بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المؤلّف

الحمدُ للهِ ربّ العالَمِين والصَّلاةُ والسَّلام على محمد رسول الله ، الخاتمِ لما سَبَق ، والفاتِحِ لما انغَلَق ، والمُعْلِن الحقَّ بالحقّ ، والدافعِ جَيْشاتِ الأباطيلِ ، والدامغ صولاتِ الأضالِيل ، وعلى أهل بيته المطهَّرين ، موضعِ سرّهِ ، ولَجَأ أمرهِ ، وعيبة علمِهِ ، وموئِلِ حكمِهِ ، وكهوفِ كتُبهِ ، وجبالِ دينهِ ، الذين بهِمْ أقامَ انحناءَ ظهرهِ ، وأذهبَ ارتعادَ فرائصِهِ ، دعائِمِ الإسلامِ وولائجِ الاعتِصامِ.

إنّ التدَيُّن ، والتوجُّهَ إلى الدّين لهوَ ـ بحقٍّ ـ من أقدم التوَجُّهات البشريّة التي سَجّلها التاريخُ الإنسانيُ ، وأكثرها

أصالة ، وتجذّراً في الحياة والتاريخ.

فالحياةُ البشريّةُ ـ بشهادةِ الوثائقِ التاريخيّة القطعيّة ـ لم تخلُ قطّ في أيّ فترة من فتراتها ، من التوجُّه إلى الدّين ، ومن الإحساس الديني.

والعصرُ الحاضرُ (عَصر التكنولوجيا والتقدّم الماديّ) وبخاصّةٍ الإنسان الغربيّ الذي كان مرتبطاً أكثرَ من الآخرين بهذا التقدّم ومعطياته وإن شهد نوعاً من النكوص ، والابتعاد عن الدين ، وعن القضايا المعنويّة ظَنّاً بأنّ المنهجَ الماديَّ كفيلٌ بحلِّ جميع المشكلات البشرية ، إلّا أنّه سرعان ما رجَعَ عن ذلك التصوّر ، وأدرَكَ أنّ العلمَ الماديّ الّذي تصوّرَ أنّه قادرٌ على تحقيق أمانيّ البَشريّة في العَدل والحريّة والسّلام ، ليس بمفردِهِ قادراً على مَنح السعادة للبشريّة بل لا بدّ أن يكون في جنبه الإحساسُ الدينيّ والقضايا المعنوية ، وإلّا انهار تماسُكُ المجتمعِ البشريِّ ، وتفتَّتَتِ الروابطُ والعلاقاتُ الاجتماعيةُ وتفسّختِ العائلةُ.

وهكذا أصبحت البشريةُ تعودُ مرةً أُخرى إلى فطرتها ، وتُقبلُ على الدين ومفاهيمه ومعارفه ، وحُلولِه.

وفي الحقيقة فإنَّ النكسةَ الماديّة في مجالِ منح السعادة للبشرية ، وتحقيق أمانيّها في الحريّة والعدل والسلام صارت سبباً للبحث مجدَّداً عن معينِ الدين الصافي ، ونبعه العذب بعد فترة من حرمان نفسها من مزايا الدين وفضائله ، فإذا هي في عودتها القويّة إلى ضالّتها هذه كالظمآن الذي حُرِمَ من الماء رَدْحاً طويلاً مِن الزمن.

إنّ هذه الظاهرة الآن من الوُضوح والجَلاء بحيث لا يحتاج المرءُ إلى إقامة دليلٍ أو شاهدٍ عليها.

فهي ظاهرةٌ يعرفُها جيّداً كلُّ من له اطّلاعٌ على مجريات السّاحةِ العالميّة في العَصر الحاضر ، وإلمامٌ بوقائِعها ، وحوادِثِها.

ولقد بَلَغَ التوجُّهُ الجديدُ إلى الدين من القوّة بمكان حتى أصبَحَ محطَّ اهتمام المراكزِ العلميّة العليا في شتّى نقاط العالم ، وراحَ المفكِّرون يتحدّثون عنه ، حتى أنّه لا يمرُّ يومٌ أو أُسبوعٌ أو شهرٌ إلّا وتطلُع علينا عشراتُ الدّراسات والمقالات بل الأبحاث المفصَّلَة والمعمَّقة حول قضيّة الدّين ، وظاهرةِ التدينِ ، والقضايا الروحيةِ والدينيةِ.

وهذه الظاهرةُ وإن كانت تُخيفُ بعضَ الزعماء الماديّين ، حيث يتصوّرون أنّ عودة البشرية إلى الدين والتديُّن ، يُعَدُّ تهدِيداً للكيانِ السياسيّ والماديّ ولكنّنا نتفاءَلُ بها ، وبالتالي فنحن جدُّ مسرورين بعودة البشرية إلى أحضانِ الدين الدافِئة ، وشواطِئِه الآمنةِ ، غير أَنّنا إلى جانب ذلك التفاؤلِ والاستبشار ، وهذا الابتهاج والسُّرور ، لا يمكن أن نتجاهلَ نقطةً مهمّةً تدعو للقلق وهي أنّ هذا التعطُّشَ المتزايد والمتصاعِدَ ، إنْ لم يُرو بصورةٍ صحيحةٍ وسليمة ، وسُمِحَ للأفكار غير الصحيحة بأن تُعرَضَ تحت عنوان الدين ، لم يجد الإنسانُ المعاصرُ (والإنسانُ الغربي منه بالذات) ضالَّتَه المنشودة بل يكون مثله مثل المستجير من الرمضاءِ بالنّار ، وربّما آلَ به الأمرُ ـ لو حدثَ هذا ـ إلى أن يُعرِضَ عنِ الدّينِ ، وينأى عن التديّنِ.

ولهذا فإنَّ على الكُتّابِ الملتزِمين الواعين ، وعلماءِ الدّينِ المخلصين الّذين لَمَسُوا الداءَ ، وعَرِفوا الدواءَ ، وأدرَكوا الحاجة ، وعَلمِوا بالعِلاج ، أنْ يُبادِروا إلى تقديمِ الاجابة الصحيحة للجموعِ البشَرية المقبِلة على الدّين ، والعائدةِ إلى فطرتِها ، ويقُوموا بِعَرض المفاهيم والحُلُول الدينيّة بالشَّكل اللائِقِ ، والصُّورةِ السّلِيمة ، وَيُسَهِّلُوا ـ بذلك ـ لِطُلّاب الحقيقة ،

وبُغاة الحقّ طريقَ الوصول إلى الفيض الإلهيّ الجاري زُلالاً ، نَقِيّاً لا شوب فيه ، صافياً لا غَبَش عليه ، ساطعاً لا يعلُوه غُبار.

إنّ على علماءِ الأُمّةِ الحريصين على الدّين ، والمهتمّين بشئون المسلمين ممّن يحملون همَّ الأُمة ، ويشعرون بالمسئُوليّة ، ويدركون أهميّتها ، وعِبئها كوظيفة شرعيّةٍ ، وواجبٍ إلهيّ ، أن لا يسمَحوا لأشخاص غيرِ صالحين ، ولا لأصحاب المطامع والأغراضِ المريضةِ ، بعَرضِ عقائِدِهم السقيمة ، وآرائهم الباطلة على الناس بِاسم الدين وتحت يافِطَتِهِ.

نحن إذ نعتبرُ «الإسلامَ» آخر وأكمل الشرائع الإلهيّة ، ونعتقد بأنّ هذا الدّين يُلبّي كلَّ الاحتياجاتِ البشريّة إلى يومِ القيامة سواء منها الفرديّة أو الاجتماعيّة ، نرى أنّ من الواجب علينا في هذا العصر «عصر الاتصالات» أن نستفيد من جميع الوسائل والأدواتِ المتقدِّمة ، لِعرض المفاهيم الدينيّة ، ونشر العقائِدِ ، والتعاليم الإسلامية بشكلِها الصحيحِ.

هذا من جانب ، ومن جانب آخر نعتقد أنّ طريقة أهل البيت والعترةِ النبويّةِ الطاهرةِ هي الحقيقة ، وهي المَعْبَر الآمِن إلى

معينِ «الإسلام» الصافي النقيّ ، بعيداً عن تدخّل الأيدي الغريبة والمريبة.

فقد كان للأُسس والمبادئ المتينة التي انطوت عليها هذه الطريقةُ ، وهذه المدرسَة ، وكذا لاستنادها إلى أهل البيت النبويّ ، طيلة التاريخ الإسلامي ، جاذبيّة كبرى دَفَعت بِعُشّاق الحقّ ، وبالباحثين عن الحقيقة إلى اعتناقها ، والدفاع عنها.

وهنا نطوي صَفحةَ هذه المقدّمة التوضِيحيَّة ، ونبدأ بعرض ، وبيان الأُصول الإسلامية في مجالِ العقيدة والشريعة ، مزيجةً ومقرونةً بالأدِلَّة القاطِعة ، والبراهينِ الساطِعة.

ومن البديهيّ انَّ أُطروحةَ بيانِ العقائد الإسلاميّة الكاملة تتوقّف على بيان كلياتٍ في مجال نظريّة المعرفة ونظرة الإسلام إلى الكونِ والحياةِ والإنسانِ.

فإنّ بيان هذا القسم في أيّة مدرسة عقائديّة ، كفيلٌ بإيقافِنا على رُؤْيتها ، ونظرتها العامّة ، إلى مجموعة النّظام الكونيّ ، والعالَمِ الإمكانيّ.

ونحن هنا ـ تجنُّباً من التطويل في الكلام ـ نَعْمَدُ إلى عَرضِ

أُسس هذا القِسم على نحو الإيجاز ، والاختصار ، ومِن المعلومِ أنَّ المزيدَ من التفصيل في كلّ أصلٍ من هذهِ الأُصول موكولٌ إلى الكتب الكلامِيّة المؤلّفة بيد علماء أهل البيت.

والله نسألُ ـ في الخاتمة ـ أنْ يجعلَ هذه الخطوةَ عَمَلاً من شأنه توضيح صورة الإسلام الحنيف إنّه الموفق والمعين.

جعفر السبحاني

قم المشرَّفة

الفصل الأول

أصول النظرة الإسلامية

إلى الكون والإنسان والحياة

طرقُ المعرفة وأدواتُها في الإسلام

الأصلُ الأوّل : طرق المعرفة

يستعين الإسلامُ لمعرفة الكون ، وللوصول إلى الحقائق الدينيَّة بثلاثة أنواع من الأدَوات مع أنّه يعتبر لكلّ واحدٍ منها مجالاً مختصّاً به.

وهذه الأدَوات هي :

١. الحِسّ ، وأهم الحواسّ هما حاسّتا السمع والبصر.

٢. العقل الّذي يكتشف الحقيقة في مجالٍ محدودٍ وخاصّ ، منطلِقاً في ذلك من أُصول ومبادئ خاصّةٍ.

٣. الوحي الّذي هو وسيلة لارتباط ثُلّةٍ ممتازة ومميّزة من البشر بعالم الغيب.

وفي إمكان البشريّة جميعاً أن يستفيدوا من الطّريقين الأوَّلين في معرفة الكون وفي فهمِ الشّريعة كذلك ، بينما الطريق الثالث خاصّ بمن

شملتهُ العنايةُ الإلهيّة ، وأبرز نموذج لهذا النمط من النّاس هم رسُلُ الله وأنبياؤه الكرام (١).

هذا مضافاً إلى أنّ أدَوات الحسّ وما يسمّى بالحواسّ الخمس ، لا يستفاد منها إلّا في مجال المحسوسات ، كما لا يستفاد من أداة العقل إلّا في مجال محدودٍ يملك العقلُ مبادئه.

على حين يكون مجال الوحي أوسع نطاقاً وأكثر شموليّة ، كما انّه نافذٌ في جميع الأصعدة سواء في مجال العقيدة أو في إطار الوظائف والتَّكاليف.

ولقد تحدّث القرآنُ الكريمُ حولَ هذه الأدَوات الثلاث في آياتٍ متعددة نأتي هنا بنموذجَين منها :

فقد قال تعالى عنِ الحسّ والعقل :

(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢).

والمراد من الأَفئدةَ في الآية ـ وهي جمع فؤاد ـ بقرينة لفظتَي : «السَّمع» و «البصر» هو العقل البشريّ.

على أنّ ذَيلَ الآية المذكورة الذي يتضمّن أَمراً بالشُّكر يفيد أنّ على

__________________

(١). جاءت الإشارة في الأحاديث الإسلاميّة إلى مَن وُصِف بالمحدَّث وسيأتي الكلامُ عنه مستقبلاً.

(٢). النَّحل / ٧٨.

الإنسان أن يستفيد من هذه الأَدَوات الثلاث لأنّ الشّكر يعني صَرف كل نعمةٍ في موضِعِها المناسِب.

وحول «الوحي» قال سبحانه :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١).

إنَّ الإنسان المتديّن يستفيد ـ في معرفة الكون والحياة ، والعقيدة والدين ـ مِن الحسّ ، ولكن غالباً ما تكون المدرَكات الحسيّة أَساساً ومنطلقاً لأحكامِ العقل أي أن تلك المدرَكات تصنع الأَرضيّة للفكر وحُكمه ، كما انّه قد يُستفاد من العقل والفكر في معرفة الله وصفاته وأفعاله وتكون حصيلةُ كلّ واحدة من هذه الطرق والأَدَوات مقبولةً ، ونافذةً ومعتبرة في اكتشاف الحقيقة ومعرفتها.

الأصلُ الثاني : دعوة الأنبياء والرسل

تتلخّص دعوةُ الأنبياء والرسُل في أمرين :

١ ـ العقيدة.

٢ ـ العمل.

وتتمثل مهمتُهم في مجال «العقيدة» في الدعوة إلى الإيمان بالله ، وصفاته الجماليّة والجلاليّة ، وأفعاله.

__________________

(١). النحل / ٤٣.

بينما المقصود من «العمل» هو التّكاليف والأحكام التي يجب أن تَقوم الحياةُ الفرديّة والاجتماعيّة على أساسِها.

والمطلوبُ في مجال العقيدة إنّما هو العلم واليقين ، ومن المسلَّم أنَّه لا يكون شيءٌ ما حجةً ، (وبعبارة أُخرى : لا يَتّسِمْ بالحجيّة) إلّا ما يؤدي إلى هذا الأَمر المطلوب.

ولهذا يجب على كل مُسلمٍ أنْ يصلَ في عقائده إلى اليقين ، فليس له أن يكتفيَ في هذا المجال بمجرد التقليد ، فيأخذَ عقائدَه تقليداً ، ويعتنِقها من غير تحقيقٍ.

وأمّا في مجال الوظائف والتّكاليف (العمل) فإِنّ ما هو المطلوب فيها هو تطبيق الحياة على أساسِها ، والأخذُ بموازينها في جميع المَجالات الفرديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة.

وفي هذا الصَّعيد ثَمَّت ـ بالإضافة إلى اليقين ـ طُرق أُخرى أيضاً قد أيَّدَتْها الشّريعةُ وفرض علينا الاعتماد عليها للوصول إلى هذه التّكاليف والوظائف ، والرجوع إلى المجتهد الجامع للشّرائط هو أَحدُ الطرق التي أيّدها وأقرّها صاحبُ الشريعة.

الأصلُ الثالث : حجّية العقل والوحي

نحن نعتمد في أَخذ العقائد والأَحكام الدّينيّة على حُجّتين إلهيّتين هما : العقل والوحي.

وعمدة الفرق بين هذين هو أنّنا نستفيد مِن «الوحي» في جميع المجالات ، بينما نستفيد مِن «العقل» في مجالات خاصّة.

والمقصود مِن «الوحي» هو كتابُنا السَّماوي «القرآن الكريم» والأَحاديث التي تنتهي أسنادها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا أحاديث أئمة أهل البيت عليهم‌السلام فبما أنّها تنتهي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنبع منه ، تسمّى جميعُها بالإضافة إلى أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسُّنة ، وتُعتَبر من الحجج الإلهيّة.

إنّ العقل والوحي يؤيّد كلٌ منهما حجيّةَ الآخر وإذا أثبتنا بحكم العقل القطعي حجيّة الوحي فإنّ الوحي بدوره يؤيّد كذلك حجيّة العقل في مجاله الخاصّ به.

إنّ القرآن الكريم يَقُودُ ـ في كثير من المواضع ـ إلى حكم العقل وقضائه ، ويدعو النّاس إلى التّفكر والتّدبر العقلي في عجائب الخلق ، ويستعينُ هو كذلك بالعقل لإِثبات مضامين دعوتهِ ، وليس ثمَّتَ كتابٌ سماوي كالقرآن الكريم يحترِم المعرفةَ العقليَّة (والقضايا المدلَّلُ عليها بالعقل السليم). فَالقرآن زاخرٌ بالبراهين العقلية في صعيدِ العقائد ، حتّى أنّها تفوقُ الحصرَ.

ولقد أكّد أئمةُ أهل البيت عليهم‌السلام على حجيّة العقلِ وأحكامهِ في

المجالات التي يحقُّ للعقل الحكمُ فيها ، حتّى أنّ الإمام السّابع موسى بنَ جعفرٍ عليه‌السلام عدّه إحدى الحجج إذ يقول : «إنّ لله على الناس حجّتين : حجّةً ظاهرةً وحجّةً باطنةً ، فأمّا الظّاهرةُ فالرُّسل والأنبياءُ والأئمة ، وأمّا الباطنةُ فالعُقول» (١).

الأصلُ الرّابع : العقل والوحي لا يتعارضان

لمّا كانَ الوحيُ دليلاً قطعيّاً ، وكان العقلُ مِصباحاً منيراً جعلهُ الله في كيان كل فردٍ من أفراد النَّوع الإنسانيّ ، ـ لذلك ـ لَزِمَ أنْ لا يقع أَيُّ تعارُضٍ بين هاتين الحجّتينِ الإِلهيَّتين.

ولو بدا تعارضٌ بدائيٌ أحياناً بينَ هاتينِ الحجَّتينِ ، فيجب أنْ يُعْلَم بأَنّه ناشئٌ من أحد أمرين : إمّا أنّ اسْتنباطنا مِن الدِّينِ في ذلك المورد غيرُ صحيحٍ ، وإمّا أنّ هناك خطأً وقع في مقدّمات البرهانِ العقليّ ، لأنّ الله الحكيم تعالى لا يدعُو النّاس إِلى طريقينِ متعارضينِ مُطلقاً.

وكما أنّه لا يُتصَوَّر أي تعارض حقيقي بين العقل والوحي ، كذلك لا يحدثُ أَيُّ تعارضٍ بين «العلم» و «الوحي» مطلقاً ، وإذا لُوحظَ نوعٌ مِن التعارض بين هذين في بعضِ الأَحايين فإنّه أيضاً ناشئ من أحد أمرين : إمّا أَنْ يكونَ استنباطُنا من الدّين في هذا الموضع استنباطاً خاطئاً ، وإمّا أنَ

__________________

(١). الكافي الأُصول : ج ١ ، ص ١٦ ، الحديث ١٢.

العلمَ لَمْ يَصِل في هذا الموضوعِ إلى المرحلة القطعيَّة.

إنّ التعارضَ ينشأُ غالباً من الشِّقِ الثاني أَيْ عند ما تُتلقّى بعض الفرضيّات العلميّة على أنّها حقائق قطعيّة ، وعند ذلك يحدث التصوّر بأنَّ هناك تعارضاً بين العلم والدّين.

الأصلُ الخامس : حقيقة العالم مقولة غير خاضعة لتفكيرنا

في مجال الأُمور التكوينيّة ذات الواقع المستقلّ عنِ الفكر والتَّصوُّر ، تكون الحقيقة مقولةً ذات صفة أبَديّة وخالدة. بمعنى أنّ الإنسان لو توصّل عن طريق إحدى الأدَوات الحسّيّة إلى معرفة أَمرٍ واقعيٍّ كحقيقةٍ من الحقائق فإنّ ما اكتشفه يكون حقاً ثابتاً ، دائماً وأبداً.

وَامّا إذا اكتشف أَمراً بعضُه معلوم ومطابق للحقيقة ، وبعضُه الآخر خَطَأٌ كان ذلك القسمُ الّذي يتَّسمُ بسمةِ الحقيقة ، حقيقة إلى الأَبَد ، بمعنى أنّه لا ولن يتغير أبداً بتغيّرِ الظروفِ وانقلابها.

وبعبارةٍ أُخرى ؛ إنَّ النِّسبيَّة في الحقائق ، بمعنى كون حصيلة معرفة في زمانٍ عينَ الحقيقة ، وفي زمان آخر عين الخطأ ، لا تُتصوّر في مجال المعرفة التي ترتبط بالتكوينيّات.

فإِذا كان حاصلُ ضرب ٢ * ٢ يساوي ٤ مثلاً أمراً ثابتاً ، فإنَّ هذا يكون ثابتاً مطلقاً ، وإِذا لم يكن هكذا فهو ليس هكذا مطلقاً.

فلا يمكن أنْ تكون حصيلةُ معرفة من المعارف في مرحلة خاصّة

عينَ الحقيقة وفي مرحلة أُخرى ترتدي رداءَ الخطأ.

إنَّ النسبيَّة في المعارف والمُدركات إِنَّما تُتصوَّر فيِ الأُمورِ الَّتي ليس لها واقعية سوى فكر الإنسان وتصديقه وتكون من مواضعاته فمثلاً ، المجتمع الغربي مختار وحر في انتخاب نظام حكومته. فإِذا اتفقوا ذاتَ يوم على صيغة معيّنة للحكم اتّسمت تلك الصّيغَة بسمة الحقيقة ما داموا متفقين عليها.

وَأَمّا إذا اتَّفقوا ـ ذات يومٍ ـ على عكسها ، كانت الصّيغة الثانيةُ هي الحقيقة ، وفي نفس الوقت يكون كل من المعرفتين في ظرفها الخاصّ عين الحقيقة.

ولكنَّ الأُمورَ الَّتي لها بذاتها محلّ مشخّص ومحدود خارج الذّهن ، إذا وقعتْ في إطار الإدراكِ بصورةٍ صحيحة وثابتةٍ تكون صحيحة للأبد ، وكان خلافها كذلك باطلاً دائما وأبداً.

وبتعبير آخر ؛ إنّ كل شيء له واقعية خارجية وراء ذهن الإنسان فالمعرفة الواقعة عليه يدور أمرها بين الصحة والخطأ ، وأمّا الأُمور الاعتبارية التي يصنعها الذهن لأجل أغراض اجتماعية ، كصيغة الحكومة ، والرئاسة والملكيّة فهي تتسم بالنسبيّة وتوصف بها. وتكون حقيقة في ظرف دون آخر.

الكون في نظر الإسلام

الأصلُ السادس : الكون مخلوق لله

الكون ـ أَيْ كل ما سِوَى الله ـ مخلوقٌ لله تعالى ، وليس واقعُ الكونِ هذا سِوَى التعلّق ، والرَّبط بالله تعالى ، وليست الكائنات في غنىً عن الحقّ تعالى ولا لحظةً واحدة ، ومعنى قولنا : إِنَّ الكون مخلوق لله ، هو أَنَّ الكون خُلِقَ بإِرادة الله ومشيئته ، وأنّ نسبته إلى الله ليس مِنْ نمطِ نسبة الوَلد إلى الوالد ، فليست العَلاقة بين الكون وبين الله علاقة توْليد ، وَولادةٍ ، يقول سبحانه : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (١).

الأصلُ السابع : نظام الكون الحالي ليس أبديّاً

النّظام الحالي للكون ليس خالداً ولا أبديّاً ، بل سينهدمُ ويندثر بعد زمانٍ يعلمه الله وحده على وجه التحديد ، ويقوم مكانه نظامٌ آخر هو العالم الأُخروي وما يسمّى بالمعاد ، كما يقول تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٢).

وفي قوله سبحانه : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٣) إِشارَة إلى هذه الحقيقة.

__________________

(١). الإخلاص / ٣.

(٢). إبراهيم / ٤٨.

(٣). البقرة / ١٥٦.

الأصلُ الثامن : العلّة والمعلول

النظامُ الكوني الرّاهنُ قائمٌ على أَساس العلَّة والمعلول ، وتقومُ بين ظواهرِهِ وأجزائه رابطةُ العليّة والمعلوليّة.

وتأثيرُ كلّ ظاهرة في ظاهرة أُخرى متوقّف على الإذن الإِلهي وَالمشيئة الإلَهيَّة ، وقد تَعلَّقت المشيئة الإلَهيَّة الحكيمة بتحقيق فيّاضيّته غالباً عن طريق النّظام السببيّ ، وعَبْرَ الأَسباب والمسبّبات.

ومن الواضح أَنَّ الاعتقاد بتأثير الظّواهر بعضُها في بعض ، لا يعني الاعتقاد بخالقيّتها قَطُّ ، بل المقصود هو أنّ تلك الأَسبابَ والعلل توفِّر ـ بإِذن الله ومشيئته ـ أرضيّة تحقّق ظواهر أُخرى ، وأَن أيّ نوع من أَنواع التأثير والتأثر مظهرٌ من مشيئة الله وإِرادته الكلّيّة.

وقد أشار القرآنُ الكريمُ إلى كلا المطلبين المذكورَين ونعني خضوع الظواهر الطّبيعية لقانون العليّة وكذا توقُّفَ تأثير كلّ علّةٍ وسبب في الكون على الإذن الإلهي الكلّي.

ففي المجال الأَوّل نكتفي بذكر الآية التالية :

(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) (١).

وفي المَجالِ الثّاني نكتفي بالآيةِ التّالِيَة أَيْضاً :

(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) (٢). (٣)

__________________

(١). البقرة / ٢٢.

(٢). الأعراف / ٥٨.

(٣). للتَّوسُّع ومَزيد الاطِّلاعِ في هذا المجال تُراجَع كتب التّفسير والكلام (العقائد) منها : تفسير الميزان : ١ / ٧٤ طبعة بيروت ، والإلهيّات : ٢ / ٥١ ـ ٥٤.

الأصلُ التاسع : الوجود ليس مساوقاً للطبيعة المادية

الوجودُ ليس مساوِقاً للطبيعة المادّيّة ، فهو لا ينحصرُ في المادّة وحدها بل هو أوسع من المادة ومن ما وراءَها الَّذي أَطلقَ عليه القرآنُ اسْمَ عالمِ الغيبِ في مقابل عالمِ الشَّهادةِ.

وكما انّ الظواهر المادية يؤثر بعضُها في بعضٍ بإذن الله تعالى كذلك تؤثّر الموجوداتُ الغيبية في عالَم الطبيعة بالإذن الإلهيّ.

وبعبارة أُخرى : هي وسائط للفيض الإلهي.

ويتحدث القرآنُ الكريمُ عن تأثير مَلائكةِ الله وتسَبّبِها لحوادثِ العالَمِ الطبيعيّ إذ يقول :

(فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (١).

(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) (٢).

نَستَنتجُ من الآيات الصَّريحة السابقة :

أنّ عالَمَ الخلق بقسمَيْه : الطبيعة وما وراء الطبيعة مع ما يسوده من النظام السببي قائمٌ برمَّته بمشيئة الله سبحانه ومرتبط به ، بلا استثناءٍ.

__________________

(١). النازعات / ٥.

(٢). الأنعام / ٦١.

الأصلُ العاشر : خضوع الكون لهداية خاصة

إنَّ الكونَ حقيقةٌ تخضع لهدايةٍ خاصّةٍ ، وانّ جميع ذرات العالم ـ كلٌّ في مرتبته ـ تتمتع بحسب ما هي عليها بنورِ الهداية.

كما وإنّ مراتب هذه الهداية العامّة والشاملة تتكون من الهداية الطبيعية ، والغريزية والتكوينية.

وَلقد ذكَّر القرآنُ الكريمُ في آيات عديدةٍ بهذه الهداية التكوينيّة والعامّة نأتي فيما يلي بواحدةٍ منها :

(رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (١).

الأصلُ الحادي عشر : الكون نظام كامل

إنَّ نظامَ الخليقة الحاضر هو النظامُ الأكملُ والأحسنُ ، وإنّ جهاز الوجود قد صُوِّر على أفضل صورة ، فلا يمكن تصوّر ما هو أكمل وأفضل مما عليه الآن.

يقول القرآن الكريم : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (٢).

والدليلُ العقليُّ يدعمه ، وذلك لأَنّ فعلَ أيّ فاعل يتناسب ـ من حيث الكمال والنقص ـ مع ما عليه الفاعلُ من حيث الصفات والكمالات ،

__________________

(١). طه / ٥٠.

(٢). السجدة / ٧.

فإذا كان الفاعلُ منزَّهاً عن أيّ نقص من حيث الصفات الوجوديّة ، كان فعلهُ كذلك عارياً عن أيّ نوع من أنواع النقص والعيب.

وحيث إنّ الله تعالى يُوصف بكلّ الكمالات الوجوديّة على وجهها الأتمّ الأكمل يكون فعله أيضاً ـ وبطبيعة الحال ـ أكملَ فعلٍ وأفضلَه.

هذا مضافاً إلى أنّ كونَ اللهِ حكيماً يقتضي ما دام خلقُ العالمِ الأحسنِ ممكناً ، أن لا يوجِدَ غيره.

والجدير بالذِكرِ أنّ ما في العالَم الطبيعيّ مما يسمّى بالشُّرور لا ينافي النظامَ الأحسنَ للوجود ، وتوضيحُ هذه النقطة سيأتي في أبحاث «التوحيدِ في الخالقيّة».

الأصلُ الثاني عشر : الحكمة في خلق الكون

حيث إنَّ العالَمَ مَخلوقٌ لله الّذي هو الحقُّ المطلَق وفعلهُ ، فإنَّ مصنوعَه كذلك حقّ ويتَّسم بالحِكمة ، فلا مجالَ للعبثيّة واللاهدفيّة فيه.

وقد أشار القرآنُ الكريمُ إلى هذا الموضوع في آياتٍ عديدةٍ نذكر واحدةً منها هنا :

(ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) (١).

على أنّ غايةَ هذا العالم والإنسان إنما تَتَحقّق عند ما تقومُ القيامة ، كما قال الإمام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : «فإنّ الغاية القِيامة». (٢)

__________________

(١). الأحقاف / ٣.

(٢). نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٠.

الإنسانُ في نَظَر الإسلام

الأصلُ الثالثُ عشر : الإنسان

الإنسان كائنٌ مركّبٌ من الروح والجَسَد ، وجَسَده يتلاشى بعد الموت وتتفرق أَجزاؤه ، إلّا أنَّ روحه تواصل حياتها ، وموت الإنسان لا يعني فناءه ، ولهذا فانّه سيمرّ بحياةٍ برزخيةٍ حتى تقومَ القيامة ، ولقد أشار القرآن الكريم عند بيان مراتب خَلْق الانسانِ وتكوّنه ، إلى آخر مرحلةٍ من تلك المراحل ، وهي التي تتحقّق بنفخ الروح في جثمانه إذ يقول :

(ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) (١).

كما أنّ القرآن أشار إلى حياة الإنسان البرزخية في عدة آيات أيضاً ، ومن تلك الآيات قوله :

(وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (٢).

__________________

(١). المؤمنون / ١٤.

(٢). المؤمنون / ١٠٠.

الأصلُ الرابعُ عشر : خلق الإنسان بفطرة سليمة

يولَد كلّ إنسان بفطرةٍ نقيّةٍ توحيديّةٍ بحيث إذا بقي بعيداً عن تأثير العوامل الخارجية (كالتربية والصداقةِ والإعلام) التي تُسبِّب انحرافَ عقيدتهِ ، سَلَكَ طريقَ الحق.

فليس ثمة شرّيرٌ بالولادة والخلقة بل الشرور والقبائح أُمور ذات صفة عارضة وطارئة تنشأ بسبب العوامل الباطنية والاختيارية.

ولهذا فانَّ فكرةَ المعصية الذاتية في بني آدم ، المطروحة من قِبل المسيحيّة المعاصرة ، لا أساس لها من الصحّة قط.

يقول القرآنُ الكريمُ في هذا الصدد : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) (١).

الأصل الخامسُ عشر : الإنسان كائن حرّ الإرادة

الإنسان كائنٌ حرُّ الإرادة ، مخيّرٌ ، يعني انّه بَعد أن يدرسَ النواحي المختلفة لموضوعٍ ما في ضوء العقل ، يختار فعلَهُ أو تركَه ، دون إجبار.

يقول القرآن الكريم : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٢).

ويقول أيضاً : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٣).

__________________

(١). الروم / ٣٠.

(٢). الإنسان / ٣.

(٣). الكهف / ٢٩.

الأصلُ السادسُ عشر : الإنسان مخلوق قابل للتربية والتأديب

حيث إنّ الإنسان يتمتع بفطرةٍ سليمةٍ وقوة تُمكِّنه من معرفة الخير والشرّ ، كما انّه كائن مخيّر غير مجبور ، لذلك كلهِ فهو موجودٌ قابل للتربية والتأْديب ، قادرٌ على سلوك طريق الرشد والتكامل ، وباب العودة إلى الله مفتوحٌ عليه ، اللهم إلّا أن يتوبَ إلى الله لحظة المعاينة ، ومشاهدة الموت التي لا تُقبل فيها التوبة ، ولا تنفع فيها العودة إلى الله.

ومن أَجل هذا تكون دعوةُ الأنبياء موجَّهة إلى جميع البشر حتى نظير فرعون كما يقول تعالى :

(فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) (١).

وعلى هذا الأَساس يجب أن لا ييأس الإنسانُ من الرحمةِ والمغفرةِ الإلهيّتين كما يقول تعالى :

(لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (٢).

الأصلُ السابعُ عشر : الإنسان كائن مسئول

حيث إنّ الإنسان يتمتع بنورِ العقل وموهبة الاختيار لذلك فإنّه كائنٌ مسئولٌ ، مسئولٌ أمام الله ، وأمام الانبياء ، والقادة الإلهيين ، وأمام غيره من

__________________

(١). النازعات / ١٨ ـ ١٩.

(٢). الزمر / ٥٣.

أبناء البشر الآخرين ، وأمام العالَم.

وقد صَرّحَ القرآن الكريم بهذه المسئولية الّتي تَقَعُ على الإنسان في آيات عديدة يقول : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (١).

ويقول كذلك : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (٢).

ويقول الرسولُ الأكرم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كُلُّكُمْ راعٍ وَكُلُّكُمْ مَسئُولٌ عَنْ رَعِيّتهِ» (٣).

الأصلُ الثامنُ عشر : ملاك التفاضل بين الناس

لا فَضْلَ لإنسانٍ على إنسان آخر إلّا بما يكسبه ، ويحصل عليه من الكمالات المعنوية ، وأفضل هذه الكمالات التي هي ملاكُ التفوّق والأفضليّة هو التقوى كما يقول تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٤).

وعلى هذا الأساس لا تكون الخصائصُ العرقية والجغرافية وغيرها من وجهة نظر الإسلام سبباً للتمييز ، ومبرِّراً للتفاخر والتكبّر ، والاستعلاء على الآخرين.

__________________

(١). الإسراء / ٣٤.

(٢). القيامة / ٣٦.

(٣). مسند أحمد : ٢ / ٥٤ ؛ وصحيح البخاري : ٣ / ٢٨٤ (كتاب الجمعة ، الباب ١١ ، الحديث ٢).

(٤). الحجرات / ١٣.

الأصلُ التاسعُ عشر : ثبات الأُسس الأخلاقية

الأُسُسُ الأخلاقية التي تُمثّل ـ في الحقيقة ـ أُسُسَ الهويّة الإنسانية ، ولها جذورٌ فطريّةٌ ، أُسسٌ ثابتةٌ وخالدةٌ ، وهي لا تتغيّر بسبب مُضِيّ الزمان وطروءِ التحوّلات والتطوّرات الاجتماعية.

فمثلاً ؛ حسنُ الوفاء بالعهد والعقد ، أو حسن مقابلة الإحسان بالإحسان ، قضيّةٌ خالدةٌ ، وحقيقةٌ ثابتةٌ مطلقاً ، وهذا القانون الأخلاقي لا يتغير أبداً.

وهكذا الحكمُ بقبح الخيانة وخُلف الوعد.

وعلى هذا الأساس فإنّ في الحياة البشرية الاجتماعية طائفةً من الأُصول والأُسُس التي امتزجت بالفطرة ، والطبيعة البشرية وتكون ثابتةً وخالدةً.

وقد أشارَ القرآنُ الكريمُ إلى بعض هذه الأُصول والأُسُس العقليّة الأخلاقية الثابتة إذ قال :

(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (١).

(ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (٢).

(فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (٣).

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) (٤).

__________________

(١). الرحمن / ٦٠.

(٢). التوبة / ٩١.

(٣). يوسف / ٩٠.

(٤). النحل / ٩٠.

الأصلُ العشرون : العلاقة بين عمل الإنسان والظواهر الكونية

إنّ أعمال الإنسان وتصرّفاته مضافاً إلى أنّها تستتبع أجراً ، أو عقاباً مناسباً لها في اليوم الآخر (القيامة) ، لا تخلو من نتائج حَسَنة أو سَيّئة في هذه الدنيا ، لأنّ ثمت قوى شاعرةً ومدركةً وُصِفت في القرآن الكريم بالمدبّرات (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (١) تدبّر أُمورَ الكون بإذن الله ، ولن تقفَ من أعمال الإنسان حَسَنة كانت أو سيّئة موقفَ المتفرج ، وفي الواقع إنّ عملَ الإنسان فعلٌ ، وبعضُ حوادث العالَم المنتهية إلى تلك المدبرات ردةُ فعل على عمله. وهذه حقيقةٌ كَشَفَ الوحيُ القناع عنها ، وتوصّل إليها الإنسانُ بعلمه إلى درجة ما أيضاً.

وللقرآن الكريم في هذا المجال آياتٌ عديدةٌ نذكر منها على سبيل المثال ما يلي : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (٢).

الأصلُ الواحدُ والعشرون : العلاقة بين تقدّم الأُمم أو تخلّفها وبين عقائدها وأخلاقها

إنّ تقدّمَ الأُمم أو تخلّفها نابعٌ من عِلَل وعواملَ داخليّة تعود في الأغلب إلى عقائدها وأخلاقها ، وبالتالي إلى سلوكها أَنفسها ، مضافاً إلى بعض العوامل الخارجية.

__________________

(١). النازعات / ٥.

(٢). الأعراف / ٩٦.

على أنّ هذا الأصل لا يتنافى مَعَ مبدأ القضاء والقدر الإلهيّين ، لأن هذا الأصل (أي تأثير سلوك الأُمم في مصيرها) هو نفسُه من مظاهر التقدير الإلهي الكلّي.

يعني أنّ المَشيئة الإلهيّة الكُليّة تعلّقت بأن تَصنع الأُممُ هي مصائِرَها كأن يحظى المجتمعُ الذي يقيمُ علاقاته الاجتماعية على أساس العَدالة ، بحياة طيبة ، ومستقرة ، ويكون وضع الأُمة التي تقيم علاقاتها الاجتماعية على خلاف ذلك سَيّئاً ، وحالتها متدهورةً.

إنّ هذا الأصلَ هو ما يسمّى حسب مصطلح القرآن الكريم بالسنن الإلهيّة حيث قال : (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً* اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) (١).

وقال : (.. وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ... وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ..) (٢).

الأصلُ الثاني والعشرون : وضوح المستقبل البشري

إنّ مستقبلَ البشريّة واضحٌ لا إبهام فيه ، صحيح أنّ حياة البشرية اقترنت في الأغلب مع أَلوان مختلفة من التمييز ، والفوضى ، إلّا أنّ هذا الوضع لن يستمرَّ إلى الأبد ، بل يَتحرَّك التاريخ البشري باتجاه مستقبلٍ

__________________

(١). فاطر / ٤٢ ـ ٤٣.

(٢). آل عمران / ١٣٩ ـ ١٤٠.

مشرقٍ يسودُ فيه العدلُ ، ويخيِّم عليه القسطُ الشاملُ ، وتكونُ الحاكميةُ في الأرض لمِن أسماهم القرآن الكريم بالصالحين إذ قال تعالى :

(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (١).

ويقول أيضاً :

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (٢).

وعلى هذا الأساس فإنّ النصر النهائي في مستقبل التاريخ ، وفي خاتمة المطاف في حَلَبة الصراع المستمر بين الحق والباطل إنّما هو للحقّ دون سواه ، وإن تأخر ذلك بعض الشيء وطال الأمَد ، كما يقولُ القرآن الكريم :

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) (٣).

الأصلُ الثالثُ والعشرون : كرامة الإنسان وحرّيته

يحظى الإنسانُ ـ حسب رؤية القرآن الكريم ـ بكرامةٍ خاصّة إلى دَرَجةٍ أنّه أصبحَ مَسجوداً للملائكة كما قال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (٤).

__________________

(١). الأنبياء / ١٠٥.

(٢). النور / ٥٥.

(٣). الأنبياء / ١٨.

(٤). الإسراء / ٧٠.

وحيث إنّ جوهر الحياة الإنسانية يكمنُ في حفظ الكرامة والعزّة ، لهذا منَعَ الإسلامُ من أيّ عمل يضرَّ بهذه الموهبة ، وبعبارة أكثر وضوحاً ؛ إن أيّ نوع من التسلّط على الآخرين وكذا قبول السلطة من الآخرين ممنوعٌ من وجهة نظر الإسلام منعاً باتاً ، فلا بدّ أن يعيش المرء حُرّاً كريماً بعيداً عن أي شكلٍ من أشكال الصغار والذل.

قال الإمامُ أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «ولا تكُنْ عَبْدَ غيرِك وقدْ جَعَلك الله حُرّاً» (١).

كما قال أيضاً : «إنّ الله تبارَك وتعالى فَوَّض إلى المؤمن كلَّ شيء إلّا إِذلالَ نفسهِ» (٢).

ومن الواضح جداً انّ الحكومات الإلهيّة المشروعة لا تنافي هذا الأصل كما سيأتي توضيحه مستقبلاً.

الأصلُ الرابعُ والعشرون : رؤية الإسلام للعقل الإنساني

إنّ للعقل الإنساني مكانةً خاصةً في رؤية الإسلام ونظره ، وذلك لأنّ ما يميّز الإنسان عن سائر الأحياء بل ويجعله مفضّلاً عليها هو عقله ومدى قوته التفكيرية.

من هنا دُعِيَ البشر ـ في آيات عديدة من القرآن الكريم ـ إلى التفكّر

__________________

(١). نهج البلاغة ، قسم الكتب ، الكتاب رقم ٣٨.

(٢). وسائل الشيعة : ١١ / ٤٢٤ (كتاب الأمر بالمعروف الباب ١٢ ، الحديث ٤).

والتأمّل ، والتدبّر والتعقّل ، إلى درجة ، عُدَّت تنمية القوة العقليّة ، والتفكّر في مظاهر الخلق ، من علائم العقلاء وذوي الأَلباب قال تعالى في القرآن الكريم : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) (١).

هذا وإنّ الآيات التي ترتبط بضرورة التفكّر والتأمّل في مظاهر الخلقة أكثر بكثير من أن يمكن سردها في هذا البيان المقتضب.

وعلى أساس هذه الرؤية نجد القرآن الكريمَ ينهى الناس عن التقليد الأعمى ، وعن الاتّباع غير المدروس للآباء والأجداد.

الأصلُ الخامسُ والعشرون : الانسجام بين الحرية الفردية ومبدأ التكامل المعنوي

إنّ الحريات الفرديّة (الشخصيّة) في المجالات الاقتصادية السياسيّة مقيّدة في الإسلام بأنْ لا تُنافي مبدأَ التكامل المعنوي للإنسان كما هي مقيّدة بأن لا تضرّ بالمصالح العامة.

وفي الحقيقة إن حكمة التكليف بالوظائف والواجبات الدينية في الإسلام تكمن في أنّ الإسلام يريد بهذه الوظائف التي يُكلّف بها الإنسان أن يحافظ على كرامته الذاتيَّة ، وفي الوقت نفسه يضمن سلامة واستمرار المصالح الاجتماعية.

إنّ مَنع الإسلام من الوثنيّة ، ونهيه المؤكد عن تعاطي ومعاقرة الخمر

__________________

(١). آل عمران / ١٩١.

وما شابه ذلك إنّما هو للحفاظ على الكرامة الإنسانية (فرداً وجماعة). وبهذا تتضح حكمة التشريعات الجزائية في الإسلام أيضاً.

فالقرآن الكريم يعتبر القصاص ضماناً للحياة الإنسانية إذ يقول :

(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) (١).

يقول النبي الأكرم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ المعصيةَ إذا عَمِلَ بها العبدُ لم تَضرّ إلّا عامِلَها ، فإذا عَمِل بها علانيةً ، ولم يُغَيّر أضرّت بالعامة».

ويضيف الإمام جعفر الصادق بعد نقل هذا الحديث قائلاً : «ذلك أنّهُ يُذلّ بعَملِه دينَ الله ، وَيَقْتدي به أهلُ عَداوةِ اللهِ» (٢).

الأصلُ السادسُ والعشرون : لا إكراه في الدين

إنّ من مظاهر الحرية الفردية في الإسلام هو أن لا يُجبرَ الشخصُ على قبول الدين واعتناقه كما قال تعالى :

(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (٣).

وذلك لأن الدين المطلوب في الإسلام هو الاعتقاد والإيمان القلبيّان وهما لا يتحقّقان في قلب الإنسان بالعُنف والقهر ، والقسر والإجبار ، بل ينشئان بعد حصول مقدمات أهمها اتضاح الحق والباطل

__________________

(١). البقرة / ١٧٩.

(٢). وسائل الشيعة : ١١ / ٤٠٧ ، (كتاب الأمر بالمعروف).

(٣). البقرة / ٢٥٦.

وتميّز أحدهما عن الآخر.

فإذا حَصَلت مثل هذه المعرفة اختار الإنسانُ الحقَّ في ظروف طبيعية قطعاً.

صحيح أن «الجهاد» هو أحد الفرائض والواجبات الإسلامية المهمّة جداً ، ولكن لا يعني الجهادُ قط إجبارَ الآخرين على اعتناق الإسلام ، بل المقصود منه إزالة الموانع والعراقيل عن طريق الدعوة الإسلامية وإبلاغ الرسالة الإلهيّة إلى مسامع الناس في العالم كَي ما يتبيّن الرشد من الغيّ.

ومن الطبيعيّ إذا مَنَعَ أرباب الثروة والسلطة انطلاقاً من الدوافع المادية والشيطانية من إبلاغ الرسالة الإلهيّة الهادية إلى مسامع الناس وأفئدتهم ، اقتضت فلسفة النبوة (وهي هداية البشرية وإرشادهم) أن يقوم المجاهدون بإزالة هذه الموانع ، والعراقيل ، لتتوفّر الشروط والظروف اللازمة لإبلاغ دعوة الحق إلى أبناء البشرية.

اتّضح ممّا سبق من الأبحاث ـ رؤية الإسلام حول الكون والإنسان والحياة ـ على أنّ هناك نقاطاً وأصولاً أُخرى أيضاً سنأتي بها في مكانها المناسب.

وها نحن نشرع في استعراض مواقف الإسلام ورؤاه في صعيد المعتقدات والأحكام.

كليات في العقيدة

١

الفصل الثاني

التوحيد ومراتبه وأبعاده

الأصلُ السابعُ والعشرون : وجود الله تعالى

إنّ الاعتقاد بوُجود الله أصلٌ مشترك بين جميع الشرائع السماويّة ، وأساساً يكمنُ الفارقُ الجوهريُّ والأساسيُّ بين الإنسانِ الإلهيّ المتدينِ (مهما كانت الشريعة التي ينهجها) والفردِ الماديّ ، في هذه المسألة.

إنّ القرآنَ الكريمَ يعتبر وجودَ الله أمراً واضحاً وغنيّاً عن البرهنة ، ويرى أنّ الشك والتردّد في هذه الحقيقة أمر غير مبرَّر ، بل ومرفوضاً كما قال : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١).

إلّا أنّه رغم وضوحِ وجودِ الله وبداهته قد وضع القرآنُ الكريمُ أمام من يريدُ معرفة الله عن طريق التفكّر والبرهنة ، وإزالة جميعَ الشكوك والاحتمالات المضادّة عن ذهنه ، طرقاً تؤدي هذه المهمة وأبرزها هو :

١ ـ إحساس الإنسان بالحاجة إلى كائنٍ أعلى ، هذا الإحساس الذي يتجلّى في ظروف وحالاتٍ خاصّة ، وهذا هو نداء الفطرة الإنسانية التي تدعوه إلى مبدأ الخلق يقول القرآن الكريم في هذا الصدد : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ

__________________

(١). إبراهيم / ١٠.

لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) (١).

ويقول أيضاً : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) (٢).

٢ ـ الدعوة إلى مطالَعة العالَم الطبيعيّ والتأمّل في عجائب المخلوقات التي هي آياتٌ واضحةٌ ، ودلائلٌ قويةٌ على وجود الله. إنّها آيات تدلّ على تأثير ودور العلم والقدرة ، والتدبير الحكيم في عالم الوجود : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٣).

إنّ الآيات في هذا المجال كثيرة وما ذكرناه ليس سوى نماذج من ذلك.

ومن البديهيّ أن ما ذكرناه لا يعني بالمرّة أن الطريق إلى معرفة وجودِ الله وإثباته يختص في هذين الطريقين ، بل هناك طرق عديدة أُخرى لإثبات وجودِ الله أتى بها علماء العقيدة ، والمتكلمون المسلمون في مؤلفاتهم المختصة بهذه المواضيع.

__________________

(١). الروم / ٣٠.

(٢). العنكبوت / ٦٥.

(٣). آل عمران / ١٩٠.

التوحيد هو الأصل الموحّد بين الشرائع

تقوم جميعُ الشرائع والمناهجِ السماوية على أساس التوحيد كما وأنّ الاعتقاد بالتوحيد هو أبرز أصلٍ مشتركٍ بين تلك الشرائع ، وإن كان هناك شيء من الانحراف لدى أتباع بعض تلك الشرائع في هذه العقيدة المشتركة. وفيما يأتي مراتب التوحيد وأبعاده في ضوء القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ، والبراهين العقلية :

الأصلُ الثامنُ والعشرون : التوحيد الذاتي ومعانيه

إنّ أول مرتبة من مراتب التوحيد هو التوحيد الذاتي ، وللتوحيد الذاتي معنيان :

ألف : إنّ الله واحدٌ ، لا مثيل له ولا نظير ولا شبيهَ ولا عديل.

ب : إن الذات الإلهيّة المقدّسة ذاتٌ بسيطةٌ لا كثرة فيها ، ولا تركّب.

يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام حول كلا المعنيَين :

١ ـ «هُو وَاحدٌ لَيسَ له في الأشْياء شَبَهٌ».

٢ ـ «وإنّه عزوجل أَحديّ المعنى لا ينقسم في وجودٍ ولا وَهمٍ ولا عقلٍ» (١).

__________________

(١). التوحيد ، للصدوق ص ٨٤ ، الباب ٣ ، الحديث ٣.

وسورة «الإخلاص» التي تعكس عقيدة المسلمين في مجال التوحيد تشير إلى كلا القسمين :

فقوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) إشارةٌ إلى القسم الأوّل.

وقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) إشارةٌ إلى القسم الثاني.

وعلى هذا الأساس يكون «التثليث» باطلاً من وجهة نظر الإسلام ، وقد صرّح القرآنُ الكريمُ في آيات عَديدة بعدم صحة ذلك.

كما أنّ هذه المسألة تَناولَتْها الكتبُ الكلاميّة (العقيديّة) بالبحث المُفَصَّل وفَنَّدَتْ التثليثَ بطرق مختلفة ، ونحن نكتفي هنا بذكر طريق واحد :

إنّ التثليث بمعنى كون الإله ثلاثاً لا يخلو عن أحد حالين :

إمّا ان يكون لكلِّ واحدٍ من هذه الثلاثة وجودٌ مستقلٌّ ، وشخصية مستقلّة ، أي أنْ يكون كلُّ واحدٍ منها واجداً لكلّ حقيقةِ الالوهية ، وفي هذه الصورة يتنافى هذا مع التوحيد الذاتي بمعناه الأوّل (أي كون الله لا نظير له).

وإمّا أن تكون هذه الآلهة الثلاثة ذات شخصيّة واحدة ، لا متعدّدة ويكون كلّ إلهٍ جزءاً من تلك الحقيقة الواحدةِ ، وفي هذه الصورة يكون التثليث كذلك مستلزماً للتركب ، ويخالف المعنى الثانيَ للتوحيد الإلهيّ (أي بساطة الذاتِ الإلهيّة).

الأصلُ التاسعُ والعشرون : التوحيد في الصفات

المرتبة الثانية من مراتب التوحيد هو : التوحيد في صفات الذات الإلهيّة.

نحن نعتقد أنّ الله تعالى موصوف بكلّ الصفات الكمالية ، وأنّ العقلَ والوحيَ معاً يَدُلّان على وجودِ هذه الكمالات في الذات الإلهيّة المقدسة.

وعلى هذا الأساس فإنّ الله عالمٌ ، قادرٌ ، حيٌ ، سميعٌ ، بصيرٌ و.. و.

وهذه الصفات تتفاوت فيما بينها من حيث المفهوم ، فما نفهمه من لفظة «عالِم» غير ما نفهمه من لفظة : «قادر».

ولكن النقطة الجديرة بالبحث هو أن هذه الصفات كما هي متغايرة من حيث المفهوم هل هي في الواقع الخارجيّ متغايرة أم متحدة؟

يجب القول في معرض الإجابة على هذا السؤال : حيث إنّ تغايرَها في الوجود ، والواقع الخارجي ، يستلزم الكثرةَ والتركّب في الذات الإلهيّة المقدسة ، لذلك يجب القولُ حتماً بأنّ هذه الصفات مع كونها مختلفةً ومتغايرةً من حيث المعنى والمفهوم إلّا أنّها في مرحلة العينيةِ الخارجيةِ ، والواقع الخارجِي متحدةٌ.

وبتعبير آخر : إن الذات الإلهيّة في عين بساطتها ، واجدةٌ لجميع هذه الكمالات ، لا أنّ بعض الذات الإلهيّة «عِلم» وبعضها الآخر «قُدرة» والقسم الثالث هو «الحياة» بل هو سبحانه ـ كما يقول المحقّقون : ـ علمٌ

كلُّه وقدرةٌ كلّهُ وحياةٌ كلهُ ...

وعلى هذا الأساس فإنّ الصفاتِ الذاتية للهِ تعالى ، مع كونها قديمةً وأزليةً فهي في نفس الوقت عين ذاته سبحانه لا غيرها.

وأمّا ما يقولهُ فريقٌ من أنّ الصفات الإلهية قديمةٌ وأزليةٌ ولكنها زائدةٌ على الذات غير صحيح ، لأنّ هذه النظرة تنبع ـ في الحقيقة ـ من تشبيه صفات الله بصفات الإنسان وحيث إنّ صفاتِ الإنسان زائدةٌ على ذاته فقَد تصوَّروا أنّها بالنسبة إلى الله كذلك.

يقول الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : «لم يَزلِ اللهُ ـ جلّ وعزّ ـ ربُّنا والعلمُ ذاتُه ولا معلومَ ، والسمعُ ذاتُه ولا مسموعَ ، والبَصَرُ ذاتُه ولا مُبْصَرَ ، والقدرةُ ذاتُه ولا مقدورَ» (١).

ويقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «وكمالُ الإخلاصِ له نفي الصفاتِ عنه ، لشهادة كلِّ صفَةٍ أنها غيرُ الموصوف ، وشهادةِ كلّ موصوفٍ أنّه غير الصفة» (٢). (٣)

__________________

(١). التوحيد ، للصدوق ، ص ١٣٩ الباب ٢١١ ، الحديث ١.

(٢). نهج البلاغة ، الخطبة ١.

(٣). سمّى بعض من لا إلمامَ له بالمسائل الكلاميّة هذه النظرية بالتعطيل والمعتقدينَ بها بالمعطلة ، في حين أنّ المعطّلة إنما يُطلَقُ على من لا يُثبت الصفات الجمالية للذات الإلهيّة ، ويستلزم موقفُهم هذا خلوَّ الذات الإلهيّة من الكمالات الوجودية ، وهذه العقيدة الخاطئة لا علاقة لها مطلقاً بنظرية (عينيّة الصفات للذات الإلهيّة ووحدتهما خارجاً) بل نظريةُ العينيّة هذه في عين كونها تُثبت الصفاتِ الجماليّة والكماليّة لله ، مُنزَّهَة من الإِشكالات والاعتراضات الواردةِ على نظريّة زيادةِ الصفاتِ على الذات.

الأصلُ الثلاثون : التوحيد في الخالقية

المرتبة الثالثة من مراتب التوحيد هي التوحيد في الخالقية ، بمعنى انّه لا خالق إلَّا الله ، وأنّ الوجود برمته مخلوقُه ، وقد أكّد القرآن الكريم على هذه الحقيقة إذ قال :

(قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (١).

(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (٢).

وليس الوحي وحده يثبت ذلك بل يقول به العقل ويؤكّده ، لأنّ كل ما سوى الله ممكنٌ محتاجٌ ، وترتفع حاجته ويتحقّق وجوده من جانب الله.

إنّ التوحيد في الخالقية لا يعني نفي أصل السببيّة والعليّة في عالم الوجود ، لأنّ تأثيرَ كلِّ ظاهرة مادّية في مثلها منوطٌ بإذن الله ، ووجودُ السبب وسَبَبيّتُه كلاهُما من مظاهر المشيئة الإلهية ، فالله سبحانه هو الذي أعطى النور ، والضوء للشمس والقمر ، وإذا أراد سَلْبَه عنهما فعل ذلك دون مانع ومنازع ، ولهذا كان الخالق الوحيد بلا ثان.

وقد أيّد القرآن الكريم ـ كما أسلفنا في الأصل الثامن ـ قانون العليّة ونظام السببية في الكون كما قال الله : (يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) (٣).

__________________

(١). الرعد / ١٦.

(٢). غافر / ٦٢.

(٣). الروم / ٤٨.

فقد صَرَّحَتِ الآيةُ المذكورة بتأثير الرياح في تحريك السحابِ وسَوْقها.

إنّ تعمِيم خالقيّة الله على جميع الظواهر الطبيعيّة لا يستلزم أبداً أن ننسب أفعال البشر القبيحة إلى الله تعالى ، لأنّ كل ظاهرة من الظواهر الكونية لكونها كائناً إمكانياً وإن كان مستحيلاً أن ترتدي ثوب الوجود من دون الاستناد إلى القدرة ، والإرادة الإلهيّة الكلية.

ولكن في مجال الإنسان يجب أن نضيف إلى ذلك ، أنّ الإنسان لكونهِ كائناً مختاراً ، وموجوداً ذا إرادة ، فهو يفعلُ أو يترك بإرادته واختيارِهِ بحكم التقدير الإلهيّ أي إنّ الله قدّر وشاء أن يفعلَ الإنسانُ ما يريد فعلهُ بإرادته ، ويترك ما يريد تركه بإرادته ، لهذا فإنّ اصطباغ الفعل البشري من حيث كونه طاعة أو معصية لله تعالى ناشئ مِن نوعيّة إرادته واختيار الإنسان نفسهِ.

وبعبارة أُخرى : إنّ الله واهبُ الوجود ، والوجود مطلقاً مستند إليه ، ولا قبح في الأمر من هذه الناحية كما قال : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (١).

ولكنّ جَعْلَ وجود هذا الفعل مطابقاً أو غير مطابق لمعايير العقل والشرع ، نابعٌ في الحقيقة من كيفية اختيار الإنسان وإرادته ، وعزمه.

ولإيضاح المقصود نأتي بمثال :

إنّ الأكل والشرب من أفعال الإنسان بلا ريب فيقال أكل فلان

__________________

(١). السجدة / ٧.

وشرب ، ولكنّ كلاً من الفعلين يشتملان على جهتين :

الأُولى : الوجود ، وهو الأصل المشترك بينه وبين سائر الموجودات.

الثانية : تحديد الوجود وصبّه في قالب خاص وانصباغه بعنواني الأكل والشرب ، فالفعل من الجهة الأُولى منسوب إلى الله سبحانه ، فلا وجود في الكون إلّا وهو مفاض منه تعالى ، ولكنّه من الجهة الثانية منسوب إلى العبد إذ هو الذي باختياره وقدرته صَبَغ الوجود بصبغة خاصة وأضفى عليه عنواني الأكل والشرب ، فهو بفمه يمضغ الغذاء ويبلع الماء.

وبعبارة أُخرى : إنّ الله سبحانه هو الذي أقدر العبد على إيجاد الفعل ، وفي الوقت نفسه أعطى له الحرية لصرف القدرة في أيّ نحو شاء ، وهو صرفها في مورد الأكل والشرب.

الأصلُ الواحدُ والثلاثون : التوحيد في الربوبية

المرتبة الرابعة من مراتب التوحيد هو : التوحيد في الربوبية وتدبير الكون والإنسان.

والتوحيد الربوبي يكون في مجالين :

١ ـ التدبير التكوينيّ.

٢ ـ التدبير التشريعيّ.

وسنتحدّث عن التدبير التشريعيّ في أصل مستقل ، فيما بعد ،

ونركّز في هذا الأصل على التدبير في المجال التكويني.

إنّ تاريخ الأنبياء يشهد بأن مسألة التوحيد في الخالقية لم تكن قط موضع نقاش في أُممهم وأقوامهم ، وانما كان الشرك ـ لو كان ـ في تدبير الكون وإدارة العالم الطبيعي الذي كان يتبعه الشرك في العبادة.

فمشركو عصر النبي إبراهيم الخليل عليه‌السلام كانوا يعتقدون بوحدة خالق الكون ، إلّا أنّهم كانوا يعتقدون خطأً بأنّ النجوم والكواكب هي الأرباب والمدبّرات لهذا الكون ، وقد تركّزت مناظرة إبراهيم لهم على هذه المسألة كما يتضح ذلك من بيان القرآن الكريم (١).

وكذا في عهد النبي يوسف عليه‌السلام الذي كان يعيش بعد النبي إبراهيم الخليل عليه‌السلام فإنّ الشرك كان في مسألة الربوبية ، وكأنَّ الله بعد أن خلقَ الكون ، فوّض أمر تدبيره وإدارته إلى الآخرين.

ويتّضح هذا جلياً من الحوار الذي دار بين يوسف الصدِّيق عليه‌السلام وأصحابه في السجن إذ يقول : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٢).

كما ويُستفاد من آيات القرآن الكريم أن مشركي عصر الرسالة كانوا يعتقدون بأنّ بعض مصيرهم إنّما هو بأيدي معبوداتهم إذ يقول : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) (٣).

ويقول أيضاً : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ* لا

__________________

(١). راجع الأنعام / ٧٦ ـ ٧٨.

(٢). يوسف / ٣٩.

(٣). مريم / ٨١.

يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) (١).

إنّ القرآنَ الكريم يحذّر المشركين في آياتٍ عديدة بأنّ ما يعبدونه من الأَرباب المختلفَة غير قادرةٍ على جلب نفعٍ إلى عابِدِيها ولا دفعِ ضررٍ عنهم أبداً.

إنّ هذه الآيات تكشف عن أنّ مشركي عصر الرسالة المحمدية كانوا يعتقدون بأنّ تلكَ المعبودات تضرّ أو تنفع عُبّادها. (٢) وهذا هو كان الدافع لهم إلى عِبادتها.

إنّ هذه الآيات ونظائرَها ممّا يعكس ويصوّر عقائد المشركين في عصر الرسالة ، تحكي عن أنّه رغم أنّهم كانوا يعتقدون بالتوحيد في الخالقية ، إلّا أنّهم كانوا مشركين في بعض الأُمور المتعلّقة بربوبيّة الحق تعالى ، إذ كانوا يعتقدون بأنّ معبوداتهم مؤثرة ـ على نحو الاستقلال ـ في الأُمور والأشياء ، أي إنَّها فاعِلة في صفحة الكون من دون إذنِ الله ومشيئته بل بصورة مستقلّةٍ وحسب مشيئتها وإرادتها لا غير ، وهي من صفات الربِّ الحقيقي.

ولقد عَمَدَ القرآنُ الكريمُ ـ بهدف منع أُولئك المشركين عن عبادة الأصنام بصورة جذرية ـ إلى إبطال هذا الاعتقاد الفاسد وهذا التصوّر الخاطئ ، وقال بأنّ هذه الأصنام لا تضرّ ولا تنفع ولا مثقال ذرة ، فليس لهم أيّ تدبير وربوبيّة.

__________________

(١). يس / ٧٤ ـ ٧٥.

(٢). راجع : يونس / ١٨ ، والفرقان / ٥٥.

ففي بعض الآيات يندّد القرآنُ بالمشركين لكونهم يتّخذون لله تعالى نظيراً وندّاً ، وشبيهاً ومثيلاً ، إذ يقول : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) (١).

وقد ورد تقبيح اتّخاذ الندّ للهِ في آيات قرآنية أُخرى أيضا (٢). ويتضح من الآيات المذكورة أنّ المشركين كانوا يعتقدون بأنّ لتلك الأصنام شئوناً مثل شئون اللهِ سبحانه ، ثمّ انطلاقاً من هذا التصوّر كانوا يحبّون تلك الأصنام ويودّونها بل ويعبدونها!!

وبعبارة أُخرى : لقد كان المشركون يعبدون تلك الأوثان والأصنام لكونها ـ حسب تصوّرهم وزعمهم ـ «أنداداً» و «نظراء» لله سبحانَه في التدبير.

إنّ القرآن الكريم ينقل عن المشركين يومَ القيامة بأنّهم يقولون تنديداً بأَنفسهم وبأَصنامهم : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٣)

أجل إنّ دائرةَ ربوبية الله واسعة ، ومن أجل هذا كان مشركو عصر الرسالة موحّدين في أُمور هامّة. كالرزق والإحياء والإماتة والتدبير الكلي للكون كما يقول القرآن الكريم : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ).(٤)

__________________

(١). البقرة / ١٦٥.

(٢). راجع : البقرة / ٢١ ، إبراهيم / ٣٠ ، سبأ / ٣٣ ، الزمر / ٨ ، فصلت / ٩.

(٣). الشعراء ٩٧ ـ ٩٨.

(٤). يونس / ٣١.

(٥). المؤمنون / ٨٤ ـ ٨٧.

(قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (١).

وَلكنَّ هؤلاء الأفراد أنفسَهم ـ كما مرّ في آيات سورة مريم وسورة يس ينسبون بعض الأُمور والشئون مثل النَّصر في القتال والحفْظ في السَفَر ، وَما شابهَ ذلك ، إلى مَعْبُوداتهم وأصنامِهمْ ويَعْتَقدون بتأثيرها الذاتيّ والمُستقلِّ في مصائرهم.

وأبْرزُ من كل ذلك ؛ الشفاعةُ التي كانوا يرون أنّها حقّ طلْقٌ لتلك الأصنام وكانوا يَعتقدون بأنّها تشفع من غير إذن الله ، وأنّ شفاعَتها مفيدةٌ لا مَحالة ومؤثّرة قطعاً وجزماً.

وعلى هذا فلا منافاة بين أن يكون بعض الأفراد يعتقدون بتدبير اللهِ لبعض الأُمور دون سواه فيكونون موحّدين في هذا المجال ، بينما يعتقدون بتدبير الأصنام والأوثان لأُمور وجوانب أُخرى من مصائرهم وشئونهم كالشفاعة والإضرار والإنفاع والإعزاز والمغفرة ، فيكونون مشركين في هذه المجالات.

وَلكنّ «التوحيد في الربوبية» يفنّد كلَّ لونٍ من ألوان تصوّر الاستقلال ، والتأثير المستقل عن الإذن الإلهيّ كليّاً كان ، أو جزئياً.

فهو يُبطل أي إسنادٍ ، لتأثير غير الله في مصير الإنسان والكون ، وتدبير شئونها بمعزلٍ عن الإذن الإلهيّ وبهذا يُبطل ويرفُضُ عبادةَ غير اللهِ تعالى.

__________________

(١). المؤمنون / ٨٤ ـ ٨٧.

إنَّ الدليل على التوحيد الربوبيّ واضحٌ تمامَ الوضوح ، لأنّ تدبيرَ عالمِ الخلق ، في مجال الإنسان والكون ، لا ينفصل عن مسألة الخَلْقِ ، وليس شيئاً غير عمليّة الخَلق.

فإذا كانَ خالقُ الكونِ والإنسان واحداً ، كان مدبّرهما بالطبع والبداهة واحداً كذلك ، لوضوح العلاقة الكاملة بين عمليّة التدبير وعملية الخَلْق للعالم.

ولهذا فإنّ الله تعالى عند ما يصف نفسَه بكونه خالِقَ الأشياء يصف نفسَه في ذاتِ الوَقتِ بأنّه مدبّرُها (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ...) (١).

وفي آية أُخرى يعتبر التناسق والانسجام السائد والحاكم على الكون دليلاً على وحدة مدبر العالم إذ يقول : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (٢).

إنَّ التوحيد في التدبير لا ينافي وجودَ مدبّراتٍ أُخرى تقومُ بوظائفها بإذن الله في صفحة الكون ، فهي بالحقيقةِ مظاهِر لِربوبية الحق تعالى.

ولهذا فإنَّ القرآن الكريم مع تأكيده الشديد على التوحيد في الرّبوبيّة والتدبير يصرّح بوجود مدبّراتٍ أُخرى في صفحة الكون إذ يقول : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (٣).

__________________

(١). الرعد / ٢.

(٢). الأنبياء / ٢٢.

(٣). النازعات / ٥.

الأصل الثاني والثلاثون : التوحيد في الحاكمية والتقنين

بعد أن ثبت ـ في الأصل السابق ـ أنّ للكون مدبّراً حقيقياً واحداً هو الله تعالى وأنّ تدبير العالم وحياة الإنسان بيده دون سواه ، كان تدبير أمر الإنسان في صعيد الشريعة ـ سواء في مجال الحكومة أو التقنين أو الطاعة أو الشفاعة أو المغفرة ـ برمّته بيده تعالى ، ومن شئونه الخاصة به ، فلا يحق لأحد أن يتصرّف في هذه المجالات والأصعدة من دون إذن الله تعالى ، ولهذا يُعتبر التوحيدُ في الحاكمية ، والتوحيد في التشريع ، والتوحيد في الطاعة ، والتوحيد في الشفاعة والمغفرة .. من فروع التوحيد في التدبير وشقوقه ولوازمه.

فإذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاكماً على المسلمين فإنّ هذا نابعٌ من اختيار الله تعالى إيّاه لهذا المنصب.

وانطلاقاً من هذه العلّة ذاتها تجب إطاعتهُ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل إنّ إطاعته نفس إطاعة الله ، قال تعالى :

(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (١).

وقال أيضاً : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) (٢).

فلو لم يكن الإذنُ الإلهيّ ما كانَ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاكماً ولا مُطاعاً.

__________________

(١). النساء / ٨٠.

(٢). النساء / ٦٤.

فحكومتهُ وطاعتهُ مظهرٌ لحاكمية الله وطاعته.

كما أنّ تحديدَ الوظيفَة وتشخيص التكليف بما أنّه من شُئون الربوبية ، لم يَحِقّ ولا يحقّ لأحدٍ أن يحكم بغير ما أمر اللهُ به ، وأن يقضيَ بغير ما أنزل : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (١).

وهكذا تكون الشفاعة ومغفرة الذنوب من حقوق الله الخاصة به فلا يقدر أَحَدٌ أنْ يَشْفَعَ لأَحدٍ من دُون إذنهِ تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (٢).

وَعَلى هذا الأَساس يكونُ شراء صُكوك الغفران وبَيعُها ، تصوّراً بأنّ لأحدٍ غير المقام الربوبي أن يَهبَ الجنّة لأحَدٍ ، أو يخلّصَ أحداً من العذاب الأُخروي كما هو رائجٌ في المسيحيّة ، أمراً باطلاً لا أساس له من الصحَّة في نظر الإسلام كما جاء في القرآن الكريم :

(فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) (٣).

فالموَحدُ ـ في ضوء ما قلناه ـ يجب أن يعتقِدَ ـ في مجال الشريعة ـ بأنّ الله وحده لا سواه هو الحاكم والمرجع ، إلّا أنْ يعيّن الله شخصاً للقيادة ، وبيانِ الوظائف الدينية.

__________________

(١). المائدة / ٤٤.

(٢). البقرة / ٢٥٥.

(٣). آل عمران / ١٣٥.

الأصلُ الثالِثُ والثلاثون : التوحيد في العبادة

إنّ التوحيدَ في العبادة هو الأصل المشترك والقاعدة المتفق عليها بين جميع الشرائع السماوية.

وبكلمة واحدة : إنّ الهدف الأسمى من بَعث الأنبياء والرسُل الإلهيّين هو التذكير بهذا الأصل كما يقول : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (١).

إِنّ جميع المسلمين يعترفون في صلواتهم اليومية بهذا الأصل ويقولون : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (٢).

وعلى هذا الأساس فإنّ وجوبَ عبادة الله وحده ، والاجتناب عن عبادة غيره أَمرٌ مسلَّمٌ لا كلام فيه ، ولا يخالف أحد في هذه القاعدة الكلية أبداً ، وإنّما الكلام هو في أنّ بعض الأعمال والممارَسات هل هي مصداق لعبادة غير الله أم لا؟ وللوصُول إلى القولِ الفصلِ في هذا المجال يجب تحديد مفهوم العبادة تحديداً دقيقاً ، وتعريفها تعريفاً منطقياً ، بغية تمييز ما يدخل تحت هذا العنوان ويكون عبادة ، ممّا لا يكون كذلك ، بل يُؤتى به من باب التعظيم والتكريم.

لا شك ولا ريبَ في أنّ عِبادةَ الوالدين والأنبياء والأولياء حرامٌ وشركٌ ، ولكن مع ذلك يكون احترامهم واجباً وعينَ التوحيد : (وَقَضى رَبُّكَ

__________________

(١). النحل / ٣٦.

(٢). الفاتحة / ٥.

أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (١).

والآن يجب أن نرى ما هو العنصر الذي يميّز «العبادةَ» عن «التكريم»؟ وكيف يكون العملُ الواحدُ في بعض الموارد (مثل سجود الملائكة لآدم ، وَسُجود يعقوب وأولاده ليوسف) عينَ التوحيد ، ولكن نفسَ العمل يكونُ في مواردَ أُخرى عينَ الشرك والوثنية.

إنّ الجوابَ على هذا السؤال يتّضح من البحث السابق الذي كانَ حول التوحيد في التدبير.

إنّ العبادَة (التي نُفيت عَنْ غير الله ونُهي عنها) عبارة عن خضوع إنسانٍ أمام شيء أو شخصٍ باعتقاد أنّ بيده مصير العالم كلّهِ أو بعضه ، أو بيده اختيار الإنسان ومصيره ، وانّه مالك أمره ، وبتعبير آخر : ربّه.

أمّا إذا كان الخضوع أمام كائن ما لا بهذا الاعتقاد ، إنّما من جهة كونه عَبداً صالحاً لله ، وصاحبَ فضيلةٍ وكرامة ، أو لكونه منشأَ إحسان ، وصاحب يدٍ على الإنسان ، فإنّ مثل هذا العمل يكون مجردَ تكريم وتعظيم لا عبادةً له.

ولهذا السبب بالذات لا يوصف سجود الملائكة لآدم ، أو سجود يعقوب وأَبنائه ليوسف بصفة الشرك والعبادة فهذا السجود كان ينبع من الاعتقاد بعبوديّة آدم ويوسف إلى جانب كرامتهما ومنزلتهما عند الله ، وليس نابعاً من الاعتقاد بربوبيّتهما أو أُلوهيّتهما.

__________________

(١). الإسراء / ٢٣.

بالنظر إلى هذه الضابطة يمكن الحكم في ما يقوم به المسلمون في المشاهد المشرَّفة من احترام وتكريم لأولياء الله المقرَّبين ، فإنَّ من الواضح أنّ تقبيل الضرائح المقدسة ، أو إظهار الفَرَح والسرور يوم ميلادِ النبي وبعثته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينطوي إلّا على تكريم النبي الكريم ولا يُقصَد منه إلّا إِظهار مودّته ومحبته ولا تكون ناشئةً من أُمورٍ مثل الاعتقاد بربوبيته قَط.

وهكذا الحال في الممارسات الأُخرى مثل إنشاء القصائد والأشعار في مدح أولياء الله أو مراثيهم ، وكذا حفظ آثار الرسالة ، وإقامة البناء على قبور عظماء الدين ، فانها ليست بشركٍ ولا بدعة.

وأَمّا كونها ليست بشركٍ فلأنّها تنبع من مودَّة أَولياء الله (لا الاعتقاد بربوبيتهم).

وأمّا كونها ليست ببدعَة أيضاً فلأَنّ جميع هذه الأعمال تقومُ على أساسٍ قرآنيّ ورِوائيٍ ، وينطلق من أصل وجوب محبة النبي وآله.

فأَعمال التكريم هذه مَظْهَرٌ من مظاهِر إبراز هذه المودة والمحبة التي حثّ عليها الكتاب والسنّة (وسيأتي توضيح هذا الموضوع في الفصل المتعلّق بالبدعة مستقبلاً).

وفي المقابل يكون سجودُ المشركين لأصنامهم مرفوضاً ومردوداً لكونه نابعاً من الاعتقاد بربوبيتها ومدبريَّتها وأنّ بيدها قسماً من شئون الناس ... أو على الأقل لأنّ المشركين كانوا يعتقدون بأنّ العزة والذّلّة ، والمغفرة والشفاعة بأَيدي تلك الأَصنام!!

كليات في العقيدة

٢

الفصل الثالث

في صفات الله سبحانه

الأصلُ الرابع والثلاثون : الصفات الجمالية والجلالية لله سبحانه

حيث إنّ الذاتَ الإلهيّة لا مثيلَ لها ولا نظير ، ولا يُتصوّر لله عديل ولا شبيه ، فهو سبحانه أعلى من أن يعرفه الإنسان بالكُنْه ، أي ليس للإنسان سبيلٌ إلى معرفةِ حقيقة الذات الإلهية ، على حين يمكن معرفته تعالى عن طريق صفاته الجمالية والجلالية.

والمقصود من الصفات الجمالية هي الصفات التي تدلّ على كمالِ الله في وجوده وذلك كالعلم والقدرة ، والحياة ، والإرادة والاختيار وما شابه ذلك. وتُسمّى بالصفات الثبوتية أيضاً.

والمقصود من الصفات الجلالية هي الصفات التي يجلّ الله تعالى عن وصفه بها ، لأنّ هذه الصفات تدلّ على نقص الموصوف بها وعجزه ، والله تعالى غنيٌ غِنىً مطلقاً ، ومنزّه عن كلِّ نقص وعيب.

والجسمانية ، والاحتياج إلى المكان والزمان ، والتركيب وأمثاله من جملة هذه الصفات ، وتسمّى هذه الصفات أيضاً بالصفات السلبية في مقابل الصفات الثبوتية (التي مرَّ ذكرها أوّلاً) والمقصود في كلتا التسميتين واحد.

الأصلُ الخامسُ والثلاثون : طرق معرفة صفاته سبحانه

لقد أسلفنا في بحث المعرفة أنّ أبرز طرق المعرفة بالحقائق تتمثّل في : الحسّ ، والعقل ، والوحي.

ويمكن لمعرفة الصفات الإلهيّة الجمالية والجلاليّة الاستفادة من الطريقين التاليين :

١ ـ طريق العقل : فإنّ التأمّل في عالم الخَلق ، ودراسة الأسرار الكامنة فيه والتي تدل برمّتها على أنّها مخلوقة لله ، تقودنا إلى كمالات الله الوجودية ، فهل يمكن أن يتصوّر أحدٌ أنّ بناء الكَون الشاهق قد تمّ من دون عِلمٍ وقدرةٍ واختيارٍ.

إنّ القرآن الكريم يدعو ـ تأْييداً لحكم العقل في هذا المجال ـ بالتدبّر في الآيات التكوينية في صعيد الآفاق والأنفس إذ يقول : (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١).

أي انظُروا نظرة تدبّر وتأمل لتكتشفوا الحقائق العظيمة.

على أَنّ من البديهيّ أنّ العقلَ يسلك هذا الطريق بمعونة الحسّ ، أي أنّ الحس يبدأ أوّلاً باكتشاف وإدراك الموضوع بصورةٍ عجيبةٍ ، ثمّ يعتبر العقل عظمة الموضوع ، وتكوينه العجيب ، دليلاً على عظمة الخالق وجماله.

٢ ـ طريق الوحي : فبعد أن أثبتت الأدلةُ القاطعةُ النبوّةَ والوحيَ ،

__________________

(١). يونس / ١٠١.

واتّضح أنّ الكتاب الذي أتى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذا قوله كان برمّته من جانب الله ، كان من الطبيعيّ أن يكون في مقدور الكتاب والسُّنّة أن يساعدا البشريةَ في معرفة صفات الله ، فقد ذُكِرت صفات الله الجماليّة والجلاليّة في هذين المصدرين بأفضل نحو.

ويكفي أن نعرف أنّه جاء بيان قرابة ١٤٠ صفة لله تعالى في القرآن الكريم ، ونكتفي هنا بذكر آية واحدة تذكر بعض تلك الصفات : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ* هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١).

هذا والجدير بالذكر أنّ هناك من احتج بعجز البشر عن معرفة الموجودِ الأعلى فترك البحثَ عن صفات الله ، ونهى عن ذلك ، وهؤلاء في الحقيقة هم «المعطلة» لأنَّهم حَرَموا الإنسان من المعارف السامية التي أرشد إليها العقلُ والوحيُ معاً.

ولو كانَ البحثُ والنّقاش حولَ هذه المعارف مَمنُوعاً حقاً لكان ذِكرُ كل هذه الصفات في القرآن الكريم ، والأمرُ بالتدَبر فيها غيرَ ضروريّ بل لغواً.

ويجب أن نقول ـ مع بالغ الأسف ـ إنّ هذا الفريق حيث إنّه أوصد على نفسه بابَ المعرفة ، وقع نتيجةً لتعطيل البحث العلمي في ورطة «تجسيم الله وتشبيهه وإثبات الجهة له سبحانه».

__________________

(١). الحشر / ٢٣ ـ ٢٤.

الأصلُ السادسُ والثلاثون : صفات الذات وصفات الفعل

تنقسمُ الصفات الإلهيّة من جهة أُخرى إلى قسمين :

ألف : صِفات الذات.

ب : صِفات الفِعل.

والمقصودُ من (صفات الذات) هي الصفات الّتي يلازم تصوُّرها تصوّرَ الذات الإلهية ، كالعلم والقدرة والحياة ، وإن لم يصدر منه سبحانه فعلٌ من الأفعال.

والمقصود من (صفات الفِعل) هي الصفات التي تُوصف الذات الإلهيّة بها بملاحظة صدور فعل ما منه تعالى ، كالخالقية ، والرازقية وما شابَهَ ذلك من الصفات التي تنتزَعُ من مقام الفعل ، ويوصَف بها اللهُ تعالى بعد ملاحظة ما صدر منه من الأفعال.

وبعبارةٍ أُخرى ما لم يصدر من الله فعل كالخالقية والرازقيّة والغفارية والراحمية لا يمكن وصفه فعلاً بالخالق والرازق وبالغفّار والرحيم ، وإن كان قادراً ذاتاً على الخلق والإرزاق والمغفرة والرحمة.

ونذكّر في الخاتمة بأنّ كلَّ صفات الفعل التي يوصف بها اللهُ تعالى نابعةٌ من كماله الذاتي ، وأن الكمال الذاتي المطلق له تعالى هو مبدأ جميع هذه الكمالات الفعلية ومنشؤها.

صفات الله الثبوتيّة

بعد ما تبيّن انقسامُ الصفات الإلهيّة إلى صفاتٍ ثبوتيّة وسلبيّة ، وذاتيّة فعليّة ينبغي أن نطرح على بساط البحث أهمّ المسائل والقضايا المتعلّقة بها.

الأصلُ السابعُ والثلاثون : صفاته الذاتية

ألف : العلمُ الأَزَليّ

عِلمُ الله ـ لكونه عينَ ذاته ـ أزليٌّ ، كما انّه مثل ذاته مطلقٌ ، ولا نهاية له.

إنّ الله تعالى ـ مضافا إلى علمه بذاته ـ يعلم بكل شيء ممّا سوى ذاته ، كليّاً كان أم جزئياً ، قبل وقوعه وتحقّقه ، وبَعد وقوعه وتحقّقه.

ولقد أكّد القرآنُ الكريمُ على ذلك تأكيداً كبيراً إذ قال : (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١).

__________________

(١). العنكبوت / ٦٢.

وقال أيضاً : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١).

ولقد وَرَدَ مثل هذا التأكيد المكرّر والقويِّ على أزليّة العلمِ الإلهيّ ، وسعته وإطلاقه في الأحاديث المرويّة عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام مثل قول الإمامِ جَعْفَرِ الصادق عليه‌السلام :

«لَم يَزَل عالِماً بالمَكانِ قَبْلَ تَكوينه كَعِلْمِهِ به بَعْدَ ما كوَّنَهُ وَكَذلِكَ عِلمُهُ بِجَمِيعِ الأَشياءِ» (٢).

ب : القُدرةُ الواسِعَةُ

إنّ قدرةَ الله مثلُ عِلمه أَزَليّةٌ ، وَلكونها عينَ ذاته فهي مثلُ عِلمِهِ تعالى ، مطلقةٌ وغير محدودة.

إنّ القرآن الكريم يؤكّد على سِعةِ قدرة الله ويقول : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) (٣).

ويقول : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) (٤).

وقالَ الإمامُ جعفرُ الصّادق عليه‌السلام :

«الأشياءُ لَهُ سَواءٌ عِلماً وقُدْرةً وَسُلْطاناً ، ومُلْكاً وإحاطةً» (٥).

__________________

(١). الملك / ١٤.

(٢). التوحيد للصدوق ص ١٣٧ ، الباب ١٠ ، الحديث ٩.

(٣). الأحزاب / ٢٧.

(٤). الكهف / ٤٥.

(٥). التوحيد للصدوق الباب ٩ الحديث ١٥.

وأمّا إذا كان إيجاد الأشياء المستحيلة والممتنِعة ذاتاً خارجة عن إطار القُدرة الإلهية ، فليس ذلك لأجْل نقصٍ في القدرة الإلهيّة ، بَلْ لأجل عدم قابليّة الشيء الممتنع ، للتحقّق والوجُود (فهو نَقْصٌ في جانب القابل لا في جانب الفاعل).

يقول الإمامُ عليٌّ عليه‌السلام في الردّ على من سَألَ حول إيجاد الممتنعات : «إنّ الله تباركَ وتعالى لا يُنسَبُ إلى العَجز ، والّذي سَألْتنِي لا يَكُونُ» (١).

ج : الحياة

إنّ اللهَ العالِمَ القادرَ حيٌّ كذلك قطعاً ، لأنّ الصفتين السابقتين من خصوصيات الموجود الحي وتوابعه ، ومن هذا تتضح دلائل الحياة الإِلهيّة أَيضاً.

على أنّ صِفة الحياة التي يُوصف بها الحقّ تعالى هي مثل سائر الصفات الإلهيّة منزَّهةٌ عن كلّ نقص ، ومن كل خصوصيّات هذه الصّفة في الإنسان وما شابهه (كعروض الموت) ، وحيث إنّ اللهَ حيٌ بالذات لهذا لا سبيلَ للموت إلى ذاته المقدّسة كما يقول :

(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) (٢).

__________________

(١). التوحيد للصدوق : ص ١٣٠ ، باب القدرة.

(٢). الفرقان / ٥٨.

د : الإرادةُ والاختيار

إنَّ الفاعلَ الواعي لفعله أكملُ من الفاعِلِ غير الواعي لفعله ، كما أنّ الفاعلَ المريدَ لفعلِهِ المختار فيه (وهو الّذي إذا أراد أن يفعلَ فَعَل ، وإذا لم يُردْ أن يفعَلَ لم يفعل) أكمل من الفاعل المضطرّ المجبور ، أي الذي ليس أمامَه إلّا أحد أمرين : إمّا الفعل وإمّا الترك.

وبالنظر إلى ما قلناه ، وكذلك نظراً إلى أنّ الله أكملُ الفاعلين في صفحة الوُجود ، فإنَّ من البديهي أن نقول إنَّ اللهَ فاعلٌ مختارٌ ، وليس تعالى بمجبورٍ من جانب غيرهِ ، ولا بمضطرٍ من ناحية ذاته.

والمقصود من قولنا : إن اللهَ مريدٌ ، هو أنّه تعالى مختارٌ وليس بمجبورٍ ولا مضطَرّ.

إنّ الإرادة ـ بمعناها المعروف في الإنسان والذي هو أمر تدريجي وحادث ـ لا مكان لها في الذات الإِلهيّة المقدسة.

من أجل هذا وُصِفت الإرادة الإلهيّة في أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام بأنّها نفسُ إيجاد الفعل وعينُ تحقّقه ، مَنعاً من وقوع الأَشخاص في الانحراف والخطأ في تفسير هذه الصفة الإلهيّة وتوضيحها.

قال الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام : «الإرادة من الخَلق : الضميرُ وما يَبْدُو لهم بعدَ ذلك من الفِعْل. وأمّا مِنَ الله تعالى فإرادتُهُ : إحداثُه لا غير ، ذلك لأنَّه لا يُرَوّي ولا يَهِمُّ ولا يَتَفَكَّرُ ، وهذهِ الصّفاتُ مَنْفيّةٌ عَنْهُ وَهيَ صِفاتُ الخَلْقِ.

فإرادَةُ اللهِ ، الفِعْلَ ؛ لا غير ذلكَ يَقولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ بلا لَفْظٍ ولا نُطْقٍ بلسان ولا همّة ولا تفكّر ولا كيف لِذلِكَ ، كما أنَّه لا كيفَ له» (١).

فظهر ممّا ذكرناه : انّ وصفه سبحانه في مقام الذات بأنّه مريد ، بمعنى انّه مختار ووصفه به في مقام الفعل بمعنى انّه موجد ومحدث.

__________________

(١). أُصول الكافي ج ١ ، ص ١٠٩ باب الإرادة انّها من صفات الفعل وسائر صفات الفعل ، الرواية ٣.

الله وصفاتُ الفِعل

والآن بعد أن اطَّلعنا على أُمهات المطالب المتعلّقة بصفات الذات ينبغي التعرّف على بعض صفات الفعل.

وندرس هنا ثلاث صفات فقط من صفات الفِعل :

١. التكلّم.

٢. الصدق.

٣. الحِكمة.

الأصلُ الثامن والثلاثون : كون الله متكلّماً

إنّ القرآن الكريم يصفُ الله تعالى بصفة التكلّم إذ يقول : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (١).

وقال أيضاً : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) (٢).

__________________

(١). النِّسَاء / ١٦٤.

(٢). الشورى / ٥١.

وعَلى هذا الأساس لا شكّ في كون التكلّم إحدى الصّفات الإلهيّة.

إنّما الكلام هو في حقيقة التكلّم وأنّ هذه الصفة هل هي من صِفات الذات أم من صفات الفعل؟ إذْ مِنَ الواضح أنّ التكلّم بالشَّكل الموجود عند الإنسان لا يجوزُ تصوّرُهُ في الحقّ تعالى.

وحيث إنّ صفَةَ التكلم ممّا نطق بها القرآن الكريم ، وَوَصَف بها الله ، لذلك يجب الرّجوع إلى القرآنِ نفسه لِفَهم حقيقته كذلك.

إنّ القرآن يقسّم تكلّم اللهِ مع عباده ـ كما عرفنا ـ إلى ثلاثةِ أنواع ، إذ يقول : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (١).

إذَن فلا يمكن للبشر أن يكلّمهُ الله إلّا من ثلاث طرق :

١ ـ (وَحْياً) الإلهام القلبي.

٢ ـ (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) كأن يكلّم اللهُ البشرَ من دون أن يراه كتكلّم اللهِ مع موسى عليه‌السلام.

٣ ـ (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ...) أي مَلَكاً يوحي إلى النبيّ بِإذنِ الله تعالى.

ففي هذه الآية بَيَّنَ القرآنُ تكلُّمَ اللهِ بأنّه تعالى يوجدُ الكَلامَ تارةً من دون واسطةٍ ، وَأحْياناً مع الواسطةِ ، عَبر مَلك من الملائكة.

كما أنّ القِسمَ الأوّل تارةً يكون عن طريقِ الإلقاء والإلهام إلى قلب النبي مباشرةً ، وتارةً بالإلقاء إلى سَمْعِهِ ومنه يصلُ الكَلامُ إلى قلبه.

__________________

(١). الشورى / ٥١.

وعلى كلّ حال يكونُ التكلّم بِصُوره الثلاث بمعنى إيجاد الكلام وَهو من صِفات الفعل.

إنّ هذا التفْسير والتحليل لصفة التكلّم الإِلهيّ هو أحدُ التفاسير التي يمكن استفادتها بمعونةِ القرآنِ وإرشاده وهدايته.

وهناكَ تفسيرٌ آخرٌ لهذه الصفة وهو : أنَّ اللهَ اعتبر مخلوقاتهِ من كلماتِه فقال : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (١).

فالمقصودُ من «الكلمات» في هذه الآية هو مخلوقات الله الّتي لا يقدرُ شيءٌ غيرُ ذاته سبحانه على إحصائها وعدّها ، ويدعم هذا التفسيرَ للكلمة وصفُ القرآن الكريم المسيحَ ابنَ مريم عليه‌السلام بأنّه «كلمة الله» إذ قال : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) (٢).

إنّ الإمام أميرَ المُؤْمنين عليه‌السلام فسّر تَكَلّم الله تعالى في إحدى خُطَبِه وأحاديثه بأنّه إيجادٌ وفِعلٌ ، فقال : «يَقُولُ لِمَنْ أرادَ كَوْنَهُ «كُنْ» ، لا بصَوتٍ يَقرَعُ ، ولا بنداءٍ يُسْمَعُ وَإنّما كَلامُهُ سُبحانَه فِعلٌ منه ، أنشَأهُ وَمَثَّله» (٣).

فإذا كان الكلام اللفظيّ معرباً عمّا في ضمير المتكلّم ، فما في الكون من عظائم المخلوقات إلى صغارها يعرب عن علم الله تعالى وقدرته وحكمته.

__________________

(١). الكهف / ١٠٩.

(٢). النساء / ١٧١.

(٣). نهج البلاغة ، الخطبة ١٨٦.

الأصل التاسعُ والثلاثون : هل القرآن مخلوق أم قديم؟

اتّضح مِنَ البَحْث المتَقَدّم الذي تضمّن تفسيراً لِحقيقة كلامِ الله ، بنحوين ، أنَّ التفسيرَ الثاني لا يخالف التفسير الأوّل ، وانّه سبحانه متكلم بكلا الوجهين.

كما ثَبَتَ أنَّ كلام اللهِ حادثٌ وليس بقديمٍ ، لأنّ كلامَهُ هو فِعْلُه ، ومن الواضح أنّ الفِعلَ حادثٌ ، فَيُنتَجُ من ذلك أنّ «التكلّم» أمرٌ حادِثٌ أيضاً.

ومع أنّ كلام الله حادثٌ قطعاً فإنّنا رعايةً للأدب ، وكذا دَرءاً لسوءِ الفهم لا نقول : إنّ كلام الله (القرآن) مخلوق إذ يمكن أن يصفه أحدٌ في ضوء ذلك بالمجعول والمختلق وإلّا فإنّ ما سوى اللهِ مخلوقٌ قطعاً.

يقول سليمان بن جعفر الجعفري : سألت الإمامَ عليَّ بن موسى بن جعفر عليه‌السلام : يا ابن رسول الله أخبِرني عن القرآن أخالقٌ أو مخلوقٌ؟ فأجاب عليه‌السلام قائلاً : «ليس بخالقٍ ولا مخلوقٍ ، ولكنّه كلامُ الله عزوجل» (١).

وهنا لا بدّ من التذكير بنقطةٍ تاريخيةٍ في هذا المجال وهي أنّه طُرحت في أوائل القرن الثالث الهجري ، في عام ٢١٢ ه‍ في أوساط المسلمين مسألة ترتبط بالقرآن الكريم ، وهي : هل القرآنُ حادثٌ أو قديمٌ؟

وقد صارت هذه المسألة سبباً للفرقة والاختلاف الشديدين ، على

__________________

(١). التوحيد للصدوق : ص ٢٢٣ باب القرآن ما هو ، الحديث ٢.

حين لم يمتلك القائلون بِقدَم القرآن أيَّ تبرير صحيح لمزعمتهم ، لأنّ هناك احتمالات يكون القرآنُ حسب بعضها حادثاً ، وحسب بعضها الآخر قديماً.

فإذا كان المقصود من القرآن هو كلماته التي تُتلى وتُقرَأ ، أو الكلمات التي تلقّاها الأمينُ جبرائيل ، وأنزلها على قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ كل ذلك حادثٌ قطعاً ويقيناً.

وإذا كان المقصود هو مفاهيم الآيات القرآنية ومعانيها ، والتي يرتبط قسمٌ منها بقصص الأنبياء ، وغزوات الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهي أيضاً لا يمكن أن تكون قديماً.

وإذا كان المقصودُ هو علم الله بالقرآن لفظاً ومعنى فإنّ من القطعيّ والمسلَّم به هو أنّ علم الله قديمٌ ، وهو من صفات الذات ، ولكن العلمَ غيرُ الكلام كما هو واضحٌ.

الأصلُ الأربعون : كون الله صادقاً

ومن صفاته سبحانه «الصدقُ» وهو القول المطابق للواقع في مقابل الكذب الذي هو القول المخالف للواقع.

فاللهُ تعالى صادقٌ لا سبيل للكذب إلى قوله ، ودليلُ ذلك واضحٌ تمام الوضوح ، لأنّ الكذبَ شيمةُ الجَهَلة ، والعَجَزة والجُبَناء. والله منزهٌ عن ذلك كُلّه.

وبعبارة أُخرى ؛ إنَّ الكذبَ قبيحٌ والله منزهٌ عن القبيح.

الأصلُ الواحدُ والأربعون : كون الله حكيماً

ومِنَ الصّفات الكماليّة الإلهيّة «الحكمةُ» كما يوحي بذلك تسميتهُ تعالى بالحكيم.

والمقصود من كون الله حكيماً :

أوّلاً : أنّ أفعال الله تعالى تتسم بمنتهى الإتقان والكمال.

ثانياً : أنَّ الله تعالى منزّهٌ عن الأفعال الظالمة ، والعابثة.

ويدل نظامُ الخلق الرائع العجيب على المعنى الأوّل حيث أُقيم صرحُ الكَون العظيم على أتم نظامٍ وأحسن صورةٍ ، إذ يقول :

(صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (١).

ويشهد بالمعنى الثاني قولُه تعالى :

(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) (٢).

وهو أمرٌ يَدْعَمُه العلمُ والعقْلُ كلَّما تقدَّم بهما الزمنُ ، وَوَقفنا على أَسرارِ الكونِ وقوانينه.

__________________

(١). النمل / ٨٨.

(٢). ص / ٢٧.

صفاتُ الله السلبيّةُ

الأصلُ الثاني والأربعون : إنّ الله لا يرى بالعين مطلقاً

ذكَرْنا عند تصنيف صفات الله تعالى أنَّ الصفات الإِلهيّة على نَوعين : صفات الجمال ، وصفات الجلال ، وأنّ ما هو من سِنخ الكمال ومقولته يُسمّى «الصفات الجماليّة» أو «الثبوتية» ، وما هو من مقولة النقص وسنخه يسمّى «الصفات الجلالية» أو «السلبية».

والهَدَف من الصّفات السّلبيّة هو تنزيه ذات الله سبحانه من النقص ، والحاجة والفقر.

إنّ الله تعالى ـ لكونه غنيّاً موصوفاً بالكمال المطلق ـ منزَّهٌ عن كُلّ وصفٍ يحكي النقص ، والحاجة والفقر ، ولهذا قال علماء العقيدة المسلمون (علماء الكلام) إنّ الله ليس بجسمٍ ولا جسماني ، ولا محلاً لِشيءٍ ، ولا حالًّا في شيء ، ذلك لأنّ كل هذه الخصوصيات ملازمة للنقص والاحتياج ومستتبعة للفقر والإمكان ، وهي تعارضُ كونه غنياً غنىً مطلقاً ، وتنافي كونه واجبَ الوجود قطعاً ويقيناً.

هذا ومن الصفات التي تحكي النقص كون الشيء مرئياً ، ذلك لأن

الشيء لا يكون مرئياً إلّا بعد تحقّق شروط ضرورية هي :

ألف : أن يكون في مكانٍ وجهةٍ خاصةٍ.

ب : أن لا يكون في ظلمة ، بل يشع عليه النور.

ج : أن يكون بينه وبين الرائي فاصلة معينة ومسافة مناسبة.

ومن الواضح أنّ هذه الشرائط من آثار الكائن الجسماني ومن خصائص الموجود المادّي لا الإله ذي الوجود الأسمى والأعلى من ذلك.

هذا مضافاً إلى أنّ كون الله مرئياً لا يخلو من حالتين :

إمّا أن يكونَ كلّ وجودِه مرئياً.

وإمّا أن يكونَ بعض وجودِه مرئياً.

وفي الصورة الأُولى يكون الله المحيط ؛ مُحاطاً ومحدوداً.

وفي الصورة الثانية يكونُ الحق تعالى ذا أجزاء وأبعاض.

وكلا الأمرين لا يليقان بالله سبحانه فهو تعالى محيطٌ غير محاط به ، مطلق غير مقيد ، منزّه عن التركب والتبعّض.

على أنَّ ما قلناه يرتبط بالرؤية الحسيّة والبصرية ، لا الرؤية القلبيّة ، والشهود الباطنيّ الّذي يتحقّق للمرء بفضل الإيمان الكامل ، واليقين الصادق فإنّ هذا القسمَ خارجٌ عن محطّ البحث ، وإطار النقاش. ولا ريب في إمكان وقوعه بل وقوعه لأولياءِ الله ، وعبادة الصالحين المقربين.

قال ذعلب اليمانيّ ـ وهو من أصحاب الامام علي عليه‌السلام قلت للإِمام عليه‌السلام هل رأيتَ ربَّك يا أميرَ المؤمنين؟

قالَ الإمامُ عليه‌السلام : «أفَأَعْبُدُ ما لا أرى».

فقال ذعلب : وكيف تراهُ؟

فقال عليه‌السلام : «لَا تراهُ العُيُونُ بمشاهدة العَيانِ وَلكِنْ تدرِكهُ القُلُوب بِحَقائِقِ الإِيمانِ» (١).

إنّ الرؤية بالبصر علاوةً على كونِها ممتنعةً عقلاً ، مرفوضةً من جانبِ القرآن الكريم ، فقد صرّحَ القرآن الكريم بنفي إمكان ذلك.

فعند ما طَلَب النبيّ موسى عليه‌السلام من الله (تحت إلحاحٍ وضغطٍ مِن قومه) أن يريه نفسَه ردّ عليه سبحانه بالنفي المؤكد

المؤبد كما يقول : قائلاً : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) (٢).

ويمكن أن يَسأَل أحد : إذا كانت رؤيةُ الله بالبصر والعَين غير ممكنة فلما ذا قال القرآن الكريم : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٣).

والجواب على ذلك هو : أنّ المقصود من النظر في الآية الكريمة ، هو انتظار الرحمة الإلهية ، لأنّ في الآية شاهدين على ذلك :

١ ـ إن النظر في هذه الآية نُسِبَ إلى الوجوه وقال ما معناه : إنّ الوجوه المسرورة تنظرُ إليه. ولو كان المقصود هو رؤية الله بالبصر لنُسِبَ النظر

__________________

(١). نهج البلاغة : الخطبة ١٧٩.

(٢). الأعراف / ١٤٣.

(٣). القيامة / ٢٢ ـ ٢٣.

إلى العيون لا إلى الوجوه.

٢ ـ إن الكلام في هذه السورة عن فريقين : فريق يتمتّع بوجوهٍ مسرورةٍ مشرقةٍ وقد بيّن ثوابَها بقوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ).

وفريق يتسم بوجوه حَزينة مكفهرّة وقد بيّن جزاءها وعقابها بقوله : (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ).

والمقصود من الفقرة الثانية واضح وهو أنّ هذا الفريق يعلم بأنّه سيصيبه عذابٌ يفقر الظهر ، ويكسره ولهذا فهو ينتظر مثل هذا العذاب الأليم.

وبقرينة المقابلة بين هذين الفريقين يمكن معرفة المقصود من الآية الأُولى وهو أنَّ أصحاب الوجوه المسرورة تنتظر رحمة الله ، فقوله تعالى : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) كنايةٌ عن انتظار الرَّحمة الإلهية ، ولهذا النّوع من التكنية وذكر شيء وإرادة شيء آخر كنايةً نظائر في المحاورات العرفية فيقال فلانٌ عينه على يد فلان أي أنّه ينتظر إفضاله وإنعامه عليه.

وخلاصة القول ؛ أنّه كما ينتظر أصحابُ الوجوهِ الحزينةِ عذاباً إلهيّاً ، ينتظرُ أصحابُ الوجوهِ المسرورةِ رحمةً إلهيةً كُنّي بها بالنَظَر إليه جرياً على العادةِ المألوفةِ في المحاورات العرفيّة العربيّة ، وبقرينة المقابلة التي هي من قوانين البلاغة وقواعدها.

هذا مضافاً إلى أنّه يجب أن لا يُكتفى في تفسير الآيات القرآنية بآيةٍ واحدةٍ بل لا بدّ من استعراض ما يشابهُها من الآيات من حيثُ الموضوع ،

والتوصل إلى المفهوم الحقيقي بعد ملاحظة مجموعة تلك الآيات.

وفي مسألة الرؤية لو لاحظنا كلّ الآيات المتعلّقة بها في القرآن الكريم ، بالإضافةِ إلى الأحاديثِ الشريفةِ في هذا المجال لاتّضحَ عدمُ إمكان رؤية الله تعالى في نظر الإسلام من دون غموضٍ.

وفي خاتمة المطاف تفسّر الرؤية الواردة في قصة موسى عليه‌السلام مع أصحابه ، انّ موسى عليه‌السلام اختار من قومه سبعين رجلاً لميقات ربه لكي يشاهدوا نزول التوراة ، فلمّا بلغوا الميقات اقترحوا عليه ان يريهم الله سبحانه ، يقول تعالى :

(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (١) ، وقال سبحانه : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) (٢) فلما أفاقوا بدعاء من نبيهم موسى عليه‌السلام اقترحوا عليه شيئاً آخر ، فقالوا : إنك تسمع كلام الله وتصفه لنا أدع ربك حتّى يريك نفسه فتنقله إلينا فأصرّوا وألَحّوا في ذلك ، فطلب موسى عليه‌السلام بضغط وإِلحاح من قومه ان يريه الله ذاته مع علمه بامتناع رؤيته ، وقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فوافاه الجواب : (قالَ لَنْ تَرانِي) (٣).

فتبيَّن من ذلك انّ طلب موسى لم يكن من تلقاء نفسه بل كان إجابة لإِلحاح قومه المعروفين باللجاج والإصرار.

__________________

(١). البقرة / ٥٥.

(٢). النساء / ١٥٣.

(٣). الأعراف / ١٤٣.

الصِّفات الخَبَريّة

الأصلُ الثالثُ والأربعون

كُلُّ ما ذكر إلى هُنا من الصّفاتِ الإلهيّة (ما عدا التكلّم) كانَ برمّته مِن نوع الصّفاتِ التي يقضي العقلُ بِإِثباتِها للهِ أو نَفْيِها عنهُ.

غَير أنَّ هناكَ مجموعةً من الصّفات وَرَدَت في آياتِ القرآنِ وفي السُّنة ولم يكن لها من مُسْتَنَدٍ ومَصْدرٍ سوى النقلِ مثل :

١ ـ يَدُ الله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (١).

٢ ـ وَجْهُ الله : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٢).

٣ ـ عَيْنُ اللهُ : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) (٣).

٤ ـ الاسْتواء عَلى العَرش : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٤).

والعلّة في تسمية هذا النوع من الصفات ، بالصفات الخبرية ، هو

__________________

(١). الفتح / ١٠.

(٢). البقرة / ١١٥.

(٣). هود / ٣٧.

(٤). طه / ٥.

ثبوتها لله بإخبار الكتابِ والسنّة بِها فقط.

وللحصول على التفسير الواقعيّ لهذا النوع من الصفات يجب أيضاً ملاحظة كلّ الآيات المتعلّقة بهذا المجال.

كما أنّه يجب أن نعلم أنّ اللّغة العربية شأنها شأن غيرها من اللّغات الأُخرى زاخرة بالكنايات والاستعارات والمجازات ، وبما أنّ القرآن نزل بلغة القوم لذلك استخدم هذه الأساليب أيضاً.

وإليك الآن بيان هذه الصفات وتفسيرها في ضوءِ ما مرَّ.

ألف : في الآية الأُولى قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) لأنّ مبايعة الرسول بمنزلةِ مبايعةِ المرسِلِ.

ثمّ يَقُول بعد ذلك : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) وهذا يعني أن قدرة الله أعلى وأقوى من قدرتهم وَلا يعني أنّ لله يَداً جسمانية حِسيّة تكون فوق أياديهم.

ويشهد بذلك أنّهُ قال في ختام الآية وعقيب ما مرّ : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).

فمن نكث بيعته فلا يضرّ الله شيئاً لأنّ قدرة الله فوق قدرتهم.

إنّ هذا النمط من الكلام والخطاب الذي يتضمن تهديدَ الناكثين لعهدهم ، والتنديد بهم ، وامتداح الموفين بعهدهم وتبشيرهم ، يدل على أنّ المقصود من «يَدِ الله» هو القدرةُ والحاكمية الإِلهية.

على أنّ لفظة «اليَد» تُستخدَم أحياناً في جميع اللغات للكناية عن القُدرةِ والقُوةِ ، والسلطةِ والحاكميةِ ، ومن هذا الباب قولِهم : فَوْقَ كل يدٍ يدٌ ، أي فوقَ كُلّ قوةٍ قوةٌ أعلى ، وفوق كلّ قدرةٍ قدرةٌ أكبر.

ب : إنّ المقصودَ من الوَجه الذي نُسِبَ إلى الحقّ تعالى هنا هو ذاته سبحانه لا العضوُ الخاص الموجودُ في جسم الإنسان وما يشابِهُهُ.

فالقرآنُ عند ما يتحدّث عن هلاك ما سوى الله وفنائه يقول : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (١).

ثمّ يخبر عقيبَ ذلك مباشرةً عن بقاء الذات الإِلهيّة ودوامِها وأنّه لا سبيل للفناء إليها فيقول : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٢).

أي تَبقى ذاته المقدسة ، ولا تفنى أبداً.

من هذا البيان يتّضح بجلاءٍ معنى الآية المبحوثة هنا ويتبين أنّ المقصودَ هو أنّ الله ليس في جهةٍ أو نقطةٍ معيّنةٍ ، بل وجوده محيط بجميع الأشياء فأينما وَلَّيْنا وُجوهَنا ، فقد وَلَّيْنا وجوهَنا شطرهُ.

ثمّ إنّ القرآن أتى لإثبات هذه الحقيقة العظيمة بوصفين لله تعالى :

١ ـ واسعٌ : أيْ إِنّ وجود الله لا نهاية له ولا حدود.

٢ ـ عَلِيمٌ : أيْ إنّه عارفٌ بجميع الأشياء.

ج : في الآية الثالثة يذكر القرآنُ الكريم أنّ نوحاً عليه‌السلام كُلّف من جانب

__________________

(١). الرحمن / ٢٦.

(٢). الرحمن / ٢٧.

اللهِ بصنع سفينة وإعدادها.

وحيث إنّ صنعَ تلك السفينة كان في مكان بعيدٍ عن البحر ، لذلك استهزأ قومُه به ، وسخر به الجهلة منهم ، وآذَوه.

ولذا في مثل هذه الظروف قال له الله تعالى : اصنع أنتَ السفينة ولا تُبالي ، فأنتَ تفعل ذلك تحت إشرافنا ، وهو أمرٌ قد أوحينا نحن به إليك.

فالمقصود من قوله (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) هو ان نوحاً قامَ بما قام من صُنْع السفينة حسب أمر الله له ، ولهذا فانّ الله سيحفظه ويكلؤه برعايته ، ويحميه ، ولن يَصل إليه من المستهزئين شيءٌ إذ هو في رعاية الله ، ويعمل تحت عنايته.

د : إنّ العَرشَ في اللغة العربية بمعنى السرير ، ولفظ «الاستواء» إذا جاء مع لفظة «على» كان المعنى هو الاستقرار والاستيلاء.

وحيث إنّ الملوك والأُمراء بعد أن جلسوا على منصة العرش يعمدون إلى تدبير الأُمور ، وتسييرها في بلادهم ، لهذا كان هذا النوعُ من التعبير (أعني : الاستواء على العرش) كناية عن الاستيلاء ، والسيادة ، والقدرة على تدبير الأُمور ، خاصة إذا نُسِبَ ذلك إلى الله سبحانه.

هذا مضافاً إلى أنّ الأدِلّة العَقلية والنقلية أثبتت تنزّه الحق تعالى عن المكان.

وممّا يشهد بأنّ الهدف من هذا النمط من التعابير ، ليس هو الجلوسُ على السّرير الماديّ ، بل هو كناية عن تدبير أُمور العالم أمران :

١ ـ إنّ هذه العبارة جاءت في كثير من آيات الكتاب العزيز مسبوقةً بالحديث عن خلق السماوات والأرض ، للإشارة إلى أنّ هذا الصرح العظيم قائم من غير أعمدة مرئيّة.

٢ ـ إن هذه العبارة جاءت في آيات كثيرة من الكتاب العزيز ملحوقةً بالكلام عن تدبير العالم.

إنّ مجيء هذا التعبير في القرآن الكريم مسبوقاً تارةً بالحديث عن الخلق ، وملحوقاً تارة أُخرى بالحديث عن التدبير يمكن أن يساعِدَنا على فهم المقصود من الاستواء على العرش ، وأنّ القرآن يُريدُ بهذه العبارة أن يُفَهّمَ البشريةَ أنَّ خلق الوجود على سعته ، وعظمتهِ ، لم يوجب خروج هذا الكون العظيم عن نطاق تدبيره ومشيئته ، بل الله تعالى مضافاً إلى كونه خالقَ الكون ، وموجده ، فهو مدبّرُه ، ومصرّفُ شئونه.

وها نحن نختارُ من بين الآيات العديدة في هذا الصعيد آيةً جامعةً للحالتَين (المذكورتين سابقاً) تفيد ما ذكرناه :

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ..) (١). (٢)

__________________

(١). يونس / ٣.

(٢). يراجع في هذا الصدد الآيات : ٢ / الرعد ، ٤ / السجدة ، ٥٤ / الأعراف.

كليات في العقيدة

٣

الفصل الرابع

العدل الإلهي

الأصلُ الرابعُ والأربعُون : العدل من الصفات الجمالية

يعتقدُ المسلمون جميعاً بعدل الله تعالى والعَدلُ من الصفات الإلهيّة الجماليّة.

وَيَنطلقُ هذا الاعتقادُ مِن نفي القرآن لأيّ نوعٍ من أنواعِ الظُّلْم عَنِ اللهِ تعالى ، ووَصفِه بكونهِ «قائماً بالقِسط» كما يقول : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (١).

ويقول أيضاً : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) (٢).

ويقولُ كذلك : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) (٣).

إنّ العقل ـ مضافاً إلى الآيات المذكورة ـ يحكم بوضوح بالعَدلِ الإلهيّ لأنَّ العَدْلَ صفةُ كمالٍ ، والظلمُ صفةُ نقصٍ ، والعقلُ يحكمُ بأنّ الله تعالى مُستجمعٌ لجميع صفاتِ الكمالِ ، منزَّهٌ عن كلّ عيبٍ ونقصٍ في مقام

__________________

(١). النساء / ٤٠.

(٢). يونس / ٤٤.

(٣). آل عمران / ١٨.

الذات والفعل.

والظلمُ أساساً نابعٌ من أَحَدِ عواملَ ثلاثة :

١ ـ جَهل الفاعلِ بقبح الظُّلم.

٢ ـ احتياج الفاعلِ للظّلم إلى الظلم مع عِلمه بقبحه ، أو عجزه عن القيام بالعدل.

٣ ـ كون فاعلِ الظُّلم سفيهاً غيرَ حكيم ، فهو لا يبالي بإتيان الأفعالِ الظالِمة رغم علمه بقبحها ، ورغمَ قدرتهِ على القيامِ بالعدل.

ومِن البديهي أنّه لا سبيل لأيّ واحدٍ من هذه العَوامل إلى الذات الإلهيّة المقدّسة ، فهو تعالى منزّهٌ عن الجَهل ، والعَجز ، وعن الاحتياج والسفه ، ولهذا فإنّ جميع أفعالهِ تتسم بالعَدل والحكمة.

ولقد أشار الشيخ الصدوق إلى هذا إذ قال : «والدليل على أنّه لا يقع منه عزوجل الظلم ولا يفعلهُ أنّه قد ثبت أنّه تبارك وتعالى قديم غنيٌ عالم لا يجهل ، والظلم لا يقع إلّا من جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله منتفع به». (١)

كما أشار إليه المحقّق نصير الدين الطوسي بقوله :

«واستغناؤه وعلمه يدلّان على انتفاء القبح عن أفْعالِهِ تعالى» (٢).

ونظراً إلى هذه الآيات اتّفقَ المسلمون على ثبوت العدل لله تعالى

__________________

(١). التوحيد للصدوق ص ٣٩٦ ـ ٣٩٧.

(٢). كشف المراد ص ٣٠٥.

والاعتقاد بكونه عادلاً.

إلّا أنّهم اختلفوا في تفسير العدل الإلهي واختارَ كلّ فريقٍ إحدى النظريّتين التاليتين :

ألف : إنّ العقلَ البشريّ السليمَ يدرك بنفسه حسنَ الأفعال وقبحها ، ويعتبر الفعلَ الحَسَن علامةً لكمال فاعله ، والفعلَ القبيحَ علامةً لنقصان فاعله.

وحيث إنّ الله مستجمعٌ بذاته لجميع صفات الكمال ، لهذا فَإنّ فعلَه كاملٌ ومحمودٌ ، وذاته المقدّسة منزّهةٌ عن كل فعلٍ قبيحٍ.

هذا ويجدُر التذكيرُ بنقطة هامّةٍ هنا ، وهي أنّ العقلَ لا يحكم على الله بشيءٍ ، ولا يقول : يجب على الله أن يكون عادلاً ، بل كلّ ما يفعلهُ العقلُ هنا هو أن يكتشفَ واقعيّةَ الفعلِ الإلهيّ ، يعني أنّه بالنَظَرِ إلى كمالِ اللهِ المطلَقِ ، وتنزُّهِهِ سبحانه عن كلّ نقصٍ وعيبٍ ، يكتشف أنّ فِعلَه كذلك في غاية الكمال ، وأنّه منزَّه أيضاً عن النقص ، فهو بالتالي سيعامل عباده بالعدل ، ولا يظلم أحداً منهم أبداً.

وما ذكَرَتهُ الآياتُ القرآنيّة في هذا المجال إنّما هو في الحقيقة تأكيدٌ وتأييدٌ لما أدركه الإنسان من طريق العقل.

وهذا هو ما اصَطُلِحَ عليه في علم الكلام الإِسلاميّ بمسألة الحُسن والقُبح العقليّين ، ويُسمّى القائلون بهذه النظرية بالعَدليّة ، ويقف في طليعتهم الشيعةُ الإماميّةُ الاثنا عشرية.

ب ـ وتقابل تلك النظرية ، نظريةٌ اخرى وهي أنّ العقلَ البشريّ عاجز عن إدراك الحُسن والقُبح في الأفعال حتى في صورتها الكليّة ، وتحصر الطريق لمعرفة الحسن والقبح في الوحي الإِلهيّ ، فما أمرَ به اللهُ فهو حَسَنٌ وما نهى عنه فهو قبيحٌ.

وعلى هذا الأَساس فلو أمَرَ اللهُ بإلقاءِ إنسان بَريء في النار ، أو إدخال عاصٍ في الجنة كان ذلك عينَ الحسن والعدل.

وقول هذا الفريق هو : إنّ وصف الله بالعدل ليس إلّا لكون هذا الوصف جاء في القرآن الكريم ليس إلّا.

الأصلُ الخامسُ والأربعون : إدراك العقل للحسن والقبح

حيث إنّ مسألة الحُسن والقُبح العقليّين تُمَثّلُ الأساسَ والقاعدة للكثير من عقائد الشيعة الإمامية ، لذلك نشير فيما يأتي إلى دليلَين من أدلّتها العديدة :

ألف : إنّ كلَّ إنسان ـ مهما كان دينه ومسلكه ، وأينما حلّ من بقاع الأرض ـ يدرك بنفسه حُسنَ العدل ، وقبح الظلم ، وكذلك يدرك حُسنَ الوفاءِ بالعهد ، وقبحَ نقضه ، وحسنَ مقابلة «الإحسان بالإحسان» وقبح مقابلةِ «الإحسان بالإساءة».

ودراسةُ التاريخ البشريّ تشهدُ بهذه الحقيقة وتؤكّدُها ، ولم يُرَ حتى اليوم إنسانٌ عاقلٌ ينكرها قط.

ب : لو فَرَضْنا أنّ العقل عجز تماماً عن إدراك حسنِ الأفعال وقبحها ، واحتاج الناس في معرفة حسن جميع الأفعال وقبحها إلى الشرع ، لزم من ذلك عدم إمكانِ إثبات الحسن والقبح الشرعيّين أيضاً ذلك لأنّنا لو فَرضنا أن الشارع أخبَرَ عن حُسن فعل أو قبح آخر لا يمكننا أنْ نتوصَّل إلى معرفة حُسن ذلك الفعلِ أو قبحِه ، بواسطة هذا الإخبار ، ما دمنا نحتمل الكذب في إخبار الشارع ، وكلامِهِ إلّا إذا ثبت قَبْل ذلك قبحُ المين والكذب وتنزّهِ الشارع عن هذه الصفةِ القبيحةِ ، ولا يمكن إثبات ذلك إلّا من طريق العقل. (١)

هذا مضافاً إلى أنّه يُستفاد من الآيات القرآنية أنّ العقل البشريّ قادرٌ على إدراك حسنِ بعض الأفعال أو قبحها ، ولهذا احتكم القرآنُ إلى العقل واللبّ ، ودعا إلى تحكيمه أكثر من مرة إذ قال : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢).

وقال أيضاً : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (٣).

وهنا يُطرح سؤال لا بدّ من الإجابة عليه وهو أن الله تعالى قال : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٤).

والسؤال الآن هو : إذَنْ لا يمكن أن يُسأَل اللهُ عن أيّ فعل قامَ به

__________________

(١). وعبارة المحقّق الطوسي في تجريد الاعتقاد تشير إلى هذا البرهان حيث قال : «ولانتفائهما مطلقاً (أي عقلاً وشرعاً) لو ثبتا شرعاً» أي لو انحصر إثبات الحسن والقبح في إخبار الشرع لانتفى حسنُ الأفعال وقبحُها بالكلية ، ولم يثبُتا لا شرعاً ولا عقلاً.

(٢). القلم / ٣٥ ـ ٣٦.

(٣). الرحمن / ٦٠.

(٤). الأنبياء / ٢٣.

والحال أنّه بناءً على كونِ الحُسن والقبح عَقْليَّيْن إذا فَعَلَ اللهُ قبيحاً ـ افتراضَاً ـ يُسأَل ويُقال : لما ذا فَعَلَ هذا الفِعْل؟

والجواب هو : إنّما لا يُسأَل الله عن فعله لأنّه حكيمٌ ، والحكيم لا يصدر منه القبيحُ قط ، ففعلهُ ملازمٌ للحكمة أبداً ، ولهذا لا يَبقى هناك ما يَستدعي المساءلة والاستفسار.

الأصلُ السادسُ والأربعون : تجلّيات العدل الإلهي في مجالي التكوين والتقنين

إنّ للعَدل الإلهي في مجالات التكوين والتشريع والجزاء ، مظاهر مختلفة نبيّنها واحداً بعد آخر :

ألف : العَدلُ التكوينيّ : لقد أعطى الله تعالى لكلّ مخلوقٍ خَلَقَه ، ما هو لائقٌ به ، ولازمٌ له ، ولم تَغبْ عنه القابليّاتُ عند الإفاضة والإيجاد أبداً.

يقول القرآنُ الكريمُ في هذا الصدد : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (١).

ب : العدلُ التشريعيّ : لقد هدى اللهُ الإنسانَ الّذي يمتلكُ قابليّة الرّشد والتكامل ، واكتساب الكمالات المعنويّة ، بإرسال الأنبياء ، وتشريع القوانين الدينيّة له. كما أنّه لم يُكلّف الإنسان بما هوَ فوق طاقته ، ووُسعه ، كما يقول : («إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ

__________________

(١). طه / ٥٠.

الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١).

وحيث إنّ العَدل والإِحسان وإيتاء ذي القربى توجب كمال الإِنسان وتوجب الأفعالُ الثلاثة الأُخرى (الفحشاء والمُنكر والبغي) سقوطَه ، أمرَ سبحانه بالأعمال الثلاثة الأُولى ، ونهى عن الأَفعال الأخيرة.

ويقول عن ملائمة التكاليف الإلهيّة لاستطاعة الإنسان وقدرته وعدم كونها خارجة عن حدود هذه الاستطاعة أيضاً : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٢).

ج : العدل في الجزاء : إنّ الله لا ينظر إلى المؤمن والكافر ، والمحسن والمسيء من حيث الجزاء نظرةً سواء قط ، بل يجازي كُلًّا طبقاً لاستحقاقه ووفقاً لِعَمله فيثيبُ المحسن ، ويعاقبُ المسيء.

وعلى هذا الأساس لا يعاقبُ مَن لَمْ تبلُغْهُ تكاليفهُ عن طريق الأَنبياء والرسل ، ولم تتم عليه الحجةُ كما يقول : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (٣).

ويقول أيضاً : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) (٤).

__________________

(١). النحل / ٩٠.

(٢). البقرة / ٢٨٦.

(٣). الإسراء / ١٥.

(٤). الأنبياء / ٤٧.

الأصلُ السابعُ والأربعون : الهدفيّة في خلق الإنسان

إنّ الله خلق الإنسان ، وكان لخلقه وإيجاده هدفٌ خاصٌ ، وهو وُصول الإنسان إلى الكمالِ الإنسانِي المطلوبِ الذي يتحقّق في ظلّ عِبادةِ اللهِ ، وطاعتهِ.

ولو كان وصولُ الإنسان إلى الهدف متوقِّفاً على مقدّمات ، هَيَّأ سبحانه تلكَ المقدّمات ، وسهّل لَه طريق الوُصول إلى الهدف ، وإلّا كان خلقُ الإنسان عبثاً خالياً عَنِ الهَدَف.

مِن هنا بعث اللهُ أنبياءَه ورسُله وزوّدهم بالبيّنات والمعاجز ، كما أنّه ترغيباً لعبادِهِ في الطاعة ، وتحذيراً لَهُمْ عن المعصيَةِ ضمَّنَ تلكَ الرسالات وَعْدَه ووعيده ، فبشّروا وأنذروا.

وهذا الّذي قُلناه هو خلاصة ما يسمّى في كلام «العدلية» ب «قاعدةِ اللُّطف» وهي من فُروع قاعدة الحُسنِ والقبحِ العقليّين ، كما أَنّها هي الأساس والمنطلَق للكثيرِ من قضايا العقيدة ومسائلها.

القضاء والقَدَر

الأصلُ الثامنُ والأربعون : القضاء والقدر في الكتاب والسنّة

القضاءُ والقدرُ من العقائد الإسلامية المسلَّمة الّتي وَرَدَت في الكتاب والسُّنة ، وأيَّدَتْها الأدلةُ والبراهينُ العقليّةُ القاطعةُ.

إنّ الآيات التي تَتَحدَّثُ عن «القضاء والقدر» كثيرة جداً ونحن نأتي بنماذج منها هنا :

يقول القرآن حول القدر : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (١).

ويقول أيضاً : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (٢).

كما يقول حول القضاء : (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣).

ويقول أيضاً : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً) (٤).

__________________

(١). القمر / ٤٩.

(٢). الحجر / ٢١.

(٣). البقرة / ١١٧.

(٤). الأنعام / ٢.

وَبالنَظَر إلى هذه الآيات والروايات العديدة في هذا الصعيد لا يُمكنُ لمسلم أن يُنكر «القضاءَ والقدرَ» وإنْ لَم يجب الإلمامُ بتفاصِيل هذه المسألة ومعرفةُ جزئياتِها.

وأساساً لا يَصْلُح الخَوضُ في هذه المسائل الدقيقة لمن لم يمتلك القابلية الذهنيّة والفكرية اللازمة لمثل هذه الحقائق الدقيقة ، إذ طالما يمكن أن يتورّط مثل هذا في شكٍّ أو تردّد في عقيدته ، ويقعَ في الضلال في نهاية المطاف.

ولهذا قال الإمام علي عليه‌السلام مخاطباً هذا الفريق من الناس :

«طَريقٌ مُظْلمٌ فَلا تَسْلكوهُ ، وبَحرٌ عَميق فَلا تَلِجُوهُ ، وسِرُّ الله فلا تَتكَلَّفوه» (١).

نعم تحذير الإمام عليه‌السلام هذا مُوَجّه إلى مَن لا يمكنه فهمُ هذه المعارف الدقيقة ، وهضمها واستيعابها ، بل وربّما يُؤدّي به الدخول فيها إلى الضلال والانحراف.

ويشهد بهذا الموضوع أنّه عليه‌السلام طالَما عَمَد ـ في موارد ومواضع أُخرى ـ إلى شرح وبَيان مسألة القضاء والقدر (٢).

ولهذا فإنّنا نشرح هذه المسألة في حدود معرفتنا مستعينين بالآيات والروايات والعقل.

__________________

(١). نهج البلاغة ، الكلمات القصار / ٢٨٧.

(٢). أُصول الكافي ج ١ ، ص ١٥٨.

الأصلُ التاسعُ والأربعون : معنى القدر والقضاء

«القَدَر» في اللُّغة يعني المقدار ، والقضاء يعني الحَتم والجَزم.

يقول الإمامُ الرّضا عليه‌السلام في تفسيره للقدر والقضاء : «القَدَرُ هي الهَنْدَسَة ، وَوَضْعُ الحُدود من البقاء ، والفَناء.

والقضاء هو الإبرامُ ، وإقامة العَيْن» (١).

والآن وَبعد أن اتَّضَحَ معنى الْقَدر والقضاء من حيث اللُّغة ، نَعْمَدُ إلى بيان معناهما حسب المصطلَح الديني.

ألف : القَدَر

إنَّ لِوُجود كلّ مخلوقٍ من المخلوقات بحكم كونه من الموجودات الممكنة (أي موصوفاً بصفة الإمكان) حَدّاً معيناً ، ومقداراً خاصّاً.

فلوجود «الجماد» مثلاً حدّ خاص ، ومقدار معيّن ، ولوجود «النبات» و «الحيوان» مقدار وحَد آخر.

وحيث إنّ الوجود المقدَّر لكلّ شيء هو بدوره مخلوق لله تعالى ، لذا فإنّ من الطبيعي أن يكونَ التقديرُ والتحديدُ نفسه تقديراً إلهياً.

كما أنّ هذا التقديرَ من جهة كونه فِعلَ الله يسمّى «التقدير الفِعلي» ومن جهة كون الله يعلم به قبل خَلْقه يُسمّى «التقدير العِلميّ».

__________________

(١). أُصول الكافي ج ١ ، ص ١٥٨.

وفي الحقيقة إن الاعتقاد بالقَدَر ، اعتقادٌ بخالقية الله بلحاظ خصوصيات الأشياء.

وحيث إنّ هذا التقدير الفعليّ مُستندٌ إلى علم الله الأزليّ ، لهذا فإنَّ الاعتقاد بالقَدَر العِلميّ يكون في حقيقته اعتقاداً بعلمِ الله الأزلي.

ب : تفسير القضاء

إنّ «القضاء» كما أسلفنا يعني الحَتمَ والجَزمَ بوجود الشيء ، ومن المُسلَّم أنّ حتمية وجود أيّ شيء وتحقّقه على أساس العليّة والمعلولية رهن تحقّق علّته التامّة ، وحيث إنّ سلسلة العلل والمعلولات (وبالأحرى النظام العِلّي) تنتهي إلى الله تعالى ، لهذا فإنّ حتمية تحقّق أيّ شيءٍ يستند ـ في الحقيقة ـ إلى قدرةِ الله ومشيئته سبحانه.

وهذا هو قضاءُ الله في مقامِ الفعل والخَلق.

وعلمُ اللهِ الأزَليّ في مجال هذه الحتميّة يكون قضاءَ الله الذاتيّ.

كلُّ ما سَلَف يرتبط بقضاءِ الله وقَدَره التكوينيين ، فعليّاً كان أم ذاتياً ، وقد يكونُ «القضاء والقدر» مرتبطين بعالم التشريع ومجاله ، بمعنى أنّ أصلَ التشريع ، والتكليف الإلهيّ يكون قضاءَ الله ، وكذا تكون كيفيته وخصوصيّته كالوجوب ، والحرمة ، وغير ذلك تقديراً تشريعياً لله تعالى.

وقد ذكّر الإمامُ أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه‌السلام في جواب من سَأَل عن حقيقة القضاء بهذه المرحلة من «القضاء والقدر» إذ قال :

«الأَمرُ بالطاعَة ، والنَّهْيُ عَنِ المعصِيَةِ ، والتَمْكِينُ مِن فِعْلِ الْحَسَنَةِ ، وتركُ المَعْصِيَة ، والمعُونَةُ على القُرْبةِ إلَيْه ، والخِذْلانُ لِمَنْ عصاهُ ، والوَعْدُ والوَعِيدُ ، والتَرْغِيْب والتَرْهِيْبُ كُلُّ ذلكَ قضاءُ الله في أفعالنا وقَدَرُهُ لأعمالنا» (١).

هذا ولعل اقتصار الإمامِ أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في الإجابةِ على سؤال السائل ـ على شرحِ «القضاء والقَدَر» التشريعيين ، كان رعايةً لحال السائل ، أو الحاضرين في ذلك المجلس ، لأنّه كان يُستنبطُ مِنَ القضاء والقدر التكوينيين وشمولهما لأفعال الإنسان في ذلك اليوم الجَبْرُ وسلبُ الاختيار.

ولهذا ختم الإمام عليه‌السلام كلامه المذكور بقوله : «أمّا غير ذلك فلا تَظُنَّهُ فَإِنَّ الظّنَّ لَهُ مُحْبِطٌ لِلأَعمال».

والمقصود هو أنَّ قيمةَ الأعمال تنبُعُ من كونِ الإنسانِ مختاراً يأتي بأفعاله باختيارٍ وإرادةٍ منه ، ومع فَرضِ الجَبْرِ لا تبقى للأَفعالِ أيَّةُ قيمةٍ.

والحاصلُ أنّ «القَضاء والقدر» قَد يكونان في مجال التكوين ، وقد يكونان في مجال التشريع.

ولكلٍّ من القِسْمَيْن مرحلتان :

١ ـ الذاتي (/ العِلمي).

٢ ـ الفِعلي.

__________________

(١). بحار الأنوار : ٥ / ٩٦ ، الحديث ٢٠.

الأصل الخَمْسُون : لا تنافي بين القضاء والقدر والاختيار

إنّ «القَضاء والقَدَر» في مجال أفعال الإنسان لا ينافيان اختياره ، وما يوصف به من حرّية الإرادة قط ، لأنَّ التقديرَ الإلهيَّ في مجال الإنسان هو فاعليّتُهُ الخاصّة وهو كونه فاعلاً مختاراً مريداً ، وأن يكون فعلُهُ وتركُهُ لأيّ عَمَلٍ تحت اختياره وبإرادته.

إنّ القضاء الإلهي في مجال فعلِ الإنسان هو حتميَّتُهُ وتحقُّقهُ القطعيُّ بعد اختيار الإنسان له بإرادته.

وبعبارةٍ أُخرى ؛ إنّ خلْقَةَ الإنْسان مجبولةٌ على الاختيار ، ومزيجةٌ بحرّية الإرادة ومقدّرة بذلك ، وإنّ القضاءَ الإلهيَّ ليس إلّا هذا ، وهو أنَّ الإنسان متى ما أوْجَدَ أسباب وقوعِ فِعْلٍ ما تمَّ التنفيذ الإلهيّ من هذا الطريق.

إنّ بعض الأَشخاص يَعتَبر كونه عاصياً ، ظاهرة ناشئةً من التقدير الإلهيّ ، ويتصوَّر أنّه لا يقدر على اختيار طريق آخر غير ما يسلكهُ ، في حين يَرفُضُ العقلُ والوحيُ هذا التصوّرَ لأنّ العقلَ يقضي بأنَّ الإنسانَ هو الّذي يختار بنفسِهِ مصيرَه وهو كذلك في نظر الشرع أيضاً ، أي إنّه حَسْب نظرِ الوَحْيِ يقْدِر انْ يكون إنساناً شاكِراً صالحاً ، أو كافراً طالِحاً.

(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (١).

__________________

(١). الإنسان / ٣.

وفي عصر الرّسالة كان ثمّت فريق من الوثنيّين يتصوّرون أنّ ضلالَهم ناشئٌ من المَشيئة الإلهية. وكانوا يقولون : لَوْ لَمْ يُرِدِ اللهُ أن نكَون مشركين لما كنا مشركين.

إنّ القرآن الكريم يروي منطِقَهم وتصوُّرَهم هذا بقوله : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) (١).

ثمّ يقول في معرض الردّ عليهم : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا).

وفي الختام نُذَكّر بأنّ سُنَنَ الله الكليّة في عالم الخلق والتي تؤدّي إلى سعادةِ الإنسانِ تارةً ، وإلى شقائه وخُسرانهِ تارة أُخرى ، هي من مظاهر «القضاء والقَدَر» الإلهيّين ، وأنّ البشر هو الّذي يختار أحد هذين بنفسه.

وقد مرّت الإشارَةُ إلى أُمورٍ في هذا المجال في الأبحاث السابقة المتعلّقة بالإنسان وموقِعِهِ في نظرةِ الإسلام إلى الحياة.

__________________

(١). الأنعام / ١٤٨.

الإنسانُ والاختيار

الأصلُ الواحدُ والخمسون : الاختيار حقيقة مسلّمة

إنّ اختيار الإنسان ، وحريّة إرادته ، حقيقة مسلّمةٌ وواضحةٌ ، وفي مقدور كلّ أحَدٍ أن يُدركَه ، ويقف عليه من طُرُقٍ مختلِفةٍ نشير إليها فيما يأتي :

ألف : إنّ وجدان كُلّ شخص يشهَد بأنّه قادرٌ ـ في قراراته ـ على أن يختارَ أحدَ الطرفين : الفعلَ أو التركَ ، ولو أنّ أحداً تردّد في هذا الإدراك البديهي وجب أن لا يقبل أيَّة حقيقةٍ بديهيةٍ أيضاً.

ب : إنَّ المدحَ والقدحَ للأشخاص المختلفين في كلّ المجتمعات البشرية الدينيّة وغير الدينيّة ، علامةٌ على أَن المادحَ أو القادحَ اعتبر الممدوح ، أو المقدوحَ فيه ، مختاراً في فعلهِ ، وإلّا لَما كانَ المدحُ والقدح منطقياً ، ولا مُبرَّراً.

ج : إذا تَجاهَلنا اختيارَ الإنسان وحرّية إرادته ، كان التشريعُ أمْراً لَغواً وغيرَ مفيد أيضاً ، لأنّ الإنسانَ إذا كان مضطراً على سلوك دون اختياره ، بحيث لا يمكنه تجاوزه ، والخروجَ عنه ، لم يكن للأمرِ والنهي والوَعد

والوعيد ، ولا الثواب والعقاب أيُّ مَعنى.

د : نَحنُ نرى طوالَ التاريخ البشري أشخاصاً أقدَموا على إصلاح الفردِ ، أو المجتمع البشري وبذَلوا جهوداً في هذا السبيل فَحَصَلُوا على نتائجها وثمارها.

إنّ مِنَ البَدِيهي أنّ تحقّق هذه النتائج لا يتناسب مع كون الإنسان مجبوراً ، لأنّه مع هذا الفَرض تكونُ كلّ تلك الجهود لاغيةً وغيرَ منتجة.

إنَّ هذه الشواهدَ الأربعةَ تؤكّدُ مبدأَ الاختيار ، وحرية الإرادة ، وتجعله حقيقة لا تقبل الشك والترديد.

على أنّنا يجب أن لا نستنتج من مبدأ حرية الإنسان وكونه مختاراً أن الإنسان متروكٌ لحالهِ ، وأن إرادته مطلقةُ العنان ، وأنّه ليس لله أيّ تأثيرٍ في فعله ، لأنّ مثل هذه العقيدة التي تعني التفويض تنافي أصل احتياج الإنسان الدائم إلى الله ، كما أنّ ذلك يحدّد دائرةَ القُدرة والخالقية الإلهيّتين ، ويقيّدهما ، بل حقيقة الأمر هي على النحو الذي سيأتي بيانهُ في الأصل التالي.

الأصلُ الثاني والخَمسون : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين

بعد وَفاة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طُرحَت مسائل خاصّة في المجتمع الإسلامي منها مسألة كيفية صدورِ الفِعل من الإنسان.

فقد ذَهَبَ فريق إلى اختيار عقيدةِ الجبر ، وقالوا بأنَّ الإنسان فاعلٌ مجبور ، مسيَّر.

وفي المقابل ذَهَبَ فريقٌ آخر إلى اختيار نظرية مخالفة ، وقالوا إنّ الإنسانَ كائن متروكٌ لحاله ، مفوّضٌ إليه ، وأنّ أفعاله لا تستند إلى الله مطلقاً.

إنّ كلا الفريقين تصوّرا ـ في الحقيقة ـ أنّ الفِعل إمّا أنّه يجب أن يستند إلى الإنسان ، أو يستند إلى الله ، أي إمّا أن تكون القدرة البشرية لوحدها هي المؤثرة ، وإمّا أن تكون القدرةُ الإلهيّة هي المؤثّرةُ ، ليس إلّا.

في حين هناك طريق ثالث أرشدنا إليه الأئمة المعصومون.

يقول الإمامُ جعفر الصادق عليه‌السلام : «لا جَبْرَ ولا تفويضَ ، ولكن أمرٌ بَين الأمرين» (١).

يعني أنّ فعل الإنسان في حال كونه مستنداً إلى العبد ، مستند إلى الله أيضاً ، لأنّ الفعلَ صادرٌ مِن الفاعل ، وفي نفس الوقت يكون الفاعلُ وقدرتهُ مخلوقين لله ، فكيف يمكن أن ينقطع عن الله تعالى؟

إنّ طريقة أهل البيت عليهم‌السلام في بيان حقيقة الفعل البشريّ تتطابق تماماً مع ما جاء في القرآن الكريم.

فإنّ هذا الكتاب السماوي ربّما نَسَب فِعلاً ـ مع نِسبَتِه وإسناده إلى فاعله إلى الله تعالى أيضاً ، يعني أنه يقبل كِلا الإسنادين وكلتا النِّسبتين ، إذ يقول : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٢).

والمراد هو أنّ النبيَّ الأكرمَ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ما قام بفعل لم يفعَلْه بنفسه ، بل فَعَله بالقُدرةِ الإلهيّة ، وعلى هذا الأساس تصحّ كلتا النسبتين.

__________________

(١). التوحيد للصدوق : الباب ٥٩ الحديث ٨.

(٢). الانفال / ١٧.

الأَصلُ الثالثُ والخمسون : لا تنافي بين علم الله الأزلي وحرية الإنسان

نحن مع اعتقادنا باختيار الإنسان ، وحريّة إرادته ، نعتقد انّ اللهَ كان عالماً بفعلنا من الأوّل ، ولا منافاة بين العقيدتين ، فإنّ على الذين لا يمكنُهم الجمعُ بين هذين الاعتقادين أنّ يعلموا بأنَّ عِلم الله الأزليّ تعلَّقَ بصُدُور الفِعلِ مِن الإنسانِ على نحو الاختيار ، ومِن الطبيعيّ أن لا يتَنافى مِثلُ هذا العلم مع حريّة الإنسان وكونهِ مختاراً.

وبعبارةٍ أُخرى ؛ إنّ العلم الإلهيّ كما تعلّق بأصلِ صُدُور الفِعل مِنَ الإنسان تعلّق كذلك بِكيفيّة صُدُور الفِعل عنه (وهو اختيار الإنسان وانتخابه بنفسه).

إنّ مثل هذا العِلم الأَزَليّ ليس فقط لا يتنافى مع اختيار الإنسانِ بل يُثبتُ ذلك ، ويؤكّدُهُ ، لأنّ الفعلَ إذا لم يصدُر من اختيار الإنسانِ لم يكن علمُ اللهِ آنذاك كاشفاً عن الواقع ، لأنّ كاشفيّة العلمِ إنّما تكون إذا تحقّقت على النحو الّذي تعلّق بالشيء. ومن الطبيعيّ انّ العلمَ الإلهيّ تعلّق بصدورِ الفِعل البشريِّ على النحو الاختياريّ ، يعني أن يقوم الإنسانُ بهذا العَمَل بصورةٍ حرّة وباختياره وإرادته ، ففي هذه الصورة يجب أن يقع الفعل ويتحقّق بهذه الخصوصية ، لا على نحو الجبر والاضطرار.

مِن هذا البَيان اتّضَحَ عدمُ تنافي إرادة اللهِ الأزليّة مع اختيار الإنسان ، وكونه حرّاً في إرادته.

كليات في العقيدة

٤

الفصل الخامس

النبوة العامة

الأدِلَّة على ضرورةِ النُّبوّةِ

الأصلُ الرابعُ والخَمسون : بعث الرسل للهداية والإرشاد

لقد اختار اللهُ الحكيم رجالاً صالحين لهدايةِ البَشَرِ وإرشادِهم ، وحمّلهم رسالته إلى جميع أفراد النوع الإنساني ، وهؤلاء الرجال هُمُ الأنبياء والرسل الذين بواسطتهم جَرى فيضُ الهداية من جانب الحق تعالى إلى عباده.

وهذا الفيضُ المبارك بدأ بالنزول من جانب الله منذ أن تهيّأ البشرُ للاستفادة منه وإلى عصر النبي الأكرمِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ويجب أن نعلم بأنَّ دين كلّ نبيٍّ من الأنبياء يُعدّ بالنسبة إلى عصره وأُمّته أكملَ دين ، وأتَمَّ شريعة ، ولو أنّ هذا الفيض الرباني لم يستمرّ لما بلغ البشرُ إلى حدِّ الكمال.

وحيث إنّ خَلقَ الإنسان هو من فعل الله «الحكيم» فلا بدّ أن يكون له من هَدَف وغرض ، ونظراً إلى أن تركيب الكيان البشري ـ مضافاً إلى الغرائز التي هي مشتركة بينه وبين الحيوان ـ ينطوي على العَقل أيضاً ، لهذا لا بُدّ أنْ يكونَ لِخَلقه غرض عُقلائي ، وهَدَفٌ مَعْقولٌ.

ومن جانب آخر ، فإنّ عَقل الإنسان ، وإنْ كان مؤثِّراً ومفيداً في سلوكه طريقَ الكمال ، إلا أنّه غيرُ كاف لذلك.

ولو اكتُفيَ في هداية الإنسان بالعقل وحده لما عَرفَ الإنسان طريقَ الكمال بشكل كامل قط ، ونذكر للمثال مسألة الوقوف على قضايا المبدأ والمعاد التي هي من أَهم مسائل الفكر البشري ، وقضاياه على مدار التاريخ.

فإنّ البشر يريد أن يَعْلَم من أين جاء؟ ولما ذا جاءَ؟ وإلى أين يذهب؟ ولكنّ العقلَ لا يقدر وحدَه على إعطاء الإجابات الصحيحة الكافية على كلّ هذه الأسئلة ، ويشهد بذلك أنّه رغم كل ما أحرزته البشرية المعاصرة من التقدّم والرقيّ في ميادين العلم لا يزالُ قِسمٌ عظيمٌ من البشريّة وثنيّين.

إنّ عجز العَقل والعلم البشريَّين ، وقصورهما لا ينحصر في مجال قضايا المبدأ والمعاد ، بل الإنسان لم يتمكّن من أن يختار الطريقَ الصحيحَ في كثير من مجالات الحياة أيضاً.

إنّ اختلاف الرؤى والنظريات البشريّة في قضايا الاقتصاد ، والأخلاق ، والعائلة ، وغير ذلك من مناحي الحياة ومجالاتها ، خير دليل على قصوره عن الإدراك الصحيح لهذه المسائل ، ولهذا ظهرت المدارس المتعارضة.

مع أخذ كلّ هذا بنظر الاعتبار يحكم العقلُ الصحيحُ بأنّه لا بدّ ـ بمقتضى الحكمة الإلهيّة ـ من بعث وإرسال قادة ربانيّين ، ومربّين إلهيّين ،

لِيعلِّمِوا البَشريّة النهجَ الصحيحَ للحياة.

إنَّ الّذين يَتصوَّرون أنّ في مقدور «الهدايات العقليّة» أنّ تحلَّ محلّ «الهدايات الإلهيّة السّماويّة» يجب أن يدركوا أمرين :

١ ـ إنّ العَقل والعلم البشريّين قاصران عن المعرفة الكاملة بالإنسان ، وبمسيره في صعيد الماضي والمستقبل ، في حين يعلم خالقُ البشر ـ بحكم كون كلّ صانع عارفاً بمصنوعه ـ بالإنسان ، ومحيطٌ بأبعاده ، وأسرار وجوده ، إحاطةً كاملةً.

٢ ـ إنّ الإنسان بمقتضى غريزة حبّ الذات المودَعة في كيانه ، يحاول ـ عِلماً أو جهلاً ـ أن يُتابعَ منافِعَه الشخصيّة ويهتمّ بها ، فيعجز ـ في تخطيطه وبرمجته ـ عن الخروج من دائرة منافعه الفرديّة أو الجماعية بشكلٍ كاملٍ.

ولهذا من الطبيعي أن لا تتسم البرامج البشرية بالجامعيّة والشموليّة الكاملة ، ولكن برامج الأنبياء والمرسلين لكونها من جانب الله العالم ، المحيط ، الحق ، المنزّه ، مبرّأةٌ عن مِثل هذه النقيصة.

وبملاحظة هاتين النقطتين يمكن القولُ ـ على وَجه القطع واليقين ـ : بأنّ البشر ليس في غنىً قط عن الهدايات الإلهيّة ، وعن برامج الأنبياء ، لا في الماضي ، ولا في المستقبل إنما هو في حاجةٍ مستمرةٍ إليها.

القرآنُ وأهداف النبوّة

الأصلُ الخامسُ والخمسون : الهدف من بعثة الأنبياء تقوية الأُسس التوحيدية

في الأصل السابق تعرّفنا على الأَدلّة الّتي تثبت من طريق العقل ضرورةَ النبوّة ، ووُجوب إرسال الرسل الإلهيّين.

والآن ندرس ضرورة إرسال الرسل في ضوء أهدافها المذكورة في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وإن كانت النظرةُ القرآنيّة إلى هذه المسألة هي نوع من التحليل العقليّ في حقيقته.

إنّ القرآن يُلَخّص أهدافَ بعثة الأنبياء في الأُمور التالية :

١ ـ تقوية أُسُسِ التوحيد ومكافحة كلّ نوع من أنواع الانحراف في هذا الصعيد ، كما يقول القرآن : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (١).

يقول الإمام أمير المؤمنين عليٌ عليه‌السلام حول الهدف من بعث الأنبياء :

«ليعلم العبادُ ربّهم إذ جهلوه ، وليقرّوا به بعد إذ جحدوه ، وليثبتوه

__________________

(١). النحل / ٣٦.

بعد إذ أنكروه» (١).

٢ ـ إيقاف الناس على المَعارف والرسالات الإلهيّة وعلى طريق التزكية والتهذيب كما يقول : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) (٢).

٣ ـ إقامة القِسط في المجتمعِ البشريّ ، كما يقول : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (٣).

ومن المُسلَّم أن إقامة القِسط رهنُ معرفة الناس للعدالة في جميع الأبعاد والمجالات ، كما ويتوقف على أن يقوموا بتحقيق ذلك من طريق الحكومة الإلهيّة.

٤ ـ الفَصل في الخُصُومات وحَلّ الخلافات ، كما يقول : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) (٤).

ومن البديهي أنّ اختلافات الناس لا تنحصر في مجال العقائد ، بل تشمل شتّى مجالات الحياة المتنوعة.

٥ ـ إتمام الحجّة على العباد كما يقول : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (٥).

__________________

(١). نهج البلاغة ، الخطبة ١٤٧.

(٢). الجمعة / ٢.

(٣). الحديد / ٢٥.

(٤). البقرة / ٢١٣.

(٥). النساء / ١٦٥.

ومن المسلَّم أن لله تعالى في خلق الإنسان هدفاً وغرضاً ، وهذا الهدف إنّما يتحقّق عن طريق تنظيم برنامجٍ كامِلٍ لجميع شئون البشر.

وهذا البرنامج يجب أن يصل إلى البشرية ، بحيث تَتِمُّ حُجّةُ الله على الناس ولا يبقى عذرٌ لأَحدٍ ليقول : أنا لم أعرفِ البرنامجَ الصحيح للحياة.

طُرُق معرفةِ الأَنبياءِ

الأصلُ السادِسُ والخَمْسُون

إنّ فطرةَ البَشر تقضي بأن لا يَقْبَلَ الإنسانُ أيّ ادّعاءٍ من غير دليل ، ومن قَبِل شيئاً أو زعماً من دون دليل ، فإنّه يكون قد خالف فطرته الإنسانية.

إنّ ادّعاءَ النبوّة أعظمُ ادّعاءٍ يمكن أن يطرحه فردٌ من أفراد البشر ، ومن البديهي أن زعماً وادعاءً في مثل هذه العظمة يجب أن يستند إلى برهان قاطع ، ويُقرَنَ بالدلِيل الساطع.

ويمكن أن تكون الأدِلّة في هذا المجال أحد أُمورٍ ثلاثة :

ألف : أن يصرّح النبيُ السابقُ الذي ثبتت نبوّتُه بالأدلّة القاطعة ، على نبوة النبي اللاحِق كما صَرّح السيدُ المسيح عليه‌السلام بنبوة النبي محمد خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبشّر بمجيئه.

ب : أنْ تشهَد القرائنُ والشواهد المختلفة على صِدقِ دعواه.

وهذه الشواهد والقرائن يمكن تحصيلُها من سيرته في حياته ، وفي محتوى دعوته ، ومن الشخصيات التي آمنت به ، وانضوت تحت لوائه ، وكذا في طريقة دعوته ، وأُسلوبه في العمل لنشر مبادئه ، وتبليغها.

وهذه الطريقة هي التي يُستفاد منها في المحاكم في العالمِ اليوم لتمييز الحق عن الباطل ، والبريء عن المجرم.

وقد استفاد كثيرون مِن هذه الطريقة ذاتها للتأكّد من صِدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصحّة دعواه النبوة في صدر الإسلام.

ج : الإتيان بالمعجزة ، يعني أن يُقرِنَ مدّعي النبوة دعواه ، بعملٍ خارقٍ للعادة ويتحدّى به الآخرين ، ويكونَ ذلك العمل للخارق مطابقاً لدعواه.

إنّ الطريقين الأَوّلين ليسا عامّين في حين يكون الطريق الثالث عامّاً ، وقد استفادت البشريةُ على طول التاريخ من هذا الطريق لمعرفة الأنبياء والإيمان بدعوتهم وكان الأنبياء بدورهم يُقرنون دعواهم للنبوة بذلك ، ويستفيدون من هذا الطريق (الثالث).

الأصلُ السابعُ والخمسون : العلاقة المنطقية بين دعوى النبوّة والمعجزة

إنّ بَينَ المعجزة وبين صدق دعوى النُبوّة علاقةً منطقيّةً ، لأنّه إذا كان الآتي بالمعجزة صادقاً في دعواه فإنّ من الطبيعيّ أنْ يُثْبِتَ مطلبَهُ.

وإذا كان كاذباً في دعواه النبوة ـ افتراضاً ـ لم يكن لائقاً بالله الحكيم الذي يَهتَمّ بهداية عبادهِ أن يُمكّنَ الكاذبَ في ادّعاء النبوّة من الإتيان بالمعجزة ، لأنّ الناس سَيُؤمنون به إذا رأوا قدرته على الإتيان بالعَمَل الخارق للعادة ، وسيَعملون بأقوالِهِ فيكونُ ذلِك إضلالاً للناس إذا كان المُدّعي للنبوّة كاذباً ، ولا شكّ أنّ هذا يتنافى مع عَدلِ الله وحكمته.

وهذه من إحدى فروع قاعدة الحسن والقبح العَقليين التي تمّ بحثها سابقاً.

الأصلُ الثامنُ والخمسون : الفرق بين المعجزة والكرامة

إنّ الإتيان بالعَمَل الخارق للعادة الذي يقترن مع دعوى النبوة ، ويتّفق مع الادّعاء ، يسمى «معجزة».

وأمّا إذا صدر العملُ الخارقُ للعادة من عبدٍ للهِ صالحٍ لم يَدَّعِ النبوّةَ سُمي «كرامة».

وممّا يشهد بأنّ عباد الله الصالحين من غير الأنبياء قادرون أيضاً على الإتيان بالأعمال الخارقة للعادة ، نزول مائدة سماويّة على السيدة مريم أُم النبي السيد المسيح عليه‌السلام وانتقال عرش بلقيس ملكة سبأ في سرعة خاطفة من اليمن إلى فلسطين على يد فردٍ بارزٍ من أنصار النبي سليمان (آصف بن برخيا) وقد أخبرَ القرآنُ الكريم بكلا الحَدَثين إذ قال في شأن مريم : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) (١).

وقال حول حادثة عرش بلقيس أيضاً : و (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (٢).

الأصلُ التاسعُ والخمسون : الفرق بين المعجزة والسحر

إن الفَرق بين المعجزة وبين غيرها من الأعمال الخارقة يتلخّص في الأُمور التالية :

__________________

(١). آل عمران / ٣٧.

(٢). النمل / ٤٠.

ألف : عَدَمُ التعلّم في المعجزة : فإنّ الآتي بالمعجزة يقوم بالإتيان بالمعجزة من دون سَبْق تعلّمٍ ، في حين يتم الإتيان بالأعمال الخارقة الأُخرى نتيجة سلسلة من التعليمات والتمرينات.

فالنبيّ موسى عليه‌السلام بعد أن انقضت فترةُ شبابه ذَهَب إلى مصر ، وفي أثناء الطريق خوطب أن يا موسى ألقِ عصاك فإذا العَصا تتحول إلى ثعبان عظيم ، بحيث استوحَشَ موسى لذلك. (١)

وخُوطب أن أدخِل يَدَك في جَيبك ، ولمّا أخرجها فإذا هي تضيئ إضاءةً قويةً ، تخلب الأبصار (٢).

ب : عدم إمكان معارضةِ المعجزة : فإنّ المعجزة لكونها تنبُع من قدرة الله المطلقة لا يمكن معارضتها والإِتيان بمثلها قط ، على حين يمكن معارضة السّحر والشعوذة ، وما شابههما ممّا يفعلُه المرتاضون بمثلها لكونها تنشأ من قدرة البشر المحدودة المتناهية.

ج : التحدّي : إنّ الآتي بالمعجزة يتحدّى الآخرين بمعجزته أي يدعوهم إلى معارضته ومقابلته بمثله ، في حين لا يفعل السّحَرة والمرتاضون ذلك ، لإِمكانِ معارضتهم ، ومقابلتهم بمثل ما يأتون به.

د : عدم المحدودية : فإنّ معاجزَ الأَنبياء ليْست محدودة بنوعٍ أو نوعين بل هي متنوّعة بحيث لا يمكن الإشارة إلى جامع مشتَرك بينها.

__________________

(١). لاحظ القصص / ٣١.

(٢). لاحظ القصص / ٣٢.

فمثلاً أينَ إلقاء العصا وانقلابُهُ إلى حَيّةٍ ، وإدخال اليد في الجَيب وإِخراجها بيضاءَ تنير؟

وكذا أين هاتَين المعجزتين وأين إنباعُ الماء ، واستخراجه من صخرة بضربةٍ من عصا لا غير؟

كما وأين هذه المعاجز الثلاث وأين تجفيف البحر ، وفتح ممراتٍ يابسةٍ عظيمةٍ في قاعِهِ بضربةٍ من عصا على الحجر أيضاً؟

إنّنا نقرأ : انّ عيسى عليه‌السلام صنع من الطين كهيئة الطير ، ثمّ نَفَخَ فيها الروح فصارت طيوراً حيَّة بإِذنِ الله.

كما نقرأ انّه عليه‌السلام كان بالمسح بيده على وجوه العميان وأجساد المصابين بالبرص يمنحهم الشفاء ، بل ويُحيي الموتى ، وينبئ عَمّا ادَّخره الناسُ في بيوتهم إلى غير ذلك من المعاجز العديدة.

ه : وأساساً إنّ الذين يأتون بالمعجزة والكرامة يمتازون عن السّحَرة الذين يأتون بالخوارق من الأعمال من حيث الهَدَف وكذا من حيث النّفْسِيّات.

فالفريقُ الأوَّل يهدفون إلى غايات سامية ، وأغراض قيّمة ، بينما يهدف الفريق الثاني إلى أهدافٍ دنيويّة.

ومن الطبيعي أن يختلف الفريقان على أساس ذلك في النفسيات.

الوحي والنبوة

الأصلُ الستّون : صلة النبي بعالم الغيب

في الأصل السابق أوْضَحنا طُرُقَ التعرّفِ على النبيّ الواقعيّ وتمييزه عن مدّعي النبوة كذِباً.

والآن يجب أنْ ندرسَ طريقَ اتصال النَّبِي بعالمِ الغيب ونعني «الوحي».

إنّ «الوحيَ» الذي هو أهَمُّ طريقٍ من طُرُق اتّصال الأنبياء بعالمِ الغيب ليس ناشئاً عن الغريزة أو العقل بل هو علم خاص يفيضُ به اللهُ تعالى على الأَنبياء خاصّة ، ليبَلّغُوا الرسالاتِ الإِلهيّة إلى البشر.

إنّ القرآنَ يصفُ الوحيَ قائلاً : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ) (١).

إنّ هذه الآية تفيد أنّ معرفةَ الأنبياء بالرّسالات الإلهيّة ليست نابعةً وناشئةً من استخدام أشياء كالحواسّ الظاهريّة وما شابه ذلك ، بل ينزل به مَلَك الوحيِ على قلب النبي.

__________________

(١). الشعراء / ١٩٣ ـ ١٩٤.

وعلى هذا الأساس لا يمكن تحليل حقيقة الوحي المعقّدة وتفسيرها بالمقاييس العادية.

وفي الحقيقة إنّ نزول الوَحْي هو أحدُ مظاهر الغيب الّتي يجبُ الإيمانُ بها وإنْ لم تتضح لنا حقيقةُ هذه الظاهرة كما يقول : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (١).

الأصلُ الواحدُ والستّون : الوحي ليس وليد نبوغ الأنبياء وتفكّرهم الخاص

إنّ الّذين يريدونَ مقايسة كلّ شيء ، وتفسيرها بالمقاييس الماديّة والأدوات الحِسيّة ، ويريدون صَبَّ الحقائق الغيبيّة في قوالب حِسّية يفسرون ظاهرة «الوحي» بصور مختلفة ، جميعها باطلة في نظرنا ، وفيما يأتي نقدُ هذه التفسيرات والتحليلات في عدة نقاط :

ألف : ثمت فريق يعتبر الأنبياء من نوابغ البشر ، ويعتبرون الوحي حصيلة التفكير ، ونتيجةً لفعاليات حواسّهم الباطنية.

إنّ حقيقة «الروح الأمين» في تصور هذا الفريق هي روحُ هؤلاء النوابغ الزكية ، ونفوسُهم الصافية النقية ، وإنّ الكتب السماويّة كذلك ليست سوى أفكارهم السامية وتصوّراتهم الراقية.

إنّ هذا النوع من التفسير والتحليل لظاهرة الوحي ليس سوى الانبهار بالعِلم التجريبيّ الجديد الذي يعتمد الأساليب الحسيّة ـ لا غير ـ

__________________

(١). البقرة / ٢.

وسيلةً لتفسير كلِّ حقائقِ الوجودِ.

إنّ المشكلة الهامّة في هذه النَّظَريّة هي منافاتُها لما قاله الأنبياء والرسُلُ الإلهيّون.

فالأنبياء والرسُل يصرّحون ويعلنُون باستمرار بأنّ ما أتوا به إلى البشر ليس إلّا الوحي الإلهيّ.

وعلى هذا الأساس يكون التفسيرُ السالفُ للوحي مستلزماً لتكذيب الأنبياء ، وهذا ممّا لا يليقُ بمقامِ الأنبياء الرفيع ومنزلتهم المرموقة ، وصدقهم ، وصلاحهم الذي أخبر بها التاريخُ الثابتُ.

وبعبارةٍ أُخرى : إنّ المصلِحِين على نوعين :

مصلحون يَنسبون برامجَهم إلى الله ، ومصلحون آخرون يَنسبُون برامجهم إلى أنفسهم ، ويَطْرحونها على المجتمع على أنّها وليدةُ عقولِهِم ، وأفكارهم.

وقد تكون كلتا الطائفتين مخلِصتين ، تتسمان بالإخلاص والخير.

وعلى هذا لا يمكن عد هذين الصنفين من رِجالِ الإصلاحِ صنفاً واحداً.

ب : ثمّت فريقٌ آخرٌ يعتبر الوحيَ ـ منطلقاً من نفسِ الدافعِ الذي ذكر في النظرية المتقدّمة ـ نتيجةَ تجَلّي الحالات الرُّوحِيّة في النبي.

إنّ النبيَّ ـ حسب زَعْم هذا الفريق بِسبَبِ إيمانه القويّ باللهِ ، وفي

ضوءِ عبادَتهِ الكثيرة للهِ يصل إلى درجة يجدُ في ذاتهِ طائفةً من الحقائق العالية ويتصوّر أنّ هذه الحقائق أُفيضت وأُلقيت إليه من عالم الغيب فيما لا يكون لِما توصل إليه من الحقائق المذكورة من منشأٍ سوى نفسه ذاته ليس إلّا.

إنّ أصحاب هذه النظرية يقولون : نحن لا نشُك مطلقاً في صدق الأنبياء بل نعتقد بأنّهم شاهدُوا حقائق عالية ، ولكنّ الكلامَ هو في منشأ هذه الحقائق العالية.

فالأنبياء يتصوّرون أنّ منشأ هذه الحقائق هو عالم الغيب ، الخارج عن هذا العالم المادي ، أي أنّ هذه الحقائق قد أُلقيتْ إليهِم من ذلك العالَم ، على حين يكون منشأ ذلك أنفسهم ، لا غير.

إنّ هذه النظرية ليست كلاماً جديداً بل هي في الحقيقة طرحٌ مجدَّدٌ لإحدى النظريّات التي كانت مطروحةً في العَهد الجاهليّ حول الوحي ولكن في لباسٍ جديدٍ.

وحاصلُ هذه النظرية هو أنّ الوحيَ ما هو الّا حصيلة تخيُّلات الأنبياءِ ، ورجوعهم إلى بواطنهم وتعمّقهم في نفوسهم ، وأنّهم بسبب كثرة التفكّر في الله ، وعبادته ، والتفكّر في إصلاح أُممهم ، وأقوامهم تمثّلت هذه الحقائق دفعة أمام عيونهم ، فَظَنُّوا أنّها أُلقِيَت إليهم مِن عالَم الغيب. (١)

وهذا هو ـ بشكلٍ من الأشكال وبنحو مّا ـ نفسُ تصوُّر الجاهليّين

__________________

(١). السيد محمد رشيد رضا ، الوحي المحمّدي ص ٦٦.

حول الوحي إذ قالوا : (أَضْغاثُ أَحْلامٍ) (١).

إنّ القُرآنَ الكريم ردَّ على هذه النظرية بشدّةٍ وأكَّدَ على أنّ النبيَّ صَدقَ في ادّعائهِ رؤيةَ مَلَكِ الوَحي ، فهو لم يخطأ لا في قلبهِ ولا في بصره إذ يقول : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (٢).

ويقول : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) (٣).

وهذا يعني أنّ النبي رأى حقاً (مَلَك الوحي) بعين الرأس وبعين القلب ، بعين الظاهِر وبعين الباطن.

__________________

(١). الأنبياء / ٥.

(٢). النجم / ١١.

(٣). النجم / ١٧.

عصمة الأنبياء

الأصلُ الثاني والستّون : مراتب عصمة الأنبياء

العِصمة تعني المصُونيّة ولها في باب النبوّة مراتب هي :

ألف : العصمة في مرحلة تلقّي الوحي وإبلاغه.

ب : العصمة عن المعصية والذنب.

ج : العصمة عن الخطأ في الأُمور الفردية والاجتماعية.

وعصمة الأَنبياء في المرحلة الأُولى موضعُ اتفاق الجميع ، لأنّ احتمالَ الخطأ والالتباس في هذه المرحلة يؤثر على وثوق الناس ، واطمئنانِهم ، ويوجب أن لا يعتمدَ الناسُ على إخبارات النبي وأقواله ، فينتقضُ هدفُ النبوّةِ في المآل.

هذا مضافاً إلى أنّ القرآن الكريم يصرّح بأنّ الله يحفظُ نبيَّه ، ويصونهُ صيانةً كاملةً حتى يبلّغ الوحيَ الإلهيَّ بصورةٍ صحيحةٍ كما قال : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً* لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما

لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (١).

ففي هذه الآية ذكَرَ القرآن الكريم نوعين من الحَفَظَة لصيانة الوحي :

ألف : الملائكة الذين يحيطون بالنبيّ من كلّ ناحيةٍ وجانبٍ.

ب : انّ الله تعالى نفسه يحيط بالملائكة والنبيّ.

وهذه النظارة الشديدة والمراقَبَة الكاملة انّما هي لتحقيق غرض النبوّة ، وهو إيصال الوحي الإلهيّ إلى البشر.

الأصلُ الثالثُ والستُّون : عصمة الأنبياء من كل معصية وذنب

إنّ أنبياء الله ورُسُلَه معصومون من الذنب والزلل ، في مجال العمل بأحكامِ الشريعةِ ، عصمةً مطلقةً.

لأنّ الهدف من بعثة الأنبياء إنّما يتحقّق أساساً إذا تمتّع الأنبياء والرسُل بمثل هذه العصمة ، لأنّهم إذا لم يلتزموا بالأَحكام الإلهيّة التي كُلّفُوا بإِبلاغها إلى الناس ، انتفى الوثوق بكلامهم ، فلم يتحقّق الغرضُ المنشودُ من بعثِهم ، وإرسالهم.

ولقد أشارَ المحققُ الطوسيُّ إلى هذا البرهان بعبارةٍ موجَزَة حيث قال : «ويجب في النبيّ العصمةُ ليحصلَ الوثوقُ فيحصل الغرضُ» (٢).

__________________

(١). الجن / ٢٦ ـ ٢٨.

(٢). كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ٢١٧.

إنّ عصمة الأنبياء عن المعصية أمر قد أكّده القرآنُ الكريمُ في آيات مختلفة نورد هنا بعضها :

ألف : إنّ القرآن الكريم يعتبر الأنبياءَ أشخاصاً مهدِيّين ومختارين من قِبل الله تعالى إذ قال : (وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١).

ب : إنَّ القرآنَ الكريمَ يذكِّر بأنّ الذي يهديه الله لا يقدر أحد على إضلاله إذ يقول : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ) (٢).

ج : يعتبر المعصية ضَلالاً إذ يقول : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) (٣).

فيستفاد من مجموعة هذه الآيات أنّ الأنبياء معصومون من كلّ أنواع الضلال ، ومصونون من كل ألوان المعصية.

إنّ البُرهانَ العَقليّ الذي أقمناه فيما سبق على عِصمة الأنبياء يدلّ على عصمتهم قبل البعثة أيضاً ، لأنّ الإنسان الذي صَرَفَ رَدْحاً من عمره في الذنب والمعصية ، ثمّ حَمَلَ لواءَ الهداية والإرشاد لم يتمكّن من الحصول على ثقة النّاس به ، وسكونهم إلى أقواله ، بخلاف من عاش قَبلَ بعثته نقيَّ الجيب ، طاهِرَ الذيل ، فإنّه قادرٌ على جَلب ثقة الناس ، وكسب تأييدهم له.

هذا مضافاً إلى أنّ في مقدور معارضي الرسالة ، أن يغتالوا بسهولة

__________________

(١). الأنعام / ٨٧.

(٢). الزمر / ٣٧.

(٣). يس / ٦٢.

شخصيّة الرسول ، ويطعنوا فيه بالتلويح بسوابقه قبلَ النبوة ، ويحطُّوا ـ بذلك ـ من شأنه ، وشأن رسالته.

إنّ الذي استطاع ـ بفضل ـ العيش بطهر ونقاء ، في بيئةٍ فاسدةٍ أن يكتسب لقب «محمد الأمين» هو الشخص الوحيد الذي يستطيع بشخصيّتهِ الساطعة النقيّة ، أن يُبدّد حُجُب الدعايات المضادة ، ويفنّد مزاعم أعدائه ، ومعارضي رسالته ، ويضيء باستقامته العجيبة ، البيئةَ الجاهليةَ المظلمة تدريجاً.

هذا مضافاً إلى أنّ من البديهي أنّ الإنسان الذي كان معصوماً من بداية حياته ، أفضلُ من الذي تحلّى بصفة العصمة منذ أن صار نَبيّاً ، كما أنّ تأثيرَه ، ودوره الإرشاديّ لا ريب يكون أقوى ، والحكمة الإلهيّة تقتضي اختيار الفَردِ الأحسن الأكمل.

الأصلُ الرابعُ والستُّون : عصمة الأنبياء عن الخطأ والزلل

إنَّ الأنبياء ـ مضافاً إلى كونهم معصومين من الذَّنْب ـ معصومون كذلك في الأُمور التالية :

ألف : في القضاء في المنازعات والفصل في الخصومات.

والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنْ كان مأموراً بالقضاء على وفق البيّنة واليمين ، لكنّه في صورة خطأ البيّنة أو كذب الحالف واقف على الحق المرّ ، وإنْ لم يكن مأموراً بالقضاء على طبقه.

ب : في تشخيص موضوعات الأحكام الشرعية (مثل انّ المائع الفلانيّ هل هو خمرٌ أم لا؟).

ج : في القضايا اليوميّة العاديّة.

إنّ لزوم وصف النبيّ بالعصمة في الموارد المذكورة نابعٌ من أنّ الخطأ في مثل هذه المجالات ملازمٌ للخطأ في مجال الأحكام الدينيّة ، وبالتالي فإنّ الخطأ في هذه الأُمور والمجالات يَضُرُّ بثقةِ النّاس بشخص النبيّ ، ويُوجب في المآل تَعَرُّضَ الغَرَض المنشُود للخَطَر ، وان كان لُزوم العصمة في الصورتين الأُولَيَين ، أوضح من العصمة في الصورة الأخيرة.

الأصلُ الخامسُ والستُّون : الأنبياء مبرَّءون عن الأمراض المنفّرة

إنّ من مراتب العصمة هي أن لا تكون في وجود الأنبياء أُمور توجب تنفّر الناس وابتعادهم عنهم.

فكلُّنا يعلم بأنّ بعضَ الأمراض والعاهات الجسمية ، أو بعض الخصال الروحيّة ، التي تنم عن دناءة الطبع ، وخِسّة النفس توجب تنفّرَ النّاسِ وابتعادهم عنه.

ولهذا فإنّ على الأنبياء أنّ يكونوا مُنَزَّهين عن العيوب الجسمية والروحيّة ، لأنّ تَنَفّرَ الناس من النبي ، واجتنابَهم عنه ينافي الهدف من بعثهم ، وهو إبلاغ الرسالات الإلهيّة بواسطة الأنبياء إلى الناس.

كما أنّنا نُذَكِّرُ بأنَّ المراد من حكمِ العقل في هذا المجال هو الكشف

عن حقيقة ، هي أنّ على الله ـ لكونه حكيماً ـ أنّ يختارَ للنبوّة من يكون عارياً ومنزَّهاً عن مِثل هذه العيوب. (١)

الأصلُ السادسُ والستُّون : دراسة الآيات الدالة على عدم العصمة

لقد عرفنا بِحُكمِ العقل القطعيّ ، وقضاء القرآنِ الصَّريح عصمة الأنبياء ، ولكن ثمّة في هذا الصعيد بضع آيات تحكي ـ في بدو النظر ـ عن صُدُور الذنب والمعصية عنهم (مثل الآيات الواردة حول النبي آدم وغيره) فما هو الحلّ في هذه الآيات؟

في البداية يجب أنّ نقول : إنّ من المُسَلَّم أنّه حيث لا تناقض في القرآن الكريم أبداً ، وجب أنْ نهتدي في ضوءِ القرائن الموجودة في نفس الآيات إلى المراد الحقيقي فيها.

__________________

(١). إنّ حكمَ العقل في هذا المجال حكمٌ قَطعيٌّ ، ولهذا فإنّ بعضَ الروايات التي وَرَدت حول النبي أيوب وهي تحكي عن ابتلائه بأمراض منفِّرة ، مضافاً إلى كونها مخالفةً للحكمِ القَطعيِّ للعقل تنافي الرواياتِ المعارضة التي وَرَدَت عن أهل البيت في هذا المجال.

فقد قال الإمامُ الصادق عليه‌السلام : «إنَّ أيوب مع جميع ما ابتُلي به لم تنتنْ له رائحةٌ ، ولا قَبُحَتْ له صورةٌ ، ولا خرجَتْ منه مِدّةٌ من دَمٍ ، ولا قيحٍ ، ولا استَقْذرَهُ أحَدٌ رآه ، ولا استوحش منه أحدٌ شاهدَه ولا دوّد شيءٌ من جَسَدهِ ، وهكذا يصنعُ الله عزوجل بجميع من يبتليه من أنبيائه ، وأوليائه المكرَّمين عليه ، وإنما اجتنَبَهُ الناسُ لِفَقره ، وضَعْفِهِ في ظاهِرِ أمرهِ ، لجَهْلهم بما لَهُ عند ربّه تعالى ذكْرُهُ ، من التأييد والفَرَج».

(الخصال ج ١ ، أبواب السبعة ، الحديث ١٠٧) ولهذا فإنّ الروايةَ المخالفةَ لهذا الموضوع ، لا أساس لها من الصحة فهي مرفوضة.

ففي هذه الموارد لا يمكن أن يكونَ الظهور الابتدائيّ هو الملاك للحكم المُتسَرِّع.

ومن حُسن الحَظّ أنَّ كبار مفَسّري الشيعة ومتكلّميهم قاموا بدراسة هذه الآيات القرآنية ، بل وأقدم بعضهم على تأليف كتب مستقلة في هذا المجال.

وحيث إنّ معالَجة هذه الآيات واحدة واحدةً لا تحتملُها هذه الرسالةُ فإنّنا نحيل القرّاء الكرام إلى الكتب المذكورة في الهامش (١).

الأصلُ السابعُ والستُّون : منشأ العصمة وسببها

يمكن انّ نلَخّص منشأ العصمة وسببها في أمرين :

ألف : إنّ الأنبياء حيث إنّهم يتمتعون بمعرفةٍ واسعةٍ بالله سبحانه ، لا يَستبدلون رضاه تعالى بشيءٍ مطلقاً.

وبِعبارةٍ أُخرى ؛ انّ إدراكهم العميق للعظمة الإلهيّة وللجمالِ والكمال الإلهيّين يمنعهم من التوجّه إلى أيّ شيءٍ غير الحقّ تعالى ، والتفكير في أيّ شيء غير الله سبحانه.

إنّ هذه المرتبَة والدَّرَجة من المعرفة هي التي قال عنها الإمامُ أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه‌السلام : «ما رَأَيتُ شَيئاً إلّا ورَأَيْتُ اللهَ قبْلَهُ ، وبَعْدَهُ

__________________

(١). تنزيه الأنبياء للسيد المرتضى ، وعصمة الأنبياء للفخر الرازي ، ومفاهيم القرآن لجعفر السبحاني ج ٥ فصل عصمة الأنبياء.

ومَعَهُ» (١).

وقال عنها الإمام الصادقُ عليه‌السلام : «وَلكنِّي أعْبُدُهُ حُبّاً لَهُ فتلكَ عِبادةُ الكِرامِ» (٢).

ب : إنّ اطّلاع الأنبياء الكامل على نتائج الطاعة وثمارها ، وعلى آثار المعصية وتبعاتها السّيئة ، هو سبب صيانتهم عن مخالفة الأمر الإلهيّ.

على أنّ العصمة المطلقة مختصّة بثلَّة خاصّة من أولياء الله ، إلّا أنّ في إمكان بعض المؤمنين الأتقياء أنْ يكونوا معصومين عن ارتكاب المعصية في قسم عظيمٍ من أفعالهم ، فالفَرد المتّقي مثلاً ، لا يُقدم على الانتحار ، أو قتل الأبرياء أبداً (٣).

بل وحتّى بعضُ الأشخاص العاديّين يتمتعون بالعصمة عن بعض الذنوب ، وللمثال لا يُقدمُ أيُّ شخص على لمس سلك كهربائي فعّال تجنباً من الصَعق بالتيار الكهربائي.

ومن البَيّن أنّ العصمة في هذه الموارد ناشئ من العِلم القطعيّ بآثار عمله السيئة ، فإذا كان مثل هذا العِلم حاصلاً للشخص في مجال تبعات الذنوب الخطيرة جداً أيضاً ، كان ذلك موجباً حتماً لصيانة الشخص عن المعصية.

__________________

(١). بحار الأنوار ٧٠ / ٢٢.

(٢). المصدر السابق : ٧٠ / ١٨ ضمن الحديث ٩.

(٣). قالَ الإمامُ عليُّ بن أبي طالب عليه‌السلام عن هذا الفريق : «هُم والجَنّةُ كَمَنْ قَدْ رآها فَهُمْ فيها مُنَعَّمون ، وَهُمْ والنّارُ كَمَنْ قد رَآها فَهُمْ فيها مُعَذَّبُون» نهج البلاغة ، الخطبة رقم ١٩٣ الموجّهة إلى همّام.

الأصلُ الثامنُ والستُّون : لا تنافي بين العصمة والاختيار

نَظَراً لمَنشأ العصمة نُذَكّر بأنّ العصمة لا تنافي اختيار المعصوم ، وكونه حرّاً في إرادته ، بل إنّ الشخصَ المعصومَ مع مَعرفته الكاملة بالله ، وبآثار الطاعة والمعصية ونتائجهما ، يمكنه أنّ يرتكب المعصية وإنْ لم يستخدم هذه القدرة ، مثل الوالد الحنون الذي يقدر على قتل ابنه ، ولكنّه لا يفعل ذلك أبَداً.

وأوضحُ من ذلك هو عدمُ صدور القبيح من الله تعالى ، فإنَّ الله القادرَ المطلَق يمكنه أن يُدخلَ الصالحين المطيعين في جهنم ، أو يُدخِل العاصِين في الجنة ، إلّا أنّ عدلَه وحكمته يمنعان من القيام بمثل هذا العمل.

ومِن هذا البيان يتضح أَنَّ تركَ المعصية والتزام الطاعة ، والعبادة ، يُعتبران مفخرة كبرى للأنبياء ، لأنّهم مع كونهم قادرين على ترك الطاعة ، وفعل المعصية ، لا يفعلون ذلك اختياراً ، وبإرادةٍ منهم.

الأصلُ التاسعُ والستُّون : العصمة لا تلازم النبوّة

نحن مع اعتقادنا بعصمة جميع الأنبياء لا نرى أنّ العصمة تلازم النبوّة ، أي أنّنا لا نرى أنّ كل معصومٍ هو نبيٌّ بالضرورةِ ، وإنْ كان كلّ نبيٍّ معصوماً بالضرورة ، فربّ إنسان معصومٌ ولكنّه ليس بِنبيّ ، فها هو القرآنُ الكريم يقول حول السيدة مريم : («يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ

عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (١).

إنّ استخدامَ القرآن الكريم للفظة «الاصطفاء» في شأن السيّدة مريم عليها‌السلام يَدلُّ على عِصمتها لأنّ نفسَ هذه اللَّفظة «الاصطفاء» استخدمت في شأن الأنبياء سلامُ الله عليهم أيضاً : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢).

هذا مضافاً إلى أنّ الآية قد تحدَّثتْ حول طهارة السيدة مريم عليها‌السلام ، والمقصود هو طهارتها من أيّ نوع من أنواع الرجْس ، والمعصية ، وليست هذه الطهارة والبراءة هو براءتها من الذنب الذي رَمَتْها اليهودُ به في مجال ولادة عيسى منها من دون والدٍ ، لأنّ تبرئة مريم من هذه المعصية ثبتت في الأيّام الأُولى لولادة عيسى عليه‌السلام بتكلُّمه (٣) ، فلم تعُدْ حاجة إلى بيان ذلك مجدّداً.

أضف إلى ذلك أنّ الآية تتحدّث عن مريم قبل ان تحمل بالمسيح ، حيث جاء حديث حملها له عبر هذه الآية فلاحظ.

__________________

(١). آل عمران / ٤٢.

(٢). آل عمران / ٣٣.

(٣). (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ ...) مريم / ٢٩.

كليات في العقيدة

٥

الفصل السادس

النبوة الخاصة

الأصلُ السبعون : طرق إثبات النبوّة الخاصّة

تحدَّثْنا في الفصل السابق حول النبوّة بصورةٍ عامةٍ ، وفي هذا الفصل نتحدَّث حول نبوّةِ رسولِ الإسلام «محمد بن عبد الله» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة ، وقبل ذلك نُذكّرُ بأنَّ النبوّة يمكن أنّ تثبت لشخصٍ بثلاثة طرق :

ألف : الإتيان بالمعجزة مقروناً بادّعاء النبوّة.

ب : جمع القرائن والشواهد التي تشهد بصدق دعواه.

ج : تصديق النبي السابق.

إنّ نبوّة رسولِ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمكن أن تثبت بجميع الطُّرُق الثلاثة المذكورة ، وها نحن نذكرها بصورة مختصرة :

القرآنُ أو المعجزةُ الخالدةُ

إنّ التاريخَ القاطعَ الثابتَ يشهد بأنّ رسول الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قَرَنَ دعوَته بالإتيان بمعاجز عديدة مختلفة ، إلّا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يؤكّد ـ من بين هذه المعاجز ـ على واحدة منها ، وهي في الحقيقة معجزته الخالدة ، ألا وهي «القرآن الكريم».

فإنّ نبيّ الإسلام أعلن عن نبوّته ورسالته بالإتيان بهذا الكتاب السَّماويّ ، وتحدّى الناسَ به ، ودعاهم إلى الإتيان بمثله إن استطاعوا ، ولكن لم يستطع أحدٌ ـ رغم هذا التحدِّي القرآنيّ القاطع ـ أنْ يأتي بمثله في عَصر النبوّة.

واليوم وبعد مرور القرون العديدة لا يزال القرآنُ يتحدّى الجميع ويقول : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١).

وفي موضع آخر يقول ـ وهو يقنع بأقلّ من ذلك ـ : (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) (٢) ، (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (٣).

إنّنا نعلمُ أنّ أعداء الإسلام لم يألوا جُهداً طيلة (١٥) قرناً من بدء ظهور الإسلام من توجيه الضربات إليه ، ولم يفتروا عن محاولة إلحاق

__________________

(١). الإسراء / ٨٨.

(٢). هود / ١٣.

(٣). البقرة / ٢٣.

الضرر بهذا الدين ، والكيد له بمختلف ألوانِ الكيد ، وحتى أنّهم استخدموا سلاح اتّهام رسولِ الإسلام بالسّحرِ ، والجنون ، وما شابه ذلك ، ولكنّهم لم يَستطيعوا قطّ مقابلةَ القرآن الكريم ، ومعارضته فقد عجزوا عن الإتيانِ حتى بآية قصيرة مثل آياته.

والعالم اليوم مجهَّزٌ كذلك بكل أنواع الأفكار والآلات ، ولكنّه عاجز عن مجابهة هذا التحدّي القرآنيّ القاطع ، وهذا هو دليلٌ على أنّ القرآنَ الكريمَ فوق كلامِ البشر.

الأصلُ الواحدُ والسبعون : الإعجاز الأدبي للقرآن

كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاجزُ مختلفة ومتعدّدة دُوّنَتْ في كُتُب التاريخ والحديث ، ولكنّ المعجزة الخالدة التي تَتَلألأُ من بين تلك المعاجز في جميع العُصُور والدهور هو القرآن الكريم ، والسرُّ في اختصاص رسول الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بمثل هذه المعجزة من بين جميع الأنبياء ، هو أنَّ دينه دينٌ خاتِمٌ ، وشريعَتهُ شريعةٌ خاتمةٌ وخالدةٌ ، والدينُ الخالدُ والشريعة الخاتمة بحاجة إلى معجزةٍ خالدةٍ لتكون برهانَ الرسالة القاطع لكلِّ عصرٍ وجيلٍ ، ولتستطيع البشرية في جميع القرون والدُّهور أنْ ترجع إليه مباشرةً من دون حاجةٍ إلى شهاداتِ الآخرين وأقوالهم.

إنّ القرآنَ الكريم يتّسمُ بصفة الإعجاز مِن عدة جهات ، يحتاج البحث فيها بتفصيلٍ ، إلى مجالٍ واسعٍ لا يناسب نطاق هذه الرسالة ، ولكنّنا نشير إليها على نحو الإيجاز :

في عصر نزول القرآن الكريم كان أوّلُ ما سَحَر عيونَ العرب ، وحيّر أرباب البلاغة والفصاحة منهم جمالُ كلمات القرآن ، وعجيبُ تركيبه ، وتفوّقُ بيانه ، الذي يُعبَّر عن ذلك كله بالفصاحةِ والبلاغة.

إنّ هذه الخصُوصية كانت بارزةً ومشهودةً للعرب يومذاك بصورةٍ كاملةٍ ، ومن هنا كان رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتلاوة آيات الكتاب ، مرةً بعد أُخرى ، وبدعوته المكرّرة إلى مقابلته والإتيان بمثله إن استطاعوا ـ يدفع عمالقة اللغة والأدب ، وأبطال الشعر وروّاده ، إلى الخضوع أمام القرآن ، والرضوخ لعظمة الإسلام ، والاعتراف بكون الكلام القرآنيّ فوق كلامِ البشر.

فها هو «الوليد بن المغيرة» أحد كبار الشعراء والبلغاء في قريش يقول ـ بعد انْ سمع آياتٍ من القرآنِ الكريمِ تلاها عليه رسولُ الإسلام ، وطُلب منه أنْ يبدي رأيه فيها : «وَوالله إنّ لِقَوله الّذي يقولُ لَحلاوةً ، وإنّ عليه لطَلاوةً ، وإنّه لَمُثْمرٌ أَعلاهُ ، مُغدِقٌ أَسْفَلُهُ ، وإنّه لَيَعْلُو وما يُعلى» (١).

وليس «الوليدُ بن المغيرة» هو الشخص الوحيدُ الذي يحني رأسه إجلالاً لجمال القرآن الظاهري ، ولجلاله المعنوي ، بل ثمة بلغاء غيره من العرب مثل : «عتبة بنِ ربيعة» و «الطفيلِ بن عمرو» أَبدَوا كذلك عجزَهم تجاه القرآن ، واعترَفُوا بإعجاز القرآن الأدَبي.

على أنّ العَرَب الجاهليين نَظَراً لِتَدَنّي مستوى ثقافتهم لم يُدرِكوا من القرآن الكريم إلّا هذا الجانبَ ، ولكن عند ما أشرقت شمسُ الإسلام على

__________________

(١). مستدرك الحاكم ٢ / ٥٠.

رُبع الكرة الأرضية ، وعَرَفَتْ به جماعاتٌ بشريةٌ أُخرى اندفعَ المفكّرون إلى التدبّر في آيات هذا الكتاب العظيم ، ووقفوا مضافاً إلى فصاحَته وبلاغته ، وجمال اسلوبه ، وتعبيره ، على جوانب أُخرى من القرآنِ الكريم والتي يكون كلّ واحدة منها بصورة مستقلّة خيرَ شاهدٍ على انتمائه إلى العالم القدسيّ ، ونشأتهِ من المبدأ الأعلى للكون.

وهكذا تنكشف في كلّ عَصر جوانب غير متناهية لهذا الكتاب العظيم.

الأصلُ الثاني والسَّبعون : المجالات الأُخرى للإعجاز القرآني

لقد بَيّنّا في الأصلِ السابقِ إعجاز القرآن من الناحية الأدبية ، باختصار ، والآن نريد أن نستعرض المجالات الأُخرى للإعجاز القرآنيّ بصورة مختصرة.

إذا كان الإعجاز القرآنيُ من الناحية الأَدبية قابلاً للدرك والفهم عند طائفة خاصّة لها إلمامٌ كافٍ بالأدب العربي ، فإنّ الجوانبَ الأُخرى من الإعجاز القرآني ولحسن الحظ مفهومة لآخرين.

ألف : إنّ الآتي بالقرآن الكريم كان شخصاً أُميّاً لم يدرُس ، ولم يَتلقَّ تعليماً قبل النبوة ، فلا هو دخل مدرسة أو كَتّاباً ، ولا هو تلمَّذ على أحد ، أو قَرَأَ كتاباً كما قال : (ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (١).

__________________

(١). العنكبوت / ٤٨.

إنّ نبيَّ الإِسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلا هذه الآية على قومٍ كانوا يعرفون حياتَه وتفاصيلها ، تمام المعرفة ، فإذا كان له سابقة تحصيل وتعلّم لكذّبوا ادّعاءَهُ هذا.

وأمّا اتّهام البعض إيّاه بأنه (يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) (١) فهي تهمة لا أساس لها مثل سائر التهم الأُخرى ، كما يقول : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) (٢).

ب : لقد تُلي القرآنُ الكريم على الناسِ طيلةَ ثلاثٍ وعشرينَ سنة وفي ظروف مختلفة (في الصلح والحرب ، في السفر والحضر ، و...) بواسطة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتقتضي طبيعة هذا النمط من التحدُّث والتكلّم أن يقع في كلام المتكلّم نوعٌ من الاختلاف والتعدُّديّة في الاسلوب والخصُوصِيّات البيانية فلطالما يقع المؤلّفون الذين يُؤَلّفُونَ كُتُبَهُمْ في ظُروفٍ عاديّةٍ متماثِلةٍ ـ رغم مراعاة قواعد التأليف والكتابة ، وأُصولِها ـ في الاختلاف والاضطراب في الكلام ، فكيف بالذي يُلقي كلاماً بالتدريج ، وفي أوضاع متباينة وأحوال مختلفة تتراوح بين الشدّة والرخاء ، والحزن والفرح ، والقتال والسلام ، والأَمن والخطر؟!

إنّ المُلفت للنظر هو أنّ رسول الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تَحدَّث حول موضوعات مختلفة ومتنوعة ، بدءاً بالإلهيّات ومروراً بالتاريخ ، والتشريع ، والأخلاق ،

__________________

(١). النحل / ١٠٣.

(٢). النحل / ١٠٣.

والطبيعة ، والإنسان ، وانتهاء بالحياة الأُخرى ، وفي نفس الوقت تمتّع كلامه هذا من بدئه إلى ختمه بأعلى نوع من الانسجام ، والتناغم ، من حيث الاسلوب ، والمحتوى.

يقول القرآن نفسُهُ عن هذا الجانب من الإعجاز : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١).

ج : إنّ القرآنَ الكريمَ جعل الفطرةَ الإنسانيةَ الثابتة نُصب عَينيه وشرّع على أساسها قانونَه ، فكانت نتيجةُ هذه الرؤية الأساسِيّة أنْ أخَذَ في نظر الاعتبار جميع أبعاد الروح والحياة الإنسانية ، وذكّر بالأُصول والأُسس الكلية التي لا تقبَلُ الزوال والاندثار.

فمن خصائص القوانين الإسلامية الكليَّة هو أنَّ هذه القوانين قابلةٌ للتطبيق في جميع الظروف المختلفة والبيئات المتنوعة ويوم كان المسلمون يسيطرون على مساحة جدُّ كبيرة من العالم ، كانوا يديرون المجتمعات البشرية قروناً عديدة في ظلّ هذه القوانين والتشريعات بقوّة ، ونجاح.

يقول الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام : «إنَّ اللهَ لَمْ يَدَع شَيْئاً تَحْتاجُ إلَيْهِ الأُمَّةُ إلّا أَنْزَلَهُ في كتابهِ ، وَبَيَّنَهُ لِرَسُولِهِ وجَعَلَ لِكُلّ شيءٍ حَدّاً ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيلاً» (٢).

__________________

(١). النساء / ٨٢.

(٢). الكافي : ١ / ٥٩.

الأصلُ الثالثُ والسبعون : الإعجاز القرآني في مجال أسرار الكون وأخبار المستقبل

د : إنّ القرآن الكريم بيّن في آيات مختلفة ومتعدّدة وفي مناسبات متنوّعة أسرارَ عالَم الخلق التي لم يَكُنْ لدى البَشَر أيُّ عِلمٍ ، ولا إلمام بها.

ولا شكَّ أنَّ الكشف عن هذه الأسرار لشخصٍ لم يتلقَّ تعليماً ، ولم يدرس ، وذلك في مجتمع جاهليّ لا يعرف شيئاً أصلاً ، لا يمكن إلّا عن طريق الوحي.

إنّ الكشف عن قانون الجاذبية الذي يفسَّر على أساسِه قيامُ صرح الكون يُعَدّ من مفاخر العِلم الحديث.

ولقد كَشَفَ القرآنُ الكريمُ القناعَ عن هذا القانونِ في عبارةٍ قصيرةٍ إذ قال : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) (١).

إنّ الكَشْفَ عن قانون الزوجية العامّة هو الآخر يُعدّ من مكتسَبات العِلم الحديث ، وقد تحدّث عنه القرآنُ الكريمُ في عَصرٍ لم يكنِ البشرُ يعرف عنه أيَّ شيء مطلقاً إذ قال : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٢).

هذا وثمّت نماذج أُخرى في هذا المجال جاء ذكرُها في كتب التفسير والعقيدة ، أو دوائر المعارف.

__________________

(١). الرعد / ٢.

(٢). الذاريات / ٤٩.

ه : إنّ القرآنَ الكريم أخبر عن طائفة من الحوادث والوقائع المستقبلية إخباراً قطعيّاً ، وقد وقعت تلك الوقائع والحوادث فيما بعد بصورةٍ دقيقةٍ ، ولهذا النمط من الإخبارات نماذج عديدة ، وكثيرة إلّا أنّنا نشير إلى واحدة منها هنا على سبيل المثال :

يَوم غَلَبَ الساسانيون عُبّادُ النار على الرُّوم الموحّدين تفاءَلَ المشركونَ العرب بهذا الحَدَث وقالوا سننتصر نحن على موحِّدي الجزيرة العربية (المسلمين) أيضاً ، وعند ذاك أَخبر القرآنُ الكريمُ بانتصار الرُّوم على الفُرس :

(غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (١).

ولم تمض بضع سنوات إلّا وتحقّقت النبوءةُ المذكورة ، وانتصر كلا الفريقين المؤمنين (الرّوم المسيحيّون ومسلمو الجزيرة العربية) على أعدائهم (الساسانيين ومشركي قريش).

ولهذه الناحية تحدّثَ القرآن في ذيل الآية عن سرور المؤمنين إذ قال : (يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ).

لأنّ كلا الانتصارين حدثا في وقتٍ واحدٍ.

و : إنّ القرآنَ الكريمَ تَحدَّثَ عن حياة الأنبياء وأُممهم السابقة في سورٍ مختلفةٍ بتعابيرَ مختلفةٍ.

__________________

(١). الروم / ٢ ـ ٤.

إنّ هذه الوقائع وَرَدَت كذلك في كتاب العَهدين (التوراة والإنجيل) أيضاً ، ولكن إذا ما قيست تلك مع ما وَرَدَ في القرآنِ الكريمِ اتّضح أن القرآن الكريم من الوحي الإلهيّ برمَّته ، وأنّ ما جاء في العهدين لم يسلم من تحريف المحرّفين.

ففي رواية القرآن لقصص الأنبياء لا يوجَد أيُّ موضوع يخالف العقلَ ، والفطرة ، ولا يناسب مقام الأنبياء ، في حين تزخر الروايات والقصص الموجودة في كتاب العهدين بهذه العيوب والنواقص.

وفي هذا الصعيد يكفي إجراء مقارنة بين القرآن والعهدين في قصة آدم.

الأصلُ الرابع والسبعون : القرائن والشواهد على نبُوّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ جمع القرائن والشَّواهد ـ كما أسلفنا ـ يمكن أنْ تكون من الطُّرُق الكفيلة بإثبات صدق دعوى الأنبياء ، وها نحن نشير باختصار إلى القرائن الدّالة على صحَّة دعوى النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

ألف : النبيّ الأكرم وسوابقُهُ المشرِقةُ :

كانت قريش تسمّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ابتعاثه بالرسالة «محمد الأمين» وتودع عنده أماناتِها الثمينة ، وتستأمنه على أشيائها القيّمة.

وعند ما حصل خلافٌ بين أربعة قبائل في وضع «الحَجَرِ الأسودِ» في موضعه بعد تجديد بناء الكعبة ، رضي الجميعُ بأن يقومَ عزيزُ قريش

أي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه المهمّة لكونه رجلاً صادقاً أميناً. (١)

ب : النَّقاء من تلوّث البيئة الاجتماعية :

لقد نشأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترعرع في بيئةٍ لم يكن فيها إلّا الخمر والميسر ووأد البنات ، وإقبارهن أحياءً ، وإلّا أكل الميتة والظلم والغارة ، ومع ذلك ورغم نشوئه وترعرعه في مثل هذه البيئة ، كان إنساناً نقيّ الجيب ، طاهِرَ السُّلوك ، لم يُوصف بأي شيء من الصفات الرَّذيلة ، ومن دونِ أن يتلوَّث بأيّةِ لوثةٍ عقيديّة ، وفكريّةٍ.

ج : محتوى الدعوة الإسلامية :

عند ما نُلقي نظرةً فاحصة على محتوى دعوةِ النبي الأكرمِ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نراها تدعو الناس بالضبط إلى مخالفةِ كلّ ما كان رائجاً في تلك البيئة ، ورفضه رفضاً مطلقاً.

إنّهم كانوا يعبدون الأوثان وقد دعاهم إلى التوحيد ، ورَفض الأوثان.

إنّهم كانوا يُنكرون المعادَ ، وقد دعاهُم إلى الإيمان به ، واعتبره شرطاً من شروط الإسلام.

وكانوا يئدون البنات ويقبرونهنّ وهنّ أحياء ، ولم يكن للمرأة أيّة قيمة ، ولكنّه أعاد إليها كرامتها الإنسانيّة ، ومنزلتها اللائقة بها ، كأفضل ما يكون.

__________________

(١). السيرة النبويّة لابن هشام ، ج ١ ، ص ٢٠٩.

د : أدوات الدعوة ووسائلها :

إنّ الأدوات والوسائل التي استخدمها النبيُّ ، لِنشر دعوته ، واستعان بها لِنشر دينه ، كانت إنسانيةً وأخلاقية تماماً.

فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخدم أبداً الأساليبَ اللاإنسانية كقطع الماء على خصومه ، أو تسميمه وتلويثه ، أو قطع الأشجار وما شابه ذلك من الأساليب اللاإنسانية (١).

بل وأوصى بأن لا يُلحَق الأذى بالنساء والأطفال والعجائز وكبار السن ، وان لا تُقطَع الأشجار ، وان لا يُشرع في قتال العدوّ قبل الدعوة إلى الإسلام وإتمام الحجة عليه.

إنّ الإسلام يرفض رفضاً قاطعاً المنطق المكيافيلي القائل : «بأنّ الغاية تبرّر الوسيلة» وكمثال رَفَضَ اقتراح أحد اليهود لإخضاع العدوّ في وقعة خيبر عن طريق إلقاء السم في الماء.

إنّ حياة رسول الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زاخرة بقصص التعامل الإنساني النبيل مع الأعداء.

ه : شخصيّةُ المؤمنين به وخصالُهم :

إنّ دراسة أفكار المؤمنين بالنبيّ ، والمنضوين تحت لوائه ، وأحوالهم وشخصياتهم يمكن أن توضح مدى صدقه وصحة دعواه.

__________________

(١). راجع الكتب التاريخية في هذا المجال.

فإنّ من البديهيّ أن الدعوة إذا تأثّر بها الشخصياتُ المتميزة في المجتمع فانضووا تحت رايتها ، واعتنقوها بصدق وإخلاص ، كان ذلك آية صدقها وصحتها ودليلاً على حقّانيتها ، وواقعيّتها.

ولكن إذا التفَّ حولَه طلّاب الدنيا ، وعُبّادُ المال والشهوة ، كان ذلك دليلاً على ضعف ادّعائه.

لقد كان بين المنضوين تحت لواء رسول الإسلام شخصيات عظيمة في غاية النُّبل والفَضيلة كالإمام عليّ عليه‌السلام وكسلمان ، وعمّار ، وبلال ، ومصعب ، وابن مسعود ، والمقداد ، وأبي ذر وغيرهم ممّن شهد لهم التاريخُ بالطهر والصفاء ، وسموّ الشخصية ، ونزاهة الأخلاق.

و : التأثيرُ الإيجابي في البيئة الاجتماعية ، وتأسيسُ حضارة عظيمة :

إِنّ رسول الإسلام استطاع في مدة لا تتجاوز ثلاثاً وعشرين سنة أنْ يغيّر وضعَ الجزيرة العربية تغييراً جوهرياً.

لقد استطاع أنْ يصنع من قُطّاع طُرُق ، وسَلّابين ، أشخاصاً أُمناء ، ومن عُبَّاد أوثان وأصنام ، موحّدين بارزين ، لم يَصنَعوا حضارةً عظيمة في محلّ سكونتهم فقط بل مدّوا حضارتهم الإسلامية الرائعة الفريدة ، إلى مناطق أُخرى من العالم ، كذلك.

فها هو جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام من مسلمي صَدر الإسلام يؤكّد على هذه النقطة عند ما قال في معرَض الإجابة على سؤال النجاشيّ الذي سأله عن أحوال النبيّ الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أيّها المَلِك ؛ إنّ الله بَعَث إلينا رَسولاً مِنّا فَدعانا إلى الله لِنوَحّدَه ونعبدَه ، ونخلعَ ما كنّا نعبُدُ نحن وآباؤنا من دونه ، من الحجارة والأوثان ، وأمَرَنا بصدقِ الحديث ... وأمَرَنا بالصلاةِ ، والزكاة وصلة الرحم ، وحُسن الجوار ، ونهانا عن الفواحِشِ ، وقولِ الزُّور» (١).

إنّ هذه القرائن ، ونظائرها ، يمكن أنْ تقودَنا إلى صدقِ قول رسول الإسلام وحقانيّة هدفه ..

إنّ من المحتم أنّ رجلاً بهذه الخصوصيّات لا يرتكب الكذِبَ أبداً ، وفي النتيجة يجب أن يُقال : إنّه كان صادقاً في ادّعائه النبوّة ، وارتباطه بعالم الغيب كما تؤيّد القرائنُ الأُخرى بالذات هذا الموضوع أيضاً.

الأصلُ الخامسُ والسبعون : تصديقُ النبيّ السابق

إنّ تصديقَ النبيّ السابق للنبيّ اللاحقِ هو أحد الطرق لإثبات دعوى النبوة وذلك لأنّ الفرض هو أنّ نبوة النبيّ السابق قد ثبتت بالأدلّة القاطعة ، ولهذا من الطبيعي أن يكون كلامُه سنداً قاطعاً للنبوّة اللاحقة ، ويُستفادُ من بعض الآيات القرآنيّة أنَّ أهلَ الكتاب كانوا يعرفون رسول الإسلام كما يعرفون أبناءهم ، يعني أنّهم قرءوا علائم نبوَّته في كتبهم السَّمَاوية ، وقد ادّعى رسولُ الإسلام هذا الأمر ، ولم يكذّبه أحدٌ منهم أيضاً ، كما يقول :

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ

__________________

(١). السيرة النبويّة لابن هشام ج ١ ، ص ٣٥٩ ـ ٣٦٠.

لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١).

إنّ رسولَ الإسلام ادّعى أنّ السيد المسيحَ عيسى ابنَ مريم عليه‌السلام بشّر به ، وانّه يأتي من بعده نبيٌّ اسمُه «أحمد» : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (٢).

كما وأنَّ من الطريف أنْ نَعلمَ أنّ الإنجيل رغم تعرُّضه للتحريف منذ قرون قد جاءَ في إحدى نُسَخِهِ وهو إنجيل يوحنا (الإصحاح ١٤ ، ١٥ ، ١٦) تَنَبّؤٌ بمجيء شخصٍ بعد السيد المسيح يُدعى «فارقلِيطا» (أي محمد ـ بالسريانيّة) يمكن للمحقّقين الرجوع إلى ذلك ، للوقوف على الحقيقة. (٣)

الاصلُ السادسُ والسبعون : معاجز أُخرى للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير القرآن

إنّ معاجز رسولِ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما أسلفنا ـ لا تنحصر في القرآن الكريم ، بل إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ربما قام بإتيان بعض المعجزات في مناسباتٍ مختلفة بهدف إقناع الناس.

وفي هذا الصعيد يجب التذكيرُ بأن ثمّت محاسبةً عقليّةً تثبت أساساً وجودَ معاجزَ لرسولِ الإسلام عدا القرآنِ الكريم.

__________________

(١). البقرة / ١٤٦.

(٢). الصف / ٦.

(٣). وقد دُوّنت كتبٌ تجمع بشاراتِ العهدين بمجيء رسول الإسلام ، وتبحث حولها وللمثال راجع في الصدد كتاب «أنيس الأعلام».

فالنبيُّ الأكرمُ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحدّث عن (٩) معاجز للنبيّ موسى عليه‌السلام (١) وعن (٥) معاجز للنبي عيسى عليه‌السلام كذلك (٢).

فهل يمكن أنْ نقبل بأنْ يكون رسولُ الإسلام أعلى وأفضل من الأنبياء السابقين ، وخاتمهم ، وأنّه أثبتَ معاجز عديدة للأنبياء السابقين ، ومع ذلك لا تكون له إلّا معجزة واحدة؟ ترى أما كانَ الناسُ ـ وهم يَسمعون بصُدُور كل تلك المعجزات عن الأنبياء السابقين ـ يتمنّون صدورَ معاجز مختلفة ومتنوّعة على يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يكتفون برؤية معجزةٍ واحدةٍ فقط؟؟!

وكيف لا تكون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاجز سوى «القرآن الكريم» وهذا هو القرآنُ نفسُه يثبت صدور معاجز متعددة على يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نشير إليها فيما يأتي :

ألف : شَقّ القَمَر : عند ما اشترط المشركون إيمانهم برسول اللهِ ودعوته بشقّ القَمَر نصفين ، قام النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك بإذن الله تعالى ، كما يقول القرآن الكريم :

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (٣).

إنّ ذيلَ هذه الآية شاهدٌ واضحٌ على أنّ المقصود من الآية ليس هو

__________________

(١). انظر سورة الإسراء / ١٠١.

(٢). انظر آل عمران / ٤٩.

(٣). القمر / ١ ـ ٢.

انشقاق القمر في يوم القيامة بل يرتبط بعصر النبيّ الأكرمِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ب : المعراج : إنّ عروجَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ليلة واحدةٍ من المسجد الحرام في مكة المكرَّمة إلى المسجد الأقصى في فلسطين ، ومنه إلى السَّماء ، وقد تمّت هذه الرحلة الفضائيّة العظيمة في مُدّةٍ قصيرةٍ جداً ، يُعتَبَرُ هو الآخر من معاجز رسول الإسلام التي ذُكِرتْ في القرآن الكريم. (١)

على أنّ قُدرة الله أقوى وأسمى من أن تحول العواملُ الماديةُ والطبيعيةُ دون تحقّق معراج نبيه الكريم إلى العالَم الأعلى ، ووقوعه.

ج : مباهلته مع أهل الكتاب : لقد قام رسول الإسلام ـ بهدف ـ إثبات حقّانيّته ، وصدق دعوته بدعوة طائفة من أهل الكتاب إلى «المباهلة» وقال : («فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ») (٢).

ومن المُسَلَّم أنّ المباهَلة تنتهي بفناء أحد الفريقين المتباهِلَيْن ، ولكنّ النبيَّ مع ذلك أعلن عن استعداده لذلك ، فكانت النتيجةُ أنَّ أهلَ الكتاب لمّا شاهَدوا قاطعيّة النبي ، وثباته العجيب ، وكيف أنّه أتى بأعزّ أقربائِهِ إلى ساحة «المباهَلَة» من غير خوفٍ أو تهيّبٍ ، انسحَبُوا ، وقبلوا شرائط النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولقد قلنا عند الحديث عن الإخبار بالغَيب أن السيدَ المسيحَ عليه‌السلام كان

__________________

(١). انظر الإسراء / ١ ، والنجم / ٧ ـ ١٨.

(٢). آل عمران / ٦١.

يخبر عن الغيب (١) وقد أخبر النبيُّ الأكرمُ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغيب عن طريقِ الوحي كذلك ، ومن إخباراته : الإخبار بغَلَبة الروم على الفرس (٢) وبفتح مكة (٣).

إنّ هذه المعاجز هي التي ذَكَرَها القرآن الكريم ، وأمّا ما ذكرهُ المؤرّخون والمحدّثون المسلمون من معاجز أُخرى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيفوق ما جاء ذكرُه في القرآنِ الكريمِ ، وهي وإنْ لم تكن ـ في الأغلب ـ متواترة إلّا أنّه يتمتع مجموعُها بتواترٍ إجماليٍ.

__________________

(١). انظر آل عمران / ٤٩.

(٢). انظر الروم / ٢.

(٣). انظر الفتح / ٢٧.

خصائصُ نُبُوّةِ رسول الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ لِدَعوة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصائصَ أهمُّها أربعة أُمور ، نذكرها في ثلاثة أُصول :

الأصلُ السابعُ والسبعون : عالمية دعوة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورسالته

إنّ دعوةَ النبيّ الأكرم ونبوَّتَه ورسالَتهُ ، عالميةٌ ، ولا تختصُّ بقومٍ دون قومٍ ، ومنطقةٍ دون أُخرى. كما قال تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (١).

ويقول أيضاً : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٢).

من هنا نرى كيفَ أنّه كانَ يستفيدُ في دعوته من لفظة (النّاس) وقال :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) (٣).

__________________

(١). سبأ / ٢٨.

(٢). الأنبياء / ١٠٧.

(٣). النساء / ١٧٠.

نعم عند ما بدأَ النبيُّ الأكرمُ دعوَته كان طبيعيّاً أنْ ينذِرَ قومَه في المرحلةِ الأُولى ، ويوجّه خِطابه إلى قومِهِ لينذرَ قوماً لم يُنذَرُوا مِن قَبل :

(لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) (١).

ولكنَّ هذا لم يكن ليعني أنَّ مجالَ رسالته محدودٌ بجماعةٍ خاصةٍ ، وإرشادِ قومٍ خاصّين.

ولهذا السبب نرى القرآنَ ـ أحياناً ـ في الوقت الذي يوجّه دعوته إلى جماعة خاصّة ، يعمد فوراً إلى اعتبار دعوته تلك حجةً على كلّ الذين يمكن أن تبلغَهُمْ دعوتُه. إذ يقول : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٢).

إنّ مِنَ البديهيّ أنّ على الأَنبياء أنْ يَبدءوا أقوامَهم في البداية سواء أكانت دعوتهم عالميّة ، أم محلِّية.

وهذا هو القرآنُ الكريم يُذَكّرُ بهذه الحقيقة :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) (٣).

__________________

(١). السجدة / ٣.

(٢). الأنعام / ١٩.

(٣). إبراهيم / ٤.

الأصلُ الثامنُ والسبعون : إنّ نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم الأنبياء

إنّ نبوّة رسول الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوّةٌ خاتمةٌ ، كما أنّ شريعته كذلك خاتمةُ الشرائع ، وكتابهُ خاتمُ الكتب أيضاً.

يعني أنّه لا نبيَّ بعدَه ، وأنّ شريعَتَه خالدةٌ ، وباقيةٌ إلى يوم القيامة.

ونحنُ نستفيدُ من خاتميّة نبوّته أمرين :

١. إنّ الإسلام ناسخٌ لجميع الشرائعِ السابقة ، فلا مكانَ لتلك الشرائعِ بعد مجيء الشريعةِ الإسلاميةِ.

٢. إنّه لا وجودَ لِشَريعةٍ سماويةٍ في المستقبل ، وادّعاء أي شريعة بعد الشريعة الإسلامية أمرٌ مرفوضٌ.

إنّ مسألة الخاتميّة طُرحت ـ في القرآن والأحاديث الإسلامية ـ بشكلٍ واضحٍ ، بحيث لا تترك مجالاً للشك لأحد.

وفيما يأتي نشيرُ إلى بعضها في هذا المجال :

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (١).

والخاتَم هو ما يوضع في الإصبع من الحُليّ ، وكان في عصر الرسالة يُختم بفصّه على الرسائل ، والمعاهدات ، ليكونَ آيةً على انتهاءِ المكتوب.

__________________

(١). الأحزاب / ٤٠. لا تنحصر الآياتُ الدالّة على خاتميّة رسول الإسلام في هذه ، بل هناك سِت آيات قرآنية في هذا المجال تدلّ على خاتميته. راجع كتاب مفاهيم القرآن : ٣ / ١٣٠ ـ ١٣٩.

وفي ضوء هذا البيان يكون مفاد الآية هو أنّ كتابَ النبوّات والرسالات خُتِم بمجيء رسول الإسلام فلا نبيَّ بعدَه ، كما يُختمُ الكتاب بالخاتَم ، فلا كلام بعدَه.

على أنّ لفظَ الرسالة حيث إنّه ينطوي على معنى إبلاغ أشياء (الرسالة) يتلقّاها النبي عن طريق الوحي (النبوة) ، لهذا فإنّ من الطبيعي أنْ لا تكونَ الرسالة الإلهيّةُ من دون نبوّة ، فيكون ختم النبوات ملازماً ـ في المآل ـ لختم الرسالات.

ثمّ إنّ في هذا المجال أحاديث وروايات متنوّعة ، وعديدة ، نكتفي بذكر واحد منها وهو حديثُ «المنزلة».

فعند ما كان رسولُ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يريد أنّ ـ يتهيّأَ لغزوة تبوك ، خلّف الإمامَ عليّاً عليه‌السلام في المدينة وقال له : «أما ترضى أنْ تكونَ منّي بِمَنزلةِ هارونَ مِن مُوسى إلّا أنّه لا نبيَّ بَعدِي».

هذا وثمَّت مجموعةٌ من الأحاديث المتواترةِ إجمالاً ترتبط بالخاتميّة عدا حديث «المنزلة» المتواتر نُقِلَت ورُوِيت في الكتب.

الأصلُ التاسعُ والسبعون : كمال الدين الإسلامي

إن سرَّ خلودِ الشريعة الإسلامية يَكْمُنُ في أمرين :

ألف : إنّ الشريعة الإسلامية تُقَدّمُ لضمان وتحقيق حاجة البَشَرِ الطبيعيّة والفطريّة ، الى الهدايات الإلهيّة ، أكمل برنامج عُرِف بحيث لا

يمكن تصوّر ما هو أفضل وأكمل منه.

ب : بَيَّنَ الإسلامُ في مجال الأحكام العمليّة كذلك سلسلةً من الأُصول والكليّات الجامعة والثابتة التي يمكنها أن تلبّي الحاجاتِ البشريةِ المتجدّدةِ والمتنوعة أوّلاً بأوّل.

ويشهد بذلك أنّ فُقَهاء الإسلام (وبالأخص الشيعة منهم) قدروا طوال القرون الأربعة عشرة الماضية أنْ يلبُّوا كلّ احتياجات المجتمعات الإسلامية على صَعيد الأحكام ، ولم يَحْدُث إلى الآن أن عَجَزَ الفِقْهُ الإسلاميّ عنِ الإجابة على مُشكلةٍ في هذا المجال.

هذا والأُمور التالية مفيدةٌ ، ومؤثرةٌ في تحقيق هذه الغاية وهذا الهدف :

١. حجيّة العقل :

إنّ اعتبار العقل ، ومنحه الحجية ، والقيمة المناسبة في المجالات التي يقدر فيها على الحكم والقضاء ، هو إحدى طرق استِنْباط وظائِفِ البشر في الحياة.

٢. رعايةُ الأهمّ عِند مُزاحمة المهمّ :

إنّ الأحكام الإسلاميّة ـ كما نعلَمُ ـ ناشئةٌ من طائفة من الملاكات الواقعيّة ، والمصالح والمفاسد الذاتيّة (أو العارضة) في الأشياء ، وهي ملاكاتٌ ربما أدرك العقلُ بعضها ، وربما لم يدرِكِ البعضَ الآخر ، وإنما بيَّنَها الشرعُ.

وفي ضوء معرفةِ هذه الملاكات يستطيعُ الفَقِيهُ ـ بطبيعة الحال ـ أن يحلَّ المشكلة بتقديم الأهمّ على المهمّ ، فيما إذا وقعَ تزاحمٌ بينهما.

٣. فتح باب الاجتهاد :

إن فتح باب الاجتهاد في وجه الأُمّة الإسلامية ـ الذي يُعتبر من مفاخر الشيعة وامتيازات التشيّع ـ هو الآخرَ من الأسباب الضامنة لخاتمِيّة الدين الإسلاميّ واستمراريّته ، لأنّه في ظلّ الاجتهاد الحيّ والمستمرّ يمكن استنباط أحكام الموضُوعات ، والحوادث الجديدة ، باستمرار ، من القواعد والضوابط الإسلامية الكليّة.

٤. الأَحكامُ الثّانَوِيّةُ :

هناك في الشريعة الإسلاميّة مضافاً إلى الأحكام الأوّليّة ، طائفةٌ من الأحكام الثانوية التي تستطيع أن تحلَّ الكثيرَ من المشاكل.

فعلى سبيلِ المثال : عند ما يصبَحُ تطبيقُ حكمٍ من الأحكام الإسلامية على موضوعٍ موجِباً للعُسر والحَرَج ، أو مُستلزِماً للإضرار بأشخاصٍ (بالشروط المذكورة في الفقه الإسلاميّ) هناك أُصولٌ وقواعدُ مثل قاعدة «نفي الحرج» ، أو «نفي الضرر» تساعد الشريعة الإسلاميّة على فتح الطرق المسدودة وتجاوز المشاكل.

يقول القرآن الكريم : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١).

وجاء في الأحاديثِ النَّبَويّة : «لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ» (٢).

__________________

(١). الحج / ٧٨.

(٢). وسائل الشيعة : ١٧ ، الباب ١٢ من إحياء الموات ، الحديث ٣.

ولا بدّ مِنَ القَول ـ بكل يقينٍ ـ بأنّ ديناً يَتحلّى بامتلاك هاتين القاعدتين ونظائرهما ، لن يواجهَ أتباعُهُ قط طريقاً مسدوداً ، في حياتهم ، ومسيرتهم.

ومعالجةُ مَسألة الخاتميّة بشكلٍ مسهب موكولةٌ إلى الكتب الاعتقادية.

الأصلُ الثمانون : السهولة والاعتدال من خصائص الشريعة الإسلامية

من خصائص الشريعة الإسلاميّة «الاعتدالُ» ، و «سهولة درك المفاهيم والأحكام الإسلامية» ، وهو أمر يمكن أنْ يكون أَحدَ أهَمّ أسباب نفوذ هذا الدين وانتشاره بين شعوب العالم المختلفة.

إنّ الإسلام يعرض ـ في مجال معرفة الله ـ توحيداً خالصاً ، وواضحاً ، وبعيداً عن أيّ إيهام وتعقيدٍ.

فسورة «التوحيد» التي هي من سُوَر القرآن القصار ، يمكن أنْ تكون خير شاهد على هذا الأمر.

كما أنّ القرآنَ يُؤكّد في مجال مكانة الإنسان أيضاً على مَبدإ التَّقوى الّذي هو شاملٌ لجميع الخِصال الأَخلاقية ، الرفيعة ، والنبيلة.

وفي مجال الأحكام العملية نرى كذلك أنّ الإسلام يَنفي أيَّ عُسْرٍ وحَرَجٍ ، وقد وَصَفَ النبيُّ نفسُهُ شريعتَهُ بالسهولة والسَّماحة فقال : «جِئْتُ بالشَّرِيعةِ السَّهْلةِ السَّمْحَةِ».

ورغم أنَّ بعضَ المستشرقين بسبب جهلهم أو عنادِهم يرون أنّ القوّة والسيف كان هو السبب في انتشار الإسلام السريع ، والعريض في العالم ، فَإنّ المحقّقين المنصفين وغير المغرضين حتى من العلماء غير المسلمين يذعنُون ـ بكلّ صَراحة ـ أنَّ أهمّ عاملٍ لانتشار الإسلام السريع ، هو وضوح التعاليم والأحكام الإسلامية وجامعيّتها. كما قال العالِمُ الفرنسي المعروف ، الدكتور «غوستاف لوبون» في هذا المجال : إنّ رمزَ تقدّم الإسلام يكمن في سُهُولته. إنّ الإسلام منزّه عن الأُمور التي يمتنعُ عن قبولها العقلُ السليم ، والتي يوجَد نماذج كثيرة لها في الشرائع الأُخرى.

إنّنا مهما أمعنّا النظر وفكرنا فإنّنا لن نجد أبسط من أُصول الإسلامِ الذي يقول : اللهُ واحد ، والناسُ أمامَ الله سواسية ، والإنسانُ يحظى بالجنة والسعادة بالإِتيان بعدّة فرائض دينية ، ويقع بالإعراض عنها في جهنم.

إنّ وضوح الإسلام وتعاليمه وبساطتها هذه ساعدت كثيراً على تقدّم هذا الدين في العالم.

والأهم من هذا ، ذلك الإيمانُ الراسخُ الذي صَبَّه وأوجدَه في القلوب ، إنّه إيمانٌ لا تقدر أيّةُ شُبْهةٍ على اقتلاعه.

إنّ الإسلامَ كما انّه يكون أنسبَ من أيّ دينٍ آخر ، وأكثره ملائمةً مع المكتشفات العلمية. كذلك هو في مجال حمل الناس على العفو والصفح أكبر دين يستطيع أنّ يتولّى مهمة تهذيب النفوس والأخلاق (١).

__________________

(١). حضارة العرب تأليف غوستاف لوبون.

الأصلُ الواحدُ والثمانون : صيانة القرآن من التحريف

إنّ الكتبَ السماويّة التي عَرَضَها الأنبياء السابقون تعَرضت ـ وللأسف ـ من بعدهم للتحريف بالتدريج بسبب الأغراض المريضة ، وبسبب مواقف النفعيّين.

ويشهَد بذلك ـ مضافاً إلى إخبار القرآنِ الكريم بذلك ـ شواهدُ تاريخيّة قاطعةٌ.

كما أنّ مطالعة نفس تلك الكتب والتأمل في محتوياتها من المواضيع تدلُّ على ذلك أيضاً ، فإنّ هناك طائفة من المواضيع في هذه الكتب لا يمكن أن يؤيّدها الوحيُ الإلهيّ.

هذا بغضّ النظر عن أنّ الإنجيل الحاضر يحتوي في أكثره على حياة السيّد المسيح عليه‌السلام ، وحتى صَلْبِهِ.

ولكن رغم وقوع التحريفات الواضحة في الكتب السماويّة السابقة ، فإنّ القرآنَ الكريم بقي مصوناً من أيّ نوعٍ من أنواع التحريف ، والتغيير.

فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك للبشرية من بعده (مائةً وأربع عَشَرة) سورة قرآنيّة ، كاملة ، وقد قام كُتّابُ الوَحي ، وبالخُصوص الإمامُ عليٌّ عليه‌السلام بكتابة الوحي ، وتدوينه منذ البداية.

وَلِحُسن الحظّ لم ينقص من القرآن الكريم ، وسُوَره ، وآياتِهِ شيءٌ قَطّ رغم مرور قرابة (١٥) قرناً على بدء نزول القرآن ، كما لم يُزَد عليه شيءٌ

أبداً. ونشير فيما يلي إلى بعض الأدلّة على عَدَم تحريف القرآنِ الكريم :

١. كيف يمكن أن يجدَ التحريفُ سبيلاً إلى القرآنِ الكريم ، في حين أنّ الله تعالى تعهَّدَ صراحةً بحفظ القرآن ، بنفسِهِ إذ قال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١).

٢. إنّ الله تعالى نفى تطرُّق أيِّ نوعٍ من أنواع الباطل إلى القرآن الكريم مهما يكن مصدرُهُ ، نفياً قاطعاً فقال : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٢).

إنَّ الباطلَ الّذي يمكن أنْ يَتَطَرَّقَ إلى القرآن الكريمِ بصُوَرِهِ المختلفة ، والذي قد نفاه الله تعالى نفياً قاطعاً ، لا شكَّ هو الباطل الذي يوجب وَهْنَ القرآن الكريم ، ويُضعِفُ مِن مكانتهِ ويَحُطُّ من مَنزلتِهِ ، وحيث إنّ النَّقْصَ من القُرآنِ الكريم ، أو الزيادة في كلماته ، وألفاظه مما يوهن مكانة القرآن قطعاً ، ويقيناً ، ويَحطُّ من شأنه ، لهذا لا يوجد أيّ لونٍ من ألوانِ الزيادةِ والنقص في القرآن الكريم أبَداً ، ويقيناً.

٣. إنّ التاريخ يشهدُ بأنَّ المسلمين كانوا يعتنون بالقرآن الكريم تعلّماً وتعليماً ، قراءةً وحِفظاً أشدّ الاعتناء ، وكان العرب في عصر النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتمتّعون بحافظةٍ قويّةٍ وذاكرةٍ حادّة بحيث إذا سمعوا خطبةً أو قصيدةً طويلةً مرةً واحدةً حَفِظوها ، وأتقنوها.

وعلى هذا كيف يمكن أن يُقال أنّ كتاباً مثل هذا ، مع كثرة قارئيه ،

__________________

(١). الحجر / ٩.

(٢). فصلت / ٤٢.

ووفرة حافظيه والمعتنين به ، تعرّض للتحريف ، أو الزيادة والنقصان؟!

٤. لا شكَّ في أنّ الإمام أميرَ المؤمنين عليَّ بن أبي طالب عليه‌السلام كان يختلف مع الخلفاءِ ، في بعض المسائل ، وكان يُظهِرُ مخالفتهُ لهم في موارد مختلِفة بِصُورةِ منطقيّة ، وتتمثل هذه الاعتراضات في الخطبة الشقشقيّة وبعض مناشداته على سبيل المثال.

ولكنّه لم يُسمعْ ولا مرّةً واحدةً بأنّه عليه‌السلام تَحَدّثَ ـ ولا بِكلمَةٍ واحدةٍ ـ عن تحريف القرآن الكريم ، طيلة حياته.

فإذا كان هذا التحريف حدث ـ والعياذ بالله ـ لما سَكتَ عنه الإمامُ أميرُ المؤمنين عليه‌السلام ، بل ـ على العكس من ذلك ـ نجده عليه‌السلام يدعو إلى التأمُّل والتَدَبُّر في القرآنِ الكريمِ ومن ذلك قولهُ : «لَيْسَ لأَحدٍ بَعْد القُرآنِ مِن فاقَةٍ ولا بَعْدَ القرآنِ مِن غِنىً فكونوا من حَرَثَتِهِ وأتباعِهِ» (١).

وبالنظر إلى هذه الأدلة ونظائرها أكّدَ علماءُ الشيعة الإمامية واتّباعاً لأهل البيت عليهم‌السلام منذ أقدم العصور الإسلامية ، على صيانة القرآن الكريم من التحريف نذكر منهم :

١. الفضل بن شاذان (المتوفّى ٢٦٠ ه‍ ق) والذي كان يعيش في عصر الأئمة عليهم‌السلام ، وذلك في كتاب الإيضاح / ٢١٧.

٢. الشيخ الصدوق (المتوفّى ٣٨١ ه‍ ق) في كتاب الاعتقادات / ٩٣.

٣. الشيخ المفيد (المتوفّى ٤١٣ ه‍ ق) في كتاب أجوبة المسائل

__________________

(١). نهج البلاغة ، الخطبة ١٧٦.

السروية ، المطبوع ضمن مجموعة الرسائل / ٢٦٦.

٤. السيّد المرتضى (المتوفّى ٤٣٦ ه‍. ق) في كتاب : جواب المسائل الطرابلسيات الذي نقل الشيخ الطبرسي كلامه فيه ، في مقدمة تفسيره : مجمع البيان.

٥. الشيخ الطوسيّ المعروف بشيخ الطائفة (المتوفّى ٤٦٠ ه‍. ق) في كتاب : التبيان ١ / ٣.

٦. الشيخ الطبرسيّ (المتوفّى ٥٤٨ ه‍. ق) في مقدمة كتابه : «مجمع البيان» ، حيث أكَّدَ فيها على عدم وقوع التحريف في القرآن الكريم.

٧. السيد ابن طاوس (المتوفّى ٦٦٤ ه‍. ق) في كتاب : «سعد السعود / ١٤٤» حيث يقول فيه : إن عدم التحريف هو رأي الإماميّة.

٨. العلامة الحِلّي (المتوفّى ٧٢٦ ه‍. ق) في كتاب : «أجوبة المسائل المهنّائية / ١٢١» حيث يقول فيه : «الحقُّ أنّه لا تبديلَ ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنّه لم يُزَد فيه ولم يُنْقص ، ونعوذ بالله تعالى من أن يُعتَقَدَ مثلُ ذلك ، فإنّه يوجب التطَرُّق (أي تطرّق الشّكّ والوَهْن) إلى معجزة الرسول عليه‌السلام المنقولة بالتّواتر».

ونكتفي بهذا القدر من أسماء علماء الإمامية المنكرين للتحريف ، ونؤكّد على أنّ هذا كان ولم يزل اعتقاد عُلَماء الامامية ، ويتّضح ذلك من مراجعة ما كتبه ويقوله مراجع الشيعة في العصر الحاضر.

الأصلُ الثاني والثمانون : مناقشة الروايات الدالّة على تحريف القرآن وردّها

لقد وَرَدَت في كتب الحديث ، والتفسير ، رواياتٌ يدل بعضُها على وُقوع التحريف في القرآن الكريم ، ولكن يجب أن ننتبه إلى النقاط التالية :

أوّلاً : أنّ أكثر هذه الروايات نُقِلَتْ بواسطة أفراد غير موثوق بهم وجاءت في كتب لا قيمة لها. مثل كتاب «القراءات» لأحمد بن محمد السياري (المتوفّى ٢٨٦ ه‍ ق) الذي ضَعَّفَهُ علماءُ الرجال وضعَّفوا رواياته ، واعتبروه فاسد المذهب (١) أو كتاب علي بن أحمد الكوفي (المتوفّى ٣٥٢ ه‍ ق) الذي قال عنه علماء الرجال بأنّه صار غالياً في أُخريات حياته. (٢)

ثانياً : بعض هذه الروايات التي حُمِلَت على التحريف ، لها جانبُ التفسير ، أي أنّها تفسّر الآية ، وتكون من قبيل تطبيق المفادِ الكليّ للآية على مصاديقه ، أو أحد مصاديقه. غير أنّ البعضَ تصوّر أنّ ذلك التفسير والتطبيق هو جزءٌ مِن القرآن الكريم ، وقد حُذِفَ ، أو سقطَ من القرآن الكريم.

فمثلاً فُسرت لفظةُ (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) في سورة الحمد في الروايات ب «صراط النبي وأهل بيته» ومن الواضح جدّاً أنّ مثل هذا التفسير هو نوع من أنواع التطبيق الكليّ على المصداق الأكمل (٣).

__________________

(١). رجال النجاشي : ١ / ٢١١ رقم الترجمة ١٩٠.

(٢). رجال النجاشي : ١ / ٩٦ رقم الترجمة ٦٨٩.

(٣). الطبرسي : مجمع البيان : ١ / ٢٨.

ولقد قَسَّمَ الإمامُ الخمينيّ رحمه‌الله الرواياتِ التي فُهِمَ منها وقوعُ التحريف في القرآن الكريم إلى ثلاثة أقسام :

ألف : الروايات الضَّعيفةُ التي لا يمكن الاستفادة منها والأخذ بها أبداً.

ب : الروايات المختلَقَة التي تلوح عليها علائم الوضع والاختلاق.

ج : الروايات الصحيحة التي لو تأمَّلْنا فيها بدقّة لاتّضح أنّ المقصودَ منها ليس هو التحريف اللفظيّ (أي الزيادة والنقصان اللفْظِيّ) بل هو تحريف حقائِقها ومفاهيمها. (١)

ثالثاً : انّ الواجب على الذين يريدون التعرّف على المعتقد الواقعي لأتباع مذهب من المذاهب ، أنْ يرجعوا إلى الكتب الاعتقاديّة والعِلمية لذلك المذهب ، لا الكتب الحديثية (أي التي تضم الأحاديث والأخبار) التي يَهتَمُّ مؤلفها في الأغلب بجمع الأحاديث وتدوينها ، تاركاً التحقيق فيها ، والاستفادة منها للآخرين.

كما أنّه لا يكفي لمعرفة المعتقد الحقيقيّ والمسَلَّم لأي مذهَبٍ من المذاهب ، الرجوعُ إلى الآراء الشاذّة التي طَرَحَها أو يطرحُها أفرادٌ من أتباع ذلك المذهب.

وأساساً لا يمكن الاستناد إلى قولِ فردٍ أو فردين في مقابل رأي الأكثريّة القاطعة والساحقة من عُلَماء المذهب وجعله مِلاكاً صحيحاً

__________________

(١). تهذيب الأُصول : ٢ / ٩٦.

للحُكمِ على ذلك المَذهَب.

وفي خاتمة البحث عن التحريف من الضَّروريّ أنْ نُذَكّرَ بعدة نقاط هي :

١. إنّ اتّهام بعض المذاهب الإسلامية البعضَ الآخر بتحريف القرآن وخاصّة في العصر الحاضر لا يستفيد منهُ سوى أعداء الإسلام ، وخصومه ، ومناوئيه.

٢. إذا أقدَمَ أحدُ علماء الإمامية بكتابة كتاب حولَ تحريف القرآن ، وجب أن نعتبر ذلك رأيه الشخصيّ وليس رأيَ الأكثريّة الساحقة من علماء الإمامية.

ولهذا نرى أنّه أقدم علماءُ كثيرون من الإِمامية على كتابة ردودٍ عديدةٍ على ذلك الكتاب.

تماماً كما حَدَثَ في أوساط أهل السنة حيث أقدم أحدُ علماء مصر على تأليف كتابٍ في تحريف القرآن باسم «الفرقان» عام ١٣٤٥ ه‍. ق ، فَرَدَّ عليه علماءُ الأزهر ، وأمَرُوا بمصادَرَتِهِ.

٣. إنّ من العجيب جداً أن يحمل بَعْضُ المغرضين الذين أيسوا من الأساليب الأُخرى ، كلّ هذه التصريحات القاطعة من قِبَل علماء الشيعة الإماميّة بعدم تحريف القرآن الكريم على «التقيّة»!!

فإنّه يقال لهؤلاء بأنّ «التقية» ترتبط بأحوال شخصٍ يكون في ظروف الخوف والخطر ، وهؤلاء العلماء الكبار لم يكونوا يخافون أَحداً حتّى يضطرّوا إلى ممارسة «التقيّة».

ثمّ إنّ هذه الكتب قد ألّفها علماءُ الإمامية ـ في الأساس ـ لأتباع المذهب الشيعيّ ، والهدف منها هو تعليم عقائد الشيعة لأتباع ذلك المذهب ، ولهذا فإنّ من الطبيعي أنْ تحتوي هذه الكتُبُ على العَقائِدِ الحقيقية.

كليات في العقيدة

٦

الفصل السابع

الإمامة والخلافة

لَقَدْ رَحَلَ النبيُّ الأكرمُ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مطلع العام الحادي عشر الهجري بعد أنْ اجتهد طوال ٢٣ سنة في إبلاغ الشريعة الإسلامية.

ومع رحيل النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انقطعَ الوحيُ ، وانتهت النُّبوَّةُ ، فلم يكن نبيٌّ بعده ولا شريعةٌ بعد شريعته ، إلّا أنّ الوظائف والتكاليف التي كانت على عاتق النبيّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ما عدا مسألة تلقِّي الوحي وإبلاغه) لم تنته حتماً.

ولهذا كان يجب أن يكونَ بعد وفاته شخصيةٌ واعيةٌ وصالحةٌ تواصل القيام بتلك الوظائف والمهام وتقود المسلمين ويكون لهم إمامٌ خلافةً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

إنّ مسألة ضرورة وجود خليفة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موضعُ اتّفاق بين المسلمين ، وإنْ اختلف الشيعة والسنة في بعض صفات ذلك الخليفة وطريقة تعيينه.

فلا بدّ في البداية من توضيح معنى «الشيعة» و «التشيع» ، وتاريخ نشأته وظهوره ، ليتسنّى بعد ذلك البحثُ في المسائل المتعلّقة بالإمامة والخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الأصلُ الثالث والثمانون : الشيعة لغة واصطلاحاً

«الشيعَة» في اللغة بمعنى التابِع ، وفي الاصطلاح تُطلَقُ هذه اللفظة أو التسمية على فريقٍ من المسلمين يعتقدون بأنّ قيادة الأُمّة الإسلاميّةِ بعد وفاةِ رَسُول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي من حق الإمام عليّ عليه‌السلام وأبنائه المعصومين.

وقد تَحَدّثَ النبيُّ الأكرمُ أيّام حياته عن فضائل الإمام عليّ عليه‌السلام ومناقبه ، وكذا عن قيادته وزعامته للأُمّة الإسلاميّة من بعده ، مراراً وفي مناسبات مختلِفة ، بشهادة التاريخ المدوَّن.

إنّ هذه التوصيات والتأكيدات تسبَّبت ـ كما تحدِّثُنا الأحاديثُ الموثّقة ـ في أن يلتَفَّ فريقٌ مِنَ الصحابة حول الإمام عليّ عليه‌السلام في حياة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتحبّه قلوبُهم ، فتُعْرف بشيعةِ عليّ عليه‌السلام.

ولقد بقيت هذه الثلّة من الصحابة على ولائها واعتقادها السابق بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون أنْ تؤثر المصالحَ الفرديّةَ على تنصيص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيَّته في مجال الخلافة وقيادة الأُمّة من بعده.

وهكذا سُمّيَت جماعةٌ من المسلمين في عصر رسول الله ، وبَعد حياته الشريفة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشيعة. وقد صَرحَ بهذا جماعةٌ من المؤلّفين في الملل والنحل.

فالنوبختي (المتوفّى ٣١٠ ه‍) يكتب قائلاً : الشيعة هُم أتباع علي بنِ أبي طالب عليه‌السلام المسَمُّون بِشيعةِ علي عليه‌السلام في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده ،

معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته (١).

وقال أبو الحسن الأَشعري : وإنّما قيل لهم (شيعة) لأنّهم شايعوا عليّاً ، ويقدّمونه على سائر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وقال الشهرستاني : الشيعة هم الذين شايَعوا علِيّاً على الخصوص ، وقالوا بإمامته وخلافتِهِ نصّاً ووصيّة. (٣)

وعلى هذا الأساس فليس للشيعة تاريخ غير تاريخ الإسلام وليس له مبدأُ ظهور غير مبدأ ظهور الإسلام نفسه ، وفي الحقيقة إنّ الإسلام والتشيّع وَجْهان لعملةٍ واحدةٍ أو وَجهان لحقيقةٍ واحدةٍ ، وتوأمان وُلدا في زَمَنٍ واحدٍ.

وقد ذكر المحدّثون والمؤرّخون أنّ النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا في السّنَوات الأُولى من دعوته بني هاشم ، وجمعهم في بيته وأعلن فيهم عن خلافة عليّ ووصايته (في ما يسمّى بحديث بَدء الدعوة أو يوم الدار) (٤) وأعلن عن ذلك للناس فيما بعد مكرّراً ، وفي مناسبات مختلفة ومواقف متعدّدة ، وبخاصة في يوم الغدير ، الّذي طرح فيه خلافة عليّ بصُورةٍ رسميّة ، وأخذَ البيعة من النّاس له وسيوافيك تفصيله.

إنّ التشيُّع ليس وليدَ حوادث السقيفة ولا فتنة مصرع عثمان وغيرها

__________________

(١). فِرَق الشيعة ، ص ١٧.

(٢). مقالات الإسلاميين : ١ / ٦٥.

(٣). الملل والنحل : ١ / ١٣١.

(٤). راجع تاريخ الطبري : ٢ / ٦٢ ـ ٦٤.

من الأساطير ، بل انّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي بذر بذرة التشيع لأَوّل مرة وغرس غرستها في قلوب الصحابة بتعاليمه السماوية المكرّرة.

ونمت تلك الغرسة فيما بعد شيئاً فشيئاً ، وعُرِف صحابةٌ كبارٌ كأبي ذرّ ، وسلمان ، والمقداد ، باسم الشيعة.

وقد ذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (١).

قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هُمْ عَلِيٌّ وَشِيْعَتُهُ» (٢).

على أنّه لا تَسَعُ هذه الرسالةُ المختصرةُ لذكر أسماء الشيعة الأوائل من الصَّحابة ، والتابعين الذين اعتَقَدُوا بخلافَتِهِ للنبِيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصورةٍ مباشرةٍ وبلا فصل.

إنّ التشيُّعَ بالمفهوم المذكور هو الوجه المشترك بين جميع الشيعة في العالم ، والذين يشكّلون قِسماً عظيماً مِن مُسْلِمِي العالم.

ولقد كانَ للشيعة جنباً إلى جنب مع سائر المذاهب الإسلامية وعلى مدى التاريخ الإسلامي إسهامٌ عظيمٌ في نشر الإسلام ، وقَدَّمُوا شخصياتٍ عِلميّة وأَدَبيّة وسياسيّة جدّ عظيمة إلى المجتمع البشري ولهم حضور فاعل في أكثر نقاط العالم الراهِن أيضاً.

__________________

(١). البينة / ٧.

(٢). الدر المنثور ، سورة البيّنة.

الأصلُ الرابعُ والثمانون : الإمامة مسألة إلهية

إنّ مسألةَ «الإمامة» ـ كما سنثبِتُ ذلك من خلال الأُصول القادمة ـ كانت مسألة إلهيّة ، وسماويّة ، ولهذا كان من اللازم أن يتم تعيينُ خليفة النبي كذلك عبر الوحي الإِلهيّ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقوم النبيُّ بإبلاغه إلى الناس.

وقبل أن نعمدَ إلى استعراض وبيان الأدلّةِ النقليّة والشرعيّة في هذا المجال ، نستعرض حُكم العقلِ في هذه الحالة ، آخذين بنظر الاعتبار ظروف تلك الفترة (أي فترة ما قبل وما بعد رحيل النبيّ) ، وملابساتها.

إنَّ العقلَ البديهيَّ يحكم بأنّ أي إنسانٍ مصلحٍ إذا استطاع من خلال جهودٍ مُضنيةٍ دامت سَنَواتٍ عديدةٍ ، من تنفيذ أُطروحةٍ اجتماعيّة خاصة له ، وابتكر طريقة جديدة للمجتمع البشريّ فإنّه لا بدّ من أن يفكِّر في وسيلةٍ مؤثِّرة للإبقاء على تلك الأُطروحة ، وضمان استمرارها ، بل رُشدها ، ونموّها أيضاً ، وليس من الحكمة أن يؤسّسَ شخصٌ ما بناءً عظيماً ، متحمّلاً في ذلك السبيل متاعبَ كثيرة ، ولكن لا يفكِّر فيما يقيه من الأخطار ، ولا ينصب أحداً لصيانته والعناية به ، من بعده.

إنَّ النبيَّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو من أكبر الشخصيّات العالميّة في تاريخ البشريّة ، قد أوجَد ـ بما أتى من شريعة ـ أرضيّةً مساعدةً لتحوّلٍ الهيٍّ عالمي كبيرٍ ، ومَهَّدَ لقيام حضارةٍ جدُّ حديثةٍ ، وفريدةٍ.

إنّ هذه الشخصيّة العظيمة ، التي طَرَحَت على البشريّة شريعةً

خالدةً ، وقادت المجتمع البشريّ في عصرِهِ وأيام حياته ، من المسلَّم أنّه فَكَّر لحفظ شريعته من الأخطار والآفات المحتملة التي تهدِّدها في المستقبل ، وكذا لهداية أُمّته الخالدة ، وإدارتها ، وبيّن صيغة القيادة من بعده ، وذلك لأنّه من غير المعقول أن يؤسّس هذا النبيُ الحكيمُ قواعدَ شريعةٍ خالدةٍ أبديّةٍ ، دون أنْ يطرح صيغة قويّة لقيادتها من بعده ، يضمن بها بقاء تلك الشريعة.

إنَّ النبيَّ الَّذي لم يألُ جُهداً في بيان أَصغر ما تحتاج إليه سعادةُ البشرية ، كيفَ يُعقَل أنْ يسكتَ في مجال قيادة المجتمع الإسلامي وصيغتها ، وكيفيتها ، والحال أنها من المسائل الجوهريّة ، والمصيريّة ، في حياة الأُمّة ، بل وفي حياة البشريّة ، وفي الحقيقة يترك المجتمع الإسلاميَّ حيارى مهمَلين ، لا يَعرِفون واجبهم في هذا الصعيد؟!

وعلى هذا الأساس لا يمكن مطلقاً القبولُ بالزَّعم القائل بأنَّ النبيّ الأكرم أغمض عينيه عن الحياة دون ان ينبس ببنت شفة في مجال قيادة الأُمّة.

الأصلُ الخامسُ والثمانون : الإمامة والخطر الثلاثي المشئوم : الروم والفرس والمنافقون

إنّ مراجعةَ التاريخ ، وأخذِ الظروف التي كانت تحيط بالمنطقة ، وبالعالم في زمان رحيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقُبَيل وفاتهِ بالذات بنظر الاعتبار تثبت ـ بِوُضوح بداهة وضرورةَ «تنْصيصيَّة» منصب الامامة وذلك لأنّ أخطاراً ثلاثة كانت تهدّد الدينَ والكيانَ الإسلاميَّ ، وتحيط به على شكلِ

مُثَلّثٍ مَشئُومٍ.

الضِّلعُ الأوَّل مِن هذا المثلَّث الخَطِر كان يتمثَّل في الإمبراطورية الروميّة.

والضلع الثانِي كانَ يَتمثّل في الإمبراطوريّة الفارسيّة.

والضلعُ الثالث كان يَتَمثَّل في فريق المنافقين الداخِلِيّين.

وبالنسبة لخَطَر الضلعِ الأوّل ، وأهميّته القُصْوى يكفي أن نعلمَ أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يزل يفكر فيه حتى آخر لحظة من حياته ، ولهذا جهّزَ ـ قُبَيل أيّام بل ساعاتٍ من وفاته ـ جيشاً عظيماً بقيادة «أُسامة بن زيد» وبَعَثَه لمواجهة الروم ، كما ولَعَنَ مَن تَخلَّفَ عنه أيضاً.

وبالنسبة لخطَر الضِّلعِ الثاني يكفي أن نعرفَ أنّه كان عَدُوّاً شرساً أيضاً أقدمَ على تمزيقِ رسالةِ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكتب إلى حاكم اليمن بأنْ يقبضَ على رسولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويبعث به إليه ، أو يرسلَ إليه برأسه.

وبالتالي بالنسبة إلى الخَطَر الثالث يجب أن نعلمَ أنّ هذا الفريق (أي المنافقين) كان يقوم في المدينة بمزاحمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باستمرار وكان المنافقون هؤلاء يؤذونه بالمؤامرات المتنوعة ، ويعرقلون حركته ، وقد تحدّث القرآنُ الكريمُ عنهم وعن خصالهم ، ونفاقهم ، وأَذاهم ، ومحاولاتهم الخبيثة في سوره المختلفة إلى درجة انّه سمّيت سورة كاملة باسمهم ، وهي تتحدّث عنهم وعن نواياهم وأعمالِهم الشريرةِ.

والآن نطرحُ هذا السؤالَ وهو : هل مع وجودِ هذا المثلَّث الخَطِر كانَ

من الصحيحِ أنْ يترك النبيُ الأكرمُ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأُمّة الإسلاميةَ ، والدينَ الإسلاميَ اللّذَين كانا محاطَين بالأخطار من كلّ جانب ، وكان الأعداءُ لهما بالمرصاد من كلّ ناحية ، من دونِ قائدٍ معيّنٍ؟!!

إنّ النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا شكَّ كانَ يَعْلَم أن حياةَ العرب حياة قَبَليّة ، عشائرية وأنّ أفرادَ هذه القبائِل كانَتْ مُتَعَصِّبة لرؤساء تلك القبائل ، فهم كانوا يطيعون الرؤساء بشدّة ، ويخضَعُون لهمْ خضوعاً كبيراً ، ولهذا فإنَّ ترك مِثل هذا المجتمع مِن دون نصبِ قائدٍ معيّن سوف يؤدّي إلى التشتت والتنازع بين هذه القبائل ، وسيستفيد الأعداء من هذا التخاصُم والتَنازع ، والاختلاف.

وانطلاقاً من هذه الحقيقة قال الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا : «الاستخلاف بالنصّ أصوب ، فإنّ ذلك لا يؤدي إلى التشعّب والتشاغب والاختلاف» (١).

الأصلُ السادسُ والثمانون : تعيين الإمام والخليفة في أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

والآن وَبعدَ أنْ ثَبَتَ أنَّ حِكمةَ النبيّ وعلمهُ كانا يقتَضِيانِ بأن يتخذ موقفاً مناسِباً في مجالِ القيادة الإسلاميّة مِن بَعدِهِ ، فَلْنرَى ما ذا كانَ الموقف الذي اتخذه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الصعيد؟

هُناكَ نظريَّتان في هذا المَجال نُدرِجُهُما هنا ، ونعمَدُ إلى مناقشتهما :

النظرية الأُولى : انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختار بأمرِ الله تعالى شخصاً مُمتازاً

__________________

(١). الشفاء ، الإلهيات ، المقالة العاشرة ، الفصل الخامس ، ٥٦٤.

صالِحاً لقيادةِ الأُمّة الإسلامِيّة ، ونَصَبَهُ لِخلافَتهِ وأخبرَ النّاسَ بذلك.

النظرية الثانية : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوكَلَ اختيار القائد والخليفة من بعده إلى النّاس ، انفسِهِم ، لينتَخِبوا ـ هم بأنفسِهِم ـ شخصاً لهذا المنصب.

والآن يجب أن نرى أيّة واحدة من النظريتين تُستفاد من الكِتابِ والسُّنة والتاريخِ؟

إنَّ الإمعانَ في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مُنذ أن كُلّف بتبليغِ شرِيعتهِ إلى أقربائِهِ وعَشيرته ، ثمّ الإعلان عن دعوتهِ إلى النّاس كافّة ، يفيد أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلك طريق «التنصيص» في مسألة القيادة ، والخلافة ، مراراً ، دون طريق «الانتخاب الشعبيّ» وهذا الموضوع نثبتهُ من خلال الأُمور التالية :

١. حديث يوم الدار

بعد أن مضت ثلاثُ سَنَوات على اليوم الذي بُعِثَ فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كَلّفهُ اللهُ تعالى بأن يبلّغَ رسالَتَه لأبناءِ قَبيلتِهِ ، وذلك عند ما نَزَل قولهُ عزوجل : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (١).

فَجَمَع النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رءوسَ بني هاشم وقال : «يا بني عبد المطّلب إنّي واللهِ ما أعلمُ شابّاً في العَرَبِ جاء قومَه بأفضل ممّا قد جئتكم به إنّي قد جئتكُم بخَيِر الدُّنيا والآخِرة وقد أمَرَنيَ اللهُ تعالى أنْ أدعوكم إليه فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر يكون أخي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم».

__________________

(١). الشعراء / ٢١٤.

ولقد كرّر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العبارة الأخيرة ثلاثَ مرّات ، ولم يقمْ في كلّ تلك المرّات إلّا الإمامُ علي عليه‌السلام ، الّذي أعلَنَ عن استعدادِهِ في كلّ مرّة لمؤازرةِ النَّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونُصْرته ، وفي المرّة الثالِثة قال النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنَّ هذا أخِي وَوَصيِّي وخَلِيفَتِي فِيكُمْ فَاسمَعوا لَه وأطيعُوا» (١).

٢. حَدِيثُ المَنْزِلَةِ

لَقد اعتبر النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزلةَ «عليّ عليه‌السلام» منه على غرارِ منزلةِ هارون من موسى عليهما‌السلام ، ولم يستثنِ من منازِلِ ومراتبِ هارون من موسى إلّا النبوّة حيث قال : «يا عليّ أما ترضى أن تكونَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ من مُوسى إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي» (٢) وهذا النفي والسلب هو في الحقيقة من بابِ «السالبة بانتفاءِ الموضوعِ». اذ لم تكن بعد رسولِ الله الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوّةٌ حتى يكونَ عليٌ نبيّاً من بعده إذ بنُبُوّة رسولِ الإسلام خُتمت النبوّات ، وبِشريعتِهِ خُتِمت الشّرائِع.

ولقد كانَ لِهارون ـ بنَصّ القرآنِ الكريمِ ـ مقامُ «النبوّة» (٣) و «الخلافة» (٤)

__________________

(١). مسند أحمد : ١ / ١٥٩ ؛ تاريخ الطبري : ٢ / ٤٠٦ ؛ تفسير الطبري (جامع البيان) : ١٩ / ٧٤ ـ ٧٥ ، تفسير الشعراء ، الآية ٢١٤.

(٢). صحيح البخاري : ٦ / ٣ طبع ١٣١٢ ه‍ ، باب غزوة تبوك ؛ صحيح مسلم : ٧ / ١٢٠ ، باب فضائل الإمام علي عليه‌السلام ؛ سنن ابن ماجة : ١ / ٥٥ باب فضائل أصحاب النبي ؛ مسند الامام أحمد : ١ / ١٧٣ ، ١٧٥ ، ١٧٧ ، ١٧٩ ، ١٨٢ ، ١٨٥ و ٢٣٠ ؛ والسيرة النبوية لابن هشام : ٤ / ١٦٣ (غزوة تبوك).

(٣). (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) (مريم / ٥٣).

(٤). (وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (الأعراف / ١٤٢).

و «الوزارة» (١) في زمانِ مُوسى ، وقد أثبتَ حديثُ «المنزلة» جميعَ هذه المناصب الثابتة لهارون للإمام عليّ عليه‌السلام ما عدا النُّبُوَّة ، على أنّه إذا لم يكن المقصودُ مِن هذا الحَديث هو إثباتُ جميعِ المناصبِ والمقاماتِ لعليّ إلّا النبوَّة ، لم يكنْ أيّة حاجة إلى استثناء النُبوّة.

٣. حَدِيثُ السَّفِينَةِ

لقد شَبَّه النبيُّ الأكرمُ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهلَ بيته بِسَفينةِ نوح الّتي من رَكبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق في الطوفانِ كما قال : «ألا إنّ مَثَل أهلِ بيتي فِيكم مَثلُ سَفينة نُوح في قومه مَن رَكبها نَجا ، ومَن تَخلَّفَ عَنها غرِق» (٢).

ونحنُ نَعلمُ أنّ سَفينة «نوح» كانت هي الملجأ الوحيد لنجاة الناس من الطوفان في ذلك الوقت.

وعلى هذا الأساس فإنّ أهلَ البيت النبويّ ـ وفقاً لحديث سفينة نوح ـ يُعتَبرُون الملجأ الوَحيد للأُمّة للنجاة من الحوادث العصيبة والوقائع الخطيرة التي طالما تُؤدّى إلى انحراف البشرية وضلالها.

٤. حديث «أمان الأُمّة»

لقد وَصَفَ النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته بكونهم سَبَباً لوحدة المسلمين ،

__________________

(١). (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي) (طه / ٢٩).

(٢). مستدرك الحاكم : ٣ / ٣٥١ ؛ الصواعق المحرقة ، ص ٩١ ؛ ميزان الاعتدال : ١ / ٢٢٤ ؛ تاريخ الخلفاء ، ص ٥٧٣ ؛ الخصائص الكبرى : ٢ / ٢٦٦ ؛ ينابيع المودة ، ص ٢٨ ؛ فتح القدير ، ص ١١٣ ؛ وكتب أُخرى.

وممّا يوجِبُ ابتعادهم عن الاختلاف والتَشتّت وأماناً من الغَرق في بحر الفِتنة ، إذ قال : «النجومُ أمانٌ لأهل الأرض من الغَرَق وأهلُ بَيتي أمانٌ من الاختلاف ، فإذا خالَفتها قبيلةٌ مِنَ العَرَب اختَلَفوا فصارُوا حزب إبليس» (١).

وبهذا شبّه النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته الكرام بالنجوم التي يقول عنها اللهُ سبحانه : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (٢).

٥. حَديثُ الثّقَلَين

إنّ حديثَ الثّقَلينِ مِنَ الأحاديث الإسلاميّة المتواترة ، الّتي نَقَلها وَرَواها علماءُ الفريقين في كتبهم الحديثية.

فقد خاطَبَ رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأُمّة الإسلامية قائلا : «إنّي تاركٌ فيكُم الثّقَلَيْن كتابَ الله وَعِتْرَتي أهلَ بَيْتي ما إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بهما لَنْ تَضلُّوا أبَداً وإنّهما لَنْ يَفْتَرِقا حَتى يَرِدا عَلَيَّ الحَوْضَ» (٣).

إنّ هذا الحديثَ ، يُثبتُ ـ بوضوح ـ المرجَعيّة العِلميّة لأهلِ البَيْت

__________________

(١). مستدرك الحاكم : ٣ / ١٤٩.

(٢). النحل / ١٦.

(٣). صحيح مسلم : ٧ / ١٢٢ ؛ سنن الترمذي : ٢ / ٣٠٧ ؛ سنن الدارمي : ٢ / ٤٣٢ ؛ مسند أحمد : ٣ / ١٤ ، ١٧ ، ٢٦ ، ٥٩ ، وج ٤ / ٥٩ ، ٣٦٦ و ٣٧١ ، وج ٥ / ١٨٢ و ١٨٩ ؛ الخصائص العلوية ، للنسائي ص ٢٠ ؛ مستدرك الحاكم : ٣ / ١٠٩ ، ١٤٨ ، و ٥٣٣ ، وغيرها.

ويمكن مراجعةِ رسالَة «حديثِ الثّقَلين» من منشورات «دار التقريب بَين المذاهب الإسلامية» القاهرة ، مطبعة مخيمر ، في هذا المجال أيضاً.

النَّبَويّ جَنْباً إلى جنب مع القرآن الكريم ، وَيُلزِمُ المُسلمين بأن يتمسَّكُوا ـ في الأُمور الدينيّة ـ بأهل البيت إلى جانب القرآن الكريم ، ويلتمسوا رأيهم.

ولكنّ المؤسفَ جدّاً أن يَلتَمس فريقٌ من النّاس رأيَ كلّ أحد إلّا رأيَ أهلِ البيت ، ويطرقوا بابَ بَيْت كلّ أحد إلّا باب بيتِ أهل البيت عليهم‌السلام.

إنّ «حديث الثقلين» الذي يتفق على روايته الشيعةُ والسنةُ يمكنهُ أن يجمع جميع مسلمي العالم حول محور واحدٍ ، لأنّه إذا ما اختلفَ الفريقان في مَسألة تعيين الخليفة والقائد ، والزعيم السياسي للأُمّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان لكلّ فريقٍ نظريّته وآلَ الاستنباطُ التاريخيّ في هذا الصعيد إلى انقسام المسلمين إلى فريقين ، فإنّه لا يوجَدُ هناك أيُّ دليلٍ للاختلاف في مرجَعيّة أهلِ البيت العلميّة ، ويجب أن يكونوا ـ طِبقاً لحديث الثقلين المتَّفَق عليه ـ متفقين على كلمةٍ واحدةٍ.

وأساساً كانت مرجعيَّة أهلِ البَيت العلميّة في عَصر الخُلَفاء لعليّ عليه‌السلام أيضاً ، فقد كانوا يرجعون إليه عند الاختلاف في المسائل الدينيّة وكانت المشكلة تحلُّ بواسطته.

وفي الحقيقة منذُ أن عُزل أهلُ بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ساحة المرجَعيّة العلميّة ظهرَ التفرُّقُ والتشرذُمُ ، وبرزت الفِرَقُ الكلامِيّةُ المتعدّدةُ الواحدةُ تلو الأُخرى.

الأصلُ السابعُ والثمانون : حديث الغدير

كان رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما يبدو في الأحاديث السالفةُ ـ يعرّف بخليفته ووصيه تارةً بصورةٍ كليّةٍ ، وأُخرى بصورةٍ معيّنةٍ ، أي بذكر اسم الخليفة والوصيّ بحيث يمثّلُ كلّ واحدٍ من تلك الأحاديث حجةً كاملةً وتامّةً لمن يطلبُ الحقيقة وهو شهيدٌ واعٍ. ولكن مع ذلك ولكي يُوصِلَ النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نداءَه إلى كلّ قاصٍ ودانٍ من المسلمين في ذلك اليوم ، ويرفعَ كلّ إبهام وغموضٍ ، ويدفع كلّ شك أو تشكيكٍ في هذا المجال ، توقّفَ عند قُفوله ومراجَعَته من حَجّة الوَداع في أرض تسمى بغدير خم ، وأخبر من مَعَه من الحجيج بأنّه كُلِّف مِن جانب الله تعالى بأن يُبلِّغ رسالة إليهم ، وهي رسالة تحكي عن القيام بأمرٍ جدّ عظيم ، بحيث إذا لم يُبلِّغها يكون كأنّه لم يُبَلّغ شيئاً من رسالته كما قال تعالى :

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (١). (٢)

ثمّ رقى النبيُّ منبراً من أقتاب الإبل وحُدُوجها ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطباً الناس : «يوشك أنْ ادعى فأجيب فما ذا أنتم قائلون؟»

قالوا : نَشهدُ أنّك قد بَلّغتَ ونَصحتَ وجَهَدتَ فجزاك اللهُ خيراً.

__________________

(١). المائدة / ٦٧.

(٢). أشار المحدّثون والمفسِّرون المُسلمون إلى نُزُول هذه الآية في حَجّة الوداع ، يومَ الغدير ، انظر : كتابَ «الدرّ المنثور» للسيوطي ٢ / ٢٩٨ ، و «فتح القدير» للشوكاني ٢ / ٥٧ ؛ وكشف الغمة للإربليّ ، ص ٩٤ ؛ «ينابيع المودّة» للقندوزي ، ص ١٢٠ ؛ المنار : ٦ / ٤٦٣ وغيرها.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ألَسْتم تَشهَدون أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عَبدُه ورسولهُ وان الساعة آتيةٌ لا ريبَ فيها؟»

قالوا : بَلى نَشْهدُ بذلك.

قالَ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فإنّي فَرَطٌ (أي أسبقكُم) على الحوض (أي الكوثر) ، فَانظُرُوا كيفَ تَخلِفُوني في الثّقَلَين؟»

فنادى مناد : وما الثّقَلان يا رَسولَ الله؟

قالَ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الثّقَلُ الأكبر كتابُ الله طَرَفٌ بيدِ اللهِ عزَّ وجَلَّ وطَرَفٌ بأيدِيكُمْ فتمَسَّكُوا به لا تَضِلُّوا ، والآخَر الأصغَر عترتي ، وإنّ اللطيفَ الخبيرَ نبّأني أَنَّهما لنْ يفترقا حتى يَردا عليَّ الحَوضَ ، فلا تقدمُوهُما فتَهلكوا ، ولا تقصِّروا عنْهما فَتَهْلِكُوا».

ثمّ أخذ بيد «عليّ» فَرفَعها حتى رؤي بياضُ آباطهما فعرفَه القومُ أجمعون فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أيُّها الناسُ من أولى النّاس بالمؤْمِنين من أنفسِهِم؟»

قالوا : اللهُ ورسولهُ أعلمُ.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله مولايَ ، وأنا مَولى المؤمِنِين ، وأنا أولى بِهِمْ مِن أنفسهِمْ ، فَمَن كنتُ مَولاه فَعَلِيٌ مولاهُ».

ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهُمَّ والِ مِن والاهُ ، وعادِ من عاداهُ ، وأحِبَّ من أحَبَّهُ ، وابْغَضْ مَن أبْغَضَهُ ، وانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ ، واخْذُلْ من خَذَلهَ ، وأدِرِ الحقَّ معه حيث دارَ ، ألا فَلْيُبَلّغِ الشّاهِدُ الغائبَ».

الأَصلُ الثامِنُ والثمانُون : حديث الغدير من الأحاديث المتواترة

إنّ حديثَ الغَدِير من الأَحاديثِ المتَواتِرة ، وقد رَواهُ من الصَّحابة والتابعين وعُلماءِ الحديث في كلّ قرنٍ بصورَةٍ متواترةٍ.

فقد نقل حديثَ الغدير ورواه (١١٠) من الصحابة ، و (٨٩) من التابعين ، و (٣٥٠٠) من العلماء والمحدّثين ، وفي ضوء هذا التواتر لا يبقى أيُّ مجالٍ للشّكّ في أصالةِ ، وصحّة هذا الحديث.

كما أَنّ فريقاً من العُلَماء ألَّفوا كُتباً مستَقِلّةً حولَ حديث «الغدير» أشْمَلُها وأكثرُها اسْتِيعاباً لِطُرق وأسنادِ هذا الحديث كتابُ «الغدير» للعلّامة الشيخ عبد الحسين الأميني (١٣٢٠ ـ ١٣٩٠ ه‍).

والآن يجب أن نَرى ما هو المقصود من لفظة «المولى» وما ذا تَعني «مولويّة» عليّ عليه‌السلام؟

إنّ القرائن والشواهدَ الكثيرةَ والعديدةَ تشهد بأنَّ المقصودَ من هذه اللفظة ، والكلمة هو : الزعامة والقيادة ، وها نحن نشيرُ إلى بعض هذه الشّواهدِ والقرائن :

ألف : في واقعة الغدير ، أمَرَ رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنْ يحطَّ الحُجّاج الّذين كانوا يرجعون معه من الحج ، في أرض قاحِلةٍ لا ماء فيها ، ولا كلأ ، وفي وقتِ الزوال ، وتحت أشعّة الشَّمس الحارقة.

ولقد كانت حرارةُ الهَجير من الشّدّة في ذلك الوَقت بحيث أنّ الشخص من الحاضرين في ذلك المشهد كان يضع بعض عباءته تحت

رجليه وبعضها فوق رأسه تَوقِّياً من شدّة الرمضاء ، وحرارة الشّمس.

من الطبيعي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يريد في هذه الحالة الخاصّة ، أن يقول ماله دورٌ مصيريٌّ هامٌّ في هداية الأُمّة.

ترى أي شيء يمكنه أن يكون له دور مصيريٌّ وهامٌّ في حياة المسلمين أكثر من تعيين القيادة التي توجب وحدةَ كَلِمةِ المسلمين ، وتكونُ حافظة لدينهم.

ب : لقد تحدّث رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ذكر مسألة ولاية الإمام علي عليه‌السلام عَن أُصول الدين الثلاثة : التوحيد ، والنبوّة ، والمعاد ، وأخَذَ من الناس الإقرارَ بها ، ثمّ طرَحَ مسألة ولاية الإمام علي عليه‌السلام بعد ذلك.

إنّ التقارن بين إبلاغ هذه الرسالة وأخذ الاعتراف والإقرار بالأُصول المذكورة يمكن أن يقودنا إلى معرفة أهميّة الرسالة التي أمَرَ النبيُّ بإبلاغِها إلى النّاس في «غدير خم» ، ويمكن معرفة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كانَ يقصُد مِن ذلك الاجتماع العظيم في تلك الظروفِ الاستثنائيّةِ والملابَسات الخاصّة التوصية فقط بمحبّة وموادّة شخصٍ معيّنٍ ..

ج : قبل إبلاغِ الرسالة الإلهيّة في شأنِ عليٍّ عليه‌السلام تحدَّثَ النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ولايَته ومولويَّتهِ وقال : اللهُ مولايَ وأنا مولى المؤمِنِين ، وأنا أولى بِهِمْ مِن أنْفسِهِمْ.

إنّ ذكر هذه المطالب دليلٌ على أنّ «مولويّةَ الإمام علي عليه‌السلام» كانت من نمط وسنخ مولوية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّ النبي أثبت بأمر الله تعالى مَولويّته

وأولويّته بالأمر لعليّ أيضاً.

د : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعد إبلاغ هذه الرسالة الإلهيّة : فَلْيبلّغِ الشاهدُ الغائبَ.

الأصلُ التاسعُ والثمانون : كفاءة الخليفة المنتخب قطعت كيد الأعداء

إنّ تاريخَ الإسلام يشهدُ بأنّ أعداء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استَخْدَموا كلَّ وسيلةٍ مُمكنةٍ لإطفاءِ نور الرسالةِ المحمديّة ، وعَرْقَلَةِ مسير الدَّعوة الإسلاميّة بدءاً من اتّهام النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسِّحر والشعوَذة وانتهاءً بمحاولة اغتياله في فراشه ، ولكنّهم بفضل العناية الإلهيّة ، فشِلوا في خُططهم جمعاء ، وحفظ اللهُ نبيّه من كيد المشركين والكافرين ، فلم يبقَ لهم من أمل إلّا أن يموتَ رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيطفئوا جَذوة دعوته ، ويُخمدوا نورَ رسالته (خاصّة أنّه لم يُخَلّف وَلَداً من الذكور).

وقد حكى اللهُ عن أمَلهم الشّرِير هذا بقوله :

(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (١).

ولقد كانت هذه النيّة الخبيثَة ، وهذه الفطرةُ الشّريرةُ تراوِدُ ذهنَ الكثيرِ من المشركين والمنافقين ، ولم يكن عددُهم بين أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بِقليلٍ.

ولكنّ النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بِنَصبه خليفةً قوياً وجديراً بالخلافة يقودُ الأُمّة من

__________________

(١). الطور / ٣٠.

بَعده وقد تحلّى بسوابق جهاديّةٍ وإيمانيّةٍ مشرقةٍ ، وتمتّع بإيمانٍ ، وصدقٍ ، وثباتٍ في سبيل الإسلام ، فوّت الفرصة على المعارضين لرسالته وخيَّب آمالهم ، وأبدلها باليأس والقنوط ، وبهذا ضَمِنَ بقاء الدين ، ورسّخ قوائِمه وقواعده ، وأكملَ اللهُ بتعيين القائدِ والخليفةِ نعمة الإسلام ، ولهذا نزل قول الله تعالى ـ بعد نصبِ عليٍّ عليه‌السلام لخلافةِ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومَ «غدير خم» ـ :

(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١). (٢)

__________________

(١). المائدة / ٣

(٢). ولقد اعتبرَ فريقٌ من الصّحابة والتابعين الآية المذكورة مرتبطةً بواقعة «غدير خم» وذلك مثل : أبي سعيد الخدري ، وزيد بن الأرقم ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وأبي هريرة ، ومجاهد المكي. وللوقوف على روايات الأشخاص المذكورين حول الواقعة المذكورة راجع : كتاب «الولاية» لأبي جعفر الطبري ، والحافظ ابن مردويه الاصفهاني برواية ابن كثير في ج ٢ ، من تفسيره ؛ والحافظ أبا نعيم في كتاب «ما نزل من القرآن في عليّ» والخطيب البغدادي في ج ٨ من تاريخه ، والحافظ أبا سعيد السجستاني في كتاب «الولاية» والحافظ أبا القاسم الحسكاني في «شواهد التنزيل» ، وابن عساكر الشافعي برواية السيوطي في «الدر المنثور» ٢ / ٢٩٥ ، والخطيب الخوارزمي في كتاب «المناقب». وعباراتهم موجودة في الغدير ١ / ٢٣ ـ ٢٣٦.

وقال الفخر الرازي في تفسيره (ج ٣ ص ٥٢٩) إنه لمّا نزلت هذه الآية على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعَمِّر بعدَ نُزولها إلّا أحداً وثمانين يوماً أو اثنين وثمانين يوماً وَلَم يَحْصَل في الشريعةِ بَعدها زِيادة ولا نَسخٌ ، وَلا تبديلُ البتّةَ.

فعلى هذا الأساس لا بُدّ مِنَ القول أنَّ هذه الآية نَزَلت يوم غدير خم. أي اليوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة حجة الوداع. وحيثُ إنّ النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسبَ رأي أهلِ السُّنّة توفي في الثاني عشر من ربيع الأوّل ، وكانت الأشهر الثلاثة (ذي الحجة ، ومحرّم وصفر) ٢٩ يوماً صح أنّه توفي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نُزُول الآية المذكورة ب ٨١ يوماً (تفسير الفخر الرازي سورة المائدة ، الآية الثالثة).

ثمّ إنّ هناك ـ مضافاً إلى الرّوايات المتواترة المذكورة التي تُثبت أنّ مسألة خلافة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسألةٌ إلهيّةٌ ، وأنّه ليس للنّاس أيّ خيارٍ فيها ـ رواياتٍ تحكي عن أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان منذ الأيام الأُولى من دعوته في مكّة ، يوم لم تُشكَّلْ فيها حكومةٌ في المدينة بعدُ ، يرى أنّ مسألة خلافتهِ مسألةٌ إلهيّةٌ يعود أمر البتّ والتعيين فيها إلى الله وحده دون غيره.

فعند ما أتى رئيس قبيلة «بني عامر» إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في موسم الحج مثَلاً ، وقال : أرأيتَ إنْ نَحنُ بايعناكَ على أمرِكَ ، ثمّ أظهرَكَ اللهُ على من خالَفَك ، أيكونُ لنا الأمرُ من بَعدك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأمرُ إلى اللهِ يَضَعُهُ حيثُ يَشاء (١).

إنّ من البديهيّ أنّ أمرَ مسألة القيادة والخلافَة إذا كانت متروكةً للنّاس ، وانتخابهم لكانَ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول : «الأمرُ إلى الأُمّة» أو «إلى أهلِ الحَلّ والعَقد» ولكن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالَ غير هذا. وبذلك طابَقَ كلامُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأنِ الخلافة كلام الله تعالى في شأن الرسالةِ إذ قال :

(اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٢).

__________________

(١). سيرة ابن هشام : ٢ / ٤٢٢.

(٢). الأنعام / ١٢٤.

الأصلُ التسعون : تعيين الخليفة أصل متفق عليه

إنّ مَسألة تَنْصِيصيَّة مقام الخلافة ، وأنّه ليس للأُمّة أيُّ خيار ولا أيّ دورٍ في تعيين خليفةٍ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في ذِهن الصَّحابة أيضاً. نعم كان في نظرهم هو أن ينصَّ الخليفةُ السابقُ على الخليفة اللّاحِق بدل نَصّ اللهِ ونبيّه ، ولهذا نرى ـ كما هو من مسلّمات التاريخ الإسلاميّ ـ أنّ الخليفةَ الثاني تمّ تعيينهُ ونصبهُ في منصب الخلافةِ بِنصٍ من الخليفةِ الأوّل.

إنّ تصوّر أن تعيينَ الخَلِيفَة الثاني بواسطة أبي بكر لم يَكنْ قراراً قطعيّاً ، بل كان من بابِ «الاقتراح» ، يخالف ما ثبت من التاريخ ، فإنّ الخليفة الأوّل كان لا يزال على قيد الحياة عند ما اعترَض جماعةٌ من الصحابة على هذا التعيين والنصب ، وكان «الزبير بن العوام» أحد أُولئك المعترضين على أبي بكر في هذا التعيين ، والنصب. (١) وإنّ من البديهيّ أنّه لو كانَ تعيينُ أبي بكر لِعُمر بن الخطاب مِن باب مجرّد الاقتراح والترشيح حسب ، لما كان لاعتراض الصحابة عليه أيّ مجالٍ ولا مبرّر.

هذا مضافاً إلى أنّ الخليفة الثالث هو الآخر تمّ تعيينُهُ عن طريق شورى تألَّفَتْ من (٦) أشخاص عيَّنهُمُ الخليفةُ الثاني ، وكانَ هذا نوعاً مِن تعيين الخليفة الّذي مَنَع الآخرين من مراجعة الرأي العامّ.

على أنّ فكرةَ مراجَعة الرأي العامّ ، واختيار الخليفة بواسطة الناس لم يَدُرْ في خَلَدِ أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أساساً ، وما ذُكِرَ في هذا الصعيد فيما

__________________

(١). الإمامة والسياسة : ١ / ٢٤ ـ ٢٥.

بعد إنّما هو من تبريرات العُلماء والمفكرين ، وأمّا من يشار إليهم من الصحابة فقد كانوا يَعتقدون بأنّ الخليفة يجب أن يُعيَّن ويُنصَب من قِبَل الخليفةِ السابق لا غير.

وللمثال عند ما جُرح الخليفةُ الثاني ، بَعَثَتْ عائشةُ زوجةُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسالةً شفويّة إلى الخليفة الثاني بواسطة ابنه «عبدِ الله» إذ قالت له : يا بُنيّ أبلغ عمرَ سلامي وقل له : لا تَدَعْ أُمّة محمد بلا راعٍ ، استَخْلِفْ عَلَيْهم ، ولا تَدَعْهُمْ بَعدَك هَمَلاً ، فإنّي أخشى عَلَيْهمُ الفتْنَةَ. (١)

فأتى عبد الله أَباه وكان طريحَ الفراش فحثّه على تعيين الخليفة من بَعده قائلاً : إنّي سَمِعْت النّاسَ يقولون مقالةً فآليتُ أن أقولها لك وَزَعَمُوا أنّك غير مُسْتَخْلِفٍ وأنّه لو كان لك راعي إبِل ـ أو راعي غَنَم ـ ثمّ جاءَك وتَرَكَها لرأيَتَ أن قدْ ضَيَّعَ فَرِعايةُ النّاسِ أشدُّ. (٢)

الأصلُ الواحدُ والتسعون : ما هي وظائف الإمام بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

أشرنا في مطلعِ بحث الإمامة إلى أنّ خليفة النبي والإِمام إنّما هو في نظر المسلمين من يقوم بوظائف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ما عدا تلقي الوحي والإِتيان بالشريعة) ونورد هنا أبرز هذه الوظائف لتتبيّن مكانة الإِمامة وأَهميتها بصورة أوضح.

__________________

(١). الإمامة والسياسة : ١ / ٢٨.

(٢). حُلية الأولياء : ١ / ٤٤.

ألف : تَبيين مفاهيمِ القُرآن الكَريم وحلّ مُعضلاته ، وبيان مقاصده ، وهذا هو من أبرز وظائف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول عنها القرآن الكريم : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (١).

ب : بيانُ الأحكام الشرعية ، فقد كانَ هذا العَمَل من وظائفِ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث كان يقوم بذلك عن طريق تلاوة الآيات المتضمنة للأَحكام حيناً وعن طريق السّنة حيناً آخر.

ثمَّ إنّ بَيان الأحكام من جانب النبيّ تم بصورةٍ تدريجيّة ، ومتزامناً مع وقوع حوادثَ جديدةٍ ، وظهورِ احتياجات حديثة في حياة الأُمّة ، ومثل هذا الأمر يقتضي بطبيعته أن تستمر هذه الوظيفةُ ، لعدم انحصار الحاجات بما حدث في عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذا من جانب. ومن جانب آخر لا يتجاوز عددُ الأحاديث الّتي وَصَلت إلينا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حول الأحكام (٥٠٠) حديث (٢) ولا شك أنّ هذا القدر من الأحاديث الفقهية لا تسدُّ حاجة الأُمّة المتنامِية ، ولا توصلُها إلى مرحلة (الاكتفاءِ الذاتيّ) في مجال التقنين.

ج : حيث إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان محوراً للحق ، وكان بتعليماته ، يمنع من تطرّق أيّ انحرافٍ ، وتسرّبِ أيّ اعوجاجٍ في عقائد الأُمّة ، لهذا لم يحدث أيُّ تفرّقٍ عقائديّ ، وأي تشتُّتٍ مذهبيّ في عَصره أو لم يكن هناك أَرضية لظهور ذلك.

__________________

(١). النحل / ٤٤.

(٢). الوحي المحمدي ص ٢١٢ ، الطبعة السادسة.

د : الإجابة على الأَسئلةِ الدينيّة والاعتقادية ، فقد كان هذا العملُ هو الآخر من وظائف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الهامَّة.

ه : إقامةُ القِسطِ والعَدل والأمن العامّ الشامل في المجتمع الإسلاميِّ ، وظيفة أُخرى من وظائف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

و : حِفظُ الثغور ، والحدُود ، والثروة الإسلاميّة تجاه الأعداء هو أيضاً من مسئوليات النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووظائفه.

إنّ الوظيفتين الأخيرتين وإن أمكن القيام بهما من قِبَل الخليفة الذي تختارهُ الأُمّة ، لكن من المُسَلَّم والقطعيّ أنّ القيامَ بالوظائِفِ السّابقة (وهي بيانُ مَفاهيمِ القرآنِ الكريمِ الخفيّة ، الغامِضَةِ ، وبيانُ أحكامِ الشَّرع و.. و...) يَحتاج إلى قائد واعٍ خبيرٍ ، يكون موضعَ عناية الله الخاصّة ، كما يكون في عِلمِهِ صنوَ النبيّ ونظيرهُ ، أيْ أن يكون حاملاً للعلومِ النَّبَويّة ومَصُوناً من كل خطأ وزلل ، ومعصوماً من كلّ ذنبٍ وخطلٍ ، ليستطيع القيامَ بالوظائف الجسيمة المذكورة ، وليملأَ الفراغ الذي أحدثه غيابُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسبب وفاته ، في الظروف الزاخرة بالأحداث الحُلوة والمرَّة ، وبالوقائع الحرجة.

إنّ من البديهيّ أنّ تَشخيصَ مثلِ هذا الشخصِ ، والمعرفة به لإيكال منصب القيادة إليه ، خارجٌ عن حدود عِلمِ الأُمّةِ ونِطاق معرِفتها ، ولا يمكن أن يتُمَّ بغير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالأمر الإِلهيّ وتعيينهما إيّاه.

ومنَ الواضح أيضاً أنّ تَحقُّق الأهداف المذكورةِ رهنُ حماية النّاس ، واستجابتهم وإطاعتهم للقائد المعيَّن ، بواسطةِ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومجرّدُ التعيين الإلهيّ والنصّ النبويّ على الخليفة لا يكفي لِتحقّقِ الأهداف والوظائف

السالِفة. (إذ لا رَأيَ لِمَنْ لا يُطاع).

وهذا جارٍ حتّى في القرآن الكريم والنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسِه ، فإنّهما ما لم يُطاعا لا تتحقّق أهدافهما.

إنّ الحَوادِثَ السّلْبِيَّةَ ، وتشتّتَ كلمة المسلمين الذي حَدَثَ بعد وفاة رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن بسبب أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقُم بوظيفته الحكيمة (والعياذ بالله) ، ولا لأجل أنّه لم يُعرِض على المسلمين أُطروحةً موضوعية وحكيمة لإدارة الأُمّة من بعده ، أو أنّ أُطروحتَه كانت أُطروحةً ناقصة ، بل حدث ما حدث مِنَ المشاكل الألِيمة بِسبب أنّ بعضَ أفراد الأُمّة رجَّحُوا نَظَرَهم على نَظَر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقدّموا مَصالحهم الشخصية على تنصيص الله ورسولهِ وتعيينِهما.

ولم يكنْ هذا هو المورد الوحيد الذي حدثت فيه مثلُ هذه الواقعة في التاريخ بل لذلك نظائرُ عديدة في تاريخ الإسلام. (١)

الأصلُ الثّاني والتِسعون : لُزُوم عِصمَةِ الإمام

أثبتنا في الأصْل السّابق أنّ الامام والخليفة ليس قائداً عاديّاً ، يقدر على إدارة دفّة البلاد اقتصادياً ، وسياسيّاً ، وحفظ ثغور البلاد الإسلامية تجاه الأعداء فقط ، بل ثمّت وظائف أُخرى يجب أن يقومَ بها مضافاً إلى الوظائف المذكُورة. وقد أشرنا إليها في الأصل السابق.

__________________

(١). راجع كتاب «النَّصّ والاجتهاد» تأليف العلّامة السيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي.

إنّ القيام بِهذه الوَظائف الخطيرة مثل تفسير القرآن الكَريم ، وبَيان الأحكام الشرعيّة ، والإجابة على أسئلة الناس الاعتقادية ، والحيلولة دون تسرّب الانحراف إلى العقيدة ، والتحريف إلى الشريعة ، رهنُ علمٍ واسعٍ ، لا يخطئ ولا يتطرّق إليه الاشتباهُ ، والأشخاص العاديّون إذا تَوَلَّوا هذه الأُمور لن يكونوا في مأمنٍ عن الخطأ والزللِ.

على أنّه يجب أن نَعلمَ بأنّ العصمة لا تساوي النبوّة ، ولا تلازمُها ولا تستلزمها ، لأنّه ربما يكونُ الشخص معصوماً عن الخطأ ولكن لا يتمتع بمقام النبوة أي لا يكون نبياً.

وأوضحُ نموذجٍ لذلك السيدةُ مريم العذراء التي مرّت الإشارةُ إلى أدلّة عصمتها ، عند الحديث عن عصمة الأنبياءِ والرسُل. (١)

ثمّ إنّ هناك ـ مضافاً إلى التحليل والاستدلال العقلي السابق ـ أُموراً تدلُّ على عصمةِ الإمام نذكر هنا بعضها :

١. تعلّق إرادةِ الله القطعيّة والحتمية بطهارة أهل البيت عن «الرجس» كما قال تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢).

إنّ دَلالَة هذه الآية على عِصمة أهل البيت عليهم‌السلام تكونُ على النحو التالي : إنّ تعلّق إرادة الله الخاصّة بطهارة أهل البيت من أي نوعٍ من

__________________

(١). راجع كتاب الإلهيّات ، تأليف صاحب هذه الرسالة : ٢ / ١٤٦ ـ ١٩٨.

(٢). الأحزاب / ٣٣.

أنواع الرّجس يلازمُ عصمَتهم مِن الذنوب والمعاصي ، لأنّ المقصودَ مِن تطهيرهم من «الرّجس» في الآية هو تطهيرهم من أيّ نوعٍ مِن أنواع القذارة الفِكرية والرُّوحِيَّة ، والعَمَليّة التي من أبرزها المعاصي والذنوب.

وحيث إنّ هذه الإرادة تعلّقَتْ بأفراد مخصوصين لا بجميع الأفراد ، فإنّها تَختَلِف عن إرادة التطهير التي تعَلّقت بالجميع بدونِ استثناءٍ.

إن إرادةَ التَّطهير التي تَشملُ عامّة المسلمين إرادةٌ تشريعيةٌ (١) وما أكثر الموارد الّتي تتخلّف فيها هذه الإرادةُ ، ولا تتحقق بسبب تمرّد الأشخاص ، وعدم إطاعتهم للأوامر والنواهي الشرعية في حين أنّ هذه الإرادة إرادةٌ تكوينيّةٌ لا يتخلّف فيها المرادُ والمتعلَّقُ (وهو العصمة عن الذَّنب والمعصية) عنها أبداً.

والجدير بالذكر أن تعلّق الإرادة التكوينيّة الإلهيّة بعصمة أهل البيت عليهم‌السلام لا توجبُ سَلب الاختيار والحريّة عنهم تماماً كما لا يوجب تعلّق الإرادة التكوينية الإلهيّة بعصمة الأنبياء سلبَ الاختيار والحرية عن الأنبياء أيضاً (وقد جاءَ تفصيل هذا الموضوع في كتب العقائد).

٢. إنّ أئمة أهل البيت عليهم‌السلام يمثِّلون بحكم حديث الثقلين الذي قال فيه رسولُ الله : «إني تاركٌ فيكمُ الثَّقَلَين كتابَ الله وعترتي» عِدلَ القرآن الكريم ، يعني أنّه كما يكون القرآنُ الكريمُ مصوناً من أيّ لونٍ من ألوانِ

__________________

(١). (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (المائدة / ٦).

الخطأ والاشتباه ، كذلك يكون أئمة أهلِ البَيت مصونين من أيّ لونٍ من ألوانِ الخطأ الفكري ، والعملي ، ومعصومين من أيّ نوعٍ من أنواعِ الزّلَل والخَطَل.

وهذا المطلب واضحٌ تمامَ الوضوح ، إذا أمعنّا في العبارات التي جاءت في ذيلِ الحَديث المذكور.

ألف : «ما إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِما لَنْ تَضِلُّوا أَبَداً».

ب : «إنَّهما لَنْ يَفْتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ».

لأنّ ما يكون التمسُّكُ به موجباً للهداية وأنه لا يفترق عن القرآن (المصون والمعصوم) مَصُونٌ ومعصومٌ هو كذلك.

٣. لقد شَبَّهَ رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهلَ بيته بسفينةِ نوح التي ينجو من الغرق من رَكِبها ويغرق في الأمواج من تخلّف عنها ، إذ قال : «إنّما مَثَلُ أهل بَيْتي كَسَفينَةِ نُوْحٍ مَن رَكِبَها نَجا وَمَنْ تخلَّفَ عَنها غَرِقَ» (١).

بالنَظَر إلى هذه الأدلّة الّتي بيّنها بصورةٍ موجزةٍ تكونُ عصمة أهل البيت واضحةً ، وحقيقةً مبرهَناً عليها.

ومن الجدير بالذِّكر أنّ الأدلّة النَّقليّة على عِصمة أهل البَيت عليهم‌السلام لا تنحصر في ما ذكرناه.

__________________

(١). مستدرك الحاكم : ٢ / ١٥١ ، والخصائص الكبرى للسيوطي : ٢ / ٢٦٦.

الأصلُ الثالثُ والتسعون : الأئمّة الاثنا عشر

إنّ معرفةَ الإمام تُمكِنُ مِن طريقين :

ألف : نَصُّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إمامة شخصٍ خاصٍ.

ب : نَصُّ الإمام المعصومِ السابِق على الإمام اللاحِق.

إنّ إمامة الأئمة الاثني عَشَر ثَبَتت من خلال الطَّريقين المذكورَين معاً أي عن طريق نصّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسب الرّوايات المروِيّة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا المجال. وكذا عن طريق الأئمة عليهم‌السلام ، حيث نصّ الإمامُ السابق على الإمام اللاحق.

ونحن رِعايةً للاختصار نوردُ هنا حديثاً واحداً في هذا الصَّعيد (١) تفيد أنّ النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكتف بنَصب عليّ عليه‌السلام ، بل ذكّر بأنّه سَيخلفهُ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اثنا عشر إماماً تتحقّق بهم عزةُ الإسلام إذ قال : «لا يَزالُ الدّين مَنِيعاً إلى اثنَيْ عَشَر خَلِيفةٌ».

وقد وَرَدت هذه الأحاديث الدالة على وجود اثني عشر خليفة في أوثق صحاح أهل السنة أيضاً. (٢)

__________________

(١)

. للاطلاع على بقيّة الأحاديث في هذا المجال يراجع كتب الحديث مثل أُصول الكافي ، كفاية الأثر ، إثبات الهداة ، ومنتخب الأثر ، وغيرها.

(٢). صحيح البخاري ، ٩ / ٨١ ، باب الاستخلاف ؛ وصحيح مسلم ٦ / ٣ ، كتاب الامارة ؛ ومسند أحمد ٥ / ٨٦ ـ ١٠٨ ؛ ومستدرك الحاكم ٣ / ٨١.

ومن المُسلَّم أنّ هؤلاء الخُلَفاء الاثني عشر الذين تتوقّف عليهم عزّة الإسلام ومنعتهُ ومضاؤه ، لا تنطبق صفاتهم إلّا على أئمة الشيعةِ الاثني عَشَر إذ لم تكن تلك الأَوصاف تتوفر في الخلفاء الأُمويين ولا العباسيين قط.

وأئمة الشيعة الاثنا عشر هم :

١. أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب (المولود قبل البعثة بعشر سنوات والمستشهَد عام ٤٠ هجري) والمدفون في النجف الأشرف.

٢. الإمامُ الحسَنُ بن علي (المجتبى) (٣ ـ ٥٠ ه‍ ق) المدفونُ في البقيع بالمدينة.

٣. الإمامُ الحسين بن علي سيدُ الشهداء (٤ ـ ٦١ ه‍ ق) المدفون في كربلاء.

٤. الإمامُ عليُّ بن الحسينُ بن علي زينُ العابدين (٣٨ ـ ٩٤ ه‍ ق) المدفون في البقيع.

٥. الإمامُ محمدُ بن علي باقرُ العلوم (٥٧ ـ ١١٤ ه‍ ق) المدفون في البقيع.

٦. الإمامُ جعفرُ بنُ محمد الصادقُ (٨٣ ـ ١٤٨ ه‍ ق) المدفونُ في البقيع.

٧. الإمامُ موسى بنُ جعفر الكاظمُ (١٢٨ ـ ١٨٣ ه‍. ق) المدفونُ في الكاظمية قرب بغداد.

٨. الإمامُ عليُّ بن موسى الرضا (١٤٨ ـ ٢٠٣ ه‍. ق) المدفونُ في خراسان بإيران.

٩. الإمامُ محمدُ بن علي الجوادُ (١٩٥ ـ ٢٢٠ ه‍ ق) المدفونُ في الكاظمية.

١٠. الإمامُ عليُّ بن محمد الهادي (٢١٢ ـ ٢٥٤ ه‍ ق) المدفونُ في سامراء بشمال بغداد.

١١. الإمامُ الحسنُ بنُ علي العسكريُ (٢٣٣ ـ ٢٦٠ ه‍. ق) المدفونُ في سامراء.

١٢. الإمامُ محمدُ بنُ الحسن المعروف بالمهديِّ ، والحجة ـ عجَّل الله فرجَه الشريف ـ وهو الإمامُ الثاني عشر ، وهو حيٌّ حتى يظهر بأمر الله (طبقاً للوعودِ الواردةِ في القرآنِ في سورة النور / ٥٤ ، وسورة التوبة / ٣٣ وسورة الفتح / ٢٨ وسورة الصف / ٩) ويقيم الحكومة الإِلهيّة على كلّ الكرةِ الأرضِيّةِ (١).

ولقد جاءَت تفاصيلُ حياة أئمةِ الشيعة الاثني عشر في كتب التاريخ والسيرة وحيث إِنّ الإمام الثاني عشر لا يزال حيّاً ، ويتولّى منصبَ الإمامة بإرادةِ الله تعالى ، لهذا سنَذكر نقاطاً حولَ هذا الإمام فيما بعد.

__________________

(١). قد وقع بعض الاختلاف في تواريخ وفيات ومواليد بعض الأئمة وقد اخترنا احدها ، كما انّ التاريخ يثبت انّ أغلب هؤلاء الأئمة قضوا شهداء.

الأصلُ الرابع والتسعُون : مودّة أهل البيت عليهم‌السلام

إنّ محبَّةَ أهلِ البَيت عليهم‌السلام من الأُمور الّتي أكَّد عليها القرآنُ والسنَّة كما قالَ تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١).

والمقصودُ من «القُربى» هم أقرباءُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقرينة أن طالِبَ هذا الأَمر هو النبيُّ نفسه.

إنّ محبّة أهلِ البَيت وموادَّتهم ـ مضافاً إلى كونها كمالاً كبيراً ـ تسبّب في أن يحاولَ الشخصُ المحبُّ أن يجعل نفسَه مشابِهاً للمحبوب ، ويقتدي به في كَسب الفضائِل ، والاجتناب عن الرَّذائل.

ولقد جاء في الأحاديث المتواترةِ الصادرةِ عن النبيّ الأكرمِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّ محبة أهلِ البَيت علامةُ الإيمان ، وبغضَهم علامةُ النّفاقِ والكفر ، وأنّ من أحبّهم فقد أحبَّ الله والنبيّ ، وأنّ مَن عاداهم فقد عادى اللهَ ورسولَه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١). الشورى / ٢٣.

الإمامُ الثاني عشر

الغَيبة والظهور

إنّ الحَديثَ حولَ كلّ واحدٍ من هؤلاء الأئمةِ الاثني عشر خارجٌ عن نِطاق هذه الرّسالة المختصرة ، وإنّما تجدر الإشارة إلى مسألة أُخرى وهي : مسألة الاعتقاد بوجود إمام العَصْر الذي يقضي أيامَ حياته خَلف ستار الغيبة ، ريثما يأذنُ الله له بالظهور فيملأ الأرضَ قسطاً وعَدلاً بعد أن مُلِئتْ ظُلماً وجَوراً ، ويقيمَ حكومَة الله على المعمورة جمعاء ، وفيما يلي بعضُ النقاط حول هذه المسألة.

الأصلُ الخامسُ والتسعون : ظهور مصلح عالمي في آخر الزمان

إنّ ظهورَ رجلٍ من أهل بَيت الرّسالة لإقامة حكومة الله العادلة العالَميّة في مُستقبل الحياةِ البَشريّة (بَعد أن تُملأَ الأرضُ ظلماً وجَوراً) مِن مُسَلَّماتِ العقائِدِ الإسلامية التي اتّفقَ عليها جمهورُ المُسْلمين ، ونقلوا في هذا المجال أحاديث بَلَغَتْ حَدَّ التواتر.

فهناك ـ طبق بعض إحصاءات أهلِ التحقيقِ من العُلَماء ـ حوالي ٦٥٧ حديثاً حول هذه المسألة نذكر منها حديثاً واحداً رواه «أحمدُ بن حنبل» في مسنده :

قالَ النَبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنيْا إلّا يومٌ واحِدٌ لَطَوَّل اللهُ ذلك اليومَ حَتّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي فَيَمْلؤُها عَدْلاً وقِسطاً كما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً». (١)

وعلى هذا الأساس يكونُ قيامُ رَجُلٍ من أهلِ البيت النَّبَويّ وظهورُهُ في آخِر الزمان موضعَ اتفاقٍ بين المسلمين شيعةً وسنةً.

الأصلُ السادسُ والتِسعونَ : المصلح العالمي هو الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه الشريف ـ

لقد جاءَت خصوصياتُ هذا المصلِحِ العالَميّ في الرّوايات الإسلامية نَقَلها الفريقان ، وهي على النحو التالي :

١. أنّه من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٣٨٩ رواية.

٢. أنّه من أولاد الإمام علي عليه‌السلام ٢١٤ رواية.

٣. أنّه من أولاد فاطمة الزهراء عليها‌السلام ١٩٢ رواية.

٤. أنّه تاسع وُلد الحسين عليه‌السلام ١٤٨ رواية.

__________________

(١). مسند أحمد بن حنبل : ١ / ٩٩ و ٣ / ١٧ و ٧٠.

٥. أنّه من أولاد الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام ١٨٥ رواية.

٦. أنّه ابن الإمام الحسن العسكري ١٤٦ رواية.

٧. أنّه الثاني عشر من أئِمة أهل البيت ١٣٦ رواية.

٨. الرّوايات التي تتحدّث عن ولادته ٢١٤ رواية.

٩. الرّوايات التي تقول : إنّه يعمّر طويلاً ، ٣١٨ رواية.

١٠. الرّوايات التي تقول : إنّ غيبته ستكون طويلة ، ٩١ رواية.

١١. الرّوايات التي تقول : إنّ الإسلام سيصير عالمياً عند ظهوره ، ٢٧ رواية.

١٢. الرّوايات التي تقول : إنّ الأرض ستُملأُ عَدلاً وقِسطاً عند ظهوره ، ١٣٢ رواية.

وعلى هذا الأساس فإنّ وجود مثل هذا المصلح العالمي في مستقبل البَشَرية أمر مقطوعٌ به ومسلَّمٌ من حيث الرّوايات والأحاديث الإسلامية بحيث لا يمكن الشكّ أو التشكيك فيه.

وأما ما وَقَعَ الخلافُ فيه فهو ولادته ، وأنّه هل وُلِدَ هذا الرَّجُل من أُمّه ولا يزال منذُ ولادَته حَيّاً ، أم أنّه سيولد في المستقبل؟

يذهب الشيعة وفريقٌ من أهل التحقيق من أهل السُّنّة إلى الرأي الأوّل ، فيعتقدون بأنّ الإمامَ المهديّ وُلدِ من أُمّه (نرجس) عام ٢٥٥ ه‍ وهو لا يزال حَيّاً إلى هذا اليوم.

وذهَبَ فريقٌ من أهلِ السّنة إلى أنّه سيُولَد فيما بعد.

وحيث إنّنا نحن الشيعة نعتقدُ بأنّ الإمامَ المهديَّ عليه‌السلام وُلِدَ عام ٢٥٥ هجرية ، وهو لا يزال على قيد الحياة إلى هذه الساعة ، لهذا لا بدّ من أن نذكّر بنقاط حول غيبته وطول عمره في هذه الرسالة في حدود ما يسعُه هذا المختصرُ.

الأصلُ السابعُ والتسعون : الإمام المهدي وليّ إلهيّ غائب عن الأنظار

إنّ أولياءَ اللهِ ـ حَسْب نَظَر القرآن ـ على نوعين :

وَليٌّ ظاهرٌ يعرفُه الناسُ.

ووَليٌّ غائبٌ عن أنظارِ الناس لا يعرفُه أحدٌ منهم ، وإن كان يعيشُ بينَهم ، ويعرفُ هو أحوالَهُمْ وأخبارهم.

وقد ذكر في سورة الكَهف كلا النوعين من الأولياء في مكانٍ واحدٍ أحدهما «موسى بن عمران» والآخر مصاحبُهُ ورفيقهُ المؤقّت ، الذي صحِبَه في سَفَره البرّي والبَحْري ، ويُعْرَف بالخِضر.

إنّ هذا الوليّ الإلهيَّ كانَ بِحَيْث لم يعرفُه مصاحِبهُ ومرافِقُه النبيُّ موسى وإنّما صاحَبَه ورافقه بتعليمٍ وأَمرٍ من الله ، واستفاد من عِلمه خلال مرافَقَته إيّاه كما يقول تعالى : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً* قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ

رُشْداً) (١).

ثمّ إنّ القرآنَ الكريم يُقَدّم شرحاً مفصّلاً عمّا فَعَله هذا الوليُّ الإلهيّ من أعمال مفيدة ، ذلك الذي لم يكن أحدٌ حتى النبي موسى عليه‌السلام يَعرفهُ ، ولكن كانوا يَستفيدون من آثار وجوده المبارك ومن أفعاله المفيدة (٢).

إنَّ الإمامَ المهديّ عَجَّل الله فَرَجَه الشَّريفَ على غرارِ مرافق موسى عليه‌السلام ، وليٌّ غيرُ معروف للنّاس مع أنّه في نفس الوقت منشأ لآثار طيبة للأُمّة. أي لا يعرفهُ أحَدٌ منهم مع أنّهم يَستَفيدون مِن بركات وجودهِ الشريف.

وبهذا لا تكونُ غيبةُ الإمام المهديّ عجّل الله فرجَه الشريفَ بمعنى الانفصال عن المجتمع ، بل هو ـ كما جاءَ في روايات المعصومين عليهم‌السلام كذلك مثل «الشّمس خَلفَ السّحاب لا تُرى عينُها ، ولكنها تبعَث الدفءَ والنورَ إلى الأرض وساكِنِيها» (٣).

هذا مضافاً إلى أنّ فريقاً من الأبرار والطيّبين الأتقياء الذين كانوا يَتمتّعون باللياقة والأهليّة للتشرّف بِلقاءِ الإمام المهديّ قد رأوه وَالتَقَوْا به واستفادوا مِن إرشاداته ، وعُلُومِه ، واسْتفادَ الآخرون من هذا الطريق ، من آثارهِ المباركة وبركات وجوده الشريف.

__________________

(١). الكهف / ٦٥ ـ ٦٦.

(٢). راجع سورة الكهف ، الآيات ٧١ ـ ٨٢.

(٣). كمال الدين ، للشيخ الصدوق ، الباب ٤٥ ، الحديث ٤ ، ص ٤٨٥.

الأصلُ الثامنُ والتسعون : وكلاء الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه الشريف ـ

إنّ الطَّريقة المتعارَفة والمَعْمُول بها بين البشر ـ ماضياً وحاضراً ـ هو أنّ الحاكمَ والقائد يقوم ببعض الأعمال بنفسه مباشرةً ، ويقومُ بالبعض الآخر وكلاؤُهُ ونوّابه.

صحيح أنّ عِلَلاً مختَلِفَة تَسَبَّبت في غيبة الإمامِ المَهْدي عجّل الله فَرَجَه الشريف فحُرِمت البشريةُ من الاستفادة المباشرة من ذلك الإمام ولكنه ولحسن الحظ لم يُغلَقْ بابُ الاستفادة من وُكَلائه ونوّابه ـ وهم الفقهاء العُدول الأتقياء ـ في وجه أتباعه ، ومريديه.

فالفقهاء والمجتهدون الأجلّة كانوا ولا يَزالون نُوّابَ الإمامِ المهديّ الذين أوكَلَ أمرَ بَيان الأُمورِ الشرعية والحكوميَّة وإدارة شئون المجتمع الإسلامي في عصر الغيبة إليهم.

هذا مع العلم بأنّ حرمان الأُمّة الإسلامية من آثار حضور الإمام المهدي كان لعلل وظروف خاصة جَعَلت غيبتَه أمراً لا مناص منه.

الأصلُ التاسعُ والتسعون : غيبة بعض الأنبياء والأولياء في الأُمم السابقة

إنّ علّة غَيبة الإمام المَهديّ عَجّل الله فرجَه الشريفُ هي من الأسرار الإلهيّة التي لا نستطِع الوقوف على حقيقتها وكنهها ، كما أنّ لهذه الغَيبة المؤقتة نظائر في حياة أولياء الله السابقين والامم السابقة.

فقد غابَ النبيُّ موسى الكليمُ عليه‌السلام عن أُمّته أربعين يوماً ، وقضى كلَّ هذه المدة في الميقات (١).

وغاب السيدُ المسيح عليه‌السلام بمشيئة الله عن أنظار أُمّته ، فلم يقدر أعداؤُه على قَتْله ، والقضاء عليه (٢).

وغاب النبيُّ يونس عليه‌السلام عن قومه مدّةً من الزَمان (٣).

إذن فليست غيبةُ الإمام المهدي عليه‌السلام عن أنظار الناس بدعاً من الأَمر كما لا يصحّ أن تَقَعَ هذه الغَيبة مهما طالت ذريعةً لإنكار أصل وجودِ المهديّ عليه‌السلام.

وأساساً إنّ كلَّ ما يثبُتُ عن طريق النقل المتواتر ، ولكن لا يقدر الإنسان على التحقّق منه ، ومشاهدته لا يجوز له أن ينكره أو يتردّد في القبول به ما دام رُوِيَ ونُقِلَ بالتّواتر الموجب للاطمئنان ، لأنّ قِسماً من الأحكام الإلهيّة التي هي من مسلّمات الدين الإسلاميّ وضروريّاته سيتعرَّض للتردِيد والإنكار إذا تجاهَلْنا هذه القاعدةَ العقلائيةَ الصائبةَ ، وهذا الأمر العرفي المعقول جداً.

وغيبةُ الإمام المهديّ عجل الله فرجَه الشريف ليس بمستثنىً من هذه القاعدة ، وعَدَم الاطلاع على سِرّها أو أسرارها الحقيقية لا يجوزُ الترديدُ فيها ، وإنكارُها.

__________________

(١). لاحظ الأعراف / ١٤٢.

(٢). لاحظ النساء / ١٥٨.

(٣). لاحظ الصافات / ١٤٠.

ومع ذلك فإنّنا يجب أن نقول : إنّه من الممكن إدراك سرّ الغيبة هذه في حدود فكرِنا البشريّ وهذا السّرّ هو ما يلي :

حيث إنّ آخرَ حُجَّةٍ من حجَج الله وآخر إمامٍ من أئِمة أهلِ البيت قد أرادَ اللهُ تعالى أن يُحقّق به الأُمنيةَ الكبرى (وهي بسط العدل والقسط ورفع راية التوحيد على كل ربوع الأرض) وهذه الأُمنية الكبرى وهذا الهدف العظيم لا يمكن أن يَتحقق إلّا بعد مرور ردح من الزمان ، وإلّا بعد تكاملِ العقلِ البَشَريّ وتهيّؤهِ الروحيِّ والنفسِيّ لذلك ، حتى يستقبلَ العالَمُ ـ بشوقٍ ورغبةٍ ـ موكبَ الإمام والمصلح العالميّ ، موكبَ العَدلِ والحريّةِ والسلامِ ، لهذا فإنّ من الطبيعيّ أنّ هذا الإمام لو ظَهَرَ بين النّاس ، وعاشَ بين ظهرانيِّهم قبلَ نُضُوج الأمر ، وحصولِ المقدّمات اللازِمة ، والأرضيّة المناسبة ، كان مَصيرُه ومآلهُ ، مصيرَ من سَبَقه من آبائِه من الأئمةِ الكرامِ البرَرَة (أي الشهادة) ، ولَقُتل عليه‌السلام قبل أن يتحقّق ذلك الهدفُ العظيم ، وتلك الأُمنِيّة الكبرى على يديه.

ولقد أُشير إلى هذه الحكمة في بعض الرّوايات الصادِرةِ عن أهل البَيْت عليهم‌السلام أيضاً.

فقد رُوي عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «إنّ لِلْقائِمِ غَيْبَةً قَبْلَ ظُهُورِهِ».

يقول الراوي : قلتُ : ولِمَ؟

فقالَ الإمامُ الباقر : «يَخافُ (أي القتل)» (١).

__________________

(١). كمال الدين للشيخ الصدوق ، ص ٤٨١ ، الباب ٤٤ ، الحديث ٨.

أي منعاً من أن يُقتَل قبل تحقّق الهدفِ المنتظَرَ مِنه.

وَرُبّما ذُكِرَ وجهٌ آخر لغيبته في بعض الرّوايات وهي اختبارُ النّاس وتمحيصُهم ، وامتحانهم ، يعني أنّ الناس يُختَبَرون في عَصر الغَيبة ، ويمرُّون بالامتحان الإلهيّ ، ويُعرَفُ مدى ثباتهِم على طريق الإيمان ، ومدى استقامَتهِم في طريق الإيمان والعقيدة. (١)

الأصلُ المائة : وجود الإمام المعصوم لطف إلهي في حضوره وغيابه

إنّ البراهينَ الكلاميَّة ترى أنّ وجودَ الإمام المعصوم في المجتمع ، وحضورَه بين الناس لُطفٌ من ألطاف الله الكبرى لكونه سبباً لِهداية الناس.

ومِنَ البديهيّ أنّ النّاسَ إذا رَحَّبوا بهذا المظهر البارِزِ مِن مظاهر اللطفِ الإلهيّ واستقبلوه ، والتفّوا حولَه ، انتفَعوا بآثار وجوده المباركة.

وإلّا حُرِموا من الاستفادة الكامِلَة والانتفاع التامّ من نعمة وجوده الشريف.

وفي هذه الحالة لا يكونُ السبب في هذا الحِرمان إلّا الناس أنفسهم ، لا الله ولا الإمام. (٢)

__________________

(١). راجع بحار الأنوار : ٥٢ / ١٠٢ ، ١١٣ ـ ١١٤ ، باب التمحيص والنهي عن التوقيت.

(٢). وقد أشار المحقّق نصيرُ الدين الطوسيّ إلى هذه الحقيقة في كتابه تجريد الاعتقاد (مبحث الإمامة) حيث قال : وجودُهُ (أي الامام) لُطفٌ وتصرُّفُهُ لُطفٌ آخرَ وغيبته مِنّا.

الأصلُ الواحدُ بعد المائة : الإمام المهدي وطول العمر

لقد وُلِدَ الإمامُ المهديّ عجّل الله فرجَه الشريف عام ٢٥٥ هجرية ، وعلى هذا الأساس يكونُ عُمرُه الآن (عام ١٤١٨ ه‍) قد تجاوَزَ أحَدَ عشر قرناً.

إنّ الإذعان بهذا العُمُر الطَّويل جداً ، مع أخذ القُدرة الإلهيّة المطلقة بعين الاعتبار ليس أمراً مشكلاً.

وفي الحقيقة إنّ الذين يَعتَبروُن طولَ عُمُر الإمام المهديّ عليه‌السلام مشكلةً في طريق الإيمان بوجوده ، ومانعاً من القول بولادته ، يَغْفَلُون عن قدرة الله اللّامتناهية فهم كمن قالَ عنهم سبحانه : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (١).

هذا مضافاً إلى أنّ في الأُمَم السالِفة معمَّرين كثيرين عاشوا طويلاً ذكرهم القرآن الكريم.

فقد ذكَر أن نوحاً عاشَ في قومه ألفَ سنة إلّا خمسين عاماً (٢).

كما أنّ العِلم البشريّ الحديث يسعى في عَصرِنا إلى أنْ يُحِلّ مشكلة طولِ العُمُرِ ، بالأساليبِ العلميّة ، والصحّية.

وهذا يُفيد أنَّ الإنسان يمكن ـ في نظر العُلَماء ـ أن يَعيشَ طويلاً بعد رَفْع الموانِعِ الّتي تحول دونَ العُمُر الطويل.

إنّ اللهَ قادرٌ على إطالة عُمُر من يُريد إلى يوم القيامة إذا شاء ، أليسَ هو القائل بأن يونس لو لم يكن من المسبّحين لَلَبِث في بَطن الحوتِ إلى

__________________

(١). الأنعام / ٩١.

(٢). لاحظ العنكبوت / ١٤.

يَومِ الدِّين (١).

ألا يَستَطيع هذا الإلهُ الخالقُ القادر أن يُطيلَ عُمُرَ حُجَّته البالِغَة ، وخَلِيفَتِهِ الحقّ بِلُطْفِهِ وعِنايَتِهِ؟

الجوابُ هو : نعم.

الأصلُ الثاني بعد المائة : علائم ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف

لا يعرف أحدٌ بوَقت ظهور الإمام المهدي قط ، فهذه الحقيقة من الأسرارِ الإلهيّة ، مثل مَوعد يومِ القيامة ، الذي لا يَعرفُ بِهِ أحدٌ إلّا الله وحده.

ولهذا يجب أن لا يُصدَّقُ زعمُ من يَدّعي أنّه يَعْلَمُ بوقتِ ظهورِ الإمام المهديّ ، أو يعيّنَ وَقتاً ، ويضرب أجلاً معيّناً لذلك ، (كَذبَ الوقّاتُون) (٢).

ولو أنّنا تجاوَزْنا مَسألة توقيت ظهور الإمام المهديّ عليه‌السلام ، وَجَبَ أنْ نقولَ : إنّ الروايات ذَكَرَتْ علائمَ كُليَّةً لِظهورِ الإمامِ المهديّ وهي تَنْقَسِمُ إلى نَوعين :

١. العلائم الحَتمية القَطعيّة.

٢. العلائم غير الحتمية.

ويُطلب التفصيل ممّا كتب حول الإمام المهدي من الموسوعات.

__________________

(١). لاحظ سورة الصافات / ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٢). الاحتجاج للطبرسي ، احتجاجات الإمام المهدي عليه‌السلام.

كليات في العقيدة

٧

الفصل الثامن

عالم ما بعد الموت

الأصلُ الثالثُ بعد المائة : يوم القيامة

تَتّفِقُ جميعُ الشرائعُ السَّماويّة في لزوم الإيمان بالآخرة ووجوب الاعتقاد بالقيامة ، فقد تحدّث الأنبياءُ جميعاً ـ إلى جانب التوحيد ـ عن المَعاد ، وعالم ما بعد الموت أَيضاً. وجَعَلُوا الإيمانَ باليوم الآخر في طليعة ما دَعَوا إليه.

وعلى هذا الأساس يكونُ الاعتقاد بالقيامة من أركانِ الإيمان في الإسلام.

إنّ مسألةَ المعاد وإن طُرحَت في كتاب العهدين (التوراة والإنجيل معاً) إلّا أنّها طُرحت في العَهد الجديدِ بشكلٍ أوضح ، ولكنّ القرآنَ الكريمَ اهتمّ بهذه المسألة أكثر من جميع الكتب السماوية الأُخرى ، حتى أنَّهُ اختص قسمٌ عظيمٌ من الآيات القرآنية بهذا الموضوع.

وقد أُطلق على المعاد في القرآن الكريم أسماءٌ كثيرة مثل : يومِ القيامة ، يوم الحِساب ، اليوم الآخر ، يوم البعث وغير ذلك.

وعلّة كلّ هذا الاهتمام والعِناية بمسألة القيامة هي أن الإيمان والتديّن من دون الاعتقاد بيوم القيامة غير مثمر.

الأصل الرابعُ بعد المائة : ضرورة المعاد

لقد أقام الحكماء والمتكلّمون المُسلمون أدلّة عديدة ومتنوعة على ضرورة المعاد ، وحياة ما بعد الموت ، وفي الحقيقة كان القرآن الكريم هو مصدر الإلْهام في جميع هذه الأدلَّة.

من هنا فإننا نذكر بعضَ الدلائل القرآنية على هذه المسألة :

ألف : إنّ الله تعالى حقّ مطلقٌ ، وفعلُهُ كذلك حقّ ، منزَّهٌ عن أي باطلٍ ولغوٍ. وخَلق الإنسانِ من دونِ وجودِ حياةٍ خالدةٍ سيكون لغواً وعبثاً كما قال :

(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (١).

ب : إنّ العدلَ الإلهيَّ يوجبُ أن لا يعامَل المحسنون والمسيئون في مقام الجزاءِ على شكلٍ واحدٍ.

ومن جانِبِ آخر انّه لا يمكن تحقّق العدالةِ الكاملةِ بالنسبة إلى الثَّوابِ والعِقاب في الحياة الدنيوية ، لأنّ مصيرَ كلا الفريقين في هذا العالم متداخِلَين وغير قابلَين للتفكِيك والفَصل.

ومن جهة ثالثة فإنّ لِبعض الأعمال الصالِحة ، والطالحة جزاءً لا يسع له نطاقُ هذا العالم.

فَمَثَلاً هناك من ضَحّى بنفسِه في سَبِيل الحق ، وهناك من خضّب

__________________

(١). المؤمنون / ١١٥.

الأرض بدماء المؤمنين.

ولهذا لا بُدَّ مِن وجود عالمٍ آخر يتحقَّق فيه العدلُ الإلهيّ الكاملُ في ضوءِ الإمكانات غير المتناهية. كما قال : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (١).

ويقولُ أيضاً : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٢).

ج : إن خلقَ البشَر بَدَأَ في هذا العالم من ذَرّةٍ حقيرةٍ ثمّ ترقّى في مدارج الكمال الجسمي شيئاً فشَيئاً ، حتى بَلغَ مرحلةً نُفِخَت فيها الرُّوح في جسمه.

وَقدْ وَصَفَ القرآنُ الكريمُ ، خالقَ الكون بكونه «أحسنَ الخالقين» نظراً إلى تكميل خلقِ هذا الموجودِ المتميّز.

ثمّ إنّه ينتَقل بالمَوْت من مَنْزله الدنيويّ إلى عالمٍ آخر ، يُعتَبَر كمالاً للمرحلة المتقدّمة وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى إذ قال : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) (٣).

__________________

(١). ص / ٢٨.

(٢). يونس / ٤.

(٣). المؤمنون / ١٤ ـ ١٦.

الأصلُ الخامسُ بعد المائة : جواب الشبهات المثارة حول المعاد

لقد طَرَحَ مُنكروا القيامة والمعاد في عصر نزول القرآن ، شُبُهاتٍ ردّ عليها القرآن ، ضمن توضيحه لأدلّة وجود المعاد.

وفيما يلي بعضُ هذه الموارد :

ألف : تارةً يؤكّدُ القرآنُ الكريم على قدرة اللهِ المطلقة فيقول :

(إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).

ب : وتارةً يُذكّر بأنّ الذي يقدرُ على خَلق الإنسان ابتداءً قادرٌ على إعادته ، ولملمة رفاته ، وإرجاع الروح إليه ثانية.

فهو مَثَلاً ينتقدُ قولَ المنكرين للمعاد قائلاً : («فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا»؟)

ثمّ يقول : (قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٢).

ج : وفي بَعضِ الموارد يُشَبِّهُ إحْياءَ الإنسان بعدَ مَوْته بإعادةِ الحَياة إلى الأرض في فَصْل الرَّبيع بعد رقدةٍ شتائيّة من جديدٍ وولوج الحياة في الطبيعة وعلى هذا يقيسُ المعادَ وعودةَ الرُّوح إلى الموتى قال تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٣).

__________________

(١). هود / ٤.

(٢). الإسراء / ٥١.

(٣). الحج / ٥ ـ ٧.

د : في الإجابة على هذه الشُّبهة التي تقول «من يُحيي العِظام» وقد أصبحت رميماً ، وَكَيف يَجمعُها وقد ضاعَت في الأرض ويخلق منها جَسَداً كالجسد الأول؟ يقولُ سبحانه : (... بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (١).

وفي موضع آخَر يُخبرُ عَن ذلك العلم الواسع قائلاً : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) (٢).

ه : ربّما يتصوّر أنّ الإنسان يتألف من أجزاء جسمانية ، وأعضاء مادّية تنحل بموته وتستحيل إلى تراب. فكيف يكون الإنسان يوم القيامة هو عينه في الحياة الدنيا ، وبعبارة أُخرى ما هي الصلة بين البدن الدنيوي والأُخروي كي يحكم بوحدتهما؟

والقرآن ينقل تلك الشبهة عن لسان الكافرين ويقول : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٣).

ثُمّ يعود ويجيب عليها بقوله : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (٤).

ويكمن حاصل الجواب في الوقوف على معنى «التوفّي» المأخوذ في الآية. الذي هو «الأَخذ» ، وهو يعرب انّ للإنسان وراء البدن الذي يبلى حين موته شيئاً آخر يأخذه ملك الموت وهي الروح ، فحينها تتضح إجابة القرآن عن الشبهة.

__________________

(١). يس / ٨١.

(٢). ق / ٤.

(٣). السجدة / ١٠.

(٤). السجدة / ١١.

وهي انّ ملاك وحدة البدنين والحكم بأنّ البدن الأُخروي هو عين البدن الدنيوي ـ مضافاً إلى وحدة الأجزاء ـ هي الروح المأخوذة من قبل ملك الموت ، فإذا ولجت نفس الأجزاء يكون المعاد عين المبتدأ.

فيستفاد من هذه الآية ونظائرها انّ الإنسان المحشور يوم البعث هو عينه الموجود في نشأة الدنيا ، قال سبحانه : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (١).

الأصلُ السادس بعد المائة : معاد الإنسان هو جسماني وروحاني

صرّحت الآيات القرآنية والأحاديث على أنّ معاد الإنسان : جسماني وروحاني ، ويراد من الأوّل هو حشر الإنسان ببدنه في النشأة الأُخرى ، وأنّ النفس الإنسانية تتعلّق بذلك البدن في تلك النشأة فيثاب أو يعاقب بأُمور لا غنى في تحقّقها عن البدن والقوى الحسية.

ويراد من الثاني أنّ للإنسان وراء الثواب والعقاب الحسيّين لذّات وآلام روحيّة ينالها الإنسان دون حاجة إلى البدن ، وقد أُشير إلى هذا النوع من الجزاء في قوله سبحانه : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٢) ، وقال سبحانه : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٣).

فرضوانه سبحانه من أكبر اللذائذ للصالحين ، كما أنّ الحسرة من أكبر الآلام للمجرمين.

__________________

(١). يس / ٧٩.

(٢). التوبة / ٧٢.

(٣). مريم / ٣٩.

الأصلُ السابع بعد المائة : البرزخ

ليس الموت نهاية للحياة وانعدامها ، بل انتقال من نشأة إلى أُخرى ، وفي الحقيقة إلى حياة خالدة نعبّر عنها بالقيامة ، بيد أنّ بين النشأتين نشأة ثالثة متوسطة تدعى بالبرزخ ، والإنسان بموته ينتقل إلى تلك النشأة حتى قيام الساعة ، إلّا أنّنا لا نعلم عن حقيقتها شيئاً ، سوى ما جاء في القرآن والأحاديث ، ولنذكر طائفة من الآيات القرآنية بغية التعرّف على ملامح تلك النشأة.

ألف : انّ المحتضر إذا وقف على سوء مصيره يتمنّى عوده إلى الدنيا ليتدارك ما فات منه ، يقول سبحانه : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) (١).

ولكن يخيب سعيه ، ويُردُّ طلبه ، ويقال له : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (٢).

والآية تحكي عن وجود حياة برزَخية مخفية للمشركين.

ب : ويصف حياة المجرمين ، لا سيما آل فرعون ، بقوله : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (٣).

__________________

(١). المؤمنون / ٩٩ ـ ١٠٠.

(٢). المؤمنون / ١٠٠.

(٣). غافر / ٤٦.

فالآية تحكي عن أنّ آل فرعون يعرضون على النار صباحاً ومساءً ، قبل القيامة. وأمّا بعدها فيقحمون في النار.

ج : ويصف سبحانه حياة الشهداء في تلك النشأة ، بقوله : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (١).

ويصف في آية أُخرى حياة الشهداء بقوله : (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢).

الأصلُ الثامن بعد المائة : السؤال في القبر

تبتدأ الحياة البرزَخية بقبض الروح عن البدن ، وعند ما يودع بدن الإنسان في القبر ، يأتي إليه ملائكة الربّ فيسألونه عن التوحيد والنبوة وأُمور عقائدية أُخرى ، ومن الواضح أنّ إجابة المؤمن ستختلف عن إجابة الكافر وبالتالي يكون عالم البرزخ مظهراً من مظاهر الرحمة للمؤمن ، أو مصدراً من مصادر النقمة والعذاب للكافر.

إنّ السؤال في القبر وما يستتبع من الرحمة أو العذاب من الأُمور المسلّمة عند أئمة أهل البيت ، وفي الحقيقة أنّ القبر يُعدّ أُولى المراحل للحياة البرزخية التي تدوم إلى أنْ تقوم الساعة.

__________________

(١). البقرة / ١٥٤.

(٢). آل عمران / ١٧٠.

ولقد صَرَّحَ علماءُ الإماميّة في كتُب العقائد التي ألّفُوها بما قُلناه.

فقد قال الشيخُ الصدوق رحمه‌الله : اعتقادُنا في المساءلةِ في القَبرِ ، انَّه حقّ لا بدَّ منها ، فمن أجابَ بالصواب فازَ برَوحٍ ورَيحانٍ في قَبرهِ ، وبِجَنّةِ النعيمِ في الآخرة ، ومَن لم يُجِبْ بِالصَّوابِ فَلهُ نُزُلٌ من حميمٍ في قبره ، وتَصْلِيةُ جَحيم في الآخرةِ. (١)

وقال الشيخُ المفيد في كتابه «تصحيحُ الاعتقاد» : جاءَت الآثارُ الصحيحة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الملائكة تنزل على المقبُورين فتسألُهم عن أدْيانهم ، وألفاظُ الأخبارِ بذلك متقاربة فمِنها أنّ مَلكَينِ لله تعالى يُقالُ لهما ناكر ونكير ينزلان على الميّتِ فَيَسألانِهِ عن ربِّهِ ونبيِّهِ ودينِهِ وإمامِهِ ، فإنْ أجابَ بالحق سَلَّموهُ إلى ملائكةِ النَّعيم ، وإن ارتجَّ عليه سَلَّموهُ إلى ملائكةِ العَذاب (٢).

وقال المحقّق نصيرُ الدين الطوسي في كتابه : «تجريد الاعتقاد» أيضاً : وعذابُ القبر واقعٌ لإمكانِهِ ، وتواتُرِ السّمعِ بِوقوعِهِ. (٣)

ومن راجَعَ كتب العقائد لدى سائر المذاهب الإسلامية اتّضح له أنّ هذه العقيدة هي موضع اتفاقٍ بين جميع المسلمين ، ولم يُنسَب إنكار عذابِ القبر إلّا إلى شخص واحِدٍ هو «ضرار بن عمرو» (٤).

__________________

(١). اعتقادات الصدوق ، الباب ١٧ ، ص ٣٧.

(٢). تصحيح الاعتقاد للمفيد : ص ٤٥ ـ ٤٦.

(٣). كشف المراد : المقصد ٦ ، المسألة ١٤.

(٤). راجع كتاب «السنة» لأحمد بن حنبل ؛ و «الإبانة» لأبي الحسن الأشعري ؛ وشرح الأُصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي.

الأصل التاسع بعد المائة : تفسير المعاد بالتناسخ وردّه

لقَد اتّضحَ ممّا سبق أَنّ حقيقةَ المَعاد هي أنّ الرُّوح بعد مفارَقَتها للجَسَد تعودُ مرة أُخرى ـ وبإذن الله ومشيئته ـ إلى نفسِ البدنِ الذي عاشت به ليلقى الإنسانُ جزاءَ ما عَمِلَهُ في الدنيا ، في العالم الآخر ، إنْ خيراً فخيرٌ ، وإنْ شراً فشرّ.

ولكن ثمَّتَ من يُنكر «المعاد» الذي دَعَت الشرائعُ السماويةُ إلى الإيمان بهِ ، وإن أقرّوا بمسألةِ الثوابِ والعقابِ ، الذي يلحق أعمال البَشَر ، إلّا أنّهم فسروه عن طريقِ «التناسخ».

إنّهم ادّعَوا أنّ الرُّوح تعودُ مرّةً أُخرى إلى العالم الدنيوي عن طريق تعلّقِها بالجنين ، وعبْر طيّ مراحلِ الرّشد والنموّ ، ويطوي دورات الطفولة ، والشباب ، والشيخوخة ، غاية ما في الأمر ، يحظى أصحاب الأعمال الصالحة بحياة لذيذةٍ جميلةٍ ، بينما يعاني أصحاب الأعمال الفاسدة من حياةٍ مُرّةٍ وقاسيةٍ. فهي إذن ولادةٌ جديدةٌ ، تتبعُها حياةٌ سعيدةٌ أو تعيسةٌ.

ولقد كانَ لعقيدة التناسخ هذه على طول التاريخ البشريّ أنصار ومؤيّدون ، وتُعَدُّ إحدى أُصول الديانة الهندوسية.

ويجب أن نَنتبه إلى هذه النقطة ، وهي أنّ النفوسَ والأرواح البشرية إذا سَلكتْ طريقَ التناسخ بصورة دائميةٍ لم يبق مجالٌ للمعاد والقيامة ، والحال أنّ الاعتقاد بالمعاد أمرٌ ضروري وبديهيٌ في ضوءِ أدلّته وبراهينه

العقلية والنقلية.

وفي الحقيقة لا بدّ أن يُقال : إنّ القائلين بالتناسخ حيث إنّهم لم يتمكّنوا مِن تصوّر «المعاد» بصورته الصحيحة أَحلُّوا «التناسخَ» محلَّه ، واعتقدوا به ، بَدَلَ الاعتقاد بالمعاد.

إنّ التناسخَ في المنطق الإسلاميّ يستلزم الكفرَ ، ولقد بُحِثَ في كتبنا الاعتقادية وأُثبِتَ بطلانه ، وعدم انسجامه مع العقائد الإسلاميّة بشكلٍ مفصَّلٍ ، ونحن نشير هنا إلى ذلك باختصار :

١. إنّ النَّفس والرّوحَ البشرية تكون قد بلغت عند الموت مرتبة من الكمال.

وعلى هذا الأساس فإنّ تعلُّق الروح المجدّد بالجنين بحكمِ لُزُوم التناسقِ والانسجامِ بين «النَّفْسِ» و «البَدَن» يستلزمُ تنزُّل النَّفْسِ من مرحلة الكمال إلى مرحلة النقص ، والفعليَّة إلى القُوّةِ ، وهو يتنافى مع السُنّة الحاكمة على عالم الخَلقِ (المتمثّلة في السّير التكامليّ للموجوداتِ من القوّة إلى الفعل).

٢. إذا قَبلنا بأن النفس تتعلّق بعد الانفصال من البَدَن ، ببدنِ حيٍّ آخر ، فإنَّ هذا يستلزمُ تعلّق نفسين ببدنٍ واحد ، ونتيجته هي الازدواجيّة في الشخصيّة ، ومثلُ هذا المطلبِ يتنافى مع الإدراك الوجداني للإنسان عن نفسه التي لا تمتلك إلّا شخصيّةً واحدةً لا شخصيّتين. (١)

__________________

(١). كشف المراد للعلامة الحلّي المقصد الثاني ، الفصل الرابع المسألة الثامنة ، والأسفار صدر المتألّهين : ٩ / ١٠.

٣. الاعتقاد بالتناسُخ مع أنّه يتنافى مع السُنّة الحاكمة على نظام الخلق يعتبر بنفسه ذريعة للظالمين والنفعيّين الذين يرون أنَّ عزَّتَهم ورفاههم الفِعلِيّين نتيجةٌ لطهارة أعمالهم في حياتهم المتقدمة ، ويرونَ أن شقاء الأشقياء كذلك نتيجةٌ لِسوءِ أعمالهم في المرحلة السابقة ، وبهذا يبرِّر هؤلاء الظَّلَمة أعمالَهم القبيحة ، ووجود الظُّلم والجور في المجتمعات التي تخضع لسلطانِهِم.

الأصلُ العاشرُ بعد المائة : الفرق بين التناسخ والمسخ

في ختام البحث حول التناسخ من الضروريّ أن نجيبَ على سؤالين :

السؤال الأوّل : لقد صَرَّح القرآنُ الكريم بوقوع حالات من المَسخ في الأُمم السابقة ، حيث تحوّل البعضُ إلى قِردةٍ ، والبعض الآخر إلى خنازير كما يقول تعالى :

(وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) (١).

فكيفَ تحقّق المسخُ إذا كان التناسخ باطلاً؟

الجواب : إنّ «المسخ» يختلف عن «التناسخ» الاصطلاحيّ ، لأنّ في التناسخ تتعلَّق الروحُ بعد انفصالها من بَدَنِها بجنينٍ أو ببدن آخر.

ولكن في المسخ لا تنفصلُ الروحُ عن البَدن بل يتغير شكلُ البدَن

__________________

(١). المائدة / ٦٠. لاحظ سورة الأعراف : الآية ١٦٦.

وصورتُه ، ليرى العاصي والمجرم نفسَه في صورة القِرد والخنزير ، فيتألّم من ذلك.

وبعبارة أُخرى : إنّ نفسَ الإنسان لا تتنزّل من المقام الإنساني إلى المقام الحيواني ، لأنّه إذا كان كذلك لما كان أُولئك الذين مُسِخوا من البشر يُدرِكون العذاب ، ولما لَمَسوا عقاب عَمَلهم ، في حين يعتبر القرآنُ الكريمُ «المسخَ» «نكالاً» وعقوبة للعصاة (١).

يقول التفتازاني : إنّ النفوس بعد مفارقتها للأبدان تتعلّقُ في الدنيا بأبدان أُخرى للتصرّف والاكتساب ، لا أن تتبدّل صُوَرُ الأبدان كما في المسخ. (٢)

ويقول العلامة الطباطبائي : الممسوخ من الإنسان إنسانٌ ممسوخٌ لا أنّه ممسوخٌ فاقدٌ للإنسانية. (٣)

السؤالُ الثاني : يذهبُ بعض المؤلّفين إلى أنّ القول بالرجعة ناشئ من القول بالتناسخ. (٤)

فهل يستلزمُ الاعتقادُ بالرجعة القولَ بالتناسخ؟

الجواب : إنّ الرجعة ـ كما سنتحدّث عنها في محلّها ـ حسب اعتقاد أكثر علماء الشيعة الإمامية تعني أنّ طائفةً من أهلِ الإيمان ، وأهل الكفر

__________________

(١). (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة / ٦٦).

(٢). شرح المقاصد ، للتفتازاني : ٣ / ٣٣٧.

(٣). الميزان ، للطباطبائي ، ١ / ٢٠٩.

(٤). فجر الإسلام ، لأحمد أمين المصري ص ٣٧٧.

سيعودُون إلى هذه الحياة (أي العالم الدنيويّ) في آخر الزمان مرةً أُخرى ، وتكون عودتهم إلى الحياة مثل إحياءِ الموتى على يد السيد المسيح ، ومثل عودة «عزير» للحياة بعد مائة سنة. (١)

وعلى هذا الأساس لا يكون للاعتقاد بالرجعة أيّ ارتباطٍ وعلاقة بمسألة التناسخ قط ، وسنعطي المزيد من التوضيحات في هذه المسألة في مبحث «الرجعة» مستقبلاً. (٢)

الأصلُ الحادي عشر بعد المائة : أشراط الساعة

لقد ورَدَت في كلمات العلماء تبعاً للقرآن مسألة باسم «أشراط الساعة» وتعني علامات القيامة.

إنّ علاماتِ يومِ القيامة على قسمين :

ألف : حوادث تقع قبل وقوع القيامة وانهدام النظام الكوني وعند وقوع ذلك يكونُ البشر لا يزالون يعيشون على وجه الأرض ، ولفظة «أشراط الساعة» تُطلَق في الأغلب على هذا النَّمَط من الحوادث والوقائع.

ب : الحوادث التي توجب تخلخل النظام الكونيّ ، وقد جاء أكثرها في سور : التكوير ، والانفطار ، والانشقاق والزلزال.

والعلائم من القسم الأوّل عبارة عن :

__________________

(١). لاحظ آل عمران / ٤٩ ، والبقرة / ٢٥٩.

(٢). لاحظ الأصل التاسع والعشرين بعد المائة ص ٢٨٦.

١. بعثة النبي الخاتم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

٢. اندكاك السدّ وخروج يأجوج ومأجوج (٢).

٣. إتيان السماء بدخان مبين (٣).

٤. نزول السيد المسيح عليه‌السلام (٤).

٥. خروج دابّة من الأرض (٥).

ولا بُدَّ من مراجعة كتُبِ التفسير والحديث للحصول على تفاصيل هذه العلائم.

ولقد تحدّث القرآنُ الكريمُ بإسهاب حولَ العلائم والأشراط من النوع الثاني مثل : انهدام النظام الكونيّ وتلاشيه وتكوير الشمس والقمر ، وانكدار النجوم ، وتناثرها ، وتفجير البحار وتسجيرها ، وتسيير الجبال (٦) ، وغيرها من الحوادث التي ملخّصُها هو اندثار النظام السائد فعلاً ، وظهور نظام جديدٍ ، وهو في حقيقته تجلّ للقدرةِ الإلهيّةِ التامّة ، كما قال تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٧).

__________________

(١). لا حظ محمد / ١٨.

(٢). لا حظ الكهف / ٩٨ ـ ٩٩.

(٣). لا حظ الدخان / ١٠ ـ ١٦.

(٤). لا حظ الزخرف / ٥٧ ـ ٦١.

(٥). لا حظ النمل / ٨٢.

(٦). لا حظ سور : التكوير ، والانفطار ، والانشقاق ، والقارعة.

(٧). إبراهيم / ٤٨.

الأصلُ الثاني عشر بعد المائةِ : النَّفخُ في الصُّور

إنّ القرآنَ الكريم يتحدَّث عن حادثةٍ باسم «النَّفخُ في الصُّور» والذي يتم مرتين :

ألف ـ النَّفْخُ في الصُّور ، الذي يوجبُ موتَ كلّ الأحياء في السَّماوات والأرضين.

ب ـ النَّفخُ في الصُّور ، الذي يوجبُ إحياءَ الموتى كما يقول :

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (١).

إنّ القرآنَ الكريم يتحدَّث عن خصوص حَشر البَشَر ونشْرهم يومَ القيامة قائلاً : (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) (٢).

الأصلُ الثالثُ عشر بعد المائة : مراحل الحساب والقيامة

بعد عَودة الموتى إلى الحَياة ، وحَشْرِهمْ ونَشْرِهِمْ ، تتحقَّق عدةُ أُمور قبلَ دُخولِ الجنة أو النار ، أخبر بها القرآنُ الكريمُ ، والأحاديثُ الشريفة :

١. محاسَبة النّاس على أعْمالهم بشكلٍ خاصّ ، أو بصورٍ معيّنة إحداها إعطاءُ صحيفةِ عملِ كل أحد بيده. (٣)

__________________

(١). الزمر / ٨ ٦.

(٢). القمر / ٧.

(٣). لاحظ الإسراء / ١٣ ـ ١٤.

٢. مضافاً إلى ما هو مُندرَجٌ في صحيفة كل واحد من الصغائر والكبائر ، ثمّتَ شهُودٌ من داخلِ الإنسان وخارجه تشهدُ يومَ القيامة بأعمالهِ التي عَمِلَها في العالمِ الدُّنْيويّ.

والشهود الّذين من الخارج هم عبارةٌ عن الله (١) ونبي كلّ أُمّة (٢) ونبيّ الإسلام (٣) ، والصفوة الأخيار من الأُمّة (٤) ، والملائكة (٥) ، والأرض (٦).

وأمّا الشهودُ من داخل الكيانِ البشريّ فهم عبارة عن الأعضاء والجوارح (٧) ، وتجسّم الأعمال (٨) نفسِها.

٣. هناكَ لمحاسبة الإنسان على أعماله ـ مضافاً إلى ما قلناه ـ ما يُسمّى ب «موازين العَدل» التي تُقامُ يومَ القيامة ، وتضمِن وصولَ كلّ إنسان إلى ما يستحقه من الجزاء على وجهِ الدقّة كما يقول تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (٩).

٤. ويُستفاد من الأحاديث الشريفة أنّ هناك ـ يومَ القيامة ـ ممرّاً يجبُ أن يعبر منه الجميعُ بلا استثناء.

__________________

(١). لاحظ آل عمران / ٩٨.

(٢). لاحظ النحل / ٨٩.

(٣). لاحظ النساء / ٤١.

(٤). لاحظ البقرة / ١٤٣.

(٥). لاحظ ق / ١٨.

(٦). لاحظ الزلزلة / ٤ ـ ٥.

(٧). لاحظ النور / ٢٤ ، فُصّلت / ٢٠ ـ ٢١.

(٨). لاحظ التوبة / ٣٤ ـ ٣٥.

(٩). الأنبياء / ٤٧.

وهذا الممرّ يُعبّر عنهُ في الروايات بالصراط ، وقد ذهبَ المفسرون إلى أنّ الآيات ٧١ ـ ٧٢ من سورة مريم ناظرة إليه. (١)

٥. هناكَ حائلٌ بين أهل الجنّة وأهل النار أسماه القرآنُ الكريم ب (الحجاب) كما أنّه يقف شخصياتٌ رفيعةُ المستوى على مكانٍ مرتفعٍ يعرفون كلّاً مِن أهلِ الجنّة وأهلِ النارِ بسيماهُم كما يقولُ سبحانه :

(وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) (٢).

وهؤلاءُ الشخصيّات العالِية المستوى هم ـ كما تُصرّح رواياتُنا ـ الأنبياءُ وأوصياؤهم الكرام البرَرَة.

٦. عند ما تَنْتهِي عمليّةُ الحساب ويَتّضح مصيرُ الأشخاص يومَ القيامة يعطي اللهُ سبحانه لواءً بيد النبيّ الأكرمِ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُدعى «لواء الحمد» فيتحرّكُ أمامَ أهلِ الجنة ، إلى الجنّة. (٣)

٧. أخبَرَتِ الرواياتُ العديدةُ بوجود حوضٍ كبير في المحشر يُعرَف بحوض «الكوثر» ، يحضر عنده رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسقى الصالحون من الأُمّة من ماء ذلك الحوض بأيدي النبيّ وأهلِ بيته عليهم‌السلام.

__________________

(١). (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا* ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) (مريم / ٧١ ـ ٧٢).

(٢). الأعراف / ٤٦.

(٣). بحار الأنوار ، ج ٨ ، الباب ١٨ ، الأحاديث ١ ـ ١٢ ؛ ومسند أحمد ١ / ٢٨١ ، ٢٩٥ و ٣ / ١٤٤.

الأصلُ الرابع عَشَر بعد المائة : الشفاعة

تُعتبر شفاعة الشافعين يوم القيامة بإذن الله تعالى إحدى العقائد الإسلاميّة المُسَلَّمة الضروريّة.

إنّ الشفاعةَ تشملُ أُولئك الذين لم يقطعوا صِلتهم بالله ، وبالدين بصورةٍ كاملة ، فصاروا صالحين لشمولِ الرحمةِ الإلهيّةِ لهم بواسطة شفاعةِ الشافعين ، رغم تورُّطِهم في بعض المعاصي والذنوب.

والاعتقادُ بالشَّفاعة مأخوذٌ من القرآن الكريم والسُّنة ونشير إلى بعض تلك النصوص فيما يأتي :

ألف : الشفاعة في القرآن

إنَّ الآياتِ القرآنيّة تحكي عن أصل وجودِ الشفاعة يومَ القيامة ، وتصرّح بأصل وجودِ الشفاعة وأنّها تقع بإذنِ اللهِ تعالى.

ويقول :

(وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (١).

فمَنْ هُم الشّفَعاء؟

يُستَفادُ من بعض الآيات أنّ الملائكة من الشّفعاء يومَ القيامة كما يقولُ : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) (٢).

__________________

(١). الأنبياء / ٢٨.

(٢). النجم / ٢٦.

ويذهبُ المفسِّرون في تفسير قولِهِ تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (١) ، إلى أنّ المقصود مِنَ «المقام المحمود» هو مقامُ الشّفاعة الثابتُ للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ب : الشفاعة في الروايات

لقد تحدّثت روايات كثيرة ورَدَت في كتبِ الحديث عن الشفاعة مضافاً إلى القُرآنِ الكريم. ونشيرُ إلى بعضِ هذه الأحاديث :

١. يقولُ النبيُّ الأكرمُ : «إنَّما شَفاعَتي لأَهلِ الكَبائِر مِن أُمَّتِي» (٢).

والظاهر أنّ عِلّة اختصاص الشفاعة بمرتكبي الكبائر من الذنوب وشمولها لهم خاصة ، هو : أنّ اللهَ وَعَد في القرآنِ بصراحة بأن يغفرَ للناسِ السيئات الصغيرة إذا ما هم اجتنبوا الكبائرَ (٣) فبقيّة الذنوب ما عدا الكبائر تشملُها المغفرة ، في الدنيا ومع المغفرة لا موضوع للشفاعة.

٢. «أُعْطِيْتُ خَمْساً ... وأُعطِيتُ الشفاعَة ، فَادّخَرْتُها لأُمَّتي فهيَ لِمَن لا يُشْرك بِاللهِ» (٤).

وعلى من أراد التعرّف على غيره من شفعاء يوم القيامة كالأئمة

__________________

(١). الإسراء / ٧٩.

(٢). الشيخ الصدوق ، من لا يحضره الفقيه ، ٣ / ٣٧٦.

(٣). لاحظ النساء / ٣١.

(٤). الخصال للشيخ الصدوق ، باب «الخمسةُ» ؛ صحيح البخاري ، ١ / ٤٢ ؛ مسند أحمد ، ١ / ٣٠١.

المعصومين ، والعلماء ، وكذا المشفوع لهمْ ، أن يُراجِعَ كتبَ العقائد ، والكلام ، والحديث.

كما أنّه لا بُدّ أن نَعلَمَ بأنّ الاعتقاد بالشَّفاعة ، مثل الاعتقاد بقبُول التوبة ، يجب أن لا يوجبَ تجرُّؤَ الأشخاص على ارتكاب الذنوب ، بل يجب أن يُعَدَّ هذا الأمر «نافذةَ أمَل» تعيدُ الإنسانَ إلى الطريقِ الصحيحِ ، لكونه يرجو العفو ، فلا يكونُ كالآيسين الّذين لا يفكّرون في العودة إلى الصراط المستقيم قط.

ومِن هذا يتضح أنّ الأثر البارز للشفاعة هو مغفرة ذنوب بعض العُصاة والمذنبين ولا ينحصر أثَرُها في رفع درجة المؤمنين كما ذهبَ إلى ذلك بعض الفِرقُ الإسلامية (كالمعتزلة). (١)

الأصلُ الخامسُ عشر بعد المائة : طلب الشفاعة في الدنيا

إنّ الاعتقادَ بأصلِ الشفاعة في يَوم القيامة (في إطار الإذن الإلهيّ) ـ كما أسلَفنا ـ من العقائِد الإسلاميّة الضرورية ولم يخدش فيها أحدٌ.

يبقى أنْ نرى هل يجوز أن نطلب الشفاعةَ في هذه الدنيا من الشافعين المأذون لهم في الشفاعة يوم الحساب ، كالنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم لا؟

وبعبارةٍ أُخرى ، هل يصح أن يقول الإنسانُ : يا رسولَ الله يا وجيهاً

__________________

(١). أوائل المقالات للشيخ المفيد ص ٥٤ وكتب أُخرى.

عند الله اشفع لي عند الله؟

الجواب هو : أنّ هذا الموضوعَ كان محلَّ اتفاقٍ وإجماعٍ بين جميع المسلمين إلى القرن الثامن ، ولم ينكرْه إلّا أشخاصٌ معدودُون من منتصف القرنِ الثامن ، حيث خالَفوا طلبَ الشفاعة من الشفعاء المأذون لهم ، ولَم يجوّزوه في حين أنّ الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة المعتبرة ، وسيرة المسلمين المستمرة تشهَدُ جميعُها بجوازه ، وذلك لأنَّ الشفاعة هو دُعاؤهم للأشخاص ومن الواضح أن طلبَ الدعاء من المؤمن العاديّ (فضلاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أمرٌ جائز ومستحسَن ، بلا ريب.

ولقد رَوى ابنُ عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يُستفاد منه بوضوحٍ بأنّ شفاعة المؤمن هو دعاؤه في حق الآخرين فقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما مِن رَجُلٍ مُسْلِم يَموتُ فَيَقومُ على جَنازَتِهِ أربَعون رَجُلاً لا يُشركُونَ بالله شيئاً إلّا شفَّعهُم اللهُ فِيه» (١).

ومِنَ البديهيّ والواضح أنّ شفاعة أربعين مؤمن عند الصلاة على الميّت ليس سوى دعاؤهم لذلك الميت.

ولو تَصَفَّحْنا التاريخَ الإسلاميَّ لوَجَدنا أنّ الصّحابة كانوا يطلبون الشفاعة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فها هو الترمذيّ يروي عن أنَس بن مالك أنّه قال : سألتُ النبيَّ أنْ يَشْفَعَ لي يومَ القِيامة فقال : أنا فاعل.

__________________

(١). صحيح مسلم : ٣ / ٥٤.

قلتُ : فأَينَ أطلبُك؟

فقالَ : عَلى الصّرِاطِ (١).

ومع الأخذ بِنَظَر الاعتبار أن حقيقة الاستشفاع ليست سوى طلب الدعاءِ من الشفيع ، يمكن الإشارةُ إلى نماذج مِن هذا الأمر في القرآن الكريم نفسِه :

١. طلبَ أبناءُ يعقوب من أبيهِم أن يستغفرَ لهم ، وقد وَعَدَهم بذلك ووفى بوعده ، يقول تعالى : (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ* قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) (٢).

٢. يَقولُ القرآنُ الكريمُ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٣).

٣. يقولُ في شأن المنافقين : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (٤).

فإذا كانَ الإعراضُ عن طَلَب الاستغفار من النَّبيّ ـ الذي يَتّحد في حقيقته مع الاستشفاع ـ علامةَ النِّفاق ، والاستكبار ، فإنّ الإتيان بهذا الطَّلَب وممارسته يُعدّ بلا شكّ علامةُ الإيمانِ.

__________________

(١). صحيح الترمذي : ٤ / ٤٢ ، باب ما جاء في شأن الصراط.

(٢). يوسف / ٩٧ ـ ٩٨.

(٣). النساء / ٦٤.

(٤). المنافقون / ٥.

وحيثُ إنّ مقصودَنا ـ هنا ـ هو إثبات جواز طلب الشفاعة ، ومشروعيّتهِ ، لذلك لا يَضرُّ موتُ الشفيعِ في هذه الآيات بالمقصود ، حتى لو فُرض أنّ هذه الآيات وَرَدَت في شأنِ الأحياء من الشّفَعاءِ لا الأموات ، لأن طَلَبَ الشفاعة مِنَ الأحياء إذا لم يكن شركاً فإنّ من الطبيعي أن لا يكونَ طلبُها من الأموات كذلك شركاً لأنّ حياة الشفيع وموته ليس ملاكاً للتوحيد والشرك أبداً ، والأمرُ الوحيدُ الذي هو ضروري ومطلوبٌ عندَ الاستشفاعِ بالأرواح المقدَّسة هو قدرتُها على سماع نداءاتنا ، وهو أمرٌ قد أثبتْناه في مبحث التوسُّل حيث أثبتنا ـ هناك ـ (١) وجود مثل هذا الارتباط.

وهنا لا بدّ أن نلتفتَ إلى نقطةٍ هامّة وهي أن استشفاعَ المؤمنين والموَحّدين من الأنبياء والأولياء الإلهيّين يختلفُ اختلافاً جَوهرياً عن استشفاع الوثنيّين من أصنامهم وأوثانهم.

فالفريقُ الأوّل يطلبُ الشَّفاعةَ من أولياءِ الله ، وهو مذعِنٌ بحقيقتين أساسيّتين :

١. إنَّ مقامَ الشفاعة مقامٌ خاصٌّ بالله ، وحقٌّ محضٌ له سبحانه كما قال :

(قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) (٢).

أي قل : إنّ أمر الشفاعة كلَّه بِيَدِ اللهِ ولا يحقّ لأحدٍ أن يشفَعَ مِن دون إذنِهِ ولن تكونَ شفاعةٌ مؤثرةً بغيره.

__________________

(١). لاحظ الأصل ١٢٦ و ١٢٧ وص ٢٧٩ ـ ٢٨٦.

(٢). الزمر / ٤٤.

٢. إنّ الشُّفعاء الذين يَستشفِعُ بهم الموحِّدون عبادٌ صالحون مخلصُون لله سبحانه يستجيب الله دعاءَهم لِمكانَتِهِم عنده وَلِقُربِ مَنزِلَتهِم منه سبحانه.

وبهذين الشرطين يفترقُ الموحِّدُون عن الوثنيّين في مسألة الاستشفاع افتراقاً أساسياً.

أوّلاً : انّ المشركين لا يرون لنفوذ شفاعتهم وتأثيرها أيَّ قيد أو شرط ، وكأنّ اللهَ فَوَّضَ أمرَ الشفاعة إلى تلك الأصنام العَمياء الصَّمّاء. في حين أنّ الموحّدين يعتبرون الشفاعة كلّها حقاً مختصاً بالله ، تبعاً لما جاء في القرآن الكريم ، ويُقيِّدون قبولَ شفاعة الشافعين وتأثيرها بإذن الله ورضاه وإجازته.

ثانياً : إنّ مشركي عصر الرسالة كانوا يَعتبرون أوثانهم وأصنامَهم ومعبوداتهم المختلفة أرباباً وآلهةً ، وكانوا يظنّونَ سفهاً أنّ لِهذهِ الموجودات الميّتة ، والجمادات سَهْماً في الرّبوبيّة ، والأُلُوهيّة ، بينما لا يرى الموحّدون ، الأنبياءَ والأئمةَ إلّا عباداً صالحين ، وهم يردّدُون في صلواتهم وتحياتهم دائماً عبارة : «عَبْدُه ورسوله» و «عباد الله الصالحين».

فانظرْ إلى الفرق الشاسِعِ ، والتفاوت الواسِع بين الرؤيتين والمنطِقَين.

بِناءً على هذا فإنّ الاستدلالَ بالآيات التي تَنفي وتندّدُ باستشفاعِ المشركين من الأصنام ، على نَفي أصل طلب الشفاعة في الإسلام ، استدلالٌ مرفُوضٌ وباطلٌ وهو من باب القياس مع الفارق.

الأصلُ السادسُ عشر بعد المائة : التوبة

إنّ انفتاح بابِ التوبةِ في وجهِ العُصاة والمُذنبين والدعوة إليها من التعاليمِ الإسلاميّة بل مِن مقرّرات جميعِ الشرائع السَّماويّة.

فعند ما يندَمُ الإنسانُ المذنبُ من عَمَلِهِ القبيحِ نَدَماً حقيقيّاً ويملأُ التوجّهُ إلى الله ، والتضرُّع إليه فضاءَ رُوحه ، فيقرّر من صميمِ قَلبه أن لا يرتكبَ ما ارتكبَ ثانيةً ، قَبِل اللهُ الرحيمُ أوبتَه وتَوبته ، بشروطٍ مَذكورةٍ في كتُب العقيدة والتفسير. يقول القرآنُ الكريمُ في هذا الصَّدَد :

(وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١).

إنّ الّذين لا يَعرفونَ الآثار التربويّة الإيجابيّة للتوبة يتصوَّرُون أنّ فتح هذين البَابين (بابِ الشفاعة وباب التوبة) في وجه العُصاة والمذنبين يشجّعهم ـ بشكلٍ ما ـ على المعصية ، في حين يغفل هؤلاء عن أنّ كثيراً من النّاس متورّطونَ في بعض المعاصي ، وقلّما يوجَد من لم يرتكبْ ذَنباً في حياته طوال عمره.

وعلى هذا الأساس ، إذا لم يكن بابُ التوبة مفتوحاً في وَجه هؤلاء لقالَ الذين يريدون أن يغيّروا مسيرهم ويقضوا بقيَّةَ أيّام حياتِهِمْ في الطُّهْر والنقاء مع أنفسهم : إنَّنا سنَلقى ـ على كلّ حالٍ ـ جزاءَ ذُنوبنا ، وندخل جهنّم فلِمَ لا نستجيبُ لِرَغباتنا؟ ولمَ لا نحقّق شهواتِنا فيما تبقى من عُمُرنا ما دام هذا هو مصيرُنا ، وهو مصيرٌ لا يَتَغيَّر قطّ ولا مفرّ منه أبداً؟.

__________________

(١). النور / ٣١.

وهكذا نكونُ بإغلاقنا بابَ التَّوبة قد فَتَحْنا في وجه النّاس بابَ اليأس والقنوط ، ومَهَّدْنا للمزيد من المعصية وللتمادي في ارتكاب القبائِح والذنوب ..

إنَّ الآثار الإيجابيّة لأصل التوبة تتّضحُ أكثر فأكثر عند ما نعلم بأن الإسلام يقيِّد قبولَ التوبة بشروطٍ خاصّةٍ ذكرَها ـ بتفصيل ـ أئمةُ الدّين ، والمحقّقون من علماءِ الإسلام.

إنَّ القرآن الكريم يتحدّث عن التوبة بصراحةٍ تامةٍ إذ يقول :

(كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).

ثمّ إنّه قد ذُكرَ الأشخاصُ الذين لا تُقبَلُ توبتهم عندَ الله سبحانه في كُتب الفِقه ، والتفسير ، والعقيدة فمنَ شاء راجَعَها.

الأصلُ السابعُ عشر بعد المائة : الإنسان ينال جزاء أعماله

يَشهدُ العقلُ والنقلُ بأنّ كلَّ إنسانٍ يَرى جزاءَ عملِهِ ، إنْ خيراً فخيرٌ ، وإن شرّاً فشرّ.

يقول القرآنُ في هذا الصَّدد : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٢).

ويقول أيضاً : (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى * ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) (٣).

__________________

(١). الأنعام / ٥٤.

(٢). الزلزلة / ٧.

(٣). النجم / ٤٠ ـ ٤١.

ويُستفاد من الآيات السابقة أنَّ أعمالَ الإنسان القبيحة ، لا تُزيل أعمالهُ الصالحة ولا تقضي عليها ، ولكن يجب أنْ نعلم في نفس الوقت أنّ الذين يرتكبون بعضَ الذنوب الخاصّة كالكُفر والشرك ، أو يَسلكون سبيل الارتداد سيُصابون بالحَبط ، أيْ أنّ أعمالَهم الصّالِحة تُحبط وتهلَكَ ، ويَلقون في الآخرة عَذاباً أبديّاً كما يَقول سبحانه :

(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١).

ونظراً إلى ما قلناه فإنّ كلَّ إنسانٍ مؤمنٍ سيَرى ثوابَ أعماله الصّالِحَة في الآخرة خيراً كانت أو شراً ، إلّا إذا ارتدّ ، أو كَفَرَ ، أو أشرَكَ ، فإنّ ذلك سيأتي على أعماله الصالِحَة ويقضي عليها ـ كما دَلّ على ذلكَ الكتابُ والسنّةُ ـ.

وفي الختام لا بُدَّ من التذكير بالنقطة التالية وهي : أَنّ اللهَ سبحانه وتعالى وإنْ وَعَدَ المؤمِنين بالثواب على أعمالِهم الصالِحة ، وفي المقابل أوعد على الأعمال السيئة ، ولكن «الوعدَ» و «الوَعيد» هذين يختلف أحدُهما عن الآخر ـ في نظر العقل ـ لأنّ العَملَ بالوعد أصلٌ عقلي ، والتخلّفَ عنه قبيح ، لأنّ في التخلّف عنه تضييعاً لِحقّ الآخرين ، وإن كانَ هذا الحقّ مما أوجبَهُ الواعدُ ، نفسُه على نفسه ، وهذا بخلاف الوعيد فهو حق للمُوعِد وله الصفح عن حقه والإعراض عنه ولهذا لا مانعَ مِن أن تستر بعضُ الأعمالِ الصالِحة الحسنة قباحةَ بعض الأعمال السيئة وهو ما

__________________

(١). البقرة / ٢١٧.

يُسمّى بالتكفير (١).

وقد صَرَّحَ القرآنُ الكريمُ بكونِ بعضِ الأعمال الصَّالحة الحَسَنة مكفّرةً للأعمال السَّيئة ، وأحَد هذه الأعمال هو اجتناب الشخص للذنوب الكبيرة :

(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٢).

وكذا يكونُ لأعمالٍ أُخرى مثل التوبة (٣) ، وصدقة السر (٤) وغير ذلكَ مِثل هذا الأثر.

الأصلُ الثامن عَشَر بعد المائة : الخلود في الجحيم خاصّ بالكفّار

إنّ الخُلودَ في عذاب جهنّم خاصّ بِالكفّار ، وأمّا المؤمنون العُصاة الذين أشرقت أرواحهم بنورِ التوحيد ، فطريقُ المغفرة والخروج من النار غير مسدودة عليهم كما يقولُ اللهُ تعالى :

(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) (٥).

إنّ الآيةَ المذكورةَ الّتي تخبرُ بِصراحة عَن إمكان المغفرة والعفو عن

__________________

(١). كشف المراد ، ص ٤١٣ ، المقصد ٦ ، المسألة ٧.

(٢). النساء / ٣١.

(٣). لاحظ التحريم / ٨.

(٤). لاحظ البقرة / ٢٧١.

(٥). النساء / ٤٨.

جميع الذنوب (ما عدا الشرك) ناظرة ـ من دون شَكٍّ ـ إلى أُولئك الّذين ماتُوا من دون توبة ، لأنّ جميعَ الذنوب والمعاصي ـ حتى الشرك ـ يشملُها العفوُ والغفرانُ إذا تابَ عنها الإنسانُ.

وحيث إنّ هذه الآية فَرَّقت بين المشرك وغير المشرك ، وَجَب أن نقول : إنّها تحكي عن إمكان مغفرةِ من ماتوا من دونِ توبة.

ومن الواضح أنّ مثلَ هذا الإنسان إذا كان مشركاً لم يغفرِ اللهُ له ، وأمّا إذا لم يكنْ مُشركاً فيمكنهُ أن يأمَل في عَفو اللهِ ويَطمع في غفرانه ولكن لا بشكلٍ قَطعيّ وحتميّ ، إنما يحظى بالعفو والغفران من تعلَّقت الإرادةُ والمشيئةُ الإلهيّةُ بمغفرته.

فإنّ قَيْد (لِمَنْ يَشاءُ) في الآية تضعُ العُصاة والمُذنبين بين حالَتي «الخَوْف» و «الرَّجاءِ» وتحثهم على التوقّي من الخطر وهو التوبة قبلَ الموت.

ولهذا فإنّ الوَعدَ المذكور يدفع بالإنسان على طريق التربية المستقيم ، بإبعاده عن منزلَق «اليَأس» و «التجرّي».

الأصلُ التاسع عشرَ بعدَ المائة : الجنة والنار مخلوقتان

نحن نعتقد أنّ الجنّة والنّار مخلوقتان موجودتان الآن.

قال الشيخ المفيد : «إنَّ الجنّة والنّارَ في هذا الوَقتِ مخلوقَتان وبذلك جاءتِ الأخبارُ ، وعليه إجماعُ أَهل الشّرعِ والآثار» (١).

__________________

(١). أوائل المقالات ص ١٤١.

وإنّ الآيات القرآنيّة هي الأُخرى تشهد بالوجودِ الفِعليّ لِلجنَّة والنار إذ يقول :

(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) (١).

ويصرّح في موضعِ آخر : بأنَّ الجنّة مهيَّأَةٌ للمؤمنين ، وإن النّار للكافِرين ، إذ يقول حولَ الجنّةِ :

(أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (٢).

ويقولُ حَولَ النّار :

(وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (٣).

ومَعَ ذلك فلا نعرِفُ مكانَ الجَنَّةِ والنّار على وَجهِ الدّقةِ واليقينِ ، وإن كان المُستفاد من بعض الآيات هو أن الجَنّة موجودةٌ في القِسم الأعلى كما يقولُ سبحانه :

(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) (٤).

__________________

(١). النجم / ١٣ ـ ١٥.

(٢). آل عمران / ١٣٣.

(٣). آل عمران / ١٣١.

(٤). الذاريات / ٢٢.

كليات في العقيدة

٨

الفصل التاسع

في معالم الايمان والكفر

الأصلُ العشرون بعد المائة : حدّ الإيمان والكُفر

إنّ حدَّ «الإيمان» و «الكُفر» من المباحث الكلاميّة والاعتقادية الهامّة جدّاً.

فالإيمان في اللُّغة يعني التّصديق و «الكُفر» يعني السّتر ، ولهذا يُقال للزارع «كافر» لأنّه يستر الحبَّةَ بالتراب ، ولكن المقصود من «الإيمان» في المصطلَح الدينيّ (وفي علم الكلام والعقيدة) هو الاعتقاد بوحدانيَّة الله تعالى ، والآخرة ورسالة النبي الخاتم محمّد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

على أنَّ الإيمان برسالة النبيّ الخاتِم يشمُلُ الإيمانَ بِنبوّة الأنبياء السابقين عليه ، والكتب السّماوية السابقة ، وما أتى به نبيُّ الإسلام من تعاليم وأحكام إسلاميّة للبشر من جانب الله أيضاً.

إنّ المكان الواقعي والحقيقي للإيمان هو قلب الإنسان وفؤادُه كما يقول القرآن :

(أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (١).

__________________

(١). المجادلة / ٢٢.

كما أنّه يقول لسُكّان البَوادي الذِين استسْلَمُوا لِلحاكميّة الإسلامية وسلطتها من دون أن يَدخلَ الإيمانُ في أفئدتِهِم :

(وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (١).

ولكنّ الحكمَ بإيمان الشخص مشروطٌ بأن يعبّر عن ذلك بِلسانه وإقرارِهِ اللفظي أو يُظهِرَه بطريقٍ آخر ، أو لا يُنكر اعتقادَه به على الأقل ، وذلك لأنّ في غير هذه الصورة لا يُحكم بإيمانِهِ كما قال :

(وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (٢).

في ضوءِ هذا يكونُ قد تبيَّنَ معنى «الكفر» وحدّه أيضاً ، فاذا أنكر شخصٌ وحدانيّةَ الحقِّ تعالى ، أو أنكرَ يومَ القيامة ، أو رسالة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حُكِمَ بكفره حتماً ، كما أنّ إنكار أحد مسلّمات الدين المحمديّ وضروريّاته التي يكون إنكارها مستلزِماً لإنكار رسالةِ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشكلٍ واضحٍ يجعلُ الإنسانَ محكوماً بالكفر أيضاً.

فعند ما أعطى رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الراية لعلي عليه‌السلام لفتحِ قِلاعِ خيبر ، وأخبرَ الناسَ بأن حاملَ هذه الراية سيفتح خيبراً ، في هذه اللحظة قال الإمامُ عليٌ عليه‌السلام لرسول اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسولَ الله علام أُقاتلهُمْ؟؟

فقال النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قاتِلْهُمْ حَتّى يَشهَدُوا أنْ لا إِله إلّا اللهُ وأنّ محمداً رسولُ الله ، فإذا فَعَلُوا ذلك فقد مَنَعوا مِنْكَ دِماءَهُمْ وأموالَهم إلّا بحقها ،

__________________

(١). الحجرات / ١٤.

(٢). النمل / ١٤.

وحسابُهم على الله». (١)

وسَأَلَ شخصٌ الإمامَ الصادق عليه‌السلام فقال : ما أدنى ما يكونُ به العَبدُ مُؤمِناً؟

قالَ عليه‌السلام : «يَشْهَد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ مُحمداً عبدُهُ ورسولهُ ، ويُقرّ بالطّاعَةِ ، ويعرف إمام زمانِهِ ، فاذا فَعل ذلكَ فَهُو مؤمِنٌ». (٢)

الأصلُ الواحدُ والعشرون بعد المائة : الإيمان مشروط بالالتزام بالعمل الصالح

إنّ حقيقةَ الإيمان وان كانت هي الاعتقاد القلبي (المشروط بالإظهار أو عدم الإنكار على الأقلّ) ولكن يجب ان لا يُظَنَّ أنّ هذا القَدَر من الإيمان كافٍ في فلاحِ الإنسانِ ، بل يجب على الشخْصِ أن يَلتَزِمَ بلوازم الإيمان وآثاره العَمَليّة أيضاً.

ولهذا فقد وُصِف المؤمنُ الواقعي وعُرّف في كثير من الآيات والرّوايات بأنه الملتزم بآثار الإيمان ، والمؤدّي للفرائض الإلهيّة.

فقد اعتبر القرآنُ الكريمُ في سورة «العصر» كلّ الناس في خسر إلّا من اتّصف بالصّفات التالية حيث قال :

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا

__________________

(١). صحيح البخاري : كتاب الإيمان ، ١٠ ؛ صحيح مسلم : ج ٧ ، باب فضائل علي ، ١٢١.

(٢). بحار الأنوار : ٦٩ / ١٦ ، كتاب الإيمان والكفر ، نقلاً عن معاني الأخبار للشيخ الصدوق ، وسند الحديث صحيح.

بِالصَّبْرِ) (١).

وقد روى الإمامُ الباقر عليه‌السلام عن الإمام علي عليه‌السلام أن رجلاً قال له : من شهد أن لا إله إلّا اللهُ وأنّ محمّداً رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانَ مؤمناً؟

قال : «فأينَ فرائضُ الله»؟ (٢)

وَقال عليه‌السلام أيضاً : «لو كانَ الإيمان كلاماً ، لم ينزلْ فيه صومٌ ، ولا صلاةٌ ، ولا حلالٌ ، ولا حرام». (٣)

فيُستنتَج من البَيان السابق أنّ الإيمان ذو مراتب ودَرَجات ، وأنّ لكلِّ مرتبة أثراً خاصّاً بها ، وأن الاعتقاد إذا اقترن بالإظهار أو عدم الإنكار على الأقل ، كان أضعف مراتب الإيمان وأدونها ، وتترتّب عليه سلسلةٌ من الآثار الدينيّة ، والدنيويّة ، في حين أن المرتبة الأُخرى للإيمان التي توجب فلاحَ الإنسان في الدنيا والآخرة رهنٌ للالتزام بآثاره العمليّة.

والنقطة الجديرةُ بالذّكر هي أنّ بعضَ الروايات اعتبرت العَمَلَ بالفرائض الدينيّة ركناً من أركان الإيمان ، فقد روى الإمامُ الرضا عليه‌السلام عن رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «الإيمان معرفة بالقلب وإقرارٌ باللسان وعملٌ بالأركان» (٤).

وفي بعضِ الرّوايات جُعِلَت أُمور ، مثل إقامة الفرائض ، وأداء الزكاة

__________________

(١). العصر / ٣.

(٢). الكافي : ٢ / ٣٣.

(٣). الكافي : ٢ / ٣٣ ، الحديث ٢.

(٤). عيون أخبار الرضا : ١ / ٢٢٦.

والحج ، وصومِ شهرِ رمَضَان ، إلى جانب الشهادتين أيضاً. (١)

إنّ هذه الروايات إمّا هي ناظرةٌ إلى أنّه يمكن تمييز المسلم عن غير المسلم بواسطة هذهِ الأَعمال ، أو أنّ ذكرَ الشهادتين إنّما يكونُ سبباً للنجاة وموجباً للفلاح إذا اقترنَت وانضمّت إلى أعمالٍ شرعيةٍ أهمُّها وأبرزُها : الصلاةُ ، والزكاةُ ، والحج ، والصوم.

بالنَظَر إلى هذين الأصلين يجب أن لا تُكَفِّرَ أيَّةُ فِرقة من فِرَقِ المسلمين الفرقةَ الإسلامية الأُخرى التي تخالفُها في بعض الفرُوع ، لأنّ ملاكَ «الكُفر» هو أنْ ينكرَ الشخصُ أحدَ الأُصول الثلاثة ، أو إنكار ما يلزَمُ من إنكاره إنكار أحَدِ الأُصول الثلاثة المذكورَة ، وهذه الملازمة إنّما تتحقَّق إذا كان حكمُ ذلك الشيء بديهيّاً من وجهة نظرِ الشرع ، وواضحاً جِدّاً إلى درجة أنّه لا يستطيع أنْ يجمعَ بين إنكاره والاعترافِ بالأُصول الثلاثة.

وعلى هذا الأساس ينبغي للمسلمين أن يحفظوا في جميع المراحل أُخوَّتَهم الإسلاميَّة ، ولا يَسْمَحُوا بأنْ يَصيرَ الاختلافُ في الأُمور المتعلّقة بالاصولِ سبباً للنزاع ، وربّما لتفسيقِ أو تكفير فرقةٍ لأُخرى ، وأن يكتفوا في الاختلافات الفكريّة والعقيديّة بالحوار العلميّ والمناقشة الموضوعيّة ، ويتجنَّبوا إقحام التعصُّب غير المنطقيّ ، والاتهام والتحريف في هذا المجال ابقاءً على الصّفاء والمودّة بين المسلمين.

__________________

(١). صحيح البخاري : ١ / ١٦ ، كتاب الإيمان شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسولُ الله ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحجّ ، وصوم رمضان.

الأَصلُ الثاني والعشرون بَعدَ المائة : لا يجوز تكفير المسلم المعتقد بالأُصول الثلاثة

إنّ المسلمين في عالمنا الراهن يتّفقون في الأُصُول الأساسية الثلاثة (١) ، فيلزمُ أنْ لا يكفِّرَ فريقٌ فريقاً آخر بسبب الاختلاف في بعض الأُصولِ ، أو الفروع الأُخرى ، وذلك لأَنَّ الكثيرَ من الأُصول المختَلف فيها ، هي في الحقيقة من القضايا الكلاميّة التي طرِحَت على بساط البحثِ والمناقشة بين المسلمين فيما بعد ، ولكلِّ فريقٍ منهم أدلّتهُ وبراهينهُ فيها.

وعلى هذا لا يُمكن أن يُتّخَذَ الاختلافُ في هذه المسائل وسيلةً لتكفير هذه الفرقة ، أو تلك أو ذريعة لتفسيق هذه الطائفة ، أو تلك ، ولا سبباً لِتفتيت وحدةِ المسلمين.

إنّ أفضلَ الطُرق لحلّ هذا الاختلاف هو الحوارُ العلميُّ بمنأى عن العَصَبيّات الجافّة ، وَالمواقف المتزمّتة وغير الموضوعية.

يقول القرآنُ الكريمُ في هذا الصَّدَد :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) (٢).

ولقد صرّح النبيُ الأكرمُ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذكرهِ لأهَمّ أُسُس الإسلامِ وأُصُوله ، بأنَّه لا يحقُّ لمسلمٍ أنْ يُكفّرَ مُسلماً آخر لارتكابه معصية ، أو يرميَه بالشرك ، إذ قال : «لا تُكَفّروهُمْ بِذَنبٍ ولا تَشْهَدُوا عليهِم بِشِرْكٍ» (٣).

__________________

(١). وهي الأُصُول التي يرتبط تحقّق «الإيمانُ» و «الكفرُ» بقبولها أو رفضِها. وهي : الشهادة بوحدانية الله ، والإيمان بنبوة خاتم الأنبياء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمعاد في يوم القيامة.

(٢). النساء / ٩٤.

(٣). كنز العمّال : ج ١ ، الحديث ٣٠.

الأصلُ الثالث والعشرون بعد المائة : البدعة

«البِدعة» في اللغة تعني العَمَل الجديد والذي لا سابق له ، الذي يبيّن نوعاً من الحُسن والكمال في الفاعل ، فلفظ «البديع» من صفات الله كما نعلم كما ، قال تعالى :

(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١).

وأمّا المفهوم الاصطلاحيّ للبدعة ، فهو أيضاً نسبةُ ما ليس من الشريعة إلى الشريعة ، وأكثر التعاريف اختصاراً للبدعة الاصطلاحيّة هو : «إدخالُ ما ليسَ مِنَ الدّينِ في الدينِ».

إنَّ الابتداع في الدين من الذنوب الكبيرة ، وهو مما لا شك قط في حرمته فقد قال رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلُّ مُحدَثَةٍ بِدعَة وكلُّ ضَلالةٍ في النّار» (٢).

والنقطةُ المهمّة الوحيدةُ في مسألة البِدعة هي أن يُحدَّدَ مفهومُ «البِدعة» بصورةٍ جامِعةٍ ومانِعةٍ ليمكن تمييزُ ما هو بدعةٌ عمّا ليس ببدعةٍ.

وفي هذا الصَّعيد ، ولإزالة الإبهام عن حقيقة «البدعة» يجب الالتفات والانتباه إلى نقطتين :

١. إنّ البِدعة نوعٌ من التصرّف في الدين ، وذَلك بإحداث الزيادة أو النقص فيه.

__________________

(١). البقرة / ١١٧.

(٢). بحار الأنوار : ٢ / ٢٦٣ ، مسند أحمد : ٤ / ١٢٦ ، ١٢٧.

وعلى هذا الأساس إذا لم يَكُن إحداثُ شيءٍ ، مما يرتبطُ بالدّين والشريعة ، بل كان أمراً عاديّاً أو عُرفيّاً لم يكن بدعةً (وإن كانت مشروعيّته مشروطة بأن لا يكونَ الابتداع والابتكار المذكور محرَّماً أو ممنُوعاً في الشرع بدليلٍ خاصٍ).

وللمثال : إن البشريّة تبتكرُ باستمرار أساليب جديدة في مجال المسكن والمَلبس وغير ذلك من وسائل العيش وخاصّة في عصرنا الحاضر الذي تتطور فيه الأساليب والأدوات المستخدَمة في المعيشَة باستمرار ، وبشكلٍ متواصلٍ ونضربُ على ذلك مثلاً أنواع النزهة والرياضة الجديدة ، بل والمتجدّدة على الدوام.

إنّ من البديهي أنّ كلَّ هذه الأشياء والأُمور نوعٌ من البدعة والأُمور البديعة (بمعنى ما لم يكن له سابق) ولكنها لا صلة لها بالبدعة المصطلَح عليها شرعاً.

إنّما تتوقَّفُ حليّتُها وحليّةُ الاستفادةِ منها ـ كما قلنا ـ على أن لا تكونَ مخالِفةً لأحكام الشرع وموازينه.

فمثلاً اختلاط الرجلِ والمرأة من دون حجابٍ في المجالس ، والمحافل ـ الذي هو من مستورَدات الغرب الفاسد ، ومعطيات ثقافته المنحرفة ـ حرامٌ ، إلّا أنّه ليس ببدعَة ، لأنّ الذين يشتركونَ في هذه المحافل لا يأتونَ بهذا العمل باعتباره عملاً أقرّ الشرعُ الإسلاميُ صحَّته وقرَّره ، بل ربما أتَوا به من بابِ اللّامبالاة مع الاعتقاد بأنّه مخالفٌ للشرع ولهذا ربما تنبَّهوا وعادوا لرشْدهِمْ فقرّرُوا بجديّةٍ تركَه ، وعدم

الاشتراك فيه.

وانطلاقاً من التوضيح السابقِ إذا عيَّنَ شعبٌ ما يوماً ، أو بعض الأيّام للفَرح والابتهاج والاجتماع ، ولكن لا بقصد أنّ الشرع أمرَ بهذا لم يكن مثل هذا العمل (بدعة) وإن كانت حليّةُ أو حرمة هذا العمل من جهاتٍ أُخرى يجب أن تقع محطّاً للبحث والدراسة.

من هنا اتّضح أنَّ الكثيرَ من مبتكرات البشر ، وبدائعه ، في مجال الفنّ والرياضة ، والصناعة وغير ذلك خارجٌ عن نطاق البدعة الاصطلاحية ، وما يقالُ حول حرمَتها ، أو حليّتها ، إنّما هو ناشئ من جهات أُخرى ولهما ملاكٌ ومقياسٌ خاص.

٢. إنّ أساس «البدعة» في الشرع يرجع إلى نقطةٍ واحدة وهي الإتيان بعملٍ بزعم أنّه أمرٌ شرعيٌّ أمَرَ به الدين في حين لا يوجد لمشروعيته أيُّ أصل ولا ضابطة ، ولكن اذا أَتى بعمل على أنّه أمر شرعي ويدل على مشروعيته دليل شرعي (بشكلٍ خاصٍ ، أو بصورةٍ كليّةٍ وعامّة) لم يكن ذلك العملُ بدعةً.

ولهذا قالَ العالِمُ الشيعيُّ الكبيرُ العلّامةُ المجلسي : «البدعة في الشرع ما حَدَثَ بعد الرسول ولم يكن فيه نصٌّ على الخصوصِ ولا يكونُ داخلاً في بعضِ العمومات». (١)

وقال ابن حجر العسقلانيّ : «البِدعة ما أُحدِثَ وليسَ لهُ أصلٌ في

__________________

(١). بحار الأنوار : ٧٤ / ٢٠٢.

الشرعَ. وما كان له أصلٌ يدل عليه الشرع فليس بِبِدعة» (١).

فإذا كان العملُ الذي نَسَبْناه إلى الشرع يستندُ إلى دَليلٍ خاصّ ، أو ضابطةٍ كليّةٍ في الشرع لم يكن بدعةً حتماً.

والصورةُ الأُولى (أيْ وجود الدليل الخاص) لا يحتاج إلى بيانٍ.

إنّما المهم هو القِسم الثاني لأنّه ربَّ عَمَلٍ كانَ في ظاهرهِ عَملاً مبتدَعاً جديداً ومبتكراً ، ولم تكن له سابقةٌ في الإسلام ، ولكنّه في معناه وحقيقتهِ يدخُلُ تحت ضابطةٍ أقرَّها الشرعُ الإسلاميُّ بصورةٍ كليّةٍ.

ولِلمثال : يمكن الإشارة إلى التجنيدِ الإجباريّ العامّ المتداوَلِ اليوم في أكثر بُلدانِ العالم.

فإنَّ دعوةَ الشباب إلى خدمة العَلَم كوظيفةٍ دينيةٍ ، وإن كانت في ظاهرها عَمَلاً مبتكراً ومبتدعاً إلّا أنّها حيث تنخرطُ تحت أصلٍ أو قاعدةٍ دينيّة لا تُعدّ بِدعة ، وذلك لأنّ القرآنَ الكريمَ يقول :

(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (٢).

ومن البديهيّ أنّ التربية العَسكرِيّة العامة للشباب ـ تُعدُّ في ظلّ التحوُّلات والتَطَوّرات والأجواء العالميّة ـ سبباً للتهَيّؤ الأكثر في مقابلِ العدوّ المتربّص ، والعملُ بروح الآية المذكورة في عصرنا الراهنِ يقتضي هذا الأمر.

__________________

(١). فتح الباري : ٥ / ١٥٦ ، و ١٧ / ٩.

(٢). الأنفال / ٦٠.

في ضوء البيان السابق يمكن حلّ ومعالجة الكثير من الشُبهات التي تقيّد البعضَ وتعيقهم عن الحركة.

ونضرب لذلك مثلاً : ما يقومُ به جماهيرُ المسلمين العظمى من الاحتفالِ بمولدِ النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويراهُ البَعض أو يسمّونه بِدعة ، في حين لا ينطبق عليه عنوان البدعة وملاكُها ، في ضوء ما قلناه ، لأنّه على فرضِ أنّ هذا النمطَ من التكريم وإظهار المحبّة والتكريم لم يَردْ في الشرع بخصوصهِ. ولكنَّ موَدّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحُبَّه وحبَّ أهل بيته المطهَّرين سلام الله عليهم أجمعين يُعتبر أحد أُصول الإسلام الضروريّة وتُعتَبَر هذه الاحتفالات والاجتماعات الدينية البهيجة مِن مظاهر ذلك الأصل الكليّ ونعني المحبة والمودة للنبي وآله.

فقد قال رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يؤمِنُ أحدُكم حتّى أكونَ أحبَّ إليه مِن مالِهِ وأهْلِهِ والناسِ أجمعين» (١).

ولا يخفى أن الذين يُظهِرُون البَهجة والفرح في مواليد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرين ، ويقيمون لأجل هذه الغاية ، الاحتفالات والمجالس لا يهدفون من إقامة الاحتفال في هذه الأيام إلى أنّ هذه الأعمال منصوصٌ عليها ومأمُور بهِا شرعاً بعينها وشكلها الراهن ، بل يفعلون هذه الأعمال باعتقاد أنّ حُبَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمودّة لرسول الله وأهل بيته أصلٌ كلّيٌ وَرَدَ التأكيد عليه في الكتاب والسُّنة بتعابير مختلِفةٍ ومتنوّعةٍ.

__________________

(١). جامع الأُصول ١ / ٢٣٨.

إنّ القرآنَ الكريم يقول : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١).

وهذا الأصلُ يمكن أن تكونَ له تجلياتٌ ومظاهرُ مختلِفة ومتنوّعة ، منها إقامة هذه الاحتفالات البهيجة على حياة المسلمين الفرديّة والاجتماعية ، فأنّ إقامة الاحتفالات ، في الحقيقة مما يذكّر بنزول الرحمةِ والبركةِ الإلهيّة في هذه الأيّام ، وهي نوعٌ من أنواع الشّكر لله تعالى أو عملٌ باعث عليه ، وهذا المطلب (أي اقامة الاحتفال في يوم نزول الرحمة والفيضِ الربانيّ) كان في حياة الأُمم السابقة أيضاً كما يصرّحُ بذلك القرآنُ الكريمُ.

فقد طلَبَ النبيُّ عيسى ابنُ مريم عليه‌السلام مائدةً سماويّة تنزلُ عليه وعلى حواريّيه ليكونَ يومُ نزول تلك المائدة عيداً للجيل الذي كان يعيش بينهم ، وللأجيال اللاحقة كما يقولُ تعالى :

(قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ) (٢).

أضف إلى ذلك انّ الله تعالى يقول في آية أُخرى في مجال تكريم النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ

__________________

(١). الشورى / ٢٣.

(٢). المائدة / ١١٤.

هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١).

فإنّ الله تعالى يأمر الناسَ في هذه الآية بأربعة أُمور :

١. الإيمان بالنبيّ (آمَنُوا بِهِ).

٢. تكريم النبيّ وتعظيمه (عَزَّرُوهُ).

٣. نصرته (نَصَرُوهُ).

٤. اتّباع القرآن (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ...).

فلزومُ التكريم والتعظيم للنبيّ كما هو واضح أصلٌ دينيٌّ وقرآنيّ ، وله في كل زمان مصاديق ومجالي خاصّة : فالصلاةُ والسلام على النبيّ وأهلِ بيته عند ذكر اسمِهِ ، وإظهارُ الفرح والابتهاج يومَ ولادته وبعثته ، وكذا إعلانُ الحزنِ والأسى في مأتمه ومأْتم أهل بيته ، وحفظُ آثارِ النبيّ وتعمير مرقده الطاهر وحفظُ آثار أهل بيته ، وتعميرُ مراقدهم الطاهرة ، كلّها وكلُّها مصاديق لإظهار المودّة والمحبّة للنبيّ الأكرم وعترتِهِ الطاهرة صلواتُ الله عليهم أجمعين.

على أنّه يجب أن لا يتصوَّر أحَدٌ بأنّ محبّة النبيّ وأهل بيته ومودّتَهم تنحصرُ في هذه الأُمور فقط ، بل يجب الانتباه إلى أنّ اتّباعَهم في أقوالهم وأفعالهم ، والذي جاءَت الإشارة إليه في الآية أدناه أيضاً هو من أظهر مصاديق محبّتهم ومودّتهم ، كما انّه سببٌ لنيلِ العِناية الإلهيّة واللطفِ الربانيّ كما قال :

__________________

(١). الأعراف / ١٥٧.

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (١).

والبِدعَة ـ كما أسلَفْنا ـ عبارةٌ عن نوعٍ من التصرّف في الدّين من دون أن يكون له مستندٌ صحيحٌ (خاصٌّ أو كلِّيٌ عامٌّ) في الشرع ، ويجب التنويه بأنّ روايات أئمّة أهلِ البيت عليهم‌السلام ـ بحكم حديث الثقلين المتواتر ـ تُعَدُّ من مصادر الشريعة ، وأدلّةِ الأَحكام الدينيّة وعلى هذا الأساس إذا صرَّحَ الأئمةُ المعصومُون عليهم‌السلام بجواز أو عدم جواز شيءٍ كان اتّباعهم في ذلك اتّباعاً للدّين ولم ينطبق عليه عنوانُ الابتداع والإحداث في الدّين.

وفي الخاتمة نُذَكّر بأنّ «البدعة» بمعنى التصَرُّف في الدين من دون إذن الله سبحانه كان ولا يزال عَمَلاً قبيحاً وحراماً وقد أشار إليه القرآن بقوله :

(آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (٢).

وعلى هذا الأساس لا يصحُّ تقسيم البِدعة (بهذا المعنى) إلى القبيح والحَسَن والحرامِ والجائزِ ، بل كلُّها (بهذا المعنى) حرامٌ غير جائز.

نعم البِدعة بمعناها اللغويّ العامّ (أي الإتيان بأشياء حديثة في أُمور المعيشة من دون نسبة ذلك إلى الشرع) يمكن أن تكون له صُوَرٌ مختلفة ومتنوّعة ، وتكون مشمولةً لأَحد الأحكام التكلِيفيّة الخمسة : (الوجوب والحرمة والكراهة والاستحباب والإباحة).

__________________

(١). آل عمران / ٣١.

(٢). يونس / ٥٩.

الأصلُ الرابع والعشرون بعد المائة : التقية

إنَّ أحَدَ التعاليم القرآنيّة هو أن يكتم الإنسانُ المسلمُ عقيدتَه إذا تعرَّضَ في نفسه ، أو عِرضِه أو مالِه لِخطرٍ لو أظهرها ، ويُسمّى هذا العَمل في لسانِ الشرع والمصطلَح الشرعيّ بالتقيّة.

إنّ جوازَ «التقيَّة» لا يحظى بالدَّليل النقليّ فحسب ، بل إنّ العقلَ يحكم أيضاً بصحّته ولزومه ، ويَشهَد بذلك في شرائط حسّاسةٍ ، وخطيرةٍ ، لأنّ حفظ النَّفس ، والمالِ ، والعِرض ، واجبٌ ، ولازمٌ من جهة ، وإظهارَ العقيدة والعمل وفقَ تلك العقيدة وظيفةٌ دينيّةٌ من جانبٍ آخر ، ولكن إذا جرَّ إظهارُ العقيدةِ إلى الخطر على النّفس والمال ، والعرض ، وتعارضت هاتان الوظيفتان عَمليّاً ، حكم العقلُ السليمُ بأن يُقدّم الإنسانُ الوظيفةَ الأهمّ على المهمّ.

والتقية ـ في الحقيقة ـ سلاحُ الضُّعفاء في مقابل الأقوياء القُساة ، ومن الجَليّ أنّه إذا لم يكن خطرٌ ولا تهديدٌ لم يكتم الإنسانُ عقيدَتَه ، كما لم يَعمل على خلافِ معتقَده.

ينصُّ القرآنُ الكريمُ في شأن عَمّارِ بن ياسر على عدم البأس عمّن يَقعُ في أيدي الكفار ، ويُظهرُ كلمة الكفر على لِسانِه للخلاص والنجاة ، وقلبُه عامرٌ بالإيمان مشحونٌ بالاعتقاد الصحيح :

(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (١).

__________________

(١). النحل / ١٠٦.

وَيقولُ في آية أُخرى :

(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (١).

إنّ المفَسّرِين المسلمين يَتّفقون ـ عند ذِكرِ وتفسيرِ هاتين الآيَتين ـ على أنّ أصل «التقيّة» أصلٌ مشروع.

ومن طالَعَ ـ ولو على عَجَل ـ ما جاء في التفسير والفقه الإسلاميّ في هذا المجال عَرفَ بوضوحٍ أن أصلَ «التقيّة» من الأُصول الإسلاميّة ، ولا يمكن تجاهلُ الآيتين المذكورَتين أعلاه ، ولا عَمَل مؤمنِ آل فرعَون في كتمان إيمانِه (٢) وإنكار «التقيّة» بالمرَّة.

والجَدير بالذّكر أنّ آياتِ «التقيّة» وإن وَرَدَت في مجال التقيّة من الكافر إلّا أنّ الملاكَ (وهو حِفظ نفسِ المسلم ومالهِ وعرضهِ في الظروف الحسّاسة والخطيرة) لا يختصُّ بالكفار ، فَلَو استوجَبَ إظهار الشخص لعقيدته ، أو العَمَل وفقها عندَ المسلمين ، خوفَ ذلك الشخص على نفسهِ أو مالهِ أو عرضهِ أي احتَملَ بقوة تعرّضها للخَطَر من جانبِ المسلمين ، جرى في المقام حكمُ «التقيّة» أي جاز له التقيّة من المسلمين كما جاز له التقيّة من الكفار ، وذلِكَ لوحدة العلّة والمِلاك ، وتحقّق الأمر الموجب للتقيّة.

__________________

(١). آل عمران / ٢٨.

(٢). لاحظ غافر / ٢٨.

وهذا هو ما صَرَّحَ الآخرون به أيضاً فهذا هو الفخر الرازي يقول : إنّ مذهب الشافعي رضى الله عنه انّ الحالةَ بَين المسلمين إذا شاكَلتْ الحالةَ بَين المسلمِين والمشركين حَلَّتْ التقيّةُ محاماةً على النفسِ.

وقال : التقيّةُ جائزةٌ لصونِ النَّفسِ ، وهل هي جائزةٌ لصونِ المال؟ يُحتَمل أنْ يُحْكَمَ فيها بالجواز لقولهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حُرْمَةُ مالِ المُسْلِمِ كَحُرمةِ دَمِهِ» ولقولِهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مَن قُتِلَ دُون مالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (١).

وقال أبو هريرة : حَفِظْتُ مِن رسُول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وِعائَين ، أمّا أحَدُهما فَبَثَثْتُهُ في النّاس ، وأمّا الآخرَ فَلَوْ بَثَثْتُهُ لقُطِعَ هذا البلعُومُ. (٢)

إنّ تاريخَ الخُلَفاء الأُمويّين والعَباسييّن زاخرٌ بالظلمِ والعَسْفِ ، والحيْفِ والجَور.

ففي تلكَ الأيّام لم تكنِ الشيعةُ وحدَهم هُمُ المطرودُون ، والمحجور عليهم بسببِ إظهار عقائِدِهم ، بل سَلَكَ أغلَبُ محدّثي أهلِ السُّنّة في عَصرِ المأمون أيضاً مَسْلَكَ التقيّة في محنة «خَلْقِ القرآنِ» وَلم يخالف المأمونَ في خَلْق القرآنِ وحُدُوثهِ بعدَ صُدُور المرسوم الخليفي العامّ ، سوى شخصٍ واحدٍ ، وقصَّتُهُ معروفةٌ في التاريخ وعامّة المحدّثين تظاهروا بالوفاق تقيّةً. (٣)

__________________

(١). تفسير الرازي : ٨ / ١٣.

(٢). محاسن التأويل : ٤ / ٨٢.

(٣). تاريخ الطبري : ٧ / ١٩٥ ـ ٢٠٦.

الأصلُ الخامسُ والعشرون بعد المائة : التقية واجبة في بعض الحالات فقط

إنّ التقيّة ـ حسبَ منطِقِ الشيعَة ـ واجبة في ظروف خاصة ، إلّا أنّها مُحرَّمةٌ في بعضِ الشروطِ أيضاً ، ولا يجوز للإنسانِ في مثل هذهِ الشّروط أنْ يَستخدمَ التقيّة بحجّة أنّه قد يتعرّض نفسُه ، أو مالهُ أو عرضُه للخطر.

فَقَد يَتَصوَّرُ بعضٌ أنّ الشيعة يوجبونَ التقيّة دائماً وفي جميع الحالات والظروف والأوضاع ، والحال أنّ هذا تصوّرٌ خاطِئٌ ، فإنّ سيرةَ أئمّة أهلِ البيت عليهم‌السلام لم تكنْ هكذا ، لأنّهم ، وبغية رعايةِ المصالحِ والمفاسِدِ كانوا يَسلكون في كلّ زمانٍ موقفاً خاصّاً ، وأُسلوباً مناسباً ولهذا نجدُهم كانُوا تارةً يتّخذون مَسلَك التقيّة اسلوباً ، وتارة أُخرى كانوا يُضحُّون بأنفسِهم وأموالِهم في سبيلِ إظهارِ عَقيدتهم.

ومما لا شك فيه أنّ أئمَّةَ الشّيعَة استشهدوا بالسَّيف أو السُّمّ على أيدي الأعداء في حين أنّهم لو كانُوا يُصانِعُونَ حُكّام عصورهم ويجارونهم ، لمَنحهمْ أُولئِك الحكّام أعلى المناصب ، وأسمى المَراتب في حكوماتِهم ولكنهم كانُوا يَعلمُون أنّ التقيّة قبال أُولئك الحُكّام (كيزيد بن معاوية مثلاً) كان يؤدّي إلى زوال الدّين ، وهلاك المذهب.

وفي مِثل هذهِ الشّروط أمام القادة الدينيّين المسلِمين نوعان من الوظيفة :

أن يسلكوا مَسلَك التقيّة في ظروف خاصَّة ، وأنْ يحملوا حياتهم على أكفّهِمْ ويَستَقْبلوا الموتَ في ظروفٍ أُخرى ، أي إذا وَجَدوا أساس

الدين في خطرٍ جدّيٍ.

وفي الخاتمة نذكّرُ بأنّ التقيّةَ أمرٌ شخصي ويَرتبط بوضعِ الفرد ، أو الأفراد الضعفاء العاجزين في مقابل العدوّ الغاشِم. فإنّ مثل هؤلاءِ إذا لم يَعْمَلُوا بالتقيّة فَقَدوا حياتهم مِن دون أن يترتب أثرٌ مفيدٌ على مقتَلِهِمْ.

ولكن لا تجوز التقيّة مطلقاً في بيان معارف الدين وتعليم أحكام الإسلام مثل أن يكتُبَ عالمٌ شيعي كتاباً على أساس التقيّة ، ويذكرَ فيه عقائدَ فاسدة ، وأحكاماً منحرفة على أنّها عقائدُ الشيعة وأحكامُهم.

ولهذا فإنّنا نرى علماءَ الشيعة أظهروا في أشدّ الظروف والأحوال ، عقائِدَهُمُ الحقَّة ، ولم يحدُثْ طيلةَ التاريخ الشيعيّ ولا مرة واحدةً أن أقدَمَ علماءُ الشيعة على تأليف رسالةٍ أو كتابٍ على خلافِ عقائدِ مذهبهِم ، بحجّة التقيّة ، وبعبارة أُخرى : أن يقولوا شيئاً في الظاهر ، ويقولُوا في الباطن شيئاً آخر ، ولو أن أحَداً فَعَلَ مِثلَ هذا العملِ وسَلَكَ مثلَ هذا المسلَك أُخرِجَ من مجموعةِ الشيعةِ الإماميَّة.

وهنا نوصي الّذين يصعب عليهم هضمُ مسألة التقيّة ، وتقبُّل هذه الظاهرة ، أو خَضَعُوا لِتأثير دعايات أعداءِ التشيُّع السيّئة ، بأنْ يطالِعوا ـ ولو مرّةً تاريخَ الشيعة في ظلّ الحُكُومات أُموِيّةً ، وعبّاسيّةً ، وفي عصر الخلفاء العثمانيّين في الاناضول والشامات ، لِيَعلَموا بَهاضةَ ما قَدَّمهُ هذا الفَريقُ من الثمن للدّفاع عن العَقيدة وبِسَبب اتّباع أهلِ البَيت عليهم‌السلام ، وجَسامةَ

ما قدّموه من تضحياتٍ ، وقرابين ، وعظمةَ ما تحمّلوه من مصائبَ مرّة ، حتى أنّهم ربّما هَجَرُوا بيوتهم ومنازلهم ولجئوا إلى الجبال.

لقد كانَ الشيعة على هذه الحال مع ما كانوا عليه من التقيّة ، فكيف إذا لم يُراعُوا هذا الأصل .. ترى هل كانَ يبقى من التشيُّع اليومَ إذا لم يَتّقوا ، أثرٌ أو خَبَرٌ؟

وأساساً لا بُدَّ مِن الانتباه إلى نقطةٍ مهمّةٍ وهي أنّه إذا استوجَبَت التقيّة لَوماً فإنّ هذا اللومَ يجب أن يُوجَّهَ إلى من تَسبَّبَها ، لأنّ هؤلاء بَدَل إجراء العَدل ومراعاة الرأفةِ الإسلاميّة أوجَدوا أصعَب ظروف الكَبت السياسي والمذهبي ضِدّ أتباع أهل البيت النبويّ ، لا أن يُلامَ مَن لَجَأ إلى التقيّة اضطراراً وحفاظاً على نُفُوسهم وأموالِهِم وأَعراضِهِمْ.

والعَجَبُ العجاب في المقام هو أن يتوجَّه البعضُ باللَّوم والنقد إلى العاملين بالتقيّة المظلومين ووصفهم بالنفاقِ بدل توجيه ذلك إلى مسبّبي التقيّة ، أي الظالمين ، هذا مضافاً إلى أنَّ «النفاق» يختلف عن «التقيّة» كاختلافِ المتناقضين ، والبَونُ بينهما شاسع وبعيدٌ بُعدَ السَّماءِ عن الأرض.

فالمنافِقُ ، يُبْطِنُ الكُفْرَ في قَلبهِ ويُظهِرُ الإيمانَ لِغَرض التجسس على عورات المسلمين أو الوصول الى منافع لا يستحقها ، في حين يكونُ قلبُ المسلم في حال التقيّة مفعماً بالإيمان ، وإنما يُظهرُ خلاف ما يعتقد لعلّة الخوف من الأذى ، والاضطهاد.

الأصلُ السادسُ والعشرون بعد المائة : التوسّل

إنّ حياةَ البَشَر قائمةٌ على أساس الاستفادة من الوسائل الطبيعيّة والاستعانة بالأسباب ، التي لِكلّ واحدٍ منها أثرٌ خاصٌ.

فَكُلُّنا عند ما نعطش نشربُ الماء ، وعند ما نجوعُ نأكلُ الطعام ، وعند ما نريد الانتقالَ من مكانٍ إلى آخر نستخدم وسائلَ النَّقل ، وعند ما نريد إيصال صوتنا إلى مكانٍ نستخدم الهاتفَ ، لأنّ رفعَ الحاجة عن طريق الوسائل الطبيعيّة ـ بشرط أن لا نعتقد باستقلالها في التأثير ـ هو عينُ «التوحيد» ومن صميمه.

فالقرآنُ الكريمُ وهو يُذكّرُنا بقصّة ذي القرنين في بنائه للسدِّ يُخبرُنا كيف طلب العونَ والمعونة من النّاس إذ قال : (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) (١).

وإنّ الذين يُفسّرُون الشركَ بالتعلُّق والتوسُّل بغير الله ، إنَّما يصحُّ كلامُهم هذا إذا اعتقد الإنسانُ بتأثيرِ الوسائل والأسباب على نحوِ الاستقلال والأصالةِ.

وأمّا إذا اعتقد بأنَّها تؤثّر بإذن الله فإنّه سينتهي حينئذ إلى نتيجةٍ لا تُخرِجُه عَن مسيرِ التوحيد.

ولقد قامَت حياةُ البشرية من أوّل يوم على هذا الأساس والقاعدة

__________________

(١). الكهف / ٩٥.

أي على الاستفادة من الوسائل والوسائط الموجودة ، ولم يزل يتقدم في هذا السبيل.

والظاهر أنّ التوَسُّل بالأسباب والوسائلِ الطبيعيّة ليس مَحَطّاً للمناقشة والبحث ، إنّما الكلام هو في الأسباب غير الطبيعيّة التي لا يعرفها البَشرُ ، ولا سبيل له إليها إلّا عن طريق الوحي.

فإذا وُصِفَ شيءٌ في الكتاب والسُّنة بالوسِيلِيَّةِ كانَ حكمُ التوسّل به نظير حكم التوسّلِ بالأُمور الطبيعيّة.

وعلى هذا الأساس فإنّنا إنّما يجوز لنا التوسل بالأسباب غير الطبيعيّة إذا لاحَظنا مطلبين :

١. إذا ثَبَتَ كونُ ذلك الشيء «وسيلةً» لنيل المقاصد الدنيويّة أو الأُخروية بالكتاب أو السنة.

٢. إذا لم نعتقد بأيّة أصالةٍ أو استقلال للوسائل والأَسباب ، بل اعتبرنا تأثيرها منوطاً بالإذنِ الإلهي والمشيئةِ الإلهيّة.

إنّ القرآنَ الكريمَ يدعونا إلى الاستفادة من الوسائل المعنوية إذ يقول :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١).

__________________

(١). المائدة / ٣٥.

هذا ويجب الانتباهُ إلى أنّ «الوسيلة» لا تعني (التقرُّب) بل تعني الشيء الذي يوجب التقرّبَ إلى الله ، وأحَد هذه الطرق هو الجهادُ في سبيل الله الذي ذُكِرَ في الآية الحاضِرة كما يمكن أن تكون أشياء أُخرى وسيلة للتقرّب أيضاً. (١)

الأصلُ السابعُ والعِشرون بعد المائة : التوسُّل بأسماء الله الحسنى ودعاء الصالحين

ثَبَت في الأصلِ السابقِ أنّ التوسّلَ بالأسباب الطبيعيّة ، وغير الطبيعيّة (بشرط أن لا تُصبَغ بصبغة الأصالة ولا يعتقد فيها بالاستقلال في التأثير) عينُ التوحيد ، ولا شك في أنّ القيام بالواجباتِ والمستحبّاتِ ، كالصَّلاة والصَّوم والزَّكاة والجِهاد في سبيل الله وغير ذلك وسائل معنويّة تُوصِل الإنسان إلى المقصد الأسمى ، ألا وهو التقرّبُ إلى الله تعالى.

فالإنسان في ظلّ هذه الأعمال يجد حقيقة العبوديَّة ، ويتقرّب في المآل إلى الله تعالى.

ولكن يجب الانتباهُ إلى أنّ الوسائل غير الطبيعيّة لا تنحصر في الإتيان بالأعمالِ العبادِيّةِ ، بل هناك سلسلة من الوسائل ذكرَت في الكتابِ والسُّنةِ يستعقبُ التوَسلُ بها استجابةَ الدعاءِ ، نذكر بعضَها فيما يأتي :

١. التوسُّل بالأسماء والصّفات الإلهيَّة الحُسنى التي ورَدَت في

__________________

(١). قال الراغبُ الأصفهاني في مفرداته (في مادة وسل) : الوَسيلة التوصّلُ إلى الشيء برغبة ، وحقيقةُ الوسيلة إلى الله سبيلُه بالعلمِ والعِبادة وتحرّي مكارم الشريعة.

الكتاب العزيز ، والسُّنة الشريفة ، إذ يقول سبحانه :

(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) (١).

ولقد وَرَدَ التوسُّل بالأسماء والصفات الإلهيّة في الأدعية الإسلامية كثيراً.

٢. إن التوسُّل بأدعية الصالحين ، والذين يكون أفضلُ أنواعه : التوسّلُ بالأنبياء والأولياء المقرّبين إلى الله ، لِيَدعو للإنسان في محضر ذي الجلال.

إنّ القرآنَ الكريمَ يحثُّ الذين ظَلَموا أنْفُسَهم (أي العُصاة) إلى أن يذهَبوا إلى رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويطلبوا منه أن يَستغفِرَ لهم ، إلى جانب استغفارِهم هم بأنفسِهم ، ويبشِّرُهم بأنّهم سيجدون الله توّاباً رحيماً :

(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٢).

ويَذمُّ في آية أُخرى المنافقين ، بأنّهم كلّما دُعوا إلى الذهاب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لِيَستغفر لهم أعرَضوا عن ذلك إذ يقول :

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (٣).

__________________

(١). الأعراف / ١٨٠.

(٢). النساء / ٦٤.

(٣). المنافقون / ٥.

ويُستفاد من بعض الآيات أنّه كان مثل هذا العَمَل جارياً ورائجاً في الأُمم السابقة.

وللمثال : طلبَ أبناءُ يعقوب من أبيهم أن يستغفرَ لهم ، واستجاب لهم أبوهم يعقوبُ عليه‌السلام ووعدهم بذلك :

(يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ* قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (١).

ومن الممكن أنْ يُقال أنّ التوسُّل بدعاء الصالحين يكون في صورةٍ خاصّة عين التوحيد (أو على الأقلّ مفيداً ومؤثراً) وهي إذا كان من نتوسّلُ به على قيد الحياة.

أمّا إذا ماتَ الأنبياء والأولياء فكيفَ يكونُ التوسُّل بهم مُفيداً وعين التوحيد؟

في الجواب على هذا الإشكال لا بدّ من التذكير بنقطتين :

ألف : إذا افترَضْنا أنّ التوسُّل بالنَّبي أو الوليّ مشروطٌ بكونهم على قيد الحياة ، ففي هذه الصورة يكون التوسُّل بالأنبياء والأولياء الإلهيّين بعد الموت مجرّد عملٍ غيرِ مفيد ، لا أنّه يكون موجباً للشرك.

وقد غُفِلَ عن هذه النقطة الهامّة في الغالب ، وتَصوّر البعض أنّ الموتَ والحياةَ رمزُ التوحيد والشرك! مع أنّ هذا الشرط (أي حياة النبيّ

__________________

(١). يوسف / ٩٧ ـ ٩٨.

أو الولي عند توسُّلِ الآخرين به) ملاكٌ لكون التوسّل مفيداً أو غير مفيدٍ ، لا أنّه «ملاكٌ» لكون التوسُّلِ عَمَلاً توحِيديّاً أو شِركيّاً.

ب : إنّ تأثيرَ التوسّل وكونَه مفيداً يُشترط فيه أمران :

١. أن يكونَ الفردُ المتوسَّلُ به مُتصِفاً بالعلم والشعور والقدرة.

٢. أن يكونَ بين المتوسّلِ ، والمتوسَّل به ارتباط واتصال وكلا هذين الشرطين (الإدراك والشعور ووجود الارتباط بينهم وبين المتوسَّل بهم) موجودان في التوسّلِ بالأنبياء ، وإن فارقت أرواحهم أجسادَهم وذلك ثابت بالأدلة العقلية والنقلية الواضحة.

إنَّ وجودَ الحياة البرزَخيّة من المسائل القرآنيّةِ والحديثيّةِ المسلّمة الضَّرُوريّة ، وقد مرّت أدلّتها في الأصل ١٠٧.

فإذا كانَ الشهداء الّذين قُتلُوا في سبيلِ الحقِّ أحياءً حسب تصريح القرآن الكريم ، فأولى أن يكون أنبياء الشهداء والأولياء المقرّبون أحياءً عند ربّهم ـ خاصة وانّ أكثرهم قد استشهد في سبيل الله ـ أيضاً بحياة أعلى وأفضل.

ثمّ إنّ هناكَ أدلةً كثيرةً على وجود الارتباط بيننا وبين الأولياء الإلهيين نذكر بعضَها :

١. إنّ جميع المسلمين يقولون في نهاية الصَّلاة مخاطِبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «السَّلامُ عَليكَ أيُّها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وَبَرَكاتهُ».

فهل هم يقولون ما يقولونه لغواً وعبثاً؟ وهل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يسمع كلّ

هذه التحيات وكل هذا السلام ولا يردّ عليها؟!!

٢. إنّ النبيّ الأكرم أَمَر ـ في معركة بدر ـ بأن تلقى أجسادُ المشركين في بئر (قليب) ثمّ وَقَفَ يُخاطبهم قائلاً : لَقَد وَجَدْنا ما وَعَدنا ربُّنا حقاً ، فهل وَجَدتُم ما وَعَدَكم ربُّكم حَقاً؟

فقال أحدُ أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسولَ الله أتكلم الموتى؟!

فقالَ النبيُ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما أنْتُمْ بأَسمعَ مِنْهُمْ» (١).

٣. لقد ذَهَبَ رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى البقيع مراراً وقال مخاطباً أَرواح الراقدين في القبور والأجداث : «السّلامُ على أهلِ الدّيار مِن المؤمِنين والمؤمِنات».

وفي رواية كان يقولُ : «السلامُ عليكمْ دارَ قومٍ مؤمِنين» (٢).

٤. روى البخاريُ في صحيحهِ أنّه لما تُوفّي النبيُ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل أبو بكر حجرة عائشة ثمّ ذهبَ إلى حيث سُجِّيَ رسولُ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكَشَفَ عن وجهِ رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقَبَّلهُ ثمّ قال وهو يَبكي : بأَبي أنتَ يا نبيَّ الله ؛ لا يجمعُ اللهُ عليكَ موتَتَين أمّا الموتة الأُولى التي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فقد متّها (٣).

وإذا لم يكن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حياةٌ برزخيّةٌ ، ولم يكن بينه وبيننا أيُّ ارتباط فكيف خاطَبَه أبو بكر قائِلاً : يا نبيّ الله؟!

__________________

(١). صحيح البخاري ، ج ٥ ، باب قتل أبي جهل ؛ والسيرة النبويّة لابن هشام : ٢ / ٢٩٢ وغيره.

(٢). صحيح مسلم ، ج ٢ ، باب ما يقال عند دخول القبر.

(٣). صحيح البخاري ج ٢ كتاب الجنائز ص ١٢ ؛ والسيرة النبويّة لابن هشام ٤ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

٥. عند ما كان الإمامُ عليٌ عليه‌السلام يغسّل رسولَ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجهّزه قال : انقطَعَ بموتِكَ ما لمْ يَنْقَطِعْ بموتِ غَيْرِك مِن النُّبوَّة والإنْباءِ ، وأخبارِ السماء بأبي أنت وأُمّي اذكُرْنا عند ربِّكَ واجْعَلْنا مِن بالِكَ (١).

وفي الختام نُذَكّرُ بأنّ للتَوَسُّلِ بالأنبياء والأولياء صُوَراً مختلِفةً جاء شرحُها في كُتُبِ العَقائد.

الأصلُ الثامن والعشرون بعد المائة : البَداء

إنّ لله تعالى في شأنِ الإنسان نوعين من التقدير :

١. تقدير محتومٌ وقطعيٌّ لا يقبل التغييرَ والتبديلَ مطلقاً.

٢. تقديرٌ معلَّقٌ ومشروطٌ وهو يتغيَّر ويَتَبَدّلُ مع فقدان بعضِ الشرائطِ ، ويحلُّ محلَّه تقديرٌ آخرٌ.

وبالنَّظَر إلى هذا الأصْلِ نُذَكّرُ بأن الاعتقاد بالبَداء هو أحَدُ الأُصول الاعتقاديّة الإسلاميّة الأصِيْلَة التي اتَّفَقَتْ جميعُ الفِرَقِ الإسلاميّة على الاعتقادِ بها إجمالاً ، وإنْ أحجَمَ البعضُ عن استخدام لَفظة «البَداءِ» وهذا الاستيحاش من استعمال لفظة «البَداء» لا يَضُرُّ بالقَضِيّة أيضاً ، إذ أنّ المقصود هو بَيان محتوى «البَداء» ومعناه ، لا لفظه واسمه.

إنّ حقيقةَ «البَداء» تقومُ في الحقيقة على أصلين :

__________________

(١). نهج البلاغة قسم الخطب ، الرقم ٢٣٥.

ألف : انّ لله تعالى قدرةً وسلطةً مُطلقةً ، فهو قادرٌ على تغيير أيّ تقديرٍ ، وإحلالِ تقديرٍ آخر محلَّه متى شاءَ ، في حين يعلم سلفاً بكلا التقديرين ، ولا سبيل لأيّ تغيير إلى عِلمه قط أيضاً ، لأنّ التقديرَ الأوّل لم يكن بحيث يحدُّ من قدرةِ الله أو يَسلُبَ منه القدرةَ ، فإنّ قدرة الله تعالى على خلاف ما تعتقِدُهُ اليهود من كَونها محدودةً لقولهم : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) ، قدرةٌ مطلقةٌ ، أو كما قال القرآن :

(بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) (١).

وبعبارةٍ أُخرى : إنّ خلّاقية الله وإعمال السُّلطة والقُدرة من جانبهِ تعالى مستمرٌ ، وبحكم قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢) فالله تعالى لم يفرغ سبحانه عن أمر الخلقِ ، بل عمليّة الخَلق لا تزال متواصِلة ومستمرة.

روى الصدوق باسناده عن الإمام الصادق عليه‌السلام : أنّه قال في قول الله عزوجل : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) لم يعنوا أنّه هكذا ، ولكنّهم قالوا قد فرَغَ من الأمر فلا يزيدُ ولا ينقص (أي في العمر والرّزق وغيرهما) ، فقال الله جلّ جلالُه تَكذيباً لقولهم : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ). أَلم تسمَع الله عزَّ وجَلّ يقول : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٣). (٤)

__________________

(١). المائدة / ٦٤.

(٢). الرحمن / ٢٩.

(٣). الرعد / ٣٩.

(٤). التوحيد للصدوق ، ص ١٦٧ ، الباب ٢٥ ، ح ١.

فالعقيدة الإسلاميّة تقومُ على أساس الاعتراف بقدرة الله المطلقة وسلطتهِ التي لا تُحدُّ ، وبدوام خلّاقيته واستمرارها ، وبأنّ الله تعالى قادر كلّما شاءَ ومتى شاء أن يُغيّر المقدَّرات المرتبطة بالإنسان في مجال العُمرِ والرزقِ وغيرهما ، ويُحلَّ مَحَلَّ ذلك مقدراتٍ أُخرى ، وكلا التقديرين موجودان في «أُمّ الكتاب». وفي علم الله سبحانه.

ب : إنّ إعمالَ القُدرةِ والسُّلطَة من جانبِ الله تعالى ، وإقدامَه على إحلال تقديرٍ مكان تقديرٍ آخر لا يتمُّ من دون حكمةٍ ومصلَحةٍ ، وان قسماً من هذا التغيير يرتبط في الحقيقة بِعَمل الإنسان وسلوكه ، وانتخابه ، واختياره ، وبنمط حياته الصالح أو السّيء ، فهو بهذه الأُمور يهيِّئ أرضيّة التغيير في مصيره.

وَلْنفترض أنَّ إنساناً لم يراع ـ لا سمح اللهُ ـ حقوقَ والدَيه ، فإن من الطبيعيّ أنّ هذا العَمل غير الصالح سيكونُ له تأثيرٌ غير مرغوب في مصيره.

فإذا غيَّر من سُلُوكِهِ هذا في النصفِ الآخر من حياتهِ ، واهتمَّ بِرعاية حقوقِ والدَيْهِ فانَّه في هذه الحالة يكون قد هَيَّأ الأرْضيّة لتغيير مصيرِهِ ، وصار مشمولاً لقولِهِ تعالى :

(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ).

وينعكس هذا الّذي ذكرناه إذا انعكسَ الأمر.

إنَّ الآيات والرّوايات في هذا المجال كثيرةٌ نذكرُ بعضها هنا :

١. (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (١).

٢. (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٢).

٣. يروي السيوطي في تفسيره «الدرّ المنثور» أنَّ الإمام أمير المؤمنين علياً عليه‌السلام سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ).

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لأُقِرّنَّ عَيْنَك بِتفسيرها ولأُقِرَّنَّ عَين أُمّتي بَعدي بتفسيرها : الصّدَقةُ على وَجهها ، وبِرُّ الوالِدَين وَاصطِناعُ المعروف يُحوّلُ الشقاءَ سعادةً ويزيدُ في العُمُر ويقي مصارع السُّوء». (٣)

وقالَ الإمامُ الباقر عليه‌السلام : صِلةُ الأرحام تُزَكّي الأعْمالَ ، وتُنمّي الأموالَ ، وَتَدْفَعُ البَلوى ، وتُيَسِّرُ الحِساب ، وتُنْسِئُ في الأَجَل. (٤)

وبالنظر إلى هذين الأَصلين يتَّضح أن الاعتقاد بالبداء عقيدة إسلاميّة قطعيّة ، وأنّ جميع الفرق الإسلامية تعتقد به بغضِّ النظر عن التعبير والتسمِية ، واستخدام لفظ «البَداء».

وفي الختام نُذَكّرُ بُنقطتين لنعرف لما ذا أُطلقت لفظة «البدَاء» على هذه المسألة في الرّوايات فجاء التعبير عن هذه العقيدة الإسلامية بقولهم :

__________________

(١). الرعد / ١١.

(٢). الأعراف / ٩٦.

(٣). الدر المنثور ٤ / ٦٦.

(٤). الكافي ، ٢ / ٤٧٠ ، الحديث ١٣.

«بَدا لله».

ألف : إنّ استخدامَ هذه اللَّفظة في هذه المسألة جاء تبعاً للنّبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد روى البخاريُ في صحيحه أنّ النبيّ قال في شأن ثلاثة أشخاص : أبرص وأقرع وأعمى : «بدا لله عزوجل أن يَبْتَلِيهُمْ ...».

ثمّ ذكر بعد ذلك قصّتهم بصورةٍ مفصَّلةٍ وبيَّن كيف أن اثنين منهم سُلبَت منهما سلامتُهما بسبب كفران النعمة ، وأصابَهما ما أصيب به أسلافُهم من الأمراض (١).

ب : إنّ هذا النّوع من الاستعمال من باب المشاكلة ، والتحدّث بلسان القوم حتى يفقهوا ، ويفهموا الموضوع.

فقد تعارَفَ في العرف الاجتماعي أنَّه إذا غيَّرَ أحد قراراً قد اتخذه أن يقول بدا لي.

وقد تَحدَّث أئمةُ الدين بلسان القوم ليمكنهم تفهيم مخاطبِيهم ، وقد استعملوا مثلَ هذه اللفظة في حق الله تعالى.

والجدير بالذِّكر أنّ القرآنَ الكريمَ استخدمَ في شأن الله تعالى ألفاظاً وصفات مثل المكر والكيد ، والخُداع والنسيان ، في حين أنّنا نعلم أنّ الله تعالى منزَّهٌ عن مثل هذه الأُمور (بِمعانيها ومفاهيمها الرائجة بين البشر) قطعاً ويقيناً ، ومع ذلك كرّرَ القرآنُ الكريمُ هذه الصفات واستعمل الألفاظ في حق الله سبحانه.

__________________

(١). صحيح البخاري : ٤ / ١٧٢.

١. (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً) (١).

٢. (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً) (٢).

٣. (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) (٣).

٤. (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) (٤).

وعَلى كلّ حالٍ فإنّ لمحقّقي الشيعة حول استعمال لفظ البداء ، بالنظر إلى امتناع حصول التغيّر ، والتبدّل في علم الله تعالى دراساتٍ وتحقيقاتٍ قَويّةً وشيِّقةً لا مجال لذكرها هنا ، ونحن نحيل من يحب الاطّلاعَ عليها إلى الكتب والمؤلّفات التي تتضمن هذه الأبحاث (٥).

الأصلُ التاسعُ والعشرون بعد المائة : الرجعة

«الرجعَة» في اللغة تعني العَودة ، والمقصود منها في الثقافة الشيعيّة هو عودة جماعةٍ من الأُمّة الاسلاميّة إلى الحياة بعد ظهور الإمام المهديّ عجّل اللهُ فرجَه الشريف ، وقبل قيام القيامة.

ويَشهَد القرآنُ الكريمُ قبل أيّ شيءٍ بوجود مسألة الرَّجعة في الثقافة الإسلاميّة.

__________________

(١). الطارق / ١٥ ـ ١٦.

(٢). النمل / ٥٠.

(٣). النساء / ١٤٣.

(٤). التوبة / ٦٧.

(٥). كتاب التوحيد للصدوق ، ص ٣٣١ ـ ٣٣٦ ؛ تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد ٢٤ ؛ عدة الأُصول ٢ / ٢٩ ؛ كتاب الغيبة ، ص ٢٦٢ ـ ٢٦٤ طبعة النجف.

فقد قال سبحانه وتعالى في سورة النَّمل الآية ٨٣ :

(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ).

وفي الآية ٨٧ من سورة النمل يقول :

(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ).

أي بعد النفخ يفزع كل الناس جميعاً ومن دون استثناء.

إنّ الآية الأُولى تتحدّث عن إحياء فريقٍ خاصٍّ في اليوم الأوّل بينما تتحدث الآيةُ الثانيةُ عن إحياء جميع الناس ممّا يكشف عن أنّ اليوم الأوّل هو غير يوم القيامة وإنّهما يختلفان.

فالقرآنُ يتحدَّث كما نرى بوضوحٍ عن يومين ، وقد عطف اليوم الثاني على اليوم الأوّل ، ممّا يكشف عن أن هناك حَشرين وإعادتين إلى الحياة بعد الموت.

ونُذكِّر ثانيةً بأنّ الآية الأُولى تتحدّث عن إحياء طائفة من الناس ومن الطبيعي أن مثل هذا اليوم لا يمكن أن يكون يوم القيامة ، لأنّ الناس في ذلك اليوم يُحشرون بأجمعهم ، كما قال أيضاً في الآيات ٩٣ ـ ٩٥ من سورة مريم :

(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً* لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً).

وكما يقول تعالى في آية أُخرى في وصف يوم القيامة :

(وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) (١).

فيُستنتج من المقارنة بين الآية ٨٣ من سورة النمل وبين الآيات ٩٣ إلى ٩٥ من سورة مريم و ٤٧ من سورة الكهف الاختلاف بينها في المضمون : أنّ العالم البشري ينتظر يومين يُحشَر في أحدهما بعضُ الناس ، ويُحشَر في الآخر جميعهم بلا استثناء.

وروايات الشيعة التي ترتبط بالرجعة ، تتعلق بما يقع بعد ظهور الإمام المهدي عليه‌السلام ، وقبل يوم القيامة.

إنّ عودة جماعة من الصالحين ، والظالمين قبل يوم القيامة ليس بالأمر العجيبِ أبداً لأنّه قد وَقَع مثلُ ذلك في الأُمم السالفة حيث عاد بعضُ الناس إلى الحياة مرةً أُخرى ثمّ ماتوا بعد ذلك ثانية. (٢)

إنّ عودةَ البعض إلى الحياة في هذا العالَم (الدنيويّ) بعدَ الموت لا هو مخالف لحكم العقل ، ولا هو معارضٌ للنقل ، لأنّه كما أسلفنا ممّا صرّح القرآنُ الكريمُ بوقوع نظيره في الأُمم السالِفة ، وهذا هو خير دليلٍ على إمكان وقوعه.

__________________

(١). الكهف / ٤٧.

(٢). مِثل إحياء فريق من بني إِسرائيل ، كما في سورة البقرة الآيات ٥٥ ـ ٥٦ ، وإحياء المقتول من بني إسرائيل بواسطة بقرة بني إسرائيل ، كما في سورة البقرة الآيات ٧٢ و ٧٣ ، وموت جماعة من الناس وإحيائهم كما في سورة البقرة الآية ٢٤٣ ، وإِحياء عزير بعد مائة عام ، كما في سورة البقرة الآية ٢٥٩ ، وإحياء الموتى بإعجازٍ من السيد المسيح كما في سورة آل عمران الآية ٤٩.

على أنّ «الرَّجعةَ» تختلف عن «التَّناسخ» ، وتشبيه الأَوّل بالثاني تشبيهٌ خاطئٌ جِدّاً ، وذلك لأنّ «التناسخ» يعني عودة الرُّوح والنفس إلى الحياة بعد الموت مرّةً أُخرى ابتداءً من مرحلة النطفة ، أو تعلّقها بِبَدنٍ آخر ، والحال أنّه لا يَحدُث مثلُ هذين الأمرين الباطلين في «الرجعة» قط.

إنَّ حكمَ الرجعة ـ من هذه الجهة ـ أشبه ما يكون بعودة الموتى إلى الحياة في الأُمم السابقة وبالمعادِ الجِسمانيّ الذي يقع في القيامة.

وفي الحقيقة إنّ «الرَّجعة» هو مظهرٌ مصغَّرٌ مِن القيامة النهائية الحقيقيّة الكبرى التي يُحشَر فيها الناسُ أجمعون ، وبلا استثناء.

إنَّ البَحث المفَصَّل حول «الرَّجعة» والحديث حول جزئيّاتها ، وتفاصيلها ، موكول إلى : كتب التفسير ، والحديث ، والكلام ، الشيعية ، وقد بَلَغت رواياتُ الشيعة في هذا المجال حدَّ التَّواتر ، وثمّت ما يفوق ثلاثين حديثاً رويت في أكثر من خمسين مؤلّفاً (١).

الأصلُ الثلاثون بعد المائة : عدالة الصحابة

إنّ لِصَحابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّذين آمَنوا به في حياته ، واستفادوا منه المعرفةَ ، وأخذوا عنه العلمَ ، والسنة ، احتراماً خاصّاً عندنا نحن الشيعة الإمامية ، وذلك من دون فرقٍ بين الذين استُشهدوا في معركة «بدر» و «أُحد» و «الخندق» و «حُنين» ، أو بقوا على قيد الحياة بعد رَسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١). لاحظ بحار الأنوار : ٥٣ / ١٣٦.

فكل هؤلاء الذين آمنوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاشوا معه ، وصَحِبُوه محترمون ، ولا يجوز لمسلمٍ في العالم أن يسيء إلى صحابة رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (من جهة كونهم صحابةً للنبيّ) أو يؤذيهم ، ونِسبة مثل هذا الموقف إلى فريق من المسلمين نسبةٌ ظالمةٌ وافتراءٌ مرفوض.

ولكن إلى جانبِ هذه المسألة ثمّت مسألةٌ أُخرى يجب دراستها من دون تعصّب أو حبّ وبُغض غير مُبرَّرَين ، وهي : هل أن جميع صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدولٌ وأتقياء ، ومنزَّهون عن الذنوب ، أو أنّ حكمَ الصحابة في هذه النقطة هو عين حكم التابعين الذين لا يمكن ان نعتبر جميعهم عدولاً أتقياء.

إنّ من البديهيِّ أنَّ مرافقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورؤيته وان كانت مبعث فخرٍ واعتزاز لمن يرافقه ويراه إلّا أنّ كل هذه الأُمور لا توجب المصونية لهم من الذنوب ، ولا الحصانة من المعاصي ، ولا يمكن النظر إلى جميع الصحابة بنظرة واحدة ومساوية ، واعتبارهم جميعاً عدولاً أتقياء ، مبرَّئين عن كلّ زَلَلٍ وخطل ، ذلك لأنّهم ـ بشهادة القرآن ـ من حيث الإيمان والنّفاق ، ومن حيث الطاعة والعِصيان ، والتسليم وعدم التسليم أمامَ الله ونبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أصناف مختلفة ، وفي هذا التصنيف لا يمكن اعتبارهم جميعاً في مرتبةٍ واحدةٍ ، ولا اعتبارهم جميعاً عدولاً أتقياء.

إنّه ممّا لا شكَّ فيه أنّ القرآن الكريم مدح أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواقع مختلِفة (١) ، وللمثال قد ذَكَرَ القرآنُ أنّ اللهَ رضى عن الّذين بايَعوا

__________________

(١). لاحظ سورة التوبة / ١٠٠ ، وسورة الفتح / ١٨ و ٢٩ ، وسورة الحشر / ٨ و ٩.

تَحتَ الشجرة في حالة صلح الحديبية ، إذ قال سبحانه :

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (١).

فالآية تعكس رضى الله سبحانه عن المؤمنين ، لكنّها لا تعني انّهم صاروا بذلك عدولاً أتقياء إلى آخر عمرهم وان عَصَوا وخالفوا أمره سبحانه ، نعم ثبت رضاه سبحانه عنهم في فترة خاصة وهو حال المبايعة بشهادة قول : (إِذْ يُبايِعُونَكَ) وهو ظرف للرضا. فهذا المدح لهم لا يدلُّ على ضمان صلاحِهم واستقامتِهم حتى آخر لحظة من حياتهم.

ولهذا إذا سلك شخصٌ أو أشخاصٌ منهم طريق الخلاف فيما بعد لم يكن رضا الله تعالى عنهم في طرف المبايعة دليلاً على تقواهم المستمرّ ، ولا شاهداً على فلاحِهم الأبديّ ، لأنّ شأنَ هذا الفريق ، ومقامَهم ليس أعلى ولا أسمى من شأن ومقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي قال الله مخاطباً إيّاه :

(لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢).

إنّ الآيات المادحة للمهاجرين والأنصار تبيّن ما حصل عليه هؤلاء الأشخاص من الكمال في تلك الحالة ، ومن البديهيِّ أنّهم سيكونون مفلِحين دائماً إذا حافظوا على هذا الكمال إلى آخر لحظة من حياتهم.

__________________

(١). الفتح / ١٨.

(٢). الزمر / ٦٥.

وعلى هذا الأساس لو دلّتِ الدلائلُ القاطعة من الكتاب والسُّنّة على انحراف فردٍ ، أو أفرادٍ لا يَصحُّ في هذه الحالة الاستنادُ إلى المدائح المذكورة لهم.

ولنضربْ مَثَلاً على ذلك ما جاء في القرآن الكريمِ في حق أحد الصحابة.

فإنّ القرآنَ الكريمَ وصف أحد الصحابة بأنّه «فاسق» (١) إذ قال :

(إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٢).

وقال في آية أُخرى :

(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) (٣).

إنّ هذا الفرد بِشهادة التاريخ القطعيّ هو «الوليد بن عُقبة» وكان من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رغم كونه صحابيّاً ومهاجراً وهما فضيلتان سامقتان إلّا أنّه لم يتمكّن من المحافظة على هاتين الفضيلتين ، بل تسبَّبَ كِذبُه على طائفة «بني المصطَلَق» بأن يُذكَر بلفظ «الفاسق».

ومع الالتفات إلى هذه الآية ونظائرها (٤) وكذا ملاحظة الأحاديث التي وَرَدَت في ذمّ بعض الصَّحابة في كتب الحديث (٥) ، وكذا في ضوء

__________________

(١). راجع التفاسير عند توضيح هاتين الآيتين.

(٢). الحُجُرات / ٦.

(٣). السجدة / ١٨.

(٤). لاحظ آل عمران / ١٥٣ ـ ١٥٤ ، الأحزاب / ١٢ ، التوبة / ٤٥ ـ ٤٧.

(٥). جامع الأُصول ، ج ١١ ، كتاب الحوض ، الحديث رقم ٧٩٧٢.

مطالعة التاريخ الإسلاميّ والوقوف على سيرة بعضهم (١) لا يمكن اعتبار جميع صحابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين يتجاوز عددهم المائة ألف شخصٍ عُدولاً أتقياء جميعاً.

على أنّ ما نحن بصدد بحثه ودراستهِ هنا هو «عدالةُ جميع الصحابة» لا سبّ الصحابة ، وإنّ من المؤسف أنّه لم يفرّق البعضُ بين المسألتين ، وإنّما عمد إلى اتّهام المخالفين في المسألة الأُولى والإيقاع فيهم في غير ما حق.

وفي الخاتمة نؤكّدُ على أنّ الشيعةَ الإماميّة لا ترى احترام صحبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مانعاً من مناقشة أفعال بعض صحابته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحكم عليها وتعتقد بأنّ معاشرةَ النبي لا تكون سبباً للمصُونيّة من المعاصي إلى آخر العمر.

على أنّ موقف الشيعة ، في هذا المجال ينطلق من الآيات القرآنية ، والأحاديث الصحيحة ، والتاريخ القطعي ، والعقل المحايد الحصيف.

الأصلُ الواحدُ والثلاثون بعد المائة : محبَّة النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ محبَّة النبيّ وأهلِ بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ومودَّتهم من أُصول الإسلام الّتي أكّدَ عليها القرآنُ والسُّنة ، فقد قال القرآن الكريمُ في هذا الصَّدَد :

__________________

(١). صحيح البخاري ، ج ٥ ، تفسير سورة النور ، ص ١١٨ ـ ١١٩.

(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (١).

وقال في آية أُخرى :

(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢).

فَإنّ الله تعالى يَعُدُّ ـ في هذه الآية ـ أربع خصوصيات للمفلحين وهي :

١. الإيمانُ بالنبي : (آمَنُوا بِهِ).

٢. تكريمهُ وتوقيره : (وَعَزَّرُوهُ).

٣. نصرهُ وتأييده : (وَنَصَرُوهُ).

٤. اتّباعُ النور (القرآن) الذي أُنزِلَ معه : (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ).

ونظراً إلى أن «نصرةَ» النبيّ الأكرم جاءَت في الخصيصة الثالثة لذا لا مناص من أنْ يكون المرادُ بلفظة (عَزَّرُوهُ) في الخصيصة الثانية هو تكريمُ النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعظيمه ولا شك أنّ تعظيمه وتكريمه لا يختص بزمان

__________________

(١). التوبة / ٢٤.

(٢). الأعراف / ١٥٧.

حياته ، كما أَنّ الإيمان الذي ورد ذكره في الآية ليس محدوداً كذلك.

وفي مجال لزوم محبّة أهل بيته ومودّتهم يكفي أنّ القرآن الكريم اعتبرها أجراً للرسالة (أي أنّه بمنزلة الأجر لا الأجر الواقعي) ، إذ يقول تعالى :

(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١).

إنّ الدعوة إلى محبّة النبيّ ، ومودَّته والحث عليها لم يرد في القرآن الكريم وحده. بل جاء التأكيد عليها حتى في الأحاديث الشريفة التي نذكر منها نموذجين على سبيل المثال لا الحصر :

١. قالَ رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من وُلْدِهِ والناسِ أجمعين» (٢).

٢. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديثٍ آخر : «ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه ، ذاقَ طَعمَ الإيمانِ : مَنْ كانَ لا شيءَ أحبَّ إليه من الله ورسوله ، وَمَنْ كان لئِن يُحَرق بالنّارِ أحبّ إليه من أن يرتدَّ عن دِينهِ ، وَمَنْ كانَ يحبُّ لله ويُبْغِضُ لله». (٣)

كما أنّ محبَّة أهلِ بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومودَّتهم جاءَ التأكيدُ والحثُّ عليها في الأحاديث الشرِيفة أيضاً ونود ذكر بعض تلك الأحاديث على سبيل النموذج :

__________________

(١). الشورى / ٢٣.

(٢). كنز العمال ج ١ / ٣٧ ، ح ٧٠.

(٣). كنز العمال : ج ١ ، ح ٧٢ ؛ وجامع الأُصول ج ١ ، ص ٢٣٨.

١. قالَ رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يُؤمِنُ عَبْدٌ حَتّى أكونَ أحبَّ إليه من نَفْسِهِ وَتكونُ عِترتي أحبَّ إليه من عِترَتِهِ ويكون أهلي أحبَّ إليه من أَهْلِهِ» (١).

٢. وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديثٍ آخر : «مَنْ أحبَّهُمْ أحَبَّهُ الله ، ومَنْ أبْغَضَهُمْ أبغضَهُ اللهُ» (٢).

إلى هنا تَعَرّفنا على أَدلّة هذا الأصل (وهو لزوم محبّة النبيّ وعترتِهِ ومودّتهم) والآن ينطرح السؤالان التالِيان :

١. ما هي الثمرة الّتي تجنيها الأُمّةُ من مودَّة النبيّ وعترته؟

٢. ما هي كيفيَّة مَودّةِ النبيّ وعترتهِ؟

لا بدّ في هذا المجال أن نذكرَ أنّ محبّة الإنسانِ الفاضِل الكامِل ومودَّته توجب بنفسها صعودَ الإنسان في مدارج الكمال ، فإنَّ الإنسان إذا أحبّ شخصاً من صميم قلبه سعى إلى التشبّه به في حركاته وسكناته ، وتحصيل ما يُسرّ ذلك الشخص في نفسه وذاته ، وترك ما يؤذيه ويزعجه.

ومن الواضح أنَّ وجودَ مثلَ هذه الروحيّة في الإنسان توجب التحوّل فيه ، وتبعَثُه على سلوكِ طريقِ الطاعة واجتنابِ طريقِ المعصيَة دائماً.

إنّ الّذي يُظهرُ التعلُّقَ بأحدٍ ويتظاهر بمودته بينما يخالِفه في مقام العمل يفتقد المحبَّةَ الحقيقيّة.

__________________

(١). مناقب الإمام أمير المؤمنين تأليف الحافظ محمد بن سليمان الكوفي ج ٢ ح ٦١٩ و ٧٠٠ ؛ وبحار الأنوار ج ١٧ ص ١٣ ؛ وعلل الشرائع الباب ١١٧ ح ٣.

(٢). مناقب الإمام أمير المؤمنين تأليف الحافظ محمد بن سليمان الكوفي ج ٢ ح ٦١٩ و ٧٠٠ ؛ وبحار الأنوار ج ١٧ ص ١٣ ؛ وعلل الشرائع الباب ١١٧ ح ٣.

وقد نُسِب بيتان من الشعر إلى الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام جاءت الإشارة فيهما إلى هذه النقطة ، إذ يقول :

تعصي الإله وأنتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ

هذا لَعمري في الفعالِ بَديعُ

لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لأَطعتهُ

إنّ المحبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيْعُ (١)

والآن ـ وبعد أن تَبَيَّن بعضُ ثمرات مودّةِ النبيّ وعترتِه ـ يجب أن نشيرَ إلى أُسلوب إظهار تلك المودة.

لا شك أنّ المقصودَ من «الحبّ» ليس هو الحبُّ الباطنيّ العاريّ عن أيّ عمل يناسبُه ، بل المقصودُ هو المودّة التي تَظهَر آثارُها المناسبة على قول الإنسان وفعله.

ومن أحد الآثار البارزة لمحبّة النبيّ وآله الطاهرين هو اتّباعه العمليّ كما مرّت الإشارة إلى ذلك ، ولكن الحديث هنا هو عن الآثار الأُخرى لهذه الحالة الباطنية ، وتتمثل في كلّ ما يعدّه الناس من الأقوالِ والأفعال ، علامةً للحبّ والمودّة تحتَ هذه القاعدة ، شريطة أن يكون تكريم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعملٍ مشروعٍ لا بعملٍ حرامٍ.

وعلى هذا فإنّ تكريمَ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام في كلّ زمانٍ ، وبخاصة في مواليدهم أو وَفياتهم ، يتحقّق بإظهار المودة لهم وإبراز التكريم لشَخصيّاتِهم.

فالاحتفال بمواليدهم وإشعال المصابيح ونصب الأَعلام والرّايات

__________________

(١). سفينة البحار : ١ / ١٩٩.

الملونة ، ونشر معالم الزينة ، وإقامة مجالس تُعرَضُ فيها فضائلُ النبيّ أو أهل بيته يُعدّ آيةَ المودة وعلامة المحبّة لهم ، وعلى هذا الأَساس كان تكريمُ النبي في يوم مولِدهِ سنّةً مستمرةً بين المسلمين.

يقول القسطلاني في كتابه «المواهب اللدنيّة» : ولا يزال أهل الإسلامِ يَحتَفلون بشهر مولده عليه‌السلام ، ويعملون الولائم ، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات ، ويظهرون السرور ، ويزيدون في المبرّات ، ويعتنون بقراءة مولده الكريم ، ويظهر عليهم من بركاتِه كل فضلٍ عميم. (١)

الأصلُ الثاني والثلاثون بعد المائة : إقامة مجالس العزاء

من البيان السابق اتّضَحَت فلسفةُ وحكمةُ إقامة مجالس العزاء ، والمآتم لأئمةِ الدّين ، لأنّ إقامةَ مثل هذه المجالس من أجل ذكر مصائبهم وبيان ما جرى عليهم من المحَن في سبيل الدين ، هو نوعٌ من أَنواع إظهار المودَّة والمحبَّة لهم. فإذا ما بكى يعقوبُ لِفِراق وَلَدِهِ العزيز «يوسف» سنيناً عديدة ، وذرف دموعاً كثيرة (٢) فإنّ ذلك نابعٌ مِن محبته وعلاقتِهِ القَلبيّة بابنِهِ.

وإذا ما بكى محبُّو أهلِ البيت في مُصابهم بسبب علاقتهم القلبيّة بهم ، وحبّهم العميق لهم ، فإنّهم يتّبعون في هذا العمل النبيّ يعقوبَ عليه‌السلام.

إنّ إقامة مجلس في مصاب الأحبّة والبكاء لفقدانهم هي في الأساس

__________________

(١). المواهب اللدُنيّة ، ج ١ ص ٢٧ ؛ وفي تاريخ الخميس ج ١ ص ٢٢٣ مثله.

(٢). لاحظ يوسف / ١٨٤.

عملٌ أسَّسَهُ رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك عند ما سمع نساء الانصار يبكين قتلاهن في معركة «أحُد» ، فقال وهو يَذكر عمّه «حمزة» سيد الشهداء : «وَلكِنَّ حمزة لا بواكي له» (١).

وعند ما عرف أصحابُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برغبته في إقامة مجلس العزاء لعمّه «حمزة» أمروا أزواجهم بأن يبكين على قتلاهم الشهداء وعلى «حمزة» ويقمن مجلس العزاء له ، فأُقيم مجلسٌ لذلك الغرض فلمّا بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما فعلَهُ الأنصارُ وأزواجهم شكَرَهُم على ذلك ، ودعا في حقّهم قائلاً : «رَحم اللهُ الأنصار» ، ثمّ طلب من أصحابه من الأنصار بأن يأمُروا أزواجهنّ بأن يَعدن إلى منازِلِهنّ (٢).

وثمة روايات عديدة تكاد تبلغ حدّ التواتر تعرب عن أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكى على الحسين سبطه الأصغر لما يلمَّ به وبأهله وأنصاره على أيدي الفئة الباغية ، في وقعة كربلاء ، كما يلاحظ ذلك من يراجع كتاب «الصواعق المحرقة» لابن حجر و «نور الأبصار» للشبلنجي الشافعي ، و «المستدرك على الصحيحين» للحاكم النيسابوري ٣ : ١٧٦.

كما رثاه وبكاه طائفة من علماء الإسلام من سنة وشيعة وانشأوا في مصابه القصائد المطوّلة.

فهذا الإمام الشافعي يقول :

__________________

(١). سيرة ابن هشام : ١ / ٩٩.

(٢). المصدر السابق ؛ وإمتاع الاسماع : ١١ / ١٦٤.

تأوّب قلبي فالفؤاد كئيب

وأرّق نومي فالسهاد غريب

إلى أن يقول :

فمن مُبلغٌ عَنّي الحسينَ رسالةً

وإن كَرِهَتْها أنفسٌ وقلوبُ

ذَبيحٌ بلا جُرمٍ كأنَّ قميصَه

صَبِيغ بماءِ الأُرجوان خضيبُ (١)

هذا مضافاً إلى أنّ لإقامة المآتم ومجالس العزاء للشهداء في سبيل الحق فلسفة هامّة أُخرى وهي أنّ إحياء ذكراهم يوجب الحفاظ على عقيدتهم التي قُتلوا من أجلها ... تلك العقيدة التي يتكوّن جوهرُها من التفاني في سبيل الدين وعدم الخضوع للذُلّ ، والهوان وهم يردّدون شعار «الموت في عزّ خيرٌ من الحَياة في الذلّ» ويجدّدون في كلّ يوم عاشوراء هذا المنطق العظيم ويتعلم الشعوب والأُمم دروساً حيويّة من نهضتهم وثورتهم الكبرى.

الأصل الثالث والثلاثون بعد المائة : صيانة الآثار الإسلامية

يسعى كلُّ العقلاء في العالَم في حفظ آثار عظمائهم ، وأسلافِهمْ ، ويحمونها من الاندثار والزوال بحجة كونها «تراثاً فكرياً» وآثاراً حضاريّة ، وتجتهدُ الأُممُ المتحضّرة والراقية في حفظ الآثار الوطنيّة القديمة وما خلّفه أسلافُها من مفاخر جديرة بالاعتزاز ، لأنّ آثار الأسلاف هي في

__________________

(١). ديوان الإمام الشافعي قافية الباء. وراجع للوقوف على المزيد في هذا المجال : سيرتنا وسنتنا للعلّامة الأميني.

الحقيقة حلقة الوصل بين القديم والجديد ، والماضي والحاضر ، وهي ترسم حركة الشّعوب والأُمم في مسار التقدّم والرقيّ ، وتضيء لها الطريق ، والسبيل.

ثمّ إنّ الآثارَ القديمةَ إذا كانت ترتبط بالرسلِ والأنبياء فانّ الحفاظَ عليها وحراستَها ـ مضافاً إلى ما ذُكِرَ من الفائدة ـ تساعد بصورةٍ قويةٍ في المحافظة على اعتقاد الناس وإيمانهم بأُولئك الرسُل والأنبياء ، ويكون لها أبلغ الأثر في تقوية دعائِمها ، وتجذيرها وتأصيلها ، بينما يؤدّي زوالُها ، واندثارها بعد مدّة إلى انقداح روح الشك ، والريب في نفوس أتباعهم ، ويعرض أصلَ الموضوع لخطر الغموض ، والإبهام ، والنسيان والضياع.

وللمثال نشير إلى المجتمع الغربي ، فإنّ الناس في هذا المجتمع وإن اصطبغت حياتهم بالصبغة الغربية ، وأخذوا بآدابها وأخلاقها تماماً ، ولكنهم في مجال العقيدة مدّوا أيديهم نحو الشرق ، واعتنقوا الدين المسيحي وخضعوا لسلطانه ردحاً من الزمن بيد أنّهم مع تغيّر الأوضاع ، وتنامي روح البحث والتحقيق لدى الشباب الغربيّ بدأ الشك والترديد يدَبُّ في نفوسهم ، وباتوا يشكّون في أصل وجود السيد «المسيح» إلى درجة أنّهم على أثر عدم وجود آثار ملمُوسة من السيّد «المسيح» عادوا يعتبرونه أُسطورةً تاريخيّةً.

في حين أنّ المسلمين ظلّوا في منأى عن مثل هذه الحالة ، فقد حافظوا على طول التاريخ وبكلّ فخر واعتزاز على الآثار المتبقّية من

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبنائه من خطر الاندثار ، والزوال بسبب الحوادث.

فالمسلمون يَدّعُون أن شخصيّة نبيلة طاهرةً اختيرت قبل أربعة عشر قرناً للنبوة وللرسالة ، وقام ذلك النبي بمعونة برنامجه الراقي جداً بإصلاح المجتمع ، وأوجد في ذلك المجتمع تحوّلاً عظيماً ، وانقلاباً عميقاً ، وأسّس حضارة كبرى لا يزال المجتمع يستفيد من معطياتها ، وثمارها ، ولا سبيل للشك قط في وجود مثل هذه الشخصيّة المُصلِحة ، ولا في الحضارة التي أسّسها وأرسى قواعدها ، لبقاء آثاره إلى هذا اليوم ، فمحل ولادته ، ومكان عبادته ومناجاته ، والنقطةُ التي بُعثَ فيها ، والنقاط الأُخرى التي ألقى فيها خُطَبَه ، والأماكن التي دافع فيها عن عقيدته ورسالته ، والرسائل التي تبودلت بينه وبين ملوك العالم وحكام الدُّول في عصره ، والعشرات بل المئات من آثاره ، والعلائم الدالة عليه ، باقية من دون أنْ تمسّها يدُ التغيير ، ومن دون أن تطالها معاول الزوال ، فهي محسوسةٌ ومشهودة للجميع.

وهذا البيان يمكن أن يوضّح أَهميّة حفظ الآثار من جهة التفكير الاجتماعي ودورها في هدايته وقيادته.

وهو أمر أيّدته النصوص القرآنية وسيرة المسلمين ، فقد قال تعالى في القرآن الكريم :

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ* رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ

الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) (١).

وليس المراد من لفظِ «البيوت» الواردِ في هذه الآية «المساجد» لأنّ البيوت جاءَ في القرآن الكريم في مقابل المساجد ، لأنّ «المسجد الحرام» غير «بيت الله الحرام» فالبيوتُ في هذه الآية يراد منها بيوتُ الأنبياء ، وخاصة بيت الرسولِ الأكرم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذرّيته الطاهرة.

فقد روى السيوطي في تفسيره «الدر المنثور» : عن أنس بن مالك ، وبرَيدة ، قالَ : قرَأَ رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية ، فقام إليه رجلٌ فقال : أيُّ بُيوتٍ هذِهِ يا رسُول اللهِ؟ قال : «بيوت الأنبياء».

فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها؟ مشيراً إلى بيت علي وفاطمة ، قال : «نعم من أفاضلها» (٢).

والآن ـ بعد أنْ اتّضح المرادُ من «البيوت» ـ لا بد من توضيح المراد من «ترفيع البيوت».

إنّ هناك احتمالين في هذا المجال :

١. الترفيع : بمعنى بناءِ البيوت وتشييدها ، كما جاء بهذا المعنى في قوله تعالى :

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) (٣).

__________________

(١). النور / ٣٦ ـ ٣٧.

(٢). تفسير الدر المنثور ج ٥ ، ص ٥٠.

(٣). البقرة / ١٢٧.

٢. الترفيع : بمعنى احترام تلك البيوت وحراستها ، والمحافظة عليها.

فعلى المعنى الأوّل ، حيث إنّ بيوت الأنبياء قد بُنِيَت قبلَ ذلك ، لهذا لا يمكن أن يكون المراد من الترفيع في الآية الحاضرة هو إيجاد البيوت ، بل المراد هو حفظها من الانهدام والزوال.

وبناءً على المعنى الثاني ، يكون المراد من حفظ تلك البيوت هو ـ مضافاً إلى صيانتها من الخراب والانهدام ـ حفظها من أيّ نوع من أنواع التلوث المنافي لقداستها وحرمتها.

وعلى هذا الأساس يجب على المسلمين السعيُ في تكريم ، وحراسة البيوت المرتبطة بالرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعليهم أنْ يعتبروا هذا العمل أمراً قربيّاً ، أي مقرّباً إلى الله سبحانه.

ثمّ إنّه يُستفاد من الآية التي تدورُ حول أصحاب الكهف أنّه عند ما اكتُشفَ موضعُ اختفائهم ، اختلف الناس في كيفية تكريمهم فصاروا فريقين :

فريق قالوا : يجب البناء على قبرهم بغية تكريمهم.

وفريق آخر قالوا : يجب بناء مسجد على مرقدهم ، وقد أخبر القرآنُ الكريم بكلا الاقتراحين ، وكلا الرأيين ، ولو كان هذا العمل ، أو ذلك مخالفاً لأُصول الإسلام لأخبر بهما بنحوٍ آخرٍ ، ولتناوَلهما بالنقد. ولكنه رواهما من دون نقدٍ ، إذ قال :

(إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) (١).

إنّ هاتين الآيتين (مع ملاحظة سيرة المسلمين المستمرة من عصر رسول الإسلام إلى هذا اليوم والمستقرة على حفظ هذه الآثار ، والمحافظة على البيوت المرتبطة برسول الله وأهل بيته المطهرين وحراستها) دليل واضحٌ وبرهان قاطع على كون هذا الموقف موقفاً إسلامياً ، وأصلاً شرعياً.

ولهذا تقوم مسألة تعمير مراقد الأنبياء ـ وبصورة خاصّة مراقد رسولِ الله وعترتهِ الطاهِرة صلوات الله عليهم ـ وبناءِ المساجد عليها ، أو إلى جانبها ، على أساس هذا الأصل الإسلامي.

الأصلُ الرابع والثلاثون بعد المائة : زيارة قبور المؤمنين

تُعتبر زيارةُ قبور المؤمنين ، وبخاصّة قبور الأقرباء والأبناء منهم ، من الأُصول الإسلامية التي تنطوي على آثار تربويّة في نفس زائريها ، وذلك لأنّ مشاهدة تلك الديار الصامتة التي يرقد فيها أُناس كانوا قبل ذلك يعيشون في الدنيا ، ويقومون بمختلف النشاطات ، ولكنّهم أصبحوا بعد حين أجداثاً خامدة ، وجثثاً هامدة ، جديرة بأن تهزَّ الضمير ، وتوقظ القلوب ، وتنبّه الغافلين ، وتكون درس عبرة لا ينسى.

__________________

(١). الكهف / ٢١.

فإنّ من يشاهد هذا المنظر سيحدّث نفسه قائلاً : وما قيمة هذه الحياة الدنيا التي سرعان ما تنتهي ، وتكون مآلُها موت الإنسان ورقوده تحت التراب.

هل يستحق العيش في مثل هذه الدنيا الفانية أن يقوم فيها الإنسانُ من أجله بأعمالٍ ظالمة ، وممارسات فاسدةٍ؟

إنّ هذا التساؤل الذي يواجهه ضميرُ الإنسان المفكّر في مصير البشر ، سيدفع به إلى إعادة النظر في سلوكه وممارساته ، وسيؤدِّي ذلك إلى حصول تحوّلٍ كبيرٍ في روحه ونفسه.

وقد أشارَ رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذا الأثر الهامّ ، إذ قال في حديث شريف : «زُورُوا القبورَ فإنّها تذَكِّرُكُم بِالآخِرَةِ» (١).

ثمّ إنّه مُضافاً إلى هذا تُعتبر زيارةُ مراقد أئمة الدين وقادته نوعاً من الترويج للقيم الدينيّة ، والمعنويّة ، كما أنّ اعتناءَ الناس بمراقد أُولئك الشخصيّات سيُقوّي لديهم الفكرة التالية ، وهي أنّ الحالة المعنوية التي كانت تلك الشخصيات تتمتّع بها هي التي جذبت قلوب الناس إليهم ، وهي التي رفعتهم إلى تلك المنزلة العظيمة التي حازوا بها احترام الناس وتكريمهم لهم ، إذ رُبّ رجال من أصحاب السلطان والقوّة يرقدون تحت التراب دون أن يحظوا بمثل هذه العناية والاحترام من قِبَل الناس.

ولقد كانَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يذهبُ في أُخريات حياته إلى البقيع ،

__________________

(١). سنن ابن ماجة ج ١ ، باب ما جاء في زيارة القبور ، ص ١١٣.

ويستَغْفر لأصحاب القبور ، ويقول : «أَمَرَني رَبّي أنْ آتي البَقيعَ وأستَغْفِرَ لَهمْ» ثمّ قالَ : إذا زُرْتُمُوهُمْ فقولوا :

«السلامُ على أهْلِ الدّيارِ مِنِ المُؤمِنِين والمُسْلِمين يَرحَمُ اللهُ المُسْتقدِمِينَ مِنّا والمُسْتَأخِرِين ، وإنّا إنْ شاءَ الله بكم لاحِقُون» (١).

وقد اعتُبرت زيارَةُ قُبور أولياء الله وأئمّة الدين ـ في كُتبِ الحديث ـ من الأعمال المستحبَّة المؤكدة ، وكان أئمة أهلِ البيت يَذهَبُون دائماً لزيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرهم من الأئمة المتقدمين عليهم ، وكانوا يحثُّون أتْباعَهم على هذا العمل.

الاصلُ الخامسُ والثلاثون بعد المائة : المنع عن الغلو

«الغُلُوّ» في اللُّغة هو التجاوز عن الحدّ ، وقد خاطب القرآنُ الكريمُ أهلَ الكتاب قائلاً :

(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ) (٢).

ولقد خاطَبهم القرآنُ بهذا الخطاب لأنّهم كانُوا يغالُون في حق السيّد «المسيح» ويتجاوزون الحدّ ، إذ يقولون إنّه إلهٌ ، أو ابنُ الله ، أو ربّ.

وقد ظَهَرتْ بعد وفاةِ رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرقٌ وطوائفُ غالَت فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو في الأئمة المعْصُومين ، من بعده وتجاوزت الحدَّ ، ووصفوهم بمقامات

__________________

(١). صحيح مسلم ، ج ٢ ، باب ما يقال عند دخول القبور ، ص ٦٤.

(٢). النساء / ١٧١.

مختصَّة بالله وحده ، ومن هنا سُمّي هؤلاء بالغُلاة ، لتجاوزِهم حدود الحق.

يقولُ الشيخُ المفيد رحمه‌الله : «الغُلاة من المتظاهرين بالإسلام همُ الذين نَسَبوا أمير المؤمنين إلى الالُوهية والنبوَّة ، ووصفوهم من الفضلِ في الدين والدنيا ، إلى ما تجاوزوا فيه الحدَّ ، وخَرَجُوا عن القصد» (١).

ويقول العلّامةُ المجلسيّ : إنّ الغُلُوّ في النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام إنّما يكون بالقول بأُلُوهيتهم ، أو بكونهم شركاء لله تعالى في المعبوديّة ، أو في الخلق ، والرزق ، أو أنّ الله تعالى حلَّ فيهم ، أو اتّحدَ بهم ، أو أنّهم يعلمون الغيب بغير وحيٍ أو إلهامٍ من الله تعالى ، أو بالقولِ في الأئمّة أنّهم كانوا أنبياء ، أو القول بأنّ معرفتهم تُغني عن جميع الطاعات ، ولا تكليف معها بترك المعاصي (٢).

ولقد تبرَّأَ الإمامُ عليٌّ وأبناؤُهُ الطاهرون صلوات الله عليهم من الغلاة ، وكانوا يلعنونهم على الدّوام ، ونحن هنا نكتفي بإدراج حديثٍ واحدٍ في هذا المجال.

يقول الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : «احذَرُوا على شَبابِكُمُ الغُلاةَ لا يُفْسدُوهُمْ ، فإنَّ الغلاةَ شرُّ خلقِ اللهِ ، يُصغِّرونَ عظمةَ اللهِ ويَدَّعُون الرّبوبيَّة لِعبادِ اللهِ» (٣).

__________________

(١). تصحيح الاعتقاد ص ١٣١.

(٢). بحار الأنوار ج ٢٥ ، ص ٣٦٤.

(٣). المصدر السابق ، ص ٣٦٥.

ولهذا لا قيمة لتظاهر الغُلاة بالإسلام ، فهم عند أئمةِ الدين كفارٌ ضُلَّالٌ.

هذا ومن الجدير بالذِّكر هنا أنْ يقال : كما يجب الاجتنابُ حتماً عن الغلوّ ، يجب أن لا نعتبر كلَّ تصوّرٍ واعتقادٍ في حقّ الأنبياء ، وأولياء الله غُلوّاً ، ويجب الاحتياط في هذا المجال كبقيّة المجالات الأُخرى ، وتقييم العقائد بشكل صحيح.

أمور في الفروع

الفصل العاشر

الحديث والاجتهاد والفقه

الأصل السادسُ والثلاثون بعد المائة : مصادر التشريع والحديث

يَعملُ الشيعة الإمامية في العَقائد والأُصول بأحاديث مرويّةٍ عن رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق ثقات يُعتَمَد عليهم ، سواء أكانت هذه الروايات والأحاديث. في كتب الشيعة أم في كتب أهل السُّنّة.

من هنا ربّما استَنَد الشيعة في كتبهم الفقهيّة إلى رواياتٍ منقولة عن طريق رواة من أهل السّنة أيضاً ، ويُسمّى هذا النوع من الحديث الذي تُصَنَّف أقسامه على أربعة أقسام ، بالموثّق.

وعلى هذا فإنّ ما يرمي به البعض من المغرضين «الشيعةَ الإماميةَ» في هذا المجال لا أساس له من الصحّة مطلقاً.

إنّ الفقه الشيعيَّ الإماميَّ يقوم ـ أساساً ـ على الكتاب والسُّنّة ، والعقل ، والإجماع.

والسُّنَّة عبارة عن قول المعصومين وفعلهم وتقريرهم وعلى رأسهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعلى هذا إذا روى شخصٌ ثقة حديثاً عن رَسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واشتمل ذلك الحديثُ على قولِ النبي ، أو فعله ، أو تقريره ، كانَ معتبراً في نظر

الشيعة الإمامية وتلقّوه بالقبول وعملوا وفقه.

وما نجده في مؤلّفات الشيعة ومصنّفاتهم شاهدُ صدق على هذا القول ، ويجبُ أن نقول : إنَّه ليس هناك أيُّ فرقٍ بين كتب الشيعة في الحديث ، وكتب أهل السنّة في الحديث ، في هذا المجال ، إنّما الكلام هو في تشخيص من هو الثقة ، وفي درجة اعتبار الراوي.

الأصلُ السابعُ والثلاثون بعد المائة : حجيّة الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام

إنّ الأحاديث والرّوايات التي تُنْقَل عن أئمة أهل البيت المعصومين بأسنادٍ صحيحة ، حجّةٌ شرعيّة ، ويجب العمل بمضمونها ، والإفتاء وفقها.

إنّ أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ليسوا بمجتهِدين أو «مفتين» ـ بالمعنى الاصطلاحيّ الرائج للَّفظَتين ـ بل كلُّ ما يُنقَلُ عنهم حقائق حَصَلوا عليها من الطُّرُقِ التالية :

ألف ـ النَّقْل عن رَسُول اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام أخَذُوا أحاديثهم من جَدّهمْ رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (خَلفاً عن سَلَف وكابِراً عن كابر) ثمّ رووها للنّاس.

وإنّ هذا النَّوع من الأحاديث والرِّوايات التي رَواها كلُّ إمام لاحق عن الإمام السابِق إلى أن يصل السّند إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرة في أحاديث الشيعة الإمامية.

ولو أنّ هذه الأحاديث التي وردت عن أهل البيت واتصل سَنَدها

برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جُمِعَت في مكانٍ واحدٍ لحصل مِنها مُسْنَدٌ كبيرٌ يُمثل كَنزاً عظيماً للمحدّثين ، والفُقَهاء المسلمين ، لأنّ مثل هذه الأحاديث والروايات بهذه الأسانيد المُحكَمة القَوِيّة لا نَظير لها في عالم الحَديث ، ونشير إلى نموذج واحدٍ من هذه الأحاديث ، ويسمّى بحديث «سلسلة الذهب» ويُقال انّ السامانيّين كانوا يحتفظون بنسخةٍ منه في خزانتهم حبّاً منهم للأدب والعلم.

روى الشيخُ الصَّدوقُ ، عن أبي سعيد محمد بن الفَضل النيسابوري ، عن أبي علي الحسن بن علي الخزرجي الأنصاري السعديّ ، عن أبي الصَّلت الهَرَويّ ، قال : كنتُ مع علي بن موسى الرّضا عليه‌السلام حين رَحَلَ من «نيسابور» وهو راكبٌ بغلةً شهباء ، فاذا محمدُ بن رافع ، وأحمد بن حرب ، ويحيى بن يحيى ، وإسحاق بن راهويه ، وعدّةٌ من أهل العلم ، قد تَعَلَّقوا بلجام بغلته في المربعة فقالوا : بحقّ آبائِك المطهَّرين ، حدثنا بحديثٍ قد سَمِعته من أبيك ، فأَخرَجَ رأسَه من العَمارية ، وعَليه مِطرف خزٍ ذو وجهين ، وقال : «حَدَّثَني أبي العبدُ الصالح موسى بنُ جعفرٍ قال : حَدَّثني أبي الصادقُ جعفرُ بنُ محمدٍ قالَ : حَدَّثني أبي أبو جَعفر محمدُ بنُ عليّ باقر عِلمِ الأَنبياء قالَ : حَدَّثَني أبي عليُّ بن الحسين زينُ العابِدين قالَ : حَدَّثني أبي سيدُ شبابِ أهلِ الجَنَّةِ الحسينُ قالَ : حَدَّثني أبي عليُّ بنُ أبي طالب قالَ : سَمعْتُ النَّبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : قالَ الله جَلَّ جَلالُه : لا إلهَ إِلّا اللهُ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أمنَ مِن عَذابي».

فلَما مَرَّتِ الراحِلةُ ، نادانا : «بِشُروطِها ، وأنا مِن شُروطِها». (١)

__________________

(١). التوحيد للشيخ الصدوق : الباب ١ ، الأحاديث ٢١ ، ٢٢ ، ٢٣.

ب : الرواية من كتابِ عليٍّ عليه‌السلام

لقد صاحَبَ عليٌ عليه‌السلام رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فترةِ بعثته كلّها ، ولهذا استطاع أن يحفظ ويدوّن قدراً عظيما من أحاديث رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتاب (وفي الحقيقة كان ذلك الكتابُ من إملاءِ رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكتابة علي عليه‌السلام).

ولقد ذُكِرَت خُصوصيّات هذا الكتاب الذي صار بعد استشهاد الإمام علي عليه‌السلام إلى أهل بيته في أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام.

يقول الإمام الصّادق عن هذا الكتاب : «طولُه سَبْعون ذراعاً ، إملاء رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاله من فَلقِ فِيه ، وخطّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام بيده ، فيه والله جميع ما تحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة» (١).

ومِنَ الجدير بالذِّكر أنّ هذا الكتاب بقيَ عند أهل البيت يتوارثه إمامٌ من إمامٍ ، وقد نقل الإمامُ الباقر والإمام الصّادق عليهما‌السلام رواياتٍ عديدةٍ منه وربّما اطلَعُوا بعضَ شيعتهم عليه.

ويوجَدُ قسمٌ كبير من أحاديثه الآن في المجاميع الحديثية الشيعية وبالأخص كتاب «وسائل الشيعة».

ج : الإِلْهاماتُ الإِلهِيّة

إنّ لِعلومِ أهلِ البيت عليهم‌السلام مَنبعاً آخر يمكن أن نسَمّيه بالإلهام.

__________________

(١). بحار الأنوار ج : ٢٦ / ١٨ ـ ٦٦.

والإلهامُ ليس مخصوصاً بالأَنبياء ، فقد كان في طول التاريخ من الشخصيات المقدَّسة مَن كان يحظى بهذا الإلهام ، مع أنّهم لم يَكونوا أنبياء ، وقد كانت تلقى إليهم بعضُ الأسرار من عالم الغيب ، وقد أشار القرآنُ الكريمُ إلى ذلك عند ما تَحدَّثَ عن مرافق النبيّ موسى (خضر) الّذي علّم موسى بعضَ الأشياء فقال :

(آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (١).

كما وأنّه قال في شأن شخصٍ من حاشية النبيّ سليمان عليه‌السلام (وهو آصف بن برخيا) قال :

(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) (٢).

إنّ هؤلاء الأشخاص لم يَتَعلَّموا علومَهم ، ولم يَكتسبُوا مَعلوماتهم من طريق التعلّم ، بل هو كما يُعَبّرُ عنه القرآنُ عِلْمٌ لَدُنّيٌّ : (عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً).

وعلى هذا الأساس لا يكونُ عدم كون الشخص نبيّاً ، مانِعاً من أن يحظى بالإِلهام الإلهيّ ، كما يحظى بعضُ الأشخاص من ذوي الدَرَجات المعنويّة الرفِيعَة بالإلْهامِ الإلهيّ.

وقد أُطلق على هذا النَّمَط من الأشخاص في أحاديث الفريقين وصف «المُحدَّث» يعني الّذين تَتَحَدّثُ معهم الملائكةُ من دون أن

__________________

(١). الكهف / ٦٥.

(٢). النمل / ٤٠.

يكونوا أنبياء.

فقد رَوى البخاريُّ في صحيحِهِ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «لَقَدْ كانَ فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ مِن بَني إِسْرائِيل يُكلَّمون مِن غَيرِ أنْ يَكُونُوا أنْبِياء». (١)

من هنا كان أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ـ لكونهم مراجعَ للأُمة في بيان المعارف الإلهيّة ، والأحكام الدينيّة ـ يجيبون على الأسئلة التي لا توجَد أجوبتها في أحادِيث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو في كتاب علي عليه‌السلام ، من طريق «الإلهام» والتعليم الغيبي ، والعِلمِ اللدُنِيّ. (٢)

الأصلُ الثامنُ والثلاثون بعد المائة : تدوين الحديث

إنّ الأحاديث النَّبَويّة تحظى باعتبارٍ خاصٍّ ، مثل القرآن الكريم ، فالكتاب والسُّنّة كانا ولا يزالان من مصادر المسلمين الاعتقادية والفقهيّة.

ولقد أحجَمَ فريقٌ من المسلمين بعد رحلة النبيّ الأكرمِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتحت ضغطٍ من السُّلُطات الحكومية بعد النبيّ ، من كتابة وتدوين الحديث ، ولكنّ أتباع أهلِ البيت عليهم‌السلام لم يغفَلوا ـ ولحسن الحَظّ ـ ولا لحظة واحدة عن تدوين الحديث ، فدوَّنُوا ، وضَبَطوا الحديث بعد رحيل النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولقد قُلنا ـ في الأصل السابق بأنّ قِسماً من أحاديث أئمة أهلِ البيت مأخوذٌ عن الرسول الأكرم نفسه.

__________________

(١). صحيح البخاري : ٢ / ١٤٩.

(٢). راجع حول المحدَّث وتعريفه كتاب إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري : ٦ / ٩٩ وغيره.

ولقد قام علماءُ مدرسة أهل البيت وعلى طول التاريخ ، بتأليف مجاميع حديثيّة كبيرة ، ومدوَّنات تضمُّ الرّوايات والأخبار ، جاءَ ذكرها في كتب الرجال ، خاصّة في القرنِ الرابعِ والخامسِ الهجريّين ، مستفيدين ـ في هذا الصعيد ـ من الكتب التي تمَّ تأليفُها وتدوينُها في عصر الأئمة عليهم‌السلام ، وعلى أيدي أصحابهم وتلامذتهم العَدِيدين.

والكتب الحديثية الجامعة المدَوَّنة التي تعتَبَرُ اليومَ محوراً للعقائد والأحكام الشيعية هي عبارة عن :

١. «الكافي» تأليف محمّد بنِ يعقوب الكلينيّ (المتوفّى عام ٣٢٩ ه‍) في ثمانية أجزاء.

٢. «مَنْ لا يَحْضرُه الفقيهُ» ، تأليف محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه المعروف بالصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ ه‍) في أربعة أجزاء.

٣. «التهذيب» تأليف محمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسيّ (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه‍) في عشرة أجزاء.

٤. «الاستبصار» ، تأليف المؤلف السابق ، في أربعة أجزاء.

وهذه هي ثاني مجموعة من المجاميع الحديثيّة التي دوَّنها ونَظَّمها الشيعةُ ، طوال التاريخ ، بجهودِهِمُ الحثيثة حتى القرن الرابع والخامس الهجريّين ، وقد أُلّفَتْ ـ كما ذكرنا ـ في عصر الأئمة أي القرن الثاني والثالث جوامع حديثيّة تُسمّى بِالجَوامع الأوَّليّة ، بالإضافة إلى «الأُصول الأربعمائة» وقد انتقلت محتوياتها إلى الجوامع الثانويّة.

وحيثُ إنّ عِلمَ الحديث كانَ دائماً موضعَ اهتمام الشيعة ، لذلك أُلّفَت في القرنِ الحادي عشر ، والثاني عشر مجاميعُ حديثية أُخرى نترك ذكر أسمائها لعلّة الاختصار.

إلّا أنّ أكثر هذه المجاميع شهرة هو «بحار الأنوار» للعلامة محمد باقر المجلسي ، ووسائل الشيعة لمحمد بن الحسن الحرّ العاملي.

هذا ومن البديهيّ أنّ الشيعة لا تعمل بكل حديث ، ولا تعمل بأخبار الآحاد ، في العقائد ، أو التي تخالف في مضمونها القرآنَ أو السّنة القطعيّة ، وليست بحجّة عندهم ، على أنّ مجرّد وجود الرواية في كتب الحديث عندهم لا يَدلُّ على اعتقاد المؤلّف بمفاده ، بل الأحاديث تتنوَّع عند هذه الطائفة إلى صحيح وحَسَن ، وموثَّق ، وضعيف ، ولكلِّ واحدٍ من هذه الأنواع أحكامٌ خاصّة ، ودرجةٌ خاصّة من الاعتبار ، وقد جاء بيان ذلك على وجه التفصيل في علم الدراية.

الأصلُ التاسع والثلاثون بعد المائة : الاجتهاد

أشرنا فيما سبق إلى مصادر الفقه الشيعيّ الإماميّ (وهي عبارة عن الأدِلّة الأربعة : الكتاب والسُّنة والعقل والإجماع) ، وتسمّى عمليّة استنباط الأحكام الشرعيّة من هذه الأدلّة بشروطٍ خاصّة مذكورة في عِلم الأُصولِ ب «الاجتهاد».

إنّ الشريعة الإسلاميّة حيث إنَّها شريعةٌ سماويّةٌ ، ولا شريعة بعدَها قَط ، وَجَبَ أن تلبّي كلَّ الحاجات البشرية في مختلف مجالات حياتها

الفرديّة والاجتماعية.

ومن جانِبٍ آخَر حيث إنَّ الحوادث والوقائع لا تنحصر فيما كان في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالتَطوُّرات المتلاحقة في الحياة تطرح احتياجات وحالات جديدة ، تحتاج كل واحدة منها طبعاً إلى حكم شرعي خاصّ.

وبالنظر إلى هذين المطلبين يكون فتح باب الاجتهاد في وجه الفقهاء على طول التاريخ أمراً ضروريّاً ، إذ هل يمكن أن يكون الإسلام الذي هو شريعة إلهية كاملة ودين جامع أن يسكتَ في الحوادثِ الجَديدة الظهور ، وأن يترك البشرية حائرة في منعطفات التاريخ والحياة ، أمام سيل الحوادث الجديدة.

كُلُّنا نَعلم بأنّ علماءَ «الأُصول» قَسَّموا «الاجتهاد» إلى قسمين «الاجتهاد المطلَق» و «الاجتهاد في مَذهَبٍ خاصٍّ».

فإذا اجتهد شخصٌ في مسلك أبي حنيفة الفقهيّ ، وسعى إلى أن يحصل على رأيه في مسألة ما ، سُمِّيَ عَمَلُه ب «الاجتهاد في المذهب».

وأمّا إذا لم يقيّدِ المجتهدُ نَفسَه بمذهبٍ معيّن وخاصّ في المذهب وسعى إلى أن يَفهَمَ الحكمَ الإلهيَّ من الأدلّة الشرعيّة (سواءً وافق مذهباً ومَسلَكاً معيَّناً أو خالفه) دُعيَ ذلك بالاجتهادِ المطلق.

ولقد أُغلق بابُ الاجتهاد المطلق ـ وللأسف ـ في وجه علماء أهل السُّنّة (١) ، وانحصر اجتهادُهم في إطار المذاهب الأربعة خاصّة ، وهو لا شك

__________________

(١). المقريزي : الخطط : ٢ / ٣٤٤.

نوعٌ من تقييد عمليّة الاجتهاد ، وتضييق لدائرته.

إنّ فقهاء الشيعة اجتهدوا على أساس الكتاب والسّنة والعقل والإجماع ، وسعَوا إلى أن لا يتقيّدوا لإدراك الحقائق والمعارف الدينية بشيء ، الّا اتّباع الأدلّة الشرعيّة.

ومن هنا انتج اجتهادُهم الحيّ المتحرّك فِقهاً جامعاً ، منسجماً مع الاحتياجات البشريّة المختلفة ، المتنوعة ، المتطوّرة باستمرار ، وخلّف كنزاً علمياً عظيماً.

إنّ ما ساعد على إثراء هذا الفقه العميق المتحرّك هو المنع من تقليد الميّت ، والحكم بتقليد المجتهد الحيّ ، الذي يعرف بالمجتمع وبالزمان واحتياجاتهما ، ومستجداتهما.

إنّ الفقه الشيعيّ يوافق في أكثر المسائل نظريات الفقهاء من المذاهب الأُخرى ، وإنّ مطالعة كتابِ «الخلاف» للشيخ الطوسيّ شاهدُ صدقٍ على ذلك ، فقلّما توجَد مسألةٌ فرعيّة في الفقه الشيعيّ لا توافِق رأيَ أحد مؤسسي المذاهِبِ الأربعة ، أو من سَبَقهم من الفقهاء ، ومع ذلك فثمّة مسائل للفقه الشيعي فيها رأيٌ خاصٌ ، نشير إلى بعضها ضِمن عدّة أُصول تالية ، وسنَذكرها مع أدلّتها ، لأنّه قد يُتَصَوَّر أنّ هذه الفروع الخاصّة لا يدل عليها شيءٌ أو هي تخالف الكتاب والسُّنّة ، والحال أنّ الأمر على عكس ذلك.

بَعضُ الأحكام الفقهيّة المختلَف فيها

إنَّ الدينَ الإسلاميَّ تركيبة مزيجةٌ من العقيدة والشريعة (أي من الرؤية والنظرة إلى الوجود ، ومما يجب وما لا يجب) واللّذين يُعَبَّر عنهما بأُصول الدين وفُرُوعه أيضاً.

ولقد وقفنا في الأبحاث السابقة على أُصول عقائد الشيعة بصورة برهانيّة ، كما تمَّ بيان موقف الشيعة ونظريتهم حول اعتبار أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت عليهم‌السلام أيضاً.

والآن يجب أن نشير باختصار إلى الأُسلوب والمنهج الفقهيّ للشيعة وإلى بعض المسائل الفقهيّة التي للشيعة فيها آراءٌ خاصّة ، وموقف خاص.

الأصلُ الأربعون بعد المائة : حجّية قول الصحابي وروايته

لقد رُويَت ونُقِلَت السنّة النبويّة إلى الأجيال اللاحقة عن طريق فريقٍ مِن صَحابته ، وما رُوي من قوله ، وفعله ، وتقريره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجةٌ إلهيّةٌ يجب اتّباعُها ، والعمل بموجبها.

فإذا روى صحابي السُّنةَ النبويّةَ وحازت تلك الرواية على كل شرائط الحجية تلقّاها الجميعُ بالقبول ولزم العمل وفقها.

وهكذا إذا فَسَّرَ أحدُ الصَّحابة لغةً من لغات القرآن ولفظاً من ألفاظه ، أو روى شيئاً من الحوادث والوقائع المرتبطة بعصر الرسالة ، أو غيرها ، قبلت روايتهُ إذا توفرت فيها الشروط المذكورة.

ولكن إذا ذَكَرَ الصحابيُّ رأيَه أو استنباطَه من آية قرآنية ، أو حديث نبويّ ، أو نُقِلَ عنه قولٌ ، ولم يتبيّن أنّ ذلك المنقول هل هو من سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو أنّه رأي ذلك الصحابي واجتهاده الخاص ، لم يكن في هذه الحالة حجةً ، لأنّ رأي المجتهد ليس حجة على غيره من المجتهدين.

ولهذا يجب التفريق في مجال العمل بقول الصحابيّ بين رأيه واجتهاده ، وبين ما ينقله للسنّة النبوية. والشيعة الإمامية إنّما تعمل بقول الصحابي إذا روى السُّنة النبويّة.

الأصلُ الواحدُ والأربعون بعد المائة : التقليد

يجب على كل مسلم أن يحصِّلَ على اليقين في المسائل التي يجب ان يعتقدها ، ولا يجوز له اتّباعُ الآخرين في هذه المسائل من دون أن يحصل له اليقين.

وحيث إنّ أُمّهات الأُصول وكلّيات المسائل الاعتقادية محدودة ومعدودة ولكلّ منها أدلةٌ عقليةٌ واضحةٌ ، لهذا فإنّ تحصيلَ اليقين للأشخاص في أُصول الدين وأساسيات العقيدة ، قضيةٌ سهلة ، في حين أنّ نطاق الفروع والأحكام الفقهية لما كان واسعاً جداً ، والعلم بها يحتاج إلى مقدمات كثيرة ، لا يقدر أغلبُ الأفراد على تحصيلها ، لهذا فإنّ على أُولئك الأشخاص ـ بحكم الفطرة ، وتبعاً لسيرة العقلاء ـ أن يرجعوا في أحكام الشريعة إلى العلماء والمجتهدين ، ليقوموا في ضوء ذلك بواجباتهم الدينية ، ووظائفهم الشرعية.

إنّ الإنسان ـ في الأساس ـ فاعلٌ عِلْمِي أي إنّه يقومُ بأعماله على أساس العلم والمعرفة ، فإذا تيسَّر له ان حَصَل بنفسه على تلك المعلومات أخَذَ بها وعمل على ضوئِها ، وإلّا استعان بغيره.

وهنا لا بدّ من أن نعلم بأنّ التقليد للمجتهد الجامع للشرائط والرجوع إليه لمعرفة الوظيفة الشرعية ، هو نوعٌ من الرجوع إلى المتخصّصِين ، ولا علاقة له بالتقليد الأعمى الناشئ من العصبيّة القوميّة ، أو العرقية أو ما شاكل ذلك.

الأصلُ الثاني والأربعون بعد المائة : الوضوء

اتّفق المسلمون على أنّ الإسلام عقيدة وشريعة.

أمّا الأُولى فقد تعرفت عليها في الفصول الماضية.

أمّا الشريعة فأُصولها أربعة :

١. العبادات.

٢. المعاملات.

٣. الإيقاعات.

٤. الأحكام.

وأُصول العبادات عبارة عن الأُمور التالية :

١. الصلاة ونوافلها.

٢. الصوم الواجب والمستحب.

٣. الزكاة.

٤. الخمس.

٥. الحج.

٦. الجهاد.

٧. الأمر بالمعروف.

٨. النهي عن المنكر.

هذه أُمهات العبادات والامور القُربيّة عند الإمامية طبق الشريعة الإسلامية اكتفينا بالإشارة إليها ، وأمّا المعاملات والإيقاعات والأحكام فبيانها على عاتق الكتب الفقهية.

نعم هناك أحكام ربما لا تتفق الشيعة فيها مع الآخرين ونشير إلى مهماتها وهي في الوقت نفسه أُمور فقهية.

مسح الأرجل مكان غسلها

كلُّنا نَعلمُ بأنّ الوُضوء هو أحَدُ مقدمات الصلاة فإنّنا نقرأُ في سورة المائدة قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (١).

وللفظة «الأَيدي» وهي جمع «يد» التي جاءت في جملة (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) استعمالاتٌ مختلِفةٌ في اللُّغة العربيّة فربما تُطلق ويراد منها الأصابع إلى الرسغ ، وربما يُراد منها الأصابع إلى المرافق ، وربما تُطلَق ويراد منها من رءوس الأصابع إلى الكتف. هذا أوّلاً.

وثانياً : حيث إنّ المقدار الواجب غسلُه في الوضوء هو ما بين رءوس الأصابع والمرافق ، لذلك استعمل القرآن الكريم لفظة (إِلَى الْمَرافِقِ) ليعرف المقدارَ الواجبَ غسلُه من هذين العضوين في الوضوء.

__________________

(١). المائدة / ٦.

وعلى هذا الأساس فانّ كلمة «إلى» في قوله تعالى : (إِلَى الْمَرافِقِ) تبين مقدار «المغسول» من اليدين لا كيفيّة غسل اليدين (أي انّ الغَسل من الأعلى إلى الأسفل أو من الأسفل إلى الأعلى) بل كيفيّة الغَسل متروكةٌ للعُرف ولعادة الناس الذين يَغسلون الأعضاءَ والجوارح عادةً من الأعلى إلى الاسفل ، وهو أمر موافق للطبيعة كذلك.

وللمثال : إنّ الطبيب حينما يأمر بغَسل رجلي المريض الى الرُّكبة نجدهم يغسلونَهما من الأعلى إلى الأسفل.

ولهذا فإنَّ الشيعةَ الإمامية تعتقد بأنّ غَسل الوَجه واليدين في الوضوء يجب ان يكون من الأعلى إلى الأسفل ، ولا يصحّحون عكس ذلك.

وثمّتَ مطلبٌ آخر في الوضوء وهي مسألة مسح الأرجل فإنّ الفقه الشيعي يقول : يجب المسح لا الغَسل ، ويدلُّ على ذلك بإيجاز ، ظاهرُ الآية السادسة من سورة المائدة التي تبيّن أن هناك وظيفتين في الوضوء إحداهما «غَسلٌ» والأُخرى «مسحٌ». والغَسل للوجه واليدين ، والمسح للرأس وللرجلين.

١. (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ).

٢. (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).

ولو أنّنا عرضنا هاتين الجملتين على أيّ عربي أصيل غير عارفٍ بمذهبٍ فقهي خاصٍ ، ولا مطّلع على موقف اجتهاديّ معيّن ، وطلبنا منه

أن يبيّن المرادَ منها ، لقال من دون تردّد : إنّ وظيفتنا وفق هذه الآية عملان ، أحدهما : الغَسل وهو للوَجه واليدين ، والآخر : المَسح وهو للرأس والرجلين.

ومن حيث القواعد العربية فإنّ لفظة (أَرْجُلَكُمْ) يجب أن تُعطف على كلمة «رؤسكم» فتكون النتيجة هي مسح الأرجل ولا يجوز عطفها على الجملة الأسبق وهي («فَاغْسِلُوا ... وَأَيْدِيَكُمْ) التي تكون نتيجته غسل الأرجل لأنّ العطف على أيديكم يستلزم الفصل بين المعطوف وهو (أَرْجُلَكُمْ) والمعطوف عليه وهو (وَأَيْدِيَكُمْ) بجملة معترضة وهي (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) وهو غير صحيحٍ من حيثُ القواعِدِ النَّحوية العربيّة ، ويوجب الالتباس في المقصود.

كما أنّه لا فرق في هذه المسألة بين قراءة (أَرْجُلَكُمْ) بالجر أو النصب ، فعلى كلتا القراءتين يجب عطف (أَرْجُلَكُمْ) على «رؤسكم» مع فارقٍ واحد وهو أن في الأوّل يكون العطفُ على اللَّفظ والظاهر ، وفي الثاني يكون العطفُ على المحلّ.

وبعبارة أُخرى ؛ إذا عُطِفتِ أرجلكم على لفظ رءُوسِكم قُرئت بالجرّ ، واذا عُطِفَت على المحلّ (وهو المَفعولية) قرِئَت بالنصب.

والرّوايات المتواترة الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام تحكي عن أنّ «الوضوء» يتألّف من شيئين هما : «غسلتان» و «مسحتان» وقد روى الإمام الباقر عليه‌السلام في حديث بيّن فيه وضوءَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانَ يمسح على رِجليه.

هذا والجديرُ بالذِّكر أنّه لم يكن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام هم وحدهم الذين يمسحون على الأرجل عند الوضوء ، بل كان فريق من الصحابة والتابعين يرَون هذا الرأي ويذهبون هذا المذهب أيضاً.

وليست أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام منفردين في هذا القول بل وافقهم فيه لفيف من الصحابة والتابعين.

أمّا الصحابة ، فمنهم :

١. الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

٢. عثمان بن عفان.

٣. عبد الله بن عباس الصحابي.

٤. النزال بن سبرة الهلالي.

٥. رفاعة بن رافع بن مالك البدري.

٦. أنس بن مالك بن نضر خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٧. تميم بن زيد المازني الذي له صحبة.

٨. أبو مالك الأشعري : الصحابي.

وأمّا من التابعين ، فنذكر منهم :

٩. الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام.

١٠. بسر بن سعيد المدني.

١١. حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان.

١٢. عبد خير بن يزيد الكوفي التابعي.

١٣. عباد بن تميم الخزرجي.

١٤. أوس بن أبي أوس الثقفي.

١٥. عامر شراحيل بن عبد الشعبي.

١٦. عكرمة مولى ابن عباس.

١٧. عروة بن الزبير القرشي.

١٨. قتادة بن عزير البصري.

١٩. موسى بن أنس بن مالك قاضي البصرة.

٢٠. حصين بن جندب الكوفي التابعي.

٢١. جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي.

٢٢. إسماعيل بن أبي خالد البجلي الأحمصي.

٢٣. عطاء القداحي.

إلى غير ذلك ممّن ذكرنا أسماءهم في رسالة مخصَّصة بحكم الأرجل في الوضوء. (١)

ولكن سنة مسح الأرجل هذه تبدَّلت إلى الغَسل فيما بعد لأسباب خاصّة جاء ذكرها في الكتب الفقهيّة.

وقد قال ابن عباس الوضوء غسلتان ومسحتان (٢).

__________________

(١). لاحظ رسالة حكم الأرجل في الوضوء ، ص ٦١ ـ ٦٨.

(٢). تفسير الطبري : الجزء ٦ / ٨٢.

الأصلُ الثالث والأربعون بعد المائة : ما يصح السجود عليه

تعتقد الشيعة بأنّه يجب السجود في حال الصلاة على الأرض وما ينبت منها بشرط أن لا يكون مأكولاً ولا ملبوساً ، وأنّه لا يصحُّ السجود على غير ذلك في حال الاختيار.

فقد روي في حديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونَقَلَهُ أهلُ السُّنة أنّه قال : «وجُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً» (١).

وكلمة «الطهور» التي هي ناظرة إلى التيمّم تفيد أنّ المقصودَ من الأرض هو الأرض الطبيعيّة التي تتمثل في التراب والصخر والحصى وما شابهها.

ويقول الإمام الصادق عليه‌السلام أيضاً : «السجودُ لا يَجُوز إلّا عَلى الأَرض أو عَلى ما أنبَتت الأرضُ إلّا ما أُكِلَ أو لُبِس» (٢).

ولقَد كانت سِيرةُ المسلمين في عصر الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي السجود على أرض المسجد التي كانت مفروشة بالحصى ، وعند ما كان الجوّ حارّاً جداً بحيث كان السجود على الحصى أمراً عسيراً ، كانَ يسمح لهم بأن يأخذوا الحصى في أكفهم لتبريدها ، حتى يمكنهم السجودُ عليها.

يقول «جابرُ بنُ عبد الله» الأنصاري : كنتُ أُصلّي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١). صحيح البخاري : ١ / ٩١ ، كتاب التيمم ، الحديث ٢.

(٢). وسائل الشيعة ، ج ٣ ، الباب ١ من أبواب «ما يُسجَد عليه» الحديث الأوّل ، ص ٥٩١.

الظُّهر فآخذ قبضةً من حصى في كفّي لِتبرُدَ حتى أسجدَ عليه من شِدّة الحر. (١)

وتجنَّبَ أحد الصَّحابة عن تتريب جبهته عند السجود ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ترّب وجهك» (٢).

كما انّه إذا كان أحدٌ من الصحابة يسجد على كور العمامة أزاح النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده عمامته عن جبهته. (٣)

إنّ هذه الأحاديث كلَّها تشهَد بأنّ وظيفة المسلمين في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت في البداية هي السجودُ على الترابِ والحصى ، ولم يسجدوا على الفراش أو اللباس أو على طرف العمامة ، ولكن النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُبلغ عن طريق الوحي الإلهي فيما بعد أنّه يمكنه السجودُ على الحصير والخُمرة أيضاً وثمت رواياتٌ عديدةٌ وكثيرةٌ تحكي عن سجود النبيّ على الحصير والخُمرة. (٤)

إنّ الشيعة الإمامية كانوا لا يزالون مقيّدين بهذا الأصل ، فهم كانوا ولا يزالون يسجُدون فقط على الأَرض ، أو ما ينبتُ من الأرض من غير المأكول والملبوس كالحصير المصنوع من سَعْف النَّخْل ، أو القَصَب ، ويرجع إصرارهم على السجود على التراب أو الحصى والصخر أو

__________________

(١). مسند أحمد : ٣ / ٣٢٧ ، حديث جابر ، سنن البيهقي : ١ / ٤٣٩.

(٢). كنز العمّال : ٧ / ٤٦٥ ، رقم الحديث ١٩٨١٠.

(٣). راجع سنن البيهقي : ٢ / ١٠٥.

(٤). مسند أحمد : ٦ / ١٧٩ ، ٣٠٩ ، ٣٣١ ، ٣٧٧ ، و ٢ / ١٩٢ ـ ١٩٨.

الحصير إلى هذه الأدلّة الساطعة.

ثمّ إنّ من الأفضل أن تكون المساجدُ في البلاد الإسلامية على نحو يمكن لأتباع جميع المذاهب المختلفة العمل بوظائفهم دون حرج.

وفي الخاتمة ؛ لا بد أن نُذكّر بهذه النقطة وهي أنّ التراب والحجر هو في الحقيقة «مسجودٌ عليه» وليس «مسجوداً له» فالشيعة يسجدون على التراب والحجر لا أنّهم يسجدون لهما.

وربما يُتصوّر أحد خطأً أنّ الشيعة يسجدون للتراب والحجر في حين انّهم إنّما يسجدون لله تعالى تماماً مثل جميع المسلمين ويضعون جباههم على التراب تذلّلاً لله تعالى ويقولون سبحانَ ربّي الاعلى وبحمده.

الأصل الرابع والأربعون بعد المائة : الجمع بين الصلاتين

يَجبُ على كلّ مسلم أن يصلّيَ لله كلّ يومٍ وليلةٍ خمسَ مرّات في الأوقات الشرعيّة التي بيّنها الله تعالى ورسولهُ الكريم في القرآن والسُّنة.

فوقت صلاة الظهر والعصر يَبدَأُ من الزَّوالِ إلى الغُروب ، ووقتُ صَلاةِ المغرب والعشاء يبدأ من المغرب إلى منتصف اللَّيْل ، ووقتُ صلاة الصُّبح يبدأ من طلوع الفجر إلى طلوع الشَّمس.

إنّ الشيعة تعتقد بأنّ الظُّهر إلى المغرب هو الوقت المشترك بين الصَّلاتين ، إلّا بمقدار أربع ركعات من أوّل الوقت ، فهو وقت مختص

بصلاة الظهر ، وبمقدار أربعة ركعات من آخرِ الوقتِ فهو وقتٌ مختصٌ بصَلاةِ العَصر.

وعلى هذا الأَساس يجوزُ للإنسان الإتيانُ بكلتا الصَّلاتين : الظُّهرِ والعصرِ في الوقت المشتَرَك (أمّا في وقت الظهر ووقت العصر فلا يجوز إلّا الإتيان بالصلاة المختصّة به فيه) وإن كان الأفضل أن يفصلَ بين الظهرين والعشائين ، ويأتي بكلّ واحدةٍ منهما في وقتِ فضيلتها التي ستُذكر فيما بعد (١) ولكنه في نفس الوقت يجوز الجمعُ بينهما ، وترك وقت الفضيلة.

يقول الإمامُ الباقرُ عليه‌السلام : إذا زالتِ الشَّمسُ دَخَلَ الوقتان الظهرُ والعصرُ ، وإذا غابتِ الشمسُ دخلَ الوقتان المغربُ والعشاءُ الآخرة (٢).

وقال الإمامُ الصادق عليه‌السلام : «إذا زالَتِ الشَّمسُ فَقَدْ دَخَلَ وَقتُ الظُّهرِ والعَصرِ جميعاً ، إلّا أنَّ هذِهِ قبلَ هذهِ ، ثمّ إنّه في وقت منهما جميعاً حتى تغيبَ الشمسُ» (٣).

ويُخبرُ الإمامُ الباقر عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان يَجمعُ بين الظُّهر والعَصر مِن دون عذر أو علة. (٤)

__________________

(١). وقت فضيلة صلاة الظهر من أوّل زوال الشمس إلى الوقت الذي يصير فيه ظلّ الشاخص بمقدار نفسه ، ووقت فضيلة صلاة العصر كذلك عند ما يصير ظل الشاخص ضعفي مقداره.

(٢). وسائل الشيعة : ج ٣ ، أبواب المواقيت الباب ٤ ، الرواية ١.

(٣). وسائل الشيعة : ج ٣ ، أبواب المواقيت ، الباب ٤ ، الرواية ٤ و ٦.

(٤). نفس المصدر.

إنّ جوازَ الجمع بين الصلاتين (الظّهرين ، والعِشائين) موضعُ اتّفاق بين جميع فقهاء الإسلام ، فجميع الفقهاء يجوّزُون الجمع بين الصلاتين : الظُّهر والعَصر في عرفة والمغرب والعشاء في المزدلفة.

كما أنّ فريقاً كبيراً من فُقَهاءِ أهل السُّنّة يجوّزُون الجمعَ بين الصَّلاتين في السَّفر.

وما يَختلفُ فيه الشيعةُ عن الآخرين هو أنّهم يتوسَّعُون في هذه المسألة استناداً إلى الأدِلّة السّابقة (مع القبول بأفضلية الإتيان بالصلوات الخمس في أوقات فضيلتها والقول به وترجيحِهِ) فيجوّزُونَ الجمعَ بين الصَّلاتين مطلقاً.

وحكمة هذا الأمر هي ـ كما جاء في الأحاديث ـ التوسعة على المسلمين والتخفيف عنهم ، وقد جَمَعَ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسُه في مواضع كثيرة بين الصَّلاتين من دون عذر (كالسَّفر ، والمرض وغيرهما) ليخفّف بذلك عن المسلمين ، ويوسّعَ عليهم ، حتى يستطيع ان يجمع بينهما كلُّ من شاءَ أنْ يجمع ، ويُفرِّقَ بَينهما كلُّ من شاءَ أنْ يفرّق.

فقد رَوى مُسْلم في صحيحه الحديث الآتي : «صَلّى رسولُ الله الظُّهرَ والعَصرَ جميعاً ، والمغرب والعِشاء جميعاً في غير خوف ولا سَفَرٍ» (١).

وقد أُشير في بعض الرّوايات إلى حِكمة هذا العمل.

__________________

(١). صحيح مسلم : ٢ / ١٥١ ، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.

فقد جاء في إحدى تلك الروايات ما هذا نصُّه : «جَمَعَ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الظُّهر والعصر وبين المغرب والعِشاء. فقيلَ له في ذلك. فقال : صَنَعْتُ هذا لِئلّا تُحرَجَ أُمّتي» (١).

إنّ الروايات التي تحدّثت عن جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الصلاتين وردت في الصحاح والمسانيد وهي تنص على جواز الجمع بين الصلاتين تربو على واحدة وعشرين رواية ، بعضُها يرتبط بالسَّفر ، والبعض الآخر يكون في غير السفر والمرض والمطر.

وفي بعضها أُشيرَ إلى حكمة الجَمع بين الصَّلاتين وهو التوسعة والتخفيف عن المسلمين ، وقد استفاد فقهاء الشيعة من هذا التسهيل تجويز الجمع بين الصلاتين (الظهرين والعشائين) مطلقاً ، وأمّا كيفية الجمع فهي على النحو الذي كان المسلمون جميعاً يجمعون في عرفة والمزدلفة.

وقد يُتَصوَّر أن المقصود من الجَمع هو أن يؤتى بالصلاة الأُولى من الصَّلاتين في آخر وقت الفَضيلة (مثلاً عند ما يبلغُ ظل الشاخص إلى مقداره) ويؤتى بالصلاة الثانية في أوّل وقت العصر ، وبهذا العمل يكون المصلّي في الحقيقة ـ قد أتى بكلتا الصلاتين في وقتهما وإن كان إحداهما في نهاية وقتها والأخرى في بدايته.

__________________

(١). شرح الزرقاني على موطأ مالك ، ج ١ ، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر ص ٢٩٤.

ولكن هذا التصوُّر مخالفٌ لظاهر الرّوايات لأنّ كيفية الجمع بين الصلاتين ـ كما أسلفنا ـ هي على غرار ما يفعله المسلمون جميعاً في عرفة والمزدلفة ، يعني انّهم في عرفة يأتون بكلتا الصلاتين (الظهر والعصر) في وقت الظهر ، وفي المزدلفة يأتون بكلتا الصلاتين (المغرب والعشاء) في وقت العشاء.

وعلى هذا الأساس يجب أن يكون الجمع بين الصّلاتين الذي جاء في لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناظراً إلى هذا النمط من الجَمع ، وليس الجمع الذي يؤتى فيه بإحدى الصلاتين في آخر وقته ، وبالأُخرى في أوّل وقتها.

هذا مضافاً إلى أنّ حكمة الجمع بين الصلاتين وُصِفت في بعض الروايات بأنّها التوسعة والتخفيف وفي بعض الرّوايات وصفت بأنّها لرفع الحَرَج ، وهذا إنّما يتحقّق إذا كان المصلّي في الجمع بين الصلاتين على خيارٍ كاملٍ يعني أن يجوز له أن يأتي بالظهر والعصر ، والمغرب والعشاء متى شاء.

هذا مضافاً إلى أنّه على أساس هذا التفسير للمقصود يجب أن يُقال إنَّ النبيّ لم يأت بشيءٍ جديدٍ ، لأنّ مثل هذا الجمع كان جائزاً حتى قبل أن يفعله النبيّ ، فإنّ أي مسلم كان يجوز له أن يؤخّر صلاة الظهر إلى آخر الوقت ، ويأتي بالعصر كذلك في أول وقته.

ولقد كَتبَ فقهاءُ الشيعة الإمامية حول الجَمع بين الصَّلاتين وأدلّتِهِ رسائلَ مفصّلةً يمكن لمن يحبُّ التوسعَ مراجعتها.

الأصلُ الخامسُ والأربعون بعد المائة : الزواج المؤقت (المتعة)

إنّ الفقه الشيعيَّ تَبَعاً للكتاب والسُّنة يُصَحّحُ نوعَينِ من الزَّواج : «الزواج الدائم» وهو لا يحتاج إلى توضيح.

«والزواج الموقَّت» أو المتعة وكيفيتها كالتالي :

يجوز للرجل والمرأة بأن يقيما علاقة زوجيّة بينهما لمدّة معينة شريطة أن لا يكون هناك مانعٌ شرعي (من نَسَبٍ أو رِضاعٍ) في طريق زواجهما ، وذلك بَعد أن يُعيّنا مبلغاً من المال ، ثمّ إنّهما بعد انقضاء المدة ينفصلان من دون إجراء صيغة الطلاق.

ولو نشأ من هذا الزواج (الموقَّت) وَلد كان ولدُهما شرعاً وورثهما.

وعلى المرأة ـ بعد انقضاء المُدّة ـ أن تعتدَّ عدةً شرعيّةً ، ولو كانت حاملاً وَجَبَ الاعتدادُ إلى أن يولَد الطفلُ ، ولا تتزوَّج في حالِ كونها في حبالة الرَّجُل ، وكذا في حالِ عدَّتها ، برجل آخر.

إنّ الزواج الموقَّت مثل الزَّواج الدائم ماهيةً وحقيقةً ، وأكثر الأحكام الثابتة للزواج الدائم ، ثابتة كذلك للنكاح الموقَّت ، وغاية ما هناك من تفاوت مهمّ بين هذين الزواجين هو أمران :

١. تعيين المدة في النكاح المؤقت.

٢. عدم وجوب النفقة في هذا النِّكاح.

ولو أنّنا تجاوزنا هذين المطلبين البارزين تكون الفوارق الأُخرى

فوارق جزئية لا توجب افتراقاً كبيراً بين النكاحين.

هذا وحيث إنّ الإسلام دينٌ خاتم وشريعة جامعة فجوّز هذه الأطروحة لحلّ المشكلة الجنسية.

ولو أنّنا أخذنا وضع الشاب الّذي يدرس أو يعمل خارج البلاد ، ويفتقد القُدرة على الزواج الدائم فما ذا يفعل في هذه الحالة؟ وما هي وظيفته في هذه الصورة؟ فإنَّ الشابّ لا يجد أمامه إلّا ثلاثة خيارات :

ألف : كبح الرغبة الجنسيّة وأن يحرم النفس من التلذّذ الجنسي.

ب : إيجاد العلاقة الجنسية غير الشرعية مع النساء الفاسدات أو المريضات.

ج : الاستفادة من الزواج المؤقّت مع امرأةٍ طاهرةٍ ضمن شروطٍ خاصّةٍ ، من دون تحمّل مشكلة النفقة والتي توجدُها رابطة الزوجية الدائمة.

إنّ من الواضح انّه ليس هناك طريقٌ رابعٌ يستفيد منه الشابُ المذكورُ ، على أنّه لا يعني هذا أنّ الزواج الموقَّت خاصٌّ بمثل هذه الشروط ولكن في نفس الوَقت تستطيع ملاحظة مثل هذه الموارد أن تكشف عن حكمة تشريع هذا النمط من الزواج.

ولا بدّ من الالتفات ـ ضمناً ـ إلى أنّ فقهاءَ الإسلام قد أيّدوا نوعاً من الزَّواج الدائم الذي هو في حقيقته الزواج المؤقّت وهو ان يتزوج رجلٌ وامرأة زواجاً دائمياً ولكنهما أو أحدهما يعلمان بأنهما سينفصلان ، بعد

مدة بالطلاق.

إنّ تجويز هذا النوع من الزواج يشبه تماماً تجويز الزواج المؤقّت فهما متشابهان جوهراً وإن اختلفا اسماً.

إنّ الكتاب والسُّنَّة النبويّة حاكيان عن مشروعية الزواج المؤقّت (المتعة) فالقرآنُ الكريم يقول :

(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (١).

إنّ الأغلبيّة الساحقة من المفسّرين يعتبرون هذه الآية مرتبطةً بالزواج المؤقّت. وأساساً لا مجال للترديد في تشريع مثل هذا النكاح في الإسلام ، إنّما الخلاف لو كان هو في نسخ هذا الزواج أو عدم نسخه ، أي بقاءه على مشروعيته.

وروايات الفريقين حاكية عن أنّ هذا الحكم لم يُنسَخ. إنما مُنِعَ عن العمل بهذا الحكم في عصر الخليفة الثاني ، والجدير بالذكر أنّ هناك كلاماً للخليفة في هذا المجال يكشف أيضاً عن أنّ هذا النمط من النكاح كان جائزاً بل رائجاً في عصر النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ويفيد أنّ هذا المنع لم يكن ناشئاً إلّا من رأي شخصي ليس إلّا ، لأنّه قال : «أيّها الناسُ ثلاثٌ كنَّ على عَهد رسولِ الله أنا أنهى عنهنّ وأُحَرمهنَّ وأُعاقب عليهنّ ، وهي : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحيّ على خَير العَمَل» (٢).

__________________

(١). النساء / ٢٤.

(٢). شرح التجريد للقوشجي ، مبحث الإمامة ، ص ٤٦٤ ، وغيره.

والعجيب أن نهيَ الخليفة عن الشق الأوّل والشق الأخير من هذه الشقوق بقي إلى الآن ولكن متعة الحج بقيت معمولاً بها عند جميع المسلمين خلافاً لرأي الخليفة الثاني (والمقصود من متعة الحج هو أنّ الحاج بعد أن انتهى من عمرة الحج يخرج من حالة الإحرام ، وتحلّ له محرماته وهذه نهى عنها عمر وأمر بعدم الخروج من الإحرام وبقاء محرمات الإحرام حتى حلول موعد الحج).

والدليل الواضح على أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يمنع عن المتعة ما رواه البخاري عن عِمران بن حصين أنّه قال : نزلت آية المتعة في كتابِ اللهِ ففعلناها مع رسول الله ولم ينزل قرآن يحرّمُهُ ولم يَنهَ عنها حتى مات ، قالَ رجلٌ برَأْيه ما شاءَ (والمقصود هو تحريم الخليفة الثاني لنكاح المتعة). (١)

الأصل السادسُ والأربعون بعد المائةِ : وضع اليد اليمنى على اليسرى في القراءة

يُعتبر التكفيرُ أو القبض وهو وضع اليد اليُمنى على اليُسرى في حال الصلاة بدعةً ، وحَراماً في فقه الإماميّة.

يقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لا يَجْمَعُ المسلمُ يَدَيه في صلاته وهو قائمٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ يتشبّه بأهل الكُفْرِ مِنَ المجوس» (٢).

__________________

(١). صحيح البخاري ، ٦ / ٣٧ ، قسم التفسير عند تفسير الآية ١٩٦ من سورة البقرة.

(٢). وسائل الشيعة ، ج ٤ ، الباب ١٥ من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث ٧.

وقد حكى الصَّحابيُ الكبير أبو حميد الساعدي لجماعة من صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من بينهم أبو هريرة الدوسيّ ، وسهلُ الساعديّ ، وأبو أسيد السّاعديّ ، وأبو قتادة والحارث بن ربعي ، ومحمّد بن مسلمة أيضاً ، كيفيّةَ صلاة النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر كلَّ ما فيها من مستحبّاتٍ صغيرةٍ وكبيرةٍ ، ولكن لم يَذْكُرْ فيها هذا العمل (أي التكفير قط) (١).

ومن البديهي أنّ هذا العمل لو كان من سيرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذكَره عند ذكر صلاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لذَكره الحاضرون في ذلك المجلس.

وقد ورَد في كتبنا الحديثيّة ما يشابه حديث الساعدي على لسان الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام برواية حماد بن عيسى أيضاً. (٢)

ويستفاد من حديث سهل بن سعد أيضاً أنّ وضع اليُمنى على اليُسرى في الصلاة حَدَث بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه يقول : «كانَ النّاسُ يؤمَرون» (٣) لأنّه إذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الآمر بهذا العمل لقال : كان النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمرُ الناسَ.

أي كان ينسبه إلى شخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١). البيهقي ، السنن : ٢ / ٧٢ ، ٧٣ ، ١٠١ ، ١٠٢ ؛ وأبو داود : السنن : ١ / ١٩٤ ، باب افتتاح الصلاة ، الحديث ٧٣٠ ، ٧٣٦ ؛ الترمذي : السنن : ٢ / ٩٨ باب صفة الصلاة.

(٢). وسائل الشيعة : ٤ ، باب ١ من أبواب أفعال الصلاة ، الحديث ٨١.

(٣). فتح الباري : ٢ / ٢٢٤ ، وسنن البيهقي : ٢ / ٢٨.

الأصلُ السابعُ والأربعون بعد المائة : لا تجوز صلاة التطوّع جماعة

تُعتبر صلاةُ «التراويح» من المستحبّات المؤكّدة اتّباعاً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقد جاء في الفقه الشيعيّ انّه يُستحبُّ أن يُصلّي الإنسان طول شهر رمضان ألف ركعة زائداً على النوافل المرتّبة في سائر الشهور ، وتصلى هذه الصلاة فرادى ، والجماعة فيها بدعة. ويقولُ الإمام الباقر عليه‌السلام : «ولا يَجُوز أنْ يُصَلّي التطوّعَ جماعةً» (١).

وقد ذَكرَ الإمام الرضا عليه‌السلام في رسالته التي كتَبَ فيها عقائد المسلم ، وأعماله بأنّ هذه النوافل لا يجوز الإتيان بها جماعة ، وأنّ الإتيان بها كذلك بدعة. حيث قال : «ولا يُصَلّى التطوّع في جماعة لأنّ ذلك بدعَة وكلُّ بدعةٍ ضلَالة وكل ضلالة في النار» (٢).

من دراسة تاريخ صلاة «التراويح» جماعةً كما هو متداوَلٌ بين أهل السُّنّة ، يتضح أن الاجتهاد الشخصيّ كان وراء تشريع هذا الأمر إلى دَرَجة أنّهم سمَّوه بدعة حسنة.

ويمكن لمن يحب الوقوف على هذا أن يراجع المصادرَ التالِية. (٣)

__________________

(١). الصدوق ، الخصال ، ص ٦٠٦.

(٢). الصدوق ، عيون أخبار الرضا : ج ٢ ص ١٢٤.

(٣). القسطلاني ، إرشاد الساري : ٣ / ٢٢٦ ؛ عمدة القارئ : ١١ / ١٢٦ ؛ الشاطبي ، الاعتصام : ٢ / ٢٩١.

الأصلُ الثامنُ والأربعون بعد المائة : الخُمس

اتّفق فقهاء الإسلام على أنّ غنائم الحرب تقسَّم بين المجاهدين ما عدا خمس الغنائم ، فإنّه يجب صرفُه في موارد خاصّة جاء ذكرُها في قوله تعالى :

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (١).

والفرقُ الوحيد بين فقهاء الشيعة وبين غيرهم من الفقهاء هو أنّ الفريقَ الثاني يخصّون «الخُمْسَ» بغنائم الحرب ، ولا يقولون بفرض «الخمس» في غير ذلك ، ممّا يكتسبه الإنسان ويستحصله ويَستدلون لهذا الموقف بهذه الآية المباركة التي ذُكِرَت فيها غنيمةُ الحرب والقتال.

ولكنّ هذا الموضوع غير صحيح لسببين :

أوّلاً : أنّ الغنيمة تُطلَقُ في لغَة العَرب على كلّ ما يفوزُ به الإنسان ، ولا تختص بما يَحصَلُ عليه من العَدُوّ في الحرب ، وبالقتال.

يقول ابن منظور : «الغنم الفوز بالشيء من غير مشقة» (٢).

كما أنّ القرآنَ الكريمَ يستعمل هذه اللفظة في نِعَمِ الجنة ، إذ يقول : (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) (٣).

__________________

(١). الأنفال / ٤١.

(٢). لسان العرب ، كلمة غَنَم ، ويقرب من هذا المعنى ما ذكره ابن الأثير في النهاية ، والفيروزآبادي في قاموس اللغة.

(٣). النساء / ٩٤.

وأساساً : «الغنيمةُ» في مقابل «الغرامة» فكلّما حُكمَ على الشخص بأن يدفَعَ مبلغاً من دون أن يستفيدَ من شيء سُمّيَ ذلك المبلغ «غرامة» ، وإذا فاز بشيء وحَصَل عليه سمّي ذلك «غنيمة».

وعلى هذا الأساس لا تختصُّ لفظة الغنيمة بغنائم الحرب ، ونزولُ الآية في غنيمة معركة «بدر» لا يَدلُّ على اختصاصها بغنيمة الحرب ، وقانون تخميس الأرباح قانون شاملٌ وكاملٌ ، ومورد الآية غير مخصّص لهذا لحكمِ العامّ.

وثانياً : لقد وَرَدَ في بعض الروايات أنّ النبيَّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض «الخمسَ» على كلّ ربح ، فعند ما حضر عنده وفدٌ من قبيلة عبد القيس وقالوا : إنّ بينَنا وبينَك المشركين ، وإنّا لا نصل إليك إلّا في الأشهر الحُرُم فمرنا بجُمل الأمر ، إن عَمِلنا به دخلنا الجنة وندعو إليه مَن وَراءنا؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «آمُرُكم بأربع : وأنهاكُمْ بأربع : شهادة أن لا إله إلّا الله وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا الخمس من المغنم» (١).

إنّ المراد من الغنيمة في هذه الرواية ، غير غنيمة القتالِ لأنّ وفد عبد القيس قالوا : إنّ بيننا وبينكَ : المشركين ، يعني انّنا نخاف أن نصل إليك في المدينة لوجود المشركين بيننا وبينك ، وهذا يفيد أنهم كانوا محاصَرين من قِبَل الكفّار والمشركين ولم يكن في مقدورهم مقاتلة المشركين حتى يحصلوا على غَنيمة منهم ، ثمّ يقوموا بتخميسها.

__________________

(١). صحيح البخاري ، ج ٢ ص ٢٥٠.

هذا مضافاً إلى أنّ الرّوايات الصادرة عن أهل البيت عليهم‌السلام تصرّح بوجوب دفع «الخمس» مِن كل ربح يحصل عليه الإنسانُ ، وهذا ممّا لا يدع مجالاً للشكّ والغموض (١).

هذه بعضُ الفُروع الفقهيّة التي اتخذَ فيها الشيعةُ مواقفَ خاصة.

وللمثال ثمتَ خلاف بينهم وبين غيرهم في أبواب الخمس ، والوصيّة والإرث ، ولكن لا بدّ من القول بأنّه مضافاً إلى اشتراك الشيعة مع غيرهم في كليات الأحكام ، فإنّ تدريس الفقه بصورة مقارنة وبخاصة مع الأخذ بنظر الاعتبار كل ما ورد عن أهل البيت من آراء وأحكام مدعومة بالدليل ، يمكنه أن يقلّلَ من شقة الخلاف بين أهل السنة والشيعة في هذا المجال. (٢)

الأصلُ التاسعُ والأربعون بعد المائةِ : دور الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية

إنّ الحضارةَ الإسلامية ثمرةُ الجهود المتواصلة للأُمّة الإسلامية منذ انبثاق الدعوة المحمدية المباركة ، فهم بشعوبهم المتنوعة وفي ظِلّ الإيمان والعقيدة ذابوا في بوتقة الإسلام ، ووظَّفُوا كلّ قواهم وإمكانياتهم وركّزوا كلّ مساعيهم وجهودِهم لخدمة الإسلام ، وتحقيق أهدافه

__________________

(١). وسائل الشيعة ، ج ٦ ، كتاب الخمس ، الباب الأوّل.

(٢). وصيّة الوارث نافذة في نظر الشيعة ولكنها غير نافذة في نظر السنّة ، والعول والتعصيب في أحكام الإرث باطلان في نظر الشيعة وفقههم ويجب معالجة المشكلة في مورد العول بطريق آخر ، مذكور في كتب الفقه.

وأغراضه السامية ، وبذلك أرسوا دعائم حضارةٍ لا تزال البشرية مدينة لها ومستفيدة منها.

ولقد كانَ للشيعة دورٌ مؤثرٌ في بِناءِ صرحِ الحضارةِ الإسلاميّة الكبرى ، ويكفي تصفّح الكتب المؤلَّفة في العلوم والحضارةِ الإسلاميّة لنرى كيف تلمع فيها أسماءُ علماء الشيعة ومفكّريهم.

ففي مجال الآداب العربية والعلوم الإنسانية يكفي أن نعرف أنّ الإمام عليّاً أمير المؤمنين عليه‌السلام هو مؤسّسُها الأوّل ، وأن تلميذه أبا الأسود الدؤلي هو الذي عمل على توسعتها وتدوينها. وقد واصَلَ علماء الشيعة بعد ذلك الجهود الحثيثة في سبيلها ، وذلك نظراء المازني (المتوفّى ٢٤٨ ه‍) وابن السكيت (المتوفّى ٢٤٤ ه‍) وأبي إسحاق النحوي (من أصحاب الإمام الكاظم) وخليل ابن أحمد الفراهيدي مؤلّف كتاب «العَين» (المتوفّى ١٧٠ ه‍) وابن دريد مؤلف كتاب «الجمهرة» (المتوفّى ٣٢١ ه‍) والصاحب بن عبّاد مؤلف كتاب «المحيط» (المتوفّى ٣٨٦ ه‍) وغيرهم من آلاف الأُدباء الشيعة الذين كان كل واحد منهم قطباً من أقطاب اللغة ، والنحو ، والصرف ، أو الشِّعر ، وعلم العَروض في عصره.

وفي علم التَّفسير فالمرجع الأوّل لتفسير القرآن بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ومن بعدهم عبد الله بن عباس (المتوفّى ٦٨ ه‍) وغيرهم من تلامذة أهل البيت ، وقد ألَّفَ علماءُ الشيعة طوال أربعة عشر قرناً مئات التفاسير المتنوِّعة حجماً وكيفاً ومنهجاً ، وقد كتبنا مقالاً مفصّلاً حول تأليف الشيعة في

مجال التفسير عبر التاريخ ، نُشِرَ في مقدّمة الطبعة الجديدة لتفسير «التبيان» للشيخ الطوسيّ.

وفي علم الحديث تقدّمت الشيعة على غيرهم من الفرَق الإسلامية في تدوين السنة وكتابتها ودراستها على حين كان ذلك ممنوعاً في عصر الخلفاء.

ويمكن الإشارة في هذا الصَّعيد إلى «عبيد الله بن أبي رافع» و «ربيعة بن سميع» و «عليّ بن أبي رافع» من أصحاب الإمام علي عليه‌السلام ، ثمّ إلى أصحاب وتلامذة الإمام السجّاد والباقر والصادق عليهم‌السلام.

إنّ تنامي علم الحديث في عصر الإمام جعفر الصّادق عليه‌السلام بلغ إلى درجة أنّ الحسن بن علي الوشاء قال : رأيتُ في مسجد الكُوفة تسعمائة محدّث كلُّهُمْ يقولُ : حَدَّثنِي جعفرُ بنُ محمد عليه‌السلام. (١)

وفي مجال الفقه تخرّج من مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام علماء ومجتهدون كبارٌ نظراء : أبان بن تغلب (المتوفّى ١٤١ ه‍) وزرارة بن أعين (المتوفّى ١٥٠ ه‍) ومحمد بن مسلم (المتوفّى ٢١٠ ه‍) ومئات المجتهدين الكبار والعلماء المحققين كالشيخ المفيد والسيد المرتضى ، والشيخ الطوسيّ ، وابن إدريس الحلّي والمحقّق الحلّي ، والعلّامة الحلّي الذين خلَّفوا آثاراً علميّة وفكريّة في غاية الأهمية.

على أنّ جهودَ الشّيعة لم تتركّزْ على هذه العلوم حسب ولم تقتصر خدماتُهم على هذه المجالات بل خدَموا الإسلام والعالم في غيرها من

__________________

(١). رجال النجاشي ، الرقم ٧٩.

العلوم كالتاريخ والمغازي والرجال ، والدراية ، والشِّعر ، والأدب وغير ذلك ممّا لا يسع هذا المختصرُ لسَرد أسمائها.

هذا كلّه في مجال العلوم النَّقْليّة ، ولقد تقدَّموا على غيرهم من الطوائف والفِرق في العلوم العقليّة كعلم الكلام والفلسفة لأنَّ الشيعة يمنحون العقلَ دوراً أكبر وأهمية أكثر ممّا يعطيه غيرُهم من الفِرَق الإسلامية.

فهم بالاستلهام من أحاديث الإمام أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين عليهم‌السلام سعوا أكثر من غيرهم في بيان وشرح العقائد الإسلاميّة ، وبهذا قدّمت الشيعة للأُمّة الإسلامية جيلاً عظيماً من المتكلّمين القديرين ومن الفلاسفة الكبار ، ويُعَدُّ الكلام الشيعيُّ من أغنى وأثرى المدارس الكلامية الإسلامية ، وهو يحتوي ـ مضافاً إلى أدلةٍ من الكتاب والسنة ـ على براهين قوية من العقل.

إنّ أحد أُسُس الحَضارة الإسلامية هو معرفة عالم الطبيعة وقوانينها وقد تخرَّجَ من مدرسة الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام أشخاص معروفون مثل «جابر ابن حيان» برعوا في مجال العلوم الطبيعية إلى درجة أن جابراً دعي في هذا العصر بأبي الكيمياء الحديثة.

وفي علم الجغرافيا كان أحمدُ بن أبي يعقوب المعروف باليعقوبي (المتوفّى حوالي ٢٩٠ ه‍) أول عالم جغرافيّ ساحَ في البلاد الإسلامية العريضة ، وألّف كتاباً باسم «البلدان» وهو من علماء الشيعة.

إنّ هذه الجهود الكبرى التي بُذلت في سبيل العلم والثقافة وأبتدأت من القرن الهجري الأوّل وحتى هذا اليوم ، وأُسّسَت من أجلها الحوزات والمدارس ، والجامعات والمعاهد العديدة تمت على أيدي علماء الشيعة ، ورجالهم الذين لم يفتئوا لحظةً واحدة عن تقديم الخدمة للعالم البشري ، وللحضارة الإسلامية والإنسانية.

وإنّ ما ذُكِرَ هنا في هذه العجالة ليس إلّا إشارة عابرة إلى دور الشيعة في مجال العِلم والحضارة الإسلاميّة وللتوسّع ومزيد الاطلاع لا بدَّ من مراجعة المصادر المرتبطة بهذا المجال. (١)

الأصلُ الخمسون بعد المائة : الوحدة بين المسلمين

إنّ الشيعة لا ترى الاختلاف في الفروع مانعاً من الأخوة الإسلاميّة ، ومن توحّد صفوف المسلمين أمام الاستعمار الغاشم.

كما أنّهم يعتقدون بأنّ عقد جلسات الحوار العلمي في جوّ هادئٍ ، كفيلٌ بأن يحلّ الكثيرَ من المشاكل والاختلافات الفكرية والفقهيّة (التي تمنع أحياناً عن توحيد الصفوف ووحدة الكلمة).

على أنّ الاختلاف في الرأي والمنهج أمر غريزي عند البشر أساساً ، كما أن سدّ باب المناقشة والبحث العلميّ في وجه العلماء

__________________

(١). فهرست ابن النديم ، رجال النجاشي ، فهرست الشيخ الطوسي ، تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، أعيان الشيعة ، والمجلد السادس من بحوث في الملل والنحل ، وغيرها من الكتب.

والمفكّرين والفقهاء يوجب ضمورَ الفكر ، وموت العلم والقضاء على روح التفكّر.

من هنا سعى علماء الشيعة الإمامية في كل العصور إلى أن يوضحوا الحقائق بطرح الأبحاث العلميّة والعقيديّة على طاولة البحث والنقاش ، وبذلك قاموا بكُلّ خطوةٍ من شأنها توحيد صفوف المسلمين وتأليف قلوبهم ضد أعداء الإسلام الذين أقسموا على محو هذا الدين وإطفاء جذوته.

ربّنا وإلهنا

قوّ شوكة المسلمين وأعنهم بقوةٍ منكَ

على أعدائهم الغاشمين

من المشركين والمنافقين ،

ومن ساعدهم على أذى المسلمين.

واهدنا يا ربّ إلى الصراط المستقيم.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

فهرس الآيات

رقم الآية

الآية

الصفحة

الفاتحة / ١

٥

(إِيَّاكَ نَعْبُدُ)

٥٩

البقرة / ٢

٢

(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)

١٢٧

٢٢

(وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ)

٢٤

٢٣

(فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)

١٤٤

٥٥

(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً)

٨٤

١١٥

(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ)

٨٥

١١٧

(بَدِيعُ السَّمَواتِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)

١٠١

٢٦٥

رقم الآية

الآية

الصفحة

١٢٧

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ)

٣٠٨

١٤٦

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)

١٥٧

١٥٤

(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ)

٢٣٢

١٥٦

(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)

٢٣

١٦٥

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ)

٥٤

١٧٩

(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ)

٣٨

٢١٣

(كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)

١١٩

٢١٧

(وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)

٢٥٢

٢٥٥

(مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)

٥٨

٢٥٦

(لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)

٣٨

٢٨٦

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)

٩٩

آل عمران / ٣

١٨

(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ)

٩٣

٢٨

(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً

رقم الآية

الآية

الصفحة

وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ)

٢٧٤

٣١

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)

٢٧٢

٣٣

(إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ)

١٤٠

٣٧

(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً)

١٢٣

٤٢

(يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ)

١٤٠

٦١

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)

١٥٩

١٣١

(وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ)

٢٥٥

١٣٣

(أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)

٢٥٥

١٣٥

(فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ)

٥٨

١٣٩

(.. وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

٣٤

١٤٠

(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ ..)

٣٤

١٧٠

(فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

٢٣٣

١٩٠

(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ)

٤٤

رقم الآية

الآية

الصفحة

١٩١

(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً)

٣٧

النساء / ٤

٢٤

(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)

٣٤٥

٣١

(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً)

٢٥٣

٤٠

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ)

٩٣

٤٨

(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً)

٢٥٣

٦٤

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)

٥٧

٢٤٧

٢٨٢

٨٠

(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ)

٥٧

٨٢

(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)

١٤٩

٩٤

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ)

٢٦٤

٣٤٩

رقم الآية

الآية

الصفحة

١٤٣

(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ)

٢٩١

١٥٣

(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ)

٨٤

١٦٤

(وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً)

٧٤

١٦٥

(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)

١١٩

١٧٠

(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ)

١٦١

١٧١

(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ)

٧٦

٣١٢

المائدة / ٥

٣

(الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)

١٩٧

٦

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)

٣٣١

٣٣٣

رقم الآية

الآية

الصفحة

٣٥

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

٢٨٠

٤٤

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)

٥٨

٦٠

(وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ)

٢٣٦

٦٤

(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ)

٢٨٧

٦٧

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)

١٩٢

١١٤

(قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ)

٢٧٠

الأنعام / ٦

٢

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً)

١٠١

١٩

(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)

١٦٢

٥٤

(كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

٢٥١

٦١

(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً)

٢٥

٨٧

(وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)

١٣٣

٩١

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)

٢٢٠

١٢٤

(اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)

١٩٨

رقم الآية

الآية

الصفحة

١٤٨

(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا)

١٠٧

الأعراف / ٧

٤٦

(وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ)

٢٤٢

٥٨

(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ)

٢٤

٩٦

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)

٣٣

٢٨٩

١٤٣

(رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي)

٨٢

٨٤

١٥٧

(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

٢٧١

٢٩٩

١٨٠

(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها)

٢٨٢

الأنفال / ٨

١٧

(وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)

١١٠

٤١

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)

٣٤٩

٦٠

(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)

٢٦٨

رقم الآية

الآية

الصفحة

التوبة / ٩

٢٤

(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)

٢٩٩

٦٧

(نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ)

٢٩١

٧٢

(وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)

٢٣١

٩١

(ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ)

٣٢

يونس / ١٠

٣

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ..)

٨٩

٤

(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ)

٢٢٧

٣١

(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)

٥٤

٤٤

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً)

٩٣

رقم الآية

الآية

الصفحة

٥٩

(آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)

٢٧٢

١٠١

(قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)

٦٦

هود / ١١

٤

(إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

٢٢٨

١٣

(قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ)

١٤٤

٣٧

(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا)

٨٥

٨٨

يوسف / ١٢

٣٩

(أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ)

٥٢

٩٠

(فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)

٣٢

٩٧

(قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ)

٢٤٧

٢٨٣

الرعد / ١٣

٢

(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ)

٥٦

١٥٠

رقم الآية

الآية

الصفحة

١١

(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ)

٢٨٩

١٦

(قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ)

٤٩

٣٩

(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)

٢٨٧

٢٨٩

إبراهيم / ١٤

٤

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)

١٦٢

١٠

(أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)

٤٣

٤٨

(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ)

٢٣

٢٣٩

الحجر / ١٥

٩

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)

١٧٠

٢١

(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)

١٠١

النحل / ١٦

١٦

(وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)

١٩٠

٣٦

(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)

٥٩

١١٨

رقم الآية

الآية

الصفحة

٤٣

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)

١٧

٤٤

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)

٢٠١

٧٨

(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

١٦

٩٠

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ)

٣٢

٩٩

١٠٣

(يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)

١٤٨

١٠٦

(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)

٢٧٣

الإسراء / ١٧

١٥

(وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)

٩٩

٢٣

(وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)

٦٠

٣٤

(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً)

٣١

٥١

(فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)

٢٢٨

٧٠

(وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً)

٣٥

رقم الآية

الآية

الصفحة

٧٩

(عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)

٢٤٤

٨٨

(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)

١٤٤

الكهف / ١٨

٢١

(إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً)

٣١٠

٢٩

(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ)

٢٩

٤٥

(وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً)

٧٠

٤٧

(وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)

٢٩٣

٦٥

(فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)

٢١٥

٣٢١

٦٦

(قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً)

٢١٥

٩٥

(فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً)

٢٧٩

١٠٩

(قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً)

٧٦

مريم / ١٩

٣٩

(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)

٢٣١

رقم الآية

الآية

الصفحة

٨١

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا)

٥٢

٩٣

(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً)

٢٩٢

٩٤

(لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا)

٢٩٢

٩٥

(وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً)

٢٩٢

طه / ٢٠

٥

(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)

٨٥

٥٠

(رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)

٢٦

٩٨

الأنبياء / ٢١

٥

(أَضْغاثُ أَحْلامٍ)

١٣٠

١٨

(بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ)

٣٥

٢٢

(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)

٥٦

٢٣

(لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ)

٩٧

٢٨

(وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى)

٢٤٣

٤٧

(وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ)

٩٩

٢٤١

١٠٥

(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)

٣٥

رقم الآية

الآية

الصفحة

١٠٧

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)

١٦١

الحج / ٢٢

٥

(وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)

٢٢٨

٦

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

٢٢٨

٧

(وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)

٢٢٨

٧٨

(وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)

١٦٦

المؤمنون / ٢٣

١٤

(ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)

٢٨

٢٢٧

١٥

(ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ)

٢٢٧

١٦

(ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ)

٢٢٧

٨٤

(قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)

٥٥

٨٥

(سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)

٥٥

٨٦

(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)

٥٥

٨٧

(سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)

٥٥

٩٩

(حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)

٢٣٢

رقم الآية

الآية

الصفحة

١٠٠

(لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)

٢٨

٢٣٢

١١٥

(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ)

٢٢٦

النور / ٢٤

٣١

(وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

٢٥٠

٣٦

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ)

٣٠٨

٣٧

(رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ

الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ)

٣٠٨

٥٥

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)

٣٥

الفرقان / ٢٥

٥٨

(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ)

٧١

الشعراء / ٢٦

٩٧

(تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)

٥٤

٩٨

(إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ)

٥٤

١٩٣

(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ)

١٢٦

رقم الآية

الآية

الصفحة

١٩٤

(عَلى قَلْبِكَ)

١٢٦

٢١٤

(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)

١٨٧

النمل / ٢٧

١٤

(وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ)

٢٦٠

٤٠

(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)

١٢٣

٣٢١

٥٠

(وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً)

٢٩١

٨٣

(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ)

٢٩٢

٨٧

(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ)

٢٩٢

٨٨

(صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)

٧٩

العنكبوت / ٢٩

٤٨

(ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ)

١٤٧

٦٢

(إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

٦٩

٦٥

(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ)

٤٤

رقم الآية

الآية

الصفحة

الروم / ٣٠

٢

(غُلِبَتِ الرُّومُ)

١٥١

٣

(فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)

١٥١

٤

(فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ)

١٥١

٣٠

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تبديلَ لخلق الله)

٢٩

٤٤

٤٨

(يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ)

٤٩

السجدة / ٣٢

٣

(لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ)

١٦٢

٧

(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)

٢٦

٥٠

١٠

(أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)

٢٣٠

١١

(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)

٢٢٩

١٨

(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ)

٢٩٧

رقم الآية

الآية

الصفحة

الأحزاب / ٣٣

٢٧

(وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً)

٧٠

٣٣

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)

٢٠٤

٤٠

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)

١٦٣

سبأ / ٣٤

٢٨

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً)

١٦١

فاطر / ٣٥

٤٢

(فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً)

٣٤

٤٣

(اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً)

٣٤

يس / ٣٦

٦٢

(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً)

١٣٣

٧٤

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ)

٥٣

٧٥

(يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ)

٥٣

رقم الآية

الآية

الصفحة

٧٩

(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)

٢٣١

٨١

(بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)

٢٢٩

ص / ٣٨

٢٧

(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً)

٧٩

٢٨

(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)

٢٢٧

الزمر / ٣٩

٣٧

(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ)

١٣٣

٤٤

(قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً)

٢٤٨

٥٣

(لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)

٣٠

٦٥

(لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)

٢٩٦

٦٨

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ)

٢٤٠

غافر / ٤٠

٤٦

(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ)

٢٣٢

٦٢

(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)

٤٩

رقم الآية

الآية

الصفحة

فصلت / ٤١

٤٢

(لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)

١٧٠

الشورى / ٤٢

٢٣

(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)

٢١٠

٢٧٠

٣٠٠

٥١

(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)

٧٤

٧٥

الأحقاف / ٤٦

٣

(ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ)

٢٧

الفتح / ٤٨

١٠

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)

٨٥

٨٦

١٨

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)

٢٩٦

رقم الآية

الآية

الصفحة

الحجرات / ٤٩

٦

(إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)

٢٩٧

١٣

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)

٣١

١٤

(وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ)

٢٦٠

ق / ٥٠

٤

(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ)

٢٢٩

الذاريات / ٥١

٢٢

(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ)

٢٥٥

٤٩

(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)

١٥٠

الطور / ٥٢

٣٠

(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)

١٩٦

النجم / ٥٣

١١

(ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى)

١٣٠

١٣

(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى)

٢٥٥

١٤

(عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى)

٢٥٥

١٥

(عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى)

٢٥٥

رقم الآية

الآية

الصفحة

١٧

(ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى)

١٣٠

٢٦

(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى)

٢٤٣

٤٠

(وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى)

٢٥١

٤١

(ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى)

٢٥١

القمر / ٥٤

١

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)

١٥٨

٢

(وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)

١٥٨

٧

(يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ)

٢٤٠

٤٩

(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)

١٠١

الرحمن / ٥٥

٢٦

(كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ)

٨٧

٢٧

(وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)

٨٧

٢٩

(كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)

٢٨٧

٦٠

(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)

٣٢

٩٧

رقم الآية

الآية

الصفحة

الحديد / ٥٧

٢٥

(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)

١١٩

المجادلة / ٥٨

٢٢

(أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ)

٢٥٩

الحشر ٥٩

٢٣

(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)

٦٧

٢٤

(هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)

٦٧

الصف / ٦١

٦

(وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)

١٥٧

الجمعة / ٦٢

٢

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ)

١١٩

رقم الآية

الآية

الصفحة

المنافقون / ٦٣

٥

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)

٢٤٧

٢٨٢

الملك / ٦٧

١٤

(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)

٧٠

القلم / ٦٨

٣٥

(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ)

٩٧

٣٦

(ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)

٩٧

الجن / ٧٢

٢٦

(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً)

١٣٢

٢٧

(إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً)

١٣٢

٢٨

(لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً)

١٣٢

القيامة / ٧٥

٢٢

(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ)

٨٢

٢٣

(إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ)

٨٢

٨٣

رقم الآية

الآية

الصفحة

٢٥

(تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ)

٨٣

٣٦

(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً)

٣١

الإنسان / ٧٦

٣

(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)

٢٩

١٠٦

النازعات / ٧٩

٥

(فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً)

٢٥

٣٣

٥٦

١٨

(فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى)

٣٠

١٩

(وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى)

٣٠

الطارق / ٨٦

١٥

(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً)

٢٩١

١٦

(وَأَكِيدُ كَيْداً)

٢٩١

البينة / ٩٨

٧

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)

١٨٢

رقم الآية

الآية

الصفحة

الزلزلة / ٩٩

٧

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ)

٢٥١

العصر / ١٠٣

٣

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ)

٢٦٢

الإخلاص / ١١٢

١

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)

٤٦

٣

(لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)

٢٣

٤

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)

٤٦

فهرس الأحاديث

الحديث

الصفحة

١ ـ «آمُرُكم بأربع : وأنهاكُمْ بأربع : شهادة أن لا إله إلّا الله وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة وتعطوا الخمس من المغنم»

٣٥٠

٢ ـ «احذَرُوا على شَبابِكُمُ الغُلاةَ لا يُفْسدُوهُمْ ، فإنَّ الغلاةَ شرُّ خلقِ اللهِ ، يُصغِّرونَ عظمةَ اللهِ ويَدَّعُون الرّبوبيَّة لِعبادِ اللهِ»

٣١٣

٣ ـ «إذا زالتِ الشَّمسُ دَخَلَ الوقتان الظهرُ والعصرُ ، وإذا غابتِ الشمسُ دخلَ الوقتان المغربُ والعشاءُ الآخرة»

٣٣٩

٤ ـ «إذا زالَتِ الشَّمسُ فَقَدْ دَخَلَ وَقتُ الظُّهرِ والعَصرِ جميعاً ، إلّا أنَّ هذِهِ قبلَ هذهِ ، ثمّ إنّه في وقت منهما جميعاً حتى تغيبَ الشمسُ»

٣٣٩

٥ ـ «الإرادة من الخَلق : الضميرُ وما يَبْدُو لهم بعدَ ذلك من الفِعْل. وأمّا مِنَ الله تعالى فإرادتُهُ : إحداثُه لا غير ، ذلك لأنَّه لا يُرَوّي ولا يَهِمُّ ولا يَتَفَكَّرُ ، وهذهِ الصّفاتُ مَنْفيّةٌ عَنْهُ وَهيَ صِفاتُ الخَلْقِ. فإرادَةُ اللهِ ، الفِعْلَ ؛ لا غير

الحديث

الصفحة

ذلكَ يَقولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ بلا لَفْظٍ ولا نُطْقٍ بلسان ولا همّة ولا تفكّر ولا كيف لِذلِكَ ، كما أنَّه لا كيفَ له»

٧٣

٦ ـ «الأشياءُ لَهُ سَواءٌ عِلماً وقُدْرةً وَسُلْطاناً ، ومُلْكاً وإحاطةً»

٧٠

٧ ـ «أُعْطِيْتُ خَمْساً ... وأُعطِيتُ الشفاعَة ، فَادّخَرْتُها لأُمَّتي فهيَ لِمَن لا يُشْرك بِاللهِ»

٢٤٤

٨ ـ «أفَأَعْبُدُ ما لا أرى»

٨٢

٩ ـ «ألا إنّ مَثَل أهلِ بيتي فِيكم مَثلُ سَفينة نُوح في قومه مَن رَكبها نَجا ، ومَن تَخلَّفَ عَنها غرِق»

١٨٩

١٠ ـ «ألَسْتم تَشهَدون أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عَبدُه ورسولهُ وان الساعة آتيةٌ لا ريبَ فيها؟»

١٩٣

١١ ـ «اللهُمَّ والِ مِن والاهُ ، وعادِ من عاداهُ ، وأحِبَّ من أحَبَّهُ ، وابْغَضْ مَن أبْغَضَهُ ، وانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ ، واخْذُلْ من خَذَلهَ ، وأدِرِ الحقَّ معه حيث دارَ ، ألا فَلْيُبَلّغِ الشّاهِدُ الغائبَ»

١٩٣

١٢ ـ «أما ترضى أنْ تكونَ منّي بِمَنزلةِ هارونَ مِن مُوسى إلّا أنّه لا نبيَّ بَعدِي»

١٦٤

١٣ ـ «أمّا غير ذلك فلا تَظُنَّهُ فَإِنَّ الظّنَّ لَهُ مُحْبِطٌ لِلأَعمال»

١٠٥

١٤ ـ «الأَمرُ بالطاعَة ، والنَّهْيُ عَنِ المعصِيَةِ ، والتَمْكِينُ مِن فِعْلِ الْحَسَنَةِ ، وتركُ المَعْصِيَة ، والمعُونَةُ على القُرْبةِ إلَيْه ، والخِذْلانُ لِمَنْ عصاهُ ، والوَعْدُ والوَعِيدُ ، والتَرْغِيْب والتَرْهِيْبُ كُلُّ ذلكَ قضاءُ الله في أفعالنا وقَدَرُهُ لأعمالنا»

١٠٥

الحديث

الصفحة

١٥ ـ «أَمَرَني رَبّي أنْ آتي البَقيعَ وأستَغْفِرَ لَهمْ»

٣١٢

١٦ ـ «إنَّ الجنّة والنّارَ في هذا الوَقتِ مخلوقَتان وبذلك جاءتِ الأخبارُ ، وعليه إجماعُ أَهل الشّرعِ والآثار»

٢٥٤

١٧ ـ «انقطَعَ بموتِكَ ما لمْ يَنْقَطِعْ بموتِ غَيْرِك مِن النُّبوَّة والإنْباءِ ، وأخبارِ السماء بأبي أنت وأُمّي اذكُرْنا عند ربِّكَ واجْعَلْنا مِن بالِكَ»

٢٨٦

١٨ ـ «إنّ لِلْقائِمِ غَيْبَةً قَبْلَ ظُهُورِهِ ... يَخافُ (أي القتل)»

٢١٨

١٩ ـ «إنّ الله تبارَك وتعالى فَوَّض إلى المؤمن كلَّ شيء إلّا إِذلالَ نفسهِ»

٣٦

٢٠ ـ «إنّ الله تباركَ وتعالى لا يُنسَبُ إلى العَجز ، والّذي سَألْتنِي لا يَكُونُ»

٧١

٢١ ـ «إنَّ اللهَ لَمْ يَدَع شَيْئاً تَحْتاجُ إلَيْهِ الأُمَّةُ إلّا أَنْزَلَهُ في كتابهِ ، وَبَيَّنَهُ لِرَسُولِهِ وجَعَلَ لِكُلّ شيءٍ حَدّاً ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيلاً»

١٤٩

٢٢ ـ «إنّ الله مولايَ ، وأنا مَولى المؤمِنِين ، وأنا أولى بِهِمْ مِن أنفسهِمْ ، فَمَن كنتُ مَولاه فَعَلِيٌ مولاهُ»

١٩٣

٢٣ ـ «إنّ لله على الناس حجّتين : حجّةً ظاهرةً وحجّةً باطنةً ، فأمّا الظّاهرةُ فالرُّسل والأنبياءُ والأئمة ، وأمّا الباطنةُ فالعُقول»

٢٠

٢٤ ـ «إنّ المعصيةَ إذا عَمِلَ بها العبدُ لم تَضرّ إلّا عامِلَها ، فإذا عَمِل بها علانيةً ، ولم يُغَيّر أضرّت بالعامة»

٣٨

٢٥ ـ «إنَّما شَفاعَتي لأَهلِ الكَبائِر مِن أُمَّتِي»

٢٤٤

الحديث

الصفحة

٢٦ ـ «إنّما مَثَلُ أهل بَيْتي كَسَفينَةِ نُوْحٍ مَن رَكِبَها نَجا وَمَنْ تخلَّفَ عَنها غَرِقَ»

٢٠٦

٢٧ ـ «إنَّ هذا أخِي وَوَصيِّي وخَلِيفَتِي فِيكُمْ فَاسمَعوا لَه وأطيعُوا»

١٨٨

٢٨ ـ «إنّي تاركٌ فيكُم الثّقَلَيْن كتابَ الله وَعِتْرَتي أهلَ بَيْتي ما إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بهما لَنْ تَضلُّوا أبَداً وإنّهما لَنْ يَفْتَرِقا حَتى يَرِدا عَلَيَّ الحَوْضَ»

١٩٠

٢٩ ـ «الإيمان معرفة بالقلب وإقرارٌ باللسان وعملٌ بالأركان»

٢٦٢

٣٠ ـ «أيّها الناسُ ثلاثٌ كنَّ على عَهد رسولِ الله أنا أنهى عنهنّ وأُحَرمهنَّ وأُعاقب عليهنّ ، وهي : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحيّ على خَير العَمَل»

٣٤٥

٣١ ـ «أيُّها الناسُ من أولى النّاس بالمؤْمِنين من أنفسِهِم؟»

١٩٣

٣٢ ـ «بدا لله عزوجل أن يَبْتَلِيهُمْ ...»

٢٩٠

٣٣ ـ «بِشُروطِها ، وأنا مِن شُروطِها»

٣١٩

٣٤ ـ «ترّب وجهك»

٣٣٧

٣٥ ـ «الثّقَلُ الأكبر كتابُ الله طَرَفٌ بيدِ اللهِ عزَّ وجَلَّ وطَرَفٌ بأيدِيكُمْ فتمَسَّكُوا به لا تَضِلُّوا ، والآخَر الأصغَر عترتي ، وإنّ اللطيفَ الخبيرَ نبّأني أَنَّهما لنْ يفترقا حتى يَردا عليَّ الحَوضَ ، فلا تقدمُوهُما فتَهلكوا ، ولا تقصِّروا عنْهما فَتَهْلِكُوا»

١٩٣

الحديث

الصفحة

٣٦ ـ «ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه ، ذاقَ طَعمَ الإيمانِ : مَنْ كانَ لا شيءَ أحبَّ إليه من الله ورسوله ، وَمَنْ كان لئِن يُحَرق بالنّارِ أحبّ إليه من أن يرتدَّ عن دِينهِ ، وَمَنْ كانَ يحبُّ لله ويُبْغِضُ لله».

٣٠٠

٣٧ ـ «جِئْتُ بالشَّرِيعةِ السَّهْلةِ السَّمْحَةِ»

١٦٧

٣٨ ـ «جَمَعَ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الظُّهر والعصر وبين المغرب والعِشاء. فقيلَ له في ذلك. فقال : صَنَعْتُ هذا لِئلّا تُحرَجَ أُمّتي»

٣٤١

٣٩ ـ «حرمة مال المسلم كحرمة دمه»

٢٧٥

٤٠ ـ «ذلك أنّهُ يُذلّ بعَملِه دينَ الله ، وَيَقْتدي به أهلُ عَداوةِ اللهِ»

٣٨

٤١ ـ «رحم الله الانصار»

٣٠٤

٤٢ ـ «زُورُوا القبورَ فإنّها تذَكِّرُكُم بِالآخِرَةِ»

٣١١

٤٣ ـ «السجودُ لا يَجُوز إلّا عَلى الأَرض أو عَلى ما أنبَتت الأرضُ إلّا ما أُكِلَ أو لُبِس»

٣٣٦

٤٤ ـ «السلامُ على أهْلِ الدّيارِ مِنِ المُؤمِنِين والمُسْلِمين يَرحَمُ اللهُ المُسْتقدِمِينَ مِنّا والمُسْتَأخِرِين ، وإنّا إنْ شاءَ الله بكم لاحِقُون»

٣١٢

٤٥ ـ «السّلامُ على أهلِ الدّيار مِن المؤمِنين والمؤمِنات»

٢٨٥

٤٦ ـ «السّلامُ على أهلِ الدّيار مِن المؤمِنين والمؤمِنات»

٢٨٥

٤٧ ـ «صَلّى رسولُ الله الظُّهرَ والعَصرَ جميعاً ، والمغرب والعِشاء جميعاً في غير خوف ولا سَفَرٍ»

٣٤٠

الحديث

الصفحة

٤٨ ـ «صِلةُ الأرحام تُزَكّي الأعْمالَ ، وتُنمّي الأموالَ ، وَتَدْفَعُ البَلوى ، وتُيَسِّرُ الحِساب ، وتُنْسِئُ في الأَجَل»

٢٨٩

٤٩ ـ «طَريقٌ مُظْلمٌ فَلا تَسْلكوهُ ، وبَحرٌ عَميق فَلا تَلِجُوهُ ، وسِرُّ الله فلا تَتكَلَّفوه»

١٠٢

٥٠ ـ «طولُه سَبْعون ذراعاً ، إملاء رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاله من فَلقِ فِيه ، وخطّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام بيده ، فيه والله جميع ما تحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة»

٣٢٠

٥١ ـ «فإنّ الغاية القِيامة»

٢٧

٥٢ ـ «فإنّي فَرَطٌ (أي أسبقكُم) على الحوض (أي الكوثر) ، فَانظُرُوا كيفَ تَخلِفُوني في الثّقَلَين؟»

١٩٣

٥٣ ـ «فأينَ فرائضُ الله»

٢٦٢

٥٤ ـ «قاتِلْهُمْ حَتّى يَشهَدُوا أنْ لا إِله إلّا اللهُ وأنّ محمداً رسولُ الله ، فإذا فَعَلُوا ذلك فقد مَنَعوا مِنْكَ دِماءَهُمْ وأموالَهم إلّا بحقها ، وحسابُهم على الله»

٢٦٠

٥٥ ـ «قالَ الله جَلَّ جَلالُه : لا إلهَ إِلّا اللهُ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أمنَ مِن عَذابي»

٣١٩

٥٦ ـ «القَدَرُ هي الهَنْدَسَة ، وَوَضْعُ الحُدود من البقاء ، والفَناء. والقضاء هو الإبرامُ ، وإقامة العَيْن»

١٠٣

٥٧ ـ «كانَ النّاسُ يؤمَرون»

٣٤٧

الحديث

الصفحة

٥٨ ـ «كُلُّكُمْ راعٍ وَكُلُّكُمْ مَسئُولٌ عَنْ رَعِيّتهِ»

٣١

٥٩ ـ «كلُّ مُحدَثَةٍ بِدعَة وكلُّ ضَلالةٍ في النّار»

٢٦٥

٦٠ ـ «لأُقِرّنَّ عَيْنَك بِتفسيرها ولأُقِرَّنَّ عَين أُمّتي بَعدي بتفسيرها : الصّدَقةُ على وَجهها ، وبِرُّ الوالِدَين وَاصطِناعُ المعروف يُحوّلُ الشقاءَ سعادةً ويزيدُ في العُمُر ويقي مصارع السُّوء»

٢٨٩

٦١ ـ «لَا تراهُ العُيُونُ بمشاهدة العَيانِ وَلكِنْ تدرِكهُ القُلُوب بِحَقائِقِ الإِيمانِ»

٨٢

٦٢ ـ «لا تُكَفّروهُمْ بِذَنبٍ ولا تَشْهَدُوا عليهِم بِشِرْكٍ»

٢٦٤

٦٣ ـ «لا جَبْرَ ولا تفويضَ ، ولكن أمرٌ بَين الأمرين»

١١٠

٦٤ ـ «لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ»

١٦٦

٦٥ ـ «لا يَزالُ الدّين مَنِيعاً إلى اثنَيْ عَشَر خَلِيفةٌ»

٢٠٧

٦٦ ـ «لا يَجْمَعُ المسلمُ يَدَيه في صلاته وهو قائمٌ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ يتشبّه بأهل الكُفْرِ مِنَ المجوس»

٣٤٦

٦٧ ـ «لا يؤمِنُ أحدُكم حتّى أكونَ أحبَّ إليه مِن مالِهِ وأهْلِهِ والناسِ أجمعين»

٢٦٩

٦٨ ـ «لا يُؤمِنُ عَبْدٌ حَتّى أكونَ أحبَّ إليه من نَفْسِهِ وَتكونُ عِترتي أحبَّ إليه من عِترَتِهِ ويكون أهلي أحبَّ إليه من أَهْلِهِ»

٣٠١

٦٩ ـ «لَقَدْ كانَ فِيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ مِن بَني إِسْرائِيل يُكلَّمون مِن غَيرِ أنْ يَكُونُوا

الحديث

الصفحة

أنْبِياء»

٣٢٢

٧٠ ـ «لم يَزلِ اللهُ ـ جلّ وعزّ ـ ربُّنا والعلمُ ذاتُه ولا معلومَ ، والسمعُ ذاتُه ولا مسموعَ ، والبَصَرُ ذاتُه ولا مُبْصَرَ ، والقدرةُ ذاتُه ولا مقدورَ»

٤٨

٧١ ـ «لَم يَزَل عالِماً بالمَكانِ قَبْلَ تَكوينه كَعِلْمِهِ به بَعْدَ ما كوَّنَهُ وَكَذلِكَ عِلمُهُ بِجَمِيعِ الأَشياءِ»

٧٠

٧٢ ـ «لو كانَ الإيمان كلاماً ، لم ينزلْ فيه صومٌ ، ولا صلاةٌ ، ولا حلالٌ ، ولا حرام»

٢٦٢

٧٣ ـ «ليس بخالقٍ ولا مخلوقٍ ، ولكنّه كلامُ الله عزوجل»

٧٧

٧٤ ـ «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنيْا إلّا يومٌ واحِدٌ لَطَوَّل اللهُ ذلك اليومَ حَتّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي فَيَمْلؤُها عَدْلاً وقِسطاً كما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»

٢١٢

٧٥ ـ «لَيْسَ لأَحدٍ بَعْد القُرآنِ مِن فاقَةٍ ولا بَعْدَ القرآنِ مِن غِنىً فكونوا من حَرَثَتِهِ وأتباعِهِ»

١٧١

٧٦ ـ «ليعلم العبادُ ربّهم إذ جهلوه ، وليقرّوا به بعد إذ جحدوه ، وليثبتوه بعد إذ أنكروه»

١١٩

٧٧ ـ «ما أنْتُمْ بأَسمعَ مِنْهُمْ»

٢٨٥

٧٨ ـ «ما رَأَيتُ شَيئاً إلّا ورَأَيْتُ اللهَ قبْلَهُ ، وبَعْدَهُ ومَعَهُ»

١٣٨

٧٩ ـ ما مِن رَجُلٍ مُسْلِم يَموتُ فَيَقومُ على جَنازَتِهِ أربَعون رَجُلاً لا يُشركُونَ

الحديث

الصفحة

بالله شيئاً إلّا شفَّعهُم اللهُ فِيه»

٢٤٦

٨٠ ـ «مَنْ أحبَّهُمْ أحَبَّهُ الله ، ومَنْ أبْغَضَهُمْ أبغضَهُ اللهُ»

٣٠١

٨١ ـ «مَن قُتِلَ دُون مالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»

٢٧٥

٨٢ ـ «النجومُ أمانٌ لأهل الأرض من الغَرَق وأهلُ بَيتي أمانٌ من الاختلاف ، فإذا خالَفتها قبيلةٌ مِنَ العَرَب اختَلَفوا فصارُوا حزب إبليس»

١٩٠

٨٣ ـ «نعم من أفاضلها»

٣٠٨

٨٤ ـ «هُمْ عَلِيٌّ وَشِيْعَتُهُ»

١٨٢

٨٥ ـ «هُو وَاحدٌ لَيسَ له في الأشْياء شَبَهٌ»

٤٥

٨٦ ـ «وإنّه عزوجل أَحديّ المعنى لا ينقسم في وجودٍ ولا وَهمٍ ولا عقلٍ»

٤٥

٨٧ ـ «وجُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً»

٣٣٦

٨٨ ـ «وكمالُ الإخلاصِ له نفي الصفاتِ عنه ، لشهادة كلِّ صفَةٍ أنها غيرُ الموصوف ، وشهادةِ كلّ موصوفٍ أنّه غير الصفة»

٤٨

٨٩ ـ «ولا تكُنْ عَبْدَ غيرِك وقدْ جَعَلك الله حُرّاً»

٣٦

٩٠ ـ «ولا يَجُوز أنْ يُصَلّي التطوّعَ جماعةً»

٣٤٨

٩١ ـ «ولا يُصَلّى التطوّع في جماعة لأنّ ذلك بدعَة وكلُّ بدعةٍ ضلَالة وكل ضلالة في النار»

٣٤٨

الحديث

الصفحة

٩٢ ـ «وَلكِنَّ حمزة لا بواكي له»

٣٠٤

٩٣ ـ «وَلكنِّي أعْبُدُهُ حُبّاً لَهُ فتلكَ عِبادةُ الكِرامِ»

١٣٨

٩٤ ـ «وَوالله إنّ لِقَوله الّذي يقولُ لَحلاوةً ، وإنّ عليه لطَلاوةً ، وإنّه لَمُثْمرٌ أَعلاهُ ، مُغدِقٌ أَسْفَلُهُ ، وإنّه لَيَعْلُو وما يُعلى»

١٤٦

٩٥ ـ «يا بني عبد المطّلب إنّي واللهِ ما أعلمُ شابّاً في العَرَبِ جاء قومَه بأفضل ممّا قد جئتكم به إنّي قد جئتكُم بخَيِر الدُّنيا والآخِرة وقد أمَرَنيَ اللهُ تعالى أنْ أدعوكم إليه فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر يكون أخي ووصيي ووزيري وخليفتي فيكم».

١٨٧

٩٦ ـ «يا عليّ أما ترضى أن تكونَ مِنّي بمنزلةِ هارونَ من مُوسى إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي»

١٨٨

٩٧ ـ «يَشْهَد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ مُحمداً عبدُهُ ورسولهُ ، ويُقرّ بالطّاعَةِ ، ويعرف إمام زمانِهِ ، فاذا فَعل ذلكَ فَهُو مؤمِنٌ»

٢٦١

٩٨ ـ «يَقُولُ لِمَنْ أرادَ كَوْنَهُ «كُنْ» ، لا بصَوتٍ يَقرَعُ ، ولا بنداءٍ يُسْمَعُ وَإنّما كَلامُهُ سُبحانَه فِعلٌ منه ، أنشَأهُ وَمَثَّله»

٧٦

٩٩ ـ «يوشك أنْ ادعى فأجيب فما ذا أنتم قائلون؟»

١٩٢

فهرس المصادر

نبدا تبركا بالقرأن الكريم.

(حرف الألف)

١ ـ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري : ابن حجر القسطلاني : احمد بن محمد (المتوفى ٩٢٣ ه) ٨ أجزاه ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٢ ـ الاعتصام : الشاطبي : ابو اسحاق ابراهيم بن موسى الغرتاطي (المتوفى ٧٩٠ ه) دار الفكر.

٣ ـ الاعتقادات : الصدوق : محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (٣٠٦ ـ ٣٨١ ه) المطبوع ضمن مصنفات الشيخ الميد ، المجلد الخامس ، منشورات مؤتمر الذكرى الالفية للشيخ المفيد ، قم المقدسة ـ ١٤١٣ ه.

٤ ـ الإلهيات : السبحاني : جعفر بن محمد حسين الخياباني التبريزي (تولد ١٣٤٧ ه) مجلدان ، الدار الاسلامية ، بيورت ـ ١٤١٠ ه / ١٩٨٩ م.

٥ ـ الأمالي : الصدوق : محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي (٣٠٦ ـ ٣٨١ ه) مؤسسه الأعلمي ، بيروت ـ ١٤٠٠ ه.

٦ ـ الإمامة والسياسة : ابن قتيبة الدينوري : عبد الله بن مسلم (المتوفى ٢٧٦ ه) مجلدان ، المكتبة التجارية الكبرى ، القاهرة.

٧ ـ أوائل المقالات في المذاهب والمختارات : المفيد : محمد بن محمد بن النعمان (٣٣٦ ـ ٤١٣ ه) مكتبة الحقيقة ، تبريز ـ ١٣٧١ ه.

٨ ـ أنيس الأعلام : فخر الإسلام : محمد صادق الاورموي (المتوفى ١٣٢٧ ه) مجلدان ، طهران ، أفسيت.

(حرف الباء)

٩ ـ بحار الأنوار : محمد باقر المجلسي (المنوفى ١١١٠ ه) ١١٠ أجزاء ، مؤسسة الوفاء ، بيروت ـ ١٤٠٣ ه.

(حرف التاء)

١٠ ـ تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي ، احمد بن علي (المتوفى ٤٦٣ ه) ١٤ جزءا ، المكتبة السلفية ، المدينة المنورة ، أفسيت.

١١ ـ تاريخ الخلفاء : السوطي : عبد الرحمن بن ابي بكر (٨٤٩ ـ ٩١١ ه) مطبعة المدني ، القاهرة ـ ١٣٨٣ ه.

١٢ ـ تاريخ الامم والملوك (تاريخ الطبري) : الطبري : محمد بن جرير (المستوفى ٣١٠ ه) ١٣ جزءا ، دار الفكر ، بيروت ـ ١٤٠٧ ه / ١٩٨٧ م.

١٣ ـ تفسير القرآن العظيم : ابن كثير : اسماعيل (المتوفى ٧٧٤ ه) اجزاء ، دار الفكر ، بيروت ـ ١٤٠٣ ه / ١٩٨٣ م.

١٤ ـ الحضارة الاسلامية والعربية : غوستاف لوبون ، الترجمة الفارسية : سيد محمد تقي فخر داعي الكيلاني ، المطبعة العلمية ، طهران ـ ١٣٣٤ ه.

١٥ ـ تنزيه الانبياء : الشريف المرتضى علم الهدي (٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه) طبع تبريز ـ ١٢٩٠ ه.

١٦ ـ التوحيد : الصدوق : محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي (٣٠٦ ـ ٣٨١ ه) مكتبة الصدوق ، طهران ـ ١٣٨٧ ه.

١٧ ـ تهذيب الاصول : السبحاني : جعفر بن محمد حسين الخياباني التبريزي (تولد ١٣٤٧ ه) جزءان ، مؤسسة النشر الاسلامي االتابعة لجماعة المدرسين ، قم المقدسة ـ ١٤٠٥ ه ق.

(حرف الجيم)

١٨ ـ جامع الاصول في أحاديث الرسول : ابن الأثير الجزري (المتوفي ٦٠٦ ه) ١١ جزءا ، دار الفكر ، بيروت ـ ١٤٠٣ ه / ١٩٨٣ م.

١٩ ـ جامع البيان في تفسير القرآن : الطبري : محمد بن جرير (المتوفى ٣١٠ ه) ٣٠ جزءا ، دار المعرفة ، بيروت ـ ١٤٠٠ ه / ١٩٨٠ م.

(حرف الحاء)

٢٠ ـ الحكمة المتعالية في الاسفار الاربعة : صدر الدين الشيرازي (المتوفى ١٠٥٠ ه) أجزاء ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ ١٩٨١ م.

٢١ ـ حلية الاولياء : أبو نعيم الاصفهاني : احمد بن عبد الله (المتوفي ٤٣٠ ه) ١٠ اجزاء ، دار الكتاب العربي ، بيروت ـ ١٣٨٧ ه / ١٩٦٧ م.

(حرف الخاء)

٢٢ ـ خصائص الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام : النسائي : احمد بن شعيب (المتوفى ٣٠٣ ه) تحقيق ونشر محمد باقر المحمودي ، قم المقدسة ـ ١٤٠٣ ه / ١٩٨٣ م.

٢٣ ـ الخصائص الكبرى : السيوطي : عبد الرحمن بن ابي بكر (المتوفى ٩١١ ه).

٢٤ ـ الخصال : الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ ه) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم المدسة ـ ١٤٠٣ ه ق.

٢٥ ـ الخلاف : الشيخ الطوسي : محمد بن الحسن (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه) اجزاء ، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم المقدسة ـ ١٤١٦ ه.

(حرف الدال)

٢٦ ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور : السيوطي : عبد الرحمن بن ابي بكر (المتوفى ٩١١ ه) اجزاء ، دار الفكر ، بيروت ـ ١٤٠٣ ه / ١٩٨٣ م.

(حرف الراء)

٢٧ ـ الرجال : النجاشي : أحمد بن علي (المتوفى ٤٥٠ ه) جزءان دار الاضواء بيروت ١٤٠٨ ه / ١٩٨٨ م.

٢٨ ـ روح المعاني في تفسير القرآن : الآلوسي : محمود البغدادي (المتوفى ١٢٧٠ ه) ٢٢ جزءا ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ، افسيت.

(حرف السين)

٢٩ ـ السنن : ابن ماجة : محمد بن يزيد القزويني (المتوفى ٢٧٥ ه) دار احياء التراث العربي ، بيروت ـ ١٣٩٥ ه / ١٩٧٥ م.

٣٠ ـ السنن : البيهقي : احمد بن حسين بن علي (المتوفى ٤٥٨ ه) ١٠ أجزاء ، افسيت ، دار صادر ، بيروت ـ ١٣٤٤ ه.

٣١ ـ السنن : الترمذي : محمد بن عيسى (المتوفى ٢٩٧ ه) ٥ اجزاء ، دار احياء التراث العربي ، بيروت.

٣٢ ـ السنن : الدارمي : عبد الله بن بهرام (المتوفى ٢٥٥ ه) جزءان ، دار الفكر ، بيروت.

٣٣ ـ السنة : احمد بن حنبل (المتوفى ٢٤١ ه) دار الكتب العلمية ، بيروت ـ ١٤٠٥ ه / ١٩٨٥ م.

٣٤ ـ السيرة النبوية : ابن هشام : عبد الملك بن ايوب الحميري (المتوفى ٢١٣ او ٢١٨ ه) ٤ اجزاء ، دار احياء التراث العربي ، بيروت.

(حرف الشين)

٣٥ ـ شرح الاصول الخمسة : عبد الجبار بن احمد (المتوفى ٤١٥ ه) مكتبة الوهبية ، القاهرة ـ ١٤٠٨ ه / ١٩٨٨ م.

٣٦ ـ شرح التجريد : القوشجي : علي بن محمد (المتوفى ٨٧٩ ه) تبريز ـ ١٣٠٧ ه.

٣٧ ـ شرح الزرقاني على موطأ مالك : الزرقاني : محمد بن عبد الباقي (المتوفى ١١٢٢ ه) ٤ اجزاء ، طبع عبد الحميد احمد حنفي ، القاهرة.

٣٨ ـ شرح عقائد الصدوق (تصحيح الاعتقاد) : المفيد : محمد بن محمد بن النعمان (المتوفى ٤١٣ ه) مكتبة الحقيقة ، تبريز ـ ١٣٧١ ه.

٣٩ ـ شرح المقاصد : التفتازاني : سعد الد بن (المتوفى ٧٩٢ ه) طبع بوسنوي ، استانبول ـ ١٣٠٥ ه.

٤٠ ـ الشفاء : ابن سينا : حسين بن عبد الله (المتوفى ٤٢٧ ه) منشورات بيدار ، قم المقدسة.

(حرف الصاد)

٤١ ـ البخاري : محمد بن اسماعيل (المتوفى ٢٥٦ ه) ٩ أجزاء ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ـ ١٤٠٠ ه.

٤٢ ـ الصحيح : مسلم بن الحجاج القشيري النيشابوري (المتوفى ٢٦١ ه) ٨ اجزاء ، دار الجيل ، بيروت.

٤٣ ـ الصواعق المحرقة : ابن حجر الهيثمي المكي (المتوفى ٩٧٤ ه) مكتبة القاهرة ، القاهرة ـ ١٣٨٥ ه.

(حرف العين)

٤٤ ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري : العيني : محمود بن احمد (المتوفى ٨٥٥ ه) ٢٢ جزءا ، دار الفكر ، بيروت.

٤٥ ـ عيون اخبار الرضا عليه السّلام : الشيخ الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ ه) مؤسسة الاعلمي ، بيروت ـ ١٤٠٤ ه.

(حرف الغين)

٤٦ ـ الغدير : العلامة الأميني : عبد الحسين احمد (١٣٢٠ ـ ١٣٩٠ ه) جزءا ، دار الكتاب العربي ، بيروت ـ ١٣٨٧ ه.

(حرف الفاء)

٤٧ ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري : احمد بن حجر العسقلاني (المتوفى ٨٥٢ ه) ١٣ جزءا ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ـ ١٤٠٢ ه.

٤٨ ـ فتح القدير : الشوكاني : محمد بن علي الصنعاني (المتوفى ١٢٥٠ ه) دار المعرفة ، بيروت.

٤٩ ـ فجر الإسلام : احمد امين المصري (المتوفى ١٣٧٣ ه) نشر دار الكتاب العربي.

٥٠ ـ فرق الشيعة : النوبختي : حسن بن موسى (المتوفى ٣١٠ ه) دار الاضواء ، بيروت ـ ١٤٠٤ ه / ١٩٨٤ م.

(حرف الكاف)

٥١ ـ الكافي : الكليني : محمد بن يعقوب (المتوفى ٣٢٩ ه) دار صعب ـ دار التعارف.

٥٢ ـ كشف الغمة في معرفة الائمة : الإربلي : علي بن عيسى (المتوفى ٦٩٢ ه) دار الأضواء ، بيروت ـ ١٤٠٥ ه.

٥٣ ـ كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : العلامة الحلي : الحسن بن مطهر (٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه) مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم المقدسة ـ ١٤١٣ ه.

٥٤ ـ كفاية الاثر : الخزاز القمي : علي بن محمد (من علماء القرن الرابع الهجري منشوارت بيدار ، قم ـ ١٤٠١ ه.

٥٥ ـ كمال الدين وتمام النعمة : الشيخ الصدوق (٣٠٦ ـ ٢٨١ ه) موؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم المقدسة ـ ١٤٠٥ ه.

٥٦ ـ كنز العمال في سنن الأقوال والأعمال : المتفي الهندي : علي بن حسام الدين (المتوفى ٩٧٥ ه) ١٦ جزءا ، مكتبة التراث الاسلامي ، حلب.

(حرف الميم)

٥٧ ـ مجمع البيان : الطبرسي : الفضل بن الحسن (المتوفى ٥٤٨ ه) ١٠ أجزاء ، المكتبة العلمية الاسلامية ، طهران.

٥٨ ـ محاسن التأويل : القاسمي : جمال الدين محمد (المتوفى ١٣٣٢ ه) ١٧ جزءا ، دار الفكر ، بيروت ـ ١٣٩٨ ه / ١٩٧٨ م.

٥٩ ـ المستدرك على الصحيحين : الحاكم النيشابوري : الحافظ ابو عبد الله (المتوفى ٤٠٥ ه) أجزاء ، دار المعرفة ، بيروت.

٦٠ ـ المسند : احمد بن حنبل (المتوفى ٢٤١ ه) ٤ أجزاء ، دار احياء التراث العربي ، بيروت.

٦١ ـ معاني الأخبار : الشيخ الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ ه) دار المعرفة ، بيروت ـ ١٣٩٩ ه / ١٩٧٩ م.

٦٢ ـ مفاتيح الغيب (التفسير الكبير) : الرازي : فخر الدين (المتوفى ٦٠٦ ه) دار الكتب العلمية ، طهران.

٦٣ ـ المفردات في غريب القرآن : الراغب الاصفهاني : حسين بن محمد (المتوفى ٥٠٢ ه) المكتبة المرتضوية ، طهران ـ ١٤٠٣ ه.

٦٤ ـ مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين : الاشعري : ابو الحسن علي بن اسماعيل (المتوفى ٣٢٤ ه) دار النشر فراتز شتايز ، ويسباون ، افيت.

٦٥ ـ مقاييس اللغة : ابن فارس : احمد بن زكريا (المتوفى ٣٩٥ ه) ٦ أجزاء دار احياء الكتب العربية ، القاهرة ، افيت.

٦٦ ـ الملل والنحل : الشهرستاني : عبد الكريم (المتوفى ٥٤٨ ه) دار الكتب العلمية ، بيروت ـ ١٤١٠ ه / ١٩٩٠ م.

٦٧ ـ المنار في تفسير القرآن : محمد رشيد رضا (المتوفى ١٣٥٤ ه) ١٢ جزءا ، دار المنار ، القاهرة ١٣٧٣ ه.

٦٨ ـ المناقب : الخوارزمي : موفق بن احمد بن محمد المكي (المتوفى ٥٤٨ ه) مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم المقدسة ـ ١٤١١ ه.

٦٩ ـ من لا يحضره الفقيه : الشيخ الصدوق (٣٠٦ ـ ٣٨١ ه) ٤ أجزاء ، دار التعارف ، بيروت ـ ١٤١١ ه / ١٩٩٠ م.

٧٠ ـ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (الخطط المقريزية) : تقي الدين المقربزي (المتوفى ٨٤٥ ه) جزءان ، دار صادر ، بيروت.

٧١ ـ ميزان الاعتدال : الذهبي : محمد بن احمد (المتوفى ٧٤٨ ه) ٤ أجزاء دار المعرفة ، بيروت.

٧٢ ـ الميزان في تفسير القرآن : العلامة الطباطبائي : سيد محمد حسين (١٣٢١ ـ ١٤٠٢ ه) ٢٠ جزءا ، مؤسسة الاعلمي ، بيروت ـ ١٣٩٣ ه / ١٩٧٣ م.

(حرف النون)

٧٣ ـ نهج البلاغة : جمع التشريف الرضي (المتوفى ٤٠٦ ه) تحقيق صبحي الصالح ، بيروت ـ ١٣٨٧ ه / ١٩٦٧ م.

(حرف الواو)

٧٤ ـ الوحي المحمدي : محمد رشيد رضا منشى المنار (المتوفى ١٣٥٤ ه).

٧٥ ـ وسائل الشيعة : الحر العاملي : محمد بن الحسن (المتوفى ١١٠٤ ه) ٢٠ جزءا دار احياء التراث العربي ، بيروت ـ ١٤٠٣ ه / ١٩٨٣ م.

(حرف الياء)

٧٦ ـ يناييع المودة : القندوزي : بابا خواجة الحسيني (المتوفى ١٣٠٣ ه) مطبعة اختر ، استتبول ـ ١٣٠١ ه.

فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

المقدمة........................................................................ ٧

الفصل الاول

مناهج المعرفة في الاسلام

الأصل الأوّل :

يعتمد الإسلام في مجال المعرفة على أدوات ثلاث وهي : «الحس» و «العقل» و «الوحي»       ١٥

الأصل الثاني :

دعوة الأنبياء إلى العقيدة مقرونة بالدعوة إلى العمل لأن العقيدة مجردة عن العمل ، وكذا العمل غير النابع من العقيدة ، لا ينجي الإنسان في نظر الدين....................................................... ١٧

الموضوع

الصحفة

الأصل الثالث :

لا يجوز الاعتماد في الإسلام في أخذ العقائد والأحكام الدينية واستنباطها إلا على حجتين إلهيتين : العقل والوحي   ١٨

الأصل الرابع :

حيث إن العقل والوحي كلاهما حجتان إلهيتان ، لذلك لا يتعارضان تعارضا حقيقيا ، وكذا العقل والدين   ٢٠

الأصل الخامس :

حقائق العالم لها وجود مستقل عن تصوراتنا وأفكارنا ، والحقيقة مقولة غير خاضعة لتفكيرنا ٢١

الوجود في نظر الإسلام

الأصل السادس :

العالم مخلوق لله ، ويشكل واقعيته الحاجة إلى الله والارتباط به وهو لا يستغني عنه ، ولا لحظة واحدة وانقطاع العلاقة بينه وبين المبدأ الفياض يساوي عدم الأشياء وفناءها........................................... ٢٣

الموضوع

الصفحة

الأصل السابع :

نظام العالم الحالي ليس نظاما أبديا ، خالدا ، وسينهار ويسقط ذات يوم............. ٢٣

الأصل الثامن :

النظام الكوني يقوم على أساس العلة والمعلول ، والتأثير المتبادل بين الظواهر الكونية يتم بالإذن والمشيئة الإلهية.      ٢٤

الأصل التاسع:

الوجود ليس مساويا للطبيعة المادية ولا مساوقا لها ، بل يشكل ما وراء الطبيعة قسما كبيرا من الوجود. يعتمد        ٢٥

الأصل العاشر:

العالم كلا وجزءا ظاهرة خاضعة لهداية خاصة ، وأي موجود في أية مرتبة كان يحظى بما يناسبه ، ويحتاج إليه من الهداية الإلهية العامة........................................................................... ٢٦

الأصل الحادي عشر:

نظام العالم هو النظام الأحسن والأكمل الذي خلق على أفضل شكل وأحسن صورة. ٢٦

الموضوع

الصفحة

الأصل الثاني عشر:

حيث إن العالم مخلوق لله ، وفعله تعالى كذاته هو الحق المطلق ، لذلك لا يكون فعله مجردا عن هدف وغاية ، ولم يخلق عبثا واعتباطا........................................................................... ٢٧

الإنسان في نظر الإسلام

الأصل الثالث عشر:

الإنسان كائن مركب من الروح والجسد ، والجسد يتلاشى بعد الموت ، ولكن الروح تبقى خالدة بإذن الله تعالى      ٢٨

الأصل الرابع عشر:

كل إنسان خلق بفطرة توحيدية نظيفة وسوية ، ولم يولد أحد من بطن أمه عاصيا شريرا ٢٩

الأصل الخامس عشر:

الإنسان كائن مختار ، يختار بنفسه وفي ضوء تشخيصه أحد الطريقين والنجدين...... ٢٩

الموضوع

الصفحة

الأصل السادس عشر :

الإنسان قابل للتربية ، وطريق التكامل والرشد والعودة إلى الله مفتوح أمامه أبدا ودائما ، وبلا استثناء       ٣٠

الأصل السابع عشر :

الإنسان في ضوء العقل وموهبة الإرادة الحرة مسؤول أمام الله والأنبياء وغيره من أبناء النوع الإنساني         ٣٠

الأصل الثامن عشر :

ليس لأحد من أبناء البشر كرامة على الآخرين. وليس لأحد مزية على آخر إلا بما يكتسبه من الكمالات المعنوية ، وأبرزها «التقوى».................................................................. ٣١

الأصل التاسع عشر :

للأصول الأخلاقية جذور فطرية وثابتة وخالدة في وجود الإنسان وكيانه ، ولا تتغير على مر الزمان ، وتغير الأحوال أبد       ٣٢

الأصل العشرون :

إن أعمال الإنسان تقابل بالعقاب إن كانت شرا وبالثواب إن

الموضوع

الصفحة

كانت خيرا ، مضافا إلى أن العالم الراهن الحاضر الذي يدار تحت قيادة المدبرات الإلهية (فالمدبرات أمرا) لا يمر على أعمال الإنسان من دون ردة فعل ، بل يرد عليها بصورة مناسبة بإذن الله تعالى..................... ٣٣

الأصل الواحد والعشرون :

تقدم الأمم والشعوب أو تخلفها بغض النظر عن العوامل الخارجية ، ناشئ من عقائدها وأخلاقها وأعمالها ، وهذا الأصل لا يتنافى مع القضاء والقدر الآلهيين ، بل هو جزء منهما..................................... ٣٣

الأصل الثاني والعشرون :

لتاريخ البشر مستقبل مشرق وستكون الحاكمية على العالم في المآل للصالحين........ ٣٤

الأصل الثالث والعشرون :

الإنسان يتمتع بكرامة خاصة ، فقد صار في بدء الخلق مسجودا للملائكة ، ويجب عليه حفظ هذه الكرامة والمكانة ، وعليه أن يبتعد عن كل عمل يخالف كرامته ومكانته...................................... ٣٥

الموضوع

الصفحة

الأصل الرابع والعشرون :

لحياة الإنسان العقلانية ، وتنمية فكره وعقله ، منزلة خاصة في الإسلام ، ومن هنا يجب أن يتجنب الأعمال غير المدروسة ، والتقليد الأعمى.................................................................... ٣٦

الأصل الخامس والعشرون :

إن حرية البشر في المجال الاقتصادي والسياسي وغيرهما محدودة ، ومقيدة بأن لا تتنافى مع تكامله المعنوي ، وكذا لا تتنافى مع المصلحة العامة.............................................................. ٣٧

الأصل السادس والعشرون :

الإيمان هو الاعتقاد والتصديق القلبي الذي لا يحل في فؤاد الإنسان بالعنف والإكراه ، والجهاد الإسلامي ليس لإجبار الناس على قبول الإسلام ، بل الهدف منه إزالة الموانع والعراقيل عن طريق إبلاغ الرسالات الإلهية إلى مسامع العالم ، وتطهير المحيط الاجتماعي من عوامل الفساد والضلال................................................... ٣٨

الموضوع

الصفحة

الفصل الثاني

التوحيد ومراتبه وأبعادة

الأصل السابع والعشرون :

الإعتقاد بوجود الله هو الأصل المشترك ، والقاسم الجامع بين جميع المذاهب ، ويستدل على هذا الأصل بالطرق المختلفة      ٤٣

الأصل الثامن والعشرون :

أول مرحلة من مراحل التوحيد هو التوحيد الذاتي يعني أن الله واحد لا نظير له ولا مثيل ، وأن ذاته بسيطة وليست بمركبة ، وليس للتركيب العقلي والخارجي سبيل إلى ذاته أبدا.................................... ٤٥

الأصل التاسع والعشرون :

الصفات الإلهية الكمالية متعددة ومتغايرة مفهوما ، ولكنها متحدة في ذات الله من حيث الواقعية الخارجية (التوحيد في الصفات) والاتحاد الخارجي للصفات ليس بمعنى نفي

الموضوع

الصفحة

صفات الكمال عن ذاته المقدسة ، بل يعني نفي التركيب عن ذاته.................. ٤٧

الأصل الثلاثون :

لا خالق للكون إلا الله عز وجل (التوحيد في الخالقية) ، والإنسان فاعل بالاختيار يستفيد من الفيض الإلهي بمحض اختياره ، فهو بحكم ذاك مسؤول عن أعماله................................................. ٤٩

الأصل الواحد والثلاثون :

ليس للكون رب ومدبر إلا الله (التوحيد في الربوبية والتدبير) والمدبرات الأخرى كالملائكة ، إنما تدبر بإذن الله ومشيئته الحكمية........................................................................... ٥١

الأصل الثاني والثلاثون :

إذا كان لعالم الخلق خالق وإله ومدبر واحد لزم أن يكون حق التشريع والتقنين مختصا به خاصة ، فهو الحاكم المطاع المطلق ، وقيام الآخرين بهذه الأمور لا يصح إلا بإذنه وإمضائه.................................. ٥٧

الأصل الثالث والثلاثون :

التوحيد في العبادة هو الأصل المشترك بين جميع الشرائع السماوية ، والهدف من بعث الأنبياء ليس إلا التذكير بهذا الأصل والتأكيد عليه....................................................................... ٥٩

الموضوع

الصفحة

الفصل الثالث

صفات الله سبحانه

الأصل الرابع والثلاثون :

لله صفات كمالية وجلالية ، أو ثبوتية وسلبية ، والصفات الأولى (الكمالية أو الثبوتية) تحكي عن كماله الوجودي ، والصفات الأخرى (الجلالية أو السلبية) تحكي عن تنزهه من كل نقص وعيب................ ٦٥

الأصل الخامس والثلاثون :

تصح الاستفادة من أداتين للتعرف على صفات الله : أحدهما «العقل» والآخر «الوحي» ، وهذان المرجعان يصفان الله تعالى بأفضل الصفات................................................................... ٦٦

الأصل السادس والثلاثون :

يعد العلم ، والقدرة ، والحياة ، والإرادة ، والاختيار من صفات الذات الإلهية ، وحقيقية الإرادة الإلهية هي كونه مختارا في الفعل والترك........................................................................... ٦٨

الموضوع

الصفحة

الأصل السابع والثلاثون :

صفات الله الثبوتية........................................................... ٦٩

الأصل الثامن والثلاثون :

من صفاته الفعلية ، تكلمه مع البشر الذي ينحصر طريقه في ثلاثة أنحاء فقط كما في الآية ٥١ من سورة الشورى. على أنه مضافا إلى هذه الوجوه الثلاثة يكون كل الكون ـ باعتبار ـ كلام الله وكلماته ، كما أن السيد المسيح ـ بنفس هذا الاعتبار ـ كلمة الله   ٧٤

الأصل التاسع والثلاثون :

كلام الله الذي يعتبر من صفات الفعل حادث وليس بقديم ، فالقديم بالذات ينحصر في الله سبحانه ولا قديم سواه ، وتصور قديم أزلي غير الله ينافي التوحيد الذاتي............................................... ٧٧

الأصل الأربعون :

من صفات الله : الصدق ، فالكذب لكونه قبيحا يستحيل وصف الذات الإلهية المقدسة به       ٧٨

الموضوع

الصفحة

الأصل الواحد والأربعون :

الحكمة ، والحكيم هو أحد أسمائه وحيث إن الأفعال الإلهية تتمتع بنهاية الإتقان والكمال فهي منزهة من أي عبثية ولهذا سمي حكيما..................................................................... ٧٩

الأصل الثاني والأربعون :

إن الله سبحانه لا يرى بالعين لا في الدنيا ولا في الآخرة لأن كون الشئ مرئيا يستلزم كونه جسما وجسمانيا ولكن الرؤية القلبية في ضوء الإيمان واليقين ممكن..................................................... ٨٠

الأصل الثالث والأربعون :

وما شابه ذلك يجب تفسيرها مع ملاحظة القرائن الموجودة في الآيات المتضمنة لهذه الصفات لا مجردة عنها. ومثل هذا التفسير ليس تفسيرا باطنيا ولا تأويلا بل هو من باب الأخذ بالظهور التصديقي في ظل القرائن الحافة بالكلام  ٨٥

الموضوع

الصفحة

الفصل الرابع

العدل الإلهي

الأصل الرابع والأربعون :

العدل من صفات الجمال الإلهية الذي يشهد به الوحي والعقل ، والذات الإلهية المقدسة منزهة من مبادئ الظلم الذي هو الجهل والعجز والحاجة............................................................. ٩٣

الأصل الخامس والأربعون :

العقل يدرك الحسن والقبح ولو أغلق هذا الباب في وجه العقل لم يثبت الحسن والقبح الشرعيان أيضا       ٩٦

الأصل السادس والأربعون :

للعدل الإلهي تجليات في مجال التكوين (الخلق) والتشريع (التقنين) وإن الدعوة إلى الخير ، والتحذير ، والردع من الشرور ، والتكليف في حدود الطاقة البشرية ، ورعاية العدل في الجزاء من مظاهر العدل في التشريع....... ٩٨

الموضوع

الصفحة

الأصل السابع والأربعون :

لم يخلق الإنسان والعالم سدى وبلا هدف ، لأن فعل الحق تعالى منزه عن العبث واللغو. وهادفية الفعل الإلهي ليست ناشئة من احتياجه.................................................................. ١٠٠

الأصل الثامن والأربعون :

القضاء والقدر من العقائد الإسلامية الضرورية ، وحيث إن الأشخاص لا يمتلكون الكافية واللازمة لحل المسائل الفكرية العويصة في هذا المجال لهذا يكفي الإعتقاد الإجمالي بأصل هذه العقيدة....................... ١٠١

الأصل التاسع والأربعون :

«القدر» يعنى مقدار الأشياء و «القضاء» يعني حتمية وقوعها وكل واحد منهما ينقسم إلى القضاء والقدر العلميين ، والقضاء والقدر الفعليين العينيين يعتمد............................................... ١٠٣

الأصل الخمسون :

«القضاء» و «القدر» الإلهيان لا يتنافيان مع الاختيار والحرية الإنسانية بل التقدير الإلهي جار على أن يقع فعل الإنسان وتركه بحريته واختياره............................................................. ١٠٦

الموضوع

الصفحة

الإنسان والاختيارُ

الأصل الواحد والخمسون :

اختيار الإنسان وحريته الواقعية أمر محسوس وغير قابل للإنكار ، ووجدان كل إنسان وكذا طريقة العقلاء يشهدان بذلك ، وإلا لكان بعث الأنبياء لغوا أساسا............................................... ١٠٨

الأصل الثاني والخمسون :

ليس الإنسان مجبورا في فعله وهو في نفس الوقت ليس كائنا متروكا لحاله كاملا. ولا غنيا عن الله سبحانه في فعله. وبعبارة أخرى : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين........................................... ١٠٩

الأصل الثالث والخمسون :

إن الله تعالى كان عالما بأعمالنا منذ الأزل ، وهذا العلم الأزلي بأعمالنا لا يتنافى مع حريتنا أبدا    ١١١

الموضوع

الصفحة

الفصل الخامس

النبوة العامة

الأصل الرابع والخمسون :

اقتضت المشيئة الإلهية الحكمية بعث الأنبياء والرسل لهداية الإنسان إلى الأهداف العليا ، ولم يقتصر في ذلك المجال بالهداية الفطرية والعقلية................................................................... ١١٥

القرآن واهداف النبوّة

الأصل الخامس والخمسون :

الهدف من بعث الأنبياء هو تقوية الأسس التوحيدية ، وتهذيب النفس ، وتعليم الكتاب وقيام الناس بالقسط        ١١٨

طرق معرفة الأنبياء

الأصل السادس والخمسون :

يتميز الأنبياء الصادقون من أدعياء النبوة بثلاثة طرق : الإعجاز ، تصديق النبي السابق للاحق ، ومجموعة القرائن والشواهد الدالة على صدق الشخص....................................................... ١٢١

الموضوع

الصفحة

الأصل السابع والخمسون :

هناك رابطة منطقية بين المعجزة ، وصدق ادعاء النبي ، والإعجاز دليل منطقي على صدق ادعاء النبوة ، وليس بدليل إقناعي ١٢٢

الأصل الثامن والخمسون :

إذا اقترن العمل الخارق للعادة مع ادعاء النبوة عد ذلك العمل «معجزة» ، ولا معه سمي «كرامة» (إذا كان الآتي به شخا صالحا)......................................................................... ١٢٣

الأصل التاسع والخمسون :

تفترق المعجزة عن السحر بوجوه أربعة :

١ ـ انها غير قابلة للتعليم والتعلم.

٢ ـ التحدي.

٣ ـ عدم امكان معارضتها.

٤ ـ التنوع في الأعمال الخارقة للعادة.......................................... ١٢٣

الموضوع

الصفحة

الأصل الستون :

صلة النبي بعالم الغيب تتم عن طريق الوحي لا عن طريق «العقل» و «الحس» ولا عن طريق العلوم الطاهرية ، وحقيقة الوحي الالهي غير قابلة للادراك والتقييم بالمقاييس البشرية................................... ١٢٦

الوحي والنبوّة

الأصل الواحد والستون :

إن الوحي ـ على خلاف تصور الماديين ـ ليس وليد نبوغ الأنبياء وتفكرهم الخاص ، ولا هو عبارة عن تجلي الحالات الروحية ، والنفسية لهم.

والتفسير الأخير للوحي (من حيث المحتوى والمفاد) يعود في المآل إلى ما كان يقوله المشركون في العصر الجاهلي الذين كانوا يقولون : الوحي ليس سوى «أضغاث أحلام»......................................... ١٢٧

الموضوع

الصفحة

عصمة الأنبياء

الأصل الثاني والستون :

الأنبياء الإلهيون معصومون من كل سهو وخطأ وكل زلة عمدية في صعيد تلقي الوحي وحفظه وإبلاغه إلى الأمة فهم تحت رقابة الملائكة الكاملة من لحظة تلقيه إلى إبلاغه يعتمد............................... ١٣١

الأصل الثالث والستون :

الأنبياء والرسل مصونون ومعصومون من كل معصية وذنب ، وإنما يثق الناس بصدق دعوى الأنبياء ، ويطمئنون إليهم ويقبلون كلامهم إذا كانوا مبرأين ومصونين من المعصية والذنب. إن الأنبياء رجال مهديون ، ولا يجتمع مقامهم العلمي والمعنوي الرفيع مع الضلالة والزلل............................................................ ١٣٢

الأصل الرابع والستون :

الأنبياء ـ مضافا إلى كونهم مصونين عن الذنب والمعصية ـ مصونون عن الخطأ والزلل أيضا في مجال القضاء وفصل

الموضوع

الصفحة

الخصومات ، وتشخيص أحكام الموضوعات الدينية ، والمسائل العادية في الحياة.

إن وثوق الناس بهم ، وتحقق أهداف البعثة إنما يتحققان إذا كانت عصمة الأنبياء واسعة وشاملة لكل المناحي       ١٣٤

الأصل الخامس والستون :

الأنبياء مضافا إلى كونهم معصومين في المجالات المذكورة ، منزهون ومبرأون عن الأمراض المنفرة والعاهات ، وكذا الأعمال التي تحكي عن دناءة الروح وخساسة النفس في الأشخاص................................ ١٣٥

الأصل السادس والستون :

استنباط عدم عصمة الأنبياء ـ من بعض الآيات القرآنية ـ هو في الحقيقة قضاء متسرع ، وحكم متعجل ينبغي التجنب عنه ، ولأجل عدم الوقوع في هذا الأمر ، يفسر هذا النمط من الآيات في ضوء ملاحظة القرائن الموجودة في نفس الآيات ١٣٦

الموضوع

الصفحة

الأصل السابع والستون :

عصمة الأنبياء ناشئة من معرفتهم الرفيعة والعميقة بجلال الحق تعالى وجماله ، وصفاته وأسمائه ، ومن معرفتهم بثمار الطاعات ونتائجها المشرقة من جهة ، وتبعات المعاصي ونتائجها السيئة في الدنيا والآخرة من جهة أخرى    ١٣٧

الأصل الثامن والستون :

عصمة الأنبياء لا تتنافى مع كونهم مختارين أحرارا في الإرادة والانتخاب ، وانما هي معرفتهم الدقيقة والكاملة بقدرة الله أو عاقبة التمرد عليه وتجاهل أوامره ونواهيه ، لا تسلب القدرة والاختيار الذاتي البشري عنهم في انتخاب الفجور أو التقوي ١٣٩

الأصل التاسع والستون :

الأنبياء كلهم معصومون ، وفي نفس الوقت يمكن أن يكون شخص معصوما دون أن يكون نبيا ، كالسيدة مريم بنت عمران عليها السلام ، التي كانت طاهرة ومطهرة بنص القرآن الكريم من دون أن تكون من الأنبياء ١٣٩

الفصل السادس

النبوة الخاصة

الأصل السبعون :

النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم آخر الأنبياء والرسل الإلهيين وقد بدأت نبوته مقرونة بالتحدي بمعجزته الخالدة وهي القرآن الكريم ، وقد دعا معارضيه وتحداهم ولو بالإتيان بسورة واحدة من سور القرآن ولكن عجزوا عن معارضته     ١٤٣

الأصل الواحد والسبعون :

في نفس ذلك العصر (أي عصر نزول القرآن) أدي جمال كلمات القرآن الكريم وبداعة تركيبه ، وعمق معانيه إلى أن يخضع عمالقة الفصاحة والبلاغة العربية له ، وإلى الإقرار بأفضليته ، وقد استمر بل تضاعف هذا الخضوع من قبل العلماء والمفكرين أمام هذا الكتاب العظيم إلى يومنا هذا................................................ ١٤٥

الموضوع

الصفحة

الأصل الثاني والسبعون :

إن للقرآن الكريم مضافا إلى إعجازه الأدبي معجزة من جهات أخرى عديدة ، فقد كان الآتي به للناس أميا لم يدرس وكان يتلو آياته وسوره على الناس تدريجا وفي حالات وظروف مختلفة كالسفر والحضر والسلام والحرب ، والشدة والضيق والعسر واليسر والنصر والهزيمة ومع ذلك لم يحدث فيه اختلاف في السبك والصياغة والقوة والبلاغة ولا في المفاد والمحتوى.

إن هذا الكتاب يجعل الفطرة البشرية النقية محورا ملحوظا في تقنينه وتشريعه للقوانين والنظم ، ومع ملاحظة ثبات الفطرة الإنسانية ودوامها وصفت أحكامه بطابع الخلود والأبدية................................. ١٤٧

الأصل الثالث والسبعون :

لقد كشف القرآن الكريم القناع عن طائفة من أسرار الكون التي لم يكن للبشرية يومذاك سبيل إليها إلا عن طريق الوحي. كما إن هذا الكتاب الشريف أخبر بقاطعية عن بعض الحوادث المستقبلية قبل وقوعها فصحة هذه التنبؤات والإخبارات الغيبية تكشف عن ارتباط هذا الكتاب ومبلغه بعالم الغيب وبالمبدأ الأعلى للوجود................... ١٥٠

الموضوع

الصفحة

الأصل الرابع والسبعون :

إن القرائن والشواهد العديدة والمفيدة للعلم والاطمئنان تشهد بصدق دعوى نبي الإسلام فسوابق النبي المشرقة في فترة حياته المكية ، وطهارته من لوثات بيئته ، وقوة محتوى دعوته ، والأساليب والوسائل التي استفاد منها في تبليغ رسالته وتحقيق أهدافه ، وشخصية أتباعه المشرقة ، وبالتالي أثر دينه في إيجاد حضارة فريدة في تاريخ البشرية ، كلها ، شواهد صدق على صحة دعوته  ١٥٢

الأصل الخامس والسبعون :

إن تصديق النبي السابق للنبي اللاحق هو أحد الطرق لمعرفة الأنبياء والتحقق من صدق دعواهم .. ولقد جاءت بشائر كثيرة بظهور الإسلام ورسالة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب السماوية المتقدمة مثل كتاب العهدين (وبخاصة إنجيل يوحنا الفصل ١٤ ـ ١٦)......................................................... ١٥٦

الأصل السادس والسبعون :

لقد كان لرسول الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ مضافا إلى معجزة القرآن ـ معاجز وكرامات أخرى مثل شق القمر ، والمعراج ، والانتصار في قضية المباهلة مع أهل الكتاب والإخبار بالمغيبات وغير ذلك....... ١٥٧

الموضوع

الصفحة

خصائص نبوة رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم

الأصل السابع والسبعون :

إن الدين الإسلامي دين عالمي وليس دينا محليا أو إقليميا أو عنصريا وقوميا وكون كتابه السماوي باللغة العربية انما فقط لأجل إن السنة الإلهية جرت على أن يتحدث كل نبي بلسان قومه ، وأن يكون كتابه بلسان البيئة التي ينطلق منها   ١٦١

الأصل الثامن والسبعون :

إن نبي الإسلام خاتم الأنبياء ، وكتابه خاتم الكتب ، وشريعته كذلك خاتمة الشرائع وناسختها جمعاء ، وبه أغلق باب النبوات

وأوصد باب الرسالات ، فلا نبي بعده ولا كتاب ولا شريعة بعد كتابه وشريعته...... ١٦٣

الموضوع

الصفحة

الأصل التاسع والسبعون :

الدين الإسلامي يتكفل تحقيق كل الأماني الإنسانية ، ويلبي جميع الحاجات الفطرية البشرية ، وهو يحتوي على أصول وضوابط ثابتة وخالدة كما أنه يستعين في الإجابة على الأسئلة وحل المشكلات المستجدة من أدوات كالعقل ، وقاعدة تقديم الأهم على المهم وعملية الاجتهاد المستمر والاستنباط الحي ، وأصل تقديم الأحكام الثانوية على الأحكام الأولية  ١٦٤

الأصل الثمانون :

من خصائص الشريعة الإسلامية سهولة العقائد وبساطتها ، وكذا الاعتدال والجامعية والشمولية في برامجها ، وهذه الخصوصية لا توجد في الشرائع الأخرى (خاصة الشرائع الحاضرة التي طالتها أيدي التحريف). وللمثال : ان سورة التوحيد تبين عقيدة المسلم في مجال التوحيد ، ولدى مقارنتها مع ما في المذاهب الحاضرة (وبخاصة النصرانية) من عقائد عجيبة ومعقدة وغير معقولة ، نقف على حقائق رائعة وهامة......................................................... ١٦٧

الموضوع

الصفحة

الأصل الواحد والثمانون :

ان كتاب المسلمين السماوي بقي مصونا من كل نوع من أنواع التحريف ، لم يزد فيه شئ ولم ينقص منه شئ ولقد بلغ رسول الإسلام مائة وأربع عشرة سورة كاملة للمجتمع الإسلامي وهي باقية على حالها هذه إلى هذا اليوم ، وهناك أدلة قوية وقطعية عقلية ونقلية على عدم تحريف القرآن إلى هذا اليوم................................... ١٦٩

الأصل الثاني والثمانون :

الروايات الدالة على تحريف القرآن ، في كتب الفريقين ليس لها أية قيمة علمية ، لأن لقسم منها طابع التفسير للآية فقط ، أي ان ما جاء فيها هو من باب توضيح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الوصي حول المعاني ، لا أنه كان جزءا من الآية ثم حذف فيما بعد.

واما القسم الآخر من الروايات المذكورة التي تتضمن ادعاء التحريف نقلت من أفراد غير موثقين ، فهي ساقطة من حيث الاعتبار اللازم والقيمة المطلوبة سندا ومتنا.

كما أن وجود الرواية في المجاميع الحديثية ليس دليلا على اعتقاد مؤلفيها ومدونيها وجامعها بها قط.         ١٧٣

الموضوع

الصفحة

الفصل السابع

الإمامة والخلافة

الأصل الثالث والثمانون :

الشيعة هم الذين يرون أن قيادة المجتمع الإسلامي بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي لعلي وأبنائه المعصومين عليهم السلام كما أن ذلك الفريق من الصحابة الذين سمعوا التصريح بخلافة على وولايته عن لسان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فبقوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الأصل يدعون في التاريخ بشيعة علي عليه السلام. وفي الحقيقة ليس للشيعة والتشيع تاريخ غير تاريخ الإسلام ، فهو والإسلام توأمان.................. ١٨٠

الأصل الرابع والثمانون :

ليس من المعقول أبدا أن يقوم شخص بتأسيس شريعة ، من دون أن يفكر في أمر قيادتها ، ورعاية شؤونها من بعده ، والحال ان هذا مما يضمن بقاء تلك الشريعة ودوامها ، وصيانتها................................ ١٨٣

الموضوع

الصفحة

الأصل الخامس والثمانون :

بالنظر إلى خطر المثلث المشؤوم : الروم ، والفرس ، والمنافقون في الدين (الذين كانوا يهددون بشدة الإسلام والمسلمين في الأيام الأخيرة من حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) كان عدم تعيين خليفة من جانب النبي صلى الله عليه وآله وسلم سببا لحدوث الهرج والمرج ، والاختلاف في صفوف الأمة الإسلامية ، وكان مما يمهد لعودة السلطة الجاهلية ، في حين كان تعيين القائد يقطع كل نزاع ، ويسد الطريق على كل نوع من أنواع الاختلاف والتشر ذم ، لهذا يعتقد الشيعة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقدم ـ وبأمر من الله تعالى ـ على تعيين الخليفة من بعده للمنع من حصول الاختلاف والتشرذم في الأمة الإسلامية.          ١٨٤

الأصل السادس والثمانون :

لقد تعلقت المشيئة الربانية بأن يعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإمام والقائد من بعده وقد فعل ذلك صلى الله عليه وآله وسلم بتعيينه عليا عليه السلام خليفة من بعده والتصريح بخلافته هذه في مواقع مختلفة ومواضع عديدة.     ١٨٦

الموضوع

الصفحة

الأصل السابع والثمانون :

في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام من السنة العاشرة للهجرة نزلت الآية التالية : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) وبهذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعين في هذا اليوم قائدا للأمة في المستقبل من بعده وذلك بعد خطبة ألقاها على عشرات الآلاف من الناس. ١٩٢

الأصل الثامن والثمانون :

إن حديث الغدير من جملة الأحاديث الإسلامية المتواترة التي رواها ١١٠ من الصحابة و ٩٩ من التابعين و ٣٥٠ من علماء أهل السنة في كتبهم ، وقد ألف علماء الإسلام كتبا مفصلة حول هذا الموضوع......... ١٩٤

الأصل التاسع والثمانون :

أيس النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بنصب الخليفة من بعده كل أعداء الإسلام الذين كانوا يفكرون في إطفاء جذوة الإسلام بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلة هذا اليأس والإحباط هو كفاءة الوصي لاستمرار وظائف النبي المختلفة (ما عدا النبوة) بواسطة القائد والخليفة المنصوب........................................ ١٩٦

الموضوع

الصفحة

الأصل التسعون :

كانت فكرة تعيين الخليفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كأصل مشروع وضروري موجودة في ذهن الصحابة ، ولهذا عين الخليفة الثاني بواسطة الخليفة الأول ، وتم تعيين الخليفة الثالث بواسطة شورى سداسية عين الخليفة الثاني أفرادها الستة ، فالفارق بين الشيعة والسنة في مسألة الخليفة هو اعتقاد الشيعة بالنص الإلهي على الخليفة لا تشخيص وتعيين الخليفة السابق المعرض للخطأ.......................................................................... ١٩٩

الأصل الواحد والتسعون :

وظائف الإمام بعد وفاة رسول الإسلام هي : بيان مفاهيم القرآن الكريم ، وبيان الأحكام الشرعية ، وحفظ المجتمع من تطرق أي نوع من أنواع الانحراف ، والإجابة على الأسئلة الدينية والاعتقادية ، وحفظ الثغور ، أمام أعداء الإسلام ، وتطبيق العدالة في المجتمع ، وما شابه ذلك ، ومثل هذا الفرد ـ في نظر الشيعة ـ يجب أن يكون موضع عناية خاصة من الله ، وأن يكون قد وصل في ظل التربية الغيبية إلى مثل هذا المقام.................................................... ٢٠٠

الموضوع

الصفحة

الأصل الثاني والتسعون :

نظرا إلى هذه الوظائف الخطرة فالإمام يجب أن يكون (مثل النبي) معصوما من كل خطأ ومعصية ، وتدل «آية التطهير» و «حديث الثقلين» على عصمة أئمة أهل البيت عليه السلام............................. ٢٠٣

الأصل الثالث والتسعون :

إن أوصياء النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم اثنا عشر إماما وقد جاءت عبارة «اثنا عشر خليفة» في كتب الفريقين ، كما أن كل إمام يعين الإمام الذي يخلفه بأمر الله وأول هؤلاء الأئمة الاثني عشر هو الإمام علي بن أبي طالب وآخرهم الحجة بن الحسن العسكري المهدي عجل الله فرجه الشريف..................................... ٢٠٧

الأصل الرابع والتسعون :

مودة أهل البيت عليهم السلام أصل قرآني وفريضة إسلامية ومودة هؤلاء بما أنهم يحظون بكمالات علمية وعقلية متميزة ، توجب الرشد والكمال لمن أحبهم ، وانطوى على مودتهم............................... ٢١٠

الموضوع

الصفحة

الإمام الثاني عشر

الغيبة والظهور

الأصل الخامس والتسعون :

يعتمد.................................................................... ٢١١

الأصل السادس والتسعون :

يعتمد.................................................................... ٢١٢

الأصل السابع والتسعون :

إن أولياء الله على نوعين : «ظاهر مشهود» ، و «غائب عن الأنظار» وقد ذكر القرآن الكريم في سورة الكهف (في قصة مصاحبة موسى للخضر عليهم السلام) كلا النوعين ويعتبر الإمام

الموضوع

الصفحة

المهدي عجل الله فرجه الشريف في فترة غيبته من الأولياء الإلهيين الغائبين عن الأنظار ٢١٤

الأصل الثامن والتسعون :

قد أوكل بعض وظائف الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف في عصر غيبته إلى الفقهاء الجامعين للشرائط ، وحرمان الناس من الاستفادة من بركات حضور الإمام المهدي عليه السلام ناشئ من علل أوجبت غيبته ، أحدها عدم صلاحية الناس واستعدادهم لظهوره................................................................... ٢١٦

الأصل التاسع والتسعون :

قد وردت نماذج من غيبة بعض الأنبياء في الكتاب العزيز والتاريخ ، ولذلك يجب أن لا تصبح غيبة الإمام المهدي عاملا باعثا على التعجب أو الاستنكار ، فإن من أسرار غيبته (عجل الله فرجه الشريف) هو انه ادخر ليظهر في زمان قد تهيأ العالم فيه لتنفيذ العدل الشامل العالمي تهيوءا كاملا. لأن قيام الإمام المهدي وظهوره قبل ذلك سيكون سببا لنكسته في هدفه ، أو مقتله في مواجهته للقوي الجائرة الحاكمة ، وعدم وجود الناصر بالقدر اللازم............................. ٢١٦

الموضوع

الصفحة

الأصل المائة :

وجود الإمام لطف كبير من ألطاف الله تعالى ، ولو كان الناس مستعدين ـ كما ينبغي ـ لوفقوا لاستقباله ، والاستفادة منه ومن كمالاته. والسبب في حرمان الناس منه هم الناس أنفسهم في الدرجة الأولى على أن وجود ذلك الإمام حتى خلف ستار الغيبة سبب لكثير من البركات والخيرات كما أن الشمس كذلك خلف السحب......... ٢١٩

الأصل الواحد بعد المائة :

ولادة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه الشريف ـ تمت عام ٢٥٥ ه‍ ، وعلى هذا الأساس يكون قد مضى على ولادة الإمام إلى الآن أكثر من أحد عشر قرنا من الزمان ، والإذعان بمثل هذا العمر الطويل لحجة الله البالغة ، ليس أمرا عسيرا بالنظر إلى قدرة الله الواسعة والمطلقة............................................................ ٢٢٠

الأصل الثاني بعد المائة :

وقت ظهور الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه الشريف ـ ليس معلوما لأحد من الناس ، وان موعده مثل موعد يوم القيامة أمر خفي على الجميع وفي نفس الوقت ثمة علائم لظهوره جاءت في الروايات والأحاديث..... ٢٢١

الموضوع

الصفحة

الفصل الثامن

عالم ما بعد الموت

الأصل الثالث بعد المائة :

إن الاعتقاد بيوم القيامة والبعث بعد الموت أصل مشترك بين جميع الشرائع السماوية ، وليس للدين معنى من دون الاعتقاد بيوم القيامة والجزاء ، ولأهمية هذا الأصل ثمة طائفة كبيرة من آيات القرآن ترتبط بالمعاد... ٢٢٥

الأصل الرابع بعد المائة :

الله حق مطلق وفعله كذلك ـ مثله ـ حق ومنزه عن اللغوية والعبثية ، وبالنظر إلى هذه النقطة ، وحيث إن خلق الإنسان من دون وجود حياة خالدة لغو وعبث ، تتضح ضرورة المعاد ويوم القيامة.

على أن تحقق العدل الإلهي في شأن الصالحين والطالحين والأخيار والأشرار يطلب وجود مثل هذا اليوم في المستقبل. ٢٢٦

الموضوع

الصفحة

الأصل الخامس بعد المائة :

إن القرآن الكريم أجاب على الشبهات التي تدور حول المعاد ، فاستدل على إمكان المعاد ، بالقدرة الإلهية المطلقة تارة وبالخلق الأول أخرى واتخذهما دليلا على إمكان المعاد ، وتجديد الحياة البشرية وربما استدل لعودة الحياة إلى الناس بعودة الحياة إلى الأرض الميتة في فصل الربيع وهكذا ........................................................ ٢٢٨

الأصل السادس بعد المائة :

معاد البشر ـ في يوم القيامة ـ جسماني وروحاني معا ، بمعنى أن الإنسان يلقي من الثواب والعقاب في يوم القيامة ما لا يمكن ان يتحقق بلا جسم ، وكذا ما يكون له طابع روحي ونفسي خاصة........................ ٢٣١

الأصل السابع بعد المائة :

ليس الموت تعبيرا عن نهاية الحياة البشرية بل الإنسان بواسطة الموت ينتقل من هذا العالم إلى عالم آخر ، هذا مضافا إلى أن هناك بين الدنيا والآخرة عالم آخر يسمى ب‍ «البرزخ» يتمتع الإنسان فيه بحياة خاصة ونعمة خاصة ونقمة خاصة.     ٢٣٢

الموضوع

الصفحة

الأصل الثامن بعد المائة :

الحياة البرزخية تبدأ من ساعة نزع الروح من الجسد ، كما أن بعد دفن الإنسان يبدأ سؤاله عن أعماله وأقواله بواسطة النكيرين وهما ملكان من الملائكة ، وعالم البرزخ يكون للمؤمنين مظهر الرحمة ، وللكافرين والمنافقين فترة عذاب. ٢٣٣

الأصل التاسع بعد المائة :

هناك فريق لا يقول بالمعاد حسب التفسير الديني (والإسلامي خاصة) ويعتقدون بدل ذلك بفكرة «التناسخ» في حين ان «التناسخ» أمر مستحيل باطل حسب المنطق الإسلامي................................... ٢٣٤

الأصل العاشر بعد المائة :

لم يكن المسخ في الأمم السابقة على شكل التناسخ ، بل بعض الناس ـ في المسخ ـ تتغير صورهم الظاهرية إلى صور القردة والخنازير ، مع بقاء شخصيتهم البشرية ، ولهذا يختلف المسخ عن التناسخ اختلافا كبيرا........ ٢٣٦

الموضوع

الصفحة

الأصل الحادي عشر بعد المائة :

«أشراط الساعة» هي علائم تدل قرب موعد القيامة ، هذه العلائم باختصار هي : بعثة النبي الخاتم (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم وانهيار سد يأجوج ومأجوج ، وظهور دخان غليظ شامل في السماء ، ونزول السيد المسيح ، وخروج دابة خاصة من الأرض.......................................................................... ٢٣٨

الأصل الثاني عشر بعد المائة :

ينفخ في «الصور» مرتين مرة قبل قيام القيامة يموت معها الإنسان ، ومرة يحيى بها جميع البشر ليوم الحساب.         ٢٤٠

الأصل الثالث عشر بعد المائة :

يحاسب جميع الناس يوم القيامة بأساليب خاصة ، ومضافا إلى ذلك تعطي صحيفة كل شخص بيده ، ويشهد شهود على أعمال الناس الصالحة أو الطالحة التي أتوا بها في هذه الدنيا............................. ٢٤٠

الأصل الرابع عشر بعد المائة :

شفاعة الشفعاء للمذنبين من الأمة بإذن الله يوم القيامة ، أصل قرآني مسلم ومقطوع به ، ودلت عليه آيات وأحاديث كثيرة جدا.......................................................................... ٢٤٣

الموضوع

الصفحة

الأصل الخامس عشر بعد المائة :

طلب الشفاعة من الذين أذن الله تعالى لهم بالشفاعة أمر لا إشكال فيه لأن طلب الشفاعة هو طلب الدعاء منهم ، وطلب الدعاء من المؤمن عمل أذن به القرآن والسنة بل دعا الكتاب والسنة إليه................ ٢٤٥

الأصل السادس عشر بعد المائة :

أبواب التوبة مفتوحة في وجه العباد المذنبين دائما (إلا في لحظة الموت) ، والاعتقاد بالتوبة مثل الاعتقاد بالشفاعة إذا لو حظت فلسفتها وآدابها ، وشرائطها لا يوجب تشجيع المذنبين على المزيد من الذنب والمعصية ، بل انفتاح باب التوبة لأجل إيجاد الاستعداد لجماعة يحبون أن يحسنوا فيما تبقى من عمرهم ، ويعيشوا في طهر ونقاء ، فان رحمة الله الواسعة لا تسمح بأن يقع مثل هذا الفريق في قعر الضلال الأبدي بسبب اليأس والقنوط من الرحمة الإلهية.................. ٢٥٠

الأصل السابع عشر بعد المائة :

إن الإنسان يصل إلى نتيجة عمله في العالم الآخر ان خيرا

الموضوع

الصفحة

فخير ، إن شرا فشر ، وأعمال الإنسان السيئة لا تبطل ولا تفنى أعماله الصالحة ، إلا مثل الارتداد والشرك والكفر ، مما ذكره القرآن الكريم ويسمى هذا بحبط العمل.............................................. ٢٥١

الأصل الثامن عشر بعد المائة :

إن الخلود في الجحيم خاص بالكفار وأما المؤمنون العصاة (إذا لم يطهر هم العذاب في العالم الدنيوي ، أو البرزخ أو شفاعة الطاهرين) فيغفر لهم بعد تحمل العذاب في جهنم ، ثم ينجون ويخرجون من النار.............. ٢٥٣

الأصل التاسع عشر بعد المائة :

يستفاد من آيات القرآن والأحاديث الشريفة أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن وإن لم نعرف محلهما ومكانهما. ٢٥٤

الموضوع

الصفحة

الفصل التاسع

الإيمان والكفر

وما يتبعهما

الأصل العشرون بعد المائة :

موضع الإيمان هو القلب ، ويكفي في صدق عنوان المسلم على أحد أن يؤمن بالله الواحد ، ويوم القيامة ورسالة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبما جاء به على نحو الإجمال ، والكفر على العكس ، والكافر من لا يؤمن بما ذكر ، على الأقل.  ٢٥٩

الأصل الواحد والعشرون بعد المائة :

الإيمان القلبي إنما مثمرا ومفيدا إذا أظهره الشخص أو لم يظهر خلافه على الأقل ، كما أن الإيمان القلبي وحده لا يكفي في نجاة الإنسان وسعادته ، بل لابد أن يقترن بالعمل والتعاليم الإلهية.................... ٢٦١

الموضوع

الصفحة

الأصل الثاني والعشرون بعد المائة :

المسلمون يتفقون في الأصول الأساسية (التوحيد ، والرسالة المحمدية ، والمعاد) فلا يسوغ تكفير بعضهم للبعض الآخر للاختلاف في مسائل أخرى ، والحوار العلمي هو الحل الأفضل............................... ٢٦٤

الأصل الثالث والعشرون بعد المائة :

البدعة ـ لغة ـ هي كل جديد ، وما ليس له مثال سابق ، واصطلاحا ادخال ما ليس من الدين في الدين. واسناد شئ إلى الدين إنما يكون بدعة إذا لم يرد بشأن مشروعيته أو عدم مشروعيته إشارة في النصوص الدينية بوجه خاص أو عام   ٢٦٥

الأصل الرابع والعشرون بعد المائة :

إذا كان إظهار العقيدة الصحيحة سببا لتعرض الإنسان في نفسه أو عرضه أو ماله ، لخطر ، يجب عليه ـ بحكم العقل وبنص القرآن ـ أن لا يظهر عقيدته ، بل ربما وجب أحيانا التظاهر بخلافه أيضا. ويسمى هذا المطلب عند الشيعة

الموضوع

الصفحة

بالتقية ويجب الانتباه إلى أن التقية تقابل النفاق ، لأن التقية كتمان الإيمان وإظهار الكفر ، والنفاق إظهار الإيمان وكتمان الكفر.......................................................................... ٢٧٣

الأصل الخامس والعشرون بعد المائة :

التقية واجبة في بعض الظروف والحالات ، ولكنها محرمة في بعض الظروف والحالات ، وهو ما إذا تعرض أصل الدين لخطر الإبادة والمحو إذا اتقى الإنسان. ولهذا لم تكتب الشيعة حتى هذا اليوم كتابا يحتوي ما يخالف معتقداتهم بحجة التقية ، أو ما شابه ذلك ، بل ربما تعرض بعض علمائهم للقتل دفاعا عن المذهب ، وبسبب إظهار عقائدهم بكل جرأة وشجاعة ويبلغ عددهم المئات بل الآلاف.......................................................................... ٢٧٦

الأصل السادس والعشرون بعد المائة :

إن حياة البشر تقوم (أساسا وعادة) على الاستعانة بالأسباب والعلل ، ولا فرق في هذا المجال بين الأسباب المادية الطبيعية أو الغيبية.

غاية ما في الأمر أن على الإنسان الموحد أن ينظر إلى الأسباب بعنوان «الوسيلة» ولا يعتقد باستقلالها في التأثير.   ٢٧٩

الموضوع

الصفحة

الأصل السابع والعشرون بعد المائة :

التوسل بأسماء الله الحسنى ، والتوسل بدعاء الصالحين أحد الأسباب الغيبية التي ذكرها القرآن الكريم بصورة واضحة. ٢٨١

الأصل الثامن والعشرون بعد المائة :

المقدرات الإلهية القطعية لا تقبل التغيير ، وأما مقدراته المشروطة ، والمعلقة فهي قابلة للرفع والتغيير ، وهذا هو «البداء» الذي تقول به الشيعة ويعتقدونه ، وهو لا يعني إلا الاعتقاد بقدرة الله المطلقة في جميع شؤون الوجود ، تأثير أعمال الإنسان (الصالحة أو الطالحة) في مصيره......................................................... ٢٨٦

الأصل التاسع والعشرون بعد المائة (الرجعة) :

يعود لفيف من الناس بعد موتهم ، إلى هذا العالم الدنيوي مرة أخرى في آخر الزمان بإذن الله تعالى ، كما حدث مثل ذلك في الأمم السابقة ، وهذا هو أصل «الرجعة» الذي تعتقد به الشيعة الإمامية والذي جاء تفصيله في كتبهم الاعتقادية.        ٢٩١

الأصل الثلاثون بعد المائة :

صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواء من استشهد في معركة «بدر» وأحد «والأحزاب» «وحنين» أو بقي بعد رسول صلى الله عليه وآله وسلم

واجتهد في حفظ الإسلام وعمل على تقدمه ، محترمون جميعا عند الشيعة الإمامية ، ولكن في نفس الوقت لا يمكن أن يكون مجرد رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبته سببا لثبوت عدالة دائمة وحصانة مستمرة ومصونية أبدية من الخطأ والذنب لجميع من صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وجميع الصحابة في هذه المسألة سواسية.

وعلى هذا الأساس يجب (وبخاصة عند نقل الرواية من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعمل بمحتواها) مطالعة سيرتهم ومواقفهم ، بدقة ، وتقييم أعمالهم وأقوالهم ومعرفة صحتها وعدم صحتها ، ليمكن بواسطة ذلك ، الوصول إلى معين التعاليم الإسلامية العذاب ومنبعه النقي الصافي بعيدا عن الهوى والهوس................... ٢٩٤

الأصل الواحد والثلاثون بعد المائة :

محبة النبي وآله ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ من أصول الإسلام التي أكد عليها الكتاب والسنة ، وهي توجب كمال الإنسان ، لأن من أحب شخصا سعى إلى التشبه به وجلب رضاه ، وكيفية إظهار هذه المودة تنسجم مع الأعراف الاجتماعية في كل زمان ، بشرط أن لا يكون بعمل محرم ومنهي عنه........................................... ٢٩٨

الموضوع

الصفحة

الأصل الثاني والثلاثون بعد المائة :

إقامة الاحتفالات في مواليد النبي وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام وإظهار الفرح والابتهاج فيها ، وإقامة مجالس العزاء في مصائبهم والبكاء وإظهار الحزن ، نوع من إظهار المودة والمحبة المفروضة لهم في الكتاب والسنة.. ٣٠٣

الأصل الثالث والثلاثون بعد المائة :

حفظ الآثار وصيانتها من الاندثار والزوال عمل حضاري عقلائي لأنه سبيل إلى حفظ القيم ، وهو أمر جائز ومحبذ في الكتاب والسنة ، كما أن البناء على قبور الأئمة الطاهرين ، وتعميرها وهي أفضل البيوت وبناء المساجد عندها أو عليها عمل جائز.  ٣٠٥

الأصل الرابع والثلاثون بعد المائة :

زيارة القبور وخاصة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور الأئمة من عترته الطاهرة تنطوي على آثار تربوية عظيمة ، وفوائد معنوية كبرى ، وهي جائزة بل ومندوبة بالنص الصريح.......................... ٣١٠

الأصل الخامس والثلاثون بعد المائة :

الغلو هو التجاوز عن الحد ، ويراد منه في القرآن الاعتقاد بألوهية أو ربوبية غير الله تعالى ، وهو مرفوض كتابا وسنة ، والغلاة بجميع أصنافهم كفرة مشركون..................................................... ٣١٢

الموضوع

الصفحة

الفصل العاشر

الحديث والاجتهاد والفقه

الأصل السادس والثلاثون بعد المائة :

الأحاديث التي رواها الثقات العدول عن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم كلها مقبولة عند علماء الشيعة الإمامية وفقهائهم. ويقوم الإجتهاد والفقه عند الشيعة على الكتاب والسنة والإجماع والعقل........... ٣١٧

الأصل السابع والثلاثون بعد المائة :

الأحاديث والروايات التي وصلت إلينا من أئمة أهل البيت الاثني عشر تنتهي بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى معدن الوحي ، لأن الأئمة الأطهار سمعوا هذه الروايات من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إما مباشرة أو سمعوها ورووها عن آبائهم). أو إنهم نقلوها عن كتاب علي عليه السلام ، أو لكونهم محدثين ألقيت إليهم وألهموا بها إلهاما..... ٣١٨

الموضوع

الصفحة

الأصل الثامن والثلاثون بعد المائة :

إن أحاديث النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين ـ سلام الله عليهم أجمعين جمعت ودونت بواسطة علماء الشيعة في كتبهم المعروفة ، والكتب الأربعة : (الكافي ، ومن لا يحضره الفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار) من أهم مصادر الإجتهاد والاستنباط عند علماء الشيعة................................................................... ٣٢٢

الأصل التاسع والثلاثون بعد المائة :

إن باب الإجتهاد كان مفتوحا في وجه الفقهاء في فقه الشيعة من اليوم الأول ، ولم يعرف الغلق مطلقا ، فهو لا يزال مستمرا. كما أن اجتهادهم اجتهاد مطلق ، وليس اجتهادا في نطاق مذهب خاص ، وإطار معين.

ومنطلق الإجتهاد وأساسه يتكون عند الشيعة الإمامية ـ كما أسلفنا ـ من الكتاب والسنة والإجماع ، والعقل. ٣٢٤

الأصل الاربعون بعد المائة :

رواية الصحابي حجة إذا حازت شرائط الحجية وعكست سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما استنباطه أو تفسيره فليس بحجة على غيره من المجتهدين................................................ ٣٢٨

الموضوع

الصفحة

الأصل الواحد والأربعون بعد المائة :

يجب على كل مسلم أن يحصل على اليقين في المسائل الاعتقادية ولا يجوز التقليد فيها. اما في المسائل الفقهية الفرعية فيجوز فيها تقليد المجتهد الجامع للشرائط................................................. ٣٢٩

الأصل الثاني والاربعون بعد المائة :

تغسل الشيعة ـ عند الوضوء ـ الأيدي من المرافق إلى رؤوس الأصابع لا العكس ، كما يمسحون أرجلهم في الوضوء ولا يغسلونها ، ومستند هم في ذلك القرآن والسنة النبوية..................................... ٣٣٠

الأصل الثالث والأربعون بعد المائة :

يعتقد الشيعة بأن السجود في حال الصلاة يجب أن يكون على الأرض أو ما ينبت منها بشرط أن لا يكون مأكولا ولا ملبوسا ، وقد جرت سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال حياته على هذا بشهادة التاريخ ، ولكن هذه السنة قد تغيرت فيما بعد وحل السجود على الثوب والفراش مكان السجود على الأرض........................ ٣٣٦

الأصل الرابع والأربعون بعد المائة :

يستحب التفريق بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، ولكن يجوز مع ذلك الجمع بينهما كما يفعل المسلمون في عرفة

الموضوع

الصفحة

والمزدلفة ، وقد فعل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ذلك مرارا من دون عذر ليوسع على الأمة ويخفف عنهم. ٣٣٨

الأصل الخامس والأربعون بعد المائة :

الزواج المؤقت نوع من النكاح المشروع ، ويشهد القرآن الكريم بمشروعية هذا النوع من الزواج ، الذي يسمى بالمتعة أيضا ، وقد عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته بهذا الحكم القرآني ، ولم ينسخ قط.... ٣٤٣

الأصل السادس والاربعون بعد المائة :

لا يجوز التكفير (أي وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى) حال الصلاة لكونه بدعة ، وليس في رواية أبي حميد الساعدي ، الذي حكى فيها كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجه التفصيل من هذا العمل عين ولا أثر ، وهذا يدل على أن هذا العمل لم يكن معمولا به في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وان التكفير من المبدعات والمحدثات بعده صلى الله عليه وآله وسلم.................................................................... ٣٤٦

الأصل السابع والاربعون بعد المائة :

تستحب نوافل ليالي شهر رمضان ، ولكن الإتيان بها جماعة بدعة ، واجتهاد الآخرين في هذه المسألة لا يخولها الشرعية.       ٣٤٨

الموضوع

الصفحة

الأصل الثامن والأربعون بعد المائة :

اتفق فقهاء الإسلام على أن غنائم الحرب تقسم على المجاهدين ، إلا الخمس فلابد من صرفه في موارد خاصة ، ويجب الخمس في كل ربح يفوز به الإنسان كما يدل على ذلك الكتاب والسنة........................ ٣٤٩

الأصل التاسع والأربعون بعد المائة :

الحضارة الإسلامية ثمرة جهود الأمة الإسلامية جميعا ، وللشيعة دور مهم ومشهود في بناء هذه الحضارة العظيمة بما قدمه فقهاؤهم وعلماؤهم في مختلف المجالات العلمية......................................... ٣٥١

الأصل الخمسون بعد المائة :

الاختلاف بين الفرق الإسلامية في بعض الفروع لا يمنع من الاتحاد ، والتعاضد في وجه أعداء الإسلام ويجب أن يكون كذلك.

ويمكن من خلال إقامة المؤتمرات الثقافية والحوار العلمي البناء ، تقليل الاختلافات شيئا فشيئا.    ٣٥٥

الحمدُ لله ربّ العالَمين

العقيدة الإسلاميّة على ضوء مدرسة أهل البيت عليهم السلام

المؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
الصفحات: 458
  • المقدمة 7
  • الفصل الاول
  • مناهج المعرفة في الاسلام
  • الأصل الأوّل :
  • يعتمد الإسلام في مجال المعرفة على أدوات ثلاث وهي : «الحس» و «العقل» و «الوحي»       15
  • الأصل الثاني :
  • دعوة الأنبياء إلى العقيدة مقرونة بالدعوة إلى العمل لأن العقيدة مجردة عن العمل ، وكذا العمل غير النابع من العقيدة ، لا ينجي الإنسان في نظر الدين 17
  • الأصل الثالث :
  • لا يجوز الاعتماد في الإسلام في أخذ العقائد والأحكام الدينية واستنباطها إلا على حجتين إلهيتين : العقل والوحي   18
  • الأصل الرابع :
  • حيث إن العقل والوحي كلاهما حجتان إلهيتان ، لذلك لا يتعارضان تعارضا حقيقيا ، وكذا العقل والدين   20
  • الأصل الخامس :
  • حقائق العالم لها وجود مستقل عن تصوراتنا وأفكارنا ، والحقيقة مقولة غير خاضعة لتفكيرنا 21
  • الوجود في نظر الإسلام
  • الأصل السادس :
  • العالم مخلوق لله ، ويشكل واقعيته الحاجة إلى الله والارتباط به وهو لا يستغني عنه ، ولا لحظة واحدة وانقطاع العلاقة بينه وبين المبدأ الفياض يساوي عدم الأشياء وفناءها 23
  • الأصل السابع :
  • نظام العالم الحالي ليس نظاما أبديا ، خالدا ، وسينهار ويسقط ذات يوم 23
  • الأصل الثامن :
  • النظام الكوني يقوم على أساس العلة والمعلول ، والتأثير المتبادل بين الظواهر الكونية يتم بالإذن والمشيئة الإلهية.      24
  • الأصل التاسع:
  • الوجود ليس مساويا للطبيعة المادية ولا مساوقا لها ، بل يشكل ما وراء الطبيعة قسما كبيرا من الوجود. يعتمد        25
  • الأصل العاشر:
  • العالم كلا وجزءا ظاهرة خاضعة لهداية خاصة ، وأي موجود في أية مرتبة كان يحظى بما يناسبه ، ويحتاج إليه من الهداية الإلهية العامة 26
  • الأصل الحادي عشر:
  • نظام العالم هو النظام الأحسن والأكمل الذي خلق على أفضل شكل وأحسن صورة. 26
  • الأصل الثاني عشر:
  • حيث إن العالم مخلوق لله ، وفعله تعالى كذاته هو الحق المطلق ، لذلك لا يكون فعله مجردا عن هدف وغاية ، ولم يخلق عبثا واعتباطا 27
  • الإنسان في نظر الإسلام
  • الأصل الثالث عشر:
  • الإنسان كائن مركب من الروح والجسد ، والجسد يتلاشى بعد الموت ، ولكن الروح تبقى خالدة بإذن الله تعالى      28
  • الأصل الرابع عشر:
  • كل إنسان خلق بفطرة توحيدية نظيفة وسوية ، ولم يولد أحد من بطن أمه عاصيا شريرا 29
  • الأصل الخامس عشر:
  • الإنسان كائن مختار ، يختار بنفسه وفي ضوء تشخيصه أحد الطريقين والنجدين 29
  • الأصل السادس عشر :
  • الإنسان قابل للتربية ، وطريق التكامل والرشد والعودة إلى الله مفتوح أمامه أبدا ودائما ، وبلا استثناء       30
  • الأصل السابع عشر :
  • الإنسان في ضوء العقل وموهبة الإرادة الحرة مسؤول أمام الله والأنبياء وغيره من أبناء النوع الإنساني         30
  • الأصل الثامن عشر :
  • ليس لأحد من أبناء البشر كرامة على الآخرين. وليس لأحد مزية على آخر إلا بما يكتسبه من الكمالات المعنوية ، وأبرزها «التقوى» 31
  • الأصل التاسع عشر :
  • للأصول الأخلاقية جذور فطرية وثابتة وخالدة في وجود الإنسان وكيانه ، ولا تتغير على مر الزمان ، وتغير الأحوال أبد       32
  • الأصل العشرون :
  • إن أعمال الإنسان تقابل بالعقاب إن كانت شرا وبالثواب إن
  • كانت خيرا ، مضافا إلى أن العالم الراهن الحاضر الذي يدار تحت قيادة المدبرات الإلهية (فالمدبرات أمرا) لا يمر على أعمال الإنسان من دون ردة فعل ، بل يرد عليها بصورة مناسبة بإذن الله تعالى 33
  • الأصل الواحد والعشرون :
  • تقدم الأمم والشعوب أو تخلفها بغض النظر عن العوامل الخارجية ، ناشئ من عقائدها وأخلاقها وأعمالها ، وهذا الأصل لا يتنافى مع القضاء والقدر الآلهيين ، بل هو جزء منهما 33
  • الأصل الثاني والعشرون :
  • لتاريخ البشر مستقبل مشرق وستكون الحاكمية على العالم في المآل للصالحين 34
  • الأصل الثالث والعشرون :
  • الإنسان يتمتع بكرامة خاصة ، فقد صار في بدء الخلق مسجودا للملائكة ، ويجب عليه حفظ هذه الكرامة والمكانة ، وعليه أن يبتعد عن كل عمل يخالف كرامته ومكانته 35
  • الأصل الرابع والعشرون :
  • لحياة الإنسان العقلانية ، وتنمية فكره وعقله ، منزلة خاصة في الإسلام ، ومن هنا يجب أن يتجنب الأعمال غير المدروسة ، والتقليد الأعمى 36
  • الأصل الخامس والعشرون :
  • إن حرية البشر في المجال الاقتصادي والسياسي وغيرهما محدودة ، ومقيدة بأن لا تتنافى مع تكامله المعنوي ، وكذا لا تتنافى مع المصلحة العامة 37
  • الأصل السادس والعشرون :
  • الإيمان هو الاعتقاد والتصديق القلبي الذي لا يحل في فؤاد الإنسان بالعنف والإكراه ، والجهاد الإسلامي ليس لإجبار الناس على قبول الإسلام ، بل الهدف منه إزالة الموانع والعراقيل عن طريق إبلاغ الرسالات الإلهية إلى مسامع العالم ، وتطهير المحيط الاجتماعي من عوامل الفساد والضلال 38
  • الفصل الثاني
  • التوحيد ومراتبه وأبعادة
  • الأصل السابع والعشرون :
  • الإعتقاد بوجود الله هو الأصل المشترك ، والقاسم الجامع بين جميع المذاهب ، ويستدل على هذا الأصل بالطرق المختلفة      43
  • الأصل الثامن والعشرون :
  • أول مرحلة من مراحل التوحيد هو التوحيد الذاتي يعني أن الله واحد لا نظير له ولا مثيل ، وأن ذاته بسيطة وليست بمركبة ، وليس للتركيب العقلي والخارجي سبيل إلى ذاته أبدا 45
  • الأصل التاسع والعشرون :
  • الصفات الإلهية الكمالية متعددة ومتغايرة مفهوما ، ولكنها متحدة في ذات الله من حيث الواقعية الخارجية (التوحيد في الصفات) والاتحاد الخارجي للصفات ليس بمعنى نفي
  • صفات الكمال عن ذاته المقدسة ، بل يعني نفي التركيب عن ذاته 47
  • الأصل الثلاثون :
  • لا خالق للكون إلا الله عز وجل (التوحيد في الخالقية) ، والإنسان فاعل بالاختيار يستفيد من الفيض الإلهي بمحض اختياره ، فهو بحكم ذاك مسؤول عن أعماله 49
  • الأصل الواحد والثلاثون :
  • ليس للكون رب ومدبر إلا الله (التوحيد في الربوبية والتدبير) والمدبرات الأخرى كالملائكة ، إنما تدبر بإذن الله ومشيئته الحكمية 51
  • الأصل الثاني والثلاثون :
  • إذا كان لعالم الخلق خالق وإله ومدبر واحد لزم أن يكون حق التشريع والتقنين مختصا به خاصة ، فهو الحاكم المطاع المطلق ، وقيام الآخرين بهذه الأمور لا يصح إلا بإذنه وإمضائه 57
  • الأصل الثالث والثلاثون :
  • التوحيد في العبادة هو الأصل المشترك بين جميع الشرائع السماوية ، والهدف من بعث الأنبياء ليس إلا التذكير بهذا الأصل والتأكيد عليه 59
  • الفصل الثالث
  • صفات الله سبحانه
  • الأصل الرابع والثلاثون :
  • لله صفات كمالية وجلالية ، أو ثبوتية وسلبية ، والصفات الأولى (الكمالية أو الثبوتية) تحكي عن كماله الوجودي ، والصفات الأخرى (الجلالية أو السلبية) تحكي عن تنزهه من كل نقص وعيب 65
  • الأصل الخامس والثلاثون :
  • تصح الاستفادة من أداتين للتعرف على صفات الله : أحدهما «العقل» والآخر «الوحي» ، وهذان المرجعان يصفان الله تعالى بأفضل الصفات 66
  • الأصل السادس والثلاثون :
  • يعد العلم ، والقدرة ، والحياة ، والإرادة ، والاختيار من صفات الذات الإلهية ، وحقيقية الإرادة الإلهية هي كونه مختارا في الفعل والترك 68
  • الأصل السابع والثلاثون :
  • صفات الله الثبوتية 69
  • الأصل الثامن والثلاثون :
  • من صفاته الفعلية ، تكلمه مع البشر الذي ينحصر طريقه في ثلاثة أنحاء فقط كما في الآية 51 من سورة الشورى. على أنه مضافا إلى هذه الوجوه الثلاثة يكون كل الكون ـ باعتبار ـ كلام الله وكلماته ، كما أن السيد المسيح ـ بنفس هذا الاعتبار ـ كلمة الله   74
  • الأصل التاسع والثلاثون :
  • كلام الله الذي يعتبر من صفات الفعل حادث وليس بقديم ، فالقديم بالذات ينحصر في الله سبحانه ولا قديم سواه ، وتصور قديم أزلي غير الله ينافي التوحيد الذاتي 77
  • الأصل الأربعون :
  • من صفات الله : الصدق ، فالكذب لكونه قبيحا يستحيل وصف الذات الإلهية المقدسة به       78
  • الأصل الواحد والأربعون :
  • الحكمة ، والحكيم هو أحد أسمائه وحيث إن الأفعال الإلهية تتمتع بنهاية الإتقان والكمال فهي منزهة من أي عبثية ولهذا سمي حكيما 79
  • الأصل الثاني والأربعون :
  • إن الله سبحانه لا يرى بالعين لا في الدنيا ولا في الآخرة لأن كون الشئ مرئيا يستلزم كونه جسما وجسمانيا ولكن الرؤية القلبية في ضوء الإيمان واليقين ممكن 80
  • الأصل الثالث والأربعون :
  • وما شابه ذلك يجب تفسيرها مع ملاحظة القرائن الموجودة في الآيات المتضمنة لهذه الصفات لا مجردة عنها. ومثل هذا التفسير ليس تفسيرا باطنيا ولا تأويلا بل هو من باب الأخذ بالظهور التصديقي في ظل القرائن الحافة بالكلام  85
  • الفصل الرابع
  • العدل الإلهي
  • الأصل الرابع والأربعون :
  • العدل من صفات الجمال الإلهية الذي يشهد به الوحي والعقل ، والذات الإلهية المقدسة منزهة من مبادئ الظلم الذي هو الجهل والعجز والحاجة 93
  • الأصل الخامس والأربعون :
  • العقل يدرك الحسن والقبح ولو أغلق هذا الباب في وجه العقل لم يثبت الحسن والقبح الشرعيان أيضا       96
  • الأصل السادس والأربعون :
  • للعدل الإلهي تجليات في مجال التكوين (الخلق) والتشريع (التقنين) وإن الدعوة إلى الخير ، والتحذير ، والردع من الشرور ، والتكليف في حدود الطاقة البشرية ، ورعاية العدل في الجزاء من مظاهر العدل في التشريع 98
  • الأصل السابع والأربعون :
  • لم يخلق الإنسان والعالم سدى وبلا هدف ، لأن فعل الحق تعالى منزه عن العبث واللغو. وهادفية الفعل الإلهي ليست ناشئة من احتياجه 100
  • الأصل الثامن والأربعون :
  • القضاء والقدر من العقائد الإسلامية الضرورية ، وحيث إن الأشخاص لا يمتلكون الكافية واللازمة لحل المسائل الفكرية العويصة في هذا المجال لهذا يكفي الإعتقاد الإجمالي بأصل هذه العقيدة 101
  • الأصل التاسع والأربعون :
  • «القدر» يعنى مقدار الأشياء و «القضاء» يعني حتمية وقوعها وكل واحد منهما ينقسم إلى القضاء والقدر العلميين ، والقضاء والقدر الفعليين العينيين يعتمد 103
  • الأصل الخمسون :
  • «القضاء» و «القدر» الإلهيان لا يتنافيان مع الاختيار والحرية الإنسانية بل التقدير الإلهي جار على أن يقع فعل الإنسان وتركه بحريته واختياره 106
  • الإنسان والاختيارُ
  • الأصل الواحد والخمسون :
  • اختيار الإنسان وحريته الواقعية أمر محسوس وغير قابل للإنكار ، ووجدان كل إنسان وكذا طريقة العقلاء يشهدان بذلك ، وإلا لكان بعث الأنبياء لغوا أساسا 108
  • الأصل الثاني والخمسون :
  • ليس الإنسان مجبورا في فعله وهو في نفس الوقت ليس كائنا متروكا لحاله كاملا. ولا غنيا عن الله سبحانه في فعله. وبعبارة أخرى : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين 109
  • الأصل الثالث والخمسون :
  • إن الله تعالى كان عالما بأعمالنا منذ الأزل ، وهذا العلم الأزلي بأعمالنا لا يتنافى مع حريتنا أبدا    111
  • الفصل الخامس
  • النبوة العامة
  • الأصل الرابع والخمسون :
  • اقتضت المشيئة الإلهية الحكمية بعث الأنبياء والرسل لهداية الإنسان إلى الأهداف العليا ، ولم يقتصر في ذلك المجال بالهداية الفطرية والعقلية 115
  • القرآن واهداف النبوّة
  • الأصل الخامس والخمسون :
  • الهدف من بعث الأنبياء هو تقوية الأسس التوحيدية ، وتهذيب النفس ، وتعليم الكتاب وقيام الناس بالقسط        118
  • طرق معرفة الأنبياء
  • الأصل السادس والخمسون :
  • يتميز الأنبياء الصادقون من أدعياء النبوة بثلاثة طرق : الإعجاز ، تصديق النبي السابق للاحق ، ومجموعة القرائن والشواهد الدالة على صدق الشخص 121
  • الأصل السابع والخمسون :
  • هناك رابطة منطقية بين المعجزة ، وصدق ادعاء النبي ، والإعجاز دليل منطقي على صدق ادعاء النبوة ، وليس بدليل إقناعي 122
  • الأصل الثامن والخمسون :
  • إذا اقترن العمل الخارق للعادة مع ادعاء النبوة عد ذلك العمل «معجزة» ، ولا معه سمي «كرامة» (إذا كان الآتي به شخا صالحا) 123
  • الأصل التاسع والخمسون :
  • تفترق المعجزة عن السحر بوجوه أربعة :
  • 1 ـ انها غير قابلة للتعليم والتعلم
  • 2 ـ التحدي
  • 3 ـ عدم امكان معارضتها
  • 4 ـ التنوع في الأعمال الخارقة للعادة 123
  • الأصل الستون :
  • صلة النبي بعالم الغيب تتم عن طريق الوحي لا عن طريق «العقل» و «الحس» ولا عن طريق العلوم الطاهرية ، وحقيقة الوحي الالهي غير قابلة للادراك والتقييم بالمقاييس البشرية 126
  • الوحي والنبوّة
  • الأصل الواحد والستون :
  • إن الوحي ـ على خلاف تصور الماديين ـ ليس وليد نبوغ الأنبياء وتفكرهم الخاص ، ولا هو عبارة عن تجلي الحالات الروحية ، والنفسية لهم
  • والتفسير الأخير للوحي (من حيث المحتوى والمفاد) يعود في المآل إلى ما كان يقوله المشركون في العصر الجاهلي الذين كانوا يقولون : الوحي ليس سوى «أضغاث أحلام» 127
  • عصمة الأنبياء
  • الأصل الثاني والستون :
  • الأنبياء الإلهيون معصومون من كل سهو وخطأ وكل زلة عمدية في صعيد تلقي الوحي وحفظه وإبلاغه إلى الأمة فهم تحت رقابة الملائكة الكاملة من لحظة تلقيه إلى إبلاغه يعتمد 131
  • الأصل الثالث والستون :
  • الأنبياء والرسل مصونون ومعصومون من كل معصية وذنب ، وإنما يثق الناس بصدق دعوى الأنبياء ، ويطمئنون إليهم ويقبلون كلامهم إذا كانوا مبرأين ومصونين من المعصية والذنب. إن الأنبياء رجال مهديون ، ولا يجتمع مقامهم العلمي والمعنوي الرفيع مع الضلالة والزلل 132
  • الأصل الرابع والستون :
  • الأنبياء ـ مضافا إلى كونهم مصونين عن الذنب والمعصية ـ مصونون عن الخطأ والزلل أيضا في مجال القضاء وفصل
  • الخصومات ، وتشخيص أحكام الموضوعات الدينية ، والمسائل العادية في الحياة
  • إن وثوق الناس بهم ، وتحقق أهداف البعثة إنما يتحققان إذا كانت عصمة الأنبياء واسعة وشاملة لكل المناحي       134
  • الأصل الخامس والستون :
  • الأنبياء مضافا إلى كونهم معصومين في المجالات المذكورة ، منزهون ومبرأون عن الأمراض المنفرة والعاهات ، وكذا الأعمال التي تحكي عن دناءة الروح وخساسة النفس في الأشخاص 135
  • الأصل السادس والستون :
  • استنباط عدم عصمة الأنبياء ـ من بعض الآيات القرآنية ـ هو في الحقيقة قضاء متسرع ، وحكم متعجل ينبغي التجنب عنه ، ولأجل عدم الوقوع في هذا الأمر ، يفسر هذا النمط من الآيات في ضوء ملاحظة القرائن الموجودة في نفس الآيات 136
  • الأصل السابع والستون :
  • عصمة الأنبياء ناشئة من معرفتهم الرفيعة والعميقة بجلال الحق تعالى وجماله ، وصفاته وأسمائه ، ومن معرفتهم بثمار الطاعات ونتائجها المشرقة من جهة ، وتبعات المعاصي ونتائجها السيئة في الدنيا والآخرة من جهة أخرى    137
  • الأصل الثامن والستون :
  • عصمة الأنبياء لا تتنافى مع كونهم مختارين أحرارا في الإرادة والانتخاب ، وانما هي معرفتهم الدقيقة والكاملة بقدرة الله أو عاقبة التمرد عليه وتجاهل أوامره ونواهيه ، لا تسلب القدرة والاختيار الذاتي البشري عنهم في انتخاب الفجور أو التقوي 139
  • الأصل التاسع والستون :
  • الأنبياء كلهم معصومون ، وفي نفس الوقت يمكن أن يكون شخص معصوما دون أن يكون نبيا ، كالسيدة مريم بنت عمران عليها السلام ، التي كانت طاهرة ومطهرة بنص القرآن الكريم من دون أن تكون من الأنبياء 139
  • الفصل السادس
  • النبوة الخاصة
  • الأصل السبعون :
  • النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم آخر الأنبياء والرسل الإلهيين وقد بدأت نبوته مقرونة بالتحدي بمعجزته الخالدة وهي القرآن الكريم ، وقد دعا معارضيه وتحداهم ولو بالإتيان بسورة واحدة من سور القرآن ولكن عجزوا عن معارضته     143
  • الأصل الواحد والسبعون :
  • في نفس ذلك العصر (أي عصر نزول القرآن) أدي جمال كلمات القرآن الكريم وبداعة تركيبه ، وعمق معانيه إلى أن يخضع عمالقة الفصاحة والبلاغة العربية له ، وإلى الإقرار بأفضليته ، وقد استمر بل تضاعف هذا الخضوع من قبل العلماء والمفكرين أمام هذا الكتاب العظيم إلى يومنا هذا 145
  • الأصل الثاني والسبعون :
  • إن للقرآن الكريم مضافا إلى إعجازه الأدبي معجزة من جهات أخرى عديدة ، فقد كان الآتي به للناس أميا لم يدرس وكان يتلو آياته وسوره على الناس تدريجا وفي حالات وظروف مختلفة كالسفر والحضر والسلام والحرب ، والشدة والضيق والعسر واليسر والنصر والهزيمة ومع ذلك لم يحدث فيه اختلاف في السبك والصياغة والقوة والبلاغة ولا في المفاد والمحتوى
  • إن هذا الكتاب يجعل الفطرة البشرية النقية محورا ملحوظا في تقنينه وتشريعه للقوانين والنظم ، ومع ملاحظة ثبات الفطرة الإنسانية ودوامها وصفت أحكامه بطابع الخلود والأبدية 147
  • الأصل الثالث والسبعون :
  • لقد كشف القرآن الكريم القناع عن طائفة من أسرار الكون التي لم يكن للبشرية يومذاك سبيل إليها إلا عن طريق الوحي. كما إن هذا الكتاب الشريف أخبر بقاطعية عن بعض الحوادث المستقبلية قبل وقوعها فصحة هذه التنبؤات والإخبارات الغيبية تكشف عن ارتباط هذا الكتاب ومبلغه بعالم الغيب وبالمبدأ الأعلى للوجود 150
  • الأصل الرابع والسبعون :
  • إن القرائن والشواهد العديدة والمفيدة للعلم والاطمئنان تشهد بصدق دعوى نبي الإسلام فسوابق النبي المشرقة في فترة حياته المكية ، وطهارته من لوثات بيئته ، وقوة محتوى دعوته ، والأساليب والوسائل التي استفاد منها في تبليغ رسالته وتحقيق أهدافه ، وشخصية أتباعه المشرقة ، وبالتالي أثر دينه في إيجاد حضارة فريدة في تاريخ البشرية ، كلها ، شواهد صدق على صحة دعوته  152
  • الأصل الخامس والسبعون :
  • إن تصديق النبي السابق للنبي اللاحق هو أحد الطرق لمعرفة الأنبياء والتحقق من صدق دعواهم .. ولقد جاءت بشائر كثيرة بظهور الإسلام ورسالة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب السماوية المتقدمة مثل كتاب العهدين (وبخاصة إنجيل يوحنا الفصل 14 ـ 16) 156
  • الأصل السادس والسبعون :
  • لقد كان لرسول الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ مضافا إلى معجزة القرآن ـ معاجز وكرامات أخرى مثل شق القمر ، والمعراج ، والانتصار في قضية المباهلة مع أهل الكتاب والإخبار بالمغيبات وغير ذلك 157
  • خصائص نبوة رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم
  • الأصل السابع والسبعون :
  • إن الدين الإسلامي دين عالمي وليس دينا محليا أو إقليميا أو عنصريا وقوميا وكون كتابه السماوي باللغة العربية انما فقط لأجل إن السنة الإلهية جرت على أن يتحدث كل نبي بلسان قومه ، وأن يكون كتابه بلسان البيئة التي ينطلق منها   161
  • الأصل الثامن والسبعون :
  • إن نبي الإسلام خاتم الأنبياء ، وكتابه خاتم الكتب ، وشريعته كذلك خاتمة الشرائع وناسختها جمعاء ، وبه أغلق باب النبوات
  • وأوصد باب الرسالات ، فلا نبي بعده ولا كتاب ولا شريعة بعد كتابه وشريعته 163
  • الأصل التاسع والسبعون :
  • الدين الإسلامي يتكفل تحقيق كل الأماني الإنسانية ، ويلبي جميع الحاجات الفطرية البشرية ، وهو يحتوي على أصول وضوابط ثابتة وخالدة كما أنه يستعين في الإجابة على الأسئلة وحل المشكلات المستجدة من أدوات كالعقل ، وقاعدة تقديم الأهم على المهم وعملية الاجتهاد المستمر والاستنباط الحي ، وأصل تقديم الأحكام الثانوية على الأحكام الأولية  164
  • الأصل الثمانون :
  • من خصائص الشريعة الإسلامية سهولة العقائد وبساطتها ، وكذا الاعتدال والجامعية والشمولية في برامجها ، وهذه الخصوصية لا توجد في الشرائع الأخرى (خاصة الشرائع الحاضرة التي طالتها أيدي التحريف). وللمثال : ان سورة التوحيد تبين عقيدة المسلم في مجال التوحيد ، ولدى مقارنتها مع ما في المذاهب الحاضرة (وبخاصة النصرانية) من عقائد عجيبة ومعقدة وغير معقولة ، نقف على حقائق رائعة وهامة 167
  • الأصل الواحد والثمانون :
  • ان كتاب المسلمين السماوي بقي مصونا من كل نوع من أنواع التحريف ، لم يزد فيه شئ ولم ينقص منه شئ ولقد بلغ رسول الإسلام مائة وأربع عشرة سورة كاملة للمجتمع الإسلامي وهي باقية على حالها هذه إلى هذا اليوم ، وهناك أدلة قوية وقطعية عقلية ونقلية على عدم تحريف القرآن إلى هذا اليوم 169
  • الأصل الثاني والثمانون :
  • الروايات الدالة على تحريف القرآن ، في كتب الفريقين ليس لها أية قيمة علمية ، لأن لقسم منها طابع التفسير للآية فقط ، أي ان ما جاء فيها هو من باب توضيح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الوصي حول المعاني ، لا أنه كان جزءا من الآية ثم حذف فيما بعد
  • واما القسم الآخر من الروايات المذكورة التي تتضمن ادعاء التحريف نقلت من أفراد غير موثقين ، فهي ساقطة من حيث الاعتبار اللازم والقيمة المطلوبة سندا ومتنا
  • كما أن وجود الرواية في المجاميع الحديثية ليس دليلا على اعتقاد مؤلفيها ومدونيها وجامعها بها قط.         173
  • الفصل السابع
  • الإمامة والخلافة
  • الأصل الثالث والثمانون :
  • الشيعة هم الذين يرون أن قيادة المجتمع الإسلامي بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي لعلي وأبنائه المعصومين عليهم السلام كما أن ذلك الفريق من الصحابة الذين سمعوا التصريح بخلافة على وولايته عن لسان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فبقوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الأصل يدعون في التاريخ بشيعة علي عليه السلام. وفي الحقيقة ليس للشيعة والتشيع تاريخ غير تاريخ الإسلام ، فهو والإسلام توأمان 180
  • الأصل الرابع والثمانون :
  • ليس من المعقول أبدا أن يقوم شخص بتأسيس شريعة ، من دون أن يفكر في أمر قيادتها ، ورعاية شؤونها من بعده ، والحال ان هذا مما يضمن بقاء تلك الشريعة ودوامها ، وصيانتها 183
  • الأصل الخامس والثمانون :
  • بالنظر إلى خطر المثلث المشؤوم : الروم ، والفرس ، والمنافقون في الدين (الذين كانوا يهددون بشدة الإسلام والمسلمين في الأيام الأخيرة من حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) كان عدم تعيين خليفة من جانب النبي صلى الله عليه وآله وسلم سببا لحدوث الهرج والمرج ، والاختلاف في صفوف الأمة الإسلامية ، وكان مما يمهد لعودة السلطة الجاهلية ، في حين كان تعيين القائد يقطع كل نزاع ، ويسد الطريق على كل نوع من أنواع الاختلاف والتشر ذم ، لهذا يعتقد الشيعة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقدم ـ وبأمر من الله تعالى ـ على تعيين الخليفة من بعده للمنع من حصول الاختلاف والتشرذم في الأمة الإسلامية.          184
  • الأصل السادس والثمانون :
  • لقد تعلقت المشيئة الربانية بأن يعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإمام والقائد من بعده وقد فعل ذلك صلى الله عليه وآله وسلم بتعيينه عليا عليه السلام خليفة من بعده والتصريح بخلافته هذه في مواقع مختلفة ومواضع عديدة.     186
  • الأصل السابع والثمانون :
  • في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام من السنة العاشرة للهجرة نزلت الآية التالية : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) وبهذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعين في هذا اليوم قائدا للأمة في المستقبل من بعده وذلك بعد خطبة ألقاها على عشرات الآلاف من الناس. 192
  • الأصل الثامن والثمانون :
  • إن حديث الغدير من جملة الأحاديث الإسلامية المتواترة التي رواها 110 من الصحابة و 99 من التابعين و 350 من علماء أهل السنة في كتبهم ، وقد ألف علماء الإسلام كتبا مفصلة حول هذا الموضوع 194
  • الأصل التاسع والثمانون :
  • أيس النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بنصب الخليفة من بعده كل أعداء الإسلام الذين كانوا يفكرون في إطفاء جذوة الإسلام بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلة هذا اليأس والإحباط هو كفاءة الوصي لاستمرار وظائف النبي المختلفة (ما عدا النبوة) بواسطة القائد والخليفة المنصوب 196
  • الأصل التسعون :
  • كانت فكرة تعيين الخليفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كأصل مشروع وضروري موجودة في ذهن الصحابة ، ولهذا عين الخليفة الثاني بواسطة الخليفة الأول ، وتم تعيين الخليفة الثالث بواسطة شورى سداسية عين الخليفة الثاني أفرادها الستة ، فالفارق بين الشيعة والسنة في مسألة الخليفة هو اعتقاد الشيعة بالنص الإلهي على الخليفة لا تشخيص وتعيين الخليفة السابق المعرض للخطأ 199
  • الأصل الواحد والتسعون :
  • وظائف الإمام بعد وفاة رسول الإسلام هي : بيان مفاهيم القرآن الكريم ، وبيان الأحكام الشرعية ، وحفظ المجتمع من تطرق أي نوع من أنواع الانحراف ، والإجابة على الأسئلة الدينية والاعتقادية ، وحفظ الثغور ، أمام أعداء الإسلام ، وتطبيق العدالة في المجتمع ، وما شابه ذلك ، ومثل هذا الفرد ـ في نظر الشيعة ـ يجب أن يكون موضع عناية خاصة من الله ، وأن يكون قد وصل في ظل التربية الغيبية إلى مثل هذا المقام 200
  • الأصل الثاني والتسعون :
  • نظرا إلى هذه الوظائف الخطرة فالإمام يجب أن يكون (مثل النبي) معصوما من كل خطأ ومعصية ، وتدل «آية التطهير» و «حديث الثقلين» على عصمة أئمة أهل البيت عليه السلام 203
  • الأصل الثالث والتسعون :
  • إن أوصياء النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم اثنا عشر إماما وقد جاءت عبارة «اثنا عشر خليفة» في كتب الفريقين ، كما أن كل إمام يعين الإمام الذي يخلفه بأمر الله وأول هؤلاء الأئمة الاثني عشر هو الإمام علي بن أبي طالب وآخرهم الحجة بن الحسن العسكري المهدي عجل الله فرجه الشريف 207
  • الأصل الرابع والتسعون :
  • مودة أهل البيت عليهم السلام أصل قرآني وفريضة إسلامية ومودة هؤلاء بما أنهم يحظون بكمالات علمية وعقلية متميزة ، توجب الرشد والكمال لمن أحبهم ، وانطوى على مودتهم 210
  • الإمام الثاني عشر
  • الغيبة والظهور
  • الأصل الخامس والتسعون :
  • يعتمد 211
  • الأصل السادس والتسعون :
  • يعتمد 212
  • الأصل السابع والتسعون :
  • إن أولياء الله على نوعين : «ظاهر مشهود» ، و «غائب عن الأنظار» وقد ذكر القرآن الكريم في سورة الكهف (في قصة مصاحبة موسى للخضر عليهم السلام) كلا النوعين ويعتبر الإمام
  • المهدي عجل الله فرجه الشريف في فترة غيبته من الأولياء الإلهيين الغائبين عن الأنظار 214
  • الأصل الثامن والتسعون :
  • قد أوكل بعض وظائف الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف في عصر غيبته إلى الفقهاء الجامعين للشرائط ، وحرمان الناس من الاستفادة من بركات حضور الإمام المهدي عليه السلام ناشئ من علل أوجبت غيبته ، أحدها عدم صلاحية الناس واستعدادهم لظهوره 216
  • الأصل التاسع والتسعون :
  • قد وردت نماذج من غيبة بعض الأنبياء في الكتاب العزيز والتاريخ ، ولذلك يجب أن لا تصبح غيبة الإمام المهدي عاملا باعثا على التعجب أو الاستنكار ، فإن من أسرار غيبته (عجل الله فرجه الشريف) هو انه ادخر ليظهر في زمان قد تهيأ العالم فيه لتنفيذ العدل الشامل العالمي تهيوءا كاملا. لأن قيام الإمام المهدي وظهوره قبل ذلك سيكون سببا لنكسته في هدفه ، أو مقتله في مواجهته للقوي الجائرة الحاكمة ، وعدم وجود الناصر بالقدر اللازم 216
  • الأصل المائة :
  • وجود الإمام لطف كبير من ألطاف الله تعالى ، ولو كان الناس مستعدين ـ كما ينبغي ـ لوفقوا لاستقباله ، والاستفادة منه ومن كمالاته. والسبب في حرمان الناس منه هم الناس أنفسهم في الدرجة الأولى على أن وجود ذلك الإمام حتى خلف ستار الغيبة سبب لكثير من البركات والخيرات كما أن الشمس كذلك خلف السحب 219
  • الأصل الواحد بعد المائة :
  • ولادة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه الشريف ـ تمت عام 255 ه‍ ، وعلى هذا الأساس يكون قد مضى على ولادة الإمام إلى الآن أكثر من أحد عشر قرنا من الزمان ، والإذعان بمثل هذا العمر الطويل لحجة الله البالغة ، ليس أمرا عسيرا بالنظر إلى قدرة الله الواسعة والمطلقة 220
  • الأصل الثاني بعد المائة :
  • وقت ظهور الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه الشريف ـ ليس معلوما لأحد من الناس ، وان موعده مثل موعد يوم القيامة أمر خفي على الجميع وفي نفس الوقت ثمة علائم لظهوره جاءت في الروايات والأحاديث 221
  • الفصل الثامن
  • عالم ما بعد الموت
  • الأصل الثالث بعد المائة :
  • إن الاعتقاد بيوم القيامة والبعث بعد الموت أصل مشترك بين جميع الشرائع السماوية ، وليس للدين معنى من دون الاعتقاد بيوم القيامة والجزاء ، ولأهمية هذا الأصل ثمة طائفة كبيرة من آيات القرآن ترتبط بالمعاد... 225
  • الأصل الرابع بعد المائة :
  • الله حق مطلق وفعله كذلك ـ مثله ـ حق ومنزه عن اللغوية والعبثية ، وبالنظر إلى هذه النقطة ، وحيث إن خلق الإنسان من دون وجود حياة خالدة لغو وعبث ، تتضح ضرورة المعاد ويوم القيامة
  • على أن تحقق العدل الإلهي في شأن الصالحين والطالحين والأخيار والأشرار يطلب وجود مثل هذا اليوم في المستقبل. 226
  • الأصل الخامس بعد المائة :
  • إن القرآن الكريم أجاب على الشبهات التي تدور حول المعاد ، فاستدل على إمكان المعاد ، بالقدرة الإلهية المطلقة تارة وبالخلق الأول أخرى واتخذهما دليلا على إمكان المعاد ، وتجديد الحياة البشرية وربما استدل لعودة الحياة إلى الناس بعودة الحياة إلى الأرض الميتة في فصل الربيع وهكذا 228
  • الأصل السادس بعد المائة :
  • معاد البشر ـ في يوم القيامة ـ جسماني وروحاني معا ، بمعنى أن الإنسان يلقي من الثواب والعقاب في يوم القيامة ما لا يمكن ان يتحقق بلا جسم ، وكذا ما يكون له طابع روحي ونفسي خاصة 231
  • الأصل السابع بعد المائة :
  • ليس الموت تعبيرا عن نهاية الحياة البشرية بل الإنسان بواسطة الموت ينتقل من هذا العالم إلى عالم آخر ، هذا مضافا إلى أن هناك بين الدنيا والآخرة عالم آخر يسمى ب‍ «البرزخ» يتمتع الإنسان فيه بحياة خاصة ونعمة خاصة ونقمة خاصة.     232
  • الأصل الثامن بعد المائة :
  • الحياة البرزخية تبدأ من ساعة نزع الروح من الجسد ، كما أن بعد دفن الإنسان يبدأ سؤاله عن أعماله وأقواله بواسطة النكيرين وهما ملكان من الملائكة ، وعالم البرزخ يكون للمؤمنين مظهر الرحمة ، وللكافرين والمنافقين فترة عذاب. 233
  • الأصل التاسع بعد المائة :
  • هناك فريق لا يقول بالمعاد حسب التفسير الديني (والإسلامي خاصة) ويعتقدون بدل ذلك بفكرة «التناسخ» في حين ان «التناسخ» أمر مستحيل باطل حسب المنطق الإسلامي 234
  • الأصل العاشر بعد المائة :
  • لم يكن المسخ في الأمم السابقة على شكل التناسخ ، بل بعض الناس ـ في المسخ ـ تتغير صورهم الظاهرية إلى صور القردة والخنازير ، مع بقاء شخصيتهم البشرية ، ولهذا يختلف المسخ عن التناسخ اختلافا كبيرا 236
  • الأصل الحادي عشر بعد المائة :
  • «أشراط الساعة» هي علائم تدل قرب موعد القيامة ، هذه العلائم باختصار هي : بعثة النبي الخاتم (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم وانهيار سد يأجوج ومأجوج ، وظهور دخان غليظ شامل في السماء ، ونزول السيد المسيح ، وخروج دابة خاصة من الأرض 238
  • الأصل الثاني عشر بعد المائة :
  • ينفخ في «الصور» مرتين مرة قبل قيام القيامة يموت معها الإنسان ، ومرة يحيى بها جميع البشر ليوم الحساب.         240
  • الأصل الثالث عشر بعد المائة :
  • يحاسب جميع الناس يوم القيامة بأساليب خاصة ، ومضافا إلى ذلك تعطي صحيفة كل شخص بيده ، ويشهد شهود على أعمال الناس الصالحة أو الطالحة التي أتوا بها في هذه الدنيا 240
  • الأصل الرابع عشر بعد المائة :
  • شفاعة الشفعاء للمذنبين من الأمة بإذن الله يوم القيامة ، أصل قرآني مسلم ومقطوع به ، ودلت عليه آيات وأحاديث كثيرة جدا 243
  • الأصل الخامس عشر بعد المائة :
  • طلب الشفاعة من الذين أذن الله تعالى لهم بالشفاعة أمر لا إشكال فيه لأن طلب الشفاعة هو طلب الدعاء منهم ، وطلب الدعاء من المؤمن عمل أذن به القرآن والسنة بل دعا الكتاب والسنة إليه 245
  • الأصل السادس عشر بعد المائة :
  • أبواب التوبة مفتوحة في وجه العباد المذنبين دائما (إلا في لحظة الموت) ، والاعتقاد بالتوبة مثل الاعتقاد بالشفاعة إذا لو حظت فلسفتها وآدابها ، وشرائطها لا يوجب تشجيع المذنبين على المزيد من الذنب والمعصية ، بل انفتاح باب التوبة لأجل إيجاد الاستعداد لجماعة يحبون أن يحسنوا فيما تبقى من عمرهم ، ويعيشوا في طهر ونقاء ، فان رحمة الله الواسعة لا تسمح بأن يقع مثل هذا الفريق في قعر الضلال الأبدي بسبب اليأس والقنوط من الرحمة الإلهية 250
  • الأصل السابع عشر بعد المائة :
  • إن الإنسان يصل إلى نتيجة عمله في العالم الآخر ان خيرا
  • فخير ، إن شرا فشر ، وأعمال الإنسان السيئة لا تبطل ولا تفنى أعماله الصالحة ، إلا مثل الارتداد والشرك والكفر ، مما ذكره القرآن الكريم ويسمى هذا بحبط العمل 251
  • الأصل الثامن عشر بعد المائة :
  • إن الخلود في الجحيم خاص بالكفار وأما المؤمنون العصاة (إذا لم يطهر هم العذاب في العالم الدنيوي ، أو البرزخ أو شفاعة الطاهرين) فيغفر لهم بعد تحمل العذاب في جهنم ، ثم ينجون ويخرجون من النار 253
  • الأصل التاسع عشر بعد المائة :
  • يستفاد من آيات القرآن والأحاديث الشريفة أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن وإن لم نعرف محلهما ومكانهما. 254
  • الفصل التاسع
  • الإيمان والكفر
  • وما يتبعهما
  • الأصل العشرون بعد المائة :
  • موضع الإيمان هو القلب ، ويكفي في صدق عنوان المسلم على أحد أن يؤمن بالله الواحد ، ويوم القيامة ورسالة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبما جاء به على نحو الإجمال ، والكفر على العكس ، والكافر من لا يؤمن بما ذكر ، على الأقل.  259
  • الأصل الواحد والعشرون بعد المائة :
  • الإيمان القلبي إنما مثمرا ومفيدا إذا أظهره الشخص أو لم يظهر خلافه على الأقل ، كما أن الإيمان القلبي وحده لا يكفي في نجاة الإنسان وسعادته ، بل لابد أن يقترن بالعمل والتعاليم الإلهية 261
  • الأصل الثاني والعشرون بعد المائة :
  • المسلمون يتفقون في الأصول الأساسية (التوحيد ، والرسالة المحمدية ، والمعاد) فلا يسوغ تكفير بعضهم للبعض الآخر للاختلاف في مسائل أخرى ، والحوار العلمي هو الحل الأفضل 264
  • الأصل الثالث والعشرون بعد المائة :
  • البدعة ـ لغة ـ هي كل جديد ، وما ليس له مثال سابق ، واصطلاحا ادخال ما ليس من الدين في الدين. واسناد شئ إلى الدين إنما يكون بدعة إذا لم يرد بشأن مشروعيته أو عدم مشروعيته إشارة في النصوص الدينية بوجه خاص أو عام   265
  • الأصل الرابع والعشرون بعد المائة :
  • إذا كان إظهار العقيدة الصحيحة سببا لتعرض الإنسان في نفسه أو عرضه أو ماله ، لخطر ، يجب عليه ـ بحكم العقل وبنص القرآن ـ أن لا يظهر عقيدته ، بل ربما وجب أحيانا التظاهر بخلافه أيضا. ويسمى هذا المطلب عند الشيعة
  • بالتقية ويجب الانتباه إلى أن التقية تقابل النفاق ، لأن التقية كتمان الإيمان وإظهار الكفر ، والنفاق إظهار الإيمان وكتمان الكفر 273
  • الأصل الخامس والعشرون بعد المائة :
  • التقية واجبة في بعض الظروف والحالات ، ولكنها محرمة في بعض الظروف والحالات ، وهو ما إذا تعرض أصل الدين لخطر الإبادة والمحو إذا اتقى الإنسان. ولهذا لم تكتب الشيعة حتى هذا اليوم كتابا يحتوي ما يخالف معتقداتهم بحجة التقية ، أو ما شابه ذلك ، بل ربما تعرض بعض علمائهم للقتل دفاعا عن المذهب ، وبسبب إظهار عقائدهم بكل جرأة وشجاعة ويبلغ عددهم المئات بل الآلاف 276
  • الأصل السادس والعشرون بعد المائة :
  • إن حياة البشر تقوم (أساسا وعادة) على الاستعانة بالأسباب والعلل ، ولا فرق في هذا المجال بين الأسباب المادية الطبيعية أو الغيبية
  • غاية ما في الأمر أن على الإنسان الموحد أن ينظر إلى الأسباب بعنوان «الوسيلة» ولا يعتقد باستقلالها في التأثير.   279
  • الأصل السابع والعشرون بعد المائة :
  • التوسل بأسماء الله الحسنى ، والتوسل بدعاء الصالحين أحد الأسباب الغيبية التي ذكرها القرآن الكريم بصورة واضحة. 281
  • الأصل الثامن والعشرون بعد المائة :
  • المقدرات الإلهية القطعية لا تقبل التغيير ، وأما مقدراته المشروطة ، والمعلقة فهي قابلة للرفع والتغيير ، وهذا هو «البداء» الذي تقول به الشيعة ويعتقدونه ، وهو لا يعني إلا الاعتقاد بقدرة الله المطلقة في جميع شؤون الوجود ، تأثير أعمال الإنسان (الصالحة أو الطالحة) في مصيره 286
  • الأصل التاسع والعشرون بعد المائة (الرجعة) :
  • يعود لفيف من الناس بعد موتهم ، إلى هذا العالم الدنيوي مرة أخرى في آخر الزمان بإذن الله تعالى ، كما حدث مثل ذلك في الأمم السابقة ، وهذا هو أصل «الرجعة» الذي تعتقد به الشيعة الإمامية والذي جاء تفصيله في كتبهم الاعتقادية.        291
  • الأصل الثلاثون بعد المائة :
  • صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم سواء من استشهد في معركة «بدر» وأحد «والأحزاب» «وحنين» أو بقي بعد رسول صلى الله عليه وآله وسلم
  • واجتهد في حفظ الإسلام وعمل على تقدمه ، محترمون جميعا عند الشيعة الإمامية ، ولكن في نفس الوقت لا يمكن أن يكون مجرد رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبته سببا لثبوت عدالة دائمة وحصانة مستمرة ومصونية أبدية من الخطأ والذنب لجميع من صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وجميع الصحابة في هذه المسألة سواسية
  • وعلى هذا الأساس يجب (وبخاصة عند نقل الرواية من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعمل بمحتواها) مطالعة سيرتهم ومواقفهم ، بدقة ، وتقييم أعمالهم وأقوالهم ومعرفة صحتها وعدم صحتها ، ليمكن بواسطة ذلك ، الوصول إلى معين التعاليم الإسلامية العذاب ومنبعه النقي الصافي بعيدا عن الهوى والهوس 294
  • الأصل الواحد والثلاثون بعد المائة :
  • محبة النبي وآله ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ من أصول الإسلام التي أكد عليها الكتاب والسنة ، وهي توجب كمال الإنسان ، لأن من أحب شخصا سعى إلى التشبه به وجلب رضاه ، وكيفية إظهار هذه المودة تنسجم مع الأعراف الاجتماعية في كل زمان ، بشرط أن لا يكون بعمل محرم ومنهي عنه 298
  • الأصل الثاني والثلاثون بعد المائة :
  • إقامة الاحتفالات في مواليد النبي وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام وإظهار الفرح والابتهاج فيها ، وإقامة مجالس العزاء في مصائبهم والبكاء وإظهار الحزن ، نوع من إظهار المودة والمحبة المفروضة لهم في الكتاب والسنة.. 303
  • الأصل الثالث والثلاثون بعد المائة :
  • حفظ الآثار وصيانتها من الاندثار والزوال عمل حضاري عقلائي لأنه سبيل إلى حفظ القيم ، وهو أمر جائز ومحبذ في الكتاب والسنة ، كما أن البناء على قبور الأئمة الطاهرين ، وتعميرها وهي أفضل البيوت وبناء المساجد عندها أو عليها عمل جائز.  305
  • الأصل الرابع والثلاثون بعد المائة :
  • زيارة القبور وخاصة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور الأئمة من عترته الطاهرة تنطوي على آثار تربوية عظيمة ، وفوائد معنوية كبرى ، وهي جائزة بل ومندوبة بالنص الصريح 310
  • الأصل الخامس والثلاثون بعد المائة :
  • الغلو هو التجاوز عن الحد ، ويراد منه في القرآن الاعتقاد بألوهية أو ربوبية غير الله تعالى ، وهو مرفوض كتابا وسنة ، والغلاة بجميع أصنافهم كفرة مشركون 312
  • الفصل العاشر
  • الحديث والاجتهاد والفقه
  • الأصل السادس والثلاثون بعد المائة :
  • الأحاديث التي رواها الثقات العدول عن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم كلها مقبولة عند علماء الشيعة الإمامية وفقهائهم. ويقوم الإجتهاد والفقه عند الشيعة على الكتاب والسنة والإجماع والعقل 317
  • الأصل السابع والثلاثون بعد المائة :
  • الأحاديث والروايات التي وصلت إلينا من أئمة أهل البيت الاثني عشر تنتهي بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى معدن الوحي ، لأن الأئمة الأطهار سمعوا هذه الروايات من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إما مباشرة أو سمعوها ورووها عن آبائهم). أو إنهم نقلوها عن كتاب علي عليه السلام ، أو لكونهم محدثين ألقيت إليهم وألهموا بها إلهاما 318
  • الأصل الثامن والثلاثون بعد المائة :
  • إن أحاديث النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين ـ سلام الله عليهم أجمعين جمعت ودونت بواسطة علماء الشيعة في كتبهم المعروفة ، والكتب الأربعة : (الكافي ، ومن لا يحضره الفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار) من أهم مصادر الإجتهاد والاستنباط عند علماء الشيعة 322
  • الأصل التاسع والثلاثون بعد المائة :
  • إن باب الإجتهاد كان مفتوحا في وجه الفقهاء في فقه الشيعة من اليوم الأول ، ولم يعرف الغلق مطلقا ، فهو لا يزال مستمرا. كما أن اجتهادهم اجتهاد مطلق ، وليس اجتهادا في نطاق مذهب خاص ، وإطار معين
  • ومنطلق الإجتهاد وأساسه يتكون عند الشيعة الإمامية ـ كما أسلفنا ـ من الكتاب والسنة والإجماع ، والعقل. 324
  • الأصل الاربعون بعد المائة :
  • رواية الصحابي حجة إذا حازت شرائط الحجية وعكست سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما استنباطه أو تفسيره فليس بحجة على غيره من المجتهدين 328
  • الأصل الواحد والأربعون بعد المائة :
  • يجب على كل مسلم أن يحصل على اليقين في المسائل الاعتقادية ولا يجوز التقليد فيها. اما في المسائل الفقهية الفرعية فيجوز فيها تقليد المجتهد الجامع للشرائط 329
  • الأصل الثاني والاربعون بعد المائة :
  • تغسل الشيعة ـ عند الوضوء ـ الأيدي من المرافق إلى رؤوس الأصابع لا العكس ، كما يمسحون أرجلهم في الوضوء ولا يغسلونها ، ومستند هم في ذلك القرآن والسنة النبوية 330
  • الأصل الثالث والأربعون بعد المائة :
  • يعتقد الشيعة بأن السجود في حال الصلاة يجب أن يكون على الأرض أو ما ينبت منها بشرط أن لا يكون مأكولا ولا ملبوسا ، وقد جرت سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال حياته على هذا بشهادة التاريخ ، ولكن هذه السنة قد تغيرت فيما بعد وحل السجود على الثوب والفراش مكان السجود على الأرض 336
  • الأصل الرابع والأربعون بعد المائة :
  • يستحب التفريق بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، ولكن يجوز مع ذلك الجمع بينهما كما يفعل المسلمون في عرفة
  • والمزدلفة ، وقد فعل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ذلك مرارا من دون عذر ليوسع على الأمة ويخفف عنهم. 338
  • الأصل الخامس والأربعون بعد المائة :
  • الزواج المؤقت نوع من النكاح المشروع ، ويشهد القرآن الكريم بمشروعية هذا النوع من الزواج ، الذي يسمى بالمتعة أيضا ، وقد عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته بهذا الحكم القرآني ، ولم ينسخ قط 343
  • الأصل السادس والاربعون بعد المائة :
  • لا يجوز التكفير (أي وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى) حال الصلاة لكونه بدعة ، وليس في رواية أبي حميد الساعدي ، الذي حكى فيها كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجه التفصيل من هذا العمل عين ولا أثر ، وهذا يدل على أن هذا العمل لم يكن معمولا به في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وان التكفير من المبدعات والمحدثات بعده صلى الله عليه وآله وسلم 346
  • الأصل السابع والاربعون بعد المائة :
  • تستحب نوافل ليالي شهر رمضان ، ولكن الإتيان بها جماعة بدعة ، واجتهاد الآخرين في هذه المسألة لا يخولها الشرعية.       348
  • الأصل الثامن والأربعون بعد المائة :
  • اتفق فقهاء الإسلام على أن غنائم الحرب تقسم على المجاهدين ، إلا الخمس فلابد من صرفه في موارد خاصة ، ويجب الخمس في كل ربح يفوز به الإنسان كما يدل على ذلك الكتاب والسنة 349
  • الأصل التاسع والأربعون بعد المائة :
  • الحضارة الإسلامية ثمرة جهود الأمة الإسلامية جميعا ، وللشيعة دور مهم ومشهود في بناء هذه الحضارة العظيمة بما قدمه فقهاؤهم وعلماؤهم في مختلف المجالات العلمية 351
  • الأصل الخمسون بعد المائة :
  • الاختلاف بين الفرق الإسلامية في بعض الفروع لا يمنع من الاتحاد ، والتعاضد في وجه أعداء الإسلام ويجب أن يكون كذلك
  • ويمكن من خلال إقامة المؤتمرات الثقافية والحوار العلمي البناء ، تقليل الاختلافات شيئا فشيئا.    355