الإهداء
إلى من آمن
بالله والناس مشركون.
إلى من تحمّل
كلّ شيء من أجل الرسول والرسالة.
إلى من صبر على
أذى قريش وهو يقول : أحد ، أحد.
إلى من رفع
نداء التوحيد وحطّم بتكبيره شوكة قريش.
إلى من لم
يؤذّن لأحد بعد رسول الله إلّا للزهراء والحسنين.
إلى من أُبعد
أو ابتعد عن مجريات الأحداث بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
إلى من وقف
أمام التحريف داعياً إلى الأصالة.
إلى مؤذّن رسول
الله ومحبّ عترته وآل بيته.
إلى الصحابيّ
الجليل بلال الحبشيّ رضوان الله تعالى عليه.
أهدي دراستي
هذه.
المؤلف
مقدّمة المؤلف
مرّ الفقه
الإسلامي بمراحل وأدوار متعددة ، وكُتب بأساليب ورؤى مختلفة ، وطبق مناهج خاصة
لفقهاء الإسلام ، فالبعض أجمل فيه ، والآخر فصّل ، وثالث عُني بذكر الأدلّة ، ورابع
بتكثير الفروع ، وخامس بمسائل الخلاف ، وسادس بفقه الوفاق ، واهتمّ غيرهم بجوانب
أُخرى منه.
وقد دُوّنت تلك
المصنّفات تارة أصلاً ومتناً ، واُخرى تعليقاً وشرحاً ، وثالثة نظماً وشعراً ، وغير
ذلك.
وقد اختططتُ
منهجاً بين تلك المناهج ، مسلِّطاً الضوء على العلل والأسباب التي أدّت إلى اختلاف
المسلمين في الأحكام الشرعيّة ، موضّحاً فيه ملابسات التشريع ، غير مُتناس لمنهج
الأقدمين في دراسة الفروع ، آخذاً بنظر الاعتبار ما يلائم عقليّة المسلم المعاصر
من التعرّف على جذور الخلاف وأسبابه.
فالفقيه لو جمع
إلى أدلّته القرآنيّة والحديثيّة شيئاً من تاريخ التشريع وملابسات الأحكام الشرعية
لا تّضح للسامع والقارئ حقائق كثيرة في هذا السياق. وكذا المؤرّخ عليه أن يدرس
الأحداث دراسة تحليلية استنباطية كما يفعل الفقيه بالأحاديث ، وأن لا يكتفي بنقل
البلاذري والطبري والواقدي وابن سعد وغيرهم من أعلام المؤرِّخين.
وقد أوضحنا بعض
معالم منهجنا في مقدمة كتابنا (وضوء النبيّ) وأكّدنا على ضرورة دراسة المتن والسند
معاً ، مع بيان الجذور السياسية والاجتماعية والتاريخية والجغرافية للأحداث ، وأن
لا يكتفي المؤرّخ أو الفقيه بواحد منها دون الآخر ؛ لأن اتّخاذ أحد الأسلوبين (القديم
أو الجديد) ربما لا يقنع المطالع وخصوصاً في القضايا الخلافية ، فالبحوث الإسنادية
مثلاً هي بحوث تخصّصية بحتة لا يستسيغها الأكاديمي (الجامعي) ، وقد تثقل على مسامع
غير المتخصّصين. وكذلك الحال بالنسبة إلى البحوث التاريخية التشريعية ، فرّبما لا
يرى الطالب الحوزوي والأزهري كثير فائدة في طرحها ، ومن هنا سَعَينا أن نجمع ـ في
دراساتنا ـ بين الأسلوبين ، كي نخاطب أكبر عدد ممكن من القراء الأعزاء ، مبسطين
العبارة والفكرة بقدر المستطاع. وأشرنا إلى بعض أهدافنا صراحةً بالقول :
لقد انتهجنا
هذا الأسلوب في دراسـتنا واتّبعناه لا لشيء إلّا لتطوير وإشاعة مثل هذه الدراسات
في معاهدنا العلمية وجامعاتنا الإسلامية ، على أمل تعاون المعنيّين معنا في ترسيخ
هذه الفكرة وتطويرها ، وأن لا يدرسوا الفقه دراسة إسنادية متنية فقط دون معرفة
ملابسات الحكم التاريخية والسياسية ، ونرى في طرح مثل هذه الدراسات رُقيّاً
للمستوى الفقهي والأُصولي لدى المذاهب الإسلامية ، وتقريباً لوجهات النظر بين
المسلمين ، وترسيخاً لروح الانفتاح فيهم ، ومحاولة للقضاء على مختلف النزعات
العاطفية وإبعادها عن مجالات البحث العلمي ، وعدم السماح لتحكّم الخلفيات الطائفية
، والرواسب الذهنية في هذه البحوث العلمية النظرية.
ولو اتّبعنا
مثل هذا الأُسلوب في جميع أبواب الفقه لوصلنا إلى حقيقة الفقه الإسلامي من أيسر
طرقه وأسلمها ، ولوقفنا على تاريخ التشريع وملابساته ، ولا تّضحت لنا خلفيات صدور
بعض الأحكام ، وعرفنا حكم الله الواحد الذي ينشده الجميع.
وممّا يجب
التأكيد عليه أنّ مشـروعنا سـيطـبّق ـ إن شـاء الله تعالى ـ في إطارين :
١ ـ الإطار
التأسيسي.
٢ ـ الإطار
التطبيقي.
ولنا دراسات عن
السنّة النبوية ، والقراءات القرآنية ، والنسخ وأساسيّات نقاط الافتراق بين
المذاهب الإسلامية كالعصمة ، والقياس ، والاستحسان وسواها.
وقد قدّمنا
سابقاً بعض النماذج التطبيقية للفكرة ، فكان (وضوء النبيّ) هو الأوّل ، ثمّ
أردفناه بالأذان ، آملين أن نُلحق به الصلاة والحجّ والزكاة وغيرها بإذن الله
تعالى.
ولا نقصد من
عملنا هذا إعطاء وجهة نظر فقهيه خاصّـة بـنا ، بل كانت تلك الدراسـات بياناً
لكلـيّات عقائديـة تاريخـية فقهـية ينبغـي أن يعـرفها ويتعرّف عليهـا كلّ مسلم غير
جامـد على منهج خاصّ ونسق معروف عند طبقة خاصّة من الفقهاء والمؤرّخين والكتّاب.
وقد عنيتُ في
عملي هذا برفع الغامض وحلّ المبهم من المسائل ، وأردت أن أنتقل بالقارئ الكريم إلى
واحات العلم ، وميادين المعرفة ، من غصن إلى غصن ، ومن فنن إلى فنن على شجرة
المعرفة لنقنطف من الثمار أحلاها ... من الفقه ، إلى التفسير ، إلى التاريخ ، إلى
الرجال ، إلى الحديث ، إلى اللغة ، وإلى كلّ شيء يمتّ للبحث بصلة.
فالغاية من
دراساتنا اذاً هي بيان كليّات وأمّهات المسائل لا جزئيّاتها وسننها ومستحباتها ، فلا
تعني بحوثنا بمثل فضل الأذان والمؤذّن ، أو جواز أذان المراة والصبىّ وعدمهما ، أو
جواز إعطاء الأجرة على الأذان أم لا ، وغيرها من عشرات المسائل المطروحة.
وكذلك ما يتّصل
بالوضوء ، فلم تكن الدراسة متجهة إلى البحث عن الأسباب والموجبات والنواقض
والمستحبات ، بل متجهة إلى بيان حدود الأعضاء المغسولة والممسوحة ، وكيفيّة وضوء
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهكذا الحال
بالنسـبة إلى دراسـاتنا اللاحقة ـ إن وفّق الله لإتمامها ـ فهي بحوث عن الكليّات
والأمّهات لا عن التشـعبّات والتفريعات وما يتعلّق بالآداب والسنن.
هذا ، وقد جعلت
دراستي عن الأذان عما هو الأصيل منه والمحرَّف ، فجاءت في ثلاثة أبواب.
الباب
الأول : «حيّ على خير
العمل» الشرعية والشعارية.
الباب
الثاني : «الصلاة خير
من النوم» شِرعة أم بِدعة؟.
الباب
الثالث : «أشهد أن
عليّاً ولـىّ الله» بين الشرعية والابتداع.
وقدمت لهذه الأبواب
ببعض البحوث التمهيدية ، كالأذان لغة واصطلاحاً ، وكَبيان ما قاله أهل السنّة
والجماعة بمذاهبهم الأربعة ، والشيعة ـ بفرقها الثلاث ـ في بدء الأذان ، ثمّ كانت
لنا وقفه مع أحاديث الرؤيا ، ثمّ تحقيق في ما وراء نظرية الرؤيا.
منبهاً القارئ
الكريم على أن هذه الدراسة هي مواضيع مترابط بعضها ببعض ترابطاً وثيقاً ، فلا يمكن
فهم مكانة الشهادة الثالثة في الأذان إلّا بعد قراءة «حيّ على خير العمل».
ونظير هذا ما
يتعلق بالحَيعَلة الثالثة «حيّ على خير العمل» ، فإن معناها لا يتّضح كاملاً إلّا
بعد قراءة الشهادة الثالثة «أشهد أن عليّاً وليّ الله».
أمّا «الصلاة
خير من النوم» فهي الجدار الحائل بين البابَين ، والموضح لأسرار محاربة شرعية
وشعارية الشهادة والحيعلة الثالثتين.
وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين
E-mail:info]
shahrestani.org
http://www.
shahrestani.org
بحوث تمهيدية
ـ
الأذان لغة واصطلاحاً
ـ
تاريخ الأذان
ـ
بدء الأذان عند أهل السنّة والجماعة
ـ
أهل البيت وبدء الأذان
ـ
وقفة مع أحاديث الرؤيا
ـ
تحقيق فيما وراء نظرية الرؤيا
ـ
الأذان إعلام للصلاة أم بيان لأصول العقيدة؟
ـ
الأذان وآثاره في الحياة الاجتماعية
الأذان نغمة
الوحي في سماء الدنيا ، يُرتّلها المؤذِّن آناء الليل وأطراف النهار ، داعياً عباد
الله إلى عبادته جلّ شأنه ، ناطقاً بالحقيقة الخالدة ، معلناً حقائق الدين الحنيف
بكلّ صراحة ووضوح ، مُذَكِّراً بحلول وقت مناجاة الربّ الكريم ، والدخول في حضرة
الجليل.
كلمات تهزّ
المشاعر والعواطف وتشدّ الأرواح إلى مالكها الذي اليه الرُّجعى وإليه المصير.
أسماء مباركة
تردّدها شفاه المؤمنين ، فتزيد المؤمن إيماناً ، والكافر عناداً وخسراناً.
إنّه دعوة
الرحمن أولياءه إلى الطاعة والرحمة والمغفرة ، وهو نداء ملائكة السماء ، وأُنشودة
المؤمنين إلى قيام يوم الدين.
وما أن يتمّ
المؤذن نداءه للظهر والعصر ، حتّى يحلّ الغروب وظلام الليل ، وإذا بتراتيل الإسلام
:
أشهدُ
أن لا إله إلّا الله ، أشهدُ أن لا إله إلّا الله.
أشهدُ
أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهدُ أن محمّداً رسول الله تعلو من المآذن.
فالأذان حيـنذاك
إعلام لإقامة الصـلاة في غسق الليل ، وما أن يتمّ المؤمن صلاته ومناجاته مع ربّه
حتّى ينصرف إلى الرقـاد ، وإذا بالصـبح يطلع عليه بفجـره الصـادق هاتفاً المؤذن
فيه باسم الربّ الجليل وباسم الرسول الأمـين تارة أُخرى :
أشهد
أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله.
أشهد
أنّ محمداً رسول الله ، أشهد أنّ محمداً رسول الله.
ليقيم ما أمر
به الله في كتابه (أقِمِ الصلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمسِ إلى
غَسَقِ الليلِ وقرآن الفجرِ إن قرآنَ الفجرِ كانَ مَشهوداً)
* * *
والأذان من
السنن المؤكّدة التي حثّ عليها الشارع المقدّس ، وهي دعوة الخالق لعباده إلى
الدخول في أجواء رحابه المباركة اللامتناهية فُرادى أو مجتمعين ، متراصّين
متحابّين ، مؤمنين ، في زمان معيّن ومكان واحد ، وباتّجاه محور وقبلة واحدة ، يرهبون
باجتماعهم أعداء الله وجند إبليس.
إنّه إذاً من
أعظم الشعائر الإسلاميّة ؛ لكونه دعوة الحيّ القيّوم لتنبيه الغافلين وإيقاظ
النائمين وتذكير الناسين ، بل هو من مصاديق قوله جلّ شأنه : (وَمَنْ
أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي
مِنَ الْـمُسْلِمِينَ)
ولعلّ من
الغرابة بمكان أن نرى وقوع الاختلاف في أمر بديهىّ وإعلامىّ كالأذان الذي ينادي به
مؤذّنو المسـلمين في كلّ يوم وليلة عدّة مرات ـ على اختلاف ألسنة الناس ـ بلسان
عربي مبين ، ومن على المآذن وبصـوت عال يسمعه الجميع.
__________________
فنتساءل عن سبب
الاختلاف والتنازع في فصول هذه الشَّعيرة الإسلاميّة؟ ولماذا يكون اختلاف في مثل
هذه المسألة بين المذاهب الإسلاميّة؟
بل لماذا تذهب
الشـافعيّة إلى تربـيع التكبـير بخـلاف المالكـيّة القائلـة بتثنيـته؟
وهل هناك أُمور
خفيّة وراء اختلافهم في إفراد أو تثنية الإقامة؟!
وهل حقاً أنّ
هناك تثو يباً أوَّلا وتثو يباً ثانياً؟
وهل يجب أن
يؤتى بالتثو يب في أثناء فصول الأذان ، أم بعدها قبل الإقامة؟ بل ما هو المعني
بالتثو يب؟ هل هو : «الصلاة خير من النوم» أو «قد قامت الصلاة» أو : «حيّ على خير
العمل» أو هو شيء آخر؟
ثُمَّ لماذا
اختلفت رواية عبدالله بن زيد بن عبد ربّه بن ثعلبة الأنصاري في الأذان عن رواية أبي محذورة القرشي؟
ولماذا تجيز
المذاهب الأربعة الأذان قبل الوقت لصلاة الفجر خاصّة ، مع تأكيدهم المبرم على عدم
جواز ذلك في سائر الأوقات المعيّنة؟
وكيف يمكن
تصحيح خبر تأذين ابن أُمّ مكتوم الأعمى للفجر ، وتضعيفهم لروايات صحيحة أخرى تطابق
العقل والشرع في أنّه كان يؤذّن بالليل وفي شهر رمضان خاصة؟
بل كيف يقـولون
بتأذيـن ابن أُم مكـتوم مع قـولهـم بكراهـة تأذيـن الأعمـى؟
__________________
أضف إلى ذلك
كله أنّه ما الداعي إلى اختلاف أذان أهل مكّة عن أذان أهل المدينة ، واختلاف
الأذانين عن أذاني أهل الكوفة وأهل البصرة؟
ولماذا يختلفون
فيما هو ـ واللفظ لابن حزم ـ «منقول نقل الكافّة بمكّة وبالمـدينـة وبالكوفـة ، لأنّه
لم يمرّ بأهل الإسلام يوم إلّا وهم يؤذّنون فيه في كلّ مسجد من مساجدهم خمس مرّات
فأكثـر ، فمثل هذا لا يجـوز أن يُنسى ولا أن يُحرّف» .
فلماذا نُسي أو
حُرّف هذا الأذان واختُلف فيه بين مصر وآخر؟
ولو صحّ ما
قاله ابن حزم ـ من صحّة جميع منقولات الأذان على اختلافها ـ عند جمعه بين الوجوه
في الأذان ؛ فكيف يمكننا أن نوفّق بين وحدة الشر يعة وبين تعدّدية الأذان؟ فهل كان
رسول الله قد صحّح الجميع؟ أم وقع في الأذان تغيـير يشهد به إحداث عثمان بن عفان
للأذان الثالث يوم الجمعة ؟.
قال ابن حزم
جامعاً بين كلّ تلك الوجوه :
«... كلّ هذه
الوجوه قد كان يُؤذّن بها على عهد رسول الله بلا شكّ ، وكان الأذان بمكّة على عهد
رسول الله يسمعه عليهالسلام إذا حجّ ، ثمّ يسمعه أبو بكر وعمر ، ثم عثمان بعده عليهالسلام ... فمن الباطل الممتنع المحال الذي لا يحلّ أن يظنّ بهم أنّ أهل مكّة
بدّلوا الأذان وسمعه أحد هؤلاء الخلفاء رضي الله عنهم ، أو بلغه والخلافة بيده فلم
يغيّر ...
وكذلك فُتحت
الكوفة ونزل بها طوائف من الصحابة رضي الله عنهم ، وتداولها عمّال عمر بن الخطاب ،
وعمّال عثمان رضي الله عنهما ، كأبي موسى الأشعري ، وابن مسعود ، وعمّار ، والمغيرة
،
__________________
وسعد بن أبي
وقّاص. ولم يَزَل الصحابة الخارجون عن الكوفة يؤذّنون في كلّ يوم سفرهم خمس مرات ،
إلى أن بَنَوها وسكنوها ، فمن الباطل المحال أن يُحال الأذان بحضرة من ذكرنا ويخفى
ذلك على عمر وعثمان أو يعلمه أحدهما فيقرّه ولا ينكره.
ثم سكن الكوفة
عليّ بن أبي طالب إلى أن مات ، وأنفذ العمّال من قِبله إلى مكّة والمدينة ، ثمّ
الحسن ابنهُ رضي الله عنه إلى أن سلّم الأمر لمعاوية ، فمن المحال أن يُغيَّر
الأذان ولا ينكر تغييره عليّ ولا الحسن ، ولو جاز ذلك على عليّ لجاز مثله على أبي
بكر وعمر وعثمان ، وحاشا لهم من هذا فما يَظنُّ هذا بهم ولا بأحد منهم مسلمٌ أصلاً.
فإن قالوا : ليس
أذان مكّة ولا أذان الكوفة نقل كافّة.
قيل لهم : فإن
قالوا لكم : بل أذان أهل المدينة ليس هو نقل كافة ، فما الفرق؟
فإنِ ادّعوا في
هذا محالاً ادُّعي عليهم مثله.
فإن قالوا : إن
أذان أهل مكّة وأهل الكوفة يرجع إلى قوم محصور عددهم.
قيل لهم : وأذان
أهل المدينة يرجع إلى ثلاثة رجال لا أكثر ، مالك وابن الماجشون وابن أبي ذئب فقط ،
وإنّما أخذه أصحاب هؤلاء عن هؤلاء فقط.
فإن قالوا : لم
يختلف في ..» .
إلى غيرها من
عشرات الأسئلة التي طرحها ابن حزم وسعى لرفعها ، لكن المشكلة بقيت كما هي ، فما
الذي تكتنفه هذه المسألة من الملابسات إذاً؟
__________________
وهل يُعدّ هذا
الاختلاف حقاً من الاختلاف المسموح به في الشر يعة ، أم أنّه شيء آخر؟.
بل لِم اشتدّ
أُوار النزاع بين المسلمين في أمور بديهية ، كالوضوء والأذان ـ مثلاً ـ وهما من
الأمور العبادية التي يؤدّيها كلّ مسلم عدّة مرّات في اليوم والليلة؟
قال ابن حزم :
«أربعة أشياء تَنازَع الناسُ فيها : الوضوء ، والأذان ، والإقامة ، والطواف بالبيت»
.
وهل يمكن جعل
معيار الاختلاف في الأذان بمثابة الاختلاف في تعيين المُدِّ والصاع والوسق الذي
يُختلف فيه بين منطقة وأُخرى ، أو يُغيَّر ـ أي يُحدَثُ فيه ـ من قبل الأمير
والخليفة لحاجة له فيه؟
كلا «ليس هذا
من المدّ والصاع والوسق في شيء ، لأنّ كل مدّ أو قفيز أُحدث بالمدينة وبالكوفة قد
عُرف ، كما عُرف بالمدينة مُـدّ هشام الذي أُحـدِث ، والمدّ الذي ذكره مالك في
مُـوطّئه : أن الصاع هو مدّ وثلث بالمدّ الآخر ، وكمُـدّ أهل الكوفة الحجّاجي ، وكصاع
عمر بن الخطّاب. ولا حرج في إحداث الأمير أو غيره مدّاً أو صاعاً لبعض حاجته ، وبقي
مُدُّ النبيّ وصاعه ووسقه منقولاً إليه نقل الكافّة إليه» !
فكيف يختلفون
في الأذان إذاً ، فيذهب بعضهم إلى أنّه شُرّع في السماء ، ويقول الآخر إنّه شُرّع
بعد رؤيا رآها صحابيٌّ أو عدد من الصحابة؟
وهل يصحّ تشريع
العبادة بمنام يراه أحد الناس ، أم أنّ تشريعها يجب أن يكون بوحي من الله؟
__________________
وكيف يسوغ
تشريع الأذان أستناداً إلى رؤيا رآها عبدالله بن زيد بن عبد ربه في منامه ، أو
ركوناً إلى اقتراح الصحابة ، ويرجح هذا الفهم وهذه الرؤية على أن يكون تشريع
الأذان من الحكيم العليم؟
ألا تحمل هذه
الرؤية نَيْلاً من قدسية الأمور العبادية الإلهيّة ، وتقلل من منزلتها المعنويّة؟!
ثمّ مَن هو
الذي رأى في المنام ، هل هو : عبدالله بن زيد ؟ أو : عمر ابن الخطّاب ؟ أو : أبو بكر ؟ أو : أُبَي بن كعب ؟ أو : سبعة من الصحابة أو : أربعة عشر منهم ؟ أو أكثر من هذا العدد أو أقلّ؟
وكيف يراه
هؤلاء ولا يراه النبيّ المرسل الصادق الرؤيا بلا شكّ وريب؟
وماذا نقول عن
: «الصلاة خير من النوم» و : «حيّ على خير العمل»؟ وهل ثمّةَ ترابط بين رفع «حيّ
على خير العمل» ووضع «الصلاة خير من النوم»؟ أم أنّ الأمر جاء بشكل عفوي دون تدبير؟!
__________________
وإذا كان الأمر
عفو يّاً ، فلماذا نرى أنّ من يقول بشرعيّة «حيّ على خير العمل» لا يقول بشرعيّة «الصلاة
خير من النوم» ، ومن يقول بشرعيّة «الصلاة خير من النوم» يرفع «حيّ على خير العمل»
من الأذان؟
وهل أنّهما
شرعيان؟ أم أنّ أحدهما شرعىّ والاخر بِدْعيّ؟ فأيّهما الشرعي وأيّهما البدعي إذاً؟
وما هو حكم
الشهادة الثالثة التي تقول بها الشيعة الإمامية «أشهدُ أنّ عليّاً وليُّ الله» ، فهل
هي من الشرع أم أنّها بدعة؟
وما هو عدد
التكبيرات في أوّل الأذان ، أهي أربع تكبيرات أو تكبيرتان؟
ثمّ ما هي
خاتمة الأذان ، هل هي «الله أكبر» أو «لا إله إلّاَ الله»؟
وهل أن الأذان
بيان لأصول العقيدة وكلّيّات الإسلام من : التوحيد ، والنبوة و ... ، أم أنّه
مجرّد إعلام لوقت الصلاة خاصّة؟
ولماذا الاختلاف
في أمر بديهىّ وإعلامىّ كهذا؟
تُرى ، هل نشأ
هذا الخلاف في عصر الصحابة الذين يقال عن قرنهم إنّه خير القرون ، أو حدث في عهد
التابعين وتابعي التابعين ومَن تَلاهُم؟ وهل ثمة ملابسات لهذه الأمور في الصدر
الأوّل؟ أم أنّها جاءت في العصور اللاحقة؟!
لقد نقل الصنعاني
كلام بعض المتآخرين ـ وهو يسعى لرفع الخلاف في أَلفاظ الأذان ـ بقوله :
«هذه المسألة
من غرائب الواقعات يقلّ نظيرها في الشريعة ، بل وفي العبادات ؛ وذلك أنّ هذه
الألفاظ في الأذان والإقامة قليلة محصورة معيّنة يُصاح بها في كلّ يوم وليلة خمس
مرّات في أعلى مكان ، وقد أُمر كلّ سامع أن يقول كما يقول المؤذّن ، وهم خير
القرون ، في غرّة الإسلام ، شديدو المحافظة على الفضائل ، ومع هذا كلّه لم يذكر
خوض الصحابة
ولا التابعين واختلافهم فيها ، ثمّ جاء الخلاف الشديد من المتآخرين ، ثمّ كلّ من
المتفرّقين أدلى بشيء صالح في الجملة وإن تَفاوَت» .
ترى ما مدى
مصداقية هذا الكلام وقربه من الواقع؟ وهل من الصحيح أنّ الصحابة لم يختلفوا في
الأذان كما ادّعى هذا القائل من المتأخرين؟! بل هل يصحّ ما قاله ابن حزم عن الصحابة
، كما مرّ بنا قبل قليل ؟.
للإجابة عن
أهمّ الملابسات والتساؤلات ، لابُدّ من البحث وتنقيح المطالب ووضع النقاط على
الحروف ، فنقول مستعينين بالله سبحانه وتعالی :
الأذان لغة واصطلاحاً
من المفيد قبل
البدء في تفاصيل هذه الدراسة أن نتعرّف على المعنى اللغويّ والمفهوم الاصطلاحي
للأذان ، وبيان تاريخ تشريعه وما قيل في الملابسات الدائرة حوله.
الأذان في
اللغة ، هو : مطلق الإعلام ومنه اذنني فلان : أي أعلمني ، قال المقداد السيوري : وهو
لغة إمّا من الإذن بمعنىٰ العلم أو الإذن بمعنى الإجارة ، وعلى كلا
التقديرين أصله الإيذان كالأمان بمعنى الإيمان والعطاء بمعنى الاعطاء. وقيل إنّه
فعال بمعنى التفعيل كالسلام بمعنى التسليم ، والكلام بمعنى التكليم ، فأذّن
المؤذّن حينئذٍ بمعنى التأذين وهو أقرب ، ومنه قوله تعالى : (آذَنْتُكُمْ
عَلَى سَوَاءٍ) أي أعلمتكم على سواء .
__________________
وفي الشرع : الإعلام
والنداء للفر يضة الواجبة ـ الصلاة ـ بفصول معهودة في أوقات مخصوصة ، قال تعالى : (وَإِذَا
نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ)
وقال جلّ جلاله
: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ
وَذَرُوا الْبَيْعَ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
وقال عزَّ مِن
قائل : (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً
يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا)
وقد وردت لفظة
الأذان بمعناها اللغوي في الذكر الحكيم ، كما في قوله تعالى : (وَأَذِّنْ
فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً ...) ، وقوله : (وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى
النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ....) وغيرها من الاستعمالات الكثيرة الدالَّة على معنى الإعلام والنداء.
منبهين القارئ
الكر يم على أن الأذان وإن كان إعلاماً للفر يضة الواجبة ، إلّا أنّه يحمل في
طيّاته جوانب أُخرى وفوائد كثيرة للمرء المسلم ، سنذكر بعضاً منها ، ممّا يؤكد لنا
أنَّ الأذان ليس إعلاماً محضاً للصلاة ، بل هو فصول لها أكثر من واقع في الحياة
الإسلاميّة ، تَجمَع تحت ألفاظها معانيَ الإسلام وأصولَه وعقيدته.
__________________
تاريخ الأذان
هناك أقوال
متعدِّدة ومتفاوتة في تاريخ تشريع الأذان من حيث الزمان والمكان :
أحدها
: تشريعه في الإسراء والمعراج ، حيث أذَّن جبرئيل وأقام ، ثمّ
صلَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأنبياء .
ثانيها
: تشريعه بمكّة قبل الهجرة .
ثالثها
: تشريعه في المدينة المنورة في السنة الأُولى للهجرة ، وذلك بعد بناء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مسجده
المبارك ، وهذا القول هو المشهور عند أهل السنة والجماعة.
رابعها
: تشريعه في السنة الثانية للهجرة .
خامسها
: أن جبرئيل أوَّل مَن أذَّن به في السماء ، لكنَّ تشريعه في الأرض جاء بعد دخول رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم المدينة.
__________________
بدء الأذان عند أهل
السنّة والجماعة
هناك نقولات
وأقوال مختلفة في بدء الأذان وكيفيّته ، مذكورة في الصحاح والسنن ، المشهور منها ـ
الذي قد استقرّ عليه رأيهم ـ أنَّه قد شُرِّع في المدينة المنوّرة في السنة
الأُولى من الهجرة المباركة ، على أثر منام رآه بعض الصحابة ، وإليك أهمّ تلك
الأقوال :
الأوّل :
تشريعه باقتراح من الصحابة ، وخصوصاً عمر بن الخطّاب :
* أخرج
البخاريّ ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وغيرهم ـ والنصّ للأوّل ـ عن عبدالله بن
عمر ، أنّه قال : كان المسلمون حين قَدِموا المدينة يجتمعون ، فيتحيّنون الصلاة ، ليس
يُنادى لها ، فتكلّموا يوماً في ذلك ، فقال بعضهم : اتَّخِذوا ناقوساً مثل ناقوس
النصارى ، وقال بعضهم : بل بُوقاً مثل قرن اليهود ، فقال عمر : أوَلا تبعثون رجلاً
ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله : يا بلال! قم فنادِ بالصلاة .
* قال ابن
خزيمة في صحيحه في باب «ذكر الدليل على أنّ بدء الأذان إنّما كان
__________________
بعد هجرة النبيّ إلى المدينة ، وأنّ صلاته بمكّة إنّما كانت من غير نداء
لها ولا إقامة» : «قال أبو بكر ، في خبر عبدالله بن زيد : كان رسول الله حين
قَدِمَ المدينة إنّما يجتمع الناس إليه للصلاة بحين مواقيتها بغير دعوة» .
وهذا الرأي
يشير إلى أن الأذان شُرّع بالمدينة وإن كانت الصلاة قد شُرّعت بمكّة :
قال ابن المنذر
: هو [صلى الله عليه وآله وسلم] كان يصلّي بغير أذان منذ فُرضت الصلاة بمكّة إلى
أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور .
لكن السيوطي في
الدرّ المنثور ـ ضمن تفسير قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ
قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً) ـ روى عن
عائشة أنّها قالت : ما أرى هذه الآية نزلت إلّا في المؤذّنين . وهذه الآية مكّيّة .
ثمّ علّق
الحلبي في سيرته على هذا بقوله : والأذان إنّما شُرّع في المدينة فهي ممّا تأخّر
حكمه عن نزوله .
وقد سئل الحافظ
السيوطي : هل ورد أن بلالاً أو غيره أذّن بمكّة قبل الهجرة؟ فأجاب بقوله : ورد ذلك
بأسانيد ضعيفة لا يُعتمد عليها ، والمشهور الذي صحّحه أكثر العلماء ودلّت عليه
الأحاديث الصحيحة أن الأذان شُرّع بعد الهجرة وأنّه لم يؤذِّن قبلها لا بلال ولا
غيرُه .
هذا ، وإن
النووي بعد أن أتى بخبر ابن عمر الدالّ على مشاورة الرسول
__________________
للصحابة ، تساءل عن هذه المشاورة هل هي واجبة على رسول الله أم لا؟! فقال :
«... واختلف أصحابنا ، هل كانت المشاورة واجبة على رسول الله أم كانت سُنّة من
حقّه كما في حقّنا؟ والصحيح عندهم وجوبها ، وهو المختار.
قال الله تعالى
: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ، والمختار الذي عليه جمهور الفقهاء ومحقّقو أهل الأُصول أنَّ الأمر للوجوب
، وفيه أنّه ينبغي للمتشاورين أن يقـول كلٌّ منهم ما عنده ، ثمّ صاحبُ الأمر يفعل
ما ظهرت له مصلحة ، والله أعلم .
الثاني :
جاء تشريع الأذان بعد منامات رآها بعض الصحابة :
* أخرج أبو
داود بإسناده عن أبي عمير بن أنس ، عن عُمومة له مِن الأنصار ، قال : «اهتمّ
النبيّ للصلاة كيف يجمع الناس لها ؛ فقيل : انصِبْ رايةً عند حضور الصلاة ، فإذا
رأوها آذَنَ بعضُهم بعضاً ، فلم يعجبه ذلك ، فذُكِـر له القَـنْع ـ يعـني الشـبّور
، وقال ز ياد : شـبّور اليهـود ـ فلم يعجـبه ذلك ، وقال : هو مِن أمرِ اليهـود.
قال : فذُكِر
له الناقوس ، فقال : هو مِن أمرِ النصارى.
فانصرف عبدالله
بن زيد وهو مهتمٌّ لهمِّ رسول الله ، فأُرِيَ الأذانَ في منامه ، فغدا على رسول
الله فأخبره ، فقال : يا رسول الله! إنّي لَبينَ نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان.
قال : وكان عمر
بن الخطّاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً. قال : ثمّ أخبر
__________________
النبيّ ، فقال له : ما منعك أن تخبرني؟ فقال : سبقني عبدالله بن زيد فاستحييت.
فقال رسول الله
: يا بلال! قم فانظر ما يأمرك به عبدالله بن زيد فافعله ، قال : فأذَّنَ بلال.
قال أبو بشر [وهو
من رواة الخبر] : فأخبرني أبو عمير أنّ الأنصار تزعم أنَّ عبدالله بن زيد لولا
أنّه كان يومئذ مر يضاً لجعله رسول الله مؤذِّناً .
* وأخرج الترمذيّ
، وأبو داود ، عن عبدالله بن زيد أنّه قال ـ والنصّ للثاني ـ : لمَّا أمر رسول
الله بالناقوس يُعمَل ليضرب به للناس لجمع الصلاة ،
طاف بي ـ وأنا
نائم ـ رجل يحمل ناقوسـاً في يـده ، فقلت : يا عبدالله! أتبيع النـاقوس؟
قال : وما تصنع
به؟
قلتُ : ندعو به
إلى الصلاة.
قال : أفلا
أدلّك على ما هو خير من ذلك؟
فقلتُ : بلى.
فقال : تقول : الله
أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر
أشهد أن لا إله
إلّاَ الله ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله.
أشهد أنَّ
محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله.
حيّ على الصلاة
، حي على الصلاة.
حيّ على الفلاح
، حيّ على الفلاح.
الله أكبر ، الله
أكبر.
لا إله إلّاَ
الله.
__________________
قال : ثمّ
استأخر عنّي غير بَعيد ، ثمّ قال : وتقول إذا أقمت الصلاة :
الله أكبر ، الله
أكبر.
أشهد أن لا إله
إلّاَ الله.
أشهد أنّ
محمّداً رسول الله.
حيّ على الصلاة.
حيّ على الفلاح.
قد قامت الصلاة
، قد قامت الصلاة.
الله أكبر ، الله
أكبر.
لا إله إلّاَ
الله.
فلمّا أصبحتُ
أتيت رسول الله فأخبرته بما رأيت ، فقال : إنَّها لَرؤيا حقّ إن شاء الله تعالى ، فقُم
مع بلال فألقِ عليه ما رأيت فَلْيُؤذِّن به ، فإنّه أندى صوتاً منك ، فقمتُ مع
بلال فجعلتُ أُلقيه عليه ويُؤذِّن به.
قال : فسمع ذلك
عمر بن الخطّاب وهو في بيته ، فخرج يجرُّ رداءه ، ويقول : والذي بعثك بالحقِّ يا
رسول الله! لقد رأيتُ مثل ما رأى ، فقال رسول الله : فلله الحمد .
* وأخرج أبو
داود عن ابن أبي ليلى ، قال : أُحيلت الصلاة ثلاثة أحوال ، قال : وحدّثنا أصحابنا
أنّ رسول الله قال : لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين ـ أو
__________________
قال : المؤمنين ـ واحدة حتّى لقد هَمَمتُ أن أبثّ رجالاً في الدُّور ينادون
الناس بحين الصلاة ، وحتّى هَمَمت أن آمر رجالاً يقومون على الآطام ينادون
المسلمين بحين الصلاة حتّى نَقَسُوا أو كادوا [أن] ينقسوا.
قال : فجاء رجل
من الأنصار فقال : يا رسول الله! إنّي لمّا رجعتُ ـ لِما رأيتُ من اهتمامك ـ رأيتُ
رجلاً كأنَّ عليه ثوبَين أخضرَين ، فقام على المسجد فأذَّن ثمّ قعد قعدة ، ثمّ قام
فقال مثلها إلّاَ أنّه يقول : قد قامت الصلاة ، ولولا أن يقول الناس ـ قال ابن
المثنّى : أن تقولوا ـ لقلتُ إنّي كنتُ يقظاناً غير نائم.
فقال رسول الله
: لقد أراك الله عزّوجلّ خيراً ـ كما في رواية ابن المثنّى ، ولم تأتِ هذه العبارة
في رواية عمرو ـ فَمُرْ بلالاً فليؤذِّن.
قال : فقال عمر
: أما إنّي فقد رأيتُ مثل الذي رأى ، ولكنّي لمّا سُبِقتُ استَحيَيت .
* وأخرج مالك
في الموطّأ : حدّثني يحيى ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد أنّه قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أراد أن يتّخذ خشبتَين يضرب بهما ليجتمع الناس
للصلاة ، فأُرِيَ عبدالله بن زيد الأنصاريّ ثمّ من بني الحارث بن الخزرج خشبتَينِ في
النوم ، فقال : إنَّ هاتين لَنحو ما ير يد رسول الله ، فقيل : أفلا تُؤَذِّنون
للصلاة؟ فأتى رسول الله ، حين استيقظ ، فذكر له ذلك ، فأمر رسولُ الله بالأذان .
* وفي مصنّف
عبدالرزّاق بإسناده عن إبراهيم بن محمّد ، عن أبي جابر البياضيّ ، عن سعيد ، عن
عبدالله بن زيد ـ أخي بني الحارث بن الخزرج ـ أنّه : بينما هو نائم إذ رأى رجلاً
معه خشبتان ، قال : فقلتُ له في المنام : إنَّ النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ير يد
__________________
أن يشتري هذين العُودَينِ يجعلهما ناقوساً يضرب به للصلاة.
قال : فالتفتَ
إلَيَّ صاحبُ العودينِ برأسه فقال : أنا أدلّكم على ما هو خير من هذا (فبلَّغه
رسول الله صلَّى الله عليه [وآله] وسلَّم ، فأمره بالتأذين) .
فاستيقظ
عبدالله بن زيد ؛ قال : ورأى عمر مثل رؤيا عبدالله بن زيد ، فسبقه عبدالله بن زيد
إلى النبيّ ، فأخبره بذلك ، فقال له النبيّ : قم فأذِّن ، فقال : يا رسول الله!
إنّي فضيع الصوت ، فقال له : فعلِّمْ بلالاً ما رأيتَ ، فعلَّمه فكان بلال
يُؤَذِّن .
* وأخرج عبدالرزّاق
أيضاً في مصنّفه عن ابن جريج : «قال عطاء : سمعتُ عبيد بن عمير يقول : ائتمر
النبيّ وأصحابه كيف يجعلون شيئاً إذا أرادوا جمع الصلاة اجتمعوا لها ، فائتمروا
بالناقوس ، قال : فبينا عمر بن الخطّاب ير يد أن يشتري خشبتينِ للناقوس إذ رأى في
المنام : أن لا تجعلوا الناقوس بل أذِّنوا بالصلاة ، قال : فذهـب عمر إلى النبيّ
ليخبره بالذي رأى ، وقد جاء النبيّ الوحي بذلك ، فـما راع عمر إلّا بلال يؤذِّن ، فقال
النبيّ : قد سبقك بذلك الوحي ، حين أخبره بذلك عمر» .
* وفي جامع
المسانيد لأبي حنيفة ومجمع الزوائد ـ والنصّ للأوّل ـ : «عن علقمة بن مرثد ، عن
ابن بريدة ، عن أبيه ، أنَّ رجلاً من الأنصار مرَّ برسول الله فرآه حزيناً ، وكان
الرجل ذا طعام يُجتمَع إليه ، فانطلق حزيناً لِما رأى من حزن رسول الله ، وترك
طعامه وما كان يجتمع إليه ، ودخل مسجده يصلِّي ، فبينما هو
__________________
كذلك إذ نعس فأتاه آت في النوم ، فقال : هل علمت ما حَزَّن رسولَ الله؟
فقال : لا.
قال : فهو لهذا
الناقوس ، فائْتِهِ فمُرْه أن يأمر بلالاً أن يؤذِّن ، فعلَّمه الأذان : اللهُ
أكبر اللهُ أكبر مرّتين ، أشهد أن لا إله إلّا الله مرّتين ، أشهد أنَّ محمّداً
رسول الله مرّتين ، حيّ على الصلاة مرّتين ، حيّ على الفلاح مرّتين ، اللهُ أكبر ،
اللهُ أكبر ، لا إله إلّا الله ..
ثمّ عَلّمه
الإقامة مثل ذلك ، وقال في آخره : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، اللهُ أكبر ،
اللهُ أكبر ، لا إله إلّا اللهُ ، كأذان الناس وإقامتهم.
فأقبل
الأنصاريّ فقعد على باب رسول الله ، فمرّ أبو بكر فقال : استأذن لي ، فدخل أبو بكر
وقد رأى مثل ذلك ، فأخبر به النبيَّ ، ثمَّ استأذن للأنصاريّ فدخل وأخبر بالذي رأى
، فقال النبيُّ : قد أخبرنا أبو بكر بمثل ذلك ، فأمر بلالاً يؤذِّن بذلك .
فهذه النصوص
وإن كانت مختلفة العبارات لكنّها تشير إلى رؤية متقاربة ؛ فالنصّ الأوّل يشير إلى
أن تشريع الأذان جاء على أثر رؤيا رآها عبدالله بن زيد حينما رأى رسول الله
مهموماً مغموماً. ويظهر أنّ رؤياه كانت ليلاً لقوله : «... فأُرِيَ الأذان في
منامه ، فغدا على رسول الله فأخبره» وكذا النصّ الثاني ، ففيه «فلمّا أصبحتُ أتيت
رسول الله فأخبرته بما رأيت».
لكن النصّ الذي
رواه أبو حنيفة في جامع المسانيد فيه : أنّ الرجل لمّا رأى حزن رسول الله دخل
المسجد يصلّي «فبينما هو كذلك إذ نعس فأتاه آت في النوم .... فأقبل الأنصاري فقعد
على باب رسول الله فمرّ أبو بكر فقال : استأذن لي ....» وهو يختلف عن الأوّل.
__________________
ويضاف إليه أن
الرجل الأنصاري في نصّ جامع المسانيد كان «ذا طعام يُجتَمع إليه ، فانطلـق حزيـناً
لِما رأى من حـزن رسـول الله ، وترك طعامه وما كان يجتمع إليه» وهذا لم يشـتهر عن
عبد الله بن زيد بن عبد ربّه بن ثعلبـة الـذي أُري النداء. مع أن نص جامع المسانيد
يدّعي أنّ أبا بكر سبق الانصاري بالرؤيا واخباره النبي صلىاللهعليهوآلهوسلمبذلك ، وهو يخالف باقي النصوص التي تسجّل قدمَ السبق
للانصاري.
نعم ، اشتهر عن
سعد بن عبادة وغيره من الأنصار الذين استضافوا رسول الله عند دخوله صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة ، وكانوا من الأغنياء المعروفين بالجود والكرم
مع أنّ نص جامع المسانيد يّدعي أنّ أبا بكر سبق الأنصاري بالرؤيا وإخباره النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك ، وهو يخالف باقي النصوص التي تسجّل قدمَ السبق
للأنصاري.
أما النصّ
الثاني ـ أي ما أخـرجـه التـرمـذي وأبـو داود ـ فيشـير إلى أن رسول الله أمر بالناقوس
يُعمل ليضرب للناس ، فرأى عبدالله في المنام الأذان ، فأمـر صلىاللهعليهوآلهوسلم بلالاً أن يأخذ بما قاله عبـد الله ؛ وهـذا لا يتّفـق
مع عـدم ارتضائـه صلىاللهعليهوآلهوسلم للناقوس!!
وفي النصّ
الثالث نراه صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «لقد هَمَمتُ أن أبثّ رجالاً في الدُّور ينادون
الناس بحـين الصلاة حتّى هَمَمت أن آمر رجالاً يقومون على الآطام ينادون بحين
الصلاة ، حتّى نقسوا أو كادوا [أن] ينقسوا ، فجاء رجل من الأنصار ...» ، وهذا لا
يتّفق مع ما قيل عن الرجل الأنصاري في كتب الحديث.
وفي موطّأ مالك
: «كان رسول الله قد أراد ان يتّخذ خشبتين يضرب بهما ليجتمع الناس للصلاة ، فأُري
عبد الله خشبتين في المنام ...».
وهذا أيضاً لا
يتّفق مع ما رواه عبدالرزّاق عن ابن جريج ، إذ فيه : أنّ عمر أراد «أن يشتري
خشبتين للناقوس إذ رأى في المنام : أن لا تجعلوا الناقوس بل أذّنوا للصلاة».
هذه بعض النصوص
الدالّة على القول الثاني ، وقد حاولنا أن نوحدها ـ رغم اختلافاتها ـ بقدر
المستطاع تحت عنوان واحد.
الثالث :
نزول الأذان تدريجياً ، وإضافة عمر الشهادة بالنبوّة إليه :
جاء في صحيح
ابن خزيمة : حدّثنا بُندار ، حدّثنا أبو بكر ـ يعني الحنفيّ ـ حدّثنا عبدالله بن
نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر : أنَّ بلالاً كان يقول أوَّل ما أذَّن : أشهد أن لا
إله إلّاَ الله ، حيّ على الصلاة ؛ فقال له عمر : قل في إثرها : أشهد أنَّ محمّداً
رسول الله ؛ فقال رسول الله : قل كما أمرك عمر .
الرابع :
الأذان وحيٌ من الله تلقّاه الرسول من جبرئيل :
جاء في نصب
الراية للزيلعي تحت باب «أحاديث في أنَّ الأذان كان وحياً لا مناماً» : روى
البزّار في مسنده : حدّثنا محمّد بن عثمان بن مخلّد الواسطيّ ، حدّثنا أبي ، حدّثنا
زياد بن المنذر ، عن محمّد بن عليّ بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ بن
أبي طالب ، قال :
«لمّا أراد
الله أن يُعَلِّم رسوله الأذانَ أتاه جبرئيل بدابّة يقال لها البُراق ، فذهب
يركبها فاستصعبت ، فقال لها [جبرئيل] : اسكُني ، فوالله ما رَكِبَك عبدٌ أكرم على
الله من محمّد.
__________________
قال : فركبها
حتّى انتهى إلى الحجاب الذي يلي الرحمن تبارك وتعالى ، فبينما هو كذلك إذ خرج
مَلَكٌ مِن الحجاب ، فقال رسول الله : يا جبرئيل! مَن هذا؟
قال : والذي
بعثك بالحقِّ ، إنّي لاَقرب الخَلْق مكاناً ، وإنَّ هذا المَلَك ما رأيته منذ
خُلِقتُ قبل ساعتي هذه.
فقال المَلَك :
الله أكبر ، الله أكبر.
قال : فقيل له
مِن وراء الحجاب : صَدَقَ عبدي ، أنا أكبر ، أنا أكبر.
ثمّ قال المَلَك
: أشهد أن لا إله إلّاَ الله.
قال : فقيل له
مِن وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا لا إله إلّاَ أنا.
ثمّ قال
المَلَك : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله.
فقيل له مِن
وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا أرسلتُ محمّداً.
ثمّ قال
المَلَك : حيَّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح [وفي مجمع الزوائد زيادة : قد قامت
الصلاة ، قد قامت الصلاة]. ثمَّ قال الملك : الله أكبر ، الله أكبر.
فقيل له مِن
وراء الحجاب : صَدَق عبدي ، أنا أكبر ، أنا أكبر.
ثمّ قال : لا
إله إلّاَ الله.
قال : فقيل مِن
وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا لا إله إلّاَ أنا.
قال : ثمّ أخذ
المَلَك بيد محمّد فقدَّمه فأمَّ أهل السماء ، فيهم آدم ونوح .. انتهى.
[وفي مجمع
الزوائد زيادة : قال أبو جعفر محمّد بن عليّ : فيومئذ أكمل الله لمحمّد الشرف على
أهل السماوات والأرض] .
وروى الطبرانيّ
في الأوسط عن ابن عمر : «أنَّ النبيّ لمّا أُسرِيَ به إلى السماء
__________________
أُوحي إليه بالأذان ، فنزل به فعلَّمه جبرئيلَ» .
وروى ابن مردو
يه عن عائشة مرفوعاً : لمّا أسري بي أذّن جبرئيل فظنّت الملائكة أنّه [أي جبرئيل] يصلّي
بهم ، فقدّمني فصلّيت .
الخامس :
إنّ عمر أوّل من سمع أذان جبرئيل ثمّ بلال :
جـاء في مختصر
إتحاف السادة المهرة بزوائد العشرة للبوصيري : عن كثير ابن مرة الحضرميّ ، أنَّ
رسول الله قال : أوّل مَن أذَّن في السماء جبرئيل عليهالسلام ، قال : فسمعه عمر وبلال ، فأقبل عمر فأخبر النبيَّ بما
سمع ، ثمّ أقبل بلال فأخبر النبيَّ بما سمع ، فقال له رسول الله : سبقك عمر يا بلال
، أذِّن كما سمعت ، قال : ثمَّ أمره رسول الله أن يضع إصبعَيه في أُذنَيه استعانةً
بهما على الصوت. رواه الحارث بن أُسامة مرسلاً بسند ضعيف لضعف سعيد ابن سنان .
السادس :
إنّ الأذان نزل به جبرئيل على آدم لمّا استوحش :
__________________
جاء في كشف
الغُمَّة للشعراني : ... وكان كعب الأحبار يقول : قال رسول الله : لمَّا نزل آدم
بأرض الهند استوحش فنزل جبرئيل فنادى بالأذان ، فزالت عنه الوحشة.
فقال جبرئيل : الله
أكبر اللهُ أكبر ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ـ مرّتين ، أشهد أنَّ محمّداً رسول
الله ـ مرّتين.
قال آدم : مَن
محمّد؟
قال : آخِر
ولدك مِن الأنبياء .
قال عليّ بن
برهان الدين الحلبي في سيرته : أقول : ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو
نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أنّ جبرئيل نادى بالأذان لآدم حين أُهبط من
الجنَّة .
ثمّ قال الحلبي
:
وبهذا يعلم ما
في الخصائص الصغرى «خُصّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بذكر اسمه في الأذان في عهد آدم وفي الملكوت الأعلى» والله
أعلم .
هذا ما قاله
أهل السنّة والجماعة في بَدء الأذان ، ولكنْ .. ما هي رؤية أهل البيت : في قضيّة
بدء تشريع الأذان؟ هذا ما سنتعرّف عليه في الصفحات التالية.
__________________
أهل البيت وبدء الأذان
اتّفقت نصوص
أهل بيت النبوّة ـ المرويّ منها عن طريق الإماميّة الاثني عشر يّة أو الإسماعيليّة
أو الزيديّة ـ على أنّ بدء الأذان قد كان في الإسراء ، وإليك بعض نصوصهم في هذا
السياق.
الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام (ت ٤٠ ه) :
جاء في صحيفة
الرضا عليهالسلام ، عن آبائه ، قال : «قال عليّ بن أبي طالب : لمّا بُدِي
رسول الله بتعليم الأذان ، أتى جبرئيل بالبُراق فاستعصت عليه ، فقال لها جبرئيل : اسكُني
برقة! فما ركبك أحد أكرم على الله منه ، فسكنت. قال رسول الله : فركبتها حتّى
انتهيت إلى الحجاب الذي يلي الرحمن عَزَّ [ربُّنا] وجَلَّ ، فخرج مَلَكٌ مِن وراء
الحجاب ، فقال : اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ؛ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
قلت : يا جبرئيل! مَن هذا المَلَك؟
قال [جبرئيل] :
والذي أكرمك بالنبوّة ما رأيتُ هذا الملَك قبل ساعتي هذه.
فقال المَلَك :
اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ؛ فنودي مِن وراء الحجاب : صَدَق عبدي ، أنا أكبر ، أنا
أكبر.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
فقال المَلَك : أشهد أن لا إله إلّاَ اللهَ ، أشهد أن لا إله
إلّاَ الله ؛ فنُودِي مِن وراء الحجاب : صدق عبدي ، [أنا الله] ، لا إله إلّاَ أنا.
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
فقال المَلَك : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً
رسول الله ؛ فنودي من وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا أرسلتُ محمّداً رسولاً.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
فقال المَلَك : حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ؛ فنودي من وراء
الحجاب : صدق عبدي ، ودعا إلى عبادتي.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
فقال المَلَك : حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، فنودي من وراء
الحجاب : صدق عبدي ، ودعا إلى عبادتي ، فقال الملك : قد أفلحَ مَن واظب
عليها.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
فيومئذ أكمل الله عزَّ وجلَّ لي الشرف على الأوّلين والآخرين» .
الإمام الحسن بن عليّ (ت ٥٠ ه) :
عن سفيان بن
الليل ، قال : لمّا كان من أمر الحسن بن عليّ ومعاوية ما كان قَدِمتُ عليه
المدينةَ وهو جالس في أصـحابه ، فذكر الحديث بطـوله ، فقال : فتـذاكرنا عنـده
الأذان ، فقال بعـضـنا : إنّما كان بـدء الأذان برؤيا عبـد الله بن زيد.
فقال له الحسن
بن عليّ : «إنّ شأن الأذان أعظم من ذلك ، أذّنَ جبرئيل في السماء مَثْنى مَثْنى
وعلَّمه رسولَ الله ، وأقام مرّة مرّة فعلَّمه رسولَ الله» ، فأذَّن به الحسن حتّى
ولّى .
__________________
الإمام الحسين بن عليّ (ت ٦١ ه) :
جاء في الجعفر
يّات : أخبرنا محمّد ، حدّثني موسـى ، قال : حدّثنا أبي ، عن أبيه ، عن جدّه جعفر
بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليّ بن الحسـين ، عن الحسـين بن عليّ : أنَّه سئل
عن الأذان وما يقول الناس [فيه] ، قال : «الوحيُ ينزل على نبيّكم ، وتزعمون أنَّه
أخذ الأذان عن عبدالله بن زيد؟ بل سمعتُ أبي عليّ ابن أبي طالب عليهالسلام يقول : أَهـبَطَ اللهُ عزَّ وجلَّ مَلَكاً حين عُرِج برسول الله فأذَّن
مَثْنى مَثْنى ، وأقام مَثْنى مَثْنى ، ثمّ قال له جبرئيل : يا محمَّـد! هكذا أذان
الصلاة» .
وفي دعائم
الإسلام ـ وهو من كتب الإسماعيليّة ـ : روينا عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن
جـدّه ، عن الحسين بن عليّ : أنّه سـئل عن قـول النـاس في الأذان ، إنَّ السبب كان
فيه رؤيا رآها عبد الله بن زيد فأخـبر بها النـبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأمر بالأذان!
فقال الحسين عليهالسلام : «الوحيُ يتنزَّل على نبيّكم ، وتزعمون
أنَّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زيد؟ والأذان وجه دينكم!» ، وغضب عليهالسلام ثمّ قال : «بل سمعتُ أبي عليّ بن أبي طالب يقول : أهبَطَ اللهُ عزّوجلّ
مَلَكاً حين عرج برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم» ـ وذكر حديث الإسراء بطوله ، اختصرناه نحن ها هنا ـ
قال فيه : «وبعث ملكاً لم يُرَ في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده ، فأذَّن مَثْنى
وأقام مَثْنى» ، وذكر كيفيّة الأذان «وقال جبرئيل للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم :
يا محمّد! هكذا أذِّن للصلاة» .
__________________
محمّد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفيّة ت ٧٣ ـ ٩٣ ه) :
عن أبي العلاء
، قال : قلت لمحمّد بن الحنفيّة : إنّا لَنتحدّث : أنّ بدء هذا الأذان كان من رؤيا
رآها رجل من الأنصار في منامه.
قال : ففزع
لذلك محمّد بن الحنفيّة فزعاً شديداً ، وقال : عَمَدتُم إلى ما هو الأصل في شرائع
الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنّه إنّما كان رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه
تحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام!
قال : فقلتُ (له)
: هذا الحديث قد استفاض في الناس!
قال : «هذا
والله هو الباطل». ثمّ قال : «وإنّما أخبرني أبي : أنَّ جبرئيل عليهالسلام أذَّن في بيت المقدس ليلة الإسراء وأقام ، ثمّ أعاد جبرئيل الأذان لمّا
عرج بالنبيّ إلى السماء ...» .
وفي معاني
الأخبار : عن عليّ بن عبدالله الورّاق ، وعليّ بن محمّد بن الحسن القزويني ، قالا
: حدّثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدّثنا العبّاس بن سعيد الأزرق ، قال : حدّثنا
أبو نصر ، عن عيسى بن مهران ، عن يحيى بن الحسن. بن الفرات ، عن حمّاد بن يعلى ، عن
عليّ بن الحزور ، عن الأصبغ بن نُباتة ، عن محمّد بن الحنفيّة أنَّه ذُكِرَ عنده
الأذان فقال :
«لمّا أُسري
بالنبيِّ إلى السماء ، وتناهز إلى السماء السادسة ، نزل مَلَكٌ من السماء السابعة
لم ينزل قبل ذلك اليوم قطّ ، فقال : اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ؛ فقال الله جَلَّ
جلاله : أنا كذلك.
__________________
فقال : أشهد أن
لا إله إلّاَ الله ، فقال الله عزّ وجلّ : أنا كذلك ، لا إله إلّاَ أنا.
فقال : أشهد
أنَّ محمّداً رسول الله ، فقال الله جلَّ جلاله : عبدي وأميني على خلقي ، اصطفيته
على عبادي برسالاتي.
ثمّ قال : حيّ
على الصلاة ، فقال الله جلَّ جلاله : فرضتها على عبادي وجعلتها لي دِيناً.
ثمّ قال : حيّ
على الفلاح ، فقال الله جلَّ جلاله : أفلح مَن مشى إليها وواظب عليها ابتغاء وجهي.
ثمّ قال : حيّ
على خير العمل ، فقال اللهُ جلَّ جلاله : هي أفضل الأعمال وأزكاها عندي.
ثمّ قال : قد
قامت الصلاة ، فتقدَّم النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأمَّ أهلَ السماء ، فَمِن يومئذ تمَّ شرف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم» .
وقد جاء ما
يماثل هذا في طرق الزيدية ، وأخرجه الحافظ العلوي في (الأذان بحيّ على خير العمل)
، فقال :
حدّثنا أبو
القاسم الحفص بن محمّد بن أبي عابد قراءةً ، حدّثنا زيد بن محمّد بن جعفر العامري
، حدّثنا جعفر بن محمّد بن مروان ، حدّثنا أبي ، حدّثنا نصر بن مزاحم المنقري ، حدّثنا
أيّوب بن سليمان الفزاري ، عن عليّ بن جردل ، عن محمّد بن بشر ، قال : جاء رجل إلى
محمّد بن الحنفية فقال له : بلغنا أن الأذان إنّما هو رؤيا رآها رجل من الأنصار
فقصّها على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأمر بلالاً فأذّن تلك الرؤيا!
فقال له محمّد
بن الحنفية : إنّما يقول بهذا الجاهلُ من الناس ، إن أمر الأذان أعظم من ذلك ..
إنّه لمّا أسري برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فانتُهي به إلى السماء السادسة جمع
__________________
اللهُ له ما شاء من الرسل والملائكة ، فنزل مَلَك لم ينزل قبل ذلك اليوم ، عرفت
الملائكة أنّه لم ينزل إلّا لأمر عظيم ، فكان أوّل ما تكلّم به حين نزل ، قال : الله
أكبر ، الله أكبر ، فقال الله عزّ وجلّ : أنا كذلك ، أنا الأكبر لا شيء أكبر مّني.
ثمّ قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، فقال الله : أنا كذلك لا إله إِلاّ أنا. ثمّ
قال : أشهد أن محمّداً رسول الله ، فقال الله : نعم ، هو رسولي بعثته برسالتي
وأئتمنته على وحيي. ثمّ قال : حيّ على الصلاة ، فقال الله : أنا افترضتها على
عبادي وجعلتها لي رضا. ثمّ قال : حيّ على الفلاح ، فقال الله : قد أفلح من مشى
إليها وواظب عليها ابتغاء وجهي. ثمّ قال : حيّ على خير العمل ، فقال الله : هي
أزكى الأعمال عندي وأحبها إليَّ. ثمّ قال : قد قامت الصلاة ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن كان عنده من الرسل والملائكة. وكان المَلَك يؤذّن
مَثْنى مَثْنى ، وآخِر أذانه وإقامته : لا إله إلّا الله. وهو الذي ذكر الله في كتابه
: (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ). قال محمّد بن الحنفية : فتَمّ له يومئذ شرفُه على الخلق. ثمّ نزل فأمر أن
يؤذَّن بذلك الأذان .
الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهالسلام (ت ٩٤ ه) وابنه زيد :
عن زيد بن عليّ
، عن آبائه ، عن عليّ : «أنَّ رسول الله عُلِّمَ الأذان ليلة المسرى ، وبه فُرِضَت
عليه» .
وقال الإمام
الهادي بالله ـ من أئمّة الزيديّة ـ في كتابه الأحكام : «قال يحيى ابن الحسين رضي
الله عنه : والأذان فأصلُه أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عُلِّمَه ليلةَ المسرى ،
__________________
أرسل اللهُ إليه مَلَكاً فعلَّمه إيّاه.
فأمّا ما يقول
به الجهّال مِن أنّه رؤيا رآها بعض الأنصار فأخبر بها النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأمَرَه أن يُعَلِّمه بلالاً ، فهذا من القول محالٌ لا
تقبله العقول ؛ لأنَّ الأذان من أُصولِ الدين ، وأُصولُ الدين لا يعلمها رسول الله
على لسان بشر من العالمين» .
الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليهالسلام (ت ١١٤ ه) :
جاء في الكافي
والتهذيب والاستبصار ـ والنصّ للأخيرينِ ـ بإسناد الشيخ الطوسي عن محمّد بن عليّ
بن محبوب ، عن عليّ بن السنديّ ، عن ابن أبي عُمير ، عن ابن أُذينة ، عن زُرارة
والفُضيل بن يسار ، عن أبي جعفر [الباقر عليهالسلام] ، قال :
«لمّا أُسري
برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فبلغ البيت المعمور حضرت الصلاة ، فأذَّن جبرئيل وأقام
، فتقدَّم رسول الله ، وصفَّ الملائكة والنبيّون خلف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم».
قال : فقلنا له
: كيف أذّن؟
فقال : «اللهُ
أكبر ، اللهُ أكبر ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، أشهد
أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، حيّ على الصلاة ، حيّ على
الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، حيّ على خير
العمل ، اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ، لا إله إلّاَ الله ، لا إله إلّاَ الله ؛
والإقامة مثلها إلّاَ أنَّ فيها : «قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة» بين : «حيّ
على خير العمل ، حيّ على خير العمل» ، وبين : «اللهُ أكبر اللهُ أكبر» ، فأمر بها
رسولُ الله بلالاً ، فلم يَزَل يؤذِّن بها حتّى قَبض اللهُ رسولَه صلىاللهعليهوآلهوسلم» .
__________________
وفي الكافي : بإسناده
عن أبي حمزة الثماليّ وأبي منصور ، عن أبي الربيع ، قال : «حَجَجنا مع أبي جعفر [الباقر
عليهالسلام] في السنة التي كان حجّ فيها هشام بن عبدالملك ، وكان
معه نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطّاب ، فنظر نافع إلى أبي جعفر عليهالسلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال : يا أمير المؤمنين ، مَن هذا
الذي قد تَداكَّ عليه الناس؟!
فقال : هذا
نبيُّ أهل الكوفة ، هذا محمّد بن عليّ!
قال : أشهد
لاَتينّه ولأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلّا نبيّ أو ابن نبيّ أو وصيّ نبيّ.
قال : فاذهب
إليه وسَله لعلكّ تُخجِلُه!
فجاء نافع حتّى
اتّكأ على الناس ثمّ أشرف على أبي جعفر ، فقال : يا محمّد ابن عليّ! إني قرأت
التوراة ، والإنجيل ، والزّبور ، والفرقان وقد عرفتُ حلالها وحرامها وقد جئت
أسألُك عن مسائل ...
[ومنها] : من
الذي سأل محمّدٌ وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة؟
قال : فتلا أبو
جعفر عليهالسلام هذه الآية : (سُبْحَانَ الَّذِي
أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) ، فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالى محمّداً حيث أسري به إلى
بيت المقدس أن حشر الله الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين ، ثمّ أمر جبرئيل
فأذَّن شفعاً ، وأقام شفعاً ، وقال في أذانه : حيّ على خير العمل ، ثمّ تقدّم
محمّدٌ وصلَّى بالقوم» .
__________________
وجاء في كتاب (الأذان
بحيّ على خير العمل) للحافظ العلوي : أخبرنا عبدالله بن مخالد ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد ، حدّثنا محمّد بن عمرو
ابن عثمان ، حدّثنا محمّد بن سنان ، حدّثنا عمّار بن مروان ، عن المنتخل ، عن جابر قال : سألت أبا جعفر عن الأذان : كيف كان
بدؤه؟ قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما أُسري به إلى السماء ، نزل إليه جبريل ، ومعه محملة
من محامل الربّ عزّ وجلّ ، فحمل عليها رسولَ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى السماء ، فأذّن جبر يل ، فقال : الله أكبر ، الله
أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا
الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، [أشهد أن محمّداً رسول الله] ، حيّ على الصلاة
، [حيّ على الصلاة] ، حيّ على الفلاح ، [حيّ على الفلاح] ، حيّ على خير العمل ، [حيّ
على خير العمل] ، وذكر الحديث .
وفي كتاب
الاعتصام بحبل الله : .. وروى محمّد بإسناده عن أبي جعفر عليهالسلام أنّه قال : من جهالة هذه الأمّة أن يزعموا أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما علم الأذان من رؤيا رآها رجل ، وكذبوا والله. لما
أراد الله أن يعلّم نبيّه الأذان جآءه جبريل عليهالسلام بالبُراق ، وذكر الحديث بطوله .
ثمّ قال بعد
ذلك : ... وفي الشفا للأمير الحسن ، روى الباقر محمّد بن عليّ السجّاد بن الحسين
السبط الشهيد بن عليّ الوصيّ ، والقاسم بن إبراهيم والهادي إلى
__________________
الحقّ يحيى بن الحسين الحافظ ، والناصر للحقّ الحسن بن عليّ : أن الله
عَلَّمه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليلة أُسرِيَ به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى ؛ أمر الله مَلَكاً من ملائكته فعلّمه الأذان .
الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام (ت ١٤٨ ه) :
روى الكلينيّ
بسنده عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمير ، عن حمّاد ، عن منصور بن
حازم ، عن أبي عبدالله [الصادق] عليهالسلام ، قال : «لمّا هبط جبرئيل بالأذان على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان رأسه في حِجر عليّ عليهالسلام ، فأذَّن جبرئيل وأقام ، فلمّا انتبه رسول الله ، قال :
يا عليّ! سمعت؟
قال : نعم.
قال : حفظت؟
قال : نعم.
قال : ادعُ
بلالاً فعلِّمْه. فدعا عليّ بلالاً فعلَّمَه» .
وفي تفسير
العيّاشيّ عن عبدالصمد بن بشير ، قال : ذُكِر عند أبي عبدالله بدء الأذان ، فقال :
إنَّ رجلاً مِن الأنصار رأى في منامه الأذان ، فقصَّه على رسول الله
__________________
فأمره الرسول أن يعلّمه بلالاً.
فقال أبو
عبدالله : كذبوا ؛ إنَّ رسول الله كان نائماً في ظِلّ الكعبة ، فأتاه جبرئيل ومعه
طاس فيه ماء مِن الجنّة فأيقظه ، وأمره أن يغتسل به ، ثمّ وضع في محمل له ألف ألف
لون مِن نور ، ثمّ صعد به حتّى انتهى إلى أبواب السماء ، فلمّا رأته الملائكة
نَفَرت عن أبواب السماء ، وقالت : إلهانِ! إلهٌ في الأرض ، وإله في السماء؟!
فأمر اللهُ
جبرئيلَ ، فقال : اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر ، فتراجعت الملائكة عن أبواب السماء ، فقالت
: إلهانِ! إله في الأرض وإله في السماء؟!
فقال جبرئيل : أشهد
أن لا إله إلّاَ الله ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، ، فتراجعت الملائكة وعَلِمتْ
أنّه مخلوق.
ثمّ فتح الباب
فدخل ومَرَّ حتّى انتهى إلى السماء الثالثة ، فنَفَرت الملائكة عن أبواب السـماء ،
فقال جبرئيل : أشـهد أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، فتراجعـت
الملائكـة ، وفـتح الباب ومَـرَّ النـبيُّ حتّى انتهـى إلى السـماء الرابعـة ...
ـ إلى أن قال ـ
: ... فلمّا فرغ من مناجاة ربّه رُدّ إلى البيت المعمور وهو في السماء السابعة
بحذاء الكعبة ، قال : فجمع له النبيّين والمرسلين والملائكة ، ثمّ أمر جبرئيل
فأتمَّ الأذان وأقام الصلاة ، وتقدّم رسول الله فصلّى بهم ، فلمّا فرغ التفت إليهم
فقال الله له : (فَسْئَلِ الَّذيِنَ يَقْرَءُونَ
الكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ
مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ، فسألهم يومئذ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ نزل ومعه صحيفتان فدفعهما إلى أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال أبو عبدالله عليهالسلام
:
فهذا كان بدء الأذان» .
وروى الصدوق
باسناده عن الصباح المزنيّ وسدير الصيرفي ومحمّد بن النعمان الأحول وعمر بن أُذينة
أنّهم حضروا عند أبي عبدالله عليهالسلام ، فقال : «يا عمر بن
__________________
أُذينة! ما ترى هذه الناصبة في أذانهم وصلاتهم؟.
قال : جُعِلتُ
فداك ؛ إنّهم يقولون : إنَّ أُبيّ بن كعب الأنصاريّ رآه في النوم.
فقال عليهالسلام : كذبوا والله ، إنَّ
دين الله تعالى أعَزُّ من أن يُرى في النوم. وقال أبو عبدالله : العزيز الجبّار
عَرَج بنبيّه إلى سمائه ـ فذكر قصّة الإسراء بطولها ـ» .
وفي نصّ آخر ، قال
عليهالسلام : «ينزل
الوحيُ على نبيِّكم فتزعمون أنَّه أخذ عن عبدالله بن زيد؟!» .
وعن عليّ بن
إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن أبي عبدالله عليهالسلام ، قال : «ما تروي هذه الناصبة؟».
فقلت : جُعِلت
فداك ؛ في ماذا؟
فقال : «في
أذانهم وركوعهم وسجودهم».
فقلت : إنّهم
يقولون : إنَّ أُبيَّ بن كعب رآه في النوم.
فقال : «كذبوا
، فإنَّ دين الله عزَّوجلّ أعَزُّ مِن أن يُرى في النوم».
قال : فقال له
سدير الصيرفيّ : جُعلت فداك ؛ فأحدِثْ لنا مِن ذلك ذِكراً.
فقال أبو عبد
الله عليهالسلام : «إنَّ
الله عزّوجلّ لمّا عَرَج بنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى سماواته السبع ، أمّا أُولاهُنَّ فبارَك عليه ، والثانية
علّمه فرضه فأنزل الله محملاً من نور فيه أربعون نوعاً من أنواع النور كانت
مُحدِقة بعرش الله تغشي أبصار الناظرين ...
قال : ثمّ
زادني ربّي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه الأنوار الأُولى ثمّ عرج بي إلى
السماء الثالثة ، فنَفَرت الملائكة وخَرَّتْ سُجَّداً ، وقالت : سبُّوح قدُّوس
ربُّ الملائكة والرُّوح ، ما هذا النور الذي يشبه نور ربّنا؟!
__________________
فقال جبرائيل عليهالسلام : أشهد أنَّ
محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله.
فاجتمعت
الملائكة وقالت : مرحباً بالأوّل ، ومرحباً بالآخِر ، ومرحباً بالحاشر ، ومرحباً
بالناشر ، محمّد خير النبيّين وعليّ خير الوصيّين.
قال النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم:
ثمّ سَلَّموا
علَيَّ وسألوني عن أخي ، قلتُ : هو في الأرض ، أفتعرفونه؟
قالوا : وكيف
لا نعرفه وقد نَحجّ البيت المعمور كلَّ سنة وعليه رَقّ أبيض فيه اسم محمّد واسم
عليّ والحسن والحسين [والأئمة] : وشيعتهم إلى يوم القيامة ، وإنّا لَنُبارِك عليهم
كلّ يوم وليلة خمساً ـ يعنون في وقت كلّ صلاة ـ ...
قال : ثمّ
زادني ربّي أربعين نوعاً من أنواع النور لا تشبه تلك الأنوار الأُولى ، ثمّ عرج بي
حتّى انتهيت إلى السماء الرابعة ، فلم تَقُل الملائكة شيئاً ، وسمعت دَو يّاً
كأنّه في الصدور ، فاجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء وخرجت إليَّ شبه المعانيق
، فقال جبرئيل عليهالسلام :
حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ؛ حيّ على الفلاح ، حيّ على
الفلاح.
فقالت الملائكة
: صوتان مقرونان معروفان.
فقال جبرئيل عليهالسلام : قد قامت الصلاة
، قد قامت الصلاة ...
ثمّ أوحى الله
إليَّ : يا محمّد! ادنُ من صاد فاغسل مساجدك وطهّرها وصلِّ لربِّك.
فدنا رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم من صاد ، وهو ماءٌ يسيل من ساق العرش الأيمن ، فتلقّى رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الماء بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين.
ثمّ أوحى الله
عزّ وجل إليه أن : اغسل وجهك ...
__________________
وفي تفسير عليّ
بن إبراهيم القمّيّ «سورة بني اسرائيل» عن أبيه ، عن محمّد ابن أبي عمير ، عن هشام
بن سالم ، عن الصادق عليهالسلام ـ في خبر طويل جدّاً ـ قال فيه : «فإذا مَلَكٌ يُؤَذِّن
لم يُرَ في السماء قبل تلك الليلة ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ؛ فقال الله : صدق
عبدي أنا أكبر.
فقال : أشهد أن
لا إله إلّاَ الله ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ؛ فقال الله تعالى : صدق عبدي ، أنا
الله لا إله غيري.
فقال : أشهد
أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ؛ فقال الله : صدق عبدي ، إنَّ
محمّداً عبدي ورسولي أنا بعثته وانتجبته.
فقال : حيّ على
الصلاة ، حيّ على الصلاة ؛ فقال : صدق عبدي ، دعا إلى فر يضـتي ، فَمَن مشـى إليها
راغباً فيها محتسباً كانت كفّارة لِما مضى من ذنوبه.
فقال : حيّ على
الفلاح [حيّ على الفلاح] ؛ فقال الله : هي الصلاح والنجاح والفلاح.
ثمّ أمَمتُ
الملائكة في السماء كما أمَمتُ الأنبياء في بيت المقدس ...» .
وقد أخرج
الحافظ العلوي في كتابه (الأذان بحيّ على خير العمل) بقوله : حدّثنا الحسين بن
محمّد بن الحسن ، حدّثنا عليّ بن الحسين بن يعقوب ، أخبرنا أحمد بن عيسى العجلي ، حدّثنا
جعفر بن عنبسة اليشكري ، حدّثنا أحمد بن عمر البجلي ، حدّثنا سلام بن عبدالله
الهاشمي ، عن سفيان بن السمط ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه قال : أوّل
مَن أذّن في السماء جبريل عليهالسلام حين أُسري بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ؛ فقالت الملائكة : الله
أكبر من خلقه.
__________________
فقال : أشهد أن
لا إله إلّا الله ، فقالت الملائكة : ونحن نشهد أن لا إله إلّا الله.
فقال ، أشهد أن
محمّداً رسول الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، فقالت الملائكة : عبد بُعِث.
فقال جبريل : حيّ
على الصلاة ، حيّ على الصلاة ؛ فقالت الملائكة : أُمِر القوم بالصلاة ، فقال : حيّ
على الفلاح ، حيّ على الفلاح ؛ فقالت الملائكة : أفلح القوم.
فقال : حيّ على
خير العمل ، حيّ على خير العمل ؛ فقالت الملائكة : أُمِر القوم بخير العمل. وأقام
الصلاة ، فقال النبيّ : يا جبريل ، تَقدّمْ صلِّ بنا ، فقال جبريل : يا محمّد ، إنّ
الله عزّوجلّ أمرنا أن نسجد لأبيك آدم ، فلسنا نتقدّم ولدَه ، فتقدّم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فصلّى بالملائكة .
وقد نقل محمّد
بن مكّيّ ـ الشهيد الأوّل ـ في (ذكرى الشيعة) قول ابن أبي عقيل ، قال : أجمعت
الشيعة عن الصادق عليهالسلام أنَّه لَعَن قوماً زعموا أنَّ النبيَّ أخذ الأذان من
عبدالله بن زيد ، فقال : «ينزل الوحي على نبيِّكم فتزعمون أنَّه أخذ الأذان من
عبدالله بن زيد؟!» .
الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام (ت ٢٠٤ ه) :
أخرج الصدوق في
(عيون أخبار الرضا) و (علل الشرائع) بسنده إلى الرضا عليهالسلامعن آبائه : ، قال : «قال رسول الله : لمّا عُرِج بي إلى
السماء أذَّن جبرئيل مَثْنى مَثْنى وأقام مَثْنى مَثْنى» .
__________________
وجاء في
الاعتصام بحبل الله عن صحيفة عليّ بن موسى الرضا : ... حدّثني أبي موسى بن جعفر ، قال
: حدّثني أبي جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي محمّد ابن عليّ ، قال : حدّثني أبي
عليّ بن الحسين بن عليّ ، قال : حدّثني أبي الحسين ابن عليّ ، قال : حدّثني أبي
عليّ بن أبي طالب : ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
لمّا بُدئ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بتعليم الأَذان ، أتى جبريل عليهالسلام بالبُراق فاستصعب عليه ، فأتاني بدابّة يقال لها برقة ـ من حديث طويل ـ
فقال لها جبريل : اسكُني برقة ـ من حديث طويل فيه ـ : فخرج مَلَك من وراء الحجاب
فقال : الله أكبر الله أكبر. قال : فقلت : يا جبريل ، من هذا المَلَك؟ قال : والذي
أكرمك بالنبوّة ، ما رأيت هذا المَلَك قبل ساعتي هذه ، فقال المَلَك : الله أكبر
ألله أكبر .. فنُودِي من وراء الحجاب : صدق عبدي ، أنا أكبر أنا أكبر. فقال الملك
: أشهد أن لا إله إلّا الله ... الخبر .
قال الشيخ
الطوسيّ : «الأذان مأخوذٌ من الوحي النازل على النبيِّ دون الرؤيا والمنام» .
وقال السيّد
محمّد العامليّ صاحب (المدارك) : «قد أجمع الأصحاب على أنَّ الأذان والإقامة وحيٌ
من الله تعالى على لسان جبرئيل عليهالسلام كسائر العبادات ، وأخبارُهم به ناطقة» .
وقال الشهيد في
الذكرى : «وهما وحيٌ من الله تعالى عندنا كسائر العبادات على لسان جبرئيل عليهالسلام» .
وهذه الرؤية
النابعة من النصوص الدالّة على قداسة الأذان وأنّه بوحي من
__________________
السماء لم تختصّ بمدرسة أهل البيت ، فقد حكى الداوديّ عن ابن إسحاق أنَّ
جبرئيل أتى النبيَّ بالأذان قبل أن يراه عبدالله بن زيد وعمر بثمانية أيّام ، ويؤيّده ما جاء عن عمر من أنّه ذهب ليشتري ناقوساً
فأُخبِر أنَّ ابن زيد قد أُرِي الأذان في المنام ، فرجع ليخبر رسول الله ، فقال له
: «سبقك بذلك الوحي» .
وقد روى
عبدالرزّاق عن ابن جريج عن عطاء أنّه سمع عبيد بن عمير يقول : إنّ الأذان كان بوحي
من الله .
وروى السيّد
ابن طاووس ـ مِن علماء الشيعة الإماميّة ـ بإسناده إلى عبدالرزّاق عن معمر ، عن
ابن حمّاد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن النبيِّ في حديث المعراج ، قال : «ثمّ قام
جبرئيل فوضع سبّابته اليمنى في أذنه فأذّن. مَثْنى مَثْنى» .. يقول في آخرها : «حيّ
على خير العمل ، حتىّ إذا قضى أذانه أقام للصلاة مثنى مثنى» .
وفي كنز
العمّال «مسند رافع بن خديج» : لمّا أُسرِي برسول الله إلى السماء أوحي إليه
بالأذان ، فنزل به فعلّمه جبرئيل (الطبراني في الاوسط عن ابن عمر) .
ولذلك حاول
القسطلانيّ الشافعي في (إرشاد الساري) التخلّص من إشكال التشريع بالرؤيا ، فأدّعى
أنّ المشرِّع للأذان هو النصّ الذي أَقَرَّ المنامَ لا نفس المنام ، فقال : قوله
تبارك وتعالى : (وإذا نادَيتُم إلَى الصلاةِ اتّخَذُوها
هُزُواً ولَعِباً ذلكَ بأ نَّهم قَومٌ لا يَعلَمون) معانيَ عبادة
الله وشرائعه ، واستدلّ على مشروعيّة الأذان بالنصّ لا بالمنام
__________________
وحده لكنك تعلم أنّ الإشكال باق بحاله ، إذ لا معنى للمنام في هذه الحالة.
وقال السرخسيّ
ـ مِن أعلام الحنفيّة ـ في (المبسوط) : ... وروي أنَّ سبعة من الصحابة رضي الله
عنهم أجمعين رأوا تلك الرؤيا في ليلة واحدة ، وكان أبو حفص محمّد بن عليّ ينكر هذا
ويقول : تعمدون إلى ما هو من معالم الدين فتقولون : ثَبَت بالرؤيا! كلاَّ ولكنّ
النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حين أُسري به إلى المسجد الأقصى وجُمِع له النبيّون ، أذَّنَ
مَلَكٌ وأقام ، فصلَّى بهم رسول الله. وقيل : نزل به جبرئيل عليه الصلاة والسلام ،
حتَّى قال كثير بن مرة : أذَّن جبرئيل في السماء فسمعه عمر .
__________________
وقفة مع أحاديث الرؤيا
اتّضح بجلاء ـ
من خلال ما مرّ بنا من أحاديث وأقوال وغيرها ـ أنّ القول بتشريع الأذان في الإسراء
والمعراج ، ممّا لم ينفرد به الإماميّة الاثنا عشريّة ، وإنّما قالت به الشيعة
الزيدية والإسماعيلية أيضاً ، إضافةً إلى أعلام من أهل السنّة ، وهذا يعني أنّ
تشريع الأذان ـ بوصفه فعلاً تعبّدياً ـ كان سماوياً وعُلْوياً وليس مناماً وأرضياً
، وهذا القول ينسجم تماماً مع التشريعات السماوية الإلهية ، ومع الاعتقاد بالنبوّة
والوحي ، التي هي واسطة في التشريع بين الله تعالى وبين خلقه.
أمّا القول
بأنّه كان عبر منام رآه رجل وأخبر به النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنّه من منفردات بعض أهل السنّة ، والذي أمسى قولاً
مشهوراً لديهم فيما بعد.
وإزاء اشتهار
هذا القول عندهم ، تبرز طائفة من التساؤلات الملَحّة التي تصدر من الرؤية
الإسلاميّة لحقائق الاشياء وعمق التشريع الإلهي.
ومن هذه
التساؤلات : هل يسوغ لهذا القول ـ الذي يُسنِد تشريع الأذان إلى رؤيا أحد الناس ـ
أن يتلاءم وأصول الشريعة القائمة على تلقّي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من الله سبحانه؟
وهل يسوغ ـ في
منطق الإسلام والوحي ـ أن تؤخذ الشريعة من الأحلام والمنامات والأقاصيص ، أو حتّى
من المشاورة كما جاء في بعض أحاديث الأذان؟
أوّلاً
: إنّ المنام لا يصحّ أن يُستنَد إليه في القضايا الشرعيّة
، ولا يمكن أن يُعتمَد عليه فى تشريع الأحكام .. اللهمّ إلّا أن يكون رؤيا رآها
رسول الله نفسه ؛ لأنّها جزء من الوحي.
إنّ التلّقي عن
الله وحصر الأخذ عنه جلّ وعلا تنفي كلّ ما عدا الوحي الإلهي في التشريع ، وتؤكّد
أنّ هذا الوحي هو وحده المنبع الذي ليس للنبيّ أن يبدّله أو يغيّر فيه من تلقاء
نفسه ، كما عرّفنا الله سبحانه ذلك بقوله : (قُل ما يكونُ لي أن
أُبدِّلَهُ مِن تِلقاءِ نفسي إن أتَّبعُ إلّاَ ما يُوحى إليّ إنّي أخافُ إن
عَصَيتُ ربّي عذابَ يوم عظيم) .
وقال : (قُلْ
مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ
إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ) .
وقال أيضاً : (قُلْ
إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هٰذَا بَصَائِرُ مِنْ
رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) .
وقال : (وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ
الْقُوَى) .
وقال في
ملائكته : (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لاَ
يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) .
إنّ هذه الآيات
الشريفة صريحة في أنّه ليس لرسول الله ولا لملائكته أن يسبقوه
__________________
بالقول أو أن يُشرِّعوا من قِبَل أنفسهم ، إذ ليس لهم إلّا الاستماع إلى
الوحي وانتظاره ، وقد انتظر الرسولُ صلىاللهعليهوآلهوسلم الوحيَ في تغيير القبلة مدّة ستّة شهر أو سبعة حتّى نزل
قوله تعالى : (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي
السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) .
أمّا التشاور
فهو أبعدُ ما يكون عن أن يتولّد منه حكم شرعيّ ، ذلك أنّ لله الدين الخالص وليس
لغيره فيه من شيّ ، كما قال جلّ جلاله : (يَقُولُونَ هَلْ
لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ للهِ) . من هنا يكون قول الحقّ تعالى : (وَشَاوِرْهُمْ
فِي الْأَمْرِ) دالاًّ على المشاورة في الموضوعات الخارجية وشئون
الحياة اليومية ، والمواقف العملية من بعض الحوادث ، كالموقف في الحرب ومواجهة
مكائد الأعداء وإمكانيّات سبل السلام ، وما إليها.
وهذه المشاورة
ذات ثمرات صالحة ، منها : أنّها تُشعِر المشاوَرين بالمشاركة في صنع الموقف
المسؤول ، ومنها أنّها تَهَبُهم طاقة للاندفاع في سبيل تنفيذ مقرّرات هذه المشاورة
وتحمّل نتائجها. ومع ذلك كلّه تظلّ لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الكلمة الأخيرة في مقرّرات المشاورة ، فهو الذي يحدّد
ما ينبغي وما لا ينبغي ، ويكون عزمه في المسألة هو الساري الجارى (فَإِذا
عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله).
إنّ الشورى ليس
لها دخل في الأحكام ، ومتى تدخّلت في الحكم فإنّها تكون قد شاركت الوحيَ في
التشريع ، وهَوَّنت من شأن النبوّة والنبيّ ، وفتحت باباً للتقوّل على الله .. ذلك
التقوّل الذي هدّد اللهُ تعالى باجتراح ولو بعض منه.
ولقد حذّر
اللهُ رسولَه ـ وهو أحبّ خلقه إليه ـ أيما تحذير ، وهدّده أيّما تهديد ..
__________________
إذا ما غيّر حرفاً واحداً ، وذلك لمّا جاءه أهل قرية الناصرة بأحمال الذهب
والفضّة والحرير وأرادوا إِعطاءها رشوةً للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في مقابل أن يُبدّل حرف الباء تاءً في لفظة «أبَوا» بعد
نزول قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا أَتَيَا
أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا) . وعندئذ نزل التهديد الإلهيّ ليعلم الناس أنّ دين الله
خالص نقيّ لا يجوز بحال أن يشوبه شيء من رأي البشر ولو قَلّ وضَئُل إلى مستوى حرف
استمع إلى تعابير المواجهة والإنذار : (وَلَوْ تَقَوَّلَ
عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ
لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) ، وهو الذي (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) .
ثانياً
: إنّ الأذان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفريضة الصلاة التي هي
«خيرُ موضوع» ، كما يقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهي عمود الدين وأساسه الجوهري .. إلى حدّ أن جعل
الإمام الهادي الزيدي الأذان من أصول الدين! كما مرّ بنا سابقاً.
والأذان مقدّمة
للصلاة ، وكلاهما عبادة خالصة لله عزّوجلّ صادرة عن حقيقة وجودية توحيدية عميقة.
من هنا يكون من الغفلة الاعتقاد بأنّ الله عزّوجلّ قد أمر خاتم أنبيائه الكرام
بإقامة الصلاة على وجهها الذي شرّعه الله تعالى ، ثمّ ترك شأن تعليم أذان الصلاة
وإقامتها لأُناس عاديّين يقولون إنّهم رأوها في المنام! أو إنّهم قد أضافوا إليها
من عندهم ما يكملها ، دون أن يُعلّمها رسولَه الذي هو مبلّغ الوحي وحامل راية
الهدى لأجيال البشرية كافّة.
ثالثاً : تشير
بعض النصوص السنيّة التي أوردتها كتب الصحاح والسنن في
__________________
موضوع الأذان إلى أنّ رسول الله كان في حيرة من أمر الأذان ، ولم يكن يعلم
الحكم الإلهيّ فيه أيّاماً ، حتّى شاور الصحابةَ في ذلك ، وأمر بناقوس النصارى
ليكون إعلاماً لوقت الصلاة حتّى «كاد ينقس»!
وفي هذا الرأي
من التوهين والتقليل من شأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما لا خفاء فيه ، وهو ممّا يرفضه منطق القرآن الكريم ، ويرفضه
المنطق الإيماني على وجه العموم ، ذلك أنّ هذا التوهين يعارض دعوةَ القرآن
المسلمين إلى توقير رسول الله وتعظيمه ، ويضادّ نهي الذين آمنوا أن يرفعوا أصواتهم
فوق صوت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، تعريفاً بتميّزه وعلوّ مقامه : (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ
وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ
بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ
لاَ تَشْعُرُونَ) اهتماماً بمكانته صلىاللهعليهوآلهوسلم وشأنه.
وتجدر الإشارة
إلى أنّ هذه الآية نزلت لمّا تنازع أبو بكر وعمر في تعيين مَن يكون موفد الرسول
المصطفى إلى بني تميم.
فقال أبو بكر :
القعقاع بن معبد ، وقال عمر : الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردتَ
إلّاَ خلافي ، فقال عمر : ما أردت خلافك ، فتمارَ يا حتّى ارتفعت أصواتهما ، فنزلت
في ذلك هذه الآيات الحكيمة .
فإذا كان الله
سبحانه لا يرتضي التنازع ورفع الصوت بمحضر النبيِّ في أيّة قضيّة من القضايا
احتراماً له وتوقيراً لمقامه ، فكيف يصحّ أن يُنسَب إليه التحيّر في شأن أمر
تعبّدي كالأذان حتّى اختار ـ أو كاد أن يختار ـ ناقوس النصارى يُنقس به
__________________
إعلاماً للصلاة؟!
رابعاً
: أهمل الشيخان البخاريّ ومسلم وكذا الحاكم النيسابوريّ في
مستدركه ذِكْر أحاديث رؤيا عبدالله بن زيد ، بل في المستدرك عن (سفيان بن الليل عن
الإمام الحسن السبط) ما يُسَخِّف تشريع الأذان بالمنام.
وقد أجاب
الحاكم معلّلاً تركَ الشيخين أحاديث عبدالله بن زيد التي قصّها على رسول الله
بقوله : (... وإنّما ترك الشيخان حديث عبدالله بن زيد في الأذان والرؤيا التي قصّها
على رسول الله بهذا الإسناد ، لتقدّم موت عبدالله بن زيد ، فقد قيل : إنَّه استُشهد
بأُحد ، وقيل : بعد ذلك بيسير ، والله أعلم) .
__________________
ويشير إهمال
الشيخين لهذا الحديث إلى أنّه لا أصل لحديث عبدالله بن زيد عن رسول الله ، ويؤيّد
ذلك ما أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء في ترجمة عمر بن عبدالعز يز عن عبيدالله
بن عمر ، قال : (دَخَلتْ ابنة عبدالله بن زيد على عمر بن عبدالعز يز ، فقالت : يا
أمير المؤمنين ، أنا بنت عبدالله بن زيد ، أبي شهد بدراً وقُتِل يوم أحد ، فقال
عمر :
تلك
المكارِمُ لا قعبان من لَبن
|
|
شِيبا بماء
فـعادا بَــعـدُ أبــوالا
|
سَليني ما شئتِ
، فسألت فأعطاها ما سألت .
ولو ثبت بشكل
قطعي أنَّ عبدالله رأى الأذان لَذَكرتْ ابنته هذه المكرمة له وعدّتها ضمن منقبتيه
الأُوليين : حضوره بدراً وقتله بأُحد ، بل أن فضيلة رؤيا الأذان لو كانت واقعةً
فعلاً لَما ضاهاها شيء ؛ إذ إنّ الوحي قد وافقه في هذه المسألة دون عموم بني البشر
، وهي أهمّ من حضوره بدراً وقتله بأُحد ، وذلك لمشاركة آخَرين له في هاتين
الفضيلتين.
إنَّ عدم ذكر
ابنة عبدالله بن زيد لهذه المنقبة ـ وهي في معرض استعطاف عمر بن عبدالعزيز ـ ليشير
إلى عدم ثبوت هذه المكرمة له في العهد الأوّل.
خامساً
: من الثابت عند أهل العلم أنّ رؤيا الأنبياء وحدهم حجّة ،
لا رؤيا غيرهم. نعم ، إنّهم صحّحوا هذه الرؤيا والمنامات الأخرى بتطابق الوحي معها.
قال العسقلانيّ
: (وقد استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبدالله بن زيد ، لأنَّ رؤيا غير الأنبياء
لا يُبنى عليها حكم شرعيّ ، وأُجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك ...) .
__________________
لكنّ هذا
الجواب غير علميّ ولا دقيق ؛ لأنَّ مجرّد احتمال مقارنة الوحي لا يفيد ، إذ لو كان
ذلك صحيحاً لذكرته الروايات المعتمدة في الباب ولم تنحصر باجتهادات أمثال ابن حجر.
ثمّ لماذا لم
ينزل الوحي على رسول الله حينما كان متحيّراً في أوّل أمره (أي حينما قَدِم
المدينة) حتّى أخبره عبدالله بن زيد بمنامه ، ثمّ تطابق الوحي مع الرؤيا بعد ذلك؟!
إنَّ تعارض
النصوص وتخالفها مع الثوابت الأُخرى تُخطِّئ هذه الرؤية ؛ لأنَّ القول بتشريع
الأذان في المَسرى لا يتطابق مع حيرة النبيّ وسعيه لمشاورة الصحابة في المدينة ، وخصوصاً
حينما نشم رائحة الغلوّ من بعض النصوص وادِّعاء نزول ما يشابه الوحي على عبدالله
بن زيد ، أو على عمر ، أو بلال ، لقول عبدالله في بعض النصوص : «كأنّي وأنا بين
نائم ويقظان» ، وفي آخر : «لولا أن يقول الناس لقلتُ بأنّي كنتُ يقظان غير نائم»!!
أو ما جاء في
نصوص أُخرى : «إنَّ جبرئيل أذَّن في سـماء الدنيا ، فسمعه عمر وبلال ، فسبق عمر
بلالاً فأخبر النبيّ ثمّ جاء ...» ، أفَـلا تـرى أنّ هـذه النصـوص ترفـع من شـأن
عبدالله بن زيد ومن شـأن عمرَ إلى مرتـبة النـبوّة ، وتغـلو فيهما؟!
بل العجب
العجاب أن نرى إلقاء العبء الأكبر في الأذان على عبد الله بن زيد بن عبد ربّه
الخزرجي الأنصاري ، هذا الصحابي غير الواضح المعالم في التاريخ والفقه ، والذي لم
يُعرَف ولم يشتهر إلّا عبر هذه المفردة ، إذ عرف بـ «الذي أُرِيَ الأذان». ومثل
ذلك ما قيل في سَمِيّه عبدالله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري «صاحب حديث الوضوء»
الذي ألقوا على عهدته قسماً من الوضوء الثلاثي الغَسلي وادّعوا أن الأخبار الصحيحة
جاءت عنه وهو منها بريء!
فلماذا هذان
الصحابيان الأنصاريان الغامضا المعالم؟! اللذان لا يعرفان إلّا في
حديثَي الأذان والوضوء؟!
وبعد هذا ، لابدّ
من الإشارة إلى إشكال آخر أثاره السُّهيليّ والعسقلانيّ وغيرهما حاولوا الاجابة عنه.
قال ابن حجر في
إرشاد الساري : (فإن قلتَ : ما الحكمة في تخصيص الأذان برؤيا رجل ولم يكن بوحي؟
أُجيب : لما
فيه من التنو يه بالنبيّ والرفع لذِكره ؛ لأ نَّه إذا كان على لسان غيره كان
أرفَعَ لذكره وأفخَرَ لشأنه ، على أنَّه روى أبو داود في المَراسيل أنَّ عمر لمّا
رأى الأذان جــاء ليخبر النـبيّ فوجد الوحي قد ورد بذلك ، فما راعه إلّا أذان بلال
، فقال له عليهالسلام :
سبــقك بها الوحي. ورواة هذا الحديث خمسة ، وفيه التحديث
والإخبار) .
وهذا التعليل
عليل ، لأ نَّه لو صحّ للزم لحاظ هذا الوجه في كلّ شيء ورد فيه ذِكر الشهادتين ، لأنَّ
نقل ذلك على لسان غيره أرفع لذكره وأفخر لشأنه وأدفع لتهم أعدائه ، في حين نعلم
بأنَّ الباري جَلَّ شأنه هو الذي رفع ذِكره بقوله : (وَرَفَعْنَا لَكَ
ذِكْرَكَ) ، وبعد هذا فلا يحتاج إلى أن يرفع ذكره بعد الباري جلّ شأنه أحدٌ.
هذه أهمّ
الأقوال التي قيلت في تشريع الأذان عند مدرسة أهل السنّة والجماعة ، وقد يمكن
إرجاع بعضها إلى بعض ، وتقليص حجم اختلافاتها ، غير أنّ إعادة جميع النصوص إلى قول
واحد محالٌ من القول ، لأنّ القول بتشريعها والتأذين بها في الإسراء والمعراج لا
يتّفق مع هَمِّ وغمّ رسول الله في المدينة وجلوسه
__________________
مع أصحابه يستشيرهم في كيفيّة التأذين وطريقة جمع المسلمين على شيءٍ واحد.
وهكذا الحال
بالنسبة إلى ما جاء عن عمر وأنّه كان أوّل من سمع أذان جبرئيل في السماء ثمّ بلال
، أو ما حكي عنه من أنّه أضاف الشهادة بالنبوة في الأذان بعد أن كانت فيه الشـهادة
بالتوحيد فقط ، فإنّه لا يتّفق مع تشريع الأذان في المسرى.
وكذا القول
بأنّ أبا بكر كان أوّل مَن أخبر رسولَ الله بالأذان ـ كما في خبر جامع المسانيد ـ
فهو يخالف المشهور بين المحدّثين من أنّ عبدالله بن زيد الأنصاريّ كان أوّل مَن
أخبر رسول الله بمنامه.
وكذا الحال
بالنسبة إلى ما اشتهر عن عبدالله بن زيد وأنّه أخبر رسول الله في الصّباح ـ بعد أن
نام بالليل ـ لقوله : (فلمّا أصبحتُ أتيت رسول الله) أو : (فلما غدا ...) وهو
يخالف ما قاله الحافظ الدمياطي في سيرته من أنّ عبدالله بن زيد أتى رسول الله
ليلاً وأخبره .
وقد حاول
الحلبيّ الجمع بين القولين ذاهباً إلى عدم المنافاة بينهما ؛ لأنّ جملة : (فلمّا
أصبحتُ) أو : (فلمّا غدا) إشارة إلى مقاربة الوقت للصباح.
وهذا تأويل
بعيد يخالف الظاهر ، لأن المتبادر من كلمة (فلما اصبحت) أو (غدوت) صريح في الصبح ،
فكان على الحلبي أن يخطّئ نقل الحافظ الدمياطي وهو خير له من أن يقول بهذا القول.
وكذا الحال
بالنسبة إلى عمر بن الخطّاب ، ففي بعض النصوص نراه يخرج حينما سمع الأذان (وهو في
بيته يجرّ رداءه) ، وفي بعض آخر نراه يقترح على رسول الله بقوله : (أوَ لا تبعثون
رجلاً ينادي بالصلاة؟) ، فـ (فخرج يجر رداءه) يختلف مع (أو لا تبعثون) لكون الثاني
يشير إلى أنَّ الأذان شُرِّعَ باقتراح عمر ابن الخطّاب وأ نَّه كان
__________________
بمحضر الرسول ، أمّا جملة (فخرج يجر رداءه) فتشير إلى أنَّه سمع الأذان وهو
في بيته.
قال القسطلاني
في إرشاد الساري ـ بعد أن أتى بخبر ابن عمر السابق الذكر ـ : (كان المسلمون حين
قدموا المدينة) ؛ قال الحافظ ابن حجر بأنَّ سياق حديث عبدالله بن زيد يخالف ذلك ، فإنَّ
فيه أنَّه لمّا قصَّ رؤياه على النبيِّ ، قال : فسمع عمر الصوت فخرج فأتى النبيَّ
فقال : رأيتُ مِثل الذي رأى. فدلَّ على أنَّ عمر لم يكن حاضراً لمّا قصَّ عبدالله.
قال : والظاهر
أنّ إشارة عمر بإرسال رجل ينادي بالصلاة كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه ، وأنَّ
رؤيا عبدالله كانت بعد ذلك ؛ وتعقّبه العينيّ بما رواه أبو داود عن أبي بشر ، عن أبي
عمير ، عن أنس ، عن عمومة له من الأنصار ، أنّ عبدالله بن زيد : قال (إذ أتاني آت
فأراني الأذان ، وكان عمر قد رآه قبل ذلك فكتمه ، فقال له النبيُّ : ما منعك أن
تخبرنا ...) إلى آخره ، ليس فيه أنَّ عمر سمع الصوت فخرج ؛ فقال : فهو يُقَوي كلام
القرطـبيّ ويردّ كلام بعضهـم ـ أي ابن حجـر ـ انتهى.
وأجاب ابن حجر
في انتقاض الاعتراض بأ نَّه إذا سكت في رواية أبي عمير عن قوله : فسمع عمر الصوت
فخرج ، وأثبتها ابن عمر ، إنّما يكون إثبات ذلك دالاً على أنَّه لم يكن حاضراً ، فكيف
يعترض بمثل هذا؟! .
ومجمل الكلام
أنّهم بهذه الوجوه سعوا للجمع بين بعض النصوص ، ولكن أنَّى لهم الجمع في مواردها
الأخرى؟ فانهم كلّما رقعوا منها جانباً انخرق منها جانب آخر ، ونحن تركنا مناقشة
تلك الروايات سنداً خوفاً من الاطالة ، مكتفين بالتعليق على دلالة بعضها.
__________________
وخلاصة
القول : أنَّ الأذان كغيره من الشرائع قد جرى فيه اتِّجاهان :
أحدهما
: يقول بتشريعه في الإسراء والمعراج وأ نَّه من الوحي الذي
لا يجوز فيه الزيادة والنقصان.
وثانيهما
: يعتقد بأنَّ تشريعه جاء على أثر منام رآه عبدالله بن زيد
بن عبد ربّه ، أو أنّه شُرِّع بمشورة من الصحابة.
وقد اختلف
الاتّجاهان في المفاهيم والأُصول ؛ لأنَّ القائل بتشريعه في الإسراء والمعراج
يربطه بقضايا إلهيّة قدسيّة ، حيث إنَّ حقيقة الإسراء هي حقيقة عالية ترتبط بالغيب
، وإنَّ أهل بيت الرسالة وبعض الصحابة المتعبّدين كانوا هم المطّلعين بما دار في
الإسراء والمعراج ، بعكس بعض قريش التي كانت تنكر حقيقة المسرى وتسخّف مغزاه ، فلم
تكن تقبل بأن الرسول الأعظم تجاوز الحجب حتّى وصل إلى دار العظمة ، حاملاً معه
مفاهيم ربانية وأفكاراً عالية لا يمكن الوصول إليها إلّاَ بالاستعانة بالقدرة
الإلهيّة ، ولا يمكن معرفة دقائقها إلّا عن أهل بيت الرسالة والوحي ، الذين وضحوا
لنا المبهم من هذه الأمور.
أمّا القائل
بتشريعه عن طريق رؤيا رآها عبدُالله بن زيد ، أو سبعةٌ آخرون من الصحابة ، فيعطي
لفكرته مسحة عدم التوقيف ، ليكون له مساغ في أن يزيد في هذه الشعيرة المقدسة ، أو
ينقص منها.
قال السرخسي في
المبسوط : «... بدليل ما روي عن إبراهيم أنَّ : أوّل مَن أفرد الإقامة معاوية.
وقال مجاهد : كانت الإقامة مثنى كالأذان حتّى استخفّه بعض أمراء الجور فأفرده
لحاجة لهم» .
__________________
وقال ابن
عبدالبرّ ـ في فتح المالك بتبو يب التمهيد على موطّأ مالك ـ وهو يريد أن يصحّح
اختلاف أحاديث الأذان بقوله : (روى عن النبيّ في قصَّة عبدالله بن زيد هذه في بدء
الأذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة ، وكلّها تتّفق على أنَّ
عبدالله بن زيد أُري النداء في النوم ، وأنَّ رسول الله أمر به عند ذلك ، وكان ذلك
أوّل أمر الأذان ...) .
فهذا النصّ وما
سبقه يتضح منهما أن غالب أهل السنّة والجماعة يقولون بعدم توقيفـيّة الأذان بالنحو
الذي تقوله الشـيعة ، إذ العامة يسـتدلون على شـرعيّـة الأذان بمـنام عبد الله بن
زيد حتّى أنّ بعض أمـراء الجـور أفرد الإقامـة لحاجـة لـه.
والعجب في هذا
الباب ما قاله ابن عبد البرّ في موضع آخر من الكتاب المذكور : «في حديث هذا الباب
لمالك وغيره من سائر ما أوردنا فيه من الآثار أوضح الدلائل على فضل الرؤيا وأنّها
من الوحي والنبوّة ، وحسبك بذلك فضلاً لها وشرفاً ، ولو لم تكن وحياً من الله ما
جعلها شر يعة ومنهاجاً لدينه» .
قال أبو عمر : «اختلفت الآثار في صفة الأذان وإن كانت متّفقة في أصل
أمره ، كان من رؤيا عبدالله بن زيد ، وقد رآه عمر بن الخطّاب أيضاً !!!»
أفلا يدل قوله
هذا على أنّ لعبدالله بن زيد وعمر بعض النبوّة؟!!
كانت هذه صورة
مصغّرة عن اختلاف الآراء في مدرسة الخلفاء حول بدء تشريع الأذان ، وكيف اتفقت
مدرسة أهل البيت ومعها الصحابة المتعبدون على أنّه كان في الإسراء بتعليم من الله
العليّ العظيم.
__________________
تحقيق في ما وراء نظريّة الرؤيا
بعد أن توصلنا
إلى وجود اختلاف بين المسلمين في كيفيّة تشريع هذه الشعيرة الإسلامية ، وعلمنا أنّ
أهل بيت النبوّة لا يقبلون فكرة الرؤيا ، حاولنا تحديد زمن النزاع بين المسلمين ، والدوافع
الكامنة وراء طرح مثل هذه الآراء في الشريعة.
ممّا لا شك فيه
أنّ قدرات المسـلمين وأفهامهم وإدراكاتهم لحقيقة الإيمان والإسلام لم تكن بمرتبة
واحدة.
فالبعضُ منهـم
كان يفهم مغـزى الرسالة ومكانة الرسول وما ير يده الله من أوامره ونواهيه بدّقة
عالية فكان يتعبد بما قاله رسول الله ولا يرى لنفسه الخيرة من أمره.
والبعض الآخر
كان يرى لنفسه حقّ التشريع وإبداء الرأي مسمّياً فعله بالاجتهاد.
وهناك اتّجاه
ثالث أغرق في النزع ، فراح يتعامل مع الرسول كأنّه رجل حارب فانتصر!
ورابع وخامس و
...
وقد وضحنا في
دراستنا لأسباب «منع تدوين الحديث» ونتائجه هذه الاتجاهات وقلنا أنّها جميعاً
تنخرط وتنتظم في نهجين هما :
١ ـ المتعبدون
= التعبد المحض.
٢ ـ المجتهدون
= الاجتهاد بالرأي.
ونحن لا نريد
أن نعود إلى ما كتبناه سابقاً ، بل نريد الإشارة إلى بعض الشيء عن هذين النهجين ، مؤكدين
الكلية التي رسمناها في دراسة ملابسات التشريع ، مبينين كيفية تطبيقها في مفردة
الأذان ، وكيف ارتبطت قضية الأذان بالمنام بعد ثبوتها في الاسراء والمعراج ، وما
هو ارتباطها بالرؤيا التي أقلقت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ تلك الرؤيا التي رأى صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها بني أميّة يَنْزُون على منبره الشريف نَزْوَ
القردة؟
وقد رأينا
تقديم شيء من خبر الإسراء والتحريفات الواقعة فيه ؛ لارتباطه ببيان رؤ يتنا بصدد
الرؤيا في الأذان ، وهو بيان لدواعي اختلاف المسلمين في بدء الأذان ، فنقول :
إنّ خبر
الإسراء والمعراج ثابت لا كلام فيه ، وقد وردت سورة باسم الإسراء في الذكر الحكيم.
وقد اختلف
المسلمون في يوم الإسراء ومكانه وكيفيّة عروجه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى السماء ، وما جرى في الإسراء والمعراج ، وهل أُسري
به مرّة أو مرّتين أو أكثر من ذلك ، وهل كان عروجه بروحه وجسده أم بروحه فقط؟ على أنّ
هناك من فَصَّل بين إسرائه ومعراجه ، فقال بأن إسراءَهُ من المسجد الحرام إلى
المسجد الأقصى كان بروحه وجسمه ، وأنّ عروجه إلى السماء كان بروحه فقط؟
فالذين لا
يدركون عمق الرسالة ومكانة الرسول شكّكوا في حقيقة الإسراء والمعراج وقالوا بأشياء
لا تتفق مع رسالة الغيب والوحي ، وقد ارتدّ بعض من أَسلَمَ حينما سمع بخبر الإسراء
، وهناك من ثبت على الدين وصَدَّق بما قال الرسول وبما
__________________
حكاه من مشاهدات ومغيّبات ، كبعض الصحابة المتعبدين المخلصين الذين شهد لهم
التاريخ بصدقهم ووفائهم وبقائهم على العهد الذي فارقوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليه.
نعم ، قد
اختلفت النصوص في مكان الإسراء ، فالبعض منها صرحت بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلمأسري به من شعب أبي طالب ، والأُخرى من بيت خديجة ، وثالثة من بيت فاختة «أمّ هاني» بنت أبي طالب أخت الإمام عليّ ، ورابعة من بيت عائشة .
ففي تفسير
الطبري بإسناده عن أبي صالح بن ياذم ، عن أُمّ هاني بنت أبي طالب في مسرى النبيّ ،
أنّها كانت تقول : ما أُسري برسول الله إلّا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة ، فصلّى
العشاء الآخرة ثمّ نام ونمنا ، فلما كان قُبيل الفجر أهبَّنا رسول الله ، فلمّا
صلّى الصبح وصلّينا معه قال : يا أُمّ هاني ، لقد صلّيتُ معكم العشاء الآخرة كما
رأيتِ بهذا الوادي ، ثمّ جئتُ بيت المقدس فصلّيت فيه ، ثمّ صلّيت صلاة الغداة معكم
الآن كما تَرَين .
وفي بعض الآثار
أنّ أمّ هاني قالت : فقدتُه صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وكان نائماً عندي ـ فامتنع منّي النوم مخافةَ أن يكون
عرض له بعض قريش. ويقال : أنّه تفرّقت بنو. عبد المطلّب يلتمسونه ، ووصل العبّاس
إلى ذي طُوى وهو ينادي : يا محمّد ، يا محمّد ، فأجابه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
فقال : يا ابن
أخي ، أعيَيْتَ قومك! أين كنت؟
قال : ذهبتُ
إلى بيت المقدس.
قال : مِن
ليلتك؟!
قال : نعم.
قال : هل أصابك
إلّا خير؟
قال : ما أصابني
إلّا خير ، وقيل غير ذلك .
وفي روضة الكافي
عن الصادق عليهالسلام قال : لمّا أسري برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أصبح فقعد فحدَّثهم بذلك ؛ فقالوا له : صِفْ لنا بيت
المقدس. قال : فوصف لهم ، وإنّما دخله ليلاً فاشتبه عليه النعت ، فأتاه جبرئيل
فقال : انظر هاهنا ، فنظر إلى البيت فوصفه وهو ينظر إليه ، ثمّ نعت لهم ما كان من
عِير لهم فيما بينهم وبين الشام ، ثمّ قال : هذه عير بني فلان تَقدِم مع طلوع
الشمس يتقدّمها جملٌ أورَق أو أحمر. قال : وبعثت قريش رجلاً على فرس ليردّها ، قال
: وبلغ مع طلوع الشمس ، قال قرطة بن عبد عمرو : يا لَهفا!! ألاّ أكون لك جذعاً حين
تزعم أنّك أتيت بيت المقدس ورجعت من ليلتك!
وفي أمالي
الصدوق بإسناده عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : لمّا أسري برسول الله إلى بيت المقدس حمله جبرئيل
على البُراق ، فأتَيا بيت المقدس وعرض عليه محاريب الأنبياء وصلّى بها وردّه ، فمرّ
رسول الله في رجوعه بعِير لقريش ، وإذا لهم ماء في آنية وقد أضلّوا بعيراً لهم وكانوا
يطلبونه ، فشرب رسول الله من ذلك الماء وأهرق باقيه.
__________________
فلما أصبح رسول
الله قال لقريش : إنّ الله جلّ جلاله قد أسرى بي إلى بيت المقدس وأراني آثار
الأنبياء ومنازلهم ، وإنّي مررت بعِير لقريش في موضع كذا وكذا وقد أضلوا بعيراً
لهم فشربتُ من مائهم وأهرقتُ باقي ذلك ، فقال أبو جهل : قد أمكنتكم الفرصة منه ، فاسألوه
: كم الأساطينُ فيها والقناديل؟
فقالوا : يا
محمّد ، إنّ ها هنا من قد دخل بيت المقدس ، فصِفْ لنا كم أساطينُه وقناديله
ومحاريبه؟
فجاء جبرئيل
فعلّق صورة بيت المقدس تجاه وجهه ، فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه ، فلمّا أخبرهم ، قالوا
: حتّى تجيء العير ونسألهم عمّا قلت ، فقال لهم رسول الله : تصديقُ ذلك أن العِير
تطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جملٌ أورَق.
فلما كان من
الغد أقبلوا ينظرون إلى العَقَبة ويقولون : هذه الشمس تطلع [علينا] الساعة ، فبينما
هم كذلك إذ طلعت عليهم العِير ـ حتّى طلع القرص ـ يقدمها جمل أورَق ، فسألوهم عمّا
قال رسول الله فقالوا : لقد كان هذا ؛ ضلّ جمل لنا في موضع كذا وكذا ، ووضعنا ماءً
فأصبحنا وقد أهر يق الماء فلم يَزِدْهم ذلك إلّا عُتوّاً .
وروى البغوي في
تفسيره عن ابن عبّاس وعائشة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
لمّا كانت ليلة أُسري بي أصبحت بمكّة فضِقتُ بأمري وعرفتُ أنّ
الناس يكذّبوني ، فروي أنّه عليه الصلاة والسلام قعد معتزلاً حزيناً ، فمرّ به أبو
جهل فجلس إليه ، فقال له كالمستهزئ : هل استفدتَ من شيء؟
قال : نعم ، إنِّي
أُسري بي الليلة.
قال : إلى أين؟
قال : إلى بيت
المقدس.
__________________
قال : ثمّ
أصبحتَ بين ظَهرانينا؟!
قال : نعم.
فلم يُرِهِ أبو
جهل أنّه ينكر ذلك مخافة أن يجحده الحديث ، قال : أتُحدِّثُ قومك بما حدثتني به؟
قال : نعم.
قال أبو جهل : يا
معشر بني كعب بن لؤيّ ، هلمّوا. قال : فانقضّت إليه المجالس فجاؤُوا حتّى جلسوا
إليهما ، قال : فحدِّثْ قومك بما حدّثتني؟
قال : نعم ، أنّه
أُسري بي الليلة.
قالوا : إلى
أين؟
قال : إلى بيت
المقدس.
قالوا : ثمّ
أصحبت بين ظهرانينا؟
قال : نعم.
قال : فمِن بين
مصفّق ، ومن بين واضع يدَه على رأسه متعجّباً للكذب ، وارتدّ ناسٌ ممن كان آمن به
وصدّقه ...
قال ابن إسحاق
: وحدِّثتُ عن الحسن : .... فلمّا أصبح صلىاللهعليهوآلهوسلم غدا على قريش فأخبرهم الخبر ، فقال أكثر الناس : هذا والله
الأمر البيِّن! والله إنّ العِير لتطرد شهراً من مكّة إلى الشام ؛ مُدبرةً شهراً
ومُقبلةً شهراً ، فيذهب ذلك محمّد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكّة!
قال : فارتدّ
كثير ممن كان أسلم ...
* * *
__________________
كان هذا بعض
الشيء عن الإسراء والمعراج وتكذيب قريش بهما ، وارتداد بعض المسلمين ، وقد سعت
قريش وعن طريق حكّام بني أميّة وبعض علماء البلاط في العصور المتأخّرة إلى التشكيك
في الإسراء والمعراج والتقليل من عظمة هذا الأمر الإلهيّ ومكانة الرسول بطرح
تشكيكات ذات طابع جدلي ، كالقول باستحالة صعود الأجسام إلى العالم العلوي بهذه
السرعة الخارقة للعادة بحيث يذهب في آخر الليل ويرجع إلى مكّة عند الفجر ، وعدم
تطابق ما قيل في مقدمات هذا السفر الإلهي من شقّ الصدر وغسله بماء زمزم وركوبه صلىاللهعليهوآلهوسلم البراق و ... مع العقل.
كلّ تلك
التساؤلات بل قل التشكيكات جاءت مساوقة للتشكيك في مدلول قوله تعالى في الآية ٦٠
من سورة الإسراء ؛ إذ قال سبحانه : (وَمَا جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ) حيث قالوا بأنّ الإسراء والمعراج كان بروحه صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لا بجسمه وروحه ـ كي يقللوا من واقع الإسراء ويعضّدوا
القول بأنّه كان في المنام لا في اليقظة و ...
فقد أخرج ابن
إسحاق وابن جرير عن عائشة رضى الله تعالى عنها ، قالت : ما فقدتُ جسدَ رسولِ الله
، ولكنّ الله أسرى بروحه .
وأخرج ابن
إسحاق وابن جرير عن معاوية بن أبي سفيان أنّه كان إذا سئل عن مسرى رسول الله قال :
كانت رؤيا صادقة .
__________________
قال القرطبي في
تفسيره : وقد احتُجَّ لعائشة بقوله تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) فسمّاها رؤيا.
وهذا يردّه
قوله تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ
لَيْلاً) ، ولا يقال في النوم : «أسرى» ، وأيضاً فقد يقال لرؤية
العين «رؤيا» ... وفي نصوص الأخبار الثابتة دلالة واضحة على أنّ الإسراء كان
بالبدن ... وقال ابن عطيّة الأندلسي : ... والصحيح ما ذهب إليه الجمهور ، ولو كانت
منامة ما أمكن قريشاً التشنيع ، ولا فضّل أبو بكر بالتصديق ، ولا قالت له أمّ هاني
: لا تُحدِّث الناس بهذا فيكذبوك ، إلى غير هذا من الدلائل.
واحتجّ لقول
عائشة بقوله تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) ويحتمل القول
الآخر ؛ لأنّه يقال لرؤية العين «رؤيا». واحتجّ أيضاً بأنّ في بعض الأحاديث «فاستيقظت
وأنا في المسجد الحرام» ، وهذا محتمل أن ير يد من الإسراء النوم.
واعترض قول
عائشة بأنّها كانت صغيرة لم تشاهد ولا حدّثت عن النبي عليهالسلام ، وأمّا معاوية فكان كافراً في ذلك الوقت غير مشاهد للحال ، صغيراً ، ولم
يحدّث عن النبيّ ...
وقال ابن كثير
: ... فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء ، ولم يكن مستعظماً ، ولما بادرت قريش
إلى تكذيبه ، ولما ارتدّت جماعة ممّن كان قد أسلم ، وأيضاً فإن «العبد» عبارة عن
مجموع الروح والجسد وقد
__________________
قال : (أَسْرَى
بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ...
ويجري مجرى
قوله تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ
لَيْلاً) ما في سورة النجم ، فقوله تعالى : (مَا
زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) لا يتّفق مع الرؤيا ، بل الآية في سياق الامتنان وبيان آيات ربّه الكبرى ، أمّا
الرؤيا فهي نحو من التخيّل يتفق للصالح والطالح ولا منزلة للرسول في القول بهذا.
هذا ويمكن
إجابة كلّ التساؤلات والتشكيكات بأنّ الأمر كان معجزةً ، والمعجزةُ لا تدركها
العقول البسيطة ، فهي من قبيل إحياء الأموات ، وتبديل العصى ثعباناً ، وكولادة
عيسى من غير أَب ، وخروج ناقة صالح من الجبل الاصم ، وقوله تعالى : (فَخُذ
أربعةً مِن الطَّيرِ فصُرْهُنَّ إليكَ ثمّ اجعَلْ على كُلِّ جَبَل مِنهُنَّ جُزءاً
ثمّ ادعُهُنَّ يأتِينَكَ سَعْياً واعلَمْ أنّ اللهَ عَزيزٌ حَكيم) ، وقوله تعالى : (قَالَ الَّذِي
عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ
إِلَيْكَ طَرْفُكَ) صريحٌ بإحضار (من عنده علم من الكتاب) لعرش بلقيس من اقصى اليمن إلى اقصى
الشام في مقدار لمح البصر ، وهو يشبه ما قاله سبحانه عن الر ياح وأنّها كانت تسير
بسليمان (غُدُوُّها شُهرٌ ورَواحُها شَهر) في لحظة واحدة ، إلى غيرها من عشرات بل مئات الموارد.
إذاً رسالة
الإسلام هي رسالة الغيب والإيمان بما خلق الله من الجنِ والملك
__________________
والروح و ... والمسلم هو الذي يسلم بالغيب ويؤمن به لقوله تعالى : (الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) .
فلو كان معراج
النبيّ محمّد في ليلة واحدة ممتنعاً لكان القول بنزول آدم من الجنّة وإصعاد عيسى
إلى السماء ممتنعاً ، بل لسرى الشك في المعجزات لأنّها في أصلها خرقٌ للقوانين
المادية.
وعليه فهذه
الرؤية طرحت لبذر الشكّ في قلوب المؤمنين من قبل (الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أو (الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) في حين أنّ رسالة السماء معناها الغيب والماورائيات وهي تتفق مع الإسراء
وما جاء فيه ، وهذا ما لا تدركه عقول هؤلاء من الامتحان الإلهيّ الذي سُنّ ليمحّص
الله به المؤمنين ويميزهم عن الكافر ين والمنافقين.
هذا وقد أجاب
العلاّمة الطباطبائي في (الميزان) عمّا قاله بعض المفسّرين من أنّ الشجرة الملعونة
في القرآن تعني شجرة الزقّوم التي قال عنها الباري جلّ شأنه : (أَذٰلِكَ
خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً
لِلظَّالِمِينَ) ، بأنّ هذا الاحتمال بعيد جدّاً لأنّه جلّ شأنه لم يلعنها في موضع من
القرآن الكر يم ، ولو كان مجردّ كونها شجرةً تخرج من أصل الجحيم سبباً موجباً
للعنها في القرآن الكر يم لكانت النار وما أعدّ الله فيها من العذاب ملعونة وهذا
ما لم يَقُله أحد ، ولكان ملائكةُ العذاب ـ الذين قال عنهم جل شأنه : (وَمَا
جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلّا مَلاَئِكَةً
__________________
وَمَا
جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ـ ملعونين ، في حين نراه سبحانه قد أثنى عليهم بقوله : (عَلَيْهَا
مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ
مَا يُؤْمَرُونَ) .
ولو صحّ هذا
الاحتمال لكانت أيدي المؤمنين ملعونة كذلك ؛ لقوله : (قاتِلوهُم
يُعَذّبْهُمُ اللهُ بأيدِيكُم) .
ومثله حال بقية
المعاذير التي ذكرها مفسروا أهل السنة والجماعة للتخلّص من كيفية صحّة لعن الشجرة
، ومحاولتهم صرف الآية الكريمة عن لعن شجرة بني أميّة .
وإنكّ لو
تدبّرتَ في تفسير قوله تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ
الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) لعرفت أنّ المقصود منها بنو أميّةِ ؛ لما فعلوه من قبيح
الأعمال ، ولا يصحّ ما قالوه بأنّ المعنيّ من الرؤيا هي الإسراء وغيرها من الأفكار
الفاسدة.
وبهذا فقد عرفت
أَنَّ جهلهم بالاُمور الغيبية ومكانة الرسول لم يكن عن قصور أو تقصير بَدْويَّينِ
، بل إنَّ جذوره ترجع إلى خلفيات هي أعمق ممّا قالوه بكثير.
مع الرسول ورؤياه
قال الآلوسي في
تفسير آية الرؤيا : ... وأخرج ابن جرير ، عن سهل بن سعد ، قال : «رأى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بني أميّة يَنْزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك ، فما
__________________
استجمع ضاحكاً حتّى مات عليه الصلاة والسلام ، وأنزل الله تعالى هذه الآية
: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا). وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر عن
سعيد بن المسيب ، قال : رأى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بني أميّة على المنابر فساءه ذلك ، فأوحى الله إليه : إنّما
هي دنيا أُعطُوها ، فقرّت عينه ، وذلك قوله تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا) ...
الخ.
وأخرج ابن أبي
حاتم ، عن يعلى بن مرّة ، قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
رأيت بني أميّة على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء ،
واهتمّ عليه الصلاة والسلام لذلك ، فأنزل الله سبحانه : (وَمَا
جَعَلْنَا) ... الآية».
وأخرج عن ابن
عمر : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «رأيتُ ولد الحَكَم بن أبي العاص على المنابر
كأنّهم القردة ، وأنزل الله تعالى في ذلك (وَمَا جَعَلْنَا) ...
الخ ، والشجرة
الملعونة الحكم وولده» وفي عبارة بعض المفسر ين : هي بنو أميّة.
وأخرج ابن مردو
يه ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها : أنّها قالت لمروان بن الحكم : «سمعتُ رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول لأبيك وجدّك : إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن».
فعلى هذا معنى
إحاطته تعالى بالناس إحاطة أقداره بهم ، والكلام على ما قيل على حذف مضاف ، أي «وما
جعلنا تعبير الرؤيا» أو الرؤيا فيه مجاز عن تعبيرها ، ومعنى جعل ذلك فتنة للناس
جعله بلاء لهم ومختبراً ، وبذلك فسره ابن المسيب.
وكان هذا
بالنسبة إلى خلفائهم الذين فعلوا ما فعلوا ، وعدلوا عن سنن الحقّ وما عدلوا ، وما
بعده بالنسبة إلى ما عدا خلفاءهم منهم ، ممن كان عندهم عاملاً وللخبائث عاملاً ، أو
ممن كان من أعوانهم كيفما كان.
ويحتمل أن يكون
المراد «ما جعلنا خلافتهم وما جعلناهم أنفسهم إلّا فتنة» ، وفيه من المبالغة في
ذمهم ما فيه. وجعل ضمير (نُخَوِّفُهُمْ) على هذا لما
كان له
أوّلاً ، أو للشجرة باعتبار أن المراد بها بنو أميّة ولعنهم لما صدر منهم
من استباحة الدماء المعصومة ، والفروج المحصنة ، وأخذ الأموال من غير حلها ومنع
الحقوق عن أهلها ، وتبديل الأحكام ، والحكم بغير ما أنزل الله تعالى على نبيه عليه
الصلاة والسلام ، إلى غير ذلك من القبائح العظام والمخازي الجسام التي لا تكاد
تُنسى ما دامت الليالي والأيام.
وجاء لعنهم في
القرآن ، إما على الخصوص كما زعمته الشيعة ، أو على العموم كما نقول ، فقد قال
سبحانه وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ
وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) ، وقال
عزّوجلّ : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ
أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولٰئِكَ
الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) إلى آيات أخر
، ودخولهم في عموم ذلك يكاد يكون دخولا أوّليّاً ، انتهى موضع الحاجة من كلام الآلوسي.
وقال القرطبي
في تفسيره : «فنزلت الآية مخبرة أنّ ذلك من تملّكهم وصعودهم [أي نَزْوِهِم على
منبره نزو القردة] يجعلها الله فتنة للناس وامتحاناً ، وقرأ الحسن بن عليّ في
خطبته في شأن بيعته لمعاوية : (وَإِنْ أَدْرِي
لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ). قال ابن عطية : وفي هذا التأو يل نظر ، ولا يدخل في هذه الرؤيا ، عثمان ، ولا
عمر بن عبدالعزيز ، ولا معاوية» .
وعليه فلا يصحّ
ما قالوه من تكلّفات في كلمة الرؤيا والشجرة الملعونة في الآية ، مع وضوح أنّ
الملعونين في القرآن هم جند إبليس واليهود ، والمشركون ، والمنافقون ، والذين
ماتوا وهم كفار ، والذين يكتمون ما أنزل الله ، والذين يؤذون
__________________
الله ورسوله وغيرها لا شجرة الزقوم ولا غيرها من التأو يلات التي صيغت
بأخرة لإبعاد الآية الكريمة عن معناها الحقيقي .
المجتهدون الأوائل ودورهم في التشريع :
أبانت دراساتنا
السابقة عن (وضوء النبيّ) و (منع تدو ين الحديث) و (تاريخ الحديث النبوي الشريف) بروز نهجين بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان موجودين في حياته :
__________________
أحدهما
: يتّخذ المواقف من خلال الأصول ، ويتّبع القرآن والسـنّة
، ولا يرتضي الرأي والاجتهاد مع وجود النصّ.
والآخر
: يتّخذ الأصول من خلال مواقف الصحابة وإن خالفت النصوص ، فهؤلاء
يشرّعون الرأي ويأخذون به مقابل النص ، ويتعاملون مع رسول الله كأنّه بشر غير كامل
يصيب ويخطئ ويسبّ ويلعن ثمّ يطلب المغفرة للملعونين ، أو أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلمخفي عليه أمر الوحي حتّى أخبره ورقة بن نوفل بذلك! وهذا
يخالف ما ثبت من أنّ خاتم النبوة كان مكتوباً على كتفه.
وبين هـؤلاء من
رفع صوته ـ في ممارسـاته اليـومـيـة ـ فـوق صـوت النـبيّ ، واعتـرض على رسـول الله
في أعـمالـه ، وتعـرّف المصـلحـة وهـو بحـضرتـه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتـنـزّه فـي أمـر رخّـص فـيـه ، أو تـزهّـد فـي أمـر
نهـى عـنـه.
فجاء في كتاب
الآداب من صحيح البخاري أنّ النبيّ رخّص في أمر فتنزّه عنه ناس ، فبلغ النبيّ فغضب
ثمّ قال : ما بال أقوام يتنزّهون عن الشيء أصنعه ، فوالله إنّي لأعلمُهم وأشدّهم
خشية .
وفي خبر آخر : أُخبر
رسول الله أنّ عبدالله بن عمرو بن العاص يقول : والله لأصومنّ النهار ولأقومنّ
الليل ، فقال له رسول الله : أنت الذي تقول : «لأصومنّ النهار ولأقومنّ الليل ما
عشت»؟!
قال : قد قلت
ذلك يا رسول الله.
__________________
فقال رسـول
الله : إنّـك لا تسـتطيع ذلك فصُـمْ وأفطـرِ ، ونَـم وقُـم ، وصُم من الشـهـر
ثلاثـة أيّام ، فإنّ الحسـنة بعشـر أمـثالهـا ، وذلـك مـثل صـيام الدهـر.
قال ، قلت : إنّي
أُطيق أفضلَ من ذلك.
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
فصم يوماً وأفطِر يومين.
قال : قلت : إنّي
أطيق أفضل من ذلك.
فقال : قـال : فَصُـم
يوماً وأفطِر يوماً ، فذلك صيام داود عليهالسلام وهو أفضل الصيام.
فقلت : أطيق
أفضل من ذلك.
فقال النبيّ : لا
أفضل من ذلك .
إن مثل هذا
التحكيم للرأي الشخصي في مقابل قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحمل في طياته مخاطر عديدة ، ويفتح مسارات للتحريف
والتبديل ، ومن شأنه أن يحول الدين الالهي إلى دين مشوب بآراء الناس ووجهات نظرهم
الشخصية ، وهو يجرّ من ثمّ إلى تجزئ الدين والى النزعة التلفيقية في الشريعة ، ومن
هنا ظهرت في الصدر الأوّل وما بعده الأحكام المبتدعة والأهواء المتّبعة التي ليست
من دين الله في شيء ، ولا تمت إلى الحياة الإسلامية النز يهة بصلة ، وهو الذي كان
رسول الله يتخوف على اُمته منه. وقد صرّح الإمام عليّ في خطبة له بأنّه لو أتيحت
له الفرصة لأرجع بعض الأُمور إلى أصلها ، فقال : (... وإنّما بدءُ وقوع الفتن
أهواء تتّبع وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب الله ، يتولّى فيها رجالٌ رجالاً ... إلى
أن يقول : .. أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول
الله ، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة ، ورددت صاع رسول الله كما كان ، وأمضيت قطائع
أقطعها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ، ورددت دار
__________________
جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد ، ورددت قضايا من الجور قضي بها ، ونزعت نساء تحت رجال بغير حقّ فرددتهن إلى أزواجهن واستقبلت بهنّ الحكم في الفروج والأحكـام ، وسـبيت ذراري بني تغلب ،. ورددت ما قسّم من أرض خيبر ، ومحوت دواو ين العطايا ، وأعطيت كما كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعطي بالسو يّة ، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء. وألقيت
المساحة ، وسوّ يت بين المناكح ، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل عزّوجلّ وفرضه ، ورددت مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى ما كان عليه ، وسددت ما فُتح فيه من الأبواب ،
__________________
وفتحت ما سُدّ منه ، وحرّمت المسح على الخفين ، وحَدَدت على النبيذ ، وأمرت بإحلال المُتعتين ، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات ، وألزمتُ الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأخرجت من أُدخل بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مسجده ممّن كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخرجه ، وأدخلت من أُخرج بعد. رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّن كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أدخله ، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنّة ، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها
ومواضعها ، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم ، ورددت سبايا فارس وسائر الأُمم إلى كتاب الله وسنّة
نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم .. إذن لتفرّقوا عنّي .
__________________
وقد أعلن
الأئمّة من آل البيت أنهم كانوا يتبعون النصوص ولا يرتضون الرأي ..
فعن الإمام
الباقر عليهالسلام أنّه قال لجابر : والله يا جابر لو كنّا نُفتي الناس
برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنّا نُفتيهم بآثار من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأُصول علم عندنا ، نتوارثها كابراً عن كابر ، نَكنِزُها
كما يكنز هؤلاء ذهـبهم وفضّتهم .
وسأل رجلُ
الإمام الصادق عليهالسلام عن مسألة فأجابه فيها ، فقال الرجل : أرأيتَ إن كان كذا
وكذا ، ما يكون القول فيها؟
فقال له : مَه!
ما أجبتك فيه شيء فهو عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لسنا من «أرأيت» في شيء .
وعن الإمام
الباقر عليهالسلام :
ما أحدٌ أكذب على الله وعلى رسوله ممّن كذّبنا أهلَ البيت أو كذب
علينا ؛ لأنّا إنّما نحدِّث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعن الله. فإذا كُذّبنا فقد كُذّب الله ورسوله .
وقال : لو أنّا
حدّثنا برأينا ضللنا كما ضلّ من كان قبلنا ، ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا بيّنها
لنبيّه فبيّنها لنا .
وعن أبي بصير ،
قال : قلت للصادق : تَرد علينا أشياءُ ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنّة ، فننظر
فيها؟ قال : لا ، أما إنّك إن أصبتَ لم تُؤجَر ، وإن أخطأتَ كذبتَ على الله عزّ
وجلّ .
__________________
نعم ، إنّ نهج
الاجتهاد كان له دعاة وأتباع استمدّوا جذورهم من مصدر غير التعبد والتسليم ، وهو
أقرب إلى ما عرفوه في الجاهلية ممّا عرفوه في الإسلام وكان لهؤلاء وجود ملحوظ
أيضاً في صدر الإسلام ، فقد اقترح بعض المشركين على رسول الله أن يبدل بعض الأحكام
الشرعية وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : (مَا يَكُونُ لِي أَنْ
أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) .
وقد أثبتنا
سابقاً أنّ عمر بن الخطّاب كان من المجتهدين الأوائل الذين تعرّفوا المصلحة وهم
بحضرة الرسول المصطفى ، فأنكر عليه أخذَه الفداءَ من أسارى بدر ، واعترض عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم في صلاته على المنافق ، وواجه النبيَّ بلسان حادّ في صلح الحديبية ، وطالب النبيَّ أن يزداد علماً إلى علمه وأن يستفيد من
مكتوبات اليهود في الشر يعة وقال لرسول الله في مرض موته : (إنه لَيَهجُر) أو غَلَبه الوجع !
__________________
المجتهدون الأوائل والأذان!
والآن لنرى
موقف عمر بن الخطاب وموقف غيره من المجتهدين في الأذان ، وهل لهؤلاء دور في هذا
التغيير ، أم تقع تبعات التحريف على اللاحقين من بني أميّة وبني العبّاس؟ وغيرهم
من المتأخّرين حسب تعبير الصنعاني .
إنّ النّصوص
السابقة أوقفتنا على وجود اتّجاه في الصحابة وموقف من الأذان يقترح على الرسول أن
يتّخذ ناقوساً مثل ناقوس النصارى ، أو بُوقاً مثل بوق اليهود ، فيستاء رسول الله
من هذا ويغتمّ لاقتراحات هذا الاتجّاه من الصحابة الذين وصل الأمر بهم إلى أن
يقترحوا على الرسول المصطفى إدخال بعض أحكام وأفكار شريعتي موسى أو عيسى
المحرَّفتين في منهج الإسلام ، وكأنّ أطروحة الإسلام غير قادرة على أن تفي
بالأعباء ؛ فقد رووا عن عمر أنّه قال للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم «يا رسول الله إنّي مررتُ بأخ لي
من يهود فكتب لي جوامع من التوراة ، أفلا أعرضها عليك؟ فتغيّر وجه رسول الله.
فقال عمر : رضيت
بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمّد رسولاً ، فسُرّي عن النبيّ ، ثمّ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
والذي نفسي بيده ، لو أصبح فيكم موسى فاتّبعتموه وتركتموني
لضللتم ، إنّكم حظّي من الأمم وأنا حظّكم من النبيّين» .
__________________
فهؤلاء
المجتهدون في الصدر الأوّل كانوا يتعاملون مع الأحكام وفق ما عرفوه من الشرائع
السابقة ، وكانوا يتصورون بأنّ الأمر بيدهم يفعلون ما يشاؤون ، فكانوا هم الذين
اقترحوا على رسول الله البوق ، الناقوس «فنقسوا أو كادوا أن ينقسوا» حتّى رأى
عبدالله بن زيد أو غيره في المنام ....
إذاً فكرة كون
تشريع الأذان كان بـ «رؤيا» جاءت من قبل الصحابة المجتهدين ، ثمّ تطوّرت حتّى وصل
بها الأمر إلى ما وصل لاحقاً ، وهذا ما يجب الوقوف عليه في مطاوي بحوثنا ..
إذ جاء عن كثير
بن مرة الحضرمي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : أوّل من أذّن في السـماء جبرئـيل عليهالسلام ، قال : فـسمعه عمر وبـلال ، فأقـبل عمر فأخـبر النـبيّ بما سمع ، ثمّ
أقبل بلال فأخبر النبيّ بما سـمع ، فقال له رسـول الله : سـبقك عمـر يا بـلال ....
أو قول ابن عمر
: إنّ بلالاً كان يقول أوّل ما أذّن : «أشهد أن لا إله إلّا الله ، حيّ على الصلاة»
، فقال له عمر : قل في أثرها «أشهد أنّ محمّداً رسول الله» ...
نعم إنّهم رفعوا
بضبع الصحابة الحالمين الرائين للأذان إلى مرتبة النبوة والمعاينة الحقيقيّة حتّى
قال عبدالله : «يا رسول الله ، إنّي لَبينَ يقظان ونائم» ، وفي آخر : «لقلت : إني
كنت يقظاناً غير نائم» ، وبعكس ذلك نراهم يحطّون من منزلة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن المعاينة الحقيقية في المعراج ـ (ثُمَّ
دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى)ـ إلى مرتبة
التشكيك ، مستخدمين العبارة نفسها «بين النائم واليقظان» ، ورووا ذلك في الصحيح!!
ففي صحيح مسلم
بسنده عن قتادة ، عن أنس بن مالك ـ لعله قال : عن مالك بن صعصعة (رجل من قومه) ، قال
ـ قال نبي الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان ....
ثمّ أتيت بدابة
أبيض يقال له البُراق فوق الحمار ودون البغل يقع خطوه عند أقصى طرفه ، فحُمِلتُ
عليه ، ثمّ انطلقنا حتّى أتَينا السماء الدنيا .... ثمّ سرد قصة المعراج .
بل في رواية
شريك في حديـثه عن أنس التصريح بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان نائمـاً. قال : «وهو نائم بالمسجد الحـرام» وذكـر
القصـة الـواردة ليلـة الإسـراء ، ثـمّ قـال فـي آخرهـا : «اسـتيقظت» ـ أي انتبهت
ـ من منامـي وأنا فـي المسـجد الحـرام .
قال الصالحي
الشامي : وهذا المذهب يعزى إلى معاوية بن أبي سفيان ... ويُعزى أيضاً إلى عائشة .
بل صرّح إمام
الشافعية القاضي أبو العبّاس بن سريج بوضع هذا الحديث على عائشة فقال : هذا حديث
لا يصحّ وإنّما وُضِعَ ردّاً للحديث الصحيح .
ترى من هو الواضع؟
وما هو غرضه من
التحريف في مقابل ما هو أصيل؟
ولماذا جَحْدُ
منزلة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومحاولة جعل القضية مناماً عاديّاً؟
ولماذا يختص
ذلك بمعاوية وعائشة؟!
وهل يكمن في
ذلك إنكارٌ مُبَطَّن لرؤيا النبيّ بني أميّة ـ أو تيماً وعديّاً ـ يردون
__________________
الناس عن الإسلام القهقرى؟! إذ ليس في الرؤيا المناميّة كبير أمر ولا كثير طائل ، وإذا كان المعراج
رؤيا فلماذا لم يَرَها الآخرون كما رأى الأذان سبعة أو أربعة عشر أو عشرون شخصاً؟!
لكي لا يكذّب المشركون النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أو لكي لا يرتدّ من أسلم من المسلمين؟ ألم يقولوا مثل
هذا التعليل في سـرّ رؤى الصحابة للأذان؟!
فهذه النصوص
ترفع هؤلاء إلى السماء وتجعلهم قرب الوحي ، وتحاول إنزال مقامات النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في المعراج إلى حدّ الرؤيا العادية ، فنحن لو لحظنا دور
المجتهدين في الشر يعة ووقفنا على اجتهادات الصحابة واقتراحاتهم على رسول الله في
الأذان وغيرها ، وعرفنا الدواعي التي دفعت بعمر بن الخطّاب أن يرفع (حيّ على خير
العمل) أو يضع (الصلاة خير من النوم) في الأذان لآمَنَّا بأن الشرارة الأولى لهذا
التحريف جاءت من قبل هذا القسم من الصحابة ، وأن فكرة كون الأذان رؤيا تتّفق مع
فكر هذا الصنف لا المتعبّدين ، وذلك لاجتهادهم وعدم تعبّدهم بالنصوص. ونظرة هؤلاء
تختلف عن نظرة أهل البيت إلى الشر يعة والإسراء والمعراج وغيرها.
الأمويّون والأذان
لقد تطوّرت
فكرة الرؤيا وما جاء في تشريع الأذان في العهد الأموي وتأطّرت بإطارها الخاص ؛ إذ
لو جمعنا القرائن والشواهد لعرفنا بأن معاوية ومن بعده هم الذين تبنوا هذه الفكرة
وأنّهم كانوا قد سعوا لتثقيف الناس حسبما ير يدونه ، وهذا ما نلاحظه في نصوص
الأذان بعد الإمام عليّ ، إذ لم يشر عليّ عليهالسلام إلى هذا التضاد في الأذان في ما رواه عن النبيّ ، بل لم
يردنا خبرٌ صريحٌ في تكذيب الروايات المدّعية لثبوت تشريع الأذان بالرؤيا قبل
الإمام الحسن بن عليّ عليهالسلام.
__________________
فأوّل ما
تطالعنا النصوص بهذا الصدد هو كلام سفيان بن الليل حينما قدم على الإمام الحسن بعد
الصلح ، قال : فتذاكرنا عنده الأذان فقال بعضنا : إنّما كان بدء الأذان برؤيا
عبدالله بن زيد.
فقال له الحسن
بن عليّ : إنّ شأن الأذان أعظم من ذلك ، أذَّن جبرئيل ..
وهذا يرشدنا
إلى تذاكر المسلمين في أمر الأذان بعد الصلح لقوله (لما كان من أمر الحسـن بن عليّ
ومعاوية ما كان قدمـت المـدينة وهـو جالس في أصحابه).
فبعضهم في هذا
الخبر يقول : (إنّما كان بدء الأذان برؤيا عبدالله) ، لكنّ الإمام الحسن صحّح رؤ
يتهم الخاطئة قائلاً : إن شأن الأذان أعظم من ذلك.
ونحن لو واصلنا
السير التاريخي وانتقلنا من خبر الإمام الحسن إلى ما جاء عن الإمام الحسين وأنّه
سئل عمّا يقول الناس؟ فقال عليهالسلام
: «الوحي ينزل على نبيكم ، وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن
عبدالله بن زيد» ؛ لعرفنا استمرار هذا النزاع بين الناس وأهل البيت في كيفية نشوء
وبدء تشريع الأذان.
وقد مر عليك
كلام أبي العلاء سابقاً حيث قال : قلت لمحمّد بن الحنفية : إنا لنتحدث أنّ بدء
الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الانصار في منامه.
قال : ففزع
لذلك محمّد ابن الحنفية فزعاً شديداً وقال : عمدتم إلى ما هو الاصل في شرائع
الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنّه إنّما كان رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه
يحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام.
قال : فقلت : هذا
الحديث قد استفاض في الناس؟
قال : هذا
والله هو الباطل ...
فبدءُ النزاع
العلني وانتشاره كان في زمن معاوية بعد صلح الإمام الحسن ، وفزعُ محمّد بن الحنفية
الفزع الشديد ، وإخبارهم إياه باستفاضة هذا الحديث ، ليدلاّن على أنّ وضع تلك
الأحاديث الأذانية أو بدء انتشارها كان في زمان معاوية
بن أبي سفيان ، الّذي كان حسّاساً إلى درجة كبيرة من ذكر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذ كيف يُقرنُ اسم بشر «محمد» باسم ربّ العالمين «الله»؟!
مع أنّ كلّ
الأنبياء الذين جاؤوا بشرائع سابقة لم يقرن اسم أحدهم باسم رب العزة في إعلامهم
للطقوس الدينية ، بل كان الناقوس والبوق والشبّور.
إذن لم يكن
معنىً ـ بنظر معاوية ـ لمقارنة اسم النبيّ لاسم الربّ في السماء وفي المعراج ، بل
يكفي بذلك أن يكون مناماً ، أو اقتراحاً من عمر ، أو ....
وعلى ذلك فلا
ضير إذن في الزيادة أو الحذف في الأذان ، فلَكَ أن تحذف «حيّ على خير العمل» كما
فعل عمر وتضع موضعها «الصلاة خير من النوم» ، ولك أن تفرد الإقامة ولا تثنّيها «لحاجة
لَهُمْ» ، ولك أن تزيد النداء الثالث يوم الجمعة ، ووو ... إلى آخر هذه الاجتهادات
، إن كان لها آخِر.
ومن هذا الباب
كان معاوية أوّل من أفشى مقولة التثويب الثاني ، وهي دعوة المؤذّنُ للخليفة أو
الأمير ـ لكثرة مشاغله ـ إلى الصلاة بقوله «السلام على أمير المؤمنين ، الصلاة
الصلاة رحمك الله» ، وسار المغيرة بن شعبة على نهج معاوية في هذا أيضاً ، بل قيل
إنّه أوّل من فعل ذلك.
ولكن صرّح
الأعلام بأنّ معاوية كان أوّل من أحدث هذا ، وتبعه المغيرة بن شعبة ومَن حذا حذوه .
فشاع الأمر
واستفاض ، وصار كأنّه حقيقة لا مناص عن الإذعان لها ـ مع أنّ الحقيقة الإسلامية هي
شيء آخر ـ وراحت أصداء هذا الحدث الأذاني تمتد وتمتد إلى العصر العباسي ، ومنه
وصلت إلى يومنا الحاضر.
__________________
روى عبد الصـمد
بن بشـير ، قال : ذُكر عند أبي عبد الله [الصـادق] بدء الأذان فقيل : إنّ رجلاً من
الأنصـار رأى في منـامـه الأذان ، فقصـه على رسـول الله فأمره رسـول الله أن
يعلّمـه بلالاً ، فقـال أبو عبدالله : كذبوا ، إنّ رسـول الله كـان نـائمـاً في
ظـلّ الكعـبة فأتـاه جـبرئـيل ومعـه طاس فـيه ماء من الجنَّة ....
ولو تدبرنا في
هذه النصوص وما جاء في تاريخ بني أميّة لعرفنا إمكان تطابق هذه الرؤية مع ما
يحملون من أفكار أكثر من غيرهم ، خصوصاً بعد أن وقفنا على تاريخ النزاع وأنّه بدأ
في عهدهم ، وإنّك لو تتّبعّت مجر يات الأحداث لعرفت تضاد بني أميّة مع رسالة
الإسلام وعدم تطابق مفاهيمهم مع مفاهيم الوحي ورسول الله ، وأنّهم كانوا على طرفي
نقيض مع بني هاشم في الجاهلية وفي الإسلام ، إذ التزم بنو أميّة جانب المشركين
أمام بني هاشم الذين لم يفارقوا الرسول في جاهلية ولا إسلام.
فقد قال رسول
الله عن بني هاشم : «أنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام ، وإنّما نحن
وهم شيء واحد» وشبك بين أصابعه.
نعم كان الأمر
كذلك ، فرسول الله كان لا يرتضيهم ، وهُم لم يدخلوا الإسلام إلّا مكرهين.
__________________
الأمويّون ورسول الله
لقد صحّ عن
رسول الله أنّه لعن أبا سفيان والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وصفوان بن أميّة في
قنوته وهم من أقطاب
قريش ، وفيهم أبو سفيان رأس بني أميّة.
وصحّ عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله لمّا أقبل أبو سفيان ومعه معاوية : اللهمّ العن
التابع والمتبوع .
وفي آخر : اللهمّ
العن القائد والسائق والراكب ، وكان يزيد بن أبي سفيان معهم. وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مروان بن الحكم : اللهمّ العن الوَزغ بن الوزغ .
فبنو أميّة بعد
عجزهم عن ردّ صدور أحاديث اللعن رووا عن أبي هر يرة قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
اللّهم إني أتّخذ عندك عهداً لن تُخلفنيه ، فإنمّا أنا بشر ، فأيّ
المؤمنين آذيته ، أو شتمته ، أو لعنته أو جلدته .. فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة
تقرّبه بها يوم القيامة !
ومن المعلوم
أنّ هذه الروايات لا تّتفق مع أصول الإسلام والسير التاريخي
__________________
والفكري لرسول الله ، وما جاء به من مفاهيم ، لأنّه قال : إني لم أُبعث
لعّاناً وإنّما بعثت رحمة .
فهو صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن لعّاناً في سجيّته ، ولم يلعن من لم يكن
مستحقّاً للّعنة ، بل لعنَ جماعات وأفراداً مخصوصين يستحقّون اللعنة من الله
ورسوله في ضمن ملاكات الأحكام الشرعية والموازين الإلهية ، ومثل هذا اللعن والسبّ
والجلد لا معنى لاَِنْ يكون رحمة لصاحبه.
وهؤلاء القوم
لم يسلموا إلّا ليحقنوا دماءهم ، بعدما عجزوا عن الوقوف أمام الدعوة وطمس الإسلام
فدخلوا الإسلام لتحريف بعض المفاهيم وإبدال مفاهيم أخرى مكانها ، وكان ضمن مخططهم
التقليل من مكانة الرسول والتعامل معه كإنسان عاديّ يصيب ويخطئ ويسبّ ويلعن ، كما
كان في مخطّطهم الاستنقاص من الإمام عليّ ، لأنّه كان قد وتر شوكة قريش وسعى
لتحطيم سلطانهم.
فقد جاء في
كتاب معاوية إلى عماله : «أن انظروا مَن قِبَلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل
ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه ، فَأَدنُوا مجالسهم وقَرِّبوهم وأَكرموهم ، واكتبوا
إليَّ بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته».
«فإذا جاءكم
كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ، ولا
تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا وتأتوني بمناقض له في
الصحابة ، فإنّ هذا أحبّ إلي وأقرّ لعيني ، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته ،
__________________
وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله» .
نحن لو تأملنا
تاريخ قريش وما فعلته مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في بدء الدعوة وقضايا فتح مكّة لوقفنا على خبث الأمو
يين واستغلالهم لرحمة رسول رب العالمين ، فقد اشتهر عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه لما سمع قول القائل :
اليوم يوم
الملحمة
|
|
اليوم تُسبَى
الحرمة
|
قال له صلىاللهعليهوآلهوسلم :
لا تَقُلْ هذا بل قل :
اليـوم يوم
المـرحمة
|
|
اليوم تحفظ
الحرمة
|
وجاء عنه قوله
يوم الفتح في أعدى عدوه : «من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن» ، وقوله : «اذهبوا أنتم الطلقاء» ، لكن قريشاً ومع كلّ هذه الرحمة كانوا يتعاملون مع
الرسالة والرسول بشكل آخر.
قال الواقدي :
... وجاءت الظهر فأمر رسولُ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بلالاً أن يؤذّن فوق ظهر الكعبة وقريشٌ في رؤوس الجبال
، ومنهم من قد تَغيّب وستر وجهه خوفاً من أن يُقتلوا ، ومنهم من يطلب الأمان ، ومنهم
من قد أمن.
فلمّا أذّن
بلال وبلغ إلى قوله «أشهد أن محمّداً رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم» رفع صوته كأشدّ ما يكون.
فقالت جوير ية
بنت أبي جهل : قد لعمري «رفع لك ذِكرك» فأمّا الصلاة فسنصلّي ، ولكن والله لا نحبّ
مَن قتل الأحبة أبداً ، ولقد كان جاء أبي الذي جاء
__________________
محمّداً من النبوة ، فردّها ، ولم يُرِدْ خلاف قومه.
وقال خالد بن
سعيد بن العاص : الحمد لله الذي أكرم أبي فلم يدرك هذا اليوم.
وقال الحارث بن
هشام : واثكلاه ، ليتني متّ قبل هذا اليوم ، قبل أن أسمع بلالاً ينهق فوق الكعبة!
وقال الحكم بن
أبي العاص : هذا والله الحدث العظيم ، أن يصيح عبد بني جُمحَ ، يصيح بما يصيح به
على بيت أبي طلحة.
وقال سهيل بن
عمرو : إن كان هذا سخطاً من الله تعالى فسيغيره وإن كان لله رضا فسيقرّه.
وقال أبو سفيان
: أمّا أنا فلا أقول شيئاً ، لو قلت شيئاً لأخبَرَتْه هذه الحصباء ، قال : فأتى
جبرئيل عليهالسلام فأخبره مقالة القوم .
ولو تأملت في
ما رواه لنا العبّاس في كيفية إسلام أبي سفيان لعرفت أنّه لم يسلم عن قناعة وإيمان
، إذ قال العباس : غدوت به على رسول الله فلما رآه قال : ويحك يا أبا سفيان!! ألم
يأن لك أن تعلم أن لا إله إلّا الله؟
قال : بلى ، بأبي
أنت وأمي ، لو كان مع الله غيره لقد أغنى عنيّ شيئاً.
فقال : ويحك!
ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟!
فقال : بأبي أنت
وأمي ، أما هذه ففي النفس منها شيء.
قال العباس : فقلت
له : ويحك! تشهد شهادة الحق قبل أن تضرب عنقك.
قال : فتشهد .
فهنا يبدو
واضحاً أن أبا سفيان كان أكثر بطئاً في قبول الشهادة الثانية من
__________________
الأولى ، لأنّه كان يتصوّر بأن في الثانية تحطيمَ غروره وجبروته وموقعه
السياسي والاجتماعي ، وذلك ما لا تعنيه كثيراً الشهادة الاولى بالنسبة له.
وقد ثبت عن أبي
سفيان أنّه قال للعباس لما رأى نيران المسلمين وكثرة عددهم : لقد اصبح ملك ابن
أخيك عظيماً. فقال له العباس : ويحك! إنها النبوة. فقال : نعم إذن.
وظل منظّر
الفكر القرشي على هذه الوتيرة حتّى بعد وفاة النـبي وخلافة الشيخين. فقد روي صاحب
«قصص الانبياء» باسناده إلى الصدوق عن بن عباس أنه قال : .. ولقد كنا في محفل فيه
أبو سفيان وقد كُف بصره وفينا عليّ صلوات الله عليه فأذن المؤذن فلما قال : اشهد
أن محمداً رسول الله ، قال أبو سفيان : ها هنا من يحتشم؟ قال واحد من القوم : لا.
فقال : لله در أخي بني هاشم ، انظروا اين وضع اسمه؟ فقال عليّ : اسخن الله عينك يا
ابا سفيان ، الله فعل ذلك بقوله عز من قائل : (وَرَفَعْنَا لَكَ
ذِكْرَكَ) فقال أبو سفيان : اسخن الله عين من قال لي ليس ها هنا
من يحتشم .
بل إن أبا
محذورة كان يستحيي من الإباحة باسم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أهل مكّة ، إذ جاء في المبسوط للسرخسي ـ عند بيانه
لسبب الترجيع في الأذان ـ قوله : ... وقيل أن أبا محذورة كان مؤذّن مكّة ، فلما
انتهى إلى ذكر رسول الله خفض صوته استحياءً من أهل مكّة لأنّهم لم يعهدوا ذكر اسم
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بينهم جهراً ، ففرك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلمأذنَهُ وأمره أن يعود فيرفع صوته ليكون تأديباً له ..
نعم ظلت نظرة
قريش إلى النبيّ بعد البعثة مشوبة بهذا المنطق المزعوم مستغلين
__________________
عطف النبيّ ورحمته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال الواقدي : فكان سهيل بن عمرو يحدث فيقول : لما
دخل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم مكّة انقمعتُ فدخلتُ بيتي وأغلقته عليَّ ، وقلت لابني
عبدالله بن سهيل : اذهب فاطلب لي جواراً من محمّد ، فإنّي لا آمن أن أقتل ، وجعلتُ
أتذكّر أثري عنده وعند أصحابه فلا أرى أسوأ أثراً منّي؛ فإنّي لقيته يوم الحديبية
بما لم يلقه أحد به ، وكنت الذي كاتبه ، مع حضوري بدراً وأُحداً ، وكلّما تحركّت
قريش كنت فيها.
فذهب عبدالله
بن سهيل إلى رسول الله ، فقال : يا رسول الله ، أبي تؤمّنه؟
قال : نعم ، هو
آمن بأمان الله ، فليظهر ، ثمّ التفتَ إلى مَن حوله فقال : مَن لقي سهيل بن عمرو
فلا يشدنّ النظر إليه ، ثمّ قال : قل له : فليخرج ، فلعمري إنّ سهيلاً له عقل وشرف
، وما مثل سهيل جهل الإسلام ، ولقد رأى ما كان يُوضَعُ فيه إن لم يكن له تتابع ، فخرج
عبدالله إلى أبيه فأخبره بمقالة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فقال سهيل : كان
والله برّاً صغيراً وكبيراً.
وكان سهيل يقبل
ويدبر غير خائف ، وخرج إلى خيبر مع النبيّ وهو على شركه حتّى أسلم بالجعرانة ...
هكذا تعامل
رسول الله مع المشركين والطلقاء ، لكنّهم أضمروا النفاق للرسول والرسالة فانضووا
تحت لوائه كي يغدروا بالإسلام ، بل سعوا بكل قواهم لطمسه ودفنه.
فقد جاء عن
المغيرة أنّه طلب من معاوية ترك إيذاء بني هاشم ـ لمّا استقرّ له الأمر ـ لأنّه
أبقى لذكره!! ... فقال معاوية للمغيرة : هيهات! هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه؟! مَلَك
أخو تيم فعدل ، وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتّى هلك
__________________
ذكره ، إلّا أن يقول قائل : أبو بكر. ثمَّ ملك أخو عديّ ، فاجتهد وشمّر عشر
سنين ، فما عدا أن هلك حتّى هلك ذكره ، إلّا أن يقول قائل : عمر. وإنَّ ابن أبي
كبشة لَيصاح به كلّ يوم خمس مرَّات : «أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله» ، فأيّ عمل
يبقى؟ وأيّ ذكر يدوم بعد هذا! لا أباً لك! لا والله إلّا دفناً دفناً .
وعن علي عليهالسلام أنّه قال حين سأله بعض أصحابه من بني أسد : كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام
وأنتم أحق به؟ فقال : يا أخا بني أسد ؛ إنّك لقلق الوضين ترسل في غير سدد! ولك بعد
ذمامة الصهر وحق المسألة ، وقد استعلمت فأعلم : أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام
ـ ونحن الأعلون نسباً ، والأشدّون برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نوطاً ـ فإنّها كان أثَرِةٌ شحّت عليها نفوس قوم ، وسخت
عنها نفوس آخرين ، والحكم الله والمعود إليه يوم القيامة.
ودع عنك
نهباً صـيح في حجراته
|
|
وهـلم الخـطب
في ابن أبي سـفيان
|
فلقد أضحكني
الدهر بعد ابكائه ، ولا غرو والله فياله خطباً يستفرغ العجب ويكثر الأود ، حاول
القوم إطفاء نور الله من مصباحه ، وسدّ فواره من ينبوعه. وجدحوا بيني وبينهم شرباً
وبيئاً. فإن ترتفع عنّا وعنهم محن البلوى أحملهم من الحقّ على محضه وإن تكن
الأُخرى (فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ
حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) .
وجاء عن معاوية
أنّه قال لما سمع المؤذّن يقول «أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله» : لله أبوك يا بن
عبدالله! لقد كنتَ عالي الهمَّة ، ما رضيتَ لنفسك إلّا أن يُقرَنَ اسمك
__________________
باسم ربِّ العالمين !
ولا يستبعد هذا
من معاوية وهو ابن أبي سفيان القائل لله درّ أخي بني هاشم. انظروا أين وضع اسمه ، والقائل
: فوالذي يحلف به أبو سفيان .. لا جنَّة ولا نار ، وهو الذي مرّ بقبر حمزة وضربه برجله ؛ وقال : يا أبا
عمارة! إنَّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعّبون به
!
وهو ابن هند
آكلة كبد حمزة سيّد الشهداء ، وهو أبو يزيد الذي هدم الكعبة ، وقتل الحسين بن عليّ ، وأباح المدينة لثلاثة أيّام ، والذي سمّى المدينة الطيّبة بـ «الخبيثة» إرغاماً
لأنوف أهل بيت النبيّ !
فمعاوية ومن
قبله أبوه صخر كانا يتصوّران بأنّ النبيّ هو الذي أدرج اسمه في الأذان ، فقال أبو
سفيان : لله در أخي بني هاشم. انظروا اين وضع اسمه ، وقال ابنه معاوية : لله أبوك
يا ابن عبدالله! لقد كنت عالي الهمَّة ، ما رضيت لنفسك إلّا
__________________
أن تقرن اسمك باسم ربِّ العالمين ، وهل هذان القولان إلّا وجهٌ آخر للرواية التي وُضِعت
وادَّعت أنّ بلالاً كان يؤذن «أشهد ان لا إله إلّا الله ، حيّ على الصلاة» فقال
عمر : قل في إثرها «أشهد أنّ محمّداً رسول الله»؟! وعنوا بذلك أنّ ذكر اسمه صلىاللهعليهوآلهوسلم في الأذان لم يكن من الله ، بل كان باقتراح فقط!!
وبعد هذا فلا
يمكن تبرير فعل معاوية والقول بأنّه تعرّف على المصلحة أو اجتهد قبال النص ، بل
الأمـر تجـاوز ذلك ، ودخـل في إطـار تكذيب الرسالة ، وتهرئة أصل من أكبر أصول
الشـريعة ، وهو الاعتقاد بنـبوة محمّد المصطفى.
ومما يحتمل في
الأمر هو أنّ هذه الرؤيـة تجاه ذكر اسم النبي في الأذان وأمثالها ، هي التي رسّخت
فكرة كون الأذان مناماً ، وهي التي أقلقت الرسول المصطفى حتّى جعلته لا يُرى
ضاحكاً بعد رؤياه التي رأى فيها الغاصبين ينزون على منبره نزو القردة.
وليس من الصدفة
في شيء الترابط الموجود بين أن يرى رسول الله الشجرة الملعونة في منامه وبين أن
يُسفّه الأمويّون مسألة الرؤيا ، ويعزون الإسراء والمعراج إلى رؤيا لا تعدو كونها
مناماً!
__________________
الله جلّ وعلا ورفعه لذكر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
هذا ، ونحن
نعلم بأنّ الذي رفع ذكرَ الرسول هو الله في محكم كتابه ، وإليك أقوال بعض العلماء
والمفّسر ين لتقف على المقصود ، وأنّه أمر ربّاني ، وليس كما تصوره أبو سفيان
ومعاوية والأمويّون ومن لف لفهم :
قال الشافعي : أخبرنا
ابن عيينة ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد في قوله : (وَرَفَعْنَا لَكَ
ذِكْرَكَ) قال : لا أُذكَر إلّا ذُكِرتَ معي «أشهد أن لا إله إلّا
الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله» . يعني ـ والله أعلم ـ ذكره عند الإيمان والأذان ، ويحتمل
ذكره عند تلاوة الكتاب وعند العمل بالطاعة والوقوف عن المعصية.
وقال النووي في
شرحه على مسلم ـ بعد ذكره المشـهورَ عن الشافعي في رسالته ومسنده في تفسير قوله
تعالى : (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) ـ : «وروينا
هذا التفسير مرفوعاً إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن جبرئيل عن ربّ العالمين ...» .
وفي مصنف ابن
أبي شيبة الكوفي : حدّثنا ابن عيينة ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد (وَإِنَّهُ
لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) يقال : ممن
هذا الرجل؟
فيقول : من
العرب.
فيقال : من أيّ
العرب؟
فيقول : من
قريش.
(وَرَفَعْنَا لَكَ
ذِكْرَكَ) لا أُذكرُ إلّا ذكرتَ «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد
أنّ
__________________
محمّداً رسول الله» .
حدّثنا شريك بن
عبدالله ، عن ابن شبرمة ، عن الحسن في قوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ)
:
أي مُلِئ حكماً وعلماً (وَوَضَعْنَا عَنْكَ
وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) قال : ما أثقل الحمل الظهر (وَرَفَعْنَا
لَكَ ذِكْرَكَ) بلى لا يذكر إلّا ذكرت معه ... .
وفي دفع الشبه
عن الرسول للحصني الدمشقي في قوله تعالى : (وَرَفَعْنَا لَكَ
ذِكْرَكَ) قال ابن عبّاس رضي الله عنهما : المراد الأذان والاقامة
والتشهّد والخطبة على المنابر ، فلو أنّ عبداً عَبَد الله وصدّقه في كلّ شيء ولم
يشهد أن محمّداً رسول الله لم يسمع منه ولم ينتفع بشيء وكان كافراً.
وفي حديث أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه : ثمّ إنّ النبيّ سأل جبرئيل عليهالسلام عن هذه الآية ، فقال : قال الله عزّ وجلّ : إذا ذكرتُ ذُكِرتَ معي.
وقال قتادة رضي
الله عنه : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، وقيل : رفع ذكره بأخذ الميثاق على
النبيين وألزمهم الإيمان به والإقرار به.
وقيل (وَرَفَعْنَا
لَكَ ذِكْرَكَ) ليعرف المذنبون قدر رتبتك لديَّ ليتوسّلوا بك إليَّ فلا
أردّ أحداً عن مسألته ، فأعطيه أياها إمّا عاجلاً وإمّا آجلاً ، ولا أخيّب من
توسّل بك وإن كان كافراً .
وقال ابن كثير
في البداية والنهاية : (وَرَفَعْنَا لَكَ
ذِكْرَكَ) ، فليس خطيب ولا شفيع ولا صاحب صلاة إلّا ينادي بها : أشهد
أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً
__________________
رسول الله ، فقرن
الله اسمه باسمه في مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك مفتاحاً للصلاة المفروضة ، ثمّ
أورد حديث ابن لهيعة ، عن درّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله في
قوله
(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) قال : قال
جبرئيل : قال الله : إذا ذكرتُ ذكرتَ .
وفي جامع
البيان للطبري : حدّثنا ابن عبدالأعلى ، قال : حدّثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن
قتادة في قوله (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم :
ابدؤوا بالعبوديّة وثنّوا بالرسالة ، فقلت لمعمر : قال «أشهد أن
لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عبده» فهو العبودية ، «ورسوله» أن تقول : عبده
ورسوله.
حدّثنا بشر ، قال
: حدّثنا يزيد ، قال : حدّثنا سعيد ، عن قتادة (وَرَفَعْنَا لَكَ
ذِكْرَكَ)
:
رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ، فليس خطيب ولا متشهّد ولا
صاحب صلاة إلّا ينادي بها : «أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول
الله».
حدّثني يونس ، قال
: أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا عمرو بن الحرث ، عن درّاج ، عن أبي الهيثم ، عن
أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله أنّه قال : أتاني جبرئيل فقال : إنّ ربّي وربّك
يقول : كيف رفعت لك ذِكرك؟ قال : الله أعلم.
قال : إذا
ذُكِرتُ ذُكِرتَ معي .
وفي زاد المسير
لابن الجوزي : قوله عزّوجلّ (وَرَفَعْنَا لَكَ
ذِكْرَكَ) فيه خمسة أقوال :
أحدها
: ما روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله أنّه سأل جبرئيل عن
هذه الآية فقال : قال الله عزّ وجلّ : إذا ذُكرتُ ذكرتَ معي ؛ قال قتادة : فليس
خطيب
__________________
ولا متشهّد ولا صاحب صلاة إلّا يقول : «أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد
أنّ محمّداً رسول الله» ، وهذا قول الجمهور.
والثاني
: رفعنا لك ذكرك بالنبوّة ؛ قاله يحيى بن سلام.
والثالث
: رفعنا لك ذكرك في الآخرة كما رفعناه في الدنيا ؛ حكاه
الماوردي.
والرابع
: رفعنا لك ذكرك عند الملائكة في السماء.
والخامس
: بأخذ الميثاق لك على الأنبياء وإلزامهم الإيمان بك والإقرار
بفضلك ؛ حكاهما الثعلبي .
أهل البيت ورفع ذكر رسول الله
ومن هذا
المنطلق كان أئمّة أهل البيت : يشيدون بهذه المفخرة ، ويجعلونها أكبر إرغام لأعداء
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأعدائهم ، الذين أرادوا تحريف هذا الرفع للذكر وحطّه
إلى مرتبة الأحلام والاقتراحات ، وأرادوا أن يطفئوا نور الله فأبى الله إلّا أنّ
يتمّ نوره.
يُريدُ
الجاحدونَ لِيطفؤوُه
|
|
ويأبى الله
إلّا أن يُتمَّهْ
|
ففي الندبة
الرائعة ـ التي وجّهها إمام البلاغة عليّ بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة الزهراء إلى
ابن عمّه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حيث أرسل دموعه على خدّيه وحوّل وجهه إلى قبر رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ قال فيما قال :
سلامٌ عليك يا
رسول الله سلام مودّع لا سَئم ولا قال ، فإنْ أنصرف فلا عن مَلالة ، وإن أقِم فلا
عن سوء ظنٍّ بما وَعَد الله الصابر ين ، والصبرُ أيمنُ وأجمل ، ولولا غلبةُ
المستولين علينا لَجعلتُ المقام عند قبرك لِزاماً ، واللَّبثَ عنده معكوفاً ، ولاَعولتُ
إعوالَ الثكلى على
__________________
جليل الرزيّة ،
فبعينِ الله تُدفَنُ ابنتُك سرّاً ... ولم يَطُل العهد ، ولم يَخلُ منك الذّكر ، فإلى
الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك أجمل العزاء ، وصلوات الله عليك وعليها ورحمة
الله وبركاته .
وفي هذه الندبة
التصريح بأنّ المستولين قلّلوا أو حاولوا التقليل من شأن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته ، وذلك بعد وفاته مباشرة ولمّا يخلق الذكر ، وأنّ
أمير المؤمنين علياً لو استطاع لجعل مقام رسول الله في محلّه الرفيع الذي وضعه
الله فيه ، لكنّ الظروف القاسية التي كانت محيطة به لم تتح له الفرصة ، فقلّ ذكر
النبيّ عند مَن اشتغلوا بمشاغل الدنيا وتركوا النبيّ وذكره أو كادوا ، وهذا ممّا
جعل الإمام يقول : لجعلتُ المقام عند قبرك لزاماً ، واللبث عنده معكوفاً.
وقد أشـارت
فاطمة الزهراء في خطبتها التي خطبتها في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى هذه المسألة نفسها ، وأنّ هناك قوماً حاولوا إطفاء
نور الله وخفض منزلة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مع قرب العهد وحَداثة ارتحال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقالت :
فلمّا اختارَ
اللهُ لنبيّه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه ، ظهرت فيكم حسكة النفاق ، وسمل جلباب
الدين ، ونطق كاظم الغاوين ... هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لمّا يندمل
، والرسول لمّا يُقبَر .... ثمّ أخذتم تورون وقدتَها ، وتهيجون جمرتَها ، وتستجيبون
لهتاف الشيطان الغوي ، وإطفاء أنوار الدين الجَليّ ، وإهمال سُنَن النبيّ الصفيّ ...
ولذلك كانت
تبكي عند قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتقول : لقد أصبت بخير الآباء
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واشوقاه إلى رسول الله ، ثمّ انشأت تقول :
إذا مات
يوماً ميّت قلّ ذكرُهُ
|
|
وذكرُ أبي مذ
مات والله أكثرُ
|
وأشارت بذلك
إلى أنّ الله سبحانه وتعالى رفع ذكر نبيّه في حياته ، وقدّر له أن يرفع بعد وفاته
، وإن ظنّ من ظَنَّ أنّه أبترُ إذا مات انقطع ذكره ، وارتدّ مَن ارتدّ لعروجه
ومقارنة اسمه باسم ربّ العالمين ، وغضب من غضب وحاول عزو ذلك إلى أنّه من اقتراح
عمر أو من النبيّ نفسه وأراد له السحق والدفن ، كلّ تلك المحاولات التحريفية باءت
بالفشل وخلد ذكر النبيّ في الأذان والتشهد وفي كلّ موطن يذكر فيه اسم رب العالمين.
ولو قرأت مقولة
الإمام الحسن لمعاوية لمّا استنقص عليّاً وحاول الحطّ من ذكره لرأيت الأمر كذلك ؛
إذ قال له :
أيّها الذاكر
علياً ، انا الحسن وأبي عليّ وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأُمّي فاطمة وأُ مّك هند ، وجدّي
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وجدّك حرب ، وجدّتي خديجة وجدّتك قتيلة ؛ فلعن الله
أخمَلَنا ذِكراً ، وألأمنا حَسَباً ، وشَرّنا قدماً ، وأقدمنا كفراً ونفاقاً.
فقال طوائف من
أهل المسجد : آمين.
قال فضل : فقال
يحيى بن معين : ونحن نقول : آمين ، قال أبو عبيد : ونحن أيضاً نقول : آمين ، قال
أبو الفرج : وأنا أقول : آمين .
هذا وإن ماسأة
كربلاء وقضية الإمام الحسين تؤكّد ما قلناه وأن الإمام خرج للإصلاح في أمة جدّه
لمّا رأى التحريفات الواحدة تلو الآخرى تلصق بالدين ،
__________________
وعرف بأنّهم يريدون ليطفئوا نور الله ورسوله.
والعقيلة زينب
قد أشارت إلى هذه الحقيقة عندما خاطبت يزيد بقولها :
«كد كيدك ، واسْعَ
سعَيك ، واجهَد جهدك ، فوالله الذي شرّفنا بالوحي والكتاب والنبوّة والانتخاب لا
تُدرِك أمدَنا ، ولا تَبلُغ غايتنا ، ولا تمحو ذِكرَنا ، ولا تُميتَ وحينا ، ولا
يرحض عنك عارها ، وهل رأيك إلّا فَنَد ، وأيامك إلّا عَدَد ، وجمعك إلّا بَدَد ، يوم
ينادي المنادي : ألا لعنةُ الله على الظالم العادي ...»
وكأنّ الإمام
السجّاد عليّ بن الحسين أراد الإلماح إلى قضية الاختلافات الأذانيّة ، وعداء
معاوية مع ذكر اسم النبيّ محمّد في الأذان ، حين عرّض بيزيد لمّا أمرَ المؤذن أن
يؤذّن ليقطع خطبة الإمام عليّ بن الحسين في مسجد دمشق ..
قالوا : قال
الإمام عليّ بن الحسين : يا يزيد ، ائذَن لي حتّى أصعد هذه الأعواد ... فأبى يزيد
، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، ائذن له ليصعد فلعلّنا نسمع منه شيئاً ، فقال
لهم : إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلّا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ، فقالوا : وما
قَدرُ ما يُحسِن هذا؟! فلم يزالوا به فإذن له بالصعود ، فصعد المنبر فحمد الله
وأثنى عليه وقال :
أيّها الناس ، أُعطينا
سِتّاً وفُضّلنا بسبع ، أُعطينا العلم والحلم ... وفُضّلنا بأنّ منّا النبيّ
المختار محمّد ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيّار ، ومنا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا
سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسيّدا شباب أهل الجنة
، فمَن عَرَفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني أنبأتُه بحسبي ونسبي : انا ابن مكّة
ومنى ، أنا ابن زمزم
__________________
والصفا ... أنا
ابن من حُمِلَ على البراق في الهوا ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى
المسجد الأقصى ، فسبحان من أسرى ، أنا ابن من بَلَغ به جبرئيل إلى سِدرة المنتهى ،
أنا ابن مَن دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء ،
أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمّد المصطفى ...
قال : ولم يزل
يقول : أنا أنا حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن تكون فتنة ، فأمر
المؤذن أن يؤذّن فقطع عليه الكلام وسكت.
فلمّا قال
المؤذّن : «الله اكبر» قال عليّ بن الحسين : كبّرتَ كبيراً لا يقاس ، ولا يُدرَك
بالحواس ، ولا شيء أكبر من الله.
فلمّا قال : «أشهد أن لا إله إلّا
الله» قال عليّ بن
الحسين : شَهِد بها شَعري وبَشري ولحمي ودمي ومخّي وعظمي.
فلمّا قال : «أشهد أنّ محمّداً
رسول الله» التفت عليّ
بن الحسين من أعلى المنبر إلى يزيد وقال : يا يزيد! محمّدٌ هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت ، وإن قلت أنّه جدّي فلم
قتلتَ عِترته ؟
وها هنا ثلاث
ركائز مهمة في هذه الخطبة :
أوّلها
: إن يزيد خاف أن يذكر الإمامُ السجّادُ فضائحَ يزيد
ومعاوية وآل أبي سفيان ، مع أنّ الإمام في خطبته هذه لم يذكر صريحاً شرك أبي سفيان
ولا معاوية ولا كونهما ملعونين ، كما لم يذكر هنداً وما كان منها في الجاهلية من
سوء السيرة ، ولا ما كان من بقرها بطن حمزة ولا ولا ... فكانت الفضيحة لهم ببيان
الحقائق
__________________
النيّرة ، وما حرّفه المحرّفون ، وبيان مقامات النبيّ وعترته.
وثانيها
: إنّ قسطاً مهمّاً من الخطبة انصبَّ على حقيقة الإسراء
والمعراج ؛ إذ فيها العناية المتزايدة ببعض تفاصيلهما ، والتأكيد على أنّهما حقيقة
عيانيّة بدنيّة كانت للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا أنّها رؤيا وحُلُم كما يدّعيه الأمويّون ، فكان
الإسراء والمعراج فيهما رفع ذكر النبيّ وتشريع الأذان والصلاة ، وفيهما رفع ذكر آل
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم تبعاً له.
كما أنّ في
الخطبة حقيقة أنّ عليّاً هو الصدّيق لا غيره ، وأنّ فاطمة سيّدة نساء العالمين ، لا
كما حرّفوا من أنّ الصدّيق هو أبو بكر ، وأنّ اسمه على قائمة العرش ، مع أنّ
الحقيقة هي أنّ عليّاً هو الصديق وأن اسمه مكتوب على العرش ـ كما سيأتيك بيانه
لاحقاً ـ وأن الصدّيقة فاطمة الزهراء قد كذَّبت أبا بكر الصديق!!! وقالت له : لقد جئتَ شيئاً
فَريّاً وكذا الإمام عليّ فإنّه كذب من ادعى الصدّيقية في أبي بكر بقوله : أنا
عبدَالله وأخو رسوله ، وأنا الصدّيق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلّا كذاب مفتري ، لقد
صليت قبل الناس بسبع سنين .
وقال في آخر : أنا
الصدّيق الأكبر ، والفاروق الأول ، أسلمت قبل إسلام أبي بكر ، وصليت قبل صلاته .
وعن معاذة قالت
: سمعت عليّاً وهو يخطب على منبر البصرة يقول : أنا
__________________
الصدّيق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم [أبو بكر] ، فلا يعرفُ بعد هذا من هو الصادق ومن هو الكاذب ومن هو
الصدّيق ومن هي الصدّيقة في قاموس القوم؟ وقد مرّ عليك أنّ معاوية حرّف كلّ فضيلة
لعليّ وجعلها في غيره.
وثالثها
: أنّ يزيد لمّا أمر المؤذّن بالأذان ليقطع كلام الإمام ، كان
الإمام السجّاد يوضّح كلّ فقرة من فقرات الأذان ، مُعرِّضاً بمن يتلفّظون بألفاظه
دون وعي لمفاهيمه ، وهو ما سنقوله لاحقاً من أنّه يحتوي على مفاهيم الإسلام ، وأنّه
وجه الدين ، وأنّه ثبت بالوحي ، لا كما أرادوا تصويره بأنّه مجرّد إعلام قابل
للزيادة والنقصان ، وُضع بأحلام واقتراحات من الصحابة!!
وفي قول
السجّاد عليهالسلام «يا
يزيد! محمّد هذا جدّي أم جدّك» بيان لارتفاع ذكر النبيّ وآله ، وأنّ الأمويّين لم
يفلحوا في حذف اسمه من الأذان وإخماد ذكره ، ومحاولة إدراج اسم «أمير المؤمنين» !!! معاوية في آخر الأذان ، وإن نجحوا ظاهريّاً في إخماد
ثورة الحسين وقتله وقتل عترة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فالأذان المشرع
من الوحي كان مفخرة آل النبيّ ، وبياناً لارتفاع ذكره وذكر آله ، لا كما قيل فيه
من أنواع المختلقات.
ويؤكّد ذلك
أنّه لمّا قدم عليّ بن الحسين بعد قتل أبيه الحسين عليهالسلام إلى المدينة استقبله إبراهيم بن طلحة بن عبيدالله وقال
:
يا عليّ بن
الحسين ، مَن غَلَب؟ وذلك على سبيل الشماتة.
__________________
فقال له عليّ
بن الحسين : إذا أردتَ أن تعلم من غَلَب ودخل وقت الصلاة فأذِّن ثمّ أقِم .
وذلك أنّ ذكر
الرسول المصطفى خُلّد في الأذان والإقامة رغم نصب الناصبين وعداء المعادين ، وبه
خلود ذكر آل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيكونون هم الغالبين لا بنو أميّة ولا من غصبوا
الحقوق وحرَّفوا المعالم عن سُنَنها ومجار يها.
وقد كانت نعرة
البغض لرهط النبي وآله مترسّخة متجذرة في نفوس الأمويين إلى أبعد الحدود ، حتّى
وصلت بهم درجة الإحساس بالتعالي والتيه والكبر إلى أن يحاسبوا حتّى من يمدحهم غاية
المدح فيما إذا قدّم عليهم آل الرسول ، فقد افتخر ابن ميادة الشاعر بقومه بعد رهط
النبي وبعد بني مروان ، فقال :
فَضَلْنا
قريشاً غيرَ رهطِ محمَّدِ
|
|
وغيرطَ بني
مروان أَهلِ الفضائلِ
|
فقال له
الخليفة الاموي الوليد بن يزيد : قدَّمْتَّ رهطَ محمّد قبلنا؟! فقال ابن ميادة : ما
كنت أظنه يمكن إلّا ذاك .
فها هو الشاعر
يصرّح ـ طبقاً لضرورات الدين ـ بأنه لا يمكن للمسلم إلّا أن يقدّم رهط النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على قومه وعلى جميع الاقوام ، لكن العقلية الأموية
والمروانية كانت تسعى في طمس آثار آل الرسول بكل ثقلها وجهدها.
وفي العصر
العباسي ، دخل الإمام عليّ الهادي عليهالسلام يوماً على المتوكّل فقال له المتوكل : يا أبا الحسن مَن
أشعر الناس؟ ـ وكان قد سأل قبله عليّ بن الجهم ، فذكر شعراء الجاهلية وشعراء
الإسلام ـ فلمّا سأل الإمامَ قال : عليّ الحماني حيث يقول :
لقد
فاخَرَتْنا من قريش عصابةٌ
|
|
بمــطّ خُدود
وامـتدادِ أصـابعِ
|
__________________
فلــمّا
تَــنازَعنا المقــالَ قـضى لنا
|
|
عليهم بما
نهوى نداءُ الصَّوامعِ
|
قال المتوكّل :
وما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟ قال : «أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً
رسول الله» جدّي أم جدّك؟ فضحك المتوكل ثمّ قال : هو جدّك لا ندفعك عنه .
تَرانا
سُكوتاً والشهيدُ بفضلِنا
|
|
تَراهُ
جَهيرَ الصوتِ في كلِّ جامعِ
|
بـأنّ
رســـولَ اللهِ أحمدَ جــدُّنا
|
|
ونحـن بَنوهُ
كالنجومِ الطَّوالعِ
|
فكان الأذان
وفيه اسم محمّد ، المرفوع ذكره ، المستتبع لرفع ذكر الأئمّة من أولاده ، كان ذلك أكبر مفخرة للمسلم الحقيقي ، كما كان يؤذي
أعداء الإسلام الذين ارتدوا بسبب المعراج ، ويؤذي من أرادوا جعل الأذان وفصوله
أحلاماً واقتراحات ، ويؤذي معاوية الذي أرّقه ذكر اسم «محمّد» واقترانه باسم ربّ
العالمين ، ويؤذي أولاد طلحة وقتلة الحسين عليهالسلام ، كما كان يؤرق المتوكّل العباسي ، وكلّ رموز التحريف
وأرباب الطموحات السلطو يين ، وكلّهم من السلك القرشي المعادي لله وللرسول ولعترة
الرسول صلوات الله عليهم أجمعين.
القدرة الإلهيّة وفشل
المخطّطات
إن قريشاً سعت
للوقوف أمام الدعوة ودأبت على طمس معالم الإسلام ، لكن الله أبى إلّا أن يتمّ نوره
ولو كره الكافرون (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ
__________________
وَيَأْبَى
اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) .
وقد مرّ عليك
قول معاوية بن أبي سفيان : (إلّا دفناً دفناً) في حين أن الله سبحانه وتعالى يقول
: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ).
وقال السدّي في
تفسير قوله : (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) : كانت قريش
يقولون لمن مات الذكور من أولاده : أبتر ، فلمّا مات ابنه صلىاللهعليهوآلهوسلم :
القاسم ، وعبدالله بمكّة ، وإبراهيم بالمدينة ، قالوا : بُتِرَ ،
فليس له من يقوم مقامه.
ثمّ إنّه تعالى
بيّن أنّ عدوّه هو الموصوف بهذه الصفة ، فإنّا نرى أنّ نسل أولئك الكفرة قد انقطع
، ونسله عليه الصلاة والسلام يزداد كلّ يوم وينمو وهكذا إلى يوم القيامة .
فقد أشار
الفخرالرازي في تفسير قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ
الْكَوْثَرَ) إلى أن الكوثر : أولاده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قالوا : لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً على من
عابه عليهالسلام بعدم الأولاد ، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ
الزمان.
فانظر كم قُتل
من أهل البيت ، ثمّ العالَم ممتلئ منهم ، ولم يبقَ من بني أميّة في الدنيا أحد
يُعبأ به.
ثمّ انظر كم
فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم السلام والنفس
الزكيّة وأمثالهم .
وكان الأمويون
يحسدون آل البيت على ما آتاهم الله من فضله ، وقد جاء في تفسير قوله تعالى : (أَمْ
يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى ...) أنّها نزلت في عليّ عليهالسلام وما خُصَّ
__________________
به من العلم .
وعن ابن عبّاس
في قوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) قال : نحن
الناس دون الناس .
وعن محمّد بن
جعفر في قوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) ، قال : نحن
المحسودون ، وعن ابن عبّاس في قوله (أَمْ يَحْسُدُونَ
النَّاسَ) قال : نحن الناس المحسدون و «فضله» النبوة .
فسبحانه جل
شأنه رفع ذكرَ محمّد وآل محمّد بآيات التطهير والمودّة والمباهلة وسورة الدهر
وبراءة وغيرها من السور والآيات الكثيرة ، ولو تدبّر المطالع في سورة الضحى لعرف
نزولها في مدح النبيّ محمّد وأنّه جلّ شأنه ذكره بثلاثة أشياء تتعلق بنبوته ، منها
: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) وفي سورة ألم
نشرح شرّفه بثلاثة أشياء أوّلها : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ) ، وثانيها : (وَوَضَعْنَا عَنْكَ
وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) ، وثالثها : (وَرَفَعْنَا لَكَ
ذِكْرَكَ) .
قال الإمام فخر
الدين الرازي : جعل الله تعالى أهل بيت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مساوين له في خمسة أشياء :
أحدها : المحبة
؛ قال الله تعالى : (فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللهُ) ، وقال لأهل بيته : (قُلْ لاَ
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).
والثانية : تحريم
الصدقة ؛ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
لا تحل الصدقة لمحمّد ولا لآل محمّد ، إنّما هي أوساخ الناس.
والثالثة : الطهارة
؛ قال الله تعالى : (طه * مَا أَنْزَلْنَا
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
__________________
لِتَشْقَى) أي يا طاهر ، وقال
لأهل بيته : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).
والرابعة : في
السلام ؛ قال : «السلام عليك أيّها النبيّ» ، وقال لأهل بيته (سلام على آل يس) .
والخامسة : في
الصلاة على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى الآل في التشهّد .
وبهذا فقد
عرفنا ـ وعلى ضوء الصفحات السابقة ـ بأن المجتهدين كانوا وراء فكرة الرؤيا ، وأنّ
رأسها الأمويون ، استغلوا ما طرح في عهد الصحابة لما يريدون القول به لاحقاً.
فإنّ النصوص
السابقة وضّحت لنا بأنّ الصحابة اقترحوا على رسول الله بأن يتخذ ناقوساً مثل ناقوس
النصارى أو بوقاً مثل قرن اليهود ورسول الله لم يرضَ بذلك حتّى أُري عبدالله بن
زيد أو غيره الأذان.
وجاء في كتاب (من
لا يحضره الفقيه) عن الإمام عليهالسلام أنّه قال : كان اسم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلميكرّر في الأذان ، فأوّل مَن حذفـه ابن أروى . وهـو عثمان بـن عفّان.
وهذا يتّفق مع
ما قاله محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم في كتاب العلل وهو يذكر علل فصول الأذان
حتّى يقول : .... وقوله : (حيّ على خير العمل) أي
__________________
حث على الولاية ، وعلّة أنّها خير العمل أن الأعمال كلّها بها تقبل.
الله أكبر ، الله
أكبر ، لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فألقى معاويةُ من آخر الأذان (محمّد
رسول الله) فقال : أما يرضى محمّد أن يذكر في أوّل الأذان حتّى يذكر في آخره .
وقد مرَّ عليك
ما رواه عبدالرزاق عن إبراهيم من أنّ أوّل من أفرد الإقامة معاوية ، وقال مجاهد : كانت
الاقامة مثنى كالأذان حتّى استخفّه بعض أمراء الجور فأفرده لحاجة لهم .
وجاء في مجمع
الزوائد عن عبدالرحمن بن ابن ليلى قال : كان علي بن أبي طالب اذا سمع المؤذن يؤذن
قال كما يقول فإذا قال : اشهد ان لا إله إلّا الله واشهد ان محمّداً رسول الله.
قال علي : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله وأنّ الذين جحدوا
محمّداً هم الكافرون .
بعد ذلك لا
غرابة عليك في تصريح الصادق عليهالسلام بأنّ الحكومات والنواصب
__________________
منهم على وجه التحديد حرّفوا أو حاولوا تحريف الحقائق ، فقد عرفنا سياسة
التحريف عند الأمويين ومسخهم للحقائق وأنّ عملهم هذا يصب في المخطط الهادف إلى
إبدال كلّ ما جاء من حقائق الإسلام وكلّ ما كان من فضائل الإمام عليّ وأصحاب نهج
التعبد.
فقد روى القاسم
بن معاوية خبراً قال فيه :
قلت لأبي عبد
الله عليهالسلام :
هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنّه لما أسري برسول الله رأى على
العرش مكتوباً «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أبو بكر الصديق».
فقال : سبحان
الله ، غيروا كل شيء حتّى هذا؟!!
قلت : نعم.
فقال الصادق عليهالسلام ما ملخّصه : إنّ الله تعالى لمّا خلق العرش ، والماء ، والكرسي ، واللوح ،
وإسرافيل ، وجبرائيل ، والسماوات والأرضين ، والجبال ، والشمس ، والقمر ، كان يكتب
على كلّ منها «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ أمير المؤمنين». ثمّ قال
عليهالسلام :
فإذا قال أحدكم «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله» فليقل «عليّ
أمير المؤمنين» .
فالقارئ البصير
لو تدبّر في النصوص الصادرة عن الأئمة لعرف أنّ رسالتهم هي تصحـيح للأفكار
الخاطـئة المبثوثة في الشر يعة والتاريخ ، ويتأكد لك مدعانا لو طبق على ما نحن فيه
، من وجود تيار يحمي فكرة الرؤيا وهم النواصب وأعداء النبيّ والإمام عليّ بن أبي
طالب ، وهؤلاء النواصب كانوا لا يستسيغون ذكر الرسول محمّد في الأذان ، أو يتصورون
أنّ الشهادة الثانية من وضعه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكيف
__________________
يقبل أمثال هؤلاء بشرعية شيء فيه تنويه ورفعة لمنزلة آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والنواصب هم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ويجعلون
مكانها مفاهيم اُخرى ، وقد أشرنا سابقاً إلى بعضها ، وإليك نَصَّـين آخرين في هذا
السـياق ، إذ جاء في أصل زيد النرسـي ، عن الإمام الكاظم بأن الصـلاة خير من
النـوم من بدع بني أميّـة ، وهي توكّد ما نريد الوصول إليه من حقيقـة الأذان
وكيفية وقـوع التحريف فيه.
فقد روى الصدوق
وعليّ بن إبراهيم ، عن عمر بن أُذينة ، عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : يا عمر بن أُذينه ، ما ترى هذه الناصبة؟
قال : قلتُ : في
ماذا؟
فقال : في
أذانهم وركوعهم وسجودهم.
قال : قلت : إنّهم
يقولون : إنّ أبيّ بن كعب رآه في النوم.
فقال : كذبوا ،
فإنّ دين الله عزّ وجلّ أعزّ من أن يُرى في النوم.
فقال سدير
الصيرفي للإمام : جُعلت فداك ، فأَحِدث لنا من ذلك ذِكراً ، فبدأ الإمام الصادق عليهالسلام ببيان عروج الرسول إلى السماوات السبع وذكر لهم خبر
الأذان والصلاة هناك.
ولو أحببت
الوقوف على ملابسات هذه الأمور أكثر فأكثر ، ومعرفة دور قريش وأتباعهم من النواصب
في تحريف النصوص وما يتعلق بالإمام عليّ على وجه التحديد ، فتمعن فيما نقوله تحت
العنوان الآتي :
__________________
مَنْ هم الثلاثة أو الأربعة؟
بعد أن وقفت
على بعض تحريفات بني أميّة نوقفك الآن مع عبارة مبهمة تذكرها كتب الصحاح والسنن في
خبر الإسراء ، مفادها أنّ جبريل لمّا نزل بأمر الإسراء رأى ثلاثة رجال نائمين ، فقال
إسرافيل لجبرئيل : أيّهم هو؟ فقال : أوسطهم.
وكان النائم في
الوسط هو النبيّ محمّد ، فالآن نتساءل : من هما الاثنان الآخران يا ترى؟ ولماذا
الإبهام في اسميهما؟
أخرج مسلم في
صحيحه ، وأبو عوانة في مسنده ، والترمذي في سننه ، وابن خزيمة في صحيحه ، والنصّ
للأول بسنده عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، لعلّه قال عن مالك بن صعصعة (رجل من قومه)
، قال : قال نبيّ الله : بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلاً
يقول : أحد الثلاثة بين الرجلين ...
وفي مسند أحمد
، والمجتبى للنسائي ، والسنن الكبرى له أيضاً ، والنصّ للأوّل ... عن قتادة ، عن
أنس بن مالك ، عن مالك بن صعصعة : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : بينا أنا عند الكعبة بين النائم واليقظان فسمعت
قائلاً يقول : أحد الثلاثة ... فأُتِيتُ بطست من ذهب .... ثمّ أُتيتُ بدابّة دون
البغل وفوق الحمار ، ثمّ انطلقت مع جبرئيل عليهالسلام ... الحديث .
__________________
على أنّ
البخاري وغيره أرجعوا هذا الخبر إلى قبل أن يبعث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فجاء في الصحيحين عن شريك بن عبدالله بن أبي نمر : سمعت
أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة أُسري بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من المسجد الكعبة : جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو
نائم في مسجد الحرام ، فقال أوّلهم : أيّهم هو؟ فقال : أوسطهم هو خيرهم ، وقال
آخرهم : خذوا خيرهم ، فكانت تلك ، فلم يَرَهم حتّى جاءوا ليلة أخرى فيما يرى قلبه
والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نائمة عيناه ولا ينام قلبه .. فتولاّه جبرئيل ثمّ عرج
به إلى السماء .
وفي هذه
الضبابية وهذا الإبهام نرى كتب شروح الحديث عند أهل السنّة والجماعة لا توضّح إلّا
بعض الشيء عن هؤلاء ، فحكى السندي في حاشيته على النسائي وضمن تفسيره لهذا الحديث
.. «قالوا : هما حمزة وجعفر ...» .
وفي شرح مسلم
باب الإسراء : روي أنّه كان نائماً معه حينئذ عمّه حمزة بن عبدالمطّلب وابن عمّه
جعفر بن أبي طالب .
وفي فتح الباري
بشرح صحيح البخاري : ... فقال أوّلهم : أيهم هو ، فيه إشعار بأنّه كان نائماً بين
جماعة أقلّهم اثنان وقد جاء أنّه كان نائماً معه حينئذ حمزة ابن عبدالمطّلب وجعفر
بن أبي طالب ابن عمّه .
__________________
وقال البناء في
الفتح الربّاني والمباركفوري في تحفة الأحوذي ، والكلام للأوّل : قال الحافظ : والمراد بالرجلين ، حمزة
وجعفر ، وأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حين كان نائماً بينهما.
هكذا عرّفت كتب
الشروح اسم الرجلين دون ذكر سند أو رواية في ذلك ، لكنّ كتب الشيعة الإماميّة
والإسماعيليّة والزيديّة رَوَت بأسانيدها أسماء الذين كانوا نائمين مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهم : عليّ ، وحمزة ، وجعفر ، كانوا يحيطون به عن
يمينه وشماله وتحت رِجلَيه ..
روى عليّ بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبدالله عليهالسلام في قول الله تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي
أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ، قال : روي عن رسول الله أنّه قال : بينا أنا راقد
بالأبطح ، وعليٌّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة بين يَدَيّ ، وإذا أنا بخفق
أجنحة الملائكة وقائل منهم يقول : إلى أيّهم بُعِثتَ يا جبرئيل؟ فقال : إلى هذا ، وأشار
إليّ. ثمّ قال : هو سيّد ولد آدم وحوّاء ، وهذا وزيره ووصيّه وختنه وخليفته في
أمّته ، وهذا عمّه سيد الشهداء حمزة ، وهذا ابن عمّه جعفر له جناحان خضيبان يطير
بهما في الجنّة مع الملائكة ، دعه فلتنم عيناه ولتسمع أُذناه ولْيَعِ قلبه ...
وروى القاضي
النعمان في شرح الأخبار عن الطبري ؛ رفعه إلى حذيفة اليماني ، قال : خرج إلينا
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوماً وهو حاملٌ الحسنَ والحسينَ عليهماالسلام على عاتقه ، فقال : هذان خير الناس أباً وأمّاً ؛ أبوهما عليّ ... إلى أن
قال : إنّ الله عزّوجلّ اختارنا أنا وعليّا وحمزة وجعفر يوم بعثني برسالته وكنت
نائماً بالأبطح ، وعليّ نائم
__________________
عن يميني ، وحمزة عن يساري ، وجعفر عند رجلي ، فما انتبهت إلّا بحفيف أجنحة
الملائكة ، فنظرت فإذا أربعة من الملائكة وأحدهم يقول لصاحبه : يا جبرئيل ، إلى
أيّ الأربعة أُرسِلتَ؟ فرفسني برِجلي وقال : إلى هذا.
قال : ومَن هذا؟!
قال : محمّد
سيّد المرسلين.
قال : ومَن هذا
عن يمينه؟!
قال : عليّ
سيّد الوصيّين.
قال : ومن هذا
عن يساره؟!
قال : حمزة
سيّد الشهداء.
قال : ومن عند
رجليه؟
قال : جعفر
الطيّار في الجنَّة .
وروى الشيخ
الطوسي بإسناده عن إبراهيم بن صالح بن زيد بن الحسن ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليهالسلام ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
رقدتُ بالأبطح على ساعدي وعليٌّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة
عند رِجلي ، قال : فنزل جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، ففزعت لخفق أجنحتهم. قال : فرفعت
رأسي فإذا إسرافيل يقول لجبرئيل : إلى أيّ الأربعة بُعثتَ وبُعثنا معك؟ قال : فرفس
برِجله فقال : إلى هذا ... إلى آخر الرواية .
وروى المرشد
بالله يحيى بن الحسين الشجري ـ من الزيديّة ـ في الأمالي الخميسيّة بإسناده عن ابن
عباس ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في قول الله : (إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ
عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُم تَطْهيراً) فإنّا أهل بيت
مُطهَّرون من الذنوب ، ألا
__________________
وإن الله اختارني من ثلاثة من أهل بيتي على جميع أمّتي وأنا سيّد الثلاثة ،
وسيّد ولد آدم يوم القيامة ، ولا فخر.
قال أهل السدة
: يا رسول الله ، سَمِّ لنا الثلاثة نعرفهم؟ فبسط رسول الله كفَّه الطيّبة
المباركة ثمّ حلق بيده ، قال : اختارني وعليّاً وحمزة وجعفراً ، كنا رقوداً بالأبطح
ليس منّا إلّا مسجّى بثوبه ، عليّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة عند رجلي ، فما
نبّهني من رقدتي غير حفيف أجنحة الملائكة وبرد ذراع عليّ تحت خدي ، فانتبهت من
رقدتي ، وجبرئيل في ثلاثة أملاك ، فقال له بعض الأملاك الثلاثة : يا جبرئيل ، إلى
أيّ هؤلاء الثلاثة أُرسِلتَ؟
فحرّكني برجله
وقال : إلى هذا وهو سيّد ولد آدم.
فقال له أحد
الثلاثة : ومَن هو ، سمِّه؟
فقال : هذا
محمّد سيّد المرسلين ، وهذا عليّ خير الوصيّين ، وهذا حمزة سيّد الشهداء ، وهذا
جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة حيث يشاء .
ولو حقّقنا في
رجال الخبر المروي في تفسير عليّ بن إبراهيم ـ والذي رواه المرحوم شرف الدين
الحسيني (من أعلام القرن العاشر) مسنداً في تاو يل الآيات ـ لرأيناهم ثقات لم يرد
فيهم جرح ، ويؤيّده ما حكاه القاضي النعمان المصري في شرح الأخبار والطوسي والمرشد
بالله في أماليهما ، فنحن لو جمعنا هذين النصين مع ما جاء في الإمام عليّ وأنّه
أحد سادات أهل الجنّة السبعة بنص رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنّ مثاله كان في الجنَّة وقد رأى ذلك رسول الله حينما
أسري به إلى السماء ، لعرفنا حقيقة أخرى كانت بنو أميّة تخفيها وتخاف نشرها وشيوعها
بين الناس ، بل سعت لطمسها وإبدالها بأخبار أخرى في الصحابة.
وإذا أردتَ أن
تقف على جلية الأمر ، فلاحِظْ أنّ هناك مجموعة من الأحاديث
__________________
النبوية الشريفة ، ومجموعة من الآيات الكريمة فسّرها الرسول الأكرم ، وفيها
تجد عليّاً وحمزة وجعفراً في إطار واحد لا ينفصلون ، وعلى نسق فريد من الكرامة فيه
لا يتفرقون.
فقد أخرج
الحاكم وابن ماجة بسندهما عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : نحن بنو عبدالمطلب سادة أهل الجنّة ؛ أنا وعليّ
وجعفر وحمزة والحسن والحسين والمهدي ، ثمّ قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط
مسلم ولم يخرجاه .
وقد روى ابن
عساكر بسنده عن حبشي بن جنادة ، أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : إنّ الله اصطفى العرب من جميع الناس ، واصطفى
قريشاً من العرب ، واصطفى بني هاشم من قريش ، واصطفاني واختارني في نفر من أهل
بيتي : عليّ وحمزة وجعفر والحسن والحسين .
وقد روى عطية ،
عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
خير الناس حمزة وجعفر وعليّ .
وروى الحاكم
الحسكاني بسنده عن عبدالله بن عباس ، في قول الله تعالى : (أفَمَن
وَعَدناهُ وَعْداً حَسَناً فهو لاقِيه) ، قال : نزلت في حمزة وجعفر وعليّ ، وذلك أنّ الله سبحانه وتعالى وعدهم في
الدنيا الجنّة على لسان نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فهؤلاء يلقون ما وعدهم الله في الآخرة ...
__________________
وروى الحاكم
الحسكاني أيضاً بسنده عن عبدالله بن عبّاس في قول الله تعالى : (مِنَ
الْـمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) ، يعني عليّاً وحمزة وجعفرا (فَمِنْهُمْ مَنْ
قَضَى نَحْبَهُ) يعني حمزة وجعفرا (وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْتَظِرُ) يعني عليّاً كان ينتظر أجله والوفاء لله بالعهد
والشهادة في سبيل الله ، فوالله لقد رزق الشهادة .
وبإسناده أيضاً
عن زيد ، قال : سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ ، قلت له : أخبرني عن قوله تعالى : (الَّذِينَ
أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ) ، قال : نزلت في عليّ وحمزة وجعفر ...
فهؤلاء الثلاثة
كانوا يحوطون النبيّ كما تحوط عينَ الناظر الهُدُبُ ، وكانوا هم عماد المدافعين
عنه في أوائل الدعوة الإسلاميّة ، وقد أعلنوا إسلامهم بكل جرأة وتحدّ للحشود
القرشية المتظافرة على الفتك برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وها قد رأيت الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية
الكريمة كيف تعدهم لئالئ في سلك ونظام واحد ، فلماذا يحذف اسم «عليّ» من هذه
الكوكبة؟! ما يكون ذلك إلّا من صنيع المبغضين له والأمويين ومن لفّ لفَّهم ، ويكفيك
هذا دليلاً دامغاً على أنّ (نهج الأذان المنامي) حاول التعتيم على الحقيقة
المحمدية العلوية ، وحاول القضاء على (نهج الأذان السماوي) ، فلم يتمكنوا من ذلك.
وهؤلاء الثلاثة
ـ عليّ وحمزة وجعفر ـ كانت فضائلهم متماسكة متناسقة حتّى سارت على السنة الشعراء ،
فقد قال الكميت في بائيته الرائعة :
أولاك نبيّ
الله منهــم وجـعـفـــر
|
|
وحمــزة
ليـــث الفَـيلقَين الُمجرَّبُ
|
__________________
هُمُ ما هُمُ
وتراً وشَفعاً لقومِـهـم
|
|
لـــفـقـدانهم
ما يُعــذَرُ المُتَحَـوِّبُ
|
قتيل
التَّجوبي الذي استوأرت به
|
|
يـســاق به
سَـوقاً عنيفاً ويجــنبُ
|
قال شارح
القصيدة : قتيل التجوبي هو عليّ بن أبي طالب ، وتجوب قبيلة وهم في مراد .
ولمّا هجا أحدُ
الشعراء ـ من ولد كريز بن حبيب بن عبدشمس ـ محمّد بن عيسى المخزومي ، أجابه شاعرٌ
آخر فذكر معايب بني عبدشمس وأنهم لم يكن لهم ما يذكر في الجاهلية من أمر اللواء
والندوة والسقاية والرفادة ، وذكر حقدهم على النبيّ وآل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال :
لا
لـــــــواءٌ يُـــــعدّ يــــا بن كــــريز
|
|
لا ولا
رِفْــــدُ بيــــــتِـــه ذي السَّناءِ
|
لا حجابٌ
وليس فيكم سِوى الكبـ
|
|
ر وبُغضِ
النبـــــــيِّ والــــشـــهداءِ
|
بيــــن
حــــاك ومُخـــــــْلج وطريـــد
|
|
وقــــتيـــل
يَلْــعَـــنْهُ أهلُ الــســـماءِ
|
ولهـــــم
زمــــــــزمٌ كذاك وجِبـــريـ
|
|
ــلُ
ومـــــجدُ الـــسقايـــةِ الغَـــرّاءِ
|
قال ابن أبي
الحديد : قال شيخنا أبو عثمان : فالشهداء عليّ وحمزة وجعفر ، والحاكي والمخلج هو
الحكم بن أبي العاص ... والطريد اثنان : الحكم بن أبي العاص ومعاوية بن المغيرة بن
أبي العاص ، وهما جدّا عبدالملك بن مروان من قبل أمّه وأبيه ...
وعلى كلّ حال ،
فإن المنصف لا يرتاب في أنّ الأذان كان تشريعه سماوياً لا رؤيؤيا ، وكان عليّ
وحمزة وجعفر ، محيطين بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكن الحكومات والسياسات حذفت اسم عليّ عليهالسلام محاوِلةً إبعاد هذه المكرمة عنه وهي أقرب إليه من
__________________
حبل الوريد ، وهذه ليست أوّل فعلة من فعلات المحرّفين ، بل لها نظائر
ونظائر إلى ما شاء الله.
وما ذكرهم مثال
بلال وغيره من الصحابة في خبر الإسراء والمعراج وتركهم ذكر مثال عليّ إلّا شاهد
آخر على ما حرفوا في الأذان السماوي ، الذي تبناه عليّ وأولاده وأصحابه.
فقد روى مضمون
ذلك جابر بن عبدالله الانصاري ، وأبو أمامة الباهلي ، وبريده ، وأنس بن مالك ، وأبو
هريرة ، وسهل بن سعد الساعدي عن رسول الله بنصوص متقاربة.
فأمّا ما رواه
جابر ـ فقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وأبو داود الطيالسي ، وأحمد في مسنديهما ، وابن حبان في صحيحه ـ والنص للبخاري ـ وهو :
قال رسول الله
: أُريتني دخلت الجنَّة ، فإذا أنا بالرميضاء امرأة أبي طلحة ، وسمعت خشفة فقلت : من
هذا؟
قال [جبرئيل] :
هذا بلال. قال : ورأيت قصراً بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا؟ فقال : لعمر ، فأردت
أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك.
__________________
فقال عمر : بأبي
أنت وأمّي يا رسول الله ، أعليك أغار؟!
وفي
رواية أبي أمامة التي رواها أحمد في مسنده والطبراني في الكبير والهيثمي في مجمع الزوائد ـ والنصّ عن أحمد ـ قال : قال رسول الله : دخلت الجنَّة فسمعت فيها خشفة
بين يدي ، فقلت : ما هذا؟ قال : بلال.
قال : فمضيت
فإذا أكثر أهل الجنَّة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين ولم أرَ أحداً أقلّ من الأغنياء والنساء ... ثمّ خرجنا من
أحد أبواب الجنَّة الثمانية ، فلمّا كنت عند الباب أتيت بكُفّة فوُضعت فيها
ووُضِعت أمّتي في كفّة ، فرجحتُ بها ، ثمّ أتي بأبي بكر فوضع في كفّة وجيء بجميع
أمّتي في كفّه فوضعوا فرجح أبو بكر ، وجيء بعمر فوضع في كفّة وجيء بجميع أمّتي
فوضعوا فرجح عمر ، وعرضت أمّتي رجلاً رجلاً فجعلوا يمرّون فاستبطأت عبدالرحمن بن عوف ، ثمّ جاء بعد الأياس ...
وأمّا
رواية عبدالله بن بريدة عن أبيه والتي أخرجها الطبراني في الكبير وابن أبي شيبة في المصنّف وابن حبّان في الصحيح وأحمد في المسند والترمذي في السنن
__________________
وابن خزيمة في الصحيح والحاكم في المستدرك ـ والنصّ للترمذي ـ فهي ، قال : أصبح رسول الله فدعا بلالاً ، فقال : يا
بلال ، بم سبقتني إلى الجنَّة؟ ما دخلت الجنَّة قطّ إلّا سمعت خشخشتك أمامي.
وأمّا
ما رواه أنس بن مالك ـ والذي جاء في مسند عبد بن حميد ـ فهو : قال أنس : قال رسول الله : دخلتُ الجنّة فسمعت خشفة فقلت : ما هذه؟
فقالوا : هذا بلال ، ثمّ دخلت الجنّة فسمعت خشفة ، فقلت : ما هذه؟ قالوا : هذه
الغميضاء بنت ملحان وهي أمّ سليم أمّ أنس بن مالك.
وأمّا
ما رواه أبو هريرة ـ والذي أخرجه البخاري ومسلم وابن حبّان في صحاحهم ، وابن عساكر في تاريخ دمشـق ـ فهو : أن النبيّ قال لبلال عند صلاة الفجر : يا بلال ، حدّثني بأرجى عمل
عملتَه في الإسلام فإني سمعت دفّ نعلَيك بين يدَيّ في الجنَّة ، قال : ما عملت
عملاً أرجى عندي أنيّ لم أتطهّر طهوراً في ساعة ليل أو نهار إلّا صليت بذلك الطهور
م كتب لي أن أصلّي.
وأمّا
رواية سهل بن سعد ففيها : قال : قال رسول الله : دخلت الجنَّة فإذا منظر آت فنظرت فإذا هو
بلال ..
__________________
كلّ هذه النصوص
ظاهرة في أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم رأى ذلك في معراجه إلى السماء ، وهناك نصّان آخران
يوضحان ذلك ؛ فقد روى الطبراني في الكبير بإسناده عن وحشي بن حرب ، عن أبيه ، عن
جدّه : أنّ رسول الله لمّا أسري به في الجنَّة سمع خشخشة ، فقال : يا جبرئيل ، ما
هذه الخشخة؟ قال : هذا بلال.
قال أبو بكر : ليت
أمّ بلال ولدتني وأبو بلال وأنا مثل بلال رواه الطبراني ورجاله ثقات.
وفي مسند أحمد ومجمع الزوائد والأحاديث المختارة وتفسير ابن كثير عن ابن عبّاس ، والنصّ لأحمد : بسنده عن ابن عبّاس ، قال : ليلة أسري بنبيّ
الله صلىاللهعليهوآلهوسلمودخل الجنَّة فسمع من جانبها وَجساً ، قال : يا جبرئيل ،
ما هذا؟ قال : هذا بلال المؤذّن.
فهذه النصوص
تُشير إلى وجود مثال بلال في الجنّة وإن جدّ بعض الأعلام إلى تضعيفها وحملها على كونها كانت في المنام لا اليقظة ، لكنّهم بهذا التعليل أو ذاك
لا يمكنهم التقليل من حجيّتها عند القائلين بها ، وذلك لحجيّة رؤيا الأنبياء عند جميع
المسلمين ، وقد يكون ما رآه الرسول معنى آخر لتجسّم الأعمال والذي يذهب إلى القول
به جماعة من المسلمين.
وبعد هذا فلا
مانع من أن نذكر بعض الروايات الدالّة على وجود اسم عليّ
__________________
في العرش والكرسي ، والتي لا نستبعد أن تكون حكومة الأمويين وضعت الأحاديث
الآنفة في مقابلها ، محاولةً منهم لطمس فضائل عليّ والتقليل من أهمّيتها ، وذلك
طبق المنهج الذي رسموه وخططوه في ذلك كما تقدم بيانه ، إذ أن حديث رجحان كفّة أبي
بكر وعمر على كفّة الناس أجمعين هو تحريف للحديث الثابت عن رسول الله : ضربة عليّ
يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين ، وإليك الان بعض تلك الروايات المشيرة إلى وجود اسم
الإمام عليّ على ساق العرش :
روى الصدوق في
«من لا يحضره الفقيه» عن عليّ عليهالسلام ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال في وصية له : يا عليّ ، إنّي رأيت اسمك
مقروناً باسمي في ثلاثة مواطن ، فأنست بالنظر إليه ، إني لمّا بلغت بيت المقدس في
معراجي إلى السماء وجدت على صخرتها «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، أيّدته
بوزيره ونصرته بوزيره».
فقلت لجبرئيل :
مَن وزيري؟
قال : عليّ بن
أبي طالب عليهالسلام.
فلما انتهيت
إلى سدرة المنتهى وجدتُ مكتوباً عليها : «إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا وحدي ، محمّد
صفوتي من خلقي ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره» ، فقلت لجبرئيل : مَن وزيري؟ فقال :
عليّ بن أبي طالب.
فلمّا جاوزتُ
سِدرةَ المنتهى انتهيت إلى عرش ربّ العالمين جلّ جلاله ، فوجدت مكتوباً على قوائمه
: «إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا وحدي ، صفوتي من خلقي ، أيّدته بوزيره ونصرته
بوزيره» ، فقلت لجبرئيل : مَن وزيري؟ فقال : عليّ بن أبي طالب.
__________________
فلمّا رفعت
رأسي نظرت على بطنان العرش مكتوباً : «إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا ، محمّد
حبيبي ، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره» .
وفي كتاب كمال
الدين وتمام النعمة للصدوق بإسناده إلى وهب بن منبّه ، رفعه عن ابن عبّاس ، قال : قال
رسول الله لعليّ : لمّا عرج بي ربيّ جلّ جلاله أتاني النداء : يا محمّد.
قلت : لبيّك
ربَّ العظمة لبيّك ، فأوحى الله إليَّ : يا محمّد ، فيمَ اختصم الملأ الأعلى؟
فقلت : إلهي ، لا
علم لي.
فقال : يا
محمّد ، هلاّ اتَّخذت من الآدميّين وزيراً وأخاً ووصيّاً من بعدك؟
قلت : إلهي ، ومَن
أتّخذ؟ تخيَّرْ أنت يا إلهي. فأوحى الله إليّ : يا محمّد ، قد اخترتُ لك من
الآدميّين عليّ بن أبي طالب.
فقلت : إلهي ، ابن
عمّي؟
فأوحى الله
إليّ : يا محمّد ، إنّ عليّاً وارثك ووارث العلم من بعدك ، وصاحب لوائك لواء الحمد
يوم القيامة ، وصاحب حوضك يسقي مَن ورد عليه من مؤمني أمّتك.
ثمّ أوحى الله
إليّ : يا محمّد ، إنّي قد أقسمت على نفسي قسماً حقاً ، لا يشرب من ذلك الحوض
مُبغض لك ولأهل بيتك وذر يّتك الطيّبين الطاهرين ، حقّاً أقول يا محمّد : لأُدخِلنّ
جميع أمّتك الجنَّة إلّا مَن أبى من خلقي ، فقلت : إلهي ، هل واحد يأبى من دخول
الجنَّة؟
فأوحى الله إلي
: بلى.
__________________
فقلت : وكيف
يأبى؟
فأوحى الله إلي
: يا محمّد ، اخترتُك من خلقي ، واخترتُ لك وصيّاً من بعدك ، وجعلته منك بمنزلة
هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدك ، وألقيت محبّته في قلبك ، فجعلته أباً
لولدك ، فحقّه بعدك على أمّتك كحقّك عليهم في حياتك ، فمن جحد حقّه فقد جحد حقّك ،
ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك ، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنّة
، فخَرَرتُ لله ساجداً شكراً لما أنعم عليّ ... والخبر طويل اكتفينا منه بهذا
المقدار .
وفي تفسير عليّ
بن إبراهيم بإسناده عن أبي بردة الأسلمي ، قال : سمعت رسول الله يقول لعليّ : يا
عليّ ، إنّ الله أشهَدَك معي في سبع مَواطن : أمّا أوّل ذلك فليلة أُسري بي إلى
السماء ، قال لي جبرئيل : أين أخوك؟
فقلت : خلّفته
ورائي.
قال : ادعُ
الله فليأتك به ، فدعوتُ الله وإذا مِثالُك معي وإذا الملائكة وقوف صفوف ، فقلت : يا
جبرئيل ، من هؤلاء؟ قال : هم الذين يباهيهم الله بك يوم القيامة ، فدنوت فنطقت بما
كان وما يكون إلى يوم القيامة.
والثاني حين
أُسري بي من المرّة الثانية ، فقال لي جبرئيل : أين أخوك؟ فقلت : خلّفته ورائي ، فقال
: ادعُ الله فليأتك به ، فدعوتُ الله فإذا مثالك معي ، فكُشِط لي عن سبع سماوات
حتّى رأيت سُكّانها وعُمّارها وموضع كلّ ملك منها ... إلى أن قال :
وأمّا السادس :
لمّا أُسري بي إلى السماء جمع الله لي النبيّين فصلّيت بهم ومثالك خلفي .
__________________
وفي عيون أخبار
الرضا ، بسنده عن أمير المؤمنين ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
لمّا أسري بي إلى السماء أوحى إليّ ربّي جلّ جلاله فقال : يا
محمّد ، إنّي اطّلعتُ إلى الأرض اطّلاعةً فاخترتك منها فجعلتك نبيّاً ، وشَقَقتُ
لك من اسمي اسماً ، فأنا المحمود وأنت محمّد.
ثمّ اطّلعت
الثانية فاخترت منها عليّاً وجعلته وصيّك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريّتك ، وشَقَقْتُ
له أسماً من أسمائي ؛ فأنا العليّ الأعلى وهو عليّ.
وجعلت فاطمة
والحسن والحسين من نوركما ، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة ، فمَن قَبِلها كان
عندي من المقرّبين ...
وفي كمال الدين
وتمام النعمة ، بإسناده إلى عبدالسلام بن صالح الهروي ، عن عليّ بن موسى الرضا ، عن
آبائه ، عن عليّ : عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث طويل ، قال فيه : ... فنظرت ـ وأنا بين يَدَي
ربّي ـ إلى ساق العرش ، فرأيتُ اثني عشر نوراً ، في كلّ نور سطر أخضر مكتوب عليه اسم
كلّ وصيّ من أوصيائي ، أولهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم مهديّ أمّتي.
فقلت : يا ربّ
، أهولاء أوصيائي مِن بَعدي؟ فنُوديتُ : يا محمّد ، هؤلاء أوليائي وأحبّائي
وأصفيائي وحجّتي بعدك على بريّتي ، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك. وعزّتي
وجلالي لأظهرنّ بهم دِيني ، ولأُعلينّ بهم كلمتي ، ولأطهرنّ الأرض بآخرهم من
أعدائي ، ولأملّكنّه مشارق الأرض ومغاربها ، ولأسخرنّ له الرياح ، ولأذللنّ له
الرقاب الصِّعاب ، ولأرقينّه في الأسباب ، ولأنصرنّه بجندي ، ولأمدنّه بملائكتي
حتّى يُعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ، ثمّ لأديمنّ ملكه ، ولأداولنّ الأيام
بين أوليائي إلى يوم القيامة .
__________________
وفي أصول
الكافي ، بإسناده عن الإمام عليّ عليهالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : ... فإنه لمّا أسري بي إلى السماء الدنيا
فنسبني جبرئيل لأهل السماء استودع الله حبّي وحبّ أهل بيتي وشيعتهم في قلوب
الملائكة ، فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة ...
وقد مرَّ عليك
خبر سدير الصيرفي وعمر بن أُذينة في الإسراء والمعراج ، وقول الإمام الصادق للاخير
: يا عمر ، ما ترى هذه الناصبة في أذانهم وركوعهم وسجودهم؟! نحن جئنا بهذه النصوص
كي نؤكد على صحّة ما قاله الإمام الصادق عن النواصب ودورهم في تحريف الأمور
وخصوصاً المسائل التي فيها اسم الإمام عليّ بن أبي طالب وأهل بيت الرسول ، وان
تحريفاتهم لا تقتصر على مفردة أو مفردتين في التاريخ والشر يعة ، بل شملت جميع
مراحل التشريع من الاسراء حتّى ما لا نهاية ، وإنّك لو مررت بالتاريخ والحديث
ودرستهما دراسة واقعية بعيداً عن التعصب لوافقتنا فيما قلناه وستقف على عشرات
الروايات الدالّة على مكانة الإمام عليّ والتي سنتعرض لها في الشهادة الثالثة
لاحقاً بإذن الله تعالى.
نحن لا نريد
التفصيل في مثل هذه الموارد ، بل نذكّر القارئ الكريم بما مرّ عليه من كلام شيخ
ابن أبي الحديد من أنّ الأمويّين سـعوا إلى تحريف الفضائل الثابتة في عليّ وجعلها
في عثمان وأبي بكر وعمر ، ونحن لو تابعنا السير التاريخي لوقفنا على التحريف
اللفظي والمعنوي لبني أميّة ، فكما أنّهم جعلو اللعنة سمة وشرفاً للملعونين!! فقد
أوّلوا كلام الرسول في معاوية (لا أشبع الله بطنك) بأنّه دعا له
__________________
بأنّه سيأتي يوم القيامة خميص البطن لا شيء عليه .
وخير مثال على
التحريف المعنوي هو ما أشاعه معاوية في واقعة صفّين عند مقتل عمّار بن ياسر ـ لمّا
تناقل الجندُ كلامَ رسول الله «تقتلك الفئة الباغية» ـ بأن الإمام عليّ بن أبي
طالب هو القاتل له حيث أخرجه وزجّ به في المعركة ، ولما سمع الإمام عليّ بن أبي
طالب بهذه المقالة قال ما مفاده : وعلى هذا الكلام يكون رسول الله هو الذي قتل
حمزة لأنّه أخرجه لحرب المشركين!
. وأقبح منه ما
روي أنّه قال لأهل الشام : إنّما نحن الفئة الباغية التي تبغي دم عثمان !
فللأمويين
تحريفات لفظية وتحريفات معنوية كثيرة ، وإنّ هذه الدراسة تريد أن توضح أمثال هذه
الأمور في الشريعة والتاريخ وانعكاساً على الأذان هنا.
فلا يجوز حمل
بعض التحقيقات حول الأمويين وعقيدتهم في الاسراء والمعراج و ... على الإسهاب
والخروج عن البحث ، بل ما كتبناه هو المقصود ، ولولاه لما فهمنا ملابسات التشريع
الذي نحن بصدد بيانه.
بلى ، إنّهم لم
يكونوا يحبّون آل الرسول ، بل لم يحبّوا كلّ من أحبّه الرسول ، بل
__________________
كانوا يتعاملون مع آل الرسول بالشدة والبغض ، فقد ذكر المناوي في فيض
القدير ، وكذا القرطبي في تفسيره واقعة دارت بين مروان بن الحكم وأسامة بن زيد.
وأسامة كان ممن
يحبهم رسول الله ـ حسب نص القرطبي وغيره ـ وكان الخليفة عمر بن الخطاب أعطاه خمسة
آلاف درهم ولابنه عبدالله ألفي درهم ، فسأل عبدالله عن سر ذلك فأجابه عمر أنّه فعل
ذلك لمحبة رسول الله له.
قال القرطبي : وقد
قابل مروان هذا الواجب (أي محبّة مُحِبِّ رسول الله) بنقيضه ، وذلك أنّه مرّ بأسامة
وهو يصلّي بباب بنت رسول الله.
فقال مروان : إنّما
أردت أن تُري الناس مكانك ، فقد رأينا مكانك! فَعَل الله بك وفعل ، وقال قولاً
قبيحاً.
وقال له أسامة
: آذيتني وإنّك فاحش متفحّش ، وقد سمعتُ رسول الله يقول : إنّ الله يُبغض الفاحش
المتفحش.
فانظر ما بين
الفعلين وقِس ما بين الرجلين ، فلقد آذى بنو أميّة رسول الله في أحبابه وناقضوه في
مَحابّه .
وعليه فالذي
يجب القول به هنا ، هو أنّ خبر الإسراء ثابت بالكتاب ، والمعراج ثابت بالسنة ـ وإن
لم يفرّق البعض بينهما فأطلق الإسراء على كليهما تساهلاً ـ وهذا ما جعل المجال
مفتوحاً للإجمال والتفصيل والتلاعب والتشكيك في خبر المعراج أكثر من أخبار الإسراء.
فهل يرجع
إجمالهم في نقل أخبار المعراج إلى عدم وقوفهم على نقول أهل بيت الوحي والنبوة؟ أم
يرجع إلى أنّهم أجملوا ذلك عن قصد وعمد؟ لعلّك عرفت جواب هذا السؤال ممّا مرّ ، فأغنى
ذلك عن الإطالة.
__________________
وبهذا يكون ما
كتبناه هو أشارة إلى دواعي الأمويين ومن لفّ لفهم في تحريف خبر الأذان ، وكيف
ربطوا خبر الإسراء والمعراج بالشجرة الملعونة ، مدّعين أنّها شجرة الزقوم ، بل كيف
ربطوها بمسائل أخرى وقضايا مصيرية في الشريعة والتاريخ ، كلّ ذلك للتشكيك في مقام
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والقول بأنّ منامه المعراجي هذا يشابه الأذان ويحتاج
إلى شاهد لتثبيت صحّته.
مطلبان
لنا هنا مطلبان
يتضحان بعد طرحنا هذين السؤالين :
الأوّل
: هل أنّ الأذان عبارة عن الإعلام للصلاة فقط ، أم هو بيان
لأصول العقيدة وأركان الإسلام؟
الثاني
: هل أنّ أمر الأذان توقيفيّ؟ وإذا كان توقيفيّاً ، فهل
هناك فرق بين توقيفية الواجبات وتوقيفية المستحبّات أم لا؟
وقبل الجواب عن
السؤال الأوّل لابدّ من الإشارة إلى حقيقة هامّة في العبادات وغيرها ، وهي : أنَّ
الأُمور العباديّة في الشرع لها ظاهر ومغزى ، فقد يمكن للإنسان أن يقف على ظاهر
شيء ويؤدّيه دون أن يعرف كنهه ومغزاه والغاية القصوى منه ، فالمطالع مثلاً في ما
جاء عن أهل بيت النبوة يقف على أسرار في الصلاة والصيام والزكاة والحجّ وغيرها ، ويتعرّف
على أُمور كان لا يعرفها من ذي قبل ، ولم يتنبه لها في نظرته الأُولى ، من ذلك ما
ذكره الصدوق في علل الشرائع ، حيث قال فيه :
إنّ نفراً من
اليهود جاءوا إلى رسول الله فسألوه عن مسائل وكان فيما سألوه : أخبرنا يا محمّد
لأيّ علَّة تُوَضَّأُ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد؟
فقال النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لمّا
أن وسوس الشيطان إلى آدم دنا من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ، ثمّ قام ومشى
إليها وهي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة ، ثمّ تناول بيده منها ممّا عليها فأكل فطار
الحلي والحلل عن جسده ، فوضع آدم يده على [أُمِّ] رأسه وبكى ، فلمّا تاب الله عليه
فرض عليه وعلى ذرّيّته غسل هذه الجوارح الأربع ، وأمره بغسل الوجه لما نظر إلى
الشجرة ، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول منها ، وأمره بمسح الرأس لما
وضع يده على أُمِّ رأسه ، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة» .
ومعنى هذا
النصّ أنّ العبد يجب عليه تطهير أعضائه حينما يريد التوجّه إلى الله ، وبما أنّ
الوجه واليدين فيهما الحواسّ الخمس الظاهرة التي بها يُعصى الإله كان عليه أن
يغسلهما قبل الدخول إلى حضرة الإله.
أمّا الرأس
والقدمان فهما عنصران آليّان يتقوّى بهما المكلّف على المعصية أو الطاعة وهما ليسا
من الحواسّ الخمس ، ففي الرأس القوّة المفكِّرة والخياليّة التي تبعث الفرد إلى
ارتكاب المعاصي أو فعل الواجب ، وبالرِّجل يسعى إليهما ـ الطاعة أو المعصيّة ـ
فأمر سبحانه المسح عليهما كي ينجو من الوساوس الشيطانيّة والأغلال النفسيّة ويدخل
حضيرة القدس طاهراً نقيّاً من الأدناس ، ولأجل هذه الحقيقة فقد أكّدنا في كتابنا «وضوء
النبيّ» على : أنَّ طهارة الوضوء هي طهارة حكميّة وليست بحقيقيّة ، لأنَّ المؤمن
لا يُــنَجِّسُـه شيء ، وبالــوضوء يُعــرف مَن يطيع الله ومن يعصـيه .
وبعد هذه
المقدِّمة لابدّ من الإجابة عن السؤال الأوّل.
__________________
١ ـ الأذان إعلام للصلاة أم بيان لأصول العقيدة؟
قال القاضي
عياض : «اعلم أنّ الأذان كلام جامع لعقيدة الإيمان ، مشتملة على نوعيه من
العقليّات والسمعيّات ، فأوّله إثبات الذات وما يستحقّه من الكمال [أي الصفات
الوجودية] ، والتنزيه عن أضدادها [أي الصفات العدمية] ، وذلك بقوله «الله أكبر» ، وهذه
اللفظة مع اختصار لفظها دالَّة على ما ذكرناه.
ثمّ صرّح
بإثبات الوحدانيّة ونفي ضدّها من الشركة المستحيلة في حقّه سبحانه وتعالى ، وهذه
عمدة الإيمان والتوحيد ، المقدّمة على كلّ وظائف الدين.
ثمّ صرّح
بإثبات النبوّة والشهادة بالرسالة لنبيّنا ، وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة
بالوحدانيّة وموضعها بعد التوحيد ، لأنّها من باب الأفعال الجائزة الوقوع ، وتلك
المقدّمات من باب الواجبات ، وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليّات فيما يجب
ويستحيل ويجوز في حقّه سبحانه وتعالى.
ثمّ دعا إلى ما
دعاهم إليه من العبادات ، فدعا إلى الصلاة وجعلها عقب إثبات النبوّة ، لأنَّ معرفة
وجوبها من جهة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا من جهة العقل.
ثمّ دعا إلى
الفلاح ، وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم ، وفيه إشعار بأُمور الآخرة من البعث
والجزاء ، وهي آخر تراجم عقائد الإسلام.
ثمّ كرّر ذلك
بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها ، وهو متضمّن لتأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند
الشروع في العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلّي فيها على بيّنة من أمره وبصيرة
من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظمة حقّ مَن يعبده وجزيل ثوابه ...» .
__________________
وقد نقل محمّد
بن علان ـ شارح الأذكار النوويّة ـ كلام القاضي عياض بشيء من التصرّف ، كقوله :
ثمّ كرّر
التكبير آخره إشارة إلى الاعتناء السابق ، لأنَّ هذا المقام هو الأصل المبنيّ عليه
جميع ما تقرّر من العقائد والقواعد ، وختم ذلك بكلمة التوحيد إشارة إلى التوحيد
المحض ... .
وكان آخره اسم
«الله» ليطابق البداءة ، إشارة إلى أنَّه الأوّل والآخِر في كلّ شيء ، قال القاضي
: «ثمّ كرّر ذلك عند إقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها ، وفي ذلك تأكيد الإيمان
وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان ، ليدخل المصلّي فيها على بيّنة
من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظيم حقّ مَن عبده وجزيل ثوابه
على عباده .
وقد علّق ابن
علان على كلام القاضي عياض بقوله : (قلتُ : قال ابن حجر في شرح المشكاة : وللاعتناء
بشأن هذا المقام الأكبر كرّر الدالّ عليه أربعاً إشعاراً بعظيم رفعته ، وكأنّ حكمة
خصوص الأربع أنَّ القصد بهذا التكرير تطهير شهود النفس بشهود ذلك عن شهواتها
الناشئة عن طبائعها الأربعة الناشئة عن أخلاطها الأربعة.
وفي شرح العباب
له : (وكأنَّ حكمة الأربع أنَّ الطبائع أربعة لكلٍّ منها كمال ونقص يخصّه بإزاء
كلّ منها كلمة من تلك ليزيد في كمالها ويطهّر نقصها ، وكذا يقال بذلك في كلّ محلّ
ورد فيه التربيع) .
__________________
وقال القرطبيّ
وغيره : (الأذان على قلّة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة ، لأنّه بدأ بالأكبر يّة
وهي تتضمّن وجود الله وكماله ، ثمّ ثنّى بالتوحيد ونفي الشرك ، ثمّ بإثبات الرسالة
لمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ثمّ إلى الطاعة
المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة ، لأنّها لا تُعرف إلّاَ من جهة الرسول.
ثمّ دعا إلى
الفلاح وهو البقاء الدائم ، وفيه الإشارة إلى المعاد.
ثمّ أعاد ما
أعاد توكيداً ، ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت والدعاء إلى الجماعة وإظهار
شعار الإسلام .
قال ابن خزيمة
: فإذا كان المرء يطمع بالشهادة بالتوحيد لله في الأذان وهو يرجو أن يخلّصه الله
من النار بالشهادة لله بالتوحيد في أذانه ، فينبغي لكلِّ مؤمن أن يتسارع إلى هذه
الفضيلة طمعاً في أن يخلّصه الله من النار ، خلا في منزله أو في بادية أو قر ية أو
مدينة طلباً لهذه الفضيلة .
وقال
القسطلانيّ ـ بعد نقله خبر أبي هريرة عن النبيِّ وقوله : «إذا نُودي للصلاة أدبر
الشيطان وله ضراط حتّى لا يُسمَع التأذين» ـ : (لعظيم أمره لما اشتمل عليه من
قواعد الدين وإظهار شرائع الإسلام ، أوحى : لا يشهد للمؤذِّن بما سمعه إذا استشهد
يوم القيامة ، لأنّه داخل في الجنّ والإنس المذكور في حديث : لا يسمع مدى صوت
المؤذِّن جنّ ولا إنس ولا شيء إلّاَ شهد له يوم القيامة) .
__________________
وأخرج
عبدالرزّاق عن معمر ، عن الزهريّ : أنَّ أبا بكر الصدّيق قال : الأذان شعار
الإيمان .
ونقل الصدوق
بسنده إلى الإمام الحسين بن عليّ عليهماالسلام ، قال : كنّا جلوساً في المسجد ، إذ صعد المؤذِّن
المنارة ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، فبكى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وبكينا لبكائه ، فلمّا فرغ المؤذّن ، قال : «أتدرون ما يقول المؤذِّن؟».
قلنا : الله
ورسوله ووصيّه أعلم.
فقال : «لو
تعلمون ما يقول لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ، فلِقوله : الله أكبر ، معان كثيرة.
منها : أنَّ
قول المؤذِّن : «الله أكبر» ، يقع على قِدَمِهِ ، وأزليّته ، وأبديّته ، وعلمه ، وقوّته
، وقدرته ، وحلمه ، وكرمه ، وجوده ، وعطائه ، وكبر يائه.
فإذا قال
المؤذِّن : اللهُ أكبر ، فإنّه يقول : الله الذي له الخلق والأمر ، وبمشيّته كان
الخَلق ، ومنه كلّ شيء للخلق ، وإليه يرجع الخلق ، وهو الأوّل قبل كلّ شيء لم
يَزَل ، والآخِر بعد كلّ شيء لا يزال ، والظاهر فوق كلّ شيء لا يُدرَك ، والباطن
دون كلّ شيء لا يُحَدّ ، فهو الباقي ، وكلّ شيء دونه فان.
والمعنى الثاني
: «الله أكبر» ، أي : العليم الخبير ، عليم بما كان وما يكون قبل أن يكون.
والثالث : «اللهُ
أكبر» ، أي : القادر على كلّ شيء ، يقدر على ما يشاء ، القويّ لقدرته ، المقتدر
على خلقه ، القويّ لذاته ، وقدرته قائمة على الأشياء كلّها ، إذا قضى أمراً فإنّما
يقول له : كن فيكون.
__________________
والرابع : «اللهُ
أكبر» على معنى حلمه ، وكرمه ، يحلم كأنّه لا يعلم ، ويصفح كأنّه لا يرى ، ويستر
كأنّه لا يُعصى ، لا يَعجَل بالعقوبة كرماً وصفحاً وحلماً.
والوجه الآخر
في معنى الله أكبر : أي الجواد ، جزيل العطاء ، كريم الفِعال.
والوجه الآخر :
الله أكبر فيه نفي صفته وكيفيّته ، كأنّه يقول : الله أجَلُّ من أن يُدرِك
الواصفون قدرَ صفته ، الذي هو موصوف به ، وإنّما يصفه الواصفون على قدرهم لا على
قدر عظمته وجلاله ، تعالى الله عن أن يُدرِك الواصفون صفته علوّاً كبيراً.
والوجه الآخر :
الله أكبر ، كأنّه يقول : الله أعلى وأجلّ ، وهو الغنيُّ عن عباده ، لا حاجة به
إلى أعمال خلقه.
وأمّا قوله : «أشهد
أن لا إله إلّا الله» : فإعلام بأنَّ الشهادة لا تجور إلّاَ بمعرفة من القلب ، كأنّه
يقول : أعلمُ أنّه لا معبود إلّاَ الله عزّوجلّ ، وأنَّ كلّ معبود باطل سوى الله
عزّوجلّ ، وأقِرُّ بلساني بما في قلبي من العلم بأ نَّه لا إله إلّاَ الله ، وأشهد
أنّه لا ملجأ من الله عزّوجلّ إلّا إليه ، ولا منجى من شرّ كلّ ذي شرّ ، وفتنة كلّ
ذي فتنة إلّا بالله.
وفي المرّة
الثانية : «أشهد أن لا إله إلّاَ الله» ، معناه : أشهد أن لا هادي إلّا الله ، ولا
دليل إلى الدين إلّا الله ، وأُشهِدُ الله بأني أشهَدُ أن لا إله إلّا الله ، وأُشهد
سُكَّان السماوات ، وسكّان الأرضين ، وما فيهنّ من الملائكة والناس أجمعين ، وما
فيهنّ من الجبال ، والأشجار ، والدوابّ ، والوحوش ، وكلّ رطب ويابس ، بأنّي أشهد
أن لا خالق إلّاَ الله ، ولا رازق ، ولا معبود ، ولا ضارّ ، ولا نافع ، ولا قابض ،
ولا باسط ، ولا معطي ، ولا مانع ، ولا ناصح ، ولا كافي ، ولا شافي ، ولا مُقدّم ، ولا
مُؤخّر إلّا الله ، له الخلق والأمر ، وبيده الخير كلّه ، تبارك الله ربّ العالمين.
وأمّا قوله : «أشهدُ
أن محمّداً رسول الله» ، يقول : أشهد الله أنَّه لا إله إلّا هو ،
وأنَّ محمّداً عبده ورسولُه ، ونبيُّه ، وصفيُّه ، ونجيبُه ، أرسله إلى
كافّة الناس أجمعين بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون ، وأشهد
مَن في السماوات والأرض ، من النبيّين والمرسلين ، والملائكة والناس أجمعين أنَّ
محمّداً سيّد الأوّلين والآخرين.
وفي المرّة
الثانية : «أشهد أنَّ محمّداً رسول الله» ، يقول : أشهد أن لا حاجة لأحد [إلى أحد]
إلّاَ إلى الله الواحد القهّار الغنيّ عن عباده والخلائق والناس أجمعين ، وأنّه
أرسل محمّداً إلى الناس بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، فمن
أنكره وجحده ولم يؤمن به أدخله الله عزّوجلّ نار جهنّم خالداً مُخَلَّداً ، لا
ينفكُّ عنها أبداً.
وأما قوله : «حيّ
على الصلاة» ، أي هلمّوا إلى خير أعمالكم ، ودعوة ربّكم ، وسارعوا إلى مغفرة من
ربّكم ، وإطفاء ناركم التي أوقدتموها على ظهوركم ، وفكاك رقابكم التي رَهَنتموها ،
ليكفّر الله عنكم سيئاتكم ، ويغفر لكم ذنوبكم ، ويبدّل سيئاتكم حسنات ، فإنّه
مَلِكٌ كريم ، ذو الفضل العظيم ، وقد أذِن لنا ـ معاشرَ المسلمين ـ بالدخول في
خدمته ، والتقدّم إلى بين يديه.
وفي المرة
الثانية : «حيّ على الصلاة» ، أي قوموا إلى مناجاة ربّكم وعرض حاجاتكم على ربكم ، وتوسّلوا
إليه بكلامه ، وتشفعوا به وأكثروا الذكر والقُنوت ، والركوع والسجود ، والخضوع
والخشوع ، وارفعوا إليه حوائجكم ، فقد أذن لنا في ذلك.
وأمّا قوله : «حيّ
على الفلاح» ، فإنّه يقول : أَقْبِلُوا إلى بقاء لا فناءَ معه ، ونجاة لا هلاك
معها ، وتعالوا إلى حياة لا موت معها ، وإلى نعيم لا نفاد له ، وإلى مُلك لا زوال
عنه ، وإلى سرور لا حزن معه ، وإلى أُنس لا وحشة معه ، وإلى نور لا ظلمة معه ، وإلى
سعة لا ضيق معها ، وإلى بهجة لا انقطاع لها ، وإلى غِنى لا فاقة
معه ، وإلى صحّة لا سقم معها ، [وإلى عِزّ لا ذلّ معه] ، وإلى قوّة لا ضعف
معها ، وإلى كرامة يا لها من كرامة ، وعَجِّلُوا إلى سرور الدنيا والعقبى ، ونجاة
الآخرة والأُولى.
وفي المرّة
الثانية : «حيّ على الفلاح» ، فإنّه يقول : سابقوا إلى ما دعوتكم إليه ، وإلى جز
يل الكرامة ، وعظيم المِنَّة ، وسنيّ النِّعمة ، والفوز العظيم ، ونعيم الأبد في
جوار محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وأمّا قوله : «اللهُ
أكبر ، اللهُ أكبر» ، فإنّه يقول : الله أعلى وأجلّ من أن يعلم أحد من خلقه ما
عنده من الكرامة لعبد أجابه وأطاعه ، وأطاع أمره وعبدَهُ وعرف وعيده ، واشتغل به
وبذكره ، وأحبّه وآمن به ، واطمأنَّ إليه ووثق به وخافه ورجاه ، واشتاق إليه ، ووافقه
في حكمه وقضائه ، ورضي به.
وفي المرّة
الثانية : «اللهُ أكبر» ، فإنّه يقول : الله أكبر : وأعلى وأجَلُّ من أن يَعلم
أحدٌ مبلغ كرامته لأوليائه وعقوبته لأعدائه ، ومبلغ عفوه وغفرانه ونعمته لمن أجابه
وأجاب رسوله ، ومبلغ عذابه ونَكاله وهوانه لمن أنكره وجحده.
وأمّا قوله : «لا
إله إلّا الله» ، معناه : لله الحجّة البالغة عليهم بالرسول والرسالة ، والبيان
والدعوة ، وهو أجَلُّ من أن يكون لأحد منهم عليه حجَّة ، فَمَن أجابه فله النور
والكرامة ، ومَن أنكره فإنَّ اللهَ غنيٌّ عن العالمين ، وهو أسرع الحاسبين.
ومعنى «قد قامت
الصلاة» في الإقامة ، أي حان وقت الزيارة والمناجاة ، وقضاء الحوائج ، ودرك
المُنَى ، والوصول إلى الله عزّوجلَّ ، وإلى كرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه.
قال الصدوق : إنّما
تَرَكَ الراوي ذِكر «حيّ على خير العمل» للتقيّة ، وقد روي في خبر آخر أنَّ الصادق عليهالسلام سئل عن معنى «حيّ على خير العمل» فقال : «خير العمل : الولاية».
وفي خبر آخر :
«خير العمل : بِرُّ فاطمةَ وولدها» .
قلتُ : سنفتح
بإذن الله ملابسات هذه الرؤية وما يتلوها عن ابن عبّاس في البابين الأوّل «حيّ على
خير العمل ، الشرعية والشعاريّة» ، والثالث «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله بين
الشرعية والابتداع» من هذه الدراسة إن شاء الله تعالى. إذ لا خلاف عند جميع الفرق
الشيعية إسماعيلية كانت ، أم زيدية ، أم إمامية اثني عشرية بجزئية الحيعلة الثالثة
، وأكّد الدسوقي وغيره ـ كما سيأتي ـ على تأذين الإمام عليّ بن أبي طالب بها ، فقد
يكون ـ وكما احتمله الشيخ الصدوق ـ الراوي إنّما ترك ذكر (حيّ على خير العمل) للتقية
وذلك للظروف التي كانت تمر بها الشيعة. ويؤيد ما قلناه في شرعية الحيعلة الثالثة
وأنّها موجودة في الأخبار المنقولة عن الإمام عليّ وابن عباس ما روي عند الزيدية
عن ابن عبّاس عن عليّ بن أبي طالب قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «لما انتُهي بي إلى سدرة المنتهى ... وفيه : حيّ
على خير العمل حيّ على خير العمل» .
__________________
وروى الصدوق في
معاني الأخبار بسنده عن عطاء ، قال : كنّا عند ابن عبّاس بالطائف ، أنا وأبو
العالية ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، فجاء المؤذِّن فقال : «اللهُ أكبر اللهُ أكبر»
، واسم المؤذِّن قثم بن عبدالرحمن الثقفيّ.
فقال ابن عبّاس
: أتدرون ما قال المؤذِّن؟ فسأله أبو العالية ، فقال : أخبرنا بتفسيره.
قال ابن عبّاس
: (إذا قال المؤذِّن : «الله أكبر ، اللهُ أكبر» ، يقول : يا مَشاغيلَ الأرض ، قد
وجبت الصلاة ، فتفرَّغوا لها.
وإذا قال : «أشهد
أن لا إله إلّاَ الله» ، يقول : يقوم يوم القيامة ، ويشهد لي ما في السماوات وما
في الأرض على أنّي أخبرتكم في اليوم خمس مرّات.
وإذا قال : «أشهد
أنَّ محمّداً رسول الله» ، يقول : تقوم القيامة ومحمّد يشهد لي عليكم أنّي قد
أخبرتكم بذلك في اليوم خمس مرّات ، وحجّتي عند الله قائمة.
وإذا قال : «حيّ
على الصلاة» ، يقول : دِيناً قيِّماً فأقيموه ، وإذا قال : «حيّ على الفلاح» ، يقول
: هَلُمُّوا إلى طاعة الله وخذوا سهمكم من رحمة الله ، يعني الجماعة.
وإذا قال العبد
: «اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر» ، يقول : حرّمت الأعمال.
وإذا قال : «لا
إله إلّاَ الله» ، يقول : أمانة سبع سماوات ، وسبع أرضين ، والجبال ، والبحار وضعت
على أعناقكم إن شئتم فأقبلوا وإن شئتم فأدِبروا .
وقد مرّ عليك
كلام الإمام الحسين «والأذان وجه دينكم» ، وقول محمّد ابن الحنفيّة : «عمدتم إلى
ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم الدين» ، وما جاء
__________________
في (مَن لا يحضره الفقيه) بإسناده عن الفضل بن شاذان فيما ذكره من العلل عن
الرضا عليهالسلام أنّه قال :
«إنّما أُمِرَ
الناس بالأذان لعلل كثيرة ، منها : أن يكون تذكيراً للناسي ، وتنبيهاً للغافل ، وتعريفاً
لمن جهل الوقت واشتغل عنه ؛ ويكون المؤذِّن بذلك داعياً لعبادة الخالق ، ومرغِّباً
فيها ، ومُقِرَّاً له بالتوحيد ، مجاهراً بالإيمان ، معلناً بالإسلام ...».
إلى أن يقول :
«وجُعِل بعد التكبير الشهادتان ، لأنَّ أوّل الإيمان هو التوحيد والإقرار لله
بالوحدانيّة ، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة ، وأنَّ إطاعتهما ومعرفتهما
مقرونتان ، ولأنَّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان ، فجعل شهادتين شهادتين كما
جُعِلَ في سائر الحقوق شاهدان ، فإذا أقرّ العبد لله عزّوجلّ بالوحدانيّة وأقرّ
للرسول بالرسالة فقد أقرَّ بجملة الإيمان ؛ لأنّ أصل الإيمان إنّما هو بالله
وبرسوله. وإنّما جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة ، لأنّ الأذان إنّما وضع
لموضع الصلاة ، وإنّما هو نداء إلى الصلاة في وسط الأذان ودعاء إلى الفلاح وإلى
خير العمل ، وجعل ختم الكلام باسمه كما فتح باسمه» .
وفي العلل
لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، قال : علّة الأذان أن تكبّر الله وتعظّمه
وتقرّ بتوحيد الله وبالنبوّة والرسالة وتدعو إلى الصلاة وتحثّ على الزكاة ، ومعنى
الأذان : الإعلام ، لقوله تعالى : (وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ
وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ) ، أي : إعلام ، وقال أمير المؤمنين عليهالسلام
: «كنتُ أنا الأذان في الناس بالحجّ» ، وقوله : (وَأَذِّنْ
فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) ، أي : أعلِمهم وادعُهم.
__________________
فمعنى «الله» أنّه
يخرج الشيء من حدِّ العدم إلى حدِّ الوجود ويخترع الأشياء لا من شيء ، وكلّ مخلوق
دونه يخترع الأشياء من شيء إلّاَ الله ، فهذا معنى «الله» وذلك فرق بينه وبين
المحدَث.
ومعنى «أكبر» ،
أي : أكبر مِن أن يُوصَف في الأوّل ، وأكبر من كلِّ شيء لمّا خلق الشيء.
ومعنى قوله : «أشهد
أن لا إله إلّاَ الله» : إقرار بالتوحيد ، ونفي الأنداد وخلعها ، وكلّ ما يعبدون
من دون الله.
ومعنى «أشهد
أنّ محمّداً رسول الله» : إقرار بالرسالة والنبوّة ، وتعظيم لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذلك قول الله عزّوجلّ : (وَرَفَعْنَا
لَكَ ذِكْرَكَ) ، أي : تُذكَر معي إذا ذُكِرتُ.
ومعنى «حيّ على
الصلاة» ، أي : حثّ على الصلاة.
ومعنى «حيّ على
الفلاح» ، أي : حثّ على الزكاة.
وقوله : «حيّ
على خير العمل» ، أي : حثّ على الولاية ، وعلّة أنّها خير العمل أنَّ الأعمال
كلّها بها تقبل.
اللهُ أكبر ، اللهُ
أكبر ، لا إله إلّاَ الله ، محمّد رسول الله ، فألقى معاوية من آخر الأذان «محمّد
رسول الله» ، فقال : أمَا يرضى محمّد أن يُذكر في أوّل الأذان حتّى يذكر في آخره؟!
ومعنى الإقامة
: هي الإجابة والوجوب ، ومعنى كلماتها فهي التي ذكرناها في الأذان ، ومعنى «قد
قامت الصلاة» ، أي : قد وجبت الصلاة وحانت وأُقيمت ، وأمّا العلّة فيها ، فقال
الصادق عليهالسلام : «إذا
أذَّنتَ وصلّيتَ صلَّى خلفك صفٌّ من
__________________
الملائكة ، وإذا أذَّنت وأقمتَ صلَّى خلفك صفّان من الملائكة» ، ولا يجوز
ترك الأذان إلّا في صلاة الظهر والعصر والعتمة ، يجوز في هذه الثلاث الصلوات إقامة
بلا أذان ، والأذان أفضل ، ولا تجعل ذلك عادة ، ولا يجوز ترك الأذان والإقامة في
صلاة المغرب وصلاة الفجر ، والعلة في ذلك أنّ هاتين الصلاتين تحضرهما ملائكة الليل
وملائكة النهار .
وقال الشيخ
جعفر كاشف الغطاء ـ ضمن بيانه لحكم وفضل الأذان ـ : «.. ولأنّه وضع لشعائر الإسلام
دون الإيمان» .
فهذه النصوص
تشير بوضوح إلى أنّ الأذان لم يكن إعلاماً بوقت الصلاة فقط ، بل هو بيان لكلّيّات
الإسلام وأصول العقيدة والعقائد الحقة.
فلو كان بياناً
لوقت الصلاة خاصّة ؛ لكان للشارع أن يكتفي بتشريع علامة كي تكون معلماً للوقت
والمكان كما تفعله اليهود والنصارى والمجوس بالبوق والناقوس وإشعال النار وغير ذلك.
وعليه ، لم يكن
الأذان لإعلام وقت الصلاة خاصّة ، ويؤيّد قولنا شموليّة التأذين لكثير من الأُمور
الاجتماعيّة والحياتيّة ، ولو سلّطنا الضوء على آثار الأذان في الشر يعة لوقفنا
على جواب سؤالنا.
__________________
الأذان وآثاره في الحياة الاجتماعية
من الثابت في
الشريعة الإسلامية استحباب الأذان والإقامة لأمور حياتيّة واجتماعيّة كثيرة غير
الصلاة ، نذكر موارد منها :
الأذان والمولود
عن عليّ عليهالسلام : «مَن وُلِد له مولود فليؤذِّن في
أُذنه اليمنى بأذان الصلاة ، وليقم في اليسرى ، فإنَّ ذلك عصمة من الشيطان الرجيم
والإفزاع له» .
وفي سنن أبي
داود بسنده عن عبيدالله بن أبي رافع ، عن أبيه ، قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أذّن في أُذن الحسن بن عليّ حين ولدته فاطمة بالصلاة .
__________________
الأذان والعقم
شكا هشام بن
إبراهيم إلى الرضا عليهالسلام سقمه وأنّه لا يولد له ، فأمره أن يرفع صوته بالأذان في
منزله ، قال : ففعلتُ ذلك ، فأذهب اللهُ عني سقمي ، وكثر ولدي .
الأذان والمرض
عن جعفر بن
محمّد الصادق عليهالسلام أنّه دخل عليه رجل من مواليه وقد وعك ، فقال له عليهالسلام : «ما لي أراك متغيِّر اللون؟».
فقلتُ : جُعِلتُ
فداك ، وعكتُ وعكاً شديداً منذ شهر ، ثمّ لم تنقلع الحمّى عنّي ، وقد عالجتُ نفسي
بكلّ ما وصفه لي المترفّقون فلم أنتفع بشيء من ذلك.
فقال له الصادق
عليهالسلام : «حلَّ
أزرار قميصك ، وأدخل رأسك في قميصك وأذِّن وأقِم واقرأ سورة الحمد سبع مرات».
قال : ففعلتُ
ذلك ، فكأ نّما نشطتُ من عقال .
وحكى العجلوني
في كشف الخفاء عن الفقيه محمّد السيابا ـ فيما حكى عن نفسه ـ أنّه هبّت ريح فوقعت
منه حصاة في عينه وأعياه خروجها وآلمته أشدّ الألم ، وأنّه لمّا سمع المؤذّن يقول
: أشهد أن محمّداً رسول الله ، قال ذلك ، فخرجت الحصاة من فوره .
__________________
الأذان وسعة الرزق
شكا رجل لأبي
عبدالله الصادق عليهالسلام الفقر ، فقال : «أذِّن كلَّما سمعتَ الأذان كما يُؤذّن
المؤذّن» .
وقال سليمان بن
مقبل المدينيّ : قلتُ لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام
: [لأيّ] علّة يستحبّ للإنسان إذا سمع الأذان أن يقول
كما يقول المؤذِّن ، وإن كان على البول والغائط؟
فقال عليهالسلام : «لأنَّ ذلك يزيد في الرزق» .
الأذان ووجع الرأس
ذكر الشيخ
الطبرسيّ في عدّة السفر وعمدة الحضر : روي عن الأئمَّة : أنّه : «يكتب الأذان
والإقامة لرفع وجع الرأس ويُعَلَّق عليه» .
الأذان وسوء الخُلق
عن الصادق عليهالسلام : «إن لكلّ شيء قَرَماً ، وأنَّ
قَرَم الرجل اللحم ، فَمَن تركه أربعين يوماً ساء خُلقه ، ومَن ساء خلقه فأذِّنّوا
في أُذنه اليمنى» .
__________________
الأذان وطرد الشيطان
روى سليمان
الجعفريّ أنّه سمع الإمام الصادق عليهالسلام ، يقول : «أذِّن في بيتك ، فإنّه يطرد الشيطان ، ويستحبّ
من أجل الصِّبيان» .
الأذان والغول
في دعائم
الإسلام عن عليّ عليهالسلام قال : «قال رسول الله : إذا تَغَوّلت لكم الغِيلان فأذِّنوا بالصلاة» .
وعن أبي سعيد
الخدريّ : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «لا يسمع مدى صوت المؤذِّن جنّ ولا إنس ولا شيء إلّاَ
وشهد له يوم القيامة» .
وقال الخطاب
الرعيني في مواهب الجليل نقلاً عن الناشري من الشافعيّة في الإيضاح : يستحبّ
الأذان لمزدَحَم الجنّ ، وفي أُذُن الحزين ، والصبيّ عندما يولد في اليمنى ويقيم
في اليسرى ، والأذان خلف المسافر والإقامة .
__________________
ذكرنا بعضها ، وستقف على غيرها لاحقاً ، وستعرف بأنَّ السِّرَّ في رفع «حيّ
على خير العمل» لم يكن لِما علّلوه ، وكذا المقصود من جملة «الصلاة خير من النوم» لم
يكن كما يفهمه عامّة الناس من العبارة ، بل هناك أسرار ومسائل تكتنف هذه الفصول
سنرفع الستار عنها في الباب الثاني من هذه الدراسة بإذن الله تعالى.
٢ ـ توقيفيّة الأذان
وصل البحث بنا
إلى طرح سؤال آخر وهو : هل الأذان توقيفيّ بمعنى لزوم إتيان فصوله كما هي ، أم إنّ
لنا الحق في الزيادة والنقصان حسب ما تقتضيه المصلحة وهو المعني بعدم توقيفيته كما
مرّت الإشارة إليه؟ وهل هناك فرق بين الأمور التوقيفية العباديّة وغيرها ، وبين
الواجبات والمستحبات ، أم لا؟
بل ما هو حكم
الأذان ، وهل توقيفيته كالقرآن لا يمكن الزيادة والنقيصة فيها؟ أم أن توقفيته هي
بشكل آخر؟
من الثابت
المعلوم أن الأذان توقيفيّ ، وقد مرت عليك نصوص أهل بيت النبيّ الدالّة على أنّه
شرّع في الإسراء والمعراج ، ومثله جاء في كتب بعض أهل السنة والجماعة.
لكن من حقّنا
أن نتساءل : لو كان كذلك فكيف لنا أن نتعامل مع بعض الأحاديث والنصوص المشعرة بعدم
التوقيفية ، وذلك لما فيها من الزيادة والنقصان ، وعلى أيّ شيء تدل ، هل على
التخيير أم الرخصة أم على شيء آخر؟
روى أبو بصير
عن أبي عبدالله الصادق عليهالسلام ، قال : لو أنّ موّذناً أعاد في الشهادة وفي حيّ على
الصلاة أو حيّ على الفلاح المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إماماً يريد به
جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس .
__________________
وعن أبي عبيدة
الحذَّاء ، قال : رأيت أبا جعفر عليهالسلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لِمَ تكبر
واحدة واحدة؟ فقال : لا باس به إذا كنتَ مستعجلاً في الأذان .
وروى الشيخ في
الصحيح عن عبدالله بن سنان ، قال : سألت أبا عبدالله عن المرأة تؤذّن للصلاة؟ فقال
: حَسَنٌ إن فعلت ، وان لم تفعل أجزأها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلّاَ الله
وأن محمّداً رسول الله .
وعن أبي مريم
الأنصاري في الصحيح ، قال : سمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول : إقامة المرأة أن تكبّر وتشهد أن لا إله إلّاَ
الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وجاء في رواية
البخاري ومسلم ، عن عبدالله بن الحارث ، قال : خَطَبنا ابنُ عبّاس في يوم ذي رزغ ،
فأمرَ المؤذّن لمّا بلغ (حيّ على الصلاة) قال قل : «الصلاة في الرحال» ، فنظر
بعضهم إلى بعض ، فكأنّهم أنكروا ، فقال : كأ نّكم أنكرتم هذا ، إنَّ هذا فَعَلُه
مَن هو خير منّي ـ يعني النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وإنّها عزمة ، وإنّي كرهت أن أُحرجكم .
وجاء عن الإمام
الباقر عليهالسلام أنّه كان يزيد في الفجر جملة «الصلاة خير من النوم» !
__________________
فعلى أي شيء
تدل هذه النصوص؟ وما المعني بها؟ وكيف يمكن تطابقها مع القول بتوقيفية العبادات؟
وهل أنّ
توقيفية الأذان تختلف عن غيره من الأحكام فيجوز إعادة (حيّ
على الفلاح) ثلاث
مرات أو أكثر في الأذان ، ولا يجوز الزيادة والنقيصة في أمر عبادي آخر؟
وهل هناك فرق
بين الواجب التوقيفيّ والمستحبّ التوقيفيّ؟
إن التوقيفيّ
معناه هو التعبّديّ ، أي التعبّد بما جاء به الشارع المقدّس دون زيادة ولا نقصان ،
فلو صحّ مجيء «حيّ على الفلاح» في الأذان ثلاثاً فهو شرعيّ ويحمل إما على التخيير
أو الرخصة لضرورة خاصة.
ولو لم يصح
الخبر فلا يعمل به ، وليس هناك فرق بين التوقيفيّ في العبادات والتوقيفيّ في
المعاملات ، وكذا لا فرق بين التوقيفيّ في الواجبات والمستحبّات ، فعلى المكلف أن
يؤدّي ما سمعه وعقله على الوجه الذي أمر به الشارع فقط ، ففي كمال الدين للصدوق ، عن
عبدالله بن سنان ، قال : قال الصادق عليهالسلام
:
ستصيبكم شبهة فتبقون بلا عَلَم يُرى ولا إمام هدىً ، لا ينجو
منها إلّاَ من دعا بدعاء الغريق.
قلت : وكيف
دعاء الغريق؟
قال : تقول : يا
الله يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ، ثبّت قلبي على دينك ..
فقلت : يا
مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك.
فقال عليهالسلام : إن الله عزّ
وجلّ مقلّب القلوب والأبصار ، ولكن قُل كما أقول : يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على
دينك .
__________________
بهذا النهج
يتعلم المسلم لزوم التروّي والتأنّي والحيطة والحذر في النقل وضرورة رعاية النص
كما هو دون زيادة ونقصان ، هذا ما علّمنا الشارع المقدّس التمسّك به.
نعم ، قد يختلف
توقيفي عن توقيفي آخر ، وبلحاظ زاوية خاصة ، بمعنى أنّ توقيفية الأذان قد تختلف عن
توقيفية الزواج والطلاق ، أي : أنّ توقيفية الزواج والطلاق تتعلّق بأمر كلّي لا
بجزئيته ، أي يجب على المطلِّق أو العاقد أن يُنشئ عقدة الزواج والطلاق في كلامه
دون التعبد بصيغة واحدة خاصة ، فله أن يقول : (أنكحت) أو (زوّجت) أو (متّعت) ، فلو
أتى العاقد بأي صيغة منها صح زواجه.
وكذا الحال
بالنسبة إلى الطلاق فلو قال المطلِّق : زوجتي طالق ، أو فاطمة طالق ، أو امرأتي
التي في ركن الدار طالق ـ لو كانت هناك مثلاً ـ صح طلاقه ، لأنّ المطلوب هو إنشاء
علقة الزوجية في الزواج ، وقصد الإبانة في الطلاق دون التعبّد بصيغة مخصوصة ، وهذا
بخلاف التعبد بنصوص القرآن وما شابهه ، لأن الثاني يأبى التغيير والتبديل ، فلا
يجوز تقديم جملة من القرآن على أخرى ، فلا يجوز أن تقول : (الرحيم الرحمن) بدل (الرحمن
الرحيم) ؛ لأن المطلوب أداء النصّ السماوي كما هو.
إذاً توقيفيات
الأمور تختلف بحسب تعلّق الأحكام ، فتارة : تتعلّق بالحقيقة وذات الأمر ، وأخرى
بلزوم التعبد بالنصّ المعهود دون زيادة ونقيصة ، وقد وضّحنا قبل قليل بأنّ توقيفية
الزواج والطلاق مثلاً تتعلق بالحقيقة الكلية دون التعبد بصيغة بخصوصها ، بخلاف
توقيفية القرآن فإنّها توقيفية بالنص فلا يجوز الزيادة والنقصان والتقديم والتأخير
، ومن القبيل الأوّل الأذكار المستحبة في القنوت ، فالقنوت مستحبّ يقيناً لكن لا
يلحظ فيه ذكر مخصوص ، فللقانت أن يقنت بما شاء من تسبيح وتحميد وشكر و ...
والآن نتساءل
عن توقيفية الأذان وأنّه من أي القسمين ، وهل يجوز فيه الزيادة والنقيصـة وتبديل
كلمة بأخـتها أم لا؟ ولـو جاز فإلى أيّ حـدّ يسـمح لنا الشـارع بالتصرف؟ وهل أنّه
من قبيل الذكر المسـموح به في القـنوت أو من قبيل اختلاف صيغ التشهد وصلاة الخوف
عند أهل السنة والجماعة أم هو شـيء آخر؟
نترك القارى
معنا إلى الابواب اللاحقة كي نوقفه على حقيقة الأمر وما نريد قوله بهذا الصدد.
الخلاصة
بعد أن بيّنّا
معنى الأذان لغة واصطلاحاً ، والأقوال التي قيلت في تأريخ تشريع الأذان ، عرضنا
أشهر الأقوال الموجودة عند أهل السنة والجماعة في بدء الأذان فكانت ستّة :
١ ـ تشريعه
باقتراح من الصحابة وخصوصاً عمر بن الخطّاب.
٢ ـ تشريعه
بمنامات رآها بعض الصحابة. مثل أبي بكر وعمر وعبدالله بن زيد وغيرهم.
٣ ـ نزول
الأذان تدريجياً ، ثمّ إضافة عمر الشهادة بالنبوّة.
٤ ـ الأذان وحي
من الله تلقّاه الرسول من جبرئيل في المعراج.
٥ ـ إنّ عمر
أوّل من سمع أذان جبرئيل في السماء ثمّ سمعه بلال.
٦ ـ إنّ تشـريع
الأذان نزل به جبرئيل على آدم لمّا استوحش.
ثمّ أتينا
برؤية أهل البيت في بدء الأذان ، وأكّدنا اتّفاقهم على كون تشريعه كان في المعراج
، ونقلنا نصوصاً عن :
١ ـ الإمام
عليّ بن أبي طالب.
٢ ـ الإمام
الحسن بن عليّ.
٣ ـ الإمام
الحسين بن عليّ.
٤ ـ محمّد بن
عليّ بن أبي طالب (ابن الحنفية).
٥ ـ الإمام
عليّ بن الحسين زين العابدين.
٦ ـ الإمام
محمّد بن عليّ الباقر.
٧ ـ الإمام
جعفر بن محمّد الصادق.
٨ ـ الإمام
عليّ بن موسى الرضا.
ثمّ ذكرنا
أقوال بعض أعلام الإمامية كي نؤكّد إطباقهم على هذا الأمر وأنه مأخوذ من الوحي
النازل على النبيّ دون الرؤيا.
وحيث أن القول
بكونه وحياً قد ورد عند الفريقين بعكس القول بكونه مناماً الذي انفردت به أهل
السنة والجماعة ، ألقينا بعض الضوء على هذه الرؤية فكانت لنا وقفة مع أحاديث
الرؤيا ، ثمّ تحقيق في دواعي نشوء مثل هذه الفكرة عندهم ، واحتملنا ارتباط هذا
الأمر مع قوله تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا
الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ) المرتبط بلعن
بني أميّة ، موضحين هناك بعض معالم الخلاف وجذوره ، مؤكدين على أن أهل البيت كانوا
يشيرون في كلماتهم ومواقفهم إلى أن بني أميّة جدّوا للوقوف أمام انتشار ذكر محمّد
وآله في الأذان والتشهد والخطـبة ، ساعين للتقليل من مكانة الإسراء والمعراج
والادّعاء بأنّه كان بالروح فقط ، أي أنّه كان في المنام لا في اليقظة ، وذلك
طمساً لذكر الرسول المسـتتبع طمس ذكر مكارمه صلىاللهعليهوآلهوسلم وفضائه ، والأنكى من ذلك أنهم أغفلوا وجود الإمام عليّ
بن أبي طالب عليهالسلام ضمن المضطجعين مع النبيّ عند العروج أو البعثة وحرفوا
نصوصاً ومشاهدات اُخرى كانت في المعراج وتسميتها بأسماء آخرين.
ومثله تناسيهم
ذكر وجود مثاله في الجنَّة مع أنّهم ذكروا وجود أمثلة مَن هم أقلّ شأناً ومنزلة من
عليّ بكثير. وقد قلنا بأن فكرة الرؤيا استحكمت عند القوم بعد
صلح الإمام الحسن مع معاوية لقول سفيان بن الليل : فتذاكرنا عنده ، فقال
بعضنا : إنّما كان الأذان برؤيا عبد الله بن زيد ، فقال له الحسن بن عليّ : أنّ
شأن الأذان أعظم من ذلك ، أذّن جبرئيل ...
ثمّ ذكرنا ما
حكي عن الإمام الحسين وأنّه سئل عما يقول الناس فقال عليهالسلام
:
الوحي ينزل على نبيكم وتزعمـون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن
زيد.
وما نقل عن
محمّد بن الحنفية أنّه فزع لمّا سمع ما يُقال عن تشريع الأذان بالرؤيا وقوله : وعمدتم
إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنّه كان رؤيا رآها رجل من
الأنصار في منامه يحتمل الصدق والكذب وقد تكون أضغاث أحلام.
قال [الراوي] :
فقلت : هذا الحديث قد استفاض في الناس؟
قال : هذا والله
هو الباطل.
ثمّ نقلنا بعد
ذلك كلمات الإمام عليّ والزهراء والحسن والحسين وعليّ بن الحسين وزينب ، المصرّح
أو الملوّح فيها ببني أميّة ومن قبلهم ممن كانوا قد تصدو للخلافة!
ثمّ ركّزنا على
خطبة الإمام السجاد في الشام فذكرنا قسماً منها إلى أن أذن المؤذن فقال (اشهد أن
محمّداً رسول الله) فالتفت عليّ بن الحسين من أعلى المنبر إلى يزيد وقال : يا يزيد
، محمّدٌ هذا جدي أم جدك ، فإن زعمت أنّه جدك فقد كذبت ، وإن قلت أنّه جدي فلم
قتلت عترته ، ولاحظنا سير محاولة الطمس وامتدادها إلى العصر العباسيّ من جانب
الحكومات ، وفي مقابلها حرص أئمّة أهل البيت : على إتمام النور ورفع الذكر
والافتخار باسم محمّد المرفوع في الأذان.
وأخيراً أشرنا
إلى مطلبين آخرين :
أحدهما
: أنّ الأذان ليس إعلاماً محضاً للصلاة ، بل له أكثر من
واقع في الحياة
الإسلامية ، إذ تنطوي ألفاظه على معاني الإسلام وأصول العقيدة من التوحيد
والنبوة والإمامة ـ بنظر الإمامية ـ ثمّ ذكرنا الأذان وآثاره في الحياة الإجتماعية.
ثانيهما
: توقيفية الأذان ..! وقد تركنا القارئ دون جواب متكامل
هنا ، وذلك لأنّ هذا المطلب يحتاج إلى مقدمات ومزيد بيان للملابسات وما زيد في
الأذان وما نقص منه ، فلابّد من مسايرة البحث للوقوف على الحقيقة. والآن مع أوّل
باب من هذه الدراسة :
الباب الاول
حيَّ عَلى خَيْرِ العَمَلِ
الشرعية والشعارية
أنّها
جـزء على عهد رسـول الله
تأذين
الصحابة وأهل البيت بها
رفـع
الخـليفـة الثـاني لـها
بيان
لمعنى الحيعلة وسبب حذفها
تاريخ
المسألة والصراعات فيها
ويقع الكلام في هذا الباب في أربعة فصول :
الفصـل
الأوّل : الكلام في شرعيّة حيَّ على خير العمل ، وأنّها كانت
جزءاً على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
الفصل
الثــاني : في تحديد زمن
حذف هذه الحَيعَلة ، وامتناع بلال عن التأذين.
الفصل
الثالث : في بيان معنى حيّ على خير العمل ، والأسباب التي دَعَتِ
عمر بن الخطاب إلى حَذْفِها من الأذان.
الفصل
الرّابع : بيان تاريخ المسألة وكيف صارت شعاراً لنهج التعبّد المحض
، وحذفُها شعاراً سياسيّاً لخصومهم في العصور المتأخّرة بعد ثبوت شرعيّتها على عهد
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
الفصل الأول
في جزئية
حيَّ على خير العمل
ويتلّخص الكلام فيه في ثلاثة أقسام :
القسم
الأوّل : بيان اتّفاق
الفريقين على أصل شرعيّة «حيَّ على خير العمل» وانفراد أهل السنة والجماعة بدعوى
النَّسخ فيها من بعد.
القسم
الثاني : أسماء من
أذّن بـ «حيَّ على خير العمل» من الصَّحابة والتّابعين وأهل البيت.
القسـم
الثالث : إجماع
العترة.
القسم الأوّل
اتّفاق الفريقين على أصل شرعيّتها
من الثابت
المسلّم الذي لا يقبل الشكّ هو ثبوت جزئيّة «حيَّ على خير العمل» في الأذان على
عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ لأنّها مضافاً إلى وجودها في روايات الإمامية الاثني
عشرية وفي روايات الزيدية والإسماعيليّة ، رواها أهل السنة والجماعة بطرقهم ، وأنّ
بلالاً كان يؤذّن بها في الصبح خاصّة ، بل كان جمّ غفير من الصحابة يؤذّنون بها.
وحكي عن بعض
أئمّة المذاهب الأربعة أنّهم قالوا بالتأذين بها ، لكنّ عامّتهم ادّعوا أنّ رسول
الله أمر بلالاً بحذفها من الأذان ووضع مكانها جملة «الصلاة خير من النوم».
من هذا يتبيّن
أنّهم لا ينكرون شرعيّتها في مبدأ الأمر ، لكنّهم يقولون بنسخها ، فما هو الناسخ
إذاً؟ ولِمَ تُنسخُ هذه الجملة بالخُصوص من الأذان؟
للإجابة عن هذا
السؤال لابدّ من ملاحظة أنّ أهل السنّة والجماعة انقسموا ـ في هذه المسألة ـ إلى
فريقين ؛ فمنهم من قال إنّ الناسخ هو قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لبلال : «اجعل مكانها الصلاة خير من النوم» ، في حين لم يَرَ الفريقُ الآخر منهم بُدّاً من
السُّكوت عن بيان الناسخ ؛ لضعف تلك الأخبار وعدم دلالتها على المقصود ، بل
__________________
لاحتواء تلك الأسانيد على وقفات علميّة ؛ سَنَديّة ودلاليّة ، يجب بيانها
إن اقتضى الحال.
قال السيّد
المرتضى في الانتصار : وقد روت العامّة أنّ ذلك [أي «حيّ على خير العمل»] مما كان
يقال في بعض أيام النبيّ ، وإنّما ادّعي أن ذلك نُسخ ورُفع ، وعلى مَن ادّعى النسخ
الدلالة له ، وما يجدها .
وقال ابن عربي
في الفتوحات المكية : ... وأمّا من زاد في الأذان حيَّ على خير العمل فإن كان فُعل
في زمان رسول الله ـ كما روي أنّ ذلك دعا به في غزوة الخندق ؛ إذ كان الناس يحفرون
، فجاء وقت الصلاة وهي خير موضوع كما ورد في الحديث ، فنادى المنادي أهل الخندق «حيَّ
على خير العمل» ـ فما أخطأ مَن جعلها في الأذان ، بل اقتدى إن صحّ الخبر ، أو سنّ
سنّة حسنة .
وجاء في الروض
النضير عن كتاب السنام ما لفظه : الصحيح أنّ الأذان شرّع بحيّ على خير العمل ، لأنّه
اتُّفِق على الأذان به يوم الخندق ، ولأنّه دعاءٌ إلى الصَّلاة ، وقد قال صلىاللهعليهوآلهوسلم «خير
أعمالكم الصلاة» . كما وردت روايات أخرى تفيد أنّ مؤذّني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وغيرهم من الصحابة استمرّوا على التأذين بها حتّى ماتوا
.
وعليه
فالفريقان شيعةً وسنةً متّفقان على ثبوت حكمها في الصدر الأوّل وعلى كونها جزء
الأذان في بدء التشريع ، لكنّ أهل السنة والجماعة انفردوا بدعوى
__________________
النسخ ، وهو كلام قُرِّر في العهود اللاحقة لأسباب تقف عليها لاحقاً.
فهذا الأمر
يشير إلى أنّ شرعيتها وجزئيتها كانت ثابتة عند الفريقين من لدن عهد الرسول الأكرم
، ويضاف إلى ذلك أنّ الشيعة الإمامية والزيدية والإسماعيلية لهم طرقهم الخاصَّة
والصَّحيحة وكُلُّها تُؤكّد ثبوتها على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعدم نَسْخها في حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، «وأنّ رسول الله أمَرَ بلالاً أنْ يُؤذّن بها فلم
يَزَلْ يُؤَذِّنُ بها حتّى قَبَضَ اللهُ رَسولَهُ» .
وهذا نصّ صريح
يدلّ على عدم نسخ «حَيّ على خير العمل» وعلى كونها جُزء الأذان حتّى قَبَضَ الله
رسوله.
ويؤيِّد هذا
المروي عندنا عن بلال ما رواه الحافظ العلوي الزيدي مسنداً إلى
.
__________________
أبي محذورة من أنَّ رسول الله علّمه الأذان ، وفيه التَّأذين بحيَّ على خير
العمل .
ومن المعلوم
أنَّ أبا محذورة تَعَلَّمَ الأذان من رسول الله ـ حسبما يقولون ـ في
__________________
أواخر السَّنَة الثامنة من الهجرة بعد رجوعه من حُنَين ، ومعناه ثبوتُ حيّ على خير العمل وشرعيتُها حتّى ذلك
التأريخ ، ولم يَأمر رسولُ الله بإبدالها بـ «الصلاة خير من النوم».
ويضاف إلى ذلك
أنَّ رواية الحافظ العَلوي عن بلال تنفي الزيادة التي جاء بها الطـبراني والبيهـقي
عنـه رضـوان الله تعالى عليه ؛ لأنَّ الحافظ العَلـوي كان قـد قال :
حدّثنا عليّ بن
محمّد بن إسحاق المقري الخزّاز ، أخبرنا أبو زرعة أحمد بن الحسين الرازي ، حدّثنا
أبو بكر بن تومردا ، أخبرنا مسلم بن الحجّاج ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن عرعرة ،
حدّثنا معن بن عيسى ، حدّثنا عبدالرحمن بن سعد المؤذِّن ، عن محمّد بن عمّار بن
حفص بن عمر ، عن جدّه حفص بن عمر بن سعد ، قال : كان بلال يؤذِّن في أذان الصبح
بحيَّ على خير العمل .
في حين نرى نفس
هذا الحديث قد ورد في الطبراني والبيهقي من طريق يعقوب بن حميد ، عن عبدالرحمن بن سعد [المؤذّن] ، عن عبدالله بن
محمّد وعمر وعمّار ابنَي حفص ، عن آبائهم ، عن أجـدادهم ، عن بلال : أنّـه كان
ينـادي بالصـبح فيقول : «حيَّ على خير العمل» ، إلّا أنّ فيما أخرجـه الطبراني
والبيهقي زيادة :
فأمره النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجعل مكانها «الصلاة خير من النوم» وترك «حيَّ
__________________
على خير العمل».
والمتأمِّل في
رواية معن بن عيسى عن عبدالرحمن بن سعد التي أوردها الحافظ العلـوي يراهـا أوثـق
من روايـة يعقـوب بن حمـيد التي أوردها الطـبراني والبيهـقي باتفاق الجمـيع ؛
لأنَّ معن بن عيسـى ثقـة ثبـت وكذا غـيره من رجال السـند.
وممّا يحبذ هنا
هو أنّ نقوم بتحقيق بسيط عن رجال الإسنادين وما رَوَوه عن بلال وأبي محذورة ، واختلاف
النقل عنهما ، كي نتعرف على ملابسات مثل هذه الأمور في الشر يعة والأحكام :
وقفة مع الحديثَين
ذكرت كتب
الحديث والتاريخ أسماء أربعة من الذين أذنوا على عهد رسول الله ، وهم :
١ ـ بلال بن
رباح الحبشي
٢ ـ أبو محذورة
القرشي
٣ ـ عبدالله بن
أمّ مكتوم
٤ ـ سعد القرظ
وقد أذّن أبو
محذورة بعد السنة الثامنة من الهجرة ، وقيل بعد فتح مكّة ،
__________________
ونقل عن سعد القرظ أنّه كان يؤذّن بِقُبا .
وربّما تكون
روايات الأذان عند المذاهب الأربعة والاختلافات في فصوله وأعداده ، راجعـة إلى اختـلاف
عمل هـؤلاء الصـحابة في الأذان أو اختلاف النـقل عنهـم ، مضـافـاً إلى ما جـاء عن
عبد الله بن زيـد بن ثعلـبة بن عبد ربـه فيه.
فالاختلاف أمر
ملحوظ في الأحاديث ، وقد يُنقَل عن الصحابي الواحد نقلان متخالفان ؛ فالتكبيرتان
والأربع في أوّل الأذان مثلاً ورد كلّ منهما عن عبدالله بن زيد ، والتثويب وعدمه
جاءا عن أبي محذورة ، واختص خبر الترجيع بأبي محذورة دون غيره من المؤذنين ، فما سبب كلّ هذا الاختلاف والكل ينسب
فعله إلى الصحابة؟
«فمالك
والشافعي ذهبا إلى أنّ الأذان مثنى مثنى والإقامة مرّة مرّة ، إلّا أنّ الشافعيّ
يقول في أوّل الأذان (الله أكبر) أربع مرات ويرويها محفوظاً عن عبدالله بن زيد
وأبي محذورة ، وهي زيادة مقبولة والعمل بها في مكّة ومن تبعهم من أهل الحجاز.
لكن مالكاً
وأصحابه ذهبا إلى تثنية التكبير ، وقد رووا ذلك من وجوه صحاح من أذان أبي محذورة
ومن أذان عبدالله بن زيد وعليه عمل أهل المدينة من آل سعد القرظ» .
__________________
واتفق مالك والشافعي على الترجيع في الأذان ، لكن الحنابلة والأحناف قالوا : لا ترجيع في الأذان ، وكلٌ استند فيما ذهب إليه إلى نقله عن بعض
الصحابة!!
قال الأثرم : سمعت
أبا عبدالله [يعني أحمد بن حنبل] يُسأَلُ : إلى أيّ الأذان يذهب؟ قال : إلى أذان
بلال ...
قيل لأبي
عبدالله : أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبدالله بن زيد ؛ لأنّ حديث أبي محذورة
بعد فتح مكّة؟
فقال : أليس قد
رجع النـبيّ إلى المدينـة فأقرّ بلالاً على أذان عبد الله بن زيد .
بلى ، إنّ فِعل
الصحابي كان هو الحجة رغم الاختلافات ، لكن لنا أنّ نتساءل عن هذا الاختلاف هل
أنّه حصل بالفعل في زمن الصحابي ، أم أنّه من صنع المتأخرين ، وما هي ملابسات هذه
الأحاديث المختلفة؟ بل ما هي قيمة رجال إسنادها؟!
ونحن إيماناً
بضرورة دراسة مثل هذه الأمور سلّطنا بعض الضوء على رجال خبري بلال وأبي محذورة.
فقد ادّعي في
طريق الطبراني والبيهقي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لبلال : «اجعل مكانها الصلاة خير من النوم» ، مع
أنّ هذه الزيادة غير موجودة في طريق الحافظ العلوي.
__________________
وفي رواية أبي
محذورة «فاجعل في آخرها : الصلاة خير من النوم» ، وهي أيضاً غير موجودة في طريق
الحافظ العلوي.
فأيّ النقلين
هو الصواب إذن؟!
مع ما رواه الطبراني والبيهقي عن بلال
قد مرّ عليك
قبل قليل ما رواه الطبراني عن شيخه محمّد بن عليّ الصائغ ، والبيهقي بإسناده عن أبي
الشيخ الإصفهانيّ ـ في كتاب الأذان ـ عن محمّد بن عبدالله بن رسته ، كلاهما عن
يعقوب بن حميد بن كاسب :
حدّثنا
عبدالرحمن بن سعد بن عمّار بن سعد القرظ ، عن عبدالله بن محمّد ، وعمر وعمّار
ابنَي حفص ، عن آبائهم ، عن أجدادهم ، عن بلال ...
وفي هذا
الإسناد : يعقوب بن حميد بن كاسب ، فهو أبو يوسف ، مدنيّ الأصل ، مكيّ الدار ؛ هذا
ما قاله ابن أبي حاتم الرازي ، ثمّ قال : سألت يحيى بن معين عن يعقوب بن كاسب ، فقال
: ليس بشيء.
وقال أبو بكر
بن خيثمة : سمعت يحيى بن معين يقول وذكر ابن كاسب ، فقال : ليس بثقه ، قلت : من أين
قلت ذلك؟ قال : لأنّه محدود .
قلت : أليس في
سماعه ثقة؟ قال : بلى.
أخبرنا
عبدالرحمن ، قال : سمعت أبي يقول : ضعيف الحديث.
أخبرنا
عبدالرحمن قال : سألت أبا زرعة عن يعقوب بن كاسب ، فحرّك رأسه ، قلت : كان صدوقاً
في الحديث ، قال : لهذا شروط. وقال في حديث رواه
__________________
يعقوب : قلبي لا يسكن إلى ابن كاسب .
وقال أبو بكر :
سمعت يحيى بن معين وذكر ابن كاسب يقول : ليس بثقة ، فقلت له : من أين قلت ذاك؟ قال
: لأنّه محدود ، قلت : أليس هو في سماعه ثقة؟ فقال : بلى ، فقلت له : أنا أعطيك
رجلاً تزعم أنّه وجب عليه حدٌّ وتزعم أنّه ثقة ، قال : من هو؟ قلت : خلف بن سالم ،
قال : ذلك إنما شتم بنت حاتم مرّة واحدة ، وما به بأس لولا أنّه سفيه.
قلت لمصعب
الزبيري : إنّ يحيى بن معين يقول في ابن كاسب : إنّ حديثه لا يجوز لأنّه محدود ، فقال
: ليس ما قال ، إنما حدّه الطالبيّون في التحامل وليس حدود الطالبيين عندنا بشيء
لجورهم ، وابن كاسب ثقة مأمون صاحب حديث ، أبوه مولى للخيزران ، وكان من أمناء
القضاة زماناً .
وقال الذهبي في
تذكرة الحفاظ : تفرّد بأشياء وله مناكير ، حدّث عنه البخاري وابن ماجة وعبدالله بن
أحمد وإسماعيل القاضي ، وأبو بكر بن أبي عاصم وطائفة ، ذكره البخاري فقال : لم نرَ
إلّا خيراً ، وقال أبو حاتم : ضعيف .
وفي ميزان
الاعتدال : قال البخاري : لم نرَ إلّا خيراً ، هو في الأصل صدوق وشذّ مضر بن محمّد
الاسدي فروى عن ابن معين : ثقة ، وروى عبّاس عن يحيى : ليس بثقه ، فقلت : لم؟
قال : لأنّه
محدود ...
والنسائي : ليس
بشيء.
__________________
وأبو حاتم : ضعيف.
قال الذهبي : كان
من علماء الحديث لكن له مناكير وغرائب ، وحديثه في صحيح البخاري في موضعين : في
الصلح ، وفيمن شهد بدراً ...
قال الحلواني :
رأيت أبا داود السجستاني قد جعل حديث يعقوب بن كاسب وقايات على ظهور كتبه ، فسألته
عنه ، فقال : رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها ، فطالبناه بالأصول فدافعنا ، ثمّ
أخرجها بَعدُ فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيَّرة بخطِّ طَرِيّ ؛ كانت مراسيل فأسنَدَها
وزادَ فيها .
وفي سير أعلام
النبلاء :
«... وكان من
أئمّة الأثر على كثرة مناكير له ـ إلى أنّ يقول ـ : وقال ابن عدي : لا بأس به
وبرواياته ، هو كثير الحديث ، كثير الغرائب ، كتبت مسنده عن القاسم بن عبدالله عنه
، صَنّفه على الأبواب ، وفيه من الغرائب والنسخ والأحاديث العزيزة ، وشيوخ أهل
المدينة ممّن لا يروي عنهم غيره ...» .
وقال ابن حبّان
في الثقات : مات سنة أربعين أو أحد وأربعين ومائتين ، كان ممّن يحفظ وممّن جمع
وصنّف ، واعتمد على حفظه فربّما أخطأ في الشيء بعد الشيء ، وليس خطأ الإنسان في
شيء يَهِمُ فيه ما لم يفحش ذلك منه بمُخْرِجِهِ عن الثقات إذا تقدّمت عدالته .
قلت
: كيف يقول ابن حبّان هذا وهو يعلم بأن الخدشة فيه جاءت
لكونه محدوداً لا من جهة حفظه ؛ لأنّ الثابت عدم قبول شهادة الفاسق وخصوصاً لو
أفحش في التحامل على أهل البيت ، وخصوصاً الإمام عليّ بن أبي طالب ، وهذا
__________________
يشير إلى نصبه بلا أدنى شك ؛ لأنّ الطالبيين حدّوه لنصبه ، وقد وقفت على
سرّ الحد لقول الزبيري «إنّما حده الطالبيون في التحامل» وقول ابن معين في خلف بن
سالم «... إنّما شتم بنت حاتم مرّة واحدة وما به بأس» ، وهما يرشدان إلى أنّ
الخدشة جاءت فيه من هذه الجهة ، وهي فسق بلا شك ، لا من جهة نسيانه ، وكيف لا يكون
فاسقاً غير معتمد الرواية وهو يغير الأصول ويسند المراسيل؟! أضف إلى كلّ ذلك أنّه
كان «أبوه مولى للخيزران وكان من أمناء القضاة زماناً»؟
وأمّا عبدالرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذّن.
فقد قال ابن
أبي حاتم عنه : سئل يحيى بن معين عن عبدالرحمن المؤذّن ، فقال : مديني ضعيف ؛ روى
عن أبي الزناد .
وقال ابن حجر
في تقريب التهذيب : ضعيف من السابعة .
وقال الشوكاني
في نيل الأوطار : وعبدالرحمن ضعيف .
وقال ابن أبي عاصم
في الآحاد والمثاني : ضعيف .
وقال البخاري
في تاريخه الكبير : عبدالرحمن بن سعد فيه نظر ، مولى بني مخزوم .
وقال المارديني
الشهير بابن التركماني في الجوهر النقي : منكر الحديث .
وضعّفه ابن أبي
حاتم ، وقال ابن القطان : هو وأبوه وجدّه مجهولو الحال .
__________________
وقال الألباني
في إرواء الغليل : عبدالرحمن بن سعد ضعيف وأبوه وجده لا يعرف حالهم .
وأمّا
عبدالله بن محمد فقد ضعفه ابن معين .
وسئل يحيى بن
معين عن عبدالله بن محمّد وعمّار وعمر ابني حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن
أجدادهم كيف حال هؤلاء؟ قال : ليسوا بشيء .
وأمّا
عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرظ.
فقد قال ابن
معين : ليس بشيء .
وقال ابن حجر
في تقريب التهذيب : عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرظ المدني المؤذن فيه لين ، من
السابعة .
وأمّا
عمار بن حفص بن عمر بن سعد القرظ ، فهو أخو عمر ، وهو والد محمّد ، روى عنه عبدالرحمن بن
سعد .
قال البخاري : لم
يصحّ حديثه .
وقال يحيى بن
معين : ليس بشيء .
__________________
وأمّا
حفص بن عمر بن سعد القرظ ، فلم يسمع من جدّه ولا غيره من الصحابة ، وربما نسب
إلى جدّه فيتوهّمه الواهم أنّه تابعي .
وقد علّق ابن
التركماني على أحد أحاديث حفص بن عمر في كتاب صلاة العيدين بقوله : إنّ حفصاً والد
عمر المذكور في هذا السند إن كان حفص بن عمر المذكور في السند الأوّل فقد اضطربت
روايته لهذا الحديث ، رواه ها هنا عن سعد القرظ ، وفي ذلك السند رواه عن أبيه
وعمومته عن سعد القرظ ، فظهر من هذا أنّ الأحاديث التي ذكرها البيهقي في هذا الباب
لا تسلم من الضعف. وكذا سائر الأحاديث الواردة في هذا الباب ..
وحكى الزيلعي
عن «الإمام» : وأهل حفص غير مُسمَّين ، فهم مجهولون .
كان هذا حال
رجال هذا الإسناد.
مع ما رواه الحافظ العلوي عن بلال
أمّا طريق
الحافظ العلوي فهو أحسن من هذا بكثير ، وإن كان فيه بعض الملابسات ؛ لأنّ الحافظ
خرّج حديثه من طريق مسلم بن الحجّاج ، وإن لم يكن في صحيحه :
حدثنا إبراهيم
بن محمّد بن عرعرة ، حدثنا معن بن عيسى ، حدثنا عبدالرحمن بن سعد المؤذّن ، عن
محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر.
وهم خير من
أولئك.
فمسلم
بن الحجّاج ، صاحب الصحيح ، فهو إمام عند القوم.
__________________
وأمّا
إبراهيم بن محمّد بن عرعرة بن البرند بن النعمان أبو إسحاق البصري فقال عنه ابن
أبي حاتم الرازي : سئل أبي عن إبراهيم بن أبي عرعره فقال : صدوق .
وحكى عن عليّ
بن الحسين بن حبّان أنّه قال : وجدت في كتاب أبي بخطّ يده قلت له ـ يعني يحيى بن
معين ـ : أبو عرعرة؟
فقال : ثقه
معروف الحديث ، كان يحيى بن سعيد يكرمه ، مشهور بالطلب ، كيّس الكتاب ؛ ولكنه يفسد
نفسه ، يدخل في كلّ شيء . وجاء فيه بعض التليين.
وأمّا
معن بن عيسى بن يحيى بن دينار الأشجعي مولاهم القزّاز أبو يحيى المدني ؛ فهو في طبقة
يعقوب بن حميد بن كاسب ، فقد ترجم له المزّي في التهذيب ، قال أبو حاتم : أثبتُ أصحاب مالك وأوثقهُم معن بن
عيسى ، وهو أحب اليَّ من عبدالله بن نافع الصائغ ومن ابن وهب .
أمّا
عبدالرحمن بن سعد المؤذن فضعيف حسبما عرفت.
وأمّا
محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر ، فهو أبو عبدالله المدني مؤذّن مسجد الرسول ، ويقال له
: كشاكش ، وهو مولى الانصار ويقال : مولى عمّار بن ياسر .
قال عبدالله بن
أحمد بن حنبل عن أبيه : ما أرى به بأس ، وقال الدوري عن يحيى بن معين : لم يكن به باس .
__________________
وقال عليّ بن
المديني : ثقة .
قال أبو حاتم :
شيخ ليس به بأس ، يُكتب حديثه .
وقال ابن حجر :
لا بأس به ، من السابعة .
وحفص
بن عمر بن سعد القرظ قد عرفت حاله وهو مُتكلَّم فيه ، والخبر موقوف عليه وليس بحجة.
ومع كلّ هذه
الملابسات نرى هذا الإسناد أنظف ممّا رواه الطبراني في الكبير والبيهقي عن أبي
الشيخ الإصفهاني عن محمّد بن عبدالله بن رُسته في السنن.
مع ما رواه السري عن أبي محذورة
ويعضد ثبوت
الحيعلة الثالثة عن رسول الله ما رواه الحافظ العلوي بطرق متعددة ـ سيأتيك ذكرها
تحت عنوان «تأذين الصحابة وأهل البيت» ـ عن أبي محذورة وأنّها اتفقت جميعاً على
ثبوتها.
وأمّا رواية
الحافظ العلوي بإسناده الذي فيه أحمد بن محمّد بن السري فإليك نصّها :
حدّثنا أبو
القاسم عليّ بن الحسين العرزمي إملاءً من حفظه ، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن
محمّد بن السري التميمي ، حدّثنا أبو عمران موسى بن هارون بن عبدالله الجمال ، حدّثنا
يحيى ابن عبدالحميد الحماني ، حدّثنا أبو بكر بن عياش ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن
أبي محذورة ، قال : كنتُ غلاماً صيّتاً ، فأذّنت بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
لصلاة الفجر ، فلما
انتهيت إلى «حيَّ على الفلاح» قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
ألحق فيها «حيَّ على خير العمل» .
وهذا النص ـ
كما تـراه ـ واضـح لا مغمز في لفظه ولا معناه ، لكنّ المتآخرين من علماء العامّة
حرفوا النص عن وجهته فنقلوا الرواية بشكل آخر ، قالوا :
زعم أحمد بن
محمد بن السري أنّه سمع موسى بن هارون عن الحماني عن أبي بكر بن عياش عن عبدالعزيز
بن رفيع عن أبي محذورة ، قال : كنت غلاماً فقال النبيّ : اجعل في آخر أذانك «حيّ
على خير العمل» .
وبناء على هذا
التلاعب قال الحافظ ابن حجر في خبر السري :
«وهذا حدثنا به
جماعة عن الحضرمي عن يحيى الحماني وإنّما هو : اجعل في آخر أذانك الصلاة خير من
النوم» .
لكن كلامه باطل
من عدة جهات :
الأولى
: أنّ مكان «حيّ على خير العمل» عند من يقول بها هي وسط
الأذان لا في آخره ، وأنّها من أصل الأذان لا زيادة فيه كالصلاة خير من النوم ، وإنّما
سوغ لهم هذا التلاعب تحريفهم نص السري عن وجهته ، حيث جعلوا الحيعلة الثالثة في
آخر الأذان ، ليتسنى لهم ادعاء أنّ الرواية وردت بجعل «الصلاة خير من النوم» في
آخره لا الحيعلة الثالثة.
الثانية
: أنّ زيادة «الصلاة خير من النوم» جاءت متأخّرة ، وقد قال
مالك
__________________
عنها أنّها ضلال ، ورجع الشافعي عن القول بها في الجديد ؛ لعدم ثبوت ذلك عن أبي محـذورة ، وهو مؤشّر على عدم شرعيّتها في أصل
الأذان ، فلو كان الأمر كذلك فالزيادة مشكوك فيها ولا يمكن الأخذ بها ، وقد جاء في
مصنف ابن أبي شيبة عن الأسود بن يزيد قوله وقد سمع المؤذّن يقول «الصلاة خير من
النوم» فقال : لا يزيدون في الأذان ما ليس سنّة .
الثالثة
: إنّ ما زعمه ابن حجر من وضع حديث : نار تلتقط مبغضي آل
محمّد ، واتّهم به أحمد بن محمّد بن السريّ ، فباطل.
إذ لا شاهد له
على ذلك إلّا استعظامه واستكباره أن يرد مثل هذا الحديث في فضل آل محمّد ، ولو
أنصف لعلم أنّ مبغضي آل محمّد في النار وأنّه لا استكبار ولا استعظام. وهناك
روايات كثيرة تشير إلى هذا المعنى ، فقد يكون أحمد بن محمّد بن السري نقل الحديث
بالمعنى ، وهو جائز عند الفريقين ، ومحض الانفراد ـ لو صحّ ـ لا يدلّ على الوضع ، خصوصاً
مع أنّ لحديثه هذا شواهد ومتابعات كثيرة ، وأحمد هذا ثقة بإجماعهم ، ولم يعيبوا
عليه إلّا شيئاً لا يصح به قدح.
فأحمد بن محمّد
بن السري المعروف بابن أبي دارم المتوفّى ٣٥١ هـ قال عنه الحافظ محمّد بن أحمد بن
حمّاد الكوفي ، بعد أنّ أرّخ وفاته : كان مستقيم الامر عامّة
__________________
دهره ، ثمّ في آخر أيّامه كان أكثر ما يُقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل
يقرأ عليه : إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن.
وفي خبر آخر في
قوله تعالى : (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ) عمر : (وَمَنْ
قَبْلَهُ) أبوبكر (وَالْـمُؤْتَفِكَاتُ) عائشة وحفصة ، فوافقته على ذلك ؛ ثمّ أنّه حين أذَّن
الناس بهذا الأذان الُمحدَث وضع حديثاً متنه : تخرج نار من عدن ...
وعليه فالخدشة
في ابن أبي دارم جاءت لروايته المثالب لا لسوء حفظه واختلاطه بأخَرَة و .. ، بل
لروايته أشياء لا ترضي الآخرين من القول برفس فاطمة ، وشرعيّة حيّ على خير العمل ،
وأنّ النار تلتقط مبغضي آل محمّد وغيرها.
وقد
تلحض مما سبق : إمكان الخدش في
خبرَي أبي محذورة وبلال المُدَّعِيَيْنِ لنسخ الحيعلة الثالثة ، والمُعَارَضَيْنِ
بما رواه العلوي. ونلفت نظر القارئ الكريم إلى أنّ هذين الخبر ين بمجردهما قد لا
يصلحان لإثبات شرعية حيّ على خير العمل ، بل إن ثبوتها عندنا يرجع إلى ما عندنا من
طرق صحيحة في ذلك ، ويؤيده تأذين أهل البيت والصحابة بذلك ، وهو ما ستعرفه بعد
قليل ، الأمر الذي يتفق مع سيرة بلال وحياته الفكرية التي ستقف عليها في الفصل
الثاني من هذا الباب «حذف الحيعلة وامتناع بلال عن التأذين».
مشيرين إلى أنّ
الملابسات العلمية التي تعرضنا لها آنفاً ينبغي أن تحدّ من إسراف من يدّعي النسخ
ويلهج بوجود الناسخ بلا دليل مُرْض ، وهذا هو الذي أشار إليه الشريف المرتضى (ت
٤٣٦ هـ) بقوله :
__________________
وقد روت العامة
أنّ ذلك مما كان يقال من بعض أيّام النبيّ وإنّما ادُّعي أنّ ذلك نُسِخَ ورُفِعَ ،
وعلى من ادّعى النسخ الدلالة له وما يجدها.
وممّا يضحك
الثكلى أنّ البعض أسرف للغاية ؛ حيث رفض جزئية حيّ على خير العمل ، مدّعياً أنّ
الشيعة هم الذين أوجدوها وحشروها في كتب أهل السنة والجماعة لأنّ بقيّة الفرق
الإسلاميّة لا تقول بذلك ، كما أنَّ صحاحهم ومسانيدهم قد خلت من «حيّ على خير
العمل».
وأمام احتمال
طرح مثل هذه الشبهة ، نقول : إنَّ هذه القضيّة لم تختصّ بالطالبيّين دون غيرهم على
ما ضبطته لنا صفحات تاريخ السنّة والسيرة ، بل أقرّها عدد من الصحابة وعملوا بها ،
ويكفينا أن نذكر هنا اسم ابن عمر فقط لأنّه الصحابي الذي كان مورد اعتماد أهل
السنة والجماعة في فترات متعاقبة من التاريخ ، حتّى أنَّ المنصور العبّاسيّ قد
وجّه مالكاً حين تدوين كتاب «الموطّأ» بقوله : هل أخذت بأحاديث ابن عمر؟
قال : نعم.
قال المنصور : خذ
بقوله وان خالف عليّاً وابن عباس .
وعلى ضوء هذا
الأمر الحكومي يمكننا القول : إنّ الدولة العبّاسيّة قد اعتبرت فقه ابن عمر
معياراً ومقياساً شاخصاً لتدو ين السنّة ، لأنّه لم يكن شخصاً عاديّاً ، بل كانت
شخصيته ذات أبعاد مبطّنة ، وفي هذا المجال رأيناه يضفي على حياته هالة من القدسيّة
في اقتفاء آثار النبيّ ومتابعته.
ويتلخص إشكال
أهل السنة والجماعة في ثلاث نقاط :
إشكالهم
الأوّل : ادّعاء أنَّ مصادرهم الحديثيّة المعتبرة قد خلت من
الروايات
__________________
التي تؤكّد ثبوت «حيّ على خير العمل» في الأذان ، وأنّ السنن الكبرى
للبيهقيّ ، ومصنّف ابن أبي شيبة ـ اللَّذين ضمّا بين طيّاتهما مثل تلك الروايات ـ
ليسا من الكتب الرئيسيّة التسعة ، إذ هما من المصادر الثانويّة ، لذا فهم لا
يقولون بشرعيّة «حيّ على خير العمل» لأنّ صحيحي البخاريّ ومسلم لم يذكرا روايات
تؤيّد ذلك!
إشكالهم
الثاني : ادعاء أنّ رواة تلك الروايات المثبِتة لـ «حيّ على خير
العمل» هم من الضعفاء ، فتكون الروايات غير معتبرة من ناحية السند.
إشكالهم
الثالث : إمكان القول بأنَّ عمل رسول الله هو الحجّة علينا لا عمل
الصحابة ، فلا حجّيّة في التزام ابن عمر الإتيانَ بـ «حيّ على خير العمل» في أذانه
، لأنّ المسلم مكلّف باتّباع رسول الله لا غيره!
هذه هي جملة إشكالاتهم
أمّا
ما يخصّ إشكالهم الأوّل ـ من أنّ صحاحهم وسننهم المعتبرة لم تذكر روايات تؤيّد شرعيّة «حيّ على
خير العمل» وعلى الأخصّ فيما تمّ تدوينه في كتابي الشيخين البخاريّ ومسلم ـ فقد
أجاب أحد الزيديّة عليه إجابة نقضيّة بقوله :
«وقالوا إن
صحّت في الأذان الأوّل فهي منسوخة بالأذان الثاني ، لعدم ذكره فيها.
وردّ هذا : بأنّه
لا يلزم من عدم ذكره في الصحيحين عدم صحّته ، وليس كلّ السنّة الصحيحة في الصحيحين
، وبأنّه لو كان منسوخاً لما خفي على عليّ بن أبي طالب وأولاده كما في مسنداتهم ، وهم
السفينة الناجية بقول جدّهم سيّد البريّة : «أهل بيتي فيكم كسفينة نوح : مَن رَكبها
نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى».
وما ذكره في
كتاب (الأذان بحيّ على خير العمل) أنّها كانت ثابتة في
الأذان أيّام
النبيّ ، وفي خلافة أبي بكر ، وفي صدر من خلافة عمر ثمّ نهى عنها» .
وبعد ذكر جواب
هذا الزيديّ على الإشكال الأوّل ، نقول : إنّ من الثابت المعلوم أَنْ ليس باستطاعة
كتبهم التسعة أن تضمّ جميع الأحاديث والروايات المرويّة على مرّ التاريخ ، بل ولم
يدَّعِ أصحاب تلك الكتب أنفسهم الإلمام بكلِّ ما رُوِي أو جمعهم لكل ما صح عن رسول
الله.
بلى ، إنّهم
ادعوا أنّ أحاديثهم منتقاةٌ من الأحاديث الصحيحة ، وبهذا المعنى صرح كلٌّ من
النسائيّ والبخاريّ وابن ماجة وغيرهم ، فهذا يقول إنَّه انتقى صحيحه من ستمائة ألف
حديث صحيح ، وذاك يقول إنّه أخذها من ثلاثمائة ألف حديث صحيح .. وهكذا.
وصحيح أنَّهم
يصفون الأحاديث التي انتقوها بأنّها صحيحة ، ولكنّهم بذات الوقت لا ينكرون صحّة
بقيّة الأحاديث المتروكة عندهم ـ التي لم يشملها تدوينهم ـ فهم والحال هذه لا
ينفون وجود أحاديث صحيحة عند الآخرين.
فلو لاحظت
أحاديث عبدالله بن زيد الأنصاري المعتمدة عندهم في تشريع الأذان فلا تجدها في
صحيحي البخاري ومسلم ، ولم يأتِ بهما الحاكم في مستدركه ، فما يعني هذا اذاً؟
ونحن قد بيّنّا
أنّ ثمّة اتفاقاً بين الفريقين على ثبوت «حيّ على خير العمل» في عهد رسول الله
واستمرّ ذلك إلى أن جاء المنع من قبل عمر بن الخطاب ، وبهذا تتأكّد شرعيّة وثبوت «حيَّ
على خير العمل» إلى أنّ حكم عمر بن الخطّاب بعدم
__________________
شرعيّتها ، وعلى هذا الأساس فإنّ «حيّ على خير العمل» هي السنّة الحقّة وما
خالفها ليس من سنّة الرسول المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أمّا
الإجابة على إشكالهم الثاني فهي غير مبتورة عن الإجابة على الإشكال الأوّل ، إذ أنّ
امتداد الإجابة بمثابة الردّ الفاصل على إشكالهم الثاني ، لأنّهم يقولون بأنّ
الروايات التي وردت فيها الحيعلة الثالثة «حيّ على خير العمل» ضعيفة السند ، لأنّ
أغلب رواتها من الضعاف ... وهنا لابدّ لنا من الخوض في بحث منهجي مبنائيّ معهم
ليكون حديثنا أكثر علميّة وأدقّ توجيهاً ، فنقول :
هل ضوابط الجرح
والتعديل المتّبعة في توثيق وتضعيف الرجال هي ضوابط قرآنيّة ، أو هي مبنيّة على
الهوى والهوس ، أو تتحكّم بها الطائفيّة ، كأن يكون للشافعيّة ضوابطهم الخاصّة بهم
، وكذا للمالكيّة والحنفية وغيرهم.
فقد خدش ابن
معين وأحمد بن صالح في الإمام الشافعيّ .
وذكر الخطيب
البغداديّ أسماء الذين ردّوا على الإمام أبي حنيفة .
وقال الرازي في
رسالة ترجيح مذهب الشافعيّ ما يظهر منه أنّ البخاري عدّ أبا حنيفة من الضعفاء في
حين لم يذكر الشافعيّ .
وحكي عن أبي
عليّ الكرابيسيّ أنّه كان يتكلم في الإمام أحمد ، وكذا قدح العراقيّ شيخ ابن حجر
في ابن حنبل ومسنده .
وذكر الخطيب في
تاريخه أسماء عدّة قد خدشوا في الإمام مالك .
__________________
وقد خدشوا في
الإمام البخاري والنسائي وغيرهما.
فما المعتبر في
الجرح والتعديل اذاً؟
في سياق جوابنا
على إشكالهم الثاني ، نقول أيضاً : لو سلّمنا فرضاً بضعف تلك الروايات ، فإنّ
كثرتها وتعدّد طرقها ، تجعلها معتبرة ، ويمكن الأخذ بها بناءً على قاعدة : (الحديث
الضعيف يقوّي بعضه بعضاً) . وأنّهم كثيراً ما أخذوا بروايات رجالها ضعفاء ، فمثلاً
أنّهم عملوا بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «على اليد ما اخذت حتّى توديه» على رغم ضعف سندها وانحصارها بسمرة بن جندب.
هذا كلّه بصرف
النظر عن أنّ هناك جمّاً غفيراً من علماء المسـلمين ـ من طوائف الاثني عشرية
والاسماعيلية والزيدية ـ رووا بطرق صحاح وحسان ثبوت الحيعلة الثالثة في زمن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعدم نسخها ، وحينئذ فنحن نرى انجبار الروايات الضعيفة
بهذه الطرق الصحيحة والحسنة.
ويتأكّد لك سبب
ندرة الروايات الدالّة على الحيعلة الثالثة في مدرسة الخلفاء أو تضعيفهم لرواتها
لو سايرت البحث معنا حتّى الفصل الرابع «حيّ على خير العمل تاريخها السياسي
والعقائدي» إذ هناك ستقف على الاسباب السياسية الكامنة وراء هكذا أمور في الشر يعة.
أمّا
فيما يتعلّق بالإشكال الثالث من أنَّ عمل النبيّ الأكرم هو الحجّة وليس
__________________
عمل الصحابة في المورد المشار إليه ، فليس لنا إشكال في أصل هذا الكلام
والمبنى ، لكن فيه على أهل السنّة إيرادان : نقضيّ وحلّي ؛ إذ أنك ترى أهل السنّة
يتّبعون عمل الصحابة ويجعلونه معياراً لهم في الأحكام الفقهيّة ، ولكنّهم اتّخذوا
موقفاً مضادّاً لمنهجيّتهم الفقهيّة في مسألة «حيّ على خير العمل» على الرغم من
دعم عمل الصحابة فيها بالنصوص الكثيرة الصريحة والشـواهد التاريخـيّة المؤيّـدة
لها.
فعلى الرغم من
التزام الصحابة بـ «حيّ على خير العمل» في أذانهم ، وعلى رغم كثرة الروايات التي
تؤكّد شرعيّتها ، ترى بعضهم يستثنون حكم هذه المسألة على ضوء طريقتهم فيقولون : الحجّة
ـ في هذه المسألة بالذات ـ عمل النبيّ الأعظم وليس عمل الصحابة ، مع أنّ مِن بينهم
مَن يقول بأنَّ (فعل الصحابيّ يخصّص القرآن) .. وهذا تناقض واضح وصريح من جانبهم!
بينما تراهم في
حين آخر يقولون بأنّ فعل الصحابيّ هو علامة أو انعكاس لفعل النبيّ الأكرم ، ولمّا
كان ثمّـة خـلاف بين فقه عليّ عليهالسلام وفقه عمر ، وبين ابن عمر وعمر نفسه ، وبين الصحابة
الآخرين فيما بينهم أيضاً ، فإنّ هذا مؤشر يدلّ دلالة واضحة على وجود مذهبين
مختلفين : أحدهما يتبع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والنصوص الواردة ، والآخر يعطي لنفسه الاجتهاد ، ويتعبد
بسيرة الشيخين وإن خالفت سنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولو نقّبت في
الكتب وتتبّعت أقوال المورخين في ابن عمر لوقفت على أنّ المشهور عندهم أنّه كان
يتحرّى آثار النبيّ الأكرم ، وقد سُطِّرَتْ في كتاب «منع تدوين الحديث» ثمان
وثلاثون حالة اختلف فيها عبدالله بن عمـر مع أبيه.
إذ كان ابن عمر
في أغلبها يحاول اتّباع سنّة رسول الله ، لكنّ عمر لم يأبه بكلام ابنه ، ملتزماً
برأيه ، عاملاً بالقياس أو الاستحسان وما شابه ذلك ..
__________________
فبماذا
يُفَسَّر إذاً خلاف ابن عمر مع أبيه؟ نحن لا نريد بكلامنا هذا القول بأنّ ابن عمر
كان من اتباع نهج التعبد المحض ، أو أنّه لا يجتهد مقابل النص ، لكن الصبغة
الغالبة عليه هي شـهرته بتحري أثار رسـول الله واتّـباع سـننه لا الاجتـهاد والرأي.
ولمّا كان عمر
هو الذي أمر بـ «الصلاة خير من النوم» ، وهو الذي نهى عن «حيّ على خير العمل» ، كان
فعل الصحابة في هذا المورد هو الحاكم وهو الحجّة عندهم بخلاف ما يدّعون من أنَّ
فعل النبيّ الأكرم هو الحجة لا غير.
وبهذا ، فقد
عرفنا شرعية الأذان بحيّ على خير العمل ، وانه لم ينسخ من قِبَلِ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كما يقولون ، وما ذُكِر من إشكالات كلّها كانت واهية لا
تناهض الأدلة ، بل وقفتَ على بعض تحريفات الأمويين ومن اتبعوهم من المتزلفين
المتزلفين وكيف حرّفوا قول أبي محذورة (فلما انتهيت إلى حيّ على الفلاح قال النبيّ
صلىاللهعليهوآلهوسلم :
ألحِق فيها حيّ على خير العمل) ، وأبدلوها بـ (اجعل في آخر أذانك
حيّ على خير العمل) فان هذا الكلام باطل وتحريف صريح للنصوص. لأنّ «ألحِق فيها حيّ
على خير العمل» يؤكد على أن مكان الحيعلة الثالثة هو بعد الحيعلتين لا كما تقول
الرواية المفتعلة بأنّها في آخر الأذان ، فـ «الصلاة خير من النوم» تتفق مع كونها
آخر الأذان لتأخر تشريعها ، أما الحيعلة الثالثة فهي بعد الحيعلتين ، إلّا أن
يقولوا بأن الحيعلة الثالثة أو الصلاة خير من النوم ـ كما في الرواية الاخرى ـ هو
آخر الأذان ، مسقطين بذلك التكبير والتهليل عن اخر الأذان وهذا ما لا يقوله أحد.
وعليه فيكون
الصحيح الذي يتفق مع فصول الأذان هو ما رواه الحافظ العلوي بإسناده عن ابي محذورة
لا ما حرفه الذهبي وابن حجر ، فتدبر.
القسم الثاني
تأذين الصحابة وأهل
البيت
إنّ المطالع في
كتب السير والتاريخ والحديث عند المذاهب الإسلاميّة يقف على أسماء عدة من الصحابة
والتابعين وتابعي التابعين وأهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كانوا يؤذّنون بـ «حيّ على خير العمل» وإن كانت بعض تلك
النصوص تشير إلى تأذينهم بها في الفجر خاصة ، لكنّ هناك نصوصاً أخرى تدل على
شموليتها لجميع الاوقات.
وإليك الآن
أسماء بعض مَن أذّن بها للرسول الأكرم ، وأسماء بعض كبار الصحابة وأهل بيت النبوة
، جئنا بها من طرق الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، وطرق الزيدية ، والإسماعيلية
وأهل السنة والجماعة ، اعتقاداً منا بضرورة الوقوف على جميع الطرق عند جميع
المذاهب الإسلامية ، كي لا تكون رؤيتنا ضيقة منحصرة بمذهب دون آخر ، بل لتكون
شموليّة موسّعة تكشف عن وجهات نظر الجميع.
١ ـ بلال بن رباح الحبشي (ت ٢٠ ه)
أخرج الطبراني
في الكبير والبيهقي في سننه ، بسندهما عن عمّار وعمر ابنَي حفص بن عمر ، عن آبائهم
، عن أجدادهم ، عن بلال أنّه كان يؤذّن بالصبح فيقول : «حيَّ على خير العمل» ، فأمر
النبيُّ أن يجعل مكانها «الصلاة خير من النوم» وترك «حيَّ على خير العمل» .
__________________
وقد مَرَّ عليك
قبل قليل كلام الحافظ العلوي وتحقيقنا في هذه الرواية ، وأن جملة (فأمره النبيّ ...)
إلى آخره ، لم تكن في الإسناد الأصلي ، ويؤيّد صحة كلام الحافظ العلوي وروايته ما
روي ـ عندنا ـ عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهماالسلام أنّه قال : إنّ بلالاً كان عبداً صالحاً فقال : لا
أؤذّن لأحد بعد رسول الله ، فتُرِكَ يومئذ «حيَّ على خير العمل» .
وعن الإمام
عليّ عليهالسلام أنّه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إنّ خير أعمالكم الصلاة ، وأمر بلالاً أن يوذّن بحيّ
على خير العمل ؛ حكاه في الشفاء .
وفي كنز
العمّال : كان بلال يؤذن بالصبح فيقول «حيّ على خير العمل» .
٢ ـ علي بن أبي طالب (ت ٤٠ ه)
روى الإمام
المؤيد بالله الزيدي في كتابه شرح التجر يد ، من طريق عباد بن يعقوب ، عن عيسى بن
عبدالله ، عن آبائه ، عن عليّ عليهالسلام أنّه قال : سمعت رسول الله يقول : «إن خير أعمالكم
الصلاة» وأمر بلالاً أن يؤذّن بحيّ على خير العمل .
وروى الحافظ
العلوي بسنده عن عيسى بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب : حدّثني
أبي ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كان أبي عليّ عليهالسلام إذا خرج إلى سفر لا يَكِل الأذان إلى غيره ولا الإقامة
، وكان لا يَدَع أن يقول في أذانه : حيَّ على خير العمل .
__________________
وقد أخرج
الحافظ العلوي ذلك بعدّة طرق عن الإمام عليّ ، منها :
حدّثنا محمّد
بن الحسين التيملي قراءة ، حدّثنا عليّ بن العبّاس البجلي ، حدّثنا بكّار بن أحمد ، حدّثنا حسن بن حسين ، عن
عمرو بن ثابت ، عن محمّد ابن عبدالرحمن ، قال : كان ابن النباح يجيء إلى عليّ عليهالسلام حين يطلع الفجر فيقول : حيَّ على الصلاة ، حيَّ على الفلاح ، حيّ على خير
العمل ، فيقول عليّ عليهالسلام
:
مرحباً بالقائلين عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وأهلاً ، يا ابن
النباح : أقم.
حدّثنا محمّد
بن أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا محمّد بن محمّد بن الحسين في لقائه ، أخبرنا محمّد بن القاسم بن زكريا ، حدّثنا عبّاد بن
يعقوب ، أخبرنا عمرو بن ثابت ، عن ابن أبي ليلى : بنحوه.
حدّثنا محمّد ،
أخبرنا محمّد بن عمّار العجلي ، حدّثنا عليّ بن محمّد بن حنينة ، حدّثنا عباد بن يعقوب ، أخبرنا عمرو ، عن ابن أبي
ليلى : بنحوه.
حدّثنا أحمد بن
زيد بن بشّار ، وعليّ بن محمّد [بن بنان] الشيباني ، قالا : حدّثنا الحسن بن محمّد
بن سعيد الرفّاء المقري ، حدّثنا محمّد بن الحسن بن محسن الطريفي ، حدّثنا الحسـن
بن يحيى بن عبد الله ، حدّثني أبو بكر بن أبي أويس ابن أخـت مالك بن أويـس ، عن حسـين بن عبدالله بن ضـميرة ، عن عليّ بن
__________________
أبي طالبعليهالسلام أنه كان يقول في أذان الصبح : حيَّ على خير العمل ، حيَّ
على خـير العـمل.
حدّثنا ميمون
بن عليّ بن حميد المقري ، حدّثنا أبو الحسن أحمد بن الحسن بن الحسين بن عيسى
العلوي ، حدّثنا عبدالعزيز بن يحيى ، حدّثنا المغيرة بن محمّد ، حدّثنا إبراهيم بن
محمّد وعبدالرحمن حدّثنا عيسى بن عبدالله و محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، قال :
كان أبي عليٌّ عليهالسلام إذا خرج إلى سفر لا يَكِل الأذان إلى غيره والإِقامة ، وكان لا يدع أن يقول في أذانه : حيَّ على خير العمل.
حدّثنا جعفر بن محمّد الجعفري ومحمّد بن عبدالله بن الحسين ، حدّثنا أحمد بن محمّد
بن سعيد ، حدّثنا يعقوب بن يوسف الضبي ، حدّثنا أبو جبارة حصـين بن المخارق ، عن
يعقوب بن عدي ، عن يحيى بن زيد ، عن آبائه ، عن عليّ عليهالسلام
:
أنه كان يأمر مؤذنه أن ينادي في أذانه بحيَّ على خـير العمل.
حدّثنا أحمد بن محمّد بن إبراهيم قراءةً ، أخبرنا محمّد بن أبي العبّاس الورّاق ، حدّثنا
محمّد بن القاسم بن زكريّا ، [حدّثنا] عبّاد بن يعقوب ، أخبرنا نصر بن مزاحم ، عن سفيان بن إبراهيم الحريري ، عن
صباح المزني ، عن سعيد ، عن
__________________
الأصبغ بن نباتة ، قال : جاء مؤذنو عليّ عليهالسلام فحيَّوه بالصلاة ، فقال : مرحباً بالقائلين عدلاً ، وبالصلاة
مرحباً وأهلاً. فلما تفرق المؤذّنون خرج علينا ، فقال : حيَّ على الصلاة ، حيَّ
على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيَّ على الفلاح ، حيَّ على خـير العمل ، حيَّ على
خـير العمل.
أخبرنا محمّد
بن عبدالله بن الحسين قراءة ، حدّثنا الحسين بن محمّد الفزاري ، حدّثنا جعفر بن
عبدالله المحمّدي ، حدّثنا مصبح بن الهاقان ، حدّثنا إبراهيم بن محمّد ـ يعـني ابن أبي يحـيى ـ عن
جعفـر ، عن أبيه ، [عن جـده] قال : كان عليّ عليهالسلام يقـول في أذانـه : حيَّ على الفـلاح ، حيَّ على خير
العـمل ، وذكر الحـديث.
* طريق الإمام الصادق عليهالسلام
أخبرنا أبو
العبّاس أحمد بن زيد بن بشّار ، وعليّ بن محمّد الشيباني ، قالا : حدّثنا الحسن بن
محمّد بن سعيد بن مسلم ، حدّثنا عليّ بن العبّاس وعليّ بن سلامة ، حدّثنا بكار بن
أحمد ، حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن الثقة إبراهيم بن أبي يحيى ، عن جعفر بن محمّد عليهالسلام : أن عليّاً عليهالسلام كان يقول لكل صلاة : حيَّ على الفلاح ، حيَّ على خير العمل.
* طريق إبراهيم بن محمد
أخبرنا محمّد
بن أحمد بن إبراهيم قراءة ، أخبرنا محمّد بن أبي العبّاس الورّاق في كتابه ، حدّثنا
محمّد بن القاسم ، حدّثنا الحسن بن محمّد المزني ، حدّثنا هارون بن أبي بروة ، حدّثني
حسين أخي ، عن إبراهيم بن محمّد بن أبي يحيى : أن عليّاً عليهالسلام كان
__________________
يقول لكل صلاة : حيَّ على الصلاة حي على الصلاة ، حيَّ على الفلاح حيَّ على
الفلاح ، حيَّ على خير العمل ، حيَّ على خير العمل .
* طريق الإمام الباقر عليهالسلام
أخبرنا محمّد
قراءةً ، حدّثنا محمّد [قراءة] ، حدّثنا حسن ، حدّثنا حسين ابن نصر ، حدّثنا خالد بن
عيسى ، عن عاصم بن جميل ، عن جعفر ، عن أبيه : أنّ عليّاً عليهالسلام كان يقول في الأذان لكل صلاة : حيَّ على الصلاة حيّ على الصلاة ، حيّ على
الفلاح حيّ على الفلاح ، حيَّ على خير العمل حيّ على خير العمل.
أخبرنا محمّد [بن
أحمد] ، أخبرنا محمّد [بن أبي العباس] ، أخبرنا محمّد [بن القاسم] ، حدّثنا حسن [بن محمّد المزني] ، حدّثني هارون ابن أبي بردة ، عن وهب بن وهب ، عن جعفر
بن محمّد ، عن أبيه [عن جده] : أن عليّاً عليهالسلام كان يُثنّي الإِقامة كما يُثنّي الأذان ، وأخبرنا أنه
إن أذّن في الصبح قال : حيَّ على خير العمل.
أخبرنا أحمد بن زيد بن بشّار ، حدّثنا الحسن [بن] محمّد الرفّا ، حدّثنا
__________________
عليّ بن العبّاس وعليّ بن الحسين بن سلامة ، قالا : حدّثنا بكّار ، حدّثنا
حسن بن حسين [العُرني]
، عن صالح بن أبي الأسود ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : كان في أذان عليّ عليهالسلام
:
حيّ على خير العمل.
.. حدّثنا ابن
النحّاس ، حدّثنا عليّ ، حدّثنا بكار بهذا ... وقال : كان في الأذان حيّ على خير
العمل.
حدّثنا عبدالله
بن مخالد البجلي ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد ، حدّثني أحمد بن يحيى بن المنذر
الحجري ، حدّثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى ، حدّثني الحسن بن عليّ الينبعي عن أبيه
، قال : سمعت محمّد بن عليّ عليهالسلام يؤذن حيّ على خير العمل ، فقلت له : أيش هذا الأذان؟
قال : هذا أذان خير البرية بعد النبيّ عليهالسلام جدِّك عليّ بن أبي طالب عليهالسلام .
وجاء في حاشية
الدسوقي ما نصه : «كان عليّ عليهالسلام يزيد «حيَّ على خير العمل» بعد «حيَّ على الفلاح» وهو
مذهب الشيعة الآن» .
طرق أخرى
وفي الاعتصام
بحبل الله : وقد ذكر الفقيه صالح بن الصديق النمازي في شرحه (الانهار على اثمار
الازهار) قال ابن الرفعة من أصحاب الشافعي في مطلبه : قال
__________________
القاضي حسين في التعليق : روي عن عليّ عليهالسلام أنّه كان يقول «حيَّ على خير العمل» وبه أخذت الشيعة .
وروى الحافظ العلوي
من طريق ابن عبّاس ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال : سمعت رسول الله يقول : لمّا
انتهي بي إلى سدرة المنتهى ، فرأيت من جلال الله ما رأيت ، قال لي : يا محمّد «حيَّ
على خير العمل» ، قلت : يا رب وما خير العمل؟ قال : الصلاة قربان أمّتك ...
وعن يحيى بن
زيد ، عن آبائه ، عن عليّ عليهالسلام أنّه كان يأمر مؤذّنه أن ينادي في أذانه بحيّ على خير
العمل .
وعن حسين بن
عبدالله بن ضميرة ، عن جدّه ضميرة ، عن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام أنّه كان يقول في أذان الصبح «حيَّ على خير العمل حي على خير العمل» .
وروت الزيديّة
عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه : أنّ عليا عليهالسلام كان يثنّي الإقامة كما يثنّي الأذان ، وأخبرنا أنّه إن
أذّن في الصبح قال : حيّ على خير العمل.
وعنه أيضاً ، قال
: إنّ علياً عليهالسلام كان يقول لكل صلاة «حيّ على الفلاح ، حيَّ على خير
العمل» .
وفي من لا يحضره
الفقيه : وكان ابن النبّاح يقول في أذانه : «حيَّ على خير العمل حيَّ على خير
العمل» فاذا رآه عليّ قال : مرحباً بالقائلين عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وأهلاً .
__________________
٣ ـ أبو رافع (كان حيّاً في عهد الإمام الحسن)
قال الحافظ
العلوي : أخبرنا عليّ بن محمّد [إسحاق] الخزّاز ، أخبرنا الحسن بن محمّد بن سعيد المُقرئ ، حدّثنا الحسن بن حيّاس ، حدّثنا محمّد بن سليمان [لُوَين] ، حدّثنا شريك ، عن
عاصم بن عبيدالله ، عن عليّ ابن الحسين ، عن أبي رافع ، قال : كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا سمع الأذان قال كما يقول ، فإذا بلغ حيّ على خير
العمل قال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله .
٤ ـ عقيل بن أبي طالب (ت في خلافة معاوية)
روى الحافظ
العلوي بسنده عن عبيدة السلماني : أنّ عقيل بن أبي طالب كان يؤذن بـ «حيّ على خير
العمل» إلى أن فارق الدنيا .
٥ ـ الحسن بن عليّ بن أبي طالب (ت ٥٠ ه)
قال القاسم بن
محمّد ـ وهو من أعلام الزيديّة ـ : ذكر في كتاب السنام ما لفظه : الصحيح أنّ
الأذان شرع بحيّ على خير العمل ؛ لأنّه اتفق على الأذان به يوم الخندق ، ولأنّه
دعاء إلى الصلاة ؛ وقد قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
خير أعمالكم الصلاة ، وقد اتّفق أيضاً على أنّ ابن عمر والحسن والحسين
عليهماالسلاموبلالاً وجماعة من الصحابة أذّنوا به ،
__________________
حكاه في شرح الموطأ وغيره من كتبهم .
وقد روى الحافظ
العلوي عن محمّد بن أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا محمّد بن أبي العبّاس الوراق بحرانة
، حدّثنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا حسن بن محمّد ، حدّثنا محمّد بن عليّ الكندي ، عن
زكريّا بن يحيى ، عن عبدالرحمن بن أبي حمّاد ، عن يوسف بن يعقوب ، عن جابر ، عن
أبي جعفر عليهالسلام قال : أذاني وأذان آبائي النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم وعليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين .. حيّ على خير
العمل حيّ على خير العمل .
وفي الاعتصام ١
: ٢٩٤ عن الأذان للحافظ العلوي : أخبرنا محمّد بن طلحة الثعالبي ببغداد ، حدّثنا
محمّد بن عمر الجعابي القاضي ، حدّثنا إسحاق بن محمّد ـ يعني ابن مروان ـ حدّثنا
أبي ، حدّثنا زيد بن المعدل ، حدّثنا عبدالله بن يزداد المرادي ، عن النعمان بن
قيس ، عن عبيدة السلماني قال : كان عليّ بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، وعقيل
بن أبي طالب ، وابن عباس ، وعبدالله ابن جعفر ، ومحمّد ابن الحنفية : يؤذنون إلى
أن فارقوا الدنيا فيقولون : حيّ على خير العمل ، ويقولون : لم تزل في الأذان.
٦ ـ أبو محذورة (ت ٥٩ وقيل ٧٩ ه)
روى محمّد بن
منصور في كتابه الجامع ، بإسناده عن رجال مرضيين ، عن أبي محذورة ـ أحد موذّني
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أنّه قال : أمرني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن أقول في الأذان «حيَّ على خير العمل» .
__________________
وروى محمّد بن
منصور : أنّ [أبا] القاسم عليهالسلام أمره أن يؤذّن ويذكر ذلك [يعني حيّ على خير العمل] في
أذانه ، قال : إنّ رسول الله أمره به ؛ هكذا في الشفاء .
وأخرج الحافظ
العلوي من عدّة طرق خبر الحيعلة الثالثة ، منها طريق الحمّاني آنف الذكر ، والأخرى
:
١ ـ حدّثنا أبو
الطيب محمّد بن الحسين بن النحّاس قراءة ، حدّثنا عليّ ابن عبّاس البجلي ، [حدّثنا بكار بن أحمد ، حدّثنا
مخول بن إبراهيم ، عن محمّد بن بكر ، عن زياد بن المنذر ، قال : حدّثني شيخ من أصحابنا ، عن رجل
حدّثه عن أبي محذورة ، قال : أمرني رسول الله أن أقول في الأذان : حيّ على خير
العمل .
٢ ـ أخبرنا
أحمد بن عليّ بن العطّار ومحمّد بن الحسين بن عزال قراءة عليهما ، قالا : حدّثنا
عليّ بن أحمد بن عمرو ، حدّثنا محمّد بن المنصور المقري ، حدّثني أحمد بن عيسى ، عن
محمّد بن بكر ، عن أبي الجارود مثله .
٣ ـ حدّثنا
أحمد بن زيد بن يسار ، أخبرنا الحسن بن محمّد بن سعيد بن مسلم [الرفّاء] ، حدّثنا
محمّد بن الحسن الأريسي ، حدّثنا أحمد بن يحيى الصوفي ، حدّثنا مخول بن إبراهيم
، حدّثني محمّد بن بكر الأرحبي ، عن أبي الجارود ، قال :
__________________
حدّثني يحيى ـ شيخ من أصحابنا ـ عن رجل حدّثه عن أبي محذورة قال : أمرني
رسول الله أن أقول في الأذان : حيَّ على خير العمل .
٤ ـ حدّثنا
محمّد بن الحسين بن النحّاس قراءة ، حدّثنا عليّ بن العبّاس البجلي ، حدّثنا بكّار
بن أحمد ، حدّثنا عثمان بن سعيد الأحول ، حدّثني هُذيل ابن بلال المدائني ، قال : سمعت
[ابن] أبي محذورة
يقول : حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل
..
٥ ـ حدّثنا أبو الطيب عليّ بن محمّد بن بنان ، حدّثني أبو القاسم عبدالله ابن جعفر بن
محمّد النجّار الفقيه ، حدّثنا العبّاس بن أحمد بن محمود الرازي ـ قَدِم حاجِّاً
في سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة ـ حدّثنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الأزدي بمصر ـ يعني الطحاوي الفقيه ـ حدّثنا يونس
بن بكر ، حدّثنا ابن وهب ، حدّثني عثمان [بن الحكم الجذامي ، عن ابن جُريج ، عن ابن أبي محذورة ، عن آل أبي محذورة]
، عن أبي محذورة ، قال : قال رسول الله : اذْهَبْ فأذِّن عند المسجد الحرام
وقل : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله
، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، أشهد أن محمّداً رسول
الله ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، حيّ
على خير
__________________
العمل ، حيّ على خير العمل ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله .
٦ ـ وبهذا
الإسناد عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال : تأذين من مضى يخالف تأذينَهم اليوم ، وكان أبو محذورة يؤذّن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأدركته أنا وهو يؤذن ، وكان يقول في أذانه بين الفلاح
والتكبير حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل.
وروى الإمام
المؤيّد بالله في شرح التجر يد من طريق أبي بكر المقري ، قال : حدّثنا الطحاوي
الفقيه ، قال : حدّثنا أبو بكر ، قال : حدّثنا أبو عاصم ، قال : حدّثنا ابن جريج ،
قال : حدّثنا عثمان بن السائبة ، قال : أخبرني أبي ، عن عبدالملك بن أبي محذورة ، عن
أبي محذورة مؤذن النبيّ ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
اذْهَبْ فأذِّن في المسجد الحرام وقل : الله أكبر ، الله أكبر ، الله
أكبر ، الله أكبر ... إلى أن ذكر «حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل» . وهو نفس خبر الحافظ
__________________
العلوي الا أنّ العلوي رواه عن طريق يونس بن بكر ، حدّثنا ابن وهب ، حدّثني
عثمان بن الحكم المدائني ، عن ابن جريج.
وقال الإمام
يحيى بن حمزة من أئمّة الزيديّة في الانتصار : الحجّة التالية ما رواه محمّد بن
منصور في كتاب الجامع بإسناده عن رجال مرضيّين ، عن أبي محذورة أحد مؤذّني رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : أمرني رسول الله ...
وقال الإمام
محمّد بن المطهّر في المنهاج : وروِّينا أنّ أبا محذورة أمره النبيّ أن يقول «حيَّ
على خير العمل حيَّ على خير العمل».
وروى الحافظ
العلوي بإسناده عن طريق يحيى بن حميد الحِمّاني ، قال : حدّثنا أبو بكر بن عيّاش ،
عن عبدالعزيز بن رفيع ، عن أبي محذورة ، قال : كنت غلاماً صبيّاً فأذّنت بين يدَي
رسول الله لصلاة الفجر ، فلمّا انتهيت إلى حيّ على الفلاح ، قال النبيّ : ألحِقْ
بها «حيَّ على خير العمل» .
٧ ـ الحسين بن عليّ بن أبي طالب (ت ٦١ ه)
قال القاسم بن
محمّد ـ وهو من أعلام الزيدية ـ : ذكر في كتاب السنام ما لفظه : الصحيح أنّ الأذان
شُرِّع بحيّ على خير العمل ؛ لأنّه اتّفق على الأذان به يوم الخندق ، ولأنّه دعاء
إلى الصلاة ؛ وقد قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
خير أعمالكم الصلاة ، وقد اتّفق أيضاً على أنّ ابن عمر والحسن
والحسين عليهماالسلام وبلالاً وجماعة من الصحابة أذّنوا به ، حكاه في شرح
الموطا وغيره من كتبهم .
وقد روى الحافظ
العلوي عن محمّد بن أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا محمّد بن أبي العبّاس الورّاق بحرانة
، حدّثنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا حسن بن محمّد ، حدّثنا محمّد
__________________
بن عليّ الكندي ، عن زكريا بن يحيى ، عن عبدالرحمن بن أبي حمـاد ، عن يوسـف
بن يعقوب ، عن جابـر ، عن أبي جعـفر عليهالسلام قال : أذاني وأذان آبائـي النـبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم وعليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين : حيّ على خير
العمل حيّ على خير العمل .
٨ ـ زيد بن أرقم (ت ما بين ٦٦ إلى ٦٨ ه)
حكى الشوكانيّ
في نيل الأوطار ، عن المحبّ الطبري في إحكام الأحكام : أنّ زيد بن أرقم كان يؤذّن
بحيّ على خير العمل .
٩ ـ عبدالله بن عبّاس (ت ما بين ٦٨ إلى ٧٠ ه)
روى الحافظ العلوي
عن محمّد بن طلحة الثعالبي ببغداد ، حدّثنا محمّد ابن عمر الجعابي القاضي ، حدّثنا إسحاق بن محمّد ـ
يعني ابن مروان ـ حدّثنا أبي ، حدّثنا زيد بن المعدلة ، حدّثنا عبدالله بن نزار المرادي ، عن النعمان بن قيس
، عن عبيدة السلماني ، قال : كان عليّ بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، وعقيل بن
أبي طالب ، وابن عبّاس ، وعبدالله بن جعفر ، ومحمّد بن الحنفية ، يؤذنون إلى أن
فارقوا الدنيا ، فيقولون : حيّ على خير العمل .. ويقولون : لم يَزَل في الأذان .
__________________
١٠ ـ عبدالله بن عمر (ت ٧٣ وقيل ٧٤ ه)
اختلفت
الروايات عنه ، ففي بعضها أنّه كان يقول بحيّ على خير العمل دوماً ، وفي أخرى أنّه
كان يقولها أحياناً أو في السفر خاصة. وقد وضّحنا في كتابنا وضوء النبيّ (البحث
الروائي) سرّ مثل هذا الاختلاف في المرويّات ، وسيأتي مزيد توضيح إن اقتضى الأمر.
فأما الآثار الدالّة على تأذين ابن عمر بها دوماً ، فهي :
١ ـ عن محمّد
بن سيرين ، عن ابن عمر ، أنّه كان يقول ذلك في أذانه .
٢ ـ وفي مصنّف
عبدالرزّاق ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن رجل : انّ ابن عمر كان إذا قال
في الأذان «حيّ على الفلاح» قال «حيّ على خير العمل» ثمّ يقول : الله أكبر الله
أكبر لا إله إلّا الله .
٣ ـ وعن زيد بن
محمّد ، عن نافع : أنّ ابن عمر كان إذا أذّن قال «حيّ على خير العمل» .
٤ ـ وعن ابن
عون ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر إذا أذّن قال «حيّ على خير العمل» أخرجه
المؤيّد بالله .
وقال الحافظ
محمّد بن إبراهيم الوزير : وروى ابن حزم في كتاب الإجماع ، عن
__________________
ابن عمر أنّه كان يقول في أذانه «حيّ على خير العمل» .
ثمّ قال : وبحثت
عن هذين الاسنادين في «حيّ على خير العمل» فوجدتهما صحيحين إلى ابن عمر وزين
العابدين .
أما الأقوال
المشيرة إلى تأذينه بها في بعض الأحيان ، فهي :
١ ـ مالك بن
أنس ، عن نافع : كان ابن عمر أحياناً إذا قال «حيّ على الفلاح» قال على إثرها : «حيّ
على خير العمل» .
٢ ـ عن الليث
بن سعد ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر لا يؤذّن في سفره ، وكان يقول : «حيّ على
الفلاح» وأحياناً «حيّ على خير العمل». ورواه محمّد بن سيرين عن ابن عمر أنّه كان
يقول ذلك في أذانه ، وكذلك رواه نسير بن ذعلوق عن ابن عمر وقال : في السفر .
٣ ـ وعن عبيدالله
والليث بن سعد ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر ربّما زاد في أذانه «حيّ على خير
العمل» ورواه أيضاً عطاء عن ابن عمر .
٤ ـ عبدالرزّاق
، عن ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنّه كان يقيم الصلاة في السفر يقولها
مرّتين أو ثلاثاً يقول «حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة ، حيّ على خير العمل» .
__________________
قال ابن حزم : ولقد
كان يلزم من يقول بمثل هذا عن الصاحب ـ فمثل هذا لا يقال بالرأي ـ أن يأخذ بقول
ابن عمر هذا ، فهو عنه ثابت بأصحّ إسناد .
وروى الحافظ
زين الدين العراقي عن الإمام علاء الدين مغلطاي في كتاب (التلويح شرح الجامع
الصحيح) أنّه قال ما لفظه : أمّا حيّ على خير العمل فذكر ابن حزم أنّه صحّ عن
عبدالله بن عمر ، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف انهما كانا يقولان في أذانهما حيّ على
خير العمل. وقال مغلطاي : وكان عليّ بن الحسين يقولها .
وقال المحقّق
الجلال : وصحّح ابن دقيق العيد وغيره أن ابن عمر وعليّ بن الحسين ثَبَتا على
التأذين بها إلى أن ماتا .
وفي المختصر من
شرح ابن دقيق العيد على العمدة ما لفظه : وقد صحّ بالسند الصحيح أن زين العابدين
وعبدالله بن عمر أذنّا بحيّ على خَير العمل إلى أن ماتا .
وإليك الآن بعض
الطرق التي ذكرها الحافظ العلوي في كتابه الأذان بحّي على خير العمل ، عن عبد الله
بن عمر بن خطّاب.
* زيد عن نافع
أخبرنا أبو
الطيّب محمّد بن الحسين التيملي قراءة ، حدّثنا أبو جعفر محمّد ابن عليّ بن مهدي
العطّار ، حدّثنا قاسم بن وهب التميمي ، حدّثنا قاسم أبو بكر البجلي ، حدّثنا
إسماعيل بن هارون الخزّار ، عن عاصم العمري ، عن زيد بن محمّد ابن نافع : أنّ ابن عمر كان إذا أذّن قال : حيّ على خير العمل.
__________________
* محمد بن عجلان عن نافع
حدّثنا محمّد بن
حميد بن محمّد [بن الحسين] بن حميد اللخمي ، حدّثنا أبو بكر محمّد بن جعفر الآدمي القاري ، حدّثنا
موسى بن إسحاق ، حدّثنا منجاب بن الحارث ، عن عليّ بن شهر ، عن حاتم ، عن محمّد بن عجلان ، عن نافع ، قال : سمعت
ابن عمر يقول : حيّ على خير العمل.
حدّثنا الحسين
بن محمّد بن الحسن المقري ، حدّثنا عليّ بن الحسين بن يعقوب ، حدّثنا عليّ بن أحمد
بن حاتم ، حدّثنا محمّد [بن أحمد] بن مروان ، حدّثنا عثمان بن سعيد ، عن حاتم ، بن إسماعيل ، عن محمّد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان
يقول : حيّ على خير العمل.
حدّثنا عبدالله
بن بشر بن مخالد البجلي ، أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد ، حدّثنا أحمد بن يحيى
بن المنذر الحجري ، حدّثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى ، حدّثني أبو بكر بن أبي أويس
، عن سليمان بن بلال ، عن ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّه كان يؤذّن
فيقول : حيّ على خير العمل ، ويقول : كانت في الأذان ، فخاف عمر أن يتكل الناس عن الجهاد.
أخبرنا محمّد
بن طلحة الثعالي البغدادي ببغداد ، وكتبه أبي بخطه ، حدّثنا
__________________
القاضي أبو بكر محمّد بن عمر الجعابي الحافظ ، حدّثنا حامد بن سعيد بن زهير
، حدّثنا شريح بن يونس ، حدّثنا أبو سعيد الصنعاني ، عن ابن عجلان ، عن نافع ، عن
ابن عمر : أنّه كان يقول ـ يعني في أذانه ـ : [حيّ على الصلاة] حيّ على خير العمل.
أخبرني محمّد
بن طلحة الثعالي ، حدّثنا محمّد بن عمر الجعابي الحافظ ، حدّثنا أحمد المؤمّل ، حدّثنا
محمّد بن عليّ بن خلف ، حدّثنا إسماعيل بن أبان ، حدّثني ابن عجلان ، عن نافع ، عن
ابن عمر : أنّه كان يؤذن فيقول في أذانه : حيّ على خير العمل.
وقد رواه أيضاً
جعفر بن محمّد الطبري عن ابن عمّار ، عن مؤمّل ، عن سفيان ، عن ابن عجلان ، عن
نافع ، عن ابن عمر.
* مالك بن أنس عن نافع
أخبرنا أبو
العبّاس أحمد بن زيد بن بشار قراءةً ، حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد المقري ، حدّثنا
جعفر بن محمّد الحسني البغدادي ، حدّثنا محمّد بن عليّ بن خلف ، حدّثنا عبدالوهّاب
بن عطا الجفاف ، أخبرنا مالك بن أنس ، عن نافع : أن ابن عمر كان يقول
في أذانه : حيّ على خير العمل .
__________________
* ابن عون عن نافع
حدّثنا ميمون
بن حميد المقري ، أخبرنا إسحاق بن محمّد المقري ، حدّثنا أبو زيد الحسن بن [محمّد
بن] السكن التميمي
، حدّثنا جعفر بن محمّد السَّدوسي ، حدّثنا أزهر بن سعدان ، حدّثنا ابن عون ، عن
نافع ، قال : كان ابن عمر إذا أذّن قال : حيّ على خير العمل .
حدّثنا حسن بن
حسين بن حبيش المقري ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد ابن أحمد بن مرزوق ، حدثنا أبو
زيد الحسن بن محمد بن السكن : بهذا.
حدّثنا أبي ، حدّثنا
عليّ بن سفيان بن يعقوب الهمداني ، حدّثنا أبو زيد الحسن بن محمّد بن السكن : بهذا.
* ابن جريج عن نافع
حدّثنا أبو عمر عبدالواحد بن محمّد بن عبدالله بن محمّد بن مهدي البغدادي ، أخبرنا
أبو عبدالله محمّد بن إسماعيل الفارسي قراءةً سنة تسع وعشرين وثلاثمائةً ، حدّثنا
إسحاق بن إبراهيم بن عبّاد ، حدّثنا عبدالرزاق بن همّام الصنعاني ، عن ابن جريج ، عن
نافع : أنّ ابن عمر كان يقول : ـ يعني في الأذان ـ حيّ على الصلاة ، حيّ على
الفلاح ، حيّ على خير العمل.
__________________
* عثمان بن مقسم عن نافع
أخبرنا محمّد
بن طلحة التعالي ، حدّثنا محمّد بن عمر بن زياد بن عجلان ، حدّثنا محمّد
بن إِسماعيل الراشدي ، حدّثنا أميّة بن الحارث ، حدّثنا عثمان بن مقسم ، عن نافع ،
عن ابن عمر : أنه كان يقول في أذانه : حيّ على خير العمل.
* عبيدالله بن عمر عن نافع
أخبرنا محمّد
بن أحمد بن إِبراهيم قراءةً ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن الهيثم في كتابه ، حدّثنا
أبو عليّ الخراساني ، حدّثنا أبو بكر ، حدّثنا أبو أسامة ، حدّثنا عبيدالله ، عن
نافع ، قال : كان ابن عمر ربّما زاد في أذانه : حيّ على خير العمل.
أخبرنا محمّد بن أبي العبّاس الورّاق ، حدّثنا محمّد بن الحسين بن جعفر ، حدّثنا عبيدالله [بن إسماعيل القرشي ، حدّثنا أبو
أسامة ، حماد بن أسامة عن عبيدالله] ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر ربّما زاد في أذانه : حيّ
على خير العمل.
أخبرنا عليّ بن
محمّد الشيباني ، ومحمّد بن أحمد [بن إبراهيم] قراءةً عليهما ، قالا : أخبر الحسن بن محمّد بن إسماعيل بن إسحاق في كتابه
، حدّثنا جعفر بن محمّد الحسني ، حدّثنا عيسى بن مهران ، أخبرنا عبدالرحمن بن صالح
الأزدي ،
__________________
حدّثنا أبو مالك الحسني ، عن عبيدالله بن عمر ، عن نافع ، قال : كان ابن
عمر ربّما قال في أذانه : حيّ على خير العمل.
* جورية بن أسماء عن نافع
أخبرنا عليّ بن
محمّد بن بنان في كتابه ، حدّثني ثوابة بن أحمد بن عيسى بن ثوابة بن مهران الأسدي الموصلي في الكوفة في مجلس السكوني ، حدّثنا أبو يعلى أحمد بن عليّ
بن المثنى ، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن أسماء ، حدّثنا جورية ، عن نافع : أن ابن عمر كان لا يؤذّن في السفر ولكن
يجعلها إِقامة ويقول : حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، مرّتين.
أخبرنا عليّ بن
محمّد الشيباني ، أخبرني الحسين بن محمّد الرفّاء ، حدّثني جعفر بن محمّد الحسني ،
حدّثنا عيسى بن مهران ، حدّثنا أبو غسان الهذلي ، حدّثنا جورية بن أسماء ، [عن
عتبة] ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّه كان يقول في أذانه : حيّ على خير العمل ، مرتين.
* يحيى بن أبي كثير عن نافع
أخبرنا عمر بن
عبدالواحد بن مهدي البغدادي في كتابه إليَّ ، حدّثنا محمّد ابن إسماعيل الفارسي ، حدّثنا
إِسحاق بن إِبراهيم بن عبادي ، حدّثنا عبدالرزاق بن همام ، حدّثنا معمر ، عن يحيى بن
أبي كثير ، عن رجل : أنّ ابن عمر كان إذا
__________________
قال : في الأذان : حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، قال : حيّ على خير
العمل ، ثمّ يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إِله إلّا الله.
* عطاء عن ابن عمر
أخبرنا محمّد
بن طلحة التغالي ، وكتبه إلي بخطّه ، حدّثنا القاضي محمّد بن عليّ الجعابي الحافظ ، حدّثنا إسحاق بن محمّد ـ يعني ابن مروان ـ حدّثنا أبي ، حدّثنا
المغيرة بن عبدالله ، عن مقاتل بن سليمان ، عن عطاء ، عن ابن عمر : أنه كان
يؤذّن بحيّ على خير العمل ، ثمّ ترك ذلك وقال : أخاف أن يتّكل الناس .
١١ ـ جابر بن عبدالله (ت ٦٨ إلى ٧٩ ه)
قال الحافظ
العلوي : أخبرنا محمّد بن جعفر التميمي مناولةً ، أخبرنا عبدالعزيز بن يحيى
الجلودي ، حدّثنا محمّد بن سهل ، حدّثنا عمر بن عبدالجبار ، حدّثنا أبي ، حدّثنا
عليّ بن جعفر ، عن أبيه ، عن جده ، عن جابر ، قال : كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول المؤذّن بعد قوله «حيّ على الفلاح» «حيّ على خير العمل»
، فلمّا كان عمر بن الخطاب في خلافته نهى عنه كراهة أن يُنْكَلَ عن الجهاد ؟
__________________
١٢ ـ عبدالله بن جعفر (ت ٨٠ وقيل ٩٠ ه)
روى الحافظ
العلوي بسنده عن عبيدة السلماني : أن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب كان يؤذّن بـ «حيّ
على خير العمل» إلى أن فارق الدنيا .
١٣ ـ محمد بن علي بن أبي طالب (ت ما بين ٧٣ ـ ٩٣ ه)
روى الحافظ
العلوي من طريق عليّ بن حزور ، عن محمّد بن بشر ، قال : جاء رجل إلى محمّد بن
الحنفية ، فقال له : بلغنا أنّ الأذان إنّما هو رؤيا رآها رجل من الأنصار ، فقَصّها
على رسول الله ، فأمر بلالاً فأذّن بتلك الرؤيا! فقال له محمّد بن الحنفية : إنّما
يقول بهذا الجاهلُ من الناس ، إنّ أمر الأذان أعظم من ذلك ، إنّه لما أسري برسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سمع ملكاً يقول : «الله أكبر الله أكبر» فقال عزّ وجلّ
: أنا كذلك أنا الأكبر لا شيء أكبر مني ، إلى أن قال :
ثمّ قال : «حيَّ
على خير العمل» ، فقال الله : هي أزكى الأعمال عندي وأحبُّها إليَّ .
وروى الحافظ
العلوي من طريق عبيدة السلماني ، عن محمّد بن الحنفية أنّه كان يؤذّن إلى أن فارق
الدنيا فيقول : «حيّ على خير العمل» .
١٤ ـ أنس بن مالك (ت ما بين ٩١ إلى ٩٣ ه)
قال الحافظ
العلوي : أخبرنا أبو الطيّب أحمد بن محمّد بن بنان ، أخبرنا الحسن
__________________
بن محمّد بن الحسن اليشكري ، حدّثني أبو عبدالله الحسن بن محمّد بن سعيد ببغداد ، حدّثنا محمّد بن الغيصي بدمشق ، حدّثنا إِبراهيم بن عبدالله ، حدّثني عمّي عبدالرزّاق الإمام ، عن
معمر بن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
بينا أنا نائم إذ أتاني جبريل فهمزني برِجله فاستيقظت ، فلم أر
شيئاً ، ثمّ أتاني الثانيةَ فهمزني فاستيقظت فأخذ بضبعي ، فجعلني في شيء كوَكر
الطير ، فما أطرفت بصري [طرفة] حتّى رجعت إلى الأرض ، فأتى بي مكاناً ، فقال [لي :
أتدري أين أنت؟ فقلت : لا يا جبريل ، فقال : هذا بيت المقدس ، بيت الله الأقصى ، إلى
المحشر والمنشر ؛ ثمّ قام جبريل فجعل سبابته اليمنى في أذنه اليمنى ، وأذّن
مثنى مثنى ، يقول في أحدها : «حيّ على خير العمل» حتّى إذا مضى أذانه أقام الصلاة مَثنى مَثنى ، وقال في آخرها : «قد قامت الصلاة ، قد
قامت الصلاة» ، فبرق نور من السماء ، ففتحت به قبور الأنبياء ، فأقبلوا من كلّ أوب
يُلبّون دعوة جبريل ، فوافى أربعة آلاف نبيّ وأربعمائة وأربعة عشر نبيّاً ، وأخذوا
مصافّهم ، ولا أشكّ أنّ جبريل سيتقدّمنا ، فلمّا استَووا في مصافّهم أخذ جبريل
بضبعي فقال لي : تَقدّمْ يا محمّد فَصلِّ بإِخوانك ، فالخاتم أولى من المختوم ، وذكر
بقية الحديث ...
__________________
١٥ ـ عليّ بن الحسين بن عليّ (ت ٩٤ ه)
جاء في مصنّفا
ابن أبي شيبة وسنن البيهقي ومصادر أخرى ، عن حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر ، عن أبيه
، ومسلم بن أبي مريم : إنّ عليّ بن الحسين عليهالسلام كان يؤذّن فإذا بلغ : «حيَّ على الفلاح» قال : «حيَّ
على خير العمل» ويقول : هو الأذان الأوّل .
وقال الحلبي في
سيرته : ونقل عن ابن عمر وعليّ بن الحسين أنّهما كانا يقولان في أذانيهما بعد «حيَّ
على الفلاح» ، «حيَّ على خير العمل» .
وجاء في
الاعتصام بحبل الله : ... ومن شرح المختصر لابن دقيق العيد على العمدة ما لفظه : وقد
صح بالسند الصحيح أن زين العابدين وعبدالله بن عمر أذّنا بحيّ على خير العمل إلى
أن ماتا .
وقد أخـرج
الحافـظ الـعلوي من عـدة طرق أذان عـليّ بن الحــسين روايةً وإجازةً :
* حديث حاتم عن جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين.
أخبرنا أبو
الطيب محمّد بن الحسين بن النخاس قراءة ، حدّثنا عليّ بن العبّاس البجلي ، حدّثنا
بكّار بن أحمد ، حدّثنا حسن بن حسين ، عن حاتم بن إسماعيل ،
__________________
عن جعفر ، عن أبيه : أن عليّ بن الحسين كان يؤذّن ، فإذا بلغ : «حيّ على
الفلاح» قال : «حيّ على خير العمل» ، ويقول : هو الأذان الأول .
حدّثنا محمّد
بن عبدالله الجعفي ومحمّد بن الحسين بن غزال ، قالا : حدّثنا محمّد بن عمّار بن
محمّد العجلي العطار لفظاً ، حدّثنا الحسين بن الحكم الحبري ، حدّثنا جندل بن [والف]
، عن حاتم بن إِسماعيل ، عن جعفر ، عن أبيه ، [عن] عليّ بن الحسين : أنه كان إذا بلغ في أذانه «حيّ على الفلاح» كان يقول : «حيّ
على خير العمل» ، وكان يقول : هو الأذان الأوّل .
حدّثنا ميمون ،
حدّثنا عليّ بن حميد المقري ، أخبرنا إسحاق بن محمّد النجار المقري ، حدّثنا أبو
زيد الحسن بن السكن التميمي ، حدّثنا جعفر بن محمّد السدوسي ، حدّثنا حاتم بن إِسماعيل المدني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، قال : كان عليّ بن
الحسين إِذا أذن قال : «حيّ على خير العمل» ، ويقول : هو الأذان الأوّل :
__________________
حدّثنا حسن بن
حسين بن حبيش المقري ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد بن [مرزقي] المقري ، حدّثنا أبو زيد الحسن بن السكن : بمثله.
حدّثنا أبي رضي
الله عنه ، حدّثنا محمّد [بن الحسين] بن سعيد الأزدي ، حدّثنا عبدالله بن زيدان ، حدّثنا محمّد [بن ثوابة] ، حدّثنا حفص الهلالي عن حاتم المدني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ بن الحسين ، قال
: ذُكِر عنده «حيّ على خير العمل» ، قال : كان أذان الناس الأوّل.
حدّثنا جعفر بن
محمّد الحسني ، حدّثنا عيسى بن مهران ، أخبرنا العبد الصالح مخول بن إبراهيم ، حدّثنا
حاتم بن إِسماعيل ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : كان عليّ بن الحسين يزيد في أذانه ،
إذا قال : «حيّ على الفلاح» قال : «حيّ على خير العمل». ويقول : يا بُنيّ ، هو
الأذان الأوّل.
أخبرنا محمّد
بن أحمد بن إِبراهيم ، أخبرنا أحمد بن محمّد الكندي ، حدّثنا أبو عليّ الخراساني ،
حدّثنا أبو بكر عبدالله بن محمّد العبسي ، حدّثنا حاتم بن إسماعيل المدني ، عن
جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، ومسلم بن أبي مريم : أنّ عليّ ابن الحسين كان يؤذن ، فإذا
بلغ «حيّ على الفلاح» ، قال : «حيّ على خير العمل». ويقول : [هو] الأذان الأوّل ، يعني
أذان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
[وفيما أجاز لي
جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد] .
حدّثنا جعفر بن
عليّ بن نجيح ، حدّثنا أبو غسان ، حدّثنا حاتم ، عن جعفر ابن
__________________
محمّد ، [عن أبيه] ومسلم بن أبي مريم : أنّ عليّ بن الحسين كان يؤذّن ، فإِذا بلغ «حيّ على
الفلاح» قال : «حيّ على خير العمل» ، ويقول : هو الأذان الأوّل.
[وفيما أجاز لي
جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد] ، حدّثنا محمّد بن أحمد بن النضر ، حدّثنا موسى بن داود
، حدّثنا حاتم بن إِسماعيل ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ بن الحسين ، قال
: كان يؤذّن فإِذا بلغ «حيّ على الفلاح» قال : «حيّ على خير العمل» ، حدّثنا الحسين
بن محمّد بن الحسن المقري ، حدّثنا مسلم التميمي ، حدّثنا جعفر بن محمّد الأزدي ، حدّثنا محمّد بن جميل ، حدّثنا إِبراهيم ـ يعني ابن
محمّد بن ميمون ـ عن حاتم ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، ومسلم بن أبي مريم : أن
عليّ بن الحسين كان يؤذن ، فإِذا بلغ «حيّ على الفلاح» قال : «حيّ على خير العمل»
، ويقول : هو الأذان الأول.
حدّثنا عليّ بن
محمّد بن بنان ، حدّثنا الحسن بن محمّد السَّكوني ، حدّثنا الحضرمي ، حدّثنا محمّد
بن عبيد النحّاس ، حدّثنا حاتم ، عن جعفر ، عن أبيه ، ومسلم بن أبي مريم : أن عليّ
بن الحسين كان يؤذن ، فإذا بلغ «حيّ على الصلاة» ، «حيّ على الفلاح» قال : «حيّ على
خير العمل» ، ويقول : هو الأذان الأوّل.
أخبرنا أحمد بن
زيد بن بشّار ، حدّثنا الحسن بن محمّد الرفّا ، حدّثنا جعفر ابن محمّد الأزدي ، حدّثنا محمّد بن جميل ، حدّثنا إِبراهيم بن محمّد بن
ميمون ، وحدّثنا حاتم : بمثله.
__________________
حدّثنا محمّد
بن أحمد بن عبدالله قراءةً ، أخبرنا [أحمد بن] محمّد بن هارون في كتابه إلي ، أخبرنا محمّد بن الحسين بن حفص ، حدّثنا
محمّد بن عبيد ، حدّثنا حاتم ، حدّثنا جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، ومسلم بن أبي
مريم : أن عليّ بن الحسين كان يؤذن ، فإِذا بلغ «حيّ على الفلاح» قال : «حيّ على
خير العمل» ، ويقول : هو الأذان الأول ، يعني أذان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أخبرنا محمّد
بن أحمد قراءةً ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن هارون في كتابه إليَّ ، أخبرنا محمّد بن القاسم بن زكريا ، حدّثنا حسن بن
عبدالواحد ، حدّثنا محمّد بن عليّ الكِندي ، حدّثنا زكريا بن يحيى ، حدّثنا عبدالرحمن
بن أبي حمّاد ، حدّثنا حاتم بن إِسماعيل ، أخبرني جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن
عليّ ابن الحسين عليهالسلام ، قال : الأذان الأول ـ يعني أذان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ «حيّ على خير العمل» ، وكان عليّ بن الحسين يقوله في
أذانه.
[قال وفيما
أجاز لي جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد] ، حدّثنا الحسن بن عليّ بن بويغ ، حدّثنا إسماعيل بن أبان ، عن حاتم بن إِسماعيل ، عن
جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، ومسلم بن أبي مريم : أن عليّ بن الحسين كان إذا بلغ «حيّ
على الفلاح» قال : «حيّ على خير العمل» ، ويقول : هو الأذان الأوّل.
أخبرنا زيد بن
جعفر بن حاجب في كتابه إِليَّ ، حدّثنا محمّد بن أحمد بن عليّ بن
__________________
الوليد ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن عبيد المقري ، حدّثنا عبّاد بن يعقوب ، أخبرنا
حاتم ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، ومسلم بن أبي مريم : أن عليّ بن الحسين كان يؤذن
، فإِذا بلغ «حيّ على الفلاح» قال : «حيّ على خير العمل» : ويقول هو الأذان الأوّل.
أخبرنا عليّ بن
محمّد بن بنان ، حدّثنا ثوابة بن أحمد بن عيسى بن ثوابة بن مهران ، حدّثنا عليّ بن
الحسين المستملي ، وجماعة ، قالوا : حدّثنا جعفر بن محمّد الغرباني ، حدّثنا قتيبة بن سعد ، حدّثنا حاتم بن إِسماعيل ، عن
جعفر ابن محمّد ، عن أبيه ، قال : كان عليّ بن الحسين يقول في أذانه : «حيّ على
خير العمل ، حيّ على خير العمل» ، ويقول : هو الأذان الأوّل.
حدّثنا زيد بن
حاجب ، حدّثنا محمّد بن عمّار ، حدّثنا الحسين بن الحكم ، حدّثنا جندل بن والف ، عن حاتم بن إِسماعيل ، عن جعفر ، عن أبيه ، وعن ابن
أبي مريم : عن عليّ بن الحسين : أنه كان إذا بلغ في أذانه «حيّ على الفلاح» قال : كان
يقول : «حيّ على خير العمل» ، وكان يقول : هو الأذان الأوّل.
* يحيى بن العلي عن جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين .
أخبرنا محمّد
بن الحسين بن النحاس قراءةً ، [حدّثنا] عليّ بن العبّاس البجلي ، حدّثنا بكّار بن
أحمد ، حدّثنا الحسن بن حسين وسعيد بن عثمان ، عن أبي يحيى بن العلي ، عن جعفر ، عن أبيه ، قال : كان عليّ بن الحسين يقول
في أذانه : «حيّ على خير العمل» ، ويقول : هو الأذان الأوّل.
__________________
حدّثنا محمّد
بن الحسين بن غزال ، حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عمّار العطار ، حدّثنا جعفر بن عليّ
بن نجيح ، حدّثنا حسن بن حسين ، عن يحيى بن العلي ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، قال : كان عليّ بن
الحسين يقول في أذانه : «حيّ على خير العمل» ، ويقول : هو الأذان الأوّل.
* عبدالله بكير وعمرو بن جميع عن جعفر عن علي بن الحسين.
أخبرنا محمّد
بن الحسين بن النحّاس قراءةً ، حدّثنا عليّ بن العبّاس البجلي ، حدّثنا بكار ، حدّثنا
حسن بن حسين ، حدّثنا عبدالله بن بكير ، وعمرو بن جميع ، عن جعفر ، قال : كان عليّ
بن الحسين يقول : «حيّ على خير العمل» بعد «حيّ على الفلاح».
* حسين بن مخارق عن جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين عليهمالسلام
أخبرنا محمّد
بن عبدالله الجعفي قراءةً ، حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد ابن سعيد ، أخبرنا
يعقوب بن يوسف بن زياد الضبّي ، حدّثنا أبو جُنادة حُصين ابن مخارق ، عن جعفر بن
محمّد ، عن أبيه : أن عليّ بن الحسين كان يقول : في أذانه : حيّ على خير العمل ، مرّتين.
* سفيان بن السمطّ عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده.
حدّثنا الحسين
بن محمّد بن الحسين الخزّار ، حدّثنا عليّ بن الحسين بن يعقوب ، حدّثنا أحمد بن
عيسى العجلي العطّار ، حدّثنا جعفر بن عنبسة اليشكري ، حدّثنا أحمد بن عمر البجلي
، حدّثنا سلام بن عبدالله الهاشمي ، عن سفيان بن السمط ، عن جعفر بن محمّد ، عن
أبيه ، عن جدّه ، قال : أوّل من أذّن في السماء جبريل حين أسري بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، فذكره إلى قوله : «حيّ
على خير
__________________
العمل ، حيّ على خير العمل» ، فقالت الملائكة : أُمِر القوم بخير العمل ، وأقام
الصلاة ، وقال جبريل : يا محمّد ، إن الله أمرنا بالسجود لأبيك آدم فلسنا نتقدم
ولده ، فتقدّم رسولُ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فصلّى بالملائكة .
* مندل بن علي عن جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين.
[ومما أجاز لي
جعفر بن محمّد بن حاجب بروايته عن أحمد بن محمّد بن سعيد] ، حدّثنا أحمد بن يوسف ، وأخبرني مندل بن [محمّد ، قالا
: حدّثنا الحسين بن محمّد ، حدّثنا مندل بن] عليّ ـ واسمه عمرو بن عليّ ـ القرني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه : أن عليّاً ـ وهو عليّ
بن الحسين ـ كان يقول : حيّ على الصلاة ، حيَّ على الفلاح ، حيَّ على خير العمل.
* غياث بن إبراهيم بن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين.
أخبرنا جعفر بن
محمّد بن حاجب إجازةً ، عن أحمد بن سعيد ، حدّثني محمّد بن الفضل ، حدثني أبي ، حدّثنا
غياث ، عن جعفر ، عن أبيه : أن عليّ ابن الحسين كان إذا أذن قال : حيّ على الفلاح
، حيّ على خير العمل .. يقول : أي بني هذا الأذان الأول ـ يعني [أذان النبي] ـ حتّى نهى عنه عمر.
* عن عبدالله بن سنان عن جعفر عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام
أخبرنا جعفر بن
محمّد بن حاجب إجازةً ، عن أبي العبّاس بن سعيد ، حدّثنا
__________________
الحسن بن جعفر بن مدرار ، حدّثنا عمي طاهر بن مدرار ، حدّثنا عبدالله بن
سنان ، عن جعفر بن محمّد ، قال : كان عليّ بن الحسين يقول في أذانه : حيّ على خير
العمل ، ويقول : هو الأذان الأوّل.
* محمّد بن مسلم عن جعفر عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام
فيما أجاز لي
جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، حدّثني الحسن بن جعفر بن
مدرار ، حدّثنا العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله ، قال : كان
عليّ بن الحسين يقول في أذانه : حيّ على خير العمل.
* محمّد بن عبدالله بن عليّ بن الحسين عن جعفر.
فيما أجاز لي
جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، أخبرني جعفر بن محمّد بن عمر
قراءةً ، حدّثني عبدالله بن جميل ، حدّثني عبدالله بن محمّد ـ يعني ابن عبدالله بن
عليّ بن الحسين ـ عن أبيه ، عن جعفر ابن محمّد ، قال : كان عليّ بن الحسين يقول في
أذانه : حيّ على خير العمل.
* أبو العبّاس بن الفضل بن عبدالملك السقّاف عن جعفر بن محمّد.
فيما أجاز لي
جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، حدّثنا الحسن بن القاسم ، حدّثنا
عبدالله بن صالح ، حدّثني داود بن حصين ، عن أبي العباس ، عن أبي عبدالله ، قال : كان
عليّ بن الحسين يقول في الأذان : حيّ على خير العمل.
* أبو مريم عبدالغفّار بن القاسم الأنصاري عن جعفر بن محمّد.
أخبرنا محمّد
بن أحمد بن إبراهيم قراءةً ، أخبرنا محمّد بن محمّد بن هارون في كتابه ، حدّثنا
محمّد بن القاسم بن زكريا ، حدّثنا حسن بن عبدالواحد ، حدّثنا حسن بن سعيد ، حدّثنا
أبي ، حدّثنا أبو مريم ، حدّثنا جعفر ابن محمّد ، عن عليّ بن
الحسين : أنه كان يقول إذا أذّن : حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، ويجعل
في آخر أذانه وإِقامته «الله أكبر الله أكبر لا إله إلّا الله».
* عبدالله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب عن أبي جعفر عن عليّ بن
الحسين.
حدّثنا عبدالله
بن مخالد بن بشر البجلي ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد ، حدّثنا أحمد بن يحيى بن
المنذر الحجري ، حدّثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن عليّ
بن الحسين وأبي جعفر : أنّهما كانا يؤذّنان : حيّ على خير العمل.
* أبو الجارود زياد بن المنذر عن أبي جعفر عن عليّ بن الحسين.
أخبرنا أبو
الطيب محمّد بن الحسين بن النحّاس قراءةً ، حدّثنا عليّ بن العباس ، حدّثنا بكّار ، حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن زياد بن المنذر ، عن أبي
جعفر محمّد بن عليّ ، قال : سمعت أبي عليَّ بن الحسين يؤذّن : «حيّ على الفلاح حيّ
على خير العمل» في الأذان والإِقامة.
حدّثنا أحمد بن
زيد بن بشّار ، حدّثنا الحسن بن محمّد الرفّا ، حدّثنا جعفر ابن محمّد الأزدي ، حدّثنا
محمّد بن جميل ، حدّثنا نصر : بنحوه.
حدّثنا محمّد
بن عبدالله ومحمّد بن الحسين بن غزال ، قالا : حدّثنا الحسين بن محمّد [بن] الفرزدق ، حدّثنا جعفر بن عبدالله المحمّدي ، حدّثنا محمّد بن صلة
__________________
الطحّان ، حدّثنا محمّد بن بكر الأرحبي وعكرمة بن يزيد الأحمسي ، عن أبي
الجارود ، قال : سمعت أبا جعفر يقول : كان أبي عليّ ابن الحسين إذا قال : «حيّ على الفلاح» قال : «حيّ على خير العمل» ، قال : وكانت في
الأذان الأوّل ، وكان عمر لما خاف أن يَتَثبَّطَ الناس عن الجهاد ويتّكلوا على
الصلاة أمرهم أن يكفوا عنها .
حدّثنا أحمد بن
عليّ العطار ومحمّد بن الحسن بن غزال قراءةً عليهما ، قالا : حدّثنا عليّ بن أحمد بن عمرو ، حدّثنا
محمّد بن منصور ، حدّثني أحمد ابن عيسى ، عن محمّد بن بكر ، عن أبي الجارود ، قال
: سمعت أبا جعفر يقول : كان عليّ بن الحسين إذا قال : «حيّ على الفلاح» [حيّ على
الفلاح] ، قال : «حيّ على خير العمل» [حيّ على خير العمل] ، وكانت في الأذان فأمرهم عمر أن يكفّوا عنها مخافة أن
يتثبّط الناس عن الجهاد ويتّكلوا على الصلاة.
حدّثنا أحمد بن
زيد بن بشّار ، حدّثنا الحسن بن محمّد الرفّاء المقري ، حدّثنا جعفر بن محمّد
الأزدي ، حدّثنا محمّد بن جميل ، حدّثنا محمّد بن جبلة ، عن
محمّد بن بكر ، عن أبي الجارود ، قال : سمعت أبا جعفر يقول : كان أبي عليّ بن
الحسين إِذا قال : «حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح» ، قال : «حيّ على خير العمل
، حيّ على خير العمل» ، قال : وكانت في الأذان ، وكان عمر لمّا خاف أن يتثبّط
الناس عن الجهاد ، ويتّكلوا على الصلاة ، أمرهم يكفّوا عنها.
__________________
حدّثنا حسين بن
محمّد البجلـي ، حدّثنا محمّد بن [مسـلم] بن محمّد بن مسلم التميمي ، حدّثنا جعفر بن محمّد الأزدي ، حدّثنا محمّد بن جمـيل : بمثله.
١٦ ـ أبو أمامة بن سهل بن حُنيف (ت ١٠٠ ه)
ذكر المحبّ
الطبري ـ إمام الشافعية في عصره ـ في كتابه المسمّى بـ (إحكام الأحكام) ما لفظه : ذكر
الحيعلة بحيّ على خير العمل عن صدقة بن يسار عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف أنّه
كان إذا أذّن قال : «حيّ على خير العمل». أخرجه سعيد بن منصور .
وروى الحافظ
العلوي من طريق صدقة بن يسار ، قال : كنت فيما بين مكّة [والمدينة] فصحبت رجلاً ـ
صحبته سـائر يومي لم أدر مَن هو ـ فإذا هو أبـو أمامـة بن سهل بن حنـيف ، فسـمعته
يـؤذّن في أذانـه «حـيّ على خـير العـمل» .
وفي الاعتصام
بحبل الله ، عن الأذان للعلوي : حدّثنا محمّد ، أخبرنا محمّد ابن أبي العبّاس من
كتابه ، قال : حدّثنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا حسن بن محمّد ، حدّثنا حرب بن حسن
المحاربي ، حدّثنا سفيان بن عيينة ، عن صدق ابن يسار المكي ، قال : صحبت ذات يوم
أبا امامة بن سهل بن حنيف ، قال : فقال سائر القوم ابن بدري ، قال : فحضرت الصلاة
: فسمعته يقول في اذانه : حيّ على خير العمل ، خير على خير العمل .
__________________
وروى البيهقي :
أنّ ذكر «حيّ على خير العمل» في الأذان رُوي عن أبي أمامة [ابن سهل بن حنيف] .
وقد مرَّ عليك
كلام علاء الدين المتـقي في كتاب التلويـح في شرح الجامع الصحيح : وأمّا «حيّ على
خـير العمل» فذكر ابن حزم أنّه قد صـحّ عن ابن عمـر وأبي أمامة بن سهل بن حنـيف
أنّهـم كانوا يقـولون في أذانهـم «حيَّ على خـير العـمل».
وما أضافه صاحب
التلويح على قوله هذا : وكان عليّ بن الحسين يقولها .
وكلام ابن حزم
: قد صح عن ابن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف أنّهم كانوا يقولون في أذانهم «حيّ
على خير العمل» .
١٧ ـ محمّد بن عليّ الباقر (ت ١١٤ ه)
روى الحافظ
العلوي بسنده عن أحمد بن عيسى ، عن محمّد بن بكر ، عن أبي الجارود ، قال : سمعت
أبا جعفر [الباقر] قال : كان أبي عليّ بن الحسين إذا قال : «حيّ على الفلاح حيّ
على الفلاح» قال : «حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل» ، قال : وكانت في الأذان
فأمرهم عمر أن يكفّوا عنها مخافة أن يَثَّبَّط الناس عن الجهاد ويتّكلوا على
الصلاة .
__________________
وفي الاعتصام
عن الأذان للحافظ : أخبرنا أبو الطيب محمّد بن الحسين التملي قراءة ، حدّثنا عليّ
بن العبّاس البجلي ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن الحسين الزهري ، وبكار بن أحمد ، قالا
: حدّثنا حسن بن حسين ، عن خالد بن إسماعيل المخزومي ، عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام ، قال : كان أبي إذا أذن بالصلاة قال : حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ،
حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل ، ثمّ يقول : يا بني هذا النداء الاوّل .
وروى الحافظ
العلوي عن الباقر من اثنين وعشرين طريقاً ، منها من طريق جابر الجعفي عن أبي جعفر
، قال : أذاني وأذان آبائي النـبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعليّ ، والحسـن ، والحسين ، وعليّ بن الحسـين ـ «حيّ
على خير العمل حيّ على خير العمل» .
وروى الإمام
محمّد بن منصور المرادي المقري ، عن محمّد بن جميل ، عن نصر بن مزاحم ، عن أبي الجارود
، عن أبي جعفر ، أنّه كان يقول «حيّ على خير العمل» في الأذان والإقامة .
وقد مر عليك
سابقاً ما أخرجه الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار عن ابن أُذينة ، عن زرارة
والفضيل بن يسار ، عن الإمام الباقر تحت عنوان «أهل البيت وبدء الاذان».
__________________
١٨ ـ زيد بن عليّ (ت ١٢١ ه)
روى الحافظ
العلوي من طريق طيبة بن حيان ، قال : كان زيد بن عليّ يأمر المؤذّن أن يقول في
الأذان «حيّ على خير العمل».
ومن طريق يزيد
بن معاوية بن إسحاق ، قال : كنا بجبّانة سالم وقد أَمِنَّا أهلَ الشام ، فأمر زيد
بن عليّ معاويةَ بن إسحاق ؛ فقال : أذِّن بـ «حيّ على خير العمل» .
وروى زيد بن
عليّ ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، أنّه كان يقول في أذانه : «حيّ على خير العمل حيّ
على خير العمل» .
قال الحافظ أبو
عبدالله محمّد بن عليّ بن الحسن بن عليّ في كتاب «الأذان بحيّ على خير العمل» : حدّثنا
أبو العبّاس أحمد بن زيد بن بشارة قراءةً ، قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد ،
حدّثنا الحسن بن محمّد الأوسي ، حدّثنا أحمد بن يزيد بن رشد ، حدّثنا أبو معمر
سعيد بن جنتم ، قال : سمعت زيد ابن عليّ يقول : إن عمر نحَّى من
النداء في الأذان : «حيّ على خير العمل» وقد أبلغت العلماء أنّها كان يُؤَذَّن بها
رسول الله حتّى قبضه الله عزّ وجلّ إليه ، وكان يؤذَّن بها لأبي بكر حتّى مات ، وطرفاً
من ولاية عمر حتّى نهى عنها .
__________________
١٩ ـ يحيى بن زيد بن عليّ (ت ١٢٥ ه)
قال الحافظ
العلوي ، أخبرنا محمّد بن الحسين النحاس قراءة ، حدّثنا عليّ بن العبّاس البجلي ، حدّثنا
بكار بن أحمد الهمداني ، حدّثنا مخول بن إبراهيم ، عن محمّد بن بكر الأرحـبي ، عن
زياد ابن المـنذر ، قال : حدّثـني حسـان ، قال : أذَّنـت ليحـيى بن زيد بخراسـان
فأمرني أن أقول «حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل» .
أخبرنا أبو
عبدالله أحمد بن عليّ بن العطار المقري ومحمّد بن الحسين بن غزال قراءةً عليهما ، قالا
: حدّثنا عليّ بن أحمد بن عمرو الجنبي ، حدّثنا محمّد بن منصور المقري ، حدّثني
أحمد بن عيسى ، عن محمّد بن بكر ، عن أبي الجارود ، عن حسان ، قال : أذّنت ليحيى
بن زيد بخراسان فأمرني أن أقول : «حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل».
أخبرنا عليّ بن
محمّد بن بنان ، حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمّد الرفّا ، حدّثنا جعفر بن محمّد
الحسني ، حدّثنا عيسى بن مهران ، حدّثنا مخول ، حدّثنا صباح المزني ، قال : أذّن
رجل كان مع يحيى بن زيد بخراسان ، قال : ما زال مؤذّنهم ينادي بـ «حيّ على خير
العمل» حتّى قتل .
__________________
٢٠ ـ محمّد بن زيد بن عليّ (لم نقف على وفاته)
قال الحافظ العلوي
: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا محمّد بن أبي العبّاس الورّاق في
كتابه إليّ ، قال : حدّثنا محمّد بن قاسم بن وهيب ، عن أحمد بن مفضل ، عن محمّد بن
زيد بن عليّ ، [قال : تقول] في الأذان مرتين : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا
إله إلّا الله أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله أشهد أن
محمّداً رسول الله ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح حيّ على
الفلاح ، حيّ على خير العمل حيّ على خير العـمل ، الله أكبر الله أكـبر ، لا إلـه
إلّا الله.
حدّثنا عليّ بن
محمّد بن بنان الشيباني ، أخبرنا عليّ بن الحسين بن يعقوب الهمداني ، حدّثني عليّ
بن العبّاس ، حدّثنا قاسم بن وهيب ، حدّثنا أحمد بن مفضل ، قال : سألت محمّد بن
زيد بن عليّ عن الأذان ، فقال : مرّتين مرّتين الله أكبر الله أكبر فذكر مثل ما
قبله .
٢١ ـ محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب (ت ١٣٥ ه)
روى الحافظ
العلوي ، عن محمّد بن الحسين بن النخاس قراءة ، حدّثنا عليّ ابن العباس ، حدّثنا
بكار بن أحمد ، حدّثنا إسماعيل بن أبان ، عن غياث بن إبراهيم ، عن عبدالله بن
محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، عن أبيه : أنّه كان يقول في أذانه : «حيّ على
خير العمل» .
وجاء في كتاب
الاعتصام بحبل الله : وفي شرح التجر يد قال : والدليل على
__________________
صحة ما أخبرنا به أبو العبّاس الحسني رضي الله عنه ، قال : أخبرنا عليّ بن
الحسين الظاهري ، قال : حدّثنا محمّد بن محمّد بن عبدالعزيز ، قال : حدّثنا عباد
ابن يعقـوب ، قال : أخبرنا عيسى بن عبد الله بن محمّـد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب
قال : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جده عليّ : قال : سمعت رسول الله يقول : (إنّ خير
أعمالكم الصلاة) وأمر بلالاً أن يؤذّن بحي على خير العمل .
قال الحافظ
العلوي : أخبرنا أبي رضي الله عنه ، حدّثنا أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن المحدد
العطار ، حدّثنا أبي ، حدّثنا الحسن بن يحيى العلوي ، حدّثنا أبو الطاهر أحمد بن
عيسى بن عبدالله ، عن الحسين بن زيد ، قال : رأيـت محمّـد ابن عمـر بن علـيّ بن
أبـي طالـب يـؤذّن بحـيّ على خـير العـمل .
٢٢ ـ إبراهيم بن عبدالله بن الحسن (ت ١٤٥ ه)
قال الحافظ
العلوي : حدّثنا عبدالله بن محمّد بن هشام ، وأبو القاسم ميمون ابن عليّ المقري ، قالا
: أخبرنا إسحاق بن محمّد المقري ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك ، قال : حدّثنا
عبّاد بن يعقوب ، حدّثنا سالم الخزّاز ، قال : كان إبراهيم بن عبدالله بن الحسن
يأمر أصحابه إذا كانوا في البادية يزيدون في الأذان «حيّ على خير العمل» .
حدّثنا الحسين
بن محمّد بن الحسن المقري ، حدّثنا عليّ بن الحسين بن يعقوب الهمداني ، حدّثنا
عليّ بن إبراهيم بن وهيب القرشي ، حدّثنا عباد عن سالم ، قال :
__________________
كان إبراهيم بن عبدالله يأمرهم إذا كانوا في البادية أن يزيدوا في الأذان «حيّ
على خير العمل» .
٢٣ ـ جعفر بن محمّد الصادق (ت ١٤٨ ه)
روى الحافظ
العلوي من طريق معاوية بن عمّار ، قال : سمعت جعفر بن محمّد يقول في الأذان «حيّ
على خير العمل» .
وفي الاعتصام
بحبل الله عن كتاب الأذان : أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن زيد ابن بشار ، وعليّ بن
محمّد الشيباني ، قالا : حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد ابن مسلم ، حدّثنا عليّ بن
العبّاس وعليّ بن سلامة ، حدّثنا بكار بن أحمد ، حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن الثقة
إبراهيم بن أبي يحيى ، عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام كان يقول لكل صلاة : حيّ على الفلاح ، حيّ على خير
العمل .
ومن طريق
عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله ، قال : سألته عن الأذان ، فذكره وقال فيه «حيّ
على الفلاح حيّ على الفلاح» «حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل» .
__________________
وقد روى هذا
الخبر الشيخ الطوسي بإسناده عن النضر ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله [الصادق]
في التهذيب والاستبصار .
وعن الحسين بن
سعيد ، عن فضالة ، عن حماد بن عثمان ، عن إسحاق بن عمار ، عن المعلى بن خنيس ، قال
: سمعتُ أبا عبدالله يؤذّن فقال : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد
أن لا إله إلّا الله أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أشهد أنّ محمّداً رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح حيّ
على الفلاح ، حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله
إلّا الله لا إله إلّا الله .
وعن فضاله ، عن
سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي ؛ جميعاً عن أبي عبدالله أنّه حكى
لهما الأذان وفيه : «حيّ على خير العمل حيّ على خير العمل» .
٢٤ ـ الحسين بن عليّ صاحب فَخّ (ت ١٦٩ ه)
كان الحسين
يؤذن بها ويأمر أصحابه بالتأذين بها ، قال الحافظ العلوي : أخبرنا محمّد بن الحسين
بن النحّاس قراءة ، حدّثنا عليّ بن العبّاس البجلي ، حدّثنا بكّار ،
__________________
حدّثنا عنترة بن حسين العصافي ، قال : كان حسين بن عليّ صاحب فَخّ يقول في
أذانه «حيّ على خير العمل» .
وروى أبو الفرج
الاصفهاني خبر (صاحب فخ) مع الوالي العمري ، وفيه : ان الحسين بن عليّ (صاحب فخ) ويحيى
بن عبدالله بن الحسن «قتل سنة ١٧٥ هـ في حبس الرشيد».
وسليمان بن
عبدالله بن الحسن «قتل بفخ سنة ١٦٩ هـ».
وإدريس بن
عبدالله بن الحسن «ت ١٧٧ هـ بالمغرب».
وعبدالله بن
الحسن الافطس «قتل ما بين ١٧٠ ـ ١٧٨ هـ».
وإبراهيم بن
إسماعيل طباطبا.
وعمر بن الحسن
بن عليّ بن الحسن بن الحسين بن الحسن.
وعبدالله بن
إسـحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن عليّ «قتل بفخ ١٦٩ هـ».
وعبد الله بن
جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب.
وجّهوا إلى
فتيان من فتيانهم ومواليهم فاجتمعوا .. سته وعشرين رجلاً من ولد عليّ ، وعشرة من
الحاج ، ونفر من الموالي ، فكانوا جميعاً وراء التأذين العلني بحيّ على خير العمل .
وسيأتي مزيد
كلام عنه وما فعله بالوالي العمري بعد قليل .
__________________
٢٥ ـ موسى بن جعفر الكاظم (ت ١٨٣ ه)
سيأتي بعد قليل
ما رواه الصدوق
عنه في العلل عنه عليهالسلام وأنّه أجاب محمّد بن أبي عمير عن العلة الظاهرة
والباطنة لـ «حيّ على خير العمل».
٢٦ ـ عليّ بن موسى الرضا (ت ٢٠٣ ه)
روى الصدوق
بإسناده عن الفضل بن شاذان فيما ذكره من العلل عن الرِّضا عليهالسلام في الأذان بالخصوص ، وقال فيما قال : ... وإنّما هو نداء إلى الصلاة في
وسط الأذان ودعاء إلى الفلاح وإلى خير العمل ، وجعل ختم الكلام باسمه كما فتح
باسمه .
وروى في العلل
وفي عيون أخبار الرضا بأسانيد أخرى قوله «وإنّما هو نداء إلى الصلاة ، فجعل النداء
إلى الصلاة في وسط الأذان ، فقدَّم قبلها أربعاً : التكبيرتين والشهادتين ، وأخّر
بعدها أربعاً يدعو إلى الفلاح حثّاً على البرّ والصلاة ، ثمّ دعا إلى خير العمل
مرغباً فيها وفي عملها وفي أدائها ، ثمّ نادى بالتكبير والتهليل ليتم ...».
٢٧ ـ عليّ بن جعفر بن محمّد بن عليّ (ت ٢١٠ ه)
قال الحافظ
العلوي : حدّثنا أبي رضي الله عنه ، حدّثنا محمّد بن جعفر المُقري ، حدّثنا محمّد
بن الحسين الأسناني ، حدّثنا أحمد بن جناب ، عن عليّ بن جعفر بن محمّد ، قال
: قال في الأذان : «حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل» .
__________________
٢٨ ـ أحمد بن عيسى (ت ٢٤٧ ه)
قال الحافظ
العلوي : أخبرنا أبو عبدالله أحمد بن عليّ العطّار البجلي ، ومحمّد بن عليّ بن
الحسين بن غزال الحارثي قراءةً عليهـما ، قالا : حدّثـنا علي ابن أحمد بن عمرو
الحسـني ، حدّثـنا محمّد بن منصور المقري ، قال : سألت أحمد بن
عيسـى ، قلـت : إِذا أذّنـت تقـول : «حيّ على خير العمل حـيّ على خير العـمل»؟ قال
: نعـم.
قلت : في
الأذان والإقامة.
قال : نعم
ولكنّي أخفيها .
واخرى : قلت
لأحمد بن عيسى ، تقول إذا أذنت «حيّ على خير العمل»؟
قال : نعم.
قلت : في
الأذان والإقامة؟
قال : نعم .
٢٩ ـ الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ (ت ٢٦٠ ه)
قال الحافظ
العلوي : أخبرنا أبو عبدالله أحمد بن عليّ بن الحسن الهذلي قراءةً ، حدّثنا عليّ
بن أحمد بن عمرو الحسني ، حدّثنا الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ ، قال : أجمع
آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على أن يقولوا في الأذان والإِقامة : «حيّ على
__________________
خير العمل» وأن ذلك عندهم سنّة. وقد سمعنا في الحديث أن الله سبحانه وتعالى
بعث ملكاً من السماء إلى الأرض بالأذان وفيه «حيّ على خير العمل». ولم يزل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤذّن بحيّ على خير العمل حتّى قبضه الله ، وكان
يُؤذَّن بها في زمن أبي بكر ، فلمّا ولي عمر قال : دعوا «حيّ على خير العمل» لئلاّ
يشتغل الناس عن الجهاد ، فكان أوّل مَن تركها .
وبعد كلّ هذا
نقول : لو صحّ النسخ فلماذا نرى إصرار بعض الصحابة والتابعين وكلّ أهل البيت على
شرعيّتها وضرورة الإتيان بها؟
وهل يصح أن
ينسخ حكم «حيّ على خير العمل» ولا يعلمه عبدالله بن عمر وعليّ بن الحسين وأبو
أمامة بن سهل بن حنيف سنوات بعد رسول الله ، فلو كان ثمة نسخ لَمَا خَفِي عليهم ، وما
معنى كلام الإمام عليّ بن الحسين : «هذا هو الأذان الاول»؟ أَليس المعنيّ به هو
الأذان الأول قبل التحريف؟
إنّ إجماع أهل
البيت وتأذين بعض الصحابه بـ «حيَّ على خير العمل» لَيؤكّد شـرعيّة الإتيان بها
وعدم نسخها.
__________________
القسم الثالث
إجماع العترة
مــرّ عليك
سابقاً في (تأذين الصحــابة وأهل البيــت) أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلامكان يقول ويأمر مؤذّنه أن يقول : حيّ على خير العمل.
والمدقق في
حديث تشريع الأذان الذي رواه الإمام عليّ عن النبيّ يقف على جزئية «حيّ على خير
العمل» فيه ، إذ جاء في حاشية الدسوقي ما نصه :
(كان عليّ يزيد
حيّ على خير العمل بعد حيّ على الفلاح ، وهو مذهب الشيعة الآن) .
ومعنى كلامه
أنّه عليهالسلام كان يأتي بأمر أعرض عنه الخلفاء ، وهو فعل أبنائه من
بعده كذلك حتّى استقرّت السيرة به عند الشيعة ؛ للاعتقاد بعدم الفصل بين فعل
الإمام عليّ ومذهب الشيعة الآن ، لأنّ الشيعة يستقون فقههم وأحكامهم من الإمام
عليّ وأبنائه المعصومين عليهمالسلام.
وقد روى الحافظ
العلوي (أبو عبدالله) بإسناده عن عبيدة السلماني ، قال :
كان عليّ بن
أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، وعقيل بن أبي طالب ، وابن عباس ، وعبدالله بن جعفر
، ومحمّد بن الحنفية يؤذنون إلى أن فارقوا الدنيا فيقولون بـ «حيّ على خير العمل» ويقولون
: لم تزل في الأذان .
__________________
وعنه كذلك عن
الإمام الباقر عليهالسلام قوله :
أذاني وأذان
آبائي ـ عليّ ، والحسن ، والحسين ، وعليّ بن الحسين ـ حيّ على خير العمل حيّ على
خير العمل .
وجاء في معجم
الأدباء لياقوت الحموي في ترجمة عمر بن إبراهيم بن محمّد المتـوفى سنة ٥٣٩ ـ من
أحـفاد الإمام زيـد الشـهيد ـ نقلاً عن السـمعانـي أنّه قـال :
وكان خشن العيش
، صابراً على الفقر ، قانعاً باليسير ، سَمِعتُه يقول : أنا زيدي المذهب ولكنّي
أفتي على مذهب السلطان ـ يعني أبا حنيفة ـ إلى أن يقول السمعاني : وكنت ألازمه طول
مقامي بالكوفة في الكُوَرِ الخمس ، ما سمعت منه طول ملازمتي له شيئاً في الاعتقاد
أنكرته ، غير أنّي كنتُ يوماً قاعداً في باب داره وأخرج لي شذرة من مسموعاته وجعلت
أفتقد فيها حديث الكوفيين فوجدت فيها جزءاً مترجماً بتصحيح الأذان بحي على خير
العمل ، فأخذته لأطالعه ، فأخذه من يدي وقال : هذا لا يصلح لك ، له طالبٌ غيرك ، ثمّ
قال : ينبغي للعالم أن يكون عنده كلّ شي ، فإنّ لكلّ نوع طالباً .
فلو جمعت هذا
النص مع الذي مر عليك من أنّ زيداً كان يأمر مؤذنه بالحيعلة الثالثة عندما يأمن
أهل الشام ، وكذا من أنّ يحيى بن زيد كان يأمر أصحابه بخراسان أن يحيعلوا فما زال
مؤذنهم ينادي بها ، ومثله كلام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن وانه كان يأمر أصحابه
ـ إذا كانوا بالبادية ـ أن يزيدوا في الأذان حيّ على خير العمل .
__________________
وما قاله أحمد
بن عيسى في جواب من سأله عن التأذين بحيّ على خير العمل؟
قال : نعم ، ولكن
أُخفيها .
فلو جمعت هذه
النصوص بعضها إلى بعض لوقفت على الظروف التي كان يعيشها الطالبيون ، وهي ظروف لم
تكن مؤاتية لإبداء آرائهم ، حتّى ترى عمر بن إبراهيم رغم كونه زيدياً يفتي على
مذهب السلطان ؛ لأن الفقه السائد يومئذ كان فقه أبي حنيفة ، فلا يرتضي أن يطّلع
السمعاني على الجزء المصحّح بالأذان بحيّ على خير العمل ، فيأخذه منه ويقول له : «هذا
لا يصلح لك ، له طالب غيرك» ثمّ يعلل سر وجود مثل هذه الكتب والأجزاء مصحّحة عنده
بأنّه ينبغي «للعالم أن يكون عنده كلّ شيء ، فإن لكل نوع طالباً» لأن عمر بن
إبراهيم كان يعرف السمعاني واهتماماته ، وقد أشار السمعاني نفسه إلى توجهاته
الشخصية بقوله : «... وجعلت أفتقد فيها حديث الكوفيين فوجدت ...» وفي هذا كفاية
لمن أراد التعرف على ملابسات التشريع وما دار بين الكوفـة والشـام والحجاز و .. من
التـخالف والتضـاد.
هذا شيء عن
ملابسات (حيّ على خير العمل) ، وهي تدلّ على دور الحكومة بعدم التأذين بها. والآن
مع أقوال بعض العلماء عن إجماع العترة على التأذين بحيّ على خير العمل.
قال الشوكاني
في نيل الأوطار : (... والتثو يب زيادة ثابتة فالقول بها لازم ، والحديث ليس فيه
ذكر «حيّ على خير العمل» ، وقد ذهبت العترة إلى إثباته وأنّه بعد قول المؤذّن «حيّ
على الفلاح» ، قالوا : يقول مرّتين : حيّ على خير العمل ،
__________________
ونسبه المهديّ في البحر إلى أحد قولَي الشافعي ، وهو خلاف ما في كتب
الشافعيّة ، فإنّا لم نجد في شيء منها هذه المقالة ، بل خلاف ما في كتب أهل البيت .
قال في
الانتصار : إنّ الفقهاء الأربعة لا يختلفون في ذلك ، يعني في أنّ «حيّ على خير
العمل» ليس من ألفاظ الأذان ، وقد أنكر هذه الرواية الإمام عزّ الدين في شرح البحر
وغيره ممّن له اطّلاع على كتب الشافعيّة.
«احتج القائلون
بذلك» بما في كتب أهل البيت ـ كامالي أحمد بن عيسى ، والتجريد ، والأحكام ، وجامع
آل محمّد ـ من إثبات ذلك سنداً إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال في الأحكام
: وقد صحّ لنا أنّ «حيّ على خير العمل» كانت على عهد رسول الله يؤذّن بها ، ولم
تُطرح إلّا في زمن عمر. وهكذا قال الحسن بن يحيى ؛ روي ذلك عنه في جامع آل محمّد.
__________________
وبما أخرج
البيهقي في سننه الكبرى بإسناد صحيح عن عبدالله بن عمر أنّه كان يؤذّن بحيّ على
خير العمل أحياناً.
وروى فيها عن
عليّ بن الحسين أنّه قال : هو الأذان الأوّل.
وروى المحبّ
الطبري في أحكامه عن زيد بن أرقم أنّه أذّن بذلك ، قال المحب الطبري : رواه ابن حزم
ورواه سعيد بن منصور في سننه عن أبي أمامة ابن سهل البدري ، ولم يَروِ ذلك من طريق
غير أهل البيت مرفوعاً ، وقول بعضهم : وقد صحّح ابن حزم والبيهقي والمحبّ الطبري
وسعيد بن منصور ثبوت ذلك عن عليّ بن الحسين ...» .
وجاء في كتاب
الاعتصام بحبل الله : ... وفي الجامع الكافي : قال الحسن بن يحيى بن الحسين [بن
زيد المتوفّى ٢٦٠] : أجمع آل رسول الله على أن يقولوا في الأذان والإقامة (حيّ على
خير العمل) وأن ذلك عندهم سنّة ، قال : وقد سمعنا في الحديث أنّ الله سبحانه بعث
ملكاً من السماء إلى الأرض بالأذان ، وفيه : حيّ على خير العمل .. ولم يزل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤذن بحيّ على خير العمل حتّى قبضه الله إليه ، وكان
يُؤَذَّنُ بها في زمان أبي بكر ، فلما وَلِيَ عمر قال : دعوا حيّ على خير العمل لا
يشتغل الناس عن الجهاد. وكان أوّل من تركها .
وقال الاستاذ
عزّان في مقدمة كتاب (الأذان بحيّ على خير العمل) : ... وقال الإمام المؤيّد بالله
أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى ٤١١ هـ) : ومذهب يحيى ـ يعني الهادي ـ وعامة أهل
البيت التأذين بحيّ على خير العمل .
وقال القاضي
زيد بن محمّد الكلاري ـ وهو من أتباع المؤيّد بالله ولم يعاصره ـ :
__________________
التأذين به ـ أي بحيّ على خير العمل ـ إجماع أهل البيت لا يختلفون فيه ، ولم
يرد عن أحد منهم منعه وإنكاره ، وإجماعهم عندنا حجّة يجب اتّباعها .
وقال الإمام
محمّد بن المطهر المتوفى ٧٢٨ هـ : ويؤذن بحيّ على خير العمل ، والوجه في ذلك اجماع
أهل البيت ...
وقال العلاّمة
صلاح بن أحمد بن المهدي المتوفى ١٠٤٨ هـ : أجمع أهل البيت على التأذين بحيّ على
خير العمل .
وقال العلاّمة
الشرفي المتوفى ١٠٥٥ : وعلى الجملة فهو ـ أي الأذان بحيّ على خير العمل ـ إجماع
أهل البيت ، وإنّما قطعه عمر .
وقال العلاّمة
المحقق الحسن بن أحمد الحلال المتوفى ١٠٨٤ هـ ـ بعد أن ذكر اتفاق العترة على
التأذين بحيّ على خير العمل ـ : وإجماع العترة وعليّ : ، وهما معصومان عن تعمد
البدعة .
وقال شيخنا السيّد العلاّمة مجد الدين حفظه الله : وقد صحّ إجماع أهل البيت : على
الأذان بحيّ على خير العمل .
وذكر في أمالي
أحمد بن عيسى : ذهب آل محمّد أجمع إلى أثبات حيّ على خير العمل مرّتين في الأذان
بعد حيّ على الفلاح.
__________________
وفي شرح الأزهار
: ومنهما : حيّ على خير العمل ، يعني أنّ من جملة ألفاظ الأذان والإقامة حيّ على
خير العمل ؛ للأدلّة الواردة المشهورة عند أئمّة العترة وشيعتهم وأتباعهم وكثير من
الأمّة المحمديّة التي شحنت بها كتبهم.
قال الهادي إلى
الحق يحيى بن الحسن في الأحكام : وقد صحّ لنا أن حيّ على خير العمل كانت على عهد
رسول الله يؤذّنون بها ، ولم تُطرح إلّا في زمن عمر بن الخطّاب ، فإنه أمر بطرحها
وقال : أخاف أن يتّكل الناس عليها ويتركوا الجهاد ، وفي المنتخب : وأمّا «حيّ على
خير العمل» فلم تزل على عهد رسول الله حتّى قبضه الله ، وفي عهد أبي بكر حتّى مات
، وانما تركها عمر وأمر بذلك فقيل له : لم تركتها؟ فقال : لئلا يتّكل الناس عليها
ويتركوا الجهاد . انتهى ما قاله عزّان.
وقال الصنعاني
: إن صحّ إجماع أهل البيت ـ يعني على شرعية حيّ على خير العمل ـ فهو حجة ناهضة .
وقال المقبلي
عن أئمّة الزيديّة : ولو صحّ ما ادعي من وقوع إجماع أهل البيت في ذلك لكان أوضح
حجّة .
ونحن في الفصل
الرابع «حيّ على خير العمل وتاريخها العقائدي والسياسي» من هذا الباب سنوكّد هذا
الإجماع عند أهل البيت ، وعند الشيعة بفرقها الثلاث ، ونوضّح سير هذه المسألة وكيف
صارت شعاراً لنهج التعبد المحض في العصور المتأخرة بعد أن أُذِّن بها على عهد رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكيف صار حذفها وإبدالها
__________________
بـ «الصلاة خير من النوم» شعاراً لخصومهم ، وهو دليل قوي على ما نر يد قوله
من وقوع الملابسات في هذه الشعيرة الإسلامية.
مؤكّدين بأنّا
ببياننا لهذه الأقسام الثلاثة أردنا أن نوضح وجهة نظرنا في جزئية هذا الفصل من
فصول الأذان ، ولا نريد أن نحكّم آراءانا فوق كلام الباري وأقوال الرسول كما يفعله
بعض متعصبي المذاهب الذين يرجّحون كلام إمام مذهبهم على القرآن والسنة المطهرة ، مثل
ما فعله الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين إذ قال :
«ولا يجوز
تقليد ما عدا المذاهب الأربعة ولو وافق قولَ الصحابة ، والحديثَ الصحيح ، والآيةَ
، فالخارجُ عن المذاهب الأربعة ضالٌّ مضلٌّ ، وربّما أدّاه ذلك للكفر ؛ لأنّ الأخذ
بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر» .
يستبين ممّا
سبق أنّ الشـيعة لم ينفردوا بهذا القـول ، بل هناك نقول عن الشـافعي وبعض الأعلام
في القـول بجزئية «حيّ على خـير العـمل». ومن المفيد أن نقف قليلاً عند هذا الأمر
لنـؤكد على صحـة ما قلـناه من أنّ هذا الفصـل «حيّ على خير العمل» كان جـزءاً من
الأذان على عهـد رسـول الله إذ أمر النـبيّ مـؤذّنـه بالتـأذين به ، لكن المقـدرات
السـياسية بعد رسـول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شاءت محوه وإزالته.
وممّا يؤيّد
قولنا هذا ما قاله القاسم بن محمّد بن عليّ نقلاً عن «توضيح المسائل» لعماد الدين
يحيى بن محمّد بن حسن بن حميد المقرئ ما لفظه : ومنها إثبات حيّ على
__________________
خير العمل ، قال : رواه الإمام المهدي أحمد بن يحيى في بحره عن أخير قولَي
الشافعي قال : وقد ذكر الروياني أنّ للشافعي قولاً مشهوراً بالقول به. وقد قال
كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية إنّه كان «حيّ على خير العمل»
من ألفاظ الأذان.
قال الزركشي في
كتابه المسمى بالبحر ما لفظه :
«ومنها ما
الخلاف فيه موجود [في المدينة] كوجوده في غيرها ، وكان ابن عمر ـ وهو عميد أهل
المدينة ـ يرى إفراد الاذان ويقول فيه «حيّ على خير العمل» انتهى بلفظه .
إلى أن قال
القاضي يحيى بن محمد بن حسن بن حميد [المقري] : فصحّ ما رواه الرويـانـي أنّ
للشـافعـي قـولاً مشهوراً في إتيان «حيّ على خير العمل» .
وفي الروض
النضير : وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية أنّه كـان «حـيّ
على خـير العـمل» مـن الفـاظ الأذان .
وفي الاعتصام
بحبل الله : وروى الإمام السروجي عن شرح الهداية للحنفية أحاديث «حيّ على خير
العمل» بطرق كثيرة .
وبعد هذا اتضح
سقم ما انفرد به أهل السنة والجماعة من القول بكراهة الإتيان بحيّ على خير العمل
في الأذان ؛ لأنّ فعل ابن عمر وإن قلنا بعدم دوامه فهو بيان
__________________
لجواز الإتيان بها ، وفعل أبي أمامة بن سهل بن حنيف يؤكد جزئيتها وأنّها
كانت على عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وكذا تأذين الإمام عليّ وعليّ بن الحسين ، فهو دليل على
مشروعية هذا الفصل ، ويضاف إليها أقوال العلماء فإنّها تدل في أقل التقادير على
عدم حرمة الإتيان بها.
ففي كتاب «الكبر
يت الأحمر في بيان علوم الشيخ الأكبر» على هامش يواقيت الجواهر للشعراني ، التصريح
بعدم الكراهية ، قال فيه [أي الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية] : ما عرفتُ مستند
مَن كره قول المؤذن «حيّ على خير العمل» فإنّه روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر بها يوم حفر الخندق ...
وحكى الشيخ حسن
فخر الدين البلتستاني عن صاحب (حاشية منهية) من علماء الهند : إنّ ابن تيمية زعم
في منهاجه على بدعة «حيّ على خير العمل» في الأذان ، فهذا تشدّد منه نحن لا نوافق
معه في ذلك .
وقال مهمّش
مراتب الإجماع ما هذا نصه : فلا يكون هذا ـ حيّ على خير العمل ـ بدعة الروافض كما
يزعم ابن تيمية .
وبهذا عرفت أنّ
«حيّ على خير العمل» فصل قد أُذِّن به على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلموعمل به الصحابة وأهل البيت ، وذهب بعض الأعلام إلى
شرعيته وعدم كراهة الإتيان به.
نعم ، إنّ
أتباع النهج الحاكم تركوه ، ولم يرووا فيه إلّا القليل ، وقالوا عن الموجود أنّه
قد نسخ؟!
__________________
هذا وقد تمخض
من كلّ ما سبق أُمور :
١ ـ اتفاق
الفريقين على أصل شـرعيتها في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وانفراد أهل السـنة والجماعة بدعوى النسخ ، وقد تحدى
السيّد المرتضى أن يأتوه بالناسخ ، بقوله :
وإنّما ادعي
أنّ ذلك نُسخ ورفع ، وعلى من ادعى النسخ الدلالة وما يجدها.
٢ ـ ذكرنا في
القسم الثاني الدليل الثاني من أدلّتنا على جزئـية الحيعلة الثالثة وهو فعل
الصحابة وأهل البيت ، فذكرنا فيه اسم ثلاثين شخصاً أذّنوا بـ «حيّ على خير العمل» من
الصحابة والتابعين وأهل البيت.
٣ ـ إجماع
العترة واتفاق الشيعة بفرقها الثلاث على الحيعلة.
٤ ـ واخيراً
ختمنا الكلام عن جزئية الحيعلة الثالثة بما حكي عن الشـافعي وبعض الاعلام من القول
بجزئيتها. وسوف نُثبت لاحقاً ـ إن شاء الله ـ وجود ملازمـة بين القـول بـ «حـيّ
على خـير العـمل» وعدم القـول بـ «الصـلاة خـير من النوم» ؛ لأنّ القائل بشـرعـية
أحدهـما لا يقول بشـرعية الآخر. وحـيث ثـبت عن الشـافعي رجـوعـه ـ في أواخر أيام
حياتـه ـ عن التثويب لعـدم ثبـوت صحـة حديث أبي محذورة عنده يرجح المنسـوب من
القول بـ «حيّ على خـير العمل» إليـه ، ومثله الكلام عن مالك وغيرهم من الأحناف
والمذاهـب الأخرى.
الفصل الثاني
حذف الحيعلة؟
وامتناع بلال عن التأذين؟
قبل البدء في
بيان بحوث هذا الفصل لابدّ من معرفة معنى ما قاله أحد الصادِقَيْن فيما رواه عنه أبو بصير ، أنّه قال : إنّ بلالاً كان عبداً صالحاً فقال : لا
أُؤَذِّنُ لأحد بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فتُرِكَ يومئذ «حيّ على خير العمل» .
ولو ثبت هذا
الخبر وصح الحديث لصار زمن سقوط حيّ على خير العمل من الأذان بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي عهد أبي بكر بالذات ، وهذا يخالف المشهور بين
الطالبيين والمتّفق عليه عند الشيعة الإمامية ، والزيديّة ، والاسماعيليّة ، فإنّهم
جميعاً قد أطبقوا على إسقاطها في عهد عمر بن الخطّاب ، فما يعني ما رواه أبو بصير
إذاً؟
الحديث الآنف
هو بصدد التعر يف ببلال الحبشي مؤذّن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنّه كان صلب العود شجاعاً في مبادئه ، وعبداً صالحاً
، ومعناه : لو كان بلال مؤذناً في العصور اللاَّحقة لما تُرك حيّ على خير العمل ؛
وذلك لإيمانه وتقواه وثباته على العقيدة ، لكن لما ترك بلال ـ بل اضطُرَّ إلى ترك
ـ الأذان بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان في ذلك فرصة للآخرين بالزيادة والنقيصة فيه .
ولك الحقّ أن
تسأل عن علّة ترك بلال للأذان بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعن الأقوال التي قيلت في ذلك ، وهل يصح حقاً ما نقل
عن بلال بأنّه طلب من أبي بكر
__________________
أن يذهب إلى الشام كي يرابط على ثغور المسلمين ، أو أنّه قال : لا أطيق أن
أؤذّن بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو غير ذلك؟
إنّ الدقّة في
معرفة سير الأحداث تفرض علينا أن نقول : إنّ ترك بلال للأذان لم يكن لمجرّد حالة
نفسية وردّة فعل تجاه وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّ بلالاً كان أتقى وأورع من أن يترك منصباً نصبه
فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم طيلة حياته ، ذلك لأنّ النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم لم ينصّبه مؤذِّناً شخصيّاً له ، بل أعطاه دور مؤذّن
الإسلام ، فكيف يترك هذا الدَّور الشريف لمجرّد موت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم؟! وهو أعلم الناس بما قاله رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم في فضل الأذان والمؤذنين.
بل كيف تعقل
صياغة عذر ترجيحه للجهاد في الشام على التأذين للمسلمين ، مع أنّ الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر المسلمين أن ينضووا تحت لواء أُسامة وفيهم أبو بكر
وعمر وغيرهما من الصحابة ، ومن الثابت أنّ بلالاً كان مستثنى من هذا الأمر الجهادي
، حيث أطبق التاريخ والمـؤرّخون على أنّه كان عند رسـول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤذّن له حتّى آخر لحظة من لحظات حياته الشريفة ، فكيف
تـرك التـأذين ورجّح الجهاد؟!
إن هذا ما لا
يعقل في حق بلال ، خصوصاً وأنّه لم يُعهد عنه اتخاذه موقفاً مرتبكاً عند موت
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كما حدث ذلك لعمر بن الخطّاب ، بل تلقّى الحادث كباقي المسلمين بألم وأسى ، واضعاً نصب عينيه قوله تعالى
: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى
أَعْقَابِكُمْ) ، وقوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ
وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) .
__________________
فما قيل في ترك
بلال للأذان لمجرّد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يمكن الركون إليه بحال من الأحوال ، خصوصاً وأنّ
بلالاً لو بقي على أذانه لكان ذلك أقوى للمسلمين وأثبت لنفوسهم ، حيث يظلّون
يعيشون مع الرسول وذكرياته السماو ية العطرة ، بل يكون ذلك أبْعَثَ للمسلمين على
الجهاد ، لأنّه يذكّرهم بأ يّام كان ينادي فيها بمحضر النبيّ بالصلاة جامعة للجهاد
والخروج والقتال.
على أنّنا نرى
أنّهم يستعيضون عن بلال بسعد القرظ الذي لم يؤذن على عهد رسول الله إلّا ثلاث
مرّات بقباء ـ ان صح النقل ـ وأبي محذورة الذي كان يستهزئ بالأذان وبرسول الله ، فلماذا لم يخرج سـعد القرظ للجهاد إذا كان الجهاد
أفضل من التأذين؟!
وإذا كان بلال
قد ترك الأذان لترجيح الجهاد عليه ، فلماذا لا نرى له أيّ مشاركة في قتال المرتدين؟!
ولماذا لم يرد اسمه مع أبي بكر في حروب الردّة؟ ونحن نعلم بأنّ حروب الردة قد طالت
ـ بين موت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وبدء فتوح الشام ـ فاصلة زمنية تقارب سنة أو أقل.
ولماذا لم
يؤذِّن بلال في هذه المدّة لأبي بكر ، إذ كان بوسعه أن يؤذّن له ، حتّى إذا بدأت
مسيرة جيوش المسلمين للشام تركه واشتغل بالجهاد؟
إنّ بقاء بلال
في المدينة ولو فترةً قصيرة لم يؤذّن فيها لأبي بكر ، إنّما يعني شيئاً؟ فما هو؟
حتّى إذا بدأت الجيوش بالزحف نحو الشام ، خرج بلال ـ طائعاً أو مكرها ـ إلى الشام
وبقي فيها.
__________________
وعليه لا يصحّ
التبر ير المطروح من ترك بلال الأذانَ ترجيحاً للجهاد عليه ، بل يبدو أنّ هذا
العذر والتبرير اختُلِقَ لدعم فكرة حذف الحيعلة الثالثة ترجيحاً للجهاد عليها ـ
وهي فكرة عمر بن الخطّاب التي صرّحت بها روايات عديدة ـ بدعوى أنّ الجهاد ـ لا
الصلاة ـ هو خير العمل ، ومعنى كلامهم أن بلالاً ترك الأذان ترجيحاً للجهاد عليه!!
فإذا لم يصح
هذا التبرير فلنا أن نقول : إنّ هناك أمراً آخر دعاه إلى اتخاذ هذا الموقف. فما هو؟
يبدو أنّ وراء
ترك بلال للأذان سرّاً كامناً ، لأنّه ترك الأذان بمجرّد تسلّم أبي بكر للخلافة ، ويظهر
أنّه بقي في المدينة مدّة يسيرة قد لا تتجاوز وقت وفاة فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو تتجاوزها بأيام قلائل.
وما قيل من أنّ
بلالاً أذّن لأبي بكر مدّة خلافته ، ثمّ رجّح الجهاد في زمان عمر فهو شيء لا يصحّ
؛ لأنّ بلالاً كانت له مشاركات في فتوح الشام ، وهذا يعني أنّه كان مع جيوش
المسلمين ، وقد تفطّن ابن كثير إلى ذلك قائلاً :
ولمّا توفّي
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ترك بلال الأذان ، ويقال : أذّن للصدّيق أيّام خلافته ،
ولا يصحّ .
وقد علق النووي
في المجموع على كلام ابن قسيط الذي قال بأن بلالاً كان يسلم على ابي بكر وعمر في
آذانه يقول : وهذا النقل بعيد أو غلط ، فان المشهور المعروف عند أهل العلم بهذا
الفن ان بلالاً لم يؤذن لابي بكر ولا عمر وقيل اذن لابي بكر رضي الله عنهم ، ورواية
ابن قسيط هذه منقطعه فانه لم يدرك ابا بكر ولا عمر ولا بلالاً رضي الله عنهم .
__________________
وكأنّ امتناع
بلال من التأذين لأبي بكر بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يَرُق لرجال النهج الحاكم ، لأنّه تبدو منه معالم
معارضته للخلافة الجديدة ، من هنا وضعوا شتى المختلقات لتوجيه عدم تأذينه له ، وكأنّ
الأقرب للواقع أنّه اضطُرّ إلى ترك المدينة متّجهَّا نحو الشام ، إذ كانت الشام
منفى المعارضين ، وكان ستار الجهاد خير وسيلة لإبعاد المعارضين ، حيث ذهب سعد بن
عبادة الأنصاري مكرهاً إلى الشام فقتل هناك غيلة ، ونفي في زمان عثمان أبو ذر
ومالك الأشتر وغيرهما من المعارضين إلى الشام وحبوس معاوية ، ولا يستبعَد أن يكون بلال قد رأى ـ نتيجة ضغوط أبي
بكر وعمر عليه كما ستعلم ـ أنّ الذهاب إلى الشام أسلَمَ له ، وأبعد عن عيون السلطة.
ويؤكّد لنا أنّ
وراء امتناع بلال من التأذين لأبي بكر أمراً مخفيّاً ، عدمُ امتناعه من التأذين
لأهل البيت ، حيث أذَّن لفاطمة الزهراء بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مرّة ، وأذّن لولديها الحسن والحسين عليهماالسلاممرّة أخرى بعد وفاة فاطمة ، وذلك ما لم يختلف فيه المؤرخون وأرباب السير.
روى الصدوق : أنّه
لما قُبض النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم امتنع بلال من الأذان وقال : لا أؤذّن لأحد بعد رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإن فاطمة قالت ذات يوم : إنّي أشتهي أن أسمع صوت
مؤذّن أبي بالأذان ، فبلغ ذلك بلالاً فأخذ في الأذان ، فلمّا قال : «الله أكبر
الله أكبر» ذكرت أباها صلىاللهعليهوآلهوسلم وأ يّامه فلم تتمالك من البكاء ، فلمّا بلغ إلى قوله «أشهد
أنّ محمّداً رسول الله» شَهِقت فاطمة شهقةً وسـقطت لوجـهها وغُشي عليها ، فقال
الناس
__________________
لبلال : أمِسـكْ
يا بلال ، فقد فارقت ابنةُ رسول الله الدنيا ، وظنّوا أنّها قد ماتت ، فقَطَع
أذانه ولم يُتمّه ، فأفاقت فاطمة وسألته أن يُتّم الأذان فلم يفعل ، وقال لها : يا
سيّدة النسوان ، إني أخشى عليك مما تُنزلينه بنفسك إذا سمعتِ صوتي بالأذان ، فأعفته
عن ذلك .
وهذا يدلّ على
وجود بلال في المدينة قبل وفاة الزهراء عليهاالسلام ، ولم يكن قد خرج منها بعدُ إلى الشام ، وهذا يؤكد أنّ
أبا بكر بقي أربعين يوماً ـ على أقل التقادير ـ يدبّر أموره قبل أن يجهز لقتال المرتدين ، وظل يقاتل
المرتدين مدّة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنة قبل أن يسيِّر الجيوش التي فتحت
الشام بعد أن كان جيش أسامة رجع عن وجهة الشام دون قتال.
وقد علمتَ أنّ
بلالاً لم يشارك في قتال المرتدين ، بل صرّحوا بأنّه أقام في المدينة إلى أن خرجت
بعوث الشام .
كان بلال إذاً
في المدينة ولم يؤذّن لأبي بكر ، فلماذا لم يؤذّن لأبي بكر؟! إنّه تساؤل يفرض نفسه
، ويبحث عن اجابة.
روى إبراهيم بن
محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء ، حدثني أبي محمد بن سليمان ، عن أبيه
سليمان بن بلال ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، قال : إنّ بلالاً رأى في منامه
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يقول له : ما هذه الجفوة يا بلال؟! أما آن لك أن
تزورني يا بلال؟
__________________
فانتبه حزينا
وجلاً خائفاً ، فركب راحلته وقصد المدينة [من الشام] ، فأتى قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فجعل يبكي عنده ويمرّغ وجهه عليه.
فأقبل الحسن
والحسين فجعل يضمّهما ويقبِّلهما ، فقالا له : يا بلال ، نشتهي أن نسمع أذانك الذي
كنت تؤذّنه لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلمفي السَّحَر ، ففعل ، فَعَلا سطح المسجد ، فوقف موقفه
الذي كان يقف فيه ، فلمّا أن قال : «الله أكبر الله أكبر» ارتجّت المدينة.
فلما أن قال :
«أشهد أن لا إله إلّا الله» زاد تعاجيجها ، فلما أن قال : «أشهد أن محمّداً رسول
الله» خرج العواتق من خدورهنّ ، فقالوا : أبُعِث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟! فما رؤي يوماً أكثر باكياً وباكية بعد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم من ذلك اليوم .
لقد ثبت أنّ
بلالاً أذّن لفاطمة بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقبل خروجه إلى الشام ، وأذّن للحسن والحسين بعد وفاة
فاطمة عند رجوعه من الشام لزيارة قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل روي أنّه كان يرجع كلّ سنة مرّة إلى المدينة
فينادي بالأذان للمسلمين إلى أن مات ، فلماذا لم يؤذّن للخليفة الأوّل ، ومن بعده. للثاني؟!
إنّ حقيقة
امتناع بلال من التأذين تتجاوز مسألة ترحيله إلى الشام للمشاركة في الجهاد ، بل
إنّ المسألة لَتصل إلى معارضته لأصل خلافة أبي بكر وعمر ولأنّه أبى
__________________
__________________
ـ كما يبدو ـ أن يؤذّن لهما بالأذان الذي بُدِّل فيه وغُيِّر ، والذي
سخّروا له من بعد سعد القرظ مولى قريش ، الذي ظل مؤذّناً حتّى للحجّاج الثقفي ، ولم
يكن له أيّ دور في المدينة في زمان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال النووي في
تهذيب الاسماء : جعل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم سعد القرظ مؤذناً بقباء ، فلما ولي أبو بكر الخلافة
وترك بلالٌ الأذان نقله أبو بكر إلى مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليؤذن فيه فلم يزل يؤذن فيه حتّى مات في أيّام الحجاج
بن يوسف الثقفي ، وتوارث بنوه الأذان. وقيل : الذي نقله عمر بن الخطاب .
ولكنّ بلالاً
مع ذلك لم يمتنع عن التأذين لأهل البيت والمسلمين المخلصين ـ ولذلك قال جعفر بن
محمّد : رحم الله بلالاً فإنّه كان يحبنا أهل البيت ـ ، بل إنّه امتنع عن التأذين لرجال النهج الحاكم ورؤوس الخلافة وحدهم.
روى الشيخ
المفيد بسنده عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : وكان بلال مؤذّن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلمّا قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لزم بيته ولم يؤذّن لأحد من الخلفاء .
__________________
وقال الـمزّي :
ويقال : إنّـه لم يؤذّن بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إلّا مرّة واحدة ، في قَدمة قَدِمها لزيارة قبر
النبـيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وطلب إليه الصحابة ذلك فأذّن ، ولم يُتمّ الأذان ...
وفي كتاب
أصـفـياء أمير المؤمنـين ، روى عن ابن أبي البـختـري ، قال : حدّثنا عبدالله بن
الحسن : انّ بلالاً أبى أن يبايع أبا بكر ، وإنّ عمر جاء وأخذ بتلابيبه ، فقال : يا
بلال ، إنّ هذا جزاء أبي بكر منك؟! إنّه أعتقك فلا تجيء تبايعه؟!
فقال بلال : إن
كان أبو بكر أعتقني لله فليدعني له ، وإن كان أعتقني لغير ذلك فها أنا ذا .
وأمّا بيعته
فما كنت أبايع أحداً لم يستخلفه رسول الله ، وإنّ بيعة ابن عمّه يوم الغدير في
أعناقنا إلى يوم القيامة ، فأيّنا يستطيع أن يبايِع عَلَى مولاه؟
فقال له عمر : لا
أمّ لك ، لا تُقِمْ معنا!
فارتَحَلَ إلى
الشام ...
__________________
وفي كتاب كامل
البهائي ـ لعماد الدين الطبري ـ : إنّ بلالاً امتنع عن بيعة أبي بكر والأذان له .
فعلى هذا يكون
بلال قد عارض خلافة أبي بكر ، وامتنع من التأذين له مع بقائه بالمدينة ، لعدم
إيمانه بشرعية خلافته ، ولأنّه وعمر أرادا منه ما يأباه ، خرج إلى الشام مكرهاً لا
ترجيحاً للجهاد على منصبه النبوي في التأذين ، ولاردّة فعل منه تجاه وفاة الرسول
المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فإنّ بلالاً لم
يبايع لهما ، وبقي معارضاً للغاصبين في صفّ عليّ وغيره من عيون الصحابة ، وقد أذّن
في هذه المدّة لفاطمة ، وكان على اتصال بأهل البيت ، ثمّ إنّهم بعد وفاة فاطمة
وإجبار عليّ على البيعة ، ونفي سعد بن عبادة إلى الشام ، وكسرهم سيف الزبير ، ووو
.... أجبروا بلالاً على مغادرة المدينة تحت غطاء القتال في جبهات الشام ، وكان قد
عاد إلى المدينة لز يارة قبر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأذّن للحسن والحسين.
وبهذا ، فإنّ
مختلقة تأذينه لعمر في الجابية بالشام ، قد وضعت للتغطية على
__________________
نزاع بلال مع عمر في شأن كيفية توزيع الأراضي المفتوحة وأمثالها ، حيث قام
بلال إلى عمر فقال : لتقسمنّها أو لنتضاربَنّ عليها بالسيف .
ولما أبى عمر
ذلك ، ودعا على بلال ومن معه بالهلاك ، سألَ بلال عمرَ البقاء في الشام واعتزال باقي الفتوحات
، ففعل ذلك عمر ، فبقي بلال في دمشق إلى أن مات بها.
وقد كان أبو
بكر قد أغضب بلالاً في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأمر النبيّ أبا بكر أن يترضّاه ، قالوا :
مرّ أبو سفيان
ببلال وسلمان وصهيب ، فقالوا : ما أخَذَت سيوفُ الله من عُنُق هذا بعدُ مأخذها ، فقال
أبو بكر الصديق : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيّدها؟!
فذهب أبو بكر
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبره بذلك ، فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم :
__________________
يا أبا بكر
لعلّك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربّك ، قال : فرجع أبو بكر ، فقال : يا
إخوة ، لعلّكم غضبتم. قالوا : يغفر الله لك يا أبا بكر !
وقد كان بين
بلال وعمر اختلاف في وقت الأذان ، أدّى بهم من بعد أن يختلقوا صحة أذان ابن أم
مكتوم الأعمى في الفجر ، مخطّئين أذان بلال لعدم تشخيصه الفجر الصادق ، لضعف في
بصره!!
روى الأوزاعي
أنّ بلالاً أتى عمر بن الخطّاب فقال : الصلاة الصلاة ، فردّدها عليه ، فقال له عمر
: نحنُ أعلمُ بالوقت منك ، فقال له بلال : لاَنا أعلم بالوقت منك ، إذ أنت أضلّ من
حمار أهلك !
وفي زحمة هذا
التضادّ السياسي الفقهي بين بلال من جهة ، وأبي بكر وعمر وأتباعهما من جهة ، يبدو
أنّهم طلبوا منه حذف «حيّ على خير العمل» وإبدالها بـ «الصلاة خير من النوم» ، فرفض
بلال ذلك ، ولذلك رفضوا بلالاً ورفضهم ، ونسبوا إلى بلال ضعف البصر واللثَّغة في اللسان
وغيرها من الأمور الجارحة ، وجاءوا بدله بسعد القرظ وأبي محذورة ، ووضعوا أحاديث
نسبوها إلى بلال ، وكأنّه أذّن بـ «الصلاة خير من النوم» في زمان النبيّ ، مع أنّ
الصحيح نسبته إلى بلال عكس ذلك ، فإنّه اذّن بـ «حيّ على خير العمل» لا الصلاة خير
من النوم.
على أنّ بلالاً
كان هو أقرب المشاهدين لما واجهوا به النبيَّ قبيل وفاته ، وكيف تخلفوا عن جيش
أسامة ، وقدّموا أبا بكر للصّلاة.
كان بلال على
علم بما يجري من حوله ، ولذلك اعتزل القوم ونجا بدينه وأذانه
__________________
الذي رواه لنا أهل البيت عن جبرئيل عن الباري والذي ليس فيه «الصلاة خير من
النوم».
لكنّ عمر بن
الخطّاب لمّا استتّب له الأمر ، سعى لتطبيق ما يرجوه ، فحذف الحيعلة الثالثة
وأبدلها بالصلاة خير من النوم ، وهو الواقع الذي رواه الأعلام من المسلمين :
قال سعد
التفتازاني في حاشيته على شرح العضد ، والقوشجي في شرح مبحث الإمامة وغيرهم : إنّ
عمر بن الخطاب خطب الناس وقال : أيها الناس ، ثلاث كُنَّ على عهد رسول الله أنا
أنهى عنهنّ وأحرمهنّ وأعاقب عليهن ، وهي : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على
خير العمل .
وقال الحافظ
العلوي : أخبرنا محمّد بن طلحة النعالي البغدادي ، حدثنا محمّد بن عمر الجعابي
الحافظ ، حدّثنا إسحاق بن محمّد [بن مروان] ، حدّثنا أبي ، حدّثنا المغيرة بن عبد
الله ، عن مقاتل بن سليمان ، عن عطاء ، حدّثنا أبي [السائب بن مالك] عن عمر أنّه
كان يؤذن بحيّ على خير العمل ، ثمّ ترك ذلك وقال : أخاف أن يتكل الناس .
وجاء في كتاب
الاحكام ـ من كتب الزيدية ـ : قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه : وقد صحّ لنا
أنّ «حيّ على خير العمل» كانت على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤذن بها ولم تطرح إلّا في زمن عمر بن الخطاب ، فإنّه
أمر بطرحها وقال : أخاف أن يتّكل الناس عليها ، وأمر بإثبات «الصلاة خير من النوم»
مكانها.
__________________
قال يحيى بن
الحسين رضي الله عنه : والأذان فأصله أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عُلِّمهُ ليلة المسرى ، أرسل الله إليه ملكاً فعلّمه
إيّاه ، فأما ما يقول به الجهال من أنّه رؤيا ... .
وعن نافع ، عن
ابن عمر : أنّه كان يؤذن فيقول : حيّ على خير العمل ، ويقول كانت في الأذان فخاف
عمر أن ينكل الناس عن الجهاد.
وعن الباقر قال
، كان أبي عليّ بن الحسين يقول إذا أذّن : حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل.
قال : وكانت في الأذان ، وكان عمر لمّا خاف ان يتثبط الناس عن الجهاد ويتكلوا ، أمرهم
فكفوا عنها .
وعن الإمام زيد
بن عليّ : أنّه قال : ممّا نقم المسلمون على عمر أنّه نحى من النداء في الأذان حيّ
على خير العمل ، وقد بلغت العلماء أنّه كان يؤذّن بها رسول الله حتّى قبضه الله
عزّ وجلّ ، وكان يؤذن بها لأبي بكر حتّى مات ، وطرفاً من ولاية عمر حتّى نهى عنها .
وعن جعفر بن
محمّد قال : كان في الأذان حيّ على خير العمل ، فنقصها عمر .
وعن أبي جعفر
الباقر عليهالسلام ، قال : كان الأذان بحيّ على خير العمل على عهد رسول
الله ، وبه أمروا أيّام أبي بكر وصدراً من أيّام عمر ، ثمّ أمر عمر بقطعه وحذفه من
الأذان والإقامة ، فقيل له في ذلك فقال : إذا سمع الناس أنّ الصلاة
__________________
خير العمل تهاونوا بالجهاد وتخلفوا عنه. وروينا مثل ذلك عن جعفر بن محمّد ،
والعامة تروي مثل هذا ...
وروى القاضي
زيد الكلاري في شرح التحر ير ، عن الإمام القاسم بن إبراهيم أنّه قال : فأمّا «حيّ
على خير العمل» فكانت في الأذان ، فسمعها عمر يوماً فأمر بالإمساك فيه عنها وقال :
إذا سمعها الناس ضيّعوا الجهاد لموضعها واتّكلوا عليهـا .
وقال في
المنتخب : وأمّا «حيّ على خير العمل» فلم تَزَل على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلمحتّى قبضه الله عزّوجلّ ، وفي عهد أبي بكر حتّى مات ، وإنّما
تركها عمر وأمر بذلك ، فقيل له : لم تركتها؟
فقال : لئلّا
يتّكل الناس عليها ويتركوا الجهاد .
وعن الحسن بن
يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ ، قال : لم يَزَل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤذن بحيّ على خير العمل حتّى قبضه الله ، وكان يؤذّن
بها في زمن أبي بكر ، فلمّا ولي عمر قال : دعوا «حيّ على خير العمل» لا يشتغل
الناس عن الجهاد ، فكان أوّل من تركها .
__________________
وقال الفضل بن
شاذان (المتوفّى ٢٦٠ هـ) مخاطباً أهل السنّة : ... ورويتم عن أبي يوسف القاضي ـ
رواه محمّد بن الحسن عن أصحابه ـ وعن أبي حنيفة ، قالوا : كان الأذان على عهد رسول
الله وعلى عهد أبي بكر وصدراً من خلافة عمر يُنادى فيه «حيّ على خير العمل».
فقال عمر بن
الخطاب : إنّي أخاف أن يتّكل الناس على الصلاة إذا قيل : «حيّ على خير العمل» ويَدَعُوا
الجهاد ، فأمر أن يطرح من الأذان «حيّ على خير العمل» .
إنّ كل هذه
النصوص دالّة على أنّ إسقاط «حيّ على خير العمل» من الأذان كان في عهد عمر بن
الخطّاب ، وأنّ الصحابة كانوا قد أذّنوا بها على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعلى عهد أبي بكر ، وصدراً من خلافة عمر ، وأنّ عمر
سمعها يوماً فأمر بالإمساك فيه عنها وقال : إذا سمعها الناس ضيّعوا الجهاد.
إنّ عمر نفَّذَ
في أثناء تسلّمه أزمّة الأمور ما كان يطمح إليه من حذف «حيّ على خير العمل» التي
كانت في أذان المسلمين ، وقد سمعت أنّ مما نقمه المسلمون على عمر حذفه «حيّ على
خير العمل».
ويبدو أنّه لم
يتسنَّ لعمر أن يحذفها بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مباشرة وإن حاول ذلك ، وكان الجهاد قائماً على سوقه
أيضاً ، لكنّه نجح في ذلك عند استلامه الخلافة مسكتاً المعارضين بالقوة والشدة
المعهودتين منه.
ومن هنا تعرف
أنّ المقصود من كلمة بلال «لا
أوذّن لأحد بعد رسول الله» أنّها تعني : أنني لا أوذّن لأحد اغتصب الخلافة ظلماً
بعد رسول الله ، ومن جدّ في حذف ما يدل على الإمامة والولاية وإسقاطها من الأذان .
__________________
وبهذا فليس
هناك تخالف بين مارواه أبو بصير وما قالته الشيعة ـ بفرقها الثلاث ـ وذلك للدور
الذي لعبه عمر بن الخطاب إبّان عهد الخليفة الأوّل في رسم الخطوط العامة للحكم
الذي يرتضيانه ، إذ أقرّ تلك التطلعات بعد بسط نفوذه في خلافته ، ممّا دعا بلالا
الى أن يترك الأذان ويقـول : «لا
أوذّن لأحد بعد رسـول الله».
وخلاصة القول :
أنّ الحيعلة الثالثة «حيّ على خـير العـمل» كانـت على زمن رسـول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وزمن أبي بكـر ، وصـدراً من خلافـة عمـر ، ثـمّ
حذفـها عمـر في أيّام حكومته ، وأنّه كان يقصـد إلى ذلك منـذ حـروب الـردة ، ثـمّ
أراد تطبيقها بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكنّه اصطدام بمعارضة بلال مؤذن النـبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الـذائـع الصِّيت ، الذي رفض أنْ يـؤذن لرمـوز الخلافـة
المغتصـبة ، فأبعدوه وأبدلوه بسعد القرظ ، فتسنى لهم ما أرادوا من بعد ، فتمهّدت
لهم الأرضية لذلك بعد إقصاء بلال عن منصبه الذي وضعه فيه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد دلّـت كلّ النصـوص والأحداث التاريخية على أنّ حذفها
كان في حكومة عمر ، ودلَّ خبرُ أبي بصير عن أحد الصادقَين ـ الذي صدّرنا هذا الفصل
به ـ على أنّ عمر كان قاصـداً هذا القصد من قبل ، ثمّ نفّـذهُ في أيّام اسـتخلافه.
هذا من ناحية ،
ومن ناحية أخرى ـ كما ستعرف في الباب الثاني «الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة» ـ
أنّ إضافة «الصلاة خير من النوم» أيضاً كانت من مبتكرات عمر بن الخطاب ، الذي رفع
الحيعلة الثالثة وجعل مكانها «الصلاة خير من النوم» فسار الأمويّون والمجتهدون من
بعده على مساره ، وأحكموا ما ذهب إليه عمر ، حتّى صار في العصور اللاحقة تلازم بين
إثبات الحيعلة الثالثة ورفض التثويب عند نهج التعبد ، وفي المقابل. ثمّة تلازم بين
حذف الحيعلة الثالثة واثبات التثويب عند نهج الاجتهاد والحكومات. وقد تطور الأمر ـ
كما سيأتيك ـ إلى أن صار ذلك شعاراً سياسيّاً لكل من طرفَي النزاع.
وفي هذا المقام
نلحظ ما رواه زيد النرسي ـ في أصله ـ عن أبي الحسن الكاظم عليهالسلام ، حيث قال : «الصلاة خير من النوم» بدعة بني أمية ، وليس ذلك من أصل الأذان»
، فإن الإمام الكاظم كان ناظراً إلى استفحال هذا التثويب وشيوعه واتخاذه
طابع العموم والانتشار في زمن بني أميّة الذين ساروا في هذا المجال على خطى عمر بن
الخطاب ، وأ يّدوا نهج الاجتهاد والرأي في مقابل نهج التعبد المحض ، وبذلك لا يكون
ثمة تخالف بين القول بأنّها بدعة وضعت في عهد عمر بن الخطـاب والقول بأنّها بدعـة
أمويـة ؛ لأن الثانـية حكّمـت ما شـرّع في عهد الشيخين.
وبعد هذا
نتساءل : هل تصحّ هذه العلّة «أي علّة الخوف من ترك الناس للجهاد» لحذف هذا الفصل
من فصول الأذان ، أم أنّ هناك دافعاً آخر وراء هذا الأمر؟ هذا ما سنوضحه في الفصل
اللاحق.
__________________
الفصل الثالث
حيّ على خير العمل
دعوة إلى الولاية ،
وبيان لأسباب حذفها
ذكرت كتب
الحديث والتاريخ أنّ لـ «حيّ على خير العمل» مَعنَيَين : ظاهريّ وباطنيّ :
أمّا المعنى
الظاهري لجملة «حيّ على خير العمل» فهو : أنّ خير الأعمال الصلاة والدعوة إلى
إتيانها ، وهذا هو الفهم الاوّلي المتبادر للذهن.
وتدلّ عليه
رواية الصدوق في علل الشرائع وعيون أخبار الرضا فيما رواه من العلل عن الإمام
الرضا عليهالسلام ... فقال : أخبِرني عن الأذان ، لِم أُمروا به؟
قال : لعلل
كثيرة ، منها : أن يكون تذكيراً للساهي ، وتنبيهاً للغافل ، وتعر يفاً لمن جهل
الوقت ... إلى أن يقول : فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الأذان ، فقدّم قبلها
أربعاً : التكبيرتين والشهادتين ، وأخّر بعدها أربعاً : يدعو إلى الفلاح حثاً على
البر والصلاة ، ثمّ دعا إلى خير العمل مرغّباً فيها وفي عملها وفي أدائها ، ثمّ
نادى بالتكبير والتهليل ليتمّ بعدها أربعاً ... .
أما المعنى
الباطني المكنون ـ الذي يعرفه أهل البيت ومن نزل في بيوتهم الكتاب والوحي ـ فهو ما
رواه الصدوق في معاني الأخبار وعلل الشرائع ، بإسناده عن محمّد بن مروان ، عن
الباقر عليهالسلام ، قال : أتدري ما تفسير «حيّ على خير العمل»؟
__________________
قال ، قلت : لا.
قال : دعاك إلى
البرّ ، أتدري بِرُّ مَن؟
قلت : لا.
قال : دعاك إلى
برِّ فاطمة وولدها .
وقال الحافظ
العلوي : أخبرنا محمّد بن أحمد قراءة ، أخبرنا محمّد بن أبي العبّاس الوراق في
كتابه ، أخبرنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا حسن بن عبدالواحد ، حدّثني حرب بن حسن ، حدّثنا
الحارث بن زياد ـ يعني الطحان ـ حدّثنا محمّد بن مروان ، قال : سمعت أبا جعفر
وسأله رجل عن تفسير الأذان قال ، فقال له : الله أكبر ، قال : فهو كما قال الله
أكبر من كلّ شيء ... حتّى بلغ : حيّ على خير العمل ، قال : أمّا قوله : حيّ على
خير العمل ، قال : فأمرك بالبر ، تدري برّ مَن؟
قال الرجل : لا.
قال : بر فاطمة
وولدها .
وفي خبر آخر عن
الصادق عليهالسلام :
سئل عن معنى «حيّ على خير العمل». فقال : خير العمل الولاية .
هذا وقد علّل
الإمام الكاظم سببَ حذف عمر بن الخطاب لهذه العبارة من الأذان بسبيين : ظاهري
وباطني.
إذ روى الصدوق
في كتاب علل الشرائع بسنده الحسن بل الصحيح عن ابن أبي عمير أنّه سأل أبا الحسن (الكاظم)
عن «حيّ على خير العمل» لِمَ تركت من الأذان؟
__________________
قال : تر يد
العلة الظاهرة أو الباطنة؟
قلت : أريدهما
جميعاً.
فقال : أمّا
العلة الظاهرة فلئلاّ يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة ، وأمّا الباطنة فإنّ
«خير العمل» الولاية ، فأراد مِن أمره بترك «حيّ على خير العمل» من الأذان أن لا
يقع حثٌّ عليها ودعاءٌ إليها .
فما وجه
الترابط بين الصلاة والدعوة إلى برّ فاطمة وولدها؟
بل ما يُعنى
بمجيء الولاية وبرّ فاطمة وولدها في الأذان للصلاة؟
وهل حقاً أنّ
جملة «خير العمل» هي الولاية أم أنّها : الصلاة ، والجهاد ، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر؟ .. وهل هناك تناف بين الرؤ يتين.
وهل يصحّ مضمون
الرواية القائلة بأنّ عمر أراد من أمره بتركها أن لا يقع حثٌّ على الولاية ودعاءٌ
إليها؟ أم هناك شيء آخر؟
وما هي
المقدّمات التي تساعدنا على تفهّم مقصود الإمام أبي الحسن الكاظم في علّة حذف عمر
بن الخطاب لعبارة «حيّ على خير العمل».
بل بماذا تفسّر
الشيعة هذه المقولة وما جاء عن أبي جعفر الباقر بأن الإسلام بُني على خَمس : الصلاة
والصوم والزكاة والحجّ والولاية ، ولم يُنادَ بشيء كما نُودي بالولاية .
بل كيف تكون
الولاية أهمّ من كلّ شيء؟ وهل هي أهمّ من الشهادتين كذلك؟ ولماذا تُرجع الشيعة
كلَّ شيء إلى الولاية؟
إنّ أئمّة أهل
البيت قد أجابوا عن هذه التساؤلات ، وأنّ المعنيّ عندهم بـ «ما
__________________
نُودي بشيء كالولاية» وأمثالها لا يعني أنّها أهم من الشهادتين ، بل إنّ
أمر الشهادتين مفروغ منه ؛ لأن الإمام قال : (بني الإسلام على خمس) ومعناه : أنّ
الإسلام المؤلّف من الشهادتين قد بني على خمس : الصلاة ، الصوم ، الزكاة ، الحج ، الولاية
، وأن الولاية أفضلها ، وما نودي بشيء كالولاية ، لكون الإمامة امتداداً للنبوّة ،
لا أنّها قبال النبوة والتوحيد ـ كما يصوّره البعض ـ فلا يمكن معرفة الله إلّا
بالنبي ، ولا يمكن معرفة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والله جل جلاله معرفةً مقبولة صالحة إلّا بالإمام
المفترض طاعته ، وهذا ما وضّحته كتب الإمامية ، وأشار إليه العلماء في كتبهم
الكلامية.
إذ الاعتقاد
بالإمامة لا يُترك بحال ، فهي ليست كالصلاة والصوم والزكاة والحجّ التي قد يرخّص
في تركها في ظروف خاصة ؛ فالحائض مثلاً تترك الصلاة ، والمر يض معفوّ عن الصوم ، والزكاةُ
والحجّ ساقطان عن الفقير ، أما الولاية فهي واجبة على المكلّف سواء كان صاحياً أم مر
يضاً ، وذا مال أو معسراً و ... لأنّها من الأصول التي يبتني عليها قوام الشر يعة
، وبها تقام الأحكام ، وقد مرّ عليك كلام الإمام الزيدي يحيى بن الحسين ـ في كتابه
الأحكام ـ عن الأذان ، وأنّه من أصول الدين ، إشعاراً منه بمكانة هذه الشعيرة وما
تحمله من مفاهيم وأفكار.
فالأذان وإن
كان من شعائر الدين ، لكنّ فصوله تنطوي على أهم أصول الدين ، والاعتقاد بالإمامة
عندنا من أصول المذهب ، وقد وضّح الإمام الباقر عليهالسلام
__________________
مكانة الإمامة بين العبادات الخمس ، وقد سأله عنها زرارة بقوله : وأيّ شيء
من ذلك أفضل؟
قال : الولاية
أفضل ؛ لأنّها مفتاحهنّ ، والوالي هو الدليل عليهنّ ـ إلى أن قال ـ إنّ أفضل
الأشياء ما أنت عليه إذا فاتَكَ لم يكن منه توبة دون أن ترجع إليه فتؤدّيه ...
وعليه فمبحث
الإمامة والولاية من المسائل المهمة والمختلف فيها بين المسلمين ، بل من المسائل
المتجذرة في تاريخ الإسلام ، وقد كتب فيها الأعلام مصنفات كثيرة ولا يسع هذه
الدراسة الإحاطة بجوانبها ، لكننا نكتفي بالإشارة إلى قليل من مجموع مئات الأدلّة
المستدلّ بها على الإمامة ، نأتي بها كي نوضّح معنى ومقصود الإمام الكاظم ، وكيف :
أنّ الولاية خير من الجهاد والصلاة وسواهما.
بعض أدلّة الولاية
وليكن الكلام
أولاً عن آية المودّة ؛ مفهومها ومعطياتها ، وهل تعني المحبة كما يقولون أم تعني
شيئاً أكثر من مجرّد المحبة؟
بل هل هناك
اختلاف بين قوله : (مَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) ، وقوله : (قُلْ لاَ
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)؟
وعلى أيّ شيء
تدل هذه الآية الأخيرة بالتحديد؟
وهل يعقل أن
يحصر شخصٌ رساليٌّ عظيم كرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أجرَ رسالته ـ الّتي ما أوذي نبي مثل ما أوذي صلىاللهعليهوآلهوسلم هو عليها ـ بحبّ أقربائه وعشيرته؟
وهل إنّ قرار
الرسول هذا جاء لتحكيم أسرته وعشيرته وتقوية الروح القبلية والنزعة العشائر ية
التي كانت سائدة عند العرب في الجاهلية ـ والعياذ بالله ـ؟
أم أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد بذلك أموراً أخرى تعبّر عن إرادة السماء؟
ثمّ مَن هم
أقرباؤه المعنيّون في هذه الآية؟
المعلوم أنّ
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أوجب مودّة قرباه لا لتعظيم الجانب القبلي والعشائري ، إذ
الثابت عن رسالة السماء أنّها تخالف هذه النزعة الجاهلية الضيّقة ؛ حيث ذمّ الباري
عمَّ النبيّ وزوجة عمّه في سورة نزلت في عمّ رسول الله ، أبي لهب ، دون اعتبار
لنسبه منه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي
لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً
ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ
مَسَدٍ).
إذاً لا يكون
المعنيُّ بالقربى عشيرته وأقرباءَه بما هم أقرباؤه وعشيرته ، بل المعنيّ بذلك فئة
خاصة منهم ، لهم سمات وخصائص تجعلهم أمناء على دين الله وواسطة للفيض الإلهي ، وهؤلاء
هم الصادقون والمطهرون الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وقد نوّهنا بطرف من منزلتهم
فيما مضى.
إذ لا يعقل أن
يأمر اللهُ ورسولُه المؤمنين بالتودّد إلى مَن ليس بأهل للمودّة ، وإلى من هو
منحرف عن الجادة ـ والعياذ بالله ـ بل إنّ أمره بالتودد إليهم يشير إلى أنّ لهؤلاء
القربى خصائص يتميّزون بها ليست للآخرين ، كالعلم والفضل والتقوى والصبر و ...
وهذه المقوّمات هي التي جعلت من هؤلاء قدوة ، وقد عرّفهم سبحانه في آية التطهير
وحصرهم بمن تحت الكساء وهم بعد النبيّ محمَّد صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
عليّ وفاطمة والحسن والحسين.
من يعرف الدين
الإسلامي يعلم بأنّ الإسلام يهتم بالقيم والمثل لا العلائق والاتجاهات القبلية
والعشائر ية ، فقد جعل رسولُ الله سلمانَ الفارسي من أهل بيته لما امتلكه من
مؤهّلات وخصائص ذاتية ومعنوية مع عدم امتلاكه أي علائق مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من الوجهة القبلية والإقليمية.
قال أبو فراس
في هذا المعنى من النَّسب الإيماني :
كانت مودّةُ
سلمان لَهُ رحماً
|
|
ولم يكن
بَينَ نوح وابنِهِ رَحِمُ
|
المسألة إذاً
أعظم مما تُصوِّره مدرسة الخلفاء ونهج الاجتهاد والرأي من أن الآية تعني المحبّة
بما هي محبة مجرّدة ، وأنّ رسول الله أراد الاهتمام بعشيرته وأقربائه وذويه ، بل
إنّ آية المودّة تشير إلى مبدأ آخر واضح للمفكّر اللّبيب ، لأنّ الشارع لا يأمر
بمحبة من هو ليس بأهل أو بمحبة الفاسق والفاجر ـ والعياذ بالله ـ بل سبحانه يأمر
بمودّة من له خصوصية أن يكون واسطة للفيض الإلهي وصيانة الأحكام ، وإجراء الحدود
على وجهاتها الصحيحة ، وحفظ الثغور ، وتقسيم الفيء ، وردّ الشبهات ، وغيرها من
مستلزمات صيانة الدين الحنيف وحفظه ، وهو دليل على سلامة القربى المعنيين في الآية
من العيب والنقص ، إذ جعلهم عِدلاً للقرآن الذي لا يأتيه ريب ، وعلّق أجر رسالته ـ
التي لاقى الصعاب من أجلها ـ على مودتهم.
قال الزمخشري
في الكشاف بعد طرحه سؤالاً وجوابه : وروي أنّها لمّا نزلت ، [قُلْ لاَ
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] قيل : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت
علينا مودّتهم؟ قال : عليّ وفاطمة وابناهما. ويدل عليه ما روي عن عليّ رضي الله
عنه : شكوت إلى رسول الله حسد الناس لي ، فقال : أما ترضى أن تكون رابع أربعة : أوّل
من يدخل الجنَّة ، أنا وأنت والحسن والحسين ، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا ، وذر
يّتنا خلف أزواجنا .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم :
حرمت الجنَّة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي. ومَن اصطنع
صنيعة إلى أحد من ولد عبدالمطّلب ، ولم يُجازِه عليها ، فأنا أجازيه عليها غداً
إذا لقيني يوم القيامة .
__________________
وروي أنّ الأنصــار
قالوا : فَعَلنا وفَعَلنا ؛ كأنّهم افتـخـروا. فـقـال عبّـاس ـ أو ابن عبّاس رضي
الله عنهما ـ : لنا الفضل عليكم ، فبلغ ذلك رسول الله فأتاهم في مجالسهم ، فقال : يا
معشر الأنصار ، ألم تكونوا أذلّة فأعزّكم الله بي؟
قالوا : بلى يا
رسول الله.
قال : ألم تكونوا
ضُلاّلاً فهداكم الله بي؟
قالوا : بلى يا
رسول الله.
قال : أفلا
تجيبوني؟
قالوا : ما
نقول يا رسول الله؟
قال : ألا
تقولون : ألم يخرجك قومك فآويناك؟ أو لم يكذّبوك فصدّقناك؟ أو لم يخذلوك فنصرناك؟
قال : فما زال
يقول حتّى جَثَوا على الرُّكَب ، وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله ، فنزلت
الآية وقال رسول الله :
من مات على حبّ
آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات
على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل
الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير ،
ألا ومن مات على حبّ آل محمّد يُزَفّ إلى الجنَّة كما تُزَف العروس إلى بيت زوجها
، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فُتح له في قبره باباً إلى الجنّة ، ألا ومن مات
على حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل
محمّد مات على السنة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة
مكتوب بين عينيه «آيس من رحمة الله» ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافراً ، ألا
ومن مات على بغض آل محمّد لم يَشمَّ رائحة الجنّة» ....
__________________
وقد نقل الرازي
كلام الزمخشري في تفسيره معلقاً عليه بقوله :
وروى صاحب
الكشّاف أنّه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله ، مَن قرابَتُك هؤلاء الذين
وَجَبت علينا مودّتُهم؟
فقال : علي
وفاطمة وابناهما.
فثبت أنّ هؤلاء
الأربعة أقارب النبي ، وإذا ثَبَت هذا وجب أن
الرواية فذيّله
بـ (ومن مات على بغض آل بيتي فلا نصيب له من شفاعتي). يكونوا مخصوصين بمزيدِ
التعظيم ، ويدل عليه وجوه :
الأوّل : قوله
تعالى : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ووجه
الاستدلال به ما سبق.
الثاني : لا
شكّ أنّ النبي كان يحبّ فاطمة ، قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
فاطمةُ بضعةُ مِنّي يُؤذيني ما يُؤذيها ، وثبَت بالنقل المتواتر
أنّه كان يحبّ عليّاً والحسن والحسين.
وإذا ثبت ذلك
وجب على كل الأمة مثله ؛ لقوله : (وَاتَّبِعُوهُ
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ، ولقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) ، ولقوله : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) ، ولقوله
سبحانه : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
الثالث : إن
الدعاء للآل مَنصب عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة ، وهو قوله
: «اللهمّ صلّ على محمد وعلى آل محمد وارحم محمداً وآل محمد».
وهذا التعظيم
لم يوجد في حقّ غير الآل ، فكلّ ذلك يدلّ على أن حبّ آل محمد واجب ، وقال الشافعي
رضي الله عنه :
الرواية فذيّله بـ (ومن مات على بغض آل
بيتي فلا نصيب له نم ضفاعتي).
يا راكباً
قِف بالُمحصَّبِ مِن مِـنى
|
|
واهتُفْ
بساكنِ خِيفها والناهضِ
|
سَحَراً إذا
فاضَ الحجيجُ إلى مِنى
|
|
فَيضاً
كمُلْتَطَمِ الفراتِ الــفائضِ
|
إنْ كـانَ
رَفـضـاً حُـبُّ آل محــمـد
|
|
فَلْيَــشهدِ الثّــقلاَنِ أنّي رافـضي
|
ولو تدبّرت في خبر أبي عبيدة عن الإمام الصادق ـ والمروي في تفسير عليّ بن
إبراهيم القمّي ـ لعرفت مزيّة فاطمة الزهراء على عائشة وعلى غيرها من نساء النبيّ
، قال الصادق عليهالسلام :
كان رسول الله يكثر تقبيل فاطمة عليهاالسلام ، فغضبت من ذلك عائشة ، وقالت يا رسول الله : إنك تكثر تقبيل فاطمة! فقال
رسول الله :
يا عائشة ، إنه
لمّا أسري بي إلى السماء دخلتُ الجنّة فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني من
ثمارها فأكلته ، فلما هبطت إلى الأرض ، حوّل الله ذلك ماءً في ظهري ، فلمّا هبطتُ
إلى الأرض فواقعتُ بخديجة فحملت بفاطمة ، فما قبّلتها قطّ إلّا وجدت رائحة شجرة
طوبى منها .
وحسـب هذا
دليلاً لمعرفـة صحة ما نقول من أنّ مـودّتها ميزان للإسـلام والإيمان.
وعليه ، فالأجر
على الرسالة لابدّ أن يرتبط بأصل الرسالة ، ولا معنى لما يقال من إرادة التودّد
العاطفي البحت لذوي القربى ، بل المعنيّ به هو أنّ هذه النخبة الصالحة هي التجسيد
الواقعي للدين وصمّام الأمان للرسالة ، وأنّ التودّد إليهم سيعود بالنفع على الناس
قبل النفع على القربى ، لأنّها لا تزيد القربى مقاماً ومنزلة إذ منزلتهم محفوظة من
عند الله ، فهم مستودع العلم وظرف الرسالة ، وهذا ما
__________________
صرّح به الذكر الحكيم بقوله (إِلاَّ الْمَوَدَّةَ
فِي الْقُرْبَى) لا (المودة للقربى) ، وفي هذا إيماء لطيف إلى أنّهم غير
محتاجين إلى مودة الناس ، بل إنّ مودّتهم تؤدّي بالناس إلى الخير والصلاح ، لأنّ
التودّد الذي تكون القربى ظرفاً له سيربطهم بالرسالة وصاحبها ارتباطاً وثيقاً ترجع
خيراته إلى الناس ، وهو لطف من الله للبشر ، إذ جعل مودّة أهل بيتِ رسولِهِ سبباً
لنجاتهم من الهلكة ، وهي من قبيل جعل حب الإمام عليّ وبغضه مقياساً لمعرفة المؤمن
من المنافق ، وقد كان المنافقون من الصحابة يُعرَفُون ببغضهم لعليّ بن أبي طالب ، فقد
ثبت عن أبي سعيد الخدري قوله :
«إنّا كنّا
نعرف المنافقين ـ نحن معاشَر الأنصار ـ ببغضهم عليّ بن أبي طالب» .
وورد عن عُبادة
بن الصامت قوله : كنا نبور أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب ، فإذا رأينا أحداً لا
يحبّه علمنا أنّه ليس منّا وأنّه لغير رشدة .
وجاء عن ابن
مسعود قوله : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا ببغضهم عليّ بن أبي طالب .
إذاً كان عليّ
بن أبي طالب محكًّا للأنصار ولغيرهم ، وهذا بخلاف قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الأنصار (لا يحبّهم إلّا مؤمن ولا يبغضهم إلّا منافق)
.
__________________
ففي النصّ
الأوّل كان شخص عليّ بن أبي طالب هو المعيار لمعرفـة المؤمـن مـن المنافق ، بخلاف
الأنصار الذين يرجع حبّهم إلى ما فعلوه من نصـرتهم لنشـر الديـن الإسـلامي والسـعي
في إيواء المسـلمين وقيامهـم في مهـمّات الديـن.
قال النووي في
شرح مسلم (إنّ من عرف مرتبة الأنصار .... وعرف من عليّ ابن أبي طالب قربه من رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحبّ النبيّ له ، وما كان منه في نصرة الإسلام وسوابقه
ثمّ أحب الأنصار وعليّاً لهذا ، كان ذلك من دلائل صحّة إيمانه وصدقه في إسلامه ، لسروره
بظهور الإسلام والقيام بما يرضي الله سبحانه وتعالى ورسوله ...) .
وكلام النووي
كما تراه فيه غفلة عن الفرق الشاسع بين الأمر بحب عليّ عليهالسلام والأمر بحب الأنصار ، لأن حبّ عليّ عليهالسلام مطلوب بذاته ، بخلاف حبّ الأنصار فإنّه مطلوب لسوابقهم
، ويؤكد ذلك أنّ في الأنصار منافقين ومنحرفين وأصحاب ارتباطات باليهود ـ وإن كانت
غالبيّتهم من أنصار الإمام عليّ عليهالسلام ومخالفين لقريش ـ فلا يعقل أن يكون حبّهم جميعاً
لذواتهم ، وإنّما كان الحب لهم كمجموعة لها مواقف محمودة.
ومثل الإمام
عليّ كانت الصدّيقة فاطمة الزهراء ، إذ علّق الباري عزّ وجلّ رضاه وغضبه على رضاها
وغضبها ؛ لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: «إنَّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» ، فصار رضى فاطمة معياراً لرضى الله ، وهو دليل على
نزاهتها المطلقة وعصمتها وطهارتها التامّة من كلّ ما يشين ، إذ لا يعقل تعلق رضى
الله برضى إنسان غير معصوم.
__________________
ولا يفوتنّك ما
أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي ذر الغفاري ، قال : قال رسول الله : «من أطاعني
فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصى
علياً فقد عصاني».
وقال : هذا
حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه .
وفي هذا الحديث
دلالة على كمال الإمام عليّ وعصمته ، لأنا نعلم أن رسول الله لا يداهن ولا يجامل
ولا يبالغ ، وبذلك يكون معنى الحديث أن إرادة الإمام عليّ منبعثة من إرادة الله
ولا يمكن أن تتخلف عن إرادته جل وعلا ، وكراهته منبعثة عن كراهة الله ، ولا يمكن
أن تتخلف إحداهما عن الأُخرى ، إذ لو أمكن التخلّف لكان قوله «من أطاعه فقد أطاع
الله» غلطاً ، ولكان قوله : «من عصاه فقد عصى الله» باطلاً ، معاذ الله ، حيث إن طاعة الرسول هي طاعة لله ، وعصيانه هو عصـيان
لله ، فيكون من أطاع علياً فقد أطاع الله ورسـوله ، ومن عصـاه فقد عصـى الله
ورسوله ..
وهكذا الحال
بالنسبة إلى الإمامين الحسن والحسين ، فهما إمامان قاما أو قعدا ، وسيّدا شباب أهل
الجنّة ، فهؤلاء هم القربى المعنيّون في آية المودّة.
وعلى هذا
فالدعوة إلى المودّة في القربى ونقل فضائلهم هي مقدِّمة إلى لزوم الأخذ بنهجهم
والاهتداء بهداهم ؛ لتعلّق أجر الرسالة بها ، بل هو تعبير آخر عمّا جاء في حديث
الثقلين «ما إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً» لانّ مفهوم السنّة لغة : هو
الطريق ، والصراط ، والجادّة ، واصطلاحاً : هو اتّباع الرسول قولاً وفعلاً
وتقريراً.
__________________
وقد أرشَدَنا
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى لزوم اتّباع العترة ، فيكون الابتعادُ عن هؤلاء
ابتعاداً عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والإسلام ، وهو عين الضلالة والهلكة ، لأنّه لا هدى
إلّا بالقرآن والنبيّ والعترة ، فعلي مع القرآن ، والقرآن مع عليّ «لا يفترقان
حتّى يردا عليّ الحوض» .
ولو تأمّلت في
هذه العبارة لعرفت مكانة الإمام عليّ ولرأيته في رتبة المعيّة مع القرآن ، وهي
نسبة تقوم بطرفين ، ويستحيل أن تقوم بطرف واحد ، وعندما قال النبيّ : «عليّ مع
القرآن» ، فقد أثبتها ، فلماذا أعاد إثباتها بصيغة أخرى ، فقال : «والقرآن مع عليّ»؟
حاشا أفصح مَن
نطق بالضاد مِن اللغو في كلامه ، وحاشا أفصح من نطق بالضاد من التكرار في كلامه ،
[دون معنى متوخّى ، فإنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم] أراد أن يُفهمنا أن مسألة معيّتهما [هي] معيّة من نوع
خاص ، ويشير إلى أبعادها العميقة ، ذلك أن المعيّة بين شيئين أو أكثر ، عندما تطلق
، فيقال : زيد مع عمرو ، فهي أعمّ من أن يكون هذا الطرف في الإضافة متقدّماً رتبة
على ذاك أو متأخّراً عنه ، بل تدلّ على أنهما معاً بقطع النظر عن رتبة كلّ منهما.
وربّما كان
فيها إشارة إلى أنّ المَقْرون أقلّ رتبةً من المقرون به ، لهذا أعاد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلمصياغة هذه المعية ، ليقول للمفكّرين : لا ينبغي أن
تفهموا من قولي : «عليّ مع القرآن» أن عليّاً أقلّ رتبة من القرآن ، بل القرآن مع
عليّ أيضاً ، فهما وجودان متعادلان» .
ويؤيّد هذا
الاستنتاج ما جاء عن النبيّ : «عليّ مني وأنا من عليّ» ،
__________________
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلملعليّ : «أنت مني وأنا منك» .
ولو جمعنا آية
المودة ، مع آية التطهير ، مع حديث الثقلين ، وما جاء في أهل الكساء ، وقوله : لا
يزال الدين عزيزاً حتّى يكون منهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، وقوله : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، وغيرها من الآيات والروايات ، لعرفنا دلالة هذه
النصوص على الولاية التي هي بمعنى الإمامة ، لا بمعنى الصاحب والُمحبّ ، وما شابه
ذلك من المفاهيم التي تطرحها مدرسة الخلفاء ونهج الاجتهاد والرأي.
عرفنا إذاً أنّ
الخطاب في آية المودّة هو لعموم المسلمين الذين آمنوا برسالة النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا لخصوص المشركين من قريش حسبما قاله البعض ؛ لكون
الآية مدنية وإن كانت السورة مكية ، فلا يُعقل أن يخاطب الرسول أعداءه من المشركين
ويطلب منهم أجراً على رسالته.
وكذا لا يصحّ
ما قاله البعض الآخر : من أنّ الآية تشير إلى معنى تودّد المسلمين في التقرّب إلى
الله ، ومعنى كلامهم هذا أنّ القربى استعملت بمعنى مطلق التقرّب ، وهذا باطل لغو
ياً حيث لم يرد هذا المعنى في المعاجم.
ويضاف إليه : كيف
يمكن للرسول أن يوقف أجر رسالته على نفسها ، لأنّ المسلم وباتّباعه الرسالة يحصل
له القرب إلى الله ، فلا معنى للتودّد والإلحاح في القرب إليه ؛ لأنّه توقيف الشيء
على نفسه ، وإن كان كذلك فلا يكون أجر الرسالة بل هو نتيجة الرسالة.
هذا ، وإنّك لو
طالعت التاريخ الإسلامي لعرفت أنّ مفهـوم القـربى كان في
__________________
الصدر الأوّل يطلق على عليّ وفاطمة والحسـنين ، ثمّ أطلقت على أبنائهم
المعصومين لاحقاً.
روى الحاكم
النيسابوري في المستدرك عن الإمام الحسن قوله : وأنا من أهل البيت الذين افترض
الله مودتهم على كلّ مسلم فقال تبارك وتعالى : (قُلْ لاَ
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ
يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً) ، فاقتراف
الحسنة مودّتنا أهل البيت .
وقال أبو إسحاق
السبيعي : سألت عمرو بن شعيب عن قوله تبارك وتعالى : (قُلْ لاَ
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) فقال : قربى النبيّ ، رواهما ابن جرير الطبري .
وعن ابن عبّاس
أنّه قال : لما نزلت هذه الآية : (قُلْ لاَ
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا : يا
رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودّتهم؟ قال : فاطمة وولدها : .
وثبت عن عليّ
بن الحسين أنّه قال للشامي رداً على تنكيل الشامي به : أما قرأت كتاب الله عزّوجلّ؟
قال الشامي : نعم.
فقال عليّ بن
الحسين : أما قرأتَ هذه الآية (قُلْ لاَ
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).
قال : بلى.
__________________
فقال له عليّ
بن الحسين عليهالسلام :
فنحن أولئك ، فهل تجد لنا في سورة بني إسرائيل حقاً خاصّة دون
المسلمين؟
فقال : لا.
فقال عليّ بن
الحسين : أما قرات هذه الآية : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى
حَقَّهُ)؟
قال : نعم.
قال عليّ بن
الحسين : فنحن أولئك الذين أمر الله عزّ وجلّ نبيه أن يؤتيهم حقهم.
فقال الشامي : إنكم
لاَنتم هُم؟
فقال عليّ بن
الحسين : نعم ، فهل قرأت هذه الآية : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا
غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى).
فقال الشامي : بلى.
فقال عليّ بن
الحسين : فنحن ذوو القربى ، فهل تجد لنا في سورة الأحزاب حقّاً خاصّة دون المسلمين؟
فقال : لا.
قال عليّ بن
الحسين : أما قرأت هذه الآية : (إِنَّمَا يُرِيدُ
اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).
قال : فرفع
الشامي يده إلى السماء ثمّ قال : اللّهمّ إنيّ أتوب إليك ـ ثلاث مرات ـ اللّهمّ
إني أتوب إليك من عداوة آل محمّد ، وأبرأ إليك ممن قتل أهل بيت محمّد ، ولقد قرأت
القرآن منذ دهر فما شعرتُ بها قبل اليوم .
وهذا النصّ
يؤكّد لنا وضوح دلالة هذه الآيات المباركة ، حيث إنّ الشيخ
__________________
الشامي فهم معانيها بأدنى تأمّل ، وبمجرّد إيضاح الإمام السجّاد عليهالسلام له المراد من هذه الآيات. هذا من جهة ، ومن جهة ثانية يبين هذا النص مدى
التعتيم الإعلامي الأموي على أهل البيت ، وتحريفات السلطة لمعاني هذه الآيات
المباركة ، ولذلك كأنّ الشيخ الشامي من قبل لم يشعر بها وبمعانيها. ولم يعرف
المصداق الأكمل لها في زمانه.
ومثله روى حكيم
بن جبير ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : كنت أجالس أشياخاً لنا إذ مر علينا عليّ بن
الحسين وقد كان بينه وبين أناس من قريش منازعة في امرأة تزوّجها منهم لم يرض
منكحها ، فقال أشياخ الأنصار : ألا دعوتنا أمس لما كان بينك وبين بني فلان ، إنّ
أشياخنا حدّثونا أنّهم أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : يا محمّد ، ألا نخرج إليك من ديارنا ومن
أموالنا لِمَا أعطانا الله بك وفضّلنا بك وأكرمنا بك؟ فأنزل الله تعالى : (قُلْ
لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ونحن ندلكم
على الناس ، أخرجه ابن منده .
وجاء في الكافي
في حديث طويل عن الباقر عليهالسلام فيه قوله : (قُلْ مَا
سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) يقول : أجر المودة الذي لم اسألكم غيره فهو لكم تهتدون
به وتنجون به من عذاب يوم القيامة ، وقال لاعداء الله ، اولياء الشيطان أهل
التكذيب والانكار : (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْـمُتَكَلِّفِينَ) .
وبعد هذا فلنا
أن نحتمل أنّ الله تعالى قد ألمح في قوله (قُلْ لاَ
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ، إلى ما تُلاقيه هذه المجموعة الصالحة من قربى الرسول من أمّته بعده.
__________________
فعن خالد بن
عرفطة ، قال : قال رسول الله : إنكم ستُبتَلَون في أهل بيتي من بعدي .
وقال الإمام
الباقر : بَليةُ الناس علينا عظيمة ؛ إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، وإن تركناهم لم
يهتدوا بغيرنا .
وجاء عن
إبراهيم النظّام قوله : عليّ بن أبي طالب محنة على المتكلم ؛ إن وفى حقَّه غلا ، وإن
بخسه حقّه أساء ، والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن حادة الشأن صعبة الترقي إلّا على
الحاذق الدين .
وقال الشعبي : ما
ندري ما نصنع بعليّ ؛ إن أحببناه افتقرنا ، وإن أبغضناه كفرنا .
واشتهر عن
محمّد بن إدريس الشافعي قوله : ماذا أقول في رجل أخفت أصدقاؤه فضائله خوفاً ، وأخفت
أعداؤه فضائله حسداً ، وشاع له من بين ذَين ما ملأ الخافقين .
من هذا يتبيّن
لنا أنّ آية المودة هي معنىً آخر لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ
فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) والأخيرة صريحة في نزولها في حجة الوداع ويوم غدير خُمّ.
__________________
ولا يصحّ ما
قالوه من أنّها نزلت في أوّل البعثة لمّا خاف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من التبليغ ، فهدّده الله وطمأنه.
أو ما قالوه من
أنّها نزلت في مكّة قبل الهجرة فاستغنى بها النبيّ عن حراسة عمّه أبي طالب.
أو ما قـالـوه
من نـزولهـا في المديـنة في السـنة الثانية للهـجرة بعد غـزوة أحـد.
لأن القول
الأوّل يكذّبه كون السورة مدنية ؛ فلا يعقل أن يأتي خبرٌ كان في أوّل البعثة في
آخر سورة من القرآن ، ولو صحّ ذلك القول وما يليه وأنّ الله كان قد عصم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما معنى صلاة الخوف وما فعله صلىاللهعليهوآلهوسلم مع الأعداء في السنوات الأخيرة من حياته الشريفة؟
وأكثر من ذلك ،
هو أنّ الرسول لو كان قد حُمِيَ هذه الحماية في بدء الدعوة واسـتغنى عن حماية أبي
طالب ، فما معنى تلك النصوص الصـادرة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى القـبائل والتي يطـلـب منهـم أن يحمـوه؟ بل ما معنى
هجرته من مكّة إلى المـدينة المـنوّرة؟
فالآية صريحة
في نزولها في آخر حياته الشريفة ، وبعد حجة الوداع ، إذ لو كانت في بدء الدعوة فلا
معنى لعبارة (بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) إذ لم ينزل
إليه إلّا الشيء اليسير ، وهذه الجملة تدلّ على الماضي الحقيقي وهو يتطابق مع
نزولها في آخر حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وخصوصاً حينما نرى توقّف أمر الرسالة عليه (يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ
فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)!
وعليه فالآيتان
ـ آية التبليغ وآية المودّة ـ دالتان على شيء واحد مرتبط بأجر الرسالة وتبليغها ، وهما
أمران مَولَويّان من الباري جل شانه (قُلْ لاَ
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) و (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ
فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) ، وكلاهما يرتبط بأمر الولاية والخلافة الإلهية ، لأنّ
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يخاف من رجوع أمّته القهقرى
وهي كائنة لا محالة ـ وذلك لاجتماع قريش على العصبية والقبلية وسعيهم
لإبعاد الإمام عليّ عن الخلافـة وإمـرة المؤمنين ؛ لأنّه وَتَر قريشاً وكَسَر
شـوكتها وعظمتها.
على أنّك لو
تأمّلت كلمات الأنبياء : قبل النبيّ محمّد المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم لرأيتهم يوقفون أجرهم على الله ، ففي سورة الشعراء
حكاية عن قول نوح وهود وصالح ولوط وشعيب قولهم : (إِذْ قَالَ لَهُمْ
أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللهَ
وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ
عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
وقوله : (إِذْ
قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ *
فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ
أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
وقوله : (إِذْ
قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
* فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ
أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
وقوله : (إِذْ
قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ *
فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ
أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
وقوله : (إِذْ
قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا
اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ
إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)
.
وهكذا نجد أنّ
كلمات هؤلاء الأنبياء الكرام : كانت واحدة متطابقة تعبّر عن معنىً واحد محدّد
معلوم ، هو أنّهم لم يطلبوا من الناس أجراً على الرسالة ، وإنّما أجرهم «على ربّ
العالمين».
__________________
أما الرسول
المصطفى فيقول : (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً
إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) وقال تعالى : (وَمَا تَسْأَلُهُمْ
عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) .
وقال على لسان
نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (قُلْ مَا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى
رَبِّهِ سَبِيلاً) فما يعني ذلك ، وعلى أيّ شيء يدل؟
إن المقدمة
السابقة قد تكون وضحت جواب هذا الأمر ، خصوصاً بعدما عرفت أنّ رسالة المصطفى هي
الرسالة الخاتمة ، فلا يمكن إبقاء هذه الرسالة إِلاَّ بـ (ذِكْرٌ
لِلْعَالَمِينَ) و (مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى
رَبِّهِ سَبِيلاً) وهما القرآن والعترة ، وذلك لوجود نصوص كثيرة تشير إلى
أنّ أهل البيت هم (الذكر) و (السبيل) إلى الله ، وهو ما اصطلح عليه في كلام النبيّ
صلىاللهعليهوآلهوسلم بالثقلين ، فيصير معنى الآية وكلام النبيّ لزوم اتّخاذ
السبيل إلى الله وهم القربى ، وأنّ اتّخاذ هذا السبيل سيعود نفعه على الناس ، (عليكم).
أمّا أجر رسول الله فهو على الله لقوله سبحانه في سورة سبا (قُلْ
مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) . ومعنى الآية : أني قمت بواجبي ، وأدّيت ما علَيَّ ، ولا
أسألكم عليه من أجر بعد المودّة إن أجري إلّا على الله ، لكن لو أردتم الانتفاع من
هذه الرسالة والنجاة فاتصلوا بالسبب الممدود بين الأرض والسماء وهو القرآن والعترة.
وبهذا فلا تناف
بين قوله : (لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً
إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) وبين قوله : (قُلْ مَا
سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلّا عَلَى اللهِ) .
__________________
إنّ هذا
لَيقترب بنا من فهم المعنى العميق لـ «حيّ على خير العمل» الذي نصّ عليه أهل البيت
: الذين هم أعلم الناس بدين الله بما فازوا به من تطهير الله تعالى إيّاهم تطهيراً
شاملاً ، في المعرفة والمعتقد ، وفي المواقف والعمل. وهذا المعنى الذي يتضمنه «حيّ
على خير العمل» هو الولاية أو برّ فاطمة وولدها أو ما شابه ذلك ، لما اتّضح لك في
الصفحات السابقة من أنّ الأذان هو بيان لاُصول العقيدة ، ولمّا كانت الولاية
امتداداً للرسالة فلا غرابة في أن تكون أجر الرسالة ، خصوصاً مع ما نعرف من
تأكيدات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على أهل بيته وقرباه المنتجبين.
لقد أكّد رسول
الله على العترة بدءًا من (وَأَنْذِرْ
عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) .
ومروراً بحجة
الوداع التي خطب فيها رسول الله خمس مرات ، وختماً بالكتاب الذي منعوه من كتابته
في آخر حياته الشريفة.
قال الحلبي في
سيرته : «خطب النبيّ خمس خطب : الأولى يوم السابع من ذي الحجة بمكة ، والثانية يوم
عرفة ، والثالثة يوم النحر ، والرابعة يوم القرّ بمنى ، والخامسة يوم النَّفر
الأوّل بمنى» .
وقد روى مسلم
وأحمد وغيرهما ـ خطبته صلىاللهعليهوآلهوسلم عند مرجعه من حجة الوداع إلى المدينة ـ عن زيد بن أرقم
، قال : قام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوماً خطيباً بماء يُدعى خُمّاً بين مكّة والمدينة ، فحمد
الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكّر ، ثمّ قال : ألا أيّها الناس ، إنّما أنا بشر يوشك
أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب الله منه الهدى
والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغّب فيه ، ثمّ قال : وأهل
بيتي ، أذكّركم في أهل بيتي ، أذكّركم في أهل بيتي ، أذكّركم في أهل بيتي.
__________________
فقال له حصين :
ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟
قال : نساؤه من
أهل بيته؟! ولكنّ أهل بيته من حرم الصدقة بعده.
قال : ومن هم؟
قال : هم آل
عليّ وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
قال : كلّ
هؤلاء حرم الصدقة؟
قال : نعم .
وعن أبي هريرة
: من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً ، وهو يوم غدير خُمّ
لمّا أخذ النبيّ بيد عليّ بن أبي طالب فقال : ألستُ وليَّ المؤمنين؟
قالوا : بلى يا
رسول الله.
قال : من كنتُ
مولاه فعليّ مولاه.
فقال عمر بن
الخطاب : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم! فأنزل الله
عزّوجلّ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً) .
عَود على بدء
كانت هذه مقدمة
أتينا بها كي نوضّح وجه أفضلية الولاية على العبادات الأربع الأخرى ، إذ الصلاة
تتركها الحائض ، والصوم يتركه المريض ، والزكاة والحج ساقطان عن الفقير ، أمّا
الولاية فهي واجبة على الصحيح والمر يض والغني والمعسر ، لأنّها مفتاحهنّ ، وبأهل
البيت تُعرف الأحكام ، وتُقبل العبادات ، ويُعبد
__________________
الله ، فهم باب الله الذي منه يُؤتى «وبالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام
والحج والجهاد ، وتوفير الفيء والصدقات ، وإمضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور
والأطراف» لأنّه الضمان الإلهي للشر يعةَ. ونحن نعلم بأن الشر يعة مرت بمرحلتين :
١ ـ التأسيس
على يد الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم.
٢ ـ الصيانة من
الانحراف ، وهو دور الأئمة المفترضي الطاعة ، وهو ما كان يؤكّد عليه الرسول للأمة
، يحذّرها من الابتعاد عنهم لأنّ ذلك سيؤدّي بهم إلى الضلال.
وقد كان النهج
الحاكم في تعارض مع هذه الصفوة الطاهرة ، فما من الصفوة إلّا مقتول أو مسموم ، وقد
ثبت في علم السياسة والاجتماع أنّ جميع الثورات الفكر ية ، إذا مات زعماؤها ، وتولّى
إدارتها غير الأكفاء انحرفت عن مسارها الذي اختطّه لها صاحبها ، أمّا إذا واصل
المسيرة الأكفاء الذين يختارهم صاحب الثورة والتغيير ، فإنها تبقى حيّة نابضة ، ولا
تنحرف عن منهاجها الأصلي. هذا عن القسم الأوّل من السؤال.
أمّا ارتباط
برّ فاطمة وولدها بالأذان والصلاة ـ كما في بعض الروايات ـ فهو معنى تفسيري للجملة ، ومن قبيل بيان المعاني المشكلة والمتشابهة أو
الخفية والمجملة في القرآن الكريم والسنة المطهرة ، فالإمام قد يكون أراد بتوضيحه
ذلك بيان ما هو المقصود في العلم الالهي ، وبيان ما حدث بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من عقوق لفاطمة ؛ فبعد إقصاء عليّ عليهالسلام عن الخلافة ـ أي ترك الولاية التي هي خير العمل ـ
__________________
عقّوا فاطمة فغصبوا منها فدكاً ، وروّعوها ، وهددوها بحرق دارها حتّى ماتت غاضبة عليهما ، كما عقّوا ولدها فمضوا مسمومين مقتولين مشرّدين. ولو
تمسك القوم بالولاية التي هي خير العمل لبَرّوا فاطمة وولدها ، ولما خرجت الخلافة
من أهلها ، ومن هنا نعلم أن تفسير الحيعلة الثالثة تارة بالولاية ، وأخرى ببرّ
فاطمة وولدها ، إنّما هما وجهان لعملة واحدة ، وعبارتان تدلان على معنى مشترك واحد
، وهو أنّ محمّداً وعليّاً وأولادهم المعصومين هم خير البرية.
ولعلّ القارئ
الكريم قد وقف على جذور هذا الأصل الديني من القرآن والعترة فيما وضّحناه سابقاً
في البحوث التمهيدية ، من أنّ تشريع الأذان سماويٌّ ، وهو يحمل في طياته سمات معنو
ية وأسراراً عالية ، وأنّه بيان لأصول العقيدة وكليّات الإسلام ، لأنّ الأذان ليس
إعلاماً لوقت الصلاة فقط ، بل إنّ آثاره تجري في عدة أمور ، فهو بيان لما ابتنى
عليه الدين الإسلامي من التوحيد والنبوة ـ والإمامة في نظر الإمامية ـ.
__________________
إنْ إكمال
الدين وإتمام النعمة لا يكون إلّا بإمامة عليّ وولده ، وهذا ما دلّلت عليه الكتب
الكلامية ، ودلّت عليه الآيات الكريمة التي منها آية التطهير وآية الولاية (إِنَّمَا
وَلِيُّكُمُ اللهُ ...) وآية المباهلة ، وسورة الدهر ، وغيرها من عشرات الآيات
والأحاديث ـ إن لم نقل المئات ـ دالّة عليه ، وهذا ما يجب أن يعتقد به كلّ مسلم ؛
إذ عرفتَ أنْ لا صلاة كاملة ومقبولة إلّا بولايتهم.
إنّ عبارة «حيّ
على خير العمل» الدالة على الإمامة هي جزء من الأذان ؛ لما تظافرت به روايات
الإمامية الاثني عشرية ، والزيدية ، والإسماعيلية ، ولوجودها حتّى في مصادر أهل
السنّة ، وقد أذّن بها كبار الصحابة ، وحكي عن الإمام الشافعي والإمام مالك القول
بجزئيتها ، وسنزيد المسألة وضوحاً وجلاءً في الباب الثالث (أشهد أنّ عليّاً ولي
الله بين الشرعية والابتداع) من هذه الدراسة ، ضمن بحثنا عن شرعية الشهادة الثالثة
أو بدعيتها.
ما وراء حذف الحيعلة الثالثة
نصَّ
التفتازاني والقوشجي وغيرهما على دافع الخليفة عمر بن الخطّاب إلى حذف هذا الفصل
من الأذان ، واتّفق الزيديّة والإسماعيليّة والإماميّة على ثبوت هذا الحذف عنه ، في
حين جرى التعتيم على هذه النقطة في أغلب كتب أهل السنّة ، على الرغم من تأكيد كثير
من النصوص التاريخيّة والحديثية المتناثرة في المصادر على حذف عمر لحيّ على خير
العمل للدافع الذي أعلنه.
إنّ ما ذكر من
تعليل لحذف الحيعلة الثالثة قد يكون وجيهاً عند عمر بن الخطّاب ؛ لانسجامه مع
نفسيته ومنهجه في فهم النصوص ، وللظروف التي كان يعيشها من غزوات وحروب وتوسيع
لرقعة الدولة ، وهو ممّا يستوجب بالطبع جمع الطاقات وتوظيفها للغرض المنشود ، وعدم
السماح للمتقاعدين في التشبث بعلل
قد تبعدهم عن الجهاد ، من جملتها الاتكال على الصلاة أو الولاية باعتبارهما
خير العمل.
لكنّ هذا السبب
في منع عمر بن الخطاب ترد عليه عدة أمور :
أوّلها
: إنّ الغزوات والحروب كانت أعظم وأكثر على عهد رسول الله
، وكانت ظروف انبثاق الدولة الإسلاميّة الفتيّة وبداية انطلاقها لنشر دين الله
أدعى إلى حذف هذه الحيعلة من قِبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لو صحّ هذا التعليل ـ من الظروف التالية التي عاشها
الخليفة بعد استقرار أمور الدولة بشكلها الذي كانت عليه. فلماذا لم يحذف رسولُ
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا الفصل وحذفها عمر ؟!
إنّ هذا لَيثير
تساؤلاً حول صحّة هذا التعليل الذي فسّر به عمر حذفه هذا ، أو يومئ إلى وجود سبب
آخر غير معلن في هذا السياق.
ثانيها
: لو قبلنا التعليل السابق تنزّلاً لصحَّت مشروعية الحذف
لفترة معينة ، لا أنّه يكون تشريعاً لكلّ الأزمان ، ذلك أن سريان المنع إلى يومنا
هذا ربّما يشير إلى أمر آخر.
ثالثها
: إنّ هذا التعليل من قبل الخليفة لا يتّفق مع ما جاء عن
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «اعلموا أنّ خير أعمالكم الصلاة» وهو لا
يتّفق أيضاً مع قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الصلاة : «إنّها عمود الدين إن قُبلت قُبل ما سواها
وإن رُدَّت رُدّ ما سواها» ، فلو صحّ تعليل الخليفة وأنّه أراد أن لا يتّكل الناس
على الصلاة ويَدَعُوا الجهاد ، للزم
__________________
من ذلك تخطئة كلّ النصوص الدالة على أنّ الصلاة خيرُ موضوع وخير الأعمال ، وأنّها
وسيلة لقبول الأعمال وردّها.
رابعاً
: من المعلوم أنّ المسلمين صاروا بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهجين : أحدهما : نهج الخلفاء ، والآخر نهج أهل البيت.
وكان هؤلاء على تخالف في كثير من القضايا السياسية والفقهية ، فلمّا منع عمر
الحيعلة الثالثة نَسَبَ نهجُ الخلفاء إلى رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلمالمنعَ تأييداً للخليفة عمر بن الخطاب ، حتّى إذا جاء الخلفاء
اللاحقون منعوا هذا الفصل من الأذان واستقبحوه من الناس ، ولأجله ترى انحسار
الروايات الدالة على الحيعلة في كتب الجمهور ، لكنّ الطالبيِّين أصرّوا على
الإتيان بها على الرغم من هذا المنع.
وبذلك تحزّب
أبناء السنّة والجماعة لمذهب عمر بن الخطاب وحكموا رأيه في مقابل موقف الإمام عليّ
وأولاده الذين خالفوا هذا المنع وأصرّوا على الحيعلة الثالثة رغم كلّ الظروف
والمشاكل ، كما ستقف عليها لاحقاً.
خامساً
: إنّ المطّلع على مجريات الأحداث في زمن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ مَن بعده يقف على حقيقة جلية ، هي أنّ قريشاً لم
تكن ترضى باجتماع النبوة والخلافة في بني هاشم ، وكانت تطمع في الخلافة من بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فكانوا يشترطون على رسول الله أن يبايعوه بشرط أن
يجعل لهم نصيباً في الخلافة من بعده ، لكنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقول : «إن الأمر لله يجعله حيث يشاء» وليس الأمر بيدي.
وجاء عن ابن
عباس : إن عمر بن الخطاب قال له في أوائل عهده بالخلافة : يا عبدالله ، عليك دماء
البُدن إن كتَمتَنيها .... هل بقي في نفسه [يعني عليّ بن أبي طالب] شيء من أمر
الخلافة؟
__________________
قلت : نعم.
قال : أيزعم أن
رسول الله نصَّ عليه؟
قلت : نعم.
وأزيدك : سألتُ أبي عمّا يدّعيه ، فقال : صَدَق.
قال عمر : لقد
كان من رسول الله في أمره ذَرْوٌ من قول لا يثبت حجّة ولا يقطع عذراً ، وكان
يَرْبَعُ في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعتُ من ذلك
إشفاقاً وحيطةً على الإسلام ... فعلم رسول الله أنّي علمت ما في نفسه فأمسك .
وقال العيني في
عمدة القاري : واختلف العلماء في الكتاب الذي هم بكتابته فقال الخطابي : يحتمل
وجهين ، احدهما انه اراد أن ينص على الإمامة بعده فترتفع تلك الفتن العظيمة كحرب
الجمل وصفين .
ولو جمعنا ما
جاء عن ابن عباس ، مع ما قاله عمر لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند مرضه ـ حينما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
ائتوني بدواة وقلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً ، فقال
عمر : إنّ الرجل لَيَهجُر ـ مع ما قاله رسول الله لعمر لمّا أتاه بجوامع من التوراة : والذي نفسُ
محمّد بيده لو بدا لكم موسى فاتّبعتموه وتركتموني لَضللتُم ، مع قول رسول الله في حديث الثقلين «ما إن أخذتم بهما
لن تضلوا بعدي أبداً» ، لو جمعنا كلّ ذلك لوقفنا على حقائق مذهلة ، ولعرفنا موقف
النهج الحاكم بعد رسول
__________________
الله من أهل بيت الرسالة وموت الزهراء وهي واجدة على أبي بكر وعمر . ولعرفنا أيضاً مدى المفارقة بين ترك برّ فاطمة وترك
الدعوة للولاية وبين تأكيدات الرسول على الاهتمام بالعترة تلويحاً وتصريحاً ، مِن
مِثل وقوفه صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّ يوم ـ مدة ستة أشهر ـ على باب فاطمة بعد نزول آية
التطهير يناديها للصلاة بقوله «الصلاة
الصلاة ، إنّما ير يد الله ليذهبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيت ويطهّركم تطهيراً» .
ومما يَحسُن
بنا أن نتفطّن له هو أن هذا الموقف من رسول الله إنّما يُنبئ عن وجود ترابط عميق
بين بر فاطمة وولدها ومسألة الصلاة ، وبمعنى آخر بين الولاية والعبادة ، إذ أنّ
وقوف الرسول المصطفى على باب فاطمة لمدة ستة أشهر لا يمكن تصوّره لغواً بأيّ حال
من الأحوال ؛ لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يقف داعياً المطهَّرين من عترته إلى الصلاة ، مُعلِماً
بوجود لون من التواشج بين الصلاة والعترة. ورسولُ الله حلقةُ الوصل والربط بين
ركيزة التوحيد «الصلاة
، الصلاة» وبين الولاية
(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ ...).
ونلحظ في هذا
النص : قول الله «القران» ، وفعل الرسول «الوقوف» ، ونتيجة لزوم الاعتقاد بمنزلة
العترة والقربى وأن مودتهما وطاعتهما عبادة منجية.
سادساً
: إن الخلفاء المتآخرين أيضاً أدركوا سرّ الحيعلة الثالثة
فحرصوا أشدّ الحرص على حذفها ، ولم يرضوا بها ممن خطب لهم ولَبِسَ خِلَعَهم وانضوى
تحت
__________________
لوائهمَ ، بل أصرّوا على ضرورة حذفها ؛ لأنّها رمز يشير إلى بطلان حكوماتهم.
وسيأتيك ذلك في الفصل الرابع لدى الكلام عن تاريخ الحيعلة في مكّة وحلب سنة ٤٦٣ هـ.
وحسبك منها ما كان من القائم بأمر الله العباسي ، حين أخبره نقيب النقباء أبو
الفوارس طرّاد بأنّ محمود بن صالح خطب له بحلب ولبس الخلع القائمية ، حيث قال له :
أيّ شيء تساوي خطبتهم وهم يؤذنون بـ «حيّ على خير العمل»!!
كلّ هذه النصوص
توكّد أنّ المراد الأساسي من «خير العمل» هو بر فاطمة وولدها ، والولاية والإمامة
التي بها قوام الصلاة والصوم والزكاة والحجّ وسواها ... لا شيء آخر ، فصار الخليفة
ـ حسب كلام الإمام المعصوم ، والاستقراء التاريخي ـ لا يرضى أن يقع (دعاء إليها وتحر
يض عليها) ، لأن ذلك يعني التشكيك بشرعيّة خلافته وخلافة مَن قبله ، وهو المعنيّ
من كلامه عليهالسلام (ما
نودي بشيء كالولاية).
وجاء في
الغَيبة للنعماني عن عبدالله بن سنان أنّه عليهالسلام قال في معرض كلامه عن علامات ظهور القائم من آل محمّد
عجل الله تعالى فرجه الشريف : وأنّه سيكون في السماء نداء «ألا إنّ الحقّ في عليّ
وشيعته».
قال عليهالسلام فـ (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا
بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) على الحق وهو النداء الأوّل ، ويرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض ، والمرضُ واللهِ
عداوتُنا .
ولو قرأنا
تفسير الأئمّة لقوله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ
الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) لعرفنا
المنزلة العظيمة للولاية وسبب معاقبة عمر للقائل بها ، لأنّ
__________________
الكلم الطيّب لو كان قد صعد إليه سبحانه وتعالى بنفسه ، فما معنى العمل
الصالح يرفعه إذن؟!
روى الكليني
بسنده إلى الإمام الصادق عليهالسلام في تفسير قوله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ
الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال : ولايتنا
أهل البيت ـ وأهوى بيده إلى صدره ـ فمن لم يتولّنا لم يرفع الله له عملاً .
وعن الرضا عليهالسلام في قوله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ
الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال : الكلم
الطيب هو قول المؤمن : «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ ولي الله
وخليفة محمّد رسول الله حقاً حقا وخلفاؤه خلفاء الله» ، والعمل الصالح يرفعه ، فهو
دليله ، وعمله اعتقاده الذي في قلبه بأنّ هذا الكلام صحيحٌ كما قلته بلساني .
وعن فاطمة
الزهراء بنت محمّد ، قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
:
لمّا عرج بي إلى السماء صرت إلى سدرة المنتهى (فَكَانَ
قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) فأبصرته بقلبي ولم أره بعيني ، فسمعت أذاناً مثنى مثنى
، واقامة وتراً وتراً ، فسمعت منادياً ينادي : يا ملائكتي وسكان سماواتي وارضي
وحملة عرشي اشهدوا اني لا إله إلّا انا وحدي لا شريك لي ، قالوا : شهدنا وأقررنا ،
قال : اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وارضي وحملة عرشي بأن محمّداً عبدى ورسولي
، قالوا : شهدنا واقررنا ، قال : اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وارضي وحملة
عرشي بأن عليّاً وليي وولي المؤمنين بعد رسولي ، قالوا : شهدنا وأقررنا ...
وبهذا يفضي بنا
البحث إلى أنّ التعليل الحقيقي لمنع عمر بن الخطاب للحيعلة
__________________
الثالثة هو اطلاعه على المقصود من عبارة «حيّ على خير العمل» في الأذان ، ودلالتها
على ولاية أهل البيت ، لصرف الانتباه عنها ، وذلك بكتمانها وحذفها ، فمَنَعها تحت
غطاء الحفاظ على كيان الدولة الإسلامية وتوسيع رقعتها بالجهاد ، لكن الطالبيين قد
أدركوا هذا الأمر وأصرّوا على الإتيان بها رغم كلّ الظروف الحالكة ، وهذا ما
ستقرأه بعد قليل إن شاء الله تعالى.
ولذلك كان
الإمام عليّ عليهالسلام في أيّام خلافته يلمح ويشير إلى أنّ حذف «حيّ على خير
العمل» كان جوراً عليه وعلى الإسلام ، فكان إذا سمع مؤذّنه يقول «حيّ على خير
العمل ، حيّ على خير العمل» قال : مرحباً بالقائلين عدلاً ، معرّضاً بمن رفعها ، لأنّ عليّاً هو خير العمل وهو
العدل الذي يدور مع القرآن حيثما دار ويدور معه القرآن أيضاً.
والذين ظنّوا
أنّ الصلاة تقتصر على شكلها الظاهري دون المحتوى الذي هو الطاعة سعوا إلى ترسيخ فكرة أن هل البيت ومودتهم ليست خير العمل ، فكان لحذفها من
الأذان مغزى عرفه أهل البيت فأنكروا حذفها ، كما عرفه مخالفوهم فأصروا على حذفها.
ومن خلال هذه
الدلائل العديدة استبان لنا أنّ «خير العمل» كناية عن إمامة عليّ عليهالسلام التي هي امتداد لنبوّة النبيّ ، وامتداد للتوحيد ، وهذا ما رواه الباقر
والصادق عليهماالسلام من أئمّة أهل البيت في قوله تعالى : (فِطْرَةَ
اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
__________________
عَلَيْهَا) قالا : هو «لا
إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ أمير المؤمنين وليّ الله» ، إلى ها هنا
التوحيد .
وقد سئل الشريف
المرتضى : «هل يجب في الأذان بعد قول «حيّ على خير العمل» «محمّد وعلي خير البشر»؟
فأجاب قائلا : «إن قال : محمّد وعلي خير البشر ـ على أنّ ذلك من قوله خارج من لفظ
الأذان ـ جاز» .
__________________
وهذا يعني أنّ
هذا التفسير لحي على خير العمل كان سائداً في لسان المتشرعة منذ زمن أهل البيت
وحتّى يومنا هذا.
وقد أفتى
القاضي ابن البرّاج باستحباب ذكر هذا التفسير ، فقال : ويستحب لمن أذّن أو أقام أن
يقول في نفسه عند «حيّ على خير العمل» : «آل محمّد خير البرية» ، مرتين .
وكون عليّ عليهالسلام هو المراد من «حيّ على خير العمل» ، والنبيّ من «حيّ على الفلاح» ، وطاعة
الرب وعبادته من «حيّ على الصلاة» ، فيه من وجوه البلاغة ما لا يخفى ، إذ فيه من
انواع البديع ما يسمّى بالتلميح ، وهو أن يشار في الكلام إلى آية من القرآن أو
حديث مشهور أو شعر مشهور أو مثل سائر أو قصة أو معنى معروف ، من غير ذكر شيء من
ذلك صريحاً. وأحسنه وأبلغه ما حصل به زيادة في المعنى المقصود.
قال الطيبي في
التبيان : ومنه قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا
بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً) قال جارالله
الزمخشري : قوله : (وَآتَيْنَا دَاوُدَ
زَبُوراً) فيه دلالة على تفضيل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو خاتم الأنبياء ، وأنّ أمته خير الأمم ، لأنّ ذلك
مكتوب في الزبور ، قال تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا
فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ
الصَّالِحُونَ) ، قال : وهو محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمته .
فهنا ألمح الله
سبحانه وتعالى لعباده بأن الصلاة له لا لغيره ، وأنّ الفلاح الذي قامت به الصلاة
هو اتباع رسول الله محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا الاجتهاد مقابل النص ، وان
__________________
خير العمل هو الإيمان بالإمامة والولاية لعلي عليهالسلام التي هي امتداد للنبوة والتوحيد ، وبها قوام العبادات
التي عمودها الصلاة.
وهناك عشرات إن
لم تكن مئات الأدلّة على أنّ خير العمل ولاية عليّ ، وان ضربته يوم الخندق تعدل
عبادة الثقلين ، وأنّ الاعمال لا تُقبل إلّا بولايته ، ومعان أخرى متّصلة بهذا
الموضوع. وقولنا في الأذان «حيّ على خير العمل» فيه تلميح لكل تلك المعاني التي
صدع بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حق عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه.
والواقع أن كون
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب هو خير البشر بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلمإنّما هو معنىً قرآني نطقت به آية من سورة «البيّنة» المباركة
، وصرّح به النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في تفسير الآية ، وتداولته المصادر السنيّة ، وكان هذا
المعنى ممّا آمن به كبار من الصحابة المعروفين ، حتّى صار في عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم جزءً من الثقافة الإيمانيّة القرآنية السائدة.
فقد روى الطبري
بإسناده عن محمّد بن عليّ الباقر لما نزل قوله تعالى : (أُولٰئِكَ
هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) قال النبيّ : أنت يا عليّ وشيعتك .
والديلمي في
الفردوس بمأثور الخطاب بإسناده عن جابر بن عبدالله مرفوعاً عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : عليّ خير البشر من شك فيه فقد كفر .
وغيرها من
عشرات الطرق والأسانيد عن الصحابة والتابعين.
وبعد كلّ هذا
تعلم أنّ قول «محمّد وآل محمّد خير البرية» أو «محمّد وعليّ خير البشر» عند
الحيعلة الثالثة أو بعدها إنّما هو توضيح لمعناها الذي حاول الحكام
__________________
كتمه ، وأن هذا التوضيح والتفسير ما هو إلّا استلهام من نصوص القرآن
والسنّة ، وسيرٌ على الخطوات الصحيحة التي رسمها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأمته.
وستعلم بما لا
مزيد عليه ـ في الباب الثالث من هذه الدراسة «اشهد أن عليّاً ولي الله بين الشرعية
والابتداع» ـ أن إتيان الأئمّة : وأتباعهم بهذه العبارات ما هو إلّا تفسير لمعنى
الحيعلة الثالثة ، وهو من قبيل الإتيان بتفسـير بعض الآيات تفسـيراً مرتبطاً بنصّ
الآية ونسقها ، وهذا النوع من التفسير ممّا تحفل به كتب الفريقين بلا أدنى ريـب ، وهو التفسير المقبول الذي اصطلح على تسميته البعض بـ
«التفسير السِّياقي».
__________________
الفصل الرابع
حيّ على خير العمل
تاريخها العقائدي والسياسي
قد يقترح البعض
ضرورة إكثارنا من ذكر مصادر أهل السنة والجماعة حين الكلام عن جزئية «حيّ على خير
العمل» وعدم الاكتفاء بما نقلناه ، بل عدم استساغة ما روته طرق الشيعة الإمامية
الاثني عشرية ، والزيدية ، والإسماعيلية وبعض علماء أهل السنّة عن أهل البيت
والصحابة ، بزعم أنّ ذلك ليس ملزِماً للآخرين.
هذا الكلام قد
يكون له مساغ لو ضربنا بمعطيات التاريخ عرض الجدار ؛ إذ الموقف تجاه المتغيّرات في
التاريخ والحديث ، وما فعلته ر يشة الحكام بالنصوص والموازين ، وخنقهم لكلّ ما هو
أصيل مما لا يعجبهم ، وخصوصاً بعد أن اتّضح لنا دور الأمويين في التحريف والتعتيم
، كلّ ذلك يدلّك على سرّ انحسار مثل نصوص الحيعلة الثالثة في مدرسة الخلفاء.
بل إنّ تصريح
الإمام الباقر والإمام زيد وغيرهما بأنّ عمر بن الخطاب كان وراء رفع «حيّ على خير
العمل» إنّما ينم عن الظروف القاسية العصيبة التي جعلت المعاجم الحديثية السنية
تكاد تخلو من أمثال هذه الأحاديث رغم ثبوتها على عهد رسول الله ؛ فرأينا أنّه لا
محيص من الرجوع إلى التاريخ ، للوقوف على مجريات
الأحداث ، ومنها الوقوف على صحّة وأصالة ما قالته الشيعة وما جاء في
الروايات اليتيمة في كتب الفقه والحديث عند أهل السنّة والجماعة ، ومن خلال عرضنا
للمسألة من وجهة نظر تاريخية سيقف القارئ على جواب القول السابق وأمثاله.
إنّ ثبوت «حيّ
على خير العمل» لم يقتصر على العلويين ـ حسنيين كانوا أم حسينيين ـ بل تعدّاهم إلى
بعض أهل السنة والجماعة ، وقد مرّ عليك ما كان بأيديهم من بقايا هذا الأذان الأصيل.
ومن المعلوم
أنّ المسلمين انقسموا بعد وفاة رسول الله إلى نهجين :
الأوّل
: نهج الصحابة.
والثاني
: نهج أهل البيت.
وعُرف النهجان
بالتخالف فيما بينهما في كثير من المسائل ، بحيث تجاوز حدَّ النزاع حول الإمامة
والخلافة ليشمل كافّة مجالات الشريعة وأحكامها.
وبمعنى آخر : إنّ
الخلاف الحاصل بين النهجين قد تجاوز الصعيد السياسيّ ليشمل أصعدة أخرى فكر يّة
وعقائدية واجتماعية. وفي حال اعتبار مصدر تشريع الأحكام في الفقه من الأُمور
المهمّة والحسّاسة جدّاً ، فلا عجب أن ترى بين قادة النهجين أحكاماً فقهيّة
متضادّة ، قد تصل إلى حدّ التناقض في المسألة الواحدة ، فتجد ما يقوله عمر بن
الخطاب يخالف ما يقوله عليّ بن أبي طالب تماماً ، فعلى الرغم من التزام وتعبّد
عليّ عليهالسلام بمنهج رسول الله في جواز المتعة مثلاً ، ترى اجتهاد عمر
شاخصاً أمامك في قبال شر يعة رسول الله ، محرّما للمتعتين ، قائلاً : «أنا
أُحرمهما وأُعاقب عليهما».
لقد أخذ أهلُ
السنّة الكثيرَ من فقههم من مجتهدي الصحابة الاوائل ، وخصوصاً الخلفاء ، وانتهجوا
سيرة الشيخين ، ولهذا فإنّ الكثير من موارد المنع في فقه أهل السنّة والجماعة يرجع
أساساً إلى سنّه عمر بن الخطاب وغيره من مجتهدي
الصحابة. وقد تمحّل له علماء هذا النهج فحملوا كلّ ما لا يرتضونه من
الروايات والأحكام المغايرة لاجتهادات السلف على النسخ والوضع. ولكي يضفوا صبغة
شرعية على تلك الأحكام تراهم ينسبون روايات إلى رسول الله تؤيّد ما ذهبوا إليه.
وإيماناً منا
بضرورة دراسة ملابسات مثل هذه الأمور في الشر يعة ورفع الستار عنها ، خصصنا هذا
الفصل كي نؤكّد على أن الصراع حول جزئية «حيّ على خير العمل» بين الطالبيين والنهج
الحاكم له جذوره وأصوله العقائدية والتاريخية ، ولم يكن صراعاً سياسياً بحتاً ، وهذا
إن دلّ على شيء فإنما يدّل على عمق الخلاف بين الفريقين.
إذ أنّ استمرار
الصراع العقائدي السياسي لمدة طو يلة من الزمن ينبئ عن وجود أصل شرعي مُختلَف فيه
عندهم.
ولمّا كان
النهج الحاكم ـ على مرّ العصور ـ يدعو إلى «الصلاة خير من النوم» تبعاً للخليفة
الثاني والأمويين من بعده ، ولمّا كان الطالبيون لا يؤمنون بشرعية هذا الجزء ، فمن
المؤكد أن يكون عدم إتيان الحفّاظ والمحدّثين بما يدل على شرعيّة «حيّ على خير
العمل» في الصحاح والسنن قد كان خاضعاً لأمور سياسية.
إنّ الطالبيّين
قد وقفوا أمام مثل هذه الهجمات بكلِّ قوّة ، وبذلوا كلّ ما يمكنهم في التعبير عن
عدم الرضوخ أمام تغيير السنّة ، وقد كلّفهم ذلك الكثير الكثير ، وتحمّلوا المصاعب
العظام من أجل الحفاظ على سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومنها الإتيان بـ «حيّ على خير العمل» في أذانهم. وقد
جرت بين الطرفين مناوشات كلامية اتّهم فيها كلّ طرف منهما الآخر بالانحراف والبدعة
، محافظاً على شعاريّته ، ورافضاً شعارية الطرف الآخر بكل عنف.
ومن يتصفّح
التاريخ يجد بين طيّاته صوراً حيّة لمدى قوّة تمسّك الطالبيّين بهذا الجزء من
الأذان ، حتّى وصلت الحال في بعض الفترات إلى أن يكون هو الشعار المحرِّك للثوار
والثورة في مراحل مختلفة من التاريخ.
لقد تمسّك الطالبيّيون
بـ «حيّ على خير العمل» وقدّموا قرابين نفيسة من أجل إبقائها سنّة حتّى صارت
شعاراً للشيعة في كلّ الأصقاع ، وصبغة عقائديّة يُميَّزون بها عن غيرهم ، وقد
استمدّوا العزم من مواقف أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام الذي قال حين سمع أذان ابن النبّاح بـ «حيّ على خير
العمل» : «مرحباً بالذي قال عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وسهلاً» .
وقد تجلّت
مواقف الشيعة بوضوح في موقف الحسين بن عليّ ـ صاحب فخّ ـ وغيره من الطالبيين الذين أصرّوا على إعلانها جهاراً في الأذان.
__________________
وعليه فلا يصحّ
ما قاله البعض من عدم صحّة تلك الأخبار أو نسخها أو ... ، بل الأمر يرجع إلى أمور
أعمق مما يقولون ، والحوادث التاريخية تؤكّد ما قلناه.
إنّ متابعة
السير التاريخيّ للأذان وما آل إليه في «حيّ على خير العمل» يكشف لنا عن أُمور
عديدة متمادية الأطراف ترجع جذورها إلى عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ويمكن تلمّس ذلك بوضوح من خلال دراسة التاريخ والسيرة
والحديث ، وهذه المسألة من الأهميّة بمكان ، بحيث إنّك كلّما بحثت في مسألة من مسائلها
تفتّحت لك أبواب مسائل أُخرى ذات ارتباط عميق بها ، ولا يمكنك تركها أو التهاون
بها ، فالمسألة أكبر من كون «حيّ على خير العمل» شعار الشيعة و «الصلاة خير من
النوم» شعار السنّة.
صحيح أنَّ
الحركات التغييريّة التي قادها الشيعة عبر فترات التاريخ المختلفة تُبيِّنُ أنَّهم
قد أظهروا مسألة «حيّ على خير العمل» في الأذان كعنصر تحدٍّ وتعاملوا معها كشعار
لهم ـ كما حصل في الدولة الفاطميّة في مصر ، والدولة الزيدية في طبرستان ، والبويهية
في بغداد ، والحمدانية في حلب ـ إلّا أنَّ ذلك لا يتجاوز ظاهر المسألة.
ذلك أنّ مصادر
الحديث والتاريخ والسيرة تُظِهر لنا بأنّ «حيّ على خير العمل» لها ج ذور وأصالة
شرعيّة ، فهي أوسع من أن تتضيق في زاوية كونها شعار فرقة أو طائفة أو مذهب.
نعم ، كان بلال
يؤذِّن بها في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد أذّن مرّة أو مرّتين للزهراء والحسنين في زمن أبي
بكر ولم يُتمّ أذانه. ويظهر من جمع الأدلة المارّة وما قلناه أنّه كان يؤذن بـ «حيّ
على خير العمل» ، ولذلك امتنع عن الأذان في زمن الشيخين أبي بكر وعمر ؛ إذ جاء في
الخطط للمقريزيّ (ت ٨٤٥ هـ) وغيره : (... وأنَّ عمر أراده أن يؤذِّن له فأبى عليه)
لماذا؟!
__________________
إذا أخذنا بنظر
الاعتبار ما ذكره المقريزيّ في باب (ذكر الأذان بمصر وما كان فيه من الاختلاف) وربطنا
ذلك بما توصّلنا إليه من السير التاريخيّ لمسألة الأذان فيما يخصّ المسألة
المبحوثة وشعاريّتها ، وما أُثير حولها من محاولات عامدة للحؤول دون ترسيخها في
قلوب المسلمين ، وجمعنا ذلك مع ما بحوزتنا من رواياتنا ورواياتهم فسنحصل على ثمرة
يانعة تشفي غليل المتطّلع الى الحقيقة ، وعلى نتيجة جليّة لا غبار عليها ، ويستبين
عندئذ أنّها لا تتعدَّى كونها في أصلها شعيرة إلهيّة وشعاراً إسلاميّاً أصيلاً
يحمل وراءه نهجاً إسلامياً فكرياً يتبع «الرمز» القدوة الحسنة الذي دعا القرآن
الكر يم إلى الاقتداء به ، ويرمي بعيداً كلّ ما يمتّ بِصلة إلى الاجتهاد بالرأي والاستحسان
المقابل لمنهجيّة التعبّد المحض ؛ ذلك أن «حيّ على خير العمل» سنّة نبويّة ، أمّا
«الصلاة خير من النوم» فهي دعوة مُستحدَثة لا تمثل جانباً من رؤية الإسلام.
ولدى مرورنا
بالنصوص والأحداث سنوضح ـ وفق منهجنا ـ ملابسات المسألة خلال الصراع الأموي العلوي
ثمّ الصراع العباسي العلوي ، والسلجوقي البويهي ، والأيوبي الفاطمي ، وكيفية نشوء
الحركات الشيعية في الأمصار ، وذلك فيه التجسيم الحقيقي للصراع بين الرفض والإذعان
، أو قل صراع الأصوليين الإسلاميين ضد الحكّام الأمويين أو العباسيين ومن حذا
حذوهم.
لأنّ أصحاب
النهج الحاكم ـ أمويّين وعباسيّين وغيرهم ـ كانوا يَدْعُون إلى اتّباع سيرة
الشيخيين على نحو الخصوص. أما الثوار والمعارضون من الطالبيين فكانوا يذهبون إلى
شرعية خلافة الإمام عليّ وأولاده المعصومين ويَدْعون الناس إلى اتّباع نهج عليّ
وولده.
وقد بدأ الخلاف
بين النهجين أولاً في موضوع الخلافة ومن هو الأحّق بها ، وهل هناك تنصيب من الله ،
أم أنّ الأمر شورى بين الأمة ـ أو أصحاب الحَلّ
والعقد منهم ـ؟ ثمّ انجرّ هذا الخلاف إلى الشر يعة ، فوجدنا أحكاماً
تُغيَّر وأخرى تُستحدَث ، إما دعماً لمواقف الخليفة ، أو للتعرف على رجال الطالبيين
، أو لغيرهما من العلل والأسباب.
وقد استفحل هذا
الخلاف بعد مقتل عثمان بن عفان ، فانقسم المسلمون إلى فئتين كبيرتين :
فجلّ أهل
البصرة وأهل الشام كانوا ذوي أهواء عثمانيّة في الانتماء الفكري والسياسي ، وأهل
الكوفة والأنصار من أهل المدينة وعدد كبير من أهل الحجاز كانوا علويّي الفكرة
والعقيدة.
وبعد استشهاد
الإمام عليّ وصلح الإمام الحسن تم استيلاء معاوية بن أبي سفيان على الحكم ، فغلبت
العثمانيّة على مجريات الأحداث وانحسر الطالبيّون فبدؤوا يعيشون حالة التقيّة.
وإنّما جئنا
بهذا الكلام كي نوضح بأن عملنا في هذا الفصل سيكون في محورين لا يمكن فصل أحدهما
عن الآخر ، لأنهما وجهان لعملة واحدة ، هما :
١ ـ المحور
السياسي.
٢ ـ المحور
التشريعي.
فقد نفرض أن
يتغاضى الحاكم الأموي عن شعارية «حيّ على خير العمل» في بعض الأحيان ، لكن ذلك لا
يعني رضاه وسكوته عن ذلك في كلّ الحالات ، لأنّ الحيعلة الثالثة كما علمت لها
جانبان تشريعي صلاتيّ وعقائدي سياسي ، فإذا كان الإتيان بها منحصراً في حدّ
المسألة التشريعية سكت الحكام عنها على مضض ، وإن اتّخذت طابعها العقائدي السياسي
قامت قيامتهم واستبدّ بهم الغيظ ؛ لأنّ معناها العقائدي السياسي هو فرع لمعناها
التشريعي الصلاتي الذي هو «محمّد وآل محمّد خير البر ية» و «الولاية» و «بِرّ
فاطمة وولدها» ، وهذا
البعد التشريعي يتلوه البعد السياسي الذي يعني أنّهم أحقّ بالخلافة والحكم
من الآخرين.
فلو دعا الإمام
الباقر أو الصادق إلى جزئيتها في العهد الأموي ، أو أتى بها عليّ بن الحسين ، فقد
يسكت الحاكم عنه على مضض ، لكن ليس معنى هذا سكوتهم كذلك عن الطالبيين الثوار لو
أذّنوا بـ «حيّ على خير العمل» ؛ لأنّ الأمويّين لو أرادوا معارضة الإمامين الصادق
والباقر وقبلهما الإمام عليّ بن الحسين ، لفتحت أمامهم جبهة جديدة هم في غنى عنها
في تلك المرحلة من تاريخ المعارضة ، ولدخل الأمر في إطاره السياسي قبل أوانه.
ذلك أنّ الأمة
الإسلامية بدأت تعي الأوضاع بعد شهادة الإمام الحسين سنة ٦١ هـ ، وأخذت تتّضح لها
معالم الظلم والمكر الأموي وسعيه لهدم الإسلام ، لأنّ ما فعله يزيد بن معاوية بن
أبي سفيان بعترة رسول الله واستحلاله المدينة المنورة لثلاثة أيّام وضربه مكّة
وغير ذلك كان كلّ واحد منها كافياً لإحداث هذا التحول الفكري لدى عامّة الناس.
نعم ، هاجت
عواطف الشيعة وغيرهم بمقتل الإمام الحسين ، فتلاوموا وتنادموا لعدم إغاثتهم الإمام
عليهالسلام ، وقد كانت حصيلة هذا الهياج الجماهيري هو نشوء حركة
شيعية باسم حركة التوّابين (٦١ ـ ٦٤ هـ) ثمّ تلتها حركة المختار ابن أبي عبيد الثقفي «٦٤ ـ ٦٧ هـ» ثمّ قيام زيد بن
عليّ «١٢٢ هـ» بالعراق ، وابنه
__________________
يحيى «١٢٥ هـ» بخراسان ، وعبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن أبي
طالب الذي قاد حركته في سنة «١٢٨ هـ» في إصفهان.
فالأمويّون
والعباسيّون في حدود المسألة التشريعيّة لا يمكنهم الوقوف أمام تأذين عليّ بن
الحسين ومحمّد الباقر وجعفر الصادق بـ «حيّ على خير العمل» ، لوجود أمثال عبدالله
بن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف وغيرهما ممن أذّن بها.
على أنّه يمكن
حمل سكوت الأمو يين هذا على أنّهم استهدفوا من عملهم هذا هدفاً سياسياً ، وهو
التعرّف على الطالبيين وتجمّعاتهم ، وقد وضحنا سابقاً في كتابنا (وضوء النبيّ) أنّ
الطالبيين هم المعارضون الحقيقيون للحكومتين الأموية والعباسية.
واستقراراً على
هدفهم هذا سعوا أن يجمعوا الأمة على فقه يخالف فقه الإمام عليّ بن أبي طالب ؛ الذي
فيه الجهر بالبسملة ، والجمع بين الصلاتين ، وعدم مسح الخفّين ، والمسح على الارجل
، والتكبير على الميت خمساً ، وغيرها من الأمور الشرعية ذات البُعد الشعاري التي
استخدمها النهج الحاكم للتعرف على جماعات الطالبيين.
وفي هذه الظروف
وهذا الخضمّ كان من الطبيعي أن تكون الحيعلة الثالثة من تلك المسائل الشرعية
السياسية التي كان للحكام من وراء حذفها ومحاربتها هدف بل أهداف.
وفي قبالة ذلك
التيار الجارف نجد أنّ الإمامين الباقر والصادق كانا يدعوان إلى الحيعلة الثالثة ،
ويؤكّدان على شرعيتها بدون خوف واكتراث من السلطة ، لكن الأمر نفسه لم يكن عند
الثوار في ظروف التعبئة السريّة ، بل كانوا يتّقون ويخافون من تعرف السلطة على
مواقعهم العسكر ية وتجمعاتهم الثور ية ، فلم يقولوا بـ «حيّ على خير العمل» إلّا
في الصحراء وحين يأمنون مكر السلطة.
ومن المعلوم
أنّ الدولة العباسية أُسست على شعار الرضا من آل محمّد وأنّهم قد تذرعوا بطلب ثار الشهداء من أبناء فاطمة : الحسين بن عليّ ، زيد
بن عليّ بن الحسين ، وولده يحيى وسواهم.
لكنّهم سرعان
ما قلبوا للعلويين ظهر المجنّ فلم يَفُوا بما عاهدوا عليه الأمة ، ولم يحافظوا على
الدلالة الصادقة لمقولة «الرضا من آل محمّد» ، بل نقضوا ما بايعوا عليه محمّد بن
عبدالله بن الحسن «النفس الزكية» قبل الانتصار.
وبعد خيانة
العباسيين لشعار الرضا من آل محمّد ، ادّعَوا أنّهم أولى بالخلافة من العلويين ؛
لمكان العبّاس عم الرسول ، وأنه أولى بالنبي من عليّ وفاطمة وأبنائها! وهنا كان من
الطبيعي أن تغيظهم الحيعلة الثالثة المشيرة إلى أولوية عليّ وأولاده المعصومين
بالخلافة من بني العبّاس وغيرهم.
وبما أنّ
الحكومتين الأمويّة والعباسيّة كانتا تقدّمان الشيخين على الإمام عليّ وتأخذان
بسيرتيهما ، فمن المنطقيّ جدّاً أن لا يرتضي العلويّون السكوت عما فعله هؤلاء من
ظلم لأهل البيت ومن طمس لـ «خير العمل» ، فلذلك كان العلويون يقفون أمام
الاجتهادات الُمحدَثة من قبَلَ الخلفاء كحذف «حيّ على خير العمل» وتشريع صلاة
التراو يح ، والتكبير على الميّت أربعاً ، وإخفات البسملة. بل ربّما كان العلويّون
يبعدون المرمى ويصيبون المقتل فيصرّحون بأنّ السبب الأوّل في ضياع حقهم في الخلافة
وضياع أحكام الدين ما هو إلّا ما فعله الشيخان بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
من هنا جَدَّ
العلو يّون لإعادة السنّة إلى موضعها ـ كما كانت في عهد رسول الله وكما أرادها
الإمام عليّ ـ فأخذوا يعلنون «حيّ على خير العمل» على المآذن ،
__________________
ويجهرون بالبسملة ، ويكبّرون على الميّت خمساً ، وينادون بـ «من مات عن بنت
وأخ وأخت فالمال كله لها» ويصرحّون بالصحيح من دين الله في عشرات المسائل التي
حرّفها المحرّفون.
وجاء في جامع
علي بن اسباط عن الحسن بن جهنم قال : ذكرت لابن عبدالله جعفر بن محمّد عليهالسلام ما نحن فيه وما للناس فيه من اذلال بني العباس قلت : ومتى الفرج؟ قال : النداء
بحي على خير العمل على المنارة .
وهذا يشير إلى
أنّ الخلاف بين الحكّام والعلويين كان أصولياً ، وليس كما يصوّره البعض بأنّه خلاف
حول الخلافة بما هي خلافة فقط ، بل إنّ اختلافهم كان على الشر يعة حكومةً وأحكاماً.
إنّ وقـوف
الطـالبيين أمام الحكـام ما هو إلّا انعكاس لنهج أصـيل يقـف في مواجهة الخـلفاء ، ومـا
جزئـيّة «حيّ على خـير العمل» إلّا نمـوذج مصغرَّ لهـذا الصـراع الفكـري العقائـدي
في الشـر يعة ، وإلـيك الآن بعض النصوص في ذلك :
زيد بن عليّ بن الحسين «١٢٢ ه»
روى الحافظ
العلوي بسنده إلى يزيد بن معاوية بن إسحاق ، قال : كنّا بجبّانة سالم ، وقد أَمِنَّا أهل الشام ، فأمر زيدُ بن عليّ معاويةَ
بن إسحاق فقال : أذِّن بـ «حيّ على خير العمل ، حيّ على خير العمل» .
__________________
يحيى بن زيد بن عليّ بن الحسين «١٢٥ ه»
أخرج الحافظ
العلوي بسنده عن زياد بن المنذر ، قال : حدّثني حسّان ، قال : أذّنت ليحيى بن زيد
بخراسان ، فأمرني أن أقول : حيّ على خير العمل ، [حي على خير العمل].
وبإسناده عن
صباح المزني ، قال : أذّن رجل كان مع يحيى بن زيد بخراسان ، قال : ما زال مؤذنهم
ينادي بحيّ على خير العمل حتّى قُتل .
إبراهيم بن عبدالله بن الحسن «١٤٥ ه»
أخرج الحافظ
العلوي باسناده عن سالم الخزاز ، قال : كان إبراهيم بن عبدالله ابن الحسن يأمر
أصحابه إذا كانوا في البادية أن يزيدوا في الأذان «حيّ على خير العمل» .
الحسين بن عليّ (صاحب فَخّ) «١٦٩ ه»
روى أبو الفرج
الإصفهانيّ أنّ إسحاق بن عيسى بن عليّ ، وَلِي المدينة في أيّام موسى الهادي ، فاستخلف
عليها رجلاً من ولد عمر بن الخطّاب ، يُعرف بعبد العز يز بن عبدالله ، فحمل على
الطالبيّين ، وأساء إليهم ، وأفرط في التحامل عليهم ، وطالبهم بالعرض [عليه] كلّ يوم
، وكانوا يعرضون في المقصورة ، وأخذ كلّ واحد منهم بكفالة قر ينه ونسيبه ، فضمن
الحسينُ بن عليّ ، ويحيى ابن عبدالله
__________________
ابن الحسن : الحسنَ بن محمَّد بن عبدالله بن الحسن ، ووافى أوائل الحاجّ ، وقَدِم
من الشيعة نحو من سبعين رجلاً فنزلوا دار ابن أفلح بالبقيع وأقاموا بها ، ولقوا
حسيناً وغيرَه ، فبلغ ذلك العمرىَّ فأنكره ، وكان قد أخذ قبل ذلك الحسن بن محمّد
بن عبدالله ، وابن جندب الهذلي الشاعر ، ومولى لعمر ابن الخطاب وهم مجتمعون ، فأشاع
أنّه وجدهم على شراب ، فضرب الحسن ثمانين سوطاً ، وضرب ابن جندب خمسة عشر سوطاً ، وضرب
مولى عمر سبعة أسواط ، وأمر بأن يدار بهم في المدينة مكشّفي الظهور ليفضحهم ، فبعثت
إليه الهاشميّة ـ صاحبة الراية السوداء في أيام محمّد بن عبدالله ـ فقالت له : لا
ولا كرامة ، لا تشهّر أحداً من بني هاشم ، وتشنّع عليهم وأنت ظالم ، فكفَّ عن ذلك
وخلّى سبيلهم ... إلى أن يقول : ثمّ عرضهم يوم الجمعة ... فدعا باسم الحسن بن
محمَّد ، فلم يحضر ؛ فقال ليحيى والحسين بن عليّ : لتأتياني به أو لأحبسنَّكما ، فإنَّ
له ثلاثة أيّام لم يحضر العرض ، ولقد خرج أو تغيَّب ... أر يد أن تأتياني بالحسن
بن محمَّد.
فقال له الحسين
: لا نقدر عليه ، هو في بعض ما يكون فيه الناس ، فابعث إلى آل عمر بن الخطّاب ، فاجمعهم
كما جمعتنا ، ثمَّ اعرضهم رجلاً رجلاً ، فإن لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من غيبة
الحسن عنك ، فقد أنصفتنا.
فحلف [العمريّ]
على الحسين بطلاق امراته وحريّة مماليكه ، أنّه لا يخلّي عنه أو يجيئه به في باقي
يومه وليلته ، وأنّه إن لم يجئ به ليركبنّ إلى سويقِهِ فيخرّبها ويحرقها وليضربنَّ
الحسين ألف سوط ...
فوثب يحيى
مُغضَباً ، فقال له : أنا أعطي الله عهداً .. ثمّ وجَّهَ [الحسين] فجاءهُ يحيى ، وسليمان
، وإدريس ـ بنو عبدالله بن الحسن ـ وعبدالله بن الحسن الأفطس ، وإبراهيم بن
إسماعيل طباطبا ، وعمر بن الحسن بن عليّ بن الحسن بن الحسين بن الحسن ، وعبدالله
بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن عليّ ، وعبدالله بن
جعفر بن محمَّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب .. ووجَّهوا إلى
فتيان من فتيانهم ومواليهم ، فاجتمعوا .. ستّة وعشر ين رجلاً من ولد عليّ ، وعشرة
من الحاجّ ، ونفر من الموالي.
فلمَّا أذَّن
المؤذِّن للصبح دخلوا المسجد ، ثمَّ نادوا : (أحد ، أحد) ، وصعد عبدالله بن الحسن
الأفطس المنارة التي عند رأس النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، عند موضع الجنائز ؛ فقال للمؤذِّن : أذِّن بـ «حيَّ
على خير العمل» ، فلمَّا نظر إلى السيف في يده أذَّن بها. وسمعه العمريّ ، فأحسَّ
بالشرِّ ، ودهش ... وولَّى هارباً ... فصلَّى الحسين بالناس الصبح ؛ ودعا بالشهود
العدول الذين كان العمريّ أشهدهم عليه أن يأتي بالحسن إليه ، ودعا بالحسن ؛ وقال
للشهود : «هذا الحسن قد جئت به ، فهاتوا العمريّ وإلّا والله خرجت من يميني ، وممَّا
عَلَيَّ». ولم
يتخلَّف عنه أحد من الطالبيّين .
غير أنّهم
حرّفوا الخلاف العقائدي السياسي إلى خلاف سياسي بحت ، فنراهم يشككون في أهداف ثورة
صاحب فخ ويتّهمونه وكلَّ الثوار بأنّهم ثاروا للدفاع عن شخص سكّير ـ والعياذ بالله
ـ وهو الحسن بن محمّد بن عبدالله بن الحسن (ابن النفس الزكية) !
ومثله قالوا عن
ثورة الإمام زيد وشككوا في دواعي ثورته الخالصة ، زاعمين أنّها جاءت على أثر خلاف
ماليّ بينه وبين بعض أعوان السلطة وهو خالد بن عبدالله أو أنّه وابني الحسن تخاصما في وقف لعلي أو ما شابه ذلك من التهم
__________________
الفارغة التي تباين شخصية هؤلاء الأفذاذ ، وما هذا إلّا كصنيع الأمويين مع
النصوص والأحداث.
لقد سعت حكومة
عمر بن الخطاب ومن بعده عثمان والحكومة الأمويّة ، إلى تجريد الحيعلة الثالثة من
طابعها السياسي ، بل حاولوا إدخالها في إطار اختلاف وجهات النظر والاجتهاد بين
الصحابة كما يسمّونه ، لكنّ الأمر أخذ يختلف في العهد العباسي الأول ثمّ من بعده
في الحكومات اللاحقة ، إذ راح يتبلور أكثر فأكثر كون الحيعلة الثالثة شعاراً
دينيَّاً سياسياً للثوار ، وأخذت الحكومة تتحسس منه ولا تستطيع خنقه.
فإبراهيم بن
عبدالله بن الحسن ـ أخو النفس الزكية الذي خرج بالبصرة بعد شهادة أخيه ـ يأمر
أصحابه أن يؤذّنوا بالحيعلة سراً كي لا يقف النهج الحاكم وجواسيسه عليهم. وهكذا
حال الحسين صاحب فخ ، فإنّه لم يكن تأذينه وأتباعُهُ بالحيعلة الثالثة إلّا معنى
آخر للثورة وليعلنوا أنهم هم الأولى بالله ورسوله وخلافته.
طبرستان (سنة ٢٥٠ ه)
خرج بطبرستان
الحسن بن زيد بن محمّد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد ابن الحسن بن عليّ بن أبي طالب.
وكان سبب ظهوره
أنّ محمّد بن عبدالله بن طاهر لمّا ظفر بيحيى بن عمر أقطعه
__________________
المستعين بالله العباسي من ضواحي السلطان بطبرستان قطائعَ ، منها قطيعة قرب
ثغر الديلم وهما كلار وشالوس ، وكان بحذائهما أرض يحتطب منها أهل تلك الناحية ، وترعى
فيها مواشيهم ، ليس لأحد عليها ملك إنّما هي مَوات ، وهي ذات غياض ، وأشجار ، وكلأ.
فوجّه محمّد بن
عبدالله نائبه لحيازة ما أُقطِع ، واسمه جابر بن هارون النصراني ، فلمّا قَدِم
جابر عَمَد فحاز ما اتّصل به من أرض مَوات يرتفق بها الناس.
وكان في تلك
الناحية يومئذ أخوانِ لهما بأسٌ مذكوران بإطعام الطعام وبالإفضال ، يقال لأحدهما :
محمّد ، وللآخر : جعفر ، وهما ابنا رستم ، فانكرا ما فعل جابر من حيازة الموات
وكانا مُطاعَين في تلك الناحية ، فاستنهضا من أطاعهما لمنع جابر من حيازة ذلك
الموات ؛ فخافهما جابر فهرب منهما فلحق بسليمان بن عبدالله بن طاهر وكان عامل
طبرستان يومئذ ، وخاف محمّد وجعفر ومن معهما من عامل طبرستان ، فراسلوا جيرانهم من
الدَّيلم يذكّرونهم العهد الذي بينهم ، ثمّ أرسل ابنا رستم ومن وافقهما إلى رجل من
الطالبيين ـ اسمه محمّد بن إبراهيم كان بطبرستان ـ يدعونه إلى البيعة ، فامتنع ، وقال
: لكنّي أدلّكم على رجل منّا هو أقوم بهذا الأمر منّي ، فدلّهم على الحسن بن زيد
وهو بالري ، فوجّهوا إليه عن رسالة محمّد بن إبراهيم يدعونه إلى طبرستان ، فشخص
إليها ، فأتاهم وقد صارت كلّ الديلم وأهل كلار وشالوس والرويان على بيعته ، فبايعوه
كلّهم وطردوا عمّال ابن أوس عنهم ـ وكان هذا من عمال سليمان بن عبدالله عامل طبرستان
ـ فلحقوا بسليمان بن عبدالله ، وانضم إلى الحسن بن زيد أيضاً جبال طبرستان.
ثمّ تقدم الحسن
ومن معه نحو مدينة آمل ثمّ سارية ، وقيل إنّ سليمان انهزم اختياراً لأنّ الطاهريّة
كلّها كانت تتشيّع ، فلمّا أقبل الحسن بن زيد إلى طبرستان تأثّم سليمان من قتاله
لشدّته في التشيع ، وقال :
نبّئتُ خيل
ابن زيد أقبلت خَبَباً
|
|
تُـريــدنـا
لتُــحَسِّـينا ألامَــرَّيْــنا
|
يا قَومُ إن
كانت الأنباءُ صـادقةً
|
|
فــالوَيلُ
لي ولجميع الطـاهريّينا
|
أمّا أنا
فــإذا اصــطفّت كتائبُــنا
|
|
أكونُ من
بيـنهم رأَس المُــوَلّينا
|
فالعُذرُ
عنـد رسول الله منبسطٌ
|
|
إذا احتـسـبت
دمـاء الفاطميّينا
|
فلمّا التقوا
انهزم سليمان ، فلما اجتمعت طبرستان للحسن وجه إلى «جندا» مع رجل من أهله يقال له
الحسن بن زيد أيضاً ، فملكها وطرد عنها عامل الطاهرية ، فاستخلف بها رجلاً من
العلويين يقال له محمّد بن جعفر وانصرف عنها» .
وقد جاء في
تاريخ طبرستان لابن اسفنديار الكاتب المتوفّى ٦١٣ هـ قوله :
«استقرّ الداعي
الكبير ابن زيد في آمُل ، وأعلن في أطراف طبرستان وكيلان والديلم أنّه : قد رأينا
العمل بكتاب الله وسنّة رسوله وما صحّ عن أمير المؤمنين ، وإلحاق حيَّ على خير
العمل ، والجهر بالبسملة ، والتكبير خمساً على الميت ، ومن خالف فليس منّا» .
وقد حكى الشيخ
أغا بزرك الطهراني في الذريعة عن تاريخ طبرستان : ٢٤٠ أن الداعي إلى الحق الحسن بن
زيد كتب في سنة ٢٥٢ منشورة عن آمل إلى سائر بلاده ، بإعلاء شعائر التشيع من تقديم
أمير المؤمنين عليهالسلام ، والأخذ بما صح عنه في جميع الأصول والفروع من قول «حيّ
على خير العمل» والجهر بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» وغير ذلك .
هكذا نجح الحسن
بن زيد في تكوين هذه الدولة التي تُعرف بالدولة الزيدية
__________________
بطبرستان ، واقتطع من ملك بني العبّاس وآل طاهر طرفاً عظيماً تحميه جبال
طبرستان والديلم ، واستمرت هذه الحكومة نحو قرن كامل (٢٥٠ ـ ٣٥٥ هـ) تولى فيها :
١ ـ الحسن بن
زيد الداعي ٢٥٠ ـ ٢٧٠.
٢ ـ محمّد بن
زيد القائم بالحق ٢٧٠ ـ ٢٧٩.
٣ ـ احتلال
الدولة السامية لطبرستان ٢٧٩ ـ ٣٠١.
٤ ـ تولي الحسن
الأطروش بن عليّ بن عمر بن زين العابدين ٣٠١ ـ ٣٠٤ على طبرستان مرّة أُخرى.
٥ ـ الحسن بن
القاسم بن عليّ بن عبدالرحمن ومعه أولاد الأُطروش ٣٠٤ ـ ٣٥٥.
ويبدو أنّ
المنشور الذي أعلنه الداعي الكبير سنة ٢٥٢ هـ ظل ساري المفعول حتّى نهاية هذه
الدولة العلوية الزيديّة ، فكانت المآذن تؤذن بـ «حيّ على خير العمل» لأكثر من قرن
، منبّهين على أنّ هذا المرسوم صدر في وقت مبكر جداً من أوائل حكومة هذا الداعي
الكبير ، لما له من هيبة دينية وبُعد سياسي ، وما له من أثر في ترسيخ حكومة تقوم
على أساس الدين من وجهة نظر علوية ، ويؤكد صحةَ هذا ما نراه اليوم وبعد أكثر من
ألف عام في التراث الزيدي ، فلو راجعت كتبهم الفقهية والحديثية القديمة عرفت
ثبوتها عندهم ، وهذا الموقف من الحسن بن زيد وغيره هو امتداد لشرعيتها على عهد
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
حمص / مصر / بغداد (سنة ٢٩٠ ه)
جاء في كتاب
بغية الطلب في أخبار حلب لابن العديم المتوفى (٦٦٠ هـ) :
«... فصار [صاحب
الخال] إلى حمص ودُعي له بكورها وأمرهم أن يصلوا الجمعة أربع ركعات ، وأن يخطبوا
بعد الظهر ويكون أذانهم :
أشهد أن
محمّداً رسول الله ، أشهد أن عليّاً ولي الله ، حيّ على خير العمل» .
وجاء في كتاب «أخبار
بني عبيد» لمحمد بن عليّ بن حماد في ترجمة عبيدالله (٣٢٢ هـ) ـ مؤسس الدولة
العبيدية في مصر ـ :
... وكان مما
أحدث عبيدالله أن قطع صلاة التراويح في شهر رمضان ، وأمر بصيام يومين قبله ، وقنت
في صلاة الجمعة قبل الركوع ، وجهر بالبسملة في الصلاة المكتوبة ، وأسقط من أذان
صلاة الصبح : «الصلاة خير من النوم» ، وزاد : «حيّ على خير العمل» ، «محمد وعلي
خير البشر» ، ونص الأذان طول مدة بني عبيد بعد التكبير والتشهدين : حيّ على الصلاة
، حيّ على الفلاح مرتين ، حيّ على خير العمل محمد وعلي خير البشر مرتين مرتين ، لا
إله إلّا الله مرة .
هذان نصّان
أحدهما عن الطالبيين في حلب والآخر في مصر ، وهما يؤكدان أنّ النزاع الفكري بين
الطالبيين والنهج الحاكم كان مستمراً عبر جميع القرون ، ولم يختصّ ببلدة دون أخرى.
ويدلّ على
أصالة الحيعلة الثالثة ، وامتداد التأذين بها زماناً ، وانتشارها مكاناً ، ما رواه
القاضي التنوخي المتوفّى ٣٨٤ هـ عن أبي فرج الاصفهاني فيما حدث في بغداد في نفس
تلك الفترة تقريباً ، قال :
أخبرني أبو
الفرج الاصفهاني (المتوفّى ٣٥٦ هـ) قال : سمعت رجلاً من القطيعة ، يؤذن : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد
__________________
أن محمد رسول
الله ، أشهد أن عليّاً ولي الله ، محمد وعلي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر ، ومن
رضي فقد شكر ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل ، الله أكبر
الله أكبر ، لا إله إلّا الله ...
__________________
ولتأكيد وجود
الخلاف الفقهي العقائدي في تلك البرهة من التاريخ إليك كلام المقريزي في (المواعظ
والاعتبار) عند ذكره مذاهب أهل مصر ونِحَلِهم ، قال :
قال أبو عمر
الكندي في كتاب (أمراء مصر) : ولم يَزَل أهل مصر على الجهر بالبسملة في الجامع
العتيق إلى سنة ثلاث وخمسين ومائتين (٢٥٣ هـ) ، قال : ومنع أرجون صاحب شرطة مزاحم
بن خاقان أمير مصر من الجهر بالبسملة في الصلوات بالمسجد الجامع ، وأمر الحسين بن
الربيع إمام المسجد الجامع بتركها وذلك في رجب سنة ثلاث وستّين ومائتين (٢٦٣ هـ) ،
ولم يَزَل أهل مصر على الجهر بها في المسجد الجامع منذ الإسلام إلى أن منع منها
أرجون.
إلى أن يقول :
... إلى أن قدم القائد جوهر من بلاد إفريقية في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة (٣٥٨ هـ)
بجيوش مولاه المعز لدين الله أبي تميم معدّ وبنى مدينة القاهرة ، فمن حينئذ فشا
بديار مصر مذهب الشيعة ، وعمل به في القضاء وأنكر ما خالفه ، ولم يبقَ مذهب سواه ،
وقد كان التشيّع بأرض مصر معروفاً قبل ذلك.
قال أبو عمر
الكندي في كتاب الموالي ، عن عبدالله بن لهيعة أنه قال : قال يزيد بن أبي حبيب : نشأت
بمصر وهي علويّة فقلبتُها عثمانية .
ثمّ عمد
المقريزي إلى شرح الأدوار التي مرت بها الشيعة في مصر وكيف كانت علويّة وصارت
عثمانيّة حتّى يصل إلى صفحة ٣٤٠ ، وفيها يذكر حوادث سنة (٣٥٣ و ٣٥٦ هـ) وأن «جوهراً»
أعلن حيّ على خير العمل وفضّل الإمام عليّاً وأولاده على غيره وجهر بالصلاة عليه
وعلى الحسن والحسين وفاطمة الزهراء رضوان الله عليهم ، ممّا سيأتي في ما ننقله عن
حوادث مصر في تلك السنة.
__________________
هذا نموذج بسيط
عن مسار الاتجاهين الفكري. وقد أكدنا اكثر من مرّة على أنّ لكلّ واحد من النهجين
قادة وجماهير.
ولما حكم نهج
الاجتهاد والرأي ـ في الحكومات الأموية والعباسية أو السلجوقية والأيوبية ـ حكّم
آراء الخلفاء وفقههم في الشريعة.
أمّا النهج
الشيعي فقد دعا إلى الأخذ بسنة رسول الله عن عليّ وأولاده ، وهؤلاء قد عارضوا
النهج الحاكم في زمن الشيخين وعثمان وطيلة الحكم الاموي والعباسي. ولا ننسى أن
شعارية «حيّ على خير العمل» وغيرها قد تجسدت في العصر العباسي الأوّل والثاني ، أي
بنشوء الدول الشيعية كالدولة الإدريسية في المغرب والحمدانية في حلب ، والبويهية
في بغداد ، والزيدية في طبرستان ، والفاطمية في مصر و ...
وقد اتّخذ كلّ
اتجاه أُصولا في عمله ، فأحدهم يمنع من تدوين الحديث والآخر يصرّ عليه وإن وضعت
الصمصامة على عنقه.
والأوّل يذهب
إلى عدم تنصيص النبيّ على أحد بل ترك الأمّة لتختار لإمامتها من تشاء ، والآخر
يعتقد بلزوم الوصاية والخلافة وقد عيّن النبيُّ بالفعل علياً إماماً وخليفة من
بعده.
والسنيّ يقول
باجتهاد النبيّ ، والشيعي لا يرتضي ذلك .. وهلمّ جرّاً.
اذاً يمكن تلمس
النهج السني في تصرف الدولتين الاموية والعباسية ، ثمّ بعدهم السلجوقيّة والنوريّة
والصلاحيّة والعثمانيّة ، وهذه الدول كانت تسعى لتطبيق ما شُرّع على عهد الخلفاء
وما دوّن لهم في عهد عمر بن عبدالعزيز ـ لقول الزهري : (كنّا نكره تدوين الحديث
حتّى أكرهنا السلطان على ذلك ، فكتبناه وخفنا أن لا نكتبها للناس) ـ وأخذوا
بالمذاهب الأربعة فقط ، اعتقاداً منهم بأنّ أقوال أربابها هي الدين الحق ، غافلين
عن دور الحكّام في تأصيل أصول تلك الأحكام الشرعية ، كتدوين الحديث ، وحصر المذاهب
بالأربعة وسوى ذلك.
وفي المقابل نرى
النهج العلوي بأمرائه وجماهيره وعلمائه وفقهائه يسعون ـ عند وصولهم إلى الحكم ـ
لتطبيق ما عرفوه من سنة رسول الله ونهج الإمام عليّ ، فيصرّون على الإتيان
بالحيعلة الثالثة مثلاً ويأبَون بِدعيتها ، وهكذا الأمر في غيرها من المسائل
المختلف فيها.
وهذا التخالف
بين الجناحين يومئ إلى أنّ الخلاف بين الحكومات العلويّة الشيعيّة والحكومات
السنيّة على مرّ التاريخ كان يدور في محاور عقائديّة فكرية استراتيجيّة ، مضافاً
لما بينهما من خلاف حول الخلافة ، لأنّ كلّ واحد من الطرفين يستدل على صحّة عمله
بأقوال وأفعال من يعتقد به من الصحابة أو أهل البيت.
وعليه فلا يجوز
أن نتغافل عن جذور الحيعلة الثالثة وأشباهها في كتب الفقه والحديث والتاريخ ، بل
بذكرنا خلافيات الفريقين يمكن الوقوف على جواب سؤالنا السابق ، وأن هذه الأمور هي
تشريعات ذات أبعاد سياسية عقائدية.
ولا يمكننا أن
ننكر أنّ الشيعة قد كانوا يَمَسّون الصحابة في بعض الأحيان ؛ لما وقفوا عليه في
التاريخ من غصب حقّ الإمام عليّ ، ومنع الزهراء من فدك والهجوم على بيتها ، ولعن
الإمام عليَّ على المنابر في زمن معاوية ومَن بعده ، وضياع أحكام كثيرة من دين
الله و ...
وهذا يوضح أنّ
لكلّ واحد من النهجين شعائره ومقدساته. ويجب أن يتّضح لنا أنّ هذا الموقف من
الاعتقاد الشيعي أو ذاك الموقـف من الاعتـقاد السـنّي إنّما يبـتني على ما يحمله
كلّ طـرف من المتبنّـيات الفكريـة الأيدلوجـية والأصول التـي اعتمد عليها ، والتي
تـدلّ على شـرعيّتـه عنده وأنّه لم يكن وليد ساعته!
إنّ كلامنا هذا
يرمي إلى بيان البُنَى التحتية للفريقين ، دون الخوض في أصل شرعية حكم الفاطميين
أو عدم شرعية حكم العباسيين أو العكس وإلى البحث عن مدى صحّة ما روي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم :
اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ، أو أن
حكم البسملة هو الجهر أم الإخفات ، وهل يجوز المسح على الخفين أم لا؟ إذ أن
شرعية هذه الأحكام وعدمها سبقت هذه المرحلة ، وإن ديمومية هذا الخلاف من قبل
الفريقين ينبئ عن وجود أصل مختلف فيه بينهما ، لا كما يصورونه من عدم وجود أصل فيه
عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو عن حكومات غير المتعبّدين.
الأندلس «ما بعد سنة ٣٠٠ ه»
ذكر ابن حزم
الاندلسي في (نَقْط العروس في تواريخ الخلفاء) تحت عنوان : مَن خَطَب لبني العبّاس
أو لبني عليّ بالأندلس ، فقال :
عمر بن حفصون
خطب في أعماله بريَّةَ لإبراهيم بن قاسم بن إدريس بن عبدالله بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب
صاحب البصرة ، ثمّ خطب لعبيد الله صاحب افريقية ، وأذّن في جميع أعماله «بحيّ على
خير العمل» .
حلب / مصر (سنة ٣٤٧ ه)
قال المقريزي
في (المواعظ والاعتبار) : «... وأوّل مَن قال في الأذان بالليل : «محمّد وعليّ خير
البشر» الحسين المعروف «بأمير ابن شكنبة» ، ويقال اشكنبة ، وهو اسم اعجميّ معناه :
الكرش ، وهو : عليّ بن محمّد بن عليّ بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ
بن أبي طالب ، وكان أوّل تأذينه بذلك في أيّام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة
سبع وأربعين وثلاثمائة ، قاله الشريف محمّد بن أسعد الجوباني النسّابة.
__________________
ولم يزل الأذان
بحلب يزاد فيه «حيَّ على خير العمل ، ومحمّد وعليّ خير البشر» إلى أيّام نور الدين
محمود ، فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن عليّ بن
الحسن بن محمّد البلخي الحنفي إليها ، فجاء ومعه جماعة من الفقهاء ، وألقى بها
الدروس ، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم : مُرُوهم
يؤذّنوا الأذان المشروع ، ومن امتنع كُبّوه على رأسه ، فصعدوا وفعلوا ما أمرهم
به ، واستمر الأمر على ذلك.
وأمّا مصر فلم
يزل الأذان بها على مذهب القوم [يعني الشيعة الفاطميين] إلى أن استبدّ السلطان
صلاح الدين يوسف بن أيوّب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع
وستيّن وخمسمائة ، وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وعقيدة الشيخ أبي
الحسن الأشعري ، فأبطل الأذان بـ «حيّ على خير العمل» وصار يؤذّن في سائر إقليم
مصر والشام بأذان أهل مكّة ، وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين ، فاستمر الأمر
على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة في مصر ، فصار
يؤذن في بعض المدارس التي للحنفيّة بأذان أهل الكوفة ، وتقام الصلاة أيضاً على
رأيهم ...
ومما يجب
الإشارة إليه أنّ دولة سيف الدولة الحمدانيّ المتوفّى سنة ٣٥٦ هـ اتّسعت وشملت حلب
وانطاكيه وقنّسرين ومنبج وبالس ومعرّة النعمان ومعرّة مصرين ، وسرمين ، وكفر طاب ،
وافامية ، وعزاز ، وحماة ، وحمص ، وطرطوس ، ثمّ تولى بعده أخوه ناصر الدولة. وكانت
دولة شيعية اثني عشريّة تعلن عن معتقداتها وآراءها بدون عسف وقسر.
__________________
روى ابن ظافر
في أحداث سنة أربع وخمسين وثلاثمائة أن سيف الدولة صاهر أخاه ناصر الدولة ، فزّوج
ابنيه أبا المكارم وأبا المعالي بابنتَي ناصر الدولة ، وزوج أبا تغلب بابنته «ستّ
الناس» وضرب دنانير كبيرة ، في كلّ دينار منها ثلاثون ديناراً وعشرون وعشرة عليها
مكتوب : «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله. أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.
فاطمة الزهراء. الحسن. الحسين. جبريل :». وعلى الجانب الآخر «أمير المؤمنين المطيع
لله. الأميران الفاضلان : ناصر الدولة ، سيف الدولة. الأميران أبو تغلب وأبو
المكارم» .
وواضح ممّا
تقدم أنّ الشيعة كانوا يعلنون عن معتقداتهم بكلّ رصانة وهدوء وبالدليل والمنطق حين
تستقرّ بهم الأمور ، بخلاف مَن أمروا بإلقاء مَن يؤذّن بالحيعلة الثالثة وبفضل
محمّد وآل محمّد من على رأس المنارة!!
وجاء في الكامل
لابن الأثير وتاريخ الإسلام للذهبي في حوادث سنة ٣٥١ هـ : وفيها كتبت الشيعة
ببغداد على أبواب المساجد : لَعَنَ الله معاوية ، ولَعَنَ من غَصَبَ فاطمةَ حقَّها
من فَدَك ، ومَن منع الحَسَن أن يُدفن مع جدّه ، ومن نفى أبا ذَرٍّ. ثمّ إنَّ ذلك
مُحي في الليل ، فأراد مُعِزُّ الدولة إعادته ، فأشار عليه الوزير المهلّبي أن
يُكتَب مكان ما مُحي : «لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم» ، وصرّحوا بلعنة معاوية فقط .
وفي ثامن عشر
ذي الحجّة من سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة (٣٥٢ هـ) عُمل عيد غدير خُمّ وضُربت
الدبادب ، وأصبح الناس إلى مقابر قريش للصلاة هناك ، وإلى مشهد الشيعة .
__________________
القاهرة (سنة ٣٥٦ ه)
جاء في كتاب (المواعظ
والاعتبار في ذكر الخطط والآثار) للمقريزي : «... وفي شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين
وثلاثمائة أُخذ رجل يعرف بابن أبي الليث يُنسَب إلى التشيع فضُرب مائتي سوط ودَرّة.
ثمّ ضرب في
شوّال خمسمائة سوط ودَرّة ، وجُعل في عنقه غِلّ وحُبِس ، وكان يُتفقَّد في كلّ يوم
لئلا يُخفّف عنه ، ويُبصَق في وجهه ، فمات في محبسه ، فحُمل ليلاً ودفن.
فمضت جماعة إلى
قبره ينبشوه وبلغوا إلى القبر ، فمنعهم جماعة من الاخشيديّة والكافور يّة فأبَوا
وقالوا : هذا قبرُ رافضي ، فثارت فئة ، وضرب جماعة ونهبوا كثيراً حتّى تفرّق الناس.
وفي سنة ستّ
وخمسين كتب في صفر على المساجد ذكر الصحابة والتفضيل ، فأمر الأستاذ كافور
الإخشيدي بإزالته ، فحدّثه جماعة في إعادة ذكر الصحابة على المساجد فقال : ما
أُحدِث ُفي أيّامي ما لم يكن ، وما كان في أيّام غيري فلا أز يله ، ثمّ أمر من طاف
وأزاله من المساجد كلها.
ولما دخل جوهر
القائد بعساكر المعزّ لدين الله إلى مصر وبنى القاهرة أظهر مذهب الشيعة ، وأذّن في
جميع المساجد الجامعة وغيرها «حيّ على خير العمل» وأعلن بتفضيل عليّ بن أبي طالب
على غيره ، وجهر بالصلاة عليه وعلى الحسن والحسين وفاطمة الزهراء رضوان الله عليهم
...
وفي ربيع
الأوّل سنة اثنين وستّين عَزّر سليمانُ بن عروة المحتسب جماعة من الصيارفة ، فشغبوا
وصاحوا : معاوية خال عليّ بن أبي طالب ، فهمّ جوهر أن يحرق رحبة الصيارفة لكن خشي
على الجامع ، وأمر الإمام بجامع مصر أن يجهر بالبسملة
في الصلاة ، وكانوا لا يفعلون ذلك ، وزِيدَ في صلاة الجمعة القنوت في
الركعة الثانية ، وأمر في المواريث بالردّ على ذوي الأرحام ، وأن لا يرث مع البنت
أخ ولا أخت ولا عمّ ولا جدّ ، ولا ابن أخ ولا ابن عم ، ولا يرث مع الولد الذكر أو
الأنثى إلّا الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة ، ولا يرث مع الأمِّ إلّا من يرث مع
الولد أو الأنثى إلّا الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة ، ولا يرث مع الأم إلّا من
يرث مع الولد.
وخاطب أبو
الطاهر محمّد بن أحمد ـ قاضي مصـر ـ القائـدَ جوهـراً في بنت وأخ ، وأنه حكم
قـديماً للبنت بالنصـف وللأخ بالباقي ، فقال : لا أفعل ، فلمّا ألـحّ عليه قال : يا
قاضي ، هذا عداوة لفاطمة ٣!! فأمسك أبو الطاهـر فلم يراجعه بعد ذلك ...
القاهرة (سنة ٣٥٨ ه)
قال ابن خلّكان
في وفيات الأعيان : أقيمت الدعوة للمعزّ في الجامع العتيق ، وسار جوهر إلى جامع
ابن طولون ، وأمر بأن يؤذّن فيه بـ «حيّ على خير العمل» وهو أوّل ما أذّن ، ثمّ
أذّن بعده بالجامع العتيق ، وجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم .
وقال بعده : وفي
يوم الجمعة الثامن من ذي القعدة أمر جوهر بالزيادة
عقيب الخطبة : اللّهم
صلّ على محمّد المصطفى ، وعلى عليّ المرتضى ، وعلى فاطمة البتول ، وعلى الحسن
والحسين سبطَي الرسول ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، اللّهمّ صلّ
على الأئمّة الطاهرين آباء أمير المؤمنين .
__________________
وجاء في (المنتظم)
في حوادث سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة : .. ودخل جوهر إلى مصر يوم الثلاثاء لثلاث
عشر ليلة بقيت من شعبان سنة ثمان وخمسين ، وخطب لبني عبيد في الجامعين بفسطاط مصر
وسائر أعمالها يوم الجمعة لعشر ليال بقين من شعبان هذه السنة ، وكان الخاطب في هذا
اليوم عبدالسميع بن عمر العباسي.
وقد أشار محقّق
الكتاب في الهامش إلى نصّ كتاب جوهر لأهل مصر نقتطف منه مقطع «... وردّ المواريث
إلى كتاب الله وسنّة رسوله ، وأن يقدم من أَمَّ مساجدكم وتزيينها ، وإعطاء مؤذنيها
وقومتها ومن يؤمّ بالناس أرزاقهم ، وأن يجري فرض الأذان والصلاة وصيام شهر رمضان
وفطره وقنوت لياليه والزكاة والحج والجهاد على ما أمر الله في كتابه وسنّة نبيّه ،
وإجراء أهل الذمّة على ما كانوا عليه» .
وفي كتاب (العبر
في خبر من غبر) : ... وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربي ، فأخذوا ديار مصر ، وأقاموا
الدعوة لبني عُبيد ، مع أنّ دولة معزّ الدولة [البويهي] هذه المدة رافضية ، والشعار
الجاهلي يقام يوم عاشوراء ويوم الغدير .
وفي (مآثر
الإنافة) للقلقشندي قال : ... دخل جوهر قائد المعزّ الفاطمي إلى مصر سنة ٣٥٨
واستولى عليها وأذّن بـ «حيّ على خير العمل» وقطع الخطبة للعباسيين .
وفي (تاريخ
الخلفاء) للسيوطي قال : ... لمّا مات كافور الاخشيدي صاحب مصر اختلّ النظام وقلّت
الأموال على الجند ، فكتب جماعة إلى المعزّ [الفاطمي]
__________________
يطلبون منه عسكراً ليسلّموا إليه مصر ، فأرسل مولاه جوهراً القائد في مائة
ألف فارس فملكها ... وقطع خطبة بني العبّاس ولبس السواد وألبس الخطباء البياض ، وأمر
أن يقال في الخطبة : «اللّهم صلّ على محمّد المصطفى ، وعلى عليّ المرتضى ، وعلى
فاطمة البتول ، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول ، وصلّ على الأئمة آباء أمير
المؤمنين المعزّ بالله» .
وفي (سير أعلام
النبلاء) و (نهاية الأرب) والنصّ للأوّل : ... وضربت السكّة على الدينار بمصر وهي : لا إله إلّا الله
، محمّد رسول الله ، عليٌّ خير الوصيين ، والوجه الآخر اسم المعز والتاريخ ، واعلن
بـ «حيّ على خير العمل» ، ونودي : «من مات عن بنت وأخ وأخت فالمال كلّه للبنت» ، فهذا
رأي هؤلاء.
قال الذهبي : ظهر
في هذا الوقت الرفض وأبدى صفحته وشمخ بأنفه في مصر والحجاز والشام والمغرب بالدولة
العبيديّة ، وبالعراق والجزيرة والعجم ببني بويه ، وكان الخليفة المطيع ضعيف الدست
والرتبة مع بني بويه ، وأعلن الأذان بالشام ومصر بـ «حيّ على خير العمل».
وفي (البداية
والنهاية) لابن كثير ... دخل أبو الحسين جوهر القائد الرومي في جيش كثيف من جهة
المعزّ الفاطمي إلى ديار مصر يوم الثلاثاء لثلاث عشر بقيت من شعبان ، فلمّا كان
يوم الجمعة خطبوا للمعزّ الفاطمي على منابر الديار المصريّة وسائر أعمالها ، وأمر
جوهر المؤذنين بالجوامع أن يؤذنوا بـ «حيّ على خير العمل» وان يجهر الأئمّة
بالتسليمة الأولى .
__________________
جامع ابن طولون / مصر (سنة ٣٥٩ ه)
قال النويري في
(نهاية الاَرب في فنون الأدب) : ... وفي سنة تسع وخمسين وثلاثمائة في يوم الجمعة
لثمان خَلَون من شهر ربيع الآخر ، صلّى القائد جوهر في جامع ابن طولون وأذن بـ «حيّ
على خير العمل» ، وهو أوّل ما أذّن به بمصر ، ثمّ أذن بذلك بالجامع العتيق بمصر في
الجمعة .
وقال ابن خلدون
في تاريخه : ... دخل جوهر جامع ابن طولون فصلّى فيه وأمر بزيادة «حيّ على خير
العمل» في الأذان ، فكان أوّل أذان أُذِّن به في مصر .
وقال ابن
الأثير في الكامل : ... وفي جمادى الأولى من سنة تسع وخمسين وثلاثمائة سار جوهر
إلى جامع ابن طولون وأمر المؤذن فأذن بـ «حيّ على خير العمل» وهو أوّل ما أذن بمصر
، ثمّ أذن بعده في الجامع العتيق وجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم .
وفي (شذرات
الذهب) لابن العماد الحنبلي : ... في ثامن عشر من ربيع الآخر سنة ٣٥٩ صلّى القائد
جوهر في جامع ابن طولون بعسكر كثير ، وخطب عبدالسميع بن عمر العباسي الخطيب وذكر
أهل البيت وفضائلهم رضي الله عنهم ، ودعا للقائد جوهر ، وجهر بالقراءة ببسم الله
الرحمن الرحيم ، وقرأ سورة الجمعة والمنافقين في الصلاة ، وأذن بـ «حيّ على خير
العمل» وهو أوّل ما أُذّن به بمصر ... وقنت الخطيب في صلاة الجمعة ، وفي جمادى
الأولى من السنة المذكورة أذنوا في جامع مصر العتيق بـ «حيّ على خير العمل» .
__________________
وقال المقريزي
في (المواعظ والاعتبار) : ... وكان الأذان أولاً بمصر كأذان أهل المدينة وهو الله
أكبر ، الله أكبر وباقيه كما هو اليوم ، فلم يزل الأمر بمصر على ذلك في جامع عمرو
بالفسطاط ، وفي جامع العسكر ، وفي جامع أحمد ابن طولون وبقيّة المساجد إلى أن
قَدِم القائد جوهر بجيوش المعزّ لدين الله وبنى القاهرة ، فلمّا كان في يوم الجمعة
الثامن من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائة صلّى القائد جوهر الجمعة في جامع
أحمد بن طولون ، وخطب به عبدالسميع بن عمر العبّاسي بقلنسوة وسبنى ، وطيلسان دبسيّ
، وأذّن المؤذّنون «حيّ على خير العمل» وهو أوّل ما أذّن به بمصر.
وصلّى به
عبدالسميع الجمعة ، فقرأ سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون ، وقنت في الركعة
الثانية ، وانحطّ إلى السجود ، ونسي الركوع ، فصاح به عليّ بن الـوليد قاضي عـسكر
جـوهر : بطلت الصـلاة ، أعد ظهراً أربع ركعات ، ثمّ أذّن بـ «حــيّ على خير العمل»
في سائر مسـاجد العسكر إلى حدود مسجد عبدالله .
وأنكر جوهر على
عبدالسميع أنه لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في كلّ سورة ، ولا قرأها في الخطبة
، فأنكره جوهر ومنعه من ذلك.
ولأربع بقين من
جمادى الأولى المذكور أذّن في الجامع العتيق بـ «حيّ على خير العمل» ، وجهروا في
الجامع بالبسملة في الصلاة ، فلم يزل الأمر على ذلك طول مدة الخلفاء الفاطميين ؛
إلّا أنّ الحاكم بأمر الله في سنة أربعمائة أمر بجمع مؤذّني القصر ، وسائر الجوامع
وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي ، وقرأ أبو عليّ العباسي سجلاًّ فيه الأمر
بترك «حيّ على خير العمل» في الأذان ، وأن يقال في
__________________
صلاة الصبح : الصلاة خير من النوم ، وأن يكون ذلك من مؤذّني القصر عند
قولهم : «السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله» .
فامتثل ذلك ، ثمّ
عاد المؤذّنون إلى قول «حيّ على خير العمل» في ربيع الآخر سنة أحد وأربعمائة ، ومنع
في سنة خمس وأربعمائة مؤذّني جامع القاهرة ومؤذّني القصر من قولهم بعد الأذان : «السلام
على أمير المؤمنين» وأمرهم أن يقولوا بعد الأذان : الصلاة رحمك الله ...» .
وفي كتاب (النجوم
الزاهرة في أعلام مصر والقاهرة) : ... ثمّ في شهر ربيع الآخر سنة تسع وخمسين
وثلاثمائة أذّنوا بمصر بـ «حيّ على خير العمل» واستمرّ ذلك ، ثمّ شرع جوهر في بناء
جامعه بالقاهرة المعروف بجامع الأزهر ، وهو أوّل جامع بنته الرافضة بمصر .
وفي تاريخ
الخلفاء : في ربيع الآخر سنة ٣٥٩ أذّنوا بمصر بـ «حيّ على خير العمل» .
دمشق (سنة ٣٦٠ ه)
قال الذهبي في
تاريخ الإسلام : ... وفي صفر أعلن المؤذّنون بدمشق «حيّ
__________________
على خير العمل» بأمر جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعزّ بالله ، ولم يجسر أحد
على مخالفته ، وفي جمادى الآخرة أمرهم بذلك في الإقامة فتألم الناس لذلك فهلك
لِعامِهِ والله أعلم .
وفي (سير أعلام
النبلاء) : ... وفي سنة ستين تملّك بنو عبيد مصر والشام وأذنوا بدمشق بـ «حيّ على
خير العمل» وغلت البلاد بالرفض شرقاً وغرباً وخفيت السنة قليلاً .
ثمّ قال في (ج
١٦ : ٤٦٧) : ... وقطعت الخطبة العباسية وألبس الخطباء البياض وأذنوا بـ «حيّ على
خير العمل».
وقال ابن كثير
في (البداية والنهاية) : ... استقرّت يد الفاطميين على دمشق في سنة ٣٦٠ ، وأذّن
فيها وفي نواحيها بـ «حيّ على خير العمل» أكثر من مائة سنة ، وكتب لعنة الشيخين
على أبواب الجوامع بها وأبواب المساجد.
وفي مصر خطب
جوهر لمولاه وقطع خطبة بني العبّاس ، وذكر في خطبته الأئمّة الاثني عشر وأمر فأذّن
بـ «حيّ على خير العمل» .
وقال بعد ذلك :
وفيها أذن بدمشق وسائر الشام بـ «حيّ على خير العمل» ، قال ابن عساكر في ترجمة
جعفر بن فلاح نائب دمشق : وهو أوّل من تأمّر بها عن الفاطميين :
أخبرنا أبو
محمّد الأكفاني ، قال : قال أبو بكر أحمد بن محمّد بن شرام : وفي يوم الخميس لخمس
خَلَونَ من صفر من سنة ٣٦٠ أعلن المؤذّنون في الجامع بدمشق وسائر مآذن البلد وسائر
المساجد بحيّ على خير العمل بعد حيّ على الفلاح ، أمرهم بذلك جعفر بن فلاح ولم
يقدروا على مخالفته ، ولا وجدوا من المسارعة إلى طاعته بُدّاً.
__________________
وفي يوم الجمعة
الثامن من جمادى الآخرة أُمر المؤذّنون أن يُثنّوا الأذان والتكبير في الاقامة
مَثْنى مَثْنى ، وأن يقولوا في الإقامة «حيّ على خير العمل» ، فاستعظم الناس ذلك
وصبروا على حكم الله .
وجاء في (النجوم
الزاهرة) : ... وهي السـنة الثانـية لولاية جوهر ... على مصر وهي سنة ٣٦٠ ، وفيها
عمل الرافضـة المآتـم ببغـداد في يوم عاشـوراء على العـادة في كلّ سـنة من
النَّـوح واللطـم والبكـاء ، وتعليق المُسـوح ، وغلق الأسـواق ، وعملوا العيد
والفرح يوم الغـدير وهو يـوم ثامن عشـر من ذي الحجّة.
وفي صفر أعلن
المؤذّنون بـ «حيّ على خير العمل» بأمر القائد جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعزّ
الفاطمي ، ولم يجسر أحد على مخالفته ، ثمّ في جمادى الآخرة أمرهم ابن فلاح المذكور
بذلك في الإقامة فتألم الناس .
وقال أيضاً :
... وفيها (أي سنة ٣٦٠) قتل جعفر بن فلاح وهو أوّل أمير ولي دمشق لبني عبيد
المغربي ، والعجب أن القرمطي أبا محمّد الحسن بن أحمد لمّا قتله بكى عليه ورثاه
لأنهما يجمع بينهما التشيّع .
وقد كتب
المقريزي عن المعزّ لدين الله : أنه لمّا دخل مصر أمر في رمضان سنة اثنين وستّين
وثلاثمائة فكتب على سائر الأماكن بمدينة مصر : «خير الناس بعد رسول الله أمير
المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام» .
__________________
حلب (سنة ٣٦٧ ه)
جاء في زبدة
الحلب من تاريخ حلب لابن أبي جرادة الشهير بابن العديم المتوفّى سنة ٦٦٠ : ...
وانهزم (بكجور) إلى القلعة فاستعصى بها وذلك في رجب سنة خمس وستّين وثلاثمائة ، ثمّ
أقام سعد الدولة يحاصر القلعة مدة حتّى نفذ ما فيها من القوت ، فسلمها (بكجور) في
شهر ربيع الآخر من سنة سبع وستين وثلاثمائة.
وولى سعدُ
الدولة بكجورَ حمص وجندها ، وكان تقرير أمر بكجور بين سعد الدولة وبينه على يد أبي
الحسن عليّ بن الحسين بن المغربي الكاتب والد الوزير أبي القاسم.
واستقرّ أمر
سعد الدولة بحلب ، وجدّد الحلبيّون عمارة المسجد الجامع بحلب ، وزادوا في عمارة
الأسوار في سنة سبع وستين. وغيَّر سعدٌ الأذانَ بحلب وزاد فيه : «حيّ على خير
العمل محمّد وعليّ خير البشر» ، وقيل : أنه فعل ذلك في سنة تسع وستين وثلاثمائة ، وقيل
: سنة ثمان وخمسين. وسير سعد الدولة في سنة سبع وستين وثلاثمائة الشريف أبا الحسن
إسماعيل بن الناصر الحسني يهنّئ عضد الدولة بدخوله مدينة السلام .
وقال أبو
الفداء في (اليواقيت والضرب في تاريخ حلب) : ... وأقام سعد الدولة يحاصر القلعة
مدّة حتّى نفذ ما فيها من القوت ، فسلّمها بكجور إليه في شهر ربيع الآخر سنة ٣٦٧ ،
وولى سعد الدولة بكجور حمص وجندها. وكان تقرير أمر بكجور بين سعد الدولة وبينه على
يد أبي الحسن عليّ بن الحسين المغربي الكاتب والد الوزير أبي القاسم.
__________________
واستقرّ أمر
سعد الدولة بحلب ، وجدّد الحلبيّون عمارة المسجد الجامع بحلب ، وزادوا في عمارة
الأسوار في سنة ٣٦٧ وغيّر سعد الدولة الأذان بحلب وزاد فيه «حيّ على خير العمل» ، محمّد
وعليّ خير البشر ، وقيل أنّه فعل ذلك في سنة ٣٦٩ وقيل سنة ٥٨ .
ملتان ـ الهند (قبل سنة ٣٨٠ ه)
قال المقدسي
المتوفّى (٣٨٠ هـ) في كتابه (أحسن التقاسيم في معرفة الاقاليم) ضمن حديثه عن إقليم
السند :
الملتان تكون
مثل المنصورة غير أنّها أعمرة ليست بكثيرة الثمار غير أنّها رخيصة الأسعار ، الخبز
ثلاثون منّاً بدرهم ، والفانيد ثلاثة أمنان بدرهم ، حسنة تُشاكل دور سيراف من خشب
الساج طبقات ، ليس عندهم زنا ولا شرب خمر ، ومن ظفروا به يفعل ذلك قتلوه ، أو
حدّوه ، ولا يكذبون في بيع ، ولا يبخسون في كيل ، ولا يخسرون في وزن ، يحبّون
الغرباء ، وأكثرهم عرب ، شربهم من نهر غزير ، والخير بها كثير ، والتجارات حسنه ، والنعم
ظاهرة ، والسلاطين عادلة ، لا ترى في الأسواق متجملة ، ولا أحد يحدّثها علانية ...
إلى أن يقول :
وأهل الملتان
شيعة يحيعلون في الأذان ويُثنّون في الإقامة ، ولا تخلو القصبات من فقهاء على مذهب
أبي حنيفة وليس به مالكية ولا معتزلة ، ولا عمل للحنابلة ، إنّهم على طريقة
مستقيمة ، ومذاهب محمودة ، وصلاح وعفّة ، قد أراحهم الله من الغلوّ والعصبيّة
والهرج والفتنة .
__________________
مصر (سنة ٣٩٣ ه)
شرح ابن خلدون حال
الحاكم بأمر الله العبيدي الذي ولي الخلافة (٣٨٦ ـ ٤١١) فقال : ... وأمّا مذهبه في
الرافضة فمعروف ، ولقد كان مضطرباً فيه مع ذلك ، فكان يأذن في صلاة التراويح ثمّ
ينهى عنها ، وكان يرى بعلم النجوم ويُؤثِره. ويُنقل عنه أنه منع النساء من التصرف
في الأسواق ، ومنع من أكل الملوخيا ، ورفع إليه أن جماعة من الروافض تعرّضوا لأهل
السنّة في التراويح بالرجم ، وفي الجنائز ، فكتب في ذلك سجلاً قُرئ على المنبر
بمصر كان فيه : أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين يتلو عليكم من كتاب الله المبين (لَا
إِكْراهَ في الدِّين) ...
إلى أن يقول : يصوم
الصائمون على حسابهم ويفطرون ، ولا يعارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون
، صلاة الخمس للدين بها جاءهم فيها يصلون ، وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع
لهم منها ، ولا هم عنها يُدَفعون ، يخمّس في التكبير على الجنائز المخمّسون ، ولا
يمنع من التكبير عليها المربّعون ، يؤذن بـ «حيّ على خير العمل» المؤذّنون ، ولا
يؤذى من بها لا يؤذنون ... ولا يؤذن من بها لا يؤذنون ... والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته. كتب في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة .
وقال ابن
الأثير في الكامل عن سبب قتله «... وقيل كان سبب قتله أنّ أهل مصر كانوا يكرهونه
لما يظهر منه من سوء أفعاله ، فكانوا يكتبون إليه الرِّقاع فيها سَبّه ، ـ إلى أن
يقول ـ : منها أنه أمر في صدر خلافته بسبّ الصحابة رضي الله عنهم ، وأن تكتب على
حيطان الجوامع والأسواق ، وكتب إلى سائر عماله بذلك ، وكان ذلك في سنة خمس وتسعين
وثلاثمائة.
__________________
ثمّ أمر في سنة
تسع وتسعين وثلاثمائة بترك صلاة التراويح ، فاجتمع الناس بالجامع العتيق ، وصلّى
بهم [إماماً] جميع رمضان ، فأخذه وقتله ، ولم يصلِّ أحد التراويح إلى سنة ثمان
وأربعمائة ، فرجع عن ذلك وأمر بإقامتها على العادة.
وبنى الجامع
براشدة ، وأخرج إلى الجوامع والمساجد من الآلات والمصاحف ، والستور والحصر ما لم
ير الناس مثله ، وحمل أهل الذمة على الإسلام ، أو المسير إلى مأمنهم ، أو لبس
الغيار ، فأسلم الكثير منهم ، ثمّ كان الرجل منهم بعد ذلك يلقاه فيقول له : إني
أريد العود إلى ديني ، فيأذن له ، ومنع النساء من الخروج من بيوتهن ...
وممّا يجب
التنويه به هنا هو أن الحكام ـ بوصفهم حكّاماً ـ قد يتخذون بعض المواقف لمصلحة ، وقد
تتدخل السياسة في بعض تصرفاتهم ، ولا أستثني الفاطميين من العباسيين أو العكس ، فهم
بشر كغيرهم لهم ميولاتهم ونزعاتهم ، ولا يمكن النجاة من ذلك إلّا بالإمام المعصوم.
بل الذي ذكرناه
أو نذكره ما هو إلّا بيان لامتداد النهجين ، وإن استُغلّ من قبل الحكام في بعض
الحالات.
اليمامة (سنة ٣٩٤ ه)
ذكر ناصر خسرو
المروزي الملقّب بحجّة المتوفّى سنة ٤٥٠ هـ في رحلته وعند حديثه عن أحوال مدينة
اليمامة : ... وأمراؤها علويّون منذ القديم ، ولم ينتزع أحد هذه الولاية منهم ....
ومذهبهم الزيديّة ، ويقولون في الإقامة (محمّد وعليّ خير البشر وحيّ على خير العمل)
.
__________________
المدينة / مصر (سنة ٤٠٠ ه)
جاء في (النجوم
الزاهرة) : أنّ الحاكم بأمر الله العبيدي أرسل إلى مدينة الرسول إلى دار جعفر
الصادق مَن فتحها وأخذ منها ما كان فيها من مصحف وسرير والآت. وكان الذي فتحها
ختكين العضدي الداعي ، وحمل معه رسوم الأشراف ، وعاد إلى مصر بما وجد في الدار.
وخرج معه من شيوخ العلوية جماعة ، فلمّا وصلوا إلى الحاكم أطلق لهم نفقات قليلة
وردّ عليهم السرير وأخذ الباقي ، وقال : أنا أحقّ به ، فانصرفوا داعين عليه ، وشاع
فعله في الأمور التي خرق العادات فيها ودعي عليه في أعقاب الصلوات ، وظوهر بذلك
فأشفق فخاف ، وأمر بعمارة دار العلم وفرشها ، ونقل إليها الكتب العظيمة وأسكنها من
شيوخ السنّة شيخين يُعرف أحدهما بأبي بكر الأنطاكي ، وخلع عليهما وقرّبهما ورسم
لهما بحضور مجلسه وملازمته ، وجمع الفقهاء والمحدثين إليها وأمر أن يقرأَ بها
فضائل الصحابة ، ورفع عنهم الاعتراض في ذلك ، وأطلق صلاة التراويح والضحى ، وغيَّر
الأذان وجعل مكان «حيّ على خير العمل» «الصلاة خير من النوم» ، وركب بنفسه إلى
جامع عمرو بن العاص وصلّى فيه الضحى ، وأظهر الميل إلى مذهب مالك والقول به ..
وأقام على ذلك ثلاث سنين ، وفعل ما لم يفعله أحد.
ثمّ بدا له بعد
ذلك فقتل الفقيه أبا بكر الانطاكي والشيخ الآخر وخَلقاً كثيراً من أهل السنّة ، لا
لأمر يقتضي ذلك ، وفَعَلَ ذلك كلّه في يوم واحد ، وأغلق دار العلم ، ومنع من جميع
ما كان فعله .
وقال المقريزي
في (المواعظ والاعتبار) : ... وفي صفر سنة أربعمائة شُهِر جماعة
__________________
بعد أن ضربوا بسبب بيع الفقاع والملوخيا والدلينس والترمس ، وفي تاسع عشر شهر شوّال أمر الحاكم بأمر الله برفع ما
كان يؤخذ من الخمس والزكاة والفطرة والنجوى ، وأبطل قراءة مجالس الحكمة في القصر ،
وأمر بردّ التثويب في الأذان ، وأذّن للناس في صلاة الضحى وصلاة التراويح ، وأمر
المؤذّنين بأسرهم في الأذان بأن لا يقولوا «حيّ على خير العمل» ، وأن يقولوا في
الأذان للفجر : «الصلاة خير من النوم» ، ثمّ أمر في ثاني عشر من ربيع الآخر سنة
ثلاث وأربعمائة بإعادة قول «حيّ على خير العمل» في الأذان وقطع التثويب وترك قولهم
«الصلاة خير من النوم» ، ومنع من صلاة الضحى وصلاة التراويح ، وفتح باب الدعوة ، وأعيدت
قراءة المجالس بالقصر على ما كانت ، وكان بين المنع من ذلك والأذان فيه خمسة أشهر.
وضُرب في جمادى
من هذه السنة جماعة وشُهروا بسبب بيع الملوخيا والسمك الذي لا قشر له وشرب
المسكرات وتتبّع السكارى فضيّق عليهم .
وفي السادس
والعشرين منه [من المحرم سنة ٤٠١ هـ] قرئ بجامع مصر سجلّ يتضمن النهي عن معارضة
الحاكم فيما يفعله وترك الخوض فيما لا يعني ، وإعادة «حيّ على خير العمل» إلى
الأذان وإسقاط «الصلاة خير من النوم» والنهي عن صلاة التراويح والضحى ...
__________________
بغداد (سنة ٤٤١ ـ ٤٤٢ ه)
ذكر ابن الأثير
في حوادث هذه السنة : ... وفيها مُنع أهل الكرخ من النَّوح ، وفعل ما جرت عادتهم
بفعله يوم عاشوراء ، فلم يقبلوا وفعلوا ذلك ، فجرى بينهم وبين السنيّة فتنة عظيمة
قُتل فيها وجرح كثير من الناس ، ولم ينفصل الشرّ بينهم حتّى عبر الأتراك وضربوا
خيامهم عندهم فكفّوا حينئذ.
ثمّ شرع أهل
الكرخ في بناء سور على الكرخ ، فلمّا رآهم السنيّة من القلاّئين ومن يجري مجراهم
شرعوا في بناء سور على سوق القلاّئين ، وأخرج الطائفتان في العمارة مالاً جليلاً ،
وجرت بينهما فتن كثيرة ، وبطلت الأسواق وزاد الشر حتّى انتقل كثير من الجانب
الغربي إلى الجانب الشرقي فأقاموا به.
وتقدّم الخليفة
إلى أبي محمّد بن النسوي بالعبور وإصلاح الحال وكفّ الشر ، فسمع أهل الجانب الغربي
ذلك فاجتمع السنة والشيعة على المنع منه ، وأذّنوا في القلاّئين وغيرها بـ «حيّ
على خير العمل» وأذّنوا في الكرخ بـ «الصلاة خير من النوم» وأظهروا الترحّم على
الصحابة ، فبطل عبوره .
وفي (المنتظم) وضمن
بيان حوادث سنة ٤٤٢ هـ : ... انّه ندب أبو محمّد النسوي للعبور وضبط البلد ، ثمّ
اجتمع العامّة من أهلِ الكرخ والقلاّئين وباب الشعير وباب البصرة على كلمة واحدة
في أنه متى عبر ابن النسوي أحرقوا أسواقهم وانصرفوا عن البلد ، فصار أهل الكرخ إلى
باب نهر القلاّئين ، فصلّوا فيه وأذنوا في المشهد «حيّ على خير العمل» وأهل
القلاّئين بالعتيقة والمسجد بالبزّازين بـ «الصلاة خير من النوم» واختلطوا
واصطلحوا وخرجوا إلى زيارة المشهدين مشهد عليّ والحسين .
__________________
وفي (تاريخ أبي
الفداء) : ... وقعت الفتنة ببغداد بين السنّة والشيعة ، وعَظُم الأمر حتّى بطلت
الأسواق ، وشرع أهل الكرخ في بناء سور عليهم محيطاً بالكرخ ، وشرع السنّة من
القلاّئين ومن يجري مجراهم في بناء سور على سوق القلائين ، وكان الأذان بأماكن
الشيعة بـ «حيّ على خير العمل» وبأماكن السنة «الصلاة خير من النوم» .
وفي (النجوم
الزاهرة) : ... فيها كان من العجائب أنّه وقع الصلح بين أهل السنّة والرافضة وصارت
كلمتهم واحدة ، وسبب ذلك : أن أبا محمّد النسوي ولي شرطة بغداد وكان فاتكاً ، فاتّفقوا
على أنّه متى رحل إليهم قَتَلوه ، واجتمعوا وتحالفوا ، وأُذّن بباب البصرة «حيّ على
خير العمل» ، وقرئ في الكرخ فضائل الصحابة ، ومضى أهل السنة والشيعة إلى مقابر
قريش ، فعدّ ذلك من العجائب ، فإنّ الفتنة كانت قائمة والدماء تُسكب والملوك
والخلفاء يعجزون عن ردّهم حتّى ولي هذا الشرطة ، فتصالحوا على هذاالأمر اليسير .
بغداد (سنة ٤٤٣ ه)
قال ابن الأثير
في (الكامل) : ... في هذه السنة في صفر تجدّدت الفتنة ببغداد بين السنّة والشيعة
وعظمت أضعاف ما كانت قديماً ، فكان الاتفاق الذي ذكرناه في السنة الماضية غير
مأمون الانتقاض لما في الصدور من الإحن ، وكان سبب هذه الفتنة أن أهل الكرخ شرعوا
في عمل باب السمّاكين ، وأهل القلاّئين في عمل ما بقي من باب مسعود ، ففرغ أهل
الكرخ ، وعملوا أبراجاً كتبوا عليها بالذهب : «محمّد وعليّ خير
__________________
البشر» ؛ وأنكر السنيّة ذلك وادّعوا أنّ المكتوب : «محمّد وعليّ خير البشر
، فمن رضي فقد شكر ، ومن أبى فقد كفر» ؛ وأنكر أهلُ الكرخ الزيادةَ وقالوا : ما
تجاوزنا ما جرت به عادتنا فيما نكتبه على مساجدنا ، فأرسل الخليفة القائم بأمر
الله أبا تمّام نقيب العبّاسيّين ، ونقيب العلويّين وهو عدنان بن الرضي ، لكشف
الحال وإنهائه ، فكتبا بتصديق قول الكرخيّين ، فأمر حينئذ الخليفة ونوّاب الرحيم
بكفّ القتال ، فلم يقبلوا. وانتدب ابن المذهب القاضي ، والزهيريّ ، وغيرهما من
الحنابلة أصحاب عبدالصمد بحمل العامّة على الإغراق في الفتنة ، فأمسك نوّابُ الملك
الرحيم عن كفّهم غيظاً من رئيس الرؤساء لميله إلى الحنابلة ، ومنع هؤلاء السُّنّة
من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ، وكان نهر عيسى قد انفتح بثقُهُ ، فعظم الأمر
عليهم ، وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة وحملوا الماء وجعلوه في الظروف ، وصبّوا
عليه ماء الورد ، ونادوا : الماء للسبيل ؛ فأغروا بهم السُّنّة.
وتشدّد رئيس
الرؤساء على الشيعة ، فمحوا : «خير البشر» ، وكتبوا : «عليهما السلام» ، فقالت
السُّنّة : لا نرضى إلّا أن يُقلع الآجرّ الذي عليه «محمّد وعليّ» وأن لا يؤذَّن :
«حيَّ على خير العمل» ؛ وامتنع الشيعة من ذلك ، ودام القتال إلى ثالث ربيع الأوّل
، وقُتل فيه رجل هاشميّ من السنيّة ، فحمله أهله على نعش ، وطافوا به في الحربيّة
، وباب البصرة ، وسائر محالّ السُّنّة ، واستنفروا الناس للأخذ بثأره ، ثمّ دفنوه
عند أحمد بن حنبل ، وقد اجتمع معهم خلق كثير أضعاف ما تقدّم.
فلمّا رجعوا من
دفنه قصدوا مشهد باب التبن فأُغلق بابه ، فنقبوا في سوره وتهدّدوا البوّاب ، فخافهم
وفتح الباب فدخلوا ونهبوا ما في المشهد من قناديل ومحاريب ذهب وفضّة وسُتور وغير
ذلك ، ونهبوا ما في الترب والدور ، وأدركهم الليل فعادوا.
فلمّا كان الغد
كثر الجمع ، فقصدوا المشهد ، وأحرقوا جميع الترب والآراج ، واحترق ضريح موسى ، وضريح
ابن ابنه محمّد بن عليّ الجواد ، والقُبّتان الساج
اللتان عليهما ، واحترق ما يقابلهما ويجاورهما من قبور ملوك بني بُوَيْه ، مُعزّ
الدولة ، وجلال الدولة ، ومن قبور الوزراء والرؤساء ، وقبر جعفر بن أبي جعفر
المنصور ، وقبر الأمين محمّد بن الرشيد ، وقبر أمّه زبيدة ، وجرى من الأمر الفظيع
ما لم يجرِ في الدنيا مثله.
فلمّا كان الغد
خامس الشهر عادوا وحفروا قبر موسى بن جعفر ومحمّد بن عليّ لينقلوهما إلى مقبرة
أحمد بن حنبل ، فحال الهدم بينهم وبين معرفة القبر ، فجاء الحفر إلى جانبه.
وسمع أبو تمّام
نقيب العبّاسيّين وغيره من الهاشميّين السنيّة الخبرَ ، فجاؤوا ومنعوا عن ذلك ، وقصد
أهل الكرخ إلى خان الفقهاء الحنفيّين فنهبوه ، وقتلوا مدرّس الحنفيّة أبا سعد
السَّرَخْسيّ ، وأحرقوا الخان ودور الفقهاء. وتعدّت الفتنة إلى الجانب الشرقيّ ، فاقتتل
أهل باب الطاق وسوق بَجّ ، والأساكفة ، وغيرهم.
ولمّا انتهى
خبر إحراق المشهد إلى نور الدولة دُبَيْس بن مَزيد عَظُم عليه واشتدّ وبلغ منه كلّ
مبلغ ؛ لأنّه وأهل بيته وسائر أعماله من النيل وتلك الولاية كلّهم شيعة ، فقُطعت
في أعماله خطبةُ الإمام القائم بأمر الله ، فروسل في ذلك وعُوتب ، فاعتذر بأنّ أهل
ولايته شيعة ، واتّفقوا على ذلك ، فلم يمكنه أن يَشُقّ عليهم كما أنّ الخليفة لم
يمكنه كفّ السفهاء الذين فعلوا بالمشهد ما فعلوا ، وأعاد الخطبة إلى حالها .
وقد ذكر ابن
الجوزي هذه الحادثة في (المنتظم) إلى أن يقول : ... وفي يوم الجمعة لعشر بقين من
ربيع الآخر خطب بجامع براثا وأسقط «حيّ على خير العمل» ودق الخطيب المنبر وقد
كانوا يمنعون منه ، وذكر العبّاس في خطبته .
__________________
بغداد (سنة ٤٤٤ ـ ٤٤٥ ه)
ذكر ابن الأثير
عدّة حوادث في هذه السنة ، وقال : «وفيها عُمل محضرٌ ببغداد يتضمّن القدح في نسب
العلويّين أصحاب مصر ، وأنّهم كاذبون في ادّعائهم النسبَ إلى عليّ عليهالسلام ، وعَزَوهم فيه إلى الدَّيصانيّة من المجوس ، والقدّاحيّة من اليهود ، وكتب
فيه العلويّون ، والعبّاسيّون ، والفقهاء ، والقضاة ، والشهود ، وعُمل به عدّة نسخ
، وسُيِّر في البلاد ، وشُيّع بين الحاضر والباد ....
وفيها حدثت
فتنة بين السُّنة والشيعة ببغداد ، وامتنع الضبط ، وانتشر العيّارون وتسلّطوا ، وجَبَوا
الأسواق ، وأخذوا ما كان يأخذه أرباب الأعمال ، وكان مقدّمهم الطِّقطِقيّ
والزَّيْبق ، وأعاد الشيعة الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، وكتبوا على مساجدهم :
«محمّد وعليّ خير البشر» ؛ وجرى القتال بينهم ، وعظم الشرّ .
ثمّ صدّر حوادث
سنة خمس وأربعين وأربعمائة بذكر الفتنة بين السنّة والشيعة ببغداد ، فقال :
في هذه السنة ،
في المحرّم ، زادت الفتنة بين أهل الكرخ وغيرهم من السُّنّة ، وكان ابتداؤها أواخر
سنة أربع وأربعين [وأربعمائة].
فلمّا كان الآن
عظم الشرّ ، واطّرحت المراقبة للسلطان ، واختلط بالفريقَيْن طوائف من الأتراك ، فلمّا
اشتدّ الأمر اجتمع القوّاد واتفقوا على الركوب إلى المحالّ وإقامة السياسة بأهل
الشرّ والفساد ، وأخذوا من الكرخ إنساناً علويّاً وقتلوه ، فثار نساؤه ، ونَشَرنَ
شعورهنّ واستَغَثنَ ، فتَبعهنّ العامّة من أهل الكرخ ، وجرى بينهم
__________________
وبين القوّاد ـ ومَن معهم من العامّة ـ قتال شديد ، وطَرَح الأتراك النار
في أسواق الكرخ ، فاحترق كثير منها ، وألحقتها بالأرض ، وانتقل كثير من الكرخ إلى
غيرها من المحالّ.
وندم القوّاد
على ما فعلوه ، وأنكر الإمام القائم بأمر الله ذلك ، وصلح الحال ، وعاد الناس إلى
الكرخ ، بعد أن استقرّت القاعدة بالديوان بكفّ الأتراك أيديهم عنهم .
وفي (تاريخ أبي
الفداء) : ... وفي هذه السنة (ت ٤٤٤ هـ) كانت الفتنة ببغداد بين السنة والشيعة ، واعادت
الشيعة الأذان «بحيّ على خير العمل» ، وكتبوا على مساجدهم : «محمّد وعليّ خير
البشر» .
بغداد (سنة ٤٤٨ ه)
ذكر ابن الأثير
في حوادث هذه السنة : ... وفيها أمر الخليفة بأن يؤذّن بالكرخ والمشهد وغيرها : «الصلاة
خير من النوم» ، وأن يتركوا : «حيّ على خير العمل» ففعلوا ما أمرهم به خوف السلطنة
وقوتها .
وقال ابن
الجوزي في (المنتظم) : ... وفي هذه السنة أقيم الأذان في المشهد بمقابر قريش ومشهد
العتيقة ومساجد الكرخ بـ «الصلاة خير من النوم» ، وأزيل ما كانوا يستعملونه في
الأذان من «حيّ على خير العمل» وقلع جميع ما كان على أبواب الدور والدروب من «محمّد
وعليّ خير البشر».
__________________
ودخل إلى الكرخ
منشدو أهل السنة من باب البصرة فأنشدوا الاشعار في مدح الصحابة ، وتقدم رئيس
الرؤساء إلى ابن النسوي بقتل أبي عبدالله بن الجلاب شيخ البزّازين بباب الطاق ، لِما
كان يتظاهر به من الغلو في الرفض ، فقُتل وصلب على باب دكانه ، وهرب أبو جعفر
الطوسي ونُهبت داره ، وتزايد الغلاء فبيع الكرّ الحنطة بمائة وثمانين ديناراً .
وفي (البداية
والنهاية) : ... وفيها ألزم الروافض بترك الأذان بـ «حيّ على خير العمل» وأمروا أن
ينادي مؤذنهم في أذان الصبح وبعد حيّ على الفلاح ، «الصلاة خير من النوم» مرتين ، وأزيل
ما كان على أبواب المساجد ومساجدهم من كتابة : «محمّد وعليّ خير البشر» ، ودخل
المنشدون .... ينشدون بالقصائد التي فيها مدح الصحابة ، وذلك أنّ نوءُ الرافضة
اضمحلّ ، لأنّ بني بويه كانوا حكاماً وكانوا يقوونهم وينصرونهم ، فزالوا وبادوا
وذهب دولتهم .
وفي (السيرة
الحلبية) : ... وذكر بعضهم أنّ في دولة بني بويه كانت الرافضة تقول بعد الحيعلتين
«حيّ على خير العمل» ، فلمّا كانت دولة السلجوقية منعوا المؤذنين من ذلك وأمروا أن
يقولوا في أذان الصبح بدل ذلك «الصلاة خير من النوم» .
وفي (النجوم
الزاهرة) : وفيها أقيم الأذان في مشهد موسى بن جعفر ومساجد الكرخ بـ «الصلاة خير
من النوم» على رغم أنف الشيعة ، وأُزيل ما كانوا يقولونه في الأذان من «حيّ على
خير العمل» .
__________________
وممّا يجب
التنبيه عليه أنّ جماعة من السنة ببغداد قد ثاروا في سنة ٤٤٧ هـ وقصدوا دار
الخلافة وطلبوا أن يسمح لهم أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر فأذن لهم وزاد
شرهم ، ثمّ استأذنوا في نهـب دور البسـاسـيري [ذي المـيول الشـيعية الذي أجاز
الأذان بالحيعلة الثالثـة] وكان غائـباً في واسـط فأذن لهـم الخليفـة.
وهي تلك السـنة
التي وقعت فيها الفتنة بين الشـافعية والحـنابلة ببغداد وأنكرت الحنابلة على
الشافعية الجهر بالبسملة والقنوت في الصبح والترجيع بالأذان .
وذكر ابن
الأثير بعض حوادث هذه السنة ، فقال : ... فتبعهم من العامة الجم الغفير وأنكروا
الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ومنعوا من الترجيع في الأذان ، والقنوت في الفجر ، ووصلوا
إلى ديوان الخليفة ، ولم ينفصل حال ، وأتى الحنابلة إلى مسجد بباب الشعير ، فنهوا
إمامه عن الجهر بالبسملة فأخرج مصحفاً وقال : أزيلوها من المصحف حتّى لا أتلوها .
وهذا يشير إلى
أن الخلاف الفقهي بين المسلمين لا ينحصر في الحيعلة الثالثة ولا ينحصر بالطالبيين
، فقد يذهب بعض أهل السنة إلى خلاف المشهور عندهم لثبوت شرعيتها عنده وهذا ما نريد
قوله ، وهو وجود أصل متجذر للمختلف فيه بين المسلمين ، وأن الطالبيين كانوا جادّين
في الحفاظ على ما تلقوه ورووه من سنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونهج أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام.
أما عموم اتباع
نهج الخلفاء فكانوا يتبعون عمر بن الخطاب وغيره من الخلفاء فيما شرعوه من الأمور
التي أشار الامام علي عليهالسلام إليها سابقاً.
__________________
بغداد (سنة ٤٥٠ ه)
قال ابن الأثير
في (الكامل في التاريخ) : .. ثمّ إن البساسيري وصل إلى بغداد يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة غلام على غاية الضر
والفقر ، وكان معه أبو الحسن بن عبدالرحيم الوزير ، فنزل البساسيري بمشرعة الروايا
، ونزل قريش بن بدران وهو في مائتي فارس عند مشرعة باب البصرة ، وركب عميد العراق
ومعه العسكر والعوام وأقاموا بازاء
عسكر البساسيري
، وعادوا وخطب البساسيري بجامع المنصور للمستنصر بالله العلوي صاحب مصر ، وأمر
فأذن بـ «حيّ على خير العمل» وعقد الجسر وعبر عسكره إلى الزاهر .
وجاء في (النجوم
الزاهرة) : ... ثمّ دخل الأمير أبو الحارث أرسلان البساسيري بغداد في ثامن ذي
القعدة بالرايات المستنصرية وعليها ألقاب المستنصر هذا صاحب مصر ، فمال إلى
البساسيري أهل باب الكرخ وفرحوا به لكونهم رافضة ، والبساسيري وخلفاء مصر أيضاً
رافضة ، فانضموا إلى البساسيري وتشفّوا من أهل السنة وشمخت أنوف المنافقين الرافضة
وأعلنوا بالأذان بـ «حيّ على خير العمل» ببغداد.
واجتمع خلق من
أهل السنة على الخليفة القائم بأمر الله العباسي وقاتلوا معه وفشت الحرب بين
الفريقين في السفن أربعة أيّام.
وخطب يوم
الجمعة ثالث عشر ذي القعدة ببغداد للمستنصر هذا صاحب
__________________
الترجمة بجامع المنصور وأذّنوا بحيّ على خير العمل ، وعقد الجسر وعبرت
عساكر البساسيري إلى الجانب الشرقي .
وذكر ابن
الجوزي في المنتظم : ... وعاود أهل الكرخ الأذان بـ «حيّ على خير العمل» وظهر فيهم
السرور الكثير وحملوا راية بيضاء ونصبوها في وسط الكرخ وكتبوا عليها اسم المسـتنصر
بالله وأقام بمكانـه والقتالُ يجـري في السـفن بدجلة.
فلما كان يوم
الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دُعي لصاحب مصر في جامع المنصور ، وزيد في الأذان
«حيّ على خير العمل» وشرع البساسيري في إصلاح الجسر .
وفي (نهايــة الأرب
في فــنون الأدب) عند ذكر استيلاء أبي الحارث البـسـاسيــري على العـراق ، قال : ثمّ
وصل الـبساسيـري إلى بغداد في يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة غلام في
غاية الضـر والفقر ، فنزل بمشرعة دار الروايا وكان معه قريش بن بدران وهو في مائتي
فارس ، فنزل مشرعة باب البصرة وركب عميد العراق ومعه العسكر والعوام وأقاموا بإزاء
عسكر البساسيري وعادوا وخطب البساسيري بجامع المنصور للمستنصر العلوي صاحب مصر
فأذن «حيّ على خير العمل» وعقد الجسر وعبر عسكره إلى الزاهر واجتمعوا فيه وخطب في
الجمعة الثانية للمصري بجامع الرصافة ...
وفي تاريخ
بغداد : ... فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دعي
__________________
لصاحب مصر في الخطبة بجامع المنصور وزيد في الأذان «حيّ على خير العمل» ، وشرع
البساسيري في إصلاح الجسر .
وفي تاريخ
الخلفاء للسيوطي : ... ثمّ قدم البساسيري بغداد في سنة خمسين ومعه الرايات المصرية
، ووقع القتال بينه وبين الخليفة ، ودعي لصاحب مصر المستنصر بجامع المنصور ، وزيد
في الأذان «حيّ على خير العمل» ، ثمّ خطب له في كلّ الجوامع إلّا جامع الخليفة ، ودام
القتال شهراً ثمّ قبض البساسيري على الخليفة في ذي الحجة وسيّره إلى غابة وحبسه
بها و ...
مكة / حلب (سنة ٤٦٢ ه)
قال ابن خلدون والذهبي والسيوطي : إنّ محمّد بن أبي هاشم خطب بمكة للقائم بأمر الله
وللسلطان ألب أرسلان ، وأسقط خطبة العلوي صاحب مصر وترك «حيّ على خير العمل»
من الأذان.
وقال ابن
الأثير : ... وفيها ورد رسول صاحب مكّة محمّد بن أبي هاشم ومعه ولده إلى السلطان
ألب أرسلان يخبره بإقامة الخطبة للخليفة القائم بأمر الله وللسلطان بمكة وإسقاط
خطبة العلوي صاحب مصر ، وترك الأذان بـ «حيّ على
__________________
خير العمل» ، فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار وخلعاً نفيسة وأجرى له كلّ
سنة عشرة الآف دينار .
ثمّ ذكر في
حوادث سنة ٤٦٣ كيفية استيلاء السلطان ألب أرسلان على حلب ، إلى أن قال : ... وقد
وصلها نقيب النقباء أبو الفوارس طِراد بالرسالة القائمية ، والخلع ، فقال له محمود
؛ صاحب حلب : أسالك الخروج إلى السلطان واستعفائه لي من الحضور عنده ، فخرج نقيب
النقباء ، وأخبر السلطان بأنّه قد لبس الخِلَعِ القائمية وخطب ، فقال : أيّ شيء تساوي خطبتهم
وهم يؤذنون «حيّ على خير العمل»؟ ولابد من الحضور ودوس بساطي ، فامتنع محمود من ذلك.
فاشتدّ الحصار
على البلد ، وغلت الأسعار ، وعظم القتال وزحف السلطان يوماً وقرب من البلد ، فوقع
حجر منجنيق في فرسه ، فلما عظم الأمر على محمود خرج ليلاً ، ومعه والدته منيعة بنت
وثّاب النميري ، فدخلا على السلطان وقالت له : هذا ولدي فافعل به ما تحبّ ، فتلقاهما
بالجميل وخلع على محمود وأعاده إلى بلده فأنفذ إلى السلطان مالاً جزيلاً .
وخطب محمود بن
صالح بحلب للقائم بأمر الله وللسلطان ألب أرسلان ... فأخذت العامة حُصُرَ الجامع ،
وقالوا : هذه حُصُرُ عليّ بن أبي طالب ، فليأتِ أبو بكر بحُصُر يصلّي عليها الناس .
وفي (النجوم
الزاهرة) عن الشيخ شمس الدين بن قزاوغلي في المرآة ، قال : ... وضاقت يد أبي هاشم
محمّد أمير مكّة بانقطاع ما كان يأتيه من مصر ،
__________________
فأخذ قناديل الكعبة وسقورها وصفائح الباب والميزاب ، وصادر أهل مكّة فهربوا
، وكذا فعل أمير المدينة مهنّأ وقَطَعَاً الخطبة للمستنصر [الفاطمي] وخطبا لبني
العبّاس ـ الخليفة القائم بأمر الله وبعثا إلى السلطان ألب أرسلان السلجوقي حاكم
بغداد بذلك ، وأنّهما أذّنا بمكة والمدينة الأذان المعتاد وتركا الاذان بـ «حيّ
على خير العمل» ، فأرسل ألب أرسلان إلى صاحب مكّة أبي هاشم المذكور بثلاثين ألف
دينار ، وإلى صاحب المدينة بعشرين ألف دينار ، وبلغ الخبر بذلك المستنصر فلم يلتفت
إليه لشغله بنفسه ورعيته من عظم الغلاء .
وفي أحداث سنة
٤٦٤ قال : بعث الخليفة بأمر الله الشريف أبا طالب الحسن بن محمّد أخا طرَّاد
الزينبي إلى أبي هاشم محمّد أمير مكّة بمال وخلع ، وقال له : غيِّر الأذان وأبطل «حيّ
على خير العمل» ، فناظره أبو هاشم مناظرة طو يلة وقال له : هذا أذان أمير المؤمنين
عليّ بن أبي طالب ، فقال له أخو الشريف : ما صحَّ عنه وإنّما عبدالله بن عمر بن
الخطاب روي عنه أنه أذّن به في بعض أسفاره ، وما أنت وابن عمر! فأسقطه من الأذان .
وجاء في تاريخ
الخلفاء بأن الخطبة اُعيدت للعبيدي بمكة في سنة ٤٦٧ .
الشام (سنة ٤٦٨ ه)
جاء في (مآثر
الإنافة) للقلقشندي : ... تغلّب على دمشق اتسز بن ارتق الخوارزمي المعروف بالاقسيس
، أحد أمراء السلطان ملكشاه السلجوقي [ابن ألب ارسلان] في سنة ٤٦٨ وقطع الخطبة بها
للمستنصر الفاطمي وخطب
__________________
للمقتدي العباسي ، ومنع الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ولم يخطب بعدها بالشام لأحد
من الفاطميين وبقي بها إلى ما بعد خلافة المقتدي .
وفي (الكامل) لابن
الأثير : ... ودخلها هو [أي الاقسيس] وعسكره في ذي القعدة وخطب بها يوم الجمعة
لخمس بقين من ذي القعدة للمقتدي بأمر الله الخليفة العباسي ، وكان آخر ما خطب فيها
للعلويين المصريين ، وتغلب على أكثر الشام ، ومنع الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ،
ففرح أهلها فرحاً عظيماً ، وظلم أهلها وأساء السيرة فيهم .
وفي (البداية
والنهاية) لابن كثير ، قال : ... الاقسيس هذا هو اتسز بن اوف الخوارزمي ، ويلقب
بالملك المعظم ، وهو أوّل من استعاد بلاد الشام من أيدي الفاطميين وأزال الأذان
منها بـ «حيّ على خير العمل» بعد أن كان يؤذن به على منابر دمشق وسائر الشام مائة
وست سنين (١٠٦ سنة) ، وكان على أبواب الجوامع والمساجد مكتوب لعنة الصحابة رضي
الله عنهم ، فأمر هذا السلطان المؤذّنين والخطباء أن يترضّوا عن الصحابة أجمعين .
وفي تاريخ
الخلفاء : ... خطب للمقتدي العباسي بدمشق وأبطل الأذان بـ «حيّ على خير العمل» وفرح
الناس بذلك .
__________________
وفي تاريخ ابن
خلدون : ... وخطب فيها اتسز للمقتدي العباسي في ذي القعدة سنة ثمان وستين ، وتغلّب
على أكثر الشام ، ومنع من الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، ثمّ سار سنة تسع وستين
إلى مصر وحاصرها حتّى أشرف على أخذها ، ثمّ انهزم من غير قتال ، ورجع إلى دمشق وقد
انتقضَ عليه أكثر الشام ، فشكر لأهل دمشق صونهم لمخلفه وأمواله ورفع عنهم خراج سنة
، وبلغه أنّ أهل القدس وثبوا بأصحابه ...
مصر (سنة ٤٧٨ ه)
ولي المستنصر
بالله الفاطمي من سنة (٤٢٨ ـ ٤٨٧ هـ) وهو معد أبو تميم حفيد الحاكم بأمر الله ، وقد
قرب هذا بدرَ الجماليَّ لولاية اُمور الحضرة.
قال صاحب (النجوم
الزاهرة) : ... كان بدر الجمالي أرمني الجنس فاتكاً جباراً قتل خلقاً كثيراً من
العلماء وغيرهم ، وأقام الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، وكبّر على الجنائز خمساً
، وكتب سبَّ الصحابة على الحيطان ...
وفي (المنتظم)
: وفي شهر ذي القعدة قبض بدر الجمالي ـ أمير مصر ـ على ولده الأكبر وأربعة من
الأمراء ... ونفى مذكِّري أهل السنة ، وحمل الناس أن يكبّروا خمساً على الجنائز ، وأن
يسدلوا أيمانهم في الصلاة ، وأن يتختّموا في الأيمان ، وأن يثوّبوا في صلاة الفجر «حيّ على خير العمل» ، وحبس أقواماً رووا فضائل الصحابة .
__________________
مصر (سنة ٥٢٤ ه)
ولي الحافظ
لدين الله الفاطمي (عبدالمجيد حفيد المستنصر بالله) بعد قتل ابن عمه أبي عليّ
منصور الآمر بأحكام الله في سنة أربع وعشرين وخمسمائة.
قال العلاّمة
أبو المظفر في مرآة الزمان : ... ولما استمر الحافظ في خلافة مصر ضعف أمره مع
وزيره أبي عليّ أحمد بن الأفضل أمير الجيوش ، وقويت شوكة الوزير المذكور وخطب
للمنتظر المهدي ، وأسقط من الأذان «حيّ على خير العمل» ، ودعا الوزير المذكور
لنفسه على المنابر «بناصر إمام الحق ، هادي العصاة إلى اتّباع الحق ، مولى الأمم ،
ومالك فضيلتي السيف والقلم» فلم يزل حتّى قتل الوزير .
وقد تكلّم
المقريزي في (اتعاظ الحنفاء) عن أبي عليّ أحمد بن الأفضل ، فقال : وكان إمامياً
متشدّداً فالتفت عليه الإمامية ولعبوا به حتّى أظهر المذهب الإمامي وتزايد الأمر
فيه إلى التأذين فانفعل بهم ، وحسّنوا له الدعوة للقائم المنتظر فضرب الدراهم
باسمه ونقش عليها «الله الصمد ، الإمام محمّد» ... إلى أن يقول : ... وكان قد أسقط
منذ إقامة الجند ذكر إسماعيل بن جعفر الصادق الذي تنسب إليه الطائفة الإسماعيلية ،
وأزال من الأذان قولهم فيه «حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر» ، وأسقط ذكر
الحافظ من الخطبة ، واخترع لنفسه دعاءً يُدعى به على المنابر ...
وقال أبو
الفداء في تاريخه : ... ثمّ دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة ، فيها قُتِلَ أبو عليّ
بن الأفضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ لدين الله العلوي ، وكان أبو
__________________
عليّ المذكور قد حجر على الحافظ وقطع خطبة العلويين وخطب لنفسه خاصة وقطع
من الأذان «حيّ على خير العمل» فنفرت منه قلوب شيعة العلويين وثار به جماعة من
الممالك وهو يلعب الكرة فقتلوه ونهبت داره .
وفي (وفيات
الاعيان) : ... وقبض على الحافظ المذكور واستقل بالأمر وقام به أحسن قيام ، وردّ
على المصادَرين أموالهم ، وأظهر مذهب الإمامية وتمسّك بالائمة الاثني عشر ، ورفض
الحافظَ وأهلَ بيته ، ودعا على المنابر للقائم في آخر الزمان المعروف بالإمام
المنتظر على زعمهم وكتب اسمه على السكة ، ونهى أن يؤذّن بـ «حيّ على خير العمل» ، وأقام
كذلك إلى أن وثب عليه رجل من الخاصّة بالبستان الكبير بظاهر القاهرة في النصف من
المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة فقتله ، وكان بتدبير الحافظ ، فبادر الأجناد بإخراج
الحافظ وبايعوه ولقبوه بالحافظ ودعي له على المنابر .
وفي (بدائع
الزهور في وقائع الدهور) قوله : ... وكان قد أسقط منذ أقامه الجندُ ذِكْرَ اسماعيل
بن جعفر الصادق الذي تنسب إليه الطائفة الإسماعيلية ، وأزال من الأذان قولهم فيه «حيّ
على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر» وأسقط ذكر الحافظ من الخطبة ، واخترع لنفسه
دعاءً يدعى به على المنابر .
وفي (نهاية
الأرب في فنون الأدب) : قال المؤرخ : لما بويع الحافظ لدين الله ثار الجند
الأفضلية وأخرجوا ابن مولاهم أبا عليّ أحمد بن الافضل الملقب بكتيفات ، وولّوه أمر
الجيوش وذلك في يوم الخميس السادس من ذي القعدة منها ، فحكم ، واعتقل الحافظ صبيحة
يوم بيعته ، ودعا للإمام المنتظر وقوي أمر ابن الأفضل.
__________________
وفي سنة خمس
وعشرين رتّب أحمد بن الافضل في الأحكام أربعة قضاة : الشافعية ، والمالكية ، والإسـماعيلية
، والإمامـيّة ، يحكم كلّ قاضـي بمقتضـى مذهـبه ويورّث بمقتضاه ، فكان قاضي الشافعية
الفقيه سلطان ، وقاضي المالكية اللبني ، وقاضي الاسـماعيلية أبو الفضـل ابن الأزرق
، وقاضي الإمامـيّة ابن أبي كامل.
وسار أحمد بن
الأفضل سيرة جميلة بالنسبة إلى أيام الآمر ، وردّ على الناس بعض مصادراتهم ، وأظهر
مذهب الإماميّة الاثني عشرية ، وأسقط من الأذان قولهم «حيّ على خير العمل» وأمر
بالدعاء لنفسه على المنابر بدعاء اخترعه .
وفي تاريخ ابن
خلدون : فأشار عليه الإمامية بإقامة الدعوة للقائم المنتظر ، وضرب الدراهم باسمه
دون الدنانير ، ونقش عليها : «الله الصمد ، الإمام محمّد» وهو الإمام المنتظر.
وأسقط ذِكْرَ إسماعيل من الدعاء على المنابر وذِكْرَ الحافظ ، وأسقط من الأذان «حيّ
على خير العمل» .
وفي (المواعظ
والاعتبار) : ... ولمّا تغلّب أبو عليّ بن كتيفات بن الأفضل شاهنشاه بن أمير
الجيوش بدر الجمالي على رتبة الوزارة في أيام الحافظ لدين الله أبي الميمون عبدالمجيد
بن الأمير أبي القاسم محمّد بن المستنصر بالله في سادس عشر ذي القعدة سنة أربع
وعشرين وخمسمائة ، سجَنَ الحافظ وقيّده ، واستولى على سائر ما في القصر من الأموال
والذخائر ، وحملها إلى دار الوزارة ، وكان إمامياً متشدّداً في ذلك ، خالف ما عليه
الدولة من مذهب الإسماعيلية ، وأظهر الدعاء للإمام المنتظر ، وأزال من الأذان «حيّ
على خير العمل» وقولهم «محمّد وعليّ خير
__________________
البشر» ، وأسقط ذكر إسماعيل بن جعفر الذي تنتسب إليه الإسماعيلية ، فلما
قتل في سادس عشر المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة عاد الأمر إلى الخليفة الحافظ
وأعيد إلى الأذان ما كان أُسقط منه .
وفي بعض كلام
المؤرخين هذا خطأ ؛ إذ المعروف عن الإمامية والثابت عندهم هو جزئية «حيّ على خير
العمل» فلا يجوز رفعه إن كان كتيفات هذا إمامياً بالمصطلح.
وأما الدعاء
للإمام المنتظر وإسقاط ذكر إسماعيل بن جعفر من الخطبة فكانت خطوة سياسية احتمى بها
ابن كتيفات ؛ لأنّه كان سنيّاً لكنّه أظهر التمسّك بالإمام المنتظر.
وهذا ما صرّح
به الذهبي في (العبر في خبر من غبر) بأنّ أبويه كانا سنيّين ، قال : ... فحجر على
الحافظ ومنعه من الظهور ، وأخذ أكثر ما في القصر ، وأهمل ناموس الخلافة العبيدية ،
لأنّه كان سنيّاً كأبيه ، لكنّه أظهر التمّسك بالإمام المنتظر ، وأبطل من الأذان «حيّ
على خير العمل» ، وغيرّ قواعد القوم ، فأبغضه الدعاة والقواد وعملوا عليه .
وقال اليافعي
في (مرآة الجنان وعبرة اليقظان) : ... وأهمل ناموس الخلافة العبيدية ؛ لأنّه كان
سنياً كأبيه ، لكنّه أظهر التمسّك بالإمام المنتظر وأبطل من الأذان «حيّ على خير
العمل» وغيّر قواعد القوم ، فأبغضه الدعاة والقوّاد وعملوا عليه ، فركب للعب الكرة
في المحرم فوثبوا عليه وطعنه مملوك الحافظ بحربة .. .
__________________
حلب (سنة ٥٤٣ ه)
جاء في (زبدة
الحلب من تاريخ حلب) : ... وشرع نور الدين في تجديد المدارس والرباطات بحلب ، وجلب أهل العلم والفقهاء إليها ، فجدّد
المدرسة المعروفة بالحلاويين في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، واستدعى برهان الدين
عليّ بن الحسن البلخي الحنفي وولاّه تدريسها ، فغيّر الأذان بحلب ، ومنع المؤذنين
من قولهم «حيّ على خير العمل» ، وجلس تحت المنارة ومعه الفقهاء وقال لهم : من لم
يؤذن الأذان المشروع فألقوه من المنارة على رأسه ، فأذنّوا الأذان المشروع واستمر
الأمر من ذلك اليوم ...
قال الذهبي في
سيرأعلام النبلاء في ترجمة عليّ بن الحسن بن محمّد أبي الحسن الحنفي الفقيه : سمع بما وراء
النهر وتنتسب إليه المدرسة البلخية ويلقب بالبرهان ، وهو الذي أبطل من حلـب الأذان
بـ «حيّ على خير العمل» ، مات سنة ٥٤٨.
وكان المقدسي قد
نوه عن إبطال الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، بقوله : ورد الخبر من ناحية حلب
بأنّ صاحبها نور الدين بن أتابك أمر بإبطال «حيّ على خير العمل» في أواخر تأذين
الغداة والتظاهر بسب الصحابة وأنكر ذلك إنكاراً شديداً ، وساعده على ذلك جماعة من
السنة بحلب ، وعظم هذا الأمر على الإسماعيلية وأهل التَّشَيُّع ..
__________________
وفي (العبر في
خبر من غبر) ، قال : أبو الحسن البلخي عليّ بن الحسن الحنفي ... وكان يلقّب برهان
الدين ... وهو الذي قام في إبطال «حيّ على خير العمل» من حلب .
وجاء في (البـداية
والنــهايـة) لابن كثير : افتـتح نور الدين أبو القاسم التركي السلجوقي وكان حنفي
المذهب .. وأظهر السنّة وأمات البدعة ، وأمر بالتأذين بـ «حيّ على الصلاة حيّ على
الفلاح» ، ولم يكن يؤذن بهما في دولتي أبيه وجدّه وإنّما كان يؤذن بـ «حيّ على خير
العمل» لأنّ شعار الرفض كان ظاهراً بها .
وفي (النجوم
الزاهرة) وكتاب الروضتين في أخبار الدولتين وخطط الشام لمحمد كرد عليّ وغيرها والنص للثاني : قال أبو يعلى التميمي : وفي رجب من هذه السنة [أي
٥٤٣ هـ] ورد الخبر من ناحية حلب بأنّ صاحبها نور الدين بن أتابك أمر بإبطال «حيّ
على خير العمل» في أواخر تأذين الغداة ، والتظاهرِ بسب الصحابة ، وأنكر ذلك
إنكاراً شديداً ، وساعده على ذلك جماعة من السنة بحلب ، وعظم هذا الأمر على
الإسماعيلية وأهل التشيع ، وضاقت له صدورهم وهاجوا له وماجوا ، ثمّ سكنوا وأحجموا
للخوف من السطوة النورية المشهورة والهيبة المحذورة ...
__________________
حلب (سنة ٥٥٢ ه)
اشتدّ المرض في
شهر رمضان بنور الدين وخاف على نفسه ، فاستدعى أخاه نصرة الدين أمير أميران ، وأسد
الدين شيركوه ، وأعيان الأمراء والمقدمين ، وأوصى إليهم وقرر أن يكون أخوه نصرة
الدين القائم في منصبه من بعده ويكون مقيماً في حلب ، ويكون أسد الدين في دمشق في
نيابة نصرة الدين ... واتّفق وصول نصرة الدين إلى حلب فأغلق والي القلعة مجد الدين
في وجهه الأبواب وعصى عليه ، فثارت أحداث حلب ... ، ودخل نصرة الدين في أصحابه
وحصل في البلد ، وقامت الأحداث على والي القلعة باللوم والإنكار والوعيد ، واقترحوا
على نصرة الدين اقتراحات من جملتها إعادة رسمهم في التأذين «حيّ على خير العمل ، محمّد
وعليّ خير البشر» فأجابهم إلى ما رغبوا فيه وأحسن القول لهم والوعد .. .
وفي (زبدة
الحلب من تاريخ حلب) : ... ثمّ عاد نور الدين إلى حلب فمرض بها في سنة أربع وخمسين
مرضاً شديداً بقلعتها ، وأشفى على الموت ، وكان بحلب أخوه الأصغر نصر الدين أمير
اميران محمّد بن زنكي ، وأرجف بموت نور الدين ، فجمع أمير اميران الناسَ واستمال
الحلبيّ وملك المدينة دون القلعة ، وأذِن للشيعة أن يزيدوا في الأذان «حيّ على خير
العمل محمّد وعليّ خير البشر» على عادتهم من قبل ، فمالوا إليه لذلك .
__________________
مصر (سنة ٥٦٥ ه)
جاء في (نهاية
الأرب في فنون الأدب) : ... قال المورخ : ولعشر مضين من ذي الحجة سنة خمس وستين
وخمسمائة أمر الملك الناصر [أي صلاح الدين الأيوبي] أن يسقط من الأذان قولهم «حيّ
على خير العمل ، محمّد وعليّ خير البشر» وكانت أول وصمة دخلت على الشيعة والدولة
العبيدية ، ويئسوا بعدها من خير يصل إليهم من الملك الناصر ، ثمّ أمر أن يذكر في
الخطبة بكلام مجمل ، ليلبس على الشيعة والعامة : اللّهمّ أصلح العاضد لدينك ...
ونقل أبو شامه
عن ابن أبي طي فيما جرى في مصر سنة ٥٦٦ هـ قوله : في هذه السنة شرع السلطان ـ يعني
صلاح الدين ـ في عمارة سور القاهرة لأنه كان قد تهدّم أكثره وصار طريقاً لا يردّ
داخلاً ولا خارجاً ، وولاّه لقراقوش الخادم ، وقبض على القصور وسلّمها إليه ، وأمر
بتغيير شعار الإسماعيلية وقطع من الأذان «حيّ على خير العمل» وشرع في تمهيد أسباب
الخطبة لبني العباس .
وجاء مثله عند
ابن كثير في البداية والنهاية .
وقال ابن
الاثير : كان السبب في ذلك أن صلاح الدين يوسف بن أيوب لما ثبت قدمه بمصر وأزال
المخالفين له وضعف أمر العاضد وهو الخليفة بها .. كتب إليه الملك العادل نور الدين
محمود يأمره بقطع الخطبة العاضدية وإقامة الخطبة العباسية ، فاعتذر صلاح الدين
بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك لميلهم إلى العلويين ، فلم
يصغ نور الدين إلى قوله وأرسل إليه يلزمه إلزاماً لا فسحة له فيه .
__________________
مصر (سنة ٥٦٧ ه)
جاء في (نهاية
الأرب في فنون الأدب) : ... كان انقراض هذه الدولة عند خلع العاضد لدين الله ، وذلك
في يوم الجمعة لسبع مضين من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة ، وكان سبب ذلك أنّ
صلاح الدين يوسف لمّا ثبتت قدمه في صلب الديار المصرية واستمال الناس بالأموال ، قتل
مؤتمن الخلافة جوهراً ... ونصب مكانه قراقوس الأسدي الخصي خادم عمّه ، ثمّ كانت
وقعة السودان فأفناهم بالقتل ... ثمّ أسقط من الأذان قولهم «حيّ على خير العمل» ، وأبطل
مجلس الدعوة ، وضعف أمر العاضد معه إلى الغاية ، فعند ذلك كتب الملك العادل نور
الدين إلى الملك الناصر صلاح الدين يأمره بالقبض على العاضد وأقاربه والخطبة
للخليفة المستضي بنور الله ، وكان المستضيء قد راسله في ذلك فامتنع صلاح الدين ...
وذكر ابن
العماد في الشذرات هذا الموضوع فيما جرى في سنة ٥٦٩ ، فقال : وفيها مات نور الدين
الملك العادل أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر ، تملَّك حلب بعد أبيه ثّم أخذ
دمشق فملكها عشرين سنة وكان مولده في شوال سنة ٥١١ .... وأزال الأذان بـ «حيّ على
خير العمل» وبنى المدارس وسور دمشق .
حلب (سنة ٥٧٠ ه)
وفي هذه السنة
عزم صلاح الدين الأيوبي الدخول إلى الشام [وذلك بعد موت نور الدين] ، فلما استقرّت
له دمشق نهض إلى حلب ونزل على أنف جبل جوشن ، وكان على حلب آنذاك ابن نور الدين ، والأخير
جمع أهل حلب وقال لهم : يا أهل
__________________
حلب ، أنا ربيبكم ونزيلكم ، واللاجئ إليكم ، كبيركم عندي بمنزلة الأب ، وشابّكم
عندي بمنزلة الأخ ، وصغيركم عندي يحلّ محلّ الولد ، قال : وخنقته العبرة ، وسبقته
الدمعة ، وعلا نشيجه ، فافتتن النَّاس وصاحوا صيحةً واحدة ، ورمَوْا بعمائمهم ، وضجُّوا
بالبكاء والعويل ، وقالوا : نحن عبيدك وعبيد أبيك ، نقاتل بين يديك ، ونبذل
أموالنا وأنفسنا لك. وأقبلوا على الدُّعاء له ، والترحُّم على أبيه.
وكانوا قد
اشترطوا على الملك الصَّالح أنه يُعيد إليهم شرقية الجامع يُصَلُّون فيها على
قاعدتهم القديمة ، وأن يُجهر بـ «حيّ على خير العمل» في الأذان ، والتذكير في
الأسواق وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمة الاثني عشر ، وأن يصلُّوا على أمواتهم خمس
تكبيرات ، وأن تكون عقود الأنكحة إلى الشريف الطَّاهر أبي المكارم حمزة بن زُهْرة
الحسيني ، وأن تكون العصبية مرتفعة ، والنَّاموس وازع لمن أراد الفتنة ، وأشياء
كثيرة اقترحوها مما كان قد أبطله نور الدين رحمه الله تعالى ، فأُجيبوا إلى ذلك.
قال ابن أبي
طيّ : فأذّن المؤذّنون في منارة الجامع وغيره بـ «حيّ على خير العمل» ، وصلّى أبي
في الشَّرْقية مُسْبِلاً ، وصلَّى وجوه الحلبيين خلفه ، وذكروا في الأسواق
وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمّة ، وصلّوا على الأموات خمس تكبيرات ، وأُذِنَ
للشريف في أن تكون عقود الحلبيين من الإمامية إليه ، وفعلوا جميع ما وقعتِ الأيمان
عليه .
__________________
مكّة (سنة ٥٧٩ ه)
قال ابن جبير :
وللحرم المكي أربعة أئمّة سنية وإمام خامس لفرقة تسمى الزيدية ، وأشراف أهل هذه
البلدة على مذهبهم ، وهم يزيدون في الأذان «حيّ على خير العمل» إثر قول المؤذن «حيّ
على الفلاح» ، وهم روافض سبّابون والله من وراء حسابهم وجزائهم ، ولا يجمعون مع الناس
إنّما يصلون ظهراً أربعاً ، ويصلّون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتها ، فأوّل
الأئمّة السنية الشافعي ، وإنّما قدمنا ذكره لأنّه المقدم من الإمام العباسي وهو
أوّل من يصلي وصلاته خلف مقام إبراهيم إلّا صلاة المغرب فإن الأربعة الأئمّة
يصلونها في وقت واحد مجتمعين لضيق وقتها ، يبدأ مؤذن الشافعي بالإقامة ثمّ يقيم
مؤذنوا سائر الأئمّة ، وربما دخل في هذه الصلاة على المصلّين سهو وغفلة لاجتماع
التكبير فيها من كلّ جهة ، فربما ركع المالكي بركوع الشافعي أو الحنفي ، أو سلم
أحدهم بغير سلام إمامه ، فترى كلّ أُذُن مصـغية لصـوت إمامها أو صوت مؤذّنه مخافَة
السهو ، ومع هذا فيحدث السـهو على كثـير من الناس.
ثمّ المالكي
وهو يصلي قبالة الركن اليماني ...
مكّة (سنة ٥٨٢ ه)
وفيها دخل سيف
الإسلام أخو صلاح الدين إلى مكّة وضرب الدنانير فيها باسم أخيه ، ومنع من قولهم «حيّ
على خير العمل» .
__________________
مكّة (سنة ٦١٧ ه)
وفيها توفي
الشريف أبو عزيز قتاده بن إدريس الزيدي الحسني المكّي أمير مكّة.
كان شيخاً
عارفاً مصنفاً ، نقمةً على عبيد مكّة المفسدين ، وكان الحاج في أيامه في أمان على
أموالهم ونفوسهم ، وكان يؤذّن في الحرم بـ «حيّ على خير العمل» على قاعدة الرافضة
، وما كان يلتفتُ إلى أحد من خلق الله تعالى ، ولا وطئ بساط الخليفة ولا غيره ، وكان
يحمل إليه من بغداد في كلّ سنة الذهب والخلع وهو بداره في مكّة ، وهو يقول : أنا
أحق بالخلافة من الناصر لدين الله ، ولم يرتكب كبيرة فيما قيل ...
مكّة (سنة ٧٠٢ ه)
جاء في (الدرر
الكامنة) قوله : أبطل [بزلغى التتري حينما كان على الحج] الأذان بـ «حيّ على خير
العمل» وجمع الزيدية ومنعهم من الإمامة بالمسجد الحرام .
إيران (سنة ٧٠٧ ه تقر يباً)
كان مذهب أهل
السنة والجماعة هو الغالب على إيران إلّا في مناطق معينة كطبرستان ، والريّ ، وقم
، وأقسام من خراسان ، وقد ذكر المؤرخون عللاً وأسباباً في تشيع إيران ، إلّا أنّ الثابت هو حدوثه في عهد العلاّمةالحلّي «الحسن
__________________
بن يوسف» المتوفى ٧٢٦ هـ الذي كان السبب في تشيع السلطان الجايتو محمّد
المغولي الملقّب بشاه خدابنده المتوفى ٧١٧ أو ٧١٩ هـ.
فلما تشيع
السلطان أمر في تمام ممالكه بتغيير الخطبة وإسقاط أسامي الثلاثة عنها ، وبذكر
أسامي أمير المؤمنين عليهالسلام وسائر الأئمّة : على المنابر ، وبذكر «حيّ على خير
العمل» في الأذان ، وبتغيير السّكّة ونقش الأسامي المباركة عليها .
المدينة [القرن الثامن]
نقل السمهودي
في (وفاء الوفاء) : ... عن ابن فرحون المتوفى سنة ٧٩٩ هـ قوله : وقد تساهل من كان
قبلنا فزادوا على الحجرة الشريفة مقصورة كبيرة ... وكانت بدعة وضلالة يصلي فيها
الشيعة ... ولقد كنت أسمع بعضهم يقف على بابها ويؤذّن بأعلى صوته «حيّ على خير
العمل» وكانت مواطن تدريسهم وخلوة علمائهم .
وذكر صاحب
التحفة اللطيفة في ترجمة عزاز ، أحد الاشراف : كان يقف على باب المقصورة المحيطة
بالحجرة النبوية ويؤذّن بأعلى صوته من غير خوف ولا فزع قائلاً «حيّ على خير العمل»
؛ قاله ابن فرحون في تاريخه .
القطيف (سنة ٧٢٩ ه)
ذكر ابن بطوطة
في رحلته سفره إلى القطيف ، فقال : ثمّ سافرنا إلى مدينة القُطَيف ـ وضبط اسمها
بضم القاف كأنّه تصغير قَطِيف ـ وهي مدينة كبيرة حسنة
__________________
ذات نخل كثير ، يسكنها طوائف العرب ، وهم رافضية غلاة ، يظهرون الرفض
جهاراً لا يتّقون أحداً ، ويقول مؤذنهم في أذانه بعد الشهادتين : «أشهد أنّ عليّاً
وليّ الله» ، ويزيد بعد الحيعلتين «حيّ على خير العمل» ويزيد بعد التكبير الأخير :
«محمّد وعليّ خير البشر من خالفها فقد كفر» .
مكّة (سنة ٧٩٣ ه)
جاء في صبح
الاعشى : ... وولي ابنه صلاح [بن عليّ بن محمّد] وتابعه الزيدية ، وكان بعضهم ينكر
إمامته لعدم استكمال الشروط فيه ، فيقول : «أنا لكم ما شئتم إمام أو سلطان» ، ثمّ
مات سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ، وقام بعده ابنه نجاح فامتنع الزيدية من بيعته ...
إلى أن يقول : قال في مسالك الأبصار : ولشيعة هذا الإمام فيه حُسْنُ الاعتقاد ، حتّى
أنّهم يستشفون بدعائه ، ويُمرُّون يده على مرضاهم ، ويستسقون به المطر إذا اجدبوا
، ويبالغون في ذلك كلّ المبالغة ، ثمّ قال : ولا يَكْبُرُ لإمام هذه سيرته ـ في
التواضع لله ، وحسن المعاملة لخلقه ، وهو من ذلك الأصل الطاهر والعنصر الطيب ـ أن
يجاب دعاؤه ويتقبل منه ، قال : وزيُّ هذا الإمام وأتباعه زيّ العرب في لباسهم
والعمامة والحنك ، وينادى عندهم بالأذان «حيّ على خير العمل» .
صنعاء (سنة ٩٠٠ ه تقريباً)
ذكر صاحب البدر
الطالع في ترجمة محمّد بن الحسن بن مرغم الزيدي اليماني (المولود ٨٣٦ والمتوفى ٩٣١)
ما نصّه : لما افتتح السلطان عامر بن عبدالوهاب
__________________
صنعاء ومايليها من البلاد [كان] يجلّه ويقبل شفاعته لأجل اتصاله بالإمام
الناصر الحسن بن عزالدين بن الحسن.
ولما صلّى
السلطان عامرٌ بجامع صنعاء أوّلَ جمعة فأراد المؤذن أن يسقط من الأذان «حيّ على
خير العمل» فمنعه محمّد بن الحسن الزيدي ، فالتفـت إلـيه جمـيع من في المسجد من
جند السلطان وهم ألوف مؤلّفـة ، وعُدَّ ذلك من تصلّـبه في مذهبه .
حضرموت (سنة ١٠٧٠ ه)
جاء في كتاب (سمط
النجوم العوالي في أنباء الاوائل والتوالي) للعاصمي : قوله :
وفي سنة ١٠٦٥
جهز الإمام إسماعيل ابنَ أخيه الإمام أحمدَ بن الحسن على حضرموت ونواحيها لكونهم لم يخطبوا له
[بعد أن سيطر على أغلب اليمن] فالتقى هو والأمير حسين الرصاص ، لكون بلده أقرب
البلدان إلى دولة الإمام إسماعيل ، وحصل منهم قتال ، فلما عجز الإمام أحمد بن
الحسن اُرسل إلى قبيلة يافع ـ وهم قبائل كثيرون ـ بالأموال خفية ، وطلبوا منه أن
يكونوا معه على الرصاص ... فتجهزوا على الرصاص وأتوه على غرة ... حتّى قتل ...
واستولى الزيدية على غالب حضرموت.
__________________
ثمّ في سنة ١٠٧٠
استولى على حضرموت كلها ، وأمرهم أن يزيدوا في الأذان «حيّ على خير العمل» وترك
الترضي عن الشيخين ... ثمّ لم يزل الإمام إسماعيل قائماً بأعباء الإمامـة الكـبرى
إلى أن توفّـاه الله تعالـى إلى رحمـته سـنة ١٠٨٧ هـ .
نجد (سنة ١٢٢٤ ه)
قال عبدالحي بن
فخر الدين الحسيني (المتوفى ١٣٤١ هـ) في (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر) :
... الزيدية بعد ما خالف الشريف حمود بن محمّد على أهل نجد سنة أربع وعشرين
ومائتين وألف أن يزيد أهلها قول «حيّ على خير العمل» في ندائهم للصلوات ويَدَعُوا
ما توارثوه من السلف في أذان الفجر من قولهم «الصلاة خير من النوم» فإنه كان يراها
بدعة إنّما أحدثها عمر رضي الله عنه في إمرته .
وأختم حديثي
بما نقله القلقشندي في صبح الأعشى عن الزيدية فقال : ... وهم يقولون : إن نَصَّ
الأذَانِ بَدَل الحَيْعَلَتينِ : «حَيّ على خَـيْر العَـمَلِ» يقـولـونهـا فـي
أَذانِهم مرّتين بدل الحَيْعلَتَيْن ، وربَّما قالوا قبل ذلك : «محمـدٌ وعَلِـيٌّ
خَـير البَشَـر ، وعِتْرتُهـما خير العِـتَر» ومن رأَى أنّ هـذا بِـدعـةٌ فقـد
حـاد عـن الجَـادَّة.
وهم يسوقون
الإِمامة في أوْلاد عَلِيّ كَرَّم الله وَجْهَه من فاطمة عليهاالسلام ، ولا يُجوِّزونَ ثُبوتَ الإِمامة في غير بنيهما ؛ إلّا أنَّهم جَوَّزُوا
أن يكونَ كلُّ فاطميِّ عالِم زَاهِد شُجاع خَرج لطَلَب الإِمامة إماماً مَعْصُوماً
واجِبَ الطاعة ، سواء كان من ولد
الحَسَنِ أو الحُسَينِعليهماالسلام، ومَن خلع طاعتَه فقد ضَلَّ. وهم يَرَوْن أن الإِمام
المَهْدِيَّ المُنْتَظَر من ولَد الحُسَين دون ولد الحسَن رضي الله عنهما ، ومن
خالف في ذلك فقد أخْطَأ. ومن قال : إِنَّ الشيخين أبا بَكْر وعُمَر أفضلُ من
عَلِيٍّ وبَنِيه فقد أخْطأَ عندهم وخالَف زَيداً في مُعْتَقَدِه. ويقولون : إنّ
تَسْلِيم الحَسَنِ الأمْرَ لمعَاويةَ كان لمصْلَحة آقتضاها الحال ، وإن كان الحقُّ
له.
قال في «التعر
يف» : وأَيْمانُهم أَيْمانُ أهْلِ السُّنَّة ، يعني فيحلَّفون كما تقدّم ، ويزاد
فيها : وإِلاَّ بَرِئْتُ من مُعْتَقَدِ زيد بن عَلِيّ ، ورأيتُ أنَّ قَوْلِي في
الأذانِ : «حَيَّ على خَيْرِ العَمَل» بِدْعةٌ ، وخَلَعتُ طاعة الإِمام المعصوم
الواجب الطَّاعة ، وآدّعَيْتُ أن المَهْدِيَّ المنتَظَر ليس من وَلَد الحُسَينِ بن
عليّ ، وقلتُ بتَفْضِيل الشيخين على أمير المؤمنين عَلِيٍّ وبَنِيه ، وطعَنْتُ في
رَأْي ابنِهِ الحسن لما اقتضته المَصْلَحةُ ، وطعَنتُ عليه فيه .
النتيجة
وعليه فشرعية «حيّ
على خير العمل» ثابتة عند الشيعة بفرقها الثلاث : ـ الإمامية الاثني عشرية ، والزيدية
، والإسماعيلية ـ وعند بعض الصحابة ، وإنّ هذه الجملة هي أصل لما فُسّر في كلام
الأئمّة : بـ «محمّد وعليّ خير البشر» و «محمّد وآل محمّد خير البرية» و «أنّ
عليّاً وليّ الله» ، فتارة كانت الشيعة تصرح بهذا التفسير ، وأخرى لا تصرح به ، نتيجة
للظروف القاسية التي كانت تمر بها.
ويؤكّد
التفسيرية التي قلناها ما أجاب به السيّد المرتضى رحمه الله (ت ٤٣٦ هـ) فإنه سئل :
هل يجب في الأذان بعد قول «حيّ على خير العمل» :
__________________
«محمّد وعليّ خير البشر»؟ فأجاب : إن قال «محمّد وعليّ خير البشر» على أنّ
ذلك من قوله خارج من لفظ الأذان جاز ، فإنّ الشهادة بذلك صحيحة ، وإنّ لم يكن فلا
شيء عليه .
وقال ابن
البراج (ت ٤٨١ هـ) في مهذبه : ويستحب لمن أذّن أو أقام أن يقول في نفسه عند «حيّ
على خير العمل» : «آل محمّد خير البرية» مرتين .
وكذا يُفهم من
كلام الشيخ الصدوق (ت ٣٨١ هـ) أن الذين كانوا يأتون بهذه الصيغ الثلاث أو الأربع!
كانوا يأتون بها على أنّها صادرة عن أئمّة أهل البيت ؛ لقوله رحمه الله : «وفي بعض
رواياتهم ... ومنهم من روى بدل ذلك ...» .
فاختلاف الصيغ
عند المؤذنين ، وإتيانها في بعض الأحيان بعد الحيعلة الثالثة وأخرى بعد الشهادة
الثانية تشير إلى عدم جزئيتها وكونها تفسيرية.
إذاً عمل
الشيعة وتفسيرهم هذا لم يكن عن هوى ورأي ، بل لما عرفوه ووقفوا عليه في مرويات
ائمتهم الموجودة عندهم ، وهذا لو جمع إلى سيرة المتشرعة من الشيعة في كل الازمان
والاصقاع في «حيّ على خير العمل» وأنّ المعنيَّ به عندهم الولاية لوقفت على حقيقة
أخرى لم تنكشف لك من ذي قبل . وممّا يستأنس به لذلك أذان الشيعة بحلب سنة ٣٦٧ هـ حيث
إنّهم كانوا يقولون في أذانهم «حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر» ، وكذلك
في أذانهم باليمامة سنة ٣٩٤ هـ ، ففيه «يقولون في الإقامة : محمّد وعليّ خير البشر
وحيّ على خير العمل».
__________________
ومن هذا الباب
ما ذُكر من أنّ الحسين بن عليّ بن محمّد ... بن علي بن أبي طالب ـ المعروف بابن
شكنبة ـ كان أوّل من جهر في الأذان بـ «محمّد وعليّ خير البشر» في زمن سيف الدولة
الحمداني سنة ٣٤٧ هـ ، ولا يخفى عليك بأنّ هذا المؤذّن والحمدانيين شيعة اثنا
عشرية ، وقد عرفت بأنّ الأذان بذلك في حلب كان قبل هذا التاريخ.
ويضاف إليه ما
قلناه قبل قليل من أن الشيعة الاثني عشرية (القطعية) أذنوا في بغداد (٢٩٠ ـ ٣٥٦ هـ)
بـ «أشهد أن عليّاً ولي الله» ، وأعلوا هذا الإعلان على الماذن في القرن الثامن في
القطيف كذلك ، وغير ذلك من النصوص ، فكلها تؤكد التفسيرية التي كان يبوح بها الشيعة
أيّام قوتهم ، وأنّ كلّ ما كانوا يقولونه مأخوذ من كلمات رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأئمّة أهل البيت : وأنّ ذلك كله تفسير وتوضيح للحيعلة
الثالثة التي حذفها عمر وسار على نهجه الحذفيّ أتباعُهُ. ولذلك عظم على الرافضة!!
وأهل التشيع حذف الحيعلة الثالثة من الأذان في سنة ٣٦٩ هـ من قبل نور الدين عم
صلاح الدين الأيوبي.
وبهذا فقد
تبيّن لنا من كلّ ما سبق أنّ لـ «حيّ على خير العمل» أصلاً شرعيّاً ثابتاً ، لكنَّ
الظروف السياسيّة العصيبة ونهي عمر بن الخطّاب ، لعبا دوراً كبيراً في طرح
شرعيّتها جانباً ـ وقد مرّت عليك بعض الروايات التي صُرّح فيها بحذف الحيعلة
الثالثة للتقية من الرواة الذين كانوا يخافون على أرواحهم عند اشتداد سطوة
الظالمين ـ ومع كلّ ذلك العسف ترى الصمود الشيعي في جانب آخر ، لذلك راح أتباع
الحَذْفِ بعد أن لمسوا شدّة المتمسّكين بها يدّعون بأنّها منسوخة ، وعلى الرغم من
شراسة الحملة
__________________
الموجّهة ضدّ هذا الأصل الشرعيّ وعنف وقسوة رموزها ، إلّا بأنّ المنصفين لم
يتمكّنوا من التجّرؤ والقول بأنَّ «حيّ على خيرالعمل» بدعة ، وأكثر ما توصّلوا
إليه أن يقولوا عنها : إنّ ذلك الأمر لم يثبت ، و : ما لم يثبت فمن الأولى تركه
وعدم الإتيان به!
ولكن ، هل مال
جميع المسلمين إلى ذلك؟
أبداً ، فكثير
من الصحابة وكل أهل البيت وعدّة من التابعين أصرّوا إصراراً شديداً على التمسّك
بالإتيان بـ «حيّ على خير العمل» في أذانهم والتأكيد الحازم الجازم على شرعيّة
الإتيان بها ، وأن ليس من عامل شرعيّ قطعيّ دعا إلى طرحها وإسقاطها .. وقد مرّت في
مطاوي البحوث شواهد كثيرة تؤيِّد صحّة ذلك بموضوعية ، وقد كان هذا الفصل هو
الموضّح لكيفية «تحوّل هذا الأصل الشرعيّ» إلى شعار يميّز الشيعة عن غيرهم ، وقد
اتّضحت بين ثناياه الدوافع التي دعت أهل السنّة لأن يتّخذوا من (الصلاة خير من
النوم) شعاراً لهم ، حيث كانت لهذه الجملة أبعادٌ متصلة باجتهاد الخليفة عمر! لا
سنة رسول الله.
لقد تجسدت
شعاريّة هذا الموضوع بوضوح في العصور المتأخِّرة ، ويمكن القول بأنّها تجلّت واضحة
في العصر العبّاسيّ الأوّل ، وعلى الخصوص في زمن أبي جعفر المنصور الدوانيقيّ ، كما
وتجسّدت معالم شعاريّة «حيّ على خير العمل» بوضوح أيضاً بعد وفاة المنصور بعد أن
صار جلياً وجود تيّارين متباينين ، أحدهما يصرّ بإلحاح جادّ على الإتيان بـ «حيّ
على خير العمل» ، بينما يحاول الآخر منع ذلك بشتى الطرق ولا يرضى بالإتيان بها.
__________________
وانطلاقاً من
هذا الأساس المتشنّج كانت جميع الحركات الشيعيّة ودُولها في حال استلامها لزمام
أُمور السياسة لا تتردّد في إعلاء «حيّ على خير العمل» من على المآذن في الأذان
إعلاناً عن هويّتهم الحقيقيّة ، بل كان المدّ الجماهيري الشيعي في أحايين قوته
يراهن على شرعيتها ، ولا يتنازل عن الهوية المحمدية العلوية.
نعم ، يمكن
القول بذلك على أساس اتّخاذ الشيعة «حيّ على خير العمل» شعاراً لهم ، وإن كانت هذه
الحيعلة الثالثة جزءاً من الأذان النبوي ، فشرعيتها أقدم من تاريخ شعاريتها بكثير
، حيث هي مسألة شرعيّة ثابتة منذ عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد بيّنّا ذلك بما فيه الكفاية.
وأمّا فيما
يخصّ ذِكر أذان الإمام زين العابدين عليهالسلام الثابت للجميع وليس ثمّة منكر له ، فله ميزة خاصّة ، وذلك
لمكانته بين المسلمين عموماً ، فالإماميّة والزيديّة ، بل مختلف فرق الشيعة ـ
باستثناء الكيسانية المنقرضة ـ تذعن له وتستسلم لأوامره ونواهيه الشرعيّة ، ويقرّون
له عليهالسلام بأنّه إمام للمسلمين وحجّة لله على خلقه ، وبالنسبة
لباقي الفرق فهم يتعاملون معه كأحد علماء المدينة على أقل ما يقال .. فإتيان
الإمام زين العابدين عليهالسلام بـ «حيّ على خير العمل» يمثِّل ـ بلا ريب ـ شرعيّتها
وامتداد جذورها إلى عصر الرسالة الأوّل ، وخصوصاً بعد وقوفنا على قوله عليهالسلام «إنّه الأذان الأول» والذي يوضّح
بأنّ الأذان شرّع في الإسراء والمعراج ، وأن «حيّ على خير العمل» ، إشارة إلى
ولاية الإمام عليّ وولده ، والذي كتب على ساق العرش.
وكذا الحال
بالنسبة إلى فعل ابن عمر ، فإنّ إتيانه بها في أذانه ـ وهو فقيه أهل السنة
والجماعة ـ ليؤكد شرعيتها ، ونحن لو أضفنا هذين الموردين إلى ما أورده الدسوقيّ في
حاشيته عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وأنّه كان يأتي بها ، وإلى ما ذُكر عن الإمامين الباقر
والصادق : ، لاتّضح لنا ولغيرنا بأنّ هذه المسألة لها أصل
أصيل في الدين ، بل هناك أصل لما نقول به في كتب أهل السنة والجماعة مستقى
عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بيقين.
فـ «حيّ على
خير العمل» أصلٌ من الأُصول الثابتة ، ذو جذور عريقة وراسخة تعود إلى عهد رسول
الله ، وقد أتى بها الصحابة أيضاً ، إلّا أنَّه قد دبّ الخلاف فيها منذ عهد عمر بن
الخطّاب ، وهذا هو ما تثبته الأدلة والشواهد التاريخيّة والروائيّة ، إلّا أنَّ
التعصّب الأعمى دفع بالبعض دفاعاً عن اجتهاد عمر قبال السنّة النبويّة المباركة
لأن يدّعي أنَّ الشيعة هم الذين أدخلوا هذه الروايات في كتبهم ، بل ودفع ذلك
التعصب المقيت بالبعض الآخر لأن يدّعي ويزعم أنَّ كتبهم المعتبرة خالية من مثل هذه
الروايات ، ولا ندري ما نقول لمن يريد إخفاء عين الشمس بغربال!
ونحن لو دققنا
النظر في مسألة نهي عمر بن الخطاب عن متعة الحج ومتعة النساء وحيّ على خير العمل ـ
على ما أورده القوشجي في «شرح التجريد» ـ لانكشف لنا الترابط فيما بين هذه المسائل
الثلاث ، وأنّ مسألة «حيّ على خير العمل» تعني ارتباطها بمسألة هامة ترتبط بصميم
الخلافة والإمامة ، وهذا ما أثبتناه بالأرقام في الصفحات السابقة ، وقد عرفت كيف تحوّلت الحيعلة الثالثة إلى شعار
للطالبيين ولشيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ومحبّي الزهراء البتولعليهاالسلامعبر القرون ، وأنّ ثبات الشيعة عليها وتمسّكهم بها يمثّل
بحثا استراتيجيّاً بين الفريقين وحدّاً فاصلاً بينهما ، ولعلّ ما روي عن الإمام
أبي الحسن الكاظم عليهالسلام عن تبيان علّتي النهي الظاهرة والخفية ـ التي مرّ ذكرها
ـ جاء للكشف عن النوايا والتوجّهات الحكومية التي أرادت أن تطمس أنَّ خير العمل هو
: «بر فاطمة وولدها».
__________________
وبعد أن بينا
تعاريف «خير العمل» في روايات أهل البيت : سابقاً ، وانها تعني : «الولاية» و «بر
فاطمة وولدها» ، نصل إلى أنّ نهي الخليفة يمثّل إعلاناً عن عدم الاعتناء ببر فاطمة
، وهو ما يعود بالنتيجة إلى الولاية والخلافة وأن عمر بن الخطاب لا يريد الإشارة
إلى خلافة غيره ، بل إنه لا يريد الإشارة إلى كلّ ما يتعلّق بها.
وممّا يدعم هذا
المعنى ما تنطوي عليه العقوبة التي فرضها عمر بن الخطاب على القائل بها ، فقوله (أنهى
عنها) أو (أُعاقِبُ عليها) بمثابة اعتراف مبدئيّ منه بشرعيّة «حيّ على خير العمل»
، واعتراف ضمني على ما يجول في دواخله ، ولذلك فقد ربط نهيه عن «حيّ على خير العمل»
بنهييه عن متعتَي النساء والحجّ ، اللَّذَيْنِ أكد الإمام عليّ وابن عبّاس ورعيل
من الصحابة على شرعيتها ، بخلاف عمر والنهج الحاكم اللذين دعيا إلى تركها ، فترك
هذه الثلاث عُمَرِيٌّ ، وأمّا لزوم الإتيان بها أو جوازه فهو علوي ، إذاً الأمر لم
يكن اعتباطاً ، بل جاء لوجود رابطة وعلاقة متينة بين كلّ الأمور المنهيّ عنها.
لقد ، بلغ
النزاع حول المسألة المبحوثة أوجه في القرنين الرابع والخامس الهجريّين ، حيث إنّ
الصراع الفكريّ والاعتقاديّ في تلك الفترة الزمنيّة قد اشتدّ كثيراً ، فسيطر على
الشارع العامّ جوٌّ من الخلاف الحادّ بين الشيعة والسنّة ، كلٌّ يدّعي أنَّ الحقّ
في جانبه ، ولم يصلا لقاسم مشترك يرضي الطرفين في محاولة للعودة إلى حالة الألفة
وعدم التنازع ، فكلٌّ منهما متمسِّك بصلابة بما توصّل إليه ؛ هؤلاء بأئمتهم ، وأولئك
بحكوماتهم.
ولو ألقينا
نظرة فاحصة على النصوص التي مرت في حوادث سنة ٣٥٠ ـ ٤٤٣ هـ ، ودرسنا وضع شدّة
النعرة الطائفية واستفحالها ، لشاهدنا بوضوح دور مسألة «حيّ على خير العمل» الذي
تزامن طرحها مع مسائل اعتقاديّة أُخرى بشكل
لا يمكنك التفكيك بينها ، مثل مسألة الغدير ، ولبس السواد وما إلى ذلك. فلماذا
يمنع أهل الكرخ وباب الطاق من النوح يوم عاشوراء ومن تعليق المسوح؟ ولماذا تقع
الفتنة يوم الغدير؟
قال الذهبيّ في
أحداث سنة ٣٨٩ هـ : (كانت قد جرت عادة الشيعة في الكرخ وباب الطاق بنصب القباب
وإظهار الزينة يوم الغدير ، والوقيد في ليلته ، فأرادت السنّة أن تعمل في مقابلة هذا أشياء ، فادّعت أنَّ اليوم
الثامن من يوم الغدير كان اليوم الذي حصل فيه النبيّ وأبو بكر في الغـار ، فعـملت
فـيه ما تعـمل الشـيعة في يوم الغـدير ، وجعلت بإزاء يوم عاشـوراء يوماً بعده
بثمانية أيّام إلى مقتل مصـعب ...) .
فانظر إلى
الأصالة والتحريف معاً ، وكيف تُغيّر الوقائع والأحداث عن مجرياتها وتحرّف عن
أصالتها وتوضع باسم الآخرين!
ومن الحوادث
التاريخيّة التي برزت فيها شعاريّة «حيّ على خير العمل» كرمز للشيعة والتشيّع ما
أورده ابن الجوزيّ في «المنتظم» في أحداث سنة ٤١٧ هـ ، وما جاء في «مرآة الجنان» في
أحداث سنة ٤٢٠ هـ ، حيث ذكرا بإنّ الصراع والصدامات بين الشيعة والسنّة في بغداد كانت
على أشدّها ، وقد حاول السنّة بشتّى الأساليب التجرُّؤ على مكانة الإمام عليّ عليهالسلام الرفيعة السامية ، وبذلوا كلّ ما باستطاعتهم من النيل منه ومحاولة إسقاط
مقامه الشامخ أمام أنظار العوامّ ، وعلى هذا الغرار فقد بعث القادر العبّاسيّ
ظاهراً ـ أحد وعّاظه ـ إلى مسجد براثا
__________________
مسجد الشيعة ـ في أحد أيّام الجُمَع ، وراح ينال من شخصيّة الإمام عليّ عليهالسلام بكلّ ما لا يليق به لا من قريب ولا من بعيد ، الأمر الذي أثار الشيعة من
الذين كانوا حاضرين في ذلك المسجد ، فلم يسكتوا على قباحة ذلك الخطيب ، وحدث لغط
وثارت الحميّة الدينيّة ، فلم يكتفوا بالاعتراض اللفظيّ ، بل رموا ذلك الخطيب بكلّ
ما كان قريباً من أيديهم فأصابوه وكسروا له أنفه ، فكانت هذه الحادثة بمثابة الشرارة الأُولى التي
ألهـبت حالـة الصدامات فيما بين السنّة والشيعة في بغداد في تلك السـنة ، وعلى
أثـر ذلك فقد كتـب الشـيعة على أبواب دورهم هذه العبارة : (محمّد وعليّ خير البشر
، فَـمَن رضى فقد شكر ، ومَن أبى فقد كفر).
ومن خلال هذه
الحادثة ومثيلاتها التي حدثت في بغداد على مرّ الأ يّام يظهر لنا أنَّ «حيّ على
خير العمل» أصبحت تُمَثِّل شعاراً للشيعة ، لأنَّ ديدن الجميع هو التأكيد والتركيز
عليها ، وعدم التنازل عنها وذلك للاعتقاد الجازم بجزئيّتها ، بخلاف الحكومات التي
خافت منها ومن معناها ومغزاها فدأبت على حذفها ، ولهذا يقول صاحب السيرة الحلبيّة
: (إنَّ الرافضة لم يتركوا «حيّ على خير العمل» أيّام البويهيّين إلى أن تملّك
السلجوقيّين سنة ٤٤٨ هـ ، فألزموهم بالترك وإبدالها بالصلاة خير من النـوم) .
__________________
وقد مرّ عليك
تحت عنوان (مكّة / حلب ٤٦٢ هـ) كيف أن نقيب النقباء أبو الفوارس لمّا أبلغ القائم
بأمر الله بأن محمود بن صالح [والي حلب] لبس الخلع القائمية وخطب للقائم.
قال له القائم
: أيّ شيء تساوي خطبتهم وهم يؤذنون «حيّ على خير العمل» ؟!
كما وقفـت على
المناظـرة الطـو يلة التي ناظـرها أبي هاشم أمير مكّـة وقوله لهم :
هذا أذان أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب .
وجاء في
الايضاح للقاضي النعمان بن محمد بن حيون المتوفى ٣٦٣ هـ عن ابي سليم قال اخبرنا
عبدالرحمن بن القاسم القطان قال اخبرنا إسماعيل بن إسحاق عن حسن بن حسين عن علي بن
القاسم عن بن الربيع عن منصور عن هلال بن سنان عن علقمة بن قيس قال : امر علي بن
الصباح أن يلحق في اذانه : حي على خير العمل .
إذَنْ ، فقد
قيّد التاريخ بين صفحاته بأنّ «حيّ على خير العمل» كانت شعاراً للشيعة على مرّ
العصور ، ومؤشِّراً على تشيِّع حكومات وحركات ثورية عديدة ، مضافاً إلى الإجماع
القاطع عليها من قَبِل أهل البيت ، وقد مرّ عليك أنّ حجّة شرعيّتها هو إجماع أهل
البيت على الإتيان بها ، وقد نوه الشوكانيّ والأمير الصنعانيّ وغيرهما إلى حجية
إجماع أهل البيت.
ومن المؤثّرات
الأُخرى التي يمكن لنا أن نجعلها دليلاً شاخصاً على شعاريّة «حيّ على خير العمل» للشيعة
هو ما كُتِب على المساجد والحسينيّات والتكايا
__________________
القديمة ، التي هي اليوم من المعالَم الأثريّة والحضاريّة للمسلمين في مختلف
بقاع العالَم ، وحتّى حديثاً فقد ذكر مؤلف كتاب تاريخ مسجد الكوفة ، بأنَّ أمجد
عليّ شاه أمر بكتابة «محمّد وعليّ خير البشر ، فمَن رضى فقد شكر ، ومَن أبى فقد
كفر» على مأذنه مسجد الكوفة ، وكذا الحال في روضة مسلم بن عقيل ، كما يمكننا ملاحظة شعاريّة «حيّ على خير العمل» في
آثار شمال أفريقيّا التاريخيّة في المغرب والجزائر وتونس ، إذ انتشر التشيّع هناك
بعد شهادة محمّد بن عبدالله بن الحسن ذي النفس الزكيّة ، وذلك بعد أن تفرّق الشيعة
في مختلف أرجاء المعمورة ، وراحوا يتنفسون الصعداء بعيداً عن سطوة الحكومات
الجائرة.
وبهذا فقد ثبت
لك مما سبق وجود اتجاهين عند المسلمين :
أحدهما
: يتبع الخلفاء ويتّخذ الاجتهاد والرأي حتّى على حساب
القرآن والسنة في استنباطه.
والآخر
: يأخذ بكـلام أهل البـيت والنص القـرآني والنبـوي ولا
يرتضي الرأي.
وكان الاتجاهان
على تضاد فيما بينهما ، فالذي لا يرتضي خلافة الإمام عليّ ابن أبي طالب وولده لا
يحبذ شعارية (حيّ على خير العمل).
__________________
أمّا الذي
يعتقد بشرعية خلافة الأوصياء ، ويفهم من الحيعلة الثالثة أنّها دعوة إلى بر فاطـمة
وولدها الذين هم خير البرية بصريح الكتاب العزيز ـ أي محـمّد وعلـيّ والزهـراء
والحسن والحسـين ـ فيصر على شعاريتها وإن كلفه ذلك الغالي النفيس.
وليس من الاعتباط
أن نجد ارتباطاً تاريخياً بين القول بإمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب والقول
بشرعية الحيعلة الثالثة ، وبين رفض إمامة أمير المؤمنين والقول برفع الحيعلة
الثالثة ، فهي إذن تمثّل أهمّ المسائل الفارقة بين نهج التعبد المحض ، وبين نهج
الاجتهاد والرأي.
إنّ ما تنطوي
عليه الحيعلة الثالثة من حقيقة الإمامة حينما دخلت الصراع يكشف بلا ريب عن أنّ
حلبة هذا الصراع أكبر من كونها نزاعاً حول فصل من فصول الأذان ، وما (حيّ على خير
العمل) إلّا نافذة من تلك النوافذ الكثيرة المعبرة عن أصالة نهج التعبد المحض ، شأنها
في ذلك شأن التكبير على الجنائز خمساً أو أربعاً ، وحكم الأرجل في الوضوء هل هو
المسح أو الغسل ، والقول بمشروعية المتعة وعدمه ، والإرسال أو القبض في الصلاة ، والتختم
في اليمين أو الشمال ، والجهر بالبسملة أو إخفاتها ، وعدم شرعية صلاة التراويح
والضحى أو شرعيتها ، وحرمة شرب الفقاع وأكل السمك الذي لا قشر له أو حليتهما ، وجواز
لبس السواد في محرم والاحتفال بيوم الغدير أو بدعيتهما وإجراء أحكام المواريث
والمناكح طبق هذا المذهب أو ذاك و ...
فكل هذه
المفردات تشير إلى وجود نهج يخالف الحكام وما سنوه من سنن تخالف سنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فندرة وجود ما يؤيد هذا النهج في مدرسة الخلفاء لا
يخدش في شرعيتها ، بل يؤكّد أصالتها ، وأنّ ثبوتها وبعد أربعة عشر قرناً ـ رغم كلّ
الظروف التي مرت بها ـ ليؤكّد ارتباطها واستقاءها من أهل البيت ، وهو الآخر
قد وضح لك سر الاختلاف في الوضوء والأذان وغيرها من عشرات المسائل التي
اختلف فيها المسلمون والتي لم يذكرها ابن حزم وغيره بل قبلوها على أنّها ثابتة لا
لبس ولا تنازع فيها.
ومما يجب
التأكيد عليه هنا هو : أننا حينما نتخذ بعض الحكّام فاطميين كانوا أم عباسيين
كنماذج للنهجين لا نريد أن نعتبرهم القدوة والأسـوة ، مادحين هذا أو ماسّين بذاك ،
فلا يحق لنا أن نسقط تصوّراتنا على هذا المذهب أو ذاك طبق ما عرفناه من أعمال هذا
الحاكم أو ذاك ، فهؤلاء أناس لهم سلوكـياتهم وتصـرفاتهم ، وكلّ ما في الأمر أنهم
يلتزمون نهجاً خاصاً ، فقد يكونون متعـبدين بما عرفوه من ذلك النهج ، وقد يكونون
متجاوز ين على أصـوله غير عاملـين بأوامره ، فلا يمكن القول بأنّ كلّ حكام هذا
الفريق كذا ، وحكام ذاك الفريق كذا ، لأن بعض هؤلاء تخطَّـوا المـوازين ، كما تخطى
الطـرف الآخر كذلك ، لكنّ ما نريد بيانه في هذا الفصـل هو وجود اتجاهـين عند المسـلمين
دون النظر إلى سلوكـيات الأفراد والحكومات.
الخلاصة
تلخص ممّا سبق
عدة اُمور :
أحدها
: شرعية «حيّ على خير العمل» ؛ وذلك لاتفاق الفريقين على
أصل مشروعيتها ، وانفراد أهل السنة والجماعة بدعوى النسخ ، وقد أثبتنا عدم وقوع
النسخ ، ناقلين كلامَ السيد المرتضى :
وقد روت العامة
أنّ ذلك ممّا كان يقال في بعض أيام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنّما ادّعي أنّ ذلك نسخ ورفع ، وعلى من ادّعى النسخ
الدلالة له ، وما يجدها .
وتأذينَ أكثر
من ثلاثين رجل من أهل البيت والصحابة بها ، بل وضّحنا إجماع العترة على ذلك ، حاكين
في البين ما نقل عن الشافعي وبعض أئمّة المذاهب الأربعة من القول بجزئيتها.
ثمّ عرجنا في الفصل الثاني لبيان سقوطها على عهد عمر بن الخطّاب ، متسائلين عن
موقف بلال الحبشي في الحيعلة الثالثة والصلاة خير من النوم ، وهل أنّه أذن للشيخين
أم لا؟ بل ما هو موقفه اتجاه أهل البيت ، وما موقف أهل البيت اتجاهه؟ وقد توصلنا
إلى كونه لم يؤذن إلّا للزهراء والحسنين ، وأنّ خروجه إلى الشام كان اعتراضاً على
السياسة الحاكمة.
__________________
هذا وقد تكلمنا
في الفصل
الثالث عن معنى «حيّ
على خير العمل» وأنّها دعوة إلى الولاية ، مبينين الأسباب التي دعت عمر بن الخطاب
لحذفها ، مشيرين إلى بعض العلل الخفية في هذا الأمر ، موضحين ذلك من خلال القرآن
المجيد والسنة المطهرة وكلام الإمام الكاظم عليهالسلام.
أمّا الكلام في
الفصل
الرابع فكان عن
تاريخها العقائدي والسياسي وما حدث في بغداد وغيرها من الفتن ، مشيرين إلى التأذين
بها في حلب ، وبغداد ، ومصر ، وحمص ، والاندلس ، والهند ، وإيران ، ومكّة ، والمدينة
، واليمامة ، والقطيف ، و ... على مر العصور والأ يّام.
كلّ ذلك ضمن
بياننا للسير التاريخي للأحداث ، والدول التي حكمت البلدان ، فاطمية كانت أم
عباسية ، بويهية كانت أم سلجوقية و .. مؤكدين بأن الحيعلة الثالثة ما هي إلّا
نافذة من النوافذ الكثيرة في التاريخ والشريعة كالجهر بالبسملة والجمع بين
الصلاتين وعدم جواز المسح على الخفين و ... والمشيرة إلى وجود اتجاهين بعد رسول
الله : أحدهما أتباع أهل البيت ، والآخر أتباع الخلفاء ، وأن «حيّ على خير العمل» كانت
شعار الشيعة والطالبيين على مر الدهور ، وكان حذفها وإبدالها بـ «الصلاة خير من
النوم» شعار أهل السنة والجماعة.
وبهذا فقد
انتهينا من بيان الباب الأول من هذه الدراسة على أمل أن نلتقي بالقارئ الكريم عند
البابين الآخرين منها :
الباب
الثاني : «الصلاة خير
من النوم ، شرعة أم بدعة».
والباب
الثالث : «أشهد أن
عليّاً ولي الله ، بين الشرعية والابتداع».
نسأل الله أن
يوفقنا لإكمالهما وإتمامهما بفضله ومنّه ، آمين رب العالمين.
وفي الختام
لابدّ لي أن
أشكر كلّ من سايرني في هذه الرحلة الفكرية العقائدية المضنية ، سواء قرأ لي ، أو
أشار عليّ بنكتة علمية ، أو لفتة أدبية ، أو ملاحظة فنية ، أو تخريجة ما ، وأخص
بالذكر الباحثين الجليلين : الاستاذ الشاعر الشيخ قيس العطار ، والاخ الفاضل
إبراهيم رفاعة لإبدائهما بعض الملاحظات القيمة.
وكذلك اشكر
الأخ الفاضل سمير الكرماني الذي ضبط لي النصوص ووحّد المصادر وطبعاتها ، ثمّ
اعداده الفهرس النهائي للكتاب. فللله درهم وعليه أجرهم.
وأخيراً آمل من
إخواني العلماء ومن يعنيه أمر الفكر والعقيدة أن يتحفوني بآرائهم حول الكتاب سلباً
أو إيجاباً وصحّة أو سقماً ، ولهم منّا الشكر في كلتي الحالتين ، فإن وافقونا
فسنستمد العزم لمواصلة الطريق ، وإن خالفونا فسنستفيد من آرائهم ونجعلها نصب
أعيننا في بحوثنا المقبلة إن شاء الله تعالى.
اللّهم أرنا
الحقَّ حقًّا فنتّبعه ، والباطل باطلاً فنجتنبه ، واجعل هوانا في طاعتك وطاعة نبيك
وأوليائك المخلَصين ، واهدنا لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى
صراط مستقيم.
اللّهم عرّفنا
ما نجهل من كتابك ، وعلّمنا ما لا نعلم من سنّة نبيّك ، وبصّرنا بما لا نبصر من
أسرار حكمك ، واجعلنا أبراراً أتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين ، آمين ربَّ
العالمين.
ثبت المصادر
١ ـ القرآن الكريم
٢ ـ اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمّة الفاطميين الخلفاء ١ / ٣ (رحلي)
للمقريزي ، أحمد
بن عليّ ، تقي الدين أبي العبّاس (ت ٨٤٥ هـ)
تحقيق : الدكتور
محمّد حلمي محمّد أحمد ، والدكتور جمال الدين الشيال
نشر : لجنة
إحياء التراث الإسلامي ، المجلس الاعلى للشئون الامية / مصر
٣ ـ الآثار ١ / ٢
للشيباني ، محمّد
بن الحسن ، أبي عبدالله (ت ١٨٩ هـ)
صحّحه وعلق
عليه : أبو الوفاء الافغاني
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
الطبعة الثانية
١٤١٣ هـ ـ ١٩٩٣ م
٤ ـ الآحاد والمثاني
لابن أبي عاصم
(ت ٢٨٧ هـ)
تحقيق : باسم
فيصل أحمد الجوابرة
نشر : دار
الدراية
الطبعة الأولى
١٤١١ هـ ـ ١٩٩١ م
٥ ـ الأحاديث المختارة
للمقدسـي
الحنبلي ، محمّـد بن عبدالواحد بن أحمـد ، أبي عبـدالله (ت ٦٤٣ هـ)
تحقيق : عبدالملك
بن عبدالله بن دهيش
نشر : مكتبة
النهضة الحديثة ـ مكّة المكرمة
الطبعة الأولى
١٤١٠ هـ
٦ ـ الاحتجاج ١ / ٢ (في مجلد)
للطبرسي ، أحمد
بن عليّ بن أبي طالب ، أبي منصور (من اعلام القرن السادس الهجري)
تعليق وملاحظات
: السيّد محمّد باقر الموسوي الخرسان
منشورات : مؤسسة
الأعلمي للمطبوعات / بيروت
الطبعة الثانية
١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣ م
٧ ـ أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم
للمقدسي ، محمد
بن أحمد بن أبي بكر ، شمس الدين ، أبي عبد الله (ت ٤١٤ هـ)
طبع في مدينة
ليدن بمطبعة بريل سنة ١٩٠٤ م
اُوفسيت دار
صادر ـ بيروت
٨ ـ احقاق الحق وازهاق الباطل ١ / ٣٢
للتستري ، القاضي
نور الله الحسيني المرعشي (ت ١٠١٩ هـ)
مع ملحقات
السيّد المرعشي النجفي
نشر : مكتبة
آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم ـ إيران
٩ ـ الإحكام في أصول الأحكام ١ / ٨ (في مجلدين)
لابن حزم
الاندلسي الظاهري ، عليّ بن أحمد بن سعيد ، أبي محمّد (ت ٤٥٦ هـ)
تحقيق : لجنة
من العلماء
نشر : دار
الجيل ، بيروت ـ لبنان
الطبعة الثانية
١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧ م
١٠ ـ الاحكام في الحلال والحرام
للإمام الهادي
إلى الحق ، يحيى بن الحسين الحسيني الحسني (ت ٥٦٦ هـ)
نشر : دار
التراث اليمني
الطبعة الأولى
١١ ـ الأخبار الموفقيات
للزبير بن بكار
(ت ٢٥٦ هـ)
تحقيق : الدكتور
سامي مكي العاني
نشر : منشورات
الشريف الرضي
طبع : مطبعة
أمير ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤١٦ هـ
١٢ ـ أخبار بني عبيد = أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم
لابن حماد ، محمّد
بن عليّ بن حماد ، أبي عبدالله (ت ٦٢٨ هـ)
تحقيق : التهامي
نقرة ـ عبدالحليم عويس
نشر : دار
الصحوة ـ القاهرة
الطبعة الاولى
١٤٠١ هـ
١٣ ـ الاختصاص
للمــفيد ، محمّد
بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، أبي عبدالله (ت ٤١٣ هـ)
تحقيق : الأستاذ
عليّ أكبر غفاري
نشر جماعة
المدرسين في الحوزة العلمية ، قم ـ إيران
١٤ ـ الأذان بحيّ على خير العمل
للعلوي ، محمّد
بن عليّ بن الحسن ، أبي عبدالله (ت ٤٤٥ هـ)
تحقيق : محمّد
يحيى سالم عزان
نشر : مركز
النور للدراسات والبحوث والتحقيق ـ صعدة ـ اليمن
الطبعة الثانية
١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٥ م
وطبعة ثانية :
بتحقيق : يحيى
عبدالكريم الفضيل
نشر : المكتبة
الوطنية
الطبعة الأولى
١٣٩٩ هـ ـ ١٩٧٩ م
١٥ ـ الأربعون حديثاً في إثبات إمامة أمير المؤمنين
للبحراني ، سليمان
بن عبدالله الماحوزي (ت ١١٢١ هـ)
تحقيق : السيّد
مهدي الرجائي
نشر : المحقق ـ
قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤١٧ هـ
١٦ ـ ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري
للقسطلاني ، أحمد
بن محمّد ، شهاب الدين ، أبي العبّاس (ت ٩٢٣ هـ)
اوفسيت دار
إحياء التراث العربي ـ بيروت
١٧ ـ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ٢
للمفيد ، محمّد
بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي ، أبي عبدالله (ت ٤١٣ هـ)
تحقيق : مؤسسة
آل البيت
الطبعة الثانية
١٤١٦ هـ قم ـ إيران
١٨ ـ إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل
للألباني ، محمّد
ناصر (معاصر)
تحقيق : زهير
الشاو يش
نشر : المكتب
الإسلامي ـ بيروت
الطبعة الثانية
١٤٠٥ هـ ـ ١٩٨٥ م
١٩ ـ الاستبصار ١ / ٤
للطوسي : محمّد
بن الحسن ، أبي جعفر (ت ٤٦٠ هـ)
تحقيق : السيّد
حسن الموسوي
نشر : دار
الكتب الإسلاميّة ـ طهران
الطبعة الرابعة
٢٠ ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب ١ / ٤
لابن عبدالبر ،
يوسف بن عبدالله بن محمّد بن عبدالبر ، أبي عمر (ت ٣٦٨ ـ ٤٦٣ هـ)
تحقيق : عليّ
محمّد البجاوي
نشر : دار نهضة
مصر للطبع والنشر ـ القاهرة ـ مصر
٢١ ـ أُسد الغابة في معرفة الصحابة ١ / ٥
لابن الأثير
الجزري ، عليّ بن محمّد ، أبي الحسن (ت ٦٣٠ هـ)
دار احياء
التراث العربي ـ بيروت
٢٢ ـ الأشعثيات المعروف بالجعفر يات
للأشعث الكوفي
، محمّد بن محمّد الأشعث ، أبي عليّ (من اعلام القرن الرابع الهجري)
المطبوع مع قرب
الإسناد للحميري القمي
نشر : مكتبة
نينوى الحديثة
طهران ـ إيران
٢٣ ـ الإصابة في تمييز الصحابة ١ / ٤
للعسقلاني ، أحمد
بن عليّ بن حجر ، شهاب الدين ، أبي الفضل (ت ٨٥٢ هـ)
طبع الكتبخانه
الخديوية المصرية
أوفسيت دار
إحياء التراث العربي ـ بيروت
الطبعة الأولى
سنة ١٣٢٨ هـ
٢٤ ـ الاعتصام بحبل الله المتين ١ / ٥
للقاسم بن
محمّد ، الإمام الزيدي (ت / ١٠٢٩ هـ)
نشر : مطابع
الجمعية ، عمان ـ الأردن
طبع سنة ١٤٠٣
هـ
٢٥ ـ أعيان الشيعة ١ / ١١
للامين ، السيّد
محسن العاملي (ت ١٣٧١ هـ)
تحقيق : حسن
الأمين
نشر : دار
التعارف للمطبوعات ـ بيروت
٢٦ ـ إغاثة الطالبين على حل الفاظ فتح المعين ١ / ٤ في مجلدين
للسيّد البكري
، أبو بكر بن السيد محمد شطا الدمياطي (ت هـ)
نشر : دار
احياء التراث العربي / بيروت
وطبعة اخرى : دار
الفكر ـ بيروت في اربعة اجزاء
٢٧ ـ الأغاني ١ / ٢٤
للاصفهاني ، أبي
الفرج (ت ٣٥٦ هـ)
شرحه ، كتب
هوامشه : عبدعليّ مهنا
الطبعة الأولى
١٤٠٧ ـ ١٩٨٦
دار الكتب
العلمية ـ بيروت ـ لبنان
٢٨ ـ الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ٢ / ٣
أسد حيدر (ت)
الطبعة الثالثة
١٤١١ هـ
واعادت طباعته
مكتبة الصدر ـ طهران ـ إيران
٢٩ ـ الإمامة والسياسة
للدينوري ، عبدالله
بن مسلم بن قتيبة ، أبي محمّد (ت ٢٧٦ هـ)
تحقيق : عليّ
شيري
نشر : منشورات
الشريف الرضي
٣٠ ـ الأمالي الخميسية
للمرشد بالله ،
يحيى بن الحسين (ت ٤٧٩ هـ)
طبع مصر ـ
أعادته مكتبة المثنى ، بغداد
٣١ ـ أمالي الإمام أحمد بن عيسى
أحمد بن عيسى
بن زيد بن عليّ (ت ٢٤٧ هـ)
تحقيق : عليّ
بن إسماعيل بن عبدالله المؤيد
نشر : دار
النفائس ، بيروت
الطبعة الأولى
٣٢ ـ أمالي الشيخ الطوسي
للطوسي ، محمّد
بن الحسن ، أبي جعفر (ت ٤٦٠ هـ) ، وابنه أبو عليّ (ت بعد سنة ٥١٥ هـ)
مؤسسة الوفاء ـ
بيروت
الطبعة الثانية
١٤٠١ ـ ١٩٨١
٣٣ ـ أمالي الصدوق
لابن بابويه
القمي ، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه ، أبي جعفر (ت ٣٨١ هـ)
قدم له : الشيخ
حسين الاعلمي
منشورات
الأعلمي للمطبوعات
الطبعة الخامسة
١٤٠٠ هـ ـ ١٩٨٠ م
٣٤ ـ أنساب الأشراف ١ / ١٣
للبلاذري ، احمد
بن يحيى بن جابر (ت ٢٧٩ هـ)
تحقيق : الدكتور
سهيل زكار والدكتور رياض زركلى
باشراف مكتب
البحوث والدراسات
نشر : دار
الفكر / بيروت لبنان
الطبعة الاول
١٤١٧ هـ ـ ١٩٩٦ م
٣٥ ـ أنساب الاشراف
للبلاذري ، أحمد
بن يحيى بن جابر (من أعلام القرن الثالث الهجري)
تحقيق : الشيخ
محمّد باقر المحمودي
نشر : مؤسسة
الأعلمي ـ بيروت
الطبعة الأولى
١٣٩٤ هـ
٣٦ ـ الإيضاح
لابن شـاذان
النيـسـابــوري ، الفـضل بن شــاذان الأزدي ، أبي محـمّـد (ت ٢٦ هـ)
نشر : مؤسسة
الاعلمي للمطبوعات ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤٠٢ هـ ـ ١٩٨٢ م
٣٧ ـ الإيضاح
للقاضي نعمان
بن محمد بن حيون (ت ٣٦٣ هـ) والمطبوع في المجلد العاشر من (ميراث حديث شيعة)
تحقيق : محمد
كاظم رحمتي
نشر : مركز
تحقيقات دار الحديث / قم إيران سنة ١٣٨٢ هجري شمسي
٣٨ ـ البحر الزخار
للإمام المهدي
أحمد بن يحيى المرتضى (ت ٨٤٠ هـ)
طبع سنة ١٣١٦
هـ
٣٩ ـ بحار الانوار ١ / ١١٠
للمجلسي ، الشيخ
محمّد باقر (ت ١١١١ هـ)
نشر : مؤسسة الوفاء
ـ بيروت
الطبعة الثانية
١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣ م
٤٠ ـ النجاري بشرح الكرماني ١ / ٢٥ في تسعه مجلدات
للكرماني ، (ت
هـ)
نشر : دار
احياء التراث العربي / بيروت
٤١ ـ بدائع الزهور في وقائع الدهور
لابن إياس
الحنفي ، محمّد بن أحمد (ت ٩٣٠ هـ)
نشر : الهيئة
المصرية العامة ـ القاهرة
الطبعة الأولى
١٤٠٢ هـ
٤٢ ـ البداية والنهاية ١ / ٨
لابن كثير ، أبي
الفداء (ت ٧٧٤ هـ)
دقق أصوله
وحققه : مجموعة من الأساتذة
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
٤٣ ـ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع
للشوكاني ، محمّد
بن عليّ (ت ١٢٥٠ هـ)
نشر : دار
المعرفة ـ بيروت
٤٤ ـ بذل المجهود في حل أبي داود ١ / ٢٠ (في عشر مجلدات)
للسهار نفوري ،
خليل أحمد (ت ١٣٤٦ هـ)
نشر : مكتبة
دار الباز ـ مكّة المكرمة
٤٥ ـ بصائر الدرجات في فضائل آل محمد
للصفار القمي ،
محمّد بن الحسن بن فروخ ، أبي جعفر (ت ٢٩٠ هـ)
صححه وعلق عليه
: الحاج ميرزا محسن كوجه باغي التبريزي
منشورات مكتبة
آية الله العظمى المرعشي النجفي
قم ـ إيران
١٤٠٤ هـ
٤٦ ـ بغية الطلب في تاريخ حلب ١ / ١٢ مع الفهارس
لابن العديم ، عمر
بن أحمد بن أبي جرادة ، كمال الدين (ت ٦٦٠ هـ)
حققه وقدم له :
الدكتور سهيل زكار
دار الفكر ـ
بيروت
٤٧ ـ بلاغات النساء
لابن طيفور ، أبي
الفضل بن أبي طاهر (ت ٣٨٠ هـ)
نشر : مكتبة
بصيرتي ـ قم ـ إيران
٤٨ ـ تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة
شرف الدين
الاسترآبادي ، عليّ بن الحسين الغروي ، السيد شرف الدين (من علماء النصف الثاني من
القرن العاشر)
تحقيق : حسين
الأستاد ولي
نشر : مؤسسة
النشر الإسلامي ـ إيران
الطبعة الثانية
١٤١٧ هـ
٤٩ ـ تاج العروس من جواهر القاموس ١ / ٣٠
للزبيدي ، محمّد
بن مرتضى الحسين الواسطي (١٢٠٥ هـ)
نشر : دار
مكتبة الحياة ـ بيروت ـ لبنان
طبع بالأوفسيت
عن الطبعة الاولى للمطبعة الخيرية ـ مصر سنة ١٣٠٦ هـ
٥٠ ـ تاريخ ابن خلدون ١ / ٧
لابـن خلـدون
الحـضـرمي المغربي ، عبـدالرحمن بن محمّد بن خلدون (ت ٨٠٨ هـ)
نشر : مؤسسة
الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت
الطبعة الأولى
١٣٩١ هـ ـ ١٩٧١ م
٥١ ـ تاريخ ابن معين ١ / ٢
لابن معين ، يحيى
معين بن عون المرّي الغطفاني البغدادي (ت ٢٢٣ هـ)
برواية عثمان
بن سعيد الدارمي (ت ٢٨٠ هـ)
تحقيق : أحمد
محمّد نور سيف
نشر : دار
المأمون للتراث ـ دمشق ـ سوريا
٥٢ ـ تاريخ يحيى بن معين برواية الدوري
لابن مـعيــن ،
يحيى بن معـين بن عـون المري الغـطفـاني البغدادي (ت ٢٣٣ هـ)
رواية : العبّاس
بن محمّد بن حاتم الدوري البغدادي (ت ٢٧١ هـ)
تحقيق : عبدالله
أحمد حسن
نشر : دار
القلم ـ بيروت
٥٣ ـ تاريخ أبي الفداء = المختصر في أخبار البشر ١ / ٤ (في مجلدين)
لأبي الفداء ، إسماعيل
بن نور الدين ، عماد الدين (ت ٧٣٢ هـ)
مكتبة المتنبي
ـ القاهرة
٥٤ ـ تاريخ بغداد ١ / ١٤
للخطيب
البغدادي ، أحمد بن عليّ ، أبي بكر (ت ٤٦٣ هـ)
نشر : المكتبة
السلفية ، المدينة المنورة
٥٥ ـ تاريخ الثقات
للعجلي ، أحمد
بن عبدالله بن صالح ، أبي الحسن (ت ٢٦١ هـ)
تحقيق : عبدالمعطي
قلعجي
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
الطبعة الأولى
ـ ١٤٠٥ هـ ـ ١٩٨٤ م
٥٦ ـ تاريخ الخلفاء
للسيوطي ، عبدالرحمن
بن أبي بكر (ت ٩١١ هـ)
تحقيق : محمّد
محيي الدين عبدالحميد
نشر : مطبعة
السعادة ـ مصر
الطبعة الاولى
١٣٧١ هـ ـ ١٩٥٢ م
٥٧ ـ التاريخ الصغير
للبخاري ، محمّد
بن إسماعيل ، أبي عبدالله (ت ٢٥٦ هـ)
تحقيق : محمود
إبراهيم زايد
نشر : دار
المعرفة ـ بيروت
الطبعة الأولى
١٤٠٦ هـ
٥٨ ـ تاريخ طبرستان (باللغة الفارسية)
لابن اسفنديار
الكاتب ، محمّد بن حسن بن اسفنديار ، بهاء الدين (ت ٦١٣ هـ)
تصحيح : عبّاس
إقبال الاشتيباني
الناشر : پديده
(خاور)
النشر : ١٣٦٦
هـ ش
٥٩ ـ تاريخ الطبري = (تاريخ الأمم والملوك) ١ / ١١
للطبري ، محمّد
بن جرير ، أبي جعفر (ت ٣١٠ هـ)
تحقيق : محمّد
أبو الفضل إبراهيم
نشر : دار
التراث ، بيروت ـ لبنان
٦٠ ـ التاريخ الكبير ١ / ٨
للبخاري الجعفي
، محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم (ت ٢٥٦ هـ)
نشر : دار
الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان
٦١ ـ تاريخ المدينة المنورة = أخبار المدينة النبوية ١ / ٤
لابن شبّه ، عمر
بن شبّه النميري البصري ، أبي زيد (ت ٢٦٢ هـ)
تحقيق : فهيم
محمّد شلتوت
نشر : دار
التراث ـ بيروت
الطبعة الأولى
١٤١٠ هـ ـ ١٩٩٠
٦٢ ـ تاريخ مدينة دمشق المعروف بتاريخ ابن عساكر
لابن عساكر
الدمشقي ، عليّ بن محمّد الحسن بن هبة الله الشافعي ، أبي القاسم (ت ٥٧١ هـ)
تحقيق : عليّ
شيري
نشر : دار
الفكر ـ بيروت
الطبعة الأولى
١٤١٥ هـ
٦٣ ـ تاريخ اليعقوبي ١ / ٢
لليعقوبي ، أحمد
بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح ، الكاتب العبّاس (ت ٢٩٢ هـ)
دار صادر ـ
بيروت
أوفسيت مؤسسة
نشر ثقافة أهل البيت : إيران
٦٤ ـ تثبيت الإمامة
يحيى بن الحسين
بن القاسم ، الإمام الزيدي اليمني (ت ٢٩٨ هـ)
نشر : دار
الإمام السجاد ـ بيروت
الطبعة الثانية
: ١٤١٩ هـ
٦٥ ـ تحرير تقريب التهذيب ١ / ٤
التقريب : للعسقلاني
، أحمد بن عليّ بن حجر (ت ٨٥٢ هـ)
والتحرير : لبشار
عواد معروف ، شعيب الارنؤوط
نشر مؤسسة
الرسالة ، بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤١٧ هـ ـ ١٩٩٧ م
٦٦ ـ التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة ١ / ٢
للسخاوي ، شمس
الدين (ت ٩٠٢ هـ)
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤١٤ هـ ـ ١٩٩٣ م
٦٧ ـ تحفة الاحوذي بشرح جامع الترمذي ١ / ١٠ (ومجلد للمقدمة)
للمباركفوري ، محمّد
عبدالرحمن بن عبدالرحيم ، أبي العلا (ت ١٣٥٣ هـ)
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤١٠ هـ ـ ١٩٩٠ م
٦٨ ـ تحفة المحتاج بشرح المنهاج ١ / ١٠
٦٩ ـ تذكرة الحفاظ ١ / ٤ (في مجلدين)
للذهبي ، شمس
الدين ، أبي عبدالله (ت ٧٤٨ هـ)
نشر : دار
إحياء التراث العربي ؛ بيروت ـ لبنان
الطبعة الأولى
١٣٧٤ هـ
٧٠ ـ التعديل والتجريح
للباجي المالكي
، سليمان بن خلف بن سعد ، أبي الوليد (ت ٤٧٤ هـ)
تحقيق : أحمد
البزار
٧١ ـ تفسير ابن أبي حاتم ١ / ١٢
لابن أبي حاتم
، عبدالرحمن بن محمّد بن إدريس الرازي (ت ٣٢٧ هـ)
تحقيق : أسعد
محمّد الطيب
نشر : مكتبة
نزار مصطفى الباز ـ مكّة المكرمة ـ السعودية
الطبعة الاولى
١٤١٧ هـ ـ ١٩٩٧ م
٧٢ ـ تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل ١ / ٤
للبغوي الشافعي
، الحسين بن مسعود الفراء ، أبي محمّد (ت ٥١٦ هـ)
دار الكتب
العلمية ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤١٤ هـ ـ ١٩٩٣ م
٧٣ ـ تفسير الإمام العسكري المنسوب إلى الإمام العسكري
للحسن بن عليّ
العسكري عليهالسلام أبي محمّد (ت ٢٦٠ هـ)
تحقيق ونشر : مدرسة
الإمام المهدي عليهالسلام ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤٠٩ هـ
٧٤ ـ تفسير عبدالرزاق ١ / ٣
للصنعاني ، عبدالرزاق
بن همام (ت ٢١١ هـ)
دراسه وتحقيق :
دكتور محمود محمّد عبده
منشورات محمّد
عليّ بيضون / دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان
الطبعة الأولى
١٤١٩ ـ ١٩٩٩ م
٧٥ ـ تفسير فرات
٧٦ ـ تفسير القرآن العظيم = تفسير ابن كثير ١ / ٤
لابن كثير
الدمشقي ، إسماعيل بن كثير ، عماد الدين ، أبي الفداء (ت ٧٧٤ هـ)
أعادت طبعه
بالاوفسيت دار المعرفة ـ بيروت ١٤٠٢ هـ ـ ١٩٨٢ م
٧٧ ـ تفسير العياشي ١ / ٢
للعياشي ، محمّد
بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي ، أبي النضر (ت ٣٢٠ هـ)
تحقيق : السيّد
هاشم الرسولي المحلاتي
نشر : المكتبة
العلمية الإسلاميّة ـ طهران
٧٨ ـ تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن ١ / ٢٠
للقرطبي ، محمّد
بن أحمد الانصاري ، أبي عبدالله (ت ٦٧١ هـ)
تصحيح : أحمد
عبدالعليم البردوني
أعادت طبعه دار
احياء التراث العربي ـ بيروت ١٤٠٥ هـ ـ ١٩٨٥ م
٧٩ ـ تفسير القمي
للقمي ، عليّ
بن إبراهيم ، أبي الحسن (من اعلام القرنين ٣ ـ ٤ هـ)
صححه وعلق عليه
: السيّد طيب الموسوي الجزائري
طبع : مطبعة
النجف سنة ١٣٨٧ هـ
٨٠ ـ التفسير الكبير ١ / ٣٢ (في ستة عشر مجلداً)
للفخرالرازي ، محمّد
بن عمر بن الحسن بن الحسين (ت ٦٠٦ هـ)
طبع : دار
احياء التراث العربي بيروت ـ الطبعة الثالثة
٨١ ـ تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الاقاويل في وجوه التأويل ١ /٤
للزمخشري ، جار
الله محمود بن عمر ، أبي القاسم (ت ٥٣٨ هـ)
نشر : دار
المعرفة بيروت
٨٢ ـ تفسير الميزان ١ / ٢١
للطباطبائي ، السيّد
محمّد حسين (ت هـ)
نشر : مؤسسة
الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت
الطبعة الثانية
١٣٩٢ هـ ـ ١٩٧٢ م
٨٣ ـ تفسير نور الثقلين ١ / ٥
للحويزي ، عبدعليّ
بن جمعة العروسي (ت ١١١٢ هـ)
تعليق : هاشم
الرسولي المحلاتي
أوفسيت الحوزه
العلمية ـ قم ـ إيران
٨٤ ـ التلخيص الحبير في تخريج الرافعي الكبير
للعسقلاني ، أحمد
بن عليّ حجر ، أبي الفضل (ت ٨٥٢ هـ)
نشر : دار
الفكر ـ بيروت
٨٥ ـ تلخيص المستدرك = المطبوع بذيل المستدرك للحاكم النيسابوري
للذهبي ، محمّد
بن أحمد ، أبي عبدالله (ت ٨٤٨ هـ)
نشر : دار الفكر
ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٣٩٨ هـ ـ ١٩٧٨ م
٨٦ ـ التمهيد
لابن عبدالبر ،
يوسف بن عبدالله بن عبدالبر ، أبي عمر (ت ٤٦٣ هـ)
تحقيق : مصطفى
بن أحمد العلوي ـ محمّد عبدالكبير البكري
نشر : وزارة
عموم الأوقاف والشؤون الإسلاميّة ـ المغرب
الطبعة الاولى
١٣٨٧ هـ
٨٧ ـ تنوير الحوالك على موطأ مالك ١ / ٢ (في مجلد)
للسيوطي ، جلال
الدين عبدالرحمن الشافعي (ت ٩١١ هـ)
نشر : دار
الندوة الجديدة ـ بيروت
٨٨ ـ تهذيب الاحكام = التهذيب ١ / ١٠
للطوسي ، محمّد
بن الحسن ، أبي جعفر (ت ٤٦٠ هـ)
حققه وعلق عليه
: السيّد حسن الموسوي الخرسان
نشر : دار
الكتب الإسلاميّة ـ إيران
٨٩ ـ تهذيب التهذيب ١ / ١٢
للعسقلاني ، أحمد
بن عليّ بن حجر ، أبي الفضل (ت ٨٥٢ هـ)
نشر : مجلس
دائرة المعارف النظامية ، حيدرآباد ـ الهند
الطبعة الاولى
١٣٢٥ هـ
٩٠ ـ تهذيب الكمال ١ / ٣٥
للمزي ، جمال
الدين أبي الحجاج يوسف (ت ٧٤٢ هـ)
حققه وضبط نصه
وعلق عليه : الدكتور بشار عواد
نشر : مؤسسة
الرسالة ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤١٣ هـ ـ ١٩٩٢ م
٩١ ـ التوحيد
لابن بابويه
القمي ، محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه ، أبي جعفر (ت ٣٨١ هـ)
تحقيق : السيّد
هاشم الحسيني الطهراني
نشر : مؤسسة
النشر الإسلامي ، قم ـ إيران
٩٢ ـ ثقات ابن حبان = (كتاب الثقات) ١ / ٩
لابي حاتم
البستي ، محمّد بن حبان بن أحمد التميمي (ت ٣٥٤ هـ)
نشر : مطبعة
مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن ـ الهند
الطبعة الاولى
٩٣ ـ جامع أحاديث الشيعة ١ / ٣٠
للبروجردي ، السيّد
حسين الطباطبائي (ت ١٢٧٦ هـ)
تأليف ونشر : الشيخ
إسماعيل المعزي الملايري
طبع في مطبعة
مهر / قم ـ إيران سنة ١٤١٣ هـ
٩٤ ـ جامع البيان في تفسير القرآن ١ / ٣٠ (في ١٢ مجلد)
للطبرسي ، محمّد
بن جرير ، أبي جعفر (ت ٣١٠ هـ)
طبع : المطبعة
الكبرى الاميرية ـ مصر ، أوفسيت دار المعرفة ـ بيروت ١٤٠٩ هـ ـ ١٩٨٩ م
٩٥ ـ جامع الأخبار = معارج اليقين في أصول الدين
للسبزواري ، محمّد
بن محمّد ، (من أعلام القرن السابع الهجري)
تحقيق : علاء
آل جعفر
نشر : مؤسسة آل
البيت ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤١٤ هـ
٩٦ ـ الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير
للسيوطي ، جلال
الدين عبدالرحمن بن أبي بكر (ت ٩١١ هـ)
نشر : دار
الفكر ، بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤٠١ هـ ـ ١٩٨١ م
٩٧ ـ الجامع للشرايع
يحيى بن سعيد (ت
٦٩٠ هـ)
نشر : مؤسسة
سيّد الشهداء ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤٠٥ هـ
٩٨ ـ الجرح والتعديل للرازي ١ / ٩
لابن أبي حاتم
الرازي ، عبدالرحمن بن أبي حاتم محمّد بن ادريس بن المنذر التميمي الحنظلي (ت ٣٢٧
هـ)
نشر : دار
احياء التراث العربي ، بيروت
أوفسيت عن
الطبعة الاولى لمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية ، حيدر آباد الدكن ـ الهند
١٣٧٣ هـ ـ ١٩٥٢ م
٩٩ ـ جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار
للصعدي ، محمّد
بن يحيى بن محمّد بن أحمد (ت ٩٥٧ هـ)
نشر : مؤسسة
الرسالة ـ بيروت ـ لبنان
طبع سنة ١٣٧٩
هـ
١٠٠ ـ الجواهر الحسان في تفسير القران = تفسير الثعالبي
للثعالبي ، عبدالرحمن
(ت ٨٧٥ هـ)
حققه وخرج
أحاديثه : أبو محمّد الغماري الادريسي الحسني
طبعه دار الكتب
العلمية ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤١٦ ـ ١٩٩٦ م
١٠١ ـ جواهر الفقه
لابن برّاج
الطرابلسي ، عبدالعزيز بن برّاج (ت ٤٨١ هـ)
تحقيق : إبراهيم
بهادري
نشر : مؤسسة
النشر الإسلامي ـ قم
الطبعة الاولى
١٤١١ هـ
١٠٢ ـ جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ١ / ٤٣
للنجفي ، الشيخ
محمّد حسن (ت ١٢٦٦ هـ)
تحقيق : الشيخ
عليّ الآخوندي والشيخ عبّاس القوجاني وغيرهما
نشر : دار
الكتب الإسلاميّة ـ طهران ـ إيران
الطبعة الاولى
١٣٩٢ هـ
١٠٣ ـ جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام
للباعوني
الشافعي ، محمّد بن أحمد الدمشقي (ت ٨٧١ هـ)
تحقيق : الشيخ
محمّد باقر المحمودي
نشر : مجمع
إحياء الثقافة الإسلاميّة ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤١٥ هـ
١٠٤ ـ الجوهر النقي (بهامش السنن الكبرى)
لابن التركماني
، علاء الدين بن عليّ بن عثمان المارديني (ت ٧٤٥ هـ)
نشر : دار
المعرفة ، بيروت ـ لبنان
١٠٥ ـ الحاوي الكبير ـ وهو شرح مختصر المزني ـ ١ / ١٨
للماوردي
البصري ، علي بن محمد بن حبيب (ت هـ)
تحقيق : الشيخ
علي محمد معوض والشيخ عادل احمد عبدالموجود
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤١٤ هـ ـ ١٩٩٤ م
١٠٦ ـ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير
للدسوقي ، محمّد
بن عرفة (ت ١٢٣٠ هـ)
نشر : دار
احياء الكتب العربي ، بيروت لبنان
١٠٧ ـ حاشية السندي (المطبوع بهامش سنن النسائي)
للسندي ، نور
الدين بن عبدالهادي ، أبي الحسن (ت ١١٣٨ هـ)
نشر : دار
احياء التراث العربي
١٠٨ ـ الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة
للبحراني ، الشيخ
يوسف (ت ١١٨٦ هـ)
تحقيق : الشيخ
محمّد تقي الايرواني
نشر : مؤسسة
النشر الإسلامي ـ قم ـ إيران
١٠٩ ـ حلية الأبرار في أحوال محمّد وآله الأطهار عليهمالسلام
للبحراني ، السيّد
هاشم (ت ١١٠٧ هـ)
تحقيق : الشيخ
غلام رضا مولانا البحراني
نشر : مؤسسة
المعارف الإسلاميّة ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤١١ هـ
١١٠ ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ١ / ١٠
للاصبهاني ، أحمد
بن عبدالله ، أبي نعيم (ت ٤٣٠ هـ)
نشر : دار
الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة الخامسة
١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧ م
١١١ ـ حيّ على خير العمل بين الشرعية والابتداع
لمحمد سالم
عزّان (معاصر)
نشر : النور
للدراسات والبحوث والتحقيق ـ صعدة ـ اليمن
الطبعة الاولى
١٤١٩ هـ ـ ١٩٩٩ م
١١٢ ـ الخصال
لابن بابويه
القمي ، محمّد بن عليّ بن الحسين ، أبي جعفر (ت ٣٨١ هـ)
صحّحه وعلّق
عليه : الاستاذ عليّ أكبر الغفاري
نشر : جماعة
المدرسين ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤٠٣ هـ
١١٣ ـ خطط الشام ١ / ٦ في ثلاثة مجلدات
لمحمد كرد عليّ
(ت ١٩٥٣ هـ)
نشر : مكتبة
النوري ـ دمشق ـ سوريا
الطبعة الثالثة
١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣ م
١١٤ ـ الدارس في تاريخ المدارس ١ / ٢
للنعيمي الدمشقي
، عبدالقادر بن محمّد (ت ٩٧٨ هـ)
تحقيق : إبراهيم
شمس الدين
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤١٠ هـ ـ ١٩٩٠ م
١١٥ ـ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة
للشيرازي ، السيّد
عليّ خان المدني (ت ١١٢٠ هـ)
نشر : مكتبة
بصيرتي ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٣٩٧ هـ
١١٦ ـ الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة
لابي الفضل ، أحمد
بن عليّ بن محمّد (ت ٨٥٢ هـ)
تحقيق : محمّد
عبدالمعيد خان
نشر : مطبعة
مجلس دائرة المعارف العثمانية ـ حيدرآباد ـ الهند
الطبعة الثانية
١٩٧٢ م
١١٧ ـ الدر المنثور ١ / ٦
للسيوطي ، جلال
الدين عبدالرحمن (ت ٩١١ هـ)
منشورات مكتبة
آية الله العظمى المرعشي النجفي
قم ـ إيران ، ١٤٠٤
هـ
١١٨ ـ دعائم الإسلام ١ / ٢
للتميمي
المغربي ، النعمان بن محمّد بن منصور بن حيون ، أبي حنيفة (ت ٣٦٣ هـ)
تحقيق : آصف بن
عليّ أصغر فيضي
نشر : دار
المعارف ـ القاهرة ١٣٨٣ هـ ـ ١٩٦٣ م
١١٩ ـ الدعوات
للقطب الراوندي
، سعد بن هبة الله ، أبي الحسين (ت ٥٧٣ هـ)
تحقيق ونشر : مدرسة
الإمام المهدي ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤٠٧ هـ
١٢٠ ـ دفع الشبه عن الرسول والرسالة
للحصني ، أبي
بكر بن محمّد بن عبدالمؤمن تقي الدين (ت ٨٢٩ هـ)
تحقيق : جماعة
من العلماء
نشر : دار
إحياء الكتاب العربي ـ القاهرة
الطبعة الثانية
١٤١٨
١٢١ ـ الديباج
للسيوطي ، عبدالرحمن
بن أبي بكر ، أبي الفضل (ت ٩١١ هـ)
تحقيق : أبو
إسحاق الجويني الأثري
نشر : دار ابن
عفان ـ الخبر ـ السعودية
الطبعة الاولى
١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٦ م
١٢٢ ـ ديوان الشافعي
للشافعي ، محمّد
بن إدريس (ت ٢٠٤ هـ)
نشر : دار
احياء التراث العربي
بيروت ـ لبنان
١٢٣ ـ ديوان الحماني
للحماني العلوي
الكوفي ، عليّ بن محمّد بن جعفر بن عليّ (ت ٢٤٥ هـ)
تحقيق : الدكتور
محمّد حسين الاعرجي
طبع : دار صادر
في بيروت
الطبعة الاولى
سنة ١٩٩٨ هـ
١٢٤ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١ / ٢٦
للطهراني ، آقا
بزرك (ت ١٣٨٩ هـ)
نشر : دار
الاضواء ـ بيروت
الطبعة الثانية
١٤٠٣ هـ
١٢٥ ـ ذكرى الشيعة ١ / ٤
للجز يني
العاملي ، محمّد بن جمال الدين مكي ، المعروف بـ الشهيد الاول ، (ت ٧٨٦ هـ)
تحقيق : مؤسسة
آل البيت : لاحياء التراث
طبع : مطبعة
ستارة ـ قم
الطبعة الاولى
١٤١٩ هـ
١٢٦ ـ رأب الصدع = العلوم
للمرادي المقرئ
، محمّد بن منصور (ت ٢٩٠ هـ)
جمع فيه أمالي
أحمد بن عيسى مع إضافات حديثية
تحقيق : عليّ
بن إسماعيل بن عبدالله المؤيد
نشر : دار
النفائس ـ بيروت ـ الطبعة الاولى
١٢٧ ـ رحلة ابن بطوطة = تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار
للواتي الطنجي
، محمّد بن عبدالله بن محمّد بن إبراهيم (ت ٧٧٧ هـ)
نشر : دار
الكتاب اللبناني
١٢٨ ـ رحلة ابن جبير
لابن جبير ، محمّد
بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي البلنسي ، أبي الحسين (٦١٤ هـ)
نشر : دار
الكتاب اللبناني
١٢٩ ـ الرسالة
للشافعي ، محمّد
بن إدريس ، أبي عبدالله (ت ٢٠٤ هـ)
تحقيق : أحمد
محمّد شاكر
القاهرة ـ مصر
١٣٥٨ هـ ـ ١٩٣٩ م
١٣٠ ـ رسائل الشريف المرتضى ١ / ٣
للشريف المرتضى
، عليّ بن الحسين بن موسى ، أبي القاسم (ت ٤٣٦ هـ)
تحقيق : السيد
مهدي الرجائي
نشر : دار
القرآن ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤٠٥ هـ
١٣١ ـ روح المعاني ١ / ٣٠ في ١٥ مجلداً
للآلوسي
البغدادي ، شهاب الدين السيّد محمود ، أبي الفضل (ت ١٢٧٠ هـ)
عني بنشره
وتصحيحه والتعليق عليه : محمود شكري الالوسي
طبع : ادارة
الطباعة المنيرية ـ اوفسيت دار احياء التراث العربي ـ بيروت
الطبعة الرابعة
١٤٠٥ هـ ـ ١٩٨٥ م
١٣٢ ـ الروض الأُنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام
للسهيلي
الخثعمي ، عبدالرحمن بن عبدالله (ت ٥٨١ هـ)
تحقيق : مجدي
منصور الشورى
نشر : دار
الكتب العلمية ، بيروت
الطبعة الاولى
١٤١٨ هـ ـ ١٩٩٧ م
١٣٣ ـ الروض النضير
للسياغي ، شرف
الدين ، الحسين بن أحمد (ت ١٢٢١ هـ)
نشر : مكتبة
المؤيد ـ الطائف الطبعة الثانية
١٣٤ ـ الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية ١ / ٤
لابي شامه
المقدسي ، شهاب الدين عبدالرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم (ت ٦٦٥ هـ)
تحقيق : إبراهيم
الزيبق
نشر : مؤسسة
الرسالة ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٩٩٧ م
١٣٥ ـ زاد المسير في علم التفسير
للجوزي القرشي
، جمال الدين عبدالرحمن بن عليّ بن محمّد أبي الفرج (ت ٥٩٧ هـ)
تحقيق : محمّد
بن عبدالرحمن بن عبدالله
نشر : دار
الفكر ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤٠٧ هـ
١٣٦ ـ زبدة الحلب من تاريخ حلب ١/٢
لابن العديم ، كمال
الدين ، عمر بن أحمد بن أبي جرادة (ت ٦٦٠ هـ)
تحقيق : سهيل
زكار
نشر : دار
الكتاب العربي ـ دمشق والقاهرة
الطبعة الاولى
١٤١٨ هـ ـ ١٩٩٧ م
١٣٧ ـ سبل السلام ١ / ٤ في مجلدين
للصنعاني ، محمّد
بن إسماعيل الكحلاني المعروف بالأمير ـ (ت ١١٨٢ هـ)
تحقيق : محمّد
عبدالعزيز الخولي
نشر : دار
احياء التراث العربي ـ بيروت
الطبعة الرابعة
١٣٧٩ هـ ـ ١٩٦٠ م
١٣٨ ـ سبل الهدى والرشاد
للصالحي الشامي
، محمّد يوسف (ت ٩٤٢ هـ)
تحقيق : الشيخ
عادل أحمد عبدالموجود ، والشيخ عليّ محمّد معوض
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤١٤ هـ
١٣٩ ـ سعد السعود
لابن طاووس ، عليّ
بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، رضي الدين ، أبي القاسم (ت ٦٦٤ هـ)
نشر : المطبعة
الحيدرية ـ النجف
الطبعة الاولى
١٣٦٩ هـ
١٤٠ ـ سفر نامه حكيم ناصر خسرو قبادياني (ت ٤٥٣٠ هـ) (باللغة الفارسية)
تصحيح : غني
زاده
نشر : انتشارات
منوجهري
المطبعة : كلشن
السنة : ١٣٧٢ هـ ش
١٤١ ـ سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي ١ / ٤
للعصـامي
المكـي ، عبـد المـلك بن حسـين بن عبـد المـلك الشـافعـي (ت ١١١١ هـ)
تحقيق : الشيخ
عادل أحمد عبدالموجود والشيخ عليّ محمّد معوض
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤١٩ هـ ـ ١٩٩٨ م
١٤٢ ـ سنن أبي داود ١ / ٤
للسجستاني
الازدي ، سليمان بن الأشعث أبي داود (ت ٢٧٥ هـ)
تحقيق : محمّد
محيي الدين عبدالحميد
نشر : المكتبة
العصرية ـ بيروت
١٤٣ ـ سنن ابن ماجة ١ / ٢
للقزويني ، محمّد
بن يزيد أبي عبدالله (ت ٢٧٥ هـ)
تحقيق : محمّد
فؤاد عبدالباقي
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
١٤٤ ـ سنن الترمذي ١ / ٥
للترمذي ، محمّد
بن عيسى بن سورة ، أبي عيسى (ت ٢٩٧ هـ)
تحقيق وشرح : أحمد
محمّد شاكر
نشر : دار
احياء التراث العربي ـ بيروت ١٣٥٧ هـ ـ ١٩٣٨ م
١٤٥ ـ السنن الكبرى ١ / ١٠ (رحلي)
للبيهقي ، أحمد
بن الحسين بن عليّ أبي بكر (ت ٤٥٨ هـ)
نشر : دار
المعرفة ـ بيروت
١٤٦ ـ سنن النسائي ١ / ٨ في أربعة مجلدات
للنسائي ، أحمد
بن شعيب بن عليّ بن بحر ، أبي عبدالرحمن (ت ٣٠٣ هـ)
نشر : دار
احياء التراث العربي ـ بيروت
١٤٧ ـ سير أعلام النبلاء ١ / ٢٥ (مع الفهارس)
للذهبي ، شمس
الدين محمّد بن أحمد بن عثمان (ت ٧٤٨ هـ ـ ١٣٧٤ م)
تحقيق : شعيب
الارنؤوط ، محمّد نعيم العرقسوسي
نشر : مؤسسة
الرسالة ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الرابعة
١٤٠٦ هـ ـ ١٩٨٦ م
١٤٨ ـ السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون ١ / ٣ (رحلي)
للحلبي ، عليّ
بن برهان الدين (ت ١٠٤٤ هـ)
نشر : دار
المعرفة ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤٠٠ هـ
١٤٩ ـ السيرة النبوية = سيرة ابن هشام ١ / ٤
لابن هشام
الحميري ، عبدالملك بن هشام بن أيوب (ت ٢١٣ هـ أو ٢١٨ هـ)
تحقيق : مصطفى
السقا ، إبراهيم الابياري ، عبدالحفيظ شلبي
نشر : دار
احياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان
١٥٠ ـ السيرة النبوية = سيرة ابن كثير
لأبي الفداء ، إسماعيل
بن كثير (ت ٧٧٤ هـ)
تحقيق : مصطفى
عبدالواحد
نشر : دار
احياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان
١٥١ ـ شذرات الذهب في أخبار من ذهب ١ / ٨ في أربعة مجلدات
للحنبلي ، عبدالحي
ابن العماد ، أبي الفلاح (ت ١٠٨٩ هـ)
نشر : دار
الافاق الجديدة ـ بيروت ـ لبنان
١٥٢ ـ شرح التجريد
للقوشجي ، علاء
الدين (ت ٨٧٩ هـ)
نشر : منشورات
الرضي ـ ايران ـ قم
١٥٣ ـ شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار ١ / ٣
للتميمي
المغربي ، النعمان بن محمّد أبي حنيفة (ت ٣٦٣ هـ)
تحقيق : السيّد
محمّد حسين الجلالي
نشر : مؤسسة
النشر الإسلامي ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤٠٩ هـ
١٥٤ ـ شرح صحيح مسلم للإمام النووي ١ / ١٦ في ٨ مجلدات
للنووي الشافعي
، يحيى بن شرف ، محيي الدين ، أبي زكريا (ت ٦٧٦ هـ)
راجعه : الشيخ
خليل الميس
نشر : دار
القلم ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧ م
١٥٥ ـ الشرح الكبير (المطبوع بهامش المغني) ١ / ١٢
لابن قدامة
المقدسي ، عبدالرحمن بن أبي عمر ، شمس الدين ، أبي الفرج (ت ٦٨٢ هـ)
طبعة جديدة
بالأوفسيت ، طبع دار الكتاب العربي ـ بيروت.
١٥٦ ـ شرح الزرقاني علي موطا الإمام مالك ١ / ٤
للزرقاني ، محمد
(ت هـ)
نشر : دار
الجيل ـ بيروت
١٥٧ ـ شرح المقاصد
للتفتازاني ، مسعود
بن عمر بن عبدالله ، الشهير بسعد الدين (ت ٧٩٣ هـ)
تحقيق : عبدالرحمن
عميرة
نشر : منشورات
الشريف الرضي ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤٠٩ هـ ـ ١٩٨٩ م
١٥٨ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٢٠ في عشرة مجلدات
لابن أبي
الحديد المدائني ، عز الدين بن هبة الله بن محمّد بن محمّد بن الحسين بن أبي
الحديد ، أبي حامد (ت ٦٥٥ هـ أو ٦٥٦ هـ)
تحقيق : محمّد
أبي الفضل إبراهيم
نشر : دار
احياء التراث العربي ـ بيروت
الطبعة الثانية
١٣٨٥ هـ ـ ١٩٦٥ م
١٥٩ ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى
للحصبي ، عياض
، أبي الفضل (ت ٥٤٤ هـ)
نشر : دار
الفكر ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤٠٩ هـ ـ ١٩٨٨ م
١٦٠ ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ١ / ٣
للحسكاني ، عبدالله
بن عبدالله بن أحمد المعروف بالحاكم
(من أعلام
القرن الخامس)
تحقيق : الشيخ
محمّد باقر المحمودي
نشر : مؤسسة
الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ـ طهران ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤١١ هـ ـ ١٩٩٠ م
١٦١ ـ صبح الاعشى في صناعة الإنشا ١ / ١٤
القلقشندي ، أحمد
بن عليّ (ت ٨٢١ هـ)
تحقيق : نبيل
خالد الخطيب
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧ م
١٦٢ ـ صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان
لابن بلبان
الفارسي ، علاء الدين عليّ بن بلبان (ت ٧٣٩ هـ)
تحقيق : شعيب
الارنؤوط
نشر : مؤسسة
الرسالة ـ بيروت
الطبعة الثالثة
١٤١٨ هـ ـ ١٩٩٧ م
١٦٣ ـ صحيح ابن خزيمة ١ / ٤
لابن خزيمة
السلمي النيسابوري ، محمّد بن إسحاق بن خزيمة ، أبي بكر (ت ٣١١ هـ)
حققه وعلق عليه
: الدكتور محمّد مصطفى الأعظمي
نشر : المكتب
الإسلامي ـ بيروت
الطبعة الثانية
١٤١٢ هـ ـ ١٩٩٢ م
١٦٤ ـ صحيح البخاري ١ / ٩ في اربعة مجلدات
للبخاري ، محمّد
بن إسماعيل بن إبراهيم ، أبي عبدالله (ت ٢٥٦ هـ)
شرح وتحقيق : الشيخ
قاسم الشماعي الرفاعي
نشر : دار
القلم ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧ م
١٦٥ ـ صحيح مسلم ١ / ٤
للقشيري
النيسابوري ، مسلم بن الحجاج ، أبي الحسين (ت ٢٦١ هـ)
تحقيق : محمّد
فؤاد عبدالباقي
نشر : دار
الفكر ـ بيروت
الطبعة الثانية
١٣٨٩ هـ ـ ١٩٧٨ م
١٦٦ ـ صحيفة الإمام الرضا عليهالسلام
تحقيق : الشيخ
محمّد مهدي نجف
نشر : المؤتمر
العالمي للإمام الرضا عليهالسلام
طبع الاستانة
الرضوية ـ مشهد ١٤٠٦ هـ
١٦٧ ـ الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم ١ / ٣
للبياضي ، عليّ
بن يونس العاملي النباطي ، أبي محمّد (ت ٨٧٧ هـ)
تحقيق : محمّد
باقر البهبودي
نشر : المكتبة
المرتضوية لاحياء الاثار الجعفرية ـ إيران
١٦٨ ـ الصواعق المحرقة
لليهثمي المكي
، أحمد بن حجر (ت ٨٩٩ هـ)
نشر : مكتبة
القاهرة ـ مصر
١٦٩ ـ الضعفاء الكبير ١ / ٤
للعقيلي المكي
، محمّد بن عمرو بن موسى بن حماد أبي جعفر (ت ٣٢٢ هـ)
تحقيق : عبدالمعطي
أمين قلعجي
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الثانية
١٤١٨ هـ
١٧٠ ـ الضعفاء والمتروكين
للذهبي الدمشقي
، شمس الدين بن عثمان بن قايماز (ت ٧٤٨ هـ)
نشر : دار
القلم ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٨ م
١٧١ ـ طب الأئمّة
للنيسابوريَّين
، عبدالله بن سابور الزيات ، والحسين بن بسطام (ت ٢٦٢ هـ) النيسابوريين
نشر : منشورات
الرضي ـ قم ـ إيران
الطبعة ـ
الثانية ١٣٦٣ بالاوفسيت عن المطبعة الحيدرية ـ النجف الاشرف ـ العراق سنة ١٣٨٥ هـ
ـ ١٩٦٥ م
١٧٢ ـ طبقات أعلام الشيعة
للطهراني ، آغا
بزرك (ت هـ)
تحقيق ولده : عليّ
نقي منزوي
نشر : مؤسسة
اسماعيليان ، قم ـ إيران
الطبعة الثانية
١٧٣ ـ الطبقات الكبرى = طبقات ابن سعد ١ / ٩
لابن سعد ، محمّد
بن سعد كاتب الواقدي (ت ٢٣٠ هـ)
قدم له : الدكتور
إحسان عباس
نشر : دار
بيروت للطباعة والنشر ـ بيروت
١٤٠٥ هـ ـ ١٩٨٥
م
١٧٤ ـ العبر في خبر من غبر
للذهبي ، محمّد
بن أحمد بن عثمان بن قايماز (ت ٧٤٨ هـ)
تحقيق : صلاح
الدين المنجد
نشر : مطبعة
حكومة الكويت
الطبعة الثانية
(مصورة) ، ١٩٤٨ م
١٧٥ ـ علل الشرايع
للصدوق ، محمّد
بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، أبي جعفر (ت ٣٨١ هـ)
قدم له : السيّد
محمّد صادق بحر العلوم
نشر : منشورات
المكتبة الحيدرية ـ النجف
الطبعة الثانية
١٣٨٥ هـ ـ ١٩٦٦ م
أعادت طباعته
مكتبة الداوري ـ قم ـ إيران
١٧٦ ـ العلل ومعرفة الرجال ١ / ٤
لاحمد بن محمّد
بن حنبل (ت ٢٤١ هـ)
تحقيق : وصي
الله بن محمّد عباس
نشر : المكتب
الإسلامي ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٨ م
١٧٧ ـ عمدة القارئ ١ / ٢٥ في ١٢ مجلد
للعيني بدر
الدين محمود بن احمد (ت ٨٥٥ هـ)
نشر : دار
الفكر ـ بيروت ١٤١٥ هــ ١٩٩٥ م.
١٧٨ ـ عون المعبود ١ / ١٤
شرح سنن ابي
داود
للعظيم ابادي ،
محمد شمس الحق (ت هـ)
١٧٩ ـ عيون أخبار الرضا ١ / ٢
للصدوق ، محمّد
بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القميّ ، أبي جعفر
(ت ٣٨١ هـ)
من منشورات
المطبعة الحيدرية ـ النجف أوفسيت منشورات الاعلمي ـ طهران ١٣٩٠ هـ ـ ١٩٧٠ م
١٨٠ ـ الغريبين في القرآن والحديث
للهروي ، أحمد
بن محمّد صاحب الأزهري ـ أبي عبيد (ت ٤٠١ هـ)
تحقيق : أحمد
فريد المزيدي
نشر : المكتبة
العصرية ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤١٩ هـ ـ ١٩٩٩ م
١٨١ ـ الغدير في الكتاب والسنة والادب ١ / ١١
للأميني النجفي
، عبدالحسين أحمد (ت ١٣٩٢ هـ)
نشر : دار
الكتاب العربي ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الثالثة
١٣٨٧ هـ ـ ١٩٦٧ م
١٨٢ ـ الغيبة
للنعـمانـي ، محـمـد
بـن إبراهـيم بن جعفـر المعـروف بابن أبي زيـنب (ت ٣٨٠ هـ)
نشر : مؤسسة
الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣ م
١٨٣ ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ١ / ١٣
للعسقلاني ، أحمد
بن عليّ بن محمّد شافع شهاب الدين ، أبي الفضل (ت ٨٥٢ هـ)
طبع : المطبعة
البهية بمصر ، طبعة ١٣٤٨ هـ
أوفسيت : دار
إحياء التراث العربي ـ بيروت ١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٨ م
١٨٤ ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري ١ / ٧
لابن رجب
الحنبلي زين الدين عبدالرحمن بن شهاب الدين البغدادي الدمشقي (ت ٧٩٥ هـ)
تحقيق : طارق
بن عوض الله بن محمد
نشر : دار ابن
الجوزي / المملكة العربية السعودية
الطبعة الاولى
١٤١٧ هـ ـ ١٩٩٦
١٨٥ ـ فتح المعين بشرح قرة العين ١ / ٤ في مجلدين
للمليباري
الشافعي ، زين الدين بن عبدالعزيز (ت هـ)
مطبوع بهامش
اغاثة الطالبيين
نشر : دار
احياء التراث العربي / بيروت
١٨٦ ـ فتح المالك على موطأ الإمام مالك ١ / ١٠
لابن عبدالبر
النمري القرطبي المالكي ، جمال الدين يوسف بن عمر بن عبدالبر ، أبي عمر (ت ٤٦٣ هـ)
تحقيق : الاستاذ
الدكتور مصطفى صميدة
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤١٨ هـ ـ ١٩٩٨ م
١٨٧ ـ الفتوح ١ / ٣
لابن اعثم
الكوفي ، أحمد بن أعثم ، أبي محمّد (ت نحو ٣١٤ هـ)
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤٠٦ هـ ـ ١٩٨٦ م
١٨٨ ـ الفتوحات الربانية على الأذكار النووية ١ / ٢
للصديقي
الشافعي ، محمّد بن علان (ت ١٠٥٧ هـ)
نشر : المكتبة
الإسلاميّة ، مصر
أوفسيت دار
إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان
١٨٩ ـ الفتوحات المكية
لابن عربي
الحاتمي الطائي ، محمّد بن عليّ (ت ٦٣٨ هـ)
نشر : دار صادر
ـ بيروت ـ لبنان
١٩٠ ـ الفردوس بمأثور الخطاب ١ /
للديلمي
الهمداني ، شيرويه بن شهردار بن شيرويه ، أبي شجاع الملقب «الكيا» (ت ٥٠٩ هـ)
تحقيق : السعيد
بن بسيوني زغلول
دار الكتب
العلمية ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤٠٦ هـ ـ ١٩٨٦ م
١٩١ ـ فضائل الصحابة ١ / ٢
لاحمد بن حنبل
(ت ٢٤١ هـ)
تحقيق : وصي
الله محمّد عباس
نشر : مؤسسة
الرسالة ، بيروت
الطبعة الاولى
١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣ م
١٩٢ ـ فضل الصلاة على النبيّ
للجضمي القاضي
المالكي ، إسماعيل بن إسحاق (ت ٢٨٢ هـ)
تحقيق : محمّد
ناصر الدين الالباني
المركز الإسلامي
ـ بيروت
الطبعة الثالثة
١٣٩٧ هـ
١٩٣ ـ فيض القدير شرح جامع الصغير ١ / ٦
للمناوي ، محمّد
المدعو بعبدالروؤف (ت ١٣٣١ هـ)
نشر : دار
الفكر ـ بيروت ـ لبنان ١٣٩١ هـ ـ ١٩٧٢ م
الطبعة الثانية
١٩٤ ـ الكافي ١ / ٨
للكليني ، محمّد
بن يعقوب بن إسحاق (أبي جعفر) (ت ٣٢٩ هـ)
صححه وقابله : الاستاذ
عليّ أكبر الغفاري
نشر : دار
الكتب الإسلاميّة ـ طهران
الطبعة الثانية
١٩٥ ـ الكامل في التاريخ ١ / ٩
لابن الأثير
الجزري ، محمّد بن محمّد بن عبدالكريم بن عبدالواحد الشيباني (ت ٦٣٠ هـ)
نشر : دار
الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة الثالثة
١٤٠٠ هـ ـ ١٩٨٠ م
١٩٦ ـ الكامل في ضعفاء الرجال ١ / ٨
لابن عدي
الجرجاني ، عبدالله بن عدي ، أبي أحمد (ت ٣٦٠ هـ)
تحقيق : سهيل
زكار
نشر : دار
الفكر ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الثالثة
١٤٠٩ هـ ـ ١٩٨٨ م
١٩٧ ـ كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس
للعجلوني ، اسماعيل
بن محمّد (ت ١١٦٢ هـ)
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الثالثة
١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٨ م
١٩٨ ـ كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء
لكاشف الغطاء ،
الشيخ جعفر النجفي (ت ١٢٢٨ هـ)
نشر : انتشارات
مهدوي ـ اصفهان ـ إيران
طبعة حجرية
١٩٩ ـ كشف الغمة عن جميع الأمة ١ / ٢
للشعراني ، عبدالوهاب
(ت ٩٧٣ هـ ـ ١٥٦٥ م)
نشر : المكتبة
العلمية ـ بيروت
٢٠٠ ـ كشف الغمة في معرفة الأئمّة ١ / ٢
للاربلي ، عليّ
بن عيسى بن أبي الفتح (ت ٦٩٣ هـ)
تعليق : هاشم
الرسولي
اهتم بطبعة
الحاج السيّد عليّ بني هاشمي
٢٠١ ـ كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين
للحلي ، الحسن
بن يوسف بن المطهر (ت ٧٢٦ هـ)
تحقيق : حسن
الدركاهي
الطبعة الاولى
١٤١١ هـ ـ إيران
٢٠٢ ـ كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثني عشر
للخزاز القميّ
، عليّ بن محمّد بن عليّ الخزاز ، أبي القاسم (من أعلام القرن الرابع)
تحقيق : عبداللطيف
الحسيني الكوه كمري النحوي
نشر : انتشارات
بيدار ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤٠١ هـ
٢٠٣ ـ كمال الدين وتمام النعمة
لابن بابويـه
القـمّي ، محمـد بن عليّ بن الحسـين بن بابويـة ، أبي جعفـر (ت ٣٨١ هـ)
تعليق : عليّ
أكبر الغفاري
نشر : مكتبة
الصدوق ـ طهران ـ إيران
٢٠٤ ـ كنز العرفان في فقه القرآن
للسيوري ، جمال
الدين المقداد بن عبدالله (ت ٨٢٦ هـ)
نشر : المكتبة
المرتضوية لاحياء الأثار الجعفرية ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٣٤٨ هـ
٢٠٥ ـ كنز العمال ١ / ١٦
للمتقي الهندي
، علاء الدين عليّ المتقي بن حسام الدين البرهان فوري (ت ٩٧٥ هـ)
ضبطه وفسر
غريبه : الشيخ بكري حياني
تصحيح : الشيخ
صفوة السقا
نشر : مؤسسة
الرسالة ـ بيروت
الطبعة الخامسة
١٤٠٥ هـ ـ ١٩٨٥ م
٢٠٦ ـ الكنز المدفون والفلك المشحون
للسيوطي ، جلال
الدين عبدالرحمن (ت ٩١١ هـ)
نشر : المطبعة
اليمينية ـ مصر
الطبعة الاولى
١٣٢١ هـ
٢٠٧ ـ لسان الميزان ١ / ٧
للعسقلاني ، أحمد
بن عليّ بن حجر أبي الفضل (ت ٨٥٢ هـ)
نشر : مؤسسة
الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الثالثة
١٤٠٦ هـ ـ ١٩٨٦ م
٢٠٨ ـ مآثر الانافة في معالم الخلافة ١ / ٣
للقلقشندي ، أحمد
بن عبدالله ، صاحب كتاب صبح الاعشى (ت ٨٢١ هـ)
تحقيق : عبدالستار
أحمد فراج
نشر : عالم
الكتب ـ بيروت
قدم له : صلاح
الدين المنجد
٢٠٩ ـ المبسوط ١ / ٣٠ في ١٥ مجلد
للسرخسي ، شمس
الدين (ت ٤٩٠ هـ)
قام بتصحيح
الكتاب : جماعة من العلماء
نشر : دار
المعرفة ـ بيروت ١٤٠٦ هـ ـ ١٩٨٦ م
٢١٠ ـ المبسوط في فقه الإمامية ١ / ١٠
للطوسي ، محمّد
بن الحسن بن عليّ ، أبي جعفر (ت ٤٦٠ هـ)
صححه وعلّق
عليه : السيّد محمّد تقي الكشفي
نشر : المكتبة
الرضوية ـ طهران ـ أوفسيت عن طبعة المطبعة الحيدرية
الطبعة الثالثة
١٣٨٧ هـ
٢١١ ـ مجالس المؤمنين ١ / ٢ (باللغة الفارسية)
للشوشتري ، القاضي
نور الله المعروف بالشهيد الثالث (استشهد سنة ١٠١٠ هـ)
نشر : كتابفروشي
اسلامية ، طهران ١٣٥٤ هـ ش
٢١٢ ـ المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين
للتميمي البستي
، محمّد بن حبان بن أحمد بن أبي حاتم (ت ٣٥٤ هـ)
تحقيق : محمود
إبراهيم زايد
نشر : دار
المعرفة ، بيروت
الطبعة الاولى
١٤١٢ هـ ـ ١٩٩٢ م
٢١٣ ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ١ / ١٠
للهيثمي ، عليّ
بن أبي بكر ، نور الدين (ت ٨٠٧ هـ)
وهو بتحرير
الحافظين العراقي وابن حجر
نشر : دار
الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة الثالثة
١٤٠٢ هـ ـ ١٩٨٢ م
٢١٤ ـ المجموع شرح المهذب ١ / ٢٠
للنووي ، محيي
الدين بن شرف ، أبي زكريا (ت ٦٧٦ هـ)
طبع : دار
الفكر ـ بيروت
٢١٥ ـ المحاسن ١ / ٢
للبرقي ، أحمد
بن محمّد بن خالد ، أبي جعفر (ت ٢٧٤ هـ أو ٢٨٠ هـ)
تحقيق : السيّد
مهدي الرجائي
نشر : المعاونية
الثقافية للمجمع العلمي لأهل البيت : ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤١٣ هـ
٢١٦ ـ المحرر الوجيز في كتاب الله العزيز ١ / ٤
لابن عطية
الاندلسي ، عبدالحق بن غالب بن عطيه ، أبي محمّد (ت ٥٤٦ هـ)
تحقيق : عبدالسلام
عبدالشافي محمّد
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
٤١٣ ـ ١٩٩٣ م
٢١٧ ـ المحصول في علم أصول الفقه ١ / ٢
لفخر الدين
الرازي ، محمّد بن عمر بن الحسين (ت ٦٠٦ هـ)
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
الطبعة ١٤٠٨ هـ
ـ ١٩٨٨ م
٢١٨ ـ المحلى ١ / ١١
لابن حـزم
الاندلسـي ، عليّ بـن أحمـد بن سـعيد بـن حـزم ، أبـي محمـد (ت ٤٥٦ هـ)
تحقيق : لجنة
احياء التراث العربي
نشر : دار
الافاق الجديدة ـ بيروت
٢١٩ ـ مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ١ / ١١
للبوصيري ، أحمد
بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني الشافعي ، شهاب الدين ، أبي العبّاس (ت ٨٤٠ هـ)
تحقيق : سيد
كروي حسن
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤١٧ هـ ـ ١٩٩٦ م
٢٢٠ ـ مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ١ / ٢٩
لابن منظور ، محمّد
بن مكرم (ت ٧١١ هـ)
تحقيق : أحمد
راتب ومحمّد ناجي العمر
نشر : دار
الفكر ـ دمشق
الطبعة الاولى
١٤٠٩ هـ ـ ١٩٨٨ م
٢٢١ ـ مدارك الأحكام ١ / ٨
للعاملي ، السيّد
محمّد بن عليّ الموسوي (ت ١٠٠٩ هـ)
تحقيق : مؤسسة
آل البيت : لاحياء التراث ـ مشهد المقدسة
طبع في مطبعة
مهر ـ قم
الطبعة الاولى
١٤١٠ هـ
٢٢٢ ـ مرآة الجنان وعبرة اليقظان ١ / ٤
لليافعي ، عبدالله
بن أسعد بن عليّ بن سليمان اليمني المكي (ت ٧٦٨ هـ)
نشر : منشورات
الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت
الطبعة الثانية
١٣٩٠ هـ ـ ١٩٧٠ م
أوفسيت عن
مطبعة دائرة المعارف النظامية ـ حيدرآباد ـ الدكن سنة ١٣٣٨ هـ
٢٢٣ ـ المراسيل
لابن أبي حاتم
الرازي ، عبدالرحمن بن محمّد بن إدريس (٣٢٧ هـ)
تحقيق : أحمد
عصام الكاتب
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣ م
٢٢٤ ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر ١ / ٤
للمسعودي ، عليّ
بن الحسين بن عليّ ، أبي الحسن (ت ٣٤٦ هـ)
وضع فهارسها : يوسف
أسعد داغر
الطبعة الثانية
ـ دار الهجرة ـ ١٤٠٤ هـ ـ ١٩٨٤ م
أوفسيت عن
الطبعة الاولى ١٣٨٥ هـ ـ ١٩٦٥ م
٢٢٥ ـ مستدرك سفينة البحار ١ / ١٠
للنمازي
الشاهرودي ، الشيخ عليّ (معاصر)
نشر : قسم
الدراسات الإسلاميّة في مؤسسة البعثة
الطبعة الاولى
١٤٠٩ هـ
٢٢٦ ـ المستدرك على الصحيحين ١ / ٤
للحاكم
النيسابوري ، محمّد بن عبدالله ، أبي عبدالله (ت ٤٠٥ هـ)
نشر : دار
الفكر ـ بيروت
١٣٩٨ هـ ـ ١٩٧٨
م
٢٢٧ ـ مستدرك الوسائل ١ / ١٨
للطبرسي النوري
، الحاج ميرزا حسين (ت ١٣٢٠ هـ)
نشر وتحقيق : مؤسسة
آل البيت لإحياء التراث ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤٠٧ هـ
٢٢٨ ـ المسترشد في امامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام
للطبري ، محمّد
بن جرير بن رستم (ت اوائل القرن الرابع الهجري)
تحقيق : الشيخ
أحمد المحمودي
نشر : المؤسسة
الثقافية الإسلاميّة طبع في قم ـ إيران
الطبعة الاولى
٢٢٩ ـ مسند أبي داود الطيالسي
للطيالسي ، أبي
داود (ت ٢٠٤ هـ)
نشر : دار
الحديث ـ بيروت
٢٣٠ ـ مسند أبي عوانة
لابي عوانه
الاسفراييني ، يعقوب بن إسحاق (ت ٣١٦ هـ)
تحقيق : أيمن
بن عارف الدمشقي
نشر : دار
المعرفة ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٩٩٨ م
٢٣١ ـ مسند أحمد ١ / ٦ (رحلي)
لاحمد بن حنبل
، (ت ٢٤١ هـ)
نشر : دار صادر
ـ بيروت
٢٣٢ ـ مسند زيد بن علي
لزيد بن عليّ
بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (ت ١٢١ هـ)
جمعه : عبدالعزيز
بن إسحاق البغدادي
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان
٢٣٣ ـ مسند الشافعي
للشافعي ، محمّد
بن إدريس ، أبي عبدالله (ت ٢٠٤ هـ)
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
اُوفسيت عن
مطبعة بولاق الاميرية
٢٣٤ ـ مشارق انوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليهالسلام
للبرسي ، رجب (ت
٨١٣ هـ)
نشر : منشورات
الشريف الرضي ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤١٤ هـ
٢٣٥ ـ المصنّف ١ / ١١
للصنعاني ، عبدالرزاق
بن همام ، أبي بكر (ت ٢١١ هـ)
عني بتحقيقه
وتخريج أحاديثه والتعليق عليه : الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي
من منشورات
المجلس العلمي ـ بيروت
٢٣٦ ـ مصنفات الشيخ المفيد ١ / ١٤
للمفيد ، محمّد
بن محمد بن النعمان العكـبري البغدادي ، أبي عبد الله (ت ٤١٣ هـ)
نشر : المؤتمر
العالمي لألفية المفيد
الطبعة الاولى
١٤١٣ هـ ـ قم ـ إيران
٢٣٧ ـ المصنّف في الأحاديث والآثار ١ / ٩
(مصنّف بن أبي
شيبة)
لابن أبي شـيبة
الكوفي العبسـي ، عبدالله بن محمّد بن أبي شيبة ، أبي بكر (ت ٢٣٥ هـ)
ضبطه وصححه : محمّد
عبدالسلام شاهين
دار الكتب
العلمية ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٥ م
٢٣٨ ـ المعارف
لابن قتيبة
الدينوري ، عبدالله بن مسلم بن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ)
نشر : دار الكتب
العلمية ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧ م
٢٣٩ ـ معاني الأخبار
للصدوق ، محمّد
بن عليّ بن الحسين بن بابوية القميّ (ت ٣٨١ هـ)
عنى بتصحيحه : عليّ
أكبر الغفاري
انتشارات
اسلامي ـ قم
الطبعة الثانية
١٣٧٩ هـ
٢٤٠ ـ معجم الأدباء ١ / ٢٠ (في عشر مجلدات)
للحموي ، ياقوت
بن عبدالرومي (ت ٦٢٦ هـ)
نشر : دار
الفكر
الطبعة الثالثة
١٤٠٠ هـ ـ ١٩٨٠ م
٢٤١ ـ المعجم الاوسط ١ / ١١
للطبراني ، سليمان
بن أحمد ، أبي القاسم (ت ٣٦٠ هـ)
تحقيق : الدكتور
محمود الطحان
نشر : مكتبة
المعارف ـ الرياض
الطبعة الاولى
١٤١٥ هـ ـ ١٩٩٥ م
٢٤٢ ـ معجم البلدان ١ / ٥
للحموي ، ياقوت
بن عبدالله الرومي البغدادي ، شهاب الدين ، أبي عبدالله (ت ٦٢٦ هـ)
نشر : دار صادر
ـ بيروت
٢٤٣ ـ معجم رجال الحديث ١ / ٢٤
للخوئي ، السيّد
أبي القاسم الموسوي (ت ١٤١٣ هـ)
الطبعة الخامسة
٤١٣ هـ ـ ١٩٩٢ م
٢٤٤ ـ المعجم الكبير ١ / ٢٥
للطبراني ، سليمان
بن أحمد ، أبي القاسم (ت ٣٦٠ هـ)
حققه : حمدي
عبدالمجيد السلفي
نشر : مكتبة
ابن تيمية ـ القاهرة
٢٤٥ ـ معرفة علوم الحديث
للحاكم
النيسابوري ، محمّد بن عبدالله (ت ٤٠٥ هـ)
شرح ومراجعه : سعيد
محمّد اللحام
نشر : دار
ومكتبة الهلال ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤٠٩ هـ ـ ١٩٨٩ م
٢٤٦ ـ المغني ١ / ١٢
لابن قدامة ، عبدالله
بن أحمد بن محمود بن قدامة ، موفق الدين ، أبي محمّد (ت ٦٣٠ هـ)
طبعه جديد
بالاُوفسيت
نشر دار الكتاب
العربي ـ بيروت
٢٤٧ ـ المغني في الضعفاء ١ / ٢
للذهبي ، محمّد
بن أحمد بن عثمان بن قايماز (ت ٧٤٨ هـ)
تحقيق : نور
الدين عتر
٢٤٨ ـ مقاتل الطالبين
للاصفهاني ، أبي
الفرج (ت ٣٥٦ هـ)
شرح وتحقيق : السيّد
أحمد صقر
نشر : دار
المعرفة ـ بيروت
٢٤٩ ـ المناقب = مناقب الخوارزمي
للخوارزمي ، الموفق
بن أحمد بن محمّد المكي (ت ٥٦٨ هـ)
تحقيق : مالك
المحمودي
نشر : مؤسسة
النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ـ قم ـ إيران
الطبعة الثالثة
١٤١٧ هـ
٢٥٠ ـ المنتخب من مسند عبد بن حميد
لابي محمّد عبد
بن حميد (ت ٢٤٩ هـ)
تحقيق : صبحي
البدري السامرائي ـ محمود محمّد خليل الصعيدي
نشر : مكتبة
النهضة العربية
الطبعة الاولى
١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٨ م
٢٥١ ـ من لا يحضره الفقيه ١ / ٤
للصدوق ، محمد
بن عليّ بن الحسين بن بابويه القميّ ، أبي جعفر (ت ٣٨١ هـ)
علق عليه : عليّ
أكبر الغفاري
نشر : جماعة
المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم ـ إيران الطبعة الثانية
٢٥٢ ـ المنتظم في تاريخ الامم والملوك ١ / ١٦
لابن الجوزي ، عبدالرحمن
بن عليّ بن محمّد ابن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ)
تحقيق : محمّد
عبدالقادر عطا ـ مصطفى عبدالقادر عطا ـ نعيم زرزور
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤١٣ هـ ـ ١٩٩٢ م
٢٥٣ ـ منهاج السنة النبوية
لابن تيمية
الحراني ، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ، أبي العباس (ت ٧٢٨ هـ)
تحقيق : محمّد
رشاد سالم
نشر : مؤسسة
قرطبة ـ مصر
الطبعة الاولى
١٤٠٦
٢٥٤ ـ المهذب
لابن براج
الطبرابلسي ، عبدالعزيز بن البراج (ت ٤٨١ هـ)
تحقيق : الشيخ
جعفر السبحاني
نشر : جامعة
المدرسين ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤٠٦ هـ
٢٥٥ ـ المواعظ والاعتبار = الخطط المقريزية ١ / ٢ (رحلي)
للمقريزي ، أحمد
بن عليّ ، تقي الدين ، أبي العبّاس (ت ٧٤٥ هـ)
أوفست دار صادر
ـ بيروت
٢٥٦ ـ الموطأ
مالك بن أنس (ت
١٧٩ هـ)
تحقيق : محمّد
فؤاد عبدالباقي
نشر : دار
إحياء التراث العربي ـ بيروت
٢٥٧ ـ مواهب الجليل شرح مختصر خليل
للحطاب الرعيني
، محمّد بن محمّد بن عبدالرحمن المغربي ، أبي عبدالله (ت ٩٥٤ هـ)
تحقيق : زكريا
عميرات
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٥ م
٢٥٨ ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال ١ / ٧
للذهبي ، محمّد
بن أحمد ، شمس الدين (ت ٧٤٨ هـ)
تحقيق : عليّ
محمّد معوض ، عادل أحمد عبدالموجود
نشر : دار
الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان
الطبعة الاولى
١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٥ م
٢٥٩ ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
للاتابكي ، يوسف
بن تغري بردي ، أبي المحاسن (ت ٨٧٤ هـ)
نشر : المؤسسة
المصرية العامة ـ مصر
٢٦٠ ـ نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر ١ / ٨
عبد الحي بن
فخر الدين الحسيني (ت ١٣٤١ هـ)
قام بمراجعته
واكماله : أبو الحسن عليّ الحسني الندوي ـ ابن المؤلف
نشر : مطبعة
دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن الهند ١٤٠٢ هـ
٢٦١ ـ نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة ١ / ٨
للتنوحي ، المحسن
بن عليّ ، أبي علي (ت ٣٨٤ هـ)
تحقيق : عبود
الشالجي
الطبعة الاولى
١٣٩١ هـ ـ ١٩٧١ م
٢٦٢ ـ النصائح الكافية لمن يتولى معاوية
لمحمد بن عقيل
بن عبدالله بن عمر بن يحيى العلوي (ت ١٣٥ هـ)
الطبعة الاولى
١٤١٢ هـ ـ مطبعة دار الثقافة
نشر : دار
الثقافة ـ قم ـ إيران
٢٦٣ ـ نصب الراية لأحاديث الهداية ١ / ٤
للزيلعي الحنفي
، عبدالله بن يوسف ، جمال الدين ، أبي محمّد (ت ٧٦٢ هـ)
نشر : دار
احياء التراث العربي ـ بيروت
الطبعة الثالثة
١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧ م
٢٦٤ ـ نظم درر السمطين
للزرندي الحنفي
، محمّد بن يوسف بن الحسن بن محمّد ، جمال الدين (ت ٧٥٠ هـ)
نشر : مكتبة
الإمام أمير المؤمنين ٧
الطبعة الاولى
١٣٧٧ هـ ـ ١٩٥٨ م
٢٦٥ ـ نهاية الإرب في فنون الأدب
للنويري ، أحمد
بن عبدالوهاب (ت ٧٣٣ هـ)
نشر : مطبعة
دار الكتب المصرية ـ القاهرة
الطبعة الاولى
١٣٦٩ هـ ـ ١٩٤٩ م
٢٦٦ ـ نيل الأوطار ١ / ٨
للشوكاني ، محمّد
بن عليّ بن محمّد (ت ١٢٥٥ هـ)
نشر : دار
احياء التراث العربي ـ بيروت
الطبعة الاخيرة
٢٦٧ ـ الهداية شرح البداية
للمرغيناني ، عليّ
بن أبي بكر بن عبدالجليل ، أبي الحسين (ت ٥٩٣ هـ)
نشر : المكتبة
الإسلاميّة ـ بيروت ـ لبنان
٢٦٨ ـ الوسائل إلى معرفة الاوائل
للسيوطي ، عبدالرحمن
، جلال الدين (ت ٩١١ هـ)
تحقيق : عبدالرحمن
الجوزو
نشر : دار
مكتبة الحياة ـ بيروت
الطبعة الاولى
١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٨ م
٢٦٩ ـ وسائل الشيعة ١ / ٣٠
للحر العاملي ،
الشيخ محمّد بن الحسن (ت ١١٠٤ هـ)
تحقيق ونشر : مؤسسة
آل البيت لإحياء التراث قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤٠٩ هـ
٢٧٠ ـ وضوء النبي (المدخل)
لمؤلف هذا
الكتاب
نشر : مؤسسة
جواد الأئمّة ـ مشهد ـ إيران
الطبعة الثانية
١٤١٧ هـ
٢٧١ ـ وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى
للسمهودي ، عليّ
بن أحمد المصري (ت ٩١١ هـ)
تحقيق : محمّد
محيي الدين عبدالحميد
نشر : دار
احياء التراث العربي ـ بيروت
٢٧٢ ـ وقعة صفين
للمنقري ، نصر
بن مزاحم (ت ٢١٢ هـ)
تحقيق وشرح : عبدالسلام
محمّد هارون
نشر : مكتبة
آية الله العظمى المرعشي النجفي ـ قم ـ إيران
الطبعة الاولى
١٤٠٣ هـ
٢٧٣ ـ وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ١ / ٨
لابن خلّكان ، أحمد
بن محمّد بن أبي بكر بن خلكان ، شمس الدين ، أبي العبّاس (ت ٦٨١ هـ)
تحقيق : احسان
عباس
نشر : دار
الثقافة ـ بيروت
٢٧٤ ـ ينابيع المودة لذوي القربى
للقندوزي
الحنفي ، سليمان بن إبراهيم (ت ١٢٩٤ هـ)
تحقيق : عليّ
جمال أشرف الحسيني
نشر : دار
الأسوة للطباعة والنشر
الطبعة الاولى
١٤١٦ هـ
٢٧٥ ـ اليواقيت والضرب في تاريخ حلب
المنسوب إلى
إسماعيل أبي الفداء (ت ٧٣٢ هـ)
المحقّقان : محمّد
كمال وفالح البكور
نشر : دار
القلم ـ حلب ـ سوريا
الطبعة الاولى
١٤١٠ هـ ـ ١٩٨٩ م
الفهرس
مقدّمة المؤلف.................................................................... ٧
بحوث تمهيدية / ١٣
الأذان لغة واصطلاحاً........................................................ ٢٣
تاريخ الأذان................................................................ ٢٥
بدء الأذان عند أهل السنّة والجماعة.............................................. ٢٧
أهل البيت وبدء الأذان......................................................... ٤١
الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام (ت ٤٠ هـ) :............................. ٤١
الإمام الحسن بن عليّ عليهالسلام (ت ٥٠ هـ) :................................ ٤٢
الإمام الحسين بن عليّ عليهالسلام (ت ٦١ هـ) :............................... ٤٣
محمّد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفيّة ت ٧٣ ـ ٩٣ هـ) :...................... ٤٤
الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليهالسلام (ت ٩٤ هـ) وابنه
زيد :............ ٤٦
الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليهالسلام (ت ١١٤ هـ) :.......................... ٤٧
الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام (ت ١٤٨ هـ) :....................... ٥٠
الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام (ت ٢٠٤ هـ) :......................... ٥٥
وقفة مع أحاديث الرؤيا......................................................... ٥٩
تحقيق في ما وراء نظريّة الرؤيا..................................................... ٧٣
مع الرسول ورؤياه............................................................ ٨٣
المجتهدون الأوائل ودورهم في التشريع :......................................... ٨٦
المجتهدون الأوائل والأذان!.................................................... ٩٣
الأمويّون والأذان............................................................ ٩٦
الأمويّون ورسول الله........................................................ ١٠٠
الله جلّ وعلا ورفعه لذكر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم..................................... ١٠٩
أهل البيت ورفع ذكر رسول الله.............................................. ١١٢
القدرة الإلهيّة وفشل المخطّطات.............................................. ١٢٠
مَنْ هم الثلاثة أو الأربعة؟.................................................. ١٢٧
مطلبان...................................................................... ١٤٧
١ ـ الأذان إعلام للصلاة أم بيان لأصول العقيدة؟............................. ١٤٩
الأذان وآثاره في الحياة الاجتماعية............................................... ١٦١
الأذان والمولود............................................................. ١٦١
الأذان والعقم............................................................. ١٦٢
الأذان والمرض............................................................. ١٦٢
الأذان وسعة الرزق......................................................... ١٦٣
الأذان ووجع الرأس........................................................ ١٦٣
الأذان وسوء الخُلق......................................................... ١٦٣
الأذان وطرد الشيطان...................................................... ١٦٤
الأذان والغول............................................................. ١٦٤
٢ ـ توقيفيّة الأذان......................................................... ١٦٥
الخلاصة.................................................................. ١٦٩
البابُ الأَوَّل
حيَّ عَلى خَيْرِ العَمَلِ
الشرعية والشعارية
الفصل الأول : في جزئية حيَّ على خير العمل.................................... ١٧٧
القسم الأوّل : اتّفاق الفريقين على أصل شرعيّتها................................. ١٨١
وقفة مع الحديثَين.......................................................... ١٨٦
مع ما رواه الطبراني والبيهقي عن بلال........................................ ١٨٩
مع ما رواه الحافظ العلوي عن بلال........................................... ١٩٤
مع ما رواه السري عن أبي محذورة............................................ ١٩٦
القسم الثاني : تأذين الصحابة وأهل البيت....................................... ٢٠٧
١ ـ بلال بن رباح الحبشي (ت ٢٠ هـ)....................................... ٢٠٧
٢ ـ علي بن أبي طالب (ت ٤٠ هـ)......................................... ٢٠٨
٣ ـ أبو رافع (كان حيّاً في عهد الإمام الحسن)................................. ٢١٥
٤ ـ عقيل بن أبي طالب (ت في خلافة معاوية)................................ ٢١٥
٥ ـ الحسن بن عليّ بن أبي طالب (ت ٥٠ هـ)................................ ٢١٥
٦ ـ أبو محذورة (ت ٥٩ وقيل ٧٩ هـ)........................................ ٢١٦
٧ ـ الحسين بن عليّ بن أبي طالب (ت ٦١ هـ)............................... ٢٢٠
٨ ـ زيد بن أرقم (ت ما بين ٦٦ إلى ٦٨ هـ).................................. ٢٢١
٩ ـ عبدالله بن عبّاس (ت ما بين ٦٨ إلى ٧٠ هـ).............................. ٢٢١
١٠ ـ عبدالله بن عمر (ت ٧٣ وقيل ٧٤ هـ).................................. ٢٢٢
١١ ـ جابر بن عبدالله (ت ٦٨ إلى ٧٩ هـ)................................... ٢٣٠
١٢ ـ عبدالله بن جعفر (ت ٨٠ وقيل ٩٠ هـ)................................. ٢٣١
١٣ ـ محمد بن علي بن أبي طالب (ت ما بين ٧٣ ـ ٩٣ هـ).................... ٢٣١
١٤ ـ أنس بن مالك (ت ما بين ٩١ إلى ٩٣ هـ).............................. ٢٣١
١٥ ـ عليّ بن الحسين بن عليّ (ت ٩٤ هـ)................................... ٢٣٣
١٦ ـ أبو أمامة بن سهل بن حُنيف (ت ١٠٠ هـ)............................. ٢٤٤
١٧ ـ محمّد بن عليّ الباقر (ت ١١٤ هـ)..................................... ٢٤٥
١٨ ـ زيد بن عليّ (ت ١٢١ هـ)............................................ ٢٤٧
١٩ ـ يحيى بن زيد بن عليّ (ت ١٢٥ هـ)..................................... ٢٤٨
٢٠ ـ محمّد بن زيد بن عليّ (لم نقف على وفاته).............................. ٢٤٩
٢١ ـ محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب (ت ١٣٥ هـ)...................... ٢٤٩
٢٢ ـ إبراهيم بن عبدالله بن الحسن (ت ١٤٥ هـ).............................. ٢٥٠
٢٣ ـ جعفر بن محمّد الصادق (ت ١٤٨ هـ)................................. ٢٥١
٢٤ ـ الحسين بن عليّ صاحب فَخّ (ت ١٦٩ هـ).............................. ٢٥٢
٢٥ ـ موسى بن جعفر الكاظم (ت ١٨٣ هـ)................................. ٢٥٤
٢٦ ـ عليّ بن موسى الرضا (ت ٢٠٣ هـ).................................... ٢٥٤
٢٧ ـ عليّ بن جعفر بن محمّد بن عليّ (ت ٢١٠ هـ).......................... ٢٥٤
٢٨ ـ أحمد بن عيسى (ت ٢٤٧ هـ)......................................... ٢٥٥
٢٩ ـ الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ (ت ٢٦٠ هـ)................. ٢٥٥
القسم الثالث : إجماع العترة.................................................... ٢٥٧
الفصل الثاني : حذف الحيعلة ، وامتناع بلال عن التأذين........................... ٢٦٩
الفصل الثالث : حيّ على خير العمل دعوة إلى الولاية............................. ٢٨٩
بعض أدلّة الولاية.......................................................... ٢٩٥
عَود على بدء............................................................. ٣١٤
ما وراء حذف الحيعلة الثالثة................................................. ٣١٧
الفصل الرابع : حيّ على خير العمل ، تاريخها العقائدي والسياسي.................. ٣٢٩
زيد بن عليّ بن الحسين «١٢٢ هـ»......................................... ٣٤١
يحيى بن زيد بن عليّ بن الحسين «١٢٥ هـ».................................. ٣٤٢
إبراهيم بن عبدالله بن الحسن «١٤٥ هـ»..................................... ٣٤٢
الحسين بن عليّ (صاحب فَخّ) «١٦٩ هـ»................................... ٣٤٢
طبرستان (سنة ٢٥٠ هـ)................................................... ٣٤٥
حمص / مصر / بغداد (سنة ٢٩٠ هـ)....................................... ٣٤٨
الأندلس «ما بعد سنة ٣٠٠ هـ»............................................ ٣٥٤
حلب / مصر (سنة ٣٤٧ هـ)............................................... ٣٥٤
القاهرة (سنة ٣٥٦ هـ)..................................................... ٣٥٧
القاهرة (سنة ٣٥٨ هـ)..................................................... ٣٥٨
جامع ابن طولون / مصر (سنة ٣٥٩ هـ)..................................... ٣٦١
دمشق (سنة ٣٦٠ هـ)..................................................... ٣٦٣
حلب (سنة ٣٦٧ هـ)...................................................... ٣٦٦
ملتان ـ الهند (قبل سنة ٣٨٠ هـ)............................................. ٣٦٧
مصر (سنة ٣٩٣ هـ)...................................................... ٣٦٨
اليمامة (سنة ٣٩٤ هـ)..................................................... ٣٦٩
المدينة / مصر (سنة ٤٠٠ هـ).............................................. ٣٧٠
بغداد (سنة ٤٤١ ـ ٤٤٢ هـ)............................................... ٣٧٢
بغداد (سنة ٤٤٣ هـ)...................................................... ٣٧٣
بغداد (سنة ٤٤٤ ـ ٤٤٥ هـ)............................................... ٣٧٦
بغداد (سنة ٤٤٨ هـ)...................................................... ٣٧٧
بغداد (سنة ٤٥٠ هـ)...................................................... ٣٨٠
مكة / حلب (سنة ٤٦٢ هـ)............................................... ٣٨٢
الشام (سنة ٤٦٨ هـ)...................................................... ٣٨٤
مصر (سنة ٤٧٨ هـ)...................................................... ٣٨٦
مصر (سنة ٥٢٤ هـ)...................................................... ٣٨٧
حلب (سنة ٥٤٣ هـ)...................................................... ٣٩١
حلب (سنة ٥٥٢ هـ)...................................................... ٣٩٣
مصر (سنة ٥٦٥ هـ)...................................................... ٣٩٤
مصر (سنة ٥٦٧ هـ)...................................................... ٣٩٥
حلب (سنة ٥٧٠ هـ)...................................................... ٣٩٥
مكّة (سنة ٥٧٩ هـ)....................................................... ٣٩٧
مكّة (سنة ٥٨٢ هـ)....................................................... ٣٩٧
مكّة (سنة ٦١٧ هـ)....................................................... ٣٩٨
مكّة (سنة ٧٠٢ هـ)....................................................... ٣٩٨
إيران (سنة ٧٠٧ هـ تقر يباً)................................................ ٣٩٨
المدينة [القرن الثامن]....................................................... ٣٩٩
القطيف (سنة ٧٢٩ هـ).................................................... ٣٩٩
مكّة (سنة ٧٩٣ هـ)....................................................... ٤٠٠
صنعاء (سنة ٩٠٠ هـ تقريباً)................................................ ٤٠٠
حضرموت (سنة ١٠٧٠ هـ)................................................ ٤٠١
نجد (سنة ١٢٢٤ هـ)...................................................... ٤٠٢
النتيجة................................................................... ٤٠٣
الخلاصة..................................................................... ٤١٦
وفي الختام................................................................. ٤١٨
ثبت المصادر................................................................. ٤١٩
الفهرس...................................................................... ٤٧٥
|