفع إلى
وكيله دراهم ليشتري له بها شيئاً فاستقرضها الوكيل وأخرجها ٢٠٧
تذنيب : حكم الشراء
فيما إذا دفع إليه دراهم ليشتري بها سلعة ولم ينص على الشراء بالعين بل ينقدها عن
الثمن الذي يشتري به فاشترى في الذمّة.......................................................... ٢٠٨
حكم ما إذا وكّله في
شراء عبد بدراهم في الذمّة ثمّ دفع إليه دراهم لينقدها في الثمن ففرّط فيها ٢٠٨
حكم ما لو وكّله في
تزويج امرأة فزوّجه غيرها................................ ٢٠٩
حكم ما لو وكّله في أن
يزوّجه بمن شاء...................................... ٢٠٩
هل للوكيل أن يزوّج
ابنته من الموكّل؟....................................... ٢١٠
فيما إذا أذنت المرأة
للوكيل في تزويجها فهل له أن يزوّجها من نفسه؟............ ٢١٠
حكم ما إذا اختلف
الوكيل والموكّل في مبلغ شراء ما وُكّل الوكيل في شرائه...... ٢١٠
حكم ما إذا دفع إلى
الوكيل ألفاً ليشتري بها سلعةً فاشتراها بعين الألف درهم أو في الذمّة فظهر فيها
عيب ٢١١
فيما إذا دفع إليه
ألفاً ليُسلمها في كُرّ طعام فهل يتناول المتعارف عند الموكّل أو الوكيل؟ ٢١٢
حكم ما إذا كان لرجل
في ذمّة آخَر ألف فقال : أسلفها في طعام فأسلفها فيه..... ٢١٢
حكم ما إذا اختلف
الوكيل والموكّل فقال الوكيل : إنّما اشتريتُ لنفسي ، وقال الموكّل : بل لي ٢١٤
حكم توكيل الوكيل في
تزويج امرأة......................................... ٢١٥
حكم ما لو أنكر
الموكّل الوكالة بعد عقد النكاح على المرأة.................... ٢١٥
جواز قبض الرجل صداق
ابنته الصغيرة وكذا الكبيرة بعد الوكالة في القبض عنها. ٢١٦
حكم ما لو زوّجها
الولي أو الوكيل وكانت قد دلّست نفسها وأخفت عيبها الذي يجب ردّ النكاح به ٢١٧
حكم ما لو قال رجل
لآخَر : وكّلتني أن أتزوّج لك فلانة بصداق كذا ففعلتُ وادّعت المرأة ذلك فأنكر
الموكّل ٢١٧
حكم ما لو ادّعى أنّ
فلاناً الغائب وكّله في تزويج امرأة فزوّجها منه ثمّ مات الغائب ٢١٩
حكم ما لو قال الموكّل
: أذنتُ لك في البيع نقداً أو في الشراء بخمسة وقال الوكيل : بل أذنتَ لي في البيع
نسيئةً وفي الشراء بعشرة ......................................................................... ٢٢١
حكم ما إذا قال
الموكّل : وكّلتك في البيع بألفين وقال الوكيل : بل بألف ...... ٢٢١
حكم ما لو قال الوكيل
: اشتريتُ لك هذه الجارية بإذنك فقال الموكّل : ما أذنتُ لك إلاّ في شراء غيرها ٢٢١
حكم ما إذا بعث المالك
إلى المديون رسولاً ليقبض دَيْنه الذي له عليه وكان الدَّيْن دراهم فبعث معه
ديناراً فضاع الدينار أو الدراهم ......................................................................... ٢٢٣
حكم ما لو وكّله في
قبض دَيْنه وغاب فأخذ الوكيل به رهناً فتلف الرهن في يد الوكيل ٢٢٣
الفصل السادس : فيما به تثبت الوكالة
ثبوت الوكالة بإقرار
الموكّل وشهادة عَدْلين ذكرين............................ ٢٢٥
اشتراط اتّفاق الشاهدَيْن
على الفعل الواحد في قبول الشهادة.................... ٢٢٦
عدم ثبوت الوكالة
وعزلها بشهادة واحد ولا بخبره............................. ٢٢٨
ثبوت الوكالة فيما لو
شهد اثنان أنّ فلاناً الغائب وكّل فلاناً الحاضر فقال الوكيل : ما علمتُ هذا وأنا
أتصرّف عنه ٢٢٨
عدم ثبوت الوكالة في
الفرض المزبور لو قال الوكيل : ما أعلم صدق الشاهدين... ٢٢٩
صحّة سماع البيّنة
بالوكالة على الغائب....................................... ٢٢٩
قبول شهادة الوكيل على
موكّله وله فيما ليس بوكيل فيه وعدم قبولها لموكّله فيما هو وكيل فيه ٢٣٠
حكم ما لو شهد الوكيل
بما كان وكيلاً فيه بعد عزله.......................... ٢٣٠
حكم ما لو كانت الأمة
بين اثنين فشهدا لزيد أنّ زوجها وكّله في طلاقها........ ٢٣٠
حكم ما لو شهدا بعزل
الوكيل في الطلاق.................................... ٢٣٠
قبول شهادة ولدي الرجل
له بالوكالة وشهادة أبويه............................ ٢٣٠
قبول شهادة ابني
الموكّل وأبويه بالوكالة...................................... ٢٣١
عدم ثبوت الوكالة فيما
لو ادّعى الوكيل الوكالة فأنكرها الموكّل فشهد عليه ابناه وثبوتها فيما لو شهد
عليه أبواه ٢٣١
سماع شهادة الوالدين
دون الولدين فيما لو ادّعى الموكّل أنّه تصرّف بوكالته وأنكر الوكيل ٢٣١
حكم ما لو ادّعى وكيل
لموكّله الغائب حقّاً وطالب به فادّعى الخصم أنّ الموكّل عزله وشهد له بذلك ابنا
الموكّل ٢٣١
حكم ما لو ادّعى
مكاتَبٌ الوكالةَ فشهد له سيّده أو ابنا سيّده أو أبواه........... ٢٣٢
حكم ما لو أُعتق العبد
وأعاد السيّد الشهادة.................................. ٢٣٢
حكم ما لو حضر رجل
وادّعى على غائب مالاً في وجه وكيله فأنكره فأقام بيّنةً.. ٢٣٢
حكم ما لو ادّعى
الوكالة على الغائب وأقام شاهدَيْن وثبتت عند الحاكم وثبت الحقّ لموكّله فادّعى
مَنْ عليه الحقّ أنّ الموكّل أبرأه منه أو قضاه ................................................................... ٢٣٣
المقصد السابع : في الإقرار
الفصل الأوّل : في ماهيّته ومشروعيّته
أقسام المُقرّ به
وتعريف الإقرار............................................... ٢٣٥
أدلّة اعتبار الإقرار......................................................... ٢٣٦
الفصل الثاني : في أركانه
البحث الأوّل : في الصيغة
تعريف صيغة الإقرار
وما يشترط فيها........................................ ٢٣٩
فيما إذا قال لغيره :
لي عليك ألف ، فقال في الجواب : زِنْ أو خُذْ أو استوف أو اتّزن ٢٣٩
حكم ما لو قال : زِنْه
أو خُذْه أو شدّه في هميانك أو اجعله في كيسك أو اختم عليه ٢٤٠
صحّة الإقرار
بالعربيّة والعجميّة من العربيّ والعجميّ معاً........................ ٢٤٠
حكم ما لو أقرّ عربيٌّ
بالعجميّة أو عجميٌّ بالعربيّة وقال : ما عرفتُ معناه........ ٢٤٠
فيما لو قال المدّعي :
لي عليك ألف ، فقال المدّعى عليه في الجواب : نعم ، أو بلى ، أو أجل ، أو صدقتَ
كان إقراراً ٢٤١
حكم ما لو قال المدّعى
عليه في الجواب : لعمري.............................. ٢٤١
حكم ما لو قال : أنا
مقرّ أو مقرّ به أو بما تدّعيه أو بما ادّعيتَ أو بدعواك أو لستُ منكراً له أو أنا
أُقرّ ٢٤١
فيما لو قال : أنا
أُقرّ لك به فهل يكون إقراراً؟................................ ٢٤١
حكم ما لو قال : لا
أُنكر ما تدّعيه.......................................... ٢٤٢
حكم ما لو قال في
الجواب : لا أُنكر أن يكون مُحقّاً ، أو لا أُقرّ به ولا أُنكره.... ٢٤٢
حكم ما لو قال :
أبرأتني عنه أو قبضتَه....................................... ٢٤٢
فيما به يُحكم
بالاقرار أو عدمه من الألفاظ والجملات......................... ٢٤٣
فيما لو قال : أليس لي
عليك ألف؟ فقال : بلى ، كان مُقرّاً.................... ٢٤٣
فيما لو قال في الفرض
المزبور : نعم ، فهل يكون مُقرّاً؟........................ ٢٤٤
فيما لو قال : هل لي
عليك ألف؟ فقال : نعم ، فهو إقرار...................... ٢٤٥
فيما إذا قال لغيره :
اشتر منّي عبدي هذا أو أعطني عبدي هذا ، فقال : نعم فهو إقرار له بملكيّة العبد ٢٤٥
فيما لو قال : اعتق
عبدي هذا ، فقال : نعم ، فهل هو إقرار له بملكيّة العبد؟..... ٢٤٥
فيما لو قال : بِعني
هذا العبد ، فهل هو إقرار للمخاطب بالملكيّة؟............... ٢٤٥
فيما لو قال : اشتر
منّي هذا العبد ، فقال : نعم ، فهو إقرار بأنّ المخاطب مالك للبيع فقط ٢٤٥
فيما لو ادّعى عليه
عبداً في يده فقال : اشتريته من وكيلك فلان ، فهو إقرار له... ٢٤٦
فيما لو قال : له
علَيَّ ألف في علمي ، أو : فيما أعلم أو أشهد ، فهو إقرار...... ٢٤٦
فيما لو قال : كان له
علَيَّ ألف ، أو : كانت هذه الدار له في السنة الماضية ، فهل هو إقرار؟ ٢٤٦
فيما لو قال : هذه
داري أسكنتُ فيها فلاناً ثمّ أخرجتُه منها هل يكون إقراراً باليد؟ ٢٤٦
فيما لو قال : ملّكتُ
هذه الدار من زيد فهو إقرار بالملك لزيد.................. ٢٤٧
فيما لو قال : اقض
الألف التي لي عليك ، فقال : نعم ، فهو إقرار.............. ٢٤٧
فيما لو قال في الجواب
ـ في الفرض المزبور ـ : أُعطي غداً ، أو : ابعث مَنْ يأخذه ، أو : أمهلني يوماً و
... فهل يكون مُقرّاً؟......................................................................... ٢٤٧
فيما لو قال له قائل :
غصبتَ ثوبي ، فقال : ما غصبتُ من أحد قبلك ولا بعدك لم يكن مُقرّاً ٢٤٧
فيما لو قال : ما
علَيَّ لزيد أكثر من مائة درهم ، فهل يكون إقراراً بالمائة؟....... ٢٤٨
بطلان الإقرار
المعلَّق على شرط أو صفة...................................... ٢٤٨
فيما لو قال المعسر :
لفلان علَيَّ ألف إن رزقني الله تعالى مالاً ، أو : إذا جاء رأس الشهر فله علَيَّ
كذا ، فهل يكون إقراراً؟......................................................................... ٢٤٨
حكم ما لو ادّعى عليه
ألفاً وقال : إنّ فلاناً يشهد لي بها ، فقال المدّعى عليه : إن شهد بها علَيَّ
فلان فهو صادق ٢٤٨
حكم ما لو قال فلان :
لا أشهد ، أو أنّ المدّعي كاذب أو أنا أشهد ببراءة المُقرّ... ٢٤٩
حكم ما لو شهد عليه
شاهد بألف فقال : هو صادق ، أو عدل................. ٢٤٩
حكم ما لو قال : إنّه
صادق فيما شهد به أو عدل فيما قال..................... ٢٤٩
حكم ما لو قال : إن
شهدا علَيَّ صدّقتُهما ، أو إن شهد علَيَّ فلان فهو حقٌّ أو صحيح ٢٤٩
فيما لو قال : له
علَيَّ ألف إن شهد بها فلان ، لم يكن إقراراً................... ٢٤٩
بطلان الإقرار بتعليقه
بمشيئة الله تعالى........................................ ٢٤٩
صحّة الإقرار فيما لو
قال : له علَيَّ ألف إلاّ أن يشاء الله تعالى.................. ٢٥٠
حكم الإقرار فيما لو
قال : لك علَيَّ ألف إن شئت أو إن شاء زيد.............. ٢٥٠
صحّة الإقرار فيما لو
قصد التبرّك بقوله : إن شاء الله.......................... ٢٥١
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ألف إن شاء زيد................................... ٢٥١
حكم البيع والنكاح
بقوله : بعتك إن شاء الله أو زوّجتك إن شاء الله............ ٢٥١
حكم البيع فيما لو قال
: بعتك بألف إن شئتَ ، فقال : قد شئتُ وقبلت........ ُ٢٥١
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ألف إن قدم فلان.................................. ٢٥١
البحث الثاني : في
المُقرّ
اشتراط بلوغ المُقرّ
ولغو أقارير الصبي......................................... ٢٥١
حكم إقرار الصبي
بتدبيره ووصيّته........................................... ٢٥٣
حكم ما لو ادّعى الصبي
بلوغه بالاحتلام أو الجارية بلوغها بالحيض.............. ٢٥٣
فيما لو بلغ الصبي
مبلغاً تيقّن بلوغه فيه لم يحلف على أنّه كان بالغاً حينئذ........ ٢٥٣
فيما لو جاء واحد من
الغُزاة يطلب سهم المقاتلة وذكر أنّه احتلم دُفع إليه سهمه... ٢٥٣
في أنّ دعوى الصبي
البلوغَ بالاحتلام ليس إقراراً.............................. ٢٥٤
اشتراط العقل في
المُقرّ وعدم قبول إقرار المجنون................................ ٢٥٥
اشتراط كماليّة العقل
في الإقرار وعدم قبول إقرار السكران..................... ٢٥٥
اشتراط القصد في
الإقرار وعدم الاعتبار بإقرار الغافل والساهي والنائم........... ٢٥٦
عدم نفوذ إقرار المغمى
عليه والمبرسم......................................... ٢٥٦
اشتراط الاختيار في
المُقرّ وعدم وقوع إقرار المكره على الإقرار.................. ٢٥٦
حكم ما لو أقرّ المكره
بغير ما أُكره عليه...................................... ٢٥٧
صحّة البيع فيما لو
أُكره على أداء مال فباع شيئاً من ماله ليؤدّي ذلك........... ٢٥٧
فيما لو ادّعى المُقرّ
الإكراهَ على الإقرار أو أنّه كان زائل العقل حالة إقراره لم يُقبل قوله إلاّ
بالبيّنة ٢٥٧
حكم ما لو لم يُعلم
للمُقرّ حالة جنون أو عُلم.................................. ٢٥٧
فيما لو شهد الشهود
بإقراره لم تفتقر صحّة الشهادة إلى قولهم : أقرّ طوعاً في صحّة عقله وبدنه ٢٥٧
عدم قبول إقرار
المحجور عليه للسفه بالمال..................................... ٢٥٨
فيما لو أقرّ المحجور
عليه للسفه بالسرقة لزمه القطع دون المال................... ٢٥٨
قبول إقرار المحجور
عليه بالفلس في النكاح دون السفيه المحجور.................. ٢٥٨
نفوذ إقرار المحجور
عليه للفلس في حقّه خاصّةً................................. ٢٥٩
اشتراط الحُرّيّة في
صحّة الإقرار وعدم قبول إقرار العبد بالعقوبة ولا بالمال......... ٢٥٩
حكم إقرار العبد بما
يوجب القتل............................................ ٢٦٠
عدم قبول إقرار العبد
بجناية الخطأ وشبيه العمد وجناية عمد موجَبها المال......... ٢٦١
هل يُقبل إقرار العبد
بالجناية الموجبة للقطع في المال؟............................ ٢٦١
حكم إقرار العبد
برقّيّته لغير مَنْ هو في يده.................................... ٢٦١
حكم ما لو أقرّ السيّد
بالعبد لرجل وأقرّ هو بنفسه لآخَر....................... ٢٦٢
عدم قبول إقرار
المكاتَب المشروط............................................ ٢٦٢
حكم ما لو أقرّ
المكاتَب المشروط بجناية خطأ أو عمد توجب المال............... ٢٦٢
المكاتَب المطلق الذي
تحرّر بعضه كان حكم نصيب الحُرّيّة حكم الأحرار وحكم نصيب الرقّيّة حكم العبيد ٢٦٢
حكم ما إذا أقرّ العبد
بالسرقة أو غيرها وصدّقه المولى.......................... ٢٦٣
حكم ما لو أقرّ العبد
بما يوجب القصاص على نفسه........................... ٢٦٤
حكم ما إذا أقرّ العبد
بدَيْن خيانة من جهة غصب أو سرقة لا توجب القطع أو إتلاف وصدّقه السيّد أو كذّبه ٢٦٥
حكم ما إذا أقرّ العبد
بدَيْن معاملة وكان مأذوناً له في التجارة أو لم يكن مأذوناً... ٢٦٥
حكم ما إذا أقرّ مَنْ
نصفه حُرٌّ ونصفه رقيق بدَيْن جناية أو معاملة................ ٢٦٦
قبول إقرار المريض مرض
الموت بالنكاح وبموجبات العقوبات................... ٢٦٧
حكم ما لو أقرّ المريض
المذكور بدَيْن أو عين لأجنبيٍّ........................... ٢٦٧
حكم ما لو أقرّ
لأجنبيٍّ في مرضه وعليه دَيْنٌ ثابت في الصحّة وهناك سعة في المال لهما أو ضيق
عنهما ٢٦٨
حكم ما لو أقرّ المريض
لوارثه بمال........................................... ٢٦٩
حكم ما إذا أقرّ
المريض لوارث أو لغيره مع ادّعاء التهمة عن جهة الوارث........ ٢٧٢
حكم ما لو أقرّ في
المرض أنّه كان قد وهب من وارثه وأقبض في الصحّة......... ٢٧٣
حكم ما لو أقرّ لمتّهم
وغير متّهم............................................. ٢٧٣
حكم ما لو أقرّ بدَيْن
ثمّ مات فأقرّ وارثه عليه بدَيْن لآخَر وقصرت التركة عنهما.. ٢٧٣
حكم ما لو ثبت عليه
دَيْنٌ في حياته أو بعد موته بأن تردّت بهيمة في بئر كان قد احتفرها في محلّ عدوان ٢٧٤
حكم ما لو مات وخلّف
ألف درهم فجاء مُدّع أنّه أوصى بثلث ماله فصدّقه الوارث ثمّ جاء آخَر وادّعى عليه
ألف درهم دَيْناً فصدّقه الوارث................................................................... ٢٧٤
حكم ما لو صدّق الوارث
ـ في الفرض المزبور ـ مدّعي الدَّيْن أوّلاً أو صدّق المدّعيَيْن دفعةً ٢٧٥
حكم ما لو أقرّ المريض
بعين ماله لإنسان ثمّ أقرّ بدَيْن لآخَر أو بالعكس.......... ٢٧٥
البحث الثالث : في المُقرّ له
شروط المُقرّ له............................................................. ٢٧٦
المطلب الأوّل : أهليّة المُقرّ له للاستحقاق للحقّ المُقرّ به
حكم ما لو قال : لفلان
علَيَّ بسبب الدابّة ألف............................... ٢٧٦
حكم ما لو قال : لعبد
فلان علَيَّ أو عندي ألف.............................. ٢٧٦
حكم ما لو قال :
علَيَّ ألف بسبب الدابّة ، ولم يقل : لمالكها................... ٢٧٦
حكم ما إذا قال : لحمل
فلانة علَيَّ ألف أو عندي له ألف وبيان أقسام أحواله... ٢٧٧
حكم ما لو أسند
الإقرار للحمل إلى جهة فاسدة............................... ٢٧٨
حكم ما لو أطلق
الإقرار في الفرض المزبور.................................... ٢٧٩
حكم ما لو انفصل الحمل
ميّتاً مع القول بصحّة الإقرار حالة ما إذا نسب الإقرار إلى المستحيل أو أطلق ٢٧٩
حكم ما لو انفصل الحمل
لأقصى مدّة الحمل أو ولدت الحامل ولداً بعد آخَر أو ولدت ذكراً وأُنثى أو انفصل
حيٌّ وميّتٌ ٢٨٠
حكم ما لو أقرّ بحمل
جارية أو حمل دابّة لإنسان.............................. ٢٨٠
حكم ما إذا أطلق
الإقرار ـ في الفرض المزبور ـ أو أسنده إلى جهة فاسدة...... ٢٨١
حكم ما لو أقرّ لرجل
بالحمل وبالأُم لآخَر.................................... ٢٨١
حكم ما لو أقرّ لمسجد
أو مشهد أو مقبرة ونحوها مسنداً إقراره إلى جهة صحيحة أو لا ٢٨١
المطلب الثاني : في اشتراط عدم التكذيب
اشتراط عدم تكذيب
المُقرّ له للمُقرّ وعدم إنكاره لما أقرّ له به في الإقرار والحكم بصحّته ٢٨١
حكم ما لو رجع المُقرّ
له عن الإنكار وصدّق المُقرّ في إقراره..................... ٢٨٢
حكم ما لو أقرّ لزيد
فأنكر زيدٌ ثمّ رجع المُقرّ حال إنكار زيد فقال : غلطت أو تعمّدتُ الكذب ٢٨٣
حكم ما لو أقرّ لزيد
بعبد فأنكر زيد ملكيّته.................................. ٢٨٣
حكم ما لو أقرّ العبد
بأنه ملكٌ لفلان غير مَنْ أقرّ له مولاه به................... ٢٨٤
حكم ما لو كان المُقرّ
به قصاصاً أو حدَّ قذف فكذّبه المُقرّ له.................... ٢٨٤
حكم ما لو أقرّت
المرأة بنكاح فأنكر الزوج.................................. ٢٨٤
حكم ما لو كان في يده
عبدان فقال : أحد هذين العبدين لزيد.................. ٢٨٤
حكم ما لو ادّعى على
آخَر ألفاً من ثمن مبيع فقال المدّعى عليه : قد أقبضتُك ، فأقام البائع على
المشتري بيّنةً بعد بيّنته بأنّه ما أقبضه الثمن بَعْدُ................................................................. ٢٨٤
اشتراط تعيين المُقرّ
له في صحّة الإقرار وحكم ما لو قال : لإنسان أو لواحد من بني آدم عندي كذا ٢٨٥
البحث الرابع : في المُقرّ به
اشتراط كون المُقرّ به
مالاً مملوكاً أو حقّاً تصحّ المطالبة به....................... ٢٨٦
عدم صحّة الإقرار بما
لا يصحّ تملّكه.......................................... ٢٨٦
عدم صحّة الإقرار بما
يتموّله أهل الذمّة للمسلم وصحّته للذمّي.................. ٢٨٦
اشتراط كون المُقرّ به
تحت يد المُقرّ وتصرّفه في الحكم بالإقرار بالملكيّة لمن أقرّ له.. ٢٨٦
حكم ما إذا أقرّ
بحُرّيّة عبد في يد زيد أو شهد بها فرُدّت شهادته................. ٢٨٧
حكم ما إذا كان صورة
إقراره : إنّ عبد زيد حُرّ الأصل أو أنّه أُعتق قبل أن أشتريه ٢٨٧
فيما لو كانت صيغة
الإقرار : إنّك أعتقته والآن أنت تسترقّه ظلماً ، ثمّ عقد البيع معه فإنّه بيع من
جهة البائع ٢٨٧
عدم بطلان خيار المجلس
وكذا خيار الشرط لو شُرط في طرف البائع في الفرض المزبور ٢٨٨
فيما إذا حُكم بالعتق
في العبد المزبور لم يكن للمشتري ولا للبائع ولاؤه.......... ٢٨٩
حكم ما لو مات العبد
المزبور وقد اكتسب مالاً............................... ٢٨٩
فيما يتعلّق باستئجار
العبد الذي أقرّ بحُرّيّته.................................... ٢٩١
حكم ما لو أقرّ
بحُرّيّة جارية الغير ثمّ قَبِل نكاحها منه........................... ٢٩١
فيما لو قال لزيد :
العبد الذي في يدك غصبتَه من فلان ، ثمّ اشتراه.............. ٢٩١
حكم ما لو أقرّ بعبد
في يده لزيد وقال العبد : بل أنا ملك عمرو................ ٢٩١
اشتراط عدم كون
الأعيان والديون مملوكةً للمُقرّ حين إقراره................... ٢٩٢
الفصل الثالث : في الأقارير المجهولة
البحث الأوّل : الإقرار بالشيء المطلق
صحّة الإقرار بالمجهول...................................................... ٢٩٥
حكم ما إذا قال :
علَيَّ شيء وامتنع من بيانه.................................. ٢٩٦
حكم ما إذا أقرّ
بالشيء وفسّره بما يتموّل أو ما لا يتموّل....................... ٢٩٦
حكم ما لو قال : له
علَيَّ شيء وفسّره بالوديعة أو حقّ الشفعة أو حدّ قذف أو العيادة أو ردّ السلام أو
جواب الكتاب أو تسميت عطسة.................................................................... ٢٩٨
حكم ما لو قال : له
علَيَّ حقٌّ وفسّره بالعيادة وردّ السلام...................... ٢٩٩
حكم ما لو قال : غصبته
شيئاً وفسّره بما يُقبل به التفسير في الصورة السابقة أو فسّره بالخمر والخنزير
وغيرهما ممّا لا يُعدّ مالاً......................................................................... ٢٩٩
حكم ما لو قال : غصبته
شيئاً ثمّ قال : أردت نفسه فحبستُه ساعةً.............. ٢٩٩
حكم ما لو قال : غصبته
ثمّ قال : أردتُ نفسه................................ ٢٩٩
حكم ما لو قال : له
عندي شيء وفسّره بالخمر والخنزير....................... ٣٠٠
حكم ما إذا أقرّ
بالمجهول وفسّره بتفسير صحيح وكذّبه المُقرّ له.................. ٣٠١
حكم ما لو كان التنازع
في الجنس بأن قال المُقرّ : له علَيَّ شيء ثمّ يفسّره بعبد أو درهم أو بمائة درهم
فيقول المُقرّ له : بل لي عليك جارية أو دينار أو مائة دينار................................................ ٣٠٢
حكم ما إذا أقرّ
بالمبهم ثمّ مات قبل التفسير................................... ٣٠٤
البحث الثاني : في الإقرار بالمال
فيما إذا قال : له
علَيَّ مال يُقبل تفسيره بالقليل والكثير ممّا يتموّل................ ٣٠٤
هل يُقبل تفسيره
بالمستولدة؟................................................ ٣٠٦
حكم ما لو فسّره بوقف
عليه............................................... ٣٠٦
فيما لو قال : له
علَيَّ مالٌ عظيم أو جليل أو نفيس أو خطير أو غير تافه أو مال وأيّ مال يُقبل
تفسيره بأقلّ ما يتموّل ٣٠٦
فيما لو قال : له
علَيَّ مال كثير فأيّ مقدار يلزمه؟............................. ٣٠٨
فيما قاله بعض
الشافعيّة من وجوب زيادة تفسير المال العظيم على تفسير مطلق المال ٣٠٩
فيما لو قال : له
علَيَّ مال عظيم جدّاً أو عظيم عظيم يُقبل تفسيره بما قلّ وكثر.... ٣٠٩
فيما لو قال : له
علَيَّ مال قليل أو خسيس أو تافه أو يسير فهو كما لو قال : مال. ٣٠٩
فيما لو قال : لزيد
علَيَّ أكثر من مال فلان يُقبل تفسيره بأقلّ ما يتموّل وإن كثر مال فلان ٣٠٩
حكم ما لو قال : له
علَيَّ أكثر من مال فلان عدداً أو قال : له علَيَّ من الذهب أكثر ممّا لفلان ٣١٠
حكم ما لو قال : له
علَيَّ أكثر من مال فلان وفسّره بأكثر منه عدداً أو قدراً..... ٣١٠
حكم ما لو قال : لي
عليك ألف دينار ، فقال : لك علَيَّ أكثر من ذلك......... ٣١٠
حكم ما لو قال : لزيد
علَيَّ مال أكثر ممّا تشهد به الشهود على فلان أو أكثر ممّا
قضى به القاضي على
فلان................................................. ٣١١
فيما لو قال : لفلان
علَيَّ أكثر ممّا في يد زيد يُقبل تفسيره بأقلّ ما يُتموّل......... ٣١١
فيما لو قال : له
علَيَّ أكثر ممّا في يد فلان من الدراهم هل يلزمه التفسير بجنس الدراهم؟ ٣١٢
فيما لو قال : له
علَيَّ من الدراهم أكثر ممّا في يد فلان من الدراهم فهل يلزمه ثلاثة دراهم وزيادة
أقلّ ما يُتموّل؟ وهل يُقبل تفسيره بما دون الثلاثة؟.............................................................. ٣١٢
البحث الثالث : في الإقرار بكناية العدد
فيما لو قال : لفلان
علَيَّ كذا يُقبل تفسيره بما يُقبل به تفسير الشيء............. ٣١٢
حكم ما لو قال : له
علَيَّ كذا كذا.......................................... ٣١٣
حكم ما لو قال : له
علَيَّ كذا وكذا ، أو علَيَّ شيء أو علَيَّ شيء وشيء........ ٣١٣
حكم ما لو قال : له
علَيَّ كذا درهم مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً أو موقوفاً عليه. ٣١٣
حكم ما لو قال : له
علَيَّ كذا كذا.......................................... ٣١٥
حكم ما لو كرّر « كذا
مع العطف فقال : له علَيَّ كذا وكذا.................. ٣١٦
حكم ما لو قال : كذا
وكذا وكذا درهماً..................................... ٣١٨
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ألف ودرهم أو ألف ودراهم أو ألف وثوب أو ألف وعبد ٣١٩
حكم ما لو قال : له
علَيَّ خمسة عشر درهماً.................................. ٣٢٠
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ألف وثلاثة دراهم أو خمسة وعشرون درهماً أو مائة وخمسة وعشرون درهماً أو
ألف ومائة وخمسة وعشرون درهماً..................................................................... ٣٢١
حكم ما لو قال :
ثمانية دراهم وألف......................................... ٣٢١
حكم ما لو قال : ألف
وثلاثة أثواب أو مائة وأربعة دنانير...................... ٣٢٢
حكم ما لو قال : مائة
ونصف درهم........................................ ٣٢٢
حكم ما لو قال : درهم
ونصف أو عشرة دراهم ونصف...................... ٣٢٢
حكم ما لو قال : له
علَيَّ نصف ودرهم أو قال : مائة وقفيز حنطة أو قال : ألفٌ درهمٌ ٣٢٢
البحث الرابع : في الإقرار بالدرهم
المطلب الأوّل : في المفرد
تعريف الدرهم الإسلامي
وكذا الدينار....................................... ٣٢٢
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ألف درهم ثمّ قال : هي ناقصة...................... ٣٢٣
حكم ما لو أقرّ بمائة
درهم وسكت ثمّ قال : ناقصة أو صغار وهي دَيْن أو قال : هي وديعة أو غصب ٣٢٥
حكم ما لو أقرّ بدراهم
أو بدنانير وأطلق في بلد أوزانهم ناقصة أو مغشوشة....... ٣٢٦
عدم قبول تفسير
الدراهم بالفلوس........................................... ٣٢٦
حكم ما لو فسّر
الدراهم بالدراهم المغشوشة.................................. ٣٢٦
حكم ما لو قال : له
علَيَّ دراهم صغار وليس للناس دراهم صغار............... ٣٢٦
حكم ما لو فسّر
الدراهم بجنس رديء من الفضّة.............................. ٣٢٧
حكم ما إذا أقرّ بدرهم
وفسّره بسكّة البلد الذي أقرّ به فيه أو بسكّة غير سكّة البلد أجود منها أو مثلها
أو أدنى من سكّة البلد......................................................................... ٣٢٧
حكم ما لو قال : له
علَيَّ دُريهم أو دُريهمات أو درهم صغير أو دراهم صغار.... ٣٢٨
حكم ما لو قال : له
علَيَّ درهم كبير........................................ ٣٢٩
المطلب الثاني : في المتعدّد
حكم ما إذا قال : له
علَيَّ دراهم ولم يفسّر العدد.............................. ٣٢٩
حكم ما لو قال : له
علَيَّ أقلّ أعداد الدراهم.................................. ٣٣٠
حكم ما لو قال : له
علَيَّ دراهم عظيمة أو جليلة أو جزيلة أو وافرة............. ٣٣٠
حكم ما لو قال :
علَيَّ دراهم كثيرة أو دنانير كثيرة........................... ٣٣١
حكم ما لو قال : حنطة
عظيمة أو كثيرة..................................... ٣٣٢
حكم ما لو قال : له
علَيَّ مائة درهم عدداً.................................... ٣٣٢
حكم ما لو قال : له
علَيَّ مائة عدد من الدراهم............................... ٣٣٢
حكم ما إذا قال : له
علَيَّ ألف درهم زُيَّف.................................. ٣٣٢
حكم ما إذا قال :
غصبته ألف درهم أو له عندي ألف درهم وديعة ثمّ قال : هي نقص أو زيف ٣٣٣
حكم ما إذا قال : له
علَيَّ ما بين واحد وعشرة أو ما بين واحد إلى عشرة........ ٣٣٤
حكم ما لو قال : له
علَيَّ من درهم إلى عشرة................................ ٣٣٤
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ما بين درهم إلى عشرة.............................. ٣٣٦
حكم ما لو قال : له
علَيَّ درهم أو درهمان في عشرة........................... ٣٣٧
حكم ما لو قال :
درهمان في دينار أو قال : أسلمتُهما في دينار.................. ٣٣٨
حكم ما لو قال : له
درهمان في ثوب وفسّره بالسَّلَم أو قال : في ثوب اشتريته منه إلى سنة ٣٣٨
البحث الخامس : في الإقرار بالظرف والمظروف
عدم استلزام الإقرار
بأحد شيئين الإقرار بالآخَر............................... ٣٣٨
فيما لو قال : له عندي
ثوب في منديل أو تمر في جراب أو لبن في كوز أو دراهم في كيس لم يدخل الظرف في الأقارير ٣٣٨
فيما لو قال : له عندي
غمد فيه سيف أو جرّة فيها زيت أو جراب فيه تمر فهو إقرار بالظرف فقط ٣٣٩
فيما لو قال : غصبته
فرساً في اصطبل فهو إقرار بالفرس خاصّةً.................. ٣٤٠
فيما لو قال : غصبته
دابّةً عليها سرج أو زمام أو بغلاً عليه برذعة فهوإقرار بالدابّة والبغل خاصّةً ٣٤٠
فيما لو قال : غصبته
عبداً على رأسه عمامة أو في وسطه منطقة أو في رِجْله خُفٌّ فهو إقرار بها مع العبد ٣٤٠
فيما لو قال : له عندي
دابّة مسروجة أو دار مفروشة لم يكن مُقرّاً بالسرج والفرش ٣٤٠
فيما لو قال : دابّة
بسرجها أو دار بفرشها فإنّه يلزمه السرج والفرش مع الدابّة والدار ٣٤٠
حكم ما لو قال : سفينة
فيها طعام أو طعام في سفينة........................... ٣٤٠
حكم ما لو قال : له
عندي ثوب مطرز....................................... ٣٤١
فيما لو قال : له
علَيَّ فصٌ في خاتم فهو إقرار بالفصّ فقط...................... ٣٤١
فيما لو قال : خاتم
فيه فصٌّ فهل يكون مُقرّاً بالفصّ؟.......................... ٣٤١
حكم ما لو قال : عندي
خاتم ثمّ قال بعد ذلك : ما أردتُ الفصّ................ ٣٤١
فيما لو قال : له حملٌ
في بطن جارية أو نعل في حافر دابّة أو عروة على قمقمة لم يكن مُقرّاً بالجارية
والدابّة والقمقمة ٣٤٢
فيما لو قال : جارية
في بطنها حمل ودابّة في حافرها نعل وقمقمة عليها عروة فهل يدخل الحمل والنعل
والعروة في الإقرار؟ ٣٤٢
فيما لو قال : له ثمرة
على شجرة كان إقراراً بالثمرة خاصّةً..................... ٣٤٣
حكم ما لو قال : شجرة
عليها ثمرة.......................................... ٣٤٣
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ألف في هذا الكيس................................. ٣٤٣
حكم ما لو قال : له
علَيَّ الألف الذي في هذا الكيس.......................... ٣٤٤
حكم ما لو قال : له في
هذا العبد ألف درهم................................. ٣٤٤
حكم ما لو قال : له من
هذا العبد ألف درهم أو من ثمن هذا العبد ألف درهم... ٣٤٧
حكم ما لو قال : له
علَيَّ درهم في دينار..................................... ٣٤٧
حكم ما لو قال : له في
ميراث أبي أو من ميراث أبي ألف....................... ٣٤٧
حكم ما لو قال : له في
ميراثي من أبي أو من ميراثي من أبي ألف................ ٣٤٧
حكم ما لو قال : له في
هذه الدار نصفها أو في داري نصفها................... ٣٤٨
حكم ما لو قال : له في
هذا العبد شركة..................................... ٣٥٣
البحث السادس : في تكرير المُقرّ به مع عدم العطف ومعه
وبالإضراب مع عدم السلب ومعه
حكم ما لو قال : له
علَيَّ درهم درهم درهم................................. ٣٥٣
حكم ما لو قال : له
علَيَّ درهم ودرهم أو ثمّ درهم........................... ٣٥٤
حكم ما لو قال : له
علَيَّ درهم ودرهم ودرهم............................... ٣٥٤
حكم ما لو قال : له
علَيَّ درهم ثمّ درهم ثمّ درهم............................. ٣٥٥
حكم ما لو قال : درهم
ودرهم ثمّ درهم..................................... ٣٥٥
حكم ما لو قال : له
علَيَّ درهم مع درهم أو معه درهم أو فوق درهم أو فوقه درهم أو تحت درهم أو تحته
درهم ٣٥٥
حكم ما لو قال : درهم
عليه درهم أو على درهم............................. ٣٥٦
حكم ما لو قال :
علَيَّ درهم قبل درهم أو قبله درهم أو بعده درهم............ ٣٥٦
حكم ما لو قال : له
علَيَّ درهم مع دينار ، أو : له علَيَّ دينار قبله قفيز حنطة.... ٣٥٨
حكم ما لو قال : له
علَيَّ أو عندي درهم فدرهم............................. ٣٥٨
حكم ما لو قال : له
علَيَّ درهم بل درهم.................................... ٣٦٠
حكم ما لو قال : له
درهم لا بل درهم...................................... ٣٦١
حكم ما لو قال : له
علَيَّ درهم لا بل درهمان أو قفيز حنطة لا بل قفيزان........ ٣٦١
حكم ما لو قال : له
عندي هذا القفيز بل هذا القفيز أو بل هذان القفيزان أو هذا الدرهم بل هذان
الدرهمان ٣٦٢
فروع :
١ ـ حكم ما لو قال :
له درهمان بل درهم ، أو : له علَيَّ عشرة لا بل تسعة.... ٣٦٢
٢ ـ حكم ما لو قال :
له علَيَّ درهم بل درهمان بل ثلاثة..................... ٣٦٣
حكم ما لو قال : له
دينار بل ديناران بل قفيز بل قفيزان....................... ٣٦٣
٣ ـ حكم ما لو قال :
له علَيَّ دينار وديناران بل قفيز وقفيزان................. ٣٦٣
البحث السابع : في تغاير الزمان
حكم ما إذا قال في يوم
السبت : لزيد علَيَّ ألف ثمّ أقرّ له يوم الأحد بألف...... ٣٦٣
حكم ما لو أقرّ
بإقرارين مختلفين بالعدد في مجلس واحد أو في مجلسين............ ٣٦٥
حكم ما لو أقرّ مرّةً
بالعربيّة وأُخرى بالعجميّة................................. ٣٦٥
حكم ما لو لم يمكن
الجمع بين الإقرارين في عين واحدة........................ ٣٦٥
حكم ما لو شهد شاهد
على أنّه أقرّ يوم السبت بألف أو بغصب ثوب وشهد شاهد آخَر على أنّه أقرّ يوم الأحد
بألف أو بغصب ذلك الثوب.................................................................... ٣٦٦
حكم ما لو شهد أحدهما
على إقراره بألف بالعربيّة والآخَر على إقراره بالفارسيّة.. ٣٦٧
حكم ما لو شهد أحدهما
على الإدانة والآخَر على الإقرار بها.................... ٣٦٧
حكم ما لو شهد أحدهما
أنّه وكّل أو طلّق يوم السبت وشهد الآخَر أنهّ وكّل أو طلّق يوم الأحد أو شهد على
أنّه أقرّ بالوكالة أو بالطلاق يوم السبت أو الأحد............................................... ٣٦٧
حكم ما لو شهد أحدهما
على أنّه قذفه يوم السبت أو بالعربيّة والآخَر على أنّه قذفه يوم الأحد أو
بالفارسيّة ٣٦٨
حكم ما لو شهد أحدهما
على إقراره بأ نه قذفه يوم السبت أو بالعربيّة قذفه والثاني على إقراره بأ نّه
قذفه يوم الأحد أو بالعجميّة قذفه......................................................................... ٣٦٨
حكم ما لو شهد أحدهما
عليه بألف من ثمن مبيع وشهد الآخَر بألف من قرض أو شهد أحدهما بألف استقرضه يوم
السبت والآخَر بألف استقرضه يوم الأحد.................................................. ٣٦٨
حكم ما لو شهد أحدهما
على أنّه أقرّ بألف من ثمن مبيع وشهد الثاني على إقراره بألف من قرض ٣٦٩
حكم ما لو ادّعى ألفاً
فشهد أحد الشاهدَيْن على أنّه ضمن ألفاً والثاني على
أنّه ضمن خمسمائة......................................................... ٣٦٩
حكم ما لو شهد أحد
شاهدي المدّعى عليه أنّ المدّعي استوفى الدَّيْن والثاني على أنّه أبرأه أو أنّه
برئ إليه منه ٣٦٩
حكم ما لو ادّعى على
رجل ألفين وشهد له شاهد بألفين وشهد له آخَر بألف.... ٣٧٠
حكم ما إذا اختلف
الشاهدان بأن أضاف كلٌّ منهما ما شهد به إلى سبب غير الآخَر أو اختلفا في صفة
الشهادة ٣٧٠
حكم ما إذا أضاف
الشاهدان الشهادة إلى سبب واحد أو أطلقا أو أطلق أحدهما وأضاف الآخَر ٣٧٠
حكم ما لو شهد أحدهما
بعشرين والاَخَر بثلاثين.............................. ٣٧١
حكم ما لو ادّعى ألفاً
فشهد له شاهد بألف وآخَر بألفين...................... ٣٧١
البحث الثامن : في لواحق هذا الفصل
استعلام المُقرّ به
المجهول بالرجوع إلى ما أحال عليه المُقرّ وبذكر ما يمكن استخراجه بالحساب عن طريق
الجبر والمقابلة ٣٧٣
صحّة الإقرار فيما لو
أقرّ لزيد بجميع ما في يده أو بجميع ما ينسب إليه أو يعرف به ٣٧٩
حكم ما لو تنازع
المُقرّ والمُقرّ له في شيء هل كان في يد المُقرّ وقت الإقرار أو لا؟. ٣٧٩
حكم ما لو قال : ليس
لي ممّا في يدي سوى ألف أو لا حقّ لي في شيء ممّا في يد فلان ٣٧٩
فيما لو قال : لزيد
علَيَّ درهم أو دينار لزمه أحدهما وطولب بالتعيين............ ٣٧٩
فيما لو قال : علَيَّ
ألف أو على زيد أو على عمرو لم يلزمه شيء............... ٣٨٠
حكم ما لو كان في يده
عبد وجارية فقال : أحد هذين لزيد.................... ٣٨٠
حكم ما لو قال : غصبتُ
هذا العبد من أحد هذين............................ ٣٨٠
حكم ما لو كان معه
عشرة أعبُد فقال : هؤلاء العبيد لفلان إلاّ واحداً........... ٣٨١
فيما إذا أقرّ بمال
لزيد هل يلزم سؤال المُقرّ عن سبب اللزوم؟.................... ٣٨٢
فيما لو قال : علَيَّ
ألف درهم وإلاّ لفلان علَيَّ ألف دينار لزمه................. ٣٨٢
فيما لو قال : وهبتُ
منك كذا وخرجتُ منه إليك هل يكون مُقرّاً بالقبض؟...... ٣٨٣
حكم ما لو قال : وهبته
ثمّ قال : لم أقبضه أو قال : وهبتُه وملّكته ثمّ ادّعى نفي الإقباض ٣٨٣
فيما لو أقرّ الأب
بعين ماله لولده هل يكون له الرجوع في إقراره؟.............. ٣٨٣
الفصل الرابع : في تعقيب الإقرار بما يرفعه
البحث الأوّل : في الاستثناء
جواز الاستثناء في
الإقرار وغيره وبطلانه إذا كان مستغرقا...................... ً٣٨٥
بيان قواعد الاستثناء........................................................ ٣٨٦
عدم الخلاف في أنّ
الاستثناء من الإثبات نفي................................. ٣٨٧
هل الاستثناء من النفي
إثبات؟............................................... ٣٨٧
حكم ما لو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ تسعة ، أو له علَيَّ عشرة إلاّ واحداً.......... ٣٨٨
حكم ما لو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ تسعة إلاّ ثمانية............................ ٣٨٨
حكم ما لو قال : عشرة
إلاّ تسعة إلاّ ثمانية إلاّ سبعة وهكذا إلى الواحد.......... ٣٨٩
حكم ما لو قال : ليس
لفلان علَيَّ شيء إلاّ خمسة............................. ٣٨٩
حكم ما لو قال : ليس
علَيَّ عشرة إلاّ خمسة.................................. ٣٨٩
حكم ما لو كرّر
الاستثناء من غير عطف وكان الثاني أو الأوّل مستغرقاً.......... ٣٩٠
حكم ما لو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ عشرة إلاّ خمسة ، أو : له علَيَّ عشرة إلاّ ثلاثة إلاّ ثلاثة ٣٩١
حكم ما لو كرّر الاستثناء
مع العطف مع ذكر أمثلته........................... ٣٩١
حكم ما إذا كان في
الاستثناء أو المستثنى منه عددان عطف أحدهما على الآخَر.... ٣٩٢
حكم ما لو قال : له
علَيَّ عشرة إلاّ خمسة أو ستّة............................. ٣٩٣
حكم ما لو قال : له
علَيَّ درهم غير دانق..................................... ٣٩٣
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ألف درهم إلاّ ثوباً أو عبداً.......................... ٣٩٣
وجوب تبيين قيمة الثوب
والعبد بما لا يستغرق فيما إذا قال : له علَيَّ ألف درهم إلاّ ثوباً ، أو إلاّ
عبداً ٣٩٦
حكم استثناء المعيّن
من المبهم................................................ ٣٩٦
صحّة استثناء المجهول
من المعلوم والمجهول...................................... ٣٩٧
حكم استثناء المعلوم
من المجهول.............................................. ٣٩٧
حكم الإقرار
والاستثناء فيما لو اتّفق اللفظ في المستثنى منه والاستثناء............. ٣٩٧
فيما إذا فسّر المجهول
بالمستوعب هل يُطالب بتفسير آخَر ممكن يبقى معه شيء من المستثنى منه؟ ٣٩٨
حكم الاستثناء فيما
إذا قال : له علَيَّ درهم ودرهم إلاّ درهماً................... ٣٩٩
حكم الاستثناء من
الاستثناء................................................. ٣٩٩
حكم الاستثناء من
الأعيان.................................................. ٤٠٠
تنبيه : في حكم ما لو
قال : له ثلاثة ودرهمان إلاّ درهمين ، أو قال : له درهمان ودرهمان إلاّ درهمين ٤٠١
تنبيه آخَر : في حكم
ما لو قال : له علَيَّ عشرة إلاّ درهم ، أو : ما له عندي عشرة إلاّ درهم ٤٠٢
نكتة : في أنّ أدوات
الاستثناء حكمها حكم « إلاّ ».......................... ٤٠٢
البحث الثاني : فيما عدا الاستثناء
المطلب الأوّل : فيما يقتضي رفع المُقرّ به
حكم ما إذا فصل بين
إقراره بقوله : لفلان علَيَّ ألف وبين الرافع من قوله : من ثمن خمر أو خنزير بسكوت
أو كلام آخَر أو وصل بينهما.................................................................... ٤٠٢
حكم ما إذا وصل إقراره
بما ينتظم لفظه عادةً لكنّه يبطل حكمه شرعاً........... ٤٠٣
حكم ما إذا أقرّ
بالكفالة بشرط الخيار وأنكر المكفول له شرط الخيار............ ٤٠٥
حكم ما إذا قال : له
علَيَّ ألف من ثمن عبد لم أقبضه إذا سلّمه سلّمتُ الألف.... ٤٠٥
تقسيم الشيخ الطوسي 1 المسألة السابقة على
ثلاثة أنحاء وبيان أحكامها........ ٤٠٦
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ألف لا تلزمني أو علَيَّ ألف أو لا.................... ٤٠٨
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ألف قضيتُه........................................ ٤٠٨
تذنيب : في حكم ما لو
قال : كان له علَيَّ ألف.............................. ٤٠٩
حكم الإقرار فيما لو
قال : لفلان علَيَّ ألف إن شاء الله........................ ٤٠٩
حكم الإقرار فيما لو
قال : علَيَّ ألف إن شئتَ أو إن شاء فلان................. ٤١٠
بطلان الإقرار فيما لو
قال : لك علَيَّ ألف إن جاء زيد ، أو قدم الحاج ، أو : إن شهد بذلك شاهدان ، أو :
إن شهد شاهدان بألف فهو علَيَّ.................................................................. ٤١٠
حكم ما لو قال : لك
علَيَّ ألف إن قبلتَ إقراري............................. ٤١٠
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر ، أو إذا قدم فلان وما إذا أخّر الإقرار وقدّم
التعليق ٤١١
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ألف مؤجَّل إلى سنة وذكر الأجل مفصولاً بسكوت أو كلام غريب أو موصولاً بغير
فصل ٤١٣
تذنيبان :
١ ـ حكم ما لو قال :
بعتك أمس كذا فلم تقبل فقال : بل قبلتُ ، أو قال لعبده : أعتقتك على ألف فلم تقبل
فقال العبد : قبلتُ......................................................................... ٤١٥
٢ ـ حكم ما لو قال :
إنّي أُقرّ الآن بما ليس علَيَّ لفلان علَيَّ ألف ، أو ما طلّقت امرأتي ولكنّي
أُقرّ بطلاقها فأقول : طلّقتُها......................................................................... ٤١٥
المطلب الثاني : في تعقيب الإقرار بالإيداع
حكم ما إذا قال :
لفلان علَيَّ ألف درهم وديعة ولم يفصل بين كلامه........... ٤١٥
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ألف ثمّ سكت ثمّ جاء بألف بعد إقراره وقال : أردتُ هذا وهو وديعة عندي وقال
المُقرّ له : هو وديعة ولي عليك ألف آخَر دَيْن وهو الذي أردتَه بإقرارك................................ ٤١٦
حكم ما لو قال : له
عندي ألف درهم وديعة دَيْناً ، أو ألف درهم مضاربة دَيْناً.. ٤١٨
حكم ما لو قال : عندي
ألف وديعة وشرط علَيَّ ضمانها....................... ٤١٩
حكم ما لو قال : لفلان
علَيَّ ألف درهم في ذمّتي فجاءه بألف فقال : الألف التي أقررتُ بها كانت وديعةً
وتلفت وهذه بدلها......................................................................... ٤١٩
حكم ما لو قال : لك
علَيَّ ألف ثمّ قال : كانت وديعةً وكانت تلفت قبل إقراري وكنتُ أظنّ أنّها باقية ٤١٩
حكم ما لو قال : له
علَيَّ ألف درهم وديعة وفسّر إقراره بوديعة موجودة........ ٤١٩
حكم ما لو قال :
أقررتُ بوديعة وقد هلكت بعد إقراري ، أو كانت هالكة حين أقررتُ ٤١٩
حكم ما إذا وصل إقراره
فقال : علَيَّ أو عندي ألف وديعة هلكت ، أو فصل.... ٤٢٠
حكم ما إذا قال :
لفلان علَيَّ ألف وديعة ثمّ جاء بألف وقال : هذا هو ، أو لم يأت بشيء وادّعى التلف
أو الردّ ٤٢٠
حكم ما لو قال : معي ،
أو عندي ألف...................................... ٤٢٠
حكم ما لو قال : له
عندي ألف درهم مضاربة دَيْناً أو وديعة دَيْناً............... ٤٢٠
جواز إعارة الدراهم
والدنانير................................................ ٤٢٠
فيما إذا أقرّ بألف
عارية كان الألف مضمونةً عليه............................ ٤٢١
حكم ما لو قال : دفع
إلَيَّ ألفاً ثمّ فسّره بوديعة وزعم تلفها في يده............... ٤٢١
حكم ما لو قال : أخذتُ
منه ألفاً وديعة...................................... ٤٢٢
حكم ما لو قال :
أودعني ألفاً فلم أقبضها أو أقرضني أو أعطاني فلم أقبض أو نقدني ألفاً فلم أقبضها ٤٢٢
المطلب الثالث : في تعقيب الإقرار بالعارية والهبة بعدم القبض
أو بعدم الفهم
حكم ما إذا قال : لك
هذه الدار عارية....................................... ٤٢٣
حكم ما لو قال : هذه
الدار لك هبة عارية أو هبة سكنى....................... ٤٢٣
هل الإقرار بالهبة
يتضمّن الإقرار بالقبض...................................... ٤٢٤
حكم ما لو أقرّ بالهبة
والقبض معاً............................................ ٤٢٥
حكم ما لو أقرّ ببيع
أو هبة وقبض ثمّ قال : كان ذلك فاسداً وأقررتُ لظنّي الصحّة ٤٢٦
حكم ما لو أقرّ بإتلاف
مال على إنسان وأشهد عليه ثمّ قال : كنتُ عازماً على الإتلاف فقدّمت الإشهاد على
الإتلاف ٤٢٦
صحّة الإقرار
بالعربيّة وغيرها من اللغات...................................... ٤٢٦
حكم ما لو أقرّ أعجميٌّ
بالعربيّة أو بالعكس ثمّ قال : لم أفهم معناه لكن لُقّنتُ فتلقّنت ٤٢٦
حكم ما لو أقرّ ثمّ
قال : كنتُ يوم الإقرار صغيراً وهو محتمل.................... ٤٢٧
حكم ما لو قال : كنتُ
مجنوناً يوم الإقرار وقد عهد له جنون ، أو قال : كنتُ مُكرَهاً وهناك أمارة
الإكراه ٤٢٧
سماع شهادة الشهود
فيما إذا شهدوا بإقرار رجل من دون احتياج إلى قولهم : في صحّة من عقله طائعاً حالة
بلوغه وحُرّيّته ورشده......................................................................... ٤٢٧
المطلب الرابع : في تعقيب الإقرار لواحد بالإقرار لغيره
حكم ما لو قال : غصبتُ
هذه الدار من زيد وهي ملك عمرو.................. ٤٢٨
حكم ما لو أخّر ذكر
الغصب فقال : هذه الدار ملكها لعمرو وغصبتُها من زيد... ٤٢٩
حكم ما لو قال : هذه
الدار غصبتُها من زيد لا بل من عمرو ، أو غصبتُ هذه الدار
من زيد وغصبها زيد من
عمرو ، أو هذه الدار لزيد لا بل لعمرو................ ٤٣٠
حكم ما إذا باع عيناً
وأقبضها المشتري واستوفى الثمن ثمّ قال : كنتُ بعتُه من فلان أو غصبتُه ٤٣٢
حكم ما لو قال : غصبتُ
هذه العين من أحدكما............................. ٤٣٣
الفصل الخامس : في الإقرار بالنسب
القسم الأوّل : الإقرار بالولد
شرائط المُقرّ بالنسب....................................................... ٤٣٥
حكم ما لو استلحق
صبيّاً بعد موته وادّعى بنوّته وكان الصبي مجهولَ النسب...... ٤٣٦
حكم ما لو كان الميّت
كبيراً فادّعى شخص أنّه ولده وكان الميّت مجهولَ النسب.. ٤٣٧
حكم ما لو ازدحم اثنان
فصاعداً على الاستلحاق.............................. ٤٣٨
حكم ما لو أقرّ رجل
ببنوّة ولد بينه وبين أُمّه مسافة لا يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها ٤٣٨
حكم ما لو دخلت امرأة
من أرض الكفر ومعها صغير فأقرّ به رجل.............. ٤٣٨
حكم ما لو استلحق
صغيراً مجهولَ النسب فكذّبته أُمّه.......................... ٤٣٩
حكم ما لو أقرّ ببنوّة
عبد الغير أو ببنوّة معتقه................................. ٤٣٩
حكم ما لو استلحق
عبداً في يده............................................. ٤٣٩
حكم ما لو كان العبد
مشهورَ النسب بالغير.................................. ٤٤٠
حكم ما إذا أقرّ
بالولد وحصلت الشرائط.................................... ٤٤٠
حكم ما إذا كان له
جارية ذات ولد فقال : هذا ولدي من هذه الجارية ، أو ولدي منها ولدته في ملكي ٤٤١
حكم ما لو كان له
جاريتان لكلّ واحدة منهما ولد فقال : ولد إحداهما ولدي.... ٤٤٢
حكم ما لو كان له
جارية لها ثلاثة أولاد فقال : أحد هؤلاء الثلاثة ولدي........ ٤٤٧
فيما إذا أقرّ ببنوّة
صغير هل يكون ذلك اعترافاً بزوجيّة الأُمّ؟.................... ٤٥٢
القسم الثاني : الإقرار بغير الولد من الأنساب
فيما يتعلّق بما إذا
أقرّ من يلحق النسب بغيره.................................. ٤٥٣
حكم ما لو مات وخلّف
ولداً فأقرّ ذلك الولد بابن آخَر للميّت................. ٤٥٤
حكم ما لو خلّف ابنين
بالغين فأقرّ أحدهما بأخ ثالث.......................... ٤٥٥
حكم ما لو كان أحد
الولدين صغيراً وأقرّ البالغ............................... ٤٥٦
حكم ما لو خلّف وارثين
بالغين رشيدين فأقرّ أحدهما بوارث ثالث وأنكر الآخَر.. ٤٥٦
حكم ما لو أقرّ أحد
الولدين الرشيدين بثالث وأنكر الآخَر ثمّ مات المنكر ولم يخلّف إلاّ أخاه المُقرّ ٤٥٨
حكم ما لو أقرّ أحد
الابنين وسكت الآخَر ثمّ مات الساكت وخلّف ابناً وأقرّ الابن ٤٥٩
حكم ما لو مات وخلّف
ابناً بالغاً رشيداً لا ولد له مشهور سواه فأقرّ الابن بأُخوّة مجهول النسب وأنكر
المجهول نسب المعروف المُقرّ له......................................................................... ٤٥٩
حكم ما لو أقرّ
بأُخوّة مجهول ثمّ إنّهما معاً أقرّا بثالث وأنكر الثالث نسب الثاني... ٤٥٩
حكم ما لو أقرّ
بأُخوّة مجهولَيْن.............................................. ٤٦٠
حكم ما لو أقرّ بنسب
مَنْ يحجب المُقرّ....................................... ٤٦٠
فيما يتعلّق بالمُقرّ
به من حيث حجبه المُقرّ عن الميراث وعدم حجبه أو حجبه بعض الورثة المُقرّين دون
بعض ٤٦١
حكم ما لو خلّف الميّت
ابنين فقال أحدهما : فلانة بنت أبينا وأنكر الآخَر........ ٤٦٢
حكم ما لو قال أحدهما
: إنّ العبد الذي في التركة ابن أبينا..................... ٤٦٢
فيما لو قال أحد شريكي
العقار لثالث : بعتُ منك نصيبي فأنكر لا يثبت الشراء وفي ثبوت الشفعة للشريك خلاف ٤٦٢
حكم ما لو قال : لزيد
على عمرو كذا وأنا به ضامن.......................... ٤٦٢
فيما يتعلّق بما لو
اعترف الزوج بالخلع وأنكرت المرأة........................... ٤٦٢
فيما يتعلّق بما لو
كان المُقرّ به ممّن يحجب المُقرّين عن الميراث أو بعضهم........... ٤٦٥
حكم ما لو خلّف بنتاً
هي معتقة فأقرّت بأخ.................................. ٤٦٦
حكم ما لو ادّعى
مجهولٌ على أخ الميّت أنّه ابن الميّت فأنكر الأخ ونكل عن اليمين فحلف المدّعي
اليمين المردودة ٤٦٦
حكم ما لو مات عن بنت
وأُخت فأقرّتا بابن للميّت........................... ٤٦٦
حكم ما لو خلّف زوجةً
وأخاً فأقرّا بابن...................................... ٤٦٧
حكم ما لو خلّف ابناً
واحداً فأقرّ بآخَر أو أقرّ أحد الابنين ببنت وأنكر الآخَر أو تناكر الابنان
اللّذان أقرّ بهما الوارث دفعةً......................................................................... ٤٦٧
فيما لو أقرّ بعض
الورثة دون بعض لزم المُقرّ حكم إقراره في نصيبه فقط......... ٤٦٧
هل يُقبل إقرار جميع
الورثة بالزوج أو الزوجة؟................................ ٤٦٨
هل المُقرّ به الكبير
يعتبر تصديقه في ثبوت النسب؟............................. ٤٦٩
حكم ما لو أقرّ
الأخوان بابن للميّت وكانا عدلين أو فاسقين................... ٤٦٩
حكم ما إذا أقرّ الولد
بآخَر فأقرّا بثالث...................................... ٤٧٠
حكم ما لو أقرّ الوارث
بمن هو أولى منه...................................... ٤٧٠
فيما يتعلّق بما لو
أقرّ الأخ بولد للميّت........................................ ٤٧٠
حكم ما لو أقرّ الأخ
بولد ثمّ أقرّ بآخَر ، أو أقرّت الزوجة أو الزوج لولد الميّت وهناك إخوة مشهورون ٤٧١
حكم ما لو أقرّ الأخ
بولدين دفعةً فصدّقه كلّ واحد عن نفسه خاصّةً............ ٤٧١
حكم ما لو خلّف الميّت
أخوين فأقرّ أحدهما بولد وكذّبه الآخَر................. ٤٧١
حكم ما لو أقرّ الأخ
من الأب بأخ من الأُم................................... ٤٧٢
حكم ما لو أقرّ الولد
بالزوجة............................................... ٤٧٢
حكم ما لو أقرّ أحد
الولدين بابن فأنكر الثاني ثمّ مات المنكر عن ابن مصدَّق...... ٤٧٣
حكم ما لو أقرّ الولد
بزوجة وللميّت أُخرى.................................. ٤٧٣
حكم ما لو أقرّ الأخ
من الأُم بأخ إمّا من الأب أو من الأُم أو منهما فكذّبه الأخ من الأب ٤٧٣
حكم ما لو أقرّ الأخ
من الأُمّ بأخوين من الأب أو الأُم أو منهما................. ٤٧٣
حكم ما لو أقرّ
الأخوان من الأُم بأخ منها.................................... ٤٧٣
الفصل السادس : في اللواحق
حكم ما لو كانت جارية
في يد إنسان فجاء غيره وقال له : بعتك هذه الجارية بكذا وسلّمتُها إليك فأدِّ
الثمن وقال المتشبّث : بل زوّجتنيها على صداق كذا وهو علَيَّ......................................... ٤٧٥
حكم ما لو جرى ذلك
التنازع وصاحب اليد قد أولدها....................... ٤٧٦
حكم ما إذا أقرّ بعض
الورثة بدَيْن على الميّت وأنكر البعض.................... ٤٧٩
حكم ما لو شهد بعض
الورثة على المورّث بدَيْن ولم يكونا اثنين عدلين.......... ٤٨٠
حكم ما لو كان في يد
رجلين كيس فيه ألف دينار فقال أحدهما لثالث : لك نصف ما في الكيس ٤٨١
حكم ما لو خلّف الميّت
ابنين لا غير فأقرّ أحدهما بأنّ أباه أوصى لزيد بعشرة..... ٤٨١
حكم ما لو أقرّ أحد
الابنين بأنّه أوصى بربع ماله وأنكر الآخَر.................. ٤٨٢
حكم ما لو أقرّ أحد
الابنين بأنّه أوصى بعين من أعيان أمواله................... ٤٨٢
حكم ما لو قال لعبده :
أعتقتك على ألف وطالب بالألف فأنكر العبد وحلف... ٤٨٢
حكم ما لو قال لوالد
عبده : بعتُ منك ولدك بكذا فأنكر وحلف.............. ٤٨٢
حكم ما لو قال : لفلان
عندي خاتم ثمّ جاء بخاتم وقال : هذا هو الذي أقررتُ به. ٤٨٣
فيما يتعلّق بما لو
كان له جارية لها ولد وقال : استولدتها في ملكي أو ملك الغير بشبهة أو نكاح ٤٨٣
فيما يتعلّق بما إذا
أقرّ للحمل وهو إمّا واحد أو متعدّد ذكراً وأُنثى أو ذكرين أو أُنثيين ٤٨٤
فهرس الموضوعات.......................................................... ٤٨٧
|