
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ
عَلَى اللهِ
فَهُوَ حَسْبُهُ
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ومما يؤنث من سائر الاشياء ولا يذكر
(الرِّيح) أنثى هى عند سيبويه فِعْلٌ وعند أبى الحسن فُعْلٌ وكذلك
جِيدٌ عنده فُعْلٌ وليس تعليلُ هذا هنا من غَرَضنا وياؤه منقلبة عن واو بدليل
قولهم فى الجميع أَرْواح وأما رِياحٌ فياؤه منقلبة عن واو للكسرة التى قبلها وقد
قالوا فى جمعها أَرايِيح وهو عندى مما عاقَبُوا بينه وأسماء الريح مؤنثة* وأنا
أذَكر ما يحضرنى من أسمائها وأبدأ بمعظمها وهى الجَنُوبُ والشَّمَالُ والدَّبُورُ
والصَّبا فالدَّبُورُ التى من دُبُر الكعبة والقَبُولُ من تِلْقائها والشَّمَالُ
تأتى من قُبُلِ الحِجْر والجَنُوب من تلقائها وقد دَبَرَتْ تَدْبُر دُبُورًا
وقَبَلَتْ تَقْبُلُ قُبُولاً وجَنَبَتْ تَجْنُبُ جُنُوبًا وشَمَلَتْ تَشْمُلُ
شُمُولا وفى الشَّمالِ لُغاتٌ قد قدّمت ذكرها وأذكر هنا منها شيئا للاحتياط يقال
شَمْأَلٌ وشَمَلٌ وشَأْملٌ وشَمَالٌ وشَمُولٌ وشَمْلٌ وان شئتَ قلتها كلها بالالف
واللام وقد قدمتُ أن هذه الاسماء الاربعة تكون صفة واسما والعرب تقول هَبَّتِ
الشَّمالُ وهَبَّتْ شَمَالا وكذلك فى سائر لغاتها وجميع
أسماء الرياح يكون
ذلك فيه فيما ذكر الفارسى وهو القياس فى قول من جعلها وصفا وقد تضاف هذه الرياح
كلها ومن أسماء الجَنُوبِ الازْيَبُ ولا فِعْل لها والنُّعامَى وقد أَنْعَمَتْ
وذكر الفارسى أن جميع الافعال المشتقة من هذه المثالات التى هى أسماء الرياح مبنية
على فَعَلَتْ الا النُّعَامَى فانه يقال أَنْعَمَتْ ومن أسمائها الهَيْفُ
والهَوْفُ* قال ابن السكيت* هَيْفٌ وهُوفٌ ولا فِعْلَ لها ومن أسماء الشَّمالِ
الجِرْبِياء ونِسْعٌ ومِسْعٌ ونحوه وقد قَدَّمْتُ اشتقاقَ هذا كله فاما قول الهذلى
قد حالَ بَيْنَ
دَرِيسَيهِ مُؤَوِّبةٌ
|
|
نِسْعٌ لها بِعضاه
الأرضِ تَهْزِيزُ
|
فزعم الفارسى أن
نِسْعًا بدل من مُؤَوِّبةٌ وهو بدل المعرفة من النكرة
(ومن أسماء الصبا) إِيرٌ وأَيِّر وهِيرٌ وهَيِّر فهذه أسماء معظم الرياح
(ومن أسماء الرياح) الصَّرْصَرُ ـ وهى الباردة والبَلِيلُ ـ وهى
التى فيها بَرْد ونَدَى والحَرْجَفُ ـ وهى القَرَّةُ فهذا ما جاء من أسمائها بغير
علامة وصفاتُها التى لا علامة فيها تَجْرِى هذا المَجْرَى والبَلِيلُ والحَرْجَفُ
عند الفارسى صفتانِ غَلَبَتا غَلَبةَ الاسماءِ فاما الاعْصار فمذكر وهو عنده وعند
سيبويه اسم ولا يكون صفة لانه لا يكون فى الصفات على مثال إفْعال وانما هو بناء
خُصَّ به الاسم وغلب على المصادر فاما الاسْكافُ الذى هو الصانع والاسْوارُ الذى
هو جَيّد الثَّباتِ على ظَهْر الفَرَس أو الَجيِّدُ الرَّمْىِ بالسهام ففارسيان
والهَيْجُ ـ الريح الشديدة والخَزْرَجُ ـ رِيح
الجَنُوب وقيل الشديدة وقيل هى الريح الباردة قال أبو ذؤيب
غَدَوْنَ
عُجَالَى وانْتَحَتْهُنَّ خَزْرَجٌ
|
|
مُقَفِّيةٌ
آثارَهُنَّ هَدُوجُ
|
(النار) أنْثَى وتكسيرها
نِيرانٌ ونُورٌ ونِيَرةٌ وأَنْؤُرٌ منقلبة وأنشد الفارسى
فلما فَقَدْتُ
الصَّوْتَ منهم وأُطْفِئَتْ
|
|
مَصابيحُ منهم
بالعِشَاء وأَنْؤُرُ
|
والدليل على صحة
القلب قولهم تَنَوَّرْتُ النارَ أى نظرتُ اليها وزعم الفارسى أن النار والنُّورَ
من باب العِدْلِ والعَدِيل وحكى أَنْوُرٌ والابدالُ عنده أكثر لخفة الهمزة وقالوا
أَنَرْتُ له وليس النُّورُ الذى هو نقيض الظُّلمة بجمع انما هو اسم كالضَّوْءِ
والضُّوءِ* قال أبو حاتم* وكذلك نار الحَرْب والسِّمَةِ والمَعِدَةِ* قال أبو
حنيفة* وقد حكى فى النار التذكير وهى قليلة وجميع أسماء النار
(والدار) انْثى
وألفها منقلبة عن واو بدليل قولهم تَدَوَّرَ دارًا ـ أى
اتَّخَذَها فاما قولهم دَيَّارٌ فزعم أحمد بن يحيى أنها معاقبة وزعم غيره من
النحويين أنه فَيْعَالٌ فاما دَيُّورٌ ففَيْعُولٌ عندهم وجمع الدار أدْؤُرٌ وحكى
أبو الحسن أَدْوُر ذكرها عنه الفارسى وقال هو على القَلْب وقد أَبَنْثُ وَجْهَ ذلك
وأوردتُ تعليلَه فيه فاما جمعه الكثير فَدُورٌ وحكى سيبويه دُورٌ ودُوراتٌ وقد
كُسِّرت الدارُ على الدِّيارِ والدِّيرانِ والدَّارُ البَلَدُ يجرى هذا المجرى فى
التأنيث والتكسير قال سيبويه تقول العرب هذه الدار نعمت البلدُ فاما قوله
هل تَعْرِفُ
الدارَ يُعَفِّيها المُورْ
|
|
والدَّجْنُ يوما
والسَّحابُ المَهْمُورْ
|
* لِكُلّ ريح فيه ذَيْلٌ مَسْعُورْ*
|
فانه ذَكَّرَ على
معنى المكان وقالوا الدارُ الدُّنْيا والدارُ الآخرة فاما قوله (وَلَدارُ الْآخِرَةِ) فعلى ارادة الحياة الآخرة
(الارض) مؤنثة والجمع أَرَضُونَ وفتحوا الراء ليُشْعِروا بالتغيير
والاخراج له عن بابه والفتحة هنا بازاء الكسرة فى قولهم ثِبُونَ وبابِه فى أنها
موضوعه للاشعار بالتغيير وجمعوها بالواو والنون وان كان ذلك من خواص جمع من
يَعْقِل ذهابا الى تفخيمها وتكسيرها عزيز ولكنه قد كُسِّرَ وليس بذاك الفاشى قالوا
أُرُوضٌ وآراضٌ وأَرَاضٍ وأَرْضُ الدابةِ قوائمُها يَجْرِى هذا المَجْرَى وهى
استعارة كما قالوا لأعلاها سماء وأنشد
اذا ما
اسْتحَمَّتْ أرضُه من سَمائِه
|
|
جَرَى وهو
مَوْدُوعٌ وواعِدُ مَصْدَقِ
|
والارْضُ ـ الزَّكْمَةُ تحْرِى هذا المَجْرَى فى التأنيث
فاما قوله تعالى (إِلَّا دَابَّةُ
الْأَرْضِ) فذهب بعضهم الى أنها الارَضة يقال أُرِضَ الجِذْعُ أَرْضًا
وأَرِضَ أَرَضًا ـ اذا أكلتْه الارَضَةُ يقال دابة الارضِ كما
قالوا دابَّةُ القَرْضِ نَسَبها الى فِعْلها واليه ذهب أبو حاتم فى الآية
(والفهْرُ) مؤنثة
وهو حَجَر يملأ الكَفَّ والجمعُ أفْهار
(والعَرُوضُ) من
الشِّعْر وغيره مؤنثة وأنشد
ما زالَ سَوْطِى
فى قِرابِى ومِجْعَنِى
|
|
وما زِلْتُ منه
فى عَرُوضٍ أَذُودُها
|
والعَرُوضُ ـ ناحية
معروفة من الارض مؤنثة يقال وَلِىَ فلانٌ مكةَ والعَرُوضَ لتلك الناحية وقيل
اسْتُعْمِلَ فلانٌ على العَرُوض ـ يعنى مكة والمدينة واليمن وليست هذه المسئلة
عَرُوضَ هذه ـ أى مثلها ويقال ناقة عَرُوض ـ اذا
لم تُرَضْ وكذلك ناقة قَضِيبٌ وعَسيرٌ
(والنَّعْلُ) من
نِعَالِ الارْجُل مؤنثة وكذلك النَّعْلُ من نِعَالِ السُّيوف والنَّعْلُ ـ الحَرَّة ومنه قول الشاعر
* بالآلِ اذ تَبْرُقُ النِّعالُ*
يعنى بالسَّرابِ
وكذلك الحَرْجَلُ مؤنث وهو من أسماء الحَرَّة فاما أبو حنيفة فقال هى الحَرْجَلَةُ
بالهاء ويقال للحافِرِ الوَقَاحِ انه لَشديدُ النَّعْلِ
(والشَّعِيبُ)
مَزَادةٌ مَشْعُوبة من أَدِيمَيْنِ وقيل هى التى تُفْأَم بجلدٍ ثالثٍ بين
الجِلْدَيْن لِيَتَّسِع مؤنث لا غير فاما قول الراجز
* ما بالُ عَيْنِى كالشَّعِيب العَيَّنِ*
فيروى بالفتح
والكسر فمن فتحه حمله على معنى السِّقاء لان فَيْعَلاً لا يكون للمؤنث الا بالهاء
وأما الكسر فعلى الصفة للشَّعِيب لان فَيْعِلاً قد يكون للمؤنث كما قال بلدةً
مَيِّتًا وقال الراعى
فكانَّ
رَيِّضَها اذا اسْتَقْبَلْتَها
|
|
كانتْ مُعاوِدةَ
الرِّكابِ ذَلُولا
|
(الغُولُ) أُنْثى ـ وهى ساحرة الجِنِّ والجمعُ أغْوال وغِيلَانٌ
وقيل هى التى تَغُول وتَغَوَّلُ وتَلَوَّنُ ومنه قول كَعْب بن زُهير
فما تَدُومُ على
شئٍ تكونُ به
|
|
كما تَلَوَّنُ
فى أثْوابِها الغُولُ
|
وقال جرير أيضا
ويَوْمًا
يُوافِينِى الهَوَى غَيْرَ ماضِىٍ
|
|
ويومًا تَرَى
منهنَّ غُولاً تَغَوَّلُ
|
وقد غالتْه
الغُولُ غَوْلاً واغْتالَتْه وكلُّ شئ أَهْلَك شيئا فقد غالَهُ حتى انهم ليقولون
الغَضَبْ غُولُ الحِلْمِ
(والكَأْسُ) مؤنثة
وهى الاناء بما فيه واذا كانت فارغة زال عنها اسم الكأس كما أن المِهْدَى الطَّبقُ
الذى يُهْدَى عليه فاذا أُخِذَ ما فيه رَجَعَ الى اسمه ان كان طبقا
أو خِوَانا أو
غَيْرَهما وكذلك الجَنازة لا يقال لها جَنازة الا وفيها ميت والا فهى سرير أو
نَعْشٌ وقد قيل الكأسُ ـ الخَمْرُ بعينها وفى التنزيل (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ
كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) وقال الشاعر
وما زالتِ
الكأسُ تَغْتالُنا
|
|
وتَذْهَبُ
بالأَوَّلِ الأوّلِ
|
وتخفيفُها عند أبى
الحسن الاخفش بَدَلِىٌّ لقولهم فى جمعها أكواسٌ وكِيَاسٌ فاما قولُهم أَكْؤُسٌ
وكُؤُسٌ فليس بدليل على أن التخفيف قياسىّ ولكن الهمزة فيها على حدها فى أَسْؤُقٍ
وأَدْؤُر وأما كُؤس فالهمز فيه ضرورى فليس بدليل وقد يجوز أن تكون أكْؤُسٌ وكُؤُس
جمعَ كَأسٍ قبل البَدَل فلا إقناع فى الاحتجاج به وهذا كله تعليل الفارسى فاما
قولهم كأسُ الفِراق وكأسُ الموتِ وكأس الهموم فكلها مستعارات وزعم الفارسى أنه
أكثر ما وجد هذا مستعارا فيما يُؤْلِم النَّفْسَ كالموت والحُزْن وقد قيل الكأسُ
الزُّجاجةُ كان فيها خمر أو لم تكن
(والقَلْتُ) مؤنثة
وهى نُقْرة فى الجبل تُمْسِك الماءَ أن يَفِيضَ تسمى أيضا المُدْهُنَ وَالوَقِيعةَ
قال أبو النجم
* قَلْتٌ سَقَتْها العَيْنُ من غَزِيرِها*
وقال أيضا
لَحَى اللهُ
أَعْلَى تَلْعةٍ حَفَشَتْ به
|
|
وقَلْتًا
أَقَرَّتْ ماءَ قَيْسِ بْنِ عاصم
|
ويقال فى جمع
القَلْتِ قِلَاتٌ وأنشد قول الشاعر
لو كنتُ
أَمْلِكُ مَنْعَ مائِكَ لم يَذُقْ
|
|
ما فِى قِلَاتِك
ما حَيِيتُ لَئِيمُ
|
وكذلك القَلْتُ
أيضا نُقْرَةٌ فى أصل الابهام
(والقَدُومُ) التى
يُنْحَتُ بها مؤنثة قال الشاعر
نِعْمَ الفَتَى
لو كانَ يَعْرِفُ رَبَّهُ
|
|
ويُقِيمُ وَقْتَ
صَلاتِهِ حَمَّادُ
|
نَفَخَتْ
مَشافِرَه الشَّمُولُ فانْفُه
|
|
مِثْلُ
القَدُومِ يَسُنُّها الحَدَّادُ
|
وقال الاعشى أيضا
أطافَ بها
شَاهَبُورُ الجُنُو
|
|
ذَحَوْلَيْنِ
تَضْرِبُ فيها القُدُمْ
|
وقدُومٌ وقُدُم
بمنزلة قولهم جَزُورٌ وجُزُرٌ وصَبُور وصُبُرٌ
(الشمس) مؤنثة قال
الله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي
لِمُسْتَقَرٍّ لَها) وقال الشاعر
الشمسُ طالعةً
لَيْسَتْ بكاسِفةٍ
|
|
تَبْكِى عليكَ
نُجومَ اللَّيْلِ والقَمرا
|
وكلُّ اسم للشمسِ
مؤنَّثٌ يقال قد طلعتْ ذُكَاءُ على وزن فُعَالٍ ممدود معرفة بغير ألف ولام غير
مُجْراة قال الشاعر يَذْكُر نَعامَتَيْنِ
فتَذَكَّرا
ثَقَلاً رَثِيدًا بَعْدَما
|
|
أَلْقَتْ ذُكاءُ
يَمِينَها فى كافِرِ
|
يعنى الليل وأما
الشمسُ ضَرْبٌ من الحُلِّى فمذكر وكذلك الشمسُ القِلادةُ التى توضع فى عُنق الكلب
ويُوحُ ـ الشمس اسم لها معرفة مؤنث
(والمَنْجَنُونُ
والمَنْجَنِينُ) اسم مؤنث وهو الدُّولابُ وأنشد الاصمعى
ثَمِلٌ رَمَتْه
المَنْجَنُونُ بسَهْمِها
|
|
ورَمَى بسَهْمِ
جَريمةٍ لم تَصْطَدِ
|
(والمَنْجَنِيقُ) مؤنثة قال العجاج
يصفها
وكلُّ أُنْثَى
حَمَلَتْ أحْجارا
|
|
تُنْتَجُ حينَ
تَلْقَحُ ابْتِقَارا
|
وبعض العرب يسمى
المنجنيقَ المَنْجَنُوقَ كما قيل فى المنجنين المنجنونُ وأنشد
يا حاجِبُ
اجْتَنِبَنَّ الشَّأمَ إنَّ بهَا
|
|
حُمَّى زُعافًا
وحَصْباتٍ وطاعونا
|
والمَنْجَنُونَ
الَّتِى تَرْمِى بمِقْذَفِها
|
|
وفِتْيةً
يَدَعُون البيتَ مَوْهُونا
|
حاجب اسم رجل قال
الفارسى هى المَنْجَنِيق والمِنْجنيق وميمها أصل عند سيبويه فاما أبو زيد فقال
جَنَقُونا بالمِنْجَنِيق ولم يزد فى تعليل هذه الكلمة أكثر من هذا
(وشَعُوبُ) هى
المنية اسم مؤنث معرفة غير مُجْرًى قال أبو على ومن ألحقها الالف واللام فالقياس
أن يَصْرِفَها فيقولَ خَرَمَتْهُ شَعُوبٌ والشَّعُوبُ
(وكَحْلُ) مؤنثة
غير مجراة اسم للسنة الشديدة وقال سلامة بن جندل
قومٌ اذا
صَرَّحَتْ كحْلٌ بُيوتُهمُ
|
|
مَأْوَى
الضَّرِيكِ ومأوَى كُلِّ قُرْضُوب
|
وربما اضْطُرَّ
الشاعر الى اجراء كَحْل والضَّرِيكُ الفقير والقُرْضُوبُ الضعيف ذاتِ اليد
(والضَّبُع)
السَّنة الشديدة أنثى
(وحَضَارِ) اسم كوكب
مؤنثة يقال طلعتْ حَضَارِ والوَزْنُ وهما كوكبان قال الفارسى حَضَارٍ والوَزْنُ
كوكبان مُحْلِفانِ أى يَحْلِف الناسُ اذا رَأَوْا أحدَهما أنه سُهَيْلٌ وليس به
(والثُّريَّا)
مؤنثة بحرف التأنيث مصغرة لم أسمع لها بتكبير وكذلك الثُّرَيَّا من السُّرُج
(والشِّعْرَى)
مؤنثة بحرف التأنيث وهما الشِّعْرَيانِ العَبُورُ والغُمَيْصاء وقيل لها عَبُور
لانها تَعْبُر المَجَرَّة قال الله تبارك وتعالى (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ
الشِّعْرى) وأنشد
أتَانِى بها
يَحْيى وقد نِمْتُ نَوْمةً
|
|
وقَدْ غابَتِ
الشِّعْرَى وقد جَنَح النَّسْرُ
|
(والمِلْحُ) مؤنثة قال مِسْكِينٌ
الدارمى
لا تَلُمْها
إنها مِنْ نِسْوةٍ
|
|
مِلْحُها
موضوعةٌ فَوْقَ الرُّكَب
|
(والعَوَا) مؤنثة تمد وتقصر اسم كوكب
قال الراعى
ولم يُسكِنُوها
الحَرَّ حتى أظَلَّها
|
|
سَحابٌ من
العَوَّا تَؤُبُ غُيُومُها
|
وقال الفرزدق
هَنَأْ ناهُمُ
حتَّى أعان عليهمُ
|
|
من الدَّلْوِ
أوعَوَّا السِّمَاكِ سِجالُها
|
(والبئْر) أنثى قال الله تعالى (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) والجمع أبآر وآبار على نقل الهمزة ويقال فى جمعها أيضا فى
القلة أَبْؤُرٌ وأنشد قول الشاعر
وأَىُّ يومٍ لم
تُبَلِّلْ مِئْزَرِى
|
|
ولم
تُلَطِّخْنِى بطِينِ الأبْؤُرِ
|
ويقال فى جمع
الكثرة بِئَارٌ على مثال قولك جمال وجبال قال الفارسى فاما قول الراجز
يا بِئْرُ يا
بِيرَ بَنِى عَدِىِّ
|
|
لَأَنْزَحَنْ
قَعْرَكِ بالدُّلِىّ
|
* حتى تَعُودِى أَقْطَعَ الوَلِىِّ*
|
فانه أراد حتى
تَعُودِى قَليبا أَقْطَعَ الوَلِىّ لان القليب يذكر ويؤنث فذكره على ارادة القليب
اذا ذكر قال أبو على (والعِيرُ) مؤنثة قال الله تعالى (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) (والرَّحَى) أنثى يقال فى جمعها أرْحاء وربما قالوا
أَرْحِيَةٌ ويقال أيضا فى جمعها أَرْحٍ (والعَصا) أنثى يقال فى جمعها أَعْصٍ
وعِصِىٌ (والضُّحَى) أنثى يقال قد ارتفعت الضحى وتصغيرها ضُحَىٌّ بغير هاء لئلا
يشبه تصغيرَ ضَحْوة وأنشد قول الشاعر
سُرُحُ
اليَدَيْنِ اذا تَرَفَّعَتِ الضُّحَى
|
|
هَدْجَ
الثَّفالِ بِحمْلِه المُتَثاقِلِ
|
(والعَصْر) صلاة العصر مؤنثة يقال
العصر فاتتنى وكذلك الظهر والمغرب فاما سيبويه فقال هذه الظهر وهذه المغرب أى هذه
صلاة هذا الوقت قال أبو على كُلُّ هذه الاوقات مذكر فمن أنث فعلى ارادة الصلاة
(والقَوْسُ) أنثى
وكذلك القوس التى فى السماء
التى يقال انها
أمانٌ من الغرق وكذلك القوس ـ قليلُ تمرٍ يبقَى فى أسفلِ الجُلَّة
والقَوْصَرَّةِ ويقال فى تصغيرها قُوَيْسٌ وربما قالوا قُوَيْسة وأنشد قول الشاعر
* تركْتُهمْ خَيْرَ قُوَيْسٍ سَهْما*
ويقال فى الجمع
أَقْوُسٌ وقِسِىٌّ وقِيَاسٌ قال الشاعر
* ووَتَّرَ القَساوِرُ القِياسَا*
وقال آخر ووَصَفَ
سُرْعَة طيرانِ القَطا
طِرْنَ
انْقِطاعةَ أوتارٍ مُحَظْرَبةِ
|
|
فى أَقْوُسٍ
نازَعَتْها أَيْمُنٌ شُمُلا
|
وقِسْىٌ وفيه صنعة
*(الحَرْبُ) أنثى يقال فى تصغيرها حُرَيْبٌ بغير هاء وأنشد قول الشاعر
وحَرْبٍ عَوانٍ
بها ناخِسٌ
|
|
مَرَيْتُ
برُمْحِى فَدَرَّتْ عِسَاسَا
|
فاما قولُهم فلانٌ
حَرْبٌ لى أى مُعَادٍ فمذَكَّر * (والفأسُ) أنثى (والازْيَبُ) النَّشَاطُ أنثى
يقال مَرَّ فلانٌ وله أَزْيَبُ مُنْكَرة * (وسَبَاطِ) فى كل حال مؤنثة وهى من
أسماء الحُمّى قال الهُذَلى
أَجَزْتُ بفتيةٍ
بيضٍ خِفافٍ
|
|
كانهمُ
تَمَلُّهُمُ سَبَاطِ
|
والازْيَبُ ـ الجَنُوبُ هُذَلِيَّة *(العَناقُ)
من أولادِ المَعز
أنثى وعَناقُ الارضِ مؤنثة وهى التُّفَّةُ والتُّفَةُ ـ دُويبة كالثعلب خبيثة تَصِيد كلَّ شئ ومَثَلٌ
للعرب «اسْتَغْنَتِ التُّفَةُ عن الرُّفَةِ» والرُّفَة ـ التِّبْنُ وذلك أنها لا تأكل الا اللحم (والفِرْسِنُ)
فِرْسِنُ الناقةِ وهى عند سيبويه فِعْلِنٌ والفِرْسِنُ مثل لحم الاكارع من الغَنم *
(والصَّعُودُ) مؤنثة يقال وَقَعُوا فى صَعُودٍ مُنْكَرة * (والكَؤُدُ) العَقَبةُ
الشاقة * (والذَّوْدُ) أنثى وهى ما بين الثلاث الى العشر من الابل وتصغيرها
ذُوَيْد بغير هاء ويقال فى الجمع أَذْوادٌ وأنشد
فان تَكُ
أَذْوادٌ أُصِبْنَ ونِسْوةٌ
|
|
فلَنْ
يَذْهَبُوا فَرْغًا بقَتْلِ حِبَالِ
|
ومثل للعرب «الذَّوْدُ
الى الذَّوْدِ إبلٌ» القليل يصير الى القليل فيجتمع فيصير كثيرا* قال أبو على*
والعَرَبُ مؤنثة ولم يَلْحَقْ تحقيرَها الهاءُ وقالوا العَربُ العاربةُ قال الشاعر
ومَكْنُ
الضِّبابِ طعامُ العُرَيْبْ
|
|
ولا تَشْتَهِيهِ
نُفُوسُ العَجَمْ
|
(والرَّكِيَّةُ) مؤنثة بحرف التأنيث
قال الفراء فاذا قالوا الرَّكِىُّ ذَهَبُوا بهِ الى الجِنْس ورأيتُ بعضَ تميم
وسَقَط له ابْنٌ فى بِئْر فقال والله ما أَخْطَأَ الرَّكِىَّ فوَحَّدَه بطرح الهاء
قال فاذا فَعَلُوا ذلك ذهبوا به الى التذكير كانه اسم للجمع وهو مُوَحَّد وما
رأيتَه من نُعوتِ الخَمْر فانها مؤنثاتٌ مثل الرَّاح والخَنْدَرِيس والمُدامة وذلك
أنهن قد أُخْلِصْن للخمر فِصرْنَ اذا ذُكِرْنَ عُرِفَ أنهن للخمر كما عُرِفَ
نَعْتُ السيف بالمَشْرَفِىِّ وأشباهه فصار مذكرا* وقال الفراء* اذا رأيتَ الاسم له
نعتٌ فهو مذكران كان اسمه مذكرا ومؤنث ان كان اسمه مؤنثا بعد أن يُعْرَفَ كُلُّ
واحد منهما بذلك النعت من ذلك جاريةٌ خَوْدٌ ـ أى
حسَنَة وناقة سُرُحٌ ـ أى سريعة وامرأة ضِنَاكٌ ـ أى
ضخْمة فهذه مذكرة فى اللفظ وهى من نُعوت الاناثِ خاصَّةً فاذا أفردتها فهى إناث
فتقول هذه خَوْدٌ ويقال جارية مَحْضٌ بغير هاء وربما قالوا مَحْضة بالهاء ويقال
فلانة بَعْلُ فلانٍ وبَعْلةُ فُلانٍ وأنشد قول الشاعر
شَرُّ قَرِينٍ
للكَبِير بَعْلَتُهْ
|
|
تُولِغُ كَلْبا
سُؤْرَهُ أو تَكْفِتُهْ
|
(والعُقابُ) أنثى ويقال فى جمعها
ثلاثُ أَعْقُبٍ والكثرة العِقْبَانُ وأنشد الفراء لامرئ القيس
... كَأنّها
|
|
عُقابٌ
تَدَلَّتْ من شَمَاريخِ ثَهْلَانِ
|
ثَهْلَانُ جَبل
قال الفارسى وكذلك اذا أريد بالعُقاب الرايةُ وأنشد
ولا الراحُ راحُ
الشأمِ جاءَتْ سَبيئةً
|
|
لها غايةٌ
تَهْدِى الكرامَ عُقابُها
|
يعنى رايةَ
الحَمَّار وقال ابن الانبارى فى صَدْر كتابه العُقَابُ يقع على المذكر والمؤنث
يقال عُقابٌ ذَكَر وعُقاب أنثى ويقال للانثى لَقْوةٌ* أبو حاتم* العُقاب مؤنثة لا
غير قال وزعم أبو ذفافة الشامى أن الذكر من العِقْبان لا يَصِيد ولا يساوى درهما
انما يَلْعَب به الصبيان بِدِمَشْقَ وذكروا أن إناثَها من ذكور طير أخرى فأما
البازُ فمذكر لا غير قال وزعم من لا أثق به أن البُزاةَ كُلَّها إناث والعرب لا
تعرف ذلك والعُقاب صخرة ناتئة فى البئر وربما كانت من الطَّى مؤنثة والعُقاب عَلَم
ضَخْم يشبه
بالعُقاب من الطير
مؤنث * (والظِّئْر) مؤنثة من الناس ومن الابل أيضا والجمع أَظْآر وظُؤَارٌ وهو من
الجمع العزيز ظَأَرْتُ الناقةَ ـ اذا عطفتَها على ولد غيرها قال متمم
وما وَجْدُ أظآرٍ
ثلاثٍ رَوائِمٍ
|
|
وَجَدْنَ
مَجَرًّا من حُوَارٍ ومَصْرَعا
|
(والعَقْرب) مؤنثة وكذلك العَقْرب من
النجوم وعَقارِبُ الشتاء وعَقْرَبُ القِفارِ ولا يُعْرَفُ ذكورُ العَقاربِ من
إناثِهِنَّ فهى إناث كلها * (والجَزُور) أنثى وجمعها جُزُرٌ وجَزَائِر وجَزُورات *
(والنَّاب) المُسِنَّة من النوق مؤنثة وجمعُها نِيبٌ وتصغيرها نُيَيْبٌ بغير هاء
وأنشد أبو على
أَبْقَى
الزَّمانُ مِنْكِ نابًا نَهْبَلَهْ
|
|
ورَحِمًا عِنْدَ
اللِّقَاحِ مُقْفَله
|
(والنُّوبُ والثَّوْلُ) من النحل
أنْثَيانِ فالنُّوب التى تَنْتابُ المَرْعَى فتأكُلُ واحدُها نائِبٌ قال أبو ذؤيب
اذا لَسَعَتْه
النَّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَها
|
|
وحالَفَها فى
بيتِ نُوبٍ عَوامِل
|
وقيل انما سميت
نُوبًا لسواد فيها والثَّوْلُ ـ جماعة النحل قال ساعدة بن جؤية
فما بَرِحَ
الاسْبابُ حَتَّى وَضَعْنَهُ
|
|
لَدَى الثَّوْلِ
يَنْفِى جَثَّها ويَؤُومُهَا
|
جَثُّها ـ غُثاؤُها وما كان على عَسَلِها من جَناح أو
فَرْخ من فراخها ويَؤُومُها ـ يُدَخِّن عليها والايامُ ـ الدُّخانُ
(وأما النابُ) من
الاسنان فمذكر وكذلك نابُ القوم سيدُهم يقال فلان نابُ بنى فلان ـ أى
سيدُهم (والنَّوَى) البُعْد مؤنثة قال الشاعر
فما للِنَّوَى
لا باركَ اللهُ فى النَّوَى
|
|
وهَمٍّ لنا منها
كَهَمِّ المُراهِنِ
|
والنَّوَى ـ الموضعُ الذى نَوَوُا الذَّهاب اليه مؤنثة قال
الشاعر
فألقتْ عَصاها
واسْتَقَرَّتْ بها النَّوَى
|
|
كما قَرَّ
عَيْنًا بالايابِ المُسافرُ
|
(الفَيْلَقُ) اسم للكتيبة أنثى
باب ما يذكر ويؤنث
من ذلك فى الانسان (العُنُقُ) والتذكير الغالب عليه قال ابن دريد اذا قلتَ عُنْقٌ
فسكنت الثانى
ذَكَّرْتَ واذا ثَقَّلَتْ الثانى أنثته ولا أدرى ما عِلَّتُه فى ذلك الا أن يكون
سَماعا فأما سائر أسمائها كالهادِى والتَّلِيل والشِّرَاع فمذكر قال أبو النجم
على يَدَيْها والشِّراعِ الاطْوَلِ
وكذلك العُنُق
واحدُ الاعْناق من الناس وهم الجماعات قال الله تعالى (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) فيمن قال ان الاعْناقَ ههنا الجماعة وقد قيل انها جمع
عُنُقٍ ولكنه قال (خاضِعِينَ) حين أضاف الاعناقَ الى المذكرين فهو يشبه قول الشاعر
وتَشْرَقُ
بالقولِ الذى قد أَذَعْتَه
|
|
كما شَرِقَتْ
صَدْرُ القَنَاةِ من الدَّمِ
|
(الفُؤَادُ) يذكر ويؤنث وجمعه فى الجِنْسَيْن أفْئِدة قال سيبويه لا نعلمه كُسِّرَ على غير
ذلك فاما ما استشهد به ابن الانبارى على تأنيثه من قول الشاعر
شَفَيْتُ النفسَ
من حَيَّىْ إيادٍ
|
|
بقَتْلَى منهُم
بَردَتْ فُؤادِى
|
فهكذا يكون غلطُ
الضَّعَفة انما فؤادى مفعول ببردتْ أى بردتْ تلك القتلَى فؤادى بقتلِى لهم قال أبو
عبيد عن الاصمعى سَقَيتُه شَرْبةً بَرَدَتْ فُؤادَه وقد حكى الفارسى عن ثعلب
تأنيثَ الفؤاد ولم يستشهد عليه بشئ (اللسان) يذكر ويؤنث وفى الكلام كذلك واذا
قُصِدَ به قَصْدَ الرسالةِ والقصيدة أيضا أنشد قول الشاعر فى التأنيث
أتَتْنى لِسَانُ
بَنِى عامِرٍ
|
|
أحادِيثُها
بَعْدَ قَوْلٍ نُكُرْ
|
قال الفارسى
واللسانُ الُّلغة وأنشد قول الشاعر
نَدِمْتُ على
لسانٍ فاتَ مِنِّى
|
|
فَلَيْتَ بانه
فى جَوْفِ عِكْمِ
|
فهذا لا يكون الا
اللغة والكلامَ لان الندَم لا يقع على الاعيان والْعِكْمُ ـ العِدْل وقال الاصمعى معناه على ثَناء فمن أنث
اللسان قال ألْسُنٌ لان ما كان على وزنِ فِعَالٍ من المؤنث فجمعه فى الاغلب
أَفْعُلٌ كقول أبى النجم
* يأتِى لها مِنْ أَيْمُنٍ وأشْمُلِ*
ومن ذَكَّر فجمعه
ألْسِنةً لان ما كان على فِعَالٍ من المذكر فجمعُه أَفْعِلة كمِثالٍ وأَمْثِلة
وإزار وآزِرَةٍ وإناءٍ وآنية وسِوارٍ وأَسْوِرة ويقال ان لِسانَ الناسِ علينا
حَسَنٌ وحَسَنة أى ثناءهم (العاتِقُ) يذكر ويؤنث وأنشد فى التأنيث
لا صُلْحَ بينى
فاعْلَمُوه ولا
|
|
بَيْنَكُمُ ما
حَمَلَتْ عاتِقى
|
سَيْفِى وما
كُنَّا بنَجْدٍ ومَا
|
|
قَرْقَرَ قُمْرُ
الوادِى بالشَّاهِقِ
|
وقد دفع بعضهم هذا
البيت وقال هو مصنوع ذهب الى تذكير العاتق وهو أعلى فأما العاتِق من الحَمام وهو
ما لم يُسِنَّ ويَسْتَحْكِمْ فمذكر يقال فَرْخُ قَطاةٍ عاتِقٌ ـ اذا
كان قد استقلَّ وطار وأرى أنه من السَّبْقِ لقولهم عَتَقَتِ الفَرسُ ـ اذا
سَبَقَتِ الخيلَ وفلانٌ مِعْتاقُ الوَسيقةِ اذا أنْجاها وسَبَقَ بها *(القَفَا) يذكر
ويؤنث والتذكير عليه أغْلَبُ وأنشد قول الشاعر
وما المولَى وان
غَلُظَتْ قَفاه
|
|
بأَحْمَلَ
للمَلَاوِمِ منْ حِمَارِ
|
وقال أيضا غيره
* وهلْ جَهِلْتِ يا قُفَىَّ التَّتْفُلَه*
وسَقَطَ الىَّ عن
الاصمعى أنه قال هذا الرجزُ ليس بعَتِيقٍ كانه قال من قول خَلَفٍ الاحْمر وأراه
ذهب فى ذلك الى انكار تأنيِث القَفا والجمعُ أَقْفاء وقُفِىٌّ وأقْفِيةٌ *(المَعَى)
أكثر الكلام تذكيره وربما ذهبوا به الى التأنيث فانه واحد دل على الجمع وفى الحديث
«المؤمنُ يَأْكُلُ فى مِعىً واحدةٍ وواحدٍ» فأما قول القَطامى
* حَوالبَ غُرَّزًا ومِعىً جِياعا*
فعلى قولِهم
قِدْرٌ أعْشار فأما المِعَى من الأمْسِلةِ الضَّيِّقةِ فمذكر لا غير وإياه عَنّى
رؤبة بقوله
* خِلْتُ أنْقاءَ المُعَىِّ رَبْرَبا*
قيل هو اسم مكان
أو رَمْل فأما قولهم فى الاسم رَجُلٌ مُعَيَّةٌ فاما أن يكون على تأنيث المِعَى فى
الاقَلِّ واما أن يكون تصغير مُعاوِيَة فى لغة من قال أُسَيِّدٌ *(الكُراعُ
والذِّراعُ) يذكران ويؤنثان
وقد قدّمت تأنيث الكُراع من الحَرَّة ومن ذَكَّر الكراع والذراع حَقَّرهما بغير
الهاء ومن أنثهما حقرهما بالهاء وان كانا رباعيين لئلا يلتبس التذكير بالتأنيث*
قال الفارسى* فاذا سمى بذراع فالخليل وسيبويه يذهبان الى صرفه قال الخليل لانه كثر
تسمية المذكر به فصار من أسمائه وقد وصف به أيضا فى قولهم ثوبٌ ذراعٌ فتمكن فى
المذكر فان سميت بكراع فالوجه ترك الصرف
* قال سيبويه* ومن
العرب من يصرفه يشبهه بذراع قال وذاك أحب الوجهين * (والابْهام) يذكر ويؤنث
والتذكير أعلى * (والابِطُ) مؤنثة ومنه قول بعضهم رَفَعَ السَّوْطَ حتى بَرَقَتْ
إبطُه والجمعُ فيها آباط وكذلك إبط الرمل أعنى ما اسْتَرَقَّ منه *(المَتْنُ) من
الظَّهْر يذكر ويؤنث قال الشاعر فى التذكير
اليَدُ سابِحةٌ
والرِّجْلُ ضَارِحةٌ
|
|
والعَيْنُ
قادِحةٌ والمَتْنُ مَلْحُوبُ
|
وقال الشاعر أيضا
فى التأنيث
ومَتْنَانِ
خَظاتانِ
|
|
كزُحْلُوفٍ مِنَ
الهَضْبِ
|
وأما المتنُ من
الارض وهو ما غَلُظ منها فمذكر *(اللِّيْتُ) مذكر وربما أنث واختلف فى اللِّيتِ
فقيل هو مُتَذَبْذَبُ الفُرْط وقيل اللِّيتانِ موضع المِحْجَمَتَيْنِ من القَفا*
قال الاصمعى* ليس اللِّيتُ بعِضْوٍ *(العِلْباءُ) يذكر ويؤنث وهى عَصَبة صَفْراء
فى صَفْحة العنُق ومن أنث ذَهَب اليها* وقال أبو حاتم* هو مذكر لا غير *(النَّفْسُ)
اذا عَنَيْتَ الشخصَ ذكرت واذا عنيت الرُّوحَ أنثتَ والجمعُ فيها أنْفُسٌ وكذلك
الروح (طِبَاعُ الانسانِ) يذكر ويؤنث والتأنيث فيه أكثر وهو واحد مثُل النِّجارِ
الا أن النِّجارَ مذكر* قال أبو حاتم* والطِّباعُ مذكر لا غير الا أن تُتَوَهَّم
الطبيعةُ *(الحالُ) حالُ الانسان أنثى وأهلُ الحجاز يذكرونها وربما قالوا حالة
بالهاء وأنشد قول الشاعر
عَلَى حالةٍ لو
أنَّ فى القومِ حاتِمًا
|
|
عَلَى جُودِه
لَضَنَّ بالماءِ حاتِمُ
|
(والعَضُدُ) مؤنثة وربما ذكر وفيها
خمس لغات عَضُدٌ وعَضْدٌ وعُضُدٌ وعُضْدٌ وعَضِدٌ وفى التنزيل (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) والجمعُ أعْضاد وقد عاضَدْتُك ـ أى
قَوَّيْتُك وأَعَنْتُك واذا نسبتَ الرجُلَ الى ضِخَمِ العَضُدَيْنِ قلتَ رجل
عُضادِىٌّ ويقولون للمرأة يا عَضَادِ مثل يا قَطامِ *(الضِّرْسُ) مذكر وربما أنث
على معنى السِّنّ قال دُكَيْنٌ الراجز
* ففُقِئَتْ عَيْنٌ وطَنَّتْ ضِرْسُ*
ورَدَّه الاصمعى
وقال انما هو وَطَنَّ الضِّرْسُ ويقال ثلاثةُ أضراس ويلزم من أنث أن
__________________
يقول ثلاث أضراس
فأما الضاحِكُ والناجِذُ فمذكران والارْحاءُ كُلُّها مؤنثة قال أبو حاتم وأنشد أبو
زيد فى أُحْجِيَّةٍ
وسِرْبٍ مِلَاحٍ
قد رأينا وُجُوهَهُ
|
|
إناثٍ أدانِيهِ
ذُكُورٍ أواخِرُهْ
|
السِّرْبُ الجماعة
وأراد الأسنانَ لان أَدانيها الثَّنِيَّة والرَّباعِيَةُ مؤنثتانِ وباقى الاسنانِ
مذكر مثل الناجِذِ والضِّرْس والنَّاب
ما يذكر ويؤنث من سائر الاشياء
من ذلك (السُّلْطانُ)
يذكر ويؤنث والتأنيث أكثر فاما كل ما جاء منه فى القرآن يُراد به الحُجَّة فمذكر
كقوله تعالى (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي
بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) وقوله (وَاجْعَلْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) وقالوا السُّلُطانُ وهو اسم حكاه سيبويه والقولُ فيه من
التذكير والتأنيث كالقول فى المُسكِّن الثانى فاما قول الشاعر
* انَّ الثِّنى سَيِّدُ السُّلْطان*
فانه وَضَع
السلطانَ وجعله اسما للجنس * ومن ذلك (السَّراوِيلُ) يذكر ويؤنث قال الشاعر فأنث
فى التأنيث
أَرَدْتُ
لِكَيْمَا يَعْلَم الناسُ أنَّها
|
|
سَراويلُ قَيْسٍ
والوُفُودُ شُهُودُ
|
وأنْ لا يقولُوا
غابَ قَيْسٌ وهذِه
|
|
سَراويلُ
عادِىٍّ نَمَتْهُ ثَمُودُ
|
وقال الفرزدق
فَذَكَّرَ فى التذكير
سَراويلُه
ثُلْثا عَشِيرٍ مُقَدَّرٌ
|
|
وسِرْبالُه
أَضْعافُه وهو خالِصٌ
|
أبو حاتم هو مؤنث
لا غير قال سيبويه السَّراويلُ فارسىٌّ معرَّب جاء بلفظ الجمع ولذلك لم يصرف وليس
بجمع وحكى أبو حاتم أن من العرب من يقول سِرْوالٌ كانه فارسى وحكى عن أبى الحسن
أنه سمع من العرب سِرْوالة واذا كان على ذلك فهو جمع واذا كان جمعا فهو مؤنث لا
غير ويحمل قوله حينئذ نَمَتْهُ ثمودُ على معنى الثَّوْب * ومن ذلك (السُّلَّم) يذكر
ويؤنث والتذكير أكثر قال الله تعالى (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ
يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) وقال فى التأنيث
لَنا سُلَّمٌ فى
المَجْدِ لا يَرْتَقُونَها
|
|
وليسَ لَهُمْ فى
سُورةِ المَجْدِ سُلَّمُ
|
ومن ذلك (السِّكِّين)
الغالب عليه التذكير وأنشد للهذلى
يُرَى ناصِحًا
فيما بَدا فاذا خَلا
|
|
فذلِكَ سِكِّينٌ
على الحَلْقِ حاذِقُ
|
وقال آخر فى
التأنيث
فعَيَّثَ فى
السَّنامِ غَداةَ قُرٍّ
|
|
بِسكِّينٍ
مُوَثَّقةِ النِّصابِ
|
وقد قيل سكينة قال
الراجز
الذِّيب
سِكِّينة فى شِدْقِه
|
|
ثُمَّ حِرابًا
نَصْلُها فى حَلْقِه
|
ومن ذلك (الخَصِينُ)
وهى فأْسٌ ذات خَلْفٍ واحد يذكر ويؤنث والجمع أَخْصُنٌ * ومن ذلك (الطَّسْتُ) يذكر
ويؤنث وكلام العرب الطَّسَّة والطِّسَّة بالفتح والكسر وقد يقال الطَّسُّ بغير هاء
أنشد الفارسى
* حَنَّ اليها كَحنِينِ الطَّسِّ*
وبعض أهل اليمن
يقول الطَّسْتُ كما قالوا فى اللِّصِّ لِصْتٌ وكل ذلك يذكر ويؤنث قال الشاعر فى
التذكير
وهامةٍ مِثْلِ
طَسْتِ العُرْسِ مُلْتَمِع
|
|
يَكادُ يُخْطَفُ
مِنْ إشراقِه البَصَرُ
|
وقال آخر فى
التأنيث أيضا
رَجَعْتُ الى
صَدْرٍ كطَسَّة حَنْتَمٍ
|
|
اذا قُرِعَتْ
صِفْرًا من الماءِ صَلَّتِ
|
ومن ذلك (القِدْرُ)
أنثى وبعضُ قَيْسٍ يُذَكِّرها وأنشد
بِقِدْرٍ
يَأْخُذُ الاعْضاءَ تَمًّا
|
|
بحَلْقَتِه
ويَلْتَهِمُ الفَقَارا
|
قال أبو علىّ
وأنشد سيبويه فى التأنيث
وقِدْرٍ ككَفِّ
القِرْدِ لا مُسْتَعِيرُها
|
|
يُعَازُ ولا
مَنْ يَأْتِها يَتَدَسَّمُ
|
قال أبو حاتم
القِدْرُ مؤنثة لا غير فاما المِرْجَلُ والمِطْنَجُ فمذكرانِ * ومن ذلك (المُلْكُ)
يذكر ويؤنث فاذا أَنَّثُوا ذهبوا به الى معنى الدَّوْلة والوِلاية قال ابن أحمر فى
التأنيث
مَدَّتْ عليهِ
المُلْكُ أَطْنابَها
|
|
كَأْسٌ
رَنَوْناةٌ وطِرْفٌ طِمِرّ
|
قال السيرافى
الرواية مَدّتْ عليه المُلْكَ أطْنَابها كاْسٌ الهاءُ راجعة الى الكاس والمُلْك
مصدر فى موضع الحال وهو من باب أرْسَلَها العِراكَ كانه قال مُمَلَّكًا وقال آخر
فى التذكير
* فمُلْكُ أبى قابُوس أَضْحَى وقد نَجِزْ*
(السبيل) يذكر ويؤنث وفى التنزيل (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) وفيه (وَإِنْ يَرَوْا
سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) وكذلك (الطريق) يذكر ويؤنث * ومن ذلك (الصِّراطُ)
مذكر وقد أنثه
يحيى بْنُ يَعْمَرَ وقرأ «مَنْ أَصْحَابُ الصِّراطِ السُّوَّى ومَنِ اهْتَدَى» ولا
نعلم أحدا من العلماء باللغة أَنَّثَ الصراطَ وان صحت هذه القراءة عن ابنِ
يَعْمَرَ ففيه أعظم الحُجَج وهو من جِلَّةِ أهل اللغة والنحو وكتابُ الله تعالى
نزل بتذكير الصراط وجمعُه فى القَبِيلَيْن أَصْرِطةٌ وصُرُط * ومن ذلك (العَنْكَبُوتُ)
وفى التنزيل (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ
بَيْتاً) وقال الشاعر فى التذكير
على
هَطَّالِهِمْ مِنْهُمْ بُيوتٌ
|
|
كانَّ
العَنْكَبُوتَ هُوَ ابْتَناها
|
الهطال اسم رجل وأما قوله
* كانَّ نَسْجَ العَنْكَبُوتِ المُرْمَلِ*
فعلَى الجِوَارِ
وانما يكون نعتا للعنكبوت لو قال المُرْمِلِ بالكسر يقال رَمَلْتُ الحصيرَ
وأَرْمَلْتُه اذا نسجتَه فأما تكسيره وتحقيره فقد قدّمته والتأنيث فى العنكبوت
أكثر وهى لغة التنزيل * ومن ذلك (الهُدَى) يؤنث ويذكر قال أبو حاتم الهُدَى مذكر فى جميع اللغات الا
أن بعض بنى أسد يؤنث ولا أَحُقُّ ذلك فأما الهدى الذى هو النهار فمذكر كقول ابن
مقبل* حَتَّى اسْتَبَنْتُ الهُدَى ... وكذلك (السُّرَى) سَيْرُ الليل يذكر ويؤنث سَرَيْنا
وأَسْرينا * ومن ذلك (المُوسَى) يذكر ويؤنث وهى تُجْرَى ولا تُجْرَى فمن أجراها
قال هى مُفْعَلٌ من قولك أَوْسَيْتُ رأسَه ـ حَلَقْتُه بالمُوسَى ومن لم يُجْرها قال الالف
التى فيها ألف تأنيث بمنزلة الالف التى فى حبلى قال الشاعر فى التأنيث
وان كانَتِ
المُوسَى جَرَتْ فوقَ بَظْرِها
|
|
فما خُتِنَتْ
الا ومَصَّانُ قاعِدُ
|
وقال آخر فى
التذكير
* مُوسَى الصَّنَاعِ مُرْهَفٌ شَباتُه*
* قال أبو عبيد*
قال الامَوِىُّ المُوسَى مذكر لا غير وقد أَوْسَيْتُ الشئَ ـ قطَعْتُه
__________________
بالمُوسَى قال ولم
أسمع التذكير فى الموسى الا من الأموى * ومن ذلك (الحانُوتُ) يذكر ويؤنث فبعضهم
يجعلها الخمر وبعضهم يجعلها الخَمَّار قال الشاعر فجعلها الخمار
يُمَشِّى
بيْنَنا حانُوتُ خَمْرٍ
|
|
من الخُرْسِ
الصَّرَاصِرِة القِطَاطِ
|
ونَسَبُوا اليه
حانِىٌّ وحانَوِىٌّ وبعضهم يجعل الحانوتَ الكُرْبَجَ والكُرْبَجُ بالفارسية
البَقَّال يقال كُرْبَجٌ وقُرْبَقٌ وقد أَنْعَمْتُ شرحَ هذا فى باب اطِّرادِ
الابدالِ فى الفارسية ومن ذلك (الدَّلْوُ) يذكر ويؤنث قال الشاعر فى التذكير
* يَمْشِى بِدَلْوٍ مُكْربِ العَراقِى*
وقال أيضا فى
التأنيث
* لا تَمْلِا الدَّلْوَ وعَرِّقْ فيها*
والدَّوْلُ لغة فى
الدَّلْوِ والقولُ فيها كالقَوْلِ فى الدَّلْوِ * ومن ذلك (القِمَطْرُ) يذكر ويؤنث
قال الشاعر فى التذكير
لا عِلْمَ الا
ما وَعاهُ الصَّدْرُ
|
|
لا خَيْرَ فى
عِلْمٍ حَوَى القِمَطْرُ
|
وقد يقال بالهاءِ
قِمَطْرَةٌ * ومن ذلك (القَلِيبُ) يذكر ويؤنث قال الشاعر
إنِّى اذا
شارَبَنِى شَرِيبُ
|
|
فَلِى ذَنُوبٌ
وله ذَنُوبُ
|
* وإنْ أبَى كانتْ له القَلِيبُ*
|
والجمعُ فيها
أَقْلِبةٌ وقُلُبٌ وانما أَذْكُر الجمعَ فى هذا الجنس الذى يذكر ويؤنث لأُرِيَك
استواءَهما فى الجمع واختلافَهما وأما الطَّوِىُّ ـ وهو
البئر المطوية بالحجارة فمذكر فان رأيته مؤنثا فاذهب بتأنيثه الى البئر وجمعُه
أطْواءٌ وكذلك النَّقِيعُ ـ البئر الكثيرة الماء مذكر وكذلك الجُبُّ ـ وهو
البئر التى لم تُطْوَ مذكر وحكى عن بعضهم أنه يذكر ويؤنث وجمعه جِبَبةٌ وأَجْبابٌ
وجِبابٌ * ومن ذلك (الذَّنُوبُ) وهى الدلو العظيمة تذكر وتؤنث قال الراجز فى
التذكير
فَرِّغْ لها
مِنْ قَرْقَرَى ذَنُوبَا
|
|
إنَّ الذَّنُوبَ
يَنْفَعُ المَغْلُوبا
|
وقال آخر فى
التأنيث
على حِين مَن
تَلْبَثْ عليه ذَنُوبُه
|
|
يَجِدْ فَقْدَها
وفى المَقامِ تَدابرُ
|
واجمع ذِنابٌ
وذَنائِبُ والذَّنوب الذى هو النصيب مشتق منه وهو مذكر وفى التنزيل (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً
مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) قال علقمة
وفِى كُلِّ
حَىٍّ قد خَبَطْتَ بِنِعْمةٍ
|
|
فُحَّق لِشَاسٍ
مِنْ نَداكَ ذَنُوبُ
|
ومن ذلك (الخَمْرُ)
تؤنث وتذكر والتأنيث عليها أغلب وما أنثت فيه من الاشعار كثير وأسماؤها كلها
موضوعة على التأنيث كما أعلمتك فأما قول الاعشى
وكأَنَّ
الخَمْرَ العَتِيقَ من الاسفَنِطِ
|
|
ممزوجةٌ بماءِ
زُلَال
|
فقد يكون على
تذكير الخمر وقد يكون من باب عَيْنٌ كَحِيلٌ قال أبو حاتم وأَبَى الاصمعىُّ الا
التأنيثَ فأنشدتُه هذا البيت فقال انما هو* وكانَّ الخَمْرَ المدامةَ
مِلِاسْفِنْطِ فحذف نون من فى الادراج قال وتلك لغة معروفة مشهورة يحذفون النون من
من اذا تَلَقَّتْها لامُ المعرفةِ وأما قول العرب ليست بخَلَّةٍ ولا خمرةٍ فانهم
يذهبون الى الطائفة منها كقولهم سَوِيقةٌ ودَقِيقةٌ وعَسَلَةٌ وضَرَبَةٌ وقد قالوا
ما هو بخَلٍّ ولا خَمْرٍ ـ أى لا خير فيه ولا شر عنده ومن ذلك (الذَّهَبُ) أنثى
وقد يذكر وجمعها فى القَبِيلَينِ أذْهابٌ وذُهْبانٌ ومن ذلك (المالُ) يذكر ويؤنث
وقد أَنَّثَها رسولُ الله صلىاللهعليهوسلم وذكرها فى كلام واحد فقال «المالُ حُلْوةٌ خَضِرَةٌ
ونِعْمَ العَوْنُ هو لصاحبه» وأنشد قول الشاعر
والمالُ لا
تُصْلِجُها فاعْلَمَنْ
|
|
الا بافسادِكَ
دُنْيا ودِينْ
|
ومن ذلك (العُرْسُ)
يذكر ويؤنث ويُصَغِّرُونها عُرَيْسٌ وعُرَيْسةٌ وجمعها فى القبيلين عُرُساتٌ
وحقيقة العُرْسِ طَعامُ الزَّفافِ ومن ذلك (العَسَلُ) يذكر ويؤنث قال الشماخ
كانَّ عُيُونَ
النَّاظِرِين يَشُوقُها
|
|
بها عَسَلٌ
طابتْ يدا من يَشُورُها
|
ومن ذلك (النَّعَمُ)
يذكر ويؤنث قال الراجز
أَكُلَّ عامٍ
نَعَمٌ تَحْوُونَه
|
|
يُلْقِحُه
قَوْمٌ وتُنْتِجُونَه
|
وكذلك الانعام
تذكر وتؤنث فيقال هى الانعام وهو الانعام قال الله تعالى (وَإِنَ
لَكُمْ
فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) فذكر وقال فى سورة المؤمنون (مِمَّا فِي بُطُونِها) والتأنيث هو المعروف فى الانعام وقيل انما ذكره لانه ذهب
الى معنى النَّعَمِ والنَّعَمُ والانعامُ بمعنى واحدٍ فاما سيبويه فذهب الى أن
الانعام يقع على الواحد وعَدَلَهُ بقولهم ثَوْبٌ أَكْماشٌ * ومن ذلك (السِّلَاحُ) يذكر
ويؤنث قال الفراء سمعت بعضَ بنى دُبَيْرٍ يقول انما سمى جَدُّنا دُبَيْرا لان
السِّلاحَ أَدْبَرَتْه أى تركتْ فى ظَهْره دَبَراً ودُبير تحقير أَدْبَر على تصغير
الترخيم ويجوز أن يكون تصغير دَبِرٍ يقال بعير دَبِرٌ وأدْبَرُ قال الطرماح وذكر
الثورَ
يَهُزُّ
سِلَاحاً لم يَرِثْها كَلالةً
|
|
يَشُكُّ بها
منها أُصولَ المَغابِن
|
وقوله تعالى (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) يَدُلُّ على تذكير السلاح لانه بمنزلة مِثَالٍ وأَمْثلةٍ
ومن العرب من يقول لبس القومُ سُلُحَهم والقومُ سَلِحُون أى معهم السِّلاح ومن ذلك
(دِرْعُ الحديدِ) تذكر وتؤنث والتأنيث الغالب المعروف والتذكير أقلهما أو لا ترى
أن أسماءها وصفاتها الجاريةَ مَجْرَى الاسماء مؤنثةٌ كقولهم لامةٌ وفاضَةٌ
ومُفاضَة وزَغْفَة وزَغَفَة وجَدْلاء وحَدْباءُ وسابغةٌ فاما ذائِلٌ فقد تكون على
التذكير وقد تكون على النَّسَب وأما دِلَاصٌ فبمنزلة كِنَازٍ وضِنَاكٍ وان كان قد
يجوز أن يكون نعتاً غير مؤنث على تذكير الدّرْع والمشهور فى دِلاص التأنيثُ فاما
قول أَوْسِ بن حَجَرٍ
وأبيضَ
صُوِليًّا كِنهْىِ قَرارةٍ
|
|
أَحَسَّ بقَاعٍ
نَفْحَ رِيحٍ فاجْفَلَا
|
فعلى تذكير الدرع *
ومن ذلك (اللَّبُوسُ) اسم عامٌّ لِلّبَاسِ والسِّلَاح أيضا من دِرْع الى رُمْح وما
أشبههما مذكر فاذا نويتَ بها دِرْعَ الحديد خاصة أنتَ وأنشد للعباس بن مرداس
فَجِئْنا بألفٍ
من سُلَيْمٍ عليهمُ
|
|
لَبُوسٌ لهم من
نِسْجِ داودَ رَائِعُ
|
وفى التنزيل (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ
لِتُحْصِنَكُمْ) وليس هذا بشاهد قاطع ولا مُقْنِع فى تأنيث اللَّبُوس لانه
قد يمكن أن يكون الاخبارُ عن الصنعة وعن اللبوس
ومن ذلك (القَمِيصُ)
الدِّرْعُ مؤنثة ومن
ذلك (السُّوق) تذكر وتؤنث والتأنيث أغلب قال الشاعر فى التذكير
* بسُوقٍ كثيرٍ رِيحُه وأعَاصِرُهْ*
وقال فى التأنيث
* وَرَكَدَ السَّبُّ فقامَتْ سُوقُه*
والجمع فيهما
أَسْواق وأما السُّوَقُ فجمع سُوقَة وهو مَنْ دُونَ المَلِكِ
ومن ذلك (الصَّاعُ)
يذكر ويؤنث وفى التنزيل (نَفْقِدُ صُواعَ
الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) وفيه (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها
مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) وقال أبو عبيد أنا لا أرى التذكير والتأنيث اجتمعا فى اسم
الصُّواع ولكنهما عندى انما اجتمعا لانه سمى باسمين أحدهما مذكر والآخر مؤنث
فالمذكر الصُّواع والمؤنث السِّقاية* قال ومثل ذلك الخِوَانُ والمائدةُ وسِنَانُ
الرُّمْح وعالِيَتُه والصُّوَاعُ إناء من فضة كانوا يشربون به فى الجاهلية وقد
قدّمت ما فيه من اللغات صُوَاعٌ وصَوْعٌ وصَاعٌ وصُوعٌ وانما كررتها هنا لأَقِفَك
على أنها كلها تذكر وتؤنث* قال أبو حاتم* هو مذكر لا غير * ومن ذلك (السِّلْم) الصُّلْح
يذكر ويؤنث ويقال لها السَّلْم أيضا قال زهير فى التذكير
وقد قُلْتُما
إنْ تُدْرِكِ السِّلْمَ واسِعًا
|
|
بمالٍ ومَعْروفٍ
من القول نَسْلَمِ
|
وأنشد الفارسى
فان السِّلْمَ
زائدةٌ نوَالاً
|
|
وإنَّ نَوى
المُحارِبِ لا يَؤُبُ
|
وقال الله تعالى (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ
لَها) فاما السِّلْم الاسْلَامُ فمذكر قال السجستانى سألت
الأصمعى فقلت فى الحديث «مُنْذُ دَجَتِ الاسلامُ» لَاىِّ شئ أنثوه قال أرادوا
الملة الحنيفية والله أعلم وقالوا فلان سِلْم وسَلْم لِى ـ أى
مُسالِم وهو مذكر والسِّلْمِ ـ الاستسلام مذكر لا غير * ومن ذلك (سَقْطُ النار)
يذكر ويؤنث وأنشد الفارسى
وسِقْطٍ
كَعَيْنِ الدِّيكِ عَاوَرْتُ صُحْبَتِى
|
|
أباها
وهَيَّأْنا لمَوْضِعِها وَكْرَا
|
وقال بعض الاعراب
انَّ السِّقْطَ يُحْرِقُ الحَرَجةَ هكذا سمعته بالتذكير وفيه ثلاث لغات سِقْطٌ
وسَقْطٌ وسُقْط وكلها جارية مجرى سِقْطٍ فى الجنسين أعنى التذكير والتأنيث فأما
سِقْطُ الوَلِد والرَّمْل أعنى مُنْقَطَعَه فمذكر لا غير وفيه اللغات التى فى سقط
النار وقد شرحتُ ذلك
ومن ذلك (الازارُ)
يذكر ويؤنث قال أبو ذؤيب فى التأنيث
تَبَرَّأُ من
دَمِ القَتِيل وبَزِّه
|
|
وقد عَلِقَتْ
دَمَ القَتِيل إزارُها
|
وقد أنكر قوم تأنيث
الازار ولم يذكر هذا البيت عليهم حجةً لانهم قالوا هو بدل من الضمير الذى فى
عَلِقتْ على حدّ قوله تعالى (مُفَتَّحَةً لَهُمُ
الْأَبْوابُ) وقد قالوا إزارة وأباها الأصمعى واحتج عليه ببيت الاعشى
كتَمَايُلِ
النَّشْوانِ يَرْ
|
|
فُلُ فى
البَقِيرِ وفى الازاره
|
فقال هو مصنوع
وقال ابن جنى فى قوله
* وقد عَلِقَتْ دَمَ القَتيلِ ازارُها*
أراد إزارتَها
فحذف كما قالوا ذهب بعُذْرتها وهو أبو عُذْرِها وقالوا لَيْتَ شِعْرِى وهو من
شَعَرْتُ به شِعْرةً ويدلك على أن الازار مذكر تكسيرهم إياه على آزِرةٍ وأُزُرٍ
ولو كان مؤنثا لكُسِّرَ على آزُرٍ كشِمَالٍ وأَشْمُلٍ * ومن ذلك (السماءُ) التى
تُضِلُّ الارضَ تذكر وتؤنث والتذكير قليل كانه جمعُ سَمَاوة قال الشاعر
فلو رَفَعَ
السماءُ اليه قَوْمًا
|
|
لَحِقْنا
بالسَّماءِ معَ السَّحابِ
|
فأما تذكيرها على
أنها مفردة فقليل وأما قوله (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ
بِهِ) فعلى النَّسَبِ كما قالوا دَجاجةٌ مُعَضِّلٌ وكما قال
المُمَزَّقُ العَبْدِىُ
وقد تَخِذَتْ
رِجْلِى الى جَنْبِ غَرْزِها
|
|
نَسِيفًا
كافْحُوصِ القَطاةِ المُطَرِّقِ
|
وأما البيت الذى
أنشدناه فى باب السماء والفَلَكِ
وقالت سَماءُ
البيتِ فَوْقَكَ مُنْهِجٌ
|
|
ولَمَّا
تُيَسِّرْ أَحْبُلاً للرَّكائِبِ
|
فانما عَنَى به
السماء الذى هو السقف وهو مذكر وقد أنعمت شرح هذا هنالك وأذكر منه شيئا لم أذكره
فى ذلك الموضع لان هذا الموضعَ أخَصُّ به قال قوم ان السماء ههنا منقول من السماء
التى تُظل الارضَ وهذا غلط قد صرح الفارسى بتقبيحه قال لو كان منقولا منها لبقى
على التأنيث كما أن السماء التى هى المطر لما كانت منقولة منها ثبت تأنيثها
ومُنْهِجٌ مذكر لانه خبر عن مذكر فانما يحمل مثل هذا على النَّسَب اذا كان
الموصوفُ لا شك فى تأنيثه كقولهم دجاجة مُعَضِّلٌ و (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ
بِهِ) فأما قولهم فى
جمع السماء
أسْمِيةٌ فقد كان حَقُّه أن يكون سُمِيًّا كعَناقٍ وعُنُوق وهذا المثال غالب على
هذا الباب ولكنه شذ وذكر أبو على عن بعض البغداد بين التذكير فى السماء المطر قال
ولذلك جمع على أَفْعِلَةٍ قال وقال أبو الحسن أصابَتْنا سماءٌ ثم قالوا ثلاثُ
أَسْمِية وانما كان بابُه أَفْعل مثل عَناقٍ وأَعْنُقٍ قال وزعموا أن بعضهم قال
طِحَالٌ وأَطْحُلٌ وأنشد لرؤبة
* اذا رَمَى مَجْهُولَه بالاجْنُنِ*
فكما جمعَ
جَنِينًا على أَجْنُنٍ وكان حقه أجِنَّةَ كذلك جمع سماءً على أَسْمِية وكان حقه
أَسْمِيًا فعلى قول أبى الحسن تكون السماء للمطر تسمية باسم السماء لنزوله منها
كنحو تسميتهم المزادةَ راويةً والفِناءَ عَذِرةً وعلى قول البغداديين كانه سُمِّىَ
سماءً لارتفاعِه كما سَمَّوُا السَّقْفَ سماءً لذلك والوجه قول أبى الحسن لروايته
التأنيثَ فيها وسنذكر تحقير السماء فى باب تحقير المؤنث * ومن ذلك (الفِرْدَوْسُ) يذكر
ويؤنث وهو البُسْتَانُ الذى فيه الكُرومُ وفى التنزيل (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ
يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وانما يذهب فى تأنيث الفِرْدَوْس الى معنى الجنة * ومن ذلك
(الجَحِيم) يذكر ويؤنث وفى التنزيل (وَإِذَا الْجَحِيمُ
سُعِّرَتْ) وهى النارُ المُسْتَحْكِمة المُتَلَظِّيةُ وجهنم مؤنثة
وأسماؤها مؤنثة وكذلك لَظَى وسَقَر وفى التنزيل (وَما أَدْراكَ ما
سَقَرُ) وفيه (كَلَّا إِنَّها لَظى
نَزَّاعَةً لِلشَّوى) ومن ذلك (السَّمُومُ) مؤنثة وقد تذكر قال الراجز
اليَوْمُ يَوْمٌ
بارِدٌ سَمُومُه
|
|
مَنْ جَزِعَ
اليومَ فلا تَلُومُه
|
بارِدٌ ـ ثابتٌ
من قولهم بَرَدَ عليه كذا أى ثَبَتَ وان أصحابك لا يُبالُونَ ما بَرَّدُوا
عَلَيْكَ ـ أى أثْبَتُوا وليس من البَرْدِ الذى هو ضدّ الحر
والسَّمُومُ بالنهار وقد يكون بالليل والحَرُور بالليل وقد يكون بالنهار قال
الراجز
* ونَسَجَتْ لَوامِعُ الحَرُورِ*
وهما يكونان اسمين
وصفتين كما أَرَيْتُك فى باب فَعُولٍ التى تكون مرة اسما ومرة صفة وروى عن أبى
عمرو أنه قال السَّموم بالليل والنهار والحرورُ بالليل * ومن ذلك (الصَّالِبُ) من
الحُمَّى يذكر ويؤنث * ومن ذلك (الزَّوْجُ) يذكر ويؤنث يقال
__________________
فلان زَوْجُ فلانة
وفلانةُ زوجُ فلانٍ هذا قول أهل الحجاز قال الله تعالى (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) وأهلُ نَجْد يقولون فلانةُ زوجةُ فلان قال وهو أكثر من
زَوْج والاولُ أفصح وأنشد لعَبْدة بن الطبيب
فبكَى بناتى
شَجْوَهُنَّ وزَوْجَتِى
|
|
والاقْرَبُونَ
إلىَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا
|
فمن قال زوجة قال
فى الجميع زوجات ومن قال زوج قال فى الجميع أزواج قال الله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ
لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ) وقال الراجز.
مِنْ مَنْزِلِى
قَدْ أَخْرَجَتْنِى زَوْجَتِى
|
|
تَهِرُّ فى
وَجْهِى هَرِيرَ الكَلْبةِ
|
قال ولا يقال
للاثنين زوج لا من طَيْر ولا من شئ من الاشياء ولكن كل ذكر وأنثى زوْجانِ يقال
زَوْجا حَمامٍ للاثنين ولا يقال زَوْجُ حمام للاثنين هذا من كلام الجهال بكلام
العرب قال الله تبارك وتعالى (فَجَعَلَ مِنْهُ
الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) وكذلك كُلُّ شئ من الاناث والذكور ويقال زَوْجا خِفَافٍ
وزَوْجا نِعالٍ وزَوْجا وسَائِدَ وقالوا للذكر فَرْدٌ كما قالوا للانثى فَرْدَة
قال الشاعر وهو الطِّرِمَّاحُ
وَقَعْنَ
اثْنَتَيْنِ واثْنَتَيْنِ وفَرْدةً
|
|
تُبادِرُ
تَغْلِيسًا سِمَالَ المَداهِنِ
|
وأنشد أبو
الجَرَّاح
يا صَاحِ
بَلِّغْ ذَوِى الزَّوْجاتِ كُلِّهِمِ
|
|
أنْ لَيْسَ
وَصْلٌ اذا انْحَلَّتْ عُرَى الذَّنَبِ
|
وقال الفراء خفض
كُلِّهم على الجوار للزوجات والصواب كُلَّهم على النعت لذوى وكان انشاد أبى
الجَرَّاح بالخفض * ومن ذلك (الآلُ) الذى يَلْمَعُ بالضُّحَى يذكر ويؤنث والتذكير
أجود قال الشاعر
أَتْبَعْتُهُمْ
بَصَرِى والآلُ يَرْفَعُهُمْ
|
|
حتى اسْمَدَرَّ
بطَرْفِ العَيْنِ إتْارِى
|
وحكى عن بعض
اللغويين أنه قال فى الآل الذى هو الاهْلُ انه يذكر ويؤنث وقد قدّمت قول من قال ان
ألف آل منقلبة عن الهاء التى فى أهل وأن بعضهم يحقره فيقول أُهَيْلٌ وبعضهم يقول
أُوَيْل يجعل الالف مجهولة الانقلاب فيحملها على الواو لان انقلابها عنها أكثر وهو
مذهب سيبويه فى الالف التى لا يعرف ما انقلبت عنه فاما الآلُ الشخص فمذكر وأما
الآلُ العِيدانُ التى تُبْنَى عليها
الخيامُ فمذكر وقد
قيل انه جمع آلة فاذا كان كذلك فهو يذكر على اللفظ ويؤنث على المعنى * ومن ذلك (الضَّرَبُ)
العَسَلُ الابيضُ اذا غَلُظَ يذكر ويؤنث قال ساعدة
وما ضَرَبٌ
بَيْضاءُ يَسْقِى دَبُوبَها
|
|
دُفاقٌ
فَعَرْوانُ الكَراثِ فضِيمُها
|
دَبُوبَها مكانٌ
يَسْقيه مكانٌ آخر والكَراثُ شجر ودُفاقٌ وعَرْوان وضِيمٌ أَوْدِيةُ وقيل الضَّرَب
أنثى وانما يذكر اذا ذُهِبَ به مذهبَ العسل أو الجَلْس لان الجَلْسَ والضَّرَبَ من
العسل سواءٌ وقيل هو جمع ضَرَبة * ومن ذلك (المِسْكُ والعَنْبَرُ) يذكران ويؤنثان
وأما المِسْكُ رائحةُ المِسْكِ فمؤنثة وأنشد قول الشاعر
لقدْ
عاجَلَتْنِى بالسِّباب وثَوْبُها
|
|
جديدٌ ومن
أثْوابِها المِسْكُ تَنْفَحُ
|
على معنى رائحة
المسك يقال هى المِسْكُ وهو المِسْكُ وهى العنبر وهو العنبر وأنشد فى التذكير
للزبير بن عبد المطلب
فانا قَدْ
خُلِقْنا مُذْ خُلِقْنا
|
|
لَنا الحِبَراتُ
والمِسْكُ الفَتِيتُ
|
وأنشد فى تذكير
العَنْبر للاعشى
إذا تَقُومُ
يَضُوعُ المسكُ آوِنَةً
|
|
والعَنْبَرُ
الوَرْدُ من أرْدانِها شَمِلُ
|
وقال أعرابى فى
تأنيث المسك والعنبر
والمسكُ
والعَنْبَرُ خَيْرُ طِيبِ
|
|
أُخِذتا
بالثَّمَنِ الرَّغِيبِ
|
والمِسْكُ واحدتُه
مسْكة كما أن واحدةَ الذَّهَب ذَهَبَةٌ وقول رؤبة
* أَجِدْبها أطْيَبَ مِنْ رِيح المِسِكْ*
كَسَرَ السِّينَ
اضْطِرارا كما قال
* بِرِجِلٍ طالَتْ أتَتْ ما تَأْتِى*
وكان الاصمعى ينشد
المِسَكَ ويقول هو جمع مِسْكةَ كقولك خِرْقة وخِرَق وقِرَبة وقِرَب وقد قيل فى
واحد العنبر عنبرة وليس بالمشهور انما العنبرةُ عنبرةُ الشتاء وهى شِدَّته و (المسواك)
يذكر ويؤنث * ومن ذلك (فوقُ السَّهْم) يذكر ويؤنث يقال هو الفُوقُ وهى الفُوقُ وهى
الفُوقةُ ويقال فى جمع الفُوقةِ الفُوَقُ وأنشد عن الاسَدِىِ
ولكنْ وَجَدْتُ
السَّهْمَ أَهْوَنَ فُوقةً
|
|
عليكَ فَقَدْ
أَوْدَى دَمٌ أنتَ طالِبُهْ
|
ومن ذلك (السَّلْم)
الدَّلْو الذى له عُرْوة مثلُ دِلاءِ أصحابِ الرَّوايا يذكر ويؤنث قال الراجز فى
التذكير
سَلْمٌ تَرَى
الدَّالِىَ مِنْه أَزْوَرَا
|
|
اذا يَعُبُّ فى
السَّرِىِّ هَرْهَرا
|
السَّرِىُّ النهر *
ومن ذلك (الاشُدُّ) يذكر ويؤنث من قولك بَلَغ الرجلُ أَشُدَّه يقال هى الاشُدُّ
وهو الاشُدُّ وقد اختلف ما هى من الانسان فقيل هى أربعون وقد بَلَغ أَشُدَّه أى
مُنْتَهى شَبابه وقوّته من قَبْل أن يأخُذَ فى النُّقْصان قال وليس له واحد من
لفظه قال يونس الاشُدُّ جمع شَدٍّ بمنزلة قولهم الرجلُ وَدٌّ والرجالُ أَوُدٌّ وقد
قيل الأشُدُّ اسم واحد كالآنُكِ قال سيبويه واحدتُها شِدَّة مثل قولهم نِعْمة
وأَنْعُم وهذا من الجمع العزيز وقد أطلتُ شرح هذا وأَبَنْتُه فى أول الكتاب ومن
ذلك
(الغَوْغاءُ) يذكر ويؤنث فمن أنث لم يصرف بمنزلة حَمْراءَ وصَفْراءَ ومن ذكر
قال هم غَوْغاءٌ بمنزلة رَضْراضٍ وقَضْقاضٍ ومن ذلك (رَسَلُ الحَوْضِ الادْنَى) ما
بين عشر الى خمس وعشرين يذكر ويؤنث ومن ذلك (الاضْحَى) يذكر ويؤنث فمن ذكر ذهب الى
العيد واليوم قال الشاعر فى التذكير
رَأَيْتُكُمُ
بَنِى الخَذْواءِ لَمَّا
|
|
دَنا الاضْحَى
وصَلَّلَتِ اللِّحَامُ
|
وقال أيضا فى
التأنيث
أَلا ليتَ
شِعْرِى هل تَعُودَنَّ بعدَها
|
|
عَلَى النَّاسِ
أَضْحَى تجْمَعُ الناسَ أو فِطْرُ
|
وقد قيل ان
الاضْحى جمع أَضْحاةٍ وبه سمى اليوم يقال ضَحِيَّة وأُضْحِيَةُ وأَضْحاةٌ وهو ما
ضُحِّىَ به ومنْ ذلك (الايَّامُ) تذكر وتؤنث فمن أنث فعلى اللفظ ومن ذكر فعلى معنى
الحِينِ أو الدَّهْر قال الشاعر
* ألا لَيْتَ أيامَ الصَّفَاءِ جَدِيدُ*
والغالب عليها
التأنيث وأما اليومُ فمذكر باجماع يقال يَوْمٌ أَيْوَمُ ويَوِمٌ ويَمٍ وأنشد قول
الشاعر
* مَرْوانُ مَرْوانُ أخا اليومِ اليَمِى*
على القلب ولم
يقولوا يَوْمٌ يَوْماءُ ولا يَوِمَة واعلم أن السَّبْتَ والاحدَ والخميسَ مذكرة
ولك فيه وجهان اذا قَصَدْتَ قَصْدَ الايام ذَكَّرْتَ فتقول مَضَى السبتُ بما فيه
فتذكر لانك تَقْصِدُ قَصْدَ اليوم والمعنى اليومُ بما فيه واذا قصدتَ قَصْدَ أيام
الجمعة قلتَ مضى السبتُ بما فيهنَّ على معنى مضت الايامُ بما فيهن وكذلك مَضَى
الاحدُ بما فيهنَّ ومَضَى الخميسُ بما فيهنَّ ولا يجوز أن تقول مضى السبت بما فيها
وكذلك الاحد والخميس وأما الاثنان فلك فيه ثلاثة أوجه التذكير لمعناه لا لفظه أعنى
معنى اليوم والتثنِيةُ للفظه والجمعُ على معنى أيام الجمعة تقول مَضَى الاثنانِ
بما فيه وفيهما وفيهن وأما الثَّلاثاء والاربعاء والجمعة فان للعرب فيهن ثلاثة
مذاهب أحدها أن يذهبوا الى اللفظ فيؤنثوا والثانى أن يذهبوا الى معنى اليوم
فيذكروا والثالث أن يذهبوا الى معنى الايام فيجمعوا وفى الارْبِعاءِ لغتان
أرْبِعَاءُ وأرْبَعاء وفى الجمعة ثلاث لغات جُمُعَةٌ وجُمْعة وجُمَعةٌ
وأما أسماء الشهور
فانها مذكرة الاجُمَادَيَيْنِ فان سمعتَ فى شِعْر تذكير جُمَادَى فانما يذهب به
الى معنى الشهر كما قالوا هذه ألفُ درهم فقالوا هذه على معنى الدراهم ثم قالوا ألف
درهم
وأما (العَشِيَّة)
فانها مؤنثة وربما ذكرتها العرب فذهبت بها الى معنى العَشِىّ وأنشد قول الشاعر
هَنِيئًا
لِسَعْدٍ ما اقْتَضَى بَعْدَ وَقْعَتِى
|
|
بناقةِ سَعْدٍ
والعَشِيَّةُ بارِدُ
|
فذَكَّرَ باردا
حملا على معنى والعَشِىُّ بارِدٌ (وأما الغَداةُ) فمؤنثة لم نَسْمَعْ تذكيرها ولو
حملها حامل على معنى الوقت لجاز أن يذكرها ولم نسمع فيها الا التأنيث
باب ما يكون للمذكر والمؤنث والجمع بلفظ واحد
ومعناه فى ذلك مختلف
من ذلك (المَنُونُ)
تذكر وتؤنث وتكون بمعنى الجمع فمن ذكره ذهب به الى معنى
الدَّهْر ومن أنثه
ذهب به الى معنى المَنِيَّة قال الاصمعى المَنُونُ ـ المَنِيَّة والمَنُونُ ـ الدَّهْر وأنشد قول الشاعر
فقلتُ انَّ
المنُونَ فانْطَلِقَنْ
|
|
تَعْدُو فلا
تَسْتَطِيعُ تَدْرَؤُها
|
تَعْدُو ـ تَشْتَدُّ قال الهذلى
أَمِنَ
المَنُونِ ورَيْبِها تَتَوَجَّعُ
|
|
والدَّهْرُ ليسَ
بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
|
فأنث المَنُونَ
على معنى المَنِيَّة ويُنْشَدُ ورَيْبِه فذكر المَنُونَ على معنى الدَّهْر قال
الفارسى ومن روى ورَيْبِه ذهب به الى معنى الجنس ومن جعل المنونَ جمعا ذهب به الى
معنى المَنايا قال عدى بن زيد
مَنْ رَأَيْتَ
المَنُونَ عَدّيْنَ أَمْ مَنْ
|
|
ذا عليه مِنْ
أَنْ يُضَامَ خَفِيرُ
|
حَمَلَه على رأيت
المنايا عَدّين* قال أبو على* انما سمى الدهر والمنية مَنُونًا لاخْذِهما مُنَنَ
الاشياءِ ـ أى قُواها والمَنِينُ الحَبْل الخَلَقُ
ومن ذلك (الفُلْكُ)
يكون واحدا وجمعا وقد قدّمت أنه يذكر ويؤنث وليس الفُلْكُ وان كان يقع على الواحد
والجميع بمنزلة المَنُونِ لان المَنُونَ اذا كان جمعا فليس بتكسيرِ مَنُونٍ وانما
هو اسم دال على الجنس كما أَرَيْتُك وأما الفُلْك الذى يُعْنَى به الجمع فتكسير
الفُلْكِ الذى يعنى به الواحد ألا تَرى أن سيبويه قد مَثَّلَه بأَسَدٍ وأُسْدٍ
ونَظَّر فُعْلاً بفَعَل اذا كانا قد يَعْتَقِبانِ على الكلمة الواحدة كقولهم
عُدْمٌ وعَدَمٌ وسُقْم وسَقَم فالضمة التى فى فُلْكٍ وأنتَ تريد الجمعَ غيرُ الضمة
التى فى فُلْك وأنتَ تريد الواحد وقد كشفتُ جَلِيَّةَ هذا الامر فيما تقدّم وأتيتُ
بنَصِّ قول سيبويه وذكرتُ اعتراضَ أبى علىّ على أبى اسحق فى هذا الفصل وتَسْفيهَه
رأيَهُ عند ذكر الفُلْك فى باب السفينة اذ كان فصلا لم يوضحه أحد من قُدَماء
النحويين بحقيقته وقال جل ثناؤه فى تأنيثها (قُلْنَا احْمِلْ
فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) وقال تعالى فى الجمع (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ
فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ)
ومن ذلك (الطَّاغُوتُ)
بقَعَ على الواحد والجميع وقد قَدَّمْتُ أنه يذكر ويؤنث* قال الفارسى* قال محمد بن
يزيد الطاغُوتُ جمع وليس الامر عندنا على ما قال وذلك أن الطاغوت مصدر كالرَّغَبُوت
فكما أن هذه الاشياء التى هذا الاسم على وزنها
آحادٌ وليست بجموع
فكذلك هذا الاسم مُفرد ليس بجمع والاصل فيه التذكير وعليه جاء (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ) وأما قوله (أَنْ يَعْبُدُوها) فانما أنث على ارادة الآلهة التى كانوا يعبدونها ويدل على
أنه مصدر مفرد قوله تعالى (أَوْلِياؤُهُمُ
الطَّاغُوتُ) فأفرد فى موضع الجمع كما قال الشاعر
* هُمُ بَيْنَنا فَهُمْ رِضًا وهُمُ عَدْلُ*
فاما قراءة الحسن
أولياؤُهم الطَّواغيتُ فانه جمع كما جمع المصادر فى قوله
هل من حُلُومٍ
لَاقْوامٍ فتُنْذِرَهُمْ
|
|
ما جَرَّبَ
النَّاسُ من عَضِّى وتَضْرِيسِى
|
وهو من
الطُّغْيانِ الا أن اللام قُدِّمت الى موضع العين لما كان يلزمها لاعتلالها من
الحذف* قال أبو سعيد السيرافى* يقال طَغَى يَطْغَى وطَغِىَ يَطْغَى وهو من الواو
بدلالة أنه اذا كسر الطاغوتُ قيلَ طَواغِيت فاما الطُّغْيانُ فمعاقبة وقال فى موضع
آخر طَغَوْتُ وطَغَيْتُ فالطُّغْيانُ من طَغَيْتُ والطَّاغُوتُ من طَغَوْتُ وأما
طَغْوَى فقد يكون من طَغَوْتُ ويكون من طَغَيْتُ فيكون من باب تَقْوَى وقد قيل انه
اذا ذُكِّرَ الطاغُوت ذُهِبَ به الى معنى الالَهِ واذا أُنث ذهب به الى معنى الاصنام
(والسَّهَامُ) الرِّيح الحارّة واحدها وجمعها سواء
باب ما يكون واحدا يقع على الواحد والجميع
والمذكر والمؤنث بلفظ واحد
وهذا مما كادَ
يَخُصُّ المصدر وان لم يكن خَصَّ فقد غَلَبَ وطَائفة تذهب الى أن المضاف محذوف
وطائفة تقول ان المصدر لما كان واحدا يدل على القليل والكثير من جنسه جعلوه مفردا
من ذلك
(الصَّدِيقُ) يكون مذكرا ومؤنثا وجمعا باتفاق من لفظه ومعناه وذلك أنه لا
يخرج عن معنى الصَّدَاقة كما نقلت المَنُونُ فى حال تذكيرها إلى معنى الدَّهْر
ويجوز أن تؤنث الصَّدِيقَ وتثنيه وتجمعه فتقول صَدِيقة وصَدِيقانِ وأَصْدِقاءُ
وصَدِيقُون وأَصَادِق وأنشد أبو العباس
فلا زِلْنَ
دَبْرَى ظُلَّعًا لِمْ حَمَلْنَها
|
|
إلى بَلَدٍ ناءٍ
قليلِ الاصَادِقِ
|
وكذلك (الرَّسُولُ)
وقد جمعوا الرَّسُولَ وثَنَّوْهُ كما جمعوا الصَّدِيقَ وثَنَّوْهُ وقد أَنَّثُوه
فمما جاء منه مُثَنَّى قوله تعالى (إِنَّا رَسُولا
رَبِّكَ) وقال (تِلْكَ الرُّسُلُ) وقال بعضهم من أنَّث فانما يذهب الى معنى الرِّسالة واحتج
بقول الشاعر
فابْلِغْ أبا
بَكْرٍ رَسُولاً سَريعةً
|
|
فما لَكَ يا
ابْنَ الحَضْرَمىِّ ومالِيَا
|
وقال أراد رسالةً
سريعةً وأنشد الفراء
لو كانَ فى
قَلْبِى كقَدْرِ قُلامةٍ
|
|
فَضْلٌ لغَيْرِك
قد أَتاها أرْسُلِى
|
جَمَع الرسولَ على
أفْعُل وهو من علامات التأنيث ومن ذلك (الضَّيْفُ) وفى التنزيل (هؤُلاءِ ضَيْفِي) وقال (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ
ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) وقد ثُنِّىَ وجُمع وأُنِّثَ قال الشاعر
* فأَودَى بما تُقْرَى الضُّيُوفُ الضَّيَافِنُ*
وقال آخر
لَقًى
حَمَلَتْهُ أُمُّه وهْىَ ضَيْفةٌ
|
|
فجاءتْ بَيَتْنٍ
للضِّيافةِ أَرْشَمَا
|
ومن ذلك (الطِّفْلُ)
وفى التنزيل (أَوِ الطِّفْلِ
الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) وفى موضع آخر (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ
طِفْلاً) وقد يجوز أن يثنى ويجمع ويؤنث فتقول طِفْلانِ وأطْفالٌ
وطِفْلَة فيكون قوله عزوجل (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ
طِفْلاً) فى هذا المذهب على قوله
* قد عَضَّ أعْناقَهُمْ جِلْدُ الجَوامِيس*
وكُلُوا فى بَعْضِ
بَطْنِكُمُ وفى حَلْقِكُمْ عَظْمُ وقد أجدتُ استقصاء هذا فى أول الكتاب واختصرته
هنا ولم أُخِلَّ فاما الطِّفْلُ من غير الطِّفْلِ الذى يُعْنَى به الصغير من
الحيوان كطِفْلِ الحُبِّ والهَمِّ فمجموع قال الشاعر
* يَضُمُّ الَىَّ الَّليْلُ أَطْفالَ حُبِّها*
ومن ذلك (البُورُ)
وَصْفٌ وهو الهالك قال الشاعر فيما جاء للواحد
يا رَسُولَ
المَلِيكِ انَّ لِسَانِى
|
|
رَاتِقٌ ما
فَتَقْتُ اذْ أنا بُورُ
|
وقال فيما هو
للجميع
هُمُ أُوتُوا
الكِتَابَ فضَيَّعُوهُ
|
|
فَهُمْ عُمْىٌ
عن التَّوْراةِ بُورُ
|
وقد قيل ان
البُورَ جمعٌ واحدُه بائِرٌ والعرب تقول حائِرٌ بائِرٌ ومنه قول عمر رضى الله عنه
حين قَسِمَ الرجالَ فقال الرجال ثلاثة رجل ذو عقل ورأى ورجل اذا حَزَبه أمْرٌ أتَى
ذا رَأْى فاستشاره ورجل حائر بائر لا يَأْتَمِرُ رَشَدًا ولا يطيع مُرْشِدًا
ومن ذلك (الزَّوْرُ)
قال الشاعر فى الزَّوْرِ يَصِفُ صَرائم رَمْلٍ
كانَّهُنَّ
فَتَياتٌ زَوْرُ
|
|
أو بَقَراتٌ
بَيْنَهُنَّ ثَوْرُ
|
وقال أبو
الجَرَّاح يمدح الكسائى
كَرِيمٌ على
جَنْبِ الخِوَانِ وزَوْرُه
|
|
يُحَيَّا
بأَهْلاً مَرْحَبًا ثم يَجْلِسُ
|
وكذلك (العُوذُ) جمعُ
عائذٍ * ومن ذلك (الكَرَمُ) قال الشاعر
عَنَّيْتُمُ
قَوْمَكمْ فَخْرًا بِامِّكُمُ
|
|
أُمٌّ لَعَمْرِى
حَصَانٌ بَرَّةٌ كَرَم
|
وقال آخر أيضا
وأنْ يَعْرَيْنَ
إن كَسِىَ الجَوارِى
|
|
فتَنْبُوا
العَيْنُ عن كَرَمٍ عِجَافِ
|
وقالوا أرضٌ
كَرَمٌ وأَرَضُونَ كَرَمٌ ـ طَيِّبةٌ * ومن ذلك (الحَرَضُ) وهو الذى قد أذابه
الحُبُّ أو الحُزْنُ يقال رجل حَرَضٌ وحارِضٌ فمن قال حَرَضٌ فكما أَرَيْتُك من
أنه للواحد فما بعده بلفظ واحد ومن قال حارضٌ ثَنَّى وجمع * وكذلك (الدَّنَفُ
والضَّنَى) وقد ثنى بعضهم الضَّنَى أنشد الفارسى
* إلَّا غُلَاما بِيئَةٍ ضَنَيانِ*
والمعرُوف أن
الدَّنَفُ والضَّنَى لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث الا أن يقال ضَنٍ ودَنِفٌ فيؤتى
بهما على فَعِلٍ قال الراجز
* والشمسُ قد كادَتْ تَكُونُ دَنَفَا*
ومما يجرى هذا
المجرى فى أنه يقع للمذكر والمؤنث والاثنين والجميع بلفظ واحد اذا بُنِىَ على
فَعَلٍ ويثنى ويجمع ويؤنث اذا بُنِىَ على فَعِلٍ قولهم (قَمَنٌ وحَرًى) فاذا قيل قَمِنٌ وحَرٍ أنث وثنى وجمع *[القُنْعانُ]
ومما يقع على الواحد فما بعده بلفظ واحد (القُنْعانُ) يقال رجل قُنْعَانٌ وقوم
قُنْعَانٌ وامرأة قُنْعانٌ وامرأتانِ قُنْعانٌ ونِسْوةٌ قُنْعانٌ وكذلك المَقْنَعُ
والعَدْلُ والرِّضا يجرى ذلك المجرى قال زهير
مَتَى
يَشْتَجِرْ قَوْمٌ يَقُلْ سَرَواتُهُمْ
|
|
هُمُ بَيْنَنا
فهُمْ رِضًا وهُمُ عَدْلُ
|
وقد ثنى وجمع قال
الشاعر
وبايعْتُ ليلَى
بالخَلاءِ ولم يَكُنْ
|
|
شُهودٌ على
لَيْلَى عُدُولٌ مَقانِعُ
|
جمع العَدْلَ
والمَقْنَع * ومن ذلك (الحَمْدُ) وهو وَصْفٌ يقال رجل حَمْدٌ وامرأة حَمْد ورجال
حَمْدٌ ومنزلة حَمْدٌ قال الشاعر
بَلَى إنه قد
كانَ للعَيْشِ مَرَّةً
|
|
وللبِيضِ
والفِتْيانِ منزلةً حَمْدَا
|
ومن ذلك (الخِيارُ
والشَّرَطُ) قال الشاعر
وَجَدْتُ الناسَ
غَيْرَ ابْنَىْ نِزَارٍ
|
|
ولم أَذْمُمْهُمُ
شَرَطًا ودُونا
|
وكذلك (قَزَم) يجرى
هذا المجرى والقَزَمُ والشَّرطُ ـ الرُّذالُ ويقال ماء غَمْرٌ ومياه غَمْرٌ
وجَمَّةٌ غَمْر أعنى بالجَمَّةِ مُعْظم الماء وماء غَوْر ومياه غَوْر ونُطْفة
غَوْر وماء سكْبٌ ومِياهٌ سَكْبٌ وقَطْرةٌ سَكْبٌ ورجل نَجَسٌ ونِساءٌ نَجَسٌ وفى
التنزيل (إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) فان أَتَوْا برِجْسٍ كَسَرُوا النونَ وأسكنوا الجيم فقالوا
نِجْسٌ رِجْسٌ وقد قرئ انما المشركون نِجْسٌ ومن كسر النون منه ثنى وجمع حكى عن
ابن السكيت ومن هذا الباب قولهم رَجُل (جَلْدٌ) وامرأة جَلْد ونساء جَلْدٌ وإبِلٌ
جَلْد غزيرة * ومن هذا الباب قولهم (الفَرَط) وهو الذى يتقدّم الوارِدةَ فيُصْلِحُ
الارْشِيَةَ ويَمْدُر الحِياضَ رجل فَرَطٌ وامرأة فَرطٌ ورجال فَرَطٌ ونسوة فَرَطٌ
فاما الفارِطُ فيثنى ويجمع وهو بمعناه *[فرّ] ومما لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث من
الاوصاف رجل فَرٌّ ـ فَرارٌ ومَحضٌ وقَلْبٌ ومعناهما سواء أى خالص وكذلك
(فِجٌّ) وقد قالوا فِجَّة ومثله عبد قِنٌّ وأَمَة قِنٌّ والقِنُّ العبد الذى ملِكَ
هو أبَواه وقالوا ماء صَبٌّ كما قالوا فى السَّكْبِ وقالوا تَمْرٌ بَثٌّ وتُمورٌ
بَثٌّ ـ وهو ما لم يَكْتَنِزْ منه وكان مُفْتَرقا [رذم] ويقال
جَفْنة رَذَمٌ وجِفانُ رَذَم ـ أى طافحة تَسِيلُ قال ابنُ قيسِ الرُّقَيَّات
أَعْنِى ابْنَ
لَيْلَى عَبْدَ العَزيزِ ببَا
|
|
بِ اليُونِ
تَغْدُ وجِفانُه رَذَمَا
|
* ومن هذا الباب (صَوْمٌ وفطْرٌ
ونَوْحٌ) وقد جمع نَوْحٌ قال لبيد
* قُومَا تَنُوحانِ مع الانْواحِ*
ويقال رجل دَوَى
ورجال دَوًى وامرأة دَوًى ونسوة دَوًى ـ أى مَرْضَى فان كَسَرُوا أنثوا وجمعوا ويقال رجل
دَاءٍ ورجال دَاءٍ وامرأة داءٍ ونسوة داءٍ ويقال أنا البَراء ونحن البَراءُ وفى
التنزيل (إِنَّا بُرَآؤُا
مِنْكُمْ) ويقال رجل عَدُوٌّ ونِسْوة عَدُوّ وفى التنزيل (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) وفيه (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ
لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) فاما ما جاء فيه من الواحد فغير شئ كقوله تعالى (إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ) والحَمِيمُ الذى هو الصدِيق يجرى هذا المَجْرَى وفى التنزيل
(وَلا يَسْئَلُ
حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ) وفيه (فَما لَنا مِنْ
شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)
ومن هذا الباب (المُصَاصُ
واللُّبَابُ) وهو الخالصُ ويقع على الواحد فما بعده بلفظ واحد قال جرير
تُدَرِّى فَوْقَ
مَتْنَيْها قُرونًا
|
|
علَى بَشِر
وآنِسةٍ لُبابِ
|
وقال أيضا ذو
الرمة
سِبَحْلاً أبا
شَرْخَيْنِ أَحْيَا بَناتِهِ
|
|
مَقَالِيتُها
فَهْى الُّلبابُ الحَبائِسُ
|
ويقال فلان
مُصَاصُ قومِه ومُصَاصةُ قومِه ـ أى أَخْلَصُهُمْ نَسَبًا وكذلك الاثنان والجميعُ
والمؤنثُ ورجل نَظُورةٌ ـ سَيِّدُ قومِه الواحدُ والجميع والمؤنث فيه سواء
ورجل صَمِيمٌ مَحْضٌ وكذلك الاثنان والجميع والمؤنث ومن هذا الباب يقال (رجل
جُنُبٌ ورجال جُنُبٌ) وفى التنزيل (وَإِنْ كُنْتُمْ
جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ويقال بَعِير هِجَانُ وناقة هِجَان وإبل هِجَانٌ ـ وهى
التى قد قاربَتِ الكَرَمَ وقد جمعوا فقالوا هَجائنُ فأما قول على كرم الله وجهه
* هذا جَنَاىَ وهِجَانُه فيهْ*
فانما عَنَى
كبارَه * ومن هذا الباب (دِلَاصٌ) يقع للواحد والجميع وقد قدّمت أن هِجَانا
ودِلَاصًا جمعُ هِجانٍ ودِلَاصٍ وبينتُ وجه ذلك وأنعمت تمثيله فى باب فِعَالٍ
وأريتك الوجهين وفرقت بينه وبين جُنُبٍ ويقال أُذُنٌ حَشْرٌ واذُنانِ حَشْرٌ ـ اذا
كانت ملتزقة بالرأس قال ذو الرمة
لَها أُذُنٌ
حَشْرٌ وذِفْرَى أَسِيلةٌ
|
|
وخَدٌّ كِمْرآةِ
الغريبةِ أسجَحُ
|
وقال الراعى
__________________
واذْنانِ حَشْرٌ
اذا أَفْرَعَتْ
|
|
شُرَافِيتَّانِ
اذا تَنْظُرُ
|
أَفْرعَتْ
رُفِعَتْ وروى ابن الانبارى افْزِعت أى حُمِلَتْ على الفَزَع وقوله شُرَافيتانِ
معناه مرتفعتان وربما قالوا اذُنٌ حشرة فزادوا الهاء والاختيار أُذُن حَشْر بغير
هاء قال النمرى فى ادخال الهاء
لها أُذُنٌ
حَشْرةٌ مَشْرةٌ
|
|
كاعلِيطِ مَرْخٍ
اذا ما صَفِرْ
|
والحَشْرُ مصدر
حَشَرَ قُذَذَ السَّهْم حَشْرًا اذا ألْصَقَ قُذَذَها فهو بمنزلة صَوْم وفِطْرٍ
وحَمْدٍ فى ترك التثنية والجمع والتأنيث ويقال سَهْمٌ حَشْرٌ اذا كان رَقيقا ويقال
شئ (لَقًى) اذا كان مُلْقًى وأشياءُ لَقًى وربما ثنوا وجمعوا قال الحَرِثُ بن
حِلِّزةَ
فَتَاوَّتْ لهم
قَراضِبةٌ منْ
|
|
كُلِّ حَىٍّ
كانهمْ ألْقاءُ
|
ومن ذلك (المَلَكُ)
يكون للواحد والجميع بلفظ واحد قال الله تعالى (وَالْمَلَكُ عَلى
أَرْجائِها) وقال فى موضع آخر (وَجاءَ رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) وقد قدّمت ما فى المَلَكِ من اللغات وكذلك (البَشَرُ) الانسانُ
يقع على الواحد وعلى الجميع وقال الفراء رأيت العرب لا تجمع وان كانوا يثنون قال
الله تعالى (أَنُؤْمِنُ
لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) وقال تعالى فى الجمع (ما أَنْتُمْ إِلَّا
بَشَرٌ مِثْلُنا) وقال قوم زعم الفراء أنه سمع مررت بجُنُبِينَ يعنى بقوم
جُنُبٍ فجمع الجنب هنا لأن القوم قد حُذِفُوا فلم يُؤَدِّ الجُنُبُ اذا أفرد عن
المعنى قال وانما ثَنَّتِ العربُ فى الاثنين وتركوا الجمعَ غير مجموع لان الاثنين
يؤديان عن أنفسهما عددَهما وليس شئ من المجموع يؤدى اسْمُه عن نفسه ألا تَرى أنك
اذا قلت عندك درهمان لم تحتج الى أن تقول اثنان فاذا قلت عندى دراهم لم يعلم عددها
حتى تقول ثلاثة أو أربعة وقالوا دِرْهَمٌ ضَرْبٌ ودراهم ضَرْبٌ وكذلك أضافوا
فقالوا درهمٌ ضَرْبُ الاميرِ وقالوا ثَوْبٌ نَسْجُ اليَمنِ وثيابٌ نَسْجُ اليمنِ
وليلةٌ دُحًا وليال دُجًا لانه لا يجمع لانه مصدر وُصِفَ به ويوم غَمٌّ ونَحْسٌ
وأيام غَمٌّ ونَحْسٌ فاما نَحْسَاتٌ من قوله تعالى (فِي أَيَّامٍ
نَحِساتٍ) فزعم الفارسى أنه يكون من باب عُدُولٍ وأن يكون مخففا من
فَعِلَاتٍ وصرح أنهم لم يجمعوا درهما ضَرْبَ الامير ولا ثوبا نَسْجَ اليمن ولا
يوما غَمًّا الا بافراد اللفظ بالوصف فاما ما جاء من ذلك وليس لفظُه
لفظَ المصدر
فقولهم ماء فُراتٌ ومياه فُرات وقد جمعوا فقالوا مياهٌ فِرْتانٌ ذكره ابن السكيت
عن اللحيانى فى الالفاظ وقالوا ماء شَرُوبٌ ومِيَاه شَرُوب وماء ملْح ومِيَاهٌ
مِلْح وقد جمعوا فقالوا مِلَاح قال عنترة
كَانَّ
مُؤَشَّرَ العَضُدَيْنِ جَحْلاً
|
|
هَدُوجًا بَيْنَ
أَقْلِبةٍ مِلَاحِ
|
وماءٌ قُعٌّ
وقُعَاعٌ ومِيَاهٌ قُعَاعٌ وماء عُقٌّ وعُقَاقٌ اذا اشتدَّتْ مَرارتُه وماء أُجاجٌ
ومِياهٌ أُجاجٌ وماء مَسُوسٌ ومياه مَسُوسٌ ـ وهو
ما نالتْهُ الايدى وماءٌ أسْدامٌ ومِياهٌ أَسْدامٌ ـ اذا
تغيرتْ من طُول القِدَم* ابن السكيت* (الخَوَلُ) يكون واحدا وجمعا ويقع على العبد
والامة (والجَرِىُ) الوكيل الواحدُ والجميع والمؤنث فى ذلك سواء قال أبو حاتم وقد
قالوا فى المؤنث جَرِيَّة وهو قليل *[عم]
وقالوا نخلة عُمٌّ
ونخيل عُمٌ [كُبْر وإكْبِرَّة] * أبو عبيد* هو كُبْرُ قومِه وإكْبِرَّةُ قومه
مثالُ إفْعِلَّة ـ اذا كان أقْعدَهم فى النَّسَب والمرأة فى ذلك
كالرجل [مفزع] وفلان لنا مَفْزَعٌ ومَفْزَعةٌ الواحد والاثنان والجميع والمؤنث
فيهما سواء وقد قيل هو مَفْزَعٌ لنا ـ أى مَغاثٌ ومَفْزَعةٌ ـ يُفْزَع من أجله ففرقوا بينهما (الأَناث) مذكر
لا يجمع و (الخَلِيطُ) واحد وجمع و (البُصاقُ) خِيارُ الابل الواحد والجمع فيه
سواء [العُنْجُوجُ] فاما العُنْجُوجُ ـ الرائعُ من الخيل فانه يكون للمذكر والمؤنث بلفظ
واحد الا أنه يثنى ويجمع *[خصب] وأرض خِصْبٌ وأرضون خِصْب الجمع كالواحد و (الضَّنْكُ)
الضَّيِّقُ من كل شئ والذكر والانثى فيه سواء وقالوا رجل [صرور] صَرُورٌ وصَرُورةٌ
وصَارُورٌ وصارُورةٌ ـ وهو الذى لم يَحُجَّ وقيل الذى لم يتزوج الواحد
والاثنان والجميع والمذكر والمؤنث فى ذلك سواء والبَسْلُ ـ الحرام والحلال الواحد والجميع والانثى فيه سواء
[سوقة] ورجل سُوقةٌ ـ دون المَلِكِ وكذلك الانْسانُ ـ للواحد والجميع والمؤنث
ومما وصفوا به الانثى ولم يدخلوا فيها
علامَة التأنيث
وذلك لغلبته على
المذكر قولُهم أَمِيرُ بَنِى فُلانٍ امرأةٌ وفلانةُ وَصِىُّ بَنِى فُلان
ووكيلُ فلان
وجَرِىُّ فلان ـ أى وكيله وكذلك يقولون مُؤَذِّنُ بَنِى فلانٍ
امرأةٌ وفلانةُ شاهدُ بَنِى فلانٍ ولو أفردت لجاز أن تقول أميرة ووكيلة ووصية
وأنشد قول الشاعر
نَزُورُ
أَمِيرَنا خُبْزًا بسَمْنٍ
|
|
ونَنْظُر كيفَ
حادَثَتِ الرَّبابُ
|
فَلَيْتَ
أَمِيرَنا وعُزِلْتَ عَنَّا
|
|
مُخَضَّبةٌ
أنامِلُها كَعابُ
|
وربما أدخلوا
الهاء فاضافوا فقالوا فلانةُ أميرةُ بنى فلان وكذلك وكيلة وجَرِيَّةٌ ووَصِيَّة
وسمع من العرب وَكِيلاتٌ فهذا يدل على وَكِيلة قال عبد الله بن هَمَّام
السَّلُولِىُ
فلو جاؤُا
ببَرَّةَ أو بِهِنْدٍ
|
|
لَبايَعْنا
أميرةَ مُؤْمِنينا
|
وقال هى عَدِيلِى
وعَدِيلَتى بدليل ما حكاه أبو زيد من قولهم عَدِيلاتٌ
باب أسماء السُّوَر وآياته ما ينصرف منها
مما لا ينصرف
تقول هذه هُودٌ
كما ترى اذا أردت أن تحذف سورة من قولك هذه سورةُ هودٍ فيصير هذا كقولك هذه تميم*
اعلم أن أسماء السور تأتى على ضربين أحدهما أن تحذف السورة وتقدّر اضافتها الى
الاسم المُبْقَى فتحذف المضافَ وتُقيم المضافَ اليه مُقامَه والآخر أن يكون اللفظ
المُبْقَى هو اسم السورة ولا تقدّر اضافة فاذا كانت الاضافة مقدّرة فالاسم
المُبْقَى يجرى فى الصرف ومنعه على ما يستحقه فى نفسه اذا جُعل اسما للسورة فهو
بمنزلة امرأة سميت بذلك فأما يونُسُ ويوسفُ وابراهيم فسواءٌ جعلتها اسما للسورة أو
قدّرت الاضافة فانه لا ينصرف لان هذه الاسماءَ فى أنفسها لا تنصرف فأما هُودٌ
ونوحٌ فان قدّرت فيهما الاضافة فهما منصرفان كقولك هذه هودٌ وقرأت هُودًا ونظرت فى
هودٍ لانك تريد هذه سورة هود وقرأت سورة هود والدليل على صحة هذا التقدير من
الاضافة أنك تقول هذه الرحمن وقرأت الرحمن ولا يجوز أن يكون هذا الاسم اسما للسورة
لانه لا يسمى به غير الله وانما معناه هذه
سورة الرحمن واذا
جعلتهما اسمين للسورة فهما لا ينصرفان على مذهب سيبويه ومن وافقه ممن يقول ان
المرأة اذا سميت بزيد تصرف ولا تصرف فهو يُجِيزُ فى نوح وهود اذا كانا اسمين
للسورتين أن يصرف ولا يصرف وكان بعض النحويّين يقول انها لا تصرف وكان من مذهبه أن
هندا لا يجوز صرفها ولا صرف شئ من المؤنث يسمى باسم على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن
كان ذلك الاسم مذكرا أو مؤنثا ولا يصرف دَعْدًا ولا جُمْلاً ولا نُعْمًا وأما حم
فغير مصروف جعلتها اسما للسورة أو قدّرت الاضافة لانها معرفة أجريت مُجْرَى الاسماء
الاعجمية نحو هابيل وقابيل وليس له نظيرٍ فى أسماء العرب لانه فاعيل وليس فى
أبنيتهم قال الشاعر وهو الكميت
وَجَدْنا لَكُمْ
فى آلِ حاميمَ آيةً
|
|
تَأَوَّلَها
مِنَّا تَقِىٌّ ومُعْرِبُ
|
وقال الشاعر أيضا
أو كُتُبًا
بُيِّنَّ من حامِيمَا
|
|
قد علمتْ أَبْناءُ
إبْراهِيما
|
وقال غيره أيضا
يُذَكِّرُنِى
حاميمَ والرُّمْحُ شاجرٌ
|
|
فهَلَّا تَلَا
حامِيمَ قبلَ التَّقَدّمِ
|
وكذلك طس ويس اذا
جعلتهما اسمين جريا مجرى حاميم وان أردت الحكاية تركته وقفا على حاله لانها حروف
مقطعة مبنية وحكى أن بعضهم قرأ ياسينَ والقرآنِ وقافَ والقرآنِ فجعل ياسين اسما
غير منصرف وقدّر اذكر ياسين وجعل قاف اسما للسورة ولم يَصْرف وكذلك اذا فتح صاد
ويجوز أن يكون ياسين وقاف وصاد أسماء غير متمكنة بنيت على الفتح كما قالوا كيف
وأين وأما طسم فان جعلته اسما لم يكن لك بُدٌّ من أن تحرّك النون وتصير ميم كانك
وصلتها الى طاسين فجعلتها اسما بمنزلة درابَ جِرْدَ وبَعْلَ بَكَّ وان حَكَيْتَ
تركتَ السواكنَ على حالها يريد أنك تجعل طاسين اسما وتجعل ميم اسما آخر فيصير
بمنزلة اسمين جعلا اسما واحدا كحضْرَمَوْتَ فتقول هذا طاسين ميم وقرأت طاسين ميم
ونظرت فى طاسين ميم وان شئت تركتها سواكن وأما كهيعص والمر فلا يَكُنَّ الا حكاية
وان جعلتها بمنزلة طاسين لم يجز لانهم لم يجعلوا طاسين كحضرموت ولكنهم جعلوها
بمنزلة هابيلَ وهارُوتَ وان قلت أجعلها بمنزلة طاسين ميم لم يجز لانك وصلت ميم الى
طاسين ولا يجوز أن تصل خمسة أحرف
الى خمسة أحرف
فتجعلَهن اسما واحدا وان قلتَ أجعلُ الكاف والهاء اسما ثم أجعل الياء والعين اسما
فاذا صارا اسمين ضممتُ أحدهما الى الآخر فجعلتُهما كاسم واحد لم يجز ذلك لانه لم
يجئ مثل حَضْرَمَوْتَ فى كلام العرب موصولا بمثله وهذا أبعد لانك تريد أن تصله
بالصاد فان قلت أدَعُه على حاله وأجعله بمنزلة اسماعيل لم يجز لان اسماعيل قد جاء
عدّة حروفه على عدة حروف أكثر العربية نحو اشهيباب و (كهيعص) ليس على عدة حروفه شئ ولا يجوز فيه الا الحكاية* قال أبو
سعيد* طوّل سيبويه هذا الفصل لانه أورد وجوها من الشُّبَهِ على ما ذهب اليه فى حكاية
(كهيعص) و (المر) وذلك أن أصل ما بنى عليه الكلام أن الاسمين اذا جعلا اسما
واحدا فكل واحد منهما موجود مثله فى الاسماء المفردة ثم تضم أحدهما الى الآخر فمن
أجل ذلك أجاز فى (طسم) أن يكونا اسمين جعلا اسما واحدا فجعل طاسين اسما بمنزلة
هابيل وأضافه الى ميم وهو اسم موجود مثله فى المفردات ولا يمكن مثل ذلك فى (كهيعص) و (المر) اذا جعل الاسمان اسما واحدا لم يجز أن يضم اليهما شئ آخر
فيصير الجميع اسما واحدا لم يجز لانه لم يوجد مثل حضرموت فى كلام العرب موصولا
بغيره فقال سيبويه لم يجعلوا طاسين كحَضْرَمَوْتَ فيضموا اليها ميم لئلا يقول قائل
ان اسمين جعلا اسما واحدا ثم ضم اليهما شئ آخر وكانّ قائلا قال اجعلوا الكاف
والهاء اسما ثم اجعلوا الياء والعين اسما ثم ضُمُّوها الى الاول فيصير الجميع كاسم
واحد ثم صِلُوه بالصاد فقال لم أَرَ مثلَ حَضْرَموتَ يضم اليه مثلُهُ فى كلامهم
وهذا أبعد لانه يضم اليهما الصاد بعد ذلك ثم احتج على من جعله بمنزلةُ اسماعيل بان
لاسماعيل نظيرا فى أسماء العرب المفردة فى عدة الحروف وهو اشهيباب و (كهيعص) ليس كذلك وذكر أبو على أن يونس كان يجيز (كهيعص) وتفريقَه الى كاف ها يا عين صاد فيجعل صاد مضموما الى كاف
كما يضم الاسم الى الاسم ويجعل اليه فيه حشوا أى لا يعتد به واذا جعلت ن اسما
للسورة فهى عند سيبويه تجرى مجرى هند لان النون مؤنث فهى مؤنث سميت بمؤنث واستدل
سيبويه على أن (حم) ليس من كلام العرب أن العرب لا تدرى ما معنى (حم) قال فان قلت ان لفظ
حروفه لا يشبه لفظ
حروف الاعجمى فانه قد يجىء الاسم هكذا وهو أعجمى قالوا قابوس ونحوه من الاسماء لان
حا من كلامهم وميم من كلامهم يعنى من كلام العجم كما أنهما من كلام العرب وكذلك
القاف والالف والياء والواو والسين ولغات الامم تشترك فى أكثر الحروف وان أردت أن
تجعل اقتربت اسما قطعت الالف ووقفت عليها بالهاء فقلت هذه إقتربه فاذا وصلت جعلتها
تاء ولم تصرف فقلت هذه اقْتَرَبَتُ يا هذا وهذه تَبَّتُ وتقول هذه تَبَّهْ فى
الوقف فاذا وصلت قلتَ هذه تَبَّتْ يا هذا ويجوز أن تحكيها فتقول هذه اقتربتْ وهذه
تَبَّتْ بالتاء فى الوقف كما تقول هذه إنَّ اذا أردت الحكاية
هذا باب أسماء القبائل والاحياء وما يضاف
الى الام والاب
أما ما يضاف الى
الآباء والامهات فنحو قولك هذه بنو تميم وهذه بنو سَلُول ونحوُ ذلك فاذا قلت هذه
تميمٌ وهذه أَسَدٌ وهذه سَلُول فانما تريد ذلك المعنى غير أنك حذفتَ المضافَ
تخفيفا كما قال عزوجل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ويَطؤُهم الطَّريقُ وانما يريد أهلَ القرية وأهل الطريق*
قال الفارسى* اعلم أن آباء القبائل وأمهاتها اذا لم يضف اليها البنون قد تأتى على
ثلاثة أوجه أحدها أن يحذف المضافُ ويُقامَ المضافُ اليه مُقامَه فيجرى لفظه على ما
كان وهو مضاف اليه فيقال هذه تميم وهؤلاء تميم ورأيت تميما ومررت بتميم وأنت تريد
هؤلاء بنو تميم فتحذف المضاف وتُقيم المضافَ اليه مقامه فى الاعراب فان كان المضاف
اليه منصرفا بَقَّيْتَه على صرفه وان كان غير منصرف منعته الصرف كقولك هذه باهلةُ
ورأيت باهلةَ ومررت بباهلةَ وأنت تريد رأيت جماعةَ باهلةَ لان باهلة غير مصروفة
فهذا الوجه يشبه قوله عزوجل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ
الَّتِي كُنَّا فِيها) على معنى أهل القرية والوجه الثانى أن تجعل أبا القبيلة
عبارةً عن القبيلة فيصير اسمُ أبى القبيلة كاسم مؤنث سميت بذلك الاسم وذلك قولك
هذه تميمُ ورأيت تميمَ ومررت بتميمَ وهذه أسدُ ورأيتُ أسدَ ومررتُ بأسدَ
كأنَّ امرأةً سميت
بأسد فلا تصرف وعلى هذا تقول هذه كَلْبُ ورأيتُ كَلْبَ ومررت بكلبَ فيمن لا يصرف
امرأة سميت بزيد ومن صرف قال هذه كلبٌ والوجه الثالث أن تجعل أبا القبيلة اسما
للحى فيصير بمنزلة رجل سمى بذلك الاسم فان كان مصروفا صرفته وان كان غير مصروف لم
تصرفه* فمما يصرف تميمٌ وأسدٌ وقريشٌ وهاشمٌ وثَقِيفٌ وعَقِيلٌ وعُقَيْلٌ وكذلك
يقال بنو عقيل وما أشبه ذلك ومما لا يصرف باهلةُ وأعْصُر وضَبَّةُ وتَدُولُ
وتَغَّلِبُ ومُضَرُ وما أشبه ذلك لان هذه أسماءٌ لو جعلت لرجل لم تنصَرِف وانما
يقال هؤلاء تميمٌ أو هذه تميمٌ اذا أفردتَ الاضافَة ولا يقال هذا تميم لئلا يلتبس
اللفظ بلفظه اذا أخبرتَ عنه أرادوا أن يفصلوا بين الاضافة وبين افرادهم فكرهوا
الالتباس وقد كان يجوز فى القياس أن يقال هذا تَميم فى معنى هذا حَىُّ تَميم ويُحذف
الحىُّ ويقامُ تميمٌ مُقامَه ولكن ذلك لا يقال للبس على ما ذكره سيبويه وقد يقال
جاءت القرية وهم يريدون أهل القرية فَأَنثُوا للفظِ القرية وقد كان يجب على هذا
القياس أن يقال هذا تميمٌ وان أردت به بنى تميم فتوحد وتذكر على لفظ تميم ففَصَلَ
سيبويه بينهما لوقوع اللبس وكأن القرية كثر استعمالها عبارةً عن الاهل ولا يقع
اللبس فيها اذا أضيف فعل اليها ثم مثل سيبويه أن اللفظ قد يقع على الشئ ثم يحمل
خبره على المعنى كقولهم القوم ذاهبون والقوم واحدٌ فى اللفظ وذاهبون جماعة ولا
يقولون القوم ذاهبٌ ومثلُه ذهبتْ بعضُ أصابعه وما جاءتْ حاجتُك فحمل تأنيث ذهبتْ
وجاءتْ على المعنى كانه قال ذهبت أصابعه أو ذهبت اصبعه وأَيَّةَ حاجةٍ جاءتْ
حاجتُك وكذلك قولُهم هذه تميم وهؤلاء تميم انما حمل على جماعة تميم أو بنى تميم
وأنشد سيبويه من الشواهد على أن أبا القبيلة يُجعل لفظُه عبارةً عن القبيلة قولَ
بنت النُعمان بن بشير
بَكَى الخَزُّ
مِنْ رَوْحِ وأَنْكَرَ جِلْدَهُ
|
|
وعَجَّتْ
عَجِيجًا من جُذَامَ المَطارِفُ
|
فجعل جُذَام وهو
أبو القبيلة اسما لها فلم يصرف وأنشد أيضا
فان تَبْخَلْ
سَدُوسُ بِدِرْهَمَيْها
|
|
فانَّ الرِّيحَ
طَيِّبةٌ قَبُولُ
|
فاذا قلتَ وَلَدَ
سَدُوسٌ كذا وكذا ووَلَد جُذامٌ كذا وكذا صَرَفْتَه لانك أخبرتَ عن
الأبِ نفسِه وكان
أبو العباس محمد بن يزيد يقول ان سدوسَ اسمُ امرأةٍ وغَلَّطَ سيبويه وذَكَر عن
الزجاج أن سلولَ اسمُ امرأة وهى بنتُ ذُهْلِ بْنِ شَيْبان قال أبو على وما غلط
سيبويه فى شئ من هذه الاسماء أما سَدُوسُ فذكر محمد بن حبيب فى كتاب مختلف القبائل
ومؤتلفها خَبَّرنا بذلك عنه أبو بكر الحلوانى عن أبى سعيد السُّكْرِىّ قال سَدُوسُ
بْنُ دارِمِ بن مالك وَسَدُوسُ بنُ ذُهْلِ بن ثعلبة بن عُكابَة بن صَعْب بن
عَلِىِّ بن بكر بن وائلٍ وفى طيئ سَدُوسُ بن أصْمَعَ بن أُبَىِّ بن عُبَيْد بن
ربيعة ابن نَصْر بن سَعْدِ بْنِ نَبْهانَ* قال وأخبرنا أبو محمد السكرى عن على بن
عبد العزيز عن أبى عبيد عن هشام بن محمد الكَلْبِىِّ فى نسب بنى تميم سَدَوسُ بْنُ
دارمٍ فيمن عُدّ من بنى دارم وأما سَلُول فقال ابن حبيب وفى قيس سَلُولُ بن مُرَّة
بن صَعْصَعة بن مُعوية بن بَكْر بن هَوازِنَ فهو رجل وفيهم يقول الشاعر
وإنا أُناسٌ لا
نَرى القتلَ سُبَّةَ
|
|
إذا ما رأتْهُ
عامِرٌ وسَلُولُ
|
يريد عامِرَ بْنَ
صَعْصعةَ وسَلُولَ بن مُرَّة بن صَعْصعة* قال وفى قُضاعة سَلُولُ بِنْتُ زَبَّانَ
بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مالك بن كنانة بن القَيْنِ بن جَسْرٍ وفى خُزاعة
سَلُولُ ابن كعب بن عمرو بن ربيعة بن حارثة على أن سيبويه ذكر سَلُولَ فى موضع
الاوْلَى به أن يكون مَرَّةً أبا ومَرَّةً أُمًّا لانه قال أما ما يضاف الى الآباء
والامهات فنحو قولك هذه بَنُو تميم وهذه بَنُو سَلُولٍ فجمعَ الآباءَ والامهات وهو
الذى يقتضيه الكلام وقال سيبويه مما يُقَوِّى أن اسم الاب يكون للقبيلة أن يونس
زعم أن بعض العرب يقول هذه تميمُ بِنْتُ مُرٍّ وقَيْسُ بنتُ عَيْلَانَ وتَمِيمُ
صاحبةُ ذاك لما جَعَلَها مؤنثا نَعَتَها ببِنْتٍ ومثلُ ذلك تَغْلِبُ بنتُ وائل
ومما يُقَوِّى أنهم يجعلون اسم الاب أو الام اسما للحىّ أنهم يقولون باهلةُ بْنُ
أعْصُرَ وباهلةُ امرأة وهى أم القبيلة فلما جعلها اسما للحىّ والحىّ مذكر مُوَحَّد
وَصَفَها بابن لانه قد صار كلفظ الرجل وربما كان الاكثر فى كلامهم فى بعض الآباء
أن يكون اسما للقبيلة وفى بعضهم يكون اسما للاب أو للحىّ فاذا قلت هذه سَدُوسُ
فاكثرهم يجعله اسما للقبيلة واذا قلت هذه تميمٌ فأكثرهم يجعله اسما للاب واذا قلت
هذه جُذامُ فهى كسَدُوسَ فاذا قلت من بنى
سدوسٍ أو بنى
تميمٍ فالصرفُ لانك قَصَدْتَ قَصْدَ الابِ* قال سيبويه* وأما أسماءُ الاحْياءِ
فنحوُ مَعَدٍّ وقُرَيْش وثَقِيفٍ وكُلِّ شئٍ لا يجوز لك أن تقول فيه من بنى فلان
ولا هؤلاء بنو فلان فانما جعله اسْمَ حَىّ* اعلم أن الذى لا يقال فيه بنو فلان على
ضربين أحدهما أن يكون لقبا للقبيلة أو للحى ولم يقع اسما ولا لقبا لأب والآخر أن
يكون اسما لأب ثم غَلَب عليهم فصار كاللقب لهم واطُّرِحَ ذكُر الاب فاما ما يكون
لقبا لجماعتهم فيجرى مرة على الحى ومرة على القبيلة فهو قريشٌ وثقيفٌ على أنه قد
يقال انه اسم واحد منهم وأما ما كان اسما لرجل منهم فنحوُ مَعَدٍّ وهو مَعَدُّ بنُ
عَدْنانَ وهو أبو قبائل ربيعة ومُضَر وكَلْبٍ وهو كلب بن وَبْرةَ ولا يستعمل فيه
بنو وقد استعمل بعض الشعراء فقال
غَنِيَتْ دارُنا
تِهامةَ فى الدَّهْرِ
|
|
وفيها بَنُو
مَعَدٍّ حُلولا
|
فمن جعل هذه
الاسماء لجملة القوم فهو يُجْريه مرةً اسما للحَىّ ومرةً اسما للقبيلة واذا جعله
اسما للحى ذكر وصرف واذا كان اسما للقبيله أنث ولم يصرف على ما شرحتُ قبلُ قال
الشاعر
غَلَبَ
المَسامِيحَ الوَلِيدُ سَماحةً
|
|
وكفَى قُرَيْشَ
المُعْضِلاتِ وسَادَها
|
وقال الشاعر أيضا
ولَسْنَا إِذا
عُدَّ الحَصَى بأَقِلةٍ
|
|
وإنَّ مَعَدَّ
اليومَ مُودٍ ذَلِيلُها
|
وقال زهير أيضا
تَمُدُّ عليهمْ
من يَمِينٍ وأَشْمُلٍ
|
|
بُحُورٌ له من
عَهْدِ عادَ وتُبَّعَا
|
فلم يصرف عادَ
وتُبَّعَ لانه جعلهما قبيلتين ومثله قول الشاعر
لَوْ شَهْدَ
عادَ فى زَمانِ عادِ
|
|
لابْتَزَّها
مَبارِكَ الجِلَادِ
|
* قال سيبويه* وتقول هؤلاء ثَقِيفُ
بنُ قَسِىٍّ فتجعلهُ اسْمَ الحَىِّ وتجعل ابن وَصْفًا كما تقول كُلٌّ ذاهِبٌ وبعضٌ
ذاهبٌ وقال الشاعر فى وَصْفِ الحَىّ بواحد
بِحَىٍّ
نُمَيْرِىٍّ عليه مَهابةٌ
|
|
جَمِيعٍ اذا
كانَ اللِّئامُ جَنادِعَا
|
وقال الشاعر أيضا
سَادُوا البلادَ
فاصْبَحُوا فى آدَمٍ
|
|
بَلَغُوا بها
بِيضَ الوُجُوهِ فُحولَا
|
فهذا جَعَلَ آدم
قبيلة لانه قال بلغوا بها بيضَ الوجوه فانَّثَ وجَمَعَ وصَرَف آدمَ للضرورة* قال
سيبويه* وقال بعضهم بَنُو عَبْدِ القَيْس لانه أبٌ كان الكَثيرُ فى كلامهم عبدَ
القيس من غير أن يستعمل فيه بَنُو ويجوز بنو كما ذكرنا فى بَنِى مَعَدٍّ* قال فاما
ثَمُود وسَبَأ فهما مرة للقبيلتين ومرة للحَيَّيْنِ وكثرتُهما سواءٌ وقال تعالى (وَعاداً وَثَمُودَ) وقال تعالى (أَلا إِنَّ عاداً
كَفَرُوا رَبَّهُمْ) وقال (وَآتَيْنا ثَمُودَ
النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) وقال (وَأَمَّا ثَمُودُ
فَهَدَيْناهُمْ) وقال (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) فى مساكنهم» وقال (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ
يَقِينٍ) وكان أبو عمرو لا يصرف سَبَأ يجعله اسما للقبيلة وقال
الشاعر
مِنْ سَبَأَ
الحاضِرِينَ مَأْرِبَ اذْ
|
|
يَبْنُونَ مِنْ
دُونِ سَيْلِهِ العَرِما
|
وقال أيضا فى
الصرف
أَضْحَتْ
يُنَفِّرُها الوِلْدانُ مِنْ سَبأٍ
|
|
كأَنَّهُمْ
تَحْتَ دَفَّيْها دَحارِيجُ
|
ولو لا أن الوجهين
فى الصرف ومَنْعِ الصرفِ مشهورانِ فى الكلام وقد أَتَتْ بهما القراءة ما كان فى
صرف سَبَأ فى الشعر حجة
ومما غلب على الحى وقد يكون اسما
للقبيلة عَكٌ
وأنشد ابن السكيت
تَوَلَّيْتُمْ
بوُدِّكُمْ وقُلْتُمْ
|
|
لَعَكٌّ مِنْكَ
أقربُ أو جُذامُ
|
وليس هذا قاطعا
لانك اذا سميت مؤنثا باسم ثلاثى ساكن الوسط كنت مخيرا فى الصرف وتركه ولا يَحْمِلُ
على الصرف هنا ضرورةُ شِعْرٍ لانه لو قال لَعَّكُّ فلم يَصْرِف لكان من مَعْقُولِ
الوافِر
هذا باب ما لم يقع
الا اسما للقبيلة كما أن عُمَانَ لم يقع
الا اسما لمؤنث وكان
التأنيث هو الغالب عليها
وذلك مَجُوسُ
ويَهُودُ وهما اسمان لجماعةِ أهل هاتينِ المِلَّتين كما أن قريشا اسم لجماعة
القبيلة الذين هم وَلَدُ النَّضْر بن كنانة ولم يجعلا اسمين لمذكرين كما أن
عُمَانَ اسم مؤنث وضعت على الناحية المعروفة بعُمانَ فلا يُصرف مَجُوسُ ويَهُودُ
لاجتماع التأنيث والتعريف قال الشاعر
أَحارِ تَرى
بُرَيْقًا هَبَّ وَهْنًا
|
|
كنارِ مَجُوسَ
تَستَعِرُ اسْتِعمارا
|
وقال الانصارىُّ
يَرُدُّ على عباس بن مِرْداسٍ وكان مَدَح بنى قُرَيْظة وهم يَهودٌ فمدَحَ
الانصارىُّ المسلمين فقال
أولئك أَوْلَى
من يَهُودَ بِمدْحةٍ
|
|
اذا أنتَ يوما
قُلْتها لم تُؤَنَّبِ
|
ولو سميت بمجوس أو
يهود أو عُمانَ لم تصرفه لاجتماع التأنيث والتعريف فيها كما أنك لو سميته بعقرب أو
عَناق لم تصرفه واعلم أن يَهُودَ ومجوس قد يأتيان على وجه آخر وهو أن تجعلهما جمعا
ليَهُودِىّ ومجوسىّ فتجعلهما من الجموع التى بينها وبين واحدها ياء النسبة كقولهم
زَنْجِىٌّ وزَنْجٌ ورُومِىّ ورُومٌ وأعْرابِىّ وأعرابٌ فزَنْجِىٌّ واحدٌ وزَنْج
جمع وأعرابى واحد وأعراب جمع فكذلك يهودىّ واحد ويهودٌ جمع فهذا مصروف وهو نكرة
وتدخله الالف واللام للتعريف فيقال اليهود والمجوس كما يقال الاعراب والزنج والروم
وهذا الجمع الذى بينه وبين واحده الياء كالجمع الذى بينه وبين واحده الهاء كقولنا
تمرة وتمر وشَعيرة وشَعير وقد مضى الكلام فى نحوه وأما نصارى فهو عند سيبويه جمع
نصران للمذكر ونصرانة للمؤنث والغالبُ فى الاستعمال النسبةُ نصرانىّ ونصرانية
والاصل نَصْرانٌ ونَصْرانةٌ مثل نَدْمانٍ ونَدْمانةٍ فاذا جمعَ ردّ الى الاصل
فيقال نَصارَى كما يقال نَدامَى قال الشاعر
فكِلْتا هُما خَرَّتْ
وأَسْجَدَ رَأْسُها
|
|
كما سَجَدَتْ
نَصْرانةٌ لم تَحَنَّفِ
|
فجاء نَصارَى على
هذا وان كان غير مستعمل فى الكلام كما جاء مَذاكِيرُ ومَلَامِحُ فى جمع ذَكَرٍ
وَلَمْحة وليس بجمع لهما فى الحقيقة وتقديرهما أنهما جمعُ مذْكِيرٍ ومَلْمَحةٍ وان
كانا غير مستعملين وقال غير سيبويه نَصارَى جمع نَصْرِىٍّ ونَصْرِيَّةٍ كما أن
مَهَارَى من الابل جمع مَهْرِىٍّ ومَهْرِيَّةٍ وأنشد سيبويه فى أن نَصارَى جمعٌ
نكرةٌ ليس مثلَ يهودَ ومجوسَ فى التعريف قولَ الشاعر
صَدَّتْ كما
صَدَّ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ
|
|
سَاقِى نَصَارَى
قُبَيْلَ الفِصْح صُوَّامِ
|
فوصف نَصارِى
بِصُوَّام وهو نكرة وقد يقول هم اليهودُ والمَجُوسُ والنَّصارَى وهم يَهُودٌ
ومَجُوسٌ كُلُّ ذلك على المعنى ومن هذا الباب الرُّومُ والعُرْبُ والعَربُ
والعُجْمُ والعَجَمٌ لانها أسماء فأنثتْ على ذلك وكذلك يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ
وقالوا هم الأبْناءُ لأبناءِ فارسَ والنسبُ اليه أبْناوِىٌّ ولم يَرُدُّوه الى
واحده لانه غَلَبَ فصار كاسم الواحد كما قالوا فى الانصار أنصارىّ وقالوا
أَبناوِىٌّ لانهم توهموه قبيلةً فى حَدِّ النَّسَب
(ومن الانواع)
الانُس والجِنُّ مؤنثان وفى التنزيل (قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ) وفيه (تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ) فاما قولهم جِنَّة فقد يكون الجُنُونَ وقد يكون جمعَ جِنٍّ
كحِجَارٍ وحِجَارةٍ وقالوا جِنِّىٌّ وجِنٌّ وإنْسِىّ وإنْسٌ على حَدّ زَنْجِىّ
وزَنْج والانثى بالهاء
هذا باب تسمية الارضين
اذا كان اسمُ
الارضِ على ثلاثة أحرف خفيفة وكان مؤنثا أو كان الغالبَ عليه المؤنثُ كعُمانَ فهو
بمنزلة قِدْرٍ وشَمْسٍ ودَعْدٍ* قال سيبويه وبَلغَنَا عن بعض المفسرين أن قوله
تبارك وتعالى «اهْبِطُوا مِصْرَ» انما أراد مِصْرَ بعينها* قال أبو على وأبو سعيد
اعلم أن تسمية الارضين بمنزلة تسمية الأناسِىّ فما كان منها مؤنثا فسميت باسم فهى
بمنزلة امرأة سميت بذلك الاسم وما كان منها مذكرا فهو بمنزلة رجل سمى بذلك الاسم
وانما يجعل مؤنثا ومذكرا على تأويل ما تَأَوَّلُ فيه فان تَأوّلْ فيه أنه بلد أو
مكان فهو مذكر وقد يغلب فى كلام العرب فى بعض ذلك التأنيثُ حتى لا يستعمل التذكير
وفى بعضه يغلب التذكيرُ ويقلُّ فيه استعمالُ التأنيث وفى بعضه يُسْتَعمل التأنيثُ
والتذكير وربما كان التأنيثُ الاغلبَ فما غلب فيه التأنيثُ ولم يستعمل فيه
التذكير عُمَانُ
كانه اسم مؤنث كسُعادَ وزينب ومنها حِمْصُ وجُورُ وماهُ وهى غير منصرفة وان كانت
على ثلاثة أحرف لانه اجتمع فيها التأنيث والتعريف والعُجْمة فعادلت العجمةُ سكونَ
الاوسط فلم يُصْرَفْ فكذلك كل مؤنث من الآدميين اذا سميتها باسم أعجمى على ثلاثة
أحرف وأوسطُها ساكن لم تصرفها فى المعرفة وصرفتها فى النكرة نحو خان ودَلّ وخُسّ
وما أشبه ذلك اذا سميت بها امرأة أو غيرها من المؤنث ولم يجز فيها من الصرف ما جاز
فى هِنْد وكذلك ان سميت امرأة بحِمْصَ أو جُور أو ماه لم تصرفها كما لا تصرفها اذا
سميتها بدَلّ أو خان لان ذلك كلُه أعجمى ومن أجل ذلك لا تُصرف فارسُ ودِمَشْقُ
لانهما أعجميان على أكثر من ثلاثة أحرف قال الشاعر
لِحَلْحلة
القَتيلِ وابْنِ بَدْرٍ
|
|
وأهلُ دِمَشْقَ
أنْدِيةٌ تَبِينُ
|
أراد اعْجَبُوا
لحلحلة ومن ذلك واسِط التذكير غلب عليه والصرف لان اشتقاقه يدل على ذلك لانه مكانٌ
وَسَطَ البَصْرةَ والكوفةَ فهو واسط لهما ولو كان مؤنثا لقيل واسطة ومن العرب من
يجعلها اسْمَ أرض فلا يصرف كانه سمى الارض بلفظ مذكر كامرأة يسميها بواسطٍ وقد كان
ينبغى على قياس الاسماء التى تكون صفاتٍ فى الاصل أن تكون فيه الالف واللام كما
يقال الحَسَنُ والحارِثُ وما أشبه ذلك دخلت الالفُ واللامُ لانها صفاتٌ غالبة ولكن
سمى المكان بصفته والعرب قد تفعل هذا لانهم ربما قالوا العباس وعَبَّاس والحسنُ
وحَسَنٌ وقد قال الشاعر
ونابِغةُ
الجَعْدِىُّ بالرَّمْلِ بَيْتُه
|
|
عليه تُرابٌ من
صَفِيح مُوَضَّعُ
|
وهو النابغة
بالالف واللام على أنه صفة غالبة ولكنه سماه بنابغةَ الذى هو صفة فخرج عن باب
الصفة الغالبة ولم يذكر سيبويه واسطا آخرَ غير الذى بين البصرة والكوفة وقد حَكى
غيرُه واسطا بنَجْدٍ وقيل هو موضع بالشام قال الشاعر فيه وهو الاخطل
عَفَا واسطُ من
آلِ رَضْوَى فَنَبْتَلُ
|
|
فمُجْتَمَعُ
الحُرَّيْنِ فالصَّبْرُ أَجْمَلُ
|
ويجوز أن يكون
واسطٌ بين مكانين آخرين وقد حكى بعضهم فيه التأنيثَ* ومما يغلب فيه التذكير والصرف
دابِقٌ قال الراجز
* ودَابِقٌ وأَيْنَ مِنِّى دابِقُ*
وكذلك مِنِّى
الصرف والتذكير فيه أجود وان شئت أنثت وهَجَرُ يؤنث ويذكر قال الفرزدق
مِنْهُنَّ أيامُ
صِدْقٍ قد بُلِيتَ بها
|
|
أيامُ فارسَ
والايامُ منْ هَجَرا
|
فهذا أنث* قال
سيبويه* وسمعنا من العرب من يقول كجالبِ التَّمْر الى هَجَرٍ يافتى قال أبو حاتم
هو فارسى معرّب انما هو أَكَّرُ أو أَكَرُ ومثل للعرب ـ «سِطِى
مَجَرْ تُرْطِبْ هَجَرْ» يريد تَوَسَّطِى السماءَ يا مَجَرَّةُ ولم يقل يُرْطِبْ
بالياء وذلك أن المَجَرَّة اذا تَوَسَّطَتِ السماءَ فذلك وقتُ إرْطابِ النخل وأما
حَجْرُ اليمامة وهو قَصَبةُ اليَمامة فيذكر ويُصْرف ومنهم من يؤنث فيُجْرِيه
مُجْرَى امرأةٍ سميت بعَمْرٍ ولان حَجْرًا شئ مذكر سمى به المذكر* قال سيبويه* فمن
الارَضِينَ ما لا يكون الا على التأنيث نحو عُمَانَ والزَّابِ ومنها ما لا يكون
الا على التذكير نحو فَلْجٍ وما وقع صفةً كواسطٍ ثم صار بمنزلة زيد وعمرو وأُخرج
الالفُ واللام منه وجعل كنابغةَ الجَعْدِىِّ وأما قُبَاءٌ وحِرَاءٌ فقد اختلف
فيهما العرب فمنهم من يذكر ويصرف وذلك أنهم جعلوهما اسمين لمكانين كما جعلوا واسطا
بلدا ومكانا ومنهم من أنث ولم يصرف وجعلهما اسمين لبُقْعَتَيْنِ من الارض قال
الشاعر
سَتَعْلَمُ
أَيُّنا خَيْرٌ قَدِيماً
|
|
وأَعْظَمُنا
ببَطْنِ حِراءَ نارا
|
وكذلك أُضَاخُ
فهذا أَنَّثَ وقال غيره فذكر
* ورُبَّ وَجْهٍ مِنْ حِراءٍ مُنْحَنِى*
* قال أبو حاتم*
التذكير أعرف قال وقُبَاءٌ بالمدينة وقُباءٌ آخر فى طريق مكة فاما قول الشاعر
* فلَأَبْغِيَنَّكُمُ قُبًا وعُوَارِضا*
فهو موضع آخر وهو
مقصور ورواية سيبويه قَنًا وهو موضع أيضا* قال سيبويه* وسألتُ الخليل فقلت أرأيتَ
من قال هذه قُباءُ يا هذا كيف ينبغى له أن يقول اذا سمى به رجل قال يَصْرِفُه
وغَيْرُ الصرفِ خطأ لانه ليس بمؤنث معروف فى الكلام لكنه مشتق كجُلَّاسٍ وليس
شيئًا قد غَلَب عندهم عليه التأنيثُ كسُعَادَ وزينبَ ولكنه مشتق
يحتمله المذكر ولا
ينصرف فى المؤنث كهَجَر وواسط ألا ترى أن العرب قد كفتك ذلك لما جعلوا واسطا
للمذكر صرفوه فلو علموا أنه شئ للمؤنث كعَناقٍ لم يصرفوه أو كان اسما غلب عليه
التأنيثُ لم يصرفوه ولكنه اسم كغُرابٍ ينصرفُ فى المذكر ولا ينصرف فى المؤنث فاذا
سميتَ به الرجلَ فهو بمنزلة المكانِ* وكَبْكَبُ اسم جبل مؤنث معرفة قال الاعشى
* يَكُنْ ما أساءَ النارَ فى رأسِ كَبْكَبَا*
وقيل هو مذكر
وانما أنث على ارادة الثَّنِيَّةِ أو الصخرة فترك صرفه لذلك* وشَمَامِ مبنية على
الكسر اسم جبل مؤنث معرفة* وكذلك وَبارِ وسيأتى ذكرهما وسَلْمَى وأَجَأُ جبلانِ
لطَئِّى معروفانِ مؤنثان قال
أَبَتْ أَجَأُ
أن تُسْلِمَ العامَ جارَها
|
|
فمن شاءَ
فلْيَنْهَضْ لها مِنْ مُقاتِلِ
|
قال أبو حاتم
أَجَا تهمز ولا تهمز وقد يجوز أن يكون حَمله على ذلك قولُ أبى النجم
* قد حَيَّرتْهُ جِنُّ سَلْمَى وأَجا*
فان كان ذلك فليس
بدليل قاطع لانه خفف همزة أَجَأ لاقامة الرَّوِىِّ* فأما ثَبِيرٌ فمذكر قال أبو
حاتم لُبْنُ ـ اسم جبل مؤنث فلذلك لم يصرف فى أشعار الفصحاء
قال الراعى
* كَجَنْدَلِ لُبْنَ تَطَّرِدُ الصِّلَالا*
قال أبو العباس
لُبْنان ـ جبل فى الشام ولُبْنَى آخَرُ بنَجْدٍ ولُبْنُ
محذوفة منهما وانما ذهب طُفَيْلٌ والراعى الى الترخيم فى غير النداء اضطرارا وقد
يجوز صرفه على قول أبى حاتم من أنه اسم مؤنث لانه اسم على ثلاثة أحرف ساكن الاوسط
كهند* وحَوْرانُ مذكر قال امرؤ القيس
فلما بدا
حَوْرانُ والآلُ دُونَهُ
|
|
نَظَرْت فلم
تَنْظُرْ بعَيْنَيْكَ مَنْظَرا
|
فقال دونه ولم يقل
دونها وترك الصرف لان فى آخره ألفا ونونا زائد تين وليس قول من زعم أن كل اسم بلدة
فى آخره ألف ونون يذكر ويؤنث بصواب* والعِراقُ مذكر عند أكثر العرب قال الشاعر
انَّ العِراقَ
وأَهْلَه
|
|
عُنُقٌ إلَيْكَ
فهَيْتَ هَيْتَ
|
والشأم مذكر فى
أكثر كلام العرب قال الشاعر
* كانما الشامُ فى أَجْنادِه البَغَرُ*
وكذلك الحجازُ
واليَمَنُ ونَجْدٌ والغَوْرُ والحِمَى فأما نَجْرانُ وبَيْسانُ وحَرَّانُ
وخُراسانُ وسِجِسْتانُ وجُرْجانُ وحُلْوانُ وهَمَذَانُ وبابِيلُ وبابِلُ والصِّينُ
فكلها مؤنثة والفَرْجانِ مذكران وهما السِّنْدُ وخُراسانُ قال
* عَلَى أَحَدِ الفَرْجَيْنِ كانَ مُؤَمِّرى*
ولم يقل إحدى
هذا باب تسمية الحروف والكلم التى تستعمل وليست
ظروفا ولا أسماءا غير ظروف ولا أفعالا
فالعربُ تختلف
فيها يؤنثها بعض ويذكرها بعض كما أن اللسان تذكر وتؤنث زعم ذلك يونس وأنشد
* كافًا ومِيمَيْنِ وسِينًا طاسِمَا*
فذكرها ولم يقل
طاسمة وقال الراعى
* كما بُيِّنَتْ كافٌ تَلُوحُ ومِيمُها*
فقال بُيِّنَت
فأنث وزعم الاصمعى وأبو زيد أن التأنيث فيها أكثر والمعتمدُ بهذا الباب الكلامُ
على الحروف اذا جعلت أسماءا وجعلُها أسماءًا على ضربين أحدهما أن يخبر عنها فى
نفسها والآخر أن يسمى بها رجل أو امرأة أو غير ذلك فأما ان خُبِّرَ عنها وجُعلتْ
أسماء ففى ذلك مذهبان أحدهما التأنيث على تأويل الكلمة والتذكير على تأويل حرف
وعلى ذلك جملةُ حروفِ التهجى وتدخل فى ذلك الحروف التى هى أدواتٌ نحو انَّ وليتَ
ولو ونَعَمْ وما أشبه ذلك فاذا سميت بشئ من ذلك مذكرا صرفته وان سميت به مؤنثا وقد
جعلته فى تأويل كلمة أوسطها ساكن صرفها من يصرف هندا ومَنَع صرفَها من يمنع صرفَ
هند كامرأة سميتها بليت أو انّ وما أشبه ذلك وان تأوّلتها تأويل الحرف وسميت بها
مؤنثا كان الكلام فيها كالكلام فى امرأة سُمّيتْ
بزيد وإن
خَبَّرْتَ عنها فى نفسِها ففيها مذهبان إن شئت حكيتها على حالها قبل التسمية فقلت
هذه ليتَ وليتَ تنصب الاسماءَ وترفع الاخبارَ وإنَّ تنصب الاسماء وان شئت أعربتها
فقلت ليتٌ تنصب الاسماءَ وترفع الاخبار فمن تركها على حالها حكاها كما يحكى فى
قولك دَعْنِى من تَمْرَتانِ ـ أى دعنى من هذه اللفظة وكذلك اذا قال ليت تنصب
فكانه قال هذه الصيغة تَنْصِب وما كان من ذلك على حرفين الثانى منهما ياء أو واو
أو ألف اذا حكيتَ لم تُغَيِّرْ فقلتَ لو فيها معنى الشرط وأو للشك وفى للوعاء فلم
تغير شيئا منها وان جعلتها أسماءا فى اخبارك عنها زدت عليها فصيرتَها ثلاثية لانه
ليس فى الاسماء اسم على حرفين والثانى منهما ياء ولا واو ولا ألف لان ذلك يُجْحفِ
بالاسم لان التنوينَ يدخله بحَقِّ الاسميةِ والتنوين يُوجب حذفَ الحرف الثانى منه
فيبقَى الاسمُ على حرف واحد مثالُ ذلك أنا اذا جعلنا لَوْ اسما ولم نَزد فيه شيئا
ولم نَحْكِ اللفظَ الذى لها فى الاصل أعربناها فاذا أعربناها تحركت الواو وقبلها
فتحة فانقلبتْ ألفا فتصير لا ثم يدخله التنوين بحقِّ الصرفِ فتصيرلاً يا هذا فيبقى
حرف واحد وهو اللام والتنوينُ غير معتدّ به واذا سمينا بأو أو بلا لزمها ذلك أيضا
فقلتَ أَولاً واذا سميتَ بفِى ولم تَحْكِ ولم تزد فيها شيئا وجب أن تقول فٍ يا هذا
كما تقول قاضٍ يا هذا فلما كان فيها هذا الاجحاف لو لم يُزَدْ فيها شئٌ زادوا ما
يُخْرجه عن حدّ الاجحاف فجعلوا ما كان ثانيه واوا يُزاد فيه مثلُها فيشدّد وكذلك
الياء كقولك فى لَوْلَوٌّ وفى كَىْ كَىٌّ وفى فِى فِىٌّ وما كان الحرف الثانى منه
ألفا زادوا بعدها همزة والتقدير أنهم يزيدون ألفا من جنسها ثم تقلب همزة فيقال فى
لا لاءٌ وفى ما ماءٌ قال الشاعر
عَلِقَتْ لَوًّا
تُرَدِّدُهُ
|
|
إنَّ لَوًّا
ذاكَ أعْيانا
|
وقال غيره أيضا
لَيْتَ شِعْرِى
وأَيْنَ مِنِّىَ لَيْتٌ
|
|
إنَّ لَيْتًا
وإنَّ لَوًّا عَناءُ
|
فان قال قائلٌ فما
قولكم فى امرأة سميت بشئ من هذه الحروف على مذهب من لا يصرف هل يلزم التشديدُ
والزيادةُ أم لا فالجواب أن التشديد والزيادة لا زمان فان قال فلم زدتم وليس فيه
تنوين ومن قولكم إن الزيادةَ وجبتْ لان التنوين
يُذهب الحرفَ
فيكون إجحافا فالجواب أن المرأة اذا سميت بذلك يجوز أن تنكر فدخلها التنوين ولا
يجوز أن يكون الاسم يتغير فى التنكير عن لفظه وبنيته فى التعريف واستشهد سيبويه فى
أن هذه الحروف تؤنث بقول الشاعر
لَيْتَ شِعْرِى مُسَافِرَ بْنَ أبى عَمْرٍو* ولَيْتٌ يقُولُها المَحْزُونُ
فأنث يقولها وقد
أنْشدْنا قولَ النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ
* عَلِقَتْ لَوًّا تُرَدِّدُهُ*
فذكره وقال أعيانا
فذكر أيضا ويُنْشَدُ مُسافِرُ بْنُ أبى عَمْرٍ وبالرفع والنصب فمن رفع فتقديره ليتَ
شِعْرِى خَبَرُ مُسافِرِ بن أبى عمرو فحذف الخبر وأقام مسافر مُقامه فى الاعراب
ومن نصب نصبه بشِعْرِى وحذف الخبر* قال سيبويه* وسألت الخليل عن رجل سمى بأنَّ
مفتوحة فقال لا أَكْسِرُه لان أنَّ غير إن وانما ذكر هذا لان أنَّ فى الكلام لا
تقع مبتدأة قبل التسمية وانما تقع المكسورة مبتدأة فذكر ذلك لئلا يَظُنَّ الظانُّ
أنها اذا سمى بها رجل كُسِرَتْ مبتدأةً وانما سبيل أنَّ سبيل اسم وسبيل إن سبيل
فِعْلٍ فاذا سمينا بواحد منهما لم يقع الآخرُ موقعه بعد التسمية كما أنا نقول هذا
ضارب زيدا وهذا يضرب زيدا ومعناهما واحد وأحد اللفظين ينوب عن الآخر فى الكلام فلو
سمينا رجلا بيضرب لم يقع موقعه ضارب وبعض العرب يهمز فى مثل لَوْ فيجعل الزيادة
المحتاجَ الى اجتلابها همزةً فيقول لَوْءٌ وما جرى مجرى هذه الحروف من الاسماء غير
المتمكنة فحكمه كحكم الحروف نحو هِىَ وهُوَ اذا سمينا بواحد منهما أو أخبرنا عن
اللفظ فجعلناه اسما فى الاخبار فنقول هُوٌّ ونقول هِىٌّ فان سمينا مؤنثا بهى
فمنزلتها منزلة هند ان شئنا صرفنا وان شئنا لم نصرف لانها مؤنثة سمى بها مؤنث وكان
سيبويه يذهب فى الحروف التى ذكرناها كَلَوْ وفى وليت وما أشبه ذلك وفى حروف المعجم
أنها تؤنث وتذكر كما أن اللسان يؤنث ويذكر ولم يَجْعَلْ أحدَ الامرين أولى من
الآخر وكان أبو العباس محمد بن يزيد فيما ذُكِرَ عنه يَذْهَبُ الى أن ليت وما جرى
مجراها من الحروف مذكرات وأن قوله
* وليتٌ يقولُها المحزونُ*
انما أنت على
تأويل الكلمة والقولُ هو الاولُ وان سميتَ رجلا ذُو وذُو تذكر وتؤنث فان سيبويه
يذهب الى أن يقال هذا ذَوًا ورأيت ذَوًا ومررت بذَوًا بمنزلة عَصًى ورَحًا ويذكر
أن أصله فَعَلٌ فى البِنْية ويستدل على ذلك بقولهم هاتانِ ذَواتا مالٍ كما يقال
أَبَوانِ وأَبٌ فَعَلٌ وكان الخليل يقول هذا ذَوٌّ فيجعله فَعْلاً بتسكين العين
وكان الزجاج يذهب مذهبَ الخليل ومن حجة الخليل أن الحركة غير محكوم بها إلا
بثَبَتٍ ولم يقم الدليل على أن العين متحركة وذَكَرَ من يَحْتَجُّ له أنَّ الاسمَ
اذا حُذفَ لامه ثم ثُنِّىَ فَرُدَّ اليه اللامُ حركت العين وان كان أصل بنيتها
السكون كقوله
يَدَيَانِ
بالمَعْرُوفِ عند مُحَرِّقٍ
|
|
قَدْ
تَمْنَعانِكَ أَنْ تُضَامَ وتُضْهَدَا
|
ويَدٌ عندهم
فَعْلٌ فى الاصل ولكنها لما حذفت لامُ فَعْلٍ فوقع الاعراب على الدال ثم رَدُّوا
المحذوف لم يَسْلَبوا الدالَ الحركَة* قال وسألته عن رجل اسمه فُو فقال العرب قد
كفتنا أَمْرَ هذا لَمَّا أفردوه قالوا فَمٌ فابدلوا الميم مكان الواو ولو لا ذلك
لقالوا فَوْه لان الاصل فى فم فَوْه لانهم يقولون أَفْواهٌ كما يقولون سَوْطٌ
وأَسْواط فمذهبه اذا سمى بفُوأن يقال فَمٌ لا غير وكان الزجاج يُجيز فَمٌ وفَوْهٌ
على مذهب سَوْط وأسواط وحَوْض وأحْواض وانما ذكرنا فُو فى هذا الباب وان لم يكن من
الحروف لمشاكلته لها فى الحذف والقلة* قال سيبويه* وأما البا والتا والثا واليا
والحا والخا والرا والطا والظا والفا فاذا صرن أسماء امُدِدْنَ كما مُدَّتْ لَا
إلا أنهنّ اذا كنَّ أسماءا فهن يجرين مجرى رجل ونحوه ويكنَّ نكرة بغير الالف
واللام ودخولُ الالف واللام فيهن يدلك على أنهنّ نكرة اذا لم يكن فيهنّ ألفٌ ولام
فأُجْرِيَتْ هذه الحروفُ مُجْرَى ابن مَخاض وابن لَبُون وأجريت الحروف الاول
مُجْرى سامِّ أَبْرَصَ وأُمِّ حُبَيْنٍ ونحوهما ألا ترى أن الالف واللام لا يدخلان
فيهن* قال أبو على* اعلم أن حروف التهجى اذا أردت التهجى مبنياتٌ لانهن حكاية
الحروف التى فى الكلمة والحروفُ فى الكلمة اذا قُطّعَتْ كلُّ حرف منها مبنىٌّ لان
الاعراب انما يقع على الاسم بكماله فاذا قصدنا الى كل حرف منها بنيناه وهذه الحروف
التى ذكرها من الباء الى الغاء اذا بنيناها فكل واحد منها على حرفين الثانى منهما
ألف فهى بمنزلة لا وما فاذا جعلناها أسماءًا
مددنا فقلنا باء
وتاء كما نقول لاءٌ وماءٌ اذا جَنَحْنا الى جعلها أسماءا وتدخلها الالف واللام
فتتعرف وتخرج عنها فتتنكر وما مضى من الحروف نحو ليت ولو لا يدخلها الالف واللام
فجعل سيبويه حروف التهجى نكرات الا أن يدخل عليها الالف واللام فجرى مجرى ابن مخاض
وابن لبون فى التنكير وجعل لو وليت معارف فجرى مجرى سامٍ أَبْرَصَ وأُمِّ حُبَيْنٍ
لانهن مشتركات فى الامتناع من دخول الالف واللام والفرق بينهما أن الباء قد توجد فى
أسماء كثيرة فيكون حكمها وموضعها فى كل واحد من الاسماء على خلاف حكمها فى الآخر
كقولنا بَكْرٌ وضَرْبٌ وحِبْرٌ وغير ذلك من الاسماء والافعال والحروف فلما كثرت
مواضعها واختلفت صار كل واحد منها نكرة وأما ليت ولو وما أشبه ذلك فهن لوازم فى
موضع واحد ومعنى واحد وما استعمل منها فى أكثر من موضع فذلك ليس بالشائع الكثير
ومواضعه تتقارب فيصير كالمعنى الواحد ومثل ذلك أسماء العدد اذا عددتَ فقلت واحد
اثنان ثلاثة أربعة تبنيها لانك لست تخبر عنها بخبر تأتى به وإنما تجعله فى العبارة
عن كل واحد من الجمع الذى تعدّه كالعبارة عن كل واحد من حروف الكلمة اذا قَطَّعتها
وذكر سيبويه أنه يقال واحد اثنان فيُشَمُّ الواحدُ الضَّمَّ وان كان مبنيا لانه
متمكن فى الاصل وما كان متمكنا اذا صار فى موضع غير متمكن جعل له فضيلة على ما لم
يكن متمكنا قط* قال* وزعم من يوثق به أنه سمع من العرب ثلاثة اربعه فطرح همزة
أربعة على الهاء من ثلاثة ولم يحوّلها مع التحريك ومثل ذلك قول الشاعر
خرَجْتُ من عندِ
زيادٍ كالخَرِفْ
|
|
تَخُطُّ
رِجْلاىَ بِخَطٍّ مُخْتَلِفْ
|
* تُكَتِّبَانِ فى الطَّرِيق لامَ الِفْ*
|
فألقى حركةَ ألف
على ميم لام وكانت ساكنة ففتحها وليست هذه الحركةُ حركةً يُعْتَدُّ بها وانما هى
تخفيف الهمز بالقاء الحركة على ما قبلُ من أجل ذلك قالوا ثلاثةَ اربعة لان النية
أنها ساكنة وانما استعيرت الهاء لحركة الهمزة وذكر عن الاخفش انه كان لا يُشِمُّ
فى واحد اثنان وذكر أبو العباس ونسبه الى المازنى أنه لا يُحَرِّكُ الهاء من ثلاثة
بالقاء حركة الهمزة عليها من أربعة قال الفارسى وهذا ان كان
صحيحا عنه فهو
بَيّنُ الفَساد لان سيبويه حكى عن العرب ثلاثةَ اربعة وأنشد
* فى الطريقِ لامَ الِفْ*
وقد ألقى حركة
الهمزة على ما قبلها* قال سيبويه* وأما زاى ففيها لغتان منهم من يجعلها فى التهجى
ككَىْ فيقول زَىْ ومنهم من يقول زاىٌ فيجعلها بمنزلة واو* قال أبو على* أما من قال
زَىْ فهو اذا جعلها اسما شَدَّد فقال زَىٌّ واذا جعلها حرفا قال زَىْ على حرفين
مثل كَىْ وأما زاىٌ فلا تتغير صيغته وأما مَنْ ومِنْ وأنْ وإنْ ومُذْ وعن ولم
ونحوُهن اذا كنَّ أسماءا لم تغير لانها تشبه الاسماء كَيْدٍ ودَم تقول فى رجل
سميناه مِنْ هذا مِنْ ولم ومُذْ ولا تزيد فيها شيئا لان فى الاسماء المتمكنة ما
يكون على حرفين كيدٍ ودَم وما كان على ثلاثة فهو أولى أن لا يزادُ فيها نحو نَعَمْ
وأَجَلْ وكذلك الفعل الذى لا يتمكن نحو نِعْمَ وبئس
هذا باب تسميتك الحروف بالظروف وغيرها
من الاسماء
اعلم أنك اذا سميت
كلمة بخَلْفَ أو فَوْقَ أو تَحْتَ لم تصرفها لانها مذكرات وجملةُ هذا أن الظروف
وغيرها فيها مذكرات ومؤنثات وقد يجوز أن يُذْهَب بكل كلمة منها الى معنى التأنيث
بان تُتأَوَّلَ أنها كلمة والى معنى التذكير بان تُتأَوَّل أنها حرف فان ذهبتَ الى
أنها كلمةٌ فسميتها باسم مذكر على أكثر من ثلاثة أحرف أو ثلاثة أحرف أوسطها متحرّك
لم تَصْرف كما لا تصرف امرأةً سميتها بذلك وان سميتها بشئ مذكر على ثلاثة أحرف
أوسطُها ساكنٌ وقد جعلتها كلمةً فحكمُها حكمُ امرأة سميتها بزيد فلا تصرفها على
مذهب سيبويه وما كان على حرفين فهو بمنزلة ما كان على ثلاثة أحرف أوسطُها ساكنٌ
فمن المذكر تَحْتُ وخَلْفُ وقَبْلُ وبَعْدُ وأينَ وكيفَ وثَمَّ وهُنَا وحَيْثُ
وكُلٌّ وأَىٌّ ومُنْذُ ومُذْ وقَطُّ وقَطْ وعِنْدَ ولدَى ولَدُنْ وجميعُ ما ليس
عليه دلالةٌ للتأنيث بعلامة أو فِعْلٍ له مؤنثٍ* ومن الظروف المؤنثة قُدَّام
ووَراء لانه يقال
فى تصغيرها
قُدَيْدِيمة ووُرَيِّئة مثلُ وُرَيِّعةٍ ومنهم من يقول وُرَيَّة مِثْل جُرَيَّة
فلما أدخلوا الهاء فى هذين الحرفين ولم يُدْخلوا فى تُحَيْت وخُلَيْف ودُوَيْن
وقُبَيْل وبُعَيْد علمنا أن ما دخل عليه الهاءُ مؤنث والباقى مذكر فان قال قائل
فكيف جاز دخول الهاء فى التصغير على ما هو أكثر من ثلاثة أحرف قيل له المؤنث قد
يدل فعله على التأنيث وان لم يصغر ولم تكن فيه علامة التأنيث كقولنا لَسَبَتِ
العقربُ وطارتِ العُقابُ والظروف لا يخبر عنها باخبار يدل على التأنيث فلو لم
يدخلوا عليها الهاء فى التصغير لم يكن على تأنيثها دلالة وان أخبرنا عن خَلْف
وفَوْق وسائر ما ذكرنا من المذكر وقد جعلناها كلمة لم نصرفها على قول سيبويه وعلى
قول عيسى بن عمر ما كان أوسطُه ساكنا وهو على ثلاثة أحرف جاز فيه الصرفُ وتَرْكُ
الصرفِ كهندٍ فعلى مذهب سيبويه نقول هذه خَلْفُ وفوقُ وثَمُّ وقَطُّ وأَيْنُ
وجِئْتُه من خَلْفَ ومن تَحْتَ ومن فَوْقَ وذلك أنها معارفُ ومؤنثاتٌ وان جعلنا
هذه الاشياء حروفا وقد سميناها بهذه الاسماء المذكرة التى ذكرناها فانها مصروفة
لان كل واحد منها مذكر سمى بمذكر وأما قُدَّامُ ووَرَاءُ فسواءٌ جعلتهما اسمين
لكلمتين أو لحرفين فانهما لا ينصرفان لانهما مؤنثان فى أنفسهما وهما على أكثر من
ثلاثة أحرف فان جعلناهما اسمين لمذكرين أو لمؤنثين لم ينصرفا وصارا بمنزلة عَناقٍ
وعَقْرب ان سمينا بهما رجلين أو امرأتين لم ينصرفا هذا قول جميع النحويين فى
الظروف فاما أبو حاتم فقال الظروف كلها مذكرة الا قُدَّامَ ووراءَ بالدليل الذى
قدمنا من التصغير قال وزعم بعض من لا أثق به أن أمامَ مؤنثة وما كان من ذلك مبنيا
فلك أن تَدَعَه على لفظه ولا تَنْقُلَه الى الاعراب كقولك ليتَ غير نافعة ولَوْ
غير مُجْدِية ولك أن تقول ليتُ غيرُ نافعةٍ وَلَوٌّ غير مُجْدِيةِ اذا جعلتهما
اسما للكلمتين تضم ليت ولو بغير تنوين ولا تصرفه على مذهب سيبويه وعلى مذهب عيسى
لَيْتٌ ولَوٌّ ولَيْتُ ولَوُّ منونةً وغيْرَ منوّنة وان قلت ليتٌ ولَوٌّ غير
نافعين وقد جعلتهما للحرفين صرفتهما باجماع ونَكَّرْتَ فقلت لَيْتٌ ولَوٌّ غيرُ
نافعين وتقول ان اللهَ يَنْهَاكُمْ عن قِيلٍ وقالٍ ومنهم من يقول عن قِيلَ وقالَ
لَمَّا جَعَلَه اسما وأنشد سيبويه
أصْبَحَ
الدَّهْرُ وقد أَلْوَى بِهِمْ
|
|
غيرَ تَقْوا
لِكَ مِنْ قِيلٍ وقالِ
|
قال سيبويه
والقوافى مجرورة وقد أنكر المبردُ احتجاجَ سيبويه بجر القوافى على خفض قيل فذكر
أنه يجوز أن تكون القافية موقوفة وتكون اللام من قِيلَ مفتوحة فتقول من قِيلَ
وقالْ وقد رَدَّ الزجاجُ عليه ذلك فقال لا يجوز الخينُ فى فاعلان من الرمل فاذا قلنا
قيلَ وقالْ وجعلنا اللام موقوفة فقد صار فَعِلَانْ مكان فاعِلانْ واذا أطلقناها
صار فاعلاتن ومن قال ينهاكم عن قيلَ وقالَ قال لم أسمع به قِيلاً وقالاً وفى
الحكاية قالوا مُذْ شُبَّ الى دُبَّ وإن جعلتهما اسمين قلتَ مُذْشُبٍّ الى دُبٍّ
وهذا مَثَلٌ كأنه قال مُذْ وَقْتِ الشبابِ الى أن دَبَّ على العصا من الكِبَر* قال
سيبويه* وتقول اذا نظرتَ الى الكتابِ هذا عَمْرٌ وانما المعنى اسمُ عمرو وهذا
ذِكْرُ عَمْرٍو ونحو هذا الا أنه يجوز على سَعةِ الكلامِ كما تقول جاءت القريةُ
وأنت تريد أهلَها وان شئت قلت هذه عمرو أى هذه الكلمة اسم عمرو كما تقول هذه ألْفٌ
وأنت تريد هذه الدراهمُ ألْفٌ وان جعلته اسما للكلمة لم تصرف وان جعلته للحرف
صرفته* قال سيبويه* وأبو جادٍ وهَوَّازٌ وحُطِىٌّ بياء مشددة كعمرو فى جميع ما
ذكرنا وحالُ هذه الاسماء حالُ عمرو وهى أسماء عربية وأما كَلَمُونُ وصَعْفَضُ
وقُرَيسِياتُ فانهن أعجميات لا ينصرفن ولكنهن يقعن مواقع عمرو فيما ذكرنا الا أن
قُرَيْسِياتٍ بمنزلة عَرَفاتٍ وأذْرِعاتٍ* قال أبو سعيد* فصل سيبويه بين أبى جادٍ
وهَوَّازٍ وحُطِّىٍّ فجعلهنَّ عربياتٍ وبين البواقى فجعلهن أعجميات وكان أبو
العباس يُجيز أن يكنَّ كُلُّهنّ أعجمياتٍ وقال بعض المحتجين لسيبويه انه جعلهن
عربيات لانهن مفهوماتُ المعانى فى كلام العرب وقد جَرَى أبو جادٍ على لفظ لا يجوز
أن يكون الا عربيا تقول هذا أبو جاد ورأيت أبا جاد وعجبت من أبى جاد قال الشاعر
أتَيْتُ
مُهاجِرِينَ فَعَلَّمُونِى
|
|
ثلاثةَ أحرفٍ
مُتتابعاتِ
|
وخَطُّوا لى أبا
جادٍ وقالوا
|
|
تَعَلَّمْ
صَعْفَضا وقُرَيْسياتِ
|
قال أبو سعيد
والذى يقول انهن أعجمياتٌ غير مُبْعدٍ عندى ان كان يريد بذلك أن الاصل فيها
العُجْمه لان هذه الحروفَ عليها يقع تعليمُ الخَطّ بالسُّريانى وهى معارف
وكذلك جميع ما
ذكرناه من الحروف مما لا يدخله الالفُ واللامُ وما كان يدخله الالف واللام فانه
يكون معرفةً بهما ونكرةً عند عدمهما كالالف والباء والتاء ان شاء الله تعالى
ومن المؤنث المضمر من غير تقدم ظاهر يعود اليه
وليس من المضمر قبل الذكر على الشريطة
التفسيرية ولكن للعلم به
وذلك قوله تعالى (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) يعنى الشمس و (كُلُّ مَنْ عَلَيْها
فانٍ) يعنى الارض وزعم الفارسى أن قوله تعالى (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) من هذا الباب* أبو حاتم* وقول الناس لا يُفلح فلان بعدها
يريدون بعد فَعْلته التى فَعَلَ أو بعد هذه المرّة وكذلك قولهم لا تَذْهَب بها أى
بفَعْلَتك التى فعَلْتَ ومثل ذلك قولهم والله لَتُتْخِمَنَّها يعنى هذه الاكْلة
والفَعْلة وأما قولُهم أصبحتْ حارَّةً وأصبحتْ باردةً وأمْسَتْ مُقْشَعرّة فانهم
يريدون الريح أو الدنيا أو الارض أو البلدة أو البقعة ونحو ذلك وكذلك قوله تعالى (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) يريد ظهر الارض وكذلك ما بها مثلُك أى بالبلدة ومَلَأْتها
عَدْلاً أى هذه البلدة أو هذه الارض أو البقعة ومثل ذلك ما يَمْشِى فوقَها
مِثْلُكَ
هذا باب تسمية المذكر بالمؤنث
اعلم أن كل مذكر
سميته بمؤنث على أربعة أحرف فصاعدا لم ينصرف وذلك أن أصلَ المذكر عندهم أن يسمى
بالمذكر لانه شَكْلُه والذى يلائمه فلما عدلوا عنه ما هو له فى الاصل وجاؤا بما لا
يلائمه ولم يك متمكنا فى تسمية المذكر فعلوا ذلك به كما فعلوا ذلك بتسميتهم إياه
بالمذكر فتركوا صرفه كما تركوا صَرْفَ الاعجمى فمن ذلك عَنَاق وعَقْرب وعُقاب
وعَنْكبوت وأشباهُ ذلك وهذا الباب مشتمل على أن ما سمى
بمؤنث على أربعة
أحرف فصاعدا لم ينصرف فى المعرفة وانصرف فى النكرة وشرطُ ذلك المؤنث أن يكون اسما
موضوعا للجنس أو مصروفا لتعريف المؤنث ولم يكن منقولا الى المؤنث عن غيرها فاذا كان
من المؤنث اسما لجنس نحو عناق وعقرب وعُقاب وعنكبوت اذا سميت بشئ منهن أو ما
يشبههن رجلا أو سواه من المذكر لم ينصرف فى المعرفة وانصرف فى النكرة وأما ما صيغ
لتعريف المؤنث ولم يكن قبل ذلك اسما فنحو سُعَادَ وزينب وجَيْأَل وتقديرها جيعل
اذا سميت بشئ من هذا رجلا لم ينصرف فى المعرفة لان سعاد وزينب اسمان للنساء ولم
يوضعا على شئ يعرف معناه فصارا لاختصاص النساء بهما بمنزلة اسم الجنس الموضوع على
المؤنث وجَيْأل اسم معرفة موضوع على الضَّبُع وهى مؤنث ولم يوضع على غيرها فهى
كزينبَ وسُعادَ فاذا كانت صفة للمؤنث على أربعة أحرف فصاعدا ولم يكن فيه علامةُ
التأنيث فسميت به مذكرا لم يُعْتَدَّ بالتأنيث فانصرف وجعله سيبويه مذكرا وصف به
مؤنث وان كانت تلك الصفة لا تكون الا لمؤنث وذلك أن تسميه بحائض أو طامث أو
مُتْئِمٍ وذكر أن تقديره اذا قلت مررت بامرأة حائض وطامث ومُتْئم بشئ حائض وكذلك
ما وُصِف من المذكر بمؤنث كقولهم رجل نُكَحة ورجل رَبْعةٌ وجَمَلٌ خُجَأَة أى كثير
الضِّرَاب وكأن هذه الصفةَ وصفٌ لمؤنث كانك قلت هذه نفس خُجَأة وقد روى عن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه قال «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ الا نَفْسٌ مُسْلِمةٌ» وذلك
واقع على الذكر والانثى وقد قَدَّمتُ مذهَب الكوفيين فى هذا الفصل عند ذكرى لنعوت
المؤنث التى تكون على مثال فاعل ومن الدليل على ما قاله سيبويه أنا لا ندخل على
حائض الهاء اذا أردنا بها الاستقبال فنقول هذه حائضة غدا فلما احتمل حائض دخول
الهاء عليها علمنا أنها مذكر وعلى أنها قد تؤنث لغير الاستقبال قال الشاعر
رأيتُ خُتُونَ
العامِ والعامِ قَبْلَهُ
|
|
كحائضةٍ يُزْنَى
بِها غَيْر طاهرِ
|
وكذلك يقال امرأة
طالقٌ وطالقةٌ فلما كانت الهاء تَدْخُل على هذا النحو علمنا أنها اذا أُسْقِطَ
الهاءُ منها صار مذكرا وذكر سيبويه أنه سأل الخليلَ عن ذِراع فقال كَثُر
تسميتهم به
المذكرَ وتَمَكَّنَ فى المذكر وصار من أسمائه خاصةً عندهم ومع هذا انهم يصفون به
المذكر فيقولون هذا ثَوْبٌ ذِراعٌ فقد تمكن هذا الاسم فى المذكر هذا قول الخليل
وكان القياسُ أن لا يصرف لان ذراعا اسم مؤنث على أربعة أحرف فقياسُه أن لا ينصرف
فى المعرفة وقد كان أبو العباس المبرد يقول ان الاجود فيه أن لا يصرف وكانَّ
الخليلَ ذَهَبَ به مذهبَ الصفة ولا علامة فيه وقال فى كُراعٍ اسم رجل قال من العرب
من يصرفه يشبهه بذراع والاجودُ تركُ الصرف وصرفُه أَخْبَثُ الوجهين وكأنَّ الذى
يصرفه انما يصرفه لانه كثر به تسميةُ الرجال فاشبه المذكر فى الاصل لان الاصل أن
يسمى المذكر بالمذكر وان سميت رجلا بثَمانٍ لم تصرفه لان ثَمانٍ اسم مؤنث فهو
كثَلَانٍ وعَنَاقٍ اذا سميت بهما قال الفراء هو مصروف لانه جَمْعٌ وتصغيره عنده
ثُلَيْثٌ* قال سيبويه* ولو سميت رجلا حُبَارَى لم تصرفه لانه مؤنث وفيه عَلَم
التأنيث الالُف المقصورةُ فان حَقَّرته حذفتَ الالفَ فقلت حُبَيِّر لم تصرفه أيضا
لان حُبارَى فى نفسها مؤنث فصار بمنزلة عُنَيِّق ولا علامةَ فيها للتأنيث* قال
سيبويه* وزعم الخليلُ أن فَعُولا ومِفْعالاً انما امتنعا من الهاء لانهما وقعتا فى
الكلام على التذكير ولكنه يوصف به المؤنث كما يوصف بَعْدلٍ ورِضًا وانما أراد
بفَعُول ومِفْعالٍ قولَنا امرأةٌ صَبُور وشَكُور ومِذْكار ومِئْناث اذا سميت رجلا
بشئ من ذلك صرفته لانها صفات مذكرة لمؤنث كطامِثٍ وحائض وقد مضى الكلام فى ذلك
وكذلك ان سميت رجلا بقاعد تريد القاعدَ التى هى صفة المرأة الكبيرة القاعِد عن
الزوج وكذلك ان سميت رجلا بضارب تريد صفةَ الناقة الضارب والناقةُ الضاربُ التى
تَضْرِبُ الحالَب بخُفِّها وتَزّبِنُه وكذلك ان سميته بعاقرٍ صفة المرأة كل ذلك
منصرف على ما شرحته لك لانه مذكر وان وقع لمؤنث كما يقع المؤنث للمذكر كقولنا
عَيْنُ القوم وهو رَبِيئَتُهم أى الذى يَحْفَظُهم فوَقَعَتْ عليه عَيْنٌ وهو رجل
ثم شبه سيبويه حائضا صفةً لشئ وان لم يستعملوه بقولهم أَبْرَقُ وأَبْطَحُ
وأَجْرَعُ وأَجْدَلُ فيمن تَرك الصرفَ لانها صفات وان لم يستعملوا الموصوفاتِ قال
وكذلك جَنُوبٌ وشَمَالٌ وقَبُولٌ
ودَبُورٌ وحَرُورٌ
وسَمُومٌ اذ سميتَ رجلا بشئ منها صَرَفْتَه لانها صفات فى أكثر كلام العرب سمعناهم
يقولون هذه ريحٌ حَرُورٌ وهذه ريح شَمَالٌ وهذه الريحُ الجنوبُ وهذه ريحٌ جَنُوبٌ
سمعنا ذلك من فُصحاء العرب لا يعرفون غيره قال الاعشى
لَها زَجَلٌ
كَحفِيفِ الحَصا
|
|
دِصادفَ بالليلِ
ريحًا دَبُورا
|
ومعنى قول سيبويه
سمعنا ذلك من فصحاء العرب أى من جماعة منهم فُصحاء لا يعرفون غيره قال ويُجْعَلُ
اسما وذلك قليل قال الشاعر
حالَتْ وحِيلَ
بِهَا وغَيَّر ايَها
|
|
صَرْفُ البِلَى
تَجْرِى به الرِّيحانِ
|
رِيحُ الجَنُوبِ
مع الشِّمَالِ وتارةً
|
|
رِهَمُ الرَّبيع
وصَائبُ التَّهْتانِ
|
فمن أضاف اليها
جعلها أسماءا ولم يصرف شيئا منها اسْمَ رَجُلٍ وصارت بمنزلة الصَّعُود والهَبُوطِ
والحَدُور والعَرُوضِ وهذه أسماءُ أماكنَ وقعت مؤنثة وليست بصفاتٍ فاذا سميتَ بشئ
منها مذكرا لم تصرفه ولو سميت رجلا برَبابٍ أو ثَوابٍ أو دَلالٍ انصرف وانْ كَثُرَ
رَبابٌ فى أكثر النساء وليست كسُعادَ وأخواتها لان رَبابا اسمٌ معروف مذكر للسحاب
سميت المرأةُ به وسُعادُ مؤنث فى الاصل وقال سيبويه فى سُعَادَ وأخواتها انها اشْتُقَّتْ
فجعلتْ مختصا بها المؤنث فى التسمية فصارت عندهم كعَناقٍ وكذلك تسميتُك رجلا بمثل
عُمَانَ لانها ليست بشئ مذكر معروف ولكنها مشتقة لم تقع الا علما للمؤنث* قال
الفارسى* قال أبو عُمَر الجَرْمِىُّ معنى قوله مشتقة أى مُسْتأنفة لهذه الاسماءُ
لم تكن من قبلُ أسماءً لأشياء أخر فنقلت اليها وكانها اشتقت من السَّعادة أو من
الرَّبَب أو من الْجَأْل وزِيدَ عليها ما زِيدَ من ألف أو ياء لتُوضَع أسماءًا
لهذه الاشياء كما أن عَناقا أصله من العَنَقِ وزيدت فيه الالفُ فوُضِعَ لهذا الجنس
وما كان من الجموع المكسرة التى تأنيثها بالتكسير اذا سمينا به مذكرا انصرف نحو
خُرُوقٍ وكِلابٍ وجِمَالٍ والعربُ قد صرفتْ أنْمارا وكلابا اسمين لرجلين لان هذه
الجموع تقع على المذكرين وليست باسم يختص به واحد من المؤنث فيكون مثلَه ألا ترى
أنك تقول هم رجالٌ فتُذكر كما ذَكَّرْتَ فى الواحد فلما لم يكن فيه علامة التأنيث
وكان يُخْرج اليه المذكرُ ضارَعَ المُذَكَّرَ
الذى يوصف به
المؤنثُ وكان هذا مُسْتوجبا للصرف وكذلك لو سمى رجل بعُنُوق جمع عَناقٍ فهو بمنزلة
خُروقٍ جمع خَرْقٍ ويستوى فيه ما كان واحده مذكرا ومؤنثا ولو سميت رجلا بنساء
لصرفته لان نِساءً جمعُ نِسْوة فهى جمع مُكَسَّر مثلُ كِلابٍ جمعُ كَلْب فان سميته
بطَاغُوتَ لم ينصرف لان طاغوتَ اسم واحد مؤنث يقع على الجمع والواحد وليس له واحد
من لفظه فيكسر عليه فصار بمنزلة عَنَاق واذا كان جمعا فهو بمنزلة إبِلٍ وغَنَم لا
واحدَ له من لفظه
هذا باب تسمية المؤنث
اعلم أن كل مؤنث
سميته بثلاثة أحرف متوال منها حرفان بالتحرك لا ينصرف فان شميته بثلاثة أحرف فكان
الاوسط منها ساكنا وكانت شيئا مؤنثا أو اسما الغالبُ عليه المؤنث كسُعادَ فأنتَ
بالخيار ان شئت صرفته وان شئت لم تصرفه وتركُ الصرف أجودُ وتلك الاسماءُ نحو
قِدْرٍ وعَنْزٍ ودَعْدٍ وجُمْلٍ ونُعْمٍ وهِنْد وهذا الباب مشتمل على ثلاثة أشياء
منها أن تسمى المؤنِث باسم على ثلاثة أحرف وأوسطُها متحركٌ وليس الحرفُ الثالثُ
منها بعَلَمِ تأنيثٍ وذلك لا خلاف بين النحويين أنه لا ينصرف فى المعرفة وينصرف فى
النكرة كامرأة سميتها بقَدَمٍ أو حَجَرٍ أو عِنَبٍ وما أشبه ذلك مما أوسطه متحرك
والثانى أن تُسَمِّىَ المؤنثَ باسم كان مؤنثا قبل التسمية أو الغالبُ عليه أن
تُسَمِّىَ به المؤنثَ وأوسطُه ساكن فالاسم المؤنث قبل التسمية نحو قِدْرٍ وعَنْزٍ
والاسمُ الغالبُ عليه أن يسمى به المؤنثُ وان لم يعرف قبل التسمية دَعْدٌ وجُمْلٌ
وهِنْد فهذه الاسماء لا خلاف بين المتقدمين أنها يجوز فيها الصرف ومنع الصرف
والاقيسُ عند سيبويه منعُ الصرف لانه قد اجتمع فيها التأنيث والتعريفُ ونقصانُ
الحركة ليس مما يُغَيّرُ الحُكْمَ وانما صَرَفه مَنْ صَرَفه لان هذا الاسم قد بلغ
نهايةَ الخِفَّة فى قلة الحروف والحركات فقاومتْ خِفَّتُها أحدَ الثِّقَلَيْن وكان
الزجاجُ يخالف من مضى ولا يُجيز الصرفَ فيها ويقول قد أجمعوا على أنه يجوز فيها
تركُ الصرف وسيبويه يرى أن تركه أَجْوَدُ فقد جَوَّزُوا منعَ الصرف واسْتَجادوه ثم
ادَّعَوُا الصَّرْفَ بجهة لا تثبت
لان السكون لا
يغير حكما أوجبه اجتماعُ علتين تمنعانِ الصَّرْفَ* قال أبو على* والقول عندى ما
قاله من مضى ولا أعلم خلافا بين من مضى من الكوفيين والبصريين وما أجمعوا على ذلك
عندى الا لشهرة ذلك فى كلام العرب والعلةُ فيه ما ذكرتْ وقد رأيناهم أسْقَطُوا
بقِلَّة الحُروف أحدَ الثِّقَلَيْنِ وذلك اجماعُهم فى نُوح ولُوط أنهما مصروفان
وان كانا أعجميين معرفتين لنُقْصان الحروف فمن حيثُ كان نقصانُ الحروف مسوّغا
للصرف فيما فيه علتانِ سُوِّغَ بنُقْصان الحروف والحركةِ فى المؤنث والثالثُ مما
ذكرنا اشتمالَ البابِ عليه أن تُسَمِّىَ المؤنثَ باسم مذكر على ثلاثة أحرف
وأوسطُها ساكنٌ نحو امرأة سميت بزيد أو عمرو أو بكر* قال الفارسى* قد اختلف فى هذا
من مضى فكان قول أبى استحق وأبى عمرو ويونس والخليل وسيبويه أنه لا ينصرف ورَأَوْه
أثقلَ من هِنْد ودَعْد قال سيبويه لان المؤنث أشد ملاءمة للمؤنث والاصل عندهم أن
يُسَمَّى المؤنثُ بالمؤنث كما أن أصلَ تسمية المذكر بالمذكر* قال أبو سعيد* كانَّ
سيبويه جَعَلَ نَقْلَ المذكر الى المؤنث لما كان خلافَ الموضوع من كلام العرب
والمعتادِ ثِقَلاً يُعادل نهايةَ الخِفة التى بها صَرَفَ من صَرَفَ هِنْدًا وكان عيسى
بن عمر يَرى صرفَ ذلك أولى واليه يذهب أبو العباس محمد بن يزيد المُبَرِّدُ لان
زيدا وأشباهَه اذا سمينا به المؤنثَ فأثقلُ أحوالِه أن يصير مؤنثا فيَثْقُلَ
بالتأنيث وكونُه خفيفا فى الاصل لا يُوجب له ثِقَلاً أكثر من الثِّقَل الذى كان فى
المؤنث فاعلمه
هذا باب ما جاء معدولا عن حده من المؤنث كما جاء المذكر
معدولا عن حده
نحو فُسَقَ ولُكَع
وعُمر وزُفَر وهذا المؤنث نظير ذلك المذكر اعلم أن هذا الباب يشتمل على ما كان من
فَعَالِ مبنيا وذلك على أربعة أضرب أولها وهو الاصل لباقيها ما كان من فَعَالِ
واقعا موقعَ الامر كقولهم حَذَار زيدًا ـ أى احْذَرْه ومَنَاعِ زيدًا ـ أى
امنعه
قال الشاعر
مَنَاعِها مِنْ
إبِلٍ مَنَاعِها
|
|
أَلَا تَرى
الموتَ لَدَى رِباعِها
|
وقال أيضا فى
نَحْوٍ منه
تَراكِها من
إبِلٍ تَراكِها
|
|
ألَا تَرى
الموتَ لدَى أَوْراكِها
|
وقال رؤبة أيضا
* نَظَارِ كَىْ أَرْكَبَها نَظَارِ*
ويقال نَزالِ ـ أى
انزل ويقال للضَّبُع دَبابِ ـ أى دِبِّى وقال الشاعر
نَعاءِ ابنَ
لَيْلَى للسَّماحةِ والنَّدَى
|
|
وأيْدِى شَمَالٍ
بارداتِ الانامِلِ
|
وقال أيضا جرير
نَعاءِ أبا
لَيْلَى لِكُلِّ طِمِرَّةٍ
|
|
وجَرْداءَ
مِثْلِ القَوْسِ سَمْحٍ حُجُولُها
|
والحَدُّ فى جميع
اذا افْعَلْ وهو معدول عنه وكان حَقُّه أن يُبْنَى على السكونِ فاجتمع فى آخره
ساكنانِ الحرفُ الاخير المبنىُّ على السكون والالفُ التى قبله وحُرِّكَ بالكسر لان
الكسر مما يؤنث به لان المؤنث فى المخاطبة يكسر آخره فى قولك إنكِ ذاهبةٌ وأنتِ
قائمة ويؤنث بالياء فى قولك أنتِ تقومين وهَذِى أَمَةُ اللهِ ولم يقل سيبويه انه
كُسِرَ لاجتماعِ الساكنين على ما يوجبه اجتماعُهما من الكسرة لانه يذهب الى أن
الساكن الاوّلَ اذا كان ألفا فالوجهُ فَتْحُ الساكن الثانى لان الالفَ قبلها فتحةٌ
وهى أيضا أَصْلُ الفتح فحملوا الساكنَ الباقىَ على ما قبله من أجل هذا قال فى
اسْحَارَّ اذا كان اسمَ رجل ورَخَّمْناه يا إسْحَارَ أَقْبِلْ بفتح الراء لان
قبلها فتحة الحاء والالف بينهما ساكنة وهى تؤكد الفتح أيضا وحَمَلَه على قولهم
عَضَّ يافَتَى بفتح العين ولم يَحْفِلْ بالضاد الساكنة المدغمة فان قال قائل فهم
يقولون رُدَّ وفِرَّ قيل له الحجةُ فى عَضَّ من قول من يقول رُدِّ ورُدُّ وفِرِّ
ويقول فى عَضِّ عَضَّ فيفصل بينهما ويفتح من أجل فتحة العين ومما يدلك على ذلك
قولُهم انْطَلْقَ يا زَيْدُ فيفتح القاف لانفتاح الطاء وانما حَرَّك القاف لالتقاء
الساكنين وقول الشاعر
عَجِبْتُ
لَموْلُودٍ وليس له أبٌ
|
|
وذِى وَلَدٍ لم
يَلْدَهُ أَبوانِ
|
ففتح الدال
لانفتاح الياء والوجه الثانى ما كان من وصف المؤنث مُنادًى أو غير
مناًدى فالمنادَى
قولُك يا خَبَاثِ ويا لَكاعِ ويا فَساقِ وانما تريد الخبيثةَ والفاسقةً
واللَّكْعاءَ ومثله للمذكر اذا ناديته معدولا يا فُسَقُ ويا لُكَعُ ويا خُبَثُ
ويقال يا جَعَارِ للضبع وانما هو اسم للجاعِرِة يقال ذلك فى النداء وغير النداء
للضبع ويقال لها أيضا قَثَامِ ومعناها تَفْثِمُ كُلَّ شئ تَجُرُّه للاكل وتَجْرُفُه
قال الشاعر
فللكُبَراءِ
أَكْلٌ كيفَ شاؤا
|
|
وللصُغَراءِ
أَخْذٌ واقتثامُ
|
وقال الشاعر وهو
الجَعْدىُ
فقلتُ لها عِيثى
جَعَارِ وجَرِرِى
|
|
بلَحْمِ امْرِئٍ
لم يَشْهَدِ اليومَ ناصِرُهْ
|
ويقال للمَنِيَّةِ
حَلَاقِ وهى معدولة عن الحالقة لانها تَحْلِقُ كُلَّ شئ وتَذْهَب به قال الشاعر
لَحِقَتْ حَلاقِ
بهمْ على أكْسائِهِمْ
|
|
ضَرْبَ
الرِّقابِ ولا يُهِمُّ المَغْنَمُ
|
والأكْساءُ
الَمآخِيرُ واحدُها كُسْءٌ وقال آخر
ما أُرَجِّى
بالعَيْشِ بَعْدَ نَدامَى
|
|
قَدْ أَراهُمْ
سُقُوا بكَاْسِ حَلَاقِ
|
والوجه الثالث ما
كان من المصادر معدولا من مصدر مؤنث معرفة مبنيا على هذا المثال كقول الذبيانى
إنَّا
اقْتسَمْنا خُطَّتَيْنا بَيْنَنا
|
|
فحملتُ بَرَّةَ
واحْتَمَلْتَ فَجارِ
|
ففَجارِ معدولةٌ
عن الفَجْرِة وقال الشاعر
فقالَ امْكُثِى
حَتَّى يَسَارٍ لَعَلَّنا
|
|
تَحُجُّ مَعًا
قالتْ أَعامًا وقابِلَهْ
|
فهى معدولة عن
المَيْسَرةِ وقال الجَعْدِىُ
وذَكَرْتَ مِنْ
لَبَنِ المُحَلَّقِ شَرْبةً
|
|
والخيلُ تَعْدُو
بالصَّعِيدِ بَدادِ
|
فبدَادِ فى موضع
الحال وهو فى معنى مصدر مؤنث معرفة وقد فسره سيبويه فقال معناه تَعْدُو بَدَدًا
غير أنّ بَدادِ ليست بمعدولة عن بَدَدٍ لان بَدَدًا نكرة وانما هى معدولة عن
البَدَّةِ أو المُبَادَّة أو غير ذلك من ألفاظ المصادر المعرفة المؤنثات* قال
سيبويه* والعرب تقول لا مَسَاسِ معناه لا تَمَسُّنِى ولا أَمَسُّك ودَعْنِى
كَفَافِ وتقديرها لا المُماسَّةَ ودَعْنِى المُكافَّةَ وان كان ذلك غيرَ مستعمل
ألا تَراهم قالوا مَلَامِحُ ومَشَابِهُ
__________________
ـ
ولَيالٍ وهُنَّ
جَمْع ليس لها واحدٌ من لفظها لانهم لا يقولون مَلْمَحةٌ ولا لَيْلَاةٌ ولا
مَشْبَهةٌ وقال الشاعر
جَمَادِ لها
جَمَادِ ولا تَقُولِى
|
|
طُوالَ
الدَّهْرِ ما ذُكِرَتْ حَمَادِ
|
وانما يريد
جُمُودًا وحَمْدًا غير أن اللفظ الذى عُدِل عنه هذا اللفظ كانه الجَمْدةُ
والحَمْدَةُ أو ما جَرَى مَجْرَى هذا من المؤنث المعرفة وقد جعل سيبويه فَجارِ فى
قول النابغة من المصادر المعدولة وجَرَى على ذلك النحويون بعده والاشْبَهُ عندى أن
تكونَ صفة غالبةً والدليل على ذلك أنه قال فى شعره
* فَحمَلْتُ بَرَّةَ واحْتَمَلْتَ فَجارِ*
فجعلها نقيضَ
بَرَّةَ وبَرَّةُ صفةٌ تقول رجل بَرٌّ وامرأة بَرَّةٌ وجعلَهما صفةً للمصدر كانه
قال فحملتُ الخَصْلةَ البَرَّةَ وحملتَ الخصلةَ الفاجرةَ كما تقول الخَصْلة
القبيحة والحَسَنة وهما صفتانِ وجعل بَرَّةً معرفةً عُرِّفَ بها ما كان جميلا
مستحسنا وأما ما جاء معدولا عن حدّه من بنات الاربعة فقوله
* قالتْ له رِيحُ الصَّبا قَرْقارِ*
وبعده من غير
انشاد سيبويه
* واخْتَلَطَ المَعْرُوفُ بالانْكارِ*
فانما يريد بذلك
قالت له قَرْقِرْ بالرَّعْدِ للسحابِ وكذلك عرْعارِ هى بمنزلةِ قَرْقارِ وهى
لُعْبة وانما هى من عَرْعَرْتُ ونظيرها من الثلاثة خَرَاجِ أى اخْرُجُوا وهى لعبة
أيضا وقال المبرد غَلِطَ سيبويه فى هذا وليس فى بنات الاربعة من الفِعْلِ عَدْلُ
وانما قَرْقارِ وعَرْعارِ حكاية للصوت كما يقال غَاقِ غَاقِ وما أشبه ذلك من الاصوات
وقال لا يجوز أن يقع عَدْلٌ فى ذوات الاربعة لان العدلَ انما وقع فى الثلاثى لانه
يقال فيه فاعَلْتُ اذا كان من كل واحد من الفاعلين فِعْلٌ مثلُ فِعْلِ الآخَر
كقولك ضاربتُه وشاتمته ويقع فيه تكثير الفعل كقولك ضَرَّبْتُ وقَتَّلْتُ وما أشبه
ذلك* وقال أبو اسحق الزجاج* بابُ فَعَالِ فى الامر يُراد به التوكيدُ والدليلُ على
ذلك أن أكثر ما يجىء منه مَبْنِىٌّ مكرّر كقوله
__________________
* حَذَارِ من أَرْما حِنَا حَذَارِ*
وقوله*
تَراكِهَا مِنْ إِبِلٍ تَراكِهَا
وذلك عند شدة
الحاجة الى هذا الفعل وحَكَى محمدُ بن يزيد عن المازنى مثلَ قوله وحكى عن المازنى
عن الاصمعى عن أبى عمرو مثل ذلك والاقوى عندى أن قول سيبويه أصح وذلك أن حكاية
الصوت اذا حَكَوْا وكَرَّرُوا لا يُخالِفُ الاوّلُ الثانىَ كما قالوا غاقِ غاقِ
وحاءِ حاءِ وحَوْبِ حَوْبِ وقد يُصَرِّفُون الفعلَ من الصوت المكرر فيقولون
عَرْعَرْتُ وقَرْقَرْتُ وانما الاصل فى الصوت عَارِ عَارِ وقَارِ قَارِ فاذا
صَرَّفُوا الفعل منه غَيَّروه الى وزن الفعل فلما قال قَرْقَارِ وعَرْعَارِ فخالف
اللفظُ الاوّل الثانىَ علمنا أنه محمول على قَرْقِرْ وعَرْعرْ لا على حكاية عَارِ
عارِ وقارِ قارِ وعَرْعارِ ـ لعبة للصبيان كما قال النابغة
* يَدْعُو وَلِيدُهُمُ بها عَرْعارِ*
ومعنى قوله أيضا
* واختلطَ المعروفُ بالانْكارِ*
يُريد المطرَ
أصابَ كُلَّ مَكانٍ مما كان يَبْلُغه المطرُ ويعرف ومما كان لا يبلغه المطرُ
ويَتْلُو بُلُوغه إياه* والوجهُ الرابعُ اذا سميت بشئ من الوجوه الثلاثة امرأةً
فان بنى تميم ترفعه وتنصبه وتُجْرِيه مُجْرَى اسم لا ينصرف وهو القياسُ عند سيبويه
واحتج بان نَزالِ فى معنى انْزِلْ ولو سمينا بانْزِلْ امرأةً لكنا نجعلها معرفةً
ولا نصرفها فاذا عدلنا عنها نَزالِ وهى اسم فهى أَخَفُّ أَمْرًا من الفعل الذى هو
افْعَلْ وقد ردّه أبو العباس المبرد فقال القياسُ قولُ أهلِ الحجاز لان أهلَ
الحجاز يُجْرُون ذلك مُجْراه الاوّل فيكسرون ويقولون فى امرأة اسمها حَذَامِ هذه
حَذامِ ورأيت حَذامِ ومررت بحَذامِ وبنو تميم يقولون هذه حَذامُ ورأيتُ حَذامَ
ومررتُ بحَذامَ* وذكر المبرد أن التسمية بنَزالِ أقوى فى البناء من التسمية
بانْزِلْ لان انْزِلْ هو فِعل فاذا سمينا به وقد نقلناه عن بابه فلزمه التغيير كما
أنا نقطع ألفَ الوصل منه فنغيره عن حال الفعل وفَعَالِ هى اسمٌ فاذا سمينا بها لم
نغيرها لانا لم نخرجها عن التسمية كما أنا لو سمينا بانْطِلاقٍ لم نقطع الالَف لان
انْطِلاقا اسمٌ فلما لم نخرجه عن الاسمية أجرينا
عليه لفظه الاوّل
فاما الكسرُ فى لغة أهل الحجاز فالعلةُ فيه عند سيبويه أنه محمولٌ على نَزالِ
وتَراكِ للعدل والبناء والتعريفِ والتأنيثِ فلما اجتمعا فى هذه الاشياء حمل عليه
وقد أجرى زهير نَزالِ هذا المجْرَى حين أخبر عنها وجعلها اسما فقال
ولَانْتَ
أَشْجَعُ من أُسامةَ إذ
|
|
دُعِيَتْ نَزالِ
ولُجَّ فى الذُّعْرِ
|
* قال سيبويه* وأما ما كان آخره راء
فان أهل الحجاز وبنى تميم فيه متفقون ويختار بنو تميم فيه لغةً أهل الحجاز كما
اتفقوا فى يَرَى والحجازيةُ هى اللغة القُدْمَى* قال أبو سعيد* اعلم أن بنى تميم
تركوا لغتهم فى قولهم هذه حَضَارِ وسَفَارِ وتبعوا لغة أهل الحجاز بسبب الراء وذلك
أن بنى تميم يختارون الامالةَ واذا ضَمُّوا الراءَ ثَقُلَتْ عليهم الامالةُ واذا
كسروها خَفَّتِ الامالةُ أكثر من خفتها فى غير الراء لان الراء حرف مكرر والكسرة
فيها مكررة كانها كسرتان فصار كسرُ الراء أقوى فى الامالة من كسر غيرها وصار ضم
الراء فى منع الامالة أشدَّ من منع غيرها من الحروف فلذلك اختاروا موافقةَ أهل
الحجاز كما وافقوهم فى يَرَى وبنو تميم من لغتهم تحقيقُ الهمز وأهلُ الحجاز يخففون
فوافقوهم فى تخفيف الهمزة من يرى* قال سيبويه* وقد يجوز أن يُرْفَع ويُنْصَب ما
كان فى آخره الراء قال الاعشى
مَرَّ دَهْرٌ
على وَبارِ
|
|
فهَلَكتْ
جَهْرَةً وَبارُ
|
والقوافى مرفوعةٌ
وأوّل القصيدة
ألم تَرَوْا
ارَمًا وعادًا
|
|
أَوْدَى بها
الليلُ والنهارُ
|
* قال سيبويه* فمما جاء وآخره الراء
سَفارِ ـ وهو اسم ماءٍ وحَضَارِ ـ وهو
اسم كوكب ولكنهما مؤنثان كماوِيَّةَ والشِّعْرَى كانَّ تلك اسمُ الماءةِ وهذه اسمُ
الكَوْكَبةِ* قال أبو سعيد* أراد سيبويه أن سَفَارِ وان كان اسمَ ماءٍ والماءُ
مذكر فان العرب قد تؤنث بعضَ مياهها فيقولون ماءةُ بنى فلان وهو كثير فى كلامهم
فكانَّ سَفارِ اسمُ الماءة وحَضَارِ وان كان اسمَ كوكب والكوكبُ ذَكَرٌ فكانه اسمُ
الكَوْكبةِ فى التقدير لان العرب قد أنثتْ بعضَ الكواكب فقالوا الشِّعْرَى
والزُّهْرة اذ كان مَبْنَى هذا الباب أن يكون معرفةً مؤنثا معدولا وأما قوله
كماوِيَّةَ فانما أراد أن سَفارِ وحَضارِ
مؤنثان كماوِيَّةَ
والشّعْرَى فى التأنيث والاغلبُ أن التمثيل بماوِيَّة غَلَطٌ وقع فى الكتاب وان
كانت النسخ متفقةً عليها وانما هو كماءةٍ وهو أشبهُ لان سَفارِ ماءٌ والعربُ قد
تقول للماء المورود ماءةٌ قال الشاعر وهو الفرزدق
مَتَى ما تَرِدْ
يوماً سَفَارِ تَجِدْ بها
|
|
أُدَيْهِمَ
يَرْمِى المُسْتَجِيزَ المُعَوَّرا
|
واستدل سيبويه على
أن نَزالِ وما جرى مجراها مؤنثة بقوله دُعِيَتْ نَزالِ ولم يقل دُعِىَ وكان المبرد
يحتج بكسر قَطامِ وحَذَامِ وما أشبه ذلك اذا كان اسما علما لمؤنث أنها معدولة عن
قاطعة وحاذِمةَ عَلَمَيْنِ وأنها لم تكن تنصرف قبل العدل لاجتماع التأنيث والتعريف
فيها فلما عُدِلَتْ ازدادتْ بالعدل ثِقَلاً فَحُطَّتْ عن منزلة ما لا ينصرف ولم
يكن بعدَ منع الصرف الا البناءُ فبنيت وهذا قول يفسد لان العلل المانعةَ للصرف
يستوى فيها أن تكون علتان أو ثلاثٌ لا يزاد ما لا ينصرف بورود علة أخرى على منع
الصرف ولا يوجب له البناء لانا لو سمينا رجلا باحمر لكنا لا نصرفه لوزن الفعل
والتعريف ولو سمينا به امرأة لكنا لا نصرفه أيضا وان كنا قد زدناه ثقلا واجتمع فيه
وزنُ الفعل والتعريفُ والتأنيثُ وكذلك لو سمينا امرأة باسماعيل أو يعقوب لكنا لا
نزيدها على منع الصرف وقد اجتمع فيها التأنيث والتعريف والعُجمة* قال سيبويه*
واعلم أن جميع ما ذكرنا فى هذا الباب من فَعَالِ ما كان منه بالراء وغير ذلك اذا
كان شئ منه اسما لمذكر لم يَنْجَرَّ أبدا وكان المذكر فى ذلك بمنزلته اذا سمى
بعَناقٍ لان هذا البناء لا يجىء معدولا عن مذكر* قال أبو سعيد* يريد أن فَعَالِ فى
الوجوه الاربعة التى ذكرنا مؤنثة وأنا ان سمينا بها رجلا أو شيئا مذكرا كان غير
منصرف ودخله الاعرابُ وكان بمنزلة رجل سمى بعَنَاقٍ وهو لا ينصرف لاجتماع التأنيث
والتعريف فيه* قال سيبويه* ولو جاء شئ على فَعَالِ ولا تدرى ما أصله أمعدولٌ أم
غير معدول أم مذكر أم مؤنث فالقياسُ فيه أن تصرفه لان الاكثر من هذا الباب مصروفٌ
غير معدول مثلُ الذهابِ والفَسادِ والصِّلَاح والرَّبابِ وذلك كلُّه منصرفٌ لانه مذكر فاذا سميتَ به رجلا فليس فيه
من العلل الا التعريف وحده وهو أكثر فى الكلام من المعدول وجملةُ ذلك لا يَجْعَلُ
__________________
شيئا من ذلك
معدولا الا ما قام دليلُه من كلام العرب* قال أبو سعيد* سيبويه يرى أن فَعَالِ فى
الامر مطردٌ قياسُها فى كل ما كان فِعْلُه ثلاثيا من فَعَلَ أو فَعُلَ أو فَعِلَ
فقط ولا يجوز القياس فيما جاوز ذلك الا فيما سمع من العرب وهو قَرْقارِ وعَرْعارِ
وما كان من الصفات والمصادر فهو أيضا عنده غير مطرد الا فيما سمع منهم نحو حَلَاق
وفَجار ويَسَارِ وتطرد هذه الصفاتُ فى النداء كقولك يا فَساقِ ويا خَبَاثِ وجميعُ
ما يطرد فيه الامر من الثلاثى والنداءُ فيما كان أصلُه ثلاثةَ أحرف فصاعدا وبعضُ
النحويين لا يجعل الامر مطردا من الثلاثى وأذكر ما حكاه أهل اللغة مما لا يطرد*
قال أبو عبيد* سَبَبْتُه سُبَّةً تكون لزَامِ ـ أى
لازمةً وقال كَوَيْتُه وَقَاعِ ـ وهى الدَّارةُ على الجاعِرَتَيْنِ وحيثما كانت
ولا تكون الادارةً وأنشد
وكُنْتُ اذا
مُنِيتُ بخَصْمِ سَوْءٍ
|
|
دَلَفْتُ له
فأَكْوِيهِ وَقَاعِ
|
وحكى انْصَبَّتْ
عليه من طَمارِ ـ يعنى المكانَ المرتفعَ مُجْرًى وغيرَ مُجْرًى
هذه حكايته وقد أَساءَ انما وجهُه مَبْنِىٌّ وغيرُ مُجْرًى وأنشد
وان كنتِ لا
تَدْرِينَ ما الموتُ فانْظُرِى
|
|
الى هانِئٍ فى
السُّوقِ وابنِ عَقيلِ
|
الى بَطَلٍ قَدْ
عَقَّرَ السَّيْفُ وَجْهَهُ
|
|
وآخَرَ يَهْوِى
من طَمَارِ قَتِيلِ
|
وحكى عن الاحمر
نَزَلَتْ بَلَاءِ على الكُفَّارِ يعنى البلاء وأنشد
قُتِلَتْ فكانَ
تَباغِيًا وتَظَالُمًا
|
|
انَّ
التَّظالُمَ فى الصَّدِيقِ بوَارِ
|
وقال لا هَمَامِ
لا أَهُمُّ وأنشد قول الكميت
* لا هَمَامٍ لى لا هَمَامٍ*
وقال رَكِبَ فلانٌ
هَجَاجِ رأسِه وهَجاجَ غَيْرَ مُجْرًى اذا ركب رأسَه وأنشد
* وقد رَكِبُوا عَلَى لَوْمِى هَجاجِ*
قال على قد قَلَبَ
أبو عبيد انما حكمُه رَكِبَ فلانٌ هَجَاجَ رأسِه معربا مضافا الى ما بعده لانه قد
أضيف واذا أضيف المبنى رُدَّ الى أصله لان البناء يُحْدِثُ فى المَبْنِىِّ شَبَهَ
الحروفِ فمن حيث لا تضاف الحروفُ لا تضاف المبنياتُ الا بزوال شَبَه الحروف* وقال*
حَضارِ والوَزْنُ مُحْلِفانِ وهما نَجْمانِ يَطْلُعانِ قبل سُهَيْلٍ فيظنُّ الناسُ
بكل واحد منهما أنه سُهَيْل وكُلُّ شيئين مختلفين فهما مُحْلِفانِ وأما حِيدِى
__________________
حَيَادِ وفِيحِى
فَيَاحِ ـ أى اتَّسِعِى عليهم وحِيدِى عنهم فمن القِسْم
المُطَّرِد وأنشد
* وقُلْنا بالضُّحَى فِيحِى فَيَاحِ*
وقال صاحب العين
حَدَادِ أى احْدُدْ يعنى امْنَعْ ومن غير الامر جَداعِ ـ السَّنَةُ الشديدة ويقال لها الجَدَاعُ وشَمَامٍ
ـ اسم جبل معروف وكذلك شَرَاءِ وسَبَاطِ من أسماءِ
الحُمَّى مؤنث ومن الرباعى حكى ابن دريد أنه يقال هل بَقِىَ من الطعام فيقال
حَمْحامِ ومَحْماحِ ـ أى لم يبق شئ
باب ما ينصرف فى المذكر البتة مما ليس فى
آخره حرف التأنيث
كُلُّ مذكر سمى
بثلاثة أحرف ليس فيه حرف التأنيث فهو مصروف كائنا ما كان أَعْجميا أو عَرَبيا أو
مؤنثا الا فُعَلَ مشتقا من الفعل أو يكون فى أوّله زيادةٌ فيكون كيَجِدُ ويَضَعُ
ونَضَعُ وأضَعُ أو يكون كضُرِبَ ـ وذلك كرجل سميته بقَدَمٍ أو فِهْرٍ أو أُذُنٍ
وهُنَّ مؤنثات أو سميته بخُشٍّ أو دَلٍّ أو خَانٍ وما أشبه ذلك وانما انصرف المسمى
بالمؤنث على ثلاثة أحرف لانه قد أشْبَهَ المذكَر وذلك أن ما كان على ثلاثة أحرف من
المؤنث اذا صغرناه قبل التسمية ألحقنا هاء التأنيث وان لم يكن فى الاسم هاء كقولنا
عَيْنٌ وعُيَيْنة واذُنٌ وأُذَيْنة وقَدَم وقُدَيْمة واذا سمينا بهنَّ رجلا قلنا
قُدَيْمٌ وعُيَيْن وأُذَيْنٌ فلما كنا نَرُدُّ الهاءَ فى الثلاثة كان تقدير الاسم
أن فيه هاء محذوفة فاذا سمينا به لم نَرُدَّ الهاءَ لان الاسم صار مذكرا وأزيلت
الهاء التى فى التقدير فان قال قائل قد وجدنا فى أسماء الرجال عُيَيْنة وأُذَيْنة
قيل له انما سميا بالتصغير بعد دخول الهاء ولو سميا بعَيْنٍ وأُذُنٍ ثم صُغِّرا لم
يجز دخول الهاء ألا ترى أنا لو سمينا المرأة بعمرو ثم صغرناها لقلنا عُمَيْر وأما
ما كان من العجمى على ثلاثة أحرف فانه مصروف اذا سمى به المذكر سواء سكن أوسطه أو
تحرّك وانما دخل فى ذلك ما تحرّك أوسطُه ولم يكن بمنزلة المؤنث الذى يفرق فيه بين
ما سكن أوسطه كهند ودعد فاجيز صرفه وبين قَدَم وجَمَلٍ اسم امرأة فلم يجز صرفُه
لان
المؤنَث أثقلُ من
العَجمى وذلك أن التأنيث قد يكون بعلامة يُلْزِمُونها الاسمَ للفرق بين المذكر
والمؤنث فى الخلقة حِرْصا على الفصل بينهما لاختلاف المذكر والمؤنث فى أصل الخلقة
ولانهم لا يعتدّون بالعُجْمة فيما استعمل منكورا نحو سَوْسَنٍ وابْريْسَمٍ وآجرٍّ
اذا سمى بشئِ من ذلك كان منزلته منزلةَ العربى وانصرفَ وظهر بذلك أن العجمةَ عندهم
أَيْسَرُ من التأنيث* قال سيبويه* وان سميت رجلا ببنت أو أخت صَرَفْتَه لانك بنيتَ
الاسمَ على هذه التاء وألحقتَها ببنات الثلاثة كما ألحقوا سَنْبَتةً ببنات الاربعة
ولو كانت كالهاء لما أسكنوا الحرفَ الذى قبلها فانما هذه التاء فيها كتاء
عِفْرِيتٍ ولو كانتْ كالف التأنيث لم تنصرف فى النكرة وليست كالهاء لما ذكرتُ لك
ولو أن الهاء التى فى دَجاجةٍ كهذه التاءِ انصرفَت فى المعرفة* قال أبو سعيد*
التاءُ فى بنت وأخت منزلتُها عند سيبويه منزلة التاء فى سَنْبَتَةٍ وعِفْرِيتٍ لان
التاء فى سَنْبتةٍ زائدة لا لحاقها بسَلْهَبة وحَرْقَفة وما أشبه ذلك والسَّنْبتةُ
ـ المُدَّة من الدهر والدليل على زيادة التاء أنهم
يقولون سَنْبَتٌ والتاءُ فى عِفْرِيتٍ زائدة لانهم يقولون عِفْرٌ وعِفْرِيةٌ
وعِفْرِيتٌ مُلْحَق بقِنْدِيل وحِلْتِيتٍ وما أشبه ذلك وكذلك بِنْتٌ وأُخْتٌ
مُلْحقَتانِ بجِذْع وقُفْلٍ والتاءُ فيهما زائدة للالحاق فاذا سمينا بواحدة منهما
رجلا صرفناه لانه بمنزلة مؤنث على ثلاثة أحرف ليس فيها علامة التأنيث كرجل سميناه
بفِهْرٍ وعَيْنٍ والتاءُ الزائدة التى للتأنيث هى التى يلزم ما قبلها الفتحةُ
ويوقف عليها بالهاء كقولنا دَجاجة وما أشبه ذلك* قال سيبويه* وان سميت رجلا
بهَنْتٍ قلتَ هَنَةُ يافتى تُحرّك النون وتُثْبت الهاء لانك لم تَرَ مختصا متمكنا
على هذه الحال التى تكون عليها هَنْتٌ وهى قبل أن تكون اسما تسكن النون منها فى
الوصل واذا قليل فاذا حوّلته الى الاسم لزمه القياس* قال* واعلم أن هَنًا وهَنَةً
يكنى بهما عمن لا يذكر اسمه وربما أدخلوا فيهما الالف واللام وأكثر ما يُسْتعمل
للناس وأصل هَنٍ هَنَوٌ وكان حقه أن يقال هَنًا كما يقال قَفًا وعَصًا وأنشد
أَرَى ابْنَ
نِزارٍ قد جَفَانِى ومَلَّنِى
|
|
عَلَى هَنَواتٍ
كُلُّها مُتَتابِعُ
|
وحذفوا آخرَها فقالوا
هَنٌ وهَنَةٌ كما قالوا أَبٌ وأَخٌ وهما اسمان ظاهران كنى بهما عن اسمين ظاهرين
فلذلك أُعْربا وفيهما معنى الكناية والعربُ تقول فى الوقف هَنَهْ وفى الوصل هَنْتٌ
فتصير التاء فيها اذا وصلت كالتاء فى أُخْتٍ وبنْتٍ فقال سيبويه اذا سميت بهَنْتٍ
وجب أن تقول فى الوصل والوقف هذا هَنَهْ وهَنَةُ قد جاءنى فتحرك النون ولا تسكنها
فى الوصل كما كانت مُسْكنةً قبل التسمية لان إسكانها ليس بالقياس ولانهم لم
يلزموها الاسكان فيكونُ بمنزلة بنتٍ وأختٍ وتكون التاء للالحاق وانما يسكنونها وهم
يريدون الكنايةَ فاذا سمينا بها رددناها الى القياس فلا نصرفها وتكون منزلتُها
منزلةَ رجلٍ سميناه بسَنةٍ أو ضَعةٍ فى الوقف والوصل* قال سيبويه* وان سميتَ رجلا
بضَرَبَتْ ولا ضمير فيها قلتَ هذا ضَرَبَهْ فى الوقف لانه قد صار اسما فجرى مجرى
شَجَرةٍ
باب ما يذكر من الجمع فقط وما يؤنث منه فقط وما يذكر
ويؤنث معا
أما الجموعُ التى
على لفظ الواحد المذكر كتَمْرة وتَمْرٍ وشَعِيرةٍ وشَعِير فقد قدّمتُ أنه يذكر
ويؤنث وأذكر ههنا من أسماء الاجناس ما يذكر ويؤنث وما لا يكون الا مذكرا وما لا
يكون الا مؤنثا* الرُّمَّانُ والعِنَبُ والمَوْزُ لم يسمع فى شئ منها التأنيث* وكذلك
السِّدْرُ هذا اذا كان اسما للجنس قال الشاعر
تَبَدَّلَ هذا
السِّدْرُ أهْلاً ولَيْتَنِى
|
|
أَرَى السِّدْرَ
بَعْدِى كيف كانتْ بَدائِلُهْ
|
فاما من جعله جمعَ
سِدْرة فقد قدّمت ذكرَ القياس فيه وكذلك التمرة والتمر فيمن ذهب بهما مذهب الجنس*
والخيلُ مؤنثةٌ جماعةٌ لا واحدَ لها من لفظها وقال أبو عبيد واحدُها خائِلٌ وذلك
لاخْتيالِه فى مَشْيه* الطَّيْرُ مؤنث ويذكر والتأنيث أكثر والواحد طائر والانثى
طائرة وقد شرحتُ هذا الفصل وفى التنزيل (وَالطَّيْرُ
صَافَّاتٍ) وقال الشاعر فى التذكير
فلا يَحْزُنْكَ
أيَّامٌ تَوَلَّى
|
|
تَذَكُّرُها ولا
طَيْرٌ أرَنَّا
|
* والوَحْشُ جَماعةٌ مؤنثة والجمع
وُحُوش وأنشد قول الشاعر
اذا الوَحْشُ
ضَمَّ الوَحْشَ فى ظُلَلَاتِها
|
|
سَوَاقِطُ من
حَرٍّ وقد كانَ أَظْهَرَا
|
* وكذلك الشَّاءُ عند الاكثر والهمزة
بدل من الهاء وقد بين ذلك بحقيقة تصريفه ومن أنثه فعلى معنى الغَنَم* الابِلُ جمعٌ
مؤنث لا واحد له من لفظه والجمعُ الآبالُ والتصغير أُبَيْلَة* والغَنَم والمعَزُ
مؤنثان وهى المِعْزَى والمَعِيزُ والامْعُوزُ الثلاثُونَ من الظِّباء الى ما زادتْ
والمعز تكون من الغنم والظباء وكل ذلك مؤنث* العَنْزُ مؤنث والجميعُ أعْنُز وهو
يكون من الغنم والظباء أيضا وجمعُ العَنْزِ من الظباء أَعْنُزٌ وعِنازٌ ولا يجمع
عَنْزُ الغَنمِ على عِنَازٍ* وكذلك الضَّأنُ والضَّأَنُ وزعم الفراء أنه مطرد فى
كل ما كان ثانيه حرفا من حروف الحلق ويقال فى تصغير الضَّأن والمَعزِ ضُؤَيْنٌ ومُعَيْزٌ
والغَنَمُ لا واحد لها من لفظها وقال الكسائى تصغير الغَنَم بالهاء وبغير الهاء*
وكذلك الشَّوْلُ فيمن لم يَجْعَلْ له واحدا اسم للجمع مؤنث وذهب بعضُهم الى أن
واحدها شائِلٌ كطامِثٍ وحائضٍ* الفارسى* النَّبْلُ مؤنثة قال وقال أبو عمر
والنَّبْلُ واحدٌ لا جماعة له ولا يقال نَبْلةٌ انما يقال نَبْلٌ للجماعة فاذا
أفردوا الواحد قالوا سَهْمٌ كما قالوا إبِلٌ فاذا أفردوا قالوا ناقة أو جمل وغنم
فاذا أفردوا قالوا شاة وكذلك كل جمع لا واحد له* والمذكر النَّعامُ والثُّمَامُ
والسَّمَامُ* والكَلِمُ يذكر ويؤنث تقول هو الكلم وهى الكلم وفى التنزيل (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) والمَعِدُ مؤنث وكذلك الحَلَقُ حكاه أبو حاتم وقال قد
سمعته مذكرا فى رجز دُكَيْنٍ قال أبو على لا يؤنث الحَلَقُ على أنه جمع حَلْقة لان
فَعَلاً ليس مما يكسر عليه فَعْلةٌ انما هو اسم للجمع كقولنا فَلَكٌ جمعُ فَلْكةٍ
وقد يجوز تذكير الحَلَقِ وتأنيثه وذلك أن اللحيانى حكى حَلَقةً وجمعُه حَلَقٌ ثم
قال لا يعجبنى وكان قليلا ما يُعْجبه نقلُ اللحيانى وقد صرح ابن السكيت بانه ليس
فى الكلام حَلَقة بتحريك اللام الا جَمْعَ حالق كقاتل وقَتَلة وفاجِرٍ وفَجَرة وما
جاء من الحَلَقِ فى الشعر مذكر قال الراجز
* يَمْشُونَ تَحْتَ الحَلَق المُلَبَّسِ*
وقال غيره أيضا
* يَنْفُضْنَ صُفْرَ الحَلَقِ المَفْتُولِ*
وأنشد الفارسى
بيتَ دُكَيْن
فَصَبَّحَتْهُ
سِلَقٌ تَبَرْنَس
|
|
تَهْتِكُ خَلَّ
الحَلَقِ المُلَسْلَس
|
قال فاما ما أنشده
بعض البغداديين ونسبه الى الفرزدق
يا أَيُّها
الجَالِسُ وَسْطَ الحَلَقه
|
|
أفى زِنًى
أُخِذْتَ أم فى سَرِقه
|
فانه مصنوع ولو صح
لقلنا ان الحَلقَةَ هنا جمعُ حالقٍ* الكَمْءُ واحدٌ وهو مذكر والجمع كَمْأَةٌ وهو
اسم للجمع وقد أَنْعَمْتُ شرحَ هذا ووَقَفْتُكَ على حقيقته وأَرَيْتُك وَجْهَ
الاختلاف فيه فى أوّل هذا الضَّرْب فاما الجَبْأَةُ فتأنيثُه ظاهرٌ* والفَقْعُ
مذكر* والْهَامُ مؤنثة لم يُؤْثَرْ عن العرب فيها تذكير* قال أبو على* الجمعُ
كُلُّه مؤنث الا ما كان اسمَ جَمْع كالحَلَقِ والفَلَكِ أو جنسا كالخَزّ والحَرير
والوَشْىِ فاما القُطْنُ والقُطُنُّ والصُّوفُ فيذكر ويؤنث لان واحدته قُطْنةٌ
وقُطُنَّةٌ وصُوفة* قال* وكذلك الشَّامُ جمعُ شَامةٍ والسَّاعُ جمعُ ساعةٍ
والرَّاحُ جمعُ راحةٍ والرَّاىُ جمعُ رايهٍ قال وأنشد سيبويه
وخَطَرَتْ
أَيْدِى الكُماةِ وخَطَرْ
|
|
رَاىٌ اذا
أَوْرَدَهُ الطَّعْنُ صَدرْ
|
وكذلك اللَّابُ
جَمْعُ لابةٍ وهى الحَرَّةُ وكذلك اللُّوبُ والسُّوسُ والدُّودُ والطِّينُ
والتِّينُ واللِّيفُ لان واحد ذلك كله بالهاء فهو يذكر ويؤنث* قال* وهكذا
وَجَدْناه فى أشعارهم تارةً مذكرا وتارةً مؤنثا وأما ما بها أَحَدٌ ولا عَرِيبٌ
ولا كَتِيعٌ وأخواتُه فكله للواحد والجميع والمؤنث بلفظ واحد وقد أبَنْتُ جميعَ
هذا الضرب فى أبواب الجَحْد من هذا الكتاب وأما مِثْلُك وأخواتُها وغَيْرُك
وأَفْعَلُ منك مُتَمَّمٌ كقولك أفضل منك أو ناقصٌ محذوف كقولك خَيْرٌ منك وشَرٌّ
منك وبابُ حَسْبُك وأخواتها فكله للجميع والواحد والمؤنث بلفظ واحد وبابُ مِثْلك
وأخواتها وأفْعَل تُحْملُ مَرَّةً على اللفظ ومرة على المعنى وكذلك غيرك
باب ما يحمل مرة على اللفظ ومرة على المعنى مفردا أو مضافا
فيجرى فيه التذكير والتأنيث بحسب ذلك
فمن المفرد مَنْ
وما وأَىٌّ وكُلٌّ وكِلْتا وبَعضٌ وغير ومِثْلٌ وأنا آخِذ فى شرح ذلك كله وبادئ
بالمفرد ومُتْبِعُه بالمضاف* اعلم أن مَنْ وما لهما لَفْظٌ ومَعْنًى فالالفاظُ
الجارية عليهما تكون محمولة على لفظهما ومعناهما فاذا جرت على لفظهما كان مذكرا
مُوَحَّدًا كقولك مَنْ قامَ سواء أردتَ واحدا أو اثنين أو جماعةً من مذكر ومؤنث
وكذلك ما أصابَكَ سواء أردتَ به شيئا أو شيئين من مذكر ومؤنث ويجوز أن تَحْمل
الكلامَ على معناهما فتقولَ من قامتْ اذا أردتْ مؤنثا وفيكُمْ مَنْ يَخْتَصِمانِ
ومَنْ يَخْتَصِمُونَ قال الله تعالى (وَمَنْ يَقْنُتْ
مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً) فذكر وأنث ولو ذَكَّرَهما على اللفظ أو أنَّثَهُما على
المعنى جاز وبعضُ الكوفيين يَزْعُم أنه لا يجوز تذكير الثانى لانه قد ظَهَرَ
تأنيثُ المعنى بقوله (مِنْكُنَ) وهذا غَلَطٌ لانا انما نَرُدُّه الى لفظ مَنْ وقال الله
تعالى فى جمع من على المعنى (وَمِنْهُمْ مَنْ
يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) وعلى اللفظ (وَمِنْهُمْ مَنْ
يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) قال الفرزدق فى التثنية على المعنى
تَعَشَّ فانْ
عَاهَدْتَنِى لا تَخُونُنِى
|
|
نَكُنْ مِثْلَ
مَنْ يا ذِئْبُ يَصْطَحِبانِ
|
وكذلك هذا الحكم
فى ما تقول ما نُتَج مِنْ نُوقِكَ على اللفظ وما نُتِجَتا على معنى التثنية وما
نُتِجَتْ على معنى الجمع وأما قول العرب ما جاءتْ حاجَتَكَ فان جاءتْ فيه بمعنى
صارتْ ولا يكون جاء بمنزلة صار الا فى هذا الموضع وهو من الشاذ كما أن عَسى لا
تكون بمعنى كانَ الا فى قوله
* عَسَى الغُوَيْرُ أَبْؤُسا*
ورُبَّ شَئٍ هكذا
وانما ذكرنا شرح جاءتْ وان لم يكن داخلا تحت ترجمة الباب لأُرِيَكَ كيف يجرى ههنا
على المعنى* قال أبو على وأبو سعيد* أما قولُهم ما جاءتْ حاجَتَك
فقد أَجْرَوْها
مُجْرَى صارتْ وجعلوا لها اسما وخبرا كما كان ذلك فى باب كان وأخواتها فجعلوا ما
مبتدأ وجعلوا فى جاءتْ ضَمِيرَ ما وجعلوا ذلك الضميرَ اسمَ جاءتْ وجَعَلُوا
حاجَتَك خَبَرَ جاءتْ فصار بمنزلة هِنْدٌ كانتْ أُخْتَكَ وأنثوا جاءتْ بتأنيث
المعنى فكانه قال أيَّةُ حاجةٍ جاءتْ حاجَتَكَ وجعل جاء بمعنى صارَ وأدْخَلَها على
اسم وخبر وهو غير معروف الا فى هذا وهو مَثَلٌ ولم يُسْمَع الا بتأنيث جاءتْ
وأَجْرَوْهُ مُجْرَى صارتْ ويقال ان أوّل ما شُهِرَتْ هذه الكلمةُ من قول الخوارج
لابن عباس حين أتاهم يَسْتَدْعِى منهم الرجوع الى الحق من قِبَلِ على بن أبى طالب
رضى الله عنه* قال سيبويه* وأدخلوا التأنيث على ما حيث كانت الحاجةَ يعنى أنث
جاءتْ بمعنى التأنيث فى ما لان معناها أيَّةُ حاجة ولو حَمَلَ جاء على لفظ ما لقال
ما جاء حاجَتَك الا أن العرب لا تستعمل هذا المثلَ الا مؤنثا والامثالُ انما
تُحْكَى وقولُ العربِ مَنْ كانتْ أُمَّكَ جعلوا مَنْ مبتدأة وجعلوا فى كان ضميرا
لها وجعلوا ذلك الضمير اسم كان وجعلوا أُمَّكَ خبرها وأنثوا كانتْ على معنى مَنْ
فكانه قال أَيَّةُ امرأةٍ كانتْ أُمَّكَ* قال سيبويه* ومن يقول من العرب ما جاءتْ
حاجَتُكَ كثيرٌ كما تقول من كانتْ أُمُّكَ يعنى من العرب من يجعل حاجتُك اسمَ جاءت
ويجعل خبرها ما كما يجعل مَنْ خَبَر كانت ويجعل أُمُّك اسْمَها وهما فى موضع نصب
كانك قلت أَيَّةَ حاجةٍ جاءتْ حاجَتُك* قال سيبويه* ولم يقولوا ما جاء حاجَتُك
يعنى أنه لم يسمع هذا المَثَلُ الا بالتأنيث وليس بمنزلة من كان أُمَّك لان قولهم
من كان أمّك ليس بمَثَل فالزموا التاء فى ما جاءتْ حاجتَك كما اتفقوا على لَعَمْرُ
اللهِ فى اليمين ومثل قولهم ما جاءتْ حاجَتك اذ صارتْ تقع على مؤنث قراءةٌ بعض
القُرَّاء (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ
فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) وتَلْتَقِطْه بَعْضُ السَّيَّارةِ يعنى أنّ تكن مؤنثة
واسمها أنْ قالوا فليس فى أن قالوا تأنيثُ لفظ وانما جعل تأنيثه على معنى أن قالوا
اذا تأوّلته تأويلَ مَقالةٍ كانه قال ثم لم تكنْ فِتْنَتَهم الا مَقَالتُهم
وحُمِلَ تَلْتِقطْه على المعنى فى التأنيث لان لفظ البعض الذى هو فاعلُ الالتقاطِ
مذكر ولكن بعضُ السيارة فى المعنى سَيَّارةٌ ألا ترى أنه يجوز أن تقول تَلْتَقِطْه
السَّيَّارةُ وأنت تعنى البعضَ فهذا مثلُ ما جاءتْ حاجتَك حين أنث فعلها على
المعنى وربما
قالوا فى بعض الكلام ذهبتْ بعضُ أصابعِه وانما أَنَّثَ البعضَ لانه أضافه الى مؤنث
هو منه ولو لم يكن منه لم يؤنثه لانه لو قال ذَهَبَتْ عَبْدُ أُمِّكَ لم يَحْسُن
يعنى لم يجز* قال أبو على* اعلم أن المذكر الذى يضاف الى المؤنث على ضربين أحدهما
ما تصح العبارة عن معناه بلفظ المؤنث الذى أضيف اليه والثانى ما لا تصح العبارة عن
معناه بلفظ المؤنث فاما ما يصح بلفظه فقولك أضَرَّتْ بى مَرُّ السنين وآذَتنِى
هُبُوبُ الرياح وذَهَبَتْ بعضُ أصابعى واجتمعتْ أهلُ اليَمامة وذلك أنك لو أسقطتَ
المذكر فقلتَ أَضَرَّتْ بى السنون وآذَتْنى الرياحُ وذهبتْ أصابعى واجتمعتِ
اليَمامةُ وأنتَ تُريد ذلك المعنى لجاز وأما ما لا تصح العبارةُ عن معناه بلفظ
المؤنث فقولك ذَهَبَ عَبْدُ أُمِّك لو قلتَ ذهبتْ عَبْدُ أمك لم يجز لانك لو قلت
ذهبتْ امُّك لم يكن معناه معنى قولك ذهب عبدُ أمك كما كان معنى اجتمعت اليمامة
كمعنى اجتمعت أهلُ اليمامة وهذا البابُ الاوّل الذى أجزنا فيه تأنيثَ فعل المذكر
المضاف الى المؤنث الذى تصح العبارةُ عن معناه بلفظها الاختيارُ فيه تذكيرُ الفعل
اذ كان المذكر فى اللفظ فقولك اجتمع أهلُ اليمامة وذهب بعض أصابعه أجودُ من
اجتمعتْ وذهبتْ والتأنيثُ على الجِوار ومثلُ تأنيثِ ما ذكرنا قولُ الشاعر وهو
الاعشى
وتَشْرَقُ
بالقَوْلِ الذى قد أذَعْتَهُ
|
|
كما شَرِقَتْ صَدْرُ
القنَاةِ من الدمِ
|
كأنه قال شَرقَتِ
القَناةُ لانه يجوز أن تقول شَرِقَتِ القَناةُ وان كان شَرِقَ صَدْرُها ومثل ذلك
قول جرير
اذا بعْضُ
السنينَ تَعَرَّقَتْنا
|
|
كفَى الأيتامَ
فَقَدْ أبى اليَتِيم
|
فأنث
تَعَرَّقَتْنا والفعلُ للبعض اذ كان يصح أن يقولَ اذا السِّنُون تَعَرَّقَتْنا وهو
يريد بعض السنين وقال جرير أيضا
لَمَّا أَتَى
خَبَرُ الزُّبَيْرِ تواضعتْ
|
|
سُورُ المَدينةِ
والجبالُ الخُشَّعُ
|
فأنث تواضعتْ
والفعلُ للسُّور لانه لو قال تواضعت المدينةُ لصح المعنى الذى أراده بذكر السُّورِ
وأبو عبيدة مَعْمَرُ بن المُثَنَّى يقولُ ان السُّورَ جمع سُورةٍ وهى كلُّ ما علا
وبها سمى سُورُ
القرآنِ سُورًا فزعم أن تأنيث تواضعت لان السُّورَ مؤنث اذ كان جمعا ليس بينه وبين
واحده الا الهاء واذا كان الجمع كذلك جاز تأنيثه وتذكيره قال الله تعالى (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) فذَكَّرَ وقال (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ
لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) فأنث وأما قوله والجبالُ الخُشَّعُ فمن الناس من يرفع
الجبالَ بالابتداء ويجعل الخُشَّع خبرا كانه قال والجبالُ خُشَّعٌ ولم يرفعها
بتواضعتْ لانه اذا رفعها بتواضعت ذهب معنى المدح لان الخُشَّعَ هى المتضائلة واذا
قال تواضعتْ الجبالُ المُتَضائلةُ لموته لم يكن ذلك طريقَ المدح انما حكمُه أن
يقول تواضعت الجبالُ الشوامخ وقال بعضهم الجبال مرتفعة بتواضعتْ والخُشَّعُ نعتٌ
لها ولم يُرِدْ أنها كانت خُشَّعًا من قبلُ وانما هى خُشَّعٌ لموته فكانه قال تواضعت
الجبالُ الخُشَّعُ لموته كما قال رؤبة
* والسَّبُّ تَخْرِيقُ الأَدِيمِ الاخْلَقِ*
وقال ذو الرمة
أيضا
مَشَيْنَ كما
اهْتَزَّتْ رِماحٌ تَسَفَّهَتْ
|
|
أَعالِيَها
مَرُّ الرِّياحِ النَّواسِمِ
|
فانث والفعلُ
للمَرّ لانه لو قال تَسَفَّهَتْ أَعالِيَها الرياحُ لجاز وقال العجاج
* طُولُ اللَّيالِى أَسْرَعَتْ فى نَقْضِى*
وقال سيبويه
وسمعنا من العرب من يقول ممن يوثق به اجتمعتْ أهلُ اليمامة لانه يقول فى كلامه
اجتمعت اليمامة وجعله للفظ اليمامة فترَك اللفظَ على ما يكون عليه فى سَعةِ الكلام
يعنى ترك لفظَ التأنيثِ فى قولك اجتمعت أهلُ اليمامة على قولك اجتمعت اليمامةُ لما
قَدَّمنا* وقال الفراء* لو كَنَيْتَ عن المؤنث فى هذا الباب لم يجز تأنيثُ فِعْلِ
المذكر الذى أُضِيفَ اليه فلو قلتَ ان الرياحَ آذَتْنِى هُبُوبُها لم يجز أن تؤنث
آذَتْنى اذا جعلتَ الفعلَ للهُبوب واحتج بانا اذا قلنا آذتْنى هُبوبُ الرياح
فكانما قلنا آذتنى الرياح وجعلنا الهُبوبَ لغْوًا واذا قلتَ آذَتْنِى هُبوبُها لم
يَصْلحُ أن تَجْعل الهُبُوبَ لَغْوًا لان الكنايةَ لا تقومُ بنفسها فتجعل الهبوب
لغوا والصحيح عندنا حوازُه وذلك أن التأنيث الذى ذكرناه فانما ذكرناه لَانْ تَجُوزَ
العبارةُ عنه بلفظ المؤنث المضاف اليه لا لأنه لَغْوٌ وقد تَجُوزُ العبارةُ بلفظ
المؤنث عن ذلك المذكر وان
كان لفظُها
مَكْنِيًّا ألا ترى أنا نقول ان الرياح آذَتْنى وان أصابعى ذهبتْ وأنا أريد البعضَ
والهُبوبَ
هذا باب جمع الاسم الذى
آخره هاء التأنيث
اعلم أنه لا خلاف
بين النحويين أن الرجل اذا سمى باسم فى آخره هاء التأنيث ثم أردتَ جَمْعَه جمعتَه
بالتاء واستدلوا على ذلك بقول العرب رجل رَبْعةٌ ورجال رَبَعاتٌ وبقولهم طَلْحةُ
الطَّلَحاتِ قال الشاعر
رَحِمَ اللهُ
أَعْظُمًا دَفَنُوها
|
|
بسِجِسْتانَ
طلَحْةَ الطَّلَحاتِ
|
وتقول العرب ما
أَكْثَر الهُبَيْراتِ يريدون جمعَ الهُبَيْرةِ ولم نسمع رجالُ رَبْعُون ولا طَلْحة
الطَّلْحِين ولم نسمع ما أكْثَر الهُبَيْرِينَ ولا جمعَ شئ من ذلك بالواو والنون
وأجاز الكسائى والفَرَّاءُ جمعَ ذلك بالواو والنون فاذا جمع بالواو والنون سكنوا
اللام من طَلْحةً لانهم يُقَدِّرُونَ جمعَ طَلْح فلا يُحَرِّكون اللامَ وكان أبو
الحسن بن كَيْسانَ يذهب الى جواز ذلك ويُحَرِّك اللامَ فيقول الطَّلَحُونَ فيفتحها
كما فتحوا أَرَضُون حَمْلاً على أرَضاتٍ لو جمع بالالف والتاء لانه بمنزلة
تَمَراتٍ والقولُ الصحيح ما قاله غيره لانه قول العرب الذى لم يُسْمَع منهم غيرُه
ولانه القياس ولان طَلْحة فيه هاء التأنيث والواو والنون من علامات التذكير ولا
يجتمع فى اسم واحد علامتان مُتَضادَّتانِ ومما احتج به ابن كَيْسانَ أن التاء تسقط
فى الطلحات فمن أجل سقوطها وبقاءٍ الاسمٍ بغير التاء جاز جمعها بالواو والنون وهذا
لا يلزم لان التاء مقدّرة وانما دخل فى علامة الجمع التاء وسقطت التاء التى كانت
فى الواحد لان تاء الجمع عوض ولئلا يجتمع تاآن فصار بمنزلة ما يسقط لاجتماع
الساكنين وهو مقدّر واذا جمع بالالف والتاء ما كان فى آخره ألف تأنيث مقصورة فانك
تقلب ألف التأنيث ياء فتقول فى حُبْلَى حُبْلَيات وفى حُبارَى حُبارَيات وفى
جَمَزى جَمَزَيات فان قال قائل أنتم تقولون انا حذفنا التاء فى طَلَحات وتَمَرات
لئلا يُجْمَع بين علامَتَىْ تأنيث لو جمعناه تَمَرات فقد
جمعتم بين الالف
التى فى حُبْلَى والتاء التى فى الجمع قيل له ليس سبيلُ الالف سبيلَ التاء لان
الالف لا تثبت على لفظ التأنيث وانما تنقلب ياء وليست الياء للتأنيث فاذا قلنا
حُبْلَيات لم نجمع بين لَفْظَىْ تأنيثٍ والتاءُ فى تَمرة لو قلنا انها هى علامةُ
التأنيث وان الهاء بدلٌ منها فى الوقف للفرق بين الاسم والفعل والواحد والجمع اذ
علامة التأنيث فى الفعل تاء لا غير فى الوقف والوصل وكذلك فى جمع مسلمات وما أشبه
ذلك وأيضا فان التاء دخولها على بناء صحيح للمذكر ودخول ألف التأنيث على بناء لو
نزعت منه لم يكن له معنى ألا ترى أنا لو قلنا فى حُبْلَى حُبْلٌ لم يكن له معنى
واذا قلنا فى مُسْلمة مُسْلِم كان للمذكر فصار ألفُ التأنيث بمنزلة حرف من نفس
الاسم مخالف للعلامة الداخلة على الاسم بكماله* واذا جمعتَ المقصور بالواو والنون
حذفت الالف لاجتماع الساكنين وبَقَّيْتَ ما قبله على الفتح فقلت فى موسى وعيسى
وحبلى مُوسَوْنَ وعِيسَوْنَ وحُبْلَوْنَ لا يجوز غير ذلك عند جميع النحويين وهو
القياسُ وكلامُ العرب فأما كلام العرب فقولهم المُصْطَفَوْنَ والاعْلَوْنَ ورأيتُ
المُصْطَفَيْن والاعْلَيْنَ وأما القياسُ فلأن الحرفَ الثابتَ فى الواحد ليس لنا
حذفُه من الكلمة الا لضرورة عند اجتماع ساكنين وهو مُقَدَّر كقولنا راضُونَ
ورامُونَ فلو قلنا عِيسُونَ ومُوسُون لكنا نقدّر حذفَ الالف فيهما من قَبْلِ دخول
علامة الجمع ولو جاز هذا لجاز أن نقول فى حُبْلَى حُبْلات وفى سُكْرَى سَكْراتٌ
وليس أحدٌ يقول هذا فوجب أن علامةَ الجمع انما تدخل على عيسَى وموسى والالفُ فيهما
ثم تسقط الالفُ لاجتماع الساكنين ويبقى ما قبلها مفتوحا فان قال قائل انما تحذف
هذه الالف تشبيها بحذف هاء التأنيث قيل له لو جاز ذلك لجاز أن تقول حُبْلاتٌ وقد
ذكرنا السبب فى حذف هاء التأنيث* وأما الممدود فانك تقلب الهمزة واوا فيه اذا كانت
المدة للتأنيث كما قلبت فى التثنية فتقول فى حمراء حَمْراوات وفى ورْقاء وَرْقاوات
كما قالوا خَضْرَاوات وان كان ذلك اسمَ رجل جمعتَه بالواو والنون وقلبت الهمزة
واوا أيضا فقلت وَرْقاوُون وحَمْراوُون ورأيتُ وَرْقاوِينَ وحَمْراوِينَ وذكر أن
المازنى كان يُجيز فى وَرْقاوُون الهمزَ لانضمام الواو بعدها وهذا سهولان انضمامها
لواو الجمع بعدها فهى بمنزلة ضمة الواو للاعراب أو لالتقاء الساكنين كقولك هؤلاءِ
ذَوُوك
وهؤلاء مُصْطفَوُ
البلدِ ولا يجوز فيه الهمز وتقول فى زَكَرِيَّاءَ فيمن مَدَّ زَكَرِيَّا وُونَ
كوَرْقاوُون وفيمن قصر زَكَرِيَّونَ بمنزلة عِيْسَوْنَ ومُوسَوْنَ وفيه لغات ليس
هذا موضعَ ذِكْرِها وقد قدّمتها
باب جمع الرجال والنساء
اعلم أن هذا الباب
يشتمل على جمع الاسماء الاعلام والبابُ فيها أن كُلَّ اسمٍ سميتَ به مذكرا يَعْقِل
ولم يكن فى آخره هاء جاز جمعه بالواو والنون على السلامة وجاز تكسيره سواء كان
الاسم قيل ذلك مما يجمع بالواو والنون أولا يجمع وكذلك ان سميتَ به مؤنثا جاز
جمعُه بالالف والتاء على السلامة وجاز تكسيره واذا كسر شئ من ذلك وكانت العرب قد
كَسَّرَتْه اسما قبل التسمية على وجه من الوجوه وان لم يكن ذلك بالقياس المطرد
فانه يكسر على ذلك الوجه ولا يعدل عنه وان كان لا يعرف تكسيره فى الاسماء قبل
التسمية به حمل على نظائره وقد ذكرنا جمع ما كان من ذلك فى آخره الهاء بما أغنى عن
اعادته فمن ذلك اذا سميت رجلا بزيد أو عمرو أو بكر على السلامة قلت الزيدون
والعمرون وان كَسَّرْتَ قلتَ أزْيادٌ فى أدْنَى العدد وزُيُود فى الكثير وقلتَ فى
بكر وعمرو فى أَدْنَى العدد الاعْمُرُ والأبْكُرُ وفى الكثير العُمُور وأَدْنَى
العددِ أن تقول ثلاثةُ أَعْمُرٍ وعشرةُ أَبْكُرٍ وان سميته ببِشْرٍ أو بُرْدٍ أو
حَجَرٍ قلتَ فى أدنى العدد ثلاثةُ أَبْراد وعشرةُ أَبْشارٍ وتسعةُ أَحْجار وينبغى
أن يقال فى الكثير بُرُودٌ وبُشُورٌ وحجارة قال الشاعر وهو زيد الخليل
أَلَا أَبْلِغ
الاقْياسَ قَيْسَ بْنَ نَوْفَلٍ
|
|
وقَيْسَ بْنَ
أُهْبانٍ وقَيْسَ بْنَ جابِر
|
وقال أيضا غيره
رأيْتُ سُعودًا
من شُعُوبٍ كَثيرةٍ
|
|
فلم أَرَ سَعْدًا
مِثْلَ سَعْدِ بْنِ مالِك
|
وقال الفرزدق
وشَيَّدَ لِى
زُرارَةُ باذخاتٍ
|
|
وعَمْرُو الخير
إذ ذُكِرَ العُمُورُ
|
وقال أيضا غيره
رَأيتُ
الصَّدْعَ من كَعْبٍ وكانُوا
|
|
مِنَ الشَّنَانِ
قد صارُوا كِعَابا
|
* قال أبو سعيد*
معناه أنهم قبيلة أبوهم كَعْبٌ فهم كَعْبٌ واحدٌ اذا كانوا مُتَأَلِّفِينَ فاذا
تَفَرَّقُوا وعادَى بعضهم بعضا صار كُلُّ فرقة منهم تُنْسَبُ الى كَعْب وهى تُخالف
فكأنهم كِعَابٌ جَمَاعةٌ وقال فى قوم من العَرَب اسْمُ كُلِّ واحدٍ منهم جُنْدُبٌ
الجَنادِب واذا سميتَ امرأةً بدَعْدٍ فجمعتَ قلتَ دَعَدَاتٌ لانك لما أدخلتَ
الالفَ والتاء صار بمنزلة تَمَراتٍ وان لم يكن فى الواحد الهاءُ لان الهاء تسقط
يَدُلك على ذلك قولُهم أَرَضاتٌ وان لم يكن فى أرض هاءٌ لان الجمع لما كان بالالف
والتاء صار كجمع فَعْلةٍ وان جمعتَ جُمْلاً بالالف والتاء جاز أن تقولَ جُمُلاتٌ
وجُمَلات وجُمْلَات بمنزلةِ جمع ظُلْمة وتقول فى هِنْدٍ هِنْدات وهِنِدات وهِنَدات
بمنزلة كِسْرة اذا جُمِعَتْ على هذه الوجوه وان كَسَّرْتَ كما كَسَّرْتَ بُرْدًا
وبِشْرًا قلتَ هذه أهْناد وأَجْمال فى الجمع القليل وتقولُ فى الكثير هُنُود كما
قالوا الجُذُوع قال جرير
أخالِدَ قَدْ
عَلِقْتُكِ بَعْدَ هِنْدٍ
|
|
فشَيَّبَنى
الخَوالِدُ والهُنُودُ
|
وان سميت امرأة
بقَدَمٍ فجمعتَ بالالف والتاء قلتَ قَدَمات ولا يجوز تسكين الدال بها وان
كَسَّرْتَ فالذى يوجبه مذهب سيبويه أن تقول أَقْدامٌ فى القليل والكثير لان العرب
قد جمعتْ قَدَمًا قبل التسمية على أَقْدام فى القليل والكثير وان سميت رجُلا
بأحْمَرَ ثم جمعته فان شئت قلت أَحْمَرُونَ على السَّلامة وان شئتَ قلتَ أَحامِرُ
على التكسير وكلا هذين الجمعين لم يكن جائزا فى أحْمَر قبل التسمية لان أَحْمَرَ
وبابَهُ لا يجوز فيه أَحْمَرون ولا أَحامِرُ اذا كان صفةً وانما يجمع على حُمْرٍ
ونظيره بِيضٌ وشُهْبٌ وما أشبه ذلك فاذا سميت به فحكم الاسمِ الذى على أَفْعَلَ
يخالفُ حكَم الصفة التى على أَفْعَل والاسمُ جَمْعُه أفاعلُ مثل الأرانِب
والأباطِح والارامِل والاداهِم وان سميت امرأةً باحْمَر قلتَ فى السلامة أَحْمَرات
وفى التكسير أَحامِرُ وقد قالت العرب الأَجارِب والاشاعِر لِبَنِى أَجْرَبَ كأنهم
جعلوا كُلَّ واحدٍ منهم أَجْرَبَ على اسمِ أبيه ثم جمعوه كما قالوا فى أَرْنَبٍ
أَرانِبُ وان سميتَ رجلا بوَرْقاء أو ما جَرَى مَجْراه فجمعتَه بالواو والنون قلتَ
وَرْقاوُون وان سميت بها امرأة وجمعتها جمع السلامة قلتَ وَرْقاوات وان جمعتها جمع
التَكسير فى الرجل والمرأةِ قلت وَرَاقٍ كما قيل فى صَلْفاءَ صَلَافٍ وفى
خَبْراء خَبَارٍ
وان سميت رجلا أو امرأة بمُسْلمٍ أو بخالد ولم تجمعهما جمعَ السلامة قلتَ فيهما
خَوالِدُ كما تقول فى قَادِمِ الرَّحْلِ وآخِره القَوادِمُ والاواخِرُ وجمعُ
التكسير يستوى فيه المذكر والمؤنث وما يَعْقِل وما لا يعْقِل ألا تَراهم قالوا
غُلام وغِلْمان كما قالوا غُراب وغِرْبان وقالوا صَبِىٌّ وصُبْيانٌ كما قالوا
قَضِيبٌ وقُضْبان ومما يُقَوِّى خَوالَد جمعَ رجل اسمه خالد أنهم قالوا فى الصِّفة
فارسٌ وفَوارسُ واذا كان هذا فى الصفة فهو فى الاسماء أَجْدَرُ والقياسُ أن يقالَ
فى فاعِل فَواعل لانه على أربعة أحرف وعلامةُ الجمع تنتظم فيه على طريق انتظام
علامةِ التصغير فيه لانك تقول خُوَيْلِدٌ وحُوَيْتِم فتُدْخِل ياء التصغير ثالثة
وتَكْسِرُ ما بعدِها وكذلك تُدْخِلُ ألفَ الجمع ثالثةً وتكسر ما بعدها ولو سميت
رجلا بشَفَةٍ أو أَمَة ثم كَسَّرْتَ لقلتَ آمٍ فى الثلاثة الى العشرة وفى الكثير
إمَاءٌ ويجوز إمْوانٌ قال الشاعر
أَمَّا الاماءُ
فلا يَدْعُونَنِى ولَدًا
|
|
اذا تَرامَى
بَنُو الامْوانِ بالعارِ
|
وتقول فى شَفةٍ
شِفاهٌ لا يجوز غير ذلك وانما جاز فى أمةٍ اذا سميت بها رجلا أو امرأة الوجوهُ
التى ذكرتُ لان العربَ تجمعها على هذه الوجوه وهى اسم قبل التسمية بها شيأ بعينه
فاستعملنا بعد التسمية ما استعملته العربُ قبلها اذ لم تتغير الاسْمِيَّةُ فيها
ولا تقل فى الشَّفةِ الا شِفَاهٌ فى الجمع القليل والكثير لان العربَ لم تستعمل
فيها غَيْرَ الشِّفاهِ قبل التسمية ولا يقال فيها شَفَاتٌ ولا أَمَاتٌ لان العرب
تجتنب ذلك فيها قبل التسمية وان سميت رجلا بتَمْرة أو قَصْعةِ قلتَ قَصَعاتٌ
وتَمَراتُ وان كسرته قلتَ قِصاعٌ وتِمَارٌ وان سميت رجلا أو امرأة بَعْبلة لقلتَ
فى الجمع العَبَلاتُ وفتحتَ الباءَ وقد كان قبل التسمية يقال امرأةٌ عَبْلةٌ ونساء
عَبْلَاتٌ لانها كانت صفة فلما سميتَ بها صارتْ بمنزلة تَمْرة وتَمَراتٍ ولا يجوز
أن تقول فى جمع رجل اسمه تمرة تَمْرٌ لان تمرا اسم للجنس وليس بجمع مكسر ولو سميت
رجلا أو امرأة بسَنَةٍ لكنتَ بالخيار ان شئتَ قلت سَنَوات وان شئتَ قلت سِنُونَ لا
تعدو جمعَهم إياها قبل ذلك وهم يجمعون السَّنَةَ قبل التسمية على هذين الوجهين ولو
سميته ثُبَةً لقلتَ ثُبَاتٌ وثُبُونَ وان شئتَ كسَرْتَ الثاءَ وكذلك نظائر ثُبةٍ
وان سميته بِشيَةٍ أو ظُبَةٍ لم تُجاوزْ شِيَاتٍ وظُباتٍ لان
العرب لم تجمعه
قبل التسمية الا هكذا فان سميتَه بابْنٍ فان جمعتَ بالواو والنون قلتَ بَنُونَ وان
كسَّرْتَ قلتَ أبناءٌ وان سميتَ المرأةَ بأُمٍّ ثم جَمَعْتَ جاز أُمَّهاتٌ
وأُمَّاتٌ لان العرب قد جمعتها على هذين الوجهين قال الشاعر
كانَتْ نَجائِبَ
مُنْذِرٍ ومُحَرِّقٍ
|
|
أُمَّاتُهُنَّ
وطَرْقُهُنَّ فَحِيلاً
|
ولو سميتَ به رجلا
لَقُلْتَ أُمُّونَ وان كَسَّرْتَه فالقياسُ أن تقول إِمامٌ وان سميتَه بابٍ قلتَ
أَبَوانِ فى التثنية لا تجاوز ذلك يعنى لا تقل أَبانِ واذا سميت رجلا باسم فجمعتَ
جمعَ السلامة لم تحذف ألفَ الوصل وقلتَ اسْمونَ وان كَسَّرْتَ قلتَ أَسْماءٌ وكان
القياسُ أن تقول ابْنُونَ غير أنهم جمعوه قبل التسمية على بَنِينَ وحذفوا الالف
لكثرة استعمالهم إياه وحركوا الباء كَمنِينَ وهَنِينَ ولو سميت رجلا بامْرِئٍ قلتَ
امْرُؤُنَ فى السَّلامة وان سميت به امرأةً قلت امْرَآتٌ وان كسَّرْتَ قلتَ
أمْرَاءٌ كما قالوا أَبْناء وأسْماءٌ وأسْتاه ولو سميتَ بشباةٍ لم تَجْمَعْ بالتاء
ولم تقل الاشِيَاهٌ لان هذا الاسم قد جمعته العَرَبُ مكسَّرا على شِياهٍ ولم
يَجْمَعُوه جمعَ السَّلامة بل لا يحتمل ذلك لانا اذا حذفنا الهاء بقى الاسم على
حرفين الثانى منهما من حروف المد واللين ولا يجوز مثل ذلك الا أن يكون بعدها هاء
فان قال قائل فقد قالوا شَاءٌ وشَوِىٌّ لان الشَّاءَ والشَّوِىَّ جمعانِ للشاةِ
قيل له هما اسمان للجمع يجريان مجرى الواحد فاذا سمينا به احتجنا أن نُكَسِّرَ على
شِيَاهٍ وان سميت رجلا بضَرْبٍ قلتَ ضَرْبُونَ وضُرُوبٌ بمنزلة عَمْرٍو وعُمور وقد
جمعت العرب المصادرَ من قَبْلِ التسمية بها فقالوا أَمْراضٌ وأَشْغَالٌ وعُقُول
وألْبابٌ فاذا صار اسما فهو أَجْدَرُ أن يجمع بتكسير ولو سميت رجلا برُبَتَ فى لغة
من خَفَّفَ فقال رُبَتَ رَجُلٍ قُلْتَ رُبَاتٌ ورُبُونَ ورِبُون أيضا وانما جاز فى
رُبَتَ هذه الوُجُوهُ لانها لم تجمع قبل التسمية فلما سُمِّى به وجُمِعَ حُمِلَ
على نظائره الكثيرة ومما كَثُر فى هذا الباب من النواقص أن تجىء بالالف والتاء
والواو والنون نحو ثُبات وثُبُونَ وكُرات وكُرُونَ وعِزات وعِزُونَ وان سميته
بعِدَةٍ قلتَ عِدَاتٌ وان شئت قلتَ عِدُونَ اذا صارت اسما كما قلتَ لِدُون وان
سميته ببُرةٍ وكَسَّرْتَ قلتَ بُرًى لان العرب قد كَسَّرْتُه على ذلك وان جاء مثل بُرّةٍ
مما لم تكسره العربُ لم تجمعه الا بالالف والتاء
والواو والنون لان
هذا هو الكثير واذا سميت بصِفةً مما يختلف جمعُ الاسم والصفة فيه جمعتَه جمعَ
نظائره من الاسماء ولم تُجْره على ما جمعوه حين كان صفةً الا أن يكونوا جمعوه جمعَ
الاسماءِ فتُجْرِيه على ذلك كرجل سميته بسَعِيد أو شَرِيفٍ تقول فى أدنى العدد
ثلاثةُ أَشْرِفةٍ وأَسْعِدةُ وتقول فى الكثير سُعْدَانٌ وشُرْفانٌ وشُعُد وشُرُفٌ
لان هذا هو الكثير فى الاسماء فى جمع هذا البناء تقول رَغِيفٌ وأَرْغِفَة وجَرِيب
وأَجْرِبة وقالوا رُغْفانٌ وجُرْبانٌ وقالوا قُضُبُ الرَّيْحانِ فى جمع قَضِيبٍ
وقالوا الرُّغُفُ فى جمع رَغِيف قال الشاعر
ان الشِّوَاءَ والنَّشِيلَ والرُّغُفْ
|
|
والفَيْنةَ
الحَسْناءَ والكَاْسَ الانُفْ
|
للضَّارِبينَ
الهامَ والخَيْلُ قُطُفْ
|
وقالوا سَبِيلٌ
وسُبُلٌ وأَمِيلٌ وأُمُلٌ فهذا هو الكثير فيه وربما قالوا الأَفْعِلَاءَ فى
الاسماء نحو الانْصِباءِ والاخْمِساءِ وليس بالكثير فلو سميتَ رجلا بنَصِيبٍ أو
خَمِيسٍ لقلتَ أنْصِباء وأَخْمِساء وان سميته بنَسِيبٍ وهو صفة ثم كَسَّرْتَه
لقلتَ أنْسِباءُ لان العرب قد جمعته وهو صفة على ذلك وهو من جمع بعض الاسماء كنَصِيبٍ
وأنْصِبَاءَ فلم يغيروا* قال سيبويه* وأما والِدٌ وصَاحِبٌ فانهما لا يجمعان
ونحوُهما كما لا يجمع قادِمُ النَّاقةِ يعنى الخِلْفَ المُقَدَّمَ من ضَرْعها لان
هذا وان تُكُلِّم به كما يُتَكَلَّمُ بالاسماء فان أصلَه الصفةُ وله مؤنث* قال أبو
سعيد* ذكر سيبويه وَالِدًا وصاحِبًا قبل التسمية بهما فأرى أن صاحبا اذا جمعناه لم
نقل فيه صَواحبُ وكذلك والد لا نقول فيه أَوالِدُ لان هاتين صفتان من حيث يقال
والد ووالدة واذا كانت الصفة على فاعل للمذكر لم يجمع على فواعل وانما يقال فيه
فاعِلُونَ وهذان الاسمان قد كثرا فجَريا مَجْرَى الاسماء فلم يجب لهما بذلك أن
يقال صَواحِبُ وأوالد اذ كان يقال فى مؤنثهما صاحبة ووالدة ولو سمينا رجلا بصاحب
لقلنا فى التكسبر صَواحبُ وأما والد فقال الجَرْمىُّ اذا سمينا به لم نقل الا
والِدُونَ وان سمينا به مؤنثا لم نقل الا والدات وان سمينا بوالدة قلنا والدات لان
العرب تنكبت فى جمع ذلك التكسيرَ قبل التسمية فقالوا والِدٌ ووالدُونَ ووالِدةٌ
ووالِداتٌ ولم بقولوا أوَالِدُ فى الوالدة وان كانوا يقولون قاتلة وقَواتِل
وجالسة وجَوالِس
لان الاصل ووَالِدُ قلب احدى الواوين فاقتصروا فيه على السلامة ولو سميتَ رجلا بفَعالٍ
نحو جَلالٍ لقلت أَجِلَّةٌ على حدّ قولك أَجْوِبة فاذا جاوزتَ قلتَ جِلَّانٌ كقولك
غِرْبانُ وغِلْمان واعلم أن العرب تجمع شجاعا على خمسة أوجه منها ثلاثة من جميع
الاسماء وهى شُجْعانٌ مثل قولنا زُقاقٌ وزُقَّانٌ وشِجْعان مثل غُراب وغِربان
وشِجْعه مثل غُلام وغِلْمة فاذا سميت رجلا بشُجاع جاز أن تجمعه على هذه الوجوه
الثلاثة وقد يجمع شُجَاع على شِجَاع وشُجَعاء نحو كريم وكِرَامٍ وكُرَماء وظَرِيفٍ
وظِرافٍ وظُرَفَاء فاذا سميت بشُجَاع لم يجز جمعه على هذين الوجهين وربما جمعت
العربُ الاسمَ الذى أصلُه صِفة على لفظ الصِّفة كانهم يَذْهَبُون به الى أنه صفة
غَلَبتْ كما سَمَّوْا بما فيه الالفُ واللامُ وتركوا الالفَ واللام بعد التسمية
كالحَسَنِ والعباس والحارث كانهم قَدَّرُوا فيه الصِّفةَ وقالوا فى بنى الاشْعر
الأشاعِر على ما توجبه الاسمية وقالوا الشُّقْر والشُّقْرانُ على الوَصْف ولو جمع
انسانٌ الحارثَ على ما تُوجبه الصفةُ فقال الحُرَّاثُ لجازَ لانه صفة غلبت ومن قال
الحَوارِث فعَلَى ما ذكرنا من جَمْع الاسماء ولو سميتَ رجلا بفَعِيلةٍ ثم
كَسَّرْتَهُ قلتَ فَعَائِل كرجل سميته بكَتِيبةٍ أو قَبِيحةٍ أو ظَرِيفةٍ لقلتَ
فَعَائل لا غير وقد جمعت العربُ فَعِيلة على فُعُلٍ فى الاسماء وليس بقياس
مُطَّرِد فقالوا سَفِينة وسُفُنٌ وصَحِيفة وصُحُفٌ وليس بالكثير فان سميتَ رجلا
بسفينة أو صحيفة جاز جمعُه على سُفُن وصُحُف وان سميت رجلا بعَجُوز فكَسَّرْتَه
قلتَ فيه العُجُز ولم تقل العَجائز وكذلك لو سميته بقَلُوص قلت فيه القُلُصُ ولم
تقل القَلائص وانما جمعت العربُ عَجُوزًا وقَلُوصًا على عَجائزَ وقَلَائص لانهما
مؤنثان فاذا سميتَ بهما رجلا زال التأنيثُ وصار بمنزلة عَمُود وعُمُد وجَزُور
وجُزُر* قال سيبويه* وسألتُه عن أَبٍ فقال ان أَلْحَقْتَ فيه النُّونَ والزيادةَ
التى قبلها قلتَ أَبُونَ وكذلك أَخٌ تقول أَخُونَ ولا تُغَيِّرِ البناءَ الا أن
تُحْدِثَ العربُ شيئا كما تقول بَنُونَ ولا تُغَيِّر بناءَ الأب عن حال الحرفين
الا أن تُحْدِثَ شيئا كما بَنَوْه على بناءِ الحرفين قال الشاعر
فَلَمَّا
تَبَيَّنَ أَصْواتَنا
|
|
بسَكَيْنَ
وفَدَّيْنَنا بالأَبِينَا
|
أنشدناه مَنْ
نَثِقُ به وزعم أنه جاهلىّ وان شئتَ كَسَّرْتَ فقلتَ آباء وآخاء فاما عُثْمانُ
ونحوُه فانك تعتبره بالتصغير فما كان فى آخره ألفٌ ونون زائدتان وكانت العرب تصغره
بقلب الالف ياء كَسَّرْتَه وقلبتَ الالفَ ياء وان شئتَ جمعتَ جمعَ السَّلامة وما
كان من ذلك تُصَغِّرُ العربُ الصَّدْرَ منه وتُبْقِى الالفَ والنونَ لم يَجُزْ فى
جمعه التكسيرُ وجمعتَه جمعَ السلامة بالواو والنون فاما ما صَغَّرَتْه العربُ
وقلبت الالف فيه ياء فنحو سِرْحانٍ وضِبْعانٍ وسُلْطانٍ اذا سميتَ بشئ من ذلك رجلا
جاز أن تجمعه جمع السلامة فتقول سُلْطانُون وسِرْحانُونَ وضِبْعانُونَ وجاز أن
تكسر فتقولَ ضَباعِين وسَلَاطين وسَرَاحِين وان سميته بعُثمانَ أو غَضْبانَ أو
نحوه قلت فى جمعه عُثْمانُون وغَضْبانُون لانه يقال فى تصغيره عُثَيْمانُ
وغُضَيْبان وكذلك تقول فى جمع عُرْيان وسَعْدان ومَرْوَان عُرْيانُونَ
وسَعْدانُونَ ومَرْوانُون واذا وَرَدَ شئٌ من ذلك ولا يُعْرَفُ هل تقلب العربُ
الالَف ياء فى التصغير أم لا حَمَلْتَه على باب عثمان وغضبان لانه الاكثر فان كان
فُعْلان جمعا لم يكن سبيلُه سبيلَ الواحد لان فُعْلانا فى الجمع ربما كُسِّرَ فقيل
فَعالِينُ كقولهم مُصْرانٌ ومَصَارين ويقال فى التصغير مُصَيْران لان الالف للجمع
واذا كانتْ ألفا حادثةً للجمع لم تغير فى التصغير كقولهم أَجْمال وأَجَيْمال وعلى
هذا لو سميت رجلا بمُصْران أو بأنْعام أو بأقوال ثم صغرته لقلتَ مُصَيْران وأُنَيْعام
وأُقَيَّال ولم تلتفت الى قولهم فى الجمع مَصَارين وأَناعيم وأَقاوِيل
القول فى بنت وأخت وهَنْتِ وتكسيرها وذكر كِلْتا
وثنتين وابانة وجه الاختلاف فيه اذ كان فصلا دقيقا
من فصول التذكير والتأنيث
قال أبو على بنْتٌ
من ابن ليس كصَعْبةٍ من صَعْب لان البناء صيغ للتأنيث على غير بناء التذكير فهو
كحَمْراء من أَحْمر وليس كصعبة من صعب وغير البناء عما كان
يجب أن يكون عليه
فى أصل التذكير وأبدل التاء من الواو وأُلْحِقَ الاسمُ به بشِكْس ونِكْسٍ وما أشبه
ذلك وبهذا ردّ على من قال ان الدليل على أن الباء من ابن مكسورة كَسْرُهم الباءَ
فى بِنْت وشئٌ آخر يدل على أن بنتا لا يدل على أن أصل ابن فِعْلٌ وهو أنا وجدناهم
يقولون أُخْت فلو كان ابنٌ فِعْلاً لقولهم بِنْتٌ لكان أَخٌ فُعْلاً لقولهم أُخْتٌ
فكما لا يجوز أن يكون أَخٌ فُعْلاً وان جاء أُخْتٌ كذلك لا يجوز أن يكون ابنٌ
فِعْلا وان جاء بِنْتٌ فاما قولُهم بَناتٌ فى الجمع فمما يدل على أن أصل الباء فى
ابن الفتح ورُدَّ فى الجمع الى أصلِ بناءِ المذكرِ كما رُدَّ أُخْتٌ الى أصل بناء
المذكر فقيل بناتٌ كما قيل أخواتٌ وهذا الضَّرْبُ من الجمع أعنى الجمع بالالف
والتاء قد يُرَدُّ فيه الشئ الى أصله كثيرا كَرَدِّهم اللاماتِ الساقطةَ فى الواحد
له نحو قولهم فى عِضَةٍ عِضَوات فكما رَدُّوا الحرفَ الاصلىُّ فيه كذلك رُدَّت
الحركةُ التى كانت الاصلَ فى بناء المذكر والمحذوف من أخت وبنت الواو أما فى أخت
فدليلُه قولُهم إخْوة وأُخُوَّة وأما بِنْتٌ فمحمولة عليه وأيضا فان بدل التاء من
الواو أكثر من بدلها من الياء وهذه التاء لا تخلو من أن تكون بدلا من لام الفعل أو
علامة للتأنيث فلو كانت علامة للتأنيث لا نفتح ما قبلها كما ينفتح ما قبلها فى غير
هذا الموضع فلما لم ينفتح علمنا أنه بدل وأنه ليس على حد طلحة وثُبَة واذا كان
بدلا فلا بد أن يكون من ياء أو واو ولا يجوز أن يكون من الياء لانا لم نجدهم
أبدلوا التاء من الياء الا فى افتعل من اليَسار ونحوه وفى حرف واحد كقولهم
أَسْنَتُوا فاما أصلُ ابدال التاء من الواو دون الياء فذلك كثير جدًّا فعلمنا بذلك
أن التاء فى بنت بدل من واو كما كانت فى أخت كذلك وكما كانت فى هَنْتٍ كذلك
والدليلُ على أن التاء فى هَنْتٍ بذلُ من الواو قولُه
* عَلَى هَنَواتٍ شأنُها مُتَتابعُ*
فالتاء بدل من
الواو وذلك فيه وفى أُخْتٍ بَيِّنٌ لأخوات وهَنَواتٍ وكذلك فى بنت تقول فى التاء
انها بدل من الواو وان الالف فى كلا منقلبة عن واو لا بد لك التاءَ منها فى كلتا
ولذلك مثله سيبويه بشَرْوَى فان قال قائل اذا كانت التاء فى أخت وما أشبهه
للالحاق كما ذكرتَ
دون التأنيث فهلا أَثْبَتَّها فى الجمع بالتاء نحو أَخَوات وبنات ولم تحذف كما لا
تحذف سائر الحروف الملحقة فى هذا الجمع ولا فى الاضافة فالجواب أن هذه التاء
للالحاق كما قلنا والدليل عليه ما قدمنا وانما حذف للاضافة وهذا الضرب من الجمع
لان البناء الذى وقع الالحاق فيه انما وقع فى بناء المؤنث دون المذكر وصار البناء
بما اختص به المؤنث بمنزلة ما فيه علامة التأنيث فحذفت التاء فى الموضعين لذلك لا
لانه للتأنيث وغُيِّرَ البناءُ فى هذين الموضعين ورُدَّ الى التذكير من حيث
حُذِفتْ علامةُ التأنيث فى هذين الموضعين لان الصيغة قامت مقام العلامة فكما
غُيِّرَ ما فيه علامة بحذفها كذلك غُيِّرَتْ هذه الصيغة بردّها الى المذكر اذ كانت
الصيغة قد قامت مقام المذكر فمن حيث وجب أن يقال طَلَحات وطَلَحِىٌّ وجب أن يقال
أخَوات وأَخَوِىٌّ فاما قول يونس فى الاضافة الى أُخْتٍ أُخْتِىٌّ فلا يجوز كما لا
يجوز فى الاضافة الى طلحة الا الحذفُ لمعاقبة الياءين تاءَ التأنيث فى مثل قولهم
زَنْجِىٌّ وزَنْجٌ ورُومِىٌّ ورُوم صار بمنزلة تَمْر لان حذفها يدل على التكثير
واثباتها يدل على التوحيد فلهذا لم تثبت التاء مع ياءَىِ الاضافة وألحقت علامتا
التأنيث الاخريان بالتاء فازيلتا فى الاضافة كما حذفت هى فاما حذف هذه العلامات فى
الجمع بالالف والتاء فلئلا يجتمع علامتان للتأنيث فان قيل فقد قالوا ثنتين وقد
أنشد سيبويه
* ظَرْفُ عَجُوزٍ فيهِ ثِنْتا حَنْظَلِ*
فابدلوا التاء من
لياء التى هى لام لانها من ثنيت فهلا جاز عندك على هذا أن يكون التاء فى بنت بدلا
من الياء وكما أنها فى أسنتوا بدل منها فالجواب أنه لا يلزم أن تكون التاء فى بنت
بدلا من الياء كما كان فى ثنتين بدلا منها فاذا أجازه مجيز لهذا كان غير مصيب
لتركه الاكثَر الى الاقل والشائعَ الى النادر ألا ترى أن ابدال التاء من الواو قد
كثر فحملُ بنت على الاكثر أولَى من حمله على الاقلِّ ألا ترى أن القياس يجب أن
يكون على الاكثر حتى يمنع منه شئ ولم يمنع شئ فى بنت من حمل لامه على أنه واو بل
قَوَّاه قولُهم أخت وهَنْتٌ وكِلْتا وكثرةُ ابدال التاء من الواو فى غير هذا
الموضع فاما أسنتوا فالتاء مبدلة من ياء منقلبة عن واو فليس ابدال التاء من الياء
بكثير فيسوغ أن
يحمل عليه هذا الحرفُ فان قيل فقد قالوا كان من الامر كَيَّةُ وكَيَّةُ وذَيَّةُ
وذَيَّةُ ثم خففوا فقالوا كَيْتَ وكَيْتَ فأبدلوا التاء من الياء فهلا أَخَذْتَهُ
فى بِنْتٍ على هذا فالجواب أن ذلك لا يجوز من أجله فى بنت ابدالُ التاءِ من الياء
لان هذه أسماء ليست متمكنةً والايماءُ التى ذكرناها من أُخْت وهَنْتٍ متمكنةٌ
فحملُ المتمكن على المتمكن أولى من حمله على غير المتمكن لانه أقرب اليه وأشبه به
فاعلمه
باب تحقير المؤنث
اعلم أن ما كان
على ثلاثة أحرف من المؤنث اذا صغرته زدت فيه هاء الا أحرفا شَذَّتْ وذلك قولُك فى
قَدَمٍ قُدَيْمة وفى يَدٍ يُدَيَّة وفى فِهرٍ فُهَيْرة وفى رِجْلٍ رُجَيْلة وهو
أكثر من أن يُحْصَى واذا صغروا من المؤنث ما كان على أكثر من ثلاثة أحرف مما ليس
فيه هاء التأنيث لم يُدْخِلُوا الهاءَ كقولك فى عَناق عُنَيِّقٌ وفى عُقابٍ
عُقَيِّبُ وفى عَقْرَب عُقَيْرِب وانما أدخلوا الهاء فى المؤنث اذا كان على ثلاثة
أحرف لان أصل التأنيث أن يكون بعلامة وقد يُرَدُّ فى التصغير الشئُ الى أصله
فرَدُّوا فيه الهاءَ لما صغروه وأصله الهاء ورَدُّوها بالتصغير ولم يدخلوا ذلك فى
بنات الاربعة لانها أثقل فصار الحرف الرابع منها كهاء التأنيث فيصير عدَّةُ
عُنَيِّقٍ وعُقَيْربٍ بغير هاء كِعدَّةِ قُدَيْمة ورُجَيْلة بالهاء فاجتمع فى
الثلاثى الخِفَّةُ وأن أصل التأنيث بالعلامة وان كان فى الرباعى المؤنث ما يوجب
التصغيرُ حذفَ حرف منه حتى يصير على لفظ الثلاثى وَجَبَ رَدُّ الهاء كقولك فى
تصغير سَمَاءٍ سُمَيَّة لانه كان الاصل سُمَيِّىٌ بثلاث يا آت فحذف واحد منها كما
قالوا فى تصغير عَطاءٍ عُطَىٌّ بحذف ياء فلما صار ثلاثىَّ الحروف زادوا الهاء
وكذلك لو صغرنا عُقَابَا وعَنافًا وسُعَادَ اسم امرأة وزَيْنَبَ على ترخيم التصغير
فحذفنا الزائد من سُعاد وهو الالف ومن زَيْنَبَ وهو الياء لقلنا سُعَيْدة
وزُنَيْبة وانما حقرت امرة اسمها سَقَّاءُ سُقَيْقِىٌّ ولم تدخل الهاء لانه لم
يرجع فى التصغير الى مثل عِدَّةِ ما كان على ثلاثة أحرف وقالوا فى تصغير حُبارَى
ثلاثةً أقوال منهم من حذف
ألف التأنيث فقال
حُبَيِّر لانه يبقى حُبَار مثل عُقَاب وتصغيره حُبَيِّر مثل عُقَيِّب ومنهم من حذف
الالف الثالثة فيبقى حُبَرى مثل جَمَزَى فتقول حُبَيْرَى مثل حُبَيْلَى ومنهم من
اذا حذف علامة التأنيث وصغر عَوَّضَ هاءَ التأنيث من ألف التأنيث فيقول حُبَيِّرة
ولا يقول عُنَيِّقه وعُقَيِّبة لانه لم يكن فى عَناق وعُقاب علامةُ التأنيث فان
قال قائل لم كانت الهاء تثبت فى التصغير ولا يُعْتَدُّ بها والالفُ المقصورة
يُعْتَدُّ بها فيحذفونها من ذوات الخَمْس فقد تقدم الجوابُ عن هذا فى باب ألف
التأنيث المقصورة وألفُ التأنيث المقصورةُ كحرف من حروف الاسم ألا ترى أنها قد
تعود فى الجمع المُكَسَّر كقولك حُبْلَى وحَبَالَى وسَكْرَى وسَكارَى فمن أجل ذلك
لم نقل حُبَيِّرَى وكادوا لا يصغرون ما كان على خمسة أحرف من هذا البناء الا بحذف
ومن قال فى حُبارَى حُبَيِّرة فعَوَّضَ هاءً من الالف قال فى لُغَّيْزَى
لُغَيْغيزةٌ لان الهاء قد تلحق مثلَ هذا البناءِ فى التصغير ألا ترى أنا لو صغرنا
كِرْباسةً وهِلْباجةً لَقُلْنا كُرَيْبِيسةٌ وهُلَيْبِيجية واعلم أن المؤنث قد
يوصف بصفة المذكر فاذا صغرت الصفة جرت مجرى المذكر فى التصغير وان كانت صفة للمؤنث
كقولك هذه امرأة رِضًا عَدْلٌ وناقة ضامِرٌ فتقول فى تصغير رضا هذه امرأةُ رُضَىٌّ
وعُدَيْلٌ وهذه ناقة ضُوَيْمِرٌ وان صغرتها تصغير الترخيم قلت هذه ناقة ضُمَيْر
ولم تقل ضُمَيْرة وقد حكى الخليل ما يُصَدِّق ذلك من قول العرب قالوا فى الخَلَق
خُلَيْقٌ وان عَنَوا المؤنثَ يقولون مِلْحفةٌ خَلَقٌ كما يقولون ردَاءٌ خَلَق
فخَلق مذكر يوصف به المذكر والمؤنث وقد شذت أسماءٌ ثلاثيةٌ فصغروها بغير هاء منها
ثلاثةُ أسماءٍ ذكرها سيبويه وهى النَّابُ المُسِنَّةُ من الابل يقال فى تصغيرها
نُيَيْبٌ وحكى أبو حاتم نُوَيْبٌ وفى الحَرْب حُرَيْبٌ وفى فَرَسٍ وهو يقع على
المذكر والمؤنث فُرَيْسٌ فاما النابُ من الابل فانما قالوا نُيَيْبٌ لان النابَ من
الانسان مذكر والمُسِنَّةُ من الابل انما يقال لها نابٌ لطول نابها فكأنهم جعلوها
النابَ من الانسان أى هو أَعْظَمُ ما فيها كما يقال للمرأة انما أنتِ بَطِينٌ اذا
كَبِر بَطْنُها وتقول أَنْتَ عَنْزُ القَوْمِ والعَنْزُ مؤنثٌ فقد يُخْبَر عن
المؤنث بالمذكر وعن المذكر بالمؤنث وأما الحَرْبُ فهو مصدر جعل نعتا مثل العَدْلِ
والرِّضا وكانَّ الاصلَ هذه مقاتلةُ
حَرْبٍ أى حاربةُ
تَحْرُبُ المالَ والنَّفْسَ كما تقول عَدْلٌ على معنى عادلة ثم أُجْرِيَتْ مُجْرَى
الاسم وأسقطوا المنعوتَ كما قالوا الابْطَحُ والابْرَقُ والاجْدَلُ وأما الفَرَسُ
فهو فى الاصل اسم مذكر يقع للمذكر فى الخيل كما وقع انسان وبَشَرٌ للرجل والمرأة فصغر
على التذكير الذى هو له فى الاصل وأما قولهم امرأة فُوَيْتٌ للمنفردة برأيها فعلى
المصدر كعُدَيْلٍ ورُضَىٍّ وقد قالوا فى المذكر فاما خَمْسٌ وسِتٌّ وسَبْعٌ
وتِسْعٌ وعَشْرٌ فى عدد المؤنث فتصغيره بغير هاء لئلا يلتبس بعدد المذكر اذا صغرته
وما كان من صفات المؤنث بغير هاء فهو يجرى هذا المجرى كقولنا امرأة حائض وطامِثٌ
وعازِبٌ وحَرَضٌ ووَجِلٌ لو صغرت شيأ من ذلك تصغير الترخيم لقلت حُرَيْضٌ وطُمَيْثُ ونحو ذلك وقد ذكر
أبو عمر الجَرْمِىُّ من الاسماء الثلاثية دِرْعُ الحديدِ والعُرْس والقَوْس انها
تصغر بغير هاء وهى أسماء مؤنثات قال الشاعر
انا وجَدْنَا
عُرُسَ الحَنَّاطِ
|
|
لَئيمةً
مَذْمُومةَ الحُوَّاطِ
|
والمذهبُ فيهن
كمذهب ما ذكرناه من المصادر وذكر غيره الذَّوْدَ والعَرَبَ وهما مما يصغر بغير
الهاء وكذلك الضُّحَى لئلا يُشْبِهَ ضَحْوةً فان قال قائل اذا سميت امرأة بحَجَرأ وجَبَل
أو جَمَل أو ما أشبه ذلك من المذكر ثم صغرته أدخلتَ الهاء فقلتَ حُجَيْرة
وجُبَيَّلَة فَهَلَّا فعلتَ ذلك بالنُّعُوت قيل له الاسماءُ لا يراد بها حقائقُ
الاشياء أو التشبيهُ بحَقائق الاشياء ألا تَرى أنا اذا سمينا شيئا بحَجَر أو رجلا
سميناه بحَجَر فليس الغرض أن نجعله حجرا وانما أردنا إبانته كما سمينا بابراهيم
واسمعيل ونوح وما أشبه ذلك واذا وصفنا به وأَخْبَرْنا به غيرَه فانما نريد الشئَ
بعينه والتشبيهَ فصار كانَّ المذكَر لم يَزُلْ ألا ترى أنا اذا قلنا امرأةٌ عَدْلٌ
ففيها عدالةٌ واذا قلنا للمرأة ما أنت الا رجل فانما نريد مثل رجل وكذلك تقول أنتِ
حَجر اذا لم يكن اسما لها تُريد مثلَ حَجر فى الصلابة والشدّة فان سميت رجلا باسم
مؤنث على ثلاثة أحرف وليس فى آخره ها التأنيث ثم صغرته لم تُلْحق الهاءَ كرجل
سميته باذُنٍ أو عَيْنٍ أو رِجْلٍ ثم صغرته تقول أُذَيْنٌ وعُيَيْن ورُجَيْل هذا
قول سيبويه وعامة البصريين ويونس يُدْخلُ الهاءَ ويحتج باذَيْنةَ اسم رجل وهذا عند
النحويين انما سمى بالمصغر وكذلك عُيَيْنةُ كانهم سَمَّوْه باسمٍ مُصَغَّرٍ ولم
يُسَمُّوه باسم
مكبر ثم يصغر ولو
سميت امرأة باسم ثلاثى مما ذكرنا أنه لا تدخل فى تصغيره الهاءُ كحَرْب وناب ثم
صغرته لأدْخلتَ فيه الهاء فقلتَ حُرَيْبَة ونُيَيْبة لانه قد صار اسما لها كَحجر
اذا صغرته قلت حُجيرة وقد جاء من المؤنث ما هو على أكثر من ثلاثة أحرف وقد ألحقت
الهاء به فى التصغير كقولك زيد قُدَيْديمةُ عمرو ووُرَيِّئةُ عمرو وهو تصغير قُدَّامَ
ووَراءَ لا يُخْبرَ عنهما بفعل يَتَبَيَّنُ تأنيثُهما فيه لانهما ظَرْفان كخلف
وانما يتبين تأنيثُ المؤنثِ الذى لا علامةَ فيه بما يُخْبر عنه من الفعل كقولك
لَسَبَتْهُ العقربُ وهذه العقربُ والعقربُ رأيتها وما اشبه ذلك من الضمائر التى
تدل على المؤنث فلما لم يُخْبر عن قُدَّام ووراء بما يَدُل ضميرها عليه من التأنيث
جعلوا علامة التأنيث فى التصغير* قال الكسائى* اعلم أن العرب تُصغر ما كان من
أسماء النساء على ثلاثة أحرف بالهاء وبغير الهاء فمن صغر بالهاء لم يُجْرِ ومن صغر
بغير الهاء لم يُجْر وأجْرَى وقال أرى أن من صغر بغير الهاء أراد الفعلَ فيجوز أن
يُجْرى ولا يُجْرى وهذا القياس فى كل مؤنث أن تدخله الهاء لانه اسم مؤنث وأصله
الفعل سمى به ومن لم يدخل الهاء بناه على الفعل فكانه يريده فيجريه وقد يريد الفعل
ولا يجرى للتعلق على المؤنث* قال* وأما الاسماء التى ليست للاناسى فاكثر ما جاءت
بالهاء لانها لمؤنثات وقعت قال الفراء انما أدخلوا التاء فى يدية وقد يديمة لانه
مبنى عندهم على التأنيث لم تكن اليد والرجل والفخذ اسما لشئ غير الفخذ فكانها فى
التسمية وقعت هى والاسماءُ معا فلما صغروا قالوا قد كان ينبغى أن يكون رِجْلة
وفَخِذَة ولكنهم أسقطوا منه الهاء فلما صغروا أظهروا الهاء كما قالوا فى دَمٍ
دُمَّى وقال الفراء فان قال قائل أن دَمًا رُد اليه لامُ الفعل والهاء لا تكون من
الفعل قلت لو كان هذا على ما تقول ما صغروا خيرا منك وشرا منك باخراج الالف قال
ومثله تصغير العرب الجَذْل أُجَيْذِل رَدُّوا اليه ألفا زائدة وقالوا فى العَطِشِ
العُطَيْشَان فرَدُّوا اليه ألفا ونونا وهما زائدتان وقال ابن الانبارى يقال فى
تصغير العَقْرب عُقَيْرِبٌ فاذا ميزتَ الذكَر من الانثى فقلت رأيتُ عقربا على
عقربة قلتَ فى التصغير رأيت عُقَيْربا على عُقَيْربة وقال اذا سميت امرأة باسم
مذكر كقولك هذه لَهْوٌ ويَرْقٌ وكذلك طَلَل
وطَرَبٌ وما
أشبههن فلك فى تصغيره وجهان ان نويتَ أنك سميتها بجُزء من اللهْو صغرتها بالهاء
فقلت هذه لُهَيَّةُ قد جاءتْ وهذه بُرَيْقة وانما أدخلت الهاء فى اللهو وقد عرفته
مذكرا ثم سميت به مؤنثا لانه اذا كان بعضا من اللهو فى النية فكانه قد كان ينبغى
له أن يكون بالهاء ألا ترى أنا قلنا الضَّرْب والنَظَّر انما يقال فى الواحدة
نَظْرة وضَرْبة وان شئت قلت هذه لُهَىٌّ قد جاءت بغير الهاء لانه مذكر فى الاصل
فصغرته على أصله ولو نويت أن تسميها باللهو الذى يقع على الكثير لم يكن تصغيره الا
بطرح الهاء ألا ترى أنه مذكر وأنك لم تنوفيه تقليلا تنوى فيه فَعْلة فكان بمنزلة
امرأة سميتها بزيد فقلت هذه زُبَيْدُ قد جاءت لا غير فان قال لك اذا سميت امرأة
باسم مذكر من أسماء الرجال على ثلاثة أحرف فقلت هذه حَسَنٌ وهذه زيد وهذه فَتْحٌ
وهذه عمرو كيف تصغره فقل اختلف فى هذا أهل العربية فقال الفراء تصغره بغير الهاء
فتقول هذه زُبَيْد وهذه عُمَيْر وهذه حُسَيْن واحتج بانك نويتَ بزيد أن يكون فى
معنى فُلان نقلته الى امرأة وأنت تنوى اسما من أسماء الرجال ولم تَتَوَهَّمِ
المصدَر فذلك الذى منع من ادخال الهاء* قال الفراء* فان قلت أتُجيز أن تقول زُبيدة
على وجه قلت نعم اذا سميتها بالمصدر كقولك زِدْتُه زَيْدًا فههنا يستقيم دخول
الهاء وخروجها فى تصغيره لانه بمنزلة لَهْو فى القلة والنية وجاء فى الحديث فى وصف
رجل «ذِى الثُّدَيَّة» وانما حُقِّر الثَدْىُ بالهاء وهو مذكر لانه أراد لَحْمة من
الثَّدْى أو قِطْعة وبعضهم يروى الحديث ذى اليُدَيَّةِ على تصغير اليد* قال ابن
الانبارى* واذا صغرت بَعْلَبَكَّ وأنت تجعلها اسما واحدا قلت بُعَيْلِبُ وقال
الفراء ربما حذفوا فقالوا هذه بُعَيْلة وقال بعضهم يقول فى التصغير بُكَيْكة فيحذف
بَعْلاً ومن قال هذه بَعْلُ بَكَّ فلم يُجْربَكَّ قال فى التصغير بَعْلُ بُكَيكة
ومن قال هذه بَعْلُ بَكٍ فأجرى بكا قال فى التصغير هذه بُعَيْلَةُ بَكٍّ وان شاء
قال بَعْلُ بُكَيْكٍ فجعل بكا مذكرا ومن قال هذه حَضْرَمَوْتَ قال فى التصغير هذه
حُضَيْرم وحضيرة ومُوَيْتة ومن قال هذه حَضْرُمَوْتَ قال فى التصغير هذه
حُضَيْرُمَوْتَ قال الفراء أحب الىّ من ذلك أن تقول حَضْرُمُوَيْتَة لان العرب اذا
أضافت مؤنثا الى مذكر
ليس بالمعلوم
جعلوا الآخِرَ كانه هو الاسم ألا ترى أن الشاعر قال
والى ابْنِ
أُمِّ أُناسَ تَعْمِدُ ناقَتِى
|
|
عَمْروٍ
لتَنْجَح حاجَتِى أو تَتْلَفُ
|
فلم يُجْرِ أناسَ
والاسمُ هو الاول ومن قال هذه حَضْرُمَوْتٍ قال فى التصغير هذه حُضَيْرةُ مَوْتٍ
وهذه حَضْرُمُوَيتة واذا صغرتَ حَوْلَايا وجَرْجَرَايا كانت لك ثلاثةُ أوجه أحدها
أن تجعل حَوْلَايا بمنزلة حَضْرَمَوْتَ وبَعْلَ بَكَّ فتصغر الاوّلَ ولا تصغر
الثانى فتقول حُوَيْلايا وجُرَيْجرايا قال الفراء فلا يصغر آخره لانه مجهول
كنَهْرَبَيْنَ ونَهْرَبِيْنَ اذا صغرته قلت نُهَيْرِبِيْن فصغرت النهر لانه معروف
ولم تصغر آخره لانه مجهول فكذلك فعلت بحَوَّلايا وجَرْجَرَايا والوجهُ الثانى أن
تجعل الزيادات التى فى حَوْلايا وجَرْجَرايا كالهاء والالف والنون فى غضبانة فتقول
فى تصغيرهما حُوَيْلايا وجُرَيْجِرايا كما تقول فى تصغير غَضْبانة غُضَيْبانة
والوجه الثالثُ أن تقول فى تصغيرهما حُوَيْلِيَّا وجُرَيْجِيَّا فتحط الالفَ الى الياء
وتترك الآخرة ياء لانها كياء حُبْلَى وسَكْرى وغَضْبَى واذا صغرت السَّفَرْجلة
كانت لك أوجه أحدها أن تقول سيفرجة فتحذف اللام فى التصغير وان شئت قلتَ
سُفَيْرِلة فتحذف الجيمَ وان شئت قلت سُفَيْرِجِلة فكسرت الراء والجيم لمجيئهما
بعد ياء التصغير فلم تحذف شيئا وان شئت قلت سفيرجْلة فسكنت الجيم استثقالا لهؤلاء
الحركات وقال الفراء تسكين الجيم أشبه بمذاهب العرب من تحريكها لانهم يقولون أنُلْزِمْكُمُوها
فيسكنون الميم طلبا للتخفيف لما توالت الحركات واذا صغرت الكُمَّثْراة كان لك أوجه
أحدها أن تقول كُمَيْثرِة فتحذف فى تصغيرها احدى الميمين والالف والوجه الثانى أن
تقول فى تصغيرها كُمَّيِثْريَة فتبنيه على قولهم فى الجمع كُمَّثْريَات فلا تحذف
شيئا والوجه الثالث أن تقول فى تصغيرها كُمَّيْثِراة كما قالت العرب ناقة حَلْباة
رَكْباةٌ ثم صغروها فقالوا حُلَيْباةٌ ورُكَيْباةٌ وحُلَيْبةٌ ورُكَيْبَةٌ واذا
صغرت المِرْعِزَّى والباقِلَّى قلت مُرَيْعِزَّة وبُوَيْقِلَّة على قول من قال فى
تصغير الكُمْثراة كُمَّيْثِرْية ومن قال فى تصغير الكمثرات كُمَيثِرةَ قال فى
تصغير الباقلى والمِرْعِزَّى بُوَيْقلَة ومُرَيْعزَة وقال الفراء العرب تكره التشديد
فى الحرف يطول فيتركون تشديده وهو لازم فمن صغر البَاقِلَّى بُوَيْقِلة قال فى
الجمع بواقِلَ ومن قال فى الجمع بوَافِيل قال فى التصغير
بُوَيْقِيلَة وان
شئت قلت فى تصغير الباقِلَّى والمِرْعِزَّى بُوَيْقِلْيَة فتخفف اللام وأصلها
التشديد استثقالا للتشديد مع طول الحرف ومن زاد الالف والهاء فقال باقِلَّاة قال
فى التصغير بُوَيْقِلَّاةٌ ويشدد اللام لان التصغير لم يحط الالف الى الياء ومن
مَدَّ الباقِلَاءَ قال فى التصغير البُوَيْقلَاء واذا صغرت آجُرَّة وقَوْصَرَّة
ودَوْخَلَّة صغرتها بترك التشديد لان العرب تجمعها دَواخِلَ وأواجِرَ وقَواصِرَ
فتقول أُوَيْجِرة وأُوَيْجِيرة وقُوَيْصرة وقُوَيْصِيرة ودُوَيْخِلة ودُوَيْخيلة
باب العدد
قال صاحب العين
العدُّ ـ إحْصاء الشئ عَدَدْتُه أَعُدُّه عَدًّا
وتَعْدَادً وعَدَّدْتُه والعَدَدُ ـ مقدارُ ما يُعَدُّ والجمع أَعْداد وكذلك العِدَّة
وقيل العِدَّة مصدر كالعَدِّ والعِدَّة ـ الجماعة قَلَّتْ أو كَثُرت والعَدِيدُ ـ الكَثْرة وهذه الدراهم عَدِيدُ هذه ـ اذا
كانت فى العِدَّة مثلَها وهم عديد الحَصَى والثَّرَى أى بعَدَدِ هَذَيْنِ الكثيرين
وهم يَتَعادُّونَ ويَتَعَدَّدُونَ على كذا أى يَزِيدُونَ عليه* أبو عبيد*
عَدَدْتُكَ وعَدَدْتُ لَكَ* غيره* عادَّهُم الشئُ ـ اذا
تَساهَمُوه بينهم وهم يَتَعَادُّونَ ـ اذا اشتركوا فيما يُعَادُّ بعضُهم بعضا من مكارم
أو غير ذلك من الاشياء كلها* وقال أبو عبيد* فى قول لبيد
* تَطِيرُ عَدائدُ الاشْراكِ شَفْعًا*
العدائدُ من
يُعادُّه فى الميراث* غيره* عِدادُك فى بنى فُلانٍ أى تُعَدُّ معهم فى ديوانهم وما
ألْقاهُ الا عِدَّة الثُّريا القمَر والاعدادَ الثُّريا القمرَ وعِدادَ الثُّريَّا
من القَمَر ـ أى الامَرَّةً فى السنة وقيل هى ليلة من الشهر
تلتقى فيها الثريا والقَمَر وبه مَرَضٌ عِدَادٌ منه وقد قَدَّمْتُه* وقال صاحب
العين* الحِسابُ عَدُّك الاشياءَ حَسَبْتُ الشئَ أَحْسُبُه حِسَابًا وحِسَابةً
وحِسْبةً وحُسْبانا وحُسْبانُكَ على الله ـ أى
حِسَابُك وقوله عزوجل (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ
بِغَيْرِ حِسابٍ) اختلف فى تفسيره فقال بعضهم بغير تقدير على أحد بالنقصان
وقال بعضهم بغير محاسبة ما يخاف أحدا أن
يُحاسبه عليه ورجل
حاسِبٌ من قوم حُسَّب وحُسَّاب* غيره* الواحد ـ أوّلُ
العدد وكذلك الوَحَدُ والاحَدُ* قال أبو على* اعلم أن قولهم واحِدٌ اسم جرى فى
كلامهم على ضربين أحدهما أن يكون اسما والآخر أن يكون وصفا فالاسم الذى ليس بصفة
قولهم واحدٌ المستعملُ فى العدد نحو واحد اثنان ثلاثة فهذا اسم ليس بوصف كما أن
سائر أسماء العدد كذلك فلا يجرى شئ منها على موصوف على خَدِّ جَرْى الصفة عليه
وأما كونه صفة نحو قوله تعالى (إِنَّما يُوحى
إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ولما جَرَى على المؤنث لحقته علامةُ التأنيث فقال تعالى (إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) كقائم وقائمة ومن ذلك قوله
* فقد رَجَعُوا كَحَىٍّ واحِدِينَا*
فاما تكسيرهم له
على فُعْلانٍ فى قوله
أما النهارُ
فُاحدانُ الرِّجالِ لَهُ
|
|
صَيْدٌ ومُجْتَرِئٌ
باللَّيلِ هَمْاسُ
|
فلانه وان كان
صفةً قد يستعمل استعمالَ الاسماء فكَسَّروه على فُعْلَان كما قالوا الأباطِحُ
بمنزلة الأرامل وقد استعملوا أجدا بمعنَى واحدٍ الذى هو اسم وذلك قولُهم أَحَدٌ
وعشرون وفى التنزيل (قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ) وقد أنثوه على غير بنائه فقالوا إحْدَى وعشرون وإحْدَى
عشرة فاستعملوه مضموما الى غيره* قال أبو عمرو* ولا يقولون رأيته إحْدَى ولا جاءَ
فى إحْدَى حتى يضم الى غيره* وقال أحمد بن يحيى* واحِدٌ وأَحَدٌ ووَحَدٌ بمعنًى
والحادى فى الحادى عَشَرَ كانه مقلوب الفاء الى موضع اللام واذا أُجْرِىَ هذا
الاسمُ على القديم سبحانه جاز أن يكون الذى هو اسم كقولنا شئ ويقوى الاول قوله تعالى (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ
واحِدٌ) وقوله
يَحْمِى
الصَّريمةَ أُحْدانُ الرِّجالِ لَهُ
|
|
صَيْدٌ
ومُسْتَمِعٌ باللَّيلِ هَمَّاسُ
|
* قال ابن جنى* همزة أُحْدانٍ بدلٌ من
واو لانه جمع واحد الذى بمنزلة من لا نظير له وليس أُحْدانٌ جمع واحد الذى يُراد
به العددُ لان ذلك لا يثنى ولا يُجْمَع ألا تَرى أنهم قد اسْتَغْنَوْا عن تثنيته
باثنين وعن جماعته بثلاثة وقد قال الشاعر
__________________
* وقد رَجَعُوا كَحَىٍّ واحِدِينا*
أى مُنْفردين
وفاءُ أُحْدانٍ واوٌ فاما قولنا ما فى الدار أحد فهمزتُه عندنا أصلٌ وليست ببدل
ألا ترى أن معناه العمومُ والكثرةُ وليس فى معنى الانفراد بشئ بل هو بضده* صاحب
العين* الوَحْدةُ ـ الانفرادُ ورجل وَحِيدٌ* ابن السكيت* وَحِدَ
فَرِدَ ووَحُدَ فَرُدَ* أبو زيد* وقد أَوْحَدْتُه* سيبويه* جاؤا أُحادَ أُحادَ
ومَوْحَدَ مَوْحَدَ معدولٌ عن قولهم واحدًا واحدًا وسيأتى ذكر هذا الضَّرْب من
المعدول فى هذا الفصل الذى نحن بسبيله* وقال* مررتُ به وَحْدَهُ مصدر لا يثنى ولا
يجمع ولا يغير عن المصدر الا أنهم قد قالوا نَسِيجُ وَحْدِه وحُجَيْشُ وَحْدِه
وزاد صاحب العين قَرِيعُ وَحْدِه للمصيب الرأى* أبو زيد* حِدَةُ الشئ ـ تَوَحُّدُه يقال هذا الامْرُ على حِدَتهِ وعلى
وَحْدِه وقلنا هذا الامْرَ وَحْدِينَا وقالَتَاه وَحْدَيْهما* صاحب العين*
الوحدانيةُ لله عزوجل والتوحيدُ الاقرارُ بها والمِيحادُ جُزْء كالمِعْشار* ابن
السكيت* لا واحدَ له ـ أى لا نظير وقد تقدم عامة كل ذلك* غيره* وَحُدَ
الشئُ صار على حِدَته والرجلُ الوَحِيدُ ـ
لا أحَدَ له يُؤْنِسُه وَحُدَ وَحَادَةً
ووَحْدَةً ووَحْدًا ووَحِدَ وتَوَحَّدَ* قال أبو على* وقولهم اثنانِ محذوفُ
مَوْضِع اللامِ كما أن قولهم ابْنانِ كذلك وللمؤنث اثْنَتانِ كما تقول ابْنتانِ
وان شئتَ بِنْتانِ وقالوا فى جمع الاثْنَيْنِ أثناء* غير واحد* ثلاثة وأربعة وخمسة
وستة وسبعة فاما الاسْبُوع والسُّبُوعُ فسبعة أيام لا تقع على غير هذا النوع
وثمانية وتسعة وعشرة وسنبين تصاريف هذه الاسماء بالفعل وأسماء الفاعلين وما بعد
الاثنين من أسماء العدد من ثلاثة الى عشرة تلحقه هاءُ التأنيث اذا كان للمذكر لان
أصل العدد وأوّله بالهاء والمذكرُ أوّلُ فحملوه على ما يحافظون عليه فى كلامهم من
المشاكلة وتنزع منها الهاء اذا كان للمؤنث فيُجْرَى الاسمُ مُجْرى عَنَاقٍ وعُقابٍ
ونحوهما من المؤنث الذى لا علامة فيه للتأنيث فتقول ثلاثةُ رجالٍ وخمسةُ حَميرٍ
وخَمْسُ نساءٍ وسبعُ أُتُنٍ وثَمانى أَعْقُبٍ تثبت الياء فى ثمانى فى اللفظ
والكتاب لان التنوين لا يلحق مع الاضافة وتسقط الياء لاجتماعها معه كما تسقط من
هذا قاض فاعلم فهذا عقد
أبى على فى كتابه
الموسوم بالايضاح* قال أبو سعيد* اعلم أن أدنى العدد الذى يضاف الى أدنى الجموع ما
كان من ثلاثة الى عشرة نحو ثلاثة وأربعة وخمسة وعشرة وأدنى الجمع على أربعة أمثلة
وهى أَفْعُلٌ وأفْعالٌ وأَفْعِلة وفِعْلَةٌ فافْعُلٌ نحو ثلاثةُ أَكْلُبٍ وأربعةُ
أمْلِس وأفعالٌ نحو خمسةُ أجْمال وسبعةُ أَجْداع وأَفْعِلة نحو ثلاثةُ أَحْمِرة
وتسعةُ أَغْربة وفِعْلَة نحو عَشْرةُ غِلْمةٍ وخمسُ نِسْوةٍ فادْنَى العدد يضاف
الى أدنى الجموع وانما أضيف اليه من قِبَلِ أن أدنى العدد بعضُ الجمع لان الجمع
أكثر منه وأضيفَ اليه كما يضاف البعض الى الكل كقولك خاتَمُ حَديدٍ وثوبُ خَزٍّ
لان الحديدَ والخَزَّ جنسانِ والثوبُ والخاتم بعضُهما فان قال قائل فكيف صارتْ
اضافةُ أدنَى العددِ الى أَدْنَى الجمع أولَى من اضافته الى الجمع الكثير قيل له
من قِبَلِ أن العددَ عددَانِ عدد قليل وعدد كثير فالقليل ما ذكرناه من الثلاثة الى
العشرة والكثير ما جاوز ذلك والجمع جَمْعانِ جمع قليل وهو ما ذكرناه من الابنية
التى قدمنا وجمع كثير وهو سائر أبنية الجمع فاختاروا اضافةَ أدنَى العددِ الى
أدنَى الجمع للمشاكلة والمطابقة وقد يضاف الى الجمع الكثير كقولهم ثلاثةُ كلابٍ
وثلاثةُ قُروءٍ لان القليل والكثير قد يضاف الى جنسه فعلى هذا اضافتُهم العددَ
القليلَ الى الجمع الكثير ولذلك قال الخليل انهم قالوا ثلاثةُ كِلَابٍ فكانهم
قالوا ثلاثة من الكلاب فحذفوا وأضافوا استخفافا ويَنْزعون الهاءَ من الثلاثة الى
العشرة فى المؤنث ويُثْبتونها فى المذكر كقولهم ثلاث نسوة وعشر نسوة وثلاثة رجال
وعشرة رجال فان قال قائل فلم أثبتوا الهاء فى المذكر ونزعوها من المؤنث ففى ذلك
جوابان أحدهما أن الثلاث من المؤنث الى العشر مؤنثات الصيغة فالثلاث مثل عَنَاق
والارْبَعُ مثل عَقْرب وكذلك الى العشر قد صيغت ألفاظُها للتأنيث مثل عَنَاق
وأَتانٍ وعَقْرَبٍ وقِدْر وفِهْرِ ويَدٍ ورِجْلٍ وأشباهٍ لذلك كثيرة فصيغت هذه
الالفاظُ للتأنيث فصارت بمنزلة ما فيه علامة التأنيث وغير جائز أن تدخل هاءُ
التأنيث على مؤنثٍ تأنيثُها بعلامة أو غيرها وهذا القول يوجب أنه متى سمى رجل
بثلاث لم يضف الى المعرفة لانه قد صار محلُّها محلَّ عَنَاقٍ اذا سمى بها رجلٌ
فاما الثلاثة الى العشرة فى المذكر فانما أدخلت الهاء فيها لانها
واقعة على جماعة
والجماعة مؤنثة والثلاث من قولنا ثلاثة مذكر فأدخلت الهاء عليه لتأنيث الجماعة ولو
سمى رجل بثلاث من قولك ثلاثة لانصرف فى المعرفة والنكرة لانه يصير محلُّها محلَّ
سَحابةٍ وسَحابٍ واذا سمى بسحابٍ رجلٌ انصرف فى المعرفة والنكرة والقول الثانى انه
فصل بين المؤنث والمذكر بالهاء ونزعها لتدل على تأنيث الواحد وتذكيره فان قال قائل
فهلا أَدْخَلُوا الهاء فى المؤنث ونزعوها من المذكر فالجواب فى ذلك أن المذكر أخف
فى واحده من المؤنث فثُقِّلَ جمعُه بالهاء وخُفِّفَ جمعُ المؤنث ليعتدلا فى
الثِّقَلِ واعلم أن الثلاثة الى العشرة من حكمها أن تضاف الا أن يضطر شاعر فينوّنَ
وينصبَ ما بعده فيقول ثلاثة أثوابا ونحو ذلك والوجه ما ذكرناه وتعرف الثلاثة
بادخال الالف واللام على ما بعدها فتقول ثلاثةُ الاثواب وخمسةُ الأشبار قال الشاعر
وهو ذو الرمة
وهل يَرْجِعُ
التسليمَ أو يكْشِفُ العَمَى
|
|
ثَلاثُ الأثافى
والديارُ البَلاقِعُ
|
فان قال قائل فلم
قالوا ثلاثةُ أثوابٍ وعَشْرُ نِسوةٍ ولم يقولوا واحدُ أثوابٍ واثْنَتا نسوةٍ
فالجواب فى ذلك أن الواحد والاثنين يكون لهما لفظ يدل على المقدار والنوع فيستغنى
بذلك اللفظ عن ذكر المقدار الذى يضاف الى النوع كقولك ثوب وامرأتان فدل ثوب على
الواحد من هذا الجنس ودلت امرأتان على ثنتين من هذا الجنس فاستغنى بذلك عن قولك
واحدُ أثوابٍ وثنتا نسوةٍ وقد جاء فى الشعر قال الرّاجز
كأَنّ
خُصْيَيْهِ من التَّدَلْدُلِ
|
|
ظَرْفُ عجوزٍ
فيه ثِنْتا حَنْظَلِ
|
أراد ثنتان فاضاف
ثنتا الى نوع الحنظل وأما ثلاثة الى العشرة فليس فيه لفظ يدل على النوع والمقدار
جميعا فاضيف المقدار الذى هو الثلاثة الى النوع وهو ما بعدها واعلم أنك اذا جاوزت
العشرةَ بنيت النَيِّفَ والعشرةَ الى تسعة عشر فجعلتهما اسما واحدا كقولك أحد عشر
وتسعة عشر وفتحت الاسم الاوّل والذى أوجب بناءهما أن معناه أحد وعشرة وتسعة وعشرة
فنزعت الواو وهى مقدرة والعدد متضمن لمعناها فبنيا لتضمنهما معنى الواو وجعلا كاسم
واحد فاختير الفتح لهما لان الثانى حين ضم
الى الاول صار
بمنزلة تاء التأنيث يفتح ما قبلها وفتح الثانى لان الفتح أخف الحركات ولأن يكون
مثل الاول لانهما اسمان جعلا اسما واحدا فلم يكن لاحدهما على الآخر مزيةٌ فَجَريا
مَجْرًى واحدًا فى الفتح وقد قلنا ان الذى أوجب فتح الاول هو ضم الثانى اليه
وإجْراءُ الثانى مُجْراه لانه ليس أحدهما أولى بشئ من الحركات من الآخر وانتصب ما
بعدهما من قبل أن فيهما تقدير التنوين ولا يصح الا كذلك اذ تقديره خمسة وعشرة
فالخمسة ليس بعدها شئ أضيفت اليه فوجب أن تكون منونة والعشرة مَحَلُّها محلُّ
الخمسةِ فكانت منونةً مثلَها وأيضا فانا لم نر شيئين جعلا اسما وهما مضافان أو
أحدهما مضاف فوجب نصب ما بعدهما للتنوين المقدر فيهما وجعل ما بعدهما واحدا منكورا
أما جعلْنا له واحدا فلانهما قد دلا على مقدار العدد وبقى الدلالة على النوع فكان
الواحدُ منه كافيا اذ كان ما قبله دل على المقدار والعدد وأما جعلنا اياه منكورا
فلان النكرة شائعة فى جنسها وليست ببعض الجنس أولى منه ببعض فكانتْ أشكَل بالمعنى
الذى أريدت له من الدلالة على الجنس وأدخلَ فيه من غيرها فبُيِّنَ بها النوعُ الذى
احتيج الى تبيينه وذلك قولُك أحَدَ عَشَرَ رجلا وخمسَ عشرةَ امرأة فاما المذكر
فانك تقول أحدَ عَشَرَ رجلا واثنا عشر رجلا وثلاثةَ عَشَر رجلا الى تسعةً عَشَرَ
رجلا فاما أحد فالهمزة فيه منقلبة من واو وقد أبنتُ ذلك وأوضحته بشرح الفارسى
وكذلك احدى عشرة وقد أبنتها هنالك وأما اثنا عشر فما بعدها فقد أبنتها فى المبنيات
بغاية الشرح فلا حاجة بنا الى اعادتها هنا وأما ثنتا عشرة ففيها لغتان ثِنْتَا
عَشْرةَ واثنتا عشرة فالذى قال اثنتا عشرة بناه على المذكر فقال للمذكر اثنان
وللمؤنث اثنتان كما تقول ابنان وأبنتان والذى يقول ثِنْتا عشرة بَنَى ثِنْتا على
مثال جِذْعِ كما قال بِنْت فألحقها بِجِذْعٍ وتقول ثِنْتانِ كما تقول بِنْتانِ ولم
تدخل هذه التاء على تقدير أن يكون ما قبلها مذكرا لانها لو دخلت على سبيل ذلك
لأوجبتْ فَتْحَ ما قبلها والكلام فى تغير الالف فى ثنتان واثنتان اذا قلت ثنتا
عشرة وثنتى عشرة وأما ثمانى عشرة فان أكثر العرب يقولون ثمانِىَ عَشْرةُ كما
يقولون ثلاثَ عَشْرةَ وأربعَ عَشْرَةَ ومنهم من يسكن الياء فيقول ثمانى عشرة قال
الشاعر
صَادَف من
بَلائِه وشِقْوَتِهْ
|
|
بنتَ ثَمانِى
عَشْرةٍ من حِجَّتِهْ
|
وانما أسكن الياء
كما أسكن فى معد يكرب وقَالِى قَلَا وأيادى سَبَا لان الياء أثقل من غيرها وغيرها
من الصحيح انما يفتح اذا جعل مع غيره اسما واحدا فسكنت الياء اذ لم يبق بعد الفتح
الا التسكين وفى عشرة لغتان اذا قلت ثلاثَ عشرةَ فاما بنو تميم فيفتحون العين
ويكسرون الشين ويجعلونها بمنزلة كَلِمَة وأهل الحجاز يفتحون العين ويسكنون الشين
فيجعلونها مثل ضَرْبة وهذا عكس ما عليه لغة أهل الحجاز وبنى تميم لان أهل الحجاز
فى غير هذا يُشْبعون عامةَ الكلام وبنو تميم يخففون فان قال قائل فلم قالوا عَشِرة
فكسروا الشين قيل له من قِبَلِ أن عشر فى قولك عشر نسوة مؤنثة الصيغة فلم يصح دخول
الهاء عليها فاختار والفظة أخرى يصح دخول الهاء عليها وخفف أهل الحجاز ذلك كما
يقال فَخِذٌ وفَخْذ وعَلِمَ وعَلْمَ ونحو ذلك وعلى هذا الحكم يجرى من الواحد الى
التسعة فاذا ضاعفت أدنى العدد كان له اسم من لفظه ولا يثنى العقد ويجرى ذلك الاسم
مجرى الواحد الذى لحقته الزيادة للجمع ويكون حرفُ الاعراب الواوَ والياءَ وبعدهما
النونُ ويكون لفظُ المذكر والمؤنث فى ذلك سواءً ويُفَسَّرُ بواحد منكور وذلك قولهم
عشرون درهما فان قال قائل ما هذه الكسرة التى لحقت أول العشرين وهلا جرت على
عَشِرة فيقال عَشِرين أو على عَشْرِ فيقال عَشْرِين والجواب فى ذلك أن عِشْرِين
لما كانت واقعة على الذكر والانثى كسر أولها للدلالة على التأنيث وجمع بالواو
والنون للدلالة على التذكير فيكون آخذا من كل واحد منهما بشبهين فان قال قائل فقد
كان ينبغى على هذا القياس أن يجعلوا هاتين العلامتين فى الثلاثين الى التسعين قيل
قد يجوز أن تكون الثلاث من الثلاثين هى الثلاث التى للمؤنث ويكون الواو والنون
لوقوعه على التذكير فيكون قد جمع للثلاثين لفظ التذكير والتأنيث فيكون على قياس
العلة الاولى مطردا ويجوز أن يكون اكتفوا بالدلالة فى العشرين عن الدلالة فى غيره
من الثلاثين الى التسعين فجرى على مثل ما جرى عليه العشرون فاذا وقع العشرون على
المذكر والمؤنث كان الثلاثون مثله واكتفى بعلامة التأنيث فى العشرين عن علامة فى
الثلاثين ودليل آخر فى كسر
العين من عشرين
وهو أنا رأيناهم قالوا فى ثلاث عشرات ثلاثون وفى أربع عشرات أربعون فكانهم جعلوا
ثلاثين عَشْرَ مرارٍ ثلاثةً وأربعين عَشْرَ مرار أربعةً الى تسعين فاشتقوا من لفظ
الآحاد ما يكون لعشر مراتِ ذلك العدد فكان قياس العشرين من الثلاثين أن يقال
اثْنِينَ واثْنُونَ لعَشْرِ مرارِ اثْنَيْن الا أنهم تجنبوا ذلك لان اثنين لا يكون
الا مثنى فلو قلنا اثْنِينَ كنا قد نزعنا اثْنًا من الاثنين وأدخلنا عليه الواو
والنون واثْنٌ لا يستعمل الا مع حروف التثنية فبَطَلَ استعمالُه فى موضع العشرين
فلما اضطروا لهذه العلة الى استعمال العشرين كسروا أوّله لان اثنين مكسور الاول
فكسروا أول العشرين كذلك وأدخلوا الواو والنون لانه يقع على المذكر واذا اختلط
المذكر والمؤنث فى لفظ غلب التذكير وانفرد اللفظ به ودليل آخر وهو أنهم يقولون فى
المؤنث احدى عَشِرَةَ وتسعَ عَشِرَةَ فلما جاوزوها الى العشرين نقلوا كسرة الشين
التى كانت للمؤنث الى العين كما يقولون فى كَذِبٍ كِذْبٌ وفى كَبِدٍ كِبْدٌ وجمعوه
بالواو والنون كما يفعلون فى الاشياء المؤنثة المحذوف منها الهاآت عوضا من المحذوف
كقولهم فى سنة سِنينَ وسِنُونَ وفى أَرْضٍ أَرَضُون وأَرْضُون وفى ثُبِة ثُبون
وثِبُون وهذا كثير جدا والجمع بالواو والنون له مزية على غيره من الجموع فجعل عوضا
من المحذوف واعلم أن عشرين ونحوها ربما جُعِلَ اعرابُها فى النون وأكثر ما يجىء
ذلك فى الشعر فاذا جعل كذلك ألزمت الياء لانها أخف من الواو كما فعلوا ذلك فى
سِنِين اذا جعلوا اعرابها فى النون قالوا أتَتْ عليه سِنينٌ قال الشاعر
وانّ لنا أبا
حَسَنٍ عَلِيًّا
|
|
أَبٌ بَرٌّ
ونحنُ له بَنِينُ
|
وأنشد لغيره
أرَى مَرَّ
السَّنِينِ أَخَذْنَ مِنِّى
|
|
كما أخَذَ
السِّرارُ من الهِلَالِ
|
وقال سُحَيْم
وما ذا تَدَّرِى
الشَّعراءُ مِنِّى
|
|
وقد جاوزتُ رأسَ
الارْبَعِينِ
|
أَخُو خَمْسِينَ
مُجْتمعٌ أَشُدِّى
|
|
ونَجَّذنِى
مُدَاورَةُ الشُّؤُونِ
|
هذا عامة قول
البصريين انه متى لزم النونَ الاعرابُ لزم الياءُ وصار بمنزلة قِنِّسْرين
وغِسْلِينٍ وأكثر ما
يجىء هذا فى الشعر وقد زعم بعضهم أنه قد يجوز أن يلزم الواوُ وان كان الاعرابُ فى
النون وزعم أن زَيْتُونا يجوز أن يكون فَيْعُولاً ويجوز أن يكون فَعْلُونَا وهو
الى فَعْلُونٍ أقربُ لانه من الزَّيْتِ وقد لزم الواو* وقال سيبويه* لو سمى رجل
بمُسْلِمين كان فيه وجهان ان جعلت الاعرابَ فى الواو فتحتَ النونَ على كل حال
وجعلتَ فى حال الرفع واوا وفى حال النصب والجر ياء كقولك جاءنى مسلمون ورأيت
مسلمين ومررت بمسلمين فهذا ما ذكره ولم يزد عليه شيئا وقد رأينا فى كلام العرب
وأشعارها بالرواية الصحيحة وجها آخر وهو أنهم اذا سموا بجمع فيه واو ونون فقد
يلزمون الواوَ على كل حال ويفتحون النونَ ولا يحذفونها فى الاضافة فكانهم حكوا لفظ
الجمع المرفوع فى حال التسمية وألزموه طريقة واحدة قال الشاعر
ولَها
بالماطِرُونَ اذَا
|
|
أكَلَ النَّمْلُ
الذى جَمَعَا
|
ففتح نُونَ
الماطرونَ وأثبت الواو وهو فى موضع جر والعرب تقول الياسَمُون فى حال الرفع والنصب
والجر ويقولون ياسَمُونَ البَرِّ فيثبتون النون مع الاضافة ويفتحونها ومنهم من
يرويه بالمَاطِرونِ ويُعْرِبُ الياسَمُون وكذلك الزَّيْتُونُ وهو الأجود فاذا زدت
على العشرين نَيِّفًا أعربته وعطفتَ العِشْرين عليه كقولك أخذتُ خمسةً وعشرين وهذه
ثلاثة وعشرون لانه لا يصح أن يبنى اسم مع اسم وأحدهما معرب ولم يقع الآخر فى شئ
منه كوقوع عَشر فى موضع النون من اثنى عشر وتنصب ما بعد العشرين الى تسعين وتوحد
وتنكر والذى أوجب نصبه أن عشرين جمعٌ فيه نون بمنزلة ضاربين ويجوز اسقاط نونه اذا
أضيف الى مالك كقولك هذه عشر وزيد وعشرون تطلب ما بعدها وتقتضيه كما أن ضار بين
يطلب ما بعده ويقتضيه فتنصب ما بعد العشرين كما نصبت ما بعد الضاربين من المفعول
الذى ذكرناه الا أن عشرين لا يعمل الا فى منكور ولا يعمل فيما قبله لانه لم
يقوقوّة ضاربين فى كل شئ لانه اسم غير مشتق من فعل فلم يتقدم عليه ما عمل فيه لانه
غير متصرف فى نفسه ولم يعمل الا فى نكرة من قِبَلِ أن المعنى فى عشرين درهما عشرون
من الدراهم فاسْتَخَفُّوا وأرادوا
الاختصارَ فحذفوا
مِنْ وجاؤا بواحد منكور شائع فى الجنس فدَلُّوا به على النوع ولا يجوز أن يكون
التفسير الا بواحد اذ كان الواحد دالا على نوعه مُسْتَغْنًى به فاذا أردت أن تجمع
جماعاتٍ مختلفةً جاز أن تفسر العشرين ونحوَها بجماعة فتكون عشرون كلُّ واحد منها
جماعةٌ ومثلُ ذلك قولُك قد التقى الخَيْلانِ فكل واحد منهما جماعة خيل فعلى هذا تقول
التقى عشرون خيلا على أن كل واحد من العشرين خيلٌ قال الشاعر
تَبَقَّلَتْ
مِنْ أَوَّلِ التَّبَقُّلِ
|
|
بينَ رِماحَىْ
مالِكٍ ونَهْشَلِ
|
لان مالكا
ونَهْشَلاً قبيلتانِ وكل واحدة منهما لها رماح فلو جمعتَ على هذا لقلتَ عشرون
رِماحًا قد الْتَقَتْ تريد عشرين قبيلة لكل منها رماح ولو قلت عشرون رُمْحًا كان
لكل واحد منها رُمْح قال الشاعر
سَعَى عِقَالاً
فلم يَتْرُكْ لنا سَبَدًا
|
|
فكيفَ لو قَدْ
سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْنِ
|
لَأصْبَح القومُ
قد بادُوا ولم يَجِدُوا
|
|
عِنْدَ
التَّفَرُّقِ فى الهَيْجا جِمالَيْنِ
|
أراد جِمالاً لهذه
الفِرقة وجمالا لهذه الفرقة فاذا بلغتَ المائةَ جئتَ بلفظ يكون للذكر والانثى وهو
مائة كما كان عشرون وما بعدها من العُقود وبينتَ المائة باضافتها الى واحد منكور
فان قال قائل ما العلة التى لها أُضِيفَتْ الى واحد منكور فالجواب فى ذلك أنها
شابهت العشرةَ التى حكمُها أن تضافَ الى جماعة والعشرين التى حكمها أن تميز بواحد
منكور فاخِذَ من كل واحد منهما شَبَهٌ فاضيف بِشَبَهِ العشرة وجُعِلَ ما يضافُ
اليه واحدا بشَبَه العِشرين لانها يضاف اليها نوع يبينها كما يُبَيِّنُ النوعُ
المُمَيِّزُ العشرين فان قال قائل وما شَبَهُها من العشرة والعشرين قيل له أما
شبهها من العشرة فلانها عَقْدٌ كما أن العشرة عقد وأما شبهها من العشرين فلانها
تلى التسعين وحكمُ عَشْرِة الشئِ كحكم تِسْعَتِه ألا ترى أنك تقول تسعة أثواب
وعشرة أثواب فتكون العشرةُ كالتسعة والمائةُ من التسعين كالعشرة من التسعة وذلك
قولك مائتا درهم ومائتا ثوب ونحو ذلك ويجوز فى الشعر ادخالُ النون على المائتين
ونصبُ ما بعدها قال الشاعر
اذا عاشَ
الفَتَى مائتينِ عامًا
|
|
فقد ذَهَبَ
الَّلذاذةُ والفَتاءُ
|
وقال آخر أيضا
أَنْعَتُ
عَبْرًا مِنْ حَمِير خَنْزَرهْ
|
|
فى كُلِّ عَيْرٍ
مائتانٍ كَمرَهْ
|
فاذا أردت تعريف
المائة والمائتين أدخلتَ الالفَ واللامَ فى النوع وأضفتَها اليه كقولك مائةُ
الدرهم ومائتا الثوب فاذا جمعتَ المائةَ أضفت الثلاثَ فقلت ثلاثمائة الى تسعمائة
فان قال قائل هَلَّا قلتم ثلاثُ مِئينَ أَو مِئاتٍ كما قلتم ثلاثُ مسلماتٍ وتِسْعُ
تَمَراتٍ فالجواب فى ذلك أنا رأينا الثلاثَ المضافة الى المائة قد أشبهت العشرين
من وجه وأشبهت الثلاثَ التى فى الآحاد من وجه فاما شبهها بالعشرين فَلِانَّ
عقْدَها على قياس الثلاثِ الى التِّسع لانك تقول ثلاثُمائةٍ وتسعمائةٍ ثم تقول
ألفٌ ولا تقول عَشْرُ مائةٍ فصار بمنزلة قولك عشرون وتسعون ثم تقول مائةٌ على غير
قياس التسعين وتقول فى الآحاد ثلاثُ نسوةٍ وعَشْرُ نِسْوةٍ فتكون العَشْرُ بمنزلة
التأنيث فاشبهت ثلاثُمائةٍ العشرين فبُيِّنَتْ بواحدٍ وأشبهت الثلاثَ فى الآحاد
فجعل بيانُها بالاضافة والدليل على صحة هذا أنهم قالوا ثلاثةُ آلافٍ فانما أضافوا
الثلاثةَ الى جماعةٍ لانهم يقولون عشرةُ آلافٍ فلما كان عَشَرَتُه على غير قياس
ثلاثته أَجْرَوْه مُجْرَى ثلاثةِ أثوابٍ لانهم قالوا عشرةُ أثوابٍ فاذا قلت
ثلاثمائةٍ فحكم المائة بعد اضافة الثلاث اليها أن تضاف الى واحد منكور كحكمها حين
كانت منفردة ويجوز أن تُنَوَّنَ وتُمَيَّزَ بواحدٍ كما قيل مائتانِ عامًا فاما
قولُ الله عزوجل (ثَلاثَ مِائَةٍ
سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) فان أبا اسحق الزجاج زعم أن سنين منتصبةٌ على البدل من
ثلاثِمائةٍ ولا يصح أن تُنْصَبَ على التمييز لانها لو انتصت بذلك فيما قال لوجب أن
يكونوا قد لَبِثُوا تِسْعَمائة وليس ذلك بمعنى الآية وقبيحٌ أن يُجْعَل سِنين نعتا
لها لانها جامدة ليس فيها معنى فِعْلٍ وقال الفراء يجوز أن تكون سنين على التمييز
كما قال عنترة فى بيت له
فيها اثْنَتانِ
وأربعونَ حَلُوبةً
|
|
سُودًا كخَافيةِ
الغُرابِ الاسْحَمِ
|
ويروى سُودٌ فقد
جاء فى التمييز سُودًا وهى جماعة* قال أبو سعيد* ولابى اسحق أن يفصل بين هذا وبين
سنين بانَّ سُودًا انما جاءت بعد المميز فيجوز أن يُحْمَلَ على
اللفظ مرةً وعلى
المعنى مرةً كما تقول كُلُّ رجلٍ ظَريفٍ عندى وان شئتَ قلتَ ظريفٌ فتحمله مرة على
اللفظ ومرة على المعنى وليس قبل سنين شئ وقَعَ به التمييز فيكون سنين مثل سودا
واعلم أن مائة ناقصةٌ بمنزلة رِئَةٍ وإرَةٍ فلك أن تجمعها مِئُونَ فى حال الرفع
ومِئين فى حال النصب والجر وان شئت قلت مِئِينٌ فجعلتَ الاعرابَ فى النون وألزمته
الياء وان شئت قلت مِئَاتٌ كما تقول رِئَاتٌ وأما قول الشاعر
* وحاتِمُ الطَّائِىُّ وَهَّابُ المِئِى*
فقد اختلف
النحويون فى ذلك فقال بعضهم أراد جمعَ المائة على الجمع الذى بينه وبين واحده
الهاء كقولك تمرة وتمر فكانه قال مائةٌ ومِئٌ ثم أطلق القافية للجر وقال بعضهم
أراد المِىَّ وكان أصله المَئِىّ على مثال فَعِيل لان الذاهب من المائة إما واو
واما ياء فان كانت ياء فهى مئِىٌّ وان كانت واوا انقلبت أيضا ياء وصار لفظها واحدا
ثم تُكْسَر الميم وذلك أن بنى تميم يكسرون الفاء من فَعيل اذا كانت العين أحد
الحروف الستة وهى حروف الحلق كقولهم شِعِير ورِحِيم فيقولون فى ذلك مِىٌّ وأصله
مَئِىٌّ ومما جاء على هذا المثال من الجمع مَعِيزٌ جمع مَعَزٍ وكَلِيبٌ وعَبيد
وغير ذلك مما جاء على فعيل فعلى هذا القول مِىٌّ مشدد ويجوز تخفيفها فى القافية
المقيدة كما ينشد بعضهم قول طرفة فى بيت له
أَصَحَوْتَ
اليومَ أَمْ شاقَتْكَ هِرْ
|
|
ومِنَ الحُبِّ
جُنُونٌ مُسْتَعِرْ
|
وقال بعض النحويين
انما هو مِئِينٌ فاضْطُرَّ الى حَذْفِ النون كما قال
* قَواطِنًا مكةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِى*
فاذا بلغتَ الالفَ
أضفته الى واحدٍ فقلت ألف درهم كما أضفت المائة الى واحد حين قلت مائة درهم والعلة
فيه كالعلة فيها من قِبَلِ أن الالْفَ على غير قياس ما قبله لانك لم تقل عشر مائة
كما قلت تسعمائة وضعتَ لفظا يدل على العقد الذى بعد تسعمائة غَيْرَ جارٍ على شئ
قبله كما فعلتَ ذلك بالمائة حين لم تُجْرِها على قياس التسعين فاذا جمعت الالف
جمعته على حدّ ما تجمع الواحدَ وتُضيف ثلاثَته الى جماعةِ نوعِه فتقول ثلاثةُ
آلافٍ وعشرةُ آلاف كما قلت ثلاثة أثوابٍ وعشرةُ أثوابٍ وانما
خالف جمعُ الألف
فى الاضافة جمعَ المائة لان الالفَ عشرتُه كثلاثته فصار بمنزلة الاحاد التى
عشرتُها كثلاثتها وليس عشرة المائة كثلاثتها وقد بينا هذا فيما تقدم وليس بعد
الالْفِ شئ من العدد على لفظ الآحاد فاذا تضاعف أعيد فيه اللفظُ بالتكرير كقولك
عشرةُ آلافِ ألفٍ ومائةُ ألفِ ألفٍ ونحو ذلك وانما قلت عشرةُ آلافٍ لان الالفَ قد
لزم اضافتُه الى واحد فى تبيينه وكذلك جماعتُه كواحده فى تبيينه بالواحد من النوع
واعلم أن الالف مذكر تقول أخذتُ منه ألفا واحدا قال الله تعالى (بِثَلاثَةِ آلافٍ) فأدخل الهاء على الثلاثة فدل على تذكير الالف وربما قيل
هذه ألفُ درهمٍ يريدون الدراهمَ
بابُ ذكرك الاسم الذى تُبَيّنُ به العِدَّةَ كم هى مع
تمامها الذى هو من ذلك اللفظ
فبناءُ الاثنين
وما بعده الى العشرة فاعلٌ وهو مضاف الى الاسم الذى يُبَيَّنُ به العَدَدُ ذكر
سيبويه فى هذا الباب من كتابه ثانِىَ اثنين وثالثَ ثلاثةٍ الى عاشر عشرة فاذا قلت
هذا ثانى اثنين أو ثالثُ ثلاثةٍ أو رابعُ أربعةٍ فمعناه أحدُ ثلاثةٍ أو بعضُ
ثلاثةٍ أو تمامُ ثلاثةٍ وقولُنا فى ترجمة الباب الاسم الذى تُبَيِّنُ به العِدَّةَ
كمْ هِىَ نعنى ثلاثةً وقولُنا مع تمامها الذى هو من ذلك اللفظ نعنى ثالثا لانه
تمامُ ثلاثةٍ وهذا التمامُ يُبْنَى على فاعل كما قلنا فيقال ثانِى اثنين وثالثُ
ثلاثةٍ وتُجْرى الاوّلَ منها بوجوه الاعراب الى عاشر عشرةٍ قال الله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ
اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) وقال (ثانِيَ اثْنَيْنِ
إِذْ هُما فِي الْغارِ) وقد كنتُ ذكرتُ فى المبنيات من أحدَ عَشَرَ الى تسعةَ
عَشَرَ ما فيه كفاية ولكنى أذكر ههنا منه جملةً فيها ما لم أذكره هناك اذ كان هذا
بابه ان شاء الله تعالى هذا الباب يشتمل على ضربين أحدهما وهو الاكثر فى كلام
العرب على ما قاله سيبويه أن يكون الاولُ من لفظ الثانى على معنى أنه تمامُه
وبعضُه وهو قولك هذا ثانى اثنين وثالث ثلاثة وعاشر عشرة
ولا ينوّن هذا
فينصب ما بعده فيقال ثالثٌ ثلاثةً لان ثالثا فى هذا ليس يَجْرى مَجْرَى الفعل
فيصير بمنزلة ضاربٍ زيدًا وانما هو بعضُ ثلاثةٍ وأنتَ لا تقول بعضٌ ثلاثةً وقد
اجتمع النحويون على ذلك الا ما ذكره أبو الحسن بن كَيْسانَ عن أبى العباس ثعلب انه
أجاز ذلك قال أبو الحسن قلتُ له اذا أجزتَ ذلك فقد أجريته مُجْرَى الفعل فهل يجوز
أن تقول ثَلَثْتُ ثلاثةً قال نعم على معنى أتممت ثلاثةً والمعروفُ قول الجمهور
وقال بعضهم سَبَعْتُ القومَ وأسبعتُهم ـ صَيَّرْتُهم سبعةً وسَبَعْتُ الحبلَ أَسْبَعُه ـ فتلُته على سبع قُوًى وكانوا ستةً فأَسْبَعُوا ـ صاروا
سبعة وأسْبعْتُ الشئَ وسَبَعْتُه ـ صيرتُه سبعةً ودراهمُ وَزْنُ سبعةٍ لانهم جعلوا
عشرةَ دراهم وَزْنَ سبعة مثاقيلَ وسُبِعَ المولُود ـ حُلِقَ رَأْسُهُ وذُبحَ عنه لسبعةٍ وسَبَّع
اللهُ لك ـ رَزَقَكَ سبعةَ أولادٍ وسَبَّعَ اللهُ لك ـ ضَعَّفَ
لك ما صَنَعْتَ سبعَ مرات وسَبَّعْتُ الاناءَ ـ غَسَلْتُه سَبْعًا ولهذه الكلمة تصاريفُ قد
أبَنْتُها فى مواضعها فاذا زدتَ على العشرة فالذى ذكره سيبويه بناءُ الاول والثانى
وذلك حادى عشر وثانى عشر وثالث عشر ففتح الاوّل والثانى وجعلهما اسما واحدا وجعل فتحهما
كفتح ثلاثة عشر وذكر أن الاصلَ أن يقال حادىَ عَشَرَ أحَدَ عَشَرَ وثالثَ عَشَرَ
ثَلاثة عشر فيكون حادى بمنزلة ثالثٍ لان الثالث قد استغرق حروفَ ثلاثةٍ وبنى منها
فكذلك ينبغى أن يستغرق حادى عشر حروفَ أحَدَ عَشَر وقد حكاه أيضا فقال وبعضهم يقول
ثالثَ عَشَرَ ثلاثةَ عَشَرَ وهو القياسُ وقد أنكر أبو العباس هذا وذكر أنه غير
محتاج الى أن يقول ثالثَ عَشَرَ ثلاثةَ عَشَرَ وأن الذى قاله سيبويه خلافُ مذهب
الكوفيين وكانَّ حجةَ الكوفيين فيما يَتَوَجَّهُ فيه أن ثلاثة عشر لا يمكن أن يبنى
من لفظهما فاعل وانما يبنى من لفظ أحدهما وهو الثلاثة فذكر عشر مع ثالث لا وجه له
وقد قدّمنا احتجاجَ سيبويه لذلك مع حكايته اياه عن بعضهم ويجوز أن يقال انه لما لم
يمكن أن يبنى منهما فاعل وبنى من أحدهما احتيج الى ذكر الآخر لينفصلَ ما هو أحدُ
ثلاثةٍ مما هو أحدُ ثلاثةَ عَشَر فأتى باللفظ كله والضرب الثانى من الضربين أن
يكون التمام يجرى مجرى اسم الفاعل الذى يعمل
فيما بعده ويكون
لفظ التمام من عدد هو أكثر من المتمم بواحد كقولك ثالثُ اثنين ورابعُ ثلاثةٍ
وعاشرُ تسعةٍ ويجوز أن ينون الاولُ فيقال رابعٌ ثلاثةَ وعاشرٌ تسعةً لانه مأخوذٌ
من الفعل تقول كانوا ثلاثةً فَرَبَعْتُهم وتسعة فعشرتهم فانا عاشرُهم كقولك ضربتُ
زيدا فأنا ضاربٌ زيدا وضاربُ زيدٍ قال الله تعالى (ما يَكُونُ مِنْ
نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) وقال سيبويه* فيما زادَ على العشرة فى هذا الباب هذا رابعُ
ثلاثةَ عَشَرَ كما قلتَ خامسُ أَرْبعةٍ ولم يحكه عن العرب والقياسُ عند النحويين
أن لا يجوز ذلك وقد ذكره المبرد عن نفسه وعن الاخفش أنهم لم يجيزوه لان هذا الباب
يَجْرِى مَجْرَى الفاعل المأخوذ من الفعل ونحن لا نقول رَبَعْتُ ثلاثةَ عَشَرَ ولا
أعلم أحدا حكاه فان صح أن العرب قالته فقياسه ما قال سيبويه وأما قولهم حادِى
عَشَرَ وليس حادى من لفظِ واحدٍ والباب أن يكون اسمُ الفاعل الذى هو تمامٌ من لفظِ
ما هو تمامُه ففيه قولان أحدهما أن حادِى مقلوبٌ من واحد استثقالا للواو فى أول
اللفظ فلما قُلِبَ صار حادِوٌ فوقعت الواو طَرَفا وقبلها كسرة فقلبوها ياء كما
قالوا غازِى وهو من غزوت وأصله غازِوٌ وذكر الكسائى أنه سمع من الاسْدِ أو بعضِ
عبد القيس واحِدَ عَشَرَ يا هذا وقال بعض النحويين وهو الفراء حادِى عَشَرَ من
قولك يَحْدُو أى يَسُوقُ كانَّ الواحدَ الزائدَ يسوق العَشَرةَ وهو معها وأنشد
أَنْعَتُ
عَشْرًا والظَّلِيمُ حادِى
|
|
كانَّهُنَّ
باعالِى الوادِى
|
* يَرْفُلْنَ فى مَلَاحِفٍ جِيَادِ*
|
وفى ثالثَ عَشَرَ
وبابِها ثلاثةُ أوجه فان جئتَ بها على التمام على ما ذكر سيبويه فقلت ثالثَ عَشَرَ
ثلاثةَ عَشَرَ فتحتَ الاوّلين والآخرين لا يجوز غير ذلك وان حذفتَ فقلتَ ثالثَ
ثلاثةَ عَشَر أعربتَ ثالثا بوجوه الاعراب وفتحت الآخرين فقلتَ هذا ثالِثُ ثلاثةَ
عَشَرَ ورأيتُ ثالثَ ثلاثةَ عَشَرَ ومررتُ بثالثِ ثلاثةَ عَشَر لا يجوز غير ذلك
عند النحويين كُلِّهم وان حذفتَ ما بين ثالث وعَشَر الاخير فالذى ذكره سيبويه
فتحهما جميعا وذكر الكوفيون أنه يجوز أن يُجْرَى ثالثٌ بوجوه الاعراب ويجوز أن
يُفْتَح فمن
أَجْراه بوجُوه
الاعرابِ أراد هذا ثالثُ ثلاثةَ عَشَر ومررت بثالثِ ثلاثةَ عَشَرَ ثم حَذَفَ
ثلاثةً تخفيفا وبَقَّى ثالثا على حكمه ومن بنى ثالثا مع عشر أقامه مُقامَ ثلاثةٍ
حين حذفَها وهذا قول قريب ولم ينكره أصحابنا وقال الكسائى سمعت العرب تقول هذا
ثالثُ عَشَرَ وثالثَ عَشَرَ فرفعوا ونصبوا* قال سيبويه* وتقول هذا حادِى أَحَدَ
عَشَرَ اذا كنَّ عشرِ نِسْوةٍ معهن رجل لان المذكر يغلب المؤنث ومثلُ ذلك قولك
خامسُ خَمْسةٍ اذا كنَّ أربع نسوة فيهن رجل كانك قلتَ هو تَمامُ خمسةٍ وتقول هو
خامسُ أربع اذا أردتَ أنه صَيَّرَ أربَع نِسْوةٍ خمسا* قال سيبويه* وأما بِضْعَةَ
عَشَرَ فبمنزلة تسعةَ عَشرَ فى كل شئ وبِضْعَ عَشِرَةَ كتِسْعَ عَشِرةَ فى كل شئ*
قال الفارسى* بضعة بالهاء عددُ مبهم من ثلاثة الى تسعة من المذكر وبِضْعٌ بغير
الهاء عدد مبهم من ثلاث الى تسع من المؤنث وهى تُجْرَى مفردةً ومع العشرة مُجْرَى
الثلاثةِ الى التسعةِ فى الاعراب والبناء تقول هؤلاء بِضْعةُ رجال وبضعُ نسوةٍ قال
الله تعالى (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ
غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ) وفيما زاد على العشرة هؤلاء بضعةَ عَشَرَ رجلا وبضعَ
عَشْرةَ امرأةً وهى مشتقة والله أعلم من بَضَعْتُ الشئَ اذا قَطَعْته كانه قِطْعةٌ
من العَدد وقد كان حقه أن يذكر فى الباب الاوّل لان هذا البابَ انما ذُكِرَ فيه
العَددُ المتممُ نحو ثالثُ ثلاثةٍ ورابعُ أَرْبَعةٍ ولكنه ذَكرَها هنا لِتَرى أنه
ليس بمنزلة ثالثَ عَشَرَ أو ثالثةَ عَشْرةَ فاعلمه ومن قول الكسائى هذا الجزء
العاشرُ عِشْرِينَ ومن قول سيبويه والفراء هذا الجزءُ العِشْرونَ وهذه الورقةُ
العشرونَ على معنى تَمامِ العشرين فتَحْذِفُ التمامَ وتُقيم العشرين مُقامَه وكذلك
تقول هذا الجزء الواحدُ والعشرون والاحَدُ والعشرون وهذه الورقةُ الاحْدَى
والعشرون والواحدةُ والعشرون وكذلك الثانى والعشرون والثانيةُ والعشرون وما بعده
الى قولك التاسعُ والتسعون وتقول هو الاوّل والثانى والثالث والرابع والخامس وقد
قالوا الخامى* قال أبو على* وهو من شاذ المحوّل كقولهم أَمْلَيْتُ فى أَمْلَلْتُ
ولا أَمْلَاهُ يريدون لا أمَلُّه الا أن هذا حُوِّل للتضعيف وخامسٌ ليس فيه تضعيف
فاذًا هو من باب حَسَيْتُ وأَحَسْتُ فى حَسَسْتُ وأَحْسَسْتُ وقالوا سادسٌ وسادِ
على حَدِّ خَام وأنشد ابن السكيت
اذا ما عُدَّ
أربعةٌ فِسَالٌ
|
|
فزوجُكِ خامِسٌ
وحَمُوكِ سادِى
|
وفى هذا ثلاث لغات
جاء سادِسًا وسَادِيًا وسَاتًّا فمن قال سادسا أخرجه على الاصل ومن قال سَاتًّا
فعلى اللفظ ومن قال سادِيًا فعلى الابدال والتحويل الذى قدّمنا وأنشد ابن السكيت
بُوَيْزِلُ
أَعْوامٍ أذاعتْ بخمسةٍ
|
|
وتَجْعَلُنِى إن
لم يَقِ اللهُ سَادِيا
|
وأنشد أيضا
مَضَى ثَلاثُ
سِنِينٍ مُنْذُ حُلَّ بها
|
|
وعامُ حُلَّتْ
وهذا التَّابعُ الخامى
|
يريد الخامس* قال
أبو على* فى العقود كلها هو المُوَفِّى كذا وهى المُوَفِّيةُ كذا كقولك المُوَفِّى
عشرين والمُوَفِّية عشرين
هذا باب المؤنث الذى يقع على المؤنث والمذكر
وأصله التأنيث
اعلم أن المذكر قد
يعبر عنه باللفظ المؤنث فيجرى حكمُ اللفظ عَلى التأنيثِ وان كان المعبر عنه مذكرا
فى الحقيقة ويكون ذلك بعلامةِ التأنيثِ وبغير علامةٍ فأما ما كان بعلامة التأنيث
فقولُك هذه شاة وان أردتَ تَيْسًا وهذه بقرة وان أردتَ ثورا وهذه حمامة وهذه
بَطَّة وان أردت الذَّكر وأما ما كان بغير علامة فقولك عندى ثلاثٌ من الغنم وثلاثٌ
من الابل وقد جعلت العرب الابل والغنم مؤنثين وجعلت الواحد منهما مؤنث اللفظ
كأَنَّ فيها هاءً وان كان مذكرا فى المعنى كما جعلت العين والاذن والرجل مؤنثات
بغير علامة فان قال قائل فلم لا يقال هذه طلحةُ لرجل يسمى طلحة لتأنيث اللفظ كما
قالوا هذه بقرة للثور فالجواب أن طلحة لقب وليس باسم موضوع له فى الاصل وأسماءُ
الاجناس موضوعة لها لازمة .... فَرَقَتِ العرب بينهما وقد ذكر سيبويه فى الباب أشياء
محمولة على الاصل الذى ذكرته وأشياء قريبة منها وأنا أسوق ذلك وأفسر ما أحتاج منه
الى تفسيره* قال سيبويه* فاذا جِئْتَ بالاسماءِ التى
__________________
تُبَيِّنُ بها
العِدَّةُ أجريتَ البابَ على التأنيث فى التثليث الى تسعَ عشرةَ وذلك قولك له
ثلاثُ شياهٍ ذكورٌ وله ثلاثٌ من الشاء فأجريتَ ذلك على الاصل لان الشاء أصلها
التأنيث وان وقعت على المذكر كما أنك تقول هذه غَنَم ذكور فالغنم مؤنثة وقد تقع
على المذكر* قال أبو سعيد* يعنى أنها تقع على ما فيها من المذكر من التيوس والكباش
ويقال هذه غَنَم وان كانت كلُّها كِباشًا أو تُيوسا وكذلك عندى ثلاث من الغنم وان
كانت كباشا أو تيوسا لانه جعل الواحد منها كان فيه علامة التأنيث كما جعلت العين
والرجل كأن فيهما علامة التأنيث* وقال الخليل* قولُك هذا شاةُ بمنزلة قولك هذا
رحمة من ربى* قال أبو سعيد* يريد أن تذكير هذا مع تأنيث شاة كتذكير هذا مع تأنيث
رحمة والتأويل فى ذلك كانك قلت هذا الشئ شاة وهذا الشئ رحمةٌ من ربى* قال سيبويه*
وتقول له خَمْسٌ من الابل ذكورٌ وخمسٌ من الغنم ذكور من قِبَلِ أن الابل والغنم
اسمان مؤنثان كما أن ما فيه الهاء مؤنث الاصل وان وقع على المذكر فلما كان الابل
والغنم كذلك جاء تثليثها على التأنيث لانك انما أردت التثليث من اسم مؤنث بمنزلة
قَدَم ولم يكسر عليه مذكر للجمع فالتثليث منه كتثليث ما فيه الهاء كانك قلت هذه
ثلاث غنم فهذا يوضح وان كان لا يتكلم به كما تقول ثلاثُمائةٍ فتدع الهاء لان
المائة أنثى* قال أبو سعيد* قول سيبويه الغنم والابل والشاء مؤنثات يريد أن كل
واحد منها اذا قرن بمنزلة مؤنث فيه علامة التأنيث أو مؤنث لا علامة فيه كقولك هذه
ثلاثٌ من الغنم ولم تقل ثلاثة وان أردت بها كباشا أو تيوسا وكذلك ثلاث من الابل
وان أردت بها مذكرا أو مؤنثا وقوله بمنزلة قَدَم لان القَدَم أنثى بغير علامة
وكذلك الثلاث فقولك ثلاث من الابل والغنم لا يفرد لها واحد فيه علامة التأنيث
وقوله لم يكسر عليه مذكر للجمع يعنى لم يقل ثلاثة ذكور فيكون ذكور جمعا مكسرا لذكر
فتذكر ثلاثةً من أجل ذلك وقوله كانك قلت هذه ثلاث غنم يريد كانَّ غنما تكسير
للواحد المؤنث كما تقول ثلاثمائة فتترك الهاء من ثلاث لان المائة مؤنثة ومائة واحد
فى معنى جمع لمؤنث* قال سيبويه* وتقول ثلاثٌ من البَطِّ لانك تُصَيِّره الى
بَطَّةٍ* قال أبو سعيد* يريد كانك قلت له
ثلاثُ بَطَّاتٍ من
البَطّ* قال سيبويه* وتقول له ثلاثة ذكورٍ من الابل لانك لم تجئ بشئ من التأنيث
وانما ثَلَّثْتَ الذَّكَرَ ثم جئتَ بالتفسير من الابل لا تذهب الهاءُ كما أن قولك
ذكورٌ بعد قولك من الابل لا تثبت الهاء* قال أبو سعيد* يريد أن الحكم فى اللفظ
للسابق من لفظ المؤنث أو المذكر فاذا قلت ثلاث من الابل أو الغنم دكور نزعتَ الهاء
لان قولك من الابل أو من الغنم يوجب التأنيث وانما قلت ذكور بعد ما يوجب تأنيث
اللفظ فلم تغير وكذلك اذا قلت ثلاثة ذكور من الابل فقد لزم حكمُ التذكير بقولك
ثلاثة ذكور فاذا قلت بعد ذلك من الابل لم يتغير اللفظ الاول* قال سيبويه* وتقول
ثلاثة اشْخُصٍ وان عَنَيْتَ نساءً لان الشخص اسم مذكر* قال أبو سعيد* هذا ضد الاول
لان الاول تؤنثه للفظ وهو مذكر فى المعنى وهذا تذكره للفظ وهو مؤنث فى المعنى* قال
سيبويه* ومثله قولهم ثلاثُ أَعْيُنٍ وان كانوا رجالا لان العين مؤنثة* قال أبو
سعيد* وهذا يُشْبِهُ الاوّلَ وانما أنثوا لانهم جعلوا الرجال كانهم أعينُ من
ينظرون لهم* قال سيبويه* وقالوا ثلاثةُ أَنْفُسٍ لان النفس عندهم انسانٌ ألا ترى
أنهم يقولون نَفْسٌ واحد ولا يدخلون الهاء* قال أبو سعيد* النفس مؤنث وقد حمل على
المعنى فى قولهم ثلاثة أنفس اذا أريد به الرجال قال الشاعر وهو الحطيئة
ثلاثةُ أَنْفُسٍ
وثَلاثُ ذَوْدٍ
|
|
لقد جارَ
الزمانُ عَلَى عِيَالِى
|
يريد ثلاثةً
أَناسِىَّ* قال* وتقول ثلاثةٌ نسَّاباتٍ وهو قبيح وذلك أن النسابة صفة فكانه لفظ
بمذكره ثم وَصَفَهُ ولم يجعل الصفةَ تَقْوى قُوَّةَ الاسم فانما يجىء كانك لفظتَ
بالمذكر ثم وصفته كانك قلت ثلاثةُ رجالٍ نَسَّاباتٍ وتقول ثلاثةُ دوابَّ اذا أردتَ
المذكر لان أصلَ الدابة عندهم صفةٌ وانما هى من دَبَبْتَ فاجْرَوْها على الاصل وان
كان لا يُتَكَلَّم بها الا كما يتكلم بالاسماء كما أن أبطَح صفة واسْتُعْمل
استعمالَ الاسماء* قال أبو سعيد* الاصل أن أسماء العدد تفسر بالانواع فيقال ثلاثةُ
رحال وأربعةُ أثوابٍ فلذلك لم يعمل على تأنيث ما أضيف اليه اذ كان صفة وقُدِّرَ
قبله
الموصوف وجعل حكم
تذكير العدد على ذلك الموصوف فيكون التقدير ثلاثة رحال نسّابات وثلاثة ذكور دوابّ
وان كانوا قد حذفوا الموصوف فى دابة لكثرته فى كلامهم كما أن أبطح صفة فى الاصل
لانهم يقولون أبطحُ وبَطْحاء كما يقال أحمر وحمراء وهم يقولون كنا فى الابطح
ونزلنا فى البطحاء فلا يذكرون الموصوفَ كانهما اسمان* قال سيبويه* وتقول ثلاثُ
أفراسٍ اذا أردت المذكر لان الفرس قد ألزموه التأنيث وصار فى كلامهم للمؤنث أكثر
منه للمذكر حتى صار بمنزلة القَدَم كما أن النفس فى المذكر أكثر* قال أبو سعيد*
أنت ثلاثَ أفراس فى هذا الموضع لان لفظ الفرس مؤنث وان وقع على مذكر وقد ذكره فى
الباب الاول حيث قال خمسةُ أفراس اذا كان الواحدُ مذكرا وهذا المعنى* قال سيبويه*
وتقول سار خمسَ عَشْرةَ من بينِ يومٍ وليلة لانك أَلْقَيْتَ الاسمَ على الليالى ثم
بينت فقلت من بين يوم وليلة ألا تَرى أنك تقول لخمسٍ بَقِينَ أو خَلَوْنَ ويعلم
المخاطبُ أن الايامَ قد دخلتْ فى الليالى فاذا ألقى الاسم على الليالى اكتفى بذلك
عن ذكر الايام كما أنه يقول أتيته ضحوة وبكرة فيعلم المخاطب أنها ضحوة يومه وبكرة
يومه وأشباهُ هذا فى الكلام كثيرٌ فانما قولُه من بين يوم وليلة توكيدٌ بعد ما وقع
على الليالى لانه قد علم أن الايام داخلة مع الليالى وقال الشاعر وهو الجعدى
فطافتْ ثلاثا
بينَ يَوْمٍ وليلةٍ
|
|
وكانَ النكيرُ
أن تُضِيفَ وتَجْأَرا
|
قال أبو على اعلم
أن الايام والليالى اذا اجتمعتْ غُلِّبَ التأنيثُ على التذكير وهو على خلاف
المعروف من غلبة التذكير على التأنيث فى عامة الاشياء والسبب فى ذلك أن ابتداء
الايام الليالى لان دخول الشهر الجديد من شهور العرب برؤية الهلال والهلالُ يُرَى
فى أول الليل فتصير الليلة مع اليوم الذى بعدها يوما فى حساب أيام الشهر والليلة
هى السابقة فجرى الحكم لها فى اللفظ فاذا أبهمتَ ولم تذكر الايام ولا الليالى جرى
اللفظ على التأنيث فقلت أقامَ زيدٌ عندنا ثلاثا تريد ثلاثة أيام وثلاثَ ليال قال
الله عزوجل (يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) يريد عشرةَ أيام مع الليالى فاجْرِىَ اللفظُ على الليالى
وأنث ولذلك جرت العادة فى التواريخ بالليالى
فيقال لخمسٍ
خَلَوْنَ ولخمسٍ بَقِينَ يريد لخمسِ ليالٍ وكذلك لاثْنَتَىْ عشرةَ ليلةً خلتْ
فلذلك قال سار خمسَ عشرةَ فجاء بها على تأنيث الليالى ثم وَكَّدَ بقوله من بَيْنِ
يوم ليلة ومثلُه قولُ النابغة
* فطافتْ ثلاثًا بَيْنَ يومٍ وليلةٍ*
ومعنى البيت أنه
يَصِفُ بقرةً وَحْشِيْةً فَقَدَتْ ولدَها فطافت ثلاثَ ليال وأيامَها تَطْلُبه ولم
تَقْدِرْ أن تُنْكِرَ من الحال التى دُفِعَتْ اليها أكثَرَ من أن تُضِيفَ ومعناه
تُشْفِقُ وتَحْذَرُ وتَجْأَرُ ـ معناه تَصِيح فى طلبها له* قال سيبويه* وتقول
أعطاه خمسةَ عَشَر من بين عبد وجارية لا يكون فى هذا الا هذا لان المتكلَم لا يجوز
أن يقول له خَمسةَ عَشَرَ عَبْدًا فيعلم أن تم من الجوارى بعدّتهم ولا خمس عشرة
جارية فيعلم أن تَمَّ من العبيد بعدّتهنَّ فلا يكون هذا الا مختلطا يقع عليهم
الاسم الذى بُيِّنَ به العددُ* قال أبو سعيد* بَيَّنَ الفرقَ بين هذا وبين خمس
عشرة ليلة لان خمس عشرة ليلة يعلم أن معها أياما بعدّتها واذًا فاذا قلت خمس عشرة
بين يوم وليلة فالمراد خمس عشرة ليلة وخمسة عشر يوما واذا قلت خمسة عشر من بين عبد
وجارية فبعض الخمسةَ عشرَ عبيدٌ وبعضُها جوارٍ فاختلط المذكر والمؤنث وليس ذلك فى
الايام فوجب التذكير* قال سيبويه* وقد يجوز فى القياس خمسة عشر من بين يوم وليلة
وليس بحد كلام العرب* قال أبو سعيد* انما جاز ذلك لا ناقد نقول ثلاثة أيام ونحن
نريدها مع لياليها كما نقول ثلاثَ ليال ونحن نريدها مع أيامها قال الله تعالى
لزكريا عليهالسلام (آيَتُكَ أَلَّا
تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) وقال فى موضع آخر (آيَتُكَ أَلَّا
تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) وهى قصة واحدة* قال سيبويه* وتقول ثلاثُ ذَوْدٍ لان
الذَّوْدَ أُنْثَى وليس باسم كُسِّرَ عليه مُذَكَّرٌ* قال أبو سعيد* ثلاث ذَوْدٍ
يجوز أن تريد بهن ذكورا وتؤنث اللفظ كقولك ثلاث من الابل فالذَّوْدُ بمنزلة الابل
والغنم* قال سيبويه* وأما ثلاثة أشياء فقالوها لانهم جعلوا أشياء بمنزلة أفعال لو
كَسَّرُوا عليها فَعْلاً وصار بدلا من أفعال* قال أبو سعيد* يريد أن أشياء وان كان
مؤنثا لا يُشْبه الذَّوْدَ وكان حق هذا على موضوع سيبويه الظاهر أن يقال
ثلاث أشياء لان
أشياء اسم مؤنث واحد موضوع للجمع على قوله وقول الخليل لان وزنه عنده فَعْلاء وليس
بمكسر كما أن غنما وابلا وذَوْدًا أسماء مؤنثة وليست بجموع مكسرة فَجَعلَ واحدَ
كُلِّ اسمٍ من هذه الاسماءِ كانه مؤنث فقال جَعَلُوا أشياء هى التى لا تنصرف
ووزنُها فَعْلاءُ نائبةٌ عن جمع شئ لو كسر على القياس وشئ اذا كسر على القياس فحقه
أن يقال أشياء كما يقال بَيْتٌ وأَبْياتٌ وشَيْخٌ وأَشْياخٌ فقالوا ثلاثة أشياء
كما يقال ثلاثة أشياء لو كسروا شيأ على القياس* قال سيبويه* ومثلُ ذلك ثلاثةُ
رَجْلة فى جمع رَجُلٍ لان رَجْله صار بدلا من أَرْجال* قال أبو سعيد* أراد أنهم
قالوا ثلاثة رَجْلة ورَجْلة مؤنث وليس بجمع مكسر لان فَعْلةً ليس فى الجموع
المكسرة لانهم جعلوا رَجْلة نائبا عن أَرْجال ومُكْتَفًى بها من أرجال وكان القياس
أن يقال ثلاثة أرجال لان رَجُلا وَزْنُه وَزْنُ عَجُزٍ وعَضُدٍ ويجمع على أعْجازٍ
وأعْضادٍ وليست الابلُ والغنم والذَّوْدُ من ذلك لانه لا واحد لها من لفظها* قال
سيبويه* وزعم يونس عن رؤبة أنه قال ثلاثُ أنْفُسٍ على تأنيثِ النَّفْسِ كما يقال
ثلاثُ أَعْيُنٍ للعَيْنِ من الناس وكما يقال ثلاثةُ أَشْخُص فى النساء قال الشاعر
وانَّ كِلَابًا
هَذِه عَشْرُ أَبْطُنٍ
|
|
وأنتَ بَرِىءٌ
منْ قَبائِلها العَشرِ
|
يريد عَشْرَ
قَبائلَ لانه يقال للقبيلة بَطْنٌ من بُطُون العرب وقال الكلابى
قبائلُنا سَبْعٌ
وأنتم ثَلاثةٌ
|
|
وللَسَّبْعُ
خَيْرٌ مِنْ ثَلاثٍ وأَكْثَرُ
|
فقال وأنتم ثلاثة
فذَكَّرَ على تأويل ثلاثة أَبْطُنٍ أو ثلاثةِ أحْياء ثم رَذَّها الى معنَى
القبائِل فقال وللسبع خير من ثلاث على معنى ثلاثِ قبائلَ وقال عمر بن أبى ربيعة
فكانَ نَصِيرِى
دُونَ مَنْ كُنْتُ أَتَّقِى
|
|
ثلاثُ شُخُوصٍ
كاعِبانٍ ومُعْصِرُ
|
فأنث الشخوصَ لان
المعنى ثلاثُ نسوةٍ ومما يقوى الحملَ على المعنى وان لم يكن من العَددِ ما حكاه
أبو حاتم عن أبى زيد أنه سَمِعَ من الاعراب من يقول اذا قيل أين فلانةُ وهى قريبة
هاهُوَذِه قال فانكرتُ ذلك عليه فقال قد سمعتُه من أكثر من مائة من الاعراب وقال
قد سمعتُ من يفتح الذال فيقول هاهوذا فهذا يكون محمولا
مرةً على الشَّخصِ
ومرةً على المرأة وانما المعروف ها هى ذِه والمذكر هاهوذا وزعم أبو حاتم أن أهل
مكة يقولون هوذا وأهلُ مكة أفصحُ من أهل العراقِ وأهلُ المدينة أفصح من أهل مكة
فهذا شئ عَرَضَ* ثم نعود الى باب العدد وكان الفراء لا يجيز أن يُنْسَقَ على
المؤنث بالمذكر ولا على المذكر بالمؤنث وذلك أنك اذا قلت عندى ستة رجالٍ ونساءٍ
فقد عقدتُ أن عندى ستة رجال فليس لى أن أجعل بعضهم مذكرا وبعضَهم مؤنثا وقد عقدتُ
أنهم مذكرون واذا قلتَ عندى ثلاثُ بناتِ عُرْسٍ وأربعُ بَناتِ آوَى كان الاختيارُ
أن تُدْخل الهاءَ فى العدد فتقول عندى ثلاثة بناتِ عُرْسٍ وأربعةُ بَناتِ آوى
الاختيارُ أن تُدْخل الهاءَ فى العدد لان الواحدَ ابنُ عُرْسٍ وابنُ آوى وقال
الفراء كان بعضُ مَنْ مَضَى من أهل النحو يقول ثلاثُ بناتِ عُرْسٍ وثلاثُ بناتِ
آوَى وما أشبه ذلك مما يجمع بالتاء من الذُّكْرانِ ويقولون لا يجتمع ثلاثة وبنات
ولكنا نقول ثلاثُ بناتِ عُرْس ذكورٌ وثلاثُ بناتِ آوى وما أشبه ذلك ولم يصنعوا
شيئا لان العرب تقول لى حماماتٌ ثلاثةٌ والطلحاتُ الثلاثةُ عندنا يريد رجالا
أسماؤهم الطَّلَحات
باب النسب الى العدد
* قال الفراء* اذا
نسبت الى ثلاثة أو أربعة فان كان يراد من بَنِى ثلاثة أو أُعْطِى ثلاثةً قلت
ثَلَاثِىٌّ وان كان ثوبا أو شيئا طولُه ثلاثُ أذرع قلت ثُلاثِىٌّ الى العَشْر
المذكرُ فيه كالمؤنث والمؤنثُ كالمذكر أرادوا بذلك أن يفرقوا بين الشيئين أعنى
النسبتين لاختلافهما كما نسبوا الى الرجل القديم دَهْرِىٌّ وان كان من بنى دَهْرِ
من بنى عامر قلت دُهْرِىٌّ لا غير فاذا نسبتَ الى عِشْرِينَ فأنتَ تقولُ هذا
عِشْرِىٌّ وثَلَاثِىٌّ الى آخر العدد وذلك أنهم أرادوا أن يفرقوا بين المنسوب الى
ثلاثين وثلاثةٍ فجعلوا الواو ياء كما جعلت فى السَّيْلَحِين وأخواتها اذا احتاجوا
الى ذلك* قال أبو على* فعلوا ذلك لئلا يجمعوا بين اعرابين* وقال الفراء* اذا نسبت
الى خمسةَ عَشَر والى خمسةٍ وعشرين فالقياسُ أن تَنْسُبَ اليه خَمْسِىٌّ أو
ستِّىٌّ وانما نسبت الى الاول ولم تنسب
الى الآخر لان
الآخر ثابت والاول يختلف فكان أدلَّ على المعنى وكان مخالفا للذى نُسِب الى خمس فى
خمسة لان ذلك يُنْسَب اليه خُمَاسىٌّ وذلك بمنزلة نسبتك الى ذى العِمامةِ عمامِىٌّ
ولا تقل ذَوَوِىٌّ لان ذو ثابت يضاف الى كلِّ شئ مختلفٍ وغيرِ مختلفٍ واذا نسبتَ
ثوبا الى أن طوله وعرضه اثنا عشر ذراعا قلتَ هذا ثوب ثَنَوِىٌّ وهذا ثوبٌ اثْنِىٌّ
وقال أبو عبيد قال الاحمر ان كان الثوب طُولُه أَحَدَ عَشَر ذراعا لم أَنْسُبْ
اليه كقول من يقول أَحَدَ عَشَرِىٌّ بالياء ولكن يقال طوله أحدَ عَشَرَ ذراعا
وكذلك اذا كان طوله عشرين فصاعدا مثله وقد غلط أبو عبيد ههنا حين ذَكَر الذراع
فقال أحد عشر ذراعا ولا يُذَكِّرُها أحد* وقال السِّجِسْتانى لا يقال حَبْلٌ أحَدَ
عَشَرِىٌّ ولا ما جاوز ذلك ولا ما ينسب الى اسمين جعلا بمنزلة اسم واحد واذا نسبت
الى أحدهما لم يُعْلم أنك تُريد الآخَر وان اضْطُرِرْت الى ذلك نسبته الى أحدهما
ثم نسبته الى الآخر كما قال الشاعر لما أراد النَّسَبَ الى رَامَ هُرْمُزَ
تَزَوَّجْتُها
رامِيَّةً هُرْمُزِيَّةً
|
|
بفَضْلِ الذى
أَعْطَى الأميرُ من الرِّزْق
|
واذا نسبتَ ثوبا
الى أن طوله أحد عَشَرَ قلتَ أحَدِىٌّ عَشَرِىٌّ وان كان طوله إحْدَى عَشْرة قلت
إحْدَوِىٌّ عَشْرِىٌّ وان كنت ممن يقول عَشِرَة قلت إحْدَوِىٌّ عَشَرِىٌّ فتفتح
العين والشين كما تقول فى النسبة الى النَّمِر نَمَرِىٌّ* وقال* لا يَقْبحُ هذا
التكرير مخافةَ أن لا يُفْهَمَ اذا أُفْرِد ألا تراهم يقولون اللهُ رَبِّى وربُّ
زيد فيكررون لخفاء المكنى المخفوض اذ وقع موقع التنوين
باب ذكر المعدول عن جهته من عدد
المذكر والمؤنث
اعلم أن المعدول
عن جهته من العدد يُمْنَعُ الاجراءَ ويكون للمذكر والمؤنث بلفظ واحد تقول ادخلوا
أُحادَ أُحادَ وأنت تَعْنِى واحدا واحدا أو واحدةً واحدة وادخلوا
ثُنَاءَ ثُناءَ
وأنت تعنى اثنين اثنين أو اثنتين اثنتين وكذلك ادخلوا ثُلَاثَ ثُلَاثَ ورُباع
رُباعَ* قال سيبويه* وسألت الخليل عن أُحادَ وثُناءَ ومَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاع قال
هو بمنزلة أُخر انما حَدُّه واحِدًا واحِدًا فجاء محدودا عن وجهه فتُرِك صَرْفُه
قلت أفتَصْرِفه فى النكرة قال لا لانه نكرة توصف به نكرة* قال أبو سعيد* اعلم أن
أُحَادَ وثُنَاءَ قد عُدِل لفظه ومعناه وذلك أنك اذا قلت مررت بواحد أو اثنين أو
ثلاثةٍ فانما تريد تلك العِدَّة بعينها لا أَقلَّ منها ولا أكثر فاذا قلت جاءنى
قوم أُحَادَ أو ثُناءَ أو ثُلاثَ أو رُباعَ فانما تريد أنهم جاؤنى واحِدًا واحِدًا
أو اثنين اثنين أو ثلاثةً ثلاثةً أو أربعةً أربعةً وان كانوا ألوفا والمانع من
الصرف فيه أربعةُ أقَاوِيلَ منهم من قال انه صفةٌ ومَعْدولٌ فاجتمعت علتان
مَنَعَتاه الصَّرفَ ومنهم من قال انه عُدِلَ فى اللفظ وفى المعنى فصار كانَّ فيه
عَدْلَيْنِ وهما علتانِ فاما عَدْل اللفظ فمن واحدٍ الى أُحادَ ومن اثنين الى
ثُناءَ وأما عدل المعنى فتغيير العِدَّةِ المحصورة بلفظ الاثنين والثلاثةِ الى
أكثر من ذلك مما لا يحصى وقول ثالث انه عُدِل وأنَّ عَدْلَه وقع من غير جهة الفعل
لان باب العَدْل حَقُّه أن يكونَ للمعارف وهذا للنكراتِ وقول رابع انه مَعْدُول
وانه جمع لانه بالعدل قد صار أكثر من العِدَّةِ الاولَى وفى ذلك كلِّه لغتان
فُعَالُ ومَفْعَلُ كقولك أُحادُ ومَوْحَدُ وثُنَاءُ ومَثْنَى وثُلَاثُ ومَثْلَثُ
ورُبَاع ومَرْبَع وقد ذكر الزجاج أن القياسَ لا يمنع أن يبنى منه الى العشرة على
هذين البناءين فيقال خُمَاسُ ومَخْمَسُ وسُداسُ ومَسْدس وسُباعُ ومَسْبَع وثُمان
ومَثْمَن وتُساع ومَتْسَع وعُشار ومَعْشَر وقد صرح به كثير من اللغويين منهم ابن
السكيت والفراء وبعض النحويين يقولون انها معرفة فاستدل أصحابنا على تنكيره بقوله
تعالى (أُولِي أَجْنِحَةٍ
مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) فوصف أجْنِحَةً وهو نكرة بِمَثْنَى وثُلاث ورُباع* قال أبو
على الفارسى قال أبو اسحق فى قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ
لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) بَدَلٌ من (ما طابَ لَكُمْ) ومعناه اثنتين اثنتين وثَلاثًا ثلاثا وأربعا أربعا الا أنه
لم ينصرف لجهتين لا أعلم أحَدًا من النحويين ذكرهما وهى أنه اجتمع فيه علتان أنه
معدول عن اثنتين اثنتين وثَلاثٍ ثلاثٍ وانه عُدِلَ عن تأنيث قال
وقال أصحابنا انه
اجتمع فيه علتان أنه عُدِل عن تأنيث وانه نَكِرةٍ والنكرة أصلُ الاشياء فهذا كان
ينبغى أن يخففه لان النكرة تخفف ولا تُعَدّ فرعا وقال غيرهم هو معرفة وهذا محال
لانه صفة للنكرة قال الله تعالى (أُولِي أَجْنِحَةٍ
مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) فمعناه اثنين اثنين قال الشاعر
وَلكِنَّما
أهلِى بوادٍ أَنِيسُهُ
|
|
سِبَاعٌ
تَبَغَّى النَّاسَ مَثْنَى ومَوْحَدُ
|
وقال فى سورة
الملائكة فى قوله تعالى (أُولِي أَجْنِحَةٍ
مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) فتح ثُلاث ورُباع لانه لا ينصرف لعلتين احداهما أنه معدول
عن ثلاثةٍ ثلاثةٍ وأربعةٍ أربعة واثنين اثنين والثانية أنَّ عَدْلَه وقع فى حال
النكرة فأنكر هذا القولَ فى النِّساء على من قاله فقال العَدْل عن النكرة لا يوجب
أن يُمْنَع من الصرف له قال أبو على رادّا عليه اعلم أن العَدْلَ ضَرْبٌ من
الاشتقاق ونوعٌ منه فكل مَعْدُولٍ مشتقٌّ وليس كلٌّ مشتقٍّ معدولاً وانما صار
ثِقَلا وثانيا أنك تلفظ بالكلمة وتريد بها كلمة على لفظ آخَرَ فمن ههنا صار ثقلا
وثانيا ألا ترى أنك تريد بعُمَر وزُفَر فى المعرفة عامرا وزافرا
معرفتين فأنت تلفظ بكلمة وتريد أخرى وليس كذلك سائرُ المشتقات لانك تُرِيد بسائر
ما تشتقه نفسَ اللفظ المشتقِّ المسموع ولستَ تُحِيلُ به على لفظ آخر يدل على ذلك
أن ضاربا ومَضْرُوبا ومُسْتَضْرِبا ومُضْطَربا ونحو ذلك لا تريد بلفظِ شئ منه لفظَ
غيره كما تريد بعُمَر عَامِرًا وبِزُفَر زَافِرا وبِمَثْنى اثنين فصار المعدول
لِما ذكرنا من مخالفته لسائر المشتقات ثِقَلا اذ ليس فى هذا الجنس شئ على حده فلما
كان العدل فى كلامهم ما وصفناه لم يجز أن يكون العدلُ فى المعنى على حدّ كونه فى
اللفظِ لانه لو كان فى المعنى على حدّ كونه فى اللفظ لوجبَ أن يكونَ المعنى فى حال
العَدْل غيرَ المعنى الذى كان قبل العدل كما أن لفظَ العدل غيرُ اللفظ الذى كان
قبل العدل وليس الأمرُ كذلك ألا ترى أنّ المعنى فى عُمر هو المعنى الذى كان فى
عامر والمعنى الذى فى مَثْنَى هو المعنى الذى كان فى اثنين اثنين على أنّ العَدْلَ
فى المعنى لو كان ثِقَلاً عندهم وثانيا فى هذا الضَّرْبِ من الاشتقاق لوجب أن يكون
ثانيا فى سائر الاشتقاق الذى ليس بعدل كما أنّ التعريفَ لما كان ثانيا كان مع جميع
الاسباب
__________________
المانعة من
الصَّرف ثانيا فلو كان العدلُ فى المعنى ثِقَلا لكان فى سائر الاشتقاق كذلك كما
أنّ التعريفَ لما كان ثِقَلا كان مع سائر الاسباب المانعة للصرف كذلك ولو كان كذلك
لكان يجب من هذا متى انضم الى بعض المشتقات من أسماء الفاعِلِين أو المَفْعُولِين
أو المكانِ أو الزّمانِ أو غيرِ ذلك التعريفُ أن لا يَنْصَرِفَ لحصول المعنيين فيه
وهما عَدْل المعنى والتعريفُ كما لا ينصرف اذا انضم الى عدل اللفظ التعريفُ وليس
الامرُ كذلك فاذا كان الحكم بالعدل فى المعنى يُؤَدّى الى هذا الذى هو خطأ بلا
اشكال عَلِمتَ أنه فاسد وأيضا فانّ العَدْلَ فى المعنى فى هذه الاشياء لا يَصِحُّ
كما صحّ العدل فى اللفظ لانّ المعانىَ التى كانت أسماءُ المعدولِ عنها تَدُلُّ
عليها مرادةٌ مع الالفاظ المعدولة كما كانت المرادَة فى الالفاظ المعدول عنها هى
فكيف يجوز أن يقال انها معدولٌ عنها كما يقال فى الالفاظ وهى مُرَادةٌ مقصودة ألا
ترى أنك تريد فى قولك عُمر المعنى الذى كان يدل عليه عامر فاذا كان كذلك لم يكن
قولُ من قال ان مَثْنَى ونَحْوَهُ انه لم ينصرف لانه عُدِلَ فى اللفظ والمعنى
بمستقيم واذا كان العدل ما ذكرناه من أنه لَفْظٌ يراد به لفظٌ آخَرُ لم يمتنِعْ أن
يكونَ العدلُ واقعا على النكرة كما يقع على المعرفة ولم يجز أن يتكرر العدل فى اسم
واحد واذا كان كذلك فقول أبى اسحق فى مَثْنَى وثُلاثَ ورُباع لم ينصرف لجهتين لا
أعلم أحدا من النحويين ذكرهما وهما أنه اجتمع فيه علتان معدول عن اثنتين اثنتين
وأنه عدل عن تأنيث خطأ وذلك أنه لا يخلو أن يكون لما عدل عن اثنتين اثنتين وثلاثا
ثلاثا وعدل عن التأنيث تكرر فيه العدل كما تكرر الجمع فى أكالب ومساجد أو يكون لما
عدل عن التأنيث كان ذلك ثقلا آخر من حيث كان المعدول عنه مؤنثا ولم يكن الاوّل
المذكّر فلا يجوز أن يكون العدل متكررا فى هذا كما تكرر الجمع فى أكالب ومساجدَ
والتأنيثُ فى بُشْرَى ونحوه لما قدمناه من أن العدل انما هو أن يريد باللفظ لفظا
آخر واذا كان كذلك لم يجز أن يتكرر هذا المعنى لا فى المعدول عنه ولا فى المعدول
ألا ترى أنه لا يستقيم أن يكون معدولا عن اسمين كما لا يجوز أن يكون المعدول اسمين
ولا يُوهِمنَّك قول النحويين انه عدل عن اثنين اثنين أنهم
يريدون بمثنى
العَدْلَ عنهما انما ذلك تمثيل منهم للفظة المعدول عنها كما يفسرون قولهم هو خير
رجل فى الناس وهما خير اثنين فى الناس أن المعنى هما خير اثنين اذا كان الناس
اثنين اثنين وخير الناس اذا كانوا رجلا رجلا وكذلك يريدون بقولهم مثنى معدول عن
اثنين اثنين يريدون به اثنين الذى يراد به اثنين اثنين لاعن اللفظتين جميعا فاما
المعدول فانه لا يكون الا اسما واحدا مفردا كما كان المعدول عنه كذلك ألا ترى أن
جميعَ المعدولات أسماءٌ مفردةٌ كما أن المعدول عنها كذلك والمعنى فى المعدول الذى
هو مَثْنَى وثُلَاثَ هو المعنى الذى فى اثنين وثَلاثٍ فى أنك تريد بعد العدل اثنين
اثنين كما أردت قبله فلا يستقيم اذًا أن يكون تكرر اثنين هنا كتكرر الجمع فى أكالب
ونحوه لظهور هذا المعنى فى هذا الضرب من الجمع وخروجه به عن أبنية الآحاد الاوّلِ
الى ما لا يُكَسَّرُ للجمع ولا يجوز أيضا أن يكون مَثْنَى لَمَّا عُدِلَ عن
التأنيث كان ثِقَلاً آخرَ لما لم يكن المعدولُ عنه هو الاوّل المذكر فصار ذلك ثقلا
انضم الى المعنى الاوّل فلم ينصرف والى هذا الوجه قصد أبو اسحق فيما علمناه من
فَحْوَى كلامه لان العدل ان سلمنا فى هذا الموضع أنه عن تأنيث لم يكن ثقلا مانعا
من الصرف أنها معدولة وعدلها عن تأنيث ولم يمنعها من الصرف أنها معدولة وأنها عدلت
عن التأنيث انما امتنعت من الصرف للعدل والتعريف ألا ترى أن سيبويه يصرف جُمَعَ
اذا سمى به رجلٌ فى النكرة فان كان لا يصرف أحمد اذا سمى به فكذلك جُمَعُ لم ينصرف
فى التأكيد للعدل والتعريف والمعدول غير مؤنث ويدلك على أن العدل عن التأنيث لا
يعتد به ثقلا وانما المُعْتَدُّ به نفسُ العدل وهو أن يريد ببناءٍ أو لفظٍ بناءً
ولفظا آخر أن التعريف ثان كما أن التأنيث كذلك ولم يكن العدل عن التعريف ثقلا
معتدّا به فى منع الصرف ألا ترى أنه لو كان معتدّا به لوجب أن لا ينصرف عمر فى
النكرة لانه لو كان يكون فى حال النكرة معدولا ومعدولا عن التعريف وفى صرف عمر فى
النكرة فى قول جميع الناس دلالة على أن العدل عن التعريف غير معتدّ به ثقلا واذا
لم يعتد به ثقلا لم يجز أيضا أن يعتدّ بالعدل عن التأنيث ثقلا وانما لم ينصرف عمر
فى
التعريف للعدل
والتعريف كما لم ينصرف جُمَعُ لهما فاذا زال التعريفُ انصرف عُمَر ولم يعتدَّ
بالعدل فيه عن التعريف ثقلا فكذلك ينبغى أن يكون المعدول عن التأنيث لان هذا انما
هو تأنيث جَمْع ولا يدل جَرْيُه على المؤنث اذا كان جمعا على أن واحدَه مؤنث ألا
ترى أنه قد جاء فى التنزيل (أُولِي أَجْنِحَةٍ
مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) فجرى فى هذا الموضع على جَمْع واحدُه مذكر فلو جاز لقائل
أن يقول ان مثنى وبابه معدول عن مؤنث لما جرى على النساء واحداهن مؤنثة لجاز لآخر
أن يقول انه مذكر لانه جَرَى صفةً على الاجنحة وواحدُها مذكر وهذا هو القول والوجه
وانما جرى على النساء من حيث كان تأنيثُها تأنيثَ الجمع وهذا الضرب من التأنيث ليس
بحقيقى ألا ترى أنك تقول هى الرجالُ كما تقول هى النساء فلما كان تأنيث النساء
تأنيث جمع جرت عليه هذه الاسماء كما جرت على غير النساء مما تأنيثه تأنيث جمع لان
تأنيث الجمع ليس بحقيقى وانما هو من أجل اللفظ فهو مثل الدار والنار وما أشبهُ ذلك
وقد جرت هذه الاسماء على المذكر الحقيقى قال الشاعر
أَحَمَّ اللهُ
ذلكَ مِنْ لِقاءِ
|
|
أُحادَ أُحادَ
فى شَهْرٍ حلالِ
|
فاحادَ أُحادَ جار
على الفاعلين فى المصدر حالا وقال الشاعر أيضا
* ولَقَدْ قَتَلْتُكُمُ ثُناءَ ومَوْحَدًا*
وبيتُ الكتاب
جَرَى فيه مَثْنَى ومَوْحَد على ذئاب وهو جمعٌ فانما نَرى أن النحويين رغبوا عن هذا القول الذى
ذهب اليه أبو اسحق لهذا الذى ذكرناه مما يدخل عليه فاما ما ذكره من قوله قال
أصحابنا انه اجتمع فيه علتان انه عدل عن تأنيث وانه نكرة والنكرة أصل الاشياء فهذا
كان ينبغى أن يخففه لان النكرة تخفف ولا نعدّ فرعا فاعلم أنه غلط بَيِّنٌ فى
الحكاية عنهم ولم يَقُلْ فيما علمت أحدٌ منهم فى ذلك ما حكاه عنهم وانما يذهبون فى
امتناعهم من الانصراف الى أنه معدول وأنه صفة* قال وقال أبو الحسن وغيره من
أصحابنا النكرةُ وان كانت الاصلَ فاذا عدل عنها الاسم كان فى حكم العدل عن المعرفة
فى المنع من الصرف اذا انضم اليه غيره لمساواته فى المعنى الذى ذكرناه المعرفةَ
يدلك على ذلك امتناعُه من الصرف فى
__________________
النكرة عندهم وليس
يصح أن يمنع من صرفه الا ما ذكرناه عنهم من العدل والصفة وقال الفراء العرب لا
تجاوز رُباعَ غير أن الكميت قد قال
فلم
يَسْتَرِيثُوكَ حَتَّى رَمَيْتَ
|
|
فَوْقَ
الرِّجالِ خِصالاً عُشارا
|
فجعل عُشارَ على
مَخْرج ثُلاثَ وهذا مما لا يقاس عليه وقال فى مَثْلَث ومَثْنَى ومَرْبَع ان أردت
به مذهبَ المصدرِ لا مذهب الصَّرْفِ جَرَى كقولك ثَنَّيْتُهم مَثْنَى وثَلَثْتُهم
مَثْلَثًا ورَبَعْتُهم مَرْبَعًا
باب تعريف العدد
قد اختلف النحويون
فى تعريف العدد فقال البصريون ما كان من ذلك مضافا أدخلنا الالف واللام فى آخره
فقط فصار آخره معرفةً بالالف واللام ويتعرّف ما قبل الالف واللام بالاضافة الى
الالف واللام فان زاد على واحد وأكثر أضفتَ بعضا الى بعض وجعلتَ آخره بالالف
واللام تقول فى تعريف ثلاثة أثواب ثلاثةُ الاثوابِ وفى مائة درهم مائةُ الدرهمِ
وفى مائة ألف درهم مائةُ ألِف الدّرهمِ وليس خلافٌ فى أن هذا صحيح وأنه من كلام
العرب قال الشاعر وهو ذو الرمة
وهَلْ يَرْجِعُ
التسليمَ أو يَكشِفُ العَمى
|
|
ثلاثُ الأَثافِى
والدِّيارُ البَلاقِعُ
|
وأجاز الكوفيونَ
ادخالَ الالف واللام على الاوّل والثانى وشبهوا ذلك بالحَسَنِ الوجهِ فقالوا
الثلاثةُ الاثوابِ والخمسةُ الدراهمِ كما تقول هذا الحسنُ الوجهِ وقاسُوا هذا بما
طال أيضا فقالوا الثلاثُ المائةِ الالِف الدِّرهمِ واذا كان العدد منصوبا
فالبصريون يدْخلون الالف واللامَ على الاوّل فتقول فى أحدَ عَشَر درهما الاحَدَ
عَشَرَ درهما والعِشْرُونَ درهما والتسعون رجلا وما جَرَى مَجْراه وان طال ويقولون
فى عِشْرين ألفَ درهمٍ العشرون ألفَ دِرْهمٍ لا يزيدون غير الالف واللام فى أوّله
والكوفيون يُدْخلون الالف واللامَ فيهما جميعا فيقولون العِشْرُونَ الدرهمَ
والاحَدَ عَشَر الدرهمَ ومنهم من يُدْخل الالفَ واللام فى ذلك كله فيقولون الاحَدَ
العَشَرَ الدرهمَ واختلفوا أيضا فيما كان من أجزاء الدرهم كنِصْفٍ وثُلُثٍ ورُبُع
اذا عَرَّفوه فاهلُ البَصْرةِ
__________________
يقولون نصفُ
الدرهمِ وثلث الدرهم وربع الدرهم يُدْخلون الالفَ واللامَ فى الاخيرة والكوفيون
أجْرَوْه مُجْرَى العدد فقالوا النصفُ الدرهمِ شبهوه بالحَسَن الوجهِ وقال أهل
البصرة اذا جعلتَ الجميعَ نَفْسا للمقدار جاز وأتبعتَ الجميعَ اعرابَ المقدار
كقولك الخمسةُ الدراهمُ ورأيتُ الخمسةَ الدراهمَ ومررت بالخمسةِ الدراهمِ ولا
يختلفون فى هذا فاما الفارسى فقال رَوَى أبو زيد فيما حكاه أبو عمر عنه أن قوما من
العرب غَيْرَ فُصحاء يقولونه ولم يقولوا النصفُ الدرهمُ ولا الثلثُ الدرهمُ
فامتناعُه من الاطِّرادِ يدل على ضعفه فاذا بلغ المائةَ أُضيف الى المفرد فقيل
مائةُ درهمٍ فاجتمع فى المائة ما افترق فى عشر وتسعين من حيث كان عَشْرَ عَشَراتٍ
وكان العَقْدَ الذى بعد التسعين وكذلك مائتا درهمٍ وما بعده الى الالف فاذا
عُرِّفَ فقيل مائةُ الدرهمِ ومائتا الدرهمِ وثلاثُ مائةِ الدرهم تَعَرَّفَ المضافُ
اليه كما تقدّم
باب ذكر العدد الذى يُنْعَتُ به المذكر والمؤنث
وذلك قولك رأيتُ
الرجالَ ثلاثَتَهم وكذلك الى العَشْر ورأيت النساءَ ثلاثَتَهن وكذلك الى العشرة
تنصبه على الوصف وان شئتَ على المصدر ولذلك جعله سيبويه من باب رأيتُه وحدَه
ومررتُ به وحدَه ومَثَّلَ الجميعَ بقوله أفرادا ليُرِيَك كيف وُضعَ موضعَ المصدر
وان لم يكن له فعل بما يجرى على الهاء وأبو حاتم يرى الاضافةَ فيما جاوز العشرةَ
والعَشْرَ فيقول رأيتهم أحدَ عَشَرَهم وكذلك الى تسعة عشر ورأيتهنَّ إحدى
عَشَرَتَهن وكذلك الى التسعَ عشرةً وقال رأيتُهم عِشْرِيهم ورأيتهنَّ عِشْرِيهنَّ
ورأيتُهم أحَدَهم وعِشْرِيهم واحْداهنَّ وعِشْرِيهنَّ وكذلك فى الثلاثين وما بعدها
والاربعين وما بعدها الى المائة وتقع الاضافة فى المائة والالف على ذلك الحَسْب
هذا باب ما لا يَحْسُن أن تُضِيف اليه الاسماءَ التى تُبَيِّنُ
بها العددَ اذا جاوزتَ الاثنين الى العشرة
وذلك الوصفُ تقول
هؤلاءِ ثلاثةٌ قُرَشِيُّون وثلاثةٌ مسلمون وثلاثة صالحون فهذا وَجْهُ
الكلام كراهيةَ أن
تُجْعَلَ الصفةُ كالاسم الا أن يضطرَّ شاعرٌ وهذا يدلك على أن النساباتِ اذا قلت
ثلاثةُ نَسَّاباتٍ انما يجىء كانه وصف لمذكر لانه ليس موضعا يَحْسُن فيه الصفةُ
كما لا يَحْسُنُ الاسمُ فلما لم يقع الا وصفا صار المتكلم كانه قد لفظ بمذكرين ثم
وَصَفَهم بها قال الله عزوجل (مَنْ جاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) قال أبو على قد تقدم من الكلام أن العددَ حَقُّه أن
يُبَيَّنَ بالانواع لا بالصفات فلذلك لم يَحْسُنْ أن تقول ثلاثةُ قُرَشِيِّين
لانهم ليسوا بنَوْع وانما ينبغى أن تقول ثلاثةُ رجالٍ قُرَشِيِّين وليس اقامةُ
الصفة مُقامَ الموصوفِ بالمُسْتَحْسنة فى كل موضع وربما جرت الصفةُ لكثرتها فى
كلامهم مَجْرى الموصوف فيستغنى بها لكثرتها عن الموصوف كقولك مررتُ بمثلِك ولذلك
قال عزوجل فله عشر أمثالها أى عَشْرُ حَسَناتٍ أمثالِها
باب التاريخ
... التاريخ فانهم يكتبون أوّل ليلة من الشهر كتبتُ مُهَلَّ
شهر كذا وكذا ومُسْتَهَلَّ شهرِ كذا وكذا وغُرَّةَ شهرِ كذا وكذا ويكتبون فى أول
يوم كذا ويكتبون فى أول يوم من الشهر وكُتِبَ أوّلَ يوم من شهر كذا أو لليلةٍ
خَلَت ومَضَتْ من شهر كذا ولا يكتبون مُهَلًّا ولا مُسْتَهَلًّا الا فى أول ليلة
ولا يكتبونه بنهار لانه مشتق من الهِلالِ والهلالُ مشتق من قولهم أهَلَّ بالعمرة
والحج اذا رفع صوته فيهما بالتلبية فقيل له هِلالٌ لان الناس يُهِلُّون اذا رأوه
يقال أُهِلَّ الهلالُ واسْتُهِلَّ ولا يقال أَهَلَ ويقال أَهْلَلْنا ـ اذا
دَخَلْنا فى الهلال وقال بعض أهل اللغة يقال له هِلَالٌ لليلتين ثم يقال بعدُ
قَمَرٌ وقال بعضهم يقال له هِلالٌ الى أن يَكْمُلَ نورُه وذلك لسبع ليال والاوّلُ
أشبه وأكثر وقد أبنتُ ذلك فى باب أسماء القمر وصفاته ويكتبون لثلاث خلون ولأربع
خلون ويقولون قد صُمْنا مُذْ ثلاثٍ فيُغَلِّبُونَ الليالىَ على الايام لان الاهلة
فيها اذا جاوزت العَشْرَ كان الاختيارُ أن تقول لاحدَى عشرةَ ليلةً خلتْ ومضتْ
وانما اختاروا فيما بعد العشرة خلتْ ومضتْ وفيما قبل العشرة
__________________
خَلَوْنَ
ومَضَيْنَ لان ما بعد العشرة يُبَيَّنُ بواحد أو واحدة وما قبل العشرة يضاف الى
جميع واختار أهل اللغة أن يقال للمنصف من شهر كذا فاذا كان يوم ستة عشر قالوا
أربعَ عشرةَ ليلةً بقيت وخالَفَهم أهلُ النظر فى هذا وقالوا تقول لخمس عشرة ليلة
خلت ولِسِتَّ عشرةَ ليلةً مَضَتْ لان الشهر قد يكون تسعة وعشرين وهذا هو الحق لان
أهل اللغة قد قالوا لو قال لِسِتْ عشرة ليلة مضتْ لكان صوابا فقد صار هذا اجماعا
ثم اختاروا ما لم يوافقهم عليه أهل النظر ويكتبون آخر ليلة من الشهر وكُتِبَ آخرَ
ليلة من شهر كذا وكذا وكذلك ان كان آخر يوم من الشهر كَتَبُوا وكُتِبَ آخرَ يوم من
شهر كذا وسَلْخَ شهرِ كذا فاذا بَقِيَتْ من الشهر ليلة قالوا كتبنا سَلْخَ شهرِ
كذا ولم يكتبوا لليلة بقيت كما لم يكتبوا لليلةٍ خلت ولا مضت وهم فى الليلة جعلوا
الخاتمة فى حكم الفاتحة حيث قالوا غُرّة شهر كذا ولم يقولوا لليلةٍ خلتْ ولا مضتْ
لانهم فيها بعدُ ولم تَمْضِ فقالوا سَلْخَ شهرِ كذا* قال أبو زيد* سَلَخْنا شهرَ
كذا سَلْخا فَسَلْخَ فيما يؤرّخ مصدر أقيم مقام اسم الزمان
باب الافعال المشتقة من أسماء العدد
* أبو عبيد* كان
القومُ وَتْراً فشَفَعْتُهم شَفْعًا وكانوا شَفْعًا فوَتَرْتُهم وَتْراً* ابن
السكيت* الوَتْرُ والوِتْرُ وقد أَوْتَرْتُ ووَتَرْتُ من الوِتْر والخَسَا ـ الفَرْدُ والزَّكَا ـ الزَّوْجُ قال الكميت
بأدْنَى خَسَا
أو زَكَا مِنْ سِنِيكْ
|
|
الى أربع
فبَقَوْكَ انْتظارا
|
بقوك ـ انتظروك يقال بَقَيْتُه أَبْقِيه ـ اذا
راعَيْتَهُ ونَظَرْتَهُ ويقال ابْقِ لِى الاذانَ ـ أى
ارْقُبْهُ لى وقال الشاعر
فما زِلْتُ
أَبْقِى الظُّعْنَ حَتَّى كأنَّها
|
|
أَواقِى سَدًى
تَغْتالُهنَّ الحَوائكُ
|
وقال آخر فى خَسًا
وذَكَرَ قِدْرًا
ثَبَتَتْ
قَوائمُها خَسًا وتَرَنَّمَتْ
|
|
غَضَباً كما
يَتَرَنَّمُ السَّكْرانُ
|
عَنَى بالقوائم
ههنا الأَثافِىَّ* ابن دريد* تَخَاسى الرجلانِ ـ تَلاعَبا بالزَّوْج
والفَرْد ويقال
ثَلَثْتُ القومَ أَثْلِثُهم ثَلْثًا بكسر اللام اذا كنتَ لهم ثالثا* أبو عبيد*
كانوا ثلاثةً فرَبَعْتُهم ـ أى صِرْتُ رابعهَم وكانوا أربعةً فَحَمَسْتُهم
الى العشرة وكذلك اذا أخذتَ الثُّلُثَ من أموالهم قلتَ ثَلَثْتُهم ثَلْثًا وفى
الرُّبُع رَبَعْتُهم الى العُشْر مِثْلُه فاذا جئتَ الى يَفْعلُ قلتَ فى العَدَد
يَثْلِثُ ويَخْمِسُ الى العَشرة وفى الاموال يَثْلُثُ ويَخْمُسُ الى العُشْر الا
ثلاثة أحرف فانها بالفتح فى الحَدَّين جميعا يَرْبَعُ ويَسْبَعُ ويَتْسَعُ وقال
تقول كانوا ثلاثةً فارْبَعُوا ـ أى صاروا أربعةً وكذلك أَخْمَسُوا وأَسْدَسُوا
الى العَشرة على أَفْعَلَ ومعناه أن يصيروا هم كذلك ولم يقولوا أَرْبَعْتُهم أو
رَبَعَهُم فُلانٌ* ابن السكيت* عندى عَشَرةٌ فأَحِّدْهُنَّ وآحِدْهُنَّ ـ أى
صَيِّرْهن أحدَ عَشَر وحكى بعضُهم فاحْدُهُنَّ فأما أن يَكون على القَلْب كما
قَدَّمنا فى حادى عشر وإما أن يكون على ما قَدَّمنا من الحكاية عن الكسائى من أنه
سَمِعَ الأسْدَ تقول حادِى عشرين* أبو عبيد* كانوا تسعةً وعشرين فثَلْثتُهم ـ أى
صِرْتُ لهم تمامَ ثَلاثين وكانوا تسعة وثلاثين فرَبَعْتُهم مثلُ لفظِ الثلاثة
والاربعة وكذلك جميع العُقُود الى المائة فاذا بلغت المائَة قلتَ كانوا تسعةً
وتسْعينَ فأَمْأَيْتهم مثالُ أَفْعَلْتُهم وكانوا تِسْعَمائة وتسعةً وتسعين
فالَفْتُهم ممدودة وكذلك اذا صاروا هم كذلك قلتَ قد أَمْأَوْا وآلَفُوا مثال
أَفْعَلُوا أى صاروا مائة وألفا
باب الأبعاض والكسور
* ابن السكيت*
عُشْرٌ وتُسْعٌ وثُمُنٌ وسُبُعٌ وسُدُسٌ وخُمُسٌ ورُبُعٌ وثُلُثٌ وجَمْعُ كُلِّ
ذلك أفعالٌ وقد تقدّم تصريفُ فِعْلِ جميع هذه الافعال* صاحب العين* النِّصْفُ
أحَدُ جُزْءَىِ الكمالِ* الاصمعى* نِصْفٌ فاما نَصْفٌ فلغةُ العامَّة* صاحب العين*
نَصْفٌ لغة رديئة فى نِصْفٍ* ابن السكيت* نِصْفُ ونَصْفٌ لغتانِ والكسر أعلى* صاحب
العين* والجمع أنصاف وقد نَصَّفْتُ الشئَ ـ جعلتُه نِصْفَيْن وقد تقدم تَنْصِيفُ الاناءِ
والشَّرابِ والشجرِ فى موضعه والشَّطْرُ ـ
النِّصفُ والجميع شُطُورٌ وقد تقدم
التَّشْطِيرُ فى الاناء والشِّطارُ فى الطَلِىِّ ونحوه
ذكر العَشِيرِ وما جاء على وزنه من أسماء الكسور
* أبو عبيد* يقال
ثَلِيثٌ وخَميِسٌ وسَدِيسٌ وسَبِيعٌ والجمع أسباع وثَمِينٌ وتَسِيعٌ وعَشِيرٌ يريد
الثُّلُثَ والخُمُسَ والسُّدُسَ والسُّبُعَ والثُّمنَ والتُّسْعَ والعُشْر* قال*
وقال أبو زيد لم يعرفوا الخَمِيسَ ولا الرَّبِيعَ ولا الثَّلِيثَ* غيره*
السَّبِيعُ ـ السابعُ وأنشد أبو عبيد
وألْقَيْتُ
سَهْمِى وَسْطَهُمْ حِينَ أَوْخَشُوا
|
|
فما صارَلِى فى
القَسْمِ الا ثَمِينُها
|
وأَوْخَشُوا
خَلَطُوا وقال فى النَّصِيفِ
* لم يَغْذُها مُدٌّ ولا نَصِيفُ*
فاما ابن دريد
فقال النَّصِيفُ ههنا مِكْيال
ومن الاسماء الواقعة على الأعداد
الاسْتارُ ـ أربعة
من كُلِّ عددٍ قال جرير
انَّ
الفَرَزْدَقَ والبَعِيثَ وأُمَّهُ
|
|
وأبا البَعِيثِ
لَشَرُّ ما إسْتارِ
|
والنَّواةُ ـ خَمْسةٌ والاوقِيَّةُ ـ أربعون والنَّشُّ ـ عشْرُونَ والفَرَقُ ـ ستة
عشر
المقادير والالفاظ الدالة على الاعداد من غير ما تقدم
الشیع ـ مقدار من العدد تقول أفت
شهرا وشيع شهر ومعه مائة رجل أو شيع ذلك وآتیک غداً
أو شيعه ـ أي بعدع لا يستعمل الا في الواحد
باب الالفاظ الدالة
على العموم والخصوص
وهي كل واجمعون اكتعون أبصعون وبعض وأي
وما أبين هذه بقسطها من الاعراب واللغة حتى آتى على جميع ذلك ان
شاء الله تعالى. فاول ذلك كل وهي لفظة صيغت
الدلالة على الإحاطةِ
والجمع كما أن كِلاَ لفظة صيغتْ الدلالة على التثنية وليس كِلاَ من لفظ كُلّ
وسأُريك ذلك كلَّه إن شاء الله تعالى. وبعض لفظة صيغت للدلالة على الطائفة لا على
الكل فهاتانِ اللفظتانِ دالتان على معنى العموم والخصوص وكُلُّ نهايةٌ في الدلالة
على العموم وبَعْضٌ ليست بنهاية في الدلالة على الخصوص ألا ترى أنها قد تقع على
نصف الكل وعلى ثلاثة أرباعه وعلى معظمه وأكثره وبالعموم فإنها تقع على الشيء كله
ما عدا أقَلّ جُزْءٍ منه وقد بَعَّضْتُ الشيءَ فَرَّقْتُ أجزاءهَ وتَبَعَّضَ هو
ويكون بعضٌ بمعنى كُلٍّ كقوله :
أو يَعْتَلِقْ بعضَ النُّفوسِ حِمامُها
فالموتُ لا يأخذ بعضاً ويَدَعُ بعضا ومن
العرب من يِزَيدُ بعضا كما يزيد ما كقوله تعالى : " يُصِبْكُمْ بَعْضُ الذَّي
يَعِدُكُمْ " حكاه صاحب العين وهذا خطأ لان بعضا اسم والأسماء لا تزاد فإما
هو وأخواتها التي للفصل فإنما زيدت لمضارعة الضمير الحرفَ وقد أنْعَمْتُ شرحَ هذا
عند الردِّ على أبي إسحاق في قوله عز وجل : " مَثَلُ الجَنَّةِ " ونحنُ
آخذون في تبيين كُلٍّ ومُقَدِّمون لها على بَعْضٍ لفَضْلِ الأعَمِ على الأخَصِّ
فأقول. إن كُلاًّ لفظٌ واحد ومعناه جميعٌ ولهذا يحمل مرة على اللفظ ومرة على
المعنى فيقال كُلُّهم ذاهبٌ وكلهم ذاهبون وكل ذلك قد جاء به القرآنُ والشعرُ
ويُحْذف المضافُ إليه فيقال كُلُّ ذاهبٌ وهو باق على معرفته وبَعْضٌ يجري هذا
المجرى وإليهما أومأ سيبويه حين قال هذا باب ما ينتصب خبره لأنه قبيح أن يكون صفةً
وهي معرفةٌ لا توصف ولا تكون وصفا وذلك قولك مررتُ بكلٍّ قائما وببعضٍ جالسا وإنما
خُروجهما من أن يكونا وصفا أو موصوفين لأنه لا يَحْسنُ لك أن تقول مررت بكلٍّ
الصالحين ولا بِبَعْضٍ الصالحين قَبُحَ الوصفُ حين حذفوا ما أضافوا إليه لأنه
مخالفٌ لما يضاف إليه شاذٌّ منه فلم يجر في الوصف مجراه كما أنهم حين قالوا يا أبتاه
فخالفوا ما فيه الألف واللام لم يصلوا ألفه وأثبتوها وصار معرفة لأنه مضاف إلى
معرفة كأنك قلتَ مررتْ بكُلِّهم وببعضهم ولكنك حذفتَ ذلك المضافَ إليه فجاز ذلك
كما جاز لاَهِ أَبُوكَ فحذفوا الألفَ واللامين وليس هذا طريقةَ الكلام
ولا سبيله لأنه ليس
من كلامهم أن يُضْمِروُا الجار وجملةُ هذا وتحليلهُ أنك لا تقول مررتُ بكلٍّ قائما
ولا ببعضٍ جالسا مُبْتَدئا وإنما يتكلم به إذا جَرَى ذكر قُوم فتقول مررت بكلٍّ أي
مررتُ بكلهم ومررتُ ببعضٍ أي مررت ببعضهِم فيستغني بما جَرَى من الكلام ومعرفةِ
المخاطب بما يُعْنَى عن اظهار الضمير وصار ما يَعْرِفُ المخاطبُ مما يُعْنَى به
مُغْنِياً عن وصفه ولم يُوَصْف به أيضاً لأنهم لما أقاموه مُقامَ الضمير والضمير
لا يوصف به إذ لم يكن تَحْليةً ولا فيه معنى تحليةٍ لم يَصِفُوا به لا يقال مررتُ
بالزَّيدين كُلٍّ كما لا يقال مررتُ بكلٍّ الصالحين فإن قال قائل لِمَ لَم يُبْنَ
كُلٌّ حين حذفوا المضافَ إليه قيل ليس في كُلٍّ من المعاني التي توجِبُ البناءَ
شيءٌ وأصلُ الأسماءِ الأعرابُ وإنما يَحْدُثُ بناؤها لأنها جزء فأتبعنا الجُزْءَ
الكلَّ إذ كان كُلٌّ معربا لأنه أسبقُ لعمومه من اتِّباعِ الكُلِّ البعَّضَ فلما
أُجْرِيَ مُجْرَى خلافِه لم يُضَمَّنْ معنىَ الحرفِ ولما لم يُضَمَّنْ معناه لم
يجب فيه البناءُ وجَرَى على أصلِ الإعرابِ ككُلٍّ وهذا من أقرب ما سمعناه في هذه
المسئلة وقد ذُكِرَ فيها غيرُ الذي قلنا فتركناه لأنه لم يصح عندنا وهذا كله تعليل
الفارسي وحكى سيبويه في كُلٍّ التأنيثَ فقال كُلَّتُهنَّ منطلقةٌ ولم يَحْكِ ذلك
في بعض فأما كِلاَ فليس من لفظ كُلٍّ كُلُّ مضاعفٌ وكِلاَ معتل كمِعاً ألفه منقلبة
عن واو بدلالة قولهم كِلتْا إذ بدلُ التاء من الواو أكثر من بدلها من الياء وقد
أبَنْتُ ذلك في باب بِنْتٍ وأخت بنهاية البيان وأجْمَعُ معرفةٌ تقول رأيتُ المالَ
أجمعَ ورأيتَ المالَيْن أجْمَعَيْنِ وقالوا رأيت القومَ أجْمَعِين وليس أجمْعُونَ
وما جَرَى مَجْراه بصفة عند سيبويه وكذلك واحدُه ومذكرهُ ومؤنثه وإنما هو اسم يجري
على ما قبله على إعرابه فيُعَمُّ به ويُؤَكَّدُ فلذلك قال النحويون أنه صفة ولو
كان صفةً لما جرى على المضمر لأن المضمر لا يوصف ومما يدلك على أنه ليس بصفة أنه
ليس فيه معنىَ إشارةٍ ولا نَسَبٍ ولا حِلْيةٍ وقد غَلِظَ قومٌ فَتَوهَّمُوه صِفَةً
وقد صرح سيبويه أنه ليس بصفة وقال في باب ما لا ينصرف إذا سميته بأجْمَعَ صرفته في
النكرة وقد غلط الزجاجُ في كتابه في باب ما لا ينصرف ورَدَّ عليه الفارسي بعد أن
حكي قولَه فقال وقد أغْفَلَ أبو إسحاق
فيما ذهب إليه من
جُمَعَ في كتابه فيما لا ينصرف وهذا لفظه. قال : الأصل في جَمْع جَمْعَاءَ جُمْعٌ
مثل حَمْراء وحُمْرٌ ولكن حُمْر نكرة فأرادوا أن يُعْدَلَ إلى لفظ المعرفة فعُدِلَ
فُعْلٌ إلى فُعَل. قال أبو علي : وليس جَمْعاءُ مثلَ حَمْراءَ فيلزم أن يُجْمَعَ
على حُمْرٍ كما أن أَجْمَعَ ليس مثلَ أَحْمر وإنما جَمْعاءُ كطَرْفاءَ وصَحْراءَ
كما أن أَجْمَعُ كأحْمد بدلالة جَمْعِهم له على حَدِّ التثنية فقد ذهب في هذا
القول عن هذا الاستدلال وعن نص سيبويه في هذا الجنس أنه لا يجمعُ هذا الضربَ من
الجَمْع وعما نَصَّ على هذا الحرف بعينه حيث قال وليس واحدٌ منهما يعني من قولك
أجمع وأكتعُ إنما وُصِفَ بهما معرفةٌ فلم ينصرفا لأنهما معرفةٌ وأجمعُ هنا معرفةٌ
بمنزلة كُلُّهم انقضى كلام سيبويه وما يَجْري هذا المَجْرَى مما يَتْبَعُ أجمعون
كقولك أكتعون وأبْصعون وأبتعون وكذلك المؤنثُ والاثنانِ والجميعُ في ذلك حُكْمُه
سواءٌ والقولُ فيه كالقول في أجمعين وكلُّه تابعٌ لأجمعين لا يتكلم بواحدٍ منهنَ
مُفْردا وكُلُّها تَقْتَضي معنى الإحاطة. ومما يدل على معنى الإحاطة قاطبةً
وطُرّاً والجَمَّاءَ الغَفِيرَ ونحن آخذون في تبيين ذلك إن شاء الله تعالى اعلم أن
الجَمَّاءَ هي اسم والغَفِيرَ نعتٌ لها وهو بمنزلة قولك في المعنى الجَمُّ الكثير
لأنه يراد به الكثرةُ والغَفِيرَ يرادُ به أنهم قد غَطّوا الأرض من كثرتهم
غَفَرْتُ الشيءَ إذا غَطَّيتْه ومنه المِغْفَرُ الذي يوضع على الرأس لأنه يُغَطيه
ونصبه في قولك مررتُ بهم الجَمَّاءَ الغَفِيرَ على الحال وقد علمنا أن الحال إذا
كان اسما غير مصدر لم يكن بالألف واللام فأخرجَ ذلك سيبويه والخليلُ أن جَعَلا
الغفيرَ في موضع العِراكَ كأنك قلتَ مررتُ بهم الجُمومَ الغُفْرَ على معنى مررت
بهم جامِّين غافِرِين للأرض أي مُغَطيِّن لها ولم يذكر البصريون أنهما يستعملان في
غير الحال وذكر غيرهم شِعَّرا فيه الجَمَّاءُ الغِفيرُ مرفوع وهو قول الشاعر :
صَغيرُهُمُ
وشَيْخُهُمُ سَواءٌ * هُمُ الجَمَّاءُ في اللُّؤْمِ الغَفيرُ
وأما قولُهم مررتُ
بهم قاطبةً ومررت بهم طُرّاً فعلى مذهب سيبويه والخليل هما في موضع مصدرين وإن
كانا اسمين وذلك أن قاطبةَ وإن كان لفظهُا لفظَ الصفات
كقولنا ذاهبة وقائمة
وما أشبه ذلك وطُراً وإن كان لفظُها لفظَ صُفْراً وشُهْباً وما أشبه ذلك فإنه لا
يجوز حملُهما إلا على المصدر وقال أنا رأينا المصادر قد يَخْرُجْنَ عن التمكن حتى
يستعملن في موضع لا تتجاوزه كقولنا سبحان الله ولا يكون إلا منصوبا مصدرا في
التقدير ولَبَّيْكَ وحَنَانَيْكَ وما جَرَى مجراهما مصادرُ لا يستعملنَ إلا منصوباتٍ
ولم تَر الصفاتِ يخرجن عن التمكن فلذلك حمل سيبويه قاطبة وطُرّاً على المصدر وصارا
بمنزلة مصدر اسْتُعْمِلَ في موضع الحال ولم يَتَجاوزا ذلك الموضعَ كما لم يتجاوز
ما ذكرناه من المصادر إن شاء الله تعالى.
اشتقاق أسماء الله عز
وجل
أَبْدَأُ بشرح ما
اسْتَفْتَحْتُ به ثم أُتْبِعُ ذلك سائرَ أسمائه الحُسْنَى وصفاتهِ العُلَى قيل في
اشتقاق اسم قولان أنه مشتق من السُّمُوِّ والثاني من السِّمَة والأول الصحيح من
قِبَلِ أن جمعه أسماءٌ على رَدِّ لام الفعل وكذلك تصغيره سُمَيُّ ولأنه لا
يُعْرَفُ شيءٌ إذا حذفت فاؤه دخله ألف الوصل إنما تدخله تاء التأنيث كالزِّنةِ
والعِدَةِ والصِّفةِ وما أشبه ذلك ويقال سَمَا يَسْمُو سُمُوّاً إذ علا ومنه
السماءُ والسَّمَاوةُ وكأنه قيل اسم أي ما علا وظَهَر فصار عَلَما للدلالة على ما
تحته من المعنى ونظير الاسْمِ السِّمةُ والعلامةُ وكل ما يصح أن يُذْكَر فله اسم
في الجملة لأن لفظه شيءٌ يلحقه وأما في التفصيل كزيد وعمرو ومنها ما لا اسم له في
التفصيل وهو بالجملة كل ما لم يكن له اسم عَلَمٌ يختص به كالهَواء والماء وما أشبه
ذلك والاسْمُ كلمة تدل على المسمى دلالةَ الإشارِةُ دون الإفادةِ وذلك أنك إذا قلت
زيد فكأنك قلت هذا وإذا قلت الرجل فكأنك قلت ذاك فأما دلالة الإفادة فهو ما كان
الغرض أن تفيد السامع به معنى أو أخرجته ذلك المخرج كقولك قام وذهب فأما الأول
فإنما الغرض فيه أن تشير إليه ليتنبه عليه أو تُخْرجه ذلك المخرج وأنا أكره أن
أُطِيل الكتابَ بذكر ما قد أوُلعَتْ به عامَّةُ المتكلمين من رسم الاسم أو حَدِّه
والتكلم على المُسَمىَّ هو الاسم أم غير الاسم والفعلُ المُصَرَّفُ من الاسم قولُك
أسْمَيْتُ وسَمَّيْتُ مُتَعَدٍّ بحرف الجر وبغير حرف جر تقول سَمَّيته زيدا
وسميته بزيد. قال
سيبويه : هو كل تقول عَرَّفْتُه بهذه العلامة وأوضحتُه بها وحكى أبو زيد اسْمٌ
واُسْمٌ وسِمٌ وسُمٌ وأنشد :
بسَّمِ الذِّي في
كُلِّ سُورةٍ سُمُهْ
والاسمُ منقوصٌ قد
حذفت منه لام الفعل وغُيِّر ليكونَ فيه بعضُ ما في الفعل من التصرف إذ كان
أَشْبَهَ به من الحرف وقيل أن ألف الوصل إنما لحقتْهُ عِوَضاً من النَّقْصِ فأما
الباء في بسم الله فإنما كسرت للفرق بين ما يَجُرُّ وهو حرف وبين ما يجر مما يجوز
أن يكون اسما ككاف التشبيه وموضعُ بِسْمِ نصبٌ كأنك قلت أبدأ بسم الله ولم يحتج
إلى ذكر أبدأ لأن المُسَّتَفْتحِ مُبْتَدِئٌ فالحال المشاهَدةُ دالة على المحذوف
ويصلح أن يكون موضُعه رفعا على ابتدائي بسم اللهِ الفِعْلَ المتروك لأن جميع حروف
الجر لا بد أن تتصل بفعل أما مذكورٍ وأما محذوف وبسم الله يجوز أن يكون الفعلُ
المحذوفُ العاملُ في موضعه لفظاً صيغتهُ صيغةُ الأمر ولفظاً صيغتُه صيغةُ الخبر
وإذا كان كذلك فمعناه معنى الأمر وهم مما يَضَعُون الخبرَ موضعَ الأمر كقوله
اتَّقَي اللهَ امْرُؤٌ فَعَلَ خيرا يُثَبْ عليه وكذلك يضعون الأمر موضع الخبر
كقولهم أكْرِمْ بزيد والغَرَضُ في بسم الله التعليمُ لما يُسْتَفْتَحُ به الأمور
للتبرك بذلك والتعظيم لله عز وجل وهو تعليم وتأديبٌ وشِعارٌ وعَلَمٌ من أعلام
الدين وعلى ذلك جرى في شريعة المسلمين يقال عند المأكل والمَذْبحَ وابتداءِ كُلِّ
فِعْلٍ خلافا لمن كان يذكر اسم اللاتِ والعُزَّى من المشركين. الله الأصل في قولك
الله الْإِلَهُ حذفت الهمزة وجعلت الألف واللام عوضا لازما وصار الاسم بذلك
كالعَلمَ هذا مذهب سيبويه وحُذَّاقِ النحويين وقيل الإله هو المستحق للعبادة وقيل
هو القادر على ما تَحِقُّ به العبادةُ ومن زعم أن معنى إله معنى معبود فقد أخطأ
وشهد بخطئه القرآنُ وشريعةُ الإسلام لأن جميع ذلك مُقِرُّ بأنَّ لا إله إلا الله
وحده لا شريك له ولا شك أن الأصنام كانت معبودةً في الجاهلية على الحقيقة إذ عبدوه
وليس بالهٍ لهم فقد تبين أن الإلهَ هو الذي تَحِقُّ له العبادةُ وتجب وقيل في اسم
الله أنه علم ليس أصلهُ الإله على ما بينا أوّلا وهو خطأ من وجهين أحدهما أن كُلَّ
اسمٍ عَلَمٍ فلا بُدَّ من أن يكون له أصلٌ نُقِلَ
منه أو غُيِّرَ عنه
والآخَرُ أن أسماءَ الله كُلَّها صفاتٌ إلا شيءٌ فإنه صح له عز وجل من حيثُ كان
أعَمَّ العمومِ لا يجوز أن يكون له اسم على جهة التلقيب والأسماءُ الأعلامُ إنا
أجراها أهلُ اللغةِ على ذلك فَسَمَّوْا بكَلْبٍ وقِرْد ومازنٍ وظالم لأنهم ذهبوا
به مذهبَ التلقيب لا مذهبَ الوصفِ. قال أبو إسحق إبراهيم بن السِّرِي الزَّجاَّجُ
وإذا ذكرنا أبا إسحاق في هذا الكتاب فإياه نريد أكره أن أذكر ما قال النحويون في
هذا الاسم تنزيها لاسم الله هذا قوله في أول كتابه في معاني القرآن وإعرابه ثم قال
في سورة الحشر في قوله تعالى : " هُوّ اللهُ الخْالِقُ البارِئُ المُصَوِّرُ
له الأَسْماءُ الحُسْنَى "
جاء في التنزيل أنها تسعة وتسعون اسما ونحن نبين هذه الأسماءَ واشتقاقَ ما ينبغي
أن يُبَيَّنَ بها إن شاء الله تعالى فبدأ بتفسير هذا الاسمِ فقال قال سيبويه سألتُ
الخليل عن هذا الاسم فقال إلَهٌ فأدْخِلَتْ عليه الألفُ واللام.
فهذا منتهى نقله
وحكايته عن سيبويه. قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي النحوي رادا
على الزجاج في سهوه ما حكاه أبو إسحاق عن الخليل سهو ولم يحك سيبويه عن الخليل في
هذا الاسم أنه إلَهٌ ولا قال أنه سأله عنه لكن قال أن الألف واللام بدل من الهمزة
في حد النداء في الباب المترجم هذا بابُ ما ينتصب على المدح والتعظيم أو الذم
والشتم لأنه لا يكون وصفا للأول ولا عطفا عليه قال وأوّل الفصل اعلم أنه لا يجوز
لك أن تُنادي اسماً فيه الألف واللام البتةَ إلا أنهم قد قالوا يا الله اغْفِر لي
وهو فصل طويل في هذا الباب إذا قرأتَه وقفتَ عليه منه على ما قلنا قال والقولُ
الآخر الذي حكاه أبو إسحق فقال وقال مرة أخرى ولم ينسبه سيبويه أيضاً إلى الخليل
لكن ذكره في حد القسم في أوّل باب منه قال وروي عن ابن عباس في قوله جل وعز :
" وَيَذَرَكَ وإِلَهَتَك " قال عِبَادَتك فقولنا إلَهٌ من هذا كأنه ذو
العبادة أي إليه يُتَوجَّهُ بها ويُقْصَدُ قال أبو زيد تَأَلَّهَ الرجلُ إذا
تَنَسَّكَ وأنشد :
سَبَّحْنَ
واسْتَرْجَعْنَ مِنْ تَأَلِهُّي
ونظيرُ هذا في أنه
اسمُ حَدَثٍ ثم جرى صفةً للقديم سبحان قولُنا السَّلاَمُ وفي التنزيل السلامُ
المؤمنُ المُهَيْمِنُ والسَّلامُ من سَلَّم كالكلام من كَلَّمَ والمعنى ذو
السَّلاَم أي يُسَلِمُ
__________________
(١) قلت قوله جاء في
التنزيل أنها تسعة وتسعون اسما غلط فاحش والصواب أن هذا العدد انما جاء في الحديث
الصحيح ولفظه ان الله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحد من أحصاها دخل الجنة وليس
هذا اللفظ في التنزيل الذي هو الكتاب العزيز وكتبه محققه محمد محمود التركزي لطف
الله تعالى به آمین
من عذابه من لم
يَسْتَحِقَّه كما أن المعنى في الأوّل أن العبادة تَجِبُ له فإن قلتَ فأَجِزِ
الحالَ عنه وتَعَلُّقَ الظرفِ به كما يجوز ذلك في المصادر فإن ذلك لا يلزم ألا ترى
أنهم قد أَجْرَوا شيئا من المصدر واسمِ الفاعلِ مُجْرَى الأسماء التي لا تُناسب
الفعلَ وذلك قولُك للهِ دَرُّكَ وزيدٌ صاحبُ عمرو أما ما حكاه أبو زيد من قولهم
تألَّهُ الرجلُ فإنه يحتمل أن يكون على ضربين من التأويل يجوز أن يكون
كمُتَعَبِّدٍ والتَّعَبُّدِ ويجوز أن يكون مأخوذا من الاسم دون المصدر على حدّ
قولك اسْتحجرَ الطينُ واسْتَنْوَقَ الجملُ فيكون المعنى أنه يفعل الأفعالَ
المُقَرِّبةَ إلى الإلهِ والمُسْتَحق بها الثواب وتسمى الشمسُ الإلاهةَ وإلاهةَ
وروى لنا ذلك عن قُطْرُب وأنشد قول الشاعر :
تَرَوَحْنَا من
اللَّعْباءِ قَصْراً * وأعَجْلَنْا إلاَهةَ أنْ تَؤُوبا
فكأنهم سموها إلاهَةَ
على نحو تعظيمهم لها وعبادتهم إياها وعن ذلك نهاهم الله عز وجل وأمرهم بالتوجه في
العبادة إليه دون ما خَلَقَه وأَوْجَدَهُ بعد أن لم يكن فقال : " ومِنْ
آياتِه الليلُ والنهارُ والشمسُ والقمرُ لا تَسجُدوا للشمسِ ولا للقمرِ واسْجدوا
للِه الذِّي خَلَقَهُنَّ " ويدلك على ما ذكرنا من مذهب العرب في تسميتهم
الشمس إلاهَةَ أنه غير مصروف فقوي ذلك لأنه منقول إذا كان مخصوصا وأكثر الأسماء
المختصة الأعلام منقولةٌ نحو زيد وأسد وما يكَثْرُ تعدادُه من ذلك فكذلك إلهةُ
تكون منقولة من إلاهةً التي هي العبادة لما ذكرنا وأنشد البيت المتقدم الذكر :
وأعَجْلَنْا إلاهةَ
أن تَؤُوبا
غير مصروف بلا ألف
ولام فهذا معنى الإلهِ في اللغة وتفسير ابن عباس لقراءة من قرأ ويَذَرَك والَهَتَك
وقد جاء على هذا الحدّ غير شيء. قال أبو زيد : لَقِيتُه نَدَرَي وفي النَّدَرَى
وفَيْنَةً والفَينْةَ بعدَ الفَينْةِ وفي التنزيل : " ولا يَغُوثَ ويَعُوقَ
ونَسْراً " وقال الشاعر :
أمَا ونِماءٍ لا
تَزالُ كأنها * على قُنَّةِ العُزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدَما
قال فهذا مِثْلُ ما
ذكرنا من إلَهةَ والإلَهةِ في دخول اللام المعرّفة الاسم مرة وسقوطها أخرى فإما من
قرأ ويذَرَكَ وآلِهَتَك فهو جمع إلَهٍ كقولك إزارٌ وآزِرةٌ وإناءٌ وآنيةُ
والمعنى على هذا أنه
كان لفروعة أصنام يعبدها شِيعتَهُ وأتْباعُه فلما دعاهم موسى عليه السلام إلى
التوحيد حَضُّوا فرعونَ عليه وعلى قومه وأغْرَوْهُ بهم فإما قولنا اللَهُ جل وعز
فقد حمله سيبويه على ضربين أحدهما أن يكون أصلُ الاسم إلَهاً ففاء الكلمة على هذا
همزة وعينها لام والألف ألف فِعَال الزائدة واللام هاء والقولُ الآخر أن يكون أصلُ
الاسم لاهاً ووزنه فَعَلٌ فأما إذا قَدَّرْتَ أن الأصل إله فيذهب سيبويه إلى أنه
حُذفت الفاءُ حذفا لا على التخفيف القياسي على حد قولك الخَبُ في الخَبْءِ وضَوٌ
في ضَوْء فإن قال قائل فلم قَدَّره هذا التقديرَ وهَلاّ حمله على التخفيف القياسي إذ
تقدر ذلك سائغ فيه غير ممتنع منه والحملُ على القياس أولى من الحمل على الحذف الذي
ليس بقياس قيل له إن ذلك لا يخلوا من أن يكون على الحذف كما ذهب إليه سيبويه أو
على تخفيف القياس في أنه إذا تحرّكت الهمزة وسكن ما قبلها حذفت وألقيت حركتُها على
الساكن فلو كان طرحُ الهمزة على هذا الحد دون الحذف لما لزم أن يكونَ منها عِوَضٌ
لأنها إذا حُذِفَتْ على هذا الحَدِّ فهي وإن كانت مُلقَّاةً من اللفظ مُبَقَّاةٌ
في النية ومُعَامَلةٌ معاملة المُثبْتَةِ غير المحذوفة يدلك على ذلك تركُهم الياءَ
مصححة في قولهم جَيْأل إذا خَفَّفُوا فقالوا جَيل ولو كانت محذوفة في التقدير كما
أنها محذوفة من اللفظ للزم قلبُ الياء ألفا فلما كانت الياءُ في نيةِ سكونٍ لم
تُقْلَبْ كما قُلِبتْ في بابٍ ونحوه ويدل على ذلك تحريكُهم الواوَ في ضَوٍ وهي
طَرَفٌ إذا خففت ولو لم تكن في نية سكون لقلبت ولم تثبت آخرا ويدل عليه أيضاً
تبيينهم في نُوىٍ إذا خفف نُؤْيُ ولولا نية الهمزة لقلبت ياء وأدغمت كما فعل في
مَرْمِي ونحوه فكما أن الهمزة في هذا المواضع لما كان حذفها على التخفيف القياسي
كانت منويةَ المعنى كذلك لو كان حذفُها في اسم اللهِ تعالى على هذا الحدِّ لما
لَزِمَ أن يكون من حَذْفِها عوضٌ لأنها في تقدير الإثبات للدلالة التي ذكرناها وفي
تَعْوِيضهم من هذه الهمزة ما عَوَّضُوا ما يدل على أن حذفها عندهم ليس على حَدِّ
القياس كجَيَلٍ في جَيْألٍ ونحو ذلك بل يدل العِوَضُ فيها على أنهم حَذَفُوها
حَذْفا على غير هذا الحَدِّ فإن قال فما العَوِضُ الذي عُوِّضَ من هذه الهمزة لما
حُذِفَتْ على الحَدّ الذي ذكرتَ وما الدلالةُ على كونه
عوضا قيل أما
العِوَضُ منها فهو الألف واللام في قولهم اللّه وأما الدلالةُ على أنها عوض
فاستجازتُهم لقطع الهمزة الموصولة الداخلة على لام التعريف في القَسَمِ والنداء
وذلك قولُهم تَأَللّهِ لَيَفْعَلَّن ويا أللّهُ أغْفِرْلي ألا تَرى أنها لو كانتْ
غَيْرَ عِوَضٍ لم تَثْبُتْ كما لم تَثْبُتْ في غيرِ هذا الاسمِ فلما قُطِعَتْ هنا
اسّتُجِيزَ ذلك فيها ولم يُسْتَجَزُ في غيرها من الهَمَزاتِ الموصولةِ عَلمِنْا أن
ذلك لمِعْنّى اخْتَصَّتْ به ليس في غيرها ولا شئَ أَوْلَى بذلك المَعْنَى من أن
يكونَ العِوَضَ من الحرفِ المحذوفِ الذي هو الفاء فان قال قائل ما أنكرتَ أن لا
يكونَ ذلك المعنى العِوَضَ وإنما يكون كثرةَ الاستعمال فُغِيّرَ بهذا كما
يُغَيَّرُ غيرُه مما يكثر في كلامهم عن حال نظائره وَحَدّه قيل لا يَخْلُو من أن
يكونَ ذلك العوضَ كما ذكرناه أو يكونَ كثرةَ الاستعمال أو يكون لان الحرفَ ملازمٌ
للاسم لا يفارقه فلو كان كثرةُ الاستعمالِ هو الذي أوجبَ ذلك دونَ العِوَضِ لوجب
أن تُقْطَعَ الهمزةُ أيضا في غير هذا مما يكثر استعمالهُ ولو كان للزوم الحرفِ
لوجبَ أن تُقْطَعَ همزةُ الذي للزومها ولكثرةِ استعمالها أيضا ولَزِمَ قطعُ هذا
الهمزة فيما كثر استعماله هذا فاسد لأنه قد يكثرُ استعمالُ ما فيه هذه الهمزةُ ولا
تُقْطَعُ فإذا كان كذلك ثَبَت أنه للعِوَضِ وإذا كان للعِوَضِ لم يَجُزْ أن يكون
حذفُ الهمزة من الاسم على الحَدّ القياسي لما قدمناه فلهذا حمله سيبويه على هذا
الوجه دون الوجه الآخر فقال كان الاسم واللّه أعلم إلَهٌ فلما أدخل فيه الألفُ
واللامُ حذفوا الهمزة وصارت الألف واللام خَلَفَا منها فهذا أيضا مما يقوّى أن
يكون بمنزلة ما هو من نفسِ الحرفِ فان قال قائل أفَلَيْسَ قد حُذِفَتِ الهمزةُ من
الناس كما حُذِفَتْ من هذا الاسم فهل تقول إنها عوض منها كما أن الألف واللام
عِوَضٌ من الهمزة المحذوفة في اسم اللّه عز وجل قيل له ليس الألف واللامُ عِوَضًا
في الناس كما كانا عِوَضًا منها في هذا الاسم ولو كان عوضا لَفُعِلَ به ما فُعِلَ
في الهمزة في اسم اللّه عز وجل لَماْ جُعِلَتْ في الكلمةِ التي دخلت عليها عِوَضًا
من الهمزة المحذوفة فان قلت أفليس قد قال سيبويه بعد الكلام الذي ذكرته له ومِثْلُ
ذلك أُناسٌ فإذا أدخلت الألف واللام قلتَ الناسُ قيل قد قال هذا ومعنى قوله ومِثْلُ
ذلك أناسٌ أي مثلُه في حذف الهمزَ منه في حال
دخول الألف واللام
عليه لا أنه بدلُ المحذوفِ كما كان في اسم اللّه تعالى بَدَلاً ويُقَوّى ذلك ما
أنشده أبو العباس عن أبي عثمان
اِنَّ المَنايًا
يَطَّلعُ * نَ علَى الأُناسِ الآمنينا
فلو كان كان عِوَضًا لم يكن ليجتمعَ مع
المُعَوَّضِ منه فإذا حُذِفَتِ الهمزةُ مما لا تَكونُ الألفُ واللاُمِ عِوَضًا منه
كانَ حذفُها فيما ثَبَتَ أن الألفَ واللامَ عِوَضٌ منه أَوْلَى وأَجْدَرُ فبُيِّنَ
من هذا أن الهمزةَ التي هي فاءٌ محذوفةٌ من هذا الاسم فان قال قائل ما أنكرتَ أن
يكون قطعُ الهمزة في الاسم في هذا الوصل لا لشيء مما ذكرتَ من العِوَضِ وكثرةِ
الاستعمال ولا للزوم الاسمِ ولكن لشيء آخر غير ذلك كُلِّه وهو أنها همزة مفتوحة
وإن كانت موصولة والهمزات الموصولة في أكثر الأمر على ضربين مكسور ومضموم فلما
خالف هذا ما عليه الجمهورُ والكثرةَ اسْتُجِيزَ في الوصل قطُعها لمشابهتها إياها
في انفتاحها لا لغير ذلك قيل له أن كونها مفتوحة لا يوجب في الوصل قَطْعَها وإن
شابهتها في الزيادة ألا ترى أن الهمزة في قولهما يم وأيمن همزة وصل وأنها مفتوحة
مثل المصاحبة للأم التعريف ولم تقطع في موضع من مواضع وصلها كما قُطِعَتْ هذه فهذا
يدل على أن قطعها ليس لانفتاحها ولو كان ذلك لوجب أن تقطع في غير هذا الموضع لدخول
الانفتاح فلما لم تُقْطَعْ في الحرف الذي ذكرناه وهو أّيم اللّه وأّيمن اللّه ولم
تقطع في غير هذا الاسم علمنا أن الانفتاح ليس بعلة موجبة للقطع وإذا لم يكن ذلك
ثبت أنه ما ذكرناه من العوض فان قدّرته على التخفيف القياسي فكان الأصل الإله ثم
خففت الهمزة وما قبلها ساكن فحذفتها وألقيت حركتها على الساكن فاجتمع مثلان فسكنت
الأولى فأدغمت وعلى هذا التقدير قوله جل وعز " لكَّنا هو اللّهُ ربي "
إلا أن توجيه الاسم على ما ذهب إليه سيبويه القولُ لما ذكرتُ وذكر أبو بكر عن أبي
العباس أن الكسائي أجاز بما أُنْزِلِّيْكَ في قوله بما أُنْزِلَ إليك وأدغم اللامَ
الأولى في الثانية وشبهه بقوله لكنَّا هو اللّه ربى وهذا خطأ لان ما قبل الهمزة من
لكنْ أنا ساكنٌ فإذا خفقتَ حذفتَ فألقيتَ الحركةَ على الساكن وما قبل الهمزة في
أُنْزِلَ إليك مُتَحَرِّك فإذا خفقت لم يجز الحذفُ كما جاز في الأوّل
لكن تجعل الهمزة
بَيْنَ بَيْنَ فإذا لم يجز الحذفُ لم يجز الادغامُ لَحِجْزِ الحرفِ بين
المثْلَيْنِ وهذا الذي قاله أبو العباس ظاهرٌ بَيِّنٌ فان قال قائل تحذف الهمزة
حذفاً كما حذفتْ من الناس قيل أما الخطأ في التشبيه فحاصل إذ شُبِّهَ بين مختلفين
من حيثُ شُبِّهَ فأما هذا الضربُ من الحذف فلا يسُوغُ تَجْوِيزُه حتى يتقدمه
سَمّاعٌ ألا ترى أنه لا يجوز حذفُ الهمزة من الإبِاءِ والايِابِ كما جاز في الناس
وليس كذلك الحذف فيما كان من الهمزات ما قبله ساكنٌ لان حذفَ ذلك قياسٌ مطرد وأصل
مستمرّ فان قال أفليس الهمزةُ قد حذفتْ من قولهم ويْلُمِّه وفي قولهم ناسٌ وفي اسم
اللّه عز وجل وكُّل ذلك قد حكاه سيبويه وذهب إلى حذف الهمزة فيه فما أنكرتَ أن
يكون حذفُ الهمزة المبتدأة كثيرا يجوز حملُ القياسِ عليه ورَدُّ غيرِه إليه وقد
ذهب الخليل إلى حذف الهمزة من لَنْ في قولهم لَنْ أفْعَل وقال هو لا أنْ قيل له
ليستْ هذه الحروفُ من الكثرة والسَّعَةِ بحيث يقاس غيرُها عليها إنما هي حروف كثر
استعمالها فحذف بَعْضُها وعُوِّضَ من حَذْفِها وليست الهمزةُ في الآية إذا
حُذِفَتْ عند الكسائي بمُعَوَّضٍ منها شئٌ يُحْذَفُ منها غيرُها من الكلام للادغام
والقياسُ على هذه الحروف لا يوجب حذفَها إذ لا عوَضَ منها كما حُذِفَ من هذه
الحروف لَمَّا عُوِّضَ منها فان قلت فانَّ قولَهم ويْلُمِّه حُذِفَ ولم يُعَوَّضْ
منه شئٌ فان القياسَ على هذا الفَذِّ الشاذِّ غيرُ سائغ ولا سيما إذا كان في
المقيس عليه معنًى أوجبه شئ ليس في المقيس مثلُه وهو كثرةُ الاستعمال ألا ترى أنك
تقول لا أَدْرِ ولم أُبَلْ فتَجْذِفُ لكثرة الاستعمال ولا تَقِيسُ عليه غيره إذا
كان مُتَعَرِّيًا من المعنَى المُوجِبِ في هذا الحذفِ فلذلك لا تقيس على
وَيْلُمِّه ما في الآية من حذف الهمزة إذ لا يخلو الحذفُ فيها من أن يكون لكثرة
الاستعمال كما ذكرنا أو لأنها همزةٌ مبتدأةٌ فلو كان الحذفُ لأنها همزة مبتدأة
لوجب حذفُ كُلِّ همزةٍ مبتدأةٍ وذلك طاهرٌ الفساد فثبت ما ذكرناه ويفسد حذف هذا من
جهة أخرى وهو أنه إذا ساغَ الحذفُ في بعض الأسماء أو الأفعال لكثرة الاستعمال أو
الاستثقال أو ضَرْبٍ من الضروب لم يجز حذفُ الحروفِ قياسا عليهما لأنه قَبيلٌ
غيرهما ونوعٌ سواهما فحكمُه غيرُ حكمِهما إلا أن الحذفَ لم يجئ في شئ
من الحروف إلا في بعض
ما كان مضاعفا نحو رُبَّ وإنَّ وكأنَّ ولم يجئ في كل ذلك لم نعلمهم حذفوا من ثُمَّ
وليس إلى مُضاعَفًا فيجوز ذلك فيه ولهذا ذهب أهلُ النظر في العربية إلى تغليب معنى
الاسم على مُذْ لمكان الحذف وتغليب معنى الحرف على مُنْذُ لتمامها فلو جاز الحذفُ
في الأسماء وفي نحو ذا لم يجز الحذفُ من الحروف قياسا عليها لقلة الحذف من الحروف
ولم نعلم الحروفَ حُذِفَ منها شيء إلا ما ذكرناه والألفَ من ها التي للتنبيه من
قولهم هَلُمَّ وذلك لكثرة استعمالهم وبنائه مع غيره وليس في الحرف الذي في الآية
شيء من ذلك فتجويز هذا فاسد في العربيةِ وقياسِها لما ذكرتُ فأما ما ذهب إليه
الخليلُ في لَنْ فلم يتبعه في ذلك سيبويه ولا كثير من أصحابه ويفسد قياسُ حذف
الهمزة من إلى علي التي في وْيُلمِّه وعلى الألف في هَلُمَّ من جهة أخرى وهي أن
هذين الحرفين لما ضُمَّا إلى غيرهما وكثر استعمالُهما صارا بمنزلة الكلمة الواحدة
المتصلة من أجل اللزوم والحذفُ وسائرُ ضروب التغيير والاعتلالِ إلى المتصلِ
أَسْوَغُ وأَوْجَهُ منه إلى المنفصل فالحذفُ في هذين الحرفين لا يُسَوّغُ ما لا
يَسُوغُ في غيرهما لما ذكرناه من شدة الاتصال ويَدُلُّكَ على شِدَّةِ اتصالهِما
أنهم اشْتَقُّوا منهما وهما مركبان كما يُشْتَقُّ من المفردين. قال أبو زيد : يقال
رجل وَيْلُمَّهٌ والوَيْلُمَّةُ من الرجال الداهيةُ وقال الأصمعي : إذا قال لك
هَلُمَّ فقلْ لا أَهَلُمُ فهذا يدل على إجرائهم الكلمتين في الموضعين مُجْرَى
المفرد فاشْتُقَّ منهما كما اشْتُقَّ من المفرد فعلى حَسَبِ هذا حَسُنَ الحذف
منهما كما يحسن من الكلم المُفْرِدَ والمفرد والمتصل وما جرى مجراهما يكون فيهما
من الحذف ما لا يكون في غيرهما من المنفصل في جميع أبواب العربية ألا ترى أنك
تُدُغِمُ مثلَ مَدَّوفَرَّ وما أشبه ذلك لا يكون فيه غير الادغام وأنتَ في جَعَلَ
لَكَ وفَعَلَ لبيد مخير بين الادغام والبيان وكذلك ما في الآية يمتنع الحذفُ من
الحرف فيه لأنه منفصل فهذه جهة أخرى يمتنع لها الحذف من الحرف ويَضْعُفُ فأما مثل.
ولكِنِ انْظُرْ إلى الجِبَلِ وانْظُرْ إلى آثارِ رَحْمةِ اللهِ واذْهَبْ أنتَ
ورَبُّكَ فحذفُه مطردٌ قياسيُّ وليس من هذا الباب. فهذا شيءٌ عَرَض في هذه المسئلة
مما يتعلق به. ثم نعود إليها فأما القولُ الذي قاله سيبويه
في اسم الله عز وجل
فهو أن الاسم أصله لاهٌ ووزنه على هذا ووزنه على هذا فَعَلٌ اللام فاء الفعل
والألف منقلبة عن الحرف الذي هو العين والهاء لام والذي دلهم على ذلك أن بعضهم
يقول لَهْىَ أبُوكَ. قال سيبويه : فقلب العين وجعل اللام ساكنة إذ صارت مكان العين
كما كانت العين ساكنة وتركوا آخر الاسم مفتوحا كما تركوا آخر أَيْنَ مفتوحا وإنما
فعلوا ذلك حيث غيروه لكثرته في كلامهم فغيروا إعرابه كما غيروه فالألفُ على هذا
القول في الاسم منقلبةٌ عن الياء لظهورها في موضع اللام المقلوبة إلى موضع العينِ
وهي في الوجهِ الأول زائدةٌ لفِعالٍ غيرُ منقلبة عن شيء واللفظتانِ على هذا
مختلفتانِ وإن كان في كل واحدة منهما بعضُ حروفِ الأخرى. وذكر أبو العباس هذه
المسئلة في كتابه المترجم بالغلط فقال. قال سيبويه : فيه أن تقديره فِعَالٌ لأنه
إلَهٌ والألفُ واللامُ في الله بدلٌ من الهمزة فلذلك لزمتا الاسمَ مثل أُناسٍ
والناسِ. ثم قال : إنهم يقولون لَهْىَ أبوك في معنى للِهَ أبوكَ فقال يُقَدِّمونُ
اللامَ ويؤخرون العينَ. قال أبو العباس : وهذا نَقْضٌ وذلك لأنه قال أوّلا أن
الألف زائدةٌ لأنها فِعَالٍ ثم ذكر ثانية أنها عين الفعل وهذا الذي ذكره أبو
العباس من أن هذا القولَ نَقْضٌ مُغالَطةٌ وإنما كان يكون نَقْضا لو قال في حرف
واحد في كلمة بهذه الصفة لكان لا محالة فاسدا كما أن قائلا لو قال في تُرْتُبٍ إن
التاء منه زائدة ثم قال في تُرْتَب أنها أصل والكلمة بمعنى واحد من حروف بأعيانها
في الكلمة الأولى لكان فاسدا منتقضا لأنه جعل حرفا واحدا من كلمة واحدة في تقدير
واحد فلا يستقيم لذلك أن يحكم بهما عليه فأما إذا قدّر الكلمة مشتقة من أصلين
مختلفين لم يمتنع أن يحكم بحرف فيها أنه أصل ويحكم على ذلك الحرف أنه زائد لأن
التقدير فيهما مختلف وإن كان اللفظ فيهما متفقا ألا ترى أنك تقول مَصِيرٌ
ومُصْرانٌ ومَصارِينُ ومَصِيرٌ من صَارَ يَصِيرُ فتكون الياء من الأولى زائدة ومن
الثانية أصلا فلا يمتنع لاتفاقهما في اللفظ أن يحكم على هذا بالزيادة وكذلك
مَسِيلٌ أن أخذته من سَال يَسِيل أو أخذته من مَسَلَ كان فَعِيلاً وكذلك مَوألَةٌ
إن جعلته مَفْعَلَة من وَأَلَ وإن
جعلته من قولهم رجل
مَأْلٌ أي خفيف وامرأة مَألةٌ كان فَوْعلة وكذلك أُثْفِيَّة أن أخذته من
تَأَثَّفْنا بالمكانِ وكذلك أَرْوَى أن نوّنتَه جاز أن يكون أَفْعَلَ مثل أَفْكَل
وأن يكون فَعْلًى مثل أَرْطي وإن لم تنونه كان فَعْلًى والألف فيه مثل حُبْلَى
وكذلك أُرْبِيَّة لأصل الفَخِذِ أن أخذته من التأريب الذي هو التوفير من قولك
أَرَّبْتُ الشيءَ إذا وَفَّرْته وقولهم أَرِيبٌ إذا أرادوا به ذو تَوَفُّرٍ
وكَمالٍ فإن أخذته من رَبا يَرْبُو إذا ارتفع لأنه عضو مرتفع في النَّصْبةِ
والخِلْقِة فاللفظانِ متفقانِ والمعنيانِ مختلفانِ وهذا كثير جداً تتفق الألفاظُ
فيه ويختلف المعنى والتقديرُ فكذلك هذا الاسم الذي تقول لَهْىَ عند سيبويه تقديره
مقلوبا من لاهِ ولاَهِ على هذا الألفُ فيه عينُ الفعل وهي غير التي في الله إذا
قَدَّرْتَه محذوفا منه الهمزة التي هي فاءُ الفعل فحكم بزيادة الألف من غير الموضع
الذي حكم فيه بأنها أصل فإذا كان كذلك سَلِمَ قولُه من النقَّضْ ولم يجز فيه
دَخَلٌ فإن قال قائل ما تُنْكِر أن يكون لاَهِ في قول من قال لَهْىَ أبوك هو أيضاً
من قولك إله ولا يكون كما قدّره سيبويه من أن العين ياء لكي تكون الألف في لهى
منقلبة عن الألف الزائدة في إله قيل الذي يمتنع له ذلك ويَبْعُدُ أن الياء لا
تنقلب عن الألف الزائدة على هذا الحد إنما تنقلب واوا في ضَواربَ وهمزة في كنائن
وياء في دنانير فأما أن تنقلب ياءٌ على هذا الحَدّ فبعيد لم يجيء في شيء علمناه
فإن قال قائل فقد قالوا زَبانيّ وطائي فأبدلوا الألف من ياءين زائدتين فكذلك تبدل
الياء من الألف الزائدة في لَهْىً فالجواب أن إبدالهم الألف من الياء في زَباني ليس
بإبدال باء من الألف في نحو قوله :
لَنَضْرِباً
بسَيْفِنا قَفَيْكا
لم ينبغ ذلك أن تجيز هذا قياسا عليه لأن
ذلك لغة ليست بالكثيرة ولأن ما قبل المبدل قد اختلف ألا ترى أن العين في قفكيا
متحركة وما قبل الياء في لهى ساكن ومما يبعد ذلك أن القلبَ ضَرْبٌ من التصريف تُرَدُّ
فيه الأشياء إلى أصولها ألا ترى أنك لا تكاد تجد مقلوبا محذوفا منه بل قد يُرَدُّ
في بعض المقلوب ما كان محذوفا قبل القلب كقولهم هارٍ وذلك أنه لما أزيلت حروف
الكلمة فيه عن نظمها وقصدها كما فعل ذلك
بالتكسير والتصغير
أشبههما فإذا أشبههما فيما ذكرنا وجب من أجل هذا الشبه ردّ المحذوف إليه كما ردّ
إليهما فلهذه المضارعة التي في القلب بالتحقير والتكسير يرجح عندنا قوُل من قال في
أَيْنق أنها أَعْفُل قلبت العين فيها ياء على غير قياس على قول من قال أنها أيفل
فذهب إلى الحذف وتعويض الياء منها ويُقَوِّي الوجهَ الأول ثباته في التكسير في
قولهم أيانق أنشد أبو زيد :
لَقَدْ تَعَلّلْتُ
عَلى أيَانِقِ * صُهْبٍ قَليلاتِ القُرادِ اللازِقِ
فإن قلت فإذا كان الاسم على هذا التفسير
فَعَلا بدلالة انقلاب العين ألفا فهلا كان في القلب أيضاً على زنته قبل القلب قيل
إن المقلوب قد جاء في غير هذا الموضع على غير زنة المقلوب عنه ألا ترى أنهم قالوا
لَهُ جاءٌ عند السلطان فجاءَ على فَعَلٍ وهو مقلوب من الوَجْه فهذا وإن كان عكَس
ما ذكرناه من القلب الذي ذهب إليه سيبويه في الاسم والزنة فإنه مثله في اختصاص
المقلوب ببناءٍ غيرِ بناءِ المقلوبِ عنه وهذا يؤكد ما ذكرناه من مشابهةِ القلب
التحقيرَ والتكسير ألا ترى أن البنائين اختلفا كما اختلف التكسير والتصغير فأما
بناءُ الاسم فإنه تَضَمَّنَ معنىَ لامِ المعرفةِ كما تضمنِها أمَسْ فبُني كما
بُنَي ولم يجعل في القلب على حدّ ما كان قبل القلب فكما اختلف البناءان كذلك اختلف
الحذفان فكان في القلب على حده في أَمْسِ دون سَحَر وقبلَ القلبِ على حد الحذف من
اللفظ للتخفيف لاجتماع الأمثال وتقدير الثبات في اللفظ نحو تذكرون فيمن خفف
ويستْطِيع وما أشبهه وحكى أبو بكر أن أبا العباس اختار في هذا الاسم أن يكون أصلُه
لاَهاً وأن يكون لَهْىَ مقلوبا وأن القول الآخر الذي لسيبويه فيه من أنه من قولهم
إلَهٌ وتشبيه سيبويه إياه بأناس ليس كذلك وذلك أنه يقال أناس فإذا دخل الألف
واللام بقيت الهمزة أيضاً قال وأنشد أبو عثمان :
إنَّ المَنايا
يَطَّلِعْ * نَ على الأنُاسِ الآمينِينا
فكذلك تثبت الهمزة في الإلهِ وقد
قَدَّمْتُ في هذا الفصل ما يُسْتَغْنَى به عن الإعادة في هذا الموضع وصحةَ ما ذهب
إليه سيبويه من حذف الهمزة التي هي فاءٌ وكونِ
الألف واللام عِوَضاً
منها ألا ترى أنك إذا أثبت الهمزةَ في الإله ولم تحذف لم تكن الألفُ واللامُ فيه
على حَدِّها في قولنا الله لأن قطع همزة الوصل لا يجوز في الإله كما جاز في قولنا
الله لأنهما ليسا بعوض من شيء كما أنهما في اسم الله عِوَضٌ بالدلالة التي
أَرَيْنا فأما قولُهم لاَهِ أبُوك فحذفوا لامَ الإضافة واللامَ الأخرى وذكر أبو
بكر عن أبي العباس أنه قال أن بعضهم قال المحذوف من اللامين الزائدة وقال آخرون
المحذوف الأصل والمبقي الزائدة خلافَ سيبويه قال فمن حجتهم أن يقولوا إن الزائد
جاء لمعنى فهو أولى بأن يترك فلا يحذف إذ الزائد لمعنى إذا حذف زالت بحذفه دلالته
التي لها جاء وقد رأيتهم يحذفون من نفس الكلمة من هذا الاسم ما هو من نفس الحرفِ
ويكون المُبْقَي الزائدَ وأيضاً فما يحذف من هذه المكررات إنما يحذف للاستثقال
فيما يتكرر لا في المبدوء به الأوّل فالأولى أن يحذف الذي به وقَعَ الاستثقالُ وهو
الفاء ويبقى حرفُ الجر ألا ترى أنهم يُبْدِلون الثاني من تَقَضَّيْتُ ونحوهِ
وآدَمَ وشِبهْهِ وكذلك حذفُ النونِ التي تكون علامةً للمنصوب في كأنيِّ لما وقعت
بعد النون الثقيلة وأيضاً فإن الحرفين إذا تكررا فكان أحدهُما لمعنًى وذلك نحوُ
تَكَلَّمُ فالمحذوف تاء تَفَعَّلُ لا التاء التي فيها دليلُ المضارعة فكذلك يكون
قولُهم لاهِ أبوك انتهت الحكاية عن أبي العباس الجواب عن الفصل الأول إن حرف
المعنى قد حذف حذفا مطردا في نحو قولهم واللهِ أَفْعَلُ إذا أردتَ والله لا
أَفْعَلُ وحذف أيضاً في قولهم لأضْرِبَنَّه ذَهَبَ أو مكَثَ وحذف أيضاً في قول
كثير من النحويين في نحو هذا زيد قام تريد قد قام وكيفَ تَكْفُرُونَ باللهِ وكُنْتُم
أَمْواتاً فَأحْيَاكُمُ وليس في هذه الضروب المُطَّردِة الحذفِ دلالةٌ تدل عليها
من اللفظ فإذا ساغَ هذا فحذفُ الذي يَبْقَى في اللفظ دلالةٌ عليه منه أَسْوَغُ وقد
حذفتْ همزةُ الاستفهام في نحو قول عِمْرانَ بْنِ حِطَّانَ :
فَأَصْبَحْتُ فيهمْ
آمِناً لا كَمَعْشرٍ * أَتوْني فقالوُا من رَبِيعةَ أو مُضَرْ
وحذفت اللامُ الجازمة في نحو قول الشاعر
:
محمدُ تَفْدِ
نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ * إذا ما خِفْتَ مِنْ شَيْءٍ تَبَالاَ
وأنشد أبو زيد :
فُتضْحِي صَرِيعاً ما
تَقُومُ لحاجةٍ * ولا تُسْمِعُ الدَّاعي ويُسْمِعْكَ مَنْ دَعا
وأنشد البغداديون :
ولا تَسْتَطِلْ
مِنِّي بَقائي ومُدَّتي * ولكنْ يكُنْ للخيرِ مِنْكَ نَصِيبُ
وأنشدوا أيضاً :
فقلتُ ادْعي وأَدْعُ فإنَّ أنْدَى * لِصَوتْ أن يُنادي دَاعِيانِ
وقال الكسائي في قوله تعالى : "
قُلْ للذينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا " إنما هو ليَغْفِرُوا فحذف اللام وقياسُ
قوله هذا عندي أن تكون اللامُ محذوفةً من هذا القبيل نحو قوله عز وجل : "
قُلْ لِعبادي الذَّيِنَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ " وقالوا الله
لأفْعَلَنَّ وحُذِفَ الحرفُ فيما كان من نحو ما كان ليفعلَ ومع الفاء والواو وأو
وحتى فإذا حذف في هذه الأشياء لم يمتنع حذفُه في هذا الموضع أيضاً لأن الدلالةَ
على حذفه قائمةٌ ألا ترى أن انْجرار الاسم يدل عليه كما أن انتصابَ الفعِل في
المواضع التي ذكرنا يدل عليه فالحذفُ في هذا الحرف الزائد كالحذف في الحروف
الأصلية للدلالة على حذفه كالدلالة على الحذف من الأصل نحو لم أُبَلْ لأن الجَرَّ
في الاسم يدل على الجارِّ المحذوف وقد حُذِفَ الحرفُ الزائد كما حُذف الأصل نحو
إنيِّ ولعلي كحذفهم التاء من استطاع وكذلك يَسُوغ حذفُ هذا الزائد الجارِّ وقد
حذفوا الجارَّ أيضاً في قولهم مررت برجلٍ إن صالحٍ وإن طالحٍ فليس في شيء ذكروه في
الفصل الأول ما يمتنع له حذف الحرف من قولهم لاهِ أبوك
وأما ما ذكروا في الفصل الثاني منها وذلك قولهم ظِلْتُ ومِسْتُ ونحو ذلك فإن قلت
وما الدليلُ على أنّ المحذوف الأول وما تنكر من أن يكونَ الثاني فالدليلُ على أنه
الأول قولُ من قال في ظَلِلْتُ ظِلْتُ وفي مَسِسَّتُ مِسْتُ فألقيَ حركة العينَ
المحذوفةِ على الفاء كما ألقاها عليها في خِفْتُ وِهبْتُ وطُلْتُ ويدل أيضاً سكونُ
الحرف قبل الضمير في ظِلْتُ وظَلْتُ كما سكن في ضَرَبْتُ ولو كان المحذوفُ اللامَ
دون العين لتحرّك ما قبل الضمير ولم يسكن فقد دلك هذا على أن
__________________
المحذوفَ الأولُ لا
المتكررُ وقالوا عَلْماءِ بَنُو فلانٍ يريدون عَلَى الماءِ بنو فلان وبَلْحارِث
فحذفوا الأول وأما ما ذكروه في الفصل الثالث من أن التخفيف والقلب يلحق الثاني من
المكرر دون الأول فقد يَلْحَقُ الأوّلَ كما يَلْحَقُ الثاني وذلك قولهُم دِينَارٌ
وقِيراطٌ ودِيوانٌ ونحو ذلك ألا تَرى أن القلب لَحِقَ الأولَ كما لحق الثاني في
تَقَضَّيتُ وأَمْلَيْتُ ونحو ذلك وقد خُفِّفَتِ الهمزة الأُولَى كما خُفِّفَتِ
الثانيةُ في نحو فقد جا أشراطُها ونحو ذلك فأما ما ذكروه من قولهم كأنِّي فقد حذفت
غير الآخر من الأمثال إذا اجتمعت نحو قولهم إنا نفعل فالمحذوف ينبغي أن يكونَ
الأسطَ دون الآخر ألا ترى أن النون الثانية قد حذفت من أنَّ في نحو علم أنْ سيكونُ
منكم والنون من فعلنا لم تحذف في موضع فلذلك جعلنا المحذوفةَ الوُسْطَى وعملت
المخففةُ في المضمر على حَدِّ ما عملتْ في المُظْهَر في نحو أن زيادا مُنْطَلِقٌ
ولمَنطلقٌ وقد أجازه سيبويه وزعم أنها قراءة وقد يجيء على قياس ما أجازه في الظاهر
هذا البيتُ الذي يُنْشده البغداديون :
فلو أَنْكِ في يومِ
الرَّخاءِ سَأَلِتْني * فِراقَكِ لَمْ أبْخَلْ وأنتِ صَدِيقٌ
إلا أن هذا القياسَ إن رُفِضَ كان
وَجهْاً لأن ما يحذف مع المظهرة أو يبدل إذا وُصِل بالمضمر رُدَّ إلى الأصل ألا
تَرى أنهم يقولون من لَدْ الصلاةِ فإذا وَصَلُوا بالمضمر قالوا من لَدُنْه ومن
لَدُنِّي وقالوا والله لأفعلنَّ فلما وصل بالمضمر قالوا بهِ لأَفْعَلَنَّ ويذهب
سيبويه إلى أن أنَّ المفتوحةَ إذا خففت أُضْمِرَ معها القصةُ والحديثُ ولم
يَظْهَرُ في موضع فلو كان اتصالُ الضمير بها مخففةً سائغا لكان خليقا أن تتصلَ
بالمفتوحة مخففةً وقالوا ذَيَّا وتَيَّا في تحقير ذاوتا فاجتمعوا على حذف الأول من
الأمثال الثلاثة فليس في هذا الفصل أيضاً شيء يمنع جوازَ قولِ سيبويه وما قالوه من
الحذفِ في تَكَلَّمُ وتَذَكَّرُ فلما كان الحذفُ في الثاني دون الأول لأنه يَعْتَلُّ
بالإدغام في نحو تَذَكَّرُ لأنه لو حذف حرف المضارعة لوجب ادخالُ ألف الوصل في
ضَرْبٍ من المضارع نحو تَذَكَّرُ ودخولُ ألف الوصل لا مساغَ له هنا كما لا يدخل
على أسماء الفاعلين والمفعولين ولأن حرفَ الجرّ أقوى من حرف المضارعة للدلالة عليه
بالجرّ الظاهر في اللفظ فلهذا حذف الثاني
في هذا النحو دون حرف
المضارعة لا لأن الحذف غير سائغ في الأول فيما يتكرر لأنك قد رأي مساغَ الحذف في
الأول في هذه المتكررة فليس في شيء مما احتجوا به في أن المحذوفَ الآخرُ دون
الأوّل حجةٌ ويَثْبُتُ قولُ سيبويه أن المحذوف الأولُ بدلالة وهي أن الأول منفتحةٌ
ولو كانت اللامُ في الكلمة لامَ الجرّ لوجب أن تنكسر لأن الاسم مظهر وهذه اللام مع
المظهرة تكسر في الأمر الأكثر فكما لا يجوز لتحرك اللام أن يقال أنها لامُ التعريف
لأن تلك ساكنة كذلك لا يجوز لتحرّكها بالفتح أن يقال أنها الجارةُ لأن تلك تكسر مع
المظهرة ولا تفتح فإن قلت فقد فُتِحّتْ في قولهم يا لَبْكرٍ ونحوه مما تُنْكِرُ أن
تكون في هذا الموضع أيضاً فالجواب أن ذلك لا يجوز ههنا من حيث جاز في قولهم يا
لَبَكَرْ وإنما جاز فيه لأن الاسم في النداء واقع موقع المضمر ولذلك بني المفردُ
المعرفةُ فيه فكما جاز بناؤه جاز انفتاحُ اللام معه وليس الاسمُ ههنا واقعا موقعَ
مضمر كالنداء فيجوز فتح اللام معه فإن قلتَ تكون اللامُ الجارة ههنا واقعا موقعَ
مضمر كالنداء فيجوز فتح اللام معه فإن قلتَ تكون اللامُ الجارة ههنا مفتوحة
لمجاورتها الألفَ لأنها لو كُسرت كما تكسر مع سائر المظهرة لَقُلِب الحرفُ الذي
بعدها قيل هذا القول لا يستقيم لقائله أن يقولَه لحكمه فيما يتنازع فيه بما لا
نظير له ولا دلالة عليه وسائرُ ما لحقته هذه اللامُ في المُظْهَرة يُدْفَعُ به ما
قاله لمخالفته له ويمتنع من وجه آخر وهو أنه إذا جعل هذه اللام هي الجارّة فهي غير
ملازمة للكلمة وإذا لم تكن ملازمة لم يعتدّ بها فكأنه قد ابتدأ بساكن فمن حيث يمنع
الابتداء بالساكن يمتنع ما ذهب إليه في هذا ومما يؤكد ذلك أن أهل التخفيف لم
يخففوا الهمزةَ المبتدأةَ لأن التخفيفَ تقريبٌ من الساكن فإذا رَفَضُوا ذلك
لتقريبه من الساكن مع أنه في اللفظ ووزن الشعر بمنزلة المتحرّك فأن لا يُبْتَدأ
بالساكن المَحْضِ ويرْفَضَ كلامُهم أَجْدرُ ألا تَرى أن من كان من قوله تخفيفُ
الأولى من الهمزتين إذا التقتا وافق الذين يخففون الثانية فترك قوله في نحو آلُدٍ
وأنا عجوزٌ لِمَا كانَ يلزمه من الابتداء بالحرف المُقَرَّب من الساكن فإذا كانوا
قد حذفوا الألف من هَلُمَّ لأن اللامَ التي هي فاءٌ لما كانتْ متحركةً بحرَكة
غيرها صار كأنه في تقدير الساكن فحذف كما يحذف مع الساكن مع أن الحرف بِنُيَ مع
الفعل
حتى صار كالكلمة
الواحدة فأن تكونَ اللامُ في لاهِ الجارةَ أَبْعَدُ لأنه يلزم أن يبدأ بساكن لأن
اتصال الجارّية ليس كاتصال حرف التثنية بذلك الفعل ألا ترى أنه قد بُنِيَ معه على
الفتح كما بُنِيَ مع النون في لأفعلنَّ على الفتح فإذا قَدَّروا المتحرّك في اللفظ
تقديرَ الساكن فيما هو متصل بالكلمة لمكان البناء معها فالساكنُ الذي ليس بمتحرك
معها في تقدير الانفصال منه أَجْدَرُ أن يَبْعُدَ في الجواز فأما ما أنشده بعض
البصريين من قول الشاعر :
أَلا لاَ باركَ اللهْ
في سُهَيْلٍ * إذا ما اللهُ بارَكَ في الرَّجالِ
فعلى ما يجوز في الشعر دون الكلام
وينبغي أن يُوَجَّهَ هذا على أنه أخرجه على قول سيبويه أن أصل الاسم إله فحذف
الألف الزائدة كما يقصر الممدوْد في الشعر ولا يحمله على الوجه الآخر فيلزم فيه
أنه حذف العين لأن ذلك غير مستقيم ولا موجود إلا في شيء قليل فهذا مما يبين لك أن
الأوجه من القولين هو أن يكون أصلَ الاسم إلهٌ فأما الإمالة في الألف من اسم الله
تعالى فجائز في قياس العربية والدليل على جوازها فيه أن هذه الألف لا تخلو من أن
تكون زائدةً لِفِعَالٍ كالتي في إزارٍ وعِمَادٍ أو تكونَ عينَ الفعل فإن كانت
زائدة لفِعَالٍ جازت فيها الإمالة من وجهين أحدهما أن الهمزةَ المحذوفة كانت
مكسورة وكسرُها يُوجب الإمالةَ في الألف كما أن الكسرةَ في عِمَادٍ توجب إمالةَ
ألفِه فإن قلت كيف تمُالُ الألف من أجلِ الكسرةِ وهي محذوفةٌ فالجواب أن الكسرةَ
وإن كانت محذوفةً موجبةٌ للإمالة كما كانت توجبها قبل الحذف لأنها وإن كانت
محذوفةً فهي من الكلمة ونظيرُ ذلك ما حكاه سيبويه من أن بعضهمَ يميُل الألفَ في
مادٍّ وشاذٍّ للكسرة المنوية في عين فاعِلٍ المدغمةِ ومنهم من يقولُ هذا ماش في
الوقف فيميل الألفَ في الوقف وإن لم يكن في لفظ الكلمة كسرة فكذلك الألفُ في اللهِ
تجوز إمالتهُا وإن لم تكن الكسرةُ ملفوظا بها وتجوز إمالتُها من جهة أخرى وهي أن
لامَ الفعل مُنْجَزَّة فتجوز الإمالةُ لانجرارها. قال سيبويه سمعناهم يقولون من
أهل عادٍ ومررت بِعِجْلاَتِك فأمالوا للجر فكذلك أيضاً تجوز الإمالة في الألف من
اسم الله فإن كانت الألف في
الاسم عينا ليست
بزائدة جازت إمالَتُها وحَسُنَتْ فيها إذا كان انقلابُها عن الياء بدلالة قولهم
لَهْىَ أبُوك وظهورِ الياء لَمَّا قُلبتْ إلى موضع اللام فإذا لم تَخْلُ الألفُ من
الوجهين اللذين ذكرنا كان جوازُ الإمالةِ فيه على ما رأينا عُلِمَتْ صِحتهُ فإن
ثَبَتَتْ به قراءةٌ فهذه جهةُ جوازِها إن شاء الله. قال أبو إسحق وأما الرحمن
الرحيم فالرَّحْمُنُ اسمُ اللهِ خاصةً لا يقال لغير الله رَحْمنُ ومعناه المبالغ
في الرحمة أرحم الراحمين وفَعْلاَنُ من بناء المبالغة تقول للشديد الامتلاء ملآنُ
وللشديد الشِّبَع شَبعْانُ وروى عن أحمد بن يحيى أنه قال هو عِبْراني وهذا مرغوب
عنه ولم يحك هذا أبو إسحاق في كتابه قال والرحيم هو اسم الفاعل من رَحِمَ فهو
رَحِيمٌ وهو أيضاً للمبالغة. قال غيره : أصلُ الرحمة النعمةُ من قوله : " هذا
رحمةٌ من رَبيِّ " أي نِعْمة وقد يقال في قلب فلان رحمةٌ لفلان على معنى
الرِّقَّةِ وليس بأصل ويَدُلُّك على أن أصلَه النعمة دون الرَّقَّة قولُهم
رَحِمَهُ الطبيبُ بأن استقصَى علاجَه أي أحسن إليه بذلك وأنعم عليه وإن كان قد
آلمه بالبَطِّ وما جرى مجراه من الجَبْرِ وغيره والصفتانِ جميعا من الرحمة وهما
للمبالغة إلا أن فَعْلانَ أشَدُّ مبالغةً عندهم من فعيل كذا قال الزجاج وحقيقةُ
الرحمةِ الأنعامُ على المحتاج يدل على ذلك أن انسانا لو أهدي إلى مَلِكٍ جوهرا لم
يكن ذلك رحمةً منه وإن كان نعمةً يستحق بها المكأفاة والشُّكْرَ وإنما ذُكِرتِ
الصفتان جميعا للمبالغة في وصف الله تعالى بالرحمة ليُدَلَّ بذلك أن نِعَمَه على
عباده أكثر وأعظم من كل ما يجوز أن يُنْعِمَ به سواه وأنه قد أنعم بما لا يقدر
أحدٌ أن يُنْعم بمثله ويقال لم قَدَّمِ ذِكْرَ الرحمنِ وهو أشدُّ مبالغة وإنما
يبدأ في نحو هذا بالأقل ثم يُتْبَعُ الأكثر كقولهم فلانٌ جوادٌ يُعْطِى العَشَراتِ
والمِئينَ والألُوفَ والجواب في ذلك أنه بُدِئَ بذكر الرحمن لأنه صار كالعلم إذا
كان لا يوصف به إلا اللهُ جَلَّ وعز وحُكَّمُ الأَعْلامِ وما كان من الأسماء أعرفَ
أن يُبْدأ به ثم يتبعَ الأنَكْرَ وما كان في التعريف أنقصَ هذا مذهب سيبويه وغيره
من النحويين فجاء على منهاج كلام العرب وقيل الرحمنُ صفة لله تعالى وجل وعز قبل
مجيء الإسلام وأنشدوا لبعض شعراء الجاهلية :
ألا ضَرَبَتْ تِلكَ الفتاةُ هَجِينَها * ألا قَضَبَ الرحمنُ رَبيِّ يمينَها
وقال الحسن الرحمنُ اسمٌ ممنوعٌ أن
يتسمى به أحدٌ والإجماعُ على ذلك وإنما تسمى به مسيلمة الكذابُ جهلا منه وخطأ وقيل
الرحمن وذو الأرحام من الرحمة لتعاطفهم بالقرابة والأَحَدُ أصله الوَحَدُ بمعنى
الواحد وهو الواحدُ الذي ليس كمثله شيء وإذا أجرى هذا الاسم على القديم سبحانه جاز
أن يكون الذي هو وصف كالعالم والقادر وجاز أن يكون الذي هو اسم كقولنا شيء ويقوي
الأول قوله تعالى : " وإلهكم إلَهٌ واحد " قال وفي التنزيل : "
قُلْ هُوَ اللهَ أحَدَ " بعد ذكره أن الهمزة مبدلة من الواو على حد إبدالها
منها في ونَاةٍ حيث قالوا أنَاةٌ لان الواو مكروهة أوّلاً فقلبت إلى حرف مناسب لها
بأنه أوّل المخارج كما هي كذلك وأنها حرف علة مع قوة الهمزة أولا ويقال ما حقيقة
الواحد فالجواب شيءٌ لا ينقسم في نفسه أو مَعْنَى صفتهِ وذلك أنه إذا قيل الجزء
الذي لا يتجزأ واحدٌ في نفسه فإذا جرى على موصوف فهو واحد في نفسه وإذا قيل هذا
الرجلُ انسانٌ واحدٌ فهو واحد في معنى صفته وقد تقدم ذكرُ أحَدٍ وواحِدٍ مع
تصاريفهما في باب العددِ الصمد فيه قولان الأوّل السيد المعظم كما قال الأسدي :
ألاَ بَكَرَ الناعي
بخَيْري بَني أسَدْ * بِعَمْرو بْنِ مسعودٍ بالسَّيِّد الصَّمَدْ
والثاني الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج
ليس فوقه أحد صَمَدْتُ إليه أصْمُدُ قَصَدْتُ إلا أن في الصفة معنى التعظيم كيف
تصرفتِ الحالُ. قال أبو إسحاق : وتأويلُ صُمُودِ كُلِّ شيء لله أن في كل شيء أثرَ
صنعة الله. قال غيره : وقيل الصمد الذي لا جَوْف له البارئ يقال بَرَأَ اللَهُ
الخلقَ يَبْرَؤُهم ويَبْرُؤُهم أي خَلقَهم والبَرِيَّةُ الخَلْقُ منه تخفيفهُ
تخفيفٌ بَدَلِيُّ ولو كان قياسيا لخُفِّفَ مرةً وحُقِّقَ أخرى ولكنه تخفيفٌ بدليُّ
فلا يقلا بَرِيئةٌ إلا على استكراه وخلافٍ للجمهور كما أن تخفيفَ النَّبي تخفيفٌ
بدليُّ إذ لا يقال النبئ بالهمز إلا على اللغة الرديئة التي نسبها سيبويه إلى
الحجازيين. قال أبو عبيد : ثلاثة أحرف تركت العربُ الهمزَ فيها وأصلها الهمز فقوله
تركت العرب الهمز فيها وأصلها الهمز دليل أنه تخفيف بدلي وليس
__________________
بقياسي إذ لا يحصر ما
تخفيف الهمز فيه قياسي لإطراده ثم عَدَّدَ الأحرفَ التي هذا أمرها فقال النبي
أصلها من النبأ وقد نَبَّأْتُ أَخْبَرْتُ والخابيةُ أصلها الهمزُ من خَبَأْتُ
والبَرِيَّةُ أصله من بَرأَ اللهُ الخلق وقد صرح سيبويه بأن تخفيف النبي والبرية
تخفيفٌ بدليُّ بدلالة ضُروب تصريفها وقد تقدم ذكر هذا في موضعه من التخفيف البدلي
الحِفْظِيِّ قال أبو عبيد : قال يونس أهلُ مكة يخالفون غيرهم من العرب يهمزون
النبئ والبريئة وذلك قليل في الكلام القَيُّوم المبالغ في القيام بكل ما خَلَقَ
وما أراد فَيْعُولٌ من القِيام على مثال دَيُّورٍ وعَيُّوقٍ والأصل في ذلك
قَيْوُومٌ فَسَبَقت الياءُ بسكون فقلبوا الواو المتحركة ياء وأدغموا هذه فيها ولا
يكون فَعُّولاً لأنه لو كان كذلك لقيل قَوُّوم والوَلِيُّ المُتَوَلِّي للمؤمنين
اللَّطيفُ الذي لَطَفَ للخلق من حيث لا يعملون ولا يقدرون قال سيبويه : لَطَفَ به
وألْطَفه وحكى غَيْرُه اللُّطْفَ واللَّطَفَ والتَّلَطُّفُ العامُّ من
التَّحَفِيِّ العامِّ وكذلك التَّلْطيف الودَوُد المُحِبُّ الشديد المحبة
الشَّكُورُ الذي يُرِيعُ الخَيْرَ أي يُزْكيه الظاهِرُ الباطِنُ الذي يعلم ما
ظهَرَ وما بَطَن البَدِئُ الذي ابتدأ كُلَّ شيء من غير شيء يقال بدأ الخلق
يَبْدَؤُهم بَدْءاً وأبْدَأهم ومنه بِر بَدِئٌ أي جديد البَدِيع الذي ابْتدَع
الخلقَ على غير مثال يقال ابتْدَعَ اللهُ الخَلْقَ ومنه قيل بِدْعةٌ للأمر
المُخْتَلقَ الذي لم تَجْرِ به عادةٌ ولا سُنَّة يقال هذا من فِعْلِه بَدِيعٌ
وبِدْعٌ وبِدَعٌ وفي التنزيل : " قُلْ ما كُنْتُ بِدَعاً مِنَ الرُّسُلِ
" وقالوا بر بَدِيعٌ كما قالوا بَدِئٌ القُدُّوسُ وقد رويت القَدُّوسُ بفتح
القاف وجاء في التفسير أنه المبارك ومن ذلك أرض مُقَدَّسة مباركة وقيل الطاهر
أيضاً والذَّارئ أيضاً مهموز الذي ذَرأ الخلقَ أي خَلَقهم وقد ذَرَأهُم يَذْرَؤُهم
ذَرْأً. قال الفارسي : ويجوز أن يكون اشتقاق الذُّرِّيَّةِ منه فيكون وزنه على هذا
فُعُّولَه الفاصِلُ الذي فَصَلَ بين الحق والباطل الغَفُور الذي يغفر الذنوب
وتأويل الغفران في اللغة التغطية على الشيء ومن ذلك المِغْفَرُ ما غُطِّي به الرأس
وقالوا اصْبُغْ ثوبَك فإنه أغْفَرُ للَّطَبع أي أسْتَرُله وقالوا الغِفَارةُ
للسَّحابة تكون فوق السحابة لِسَتْرِها إياها وقالوا للخِرقْة التي تَضَعُها
المرأة على رأسها لِتَقِيَ بها الخِمَارَ من الدُّهْن غِفَارةٌ أيضاً لذلك وكذلك
الخرقة
__________________
التي تكون على
مِقْبَضٍ المجَيدِ الجميل الفِعَالِ الشَّهيدُ الذي لا يَغِيبُ والرَّبُّ مالك
كُلِّ شيء وقيل الرب السيدُ وقيل الرَّب المُدَبِّر قال لَبيد بن رَبيعة :
وأهْلَكْنَ يَوْماً
رَبَّ كِنْدةَ وابْنَهُ * ورَبَّ مَعَدٍّ بينَ خَبْتٍ وعَرْعَرٍ
يعني سَيِّدَ كِنْدة ويقال رَبُّ الدار
ورَبُّ الفرس أي مالكِ وقال عَلْقمة :
وكنتَ امْرَأ أفْضَتْ
إليك رِبابَتي * وقَبْلَكَ رَبَّتْني فضِعْتُ رُبُوبُ
رُبُوبٌ جمع رَبٍّ أي المُلوكُ الذين
كانوا قَبْلَك ضَيَّعُوا أمري وقد صارت الآنَ رِبابَتي إليك أي تدبيرُ أمري
واصلاحهُ فهذا رَبُّ بمعنى مالك كأنه قال الذين كانوا يملكون أمري قبلك ضيعوه
ويروي عن بعض الفصحاء لأَنْ يَرُبَّني رجلٌ من قريش أحبُّ إليَّ من أن يَرُبَّني
رجلٌ مِنْ هَوِازنَ أي لأنْ يَمْلِكَني واللهُ عز وجل الرَّبُّ بمعنى المالكِ
السيدِ وقال عز وجل : " فيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً " أي سيده وأصله في
الاشتقاق من التَّرْبية وهي التَّنْشِئة يقال رَبَّبْتُه ورَبَّبْتُه بمعنى وقيل
للمالك رَبُّ لأنه يملك تَنْشِئةَ المَرْبُوب يقال للحاضنة الرَّبيبةُ والرَّبِيبُ
ابنُ امرأة الرجل وأنشد أبو عبيد لمَعْنِ بن أَوْسِ المُزَني يَذْكُر امرأتهَ
ويذكر أرضا كانت
بها فقال :
إنَّ لهَا جارَيْنِ
لم يَغْدرا بها * رَبِيبَ النَّبيِّ وابنْ خَيْرِ الخَلائفِ
يعني عُمر بن أبي سَلَمة وهو ابن أُمِّ
سَلَمة زَوُج النبي صلى الله عليه وسلم والرَّابُّ هو زوجُ الأُمِّ قال ويروى عن
مجاهد أنه كَرهَ أن يتزوج الرجلُ امرأةً رابَّةً وقالوا طالتْ مضرَبَّتُهم الناسُ
كما قالوا طالَتْ مملكتُهم الناسَ والمَرَبُّ الأرضُ التي لا يزال بها الثَّرَى
ويقال رَبَّيْتُ الولدَ ورَبَّيْتُه ويقال رَبَّبْتُ الشيءَ بالعَسل أو بالخل
ورَبَّيْتُه وكذلك الجِرْوُ يَرْبَّبُ فيَضْرَي والرُّبِّي الشاةُ التي قد ولَدَتْ
حديثا كأنها تُرَنِّي المولودَ ومنه رَبَّ النعمةَ يَرُبهارَبَّاً ورَبَّبْتُ
الولدَ والمُهْرَ يقال بالتخفيف والتشديد ومن ذلك قولُ الأعشى :
تَرْتَب سُخَاماً
تَكُفُّه بِخلاَلِ
إنما يعني أنها تُرَبِّي شعرَها ومنه
ربَّانُ السفينة لأنه يُنْشِئُ تدبيرها ويقوم عليها والرَّبَابُ السَّحابُ الذي
فيه ماء واحدتهُ رَبَابةٌ لأنه يُنْشِئُ الماءَ أو يُنشأُ بما فيه من الماءِ
والرُّبُّ
__________________
سُلافُ الخائرِ من كل
شيء لأنَّ تَصْفيتَهُ تَنْشأ حالاً بعد حال ووصْفُ القديمِ جَلَّ وَعَزَّ بأنه
رَبٌّ وبأنه مالكٌ وبأنه سَيِّدٌ يرجع إلى المعنى قادرٍ إلا أنه يُفِيدُ فوائدَ
مختلفةً في المَقْدُور فالرَّبُّ القادِرُ على ماله أن يُنْشِئَه من غير جهة
الاستعارة وذلك أن الوكيلَ والمُسْتَعير لهما أن يُنْشِئَا الشيءَ إلا أنه على
طريقة العارية وهي مخالفة لطريقة المِلْكِ والصَّفُوحُ المتجاوز عن الذنوب
يَصْفَحُ عنها والحَنَّانُ ذو الرحمة والتَّعَطُّف والمَنَّانُ الكثير المَنِّ على
عباده بمظاهرته النَعَمِ والفَتَّاحُ الحاكم والدَّبَّانُ المُجازِي والدِّيُن
بمعنى الجزاء معروف في اللغة يقال كما تَدِينُ تُدانُ أي كما تَجْزِي تُجْزَى وقال
الشاعر :
واعْلَمْ وأَيْقِنْ أَنْ مُلْكَكَ زائلٌ
* واعْلمْ بأنَّ كما تَدِينُ تُدان
كأنه قال كما
تَصْنَعُ يُصْنَعُ بِكَ وقال كَعْبُ بن جُعَيْل :
إذا ما رَمَوْنا
رَمَيْناهُمُ * ودِنَّاهُمُ مِثْلَ ما يُقْرِضُونا
وقال عز وجل : " فلَوْلا إنَّ
كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِيِنينَ " أي غير مَجْزِيِّينَ وقال : " كَلاَّ بَلْ
تُكَذِّبُونَ بالدِّيِن " أي بالجزاء ومنه : " وإنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ
" أي الجَزاءَ وقد يقال الدِّينُ بمعنى الدَّأَبِ والعادةِ قال الشاعر :
تَقُولُ إذَا
دَرَأْتُ لها وَضِيني * أَهذا دِينهُ أَبَداً وديِني
أي عادتُه وعادتي والدِّينُ المِلَّة من
قولك دِينُ الإسلامِ خَيْرُ الأديانِ والدِّين الانْقِيادُ والاستسلامُ من قول
العرب بَنُو فلانٍ لا يَديِنُونَ للمُلوُكِ وقيل في دينِ المَلِكِ في طاعة الملك
وتصريفه دَانَ يَدِينُ دِيناً وتَدَيَّنَ تَدَيُّناً ودِيانةً واسْتَدانَ من
الدَّيْنِ استِدانَةً وداينَه مُدَاينةً قال الشاعر :
دَايَنْتُ أَرْوَى والدُّيُونُ تُقْضي *
فَمطَلَتْ بَعْضاً وأَدَّتْ بَعْضا
أي مَنَحْتُها وُدِّي لِتَجْزِيَيني
عليه فهذا يدل أن أصلَ الدِّينِ الجَزاءُ وقيل أصلُ الدِّينِ الانقيادُ
والاستسلامُ وقيل أصله العادةُ وإنما بَنُو فلانٍ لا يَدينونُ للملوك أي لا
يَدْخُلُونَ تحتَ جَزائهم وقوله:
أهَذا دِينهُ أبَداً
ودِيني
__________________
أي عادتُه في جَزائي
وعادتي في جَزائه ويومُ الدِّين ههنا يومُ القيامة سمي بذلك لأنه يوم الجزاء
الرَّقِيبُ الحافِظُ الذي لا يغيب عنه شيء المَتينُ الشديدُ القُوِّة على أمره
الوَكِيلُ الذي تَوَكَّلَ بالقيامِ بجميع ما خَلَقَ الزَّكِيُّ الكثير الخير
السُّبُّوحُ الذي تنزه عن كل سُوءٍ والمُؤْمِنُ الذي آمَنَ العبادَ من ظُلْمِه لهم
إذ قال لا يَظْلمُ مِثْقالَ ذَرَّة وقيل المؤمن الذي وَحَّدَ نَفْسَه بقوله شَهِدَ
اللهُ أنه لا إله إلاَّ هُوَ والملائكةُ والمُهَيْمِنُ جاء في التفسير أنه
الأمِينُ وزعم بعضُ أهل اللغة أن الهاء بدل من الهمزة وأن أصلهَ المؤَيْمِنُ كما
قالوا إيَّاكَ وهِيَّاكَ والتفسير يشهد بهذا القول لأنه جاء أنه الأَمِينُ وجاء
أنه الشَّهِيد فتأويلُ الشهيدِ أنه الأمينُ في شهادتهِ وقال بعضهم معنى المهيمن
معنى المُؤْمِن إلا أنه أشَدُّ مبالغةً في الصِّفة لأنه جاء على الأصل في
المُؤَيْمنِ إلا أنه قلبت الهمزة هاء وفُخِّمِ اللفظُ لتفخيم المعنى. قال أبو علي
: أما قولنا في وصف القديم سبحانه المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ فإنه يحتمل تأويلين
أحدهما أن يكون من أمِنَ المتعدي إلى مفعول فنقل بالهمز فتعدى إلى مفعولين فصار من
أمِنَ زيدٌ العذابَ وآمَنْتُه العذابَ فمعناه المُؤْمِنُ عذابهَ من لا يستحقه وفي
هذه الصفة وَصْفُ القديم بالعَدْل كما قال قائماً بالقِسْط وأما قوله تعالى
المُهَيْمِنُ فقال أبو الحسن في قوله مُهَيْمنِاً عليه أنه الشاهد وقد روى في
التفسير أنه الآمِينُ قال حدثنا أحمد بن محمد قال سألت الحسن عن قوله تعالى :
" مُصّدَّقاً لما بَيْنَ يَدَيْهِ مَنَ الكتِابِ ومُهَيْمِناً عليه "
قال مُصَدِّقاً بهذه الكُتُب وأمَينا عليها والمعنيانِ مُتقاربانِ ألا ترى أن
الشاهدَ أمَيِنٌ فيما شَهَد به فهذا التأويل موافق لما جاء في التفسير من أنه
الأمِينُ وإن جعلتَ الشاهدَ خلافَ الغائبِ كان بمنزلة قوله تعالى : " لا
يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ " و" لا يَعْزُبُ عنه مِثَّقالُ
ذَرَّةٍ في السمَّواتِ " وقال " وكُنَّا لحِكُمْهِم شاهِدينَ "
وقالوا أنه مُفَيْعِلٌ من الأمانِ مثل مُبَيْطِر وأبدلت من الفاء التي هي همزةٌ
الهاءُ كما أبدلت منها في غير هذا الموضع وروى اليزَيِديُّ أبو عبد الله عن أبي
عُبيْدة قال لا يوجد هذا البناءُ إلا في أربعة أشياء مُبَيْطرٍ ومُسَيْطِر
ومُبَيْقِر ومُهَيْمنِ. قال أبو علي : وليست الياء للتصغيرِ إنما هي التي لَحِقَتْ
فَعَلَ فألحقته بالأربعة نحو دَحْرَجَ وإن
__________________
كان اللفظُ قد وافقَ
اللفظَ إن شاء الله تعالى وقوله " العَزِيزُ " أي الممتنع الذي لا يغلبه
شيء و" الجَبَّارُ " تأويله الذي جَبَر الخلقَ على ما أراد من أمره وقيل
الجَبَّارُ العظيمُ الشانِ في الملك والسُّلطْانِ ولا يستحق أن يُوصفَ به على هذا
الاطلاقِ إلا الله تعالى فإن وُصِفَ به العبدُ فإنما هو على وضع نفسه في غير
موضعها وهو ذَمُّ على هذا المعنى " المُتَكَبِّرُ " الذي تَكَبَّرَ عن
ظلم عباده وقيل المُتَكَبِّرُ الذي تَكَبَّر عن كل سوءٍ عن قتادةَ والمُتَكَبِّرُ
المستحق لصفات التعظيم السَّلامُ اسم من أسماء الله تعالى وقيل السَّلاَمُ الذي
سَلِمَ الخلقُ من ظُلْمه و" القَدِيرُ " القادرُ على كل شيء من القَدْرِ
والقَدَرِ وهو القضاءُ والجمعُ أقدارٌ وقَدَرَ على خلقه الأمْرَ يَقْدِرهُ
ويَقْدُره قَدْراً وقَدَراً وقَدَّرَه له وعليه وقَدَرَ لهَ الرَّزْقَ
والقَدَرِيَّةُ قوم يَجْعَدُونَ القَدرَ و" مِلَك يَوْم الدِّينِ " قال
أبو علي هو من المُلْكِ ومالك من المِلْكِ وقيل أصلهُ في الاشتقاق من الشَّدِّ
والرَّبْطِ وقيل من القُدْرِة والأوّل قولُ ابنِ السَّرَّاج والثاني قول أبي بكر
أحمد ابن علي والتصريفُ يَطَّرِدُ في كلا الأصَلْينِ فمنه الأمْلاكُ ومَلَكْتُ
بُضْعَ المرأةِ ومنه قولهُم مَلَكْتُ العجينَ إذا شَدَدْتَهُ وقَوَّيته ومنه قوله
:
مَلَكْتُ بها كَفِّي
فأنْهَرْتُ فَتْقَها * يَرَى قائمٌ مِنْ دُوِنها ما وَراءهَا
فإن قال قائل لم قطعتَ على أنه من
القُدْرة وهو يطرد في كلا الأصلين فالجواب أن هذا معنى قد اشْتُقَّ لله عز وجل منه
صفاتٌ فالوَجْهُ أخَذْهُ من أشرفِ المعنيين إذا اطَّرَدَ على الأصَلْيَن وهو
القدرة دون المعنى الآخر واختلفوا في أَيِّ الصفتين أَمَدْحُ فقال قومٌ مَلِكٌ
أَمْدَحُ لأنه لا يكون إلا مع التعظيم والاحْتواءِ على الجمع الكثير وقد يملك
الشيءَ الصغير والجُزْءَ الحقير وقال قوم مالِكٌ أمدحُ لأنه يجمع الاسم والفعلَ
كأنهم يذهبون إلى أنه لا يكون مالكاً لشيء لا يملكه كقولك مَلِكُ العرب ومَلِكُ
الرَّوم وقد تقول مالك المال ولا تقول مَلِكُ المال قال وصفةُ مِلَكِ عندي أمدحُ
لأنها متضمنة للمدح والتعظيم من غير إضافة وليس كذلك مالك ولأنها متضمنة معنى
الفعل أيضاً إذا كان لا يكون مَلِكاً إلا من قد مَلَك أشياء كثيرةً وحَوَى مع ذلك
أمورا عظيمة وكلا القراءتين مُنْزَلٌ والدليل على ذلك أن التَّواخُذُ جاء بهما
مَجيئا واحدا فلو ساغَ جَحْدُ نُزول
إحداها لساغَ جَحْدُ
نزولِ الأخْرَى فإن قال قائل ما تنكر أن تكون أحداهما مُنْزَلة والأخرى معتبرةً
استحسنها المسلمون وقَرُؤوا بها إذ كانت لا تَخْرُج عن معنى المُنْزلة قيل له لا
يجوز ذلك من قِبَل أنه أُخِذَ على الناس أن يُؤَدُّوا لفظَ القرآنِ وما أُخذَ
عليهم أن يُؤدُّوا معناه ولم يُسَوِّغُوا القراءة على المعنى يَدُلُّك على ذلك أنه
لو ساغ أن يُقْرأ على المعنى لَسلخ أن يُقْرأ ذُو المِلْكة يومَ الدِّين وذُو
الملكوتِ يَوْمَ الدينِ وذُو مِلْكِ يوم الدين فلما كان معلوما أن ذلك لا يَسُوغُ
ولا يجوز عند المسلمين صح أنه لا يجوز ما كان مثلَه ونظيَره وقرأ مَالكِ بألفٍ
عاصمٌ والكسائيُّ وقرأ باقي السبعةِ بغير ألف قال والاختيار مَلكِ لأنه أمدح
والمالكُ هو القادِرُ على ماله أن يُصَرِّفه وإذا قيل للصبي أو العاجز فإنما هو
مالك لأنه بمنزلة القادر الذي له أن يصرف الشيء وإذا قيل في الوكيل أنه لا يملك
الشيء الذي له أن ينصرف فيه فلأنهم لم يعتدوا بتلك الحال لأنها بمنزلة العارية
والمَلِكُ القادُر الواسعُ المقدورِ الذي له السِّياسة والتدبير. قال : فما حكاه
أبو بكر محمدُ بنُ السَّرِي عن بعض من اختار القراءةَ مَلِكِ من أن الله سبحانه قد
وَصَفَ نفسَه بأنه مالكُ كُلِّ شيء بقوله رب العالمين فلا فائدةً في تكرير ما قد
مَضَى فإنه لا يرجح قراءةَ مَلِك على مالك لأن في التنزيل أشياءَ على هذه الصورة
قد تَقَدَّمها العامُّ وذُكِرَ بعد العامِّ الخاصُّ كقوله عز وجل : " اقْرَأْ
باسْمِ رَبِّكَ الذَّي خَلَقَ " فالذي وَصْفٌ للمضاف إليه دون الأول المضاف
لأنه كقوله : " هُوَ اللهُ الخالِقُ البارِئُ " ثم خَصَّ ذِكْرَ
الانسانِ تنبيها على تَأَمُّلِ ما فيه من إتقان الصنعة ووُجُوهِ الحكمة كما قال :
" وفي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ " وقال " خَلَقَ الانْسانَ
منْ عَلَقٍ " وكقوله : " وبِالأخشة هُمْ يُوقِنوُنَ " بعد قوله
" الذَّينَ يُؤْمِنونَ بالغَيْبِ " والغيبُ يَعُمُّ الآخرةَ وغيرَهما
فَخَصُّوا بالمدح بِعلَّمِ ذلك والتَّيَقُّنِ تَفْضِيلاً لهم على الكفار المنكرين
لها في قوله : لا تَأْتِينا السَّاعةُ قُلْ بَلَى ورَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُم "
وكقوله تعالى : " ما نَدْري ما الساعةُ إنْ نَظْنُّ الاظَنَّاً وما نحنُ
بُمْسَتْيِقِنينَ " وكقوله تعالى : " وقالوا ما هِي إلاَّ حَياتُنا
الدُّنيا " وكذلك قوله تعالى وعز وجل : " بسم الله الرحمن الرحيم "
الرحمنُ أبلغُ من الرحيم بدلالة أنه لا يوصف به إلا الله تعالى ذكره وذكر الرحيم
بعده لتخصيص المسلمين به في
قوله تعالى : "
وكانَ بالمؤْمنينَ رَحِيماً " وكما ذُكِرتْ هذه الأمورُ الخاصةُ بعد الأشياء
العامّة لها ولغيرها كذلك يكون قولُه مالك يوم الدين فيمن قرأها بالألف بعد قوله
الحمد لله رب العالمين أثبت فلمن قرأ مالك من التنزيل قولُه : " والأمْرُ
يَوْمَئذٍ لله " لأنَّ مِلْك الأمْرِ للهِ وهو مالكُ الأمر بمعنى ألا ترى أن
لامَ الجرِّ معناها المِلْكُ والاستحقاقُ وكذلك قوله : " يوم لا تَمْلِكُ
نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً والأمْرُ يَؤمَئذٍ للهِ " يقوي ذلك والتقدير مالكِ
يوم الدين من الأحكام ما لا تملكه نفسٌ لنفسٍ ففي هذا دلالةٌ وتقويةٌ لقراءة من
قرأ مالك وإن كان قولهُ : " لِمَنِ المُلْكُ اليومَ " أوضح دلالةً على
قراءة من قرأ مَلِكِ من حيثُ كان اسمُ الفاعل من المُلْك المَلِك فإذا قال
المُلْكُ له ذلك اليومَ كان بمنزلة هو ملِكُ ذلك هذا مع قوله تعالى : "
فَتعالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ " والمَلِكُ القَدُّوسُ ومَلِكِ الناسِ
ورُوِي في الحديث : " إنَّ للهِ تِسْعَةً وتِسْعينَ اسْمَا مَنْ أحْصَاها
دَخَلَ الجنْةَ " قال أبو إسحاق الزجاج روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال للهِ تعالى مائةُ اسْمٍ غَيْرَ واحدٍ من أحصاها دَخَلَ الجنةَ هو اللهُ
الواحدُ الرحمنُ الرحيمُ الأحدُ الصَّمَدُ السَّلامُ المُؤْمنُ المهيمن العزيزُ
الجَبَّارُ المتكبرُ الخالقُ البارئُ المُصَوِّرُ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِي
الكَبيرُ الغَنِيُّ الكَريمُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ العَلِيمُ اللَّطِيفُ السَّميعُ
البَصِيرُ الوَدُودُ الشَّكُورُ الظَّاهرُ البْاطِنُ الأوّلُ الآخِرُ البَدِئُ
البَديع المَلِكُ القُدُّوسُ الذَّارِئُ الفَاصلُ الغَفُورُ المَجيِدُ الحَلِيمُ
الحَفِيظُ الشَّهِيدُ الرَّبُّ القَديرُ التَّوَابُ الحافظُ الكَفِيلُ القَرِيبُ
المُجِيبُ العَظِيمُ الجَلِيلُ العَفُوّ الصَّفُوحُ الحَقُّ المُبِينُ المَعِزُّ
المُذِلُّ القَوِيُّ الشَّدِيدُ الحَنَّانُ المَنَّانُ الفَتَّاحُ الرَّؤُفُ
القابِضُ الباسِطُ الباعِثُ الوارِثُ الخَبِيرُ الرَّقِيبُ الحَسِيبُ المَتِينُ الوَكِيلُ
الزَّكِيُ الطَّاهِرُ المُحْسِنُ المُجْملُ المبارَكُ السُّبُوحُ الحكيمُ البَرُّ
الرَّازِقُ الهاديِ المَوْلَى النَّصيرُ الأعلى الأكبر الأكرمُ الوَهَّابُ
الجَوَادُ الوَفِيُّ الواسِعُ الرَّزَّاقُ الخَلاَّقُ الوِتْرُ ومعنى الوِتْر
الأَحَدُ فهذا كتسميتهم إياه الفَرْد وأما المُصَوِّرُ فمعناه
__________________
الذي صَوَّرَ جميعَ
الموجودات الحاملةِ للصورة وقال المفسرون الذي صَوَّرَ آدمَ عليه السلام فأما
قراءة من قرأ المُصَوَّرُ على لفظ المفعول فلا تصح إذا لا معنى لها لأن
المُصَوَّرُ يقتضي مُصَوِّرا وأيضاً فإن المُصَوَّرَ ذو صُورة وهذا يقتضي أقدمَ
منه ولا أقْدَمَ منه جَلَّ وعز وقد فَسَّرتُ من هذه الأسماء والصفاتِ ما يَحتاجُ
إلى التفسير وتَحَرَّيْتُ أقاويلَ الثِّقاتِ أهل المعرفة بالإصْدارِ والإيرادِ
والله الموفقُ للصواب وأنا أذكر أَجْمَعَ آيةٍ في القرآن لأسمائه وصفاته وأفسر ما
تضمنته من الحكمة وهي : " لَوْ أَنْزَلنْا هذا القُرآنَ على جَبَلٍ
لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيةِ اللهِ وتِلْكَ الأمْثالَ
نَضْرِبُها للناسِ لَعَلُّهم يَتَفَكْرونَ هُوَ اللهُ الذَّي لا إلهَ إلاَّ هُوَ
عاِلمُ الغَيْبِ والشَّهادةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحيمُ هُوَ اللَهُ الذي لا إله
إلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَيِمْنُ العَزِيزُ
الجَبَّارُ المُتكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللهُ الخَالِقُ
البارِئُ المُصَوِر لَهُ الأسْماءُ الحُسْنَى يُسَبَحُ له ما في السمواتِ والأرْضِ
وهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ " وقد تضمنت الآياتُ البيانَ عما يجب اعتقادهُ من
أن منزلَة القرآنِ منزلةُ ما لو أنْزِلَ على جَبل يَشْعُرُ بِعظَمِ شأنهِ لَخَشعَ
للذي أنزله ولتَصَدَّعَ مِنْ خَشْيَتِه مع ضَرْبِ هذا المثلِ ليتفكر الناسُ فيه
وللبيان عما يجب اعتقادهُ من توحيد الإله وأنه عالم الغيبِ والشهادة الذي عَمَّ
كُلَّ شيءٍ منه نِعمْةٌ وتضمنت أيضاً الحكمةَ والبيانَ عما يجب من تعظيم الله
بصفاته من أنه لا إله إلا الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار
المتكبر المنزه عن الاشراك به وعن كل صفة لا تجوز عليه فالبيانُ عما يجب أن يعظم
به من أنه الخالقُ البارئ المصور وأنه المُسَبِّحُ له ما في السماوات والأرض وأنه
العزيز الحكيم. فإذا قد ذكرنا ما حَضَرَنا من أسمائه الحُسْنى وصفاتِه العُلَى
فلْنَحْمَدُه على ما ألهمنا إليه من معرفته والعلم به ثم لنْصُلِّ على نبينا محمد
صلى الله عليه وسلم ثم لْنَأْخُذْ في ذكر الألفاظ التي يُنَزَّهُ بها اللهُ عز وجل
من تقديس أو تعظيم أو تبرئة وتنزيه عما يَلْحَقُ المخلوقين من ضُروبِ العُيوبِ
والذَّمُومِ والأعْراضِ ونَذْكرُ الألفاظَ التي بها يُدْعَى إليه أيضاً والتي
تُسْتَعْمَلُ عند الاستعاذة ونَبْدَأُ بالكلمة التي تقتضي حمدَه على نعمه وبها
انْتَتَحَ كتابَهُ فقال عز وجل : " الحمد لله رب العالمين "
وجَعَلها آخرَ دعاءِ
أوليائه في جِوَارِه وجَنَّتِه فقال : " دَعْواهُمْ فيها سُبْحانَكَ
اللَّهُمَّ وتَحِيَّتُهم فيها سَلامٌ وآخرِ دَعْوَاهُمْ أن الحَمْد للهِ رَبِّ
العالمين " الحمدُ نقيضُ الذَّمَ والحمدُ والشكرُ والمدحُ والثناءُ نظائرُ
وبين الحمد والشكر فرقٌ يظهر بالنقيض فنقيضُ الشكر الكفرُ ونقيضُ الحمد الذمُّ
وأصلُ الحمدِ الوصفُ بالجميلِ كما أن أصلَ المَدْح كذلك وقد يقال للآخْرَسِ حَمِدَ
فُلانا إذا أظهر ما يقوم مقامَ الوصف بالجميل وربما قالوا قد وصفه بالجميل
فيُوقعونه مَوْقعَ مَدْحِه بذلك والحمدُ هو الوصفُ بالجميلِ على جهةِ التفضيلِ وقد
شَرَطه قومٌ بأن قالوا بالجميل عند الواصف لأن اليهوديَّ قد يصف انسانا بأنه
متمسكٌ باليهودية على جهة المدح بذلك وهو يجوز أن يُسْتَعار له اللفظُ إذا قيل قد
مَدَحه والأصلُ في هذا أن يُمَيَّزَ بين من لا يستحق الحمدَ وبين من يستحقه فأما
من يكون ممدوحا ممن لا يكون ممدوحا فطريقُه طريقُ العبادة وما يجري في عادة أهل
فاليهودي لا يستحق أن يوصف بالجميل على جهة التفضيل فهو الحمد والحمد والمدح في
هذا سواءٌ والشكر لا يكون إلا على نعمة والحمدُ قد يكون على نعمة وعلى غير نعمة
كما قد يكون المدحُ فنحن نحمد الله على انعامه علينا ونحمده على أفعاله الجميلة من
طريق حسنها كما حمدناه من طريق النعمة بها وإنما نحمده جل وعز على جهة التفضيل لا
فعاله على كل فِعْلٍ لنا وعلى التعظيم لإنعامه علينا واحسانه إلينا وقد يقال
الأخلاقُ المحمودةُ فيجري ذلك على جهة الاستعارة والتشبيه بحمد من كان منه فِعْلٌ
حَسَنٌ أو قبيح فقد صار الحمدُ بمنزلة المشترَك وإن كان الأصل ما بدأنا به من
المختص وقد قال قوم إن كلا الأمرين أصلٌ ولو كان كما قالوا لجاز أن يُحْمَدَ
اليهوديُّ على قوته وشدّة بدنه وإن صرف ذلك إلى الفساد وما هو كفر منه وإشراك
والحمدُ مصدر لا يثني ولا يُجْمَع تقول أعجبني حمدُكم زيدا والحمدُ لله خبرٌ وفيه
معنى الأمر كأنه قيل لنا احْمَدُوا الله أو قولوا الحمدُ لله والغَرَضُ من الحمد
لله الاقرارُ بما يستحقه الله من المدح والثناء فإن قال قائل إذا كان في الفعل
دلالةٌ عليه فما الفائدةُ فيه قيل له الفائدة فيه من وجهين أحدُهما التنبيهُ كما
قد اجتمع على قول أمير المؤمنين عليه
__________________
السلام قيمة كُلِّ
امرئ ما يُحْسنه وقوله تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا وقوله المَرْءُ مَخْبُوءٌ تحت
لسانهِ وقول الآخر إياكَ والرَّأْيَ الفَطِير وقول الحسن اجْعِّل الدنيا قَنطرةً تَعْبرُها
ولا تَعْمُرها وقول الحجاج آمِراً اتَّقَي اللهَ امْرُؤُ وحاسَبَ نفسَه وأخَذَ
بعنِان عَقْله فعِلَمَ ما يُرادُ به وقولهم الفِتْنُةُ يَنْبُوعُ الأَحْزانَ. قال
أبو علي : وقول الأُوَلٍ العُمَّرُ قَصِير والصَّناعةُ طويلةٌ والتَّجْربةُ خَطَرٌ
والقَضَاءُ عّسِير فكلُّ هذا وإن كان في العقل عليه دلالة ففي التنبيه عليه فائدة
عظيمة فالحاجة إليه شديدة فكذلك كُلُّ ما جاء في القرآن مما في العقل عليه دلالة
فأحَدُ وُجُوهِ الفائدة فيه التنبيهُ عليه والوجهُ الآخرُ أن العقلَ وإن كان فيه
دلالةٌ لمن طلبها فقد يَغْلَطُ غالطٌ فيَصْدِفُ عنها كما غَلِطَ عَبَدَةُ
الأوْثانِ فقالوا اللهُ أَجَلٌ من أن يُقْصَدَ بالعبادة وإنما ينبغي أن نتخذَ
واسطةً تَجْعَلُ لنا عنده المنزلةَ فعبدوا لذلك الأوثانَ واتخذوا الأنداد فكذلك قد
يَغْلَط غالِطٌ فيقولُ اللهُ أجلٌ من أن يُقْصد بالعبادة والثناء كما غلط هؤلاء
فقالوا الله أجل من أن يُقْصد بالعبادة فجاء السمعُ مؤكدا لما في العقل وقد
أُجِمعَ على قراءة الحمدَ لله بالرفع ويجوز في العربية الحمدَ لله بالنصف والفرقُ
بين الرفع والنصب أن النصبَ إنما هو اخبار كُلَّه لله كأنه لم يَعْتَدَّ بما كان
من ذلك لغيره على ما تقدم بياننا له قال سيبويه إلا أنه قد تداخل ذلك على جهة
التوسع فاستعمل كل واحد على معنى الآخر وحُذَّاقُ أهل النحو ينكرون ما جاء به
القراءُ من الضم والكسر في الحمدُ للُه والحمدِ للهِ والكسرُ أبعدُ الوجهين إذا
كان فيه أبطالُ الأعراب وإنما فسد الضمُّ من قِبَلِ أنه لما كان الأتباعُ في
الكلمة الواحدة نحو أُخُوك وأُبُوك ضعيفا قليلا كان مع الكلمتين خطأ لا يجوز
البتةَ إذ كان المنفصلُ لا يلزم لزومَ المتصل فإذا ضَعُفَ في المتصل لم يجز في
المنفصل إذ ليس بعد الضعف إلا امتناعُ الجواز ومع ذلك فإن حركةَ الأعراب لا تلزم
فلا يكون لأجلها اتباعٌ كما لا يجوز في امْرُؤُ وابْنُمٌ أن يضم الألفُ للأتباعه
وكما لا يجوز في دَلْو الهمزةُ لأن ضمةَ الأعراب لا تلزم وكذلك : " ولا
تَنْسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ " لا يهمز لأن حركة التقاء الساكنين لا تلزم
وكما قالوا في المنفصل لم تَخَفِ الرجلَ فلم يَرُدُّوا الألفَ إذ المنفصل
لا يلزم والحمدُ لا
يُسْتَحَقُّ إلا على فِعْل لأنه إنما يُسْتَحَقُّ بعد أن لم يكنْ يُسْتَحَقَ وإن
العقلَ يقتضي أن المستحق للحمد لا يستحقه إلا من أجل احسان كان منه وكذلك الذمُّ
لا يستحقه إلا المسئ على إساءته وكذلك الثوابُ والعقابُ فكلُّ مَسْتَحِقِ الثواب
مُحْسِنٌ وكلُّ مستحقِ العقابِ مُسِيءٌ والذي لم يكن منه احسانٌ ولا إساءة على وجه
من الوجوه لا يجوز أن يَسْتَحِقَّ حمدا ولا ذما ولا ثوابا ولا عقابا وليس يجوز أن
يَسْتَحِقَّ أحدٌ الحمدَ والذمَّ في حال واحدة كما لا يكون وَلِياً عَدُوّاً في
حال واحدة ولا عَدْلاً فاسقا في حال واحدة ولا بَرّاً فاجِراً في حال واحدة وأما
حاشَ لله معناه بَراءةً للِهِ ومَعاذاً للهِ قال أبو علي حذفت منه اللام كما قالوا
ولوتَرَ ما أهلُ مكةَ وذلك لكثرة استعمالهم له وأما سبحانَ اللهَ فأرى سبحانَ مصدرَ
فِعْلٍ لا يستعمل كأنه قال سَبَح سُبحْاناً كما تقول كَفَر كُفْرانا وشَكَرَ
شُكرانْا ومعناه معنى التنزيه والبراءة ولم يتمكن في مواضع المصادر لأنه لا يأتي
إلا مصدرا منصوبا مضافا وغير مضاف وإذا لم يُصَفْ تُرِكَ صَرْفُه فقيل سُبْحانَ من
زيد أي براءةً منه كما قال في البيت :
سُبحانَ مِنْ
عَلْقَمةَ الفاخِرِ
وإنما مُنعَ الصرفَ لأنه معرفةٌ في آخره
ألفٌ ونونٌ زائدتان مثل عُثْمان وما جرى مجراه فأما قولهُم سَبْحَ يُسَبّح فهو
فَعَّلَ ورد على سُبْحان بعد أن ذُكِّرَ وعُرِّفَ ومعنى سَبَّح زيد أي قال سُبْحان
الله كما تقول بَسْمَلَ إذا قال بسم الله وقد يجيء سبحان في الشعر منوّنا كقول
أمية :
سُبْحانَه ثم
سُبْحاناً يَعُودُ له * وقَبْلَنا سَبَّح الجُوِدِيُّ والحُمُدُ
فيه وجهان يجوز أن يكون نكرة فصرفه
ويجوز أن يكون صرفه وحكى صاحب العين سَبَح في سَبَّح وقال سُبُحاتُ وَجْهِ اللهِ كِبْر
ياؤُه وجَلالهُ واحدتهُ سُبْحةٌ وقال جبريلُ أن لله دُونَ العرشِ سبعين بابا لو
دَنَوْنا من أحدها لأحْرَقَتَنْا سُبُحاتُ وَجْهِ الله والسُّبْحةُ الخَرَزُ الذي
يُسَبَّحُ بعَدَدِها وقيل السُّبْحةُ الدعاءُ وصلاةُ التطوع وعَمَّ به بعضهمُ
الصلاةَ وفي التنزيل : " فَلَوْلاَ أنه كانَ مِنَ المُسَبّحينَ لَلَبثَ
" أي
__________________
المصلين قبل ذلك وأما
مَعاذَ اللهِ فإنه يستعمل منصوبا كما ذكر سيبويه مضافا والعياذُ الذي هو في معناه
يستعمل منصوبا ومرفوعا ومجرورا وبالألف واللام فيقال العِيَاذُ بالله واللْجَأ إلى
العياذ بالله وأما رَيْحانَ اللهِ ففي معنى الاْسِترزاق فإذا دَعَوتْ به كان مضافا
وقد أدخله سيبويه في جملة ما لا يتمكن من المصادر ولا يتصرف ولا يدخله الرفع والجر
والألف واللام وقد ذكر في معنى قوله وجل وعز : " والحَبُّ ذُو العَصْفِ
والرَّيْحانِ " أنه الرِّزق وهو مخفوض بالألف واللام وقال النمر بن تولب :
سَلاَمُ الآلهِ
ورَيْحانُه * ورَحْمَتُه وسَمَاءٌ دِرَرْ
فرفَعه ولعل سيبويه أراد إذا ذُكرِ
رَيْحانهَ مع سَبْحانه كان غيرَ متمكن كُسْبحان وأما عَمْرَكَ اللهَ فهو مصدر
ونصبهُ على تقدير فعل وقد يُقَّدرُ ذلك الفعل على غير وجهه منهم من يقدر أسألك
بعَمْرِكَ اللهَ وبتعَمْيركَ اللهَ أي بوصفك اللهَ بالبقاء وهو مأخوذ من العَمْر
والعَمْرُ والعُمْرُ في معنى البقاءِ ألا تَرى أن العربَ تقول لعمر الله فتَحْلِفُ
ببقاءِ الله كما قال الشاعر :
إذا رَضِيَتْ عَلَيَّ
بَنُو قُشَيْرٍ * لَعَمْرُ اللهَ أعْجَبني رِضاها
ومنهم من يُقِّدَر أَنْشُدُك بَعْمِركَ
اللهَ فيجعل الفعلَ أَنْشُدك وهم يستعملونَ الباء في هذا المعنى فيقولون
أَنْشُدُكَ باللهِ فإذا حُذِفَ الباءُ وَصَلَ الفِعْلُ ويُصَرِفُونَ منه الفعلَ
فيقولون عَمَّرْتُكَ اللهَ على معنى ذَكَّرْتُكَ اللهَ وسألُتكَ بالله قال الشاعر
:
عَمَّرْتُكِ اللهَ
إلاَّ ما ذَكّرْتِ لنَا * هل كُنْتِ جارتَنَا أَيَّامَ ذي سَلَمِ
وقال آخر :
عمرتك الله الجليل
فإنني * ألوى عليك لو أن لبك يهتدي
وأما نصب اسم الله الجليل بعد عَمْرَكَ
اللهَ فلأنه مفعول المصدر كأنه قال أسألك بتذكيرك اللهَ أو بوصفك اللهَ بالبقاء
وقد أجاز الأخفش رفعه على أن الفاعل للتذكير هو كأنه قال أسألك بما أُذَكِّرُكَ
اللهَ بهِ وقِعْدَك بمعنى عَمْرَكَ وفيه لغتان يقال قِعَّدَكَ اللهَ وقَعِيدكَ قال
الشاعر وهو مُتَمِّم بن نُوَيرة :
فقِعْدَكِ
أن لا تُسْمِعيِني مَلامةٌ * ولا تَنْكَئي قَرْحَ الفُؤادِ فَيِيجَعا
وقال آخر :
__________________
قَعِيدُ كما الله
الذي أنتمْا لَهُ * ألم تَسْمَعا بالبَيْضَتَينْ المنُاديا
ومعناه أسألك بقِعْدك اللهَ وبقَعِيدِكَ
اللهَ ومعناه بوَصْفِكَ اللهَ بالثَّبات والدَّوام وهو مأخوذ من القواعدِ التي هي
الأصول لما يَلْبَثُ ويَبْقَى ولم يُصَرَّفُ منه فيقال قَعَّدْتُكَ الله كما يقال
عَمَّرْتُكَ اللهَ لأن العَمْرَ في كلام العرب معروف وهي كثيرة الاستعمال له في
اليمين فلذلك تَصَرَّفَ وكثرتْ مواضعه وأما جوابُ عَمرَكَ اللهَ وقِعْدَك اللهَ
ونَشَدْتُك الله فإنها تكون بخمسة أشياء بالاستفهام والأمر والنهي وأنْ وإلاَّ
ولَمَّا والأصل في ذلك نَشَدتُك اللهَ أي سألتك به وطلبتُ منك به لأنه يقال نَشَدَ
الرجلُ الضَّالةَ إذا طلبها كما قال الشاعر :
أَنْشُدُوا الباغي
يُحِبُّ الوِجْدانُ
أي أطلبُ الضَّالة والطالبُ يجب الإصابة
وجُعلَ عَمْرَك اللهَ وقِعْدَكَ اللهَ في معنى الطَّلَبِ والسؤال كَنَشدْتُكَ
اللهَ فكان جوابهُا كُلِّها ما ذكرتُ لك لأن الأمر والنهي والاستفهام كلها بمعنى
السؤال والاستدعاء وكذلك أن لأنه في صلة الطَّلَبِ كقولك نَشَدْتُكَ اللهَ أن
تقومَ وكذلك تَقُولُ نَشَدْتُكَ اللهَ قُمْ ونَشَدْتُكَ اللهَ لا تَقُمْ قال
الشاعر :
عَمْرَكِ اللهَ ساعةَ
حَدِّثينا * ودَعِينا مِنْ ذِكْرِ ما يُؤْذِينا
وقد مر. فقِعْدَكِ أن لا تُسْمِعين.
فجعل الجواب بأن لأنه في معنى الطلب والمسألة وعَمَّرْتُكَ اللهَ إلاَّ كما تقول
الله إلاَّ كما تقول باللهِ إلاَّ فَعَلْتَ كذا وكذا ومثلُ ما ينتصب من ذلك
قَوْلُك للرجل سَلاَماً أي تَسَلُّماً منك وعلى هذا قولهُ عز وجل : " وإذا
خاطَبَهُمُ الجاهِلُونَ قالُوا سَلاَما " معناه براءةً منكم لأن هذه الآية في
سُورة الفرقان وهي مكية والسلام في سورة النساء وهي مدنية ولم يُؤْمَرِ المسلمون
بمكة أن يُسَلّمُوا على المشركين وإنما هذا على معنى براءةً منكم وتَسَلُّماً لا
خير بيننا وبينكم ولا شَرَّ ومن ذلك قول أمية :
سَلاَمَكَ رَبَّنا في
كُلِّ فَجْرٍ * بَرِيئاً ما تَغَنَّثُكَ الذُّمُومُ
أي تَبْرِئةً لك من السُّوء ومعنى ما
تَغَنَّثُكَ الذمومُ أي لا يَلْصَقُ به صفةُ ذَمٍّ قال سيبويه
وكان أبو ربيعة يقول
إذا لِقَيتَ فلانا فقُلْ سَلاَماً وسُئِلَ فَفَسَّرَ للسائل بمعنى بَراءةَ منك قال
فكلُّ هذا ينتصب انتصابَ حَمْداً وشُكْرا إلا أن هذا يَتَصَّرف وذاك لا يتصرف قال
سيبويه ونظير سبحان من المصادر في البناء والمجرى لا في المعنى غُفْرانَ لأن بعض
العرب يقول غُفْرانَك لا كُمْرانَك يريد استغفارا لا كُفْرا قال فجعله فيما لا
يتمكن لأنه لا يستعمل على هذا إلا منصوبا مضافا وكذلك قوله عز وجل : "
ويَقْولُونَ حِجْراً مَحجْوراً " أي حراما مُحَرَّما عليهم الغفرانُ أو
الجنةُ أو نحو ذلك من التقدير على معنى حَرَّم اللهُ ذلك تَحْريما أو جعلَ اللهُ
ذلك مُحَرماً عليهم ويقول الرجلُ للرجل أتفعل كذا وكذا فيقول حَجْراً أي سِتْرا
وبَراءةً وكل ذلك يَؤُل إلى معنى المنع كأنه مأخوذ من البناء الذي يحجر فيمنع من
وصول ما يصل إلى داخله ومن العرب من يرفع سلاما إذا أراد معنى المبارأةِ كما
رَفَعُوا حَنَانَ قال سمعنا بعضَ العرب يقول لرجل لا تَكونَنَّ مني في شيء
الإسَلامٌ بَسلامٍ أي أَمْرِي وأَمْرُك المُسالمةُ وتَرَكُوا لفظَ ما يرفع كما
تركوا فيه لفظَ ما يَنْصِب. قال سيبويه : وأما سَبُّوحاً قُدُّوساً رَبَّ
الملائكةِ والرُّوح فعلى شيء يَخْطُر على باله أو يُذَكِّرُه ذاكرٌ فقال سُبُّوحاً
أي ذكرت سُبُّوحاً كما تقول أَهْلَ ذاكَ إذا سمعتَ رَجْلاً يذكر رَجُلاً بثناءٍ أو
بذَمٍّ كأنك قلتَ ذَكَرْتَ أهْلَ ذاك أو اذكُرْ أَهْلَ ذاكَ ونحو هاذ مما يليق به
وخَزَلُوا الفعَل الناصبَ لُسْبحانَ لأن المصدرَ صار بدلا منه ومن العرب من
يَرْفَعُ فيقول سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ على إضمار وهو سُبوح ونحو ذلك مما مَضى. قال
سيبويه : ومما ينتصب فيه المصدرُ على إضمار الفعل المتروكِ إظهارُه ولكنه في معنى
التعجب قولُكَ كَرَماً وصَلَفاً كأنه يقول أكْرَمَك اللهُ وأدامَ الله لك كَرَماً
وأُلْزِمْتَ صَلَفاً وفيه معنى التعجب فيصير بدلا من قولك أَكْرِمَ به وأَصْلفْ به
قال أبو مُرْهب كَرَماً وطُولَ أَنْفٍ أي أَكْرِمُ بِكَ وأطْوِلْ بأَنْفِكَ لأنه
أراد به التعجبَ وأَضْمَرَ الفعلَ الناصبَ كما انْتصَبَ مَرْحَباً بما ذُكِرَ قبلُ
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله وسلم تسليما آخر
اشتقاق أسمائه عز وجل وبتمامه تم جميع الديوان.
(يقول المتوسل بذي المقام المحمود
|
|
الفقير إلى الله تعالى طه بن محمود
|
رئيس التصحيح للكتب العربية * بدار
الطباعة الكبرى الأميرية)
بسم الله الرحمن الرحيم نحمدك اللهم يا
من أجرى اللسان في مضمار البيان بما أعرب عن فضل الانسان على سائر أنواع الحيوان
ونشكرك شكر انقيد به أوابد النعم ونمري به ضروع الفضل والكرم ونسألك كما أطلقت منا
بذكرك الألسنة أن توقط قلوبنا بخشيتك من السنة وتكتبنا في ديوان الطائفة المحسه
وأن تصلي وتسلم على سيدنا محمد أفصح الناس لسانا وأبلغ الأنبياء حجة وبرهانا
المخصص ببقاء الشريعة وعموم الرسالة المعمم بعمامة الكرامة والجلاله صلى الله عليه
وسلم عليه وعلى آله سادة الأمة وأصحابه الذين بهم لم الله الشعث وكشف الغمة (أما
بعد) فان فضل علينا ومزيد احسانه إلينا ومن المبشرات بان سوق الأدب وصفقة لغة
العرب قد أذن الله لها بعد الكساد في النفاق وأن غصونها آخذة بعد الذبول في
الايناع والإيراق تسهيل السبيل إلى طبع هذا الكتاب الجليل الذي جاد به الزمان وقد
يجود البخيل كتاب طالما تساءلت عنه الركبان واستشرفت إليه الرؤوس وتعثقته قبل
العيون الآذان.
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة * والأذن
تعشق قبل العين أحيانا
ألا إنه هو الكتاب المسمى بالمخصص أحسن
ديوان من دواوين اللغة العربية وأحق كتاب بأن يرحل في طلبه من أراد السبق في الفضل
والأولية لمؤلفه الإمام الأديب اللغوي الصرفي أبي الحسن علي بن إسماعيل المعروف
بابن سيده الأندلسي رحمه الله وأكرم في دار الرضوان مثواه كفاء لهذا الصنيع الجميل
الذي لم يسمح الدهر ولا يسمح له بمثيل فلقد سبق به الأولين وأعجز عن لحاقه الآخرين
إذ جمع فيه ما تكلمت به العرب في كل جليل ودقيق وسهل به على الكاتب والشاعر
والخطيب وعبر الطريق ولم يدع جوهرا ولا غرضا ولا معنى من المعاني الاجاء بما روى
عنهم في وصفه من القوالب والمباني حتى إذا أفرغ من ذلك أفاض في أبواب العربية من
نحو وصرف وغيرهما مما لا بد منه لمن طلب البراعه وحسن الصياغة في هذه الصناعة ولا
يظن ظان أن عبارتي هذه في وصف الكتاب محيطة بكنه فوائده كلا بل هو فوق وصف الواصف
فضلا وقصارى القول فيه أنه كتاب يجب على أولى الألباب أن يتسابقو إليه بل يستابقوا
عليه فورب الأرباب ومن علم الكتاب لو لم يكن لابن سيده إلا هذا الكتاب لكان له فيه
كل ما يزين وتبيض به الوجوه وترجح الموازين فستعلم يمين ضمته ما تضمنته من اليسار
الذي يصغر في جنبه قدر الدرهم والدينار.
ومن أجل ذلك قام
بطبعه ليتسير تناوله وتعيم نفعه جميعه خيرية من فضلاء المصريين وسراتهم ذوي الهمم
العلية وفي مقدمتهم حضرة العلامة المحقق صاحب الفضيلة الشيخ محمد عبد مفتى الديار
المصرية وحضرة صاحب السعادة حسن باشا عاصم رئيس ديوان خديوي وحضرة الوجيه الفاضل
صاحب العزة عبد الخاق بك ثروت أحد أعضاء لجنة المراقبة القضائية بالإسكندرية وهو (حفظه
الله) كان ذا السبق والنهضة الأولى في تحقيق هذا المشروع الجليل فله بذل همته في
استكتاب هذا الكتاب من نسخة عتيقة مغربيه رأيتها بالكتبخانة الأميرية المصرية وقد
ركض فيها البلى ولعب وأكل منها الزمان وشرب حتى أبلى نوبها القشيب وأذوى غصنها
الرطيب ولم تسعد الأيام بثانية تعززها بعد البحث والتنقيب وبعد كتابه نسخة منها
وكل تصحيحها ومقابلتها على أصلها إلى حضرة الإسناد العلامة مرجع طلاب اللغة والأدب
الشيخ محمد محمود التركزي الشنقيطي وكان معه في المقابلة حضرة صديقنا الفاضل الشيخ
عبد الغني محمود أحد علماء الأزهر الشريف فبذل في تصحيحها على الأصل من الاعتناء
ما استوجب به وافر الجزاء ومزيد الثناء ثم قدمت للطبع فبذلنا في تصحيح المطبوع
غاية المجهود وقمنا فيه ولله الحمد المقام المحمود كنا نرسل كل ملزمة بعد أن نفرغ
من تصحيحها وقبل طبعها إلى حضرة الشيخ المفتي حفظه الله فقرأ من الكتاب عدة ملازم
قراءة إمعان وإتقان زاد بها الكتاب حسنا وصحه ثم أسند معظم ملازم الكتاب عدة ملازم
قراءة إمعان وإتقان زاد بها الكتاب حسنا وصححه ثم أسند معظم ملازم الكتاب إلى نظر
الأستاذ الشنقيطي فخطي الكتاب من نظره بابن بجدتها ومجلى حليتها وفارج كربتها فقام
الشيخ بما أسند إليه مضطلعا حتى انتهت الكتاب وكم له فيه من أثر يشهد بفضله ورسوخ
قدمه ومن آثاره ما كتبه على حواشي الكتاب من التعليقات بقلمه فجاء الكتاب بتوفيق
الله على ما يرام غاية في الصحة ونهاية في الأحكام وكان طبعه بالمطبعة الأميرية في
عهد الدولة الخديوية العباسية مد الله ظلالها وأدام إقبالها وألهم العدل والاصلاح
رجالها وتم طبعه في أواخر رجب الفرد الحرام سنة ١٣٢١ من هجرة من هو للأنبياء ختام
عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام.
(هذا ولما فاح مسك ختامه
|
|
أرخته لأكون من خدامه فقلت)
|
جاء المخصص يروى أحسن الكلم
|
|
فضل يروى بما يرويه كل ظمي
|
أكرم به من كتاب كل ذي أدب
|
|
إليه أعطش من صديان للشبنم
|
كتاب صدق ظفرنا منه يوم بدا
|
|
بمفرد الجمع جمع المفرد العلم
|
من رام حصر مزایاه التی
عظمت
|
|
فانما رام عد القطر للديم
|
تراه بحرا ولكن ملؤه درر
|
|
ما بين منتثر منها ومنتظم
|
تراه في كل معنى جال في خلد
|
|
موفرا لك حظ النطق والقلم
|
قام الدليل على فضل اللسان به
|
|
وفضل صاحبه ذى السبق والقدم
|
لا غرو أن ابن اسمعيل جاء بما
|
|
يحيى لسان أبيه غير محتشم
|
تالله إن عليا في مخصصه
|
|
لذويد لم تطاولها يجا هرم
|
هذا أفاد حطاما لا بقاء له
|
|
وذا يفيدك علما غير منحطم
|
عن الجوامع يستغنى الأديب به
|
|
وكلها ليس يغنى عنه من عدم
|
ضنّ الزمان به حينا فحجبه
|
|
عنا وأودعه سجنا بلا جرم
|
وكان من عثرات الجدغيبته
|
|
عناو نحن اليه أحوج الامم
|
وكم زوته عن الافكار زاوية
|
|
من الخمول فلم يسمع ولم يشم
|
حتى أتيح له قوم حجاحجة
|
|
غرّ تلافوه من أظفار محترم
|
قوم هدوا لسبيل الرشد اذ تبعوا
|
|
محمد وأهبوار قد الهمم
|
قامت بهم اللسان العرب قاعدة
|
|
في مصر لولاهم والله لم تقم
|
وكم عوارف أحيوها بمصروكم
|
|
خصاصه قد أماتوها وكم كم
|
وبالطبع أحيو النا هذا الكتاب ولم
|
|
لكن لنطمع أن نلقاه في الحلم
|
فالله يجزيهم خيرا ويرشدهم
|
|
للصالحات ويرأب الثأى بهم
|
أقول لما انتهى طبعا أورخه
|
|
جاء المخصص يروى أحسن الكلم
|
(فهرست السفر السابع
عشر من المخصص)
ومما یؤنث من
سائر الاشياء ولا يذكر
|
٢
|
قبل الذكر على
الشريطة التفسيرية ولكن للعلم به
|
٥٧
|
باب ما يذكر يؤنث
|
١١
|
هذا باب تسمية
المذكر بالمؤنث
|
٥٧
|
ما يذكر ويؤنث من
سائر الأشياء
|
١٥
|
هذا باب تسمية
المؤنث
|
٦١
|
باب ما يكون للمذكر
والمؤنث والجمع بلفظ واحد ومعناه في ذلك مختلف
|
٢٧
|
هذا باب ما جاء
معدولا عن حده من المؤنث كما جاء المذكر معدولا عن حده
|
٦٢
|
ومما وصفوا به
الانثى ولم يدخلوا فيها علامة التأنيث
|
٣٥
|
باب ما ينصرف في
المذكر البتة مما ليس في آخره حرف التأنيث
|
٧٠
|
باب أسماء السور وآیاته ما ینصرف منها مما لا
ینصرف
|
٣٦
|
باب ما يذكر من
الجمع فقط وما يؤنث منه فقط وما يذكر ويؤنث معا
|
٧٢
|
هذا باب أسماء
القبائل والاحياء وما يضاف الى الام والاب
|
٣٩
|
باب ما يحمل مرة على
اللفظ ومرة على المعنى مفردا أو مضافا فيجرى فيه التذكير والتأنيث بحسب ذلك
|
٧٥
|
ومما غلب على الحمى
وقد يكون اسما للقبيلة عك
|
٤٣
|
هذا باب جمع الاسم
الذي آخره هاء التأنيث
|
٧٩
|
هذا باب مالم يقع
اسما للقبيلة كما أن عمان لم يقع الا اسما المؤنث وكان التأنيث هو الغالب عليها
|
٤٤
|
باب جمع الرجال
والنساء
|
٨١
|
هذا باب تسمية
الارضين
|
٤٥
|
القول في بنت وأخت
وهنت وتكسيرها وذكر كلتا وثنتين وابانة وجه الاختلاف فيه اذ كان فصلا دقيقا من
فصول التذكير والتأنيث
|
٨٧
|
هذا باب تسمية
الحروف والكلم التي تستعمل وليست ظروفا ولا أسماء غير ظروف ولا أفعالا
|
٤٩
|
باب تحقير المؤنث
|
٩٠
|
هذا باب تسميتك
الحروف بالظروف وغيرها من الاسماء
|
٥٤
|
باب العدد
|
٩٦
|
ومن المؤنث المضمر
من غير تقدم ظاهر يعود اليه وليس من المضمر
|
|
باب ذكرك الاسم الذي
تبين به العدة كم هي مع تمامها الذي هو من ذلك اللفظ
|
١٠٨
|
|
|
هذا باب المؤنث الذي
يقع على المؤنث والمذكر وأصله التأنيث
|
١١٢
|
باب النسب الى العدد
|
١١٨
|
باب الافعال المشتقة
من أسماء العدد
|
١٢٨
|
باب ذكر المعدول عن
جهته من عدد المذكر والمؤنث
|
١١٩
|
باب الأبعاض والكسور
|
١٢٩
|
باب تعريف العدد
|
١٢٥
|
ذكر العشير وماجاء
على وزنه من أسماء الكسور
|
١٣٠
|
باب ذكر العدد الذي
ينعت به المذكر والمؤنث
|
١٢٦
|
ومن الاسماء الواقعة
على الأعداد من غير ما تقدّم
|
١٣٠
|
هذا باب مالا يحسن
أن تضيف اليه الاسماء التي تبين بها العدد اذا جاوزت الاثين الى العشرة
|
١٢٦
|
باب الالفاظ الدالة
على العموم والخصوص
|
١٣٠
|
باب التاريخ
|
١٢٧
|
اشتقاق أسماء الله
عزوجل
|
١٣٤
|
|