
بسم الله الرحن الرحيم
الحمد لله غير مقنوطٍ من رحمته ، ولا
مخلوٍّ من نعمته ، ولا مأيوسٍ من مغفرته والصلاة والسلام على أشرف بريّته محمّد
وآله سيّما المعصومين من أهل بيته وعترته ، معادن العلم وينابيع الحكم.
من المناسب أن نبدأ كلمتنا بكلامٍ
لمولانا أمير المؤمين 7
كان كثيراً ما ينادى به أصحابه :
تجهّزوا
رحمكم الله! فقد نودي فيكم بالرحيل ، وأقلّوا العُرجة على الدنيا ، وانقلبوا بصالح
ما بحضرتكم من الزاد ، فإنّ أمامكم عقبة كؤوداً منازل مخوفة مهولة لابدّ من الورود
عليها والوقوف عندها.
(نهج البلاغة : ٣٢١ ، الكلام ٢٠٤).
الكتاب الماثل بين يديكم أيّها الكرام
بيان مختصر لتلكم العقبات والمنازل المشار إليها في كلام إمام الموحدّين وسيّد
المبشّرين والمنذرين بعد رسول ربّ العالمين ؛ من جملة تأليف المحدّث الكامل
والمذكّر العامل المرحوم الحاج الشيخ عبّاس القمّي ـ تغمّده الله برحمته ـ وقد كان
كتبه باللغة الفارسيّة ، ولأهميته وتعميماً للفائدة اهتمّ الفاضل النبيل والسيّد
الجليل سماحة المحقق السيّد ياسين الموسوي ـ دامت إفاضاته ـ بترجمة هذا السفر
القيّم إلى العربيّة مع مزيا شتّى نافعة ، ذكرها هو نفسه في التقديم.
وبما أنّ مؤسّستنا منذ تأسيسها تهدف إلى
نشر الكتب الدينية النافعة ، قامت بطبع هذا الأثر الخالد بعد ملاحظته وتصحيحه
وتكميل بعض نواقصه الفنيّة أو التحقيقية ، رجاء أن يكون لمن وُفّق لقرائته تذكرة
وتعيها اُذن واعية.
وختاماً نرى من الضروري أن نلفت نظر
القارىء الكريم إلى أنّ عمل الترجمة محفوف بصعوبات تتأتّى من اختلاف خصوصيّات كلّ
لغة وأساليبها ـ خصوصاً في التشبيهات والكنايات والأمثال ـ والمترجم وإن كان
عارفاً باللغتين ومتعهّداً للأمانة قد يفوت عنه انتقال بعض المفاهيم الدقيقة ،
خصوصاً فيما يرتبط بالشعر والأدب ، وهذه الترجمة أيضاً لا تخلو عن هذه المشكلة ،
لكن « مالا يدرك كلّه لا يترك كلّه ». ولله الحمد ولأوليائه صلواته وتحيّاته.
|
مؤسّسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة
المدرسين بقم المشرّفة
|
الإهداء
بسم الله الرحمن الرحيم
الى الصامدين بوجه الباطل ، دفاعاً عن
قباب علي والحسين والعباس ومسلم ..
الى الطالبين بثار الشهيد الصدر وجميع
الشهداء الأبرار ..
الى المقاومين الأبطال الجنود المجهولين
في الأرض المعروفين في السماء ..
الى من يقاتل على أرض العراق نيابة عن
كل مسلم في الدنيا ...
الى المجاهدين الذين امتلأ العراق منهم
، واتّحد الغرب والشرق على سلب حقّهم ، واخماد جذوتهم واطفاء نورهم ، ويأبى الله
تعالى إلاّ أن يتم نوره ولو كره المشركون ..
إليكم يا شرف العراق أحمل جهدي المتواضع
هذا اقدمه هدية في درب الحقّ والدفاع عن أهل البيت : ..
إليكم جميعاً : من بقي يقاتل حتّى الرمق
الأخير يقاوم ويتحمل عطش الهجير وجوع الأيّام وارهاب صدام ..
والى من استشهد في هذا الطريق وسجّل
اسمه في سجّل الشهداء وبقي اسمه في الخالدين ، وإن كان عند الناس جندياً مجهولاً
لم يعرفوه ولم يعرفوا مقاومته ، ولم يعرفوا عطشه وجوعه وبسالته وشجاعته ، مع أنه
جاهد نيابة عنهم جميعاً واستشهد مدافعاً عن مبادئهم جميعاً وعن شرفهم الديني
جميعاً .. لأنه قاتل من أجل تحرير عتبات أهل البيت : في
العراق من احتلال الكفار ومن هدّمها ..
وبقيت قباب علي والحسين والعباس ومسلم
تشهد على الكفار وحشيّتهم وتشهد لاولئك الأبرار انّهم أنصار الله عزّ وجلّ وأنصار
رسوله 9 وأنصار أهل
البيت :.
لا يهمّكم يا رفقاء الدرب فالمشوار مهما
طال فالنصر لكم بإذن الله عزّ وجلّ ..
وهنيئاً لكم أيها المجاهدون فإن لكم في
الجنّة باباً يقال له باب المجاهدين وتدخلون الجنّة وأنتم متقلدين سيوفكم ، والجمع
بَعدُ في الموقف لم يتمّ حسابهم وما يجرى عليهم من الأهوال ؛ فتسبقوا الكل ، وتسبق
إليكم ملائكة الجنّة مرحّبة بكم ... .
* * *
مقدمة التحقيق والتعريب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة
والسلام على سيدنا ونبينا محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة على
أعدائهم ومنكري فضائلهم أجمعين من الأولين الى قيام يوم الدين.
يعيش العالم الاسلامي والمسلمون عموماً
من يوم الغزو الاستعماري والفكري للبلاد الاسلامية صراعاً شديداً مع العدو الغازي
، وقد تنوعت أساليب الصراع بتنوع الظروف ووجهات المعارك العسكرية والفكرية ،
وباختلاف أشكال الحروب الفكرية الشرقية والغربية ، وقد خرج الاسلام الحنيف والامّة
المرحومة منتصرة بجميع معاركها المقدّسة التي خاضتها ضد الكفّار والمنافقين مع ما
كابدته الامّة من ألم وعذاب وفقدان الأحبة وتحمّل مشاق الغربة وما الى ذلك ، وما
زالت المعارك مستمرة ، فإن الاستعمار لا يريد أن ينفض يده من هذه الأرض الطيبة ومن
استعمار واستعباد هذا الشعب المسلم العظيم.
وتفنن الاستعمار بأساليبه العدوانية ،
وأكد على ضرروة ايجاد حواجز عقائدية وفكرية ونفسية بين الانسان المسلم وبين شخصيته
الاسلامية ، ودخل اليه من جميع الجوانب المختلفة ليخترق هذا الكيان العظيم ، وقد
وفق لفترات من الزمن أن يسيطر أو يخترق بعض السواتر أو الحواجز والموانع ، ولكنه
ببسالة أهل الحقّ عاد خائباً خاسراً أكثر مواقعه التي احتلها بصعوبة ومشقة.
وكان أبرز سلاح استخدمه العدو الكافر
والمنافق في حروبه الاستعمارية هو الرجوع الى المادية بشكليها الشرقي (الالحادي)
والغربي بالابتعاد عن المُثل الاخلاقية والقيم الانسانية وابدالها بالابتذال
والخلاعة واحياء النوازع الذاتية والانانية في الانسان ، وابعاد العنصر الغيبي
والروحي من تفكيره.
وكان الشيطان أكبر معين للعدو ، وقد وقف
الى جنبه يعينه بما يستطيع لينجح بمشروعه المادي ، فإنهما قد اجتمعا على هدف واحد
بل هما في الواقع حركة واحدة.
وجاءت المفاجأة العظمى بانتصار الحركة
الروحية والدينية بغتةً بقيادة الامام الخميني ;
، فتراجعت تلك الجيوش المادية أمام قوة الروحانية العظيمة التي بعثتها حركة الامام
الخميني 5 في المجتمع
الاسلامي وفي الانسان المسلم في كل أرجاء العالم.
ولكن العدو استخدم شتى الأساليب لقمع
تلك القوة التي كسرته وأبشع اسلوب أكد عليه مرّة اُخرى هو مشروع المادية.
وأنا على يقين بأنه سوف يعود مرّة اُخرى
خائباً خاسراً أمام قوة الطرح الاسلامي ، وأصالته الروحية الاسلامية.
وأعتقد أنّ من أهم العناصر التي تنجح
معركتنا الكبيرة هو عرض الاسلام بشتى مواضيعه الى المسلمين والى العالم كافّة.
ومن أهم تلك الجوانب هو التأكيد على
تثبيت الروحانية الأصيلة في نفوس المسلمين ، وليس هنا محل تفصيل لهذا الموضوع
المهم ، ولكننا ملزمون بالتأكيد عليه لأننا مازلنا نعيش المعركة المادية بضراوتها
وقوتها. ولابدّ أن ندحر الفكر المادي بشتى أشكاله ونخلّص المسلمين من شرّه ، لأننا
إذا أردنا أن نحافظ على الشخصية الاسلامية فانّ من أهم مرتكزاتها ومميزاتها هو
روحانيتها وعمق علاقتها بالغيب ، ولا يمكننا أن نوفق بالنجاح في معركتنا هذه الاّ
بعد أن ندحر ما حاوله العدو من التشكيك بهذه الأصالة واختراق العقل المسلم
بالتشكيك
بالروحانية وانّها
تمثل نوعاً من أنواع اللاواقعية والفردية والانزواء والتخلف.
ولا يمكنني أن احصر وجهة الدفاع عن
الروحانية بنوع خاص من الأساليب والطروحات ، وانّما الصحيح العكس ، فانّنا نحتاج
الى أساليب متنوعة ومتعددة من اجل الحفاظ على تلك الأصالة والدفاع عنها لنحتفظ
بالتالي بشخصية إنساننا المسلم كما كان دائماً قوياً بفكره وعقيدته وشخصيته وبنائه
للحضارة الانسانية.
ووجدت في كتاب (منازل الآخرة) للعلاّمة
الأخلاقي الكبير والمحدّث الجليل الشيخ عباس القمي ;
معيناً يمكننا أن نطرحه للجيل المسلم ليساهم في بناء الحصانة الدفاعية في شخصيته ؛
ولذلك عجلت بنقل الكتاب من اللغة الفارسية التي كتب بها الى اللغة العربية مع
أعمال اُخرى أضفتها الى الترجمة لأضفي عليه ما يمكنه أن يعين في زيادة فائدته.
واستعنت بروحانية مؤلفه الرجل الجليل
الذي أثرى المكتبة الاسلامية بنفائس مؤلفاته وتحقيقاته وما زالت تأخذ موقعاً
كبيراً في حركتنا الفكرية والأخلاقية ، وأبرز تلك الكتب التي خرجت من يراعه الشريف
كتابه (مفاتيح الجنان) الذي هو المنهاج الروحي طبق ما ورد عن أهل بيت العصمة
والطهارة : ، والذي حظي
برواج كبير بين أتباع المذهب الحقّ ، ولا تكاد تجد بيتاً من بيوتهم يخلو منه.
ويتلخص عملنا في هذا الكتاب بالاُمور
التالية :
١ ـ قمنا بترجمة هذا الكتاب (منازل
الآخرة) من اللغة الفارسية الى اللغة العربية ، وقد راعينا المحافظة على المعنى
الفارسي بما يؤديه من الألفاظ العربية مع المحافظة على الأصل العربي من الروايات
والأخبار والقصص التي ترجمها المؤلّف من العربية الى الفارسية ، ولذلك فقد قمنا
بقدر الوسع بتتبع تلك الأخبار لارجاعها الى الأصل العربي. وعليه فانّ جيمع الآثار
الواردة في هذه الترجمة قد نقلناها من اُصولها التي ترجمت منها الى الفارسية.
٢ ـ قمنا بتحقيق روايات وأحاديث الكتاب
إضافةً الى التعليق على بعض
المطالب التي ظننا
وجود حاجة للتعليق عليها.
٣ ـ ذكرنا في الهامش بعض الروايات التي
اختزلها المؤلّف ، أو التي أشار إليها ولم يذكرها. وكذلك ذكرنا بعض الروايات التي
رأينا فائدة في ذكرها.
٤ ـ أضفنا في آخر الكتاب فصلاً في الجنّة
وأحوالها كما ألمحنا اليه في عنوان (موضوع الكتاب) من هذا التقديم.
٥ ـ كتبنا ترجمة بأحوال المؤلّف 5 تحت عنوان (حياة العلاّمة الشيخ القمّي
;).
٦ ـ كتبنا بحثاً حول موضوع الكتاب
بمقدار ما تصورناه من ضرورة لتكوين رؤية متكاملة عن الموضوع عند القارىء المثقف.
مع أني أرتقب من القارىء الكريم غضّ
الطرف عن الزلل والنقص لانّ الممكن محكوم بهما ، ولكن أنتظر النقد الذاتي
والموضوعي لأجل تلاقي الأخطاء بالطبعات القادمة إن شاء الله تعالى.
والله عزّ وجلّ الموفّق للصواب ، وآخر
دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
|
قم المقدّسة
عش آل محمّد 9
ياسين الموسوي
غفر الله تعالى له
ولوالديه بمحمّد وآله الطاهرين
|
كلمة المترجم حول :
موضوع
الكتاب
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة
والسلام على محمّد وآله الطاهرين.
عندما نريد التعرّف على الرؤية
الاسلامية للكون والانسان والحياة فإننا لابدّ وأن ننطلق من أحد طريقين أولهما
الطريق الأتمّ والأكمل الذي يبدأ الحركة النزولية بالنفوس النزولي من المبدأ الى
الانسان ، لأن الرؤية الاسلامية تؤكد على دور الانسان من الخلق والوجود بحيث
اعتبرته خليفة الله عزّ وجلّ وأن الله تعالى خلقه على صورته ولا يتمّ الإيمان
بالله عزّ وجلّ وتوحيده إلاّ بالإيمان بالانسان الكامل ( وهو
النبي والأوصياء :
).
والرؤية الثانية صعودية حيث تنطلق من
الانسان لمعرفة الله عزّ وجلّ والتقرب إليه ، وهذه الطريقة هي الاسلوب العام
لهداية البشر ، فقد بعث الله تعالى الانبياء وتبعهم بالائمة والاوصياء : وجعلهم القدورة للعالمين ، ويمكن لعامّة الناس أن يتبعوا الرسل
وأوصياءهم : ويقتدوا بهم
لتوصلوا الى القرب بعد
المعرفة للحقّ تعالى
: ( مَن
أراد الله بدأ بكم ) .
والرؤية الاسلامية واحدة بكلا الطريقين
، فإن المعادلة الفلسفية الكونية الاسلامية ترتكز على فهم العلاقة بين الله تعالى
والانسان سواء كان انساناً كلياً كاملاً ـ وهم كمّل الخلق ـ أو كان انساناً عادياً
في طريق الكدح الى الله تعالى صعودياً أو تسافلياً. والصعودي هم المؤمنون الذين
يسعون جاهدين لارتقاء مدارج الكمال والتسافل
مختص بمن سلك الطريق المعاكس لاولئك السالكين.
وفي الرؤية الاسلامية الكونية أن
لِمَوقِع الانسان الكوني المَركَزي والمهم صار الانسان خليفة الله تعالى وصار حراً
بسلوكه الفكري والحركي ومسؤولاً عن عقائده وأعماله وتصرفاته وحركاته وسكناته.
ولهذا الموقع المهم للانسان اهتمت
العقيدة الاسلامية بتربيته ليكون أهلاً للمسؤولية الكبرى التي وقعت على عاتقه
بادارة كثير مما خلق الله تعالى لأنه عزّ وجلّ سخّر كل شيء له وجعله رهن ارادة
الانسان وحركته كما نصت على ذلك كثير من الآيات الكريمة منها قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم
مَّا السَّمَاوَاتِ )
.
ومنها قوله تعالى : ( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ
لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
.
ومنها قوله تعالى : ( وَسَخَّرْنَا مَعَ
دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ )
.
ومنها قوله تعالى : ( وَلِسُلَيْمَانَ
الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي
بَارَكْنَا
فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ )
.
ومنها قوله تعالى متحدثاً عن داود 7 : (
إِنَّا
سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ
مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ
الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ) .
ومنها قوله تعالى متحدثاً عن سليمان 7 : ( فَسَخَّرْنَا لَهُ
الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ
بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَٰذَا
عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )
.
والانسان مجمع العوالم ومظهر الكمالات
وقد صدق من قال :
وتحسب انّك جرم صغير وفيك
|
|
طوى العالم الأكبر
|
وقد ساعدت العقيدة الاسلامية الانسان
للتعرف على كيفية ترقّيه الكمالي ليكون مؤهلاً للتصدي الى موقعه الطبيعي الذي
اراده الحقّ تعالى من خلقه له.
كما أن الرؤية الاسلامية قد وضحت
للانسان مفهوم الحياة التي اكسبته القدرة والحيوية والحركة والفعل ، لأن الانسان
بدون حياة غير قادر على الفعل والاختيار وغير قادر على القيام بالمهمات الكبرى
وغيرها. إذ أن الحياة هي الجهاز المحرّك للانسان.
ولكن : هل معنى ذلك أن مهمة الانسان
ودوره سوف ينتهي بموته؟ وينهدم كل شيء بناه عندما كان يتحرك كانت حياته معطاءة؟
وهنا توضيح الرؤية الاسلامية أن الانسان
هو مركز التلقي للارادة الإلهية إما مباشرة ـ وهم الانبياء والرسل والمحدّثون ـ
وإما بواسطة ، وهم باقي الناس.
وتوضيح أيضاً أن الانسان هو مركز الحركة
الكونية.
كما أنها توضح أيضاً أن الانسان خُلِقَ
ليتحرك ويدير المركز الحركي الكوفي بمعنى من المعاني الصحيحة التي لا مجال الى
بيان تفصيلها في هذه العجالة ؛ بل بينت الرؤية الاسلامية ـ طبق نظام تفصيلي ـ
المركز الحركي الكوني للانسان الكامل والانسان العادي ، والعلاقات الكونية
بالانسان وغير ذلك.
كما أن النظام التفصيلي تعرض لشرح مفهوم
الحياة للانسان باعتباره فاعل الحركة الكونية الكبيرة.
وذكرت أن الانسان خلق ليبقى وأنه لا
ينتهي ولا يفنى بمجرد أن تنتهي مهمته في هذه الدنيا التي تشكل اُولى المراحل الحياتية له.
واكدت على أن هذه الحياة مهمة في طريقه
الحركي نحو الصعود والتكاثر ، لأنها المكان الذي يستطيع أن يبني الانسان فيه موقعه
في العوالم الاُخرى التي سوف تلي هذه الدنيا التي يعيش فيها.
ومن الفوارق الأساسية بين هذه الدنيا
والعوالم الاُخرى ، هو أن الانسان جاء الى هذه الدنيا بغير اختياره وبدون طلب أو
ارادة منه ، ولكنّ سكناه في هذه الدنيا وبقاءه فيها انّما هي بارادته.
وأما العوالم الاُخرى فانّه سوف يعمّرها
ويدخلها بارادته ويختار موقعه في تلك العوالم بارادة تامّة منه.
وللانسان أن يبني تلك العوالم وهو في
هذه الدنيا لأن (الدنيا مزرعة الآخرة) .
فقد يولد الانسان في هذه الدنيا وبدون
اختيار منه في عائلة غنية أو فقيرة ، ولكنه قادر على أن يغير طريقه حياته في هذه
الدنيا بارادته على ضوء حركته الذاتية فإنه (
لَّيْسَ
لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ) و ( فَامْشُوا فِي
مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ) وقال تعالى : ( وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ
لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ) .
وقال تعالى : ( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا
لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ )
وكذلك فانّ
الانسان يولد في العوالم الاُخرى بارادته ويحدد المكان والبيئة والموقع الاجتماعي
فيها باختياره وهو في الدنيا ، فانّ العوالم الاُخرى انّما تبنى بأعمال الانسان في
هذه الدنيا التي يعيش فيها.
روى ثقة الاسلام الكليني في الكافي
الشريف بإسناده عن الامام الصادق 7
قال :
جاء رجل الى أبي ذر ، فقال : يا أبا ذر
مالنا نكره الموت؟
فقال : لانّكم عمّرتم الدنيا ، وأخربتم
الآخرة ، فتكرهون ان تنقلوا من عمران الى خراب.
فقال له : فكيف ترى قدومنا على الله؟
فقال : أما المحسن منكم فكالغائب يقدم
على أهله ، وأما المسيء فكالآبق يرد على مولاه ... » .
* وروي عن سويد بن غفلة أنه قال : «
دخلت على أمير المؤمنين 7
بعد ما بويع بالخلافة وهو جالس على حصير صغير ليس في البيت غيره ، فقلت : يا أمير
المؤمنين بيدك بيت المال ولست أرى في بيتك شيئاً مما يحتاج إليه البيت »؟
فقال 7
: « يابن غفلة! أن اللبيب العاقل لا يتأثث في دار النقلة ، ولنا دار أمن
قد نقلنا إليها خير
متاعنا ، وإنّا عن قليل إليها صائرون ... » .
وعلى ضوء الرؤية الاسلامية للانسان
وللحياة وللكون فانّ حياة الانسان سوف لا تنتهي بموته ، بل بالعكس فانّ هذه الحياة
الاُولى التي يعيش فيها ضيقة وصبعة ، وسوف يتخلّص من كثير من صعوباتها وضيقها
بانتقاله الى العوالم الاُخرى ولكن ذلك يعتمد على ما يبذله من جهد في بناء مواقعه
الحياتية في العوالم الاُخرى وهو في الدنيا.
كما أنه سوف يعاني الامرّين والأشد في
تلك العوالم فيما إذا لم يهتم في هذه الدنيا ببناء عوالمه تلك لأنه قد يمكنه تجاوز
كثير من الأخطاء العمدية في هذه الحياة الدنيا ، ويمكنه أن يتخلّص بالتواءاته من
كثير من المواقف الحرجة والحسابات القانونية والاجتماعية ، لأن هذه الدنيا هي دنيا
العمل بلا حساب ، وأما تلك العوالم فهي بالعكس تماماً فلا ينفعه دهاؤه ولا تنفعه
حيله ، لأن تلك العوالم حساب بلا عمل ، اضافة الى أن هذه الدنيا يحكمها الغموض
ويسيطر عليها قانون التمويه لاختفاء الحقائق وراء مظاهر لا تمثلها ولا تمت اليها
بصلة ، ولكن العوالم الاُخرى بعكس ذلك فهي عوالم الحقائق ( فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ
الْيَوْمَ حَدِيدٌ )
.
وذلك اليوم ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن
سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ )
والحقائق
تكشفت ، فيسعى الانسان جاهداً الى أن يتحرّك ويعمل ليعوض عمّا سبق ويتخلّص من
الورطات الجديدة التي وقع فيها ولكنه لا يستطيع.
ولذلك ففي الرؤية الاسلامية أن الحياة
الحقيقية هي تلك الحياة التي سيعيشها الانسان بعد انتقاله إليها بعد بالموت ، وقد
عبّر القرآن الكريم عن تلك الحياة ( وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ
الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )
أي أن
الانسان في تلك العوالم
مملوءٌ حياة وحركة ،
فإن لفظة الحيوان على وزن فعلان الذي يتضمن الكثرة والفوران ، فالحياة الحقيقة
المملوءة حيوية وحركة انّما هي بعد الموت.
ولو قرأت الروايات التي تحدّثت عن تلك
العوالم لرأيت أحداثاً كثيرة جداً لابدّ له أن يمرّ عليها.
الانسان وهو في هذه الدنيا يجهل تلك
الأحداث والعوالم والمنازل ، لأنه بعيد عنها مكاناً وزماناً ، فانّ المكان الذي
يعيشه في هذه الحياة الدنيا يختلف عن المكان الذي سوف يعيشه في تلك العوالم ( يَوْمَ تُبَدَّلُ
الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ
الْقَهَّارِ )
.
وانّ الزمان الذي يحكمه في هذه الدنيا
يختلف كلياً عن الزمان الذي يكون في تلك العوالم فمن تلك الأيّام ما تطول فتكون
خمسين ألف سنة كما في قوله تعالى : ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ
سَنَةٍ )
.
ومنها ما يقصر فيكون ألف سنة كما في
قوله تعالى : ( وَإِنَّ
يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) .
وقال تعالى : ( فِي يَوْمٍ كَانَ
مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ )
.
* * *
ولأهمية تلك الأحداث في حياة الانسان
فقد جدّ للتعرف عليها بشتى الطرق والوسائل العلمية ، وقد أثرت أهداف كل باحث في
انتخاب طريقته الخاصّة به للتعرف على تلك العوالم ، فالفيسلوف مثلاً يحاول أن يبحث
بأدواته العلمية للتعرّف على تلك العوالم لتتمّ في عقله ونفسه الصورة العقلية
والفكرية عن الانسان والحياة والعوالم الغيبية الاُخرى التي لم يدركها ببصره
وحواسه.
بينما ينهج الاخلاقي بدراسة تلك العوالم
لأجل أن ينذر أو يبشر نفسه والآخرين الذين يهتم بوعظهم وصلاحهم ، فيحسنوا ويصلحوا
أحوالهم وأعمالهم.
ومهما اختلف القوم فالمسألة ليست داخلة
ضمن معدودات الترف الفكري ، بل انّها من المسائل الحياتية المهمة جداً سواءاً
نوقشت بالطريقة الفلسفية أو بالطريقة الأخلاقية أو غيرها.
وبما أن بداية العوالم الاُخرى تبتدأ
بالموت وتنتهي بالمعاد فلذلك كانت مسألة الموت والمعاد من المسائل المهمّة التي
عولجت بعدة طرق من البحث ، فقد اهتم بها الفكر الاسلامي والعقيدة الاسلامية فعدت
خامس اصول الدين بعد التوحيد والعدل والنبوة والامامة ، ولأهميتها فقد اهتم بها
الفكر الفلسفي والكلامي الاسلامي وقد نوقشت قضايا المعاد لإثبات النشأة الآخرة
وحشر الاجسام ونشر الأرواح والنفوس ، والمعاد الجسماني ، أو الروحاني ، والبحث في
بقاء النفوس وتجرّدها والنفوس التي تحشر والنفوس التي لا تحشر ، وهل أن الاجسام
التي ترزق المعاد هي تلك الاجسام التي أحسنت في الدنيا ، وهي التي عصت الحقّ تعالى
فيها ، أم انّها أجسام اُخرى لم تكن في الدنيا ولم تحسن فيها ولم تسيء فيها. وقد
اتفق العِلمان في بعض مسائلهما وقد اختلفا في مسائل اُخرى كما هو ديدنهما ، ولكن
كالعادة لكل منهما طريقته بالاستدلال والبرهنة ـ وليس هنا محل الاطالة والاطناب
والتفصيل ـ ولكن الشيء الذي لابدّ من الاشارة إليه هنا هو انّ العلمين قد ناقشا
قضايا الموت والمعاد من وجهة عقائدية طبق قوانين الاثبات ، يعني أن قضايا الموت
والمعاد التي نوقشت في هذين العلمين ـ وإن اختلف الحجم الكمّي للمسائل أو الاسلوب
الاستدلالي وطريقته ـ ولكنهما حصرا البحث بمقدار ما يرتبط بالاثبات أو النفي لما
يراد معرفته ، أو بما يتعلق بالعقيدة الاسلامية.
أما الفكر العرفاني الاسلامي فقد ركز
اهتماماته اهتماماته على مسائل الموت والمعاد باعتبار أن بها يتحقق الوصول الى وطن
سلوك العارفين
، وأن الموت وما بعده
غاية تجوهر نفوسهم
ووصولها الى الغاية القصوى بلقاء الله تعالى.
فانّ للسالك غايتان أقربهما غاية تجوهر
النفس بقطعها وطيّها المراحل الاُولى التي هي مقدمة الغاية القصوى ، ولا يمكنه أن
يحصّل الغاية القصوى إلاّ بعد حصوله على الغاية الاُولى والغاية القصوى هي لقاء
الله تعالى.
بينما الغاية الاُولى هي لقاء أعماله
وما كسبته يداه وتتم بالموت والمعاد ، قال عزّ وجلّ : ( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )
وصار الموت والقبر وما بعده والمعاد غاية اولى ، لأن الانسان سوف يبعث كما مات لما
روي عن الرسول الأكرم 9
انّه قال : « كما تعيشون تموتون ، وكما تموتون تبعثون » ، وفي الخبر عنه 9 : « يبعث كل عبد على ما مات عليه » وفي
الخبر الآخر عنه 9
: « يموت الرجل على ما عاش عليه ويحشر على ما مات عليه ».
وغاية السالك أن يبذل جهده لتقوم عليه
قيامته وقد تحققت تمام انسانيته ليحشر يوم القيامة وهو انسان مبصر وقد ذكر أهل
المعرفة انّه لا يمكن للسالك أن ينال غايته القصوى بلقاء الله عزّ وجلّ إلاّ بعد
ان تقوم عليه قيامات وكلّما تقوم عليه قيامة من قياماته في الاُولى فقد تمّت له حركة من حركاته السلوكية ـ
وذلك اذا امكنه أن يحافظ على مقامها أو يرتقي الى الأعلى منها الى حين تقوم عليه
قيامته بموته الطبيعي ـ وانقضى عنه مقام من مقامات القرب ، واذا لم يتمكن السالك
من طي تلك المقامات فإنه سوف يطويها ـ إن وفقه الحقّ تعالى وكان ذلك العبد محسوباً
عنده تبارك وتعالى من السالكين ـ وفي الآخرة ولكنه سوف يطويها بالقهر والقوة
والغلبة ، بينما طَويه لها في الاُولى ـ لو وفق لها بلطفه تعالى وتوفيقه العبد
للمجاهدات وقطع فيافي السلوك ـ سوف تكون على نحو آخر وقد يكون التوفيق الالهي
نصيبه بأنه يطويها أو يطوي بعضها وهي خامدة باختلاف أحوال
السائرين ومقاماتهم.
وتبتدىء القيامات بالقيامات الأنفسية
وهي القيامة الأنفسية الصغرى ثمّ الوسطى ، ثمّ الكبرى ، وتنتهي بالقيامات الآفاقية
، وقد عبّر
الشيخ الكاشاني عن القيامة بمعناها العام انّها : ( الانبعاث
بعد الموت الى حيوات أبدية )
، ويشير بـ (
الحيوات ) الى تعدد الحياة بعد تعدد القيامة ، فإنه بعد كل قيامة حياة غير
الحياة التي عاشها قبل قيامته تلك.
وقد قسّمها الكاشافي الى ثلاثة أقسام :
أولها : الانبعاث بعد الموت الطبيعي الى
حياة أحد البرازخ العلوية أو السفلية بحسب حال الميت في الحياة الدنيوية لقوله 7 : « كما تعيشون تموتون ، وكما تموتون
تبعثون ».
وهي القيامة الصغرى المشار إليها في
قوله 7 : « من مات
فقد قامت قيامته ».
وثانيها : الانبعاث بعد الموت الارادي
الى الحياة القلبية الأبدية في العالم القدسي ، كما قيل مت بالارادة تحيا
بالطبيعة.
وهي القيامة الوسطى ، المشار إليها في
قوله تعالى : ( أَوَمَن
كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا ... ) .
وثالثها : الانبعاث بعد الفناء في الله
الى الحياة الحقيقية عند البقاء بالحقّ.
وهي القيامة الكبرى المشار إليها بقوله
تعالى ( فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ )
.
فالقيامة لا تبتدأ عند أهل المعرفة من
موت الانسان الطبيعي وانّما هي معه في
الحياة الدنيا ،
ووفقاً لهذا القانون الكوفي فإنهم يثبتون انّ الجنّة والنار تلازم صاحبها في هذه
الدنيا ابتداءً من جنّة الأعمال ونار الأعمال ولكن قد حجبتهما الحجب الظلمانية عند
الانسان فلا يراهما إلاّ بعد الممات ، وذلك لأنه يتخلّص من الحجب الظلمانية
واغلظها الجسم العنصري الذي حبس روحه ونفسه وعقله فيه فلم ير الحقائق إلاّ بعد أن
يتخلّص منه وينطلق في العوالم الاُخرى التي تسكن إليها وفيها الأرواح والنفوس
فتكشف لها بعض الحقائق الكبرى طبق المواصفات النسبية مع التكامل الروحي والنفسي
لكل إنسان.
وأما نار الأعمال وجهنمها في هذه الدنيا
وكذلك جنّة الأعمال وفردوسها فهي محجوبة عن الناس إلاّ النفوس الكلية والنفوس
القوية التي منحها الحقّ تعالى قدرة رؤية تلك الحقائق.
واستشهد على هذه الحقيقة بعدة آيات منها
قوله تعالى : ( يَسْتَعْجِلُونَكَ
بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ) وقوله تعالى : ( أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا )
.
فالمقصود بالاحاطة هي الاحاطة المطلقة
ابتداءاً من هذه الدنيا الى ذلك العالم الآخر والعوالم التي تلي عالم الحياة
الدنيا.
كما ان هناك نصوص كثيرة جداً تشهد على
هذه الحقائق يحتاج تفصيلها الى بحوث مستقلة.
ولم ينكر أهل المعرفة تلك العوالم التي
يلاقيها الانسان بعد موت جسمه بل العكس من ذلك فإنهم يعتبرون أن الارواح عندما
تتجرد عن أجسامها تكون أقدر على معرفة تلك الحقائق الثابتة ، وحينئذٍ فمن الطبيعي
أن تكون النفوس التي قطعت القيامات الأنفسية أقدر على ادراك القيامات الافاقية ،
ولذلك فهي تكون أسرع في قطع القيامات التي قطعتها في الاُولى ، وسوف تمر بها كالبرق
الخاطف ، وقد أشارت الى هذه الحقائق مجموعة من الروايات الشريفة فمنها الروايات
التي
وردت لأخذ الاستعداد
والتهيؤ لدخول القبر ، لأن الانسان قادم على عالم لم يدخله من قبل ولم يتعرف عليه.
* روى ثقة الاسلام الكليني في الكالفي
الشريف بإسناده عن محمّد بن عجلان قال : قال أبو عبدالله 7 : « لا تفدح ميتك بالقبر ولكن ضعه أسفل
منه بذراعين ، أو ثلاثة ، ودعه يأخذ اهبته » .
* وروى عنه بإسناده عن يونس قال : حديث
سمعته عن أبي الحسن موسى 7
ما ذكرته وأنا في بيت إلاّ ضاق عليّ ؛ يقول : « اذ أتيت بالميت شفير قبره فامهله
ساعة فانّه يأخذ اهبته للسؤال » .
* وروى الشيخ الطوسي ; في تهذيب الأحكام بمضمرة أبي عطية قال
: « اذا أتيت بأخيك الى القبر فلا تفدحه ، ضعه أسفل من القبر بذراعين أو ثلاثة
حتّى يأخذ اهبته ثمّ ضعه في لحده ... » .
وذكر الصدوق ; في الفقيه قال : « وإذا حمل الميت الى
قبره فلا يفاجأ به القبر لأن للقبر أهوالاً عظيمة ويتعوذ حامله بالله من هول
المطلع ، ويضعه قرب شفير القبر ، ويصبر عليه هنيئة ثمّ يقدمه ويصبر عليه هنيئة
ليأخذ اهبته ثمّ يقدمه الى شفير القبر » .
والرواية صريحة بانّ روح الميت المجردة
تدرك مالم تدركه في هذه الحياة الدنيا.
وقد يكون الانسان قد تعرّف على هذا
المنزل من خلال مجاهداته ورياضاته النفسية والروحية ، ولكنه يبقى غير واصل الى
مقام حساب منكر ونكير فلذلك فعليه ان يستعد لحسابهما ، وأما لو كان ذلك الانسان قد
جاهد نفسه وقطع ذلك
المنزل بمجاهداته في
الاُولى فحينئذٍ يكفى حسابهما كما دلت الروايات التي أشارت بعضها الى الأعمال التي
تدفع هول حساب منكر ونكير .
وهكذا بالنسبة للمنازل البرزخية الاُخرى
، وحتّى هول يوم القيامة وما فيه من مواقف يمرّ بها الانسان فإن كان قطعها في
الاُولى فإنه يكفاها في الآخرة ، وقد وضّحت هذه الحقيقة مجموعة من الروايات منها
التي وردت في الصراط فانّه ان كفيه الانسان في الاُولى فانه يمرّ عليه يوم القيامة
كالبرق الخاطف.
وحتّى جهنم ولزوم المرور عليها والورود
فيها الذي نصّ عليه القرآن الكريم بقوله تعالى : ( وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ
عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا )
، فانّ هناك
من لا يمرّ عليها بالآخرة ، لأنه مرّ بها وعليها في الاُولى ، كما ورد عن جابر بن
عبدالله الانصاري ;
انّ النبي 9 سئل عنه فقال : « اذا دخل أهل الجنّة الجنّة
قال بعضهم لبعض : أليس قد وعدنا ربنا ان نرد النار؟ فيقال لهم : قد وردتموها وهي
خامدة » .
* وروى الفيض الكاشاني ; : لما سئل بعض أئمتنا : من عموم الآية المذكورة فقال : « جزناها
وهي خامدة » .
واما اذا لم يقطع الانسان تلك المنازل
في الاُولى فانّه مضطر لا محالة الى قطعها بعد تجرّد روحه وموته وانقطاعه عن الجسم
العنصري ، لأنه حين انكشاف ما غطّي عليه ، ويرى كل ما كان يسمع به كما قال تعالى :
( فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ
الْيَوْمَ حَدِيدٌ )
فعندما تقوم قيامته الصغرى وقيامته الكبرى فسوف يرى تلك المنازل ـ التي لم يقطعها
ولم يتعرف عليها أو لم يصدّق بها ـ رأي العين ، وعليه أن يقطعها ولكنه يتحمل صعوبة
ومشاق كسله في الاُولى ، أو جهله ، أو عناده وكفره ، فسوف يمرّ عليها جاهلاً ويقع
فيها مظلماً ، لأنه لم يهيّىء لسفره هذا نوراً يمشي به وفيه عندما يدخل الآخرة
فلذلك تجده أعمى بلا هادي ولا دليل كما قال تعالى : (
وَمَن
كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ
وَأَضَلُّ سَبِيلًا )
.
وقال تعالى : ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا
يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي
أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَٰلِكَ
أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ )
وقال تعالى : ( وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ
اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ )
.
والعرفاء الصالحون اعتبروا قطع تلك
المنازل في الاُولى السبب الاساس لقطع تلك المنازل في الآخرة بيسر وسهولة ، لأنهم
رأوا من أخبر به النص الشريف من ضرورة الاعداد لسفر الآخرة ومنازله وموافقه ، ولا
يتم ذلك الاعداد إلاّ بمعرفة السفر ومعرفة مراحله ومنازله وأخذ العدة لكل مرحلة
ولكل منزل ثمّ يسير تلك المنازل منزلاً فمنزلاً وموقفاً فموقفاً وقطعها في الاُولى
بالمجاهدات والرياضات كما أخبر به الهادي ، وانّ اتباع الهادي في الاُولى سوف يؤمن
وجوده في الآخرة
ويقطع تلك المراحل
بهديه وهدايته وبنوره وحضوره كما دلّ عليه العقل والنص الشريف المتواتر عند جميع
طوائف المسلمين بوجوب طاعة النبي 9
والائمة الاثني عشر من بعده :.
وليس معنى ذلك أنه لا يوجد عذاب القبر
ولا يوجد حساب القبر وضغطته والبرزخ وغير ذلك ، بل العكس تماماً فعلى المؤمن أن
يؤمن بالموت الحقيقي وعذاب القبر ومساءلة منكر ونكير والمعاد الجسماني.
قال الشيخ الصدوق ; : « اعتقادنا في المساءلة في القبر
انّها حقّ » .
وقال الشيخ المفيد ; : « جاءت الآثار الصحيحة عن النبي 9 انّ الملائكة تنزل على المقبورين
فتسألهم عن أديانهم » .
ولكن لكل واحد من تلك الامور مقامات
وحالات تختلف باختلاف مقامات وحالات الانسان نفسه الذي يمرّ بها.
وطريقة العرفاء بمعرفة أحوال الموت وما
بعده انّما هي شرح للأحاديث الشريفة المروية عن النبي 9 وأهل بيته المعصومين : ، وليس فيها أكثر من ذلك. واذا وجد في
كلام أحد منهم ـ اعوذ بالله تعالى ـ غير ذلك فهو غير صحيح قطعاً وانّما هو من
تخيلاته.
فانّك تجد المعارف الجليلة التي وردت عن
أهل البيت : مشروحة عند
من رزقه الله تعالى تلك المعارف. ولا يصح لأي عارف أن يحصل على تلك المعارف
والعلوم إلاّ من طريق أهل البيت : «
من أتاكم نجى ومن لم يأتكم هلك الى الله تدعون وعليه تدلون وبه تؤمنون وله تسلمون
وبامره تعملون والى سبيله ترشدون وبقوله تحكمون ، سعد من والاكم ، وهلك من عاداكم
وخاب من جحدكم ، وضل من فارقكم ، وفاز من تمسك بكم وأمن من لجأ إليكم ، وسلم من
صدقكم ، وهدي من اعتصم بكم ، من اتبعكم فالجنة مأواه ، ومن خالفكم فالنار مثواه ،
ومن جحدكم كافر ومن حاربكم مشرك ، ومن رد عليكم في اسفل
درك من الجحيم ... »
.
وكذلك : « من أراد الله بدأ بكم ومن
وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم .. » .
نعم انّ طريقة أهل المعرفة تختلف عن
طريقة الفلاسفة والأخلاقيين بفهم الحقائق ، لأنهم يعتمدون على المشاهدة الصحيحة
التي تحصل بعد المجاهدات السلوكية فتنكشف لهم الحقائق ويرونها بالضبط كما وردت عن
الشارع الحكيم سلام الله عليه ، وهي نفس النتائج التي يحصل عليها الفيلسوف عندما
يستخدم القوانين العقلية والاُسس المنطقية ، ولكن الفرق بينهما هو في الاقتناع
العقلي والمشاهدة العقلية والتي تسمّى بالمشاهدة القلبية أيضاً. وألطف بيان لهذه
الحقيقة
ما نقل عن ابن سينا
وأبي سعيد (
انّ الرجلين تلاقيا في موضع ، فلما افترقا ،
سئل كلّ منهما عن صاحبه ، فقال الشيخ أبو سعيد : ما أنا اراه هو يعلم. وقال الشيخ
أبو علي : ما اعلمه هو يراه ... ) .
وأما اختلاف طريقة أهل المعرفة عن طريقة الأخلاقين انّ اولئك يشرحون أحوال الانسان
وسلوكه وفق ما جاء به التنزيل وطبق قوانين السير والسلوك النظري والعملي بتكميل
قلب الانسان ليصل بالأحوال والمقامات بحيث يكون قادراً على تلقي الفيوضات الالهية
والمعارف الكلية لتطهير روحه وقلبه وعقله من كل غريب ونجس واخلاص نفسه للتوحيد
الصرف ولقاء الحقّ عزّ وجلّ ، وعرفوا قوانين الوجود التكونينية ورأوا رأي العين
وادركوا خفاياها وأسرارها ، وكلها خفايا وأسرار. والعرفان فلسفة كاملة فيها جميع
الاجوبة الثبوتية عن كل شيء ولا يوجد العرفان في ورق ولا في كتاب وانّما هو في قلب
العبد المؤمن كما ورد في النص الشريف في الحديث القدسي : « لم تسعني سمائي ولا
أرضي ، ووسعني قلب عبدي المؤمن » .
كما أن العرفان العملي هو المدرسة
السلوكية للانسان الطالب أو السالك أو الواصل لايصاله الى غايته الاُولى والقصوى ،
ولا يتمّ له ذلك بالنظري قطعاً وانّما لابدّ من العمل والكدح كما ورد في الروايات
المستفيضة عن الامام الصادق 7
: « العلم مقرون الى العمل فمن علم عمل ومن عمل علم ، والعلم يهتف بالعمل فان
اجابه وإلاّ ارتحل عنه » .
وعن الامام الصادق 7 انّه قال : « انّ العالم اذا لم يعمل
بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا » .
وعن الامام السجاد 7 انّه قال : « مكتوب في الانجيل لا
تطلبوا علم
ما لا تعلمون ولمّا
تعملوا بما علمتم ، فإن العلم اذا لم يعمل به لم يزدد صاحبه إلاّ كفراً ولم يزدد
من الله إلاّ بعداً » .
وأما طريقة الأخلاقيين فانّها تعتمد على
الأساليب الوعظية والتنبيهية ويستفيدون من القصة كاسلوب خطابي يشد السامع أو
القارىء الى تذكر الله عزّ وجلّ ، كما انّهم يستشهدون بالروايات والآثار
والمنقولات والمسموعات لأجل تلك الغاية الكريمة.
وطريقة الأخلاقيين مفيدة جداً للعامّة
لتقويمهم وارجاعهم الى الطريق المستقيم وتعريفهم بالصحيح والخطأ ، ولكنها غالباً
ما تكون مؤقتة بزمان الموعظة وما بعدها بفترات محدودة باختلاف حالات السامعين والقارئين
، لأن طريقة الأخلاقيين لا تدخل الى عمق الانسان وتعرف مقامه ثمّ ترقيه مرقاة
فمرقاة وتزيل الملكات الظلمانية وتحييه بالملكات النورانية وترقيه في مدارج الكمال
كما تفعله الطريقة العرفانية. اضف الى ذلك أن الأخلاقين غالباً ما يستخدمون
اسلوباً واحداً في الوعظ لمجاميع مختلفين في الأحوال والملكات والمقامات بل غالباً
ما يستخدمون اسلوباً واحداً مع الانسان في جميع أحواله وملكاته بينما أن لكل انسان
واردات واحوال ومقامات تختلف باختلاف مجاهداته.
وعلى كل حال فانّنا لا نريد هنا أن نبين
جميع خصوصيات الطريقة العرفانية وطريقة الأخلاقيين ، وانّما أردنا أن نوضح انّ
هناك فوارق عدة بين الطريقتين ، وكليهما مفيدة بل أن العرفاء وأهل السير والسلوك
لا يستغنون عن استخدام الاسلوب الاخلاقي في تكميل النفوس خصوصاً في مخاطباتهم
للعامة ، فأنّه أجدى لمثل ذلك المقام عند الخطاب لعامّة الناس وأنفع.
ولكن هناك مؤاخذة اُخرى على الاسلوب
الاخلاقي لفهم قضايا الموت والعالم الآخر اضافة للملاحظة السابقة بانّه يهتم
بالجانب التحذيري والتخويفي بذكر الأهوال ، والمصاعب التي سوف يلاقيها الانسان
ابتداءاً من سكرات الموت
فما بعدها ، مما
يولد عند الانسان السامع أو القارىء حالة من الرهبة والخوف فتعكس على شخصيته فتؤدي
في أحيان كثيرة الى حالة تشاؤمية وقد توقعه بالانعزال عن الحياة العامّة وتعميق
الشعور الفردي والإنزوائي واللا ابالية عنده فيخرج من قانون السلوك المتوازن الى حالة
التطرف الواحدي.
وبالتأكيد فانّ أي باحث موضوعي لا يمكنه
أن يطرح الأحكام بشكل قطي وعمومي في مثل هذه الحالات التي تتعرض لموضوع واسع وشائك
، فإن الاسلوب الأخلاقي يختلف من شخص لآخر ، وقد تكون الملاحظة المتقدمة ظاهرة عند
أغلب الأخلاقيين ولكنها لا تصلح أن تبقى بلا استثناء ، مع انّي أظنّ انّ الملاحظة
لم تخلو من مبالغة وتضخيم وإن كانت بشكل عام لم تخلو من واقعية ، بل انّ الاسلوب
التخويفي للانسان المكلف ضروري لتقويمه واعادته لجادة الصراط المستقيم ، وقد رأينا
الكتاب الكريم قد هدد العباد وحذّرهم وأوعدهم بما يجري عليهم بعد هذه العوالم منها
قوله تعالى : ( وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) .
وقال تعالى : (
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) .
وقال تعالى : ( قُلْ
إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) .
وكذلك كان موقف السنّة المطهرة فقد روى
الكليني ; في الكالفي
الشريف بإسناده عن الامام الصادق 7
انّه قال : « من خاف الله أخاف منه كلّ شيء ، ومن لم يخف الله اخافه الله من كل
شيء » .
وروى أيضاً بإسناده عن اسحاق بن عمار
قال : قال أبو عبدالله 7
:
« يا اسحاق خف الله كأنك تراه وان كنت
لا تراه فانّه يراك ، فانّ كنت ترى انّه لا يراك فقد كفرت ، وإن كنت تعلم انّه
يراك ثمّ برزت له المصية فقد جعلته من أهون الناظرين عليك » .
وروى أيضاً بسند صحيح عن الامام الصادق 7 انّه قال : « المؤمن بين مخافتين : ذنب
قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه ، وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك
فهو لا يصبح إلاّ خائفاً ولا يصلحه إلاّ الخوف » .
وأجاد العلاّمة المازندراني في شرح معنى
الخوف الذي ورد في هذه الروايات الشريفة حيث قال :
( الخوف حالة نفسانية موجبة لتألمها
بسبب توقع مكروه سببه ممكن الوقوع أو توقع فوات أمر مرغوب فيه ، ولو كان وقوع سببه
معلوماً ، أو منظونا ظنّاً غالباً يسمّى ذلك انتظار المكروه أيضاً كما يسمى خوفاً
، والتألم فيه أزيد.
وأما الخوف والتألم بسبب توقع مكروه علم
قطعاً عدم وقوع شيء من أسبابه فذلك وسواس وماليخوليا ...
وسبب الخوف من الله معرفته ، ومعرفه
جلاله ، وعظمته ، وكبريائه ، وغنائه عن الخلق ، وغضبه ، وقهره ، وكمال قدرته على
الخلق ، وعدم مبالاته بتعذيبهم واهلاكهم ، ومعرفة عيوب نفسه ، وتقصيره في الطاعات
والأخلاق ، والآداب مع التفكر في أمر الآخرة وشدائدها.
كلما زادت تلك المعارف زاد الخوف وثمرته
في القلب والبدن والجوارح ، اذ بالخوف يميل القلب الى ترك الشهوات ، والندامة على
الزلات ، والعزم على الخيرات ، ويخضع ويراقب ، ويحاسب ، وينظر الى عاقبة الامور ،
ويحترز من الرذائل كالكبر والحسد والبخل ، ويذبل البدن ، ويصفر اللون من الغم
والسهر ، وتشتغل الجوارح بوظائفه ويحصل له بترك الشهوات العفّة والزهد ، وبترك
المحرمات التقوى ، وبترك ما لا يعني الورع والصدق والاخلاص ، ودوام الذكر والفكر ،
ويترقى منها الى مقام المحبة ، ثمّ منه الى مقام الرضا ... ) .
( والخوف غير القنوط ) .
وانّ الاشكال المتقدم انّما هو على
القنوط وليس على الخوف ، لأن الخوف لم يترك الأمل وهو الرجاء ، بل يقف الى جانبه
يوازنه ، لأن الأمل ـ الرجاء ـ بلا خوف معناه الغرور والحماقة.
وعلى كل حال فالخوف اسلوب مطلوب لتأديب
النفس ولكنه لابدّ وأن يلازمه الرجاء ليتوازن ميزان النفس فلا افراط ولا تفريط ،
فكلما ازداد الخوف ازداد الرجاء والأمل.
وعلى السالك أن ينتبه الى حالة الخوف أن
لا تكون ملكة نفسانية عنده ، وكذلك الرجاء ، بحيث يكونا الداعي الى عبادته تعالى ،
كما يلزم المرشد أن ينتبه في وعظه وارشاده وهدية أن لا يكون تأكيده على الخوف
والرجاء بحيث تكونا ملكة عند من يرشده ويعظه. فانّ حالة الخوف وحالة الرجاء مع
أهميتهما لاستقامته ولكنهما ليستا غايتين تامتين ، وانّما الغاية التامّة أن يكون
السالك يعبد الحقّ لغاية اسمى وهي ارادته للحقّ عزّ وجلّ ومعرفة معنى العبودية
والمعبود والعابد والعبادة ليتمّ معنى الشكر كما في كلمات أمير المؤمنين 7 : « الهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا
طمعاً في ثوابك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك » .
وفي رواية اُخرى عنه 7 : « ما عبدتك خوفاً من نارك ، ولا
طمعاً في جنتك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك » .
في نهج البلاغة عنه 7 قال : « انّ قوماً عبدوا الله رغبة
فتلك عبادة التجار ، وانّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وانّ قوماً
عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار » .
* * *
وعلى كل حال فقط أصاب بعض الباحثين
عندما جمع بين الطرق الثلاثة ـ الفلسفية والعرفانية والأخلاقية ـ في عرض تلك
العوالم المهمّة من حياة الانسان ، فانّ لكل طريقة خصوصياتها المتميزة التي تساعد
الانسان للتعرف عليها.
كتاب منازل الآخرة والمطالب
الفاخرة
ويدخل كتاب ( منازل الاخرة ) للعلاّمة
الثقة المحدّث الشيخ عباس القمّي 5
في ضمن الكتب الأخلاقية المهمّة التي تحدثت عن العوالم التي سوف يلاقيها الانسان
بعدما ينتهي من هذه الحياة الدنيا التي عاشها ، وقد أجاد المؤلّف ; في استقصائها بشكل منظم ومرتب ابتداءاً
من سكرات الموت ، وانتهاءاً بدخول الجنة أو النار ، خصوصاً انّه اعتمد فيها على ما
جاء عن النبي الاعظم 9
وأهل بيته : ، وقد حاول
جاهداً أن يبتعد عن ما نقله الآخرون من خرافات الصوفية أو قصص الاسرائليات
والوضاعين التي شحنت بها الكتب الأخلاقية المؤلفة بهذا المجال كتكاب الاحياء
وغيره.
كما أن المؤلّف القمّي ; أجاد عندما لم يطنب بالتخويف بل أوجز
بما يؤدي الغرض الوعظي والتأدبي وانّه أحسن كثيراً عندما أضاف ( المنجيات ) من تلك
المصاعب والأهوال الى جنب الأهوال التي سوف يقع بها الانسان في الآخرة.
وانّ المؤلّف ; قد استخدم الاسلوب الصحيح في موعظته
حينما استفاد من الخوف والرجاء الذي ورد في الروايات وأكدت عليه الأحاديث الشريفة
بضرورة توفرهما جميعاً بقلب المؤمن ليحصل على النجاة بسلوكه الرباني منها : ما
رواه الكليني ;
في الكافي الشريف بإسناده عن الامام الصادق 7
قال : « كان أبي 7
يقول : انه ليس من عبد مؤمن إلاّ في قلبه نوران : نور خيفة ، ونور رجاء ،
لو وزن هذا لم يزد
على هذا ، ولو وزن هذا لم يزد على هذا » .
وروي الكليني أيضاً في الكافي الشريف
بإسناده عن الحسن بن أبي سارة قال :
« سمعت أبا عبدالله 7 يقول : لا يكون المؤمن مؤمناً حتّى
يكون خائفاً راجياً ، ولا يكون خائفاً راجياً حتّى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو » .
قال المجلسي ; : (لابدّ أن يكون العبد دائماً بين
الخوف والرجاء لا يغلب أحدهما على الآخر اذ لو رجّح الرجاء لزم الأمن لا في موضعه
، وقال تعالى : ( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ
مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) .
ولو رجح الخوف لزم اليأس الموجب للهلاك
كما قال سبحانه : ( إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ
إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )
.
وقيل : يستحبّ أن يغلب في حالة الصحّة
الخوف ، فاذ انقطع الأجل يستحبّ أن يغلب الرجاء ليلقى الله على حالة هي أحبّ إليه
اذ هو سبحانه الرحن الرحيم ، ويحب الرجاء.
وقيل ثمرة الخوف : الكف عن المعاصي ،
فعند دنو الأجل زالت تلك الثمرة فينبغي غلبة الرجاء.
وقال بعضهم : (الخوف ليس من الفضائل
والكمالات العقلية في النشأة الآخرة ، وانّما هو من الامور النافعة للنفس في الهرب
عن المعاصي ، وفعل الطاعات ما دامت في دار العمل. وأما عند انقضاء الأجل والخروج
من الدنيا فلا فائدة فيه.
وأما الرجاء فإنه باق أبداً الى يوم
القيامة لا ينقطع ، لأنه كلما نال العبد من رحمة الله أكثر كان ازدياد طمعه فيما
عند الله أعظم وأشدّ لأنّ خزائن جوده وخيره ورحمته غير متناهية لا تبيد ولا تنقص
.. ) .
وقد علّق المجلسي ; بقوله : (والحقّ أن العبد ما دام في
دار التكليف لابدّ له من الخوف والرجاء. وبعد مشاهدة امور الآخرة يغلب عليه أحدهما
لا محالة بحسب ما يشاهده من أحوالها) .
* ولكن مع ذلك فإن المؤلّف ; قد خالف طريقته حيث ركز في آخر الكتاب
على الخائفين وامثلتهم ، ولم يذكر من أحال الرجاء والجنّة ووصفها شيئاً ليتوازن
الخوف بالرجاء ، ولذلك ارتأينا ان نذكر مقتطفات من المأثور في الرجاء والجنّة
ليكون قلب القارىء مستقيماً في ميزانه. خصوصاً انّك قد قرأت قبل قليل ما نقله
العلاّمة المجلسي ;
عن بعضهم انه كان يقول : (يستحبّ أن يغلب في حالة الصحّة الخوف ، فاذا انقطع الأجل
يستحبّ أن يغلب الرجاء ليلقى الله على حالة هي أحبّ إليه اذ هو سبحانه الرحمن
الرحيم ويحب الرجاء ... الخ) .
وقد رأينا انّ الأنسب أن نلحق تلك
الروايات حول الجنّة بفصل في آخر الكتاب تحت عنوان (ذكر عدة أخبار في وصف الجنّة
ونعيمها).
هل للآخرة منازل؟
انّ للآخرة منازل تبتدىء من منزل الموت
ثمّ القبر وأحواله والبرزخ والحشر والنشور والحساب والعرض والصراط والميزان
والشفاعة ومنازل النيران ومنازل الجنّة وما الى ذلك.
وقد فصّل العلاّمة السيّد هاشم البحراني
المتوفى سنة ١١٠٧ أو ١١٠٩ هـ. ق الحديث عن جميع تلك المنازل وغيرها في كتابه معالم
الزلفى.
أما المؤلّف القمّي فانّه اختصر تلك
المنازل في كتابه الكريم (منازل الآخرة) ، وأجاد بجمعها وعرضها بما يمكن لكل انسان
أن يقرأ ويتعرف على تلك العوالم
ويستفيد منها بشكل
مختصر مفيد.
وقد استلهم المؤلف ; عنوانه هذا من الروايات الشريفة التي
تحدثت عن تلك العوالم ، منها ما ذكره هو في مقدمة هذا الكتاب عن أمير المؤمنين 7 انّه كان ينادي في كل ليلة حين يأخذ
الناس مضاجعهم للمنام ، بصوت يسمعه كافة أهل المسجد ومن جاوره من الناس « تزودوا
رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل ، واقلوا العرجة على الدنيا ، وانقلبوا بصالح ما
يحضركم من الزاد فانّ مامكم عقبة كؤوداً ومنازل مخوفة مهولة لابدّ من الورود
[المرر. خ. ل] عليها والوقوف عندها [عليها. خ. ل] ».
والمنزل جمعه منازل وهو مكان النزول
ويطلق على الدار أيضاً ، وقد سمّت أماكن نزول القوافل والمسافرين منازل أيضاً ،
كما انّها تطلق على مسافة معينة من الطريق.
سفر القيامة والاستعداد له :
ولأن الانسان مسافر في حياته الى الله تعالى فعليه انّ يعدّ مؤنة
السفر
ويهتم بها خصوصاً أن
السفر طويل ولا عودة منه ولا محالة من قطعه.
وقد اهتمّ علماء الآخرة لهذا السفر
الشريف فابتدأوه بارادتهم قبل أن يحل في ساحتهم ، وطووا كثيراً من منازله وما زالت
أبدانهم تعيش في هذه الحياة الدنيا ، وقد انكشف لهم كثير من تلك المنازل وتعرفوا
على عوالم عظيمة منها ولا يمكن لأحد ان يعلمها أو يشاهدها أو يدركها إلاّ بعد
مجاهدات سلوكية ومقامات سيرية.
وقد ثبتوا بعضاً من تلك المنازل
والمقامات والأحوال تحت عنوان ( السير والسلوك ) ولعل افضلها ما ثبت في رسالة «
السير والسلوك » المنسوبة لأية الله العظمى السيّد محمّد مهدي بحر العلوم 5.
وسواء جاهد الانسان واختار آخرته وهو
بعد في الدنيا ولم يرحل منها ، أو ترك الامور تجري عليه ضمن قوانين القدر المحتوم
والقضاء المبرم ، فأنّه سوف يلاقي يومه الذي وعد به ، ويحل عليه السفر الطويل ويرى
تلك المنازل رأي العين عندما يتحقق قوله تعالى : ( فَكَشَفْنَا عَنكَ
غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ )
.
وذلك اليوم لا ينفع نفساً إيمانها لم
تؤمن من قبل ولم تهيّىء لسفرها عدته ، ونجى المخفون.
ولذلك أكدت الروايات الكثيرة جداً على
ضرورة الاعداد لسفر الآخرة .
__________________
ضرورة ذكر الموت :
اضافة الى أن طريقة أهل البيت : ألزمت المؤمن ـ كما توضحه الروايات
الشريفة ـ أن يعيش الموت ويديم ذكره له ليعدّ ليومه ذلك الذي ينتظره لا محالة ،
فانّ انحراف الانسان عن الجادة المستقيمة ينشأ من الطغيان الذي يعتريه ، وقد يصل
به الى مستوى بحيث يعمى عن كل الحقائق وما يحيط به ، ولا تنفعه لتخفيف نسبة طغيانه
وغروره كل النصائح والتوجيهات لأن طغيانه قد يكبر عليها ولكنه يصطدم بصخرة تتكسر
عليها كل مراتب الطغيان والغرور وهي صخرة الموت وما بعد الموت ، وقد صور كتاب الله
المجيد هذه الحقيقة بقوله تعالى : ( إِنَّ الْإِنسَانَ
لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ * إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ
الرُّجْعَىٰ )
.
فمهما اعتور الانسان الموحد من الطغيان والغرور والانحراف عن
الأوامر
__________________
الالهية فهو يعلم
جازماً انّه لا محالة من موته ورجوعه الى الحقّ عزّوجلّ وسوف يحاسبه على جميع
القضايا التي صدرت منه سواءاً كانت كبيرة أو صغيرة ؛ فلذلك ورد في الحديث الشريف :
« كفى بالموت واعظاً » .
وحباً بالانسان ورأفة بعد فقد جاءت الأخبار
المتظافرة ناصحة الانسان الموحد أن يديم ذكر الموت ، منها :
* روى الحسين بن سعيد الاهوازي : بسند
صحيح عن أبي عبيدة الحذاء قال : قلت لأبي جعفر 7
: جعلت فداك حدثني بما انتفع به.
فقال : « يا أبا عبيدة ، اكثر ذكر الموت
فما اكثر ذكر الموت انسان إلاّ زهد في الدنيا » .
* وروى الصدوق بإسناده الى أمير
المؤمنين 7 انّه قال في
حديث الأربعمائة :
« اكثروا ذكر الموت ، ويوم خروجكم من
القبور ، وقيامكم بين يدي الله عزّوجل تهون عليكم المصائب » .
* وروي في مصباح الشريعة عن الامام
الصادق 7 انّه قال :
__________________
« ذكر الموت يميت الشهوات في النفس ،
ويقطع منابت الغفلة ، ويقوي القلب بمواعد الله ، ويرقّ الطبع ، ويكسر أعلام الهوى
، ويطفىء نار الحرص ، ويحقر الدنيا ، وهو معنى ما قال النبي 6 : فكر ساعة خير من عبادة سنة ، وذلك
عندما تحلّ اطناب خيام الدنيا ، وتشدّها في الآخرة ، ولا شك [ولا يسكن نزول على
ذكر. خ. ٧] بنزول الرحمة على ذاكر الموت بهذه الصفة. ومن لا يعتبر بالموت ، وقلة حيلته
، وكثرة عجزه ، وطول مقامه في القبر ، وتحيّره في القيامة ؛ فلا خير فيه ».
قال النبي 6
: « اذكروا هادم اللذات ».
فقيل : وما هو يا رسول الله؟
فقال 6
: الموت.
فما ذكره عبد على الحقيقة في سعة إلاّ
ضاقت عليه الدنيا ، ولا في شدة إلاّ اتسعت عليه.
والموت أول منزل من منازل الآخرة ، وآخر
منزل من منزل الدنيا ، فطوبى لمن اُكرم عند النزول بأوّلها ، وطوبى لمن أحسن
مشايعته في آخرها.
والموت أقرب الأشياء من بني آدم وهو
يعدّه أبعد ، فما أجرأ الانسان على نفسه وما أضعفه من خلق.
وفي الموت نجاة المخلصين وهلاك المجرمين
، ولذلك اشتاق من اشتاق الى الموت ، وكره من كره.
قال النبي 6
: « من أحبّ لقاء الله احبّ الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه » .
* وروي عن النبي 6 انّه قال :
« أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت.
وأفضل العبادة ذكر الموت. وأفضل التفكر ذكر الموت ، فمن اثقله ذكر الموت وجد قبره
روضة من رياض الجنّة » .
* * *
وفي نفس الوقت فانّ الحقّ تعالى يطلب من
الانسان التوازن في تفكيره ، وحياته ، وشخصيته ، وفهمه لجميع الأشياء الكونية. فهو
يأمر الانسان بتعمير الأرض والسعي الجاد ، قال تعالى : ( يَا
أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا
تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ )
.
وقال تعالى : (
لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) .
وقال تعالى : ( إِنَّا
جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ
عَمَلًا )
.
وقال تعالى : ( إِنَّا
لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ) .
وقال تعالى : ( وَلَقَدْ
مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ) .
وقال تعالى : ( فَإِذَا
قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ ) .
وقال تعالى : (
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا )
.
* وروى الكليني في الكافي ، والطوسي في
التهذيب بإسنادهما عن المعلى بن خنيس قال : « سأل أبو عبدالله 7 عن رجل وأنا عنده ، فقيل له قد اصابته
الحاجة. قال : فما يصنع اليوم؟ قيل : في البيت يعبد ربّه عزّوجلّ.
قال : فما يصنع اليوم؟ قيل : في البيت
يعبد ربّه عزّوجلّ.
قال : فمن أين قوته؟!
قيل : من عند بعض اخوانه.
فقيل أبو عبدالله 7 : والله للذي يقوّته أشدّ عبادة منه » .
* وروى الصدوق في الفقيه عن الامام
الصادق 7 عن رسول
الله 6 :
« عليكم بالطلب ، ثمّ قال : انّي لأبغض
الرجل فاغراً فاه الى ربّه يقول : ارزقني ، ويترك الطلب » .
* وروى الكليني في الكافي بإسناده عن
الامام الباقر 7
قال :
« انّي لأبغض الرجل ، أو أبغض للرجل أن
يكون كسلانا عن أمر دنياه ، ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن آخرته أكسل » .
* وروي عن رسول الله 6 قال :
« إن قامت الساعة وفي يد أحدكم الفسيلة
، فإن استطاع أن لا تقوم الساعة حتّى يغرسها فليغرسها » .
* وروي عن رسول الله 6 انّه قال : « من غرس غرساً فأثمر أعطاه
الله من الأجر قدر ما يخرج من الثمرة » .
* وروي عنه 6 انّه قال : « إن الله حين اهبط آدم الى
الارض أمره أن يحرث بيده فيأكل من كده .. » .
ومع اهتمام الرؤية الاسلامية من خلال
نصوص الشريعة بتعمير الأرض والعمل لبناء الحضارة والمدنية الانسانية الصالحة ،
فانّ الاسلام يؤكد على تعمير الآخرة وبنائها كما تقدمت بعض النصوص الشريفة المؤكدة
لهذه الحقيقة ، لأنها تكشف أن الحياة الحقيقيّة هي الحياة الخالدة والتي تكون بعد
الموت ، ولذلك فانّ عمران الدنيا لابدّ وأن ينسجم بالتوازي مع عمران الآخرة مع
ملاحظة أخذ الشرط
الغائي في العمران
الدنيوي وهو الآخرة ، قال تعالى : ( وَابْتَغِ فِيمَا
آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) .
وبما أن هدف الآخرة لا ينسجم مع
الانسياب وراء الدنيا واغراءاتها فلذلك كان الموقف العقائدي والأخلاقي الاسلامي أن
يحدد السعي الدنيوي ، وليس هذا التحديد من حيث الكم ، وانّما هو من حيث النوع
والنية والأهداف.
وهو المعبّر عنه في كثير من النصوص
الاسلامية بطول الأمل ، وحبّ الدنيا.
وأهم الفوارق بين التحديد الكمّي
والتحديد النوعي هو أن الاسلام العظيم يشجع على العمران والبناء الحضاري بمختلف
أوجه النشاط المتعلق به ضمن قانون ( العمل الصالح ).
ولكنه يشترط في ذلك العمل أن يكون لخدمة
الأهداف الالهية ، ولأجل رقي الحضارة الانسانية وتقدمها واصلاح نقاط الخلل في
البنى الاجتماعية والانسانية والحضارية.
وأما الأهداف الشخصية فانّها محددة
بالكم ، يعني أن لا يركض الانسان وراء هدف صغير بجمع المال لنفسه وأهله الخاصين به
، بل لابدّ وأن تكون حركته في هذا المجال محدودة بمقدار الحاجة ، وعليه ان يصبّ
جلّ اهتماماته بالخدمة العامّة.
ونكتفي بهذا المقدار من توضيح معالم
الرؤية الاسلامية المقدّسة لهذا الموضوع الفكري والحياتي المهم.
مع التأكد على أن ما سجلته هنا بهذه
الأوراق لا يعدو عن أكثر من طرح الخطوط العامّة لهذا الموضوع الفكري والعقائدي
المهم ، وقد يرزقنا الله تعالى التوفيق لتفصيله بموضوع مستقل من جهة المفهوم
الاسلامي للعالم.
* * *
حياة
العلاّمة الشيخ القمّي ;
الحمد لله ربّ العالمين ثمّ الصلاة
والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم
أجمعين :
وبعد ، يقول العبد الفقير ياسين الموسوي
غفر الله تعالى ذنبه وأحسن عاقبته وحشره مع أجداده الطاهرين انّه جرت العادة بين
المحققين والمترجمين أن يكتبوا ترجمة عن المؤلّف وأحواله وقد اقتفينا أثرهم في ذلك
، فخرجت من قلمنا هذه الأوراق المتواضعة عن المرحوم المؤلّف ، وقد راعينا فيه
الاختصار سائلين المولى عزّوجلّ أن يتقبّله منّا بقبول حسن وأن يديم لطفه علينا
بمحمّد وآله وهو حسبي.
هويته الشخصية :
اسمه : الشيخ عباس بن محمّد رضا بن أبي
القاسم القمّي .
اسرته : والده الحاجّ محمّد رضا كان من
صلحاء أهل قم وزهادهم ، وله تعلّق بحضور مجالس الوعظ والارشاد ومجالس سيّد الشهداء
7 ، وكان يرجع
إليه بعض معارفه لمعرفة بعض الأحكام الشرعية ، مع انّه كان يمتهن الاشغال الحرة .
وأما اُمّه : فقد كانت من النساء
الصالحات وكان الشيخ القمّي دائماً يذكرها
بالخير ويقول إن
القسم المهم من التوفيق الذي حصل لي يعود الى امي فانّها كانت تمتنع عن ارضاعي
بالمقدار اذا كانت غير طاهرة ، وكانت تسعى دائماً الى ارضاعي وهي على طهارة.
وكان يقول : إن امي من النساء المتّقيات
وكانت تمتاز بعدم تفويتها الصلاة في وقتها .
وأما ولادته : فقال ; : ( ولادتي على الظاهر سنة ١٢٩٤ ) .
وقال العلاّمة الطهراني : ( ولد في قم
في نيّف وتسعين ومائتين وألف ... ) .
نشأته العلمية :
ولد القمّي في وسط اجتماعي امتاز
بالتديّن وحبّ العلم ، وكانت قم تمتلىء بمجالس الذكر والوعظ وقد انتشرت فيها مظاهر
اقامة الشعائر الدينية ، وفتح القمّي عينيه في حضن الجو الروحي فتأثر به ، وقد نقل
عنه انّه كان ضعيف البنية ولكنه كان قوي الروح وصاحب قلب مطمئن بالله عزّوجلّ ،
وقد تشبعت نفسيته بحب البحث والمعرفة من طفولته.
ووصف في طفولته بانّه كان يتكلم ويتحدّث
وكأنه رجل صاحب تجارب ومع أنه كان طفلاً ولكنّه لم تكن لديه عادات الأطفال من حب
اللعب وغيره.
كما نقل انّه حينما كان يرغب اليه
اترابه أن يشاركهم في لعبهم البريء ، كان الطفل عباس يرفض ذلك ، وحينما يصرون عليه
يجيبهم بشرط أن يقصّ عليهم بعض القصص الدينية ، وبما أن طبع الأطفال يميل الى
القصة فكانوا يحلقون حوله ويقص عليهم من قصص الصالحين ، ثمّ يذكرهم بانّهم يعيشون
في مكان مقدّس فهو يحتضن مرقد السيّدة المطهرة المعصومة فاطمة بنت الامام موسى بن
جعفر : ، كما انّه
مدفن جماعة كثيرة من عظماء الدين وعلماء الشيعة. ثمّ يدعوهم لترك الألعاب غير
اللائقة والأعمال اللا مرضية لئلاّ يهتكوا حرمة هذا المكان المقدّس ،
ثمّ يعرجون بدعوة
منه الى زيارة مرقد السيّدة الطاهرة سلام الله عليها .
عند الشيخ أرباب :
وبما انّه كان متعلقاً من نعومه أظفاره
بطلب العلوم الاسلامية وتحصيل المعارف الدينية ، فقد نشأ على حب العلم وأهله ،
فقرأ مقدمات العلوم ، وسطوح الفقه والاصول على عدد من علماء قم وفضلائها كالميرزا
محمّد الأرباب وغيره .
وقد أثرت شخصية استاذه فيه ، ويعتبر
المؤثر الأول في نشأته العلمية ، ولذلك لم يذكر لنا التاريخ اسماً من اساتذته
الآخرين في تلك المرحلة غير الشيخ محمّد أرباب. علماً انّ قم لم تكن آنذاك قد
افتخرت بالحوزة العلمية الكبيرة التي فارقتها منذ زمن طويل نسبيّاً وانتقلت الى
مدينة ( سلطان آباد ).
( والشيخ محمّد الأرباب من تلاميذ
الميرزا الشيرازي الكبير ;
، وقد حضر عنده عدة سنوات ، ثمّ أكمل دراسته في النجف الأشرف ، وبقي هناك سنوات
عدة ، ثم رجع الى قم وكان بها من المروجين المحققين المصنفين ) .
ووصف أيضاً : بانّه كان من أعاظم علماء
قم ، وأكابر فقهاء واُدباء الدهر ، فهو الخطيب الفحل والواعظ الشهير ، ونادرة
العصر في فنّ الخطابة ، وكان له الدور البارز في تأسيس الجامعة العلمية مع المحروم
آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري ولكنه لم يعمّر في هذه الحوزة الفتية فقد توفي
بعد سنة من تأسيسها ١٣٤١ هـ. ق .
وقد تأثّر المؤسس الحائري ; لوفاته كثيراً ، فخاطب عائلته ضمن
تعزيته لهم بانّكم لستم وحدكم صرتم يتامى بل إنّي فقدت أخاً.
وقد تتلمذ على يدي الشيخ الارباب كثير
من الفضلاء واساتذة قم من أمثال
المرحوم آية الله
الفيض .
وقد نقل عن كتاب ( تحفة الفاطميين ) ما
ترجمته ملخصاً :
( ... المرحوم الحاجّ الميرزا محمّد
صاحب كتاب الأربعين الحسينية من الآيات الالهية والبراهين القاطعة .. له من
الفقاهة والاجتهاد مقام سامي ، ورتبة عالية ، وقد سافر في اوائل شبابه الى العتبات
الشريفة. وحضر عند الميرزا الشيرازي ، واستفاد منه وكانت عمدة تلمّذه في الفقه
والاصول على يد الحاجّ الميرزا حبيب الله الرشتي ، والملاّ كاظم الخراساني ،
وبعدما اكمل دراسته للعلوم الدينية وحصل على القوة القدسية واجيز بالاجتهاد .. عاد
الى وطنه ( قم ) ، وظهرت له الرئاسة العامّة والشهرة التامّة ، وذاعت شهرة فقاهته
وفضيلته جميع الأصقاع ، وقرعت كل الأسماع .. ) .
وقال الشيخ عباس القمّي عن استاذه
الارباب وقد عنونه تحت ( محمّد بن محمّد تقي القمّي : شيخنا العالم الفاضل الفقيه
المحدّث الحكيم المتكلم الشاعر المنشي الأديب الأريب ، حسن المحاضرة ، جيد التقرير
والتحرير ، جامع المعقول والمنقول أدام الله تعالى بقاءه ، صاحب الأربعين الحسينية
، وشرح قصيدة « لاُم عمرو » للسيد الحميري ، وشرح البيان للشيخ الشهيد ، ورسالة في
الرد على البابية ، وتعليقات وحواشي كثيرة على العلوم ، وله أشعار لطيفة في مرثية
مولانا أبي عبدالله 7.
وكان حفظه الله تعالى كمحمد بن أحمد بن
عبدالله البصري الملقب بالمفجع المعروف بكثرة بكائه وتفجعه على أهل البيت : اسأل الله أن يمتعنا بطول بقائه ) .
وذكر اسمه مع السيّد حسن متولي حرم
السيّدة المعصومة سلام الله عليها والشيخ محمّد تقي البافقي والميرزا محمود
الروحاني الذين جاؤوا وطلبوا
بإلحاح من آية الله
الشيخ عبد الكريم الحائري البقاء والسكنى في قم وتأسيس الحوزة العلمية المباركة
فيها ، وبعد اصرارهم وما كان من استخارته وقد كانت الآية الشريفة ( وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ
) وافق على
البقاء ، وتأسست بواسطة تلك المساعي الحميدة الحوزة العلمية في قم .
هجرته العلمية الى النجف
الأشرف :
وكانت النجف عاصمة العلم الشيعي من يوم
هجرة شيخ الطائفة ورئيسها الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ. الى هذه
المدينة المقدّسة بعد حوادث سنة ٤٤٩ هـ. وذكر ابن الاثير في تاريخه في حوادث هذه
السنة أن (فيها نهبت دار أبي جعفر الطوسي بالكرخ ، وهو فقيه الامامية ، وأُخِذ ما
فيها ، وكان قد فارقها الى المشهد الغربي) .
وقال ابن حجر العسقلاني نقلاً عن ابن
النجار انّه ( احرقت كتبه ... واستتر هو ... مات بمشهد علي ... ) .
وذكر ابن كثير انّه ( احرقت داره بالكرخ
وكتبه سنة ثمان وأربعين ... ) .
وعن بداية هذه الجامعة العلمية الكبرى
تحدث المؤرخ الكبير المرحوم العلاّمة الشيخ اغا بزرك الطهراني فقال : ( ولما رأى
الشيخ الخطر محدقاً به هاجر بنفسه الى النجف الأشرف ، لائذاً بجوار مولانا أمير
المؤمنين 7 ، وصيّرها
مركزاً للعلم ، واخذت تشدّ اليها الرحال ، وتعلق بها الآمال ، وأصبحت مهوى رجال
العلم ، ومهوى افئدتهم ، وقام فيها صرح الاسلام ، وكان الفضل في ذلك لشيخ الطائفة
... ) .
نعم كانت النجف ( مأوى للعلماء ، ونادياً
للمعارف قبل هجرة الشيخ إليها ،
وكان هذا الموضع
ملجأ للشيعة منذ انشأت فيه العمارة الاُولى على مرقد الامام أمير المؤمنين 7 ، لكن حيث لم تأمن الشيعة على نفوسها
من تحكمات الأمويّين والعباسيين ، ولم يستطيعوا بث علومهم ورواياتهم كان الفقهاء
والمحدّثون لا يتجاهرون بشيء مما عندهم ، وكانوا متبددين حتّى عصر الشيخ الطوسي
والى أيّامه. وبعد هجرته انتظم الوضع الدارسي ، وتشكلت الحلقات ... ) .
( وقد تخرّج منها خلال هذه القرون
المتطاولة آلاف مؤلفة من أساطين العلم وأعاظم الفقهاء ، وكبار الفلاسفة ، ونوابغ
المتكمين ، وأفاضل المفسرين ، وأجلاء اللغويين ، وغيرهم ممن خبروا العلوم
الاسلامية بأنواعها ، وبرعوا فيها ايّما براعة ، وليس أدل على ذلك من آثارهم
المهمّة التي هي في طليعة التراث الاسلامي ، ولم تزل زاهية حتّى هذا اليوم ، يرتحل
إليها رواد العلوم والمعارف من سائر الأقطار والقارات فيرتوون من مناهلها العذبة
وعيونها الصافية ... ) .
وكان المنهاج الدراسي العلمي عند
الامامية الى قبل الهجمة الاستعمارية الكافرة على النجف الأشرف التي شهدت غاية
عنفها من سنة ١٩٦٩ م وما زالت المعركة حامية الوطيس ـ ان يبدأ الدراس للعلوم
الاسلامية دراساته في احدى الحوزات العلمية المبثوثة في كثير من بلدان الشيعة حتّى
اذا انتهى من مراحله الاُولى والمتوسطة فانّه يلزمه الهجرة الى النجف الأشرف ليكمل
دراسته وتربيته العلمية ، لما جمعت من فحول علمائها وكبار مجتهدي الامامية ،
والمدارس ودور السكن للطلاب والعلماء وغير ذلك من الوسائل اللازمة لعيش العلماء
والطلاب .
فكان من الطبيعي ان يهاجر المرحوم الشيخ
عباس القمّي الى النجف الأشرف بعد ان أكمل دراساته الاولية المسمّاة بالمقدمات
والسطوح في مدينة قم المقدّسة على يد مجموعة من العلماء والأفاضل.
وفي سنة ١٣١٦ هاجر الى النجف الأشرف ،
فأخذ يحضر حلقات دروس العلماء ، إلاّ انّه لازم خاتمة المحدّثين الشيخ حسين النوري
; وكان يقضي
معه أكثر أوقاته في استنساخ مؤلفاته ومقابلة بعض كتاباته. وتحدث الطهراني ، زميل
القمّي عن بداية نشوء هذه العلاقة العلمية بين العَلَمين ، حيث قال :
( وفي سنة ١٣١٦ هاجر الى النجف الأشرف ،
فأخذ يحضر حلقات دروس العلماء ، إلاّ انّه لازم شخينا الحجة الميرزا حسين النوري.
وكان يصرف معه أكثر وقته في استنساخ مؤلفاته ومقابلة كتاباته وكنت سبقته في الهجرة
الى النجف بثلاث سنين ، وفي الصلة بالمحدّث النوري بسنتين حيث هاجر النوري الى
النجف في سنة ١٣١٤ هـ ... ولا أزال أتذكر جيداً يوم تعرّف المترجم له على شيخنا
النوري ، وأول زيارته له ، كما أتذكر ان واسطة التعارف كان العلاّمة الشيخ علي
القمّي لأنه من أصحابه الأوائل ومساعديه الافاضل ... ).
ومع أن العمر قصر في حياة الاستاذ
النوري ; فلم تدم
العلاقة بينهما أكثر من أربع سنوات تقريباً
ومع ذلك فقد كان له تأثير كبير في شخصية القمّي وبنائها ،
__________________
كما صرّح هو بذلك في
كتاب ( الفوائد الرضوية ) وغيره.
وبعد وفاة الشيخ النوري ; فقد أتمّ دراسته بالحضور على المجتهدين
الآخرين من اساتذة الحورة العلمية النجفية.
وبقي يتحرك بسيره العلمي ضمن البرنامج
الذي اختطه في حياة استاذه النوري ، مواصلاً مع زملائه الآخرين طريقه ، يقول
الطهراني : ( بقيت الصلة بيننا نحن تلاميذ النوري وملازميه ، فقد كانت حلقات دورس
العلماء والمشاهير تجمعنا في الغالب الاّ ان صلتي بالمترجم له كانت أوثق من صلاتي
بغيره ، حيث كنّا نسكن غرفة واحدة في بعض مدارس النجف ، ونعيش سوية ، ونتعاون على
قضاء لوازمنا وحاجاتنا الضرورية حتّى تهيئة الطعام وبقينا على ذلك بعد وفاة شيخنا
أيضاً ، ونحن نواصل القراءة على مشايخنا الاجلاّء الآخرين ) .
وقد تخلل وجوده في النجف الأشرف للتحصيل
العلمي ، سفره الى حج بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي 6 وأئمة البقيع : ، في حياة استاذه النوري ; في سنة ١٣١٨ هـ. وعاد من هناك الى
ايران عن طريق مدينة شيراز من دون أن يمرّ على النجف الأشرف ، فزار وطنه قم ، وجدد
العهد بوالديه وذويه ، ثمّ رجع الى النجف وعاد الى ملازمة الشيخ النوري وحصل على
الاجازة منه .
واستمرّ بعد وفاة الاستاذ يواصل دراسته
العلمية عند أساطين العلم الآخرين الى سنة ١٣٢٢ هـ فعاد فيها الى ايران فهبط الى
قم وبقي يمارس أعماله العلمية ، ولم يذكر المؤرخون لحياته انّه حضر ـ بعد رجوعه من
النجف الأشرف ـ عند أحد من علماء قم المقدّسة وانما اكدوا أن بعد عودته من النجف
الأشرف الى موطنه الأصلي انصرف الى البحث والتأليف ويظهر مما سجّلوه عن حياته انّه وبعد
عودته سنة ١٣٢٢ هـ بدأت حياته الفكرية بالانتاج.
في قم المقدّسة :
وقد رجع الى وطنه بسبب المرض الذي
اعتراه ولازمه الى آخر عمره ، حيث
اصيب بمرض (الربو) ،
ولكنه لم يتمكن من منعه عن ممارسة ابحاثه ونشاطه العلمي ، بل استمر بعمله العلمي
بقوة وحيوية.
وتعددت أوجه حركته بالتأليف والوعظ
والارشاد والخطابة ، وبطبيعي الحال فإنه لم يكن مشهوراً في هذه الفترة من حياته
ولكنه تمكن أن يفتتح أبواباً لحركته العلمية.
وفي سنة ١٣٢٩ هـ سافر الى الحج للمرّة
الثانية من قم .
هجرته الى مشهد المقدّسة :
ولم يطل العهد بالقمّي ببقائه في قم
المقدّسة فما لبث ان عزم على الهجرة الى مشهد المقدّسة سنة ١٣٣١ هـ أو سنة ١٣٣٢ ، فهبط الامام 7 في خراسان واتخذ منه مقراً دائماً له.
وقد ذكر انّه نزح من موطنه الأصلي بسبب
بعض المشاكل التي أشار إليها في مقدمة كتابه الفوائد الرضوية حيث قال ما تعريبه
ملخصاً : (حتّى كانت سنة ١٣٣٢ فخطر في ذهني أن التجأ الى إمام الاتقياء وزبدة
الاصفياء ، معين الغرباء ، والشهيد بالسم أبي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله
عليه وعلى آبائه وابنائه ... وذلك لشدة البلايا والمحن وكثرة الهموم والغموم التي
حلت بهذا الداعي وتفصيلها طويل .. )
وقيل أن سبب بقائه في مشهد انّه كان بطلب من آية الله الحاجّ السيّد حسين القمّي ،
فاستجاب العلاّمة المحدّث لهذا الطلب وعزم على البقاء الدائم في هذه الأرض الطيبة .
وانصرف في مشهد الى طبع بعض مؤلفاته ،
وعكف على تصنيف غيرها .
ووفق الى حجّ بيت الله الحرام وزيارة
قبر النبي الأكرم 6
وأئمة البقيع : للمرّة
الثالثة من مشهد .
وقد لمع اسم الشيخ القمّي في هذه
المدينة المقدّسة وانتشر في بلدان العالم الشيعي خصوصاً بعد طبع كتابه مفاتيح
الجنان.
كما أنّه كان لمجالس وعظه الأثر الكبير
في اقبال المؤمنين وأهل المعرفة إليه وكان يرتقي المنبر في بيت آية الله السيد
حسين القمّي في العشرة الاُولى من محرم الحرام للوعظ والارشاد وذكر الحسين 7.
ولم يمتهن الخطابة الحسينية ، وانّما
اتخذها وسيلة لتبليغ رسالته الإلهية وقد نحج في ذلك بمقدار كبير.
كما أنه دعي الى إمامة صلاة الجماعة في
أحد أروقة الحرم الرضوي على مشرفه آلاف التحية والسلام ، ولكنه انقطع ولم يستمر.
كما أنّه كان يدرس الأخلاق في ليالي الخميس
والجمعة في مدرسة (ميرزا جعفر) العلمية في مشهد وكان يحضر تحت منبره حدود الألف
مستمع .
رجوعه الى قم المقدّسة :
ومع أنه قد شدّ العزم على البقاء
الدائمي في مشهد الامام الرضا 7
ولكنه قد انثى عن عزمه الأول بعد قدوم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري الى قم
المقدّسة سنة ١٣٤٠ هـ فهاجر الى قم المقدّسة وصمم على البقاء في هذه المدينة
المقدّسة بطلب من علمائها وشخصياتها.
وبدأ الحائري يرتّب الحوزة العلمية
ويمدّها بالعلماء الأبرار (فنظم من كان فيها من طلاب العلم تنظيماً عالياً ، وأعلن
عن عزمه على جعلها مركزاً علمياً يكون
له شأنه في خدمة
الاسلام واشادة دعائمه ... فوضع العطاء على الطلاب والعلماء ، وبذل عليهم بسخاء ،
وسنّ نظاماً للدارسة ، وقرر ترتيباً مقبولاً للاشراف على تعليم الطلاب واجراء
الامتحان السنوي ... وغصت المدارس باهاليها ، وزاد عدد الطلاب والعلماء في أوائل
هجرته إليها على الألف ، وقام بأعباء اعاشتهم ، وتنظيم أدوارهم بهدوء وحكمة ... ) .
وقد شارك العلماء الافذاذ مؤسسو الحوزة
العلمية فهرعوا من كل صوبٍ ومكان لمآزرته ومساعدته واعانته على مشروعه الالهي
الكبير خصوصاً بعد ما اشتدت المحن والبلايا بالضغوط الجائرة التي أوجدها رضا بهلوي
بتطبيق علمنة البلاد الايرانية ومنع المظاهر الاسلامية بكل اشكالها حتّى انّه منع
الحجاب ولبس الزي العلمائي وغيرها من الأعمال القبيحة.
وكلّما اشتدت المحنة كلما ازداد دعم
العلماء للحوزة العلمية في قم ، ويبدو أن فكرة انتقال الشيخ القمّي الى قم المقدسة
بعد ما كان قد عزم على البقاء في مشهد ، جاءت أثر تصاعد تلك المضايقات ، واشتداد
المحن ، فان الشيخ القمّي قد كتب رسالة عن حياته وذكر فيها انه ما زال مستوطناً
المشهد الرضوي المقدّس ، وكانت السنة هي سنة ١٣٤٦.
قال العلاّمة الطهراني : ( ولما حلّ
العلاّمة المؤسس الشيخ عبد الكريم الحائري مدينة قم ، وطلب اليه علماؤها البقاء
فيها لتشييد حوزة علمية ومركز ديني واجابهم الى ذلك كان المترجم له من أعوانه
وانصاره ، فقد أسهم بقسط بالغ في ذلك ، وكان من أكبر المروجين للحائري ، والمؤيدين
لفكرته ، والعاملين معه باليد واللسان ) .
وكتب العلاّمة الطهراني عن حركة الحائري
:
« وقد برهن الحائري على بطولة ورجولة
وشجاعة وصبر وجلد وثبات
وعزيمة جبارة ، فقد
لاقى في طريق العمل من الصعاب والمتاعب ما يكفي لتراجع أكبر الرجال قلباً ،
وأقواهم شكيمة ، وأوسعهم صدراً ، حيث كان لانتهاء حكم القاجاريين وتولي البهلوي
تأثير بارز في تقليص جهوده والحدّ من نشاطه اذ رافقت ذلك احداث ووقائع جسام. وكانت
سيرة البهلوي واضحة في عزمه الأكيد وتصميمه على القضاء على الدّين ومحمو كل أثر
لرجاله وشعائرة ورسومه ؛ فقد سجن العلماء الكبار ، ونفى عدداً منهم ، ودس السمّ
لأخرين ، وفعل الأفاعيل من هذا القبيل.
وفي هذه الظروف كان الحائري يعمل على
توسيع دائرة الحوزة العلمية في قم ونشر الدعوة ودعم هيكل الدين ، واشادة مجد
الاسلام باعمال أحكامه وتطبيق نظامه.
في ذلك الوقت ، وفي تلك الظروف السود ،
قاوم هذا العالم المخلص ديكتاتورية الملك واباحيته ، ووقف في وجهه مجنّداً كل
امكانياته وقابلياته ، وموطناً نفسه للعظائم ، ومضحياً في سبيل دعوته بكل ما يملك
، ولم تفتّ في عضده ، أو توهن من عزيمته ، أو تسرب ألياس والقنوط الى نفسه كل تلك
المحاولات اللئيمة والمساعي الخبيثة التي بذلها سماسرة السوء ، وزبانية الشر ،
وأعداد الدين والخير والفضيلة.
وهكذا بقي يقاوم كل ما يعترض طريقه من
عقبات وعراقيل حتّى كلّل سعيه بالنجاح وانتصر ، وباء خصومه بالصفقة الخاسرة ،
وعادوا يجرون أذيال الفشل ( وَلَعَذَابُ
الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ )
... ».
ولكن الاسلام في ايران قد لاقى عدواً
وحشياً تحت الحماية الغريبة والشرقية استطاع لفترة حكمه أن يحدّ من أي نشاط ديني
في ايران بالارهاب وهتك الحرمات وقتل آلاف الشيعة في المشهد الرضوي في حادثة كوهر
شاد
ومنع الحجاب ومنع
الزي العلمائي ومنع اقامة العزاء على سيد الشهداء 7
وتدنيس حرمة الحوزات العلمية والمراقد المطهرة ونفي عشرات العلماء من كبار
المجتهدين والخطباء. وأدت تلك الأعمال القبيحة للمدعو رضا بهلوي الى هجرة كبار
علماء ايران الى النجف الأشرف ، وانزواء آية الله الحائري قابعاً في زاوية بيته
ولكنه لم يرفع اليد عن الحوزة وشؤونها بل استمرّ بالتدريس والادارة ، فانّه قد
تحمل كل شيء من أجل هذا البناء المقدّس المهم ، وبالفعل فقد تمكن الحائري أن ينتصر
بمشروعه على كل مؤامرات الاستعمار وتمكنت هذه الحوزة المباركة ان تقود حركة الامة
والتي كان نتاجها الجمهورية الاسلامية المباركة. ويبدو أن فاجعة كوهر شاد قد أثرت
على حياة الشيخ الحائري فان وفاته كانت في ١٨ ـ ذي القعدة الحرام ـ من سنة ١٣٥٥
هـ. ق بينما كانت حادثة الهجوم على المرقد الرضوي الشريف في ١٢ ـ ربيع الثاني سنة
١٣٥٤ هـ. ق.
وأما شيخنا القمّي (أعلى الله مقامه)
فانه كان في مدينة همدان وقد سمع بالفاجعة الكبرى بهتك حرمة الحرم الرضوي وقتل
المؤمنين والعلماء ، واعتقال الآيات العظام حبسهم وتهجير بعضهم ، فعجل بالمجيء الى
قم المقدّسة ليرى موقف العلماء الآخرين ، ولكنه فوجىء كالباقين بالأحداث العظام
والضربات المتتاليات وقتل أو حبس أو تهجير كل انسان يقف أمام مشاريع البهلوي ،
مهما كان عنوانه وبالفعل فقد نفى آية الله السيّد حسين القمي الى العراق ، وجرّد آية
الله الشيخ آقا زادة
ـ نجل آية الله العظمى الشيخ محمّد كاظم الخراساني صاحب كتاب كفاية الاصول وقائد
حركة المشروطة من الزي العلمائي ، ونفى آية الله السيّد يونس الاردبيلي وآية الله
الشيخ محمّد تقي البافقي الى ري سنة ١٣٤٦ هـ. ق الى أن توفي هناك في ١٢ جمادى
الاولى سنة ١٣٦٥ هـ. ق وغيرهم من الأعلام فلم يطل الشيخ القمّي المكث في قم فهاجر
مرّة اُخرى الى النجف الأشرف منثنياً عن عزمه الأول بالبقاء في مشهد المقدّسة.
علماً انّه عندما كان في مشهد المقدّسة
فانّه كان يقضي شتاء كل سنة في النجف الأشرف ويبقى هناك حوالي ستة أشهر ثمّ يرجع
الى مشهد المقدّسة فيقيم الستة الأشهر الباقية ، ولكنه بعد حادثة كوهر شاد غيّر
برنامجه السكني وبقى في النجف الأشرف الى آخر عمره ، وهجر موطنه الاصلي قم
المقدّسة.
حياته العلمية :
بقراءة ما كتبه المؤرخون عن الشيخ
القمّي ; تنطبع صورة
تتلازم فيها شخصيته بالعلم تلازماً شديداً يكاد لا ينفك ، فترى القمّي من نعومة
أظفاره الى ساعة وفاته لم يفارق البحث والتدريس والقلم والقرطاس ؛ وكانت لشخصية
استاذه النوري ;
الأثر الواضح في تعميق هذه الصورة الجميلة فيه ، وتتضح من خلال تتبع حياته العلمية
ولو بشكل مختصر وسريع بالنقاط التالية :
أساتذته :
سبق وإن عرفت من كلام زميله العلاّمة الطهراني
; أن القمّي
حضر في
__________________
النجف الأشرف حلقات
دروس العلماء في حياة استاذهم النوري ولكنه لازم الشيخ حسين النوري وكان يصرف معه
أكثر وقته في المجالات العلمية
وأكد الطهراني انّه بقيت تلك الحلقات الدراسية للعلماء والمشاهير تجمعهم يعني بقي العلاّمة القمّي ملازماً
لدروس اولئك العلماء حيث صرح الطهراني بقوله : ( وبقينا على ذلك بعد وفاة شيخنا
أيضاً ونحن نواصل القراءة على مشايخنا الأجلاء الآخرين ) .
ولكن المؤسف انّه لم يذكر أحد ممن ترجم
القمّي أسماء اساتذته الآخرين واقتصروا على ذكر خاتمة المحدّثين النوري ، وصرحوا
بانّه حضر عند الاساتذة الآخرين ، ومع احتمال أن مدة حضوره عندهم أكثر من فترة
حضوره عند العلاّمة النوري ;
من حيث الزمن ، ولكن بقي النوري مختصاً بتأثيره الواضح عليه كما صرح هو نفسه في
أكثر من موضع كما سيأتي الاشارة إليه في محله.
ولكن يمكننا معرفة اولئك الاساتذة من
خلال ما سجّله زميله من الدرس والتحصيل العلاّمة الطهراني فأنه قد صرح وبمواضع عدة
انّهما كانا يشتركان بالحضور في الدرس والمباحثة عند العلماء المعروفين. وقد عدّ
ضمن اساتذة الطهراني كلٌّ من :
١ ـ خاتمة المحدّثين الحاج ميرزا حسين
النوري المتوفى سنة ١٣٢٠ هـ.
٢ ـ السيّد مرتضى الكشميري المتوفى سنة
١٣٢٣ هـ.
٣ ـ الشيخ محمّد طه نجف المتوفى سنة
١٣٢٣ هـ.
٤ ـ الحاج ميرزا حسين بن الحاج ميرزا
خليل المتوفى سنة ١٣٢٦ هـ.
٥ ـ الشيخ محمّد كاظم الخراساني صاحب
الكفاية المتوفى سنة ١٣٢٩ هـ.
٦ ـ السيّد محمّد كاظم اليزدي المتوفى
سنة ١٣٣٧ هـ.
٧ ـ الميرزا محمّد تقي الشيرازي المتوفى
سنة ١٣٣٨ هـ.
٨ ـ شيخ الشريعة الاصفهاني المتوفى سنة
١٣٣٩ هـ.
ونظراً لتأثير استاذه النوري وتأثره في
شخصيته ومنهجه العلمي يلزمنا معرفة شيء من أحواله.
اُستاذه النوري :
لقد كان أهم تحصيله العلمي والذي أثر في
مستقبل حياته عند الشيخ النوري ;
كما تقدمت الاشارة به ، وقد سجل هذه الملاحظة جميع المؤرخين له ، قال المدرس ما
ترجمته مختصراً : ( ولازم الحاج الميرزا حسين النوري واستفاد منه كثيراً ، وفي نفس
الوقت قام بمساعدات كثيرة لاستاذه المعظم في بعض تأليفاته ... ) .
ومهما تكن نوعية تلك المشاركة
والمساعدات لاستاذه فلا ينقص من حظ استاذه شيء ، وانّما تعكس اهتمام الاستاذ به
وتشخيصه لجوانب الميول العلمية في نفس التلميذ ، كما انّها تعكس طريقة الاستاذ في
تربية تلاميذه التربية العلمية بايجاد حالة تحسيسهم بمواقع القوة العلمية في
نفوسهم وتقويتها والاشراف بنفسه على عملية النمو العملي ، كما تظهر تلك المشاركة
ان هذا التلميذ كان محط اهتمام وعناية استاذه ... وتثبت انّه كانت للتلميذ ملكات
وقدرات هائلة استحق بها هذا الاهتمام.
وبالفعل فإن جهود الاستاذ لم تذهب سدىً
، وانّما جاءت على أحسن ما يرام فصنعت من القمّي مؤلفاً ناجحاً وخطيباً بارعاً ،
ولم يئس القمّي ذلك لاستاذه وانّما أظهر فضل الاستاذ عليه في كل مناسبة وفرت له أن
يصرح بذلك .. فقد قال وهو يصف قربه إليه وتعلقه به ، وانّه لم يفارقه حتّى وقت
ارتحاله من هذه الدنيا ما ترجمته :
( .. وكنت وقت ارتحاله في خدمته ...
وكنت عنده بمنزله أولاده ، وكم كانت
المصيبة مرّة ومازلت
أحس بمرارتها في فمي ، ومازلت أتجرع الغصص لفقدانه ... ) .
ويقول أيضاً : ( ويحق لي أن أقول : ولقد
عشت بعد الشيخ عيشة الحوت في البر ، وبقيت في الدهر ولكن بقاء الثلج في الحرّ ،
فلقد كانت له عليّ من الحقوق الواجب شكرها ما يكل شبا براعتي ويراعي عن ذكرها.
وهو شيخي الذي أخذت عنه في بدء حالي ،
وانضويت الى موائد فؤائده يعملات رحالي ، فوهبني من فضله ما لا يضيع ، وحنّ عليّ
حنو الظئر على الرضيع.
ففرش لي حجر علومه ، وألقمني ثَدي
معلومه ، فعادت علي تركات انفاسه ، واستضأت من ضياء نبراسه ، فما يسفح به قلمي
انّما هو من فيض بحاره ، وما يفنح به كلمي انّما هو نسيم أسحاره ، وأنا أتوسل الى
ربّ الثواب والجزاء أن يجعل نصيبه من رضوانه أوفى الانصباء ، وكم له ; من الله تعالى ألطاف خفيه ، ومواهب
غيبية ونِعَم جليلة .. ) .
وقال أيضاً : ( لازمت خدمته برهة من
الدّهر في السفر والحضر ، والليل والنهار ، وكنت استفيد من جنابه في البين الى أن
نعب بيننا غراب البين فطوى الدهر ما نشر ، والدهر ليس بمأمون على بشر .. ) .
وأما شيخه النوري فهو : الحسين بن محمّد
تقي بن علي محمّد النوري الطبرسي ولد في ١٨ شوال سنة ١٢٥٤ في قرية نور احدى كور
طبرستان وهي ( مازندران ).
وكان والده من العلماء الأجلاء درس في
اصفهان على المحقّق المولى علي النوري وفي كربلاء عند السيّد محمّد المجاهد نجل
صاحب الرياض ، ثمّ هاجر الى النجف الأشرف وحضر عند علمائها ثمّ عاد الى بلاده
حائزاً على درجة
الاجتهاد وأسس حوزة
علمية في منطقته وصار مرجعاً للتقليد فيها.
وقد توفي أبوه في ربيع الأول سنة ١٢٦٣
هـ. وكان للنوري من العمر ثمان سنوات
وأثر اليتم فيه فلم ينسه الى آخر حياته حيث كتب في ترجمة حياته : ( وتوفي والدي
العلاّمة أعلا الله تعالى مقامه ... وأنا ابن ثمان سنين ، فبقيت سنين لا أحد
يربيني ) .
فنشأ ;
تعالى عصامياً معتمداً على نفسه ، وقد وضحت عصاميته جلية في مستقبل حياته ، وهو
تفسر صبره وتحمله المشاق واصراره ومثابرته .
وكان له شغف خاص بالعلم وتحصيله فحين
بلغ أوان حلمه لازم العالم الجليل الفقيه النبيه الزاهد الورع النبيل المولى محمّد
علي المحلاتي.
ثمّ هاجر الى النجف الأشرف فحضر عن
الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الانصاري المتوفى سنة ١٢٨١ هـ ، ولازم الآية الكبرى
الشيخ عبد الحسين الطهراني الشهير بشيخ العراقيين ، كما انّه لازم درس السيّد
المجدد الشيرازي حتّى وفاته سنة ١٣١٢ هـ.
وعدّ من شيوخه الشيخ فتح علي السلطان
آبادي والحاجّ الملا علي كني ومن مشايخ اجارته السيّد مهدي القزويني كما أنّه
تتلمذ على الفقيه الكبير الشيخ علي الخليلي.
وخرّجت مدرسته العلمية مجموعة من
الفضلاء والعلماء الاجلاء أشهرهم الشيخ عباس القمّي ، والشيخ اغا بزرك الطهراني والشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء والسيد عبد الحسين شرف الدين .
وكانت لشخصية الاستاذ القوية ومنهجهُ
الايماني القويم وجاذبيته الشخصية والمدرسية جذبت اولئك التلاميذ الافذاذ وخرّجت
علماءأً يبقى الزمن يفتخر بهم ويبقى اتباع مذهب الحقّ يتباهون بوجود أمثالهم
كالشيخ القمّي والشيخ الطهراني صاحب موسوعة الذريعة وغيرها.
وعرف عنه شغفه بجمع الكتب لا سيّما
القديمة منها والاصول وقد جمع مكتبة من نفائس الكتب والمخطوطات ندرت أن تجتمع عند
غيره وقد حصل على بعض الاصول التي لم يحصل عليها غيره حتّى الشيخ المجلسي 5 والحر العاملي 5.
وله في تحصيل الكتب النادرة حالات أبهرت
معاصريه وكان يبذل الكثير من أجلها وقد نقلت عنه عدة حكايات غريبة تعكس ذلك ؛ منها
ما نقله تلميذه الطهراني حيث قال : ( مرّ ذات يوم في السوق فرأى أصلاً من الاصول
الاربعمائة في يد امرأة عرضته للبيع ، ولم يكن معه شيء من المال ، فباع بعض ما
عليه من الألبسة واشترى الكتاب ... ) .
وله مؤلفات كثيرة تدل على تتبعه واحاطته
بالأخبار مما يندر في أحد غيره بعد المجلسي ;
من أشهرها مستدرك الوسائل ، والنجم الثاقب ، ودار السلام وجنّة المأوى والصحيفة
السجادية الرابعة والصحيفة العلوية الثانية والفيض القدسي في أحوال المجلسي ، وكشف
الأستار عن وجه الغائب عن الأنصار والكلمة الطيبة ونفس الرحمان في فضائل سيدنا
سلمان وغيرها.
وقد وهب حبّ طلابه له حبّاً كبيراً
قلّما نجده بين الاستاذ وتلاميذه ، وبمراجعة سريعة الى ما كتبه الشيخ القمّي عن
استاذه تجد مصداق ذلك ، وهكذا فيما كتبه تلميذه الآخر الشيخ الطهراني عندما أراد
أن يكتب ترجمة لاستاذه : ( ارتعش القلم بيدي عندما كتبت هذا الاسم ، واستوقفني
الفكر عندما رأيت نفسي عازماً على ترجمة استاذي النوري ، وتمثل لي بهيئته المعهودة
بعد ان مضى على
فراقة خمسة وخمسون
سنة فخشعت اجلالاً لمقامه ، ودهشت هيبة له ، ولا غرابة فلو كان المترجم له غيره
لهان الأمر ، ولكن كيف بي وهو من اولئك الأبطال غير المحدودة حياتهم واعمالهم فمن
الصعب جداً أن يتحمل المؤرخ الأمين وزر الحديث عنها ، ولا أرى مبرراً في موقفي هذا
سوى الاعتراف بالقصور عن تأدية حقّه ... )
وإن تأثّر هؤلاء الافذاذ به وبهذا المقدار الكبير من التأثّر لم يكن عن عاطفة
جوفاء وصداقة عابرة ، بل لهم الحقّ في ذلك ، لأنه اعطاهم كل وقته ، ولم يترك شيئاً
لنفسه دونهم بل فضلهم على نفسه وقدمهم على شخصه مع مقامه العلمي ووجاهته
الاجتماعية.
وتميز بمنهج علمي سوف نستعرضه عند
الحديث عن المنهج العلمي عند القمّي إن شاء الله تعالى.
توفي في ليلة الاربعاء لثلاث بقين من
جمادي الثانية سنة ١٣٢٠ هـ. ودفن في الصحن العلوي الشريف وكان لجثمانه كرامة
منقولة في المصادر التي ترجمت له.
حبّه للعلم :
امتازت مدرسة النوري (الاستاذ وتلاميذه
كالشيخ القمّي والشيخ الطهراني بحب العلم وزقه الى درجة الثمالة ، وقد نقلت عن كل
واحد منهم قصص تثير الاعجاب والتقدير.
وقد انصرف القمّي ـ كباقي أفراد هذه
المدرسة المحترمة ـ الى العلم والتأليف والتصنيف والترجمة والبحث والدرس والمقابلة
وما الى ذلك ، قال زميله الطهراني : (وكان دائم الاشتغال ، شديد الولع في الكتابة
والتدوين والبحث والتنقيب لا يصرفه عن ذلك شيء ، ولا يحول بينه وبين رغبته فيه
واتجاهه اليه حائل ... ) .
وقال نجله الشيخ علي محدّث زاده ما
تعريبه : ( ... وكان والدي دائم الاشتغال
بالكتابة ، وحتّى في
حال مرضه فانّه كان يشتغل بالقراءة والكتابة في اليوم والليلة سبعة عشرة ساعة على
الأقل ) .
ونقل عنه أيضاً انّه قال : ما تعريبه :
(وكنت من أيّام طفولتي مع المرحوم الوالد وكنّا اذا خرجنا خارج المدينة فانّه
يستمرّ بالكتابة والمطالعة من أول الصبح الى العشاء ) .
ونقل عنه أيضاً انّه كان له ولع شديد
بالقراءة والكتابة لا يملّ منهما ولا يتعب حتّى انّه اذا ذهب مع بعض أصحابه الى
بستان للاستجمام مثلاً فانّه وبمجرد أن ينتهي من الطعام مع أصحابه ينعزل بمكان
هادىء جنب جدول ماء أو تحت شجرة ويبدأ بالقراءة والكتابة.
ونقل عن بعض اصحابه انّه كان يجلس معهم
للطعام فاذا انتهوا وأرادو أن يتحدثوا قام عنهم مع قلمه وقرطاسه ويبدأ بالكتابة
والمطالعة فحينما كانوا يطلبون منه البقاء معهم ليتحدثوا معه ويستفيدوا منه فكان
يجبيهم : انّنا جميعاً نذهب ولكن هذه الاشياء تبقى.
ونقل عن كتاب ( پندهائي از رفتار علماء
اسلام ) : أن المرحوم الحاج الشيخ عباس القمّي صاحب كتاب مفاتيح الجنان سافر مع
جماعة من التجار الى سورية وقد تحدث اولئك وقالوا : انّنا كلّما ذهبنا للنزهة فانّه
يبقى مشغولاً بالقراءة والتأليف ، وكلما اصررنا عليه أن يأتي معنا فكان يمتنع
شديداً ، وكنّا ننام في الليل ويبقى هو يقرأ ويؤلف ... ) .
ومع أن الشيخ القمّي ; كان قد ابتلى بمرض الربو ( ضيق التنفس )
وكان يصعب عليه المقام والقعود أحياناً ولا يقدر أن يرفع الكتاب من الارض .. ولكن
كان يشتغل ليلاً ونهاراً ولا يدع للتعب مجالاً أن يدخل الى نفسه ، وكان يبقى
في أكثر الليالي يقظاً وقليلة تلك الليالي التي
ينام فيها ، وكانت من عادته أن لا يضع شيئاً تحت رأسه وانما يضع يده تحت رأسه
وينام. وكانت قراءته من أجل الكتابة والتأليف. وكان جيد الكتابة وسريعها ، وقد كتب
كثيراً حتّى ثفنت أطراف أصابعه التي يمسك بها القلم ، ومن النادر أن لا يمسك القلم
في ليلة ونهارها.
وقد حصل حبّه وعلاقته بالكتاب بحيث انّه
بمجرد أن يحصل على ما مال قليل يسرع بصرفه في شراء كتاب ، وقد نقل عن الشيخ عباس
القمّي انّه قال : ( في الزمان الذي كنت ادرس في قم كنت في ضائقة مالية شديدة حتّى
كنت اجمع القران
مع القران الى ان تصير ثلاثة تومانات مثلاً فحينها اذهب من قم الى طهران مشياً على
الأقدام
واشتري بتلك التومانات كتاباً ثمّ ارجع الى قم ماشياً أيضاً واستمرّ في دراستي ) وكان المحدّث القمّي يعشق الكتاب بشكل
عام ويطرب له ويرمق إليه بأريحية ومحبة ، ولكنه كان ينظر الى كتب الشيعة وبالخصوص
كتب الحديث نظرة قداسة كما سوف يأتي ذلك بمحله من هذه الرسالة.
مشاركته في تأسيس الحوزة
العلمية في قم المقدّسة :
تقدمت الاشارة عن رحلة آية الله العظمى
المرحوم الحاجّ الشيخ عبد الكريم الحائري الى قم المقدّسة وعزمه على تأسيس الحوزة
العلمية في قم المقدّسة واعادة مجدها ، ودعا العلماء الى هذه المدينة ليشاركوه
مشروعه الالهي الكبير وقد أجابه مجموعة من العلماء الأعلام من مختلف الأقطار ، وقد
وجه الدعوة الى الشيخ عباس القمّي فما كان أسرع من أن يجيبه على دعوته مع أنه كان
قد شدّ العزم وصمم على سكنى المشهد الرضوي الى آخر عمره ولكنه فضّل تحمل المشاق
ونكران الذات من أجل خدمة الاسلام العظيم فانّه عندما جدّ الجد ، وعلم أن واجبه
الشرعي يحتم عليه الانتقال الى مدينة قم المقدّسة للمشاركة مع آية الله الحائري
الحائري الغى عزمه
الأول وجاء يبذل الجهد والوسع للقيام بالواجب المقدّس.
وقد قال زميله الطهراني عن تصميم القمّي
الجديد : ( ولما حلّ العلاّمة المؤسس الشيخ عبد الكريم الحائري مدينة قم وطلب اليه
علماؤها البقاء فيها لتشييد حوزة علمية ومركز ديني واجابهم الى ذلك كان المترجم له
من أعوانه وأنصاره ، فقد أسهم بقسط بالغ في ذلك وكان من أكبر المروجين للحائري
والمؤيدين لفكرته والعاملين معه باليد واللسان ... ) .
ومهما يكن دور القمّي في بناء تلك
الحوزة فانّ استجابته في تلك الأيّام الصعبة والحرجة تنم عن غيرته على الدين
الحنيف وجهاده ، فهو يشارك في مشروع جديد لا يعلم مصير بقائه في المستقبل ، ولم
يحتوي على مغريات الدنيا من الجاه والمال شيئاً وانّما الدافع الوحيد لدعمه
ومؤازرته لصاحب المشروع هو الحرص الأكيد لبذل كل شيء من أجل العقيدة المقدسة
وتأسيس الحوزة التي تحفظ الشرع المبين وتدافع عنه ، ومجابهة الانحراف والكفر.
ولم يذكر المؤرخون سنة هجرة القمّي الى
قم بعد تأسيس الحورة العلمية ، ولكنه ذكر في رسالة له حول ترجمة نفسه بانّه هاجر
الى مشهد مولانا الامام المعصوم أبي الحسن الرضا 7
وبقي هناك الى تلك السنة وهي سنة ١٣٤٦ هـ
ولعل هجرته الى قم كانت بعد هذا التاريخ ، وأما مساندة الحائري في مشروعه فلعله كان
يدعمه وهو في مشهد المقدّسة ، أو يكرر سفره الى قم خصوصاً انّه ذكر في رسالته تلك
بانّه قد تكرر منه السفر الى العتبات العاليات في العراق ، فلعل طريفه كان يمرّ من قم ، ولعله
كان يطيل المكث في موطنه الاصلي ويقوم بواجبه بمساندة المؤسس.
وكيف ما كان فقد ذكر انّه كان لسفر
القمّي الى قم أثر كبير في هجرة كثير من
الطلاب من المدن
الاُخرى الى قم خصوصاً من مشهد والنجف الأشرف .
منهجه العلمي :
سبق ونبهنا انّنا باستتباع كلمات تلاميذ
الشيخ النوري ، ومؤلفاتهم وسيرتهم العملية وجدناهم يشكلون منهجاً واحداً ، وإن كان
الفضل الأكبر يعود الى استاذهم خاتمة المحدّثين.
وقد ذكرنا في بحث سابق منهج الشيخ النوري العلمي بشكل مفصل ،
ولا فائدة من تكرار الموضوع ، ولكننا نعجل العناوين المهمة لاعطاء صورة عامّة عن
منهج القمّي العلمي الذي يشكل حلقة من حلقات هذه المدرسة العلمية المهمّة التي كان
لها دور كبير وما زال.
١ ـ انصرافه الكلي للعلم والتأليف
والتصنيف والترجمة والبحث والدرس والمقابلة وما الى ذلك كما تقدم في العنوان
السابق. وقد كان يشتغل سبعة عشرة ساعة في اليوم مع ما ابتلي به من مرض ، وقد أخذ
هذه الصفة من سيرة استاذه الذي نقلت عنه حكايات غريبة باهتمامه العلمي واقتنائه
للكتب. وانتقل ذلك العشق والحب الى التلاميذ ، فاي عشق ذلك للعلم والمعرفة توفر عند
هؤلاء العظماء الذين حفظوا المذهب من الضياع والانحراف ، وأي معاناة لا قوها في
سبيل العلم والمعرفة.
وعلى الدهر ـ اذا أراد ان يكون منصفاً ،
وانّى له ذلك ـ أن يخلدهم على صفحات أيّامه في أعلى مراتب الفخر والاعتزاز.
تجد اولئك العظماء يواصلون سيرهم في
التعلم والتعليم لرفد الانسانية بالعلوم الحقة المستقاة من آل محمّد صلى الله
عليهم أجمعين ، الى آخر ساعات حياتهم في هذه الدنيا فيموت أحدهم وبيده القلم
ويجاهد به ويناضل دونه ، يقول
العلاّمة القمّي في
( فوائده الرضوية ) عند عدّ مؤلفات استاذه : ( ... تحية الزائر وبلغة المجاور ،
وهي آخر مؤلفاته رضوان الله عليه ، ولم يمهله الأجل حتّى يتمها ، ومنّ الله تعالى
عليّ باتمامها .. ) .
فما وقع القلم من يدي النوري الى آخر
ساعة من حياته في هذه الدنيا ، فإذا جاءت سكرة الموت بالحقّ ، ولحق بالرفيق الأعلى
، وكان في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، أخذ القلم تلميذه الفذّ الوفي المجاهد ليتم
المسير ، ويواصل المشوار الذي بدأه استاذه ، فيتم أعمال استاذه العلمية.
٢ ـ حفظ تراث أهل البيت :. أ ـ فانّ لتفادم الزمن ، وبُعْد
التاريخ عن مصادر الشريعة المقدسة سبّب اختفاء وضياع كثير من تلك الآثار الشريفة
خصوصاً ما لحق اتباع هذه المدرسة الهادية من المحن والخطوب والمصائب الكثيرة التي
سجّلها المؤرخون لتك الفترات الحرجة والمظلمة التي مرّ بها شيعة أهل البيت :.
وقد بذل المتأخّرون وسعهم لجمع ذلك
التراث العظيم الذي يعدّ الثقل الثاني كالعلاّمة المجلسي والفيض الكاشاني والسيّد
عبدالله شبر والحر العاملي والسيّد هاشم البحراني وغيرهم من العظاء.
وقد جاء دور النوري ومدرسته ليتمموا
الحركة التي خطها اولئك الصالحون ، فخرجت تلك المؤلفات العظيمة كالمستدرك للاستاذ
النوري وسفينة البحار للقمّي والذريعة ، وطبقات أعلام الشيعة للطهراني.
ب ـ وقد تبنت هذه المدرسة الطريقة
الاُولى في أخذ الحديث بالتأكيد على ضرورة الاجازة فيه بالطرق المتعارفة حتّى
للكتب المتواترة كالكتب الأربعة ، بينما تحول مبنى الفقهاء المتأخّرين الى عدم
الاهتمام العلمي بهذه الطريقة ولا يرون وجود ضرورة علمية للاستجازة من أصحاب
الاجازات لتواتر تلك الكتب فلا حاجة واقعية لأخذ الاجازة ، ولا أثر للاجازة في
جواز العمل بتلك
الكتب ، واعتبروا
الاجازة أمراً تشريفياً للبركة لا أثر له في النقل والرواية.
بينما اصرّ مؤسس هذه المدرسة على
ضرورتها .
ولسنا هنا بصدد بيان الحقّ مع ايّ
الرأيين ، وانّما نذكر هذا الاختلاف لنتبين منهج العلاّمة القمّي ورأيه في ذلك ليس
إلا ، ويعدّ ; تعالى من
أعمدة المدرسة الثانية ، يقول ولده المرحوم الشيخ علي محدث زاده :
( كانت ولادة المرحوم ثقة المحدّثين
المحدّث القمّي في قم ... وقد قضى طفولته وشبابه في قم ، وقد أكمل دراسته في
العلوم الأدبية هناك طبق المتعارف عليه في ذلك الزمان الى ان سافر الى النجف
الأشرف في سن الثامنة عشرة من عمره ، وهناك كانت علاقته بشكل أكثر بالأحاديث
المروية التي هي العلم الموروث عن أهل بيت العصمة والطهارة.
وكان من المتعارف عليه عند العلماء
والمفكرين الأوائل أن يسافروا في طلب علم الحديث والاستفادة من مشايخه واساتذته
ويتحملون في سبيل ذلك المشاق والمصاعب.
ولذلك فقد اختار الحضور عند خاتمة
المحدّثين وثقة الاسلام والمسلمين الحاجّ الميرزا حسين النوري ; ، وبقي مدة عند هذا العالم الكبير لكسب
العلم والاستفادة منه ... ) .
فهو من بداية تحصيله العلمي اختار طريق
الحديث والرواية ولهذا لازم النوري الى أن لاقى النوري ربّه.
وبدراسة دقيقة لمجموع ما تركه القمّي من
مؤلفات قيّمة تظهر هذه الحقيقة ، وليس معنى ذلك انّ المنهج العلمي للقمّي هو
المسلك الاخباري بالمعنى الاصطلاحي المقابل للمنهج العلمي الاصولي ، وانّما الصحيح
العكس فانّ مؤسس المدرسة كان من شيوخ واساتذة وكبار مجهتدي المنهج العلمي الاصولي
ولكنه
اهتمّ بتراث أهل
البيت : وبالحديث
والرواية ولا تعارض بينهما.
وكذلك القمّي فانّه تبع استاذه بمنهجه
الاصولي المهتم بالأخبار والحديث والروايات ، ولشدة تعلقه واهتمامه بالحديث صار
اطلاق لقب ( المحدّث ) و ( العلاّمة المحدّث ) منصرفاً إليه.
قال المدرس عند وصفه للقمّي ما ترجمته :
( .. من أفاضل علماء عصرنا الحاضر ، وكان عالماً فاضلاً كاملاً محدثاً متتبعاً
ماهراً ، وهو المقصود بعبارة المؤلّف في هذا الكتاب بـ ( الفاضل المحدّث المعاصر )
.
مؤلّفاته :
عندما ندرس آثاره التي تركها من
المؤلّفات القيمة والكتب المعتبرة الجليلة نجدها تتميز بعدة أشياء :
١ ـ كثرة التأليف :
كما ستجد صدق هذه الدعوى من خلال هذا
الفهرس الذي سنوافيك به عن قريب إن شاء الله تعالى.
٢ ـ جودة ومتانة وعمق التأليف.
فقد نقرأ في فهارس المؤلّفين أن هناك من
أكثر في التصنيف والكتابة ، ولكن بعد الاطلاع على ما كتبوه تذهب الفرحة سدى حيث
نجد أن تلك المكتوبات لم تتجاوز النقل ـ بمعنى النسخ ـ عن كتب الآخرين ، وقد جمعت
في كثير من الأحيان بشكل غير علمي ومنهج غير سليم ، بل تعكس جهل صاحبها وحبه بانّ
يذكر اسمه مع المؤلفين ليس إلاّ.
فالاكثار وحده غير كاشف عن علوّ شأن
صاحب التأليفات وإنما لابدّ مع ذلك أن يلازم الاكثار العمق والمتانة والجدّة
والافادة والتحقيق والتدقيق.
وهذا بالفعل ما نجده فيما كتبه العلاّمة
القمّي رضي الله تعالى عنه ، ولذا صارت
مؤلفاته محط أنظار
العلماء ، ومرجعاً علميّاً للمؤلفين والمصنفين.
قال العلاّمة حرز الدين : ( .. صاحب
المؤلّفات المفيدة .. وقد حظي الشيخ بمؤلّفاته حيث نالت كل اعجاب وتقدير ) ، وقد وفقه الله تعالى توفيقاً منقطع
النظير في كتابه (مفاتيح الجنان) فقلما نجد بيتاً من بيوت الشيعة في العالم يخلو
من كتابه النفيس (مفاتيح الجنان). وهذا توفيق الهي حظي به هذا العالم الجليل.
فهرس مؤلّفاته :
وإليك ثبتاً بفهرس مؤلّفاته :
١ ـ الأنوار البهية في تاريخ النبي وآله
:. مجلد واحد
باللغة العربية ، طبع عدّة مرّات.
٢ ـ الآيات البينات في أخبار أمير
المؤمنين 7 عن الملاحم
والغائبات .
٣ ـ بيت الأحزان في مصائب سيدة النسوان.
عربي ، طبع مرّتين.
٤ ـ الباقيات الصالحات. في الأعمال
والأدعية والأذكار والأوراد. طبع في حاشية كتابه (المفاتيح) وطبع أخيراً مستقلاً
بطبعتين في بيروت.
٥ ـ تحفة طوسية ونفحة قدسية . أو ( رسالة مشهد نامة ) فارسي مطبوع ،
وهو مختصر في شرح بناء الحرم الرضوي على صاحبه السلام وذكر أبنية الأماكن المتعلقة
به مع عدّة زيارات مهمّة ومعتبرة .
٦ ـ تتمة المنتهى في تاريخ الخلفاء ،
وهو المجلد الثالث من كتابه ( منتهى الآمال ) بالفارسية ، طبع عدّة مرّات بتصحيح
نجله المرحوم الشيخ علي محدث زادة.
٧ ـ تحفة الأحباب في نوادر الأصحاب ، في
أحوال صحابة الرسول
وأصحاب أئمة الهدى
صلوات الله عليهم بترتيب الحروف الهجائي ، مطبوع.
٨ ـ ترجمة مصباح المتهجد للشيخ الطوسي
الى اللغة الفارسية ، طبع في حاشية المصباح.
٩ ـ ترجمة جمال الاسبوع للسيّد ابن
طاووس الى اللغة الفارسية ، طبع في حاشيته.
١٠ ـ ترجمة المسلك الثاني من كتاب ( الملهوف
في قتلى الطفوف ) للسيد ابن طاووس ـ في حاشيته ـ طبع بخط المؤلّف.
١١ ـ ترجمة ( زاد المعاد ) للعلاّمة
المجلسي الى اللغة العربية وذكره المؤلّف في كتبه الناقصة التي لم يتمّها حين
كتابة ترجمته لنفسه في كتاب الفوائد الرضوية .
١٢ ـ ترجمة تحفة الزائد للعلاّمة
المجلسي الى اللغة العربية وهو كصاحبه المتقدم حيث لا ندري هل أن المؤلّف اتمّ
ترجمة هذين الكتابين أم لا؟
١٣ ـ تتميم تحية الزائر لاستاذه النوري
وقد تقدم الحديث عنه.
١٤ ـ تتميم بداية الهداية وأصل الكتاب
للشيخ الاجل المحدّث الشيخ الحر العاملي صاحب كتاب الوسائل.
١٥ ـ جهل حديث : بالفارسية. طبع عدّة
مرّات.
١٦ ـ حكمة بالغة ومائة كلمة جامعة. شرح
مائة كلمة من كلمات أمير لشرح النصّاب للفاضل اليزدي. مطبوع.
١٧ ـ الدرّة اليتيمة في تتمات الدرة
الثمينة. شرح نصّاب الصبيان ، وهو تتميم لشرح النصّاب للفاضل اليزدي. مطبوع.
١٨ ـ الدرّ النظيم في لغات القرآن
العظيم مطبوع.
١٩ ـ دوازده ادعية مأثورة. مطبوع
بالفارسية.
٢٠ ـ ذخيرة العقبى في مثالب أعداء
الزهراء 7. عده
المؤلّف في كتبه
الناقصة .
٢١ ـ دستور العمل. مطبوع.
٢٢ ـ ذخيرة الأبرار في منتخب أنيس
التجار مطبوع.
٢٣ ـ سبيل الرشاد في اصول الدين. مطبوع.
٢٤ ـ سفينة البحار ومدينة الحِكم
والآثار. وهو فهرس لكتاب بحار الأنوار لما يقصد منه على ترتيب حروف المعجم ، وذكر
في كل مادة الحديث الوارد في تلك المادة اذا كان مختصراً وأشار الى مضمونه وموضع
الحاجة منه اذا لم يكن مختصراً. ويذكره اذا كان فيه تحقيق لنفاسته ، ويذكره أيضاً
اذا كان فيه مطلباً مهمّاً مقتصراً على لبّه وخلاصته. وكتب مختصراً من تراجم
مشاهير أصحاب النبي وأئمة الدين صلوات الله عليهم أجمعين ونبذاً من أحوال المعروفين
من علماء الفريقين وبعض الشعراء والادباء المعروفين عند ذكر اساميهم وانسابهم
وألقابهم. وهو من أعظم مؤلّفاته وقد ( قضى في تأليفه السنين الطوال ) .
٢٥ ـ شرح وجيزة الشيخ البهائي ;. وهو في الدراية.
٢٦ ـ شرح الكلمات القصار لأمير المؤمنين
7 المذكورة في
آخر نهج البلاغة. ذكره في الكتب التامّة ولم تطبع.
٢٧ ـ شرح الصحيفة السجادية. ذكره
المؤلّف في كتبه الناقصة.
٢٨ ـ شرح الأربعين حديث. ذكره المؤلّف
في كتبه الناقصة. وذكر أن نسخته موجودة .
٢٩ ـ صحائف النور في عمل الأيّام والسنة
والشهور. ذكره المؤلّف في كتبه الناقصة.
٣٠ ـ ضيافة الاخوان. ذكره المؤلّف في
كتبه الناقصة.
٣١ ـ طبقات الرجال . عنونه المؤلّف بـ ( كتاب الطبقات ) .
٣٢ ـ طبقات الخلفاء وأصحاب الأئمة
والعلماء والشعراء. وهو مطبوع مع كتاب تتمة المنتهى. وهو باللغة الفارسية. واحتمل
بعضهم أن الكتاب المتقدم ، تحت عنوان ( طبقات الرجال ) لكن العلاّمة الطهراني عدّ كتاب ( طبقات
العلماء ، قرناً قرناً لم يتم )
، لما يحتمل أن المقصود من الأول كتاب ( طبقات العلماء ) وهو غير هذا الكتاب
لاختلاف موضوعهما كما هو ظاهر.
٣٣ ـ علم اليقين وهو مختصر كتاب حقّ
اليقين للعلاّمة المجلسي. وهو باللغة الفارسية.
٣٤ ـ الغاية القصوى في ترجمة العروة
الوثقى للسيّد اليزدي من أول كتاب الطهارة الى أحكام الاموات ومن كتاب الصلاة الى
مبحث الستر والساتر.
وقد ترجمه من اللغة العربية الى اللغة
الفارسية.
٣٥ ـ الفوائد الرجبية فيما يتعلق
بالشهور العربية ، مشتمل على وقائع الأيّام وفيه جملة من اعمال الشهور ، وذكر
المؤلّف ; أن هذا
الكتاب أول تصانيفه ، وقد طبع بخط يده الشريفة .
٣٦ ـ الفصول العلية في المناقب
المرتضية.
٣٧ ـ الفوائد الرضوية في أحوال علماء
المذهب الجعفرية. مطبوع عدّة طبعات.
٣٨ ـ فيض العلاّم في وقائع الشهور وعمل
الأيّام. هكذا عنونه في كتابه
( الفوائد الرضوية )
، وقد عنونه
في مقدمة نفس الكتاب المطبوع بعنوان ( فيض العلاّم في عمل الشهور ووقائع الأيّام )
.
٣٩ ـ فيض القدير فيما يتعلق بحديث
الغدير. وهو مختصر لمجلدي غدير عبقات الأنوار للسيّد المحدّث العالم المتكلم
المحقّق المدقق المؤيد المسدد محيي السنّة ، وسيف الامه ، فخر الشيعة ، وحامي
الشريعة سيّدنا الأجل ، مولانا المير حامد حسين الهندي اسكنه الله بحبوحة جناته
وحشرنا تحت لوائه .
٤٠ ـ الفوائد الطوسية. وهو ( مجموعة
شبيهة بالكشكول ) .
وعدّه في كتبه التي لم يتمها .
٤١ ـ قره الباصرة في تاريخ الحجج
الطاهرة.
٤٢ ـ الكنى والألقاب. وهو تراجم من عرف
بالكنية أو اللقب باللغة العربية وقد طبع مراراً في ثلاث مجلّدات.
وقال العلاّمة المرحوم الشيخ محمّد حرز
الدين : ( .. وكتاب الكنى والألقاب في التراجم ترجم فيه علماء الفريقين بثلاثة
أجزاء طبع في صيدا سنة ١٣٥٨ وهو كتاب متين جداً يعتمد عليه وهو أحسن مؤلّفاته ) .
٤٤ ـ كلمات لطيفة.
٤٥ ـ كحل البصر في سيرة سيّد البشر.
باللغة العربية. مطبوع مراراً.
٤٦ ـ الكشكول. وهذا غير الكشكول المتقدم
بعنوان ( الفوائد الطوسية ) وقد ذكرهما المؤلّف بعنوانين الأول في كتبه التي لم
يتمّها والثاني بكتبه التي اتمّها.
٤٧ ـ رسالة في ( كناهان كبيرة وصغيره )
مطبوع باللغة الفارسية وهو في تعداد الذنوب الكبيرة والذنوب الصغيرة.
٤٨ ـ اللآلىء المنثورة في الاحراز
والأذكار المأثورة. مطبوع.
٤٩ ـ مختصر الأبواب في السنن والآداب ،
وهو مختصر حلية المتقين للعلاّمة
المجلس بالفارسية.
مطبوع.
٥٠ ـ مفاتيح الجنان في الأعية والأوراد
والأذكار والزيارات وأعمال الأيّام والشهور.
وقد ترجم الى عدّة لغات وطبع عشرات
المرّات.
٥١ ـ منازل الآخرة والمطالب الفاخرة ،
وهو هذا الكتاب.
٥٢ ـ المقامات العليّة. وهو مختصر ( معراج
السعادة ) للمحقّق الأوحد المولى الشيخ أحمد النراقي بالفارسية وقد كتبه على نسق
كتابة والده المولى الشيخ محمّد مهدي النراقي المسمّى بـ ( جامع السعادات )
بالعربية المطبوع مراراً.
٥٣ ـ منتهى الآمال في ذكر مصائب النبي
والآل : وهو باللغة
الفارسية طبع مراراً.
٥٤ ـ مقاليد الفلاح في عمل اليوم
والليلة.
٥٥ ـ مقلاد النجاح وهو مختصر للكتاب
المتقدّم.
٥٦ ـ مختصر المجلّد الحادي عشر من كتاب
بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي. والمجلد الحادي عشر في الطبعة الحجرية يقابل
المجلد ( ٤٦ ـ ٤٧ ـ ٤٨ ) في أحوال ( الامام السجاد ، والامام الباقر ، والامام
الصادق ، والامام الكاظم ) : جميعاً.
٥٧ ـ مختصر (الشمائل) للترمذي .
٥٨ ـ مسلّي الفؤاد بفقد الاخوة
والأحباب. ذكره في قسم كتبه غير التامّة.
٥٩ ـ غاية المرام في تلخيص دار السلام ،
وهو مختصر دار السلام فيما يتعلّق بالرؤيا والمنام لاستاذه الشيخ النوري أعلى الله
مقامه.
٦٠ ـ نفس المهموم في مصيبة سيّدنا
الحسين المظلوم 7.
٦١ ـ نفثة المصدور فيما يتجدد به حزن
العاشور.
قال المؤلف ; في مقدمته :
( بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله
وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد : فهذه وجيزة كتبناها لتلحق بكتابنا نفس المهموم
في مقتل الحسين المظلوم صلوات الله عليه ، مشتملة على فصول وخاتمة سميتها « نفثة
المصدور فيما يتجدد به حزن يوم العاشور » ومن الله تعالى الاستعانة ، وعليه التوكل
في كل الامور ).
وقد عنونه البعض « نَفَس المهموم ونفثة
المصدور » ويبدو انّهما كتابان من حيث التصنيف وانّ ألحق الثاني بالأول.
وهما باللغة العربية ، وقد ترجما الى
اللغة الفارسية.
٦٢ ـ نزهة النواظر في ترجمة معدن
الجواهر ، وهو تأليف الشيخ العالم الجليل والثقة الفقيه أبو الفتوح محمّد بن علي
الكراجكي تلميذ الشيخ المفيد والسيّد المرتضى رضوان الله عليهم أجمعين. وطبع عدّة
مرّات.
٦٣ ـ نقد الوسائل لباب وسائل .
٦٤ ـ هدية الزائرين وبهجة الناظرين. وقد
احتوى على زيارات الحجج الطاهرين : والمقامات
الشريفة وقبور العلماء التي في المشاهد المقدّسة وأعمال الشهور وأعمال الاسبوع
وأعمال اليوم والليلة. مطبوع .
٦٥ ـ هدية الأحباب في المعروفين بالكنى
والألقاب والانساب. بالفارسية مطبوع عدّة مرّات.
٦٦ ـ غاية المنى في المعروفين بالألقاب
والكنى. هكذا عنونه المؤلّف ;
في مقدمة كتابه (هدية الأحباب) وعدّه تحت الرقم من كتبه غير المطبوعة ، ولعله الكتاب
المتقدّم تحت عنوان ( الكنى والألقاب ـ مختصر صغير ) والله تعالى أعلم. وقد عنونه
العلاّمة الطهراني ( غاية المنى في ترجمة المعروفين بالألقاب والكنى
من أبناء العامّة ) .
٦٧ ـ هداية الانام الى وقائع الأيّام ،
مختصر كتاب ( فيض العلاّم ) الذي تقدّم ذكره في مؤلّفاته.
٦٨ ـ ترجمة اعتقادات العلاّمة المجلسي.
وقد طبع أخيراً في العدد الخامس من مجلة ( كيهان انديشة ) .
وذكره المؤلّف في كتابه الفوائد الرضوية
أن له ( غير ذلك من الرسائل والمؤلّفات المختصرة ) .
وقال ولده في مقدّمة فيض العلاّم : ( ...
وقد بقيت منه آثار مفيدة جداً ونفيسة وهي تصل الى ما يقارب الاربعة والسبعين مجلد
وأكثرها قد طبعت ) .
ملامح شخصيته :
جوانب القدوة كثيرة في شخصية القمّي وقد
استشهد لها بقصص وقضايا متعددة ، ولا يضرها انّها أحاديث وقائع جزئية ، فالحدث
الجزئي تكمن وراءه الدوافع الحقيقة المحركة له والتي تعبر عن الملكة الجمالية
المنعكسة بالصورة الجميلة لتلك الحركة أو ذلك الموقف.
ولابدّ من التأكيد انّ التاريخ لم ينصف
العظماء في أغلب الأحيان ، ولعل عدم وجود متابعة لحركاتهم ومواقفهم تتبعنا يعد أحد
الأسباب التي ساهمت في ذلك الاجحاف ، ولذلك فانّنا ومهما تتبعنا في معرفة جوانب
العظمة في اولئك فسوف لا نحصل إلاّ على النزر القليل منها. وهذا ما حصل مع الشيخ
القمّي كما حصل مع غيره من اولئك الاجلاء.
ولانّنا نريد أن نعرف القدوة وجوانب
العظمة في حياة القمّي فانّنا سوف نتابع ما انتبه إليه الآخرون وذكره المؤرخون في
كتبهم ، ونقرّ بانّه فات أولئك وفاتنا
الشيء الكثير من تلك
الصور الجمالية في حياته .
نكران الذات :
ومن تلك القضايا نقل ولده عن المرحوم سلطان
الواعظين الشيرازي ـ مؤلف كتاب ( شبهاي بيشاور ) ـ انّه قال : في بداية انتشار
كتاب مفاتيح الجنان ، كنت في سرداب الغيبة في سامراء وكان بيدي الكتاب ازور به
فرأيت شيخاً جالساً مشتغلاً بالذكر وكان يلبس قباءاً من الكرباس وعلى رأسه عمامة
صغيرة ، فسالني الشيخ : لمن هذا الكتاب؟
فاجبته : للمحدّث القمّي سماحة الشيخ
عباس ، ثمّ أخذت بمدحه.
فقال الشيخ : انّه لا يستحق ذلك ، فلا
تتعب نفسك بمدحه.
فقلت : قم يا شيخ واخرج من هنا ، ولا
تتكلم بعد ذلك بمثل هذا الكلام.
وكان بجنبه أحد الأشخاص فغمزني بيده في
خاصرتي وقال : تأدب ، فانّ هذا هو نفسه الشيخ القمّي.
فقمت من مكاني وقبلته من وجهه واعتذرت
منه واصررت أن اقبل يده ، ولكنه امتنع وأخذ يدي بقوة وقبّلها وقال : أنت سيّد .
وعندما كان مقيماً في المهشد الرضوي
فانّه كان يرتقي المنبر في شهر رمضان المبارك في مسجد كوهر شاد ، فجاء الشيخ عباس
التربتي وهو من العلماء الأبرار والروحانيين الاتقياء من مدينته التي كان مقيماً
فيها وهي ( تربة حيدرية ) الى المشهد الرضوي ليستفيد في شهر رمضان المبارك من
مواعظ الشيخ عباس القمّي التي يلقيها من على منبره ذلك ، وكانت تربطه بالشيخ
القمّي علاقة صداقة قديمة ، فصادف في أحد الأيّام ان وقع نظر الشيخ القمّي وهو على
المنبر فرأى الشيخ عباس التربتي جالساً في زاوية من المجلس الذي كان مكتظاً بالناس
وهو يستمع
إليه فقال عند ذلك :
أيها الناس لقد شرف مجلسنا الحاجّ الاستاذ فاستفيدوا منه ، ومع اكتظاظ الناس
ليستمعوا إليه فانّه نزل من المنبر وطلب من الاخوند الشيخ عباس التربتي أن يرتقي
المنبر في ذلك المجلس الضخم الى آخر شهر رمضان المبارك وبعد ذلك لم يصعد الشيخ
القمّي المنبر في ذلك الشهر الشريف .
عبادته :
كان متعلقاً بصلاة الليل والتهجد وتلاوة
القرآن وقراءة الأدعية والأوراد والأذكار المأثورة عن الائمة المعصومين : ، فكان ملتزماً ببرنامجه العبادي طول
السنة حيث يقوم من النوم بساعة قبل طلوع الفجر فيبدأ بالعبادة والصلاة ، وكان
مواظباً على قيام الليل والتهجد استمرّ عليه الى آخر عمره وكان يعتقد أن أفضل عمل
مستحبّ هو قيام الليل والتهجد.
ونقل عنه ابنه الكبير انّه قال : انّي
اتذكر بانّه لم يفته القيام في آخر الليل حتّى في أسفاره .
وقال أحد أبنائه : انّه وفي احدى ليالي
الجمعة في النجف الأشرف وبعد صلاة الليل أخذ بقراءة سورة ( يس ) فعندما وصل الى
قوله تعالى : ( هَٰذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ
تُوعَدُونَ )
كررها مراراً وتغيرت أحواله وهو يقول مكرراً ( اعوذ بالله من النار ) بحيث لم
يمكنه أن يتمّ قراءة بقية السورة ، وبقي على ذلك الحال الى أذان الصبح .
وقد وصف بانّه كان في الحقيقة يعتقد
ويعمل بكل ما كتبه في كتابه مفاتيح الجنان من الأوراد والأذكار والأدعية والزيارات
والأعمال وغيرها.
مراقبته لنفسه :
كان شديد المراقبة لحركاته وسكناته
ويجهد أن لا يعمل عملاً إلاّ طبق رواية
أو حديث شريف ورد عن
المصومين :.
وكان يراقب نيته التي لا يطّلع عليها
أحد إلاّ الله عزّوجلّ ويحاول جاهداً أن يكون اخلاصه للحقّ تعالى في أعلى مراتب
الاخلاص والانقطاع عن أحد غيره.
* وقد نقلت حادثة غريبة تصور حالة
مراقبته لنفسه ونيته بشكل دقيق فقد طلب منه جماعة من المؤمنين في مشهد المقدّسة أن
يصلي بهم صلاة الجماعة في مسجد كوهر شاد ، فبعد الالحاح لبى الطلب وابتدأ امامه
الجماعة في احدى أواوين المسجد المتروكة ، ثمّ أخذت الجماعة بالازدياد شيئاً
فشيئاً ، ولم تمض عشرة أيّام من اقامته الجماعة الى أن كان في يوم من الأيّام وبعد
أن اتمّ صلاة الظهر طلب من أحد الحاضرين أن يصلي صلاة العصر ، ثمّ ذهب ولم يعد الى
امامة صلاة الجماعة وعندما سئل عن السبب في انقطاعه قال : في الحقيقة انّي كنت في
ركوع الركعة الرابعة فسمعت صوت أحد المصلين خلفي ينادي (يا الله يا الله ، أن الله
مع الصابرين) وكان يجيء ذلك الصوت من مكان بعيد فجاء في ذهني كبر الجماعة وضخامتها
فصار في نفسي نوع ارتياح غير ارادي ، وعليه فقد علمت بأنّي لست أهلاً لصلاة
الجماعة .. .
* ونقل أيضاً : طلب بعض الخيّرين في أحد
السنين من الشيخ القمّي أن يتحمل مصرف مجلس وعظ الشيخ وتعهد أن يدفع له مبلغاً
مقداره (٥٠) ديناراً عراقياً وكان مصرف الشيخ آنذاك ثلاثة دنانير للشهر الواحد.
فقال الشيخ القمّي : انّي ارتقي المنبر
لأجل الامام الحسين 7
وليس لشيء آخر.
ولذلك فانّه لم يقبل منه شيئاً .. .
* ونقل عنه ابنه انه قال له مرّة عندما
الفت وطبعت منازل الأخرة في قم فقد وقع الكتاب بيد الشيخ عبد الرزاق مسألة كو وكان
كل يوم يشرح مسألة من المسائل الشرعية قبل صلاة الظهر في الحرم المطهر للسيّدة
المعصومة سلام الله
عليها.
وكان والدي المرحوم الكربلائي محمّد رضا من المتأثّرين به ، وكان
الشيخ بعد الرزاق يأخذ كتاب منازل الآخرة في النهار ويقرأ فيه لمستمعيه.
وفي أحد الأيّام جاء والدي الى البيت
وقال : يا شيخ عباس ليتك تصير مثل الشيخ (مسألة گو) ويمكنك أن ترتقي المنبر وتقرأ
في هذا الكتاب الذي قرأ لنا منه.
فأردت ولعدّة مرّات أن أقول له ان هذا
الكتاب من مؤلفاتي ، ولكني امتنعت كل مرّة ولم اتكلم بشيء ، إلاّ انّي قلت له :
ادعو الله تعالى أن يوفقني .
تقديسه لكتب الأخبار :
ذكر طيّب الله رمسه في كتابه الفوائد
الرضوية عندما تحدث عن أحوال السيّد نعمة الله الجزائري قال : ( انّه لكثرة
مطالعته وكتابته أصاب عينه ضعف واستشفى بتربة قبر سيد الشهداء 7 وتراب مراقد أئمة العراق : ، وكان يكتحل بذلك التراب فعوفي ببركة
ذلك التراب الطيب : .. ) ودفعاً للاستغراب ذكر قضية الحية واستشفائها ببعض
النباتات البرية ، فلا عجب أن يجعل الله تعالى الشفاء من جميع الأمراض في تربة ابن
نبيه 9 ، ثمّ نقل
تجربته ، فقال ما تعريبه : ( واذا أصاب عيني ضعف نتيجة كثرة الكتابة فانّي أتبرك
بتراب مراقد الأئمة : وأحياناً
أتبرك بمس كتابة الأحاديث والأخبار ولذلك فعيني سليمة بذلك ولله الحمد ورجائي أن
تكون عيني سليمة في الدنيا والآخرة ببركاتهم ان شاء الله تعالى .
ونقل عن ولده الشيخ محدث زاده انه قال :
( لا انسى عندما كنا في النجف الأشرف
انه استيقظ من نومه صباح أحد الأيّام ـ في حدود سنة ١٣٥٧ هـ يعني بسنتين قبل وفاته
ـ وقال : إن عيني تؤلمني في هذا
اليوم كثيراً ، ولا
أقدر على المطالعة والكتابة.
وكان متألماً جداً ولسان حاله يقول :
لعلّ أهل بيت النبي 9
قد طردوني من بابهم. وكان من عادته أن يقول ذلك أحياناً بتأثر ويبكي ).
وأضاف الشيخ محدث زاده :
( وكنت في ذلك الوقت مشغولاً بالدراسة ،
فذهبت الى المدرسة وعندما رجعت في الظهر الى البيت رأيته مشغولاً بالكتابة ، فقلت
له : هل تحسنت عينك؟
فقال : قد ذهب الوجع كله.
فسألته : وكيف عالجتها؟
فأجاب : توضأت وجلست قبال القبلة وأخذت
كتاب الكافي وفتحته على عيني ، فزال الوجع من عيني؟
وبعد ذلك فانّ عينه لم تؤلمه الى آخر
عمره ).
* وكان كتاب الكافي هذا الذي نشره على
عينه مخطوطاً بخط الفقيه المشهور الملاّ عبدالله التوني صاحب كتاب ( الوافية )
وكان المحدّث القمّي معتزاً به كثيراً.
* وعندما كان مقيماً في المشهد الرضوي
مرض ولده الصغير فأحصر له دواءاً شعبياً وضع فيه قليلاً من السكر وجيء به ليشربه
وحينئذٍ وضع المحدّث القمّي اصبعاً من يده اليمنى في ذلك الشراب وحركة في داخل
الاناء. فقالت له زوجته : انتظر حتّى اتيك بملعقة.
فأجابها الشيخ : كان قصدي من ذلك
الاستشفاء ، لأنّي بهذه اليد كتبت آلافاً من أحاديث الأئمة الطاهرين : .
ونقل عنه : انّه كان لا يأخذ كتب الحديث
ولا يمسها إلاّ على طهارة ووضوء ، وإذا أراد أن يقرأ في كتب الأحاديث فانّه يجلس
على ركبتيه متأدباً ويتوجّه الى القبلة ثمّ يبدأ بالمطالعة.
احتياطه بالرواية :
كان غالباً يأخذ الكتاب معه عندما يرتقي
المنبر ليقرأ منه على المستمعين الحديث الذي يريد أن ينقله لهم ، أو يقرأ التعزية .
وقد نقل عن بعض علماء طهران انّه قال :
حضرت تحت منبر الشيخ عباس في بعض أيّام شهر رمضان بمشهد فقال ذات يوم خلال حديثه :
انّي رأيت في المنام كأني آتي بالمفطر في شهر رمضان وفسرته بانّي قد اشتبه في نقل
الحديث فازيد وانقص غفلة ، ولذلك اصطحبت الكتاب معي في هذا اليوم لاقرأ فيه .
فمع اطلاعه الواسع ومعرفته بتاريخ النبي
9 والأئمة
المعصومين : لكنه ولشدة
احتايطه يقرأ الأحاديث والتعزية في الكتاب.
احترامه لأسماء المعصومين : :
وقيل انّه كان لا يذكر اسم النبي 9 أو أحد المعصومين : إلاّ وهو على طهر ووضوء ويعتبر أن ذكر
اسمائهم بغير طهارة ووضوء من سوء الأدب ، ويعتبر الاكتفاء بوضع علامة (ص) بعد اسم
النبي 9 ، أو (ع)
بعد اسم أحد المعصومين : نوع
حرمان من السعادة الالهية.
قال في منتهى الأمال عند ذكره أحوال الامام
الصادق 7 ، فنقل عن
الشيخ الصدوق عن مالك بن انس ـ مؤسس المذهب المالكي أحد المذاهب الأربعة ـ في وصفه
للامام الصادق 7
انّه قال : ( فاذا قال ـ أي الامام الصادق 7
ـ قال رسول 9 اخضرّ مرّة
واصفّر اُخرى حتّى ينكره من يعرفه ... ) وعقب الشيخ القمّي على الخبر بما تعريبه :
(تأمّل جيداً في حال الامام الصادق 7
وتعظيمه واجلاله لرسول الله 9
كيف يتغير حاله عند نقله الحديث عنه 9
وذكره اسمه الشريف 9
مع انّه ابن رسول الله 9
وقطعة من بدنه : فتعلم ذلك واذكر اسم
الرسول 9 بغاية التجليل والاحترام وصلّي عليه
بعد ذكر اسمه المبارك ، وإذا كتبت اسمه الشريف في مكان فاكتب الصلوات بشكلها
الحروفي ولا تكتفي بالرمز والاشارة فتكون كبعض المحرومين من الرحمة الذين يكتفون
برمز (ص) أو ( صلعم ) ونحو ذلك. بل لا تذكر اسمه المبارك 9 ولا تكتبه اذا لم تكن على وضوء وطهارة
، ومع ذلك كله طلب العذر منه 9
لأنك قصرت باداء حقّه 9.
حبّه لأهل البيت : :
والحب لهم صلوات الله عليهم أجمعين
علامة الايمان وطهارة المولد ، وكان القمّي كباقي الصالحين من عشاقهم : وممن يحيي أمرهم ، ويعتبر التوسل بهم
الوسيلة التي تقربه الى الله عزّوجلّ وبهم تقضى له حاجاته.
ونقل عن القمّي انّه كان كثير البكاء في
مجالس مصائبهم : وتجد
ذلك واضحاً فيما ألّفه من الكتب النفيسة التي تعكس علاقته وتعلقه بهم :.
احترامه للذرية الطاهرة :
كان يعظم السادة من ذرية النبي 9 ويحترمهم أشد الاحترام ، فقد نقل عنه
انّه كان يتأدب أمام أي سيّد من السادة ويقدّمه على نفسه حتّى لو كان طفلاً بحيث
لم ير المحدّث القمّي يوماً قد بسط رجليه أمام سيّد سواءاً كان جالساً في غرفة أو
بيت أو ساحة .
والقصة المتقدّمة عن سلطان الواعظين
الشيرازي تؤيد هذه الحقيقة .
* وذكر أيضاً : قبل وفاته بساعات جيء له
بعصير تفاح ليشرب ، وكانت في منزله طفلة علوية من السادة ، فقال المحدّث : اعطوا
العصير للطفلة العلوية لتشرب أولاً وبعد ذلك آتوني بالباقي.
وقد فعل من حوله ذلك فاعطوه للطفلة
العلوية فشربت منه مقدراً ثمّ جاؤوا بالباقي فشربه المحدّث ، وقال انّي قصدت من
وراء ذلك الاستشفاء .
وقد جاءت في الرويات الكثيرة عن أهل بيت
العصمة والطهارة لزوم احترام الذرية الطاهرة ، منها :
روى الصدوق باسناده عن دعبل الخزاعي عن
الامام الرضا 7
عن آبائه عن علي 7
قال : « قال رسول الله 9
: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرم لذريتي من بعدي ، والقاضي لهم حوائجهم
، والساعي لهم في امورهم عند اضطرارهم ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه » .
وروى الطوسي بأماليه بإسناده عن الامام
موسى بن جعفر عن أبائه : عن
فاطمة عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهما قال : « قال رسول الله 9 : ايّما رجل صنع الى رجل من ولدي صنيعة
فلم يكافئه عليها فأنا المكافيء له عليها » .
وفي صحيفة الامام الرضا 7 عن آبائه : قال
: « قال علي بن أبي طالب 7
من اصطنع صنيعة الى واحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها في الدنيا ، فأنا
اجازيه غداً اذا لقيني يوم القيامة » .
وروى الشيخ المفيد في أماليه بإسناده عن
محمّد بن الحنفية قال : « قال رسول الله 9
: ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ، ويوقر كبيرنا ، ويعرف حقّنا » .
خطابته ووعظه :
الوعظ والخطابة والارشاد من المهمات
الكبيرة التي قام بها الأنبياء
والأوصياء صلوات
الله عليهم أجمعين ، ولكن لظروف لم تعرف اصولها ، تقلصت هذه المهمّات من مساحة
التبليغ واعتبرت ضمن أعراف حوزوية معينة بانّها مهنة اُناس يحترفونها ، ولابدّ
للاجلاّء من العلماء أن يتنزهوا عنها لانّها لا تليق وشأنهم ، وقد أخذت هذه
الأفكار غير الصائبة تنزوي وتزول خصوصاً بعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة
حينما تصدى للخطابة والوعظ كبار العلماء والمجتهدين وعلى راسهم إمام الاُمّة ( قدس
الله روحه الطاهرة ).
ونجد إيمان القمّي وتقواه وحبّه لهداية
المؤمنين قد تصدى لهذه المهمّة الكبيرة من موقع الوظيفة الشرعية بدون أن يحترفها ، وقد سار أثر خطى استاذه النوري ;.
وكانت لمواعظه أثرها الكبير في النفوس
لأنه كان يتحدّث بما يعتقد به وبما عمل به قبل أن يتحدّث عنه .
وقد روى الطوسي في أماليه بالإسناد عن
الامام الصادق 7
انّه قال : ( من تعلّم لله عزّوجلّ وعمل لله وعلّم لله ، دعي في ملكوت السماوات
عظيماً ، وقيل تعلم لله ، وعلم لله ) .
وروى البرقي بإسناده عن الامام الباقر 7 قال : في ضمن رواية : « أشدّ الناس
حسرة يوم القيامة الذين وصفوا العدل ثمّ خالفوه » .
وقد نقل عن بعض حضّار مجلسه انّه قال :
لقد كان كلام الشيخ القمّي يجعل الانسان بعيداً وممتنعاً عن السيئات والأعمال
والذنوب لمدة اسبوع على الأقل ويكون متوجّهاً الى الله تعالى والى العبادة .
* ونقل عن بعض علماء النجف : كانت طريقة
الشيخ عباس عندما يرتقي المنبر ويبدأ حديثه ينقل في البداية الخبر ثمّ يذكر سند
الحديث ورجال السند ثمّ يتحدّث عن حياتهم وحالهم في الوثاقة وغيره ، فإذا وصل به
الحديث الى المعصوم 7
فانّه يتغير ويتخيل السامع انّه يرى المعصوم 7
رأي العين.
* ونقل عن أحد كبار علماء مشهد في وقته
اغا بزرك الحكيم انّه كان يجب اثنين من العلماء أكثر من غيرهم أحدهما آية الله
السيّد حسين القمّي والآخر الشيخ عباس القمّي وكان يقول : من يريد أن يستنير بكلام
أهل البيت 7 فليحضر منبر
الشيخ عباس.
* ونقل عن أحد العلماء انّه كان للمرحوم
( بلور فروش ) القمّي مجلس عزاء سنوي في أيّام الفاطمية الاُولى في البيت الذي
سكنه آية الله البروجردي ١٦ سنة ، وكان لا يدعو للخطابة غير الشيخ عباس القمّي ،
وكان المجلس يعدّ أحسن مجلس في قم المقدّسة يحضره جميع الطبقات وبالخصوص العلماء ،
وكان الناس ينتظرون أيّام الفاطمية ليحظو بمجلس الشيخ القمّي.
* وقد أدخل المؤسس آية الله الشيخ
الحائري ; في ايران
احياء مصائب سيّدة نساء العالمين 7
في الفاطمية الثانية وكان يحضر للمنبر الشيخ عباس القمّي وكان المجلس يكتظ
بالعلماء والفضلاء وطلبة العلوم الدينية وسائر الناس.
وكان المرحوم الهسته اي الاصفهاني يخطب
أولاً فإذا اتمّ مجلسه ارتقى المنبر الشيخ القمّي بعده ولشدة تعلّق الناس بالشيخ
القمّي دون أن يتفرقوا.
* وكان يرتقي المنبر في النجف الأشرف في
( مسجد الهندي ) المعروف صباح كل يوم من العشرة الأولى لمحرم ، وكان مجلسه يزدحم
بالناس أكثر من جميع مجالس النجف مع انّه كان يتحدّث لمدة لا تقل عن ساعتين.
وكان في يوم العاشر لا يقرأ إلاّ المقتل
ولا يتحدّث عن مصيبة سيّد الشهداء 7
ومظلوميته. وكان يضج المجلس بالبكاء ويبكي العلماء
والفضلاء بكاءاً
شديداً.
* ووصف نجله الشيخ محدث زاده مجلسه
ووعظه ما تعريبه ملخصاً : وكان الناس في أوقات فراغه ، وبالخصوص في أيّام اقامة
العزاء يستفيدون منه بمواعظه الطيبة ، وخطبه النافعة. والحقّ فانّ لخطاباته آثاراً
خاصّة وذات جذابية تكسب إليها كل القلوب
فقد كان واعظاً متّعظاً يرقى المنبر ، ويلقي على سامعيه الأحاديث المنقولة عن
الأئمة الطاهرين : مع
تحفظ على ضبطها ودقة في قراءة ألفاظها.
ويعظ الناس ودموعه منهمرة تسيل على
لحيته الكريمة ، وربما منعته من الاستمرار في حديثه ، وخاصّة عند ذكر مصائب
المعصومين : ، وما ورد
عليهم من الآلام والفجائع على أيدي اعدائهم وغاصبي حقوقهم ) .
تقواه وزهده وتواضعه :
قال زميله الطهراني : ( كنا نسكن غرفة
واحدة في بعض مدارس النجف ونعيش سوية ، ونتعاون على قضاء لوازمنا وحاجاتنا
الضرورية حتّى تهيئة الطعام وبقينا على ذلك بعد وفاة شيخنا ... وقد عرفته خلال ذلك
جيداً ، فرأيته مثال الانسان الكامل ومصداق رجل العلم الفاضل.
وكان يتحلى بصفات تحببه الى عارفيه ،
فهو حسن الأخلاق جمّ التواضع ، سليم الذات ، شريف النفس ، يضمّ الى غزارة الفضل
تقىً شديداً ، والى الورع زهداً بالغاً ، وقد أنسب بصحبته مدة وامتزجت روحي بروحه
زمناً .. ) .
وقال الشيخ حرز الدين ; في وصفه : ( ... عالم كامل ثقة عدل
متتبع ، بحاثة عصره ، أمين ، مهذب ، زاهد ، عابد ، صاحب المؤلّفات المفيدة .. ) .
وقال نجله الشيخ محدث زاده : ( وكان
باخلاقه وزهده وتقواه وطهارته
وبدون مبالغة ـ
مرشداً وداعياً للمجتمع ، بل يمكن أن يقال انّه كان نموذجاً للصالحين والعظماء في
عصره .. ) .
* وقد تحدّث الكثير عن زهده فقالوا :
انه كان يلبس ملابساً بسيطة فكانت ملابسه عبارة عن قباء كرباس نظيف جداً ومطيّب ،
ومرّ عليه الشتاء والصيف عدة مرّات وهو لابس ذلك القباء الكرباسي ، فلم يكن ابداً
يفكر في الملابس والكماليات.
* وكان فراش بيته من البسط العاديّة
التي تمسى بـ ( گليم ).
* وكان لا يصرف على نفسه من (سهم الامام
7) ، وكان
يقول انّي لا استحقه.
* وكان محتاطاً في طعامه أيضاً ، فمع
انّه كان مبتلى بمرض الربو (ضيق التنفس) ، ولم يكن ينسجم مع صحّته أي طعام وانّما
لابدّ وأن لا يكون فيه ضرر على صحّته ، ومع ذلك كله فانّه كان لا يهتم الى نوع
الغذاء وكميته ، وكان يأكل أي طعام قدم له ، وبأي مقدار ممكن.
* وفي مرّة من المرّات عندما كان الشيخ
في النجف الأشرف قدمت له امرأتان كانتا تسكنان في مدينة ( بمبي ) ومن أقرباء ( آقا
كوچك ) من وجهاء النجف الأشرف ، والتمستا منه أن يتقبل منهما في كل شهر روبية ليدفعه مقداراً في معيشته. وكان
مصرف عائلته شهرياً لا يتجاوز
روبية.
ولكن الشيخ امتنع عن قبول هذا المبلغ ،
فاصر الميرزا محسن محدّث زاده ـ ولده الصغير ـ أن يقبل ذلك المبلغ ، ولكنه لم
يستجب الى أن يئست المرأتان وخرجتا ، فحينما ذهبتا قال الولد للوالد : انّني سوف
لا اقترض من السوق شيئاً لمصرف البيت فيما بعد.
فقال الحاج الشيخ عباس : اسكت. فانّي لا
ادري بماذا اجيب الله تعالى
وصاحب الزمان ( سلام
الله عليه ) يوم القيامة عن هذا المقدار الذي اصرفه فكيف تريدني أن أثقل حملي أكثر
من هذا؟
* وكان أحد الأشخاص من تجار طهران يقدم
له مبلغاً متواضعاً من المال الى آخر عمره ، وكان هو يقتصد جداً بمعيشته. وقد جاءه
في أواخر عمره شخص من همدان الى النجف الأشرف والتقى به في بيته ، وفي أثناء
الحديث سأله عن وضعه الداخلي ، فأجابه الشيخ بكل ما هو موجود : فحينما أراد ذلك
الشخص أن يخرج قدّم له مبلغاً من المال ، ولكن المحدّث القمّي لم يتقبله ، ومع شدة
اصراره فانّه لم يقبله منه.
فعندما ذهب سأله ابنه الكبير : يا أبتي
، لماذا لم تقبله؟
فأجاب : أن رقبتي رقيقة وبدني ضعيف ،
فلا طاقة لي يوم القيامة على الجواب ، ثمّ نقل لهم قصدة أمير المؤمين 7 في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان وبكى
ثمّ أخذ بوعظ أهل بيته.
تواضعه :
فكان كثير التواضع للآخرين كباراً
وصغاراً في البيت أو في المدرسة ، وكان يظهر الاحترام والأدب لكلّ من يلاقيه في
الطريق سواء كان من العلماء أو من غيرهم خصوصاً إذا كان من حملة الحديث وأخبار أهل
البيت : ، وكان يعدّ
نفسه صغيراً أمامهم. وكان إذا دخل مجلساً لا يجلس في صدر المجلس أبداً ، ولا يقدّم
نفسه على الآخرين. وكان يحذر جداً من الزهو والاعتداد بالنفس ، أو ياخذه الغرور.
حلاوة معشره :
ولا يتوقع من القضايا السابقة التي نقلت
عنه ; انّه كان
فظّاً مع الآخرين ضعيف العاطفة ، بل بالعكس فانّ أولئك الذين صاحبوه ونقلوا عنه
تلك القضايا الجميلة لم ينسوا ذكر فضيلته الاُخرى بعلاقته مع الآخرين فقد وصفوه
بانّه كان
حلو اللسان طيب
الحديث ، لم يمنعه أنسه بالكتاب من أن يظهر المحبة للآخرين ، بل كان حتّى في سفره
منشرح الوجه مبتسم الثغر مع رفقائه مع قليل من المزاح واللطافة. بل كان يهتم في
سفره برفقاء طريقه ويتلطف معهم أكثر من المعتاد.
فكان أصحابه يحبونه كثيراً لحسن خلقه
وسلوكه وتعامله اضافة الى تقواه وزهده وغير ذلك من الصفات الجميلة التي اجتمعت في
شخصيته .
قالوا فيه :
* قال السيّد الأمين : ( عالم فاضل صالح
محدّث واعظ عابد زاهد ) .
* وقال العلاّمة الطهراني : ( وقد عرفته
خلال ذلك جيداً فرأيته مثال الانسان الكامل ، ومصداق رجل العلم الفاضل ، وكان
يتحلى بصفات تحببه الى عارفيه فهو حسن الأخلاق ، جم التواضع ، سليم الذات ، شريف
النفس ، يضمّ الى غزارة الفضل تقى شديداً ، والى الورع زهداً بالغاً ...
وكان دائم الاشتغال ، شديد الولع في
الكتابة والتدوين والبحث والتنقيب لا يصرفه عن ذلك شيء ولا يحول بينه وبين رغبته
فيه واتجاهه إليه حائل ... ) .
* وقال خير الدين الزرگلي : ( باحث
إمامي ، من العلماء بالتراجم والتاريخ ، مولده ووفاته بالنجف عاش مدة طويلة في
طهران ... ) .
* وقال المدرس : ( من أفاضل علماء عصرنا الحاضر ، عالم فاضل كامل ، محدث ، متتبع ،
ماهر ، وهو مقصود المؤلّف من (الفاضل المحدّث المعاصر) في هذا الكتاب ) .
* وقال الأميني : ( وهو من نوابغ الحديث
والتأليف في القرن الحاضر ، وأياديه المشكورة على الامة لا تخفى ) .
دوره في محاربة مؤامرة رفض
الدين :
سبق وأن أشرنا الى انّ العصر الذي عاش
فيه الشيخ القمّي من أشدّ العصور الحرجة التي مرّت بها امتنا الاسلامية ، فقد
اتّحد الشرق والغرب العلماني والمسيحي على قلع الجذور الدينية الاسلامية من بلاد
المسلمين بعدها ظهر الضعف في الأنظمة التي حكمت البلاد الاسلامية وبالخصوص الدولة
العثمانية والدولة القاجارية.
ولا يسع المقام في هذا المقال شرح كل
خيوط المؤامرة الاستكبارية وسبب انحطاط المسلمين وانهيار قوتهم وظهور العجز الكبير
في وجودهم السياسي وغيره.
ولكننا لابدّ وأن نثبت هنا حقيقة مهمّة
وهي أن الاستعمار الشرقي والغربي استطاع أن يصرف الكثير من المسلمين عن الأسباب
الحقيقية للانهيار ، وخداعهم بأنّ السبب الرئيسي هو نفس الدين يعتنقونه.
وقد مؤّهوا عليهم بأنّ أوربا لم تستطع
أن تحصل على النهضة السياسية والاقتصادية والفكرية إلاّ بعد التخلص من هيمنة
الكنيسة وعزل الدين عن السياسة ، وابعاد (رجال الدين) عن مقدرات الامة وتضييق
دائرة حركتهم السياسية والاجتماعية. ولذلك فعلى الامّة الاسلامية اذا أرادت أن
تتخلص من الانهيار الحضاري الذي اعتراها بالعصر الحاضر فعليها أن تخطو نفس الخطوات
التي سلكتها الدول الصناعية الكبرى برفض الدين والتحجير على رجاله وتضييق دائرة
حركتهم واطلاق الحريات للجميع يمارسونها كيفما يشاؤوا.
وبالواقع فانّ اولئك الذين خططوا للقضاء
على الامة الاسلامية كانوا يعون ما يقولون ويتحركون ضمن خطط دقيقة مسبقة ، وكانوا
يحسون أن نقطة الخطر أمام الاستعمار تكمن في شخصية الانسان المسلم ، وما لم يتمكن
الغرب والشرق من مسخ شخصية الانسان المسلم وابدالها بشخصية غريبة عن تاريخ الامة
وتقاليدها ، فانّهم لا يستطيعون أن ينفذوا شئياً من خيوط المؤامرة ، وخصوصاً
فانّهم يريدون منها
أن تكون قاضية وتستمرّ الى آخر الدنيا بدون امل لنهضة العالم الاسلامي مرّة اُخرى
، فانّهم يحسبونه المارد الذي حطم كبرياءهم في يوم سابق من أيّام التاريخ.
وكانت بداية التجربة في تركيا واستطاعوا
أن ينجّحوا المؤامرة هناك لأسباب متعددة لسنا الآن بصدد بيانها.
والمحطة الثانية للمخطط كانت ايران ،
وأمّلوا من قزمهم المدعوا بـ ( رضا بهلوي ) أن يقوم نيابة عنهم بتنفيذ المخطط
التآمري.
وكان شديداً جداً بالتنفيذ وعنيفاً بما
لا يتصور ، خصوصاً انّه قد عُلِّمَ بأنّ العائق أمام نجاح أعماله يتمثل بقوتين
أولاهما النظرية والاُخرى التطبيق ، فأما التطبيق فقوة العلماء الشيعة والحوزات
العلمية ، فعليه اذا أراد أن ينتصر بمعركته ، فعليه أن يكسر عدة أبراج مهمّة في
واقع الامة ، أولها الموقع القيادي للعلماء وهيبتهم في نفوس الامة وطاعة الناس لهم
، وقد قسموا هذا الوجود الى قسمين : أولهما بما يتعلق بهيئة العلماء فانّه نفذ
المؤامرة في خلال الاعتداء شخصياً على العلماء بمحاربة الحوزات العلمية ومنع لبس
الزي العلمائي ومنع النشاط العلمائي كإقامة مجالس العزاء والوعظ والارشاد الديني ،
اضافة الى عدم احترامهم والتجاسر على المجتهدين وقتل بعضهم ونفي البعض الآخر وما
الى ذلك من الأعمال الاجرامية.
وأما القسم الثاني فيتم بابعاد الناس عن
الدين والتدين وقد نفذ المؤامرة بعدّة أنشطة اجرامية أحدها منع الحجاب والسفور
الالزمي ، والمدارس المختلطة ، ونشر أماكن الدعارة والخمور والتشجيع على الفحشاء ،
ونشر مؤضة اللادينية بكل ابعادها ، وهو المخطط الثاني المتعلق بالخطة النظرية
للقضاء على الدين.
وأهم اسلوب انحرافي استخدمه الاستعمار
من خلال عملائه المرتطبين بالشرق والغرب
اعتبار الدين لا ينسجم مع تطورات العصر ورقيّه وانّما كان
له قوة الحركة
والتحريك في العصور الماضية ، ولذلك فانّه ضعف في نفوس معتنقيه ولم يقدر يقاوم
لأجل البقاء كلما تطورت المجتمعات وظهرت الثورات الصناعية والزراعية وغيرهما.
وقد سعى اولئك جاهدين أن يدخلوا بعض
المفاهيم التي انتشرت في أوربا تحت عنوان ( الحريات ) و ( الثورة الفرنسية )
وقوانين السياسة والقوانين المدنية والفكر الماركسي وما الى ذلك.
وابتغوا من ذلك ملء الفراغ الذي سوف
يولده انسحاب الفكر الديني من نفوس اتباعه المسلمين.
وفي البداية سعوا لابدال الدين بالدين ،
أي المسيحية بالاسلام ، فلم يتمكنوا لأسباب موضوعية تعود الى عمق الارتباط الديني
والاسلامي أولاً ، والى نشوء تناقض بين ما يطرحون من فكر ( تقدمي ) وبين الدين ( الذي
يمثل العائق للتطور كما يزعمون ).
وبذلك رجعوا الى طرحهم السابق برفض
الدين وابعاده عن الدولة والمجتمع والانسان.
وحملت تلك الهجمة عناوين ( التحديث )
والتقدم والتحرر والوطنية والمفاهيم الاُخرى المستوردة.
١ ـ ومع أن تلك المفاهيم نشأت تحت ظروف
خاصّة عاشتها اُوربا في عصورها الوسطى وما بعدها.
٢ ـ وأن المفاهيم التي تتولد نتيجة ظروف
وملابسات معينة لا يمكن نقلها الى
أماكن اُخرى لم تظهر
فيها مثل تلك الظروف.
٣ ـ فانّهم أرادوا بالحيلة مرّة وبقوة
السلاح والنار مرّة اُخرى أن يرغموا الامة الاسلامية على قبول هذا الاستيراد
الغريب بكل معنى الكلمة.
وكانت المعركة بأشدها في البداية ، وهو
أمر طبيعي ، ولذلك عانى اولئك الذين عاشوا بداية المعركة أشد المصائب والمحن ،
ولاقوا الامرّين ، وكان جهادهم يعادل جهاد جميع الذين جاؤوا من بعدهم. وكان من
اولئك الشيخ القمّي ;.
أما كيف عالجوا مشكلة التحديث التي
اطلقت على ذلك المخطط الجهنمي وبشكل مختصر مجتنبين التفصيل محيلينه الى محل آخر.
وهناك عدّة أساليب حاولت أن تقاوم المؤامرة وقد فشلت بعضها ولم تستطع المقاومة
بينما حظيت أساليب اُخرى بالنجاح.
ولا نقصد بذلك القواعد الشعبية والجمهور
والتاريخ الذي صنعه المؤمنون الأبطال في مقاومة الكفر بثوبه الجديد.
وانّما نقصد الفكر الذي قاوم ( الموضة
اللادينية ) والفكر العلماني والاتهامات الاستعمارية للاسلام ، والهالة الكاذبة
التي اعطيت للفكر المستورد.
١ ـ فهناك من تأثّر بالطروحات الجديدة ،
ولكنه حاول أن يغير شيئاً بالشعارات واللافتات ، فعزل الدي عن السياسة ، واعطى
السياسة وحق العمل السياسي لأولئك الذين ابتعدوا عن الدين ورجاله.
٢ ـ وهناك من ناقش في التراث الديني
ودعى الى تطويره بما يتلائم مع متطلبات العصر.
٣ ـ والأخطر من اولئك جميعاً دعاة
التحديث الذين يحسبونهم على رجال الدين ومن هم على شاكلتهم والذين اطلقوا على
انفهسم عناوين مختلفة مثل المتنورين وغيرهم فانّهم ادعوا بأنّ الأبحاث العقائدية
والفقهية والأخلاقية مسائل أكل الدهر عليها وشرب وانّها انقضت ولابدّ من الاهتمام
بالمسائل الاقتصادية
والسياسية العصرية.
وقد وجد اتجاه معاكس وكأنما نشأ من ردود
الفعل فانّه رفض التحديث بشكل كلي واصرّ على القديم تحت شعار ( عليك بالقديم لا
بالمحدثات ) ، وقد رام هؤلاء أن يدافعوا عن اصولهم الدينية ولكنهم اخطأوا المرمى ،
بل بالعكس فانّهم وقفوا حجر عثرة في بعض الحالات امام المجاهدين.
كما اخطأ اولئك بفكرة التحديث فانّ
الدين نزل من الحقّ تعالى وانّ حلال محمّد حلال الى يوم القيامة وحرام محمّد حرام
الى يوم القيامة. وانّ الفكر الديني هو الوحيد الذي يملك القدرة على رقي الانسان
وبناء الحضارات السليمة والانسان الصالح.
كما أن القوانين الدينية الثابتة غير
قابلة للمساومة والتبديل ، نعم انّ الأساليب في التبليع والارشاد وطريقة الطرح في
بعض المسائل المرتبطة بالعرض امور موكولة الى أهل الدين عليهم أن يستفيدوا من
الطرق التي تلائم كل مجتمع وكل انسان وتدخل تحت عنوان ( ادعوا الى سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة ).
وليس معنى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه
، يقولوا ما يشاؤوا وما تبدعه اذهانهم من آراء ونسبتها الى الدين والاسلام.
فانّ هذا انحراف خطير ، فانّ الانسان ـ
وأي انسان ـ لا يمكنه أن ينسب شيئاً الى الدين إلاّ اذا كان أهلاً لفهم الاصول
الدينية ومصادر العقيدة والتشريع ، يعني واصلاً الى قدرة الاستنباط للمسألة
الشرعية سواء كانت كلية أو فرعية.
وانّ ذلك الانحراف هو الذي أوقع اصحابه
في دعوى عدم وجود حاجة الى الفقه والأبحاث الأخلاقية والأبحاث الدينية الاُخرى. بل
على العكس انّ الانسان في العصر المادي والمعركة المادية أحوج ما يكون الى المدد
الروحي والى الروحانية الدينية ليقاوم بها الفكر المادي بكل اشكاله وحتّى ذلك
الفكر المادي الذي حسب نفسه على الدين ، اعوذ بالله تعالى.
ومن هذه النتيجة نعرف سرّ نجاح الشيخ
القمّي بحركته الأخلاقية فية عصر
عنفوان المعركة ضد
الدين والروحانية. فانّه تمكن من عرض الدين بجانبه الروحاني باسلوب ليّن محبب الى
الجمهور لأنه كان يحس بالمعركة ويعرفها ويواجهها بقوة ولكن بطريقته الخاصّة وكان
يعرف انّ العدو عندما يريد أن يقضي على روحانية الدولة والمجتمع والانسان المسلم
فلابدّ من التأكيد على عودة الروحانية الى الدولة والمجتمع والانسان المسلم.
والحق فانّ حركة الشيخ القمّي لا يمكن
لأحد أن يفصلها عن حركة آية الله السيّد حسين القمّي ، كما انّها لا يمكنها أن
تفصل عن حركة آية الله الحائري كما أن جميع هذه الحركات متمّمة لحركة آية الله
السيّد حسن المدرس ... وهكذا جميع اولئك الذين تصدوا للعدوان.
وجميع أوجه النشاط الديني الذي قام به
سلفنا الصالح يعبر عن حقيقة واحدة هي المقاومة للعدوان المادي الذي أراد أن يقلع
الدين من الدولة والمجتمع والانسان.
القدوة في حياة القمّي :
لا اظنني احتاج الى تفصيل القدورة في
حياة شيخنا القمّي وانّما يمكن أن نرجع الى كل تلك العناوين المتقدّمة فانّها تصلح
أن تكون محفزاً للآخرين للاقتداء بالرجل الصالح في مختلف المواقف.
وانّي على يقين أن أيّ قارىء لتلك
القضايا التي نقلت عن المحدّث القمّي سوف يجد فيها شاهداً روحانياً في طريق تكامله
الانساني ؛ وإن كان القلم ـ وللأسف الشديد ـ لم يستطع أن يحفظها بجمالها المعنوي
في اطار الجمال اللفظي فانّي أقرّ بأنّ القصور الأدبي في التعبير قد اخفى كثيراً
من صور الجمال لتلك الوقائع ولكن عن غير قصد ، فالقاصر معذور على كل حال.
وفاته ومدفنه :
لقد سبق وانّ بيّنا بأنّ الشيخ القمّي ; كان قد ابتلى بمرض الربو ( ضيق
النفس ) ويشتد عليه
بصيف كل سنة ، ولذلك فهو يسافر الى الأماكن التي تخف فيها الحرارة كمشهد المقدّسة
، ولكنه وبسبب الأوضاع الصعبة فانّه لم يعزم على السفر الى مشهد المقدّسة ، وكان
قد اعتاد بعد رحلته الأخيرة الى النجف الأشرف أن يقضي الصيف في سورية ولبنان ،
ولكنه بسبب الخلاف السياسي بين العراق وسورية آنذاك لم يستطع السفر الى سورية وبقي
في النجف الأشرف يصارع مرضه الذي لم يكتف بثقله الجاثم على الشيخ المريض وانّما
استعان عليه بمرض آخر فابتلي الشيخ بمرض الاستسقاء ولمدة ثلاثة أشهر. وقد أخذ منه
كثيراً من قوته البدنية بحيث لم يستطع الصلاة من قيام وانّما كان يؤديها من جلوس
حتّى توفي في النجف الأشرف بعد النصف من ليلة الثلاثاء ، الثالث والعشرين من شهر
ذي الحجّة الحرام من سنة ١٣٥٩ هـ وقد عم البلاد الحزن والألم والتفجع على هذه
الخسارة الكبرى بموت هذا العالم الجليل ، ففي الخبر « اذا مات العالم ثلم في
الاسلام ثلمة ».
وحمل على الأكتاف الى الصحن العلوي
الشريف وقد صلى عليه المرحوم آية الله العظمى السيّد أبو الحسن الاصفهاني ودفن عند
رجلي الشيخ النوري في الايوان الثالث على يمين الداخل من الباب القبلي الى الصحن
الغروي
وكان ذلك بوصية منه على ما قيل.
* * *

مقدمة
المؤلّف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام
على محمّد وآله الطاهرين.
وبعد ، فيقول العبد عديم البضاعة
والمتمسك بأحاديث أهل بيت الرسالة : عباس
بن محمّد رضا القمّي ختم الله له بالحسنى والسعادة :
إنّ العقل والنقل يحكمان على الشخص الذي
يعزم على السفر أن يهيء الزاد والمؤونة لسفره بمقدار ما يلزمه في ذلك السفر. ثمّ
يسافر ؛ وعليه فمن الأجدر ونحن في سفره الآخرة الذي لا مناص لنا عنه ولا يوجد طريق
للتخلص منه ـ أن نقدم أمامنا الزاد والمؤونة بما يناسبه ، كما روي عن أبي ذر
الغفاري 2 عندما قدم
مكّة المعظمة فانّه وقف عند باب الكعبة ونادى على الناس الذين جاؤوا للحج من أطراف
الدنيا وقد اجتمعوا في المسجد الحرام ، فقال : ( أيها الناس أنا جندب بن السكن
الغفاري : انّي لكم ناصح شفيق فهلمّوا ).
فاكتنفه الناس ، فقال :
انّ أحدكم لو أراد سفراً لاتخذ من الزاد
ما يصلحه. ( ولابدّ منه )
فطريق يوم القيامة أحق ما تزودتم له.
فقام رجل ، فقال : فارشدنا يا أباذر.
فقال : حج حجّةً لعظائم الامور ، وصم
يوماً لزجرة النشور وصلّ ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور .. الخبر .
وقد وعظ الامام الحسن المجتبى 7 جنادة بن أُمية حين وفاته ، وأول شيء
قاله له :
( استعد لسفرك ، وحصّل زادك قبل حلول
أجلك ) .
وبما أن سفر الآخرة سفر بعيد ، وفيه
أهوال ومواقف صعبة وعقبات شديدة ومنازل عسرة فلذلك فهو محتاج الى زادٍ كثير ،
ولابدّ أن لا يَغفل عنه ، وأن يفكر فيه ليلاً ونهاراً. كما روي عن أمير المؤمنين 7 انّه كان ينادي في كل ليلة عندما يهجع
الناس بصوته الرخيم بحيث يسمعه جميع أهل المسجد جيران المسجد ، فيقول :
« تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم
بالرحيل » .
يعني : استعدوا وهيئوا ما تحتاجونه في
سفركم رحمكم الله فانّ منادي الموت نادى فيكم على أبوابكم بالرحيل.
« واقلّوا العُرجَة على الدنيا ،
وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد فانّ امامكم
عقبة كؤوداً ،
ومنازل مخوفة مهولة لابدّ من الورود عليها والوقوف عندها » .
ونحن نشير الى بعض تلك العقبات الصعبة
والمنازل المهولة. ونذكر بعض الامور النافعة في درء صعوبات وأهوال ذلك المحلّ
بكمال الاختصار. وضمن عدة فصول. وإن وفقني الحقّ تعالى وامهلني الأجل فسوف اصنِّف
كتاباً مفصلاً في هذا الباب إن شاء الله تعالى ، ولو انّني لم أر في هذا الزمان
مَن يَطلبُ هذه المطالب بشكل جدّي وحقيقي.
وبسبب هذه الملاحظة أيضاً فقد كتبت هذه
المختصر بدون اندفاع مع قلة رغبة ، وأسأل الحقّ تعالى التأييد والتوفيق انّه قريب
مجيب.
* * *
المنزل الأول
في هذا السفر
الموت
فصل :
ولهذا المنزل عقبات كؤود ومواقف صعبة ، ونحن
نشير الى عقبتين منها :
العقبة الاُولى
سكرات
الموت وشدة نزع الروح
( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ
الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) .
وهذه العقبة صعبة جداً وانّ شدائدها
وصعوباتها تحيط بالمحتضر من جميع الجهات ..
فمن جهة تواجهه شدة المرض ، وشدة الوجع
، واعتقال اللسان ، وذهاب القوة من الجسم ..
ومن جهة اُخرى يواجه بكاء الأهل والعيال
، ووداعهم له ، وغَمَّ يُتم وغربة أطفاله ..
ومن جهة اُخرى يواجه غمَّ مفارقته لماله
ومنزله وأملاكه ومدّخراته وأشيائه النفسية التي صرف عمره العزيز من أجل تحصيل
المزيد منها ، بل ان أكثر ما عنده عائد للآخرين وقد تملّكه منهم بالظلم والغصب ..
وكم تعلقت من الحقوق الشرعية بأمواله ولم يؤدها .. وهو الآن في تلك الحالة ينتبه
الى ما اتلفته وخربته أعماله
بعدما انقضى الأمر
وانسدّ طريق اصلاحه. فكان كما قال أمير المؤمنين 7
: « يتذكر أمولاً جمعها اغمض في مطالبها وأخذها من مُصرَّحاتها ، ومشتبهاتها قد
لزمته تبعات جمعها وأشرف على فراقها تبقى لمن وراءه ينعمون بها فيكون المهنأ لغيره
والعبءُ على ظهره »
..
ومن جهة اُخرى فهو
يواجه هول قدومه على نشأة اُخرى هي غير هذه النشأة.
ثمَّ انّ عينيه تريان أشياءاً لم ترها
قبل ذلك :
( فَكَشَفْنَا عَنكَ
غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ )
.
فيرى رسول الله وأهل بيته الأطهار صلوات
الله عليهم وملائكة الرحمة وملائكة العذاب حاضرين عنده ليحكموا فيه وانّه يترقب
ايّ حكم يحكمون به ، وأي شيء سوف يوصون به؟
ومن جهة اُخرى قد اجتمع ابليس واعوانه
ليوقعوه في الشك ، وهم يحاولون جاهدين أن يسلبوا إيمانه ليخرج من الدنيا بلا إيمان.
ومن جهة اُخرى يعاني من هول حضور ملك
الموت ، وبأي صورة وهيئة سوف يجيئه به ، وبأي نحو سوف يقبض روحه. الى غير ذلك ..
قال أمير المؤمين 7 : « فاجتمعت عليه سكرات الموت ، فغير
موصوف ما نزل به » .
وروى الشيخ الكليني عن الامام الصادق 7 :
« أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه
اشتكى عينيه ، فعاده رسول الله 9
فإذا
هو يصيح فقال النبي 9 : أجزعاً أم وجعاً؟ فقال 7 : يا رسول الله ما وجعت وجعاً قط أشدّ
منه. فقال 9 : يا علي
انّ ملك الموت اذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفود من نار فينزع روحه به فتصيح
جهنم. فاستوى علي 7
جالساً فقال : يا رسول الله أعد عليَّ حديثك فقد أنساني وجعي ما قُلت.
ثمّ قال : هل يصيب ذلك أحداً من امتك؟
قال : نعم حاكم جائر ، وآكل مال اليتيم
ظلماً ، وشاهد زور » .
وأما
الأشياء التي تهوِّن سكرات الموت
صلة الرحم :
ما رواه الشيخ الصدوق عن الامام الصادق 7 انّه قال :
« مَن أحبَّ أن يخفف الله عز وجلّ عنه
سكرات الموت فليكن لقرابته وصولاً ، وبوالديه بارّاً ، فإذا كان كذلك هوَّن الله
عليه سكرات الموت ولم يصبه في حياته فقرٌ أبداً » .
برّ الوالدين :
وروي :
« انّ رسول الله 9 حضر شاباً عند وفاته فقال له : قل لا
إله إلاّ الله ».
قال : فاعتقل لسانه مراراً.
فقال لامرأةٍ عند رأسه : هل لهذا امّ؟
قالت : نعم أنا امّه.
قال 9
: أفساخِطةٌ أنت عليه؟
قالت : نعم ما كَلَّمتُهُ مُنذُ ستّة
حجج.
قال 9
لها : ارضي عنه.
قالت : 2
يا رسول الله برضاك عنه.
فقال له رسول الله 9 : قل لا إله إلاّ الله.
قال : فقالها. فقال له النبي 9 ما ترى؟
قال : أرى رجلاً أسود الوجه قبيح المنظر
وسخ الثياب منتن الريح قد وليني الساعة ، وأخذ بكَظمَيَّ.
فقال له النبي 9 قل : يا من يقبل اليسير ويعفو عن
الكثير اقبل مِنّي اليسير واعف عنِّي الكثير انَّك الغفور الرحيم.
فقالها الشاب. فقال له النبي 9 : انظر ماذا ترى؟
قال : أرى رجلاً أبيض اللون حسن الوجه
طيب الريح حسن الثياب قد وليني ، وأرى الأسود قد تولى عنّي.
فقال له : اعد ، فأعاد. فقال له : ما
ترى؟
قال : لست أرى الأسود ، وأرى الابيض قد
وليني.
ثمّ طفي على تلك الحال .
يقول المؤلّف :
تأمّل في هذا الحديث جيداً ، وانظر كم
هو أثر العقوق فمع انّ هذا الشاب كان من الصحابة وانّ نبي الرحمة 9 قد عاده زائراً وجلس عند وسادته ،
ولقنه بنفسه الشريفة كلمة الشهادة ، ومع كل ذلك فلم يتمكن على النطق بتلك الكلمة
إلاّ بعدما رضيت عنه امّه ، وحينئذٍ انطلق لسانه فقال كلمة الشهادة.
كسي المؤمن :
وروي أيضاً عن الامام الصادق 7 :
« مَن كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان
حقاً على الله أن يكسوه من ثياب الجنّة ، وأن يهوّن عليه سكرات الموت وأن يوسع
عليه في قبره » .
اطعام المؤمن الحلوى :
وروي عن الرسول الأكرم 9 :
« من اطعم أخاه حلاوة أذهب الله عنه
مرارة الموت » .
* ومِنَ الامور الاُخرى التي تنفع في
تعجيل راحة المحتضر قراءة سورة يس
__________________
والصافات وكلمات الفرج عنده .
* وروى الشيخ الصدوق عن الامام الصادق 7 :
« مَن صام يوماً من آخر هذا الشهر كان ذلك أماناً من شدة سكرات الموت ،
وأماناً له من هول
المطلع وعذاب القبر » .
* واعلم انّ لصيام أربعة وعشرين يوماً
من رجب ثواب عظيم فمن جملته :
« ومَن صامِ مِن رجب أربعةً وعشرين
يوماً فإذا نزل به من ملك الموت تراءى له في صورة شاب عليه حلّة من ديباج أخضر على
فرس من أفراس الجنان وبيده حرير أخضر ممسّك بالمسك الاذفر وبيده قدح من ذهب مملوء
من شراب الجنان ، فسقاه عند خروج نفسه ، يهوّن به عليه سكرات الموت ثمّ يأخذ روحه
في تلك الحرير فتفوح منها رائحة يستنشقها أهل سبع سماوات فيظل في قبره ريّان حتّى
يرد حوض النبي 9
» .
* وقد روي عن الرسول الأكرم 9 :
« مَن صلى الليلة السابعة من رجب أربع
ركعات بالحمد مرّة وقل هو الله أحد ثلاث مرّات ، وقل اعوذ برب الفلق ، وقل اعوذ
برب الناس ، ويصلي على النبي 9
عند الفراغ عشر مرّات ، ويقول الباقيات الصالحات (سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلاّ الله والله أكبر) عشر مرّات ؛ اظله الله تحت ظلّ عرشه ويعطيه ثواب مَن صام
شهر رمضان واستغفرت له الملائكة حتّى يفرغ من هذه الصلاة ويسهّل عليه النزع وضغطة
القبر ولا يخرج من الدنيا حتّى يرى مكانه في الجنّة وآمنه الله من الفزع الأكبر » .
* وروى الشيخ الكفعمي عن الرسول الأكرم 9 :
« مَن قال هذه الكلمات في كل يوم عشراً
غفر الله تعالى له أربعة آلاف كبيرة ، ووقاه من شرّ الموت ، وضغطة القبر ، والنشور
، والحساب ، والأهوال كلها وهو مائة هول أهونها الموت ، ووقي مِن شرِّ ابليس
وجنوده ، وقضي دينه وكُشِفَ همّه وغمّه وفرِّج كربه ».
وهي هذه :
« أعدَدتُ لِكُلّ هولٍ لا إله إلاّ الله
، وَلِكُلّ هَمٍّ وَغَمٍّ ما شاء اللهُ ، وَلِكُلّ نِعمَةٍ الحَمدُ للهِ ،
وَلِكُلّ رَخاءٍ الشُّكرُ للهِ ، وَلِكُلِّ اُعجُوبَةٍ سُبحان اللهِ ، وَلِكُلّ
ذَنبٍ أستَغفِرُ الله ، وَلِكلّ مُصيبَةٍ إنا لله وإنا اليه راجعون ، وَلِكُلّ
ضيقٍ حَسبيَ اللهُ ، وَلِكلّ قَضاءٍ وَقَدَرٍ تَوَكَّلتُ على اللهِ ، وَلِكُلّ
عَدُوٍّ اعتَصَمتُ باللهِ ، وَلِكُلّ طاعةٍ وَمَعصِيَةٍ لا حَولَ ولا قوهَ إلاّ
بالله العَليِّ العظيم » .
* واعلم انّ للذكر الشريف الآتي فضل
عظيم اذا قيل سبعين مرّةً ، فمن جملة هذا الفضل انّه يبشر حين موته وهذا الذكر هو
:
« يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين
ويا أسرع الحاسبين ويا أحكم الحاكمين » .
* وروى الشيخ الكليني عن الامام الصادق 7 انّه قال :
« لا تملّوا مِن قراءة اذا زلزت الارض
زلزالها فانّه من كانت قراءته بها في نوافله لم يصبه الله عزّ وجل بزلزلة أبداً ،
ولم يمت بها ، ولا بصاعقة ولا بآفة من آفات الدنيا حتّى يموت وإذا مات نزل عليه
ملك كريم من عند ربه فيقعد عند
رأسه فيقول : يا ملك الموت ارفق بوليّ
الله فانّه كان كثيراً يذكرني » .
* * *
العَقبَةُ
الثانِيَةُ
العديلةُ عند
الموت
يعني العدول من الحقّ الى الباطل في وقت
الموت ، وذلك أن يحضر الشيطان عند المحتضر ، ويوسوس له حتّى يوقعه في الشك ،
فيخرجه من الإيمان.
ولذا ورد في الأدعية الاستعاذة منها .
وقال فخر المحققين ; :
( ... فإذا أراد الانسان أن يسلم من هذه
الأشياء فليستحضر أدلة الإيمان والاصول الخمس بالأدلة القطعية ويصفي خاطره ، ويخلي
سرّه ، فيحصل له يقين تام فيقول عند ذلك :
« اللّهمَّ يا أرحم الراحمين انّي قد
اودعتك يقيني هذا وثبات ديني وأنت خير مستودع وقد أمرتنا بحفظ الودائع فردّه عليّ
وقت حضور موتي » ثمّ يخزي
الشيطان ويتعوذ منه
بالرحمن ، ويودع ذلك الله ويسأله أن يَردّه عليه وقت حضور موته. فعند ذلك يسلم من
العديلة عند الموت قطعاً ) .
فعلى طبق رأي هذا الأجل فانّ قراءة دعاء
العديلة المعروف واستحضار معناه في الذهن نافع للحفظ من خطر العديلة عن الموت.
* وروى الشيخ الطوسي ; عن محمد بن سليمان الديلمي قال : سألت
أبا عبد الله 7
، فقلت له : جعلت فداك أن شيعتك تقول انّ الإيمان مستقر ومستودع فعلمني شيئاً اذا
أنا قلته استكملت الإيمان.
قال 7
: قل في دبر كل صلاة فريضة :
« رَضيتُ باللهِ ربّاً وَبِمحمَّدٍ 9 نَبيّاً وبالاسلام ديناً وَبِالقُرآنِ
كِتاباً وَبالكَعبَةِ قِبلَةً وَبِعَلِيٍّ وَليّاً واِماماً وَبِالحَسَنِ
والحُسَينِ وَعَلي بن الحسينِ وَمُحمَّدِ بن علي وجَعفَرِ بن مُحَمَّدٍ وَموُسى بن
جَعفَرٍ وَعَليَّ بن مُوسى ومُحَمَّدِ بن عَليٍّ وعَلي بن مُحَمَّدِ وَالحَسَنِ بن
عَليِّ والحُجَّةِ بن الحَسَنِ صَلواتُ الله عَلَيهِم أَئِمَةً ، الُّلهمَّ إنّي
رَضيتُ بِهم أئِمَّةً فارضِني لَهُم إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قديرٌ » .
ومن الاُمور النافعة لهذه العقبة :
المواظبة على أوقات الصلوات الفريضة.
ففي الحديث أن ملك الموت قال :
« .... انّه ليس في شرقها ولا في غربها
أهل بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلاّ وأنا اتصفحهم في كل يوم خمس مرّات.
فقال رسول الله 9 : انّما يتصفحهم في مواقيت الصلاة ،
فان كان ممّن يواظب
عليها عند مواقيتها
لقنه شهادة أن لا إله إلاّ الله محمّداً رسول الله 9
، ونحّى عنه ملك الموت ابليس » .
* وروى عن الامام الصادق 7 انّه كتب إلى بعض الناس :
« إن أدرتَ أن يُختَمَ بخير عَمَلُكَ
حتّى تُقبَض وأنت في أفضل الأعمال ، فعظّم لله حقّه أن تبذل [لا تبذل. خ. ل]
نِعَمة في معاصيه ، وأن تَغتَرَّ بحلمه عنك ، واكرم كلَّ مَن وجدته يذكرنا [ لا
تبذل منّا. خ.
] » أو ينتحل مودتنا ، ثمَّ ليس عليك ، صادقاً كان أو كاذباً ؛ انّما لك نيتك ،
وعليه كذبه » .
* يقول الفقير : ومن النافع لحصول حسن
العاقبة والوصول من الشقاوة الى السعادة : قراءة الدعاء الحادي عشر من الصحيفة
الكاملة :
« يا مَن ذكره شرف للذاكرين ... الخ » .
وقراءة دعاء التمجيد المنقول في الكافي
وغيره ، وقد نقله في كتاب ( الباقيات الصالحات ) بعد أدعية الساعات .
* وأن يصلي الصلاة الواردة في يوم الأحد
من ذي القعدة .
* والمداومة على هذا الذكر الشريف :
( رَبَّنَا لَا تُزِغْ
قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ
أَنتَ الْوَهَّابُ )
.
__________________
* والمواعظة على تسبيح الزهراء 7.
* والتختم بخاتم عقيق ، وبالخصوص اذا
كتب عليه (محمّد نبي الله وعليّ ولي الله) .
__________________
* وقراءة سورة ( قد أفلح المؤمنون ) في
كلّ جمعة .
* وقراءة سبع مرّات بعد صلاة الصبح
وصلاة المغرب ( بسم الله الرحمن
__________________
الرحيم ولا حول ولا
قوة إلاّ بالله العلي العظيم ) .
* وأن يصلي في ليلة الثاني والعشرين من
رجب ثمانية ركعات يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة وقل يا أيها الكافرون سبعة مرّات
وبعد الفراغ يصلي على محمّد وآل محمّد عشرة مرّات ، ويستغفر الله تعالى عشرة مرّات
.
* وروى السيّد ابن طاووس عن الرسول
الأكرم 9 انّه قال :
« ومَن صلّى في الليلة السادسة من شعبان
أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّةً ، وخمسين مرّة قل هو الله أحد ،
قبض الله روحه على السعادة ، ووسع عليه في قبره ويخرج من قبره ووجهه كالقمر وهو
يقول : اشهد ان لا إله إلاّ الله وانّ محمّداً عبده ورسوله » .
* يقول المؤلّف : إن هذه الصلاة هي
بعينها صلاة أمير المؤمنين 7
وانّ لها فضل كثير.
وقد رأيت من المناسب في هذا المقام أن
أذكر حكايتين :
الحكاية الاُولى :
حكي ان تلميذاً من تلاميذ الفضيل بن
عياض ـ وهو أحد
رجال الطريقة ـ
وكان يعدّ من أعلم
تلاميذه لمّا حضرته الوفاة دخل عليه الفضيل وجلس عند رأسه وقرأ سورة ياسين.
فقال التلميذ المحتضر : يا استاذ لا
تقرا هذه السورة. فسكت الاستاذ ، ثمّ لقنه فقال له : قل لا إله إلاّ الله.
فقال : لا اقولها ، لأني بريء منها.
ثمّ مات على ذلك.
فاضطرب الفضيل من مشاهدة هذه الحالة
اضطراباً شديداً. فدخل منزله ولم يخرج منه. ثمّ رآه في ا لنوم وهويسحب به الى
جهنّم.
فسأله الفضيل : بأي شيء نزع الله
المعرفة منك ، وكنت اعلم تلاميذي.
فقال : بثلاثة أشياء :
أولها : النميمة فانّي قلت لأصحابي
بخلاف ما قلت لك.
والثاني : بالحسد ، حسدت أصحابي.
والثالث : كانت بي علة فجئت الى الطبيب
فسألته عنها فقال تشرب في كل سنة قدحاً من الخمر ، فانّ لم تفعل بقيت بك العلة.
فكنت اشرب الخمر تبعاً لقول الطبيب.
ولهذه الأشياء الثلاثة التي كانت فيّ
ساءت عاقبتي ومت على تلك الحالة .
__________________
يقول المؤلّف : رأيت من المناسب أن اذكر
في ذيل هذه الحكاية هذا الخبر : روى الشيخ الكليني عن أبي بصير انّه قال :
دخلت ام خالد العبديّة على أبي عبدالله 7 وأنا عنده فقالت : جعلت فداك انّه
يعتريني قراقر في بطني .. وقد وصف لي أطبّاء العراق النبيذ بالسويق ، وقد وقفت
وعرفت كراهتك له ، فاحببتُ أن أسألك عن ذلك؟
فقال لها 7
: وما يمنعك عن شربه؟
قالت : قد قلدتك ديني ، فألقى الله
عزّوجلّ حين ألقاه فاخبره انّ جعفر بن محمّد 8
أمرني ونهاني.
فقال : يا أبا محمّد ألا تسمع الى هذه
المرأة ، وهذه المسائل. لا والله لا آذن لك في قطره منه ، ولا تذوقي منه قطرة ؛
فانّما تندمي اذا بلغت نفسك ها هنا ـ واومأ بيده الى حنجرته ـ يقولها ثلاثاً :
أفهمتِ؟
قالت : نعم .
الحكاية الاُخرى :
ذكرالشيخ البهائي عطر الله مرقده في
الكشكول :
احتضر بعض المترفين وكان كلما قيل له قل
: لا إله إلاّ الله ، يقول هذا البيت :
يا رُبَّ قائلةٍ يوماً وقد تَعِبَت
|
|
أين الطريق الى حَمّامِ منجابِ
|
وسبب ذلك أن امرأةً عفيفةً حسناء خرجت
الى حمام معروف بحمام بنجاب ، فلم تعرف طريقه وتعبت من المشي ، فرأت رجلاً على باب
دار ، فسألته عن الحمام.
فقال : هو هذا ، وأشار الى باب داره.
فلما دخلت ، اغلق الباب عليها ؛ فلما
علمت بمكره أظهرت كمال الرغبة والسرور ، وقالت : اشتر لنا شيئاً من الطيب ، وشيئاً
من الطعام ، وعجل بالعود إلينا.
فلما خرج واثقاً بها وبرغبتها ، خرجت
وتخلصت منه.
__________________
فانظر كيف منعته هذه الخطيئة عن الاقرار
بالشهادة عند الموت ، مع انّه لم يصدر منه إلاّ ادخال المرأة بيته وعزمه على الزنا
فقط من دون وقوعه منه .
والحكايات من هذا القبيل كثيرة.
واعلم انّ الشيخ الكليني روى عن الامام
الصادق 7 انّه قال :
« مَن منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن
شاء يهودياً أو نصرانياً » .
يقول الفقير : القيراط واحد وعشرون
ديناراً.
وورد قريباً من هذا المضمون في حقّ من
استطاع أن يحج ولم يحج حتّى مات .
لطيفة :
نقل عن بعض العارفين انّه
حضرعند محتضر الحاضرون منه أن يلقّن المحتضر. فلقّنه هذه الرباعية
:
كر من گنه جمله جهان
گردستم
لطف تو اميد است كه
گيرد دستم
گوئي كه به وقت عجز
دستت كيرم
عاجزتر از اين مخواه
كاكنون هستم
يعني :
إن ارتكبت معاصي
الدنيا كلّها
فرجائي أن يأخذ لطفك
يدي
فانّك وعدتني باخذ
يدي عندما أعجز
لا تشأ أن أعجز أكثر
من عجزي الحالي
أحدُ منازِلُ الآخرة المهولة
القَبر
أحدُ
منازِلُ الآخرة المهولة
القَبر
فانّه في كل يوم يقول : أنا بيت الغربة
، أنا بيت الوحشة ، أنا بيت الدود .
ولهذا المنزل عقبات صعبة جداً ، ومنازل
ضيقة ومهولة ، ونحن نشير هنا
الى
عدّة عقبات منها :
العَقَبَةُ
الأُولى
وحشةُ القبر
* في كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) :
( وإذا حمل الميت الى قبره فلا يفاجأ به
القبر لأنّ للقبر أهوالاً عظيمة. ويتعوذ حامله الله مِن هول المطلع. ويضعه قرب
شفير القبر. ويصبر عليه هنيئة ثمّ يقدّمه قليلاً ويصبر عليه هنيئة ليأخذ اهبته ،
ثمّ يقدمه الى شفير القبر ) .
وقال المجلسي الأول في شرح هذا الحديث :
( ولو انّ الروح قد فارقت البدن ، وانّ
الروح الحيوانية قد ماتت ، أما النفس الناطقة فحية. وانّ تعلقها بالبدن يزول على
نحو الكلية. وانّ الخوف مِن ضغطة القبر وسؤال منكر ونكير ورومان « فتان القبور » ،
والخوف من عذاب البرزخ موجود ليكن عبرة للآخرين ليفكروا انّ ذلك واقع بهم في
المستقبل.
وفي حديث حسن عن يونس قال : حديث سمعته عن أبي الحسن
موسى 7 ما ذكرته
وأنا في بيت إلاّ ضاق عليّ. يقول : اذا أتيت بالميت الى شفير قبره فامهله ساعة ،
فانّه يأخذ أهبته للسؤال .
وروي عن البراء بن عازب ـ أحد الصحابة
المعروفين قال :
بينما نحن مع رسول الله 9 اذا بَصَرَ بجماعة فقال : علامَ اجتمع
عليه هؤلاء؟
قيل : على قبر يحفرونه.
قال : ففزع رسول الله 9 ، فبدر بين يدي أصحابه مسرعاً حتّى
انتهى الى القبر فجثا عليه.
قال : فاستقبلته من بين يديه لانظر ما
يصنع. فبكى حتّى بلَّ الثَّرى من دموعه ، ثمّ اقبل علينا ، قال : أي اخواني لمثل
اليوم اعدوا .
* ونقل الشيخ البهائي عن بعض الحكماء
انّه رُئيَ في ساعة موته يتحسر ويتأسف.
فقيل له : ما هذا الذي يرى منك؟
فقال : ما يُظَنُّ بِمَن يسافر سفراً
بعيداً بدون زاد ولا مؤونة ، ويسكن في قبر موحش بلا مؤنس ، ويرد على حاكم عادل
بدون حجّة؟!
* وروى القطب الراوندي أنّ عيسى نادى
امه مريم : بعد ما دفنت
فقال : يا امّاه هل تريدين أن ترجعي الى الدنيا؟
قالت : نعم لأُصلي لله في ليلة شديدة
البرد واصوم يوماً شديد الحر ، يا بني فانّ الطريق مخوف .
* وروي : انَّ فاطمة 3 لمّا احتضرت أوصت علياً 7 فقالت : « اذا أنا مت فتول أنت غسلي
وجهزّني ، وصلّ عليَّ وانزلني قبري والحدني ، وسوّ التراب عليّ ، واجلس عند رأسي
قبالة وجهي ، فأكثر من تلاوة القرآن والدعاء فانّها ساعة يحتاج الميت فيها الى
أُنس الأحياء » .
* وروى السيّد ابن طاووس ; عن الرسول الأكرم 9 انّه قال :
__________________
« لا يأتي على الميت ساعة أشدّ من أول
ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة ، فان لم تجدوا فليصل أحدكم ركعتين يقرا فيهما فاتحة
الكتاب مرّة وآية الكرسي مرّة ، وقل هو الله احد مرّتين ، وفي الثانية فاتحة
الكتاب مرّة والهاكم التكاثر عشر مرّات وسلم ويقول :
اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وابعث
ثوابها الى قبر ذلك الميت فلان بن فلان ، فيبعث الله مِن ساعته الف ملك الى قبره
مع كل ملك ثوب وحلة ويوسع في قبره من الضيق الى يوم ينفخ في الصور ويعطى المصلي
بعدد ما طلعت عليه الشمس حسنات ويرفع له أربعون درجة » .
صلاة اُخرى :
يصلى لرفع وحشة الليلة الاُولى في القبر
ركعتين ، يقرا في الركعة الاولى الحمد وآية الكرسي ، ويقرا في الركعة الثانية
الحمد وانّا انزلناه عشر مرّات ، فإذا سلم يقول :
« اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد وابعث
ثوابها الى قبر فلان » .
ويذكر اسم الميت عوضاً عن « فلان ».
حكاية :
نقل شيخنا ثقة الاسلام النوري ( نوّرالله
مرقده ) في ( دار السلام ) عن شيخه معدن الفضائل والمعالي مولانا الحاجّ ملا فتح
علي السلطان آبادي
( عطر الله مضجعه )
قال :
كان من عادتي وطريقتي أن اصلي ركعتين
لكل مَن سمعته مات في ولاء أهل البيت : في
ليلة دفنه سواءاً عرفته أو جهلته. ولم يكن أحداً مطلعاً على ذلك ، الى أن لقاني
يوماً في الطريق بعض الأصدقاء فقال :
انّي رأيت البارحة فلاناً في المنام ـ
وقد توفي في هذه الايّام ـ فسألتُه عن حاله ، وما جرى عليه بعد الموت.
فقال : كُنتُ في شدة وبلاء وآل أمري الى
العقاب عند الجزاء إلاّ أن الركعتين اللتين صلاهما فلان ـ وسمّاك ـ انقذتني من
العذاب ، ودفعت عني مضاضة العقاب ، فرحم الله أباه لهذا الاحسان الذي وصل منه اليَّ .
ثمّ سألني عن تلك الصلاة فاخبرته
بطريقتي المستمرّة ، وعادتي الجارية .
* ومنَ الأشياء النافعة أيضاً لوحشة
القبر اتمام الركوع كما روي عن الامام محمّد الباقر 7
انّه قال :
« مَن أتَمَّ ركوعه لم تدخله وحشة القبر
» .
* وورد في الخبر أيضاً :
« مَن قال مائة مرّة ( لا إله إلاّ الله
الملك الحقّ المبين ) اعاذه الله العزيز الجبار مِنَ الفقر وأنسَ وحشة قبره
واستجلب الغنى واستقرع باب الجنّة » .
* وكذلك قراءة سورة يس قبل النوم .
وكذلك صلاة ليلة الرغائب ، وقد ذكرت هذه
الصلاة مع بعض فضائلها في مفاتيح الجنان في أعمال شهر رجب .
__________________
__________________
__________________
* وروي :
« ومَن صام اثني عشر يوماً من شعبان
زاره في قبره كلّ يوم سبعون ألف ملك الى النفخ في الصور » .
* ومَن عاد مريضاً أوكل الله تعالى به
ملكاً يعوده في قبره الى محشره .
__________________
* وروي عن أبي سعيد الخدري انه قال :
سمعت رسول الله 9 يقول : يا علي! بشر وبشر فليس على
شيعتك حسرة عند الموت ، ولا وحشة في القبور ، ولا
حزن يوم النشور .
العقبة
الثانية
ضَغطَةُ
القَبرِ
وهذه العقبة صعبة جداً وبتصورها تضيق
على الانسان الدينا.
* قال أمير المؤمنين 7 : « يا عِباد الله ما بَعدَ المَوتِ
لمَن لا يُغفَر له أشدُّ مِنَ المَوتِ القبر فاحذروا ضيقَةُ وضَنكَهُ وظُلمَتَهُ
وَغُربتَهُ ، إنَّ القَبرَ يقولُ كُلَّ يَومٍ أنا بَيتُ الغربة انا بيتُ الوَحشَةِ
أنا بَيتُ الدّودِ ، وَالقَبرُ روضَةٌ من رياض الجنّة أو حُفرهٌ من حُفرِ النّار
الى أن قالَ : وَإنَّ مَعيشَةَ الضَّنكِ الَّتي حَذَّرَ اللهُ مِنها عَدُوَّهُ
عذابُ القبر ، إنَّه يُسلّطُ على الكافرِ في قَبِره تِسعةً وتسعين تنيناً فَينهشنَ
لحَمهُ ويَكسِرنَ عظمهُ يَتردَّدنَ عليه كذلك الى يوم يبعث ؛ لَو انَّ تنيناً
مِنها نَفَخَ في الأرض لَم تُنبِت زَرعاً.
__________________
* يا عباد الله إنَّ انفسَكُمُ
الضَّعيفة وأجسادكُمُ الناعمة الرّقيقة التي يكفيها اليسيرُ تَضعُفُ عن هذا » .
* وروي بأنه كان أبو عبد الله 7 اذا قام الليل يرفع صوته حتّى يسمع أهل
الدار ويقول :
« اللّهمَّ أَعِنِّي على هَولِ
المُطَّلَع وَوَسِع عَلَيَّ ضيق المضجَعِ وارزُقني خَيرَ ما قَبلَ الموتِ وارزُقني
خَيرَ ما بَعدَ المَوتِ » .
* ومن أدعيته 7 :
« اللّهمّ بارِك لِي في الموتِ ،
اللّهُمّ أعِنِّي على سَكراتِ المَوتِ اللّهُمَّ أَعني على غمِّ القَبرِ ،
اللّهُمَّ أَعِنِّي على ضيقِ القَبرِ اللَّهُمَّ أعِنِّي على وَحشَةِ القَبرِ
القَبرِ اللّهُمَّ زَوِّجني مِن الحور العينِ » .
* واعلم أن العمدة في عذاب القبر تأتي
من عدم الاحتراز من البول ، والاستخفاف به ، يعني استسهاله ، ومن النميمة ونقل
الأقوال والأخبار والاستغابة وابتعاد الرجل عن أهله .
* ويستفاد من رواية سعد بن معاذ انّ من
أسباب ضغطه القبر سوء خلق
الرجل مع أهله ،
وغلظته مع عياله أيضاً .
* وورد في رواية عن الامام الصادق 7 :
« ليس مِن مؤمن إلاّ وله ضَمَّةٌ » .
* وفي رواية اُخرى :
« ضغطة القبر للمؤمن من كفّارة لما كان
منه مِن تضييع النِعَم » .
* وروى الشيخ الصدوق ; عن الامام الصادق 7 قال :
« اقعد رجل من الأخيار في قبره ، قيل له : إنّا جالدوك مائة
جلدة من عذاب الله ».
فقال : لا اطيقها.
فلم يزالوا به حتّى انتهوا الى جلدة
واحدة.
فقالوا : ليس منها بد.
قال : فبما تجلدونيها؟
قالوا : نجلدك لأنّك صليت يوماً بغير
وضوء ، ومررت على ضعيف فلم تنصره.
قال : فجلدوه جلدةً من عذاب الله عزوجلّ
فامتلأ قبره ناراً » .
* وروي عنه 7 :
« ايّما مؤمن سأله أخوه المؤمن حاجةً
وهو يقدر على قضائها ولم يقضها له
__________________
سلط الله شجاعاً في قبره ينهش أصابعه » .
* وفي رواية اُخرى :
« ينهش ابهامه في قبره الى يوم القيامة
مغفوراً له أو معذَّباً » .
المُنجيات من ضَغطَةِ القَبرِ :
وأما الاُمور التي تنجي من ضغطة القبر
وعذابه فكثيرة نكتفي هنا بذكر عدة منها :
* الأول : روي عن أمير المؤمنين 7 قال :
« مَن قرأ سورة النساء في كل جمعة
أُومِنَ مِن ضغطة القبر » .
* الثاني : روي :
« مَن أَدمَنَ قراءة حم الزخوف آمنه
الله في قبرهِ من هَوامِّ الأرض وضغطة القبر » .
* الثالث : روي :
« مَن قرأ سورة ن والقلم في فريضة أو
نافلة ...
وأعاذه الله اذا مات مِن ضمة القبر » .
* الرابع : روي عن الامام الصادق 7 :
« مَن مات ما بين زوال الشمس من يوم
الخميس الى زوال الشمس من يوم الجمعة اعاذه الله من مِن ضغة القبر » .
* الخامس : روي عن الامام الرضا 7 انّه قال :
« عليكم بصلاة الليل ، فما من عبد يقوم
آخر الليل فيصلي ثمان ركعات ، وركعتي الشفع ، وركعة الوتر ، واستغفر الله في قنوته
سبعين مرّةً إلاّ أجير مِن عذاب القبر ومِن عذاب النار ، ومُدَّ له في عمره ، ووسع
عليه في معيشته » .
* السادس : روي عن الرسول الاكرم 9 :
« مَن قرا الهكم التكاثر عند النوم وقي
مِن فتنة القبر » .
* السابع : قراءة دعاء :
« اعددتُ لكل هول لا إله إلاّ الله ...
الى اخره » عشر مرّأت.
__________________
وقد تقدم هذا الدعاء في عقبة سكرات
الموت .
* الثامن : الدفن في النجف الأشرف ، فمن
خواص هذه التربة الشريفة انّها تُسقط عذاب القبر وحساب منكر ونكير عَن مَن يدفن
فيها .
* التاسع : من الاُمور النافعة لرفع
عذاب القبر وضع جريدتين رطبتين مع الميت :
وروي :
__________________
« انّه يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة » .
وروي أيضاً :
« مرّ رسول الله 9 على قبر يُعَذَّب صاحبه ، فدعا بجريدة
فشقها نصفين ، فجعل واحدةً عن رأسه ، والاُخرى عند رجليه ، وانّه قيل له : لم
وضعتها؟
فقال 9
: انّه يخفف عند العذاب ما كانتا خضراوين » .
ومن النافع أيضاً صبّ الماء على القبر
لما ورد أن العذاب يرفع عن الميت ما دام القبر رطباً .
* العاشر : في أول يوم من رجب.
« تصلّي عشر ركعات تقرأ في كل ركعة
فاتحة الكتاب مرّة ، وقل هو الله أحد ثلاث مرّات ... وقاك الله فتنة القبر وعذاب
يوم القيامة » .
« ويصلي في الليلة الاُولى من رجب بعد
صلاة المغرب عشرين ركعة بالحمد والتوحيد ، فانّها نافعة في رفع عذاب القبر » .
* الحادي عشر : أن تصوم أربعة أيّام من
شهر رجب .
* وكذلك صوم اثني عشر يوم من شعبان .
* الثاني عشر : ومن الاُمور الموجبة للنجاة
من عذاب القبر قراءة سورة الملك فوق قبر الميت كما روى ذلك القطب الراوندي عن ابن
عباس قال :
« انّ رجلاً ضرب خباءه على قبر ولم يعلم
انّه قبر ، فقرأ تبارك الذي بيده الملك ، فسمع صائحاً يقول : هي المنجية.
فذكر ذلك لرسول الله 9 ، فقال : هي المنجية من عذاب القبر » .
* وروى الشيخ الكليني عن الامام محمّد
الباقر 7 انّه قال :
« سورة الملك هي المانعة تمنع من عذاب
القبر » .
* الثالث عشر : في دعوات الراوندي نقل
عن الرسول 9 انّه قال :
« ما من أحد يقول عند قبر ميت اذا دفن
ثلاث مرّات :
(اللّهمَّ إنِّي أسألكَ بحق محمدٍ وآل
محمدٍ أن لا تُعَذِبَ هذا المَيِتَ) الاّ دفع الله عنه العذاب الى يوم ينفخ في
الصور » .
* الرابع عشر : روى الشيخ الطوسي في
(مصباح المتهجد) عن
__________________
الرسول الأعظم 9 انّه قال :
« مَن صَلّى ليلة الجمعة ركعتين يقرأ
فيهما بفاتحة الكتاب واذا زلزلت الأرض زلزالها خمس عشرة مرّة آمنه الله من عذاب
القبر ومن أهوال يوم القيامة » .
* الخامس عشر : ومن النافع فعله لرفع
عذاب القبر صلاة ثلاثين ركعة في ليلة النصف مِن رجب يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة
والتوحيد عشرة مرّات .
* وكذلك في الليلة السادسة عشرة والليلة السابعة عشرة من رجب.
* وكذلك أن يصلي في الليلة الاُولى مِن
شعبان مائة ركعة بالحمد والتوحيد ، وبعد أن يفرغ من الصلاة يقرأ التوحيد خمسين
مرّةً .
* وكذلك يصلي في الليلة الرابعة
والعشرين من شعبان ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرّة ، وإذا جاء نصر الله عشرة
مرّات .
* وورد ليوم النصف من رجب صلاة خمسين
ركعة بالحمد والتوحيد والفلق والناس ، فانّها نافعة لرفع عذاب القبر .
ومثلها صلاة مائة ركعة ليلة عاشوراء .
__________________
العقبة
الثالثة
مساءَلة منكر ونكير في القبر
* روي عن الامام الصادق 7 انه قال :
« مَن أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا
: المعراج ، المساءَلة في القبر ، والشفاعة » .
* وروى انّه يجيئه الملكان بهيئة مهولة
اصواتهما كالرعد القاصف ، وابصارهما كالبرق الخاطف ، فيسألانه : مَن ربّك؟ ومَن
نبيّك ، وما دينك؟ ويسألانه أيضاً عن وليه وامامه.
وفي ذلك الحال يصعب على الميت أن يجيب
وانّه يحتاج الى الاعانة على ذلك
فلا جرم أنهم قد ذكروا مقامين لتلقين الميت :
__________________
__________________
أولهما : عندما يضعونه في القبر.
والأفضل ان يمسك ويحرك المنكب الأيمن
باليد اليمنى ، والمنكب الأيسر باليد اليسرى.
والمقام الآخر : بعد دفنه.
ومن السنّة أن يجلس وليّ الميت ـ يعني
أقرب أقربائه ـ عن رأس الميت بعد انصراف الناس عن قبره ، ويلقنه بصوت رفيع. ويحسن
أن يضع يديه على القبر ويقرب فمه من القبر .
__________________
ولا بأس أن يستنيب شخصاً آخر لذلك.
* وورد : ( فإذا قال ذلك قال منكر لنكير
انصرف بنا عن هذا فقد لقن بها حجته ) .
* وفي كتاب ( مَن لا يحضره الفقيه ) :
( ولما مات ذر بن أبي ذر ; وقف أبو ذر على قبره ، فمسح القبر بيده
، ثمّ قال :
رحمك الله ياذر ، واللهِ إن كُنتَ بي
لبرّاًَ ، ولقد قُبِضتَ وانّي عنك لراضٍ ، والله ما بي فَقدكَ وما عَلَيَّ من
غَضاضَةٍ ، ومالي الى أحَدٍ سِوى الله مِن حاجَةٍ ، ولولا هول المطلع لسرني أن
أكون مكانك. ولقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك. واللهِ ما بكيت لك ولكن بكيت عليك
، فليت شعري ما قلتَ؟ وما قيل لك؟
اللّهُمَّ انّي قد وَهبتُ له ما افترضت
عليه مِن حقّي فهب له ما افترضت عليه مِن حقك فأنت أحقّ بالجود مني والكرم .
* وروي عن الامام الصادق 7 :
« اذا دخل المؤمن في قبره ، كانت الصلاة
عن يمينه ، والزكاة عن يساره ، والبرّ
مظلّ عليه ، ويتنحى
الصبر ناحية ، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته ، قال : الصبر للصلاة
والزكاة والبرّد دونكم صاحبكم ، فإن عجزتم عنه فانا دونه » .
* وقال العلاّمة المجلسي ; :
* روي في المحاسن بسند صحيح عن احدهما 8 ـ يعني الامام الصادق أو الامام الباقر
ـ قال :
« اذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره
ستة صور ، فيهنّ صورة أحسنهنّ وجهاً ، وأبهاهنّ هيئة ، وأطيبهنَّ ريحاً ، وأنظفهنّ
صورة.
قال : فتقف صورة عن يمينه واُخرى عن
يساره واُخرى بين يديه ، واُخرى خلفه ، واُخرى عند رجله.
وتقف التي هي أحسنهنّ فوق رأسه.
فإن اُوتي عن يمينه منعته التي عن يمينه
، ثمّ كذلك الى أن يؤتى من الجهات الست.
قال : فتقول أحسنهنّ صورة : ومن أنتم
جزاكم الله عنّي خيراً؟
فتقول التي عمن يمين العبد : أنا
الصلاة.
وتقول التي عن يساره : أنا الزكاة.
وتقول التي بين يديه : أنا الصيام.
وتقول التي خلفه : أنا الحجّ والعمرة.
وتقول التي عند رجليه : أنا برّ مَن
وصلت من اخوانك.
ثمّ يقلن : مَن أنت؟ فأنت أحسننا وجهاً
وأطيبنا ريحاً ، وأبهاناً هيئة.
فتقول : أنا الولاية لآل محمّد صلوات
الله عليهم أجمعين » .
* وروى الصدوق في فضل صيام شعبان :
« ومَن صام تسعة أيّام من شعبان عطف
عليه منكر ونكير عندما يسألانه » .
* وورد عن الامام الباقر 7 في احياء ليلة الثالث والعشرين من شهر
رمضان وصلاة مائة ركعة فيها فضل كثير فمن جملته :
« ودفع عنه هول منكر ونكير وخرج من قبره
ونوره يتلألأ لأهل الجمع » .
* وروي عن الرسول الأكرم 9 في الخضاب أربعة عشر خصلة ، وعدّ منها
:
« ويستحي منه منكر ونكير » .
* وقد علمت فيما مضى انّ من خواص تربة
النجف الطاهرة انّها تسقط حساب منكر ونكير عمّن يدفن فيها.
ولأجل تأييد ذلك نقول :
حكاية :
نقل العلامة المجلسي ; في التحفة عن ارشاد القلوب ، وفرحة الغري : انَّ
رجلاً صالحاً مِن أهل الكوفة قال :
كنت في جامع الكوفة ، وكانت ليلة ممطرةً
، فدق باب مسلم جماعة ، ففتح لهم.
وذكر بعضهم انّ معهم
جنازة ، فأدخلوها ، وجعلوها على الصفّة التي تجاه باب مسلم بن عقيل 2.
ثمّ انّ احدهم نعس فنام فرأى في منامه
قائلاً يقول للآخر :
ما نبصره حتّى نبصر هل لنا معه حساب أم
لا؟
فكشف عن وجه الميت ، وقال لصاحبه : بل
لنا معه حساب ، ويبغي أن نأخذه منه عجلاً قبل أن يتعدى الرصافة فما يبقى لنا معه
طريق.
فانتبه وحكى لهم المنام.
قال : فأخذوا ومضوا به الحال الى المشهد
الشريف .
قلت : ولله درّ مَن قال :
اذا متُّ فادفني الى جنبٍ حيدرٍ
|
|
أبي شبر اكرم به وشبير
|
فلست أخاف النار عند جواره
|
|
ولا أتقي مِن منكر ونكير
|
فعارٌ على حامي الحمى وهو في الحمى
|
|
ذا ضاع في المرعى عقال بعير
|
حكاية
نقل عن الاستاذ الأكبر المحقّق البهباني
; انّه قال :
رأيت في الطيف أبا عبدالله الحسين 7 ، فقلت له : يا سيدي ومولاي هل يسئل
أحد يدفن في جواركم؟
فقال : أي ملك له جرءة لئن يسأله .
* يقول المؤلّف : يقال في أمثال العرب (
احمى من مجير الجراد ) وقصته هي : انَّ رجلاً من أهل البادية من قبيلة طي اسمه
مدلج بن سويد ، انّه خلا ذات يومٍ في خيمته ، فإذا هو بقومٍ من طي ومعهم أوعيتهم.
فقال : ما خطبكُم؟
قالوا جراد وقع بفنائك فجئنا لنأخذه.
فركب فرسه ، وأخذ رمحه ، وقال : والله
لا يتعرض له أحدٌ منكم إلاّ قتلته ، أيكون الجراد في جواري ثمّ تريدون أخذه.
ولم يزل يحرسه حتّى حميت الشمس ، فطار ،
فقال : شأنكم الآن به فقد تحول عن جواري .
حكاية :
نقل عن كتاب الحبل المتين انّ المير معين الدين أشرف ، من صلحاء
خدام الروضة الرضوية قال :
رأيت في المنام في دار الحفاظ ـ أي في
بيت الحرس ـ انّي خرجت من الروضة لتجديد الوضوء ، فلمّا أتيت عند صفّة مير على شير
، رأيت جماعة كثيرة دخلوا في الصحن المقدّس يقدمهم شخص نوراني صبيح الوجه ، عظيم
الشأن ، وبيد جماعة من خلفه المعاول. فلمّا توسطوا الصحن قال لهم :
انبشوا هذا القبر ، واخرجوا هذه الخبيث.
وأشار الى قبر خاص.
فلما شرعوا في النبش سألت أحد الأشخاص :
مَن هذا الأمير؟
فقال : أمير المؤمنين 7.
فبينما نحن كذلك اذ خرج الامام الثامن 7 من الروضة ، وأتى إليه 7 ، فسلّم عليه ، فردّ عليه.
فقال : يا جداه اسألك أن تعفو عنه ، وتهبني
تقصيره.
فقال 7
: تعلم انّ هذا الفاسق الفاجر كان يشرب الخمر.
فقال : نعم لكنه أوصى عند وفاته أن يدفن
في جواري ، فنرجو منك العفو عنه.
فقال : وهبتك جرائمه.
ثمّ مضى 7.
فانتبهت خائفاً ، وايقظت بعض الخدام ،
وأتيت معه الى الموضع المذكور ، فرأيت قبراً جديداً قد طرح منه بعض ترابه. فسألت
عن صاحبه ، فقال : لرجل من الأتراك دفن فيه بالأمس .
يقول الفقير : نُقِل في حكاية تشرّف
الحاج علي البغدادي بلقاء إمام العصر أرواحنا فداه وسؤاله منه 7 انّه قال :
قلت له : سيدنا! هل أنه صحيح ما يقال
مَن زار الحسين 7
في ليلة الجمعة فهو أمان له؟
قال نعم والله. ودمعت عيناه وبكى.
قلت : سيدنا! مسألة.
قال : اسأل.
قلت : زرنا الامام الرضا 7 سنة ١٢٦٩ والتقينا في (درود) بأحد الاعراب الشروقيين من سكان
البادية التي بالجانب الشرقي من النجف الأشرف ، فاضفناه ، وسألناه : كيف هي ولاية
الرضا 7؟
فقال : هي الجنّة ، فانا الآن لي خمسة
عشر يوماً آكل من مال مولاي الامام الرضا 7
، فكيف يجرَأُ منكر ونكير أن يدنيا مني في القبر ، فانّ دمي ولحمي قد نبت من طعامه
7 في مضيفه.
فهل هذا صحيح ، انّ علي بن موسى الرضا
يأتي ويخلصه من منكر ونكير؟
قال : نعم والله انّ جدي هو الضامن .
* * *
مِن المنازل
المَهوُلة
البَرزَخ
مِن
المنازل المَهوُلة
البَرزَخ
وقد
ذكره الحقّ تعالى في سورة ( المؤمنون ) :
( وَمِن وَرَائِهِم
بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) .
* وقال الامام الصادق 7 في حديث :
« ولكني والله اتخوف عليكم من البرزخ.
قلت
: وما البرزخ؟
قال : القبر منذ حين موته الى يوم
القيامة » .
* ونقل عن لبّ اللباب للقطب الراوندي
قال :
وفي الخبر كان الموتى يأتون في كل جمعة
من شهر رمضان فيقفون ، وينادي كلّ واحد منهم بصوت حزين باكياً : يا أهلاه! يا
ولداه! وياقرابتاه! اعطفوا علينا بشيء يرحمكم الله ، واذكرونا ولا تنسونا بالدعاء
وارحموا
علينا وعلى غربتنا ، فانّا قد بقينا في سجن ضيق ، وغمّ طويل وشدّة ، فارحمونا ،
ولا تبخلوا بالدعاء والصدقة لنا لعل الله يرحمنا قبل أن تكونوا مثلنا.
فواحسرتاه قد كنّا قادرين مثل ما أنتم قادرون.
فياعباد الله : اسمعوا كلامنا ولا
تنسونا فانّكم ستعلمون غداً فانّ الفضول التي في ايديكم كانت في أيدينا فكنّا
لاننفق في طاعة الله ، ومنعنا عن الحقّ ، فصار وبالاً علينا ومنفعةً لغيرنا. اعطفوا علينا بدرهم أو رغيف أو
بكسرة.
ثم ينادون ما أسرع ما تبكون على انفسكم
ولا ينفعكم كما نحن نبكي ولا ينفعنا فاجتهدوا قبل أن تكونوا مثلنا .
* ونقل في جامع الأخبار عن بعض الصحابة
انّه قال :
قال رسول الله 9 : « اهدوا لموتاكم.
فقلنا : يا رسول! وما هدية الأموات؟
قال 6
: الصدقة والدعاء.
قال 9
:
انّ ارواح المؤمنين تأتي كل جمعة الى
السماء الدنيا بحذاء دورهم وبيوتهم ينادي كل واحد منهم بصوت حزين باكين :
يا أهلي ويا ولدي ويا أبي ويا امي ويا
أقربائي! اعطفوا علينا يرحمكم الله بالذي كان في ايدينا والويل والحساب علينا
والمنفعة لغيرنا.
وينادي كل واحد منهم الى أقربائه :
اعطفوا علينا بدرهم ، أو برغيف ، أو بكسوة يكسوكم الله من لباس الجنّة.
ثمّ بكى النبي 9 وبكينا معه ، فلم يستطع النبي 9 أن يتكلم من كثرة بكائه. ثمّ قال :
اولئك اخوانكم في الدين ، فصاروا تراباً
رميماً بعد السرور والنعيم ، فينادون
__________________
بالويل والثبور على
انفسهم ، يقولون : ياولينا لو انفقنا ما كان في أيدينا في طاعة الله ورضائه ما كنا
نحتاج إليكم.
فيرجعون بحسرة وندامة ، وينادون :
اسرعوا صدقة الأموات » .
* وروي في هذا الكتاب أيضاً انّه قال :
« ما تصدقت لميت فيأخذها ملك في طبق مِن
نور ساطع ضوؤها يبلغ سبع سماوات. ثمّ يقول على شفير الخندق فينادي :
السلام عليكم يا أهل القبور ، أهلكم
اهدوا إليكم بهذه الهدية ، فيأخذها ويدخل بها في قبره ، فيوسع عليه مضاجعه.
فقال 7
: ألا مَن اعطف لميت بصدقة فله عند الله من الأجر مثل أُحد ، ويكون يوم القيامة في
ظل عرش الله يوم لا ظلَّ إلاّ ظل العرش.
وحيٌّ وميتٌ نجى بهذه الصدقة .
* وحكي عن أمير خراسان انّه رأى في المنام
بعد موته وهو يقول : ابعثوا اليَّ ما ترمونه الى الكلاب فانّي محتاج إليه .
* وقال العلاّمة المجلسي ; في زاد المعاد .
ولابدّ
أن لا يُنسى الأموات لأن ايديهم تقصر عن أعمال الخير ، فانّهم يأملون من أبنائهم
وأقربائهم واخوانهم المؤمنين ويترقبون منه احسانهم. خصوصاً في أدعيتهم في صلاة
الليل ، ومن بعد الصلاة المكتوبة ، وفي المشاهد المشرفة. ولابدّ أن يدعى للأب
وللأم أكثر من الآخرين ، وأن يعمل أعمال الخير لهم.
وفي الخبر : انّ العبد ليكون بارّاً
بوالديه في حياتهما ، ثمّ يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ولا يستغفر لهما ، فيكتبه
الله عزّوجلّ عاقاً ، وانّه ليكون عاقاً لهما
في حياتهما غير بارٍ
بهما فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما فيكتبه الله عزّوجلّ باراً .
وأهم الخيرات للأب وللأم وسائر أقربائه
أداء دينهم وأن يبرئهم من حقوق الله والخلق ، وأن يسعى في قضاء ما فاتهم من الحجّ
وسائر العبادات إما بالإجارة أو بالإجارة أو بالتبرع.
* وروي في الحديث الصحيح أن الامام
الصادق 7 كان يصلي عن
ولده في كل ليلة ركعتين وعن والديه في كل يوم ركعتين وكان يقرأ في الركعة الاُولى
انا انزلناه ، وفي الركعة الثانية انا اعطيناك الكوثر .
* ونقل بسند صحيح عن الامام الصادق 7 : « انّه يكون في ضيق فيوسع الله عليه ذلك الضيق
ثمَّ يؤتى ، فيقال له : خفف عنك هذا الضيق لصلاة
فلان أخيك عنك.
قال : فقلت له : فاشرك بين رجلين في
ركعتين؟
قال : نعم.
فقال 7
: انَّ الميت ليفرح بالترحم عليه والاستغفار له كما يفرح الحي بالهدية تهدى إليه »
.
وقال
9 يدخل على
الميت في قبره الصلاة والصوم والحجّ والصدقة والبر والدعاء ويكتب أجره للذي يفعله
وللميت .
* وفي حديث آخر قال 9 :
« مَن عمل مِنَ المسلمين عن ميت عملاً
صالحاً اضعف له أجره ونفع الله به الميت » .
* وورد في رواية :
(اذا تصدّق الرّجل بنية الميت امر الله
جبرئيل أن يحمل الى قبره سبعين ألف ملك في يد كل ملك طبق فيحملون الى قبره ويقولون
:
« السلام عليك يا وليَّ الله هذه هدية
فلان بن فلان إليك ».
« فيتلألأ قبره ، واعطاه الله ألف مدينة
في الجنّة ، وزوجه ألف حوراء ، وألبسه ألف حلّة ، وقضى له ألف حاجة » .
* يقول المؤلّف :
من المناسب هنا أن انقل عدة حكايات
نافعة من المنامات الصادقة.
واحذرك من عدم
الاعتناء بها ، وتتصور انّها من اضغاث الأحلام أو من الأساطير التي تنقل للصبيان ؛
بل تأمّل فيها جيداً ، فالتأمل فيها يوقض المرء ويسلب النوم من العين.
فسانه ها همه خواب
آورد ، فسانه من
زجشم ، خواب ربايد
فسانه عجبي است
يعني :
جميع الأساطير تنعس
واسطورتي
تسلب النوم من عيني
، فيا عجباً من اسطورة!
حكاية :
نقل شيخنا ثقة الاسلام النوري (عطر الله
مرقده) في دار السلام :
حدثني السيّد المؤيد الفاضل الأرشد
الورع العالم التقي الأمير سيد علي ابن العالم الجليل والفقيه النبيل قدوة أرباب
التحقيق ومَن إليه كان يشد الرواحل من كل فج عميق المبرأ من كل شين ودرن الأمير
سيد حسن ابن الأمير سيد علي ابن الأمير محمّد باقر ابن الأمير اسماعيل الواعظ
الحسني الاصفهاني البسه الله حلل الأمان وحشرهُ مع سادات الجنان قال :
لمّا توفي الوالد العلاّمة كنتُ بالمشهد
الغروي مشغولاً بتحصيل العلوم ، وهو الآن فيه وكانت اُموره ; بيد بعض الاخوان ولم يكن لي علم
بتفاصليها ولما مضت من وفاته سبعة أشهر توفيت امي ، وحملوا جنازتها الى النجف.
فلما كانت بعض تلك الأيّام رأيت في
المنام : كأنّي قاعد في بيتي الذي كنت ساكناً فيه ، اذ دخل عليّ الوالد ; فقمت وسلّمت. فجلس في صدر المجلس ،
وتلطف بي في السؤال وتبيّن لي انّه ميت.
فقلت : إنّك توفيت باصفهان ، واراك في
هذا المكان؟
فقال : نعم ، انزلونا بعد الوفاة في
النجف ومكاننا الآن فيه.
فقلت : انّ الوالدة عندكم؟
فقال : لا.
فتوحشت لذلك؟ فقال : هي أيضاً بالنجف
ولكن في مكان آخر.
فعرفت حينئذٍ وجه ذلك ، وانّ العالم
محله أرفع من مكان الجاهل.
ثم سألته عن حاله ، فقال : كنت في ضيق ،
والآن فالحمد لله في حال حسن ، وخرج ما كان بي من الضيق والشدة.
فتعجبت من ذلك ، فقلت متعجباً : أنت كنت
في ضيق؟!
فقال : نعم ، إن الحاج رضا بن آغا بابا
الشهير
بـ (نعلبند) يطلبني. ومن أجل طلبه ساءت حالي. فزاد تعجبي ، فانتبهت من النوم فزعاً
متعجباً ، وكتبت الى أخي الذي كان وصيه ;
صورة المنام. وسألته أن يكتب لي : انّ للرجل ديناً عليه ، أم لا؟ فكتب انّي تفحصت
في الدفتر فما وجدت اسمه في خلال الديانين ، فكتبت إليه ثانياً : أن اسأله نفسه ،
فأجاب بانّي سألته عن ذلك فقال : نعم كان لي عليه ثمانية عشر توماناً لا يعلمه
إلاّ الله ، وبعد وفاته سألتك هل وجدت اسمي في الدفتر فأنكرت.
فقلتُ : لو أظهرته لم اقدر على اثباته
فضاق صدري لأنّي أقرضته بلا حجّة ولا بينة وثوقاً بانّه يثبته في الدفتر. وانكشف
لي انّه تسامح في ذلك ، فرجعت مأيوساً.
فذكر له أخي صورة المنام ، وأراد وفاء
دينه ، فقال : انّي قد أبرأت ذمته لأجل اخابره بذلك .
حكاية
:
ونقل أيضاً الشيخ الأجل المحدّث المتبحر
ثقة الاسلام النوري نور الله مرقده
في دار السلام عن
العالم الفاضل الصالح الورع التقي الحاجّ الملاّ أبي الحسن المازندراني قال :
كان لي صديق فاضل تقي عالم ، وهو المولى
جعفر ابن العالم الصالح المولى محمّد حسين من أهل طبرستان من قرية يقال لها
(تيلك).
وكان ;
في بلده ، فلمّا جاء الطاعون العظيم الذي عمّ البلاد ولهم العباد اتفق انّ خلقاً
كثيراً ماتو قبله وجعلوه وصياً على أموالهم ، فجباها كلها ، ومات بعدهم بالطاعون
قبل أن يصرف الأموال في محلها. فضاعت كلها.
ولما وفقني الله تعالى لزيارة العتبات
ومجاورة قبر مولانا أبي عبدالله 7
رأيت ليلة في المنام كأنَّ رجلاً في عنقه سلسلة تشتعل ناراً. وطرفيها بيد رجلين ،
وله لسان طويل قد تدلى على صدره ، فلما رأني من بعيد قصدني. فلما دنا مِنّي ظهر
انّه المولى المزبور.
فتعجّبت : فلّما هَمَّ أن يكلمني
ويستغيث بي جرّا السلسلة الى الخلف ، فرجع القهقرى ، ولم يتمكن من الكلام.
ثمّ دنا ثانياً ففعلا به مثل الاُولى ،
وكذلك في المرّة الثالثة. ففرعت من مشاهدة صورته وحالته فزعاً شديداً ، وصحت صيحة
عظيمة انتبهت منها ، وانتبه مَن كان نائماً في جانبي من العلماء.
فقصصت عليه رؤياي وكان وقت النداء ،
وإعلام فتح أبواب الصحن والحرم الشريفين. فقلت : ينبغي أن نقوم وندخل الحضرة ونزور
ونستغفر له ، لعل الله يرحمه إن كانت الرؤيا صادقة.
فقمنا وفعلنا ذلك.
ومضى زمان طويل يقرب من عشرين سنة ولم
يتبين لي مِن حاله شيئاً ، وكان في زعمي انّ تلك الحالة للتقصير الذي وقع منه في
أيّام الطاعون في أموال الناس.
ولما مَنَّ الله تعالى عليَّ بزيارة
بيته وقضيت المناسك ، وقربنا من الرجوع الى المدينة المشرّفة مرضت مرضاً شديداً
منعني عن الحركة والمشي. فلما نزلنا قلت
لأصحابي : غسلوني ،
وبدلوا ثيابي واحملوني الى الروضة المطهرة لعلّ الموت يحول بيني وبين الوصول
إليها. ففعلوا ، ولما دخلت الحضرة أُغمِيَ عليَّ ، فتركوني في جانب ومضوا لشأنهم.
فلما افقت حملوني وأتو بي الى قرب الشباك ، فزرت. ثمّ ذهبوا بي الى الخلف عند بيت
الصديقة الطاهرة 3
، أحد المواضع التي تزار فيها فجلست وزرت بما بدا لي ، ثمّ طلبت منها الشفاء. وقلت
لها : بغلنا مِنَ الآثار كثرة محبتك لولدك الحسين 7
، وانّي مجاور قبره الشريف ، فبحقّه عليك ألا ما شافيتني.
ثمّ خاطبت الرسول 9 وذكرت ما كان لي من الحوائج منها
الشفاعة لجتملة من رفقائي الذين حلُّو أطباق الثرى ومزقتهم البلوى ، وعدّدت
اسماءَهم الى أن بلغتُ الى المولى جعفر المتقدم ذكره. فذكرت الرؤيا ، فتغيّرت حالي
، فألححتُ في طلب المغفرة له وسؤال الشفاعة منه 9.
وقلت : انّي رأيته قبل ذلك بعشرين سنة
في المنام حال سوء ، لا أدري كان صادقاً أم كان من الاضغاث؟
وذكرتُ ما سنح لي مِنَ التضرع والدعاء
في حقّه. ثمّ رأيتُ في نفسي خفة ، فقمت ورجعت الى المنزل بنفسي ، وذهب ما كان بي
مِنَ المرض من بركة البتول العذراء 3.
ولما اردنا الخروج من البلد اقمنا في
(اُحُد) يوماً وكان أول منازلنا. فلمّا نزلنا فيه ، وفرغنا من زيارة الشهداء رقدت
فرأيت المولى جعفر المذكور مقبلاً عليّ في زيٍّ حَسَنٍ وعليه ثياب بيض كغرقىء البيض وعلى رأسه عمامة محنّكة وبيده
عصاً ، فلما دنا مني سلّم وقال : مرحباً بالأخوة والصداقة ، هكذا ينبغي أن يفعل
الصديق بصديقه ، وكنت في تلك المدّة في ضيق وشدة وبلاء ومحنة ، فما قُمتَ مِنَ
الحضرة إلاّ وخلصتني منها ، والآن يومان أو ثلاثة ارسلوني الى الحمام وطهروني من
الأقذار والكثافات. وبعث اليّ الرسول 9
بهذه الثياب والصديقة
الطاهرة 3 بهذا العباء ، وصار أمري بحمد الله الى
حَسَنٍ وعافية. وجئتُ إليك مشيعاً لك ومبشراً. فطب نفساً انّك ترجع الى اهلك
سالماً صحيحاً وهم سالمون.
فانتبهت شاكراً فرحاً .
قال الشيخ المرحوم : وعلى الفطن الخبير
أن يتأمّل في دقائق تلك الرؤيا فانّ فيها ما يزيل عن القلب العمى وعن البصر القذى .
حكاية :
وفي دار السلام أيضاً نقل الشيخ الأجل
الاورع الأكرم الحاجّ ملاّ علي عن والده الماجد الحاجّ ميرزا خليل الطهراني ; قال :
كنتُ في مشهد الحسين 7 وامي كانت في مدينة طهران ، فرأيت
ليلةً في ما يراه النائم : انّ والدتي جاءت إليّ ، وقالت لي : يا بني انيّ متّ ،
وجاؤوا بي إليك ، وهشموا انفي.
فانتبهت من النوم فزعاً مرعوباً. فبقيت
كذلك الى أن جاءني كتاب من بعض الاخوان : انّ والدتك توفيت وأرسلناها مع الجنائز :
فلما اتى الجنازون قالوا : خلَّفنا تلك
الجنازة في رباط قريب من ذي الكفل لانّا زعمنا
انّك في بلد المشهد (النجف الأشرف).
فبقيت متحيراً في معنى هشموا أنفي.
فلما أتوا بنعش والدتي كشفت عنها ،
فرأيت أنفها مكسوراً ، فسألت عن ذلك ، فقالوا : انّ هذه الجنازة كانت موضوعة فوق
الجنائز ، فتصادمت الخيول في الرباط ، فطرحتها من أعلى الجنائز ، ولم نعلم غير
هذا.
فجئت بها الى ساحة أبي الفضل العباس ابن
أمير المؤمنين 3
، فقلت : يا أبا الفضل انّ والدتي لم تحسن الصلاة والصيام وهي دخيلتكَ ، فادفع
عنها الأذى
يا سيدي ، وعليّ
بضمانك خمسين سنة صوم وصلاة استنيب عنها.
فدفنتها ، وبقيت مدة من الزمان ، فبينا
أنا نائمٌ في ليلة من الليالي ، وإذا اسمع ضوضاءاً في باب داري ، فخرجت من الدار ، فرأيت
والدتي موثوقة بشجرة وتضرب بالسياط.
فقلت : ما بالها ، وأي ذنب لها حتّى
تضرب؟
فقالوا : أمرنا أبو الفضل أن نضربها
حتّى تدفع مبلغاً مقدّراً.
فذهبت الى داخل الدار ، وأتيتُ بالدراهم
، وأطلقت والدتي ، وأتيت بها الى داخل الدار ، واشتغلت بخدمتها فلما انتبهت رأيت
المقدار الذي أخذوه مني هو مقدار خمسين سنة عبادة.
فأخذتُ ذلك المبلغ وذهبت الى السيّد
صاحب الرياض ; وقلت : هذه
قيمة خمسين سنة عبادة عن والدتي ، والأمر كيت وكيت .
قال شيخنا الأجل صاحبُ دار السلام
(احلَّهُ الله دار السلام) وفي هذه الرؤيا من عِظّم الأمر وخَطَرِ العاقبة وعدَمِ
جواز التَّهاونِ بما عاهد الله على نفسه وعلوّ مقام أوليائه المُخبتين ما لا يخفى
على مَن تأمّلها بعين البصيرة وَنَظرِ الاعتبار .
حكاية :
ونقل هذا الأجل أيضاً عن والده الصالح :
انّ رجلاً كان في مدينة طهران خادماً في
الحمام في مسلخه
، وكان لا يصلي ولا يصوم ، وجاء يوماً الى المعمار ، وقال : اريد أن أبني حماماً.
فقال له المعمار : أنت بهذه الحالة ، من
أين لك الدراهم.
فقال له : خذ ما شئت.
فبنى له حماماً معروفاً باسمه ، وكان
اسمه (علي طالب).
قال والدي :
كنت في النجف الأشرف ، فرأيت فيما يراه
النائم انّ علي طالب جاء الى النجف في وادي السلام.
فتعجبت من ذلك.
وقلت له : ما جاء بك الى هذا المكان
وأنت لا تصلي ولا تصوم؟
فقال لي : يا هذا ، أنا مت ، فأخذوني
بالاغلال ليأخذوني الى العذاب. لكن جزى الله الحاجّ الملاّ محمّد الكرمانشاهي خير
الجزاء حيث انّه استأجر فلان نائباً للحجّ ، وهو فلان ، واستأجر فلان للصوم ،
والصلاة ، ودفع عني الزكاة والمظالم على يد فلان وفلان. ولم يبق شيء عليَّ الاّ
أدّاه. فخلصني من العذاب ، فجزاه الله عني خير جزاء المحسنين.
فاستيقظت من نومي فزعاً ، وتعجبت من تلك
الرؤيا ، فتربصت مدة فجاء أُناسٌ من طهران ، فسألت عن أحوال علي طالب ، فاخبروني
كما رأيت في الرؤيا بأسماء الرجال وما جرى بعد موته.
فتعجب من صدق تلك الرؤيا ومطابقتها
للواقع .
(وفي هذه الرؤيا تصديق لما استفاض عن
أهل العصمة من وصول ثواب الصوم والصلاة والحجّ وسائر الخيرات والمبرات الى الميت ،
وانّه قد يكون في ضيق فيفرج عنه.
وتصديق لما ورد : من انّه ما من مؤمن
يموت في شرق الأرض وغربها إلاّ وحشر الله روحه في وادي السلام.
وفي بعضها : أما كأنّي بهم خلق قعود
يتحدثون.
والحاج المولى أحمد المذكور من علماء
طهران الأخيار والصلحاء الأبرار) .
حكاية :
ونقل عن أربعينات العالم الفاضل والعارف
الكامل القاضي سعيد القمّي ;
انّه قال :
وصل إلينا من أحد الثقات ومحل الاعتماد
عن استاذ اساتيذنا الشيخ بهاء الملة والدين العاملي 5
:
انّه ذهب في أحد الأيّام لزيارة بعض
أصحاب الحال ، وكان يأوى في مقبرة من مقابر اصفهان ، فقال ذلك الشيخ العارف للشيخ
:
شاهدت قبل هذا اليوم في هذه المقبرة
أمراً غريباً. فقد رأيت جماعة جاؤوا بجنازة ودفنوها في هذه المقبرة في الموضع
الفلاني. وبعد مضي ساعة شممت رائحة طيبة لم تكن من روائح هذه النشأة ، فبقيت
متحيراً ، فنظرت الى يميني وشمالي لاعرف من أين جاءت هذه الرائحة ، فرأيت شاباً
جميل الصورة في لباس الملوك وهو يذهب الى ذلك القبر حتّى وصل عنده ، فتعجبت كثيراً
مِن مجيئه الى ذلك القبر.
فعندما جلس عند ذلك القبر رأيته قد غاب
وكأنّه صار داخل القبر.
فلم يمض زمن من تلك الحادثة حتّى شممت
رائحة كريهة انتن من كل رائحة ، فنظرت فرأيت كلباً يذهب بأثر الشاب حتّى وصل الى
ذلك القبر واختفى.
فتعجبت لذلك وما كاد تعجبي ينقضي حتّى
خرج ذلك الشاب بحال سيئة وهيئة قبيحةٍ وبدن مجروح ، وقد رجع من حيث أتى.
فذهبت وراءه ، ورجوته أن يخبرني بحقيقة
الأمر فقال : أنا العمل الصالح لهذا الميت ، وكنت مأموراً أن اصير معه في قبره ،
فإذا بذلك الكلب ـ الذي رأيته ـ أتى وهو عمله غير الصالح ؛ فأردت أن اخرجه من
القبر لأَفيَ بصحبته فعضني ذلك الكلب بأنيابه ، وجرحني ومزق لحيتي كما ترى ، ولم
يتركني أبقى مع ذلك الشاب ، فلم أقدر بعد ذلك أن أبقى معه في قبره ، فخرجت ،
وتركته لوحده.
فعندما نقل العارف المكاشف هذه الحكاية
للشيخ ، قال الشيخ :
ما قلتَهُ صحيح ؛ فنحن قائلون بتجسم
الأعمال وتصورها بالصورة المناسبة
بحسب الأحوال.
* يقول المؤلّف :
ويصدق هذه الحكاية الخبر الذي رواه
الشيخ الصدوق في أول أماليه وملخصه :
انّ قيس بن عاصم وفد مع جماعة من بني
تميم الى النبي 9
، وطلب منه موعظةً نافعة فوعظه 9
: ومن جملة ما قال
:
« لابدّ لك يا قيس من قرينِ يدفن معك
وهو حي وتدفن معه وأنت ميت ، فإن كان كريماً اكرمك وإن كان لئيماً اسلمك ، ثمّ لا
يحشر إلاّ معك ولا تبعث إلاّ معه ، ولا تسأل إلاّ عنه ، فلا تجعله إلاّ صالحاً ،
فانّه إن صلح أنَستَ به ، وإن فسد لا تستوحش إلاّ منه ، وهو فعلك.
فقال : يا نبي الله احبّ أن يكون هذا
الكلام في أبيات من الشعر نفخر به على مَن يلينا من العرب ، وندّخره :
فأمر النبي 9 مَن يأتيه بحسان.
قال : فأقبلت افكر فيما اشبِّه هذه العظة من
الشعر ، فاستتب لي القول قبل
مجيء حسان. قلت : يا
رسول الله ، قد حضرتني أبيات احسبها توافق ما تريد ، فقلت :
تَخَيَّر خليطاً من فِعالِكَ اِنَّما
|
|
قَرينُ الفتى في القَبرِ ما كان
يَفعَلُ
|
وَلابدّ بَعدَ المَوتِ مِن أن
تعٍدَّهُ
|
|
لِيَوم يُنادى المَرءُ فيه فَيُقبلُ
|
فإن كُنتَ مَشغُولاً بِشَيءٍ فلا تكُن
|
|
بِغَير الَّذي يَرضى بِهِ الله
تَشغَلُ
|
فَلَن يَصحَبَ الانسانَ مِن بعد
مَوتِه
|
|
وَمِن قَبلِهِ إلاّ الَّذي كانَ
يَعمَلُ
|
فَلَن يَصحَبَ الانسانَ مِن بعد
مَوتِه
|
|
وَمِن قَبلِهِ إلاّ الَّذي كانَ
يَعمَلُ
|
اَلا اِنَّما الانسانُ ضَيفٌ لاِهلهِ
|
|
يُقيمُ قليلاً بَينهُمُم ثُمَّ
يَرحَلُ
|
* وروى الشيخ الصدوق 5 عن الامام الصادق 7 ، قال : قال رسول الله 9 :
« مرّ عيسى بن مريم 7 بقبر يُعَذَّبُ صاحبه ثمَّ مرَّ به مِن
قابل فإذ هو ليس يعذّب.
فقال : يا ربّ مررتُ بهذا القبر عام أول
فكان صاحبه يعذّب ، ثمّ مررت به العام ، فإذا هو ليس يعذّب؟
فاوحى الله عزّ وجلّ اليه :
يا روح الله انّه ادرك له ولد صالح.
فأصلح طريقاً وآوى يتيماً فغفرت له بما عمل ابنه » .
* * *
__________________
من منازل
الآخرة المهولة
القيامة
من
منازل الآخرة المهولة
القيامة
فانّ هولها عظيم ، بل هي أعظم من كل
هول. وفزعها الفرع الأكبر.
قال تعالى في وصفها :
( ثَقُلَتْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ) .
* وروى القطب الراوندي عن الامام الصادق
7 انّه قال :
« قال عيسى 7 لجبرئيل : متى قيام الساعة؟ فانتفض
جبرئيل انتفاضة أُغمي عليه منها ، فلما أفاق قال : يا روح الله! ما المسؤول أعلم
بها من السائل وله من في السماوات والأرض لا تأتيكم إلاّ بغتة » .
* وروى الشيخ الجليل علي بن ابراهيم
القمّي ; عن الامام
محمّد الباقر 7
:
« بينما رسول الله 9 جالس وعنده جبرئيل اذ حانت من جبرئيل 7 نظرةً قِبَل السماء ، فامتقع لونه حتّى
صار كأنه كركمة ، ثمَّ لاذ برسول الله 9.
فنظر رسول الله 9 الى حيث نظر جبرئيل ، فإذا شيءٌ قد ملأ
ما بين الخافقين
مقبلاً حتّى كان
كقاب من الأرض.
ثمّ قال : يا محمّد انّي رسول الله اليك
اخبرك أن تكون ملكاً رسولاً احبًّ إليك ، أو تكون عبداً رسولاً؟
فقال رسول الله 9 : بل أكون عبداً رسولاً.
فرفع الملك رجله اليمنى فوضعها في كبد
السماء الدينا ، ثمَّ رفع الاُخرى فوضعها في الثانية ، ثمَّ رفع اليمنى فوضعها في
الثالثة .. ثمَّ هكذا حتّى انتهى الى السماء السابعة ، كل سماء خطوة ، وكلما ارتفع
صغر حتّى صار آخر ذلك مثل الذر .
فالتفت رسول الله 9 ، فقال : لقد رأيتك ذعراً ، وما رأيتُ
شيئاً كان أذعر لي مِن تغير لونك؟!
فقال : يا بني الله لا تلمني ، أتدري من
هذا؟
قال : لا.
قال : هذا اسرافيل حاجب الرب ، ولم ينزل
من مكانه منذ خلق الله السماوات والأرض
، فلما رأيتُه منحطاً ظننت انّه جاء لقيام الساعة ، فكان الذي رأيتهُ مِن
تغير لوني لذلك ،
فلما رأيت ما اصطفاك الله به رجع اليَّ لوني ونفسي .
* وفي رواية :
( ... ما من ملك مقرَّب ، ولا سماء ولا
أرض ولا رياح ولا جبال ولا برّ ولا بحر إلاّ وهنّ يشفقن من يوم الجمعة أن تقوم فيه
الساعة ... ) .
* يقول الفقير : لعلّ ما ذكر من خوف
السماء والأرض وكل شيء هو خوف أهلها والموكلين بها كما قاله المفسرون في معنى
الآية الشريفة ( ثقلت في السماوات والأرض ).
* وروى انّ رسول الله 9 كان (اذا ذكر الساعة اشتد صوته واحمرّت
وجنتاه) .
__________________
* ونقل الشيخ المفيد في الارشاد :
« لما عاد رسول الله 9 من تبوك الى المدينة ، قدم إليه عمرو
بن معد يكرب ، فقال له النبي 9
يا عمرو ، يؤمنك الله من الفزع الأكبر.
فقال : يا محمّد! وما الفزع الأكبر ،
فانّي لا أفزع؟ ».
* يقول المؤلّف : من هذا الكلام تعرف
شجاعة وقوة قلب عمرو ، ونقل انّه كان من شجعان العالم المشهورين وكان أكثر فتوح
العجم على يديه ، ويعرف سيفه بالصمصامة التي قطع بضربة منها جيمع قوائم جزور.
وانّ عمر بن الخطاب
سأله في أيّام خلافته أن يريه سيفه ذلك ، فاحضره عمرو له.
__________________
فانتضاه (عمر) وضرب به ، فما حاك ، فطرحة من يده ، وقال : ما هذا إذ سلّ
بشيء.
فقال عمرو : يا أمير المؤمنين أنت طلبت
مني السيف ولم تطلب مني الساعد الذي يضرب به .
فعاتبه ، وقيل انّه ضربه) .
فقال : يا عمرو! انه ليس كما تظن وتحسب.
انّ الناس يصاح بهم صيحةً واحدة فلا
يبقى ميت إلاّ حشر ، ولا حي إلاّ مات ، إلاّ ما شاء الله ثمّ يصاح بهم صحية اُخرى
فينشر مَن مات ، ويصفون جميعاً ، وتنشق السماء ، وتهد الأرض ، وتخرّ الجبال هدّاً
وترمي النار ، بمثل الجبال شرراً ، فلا يبقى ذو روح إلاّ انخلع قلبه ، وذكر دينه
وشغل بنفسه إلاّ ما شاء الله.
فأين أنت يا عمرو ومِن هذا؟
قال : إلاّ انّي اسمع أمراً عظيماً ) .
انّ القيامة مهولة الى درجة بحيث انّ
الأموات في عالم البرزخ والقبر يستوحشون من هولها بشكل انّه روئي انّ بعض الأموات
بعدما اُحيي بدعاء بعض الأولياء قد صار شعره كله أبيضاً ، فعندما سألوه عن سبب
بياض شعره قال لهم : عندما أمر باحيائنا ظننا انّ القيامة قد قامت ، ولذلك قد
ابيّض شعرنا كله من وحشه وهول القيامة .
* ولنذكر هنا بعض الاُمور التي تنجي من
شدائد القيامة ، وتؤمن من الفزع الأكبر ، وهي عشرة اُمور :
* الأول : روي انّه :
من
قرأ سورة يوسف في كل يوم أو في كل ليلة بعثه الله تعالى يوم القيامة وجماله مثل
جمال يوسف 7 ، ولا يصيبه
فزع يوم القيامة ) .
* وروي عن الامام محمّد الباقر 7 :
« مَن قرأ سورة الدخان في فرائضه
ونوافله بعثه الله مِنَ الآمنين يوم القيامة ، وأظلَّه تحت عرشه وحاسبه حساباً
يسيراً وأعطاه كتابه بيمينه » .
__________________
* وروي عن الامام الصادق 7 :
« مَن قرأ كل ليلة أو كل جمعة سورة الاحقاف
لم يصبه الله بروعة في الحياة الدنيا ، وآمنه مِن فزع يوم القيامة إن شاء الله » .
* ونقل عنه 7 :
« مَن قرأ (والعصر) في نوافله بعثه الله
يوم القيامة مشرفاً وجهه ، ضاحكاً سِنُّهُ قريراً عينه حتّى يدخل الجنّة » .
* الثاني : روى الشيخ الكليني عن الامام
جعفر الصادق 7.
« مَن وقر ذا شيبة في الاسلام آمنه الله
من فزع يوم القيامة » .
* الثالث : وروي عنه 7 قال :
« مَن مات بطريق مكّة ذاهباً أو جائياً
أمِنَ مِنَ الفرع الأكبر يوم القيامة » .
* وروى الشيخ الصدوق عنه 7 قال :
« مَن مات في أحد الحرمين [ يعني حرم
مكّة وحرم المدينة زادهما الله شرفاً وتعظيماً ] بعثه الله من الآمنين » .
* الرابع : وروى الشيخ الكليني عن
الامام الصادق 7
قال :
« مَن دفن في الحرم اُمِنَ من الفزع الأكبر » .
* الخامس : روى الشيخ الصدوق عن الرسول
الأعظم 9 قال :
« مَن عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها
من مخافة الله عزّوجلّ حرّم الله عليه النار وآمنه من الفزع الأكبر » .
* السادس : وروى عنه أيضاً 9 قال :
« مَن مَقَتَ نفسه دون ]مقت[ الناس آمنه الله مِن فزع يوم القيامة »
.
* السابع : روى الشيخ الأجل علي بن
ابراهيم القمّي عن الامام
__________________
محمد الباقر 7 :
« مَن كظم غيظاً وهو يقدر على امضائه
حشا الله قلبه أَمناً وإيماناً يوم القيامة » .
* الثامن : قال الله تعالى في سورة
النمل :
( مَن جَاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ) .
يعني : من جاء يوم القيامة بالحسنة فله
أحسن منها
وهو آمن من فزع ذلك اليوم.
* وروي عن أمير المؤمنين 7 انّه قال :
« الحسنة معرفة الولاية وحبنا أهل البيت
» .
* التاسع : روى الشيخ الصدوق عن الامام
الصادق 7 انّه قال :
« مَن أغاث أخاه المؤمن اللهفان اللهثان
عند جهده فنفس كربته وأعانه على نجاح حاجته كانت له بذلك عند الله اثنتان وسبعون
رحمة من الله يجعل له منها واحدة يصلح بها معيشته ويدّخر له احدى وسبعين رحمة
لأَفزاعِ يوم
القيامة وأهواله » .
* يقول المؤلّف : قد رويت روايات كثيرة
في ثواب قضاء حاجات الاخوة في الدين ، ومن جملتها ما روي عن الامام محمّد الباقر 7 انّه قال :
« مَن مشى في حاجة أخيه المسلم أظلَّه
الله بخمسة وسبعين ألف ملك ولم يرفع قدماً إلاّ كتب الله له حسنة ، وحطَّ عنه بها
سئية ، ويرفع له بها درجة ، فاذا فرغ من حاجته كتب الله عزّوجلّ له بها اجر حاج
ومعتمر » .
* وروي عن الامام الصادق 7 قال :
« لَقضاءُ حاجة امرىء مؤمن أفضل من حجّة
وحجّة وحجّة حتّى عدَّ عشر حجج » .
* وروي :
« انّ عابِدَ بني اسرائيل كان إذا بلغ
الغاية من العبادة صار مشاءً في حوائج الناس ، عانياً بما يصلحهم » .
* وروى الشيخ الجليل شاذان بن جبرئيل
القمّي عن الرسول الاعظم 9
انه رأى على الباب الثاني من الجنّة مكتوباً :
« لا إله الا الله ، محمّد رسول الله ،
علي ولي الله ، لكل شيء حيلة
وحيلة السرور في الآخرة أربع خصال :
المسح على رؤوس اليتامى ، والتعطف على
الأرامل ، والسعي في حوائج المسلمين ، ونفقد الفقراء والمساكين » .
الى غير ذلك .
__________________
* ولهذا اهتمّ العلماء وعظماء الدين
اهتماماً كبيراً في قضاء حوائج المؤمنين ، وقد نقل عنهم حكايات لا مجال لذكرها
هنا.
* العاشر : روى الشيخ الكليني عن الامام
الرضا 7 انّه قال :
« مَن أتى قبر أخيه ثمّ وضع يده على
القبر وقرأ انا انزلناه في ليلة القدر سبع مرّات أَمِنَ يوم الفزع الأكبر » .
* يقول المؤلّف : وفي رواية اُخرى
(المستقبل القبلة ووضع يده على القبر) .
فيمكن أن يكون هذا الامان من الفزع يوم
القيامة يعود للقارىء كما هو ظاهر الخير.
ويحتمل أن يكون للميت كما يظهر من بعض
الروايات.
* وقد رأى هذا الفقير في مجموعة الشيخ
الأجل الأفقه أبي عبدالله محمّد بن مكي العاملي المعروف بالشيخ الشهيد انّه جاء
الى قبر استاذه الشيخ الأجل العالم فخر المحققين نجل آية الله العلاّمة الحلي
(رضوان الله عليهم أجمعين) وقال :
أروي عن صاحب هذا القبر ، وهو يروي عن
والده الماجد بسنده الى الامام الرضا 7
: « مَن زار قبر أخيه المؤمن وقرأ عند سورة القدر وقال : اللّهمّ جاف الأرض عَن
جنوبهم ، وصاعد إليهم أرواحهم ، وزدهم منك رضواناً ، وأسكن إليهم مِن رحمتك ما تصل
به وحدتهم وتؤنس وحشتهم انَّك على كل شيء قدير » أمِن القارىء والميت منَ الفزع
الاكبر .
__________________
* يقول المؤلّف : انّ قبر فخر المحققين
ـ على ما يظهر من كلام المجلسي الأول في شرح الفقيه ـ في النجف الأشرف ولعله قريب
قبر والده العلاّمة ;
الذي يقع في الايوان المطهر.
* * *
__________________
من
ساعات القيامة المهولة
ساعة خروج الانسان من قبره
وهذه الساعة هي احدى الساعات الثلاثة
التي هي أصعب وأوحش الساعات على أبناء آدم .
__________________
يقول الله تعالى في سورة المعارج :
( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا
وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ
يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ
يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَٰلِكَ
الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) .
*روي
عن ابن مسعود انّه قال :
كنت جالساً عند المؤمنين 7 فقال : انّ في القيامة لخمسين موقفاً
كل موقف ألف سنة :
فأوّل موقف خرج من قبره ، جبسوا ألف سنة عراة جياعاً عطاشا. فمن
خرج مِن قبره مؤمناً بجنته وناره ، ومؤمنا بالبعث والحساب والقيامة ، مقرّاً بالله
مصدقاًَ نبيه 6
وبما جاء من عند الله عزّوجلّ نجا من الجوع والعطش .
* وقال الامام أمير المؤمنين 7 في نهج البلاغة :
« وذلك يومٌ يَجمَعُ الله فيه الأوّلين
والآخرين لنقاش الحِساب وَجزاءِ الأعمال خُضُوعاً قياماً قد ألجَمَهُمُ العَرَقُ
وَرَجَفَت بِهِمَ الأرض فاجسَنُهُم حالاً من وجَدَ
__________________
لِقَدَميهِ مَوضِعاً
وَلِنَفسِهِ مَتَّسعاً ».
* وروى الشيخ الكليني عن الامام الصادق 7 :
« مثل الناس يوم القيامة اذا قاموا لرب
العالمين مثل السهم في القِربَ ليس له من الأرض الاّ موضع قدمه كالسهم في الكنانة
لا يقدر أن يزول هاهنا ولا هاهنا » .
* يعني انّه كما في موضع السهم في
الكنانة لا يوجد مجال ليتحرك في كنانته لضيقها ، فكذلك ضيق الانسان في ذلك اليوم
فلا يستطيع أن يتحرك عن موضع قدمه فيليست لديه القدرة على أن يغيّر موضع قدمه.
* وبالجمله فانّ هذا الموقف موقف عظيم.
ومن
المناسب أن نذكر بعض الأخبار في أحوال بعض الأشخاص عندما يخرجون من قبورهم.
* الأول : روى الشيخ الصدوق عن ابن عباس
قال : قال رسول الله 6
« الشاك في فضل علي بن أبي طالب 7
يحشر يوم القيامة من قبره وفي عنقه طوق من نار فيه ثلاثمائة شعبة ، على كل شعبة
منها شيطان يكلح في وجهه ويتفل فيه » .
*الثالني : روى الشيخ الكليني عن الامام
محمّد الباقر 7
انّه قال : « انّ الله تبارك وتعالى يبعث يوم القيامة ناساً مِن قبورهم مشدودة
أيديهم
الى أعناقهم لا يستطيعون
أن يتناولوا قيد انملة معهم ملائكة يعيرونهم تعييراً شديداً يقولون : هؤلاء الذين
منعوا خيراً قليلاً مِن خير كثير. هؤلاء الذين اعطاهم الله فمنعوا حقّ الله في
أموالهم » .
* الثالث : روى الشيخ الصدوق في حديث
طويل :
« ومَن مشى في نميمة بين اثنين سلط الله
عليه في قبره ناراً تحرقه الى يوم القيامة واذا خرج مِن قبره سلط الله عليه تنيناً
أسود ينهش لحمه حتّى يدخل النار ... » .
* الرابع : وروى عنه 7 :
« ومَن ملأ عينيه من مرأة حراماً حشاهما
الله عزّ وجلّ يوم القيامة بمسامير مِن نار ، وحشامها ناراً حتّى يقضى بين الناس ،
ثمّ يؤمر به الى النار » .
* الخامس : وروى عنه صلوات الله عليه
انّه قال :
« انّ شارب الخمر يجيئ يوم القيامة
مسوداً وجهه ، مزرقةً عيناه ، مائلاً شدقيه ، سائلا لعابه ، دالعاً لسانه من قفاه
» .
وفي (علم اليقين) للمحدّث الفيض :
« روي في الصحيح أن شارب الخمر يحشر
والكوز معلّق في عنقه والقدح بيده ، وهو انتن من كل جيفة على وجه الأرض ، يلعنه كل
مَن يمرّ به من الخلائق » .
* السادس : روى الشيخ الصدوق عن الرسول
الأكرم 6 انّه قال :
« يجيء يوم القيامة ذو الوجهين دالعاً
لسانه في قفاه ، وآخر من قدامه يلتهبان
ناراً حتّى يلهبا
جسده ثمّ يقال له : هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين وسانين يعرف بذلك يوم القيامة
» .
واعلم
أنّ الاُمور النافعة لهذا الموقف كثيرة ، ونحن نشير الى عدة أشياء منها :
* الأول : ورد في حديث لمَن شيَّع جنازة
أوكل الله به ملائكة معهم رايات يشيعونهم من قبورهم الى محشرهم .
* الثاني : وروى الشيخ الصدوق عن الامام
الصادق 7 :
« مَن نَفَّسَ عن مؤمن كربة نَفَّسَ
الله عنه كرب الآخرة ، وخرج مِن قبره وهو ثلج الفؤاد » .
*الثالث : روى الشيخان الكليني والصدوق
عن سدير الصيرفي في خبر طويل قال :
قال أبو عبد الله 7 :
٢ « اذا بعث الله المؤمن من قبره خرج
معه مثال يقدمه امامه ، كلّما رأى المؤمن هولاً مِن أهوال يوم القيامة قال له
المثال : لا تفزع ، ولا تحزن ، وابشر بالسرور والكرامة من الله عزّوجلّ ، حتّى يقف
بين يدي الله عزّوجلّ فيحاسبه حساباً
يسيراً ، ويأمر به
الى الجنّة والمثال أمامه.
فيقول له المؤمن يرحمك الله نِعَم
الخارج خرجت معي من قبري مازلت تبشرني بالسرور والكرامة من الله حتّى رأيت ذلك.
فيقول مَن انتَ؟
فيقول : أنا السرور الذي كنت أدخلته لى
أخيك المؤمن في الدنياء خلقني الله عزّوجل منه لا بشرك »
*الرابع : روى الشيخ الكليني عن الامام
الصادق 7 انّه قال :
« مَن كسا أخاه كسوة شتاء أو صيف كان
حقاً على يكسوه من ثياب الجنّة وأن يهوِّن عليه سكرات الموت ، وأن يوسع عليه في
قبره وأن يلقى الملائكة اذا خرج من قبره بالبشرى وهو قول الله عزّوجلّ في كتابه : ( ) ».
*الخامس : روى السيّد ابن طاووس فيكتاب
الاقبال عن النبي 6
قال : « ومَن قال فيشعبان ألف مرّة (لا اله الاّ الله ولا نعبد الاّ ايّاه مخلصين
له الدين ولو كره المشركون » كتب الله له عبادة الف سنة محا عنه ذنب ألف سنة ويخرج
مِن قبره يوم القيامة ووجهه يتلألأ مثل القمر ليلة البدر وكتب عند لله صديقاً) .
*السادس : قراءة دعاء الجوشن الكبير في
أول شهر رمضان .
ختمٌ ذكرُهُ حتمٌ
من المناسب أن نذكر هنا أمراً يناسب
المقام نقله الشيخ الأجل أمين الدين الطبرسي ;
عليه في مجمع البيان عن البراء بن عازب ، وقال :
« كان معاذ بن جبل جالساً قريباً من
رسول الله 9 في منزل أبي
أيوب الانصاري.
فقال معاذ : يارسول الله أرأيت قول الله
تعالى : (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ
أَفْوَاجًا .. الْآيَاتِ ).
فقال : يا معاذ! سألت عن عظيم من الامر
، ثمّ أرسل عينيه
ثمّ قال :
يحشر عشرة أصناف من امتي أشتاتاً قد
ميزّهم الله من المسلمين ، وبدل صورهم ، بعضهم على صورة القردة ، وبعضهم على صورة
الخنازير وبعضهم منكسون ارجلهم من فوق ووجوههم من تحت ثمّ يسحبون عليها ، وبعضهم
عمي ، وبعضهم صم بكم لا يعقلون ، وبعضهم يعضون ألسنتهم فيسيل القيح من افواههم
__________________
لعاباً يتقذرهم أهل
الجمع ، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم ، وبعضهم مصلبون على جذوع من نار ، وبعضهم
أشدّ نتناً من الجيف وبعضهم يلبسون جباباً سابغة من قطران لا زقة بجودهم.
فأما الذين على صورة القردة فالقات من الناس.
وأما الذين على صورة الخنازير فأهل
السحت.
وأما المنسكون على رؤؤسهم فآكلة الربا.
والعُمي الجائرون في الحكم.
والصم والبكم المعجبون بأعمالهم.
والذين يمضغون بألسنتهم فالعلماء
والقضاة الذين خالف أعمالهم أقوالهم.
والمقطعة أيديهم وأرجلهم الذين يؤذون
الجيران.
والمصلبون على دذوع من نار فالسعاة
بالناس الى السلطان.
والذين هم أشدّ نتناً من الجيف فالذين
يتمتعون بالشهوات واللذات ، ويمنعون حقّ الله في أموالهم.
والذين يلبسون الجباب فأهل الفخر
والخيلاء .
* * *
من مواقف القيامة المهولة
موقف
الميزان ووزن الأعمال
قال الله تعالى في أوائل سورة الاعراف :
( وَالْوَزْنُ
يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ
فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ
فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا
يَظْلِمُونَ ) .
وقال
تعالى في سورة القارعة :
( الْقَارِعَةُ * مَا
الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ
كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ * فَأَمَّا
مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ
خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ
حَامِيَةٌ ) .
* واعلم أن لا يوجد عمل لأجل تثقيل
ميزان الأعمال مثل الصلوات على محمّد وآله صلوات الله عليهم أجمعين ، ومثل حسن
الخلق.
وأنا اُزيِّن الكتاب بذكر روايات هنا في
فضل الصلوات ، وثلاث روايات مع عدّة حكايات في حُسن الخُلُق.
أما
الأخبار في فضل الصلوات
* الأول : روى الشيخ الكليني ; بسند معتبر عن الامام محمّد الباقر أو
الامام الصادق 3.
قال :
« ما في الميزان شيء أثقل من الصلاة على
محمّد وآل محمّد وانّ الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به فَيُخرِج 9 الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فيرجح به
.
* الثاني : عن رسول الله 9 قال :
« أنا عند الميزان يوم القيامة ، فمن
ثقلت سيئاته على حسناته جئت بالصلاة عليّ حتّى أثقل بها حسناته » .
__________________
* الثالث : روى الشيخ الصدوق رَحمَة اللهُ
عن الامام الرضا 7
انّه قال :
« مَن لم يقدر على ما يُكَفِّر به ذنوبه
فليكثرمن الصلاة على محمّد وآله ، فانّها تهدم الذنوب هداماً » .
* الرابع : روي في دعوات الراوندي عن
رسول الله 9 قال :
« مَن صلّى عليّ كل يوم ثلاث مرّات ،
وفي كل ليلة ثلاث مرّات حبّاً لي وشوقاً لي كان حقّاً على الله عزّوجلّ أن يغفر له
ذيوبه تلك الليلة وذلك اليوم » .
* الخامس : وروى عنه 9 انّه قال :
« رأيت فيما يرى النائم عمي حمزة بن عبد
المطلب وأخي جعفر بن أبي طالب وبين ايديهما طبق من نبق فأكلا ساعة ، فتحول النبق
عنباً فكلا ساعة ، فتحول العنب لهما رطباً ، فأكلا ساعة ، فدوت منهما ، فقلت لهما
: بأبي أنتما أي الأعمال وجدتما أفضل؟ »
قالا : فديناك بالآباء والامهات وجدنا
أفضل الأعمال الصلاة عليك ، وسقي الماء ، وحب علي بن أبي طالب 7 قال :
* السادس : وروي عنه 9 قال :
« مَن صلّى عليّ في كتاب لم تزل
الملائكة تستغفر له مادام اسمي في ذلك الكتاب » .
* السابع : روى الشيخ الكليني عن الامام
الصادق 7 انّه قال :
« اذا ذكر النبي 9 فاكثروا الصلاة عليه فانّه مَن صلّّى
على النبي 9 صلاة واحدة
صلّى الله عليه ألف صلاة في ألف صفّ من الملائكة ولم يبق
شيء مما خلق اله
الاّ صلى على العبد لصلاة الله عليه ، وصلاة ملائكته. فمن لم يرغب في ثذا فهو جاهل
مغرور قد برئ الله منه ورسوله وأهل بيته » .
يقول الفقير : روى الشيخ الصدوق في
معاني الأخبار عن الامام الصادق 7
في معنى « انّ الله وملائكته يصلون على النبي » الآية ، انّه 7 قال :
« الصلاة من الله عزّ وجلّ رحمة ومن
الملائكة تزكية ومن الناس دعاء » .
وروي في هذا الكتاب أن الراوي قال : فكيف نصلي على محمّد وآله؟
قال : « تقولون : صلوات الله وصلوات
ملائكته وانبيائه ورسله وجميع خلقه على محمّد وآل محمّد والسلام عليه وعليهم و; وبركاته ».
قال : فقلت : فما ثواب مَ ، الذيوب
والله كهيئة يوم ولدته امه » .
* الثامن : روى الشيخ أبو الفتوح الرازي
عن رسول الله 9
انّه قال :
« اسري بي ليلة المعراج الى السماء
فرأيت ملكاً له ألف يد ، لكل يد ألف اصبع وهو يحسب ويعد بتلك الأصابع فقلت لبرائيل
: مَن هذا الملك ، وما الذي يحسبه؟
قال جبرائيل : هذا ملك موكل على قطر
المطر يحفظها كم قطرة تنزل من السماء الى الأرض.
فقلت للملك : هل تعلم مذ خلق الله
الدنيا كم قطرة نزلت من السماء الى الأرض؟
فقال : يا رسول الله! فوالله الذي بعثك
بالحقّ الى خلقه غير انّي اعلم كم قطرة نزلت من السماء الى الأرض اعلم تفصيلاً كم
قطرة نزلت على البحر ، وكم قطرة نزلت في الرن وكم قطرة نزلت في العمران ، وكم قطرة
نزلت في البستان ، وكم قطرة
نزلت في السبخة ،
وكم قطرة نزلت في القبور.
فقال رسول الله 9 : فتعجبت من حفظه وتذكره حسابه.
فقال : يارسول الله! حساب لا أقدر عليه
بما عندي من الحفظ والتذكر والأيدي والأصابع.
فقال : أي حساب هو؟ فقال : قوم من امتك
يحضرون مجمعاً فيذكر فيه اسمك عندهم فيصلون عليك فأنا لا أقدر على حصر ثوابهم » .
* التاسع : روى الشيخ الكليني في ذيل
هذه الصلوات التي تقرأ عصر يوم الجمعة :
( اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد
الاوصياء المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك والسلام عليه وعليهم
ورحمة الله وبركاته ).
انّ مَن قالها سبع مرّات ردّ الله عليه
من كل عبد حسنة ، وكان عمله في ذلك اليوم مقبولاً ، وجاء يوم القيامة وبين عينيه
نورٌ) .
* العاشر : وروي : ( مَن قال بعد صلاة
الفجر ، وبعد صلاة الظهر اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجل فرجهم ، لم يمت
حتّى يدرك القائم من آل محمّد : )
.
و
أما الروايات التي وردت في حُسن الخُلق
*الرواية الاُولى : روي عن انس بن مالك
انّه قال :
« كنت مع النبي 9 ، وعليه برد غليظ الحاشية ، فجبذه
اعرابي بردائه جبذة شديدة حتّى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه 9 ثمّ قال :
يا محمّد احمل لي على بعيري هذين من مال
الله الذين عندك ، فانّك لا تحمل لي من مالك ولا مال أبيك.
فسكت النبي 9 ، ثمّ قال المال مال الله ، وأنا عبده.
ثمّ قال : ويقاد منك يا اعرابي ما فعلت
بي.
قال : لا. قال : ولم؟
قال : لانّك لا تكافئ بالسيئة السيئة.
فضحك النبي 9 ثمّ أمر أن يحمل له على بعير شعير ،
وعلى الآخر تمر .
يقول المؤلّف : انّ ذكري لهذه الروايات في هذا المقام انّما هو للتبرك والتيمن
وليس لبيان حسن خلق الرسول الأكرم 9
، أو أئمة الهدى : ،
وذلك لانّ الذي يذكّر الله تعالى في القرآن الكريم بخلقه العظيم ، ويكتب علماء
القريقين كتباً في سيرته وخصاله الحميدة ومع ذلك فلم يحصوا معشار عشره .. حينئذٍ
فما اكتبه هنا في هذا الباب انّما يعدّ تسامحاً.
ولقد أجاد من قال :
محمدٌ سيد الكونين والثقلين
|
|
والفريقين من عرب ومن عجمِ
|
فاق النبيين في خلق وفى خلقٍ ٌ
|
|
ولم يدانوه في علم ولا كرمِ
|
وكلهم من رسول الله ملتمس
|
|
غرفاً من البحر أو رشفامن الدّيمِ
|
وهو الذي تم معناه وصورتُهُ
|
|
ثمّ اصطفاه حبيباً بارئُ النسم
|
منزهٌ عن شريكٍ في محاسنهِ
|
|
فجوهر الحسن فيه غيرُ منقسمِ
|
فمبلغ العلم فيه انّه بشٌر
|
|
وانّه خير خلق الله كلهم
|
* الرواية الثانية : روي عن عصام بن المصطلق انّه قال :
دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي 8 فاعجبني سمته ورواؤه ، وأثار من الحسد
ماكان يخفيه صدري لأبيه من البفض ، فقلت له : أنت ابن أبي تراب؟
فقال : نعم.
فبالغت في شتمه وشتم أبيه ..
فنظر اليّ نظرة عاطف رؤوف ، ثمّ قال :
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله
الرحمن الرحيم.
( خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ
الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ
الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا
فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ
لَا يُقْصِرُونَ )
.
ثمّ قال لي : خفّض عليك ، استغفر الله
لي ولك ، انّك لو استعنتنا لا عناك ، ولو استرفدتنا لرفدناك ، ولو استرشد تنا
لرشدناك.
قال عصام : فتوسم مني الندم على ما فرط
مني.
فقال : ( قَالَ لَا تَثْرِيبَ
عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )
أمن أهل الشام أنت؟
قلت : نعم.
فقال : ( شنشنة اعرفها من اخزم ) حيّانا الله وايّاك ، انبسط إلينا في
حوائجك ،
وما يعرض لك تجدني
عند أفضل ظنّك إن شاء الله تعالى.
قال عصام : فضاقت عليّ الأرض بما رحبت
وودتُ لو ساخت بي ، ثمّ سللتُ منه لواذاً
وما على الأرض أحبّ إليّ منه ومن أبيه .
يقول المؤلّف : يقل صاحب الكشاف في ذيل
الآية الشريفة : ( لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ )
التي تمثل بها سيّد الشهداء رواية في حسن خلق يوسف الصديق ، من المناسب ذكرها هنا
، والرواية هي :
(انّ اخوته لما عرفوه وارسلوا إليه :
انّك تدعونا الى طعامك بكرةً وعشياً ، ونحن نستحي منك لما فرط منا فيك.
فقال يوسف : انّ أهل مصر وإن ملكتُ فيهم
، فانّهم ينظرون اليّ بالعين الاُولى ويقولون سبحان من بلغ عبداً بيع بعشرين
درهماً ما بلغ ، ولقد شرفت الآن بكم وعظمت في العيون حيث علم الناس أنّكم اخوتي
وانّي من حفدة ابراهيم .
* وروي أيضاً انّه لما اجتمع يعقوب مع
يوسف 8 قال :
« يا بني حدثني بخبرك؟
فقال له : يا ابت لا تسألني عمّا فعل بي
اخوتي ، واسألني عمّا فعل الله بي » .
* الرواية الثالثة : روى الشيخ المفيد
وغيره :
« انّ رجلاً من ولد عمر بن الخطاب كان
بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى 7
، ويسبه اذا رآه ، ويشتم علياً فقال بعض حاشيته يوماً : دعنا نقتل هذا
__________________
الفاجر. فنهاهم عن
ذلك أشدّ النهي ، وزجرهم ، وسأل عن العمري ، فذكر انّه يزرع بناحية من نواحي
المدينة ، فركب إليه ، فوجده في مزرعة له ، فدخل المزرعة بحماره ، فصاح به العمري
: لا توطئ زرعنا.
فتوطاه 7
بالحمار حتّى وصل إليه ، ونزل ، وجلس عنده ، وباسطه وضاحكه وقال له : « كم غرمت
على زرعك هذا؟
قال : مائة دينار.
قال : فكم ترجو أن تصيب؟
قال : لست أعلم الغيب.
قال له : انّما قلت : كم ترجو أن يجيئك
فيه؟
قال : ارجو أن يجيء مائتا دينار.
قال : فاخرج له أبو الحسن 7 صرة فيها ثلاثمائة دينار ، وقال : هذا
زرعك على حاله ، والله يرزقك فيه ما ترجو.
قال : فقام العمري فقبل رأسه ، وسأله أن
يصفح عن فاطه.
فتبسم إليه أبو الحسن ، وانصرف.
قال : وراح الى المسجد ، فوجد العمري
جالساً ، فلمّا نظر إليه ، قال « الله اعلم حيث يجعل رسالته ».
قالك فوثب أصحابه إليه ، فقالوا له : ما
قضيتك قد كنت تقول غير هذا؟!
قال : فقال لهم : قد سمعتم ما قلتُ
الآن.
وجعل يدعو لآبي الحسن 7 فخاصموه وخاصمهم ، فلمّا رجع أبو الحسن
الى داره قال لجلسائه الذين سألوه في قتل العمري : ايّما كان خيراً ، ما أردتم ،
أم ما أردت؟! انّني أصلحت أمره بالمقدار الذين عرفتم وكفيت به شرَّه » .
وأما
الحكايات في حُسن الخُلق
* حكاية :
حكي انّ مالك الأشتر ; كان مجتازاً بسوق وعليه قيسص خام ،
وعمامة منه ، فرآه بعض السوقة فأزرى بزيّه ، فرماه ببندقة تهاوناً به ، فمضى ولم
يلتفت.
فقيل له : ويلك أتعرف لمن رميت؟!
فقال : لا.
فقيل له : هذا مالك صاحب أمير المؤمنين 7.
فاتعد الرجل ، ومضى إليه ، وقد دخل
مسجداً وهو قائم يصلي فلما انفتل انكب الرجل على قدميه يقبلهما.
فقال : ما هذا الأمر؟
فقال : اعتذر إليك بما صنعت.
فقال : لا بأس عليك ، والله ما دخلت
المسجد إلاّ لاستغفر لك .
يقول المؤلّف :
انظر كيف كسب هذا الرجل الأخلاق من أمير
المؤمنين 7 ، فمع انّه
من اُمراء جيش أمير امير المؤمنين ، وكان شجاعاً ، وشديد الشوكة وانّ شجاعته بلغت
درجة بحيث قال ابن أبي الحديد :
(لو انّ انساناً يقسم انّ الله تعالى ما
خلق في العربي ولا في العجم أشجع منه إلاّ استاذه علي بن أبي طالب 7 لمّا خشيت عليه الاثم ، ولله درّ
القائل ، وقد سئل عن الأشتر :
ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام ،
وهزم موته أهل العراق.
وقال أمير المؤمنين 7 في حقه : كان الأشتر لي كما كنت لرسول
الله 9 .
وقال لأصحابه :
« وليت فيكم مثله اثنان ، بل ليت فيكم
مثله واحد يرى في عدوي مثل رأيه » .
وتُعلَم شدة شوكته على الأعداء بالتأمّل
في هذه الأشعار المروية عنه ;
:
بَقيتُ وفري وانحرَفتُ عَنِ العُلى
|
|
وَلَقَيتُ أضيافي بوجه عَبُوسٍ
|
إن لَم اَشُنّ على ابن هِندٍ غارة
|
|
لَم تُخلِ يوماً مِن نِهابِ نُفُوسٍ
|
خَيلاً كاَمثالِ السَّعالى شُزَّباً
|
|
تَغدو بِبيضٍ في الكَريهَةِ شُوسٍ
|
حَمِىَ الحَديدُ علَيهِمُ فَكاَنَّهُ
|
|
وَمضانُ بَرقٍ أو شعاع شُمُوسٍ
|
وبالجملة فمع هذه الجلالة والشجاعة
والشدة والشوكة يصل به حسن خلقه الى أن يهينه رجل سوقي ويستهزئ به ، فلا يظهر في
جاله أي تغيير وتبدل ، بل يذهب لاى المسجد ويصلي ، ويدعو ويستغفر له.
واذا تلاحظ جيداً فانّ هذه الشجاعة التي
عنده وغلبه هوى أعلى مرتبة من شجاعة البدنية ، قال أمير المؤمنين 7 :
« أشجع الناس من غلب هواه » .
* حكاية :
نقل الشيخ المرحوم في خاتمة المستدر في
ترجمة سلطان العلماء والمحقّقين وأفضل الحكماء والمتكلمين ، والوزير الأعظم ،
استاذ مَن تأخر وتقدم ، ذي الفيض القدسي ، حضرة الخواجة نصير الطوسي 5 :
انّ ورقة حضرت إليه من شخص ، من جملة ما
فيها : ياكلب ابن الكلب.
(فكان الجواب أما قوله : ياكذا ، فليس
بصحيح لأن الكلب من ذوات الأربع ، وهو نابح ، طويل الأظفار.
وأما أنا فمنتصب القامة ، بادي البشرة ،
عريض الأظفار ، ناطق ، ضاحك فهذه الفصول والخواص غير الفصول والخواص) .
وبهذا النحو أجاب ورقته ، وأرداه في
غياهب جب مهانته.
يقول المؤلّف : انّ هذا الخلق الشريف من
المحقق الجليل ليس ببدع ممّن قال في حقّه آية الله العلاّمة الحلي رضوان الله عليه
:
( وكان هذا الشيخ أفضل أهل عصره في
العلوم العقلية والنقلية ، وله مصنفات كثيرة في العلوم الحكمية والأحكام الشريعة
على مذهب الامامية وكان أشرف
مَن شاهدناه في
الأخلاق نور الله مضجعه ) .
يقول هذا الفقير : من المناسب هنا
الاستشهاد بهذا الشعر :
هر بوى كه از مشگ
وقر نفل شنوى
كل طيب شممته من
المسك والقر نفل
از دولت آن زلف چو
سنبل شنوى
فانما ومن اريج تلك
الغرة التي هي كالسنبل
وقد تعلم الخواجة
هذا الخلق لعمله بارشادات وتوجيهات الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم. ألَم تسمع
انّ أمير المؤمني 7
سنمع رجلاً يشتم قنبراً وقد رام قنبر أن يرد عليه. فناداه أمير المؤمنين 7 مهلاً ياقنبراً! دع شاتمك مهاناً ترضي
الرحمان ، وتسخط الشيطان وتعاقب عدوك ، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أرضى
المؤمن ربّه بمثل الحلم ، ولا اسخط الشيطان بمثل الصمت ، ولا عوقب الأحمق بمثل
السكوت عنه .
وبالجملة فانّ
المخالف والمؤالف مدحوا الخواجة واثنوا عليه ، قال جرجي زيدان في (آداب اللغة
العربية) في ترجمته :
( انّه قد جمع في خزانة كتبه ما ينوف
على اربعمائة ألف مجلّدن وانّه أقام المنجمين والفلاسفة ، ووقف عليهم الاوقلغ ،
فزهى العلم في بلاد المغول على يد هذا الفارس كأنه قبة منيرة في ظلمة مدلهمة ).
وقد ترجمت لهذا العظيم في كتاب الفوائد
الرضوية في تراجم علماء الامامية) بمقدار ما يناسب ذلك الكتاب.
وانّ اصله من ( وشاره ) مِن ناحية ( جهرود
) عشرة فراسخ من قم ، ولكن ولادته المباركة كانت في طوس في الحادي عشر من جمادي
الاُولى سنة ٥٩٧ ( خمسمائة وسبعة وتسعين ).
وكانت وفاته في آخر يوم الاثنين السابع
عشر من ذي الحجّة سنة ٦٧٢ في بقعة الكاظمية المنورة سلام الله على ساكِنَيها ،
ودفن هناك وكتب على لوح مزاره ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ).
وقد نظم بعضهم تاريخ وفاته وقال :
نصير ملّت ودين بادشاه كشور فضل
|
|
يگانه اي كه چه او مادر زمانه نزاد
|
به سال ششصد وهفتاد ودوبه ذي الحجة
|
|
به روز هيجدهم در گذشت در بغداد
|
يعني : نصير الملة والدين ملك دولة
الفصل ، ووحيد ام الزمان الذي ولد فيه. توفي بغداد سنة اثنين وسبعين وستمائة في
اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة.
*حكاية :
نقل انّه في أتحد الأيّام التي كان شيخ
لافقهاء العظام المرحوم الحاجّ الشيخ جعفر خاحب ( كشف الغطاء ) موجوداً في ( اصفهان
) انّه قسم مرّة حقوقاً شرعية على الفقراء قبل شروعه بالصلاة.
فعند انتهائه من تلك الصلاة ، وقيامه
للصلاة الاُخرى جاءَه أحد السادات الفقراء ـ الذين اخبروا بالأمر ـ بين الصلاتين ،
وقال له : اعطني من مال جدي.
فقال له : لقد جئت متأخراً ، ولا يوجد
عندي الآن شيء لا عطيك منه.
فغضب ذلك السيّد ، وبصق على لحية الشيخ
المباركة.
فقام الشيخ من المحراب ، ورفع طرف ردائه
وأخذ يدور في صفوف الجماعة
وهو يقول :
( من كان يحترم شيبة الشيخ فليساعد هذا
السيّد ).
فملأ الناس طرف ثوبه بالأموال ، ثمّ
اعطاها الشيخ للسيّد.
وبعد ذلك توجه لصلاة العصر.
فتأمّل ف يهذا الخلق الشريف بأي محل بلغ
العظيم الذي كان رئيساً للمسلمين ، وحجّة الاسلام ، وفقيه أهل البيت : وقد وصلت فقاهته الى درجة بحيث انّه
ألَّف كتاب (كشف الغطاء) في السفر ، ونقل عنه أنه كان يقول :
لو مسحتم كل الكتب الفقهية فانّي استطيع
أن اكتب من الطهارة الى الديات.
وكان جميع أولاده فقهاءاً وعلماءاً
اجلة.
يقول شيخنا ثقة الاسلام النوري رحمة
الله عليه في أحواله :
(وان تأملت في مواظبته للسنن والآداب
وعباداته ، ومناجاته في الأسحار ، ومخاطبته لنفسه بقوله : كنت جعيفراً ، ثمّ صرت
جعفراً ، ثمّ الشيخ جعفر ، ثمّ شيخ العراق ، ثمّ رئيس الاسلام ، وبكائه تذلله ،
لرايته من الذين وصفهم أمير المؤمنين 7
من أصحابه للأحنف بن قيس)
* يقول الفقير : هذا حديث طويل في ذكر
أوصاف أصحاب قاله للأحنف بعد قتاله أهل الجمل ، ومن جملة فقراته :
(فلو رأيتهم في ليلتهم وقد نامت العيون
وهدأت الأصوات وسكنت الحركات من الطير في الوكور وقد نهتهم هول يوم القيامة والوعيد عن الرقاد كما
قال سبحانه : ( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن
يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ )
فاستيقظوا لها فزعين ، وقاموا الى صلاتهم معوّلين باكين تارة واُخرى مسبّحين يبكون
في محاريبهم ويرنّون
، يصطفون ليلةً مظلمة بهماء يبكون ، فلو رأيتهم يا أحنف في ليلتهم قياماً على
أطرافهم محنيةً
ظهورهم يتلون أجزاء القرآن لصلاتهم ، قد اشتدت أعوالهم ونحيبهم وزفيرهم ، اذا
زفروا خِلتَ النار قد أخذت منهم الى حلاقيمهم ، واذا أعولوا حسبت السلاسل قد صفّدت
في اعناقهم ، فلو رأنتهم في نهارهم اذن لرأيت قوماً ( يَمْشُونَ عَلَى
الْأَرْضِ هَوْنًا )
ويقولون
للناس حسناً ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا
سَلَامًا ) ، ( وَإِذَا مَرُّوا
بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا )
قد قيدوا
أقدامهم من التهمات ، وابكموا السنتهم أن يتكلموا في أعراض الناس ، وسجّموا
أسماعهم أن يلجها خوض خائض ، وكحلوا أبصارهم بغض البصر عن المعاصي ، وانتحوا دار
السلام التي من دخلها كان آمناً من الريب والأحزان)
* أقول : ويناسب هنا نقل كلام من راهب
عظيم الشأن وهو مانقل عن قثم الزاهد قال : رأيت راهباً على باب بيت المقدسس
كالواله فقلتُ له أوصني فقال : كن كرجل احتوشته الشباع فهو خائفٌ مذعورٌ يخافُ أن
يسهو فتفترسه ويلهو فتنهشهُ ، فليله ليل مخافة اذا أمن فيه المفترون ، ونهاره نهار
حزن اذا فرح البطالون).
ثمّ انّه ولى وتركني فقلت له : زدني.
فقال : إنّ الظمئان يقنع بيسير الماء .
*حكاية :
نقل انّ كافي الكفاة الصاحب بن عباد :
(استدعى في بعض الأيّام شراباً ، فاحضروا
قدحاً ، فلما أراد أن يشربه ، قال بعض خواصه : لا تشربه ، فانّه مسموم.
وكان الغلام الذي ناوله واقفاً.
فقال للمحذّر : ما الشاهد على صحّة
قولك؟
قال : تجربه في الذي ناولك إيّاه.
قال : لا استجيز ذلك ، ولا استحله.
قال : فجربه في دجاجة.
قال : التمثيل بالحيوان لا يجوز.
وردّ القدح ، وأمر بقلبه ، وقال للغلام
انصرف عنّي ، ولا تدخل داري ، وأمر باقرار جارية وجراية عليه ، وقال : لا يدفع
اليقين بالشك ، والعقوبة بقطع الرزق نذالة) .
يقول المؤلّف : الصاحب بن عباد من وزراء
آل بويه ، وكان ملجأً للعامّة والخاصّة ، ومرجعاً للامة والدولة ، ومن بنت شرف
وعزة. وكان في الآداب والفضل والكمال وعلوم العربية اعجوبة الدهر ، ووحيد عصره.
يحكى انّه لمّا جلس للاملاء حضر عنده
خلق كثير ، وكان المستملي الواحد لايقول بالاملاء حتّى انضاف إليه ستة ، كل يبلغ
صاحبه. يعني يوصل كلامه الى الناس .
وكانت كتب اللغة التي عنده تحتاج الى
ستين جَمَلاً لنقلها.
وكانت للعلويين ، والسادة والعلماء ،
والفضلاء عنده محل منيع ، ومرتبة رفيعة. وكان يدعو للعلماء ويشجعهم على التصنيف
والتأليف.
وقد ألف لأجله الشيخ الفاضل الخبير ،
والماهر الحسن بن محمّد القمّي (تاريخ قم).
كما صنف لأحله الشيخ الأجل رئيس
المحدّثين الصدوق رحمة الله عليه كتاب (عيون أخبار الرضا).
وجمع من أجله الثعالبي (يتيمة الدهر).
وانّ كثرة احسانه ، وافضاله على الفقهاء
، والعلماء ، والسادات ، والشعراء ، معروفة.
وكان يرسل في كل سنة خمسة آلاف أشرفي
الى بغداد الى العلماء هناك.
وكان لا يدخل عليه في شهر رمضان بعد
العصر أحدٌ كائناً من كان ، فيخرج من داره إلاّ بعد الافطار عنده.
وكانت داره لا تخلو في ليلة من ليالي شهر
رمضان من ألف نفس مفطرة فيها.
وكانت صلاته وصدقاته ، وقرباته في هذا
الشهر تبلغ مبلغ ما يطلق منها في جميع شهور السنة.
وقد انشد أشعاراً كثيرةً في مناقب أمير
المؤمنين 7 ومثالب
اعدائه.
وكانت وفاته في ٢٤ صفر سنة ٣٨٥ في الري.
وحملت جنازته الى اصفهان وقبره مزار معروف
في اصفهان.
* * *
من
مواقف القيامة المهولة
موقف الحساب
قال الله تعالى في سورة الانبياء :
( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ
حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ) .
وقال
تعالى في سورة الطلاق :
( وَكَأَيِّن مِّن
قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا
شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا
وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا
فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) .
ومن المناسب أن نذكر عدّة من الأخبار
تبركاً :
* الأول : روى الشيخ الصدوق رحمة الله
عليه : قال رسول الله 9
:
(لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى
يسأل عن أربع :
عن عمره فيما أفناه.
وشبابه فيما أبلاه.
وعن ماله من أين كسبه ، وفيما انفقه.
وعن حبنا أهل البيت) .
* الثاني : روى الشيخ الطوسي ; عن الامام محمّد الباقر 7 انّه قالك
(أول ما يحاسب به العبد الصلاة ، فان
قبلت قبل ما سواها) .
* الثالث : روى الشيخ الصدوق عن أحدهما 8 ، قال :
(يؤتى يوم القيامة بصاحب الدَّين يشكو
الوحشة فإن كانت له حسنات أخذَ منها لصاحب الدَّين ... وإن لم تكن له حسنات اُلقي
عليه من سيئات صاحب الدَّين .
* الرابع : روى الشيخ الكليني عن الامام
علي بن الحسين 7
:
(انّ أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين
ونَشرُ الدواوين لأهل الاسلام) .
* الخامس : روى الشيخ الصدوق عن الامام
الصادق 7 :
« اذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان
للحساب كلا هما من أهل الجنة : فقير في الدنيا ، وغني في الدنيا.
فيقول الفقير : يا ربّ على ما اوقف ،
فوعزتك انّك لتعلم انّك لم تولني ولاية فأعدل فيها أو أجور ، ولم ترزقني مالاً
فاؤدي منه حقاً أو امنع ، ولا كان رزقي يأتيني منها إلاّ كفافاً على ما علمت وقدرت
لي.
فيقول الله جلّ جلاله : صدق عبدي خلوّا
عنه يدخل الجنة.
ويبقى الآخر حتّى يسيل منه العرق مالو
شربه أربعون بعيراً لكفاها ، لم يدخل الجنة.
فيقول له الفقير : ما حبسك؟
__________________
فيقول : طول الحساب. مازال الشيء يجيئني
بعد الشيء يغفر لي ، ثمّ اسأل عن شيء آخر حتّى تغمدني الله عزّوجلّ برحمته ،
والحقني بالتائبين.
فمن أنت؟
فيقول : أنا الفقير الذي كنت معك آنفاً.
* السادس : روى الشيخ الطوسي عنه 7 :
(اذا كان يوم القيامة وكّلنا الله بحساب
شيعتنا. فما كان لله سألنا الله أن يهبه لنا فهو لهم. وما كان لنا فهو لهم ، ثمّ
قرأ 7) :
( إِنَّ إِلَيْنَا
إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم )
.
* السابع : روى الشيخ الكليني عن الامام
محمّد الباقر 7
: (انّما يداقّ الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في
الدنيا) .
*حكاية :
نقل عن خط الشيخ الشهيد عليه الرحمة :
قال أحمد بن أبي الجواري : تمنّيت أن
أرى أبا سليمان الداراني
في المنام فرأيته بعد سنة ، فقلت له يا معلم! مافعل الله بك؟
فقال : يا أحمد جئت من باب الصغير فلقيت
وسق شيح
، وأخذت منه عوداً ما أدري تخللت به ، أورميت به ، فأنا في حسابه مذ سنة الى هذه
الغاية .
يقول المؤلّف : لا استبعاد في هذه
الحكاية ، بل تصدقها الآية الشريفة :
( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا
إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي
السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ) .
وكذلك قول أمير المؤمنين 7 في احدى خطبه :
« أليست النفوس عن مثقال حبّة من خردل
مسؤولة؟!! .
وكتب في رسالة الى محمّد بن أبي بكر قال
:
« واعلموا عباد الله انّ الله عزّوجلّ
سائلكم عن الصغير من عملكم والكبير » .
وفي رسالة الى ابن عباس قال :
« أما تخاف نقاش الحساب » .
واصل امناقشة من (نقش الشوكة) يعني
اخراج الشوكة.
ويعني كما انّك تأخذ كمال الدقة والتفحص
والمهارة في اخراج الشوكة من البدن فكذلك دقق في الحساب وتمهر فيه واعلم انّه قال
بعض المحققين : انّه لا تحصل النجاة من خطر الميزان والحساب إلاّ اذا حاسب الانسان
نفسه في الدنيا ووزن أعماله وأقواله وخطراته ولحظاته بميزان الشرع ـ كما ورد في
الخبر ـ حيث قال : « زنوا أنفسكم من قبل أن توزنوا ، وحاسبوها من قبل أن تحاسبوا »
.
* حكاية :
نقل عن أحد الأشخاص يقال له (توبة بن
صمة) انّه كان يحاسب نفسه في أكثر أوقال الليل والنهار ، وفي أحد الأيّام حاسب
نفسه عن ما مضى من أيّام عمره ، وكان قد مضى من عمره ستون سنة.
فحسب أيّامها فرأى انذها تصير (واحد
وعشرون ألف وخمسمائه يوم).
فقال : الويل لي إذا لاقيت مالكاً بواحد
وعشرين ألف وخمسمائه ذنب!
فعندما قال ذلك اُغمي عليه ، ومات في
اغمائه ذلك.
يقول الفقير : روي ان رسول الله 9 نزل بأرض قرعاء ، فقال لأصحاب : ائتونا
بحطب.
فقالوا : يا رسول الله نحن بأرض قرعاء
مالها من حطب. قال : فليأت كل انسان بما قدر عليه.
فجاؤوا به حتّى رموا بين يديه بعضه على
بعض.
فقال رسول الله 9 : هكذا تحتمع الذنوب .
فمن المعلوم انّه كان المقصود من أمره
بذلك 9 باحضار
الحطب هو أن يلفت الأصحاب الى هذه الحقيقة. فكما انّ تلك الصحراء التي كانوا
يحسبونها خالية من الحطب ولم يكن في بالهم انّهم لو فتشوا عنه وجدوه ، فكذلك
الذنوب ، فلو فتش الانسان وحاسب نفسه فسوف يجمع ذنوباً كثيرة ، كما أنّ (توبة بن صمة)
عند ما افترض انّه أذيب في كل يوم من أيّام عمره ذنباً واحداً ، فقد جمع انّه قد
صدر منه واحد وعشرون ألفاً وخمسمائة ذنب.
* * *
من
مواقف القيامة المهولة
نَشر الصحف
كما قال تعالى في أوصاف القيامة :
( وَإِذَا الصُّحُفُ
نُشِرَتْ ) .
وقال
الله تعالى في سورة الانشقاق :
( فَأَمَّا مَنْ
أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ
إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ
ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا ) .
* روى العياشي عن الامام الصادق 7 انّه قال :
اذا كان يوم القيامةدفع الى الانسان
كتابه ، ثمّ قيل له اقرأه.
قلت
: فيعرف ما فيه؟
فقال : انّه يذكره ، فما من لحظة ولا
كلمة ولا نقل قدم ولا نقل قدم ولا شيء فعله الاّ ذكره ، كأنه فعله تلك الساعة ،
فلذلك قالوا :
(يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر
صغيرة ولا كبيرة الاّ احصاها)
* وروى ابن قولويه عن الامام الصادق 7 قال :
( من زار قبر الحسين 7 في شهر رمضان ومات في الطريق لم يعرض
ولم يحاسب. ويقام له : ادخل الجنة آمناً ) .
* وقال العلاّمة المجلسي ; في التحفة :
روي بسندين معتبرين عن الامام الرضا 7 انّه قال :
« مَن زارني على بعد داري أتيته يوم
القيامة في ثلاث مواطن حتّى اخلصه من أهوالها :
اذا تطايرت الكتب يميناً وشمالاً.
وعند الصراط.
وعند الميزان) .
* وقال في (حق اليقين) : روى الحسين بن
سعيد ف يكتاب (الزهد) عن الامام الصادق 7
قال :
« انّ الله تبارك وتعالى اذا أراد أن
يحاسب المؤمن اعطاه كتابه بيمينه وحاسبه فيما بينه وبينه ، فيقول : عبدي فعلت كذا
وكذا ، وعملت كذا وكذا؟
فيقول : نعم يا رب قد فعلت ذلك.
فيقول : قد غفر تها لك ، وأبدلتها حسنات.
فيقول الناس : سبحان الله ، أما كان
لهذا العبد سيئة واحدة؟!!
وهو قول اله عزّوجلّ :
( فَأَمَّا مَنْ
أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ
إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا ).
قلت : أي أهل؟
قال : أهله في الدنيا هم أهله في الجنة
إن كانوا مؤمنين.
قال : واذا أراد بعبد شراً حاسبه على
رؤوس الناس وبكته ، واعطاه كتابه بشماله. وهو قول اله عزّوجلّ :
( وَأَمَّا مَنْ
أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * إِنَّهُ كَانَ
فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا ).
قلت : أي أهل؟
قال : أهله في الدنيا.
قلت قوله : (انّه ظنّ ان لن يحور).
قال : ظنّ انّه لن يرجع.) .
وهذه اشارة الى انّ المنافقين والكفار
تغلّ أيديهم ، ويعطون كتبهم من وراء رؤوسهم الى شمالهم ، وقد اشير الى هابين
الحالتين في أدعية الوضوء عند غسل اليدين :
(اللهمّ اعطني كتابي بيميني والخلد في
الجنان بيساري وحاسبني حساباً يسيراً).
و ( اللّهمّ لا تعطني كتابي بشمالي ولا
من وراء ظهري ، ولا تجعلها مغلولة الى عنقي) انتهى.
يقول المؤلّف : رأيت من المناسب في هذا
المقام أن نتبرك بذكر رواية نقلها
السيّد ابن طاووس
رضوان الله عليه انّه : (كان علي بن الحسين 8
اذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبداً له ولا امةً.
وكان
اذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده : (أذنَبَ فُلانٌ. أذنَبَت فلانة يوم كذا وكذا)
ولم يعاقبه. فيجتمع عليهم الادب ، حتّى اذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم
وجمعهم حوله ، ثمّ أظهر الكتاب ، ثمّ قال يا فلا فعلت كذا وكذا ، ولم أُؤدّبك
اتذكر ذلك؟
فيقول : بلى يابن رسول الله.
حتّى يأتي على آخرهم ، فيقورهم جميعاً ،
ثمّ يقوم وسطهم ، ويقول لهم : ارفعوا أصواتكم ، وقولوا : يا علي بن الحسين انّ ربك
قد أحصى عليك كلما عملت ، كما أحصيت علينا كلما عملنا ، ولديه كتاب ينطق عليك
بالحقّ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة مما أتيت إلاّ أحصاها ، وتجد كلما عملت لديه
حاضراً كما وجدنا كلما عملنا لديك حاضراً ، فاعف عنا تجده عفوّاً ، ربّك رحيماً ،
ولك غفوراً ، ولا يظلم ربك أحاً ، كما لديك بك كتاب ينطق علينا بالحقّ لا يغادر
صغيرةً ولا كبيرة مما اتيناها إلاّ احصاها ، فاذكر يا علي بن الحسين ذلّ مقامك بين
يدي ربّك الحكم العدل الذي لا يظلم مثقال حبّة من خردل ، ويأتي بها يوم القيامة ،
وكفى بالله حسيباً وشهيداً ، فاعف واصفح يعفو عنك المليك ويصفح ، فانّه يقول : (
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
.
قال : وهو ينادي بذلك على نفسه ،
ويلقنهم ، وهم ينادون معه ، ينادون معه ، وهو واقف بينهم يبكي وينوح ويقول : ربّ
انّك أمرتنا أن نعفو عمّن ظلمنا فقد ظلمنا انفسنا ، فنحن قد عفونا عمّن ظلمنا كما
امرت ، فاعف عنّا فانّك أولى بذلك منّا ومن المأمورين ، وأمرتنا أن لا نردّ سائلاً
عن أبوابنا وقد اتيناك سؤّالاً ومساكين ، وقد أنخنا بفنائك وببابك نطلب نائلك
ومعروفك وعطاءك فامنن بذلك علينا ولا تخيبنا فانّك
أولى بذلك منّا ومن
المأمورين ،
الهي كرمتُ فاكرمني اذ كنت من سؤّالك ،
وجدتُ بالمعروف فاخلطني بأهل نوالك ياكريم.
ثمّ يقبل عليهم ، فيقول : قد عفوتُ عنكم
، فهل غفوتم عني ، ومماكان مني إليكم من سوء ملكة ، فانّني مليك سوء لئيم ظالم
مملوك لمليك كريم جواد عادل محسن متفضل؟
فيقول : قد غفونا عنك يا سيدنا ، وما
أسأت.
فيقول لهم : قولوا : اللهمّ اعف عن علي
بن الحسين كما عفا عنا ، واعتقه من انار كما اعتق رقابنامن الرق.
فيقولون ذلك.
فيقول : اللّهمّ آمين لابّ العالمين.
اذهبوا فقد غفوت عنكم ، واعتقت رقابكم رجاءاً للعفو عني ، وعتق رقبتي. فيعتقهم.
فإذا كان يوم الفطر اجازهم بجوائز
تصونهم وتغنيهم عماّ في أيدي الناس.
وما من سنة إلاّ وكان يعتق فيها في آخر
ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين رأساً الى أقل أو أكثر ، وكان يقول :
انّ لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان
عند الافطار سبعين ألف ألف عتيق من النار كلاً قد استوجب النار ، فإذا كان آخر
ليلة من شهر رمضان اعتق فيها مثل ما اعتق في جميعه ، وانّي لأحب أن يراني الله وقد
اعتقت رقاباً في ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار) .
* * *
من
معابر الآخرة المَهُولة
الصراط
من موارد الآخرة المَهولة
الصراط
وهو
جسر ينصب على جهنم ، ولا يدخل أحدٌ الجنة إلاّ بالمرور عليه. وقد ورد في الروايات
انّه أدق من اشعرة من وأحَدُّ من السيف .
وأشدّ حرارة من النار وانّ المؤمنين الخلّص يمرون عليه بسهولة جداً كالبرق الخاطف . وأنّ البعض
يمر بصعوبة فأما
ينجو وأما يسقط في قعر جهنم .
وهو في الآخرة مثال الصراط المستقيم في
الدنيا الذي هو دين الحقّ وطريق ولاية ومتابعة أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من
ذريته صلوات الله عليهم أجمعين .
__________________
ومن عدل عن هذا الصراط ومال الى الباطل
بالقول أو العمل فانّه يزل من هذه العقبة
من صراط الآخرة ويسقط في جهنم.
و (والصراط المستقيم) في سورة الحمد
إشارة الى الاثنين .
__________________
7 من الطرفين.
* ونقل العلاّمة المجلسي ( رحمة الله
عليه ) في حقّ اليقين عن كتاب عقائد الشيخ الصدوق ;
انّه قال :
اعتقادنا في العقابات التي على المحشر
أن كل عقبة منها اسمها اسم فرض وأمر ونهي ، فمتى انتهى الانسان الى عقبة اسمها فرض
، وكان قد قصّر في ذلك الفرض حبس عندها وطولب بحقّ الله فيها ، فان خرج منها بعمل
صالح قدّمه ، أو برحمة تداركه ، نجا منها الى عقبة اُخرى ، فلا يزال يدفع من عقبة
الى عقبة ، ويحبس عند كل عقبة ، فيسأل عما قصّر فيها من معنى اسمها ، فإن سلم من
جميعها انتهى الى دار البقاء فيحيا حياةً لاموت فيها أبداً ، وسعد سعادة لا شقاوة
معها أبداً وسكن في جوار الله مع انبيائه وحججه والخديقين والشهداء والصالحين من
عباده.
وإن حبس على عقبة فطولب بحق قصّر فيه
فلم ينجه عمل صالح قدمه ، ولا أدركته من الله عزّوجلّ رحمة زلت به قدمه عن العقبة
فهوى في جهنم نعوذبالله منها.
وهذه
العقبات كلها على الصراط. اسم عقبة منها الولاية. يوقف جميع الخلائق عندها ،
فيسألون عن ولاية أمير المؤمنين والأئمة من بعده : ،
فمن أتى بها نجا وجاز ، ومن لم يأت بها بقي فهوى ، وذلك قول الله عز وجلّ ( إِنَّ
رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ )
.
ويقول عزّ جلّ ( وعزتي وجلالي لا يجوزني
ظلم ظالم ) .
__________________
واسم عقبة منها الرحم ، واسم عقبة منها
الأمانة ، واسم عقبة منها الصلاة ، وباسم كل فرض ، أو أمر ، أو نهي عقبة يحبس
عندها العبد فيسأل) .
* وروي عن الامام محمّد الباقر 7 قال :
لما نزلت هذه الآية ( وَجِيءَ
يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ )
سئل رسول الله 9
فقال : بذلك أخبرني الروح الأمين أنّ الله لا اله غيره اذا ابرز الخلائق وجمع
الأولين والآخرين اُتي بجهنم تقاد بألف زمام مع كل زمام مائة ألف ملك من الغلاظ
الشداد لها هدة وغضب وزفيز وشهيق وانّها لتزفر الزفرة فلولا انّ الله أخّرهم
للحساب لاهلكت الجميع.
ثمّ يخرج منها عنق ، فيحيط بالخلائق البر
منهم والفاجر ، فما خلق الله عبداً من عباد الله ملكاً ولا نبياً الاّ ينادي نفسي
نفسي ، وأنت يانبي الله تنادي امتي امتي.
ثمّ يوضع عليها الصراط من حد السيف ،
عليها ثلاث قناطر : فأما واحدة فعليها الأمانة والحم ، والثانية فعليها الصلاة ،
وأما الثالثة قناطر : فأما واحدة فعليها الأمانة والرحم ، والثانية فعليها الصلاة
، وأما الثالثة فعليها عدل ربّ العالمين لا اله غيره ، فيكون بالممر عليها ،
فيحبسهم الرحم والأمانة ، فإن نجوا منهما جستهم الصلاة فإن نجوا منها كان المنتهى
الى رب العالمين وهو قوله ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ
).
والناس على الصراط : فمتعلق بيد ، وتزول
قدم ، ومستمسك بقدم ، والملائكة وحوالها ينادون :
يا حليم اعف ، واصفح ، وعد بفضلك وسلم
وسلم.
والناس يتهافتون في النار كالفراش فيها
، فإذا نجاناج برحمة الله مرّبها فقال : الحمد لله وبنعمته تتم الصالحات ، تزكو
الحسنات ، والحمد لله الذي نجاني منك بعد اليأس بمنّه وفضله انّ ربّنا لغفور شكور .
* وروى الثقة الجليل الحسين بن سعيد
الاهوازي عن الامام محمّد الباقر 7
:
اتى
أباذر رجلٌ ، فبشره بغنم له قد ولدت ، فقال : يا أباذر ابشر ولدت غنمك وكثرت.
فقال : ما يسرني كثرتها ، فما أحب ذلك ،
فما قلّ منها وكفى أحبّ اليّ مما كثر والهى ، انّي سمعت رسول الله 9 يقول : « على حافتي الصراط بوم القيامة
الرحم والأمانة فإذا مرّ عليه الموصل للرحم والمؤدي للأمانةلم يتكفّأبه في النار »
.
* وفي رواية اُخرى : واذا مرّ الخائن
للأمانة ، والقطوع للرحم لم ينفعه معها عمل ، ويكفأ به الصراط في النار .
*حكاية :
نقل السيّد الأجل الأكمل المؤيد
العلاّمة النحرير بهاء الدين السيّد علي ابن السيّد عبد الكريم النيلي النجفي ـ
صاحب المنزلة والشأن العظيم والمناقب التي لا تحصى ، وهو تلميذ الشيخ الشهيد ،
وفخر المحققين ـ في كتاب الأنوار المضيئة في أبواب فضائل أمير المؤمنين 7 بمناسبة قال : حكاية عجيبة حكاها والدي
; تعالى
ووافقه عليها جماعة أصحابنا أن رجل كان يقال له محمّد بن أبي أذينة كان تولى مسبحة
(مسجدظ) قرية لنا تسمّى قرية نيلة انقطع يوماً في بيته فاستحضروه فلم يتمكن من
الحضور فسألوه عن السبب ، فكشف لهم عن بدنه
فإذا هو الى وسطه ما
عدا جانبي وركيه الى رفي ركبته محرق بالنار ، وقد أصابه من ذلك ألم شديد لا يمكنه
معه القرار ، فقالوا له : متى حصل لك ذلك؟ قال : اعلموا انّي رأيت في نومي كأن
الساعة قد قامت والناس في حرج عظيم وأكثرهم يساق إلى النار والأقل إلى الجنة ،
وفكنت مع من سيق الى الجنة ، فانتهى بنا المسير الى قنطرة عظيمة في العرض والطول ،
فقيل : هذا الصراط ، فسرنا عليها فإذا هي كلما سلكنا فيها قلّ عرضها وبعد طولها
فلم نبرح كذلك ونحن نسير عليها حتّى عادت كحد السيف ، وإذا تحتها وادٍ عظيم أوسع
ما يكون من الأودية ، تجري فيه نار سوداء يتقلقل فيها جمر كقلل الجبال والناس ما
بين ناج وساقط ، فلم أزل أميل من جهة إلى اُخرى حتّى انتهيت إلى قريب من آخر
القنظرة فلم أتمالك حتّى سقطت مِن عليها ، فخضت في تلك النار حتّى انتهيت إلى
الجرف ، فجعلت كلما اتشبث به لم يتماسك منه شيء في يدي ، والنار تحدرني بقوة
جريانها ، وأنا أستغيث وقد انذهلت وطار عقلي وذهب لبّي فالهمت فقلت يا علي بن أبي
طالب ، فنظرت فإذا رجل واقف على شفير الوادي ، فوقع في روعي أنّه الامام علي 7 ، فقلت : ياسيدي يا أمير المؤمنين :
فقال : هات يدك.
فمددت يدي ، فقبض عليها ، وجذبني ،
وألقاني على الجرف ، ثمّ أماط النار عن وركي بيده الشريفة فانتبهت مرعوباً وأنا
ترون فإذا هو لم يسلم من النار إلاّمامسه الإمام 7
، ثمّ مكث في منزله ثلاثة أشهر يداوي ما أحرق منه بالمراهم حتّى يرئ ، وكان بعد
ذلك قلّ أن يذكر هذه الحكاية لأحد الاّ اصابته الحمى .
ذكر عدة أعمال
لتسهيل المرور على هذه العقبة
سوى صلة الرحم وأداء الأمانة
التي مضت
* الأول : روى السيّد ابن طاووس في كتاب
(الاقبال) : « من صلّى أول ليلة
من شهر رجب بعد صلاة
المغرب عشرين ركعة بالحمد والتوحيد ، ويسلم بين كل ركعتين ليحفظ في نفسه وأهله
وماله وولده ، واجير من عذاب القبر ، وجاز على الصراط كالبرق الخاطف » ..
* الثاني : روي من صام من رجب ستة أيّام
... بعث من الآمنين يوم القيامة حتّى يمرّ على الصراط بغير حساب .
* الثالث : روى السيّد :
مَن صلّى في الليلة التاسعة والعشرين من
شعبان عشر ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرّة والهاكم التكاثر عشر مرّات ،
والمعوذتين عشر مرّات ، وقل هو الله أحد عشر مرّات اعطاه الله تعالى ثواب
المجتهدين ، وثقل ميزانه ، ويخفف عنه الحساب ، ويمرّ على الصراط كالبرق الخاطف .
* الرابع : مرّ في الفصل السابق من زار
الامام الرضا 7
على بعد قبره الشريف ، فانّه يأتي عنده يوم القيامة في ثلاثة مواطن ليخلصه من
أهوالها ، وانّ أحدها عند الصراط .
* * *
خاتمة
في ذِكر عِدّة
أخبار في شدّة عذاب جهنّم
(أعاذنا الله تعالى منها)
وجملة من قصص الخائفين
وبعض الأمثال من « بلوهر
ويوزاسف »
وغيره ممّا
ينبّه المؤمنين
أما الأخبار
* الأول : روي بسند صحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله 7 قال :
قلت له : يابن رسول الله خوفني فانّ
قلبي قدقسى.
فقال : يا أبا محمّد استعدّ للحياة
الطويلة ، فانّ جبرئيل جاء الى النبي 9
وهو قاطب ، وق كان قبل ذلك يجيء وهو مبتسم ، فقال رسول الله 9 : يا جبرائيل جئتي اليوم قاطباً؟
فقال : يا محمّد قد وُضعت منافخ النار.
فقال : وما منافخ النار يا جبرئيل؟
فقال : يا محمّد انّ الله عزوجلّ أمر
بالنار فنفخ عليها ألف عام حتّى اسودت فهي سوداء مظلمة.
لو انّ قطرة من الضريع قَطَرت في شراب
أهل الدنيا لمات اهلها من نتنها.
ولو انّ حلقة واحدة من السلسلة التي
طولها سبعون ذراعاً وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرّها.
ولو انّ سربالاًَ من سرابيل أهل النار علّق
بين السماء والأرض لمات أهل الدنيا من ريحه.
قال : فبكى رسول الله 9 ، وبكى جبرئيل ، فبعث الله إليها ملكاً
، فقال لهما : انّ ربّكما يقرؤكما السلام ويقول : قد أمنتكما أن تذيبا ذنباً
اعذبكما عليه.
فقال أبو عبد الله 7 : فما رأى رسول الله 9 جبرئيل مبتسماً بعد ذلك ثمّ قال : انّ
أهل النار يعظمون النار وانّ أهل الجنة يعظمون الجنة والنعيم ، وانّ جهنم اذا
دخلوها هووا فيها مسيرة سبعين عاماً ، فإذا بلغوا أعلاها قمعوا بمقامع الحديد ،
والعيدوا في دركها ، فهذا حالهم ، وهو قول الله عزّوجلّ : ( كُلَّمَا
أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ
الْحَرِيقِ ) .
ثمّ تبدل جلودهم غير الجلود التي كانت
عليهم.
قال : أبو عبد الله 7 : حسبك؟
قلت : حسبي ، حسبي .
* الثاني : وروي في حديث عن الامام
الصادق 7 انّ رسول الله 9 قال في خبر المعراج :
... حتّى دخلت سماء الدنيا ، فما لقيني
ملك إلاّ كان ضاحكاً مستبشراً حتّى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقاً منه
كريه المنظرن ظاهر الغضب. فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلاّ انّه لم يضحك ولم
أر فيه من الاستبشار ، وما رأيت ممن ضحك من الملائكة.
فقلت : مَن هذا يا جبرئيل؟ فانّي قد
فزعت.
فقال : يجوز أن تفرع منه ، وكلنا نفزع
منه ، وهذا مالك خازن النار ، لم يضحك
قط ، ولم يزل منذ
ولاّه الله جهنم يزداد كل يوم غضباً وغيظاً على ِأعداء الله وأهل معصيته ، فينتقم
الله به منهم ، ولو ضحك الى أحد قبلك ، أو كان ضاحكاً لأحد بعدك ، لضحك إليك ،
ولكنه لا يضحك.
فسلمت عليه فرضَّ علي السلام ، وبشرني
بالجنة.
فقلت لجبرئيل ـ وجبرئيل بالمكان الذي
وصفه الله ـ ( مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ )
ألا تأمره أن يريني النار؟
فقال له جبرئيل : يا مالك! أر محمّداً
النار.
فكشف عنها غطاءها ، وفتح باباً منها ،
فخرج منها لهب ساطع في السماء ، وفارت فارتعدت حتّى ظننت ليتناولني مما رأيت.
فقلت له : يا جبرائيل! قل له ، فليرد
عليها غطاءها.
فأمرها. فقال لها : ارجعي.
فرجعت الى مكانها الذي خرجت منه .
* الثالثُ : روي بسند معتبر عن الامام
الصادق 7 :
قال : ما خلق الله خلقاً إلاّ جعل له في
الجنة منزلاً ، وفي النار منزلاً ، فإذا سكن أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار؟
نادى مناد : يا أهل الجنة اشرفوا.
فيشرفون على النار ، وترفع لهم منازلهم
في النار.
ثمّ يقال لهم : هذه منازلكم التي لو
عصيثتم ربّكم دخلتموها.
قال : فلو انّ أحداً مات فرحاً ، لمات
أهل الجنة في ذلك اليوم فرحاً لما صرف عنهم من العذاب.
ثمّ ينادي منادٍ يامعشر أهل النار
ارفعوا رؤوسكم ، فانظروا الى منازلكم في الجنة.
فيرفعون رؤوسهم ، فينظرون الى منازلهم
في الجنة ، وما فيها من النعيم.
فيقال لهم : هذه منازلكم التي لو اطعتم
ربّكم دخلتموها.
قال : فلو انّ أحداً مات حزناً لمات أهل
النار ذلك اليوم حزناً.
فيورث هؤلاء منازل هؤلاء ، وهؤلاء منازل
هؤلاء! وذلك قول الله عزّوجلّ : ( يَرِثُونَ
الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
* الرابع : وروي عنه 7 :
ينادي منادٍ من عند الله وذلك بعدما صار
أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار : يا أهل الجنة! ويا أهل النار! هل
تعرفون الموت في صورة من الصور؟
فيقولون : لا.
فيؤتى بالموت في صورة كبش أملح ، فيوقف
بين الجنة والنار ، ثمّ ينادون جميعاً : اشرفوا ، وانظروا الى الموت.
فيشرفون ، ثمّ يأمر الله به فيذبح. ثمّ
يقال : يا أهل الجنة! خلود فلا موت أبداً. ويا أهل النار! خلود فلاموت أبداً. وهو
قوله ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ
الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ )
.
أي قضي على أهل الجنة بالخلود. وعلى أهل
النار بالخلود فيها .
* الخامس : روي عن أمير المؤمنين 7 أنه قال :
وأما أهل المعصية فخلدوا في النار ، وأوثق منهم الاقدام ، وغل
منهم الأيدي الى الاعناق ، وألبس اجسادهم سرابيل القطران ، وقطعت لهم منها مقطعات
من النار ، وهم في عذاب قد اشتد حرّه ، ونار قد اطبق على أهلها ، فلا يفتح عنهم
أبداً ولايدخل عليهم ريح أبداًَ ، ولا ينقضي منهم عمر أبداً ، العذاب أبتداً شديد
، والعقاب أبداً جديد ، لا الدار زائله فتفنى ، ولا آجال القوم تقضى ، ثمّ حكى
نداء أهل النار ، فقال : ( وَنَادَوْا يَا
مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ )
قال : أي نموت ، فيقول مالك ( إِنَّكُم مَّاكِثُونَ
) .
* السادس : روي بسند معتبر عن الامام الصادق 7 :
انّ في النار لناراً يتعوذ منها أهل النار ما خلقت إلاّ لكل
متكبر جبار عنيد ، ولكل شيطان مريد ، ولكل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ، ولكل ناصب
العداوة لآل محمّد.
وقال : انّ أهون الناس عذاباً يوم
القيامة لرجل في ضحضاح من نار عليه نعلان من نار ، وشراكان من نار ، يغلي منها
دماغ كما يغلي المرجل ، ما يرى انّ في النار أحداً أشدّ عذاباً منه ، وما في النار
أحد أهون عذاباً منه .
* * *
في
ذِكر قصص الخائفين
* القصة الاُولى :
روى الشيخ الكليني بسند معتبر عن الامام علي بن الحسين 7 :
انّ رجلاً ركب البحر بأهله فكسر بهم ،
فلم ينج ممن كان في السفينة إلا امرأة الرجل ، فانّها نجت على لوح من ألواح
السفينة حتّى ألجأت على جزيرة من جزائر البحر ، وكان في تلك الجزيرة رجلٌ يقطع
الطريق ، ولم يدع لله حرمة إلاّ انتهكها ، فلم نعلم إلاّ والمرأة قائمة على رأسه ،
فرفع رأسه إليها ، فقال : إنسية أم جنية؟
فقال : إنسية.
فلم يكلما كلمة حتّى جلس منها مجلس
الرجل من أهله ، فلما إن همّ بها ، اضطربت ، فقال لها : مالك تضطربين؟
فقالت : أفرق من هذا ـ وأومأت بيدها الى
السماء.
قال : فصنعت من هذا شيئاً؟
قالت : لا ، وعزّته ، قال : فأنت تفقي
منه هذا القرق ولم تصنعي من هذا شيئاً ، وانّما استكرهك استكراهاً ، فأنا والله
أولى بهذا الفرق والخوف ، وأحق منك.
قال : فقام ، ولم يحدث شيئاً ، ورجع الى
أهله ، وليست له همّة إلاّ التوبة والمراجعة فبينما هو يمشي اذ يظلنا بغمامة فقد
حميت علينا الشمس.
فقال الشباب : ما اعلم انّ لي عند ربي
حسنة فاتجاسر على أن أسأله شيئاً.
قال : فادعو أنا ، وتؤمّن أنت ، قال :
نعم.
فأقبل الراهب يدعو والشابّ يؤمنّ ، فما
كان بأسرع من أن اظلتهما غمامة ، فشيا تحتها ملياً من النهار ، ثمّ تفرقت الجادة
جادتين فأخذ الشاب في واحدة ، وأخذ الراهب في واحدة ، فإذا السحابة مع الشاب ،
فقال الراهب : أنت خير مني ، لك استجيب ولم يستجب لي ، فاخبرني ما قصتك؟
فأخبره بخبر المرأة ، فقال : غُفر لك ما
مضى ، حيث دخلك الخوف ، فانظر كيف تكون فيما تستقبل .
* القصة الثانية :
روى الشيخ الصدوق :
دخل معاذ بن جبل على رسول الله 9 باكياً فسلم ، فرد 9 ثمّ قال :
ما يبكيك يا معاذ؟
فقال : يا رسول الله انّ بالباب شاباًَ
طري الجسد نقي اللون ، حسن الصورة يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد
الدخول عليك.
فقال النبي 9 : ادخل عليّ الشباب يامعاذ.
فادخله عليه ، فسلّم فرد 9 ثمّ قال : ما يبكيك يا شاب؟
قال : كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوباً إن
أخذني الله عزّوجلّ ببعضها ادخلني
نارجهنم ، ولا أراني إلاّ سيأخذني بها ، ولا
يغفر لي أبداً.
فقال رسول الله 9 هل أشركت بالله شيئاً؟
قال : أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئاً.
قال : أقتلت النفس التي حرم الله؟
قال : لا.
فقال النبي 9 : يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل
الجبال الرواسي.
قال الشباب : فانّهم أعظم من الجبال
الرواسي.
فقال النبي 9 : يغفر الله لك ذيوبك وإن كانت مثل
الأرضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق.
قال : فانّها أعظم من الأرضين السبع
وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها ومن الخلق.
فقال : النبي 9 يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل
السماوات ونجومها ومثل العرش والكرسي.
قال : فانّها أعظم من ذلك.
قال : فنظر النبي 9 كهيئة الغضبان ، ثمّ قال ، ويحك يا شاب
اذنوبك أعظم ، أم ربك؟
فخرّ الشاب لوجهه وهو يقول : سبحان الله
ربي ، ما شيء أعظم من ربي ، ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم.
فقال النبي 9 فهل يغفر الذنب العظيم إلاّ الرب
العظيم؟
ثمّ سكت الشاب : فقال النبي 9 ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحدمن
ذنوبك؟
قال : بلى ، اخبرك ، انّي كنت أنبش
القبور سبع سنين ، أخرج الأموات ، وانزع الأكفان ، فماتت جارية من بعض بنات
الأنصار ، فلما حملت الى قبرها ودفنت
وانصرف عنها أهلها ،
وجنّ عليهم الليل أتيت قبرها ، فنبشتها ، ثمّ استخرجتها ، ونزعت ما كان عليها من
أكفانها ، وتركتها متجردها على شفير قبرها ، ومضيت منصرفاً ، فأتاني الشيطان ،
فأقبل يزينها لي ويقول : أما ترى بطنها وبياضها ، أما ترى وركيها ، فلم يزل يقول
لي هذا ، حتّى رجعت عليها ، ولم أملك نفسي حتّى جامعتها ، وتركتها مكانها ، فإذا
بصورت من ورائي يقول : يا شاب!ويل لك من ديّان يوم الدين ، يوم يقفني وإياك ، كما
تركتني عريانة في عساكر الموت ، ونزعتني من حفرتي ، وسلبتني أكفاني ، وتركتني أقوم
جنبة الى حسابي ، فويل لشبابك من النار.
فما اظنّ انّي اشمّ ريح الجنة أبداً ،
فما ترى لي يا رسول الله؟
فقال النبي 9 تنح عني يا فاسق ، انّي أخاف أن احترق
بنارك ، فما أقربك من النار.
ثمّ لم يزل 9 يقول ، ويشير إليه حتّى أمعن من بين
يديه.
فذهب فأتى المدينة ، فتزود منها ، ثمّ
أتى بعض جبالها ، فتعبد فيها ، ولبس مسحاً ، وغلّ يديه جميعاً الى عنقه ونادي : يا
رب هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول يا ربّ أنت الذي تعرفني ، وزل مني ما تعلم سيدي
يا ربّ انّي أصبحت من انادمين ، وأتيت نبيك تائباً فطردني ، وازادني خوفاً ،
فاسألك باسمك وجلالك ، وعظمة سلطانك أتن لا تخيب رجائي : سيدي ولا تبطل دعائي ،
ولا تقنظني من رحمتك فلم يزل يقول مذلك أربعين يوماً وليلة تبكي له السباع والو
حوش. فلما تمت له أربعون يوماً وليلة رفع يديه لاى السماء وقال اللهمّ ما فعلت في
حاجتي ، إن كنت استجبت دعائي ، وغفرت خطيئتي ، فاوح الى نبيك. وإن لم تستجب لي
دعائي ، ولم تغففر لي خطيئتي ، واردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني ، وأو عقوبة في
نالدنيا تهلكني ، وخلصني من فضيحة يوم القيامة.
فانزل الله تبارك وتعالى على نبيّه 9 : ( وَالَّذِينَ إِذَا
فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا
عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم
مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
) .
فلما نزلت هذه الآية على رسول الله 9 خرج وهو يتلوها ويبتسم. فقال لأصحابه :
من يدلني على ذلك الشاب التائب؟
فقال معاذ يا رسول الله بلغنا انّها في
موضع كذا وكذا ، فمضى رسول الله 9
بأصحابه حتّى انتهوا الى ذلك الجبل ، فصعدوا إليه يطلبون الشاب ، فإذا هم بالشاب
قائم بين خصرتين مغلولةً يداه الى عنقه ، وقد اسود وجه ، وتساقطت أشفار عينيه من
البكاء ، وهو يقول : سيدي قد أحسنت خلقي ، وأحسنت صورتي ، فليت شعري ماذا تريد بي
أفي النار تحرقني ، أم في جوارك تسكنني؟
اللهمّ انّ خطيئتي أعظم من السماوات
والأرض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم ، فليت شعري تغفر خطيئتي ، أم تفضحني بها
يوم القيامة.
فلم يزل يقول نحو هذا ، وهو يبكي ،
ويحثو التراب على رأسه ، وقد أحاطت به السباع ، وصفت قوقه الطير ، وهم يبكون
لبكائه. فدنا رسول الله 9
فأطلق يديه من عتقه ، ونفض التراب عن رأسه وقال :
يا بهلول! أبشر فانّك عتيق الله من
النار.
ثمّ قال 9
لأصحابه : هكذا تداركوا الذنوب ، كما تداركها بهلول.
ابشر فانّك عبيق الله من النار.
ثمّ تلا عليه ما انزل الله عزّوجل فيه ،
وبشره بالجنة) .
* يقول المؤلّف : قال العلاّمة المجلسي ; في (عين الحياة) في ذيل هذا الخبر ما
ملخصه :
ليعلم انّ للتوبة شروطاً ودوافع :
الأول : من الأشياء التي تحرك الانسان
للتوبة هو أن يفكر في عظمة الله تعالى الذي عصاه وكذلك في كبر تلك المعاصي التي
ارتكبها ، وفي عقوبات تلك الذنوب وآثارها السيئة في الدنيا والآخرة التي وردت في
الآيات والأخبار ، ومن ثمّ سوف يكون هذا التفكير باعثاً لندامته ، وسوف تصير هذه
الندامة باعثاً له على ثلاثة أشياء تتركب منها التوبة :
الأول منها : مرتبطة بحاضره وهو أن يترك
تلك الذيوب التي ارتكبها بالحال. الثاني : متعلق بالمستقبل وهو أن يعزم جازماً على
لا يعود الى تلك الذنوب الى آخر العمر.
والثالث : متعلق بالماضي ، وهو أن يندم
على ما مضى ويتدارك ما فات منه اذا كان مما يتدارك.
واعلم انّ الذنوب التي يتاب منها على
عدّة أقسام :
الأول : أن يكون ذنباً لا يستلزم حكماً
آخر غير العقوبة الاخروية كلبس الحريز ولبس خاتم الذهب للرجل فانّه يكفي للتوبة
منها نفس الندم والعزم على عدم العود وبهما يدفع العقاب الاخروي.
الثاني : أن يستلزم حكماً آخر وهو على
عدّة أقسام : فأما أن يكون حقاً لله ، أو حقّاً للخلق.
وأما حقّ الله ، فهو إما ماليّ : مثل أن
يذنب ما يلزمه عتق رقبة فانّه اذا كان قادراً عليه ، فلا يرفع عنه العذاب بمجرد
الندم ، بل يجب عليه أن يؤدي تلك الكفارة.
أو حقّ غير ماليّ : مثل الصلاة أو
الصيام الذي يفوته فانّه يجب عليه أن يقضي ما فاته.
أو أن يعمل عملاً قد شرع الله تعالى له
حدّاً مثل شرب الخمر ، فما لم يثبت عند الحاكم الشرعي فهو مختار إن شاء ستره بينه
وبين الله ولا يظهر ذلك لأحد.
وإن شاء أن يقرّ عند الحاكم ليقيم عليه
الحدّ ، وعدم الاظهار أحسن .
وأما لو كان حقاً للناس :
فإن كان حقاً مالياً فيجب عليه أن يوصله
لصاحب الحقّ ، أو وارثه.
وأما اذا لم يكن حقاً مالياً ، فإن كان
قد أضلّ انساناً فيجب عليه هدايته.
وإن كان حدّاًَ مثل قول الفحش فإن كان
ذلك الشخص عالماً باهانته له ، فعليه أن يمكّنه من الحدّ من نفسه.
وإن لي يكن عالماً ففيه خلاف بين
العلماء ، ويرى الأكثر إن كان اخباره يوجب أذاه واهانته ، فلا يلزم الإخبار لذلك.
وكذلك الحكم اذا استغاب انساناً ، انتهى
.
__________________
* القصة الثالثة :
روى ابن بابويه قال :
بينما رسول الله 9 مستظل بظل شجرة في يوم شديد الحرّ ، اذ
جاء رجل فنزع ثيابه ، ثمّ جعل يتمرغ في الرمضاء يكوي ظهره مرّة ، وبطنه مرّة ،
وجبهته مرّة ، ويقول :
يا نفس! ذوقي فما عند الله عند عزّوجلّ
أعظم مما صنعت بك ، ورسول الله ييظر الى ما يصنع ، ثمّ انّ الرجل لبس ثيابه ، ثمّ
اقبل ، فأومأ إليه النبي 6
بيده ، ودعاه ، فقال له : ياعبدالله! لقد رأيتك صنعت شيئاً ما رأيت أحداً من الناس
صنعه ، فيما حملك على ما صنعت؟!!
فقال الرجل : حملني على ذلك مخافة الله
عزّوجلّ ، وقلت لنفسي : يانفس ذوقي ، فما عند الله أعظم مما صنعت بك.
فقال النبي 6 لقد خفت ربّك حقّ مخافته ، وانّ ربّك
ليباهي بك أهل السماء. ثمّ قال لأصحابه : يامعاشر من حضر ادنوا من صاحبكم حتّى
يدعولكم.
فدنوا منه ، فدعا لهم ، وقال لهم : «
الّلهمّ اجمع أمرنا على الهدى ، واجعل التقوى زادنا والجنة مآبنا » .
* القصة الرابعة :
روي عن الامام محمّد الباقر 7 قال :
خرجت امرأة بغيّ على شباب من بني
اسرائيل فأفتنتهم. فقال بعضهم ك لو كان العابد فلاناً رآها افتنته.
__________________
وسمعت مقالتهم ، فقالت : والله لا أنصرف
الى منزلي حتّى أفتنه.
فمضت نحوه تفي الليل ، فدقّت عليه.
فقالت : آوي عندك ، فأبي عليها.
فقالت : انّ بعض شباب بني اسرائيل
راودوني عن نفسي ، فإن ادخلتني ، وإلاّ لحقوني وفضحوني. فلمّا سمع مقالتها فتح لها
، فلمّا دخلت عليه ، رمت بثيابها ، فلما رأى جمالها ، وهيئتها وقعت في نفسه.
فضرب يده عليها ، ثمّ رجعت إليه نفسه ،
وقد كان يوقد تحت قدر له ، فأقبل حتّى وضع يده على النار.
فقالت : أي شيء تصنع؟
فقال : احرقها لأنها عملت العمل.
فخرجت حتّى أتت جماعة بني اسرائيل ،
فقالت ، الحقوا فلاناً ، فقد وضع يده على النار.
فاقبلوا ، فلحقِِهوه وقد احترقت يده .
* القصة الخامسة :
روى ابن بابويه عن عروة بن الزبير انّه
قال :
كنّا جلوساً في مجلس في مسجد رسول الله 9 فتذكرنا أعمال أهل بدر ، وبيعة
الرضوان.
فقال أبو الدرداء : يا قوم ألا اخبركم
بأقل القوم مالاً ، وأكثرهم ورعاً ، وأشدهم اجتهاد في العبادة؟
قالوا : من؟
قال : علي بن أبي طالب 7.
قال : فو الله إن كان في جماعة أهل
المجلس إلاّ معرض عنه بوجهه ، ثمّ أنتدب له رجل من الأنصار؟ فقال له : يا عويمر
لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها.
فقال أبو الدرداء : يا قوم انّي قائل ما
رأيت ، وليقل كل قوم منكم مارأوا.
شهدت علي بي أبي طالب 7 بشويحطات النجار وقد اعتزل عن مواليه ،
واختفى ممن يليه ، واستتربمغيلات النخل فافتقدته ، وبعد علي مكانه ، فقلت لحق
بمنزله. فإذا أنا بصورة حزين ، ونغمة شجيّة ، وهو يقول :
إلهي كم من موبقة حلمت عني فقابلتها
بنعمتك ، وكم منم جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك.
الهي إن طال في عصيانك عمري ، وعظم في
الصحف ذنبي ، فما أنا مؤملٌ غير غفرانك ، ولا أنا براج غير رضوانك.
فشغلي الصوت ، واقتفيت الأثر ، فإذا هو
علي بن أبي طالب 7
بعينه ، فاستترت له ، وخملت الحركة ، فركع ركعات في جوف الليل الغابر ، ثمّ فزع
الى الدعاء والبكاء ، والبث والشكوى ، فكان مما به الله ناجى ان قال :
الهي افكر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي ،
ثمّ اذكر العظيم منم اخذك فتعظم عليّ بليتي.
ثمّ قال :
آه إن انا قرأت في الصحف سيئة أنا سيئة
أنا ناسيها وأنت محصيها ، فتقول خذوه ، فباله من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ، ولا
تنفعه قبيلته يرحمه الملأ إذا أُذن فيه بالنداء.
ثمّ قال :
آه من نار تنضج الأكباد والكلى ، آه من
نار نزاعة للشوى ، آه من غمرةٍ من ملهبات لظى.
قال : ثمّ انغمر في البكاء فلم أسمع له
حساً ولا حركة ، فقلت : غلب عليه النوم لطول السهر ، اوقظه لصلاة الفجر.
قال أبو الدرداء : فأتيته ، فإذا هو
كالخشبة الملقاة ، فحركته فلم يتحرك ، وزويته فلم ينزو ، فقلت : إنا إليه راجعون ،
مات والله علي بن أبي طالب 7.
قال : فاتيت منزله مبادراً انعاه إليهم.
فقالت فاطمة 8 : يا أبا الدرداء ما كان من شأنه ، ومن
قصته؟
فأخبرتها الخبر ، فقالت : هي والله ـ يا
أبا الدرداء ـ الغشية التي تأخذه من خشية الله.
ثمّ أتوه بماء فنضحوه على وجهه ، فأفاق
، ويظر اليّ وأنا أبكي ، فقال : مما بكاؤك يا أبا الدرداء؟
فقلت : مما اراه تنزله بنفسك.
فقال : يا أبا الدرداء! فكيف لو رأيتني
، ودعي بي الى الحساب ، وايقن أهل الجرائم بالغذاب ، واحتوشتني ملائكة غلاظ ،
وزبانية فظاظ ، فوقفت بين يدي الملك الجبار ، قد اسلمني الاحباء ، ورحمني أهل
الدنيا لَكُنت َ أشدّ رحمة لي بين يدي مَن لا تخفى عليه خافية.
فقال أبو الدراداء : فو الله ما رايت
ذلك لأحد من أصحاب رسول الله 9
.
يقول المؤلّف : رأيت من المناسب أن انقل
هذه المناجاة عنه 7
بنفس الفاظها التي كان يقرأها ، ليقرأها من شاء في قلب الليل في وقت التهجد ، كما
عمل ذلك شيخنا البهائي ;
في كتاب (مفتاح الفلاح).
* وهذه المناجاة الشريفة هي :
« اِلهي كَم مِن موبِقَةٍ حَلُمتَ عَن
مُقابَلَتهِا بِنِقمَتِكَ
وَكَم مِن جَريَرةٍ تَكَرَّمتَ عَن
كَشفِها بِكَرَمِكَ اِلهي إن طالَ في عِصيانِكَ
عُمري وَعَظُمَ فِي الصُّحُفِ ذَنبي فَما اَنَا مُؤَمِّلٌ غَيرَ غُفرانِكَ ، وَلا اَنَا بِراجٍ غَيرَ رِضوانِكَ * اِلهي اُفَكّرُ في
عَفوِكَ فَتَهُون عَلَيَّ خَطيئَتي ، ثُمَّ اَذكُرُ العَظيمَ مِن اَخذِكَ فَتَعظُم
عَلَيَّ بَليَّتي * آه اِن قَرَأتُ فِي الصُّحُف سَيّئَةً اًَنَا ناسيها وَاَنتَ
مُحصيها فَتَقُولَ : خُذُوهُ ، فَيالَهُ مِن مَأخُوذٍ لا تُنجيهِ عَشيرَتُهُ وَلا
تَنفَعُهُ قَبيلَتُهُ * آه مِن نارٍ تُنضجُ الاَكبادَ وَالكلِى * آه مِن نارٍ
نَزّاعَة لِلشَّوى * آه مِن غَمرَةٍ مِن لَهَبابٍ لَظى .
* القصة السادسة :
روي عن الامام الصادق 7 انّه قال :
انّ رسول الله 9 صلّى بالناس الصبح ، فنظر الى شاب من
الأنصار
وهو في المسجد يخفق ، ويهوي رأسه ، مصفر لونه ، نحيف جسمه ، وغارت عيناه في رأسه.
فقال له رسول الله 9 كيف أصبحت يافلان.
فقال : أصبحت يا رسول الله 9 موقناً.
فقال : فعجب رسول الله 9 من قوله ، وقال له : انّ لكل شيء حقيقة
، فما حقيقة يقينك؟
قال : انّ يقيني يا رسول الله هو أحزنني
، وأسهر ليلي ، وأظمأ هواجري. فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها ، حتّى كأني انظر الى
عرش ربّي وقد نصب الحساب ، وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم.
وكأني انظر الى أهل الجنّة يتنعمون فيها
، ويتعارفون ، على الارائك متكئين.
وكأني انظر الى أهل انار فيها معذبون
يصطرخون.
وكأني أسمع الآن زفير النار نعزفون في
مسامعي .
قال : فقال رسول الله 9 لأصحابه : هذا عبد نوّر الله قلبه
للإيمان.
ثمّ قال : الزم ما أنت عليه.
قال : فقال له الشاب : يا رسول الله!
ادع الله لي أن اُرزق الشهادة معك.
فدعا له رسول الله 9 بذلك.
فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي 9 فاستشهد بعد تسعة نفر ، وكان هو العاشر
.
__________________
__________________
* * *
في
ذكر بعض الأمثال لتنبّه المؤمنين
* المثال الأول :
قال بلوهر : بلغنا انّ رجلاً حمل عليه
فيل مغتلم ، فانطلق مولياً هارباً ، واتبعه اليل حتّى غشيه ، ، فاضطره الى بئر ،
فتدلى فيها ، وتعلق بغصنين نابتين على شفير البئر ، ووقعت قدماه على رؤوس حيات.
فلما نظر الى قعر البئر اذا بنيّين فاعر
نحوه يريد التقامه.
فلما رفع رأسه الى أعلى الغصنين اذا
عليهما شيء من عسل النحل ، فتطعم من ذلك العسل فالهاه ما طعم منه ، وما نال من لذة
العسل وحلاوته عن الفكر ف يأمر الأفاعي اللواتي لا يدري متى يبادرنه ، والهاه عن
التنّين الذي لا يدري كيف بصير مصيره بعد وقوعه في لهواته.
أما البئر فادنيا مملوَّة آفات وبلايا
وشرور ، وأما الغصنان فالعمر ، وأما الجرذان فالليل والنهار يسرعان في الأجل ،
وأما الأفاعي الأربعة فالاخلاط الأربعة التي هي السموم القاتلة من المرّة والبلغم
والريح والدم لا يدري صاحبها متى تهيج به.
وأما التنّين الفاغر فاه ليلتقمه فالموت
الراصد الطالب.
وأما العسل الذي اغترّ به المغرور فما
ينال الناس من لذة الدنيا وشواتها ونعيمها ودعتها من لذة المطعم والمشرب والشمّ
واللمس والسمع والبصر .
يقول المؤلّف : لم يذكر مثل أحسن من هذا
في انطباقه على المُمَثَّل لغفلة الانسان عن الموت والأهوال التي بعده واشتغاله
بلذّات الدنيا العاجلة الفانية ، فليتأمّل فيه جيداً فلعله يصير سبب التنبه عن
نومة الغفلة.
* وفي الخبر عن أمير المؤمنين 7 لما دخل (سوق البصرة فنظر الى الناس
يبيعون ويشترون ، فبكى 7
نبكاءاً شديداً ، ثمّ قال :
« ياعبيد الدنيا وعمّال أهلها ، اذا
كنتم بالنهار تحلفون ، وبالليل في فرشكم تنامون ، وفي خلال ذلك عن الآخرة تغفلون ،
فمتى تجهزون
الزاد ، وتفكرون في المعاد؟!!
».
يقول المؤلّف : ورأيت من المناسب أن
اذكرهنا عدّة أبيات من الشعر :
اي به غفلت گذرانيده همه عمر عزيز
|
|
تا چه دارى وچه كردى عملت كو وكدام
|
توشه آخرتت چيست در اين راه دراز
|
|
كه توراموى سفيد از اجل آورد پيام
|
مى توانى كه فرشته شوى از علم وعمل
|
|
ليك از همّت دون ساخته اى بادد ودام
|
چون شوى همره حوران بهشتى كه تو را
|
|
همه در آب وگياه است نظر چون انعام
|
جهد آن كه نمانى ز سعادت محروم
|
|
كارخودسازكه اينجا دو سه روزيست مقام
|
يعني :
١ ـ يامن قضيت عمرك العزيز بالغفلة ،
فأيّ عمل عندك ، وما الذي فعلته ، وماهو ، وأين هو؟.
٢ ـ ماهو زاد آخرتك في هذا الطريق؟ وقد
أتاك الشيب برسالة من الأجل
(الموت) .
٣ ـ كنت قادراً أن تصير مَلاكاً بالعلم
والعمل ، ولكنك لو ضاعة همتك عايشت الحيوانات المفترسة وغير المفترسة.
٤ ـ كيف تكون مصاحباً لحواري الجنّة؟ مع
أنّك تفكر دائماً باماء والعلف كالانعام.
٥ ـ فاجهد أن لا تبقى محروماً من
السعادة ، واصلح عملك ، فانّ مكثك هناليومين أو ثلاث.
وقال شيخ الشيوخ النظامي الگنجوي :
حديث كودكى وخود پرستى
|
|
رها كن كان خمار بود ومستى
|
چوعمر از سى گذشت ويا كه از بيست
|
|
نمى شايد دگر چون غافلان زيست
|
نشاط عمر باشد تا چهل سال
|
|
چهل رفته فروريزد پروبال
|
پس از پنجه نباشد تندرستى
|
|
بصر كندى پذيرد پاى سستى
|
چو شصت آمد نشست آمد پديدار
|
|
چو هفتاد آمخد افتاد آلت از كار
|
به هشتاد ونود چون در رسيدى
|
|
بسا سختى كه از گيتى كشيدى
|
از آنجا گربه صد منزل رسانى
|
|
بود مرگى به صورت زندگانى
|
سگ صيّاد كاهو گير گردد
|
|
بگيرد آهويش چون پير گردد
|
چو در موى سياه آمد سفيدى
|
|
پديد آمد نشان نا اميدى
|
زپنبه شد بنا گوشت كفن پوش
|
|
هنوز اين پنبه بيرون نارى از گوش
|
يعني :
١ ـ اترك حديث الطفولة والأنانية فانّها
حالة السكر وامخمورية.
٢ ـ فعندما تنقضي ثلاثون سنة من العمرأ
أو حتّى عشرين فلا يليق بعد ذلك ان تعيش كالغافلين.
٣ ـ فانّ قوة (حيوية) العمر الى أربعين
سنة ، فإذا انقضت الأربعون فقد وقع الريش والجناح.
٤ ـ فلا تبقى بعد الخمسين صحّىة وعافية
ن ويعشو البصر ، وتخور القدم.
٥ ـ فإذا جاءت الستون فسوف تظهر جلياً
امارات الاقعاد ، فإذا جاء السبعون عجز عن العمل.
٦ ـ فإذا وصت الى أبواب الثمانين
والتسعين فما أكثر المصاعب التي سوف تواجهها من هذا العالم.
٧ ـ وإذا تجاوزت التسعين الى المائة فهو
اموت بصورة الحياة.
٨ ـ فكلب الصياد الذي يصطاد الغزال ،
فانّ الغزل سوف يصطاده عندما يشيب.
٩ ـ فاذا جاء الشيب في الشعر الأسود فقد
جاءت علامات انقطاع الأمل.
١٠ ـ وقد لبست شحمة اُذنك من القطن
كفناً وأنت بَعدُ لم تخرج هذه القطنة من الاذن.
وقال آخر :
از روش لين فلك سبز فام
|
|
عمر گذشته است مرا شصت عام
|
در سر هر سالى از اين روزگار
|
|
خورده ام افسوس خوشيهاى پار
|
باشدم از گردش دوران شگفت
|
|
كانچه مرا داد همه پس گرفت
|
قوّتم از زانو وبازو برفت
|
|
آب زرخ رنگ هم از مو برفت
|
عقد ثريّاى من از هم گسيخت
|
|
گوهر دندان همه يك يك بريخت
|
آنچه بجا ماند ونيابد خلل
|
|
بار گناه آمد وطول امل
|
زنگ رحيل آمد از اين گوچگاه
|
|
همسفران روى نهاده به راه
|
آه زبى زادى روز معاد
|
|
زاد كم وطول مسافت زياد
|
بارگران بر سر دوشم چه كوه
|
|
كوه هم زبار من آمد ستوه
|
اى كه بَرِ عفو عظيمت گناه
|
|
در جلو سيل بهار امت كاه
|
فضل تو گر دست نگيرد مرا
|
|
عصمتت ار باز گذرد مرا
|
جز به جهنّم نرود راه من
|
|
در سقر انداخته بنگاه من
|
بنده شر منده نادان منم
|
|
غوطه زن لجّه عصيان منم
|
خالق وبخشنده احسان توئى
|
|
فرد ونوازنده به غفران توئى
|
يعني :
١ ـ بحركة هذا الفلك الأخصر قد انقطعت
من العمر ستون سنة.
٢ ـ وعلى رأس كلّ سنة من هذا الدهر تأسفت
على طيّبات العام الماضي.
٣ ـ وانّي لا عجب من التفاف الدهر حيث
استردّ منّي كل ما أعطانيه.
٤ ـ وراحت مني قوتي من الساق والساعد ،
وذهب الماء من وجنتي ، واللون من شعري.
٥ ـ وانفرط عقد ثرياي وتناثر جوهر
أسناني الواحد تلو الآخر.
٦ ـ والذي بقي سالماً بدون اختلال هو
حمل الذنب وطول الأمل.
٧ ـ وحان جرس رحيل هذا الزعن المسافر
وتقدّم رفقاء السفر.
٨ ـ آه من فقدان زاد يوم المعاد ، فازاد
قليل والمسافة طويلة.
٩ ـ والحل الثقيل على كتفي كالجبل ، بل
يكلّ الجبل عن حمل ثقلي أيضاً.
١٠ ـ فيامن الذنب أمام عفوك العظيم مث٣ل
التبن أمام سيل اربيع.
١١ ـ اذا لم يأخذ فضلك بيدي وكذا لو
تركتني عصمتك أيضاً :
١٢ ـ فسوف لا ينتهي طريقي إلاّ الى جهنم
، ويكون مستقري في سقر.
١٣ ـ أنا العبد النادم الجاهل الغريق في
لجّة عصياني.
١٤ ـ وأنت الخالق المحسن بالعفو الفرد
واللطيف بمغفرتك.
* قال رسول الله 7ك « أبناءُ الاربعين زَرعٌ قد دنا حصاده
أبناء الخمسينَ ماذا قدمتم وماذا أخرتُم ، أبناءُ الستين هلموا إلى الحِساب أبناء
السبعينَ عدوا انفسكم في الموتى » .
* وفي الخبر : إن الديك يقول : اذكروا
الله يا غافلين .
هنگام سفيده دم خروس سحرى
|
|
داني كه چراهمى كند گرى
|
يعني كه نمودند در آئينه صبح
|
|
كز عمر شبى گذشت وتوبى خبرى
|
يعني :
١ ـ هل تدري لماذا ينوح دائماً ديك
السحر عندما يضيء الفجر ويتنفس؟
٢ ـ يعني ظهر في مرآة الصبح انّه انقضى
من عمرك ليلة وأنت غافل.
وَلنعم ما قال الشيخ الجامي :
دلا تا كى در اين كاخ مجازى
|
|
كنى مانند طفلان خاكبازى
|
توئى أن دست پرور مرغ گستاخ
|
|
كه بوتدت آشيان بيرون از اين كاخ
|
چرا زان آشيان بيگانه گشتى
|
|
چو دونان مرغ اين ويراه گشتى
|
بيفشان بال وپر زاميزش خاك
|
|
بپرتا كنگره ايوان افلاك
|
ببين در قصر ازرق طيلسانان
|
|
رداى نور بر عالم فشانان
|
همه دور جهان روزى گرفته
|
|
به مقصد راه فيروزى رفته
|
خليل آسا درِ ملك يقين زن
|
|
نداى لا اُحبّ الآفلين زن
|
يعني :
١ ـ ألا يا نفس الى متى تعمل في هذا
القصر المجازي كالأطفال يلعبون بالتراب.
٢ ـ أنت ذلك الطائر المربّي الجريء ،
الذّي كان وَكرُك خارج هذا القصر.
٣ ـ لماذا تركت وَكرك ذاكن وصرت طير هذه
الخرائب؟
٤ ـ انفض جناحك وريشك مما عليه من تراب
، وحلّق الى أعلى مكان من ايوان الافلاك.
٥ ـ انظر في القصر ذوي الطيالسة الذّين ينشرون رداء النور على العالم.
٦ ـ والكل آخذ برزقه من هذا العالم ،
منخذ طريق الفوز والنجاح.
٧ ـ فاطرق باب ملك اليقين كابرهيم
الخليل ، ونادِ بنداء لا اُحبّ الآفلين .
* المثال الثاني :
لأهل الدنيا الذين خدعتهم الدنيا وتعلقت
قلوبهم بها.
قال بلوهر :
كان أهل مدينة يأتون الرجل الغريب
الجاهل بأمرهم فيملّكونه عليهم سنة ، فلا يشكّ انّ ملكه دائم عليهم لجهالته بهم ،
فاذا انقضت السنة اخرجوه من مدينتهم عرياناً مجرداً سليباً ، فيقع في بلاء وشقاء
لم يحدّث به نفسه ، فصار ما مضى عليه من ملكه وبالاً وحزناً ومصيبة وأذىً .
ويصير مصداق هذا الشعر :
اى كرده شراب حبّ دنيا مستت
|
|
هشيار نشين كه چرخ سازد پستت
|
مغرور جهان مشوكه چون مثل حنا
|
|
بيش از دو سه روزى نبود در دستت
|
يعني :
يامن أسكرته خمرة حبّ الدنيا
|
|
انتبه! فانّ الفلك يدور بك إلى الأسفل
|
ولا تغتر بالدنيا لأنّها كالحناء لا
يبقى لونها
|
|
في يديك أكثر من يومين أو ثلاث
|
ثمّ انّ أهل تلك المدينة أخذوا رجلاُ
آخر ، فملّكوه عليهم ، فلمّا رأى الرجل غربته فيهم ، لم يستأنس بهم ، وطلب رجلاً
من أهل أرضه خبيراً بأمرهم حتّى وجده ، فأفضى إليه بسرِّ القوم ، وأشار إليه أن
ينظر الى الأموال التي في يديه فيخرج منها ما استطاع ، الأوّل فالأوّل : حتّى يحرزه
في امكان الذي يخرجونه إليه فإذا اخرجه القوم صار الى الكفاية والسعة بما قدّم
واحرز.
ففعل ما قال له الرجلا ولم يضيّع وصيته .
يقول المؤلّف : يقول الله تعالى في
القرآن المجيد :
( وَمَنْ عَمِلَ
صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ) .
* وقال الامام الصادق 7 :
إن العمل الصالح ليسبق صاحبه الى الجنّة
فيمهد له كما يمهد لأحدكم خادمه فراشه .
* ويقول أمير المؤمنين 7 في كلماته القصار :
يابن آدم كن وَصيَّ نفسك ، واعمل في
مالك ما تؤثر أن يُعمَلَ فيه من بعدك .
فيا عزيزي!
برگ عيشى به گور خويش فرست
|
|
كس نيارد زپس توپيش فرست
|
خور وپوش وبخشاى وراحت رسان
|
|
نگه مى چه دارى زبهر كسان
|
زر ونعمت اكنون بده كان تست
|
|
كه بعد از تو بيرون زفرمان تست
|
توبا خود ببر توشه خويشتن
|
|
كه شفقت نيايد زفرزند وزن
|
غم خويش در زندگى خور كه خويش
|
|
به مرده نپردازد از حرص خويش
|
به غمخوارگى چون سر انگشت تو
|
|
نخارد كسى در جهان پشت تو
|
يعني :
١ ـ ابعث بزادٍ الى قبرك ، فليس هناك من
يبعثه إليك بعدك.
٢ ـ كل ، والبس ، وهب ، وتنعم ، فلِمَ
تبقي ما عندك لغيرك؟!
٣ ـ أنفق الذهب والنعمة وأموالك الآن ،
فانّها سوف تخرج من سلطتك من بعدك.
٤ ـ خذ زادك معك بنفسك فسوف ، لا يشفق
عليك ابنك ، ولا زوجتك.
٥ ـ اغتم لنفسك وأنت حيّ ، فانّ الأقارب
لا يؤدون شيئاً للميت بسبب حرصهم.
٦ ـ فاغتم لنفسك ، فانّه ليس في الدنيا
أحد يحك ظهرك مثل ظفرك.
* قال رسولُ الله 9 : « واعْلَموَا أنَّ كُلّّ امْرئٍ عَلى
ما قَدّّمَ قادِمٌ عَلى ما خَلََّّفَ نادِمٌ »
* ونقل عن أمالي المفيد النيشابوري ،
وتاريخ بغداد انّه :
رأى أميير المؤمنين 7 الخضر في المنام فسأله نصيحة قال :
نصيحةً قال : فأراني كفّه فإذا فيها مكتوب بالخضرة :
قد كنت ميتاً فصرت حيّاً
|
|
وعن قليل تعود ميتاً
|
فابن لدار البقاء بيتاً
|
|
ودع لدار الفناء بيتاً
|
* المثال الثالث :
وقد بلغنا انّ ملكاً من الملوك كان
عاقلاً قريباً من الناس ، مصلحاً لامورهم ،
حسن النظر والانصاف
لهم ، وكان له وزير صق صالح يعينه على الاصلاح ويكفيه مؤونته ، ويشاوره في اُموره
، وكان الوزير أديباً عاقلاً ، له دين ، وورع ، ونزاهة عن الدنيا ، وكان قد لقي
أهل الدين ، وسمع كلامهم ، وعرف فضلهم ، فأجابهم ، وانقطع اليهم بأخائه وودّه.
وكانت له من الملك منزلة حسنة وخاصّة.
وكان الملك لا يكتمه شيئاً من أمره. وكان الوزير أيضاً له بتلك المنزلة ، إلاّ
انّه لم يكن ليطلعه على أمر الدين ، ولا يفاوضه أسرار الحكمة.
فعاشا بذلك زماناً طويلاً. وكان الوزير
كلما دخل على الملك سجد للاصنام
وعظمها وأخذ شيئاً في طريق الجهالة والضلالة تقية له.
فأشفق الوزير على الملك من ذلك ، واهتمّ
به ، واستشار في ذلك أصحابه واخوانه ، فقالوا له : انظر لنفسك وأصحابك فإن رأيته
موضعاً للكلام فكلمه وفاوضه ، وإلاّ فانّك انّما تعينه على نفسك ، وتهيجه على أهل
دينك ، فانّ السلطان لا يغتربه ، ولا تؤمن سطوته.
فلم يزل الوزير على اهتمامه به ،
مصافياً له ، رفيقاً به رجاء أن يجد فرصة فينصحه ، أو يجد للكلام موضعاً فيفاوضه.
وكان الملك ـ مع ضلالته ـ متواضعاً ،
سهلاً ، قريباً ، حسن السيرة في رعيته ، حريصاً على اصلاحهم ، متفقداً لا مورهم.
فاصطحب الوزير الملك على هذا برهة من
زمانه.
ثمّ انّ الملك قال للوزير ذات ليلة من
الليالي بعدما هدأت العيون : هل لك أن تركب فيسير في المدينة ، فننظر الى حال
الناس ، وآثار الأمطار التي اصابتهم في هذه الأيّام؟
فقال الوزير : نعم.
فركبا جميعاً يجولان في نواحي المدينة.
فمرّا في بعض الطريق على مزبلة
تشبه الجبل ، فنظر
الملك الى ضوء النار تبدو في ناحية المزبلة. فقال للوزير : انّ لهذه لقصة ، فانزل
بنا نمشي حتّى ندنومنها ، فنعلم خبرها.
ففعلا ذلك. فلما انتهيا الى مخرج الضوء
وجدا نقباً شبيهاً بالغار ، وفيه مسكين من المساكين.
ثمّ نظرا في الغار من حيث لا يراهما
الرجل ، فإذا الرجل مشوّه الخلق ، عليه ثياب خلقان من خلقان المزبلة ، متكئ على
متكاء قد هيّأه من الزبل ، وبين يديه ابريق فخار فيه شراب وفي يده طنبور يضرب
بيده. وامرأته في مثل خلقه ولباسه قائمة بين يديه تسقيه إذا استسقى منها ، وترقص
له إذا ضرب ، وتحييه بتحية الملوك كلما شرب. وهو يُسميها سيدة النساء وهما يصفان
انهفسهما بالحسن والجمال ، وبينهما من السرور والضحك والطرب مالا يوصف.
فقام الملك على رجليه ملياً ، والوزير
ينظر كذلك ، ويتعجبان من لذتهما واعجابهما بما هما فيه.
ثمّ انصراف الملك والوزير.
فقال الملك : ما أعلمني وإيّاك اصابنا
الدّهر من اللذة والسرور والفرح مثل ما أصاب هذين الليلة هذين الليلة ، مع انّي
اظنّهما يصنعان كل ليلة مثل هذا.
فاغتنم الوزير ذلك منه ، ووجده فرصة ،
فقال له : أخاف ـ أيّها الملك ـ أن تكون دنيانا هذه من الغرور ، ويكون ملكك وما
نحن من البهجة والسرور في أعين مَن يعرف الملكوت الدائم مثل هذه المزبلة ، ومثل
هذين الشخصين اللذين رأيناهما ، وتكو مساكننا وا شيّدنامنها عند من يرجو مساكن
السعادة وثواب الآخرة مثل هذا الغار في اعيننا ، وتكون أجسادنا عند مَ ، يعرف
الطهارة والنضارة والحسن والصحّة مثل جسد هذه المشوّه الخلق في أعيننا ، ويكون
تعجبهم عن اعجابنا بما نحن فيه كتعجبنا من اعجاب هذين الشخصين بما فيه. قال الملك
: وهل تعرف لهذه الصفة أهلاً؟
قال الوزير : نعم.
قال الملك : مَن هم؟
قال الوزير : أهل الدين الذين عرفوا ملك
الآخرة ونعيمها فطلبوه.
قال الملك : وما ملك الآخرة؟
قال الوزير : هون النعيم الذي لا بؤس
بعده ، والغنى الذي لا فقر بعده ، والفرح الذي لا ترح بعده ، والصحّة التي لا سقم
بعدها ، والرضا الذي لا سخط بعده ، والأمن الذي لا خوف بعده ، والحياة لاتي لا موت
بعدها ، والملك الذي لا زوال له. هي دار البقاء ودار الحيوان التي لا انقطاع لها ،
ولا تغيير فيها ، رفع الله عزّوجلّ عن ساكنيها فيها السقم والهرم والشقاء ، والنصب
، والمرض ، والجوع ، والظمأ ، والموت.
فهذه صفة ملك الآخرة ، وخبرها أيّها
الملك.
قال الملك : وهل تدركون الى هذه الدار
طلباً ، والى دخولها سبيلاً؟
قال الوزير : نعم! هي مهيّأة لمن طلبها
من وجه مطلبها. ومن أتاها من بابها ظفربها.
قال الملك : ما منعك أن تخبرني بهذا قبل
اليوم؟
قال الوزير : منعني من ذلك اجلالك ،
والهيبة لسلطانك.
قال الملك : لئن كان هذا الأمر الذي
وصفت يقيناً فلا ينبغي لنا أن نضيّعه ، ولا نترك العمل به في اصابته. ولكنّا نجتهد
حتّى يصحّ لنا خبره.
قال الوزير : أفتأمرني أيّها الملك أن
او اظب عليك في ذكره ، والتكوير له؟
قال الملك : بل آمرك أن لا تقطع عني
ذكره ليلاً ولا نهاراً ، ولا تريحني ، ولا تمسك عني ذكره ، فانّ هذا أمر عجيب لا
يتهاون به ، ولا يغفل عن مثله.
وكان سبيل ذلك املك والوزير الى النجاة .
* يقول المؤلّف : رأيت من المناسب في
هذا المقام لأجل زيادة بصيرة
المؤمنين أن اتبرك
بذكر عدّة فقرات من أحدى خطب أمير المؤمنين 7
الشريقة : قال :
« احذروا هذه الدنيا الخداعة الغدارة
التي قد تزينت بحليها ، وفتنت بغرورها ، وعزت بآمالها ، وتشوفت لخطابها ، فأصبحت
كالعروس المجلوة والعيون إليها ناظرة والنفوس بها مشغوفة ، والقلوب اليها تائقة ،
وهي لا زواجها كلهم قاتلة. فلا الباقي بالماضي معتبر ، ولا الآخر بسوء أثرها على
الأول مزدجر » .
الى أن قال 7 :
« ومما يدلك على دناءَة الدنيا ان الله
جلّ ثناؤه زواها عن أوليائه واحبائه نظراً واختياراً ، وبسطها لا عدائه فتنة
واختباراً.
فاكرم محمّداً نبيه 9 حين عصب على بطنه من الجوع.
وحماها موسى نجيّه المكلم ، وكانت ترى
خضرة البقل من صفاق بطنه من الهزال » .
وساق 7
الكلام في زهد الأنبياء : وتنزّههم
عنها وانّهم :
« انزلوا الدنيا من انفسهم كالميتة التي
لا يحلّ لأحد أن يشبع منها إلاّ في حال الضرورة إليها ، واكلوا منها بقدر ما أبقى
لهم النفس ، وامسك على فيه ، فهم يتبلّغون بأدنى البلاغ ولا ينتهون الى الشبع من
النتن ويتعجبون من الممتلي منها شبعاً ، والراضي بها نصيباً.
اخواني والله لهي في العاجلة والـآجلة
لِمَن ناصَح نَفسَهُ في النظر ، واخلص لها الفكر أنتَن مِنَ الجيفة ، واكره من
الميتة ، غير انّ الذي نشأ في دباغ الاهاب لا يجد نتنه ، ولا يؤذيه رائحته ما تؤذي
المارّبه ، والجالس عنده » .
ويقول 7
:
وإياك أن تغتر بما ترى من اخلاد أهلها
وتكالبهم عليها فانّهم كلابٌ عاوية وسباع ضاريةٌ ، يهرُّ بعضها على بعض ، يأكل
عزيزها ذليلها ، ويقهر كثيرها قليلها .
يقول : الفقير : قد أخذ الحكيم السنائي
هذا المعنى ونظمه شعراً فقال :
اين جهان برمثال مردارى است
|
|
كركسان گرد أو هزار هزار
|
اين ، مر آن همى زند مخلب
|
|
آن مر اين راهمى زند منقار
|
آخر الامر بگذرند همه
|
|
وزهمه بازماند اين مردار
|
__________________
اى سنائي نداى مرگ رسيد
|
|
گوشه اى گير از اين جهان هموار
|
هان وهان تا تورا چه خود نكند
|
|
مشتى ابليس ديده طرّار
|
يعني :
١ ـ هذه الدنيا مثل الجيفة ، والغربان
تحوم حولها آلافاً وآلافاً.
٢ ـ فهذا ينشب مخالبه في الآخر ، وذاك
ينقر بمنقاره فيه.
٣ ـ وفي النهاية يذهبون ، ويتركون
الجيفة على حالها.
٤ ـ ياسنائي : قد وصل نداء الموت ،
فتنحى جانباً في زاوية من هذه الدنيا.
٥ ـ فاحذر كلّ الحذر من شرذمة أبالسة أن
يجعلوك مثلهم.
* يقول الفقير :
وقالَ أميرُ المُؤمنينَ 7 : واللهِ لَدُنياكُم هذِه اَهوانُ في
عَيني مِن عُراقِ خِنزيرٍ في يَدِ مَجذُوم .
وهذا منتهىى التحقير للدنيا ، فانّ
العظم أحقر من كل حقير بلا قيمة وبالخصوص إذا كان عظم خنزير وبالخصوص اذا كان في
يد مجذوم فانّه في تلك الحالة سوف يكون أقذر من كل شيء.
* المثال الرابع :
وهو للذين قضوا عمرهم بنعمة الحقّ تعالى
، فإذا ابتلوا أو امتحنوا كفروا بالنعمة ، فاعرضوا عن المنعم الحقيقي واسرعوا الى
غير الله ، وارتكبوا
__________________
ما لا يليق بهم.
* وقد ذكر الشيخ البهائي هذا المثال في
الكشكول.
وجاء به منظوماً .
روي انّه كان في جبل لبنان رجل من
العباد منوزوياً عن الناس في غار في ذلك الجبل ، وكان يصوم النهار ويأتيه كل ليلة
لاغيف يفطر على نصفه ويتسحر بالنصف الآخر ، وكان على ذلك الحال مدة طويلة لا ينزل
من ذلك الجبل أصلاً ، فاتفق أن انقطع عنه الرغيف ليلة من الليالي ، فأشتد جوعه وقل
هجوعه فصى العشاء ين وبات في تلفك الليلة في انتظار شيء يدفع به الجوع فلم يتيسر
له شيء ، وكان في أسفل ذلك الجبل قرية سكانها نصارى فعندما أصبح العابد نزل إليهم
واسصتطعم شيخاً منهم فأعطاه رغيفين من خبز الشعير ، فأخذهما وتوجه الى الجبل وكان
في دار ذلك الشيخ كلب جرب مهزول ، فلحق العابد ونبح عليه وتعلق بأذياله فألقى عليه
العابد رغيفاً من ذينك الرغيفين ليشتغل به عنه ، فأكل الكلب ذلك الرغيف ولحق
العابد مرّة اُخرى وأخذ في انباح والهرير فألقى إليه العابد الرغيف الآخر فأكله
ولحقه تارة ثالثة واشتد هريره وتشبذ بذيل العابد ومزقه فقال العابد سبحان الله!
انّي لم أركلباً أقل حياءً منك أن صاحبك لم يعطني إلاّ رغيفين وقد أخذتهما مني
ماذا تطلب بهريرك وتمزق ثيابي ، فأنطق الله تعالى الكلب فقال : لست أنا قليل
الحياء اعلم انّي ربيت في دار ذلك النصراني احرس غنمه واحفظ داره واقنع بما يدفعه
إلي من خبز أو عظام ، وربما نسيني فأبقى أيّاماً لا أكل شيئاً بل ربما تمضي أيّام
لا يجد هو لنفسه شيئاً ولا لي ومع ذلك لم افارق داره منذ عرفت نفسي ولا توجهت الى
باب غيره ، بل كان دأبي انّه إن حصل شيء شكرت
وإلاّ صبرت ، وأما
أنت فبانقطاع اللاغيف عنك ليلة واحدة لم يكن عندك صبر ، ولا كان لك تحمل حتّى
توجهت من باب رزاق العباد الى باب نصراني ، وطويت كشحك عن الحبيب ، وصالحت عدوه
المريب فقل ايّنا أقل حياءً أنا أم أنت؟
فلما سمع العابد ذلك ضرب بيديه على رأسه
وخر مغشياً عليه.
* يقول المؤلّف : كم هو جميل في هذا
المقام نقل ما قاله الشيخ سعدي حيث قال :
أجلُّ الكائنات من حيث الظاهر الانسان ،
وأذلّ الموجودات الكلب ، وباتفاق العقلاء انّ الكلب الوفيّ خير من الانسان غير
الشاكر للنعمة.
سگى را لقمه اى هر گز فراموش
|
|
نگردد گرزنى صد نوتبش سنگ
|
وگر عمرى نوازى سفله اى را
|
|
به كمتر چيزى آيد باتو در جنگ
|
يعني : لو اعطيت لكلب لقمة فانّه سوف لا
ينساها أبداً ، حتّى لو رميته بالحجر مائة مرّة.
ولو تلطفت عُمراً على سافل فانّه سوف
يحاربك لأجل أقلّ الأشياء.
* ومن المناسب جداً أن نذكر هذا الخبر
الشريف هنا لينير القلب ويقرّ العين : روي انّ أبا عبدالله 7 كان عنده غلام يمسك بغلته اذا هو دخل
المسجد ، فبينما هو جالس ومعه البغلة اذا اقبلت رفقة من خراسان ، فقال له رجل من
الرفقة : هل لك يا غلام أن تسأله ان يجعلني مكانك ، وأكون له مملوكاً ، واجعل لك
مالي كله ، فانّي كثير المال من جميع الصنوف ، اذثب فاقبضه ، وأنا أقيم معه مكانك؟
فقال : اسأله ذلك.
فدخل على أبي عبد الله 7 فقال : جُعلت فداك تعرف خدمتي ، وطول
صحبتي ، فان ساق الله اليّ خيراً تمنعنيه؟
قال : اعطيك من عندي ، وامنعك من غيري.
فحكى له قول الرجل ، فقال : إن زهدت في
خدمتنا ورغب الرجل فينا ، قبلناه ، وأرسلناك.
فلما ولّى عنه عاه ، فقال له : انصحك
لطول الصحبة ولك الخيار ، فإذاكان يوم القيامة كان رسول الله متعلقاً بنور الله ،
وكان أمير المؤمنين متعلقاً برسول الله 9
، وكان الأئمة متعلقين بأمير المؤمنين 7
، وكان شيعتنا متعلقين بنا يدخلون مدخلنا ، ويردون موردنا.
فقال الغلام : بل اقيم في خدمتك ، واوثر
الآخرة على الدنيا.
وخرج الغلام الى الرجل ، فقال له الرجل
: خرجت اليَّ بغير الوجه الذي دخلت به؟!
فحكى له قوله ، وأدخله على أبي عبد الله
7. فقبل ولاءه
وأمر للغلام بألف دينار .
* يقول هذا الفقير لصاحب الذات القدسية
: يا سيدي انّي مذ عرفت نفسي وجدتها على عتبة بابك ، ونبت لحمي وجلدي من نعمتك.
املاً وأنا في أواخر عمري أن تتلطف عليّ بالحفظ ، ولا تبعدني عن هذه الباب ولي طلب
اقدمه بلسان الذل والفاقة :
عن حماكم كيف انصرف
|
|
وهواكم لي به شرف
|
سيدي لا عشتُ يوم أُرى
|
|
في سوى أبوابكم اقف
|
* المثال الخامس :
(لبيان دناءة وخسة الجهل والحث على
العلم والمعرفة).
ذكر أبو القاسم الراغب الاصفهاني في
كتاب (الذريعة) :
(دخل حكيم على رجل فرأى داراً منجّدة ،
وفرشاً مبسوطةً ، ورأى صاحبها خلوّاً من الفضيلة ، فبزق في وجهه.
فقال له : ما هذا السفه أيّها الحكيم؟
قال : بل هذه حكمة. انّ البصاق لير مى
في أخس مكان في الدار ، ولم أر في دارك أخس منك) .
* يقول المؤلّف : فنبّه هذا الرجل
الحكيم بذلك على قباحة ودناءة الجهل ، وانّ القبح والدناءة لا تزول بمجرد اقتناء
المنزل الجيد ولبس الألبسة الفاخرة.
ولكن لا يخفى انّ الفضيلة للعلم تكون
باقتران العلم فانّ هذه الفضيلة توأم مع تلك الخصلة الشريفة.
ولقد أجاد من قال :
نيست از بهر آسمان ازل
|
|
نردبان پايه به زعلم وعمل
|
علم سوى دَرِ اله برد
|
|
نه سوى ملك ومال وجاه برد
|
هركه را علم نيست گمراه است
|
|
دست او زانسراى كوتاه است
|
كاربى علم تخم در شور است
|
|
علم بى كارزنده در گور است
|
حجّت ايزدى است در گردن
|
|
خواندن علم وكار ناكردن
|
آنچه دانسته اى به كار در آر
|
|
خواندان علم جوى از پى كار
|
تا تو در علم باعمل نرسى
|
|
عالمى فاضلى ولى نه كسى
|
علم در مزبله فرونايد
|
|
كه قدم باحدث نمى پايد
|
چند از اين ترّهات ومحتالى
|
|
چشمها درد ولاف كحّالى
|
دانش آنة خوبتر زبهر بسيج
|
|
كه بدانى كه مى دانى هيچ
|
يعني :
١ ـ ليس هناك سلّم يرتقى به الى سماء
الأزل خير من العلم والعمل.
٢ ـ العلم يوصل بك الى الله ، ولا يوصلك
الى المُلك والمال والجاه.
٣ ـ كل من ليس له علم فهو ضالّ ويده
قاصرة عن الوصول إلى دار الآخرة.
٤ ـ والعمل بلا علم مثل البذر في أرض
سبخة ، والعلم بلا كالحي في القبر.
٥ ـ حجّة الله قمت على من تعلّم العلم
ولم يعمل به.
٦ ـ كلّ تعلّمته من العلم فاعمل به
واطلب العلم بقصد العمل به.
٧ ـ مالم تواصل العلم بالعمل ، فانّك
سوف تكون عالماً فاضلاً ، ولكنك لست بشخصيّة.
٨ ـ لا ينزل العلم في المزبلة ، فانّ
القدم والحدوث لا يجتمعان.
٩ ـ كم من ثذه السخائف والحيل ،
والاّدعاء بطبابة العيون مع كونك أرمداً.
١٠ ـ أحسن العلوم علم يهيّئك با ، تعلم
بأنّك لا تعلم شيئاً.
* قال عيسى بن مريم : : أشقى الناس مَن هو معروف عند الناس
بعلمه مجهول بعمله .
وقال الحكيم السنائي :
اي هواهاي تو خدا انگيز
|
|
وى خدايان تو خدا آزار
|
ره رها كرده اى از آنى گم
|
|
عزّ ندانسته اى از آنى خوار
|
علم كز تو تورانه بستاند
|
|
جهل از آن علم به بود صد بار
|
غول باشد نه عالم آنكه از او
|
|
شنوى گفت ونشنوى كردار
|
عالمت غافل است وتو غافل
|
|
خفته را خفته كى كند بيدار
|
كى دلا آيد فرشته تانكنى
|
|
سگ ز در دور وصورت از ديوار
|
ده بود آن نه دل كه اندروى
|
|
گاو وخر باشد وضياع وعقار
|
سائق وقائد وصراط إله
|
|
به ز قرآن مدان وبه زاخبار
|
يعني :
١ ـ يامن اتّخذ آلهته هواه والله بريء
منك ومن آلهتك!.
٢ ـ تركت الطريق فضلت عنه ، ولم تعرف
اعزّ فصرت ذليلاً.
٣ ـ العلم الذي لا يأخذ الأنانية منك
فالجهل أفضل من ذلك العلم مائة مرّة.
٤ ـ وانّ ذلك الذي تسمع منه القول ، ولا
تسمع عنه العمل انّما هو غول وليس عالماً.
٥ ـ عالِمُكَ غافل ، وأنت غافل ، فمتى
كان النائم يوقظ النائم؟
٦ ـ فمتى تدخل عليك الملائكة اذا لم
تبعد الكلب عن الباب تمحُ الصورة عن الحائط؟ .
٧ ـ انّ ذلك الذي في داخله بقر وحمار
وضياع وعقار انّما هو قرية وليس قلباً.
٨ ـ ليس هناك سائق وقائد وصراط إلى الله
أفضل من القرآن والسنّة.
تمّ ماكان مقداراً إثباته في هذه
الرسالة الشريفة في النصف من شهر رمضان المبارك يوم ذكرى المولد السعيد للسبط
الجليل لخير الورى الامام الحسن المجتبى 7
سنة ١٣٤٧.
وبما انّ هذه الرسالة تمت في الشهر
الشريف فمن المناسب ختمها بهذين الدعاء الشريفين :
* الأول :
روى
الشيخ المفيد في كتاب (المقنعة) عن الثقة الجليل القدر علي بن مهزيار
عن الامام أبي جعفر
الجواد : انّه قال :
يستحب أن تكثر من أن تقول في كل وقت من
الليل أو النهار من أول الشهر الى آخره :
« ياذَا الَّذي كانَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ
، ثُمَّ يَبقى وَيَغنى كُلُّ شَيء ، ياذَا الَّذي لَيسَ كَمِثله شَيءٌ ، وَياذَا
الَّذي لَيسَ فِي السَّماواتِ العُلى وَلا فِي الأَرَضينَ السُّفلى ، وفَوقَهُنَّ
وَلا تَحتَهُنَّ ولا تَحتَهُنَّ وَلابَينُهنَّ إله يُعبَدُ غَيرُهُ ، لَكَ الحَمدُ
حَمداً لا يَقوى عَلى إحصائه إلاّ أنتَ ، فَصَلِّ عَلى مُحمَّدٍ صَلاةً لا يَقوى
عَلى إحصائِها إلاّ أنتَ » .
* الثاني :
روى
الشيخ الكليني وغيره عن الامام جعفر الصادق 7
هذا الدعاء الذي علّمه زرارة وأمره أن يدعو به زمان الغيبة وامتحان الشيعة :
« اللّهُمّ عَرِّفني نَفسَكَ فَإنَّكَ
إن لَم تُعَرِّفني نَفسَكَ لَم أعرِف يَبِيَّكَ ، اللّهم عَرِّفني رَسُولَكَ
فإنَّكَ إن لَم تُعَرِّفني رَسولكَ لَم أعرِف حُجَّتَ : ، اللّهم عَرِّفني
حُجَّتَك فَإنَّكَ إن لَم تُعرِّفني حُجَّتَك ضَلَلتُ عَن ديني » .
* واعلم انّ العماء قد ذكروا في كتبهم
انّ منم تكاليف العباد في زمن الغيبة الدعاء لصاحب الزمان 7 والتصدّق عن وجوده المقدّس.
* ومن جملة تلك الأجعية الواردة تقول
دائماً بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على النبي الأكرم وآله : :
« اللّهُمَّ كُن لِوَليّكَ الحُجَّة ِ
بنِ الحَسَنِ صَلَواتُك عَلَيه وعَلى آباِئه في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلّ ساعَةٍ
وَليّاً وَحافِظاً وَناصراً وَدَليلاً وَعَيناً حَتّى تُسكِنَهُ أرضَكَ طَوعاً وَتُمَتِّعَهُ
بِها طَويلاً » .
كتبه العبد عباس القمّي
في سنة سبع وأربعين بعد ألف
وثلاثمائة
في جوار الروضة الرضويّة لا
زالت مهبطاً للفيوضات الربّانية
والحمد لله أوّلاً آخراً ،
وصلّى الله على محمّد وآله.
* * *
__________________
ذكر عدّة
أخبار في وصف الجنّة ونعيمها
(رزقنا تعالى وإيّاك منها)
|
أضفنا
هذا الفصل إلى الكتاب للسبب المتقدّم الّذي ذكرناه في التقديم.
|
السيّد ياسين
الموسوي
أبواب الجنّة :
* روى الصدوق بإسناده عن الامام الصادق 7 ، عن أبيه ، عن جده عن علي 7 قال :
انّ للجنّىة ثمانية أبواب :
باب يدخل منه النبيّون والصدّيقون.
وباب يدخل منه النبيّون والصدّيقون.
وباب يدخل منه الشهداء والصالحون.
وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا
، فلا أزال واقفاً على الصراط ادعو ، وأقول : ربّ سلّم شيعتي ومحبي ، ومن تولاني
في دار الدنيا ، فإذا النداء من بطنان العرش : قد اجيبت دعوتك وشفعت في شيعتك.
ويشفع كل رجل من شيعتي ومن تولاني ،
ونصرني ، وحارب مَن حاربني بفعل أوقول ، في سبعين ألفاً من جيرانه وأقربائه.
وباب يدخل سائر المسلمين ممّن يشهد ان
لا إله إلاّ الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرّة من بغضنا أهل البيت .
* وروى عن الامام الباقر 7 انّه قال :
أحسنوا الظنّ بالله ، واعلموا أنّ
للجنّة ثمانية أبواب ، عرض كل باب منها مسيرة أربعين سنة .
مكتوب على باب الجنّة :
* روى الصدوق بإسناده عن جابر بن عبد
الله الانصاري قال : قال رسول الله 9
:
مكتوب على باب الجنّة : لا اله إلاّ
الله ، محمّد رسول الله ، علي أخو رسول الله ، قبل أن يخلق الله السماوات والأرض
بألفي عام » .
* وروي عن عبد الله بن مسعود قال : قال
رسول الله 9 :
لما اُسري بي الى السماء قال لي جبرئيل 7 : قد امرت الجنّة والنار أن تعرض عليك.
قال 9
فرأيت الجنّة وما فيها من النعيم ، ورأيت النار وما فيها من العذاب.
والجنّة فيها ثمانية أبواب ، على كل باب
منها أربع كلمات ، كل كلمة خير من الدنيا وما فيها لمن يعلم ويعمل بها ...
فقال لي جبرئيل 7 : اقرأ يا محمّد ما على الأبواب.
فقرأت ذلك. أمّا أبواب الجنّة ، فعلى
أول باب منها مكتوب : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، عليّ وليّ الله ، لكل
شيء حيلة ، وحيلة العيش أربع خصال القناعة ، وبذل الحقّ ، وترك الحقد ، ومجالسة
أهل الخير. وعلى الباب الثاني مكتوب : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، عليّ
وليّ الله ، لكل شيء حيلة وحيلة
السرور في الآخرة
أربع خصال : مسح رؤوس اليتامى ، والتعطّف على الأرامل ، والسعي في حوائج المؤمنين
، والتفقد للفقراء والمساكين.
وعلى الباب الثالث مكتوب : لا إله إلاّ
الله ، محمّد رسول الله ، عليّ وليّ الله ، لكل شيء حيلة وحيلة الصحّة في الدنيا
أربع خصال : قلّة الكلام ، وقلّة المنام ، وقلّة المشي ، وقلة الطعام.
وعلى الباب الرابع مكتوب : لا إله إلاّ
الله ، محمّد رسول الله ، علي ولي الله ، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم
ضيفه ، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ، من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فليكرم والديه ، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو يسكت.
وعلى الباب الخامس مكتوب : لا إله إلا
الله ، محمّد رسول الله ، عليّ وليّ الله ، من أراد لا يُظلم فلا يَظلم ، ومن أراد
أن لا يُشتم فلا يَشتم ، ومن أراد أن لا يذلّ فلا يُذلّ ، ومن أراد أن يستمسك
بالعروة الوثقى في الدنيا والآخرة فليقل : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ،
عليّ ولي الله.
وعلى الباب السادس مكتوب : لا إله إلا
الله ، محمدّ رسول الله ، عليّ وليّ الله ، من أراد أن يكون قبره وسيعاً فسيحاً
فليبن المساجد ، ومن أراد أن لا تأكله الديدان تحت الأرض فليسكن المساجد ، ومن
أحبّ أن يكون طريّاً مطّراًَ لا يبلى فليكنس المساجد ، ومن أحب أن يرى موضعه في
الجنّة فليكس المساجد بالبسط.
وعلى الباب السابع مكتوب : لا إله إلاّ
الله ، محمّد رسول الله ، عليّ وليّ الله ، بياض القلب من أربع خصالِ : عيادة
المريض ، واتباع الجنائز ، وشراء الأكفان ، وردّ القرض.
وعلى الباب الثامن مكتوب : لا إله إلاّ
الله ، عليّ وليّ الله ، من
أراد الدخول من هذه
الأبواب فليتمسك بأربع خصال : السخاء ، وحسن الخلق ، والصدقة ، والكف عن أذى عباد
الله تعالى .
ملاط الجنّة :
*روى علي بن ابراهيم في تفسيره بالإسناد
ع الامام زين العابدين 7
انّه قال :
عليك بالقرآن ، فإن الله خلق الجنّة
بيده لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وجعل ملاطها المسك ، وترابها الزعفران ن وحصباءها
اللؤلؤ ،
وجعل درجاتها على قدر آيات القرآن ، فمن قرأ القرآن قال له : اقرأ وارق ، ومن دخل
منهم الجنّة لم يكن في الجنّة أعلى درجة منه ما خلا النبيّون والصديقون .
حلقة باب الجنّة :
* روي عن ابن عباس عن النبي 9 قال :
انّ حلقة باب الجنّة من ياقوته حمراء
على صفائح على صفائح الذهب ، فإذا دقّت الحلقة على الصفحة طنت وقالت : يا علي .
غرفة الجنّة :
*روى الشيخ علي بن ابراهيم في تفسيره
والشيخ الكليني في الكافي
بسند معتبر عن
الامام الباقر 7
في تفسير قوله تعالى : ( غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا
غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ ) فقال علي 7
:
بماذا بنيت يارسول الله؟
فقال : يا علي تلك غرف بناها الله عزّ
وجلّ لأوليائه بالدر والياقوت وازبرجد ، سقوفها الذهب محبوكة بالفضة ، لكلّ غرفة
منها ألف باب من الذهب ، على كل باب منها ملك موكّل به .
أرض الجنّة :
* وروي عن الامام الباقر 7 :
انّ أرض الجنّة رخامها فضة ، وترابها
الورس والزعفران ،
وكنسها
المسك ، ورضراضها
الدار والياقوت .
أسرّة الجنّة :
* وروي عن الامام الباقر 7 انّه قال في وصف أسرّة الجنّة :
انّ أسرّتها من در وياقوت ، وذلك قول
الله ( عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ ) يعني
:
أوساط السرر من
قضبان الدر والياقوت ، مضروبة عليها الحجال
والحجال من در وياقوت ، أخفّ من الريش ، وألين من الحديد. وعلى السرور من الفرش
على قدر ستين غرفة من غرف الدنيا ، بعضها فوق بعض ، وذلك قول الله ( وَفُرُشٍ
مَّرْفُوعَةٍ )
( عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ) يعني بالارائك : السرر الموضونة عليها
الحجال » .
فرش الجنّة :
* وروى الكليني بإسناد معتبر عن الامام
الباقر 7 انّ الله 9 قال لعلي 7
في وصف فرش الجنة :
فيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من
الحرير والديباح بألوان مختلفة ، وحشوها المسك والكافور ، والعنبر ، وذلك قول
عزّوجلّ ( وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ ) .
لباس الجنة :
* وروي عن الامام الباقر 7 عن رسول الله 9 في وصف لباس الجنة :
اذا ادخل المؤمن الى منازله في الجنة ،
ووضع على رأسه تاج الملك والكرامة ألبس حلل الذهب والفضة والياقوت والدر المنظوم
في الاكلين تحت التاج ، قال : وألبس سبعين حُلة حرير بألوان مختلفة ، وضروب مختلفة
، منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الأحمر ، فذلك قوله عزّوجلّ : (
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ
مِن
ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
) .
نخل الجنّة :
* روى الشيخ المفيد عن الامام الباقر 7 قال :
قال رسول الله 9 أنّ نخل الجنّة جذوعها ذهب أحمر ،
وكربها زبرجد أخضر ، وشماريخها درّ أبيض ، وسعفها حلل خضر ، ورطبها أشدّ بياضاً من
الفضة ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ، ليس فيه عجم وطول العذق اثنا عشر ذراعاً
، منضودة من أعلاه الى أسفله ، لا يؤخذ منه شيء إلاّ أعاده الله كما كان ، وذلك
قول الله : ( لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ) وانّ رطبها لأمثال القلال ، وموزها
ورمّانها أمثال الدليّ ، وأمشاطهم الذهب ومجامرهم الدرّ .
فاكهة الجنّة :
قال تعالى : ( لَهُمْ
فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ ) .
وقال تعالى : (
مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ) .
وقال تعالى : ( لَكُمْ
فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ ) .
وقال تعالى : ( فِيهِمَا
مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ ) .
وقال تعالى : ( فِيهِمَا
فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ) .
وقال تعالى : (
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ) .
وقال تعالى : ( إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ) .
* روى الصدوق بإسناده عن الامام الباقر 7 عن جابر بن عبد اله قال :
قيل : يا رسول الله انّك تلثم فاطمة ،
وتلزمها ، وتدنيها منك ، وتفعل بها ما لا تفعله بأحدٍ من بناتك؟
فقال : انّ جبرئيل 7 أتاني بتفاحة من تفاح الجنّة فأكلتها
فتحولت ماء في صلبي ثمّ واقعت خديجة فحملت بفاطمة فأنا أشم منها رائحة الجنة .
* وروى عنه أنس بن مالك :
لما خرج النبي 9 الى غزوة الطائف فبينما نحن بغمامة ،
فأدخل يده تحتها فأخرج رماناً ، فجعل يأكل ويطعم علياً ، ثمَّ قال لقوم رمقوه
بأبصارهم :
هكذا يفعل كلُّ نبي بوصيه ، وفي رواية
الباقر 7 :
انّ النبي 9
ك إنه يذوقها الاّ يذوقها الاّ نبي وصيّ نبيّ .
* وعن محمّد بن أبي عمير ومحمّد بن مسلم
وزرارة عن أبي جعفر 7
قال : نزل جبرئيل على محمّد 9
برمانتين من الجنة فأعطاهما إياه ، فأكل واحدة وكسر الاُخرى وأعطى علياً نصفها
فأكله ، ثمّ قال : الرمانة التي أكلتها فهي النبوة ليس لك فيها شيء ، وأما الاُخرى
فهي العلم فأنت شريكي فيها .
* وعن عيسى بن الصلت عن الصادق 7 في خبر :
فأتوا جبل ذباب فجلسوا عليه فرفع رسول الله 9 رأسه فإذا برمانة مدلاّة ، فتناولها
رسول الله 9 ففلقها فأكل
وأطعم علياً منها ، ثمّ قال : يا أبا بكر
هذه رمانة من رمّان
الجنة ، لا يأكلها في الدنيا إلاّ نبي أو وصي نبي .
* وروى السيّد ابن طاووس في مهج الدعوات
روايةً ظريفة بالاءسناد الى عبد الله بن سلمان الفارسي عن أبيه قال :
خرجت من منزلي يوماً بعد وفاة رسول 9 بعشرة أيّام فلقيني علي ابن أبي طالب 7 ابن عم الرسول محمّد 9 فقال لي : يا سلمان جفوتنا بعد رسول
الله 9 فقال لي :
ياسلمان جفو تنا بعد رسول الله 9
فقلت : حبيبي أبا الحسن مثلكم لا يجفى غير أنّ حزني على رسول الله بنت رسول الله 9 طال فهو الذي منعني من زيارتكم فقال 7 ك يا سلمان ائت منزل فاطمة بنت رسول
الله 9 فانّها إليك
مشتاقة تريد أن تتحفك بتحفة قد أُتحفت بها من الجنة ، قلت لعلي 7 : قد أُتحفت فاطمة 8 بشيء من الجنة بعد وفاة رسول الله 9؟ قال : نعم بالأمس.
قال سلمان الفارسي : فهرولت إلى منزل
فاطمة 8 بنت محمّد 9 ، فإذا هي جالسة وعليها قطعة عباء إذا
خمرت رأسها انجلى ساقها وإذا غطت ساقها انكشف رأسها ، فلما نظرت إليَّ اعتجرت ثمّ
قالت : يا سلمان جفوتني بعد وفاة أبي 9
قلت : حبيبتي أأجفاكم؟ قالت : فمه ، اجلس واعقل ما أقول لك.
إنّي كنت جالسة بالأمس في هذا المجلس
وباب الدار مغلق وأنا أتفكر في انقطاع الوحي عنا وانصراف الملائكة عن منزلنا ،
فإذا انفتح الباب من غير أن يفتحه أحد ، فدخل علي ثلاث جوار لم ير الرّاؤون بحسنهن
ولا كهيئتهنّ ولا نضارة وجوههنّ ولا أزكى من ريحهن ، فلما رأيتهن قمت إليهن متنكرة
لهن فقلت : بأبي أنتن من أهل مكّة أم من أهل المدينة؟ فقلن : يابنت محمّد لسنا من
أهل مكّة ولا من أهل المدينة ولا من أهلا الأرض جميعاً أننا جوارٍ من الحور العين
من دار السلام أرسلنا رب العزة إليك يابنت محمّد إنا إليك مشتاقات.
فقلت للتي أظن أنها أكبر سناً : ما
اسمك؟ قالت :
اسمي مقدودة ، قلت : ولم سمّيت مقدودة؟
قالت : خلقت للمقداد بن الأسود الكندي صاحب رسول الله 9.
فقلت للثانية : ما اسمك؟ قالت ذرّ
الغفاري صاحب رسول الله 9.
فقلت للثاثة : ما اسمك؟ قالت : سلمى ،
قلت : ولم سميت سلمى؟ قالت : أنا لسلمان الفارسي مولى أبيك رسول الله 9.
قالت فاطمة : ثمّ أخرجن لي رطباً أزرق
كأمثال الخشكنانج
الكبار أبيض من الثلج وأزكى ريحاً من المسك الأذفر فأحضرته فقالت لي : يا سلمان
أفطر عليه عشيتك فإذا كان غداً فجئني بنواه أو قالت : عجمه.
قال سلمان : فأخذت الرّطب فما مررت بجمع
من أصحاب رسول الله 9
إلاّ قالوا : يا سلمان أمعك مسك؟ قلت : نعم ، فلما كان وقت الافطار أفطرت عليه فلم
أجد له عجماً ولا نوى ، فمضيت إلى بنت رسول الله 9
في اليوم الثاني فقلت لها : إنّي أفطرت على ما أتحفتيني به فما وجدت له عجماً ولا
نورى ، قالت :
يا سلمان ولن يكون له عجم ولا ونورى
وإنّما هو نخل غرسه في دار السلام بكلام علمنيه أبي محمّد 9 كنت أقوله غدوة وعشية.
قال سلمان : قلت ، علّميني الكلام
ياسيّدتي ، فقالت إن سرك لا يمسك أذى الحمى ما عشت في دار الدنيا فواظب عليه. ثمّ
قال سلمان : علّميني هذا الحرز فقالت :
بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله النور
، بسم الله نور النور ، بسم الله نور على نور ، بسم الله الذي هو مدبر الأُمور بسم
الله الذي خلق النور من النور ، الحمد الله
الذي خلق النور من
النور ، وأنزل النور على الطور ، في كتاب مسطور ، في زقّ منشور ، بقدر مقدور ، على
نبي محبورن الحمد لله الذي هو بالعز مذكور وبالفخر مشهور ، وعلى السرَّاء
والضرَّاء مشكور ، وصلى الله على سيدنا محمّدنا وآله الطاهرين.
قال سلمان : فتعلّمتهن فوالله لقد
علمتهن أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكّةممن بهم الحمى فكلٌّ برئ من مرضه باذن
الله تعالى .
شجرة طوبى :
*روى الكليني والصدوق رَحمهما الله ُ
بإسنادهما عن الامام الصادق 7
عن آبائه : قال :
قال أمير المؤمنين : طوبى شجرة في
الجنّة أصلها في دار النبي 9
وليس من مؤمن إلاّ وفي داره غصن منها ، لا تخطر على قلبه شهوة شيء إلاّ أتاه به
ذلك الغصن ، ولو انّ راكباً مجدّاً سار في ظلها مائة عام ما خرج منها ، ولو طار من
أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتّى يسقط هرماً ، ألا ففي هذا فارغبوا .
* وروى علي بن ابراهيم في تفسيره عن
انبي الأكرم 9 قال :
لما دخلت الجنة رأيت فيها شجرة طوبى ،
أصلها في دار عليّ ، وما في الجنة قصرولا منزل إلاّ وفيها فتر منها وأعلاها أسفاط حلل من سندس واستبرق
يكون للعبد امؤمن
ألف ألف سفط في كل سفط مائة ألف حلة ما فيها حلّة تشبه الاُخرى على مالألوان
مختلفة وهو ثياب أهل الجنة ، وسطها ظلّ ممدود ، عرض الجنة كعرض السماء والأرض
أُعدت للذين آمنوا بالله ورسوله ، يسير الراكب في ذلك الظل مسيرة مائة عام فلا
يقطعه ، وذلك قوله : ( وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ) وأسفلها ثمار أهل الجنة وطعامهم متذلّل
في بيوتهم ، يكون في القضيب منها مائة لون من الفاكهة مما رأنتم في دار الدنيا ،
ومما لم تروه ، وما سمعتم به ، وما لم تسمعوا مثلها ، وككلما يجتنى منها شيء نبتت
منها اُخرى ( لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ) ويجري نهر في أصل تلك الشجرة تنفجر
منها الأنهار الأربعة ( أَنْهَارٌ مِّن
مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ
وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ
مُّصَفًّى ) .
أنهار الجنّة :
نهر جعفر :
* روى الكليني بإسناده عن الامام موسى
بن جعفر 7 انّه قال :
قال لي أبي : أنّ في الجنة نهراً يقال
له جعفر ، على شاطئه الأيمن درة بيضاء فيها ألف قصر ، في كل قصرٍ ألف قصر لمحمدٍ
وآل محمّد 9 .
نهر خير :
* وروى الكليني في الكافي بإسناده عن
الحسين بن أعين قال :
سألت أبا عبد الله 7 عن قول الرجل للرجل : جزاك الله خيراً
، ما يعني به؟
قال أبو عبد الله 7 أن (خيراً) نهر في الجنة مخرجه من
الكوثر ، والكوثر ، مخرجه من ساق العرش عليه منازل الاوصياء وشيعتهم ... الحديث .
نهر رجب :
* وروى الصدوق بإسناده عن أبي الحسن 7 قال :
رجب نهر في الجنة أشد بياضاً من اللبن ،
وأحلى من العسل ، من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر .
وصف أنهار الجنّة :
* وروى الشيخ المفيد بالإسناد عن الامام
الباقر 7 قال :
قال رسول الله 9 : « إن أنهار الجنة تجري في غيرأ خدود
، أشدبياضاً من الثلج ، وأحلى من العسل ، وألين من الزَّبد ، طين النهر مسك أصفر ،
وخصاه الدرّ والياقوت ، تجري في عيونه وأنهاره حيث يشتهي ويريد في جناته وليّ الله
، فلو أضاف من في الدنيا من الجن والانس لأوسعه طعاماً وشراباً وحلياً لا ينقصه من
ذلك شيء .
باب المجاهدين :
* روى الصدوق عن الامام الصادق 7 عن أبيه عن جده 7 قال :
قال رسول الله 9 : للجنة باب يقال له باب المجاهدين
يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلدون سيوفهم ، والجمع في الموقف ، الملائكة ترحب
بهم ، فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلاً في نفسه وفقراً معيشة ومحقاً في دينه أن الله
تبارك وتعالى أعزّ امتي بسنابك خيلها ، ومراكرز رماحها .
المجاهدون قادة أهل الجنّة :
* عن رسول الله 9 قال :
حملة القرآن عرفاء أهل الجنة ،
المجاهدون في سبيل الله تعالى قوّاد أهل
الجنة ، والرسل
سادات أهل الجنة .
منزلة الشهداء في الجنّة :
* روى الحسين بن سعيد بسند موثق عن زيد
بن علي عن آبائه : قال
: قال رسول الله 9
: انّ ادنى أهل الجنة منزلةٌ من الشهداء من له اثنى عشر ألف زوجة من الحور العين ،
وأربعة آلاف بكر ، واثنا عشر ألف ثيِّب ، تخدم كل زوجة من الحور العين ، وأربعة
آلاف بكر ، واثنا عشر ألف ثيِّب ، تخدم كل زوجة منهن سبعون ألف خادم ، غير ان
الحورالعين يضعّفلهن ، يطوف على جماعتهن في كل اسبوع ، فإذا جاء يوم إحداهن ، أو
ساعتها ، اجتمعن إليها يصوتن بأصوات لا أصوات أحلى منها ولا أحسن حتّى مايبقى في
الجنة شيء إلاّ اهتز لحسن اصواتهن ، يقلن : ألا نحن الخالدات فلا يموت أبداً ،
ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً ، ونحن الرضيات فلا نسخط أبداً .
الحور العين :
روى علي بن ابراهيم في تفسيره والشيخ
الكليني في الكافي بالإسناد عن الامام الباقر 7
عن رسول الله 9
في حديث طويل قال :
فإذا استقرت بولي الله عزّوجلّ منازله
في الجنان استأذن عليه الملك الموكّل بجنانه ليهنّئه بكرامة الله عزّولّ إياه ،
فيقول له خدام المؤمن من الوصفاء والوصائف مكانك فانّ وليّ الله قد اتكأ على
أريكته وزوجته الحوراء تهيّأ له فاصبر لولي الله.
قال : فتخرج عليه زوجة الحوراء من خيمة
لها تمشي مقبلة وحولها وصائفها وعليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد
صبغن بسمك وعنبر ،
وعلى رأسها تاج
الكرامة ، وفي رجليها نعلان من ذهب بالياقوت واللؤلؤ ، شراكهما ياقوت أحمر ، فإذا
دنت من ولي الله فهم يقوم إليها شوقاً ، فتقول : له : ياوليّ الله ليس هذا يوم تعب
ولا نصب ، فلا تقم ، أنا لك وأنت لي.
فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام
الدنيا لا يملها ولا تمله ... الحديث .
وصف عام للجنّة :
* روى علي بني ابراهيم بسند صحيح عن أبي
بصير قال :
قلت لأبي عبد الله 7 : جعلت فداك يا بن رسول الله شوقني.
فقال 7
: يا أبا محمّد انّ من ادنى نعيم الجنّة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام من مسافة
الدنيا. وانّ ادنى نعيم الجنّة منزلاًَ لو نزل به أهل الثقلين الجن والانس لو سعهم
طعاماً وشراباً ولا ينقص مما عنده شيء.
وانّ أيسر أهل الجنّة منزلاً لو نزل به
أهل الثقلين الجن والانس لو سعهم طعاماً وشراباً ولا ينقص مما عنده شيء.
وانّ أيسر أهل الجنّة منزلةً من يدخل
الجنّة فيرفع له ثلاث حدائق ، فإذا دخل ادناهن رأى فيهامن الازواج والخدم والأنهار
والاثمار ماشاء الله مما يملأ عينه قرة ، وقلبه مسرّةً ، فإذا شكر الله وحمده قيل
له : ارفع رأسك الى الحديقة الثانية ففيها ماليس في الاُخرى.
فيقول : يا ربِّ اعطني هذه.
فيقول الله تعالى : ان اعطيتك إياها ،
سألتني غيرها.
فيقول : ربِّ هذه ، هذه.
فإذا هو دخلها شكر الله وحمده.
قال : فيقال : افتحوا له باب الجنّة ،
ويقال له : ارفع رأسك ، فإذا قد فتح له باب من الخلد ، ويرى أضعاف ماكان فيما قبل
، فيقول عند تضاعف مسراته : ربِّ لك الحمد الذي لا يحصى اذ مننت عليّ بالجنان
ونجيتني من النيران.
قال أبو بصير : فبكيت ، قلت له : جعلت
فداك زدني.
قال : يا أبا محمّد انّ في الجنّة نهراً
في حافته جوار نابتات اذا مرَّ المؤمن بجارية أعجبته قلعها ، وأنبت الله مكانها
اُخرى.
قلت : جعلت فداك زدني.
قال : المؤمن يزود ثمانمائة عذراء ،
وأربعة آلاف ثيِّب ، وزودتني من الحور العين.
قلت : جعت فداك ، ثمانمائة عذراء؟!
قال : نعم ما يفرش فيهنَّ شيئاً وجدها
كذلك.
قلت : مجعلت فداك ، من أي شيء خلقن
الحور العين؟
قال : من تربة الجنّة النورانية ، ويرى
مخ ساقيها من وراء سبعين حُلة ، كبدها مرآته ، وكبده مرآتها.
قلت : جعلت فداك ، ألهنَّ كلام يكلمنَّ
به أهل الجنّة؟
قال : نعم. كلام يتكلمنَّ به لم يسمع
الخلائق بمثله.
قلت : ماهو.
قال : يقلن نحن الخالدات فلا نموت ،
ونحن الناعمات فلا نبوس ، ونحن المقيات فلا نظعن ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى
لمن خلق لنا ، وطوبى لمن خُلقنا له ، نحن اللواتي لو أن قرن أحدانا عُلق في جو
السماء لا غشى نوره الأبصار .
* * *
محتويات الكتاب
الإهداء
|
٥
|
|
العقبة الثانية :
ضغطة القبر
|
١٣٧
|
مقدمة التحقيق
والتعريب
|
٧
|
|
المُنجيات من
ضَغطَةِ القَبرِ
|
١٤١
|
حول موضوع الكتاب
|
١١
|
|
العقبة الثالثة :
مساءلة منكر ونكير
|
١٥٠
|
حياة الؤلّف 1
|
٤٣
|
|
ذكر حكايات
|
١٥٥
|
مقدمة المؤلّف 1
|
١٠١
|
|
مِن المنازل
المَهوُلة : البرزخ
|
|
الأول منازل : الموت
|
|
|
الآية ، وبعض
الروايات الواردة فيه
|
١٦١
|
وفيه عقبتان :
|
|
|
كلام من العلّامة
المجلسي 1
|
١٦٣
|
العقبة الاُولى :
سكرات الموت وشدّة نزع الروح
|
١٠٧
|
|
ذكر عدّة حكايات
نافعة من المنامات الصادقة
|
١٦٥
|
الأشياء التي تهوِّن
سكرات الموت
|
١٠٩
|
|
من منازل الآخرة
المهولة : القيامة
|
|
العقبة الثانية :
العديلة عند الموت
|
١١٥
|
|
وصف القيامة
|
١٧٩
|
الاُمور النافعة
لهذه العقبة
|
١١٦
|
|
بعض الاُمور التي
تنجي من شدائد القيامة
|
١٨٤
|
ذكر حكايتين
مناسبتين
|
١٢١
|
|
ساعة خروج الإنسان
من قبره
|
|
لطيفة
|
١٢٤
|
|
الآيات والروايات
|
١٩٤
|
من منازِلُ الآخرة
المهولة : القبر
|
|
|
ذكر بعض الأخبار في
أحوال بعض الأشخاص عند خروجهم من قبورهم
|
١٩٥
|
وفيه عقبات :
|
|
|
|
|
لعَقَبَةُ الأُولى :
وحشة القبر
|
١٢٨
|
|
|
|
بعض الاُمور النافعة
لهذه الساعة
|
١٩٧
|
|
أسماء عقبات الصراط
|
٢٣٦
|
ختمٌ ذكرُهُ حتمٌ
|
١٩٩
|
|
حكاية
|
٢٣٨
|
موقف الميزان
|
|
|
ذكر عدة أعمال
لتسهيل المرور على الصراط
|
٢٣٩
|
الآيات
|
٢٠١
|
|
خاتمة
|
|
الأخبار في فضل
الصلوات
|
٢٠٢
|
|
ذكر عدّة أخبار في
شدّة عذاب جهنّم
|
٢٤٣
|
روايات في حُسن
الخُلق
|
٢٠٦
|
|
جملة من قصص
الخائفين
|
٢٤٩
|
حكايات في حُسن
الخُلق
|
٢١٠
|
|
ذكر بعض الأمثال
لتنبّه المؤمنين
|
٢٦٥
|
موقف الحساب
|
|
|
ختم الرسالة بدعاءين
شريفين
|
٢٨٦
|
الآيات والأخبار
|
٢١٩
|
|
من تكاليف العباد في
زمن الغيبة : الدعاء لصاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف
|
٢٨٧
|
حكايتان مناسبتان
|
٢٢١
|
|
ملحَقُ للمترجم
|
|
موقف نشر الصحف
|
|
|
ذكر عدّة أخبار في
وصف الجنّة ونعيمها
|
٢٩١ ـ ٣٠٦
|
الآيات والروايات
|
٢٢٥
|
|
|
|
التبرّك بذكر رواية
نقلها السيّد ابن طاووس
|
٢٢٨
|
|
|
|
من موارد الآخرة
المَهولة : الصراط
|
|
|
|
|
وصف الصراط
|
٢٣٣
|
|
|
|
|