بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدلله ربّ العالمين والصلاة والسّلام على أشرف أنبيائه وخاتم رسله محمّد وعترته المنتجبين.

لا شكّ في أنّ علم الكلام من امّهات العلوم وأشرفها وذلك باعتبار موضوعه وما يبحث فيه من المسائل كمعرفة الخالق وصفاته الجلاليّة والجماليّه والمعاد وسائر اُصول الدين التي لابدّ للإنسان أن يؤمن بها عن معرفة وايقان واذغان ، ولا يجوز له التقليد فيها ، ولأهميّة هذا العلم وعظمته وجلالة موضوعه وأبحاثه اُلِّفت الكتب وصرفت فيه جهود أكابر العلماء وأساطين الفن ويعتبر المحقّق البارع الخواجة نصير الدين الطوسيّ قدّس الله روحه الزكيّة من أوّل مروّجي هذا العلم حيث ألّف كتاب تجريد الاعتقاد وهو كتاب دقيق متقن ، ولهذا نرى أنّ مثل العلّامة على الإطلاق ـ يعني الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي رضوان الله تعالى عليه صاحب العلوم العقليّة والنقليّة ـ قد أقدم على شرحه وتوضيح مرامه وسمّاه ب«كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد» ولله درّه على شرحه ، وحقّاً كما قيل «ولولا شرحه لما شرح هذا المتن» فعظمة هذا الكتاب يعرف من شخصيّة الماتن والشارح ، وبما أنّه من الكتب الدراسيّة في الحوزات اللعلميّة ومحطّ أنظار أهل العلم والفضل فلابدّ أن يكون سالماً من الأغلاط وخالياً من التشويهات والأوهام التي حصلت فيه إثر مرور الأزمنة المتمادية ، ولذلك قام المحقّق الكبير سماحة الاُستاذ الشيخ حسن حسن زاده الآملي أدام الله أيّام إفاضاته بجهود كثيرة وطاقات مشكورة ، وبذل وقته الشريف في مقابلة الكتاب لنسخ خطيّة قيّمة عزيزة الوجود وعلّق عليه بتعلقات أنيفة أزاح عنه التشويشات وأنار بقلمه المبهمات.

وبما أنّ المؤسّسة رغبت ـ كعادتها ـ أن تقدّم خدمة لطلبة العلم والحوزات العلميّة في هذا المجال قامت بنشر هذا الكتاب شاكرة مساعي المحقّق الاُستاذ سائلة من الله سبحانه التوفيق له ولهما لبثّ المعارف الاسلاميّة في النفوس المشتاقة لادراكها وتطبيقها في شؤون حياتهم ومجتمعاتهم إنّه خير ناصرٍ ومعين.

مؤسّسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة

«وكان هذا الشيخ [نصير الدّين الطّوسي] أفضل أهل عصره في العلوم العقليّة ، وله مصنّفات كثيرة في العلوم الحكميّة والشرعيّة على مذهب الإماميّة وكان أشرف من شاهدناه في الأخلاق ـ نوّر الله ضريحه ـ قرأت عليه «إلهيّات الشفاء» لأبي عليّ بن سيناء وبعض التّذكرة في الهيأة تصنيفه ، ثمّ أدركه الأجل المحتوم».

العلامة الحلّي

«روضات الجنّات:ج ٦ ص ٣٠٢»

المقدمة علي كف المراد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لمن لا نفاد لكلماته والصلاة على من شرف الصلاة بالصلاة عليه وآله تراجم آياته.

وبعد فمما هو مشهود ذوي البصائر والأبصار ، ولا يعتريه امتراء ولا إنكار ، أن كتاب تجريد الاعتقاد من مصنفات سلطان المحققين الخواجه نصير الدين الطوسي رضوان الله تعالى عليه أم الكتب الكلامية وإمامها ، وقد احتوى أصول مسائلها على أجمل ترتيب وأحسن نظام لم يسبقه أحد قبله ، ولم ينسج من جاء بعده على منواله بل كلهم عياله.

وأن كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد من مؤلفات العلامة على الإطلاق ، أدل شرح عليه كما هو أول شرح عليه وقد أنصف الفاضل الشارح القوشجي في قوله وأجاد : لو لا كشف المراد لما فهمنا مراد تجريد الاعتقاد.

هذا الذي نقلنا عن القوشجي هو من مسموعاتنا ولكن مؤلف الذريعة إلى تصانيف الشيعة قال في الجزء الثالث منه في عنوان تجريد الكلام (ص ٣٥٢ ج ٣) ما هذا لفظه : وعليه حواشي لا تحصى وشروح كثيرة فأول الشروح شرح تلميذ المصنف آية الله العلامة الحلي المتوفى سنة ٧٢٦ ـ إلى أن قال رضوان الله تعالى عليه : الثالث شرح الشيخ شمس الدين محمود بن عبد الرحمن أحمد العامي الأصفهاني المتوفى سنة ٧٤٦ ، قال في أوله : أن العلامة الحلي هو أول من شرحه ولو لا شرحه لما شرح هذا المتن انتهى فراجع.

وأقول لنا نسختان من هذا الشرح للأصفهاني إحداهما كاملة وتاريخ كتابتها ٨٩٠ ، والأخرى عادمة من أولها عدة أوراق وتاريخ كتابتها ٨١٦ وما وجدنا العبارة المذكورة في أوله ولعلها من كلام الشيخ شمس الدين محمد الأسفرايني البيهقي في شرحه عليه.

ثم إن ما حدا المحقق الطوسي على تحرير تجريد الاعتقاد يعلم بما أبانه هو نفسه في

فاتحة نقد المحصل حيث قال قدس‌سره العزيز : فإن أساس العلوم الدينية علم أصول الدين الذي يحوم سائله حول اليقين ولا يتم بدونه الخوض في سائرها كأصول الفقه وفروعه فإن الشروع في جميعها يحتاج إلى تقديم شروعه حتى لا يكون الخائض فيها وإن كان مقلدا لأصولها كبان على غير أساس ، وإذا سئل عما هو عليه لم يقدر على إيراد حجة أو قياس.

وفي هذا الزمان لما انصرفت الهمم عن تحصيل الحق بالتحقيق ، وزلت الأقدام عن سواء الطريق ، بحيث لا يوجد راغب في العلوم ولا خاطب للفضيلة ، وصارت الطباع كأنها مجبولة على الجهل والرذيلة ، اللهم إلا بقية يرمون فيما يرومون رمية رام في ليلة ظلماء ، ويخبطون فيما ينحون نحوه خبط عشواء ، ولم تبق في الكتب التي يتداولونها من علم الأصول عيان ولا خبر ، ولا من تمهيد القواعد الحقيقية عين ولا أثر ، سوى كتاب المحصل الذي اسمه غير مطابق لمعناه ، وبيانه غير موصل إلى دعواه ، وهم يحسبون أنه في ذلك العلم كاف وعن أمراض الجهل والتقليد شاف. والحق أن فيه من الغث والسمين ما لا يحصى والمعتمد عليه في إصابة اليقين بطائل لا يحظى ، بل يجعل طالب الحق بنظره فيه كعطشان يصل إلى السراب ، ويصير المتحير في الطرق المختلفة آيسا عن الظفر بالصواب ، رأيت أن أكشف القناع عن وجوه أبكار مخدراته وأبين الخلل في مكامن شبهاته ، وأدل على غثه وسمينه ، وأبين ما يجب أن يبحث عنه من شكه ويقينه. وإن كان قد اجتهد قوم من الأفاضل في إيضاحه وشرحه ، وقوم في نقض قواعده وجرحه ، ولم يجر أكثرهم على قاعدة الإنصاف ولم تخل بياناتهم عن الميل والاعتساف ، إلخ.

فكلماته المنبئة عما جرى على الناس من الزيغ والالتباس حتى اعتنوا على غير المحصل وبنوا كبان على غير أساس ، تدلك على أن التجريد حرر بعد النقد نسخا للمحصل لتحصيل الحق بالتحقيق وإزهاق الباطل بالحقيق ووزان التجريد إلى المحصل وزان شرحه على كتاب إشارات الشيخ إلى شرحه عليه فقد قال في أوله بما فعله بشرحه عليه ما هذا لفظه : فهو بتلك المساعي لم يزده إلا قدحا ولذلك سمى بعض الظرفاء شرحه جرحا.

والكتابان الكشف وشرح الخواجه على الإشارات قد تناولتهما أيادي أرباب العلوم

العقلية في الأكناف ، وتداولتها ألسنة أصحاب التحصيل في الأطراف من زمن تأليفهما إلى الآن وقد خلا أكثر من سبعة قرون وهما سناما الكتب الدرسية من الكلامية والحكمة المشائية. ولم يأت أحد بعدهما مع طول العهد بتأليف يضاهيهما بل الكل يباهي بتعليمهما وتعلمهما اللهم إلا بالتعليق الإيضاحي على طائفة من مسائلهما ، أو الشرح التفصيلي عليهما.

ثم لا يعجبني أن أصف لك ما كابدته طول مدد مديدة في عمل هذا الكتاب القيم حتى استقام على هذا النهج القويم. فكأنك تظن بالنظرة الأولى أنه تأليف جديد عرضناه عليك ولكنه كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد للعلمين الآيتين على الإطلاق المحقق الطوسي والعلامة الحلي رضوان الله تعالى عليهما ، وقد قيض الله سبحانه لنا وأنفذ إنقاذه من دياجير تحريفات مظلمة مشوهة موحشة ينبئك عنها عرضه على ما طبع منه من قبل أي طبع كان.

ولما كان شهرة الكتاب وعظم شأنه وجلالة قدر ماتنه وشارحه المشتهرين في الآفاق قد أغنتنا عن الوصف والتعريف فإنما الحري بنا إراءة ما جرى على الكتاب وعمل فيه من جدد التصحيح بعون الهادي إلى الصواب وهو ما يلي :

أولا : أن أستاذنا العلامة الشعراني قدس‌سره الشريف كان شديد الاعتناء بالتجريد وكشف المراد ، فقد شرح آخر الأمر التجريد بالفارسية شرحا مجديا كثير الجدوى جدا وهو مطبوع مستفاد.

ولا أنسى إيصاءه لنا غير مرة في تضاعيف كلماته السامية في حضرته العالية بالعناية بذلك الكتاب المستطاب أعني كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد فقد اقتفينا أثره وأخذنا في سالف الزمان حين اشتغالنا في مدرسة المروي بطهران على واقفها التحية والرضوان وقد مضى إلى الآن أكثر من خمس وعشرين سنة ، في تدريسه وتصحيحه والتعليق عليه فقد صححناه بقدر الإمكان وعلقنا عليه تعليقات وحواشي من بدوه إلى ختمه وقد استنسخها غير واحد من الفضلاء بعد الاطلاع عليها والإقبال إليها.

وثانيا : كلما مست الحاجة في آونة دروسنا ، أو أثناء تأليفاتنا الحكمية والكلامية بل الرياضية إليه ، فحصنا مطالب البحث على التحقيق وزدنا عليها إضافات مما يليق

وتصحيحات بما هو جدير وحقيق.

وثالثا : قد حصلت لنا بتوفيق الله سبحانه مرة بعد أخرى ، عدة نسخ مخطوطة عتيقة وغير عتيقة من التجريد وشروحه من كشف المراد وشرح الأصبهاني وشرح القوشجي والشوارق وغيرها فقد استفدنا منها لتصحيح الكتاب متنا وشرحا. ولكن لم يكن الكتاب بعد خاليا من الأغلاط والتحريف. وأما النسخ المطبوعة منه فكلها غير صالحة للاعتماد وقد طبع بعضها من بعض بالتقليد إلا أن بعضها أقل أغلاطا من الآخر من حيث الأغلاط المطبعية وهو كما ترى.

ورابعا : قد بلغ التصحيح كماله وطلع كالبدر المنير جماله بما أقدم مؤسسة النشر الإسلامي في دار العلم قم ـ زادهم الله تعالى توفيقا في إحياء آثار الغابرين لنشر المعارف الإلهية ـ إلى طبع هذا السفر الكريم وإعادة نشره على الوجه الوجيه والنهج القويم فقد بذلوا جهدهم لإنجازه وإنفاذه فهيئوا عدة نسخ نفيسة عتيقة جدا من خزائنها القيمة من المكاتب العامة ثم فوضوا ذلك الخطير إلى هذا الحقير فأصبح على وجه نرجو الله سبحانه أن يجعله مشكورا.

وتلك النسخ الآتي وصفها غير واحدة منها مصححة قراءة وقبالا ، وتنميق بعضها يحاكي عهد التأليف والآخر ينادي قرب العهد منه ، وكلها لسان واحد ناص على أن الكتاب متنا وشرحا قد ناله صرف الدهر فكأنما فعل به ما فعل بالكلام العجمي في تضاعيف العربي بقولهم عجمي فالعب به ما شئت.

فتبين لنا أولا : أن ما جرى في سالف الأيام على كشف المراد للطبعة الأولى ثم على منوالها تبعتها طبعات أخرى ، هو أن نسخة من التجريد كانت عباراته الوجيزة قد قيدت بكلمات وجمل كأنهما مأخوذتان من كشف المراد للتبيين والإيضاح فظن بها أنها نسخة أصيلة فجعلوها متنا فليس المتن في المطبوع من كشف المراد أي طبع كان متنا ناصعا بل الدخيل فيه ليس بأقل من الأصيل حتى أن المتن الذي آثره الأستاذ العلامة الشعراني روحي فداه في شرحه عليه ففي مواضع منه كلام ودغدغة.

وثانيا : أن كشف المراد لما كان إلى الآن وقد خلت من تأليفه قرون ، كتابا متداولا

للدراسة عند محصلي العلوم فكثرت عليه تعليقات للشرح والإيضاح إما بإيجاز وهو أكثر وإما بإطناب وهو قليل ، أدرج الحشو في الكشف فطبع الخليط مع الصريح. ومما يشهد بذلك أن كل نسخة لاحقة منه تحوي زوائد تخلو عنها سابقتها ، على أن سياق العبارات وحده حاكم على الزيادات.

وثالثا : قد حرفوا كثيرا من الأقاويل عن فحاويها ، وعرفوا بإزائها الأباطيل في مجاريها كأن الناظر يظن في تمادي المس أن الكتاب قد أصابه دس. كما أنك ترى عبارة الماتن في مطاعن الثاني هكذا : وقضى في الحد بمائة قضيب ، والصواب وقضى في الجد مائة قضية ، أي قضى في ميراث الجد بمائة حكم مختلفة يعني أنه كان يتلون في الأحكام.

وترى عبارة الشارح في المقام هكذا : أقول هذه مطاعن أخر وهو أن عمر لم يكن عارفا بأحكام الشريعة فقضى في الحد بمائة قضيب وروي تسعين قضيبا وهو يدل على قلة معرفته بالأحكام الظاهرة.

والصواب أقول هذه مطاعن أخر ، وهو أن عمر غير عارف بأحكام الشريعة فقضى في الجد بمائة قضية وروي تسعين قضية وهذا يدل على قلة معرفته بالأحكام الظاهرة.

وقد قال علم الهدى في الشافي (ص ٢٥٦ ط ١) في عد مطاعن الثاني عن الكتاب المغني للقاضي عبد الجبار : قال صاحب الكتاب (يعني به القاضي المذكور في الكتاب المغني) واحد ما نقموا عليه أنه كان يتلون في الأحكام حتى روي عنه أنه قضى في الجد بسبعين قضية وروي مائة قضية إلخ. وفي تلخيص الشافي لشيخ الطائفة (ص ٤٣٨ ط ١) ومما طعنوا عليه أنه كان يتلون في الأحكام حتى روي أنه قضى في الجد سبعين قضية وروي مائة قضية إلخ. والمحقق الطوسي في إمامة التجريد ناظر إلى الشافي وتلخيصه كما يعلم بعرضه عليهما. وعلم الهدى وشيخ الطائفة من سلسلة مشايخه لأنه قرأ المنقول على والده محمد بن الحسن وهو تلميذ فضل الله الراوندي وهو تلميذ السيد المرتضى علم الهدى والشيخ الطوسي.

ورابعا : قد وجدنا من أساليب عبارات بعض النسخ سيما في فصول الإمامة منه أن الكاتب كان من العامة وكلما كان مثلا ذكر اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان

يكتب الكاتب بعد ذكر الصلوات على ما هو المتعارف بينهم ، ثم رأينا نسخا أخرى كان ذكر الصلوات فيها بحيث اشتهر بين الإمامية أي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهكذا الكلام في ذكر الوصي وسائر الأوصياء عليهم‌السلام وفي غير الوصي فتدبر.

اعلم أنا لم نكتف باقتفاء السيرة من جعل نسخة أصلا وإماما ونقل اختلافات النسخ الأخرى في ذيل الصفحات وهذا الدأب وإن لم يكن فيه بأس ولكن رأينا الأحرى منه أنه كلما أقبل أمر الاختلاف أن يرد إلى مأخذه الأصيلة التي يعلم بها ما يحسم به مادة الاختلاف ، لأن كل فن له اصطلاحات خاصة يجب مراعاتها فمن زاغ عنها فقد أزاغ.

نماذج في ذلك.

ألف : في المسألة السابعة والثلاثين من الفصل الأول من المقصد الأول في تصور العدم كانت العبارة في النسخ المطبوعة من الكتاب هكذا : ويمكنه أن يقيسه إلى جميع الماهيات فيمكنه أن يلحظه باعتبار نفسه فيتصور الذهن عدم نفسه ، وكذلك يمكنه أن يلحظ نفس العدم.

والصواب : ويمكنه أن ينسبه إلى جميع الماهيات فيمكنه أن يلحظه باعتبار نفسه فيتصور عدم الذهن نفسه ، وكذلك يمكنه أن يلحقه نفس العدم. (ص ٦٨)

قوله وكذلك يمكنه أن يلحقه نفس العدم ، أي وكذلك يمكن الذهن أن يلحق العدم نفس العدم ، فيكون يلحق من الإلحاق وكل واحد من العدم ونفس العدم منصوب على المفعولية.

ب : في المسألة الثالثة والأربعين من ذلك الفصل في أن الحكم بحاجة الممكن إلى المؤثر ضروري ، كانت العبارة هكذا : وتقرير السؤال أن الممكن لو افتقر إلى المؤثر لكانت مؤثرية المؤثر لكونها وصفا محتاجا إلى الموصوف ممكنا محتاجا إلى المؤثر في ذلك إن كانت وصفا ثبوتيا في الذهن. (ص ٧٨)

والصواب : وتقرير السؤال أن الممكن لو افتقر إلى المؤثر لكانت مؤثرية المؤثر في ذلك الأثر إن كانت وصفا ثبوتيا في ذلك.

والعبارة الباقية تعليقة أدرجت في الكتاب ، ثم حرفت عبارة الكتاب كي يستقيم ربط بعضها مع بعض كما أن السياق ينادي بذلك أيضا.

ج : في المسألة العاشرة من ثاني ذلك المقصد في أقسام الواحد ، كانت العبارة عند قول الماتن والوحدة في الوصف العرضي إلخ. هكذا : أقول فإن الوصف العرضي. (ص ١٠٣)

والصواب : أقول الوحدة في الوصف العرضي والذاتي تتغاير أسماؤها بتغاير المضاف إليه فإن الوصف العرضي.

فقد أسقط من الكتاب سطر كامل.

د : في أول المسألة الثانية من ثاني المقصد الثاني ، قد أدرجت تعليقة في الشرح تنتهي إلى صفحة كاملة من الكتاب فراجع (ص ١٥٩) وهكذا في شرح قوله والهواء حار رطب إلخ. قد أدرجت تعليقة في عبارة الشرح تنتهي إلى نصف صفحة. (ص ١٦١)

ه : وفي آخر تلك المسألة (ص ١٦٣) في طبقات الأرض كانت العبارة هكذا : الخامس في طبقاتها وهي ثلاث طبقة هي أرض محضة وهي المركز وما يقاربه وطبقة طينية وطبقة مخلوطة بغيرها بعضها منكشف وهو البر وبعضها أحاط به البحر.

والصواب : الخامس في طبقاتها وهي ثلاث : طبقة هي أرض محضة وهي المركز وما يقاربه وطبقة طينية وطبقة بعضها منكشف هو البر وبعضها أحاط به البحر. كما في النسخ الأصيلة المعتبرة الآتي ذكرها.

عبارة الشيخ قدس‌سره في الشفاء كذلك : فيشبه لذلك أن تكون الأرض ثلاث طبقات طبقة تميل إلى محوضة الأرضية ، وتغشاها طبقة مختلطة من الأرضية والمائية وهو طين ، وطبقة منكشفة عن الماء جفف وجهها الشمس وهو البر والجبل وما ليس بمنكشف فقد ساح عليه البحر. (ج ١ ص ٢٢٧ ط ١)

وعبارة القاضي زاده الرومي في شرحه على الملخص في الهيئة للجغميني هكذا : وهي ـ يعني بها العناصر ـ تسع طبقات في المشهور عند الجمهور كالأفلاك : طبقة الأرض الصرفة المحيطة بالمركز ، ثم طبقة الطينية ، ثم طبقة الأرض المخالطة التي تتكون فيها المعادن

وكثير من النباتات والحيوانات ، ثم طبقة الماء ، ثم طبقة الهواء المجاور للأرض والماء إلخ. (ص ١٨ من طبع الشيخ أحمد الشيرازي).

و : في المسألة الثالثة عشرة من رابع المقصد الثاني في أنواع الإحساس ، كانت عبارة الماتن في البصر هكذا : ومنه البصر وهي قوة مودعة في العصبتين المجوفتين اللتين تتلاقيان وتتفارقان إلى العينين بعد تلاقيهما بتلك ويتعلق بالذات بالضوء واللون. (ص ١٩٦)

والصواب : ومنه البصر ويتعلق بالذات بالضوء واللون.

والعبارات الباقية زيادة أدرجت في المتن.

ز : المسألة الثالثة من مسائل المضاف في أن الإضافة ليست ثابتة في الأعيان (ص ٢٥٨) ، يعلم ما فيها من وجوه التحريف بمقابلتها مع النسخ الرائجة المطبوعة ولمزيد الاستبصار والاطمئنان راجع إلى الشفاء (ج ٢ ص ١٠٨ ط ١).

ح : في المسألة السابعة من المقصد الثالث في نبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ص ٣٥٤) ، ترى تحريفات كثيرة يطول بذكرها الكلام ، فليعلم أن راعي الغنم هو أهبان بن أوس. وفي منتهى الأرب أهبان كعثمان صحابى بوده است. وفي الخصائص الكبرى للسيوطي أهبان بن أوس (ج ٢ ص ٢٦٨ من طبع مصر ، وج ٢ ص ٦١ من طبع حيدرآباد) وفي أسد الغابة أيضا (ج ١ ص ١٦١).

وكذلك العنسي بالعين المهملة المفتوحة والنون الساكنة ففي الخصائص للسيوطي الأسود العنسي (ج ٢ ص ١١٦ من طبع مصر) وكذلك العنسي من الأنساب للسمعاني.

ط : في المسألة السادسة من المقصد الخامس في مطاعن الأول (ص ٣٧٤) عند قوله ولقوله إن له شيطانا يعتريه كانت عبارة الشارح العلامة هكذا : أقول هذا دليل آخر على عدم صلاحيته للإمامة وهو قوله إن لي شيطانا يعتريني وهذا يدل على اعتراض الشيطان له إلخ.

والصواب : أقول هذا دليل آخر على عدم صلاحيته للإمامة وهو ما روي عنه أنه قال مختارا : وليتكم ولست بخيركم فإن استقمت فاتبعوني ، وإن اعوججت فقوموني ، فإن

لي شيطانا عند غضبي يعتريني فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني لئلا أوثر في إشعاركم وإبشاركم وهذا يدل على اعتراض الشيطان له إلخ.

وهذه الزيادة موجودة في النسخ المخطوطة وإنما أسقطت من النسخ المطبوعة ونحو هذا الدس على الكتاب كثير وإنما التعرض بها ينجر إلى الإسهاب وراجع في ذلك إلى تلخيص الشافي المذكور أيضا. (ص ٤١٥ ط ١)

اعلم أن هذا الكتاب الكريم أعني كشف المراد مع عظم شأنه في الكلام وإفصاحه عن حق المرام ، وكان دراسته طول قرون سائرة بين الأعلام ، ودائرة بين طالبي الإيقان من أهل الإسلام ، كأنه كاد أن يكون منسيا ، وينحى عن الكتب الدرسية منحيا ومرميا ، مع أنك لا تجد كتابا آخر في الكلام كان له بديلا ، فأقول لك قاطعا ليس هذا إلا لمكان فصول الإمامة فيه وقد توازرت أياد وازرة بأفواه منكرة وآراء فائلة على إنسائه فتبصر. وأنت ترى مؤلف الشرح القديم العامي الأصبهاني يصف التجريد أولا ثم يعزي المحقق الطوسي إلى العدول عن سمت الاستقامة في مباحث الإمامة وهذا ما أتى به في أول كتابه بألفاظه : وقد صنف فيه ـ يعني في علم أصول الدين ـ مصنفات شريفة ومختصرات لطيفة من جملتها المختصر الموسوم بالتجريد المنسوب إلى المولى الإمام المحقق ـ العلامة النحرير المدقق الحبر الفاخر والبحر الزاخر ، المكمل علوم الأولين أفضل المتقدمين والمتأخرين سلطان الحكماء المتألهين نصير الملة والحق والدين مطاع الملوك والسلاطين محمد الطوسي كساه الله جلابيب رضوانه وأسكنه أعلى غرف جنانه ، وهو صغير الحجم غريز العلم. يحتوي من الرقائق الأصولية على أسناها ، وينطوي من الحقائق العلمية على أجلاها يشتمل على بدائع شريفة وغرائب لطيفة لكن لغاية الإيجاز نازل منزلة الإلغاز فأشار إلي من طاعته فرض بأن أشرح له شرحا أحرر معاقده وأقرر قواعده وأشير إلى أجوبة ما أورد فيه من الشبهات خصوصا على مباحث الإمامة فإنه قد عدل فيها عن سمت الاستقامة وسميته بتسديد العقائد في شرح تجريد القواعد. انتهى ما أردنا من نقل كلامه ملخصا.

ثم إن الكتاب بشهادة جميع نسخه والتذكرة الرجالية موسوم بتجريد الاعتقاد فما ترى

من تسميته شرحه بتسديد العقائد في شرح تجريد القواعد ، وما أوجب العدول عن الاعتقاد بالقواعد فاحدس أن تحذلق فئة نكراء واقتفاء أغمار عمياء دار فيما أشرنا إليه من الإنساء. ولكن الله (مُتِمُّ نُورِهِ) و (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ). نعم قد نقل في الذريعة (ج ٣ ص ٣٥٤) أنه سماه تسديد القواعد في شرح تجريد العقائد وسيأتي كلامنا فيه أيضا والله تعالى نسأل العصمة والسداد.

ي : عبارة الشارح العلامة في مطاعن الثالث حيث يقول : واستعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران (ص ٣٧٩) قد حرفت في بعض النسخ بالوليد بن عتبة. والوليد بن عقبة بالقاف هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط بالتصغير وهو ممن أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه من أهل النار فراجع إلى مروج الذهب للمسعودي (ج ٢ ص ٣٤٣ ط مصر) وهو الذي ولاه عثمان أمور المسلمين. وأما الوليد بن عتبة بالتاء فهو الوليد بن عتبة بن ربيعة قتله أمير المؤمنين على عليه‌السلام في غزاة بدر فراجع إلى سيرة ابن كثير (ج ٢ ص ٤١٣ ط مصر).

يا : في عبارات الشارح العلامة في إخبار أمير المؤمنين عليه‌السلام بالغيب كإخباره بقتل ذي الثدية (ص ٣٩٠) ، تحريفات عجيبة تعلم بمقابلة هذه النسخة مع ما طبع من قبل أي طبع كان ، وراجع في ذلك إلى مروج الذهب للمسعودي (ج ٢ ص ٤١٧ ط مصر) أو مأخذ أخرى أصيلة.

يب : عبارات الشارح العلامة في خبر الطائر والمنزلة والغدير (ص ٣٩٣) محرفة جدا يعلم بالمقابلة وهكذا في مواضع أخرى كثيرة ينجر التعرض بها إلى الإسهاب والخروج عن مقدمة الكتاب وغرضنا كما قلنا أولا هو إراءة نماذج فيما جرى على ذلك الكتاب المستطاب.

وأما النسخ التي هي أصول مصادر تصحيح الكتاب ومأخذه فهي ما يلي :

١ ـ نسخة فريدة مصورة من أصلها المحفوظ في خزانة مكتبة المجلس بطهران وهذه النسخة النفيسة القيمة هي أقدم الأصول المعتبرة التي آثرناها واعتمدنا عليها في تصحيح

كشف المراد وقد نال عدة مواضع منها صرف الدهر فكتبت ثانيا ، منها صحيفة آخر الكتاب حيث نمقت كرة أخرى وتنتهي بهذه العبارات : قد عمرت وأتممت وفتنت من نسخة الأستاذ العالم الرباني مولانا محمد باقر المجلسي طالبا لوجه الله الغني في أوان أتوطن في المدرسة السليمانية واشتغل مع تشتت الحال وتراكم الأشغال في سنة تسع وتسعين بعد ألف من الهجرة إلخ. والنسخة وإن كانت بتراء ولا تاريخ لكتابتها الأولى لكن أسلوبها لسان ناص على أنها باقية من عهد تأليفها وقد صينت من حوادث الدهور. وحرف (م) جعلناه علامة لها أي النسخة المؤثرة. وتضاعيفها حاكية على أن كاتبها الأول لم يكن من الإمامية. والنسخة على رغم قدمها لم تكن مقروة على نسخة مصححة ولا قوبلت بها ولا يرى فيها أثر الإجازة في القراءة على الوجوه المأثورة من السلف الصالح ولذا لا تخلو من الأسقاط والأغلاط. والعجب أن رسم خطها على الرسم الدارج الآن في مملكة تونس كما أن رسم القرآن الكريم المطبوع التونسي يضاهي رسمها ويحاكيه.

٢ ـ نسخة عتيقة فريدة من تجريد الاعتقاد فقط وهي أقدم نسخ رأيناها من تجريد الاعتقاد حتى تفوه بأنها من خط المحقق الطوسي (قدس‌سره) لما كتب في آخرها هكذا : خط خواجه نصير. ولكن النسخة قوبلت وصححت بعد الكتابة ثانيا وبلغ تصحيحها ومقابلتها إلى قريب من النصف ولم يتم وتوجد في نصفه الثاني أغلاط وأسقاط أيضا فحصل لنا القطع بأنها ليست من خطه ولكنها كالأولى باقية من عهد تأليفها أو قريبة العهد منه وهي ومتن الأولى متطابقتان إلا نادرا ولذا كانت النسخة في تصحيح المتن عونا جدا بل الحق أن تصحيح تجريد الاعتقاد بتلك النسخة بلغ كماله. والأسف أنها مع كونها كاملة ، فاقدة للتاريخ ، وقد بقي أثر من خط في آخر الصفحة بعد تمام النسخة قد محي أكثره وكأنما أصابه ماء وكتب في جانبه الأنسى هذه العبارة : خط خواجه نصير فلا يبعد أن تكون هذه العبارة! أعني خط خواجه نصير ناظرة إليه وقد أمضاه كما كان من سيرة السلف ، أو الخط الآخر من هذه النسخة هو خط الخواجه (قدس‌سره) أمضاه بذلك كما هو أيضا كان من دأب علمائنا الغابرين ولنا نسخة من كتاب مصائب النواصب في الرد على كتاب النواقض لبعض العامة مما صنفه الشهيد القاضي نور الله

الحسيني المرعشي الشوشتري رفع الله درجاته وآخرها ثلاثة أسطر ونصف من خطه الشريف.

وكيف كان فالنسخة مصورة من أصلها المحفوظ في مكتبة المجلس بطهران. وحرف (ت) علامة لها أي تجريد الاعتقاد. والنسخة مكتوبة بخط واحد على كمالها ، ومزدانة بتعليقات موجزة مفيدة عليها.

٣ ـ نسخة مصورة من أصلها المصون في المكتبة المركزية بطهران تحت رقم ١٨٦٥ ، تاريخ كتابتها ٨٥١ ه‍. ق وهي نسخة كاملة مصححة مقروة مزدانة بعلامة القراءة من البدء إلى الختم بهذه العبارة : بلغت قراءة أبقاه الله تعالى إلا أن رسم خطها ليس بحسن بل نازل ردي جدا وإنما يمكن قراءة أكثر مواضعها بالعرض على نسخ أخرى وتتم النسخة بما كتبه كاتبها هكذا : وفرغ من كماله أضعف العباد وأحوجهم إلى رحمة الله محمد بن علي بن ناصر العينعاني عفا الله عنه وعمن نظر فيه ودعا له بالمغفرة ولسائر المؤمنين وذلك في سلخ شهر رمضان المعظم من شهور سنة ٨٥١ ، إحدى وخمسين وثمانمائة هجرية نبوية على هاجرها أفضل الصلاة والسلام أيها الناظرون في رسم خطي أعذروني إلخ. والنسخة مكتوبة بخط واحد ، مصونة على هيئتها الأولى من غير عروض عارض عليها وجعلنا حرف (ص) علامة لها تدل على صحتها. وهذه النسخة الكريمة القيمة تطابق الأوليين متنا وشرحا وقلما يوجد اختلاف.

٤ ـ نسخة مصورة من أصلها المحفوظ في خزانة مكتبة آية الله المرعشي دامت بركاته الوافرة في دار العلم قم صينت في حصن واليها ووليها بقية الله قائم آل محمد أرواحنا فداه تحت رقم ٧٢٧ وهذه الصحيفة الثمينة مزدانة من بدئها إلى ختمها بعلامة القراءة بهذه العبارة بلغت قراءة أبقاه الله وفي موضع أعز الله نصره وفي آخر أيده الله وفي آخر أدام الله بقاءه وفي آخر بلغ فقط وتاريخ كتابتها ٧٣١ ه‍. ق وعبارة الكاتب في آخرها هكذا : فرغت من تسويده يوم السبت وقت الظهر لخمس بقين من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين وسبع مائة. ولفظة (ق) جعلناها علامة لها.

ومن محاسن هذه النسخة أن كل كلمة كررت في العبارة ، كتبت فوق الثانية منها

لفظة صح ، حتى لا تتوهم أن الثانية زائدة مثلا في آخر المسألة الثالثة من أول الكتاب يقول الشارح العلامة : وتقرير الجواب أن نقول الوجود قائم بالماهية من حيث هي هي لا باعتبار كونها موجودة ولا باعتبار كونها معدومة ، فمكتوبة فوق كلمة هي الثانية لفظة صح. ونظائره في الكتاب كثيرة وهذه السيرة الحسنة كانت جارية معمولا بها بين علمائنا السلف في قراءة الروايات وصحف الأدعية المأثورة عن وسائط الفيض الإلهي صلوات الله عليهم حيث إن كل كلمة كانت قراءتها مروية على وجهين كانوا يعربونها مشكوكة على الوجهين ثم يكتبون فوقها لفظة معا تدل على رواية القراءتين معا ، كما لا يخفى على العارف بها.

لكن الأسف أن النسخة قد ناولتها أيادي الآفات فسقطت منها مواضع كثيرة ثم كتبت وكملت ثانيا لا تضاهي الأول بوجه ، وأواسطها ساقطة تنتهي إلى خمسين صفحة من تلك النسخة وبقيت كما كانت على حالها ولم تكمل بعد.

ومما ينبغي أن يشار إليه في المقام أن سائر النسخ في المسألة الأولى من ثاني المقصد الثاني في البحث عن الأجسام الفلكية ، تحوز زيادة وهذه النسخة خالية عنها وليس الخلو بإصابة آفة أو إزالة مزيل بل النسخة من أصلها هكذا. ولا يبعد أن كانت الزيادة حاشية أدرجت في الشرح وزادت في النسخ الأخرى وكم لها من نظير في هذا الكتاب ولكن لما كانت النسخة بذلك الخلو متفردة لم نسقطها وأبقيناها على وزان سائر النسخ. وعبارة هذه النسخة في المقام هي هكذا :

قال خالية من الكيفيات الفعلية والانفعالية ولوازمها.

أقول هذا حكم آخر للأفلاك وهو أنها غير متصفة بالكيفيات الفعلية أعني الحرارة والبرودة وما ينسب إليهما ولا الكيفيات الانفعالية أعني الرطوبة واليبوسة وما ينسب إليهما وغير متصفة بلوازمها أعني الثقل والخفة. قال شفافة. أقول استدلوا على شفافية الأفلاك بوجهين إلخ. وأما العبارات الباقية كما تراها في الكتاب فتلك النسخة عارية عنها.

واعلم أن هذه النسخ الأربع هي الأصول الأولية لنا في تصحيح الكتاب. وكل واحدة منها وإن كانت لا تخلو من أسقاط وأغلاط ، لكنها معا تعطي نسخة كاملة منقحة

غاية التنقيح إلا وهي هذه الطبعة التي بين يديك.

٥ ـ نسخة مصورة من أصلها المحفوظ في مكتبة المجلس بطهران أيضا تحت رقم ٥٣٠ / ١٤٣١٠ مكتوبة بعدة خطوط قديمة وحديثة تدل على أنها قد تداولتها أيادي الآفات. على أن ما صينت منها عارية عن إجازة القراءة ونحوها والظاهر أن تاريخ كتابتها من القرن السابع أو الثامن. وفي ظهر صحيفته الأولى مكتوبة تارة هكذا : في نوبة المفتقر إلى الله الواحد عبده إبراهيم بن راشد بن يوسف بن محمد سنة خمس وخمسين وتسعمائة.

وأخرى هكذا : من عواري الزمان عند العبد المذنب الجاني حيدر علي بن عزيز الله المجلسي الأصفهاني ثم مختوم بخاتمه ونقشه عبده حيدر علي وجعلنا حرف (د) علامة لها.

٦ ـ نسخة مصورة من أصلها المحفوظ في الشعبة الإلهية من جامعة المشهد الرضوي (ع) تحت رقم ٤٥٢ والنسخة كاملة مكتوبة بخط واحد ، مزدانة بتعليقات وتاريخ كتابتها ١٠٨٩ ه‍. ق وآخرها مكتوبة هكذا : وقع الفراغ من تحرير هذا الكتاب في أواخر شهر محرم الحرام سنة سبعين وسبعمائة ٧٧٠ على يد أضعف عباد الله علي بن الحسن كذا في نسخة كتبت هذه النسخة منها.

وبعد عبارة الفوق كتب كاتب هذه النسخة في ذيل الصفحة هكذا : هو الموفق قد شرف بتكتيب هذه النسخة الشريفة إلى قوله : في شهور سنة تسع وثمانين بعد الألف هجرية إلخ وحرف (ش) علامة لها.

والنسخة أيضا عارية عن إجازة القراءة ونحوها إلا أن في آخرها مكتوبة في هامشها الوحشي بلغ قبالا. وصورة رسم هذه الجملة أعني بلغ قبالا تضاهي رسم الخط الكتاب.

بل الكاتب واحد ولا دغدغة فيه. والنسخة متفردة بحسن الخط.

٧ ـ نسخة مصورة من أصلها المصون في المكتبة المركزية بطهران تحت رقم ١٨٦٩ وتاريخ كتابتها ١٠٩٣ ه‍. ق. والنسخة مكتوبة كاملة بخط واحد وعليها تعليقات. ويتم آخرها بما حرره الكاتب بقوله هكذا : وقد وفق الله سبحانه وتعالى ـ العبد الحقير الجاني علي بن أحمد بن سليمان البلادي البحراني لنفسه ولمن شاء الله من بعده في مدة آخرها

اليوم الثاني والعشرين في شهر جمادى الآخر من السنة الثالثة والتسعين وألف وصلعم.

والنسخة عارية أيضا عن إجازة القراءة ونحوها وحرف (ز) علامة لها.

اعلم أن هذه النسخ الثلاث وإن لم تكن في رتبة الأربع الأولى ولكنها كانت كالمتممة في تصحيح الكتاب واستفدنا منها كثيرا.

ثم تلي النسخ المذكورة عدة نسخ أخرى مخطوطة مما يتعلق بالراقم ، من تجريد الاعتقاد وكشف المراد وشرح الأصبهاني المعروف بالشرح القديم والمسمى بتسديد العقائد في شرح تجريد القواعد وشرح القوشجي المعروف بالشرح الجديد وشرح اللاهيجي المسمى بشوارق الإلهام ، وقد راجعنا إليها في مواضع اللزوم و ـ هكذا كثير من الكتب الحكمية والكلامية كالشفاء والأسفار والمواقف وشرح المقاصد وغيرها مما استفدنا منها في مواضع الحاجة لتصحيح الكتاب.

تبصرة :

قال محيي آثار الإمامية مؤلف الذريعة ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في الجزء الثالث منه في عنوان تجريد الكلام ما هذا لفظه :

تجريد الكلام في تحرير عقائد الإسلام لسلطان الحكماء والمتكلمين خواجه نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة ٦٧٢ هو أجل كتاب في تحرير عقائد الإمامية أوله أما بعد حمد واجب الوجود على نعمائه ... فإني مجيب إلى ما سألت من تحرير مسائل الكلام وترتيبها على أبلغ نظام ـ إلى قوله ـ وسميته بتحرير العقائد ورتبته على ستة مقاصد فيظهر منه أنه سماه تحرير العقائد لكنه اشتهر بالتجريد ، إلخ. (ج ٣ ص ٣٥٢).

أقول : ما أدى إليه نظره الشريف من تسمية الكتاب بتحرير العقائد ، وإن كان يؤيده عمل السلف والخلف من تأليف الكتاب باسم التحرير كتحرير الأحكام الشرعية على مذاهب الإمامية للشارح العلامة وسيما عدة تحريرات أصول رياضية من الأوليات كتحرير أصول أقليدس والمتوسطات كتحرير أكر مانالاءوس إلى النهايات. كتحرير المجسطي ولكن النسخ المذكورة الأصلية كلها ناصة من غير التباس على قوله وسميته بتجريد الاعتقاد ، أو وسمته بتجريد الاعتقاد ، حتى

أن النسخة الأولى بل أكثر النسخ صريحة على التجريد في قوله أولا : فإني مجيب إلى ما سألت من تجريد مسائل الكلام. على أن تسمية العلامة شرحه بكشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد وهو تلميذه وكذلك كلام الخواجه تسجيعا وسميته بتجريد الاعتقاد والله أسأل العصمة والسداد وأن يجعله ذخرا ليوم المعاد ، وكذلك تسمية شمس الدين الأسفراييني شرحه بتعريد الاعتماد في شرح تجريد الاعتقاد كلها ينادي بأن الكتاب موسوم بتجريد الاعتقاد ـ لا تجريد العقائد أو القواعد كما في نسخة من الشرح القديم متعلقة بنا.

وليكن هذا آخر ما رأينا تقديمه في المقدمة وكان شروعنا في التصحيح الجديد في السادس عشر من شهر الله المبارك من شهور سنة ١٤٠٣ من الهجرة النبوية على هاجرها آلاف التحية والثناء ، وقد حصل الفراغ منه في غرة شعبان المعظم من سنة ١٤٠٤ ه‍. ق. (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). الخامس من شهر الله المبارك من ١٤٠٤ ه‍. ق ١٥ / ٣ / ١٣٦٣ ه‍. ش.

قم ـ حسن حسن زاده آملى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القاهر سلطانه ، العظيم شأنه ، الواضح برهانه ، العام إحسانه ، الذي أيد العباد بمعرفته وهداهم إلى حجته ليفوزوا بجزيل الثواب العظيم المخلد ، ويخلصوا من العقاب الأليم السرمد ، وصلى الله على أكمل نفس إنسانية وأزكى طينة عنصرية محمد المصطفى وعلى عترته الأبرار وذريته الأخيار وسلم تسليما.

أما بعد فإن كمال الإنسان إنما هو بحصول المعارف الإلهية وإدراك الكمالات الربانية إذ بصفة العلم يمتاز عن عجم الحيوانات ، ويفضل على الجمادات ولا معلوم أشرف من واجب الوجود تعالى فالعلم به أكمل من كل مقصود وإنما يتم بعلم الكلام فإنه المتكفل بحصول هذا المرام فوجب على كل مكلف من أشخاص الناس الاجتهاد في إزالة الالتباس بالنظر الصحيح في البراهين وطلب الحق بالتعيين ، ووجب على كل عارف من العلماء إرشاد المتعلمين وتسليك الناظرين وقد كنا صرفنا مدة من العمر في وضع كتب متعددة في هذه العلوم الجليلة وإحراز هذه الفضيلة والآن حيث وفقنا الله تعالى للاستفادة من مولانا الأفضل العالم الأكمل نصير الملة والحق والدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي قدس الله تعالى روحه الزكية في العلوم الإلهية والمعارف العقلية ووجدناه راكبا نهج التحقيق سالكا جدد التوفيق معرضا عن سبيل المغالبة تاركا طريق المغالطة تتبعنا مطارح أقدامه في نقضه وإبرامه ولما عرج إلى جوار الرحمن ونزل بساحة الرضوان وجدنا كتابه الموسوم بتجريد الاعتقاد قد بلغ فيه أقصى المراد وجمع جل مسائل الكلام على أبلغ نظام كما ذكر في خطبته وأشار في ديباجته إلا أنه أوجز ألفاظه في الغاية وبلغ في إيراد

المعاني إلى طرف النهاية حتى كل عن إدراكه المحصلون وعجز عن فهم معانيه الطالبون فوضعنا هذا الكتاب الموسوم بكشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد موضحا لما استبهم من معضلاته وكاشفا عن مشكلاته راجيا من الله تعالى جزيل الثواب وحسن المآب إنه أكرم المسئولين ، عليه نتوكل وبه نستعين.

قال : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد حمد واجب الوجود على نعمائه والصلاة على سيد أنبيائه محمد المصطفى وعلى أكرم أمنائه فإني مجيب إلى ما سئلت من تحرير مسائل الكلام وترتيبها على أبلغ نظام مشيرا إلى غرر فوائد الاعتقاد ونكت مسائل الاجتهاد مما قادني الدليل إليه وقوي اعتقادي عليه وسميته بتجريد الاعتقاد والله أسأل العصمة والسداد وأن يجعله ذخرا ليوم المعاد ورتبته على مقاصد :

المقصد الأول في :

الأمور العامة

وفيه

فصول

الفصل الأول

في الوجود والعدم

وتحديدهما بالثابت العين والمنفي العين أو الذي يمكن أن يخبر عنه ونقيضه

أو بغير ذلك يشتمل على دور ظاهر ...

أقول : في هذا الفصل مسائل مهمة جليلة هذه أولاها وهي أن الوجود والعدم لا يمكن تحديدهما واعلم أن جماعة من المتكلمين والحكماء حدوا الوجود والعدم أما المتكلمون فقالوا الموجود هو الثابت العين والمعدوم هو المنفي العين ، والحكماء قالوا الموجود هو الذي يمكن أن يخبر عنه والمعدوم هو الذي لا يمكن أن يخبر عنه إلى غير ذلك من حدود فاسدة لا فائدة في ذكرها وهذه الحدود كلها باطلة لاشتمالها على الدور فإن الثابت مرادف للموجود والمنفي للمعدوم ولفظة الذي إنما يشار بها إلى متحقق ثابت فيؤخذ الوجود في حد نفسه.

قال : بل المراد تعريف اللفظ إذ لا شيء أعرف من الوجود.

أقول : لما أبطل تحديد الوجود والعدم أشار إلى وجه الاعتذار للقدماء من الحكماء والمتكلمين في تحديدهم له فقال إنهم أرادوا بذلك تعريف لفظ الوجود ومثل هذا التعريف سائغ في المعلومات الضرورية إذ هو بمنزلة تبديل لفظ بلفظ أوضح منه وإن لم تستفد منه صورة غير ما هو معلوم عند التحديد وإنما كان كذلك لأنه لا شيء أعرف من الوجود إذ لا معنى أعم منه.

قال : والاستدلال بتوقف التصديق بالتنافي عليه أو بتوقف الشيء على نفسه أو عدم تركيب الوجود مع فرضه ، أو إبطال الرسم باطل.

أقول : ذكر فخر الدين في إبطال تعريف الوجود وجهين والمصنف رحمه‌الله لم يرتض بهما

ونحن نقررهما ونذكر ما يمكن أن يكون وجه الخلل فيهما.

الأول : أن التصديق بالتنافي بين الوجود والعدم بديهي إذ كل عاقل على الإطلاق يعلم بالضرورة أنه لا يمكن اجتماع وجوده وعدمه والتصديق متوقف على التصور وما يتوقف عليه البديهي أولى بأن يكون بديهيا فيكون تصور الوجود والعدم بديهيا.

الثاني : أن تعريف الوجود لا يجوز أن يكون بنفسه وإلا دار ، ولا بأجزائه لأن تلك الأجزاء إن كانت وجودات لزم تعريف الشيء بنفسه ، وإن لم تكن وجودات فعند اجتماعها إن لم يحصل أمر زائد كان الوجود محض ما ليس بوجود هذا خلف ، وإن حصل أمر زائد هو الوجود كان التركيب في قابل الوجود أو فاعله لا فيه ولا بالأمور الخارجة عنه لأن الخارجي إنما يصلح للتعريف لو كان مساويا للمعرف لأن الأعم لا يفيد التمييز الذي هو أقل مراتب التعريف والأخص أخفى وقد حذر في المنطق عن التعريف به لكن العلم بالمساواة يتوقف على العلم بالماهية فيلزم الدور.

وهذان الوجهان باطلان أما الأول فلأن التصديق البديهي لا يجب أن تكون تصوراته بديهية لما ثبت في المنطق من جواز توقف البديهي من التصديقات على التصور الكسبي ، سلمنا لكن جاز أن يكون التصور للمفردات ناقصا أي يكون معلوما باعتبار ما من الاعتبارات وذلك يكفي في باب التصديقات ويكون المراد من الحد حصول كمال التصور.

وأما الثاني فلأن ما ذكره في نفي تركيب الوجود عائد في كل ماهية مركبة على الإطلاق وهو باطل بالضرورة ، سلمنا لكن جاز التعريف بالخارجي وشرطه المساواة في نفس الأمر لا العلم بالمساواة فالناظر في اكتساب الماهية إذا عرض على ذهنه عوارضها فاستفاد من بعضها تصور تلك الماهية علم بعد ذلك أن ذلك العارض مساو لها ثم يفيد غيره تصورها بذكر ذلك العارض ولا دور في ذلك ، سلمنا لكن العلم بالمساواة لا يستلزم العلم بالماهية من كل وجه بل من بعض الوجوه على ما قدمناه ويكون الاكتساب لكمال التصور فلا دور حينئذ.

المسألة الثانية

في أن الوجود مشترك

قال : وتردد الذهن حال الجزم بمطلق الوجود واتحاد مفهوم نقيضه وقبوله القسمة يعطي اشتراكه

أقول : لما فرغ من البحث عن ماهية الوجود شرع في البحث عن أحكامه فبدأ باشتراكه واستدل عليه بوجوه ثلاثة ذكرها الحكماء والمتكلمون.

الأول أنا قد نجزم بوجود ماهية ونتردد في خصوصياتها مع بقاء الجزم بالوجود فإنا إذا شاهدنا أثرا حكمنا بوجود مؤثره فإذا اعتقدنا أنه ممكن ثم زال اعتقادنا بإمكانه وتجدد اعتقادنا بوجوبه لم يزل الحكم الأول فبقاء الاعتقاد بالوجود عند زوال اعتقاد الخصوصيات يدل على الاشتراك.

الثاني أن مفهوم السلب واحد لا تعدد فيه ولا امتياز فيكون مفهوم نقيضه الذي هو الوجود واحدا وإلا لم ينحصر التقسيم بين السلب والإيجاب.

الثالث أن مفهوم الوجود قابل للتقسيم بين الماهيات فيكون مشتركا بينها أما المقدمة الأولى فلأنا نقسمه إلى الواجب والممكن ، والجوهر والعرض ، والذهني والخارجي والعقل يقبل هذه القسمة ، وأما المقدمة الثانية فلأن القسمة عبارة عن ذكر جزئيات الكلي الصادق عليها بفصول متعاندة أو ما يشابه الفصول ولهذا لا يقبل العقل قسمة الحيوان إلى الإنسان والحجر لما لم يكن صادقا عليهما ويقبل قسمته إلى الإنسان والفرس.

المسألة الثالثة

في أن الوجود زائد على الماهيات

قال : فيغاير الماهية وإلا اتحدت الماهيات أو لم تنحصر أجزاؤها

أقول : هذه المسألة فرع على المسألة الأولى واعلم أن الناس اختلفوا في أن الوجود هل

هو نفس الماهية أو زائد عليها فقال أبو الحسن الأشعري وأبو الحسين البصري وجماعة تبعوهما أن وجود كل ماهية نفس تلك الماهية.

وقال جماعة من المتكلمين والحكماء أن وجود كل ماهية مغاير لها إلا واجب الوجود تعالى فإن أكثر الحكماء قالوا إن وجوده نفس حقيقته وسيأتي تحقيق كلامهم فيه.

وقد استدل الحكماء على الزيادة بوجوه الأول : أن الوجود مشترك على ما تقدم فإما أن يكون نفس الماهية أو جزءا منها أو خارجا عنها والأول باطل وإلا لزم اتحاد الماهيات في خصوصياتها لما تبين من اشتراكه. والثاني باطل وإلا لم تنحصر أجزاء الماهية بل تكون كل ماهية على الإطلاق مركبة من أجزاء لا تتناهى واللازم باطل فالملزوم مثله بيان الشرطية أن الوجود إذا كان جزءا من كل ماهية فإنه يكون جزءا مشتركا بينها ويكون كمال الجزء المشترك فيكون جنسا فتفتقر كل ماهية إلى فصل يفصلها عما يساويها فيه لكن كل فصل فإنه يكون موجودا لاستحالة انفصال الموجودات بالأمور العدمية فيفتقر الفصل إلى فصل آخر هو جزء منه ويكون جزءا من الماهية لأن جزء الجزء جزء أيضا فإن كان موجودا افتقر إلى فصل آخر ويتسلسل فتكون للماهية أجزاء لا تتناهى

وأما استحالة التالي فلوجوه أحدها أن وجود ما لا يتناهى محال على ما يأتي.

الثاني : يلزم منه تركب واجب الوجود تعالى لأنه موجود فيكون ممكنا هذا خلف.

الثالث : يلزم منه انتفاء الحقائق أصلا لأنه يلزم منه تركب الماهيات البسيطة فلا يكون البسيط متحققا فلا يكون المركب متحققا وهذا كله ظاهر البطلان.

قال : ولانفكاكهما تعقلا.

أقول : هذا هو الوجه الثاني الدال على زيادة الوجود وتقريره أنا قد نعقل الماهية ونشك في وجودها الذهني والخارجي والمعقول مغاير للمشكوك فيه ، وكذلك قد نعقل وجودا مطلقا ونجهل خصوصية الماهية فيكون مغايرا لها.

لا يقال : إنا قد نتشكك في ثبوت الوجود فيلزم أن يكون ثبوته زائدا عليه ويتسلسل.

لأنا نقول : التشكك ليس في ثبوت وجود للوجود بل في ثبوت الوجود نفسه للماهية

وذلك هو المطلوب.

قال : وتحقق الإمكان الخاص.

أقول : هذا وجه ثالث يدل على الزيادة وتقريره أن ممكن الوجود متحقق بالضرورة والإمكان إنما يتحقق على تقدير الزيادة لأن الوجود لو كان نفس الماهية أو جزءها لم تعقل منفكة عنه فلا يجوز عليها العدم حينئذ وإلا لزم جواز اجتماع النقيضين وهو محال وانتفاء جواز العدم يستلزم الوجوب فينتفي الإمكان حينئذ للمنافاة بين الإمكان الخاص والوجوب الذاتي ، ولأن الإمكان نسبة بين الماهية والوجود والنسبة لا تتعقل إلا بين شيئين.

قال : وفائدة الحمل.

أقول : هذا وجه رابع يدل على المغايرة بين الماهية والوجود وتقريره أنا نحمل الوجود على الماهية فنقول ماهية موجودة فنستفيد منه فائدة معقولة لم تكن حاصلة لنا قبل الحمل وإنما تتحقق هذه الفائدة على تقدير المغايرة إذ لو كان الوجود نفس الماهية لكان قولنا ماهية موجودة بمنزلة قولنا ماهية ماهية أو موجودة موجودة والتالي باطل فالمقدم مثله.

قال : والحاجة إلى الاستدلال.

أقول : هذا وجه خامس يدل على أن الوجود ليس هو نفس الماهية ولا جزء منها وتقريره أنا نفتقر في نسبة الوجود إلى الماهية إلى الدليل في كثير من الماهيات ولو كان الوجود نفس الماهية أو جزءها لم نحتج إلى الدليل لافتقار الدليل إلى المغايرة بين الموضوع والمحمول ، والتشكك في النسب الممتنع تحققه في الذاتي.

قال : وانتفاء التناقض.

أقول : هذا وجه سادس يدل على الزيادة وتقريره أنا قد نسلب الوجود عن الماهية فنقول : ماهية معدومة ولو كان الوجود نفس الماهية لزم التناقض ولو كان جزءا منها لزم

التناقض أيضا لأن تحقق الماهية يستدعي تحقق أجزائها التي من جملتها الوجود فيستحيل سلبه عنها وإلا لزم اجتماع النقيضين فتحقق انتفاء التناقض يدل على الزيادة.

قال : وتركب الواجب.

أقول : هذا وجه سابع وهو أن تركب الواجب منتف وإنما يتحقق لو كان الوجود زائدا على الماهية لأنه يستحيل أن يكون نفس الماهية لما تقدم فلو كان جزءا منها لزم أن يكون الواجب مركبا وهو محال.

قال : وقيامه بالماهية من حيث هي.

أقول : هذا جواب عن استدلال الخصم على أن الوجود نفس الماهية وتقرير استدلالهم أنه لو كان زائدا على الماهية لكان صفة قائمة بها لاستحالة أن يكون جوهرا قائما بنفسه مستغنيا عن الماهية واستحالة قيام الصفة بغير موصوفها وإذا كان كذلك فإما أن يقوم بالماهية حال وجودها أو حال عدمها والقسمان باطلان أما الأول فلأن الوجود الذي هو شرط في قيام هذا الوجود بالماهية إما أن يكون هو هذا الوجود فيلزم اشتراط الشيء بنفسه ، أو يكون مغايرا له فيلزم قيام الوجودات المتعددة بالماهية الواحدة ، ولأنا ننقل البحث إلى الوجود الذي هو شرط.

وأما الثاني : فلأنه يلزم قيام الصفة الوجودية بالمحل المعدوم وهو باطل وإذا بطل القسمان انتفت الزيادة.

وتقرير الجواب أن نقول الوجود قائم بالماهية من حيث هي هي لا باعتبار كونها معدومة أو موجودة فالحصر ممنوع.

قال : فزيادته في التصور.

أقول : هذا نتيجة ما تقدم وهو أن قيام الوجود بالماهية من حيث هي هي إنما يعقل في الذهن والتصور لا في الوجود الخارجي لاستحالة تحقق ماهية من الماهيات في الأعيان

منفكة عن الوجود فكيف تتحقق الزيادة في الخارج والقيام بالماهية فيه بل وجود الماهية زائد عليها في نفس الأمر والتصور لا في الأعيان وليس قيام الوجود بالماهية كقيام السواد بالمحل

المسألة الرابعة

في انقسام الوجود إلى الذهني والخارجي

قال : وهو ينقسم إلى الذهني والخارجي وإلا بطلت الحقيقة.

أقول : اختلف العقلاء هاهنا فجماعة منهم نفوا الوجود الذهني وحصروا الوجود في الخارجي والمحققون منهم أثبتوه وقسموا الوجود إليه وإلى الخارجي قسمة معنوية.

واستدل المصنف رحمة الله عليه بأن القضية الحقيقة صادقة قطعا لأنا نحكم بالأحكام الإيجابية على موضوعات معدومة في الأعيان وتحقق الصفة يستدعي تحقق الموصوف وإذ ليس ثابتا في الأعيان فهو متحقق في الأذهان.

واعلم أن القضية تطلق على الحقيقة وهي التي يؤخذ موضوعها من حيث هو هو لا باعتبار الوجود الخارجي بل باعتبار ما صدق عليه الموضوع بالفعل.

وتطلق على الخارجية وهي التي يؤخذ موضوعها باعتبار الخارج وهو مذهب سخيف قد أبطل في المنطق فتحقق الحقيقية يدل على الثبوت الذهني كما ذكرناه.

قال : والموجود في الذهن إنما هو الصورة المخالفة في كثير من اللوازم.

أقول : هذا جواب عن استدلال من نفي الوجود الذهني وتقرير استدلالهم أنه لو حلت الماهية في الأذهان لزم أن يكون الذهن حارا باردا أسود أبيض فيلزم مع اتصاف الذهن بهذه الأشياء المنفية عنه اجتماع الضدين.

والجواب أن الحاصل في الذهن ليس هو ماهية الحرارة والسواد بل صورتها ومثالها المخالفة للماهية في لوازمها وأحكامها فالحرارة الخارجية تستلزم السخونة وصورتها لا تستلزمها والتضاد إنما هو بين الماهيات لا بين صورها وأمثلتها.

المسألة الخامسة

في أن الوجود ليس هو معنى زائدا على الحصول العيني

قال : وليس الوجود معنى به تحصل الماهية في العين بل الحصول

أقول : قد ذهب قوم غير محققين إلى أن الوجود معنى قائم بالماهية يقتضي حصول الماهية في الأعيان وهذا مذهب سخيف يشهد العقل ببطلانه لأن قيام ذلك المعنى بالماهية في الأعيان يستدعي تحقق الماهية في الخارج فلو كان حصولها في الخارج مستندا إلى ذلك المعنى لزم الدور المحال بل الوجود هو نفس تحقق الماهية في الأعيان ، ليس ما به تكون الماهية في الأعيان.

المسألة السادسة

في أن الوجود لا تزايد فيه ولا اشتداد

قال : ولا تزايد فيه ولا اشتداد

أقول : ذهب قوم إلى أن الوجود قابل للزيادة والنقصان وفيه نظر لأن الزيادة إن كانت وجودا لزم اجتماع المثلين وإلا لزم اجتماع النقيضين وأما نفي الاشتداد فهو مذهب أكثر المحققين قال بعضهم لأنه بعد الاشتداد إن لم يحدث شيء آخر لم يكن الاشتداد اشتدادا بل هو باق كما كان وإن حدث فالحادث إن كان غير الحاصل فليس اشتدادا للموجود الواحد بل يرجع إلى أنه حدث شيء آخر معه وإلا فلا اشتداد وكذا البحث في جانب النقصان وهذا الدليل ينفي قبول الأعراض كلها للاشتداد والضعف.

المسألة السابعة

في أن الوجود خير والعدم شر

قال : وهو خير محض.

أقول : إذا تأملنا كل ما يقال له خير وجدناه وجودا وإذا تأملنا ما يقال له شر وجدناه

عدما ألا ترى القتل فإن العقلاء حكموا بكونه شرا وإذا تأملناه وجدنا شريته باعتبار ما يتضمن من العدم فإنه ليس شرا من حيث قدرة القادر عليه فإن القدرة كمال الإنسان ، ولا من حيث إن الآلة قاطعة فإنها أيضا كمال لها ، ولا من حيث حركة أعضاء القاتل ، ولا من حيث قبول العضو المنقطع للتقطيع بل من حيث هو إزالة كمال الحياة عن الشخص فليس الشر إلا هذا العدم وباقي القيود الوجودية خيرات فحكموا بأن الوجود خير محض والعدم شر محض ولهذا كان واجب الوجود تعالى أبلغ في الخيرية والكمال من كل موجود لبراءته عن القوة والاستعداد وتفاوت غيره من الوجودات فيه باعتبار القرب من العدم والبعد عنه.

المسألة الثامنة

في أن الوجود لا ضد له

قال : ولا ضد له.

أقول : الضد ذات وجودية تقابل ذاتا أخرى في الوجود ، ولما استحال أن يكون الوجود ذاتا وأن يكون له وجود آخر استحال أن يكون ضدا لغيره ، ولأنه عارض لجميع المعقولات لأن كل معقول إما خارجي فيعرض له الوجود الخارجي أو ذهني فيعرض له الذهني ولا شيء من أحد الضدين بعارض لصاحبه ، ومقابلته للعدم ليس تقابل الضدين على ما يأتي تحقيقه في نفي المعدوم بل تقابل السلب والإيجاب إن أخذا مطلقين وإلا تقابل العدم والملكة.

المسألة التاسعة

في أنه لا مثل للوجود

قال : ولا مثل.

أقول : المثلان ذاتان وجوديتان يسد كل واحد منهما مسد صاحبه ويكون المعقول منهما

شيئا واحدا بحيث إذا سبق أحدهما إلى الذهن ثم لحقه الآخر لم يكتسب العقل من الحاصل ثانيا غير ما اكتسبه أولا والوجود ليس بذات فلا يماثل شيئا آخر وأيضا فليس هاهنا معقول يساويه في التعقل على معنى ما ذكرناه إذ كل معقول مغاير لمعقول الوجود.

لا يقال : إن كليه وجزئيه متساويان في التعقل فكان له مثل وهو الجزئي.

لأنا نقول : إنهما ليسا بمتساويين في المعقولية وإن كان أحد جزئي الجزئي هو الكلي لكن الاتحاد ليس تماثلا وأيضا فإنه عارض لكل المعقولات على ما قررناه أولا ولا شيء من المثلين بعارض لصاحبه.

المسألة العاشرة

في أنه مخالف لغيره من المعقولات وعدم منافاته لها

قال : فتحققت مخالفته للمعقولات.

أقول : لما انتفت نسبة التضاد والتماثل بينه وبين غيره من المعقولات وجبت المخالفة بينهما إذ القسمة حاصرة في كل معقولين بين التماثل والاختلاف وقد انتفى التماثل فوجب الاختلاف ولهذا جعله نتيجة لما سبق.

قال : ولا ينافيها :

أقول : المتنافيان لا يمكن اجتماعهما وقد بينا أن كل معقول على الإطلاق فإنه يمكن عروض مطلق الوجود له واجتماعه معه وصدقه عليه فكيف ينافيه.

لا يقال : العدم أمر معقول وقد قضى العقل بمنافاته له فكيف يصح قوله على الإطلاق أنه لا ينافيها؟

لأنا نقول : نمنع أولا كون العدم المطلق معقولا والعدم الخاص له حظ من الوجود ولهذا افتقر إلى موضوع خاص كافتقار الملكة إليه ، سلمنا لكن نمنع استحالة عروض الوجود المطلق للعدم المعقول فإن العدم المعقول ثابت في الذهن فيكون داخلا تحت مطلق الثابت

فيصدق عليه مطلق الثابت ومنافاته للوجود المطلق لا باعتبار صدق مطلق الثبوت عليه بل من حيث أخذ مقابلا له ولا امتناع في عروض أحد المتقابلين للآخر إذا أخذا لا باعتبار التقابل كالكلية والجزئية فإنهما قد يصدق أحدهما على الآخر باعتبار مغاير لا باعتبار تقابلهما وهذا فيه دقة.

المسألة الحادية عشرة

في تلازم الشيئية والوجود

قال : ويساوق الشيئية فلا تتحقق بدونه والمنازع مكابر مقتضى عقله.

أقول : اختلف الناس في هذا المقام فالمحققون كافة من الحكماء والمتكلمين اتفقوا على مساوقة الوجود الشيئية وتلازمهما حتى أن كل شيء على الإطلاق فهو موجود على الإطلاق وكل ما ليس بموجود فهو منتف وليس بشيء وبالجملة لم يثبتوا للمعدوم ذاتا متحققة فالمعدوم الخارجي لا ذات له في الخارج والذهني لا ذات له ذهنا.

وقال جماعة من المتكلمين أن للمعدوم الخارجي ذاتا ثابتة في الأعيان متحققة في نفسها ليست ذهنية لا غير ، وهؤلاء يكابرون في الضرورة فإن العقل قاض بأنه لا واسطة بين الموجود والمعدوم فإن الثبوت هو الوجود.

قال : وكيف تتحقق بدونه مع إثبات القدرة وانتفاء الاتصاف.

أقول : لما استبعد مقالة هؤلاء القوم ونسبهم إلى الجهل شرع في الاستدلال على بطلان قولهم واعلم أن هؤلاء يذهبون إلى أن القدرة لا تأثير لها في الذوات أنفسها لأنها ثابتة في العدم مستغنية عن المؤثر في جعلها ذواتا ، ولا في الوجود لأنه عندهم حال والحال غير مقدورة وقد ثبت في نفس الأمر أن اتصاف الماهية بالصفة غير ثابت في الأعيان بل هو أمر اعتباري وإلا لزم التسلسل لأن ذلك الاتصاف لو كان ثابتا لكان مشاركا لغيره من الموجودات في الثبوت وممتازا عنها بخصوصية وما به الاشتراك مغاير لما به الامتياز فيكون اتصاف ذلك الاتصاف بالثبوت أمرا زائدا عليه ويلزم التسلسل.

إذا ثبت هذا فاعلم أن المصنف ـ رحمه‌الله ـ تسلم مذهبهم وما ثبت في نفس الأمر وألزمهم المحال ، وتقريره أن الماهيات لو كانت ثابتة في العدم لاستغنت الممكنات في وجودها عن المؤثر فانتفت القدرة أصلا ورأسا والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أن القدرة حينئذ لا تأثير لها في الذوات ولا في الوجود على مذهبهم ولا في اتصاف الماهية بالوجود على ما ثبت في نفس الأمر وذلك يستلزم نفي التأثير أصلا وأما بطلان التالي فبالاتفاق والبرهان دل عليه على ما يأتي فلهذا استبعد المصنف ـ رحمه‌الله ـ هذه المقالة مع إثبات القدرة المؤثرة والقول بكون الاتصاف أمرا ذهنيا وأنه منتف في الخارج.

قال : وانحصار الموجود مع عدم تعقل الزائد.

أقول : هذا برهان آخر دال على انتفاء الماهيات في العدم وتقريره أن مذهبهم أن كل ماهية نوعية فإنه يثبت من أشخاصها في العدم ما لا يتناهى كالسواد والبياض والجواهر وغيرها من الحقائق فألزمهم المصنف المحال وهو القول بعدم انحصار الموجودات لأن تلك الماهيات ثابتة وهي غير محصورة في عدد متناه والثبوت هو الوجود لانتفاء تعقل أمر زائد على الكون في الأعيان فلزمهم القول بوجود ما لا يتناهى من الماهيات وهو عندهم باطل فإن جعلوا الوجود أمرا مغايرا للكون في الأعيان كان نزاعا في عبارة وقولا بإثبات ما لا يعقل مع أنا نكتفي في إبانة محالية قولهم بالثبوت الذي هو الكون في الأعيان وهم يسلمونه لنا والبراهين الدالة على استحالة ما لا يتناهى كما تدل على استحالته في الوجود تدل على استحالته في الثبوت إذ دلالتها إنما هي على انحصار الكائن في الأعيان وقول المصنف ـ رحمه‌الله ـ «وانحصار الموجود» عطف على الانتفاء أي وكيف تتحقق الشيئية بدون الوجود مع إثبات القدرة وانتفاء الاتصاف ومع انحصار الموجود مع عدم تعقل الزائد هكذا ينبغي أن يفهم كلامه هاهنا.

قال : ولو اقتضى التمييز الثبوت عينا لزم منه محالات.

أقول : لما أبطل مذهب المثبتين شرع في إبطال حججهم ولهم حجتان رديتان ذكرهما

المصنف وأبطلهما (أما الحجة الأولى) فتقريرها أن كل معدوم متميز وكل متميز ثابت فكل معدوم ثابت.

أما المقدمة الأولى فيدل عليها أمور ثلاثة أحدها أن المعدوم معلوم والمعلوم متميز.

الثاني : أن المعدوم مراد فإنا نريد اللذات ونكره الآلام فلا بد وأن يتميز المراد عن المكروه.

الثالث : أن المعدوم مقدور وكل مقدور متميز فإنا نميز بين الحركة يمنة ويسرة وبين الحركة إلى السماء ونحكم بقدرتنا على إحدى الحركتين دون الأخرى فلولا تميز كل واحدة منهما عن الأخرى لاستحال هذا الحكم.

وأما (المقدمة الثانية) فلأن التميز صفة ثابتة للمتميز وثبوت الصفة يستدعي ثبوت الموصوف لأنه فرع عليه.

والجواب : أن التميز لا يستدعي الثبوت عينا وإلا لزم منه محالات أحدها أن المعلوم قد يكون مستحيل الوجود لذاته كشريك الباري تعالى واجتماع الضدين وغيرهما ويتميز أحدهما عن الآخر فلو اقتضى التميز الثبوت العيني لزم ثبوت المستحيلات مع أنهم وافقونا على انتفاء المستحيل.

الثاني : أن المعلوم قد يكون مركبا ووجودا وليس بثابت في العدم اتفاقا.

الثالث : أن المقدورية لو استدعت الثبوت لانتفت إذ لا قدرة على الثابت وكذا المرادية.

قال : والإمكان اعتباري يعرض لما وافقونا على انتفائه.

أقول : هذه الحجة الثانية لهم على ثبوت المعدوم وهو أنهم قالوا إن المعدوم ممكن وإمكانه ليس أمرا عدميا وإلا لم يبق فرق بين نفي الإمكان وبين الإمكان المنفي فيكون أمرا ثبوتيا وليس جوهرا قائما بذاته فلا بد له من محل ثبوتي هو الممكن لاستحالة قيام الصفة بغير موصوفها فيكون الممكن العدمي ثابتا وهو المطلوب.

وأجاب المصنف عنه بأن الإمكان أمر اعتباري ليس شيئا خارجيا وإلا لزم التسلسل

وأن يكون الثبوتي حالا في محل عدمي وهو باطل قطعا وأيضا فإن الإمكان يعرض للممكنات العدمية كالمركبات وهم وافقونا على انتفائها خارجا فيبطل قولهم كل ممكن ثابت.

المسألة الثانية عشرة

في نفي الحال

قال : وهو يرادف الثبوت ، والعدم النفي ، فلا واسطة.

أقول : ذهب أبو هاشم وأتباعه من المعتزلة والقاضي والجويني من الأشاعرة إلى أن هاهنا واسطة بين الموجود والمعدوم وهي ثابتة وسموها الحال وحدوها بأنها صفة لموجود لا توصف بالوجود والعدم فيكون الثابت أعم من الموجود والمعدوم أعم من المنفي.

وهذا المذهب باطل بالضرورة فإن العقل قاض بأنه لا واسطة بين الوجود والعدم ، وأن الثبوت والوجود مترادفان ، وكذا العدم والنفي مترادفان ولا شيء أظهر عند العقل من هذه القضية فلا يجوز الاستدلال عليها.

قال : والوجود لا ترد عليه القسمة والكلي ثابت ذهنا ويجوز قيام العرض بالعرض.

أقول : لما أبطل مذهبهم أشار إلى بطلان ما احتجوا به وهو وجهان الأول قالوا قد تبين أن الوجود زائد على الماهية فإما أن يكون موجودا أو معدوما ، أو لا موجودا ولا معدوما والأولان باطلان أما الأول فلأنه يلزم التسلسل وأما الثاني فلأنه يلزم منه اتصاف الشيء بنقيضه فبقي الثالث.

والجواب : أن الوجود غير قابل لهذه القسمة لاستحالة انقسام الشيء إلى نفسه وإلى غيره فكما لا يقال السواد إما أن يكون سوادا أو بياضا كذلك لا يقال الوجود إما أن يكون موجودا أو لا يكون ولأن المنقسم إلى الشيئين أعم منهما ويستحيل أن يكون الشيء أعم من نفسه.

الوجه الثاني : أن اللونية أمر ثابت مشترك بين السواد والبياض فيكون كل واحد من السواد والبياض ممتازا عن الآخر بأمر زائد على ما به الاشتراك ثم الوجهان إن كانا

موجودين لزم قيام العرض بالعرض وإن كانا معدومين لزم أن يكون السواد أمرا عدميا وكذلك البياض وهو باطل بالضرورة فثبتت الواسطة.

والجواب من وجهين الأول أن الكلي ثابت في الذهن فلا ترد عليه هذه القسمة.

الثاني : أن العرض قد يقوم بالعرض على ما يأتي. وأيضا فإن قيام الجنس بالفصل ليس هو قيام عرض بعرض.

قال : ونوقضوا بالحال نفسها.

أقول : اعلم أن نفاة الأحوال قالوا وجدنا ملخص أدلة مثبتي الحال يرجع إلى أن هاهنا حقائق تشترك في بعض ذاتياتها وتختلف في البعض الآخر وما به الاشتراك مغاير لما به الامتياز ثم قالوا وذلك ليس بموجود ولا معدوم فوجب القول بالحال وهذا ينتقض عليهم بالحال نفسها فإن الأحوال عندهم متعددة متكثرة فلها جهتا اشتراك هي مطلق الحالية ، وامتياز هي خصوصيات تلك الأحوال وجهة الاشتراك مغايرة لجهة الامتياز فيلزم أن تكون للحال حال أخرى ويتسلسل.

قال : والعذر بعدم قبول التماثل والاختلاف والتزام التسلسل باطل.

أقول : اعتذر المثبتون عن إلزام النفاة بوجهين : الأول أن الحال لا توصف بالتماثل والاختلاف ، الثاني القول بالتزام التسلسل.

والعذران باطلان أما الأول فلأن كل معقول إذا نسب إلى معقول آخر فإما أن يتحدا في المعقولية ويكون المتصور من أحدهما هو المتصور من الآخر وإنما يتميزان بعوارض لاحقة لهما وهما المثلان ، أو لا يكون كذلك وهما المختلفان فلا يتصور نفيهما.

وأما الثاني فلأنه يبطل الاستدلال بوجود الصانع تعالى وبراهين إبطال التسلسل آتية هاهنا.

أجاب بعض المتأخرين بأن المختلفين إذا اشتركا في أمر ثبوتي لزم ثبوت أمرين بهما

يقع الاختلاف والتماثل ، أما إذا اتحدا في أمر سلبي فلا يلزم ذلك والأحوال وإن اشتركت في الحالية كالسوادية والبياضية إلا أن ذلك المشترك أمر سلبي فلا يلزم التسلسل وهو غير مرضي عندهم لأن الأحوال عندهم ثابتة.

المسألة الثالثة عشرة

في التفريع على القول بثبوت المعدوم والأحوال

قال : فبطل ما فرعوا عليهما من تحقق الذوات الغير المتناهية في العدم وانتفاء تأثير المؤثر فيها وتباينها واختلافهم في إثبات صفة الجنس وما يتبعها في الوجود ومغايرة التحيز للجوهرية وإثبات صفة المعدوم بكونه معدوما وإمكان وصفه بالجسمية ووقوع الشك في إثبات الصانع بعد اتصافه بالقدرة والعلم والحياة.

أقول : لما أبطل مذاهب القائلين بثبوت المعدوم والحال أبطل ما فرعوا عليهما وقد ذكر من فروع إثبات الذوات في العدم أحكاما اختلفوا في بعضها.

الأول : اتفقوا على أن تلك الذوات غير متناهية في العدم فلكل نوع عدد غير متناه ، وأن تلك الأعداد متباينة بأشخاصها.

الثاني : أن الفاعل لا تأثير له في جعل الجوهر جوهرا والعرض عرضا وإنما تأثير الفاعل في جعل تلك الذوات موجودة لأن تلك الذوات ثابتة في العدم لم تزل والمؤثر إنما يؤثر على طريقة الإحداث وقد صار إلى هذا الحكم جماعة من الحكماء قالوا لأن كل ما بالفاعل ينتفي بانتفاء الفاعل فلو كان الجوهر جوهرا بالفاعل لانتفى بانتفائه لكن انتفاء الجوهر عن ذاته يستلزم التناقض.

الحكم الثالث : اتفقوا على انتفاء التباين في الذوات بل جعلوا الذوات كلها متساوية في كونها ذواتا وإنما تختلف بصفات عارضة لها.

وهذا المذهب باطل لأن الصفات إن كانت لازمة كان اختلافها دليلا على اختلاف الملزومات وإلا جاز أن ينقلب السواد جوهرا وبالعكس وذلك باطل بالضرورة.

الرابع : اختلفوا في صفات الأجناس هل هي ثابتة في العدم أم لا والمراد بصفات الأجناس ما يقع بها الاختلاف والتماثل كصفة الجوهرية في الجوهر والسوادية في السواد إلى غير ذلك من الصفات فذهب ابن عياش إلى عراء تلك الماهيات عن الصفات في العدم وأما الجبائيان وعبد الجبار وابن متويه فإنهم قالوا صفات الجوهر إما أن تكون عائدة إلى الجملة كالحيية وما يشترط بها وإما أن تكون عائدة إلى الأفراد وهي أربعة إحداها : الصفة الحاصلة حالتي الوجود والعدم وهي الجوهرية.

والثانية : الوجود وهي الصفة الحاصلة بالفاعل.

والثالثة : التحيز وهي الصفة التابعة للحدوث الصادرة عن صفة الجوهرية بشرط الوجود.

والرابعة : الحصول في الحيز وهي الصفة المعللة بالمعنى وليس له صفة زائدة على هذه الأربع فليس له بكونه أسود أو أبيض صفات. وأما الأعراض فلا صفات لها عائدة إلى الجملة بل لها ثلاث صفات راجعة إلى الأفراد إحداها : الصفة الحاصلة حالتي الوجود والعدم وهي صفة الجنس. الثانية : الصفة الصادرة عنها بشرط الوجود. الثالثة : صفة الوجود.

الخامس : ذهب أبو يعقوب الشحام وأبو عبد الله البصري وأبو إسحاق بن عياش إلى أن الجوهرية هي التحيز ثم قال الشحام والبصري إن الذات موصوفة بالتحيز كما توصف بالجوهرية ثم اختلفا فقال الشحام إن الجوهر حال عدمه حاصل في الحيز وقال البصري شرط الحصول في الحيز الوجود فهو حال العدم موصوف بالتحيز لا الحصول في الحيز وزعم ابن عياش أنه حال العدم غير موصوف بأحدهما ولا بغيرهما.

السادس : اتفق المثبتون إلا أبا عبد الله البصري على أن المعدوم لا صفة له بكونه معدوما والبصري أثبت له صفة بذلك.

السابع : اتفقوا إلا أبا الحسين الخياط على أن الذوات المعدومة لا توصف بكونه أجساما وجوزه الخياط.

الثامن : اتفقوا على أن من علم أن للعالم صانعا قادرا حكيما مرسلا للرسل قد يشك

في أنه هل هو موجود أم لا ويحتاج في ذلك إلى دليل بناء منهم على جواز اتصاف المعدوم بالصفات المتغايرة والعقلاء كافة منعوا من ذلك وأوجبوا وجود الموصوف بالصفة الموجودة لأن ثبوت الشيء لغيره فرع على ثبوت ذلك الغير في نفسه.

قال : وقسمة الحال إلى المعلل وغيره وتعليل الاختلاف بها وغير ذلك مما لا فائدة بذكره.

أقول : لما ذكر تفاريع القول بثبوت المعدوم شرع في تفاريع القول بثبوت الحال وذكر منها فرعين الأول قسمة الحال إلى المعلل وغيره قالوا ثبوت الحال للشيء إما أن يكون معللا بموجود قائم بذلك الشيء كالعالمية المعللة بالعلم ، أو لا يكون كذلك كسوادية السواد فقسموا الحال إلى المعلل وغيره.

الثاني : اتفقوا على أن الذوات كلها متساوية في الماهية وإنما تختلف بأحوال تنضاف إليها.

واتفق أكثر العقلاء على بطلان هذا لوجوب استواء المتماثلين في اللوازم فيجوز على القديم الانقلاب إلى المحدث وبالعكس ، ولأن التخصيص لا بد له من مرجح وليس ذاتا وإلا تسلسل ، ولا صفة ذات وإلا تسلسل.

المسألة الرابعة عشرة

في الوجود المطلق والخاص

قال : ثم الوجود قد يؤخذ على الإطلاق فيقابله عدم مثله ، وقد يجتمعان لا باعتبار التقابل ويعقلان معا ، وقد يؤخذ مقيدا فيقابله مثله.

أقول : اعلم أن الوجود عبارة عن الكون في الأعيان ثم هذا الكون في الأعيان قد يؤخذ عارضا لماهية ما فيتخصص الوجود حينئذ ، وقد يؤخذ مجردا من غير التفات إلى ماهية خاصة فيكون وجودا مطلقا إذا عرفت هذا فالوجود العام يقابله عدم مطلق غير متخصص

بماهية خاصة وهذا الوجود المطلق والعدم المطلق قد يجتمعان على الصدق فإن المعدوم في الخارج الموجود في الذهن يصدق عليه أنه معدوم مطلقا وأنه موجود مطلقا نعم إذا نظر إلى وحدة الاعتبار امتنع اجتماعهما في الصدق على شيء واحد وإنما يجتمعان إذا أخذا لا باعتبار التقابل ولهذا كان المعدوم مطلقا متصورا للحكم عليه بالمقابلة للموجود المطلق وكل متصور ثابت في الذهن والثابت في الذهن أحد أقسام مطلق الثابت فيكون الثابت المطلق صادقا على المعدوم مطلقا لا باعتبار التقابل وهذا الوجود المطلق والعدم المطلق أمران معقولان وإن كان قد نازع قوم في أن المعدوم مطلقا متصور.

وأما الوجود الخاص وهو وجود الملكات المتخصص باعتبار تخصصها فإنه يكون مقيدا كوجود الإنسان مثلا المقيد بقيد الإنسان وغيره من الماهيات فإنه يقابله عدم مثله خاص.

المسألة الخامسة عشرة

في أن عدم الملكة يفتقر إلى الموضوع

قال : ويفتقر إلى الموضوع كافتقار ملكته.

أقول : عدم الملكة ليس عدما مطلقا بل له حظ ما من الوجود ويفتقر إلى الموضوع كافتقار الملكة إليه فإنه عبارة عن عدم شيء عن شيء آخر مع إمكان اتصاف الموضوع بذلك الشيء كالعمى فإنه عدم البصر لا مطلقا ولكن عن شيء من شأنه أن يكون بصيرا فهو يفتقر إلى الموضوع الخاص المستعد للملكة كما تفتقر الملكة إليه ولهذا لما امتنع البصر على الحائط لعدم استعداده امتنع العمى عليه.

قال : ويؤخذ الموضوع شخصيا ونوعيا وجنسيا.

أقول : لما فسر عدم الملكة بأنه عدم شيء عن موضوع من شأنه أن يكون له وجب عليه أن يبين الموضوع وقد اختلف الناس في ذلك فذهب قوم إلى أن ذلك الموضوع موضوع

شخصي فعدم اللحية عن الأمرد عدم ملكة وعدمها عن الأثطّ ليس عدم الملكة.

وقوم جعلوه أعم من ذلك بحيث يدخل فيه الموضوع النوعي فعدم اللحية عن الأثطّ إيجاب وعدم ملكة وعدمها عن الحيوان ليس عدم ملكة.

وقوم جعلوه أعم من ذلك بحيث يدخل فيه الموضوع الجنسي أيضا ولا مشاحة في ذلك لعدم فائدته.

المسألة السادسة عشرة

في أن الوجود بسيط

قال : ولا جنس له بل هو بسيط فلا فصل له.

أقول : قد بينا أن الوجود عارض لجميع المعقولات فلا معقول أعم منه فلا جنس له فلا فصل له لأن الفصل هو المميز لبعض أفراد الجنس عن البعض فإذا انتفت الجنسية انتفت الفصلية بل هو بسيط.

لا يقال : لم لا يجوز أن يكون مركبا لا من الأجناس والفصول كتركب العدد من الآحاد ، لأنا نقول : تلك الأجزاء إما أن تكون موجودة أو لا تكون كذلك وعلى التقدير الأول تكون طبيعة الجزء والمركب واحدة فلا يقع الامتياز إلا بالمقدار وهو منتف ، وعلى التقدير الثاني لا يكون الوجود عارضا لجميع المعقولات مع فرضنا إياه كذلك هذا خلف.

المسألة السابعة عشرة

في مقوليته على ما تحته من الجزئيات

قال : ويتكثر بتكثر الموضوعات ويقال بالتشكيك على عوارضها.

أقول : الوجود طبيعة معقولة كلية واحدة غير متكثرة فإذا اعتبر عروضه للماهيات يتكثر بحسب تكثرها لاستحالة عروض العرض الشخصي لماهيات متعددة وتكون

طبيعته متحققة في كل واحدة من عوارض تلك الماهيات أعني أن طبيعة الوجود متحققة في وجود الإنسان ووجود الفرس وغيرهما من وجودات الحقائق ويصدق عليها صدق الكلي على جزئياته ، وعلى تلك الماهيات صدق العارض على معروضاته ويقال على تلك الوجودات العارضة للماهيات بالتشكيك وذلك أن الكلي إن كان صدقه على أفراده على السواء كان متواطيا وإن كان لا على السواء بل يكون بعض تلك الأفراد أولى بالكلي من الآخر أو أقدم منه أو يوجد الكلي في ذلك البعض أشد منه في الآخر كان مشككا والوجود من حيث هو بالنسبة إلى كل وجود خاص كذلك لأن وجود العلة أولى بطبيعة الوجود من المعلول والوجود في العلة سابق على الوجود في المعلول وأشد عند بعضهم فيكون مشككا.

قال : فليس جزءا من غيره مطلقا.

أقول : هذا نتيجة ما تقدم وذلك لأن المقول بالتشكيك لا يكون جزءا مما يقال عليه ولا نفس حقيقته لامتناع التفاوت في الماهية وأجزائها على ما يأتي فيكون البتة عارضا لغيره فلا يكون جزءا من غيره على الإطلاق أما بالنسبة إلى الماهيات فلأنه عارض لها على ما تقدم من امتناع كونه جزءا من غيره وأنه زائد على الحقائق ، وأما بالنسبة إلى وجوداتها فلأنه مقول عليها بالتشكيك فلهذا قال رحمه‌الله : مطلقا.

المسألة الثامنة عشرة

في الشيئية

قال : والشيئية من المعقولات الثانية وليست متأصلة في الوجود فلا شيء مطلقا ثابت بل هي تعرض لخصوصيات الماهيات.

أقول : قال أبو علي بن سينا الوجود إما ذهني وإما خارجي والمشترك بينهما هو الشيئية فإن أراد حمل الشيئية على القدر المشترك وصدقها عليه فهو صواب وإلا فهو ممنوع إذا عرفت هذا فنقول : الشيئية والذاتية والجزئية وأشباهها من المعقولات الثانية التي تعرض

للمعقولات الأولى ، لأنها لا تعقل إلا عارضة لغيرها من الماهيات وليست متأصلة في الوجود كتأصل الحيوانية والإنسانية فيه ، بل هي تابعة لغيرها في الوجود وليس يمكن وجود شيئية مطلقة فلا شيء مطلقا ثابت إنما الثبوت يعرض للماهيات المخصوصة الشخصية.

المسألة التاسعة عشرة

في تمايز الأعدام

قال : وقد يتمايز الأعدام ولهذا استند عدم المعلول إلى عدم العلة لا غير ، ونافى عدم الشرط وجود المشروط وصحح عدم الضد وجود الآخر بخلاف باقي الأعدام.

أقول : لا شك في أن الملكات متمايزة وأما العدمات فقد منع قوم من تمايزها بناء على أن التميز إنما يكون للثابت خارجا وهو خطأ فإنها تتمايز بتمايز ملكاتها واستدل المصنف ـ رحمة الله ـ عليه بوجوه ثلاثة :

الأول : أن عدم المعلول يستند إلى عدم العلة ولا يستند إلى عدم غيرها فلو لا امتياز عدم العلة من عدم غيرها لم يكن عدم المعلول مستندا إليه دون غيره. وأيضا فإنا نحكم بأن عدم المعلول لعدم علته ولا يجوز العكس فلو لا تمايزهما لما كان كذلك.

الثاني : أن عدم الشرط ينافي وجود المشروط لاستحالة الجمع بينهما لأن المشروط لا يوجد إلا مع شرطه وإلا لم يكن الشرط شرطا وعدم غيره لا ينافيه فلو لا الامتياز لم يكن كذلك.

الثالث : أن عدم الضد عن المحل يصحح وجود الضد الآخر فيه لانتفاء صحة وجود الضد الطاري مع وجود الضد الباقي وعدم غيره لا يصحح ذلك فلا بد من التمايز.

قال : ثم العدم قد يعرض لنفسه فيصدق النوعية والتقابل عليه باعتبارين.

أقول : العدم قد يفرض عارضا لغيره وقد يلحظ لا باعتبار عروضه للغير فيكون أمرا معقولا قائما برأسه ويكون له تحقق في الذهن ثم إن العقل يمكنه فرض عدمه لأن الذهن

يمكنه إلحاق الوجود والعدم بجميع المعقولات حتى بنفسه فإذا اعتبر العقل للعدم ماهية معقولة وفرضها معدومة كان العدم عارضا لنفسه ويكون العدم العارض للعدم مقابلا لمطلق العدم باعتبار كونه رافعا له وعدما له ونوعا منه باعتبار أن العدم المعروض أخذ مطلقا على وجه يعم العارض له ولغيره فيصدق نوعية العدم العارض للمعروض والتقابل بينهما باعتبارين.

قال : وعدم المعلول ليس علة لعدم العلة في الخارج وإن جاز في الذهن على أنه برهان إني وبالعكس لمي.

أقول : لما بين أن الأعدام متمايزة بأن عدم المعلول مستند إلى عدم العلة ذكر ما يصلح جوابا لتوهم من يعكس القول ويجعل عدم المعلول علة لعدم العلة فأزال هذا الوهم وقال إن عدم المعلول ليس علة لعدم العلة بل الأمر بالعكس على ما يأتي. ثم قيد النفي بالخارج لأن عدم المعلول قد يكون علة لعدم العلة في الذهن كما في برهان إن بأن يكون عدم المعلول أظهر عند العقل من عدم العلة فيستدل العقل عليه ويكون علة له باعتبار التعقل لا باعتبار الخارج ولا يفيد العلية في نفس الأمر بل في الذهن ولهذا سمي إنيا لأنه لا يفيد إلا الوجود أما الاستدلال بعدم العلة على عدم المعلول فهو برهان لمي مطابق للأمر نفسه.

المسألة العشرون

في أن عدم الأخص أعم من عدم الأعم

قال : والأشياء المترتبة في العموم والخصوص وجودا تتعاكس عدما.

أقول : إذا فرض أمران أحدهما أعم من الآخر كالحيوان والإنسان ونسب عدم أحدهما إلى الأخر بالعموم والخصوص وجد عدم الأخص أعم من عدم الأعم فإن الحيوان يشمل الإنسان وغيره فغير الإنسان لا يصدق عليه أنه إنسان بل يصدق عليه عدمه ولا

يصدق عليه عدم الحيوان لأنه أحد أنواعه ، ويصدق أيضا عدم الإنسان على ما ليس بحيوان وهو ظاهر فعدم الحيوان لا يشمل أفراد عدم الإنسان وعدم الإنسان شامل لأفراد ما ليس بحيوان فيكون عدم الأخص أعم من عدم الأعم فإذا ترتب شيئان في العموم والخصوص وجودا ترتبا في العكس عدما بأن يصير الأخص أعم في طرف العدم.

المسألة الحادية والعشرون

في قسمة الوجود والعدم إلى المحتاج والغني

قال : وقسمة كل منهما إلى الاحتياج والغنى حقيقية.

أقول : كل واحد من الوجود والعدم إما أن يكون محتاجا إلى الغير وإما أن يكون مستغنيا عنه والأول ممكن والثاني واجب أو ممتنع وهذه القسمة حقيقية تمنع الجمع لاستحالة كون المستغني عن الغير محتاجا إليه وبالعكس ، وأما منع الخلو فلأنه لا قسم ثالث لهما فقد ظهر أن هذه القسمة حقيقية.

المسألة الثانية والعشرون

في الوجوب والإمكان والامتناع

قال : وإذا حمل الوجود أو جعل رابطة ثبتت مواد ثلاث في أنفسها جهات في التعقل دالة على وثاقة الربط وضعفه هي الوجوب والامتناع والإمكان.

أقول : الوجود قد يكون محمولا بنفسه كقولنا الإنسان موجود وقد يكون رابطة بين الموضوع والمحمول كقولنا الإنسان يوجد حيوانا ، وعلى كلا التقديرين لا بد لهذه النسبة أعني نسبة المحمول فيهما إلى الموضوع من كيفية هي الوجوب والإمكان والامتناع وتلك الكيفية تسمى مادة وجهة باعتبارين فإنا إن أخذنا الكيفية في نفس الأمر سميت مادة ، وإن أخذناها عند العقل وما تدل عليه العبارات سميت جهة وقد تتحدان كقولنا الإنسان

يجب أن يكون حيوانا وقد تتغايران كقولنا الإنسان يمكن أن يكون حيوانا فالمادة ضرورية لأن كيفية نسبة الحيوانية إلى الإنسانية هي الوجوب وأما الجهة فهي ممكنة وهذه الكيفيات تدل على وثاقة الربط وضعفه فإن الوجوب يدل على وثاقة الربط في طرف الثبوت والامتناع على وثاقته في طرف العدم والإمكان على ضعف الربط.

قال : وكذلك العدم.

أقول : إذا جعل العدم محمولا أو رابطة كقولنا الإنسان معدوم أو معدوم عنه الكتابة تكثرت الجهات التي عند العقل والمواد في نفس الأمر.

المسألة الثالثة والعشرون

في أن هذه القضايا الثلاث لا يمكن تعريفها

قال : والبحث في تعريفها كالوجود.

أقول : إن جماعة من العلماء أخطئوا هاهنا حيث عرفوا الواجب والممكن والممتنع لأن هذه الأشياء معلومة للعقلاء لا تحتاج إلى اكتساب نعم قد يذكر في تعريف ألفاظها ما يكون شارحا لها لا على أنه حد حقيقي بل لفظي ومع ذلك فتعريفاتهم دورية لأنهم عرفوا الواجب بأنه الذي يستحيل عدمه أو الذي لا يمكن عدمه ثم عرفوا المستحيل بأنه الذي لا يمكن وجوده أو الذي يجب عدمه ثم عرفوا الممكن بأنه الذي لا يجب وجوده ولا يجب عدمه أو الذي لا يستحيل وجوده ولا عدمه فقد أخذ كل واحد منها في تعريف الآخر وهو دور ظاهر.

المسألة الرابعة والعشرون

في القسمة إلى هذه الثلاث

قال : وقد تؤخذ ذاتية فتكون القسمة حقيقية لا يمكن انقلابها.

أقول : إذا أخذنا الوجوب والامتناع والإمكان على أنها ذاتية لا بالنظر إلى الغير كانت

المعقولات منقسمة إليها قسمة حقيقية أي تمنع الجمع والخلو وذلك لأن كل معقول على الإطلاق إما أن يكون واجب الوجود لذاته أو ممتنع الوجود لذاته أو ممكن الوجود لذاته لا يخلو عنها ولا يجتمع اثنان منها في واحد لاستحالة أن يكون شيء واحد واجبا لذاته ممتنعا لذاته أو ممكنا لذاته ، أو يكون ممتنعا لذاته ممكنا لذاته فالقسمة حينئذ حقيقية.

واعلم أن القسمة الحقيقية قد تكون لكلي بفصول أو لوازم تميزه وتفصله إلى الأقسام المندرجة تحته وقد تكون بعوارض مفارقة والقسمة الأولى لا يمكن انقلابها ولا يصير أحد القسمين معروضا لمميز الآخر الذي به وقعت القسمة كقولنا الحيوان إما ناطق أو صامت فإن الحيوان بالناطق والصامت قد انقسم إلى طبيعتين ويستحيل انقلاب هذه القسمة بمعنى أن الحيوان الذي هو ناطق يستحيل زوال النطق عنه وعروض الصمت له وكذا الحيوان الذي هو صامت. وأما القسمة الثانية فإنه يمكن انقلابها ويصير أحد القسمين معروضا لمميز الآخر الذي به وقعت القسمة كقولنا الحيوان إما متحرك أو ساكن فإن كل واحد من قسمي المتحرك والساكن قد يتصف بعارض الآخر فينقلب المتحرك ساكنا وبالعكس وقسمة المعقول بالوجوب الذاتي والامتناع الذاتي والإمكان الذاتي من قبيل القسم الأول لاستحالة انقلاب الواجب لذاته ممتنعا لذاته أو ممكنا لذاته وكذا الباقيان.

قال : وقد يؤخذ الأولان باعتبار الغير فالقسمة مانعة الجمع بينهما يمكن انقلابها ، ومانعة الخلو بين الثلاثة في الممكنات.

أقول : إذا أخذنا الواجب والممتنع باعتبار الغير لا بالنظر إلى الذات انقسم المعقول إليهما على سبيل منع الجمع لا الخلو وذلك لأن المعقول حينئذ إما أن يكون واجبا لغيره أو ممتنعا لغيره على سبيل منع الجمع لا الخلو لامتناع الجمع بين الوجوب بالغير والامتناع بالغير ، وإمكان الخلو عنهما لا بالنظر إلى وجود العلة ولا عدمها. وهذه القسمة يمكن انقلابها لأن واجب الوجود بالغير قد يعرضه عدم علته فيكون ممتنع الوجود بالغير فينقلب أحدهما إلى الآخر وإذا لحظنا الإمكان الذاتي في هذه القسمة في الممكنات انقلبت مانعة

الخلو لا الجمع لعدم خلو كل معقول ممكن عن الوجوب بالغير والامتناع بالغير والإمكان الذاتي ، ويجوز الجمع بينها فإن الممكن الذاتي واجب أو ممتنع بالغير.

المسألة الخامسة والعشرون

في أقسام الضرورة والإمكان

قال : ويشترك الوجوب والامتناع في اسم الضرورة وإن اختلفا بالسلب والإيجاب.

أقول : الضرورة تطلق على الوجوب والامتناع وتشملهما فإن كل واحد من الوجوب والامتناع يقال له ضروري لكنهما يختلفان بالسلب والإيجاب فالوجوب ضرورة الوجود والامتناع ضرورة السلب واسم الضرورة شامل لهما.

قال : وكل منهما يصدق على الآخر إذا تقابلا في المضاف إليه.

أقول : كل واحد من الوجوب والامتناع يصدق على الآخر فإن وجوب الوجود يصدق عليه امتناع العدم ويستلزمه وبالعكس وكذلك امتناع الوجود يصدق عليه وجوب العدم ويستلزمه فالوجوب والامتناع كل واحد منهما يصدق عليه الآخر إذا تقابلا في المضاف إليه يعني بالمضاف إليه الوجود أو العدم اللذين يضاف الوجوب والامتناع إليهما.

وإنما اشترطنا تقابل المضاف إليه لأنه يستحيل صدقهما على مضاف واحد فإن وجوب الوجود لا يصدق عليه امتناع الوجود وبالعكس ولا وجوب العدم يصدق عليه امتناع العدم بل إنما يصدق كل واحد منهما على صاحبه مع التقابل كما قلنا وجوب الوجود يصدق عليه امتناع العدم فالوجوب أضيف إلى الوجود والامتناع إلى العدم والوجود والعدم متقابلان.

قال : وقد يؤخذ الإمكان بمعنى سلب الضرورة عن أحد الطرفين فيعم الأخرى والخاص.

أقول : القسمة العقلية ثلاثة واجب وممتنع وممكن ليس بواجب ولا ممتنع هذا بحسب

اصطلاح الخاصة ، وقد يؤخذ الإمكان على معنى أعم من ذلك وهو سلب الضرورة عن أحد الطرفين أعني طرفي الوجود والعدم لا عنهما معا بل عن الطرف المقابل للحكم حتى يكون ممكن الوجود هو ما ليس بممتنع ويكون قد رفعنا فيه ضرورة العدم وممكن العدم هو ما ليس بواجب ويكون قد رفعنا فيه ضرورة الوجود فإذا أخذ بهذا المعنى كان أعم من الأول ومن الضرورة الأخرى التي لا تقابله فإن رفع إحدى الضرورتين يشمل ثبوت الأخرى والإمكان الخاص.

قال : وقد يؤخذ بالنسبة إلى الاستقبال.

أقول : قد يؤخذ الإمكان لا بالنظر إلى ما في الحال بل بالنظر إلا الاستقبال حتى يكون ممكن الوجود هو الذي يجوز وجوده في الاستقبال من غير التفات إلى ما في الحال وهذا الإمكان أحق الإمكانات باسم الإمكان.

قال : ولا يشترط العدم في الحال وإلا اجتمع النقيضان.

أقول : هذا الإمكان لا يشترط عدمه في الحال على المذهب الحق ، وذهب بعضهم إلى الاشتراط فقال : لأنه لو كان موجودا في الحال لكان واجبا فلا يكون ممكنا وهو خطأ لأن الوجود إن أخرجه إلى الوجوب أخرجه العدم إلى الامتناع. وأيضا إذا اشترط في إمكان الوجود في المستقبل العدم في الحال اشترط في إمكان العدم الوجود في الحال لكن ممكن الوجود هو بعينه ممكن العدم فيلزم اشتراط وجوده وعدمه في الحال هذا خلف وإليه أشار بقوله : وإلا اجتمع النقيضان. وأيضا العدم في الحال لا ينافي الوجود في المستقبل ، وإمكانه في الحال فالأولى أن لا ينافي إمكانه في المستقبل.

المسألة السادسة والعشرون

في أن الوجوب والإمكان والامتناع ليست ثابتة في الأعيان

قال : والثلاثة اعتبارية لصدقها على المعدوم واستحالة التسلسل.

أقول : هذه الجهات الثلاث أعني الوجوب والإمكان والامتناع أمور اعتبارية يعتبرها

العقل عند نسبة الوجود إلى الماهية وليس لها تحقق في الأعيان لوجوه : منها ما هو مشترك ومنها ما هو مختص بكل واحد أما المشترك فأمران :

الأول : أن هذه الأمور تصدق على المعدوم فإن الممتنع يصدق عليه أنه مستحيل الوجود وأنه واجب العدم والممكن قبل وجوده يصدق عليه أنه ممكن وهو معدوم وإذا اتصف المعدوم بها كانت عدمية لاستحالة اتصاف العدمي بالثبوتي.

الثاني : يلزم التسلسل لأن كل متحقق فله وجود يشارك به غيره من الموجودات ويختص بنفس ماهيته وما به الاشتراك مغاير لما به الامتياز فوجوده غير ماهيته فاتصاف ماهيته بوجوده لا يخلو عن أحد هذه الأمور الثلاثة فلو كانت هذه الأمور ثبوتية لزم اتصافها بأحد الثلاثة ويتسلسل وهو محال.

قال : ولو كان الوجوب ثبوتيا لزم إمكان الواجب.

أقول : لما ذكر الأدلة الشاملة في الدلالة على أن هذه الأمور ليست ثبوتية في الأعيان شرع في الدلالة على كل واحد من الثلاثة فبدأ بالوجوب الذي هو أقربها إلى الوجود إذ هو تؤكده فبين أنه ليس ثبوتيا والدليل عليه أنه لو كان موجودا لكان ممكنا والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أنه صفة للغير والصفة مفتقرة إلى الموصوف فالوجوب مفتقر إلى ذات الواجب فيكون الوجوب ممكنا. وأما بطلان التالي فلأنه لو كان الوجوب ممكنا لكان الواجب ممكنا لأن الواجب إنما هو واجب بهذا الوجوب الممكن والوجوب الممكن يمكن زواله فيخرج الواجب عن كونه واجبا فيكون ممكنا هذا محال.

قال : ولو كان الامتناع ثبوتيا لزم إمكان الممتنع.

أقول : هذا حكم ضروري وهو أن الامتناع أمر عدمي وقد نبه هاهنا على طريق التنبيه لا الاستدلال فإن الامتناع لو كان ثبوتيا لزم إمكان الممتنع لأن ثبوت الامتناع يستدعي ثبوت موصوفه أعني الممتنع فيكون الممتنع ممكنا هذا خلف.

قال : ولو كان الإمكان ثبوتيا لزم سبق وجود كل ممكن على إمكانه.

أقول : اختلف الناس في أن الإمكان الخاص هل هو ثبوتي أم لا وتحرير القول فيه أن الإمكان قد يؤخذ بالنسبة إلى الماهية نفسها لا بالقياس إلى الوجود وهو الإمكان الراجع إلى الماهية وقد يؤخذ بالنسبة إلى الوجود من حيث القرب والبعد من طرف العدم إليه وهو الإمكان الاستعدادي أما الأول : فالمحققون كافة على أنه أمر اعتباري لا تحقق له عينا وأما الثاني : فالأوائل قالوا إنه من باب الكيف وهو قابل للشدة والضعف والحق يأباه والدليل على عدمه في الخارج أنه لو كان ثابتا مع أنه إضافة بين أمرين أو ذو إضافة لزم ثبوت مضافيه اللذين هما الماهية والوجود فيلزم تأخره عن الوجود في الرتبة هذا خلف.

قال : والفرق بين نفي الإمكان والإمكان المنفي لا يستلزم ثبوته.

أقول : هذا جواب عن استدلال الشيخ أبي علي بن سينا على ثبوت الإمكان فإنه قال لو كان الإمكان عدميا لما بقي فرق بين نفي الإمكان والإمكان المنفي لعدم التمايز في العدميات. والجواب المنع من الملازمة فإن الفرق واقع ولا يستدعي الفرق الثبوت كما في الامتناع.

المسألة السابعة والعشرون

في الوجوب والإمكان والامتناع المطلقة

قال : والوجوب شامل للذاتي وغيره وكذا الامتناع.

أقول : الوجوب قد يكون ذاتيا وهو المستند إلى نفس الماهية من غير التفاوت إلى غيرها وقد يكون بالغير وهو الذي يحصل باعتبار حصول الغير والنظر إليه فإن المعلول لو لا النظر إلى علته لم يكن واجبا بها فالوجوب المطلق قد انقسم إلى ما بالذات وإلى ما بالغير وهو شامل لهما وكذا الامتناع شامل للامتناع الذاتي وللعارض باعتبار الغير وليس عموم

الوجوب عموم الجنسية وإلا تركب الوجوب الذاتي بل عموم عارض ذهني لمعروض ذهني.

قال : ومعروض ما بالغير منهما ممكن.

أقول : الذاتي التي يصدق عليها أنها واجبة بالغير أو ممتنعة بالغير فإنها تكون ممكنة بالذات لأن الممكن الذاتي هو الذي يعتوره الوجوب والامتناع ولا يمكن أن يكون الواجب بالغير واجبا بالذات ولا ممتنعا بالذات وكذا الممتنع بالغير فقد ظهر أن معروض ما بالغير من الوجوب والامتناع ممكن بالذات.

قال : ولا ممكن بالغير لما تقدم في القسمة الحقيقية.

أقول : لا يمكن أن يكون هاهنا ممكن بالغير كما أمكن واجب وممتنع بالغير لأنه لو كان كذلك لكان المعروض للإمكان بالغير إما واجبا لذاته أو ممتنعا لذاته وكل ممكن بالغير ممكن بالذات فيكون ذلك المعروض تارة واجبا لذاته وتارة ممكنا فيلزم انقلاب القسمة الحقيقية التي فرضنا أنها لا تنقلب هذا خلف.

المسألة الثامنة والعشرون

في عروض الإمكان وقسيميه للماهية

قال : وعروض الإمكان عند عدم اعتبار الوجود والعدم بالنظر إلى الماهية وعلتها.

أقول : الإمكان إنما يعرض للماهية من حيث هي هي لا باعتبار وجودها ولا باعتبار عدمها ولا باعتبار وجود علتها ولا باعتبار عدم علتها بل إنما يعرض لها عند عدم اعتبار الوجود والعدم بالنظر إلى الماهية نفسها ، وعند عدم اعتبار الوجود والعدم بالنظر إلى علة الممكن فإن الماهية إذا أخذت موجودة كانت واجبة ما دامت موجودة وكذا إذا أخذت معدومة تكون ممتنعة ما دامت معدومة وإذا أخذت باعتبار وجود علتها كانت واجبة ما دامت العلة موجودة وإذا أخذت باعتبار عدم علتها كانت ممتنعة ما دامت العلة معدومة.

قال : وعند اعتبارهما بالنظر إليهما يثبت ما بالغير.

أقول : إذا اعتبرنا الوجود والعدم بالنظر إلى الماهية أو إلى علتها ثبت الوجوب بالغير والامتناع بالغير وهو ظاهر مما تقدم.

قال : ولا منافاة بين الإمكان والغيري.

أقول : قد بينا أن الممكن باعتبار وجوده أو وجود علته يكون واجبا ، وباعتبار عدمه أو عدم علته يكون ممتنعا لكن الوجوب والامتناع ليسا ذاتيين بل باعتبار الغير ومعروضهما الممكن فلا منافاة بينهما وبين الإمكان.

قال : وكل ممكن العروض ذاتي ولا عكس.

أقول : الممكن قد يكون ممكن الثبوت في نفسه وقد يكون ممكن الثبوت لشيء آخر وكل ممكن الثبوت لشيء آخر أعني ممكن العروض فهو ممكن ذاتي أي يكون في نفسه ممكن الثبوت لأن إمكان ثبوت الشيء لغيره فرع على إمكانه في نفسه ولا ينعكس فقد يكون الشيء ممكن الثبوت في نفسه وممتنع الثبوت لغيره كالمفارقات أو واجب الثبوت لغيره كالأعراض والصفات.

المسألة التاسعة والعشرون

في علة الاحتياج إلى المؤثر

قال : وإذا لحظ الذهن الممكن موجودا طلب العلة وإن لم يتصور غيره وقد يتصور وجود الحادث فلا يطلبها ثم الحدوث كيفية الوجود فليس علة لما يتقدم عليه بمراتب.

أقول : اختلف الناس هنا في علة احتياج الأثر إلى مؤثره فقال جمهور العقلاء إنها الإمكان لا غير ، وقال آخرون إنها الحدوث لا غير ، وقال آخرون هما معا والحق الأول لوجهين :

الأول : العقل إذا لحظ الماهية الممكنة وأراد حمل الوجود أو العدم عليها افتقر في ذلك إلى العلة وإن لم ينظر شيئا آخر سوى الإمكان والتساوي إذ حكم العقل بالتساوي الذاتي كاف في الحكم بامتناع الرجحان الذاتي فاحتاج إلى العلة من حيث هو ممكن وإن لم يلحظ غيره ولو فرضنا حادثا وجب وجوده وإن كان فرضا محالا فإن العقل يحكم بعدم احتياجه إلى المؤثر فعلم أن علة الحاجة إنما هي الإمكان لا غير.

الثاني : أن الحدوث كيفية للوجود فيتأخر عنه تأخرا ذاتيا والوجود متأخر عن الإيجاد والإيجاد متأخر عن الاحتياج والاحتياج متأخر عن علة الاحتياج فلو كان الحدوث علة الحاجة لزم تقدم الشيء على نفسه بمراتب وهو محال.

المسألة الثلاثون

في أن الممكن محتاج إلى المؤثر

قال : والحكم باحتياج الممكن ضروري.

أقول : اختلف الناس هنا فقال قوم إن هذا الحكم ضروري أعني أن احتياج الممكن لا يحتاج إلى برهان فإن كل من تصور تساوي طرفي الممكن جزم بالضرورة أن أحدهما لا يترجح من حيث هو متساو أعني من حيث ذاته بل من حيث إن المرجح ثابت وهذا الحكم قطعي لا يقع فيه شك

وقال آخرون إنه استدلالي وهو خطأ وسبب غلطهم أنهم لم يتصوروا الممكن على ما هو عليه.

المسألة الحادية والثلاثون

في وجوب الممكن المستفاد من الفاعل

قال : ولا تتصور الأولوية لأحد الطرفين بالنظر إلى ذاته.

أقول : قد بينا أن الممكن من حيث هو هو لا باعتبار وجود علته أو عدمها فإن وجوده

وعدمه متساويان بالنسبة إليه وإنما يحصل الترجيح من الفاعل الخارجي فإذا لا يمكن أن تتصور أولوية لأحد الطرفين على الآخر بالنظر إلى ذاته.

قال : ولا تكفي الخارجية لأن فرضها لا يحيل المقابل فلا بد من الانتهاء إلى الوجوب.

أقول : أولوية أحد الطرفين بالنظر إلى وجود العلة أو عدمها هي الأولوية الخارجية فإن كانت العلة مستجمعة لجميع الشرائط منتفيا عنها جميع الموانع كانت الأولوية وجوبا وإلا كانت أولوية يجوز معها وقوع الطرف الآخر وهذه الأولوية الخارجية لا تكفي في وجود الممكن أو عدمه لأن فرضها لا يحيل المقابل.

وبيان ذلك : أنا إذا فرضنا هذه الأولوية متحققة ثابتة فإما أن يمكن معها وجود الطرف الآخر المقابل لطرف الأولوية أو لا يمكن والثاني يقتضي أن تكون الأولوية وجوبا والأول يلزم منه المحال وهو ترجيح أحد طرفي الممكن المتساوي على الآخر لا لمرجح لأنا إذا فرضنا الأولوية ثابتة يمكن معها وجود الطرف الراجح والمرجوح فتخصيص أحد الوقتين بالوقوع دون الثاني ترجيح من غير مرجح وهو محال فقد ظهر أن الأولوية لا تكفي في الترجيح بل لا بد من الوجوب ، وأن كل ممكن على الإطلاق لا يمكن وجوده إلا إذا وجب فلا بد من الانتهاء إلى الوجوب.

قال : وهو سابق ويلحقه وجوب آخر لا يخلو عنه قضية فعلية.

أقول : كل ممكن موجود أو معدوم فإنه محفوف بوجوبين (أحدهما) الوجوب السابق سبقا ذاتيا الذي استدللنا على تحققه (والثاني) الوجوب اللاحق وهو المتأخر عن تحقق القضية فإن الحكم بوجود المشي للإنسان يكون واجبا ما دام المشي موجودا له وهذه الضرورة تسمى ضرورة بحسب المحمول ولا يخلو عنها قضية فعلية.

قال : والإمكان لازم وإلا تجب الماهية أو تمتنع.

أقول : الإمكان للممكن واجب لأنه لو لا ذلك لأمكن زواله وحينئذ تبقى الماهية

واجبة أو ممتنعة وقد بينا امتناعه فيما سلف.

قال : ووجوب الفعليات يقارنه جواز العدم فليس بلازم.

أقول : يريد أن يبين أن الوجوب اللاحق وهو الذي ذكر أنه لا يخلو عنه قضية فعلية ولهذا سماه وجوب الفعليات يقارن جواز العدم وذلك لأن الوجود لا يخرجه عن الإمكان الذاتي بل هو باق على طبيعة الإمكان لأن وجوبه بشرط لا مطلقا فلهذا حكم بجواز مقارنة وجوب الوجود لجواز العدم وهذا الوجوب ليس بلازم بل ينفك عن الماهية عند فرض عدم العلة

قال : ونسبة الوجوب إلى الإمكان نسبة تمام إلى نقص.

أقول : الوجوب هو تأكد الوجود وقوته والإمكان ضعف فيه فنسبة الوجوب إلى الإمكان نسبة تمام إلى نقص لأن الوجوب تمام الوجود والإمكان نقص له.

المسألة الثانية والثلاثون

في الإمكان الاستعدادي

قال : والاستعدادي قابل للشدة والضعف ويعدم ويوجد للمركبات وهو غير الإمكان الذاتي.

أقول : الإمكان إما أن يلحظ باعتبار الماهية نفسها وهو الإمكان الذاتي ، وإما أن يلحظ باعتبار قربها من الوجود وبعدها عنه وهو الإمكان الاستعدادي وهذا الإمكان قابل للشدة والضعف والزيادة والنقصان فإن استعداد النطفة للإنسانية أضعف وأبعد من استعداد العلقة لها وكذا استعداد النطفة للكتابة أبعد وأضعف من استعداد الإنسانية لها فهذا هو الإمكان الاستعدادي الحاصل لكل ماهية سبق عدمها وجودها وهذا الإمكان الاستعدادي يعدم ويوجد بعد عدمه للمركبات فإن الماء بعد تسخنه يستعد

لصيرورته هواء بعد أن لم يكن ، فقد تجدد له هذا الاستعداد ثم إذا برد زال ذلك الاستعداد وأما الإمكان الذاتي فقد بينا أنه لا يمكن زواله عن الممكن فتغايرا.

المسألة الثالثة والثلاثون

في القدم والحدوث

قال : والموجود إن أخذ غير مسبوق بالغير أو بالعدم فقديم وإلا فحادث.

أقول : هذه قسمة للموجود إلى القديم والحادث وذلك لأن الموجود إما أن يسبقه الغير أو لا يسبقه الغير فالأول هو الحادث والثاني هو القديم وقد يقال إن القديم هو الذي لا يسبقه العدم والحادث هو الذي يسبقه العدم.

قال : والسبق ومقابلاه إما بالعلية أو بالطبع أو بالزمان أو بالرتبة الحسية أو العقلية أو بالشرف أو بالذات والحصر استقرائي.

أقول : لما ذكر أن القديم هو الذي لا يسبقه الغير أو العدم على اختلاف التفسيرين ، والمحدث هو الذي يسبقه الغير أو العدم ، وجب عليه أن يبين أقسام التقدم والسبق ومقابليه أعني التأخر والمعية.

وقد ذكر الحكماء أن أقسام التقدم خمسة :

الأول : التقدم بالعلية وهو كتقدم حركة الإصبع على حركة الخاتم ولهذا فإنه لو لا حركة اليد لم تحصل حركة الخاتم فهذا الترتيب العقلي هو تقدم بالعلية.

الثاني : التقدم بالطبع وهو أن يكون المتقدم له حظ في التأثير في المتأخر ولا يكون هو كمال المؤثر وهو كتقدم الواحد على الاثنين والفرق بينه وبين الأول أن المتقدم هناك كان كافيا في وجود المتأخر والمتقدم هنا لا يكفي في وجوده.

الثالث : التقدم بالزمان وهو أن يكون المتقدم موجودا في زمان متقدم على زمان المتأخر كالأب والابن.

الرابع : التقدم بالرتبة وهي إما حسية كتقدم الإمام على المأموم ، أو عقلية كتقدم الجنس على النوع إن جعل المبدأ الأعم.

الخامس : التقدم بالشرف كتقدم العالم على المتعلم وكذا أصناف التأخر والمعية.

ثم المتكلمون زادوا قسما آخر للتقدم وسموه التقدم الذاتي وتمثلوا فيه بتقدم أمس على اليوم فإنه ليس تقدما بالعلية ولا بالطبع ولا بالزمان وإلا لاحتاج الزمان إلى زمان آخر وتسلسل ، وظاهر أنه ليس بالرتبة ولا بالشرف فهو خارج عن هذه الأقسام وهذا الحصر استقرائي لا برهاني إذ لم يقم برهان على انحصار التقدم في هذه الأنواع والقسمة إنما تنحصر إذا ترددت بين النفي والإثبات.

المسألة الرابعة والثلاثون

في أن التقدم مقول بالتشكيك

قال : ومقوليته بالتشكيك وتنحفظ الإضافة بين المضافين في أنواعه.

أقول : اختلف الحكماء هنا فقال قوم إن التقدم مقول على أنواعه الخمسة بالاشتراك البحت وهو خطأ فإن كل واحد من التقدم بالعلية والطبع قد شارك الآخر في معنى التقدم وهو أن كل واحد من المتقدم وجد له ما للمتأخر دون العكس.

وقال آخرون إنه مقول بالتشكيك لأن الأصناف تشترك في أن المتقدم بما هو متقدم له شيء ليس للمتأخر ولا شيء للمتأخر إلا وهو موجود للمتقدم وهذا المعنى المشترك يقال لا بمعنى واحد فإن المتقدم بالعلية يوجد له التقدم قبل التقدم بالطبع والتقدم بالطبع قبل سائر أصناف التقدم وفي هذا بحث ذكرناه في كتاب الأسرار.

وإذا ثبت أنه مقول بالتشكيك بمعنى أن بعض أنواع التقدم أولى بالتقدم من بعض ، فاعلم أنا إذا فرضنا ا متقدما على ب بالعلية وج متقدما على د بالطبع كان تقدم ا على ب أولى من تقدم ج على د وحينئذ ب أحد المضافين أولى بتأخره عن الألف المضاف الآخر ، من تأخر د عن ج فانحفظت الإضافة بين

المضافين في الأولوية وهو أحد أنواع التشكيك

وكذلك لو فرضنا تقدم (ا) على (ب) أشد من تقدم (ج) على (د) كان تأخر (ب) عن (ا) أشد من تأخر (د) عن (ج) وهذا نوع ثان للتشكيك

وكذا لو فرضنا تقدم (ا) على (ب) قبل تقدم (ج) على (د) كان تأخر (ب) عن (ا) قبل تأخر (د) عن (ج) وهذا هو النوع الثالث وهذا معنى قوله وتنحفظ الإضافة بين المضافين في أنواعه.

قال : وحيث وجد التفاوت امتنع جنسيته.

أقول : لما بين أن التقدم مقول على ما تحته من أصناف التقدمات بالتشكيك ظهر أنه ليس جنسا لما تحته وأن مقوليته على ما تحته قول العارض على معروضه لا قول الجنس على أنواعه لامتناع وقوع التفاوت في أجزاء الماهية.

قال : والتقدم دائما بعارض زماني أو مكاني أو غيرهما.

أقول : إذا نظر إلى الماهية من حيث هي هي لم تكن متقدمة على غيرها ولا متأخرة وإنما يعرض لها التقدم والتأخر باعتبار أمر خارج عنها إما زماني كما في التقدم الزماني أو مكاني كما في التقدم المكاني أو مغاير كما في تقدم العلة على معلولها باعتبار التأثير والتأثر وكما في تقدم العالم على المتعلم باعتبار الشرف وغير ذلك من أصناف التقدمات.

قال : والقدم والحدوث الحقيقيان لا يعتبر فيهما الزمان وإلا تسلسل.

أقول : القدم والحدوث قد يكونان حقيقيين وقد لا يكونان حقيقيين بل يقالان على ما يقالان عليه على سبيل المجاز فالقدم والحدوث الحقيقيان وهما ما فسرناهما به من أن القديم هو الذي لا يسبقه الغير والمحدث هو المسبوق بالغير وهما بهذا الاعتبار لا يفتقران إلى الزمان لأن الزمان إن كان قديما أو حادثا بهذا المعنى افتقر إلى زمان آخر وتسلسل وأما القدم والحدوث بالمجاز فإنهما لا يتحققان بدون الزمان وذلك لأن القديم يقال بالمجاز لما

يستطال زمان وجوده في جانب الماضي والمحدث لما لا يستطال زمانه.

قال : والحدوث الذاتي متحقق.

أقول : قد بينا أن أصناف التقدم والتأخر خمسة أو ستة ومن جملتها التقدم والتأخر بالطبع فالحدوث الذاتي هو الذي يكون الوجود فيه متأخرا عن العدم بالذات وبيانه : أن الممكن يستحق من ذاته عدم استحقاق الوجود والعدم ويستحق من غيره استحقاق أحدهما وما بالذات أسبق مما بالغير فاللااستحقاقية أعني التأخر الذاتي متقدم على الاستحقاقية وذلك هو معنى الحدوث الذاتي.

قال : والقدم والحدوث اعتباران عقليان ينقطعان بانقطاع الاعتبار.

أقول : ذهب المحققون إلى أن القدم والحدوث ليسا من المعاني المتحققة في الأعيان وذهب عبد الله بن سعيد من الأشعرية إلى أنهما وصفان زائدان على الوجود والحق خلاف ذلك وأنهما اعتباران عقليان يعتبرهما الذهن عند مقايسة سبق الغير إليه وعدمه لأنهما لو كانا ثبوتيين لزم التسلسل لأن الموجود من كل واحد منهما إما أن يكون قديما أو حادثا فيكون للقدم قدم آخر وكذا الحدوث هذا خلف بل هما عقليان يعتبرهما العقل وينقطعان بانقطاع الاعتبار العقلي.

وهذا جواب عن سؤال مقدر وهو أن يقال إذا كان القدم والحدوث أمرين ثبوتيين في العقل أمكن عروض القدم والحدوث لهما ويعود المحذور من التسلسل وتقرير الجواب أنهما اعتباران عقليان ينقطعان بانقطاع الاعتبار فلا يلزم التسلسل.

قال : وتصدق الحقيقية منهما.

أقول : الموجود لا يخلو عن القدم والحدوث لأنه لا يخلو من أن يكون مسبوقا بغيره أو لا والأول حادث والثاني قديم ولا يجتمعان في شيء واحد لاستحالة اجتماع النقيضين فإذن لا يجتمعان ولا يرتفعان فتتركب المنفصلة الحقيقية منهما.

المسألة الخامسة والثلاثون

في خواص الواجب

قال : ومن الوجوب الذاتي والغيري.

أقول : هذه إحدى الخواص وهو أن الشيء الواحد إذا كان واجبا لذاته استحال أن يكون واجبا بغيره إذا عرفت هذا (فنقول) المنفصلة الحقيقية التي تمنع الجمع والخلو صادقة على الموجود إذا أخذ جزؤها الوجوب بالذات والوجوب بالغير بأن يقال الموجود إما واجب لذاته أو واجب بغيره لامتناع صدقهما على شيء واحد وكذبهما عليه وذلك لأن الموجود إما مستغن عن الغير أو محتاج إليه ولا واسطة بينهما والأول واجب بالذات والثاني واجب بالغير.

وإنما امتنع الجمع بينهما لأنه لو كان شيء واحد واجبا بذاته وبغيره معا لزم المحال لأن الواجب بغيره يرتفع بارتفاع غيره والواجب بالذات لا يرتفع بارتفاع غيره فلو كان شيء واحد واجبا بذاته وبغيره لزم اجتماع النقيضين وهو محال.

وإنما امتنع الخلو عنهما لأن الموجود إن كان واجبا صدق أحد الجزءين وإن كان ممكنا استحال وجوده إلا بعد وجوبه بالفاعل على ما تقدم فيصدق الجزء الآخر.

قال : ويستحيل صدق الذاتي على المركب.

أقول : هذه خاصية ثانية للواجب الذاتي وهو أنه يستحيل أن يكون مركبا فلا يمكن صدق الوجوب الذاتي على المركب لأن كل مركب يفتقر إلى أجزائه على ما يأتي وكل مفتقر ممكن فالواجب لذاته ممكن لذاته هذا خلف.

قال بعض المتأخرين هذه المسألة تتوقف على الوحدانية لأنه لو قال قائل يجوز أن يكون كل واحد من أجزاء المركب واجبا لذاته ويكون المجموع مستغنيا عن الغير أجبنا بأن الواجب لذاته يستحيل أن يكون متعددا.

والحق أنه لا افتقار في هذه المسألة إلى الوحدانية لأن هذا المركب يستحيل أن يكون واجبا لذاته لافتقاره إلى أجزائه الواجبة وكل مفتقر ممكن فيكون المركب ممكنا فلا يكون واجبا وهذا لا يتوقف على الوحدانية.

قال : ولا يكون الذاتي جزءا من غيره.

أقول : هذه خاصية ثالثة للواجب ظاهرة وهي أن الواجب لذاته لا يتركب عنه غيره وهو ظاهر لأن التركب إما حسي وهو إنما يكون بانفعال كالمزاج أو عقلي كتركب الماهية من الأجناس والفصول والكل ظاهر الاستحالة.

المسألة السادسة والثلاثون

في أن وجود واجب الوجود ووجوبه نفس حقيقته

قال : ولا يزيد وجوده ونسبته عليه وإلا لكان ممكنا.

أقول : هذه المسألة تشتمل على بحثين (البحث الأول) في أن وجود واجب الوجود لذاته نفس حقيقته وتقريره أن نقول لو كان وجود واجب الوجود لذاته زائدا على حقيقته لكان صفة لها فيكون ممكنا فيفتقر إلى علة فتلك العلة إما أن تكون نفس حقيقته أو شيئا خارجا عن حقيقته والقسمان باطلان أما الأول : فلأن تلك الحقيقة إما أن تؤثر فيه وهي موجودة أو تؤثر فيه وهي معدومة فإن أثرت فيه وهي موجودة فإن كانت موجودة بهذا الوجود لزم تقدم الشيء على نفسه وهو محال وإن كان بغير هذا الوجود عاد البحث إليه ويلزم وجود الماهية مرتين والجميع باطل ، وإن أثرت فيه وهي معدومة كان المعدوم مؤثرا في الموجود وهو باطل بالضرورة.

وأما الثاني فلأنه يلزم منه افتقار واجب الوجود في وجوده إلى غيره فيكون ممكنا وهو محال وهذا دليل قاطع على هذا المطلوب.

البحث الثاني في أن الوجوب نفس حقيقته وقد تقدم بيان ذلك فيما سلف.

قال : والوجود المعلوم هو المقول بالتشكيك أما الخاص به فلا.

أقول : هذا جواب من استدل على زيادة الوجود في حق واجب الوجود وتقرير الدليل أن نقول ماهيته تعالى غير معلومة للبشر على ما يأتي والوجود معلوم ينتج من الشكل الثاني أن الماهية غير الوجود.

وتقرير الجواب عنه أن نقول إنا قد بينا أن الوجود مقول بالتشكيك على ما تحته والمقول على أشياء بالتشكيك يمتنع أن يكون نفس الحقيقة أو جزءا منها بل يكون دائما خارجا عنها لازما لها كالبياض المقول على بياض الثلج وبياض العاج لا على السواء فهو ليس بماهية ولا جزء ماهية لهما بل هو لازم من خارج وذلك لأن بين طرفي التضاد الواقع في الألوان أنواعا من الألوان لا نهاية لها بالقوة ولا أسامي لها بالتفصيل يقع على كل جملة منها اسم واحد بمعنى واحد كالبياض والحمرة والسواد بالتشكيك ويكون ذلك المعنى لازما لتلك الجملة غير مقوم فكذلك الوجود في وقوعه على وجود الواجب وعلى وجودات الممكنات المختلفة بالهويات التي لا أسماء لها بالتفصيل فإنه يقع عليها وقوع لازم خارجي غير مقوم فالوجود يقع على ما تحته بمعنى واحد ولا يلزم من ذلك تساوي ملزوماته التي هي وجود الواجب ووجودات الممكنات في الحقيقة لأن مختلفات الحقيقة قد تشترك في لازم واحد فالحقيقة التي لا تدركها العقول هي الوجود الخاص المخالف لسائر الوجودات بالهوية ، الذي هو المبدأ الأول والوجود المعقول هو الوجود العام اللازم لذلك الوجود وسائر الوجودات وهو أولي التصور وإدراك اللازم لا يقتضي إدراك الملزوم بالحقيقة وإلا لوجب من إدراك الوجود إدراك جميع الوجودات الخاصة وكون حقيقته تعالى غير مدركة وكون الوجود مدركا يقتضي المغايرة بين حقيقته تعالى والوجود المطلق لا الوجود الخاص به تعالى وهذا التحقيق مما نبه عليه بهمنيار في التحصيل وقرره المصنف ـ رحمه‌الله ـ في شرح الإشارات.

قال : وليس طبيعة نوعية على ما سلف فجاز اختلاف جزئياته في العروض وعدمه.

أقول : هذا جواب عن استدلال ثان استدل به الذاهبون إلى أن وجوده تعالى زائد على

حقيقته. وتقرير الدليل أن الوجود طبيعة واحدة نوعية لما بيناه من اشتراكه والطبائع النوعية تتفق في لوازمها وقد بنى الحكماء على هذه القاعدة مطالب كثيرة كامتناع الخلاء ووجود الهيولى للأفلاك وغير ذلك من مباحثهم فنقول طبيعة الوجود إن اقتضت العروض وجب أن يكون وجود واجب الوجود عارضا لماهية مغايرة له ، وإن اقتضت اللاعروض كانت وجودات الممكنات غير عارضة لماهياتها فإما أن لا تكون موجودة أو يكون وجودها نفس حقائقها والقسمان باطلان ، وإن لم تقتض واحدا منهما لم تتصف بأحدهما إلا بأمر خارج عن طبيعة الوجود فيكون تجرد واجب الوجود محتاجا إلى المؤثر هذا خلف.

وتقرير الجواب أن الوجود ليس طبيعة نوعية على ما حققناه بل هو مقول بالتشكيك على ما تقدم والمقول على أشياء بالتشكيك لا يتساوى اقتضاؤه فإن النور يقتضي بعض جزئياته إبصار الأعشى بخلاف سائر الأنوار والحرارة كذلك فإن الحرارة الغريزية تقتضي استعداد الحياة بخلاف سائر الحرارات فكذلك الوجود.

قال : وتأثير الماهية من حيث هي في الوجود غير معقول.

أقول : لما أبطل استدلالاتهم شرع في إبطال الاعتراض الوارد على دليله وقد ذكر هاهنا أمرين أحدهما أنهم قالوا لا نسلم انحصار أحوال الماهية حالة التأثير في الوجود والعدم بل جاز أن تكون الماهية من حيث هي هي مؤثرة في الوجود فلا يلزم التسلسل ولا تأثير المعدوم في الموجود.

والجواب أن الماهية من حيث هي هي يجوز أن تقتضي صفات لها على سبيل العلية والمعلولية إلا الوجود فإنه يمتنع أن تؤثر فيه من حيث هي هي لأن الوجود لا يكون معلولا لغير الموجود بالضرورة فيلزم المحاذير المذكورة والضرورة فرقت بين الوجود وسائر الصفات.

قال : والنقض بالقابل ظاهر البطلان.

أقول : هذا جواب عن السؤال الثاني وتقريره أنهم قالوا إن العلة القابلية للوجود لا يجوز أن يكون باعتبار الوجود فإن الممكن المعدوم لو لم يقبل الوجود إلا بشرط الوجود لزم

تقدم الشيء على نفسه أو تعددت الوجودات للماهية الواحدة والكل محال وإذا كان كذلك فلم لا يعقل مثله في العلة الفاعلية.

والجواب أن هذا إنما يتم لو قلنا إن الوجود عارض للماهية عروض السواد للجسم وإن للماهية ثبوتا في الخارج دون وجودها ثم إن الوجود يحل فيها ونحن لا نقول كذلك بل كون الماهية هو وجودها وإنما تتجرد عن الوجود في العقل لا بمعنى أنها تكون في العقل منفكة عن الوجود لأن الحصول في العقل نوع من الوجود بل بمعنى أن العقل يلاحظها منفردة فاتصاف الماهية بالوجود أمر عقلي إذ ليس للماهية وجود منفرد ولعارضها المسمى بالوجود وجود آخر ويجتمعان اجتماع المقبول والقابل بل الماهية إذا كانت فكونها وجودها والحاصل من هذا أن الماهية إنما تكون قابلة للوجود عند وجودها في العقل فقط ولا يمكن أن تكون فاعلة لصفة خارجية عند وجودها في العقل فقط.

قال : والوجود من المحمولات العقلية لامتناع استغنائه عن المحل وحصوله فيه.

أقول : الوجود ليس من الأمور العينية بل هو من المحمولات العقلية الصرفة. وتقريره أنه لو كان ثابتا في الأعيان لم يخل إما أن يكون نفس الماهيات الصادق عليها أو مغايرا لها والقسمان باطلان أما الأول فلما تقدم من أنه زائد على الماهية ومشترك بين المختلفات فلا يكون نفسها.

وأما الثاني فإما أن يكون جوهرا أو عرضا والأول باطل وإلا لم يكن صفة لغيره ، والثاني باطل لأن كل عرض فهو حاصل في المحل وحصوله في المحل نوع من الوجود فيكون للوجود وجود هذا خلف ويلزم تأخره عن محله وتقدمه عليه هذا خلف.

قال : وهو من المعقولات الثانية.

أقول : الوجود كالشيئية في أنها من المعقولات الثانية إذ ليس الوجود ماهية خارجية على ما بيناه بل هو أمر عقلي يعرض للماهيات وهو من المعقولات الثانية المستندة إلى المعقولات الأولى وليس في الموجودات شيء هو وجود أو شيء بل الموجود إما الإنسان أو

الحجر أو غيرهما ثم يلزم من معقولية ذلك أن يكون موجودا.

قال : وكذلك العدم.

أقول : يعني به أن العدم من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى كما قلنا في الوجود إذ ليس في الأعيان ماهية هي عدم مطلق فهو دائما عارض لغيره.

قال : وجهاتهما.

أقول : يعني به أن جهات الوجود والعدم من الوجوب والإمكان والامتناع الذاتية والمشروطة من المعقولات الثانية أيضا كما تقدم من أنها أمور اعتبارية لا تحقق لها في الخارج وقد سبق البحث فيه.

قال : والماهية.

أقول : الماهية أيضا من المعقولات الثانية فإن الماهية تصدق على الحقيقة باعتبار ذاتها لا من حيث إنها موجودة أو معقولة وإن كان ما يصدق عليه الماهية من المعقولات الأولى وليس البحث فيه بل في الماهية أعني العارض فإن كون الإنسان ماهية أمر زائد على حقيقة الإنسانية.

قال : والكلية والجزئية.

أقول : هذان أيضا من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى فإن الماهية من حيث هي هي وإن كانت لا تخلو عنهما إلا أنها مغايرة لهما وهما يصدقان عليها صدق العارض على معروضه فإن الإنسانية لو كانت لذاتها كلية لم تصدق جزئية وبالعكس فالإنسانية ليست من حيث هي هي كلية ولا جزئية بل إنما تصدق عليه الكلية عند اعتبار صدق الحقيقة على أفراد متوهمة أو متحققة والجزئية إنما تصدق عليها عند اعتبار أمور أخر مخصصة لتلك الحقيقة ببعض الأفراد فهما من المعقولات الثانية.

قال : والذاتية والعرضية.

أقول : هذان أيضا من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى فإنه ليس في الأعيان ذاتية ولا عرضية وليس لهما تأصل في الوجود وقد يكون الذاتي لشيء عرضيا لغيره فهما اعتباران عقليان عارضان لماهيات متحققة في أنفسها فهي من المعقولات الثانية.

قال : والجنسية والفصلية والنوعية.

أقول : هذه أيضا أمور اعتبارية عقلية صرفة من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى فإن كون الإنسان نوعا أمر مغاير لحقيقة الإنسانية عارض لها وإلا لامتنع صدق الإنسانية على زيد وكذلك الجنسية للحيوان مثلا أمر عارض له مغاير لحقيقته وكذلك الفصلية للناطق وهذا كله ظاهر.

المسألة السابعة والثلاثون

في تصور العدم

قال : وللعقل أن يعتبر النقيضين ويحكم بينهما بالتناقض ولا استحالة فيه.

أقول : العقل يحكم بالمناقضة بين السلب والإيجاب فلا بد وأن يعتبرهما معا لأن التناقض من قبيل النسب والإضافات لا يمكن تصوره إلا بعد تصور معروضيه فيكون متصورا للسلب والإيجاب معا ولا استحالة في اجتماعهما في الذهن دفعة لأن التناقض ليس بالقياس إلى الذهن بل بالقياس إلى ما في نفس الأمر فيتصور صورة ما ويحكم عليها بأنه ليس لها في الخارج ما يطابقها ثم يتصور صورة أخرى فيحكم عليها بأن لها في الخارج ما يطابقها ثم يحكم على إحداهما بمقابلة الأخرى لا من حيث إنهما حاضرتان في العقل بل من حيث إن إحداهما استندت إلى الخارج دون الأخرى وقد يتصور الذهن صورة ما

ويتصور سلبها لأنه مميز على ما تقدم ويحكم على الصورتين بالتناقض لا باعتبار حضورهما في الذهن بل بالاعتبار الذي ذكرناه.

قال : وأن يتصور عدم جميع الأشياء حتى عدم نفسه وعدم العدم بأن يتمثل في الذهن ويرفعه وهو ثابت باعتبار ، قسيم باعتبار ولا يصح الحكم عليه من حيث هو ليس بثابت ولا تناقض.

أقول : الذهن يمكنه أن يتصور جميع المعقولات وجودية كانت أو عدمية. ويمكنه أن يلحظ عدم جميع الأشياء لأنه يتصور العدم المطلق. ويمكنه أن ينسبه إلى جميع الماهيات فيمكنه أن يلحظه باعتبار نفسه فيتصور عدم الذهن نفسه ، وكذلك يمكنه أن يلحقه نفس العدم بمعنى أن الذهن يتخيل للعدم صورة ما معقولة متميزة عن صورة الوجود ويتصور رفعها ويكون ثابتا باعتبار تصوره لأن رفع الثبوت الشامل للثبوت الخارجي والذهني تصور ما ليس بثابت ولا متصور أصلا وهو ثابت باعتبار تصوره وقسيم لمطلق الثابت باعتبار أنه سلبه ولا استبعاد في ذلك فإنا نقول الموجود إما ثابت في الذهن أو غير ثابت في الذهن فاللاوجود قسيم للوجود ومن حيث له مفهوم قسم من الثابت ، والحكم على رفع الثبوت المطلق من حيث إنه متصور لا من حيث إنه ليس بثابت ولا يكون تناقضا لاختلاف الموضوعين.

قال : ولهذا نقسم الموجود إلى ثابت في الذهن وغير ثابت فيه ونحكم بينهما بالتمايز وهو لا يستدعي الهوية لكل من المتمايزين ولو فرض له هوية لكان حكمها حكم الثابت.

أقول : هذا استدلال على أن الذهن له أن يتصور عدم جميع الأشياء وبيانه أنا نقسم الموجود إلى ثابت في الذهن وغير ثابت فيه ونحكم بامتياز أحدهما عن الآخر ومقابلته له والحكم على شيء يستدعي تصوره وثبوته في الذهن فيجب أن يكون ما ليس بثابت في الذهن ثابتا فيه فقد تصور الذهن سلب ما وجد فيه باعتبارين على ما حققناه فإن ما ليس بثابت في الذهن ثابت فيه من حيث إنه متصور وغير ثابت فيه من حيث إنه سلب لما في الذهن

لا يقال : امتياز أحد الشيئين عن الآخر يستدعي أن يكون لكل من الممتازين هوية مغايرة لهوية الآخر حتى يحكم بينهما بالامتياز فلو كان العدم ممتازا عن الوجود لكان له هوية متميزة عنه لكن ذلك محال لأن العقل يمكنه رفع كل هوية فيكون رفع هوية العدم قسيما للعدم وقسما منه وهذا محال.

لأنا نقول : لا نسلم وجوب الهوية لكل من الممتازين فإنا نحكم بامتياز الهوية عن اللاهوية وليس اللاهوية هوية سلمنا ثبوت الهوية لكل ممتازين لكن هوية العدم داخلة باعتبار الهوية في قسم الهوية وباعتبار ما فرض أنها لا هوية يكون مقابلة للهوية وقسيما لها ولا امتناع في كون الشيء قسما من الشيء وقسيما له باعتبارين على ما تقدم تحقيقه في باب الثبوت.

قال : وإذا حكم الذهن على الأمور الخارجية بمثلها وجب التطابق في صحيحه وإلا فلا ويكون صحيحه باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر لإمكان تصور الكواذب.

أقول : الأحكام الذهنية قد تؤخذ بالقياس إلى ما في الخارج ، وقد تؤخذ لا بهذا الاعتبار فإذا حكم الذهن على الأشياء الخارجية بأشياء خارجية مثلها كقولنا الإنسان حيوان في الخارج وجب أن يكون مطابقا لما في الخارج حتى يكون حكم الذهن حقا وإلا لكان باطلا وإن حكم على أشياء خارجية بأمور معقولة كقولنا الإنسان ممكن أو حكم على الأمور الذهنية بأحكام ذهنية كقولنا الإمكان مقابل للامتناع لم تجب مطابقته لما في الخارج إذ ليس في الخارج إمكان وامتناع متقابلان ولا في الخارج إنسان ممكن.

إذا تقرر هذا (فنقول) الحكم الصحيح في هذين القسمين لا يمكن أن يكون باعتبار مطابقته لما في الخارج لما تقدم من أن الحكم ليس مأخوذا بالقياس إلى الخارج ولا باعتبار مطابقته لما في الذهن لأن الذهن قد يتصور الكواذب فإنا قد نتصور كون الإنسان واجبا مع أنه ممكن فلو كان صدق الحكم باعتبار مطابقته لما في الذهن لكان الحكم بوجوب الإنسان صادقا لأن له صورة ذهنية مطابقة لهذا الحكم بل يكون باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر.

وقد كان في بعض أوقات استفادتي منه ـ رحمه‌الله ـ جرت هذه النكتة وسألته عن معنى قولهم إن الصادق في الأحكام الذهنية هو باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر والمعقول من نفس الأمر إما الثبوت الذهني أو الخارجي وقد منع كل منهما هاهنا.

فقال ـ رحمه‌الله ـ المراد بنفس الأمر هو العقل الفعال فكل صورة أو حكم ثابت في الذهن مطابق للصور المنتقشة في العقل الفعال فهو صادق وإلا فهو كاذب. فأوردت عليه أن الحكماء يلزمهم القول بانتقاش الصور الكاذبة في العقل الفعال لأنهم استدلوا على ثبوته بالفرق بين النسيان والسهو فإن السهو هو زوال الصورة المعقولة عن الجوهر العاقل وارتسامها في الحافظ لها والنسيان هو زوالها عنهما معا وهذا يتأتى في الصور المحسوسة أما المعقولة فإن سبب النسيان هو زوال الاستعداد بزوال المفيد للعلم في باب التصورات والتصديقات وهاتان الحالتان قد تعرضان في الأحكام الكاذبة فلم يأت فيه بمقنع وهذا البحث ليس من هذا المقام وإنما انجر الكلام إليه وهو بحث شريف لا يوجد في الكتب.

المسألة الثامنة والثلاثون

في كيفية حمل الوجود والعدم على الماهيات

قال : ثم الوجود والعدم قد يحملان وقد يربط بهما المحمولات.

أقول : اعلم أن الوجود والعدم قد يحملان على الماهية كما يقال الإنسان معدوم ، الإنسان موجود وقد يجعلان رابطة كقولنا الإنسان يوجد كاتبا ، الإنسان تعدم عنه الكتابة فهاهنا المحمول هو الكتابة والوجود والعدم رابطتان إحداهما رابطة الثبوت والوصل والأخرى رابطة السلب والفصل.

قال : والحمل يستدعي اتحاد الطرفين من وجه وتغايرهما من آخر وجهة الاتحاد قد تكون أحدهما وقد تكون ثالثا.

أقول : لما ذكر أن الوجود والعدم قد يحملان وقد يكونان رابطة بين الموضوع والمحمول

شرع في تحقيق معنى الحمل وتقريره أنا إذا حملنا وصفا على موصوف فلسنا نعني به أن ذات الموضوع هي ذات المحمول بعينها فإنه لا يبقى حمل ولا وضع إلا في الألفاظ المترادفة وهو باطل ، ولأن قولنا الإنسان حيوان حمل صادق وليس الإنسان والحيوان مترادفين ، ولا نعني به أن ذات الموضوع مباينة لذات المحمول فإن الشيئين المتباينين كالإنسان والفرس يمتنع حمل أحدهما على الآخر ، بل نعني به أن الموضوع والمحمول بينهما اتحاد من وجه وتغاير من وجه فإذا قلنا الضاحك كاتب عنينا به أن الشيء الذي يقال له الضاحك هو الشيء الذي يقال له الكاتب فجهة الاتحاد هي الشيء وجهة التغاير هي الضحك والكتابة.

إذا عرفت هذا فاعلم أن جهة الاتحاد قد تكون أمرا مغايرا للموضوع والمحمول كما في هذا المثال فإن الشيء الذي يقال له ضاحك وكاتب هو الإنسان وهو غير الموضوع والمحمول ، وقد تكون أحدهما كقولنا الإنسان ضاحك والضاحك إنسان.

قال : والتغاير لا يستدعي قيام أحدهما بالآخر ولا اعتبار عدم القائم في القيام لو استدعاه.

أقول : لما ذكر أن المحمول مغاير للموضوع من وجه صدق عليه مطلق التغاير وصدق التغاير لا يستدعي قيام أحدهما بالآخر قيام العرض بمحله فإنا نقول الإنسان حيوان وليست الحيوانية قائمة بالإنسانية ، ثم لو فرضنا أن التغاير مع الحمل يقتضي قيام أحدهما بالآخر لكن لا يلزم من كون المحمول قائما بالموضوع كون الموضوع في نفسه مأخوذا باعتبار عدم القائم فإنه حينئذ اعتبار زائد على نفس المحمول والموضوع لا يستدعي مجرد القيام.

قال : وإثبات الوجود للماهية لا يستدعي وجودها أولا.

أقول : إن الحكماء اتفقوا على أن الموصوف بالصفة الثبوتية يجب أن يكون ثابتا وقد أورد على هذا أن الوجود ثابت للماهية فيجب أن تكون الماهية ثابتة أولا حتى يتحقق لها ثبوت آخر ويتسلسل.

والجواب ما تقدم فيما حققناه أولا من أن الوجود ليس عروضه للماهيات عروض السواد للمحل بل زيادته إنما هي في التصور والتعقل لا في الوجود الخارجي.

قال : وسلبه عنها لا يقتضي تميزها وثبوتها بل نفيها لا إثبات نفيها ، وثبوتها في الذهن وإن كان لازما لكنه ليس شرطا.

أقول : سلب الوجود عن الماهية لا يقتضي أن تكون الماهية متميزة عن غيرها وثابتة في نفسها فإن التميز صفة غير الماهية وكذلك الثبوت والمسلوب عنه هو نفس الماهية ليس الماهية مع غيرها بل سلب الوجود يقتضي نفي الماهية لا بمعنى أن تكون الماهية متحققة ويثبت لها النفي.

لا يقال المسلوب عنه الوجود موجود في الذهن فالسلب يقتضي الثبوت.

لأنا نقول إنا لا نريد بذلك أنه مسلوب عنه الوجود عند كونه موجودا في الذهن فإن كونه موجودا في الذهن صفة مغايرة له والمسلوب عنه هو الموصوف فقط لا باعتبار كونه موصوفا بهذه الصفة أو غيرها وإن كان بحيث تلزمه هذه الصفة أو غيرها.

قال : والحمل والوضع من المعقولات الثانية يقالان بالتشكيك وليست الموصوفية ثبوتية وإلا تسلسل.

أقول : الحمل والوضع من الأمور المعقولة وليس في الخارج حمل ولا وضع بل الثابت في الخارج هو الإنسان والكتابة وأما صدق الكاتب على الإنسان فهو أمر عقلي ولهذا حكمنا بأن الحمل والوضع من المعقولات الثانية ويقالان بالتشكيك فإن استحقاق بعض المعاني للحمل أولى من البعض الآخر وكذا الوضع فإذا قلنا الجسم أسود فقد حكمنا على الجسم بأنه موصوف بالسواد والموصوفية أمر اعتباري ذهني لا خارجي حقيقي لأن الموصوفية لو كانت وجودية لزم التسلسل وبيان الملازمة أنها لو كانت خارجية لكانت عرضا قائما بالمحل فاتصاف محلها بها يستدعي موصوفية أخرى فننقل الكلام إليها ويتسلسل.

المسألة التاسعة والثلاثون

في انقسام الوجود إلى ما بالذات وإلى ما بالعرض

قال : ثم الوجود قد يكون بالذات وقد يكون بالعرض.

أقول : الموجود إما أن يكون له حصول مستقل في الأعيان أو لا يكون والأول هو الموجود بالذات سواء كان جوهرا أو عرضا فإن العرض وإن كان لا يوجد إلا بمحله لكنه موجود حقيقة فإن وجود العرض ليس هو بعينه وجود المحل إذ قد يوجد المحل بدون العرض ثم يوجد ذلك العرض فيه كالجسم إذا حل فيه السواد بعد أن لم يكن والثاني هو الموجود بالعرض كأعدام الملكات والأمور الاعتبارية الذهنية التي لا تحقق لها في الأعيان ويقال إنها موجودة في الأعيان بالعرض.

قال : وأما الوجود في الكتابة والعبارة فمجازي.

أقول : للشيء وجود في الأعيان ووجود في الأذهان وقد سبق البحث فيهما ووجود في العبارة ووجود في الكتابة والذهن يدل على ما في العين والعبارة تدل على الأمر الذهني والكتابة تدل على العبارة لكن الوجودان الأولان حقيقيان والباقيان مجازيان إذ لا يحكم العقل بأن الشيء موجود في اللفظ والكتابة لكن لما دل عليه حكم على سبيل المجاز أنه موجود فيهما.

المسألة الأربعون

في أن المعدوم لا يعاد

قال : والمعدوم لا يعاد لامتناع الإشارة إليه فلا يصح الحكم عليه بصحة العود.

أقول : ذهب جماعة من الحكماء والمتكلمين إلى أن المعدوم لا يعاد وذهب آخرون منهم

إلى أنه ممكن أن يعاد والحق الأول واستدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ عليه بوجوه الأول أن المعدوم لا تبقى له هوية ولا يتميز عن غيره فلا يصح أن يحكم عليه بحكم ما من الأحكام فلا يمكن الحكم عليه بصحة العود وهذا ينتقض بامتناع الحكم عليه بامتناع العود فإنه حكم ما والتحقيق هنا أن الحكم يستدعي الحضور الذهني لا الوجود الخارجي.

قال : ولو أعيد تخلل العدم بين الشيء ونفسه.

أقول : هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الدالة على امتناع إعادة المعدوم وتقريره أن الشيء بعد عدمه نفي محض وعدم صرف وإعادته إنما تكون بوجود عينه الذي هو المبتدأ بعينه في الحقيقة فيلزم تخلل العدم بين الشيء ونفسه وتخلل النفي بين الشيء الواحد ونفسه غير معقول.

قال : ولم يبق فرق بينه وبين المبتدأ.

أقول : هذا هو الوجه الثالث وتقريره أن المعدوم لو أعيد لم يبق فرق بينه وبين المبتدأ فإنا إذا فرضنا سوادين أحدهما معاد والآخر مبتدأ وجدا معا لم يقع بينهما افتراق في الماهية ولا المحل ولا غير ذلك من المميزات إلا كون أحدهما كان موجودا ثم عدم والآخر لم يسبق عدمه وجوده لكن هذا الفرق باطل لامتناع تحقق الماهية في العدم فلا يمكن الحكم عليها بأنها هي هي حالة العدم وإذا لم يبق فرق بينهما لم يكن أحدهما أولى من الآخر بالإعادة أو الابتداء.

قال : وصدق المتقابلان عليه دفعة.

أقول : هذا وجه رابع وهو أنه لو أعيد المعدوم لصدق المتقابلان على الشيء الواحد دفعة واحدة والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أنه لو أعيد لأعيد مع جميع مشخصاته ومن بعض المشخصات الزمان فيلزم جواز الإعادة على الزمان فيكون مبتدأ معادا وهو محال لأنها متقابلان لا يصدقان على ذات واحدة.

قال : ويلزم التسلسل في الزمان.

أقول : هذا دليل على امتناع إعادة الزمان وتقريره أنه لو أعيد الزمان لكان وجوده ثانيا مغايرا لوجوده أولا والمغايرة ليست بالماهية ولا بالوجود وصفات الوجود بل بالقبلية والبعدية لا غير فيكون للزمان زمان آخر يوجد فيه تارة ويعدم أخرى وذلك يستلزم التسلسل.

قال : والحكم بامتناع العود لأمر لازم للماهية.

أقول : هذا جواب عن استدلال من ذهب إلى إمكان إعادة المعدوم وتقرير الدليل أن الشيء بعد العدم إن استحال وجوده لماهيته أو لشيء من لوازمها وجب امتناع مثله الذي هو الوجود المبتدأ ، وإن كان لأمر غير لازم بل لعارض فعند زوال ذلك العارض يزول الامتناع.

وتقرير الجواب أن الشيء بعد العدم ممتنع الوجود المقيد ببعدية العدم وذلك الامتناع لازم للماهية الموصوفة بالعدم بعد الوجود.

المسألة الحادية والأربعون

في قسمة الموجود إلى الواجب والممكن

قال : وقسمة الموجود إلى الواجب والممكن ضرورية وردت على الوجود من حيث هو قابل للتقييد وعدمه.

أقول : العقل يحكم حكما ضروريا بأن الموجود إما أن يكون مستغنيا عن غيره أو يكون محتاجا والأول واجب والثاني ممكن وهذه قسمة ضرورية لا يفتقر فيها إلى برهان وليست القسمة واردة على مطلق الوجود من حيث هو وجود مطلق فإن الشيء من حيث هو ذلك الشيء يستحيل أن ينقسم إلى متباينين هما غير ذلك الشيء وإذا اعتبرت قسمته فلا يؤخذ

مع هذه الحيثية بل يؤخذ الشيء بلا تقيد بشرط مع تجويز التقييد ويقسم فتنضاف إلى مفهومه مفهومات أخر ويصير مفهومه مع كل واحد من تلك المفهومات قسما.

المسألة الثانية والأربعون

في البحث عن الإمكان

قال : والحكم على الممكن بإمكان الوجود حكم على الماهية لا باعتبار العدم والوجود.

أقول : الذهن إذا حكم بأمر على أمر فقد يلاحظ الوجود أو العدم للمحكوم عليه وهو الحكم بأحدهما أو بما يشترط فيه أحدهما ، وقد لا يلاحظ أحدهما كالحكم بالإمكان فإن الذهن إذا حكم على الممكن بإمكان الوجود أو العدم فإنه لا يحكم عليه باعتبار كونه موجودا لأنه بذلك الاعتبار يكون واجبا ، ولا باعتبار كونه معدوما فإنه بذلك الاعتبار يكون ممتنعا وإنما يتحقق الإمكان للممكن من حيث هو هو لا باعتبار الوجود ولا باعتبار العدم.

وبهذا التحقيق يندفع السؤال الذي يهول به قوم وهو أن المحكوم عليه بالإمكان إما أن يكون موجودا أو معدوما فإن كان موجودا استحال الحكم عليه بالإمكان لأن الموجود لا يقبل العدم لاستحالة الجمع بين الوجود والعدم وإذا امتنع حصول العدم امتنع حصول إمكان الوجود والعدم ، وإن كان معدوما استحال عليه قبول الوجود كما تقدم ، وإذا استحال مجامعة الإمكان لوصفي الوجود والعدم واستحال انفكاك الماهية عنهما استحال الحكم على الماهية بالإمكان.

وذلك لأن القسمة في قولهم المحكوم عليه بالإمكان إما أن يكون موجودا أو معدوما ليست بحاصرة لأن المفهوم منه أن المحكوم عليه بالإمكان إما أن يحكم عليه مع اعتبار الوجود أو مع اعتبار العدم ويعوزه قسم آخر وهو أن يحكم عليه لا مع اعتبار أحدهما. وقولهم الموجود حال الوجود لا يقبل العدم وكذا المعدوم صحيح لكن الموجود يقبل العدم في غير حال الوجود وكذا المعدوم وليس حال الماهية إما حال الوجود أو حال العدم لأنهما

حالان تحصلان عند اعتبار الماهية مع الغير أما عند اعتبارها لا مع الغير فإنها تقبل أحدهما لا بعينه وهذا الامتناع امتناع لاحق بشرط المحمول.

قال : ثم الإمكان قد يكون آلة في التعقل وقد يكون معقولا باعتبار ذاته

أقول : كون الشيء معقولا ينظر فيه العقل ويعتبر فيه وجوده ولا وجوده غير كونه آلة للتعقل ولا ينظر فيه حيث ينظر فيما هو آلة لتعقله بل إنما ينظر به مثلا العاقل يعقل السماء بصورة في عقله ويكون معقوله السماء لا ينظر حينئذ في الصورة التي بها يعقل السماء ولا يحكم عليها بحكم بل يعقل أن المعقول بتلك الصورة هو السماء وهو جوهر ثم إذا نظر في تلك الصورة وجعلها معقولا منظورا إليها لا آلة في النظر إلى غيرها وجدها عرضا موجودا في محل هو عقله.

إذا ثبت هذا فنقول الإمكان كآلة للعاقل بها يعرف حال الممكن في أن وجوده على أي أنحاء العروض يعرض للماهية ولا ينظر في كون الإمكان موجودا أو معدوما أو جوهرا أو عرضا أو واجبا أو ممكنا ثم إذا نظر في وجوده أو إمكانه أو وجوبه أو جوهريته أو عرضيته لم يكن بذلك الاعتبار إمكانا لشيء بل كان عرضا في محل هو العقل وممكنا في ذاته ووجوده غير ماهيته فالإمكان من حيث هو إمكان لا يوصف بكونه موجودا أو غير موجود أو ممكنا أو غير ممكن وإذا وصف بشيء من ذلك لا يكون حينئذ إمكانا بل يكون له إمكان آخر يعتبره العقل والإمكان أمر عقلي فمهما اعتبر العقل للإمكان ماهية ووجودا حصل فيه إمكان إمكان ولا يتسلسل بل ينقطع عند انقطاع الاعتبار. وهكذا حكم جميع الاعتبارات العقلية من الوجوب والشيئية والحدوث وغيرها من ثواني المعقولات.

قال : وحكم الذهن على الممكن بالإمكان اعتبار عقلي فيجب أن تعتبر مطابقته لما في العقل.

أقول : قد تقدم مواضع اعتبار المطابقة وعدمها والإمكان إذا اعتبر فيه المطابقة فيجب أن يكون مطابقا لما في العقل لأنه اعتبار عقلي على ما تقدم.

المسألة الثالثة والأربعون

في أن الحكم بحاجة الممكن إلى المؤثر ضروري

قال : والحكم بحاجة الممكن ضروري وخفاء التصديق لخفاء التصور غير قادح.

أقول : كل عاقل إذا تصور الممكن ما هو والاحتياج إلى المؤثر حكم بنسبة أحدهما إلى الآخر حكما ضروريا لا يحتاج معه إلى برهان وخفاء هذا التصديق عند بعض العقلاء لا يقدح في ضروريته لأن الخفاء في الحكم يسند إلى خفاء التصور لا لخفائه في نفسه ولهذا إذا مثل للمتشكك في هذه القضية حال الوجود والعدم بالنسبة إلى الماهية بحال كفتي الميزان وأنهما كما يستحيل ترجح إحدى الكفتين على الأخرى بغير مرجح كذلك الممكن المتساوي الطرفين حكم بالحاجة إلى المؤثر.

قال : والمؤثرية اعتبار عقلي.

أقول : هذا جواب عن سؤال أورده بعض المغالطين على احتياج الممكن إلى المؤثر.

وتقرير السؤال : أن الممكن لو افتقر إلى المؤثر لكانت مؤثرية المؤثر في ذلك الأثر إن كانت وصفا ثبوتيا في الذهن من غير مطابقة الخارج لزم الجهل ، ولأنها ثابتة قبل الذهن ويستحيل قيام صفة الشيء بغيره ، وإن كانت بمطابقة الخارج أو كانت ثابتة في الخارج مغايرة للمؤثر والأثر لأنها نسبة بينهما لزم التسلسل وهو محال وبتقدير تسليمه فهو غير معقول لأن التسلسل إنما يعقل لو فرضنا أمورا متتالية إلى غير النهاية وذلك يستدعي كون كل واحد منها متلوا بصاحبه وإنما يكون متلوا بصاحبه لو لم يكن بينه وبين متلوه غيره لكن ذلك محال لأن تأثير المتلو في التالي متوسط بينهما وقد كان لا متوسط هذا خلف وليست المؤثرية عدمية لأنها نقيض اللامؤثرية المحمولة على المعدوم والمحمول على المعدوم عدم ونقيض العدم ثبوت فالمؤثرية ثبوتية.

وتقرير الجواب : أن المؤثرية أمر إضافي يثبت في العقل عند تعقل صدور الأثر عن

المؤثر فإن تعقل ذلك يقتضي ثبوت أمر في العقل هو المؤثرية كما في سائر الإضافات ، وعدم مطابقته للخارج لا يقتضي كونه جهلا لأن الجهل يلزم لو حكم بثبوته في الخارج ولم يثبت في الخارج.

وقوله والمؤثرية صفة قبل الذهن وصفة الشيء يستحيل قيامها بغيره فجوابه أن كون الشيء بحيث لو عقله عاقل حصل في عقله إضافة لذلك الشيء إلى غيره هو الحاصل قبل الأذهان لا الذي يحصل في العقل فإن ذلك يستحيل وجوده قبل وجود العقل.

قال : والمؤثر يؤثر في الأثر لا من حيث هو موجود ولا من حيث هو معدوم.

أقول : هذا جواب عن سؤال آخر لهم وتقرير السؤال أن المؤثر إما أن يؤثر في الأثر حال وجوده أو حال عدمه والقسمان باطلان فالتأثير باطل أما بطلان الأول فلاستلزامه تحصيل الحاصل وأما بطلان الثاني فلأن حال العدم لا أثر فلا تأثير لأن التأثير إن كان عين حصول الأثر عن المؤثر فحيث لا أثر فلا تأثير وإن كان مغايرا فالكلام فيه كالكلام في الأول.

وتقرير الجواب : أن نقول إن أردت بحال وجود الأثر زمان وجوده فليس بمستحيل أن يؤثر المؤثر في الأثر في زمان وجود الأثر لأن العلة مع المعلول تكون بهذه الصفة ، وإن أردت به مقارنة المؤثر للأثر ، الذاتية فذلك مستحيل وإنما يؤثر فيه لا من حيث هو موجود ولا من حيث هو معدوم.

قال : وتأثيره في الماهية ويلحقه وجوب لاحق.

أقول : هذا جواب عن سؤال ثالث لهم وتقريره : أن المؤثر إما أن يؤثر في الماهية أو في الوجود أو في اتصاف الماهية بالوجود والأقسام بأسرها باطلة فالتأثير باطل.

أما الأول : فلأن كل ما بالغير يرتفع بارتفاعه لكن ذلك محال لأن صيرورة الماهية غير ماهية محال لأن موضوع القضية يجب أن يتحقق حال ثبوت محمولها ولا تحقق للماهية

حال الحكم عليها بالعدم.

وأما الثاني : فلأنه يلزم ارتفاع الوجود عند ارتفاع المؤثر ويلزم ما تقدم من المحال.

وأما الثالث : فلأن الموصوفية ليست ثبوتية وإلا لزم التسلسل فلا تكون أثرا سلمنا لكن المؤثر يؤثر في ماهيتها أو في وجودها أو في اتصاف ماهيتها بوجودها ويعود المحال.

وتقرير الجواب : أن المؤثر يؤثر في الماهية وعند فرض الماهية يجب تحققها وجوبا لاحقا بسبب الفرض مترتبا على الفرض ومع ذلك الوجوب يمتنع تأثير المؤثر فيه فإنه يكون إيجادا لما فرض موجودا أما قبل فرضه ماهية فيمكن أن يوجدها المؤثر على سبيل الوجوب ويكون ذلك الوجوب سابقا على وجوده والفرق بين الوجوبين ظاهر ذكر في المنطق والغلط هنا نشأ من قبل اشتراك لفظ الوجوب لدلالته على المعنيين بالشركة اللفظية وقولنا عدمت الماهية معناه أن الماهية الحاصلة في زمان ليست تحصل في زمان بعده ويكون ذلك حملا لغير الحاصل على المتصور منه لا على الموجود الخارجي لأن الوضع والحمل من ثواني المعقولات على ما مر ولا يكونان في الخارج وكذا البحث في حصول الوجود من موجده ومن يجعل تأثير المؤثر في جعل الماهية موصوفة بالوجود وهم القائلون بثبوت المعدوم لم يتعلق ذلك بموصوفية الماهية بالوجود لأن ذلك أمر إضافي يحصل بعد اتصافها به والمراد من تأثير المؤثر هو ضم الماهية إلى الوجود ولا يلزم من ذلك ما ذكروه من المحال.

قال : وعدم الممكن يستند إلى عدم علته على ما مر.

أقول : هذا جواب عن سؤال آخر وتقريره أن يقال إن الممكن لو افتقر في طرف الوجود إلى المؤثر لافتقر في طرف العدم لتساويهما بالنسبة إليه والتالي باطل لأن المؤثر لا بد له من أثر والعدم نفي محض فيستحيل استناده إلى المؤثر ، ولأنه نفي محض فلا تعدد فيه ولا امتياز.

وتقرير الجواب : أن عدم الممكن المتساوي ليس نفيا محضا بل هو عدم ملكة

وتساوي طرفي وجوده وعدمه إنما يكون في العقل والمرجح لطرف الوجود يكون موجودا في الخارج وأما في العدم فلا يكون إلا عقليا وعدم العلة ليس بنفي محض وهو يكفي في الترجيح العقلي ولامتيازه عن عدم المعلول في العقل يجوز أن يعلل هذا العدم بذلك العدم في العقل.

المسألة الرابعة والأربعون

في أن الممكن الباقي محتاج إلى المؤثر

قال : والممكن الباقي مفتقر إلى المؤثر لوجود علته.

أقول : ذهب جمهور الحكماء والمتأخرين من المتكلمين إلى أن الممكن الباقي محتاج إلى المؤثر وبالجملة كل من قال بأن الإمكان علة تامة في احتياج الأثر إلى المؤثر حكم بأن الممكن الباقي مفتقر إلى المؤثر والدليل عليه أن علة الحاجة إنما هي الإمكان وهو لازم للماهية ضروري اللزوم فهي أبدا محتاجة إلى المؤثر لأن وجود العلة يستلزم وجود المعلول.

قال : والمؤثر يفيد البقاء بعد الإحداث.

أقول : لما حكم باحتياج الممكن الباقي إلى المؤثر شرع في تحقيق الحال فيه وأن الصادر عن المؤثر ما هو حال البقاء وذلك لأن الشبهة دخلت على القائلين باستغناء الباقي عن المؤثر بسبب أن المؤثر لا تأثير له حال البقاء لأنه إما أن يؤثر في الوجود الذي كان حاصلا وهو محال لأن تحصيل الحاصل محال ، أو في أمر جديد فيكون المؤثر مؤثرا في الجديد لا في الباقي.

والتحقيق أن قولهم المؤثر حال البقاء إما أن يكون له في الأثر تأثير أو لا يشتمل على غلط فإن المؤثر في البقاء لا يكون له أثر البقاء حال البقاء وتحصيل الحاصل إنما لزم منه. والحق أن المؤثر يفيد البقاء بعد الإحداث وتأثيره بعد الإحداث في أمر جديد هو البقاء فإنه غير الإحداث فهو مؤثر في أمر جديد صار به باقيا لا في الذي كان باقيا.

قال : فلهذا جاز استناد القديم الممكن إلى المؤثر الموجب لو أمكن ولا يمكن استناده إلى المختار.

أقول : هذا نتيجة ما تقدم من أن الممكن الباقي إذا ثبت أنه محتاج إلى المؤثر ثبت جواز استناد القديم الممكن إلى المؤثر الموجب ، أما استناده إلى المختار فغير ممكن لأن المختار هو الذي يفعل بواسطة القصد والاختيار والقصد إنما يتوجه في التحصيل إلى شيء معدوم لأن القصد إلى تحصيل الحاصل محال وكل معدوم تجدد فهو حادث.

المسألة الخامسة والأربعون

في نفي قديم ثان

قال : ولا قديم سوى الله تعالى لما يأتي :

أقول : قد خالف في هذا جماعة كثيرة أما الفلاسفة فظاهر لقولهم بقدم العالم.

وأما المسلمون فالأشاعرة أثبتوا ذاته تعالى وصفاته في الأزل كالقدرة والعلم والحياة والوجود والبقاء وغير ذلك من الصفات على ما يأتي.

وأبو هاشم أثبت أحوالا خمسا فإنه علل القادرية والعالمية والحيية والموجودية بحالة خامسة هي الإلهية.

وأما الحرنانيون فقد أثبتوا خمسة من القدماء اثنان حيان فاعلان هما الباري تعالى والنفس وواحد منفعل غير حي هو الهيولى واثنان لا حيان ولا فاعلان ولا منفعلان هما الدهر والخلاء أما قدمه تعالى فظاهر وأما النفس والهيولى فلاستحالة تركبهما عن المادة وكل حادث مركب وأما الزمان فلاستحالة التسلسل اللازم على تقدير عدمه وأما الخلاء فرفعه غير معقول واختار ابن زكريا الرازي الطبيب هذا المذهب وصنف كتابا موسوما بالقول في القدماء الخمسة وكل هذه المذاهب باطلة لأن كل ما سوى الله تعالى ممكن وكل ممكن حادث وسيأتي تقريرهما.

المسألة السادسة والأربعون

في عدم وجوب المادة والمدة للحادث

قال : ولا يفتقر الحادث إلى المدة والمادة وإلا لزم التسلسل.

أقول : ذهبت الفلاسفة إلى أن كل حادث مسبوق بمادة ومدة لأن كل حادث ممكن وإمكانه سابق عليه وهو عرض لا بد له من محل وليس المعدوم لانتفائه فهو ثبوتي هو المادة ، ولأن كل حادث يسبقه عدمه سبقا لا يجامعه المتأخر فالسبق بالزمان يستدعي ثبوته وهذان الدليلان باطلان لأنه يلزم منهما التسلسل لأن المادة ممكنة فمحل إمكانها مغاير لها فيكون لها مادة أخرى على أنا قد بينا أن الإمكان عدمي لأنه لو كان ثبوتيا لكان ممكنا فيكون له إمكان ويلزم التسلسل والزمان يتقدم أجزاؤه بعضها على بعض هذا النوع من التقدم فيكون للزمان زمان هذا خلف.

أجابوا عن الأول : بأن الإمكان لفظ مشترك بين معنيين الأول ما يقابل الامتناع وهو صفة عقلية يوصف بها كل ما عدا الواجب والممتنع من المتصورات ولا يلزم من اتصاف الماهية بها كونها مادية ، والثاني الاستعداد وهو موجود معدود في نوع من أنواع جنس الكيف وإذا كان موجودا وعرضا وغير باق بعد الخروج إلى الفعل فيحتاج لا محالة قبل الخروج إلى محل وهو المادة.

وعن الثاني : أن القبلية والبعدية تلحقان الزمان لذاته فلا يفتقر إلى زمان آخر.

قلنا أما الأول فباطل لأن ذلك العرض حادث فيتوقف على استعداد له ويعود البحث في التسلسل ، وأما الثاني فكذلك لأن أجزاء الزمان لو كانت تتقدم بعضها على البعض لذاتها وتتأخر كذلك كانت أجزاء الزمان مختلفة بالحقيقة فكان الزمان مركبا من الآنات وهو عندكم باطل.

المسألة السابعة والأربعون

في أن القديم لا يجوز عليه العدم

قال : والقديم لا يجوز عليه العدم لوجوبه بالذات أو لاستناده إليه.

أقول : القديم إن كان عدما جاز عليه العدم كعدم العالم وإن كان العدم لا يسمى قديما ، وإن كان وجودا استحال عدمه لأنه إما أن يكون واجب الوجود فيستحيل عدمه ، أو ممكن الوجود فمؤثره لا يجوز أن يكون مختارا لأن كل أثر لمختار حادث فيكون موجبا فإن كان واجبا استحال عدمه فاستحال عدم معلوله ، وإن كان ممكنا تسلسل.

قال :

الفصل الثاني

في الماهية ولواحقها

وهي مشتقة عما هو وهو ما به يجاب عن السؤال بما هو وتطلق غالبا على الأمر المتعقل ، والذات والحقيقة عليها مع اعتبار الوجود ، والكل من ثواني المعقولات.

أقول : في هذا الفصل مباحث شريفة جليلة نحن نذكرها في مسائل : المسألة الأولى في الماهية والحقيقة والذات أما الماهية فهي لفظة مأخوذة عن ما هو وهو ما به يجاب عن السؤال بما هو فإنك إذا قلت ما هو الإنسان فقد سألت عن حقيقته وماهيته فإذا قلت حيوان ناطق كان هذا الجواب هو ماهية الإنسان وهذه اللفظة أعني الماهية إنما تطلق في الغالب من الاستعمال على الأمر المعقول وإذا لحظ مع ذلك الوجود قيل له حقيقة وذات والماهية والحقيقة والذات من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى فإن حقيقة الإنسان أعني الحيوان الناطق معروضة لكونها ماهية وذاتا وحقيقة وهذه عوارض لها.

قال : وحقيقة كل شيء واحدة مغايرة لما يعرض لها من الاعتبارات وإلا لم تصدق على ما ينافيها.

أقول : كل شيء له حقيقة هو بها ما هو فالإنسانية من حيث هي إنسانية حقيقة وهي مغايرة لجميع ما يعرض لها من الاعتبارات فإن الإنسانية من حيث هي إنسانية لا يدخل في مفهومها الوجود والعدم ولا الوحدة والكثرة ولا الكلية والجزئية ولا غير ذلك من الاعتبارات اللاحقة بها لأن الوحدة مثلا لو دخلت في مفهوم الإنسانية لم تصدق الإنسانية على ما ينافي الوحدة لكنها تصدق عليه لصدقها على الكثرة وكذلك القول في الكثرة

وكذا الوجود والعدم والكلية والجزئية وغيرها فهي إذن مغايرة لهذه الاعتبارات وقابلة لها قبول المادة للصور المختلفة والأعراض المتضادة.

قال : وتكون الماهية مع كل عارض مقابلة لها مع ضده.

أقول : إذا أخذت الماهية مع قيد الوحدة مثلا صارت واحدة وإذا أخذت مع قيد الكثرة صارت كثيرة فالواحدية أمر مضموم إليها مغاير لها تصير بها الماهية واحدة وتقابل باعتبارها الماهية باعتبار القيد الآخر فإن الإنسان الواحد مقابل للإنسان الكثير باعتبار العارضين لا باعتبار الماهية نفسها.

قال : وهي من حيث هي ليست إلا هي ولو سئل بطرفي النقيض فالجواب السلب لكل شيء قبل الحيثية لا بعدها.

أقول : الإنسانية من حيث هي هي ليست إلا الإنسانية وجميع ما يعرض لها من الاعتبارات مغاير لها كالوحدة والكثرة على ما تقدم إذا عرفت هذا فإذا سألنا عن الإنسان بطرفي النقيض فقيل مثلا هل الإنسان ألف أم ليس كان الجواب دائما بالسلب على أن يكون قبل من حيث لا بعد من حيث ، فنقول الإنسان ليس من حيث هو إنسان ألفا ولا نقول الإنسان من حيث هو إنسان ليس ألفا ولو قيل الإنسانية التي في زيد لا تغاير التي في عمرو من حيث هي إنسانية لم يلزم منه أن تقول فإذن تلك الوحدة بالعدد لأن قولنا من حيث هي إنسانية أسقط جميع الاعتبارات وقيد الوحدة زائد فيجب حذفه.

المسألة الثانية

في أقسام الكلي

قال : وقد تؤخذ الماهية محذوفا عنها ما عداها بحيث لو انضم إليها شيء لكان زائدا ولا تكون مقولة على ذلك المجموع وهو الماهية بشرط لا شيء ولا توجد إلا في الأذهان.

أقول : الماهية كالحيوان مثلا قد تؤخذ محذوفا عنها جميع ما عداها بحيث لو انضم إليها شيء لكان ذلك الشيء زائدا على تلك الماهية ولا تكون الماهية صادقة على ذلك المجموع وهو الماهية بشرط لا شيء وهذا لا يوجد إلا في الأذهان لا في الخارج لأن كل موجود في الخارج مشخص وكل مشخص فليس بمتجرد عن الاعتبارات.

قال : وقد تؤخذ لا بشرط شيء وهو كلي طبيعي موجود في الخارج وهو جزء من الأشخاص وصادق على المجموع الحاصل منه ومما يضاف إليه.

أقول : هذا اعتبار آخر للماهية معقول وهو أن تؤخذ الماهية من حيث هي هي لا باعتبار التجرد ولا باعتبار عدمه كما يؤخذ الحيوان من حيث هو هو لا باعتبار تجرده عن الاعتبارات بل مع تجويز أن يقارنه غيره مما يدخل في حقيقته وهذا هو الحيوان لا بشرط شيء وهو الكلي الطبيعي لأنه نفس طبائع الأشياء وحقائقها وهذا الكلي موجود في الخارج فإن الحيوان المقيد موجود في الخارج وكل موجود في الخارج فإن أجزاءه موجودة في الخارج فالحيوان من حيث هو هو الذي هو جزء من هذا الحيوان موجود وهذا الحيوان جزء من الأشخاص الموجودة وهو صادق على المجموع المركب منه ومن قيد الخصوصية المضاف إليه.

قال : والكلية العارضة للماهية يقال لها كلي منطقي وللمركب منهما عقلي وهما ذهنيان فهذه اعتبارات ثلاثة ينبغي تحصيلها في كل ماهية معقولة.

أقول : هذان اعتباران آخران للكلي (أحدهما) الكلية العارضة لها وهو الكلي المنطقي لأن المنطقي يبحث عنه (والثاني) العقلي وهو المركب من الماهية ومن الكلية العارضة لها فإن هذا اعتبار آخر مغاير للأولين وهذان الكليان عقليان لا وجود لهما في الخارج أما المنطقي فلأنه لا يتحقق إلا عارضا لغيره إذ الكلية من ثواني المعقولات ليست متأصلة في الوجود إذ ليس في الخارج شيء هو كلي مجرد فالكلية إذا عارضة لغيرها وكل معروض للكلي من حيث هو معروض له فهو ذهني إذ كل موجود في الخارج شخصي وكل

شخصي فليس بكلي فالكلي ذهني وكذا الكلي العقلي لهذا فهذه اعتبارات ثلاثة في كل معقول ينبغي تحصيلها (أحدها) الكلي الطبيعي وهو نفس الماهية (والثاني) الكلي المنطقي وهو العارض لها (والثالث) العقلي وهو المركب منهما.

المسألة الثالثة

في انقسام الماهية إلى البسيط والمركب

قال : والماهية منها بسيط وهو ما لا جزء له ، ومنها مركب وهو ما له جزء وهما موجودان ضرورة.

أقول : الماهية إما أن يكون لها جزء تتقوم منه ومن غيره ، وإما أن لا تكون كذلك والأول هو المركب كالإنسان المتقوم من الحيوان والنطق والثاني هو البسيط كالجوهر الذي لا جزء له وهذان القسمان موجودان بالضرورة فإنا نعلم بالضرورة وجود المركبات كالجسم والإنسان والفرس وغيرها من الحقائق المركبة ووجود المركب يستلزم وجود أجزائه فالبسائط موجودة بالضرورة.

قال : ووصفاهما اعتباريان متنافيان وقد يتضايفان فيتعاكسان في العموم والخصوص مع اعتبارهما بما مضى.

أقول : يعني أن وصف البساطة والتركيب اعتباريان عقليان عارضان لغيرهما من الماهيات إذ لا موجود هو بسيط أو مركب محض فالبساطة والتركيب لا يعقلان إلا عارضان فهما من ثواني المعقولات ولو كانا موجودين لزم التسلسل إذا عرفت هذا فإنهما متنافيان إذ لا يصدق على شيء أنه بسيط ومركب وإلا لزم اجتماع النقيضين فيه وهو محال.

وقد يتضايفان أعني يؤخذ البسيط بالنسبة إلى مركب مخصوص فيكون بساطته باعتبار كونه جزءا من ذلك المركب لا أنه لا جزء له هو المركب المخصوص ويكون

المركب مركبا باعتبار القياس إليه فيتحقق الإضافة بينهما وهذا كالحيوان فإنه بسيط بالنسبة إلى الإنسان على معنى أنه جزء منه فيكون أبسط منه وإذا أخذ باعتبار التضايف تعاكسا مع اعتبارهما الأول أعني الحقيقي عموما وخصوصا وذلك لأنهما بالمعنى الحقيقي متنافيان لأن البسيط لا يصدق عليه أنه مركب بذلك المعنى وإذا أخذا بالمعنى الإضافي جوزنا أن يكون البسيط مركبا لأن بساطته ليست باعتبار نفسه بل باعتبار كونه جزءا من غيره وإذا جاز كون البسيط بهذا المعنى مركبا كان أعم من البسيط بالمعنى الأول فيكون المركب بهذا المعنى أخص منه بالمعنى الأول فقد تعاكسا أعني البسيط والمركب في العموم والخصوص باختلاف الاعتبار.

قال : وكما تتحقق الحاجة في المركب فكذا في البسيط.

أقول : الحاجة تعرض للبسيط وللمركب معا فإن كل واحد منهما ممكن وكل ممكن على الإطلاق فإنه محتاج إلى السبب فالحاجة ثابتة في كل واحد منهما.

وقد منع بعض الناس احتياج البسيط إلى المؤثر لأن علة الحاجة إنما هي الإمكان وهو أمر نسبي إنما يعرض لمنتسبين فما لم تتحقق الاثنينية لم تتحقق الحاجة ولا اثنينية في البسيط فلا احتياج له.

والجواب : أن الإمكان أمر عقلي يعرض لمنتسبين عقليين هما الماهية والوجود وتتحقق باعتباره الحاجة لكل واحد منهما إلى المؤثر.

قال : وهما قد يقومان بأنفسهما وقد يفتقران إلى المحل.

أقول : كل واحد من البسيط والمركب قد يكون قائما بنفسه كالجوهر والحيوان ، وقد يكون مفتقرا إلى المحل كالكيف والسواد وهما ظاهران ، إذا عرفت هذا فالمركب من الأول لا بد وأن يكون أحد أجزائه قائما بنفسه والآخر قائما به والمركب من الثاني لا بد وأن يكون جميع أجزائه محتاجا إلى المحل إما إلى ما حل فيه المركب أو البعض إليه والباقي إلى ذلك البعض.

قال : والمركب إنما يتركب عما يتقدمه وجودا وعدما بالقياس إلى الذهن والخارج وهو علة الغنى عن السبب فباعتبار الذهن بين وباعتبار الخارج غني فتحصل خواص ثلاث واحدة متعاكسة واثنتان أعم.

أقول : المركب هو الذي تلتئم ماهيته عن عدة أمور فبالضرورة يكون تحققه متوقفا على تحقق تلك الأمور والمتوقف على الغير متأخر عنه فالمركب متأخر عن تلك الأمور فيتأخر عن كل واحد منها فكل واحد منها موصوف بالتقدم في طرف الوجود ثم إذا عدم أحدها لم تلتئم تلك الأمور فلا تحصل الماهية فيكون عدم أي جزء كان من تلك الأمور علة لعدم المركب والعلة متقدمة على المعلول فكل واحد من تلك الأمور موصوف بالتقدم في طرف العدم أيضا فقد ظهر أن جزء الحقيقة متقدم عليها في الوجود والعدم ثم إن الذهن مطابق للخارج فيجب أن يحكم بالتقدم في الوجود الذهني والعدم الذهني فقد تحقق أن المركب إنما يتركب عما يتقدمه وجودا وعدما بالقياس إلى الذهن والخارج.

إذا عرفت هذا فنقول هذا التقدم الذي هو من خواص الجزء يستلزم استغناء الجزء عن السبب الجديد ، لسنا نقول إنه يكون مستغنيا عن مطلق السبب فإن فاعل الجزء هو فاعل الكل وذلك لأن المتقدم لا يعقل احتياجه إلى علة متأخرة عن المتأخر عنه بل ولا خارجة عن علة المركب فإن علة كل جزء داخلة في علة الكل فإذا اعتبر هذا التقدم بالنسبة إلى الذهن فهو البين وإذا اعتبر بالنسبة إلى الخارج فهو الغني عن السبب وهذه الخاصة أعم من الخاصة الأولى لأن الأولى هي الحصول الموصوف بالتقدم والثانية هي الحصول المطلق ولهذا قيل لا يلزم من كون الوصف بين الثبوت للشيء وكونه غنيا عن السبب الجديد كونه جزءا.

فقد حصل لكل ذاتي على الإطلاق خواص ثلاث : الأولى وجوب تقدمه في الوجودين والعدمين وهذه متعاكسة عليه. الثانية استغناؤه عن السبب الجديد. الثالثة امتناع رفعه عما هو ذاتي له وهاتان الخاصتان إضافيتان أعم منه لمشاركة بعض اللوازم له في ذلك.

المسألة الرابعة

في أحكام الجزء

قال : ولا بد من حاجة ما لبعض الأجزاء إلى البعض ولا يمكن شمولها باعتبار واحد.

أقول : كل مركب على الإطلاق فإنه يتركب من جزءين فصاعدا ولا بد من أن يكون لأحد الأجزاء حاجة إلى جزء آخر مغاير له فإنه لو استغنى كل جزء عن باقي الأجزاء لم تحصل منها حقيقة واحدة كما لا يحصل من الإنسان الموضوع فوق الحجر مع الحجر حقيقة متحدة فلا بد لكل مركب على الإطلاق من حاجة لبعض أجزائه إلى بعض.

ثم المحتاج قد يكون هو الجزء الصوري لا غير كالهيئة الاجتماعية في العسكر والبلدة في البيوت والعشرية في العدد والمعجون عن اجتماع الأدوية.

وقد يكون هو الجزء المادي كالهيولى في الجسم ولا يمكن شمول الحاجة بأن يكون الجزء المادي محتاجا إلى الصوري والصوري محتاجا إلى المادي إذا أخذت الحاجة باعتبار واحد لأنه يلزم الدور المحال.

وقد تشمل الحاجة الجزءين معا لا باعتبار واحد كالمادة المحتاجة في وجودها إلى الصورة والصورة المحتاجة في تشخصها إلى المادة.

قال : وهي قد تتميز في الخارج وقد تتميز في الذهن.

أقول : أجزاء الماهية لا بد وأن تكون متمايزة ثم التمايز قد يكون خارجيا كامتياز النفس والبدن اللذين هما جزءا الإنسان ، وقد يكون ذهنيا كامتياز جنس السواد عن فصله فإنه لو كان خارجيا لم يخل إما أن يكون كل واحد منهما محسوسا أو لا ، والأول باطل ، لأنه إن ماثل السواد استحال جعله مقوما لعدم الأولوية ولزوم كون الشيء مقوما لنفسه ، وإن خالفه فإذا انضاف الفصل إلى الجنس فإما أن لا تحدث هيئة أخرى فيكون المحسوس هو اللونية المطلقة فالسوادية المحسوسة هي اللونية المطلقة هذا خلف ، أو تحدث

هيئة أخرى فلا يكون الإحساس بمحسوس واحد بل بمحسوسين هذا خلف والثاني باطل لأنه لم تحصل عند الاجتماع هيئة أخرى كان السواد غير محسوس وإن حدث كان الحادث هو السواد وهو معلول الجزءين وهو خارج عنهما فيكون التركيب في قابل السواد أو فاعله لا فيه هذا خلف.

قال : وإذا اعتبر عروض العموم ومضايفه فقد تتباين وقد تتداخل.

أقول : هذه القسمة باعتبار عروض العموم ومضايفه أعني الخصوص للأجزاء فإنا إذا اعتبرنا عروضهما للأجزاء حدثت هذه القسمة وذلك لأن أجزاء الماهية إما أن يكون بعضها أعم من البعض فتسمى المتداخلة أو لا تكون فتسمى المتباينة.

والمتداخلة قد يكون العام عاما مطلقا إما متقوما بالخاص وموصوفا به كالجنس ومضايفه الفصل ، أو صفة له كالموجود المقول على المقولات العشر ، أو مقوما للخاص كالنوع الأخير المقوم لخواصه المطلقة ، وقد يكون مضافا كالحيوان والأبيض.

والمتباينة ما يتركب عن الشيء وإحدى علله أو معلولاته أو غيرهما إما بعضها عدمي كالأول أو كلها وجودية حقيقية متشابهة كالآحاد في العدد ، أو مختلفة إما معقولة كالمادة والصورة والعفة والحكمة في العدالة ، أو محسوسة كاللون والشكل في الخلقة والسواد والبياض في البلقة ، أو بعضها إضافي كالسرير المعتبر في تحققه نوع نسبة ، أو كلها كذلك كالأقرب والأبعد فهذه أصناف المركبات.

قال : وقد تؤخذ مواد وقد تؤخذ محمولة.

أقول : أجزاء الماهية قد ينظر إليها باعتبار كونها مواد فتكون أجزاء حقيقية ولا تحمل على المركب حمل هو هو لاستحالة كون الكل هو الجزء ، وقد ينظر إليها باعتبار كونها محمولة صادقة على المركب.

مثاله الحيوان قد يؤخذ مع الناطق فيكون هو الإنسان نفسه ، وقد يؤخذ بشرط التجرد والخلو عن الناطق وهو الماهية بشرط لا شيء كما تقدم تحقيقه فيستحيل حمله على المجموع

المركب منه ومن غيره وإذا أخذ من حيث هو هو مع قطع النظر عن القيدين كان محمولا.

قال : فتعرض لها الجنسية والفصلية.

أقول : إذا اعتبرنا حمل الجزء على الماهية حصلت الجنسية والفصلية لأن الجنس هو الجزء المشترك والفصل هو الجزء المميز والجزء المحمول يكون أحدهما قطعا فإذا أخذ الجزء محمولا حصلت الجنسية أعني مقولية ذلك الجزء على كثيرين أو الفصلية أعني تميز الجزئية فجزء الماهية إما جنس أو فصل والجنس هو الكلي المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو ، والفصل هو المقول على الشيء في جواب أي شيء هو في جوهره.

قال : وجعلاهما واحد.

أقول : يعني به جعل الجنس والفصل ولم يكونا مذكورين صريحا بل أعاد الضمير إليهما لكونهما في حكم المصرح بهما وإنما كان جعلاهما واحدا لأن الفاعل لم يفعل حيوانا مطلقا ثم يميزه بانضمام الفصل إليه فإن المطلق لا وجود له بل جعل الحيوان هو بعينه جعل الناطق واعتبر هذا في اللونية فإنها لو كان لها وجود مستقل فهي هيئة إما في السواد فيوجد السواد لا بها هذا خلف ، أو في محله فالسواد عرضان لون وفصله لا واحد هذا خلف فجعله لونا هو بعينه جعله سوادا.

قال : والجنس هاهنا كالمادة وهو معلول والآخر صورة وهو علة.

أقول : الجنس إذا نسب مع فصله إلى المادة والصورة وجد الجنس أشبه بالمادة من الفصل والفصل أشبه بالصورة منه وهذا الجنس هو المعلول والفصل هو العلة وذلك لأن للفصل نسبة إلى الجنس المطلق وهي نسبة التقسيم ، وإلى النوع أعني الجنس المقيد بالفصل وهي التقويم ، وإلى حصة النوع من الجنس وهي نسبة العلية وذلك لأن الشيخ أبا علي ادعى أن الفصل علة لحصة النوع من الجنس لأنه قد تقدم أنه لا بد من احتياج بعض الأجزاء إلى البعض فالجزء المحتاج من النوع إن كان هو الجنس فهو المطلوب وإن كان هو

الفصل كان الجنس مساويا للفصل ويلزم وجود الفصل أينما يوجد الجنس لأنه علة فلا يكون الجنس أعم هذا خلف.

قال : وما لا جنس له فلا فصل له.

أقول : الفصل هو الجزء المميز للشيء عما يشاركه في الجنس على ما تقدم فإذا لم يكن للشيء جنس لم يكن له فصل هذا هو التحقيق في هذا المقام.

وقد ذهب قوم غير محققين إلى أن الفصل هو المميز في الوجود وجوزوا تركيب الشيء من أمرين متساويين كالجنس العالي والفصل الأخير وكل من الأمرين ليس جنسا فيكون فصلا يتميز به المركب عما يشاركه في الوجود.

وهذا خطأ لأن الأشياء المختلفة لا تفتقر في تمايزها عما يشاركها في الوجود وغيره من العوارض إلى أمر مغاير لذواتها فإن كل واحد من الجزءين المتساويين كما يمتاز بنفسه عما يشاركه في الوجود كذلك المركب منهما ولو افتقر كل مشارك في الوجود أو في غيره من الأعراض إلى فصل لزم التسلسل ولم يكن جعل كل واحد منهما فصلا للمركب ولم يكن المركب فصلا لكل منهما لتساوي نسبته ونسبتهما إلى الوجود.

قال : وكل فصل تام فهو واحد.

أقول : الفصل منه ما هو تام وهو كمال الجزء المميز ، ومنه غير تام. وهو المميز الذاتي مطلقا. والأول لا يكون إلا واحدا لأنه لو تعدد لزم امتياز المركب بكل واحد منهما فيستغني عن الآخر في التميز فلا يكون فصلا ، ولأن الفصل علة للحصة فيلزم تعدد العلل على المعلول الواحد وهو محال. أما الفصل الناقص وهو جزء الفصل فإنه يكون متعددا.

قال : ولا يمكن وجود جنسين في مرتبة واحدة لماهية واحدة.

أقول : الجنس للماهية قد يكون واحدا كالجسم الذي له جنس واحد هو الجوهر ، وقد يكون كثيرا كالحيوان الذي له أجناس كثيرة لكن هذه الكثرة لا يمكن أن تكون في

مرتبة واحدة بل يجب أن تكون مترتبة في العموم والخصوص فلا يمكن وجود جنسين في مرتبة واحدة لنوع واحد لأن فصلهما إن كان واحدا كان جعل الجنسين جعلا واحدا وهو محال ، وإن تغاير لم يكن النوع الواحد نوعا واحدا بل نوعين هذا خلف.

قال : ولا تركيب عقلي إلا منهما.

أقول : التركيب قد يكون عقليا وقد يكون خارجيا كتركيب العشرة من الآحاد والتركيب العقلي لا يكون إلا من الجنس والفصل لأن الجزء إما أن يكون مختصا بالمركب أو مشتركا والأول هو الفصل القريب ، والثاني إما أن يكون تمام المشترك أو جزءا منه والأول هو الجنس ، والثاني إما أن يكون مساويا له أو أعم منه والأول يلزم منه كونه فصلا للجنس فيكون فصلا مطلقا وهو المطلوب. والثاني إما أن يكون تمام المشترك أو لا يكون والأول جنس والثاني فصل جنس وإلا لزم التسلسل وهو محال فقد ثبت أن كل جزء محمول إما أن يكون جنسا أو فصلا وهو المطلوب.

قال : ويجب تناهيهما.

أقول : الجنس والفصل قد يترتبان في العموم والخصوص كالحيوانية والجسمية وقد لا يترتبان والمترتبة يجب تناهيها في الطرفين فإنه لو لا تناهي الأجناس لم تتناه الفصول التي هي العلل فيلزم وجود علل ومعلولات لا نهاية لها وهو محال.

قال : وقد يكون منهما عقلي وطبيعي ومنطقي كجنسيهما.

أقول : يعني أن من الأجناس ما هو عقلي وهو الحيوانية مع قيد الجنسية ، ومنها ما هو طبيعي وهو الحيوان من حيث هو هو لا باعتبار الجنسية ولا باعتبار عدمها ، ومنها ما هو منطقي وهي الجنسية العارضة للحيوانية وهذه الثلاثة أيضا قد تحصل في الفصل وذلك كما أن جنسيهما يعني جنس الجنس وجنس الفصل وهو الكلي من حيث هو كلي قد انقسم إلى هذه الثلاثة كذلك هذان أعني الجنس والفصل ينقسمان إليها.

قال : ومنهما عوال وسوافل ومتوسطات.

أقول : الجنس قد يكون عاليا وهو الجنس الذي ليس فوقه جنس آخر كالجوهر ويسمى جنس الأجناس ، وقد يكون سافلا وهو الجنس الأخير الذي لا جنس تحته كالحيوان وقد يكون متوسطا وهو الذي فوقه جنس وتحته جنس كالجسم. والفصل أيضا قد يكون عاليا وهو فصل الجنس العالي وقد يكون سافلا وهو فصل النوع السافل وقد يكون متوسطا وهو فصل الجنس السافل والمتوسط.

قال : ومن الجنس ما هو مفرد وهو الذي لا جنس له وليس تحته جنس وهما إضافيان وقد يجتمعان مع التقابل.

أقول : من أقسام الجنس المفرد وهو الذي لا جنس فوقه ولا تحته ويذكر في مثاله العقل بشرط أن لا يكون الجوهر جنسا وأن يكون صدقه على أفراده صدق الجنس على أنواعه.

إذا عرفت هذا فالجنس والفصل إضافيان وكذا باقي المقولات الخمس أعني النوع والخاصة والعرض العام فإن الجنس ليس جنسا لكل شيء بل لنوعه ، وكذا الفصل وسائرها وقد يجتمع الجنس والفصل في شيء واحد مع تقابلهما لأن الجنس مشترك والفصل خاص وذلك كالإدراك الذي هو جنس للسمع والبصر وباقي الحواس وفصل للحيوان بل قد يجتمع الخمس في شيء واحد لا باعتبار واحد لتقابلها فإن الجنس لشيء يستحيل أن يكون فصلا لذلك الشيء أو نوعا له أو خاصة أو عرضا بالقياس إليه.

قال : ولا يمكن أخذ الجنس بالنسبة إلى الفصل.

أقول : لا يمكن أن يؤخذ الجنس بالنسبة إلى الفصل فيكون الجنس جنسا له كما هو جنس للنوع وإلا لم يكن فصلا لاحتياجه إلى فصل يفصله عن غيره فالوجه الذي به احتاج النوع إليه هو بعينه محتاج إلى آخر فليس الجنس جنسا للفصل بل عرضا عاما

بالنسبة إليه وإنما هو جنس باعتبار النوع.

قال : وإذا نسبا إلى ما يضافان إليه كان الجنس أعم والفصل مساويا.

أقول : إذا نسبنا الجنس والفصل إلى ما يضافان إليه أعني النوع كان الجنس أعم من المضاف إليه أعني النوع لوجوب شركة الكثيرين المختلفين في الحقائق في الجنس دون النوع وأما الفصل فإنه يكون مساويا للنوع الذي يضاف الفصل إليه بأنه فصل ولا يجوز أن يكون أعم من النوع لاستحالة استفادة التميز من الأعم.

المسألة الخامسة

في التشخص

قال : والتشخص من الأمور الاعتبارية فإذا نظر إليه من حيث هو أمر عقلي وجد مشاركا لغيره من التشخصات فيه ولا يتسلسل بل ينقطع بانقطاع الاعتبار.

أقول : التشخص من ثواني المعقولات ومن الأمور الاعتبارية لا من العينية وإلا لزم التسلسل ثم إذا نظر إليه من حيث هو أمر عقلي كان مشاركا لغيره من التشخصات في التشخص ولا يتسلسل ذلك بل ينقطع بانقطاع الاعتبار.

وهذا كله جواب عن سؤال مقدر وهو أن التشخص ليس من الأمور العينية وإلا لزم التسلسل لأن أفراد التشخصات قد اشتركت في مطلق التشخص فيحتاج إلى تشخص آخر مغاير لما وقع به الاشتراك ، ولا يجوز أن يكون عدميا لإفادته الامتياز ولأنه يلزم أن تكون الماهية المتشخصة عدمية لعدم أحد جزأيها.

والجواب أنه أمر اعتباري عقلي ينقطع بانقطاع الاعتبار.

قال : أما ما به التشخص فقد يكون نفس الماهية فلا تكثر وقد يستند إلى المادة المتشخصة بالأعراض الخاصة الحالة فيها.

أقول : لما حقق أن التشخص من الأمور الاعتبارية لا العينية شرع في البحث عن علة

التشخص واعلم أنه قد يكون نفس الماهية المتشخصة وقد يكون غيرها (أما الأول) فلا يمكن أن يتكثر نوعه في الخارج فلا يوجد منه البتة إلا شخص واحد لأن الماهية علة لذلك التشخص فلو وجدت مع غيره انفكت العلة عن المعلول هذا خلف.

وأما الثاني فلا بد له من مادة قابلة لا تكثر فيها وتلك المادة تتشخص بانضمام أعراض خاصة إليها تحل فيها مثل الكم المعين والكيف المعين والوضع المعين وباعتبار تشخص تلك المادة تتشخص هذه الماهية الحالة فيها.

قال : ولا يحصل التشخص بانضمام كلي عقلي إلى مثله.

أقول : إذا قيد الكلي العقلي بالكلي العقلي لا يحصل الجزئية فإنا إذا قلنا لزيد إنه إنسان ففيه شركة فإذا قلنا العالم الزاهد ابن فلان الذي تكلم يوم كذا في موضع كذا لم يزل احتمال الشركة فلا يكون جزئيا. وإنما قيد بالعقلي لأنه ليس في الخارج شركة ولا كلية.

قال : والتميز يغاير التشخص ويجوز امتياز كل من الشيئين بالآخر.

أقول : التشخص للشيء إنما هو في نفسه وامتيازه إنما هو له باعتبار القياس إلى ما يشاركه في معنى كلي بحيث لو لم يشاركه غيره لما احتاج إلى مميز زائد على حقيقته مع أنه متشخص فالتميز والتشخص متغايران ويجوز أن يمتاز كل واحد من الشيئين بصاحبه لا بامتيازه فلا دور.

قال : والشخص قد لا تعتبر مشاركته والكلي قد يكون إضافيا فيتميز والشخص المندرج تحت عام متميز.

أقول : لما ذكر أن التشخص والتميز متغايران انتفى العموم المطلق بينهما وذلك لأن كل واحد منهما يصدق بدون الآخر ويصدقان معا على شيء ثالث وكل شيئين هذا شأنهما فبينهما عموم من وجه أما صدق التشخص بدون التميز ففي الشخص الذي لا تعتبر مشاركته

لغيره وإن كان لا بد له من المشاركة في نفس الأمر ولو في الأعراض العامة.

وأما صدق التميز بدون التشخص ففي الكلي إذا كان جزئيا إضافيا يندرج تحت كلي آخر فإنه يكون ممتازا عن غيره وليس بمتشخص.

وأما صدقهما على شيء واحد ففي الشخص المندرج تحت غيره إذا اعتبر اندراجه فإنه متشخص ومتميز.

المسألة السادسة

في البحث عن الوحدة والكثرة

قال : والتشخص يغاير الوحدة

أقول : الوحدة عبارة عن كون المعقول غير قابل للقسمة من حيث هو واحد. وهو مغاير للتشخص لأن الوحدة قد تصدق على الكلي غير المتشخص ، وعلى الكثرة نفسها من دون صدق التشخص عليهما.

قال : وهي تغاير الوجود لصدقه على الكثير من حيث هو كثير بخلاف الوحدة ، وتساوقه.

أقول : قد ظن قوم أن الوجود والوحدة عبارتان عن شيء واحد لصدقهما على جميع الأشياء وهو خطأ فإنه لا يلزم من الملازمة الاتحاد. ثم الدليل على تغايرهما أن الكثير من حيث إنه كثير يصدق عليه أنه موجود وليس بواحد فالموجود غير الواحد من الشكل الثالث.

نعم الوحدة تساوق الوجود وتلازمه فكل موجود فهو واحد والكثرة يصدق عليها الواحد لا من حيث هي كثرة على معنى أن الوحدة تصدق على العارض أعني الكثرة لا على ما عرضت له الكثرة وكذلك كل واحد فهو موجود أما في الأعيان أو في الأذهان فهما متلازمان.

المسألة السابعة

في أن الوحدة غنية عن التعريف

قال : ولا يمكن تعريفها إلا باعتبار اللفظ.

أقول : الوحدة والكثرة من المتصورات البديهية فلا يحتاج في تصورهما إلى اكتساب فلا يمكن تعريفهما إلا باعتبار اللفظ بمعنى أن يبدل لفظ بلفظ آخر أوضح منه ، لا أنه تعريف معنوي.

قال : وهي والكثرة عند العقل والخيال تستويان في كون كل منهما أعرف بالاقتسام.

أقول : الوحدة والكثرة عند العقل والخيال تستويان في كون كل منهما أعرف من صاحبتها بالاقتسام فإن الوحدة أعرف عند العقل والكثرة أعرف عند الخيال لأن الخيال يدرك الكثرة أولا ثم العقل ينزع منها أمرا واحدا ، والعقل يدرك أعم الأمور أولا وهو الواحد ثم يأخذ بعد ذلك في التفصيل فقد ظهر أن الكثرة والوحدة مستويتان في كون كل واحدة منهما أعرف من صاحبتها لكن بالاقتسام فإن الكثرة أعرف عند الخيال والوحدة أعرف عند العقل فقد اقتسم العقل والخيال وصف الأعرفية لهما فإذا حاولنا تعريف الوحدة عند الخيال عرفناها بالكثرة وإذا حاولنا تعريف الكثرة عند العقل عرفناها بالوحدة.

المسألة الثامنة

في أن الوحدة ليست ثابتة في الأعيان

قال : وليست الوحدة أمرا عينيا بل هي من ثواني المعقولات وكذا الكثرة.

أقول : الوحدة إن كانت سلبية لم تكن سلب أي شيء كان بل سلب مقابلها أعني

الكثرة فالكثرة إن كانت عدمية كانت الوحدة عدما للعدم فتكون ثبوتية ، وإن كانت وجودية كان مجموع العدمات أمرا وجوديا وهو محال ، وإن كانت ثبوتية فإن كانت ثابتة في الخارج لزم التسلسل وإن كانت ثابتة في الذهن فهو المطلوب فإذن الوحدة أمر عقلي اعتباري يحصل في العقل عند فرض عدم انقسام الملحوق وهي من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى وكذا الكثرة لأنه لا يمكن أن تتصور وحدة أو كثرة قائمة بنفسها بل إنما تتصور عارضة لغيرها.

المسألة التاسعة

في التقابل بين الوحدة والكثرة

قال : وتقابلهما لإضافة العلية والمعلولية والمكيالية والمكيلية لا لتقابل جوهري بينهما.

أقول : إن الوحدة وإن كانت تعرض لجميع الأشياء حتى الكثرة نفسها لكنها لا تجامع الكثرة في موضوع واحد بالقياس إلى شيء واحد فإن موضوع الكثرة من حيث صدق الكثرة عليه لا يمكن صدق الوحدة عليه فبينهما تقابل قطعا.

إذا عرفت هذا فنقول إنك ستعلم أن أصناف التقابل أربعة إما تقابل السلب والإيجاب أو العدم والملكة أو التضايف والتضاد وليس بين الوحدة والكثرة تقابل جوهري أي ذاتي يستند إلى ذاتيهما بوجه من الوجوه الأربعة لأن الوحدة مقومة للكثرة ومبدأ لها وهما ثبوتيتان فليستا بسلب وإيجاب ، ولا عدم وملكة ، ولا متضايفتين لأن المقوم متقدم والمضايف مصاحب ، ولا متضادتين لامتناع تقوم أحد الضدين بالآخر فلم يبق بينهما إلا تقابل عرضي وهو باعتبار عروض العلية والمعلولية والمكيالية والمكيلية العارضتين لهما فإن الوحدة علة للكثرة ومكيال لها والكثرة معلولة ومكيلة فبينهما هذا النوع من التضايف فكان التقابل عرضيا لا ذاتيا.

المسألة العاشرة

في أقسام الواحد

قال : ثم معروضهما قد يكون واحدا فله جهتان بالضرورة فجهة الوحدة إن لم تقوم جهة الكثرة ولا تعرض لها فالوحدة عرضية ، وإن عرضت كانت موضوعا أو محمولات عارضة لموضوع أو بالعكس ، وإن قومت فوحدة جنسية أو نوعية أو فصلية ، وقد يتغاير فموضوع مجرد عدم الانقسام لا غير وحدة بقول مطلق وإلا نقطة إن كان له مفهوم زائد ذو وضع ، أو مفارق إن لم يكن ذا وضع ، هذا إن لم يقبل القسمة وإلا فهو مقدار أو جسم بسيط أو مركب.

أقول : قد بينا أن الوحدة والكثرة من المعقولات الثانية العارضة للمعقولات الأولى إذا عرفت هذا فموضوعهما أعني المعروض إما أن يكون واحدا أو كثيرا فإن كان واحدا كانت جهة وحدته غير جهة كثرته بالضرورة لاستحالة كون الشيء الواحد بالاعتبار الواحد واحدا وكثيرا وإذا ثبت أنه ذو جهتين فإما أن تكون جهة الوحدة مقومة لجهة الكثرة أو لا فإن لم تكن مقومة فإما أن تكون عارضة لها أو لا فإن لم تكن عارضة فهي الوحدة بالعرض كما تقول نسبة الملك إلى المدينة كنسبة الرائس إلى السفينة وكذلك حال النفس إلى البدن كحال الملك إلى المدينة فإنه ليس هناك نسبة واحدة ولا حالة واحدة بل هما نسبتان وحالتان فالوحدة بينهما عرضية.

وإن كانت الوحدة عارضة للكثرة فأقسامه ثلاثة : أحدها أن تكون موضوعا كما تقول الإنسان هو الكاتب فإن جهة الوحدة هنا هي الإنسانية وهي موضوع. الثاني أن تكون محمولات عرضت لموضوع واحد كقولنا الكاتب هو الضاحك فإن جهة الوحدة ما هو موضوع لهما أعني الإنسان. الثالث أن تكون موضوعات لمحمول واحد كقولنا القطن هو الثلج فإن جهة الوحدة هي صفة لهما أعني البياض.

وأما إن كانت جهة الوحدة مقومة لجهة الكثرة فهي جنس إن كانت مقولة على كثرة مختلفة بالحقائق في جواب ما هو ، ونوع إن كانت الحقائق متفقة ، وفصل إن كانت

مقولة في جواب أي ما هو في جوهره.

وإن كان موضوعهما كثيرا أعني يكون موضوع الوحدة شخصا واحدا فإما أن يكون ذلك الموضوع هو موضوع مجرد عدم الانقسام لا غير أعني أن يكون وجود ذلك الشخص هو أنه شيء غير منقسم وليس له مفهوم وراء ذلك وهو الوحدة نفسها ، أو يكون له مفهوم آخر فإن كان ذا وضع فهو النقطة وإلا فهو العقل والنفس.

هذا إن لم يقبل القسمة وإن كان الموضوع للوحدة قابلا للقسمة فإما أن تكون أجزاؤه مساوية لكله أو لا والأول هو المقدار إن كان قبوله للانقسام لذاته وإلا فهو الجسم البسيط ، والثاني الأجسام المركبة.

قال : وبعض هذه أولى من بعض بالوحدة.

أقول : الواحد من المعاني المقول على ما تحته بالتشكيك فإن بعض أفراده أولى باسمه من بعض فإن نفس الوحدة الحقيقية أولى بالواحد من العرضية ، والواحد بالشخص أولى به من الواحد بالنوع ، وهو أولى به من الواحد بالجنس ، والوحدة من أقسام الواحد أولى به من غيرها وهذا ظاهر.

قال : والهو هو على هذا النحو.

أقول : الهو هو أن يكون للكثير من وجه وحدة من وجه فقياس الهو هو قياس الوحدة فكما يقال الوحدة إما في وصف عرضي أو ذاتي كذلك الهو هو وبالجملة أقسام الوحدة هي أقسام الهو هو لكن مع الكثرة فلا يعرض للشخص الواحد بخلاف الوحدة.

قال : والوحدة في الوصف العرضي والذاتي تتغاير أسماؤها بتغاير المضاف إليه.

أقول : الوحدة في الوصف العرضي والذاتي تتغاير أسماؤها بتغاير المضاف إليه فإن الوصف العرضي وهو المضاف إليه الوحدة إن كان كيفا سمي مشابهة ، وإن كان في الكم سمي مساواة ، وإن كان في الإضافة سمي مناسبة ، وإن كان في الخاصة سمي

مشاكلة ، وإن كان في اتحاد الأطراف سمي مطابقة ، وإن كان في اتحاد وضع الأجزاء سمي موازاة ، وباقي الأعراض ليس لها أسماء خاصة.

وأما الوصف الذاتي الذي تضاف إليه الوحدة أيضا إن كان في الجنس سمي مجانسة وإن كان في النوع سمي مماثلة.

قال : والاتحاد محال فالهوهو يستدعي جهتي تغاير واتحاد على ما سلف.

أقول : اتحاد الاثنين غير معقول لأنهما بعد الاتحاد إن بقيا فهما اثنان وإن عدما فلا اتحاد وإن عدم أحدهما دون الآخر فلا اتحاد لاستحالة اتحاد المعدوم بالموجود وليس قولنا هو هو اتحادا مطلقا بل معناه أن الشيئين يتحدان من وجه ويتغايران من وجه بمعنى أن الشيء الذي يقال له أحدهما يقال له الآخر.

قال : والوحدة مبدأ العدد المتقوم بها لا غير.

أقول : هاهنا بحثان الأول الوحدة مبدأ العدد فإن العدد إنما يحصل منها ومن فرض غيرها من نوعها فإنك إذا عقلت وحدة مع وحدة عقلت اثنينية ، ونبه بهذا أيضا على أنها ليست عددا.

الثاني العدد إنما يتقوم بالوحدات لا غير فليست العشرة متقومة بخمسة وخمسة ولا بستة وأربعة ولا بسبعة وثلاثة ولا بثمانية واثنين بل بالواحد عشر مرات ، وكذلك كل عدد فإن قوامه من الوحدات التي تبلغ جملتها ذلك النوع وتكون كل واحدة من تلك الوحدات جزءا من ماهيته فإنه ليس تركب العشرة من الخمستين أولى من تركبها من الستة والأربعة وغيرها من أنواع الأعداد التي تحتها ، ولا يمكن أن يكون الكل مقوما لحصول الاكتفاء بنوع واحد من التركيب وإلى هذا أشار أرسطو بقوله لا تحسبن أن ستة ثلاثتان بل ستة مرة واحدة.

قال : وإذا أضيف إليها مثلها حصلت الاثنينية وهي نوع من العدد ثم تحصل أنواع لا

تتناهى بتزايد واحد واحد مختلفة الحقائق هي أنواع العدد.

أقول : إذا أضيف إلى الوحدة وحدة أخرى حصلت الاثنينية وهي نوع من العدد ـ وقد ذهب قوم غير محققين إلى أن الاثنين ليس من العدد لأنه الزوج الأول فلا يكون نوعا من العدد كالواحد الذي هو الفرد الأول. وهذا خطأ لأن خواص العدد موجودة فيه وتمثيله بالواحد لا يفيد اليقين ولا الظن ـ فإذا انضم إليهما واحد آخر حصلت الثلاثة وهي نوع آخر من العدد ، فإذا انضم آخر حصلت الأربعة وهي نوع آخر مخالف للأول وعلى هذا كلما زاد العدد واحدا حصل نوع آخر من العدد. وهذه الأعداد أنواع مختلفة في الحقيقة لاختلافها في لوازمها كالصمم والمنطقية وأشباههما ولما كان التزايد غير متناه بل كل مرتبة يفرضها العقل يمكنه أن يزيد عليها واحدا فيحصل عدد آخر مخالف لما تقدمه بالنوع كانت أنواع العدد غير متناهية.

قال : وكل واحد منها أمر اعتباري يحكم به العقل على الحقائق إذا انضم بعضها إلى بعض في العقل انضماما بحسبه.

أقول : كل واحد من أنواع العدد أمر اعتباري ليس بثابت في الأعيان بل في الأذهان يحكم به العقل على الحقائق كأفراد الإنسان أو الفرس أو الحجر أو غيرها إذا انضم بعض تلك الأفراد إلى البعض سواء اتحدت في الماهية أو اختلفت فيها بل يؤخذ مجرد الانضمام في العقل انضماما بحسب ذلك النوع من العدد فإنه إذا انضم واحد إلى واحد حصل اثنان ولو انضمت حقيقة مع حقيقة مع ثالثة حصلت الثلاثة وهكذا.

وإنما لم يكن العدد ثابتا في الخارج لأنه لو كان كذلك لكان عرضا قائما بالمحل لاستحالة جوهريته واستقلاله في القيام بنفسه لأنه لا يعقل إلا عارضا لغيره فذلك الغير أما أن تكون له وحدة باعتبارها يحل فيه العرض الواحد أو لا يكون فإن كان الأول فتلك الوحدة إن وجدت في الآحاد لزم قيام العرض الواحد بالمحال المتعددة ، وإن قام بكل واحد وحدة على حدته لم يكن لذلك المجموع وحدة باعتبارها يكون محلا للعدد وقد فرض خلافه ، وإن كان الثاني فالعدد إما أن يكون موجودا في كل واحد من الأجزاء أو في

أحدها وعلى التقديرين يكون الواحد عددا هذا خلف.

قال : والوحدة قد تعرض لذاتها ومقابلها وتنقطع بانقطاع الاعتبار.

أقول : قد بينا أن الوحدة والكثرة من ثواني المعقولات فالوحدة تعرض لكل شيء يفرض العقل فيه عدم الانقسام حتى أنها تعرض لنفس الوحدة فيقال وحدة واحدة لكن تنقطع بانقطاع الاعتبار وتعرض الوحدة أيضا لما يقابلها فيقال كثرة واحدة.

قال : وقد تعرض لها شركة فتتخصص بالمشهوري وكذا المقابل.

أقول : الذي يفهم من هذا الكلام أن الوحدة قد تعرض لها الشركة مع غيرها من الوحدات في مفهوم عدم الانقسام أعني مفهوم مطلق الوحدة وذلك إذا أخذت الوحدات متخصصة بموضوعاتها فإن وحدة زيد تشارك وحدة عمرو في مفهوم كونها وحدة وحينئذ تتخصص كل وحدة عن الأخرى بما تضاف إليه فإن وحدة زيد تتخصص عن وحدة عمرو بإضافتها إلى زيد وزيد هو المضاف المشهوري لأنه واحد بالوحدة والوحدة مضاف حقيقي فإن الوحدة وحدة للواحد والواحد واحد بالوحدة وذات الواحد مضاف مشهوري أعني ذات زيد وعمرو وغيرهما فإذا أخذت الوحدة مضافة إلى زيد تخصصت وامتازت عن وحدة عمرو.

وكذلك مقابل الوحدة أعني الكثرة فإن عشرية الأناسي مساوية لعشرية الأفراس في مفهوم العشرية والكثرة وإنما تتمايزان بالمضاف إليه أعني الأناسي والأفراس وهما المضافان المشهوريان.

وقد يمكن أن يفهم من هذا الكلام أن مجرد الوحدة أعني نفس عدم الانقسام أمر مشترك بين كل ما يطلق عليه الواحد فليس واحدا حقيقيا أما الذات التي يصدق عليها أنها واحدة أعني المشهوري فإنها ممتازة عن غيرها فهي أحق باسم الواحد فيخصص المشهوري بالواحد الحقيقي وكذا البحث في الكثرة والأول أنسب.

قال : وتضاف إلى موضوعها باعتبارين وإلى مقابلها بثالث وكذا المقابل.

أقول : أقرب ما يمكن أن يفسر به هذا الكلام أن الوحدة وحدة للواحد أعني الموضوع لها الذي تقوم الوحدة به فلها إضافة بهذا الاعتبار وهي عرض قائم بالموضوع فلها إضافة الحلول وهاتان إضافتان عرضتا لها بالنسبة إلى موضوعها وتعرض لها إضافة ثالثة بالنسبة إلى ما يقابلها أعني الكثرة وهي نسبة التقابل.

ومثل هذا النسب الثلاث تعرض لمقابل الوحدة أعني الكثرة.

المسألة الحادية عشرة

في البحث عن التقابل

قال : ويعرض له ما يستحيل عروضه لها من التقابل.

أقول : يعني به أن المقابل للوحدة أعني الكثرة يعرض له ما يستحيل عروضه للوحدة وهو التقابل فإن التقابل لا يمكن أن يعرض للواحد وإنما يعرض للكثير من حيث هو كثير ومفهوم التقابل هو عدم الاجتماع في شيء واحد في زمان واحد من جهة واحدة.

قال : المتنوع إلى أنواعه الأربعة أعني السلب والإيجاب وهو راجع إلى القول والعقد ، والعدم والملكة وهو الأول مأخوذا باعتبار خصوصية ما ، وتقابل الضدين وهما وجوديان ويتعاكس هو وما قبله في التحقيق والمشهورية ، وتقابل التضايف.

أقول : ذكر الحكماء أن أصناف التقابل أربعة وذلك لأن المتقابلين إما أن يكون أحدهما وجوديا والآخر عدميا ، أو يكونا وجوديين ، ولا يمكن أن يكونا عدميين لعدم التقابل بين الأمور العدمية إذ السلب المطلق إنما يقابله الإيجاب إما مطلق أو خاص ولا يقابله سلب مطلق لأنه نفسه ولا سلب خاص لأنه جزئي تحته والسلب الخاص إنما يقابله إيجاب خاص لا سلب مطلق لأنه جزئي له ولا سلب خاص لأن مقابليهما إن لم يتقابلا

فظاهر أنهما لا يتقابلان وكذلك إن تقابلا لصدقهما معا على غير المتقابلين وهذا كله ظاهر.

إذا ثبت هذا فنقول المتقابلان إما أن يؤخذا باعتبار القول والعقد ، أو بحسب الحقائق أنفسها ، والأول هو تقابل السلب والإيجاب كقولنا زيد كاتب ، زيد ليس بكاتب.

والثاني إما أن يكون أحدهما عدميا أو يكونا وجوديين والأول هو تقابل العدم والملكة وهو يقارب تقابل السلب والإيجاب لكن الفرق بينهما أن السلب والإيجاب في الأول مأخوذ باعتبار مطلق والثاني مأخوذ باعتبار شيء واحد.

واعلم أن الملكة هو وجود الشيء في نفسه والعدم هو انتفاء تلك الملكة عن شيء من شأنه أن يكون له كالعمى والبصر.

وإن كانا وجوديين فإن عقل أحدهما بالقياس إلى الآخر فهو تقابل التضايف كالأبوة والبنوة وإلا فهو تقابل التضاد كالسواد والبياض.

واعلم أن تقابل التضاد يعاكس تقابل العدم والملكة في التحقيق والمشهورية وذلك لأن الضدين في المشهور يطلقان على كل وجوديين متقابلين لا يعقل أحدهما بالقياس إلى الآخر وفي التحقيق على أخص من ذلك وهو أن يقيد ما ذكر بأن يكون بينهما غاية التباعد فالسواد والحمرة ضدان بالمعنى الأول لا الثاني.

وأما تقابل العدم والملكة فيطلق العدم فيه بحسب التحقيق على عدم شيء عن شيء وبحسب الشهرة على معنى أخص من ذلك وهو أن يقيد الشيء بأن يكون نوعا أو جنسا قريبا أو بعيدا على اختلاف التفسير فيقال هو عدم شيء عما من شأنه أن يكون له بحسب نوعه أو جنسه القريب فعدم البصر عن الحائط عدم ملكة بحسب المعنى الأول وسلب بالمعنى الثاني فقد ظهر أن تقابل الضدين بحسب التحقيق أخص منه بحسب الشهرة ، وتقابل العدم والملكة بالعكس.

قال : ويندرج تحته الجنس باعتبار عارض.

أقول : لما بين انقسام التقابل إلى الأنواع الأربعة حتى صار كالجنس لها ذكر أن مطلق التقابل يندرج تحت أحد أنواعه أعني التضايف فإن التقابل من حيث هو تقابل

نوع من التضايف وذلك لأن المقابل لا يعقل إلا مقيسا إلى غيره لكن باعتبار عروض التقابل فإن المقابل لا من هذه الحيثية قد لا يكون مضايفا فإن ذات السواد وذات البياض لا باعتبار التقابل ليسا من المتضايفين فإذا أخذ السواد مقابلا للبياض كان نوعا من المضاف المشهوري فقد ظهر أن الجنس أعني المقابل من حيث هو مقابل يندرج تحت التضايف باعتبار عروض التقابل ولا استبعاد في أن يكون الشيء أخص أو مساويا من نوعه باعتبار عارض يعرض له.

قال : ومقوليته عليها بالتشكيك وأشدها فيه الثالث.

أقول : التقابل يقال على أصنافه الأربعة لا بالسوية بل بالتشكيك فإن تقابل الضدين أشد في التقابل من تقابل السلب والإيجاب وذلك لأن ثبوت الضد يستلزم سلب الآخر وهو أخص منه دون العكس فهو أشد في العناد للآخر من سلبه.

وقيل إن تقابل السلب والإيجاب أشد من تقابل التضاد لأن الخير لذاته خير وهو ذاتي وإنه ليس بشر وأنه عرضي واعتقاد أنه شر يرفع العرضي وأنه ليس بخير يرفع الذاتي فيكون منافاة السلب أشد.

قال : ويقال للأول تناقض ويتحقق في القضايا بشرائط ثمان.

أقول : تقابل السلب والإيجاب إن أخذ في المفردات كقولنا زيد لا زيد فهو تقابل العدم والملكة ، وإن أخذ في القضايا سمي تناقضا كقولنا زيد كاتب ، زيد ليس بكاتب وهو إنما يتحقق في القضايا بثمان شرائط.

(الأول) وحدة الموضوع فيهما فلو قلنا زيد كاتب ، عمرو ليس بكاتب لم تتناقضا وصدقتا معا.

الثاني وحدة المحمول فلو قلنا زيد كاتب ، زيد ليس بنجار لم تتناقضا وصدقتا معا.

الثالث وحدة الزمان فلو قلنا زيد موجود الآن ، زيد ليس بموجود أمس أمكن صدقهما.

الرابع وحدة المكان فلو قلنا زيد موجود في الدار ، زيد ليس بموجود في السوق أمكن صدقهما.

الخامس وحدة الإضافة فلو قلنا زيد أب أي لخالد ، زيد ليس باب أي لعمرو أمكن صدقهما.

السادس وحدة الكل والجزء فلو قلنا الزنجي أسود أي بعضه ، الزنجي ليس بأسود أي ليس كل أجزائه كذلك أمكن صدقهما.

السابع وحدة الشرط فلو قلنا الأسود قابض للبصر أي بشرط السواد ، الأسود ليس بقابض للبصر أي لا بشرط السواد أمكن صدقهما.

الثامن وحدة القوة والفعل فلو قلنا الخمر في الدن مسكر بالقوة ، الخمر في الدن ليس بمسكر بالفعل لم تتناقضا وصدقتا معا.

قال : هذا في القضايا الشخصية أما المحصورة فبشرط تاسع وهو الاختلاف فيه فإن الكلية ضد ، والجزئيتان صادقتان.

أقول : اعلم أن القضية أما شخصية أو مسورة أو مهملة وذلك لأن الموضوع إن كان شخصيا كزيد سميت القضية شخصية ، وإن كان كليا يصدق على كثيرين فإما أن يتعرض للكلية والجزئية فيه أو لا والأول هو القضية المسورة كقولنا كل إنسان حيوان ، بعض الإنسان حيوان ، لا شيء من الإنسان بحجر ، بعض الإنسان ليس بكاتب.

والثاني هو المهملة كقولنا الإنسان ضاحك وهذه في قوة الجزئية فالبحث عن الجزئية يغني عن البحث عنها.

إذا عرفت هذا فنقول الشرائط الثمان كافية في القضية الشخصية أما المحصورة فلا بد فيها من شرط تاسع وهو الاختلاف في الكم فإن الكليتين متضادتان لا تصدقان ويمكن كذبهما كقولنا كل حيوان إنسان ، لا شيء من الحيوان بإنسان ، والجزئيتان قد تصدقان كقولنا بعض الحيوان إنسان ، بعض الحيوان ليس بإنسان ، أما الكلية والجزئية فلا يمكن صدقهما البتة ولا كذبهما كقولنا كل إنسان حيوان ، بعض الإنسان ليس بحيوان فهما المتناقضان

قال : وفي الموجهات عاشر وهو الاختلاف فيها بحيث لا يمكن اجتماعهما صدقا وكذبا.

أقول : لا بد في القضايا الموجهة من الاختلاف في الجهة بحيث لا يمكن صدقهما معا ولا كذبهما ونعني بالجهة كيفية القضية من الضرورة والدوام والإمكان والإطلاق فإنهما لو لم يختلفا في الجهة أمكن صدقهما أو كذبهما كالممكنتين فإنهما تصدقان مع الشرائط التسع كقولنا بعض الإنسان كاتب بالإمكان ، لا شيء من الإنسان بكاتب بالإمكان وكالضرورتين فإنهما تكذبان كقولنا بعض الإنسان بالضرورة كاتب ، لا شيء من الإنسان بالضرورة كاتب وليس مطلق الاختلاف في الجهة كافيا في التناقض ما لم يكن اختلافا لا يمكن اجتماعهما معه فإن الممكنة والمطلقة المتخالفتين كما وكيفا لا تتناقضان كما قلنا في الممكنتين أما الممكنة والضرورية إذا اختلفتا كما وكيفا فإنهما تتناقضان وكذا المطلقة والدائمة.

قال : وإذا قيد العدم بالملكة في القضايا سميت معدولة وهي تقابل الوجودية صدقا لا كذبا لإمكان عدم الموضوع فيصدق مقابلاهما.

أقول : لما ذكر حكما من أحكام التناقض شرع في بيان حكم من أحكام تقابل العدم والملكة وهو أن العدم إذا اعتبر في القضايا سميت القضية معدولة وهو ما يتأخر فيها حرف السلب عن الربط كقولنا زيد هو ليس بكاتب وهي تقابل الوجودية في الصدق لامتناع صدق الكتابة وعدمها على موضوع واحد في وقت واحد من جهة واحدة ويجوز كذبهما معا عند عدم الموضوع وإذا كذبا حينئذ صدق مقابل كل واحد منهما فيصدق مقابل الموجبة المعدولة وهي السالبة المعدولة ، ومقابل الموجبة المحصلة وهي السالبة المحصلة لإمكان صدق السلب في الطرفين عن الموضوع المنفي.

قال : وقد يستلزم الموضوع أحد الضدين بعينه أو لا بعينه ، أو لا يستلزم شيئا منهما عند الخلو أو الاتصاف بالوسط.

أقول : هذه أحكام التضاد وهي أربعة : الأول أن أحد الضدين بعينه قد يكون لازما

للموضوع كسواد القار ، وقد لا يكون فإما أن يكون أحدهما لا بعينه لازما للموضوع كالصحة والمرض للبدن ، أو لا يكون فإما أن يخلو عنهما معا كالفلك الخالي عن الحرارة والبرودة أو يتصف بالوسط كالفاتر.

قال : ولا يعقل للواحد ضدان.

أقول : هذا حكم ثان للتضاد وهو أنه لا يعرض بالنسبة إلى شيء واحد إلا لواحد فلا يضاد الواحد الاثنين لأن الواحد إذا ضاد اثنين فإما بجهة واحدة أو بجهتين فإن كان بجهة واحدة فهو المطلوب وهو أن ضد الواحد واحد هو ذلك القدر المشترك بينهما ، وإن كان بجهتين كان ذلك وجوها من التضاد لا وجها واحدا وليس البحث فيه.

قال : وهو منفي عن الأجناس.

أقول : هذا حكم ثالث للتضاد وهو أنه منفي عن الأجناس ولا ينتقض بالخير والشر لأنهما ليسا جنسين ولا ضدين من حيث ذاتيهما بل تقابلهما من حيث الكمالية والنقص.

قال : ومشروط في الأنواع باتحاد الجنس.

أقول : هذا حكم رابع للتضاد العارض للانواع وهو اندراج تلك الأنواع تحت جنس واحد أخير ولا ينتقض بالشجاعة والتهور لأن تقابلهما من حيث الفضيلة والرذيلة العارضتين لا من حيث ذاتيهما.

قال : وجعل الجنس والفصل واحد.

أقول : الجنس والفصل في الخارج شيء واحد لأنه لا يعقل حيوانية مطلقة موجودة بانفرادها انضمت إليه الناطقية فصارت إنسانا بل الحيوانية في الخارج هي الناطقية فوجودهما واحد ، وهذه قاعدة قد مضى تقريرها والذي يخطر لنا أن الغرض بذكرها هاهنا الجواب عن إشكال يورد على اشتراط دخول الضدين تحت جنس واحد وتقريره أن كل

واحد من الضدين قد اشتمل على جنس وفصل والجنس لا يقع به التضاد لأنه واحد فيهما فإن وقع التضاد فإنما يقع بالفصول لكن الفصول لا يجب اندراجها تحت جنس واحد وإلا لزم التسلسل فلا تضاد حقيقي في النوعين بل في الفصلين الذين لا يجب دخولهما تحت جنس واحد.

وتقرير الجواب أن الفصل والجنس واحد في الأعيان وإنما يتميزان في العقل فجعلاهما واحد هو النوع فكان التضاد عارضا في الحقيقة للأنواع لا للفصول الاعتبارية لأن التضاد إنما هو في الوجود لا في الأمور المتعلقة فهذا ما فهمته من هذا الكلام ولعل غيري يفهم منه غير ذلك.

الفصل الثالث

في العلة والمعلول

قال : كل شيء يصدر عنه أمر إما بالاستقلال أو الانضمام فإنه علة لذلك الأمر والأمر معلول له.

أقول : لما فرغ من البحث عن لواحق الماهية شرع في البحث عن العلة والمعلول لأنهما من لواحق الماهية وعوارضها وهما من الأمور العامة أيضا ونفس اعتبار العلية والمعلولية من المعقولات الثانية ومن أنواع المضاف.

وفي هذا الفصل مسائل : الأولى ـ في تعريف العلة والمعلول وهما وإن كانا من المتصورات القطعية لكن قد يعرض اشتباه ما فيذكر على سبيل التنبيه والتمييز ما يزيل ذلك الاشتباه فإذا فرضنا صدور شيء عن غيره كان الصادر معلولا والمصدور عنه علة سواء كان الصدور على سبيل الاستقلال كما في العلل التامة ، أو على سبيل الانضمام كجزء العلة فإن جزء العلة شيء يصدر عنه أمر آخر لكن لا على سبيل الاستقلال فهو داخل في الحد.

المسألة الثانية

في أقسام العلة

قال : وهي فاعلية ومادية وصورية وغائية.

أقول : العلة هي ما يحتاج الشيء إليه وهي إما أن تكون جزءا من المعلول أو خارجة عنه والأول إما أن يكون جزءا يحصل به الشيء بالفعل أو بالقوة والأول الصورة والثاني

المادة وإن كانت خارجة فإما أن تكون مؤثرة أو يقف التأثير عليها فالأول فاعل والثاني غاية.

المسألة الثالثة

في أحكام العلة الفاعلية

قال : فالفاعل مبدأ التأثير وعند وجوده بجميع جهات التأثير يجب وجود المعلول.

أقول : الفاعل هو المؤثر والغاية ما لأجله الأثر والمادة والصورة جزءاه وإذا وجد المؤثر بجميع جهات التأثير وجب وجود المعلول لأنه لو لم يجب لجاز وجود الأثر عند وجود الجهات بأجمعها وعدمه فتخصيص وقت الوجود به إما أن يكون لأمر زائد أو لا يكون فإن كان الأول لم يكن المؤثر المفروض أولا تاما هذا خلف ، وإن كان الثاني لزم ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح وهو محال.

قال : ولا تجب مقارنة العدم.

أقول : ذهب قوم إلى أن التأثير إنما يكون لما سبق بالعدم وهو على الإطلاق غير سديد بل المؤثر إن كان مختارا وجب فيه ذلك لأن المختار إنما يفعل بواسطة القصد وهو إنما يتوجه إلى شيء معدوم وإن كان موجبا لم يجب فيه ذلك.

قال : ولا يجوز بقاء المعلول بعده وإن جاز في المعد.

أقول : ذهب قوم غير محققين إلى أن احتياج الأثر إلى المؤثر إنما هو آن حدوثه فإذا أوجد الفاعل الفعل استغنى الفعل عنه فجاز بقاؤه بعده وتمثلوا في ذلك بالبناء الباقي بعد الباني وغيره من الآثار وهو خطأ لأن علة الحاجة وهي الإمكان ثابتة بعد الإيجاد فثبتت الحاجة والبناء ليس علة مؤثرة في وجود البناء الباقي وإنما حركته علة لحركة الأحجار ووضعها على نسبة معينة ثم بقاء الشكل معلول لأمر آخر.

هذا في العلل الفاعلية أما العلل المعدة فإنها تعدم وإن كانت معلولاتها موجودة كالحركة المعدة للوصول وللحرارة.

قال : ومع وحدته يتحد المعلول.

أقول : المؤثر إن كان مختارا جاز أن يتكثر أثره مع وحدته ، وإن كان موجبا ذهب الأكثر إلى استحالة تكثر معلوله باعتبار واحد وأقوى حججهم أن نسبة المؤثر إلى أحد الأثرين مغايرة لنسبته إلى الآخر فإن كانت النسبتان جزئية كان مركبا وإلا تسلسل.

وهي عندي ضعيفة لأن نسبة التأثير والصدور تستحيل أن تكون وجودية وإلا لزم التسلسل وإذا كانت من الأمور الاعتبارية استحالت هذه القسمة عليها.

قال : ثم تعرض الكثرة باعتبار كثرة الإضافات.

أقول : لما بين أن العلة الواحدة لا يصدر عنها إلا معلول واحد لزم أن تكون الموجودات بأسرها في سلسلة واحدة بحيث يكون أي موجود فرضته علة لأي موجود فرضته أو معلولا له إما قريبة أو بعيدة فلا يوجد شيئان يستغني أحدهما عن الآخر والوجود يكذب هذا فأوجبوا وقوع كثرة في المعلول الأول غير حقيقية بل إضافية يمكن أن يتكثر بها التأثير قالوا لأن المعلول الأول بالنظر إلى ذاته ممكن وبالنظر إلى علته واجب وله ماهية ووجود مستفاد من فاعله وهو يعقل ذاته لتجرده ويعقل مبدأه وهذه جهات كثيرة إضافية يقع بها التكثر ولا تثلم وحدته ويصدر عنه باعتبار كل جهة شيء.

وهذا الكلام عندنا في غاية السقوط لأن هذه الجهات لا تصلح للتأثير لأنها أمور اعتبارية ومساوية لغيرها ولا تكون شروطا فيه.

قال : وهذا الحكم ينعكس على نفسه.

أقول : يريد بذلك أن مع وحدة المعلول تتحد العلة وهو عكس الحكم الأول فلا يجتمع على الأثر الواحد مؤثران مستقلان بالتأثير لأنه بكل واحد منهما واجب مستغن عن الآخر فيكون حال الحاجة إليهما مستغنيا عنهما هذا خلف.

قال : وفي الوحدة النوعية لا عكس.

أقول : إذا كانت العلة واحدة بالنوع كان المعلول كذلك ولا يجب من كون المعلول واحدا بالنوع كون العلة كذلك فإن الأشياء المختلفة تشترك في لازم واحد كاشتراك الحركة والشمس والنار في السخونة لأن المعلول يحتاج إلى مطلق العلة وتعين العلة جاء من جانب العلة لا المعلول.

قال : والنسبتان من ثواني المعقولات وبينهما مقابلة التضايف.

أقول : يعني أن نسبة العلية والمعلولية من المعقولات الثانية لاستحالة وجود شيء في الأعيان هو مجرد علية أو معلولية وإن كان معروضهما موجودا وبينهما مقابلة التضايف فإن العلة علة المعلول ، والمعلول معلول العلة وقد نبه بقوله وبينهما مقابلة التضايف على امتناع كون الشيء الواحد بالنسبة إلى شيء واحد علة ومعلولا وهو الدور المحال لأن كونه علة يقتضي الاستغناء والتقدم وكونه معلولا يقتضي الحاجة والتأخر فيكون الشيء الواحد مستغنيا عن الشيء الواحد متقدما عليه ، ومحتاجا إليه متأخرا عنه هذا خلف.

قال : وقد يجتمعان في الشيء الواحد بالنسبة إلى أمرين لا يتعاكسان فيهما.

أقول : قد تجتمع نسبة العلية والمعلولية في الشيء الواحد بالنسبة إلى أمرين فيكون علة لأحد الشيئين ومعلولا للآخر كالعلة المتوسطة فإنها معلولة العلة الأولى ، وعلة المعلول الأخير لكن بشرط أن لا يكون ذانك الأمران يتعاكسان في النسبتين بأن تكون العلة الأولى معلولة للمعلول الأخير والمعلول الأخير علة لها وإلا جاء الدور المحال.

المسألة الرابعة

في إبطال التسلسل

قال : ولا يتراقى معروضاهما في سلسلة واحدة إلى غير النهاية لأن كل واحد منها ممتنع الحصول بدون علة واجبة لكن الواجب بالغير ممتنع أيضا فيجب وجود علة لذاتها هي طرف.

أقول : لما أبطل الدور شرع في إبطال التسلسل وهو وجود علل ومعلولات في سلسلة واحدة غير متناهية ونبه على الدعوى بقوله ولا يتراقى معروضاهما يعني معروض العلية والمعلولية في سلسلة واحدة إلى غير النهاية واحتج عليه بوجوه : الأول أن كل واحد من تلك الجملة ممكن وكل ممكن ممتنع حصوله بدون علته الواجبة فكل واحد من تلك الآحاد ممتنع حصوله بدون علته الواجبة ثم تلك العلة الواجبة إن كانت واجبة لذاتها فهو المطلوب لانقطاع السلسلة حينئذ ، وإن كانت واجبة بغيرها كانت ممكنة لذاتها فكانت مشاركة لباقي الممكنات في امتناع الوجود بدون العلة الواجبة فيجب وجود علة واجبة لذاتها هي طرف السلسلة فتكون السلسلة منقطعة وفي هذا الوجه عندي نظر.

قال : وللتطبيق بين جملة قد فصل منها آحاد متناهية وأخرى لم تفصل منها.

أقول : هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الدالة على امتناع التسلسل وهو المسمى ببرهان التطبيق وهو دليل مشهور وتقريره أنا إذا أخذنا جملة العلل والمعلولات إلى ما لا ـ يتناهى ووضعناها جملة ثم قطعنا منها جملة متناهية ثم أطبقنا إحدى الجملتين بالأخرى بحيث يكون مبدأ كل واحدة من الجملتين واحدا فإن استمرتا إلى ما لا يتناهى كانت الجملة الناقصة مثل الزائدة هذا خلف ، وإن انقطعت الناقصة تناهت ويلزم تناهي الزائدة لأن ما زاد على المتناهي بمقدار متناه فهو متناه.

قال : ولأن التطبيق باعتبار النسبتين بحيث يتعدد كل واحد منها باعتبارهما يوجب تناهيهما لوجوب ازدياد إحدى النسبتين على الأخرى من حيث السبق.

أقول : هذا وجه ثالث وهو راجع إلى الثاني وهو برهان التطبيق لكن على نحو آخر استخرجه المصنف ـ رحمه‌الله ـ مغاير للنحو الذي ذكره القدماء وتقريره أنا إذا أخذنا العلل والمعلولات سلسلة واحدة غير متناهية فإن كل واحد من تلك السلسلة علة باعتبار ومعلول باعتبار فيصدق عليه النسبتان باعتبارين ويحصل له التعدد باعتبار النسبتين فإن الواحد من تلك السلسلة من حيث إنه علة مغاير له من حيث إنه معلول فإذا أطبقنا كل ما صدق عليه نسبة المعلولية على كل ما صدق عليه نسبة العلية واعتبرت هذه السلسلة من حيث

كل واحد منها علة تارة ومن حيث كل واحد منها معلولة أخرى كانت العلل والمعلولات المتباينات بالاعتبار متطابقتين في الوجود ولا يحتاج في تطابقهما إلى توهم تطبيق ومع ذلك يجب أن تكون العلل أكثر من المعلولات من حيث إن العلل سابقة على المعلولات في طرف المبتدإ فإذن المعلولات قد انقطعت قبل انقطاع العلل والعلل الزائدة عليها إنما زادت بمقدار متناه فتكون الجملتان متناهيتين.

قال : ولأن المؤثر في المجموع إن كان بعض أجزائه كان الشيء مؤثرا في نفسه وعلله ولأن المجموع له علة تامة وكل جزء ليس علة تامة إذ الجملة لا تجب به وكيف تجب الجملة بشيء هو محتاج إلى ما لا يتناهى من تلك الجملة.

أقول : هذا وجه رابع على إبطال التسلسل وتقريره أنا إذا فرضنا جملة مترتبة من علل ومعلولات إلى ما لا يتناهى فتلك الجملة من حيث هي جملة ممكنة لتركبها من الآحاد الممكنة وكل ممكن له مؤثر فلتلك الجملة مؤثر فإما أن يكون المؤثر هو نفس تلك الجملة وهو محال لاستحالة كون الشيء مؤثرا في نفسه ، وإما أن يكون خارجا عنها والخارج عن جملة الممكنات واجب فتنقطع السلسلة وإما أن يكون جزءا من تلك الجملة وهذا محال وإلا لزم كون الشيء مؤثرا في نفسه وفي علله التي لا تتناهى وذلك من أعظم المحالات. وأيضا فإن المجموع لا بد له من علة تامة وكل جزء ليس علة تامة إذ الجملة لا تجب به وكل جزء لا يصلح أن يكون علة تامة للمجموع وكيف تجب الجملة بجزء من أجزائها وذلك الجزء محتاج إلى ما لا يتناهى من تلك الجملة.

المسألة الخامسة

في متابعة المعلول للعلة في الوجود والعدم

قال : وتتكافى النسبتان في طرفي النقيض.

أقول : الذي يفهم من هذا الكلام أن نسبة العلية مكافئة لنسبة المعلولية في طرفي

الوجود والعدم بالنسبة إلى معروضيهما على معنى أن نسبة العلية إذا صدقت على معروض ثبوتي كانت نسبة المعلولية صادقة على معروض ثبوتي وبالعكس ، وإذا صدقت نسبة العلية على معروض عدمي صدقت نسبة المعلولية على معروض عدمي وبالعكس وذلك يتم بتقرير مقدمة هي أن عدم المعلول إنما يستند إلى عدم العلة لا غير وبيانه أن عدم المعلول لا يستند إلى ذاته وإلا لكان ممتنعا لذاته هذا خلف بل لا بد له من علة إما وجودية أو عدمية والأول باطل لأن عند وجود تلك العلة الوجودية إن لم يختل شيء من أجزاء العلة المقتضية لوجود المعلول ، ولا من شرائطها لزم وجود المعلول نظرا إلى تحقق علته التامة ، وإن اختل شيء من ذلك لزم عدم المعلول فيكون عدم المعلول مستندا إلى ذلك العدم لا غير.

وإذا تقررت هذه المقدمة فنقول العلة الوجودية يجب أن يكون معلولها وجوديا لأنه لو كان عدميا لكان مستندا إلى عدم علته على ما قلنا لا إلى وجود هذه العلة ، والمعلول الوجودي يستند إلى العلة الوجودية لا العدمية لأن تأثير المعدوم في الموجود غير معقول.

المسألة السادسة

في أن القابل لا يكون فاعلا

قال : والقبول والفعل متنافيان مع اتحاد النسبة لتنافي لازميهما.

أقول : ذهب الأوائل إلى أن الشيء الواحد لا يكون قابلا وفاعلا لشيء واحد وعبر عنه المصنف بقوله القبول والفعل متنافيان يعني لا يجتمعان بل يتنافيان لكن مع اتحاد النسبة يعني أن يكون المفعول الذي تقع نسبة الفعل إليه هو بعينه المقبول الذي تقع نسبة القبول إليه لتنافي لازميهما وهو الإمكان والوجوب وذلك لأن نسبة القابل إلى المقبول نسبة الإمكان ، ونسبة الفاعل إلى المفعول نسبة الوجوب فلو كان الشيء الواحد مقبولا لشيء ومعلولا له أيضا لزم أن تكون نسبة ذلك الشيء إلى فاعله بالوجوب والإمكان هذا خلف.

المسألة السابعة

في نسبة العلة إلى المعلول

قال : وتجب المخالفة بين العلة والمعلول إن كان المعلول محتاجا لذاته إلى تلك العلة وإلا فلا.

أقول : العلة إن كان معلولها محتاجا لماهيته إليها وجب كونها مخالفة لها لاستحالة تأثير الشيء في نفسه وإن كانت علة لشخصيتها كتعليل إحدى النارين بالأخرى فإن المعلول لا يجب أن يكون مخالفا للعلة في الماهية ولا يكون أقوى منها ولا يساويها عند فوات شرط أو حضور مانع ويساويها لا مع ذلك والإحساس بسخونة الأجسام الذائبة أشد من سخونة النار لعدم الانفصال بسرعة للزوجته ولبطء حركة اليد فيه لغلظه.

المسألة الثامنة

في أن مصاحب العلة ليس بعلة وكذا مصاحب المعلول ليس معلولا

قال : ولا يجب صدق إحدى النسبتين على المصاحب.

أقول : يعني به أن نسبة العلية لا يجب صدقها على ما يصاحب العلة ويلازمها فإن مع العلة شرائط كثيرة ولوازم لا مدخل لها في العلية كحمرة النار فإنها لا تأثير لها في الإحراق وكذا ما يصاحب المعلول ويلازمه لا يجب صدق نسبة المعلولية عليه قال الشيخ أبو علي ابن سينا إن الفلك الحاوي يصاحب علة المحوي ولا يجب أن يكون متقدما بالعلية على المحوي لأجل مصاحبته لعلة المحوي فقد جعل ما مع القبل ليس قبلا ثم قال وجود الخلاء وعدم المحوي متقارنان فلو كان الحاوي علة للمحوي لكان متقدما عليه فيكون متقدما على ما يصاحبه أعني عدم الخلاء فيكون عدم الخلاء متأخرا عنه من حيث إنه مصاحب للمتأخر وهذا يدل على أن ما مع البعد يجب أن يكون بعدا فتوهم بعضهم أن الشيخ

أوجب أن يكون ما مع البعد بعدا من حيث المعية والبعدية ولم يوجب أن يكون ما مع القبل قبلا وهذا فاسد لأنه لا فرق بين ما مع القبل وما مع البعد من حيث البعدية والمعية والقبلية والشيخ حكم في هذه الصورة الخاصة وكل ما يساويها بأن ما مع البعد يجب أن يكون بعدا لتحقق الملازمة الطبيعية بين عدم الخلاء ووجود المحوي بخلاف العقل والفلك المتباينين بالذات والاعتبار.

المسألة التاسعة

في أن العناصر ليست عللا ذاتية بعضها لبعض

قال : وليس الشخص من العنصريات علة ذاتية لشخص آخر منها وإلا لم تتناه الأشخاص ، ولاستغنائه عنه بغيره.

أقول : الشخص من العناصر كهذه النار مثلا ليس علة ذاتية لشخص آخر منها أي يكون علة لوجوده وإلا لوجدت أشخاص لا تتناهى دفعة واحدة لأن العلل الذاتية تصاحب المعلولات.

وأيضا فإن الشخص من العناصر يستغني عن الشخص الآخر بغيره إذ ليس شخص ما من أشخاص النار مثلا أولى بأن يكون علة لشخص آخر من بقية أشخاص النوع بل الشخص الذي هو معلول سبيله سبيل سائر الأشخاص في أن الشخص الذي هو العلة ليس هو أولى بالعلية من الشخص الذي هو معلوله وما يستغنى عنه بغيره لا يكون علة بالذات فهو إذن علة بالعرض بمعنى أنه معد.

قال : ولعدم تقدمه.

أقول : هذا وجه ثالث على امتناع تعليل أحد الشخصين بالآخر وتقريره أن العلة متقدمة على المعلول بالذات والشخصان إذا كانا من نوع واحد استحال تقدم أحدهما على الآخر تقدما ذاتيا لأن التقدم الذاتي ما يبقى للعلة مع وجود المعلول لأنه مقوم لها والتقدم

بالزمان يبطل مع وجود المعلول لأنهما إذا اجتمعا في زمان واحد فقد عدم تقدم ما فرض علة.

قال : ولتكافئهما.

أقول : هذا دليل رابع وتقريره أن الماء والنار مثلا متكافئان في أنه ليس النار أولى بأن تكون علة للماء من العكس والمتكافئان لا يصح أن يكون أحدهما علة للآخر.

قال : ولبقاء أحدهما مع عدم صاحبه.

أقول : هذا دليل خامس وتقريره أن ما يفرض علة من شخصيات النار فقد يعدم وما يفرض معلولا يكون باقيا بعده ويستحيل بقاء المعلول بعد علته الذاتية وبالعكس قد يعدم ما يفرض معلولا وما يفرض علة يكون باقيا بعده ويستحيل بقاء العلة منفكة عن المعلول.

المسألة العاشرة

في كيفية صدور الأفعال منا

قال : والفاعل منا يفتقر إلى تصور جزئي ليتخصص الفعل ثم شوق ثم إرادة ثم حركة من العضلات ليقع منا الفعل.

أقول : القوة البشرية إنما تفعل أثرها مع شعور وإدراك على الوجه النافع علما أو ظنا فافتقر الفعل الصادر عنها إلى مباد أربعة تصور لذلك الفعل جزئي فإن التصور الكلي لا يكون سببا لفعل جزئي لأن نسبة كل كلي إلى جزئياته واحدة فإما أن يقع كلها وهو محال أو لا يقع شيء منها وهو المطلوب فلا بد من تصور جزئي يتخصص به الفعل فيصير جزئيا فإذا حصل التصور بالنفع الحاصل من الأثر اشتاقت النفس إلى تحصيله فحصلت الإرادة الجازمة بعد التردد فتحركت العضلات إلى الفعل فوجد.

قال : والحركة إلى مكان تتبع إرادة بحسبها ، وجزئيات تلك الحركة تتبع تخيلات وإرادات جزئية فيكون السابق من هذه علة للسابق من تلك ، المعدة لحصول أخرى فتتصل الإرادات في النفس والحركات في المسافة إلى آخرهما.

أقول : الفاعل منا لحركة ما من الحركات إنما يفعلها بواسطة القصد والإرادة المتعلقة بتلك المسافة فتلك الحركة تتبع إرادة بحسبها يعني الحركة إلى مكان مفروض تتبع إرادة متعلقة بالحركة إلى ذلك المخصوص وكل حركة فعلى مسافة منقسمة تكون الحركة في كل مسافة من تلك المسافات جزءا من الحركة الأولى وكل جزء من تلك الأجزاء يتبع تخيلا خاصا وإرادة جزئية متعلقة به فإذا تعلقت الإرادة بإيجاد الجزء الأول من الحركة ثم وجد الجزء الأول كان وصول الجسم إلى ذلك الجزء مع الإرادة الكلية المتعلقة بكمال الحركة علة لتجدد إرادة أخرى تتعلق بجزء آخر فإذا وجدت تلك الإرادة تعلقت بذلك الجزء فيتحرك الجسم وعلى هذا تتصل التخيلات والإرادات في النفس والحركة في الخارج فتكون كل حركة جزئية علة لإرادة خاصة وكل إرادة خاصة علة لحركة جزئية من غير دور

المسألة الحادية عشرة

في أن القوى الجسمانية إنما تؤثر بمشاركة الوضع

قال : ويشترط في صدق التأثير على المقارن الوضع.

أقول : يشترط في صدق التأثير أعني صدق كون الشيء علة على المقارن أعني الصور والأعراض ، الوضع أعني الإشارة الحسية وهو كونه بحيث يشار إليه أنه هنا أو هناك وذلك لأن القوى الجسمانية أعني الصور والأعراض المؤثرة إنما تؤثر بواسطة الوضع على معنى أنها تؤثر في محلها أولا ثم فيما يجاور محلها بواسطة تأثيرها في محلها ثم فيما يجاور ذلك المجاور بواسطة المجاور وهكذا إنما تؤثر في البعيد بواسطة تأثيرها في القريب فإن النار لا تسخن كل شيء بل مادتها أولا ثم ما يجاورها وهذا الحكم بين لا يحتاج إلى برهان.

المسألة الثانية عشرة

في تناهي القوى الجسمانية

قال : والتناهي بحسب المدة والعدة والشدة التي باعتبارها يصدق التناهي وعدمه الخاص على المؤثر.

أقول : قوله والتناهي عطف على الوضع أي يشترط في صدق التأثير على المقارن أعني الصور والأعراض ، التناهي لأنه لا يمكن وجود قوة جسمانية تقوى على ما لا يتناهى.

وقبل الخوض في الدليل مهد قاعدة في كيفية عروض التناهي وعدمه للقوى واعلم أن التناهي وعدمه الخاص به أعني عدم الملكة وهو عدم التناهي عما من شأنه أن يكون متناهيا إنما يعرضان بالذات للكم أما المتصل كتناهي المقدار ولا تناهيه ، أو المنفصل كتناهي العدد ولا تناهيه ويعرضان لغيره بواسطته كالجسم ذي المقدار والعلل ذوات العدد فإن عروض التناهي وعدمه لهما ظاهر وأما ما يتعلق به شيء ذو مقدار أو عدد كالقوى التي يصدر عنها عمل متصل في زمان أو أعمال متوالية ففرض النهاية واللانهاية فيه يكون بحسب مقدار ذلك العمل أو عدد تلك الأعمال والذي بحسب مقدار ذلك العمل يكون إما مع وحدة العمل واتصال زمانه أو مع فرض الاتصال في العمل نفسه من غير نظر إلى وحدته أو كثرته فأصناف القوى ثلاثة.

الأول : قوى يفرض صدور عمل واحد منها في أزمنة مختلفة كرماة تقطع سهامهم مسافة محدودة في أزمنة مختلفة وهاهنا الشدة بحسب قلة الزمان فيكون ما لا يتناهى في الشدة واقعا لا في زمان وإلا لكان الواقع في نصفه أشد مما لا يتناهى في الشدة وهذه قوة بحسب الشدة.

والثاني : قوى يفرض صدور عمل ما منها على الاتصال في أزمنة مختلفة كرماة تختلف أزمنة حركات سهامهم في الهواء وهاهنا تكون التي زمانها أكثر أقوى من التي زمانها أقل فيقع عمل غير المتناهية في زمان غير متناه وهذه قوة بحسب المدة.

والثالث : قوى يفرض صدور أعمال متوالية عنها مختلفة بالعدد كرماة يختلف عدد رميهم ولا محالة تكون التي يصدر عنها عدد أكثر أقوى من التي يصدر عنها عدد أقل وهاهنا يقع لغير المتناهية عمل غير متناهي العدد وهذه قوة بحسب العدة. فقد ظهر من هذا أن التناهي وعدمه الخاص به إنما صدقا على المؤثر بأحد الاعتبارات الثلاثة.

قال : لأن القسري يختلف باختلاف القابل ومع اتحاد المبدإ يتفاوت مقابله.

أقول : لما مهد قاعدة في كيفية عروض التناهي وعدمه في القوى شرع في الدليل على مطلوبه الأول أعني وجوب تناهي تأثير القوى الجسمانية.

وتقريره أن القوى الجسمانية إما أن تكون قسرية أو طبيعية وكلاهما يستحيل صدور ما لا يتناهى عنهما.

أما الأول فلأن صدور ما لا يتناهى بحسب الشدة من الحركات عن القوتين محال لما مر ، وأما بحسب المدة أو العدة فلأنا لو فرضنا جسما متناهيا يحرك جسما آخر متناهيا من مبدإ مفروض حركات لا تتناهى بحسب المدة أو العدة ثم حرك بتلك القوة جسما أصغر من ذلك الجسم من ذلك المبدإ فإن تحريكه للأصغر أكثر من تحريكه للأكبر لقلة المعاوقة هنا ولكن المبدأ واحد فالتفاوت في الطرف الآخر فيجب تناهي الناقص مع فرض عدم تناهيه هذا خلف.

وهاهنا سؤال صعب وهو أن التفاوت في التحريكين جاز أن يكون بحسب الشدة ، وأجاب المصنف قدس الله روحه عن هذا السؤال في شرحه للإشارات بأن المراد بالقوة هاهنا هي التي لا نهاية لها بحسب المدة أو العدة لا الشدة.

وفيه نظر لأن أخذ القوة بحسب الاعتبارين لا ينافي وقوع التفاوت بالاعتبار الثالث.

وأورد بعض تلامذة أبي علي عليه أنه لا وجود للحركات دفعة فلا يجوز الحكم عليها بالزيادة فضلا عن كون الزيادة مقتضية لتناهيها كما قاله الشيخ اعتراضا على المتكلمين حيث حكموا بتناهي الحوادث لازديادها كل يوم.

وأجاب الشيخ عنه بالفرق فإن الحوادث ليس لها كل موجود حتى يحكم عليها بالتناهي وعدمه ، والزيادة والنقصان بخلاف القوة هاهنا فإنها موجودة يحكم عليها بكونها

قوية على تحريك الكل أو البعض ولا شك في أن كون القوة قوية على تحريك الكل أعظم من كونها قوية على تحريك الجزء فأمكن الحكم بالتناهي هاهنا لوجود المحكوم عليه وتحققه بخلاف الحوادث.

وللسائل أن يعود فيقول التفاوت في القوة إنما هو باعتبار التفاوت في المقوي عليه أعني الحركات فإذا لم يكن الحكم على الحركات بالزيادة والنقصان لم يكن الحكم على القوة بالتفاوت.

قال : والطبيعي يختلف باختلاف الفاعل لتساوي الصغير والكبير في القبول ، فإذا تحركا مع اتحاد المبدإ عرض التناهي.

أقول : هذا بيان استحالة القسم الثاني وهو أن تكون القوة المؤثرة فيما لا يتناهى طبيعية وتقريره أنه يجب أن يكون قبول الجسم العظيم للتحريك عنها مثل قبول الصغير وإلا لكان التفاوت بسبب المانع وهو إما أن تكون الجسمية أو لوازمها أو أمرا طبيعيا والكل محال ، أو غريبا وقد فرضنا عدمه فلو حصل اختلاف لكان بسبب الفاعل فإن القوة في العظيم أكثر من القوة في الصغير لانقسام القوى الطبيعية بانقسام محالها فإذا حركت قوة الكل وقوة البعض جسميهما من مبدإ واحد مفروض فإن حركت الصغرى حركات غير متناهية كانت حركات الكبرى أكثر لأنها أعظم فتكون أقوى وإلا لكان حال الشيء مع غيره كحاله لا مع غيره هذا خلف فيقع التفاوت في الجانب الذي حكم فيه بعدم التناهي هذا خلف ، وإن تناهت حركات الأصغر تناهت حركات الأكبر لأن نسبة الأثر إلى الأثر كنسبة المؤثر إلى المؤثر وهذه نسبة متناه إلى متناه فكذا الأولى.

المسألة الثالثة عشرة

في العلة المادية

قال : والمحل المتقوم بالحال قابل له ومادة للمركب.

أقول : المحل إما أن يتقوم بالحال أو يقوم الحال ، وإلا لزم استغناء أحدهما عن

الآخر فلا حلول فالمحل المتقوم بالحال هو الهيولى والمقوم للحال هو الموضوع والهيولى باعتبار الحال تسمى قابلا ، وباعتبار المركب تسمى مادة.

قال : وقبوله ذاتي.

أقول : كون المادة قابلة أمر ذاتي لها لا غريب يعرض بواسطة الغير لأنه لو لا ذلك لكان عروض ذلك القبول في وقت حصوله يستدعي قبولا آخر ويلزم التسلسل وهو محال فهو إذن ذاتي يعرض للمادة لذاتها.

قال : وقد يحصل القرب والبعد باستعدادات يكتسبها باعتبار الحال فيه.

أقول : لما ذكر أن قبول المادة لما يحل فيها ذاتي استشعر أن يعترض عليه بما يظن أنه مناقض له وهو أن يقال إن المادة قد تقبل شيئا ولا تقبل آخر ثم يعرض لها قبول الآخر ويزول عنها القبول الأول وهذا يعطي أن القبول من الأمور العارضة الحاصلة بسبب الغير لا من الأمور الذاتية اللازمة لها لذاتها.

وتحقيق الجواب أن نقول إن القبول ثابت في كلتا الحالتين لكن القبول منه قريب ومنه بعيد فإن قبول النطفة للصورة الإنسانية بعيد ، وقبول الجنين قريب فإذا حصل القرب بالنظر إلى عرض من الأعراض نسب القبول إليه وعدمه عن غيره وفي الحقيقة إنما حصل قرب القبول بعد بعده وسبب القرب والبعد هو الأعراض والصور الحالة في المادة فإن الحرارة إذا حلت المادة واشتدت أعدتها لقرب قبول الصورة النارية وخلع غيرها.

المسألة الرابعة عشرة

في العلة الصورية

قال : وهذا الحال صورة للمركب وجزء فاعل لمحله.

أقول : هذا الحال يعني به الحال في المادة وهو صورة للمركب لا للمادة لأنه بالنظر

إلى المادة جزء فاعل لأن الفاعل في المادة هو المبدأ الفياض بواسطة الصورة المطلقة.

قال : وهو واحد.

أقول : ذكر الأوائل أن الصورة المقومة للمادة لا تكون فوق واحدة لأن الواحدة إن استقلت بالتقويم استغنت المادة عن الأخرى وإن لم تستقل كان المجموع هو الصورة وهو واحد فالصورة واحدة.

المسألة الخامسة عشرة

في العلة الغائية

قال : والغاية علة بماهيتها لعلية العلة الفاعلية ، معلولة في وجودها للمعلول.

أقول : الغاية لها اعتباران يحصل لها باعتبارهما التقدم والتأخر بالنسبة إلى المعلول وذلك لأن الفاعل إذا تصور الغاية فعل الفعل ثم حصلت الغاية بحصول الفعل فماهية الغاية علة لعلية الفاعل إذ لو لا تلك الماهية وحصولها في علم الفاعل لما أثر ولا فعل الفعل فإن الفاعل للبيت يتصور الاستكنان أولا فيتحرك إلى إيجاد البيت ثم يوجد الاستكنان بحصول البيت فماهية الاستكنان علة لعلية الفاعل ووجوده معلول للبيت ولا امتناع في أن يكون الشيء الواحد متقدما ومتأخرا باعتبارين.

قال : وهي ثابتة لكل قاصد.

أقول : كل فاعل بالقصد والإرادة فإنه إنما يفعل لغرض ما وغاية ما وإلا لكان عابثا على أن البعث لا يخلو عن غاية أما الحركات الأسطقسية فقد أثبت الأوائل لها غايات لأن الحبة من البر إذا رميت في الأرض الطيبة وصادفها الماء وحر الشمس فإنها تنبت سنبلة وهذه التأدية على سبيل الدوام أو الكثرة فيكون ذلك غاية طبيعية ومنع ذلك جماعة لعدم الشعور في الطبيعة فلا يعقل لها غاية وأجابوا بأن الشعور يفيد تعيين الغاية لا تحصيلها.

قال : أما القوة الحيوانية المحركة فغايتها الوصول إلى المنتهى وهو قد يكون غاية الشوقية وقد لا يكون فإن لم تحصل فالحركة باطلة وإلا فهو إما خير أو عادة أو قصد ضروري أو عبث وجزاف.

أقول : القوة الحيوانية لها مباد على ما تقدم : أحدها القوة المحركة المنبثة في العضلات ، وثانيها القوة الشوقية ، وثالثها التخيل أو الفكر. وغاية القوة المحركة إنما هي الوصول إلى المنتهى وقد تكون هي بعينها غاية القوة الشوقية كمن طلب مفارقة مكانه والحصول في آخر لإزالة ضجره ، وقد تكون غيرها كمن يطلب غريما في موضع معين ، وفي هذا القسم إن لم تحصل غاية القوة الشوقية سميت الحركة باطلة بالنسبة إليها ، وإن حصلت الغايتان وكان المبدأ التخيل لا غير فهو الجزاف والعبث. وإن كان مع طبيعة كالتنفس فهو القصد الضروري ، وإن كان مع خلق وملكة نفسانية فهو العادة ، وإن كان المبدأ الفكر فهو الخير المعلوم أو المظنون.

قال : وأثبتوا للطبيعيات غايات وكذا للاتفاقيات.

أقول : أما إثبات الغايات للحركات الطبيعية فقد تقدم البحث فيه وأما العلل الاتفاقية فقد نفاها قوم لأن السبب إن استجمع جهات المؤثرية لزم حصول مسببه قطعا وإلا كان منتفيا فلا مدخل للاتفاق.

والجواب أن المؤثر قد يتوقف تأثيره على أمور خارجة عن ذاته غير دائمة الحصول معه فيقال لمثل ذلك السبب من دون الشرائط إنه اتفاقي إذا كان انفكاكه مساويا أو راجحا ولو أخذناه مع تلك الشرائط كان سببا ذاتيا.

المسألة السادسة عشرة

في أقسام العلة

قال : والعلة مطلقا قد تكون بسيطة وقد تكون مركبة.

أقول : يعني بالإطلاق ما يشتمل العلل الأربع أعني المادية والصورية والفاعلية

والغائية فإن كل واحدة من هذه الأربع تنقسم هذه الأقسام فالعلة الفاعلية عند المحققين قد تكون بسيطة كتحريك الواحد منا جسما ما ، وقد تكون مركبة كتحريك جماعة جسما أكبر.

ومنع بعض الناس من التركيب في العلل وإلا لزم نفيها لأن كل مركب فإن عدم كل جزء من أجزائه علة مستقلة في عدمه فلو عدم جزء من العلة المركبة لزم عدم العلة فإذا عدم جزء ثان لم يكن له تأثير البتة لتحقق العدم بالجزء الأول ، ولأن الموصوف بالعلة إما كل واحد من أجزائه فيلزم تعدد العلل وانتفاء التركيب وهو المطلوب أو بعضها وهو المطلوب أيضا مع انتفاء الأولوية ، أو المجموع وهو باطل لأن كل جزء لم يكن علة فعند الاجتماع إن لم يحصل أمر لم يكن المجموع علة وإن حصل عاد الكلام في علة حصوله.

وهذان ضعيفان لاقتضائهما انتفاء المركبات سواء كانت عللا أم لا وهو باطل بالضرورة والمادة المركبة كالزاج والعفص في الحبر. والصورة المركبة كالإنسانية المركبة من أشكال مختلفة. والغاية المركبة كالحركة لشراء المتاع ولقاء الحبيب.

قال : وأيضا بالقوة أو بالفعل.

أقول : هذه المبادئ الأربعة قد تكون بالقوة فإن الخمر فاعل للإسكار في الدن بالقوة ، وقد تكون بالفعل كالخمر مع الشرب.

والمادة قد تكون بالفعل كالجنين للإنسانية وقد تكون بالقوة كالنطفة.

والصورة بالقوة كالمائية الحالة في الهواء بالقوة وقد تكون بالفعل كالمائية الحالة في مادتها.

والغاية بالقوة هي التي يمكن جعلها كذلك وبالفعل هي التي حصل منها ذلك.

قال : وكلية أو جزئية.

أقول : هذه العلل قد تكون كلية كالبناء مطلقا وقد تكون جزئية كهذا البناء وكذلك البواقي.

قال : وذاتية أو عرضية.

أقول : العلة قد تكون ذاتية وهي التي يستند المعلول إليها بالحقيقة كالنارية في الإحراق ، وقد تكون عرضية وهي أن تقتضي العلة شيئا ويتبع ذلك الشيء شيء آخر كقولنا السقمونيا مبرد فإنه بالعرض كذلك لأنه يقتضي بالذات إزالة السخونة ويتبعها حصول البرودة.

وكذلك البواقي فإن المادة الذاتية هي محل الصورة والعرضية هي تلك مأخوذة مع عوارض خارجة ، والصورة الذاتية هي المقومة كالإنسانية والعرضية هي ما يلحقها من الأعراض اللازمة أو المفارقة ، والغاية الذاتية هي المطلوبة لذاتها والعرضية هي ما يتبع المطلوب. وقد تطلق العلة العرضية على ما مع العلة.

قال : وعامة أو خاصة.

أقول : العلة العامة هي التي تكون جنسا للعلة الحقيقة كالصانع في البناء والخاصة كالباني فيه ولا يتحقق العموم والخصوص في الصور.

قال : وقريبة أو بعيدة.

أقول : العلة القريبة هي التي لا واسطة بينها وبين المعلول كالميل في الحركة ، والبعيدة هي علة العلة كالقوة الشوقية وكذا البواقي.

قال : ومشتركة أو خاصة.

أقول : المشتركة كالنجار لأبواب متعددة والخاصة كالنجار لهذا الباب.

قال : والعدم للحادث من المبادئ العرضية.

أقول : الحادث هو الموجود بعد أن لم يكن وهو إنما يتحقق بعد سبق عدم علته فلما

توقف تحققه على العدم السابق أطلقوا على العدم اسم المبدإ بالعرض ومبدؤه بالذات هو الفاعل لا غير.

قال : والفاعل في الطرفين واحد.

أقول : الفاعل في الوجود هو بعينه الفاعل في العدم على ما بينا أولا من أن علة العدم هي عدم العلة لا غير والمؤثر في طرفي المعلول هو العلة لا غير لكن مع حضورها تقتضي الوجود ومع عدمها تقتضي العدم.

قال : والموضوع كالمادة.

أقول : الموضوع أيضا من العلل التي يتوقف وجود الحال عليها ونسبته إلى الحال نسبة المادة إلى الصورة فهو من جملة العلل.

المسألة السابعة عشرة

في أن افتقار المعلول إنما هو في الوجود أو العدم

قال : وافتقار الأثر إنما هو في أحد طرفيه.

أقول : الأثر له ماهية وله وجود وعدم ، وافتقاره إلى المؤثر إنما هو في أن يجعله موجودا أو معدوما إذ التأثير إنما يعقل في أحد الطرفين أما الماهية فلا يعقل التأثير فيها فليس السواد سوادا بالفاعل بل وجوده وعدمه بالفاعل.

قال : وأسباب الماهية غير أسباب الوجود.

أقول : أسباب الماهية باعتبار الوجود الذهني هي الجنس والفصل وباعتبار الخارج هي المادة والصورة وأسباب الوجود هي الفاعل والغاية.

قال : ولا بد للعدم من سبب وكذا في الحركة.

أقول : قد بينا أن نسبة طرفي الوجود والعدم إلى الممكن واحدة فلا يعقل اتصافه بأحدهما إلا بسبب فكما افتقر الممكن في وجوده إلى السبب افتقر في عدمه إليه وإلا لكان ممتنع الوجود لذاته.

لا يقال : الموجود منه ما هو باق ومنه ما هو غير باق كالحركات والأصوات والأول يفتقر عدمه إلى السبب أما النوع الثاني فإنه يعدم لذاته.

لأنا نقول : يستحيل أن يكون العدم ذاتيا لشيء وإلا لم يوجد والحركة لها علة في الوجود فإذا عدمت أو عدم أحد شروطها عدمت وكذا الأصوات فلا فرق بين الحركات وغيرها.

قال : ومن العلل المعدة ما يؤدي إلى مثل أو خلاف أو ضد.

أقول : العلل تنقسم إلى المعد وإلى المؤثر ، والمعد يعني به ما يقرب العلة إلى معلولها بعد بعدها عنه وهو قريب من الشرط.

والعلة المعدة إما أن تؤدي إلى ما يماثلها كالحركة إلى المنتصف فإنها معدة للحركة إلى المنتهى وليست فاعلة لها بل الفاعل للحركة إما الطبيعة أو النفس لكن فعل كل واحد منهما في الحركة إلى المنتهى بعيد وعند حصول الحركة إلى المنتصف يقرب تأثير أحدهما في المعلول الذي هو الحركة إلى المنتهى ، وإما أن تؤدي إلى خلافها كالحركة المعدة للسخونة ، وإما أن تؤدي إلى ضد كالحركة المعدة للسكون عند الوصول إلى المنتهى.

قال : والإعداد قريب وبعيد.

أقول : الإعداد منه ما هو قريب وذلك كالجنين المستعد لقبول الصورة الإنسانية ، ومنه ما هو بعيد كالنطفة لقبولها وكذلك العلة المعدة قد تكون قريبة وهي التي يحصل المعلول عقيبها وقد تكون بعيدة وهي التي لا تكون كذلك وتتفاوت العلل في القرب والبعد على حسب تفاوت الإعداد وهو قابل للشدة والضعف.

قال : ومن العلل العرضية ما هو معد.

أقول : قد بينا أن العلة العرضية تقال باعتبارين : أحدهما أن تؤثر العلة شيئا ويتبع ذلك الشيء شيء آخر كقولنا الحرارة تقتضي الجمع بين المتماثلات فإنها لذاتها تقتضي الخفة فما هو أخف في المركب يقبل السخونة أشد فينفصل عن صاحبه ويطلب الصعود فيعرض له أن يجتمع مع مماثله ، والثاني أن يكون للعلة وصف ملازم فيقال له علة عرضية والأول علة معدة.

قال :

المقصد الثاني في :

الجواهر والأعراض

وفيه

فصول

الأول

في الجواهر

الممكن إما أن يكون موجودا في الموضوع وهو العرض أو لا وهو الجوهر.

أقول : لما فرغ من البحث عن الأمور الكلية المعقولة شرع في البحث عن الموجودات الممكنة وهي الجواهر والأعراض وفي هذا الفصل مسائل :

المسألة الأولى

في قسمة الممكنات بقول كلي :

كل ممكن موجود إما أن يكون موجودا لا في موضوع وهو الجوهر ، وإما أن يكون موجودا في موضوع وهو العرض ونعني بالموضوع المحل المتقوم بذاته المقوم لما يحل فيه فإن المحل إما أن يتقوم بالحال أو يقوم الحال إذ لا بد من حاجة أحدهما إلى الآخر فالأول يسمى المادة والثاني يسمى الموضوع والحال في الأول يسمى صورة وفي الثاني يسمى عرضا فالموضوع والمادة يشتركان اشتراك أخصين تحت أعم واحد هو المحل ، والصورة والعرض يشتركان اشتراك أخصين تحت أعم واحد هو الحال. والموضوع أخص من المحل ، وعدم الخاص أعم من عدم العام فكل ما ليس في محل فهو ليس في موضوع ولا ينعكس ولهذا جاز أن يكون بعض الجواهر حالا في غيره ولما كان تعريف العرض يشتمل على القيد الثبوتي قدمه في القسمة على الجوهر.

قال : وهو إما مفارق في ذاته وفعله وهو العقل ، أو في ذاته وهو النفس ، أو مقارن فإما أن يكون محلا وهو المادة ، أو حالا وهو الصورة ، أو ما يتركب منهما وهو الجسم.

أقول : هذه قسمة الجوهر إلى أنواعه فإن الجوهر إما أن يكون مفارقا في ذاته وفعله للمادة وهو المسمى بالعقل ، أو مفارقا في ذاته لا فعله وهو النفس الناطقة فإنها مفارقة للمادة في ذاتها ووجودها دون فعلها لاحتياجها إلى الآلة في التأثير ولا يمكن أن يكون مفارقا في فعله دون ذاته لأن الاستغناء في التأثير يستدعي الاستغناء في الذات ، وإما أن يكون مقارنا للمادة فإما يكون محلا وهو الهيولى ، أو حالا وهو الصورة ، أو ما يتركب منهما وهو الجسم فهذه أقسام الجواهر.

قال : والموضوع والمحل يتعاكسان وجودا وعدما في العموم والخصوص وكذا الحال والعرض.

أقول : قد بينا أن الموضوع أخص من المحل فعدمه يكون أعم من عدم المحل فقد تعاكس الموضوع والمحل في العموم والخصوص باعتبار الوجود والعدم ، وكذا الحال والعرض فإن العرض أخص من الحال فعدمه أعم.

قال : وبين الموضوع والعرض مباينة.

أقول : الموضوع هو المحل المتقوم بذاته المقوم لما يحل فيه والعرض لا يتقوم بذاته فبينهما مباينة.

قال : ويصدق العرض على المحل والحال جزئيا :

أقول : المحل قد يكون جوهرا وهو ظاهر وقد يكون عرضا على خلاف بين الناس فيه فيصدق بعض المحل عرض. والحال أيضا قد يكون جوهرا كالصورة الحالة في المادة ، وقد يكون عرضا وهو ظاهر فيصدق بعض الحال عرض فقد ظهر صدق العرض على المحل والحال جزئيا.

المسألة الثانية

في أن الجوهر والعرض ليسا جنسين لما تحتهما

قال : والجوهرية والعرضية من ثواني المعقولات لتوقف نسبة إحداهما على وسط.

أقول : اتفق العقلاء على أن العرض من حيث هذا المفهوم ليس جنسا لما تحته بل هو أمر عرضي ، واختلفوا في الجوهر هل هو جنس لما تحته أو عارض والذي اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ أنه عارض وجعل الجوهرية والعرضية من المعقولات الثانية فإن كون الذات مستغنية عن المحل أو محتاجة إليه أمر زائد على نفس الذات من الأمور الاعتبارية وحكم من أحكامها الذهنية واستدل عليه بأن الذهن يتوقف في نسبة إحداهما إلى الذات على وسط ولهذا احتجنا إلى الاستدلال على عرضية الكميات والكيفيات وجوهرية النفوس وأشباه ذلك وجنس الشيء لا يجوز أن يتوقف ثبوته له على البرهان وهذا الذي ذكره ـ رحمه‌الله ـ يدل على الزيادة لا على كونه من المعقولات الثانية.

قال : واختلاف الأنواع بالأولوية.

أقول : هذا دليل ثان على كون الجوهر عرضا عاما لجزئياته لا جنسا لها وذلك لأن بعض الجزئيات أولى بالجوهرية من بعض فإن الشخصيات أولى بالجوهرية من الكليات ولا تفاوت في الأجناس. وهو أيضا يدل على كون العرض عرضيا لوقوع التفاوت فيه بين جزئياته فإن الأعراض القارة أولى بالعرضية من غيرها.

قال : والمعقول اشتراكه عرضي.

أقول : إنا نعقل بين الجسم والعقل والنفس والمادة والصورة أمرا مشتركا هو الاستغناء عن المحل ولا نعقل بينها اشتراكا في غيره وهذا القدر أمر عرضي فالجوهرية إن جعلت عبارة عن هذا الاعتبار كانت عرضا عاما ، وإن جعلت عبارة عن الماهية المقتضية

لهذا الاعتبار فليس هنا ماهية للجسم وراء كونه جسما وكذلك البواقي وهذه الماهيات تقتضي هذا الاعتبار وإن اختلفت مع اشتراكه وكذلك البحث في العرض فإنا نعقل الاشتراك بين الكم والكيف وباقي الأعراض في الحاجة إلى المحل والعرضية في الوجود وهذا المعنى أمر اعتباري فليست العرضية جنسا.

المسألة الثالثة

في نفي التضاد عن الجواهر

قال : ولا تضاد بين الجواهر ولا بينها وبين غيرها.

أقول : لما فرغ من تعريف الجوهر والعرض وبيان أنهما ليسا بجنسين شرع في باقي أحكامهما فبين انتفاء الضدية عن الجواهر على معنى أنه لا ضد للجوهر من الجواهر ولا من غيرها وبيانه أن الضد هو الذات الوجودية المعاقبة لذات أخرى وجودية في الموضوع مع كونها في غاية البعد عنها وقد بينا أن الجوهر لا موضوع له فلا يعقل فيه هذا المعنى لا بالنظر إلى جوهر آخر ولا بالنظر إلى غيره من الأعراض.

قال : والمعقول من الفناء العدم.

أقول : لما بين انتفاء الضد عن الجوهر أخذ يرد على أبي هاشم وأتباعه حيث جعلوا للجواهر أضدادا هي الفناء فقال إن المعقول من الفناء العدم وليس الفناء أمرا وجوديا يضاد الجوهر لأنه إما جوهر أو عرض والقسمان باطلان فلا تحقق له.

قال : وقد يطلق التضاد على البعض باعتبار آخر.

أقول : إن بعض الجواهر قد يطلق عليه أنه ضد للبعض الآخر لكن يؤخذ التضاد باعتبار آخر وهو التنافي في المحل مطلقا وحينئذ يكون بعض الصور الجوهرية يضاد البعض الآخر.

المسألة الرابعة

في أن وحدة المحل لا تستلزم وحدة الحال

قال : ووحدة المحل لا تستلزم وحدة الحال إلا مع التماثل بخلاف العكس.

أقول : المحل الواحد قد يحل فيه أكثر من حال واحد مع الاختلاف كالجسم الذي يحله السواد والحركة والحرارة ، وكالمادة التي تحل فيها الصور الجسمية والنوعية.

هذا مع الاختلاف أما مع التماثل فإنه لا يجوز أن يحل المثلان محلا واحدا لاستلزامه رفع الاثنينية لانتفاء الامتياز بالذاتيات واللوازم لاتفاقهما فيهما ، وبالعوارض لتساوي نسبتهما إليها.

فقد ظهر أن وحدة المحل لا تستلزم وحدة الحال إلا مع التماثل وأما العكس فإنه يستلزم فإن وحدة الحال تستلزم وحدة المحل لاستحالة حلول عرض واحد أو صورة واحدة في محلين وهو ضروري وكلام أبي هاشم في التأليف وبعض الأوائل في الإضافات خطأ.

قال : وأما الانقسام فغير مستلزم في الطرفين.

أقول : انقسام المحل لا يستلزم انقسام الحال فإن الوحدة والنقطة والإضافات كالأبوة والبنوة أعراض قائمة بمحال منقسمة وهي غير منقسمة أما الوحدة والنقطة فظاهر وكذا الإضافة فإنه لا يعقل حلول نصف الأبوة أو البنوة في نصف ذات الأب أو الابن.

وذهب قوم إلى أن انقسام المحل يقتضي انقسام الحال لاستحالة قيامه مع وحدته بكل واحد من الأجزاء وتوزيعه عليها وانتفاء حلوله فيها وأما الحال فإنه لا يقتضي انقسامه انقسام المحل فإن الحرارة والحركة إذا حلا محلا واحدا لم يقتض ذلك أن يكون بعض المحل حارا غير متحرك وبعضه متحركا غير حار.

واعلم أن الأعراض السارية إذا حلت محلا منقسما انقسمت بانقسامه والأعراض

المنقسمة بالمقدار لا بالحقائق إذا حلت محلا انقسم بانقسامها.

المسألة الخامسة

في استحالة انتقال الأعراض

قال : والموضوع من جملة المشخصات.

أقول : الحكم بامتناع انتقال الأعراض قريب من البين والدليل عليه أن العرض إن لم يتشخص لم يوجد فتشخصه ليس معلول ماهيته ولا لوازمها وإلا لكان نوعه في شخصه ، ولا ما يحل فيه وإلا لاكتفى بموجده ومشخصه عن موضوعه فيقوم بنفسه وهو محال فبقي أن يكون معلول محله فيستحيل انتقاله عنه وإلا لم يكن ذلك الشخص ذلك الشخص.

قال : وقد يفتقر الحال إلى محل متوسط.

أقول : الحال قد يحل الموضوع من غير واسطة كالحركة القائمة بالجسم وقد يفتقر إلى محل متوسط فيحل فيه ثم يحل ذلك المحل في الموضوع كالسرعة القائمة بالجسم فإنها تفتقر إلى حلولها في الحركة ثم تحل الحركة في الجسم.

المسألة السادسة

في نفي الجزء الذي لا يتجزى

قال : ولا وجود لوضعي لا يتجزى بالاستقلال.

أقول : هذه مسألة اختلف الناس فيها فذهب جماعة من المتكلمين والحكماء إلى أن الجسم مركب من أجزاء لا تتجزى فذهب بعضهم إلى تناهيها وبعضهم إلى عدمه ، وذهب الباقون إلى أن الجسم بسيط في نفسه متصل كاتصاله عند الحس لكنه يقبل الانقسام إما إلى ما يتناهى كما ذهب إليه من لا تحقيق له ، أو إلى ما لا يتناهى كما

ذهب إليه الحكماء.

وقد نفى المصنف ـ رحمه‌الله ـ الجزء الذي لا يتجزى بقوله لا وجود لوضعي لا يتجزى بالاستقلال وذلك لأن ما لا يتجزى من ذوات الأوضاع أعني الأشياء المشار إليها بالحس قد توجد لا بالاستقلال كوجود النقطة في طرف الخط أو مركز الدائرة ولا يمكن وجوده بالاستقلال وقد استدل عليه بوجوه :

قال : لحجب المتوسط.

أقول : هذا أحد الأدلة على نفي الجزء وتقريره أنا إذا فرضنا جوهرا متوسطا بين جوهرين فإما أن يحجبهما عن التماس أو لا والثاني باطل وإلا لزم التداخل ، والأول يوجب الانقسام لأن الطرف الملاقي لأحدهما مغاير للطرف الملاقي للآخر.

قال : ولحركة الموضوعين على طرفي المركب من ثلاثة.

أقول : هذا وجه ثان وتقريره أنا إذا فرضنا خطا مركبا من ثلاثة جواهر وعلى طرفيه جزءين ثم تحركا على السواء في السرعة والبطء والابتداء فلا بد وأن يتلاقيا وإنما يمكن بأن يكون نصف كل واحد منهما على نصف الطرف والنصف الآخر على نصف المتوسط فتنقسم الخمسة.

قال : أو من أربعة على التبادل.

أقول : هذا وجه ثالث وتقريره أنا إذا فرضنا خطا مركبا من أربعة جواهر وفوق أحد طرفيه جزء وتحت طرفه الآخر جزء وتحركا على التبادل كل منهما من أول الخط إلى آخره حركة على السواء في الابتداء والسرعة فإنهما لا يقطعان الخط إلا بعد المحاذاة فموضع المحاذاة إن كان هو الثاني أو الثالث كان أحدهما قد قطع أكثر فلا بد وأن يكون بينهما وذلك يقتضي انقسام الجميع.

قال : ويلزمهم ما يشهد الحس بكذبه من التفكك وسكون المتحرك وانتفاء الدائرة.

أقول : هذه وجوه أخرى تدل على نفي الجزء :

أحدها أن الحس يشهد بأن المتحرك على الاستدارة باق على وضعه ونسبة أجزائه ومع القول بالجزء يلزم التفكك لأن الجزء القريب من المنطقة إذا تحرك جزءا فإن تحرك القريب من القطب جزءا تساوي المداران وهو باطل بالضرورة ، وإن تحرك أقل من جزء لزم الانقسام ، وإن لم يتحرك أصلا لزم التفكك

الثاني أن السرعة والبطء كيفيتان قائمتان بالحركة لا باعتبار تخلل السكنات وعدمه لأنه لو كان بسبب تخلل السكنات لزم أن يكون فضل سكنات الفرس السائر من أول النهار إلى آخره خمسين فرسخا على حركاته بإزاء فضل حركات الشمس من أول النهار إلى آخره على حركات الفرس لكن فضل حركات الشمس أضعاف أضعاف حركات الفرس فتكون سكنات الفرس أضعاف أضعاف حركاته لكن الحس يكذب ذلك. إذا ثبت هذا فإذا تحرك السريع جزءا فإن تحرك البطيء جزءا تساويا هذا خلف ، وإن تحرك أقل لزم الانقسام وإن لم يتحرك أصلا لزم المحال. هذا ما خطر لنا الآن من تفسير قوله ـ رحمه‌الله ـ وسكون المتحرك

الثالث أن الدائرة موجودة بالحس فإن كانت حقيقية لزم إبطال الجزء لأن الدائرة القطبية إن تلاقت أجزاؤها بظواهرها وبواطنها ساوت الدائرة المنطقية هذا خلف ، وإن تلاقت ببواطنها خاصة لزم الانقسام ، وإن لم تكن حقيقية كان ذلك لارتفاع بعض أجزائها وانخفاض البعض الآخر لكن المنخفض إذا ملئ بالجزء ولم يفضل كانت الدائرة حقيقية ولزم ما ذكرنا وإلا لزم الانقسام.

قال : والنقطة عرض قائم بالمنقسم باعتبار التناهي.

أقول : هذا جواب عن حجة من أثبت الجزء وتقريرها أن النقطة موجودة لأنها نهاية الخط فإن كانت جوهرا فهو المطلوب ، وإن كانت عرضا فمحلها إن انقسم انقسمت لأن

الحال في أحد الجزءين مغاير للحال في الآخر ، وإن لم ينقسم فهو المطلوب.

والجواب أنها عرض قائم بالمنقسم ولا يلزم انقسامها لانقسام المحل لأن الحال في المنقسم باعتبار لحوق طبيعة أخرى به لا يلزم انقسامه بانقسام محله وهاهنا النقطة حلت في الخط المنقسم باعتبار عروض التناهي له.

قال : والحركة لا وجود لها في الحال ولا يلزم نفيها مطلقا.

أقول : هذا جواب عن حجة أخرى لهم وهي أن الحركة موجودة بالضرورة وهي من الموجودات الغير القارة فإما أن يكون لها في الحال وجود أو لا والثاني باطل لأن الماضي والمستقبل معدومان فلو لم تكن في الحال موجودة لزم نفيها مطلقا وإذا كانت موجودة في الحال فإن كانت منقسمة كان أحد طرفيها سابقا على الآخر فلا يكون الحاضر كله حاضرا هذا خلف ، وإن لم تكن منقسمة كانت المسافة غير منقسمة لأنها لو انقسمت لانقسمت الحركة لأن الحركة في أحد الجزءين مغايرة للحركة في الجزء الآخر فتكون الحركة منقسمة مع أنا فرضناها غير منقسمة.

والجواب : أن الحركة لا وجود لها في الحال ولا يلزم من نفيها في الحال نفيها مطلقا لأن الماضي والمستقبل وإن كانا معدومين في الحال لكن كل منهما له وجود في حد نفسه.

قال : والآن لا تحقق له خارجا.

أقول : هذا جواب عن حجة أخرى لهم وهي أن الآن موجود لانتفاء الماضي والمستقبل فإن كان الآن منتفيا كان الزمان منتفيا مطلقا ويستحيل انقسامه وإلا لزم أن يكون الحاضر بعضه فلا يكون الآن كله آنا هذا خلف ، وإذا كان موجودا فالحركة الواقعة فيه غير منقسمة وإلا لكان أحد طرفيها واقعا في زمان والآخر في زمان آخر فينقسم ما فرضناه غير منقسم هذا خلف ، ويلزم من عدم انقسام الحركة عدم انقسام المسافة على ما مر تقريره.

وتقرير الجواب : أن الماضي والمستقبل موجودان في حد أنفسهما معدومان في الآن

لا مطلقا والآن لا تحقق له في الخارج.

قال : ولو تركبت الحركة مما لا يتجزى لم تكن موجودة.

أقول : لما فرغ من النقض شرع في المعارضة فاستدل على أن الحركة لا تتركب مما لا يتجزى لأنها لو تركبت مما لا يتجزى لم تكن موجودة والتالي باطل اتفاقا فكذا المقدم بيان الشرطية أن الجزء إذا تحرك من حيز إلى حيز فإما أن يوصف بالحركة حال كونه في الحيز الأول وهو باطل لأنه حينئذ لم يأخذ في الحركة ، أو حال كونه في الحيز الثاني وهو باطل أيضا لأن الحركة حينئذ قد انتهت وانقطعت ولا واسطة بين الأول والثاني وهذا المحال نشأ من إثبات الجوهر الفرد لأنه على تقدير عدمه تثبت الواسطة.

ويمكن أن يقرر بيان الشرطية من وجه آخر وهو أن الحركة إما أن تكون عبارة عن المماسة الأولى أو الثانية وهما محالان لما مر أو مجموعهما وهو محال لانتفائه.

قال : والقائل بعدم تناهي الأجزاء يلزمه مع ما تقدم النقض بوجود المؤلف مما يتناهى ويفتقر في التعميم إلى التناسب.

أقول : لما فرغ من إبطال مذهب القائلين بالجوهر الفرد شرع في إبطال مذهب القائلين بعدم تناهي الأجزاء فعلا وقد استدل عليه بما تقدم فإن الأدلة التي ذكرناها تبطل الجوهر الفرد مطلقا سواء قيل بتركب الجسم من أفراد متناهية منه أو غير متناهية.

واستدل عليه أيضا بوجوه الأول : أنا نفرض أعدادا متناهية من الجواهر الأفراد ونؤلفها في جميع الأبعاد فإما أن يزيد مقدارها على مقدار الواحد أو لا والثاني باطل وإلا لم يكن تأليفها مفيدا للمقدار ولا للعدد وهو باطل قطعا ، وإن زاد مقدارها على مقدار الواحد حتى حصلت أبعاد ثلاثة حصل جسم من أجزاء متناهية وهو يبطل قولهم إن كل جسم متألف من أعداد غير متناهية فهذا معنى لزوم النقض بوجود المؤلف مما يتناهى. وأما قوله ويفتقر في التعميم إلى التناسب فمعناه أنا إذا أردنا تعميم القضية بأن نحكم بأنه لا شيء من الأجسام بمؤلف من أجزاء غير متناهية فطريقه أن ينسب هذا المؤلف الذي ألفناه من

الأجزاء المتناهية إلى بقية الأجسام فنقول كل جسم فإنه متناه في المقدار فله إلى هذا المؤلف نسبة وهي نسبة متناهي المقدار إلى متناهي المقدار لكنا نعلم أن المقدار يزيد بزيادة الأجزاء وينقص بنقصانها فنسبة المقدار إلى المقدار كنسبة الأجزاء إلى الأجزاء لكن نسبة المقدار إلى المقدار نسبة متناه إلى متناه فكذا نسبة الأجزاء إلى الأجزاء.

قال : ويلزم عدم لحوق السريع البطيء.

أقول : هذا هو الوجه الثاني الدال على إبطال القول بعدم تناهي الأجزاء وتقريره أن الجسم لو تركب من أجزاء غير متناهية لم يلحق السريع البطيء والتالي باطل بالضرورة فكذا المقدم ، بيان الشرطية أن البطيء إذا قطع مسافة ثم ابتدأ السريع وتحرك فإنه مع قطع تلك المسافة يكون البطيء قد قطع شيئا آخر فإذا قطعه السريع يقطع البطيء شيئا آخر وهكذا إلى ما لا يتناهى فلا يلحق السريع البطيء.

قال : وأن لا يقطع المسافة المتناهية في زمان متناه.

أقول : هذا وجه ثالث قريب من الوجه الثاني وتقريره أنا لو فرضنا الجسم يشتمل على ما لا يتناهى من الأجزاء لزم أن لا يقطع المتحرك المسافة المتناهية في زمان متناه لأنه لا يمكنه قطعها إلا بعد قطع نصفها ولا يمكنه قطع نصفها إلا بعد قطع ربعها وهكذا إلى ما لا يتناهى فيكون هناك أزمنة غير متناهية وقد تكلمنا على هذه الوجوه في كتاب الأسرار بما لم يسبقنا إليه أحد.

قال : والضرورة قضت ببطلان الطفرة والتداخل.

أقول : اعلم أن القائلين بعدم تناهي الأجزاء اعتذروا عن الوجه الأول بالتداخل فقالوا لا يلزم من عدم تناهي الأجزاء عدم تناهي المقدار لأن الأجزاء تتداخل فيصير جزءان وأزيد في حيز واحد وفي قدره فلا يلزم بقاء النسبة

واعتذروا عن الوجهين الأخيرين بالطفرة فإن المتحرك إذا قطع مسافة غير متناهية

الأجزاء في زمان متناه فإنه يطفر بعض تلك الأجزاء ويتحرك على البعض الآخر ، وكذلك السريع يطفر بعض الأجزاء ليلحق البطيء. وهذان العذران باطلان بالضرورة.

قال : والقسمة بأنواعها تحدث اثنينية يساوي طباع كل واحد منهما طباع المجموع.

أقول : يريد أن يبطل مذهب ذيمقراطيس في هذا الموضع وهو أن الجسم ينتهي في القسمة الانفكاكية إلى أجزاء قابلة للقسمة الوهمية لا الانفكاكية.

وبيانه أن القسمة بأنواعها الثلاثة أعني الانفكاكية والوهمية والتي باختلاف الأعراض الإضافية أو الحقيقية تحدث في المقسوم اثنينية تكون طبيعة كل واحد من القسمين مساوية لطبيعة المجموع ولطبيعة الخارج عنه وكل واحد من القسمين لما صح عليه الانفكاك عن صاحبه فكذلك كل واحد من قسمي القسمين إلى ما لا يتناهى.

قال : وامتناع الانفكاك لعارض لا يقتضي الامتناع الذاتي.

أقول : بعض الأجسام قد تمتنع عليها القسمة الانفكاكية لا بالنظر إلى ذاتها بل بالنظر إلى عارض خارج عن الحقيقة الجسمية إما لصغر المقسوم بحيث لا تتناوله الآلة القاسمة أو صلابته أو وصول صورة تقتضي ذلك كما في الفلك عندهم ولكن ذلك الامتناع لا يقتضي الامتناع الذاتي.

قال : فقد ثبت أن الجسم شيء واحد متصل يقبل الانقسام إلى ما لا يتناهى.

أقول : هذا نتيجة ما مضى لأنه قد بطل القول بتركب الجسم من الجواهر الأفراد سواء كانت متناهية أو غير متناهية فثبت أنه واحد في نفسه متصل لا مفاصل له بالفعل ولا شك في أنه يقبل الانقسام فإما أن يكون قابلا لما يتناهى من الأقسام لا غير وهو باطل لما تقدم في إبطال مذهب ذيمقراطيس ، أو لما لا يتناهى وهو المطلوب.

المسألة السابعة

في نفي الهيولى

قال : ولا يقتضي ذلك ثبوت مادة سوى الجسم لاستحالة التسلسل ووجود ما لا يتناهى.

أقول : يريد أن يبين أن الجسم البسيط لا جزء له وقد ذهب إلى ذلك جماعة من المتكلمين وأبو البركات البغدادي.

وقال أبو علي : إن الجسم مركب من الهيولى والصورة واحتج عليه بأن الجسم متصل في نفسه وقابل للانفصال ويستحيل أن يكون القابل هو الاتصال نفسه لأن الشيء لا يقبل عدمه فلا بد للاتصال من محل يقبل الانفصال والاتصال وذلك هو الهيولى والاتصال هو الصورة فاستدرك المصنف ـ رحمه‌الله ـ ذلك وقال : إن ذلك أي قبول الانقسام لا يقتضي ثبوت مادة كما قررناه في كلام أبي علي لأن الجسم المتصل له مادة واحدة فإذا قسمناه استحال أن تبقى المادة على وحدتها اتفاقا بل يحصل لكل جزء مادة ، فإن كانت مادة كل جزء حادثة بعد القسمة لزمه التسلسل لأن كل حادث عندهم لا بد له من مادة ، وإن كانت موجودة قبل القسمة لزم وجود مواد لا نهاية لها بحسب ما في الجسم من قبول الانقسامات التي لا تتناهى.

المسألة الثامنة

في إثبات المكان لكل جسم

قال : ولكل جسم مكان طبيعي يطلبه عند الخروج على أقرب الطرق.

أقول : كل جسم على الإطلاق فإنه يفتقر إلى مكان يحل فيه لاستحالة وجود جسم مجرد عن كل الأمكنة ولا بد وأن يكون ذلك المكان طبيعيا له لأنا إذا جردنا الجسم عن

كل العوارض فإما أن لا يحل في شيء من الأمكنة وهو محال ، أو يحل في الجميع وهو أيضا باطل بالضرورة ، أو يحل في البعض فيكون ذلك البعض طبيعيا ولهذا إذا أخرج عن مكانه عاد إليه وإنما يرجع إليه على أقرب الطرق وهو الاستقامة.

قال : فلو تعدد انتفى.

أقول : يريد أن يبين أن المكان الطبيعي واحد لأنه لو كان لجسم واحد مكانان طبيعيان لكان إذا حصل في أحدهما كان تاركا للثاني بالطبع وكذا بالعكس فلا يكون واحد منهما طبيعيا له فلهذا قال فلو تعدد يعني الطبيعي انتفى ولم يكن له مكان طبيعي.

قال : ومكان المركب مكان الغالب أو ما اتفق وجوده فيه.

أقول : المركب إن تركب من جوهرين فإن تساويا وتمانعا وقف في الوسط بينهما وإلا تفرقا وإن غلب أحدهما كان مكانه مكان الغالب ، وإن تركب من ثلاثة وغلب أحدها كان مكانه مكان الغالب وإلا كان في الوسط ، وإن تركب من أربعة متساوية حصل في الوسط أو ما اتفق وجوده فيه وإن غلب أحدها كان في مكانه ولا استمرار للمعتدل لسرعة انفعاله بالأمور الغريبة.

قال : وكذا الشكل والطبيعي منه الكرة.

أقول : قيل في تعريف الشكل أنه ما أحاط به حد واحد أو حدود وفي التحقيق أنه من الكيفيات المختصة بالكميات وهو هيئة إحاطة الحد الواحد أو الحدود بالجسم وهو طبيعي وقسري لأن كل جسم متناه على ما يأتي وكل متناه مشكل بالضرورة فإذا فرض خاليا عن جميع العوارض لم يكن له بد من شكل فيكون طبيعيا ولما كانت الطبيعة واحدة لم تقتض أمورا مختلفة ولا شكل أبسط من الاستدارة فيكون الشكل الطبيعي هو المستدير وباقي الأشكال قسري.

المسألة التاسعة

في تحقيق ماهية المكان

قال : والمعقول من الأول البعد فإن الأمارات تساعد عليه.

أقول : الأول يعني به المكان لأنه قد تبين أن الجسم يقتضي بطبعه شيئين المكان والشكل ولما كان الشكل ظاهرا وكان طبيعيا ذكره بعقب المكان ثم عاد إلى تحقيق ماهية المكان وقد اختلف الناس فيه والذي عليه المحققون أمران أحدهما البعد المساوي لبعد المتمكن وهذا مذهب أفلاطون.

والثاني السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي وهو مذهب أرسطو وأبي علي بن سينا.

وقد اختار المصنف الأول وهو اختيار أبي البركات ومذهب المتكلمين قريب منه والدليل على ما اختاره المصنف أن المعقول من المكان إنما هو البعد فإنا إذا فرضنا الكوز خاليا من الماء تصورنا الأبعاد التي يحيط بها جرم الكوز بحيث إذا ملئ ماء شغلها الماء بجملتها ، والأمارات المشهورة في المكان من قولهم إنه ما يتمكن المتمكن فيه ويستقر عليه ويساويه وما يوصف بالخلو والامتلاء يساعد على أن المكان هو البعد.

قال : واعلم أن البعد منه ملاق للمادة وهو الحال في الجسم ويمانع مساويه ، ومنه مفارق تحل فيه الأجسام ويلاقيها بجملتها ويداخلها بحيث ينطبق على بعد المتمكن ويتحد به ولا امتناع لخلوه عن المادة.

أقول : لما فرغ من بيان ماهية المكان شرع في الجواب عن شبهة مقدرة تورد على كون المكان بعدا وهي أن المكان لو كان هو البعد لزم اجتماع البعدين والتالي محال فالمقدم مثله بيان الشرطية أن المتمكن له بعد فإن بقيا معا لزم الاجتماع والاتحاد إذ لا يزيد بعد الحاوي عند حلول المحوي ، وإن عدم أحدهما كان المعدوم حالا في الموجود أو بالعكس

وهما محالان. وأما بيان استحالة التالي فضروري لما تقدم من امتناع الاتحاد ، ولأن المعقول من البعد الشخصي إنما هو البعد الذي بين طرفي الحاوي فلو تشكك العقل في تعدده لزم السفسطة.

وتقرير الجواب أن البعد ينقسم إلى قسمين أحدهما بعد مقارن للمادة وحال فيها وهو البعد المقارن للجسم ، والثاني مفارق للمادة وهو الحاصل بين الأجسام المتباعدة والأول يمانع مساويه يعني البعد المقارن للمادة أيضا فلا يجامعه لاستحالة التداخل بين بعدين مقارنين والثاني لا يستحيل عليه مداخلة بعد مادي بل يداخله ويطابقه ويتحد به وهو محل الجسم المداخل بعده له فلا امتناع في هذه المداخلة والاتحاد لأن هذا البعد خال عن المادة.

قال : ولو كان المكان سطحا لتضادت الأحكام.

أقول : لما بين حقيقة المكان شرع في إبطال مذهب المخالفين القائلين بأن المكان هو السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من المحوي وتقرير البطلان أن المكان لو كان هو السطح لتضادت الأحكام الثابتة للجسم الواحد فإن الحجر الواقف في الماء والطير الواقف في الهواء يفارقان سطحا بعد سطح مع كونهما ساكنين ولو كان المكان هو السطح لكانا متحركين لأن الحركة هي مفارقة الجسم لمكان إلى مكان آخر ، ولكانت الشمس المتحركة الملازمة لسطحها ساكنة فيلزم سكون المتحرك وحركة الساكن وذلك تضاد في الأحكام محال.

قال : ولم يعم المكان.

أقول : هذا وجه ثان دال على بطلان القول بالسطح وتقريره أن العقلاء حكموا باحتياج كل جسم إلى مكان ولو كان المكان عبارة عن السطح الحاوي لزم أحد الأمرين وهو إما عدم تناهي الأجسام حتى يكون كل جسم محاطا بغيره ، أو حصول جسم لا في مكان بأن يكون محيطا بجميع الأجسام والقسمان باطلان فالمقدم مثله.

المسألة العاشرة

في امتناع الخلاء

قال : وهذا المكان لا يصح عليه الخلو من شاغل وإلا لساوت حركة ذي المعاوق حركة عديمه عند فرض معاوق أقل بنسبة زمانيهما.

أقول : اختلف الناس في هذا المكان فذهب قوم إلى جواز الخلاء وذهب آخرون إلى امتناعه وهو اختيار المصنف واستدل عليه بأن الخلاء لو كان ثابتا لكانت الحركة مع العائق كالحركة مع عدم العائق والتالي باطل بالضرورة فالمقدم مثله وبيان الشرطية أنا إذا فرضنا متحركا يقطع مسافة ما خالية في ساعة ثم نفرض تلك المسافة ممتلية فإن زمان الحركة يكون أطول لأن الملاء الموجود في المسافة معاوق المتحرك عن الحركة فلنفرضه يقطعها في ساعتين ، ثم نفرض ملاء آخر أرق من الأول على نسبة زمان الحركة في الخلاء إلى زمانها في الملاء وهو النصف فيكون معاوقته نصف المعاوقة الأولى فيتحركها المتحرك في ساعة لكن الملاء الرقيق معاوق أيضا فتكون الحركة مع المعاوق كالحركة بدونه وهو باطل.

المسألة الحادية عشرة

في البحث عن الجهة

قال : والجهة طرف الامتداد الحاصل في مأخذ الإشارة.

أقول : لما بحث عن المكان وكانت الجهة ملائمة له حتى ظن أنهما واحد عقبه بالبحث عنها وهي على ما فسرها جماعة من الأوائل عبارة عن طرف الامتداد الحاصل في مأخذ الإشارة وذلك لأنا نتوهم امتدادا آخذا من المشير ومنتهيا إلى المشار إليه فذلك المنتهى هو طرف الامتداد الحاصل في مأخذ الإشارة.

قال : وليست منقسمة.

أقول : لما كانت الجهة عبارة عن الطرف لم تكن منقسمة لأن الطرف لو كان منقسما لم يكن الطرف كله طرفا بل متناهية فلا يكون الطرف طرفا هذا خلف ، ولأن المتحرك إذا وصل إلى المنتصف لم يخل إما أن يكون متحركا عن الجهة فلا يكون ما تخلف من الجهة أو يكون متحركا إليها فلا يكون المتروك من الجهة.

قال : وهي من ذوات الأوضاع المقصودة بالحركة للحصول فيها وبالإشارة.

أقول : الجهة ليست أمرا مجردا عن المواد وعلائقها بل هي من ذوات الأوضاع التي تتناولها الإشارة الحسية وتقصد بالحركة وبالإشارة فتكون موجودة. وإنما قيد القصد بالحركة بقوله للحصول فيها لأن ما يقصد بالحركة قد يكون موجودا كالجهة فإنها تقصد بالحركة لأنها تقصد الحصول فيها ، وقد يكون معدوما كالبياض الذي يتحرك الجسم إليه من السواد فإنه معدوم وليس مقصودا بالحركة للحصول فيه بل لتحصيله.

قال : والطبيعي منها فوق وسفل وما عداهما غير متناه.

أقول : الجهة منها ما هو طبيعي وهو ثنتان لا غير : الفوق والسفل ، ومنها ما هو غير طبيعي وهو ما عداهما ونعني بالطبيعي ما يستحيل تغيره وانتقاله عن هيئته ، وبغير الطبيعي ما يمكن تغيره فإن القدام قد يصير خلفا وكذا اليمين قد يصير يسارا ، وأما الفوق والسفل فلا وهذه الجهات التي ليست طبيعية غير متناهية لأنها أطراف الخطوط المفروضة في الامتداد وتلك الخطوط غير متناهية.

الفصل الثاني

في الأجسام

قال : الفصل الثاني في الأجسام

وهي قسمان فلكية وعنصرية أما الفلكية فالكلية منها تسعة واحد غير مكوكب محيط بالجميع وتحته فلك الثوابت ، ثم أفلاك الكواكب السيارة السبعة ، وتشتمل على أفلاك تداوير وخارجة المراكز ، والمجموع أربعة وعشرون وتشتمل على سبعة متحيرة وألف ونيف وعشرين كوكبا ثوابت.

أقول : لما فرغ من البحث عن مطلق الجوهر شرع في البحث عن جزئياته وبدأ بالجسم لأنه أقرب إلى الحس وفي هذا الفصل مسائل :

المسألة الأولى

في البحث عن الأجسام الفلكية

اعلم أن الأجسام تنقسم قسمين فلكية وعنصرية والأفلاك إما كلية تظهر منها حركة واحدة إما بسيطة أو مركبة وإما جزئية.

أما الكلية فتسعة واحد منها محيط بالجميع يسمى الفلك المحيط وهو غير مكوكب ويسمى الفلك الأطلس بهذا الاعتبار ، وتحته فلك الثوابت ويسمى فلك البروج يماس المحيط بمقعره محدب هذا الفلك وتحت هذا زحل وتحته المشتري وتحته المريخ وتحته الشمس وتحته الزهرة وتحته عطارد وتحته القمر يماس العالي بمقعره محدب السافل وهذه التسعة متوافقة المراكز وموافقة للأرض في مركزها.

ثم إن كل فلك من هذه الأفلاك السبعة ينفصل إلى أجسام كثيرة يقتضيه اختلاف حركات ذلك الكواكب في الطول والعرض والاستقامة والرجوع والسرعة والبطء والبعد

والقرب من الأرض فأثبتوا لكل كوكب فلكا ممثلا بفلك البروج مركزه مركز العالم يماس بمحدبه مقعر ما فوقه وبمقعره محدب ما تحته وهو فلكه الكلي المشتمل على سائر أفلاكه إلا القمر فإن ممثله محيط بآخر يسمى المائل.

وأثبتوا أيضا فلكا خارج المركز عن مركز الأرض ينفصل عن الممثل أو المائل يتماس محدباهما ومقعراهما على نقطتين يسمى الأبعد عن الأرض أوجا والأقرب منه حضيضا.

وأثبتوا فلكا آخر يسمى فلك التدوير غير محيط بالأرض بل هو في ثخن الخارج المركز يماس محدبه سطحيه على نقطتين تسمى الأبعد ذروة والأقرب إلى الأرض حضيضا في السبعة عدا الشمس فإنهم أثبتوا لها فلكا خارج المركز خاصة.

وأثبتوا لعطارد فلكين خارجي المركز يسمى أحدهما المدير والثاني الحامل فالمجموع مع الفلكين العظيمين أربعة وعشرون فلكا تشتمل سبعة أفلاك منها على خمسة كواكب متحيرة. وفلك البروج يحتوي على ألف ونيف وعشرين كوكبا ثابتة وكون الثوابت في فلك واحد غير معلوم وكذلك انحصار الأفلاك فيما ذكروه غير معلوم بل يجوز أن توجد أفلاك كثيرة إما وراء المحيط أو بين هذه الأفلاك وقول بعضهم إن أبعد بعد كل سافل مساو لأقرب قرب العالي باطل لأن بين أبعد بعد القمر وأقرب قرب عطارد ثخن فلك جوزهر القمر

قال : والكل بسائط.

أقول : ذهبوا إلى أن الفلك بسيط لأن كل مركب يتطرق إليه الانحلال والفلك لا يتطرق إليه الانحلال في هذه المدد المتطاولة فيكون بسيطا وهذا حكم واجب عندهم وممكن عندنا لأن الأجسام عندنا حادثة يمكن تطرق التغير إليها والانحلال.

قال : خالية من الكيفيات الفعلية والانفعالية ولوازمها.

أقول : هذا حكم آخر للأفلاك وهو أنها غير متصفة بالكيفيات الفعلية أعني الحرارة والبرودة وما ينسب إليهما ، ولا الكيفيات الانفعالية أعني الرطوبة واليبوسة وما ينسب

إليهما ، وغير متصفة بلوازمها أعني الثقل والخفة.

واستدلوا على ذلك بأن الأفلاك لو كانت حارة لكانت في غاية الحرارة والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أن الفاعل موجود في مادة بسيطة لا عائق لها فيجب حصول كمال الأثر ، وبيان بطلان التالي أن الهواء العالي أبرد من الهواء الملاصق لوجه الأرض.

وكذا لو اقتضت البرودة لبلغت الغاية فيها فكان يستولي الجمود على العناصر فما كان يتكون شيء من الحيوان.

ولقائل أن يقول لا يلزم من اقتضاء الحرارة حصول النهاية لأن الشديد والضعيف مختلفان بالنوع ولا يلزم من اقتضاء الماهية نوعا ما اقتضاؤها النوع الآخر ولهذا كان الهواء مقتضيا للسخونة ولم يقتض البالغ منها. ولا يصح الاعتذار بأن الرطوبة مانعة عن الكمال ، لأن الرطوبة إنما تمنع عن كمال السخونة إذا أخذت بمعنى البلة لا بمعنى الرقة واللطافة ولإمكان أن تكون الطبيعة الفلكية تقتضي ما يمنع عن الكمال ، ولأن الرطوبة إذا منعت عن كمال الحرارة كانت الطبيعة الواحدة تقتضي أمرين متنافيين إذا عرفت هذا فنقول لما انتفت الحرارة والبرودة انتفى لازمهما أعني الثقل والخفة.

قال : شفافة :

أقول : استدلوا على شفافية الأفلاك بوجهين : أحدهما أنها بسائط وهو منقوض بالقمر. والثاني أنها لا تحجب ما وراءها عن الأبصار فإنا نبصر الثوابت وهي في الفلك الثامن وهذا أيضا ظني لا يفيد اليقين لجواز أن يكون لها لون ضعيف غير حاجب كما في البلور.

المسألة الثانية

في البحث عن العناصر البسيطة

قال : وأما العناصر البسيطة فأربعة كرية النار والهواء والماء والأرض واستفيد عددها من مزاوجات الكيفيات الفعلية والانفعالية.

أقول : لما فرغ من البحث عن الأجرام الفلكية شرع في البحث عن الأجسام العنصرية وهي إما بسيطة أو مركبة ولما كان البسيط جزءا من المركب وكان البحث عن الجزء متقدما على البحث عن الكل قدم البحث عن البسائط.

واعلم أن البسائط العنصرية أربعة وأقربها إلى الفلك النار ثم الهواء ثم الماء ثم الأرض ومركزها مركز العالم لأن النار حارة في الغاية فطلبت العلو ، والهواء حار لا في الغاية فطلب العلو فوق باقي العناصر والأرض أبرد العناصر فطلبت المركز.

وهذه الأربعة كرات منطبق بعضها على بعض لبساطتها ، ولأن خسوف القمر إذا اعتبر في وقت بعينه في بعض البلاد لم يوجد في البلد المخالف لذلك البلد في الطول في ذلك الوقت بعينه ، والسائر على خط من خطوط نصف النهار إلى الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع القطب الشمالي وانخفاض الجنوبي وبالعكس وهذا يدل على كرية الأرض ، والأغوار والأنجاد لا تؤثر في الكرية لصغرها بالنسبة إليها.

وأما الماء فلأن راكب البحر إذا قرب من جبل ظهرت له قلته أولا ثم أسفله ثانيا والبعد بينه وبين القلة أكثر مما بينه وبين الأسفل والسبب فيه منع حدبة الماء عن إبصار الأسفل وأما الباقيان فلما مر من بساطتهما وهي تقتضي الكرية.

وإنما استفيد عدد هذه العناصر وانحصارها في أربعة من مزاوجات الكيفيات الفعلية والانفعالية أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.

قال : وكل منها ينقلب إلى الملاصق ، وإلى الغير بواسطة أو بوسائط.

أقول : هذه العناصر الأربعة كل واحد منها ينقلب إلى الآخر أما ابتداء كصيرورة النار هواء أو بواسطة واحدة كصيرورتها ماء بواسطة انقلابها هواء ثم انقلاب الهواء ماء ، أو بوسائط كصيرورتها أرضا بواسطة انقلابها هواء ثم ماء ثم أرضا والأصل فيه أن غالب الأمر انقلاب العنصر إلى ملاصقه كانقلاب النار هواء ابتداء ، وإلى البعيد بواسطة ويدل على انقلاب كل واحد منها إلى صاحبه ما يشاهد من صيرورة النار هواء عند الانطفاء وصيرورة الهواء نارا عند إلحاح النفخ وصيرورة الهواء ماء عند حصول البرد

في الجو وانعقاد السحاب الماطر من غير وصول بخار إليه ، وصيرورة الماء هواء عند إسخانه ، وصيرورة الماء أرضا كما يعقد أهل الحيل المياه الجارية أحجارا صلبة ، وصيرورة الأرض ماء كما يتخذون مياها حارة ويحلون فيها أجسادا صلبة حجرية حتى تصير مياها جارية.

قال : فالنار حارة يابسة شفافة متحركة بالتبعية لها طبقة واحدة وقوة على إحالة المركب إليها.

أقول : لما فرغ من الأحكام المشتركة بين العناصر شرع في البحث عن الكيفيات المختصة بكل عنصر عنصر وبدأ بالنار وذكر من أحكامها ستة :

الأول : أنها حارة والحس يدل على حرارة النار الموجودة عندنا ، وأما النار البسيطة التي هي الفلك الأثير فإنها كذلك لوجود الطبيعة خالية عن العائق ولبساطتها فإن الحرارة موجودة في النار التي عندنا مع امتزاجها بالضد فكيف بالنار الصرفة.

الثاني : أنها يابسة وهو معلوم بالحس أيضا إن عني باليبوسة ما لا يلتصق بغيره ، أما إن عني بها ما يعسر تشكله بالأشكال القريبة فالنار ليست يابسة بهذا المعنى.

الثالث : أنها شفافة وإلا لحجبت الثوابت عن الأبصار ، ولأن النار كلما كانت أقرب إلى الشفافية كانت أقوى كما في أصول الشعل.

الرابع : أنها متحركة بالتبعية وهو حكم ظني لأنهم لما رأوا الشهب متحركة حكموا بحركة كرة النار ثم طلبوا العلة فقالوا إن كل جزء من الفلك تعين مكانا لجزء من النار فإذا انتقل ذلك الجزء انتقل المتمكن فيه كالساكن في السفينة.

وهذا ضعيف لأن الشهب لا تتحرك إلى جهة واحدة بل قد يكون إلى الشمال تارة وإلى الجنوب أخرى وما ذكروه من العلة فهو بعيد وإلا لزم حركة كرة الهواء والماء والأرض مع أن الفلك بسيط لا جزء له ولو فرض له أجزاء لكانت متساوية فكيف يصح اختلافها في كون بعضها مكانا لبعض أجزاء النار البسيطة والبعض الآخر مكانا للآخر.

الخامس : أنها ذات طبقة واحدة وذلك لقوتها على إحالة ما يمازجها فلا يوجد في مكانها غيرها

السادس : أنها قوية على إحالة المركب إليها وذلك ظاهر.

قال : والهواء حار رطب شفاف له أربع طبقات.

أقول : لما فرغ من البحث عن أحكام النار شرع في البحث عن الهواء الملاصق لها وذكر له أحكاما أربعة : الأول أنه حار وذلك فيما يرجع إلى الكيفية الفعلية وقد وقع التشاجر فيه فأكثر الناس ذهب إلى أنه حار لا في الغاية لأن الماء إذا أريد جعله هواء سخن فضل تسخين ومع استحكام التسخين ينقلب هواء ، وآخرون منعوا من ذلك لأنه لو اقتضى السخونة لطبعه لبلغ فيها الغاية لوجود العلة الخالية عن المعاوق. الثاني أنه رطب بمعنى سهولة قبول الأشكال لا بمعنى البلة وذلك ظاهر وهذا فيما يرجع إلى الكيفية الانفعالية. الثالث أنه شفاف وهو ظاهر لعدم إدراكه صرفا بالبصر. الرابع أنه ذو طبقات أربع الطبقة الأولى الملاصقة للأرض ، الثانية الطبقة الباردة بسبب ما يخالطها من الأبخرة ، الثالثة الطبقة الصرفة ، الرابعة الطبقة الممتزجة بشيء من النار.

قال : والماء بارد رطب شفاف محيط بثلاثة أرباع الأرض له طبقة واحدة.

أقول : ذكر للماء خمسة أحكام :

الأول أنه بارد والحس يدل عليه لأنه مع زوال المسخنات الخارجية يحس ببرده.

واختلفوا فالأكثر على أن الأرض أبرد منه لأنها أكثف وأبعد عن المسخنات والحركة الفلكية ، وقال قوم : إن الماء أبرد لأنا نحس بذلك وهو ضعيف لأن الشيء قد يكون أشد بردا في الحس ولا يكون في نفس الأمر كذلك كما في جانب السخونة ولهذا كانت السخونة في الأجسام الذائبة كالرصاص وغيره أشد في الحس من النار الصرفة الخالية عن الضد لسرعة انفصال النار الصرفة عن اليد لأجل لطافتها فلا يدوم أثرها كذلك هاهنا أثر الماء للطافته ينبسط على العضو ويصل إلى عمق كل جزء منه ويلتصق به بخلاف التراب المتناثر عنه سريعا فكان الإحساس ببرد الماء أكثر.

الثاني أنه رطب وهو ظاهر بمعنى البلة وقيل إنه يقتضي الجمود لأنه بارد بالطبع والبرد

يقتضي الجمود وإنما عرض السيلان له بسبب سخونة الأرض والهواء ولو خلي وطبعه لاقتضى الجمود.

الثالث أنه شفاف لأنه مع صرافته لا يحجب عن الأبصار. وقيل إنه ملون وإلا لم يكن مرئيا ولضعف لونه لم يحجب عن الأبصار.

الرابع أنه محيط بأكثر الأرض وهو حكم ظني لأنهم جعلوا العناصر متعادلة وإلا لاستحال الأضعف وعدم عنصره فلو لا إحاطته بثلاثة أرباع الأرض لكان أقل من الأرض وإذا كان محيطا بأكثر الأرض كان هو البحر وإلا فإما أن يكون فوق الأرض أو تحتها والثاني باطل وإلا لكان أصغر من الأرض فبقي الأول وهو البحر.

الخامس أنه ذو طبقة واحدة هو البحر وهو ظاهر.

قال : والأرض باردة يابسة ساكنة في الوسط شفافة لها ثلاث طبقات.

أقول : ذكر للأرض أحكاما خمسة :

الأول أنها باردة لأنها كثيفة وقد سلف البحث في أنها أبرد العناصر.

الثاني أنها يابسة وهو أيضا ظاهر.

الثالث أنها ساكنة في الوسط وقد نازع في ذلك جماعة : فذهب قوم إلى أنها متحركة إلى السفل ، وآخرون إلى العلو ، وآخرون بالاستدارة ، والحق خلاف ذلك كله وإلا لما وصل الحجر المرمي إليها إن كانت هاوية ، ولما نزل الحجر المرمي إلى فوق إن كانت صاعدة ، ولما سقط على الاستقامة إن كانت متحركة على الاستدارة.

وقد أشار في هذا الحكم إلى فائدة بقوله في الوسط وهو الرد على من زعم أنها ساكنة بسبب عدم تناهيها من جانب السفل لا من حيث الطبع وبيان بطلان هذا القول ظاهر لأن الأجسام متناهية.

الرابع أنها شفافة وقد وقع فيه منازعة بين القوم فذهب جماعة إليه لأنها بسيطة ، وذهب آخرون إلى المنع لأنا نشاهد الأرض فإن كانت بسيطة فالمطلوب وإن كانت ممتزجة بغيرها كانت الأرضية عليها أغلب فكانت الشفافية أغلب وليس كذلك ، ثم

نقضوا كبرى أولئك بالقمر.

الخامس في طبقاتها وهي ثلاث : طبقة هي أرض محضة وهي المركز وما يقاربه ، وطبقة طينية ، وطبقة بعضها منكشف هو البر وبعضها أحاط به البحر.

المسألة الثالثة

في البحث عن المركبات

قال : وأما المركبات فهذه الأربعة أسطقساتها.

أقول : لما فرغ من البحث عن البسائط شرع في البحث عن المركبات وبدأ من ذلك بالبحث عن بسائطها.

واعلم أن المركبات إنما تتركب من هذه العناصر الأربعة لأن العنصر الواحد بسيط لا يقع به التفاعل فلا بد من كثرة ولما دل الاستقراء على انتفاء صلاحية ما عدا الكيفيات الأربع أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة أو ما ينسب إليها للفعل والانفعال وجب أن يكون التفاعل إنما هو في هذه الأربعة وحواملها وكانت الأسطقسات هذه العناصر الأربعة لا غير. وهذه العناصر من حيث هي أجزاء العالم تسمى أركانا ، ومن حيث إنها تتركب منه المركبات من المعادن والنباتات تسمى أسطقسات.

قال : وهي حادثة عند تفاعل بعضها في بعض.

أقول : المركبات عند محققي الأوائل تحدث عند تفاعل هذه العناصر الأربعة بعضها في بعض إلى أن تستقر الكيفية المتوسطة المسماة بالمزاج.

وذهب أصحاب الخليط مثل أنكساغورس وأتباعه إلى نفي ذلك وقال إن هنا أجزاء هي لحم وأجزاء هي عظام وأجزاء هي حنطة وغير ذلك من جميع المركبات وهي مختلطة مبثوثة في العالم غير متناهية فإذا اجتمع أجزاء من طبيعة واحدة ظن أن تلك الطبيعة حدثت وليس كذلك بل تلك الطبيعة كانت موجودة والحادث التركيب لا غير ،

والضرورة قاضية ببطلان هذه المقالة فإنا نشاهد تبدل ألوان وطعوم وروائح وغير ذلك من الصفات الحادثة.

قال : فتفعل الكيفية في المادة فتكسر صرافة كيفيتها وتحصل كيفية متشابهة في الكل متوسطة هي المزاج.

أقول : لما ذكر أن المركبات إنما تحصل عند تفاعل هذه العناصر بعضها في بعض شرع في كيفية هذا التفاعل ، واعلم أن الحار والبارد ، أو الرطب واليابس إذا اجتمعا وفعل كل منهما في الآخر لم يخل إما أن يتقدم فعل أحدهما على انفعاله أو يقترنا ويلزم من الأول صيرورة المغلوب غالبا وهو محال ، ومن الثاني كون الشيء الواحد غالبا مغلوبا دفعة واحدة وهو محال فلم يبق إلا أن يكون الفاعل في كل واحد منهما غير المنفعل فقيل : الفاعل هو الصورة والمنفعل هو المادة وينتقض بالماء الحار إذا مزج بالماء البارد واعتدلا فإن الفعل والانفعال بين الحار والبارد هناك موجود مع أنه لا صورة تقتضي الحرارة في الماء البارد.

وقيل الفاعل هو الكيفية والمنفعل هو المادة مثلا تفعل حرارة الماء الحار في مادة الماء البارد فتكسر البرودة التي هي كيفية الماء البارد وتحصل كيفية متشابهة متوسطة بين الحرارة والبرودة هي المزاج ، وهذا اختيار المصنف ـ رحمه‌الله ـ وفيه نظر لأن المادة إنما تنفعل في الكيفية الفاعلة لا في غيرها ويعود البحث من كون المغلوب يصير غالبا أو اجتماع الغالبية والمغلوبية للشيء الواحد في الوقت الواحد بالنسبة إلى شيء واحد وهو باطل.

قال : مع حفظ صور البسائط.

أقول : نقل الشيخ في هذا الموضوع في كتاب الشفاء أن هنا مذهبا غريبا عجيبا وهو أن البسائط إذا اجتمعت وتفاعلت بطلت صورها النوعية المقومة لها وحدثت صورة أخرى نوعية مناسبة لمزاج ذلك المركب واحتجوا بأن العناصر لو بقيت على طبائعها حتى اتصف

الجزء الناري مثلا بالصورة اللحمية أمكن أن يعرض للنار بانفرادها عارض ينتهي بها إلى أن تصير حرارتها إلى ذلك الحد الذي حصل لها عند كونها جزءا من المركب فتصير النار البسيطة لحما.

وأبطله الشيخ بأن ذلك يكون كونا وفسادا لا مزاجا ، ولأن الكاسر باق مع الانكسار فالطبائع باقية مع انكسار الكيفيات. ونقض ما ذكروه بوروده عليهم لأن مذهبهم أن الجزء الناري تبطل ناريته عند امتزاجه ويتصف بالصورة اللحمية فيجوز عروض هذا العارض للنار البسيطة فإن شرطوا التركيب كان هو جوابنا.

قال : ثم تختلف الأمزجة في الأعداد بحسب قربها وبعدها من الاعتدال.

أقول : الأمزجة في المركبات هي المعدة لقبول المركب للصور والقوى المعدنية والنباتية والحيوانية إذ المركبات كلها اشتركت في طبيعة الجسمية ثم اختلفت في هذه القوى فبعضها اتصف بصورة حافظة لبسائطه عن التفرق جامعة لمتضادات مفرداته من غير أن يكون مبدأ لشيء آخر وهذه هي الصور المعدنية ، وبعضها اتصف بصورة تفعل مع ما تقدم التغذية والتنمية والتوليد لا غير وهي النفس النباتية ، وبعضها يفعل مع ذلك الحس والحركة الإرادية وهي النفس الحيوانية فلا بد وأن يكون هذا الاختلاف بسبب اختلاف القوابل المستند إلى اختلاف الاستعداد المستفاد من اختلاف الأمزجة بسبب بعدها وقربها من الاعتدال وكل من كان مزاجه أقرب إلى الاعتدال قبل نفسا أكمل.

قال : مع عدم تناهيها بحسب الشخص وإن كان لكل نوع طرفا إفراط وتفريط وهي تسعة.

أقول : الأمزجة تختلف باختلاف صغر أجزاء البسائط وكبرها وهذا الاختلاف بسبب الصغر والكبر غير متناه فكانت الأمزجة لذلك غير متناهية بحسب الشخص وإن كان لكل نوع طرفا إفراط وتفريط فإن نوع الإنسان مثلا له مزاج خاص معتدل بين طرفين هما إفراط وتفريط لكن ذلك المزاج الخاص يشتمل على ما لا يتناهى من الأمزجة

الشخصية ولا يخرج عن حد المزاج الإنساني وكذلك كل نوع.

إذا عرفت هذا فاعلم أن الأمزجة تسعة لأن البسائط إما أن تتساوى فيه وهو المعتدل ، أو يغلب أحدها فإما الحار مع اعتدال الانفعاليين أو البارد معه أو الحار مع غلبة الرطب أو اليابس أو البارد معهما أو يغلب الرطب مع اعتدال الفعليين أو اليابس معه.

قال :

الفصل الثالث

في

بقية أحكام الأجسام ، وتشترك الأجسام في وجوب التناهي لوجوب اتصاف ما فرض له ضده به عند مقايسته بمثله مع فرض نقصانه عنه

أقول : لما فرغ عن البحث في الأجسام شرع في البحث عن باقي أحكامها إذ قد كان سبق البحث عن بعض أحكامها وهذا الفصل يشتمل على مسائل :

المسألة الأولى

في تناهي الأجسام

وقد اتفق أكثر العقلاء على ذلك وإنما خالف فيه حكماء الهند واستدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ على ذلك بوجهين : الأول برهان التطبيق وتقريره أن الأبعاد لو كانت غير متناهية لأمكننا أن نفرض خطين غير متناهيين مبدأهما واحد ثم نفصل من أحدهما قطعة ثم نطبق أحد الخطين على الآخر بأن نجعل أول أحدهما مقابلا لأول الآخر ، وثاني الأول مقابلا لثاني الثاني والثالث للثالث وهكذا إلى ما لا يتناهى فإن استمرا كذلك كان الناقص مثل الزائد وهو محال بالضرورة ، وإن انقطع الناقص انقطع الزائد لأن الزائد إنما زاد بمقدار متناه هو القدر المقطوع والزائد على المتناهي بمقدار متناه يكون متناهيا فالخطان متناهيان وهو المطلوب.

إذا عرفت هذا فلنرجع إلى تتبع ألفاظ الكتاب : فقوله وتشترك الأجسام في وجوب التناهي ، إشارة إلى الدعوى مع التنبيه على كون هذا الحكم واجبا لكل جسم.

وقوله لوجوب اتصاف ما فرض له ضده به ، معناه لوجوب اتصاف الخط الناقص الذي فرض له ضد التناهي لأنا فرضنا الخطين غير متناهيين بالتناهي.

وقوله عند مقايسته بمثله ، معناه عند مقايسة الخط الناقص بالخط الكامل المماثل له في عدم التناهي. ومعنى المقايسة هنا مقابلة كل جزء من الناقص بجزء من الكامل.

وقوله مع فرض نقصانه عنه ، يعني مع فرض قطع شيء من الخط الناقص حتى صار ناقصا فهذا ما خطر لنا في معنى هذا الكلام.

قال : ولحفظ النسبة بين ضلعي الزاوية وما اشتملا عليه مع وجوب اتصاف الثاني به.

أقول : هذا هو الدليل الثاني على تناهي الأبعاد وتقريره أنا إذا فرضنا زاوية خرج ضلعاها إلى ما لا يتناهى على الاستقامة فإن النسبة بين زيادة الضلعين وزيادة الأبعاد التي اشتمل الضلعان عليها محفوظة بحيث كلما زاد الضلعان زادت الأبعاد على نسبة واحدة فإذا استمرت زيادة الضلعين إلى ما لا يتناهى استمرت زيادة البعد بينهما إلى ما لا يتناهى مع وجوب اتصاف الثاني أعني البعد بينهما بالتناهي لامتناع انحصار ما لا يتناهى بين حاصرين.

المسألة الثانية

في أن الأجسام متماثلة

قال : واتحاد الحد وانتفاء القسمة فيه يدل على الوحدة.

أقول : ذهب الجمهور من الحكماء والمتكلمين إلى أن الأجسام متماثلة في حقيقة الجسمية وإن اختلفت بصفات وعوارض وذهب النظام إلى أنها مختلفة لاختلاف خواصها وهو باطل لأن ذلك يدل على اختلاف الأنواع لا على اختلاف المفهوم من الجسم من حيث هو جسم.

وقد استدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ على قوله بأن الجسم من حيث هو جسم يحد بحد

واحد عند الجميع : أما عند الأوائل فإن حده الجوهر القابل للأبعاد ، وأما المتكلمون فإنهم يحدونه بأنه الطويل العريض العميق وهذا الحد الواحد لا قسمة فيه فالمحدود واحد لاستحالة اجتماع المختلفات في حد واحد من غير قسمة بل متى جمعت المختلفات في حد واحد وقع فيه التقسيم ضرورة كقولنا الحيوان إما ناطق أو صاهل ويراد بهما الإنسان والفرس.

المسألة الثالثة

في أن الأجسام باقية

قال : والضرورة قضت ببقائها.

أقول : المشهور عند العقلاء ذلك ونقل عن النظام خلافه بناء منه على امتناع استناد العدم إلى الفاعل وأنه لا ضد للأجسام مع وجوب فنائها يوم القيامة فالتزم بعدم بقائها وأنها تتجدد حالا فحالا كالأعراض غير القارة والمحققون على خلاف ذلك واعتمادهم على الضرورة فيه.

وقيل إن النظام ذهب إلى احتياج الجسم حال بقائه إلى المؤثر فتوهم الناقل أنه كان يقول بعدم بقاء الأجسام.

المسألة الرابعة

في أن الأجسام يجوز خلوها عن الطعوم والروائح والألوان

قال : ويجوز خلوها عن الكيفيات المذوقة والمرئية والمشمومة كالهواء.

أقول : ذهب المعتزلة إلى جواز خلو الأجسام عن الطعوم والروائح والألوان ، ومنعت الأشعرية منه ، أما المعتزلة فاحتجوا بمشاهدة بعض الأجسام كذلك كالهواء واحتجت الأشعرية بقياس اللون على الكون وبما قبل الاتصاف على ما بعده وهما ضعيفان لأن

القياس المشتمل على الجامع لا يفيد اليقين فكيف الخالي عنه مع قيام الفرق فإن الكون لا يعقل خلو متحيز عنه بالضرورة بخلاف اللون فإنه يمكن أن يتصور الجسم خاليا عنه ، وأما امتناع الخلو عنها بعد الاتصاف فممنوع ولو سلم لظهر الفرق أيضا لأن الخلو بعد الاتصاف إنما امتنع لافتقار الزائل بعد الاتصاف إلى طريان الضد بخلاف ما قبل الاتصاف لعدم الحاجة إليه.

المسألة الخامسة

في أن الأجسام يجوز رؤيتها

قال : ويجوز رؤيتها بشرط الضوء واللون وهو ضروري.

أقول : ذهب الأوائل إلى أن الأجسام مرئية لكن لا بالذات بل بالعرض فإنها لو كانت مرئية بالذات لرئي الهواء والتالي باطل فالمقدم مثله وإنما يمكن رؤيتها بتوسط الضوء واللون وهذا حكم ضروري يشهد به الحس وجمهور العقلاء على ذلك ولم أعرف فيه مخالفا.

المسألة السادسة

في أن الأجسام حادثة

قال : والأجسام كلها حادثة لعدم انفكاكها من جزئيات متناهية حادثة فإنها لا تخلو عن الحركة والسكون وكل منهما حادث وهو ظاهر.

أقول : هذه المسألة من أجل المسائل وأشرفها في هذا الكتاب وهي المعركة العظيمة بين الأوائل والمتكلمين وقد اضطربت أنظار العقلاء فيها وعليها مبنى القواعد الإسلامية وقد اختلف الناس فيها : فذهب المسلمون والنصارى واليهود والمجوس إلى أن الأجسام محدثة ، وذهب جمهور الحكماء إلى أنها قديمة وتفصيل قولهم في ذلك ذكرناه في كتاب

المناهج.

إذا عرفت هذا فنقول الدليل على أن الأجسام حادثة أنها لا تخلو عن أمور متناهية حادثة وكل ما لم يخل عن أمور متناهية حادثة فهو حادث فالأجسام حادثة أما الصغرى فلأن الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون وهي أمور حادثة متناهية ، أما بيان عدم انفكاك الجسم عنهما فضروري لأن الجسم لا يعقل موجودا في الخارج منفكا عن المكان فإن كان لابثا فيه فهو الساكن ، وإن كان منتقلا عنه فهو المتحرك. وأما بيان حدوثهما فظاهر لأن الحركة هي حصول الجسم في الحيز بعد أن كان في حيز آخر ، والسكون هو الحصول في الحيز بعد أن كان في ذلك الحيز فماهية كل واحد منهما تستدعي المسبوقية بالغير والأزلي غير مسبوق بالغير فماهية كل واحد منهما ليست قديمة.

وأيضا فإن كل واحد منهما يجوز عليه العدم ، والقديم لا يجوز عليه العدم أما الصغرى فلأن كل متحرك على الإطلاق فإن كل جزء من حركته يعدم ويوجد عقيبه جزء آخر منها وكل ساكن فإنه إما بسيط أو مركب ، وكل بسيط ساكن يمكن عليه الحركة لتساوي الجانب الملاقي منه لغيره من الأجسام والجانب الذي لا يلاقيه في قبول الملاقاة فأمكن على غير الملاقي الملاقاة كما أمكنت على الملاقي لكن ذلك إنما يكون بواسطة الحركة فكانت الحركة جائزة عليه ، وأما المركب فإنه مركب من البسائط ونسوق الدليل الذي ذكرناه في البسيط إلى كل جزء من أجزاء المركب وأما الكبرى فلأن القديم إن كان واجب الوجود لذاته استحال عدمه ، وإن كان جائز الوجود استند إلى علة موجبة لاستحالة صدور القديم عن المختار لأن المختار إنما يفعل بواسطة القصد والداعي والقصد إنما يتوجه إلى إيجاد المعدوم فكل أثر لمختار حادث ، فلو كان القديم أثرا لمؤثر لكان ذلك المؤثر موجبا فإن كان واجبا لذاته استحال عدمه فاستحال عدم معلوله ، وإن كان ممكنا نقلنا الكلام إليه فإما أن يتسلسل وهو محال أو ينتهي إلى مؤثر موجب يستحيل عدمه فيستحيل عدم معلوله فقد ظهر أن القديم يستحيل عليه العدم وقد بينا جواز العدم على الحركة والسكون فيستحيل قدمهما.

قال : وأما تناهي جزئياتها فلأن وجود ما لا يتناهى محال للتطبيق ، ولوصف كل حادث بالإضافتين المتقابلتين ويجب زيادة المتصف بإحداهما من حيث هو كذلك على المتصف بالأخرى فينقطع الناقص والزائد أيضا.

أقول : لما بين حدوث الحركة والسكون شرع الآن في بيان تناهيهما لأن بيان حدوثهما غير كاف في الدلالة وهذا المقام هو المعركة بين الحكماء والمتكلمين فإن المتكلمين يمنعون من اتصاف الجسم بحركات لا تتناهى ، والأوائل جوزوا ذلك

والمتكلمون استدلوا على قولهم بوجوه أحدها أن كل فرد حادث فالمجموع كذلك. وهو ضعيف إذ لا يلزم من حدوث كل فرد حدوث المجموع.

الثاني أنها قابلة للزيادة والنقصان فتكون متناهية. وهو ضعيف بمعلومات الله تعالى ومقدوراته فإن الأولى أزيد من الثانية ولا يلزم تناهيهما.

الثالث : التطبيق وهو أن تؤخذ جملة الحركات من الآن إلى الأزل جملة ، ومن زمان الطوفان إلى الأزل جملة أخرى ثم تطبق إحدى الجملتين بالأخرى فإن استمرا إلى ما لا يتناهى كان الزائد مثل الناقص هذا خلف ، وإن انقطع الناقص تناهى وتناهى الزائد لأنه إنما زاد بمقدار متناه والزائد على المتناهي بمقدار متناه يكون متناهيا.

الرابع أن كل حادث يوصف بإضافتين متقابلتين هما السابقية والمسبوقية لأن كل واحد من الحوادث غير المتناهية يكون سابقا على ما بعده ولاحقا لما قبله والسبق واللحوق إضافتان متقابلتان وإنما صح اتصافه بهما لأنهما أخذا بالنسبة إلى شيئين.

إذا عرفت هذا فنقول إذا اعتبرنا الحوادث الماضية المبتدأة من الآن تارة من حيث إن كل واحد منها سابق ، وتارة من حيث هو بعينه لاحق كانت السوابق واللواحق المتباينتان بالاعتبار متطابقتين في الوجود ولا يحتاج في تطابقهما إلى توهم تطبيق ومع ذلك يجب كون السوابق أكثر من اللواحق في الجانب الذي وقع فيه النزاع ، وإلى هذا أشار بقوله ويجب زيادة المتصف بإحداهما أعني بإحدى الإضافتين وهو إضافة السبق على المتصف بالأخرى أعني إضافة اللحوق فإذن اللواحق منقطعة في الماضي قبل انقطاع

السوابق فتكون متناهية ، والسوابق أيضا تكون متناهية لأنها زادت بمقدار متناه وهذا الوجه الأخير استنبطه المصنف ـ رحمه‌الله ـ ولم نعثر عليه في كلام القدماء.

قال : والضرورة قضت بحدوث ما لا ينفك عن حوادث متناهية.

أقول : لما بين أن الأجسام لا تنفك عن الحركة والسكون وبين حدوثهما وتناهيهما وجب القول بحدوث الأجسام لأن الضرورة قضت بحدوث ما لا ينفك عن حوادث متناهية.

قال : فالأجسام حادثة ولما استحال قيام الأعراض إلا بها ثبت حدوثها.

أقول : هذا نتيجة ما ذكر من الدليل وهو القول بحدوث الأجسام. وأما الأعراض فإنه يستحيل قيامها بأنفسها وتفتقر في الوجود إلى محل تحل فيه وهي إما جسمانية أو غير جسمانية والكل حادث : أما الجسمانية فلامتناع قيامها بغير الأجسام وإذا كان الشرط حادثا كان المشروط كذلك بالضرورة ، وأما غير الجسمانية فبالدليل الدال على حدوث كل ما سوى الله تعالى. والمصنف ـ رحمه‌الله ـ إنما قصد الأعراض الجسمانية لقوله : لما استحال قيام الأعراض إلا بها ثبت حدوثها.

قال : والحدوث اختص بوقته إذ لا وقت قبله ، والمختار يرجح أحد مقدوريه لا لأمر عند بعضهم.

أقول : لما بين حدوث العالم شرع في الجواب عن شبه الفلاسفة وأقوى شبههم ثلاثة أجاب المصنف ـ رحمه‌الله ـ عنها في هذا الكتاب.

الشبهة الأولى وهي أعظمها قالوا المؤثر التام في العالم إما أن يكون أزليا أو حادثا فإن كان أزليا لزم قدم العالم لأن عند وجود المؤثر التام يجب وجود الأثر لأنه لو تأخر عنه ثم وجد لم يخل إما أن يكون لتجدد أمر أو لا والأول يستلزم كون ما فرضناه مؤثرا تاما ليس بتام هذا خلف ، والثاني يستلزم ترجيح أحد طرفي الممكن لا لمرجح لأن اختصاص وجود

الأثر بالوقت الذي وجد فيه دون ما قبله وما بعده مع حصول المؤثر التام يكون ترجيحا من غير مرجح.

وإن كان المؤثر في العالم حادثا نقلنا الكلام إلى علة حدوثه ويلزم التسلسل أو الانتهاء إلى المؤثر القديم وهو محال لتخلف الأثر عنه وهذا المحال إنما نشأ من فرض حدوث العالم.

وقد أجاب المتكلمون عن هذه الشبهة بوجوه : أحدها أن المؤثر التام قديم لكن الحدوث اختص بوقت الإحداث لانتفاء وقت قبله فالأوقات التي يطلب فيها الترجيح معدومة ولا يتمايز إلا في الوهم وأحكام الوهم في مثل ذلك غير مقبولة بل الزمان يبتدأ وجوده مع أول وجود العالم ولم يمكن وقوع ابتداء سائر الموجودات قبل ابتداء وجود الزمان أصلا.

الثاني أن المؤثر التام إنما يجب وجود أثره معه لو كان موجبا أما إذا كان مختارا فلا لأن المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر لا لمرجح فالعالم قبل وجوده كان ممكن الوجود وكذا بعد وجوده لكن المؤثر المختار أراد إيجاده وقت وجوده دون ما قبله وما بعده لا لأمر.

الثالث أنه لم لا يجوز اختصاص بعض الأوقات بمصلحة تقتضي وجود العالم فيه بها دون ما قبل ذلك الوقت وبعده فالمؤثر التام وإن كان حاصلا في الأزل لكن لا يجب وجود العالم فيه تحصيلا لتلك المصلحة.

الرابع أن الله تعالى علم وجود العالم وقت وجوده وخلاف علمه محال فلم يمكن وجوده قبل وقت وجوده.

الخامس أن الله تعالى أراد إيجاد العالم وقت وجوده والإرادة مخصصة لذاتها.

السادس أن العالم محدث لما تقدم فيستحيل وجوده في الأزل لأن المحدث هو ما سبقه العدم والأزل ما لم يسبقه العدم والجمع بينهما محال ثم عارضوهم بالحادث اليومي فإنه معلول إما لقديم فيلزمه قدمه أو لحادث فيتسلسل.

قال : والمادة منفية.

أقول : هذا جواب عن الشبهة الثانية وتقريرها أنهم قالوا كل حادث فهو مسبوق

بإمكان وجوده وذلك الإمكان ليس أمرا عدميا وإلا فلا فرق بين نفي الإمكان والإمكان المنفي ، ولا قدرة القادر لأنا نعللها به فهو مغاير ، وليس جوهرا لأنه نسبة وإضافة فهو عرض فمحله يكون سابقا عليه وهو المادة فتلك المادة إن كانت قديمة ويستحيل انفكاكها عن الصورة لزم قدم الصورة فيلزم قدم الجسم وإن كانت حادثة تسلسل.

والجواب قد بينا أن المادة منفية وقد سلف تحقيقه.

قال : والقبلية لا تستدعي الزمان وقد سبق تحقيقه.

أقول : هذا جواب عن الشبهة الثالثة وتقريرها أنهم قالوا كل حادث فإن عدمه سابق على وجوده وأقسام السبق منفية هنا إلا الزماني فكل حادث يستدعي سابقة الزمان عليه فالزمان إن كان حادثا لزم أن يكون زمانيا وهو محال وإن كان قديما وهو مقدار الحركة لزم قدمها لكن الحركة صفة للجسم فيلزم قدمه.

والجواب ما تقدم من أن السبق لا يستدعي الزمان وإلا لزم التسلسل.

قال :

الفصل الرابع

في الجواهر المجردة

أما العقل فلم يثبت دليل على امتناعه :

أقول : لما فرغ من البحث عن الجواهر المقارنة شرع في البحث عن الجواهر المجردة ولبعدها عن الحس أخرها عن البحث عن المقارنات وفي هذا الفصل مسائل :

المسألة الأولى

في العقول المجردة

(واعلم) أن جماعة من المتكلمين نفوا هذه الجواهر واحتجوا بأنه لو كان هاهنا موجود ليس بجسم ولا جسماني لكان مشاركا لواجب الوجود في هذا الوصف فيكون مشاركا له في ذاته. وهذا الكلام سخيف لأن الاشتراك في الصفات السلبية لا يقتضي الاشتراك في الذوات فإن كل بسيطين يشتركان في سلب ما عداهما عنهما مع انتفاء الشركة بينهما في الذات ، بل الاشتراك في الصفات الثبوتية لا يقتضي اشتراك الذوات لأن الأشياء المختلفة قد يلزمها لازم واحد فإذا ثبت ذلك لم يلزم من كون هذه الجواهر المجردة مشاركة للواجب تعالى في وصف التجرد وهو سلبي مشاركتها له في الحقيقة فلهذا لم يجزم المصنف ـ رحمه‌الله ـ بنفي هذه الجواهر المجردة.

قال : وأدلة وجوده مدخولة كقولهم الواحد لا يصدر عنه أمران ، ولا سبق لمشروط باللاحق في تأثيره أو وجوده ، ولا لما انتفت صلاحية التأثير عنه لأن المؤثر هنا مختار.

أقول : لما بين انتفاء الجزم بعدم الجوهر المجرد الذي هو العقل شرع في بيان انتفاء الجزم بثبوته وذلك ببيان ضعف أدلة المثبتين.

واعلم أن أكثر الفلاسفة ذهبوا إلى أن المعلول الأول هو العقل الأول وهو موجود مجرد عن الأجسام والمواد في ذاته وتأثيره معا ثم إن ذلك العقل يصدر عنه عقل وفلك لتكثيره باعتبار كثرة جهاته الحاصلة من ذاته ومن فاعله ، ثم يصدر عن العقل الثاني عقل ثالث وفلك ثان وهكذا إلى أن ينتهي إلى العقل الأخير وهو المسمى بالعقل الفعال ، وإلى الفلك الأخير التاسع وهو فلك القمر.

واستدلوا على إثبات الجواهر المجردة التي هي العقول بوجوه :

الأول قالوا إن الله تعالى واحد فلا يكون علة للمتكثر فيكون الصادر عنه واحدا فلا يخلو إما أن يكون جسما أو مادة أو صورة أو نفسا أو عرضا أو عقلا والأقسام كلها باطلة سوى الأخير.

أما الأول : فلأن كل جسم مركب من المادة والصورة وقد بينا أن المعلول الأول يكون واحدا وإلى هذا القسم أشار بقوله الواحد لا يصدر عنه أمران.

وأما الثاني : فلأن المادة هي الجوهر القابل فلا تصلح للفاعلية لأن نسبة القبول نسبة الإمكان ، ونسبة الفاعل نسبة الوجوب ويستحيل أن تكون نسبة الشيء الواحد إلى الواحد نسبة إمكان ووجوب فإذا لم تصلح المادة للفاعلية لم تكن هي المعلول الأول السابق على غيره لأن المعلول الأول يجب أن يكون علة فاعلية لما بعده وإلى هذا القسم أشار بقوله ولا لما انتفت صلاحية التأثير عنه أي لا سبق للمادة التي لا تصلح أن تكون فاعلا وإذا لم تكن سابقة لم تكن هي المعلول الأول لما بينا أن المعلول الأول سابق على غيره من المعلولات.

وأما الثالث : فلأن الصورة مفتقرة في فاعليتها وتأثيرها إلى المادة لأنها إنما تؤثر إذا كانت موجودة مشخصة وإنما تكون كذلك إذا كانت مقارنة للمادة فلو كانت الصورة هي المعلول الأول السابق على غيره لكانت مستغنية في عليتها عن المادة وهو محال فالحاصل أن الصورة محتاجة في وجودها الشخصي إلى المادة فلا تكون سابقة عليها وعلى غيرها من

الممكنات لاستحالة اشتراط السابق باللاحق ، وإلى هذا القسم أشار بقوله ولا سبق لمشروط أي الصورة باللاحق أي بالمادة في وجوده.

وأما الرابع : فلأن النفس إنما تفعل بواسطة البدن فلو كانت هي المعلول الأول لكانت علة لما بعدها من الأجسام فتكون مستغنية في فعلها عن البدن فلا تكون نفسا بل عقلا وهو محال فهي إذا مشروطة بأسرها بالأجسام فلو كانت سابقة عليها لكان السابق مشروطا باللاحق في تأثيره المستند إليه وهو محال ، وإلى هذا أشار بقوله ولا سبق لمشروط أي النفس باللاحق أي الجسم في تأثيره.

وأما الخامس : فلأن العرض محتاج في وجوده إلى الجوهر فلو كان المعلول الأول عرضا لكان علة للجواهر كلها فيكون السابق مشروطا في وجوده باللاحق وهو باطل بالضرورة وإليه أشار بقوله ولا سبق لمشروط باللاحق في وجوده فالحاصل أن الصورة والعرض مشروطان بالمادة والجوهر فلا يكونان سابقين عليهما والنفس إنما تؤثر بواسطة الجسم فلا تكون متقدمة عليه تقدم العلة على المعلول وإلا استغنت في تأثيرها عنه.

إذا عرفت هذا الدليل فنقول بعد تسليم أصوله إنه إنما يلزم لو كان المؤثر موجبا ، أما إذا كان مختارا فلا فإن المختار تتعدد آثاره وأفعاله وسيأتي الدليل على أنه مختار.

قال : وقولهم : استدارة الحركة توجب الإرادة المستلزمة للتشبه بالكامل إذ طلب الحاصل فعلا أو قوة يوجب الانقطاع ، وغير الممكن محال لتوقفه على دوام ما أوجبنا انقطاعه ، وعلى حصر أقسام الطلب ، مع المنازعة في امتناع طلب المحال.

أقول : هذا هو الوجه الثاني من الوجوه التي استدلوا بها على إثبات العقول المجردة مع الجواب عنه.

وتقرير الدليل أن نقول حركات السموات إرادية لأنها مستديرة وكل حركة مستديرة إرادية لأن الحركة إما طبيعية أو قسرية والمستديرة لا تكون طبيعية لأن المطلوب بالطبع لا يكون متروكا بالطبع وكل جزء من المسافة في الحركة المستديرة فإن تركه بعينه هو التوجه إليه وإذا انتفت الطبيعة انتفت القسرية لأن القسر على خلاف الطبع وحيث

لا طبع فلا قسر فثبت أنها إرادية وكل حركة إرادية فإنها تستدعي مطلوبا ، ولأن العبث لا يدوم وذلك المطلوب يجب أن يستكمل الطالب به وإلا لم يتوجه بالطلب نحوه فإما أن يكون كمالا في نفسه أو لا والثاني محال وإلا لجاز انقطاع الحركة لأنه لا بد وأن يظهر لذلك الطالب أن ذلك المطلوب ليس بكمال في ذاته فيترك الطلب وإذا كان المطلوب كمالا حقيقيا فإما أن يحصل بالكلية وهو محال وإلا لوقفت الحركة فيجب أن يحصل على التعاقب ولما كانت كمالات الفلك حاضرة بأسرها سوى الوضع لأنه كامل في جوهره وباقي مقولاته غير الوضع فإن أوضاعه الممكنة ليست حاضرة بأسرها إذ لا وضع يحصل له إلا وهناك أوضاع لا نهاية لها معدومة عنه ولا يمكن حصولها دفعة فهي إنما تحصل على التعاقب ثم إن الفلك لما تصور كمال العقل وأنه لم يبق فيه شيء بالقوة إلا وقد خرج إلى الفعل اشتقاق إلى التشبه به في ذلك ليستخرج ما فيه بالقوة إلى الفعل ولما تعذر ذلك دفعة استخرج كماله في أوضاعه على التعاقب فقد ظهر من هذا وجود عقل يتشبه به الفلك في حركته فإن كان واحدا لزم تشابه الحركات الفلكية في الجهات والسرعة والبطء وليس كذلك فيجب وجود عقول متكثرة بحسب تكثر الحركات في الجهة والسرعة والبطء.

لا يقال لم لا يتحرك لأجل نفع السافل أو لم لا يختلف في السرعة والبطء والجهة لذلك؟ لأنا نقول الفلكيات أشرف من هذا العالم ويستحيل أن يفعل العالي شيئا لأجل السافل وإلا لكان مستكملا به فالكامل مستكمل بالناقص هذا خلف فلا يمكن أن تكون الحركة في أصلها ولا في هيئتها لأجل نفع السافل فهذا تقرير الدليل.

والجواب أن هذا مبني على دوام الحركة ونحن قد بينا حدوث العالم فيجب انقطاعها فبطل هذا الدليل من أصله. وأيضا فهذا الدليل يتوقف على حصر أقسام الطلب والأقسام التي ذكروها ليست حاصرة ، سلمنا لكن لم لا يجوز أن يكون الطلب لما يستحيل حصوله أو لما هو حاصل ولا شعور للطالب بذلك ونمنع وجوب الشعور بذلك ، ثم نقول لا نسلم أن الحركة الفلكية دورية فلم لا يتحرك على الاستقامة؟ سلمنا أنها دورية فلم لا تكون قسرية قوله انتفاء الطبع يقتضي انتفاء القسر ، قلنا ممنوع فإن حركة المحوي بالحاوي حركة قسرية وإن كانت بالعرض وهي دورية ، سلمنا لكن الحركة ليست مقصودة

بالذات بل إنما تراد لغيرها فلم حصرتم ذلك الغير في استخراج الأوضاع ولم لا يجوز أن تكون للفلك كمالات غير الأوضاع معدومة كالتعقلات المتجددة ، وأيضا فإنه على قدر خاص فباقي أنواع الكم عنه معدومة ، وكذا كثير من أنواع الكيف فلم أوجبتم الحركة في الوضع للتشبه باستخراج أنواع الأوضاع ولم توجبوا استخراج باقي الأعراض من الكم والكيف بل الأيون عنه معدومة مع استحالة حصولها له عندكم فلم لا يجوز مثله في الأوضاع سلمنا ذلك لكن لم أوجبتم وجود عقل يتشبه به الفلك ولم لا يقال إن خروج الأوضاع كمال مقصود له فيتحرك لطلبه من غير حاجة إلى متشبه به سلمنا لكن لم أحلتم نفع السافل وحديث الاستفادة مع أنه خطابي غير لازم وبالجملة فهذا الوجه ضعيف جدا

إذا عرفت هذا فنرجع إلى تتبع ألفاظ الكتاب فقوله وقولهم يقرأ بالجر عطفا على قوله كقولهم. وقوله استدارة الحركة توجب الإرادة إشارة إلى ما نقلناه عنهم من أن الحركة المستديرة لا تكون إلا إرادية. (وقوله) المستلزمة للتشبه بالكامل إشارة إلى أن الغاية من الحركة ليس كمالا يحصل دفعة ولا يمتنع من الحصول بل هو التشبه الحاصل على التعاقب. وقوله إذ طلب الحاصل فعلا أو قوة يوجب الانقطاع ، إشارة إلى أن ذلك الكمال ليس حاصلا بالفعل وإلا لوقفت الحركة ولا بالقوة التي يمكن حصولها دفعة لذلك أيضا. وقوله وغير الممكن محال ، إشارة إلى أن الكمال إذا كان ممتنع الحصول استحال طلبه. وقوله لتوقفه على دوام ما أوجبنا انقطاعه ، إشارة إلى بيان ضعف هذا الدليل فإنه مبني على دوام الحركة وقد بينا وجوب انقطاعه. (وقوله) وعلى حصر أقسام الطلب ، إشارة إلى اعتراض ثان وهو أن نمنع حصر أقسام الطلب في أنه إما أن يكون كمالا حاصلا أو ممتنع الحصول أو يحصل على التعاقب. وقوله مع المنازعة في امتناع طلب المحال ، إشارة إلى اعتراض آخر وهو أنا نمنع استحالة طلب المحال لجواز الجهل على الطالب.

قال : وقولهم لا علية بين المتضايفين وإلا لأمكن الممتنع أو علل الأقوى بالأضعف لمنع الامتناع الذاتي.

أقول : هذا هو الوجه الثالث من الوجوه التي استدلوا بها على إثبات العقول وتقريره أن

نقول الأفلاك ممكنة فلها علة فهي إن كانت غير جسم ولا جسماني ثبت المطلوب ، وإن كانت العلة جسمانية لزم الدور ، وإن كانت جسما فإما أن يكون الحاوي علة للمحوي أو بالعكس والثاني محال لأن المحوي أضعف من الحاوي فلو كان المحوي علة لزم تعليل الأقوى الذي هو الحاوي بالأضعف الذي هو المحوي وهو محال والأول وهو أن يكون الحاوي علة في المحوي محال أيضا وبيانه يتوقف على مقدمات : إحداهما أن الجسم لا يكون علة إلا بعد صيرورته شخصا معينا وهو ظاهر لأنه إنما يؤثر إذا صار موجودا بالفعل ولا وجود لغير الشخصي ، الثانية أن المعلول حال فرض وجود العلة يكون ممكنا وإنما يلحقه الوجوب بعد وجود العلة ووجوبها ، الثالثة أن الأشياء المتصاحبة لا تتخالف في الوجوب والإمكان إذا عرفت هذا فنقول لو كان الحاوي علة للمحوي لكان متقدما بشخصه المعين على وجود المحوي فيكون المحوي حينئذ ممكنا فيكون انتفاء الخلاء ممكنا لأنه مصاحب لوجود المحوي لكن الخلاء ممتنع لذاته والجواب بعد تسليم امتناع الخلاء لا نسلم كون الامتناع ذاتيا

إذا عرفت هذا فنرجع إلى تتبع ألفاظ الكتاب فنقول : قوله لا علية بين المتضايفين ، الذي يفهم من هذا الكلام أنه لا علية بين الحاوي والمحوي وسماهما المتضايفين لأنه أخذهما من حيث هما حاو ومحوي وهذان الوصفان من باب المضاف. وقوله وإلا لأمكن الممتنع ، إشارة إلى ما بيناه من إمكان الخلاء الممتنع لذاته على تقدير كون الحاوي علة. وقوله أو علل الأقوى بالأضعف ، إشارة إلى ما بيناه من كون الضعيف علة في القوي على تقدير كون المحوي علة للحاوي. وقوله لمنع الامتناع الذاتي ، إشارة إلى ما بيناه في الجواب من المنع من كون الخلاء ممتنعا لذاته فهذا ما فهمناه من هذا الموضع.

المسألة الثانية

في النفس الناطقة

قال : وأما النفس فهي كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة.

أقول : هذا هو البحث عن أحد أنواع الجوهر وهو البحث عن النفس الناطقة وقبل

البحث عن أحكامها شرع في تعريفها وقد عرفها الحكماء بأنها كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة لأن الجسم إذا أخذ بمعنى المادة كانت النفس المنضمة إليه الذي يحصل من اجتماعهما نبات أو حيوان أو إنسان صورة ، وإذا أخذ بمعنى الجنس كانت كمالا لأن طبيعة الجنس ناقصة قبل الفصل وقد عرفوا النفس بالكمال دون الصورة لأن النفس الإنسانية غير حالة في البدن فليست صورة له وهي كمال له واعلم أن الكمال منه أول وهو الذي يتنوع به الشيء كالفصول ، ومنه ثان وهو ما يعرض للنوع بعد كماله من صفاته اللازمة والعارضة فالنفس من القسم الأول وهي كمال لجسم طبيعي غير صناعي كالسرير وغيره ، وليست كمالا لكل طبيعي حتى البسائط بل هي كمال لجسم طبيعي آلي تصدر عنه أفعاله بواسطة الآلات ومعناه كونه ذا آلات يصدر عنه بتوسطها وغير توسطها ما يصدر من أفاعيل الحياة التي هي التغذي والنمو والتوليد والإدراك والحركة الإرادية والنطق.

المسألة الثالثة

في أن النفس الناطقة ليست هي المزاج

قال : وهي مغايرة لما هي شرط فيه لاستحالة الدور.

أقول : ذهب المحققون إلى أن النفس الناطقة مغايرة للمزاج وعليه ثلاثة أوجه الأول ما ذكر الأوائل أن النفس الناطقة شرط في حصول المزاج لأن المزاج إنما يحصل من اجتماع العناصر المتضادة فعلة ذلك الاجتماع يجب أن تكون متقدمة عليه وكذا شرط الاجتماع وهو النفس الناطقة فلا تكون هي المزاج المتأخر عن الاجتماع لاستحالة الدور. وفي هذا الوجه نظر لأنهم عللوا حدوث النفس بالاستعداد الحاصل من المزاج فكيف جعلوا الآن حدوث الاجتماع من النفس. وللشيخ هنا كلام طويل ليس هذا موضع ذكره.

قال : وللممانعة في الاقتضاء

أقول : هذا هو الوجه الثاني : وتقريره أن المزاج يمانع النفس في مقتضاها كما في الرعشة فإن مقتضي النفس الحركة إلى جانب ومقتضي المزاج الحركة إلى جانب آخر وتضاد الآثار يستدعي تضاد المؤثر فهاهنا الممانعة بين النفس والمزاج في جهة الحركة. وكذلك قد يقع بينهما الممانعة في نفس الحركة إما بأن تكون الحركة نفسانية لا يقتضيها المزاج كما في حال حركة الإنسان على وجه الأرض فإن مزاجه يقتضي السكون عليها ونفسه تقتضي الحركة ، أو بأن تكون طبيعية لا تقتضيها النفس كما في حال الهوى.

قال : ولبطلان أحدهما مع ثبوت الآخر.

أقول : هذا هو الوجه الثالث : الدال على أن النفس مغايرة للمزاج وتقريره أن الإدراك إنما يكون بواسطة الانفعال فإن اللامس إذا أدرك شيئا لا بد وأن ينفعل عن الملموس فلو كان اللامس هو المزاج لبطل عند انفعاله وحدثت كيفية مزاجية أخرى ، وليس المدرك هو الكيفية الأولى لبطلانها ووجوب بقاء المدرك عند الإدراك ، ولا الثانية لأن المدرك لا بد وأن ينفعل عن المدرك والشيء لا ينفعل عن نفسه.

المسألة الرابعة

في أن النفس ليست هي البدن

قال : ولما تقع الغفلة عنه.

أقول : ذهب من لا تحصيل له إلى أن النفس الناطقة هي البدن وقد أبطله المصنف بوجوه ثلاثة :

الأول : أن الإنسان قد يغفل عن بدنه وأعضائه وأجزائه الظاهرة والباطنة وهو متصور لذاته ونفسه فوجب أن يغايرها فقوله ولما تقع الغفلة عنه عطف على قوله لما هي شرط فيه أي والنفس مغايرة لما هي شرط فيه ولما تقع الغفلة عنه أعني البدن.

قال : والمشاركة به.

أقول : هذا هو الوجه الثاني : الدال على أن النفس ليست هي البدن وتقريره أن البدن جسم وكل جسم على الإطلاق فإنه مشارك لغيره من الأجسام في الجسمية فالإنسان يشارك غيره من الأجسام في الجسمية ويخالفه في النفس الإنسانية وما به المشاركة غير ما به المباينة فالنفس غير الجسم فقوله والمشاركة به عطف على قوله الغفلة عنه أي وهي مغايرة لما تقع الغفلة عنه والمشاركة به.

قال : والتبدل فيه

أقول : هذا هو الوجه الثالث وتقريره أن أعضاء البدن وأجزائه تتبدل كل وقت ويستبدل ما ذهب بغيره فإن الحرارة الغريزية تقتضي تحليل الرطوبات البدنية فالبدن دائما في التحلل والاستخلاف والهوية باقية من أول العمر إلى آخره والمتبدل مغاير للباقي فالنفس غير البدن فقوله والتبدل فيه عطف على قوله والمشاركة به أي وهي مغايرة لما تقع المشاركة به والتبدل فيه.

المسألة الخامسة

في تجرد النفس

قال : وهي جوهر مجرد لتجرد عارضها.

أقول : اختلف الناس في ماهية النفس وأنها هل هي جوهر أم لا والقائلون بأنها جوهر اختلفوا في أنها هل هي مجرد أم لا والمشهور عند الأوائل وجماعة من المتكلمين كبني نوبخت من الإمامية والمفيد منهم والغزالي والحليمي والراغب من الأشاعرة أنها جوهر مجرد ليس بجسم ولا جسماني وهو الذي اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ واستدل على تجردها بوجوه :

الأول تجرد عارضها وهو العلم وتقرير هذا الوجه أن هاهنا معلومات مجردة عن المواد فالعلم المتعلق بها يكون لا محالة مطابقا لها فيكون مجردا لتجردها فمحله وهو النفس يجب أن يكون مجردا لاستحالة حلول المجرد في المادي.

قال : وعدم انقسامه.

أقول : هذا هو الوجه الثاني وهو أن العارض للنفس أعني العلم غير منقسم فمحله أعني المعروض كذلك وتقرير هذا الدليل يتوقف على مقدمات : إحداهما أن هاهنا معلومات غير منقسمة وهو ظاهر فإن واجب الوجود غير منقسم وكذا الحقائق البسيطة ، الثانية أن العلم بها غير منقسم لأنه لو انقسم لكان كل واحد من جزئيه إما أن يكون علما أو لا يكون ، والثاني باطل لأنه عند الاجتماع إما أن يحصل أمر زائد أو لا فإن كان الثاني لم يكن ما فرضناه علما بعلم هذا خلف ، وإن كان الأول فذلك الزائد إما أن يكون منقسما فيعود البحث ، أو لا يكون فيكون العلم غير منقسم وهو المطلوب وإن كان كل جزء علما فإما أن يكون علما بكل ذلك المعلوم فيكون الجزء مساويا للكل هذا خلف ، أو ببعضه فيكون ما فرضناه غير منقسم منقسما هذا خلف ، الثالثة أن محل العلم غير منقسم لأنه لو انقسم لانقسم العلم لأنه إن لم يحل في شيء من أجزائه لم يحل في ذلك المحل ، وإن حل فإما أن يكون في جزء غير منقسم وهو المطلوب ، أو في أكثر من جزء فإما أن يكون الحال في أحدهما عين الحال في الآخر وهو محال بالضرورة ، أو غيره فيلزم الانقسام ، الرابعة أن كل جسم وكل جسماني فهو منقسم لأنا قد بينا أن لا وجود لوضعي غير منقسم وإذا ثبتت هذه المقدمات ثبت تجرد النفس. وفيه نظر للمنع من المساواة مطلقا عند المساواة في تعلق الجزء بكل المعلوم كالكل.

قال : وقوتها على ما تعجز المقارنات عنه.

أقول : هذا هو الوجه الثالث وتقريره أن النفوس البشرية تقوى على ما لا تقوى عليه المقارنات للمادة فلا تكون مادية لأنها تقوى على ما لا يتناهى لأنها تقوى على تعقلات

الأعداد غير المتناهية وقد بينا أن القوة الجسمانية لا تقوى على ما لا يتناهى فتكون مجردة وفيه نظر لأن التعقل قبول لا فعل وقبول ما لا يتناهى للجسمانيات ممكن.

قال : ولحصول عارضها بالنسبة إلى ما يعقل محلا منقطعا.

أقول : هذا هو الوجه الرابع وتقريره أن النفس لو حلت جسما من قلب أو دماغ لكانت دائمة التعقل له أو كانت لا تعقله البتة والتالي باطل بقسميه فكذا المقدم بيان الشرطية أن القوة العاقلة إذا حلت في قلب أو دماغ لم يخل إما أن تكفي صورة ذلك المحل في التعقل أو لا تكفي فإن كفت لزم حصول التعقل دائما لدوام تلك الصورة للمحل ، وإن لم تكف لم تعقله البتة لاستحالة أن يكون تعقلها مشروطا بحصول صورة أخرى لمحلها فيها وإلا لزم اجتماع المثلين وأما بطلان التالي فظاهر لأن النفس تعقل القلب والدماغ في وقت دون وقت.

ولنرجع إلى ألفاظ الكتاب فقوله ـ رحمه‌الله ـ ولحصول عارضها يعني بالعارض التعقل. قوله بالنسبة إلى ما يعقل محلا منقطعا ، أي ولحصول العارض وهو التعقل بالنسبة إلى ما يعقل محلا من قلب أو دماغ حصولا منقطعا لا دائما.

قال : ولاستلزام استغناء العارض استغناء المعروض.

أقول : هذا وجه خامس يدل على تجرد النفس العاقلة وتقريره : أن النفس تستغني في عارضها وهو التعقل عن المحل فتكون في ذاتها مستغنية عنه لأن استغناء العارض يستلزم استغناء المعروض لأن العارض محتاج إلى المعروض فلو كان المعروض محتاجا إلى شيء لكان العارض أولى بالاحتياج إليه فإذا استغنى العارض وجب استغناء المعروض.

وبيان استغناء التعقل عن المحل أن النفس تدرك ذاتها لذاتها لا لآلة وكذا تدرك آلتها وتدرك إدراكها لذاتها ولآلتها كل ذلك من غير آلة متوسطة بينها وبين هذه المدركات فإذن هي مستغنية في إدراكها لذاتها ولآلتها ولإدراكها عن الآلة فتكون في ذاتها مستغنية عن الآلة أيضا فقوله ـ رحمه‌الله ـ ولاستلزام استغناء العارض ، عنى

بالعارض هنا التعقل ، وقوله استغناء المعروض ، عنى به النفس التي يعرض لها التعقل

قال : ولانتفاء التبعية.

أقول : الذي فهمناه من هذا الكلام أن هذا وجه آخر دال على تجرد النفس وتقريره أن القوة المنطبعة في الجسم تضعف بضعف ذلك الجسم الذي هو شرط فيها والنفس بالضد من ذلك فإنها حال ضعف الجسم كما في وقت الشيخوخة تقوى وتكثر تعقلاتها فلو كانت جسمانية لضعفت بضعف محلها وليس كذلك فلما انتفت تبعية النفس للجسم في حال ضعفه دل ذلك على أنها ليست جسمانية.

قال : ولحصول الضد.

أقول : هذا وجه سابع يدل على تجرد النفس وتقريره أن القوة الجسمانية مع توارد الأفعال عليها وكثرتها تضعف وتكل لأنها تنفعل عنها ولهذا فإن من نظر طويلا إلى قرص الشمس لا يدرك في الحال غيرها إدراكا تاما والقوى النفسانية بالضد من ذلك فإن عند تكثر التعقلات تقوى وتزداد فالحاصل عند كثرة الأفعال هو ضد ما يحصل للقوة الجسمانية عند كثرة الأفعال فهذا ما خطر لنا في معنى قوله ـ رحمه‌الله ـ ولحصول الضد.

المسألة السادسة

في أن النفس البشرية متحدة بالنوع

قال : ودخولها تحت حد واحد يقتضي وحدتها.

أقول : اختلف الناس في ذلك فذهب الأكثر إلى أن النفوس البشرية متحدة بالنوع متكثرة بالشخص وهو مذهب أرسطاطاليس. وذهب جماعة من القدماء إلى أنها مختلفة بالنوع واحتج المصنف ـ رحمه‌الله ـ على وحدتها بأنها يشملها حد واحد والأمور المختلفة يستحيل اجتماعها تحت حد واحد.

وعندي في هذا نظر فإن التحديد ليس لجزئيات النفس حتى يلزم ما ذكره بل لمفهوم

النفس وهو المعنى الكلي وذاك كما يحتمل أن يكون نوعا يحتمل أن يكون جنسا فإن قال إن حد الكلي حد لكل نفس نفس إذ لا يعقل من كل نفس سوى ما قلناه في التحديد منعنا ذلك وألزمناه الدور لأن الأشياء المتكثرة إنما يصح جعلها في حد واحد لو كانت متحدة في الماهية فلو استفدنا وحدتها من الدخول في الحد الواحد لزم الدور والتحديد ليس راجعا إلى المفهوم من النفس بل إلى حقيقتها في نفس الأمر وإلا لكان الحد حدا بحسب الاسم لا حدا بحسب الحقيقة.

قال : واختلاف العوارض لا يقتضي اختلافها.

أقول : هذا جواب عن شبهة من استدل على اختلافها وتقرير الدليل أنهم قالوا وجدنا النفوس البشرية تختلف في العفة والفجور والذكاء والبلادة وليس ذلك من توابع المزاج لأن المزاج قد يكون واحد والعوارض مختلفة فإن بارد المزاج قد يكون في غاية الذكاء وكذا حار المزاج قد يكون في غاية البلادة وقد يتبدل والصفة النفسانية باقية ، ولا من الأشياء الخارجية لأنها قد تكون بحيث تقتضي خلقا والحاصل ضده فعلمنا أنها لوازم للماهية وعند اختلاف اللوازم يختلف الملزوم.

والجواب أن الملزومات مختلفة وليست هي النفس وحدها بل النفس والعوارض المختلفة ومجموع النفس مع العوارض إذا كان مختلفا لا يلزم أن يكون كل جزء أيضا مختلفا فهذه الحجة مغالطية ، هذا صورة ما أجاب به المصنف في بعض كتبه عن هذه الحجة وفي هذا نظر والأقرب في الجواب ما ذكره هنا وهو أن هذه عوارض مفارقة غير لازمة فاختلافها لا يقتضي اختلاف معروضها.

المسألة السابعة

في أن النفوس البشرية حادثة

قال : وهي حادثة وهو ظاهر على قولنا ، وعلى قول الخصم لو كانت أزلية لزم اجتماع الضدين أو بطلان ما ثبت أو ثبوت ما يمتنع.

أقول : اختلف الناس في ذلك فالمليون ذهبوا إلى أنها حادثة وهو ظاهر على قواعدهم

لما ثبت من حدوث العالم وهي من جملة العالم ولأجل ذلك قال المصنف ـ رحمه‌الله ـ وهو ظاهر على قولنا.

وأما الحكماء فقد اختلفوا هاهنا فقال أرسطو إنها حادثة وقال أفلاطون إنها قديمة ، والمصنف ـ رحمه‌الله ـ ذكر هاهنا حجة أرسطو أيضا على الحدوث.

وتقرير هذه الحجة أن النفوس لو كانت أزلية لكانت إما واحدة أو كثيرة والقسمان باطلان فالقول بقدمها باطل أما الملازمة فظاهرة وأما بطلان وحدتها فلأنها لو كانت واحدة أزلا فإما أن تتكثر فيما لا يزال أو لا تتكثر والثاني باطل وإلا لزم أن يكون ما يعلمه زيد يعلمه كل أحد وكذا سائر الصفات النفسانية لكن الحق خلاف ذلك فإنه قد يعلم زيد شيئا وعمرو جاهل به ولو اتحدت نفساهما لزم اتصاف كل واحد بالضدين. والأول باطل أيضا لأنها لو تكثرت لكانت النفسان الموجودتان الآن إما أن يقال كانتا حاصلتين قبل الانقسام فقد كانت الكثرة حاصلة قبل فرض حصولها هذا خلف ، وإما أن يقال حدثتا بعد الانقسام وهو محال وإلا لزم حدوث النفسين وبطلان النفس التي كانت موجودة وأظن أن قوله ـ رحمه‌الله ـ وإلا لزم اجتماع الضدين إشارة إلى هذه اللوازم الناشئة عن هذا القسم من المنفصلة لأن القول بالوحدة فيما لا يزال يستلزم اتصاف النفوس بالضدين والقول بالكثرة فيما لا يزال مع حصولها يستلزم تكثر ما فرضناه واحدا وهو جمع بين الضدين أيضا والقول بالكثرة مع تجددها يستلزم بطلان النفس الواحدة وحدوث هاتين النفسين مع فرض قدمهما وهو جمع بين الضدين أيضا.

وأما بطلان كثرتها أزلا فلأن التكثر إما بالذاتيات أو باللوازم أو بالعوارض والكل باطل أما الأول فلما ثبت من وحدتها بالنوع ، وكذا الثاني لأن كثرة اللوازم تستلزم كثرة الملزومات وأظن أن قوله أو بطلان ما ثبت إشارة إلى هذا لأن القول بالكثرة الذاتية يستلزم بطلان وحدتها بالنوع وقد أثبتناه.

وأما الثالث فلأن اختلاف العوارض للذوات المتساوية إنما يكون عند تغاير المواد لأن نسبة العارض إلى المثلين واحدة ومادة النفس البدن لاستحالة الانطباع عليها وقبل البدن لا مادة وإلا لزم التناسخ وهو محال.

وأظن أن قوله أو ثبوت ما يمتنع إشارة إلى هذا.

المسألة الثامنة

في أن لكل نفس بدنا واحدا وبالعكس

قال : وهي مع البدن على التساوي.

أقول : هذا حكم ضروري أو قريب من الضروري فإن كل إنسان يجد ذاته ذاتا واحدة فلو كان لبدن نفسان لكان تلك الذات ذاتين وهو محال فيستحيل تعلق النفوس الكثيرة ببدن واحد. وكذا العكس فإنه لو تعلقت نفس واحدة ببدنين لزم أن يكون معلوم أحدهما معلوما للآخر وبالعكس وكذا باقي الصفات النفسانية وهو باطل بالضرورة.

المسألة التاسعة

في أن النفس لا تفنى بفناء البدن

قال : ولا تفنى بفنائه.

أقول : اختلف الناس هاهنا فالقائلون بجواز إعادة المعدوم جوزوا فناء النفس مع فناء البدن ، والمانعون هناك منعوا هنا. أما الأوائل فقد اختلفوا أيضا والمشهور أنها لا تفنى : أما أصحابنا فإنهم استدلوا على امتناع فنائها بأن الإعادة واجبة على الله تعالى على ما يأتي ولو عدمت النفس لامتنعت إعادتها لما ثبت من امتناع إعادة المعدوم فيجب أن لا تفنى ، وأما الأوائل فاستدلوا بأنها لو عدمت لكان إمكان عدمها محتاجا إلى محل مغاير لها لأن القابل يجب وجوده مع المقبول ولا يمكن وجود النفس مع العدم فذلك المحل هو المادة فتكون النفس مادية فتكون مركبة هذا خلف ، على أن تلك المادة يستحيل عدمها لاستحالة التسلسل.

وهذه الحجة ضعيفة لأنها مبنية على ثبوت الإمكان واحتياجه إلى المحل الوجودي وهو

ممنوع ، سلمنا لكن ذلك ينتقض بالجواهر البسيطة فإنها ممكنة ومعنى إمكانها قبولها للعدم فتكون مادية ، سلمنا لكن لم لا يجوز القول بكون النفوس مركبة من جوهرين مجردين أحدهما يجري مجرى المادة والآخر يجري مجرى الصورة وبقاء الجوهر المادي لا يكفي في بقاء جوهر النفس ، ثم ينتقض ذلك بإمكان الحدوث فإنه قد تحقق هناك إمكان من دون مادة قابلة فكذا إمكان الفساد.

المسألة العاشرة

في إبطال التناسخ

قال : ولا تصير مبدأ صورة لآخر وإلا بطل ما أصلناه من التعادل.

أقول : اختلف الناس هاهنا فذهب جماعة من العقلاء إلى جواز التناسخ في النفوس بأن تنتقل النفس التي كانت مبدأ صورة لزيد مثلا إلى بدن عمرو وتصير مبدأ صورة له ويكون بينهما من العلاقة كما كان بين البدن الأول وبينها.

وذهب أكثر العقلاء إلى بطلان هذا المذهب والدليل عليه أنا قد بينا أن النفوس حادثة وعلة حدوثها قديمة فلا بد من حدوث استعداد وقت حدوثها ليتخصص ذلك الوقت بالإيجاد فيه والاستعداد إنما هو باعتبار القابل فإذا حدث وتم وجب حدوث النفس المتعلقة به فإذا حدث بدن تعلقت به نفس تحدث عن مباديها فإذا انتقلت إليه نفس أخرى مستنسخة لزم اجتماع النفسين لبدن واحد وقد بينا بطلانه ووجوب التعادل في الأبدان والنفوس حتى لا توجد نفسان لبدن واحد وبالعكس.

المسألة الحادية عشرة

في كيفية تعقل النفس وإدراكها

قال : وتعقل بذاتها وتدرك بالآلات للامتياز بين المختلفين وضعا من غير إسناد.

أقول : اعلم أن التعقل هو إدراك الكليات والإدراك هو الإحساس بالأمور الجزئية ،

وقد ذهب جماعة من القدماء إلى أن النفس تعقل الأمور الكلية بذاتها من غير احتياج إلى آلة وتدرك الأمور الجزئية بواسطة قوى جسمانية هي محال الإدراك ، والحكم الأول ظاهر فإنا نعلم قطعا أنا ندرك الأمور الكلية مع اختلال كل عضو يتوهم آلة للتعقل وقد سلف تحقيق ذلك ، وأما الحكم الثاني وهو افتقارها في الإدراك الجزئي إلى الآلات فلأنا نميز بين الأمور المتفقة بالماهية المختلفة بالوضع لا غير كما أنا نفرق بين العين اليمنى واليسرى من الصورة التي نتخيلها ونميز بينهما مع اتحادهما في الحقيقة واختلافهما في الوضع فليس الامتياز بينهما بذاتي ، ولا بما يلزم الذات لفرض تساويهما بل بأمور عارضة ثم اختصاص كل واحدة منهما بعارضها ليس في الوجود الخارجي لأن المتخيل قد لا يكون موجودا في الخارج فليس الامتياز إذن للمأخوذ عنه بل للآخذ فإن كان محل إحداهما هو بعينه محل الأخرى استحال اختصاص إحداهما بكونها يمنى والأخرى بكونها يسرى لأن نسبة العارض إليهما واحدة فبقي أن يكون المحل مختلفا حتى يكون الجانب الذي تحل فيه إحداهما غير الجانب الذي تحل فيه الأخرى.

إذا عرفت هذا فقوله وتعقل بذاتها إشارة إلى ما ذكرناه من أن التعقل للأمور الكلية لذات النفس من غير آلة وقوله وتدرك بالآلات ، إشارة إلى أن إدراك الأمور الجزئية إنما يكون بواسطة قوى جسمانية وقوله للامتياز بين المختلفين وضعا ، إشارة إلى ما مثلناه من الامتياز بين العينين وقوله من غير إسناد أي من غير إسناد إلى الخارج.

المسألة الثانية عشرة

في القوى النباتية

قال : وللنفس قوى تشارك بها غيرها وهي الغاذية والنامية والمولدة

أقول : لما كان البدن آلة للنفس في أفاعيلها المنوطة به كان صلاحها بصلاحه ولما كان البدن مركبا من العناصر المتضادة وكان تأثير الجزء الناري فيه الإحالة احتيج في بقائه إلى إيراد بدل ما يتحلل منه فاقتضت حكمة الله تعالى جعل النفس ذات قوة يمكنها

بها استخلاف ما ذهب بما يأتي وذلك إنما يكون بالغذاء. ثم لما كان البدن أول خلقته محتاجا إلى زيادة في مقداره على ما يناسب في أقطاره بأجسام تنضم إليه من خارج وجب في حكمة الله تعالى جعل النفس ذات قوة يمكنها بها تحصيل جواهر قابلة للتشبه بالبدن تنضم إليه على تناسب في أقطاره هي النامية. ثم لما كان البدن ينقطع ويعدم واقتضت عناية الله تعالى الاستحفاظ بهذا النوع وجب في حكمة الله تعالى جعل النفس ذات قوة تحيل بعض الجواهر المستعدة لقبول الصورة الإنسانية إلى تلك الصورة وهي القوة المولدة فكانت النفس ذات قوى ثلاث الغاذية والنامية والمولدة وهذه القوى مشتركة بين الإنسان والحيوان والنبات فالغاذية هي التي تحيل الغذاء إلى مشابهة المغتذي ليخلف بدل ما يتحلل ، والنامية هي التي تزيد في أقطار الجسم على التناسب الطبيعي ليبلغ إلى تمام النشوء ، والمولدة هي التي تفيد المني بعد استحالته في الرحم الصور والقوى والأعراض واعلم أن إسناد التصوير إلى هذه القوة باطل وسيأتي بيانه إن شاء الله.

قال : وأخرى أخص يحصل بها الإدراك إما للجزئي أو للكلي.

أقول : للنفس أيضا قوى أخص من الأولى هي الإدراك إما للجزئي وهو الإحساس ، وإما للكلي وهو التعقل فالإحساس مشترك بينه وبين الحيوان خاصة فهو أخص من القوى الأولى المشتركة بينها وبين النبات ، والتعقل أخص من الإحساس لأنه لا يحصل للحيوان بل للإنسان.

قال : فللغاذية الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة.

أقول : القوة الغاذية يتوقف فعلها على أربع قوى ليتم الاغتذاء وهي الجاذبة للغذاء ، والماسكة له لتهضمه الهاضمة ، والهاضمة وهي التي تحيل الغذاء الذي جذبته الجاذبة وأمسكته الماسكة إلى قوام يتهيأ لأن تجعله الغاذية جزءا بالفعل من المغتذي ، والدافعة للفضلات.

قال : وقد تتضاعف هذه لبعض الأعضاء.

أقول : قد تتضاعف هذه القوى لبعض الأعضاء كالمعدة التي تجذب بقوتها غذاء كلية البدن ، والتي تمسكه هناك ، والتي تغيره إلى ما يصلح لأن يصير دما ، والتي تدفعه إلى الكبد. وفيها أيضا قوة جاذبة لما تغتذي به المعدة خاصة وقوة ماسكة وقوة هاضمة وقوة دافعة

قال : والنمو مغاير للسمن.

أقول : النمو هو زيادة الجسم بسبب اتصال جسم آخر به من نوعه وتكون الزيادة مداخلة في أجزاء المزيد عليه وهو مغاير للسمن ، وكذا الذبول مغاير للهزال فإن الواقف في النمو قد يسمن كالشيخ إذا صار سمينا فإن أجزاءه الأصلية قد جفت وصلبت فلا يقوى الغذاء على تفريقها فلا يتحقق النمو ، وكذلك النامي قد يهزل.

قال : والمصورة عندي باطلة لاستحالة صدور هذه الأفعال المحكمة المركبة عن قوة بسيطة ليس لها شعور أصلا.

أقول : أثبت الحكماء للنفس قوة يصدر عنها التصوير والتشكيل بشكل نوع ذي القوة ، والحق ما ذهب إليه المصنف من أن ذلك محال لأن هذه الأشكال والصور أمور محكمة متقنة فلا تصدر عن طبيعة غير شاعرة بما يصدر عنها بل يجب إسنادها إلى مدبر حكيم. وأيضا فإن هذه التشكيلات أمور مركبة والقوة البسيطة لا تصدر عنها أشياء كثيرة بل شكلها في محلها البسيط هو الكرة فتكون هذه المركبات على شكل الكرات وهو باطل بالضرورة.

المسألة الثالثة عشرة

في أنواع الإحساس

قال : وأما قوة الإدراك للجزئي فمنه اللمس وهو قوة منبثة في البدن كله.

أقول : لما فرغ من البحث عن الأمر العام أعني القوة النباتية شرع الآن في البحث عما

هو أخص منه وهو القوة الحيوانية أعني الإحساس المشترك بين الإنسان وغيره من الحيوانات وبدأ باللمس لأن باقي الحواس يراد لجلب النفع وهذا لدفع الضرر ولما كان دفع الضرر أولى من جلب النفع لا جرم قدم البحث فيه على غيره من القوى الحساسة. واعلم أن اللمس كيفية قائمة بالبدن منبثة في ظاهره أجمع يدرك بها النافي والملائم.

قال : وفي تعدده نظر.

أقول : اختلف الناس في أن اللمس هل هو قوة واحدة أو قوى كثيرة فالجمهور على أنها قوى أربع : الأولى الحاكمة بين الحار والبارد ، الثانية الحاكمة بين الرطب واليابس الثالثة الحاكمة بين الصلب واللين ، الرابعة الحاكمة بين الخشن والأملس لأن القوة الواحدة لا يصدر عنها أكثر من أمر واحد.

قال : ومنه الذوق ويفتقر إلى توسط الرطوبة اللعابية الخالية عن المثل والضد.

أقول : الذوق قوة قائمة بسطح اللسان لا يكفي فيه الملامسة بل لا بد من متوسط هي الرطوبة اللعابية الخالية عن الطعوم لأنها إن كانت ذات طعم مماثل للمدرك لم يتحقق الإدراك لأن الإدراك إنما يكون بالانفعال والشيء لا ينفعل عن مماثله ، وإن كانت ذات طعم مضاد لم تؤد الكيفية على صرافتها بصحة كما في المرضى.

قال : ومنه الشم ويفتقر إلى وصول الهواء المنفعل ، أو ذي الرائحة إلى الخيشوم.

أقول : الشم قوة في الدماغ تحملها زائدتان شبيهتان بحلمتي الثدي نابتتان من مقدم الدماغ وقد فارقتا لين الدماغ قليلا ولم تلحقهما صلابة العصب. ويفتقر إلى وصول الهواء المنفعل عن ذي الرائحة إلى الخيشوم أو وصول أجزاء من ذي الرائحة إليه لأنه إنما يدرك بالملاقاة.

وقد ذهب قوم إلى أن الشم إنما يكون بأن تتحلل أجزاء الجسم ذي الرائحة وتنتقل مع الهواء المتوسط إلى الحاسة لأن الدلك والتبخير يهيج الرائحة ويذكيها.

وقال آخرون إن الهواء المتوسط يتكيف بتلك الكيفية لا غير وإلا لنقص وزن الجسم ذي الرائحة مع استنشاقها والمصنف ـ رحمه‌الله ـ قد نبه بكلامه على تجويز الأمرين فإن الشم قد يحصل بكل واحد منهما.

قال : ومنه السمع ويتوقف على وصول الهواء المنضغط إلى الصماخ.

أقول : ذهب قوم إلى أن السمع إنما يحصل عند تأدي الهواء المنضغط بين القارع والمقروع إلى الصماخ ولهذا تدرك الجهة ويتأخر السماع عن الإبصار لتوقف الأول على حركة الهواء دون الثاني والمصنف ـ رحمه‌الله ـ مال إلى هذا هاهنا وفيه نظر لأن الصوت قد يسمع من وراء الجدار مع امتناع بقاء الشكل على حاله لو أمكن نفوذ الهواء.

قال : ومنه البصر ويتعلق بالذات بالضوء واللون.

أقول : المبصرات إما أن يتعلق الإبصار بها أولا وبالذات أو ثانيا وبالعرض والأول هو الضوء واللون لا غير والثاني ما عداهما من سائر المبصرات كالشكل والحجم والمقدار والحركة والوضع والحسن والقبح وغير ذلك من أصناف المرئيات.

قال : وهو راجع فينا إلى تأثر الحدقة.

أقول : الإدراك عند جماعة من الفلاسفة والمعتزلة راجع إلى تأثر الحاسة فالإبصار بالعين معناه تأثر الحدقة وانفعالها عن الشيء المرئي هذا في حقنا نحن ولهذا قيده المصنف ـ رحمه‌الله ـ بقوله فينا لأن الإدراك ثابت في حقه تعالى ولا يتصور فيه التأثر وذهبت الأشاعرة إلى أنه معنى زائد على تأثر الحدقة.

قال : ويجب حصوله مع شرائطه.

أقول : شروط الإدراك سبعة : الأول عدم البعد المفرط ، الثاني عدم القرب المفرط ولهذا لا يبصر ما يلتصق بالعين ، الثالث عدم الحجاب ، الرابع عدم الصغر المفرط ، الخامس أن يكون

مقابلا أو في حكم المقابل ، السادس وقوع الضوء على المرئي إما من ذاته أو من غيره ، السابع أن يكون المرئي كثيفا بمعنى وجود الضوء واللون له ، إذا عرفت هذا فنقول عند المعتزلة والأوائل أن عند حصول هذه الشرائط يجب الإدراك بالضرورة فإن سليم الحاسة يشاهد الشمس إذا كانت على خط نصف النهار بالضرورة ولو تشكك العقل في ذلك جاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة وأصوات هائلة وإن كنا لا ندركها وذلك سفسطة.

أما الأشاعرة فلم يوجبوا ذلك وجوزوا حصول جميع الشرائط مع انتفاء الإدراك ، واحتجوا بأنا نرى الكبير صغيرا والسبب فيه رؤية بعض أجزائه دون البعض مع تساوي الجميع في الشرائط وهو خطأ لوقوع التفاوت بالقرب والبعد فلهذا أدركنا بعض الأجزاء وهي القريبة دون الباقي ويتحقق التفاوت بخروج خطوط ثلاثة من الحدقة إلى المرئي أحدها عمود والباقيان ضلعا مثلث قاعدته المرئي فالعمود أقصر لأنه يوتر الحادة والضلعان أطول لأنهما يوتران القائمة.

قال : بخروج الشعاع.

أقول : اختلف الناس في كيفية الإبصار فقال قوم إنه بخروج شعاع متصل من العين إلى المرئي على هيئة مخروط رأسه عند الحدقة وقاعدته عند المرئي وهو اختيار المصنف ـ رحمه‌الله ـ ، وقال أبو علي إن الإبصار إنما يكون بانطباع صورة المرئي في الرطوبة الجليدية والقولان عندي باطلان أما الأول فلأن الشعاع إما جسم أو عرض والثاني يستحيل عليه الانتقال ، والأول باطل لامتناع أن يخرج من العين على صغرها حجم متصل منها إلى كرة الثوابت وأيضا فإن حركة الشعاع ليست طبيعية لعدم اختصاصها بجهة دون أخرى فلا تكون قسرية وظاهر أنها ليست إرادية ، ولأن الشعاع جسم لطيف جدا فيلزم تشوشه عند هبوب الرياح فلا يحصل الإبصار للمقابل وأما الثاني فلأنه يستحيل انطباع العظيم في الصغير.

قال : فإن انعكس إلى المدرك أبصر وجهه.

أقول : الشعاع إذا خرج من العين واتصل بالمرئي وكان صقيلا كالمرآة انعكس عنه إلى كل ما نسبته إلى المرئي كنسبة العين إليه ولهذا وجب تساوي زاويتي الشعاع والانعكاس

ووجب أن يشاهد بالمرآة كل ما وضعه إليها كوضع الرائي فإن انعكس الشعاع إلى الرائي نفسه أدرك وجهه ، وإذا انتفت الصقالة لم يحصل الانعكاس كالأشياء الخشنة التي نشاهدها فإنه لا ينعكس عنها شعاع إلى غيرها لعدم الملاسة. هذا علة أصحاب الشعاع في رؤية الإنسان وجهه بالمرآة. وأما القائلون بالانطباع فقالوا إنه تنطبع في المرآة صورة الرائي ثم تنطبع في العين من تلك الصورة صورة أخرى. وهو باطل لأن الصورة لو انطبعت في المرآة لم تتغير بتغير وضع الرائي.

قال : وإن عرض تفرق السهمين تعدد المرئي.

أقول : هذا إشارة إلى علة الحول عند القائلين بالشعاع والسبب في الحول عندهم أن النور الممتد من العين على شكل المخروط قوته في سهم المخروط فإذا خرج من العينين مخروطان والتقى سهماهما عند المبصر واتحدا أدرك المدرك الشيء كما هو ، وإن لم يلتق السهمان عند شيء واحد بل حصل الإدراك بطرف المخروط لا بوقوع السهم عليه رأى الرائي الشيء الواحد شيئين.

أما القائلون بالانطباع فإنهم قالوا الصورة تنطبع أولا في الرطوبة الجليدية وليس الإدراك عندها وإلا لأدركنا الشيء الواحد شيئين كما إذا لمسنا باليدين كان لمسين لكن الصورة التي في الجليدية تتأدى بواسطة الروح المصبوب في العصبتين المجوفتين إلى ملتقاهما على هيئة مخروط فيلتقي المخروطان هناك وعند الملتقى روح مدرك وحينئذ تتحد عند الروح من الصورتين صورة واحدة ، وإن لم ينفذ المخروطان نفوذا على سبيل التقاطع انطبع من كل شبح ينفذ عن الجليدية خيال بانفراده وهو الحول.

المسألة الرابعة عشرة

في أنواع القوى الباطنة المتعلقة بإدراك الجزئيات

قال : ومن هذه القوى بنطاسيا الحاكمة بين المحسوسات

أقول : أثبت الأوائل للنفس قوى جزئية خمس باطنة : الأولى بنطاسيا وهي الحس

المشترك وهو المدرك للصور الجزئية التي تجتمع عنده مثل المحسوسات. الثانية خزانته وهي الخيال. الثالثة الوهم وهو قوة تدرك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات كالصداقة الجزئية والعداوة الجزئية. الرابعة خزانته وهي الحافظة. الخامسة القوة المتصرفة في الصور الجزئية والمعاني الجزئية بالتركيب والتحليل فتركب صورة إنسان يطير ، وجبل ياقوت وهذه القوة تسمى متخيلة إن استعملتها القوة الوهمية ، ومتفكرة إن استعملتها القوة الناطقة.

إذا عرفت هذا فنقول الدليل على ثبوت الحس المشترك وجوه : أحدها أنا نحكم على صاحب لون معين بطعم معين فلا بد من حضور هذين المعينين عند الحاكم لكن الحاكم وهو النفس إنما يدرك الجزئيات بواسطة الآلات على ما تقدم فيجب حصولهما معا في آلة واحدة وليس شيء من الحواس الظاهرة لذلك فلا بد من إثبات قوة باطنة هي الحس المشترك وإلى هذا الدليل أشار بقوله الحاكمة بين المحسوسات.

قال : لرؤية القطرة خطا والشعلة دائرة.

أقول : هذا دليل ثان على إثبات الحس المشترك وتقريره أنا نرى القطرة النازلة خطا مستقيما ، والشعلة التي تدار بسرعة دائرة مع أنه ليس في الخارج كذلك ولا في القوة الباصرة لأن البصر إنما يدرك الشيء على ما هو عليه ، ولا النفس لأنها لا تدرك الجزئيات فلا بد من قوة أخرى يحصل بها إدراك القطرة حال حصولها في المكان الأول ثم إدراكها حال حصولها في المكان الثاني ويرتسم الحصول الثاني قبل انمحاء الصورة الأولى عن القوة الشاعرة فتتصل الصورتان في الحس المشترك فترى النقطة كالخط والشعلة كالدائرة.

قال : والمبرسم ما لا تحقق له.

أقول : هذا دليل ثالث على إثبات هذه القوة وتقريره أن صاحب البرسام يشاهد صورا لا وجود لها في الخارج وإلا لشاهدها كل ذي حس سليم فلا بد من قوة ترتسم فيها تلك الصور حال المشاهدة ، وكذا النائم يشاهد صورا لا تحقق لها في الخارج والسبب فيه

ما ذكرناه وقد بينا أن تلك القوة لا يجوز أن تكون هي النفس فلا بد من قوة جسمانية ترتسم فيها هذه الصور.

قال : والخيال لوجوب المغايرة بين القابل والحافظ.

أقول : هذه القوة الثانية المسماة بالخيال وهي خزانة الحس المشترك الحافظة لما يزول عنه بعد غيبوبة الصور التي باعتبارها تحكم النفس بأن ما شوهد ثانيا هو الذي شوهد أولا واستدلوا على مغايرتها الحس المشترك بأن هذه القوة حافظة والحس المشترك قابل والحافظ مغاير للقابل لامتناع صدور الأثرين عن علة واحدة ، ولأن الماء فيه قوة القبول وليس فيه قوة الحفظ فدل على المغايرة وهذا كلام ضعيف بينا ضعفه في كتاب الأسرار.

قال : والوهم المدرك للمعاني الجزئية.

أقول : هذه القوة الثالثة المدركة للمعاني الجزئية وتسمى الوهم وهي مغايرة للنفس الناطقة لما تقدم من أن النفس لا تدرك الجزئيات لذاتها وأشار إليه بقوله الجزئية ، وللحس المشترك لأن هذه القوة تدرك المعاني والحس يدرك الصور المحسوسة وأشار إليه بقوله للمعاني ، وللخيال لأن الخيال شأنه الحفظ والوهم شأنه الإدراك فتغايرا كما قلنا في الحس والخيال وأشار إليه بقوله المدرك.

قال : والحافظة.

أقول : هذه القوة الرابعة المسماة بالحافظة وهي خزانة الوهم ودليل إثباتها كما قلناه في الخيال سواء. وهذه تسمى المتذكرة باعتبار قوتها على استعادة الغائبات ولهم خلاف في أن المتذكرة هي الحافظة أو غيرها.

قال : والمتخيلة المركبة للصور والمعاني بعضها مع بعض.

أقول : هذه القوة الخامسة المسماة بالمتخيلة باعتبار استعمال الحس لها والمتفكرة

باعتبار استعمال العقل لها وهي التي تركب بعض الصور مع بعض كما تركب صورة جذع عليه رأس إنسان ، وتركب بعض المعاني مع بعض وتركب بعض الصور مع بعض المعاني. ويدل على مغايرتها لما تقدم صدور هذا الفعل عنها دون غيرها من القوى لامتناع صدور أكثر من فعل واحد عن قوة واحدة.

قال :

الفصل الخامس

في الأعراض

وتنحصر في تسعة.

أقول : لما فرغ من البحث عن الجواهر انتقل إلى البحث عن الأعراض وفي هذا الفصل مسائل :

المسألة الأولى

في أن الأعراض منحصرة في تسعة

هذا رأي أكثر الأوائل فإنهم قسموا الموجود إلى واجب وممكن والواجب هو الله تعالى لا غير والممكن إما غني عن الموضوع وهو الجوهر أو محتاج إليه وهو العرض (وأقسامه تسعة) : الكم والكيف والأين والوضع والملك والإضافة وأن يفعل وأن ينفعل والمتى والمتكلمون حصروه في أحد وعشرين هي الكون واللون والطعوم والروائح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والتأليف والاعتماد والحياة والقدرة والاعتقاد والظن والنظر والإرادة والكراهة والشهوة والنفرة والألم واللذة وأثبت بعضهم أعراضا أخر يأتي البحث عنها وهذه الأعراض مندرجة تحت تلك لأن الكون هو الأين أو ما يقاربه وباقي الأعراض التي ذكروها مندرجة تحت الكيف فلأجل هذا بحث المصنف ـ رحمه‌الله ـ عن الأعراض التسعة لدخول هذه تحتها ومع ذلك فالأوائل لم يوجد لهم دليل على حصر الأعراض في التسعة وبعضهم جعل أجناس الممكنات منحصرة في أربعة الجوهر والكم والكيف والنسبة وبالجملة فالحصر لم يقم عليه برهان.

المسألة الثانية

في قسمة الكم

قال : الأول الكم فمتصله القار جسم وسطح وخط وغيره الزمان ومنفصله العدد.

أقول : الكم إما متصل أو منفصل ونعني بالمتصل ما يوجد فيه جزء مشترك يكون نهاية لأحد القسمين وبداية للآخر كالجسم إذا نصف فإن موضع التنصيف حد مشترك بين النصفين هو نهاية لأحدهما وبداية للآخر والمنفصل ما لا يكون كذلك كالأربعة المنقسمة إلى اثنين واثنين فإنه ليس بينهما حد مشترك وكذا الثلاثة ولا يتوهم أن الوسط نهاية لأحد القسمين وبداية للآخر لأنه إن عد فيهما صارت الثلاثة أربعة وإن أسقط منها صارت اثنين ولا أولوية لأحدهما دون الآخر.

إذا عرفت هذا فنقول المتصل إما قار الذات وهو الذي تجتمع أجزاؤه في الوجود كالجسم ، أو غير قار الذات وهو الذي لا يكون كذلك كالزمان فإنه لا يمكن أن يكون أحد الزمانين مجامعا للآخر والقار الذات إما أن ينقسم في جهة واحدة وهو الخط ، أو في جهتين وهو السطح أو في ثلاث جهات وهو الجسم التعليمي. وغير قار الذات هو الزمان لا غير. والمنفصل هو العدد خاصة لأن تقومه من الوحدات التي إذا جردت عن معروضاتها كانت أجزاء العدد لا غير.

المسألة الثالثة

في خواصه

قال : ويشملها قبول المساواة وعدمها والقسمة وإمكان وجود العاد.

أقول : ذكر للكم ثلاث خواص : الأولى قبول المساواة وعدمها عدم الملكة فإن أحد الشيئين إنما يساوي غيره أو يفارقه باعتبار مقداره لا باعتبار ذاته فإن كل الجسم وبعضه

متساويان في الطبيعة ومتفاوتان في المقدار.

الثانية قبول القسمة وذلك لأن الماهية إنما يعرض لها الانقسام والاثنينية بواسطة المقدار وهذا الانقسام قد يعنى به كون الشيء بحيث يوجد فيه شيء غير شيء وهذا المعنى يلحق المقدار لذاته ، والثاني قبول الافتراق وهو من توابع المادة عندهم على ما سلف البحث فيه ومرادهم هنا الأول.

الثالثة إمكان وجود العاد وذلك لأن المنقسم إنما ينقسم إلى آحاد هي أجزاؤه فتلك الآحاد عادة له ولما كان الانقسام قد يكون بالفعل كما في الكم المنفصل وقد يكون بالقوة كما في المتصل كان اللازم لمطلق الكم هو إمكان وجود واحد عاد لا الوجود بالفعل.

قال : وهو ذاتي وعرضي

أقول : الكم منه ما هو بالذات كالأقسام التي عددناها له ، ومنه ما هو بالعرض وهو معروضها كالجسم الطبيعي أو عارضها كالسواد الحال في السطح فإنه متقدر بقدره فكميته عرضية لا ذاتية ، أو ما يجامعه في المحل أو ما يتعلق بما يعرض له كقولنا قوة متناهية أو غير متناهية بسبب تناهي المقوي عليه في العدة أو المدة أو الشدة وعدم تناهيه.

المسألة الرابعة

في أحكامه

قال : ويعرض ثاني القسمين فيهما لأولهما

أقول : قد بينا أن الكم إما متصل وإما منفصل ، وأيضا إما ذاتي أو عرضي والثاني من القسمين في القسمين معا يعرض للأول منهما فإن الجسم التعليمي يعرض له الانقسام فيحصل له التعدد فيصير معدودا قد عرض له النوع الثاني من الكم وهو المنفصل ، وكذا الزمان يقسم إلى الساعات والشهور والأيام والأعوام فيحصل له التعدد ، وأيضا الزمان متصل بذاته ويعرض له التقدير بالمسافة أيضا كما يقال زمان حركة فرسخ فظهر معنى

قوله ويعرض ثاني القسمين فيهما لأولهما.

قال : وفي حصول المنافي وعدم الشرط دلالة على انتفاء الضدية.

أقول : يريد أن الكم لا تضاد فيه والدليل عليه وجهان : أحدهما أن المنافي للضدية حاصل فلا تكون الضدية موجودة ، بيانه أن أنواع الكم المنفصل يتقوم بعضها ببعض فأحد النوعين إما مقوم لصاحبه أو متقوم به ويستحيل تقوم أحد الضدين بالآخر. وأما المتصل فلأن أحد النوعين إما قابل للآخر كالسطح للخط والجسم للسطح أو مقبول له كالعكس والضد لا يكون قابلا لضده ولا مقبولا له فحصول التقويم والقابلية المنافيان للضدية يقتضي انتفاء الضدية.

الثاني أن الشرط في التضاد مفقود في الكم فلا تضاد فيه. بيانه أن للتضاد شرطين أحدهما اتحاد الموضوع ، الثاني أن يكون بينهما غاية التباعد وهما منتفيان هنا أما عدم اتحاد الموضوع في العدد فلأنه ليس لشيء من العددين موضوع قريب مشترك ، وكذا المتصل فإن الجسم الطبيعي معروض للتعليمي وللسطح بواسطة التعليمي وكذا للخط بواسطة السطح ، وأما عدم كونهما في غاية التباعد فلأنه لا مقدار يوجد إلا ويمكن أن يفرض ما هو أكبر منه أو أصغر فلا غاية في التباعد وكذا العدد.

قال : ويوصف بالزيادة والكثرة ومقابليهما دون الشدة ومقابلها.

أقول : الكم بأنواعه يوصف بأن بعضا منه زائد على بعض آخر فإن الستة أزيد من الثلاثة وكذا الخط الذي طوله عشرة أزيد من الذي طوله خمسة فيصدق عليه وصف الزيادة ومقابلها أعني النقصان لأن الزائد إنما يعقل بالقياس إلى الناقص. وكذا يوصف بالكثرة والقلة ويمتنع اتصافه بالشدة والضعف وبيانه ظاهر فإنه لا يعقل أن خطا أشد من خط آخر في الخطية ، ولا ثلاثة أشد من ثلاثة أخرى في الثلاثية. والفرق بين الكثرة والشدة ظاهر ، وكذا بين الزيادة والشدة فإن الكثرة والزيادة إنما تتحققان بالنسبة إلى أصل موجود لا يتغير فصله بسبب الزيادة ولا حقيقته بخلاف الشدة.

قال : وأنواع متصله قد تكون تعليمية

أقول : الأنواع الثلاثة للكم المتصل القار الذات قد تؤخذ باعتبار ما فتسمى تعليمية ، وقد تؤخذ باعتبار آخر ، مثلا إذا أخذ المقدار باعتبار ذاته لا من حيث اقترانه بالمواد وأعراضها من الألوان وغيرها كان ذلك مقدارا تعليميا كالسطح التعليمي والخط التعليمي والجسم التعليمي وكذا النقطة وإنما سميت هذه الأنواع تعليمية لأن علم التعاليم إنما يبحث عنها مجردة عن المواد وتوابعها.

قال : وإن كانت تختلف بنوع ما من الاعتبار

أقول : الظاهر من هذا الكلام أن كون الجسم تعليميا يفارق كون السطح والخط كذلك وبيانه أن الجسم يمكن أن يؤخذ لا بشرط غيره ، أو بشرط لا غيره وأما السطح والخط فلا يمكن أخذهما إلا بالاعتبار الأول فلهذا اختلفت الأنواع بنوع ما من الاعتبار.

قال : وتخلف الجوهرية عما يقال في جواب ما هو في كل واحد يعطي عرضيته.

أقول : يريد أن يبين أن هذه الأنواع بأسرها أعراض واستدل بطريقين أحدهما عام في الجميع والثاني مختص بكل واحد واحد أما العام فتقريره أن معنى الجوهرية في حد كل واحد من السطح والخط والجسم التعليمي والزمان والعدد غير داخل في جواب ما هو إذا سئل عن حقيقته فيكون خارجا عن الحقيقة فيكون كل واحد من هذه عرضا.

قال : والتبدل مع بقاء الحقيقة وافتقار التناهي إلى برهان وثبوت الكرة الحقيقية والافتقار إلى عرض والتقوم به ، يعطي عرضية الجسم التعليمي والسطح والخط والزمان والعدد.

أقول : هذا هو الوجه الدال على عرضية كل واحد واحد بخصوصيته أما الجسم التعليمي فإنه عرض لأن الجسم قد يتبدل في كل واحد من أبعاده والحقيقة باقية فإن الشمعة تقبل الأشكال المختلفة مع بقاء حقيقتها فزوال كل واحد من الأبعاد وبقاء

الجسمية يدل على عرضية الأبعاد أعني الجسم التعليمي.

وأما السطح فإنه عرض لأن ثبوته للجسم إنما هو بواسطة التناهي العارض للجسم لافتقاره إلى برهان يدل عليه مع أن أجزاء الحقيقة لا تثبت بالبرهان وإذا كان التناهي عارضا كان ما يثبت بواسطته أولى بالعرضية.

وأما الخط فإنه عرض لأنه غير واجب الثبوت للجسم وما كان كذلك كان عرضا ، وبيان عدم وجوبه أنه إنما يثبت للسطح بواسطة تناهيه والسطح قد لا يفرض فيه النهاية كما في الكرة الحقيقية الساكنة فإنه لا خط فيها بالفعل.

وأما الزمان فإنه يفتقر إلى الحركة لأنه مقدارها والمقدار مفتقر إلى المتقدر والحركة عرض والمفتقر إلى العرض أولى بالعرضية فالزمان عرض.

وأما العدد فلأنه متقوم بالآحاد على ما تقدم والآحاد عرض فالعدد كذلك.

قال : وليست الأطراف أعداما وإن اتصفت بها مع نوع من الإضافة.

أقول : ذهب جماعة من المتكلمين إلى أن السطح الذي هو طرف الجسم والخط الذي هو طرف السطح والنقطة التي هي طرف الخط أعدام صرفة لا تحقق لها في الخارج وإلا لانقسمت لانقسام محلها ، ولأن الطرف عبارة عن نهاية الشيء التي هي عبارة عن فنائه وعدمه ، ولأن السطحين إذا التقيا عند تلاقي الأجسام إن كان بالأسر لزم التداخل وإلا فالانقسام. وكذا الخط والنقطة.

وهذه الوجوه لا تخلو من دخل أما الأول فإنما يلزم ذلك في الأعراض السارية أما غيرها فلا

وأما الثاني فلأن النهاية ليست عدما محضا ولا فناء صرفا لأن العدم لا يشار إليه والأطراف يشار إليها بل هاهنا أمور ثلاثة.

أحدها السطح وهو مقدار ذو طول وعرض قابل للإشارة موجود.

والثاني فناء الجسم بمعنى انقطاعه في جهة معينة من جهات الامتداد وليس بعدم صرف بل هو عدم أحد أبعاد الجسم وهو ثخنه.

والثالث إضافة تعرض تارة للسطح فيقال سطح مضاف إلى ذي السطح ، وتارة للفناء فيقال نهاية لجسم ذي نهاية والإضافة عارضة لهما متأخرة عنهما ، وقد يؤخذ السطح عاريا عن هذه الإضافة فيكون موضوعا لعلم الهندسة. وكذا البحث في الخط والنقطة.

وأما الثالث فإن الجسمين إذا التقيا عدم السطحان وصارا جسما واحدا إن اتصلا وإن تماسا فالسطحان باقيان.

قال : والجنس معروض التناهي وعدمه.

أقول : يريد بالجنس الكم من حيث هو هو فإنه جنس لنوعي المتصل والمنفصل وهو الذي يلحقه لذاته التناهي وعدم التناهي عدم الملكة لا العدم المطلق فإن العدم المطلق قد يصدق على الشيء الذي سلب عنه ما باعتباره يصدق أنه متناه كالمجردات. وإنما يلحقان أعني التناهي وعدمه العدم الخاص ما عدا الكم بواسطة الكم فيقال للجسم إنه متناه أو غير متناه باعتبار مقداره ويقال للقوة ذلك باعتبار عدد الآثار وامتداد زمانها وقصره ويقال للبعد والزمان والعدد إنها متناهية أو غير متناهية لا باعتبار لحوق طبيعة بها بل لذاتها.

قال : وهما اعتباريان.

أقول : يريد به أن التناهي وعدمه من الأمور الاعتبارية لا العينية فإنه ليس في الخارج ماهية يقال لها إنها تناه أو عدم تناه بل إنما يعقلان عارضين لغيرهما في الذهن.

قال : الثاني الكيف ويرسم بقيود عدمية تخصه جملتها بالاجتماع.

أقول : لما فرغ من البحث عن الكم شرع في البحث عن الكيف وهو الثاني من الأعراض التسعة وفيه مسائل :

المسألة الأولى : في رسمه اعلم أن الأجناس العالية لا يمكن تحديدها لبساطتها بل ترسم

بأمور أعرف منها عند العقل. والرسم إنما يتألف من خواص الشيء وعوارضه ولما كانت العوارض قد تكون عامة وقد تكون خاصة والعام لا يفيد التميز الذي هو أقل مراتب التعريف لم تصلح العوارض العامة للتعريف إلا إذا اختصت بالاجتماع بالماهية المرسومة كما يقال في تعريف الخفاش إنه الطائر الولود ولما لم يوجد لهذا الجنس خاصة تفيد تصوره توصلوا إلى تعريفه بعوارض عدمية كل واحد منها أعم منه لكنها باجتماعها خاصة به فقالوا في تعريفه إنه هيئة قارة لا يتوقف تصورها على تصور غيرها ولا تقتضي القسمة واللاقسمة في محلها اقتضاء أوليا.

فقولنا هيئة يشمل جميع الأعراض التسعة ويخرج عنها الجوهر.

وقولنا قارة يخرج عنه الحركة وما ليس بقار من الأعراض.

وقولنا لا يتوقف تصورها على تصور غيرها يخرج عنه الأعراض النسبية.

وقولنا ولا تقتضي القسمة واللاقسمة في محلها يخرج عنه الكم والوحدة والنقطة.

وقولنا اقتضاء أوليا ليدخل في المحدود العلم بالأشياء التي لا تنقسم فإنه يقتضي اللاقسمة مع أنه من الكيف لأن اقتضاءه لذلك ليس أوليا بل لوحدة المعلوم.

المسألة الثانية

في أقسامه

قال : وأقسامه أربعة.

أقول : الكيف له أنواع أربعة : أحدها الكيفيات المحسوسة كالسواد والحرارة ، الثاني الكيفيات المختصة بذوات الأنفس كالعلوم والإرادات والظنون ، الثالث الكيفيات الاستعدادية كالصلابة واللين ، الرابع الكيفيات المختصة بالكميات كالزوجية والانحناء والاستقامة وغيرها.

المسألة الثالثة

في البحث عن المحسوسات

قال : فالمحسوسات إما انفعاليات أو انفعالات.

أقول : الكيفيات المحسوسة إن كانت راسخة عسرة الزوال سميت انفعاليات لانفعال الحواس عنها أولا ، وإن كانت غير راسخة بل سريعة الزوال سميت انفعالات وهي وإن لم تكن في أنفسها انفعالات لكنها لقصر مدتها وسرعة زوالها منعت اسم جنسها واقتصر في تسميتها على الانفعالات.

المسألة الرابعة

في مغايرة الكيفيات للأشكال والأمزجة

قال : وهي مغايرة للأشكال لاختلافهما في الحمل.

أقول : ذهب قوم من القدماء إلى أن هذه الكيفيات نفس الأشكال قالوا لأن الأجسام تنتهي في التحليل إلى أجزاء صغار تقبل القسمة الوهمية لا الانفكاكية وتلك الأجزاء مختلفة في الأشكال فالتي تحيط بها أربعة مثلثات تكون مفرقة لاتصال العضو فيحس منها بالحرارة ، والتي تحيط بها ستة مربعات تكون غليظة غير نافذة فيحس منها بالبرد ، والذي يقطع العضو إلى أجزاء صغار ويكون شديد النفوذ هو المحرق الحريف والملاقي لذلك التقطيع هو الحلو ، والذي ينفصل منه شعاع مفرق للبصر هو الأبيض ، والذي ينفصل منه شعاع قابض للبصر هو السواد ويحصل من اختلاطهما باقي أنواع الألوان.

والمحققون أبطلوا هذه المقالة بأن الأشكال والألوان مختلفة في المحمولات فيحمل على أحدهما بالإيجاب ما يحمل على الآخر بالسلب فيلزم تغايرهما بالضرورة. وبيانه أن الأشكال ملموسة وغير متضادة والألوان متضادة غير ملموسة. وأيضا الأشكال مبصرة

والحرارة والبرودة ليستا كذلك.

قال : والمزاج لعمومها.

أقول : ذهب آخرون من الأوائل إلى أن الكيفيات هي الأمزجة وهو خطأ لأن المزاج كيفية متوسطة بين الحار والبارد يحصل من تفاعلهما والحرارة والبرودة من الكيفيات الملموسة فيكون المزاج منها فاللون والطعم مما ليس بملموس يكون مغايرا للمزاج وإن كان تابعا له لكن التابع مغاير للمتبوع.

المسألة الخامسة

في البحث عن الملموسات

قال : فمنها أوائل الملموسات وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والبواقي منتسبة إليها.

أقول : لما كانت الكيفيات الملموسة أظهر عند الطبيعة لعمومها بالنسبة إلى كل حيوان قدم البحث عنها. واعلم أن الكيفيات الملموسة إما فعلية ، أو انفعالية ، أو ما ينسب إليهما ، فالفعلية كيفيتان هما الحرارة والبرودة ، والمنفعلة اثنتان هما الرطوبة واليبوسة ، ونعني بالفعلية ما تفعل الصورة بواسطتها في المادة ، وبالمنفعلة ما تنفعل المادة باعتبارها. وإنما كانت الأوليان فعليتين والأخريان منفعلتين وإن كانت المادة تنفعل باعتبارهما لأن الأوليين تفعلان في الأخريين دون العكس وأما باقي الكيفيات الملموسة كاللطافة والكثافة واللزوجة والهشاشة والجفاف والبلة والثقل والخفة فإنها تابعة لهذه الأربعة.

قال : فالحرارة جامعة للمتشاكلات ، مفرقة للمختلفات ، والبرودة بالعكس.

أقول : الحرارة من شأنها إحداث الخفة والميل الصاعد ويحصل بسبب ذلك الحركة

فإذا وردت الحرارة على المركب وسخنته طلب الألطف الصعود قبل غيره لسرعة انفعاله فاقتضى ذلك تفريق أجزاء المركب المختلفة فإذا صعد الألطف جامع مشاكله فمن هاهنا قيل إنها تقتضي جمع المتشاكلات وتفريق المختلفات ، وأما البرودة فإنها بالعكس من ذلك.

قال : وهما متضادتان.

أقول : الحرارة والبرودة كيفيتان وجوديتان بينهما غاية التباعد فهما متضادان ولم يخالف في هذا الحكم أحد من المحققين وقد ذهب قوم غير محققين إلى أن البرودة عدم الحرارة عما من شأنه أن يكون حارا فيكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة وهو خطأ لأنا ندرك من الجسم البارد كيفية زائدة على الجسمية المطلقة والعدم غير مدرك فالبرودة صفة وجودية.

قال : وتطلق الحرارة على معان أخر مخالفة للكيفية في الحقيقة.

أقول : لفظة الحرارة تطلق على معان أحدها الكيفية المحسوسة من حرارة النار ، والثاني الحرارة المناسبة للحياة وهي شرط فيها وتسمى الحرارة الغريزية وهي مخالفة لتلك في الحقيقة لأن تلك مضادة للحياة والثانية شرط فيها ، والثالث حرارة الكواكب النيرة وهي مخالفة لما تقدم.

قال : والرطوبة كيفية تقتضي سهولة التشكل ، واليبوسة بالعكس :

أقول : الرطوبة فسرها الشيخ بأنها كيفية تقتضي سهولة التشكل والاتصال والتفرق والجمهور يطلقون الرطوبة على البلة لا غير فالهواء ليس برطب عندهم وعند الشيخ أنه رطب وجعل البلة هي الرطوبة الغريبة الجارية على ظاهر الجسم كما أن الانتفاع هو الرطوبة الغريبة النافذة إلى باطنه والجفاف عدم البلة عما من شأنه أن يبتل واليبوسة مقابلة للرطوبة.

قال : وهما مغايرتان للين والصلابة.

أقول : اللين والصلابة من الكيفيات الاستعدادية فاللين كيفية يكون الجسم بها مستعدا للانغمار ، ويكون للشيء بها قوام غير سيال فينفصل عن موضوعه ولا يمتد كثيرا ولا يتفرق بسهولة وإنما يكون قبوله للغمر من الرطوبة وتماسكه من اليبوسة والصلابة كيفية تقتضي مقابل ذلك.

قال : والثقل كيفية تقتضي حركة الجسم إلى حيث ينطبق مركزه على مركز العالم إن كان مطلقا ، والخفة بالعكس ، ويقالان بالإضافة باعتبارين.

أقول : لما كان الثقل والخفة من الكيفيات المحسوسة صادرتين عن الحرارة والبرودة بحث عنهما. واعلم أن كل واحد منهما يقال بمعنيين : حقيقي وإضافي ، فالثقل الحقيقي كيفية تقتضي حركة الجسم إلى أسفل بحيث ينطبق مركزه على مركز العالم إذا لم يعقه عائق ، والخفة بالعكس وهي كيفية تقتضي حركة الجسم إلى فوق بحيث يطفو على العناصر وينطبق سطحه على سطح الفلك إن لم يعقه عائق.

وأما الإضافي فإنه يقال بمعنيين في كل واحد منهما فالخفيف بالإضافة يقال بمعنيين : أحدهما الذي في طباعه أن يتحرك في أكثر المسافة الممتدة بين المركز والمحيط حركة إلى المحيط وقد يعرض له أن يتحرك عن المحيط ولا تتضاد هاتان الحركتان ، والثاني الذي إذا قيس إلى النار نفسها كانت النار سابقة له إلى المحيط فهو عند المحيط ثقيل وخفيف بالإضافة.

قال : والميل طبيعي وقسري ونفساني.

أقول : الميل هو الذي يسميه المتكلمون اعتمادا وينقسم بانقسام معلوله أعني الحركة إلى طبيعي كميل الحجر المسكن في الهواء ، والزق في الماء ، وإلى قسري كميل الحجر إلى فوق عند قسره على الصعود ، وإلى نفساني كميل الحيوان إلى الحركة حال اندفاعه الإرادي

قال : وهو العلة القريبة للحركة وباعتباره يصدر عن الثابت متغير.

أقول : الميل هو العلة القريبة للحركة وباعتبار تحققه يصدر عن الثابت شيء متغير وذلك لأن الطبيعة أمر ثابت وكذا القوة القسرية والنفسانية فيستحيل صدور الحركة المتغيرة عنها فلا بد من أمر يشتد ويضعف بسبب مصادمات الموانع الخارجية والداخلية هو الميل يصدر عن الطبيعة ويقتضي الحركة فيحصل باشتداده سرعة الحركة وشدتها وبضعفه ضد ذلك.

قال : ومختلفه متضاد

أقول : يشير إلى عدم إمكان اجتماع ميلين مختلفين وذلك لأن الميل يقتضي الحركة إلى جهة والصرف عن أخرى فلو اجتمع في الجسم ميلان لاقتضى حركته وتوجهه إلى جهتين مختلفتين وذلك غير معقول ، نعم كما يجوز أن يجتمع في جسم واحد حركتان مختلفتان إحداهما بالذات والأخرى بالعرض كذلك يجوز اجتماع ميل ذاتي وعرضي كحجر يحمله إنسان متحرك فإن الثقل موجود فيه وهو ميله الذاتي حال خرق الهواء به وهو ميله العرضي الذي هو للإنسان ذاتي فإذا تجدد على ذي ميل طبيعي ميل قسري تقاوم السببان أعني الطبيعة والقاسر وحدث ميل القاهر منهما فإن كان القاسر غالبا أخذت الطبيعة والموانع الخارجية في إفنائه قليلا ثم تقوى الطبيعة ويأخذ الميل القسري في النقص والطبيعة في الزيادة إلى أن يتعادلا فيبقى الجسم عديم الميل ثم تأخذ الطبيعة في الازدياد على التعادل فتوجد ميلا مشوبا بآثار الضعف ثم يشتد الميل ويزداد الضعف فلا يمكن اجتماع ميلين طبيعي وقسري على حد الصرافة بل يكون الجسم أبدا ذا حال متوسط بين الميل القسري الشديد والطبيعي الشديد.

قال : ولو لا ثبوته لتساوي ذو العائق وعادمه

أقول : هذا إشارة إلى الدليل على وجود الميل الطبيعي في كل جسم قابل للحركة

القسرية وتقريره أن المتحرك إذا كان خاليا عن المعاوقة وقطع بميله القسري مسافة ما فإنه يقطعها في زمان فإذا فرضناه ممنوا بالمعاوقة قطعها في زمان أطول فإذا فرضناه مع معاوقة أقل من الأولى على نسبة الزمانين قطعها في زمان مساو لزمان عديم المعاوقة وذلك محال قطعا لامتناع تساوي زماني عديم المعاوقة وواجدها.

قال : وعند آخرين هو جنس بحسب عدد الجهات ومتماثل ومختلف باعتبارها.

أقول : لما فرغ من البحث عن الميل وأحكامه على رأي الأوائل شرع في البحث عنه على رأي المتكلمين وهو جنس على رأيهم تحته ستة أنواع بحسب عدد الجهات الست ثم قالوا : إن منه ما هو متماثل وهو كل ما اختص بجهة واحدة لأن تساوي المعلول يستلزم تساوي العلة ، ومنه مختلف وهو ما تعددت جهاته ، واختلف أبو علي وأبو هاشم في مختلفه فقال أبو هاشم إنه غير متضاد لاجتماع الميلين في الحجر الصاعد قسرا وفي الحلقة التي يتجاذبها اثنان ، وقال أبو علي إنه متضاد.

قال : ومنه الثقل وآخرون منهم جعلوه مغايرا.

أقول : من أجناس الاعتماد عند أبي هاشم الثقل وهو الاعتماد اللازم الموجب للحركة سفلا ، وقال أبو علي إن الثقل راجع إلى تزايد أجزاء الجسم فجعله مغايرا لجنس الاعتماد وهو خطأ لأن تزايد الأجزاء الحقيقية حاصل في الخفيف ولا ثقل له.

قال : ومنه لازم ومفارق.

أقول : ذهب المتكلمون إلى أن الاعتماد منه ما هو لازم وهو الاعتماد نحو الفوق والسفل ، ومنه ما هو مفارق وهو المختلف وهو المقتضي للحركة إلى إحدى الجهات الأربع وإنما كان مفارقا لعدم وجوب وقوف الجسم في إحداها أو ذهابه عنها بخلاف الجهتين.

قال : ويفتقر إلى محل لا غير

أقول : لما كان الاعتماد عرضا وكان كل عرض مفتقرا إلى محل كان الاعتماد مفتقرا إلى المحل ولما امتنع حلول عرض في محلين كان الاعتماد كذلك فلأجل هذا قال إنه يفتقر إلى محل لا غير. وبعض المتكلمين لما طعن في كلية الحكمين افتقر إلى الاستدلال عليهما هنا واستدلوا على الأول بأن صفة ذاته وجوب مدافعة محله لصفة ذاته فلو انتفى المحل انتفت صفة الذات وذلك يقتضي نفي الذات ، وعلى الثاني بأنه يكون مساويا للتأليف لأن الافتقار إلى أزيد من محل واحد من خواص التأليف والاشتراك في أخص الصفات يستلزم الاشتراك في الذات.

قال : وهو مقدور لنا.

أقول : ذهب المتكلمون إلى أن الاعتماد مقدور لنا لأنه يقع بحسب دواعينا وينتفي بحسب صوارفنا فيكون صادرا عنا.

قال : وتتولد عنه أشياء بعضها لذاته من غير شرط ، وبعضها بشرط ، وبعضها لا لذاته.

أقول : قسم المتكلمون الاعتماد بالنسبة إلى ما يتولد عنه إلى أقسام ثلاثة : أحدها ما يتولد عنه لذاته من غير حاجة إلى شرط وإن كان قد يحتاج إليه أحيانا وهو الأكوان والاعتماد في محله وإن كان يولدهما في غير محله بشرط التماس. وإنما قلنا إنه يتولد عنه الأكوان لأن الجسم يختص بجهة دون أخرى حال حركته فلا بد من مخصص لتلك الجهة وهو الاعتماد. وقلنا إنه يولد الاعتماد لوجود الحركة القسرية شيئا بعد شيء فإن المتحرك يوجد فيه الاعتماد والاعتماد يولد الحركة الأولى والاعتماد معا ثم إذا تحرك ولد الاعتماد حركة أخرى واعتماد آخر.

وثانيها ما يتولد عنه بشرط ولا يصح بدونه وهو الأصوات فإنها تتولد عنه بشرط المصاكة لأن الصدى موجود في غير محل القدرة وما يتعدى محل القدرة لا يولده إلا

الاعتماد وإذا كان ما يتعدى محل القدرة يتولد عن الاعتماد فما يحل محلها أولى

وثالثها ما يتولد عنه لا بنفسه بل بتوسط وهو الألم والتأليف فإن الاعتماد يولد المجاورة والتفريق ، والمجاورة تولد التأليف ، والتفريق يولد الألم.

المسألة السادسة

في البحث عن المبصرات

قال : ومنها أوائل المبصرات وهي اللون والضوء

أقول : من الكيفيات المحسوسة المبصرات وقد نبه بقوله أوائل المبصرات على أن من المبصرات ما يتناوله الحس البصري أولا وبالذات وهو ما ذكره هنا من اللون والضوء ومنها ما يتناوله بواسطة كغيرهما من المرئيات فإن البصر إنما يدركها بواسطة هذين وهذا كما قال في الأول ومنها أوائل الملموسات فإن فيه تنبيها على أن هناك كيفيات تدرك باللمس بواسطة غيرها.

قال : ولكل منهما طرفان.

أقول : لكل واحد من اللون والضوء طرفان ففي اللون السواد والبياض وفي الضوء النور الخارق والظلمة وما عدا هذه فإنها متوسطة بين هذه كالحمرة والخضرة والصفرة والغيرة وغيرها من الألوان وكالظل وشبهه من الأضواء.

قال : وللأول حقيقة.

أقول : ذهب من لا مزيد تحصيل له إلى أن الألوان لا حقيقة لها فإن البياض المتخيل إنما يحصل من مخالطة الهواء للأجسام الشفافة المنقسمة إلى الأجزاء الصغار كما في زبد الماء والثلج ، والسواد المتخيل إنما يتخيل لعدم غور الجسم الضوء. والشيخ اضطرب كلامه في البياض فتارة جعله كيفية حقيقية وأخرى أنه غير حقيقية بل سبب حصوله ما ذكر.

والحق أنه كيفية حقيقية قائمة بالجسم في الخارج لأنه محسوس كما في بياض البيض المسلوق فإنه ليس لنفوذ الهواء فيه لزيادة ثقله بعد الطبخ وبالجملة فالأمور المحسوسة غنية عن البرهان.

قال : وطرفاه السواد والبياض المتضادان.

أقول : طرفا اللون هما السواد والبياض ، وقيدهما بالمتضادين لأن الضدين هما اللذان بينهما غاية التباعد فلأجل ذلك ذكر هذا القيد في الطرفين وهذا تنبيه على أن ما عداهما متوسط بينهما وليس نوعا قائما بانفراده كما ذهب إليه بعض الناس من أن الألوان الحقيقية خمسة السواد والبياض والحمرة والصفرة والخضرة ، ونبه بقوله المتضادان على امتناع اجتماعهما خلافا لبعض الناس حيث ذهب إلى أنهما يجتمعان كما في الغبرة وهو خطأ.

قال : ويتوقف على الثاني في الإدراك لا الوجود.

أقول : ذهب أبو علي ابن سينا إلى أن الضوء شرط وجود اللون فالأجسام الملونة حال الظلمة تعدم عنها ألوانها لأنا لا نراها في الظلمة فإما أن يكون لعدمها وهو المراد ، أو لحصول المانع وهو ما يقال من أن الظلمة كيفية قائمة بالمظلم مانعة من الإبصار وهو باطل وإلا لمنعت من هو بعيد عن النار عن مشاهدة القريب منها ليلا وليس كذلك وهو خطأ جدا لأنا نقول إنما لم تحصل الرؤية لعدم الشرط وهو الضوء لا لانتفاء المرئي في نفسه ، ونبه المصنف على ذلك بقوله ويتوقف أي اللون على الثاني أي الضوء في الإدراك لا الوجود.

قال : وهما متغايران حسا.

أقول : يريد أن اللون والضوء متغايران خلافا لقوم غير محققين ذهبوا إلى أن الضوء هو اللون قالوا إن الظهور المطلق هو الضوء ، والخفاء المطلق هو الظلمة ، والمتوسط بينهما هو الظل ، والحس يدل على المغايرة.

قال : قابلان للشدة والضعف ، المتباينان نوعا.

أقول : كل واحد من هذين أعني اللون والضوء قابل للشدة والضعف وهو ظاهر محسوس فإن البياض في الثلج أشد من البياض في العاج ، وضوء الشمس أشد من ضوء القمر ، إذا عرفت هذا فاعلم أن الشديد في كل نوع يخالف الضعيف منه بالنوع ، وذهب قوم إلى أن سبب الشدة والضعف ليس الاختلاف بالحقيقة بل باختلاط بعض أجزاء الشديد بأجزاء الضد فيحصل الضعف وإن لم يختلط حصلت الشدة وقد بينا خطأهم فيما تقدم.

قال : ولو كان الثاني جسما لحصل ضد المحسوس.

أقول : ذهب من لا تحصيل له إلى أن الضوء جسم وسبب غلطه ما يتوهم من كونه متحركا بحركة المضيء وإنما كان ذلك باطلا لأن الحس يحكم بافتقاره إلى موضوع يقوم به ولا يمكنه تجريده عن محل يقومه فلو كان جسما لحصل ضد هذا الحكم المحسوس وهو قيامه بنفسه واستغناؤه عن موضوع يحل فيه.

ويحتمل أن يكون قوله لحصل ضد المحسوس أن الضوء إذا أشرق على الجسم ظهر وكلما ازداد إشراقا ازداد ظهورا في الحس فلو كان جسما لكان ساترا لما يشرق عليه فكان يحصل ضد المحسوس أعني ضد الإشراق ويكون كلما ازداد إشراقه ازداد ستره لكن الحس يشهد بضد ذلك

أو نقول إن الحس يشهد بسرعة ظهور ما يشرق عليه الضوء فإن الشمس إذا طلعت على وجه الأرض أشرقت دفعة واحدة ولو كان الضوء جسما افتقر إلى زمان يقطع فيه هذه المسافة الطويلة فكان يحصل ضد السرعة المحسوسة فهذه الاحتمالات كلها صالحة لتفسير قوله لحصل ضد المحسوس.

وأما سبب وهم أولئك من أنه متحرك فهو خطأ لأن الضوء يحدث عند المقابلة لا أنه يتحرك من الجسم المقابل إلى غيره.

قال : بل هو عرض قائم بالمحل معد لحصول مثله في المقابل.

أقول : لما أبطل كونه جسما ثبت كونه عرضا قائما بالمحل إذ العرض لا يقوم بنفسه وإذا قام بالمحل حصل منه استعداد للجسم المقابل لمحله لتكيفه بمثل كيفيته كما في الأجسام النيرة الحاصل منها النور في المقابل وقد نبه بذلك على أن المضيء إنما يضيء ما يقابله.

قال : وهو ذاتي وعرضي ، أول وثان.

أقول : الضوء منه ذاتي ومنه عرضي وأيضا منه ما هو أول ومنه ما هو ثان فالذاتي يسمى ضوء بقول مطلق وأما العرضي وهو الحاصل من المضيء لذاته في غيره فإنه يسمى نورا والأول من الضوء ما حصل عن المضيء لذاته والثاني ما حصل عن المقابل له كالأرض قبل طلوع الشمس فإنها مضيئة لمقابلتها الهواء المضيء لمقابلة الشمس.

قال : والظلمة عدم ملكة.

أقول : الظلمة عدم الضوء عما من شأنه أن يكون مضيئا ومثل هذا العدم المقيد بموضوع خاص يسمى عدم ملكة وليست الظلمة كيفية وجودية قائمة بالمظلم كما ذهب إليه من لا تحقيق له لأن المبصر لا يجد فرقا بين حالتيه عند فتح العين في الظلمة وبين تغميضها في عدم الإدراك فلو كانت كيفية وجودية لحصل الفرق. وفي هذا نظر فإنه يدل على انتفاء كونها كيفية وجودية مدركة لا على أنها وجودية مطلقا.

المسألة السابعة

في البحث عن المسموعات

قال : ومنها المسموعات وهي الأصوات الحاصلة من التموج المعلول للقرع والقلع.

أقول : من الكيفيات المحسوسة الأصوات وهي المدركة بالسمع. واعلم أن الصوت

عرض قائم بالمحل وقد ذهب قوم غير محققين إلى أن الصوت جوهر ينقطع بالحركة وهو خطأ لأن الجوهر يدرك باللمس والبصر والصوت ليس كذلك.

وذهب آخرون إلى أنه عبارة عن التموج الحاصل في الهواء من القلع أو القرع ، وآخرون قالوا إنه القلع أو القرع.

وهذان المذهبان باطلان وسبب غلطهم أخذ سبب الشيء مكانه فإن الصوت معلول للتموج المعلول للقرع أو القلع وليس هو أحدها لأنها تدرك بحس البصر بخلاف الصوت. إذا عرفت هذا فاعلم أن القلع أو القرع إذا حصل حدث تموج بين القارع والمقروع في الهواء وانتقل ذلك التموج إلى سطح الصماخ فأدرك الصوت ولا نعني بذلك أن تموجا واحدا ينتقل بعينه إلى الصماخ بل يحصل تموج بعد تموج عن صدم بعد آخر كما في تموج الماء إلى أن يصل إلى الحس.

قال : بشرط المقاومة.

أقول : القرع إنما يحصل معه الصوت إذا حصلت المقاومة بين القارع والمقروع فإنك لو ضربت خشبة على وجه الماء بحيث تحصل المقاومة فإنه يحدث الصوت ولو وضعتها عليه بسهولة لم يحصل الصوت ولا يشترط الصلابة لحصول الصوت من الماء والهواء ولا صلابة هناك.

قال : في الخارج.

أقول : ذهب قوم إلى أن الصوت ليس بحاصل في الخارج بل إنما يحصل عند الصماخ وهو ما إذا تموج الهواء وانتهى التموج إلى قرع سطح الصماخ فيحصل الصوت وهو خطأ وإلا لم تدرك الجهة ولا البعد كما في اللمس حيث كان إدراكه بالملاقاة. ولا يمكن أن يقال أن إدراك الجهة إنما كان لأن القرع توجه من تلك الجهة وإدراك البعد لأن ضعف الصوت وقوته يدل على القرب والبعد لأنا لو سددنا الأذن اليسرى لأدركنا باليمنى جهة الصوت الحاصل من الجهة اليسرى والضعف لو كان للبعد لم نفرق بين القوي البعيد

والضعيف القريب.

قال : ويستحيل بقاؤه لوجوب إدراك الهيئة الصورية.

أقول : الصوت يستحيل عليه البقاء خلافا للكرامية والدليل عليه أنا إذا سمعنا لفظة زيد أدركنا الهيئة الصورية أعني ترتيب الحروف وتقديم بعضها على بعض ولو كانت أجزاء الحروف باقية لم يكن إدراك هذا الترتيب أولى من باقي التركيبات الخمسة.

قال : ويحصل منه آخر.

أقول : الصوت إنما يحصل باعتبار التموج في الهواء الواصل إلى سطح الصماخ وقد بينا وجوده في الخارج فإذا تأدى التموج إلى جسم كثيف مقاوم لذلك التموج رده فحصل منه تموج آخر وحصل من ذلك التموج الآخر صوت آخر هو الصدى والظاهر أن هذا الصدى إنما يحصل من تموج الهواء الحاصل بين الهواء المتموج المتوجه إلى المقاوم وبين ذلك المقاوم لا من الهواء المتوجه بعد صدمه للمقابل وإن كان فيه احتمال ، وكلام المصنف ـ رحمه‌الله ـ محتمل لهما لأن قوله ويحصل منه آخر يحتمل كلا المعنيين.

قال : وتعرض له كيفية مميزة ، تسمى باعتبارها حرفا.

قوله : تعرض للصوت كيفية يتميز بها عن صوت آخر مثله تميزا في المسموع يسمى الصوت باعتبار تلك الكيفية حرفا وهي حروف التهجي وحصرها غير معلوم بالبرهان.

قال : إما مصوت أو صامت ، متماثل أو مختلف بالذات أو بالعرض.

أقول : تنقسم الحروف إلى قسمين مصوت وصامت فالمصوت هو حرف المد واللين أعني الواو والألف والياء وهي إنما تحصل في زمان ، وإما صامت وهو ما عداها والصامت إما متماثل كالجيم والجيم أو مختلف والمختلف إما بالذات كالجيم والحاء أو

بالعرض وهو إما أن يكون أحد الجيمين مثلا ساكنا والآخر متحركا أو يكون أحدهما متحركا بحركة والآخر بضدها.

قال : وينتظم منها الكلام بأقسامه.

أقول : هذه الحروف المسموعة إذا تألفت تأليفا مخصوصا أي بحسب الوضع سميت كلاما فحد الكلام على هذا هو ما انتظم من الحروف المسموعة ويدخل فيه المفرد وهو الكلمة الواحدة ، والمؤلف التام وهو المحتمل للصدق والكذب وغير المحتمل لهما من الأمر والنهي والاستفهام والتعجب والنداء وغير التام التقييدي وغيره وإلى هذا أشار بقوله بأقسامه.

قال : ولا يعقل غيره.

أقول : يريد أن الكلام إنما هو المنتظم من الحروف المسموعة ولا يعقل غيره وهو ما أطبق عليه المعتزلة. والأشاعرة أثبتوا معنى آخر سموه الطلب والكلام النفساني غير مؤلف من الحروف والأصوات يدل هذا الكلام عليه وهو مغاير للإرادة لأن الإنسان قد يأمر بما لا يريد إظهارا لتمرد العبد عند السلطان فيحصل عذره في ضربه ، ومغاير لتخيل الحروف لأن تخيلها تابع لها ومختلف باختلافها وهذا المعنى لا يختلف وظاهر أنه مغاير للحياة والقدرة وغيرهما من الأعراض والمعتزلة بالغوا في إنكار هذا المعنى وادعوا الضرورة في نفيه وقالوا الأمر إنما يعقل مع الإرادة وليس الطلب مغايرا لها وحينئذ يصير النزاع هنا لفظيا.

المسألة الثامنة

في البحث عن المطعومات

قال : ومنها المطعومات التسع الحادثة من تفاعل الثلاث في مثلها.

أقول : المشهور عند الأوائل أن الجسم إن كان عديم الطعم فهو التفه وتعد التفاهة من

الطعوم التسعة ، وإن كان ذا طعم لم ينفك عن أحد الطعوم الثمانية وهي الحلاوة والحموضة والملوحة والحرافة والمرارة والعفوصة والقبض والدسومة وهذه الطعوم التسعة تحصل من تفاعل ثلاث كيفيات هي الحرارة والبرودة والكيفية المعتدلة في مثلها في العدد أعني ثلاث كيفيات لا مثلها في الحقيقة وهي الكثافة واللطافة والكيفية المعتدلة فإن الحار إن فعل في الكثيف حدثت المرارة ، وفي اللطيف الحرافة ، وفي المعتدل الملوحة ، والبارد إن فعل في الكثيف حدثت العفوصة ، وفي اللطيف الحموضة وفي المعتدل القبض ، والمعتدل إن فعل في اللطيف حدثت الدسومة وفي الكثيف الحلاوة وفي المعتدل التفاهة.

المسألة التاسعة

في البحث عن المشمومات

قال : ومنها المشمومات ولا أسماء لأنواعها إلا من حيث الموافقة والمخالفة.

أقول : من أنواع الكيفيات المحسوسة الروائح المدركة بحاسة الشم ولم يوضع لأنواعها أسماء مختصة بها كما وضعوا لغيرها من الأعراض بل ميزوا بينها من حيث الموافقة والمخالفة فيقال رائحة طيبة ورائحة منتنة ، أو من حيث إضافتها إلى المحل كرائحة المسك.

المسألة العاشرة

في البحث عن الكيفيات الاستعدادية

قال : والاستعدادات المتوسطة بين طرفي النقيض.

أقول : لما فرغ من البحث عن الكيفيات المحسوسة شرع في القسم الثاني من أقسام الكيف الأربعة وهي الكيفيات الاستعدادية وهي ما يترجح به القابل في أحد جانبي قبوله وهي متوسطة بين طرفي النقيض أعني الوجود والعدم وذلك لأن الرجحان لا يزال يتزايد في أحد طرفي الوجود والعدم إلى أن ينتهي إليهما فذلك الرجحان القابل للشدة

والضعف المتوسط بين طرفي الوجود والعدم هو الكيف الاستعدادي وطرفاه الوجود والعدم وهذا الرجحان إن كان نحو الفعل فهو القوة وإن كان نحو الانفعال فهو اللاقوة.

المسألة الحادية عشرة

في البحث عن الكيفيات النفسانية

قال : والنفسانية حال أو ملكة.

أقول : هذا هو القسم الثالث من أقسام الكيف وهو الكيفيات النفسانية ونعني بها المختصة بذوات الأنفس وهي إما أن تكون سريعة الزوال وتسمى حالا لسرعة زوالها ، وأما بطيئة الزوال وتسمى ملكة والفرق بينهما ليس بفصول مميزة بل بعوارض خارجية وربما كان الشيء حالا ثم صار بعينه ملكة.

المسألة الثانية عشرة

في البحث عن العلم بقول مطلق

قال : منها العلم وهو إما تصور أو تصديق جازم مطابق ثابت.

أقول : من الكيفيات النفسانية العلم وقسمه إلى التصور وهو عبارة عن حصول صورة الشيء في الذهن ، وإلى التصديق الجازم المطابق الثابت وهو الحكم اليقيني بنسبة أحد المتصورين إلى الآخر إيجابا أو سلبا. وإنما شرط في التصديق الجزم لأن الخالي منه ليس بعلم بهذا المعنى وإن كان قد يطلق عليه اسم العلم بالمجاز وإنما هو الظن ، وشرط المطابقة لأن الخالي منها هو الجهل المركب ، وشرط الثبات لأن الخالي منه هو التقليد أما الجامع لهذه الصفات فهو العلم خاصة.

قال : ولا يحد.

أقول : اختلف العقلاء في العلم فقال قوم : إنه لا يحد لظهوره فإن الكيفيات

الوجدانية لظهورها لا يمكن تحديدها لعدم انفكاكه عن تحديد الشيء بالأخفى والعلم منها ، ولأن غير العلم إنما يعلم بالعلم فلو علم العلم بغيره لزم الدور. وقال آخرون يحد فقال بعضهم إنه اعتقاد أن الشيء كذا مع اعتقاد أنه لا يكون إلا كذا ، وقال آخرون إنه اعتقاد يقتضي سكون النفس وكلاهما غير مانعين.

قال : ويقتسمان الضرورة والاكتساب.

أقول : يريد أن كل واحد من التصور والتصديق ينقسم إلى الضروري والمكتسب يريد بالضروري من التصور ما لا يتوقف على طلب وكسب ، ومن التصديق ما يكفي تصور طرفيه في الحكم بنسبة أحدهما إلى الآخر إيجابا أو سلبا ، وبالمكتسب ضد ذلك فيهما.

المسألة الثالثة عشرة

في أن العلم يتوقف على الانطباع

قال : ولا بد فيه من الانطباع.

أقول : اختلف العلماء في ذلك فذهب جمهور الأوائل إلى أن العلم يستدعي انطباع المعلوم في العالم وأنكره آخرون ، احتج الأولون بأنا قد ندرك أشياء لا تحقق لها في الخارج فلو لم تكن منطبعة في الذهن كانت عدما صرفا ونفيا محضا فيستحيل الإضافة إليها.

واحتج الآخرون بوجهين : الأول أن التعقل لو كان هو حصول صورة المعقول في العاقل لزم أن يكون الجدار المتصف بالسواد متعقلا له والتالي باطل فكذا المقدم ، الثاني أن الذهن قد يتصور أشياء متقدرة فيلزم حصول المقدار فيه فيكون متقدرا والجواب عنهما سيأتي.

قال : في المحل المجرد القابل.

أقول : هذا إشارة إلى الجواب عن الإشكالين وتقريره أن المحل الذي جعلناه عاقلا

مجرد عن المواد كلها والمجرد لا يتصف بالمقدار باعتبار حلول صورته فيه فإن صورة المقدار لا يلزم أن تكون مقدارا ، وأيضا هذه الصورة القائمة بالعاقل حالة في محل قابل لها فلهذا كان عاقلا لها أما الجسم فليس محلا قابلا لتعقل السواد فلا يلزم أن يكون متعقلا له.

قال : وحلول المثال مغاير.

أقول : هذا إشارة إلى كيفية حلول الصورة في العاقل وتقريره أن الحال في العاقل إنما هو مثال المعقول وصورته لا ذاته ونفسه ولهذا جوزنا حصول صورة الأضداد في النفس ولم نجوز حصول الأضداد في محل واحد في الخارج فعلم أن حلول مثال الشيء وصورته مغاير لحلول ذلك الشيء ولما كان هذا الكلام مما يستعان به على حل ما تقدم من الشكوك ذكره عقيبه.

قال : ولا يمكن الاتحاد.

أقول : ذهب قوم من أوائل الحكماء إلى أن التعقل إنما يكون باتحاد صورة المعقول والعاقل وهو خطأ فاحش فإن الاتحاد محال على ما تقدم ، ويلزمه أيضا المحال من وجه آخر وهو اتحاد الذوات المعقولة.

وكذلك ذهب آخرون إلى أن التعقل يستدعي اتحاد العاقل بالعقل الفعال وهو خطأ لما تقدم ولاستلزامه تعقل كل شيء عند تعقل شيء واحد.

قال : ويختلف باختلاف المعقول.

أقول : اختلف الناس هنا فذهب قوم إلى جواز تعلق علم واحد بمعلومين ومنعه آخرون وهو الحق لأنا قد بينا أن التعقل هو حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم وصور الأشياء المختلفة تختلف باختلافها فلا يمكن أن تكون صورة واحدة لمختلفين فلا يتعلق علم واحد باثنين وإنما جوز ذلك من جعل العلم أمرا وراء الصورة.

قال : كالحال والاستقبال.

أقول : هذا إشارة إلى إبطال مذهب جماعة من المعتزلة ذهبوا إلى أن العلم بالاستقبال علم بالحال عند حضور الاستقبال فقالوا إن العلم بأن الشيء سيوجد علم بوجوده إذا وجد وإنما دعاهم إلى ذلك ما ثبت من أن الله تعالى عالم بكل معلوم فإذا علم أن زيدا سيوجد ثم وجد فإن زال العلم الأول وتجدد علم آخر لزم كونه تعالى محلا للحوادث وإن لم يزل كان هو المطلوب. وهذا خطأ فاحش فإن العلم بأن الشيء سيوجد علم بالعدم الحالي والوجود في ثاني الحال والعلم بأن الشيء موجود غير مشروط بالعدم الحالي بل هو مناف له فيستحيل اتحادهما والوجه في حل الشبهة المذكورة ما التزمه أبو الحسين هنا من أن الزائل هو التعلقات الحاصلة بين العلم والمعلوم لا العلم نفسه ، وسيأتي زيادة تحقيق في هذا الموضع إن شاء الله تعالى.

قال : ولا يعقل إلا مضافا فيقوى الإشكال مع الاتحاد.

أقول : اعلم أن العلم وإن كان من الكيفيات الحقيقية القائمة بالنفس فإنه لا يعقل إلا مضافا إلى الغير فإن العلم علم بالشيء ولا يعقل تجرده عن الإضافة حتى أن بعضهم توهم أنه نفس الإضافة الحاصلة بين العالم والمعلوم ولم يثبت أمرا حقيقيا مغايرا للإضافة إذا عرفت هذا فإن الإشكال يقوى مع الاتحاد هكذا قاله المصنف ـ رحمه‌الله ـ والذي يلوح منه أن العاقل والمعقول إذا كانا شيئا واحدا كما إذا عقل نفسه توجه الإشكال عليه بأن يقال انتم قد جعلتم العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم وهذا لا يتأتى هاهنا لاستحالة اجتماع الأمثال ويقوى الإشكال باعتبار الإضافة إذ الإضافة إنما تعقل بين شيئين لا بين الشيء الواحد ونفسه فلا يتحقق علم الشيء بذاته.

والجواب عن الأول أن العلم إنما يستدعي الصورة لو كان العالم عالما بغيره أما عالم ذاته فإن ذاته يكفي في علمه من غير احتياج إلى صورة أخرى.

وعن الثاني أن العاقل من حيث إنه عاقل مغاير له من حيث إنه معقول فأمكن

تحقق الإضافة ، ولأن العالم هو الشخص والمعلوم هو الماهية الكلية.

وهذان رديان : أما الأول فلأن المغايرة بين العاقل من حيث إنه عاقل والمعقول من حيث إنه معقول متوقفة على التعقل فلو جعلنا التعقل متوقفا على هذا النوع من التغاير دار. وأما الثاني فلأن العالم هاهنا يكون عالما بجزئه وليس البحث فيه.

قال : وهو عرض لوجود حده فيه.

أقول : ذهب المحققون إلى أن العلم عرض وأكثر الناس كذلك في العلم بالعرض واختلفوا في العلم بالجوهر فالذين قالوا إن العلم إضافة بين العالم والمعلوم قالوا إنه عرض أيضا ، والذين قالوا إن العلم صورة اختلفوا فقال بعضهم إنه جوهر لأن حده صادق عليه إذ الصورة الذهنية ماهية إذا وجدت في الأعيان كانت لا في موضوع وهذا معنى الجوهر ، والمحققون قالوا إنه عرض أيضا لوجود حد العرض فيه فإنه موجود حال في النفس لا كجزء منها وهذا معنى العرض واستدلال القائلين بأنه جوهر خطأ لأن الصورة الذهنية يمتنع وجودها في الخارج وإنما الموجود ما هي مثال له.

المسألة الرابعة عشرة

في أقسام العلم

قال : وهو فعلي وانفعالي وغيرهما.

أقول : العلم منه ما هو فعلي وهو المحصل للأشياء الخارجية كعلم واجب الوجود تعالى بمخلوقاته ، وكما إذا تصورنا نقشا لم نستفد صورته من الخارج ثم أوجدنا في الخارج ما يطابقه ، ومنه انفعالي وهو المستفاد من الأعيان الخارجية كعلمنا بالسماء والأرض وأشباههما ، ومنه ما ليس أحدهما كعلم واجب الوجود تعالى بذاته.

قال : وضروري أقسامه ستة ، ومكتسب.

أقول : قد تقدم أن العلم إما ضروري وإما كسبي ومضى تفسيرهما وأقسام الضروري

ستة : البديهيات وهي قضايا يحكم بها العقل لذاته لا لسبب خارجي سوى تصور طرفيها كالحكم بأن الكل أعظم من الجزء وغيره من البديهيات ، الثاني المشاهدات وهي إما مستفادة من حواس ظاهرة كالحكم بحرارة النار أو من الحواس الباطنة وهي القضايا الاعتبارية بمشاهدة قوى غير الحس الظاهر ، أو بالوجدان من النفس لا باعتبار الآلات مثل شعورنا بذواتنا وبأفعالنا ، الثالث المجريات وهي قضايا تحكم بها النفس باعتبار تكرار المشاهدات كالحكم بأن الضرب بالخشب مولم ، وتفتقر إلى أمرين المشاهدة المتكررة والقياس الخفي وهو أنه لو كان الوقوع على سبيل الاتفاق لم يكن دائما ولا أكثريا والفارق بين هذه وبين الاستقراء هو القياس ، الرابع الحدسيات وهي قضايا مبدأ الحكم بها حدس قوي من النفس يزول معه الشك كالحكم باستفادة نور القمر من الشمس ، وتفتقر إلى المشاهدة المتكررة والقياس الخفي إلا أن الفارق بين هذه وبين المجربات أن السبب في المجربات معلوم السببية غير معلوم الماهية وفي الحدسيات معلوم بالاعتبارين ، الخامس المتواترات وهي قضايا تحكم بها النفس لتوارد أخبار المخبرين عليها بحيث يزول معه الشك بعدم الاتفاق بين المخبرين والتواطؤ السادس فطرية القياس وهي قضايا تحكم بها النفس باعتبار وسط لا ينفك الذهن عنه.

قال : وواجب وممكن.

أقول : العلم ينقسم إلى واجب وهو علم واجب الوجود بذاته ، وإلى ممكن وهو ما عداه ، وإنما كان الأول واجبا لأنه نفس ذاته الواجبة.

قال : وهو تابع بمعنى أصالة موازيه في التطابق.

أقول : اعلم أن التابع يطلق على ما يكون متأخرا عن المتبوع ، وعلى ما يكون مستفادا منه ، وهما غير مرادين في قولنا العلم تابع للمعلوم فإن العلم قد يتقدم المعلوم زمانا وقد يفيد وجوده كالعلم الفعلي وإنما المراد هنا كون العلم والمعلوم متطابقين بحيث إذا تصورهما العقل حكم بأصالة المعلوم في هيئة التطابق وأن العلم تابع له وحكاية عنه وأن ما عليه

العلم فرع على ما عليه المعلوم وعلى هذا التقدير يجوز تأخر المعلوم الذي هو الأصل عن تابعه فإن العقل يجوز تقدم الحكاية على المحكي.

قال : فزال الدور.

أقول : الذي يفهم من هذا الكلام أمران أحدهما أن يقال قد قسمتم العلم إلى أقسام من جملتها الفعلي الذي هو العلة في وجود المعلوم وهاهنا جعلتم جنس العلم تابعا فلزمكم الدور إذ تبعية الجنس تستلزم تبعية أنواعه وتقرير الجواب عن هذا أن نقول نعني بتبعية العلم ما قررناه من كون العلم والمعلوم متطابقين على وجه إذا تصورهما العقل حكم بأن الأصل في هيئة التطابق هو ما عليه المعلوم وأن ما عليه العلم فرع عليه ووجه الخلاص من الدور بهذا التحقيق أن العلم الفعلي محصل للمعلوم في الخارج لا مطلقا.

الثاني أن يقال المتبوع يجب أن يتقدم التابع بأحد أنواع التقدم الخمسة وهاهنا لا تقدم بالشرف ولا بالوضع لأنهما غير معقولين فبقي أن يكون التقدم هنا بالذات أو بالعلية أو بالزمان وعلى هذه التقادير الثلاثة يمتنع الحكم بتأخر المتبوع عن التابع في الزمان ولا شك في أن علم الله تعالى الأزلي ، والعلوم السابقة على الصور الموجودة في الخارج متقدمة بالزمان والمتأخر عن غيره بالزمان يمتنع أن يكون متقدما عليه بنوع ما من أنواع التقدمات بالاعتبار الذي كان به متأخرا عنه والجواب عنه ما تقدم أيضا.

المسألة الخامسة عشرة

في توقف العلم على الاستعداد

قال : ولا بد فيه من الاستعداد أما الضروري فبالحواس وأما الكسبي فبالأول.

أقول : قد بينا أن العلم إما ضروري وإما كسبي وكلاهما حصل بعد عدمه إذ الفطرة البشرية خلقت أولا عارية عن العلوم ثم يحصل لها العلم بقسميه فلا بد من استعداد سابق مغاير للنفس وفاعل للعلم فالضروري فاعله هو الله تعالى إذ القابل لا يخرج المقبول من

القوة إلى الفعل بذاته وإلا لم ينفك عنه وللقبول درجات مختلفة في القرب والبعد وإنما تستعد النفس للقبول على التدريج فتنتقل من أقصى مراتب البعد إلى أدناها قليلا قليلا لأجل المعدات التي هي الإحساس بالحواس على اختلافها والتمرن عليها وتكرارها مرة بعد أخرى فيتم الاستعداد لإفاضة العلوم البديهية الكلية من التصورات والتصديقات فهي كليات تلك المحسوسات.

وأما النظرية فإنها مستفادة من النفس أو من الله تعالى على اختلاف الآراء لكن بواسطة الاستعداد بالعلوم البديهية أما في التصورات فبالحد والرسم وأما في التصديقات فبالقياسات المستندة إلى المقدمات الضرورية.

المسألة السادسة عشرة

في المناسبة بين العلم والإدراك

قال : وباصطلاح يفارق الإدراك مفارقة الجنس النوع وباصطلاح آخر مفارقة النوعين.

أقول : اعلم أن العلم يطلق على الإدراك للأمور الكلية كاللون والطعم مطلقا ، ويطلق الإدراك على الحضور عند المدرك مطلقا فيكون شاملا للعلم وللإدراك الجزئي أعني المدرك بالحس كهذا اللون وهذا الطعم ولا يطلق العلم على هذا النوع من الإدراك ولذلك لا يصفون الحيوانات العجم بالعلم وإن وصفوها بالإدراك فيكون الفرق بين العلم والإدراك مطلقا على هذا الاصطلاح فرق ما بين النوع والجنس النوع هو العلم والجنس هو الإدراك.

وقد يطلق الإدراك باصطلاح آخر على الإحساس لا غير فيكون الفرق بينه وبين العلم هو الفرق ما بين النوعين الداخلين تحت الجنس وهو الإدراك مطلقا هنا.

المسألة السابعة عشرة

في أن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول

قال : وتعلقه على التمام بالعلة يستلزم تعلقه كذلك بالمعلول.

أقول : العلم بالعلة يقع باعتبارات ثلاثة : الأول العلم بماهية العلة من حيث هي

ذات وحقيقة لا باعتبار آخر وهذا لا يستلزم العلم بالمعلول لا على التمام ولا على النقصان.

الثاني العلم بها من حيث هي مستلزمة لذات أخرى وهو علم ناقص بالعلة فيستلزم علما ناقصا بالمعلول من حيث إنه لازم للعلة لا من حيث ماهيته.

الثالث العلم بذاتها وماهيتها ولوازمها وملزوماتها وعوارضها ومعروضاتها وما لها في ذاتها وما لها بالقياس إلى الغير وهذا هو العلم التام بالعلة وهو يستلزم العلم التام بالمعلول فإن ماهية المعلول وحقيقته لازمة لماهية العلة وقد فرض تعلق العلم بها من حيث ذاتها ولوازمها.

المسألة الثامنة عشرة

في مراتب العلم

قال : ومراتبه ثلاث.

أقول : ذكر الشيخ أبو علي أن للتعقل ثلاث مراتب : الأولى أن يكون بالقوة المحضة وهو عدم التعقل عما من شأنه ذلك ، الثانية أن يكون بالفعل التام كما إذا علم الشيء علما تفصيليا ، الثالثة العلم بالشيء إجمالا كمن علم مسألة ثم غفل عنها ثم سئل عنها فإنه يحضر الجواب عنها في ذهنه وليس ذلك بالقوة المحضة لأنه في الوقت عالم باقتداره على الجواب وهو يتضمن علمه بذلك الجواب وليس علما بها على جهة التفصيل وهو ظاهر.

المسألة التاسعة عشرة

في كيفية العلم بذي السبب

قال : وذو السبب إنما يعلم به كليا.

أقول : اعلم أن الشيء إذا كان ذا سبب فإنه إنما يعلم بسببه لأنه بدون السبب ممكن وإنما يجب بسببه فإذا نظر إليه من حيث هو هو لم يحكم العقل بوقوعه ولا بعدمه وإنما يحكم

بأحدهما إذا عقل وجود السبب أو عدمه فذو السبب إنما يحكم بوجوده أو عدمه بالنظر إلى سببه إذا ثبت هذا فإن ذا السبب إنما يعلم كليا لأن كونه صادرا عن الشيء تقييد له بأمر كلي أيضا وتقييد الكلي بالكلي لا يقتضي الجزئية.

وتحقيق هذا أنك إذا عقلت كسوفا شخصيا من جهة سببه وصفاته الكلية التي يكون كل واحد منها نوعا مجموعا في شخصه كان العلم به كليا والكسوف وإن كان شخصيا فإنه عند ذلك يصير كليا ويكون نوعا مجموعا في شخص والنوع المجموع في شخص له معقول كلي لا يتغير وما يستند إليه من صفاته وأحواله يكون مدركا بالعقل فلا يتغير فإنه كلما حصلت علل الشخصي وأسبابه وجب حصول ذلك الجزئي فيقال إن هذا الشخصي أسبابه كذا وكلما حصلت هذه الأسباب كان هذا الشخصي أو مثله فيكون كليا بعلله.

المسألة العشرون

في تفسير العقل

قال : والعقل غريزة يلزمها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات.

أقول : هذا هو المحقق في تفسير العقل وقد فسره قوم بأنه العلم بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات لامتناع انفكاك أحدهما عن الآخر وهو ضعيف لعدم الملازمة بين التلازم والاتحاد.

قال : ويطلق على غيره بالاشتراك.

قوله : لفظة العقل مشتركة بين قوى النفس الإنسانية وبين الموجود المجرد في ذاته وفعله معا ويندرج تحته عند الأوائل عقول عشرة سبق البحث فيها.

أما القوى النفسانية فيقال عقل علمي وعقل عملي أما العلمي فأول مراتبه الهيولاني وهو الذي من شأنه الاستعداد المحض من غير حصول علم ضروري أو كسبي.

وثانيها العقل بالملكة وهو الذي استعد بحصول العلوم الضرورية لإدراك النظريات

فصار له بتلك الأوليات ملكة الانتقال إلى النظريات وأعلى درجات هذه المرتبة ما يسمى القوة القدسية وأدناها مرتبة البليد الذي تثبت أفكاره دون حصول مطالبه وبين هاتين الدرجتين درجات متفاوتة في القرب والبعد بحسب شدة الاستعداد وضعفه.

وثالثها العقل بالفعل وهو أن تكون النفس بحيث متى شاءت استحضرت العلوم النظرية المكتسبة من العلوم الضرورية لا على أنها بالفعل موجودة.

ورابعها العقل المستفاد وهو حصول تلك النظريات بالفعل وهو آخر درجات كمال النفس في هذه القوة.

وأما العمى فيطلق على القوة التي باعتبارها يحصل التمييز بين الأمور الحسنة والقبيحة ، وعلى المقدمات التي يستنبط بها الأمور الحسنة والقبيحة ، وعلى فعل الأمور الحسنة والقبيحة.

المسألة الحادية والعشرون

في الاعتقاد والظن وغيرهما

قال : والاعتقاد يقال لأحد قسميه.

أقول : الاعتقاد من الأمور الضرورية لكن اختلفوا في أنه هل هو من قبيل العلوم أو جنس مغاير لها فقال جماعة بالأول وذهب أبو الهذيل العلاف إلى الثاني وأبطله أبو علي الجبائي بأنه لو كان كذلك لكان إما مثلا للعلم وهو المطلوب أو ضدا فلا يجتمعان مع أنهما قد يجتمعان أو مخالفا فلا ينتفيان بالضد الواحد.

والتحقيق هنا أن نقول أن الاعتقاد أحد قسمي العلم وذلك لأنا قد بينا أن العلم يقال على التصور وعلى التصديق كأنه جنس لهما والاعتقاد هو التصديق وهو قسم من قسمي العلم.

قال : فيتعاكسان في العموم والخصوص.

أقول : هذا نتيجة ما مضى والذي نفهم منه أن الاعتقاد قد ظهر أنه أحد قسمي العلم فهو أخص منه بهذا الاعتبار لأن العلم شامل للتصور والتصديق الذي هو الاعتقاد والاعتقاد باعتبار آخر أعم من العلم لأنه شامل للظن والجهل المركب واعتقاد المقلد فهذا ما ظهر لنا من قوله فيتعاكسان أي الاعتقاد والعلم في العموم والخصوص.

واعلم أن لنا في هذا الكلام على هذا التفسير نظرا وذلك لأن الاعتقاد إنما يكون قسما من العلم لو أخذ العلم التصديقي بالاعتبار الأعم الشامل للعلم بمعنى اليقين والظن والجهل المركب واعتقاد المقلد وحينئذ لا يتم التعاكس لأن الاعتقاد لا يكون أعم من العلم بهذا الاعتبار فالواجب أن يراد باعتبار اصطلاحين أو ما يؤدي معناه.

قال : ويقع فيه التضاد بخلاف العلم.

أقول : اعلم أن الاعتقاد منه ما هو متماثل ومنه ما هو مختلف والمختلف على قسمين متضاد وغير متضاد وهذا ظاهر لكن وجه التضاد عند أبي علي الجبائي تعلقه بالضدين فحكم بتضاد اعتقادي الضدين وقال به أبو هاشم أولا ثم حكم بأن تضاده إنما هو لتعلقه بالإيجاب والسلب لا غير أما العلم فلا يقع فيه تضاد لوجوب المطابقة فيه.

قال : والسهو عدم ملكة العلم وقد يفرق بينه وبين النسيان.

أقول : هذا هو المشهور عند الأوائل والمتكلمين وذهب الجبائيان إلى أن السهو معنى يضاد العلم وقد فرق الأوائل بينه وبين النسيان فقالوا إن السهو زوال الصورة عن المدرك خاصة دون الحافظ والنسيان زوالها عنهما معا.

قال : والشك تردد الذهن بين الطرفين.

أقول : الشك هو سلب الاعتقاد وتردد الذهن بين طرفي النقيض على التساوي وليس

معنى قائما بالنفس وهو مذهب الأوائل وأبي هاشم وقال أبو علي إنه معنى يضاد العلم واختاره البلخي لتجدده بعد أن لم يكن وهو خطأ لعدم اتحاد المتعلق الذي هو شرط في تضاد المتعلقات.

قال : وقد يصح تعلق كل من الاعتقاد والعلم بنفسه وبالآخر فيتغاير الاعتبار لا الصور.

أقول : اعلم أن العلم والاعتقاد من قبيل النسب والإضافات يصح تعلقهما بجميع الأشياء حتى بأنفسهما فيصح تعلق الاعتقاد بالاعتقاد وبالعلم وكذا العلم يتعلق بنفسه وبالاعتقاد إذا عرفت هذا فإذا تعلق العلم بنفسه وجب تعدد الاعتبار إذ العلم كان آلة ينظر به وباعتبار تعلق العلم به يصير شيئا منظورا فيه وكون الشيء معلوما مغاير لاعتبار كونه علما فلا بد من تغاير الاعتبار أما الصور فلا وإلا لزم وجود صور لا تتناهى بالنسبة إلى معلوم واحد لأن العلم بالشيء لا ينفك عن العلم بالعلم بذلك الشيء عند اعتبار المعتبرين (واعلم) أن العلم بالعلم علم بكيفية وهيئة للعالم يقتضي النسبة إلى معلوم ذلك العلم وليس علما بالمعلوم كما ذهب إليه الجبائيان.

قال : والجهل بمعنى يقابلهما وآخر قسم لأحدهما.

أقول : اعلم أن الجهل يقال على معنيين بسيط ومركب فالبسيط هو عدم العلم عما من شأنه أن يكون عالما وبهذا المعنى يقابل العلم والاعتقاد مقابلة العدم والملكة ، والمركب هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه وهو قسم للاعتقاد إذ الاعتقاد جنس للجهل وغيره ويسمى الأول بسيطا نظرا إلى عدم تركبه والثاني مركبا لتركبه من اعتقاد وعدم مطابقة.

قال : والظن ترجيح أحد الطرفين وهو غير اعتقاد الرجحان.

أقول : الظن ترجيح أحد الطرفين أعني طرف الوجود وطرف العدم ترجيحا غير مانع من النقيض ولا بد من هذا القيد ليخرج الاعتقاد الجازم.

واعلم أن رجحان الاعتقاد مغاير لاعتقاد الرجحان لأن الأول ظن لا غير والثاني قد

يكون علما.

قال : ويقبل الشدة والضعف وطرفاه علم وجهل.

أقول : لما كان الظن عبارة عن ترجيح الاعتقاد من غير منع النقيض وكان للترجيح مراتب داخلة بين طرفي شدة في الغاية وضعف في الغاية كان قابلا للشدة والضعف ، وطرفاه العلم الذي لا مرتبة بعده للرجحان والجهل البسيط الذي لا ترجيح معه البتة أعني الشك المحض.

المسألة الثانية والعشرون

في النظر وأحكامه

قال : وكسبي العلم يحصل بالنظر مع سلامة جزأيه ضرورة.

أقول : قد بينا أن العلم ضربان ضروري لا يفتقر إلى طلب وكسب ، ونظري يفتقر إليه ، فالثاني هو المكتسب بالنظر وهو ترتيب أمور ذهنية للتوصل إلى أمر مجهول فالترتيب جنس بعيد لأنه كما يقع في الأمور الذهنية كذلك يقع في الأشياء الخارجية فالتقييد بالأمور الذهنية يخرج الأخير عنه.

ثم الترتيب الخاص قد يراد لاستحصال ما ليس بحاصل ، وقد لا يكون كذلك فالثاني ليس بنظر وهذا الحد قد اشتمل على العلل الأربع للنظر أعني المادة والصورة والغاية وفيه إشارة إلى الفاعل وهذه الأمور قد تكون تصورات هي إما حدود أو رسوم يستفاد منها علم بمفرد ، وقد تكون تصديقات يكتسب بها تصديق.

واعلم أن النظر لما كان مركبا اشتمل بالضرورة على جزء مادي وجزء صوري فالمادي هو المقدمات ، والصوري هو الترتيب بينها فإذا سلم هذان الجزءان بأن كان الحمل والوضع والربط والجهة على ما ينبغي وكان الترتيب على ما ينبغي حصل العلم بالمطلوب بالضرورة هذا في التصديقات وكذا في التصورات فإنه إذا كان الحد مشتملا

على جنس قريب وفصل أخير وقدم الجنس على الفصل حصل تصور المحدود قطعا ، وإليه أشار المصنف بقوله مع سلامة جزأيه يعني الجزء المادي والجزء الصوري.

واعلم أن الناس اختلفوا هنا فقال من لا مزيد تحصيل له أن النظر لا يفيد العلم لأن العلم بإفادته للعلم إن كان ضروريا لزم اشتراك العقلاء فيه ، وإن كان نظريا تسلسل ، ولأن النظر لو استلزم العلم لم يختلف الناس في آرائهم لاشتراكهم في العلوم الضرورية التي هي مبادي النظرية. وذهب المحققون إلى أنه يفيد العلم بالضرورة فإنا متى اعتقدنا أن العالم ممكن وأن كل ممكن محدث حصل لنا العلم بالضرورة بأن العالم محدث فخرج الجواب عن الشبهة الأولى بقوله ضرورة ولا يجب اشتراك العقلاء في الضروريات فإن كثيرا من الضروريات يتشكك فيها بعض الناس إما لخفاء في التصور أو لغير ذلك وخرج الجواب عن الشبهة الثانية بقوله مع سلامة جزأيه وذلك لأن اختلاف الناس في الاعتقاد إنما كان بسبب تركهم الترتيب الصحيح وغفلتهم عن شرائط الحمل وغير ذلك من أسباب الغلط إما في الجزء المادي أو الصوري فإذا سلما حصل المطلوب لكل من حصل له سلامة الجزءين.

قال : ومع فساد أحدهما قد يحصل ضده

أقول : النظر إذا فسد إما من جهة المادة أو من جهة الصورة لم يحصل العلم وقد يحصل ضده أعني الجهل وقد لا يحصل والضابط في ذلك أن نقول إن كان الفساد من جهة الصورة لم تلزم النتيجة الباطلة وإن كان من جهة المادة لا غير كان القياس منتجا فإن كانت الصغرى في الشكل الأول صادقة والكبرى كاذبة في كل واحد كانت النتيجة كاذبة قطعا وإلا جاز أن تكون صادقة وأن تكون كاذبة وبهذا التحقيق ظهر بطلان ما يقال من أن النظر الفاسد لا يستلزم الجهل وإلا لكان المحق إذا نظر في شبهة المبطل أفاده الجهل وليس كذلك مع أنه معارض بالنظر الصحيح فإن شرط اعتقاد حقية المقدمات في الصحيح شرطناه نحن في الفاسد أيضا.

قال : وحصول العلم عن الصحيح واجب.

أقول : اختلف الناس هنا فالمعتزلة على أن النظر مولد للعلم وسبب له والأشاعرة قالوا إن الله تعالى أجرى عادته بخلق العلم عقيب النظر وليس النظر موجبا ولا سببا للعلم واستدلوا على ذلك بأن العلم الحادث أمر ممكن والله تعالى قادر على كل الممكنات فاعل لها على ما يأتي في خلق الأعمال فيكون العلم من فعله والمعتزلة لما أبطلوا القول باستناد الأفعال الحيوانية إلى الله تعالى بطل عندهم هذا الاستدلال ولما رأوا العلم يحصل عقيب النظر وبحسبه وينتفي عند انتفائه حكموا عليه بأنه سبب له كما في سائر الأسباب. والحق أن النظر الصحيح يجب عنده حصول العلم ولا يمكن تخلفه عنه فإنا نعلم قطعا أنه متى حصل لنا

اعتقاد المقدمتين فإنه يجب حصول النتيجة قالت الأشاعرة التذكر لا يولد العلم فكذا النظر بالقياس عليه والجواب الفرق بينهما ظاهر.

قال : ولا حاجة إلى المعلم.

أقول : ذهبت الملاحدة إلى أن النظر غير كاف في حصول المعارف بل لا بد من معونة من المعلم للعقل لتعذر العلم بأظهر الأشياء وأقربها من دون مرشد وأطبق العقلاء على خلافه لأنا متى حصلت المقدمتان لنا على الترتيب المخصوص حصل لنا الجزم بالنتيجة سواء كان هناك معلم أو لا وصعوبة تحصيل المعرفة بأظهر الأشياء لا يدل على امتناعها مطلقا من دون المعلم وقد ألزمهم المعتزلة الدور والتسلسل لتوقف العلم بصدقه على العلم بتصديق الله تعالى إياه بواسطة المعجزة فلو توقفت المعرفة بالله تعالى عليه دار ولأن احتياج كل عارف إلى معلم يستلزم حاجة المعلم إلى آخر ويتسلسل. وهذان الإلزامان ضعيفان لأن الدور لازم على تقدير استقلال المعلم بتحصيل المعارف وليس كذلك بل هو مرشد إلى استنباط الأحكام من الأدلة التي من جملتها ما يدل على صدقه من المقدمات والتسلسل يلزم لو وجب مساواة عقل المعلم لعقولنا أما على تقدير الزيادة فلا.

قال : نعم لا بد من الجزء الصوري.

أقول : يشير بذلك إلى ترتيب المقدمات فإنه لا بد مع حصول المقدمتين في الذهن من ترتيب حاصل بينهما ليحصل العلم بالنتيجة وهو الجزء الصوري للنظر إذ لو لا الترتيب لحصلت العلوم الكسبية لجميع العقلاء ولم يقع خلل لأحد في اعتقاده وقيل لا حاجة إليه وإلا لزم التسلسل أو اشتراط الشيء بنفسه وهو سهو فإن التسلسل يلزم لو قلنا بافتقار كل زائد إلى ترتيب وليس كذلك بل المفتقر إلى الترتيب إنما هو الأجزاء المادية خاصة.

قال : وشرطه عدم الغاية وضدها وحضورها.

أقول : الذي فهمناه من هذا الكلام أن شرط النظر عدم العلم بالمطلوب الذي هو غاية النظر وإلا لزم تحصيل الحاصل ويشترط أيضا عدم ضدها أعني الجهل المركب لأنه باعتقاده حصول العلم له لا يطلبه فلا يتحقق النظر في طرفه ويشترط أيضا حضورها أعني حضور المطلوب الذي هو الغاية إذ الغافل عن الشيء لا يطلبه والنظر نوع من الطلب.

قال : ولوجوب ما يتوقف عليه العقليان وانتفاء ضد المطلوب على تقدير ثبوته كان التكليف به عقليا.

أقول : اختلف الناس في وجوب النظر هل هو عقلي أو سمعي فذهبت المعتزلة إلى الأول والأشاعرة إلى الثاني أما المعتزلة فاستدلوا على وجوب النظر عقلا بأن معرفة الله تعالى واجبة مطلقا ولا تتم إلا بالنظر وما لا يتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب فهاهنا ثلاث مقدمات : إحداها أن معرفة الله تعالى واجبة مطلقا واستدلوا على ذلك بوجهين : الأول أن معرفة الله تعالى دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف وغيره ودفع الخوف واجب عقلا ، الثاني أن شكر الله تعالى واجب لأن نعمه على العبد كثيرة والمقدمتان ضروريتان والشكر لا يتم إلا بالمعرفة ضرورة ، الثانية أن معرفة الله تعالى لا تتم إلا بالنظر وذلك قريب من الضرورة إذ المعرفة ليست ضرورية قطعا فهي كسبية ولا كاسب سوى

النظر إذ التقليد يستند إليه وتصفية الخاطر إن انفلت عن ترتيب المقدمات لم يحصل منها علم بالضرورة ، الثالثة أن ما لا يتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب وإلا لخرج الواجب المطلق عن كونه واجبا أو لزم تكليف ما لا يطاق لأن الشرط إذا لم يكن واجبا جاز تركه فحينئذ إما أن يجب على المكلف المشروط أو لا والثاني يلزم منه خروجه عن كونه واجبا مطلقا والأول يلزم منه تكليف ما لا يطاق إذ وجوب المشروط حال عدم الشرط إيجاب لغير المقدور وهو محال فثبت أن وجوب النظر عقلي ولا يجب سمعا خاصة وإلا لم يجب والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أن النظر إذا لم يجب إلا بالسمع لزم إفحام الأنبياء لأن النبي إذا جاء إلى المكلف وأمره باتباعه لم يجب على المكلف الامتثال حتى يعلم صدقه ولا يعلم صدقه إلا بالنظر فإذا امتنع المكلف من النظر حتى يعرف وجوبه عليه لم يجز استناد الوجوب إلى النبي لعدم العلم بصدقه حينئذ ولا وجوب عقلي فينتفي الوجوب على تقدير الوجوب السمعي (إذا عرفت هذا) فنقول : قوله ولوجوب ما يتوقف عليه العقليان أشار بلفظة ما إلى المعرفة والعقليان أشار به إلى وجوب الشكر ووجوب دفع الخوف عن النفس. وقوله وانتفاء ضد المطلوب على تقدير ثبوته يشير به إلى انتفاء الوجوب السمعي الذي هو ضد المطلوب لأن المطلوب هو الوجوب العقلي وضده هو الوجوب السمعي. وقوله على تقدير ثبوته يعني لو فرض الوجوب سمعيا لم يكن واجبا فهذا ما فهمناه من كلامه في هذا الموضع.

وأما الأشعرية فقد احتجوا بوجهين ، الأول قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) نفى التعذيب بدون البعثة فلا يكون النظر واجبا قبلها ، الثاني لو وجب النظر فإما لفائدة عاجلة والواقع مقابلها أو آجلة وحصولها ممكن بدون النظر فتوسط النظر عبث وكذا إن لم يكن لفائدة ثم قالوا ما ألزمتمونا به من الإفحام على تقدير الوجوب السمعي لازم لكم على تقدير الوجوب العقلي لأن وجوب النظر وإن كان عقليا إلا أنه كسبي فالمكلف إذا جاءه النبي وأمره باتباعه كان له أن يمتنع حتى يعرف صدقه ولا يعرف صدقه إلا بالنظر والنظر لا يجب عليه بالضرورة بل بالنظر فقبل النظر لا يعرف وجوبه فله أن يقول لا أنظر حتى أعرف وجوب النظر وذلك يستلزم الإفحام أيضا.

والجواب عن الأول التخصيص وهو حمل نفي التعذيب المتوقف على الرسالة على ترك التكليف السمعي ، أو تأول الرسول بالعقل جمعا بين الأدلة.

وعن الثاني أن الفائدة عاجلة وهي زوال الخوف وآجلة وهي نيل الثواب بالمعرفة الذي لا يمكن الابتداء به في الحكمة.

وعن الثالث أن وجوب النظر وإن كان نظريا إلا أنه فطري القياس فكان الإلزام عائدا على الأشاعرة دون المعتزلة.

قال : وملزوم العلم دليل والظن أمارة.

أقول : لما كان النظر متعلقا بما يستلزم العلم من الاعتقادات أو الظن وجب البحث عن المتعلق فالمستلزم للعلم يسمى دليلا والمستلزم للظن يسمى أمارة وقد يقال الدليل على معنى أخص من المذكور وهو الاستدلال بالمعلول على العلة.

قال : وبسائطه عقلية ومركبة لاستحالة الدور.

أقول : بسائط الدليل يعني به مقدماته فإن الدليل لما كان مركبا من مقدمتين كانت كل واحدة من تينك المقدمتين جزءا بسيطا بالنسبة إلى الدليل وإن كانت مركبة في نفس الأمر إذا عرفت هذا فالمقدمات قد تكون عقلية محضة وقد تكون مركبة من عقلي وسمعي ولا يمكن تركبها من سمعيات محضة وإلا لزم الدور لأن السمعي المحض ليس بحجة إلا بعد معرفة صدق الرسول وهذه المقدمة لو استفيدت بالسمع دار بل هي عقلية محضة فإذن إحدى مقدمات النقليات كلها عقلية والضابط في ذلك أن كل ما يتوقف عليه صدق الرسول لا يجوز إثباته بالنقل وكل ما يتساوى طرفاه بالنسبة إلى العقل لا يجوز إثباته بالعقل وما عدا هذين يجوز إثباته بهما.

قال : وقد يفيد اللفظي القطع.

أقول : قيل إن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين لتوقفه على أمور كلها ظنية وهي اللغة

والنحو والتصريف وعدم الاشتراك والمجاز والنقل والتخصيص والإضمار والنسخ والتقديم والتأخير والمعارض العقلي والحق خلاف هذا فإن كثيرا من الأدلة اللفظية تعلم دلالتها على معانيها قطعا وانتفاء هذه المفاسد عنها.

قال : ويجب تأويله عند التعارض.

أقول : إذا تعارض دليلان نقليان أو دليل عقلي ونقلي وجب تأويل النقل أما مع تعارض النقلين فظاهر لامتناع تناقض الأدلة وأما مع تعارض العقلي والنقلي فكذلك أيضا وإنما خصصنا النقلي بالتأويل لامتناع العمل بهما وإلغائهما والعمل بالنقلي وإبطال العقلي لأن العقلي أصل للنقلي فلو أبطلنا الأصل لزم إبطال الفرع أيضا فوجب العدول إلى تأويل النقلي وإبقاء الدليل العقلي على مقتضاه.

قال : وهو قياس وقسيماه.

أقول : الضمير في وهو عائد على الدليل مطلقا واعلم أن الدليل ينقسم إلى ثلاثة أقسام قياس واستقراء وتمثيل وإلى الأخيرين أشار بقوله وقسيماه وذلك لأن الاستدلال إما أن يكون بالعام على الخاص أو بالعكس أو بأحد المتساويين المندرجين تحت عام شامل لهما على الآخر فالأول هو أجلى الأدلة وأشرفها لإفادته اليقين وهو المسمى بالقياس أخذا من المحاذاة كان القائس يطلب محاذاة النتيجة للمقدمتين في العلم ، والثاني الاستقراء أخذا من قصد القرى قرية فقرية كأن المستقري يتبع الجزئيات والثالث التمثيل.

قال : فالقياس اقتراني واستثنائي.

أقول : القياس إما أن يكون المطلوب أو نقيضه مذكورا فيه بالفعل أو بالقوة والأول يسمى الاستثنائي والثاني الاقتراني مثال الأول إن كان هذا إنسانا فهو حيوان لكنه إنسان ينتج أنه حيوان فالنتيجة مذكورة بالفعل ، أو نقول لكنه ليس بحيوان ينتج أنه ليس

بإنسان فالنقيض مذكور في القياس بالفعل ، ومثال الثاني كل إنسان حيوان وكل حيوان جسم ينتج كل إنسان جسم وهو مذكور في القياس بالقوة.

قال : فالأول باعتبار الصورة القريبة أربعة والبعيدة اثنان.

أقول : الذي فهمناه من هذا الكلام أن القياس الاقتراني له اعتباران : أحدهما بحسب مادته أعني مقدماته ، والثاني بحسب صورته أعني الهيئة والترتيب اللاحقين به العارضين لمجموع المقدمات وهو ما يسمى باعتباره شكلا وهو بهذا الاعتبار على أربعة أقسام كل قسم سموه شكلا لأن الحد الأوسط إن كان محمولا في الصغرى موضوعا في الكبرى فهو الشكل الأول كقولنا كل (ج ب) وكل ب ا ، وإن كان محمولا فيهما فهو الثاني كقولنا كل (ج ب) ولا شيء من (ا ب) وإن كان موضوعا فيهما فهو الثالث كقولنا كل (ج ب) وكل (ج ا) وإن كان موضوعا في الصغرى محمولا في الكبرى فهو ، الرابع كقولنا كل (ج ب) وكل (ا ج) وهذه القسمة باعتبار الصورة القريبة وأما بالنظر إلى المادة فله اعتباران أيضا أحدهما باعتبار صورة كل مقدمة والثاني باعتبار مادتها فبالاعتبار الأول وهو اعتباره بالنظر إلى الصورة البعيدة ينقسم إلى قسمين حملي وشرطي فالحملي كما قلنا والشرطي كقولنا كلما كان (ا ب فج د) وكلما كان (ج د فه ز) ينتج كلما كان (ا ب فه ز) أو نقول كلما كان (ا ب) (فج د) وليس البتة إذا كان (ه ز فج د) أو نقول كلما كان (ا ب فج د) وكلما كان (ا ب فه ز) أو نقول كلما كان (ا ب فج د) وكلما كان (ه ز فا ب).

قال : وباعتبار المادة القريبة خمسة والبعيدة أربعة.

أقول : مقدمات القياس هي المادة البعيدة له باعتبار مقدمة مقدمة ومجموعها لا باعتبار صورة خاصة وشكل معين هي المادة القريبة ومقدمات القياس أربع : مسلمات ومظنونات ومشبهات ومخيلات هذا باعتبار المادة البعيدة وأما باعتبار المادة القريبة فأقسام القياس خمسة : البرهان والجدل والخطابة والسفسطة والشعر.

قال : والثاني متصل فناتجه أمران وكذا غير الحقيقي من المنفصل ، ومنه ضعفه.

أقول : الثاني هو الاستثنائي وهو ضربان : الأول أن تكون مقدمته الشرطية متصلة وينتج منه قسمان : أحدهما استثناء عين المقدم لعين التالي ، والثاني استثناء نقيض التالي لنقيض المقدم. والثاني أن تكون منفصلة وهو قسمان أيضا : أحدهما أن تكون غير حقيقية ، والثاني أن تكون حقيقية فغير الحقيقية ضربان مانعة الجمع وينتج قسمان منها استثناء عين المقدم لنقيض التالي واستثناء عين التالي لنقيض المقدم ، ومانعة الخلو وينتج قسمان منها أيضا استثناء نقيض المقدم لعين التالي واستثناء نقيض التالي لعين المقدم ، وأما الحقيقية فإنها تنتج أربع نتائج من استثناء عين المقدم لنقيض التالي وبالعكس ، ومن استثناء عين التالي لنقيض المقدم وبالعكس.

قال : والأخيران يفيدان الظن وتفاصيل هذه الأشياء مذكورة في غير هذا الفن.

أقول : يريد بالأخيرين الاستقراء والتمثيل وهما يفيدان الظن لا العلم (واعلم) أن تفاصيل هذه الأشياء وبيان شرائطها مذكورة في علم المنطق وإنما انساق الكلام إليه هنا.

قال : والتعقل والتجرد متلازمان لاستلزام انقسام المحل انقسام الحال فإن تشابهت عرض الوضع للمجرد وإلا تركب مما لا يتناهى.

أقول : هذه المسألة وما بعدها من تتمة مباحث التعقل وقد ادعى هنا أن التعقل والتجرد متلازمان بمعنى أن كل عاقل مجرد وبالعكس (أما الأول) فاستدل عليه بعد ما تقدم بأن التعقل حال في ذات العاقل فذلك المحل إما أن ينقسم أو لا والثاني هو المراد والأول باطل لأن انقسام المحل يستدعي انقسام الحال إذ الحال إما أن يحل بتمامه في جزئي المحل أو في أحد جزأيه أو لا يحل في شيء منه والأول يلزم منه الانقسام إن كان الحال في أحد الجزءين غير الحال في الآخر أو تعدد الواحد إن اتحدا والثاني يفيد المطلوب

والثالث خلاف الفرض فإذا ثبت ذلك فالجزءان إما أن يتشابها أو يختلفا والأول يستلزم وجود المقدار لما فرض مجردا والثاني يستلزم وجود ما لا يتناهى من الأجزاء للصورة العقلية وذلك بحسب ما في المحل من الانقسامات الممكنة.

قال : ولاستلزام التجرد صحة المعقولية المستلزمة لإمكان المصاحبة.

أقول : هذا دليل الحكم الثاني وهو أن كل مجرد عاقل وتقريره أن كل مجرد فإنه يصح أن يكون معقولا بالضرورة إذ العائق عن التعقل إنما هو المادة لا غير وكلما صح أن يكون معقولا وحده صح أن يكون معقولا مع غيره وهو قطعي فإذن كل مجرد فإنه يصح أن يقارن غيره فنقول هذه الصحة إما أن تتوقف على ثبوت المجرد في العقل أو لا والأول محال لأن الثبوت في العقل نوع من المقارنة فيلزم توقف إمكان الشيء على وقوعه وهو باطل بالضرورة والثاني هو المطلوب.

وهذا الدليل عندي في غاية الضعف لأن توقف إمكان مقارنة المجرد المعقول للصورة المعقولة على ثبوت مقارنة المجرد للعقل لا يقتضي توقف الإمكان على الوقوع إذ الإمكان هنا عائد إلى مقارنة المعقول للمعقول وهي غير ، والثبوت عائد إلى مقارنة المعقول للعاقل وهي غير فلا يلزم ما ذكر من المحال.

المسألة الثالثة والعشرون

في أحكام القدرة

قال : ومنها القدرة وتفارق الطبيعة والمزاج بمقارنة الشعور والمغايرة في التابع.

أقول : لما فرغ من البحث عن العلم شرع في البحث عن القدرة وأشار بقوله ومنها أي ومن الكيفيات النفسانية لأنها صفة قائمة بذوات الأنفس.

واعلم أن الجسم من حيث هو غير مؤثر وإلا لتساوت الأجسام في ذلك وإنما يؤثر باعتبار صفة قائمة به ، والصفة المؤثرة إما أن تؤثر مع الشعور أو بدونه وعلى كلا التقديرين

إما أن يتشابه التأثير أو يختلف فالأقسام أربعة أحدها الصفة المقترنة بالشعور المتفقة في التأثير وهي القوة الفلكية ، الثاني المقترنة بالشعور المختلفة في التأثير وهي القوة الحيوانية أعني القدرة التي يأتي البحث عن أحكامها ، الثالث الصفة المؤثرة غير المقترنة بالشعور المتشابهة في التأثير وهي القوة الطبيعية ، الرابع غير المقترنة بالشعور المختلفة في التأثير وتسمى النفس النباتية إذا عرفت هذا فنقول القدرة مغايرة للطبيعة والمزاج أما الأول فلوجوب اقترانها بالشعور بخلاف الطبيعة وأما الثاني فلأن المزاج كيفية متوسطة بين الحرارة والبرودة فيكون من جنسهما فتكون تابعة أعني تأثيره من جنس تأثيرهما وأما القدرة فإن تأثيرها مضاد لتأثيرهما وإلى هذا أشار بقوله والمغايرة في التابع.

قال : مصححة للفعل بالنسبة.

أقول : القدرة صفة تقتضي صحة الفعل من الفاعل لا إيجابه فإن القادر هو الذي يصح منه الفعل والترك معا فلو اقتضت الإيجاب لزم المحال ومعنى قوله بالنسبة أي باعتبار نسبة الفعل إلى الفاعل وذلك لأن الفعل صحيح في نفسه لا يجوز أن يكون للقدرة مدخل في صحته الذاتية لأن الإمكان للممكن واجب وأما نسبته إلى الفاعل فجاز أن يكون معللا هذا الذي فهمناه من قوله بالنسبة.

قال : وتعلقها بالطرفين.

أقول : هذا هو المشهور من مذهب الحكماء والمعتزلة وهو أن القدرة متعلقة بالضدين وقالت الأشاعرة إنما تتعلق بطرف واحد وهو خطأ لوقوع الفرق بين القادر والموجب.

قال : وتتقدم الفعل لتكليف الكافر وللتنافي ولزوم أحد محالين لولاه.

أقول : هذا مذهب الحكماء والمعتزلة وقالت الأشاعرة إنها مقارنة للفعل والضرورة قاضية ببطلان هذا فإن القاعد يمكنه القيام قطعا والأشاعرة بنوا مقالتهم على أصل لهم سيأتي بطلانه وهو أن العرض لا يبقى.

ثم المعتزلة استدلوا على مقالتهم بوجوه ثلاثة : الأول أن القدرة لو لم تتقدم الفعل قبح تكليف الكافر والتالي باطل بالإجماع فالمقدم مثله ، وبيان الملازمة أن تكليف ما لا يطاق قبيح فلو لم يكن الكافر متمكنا من الإيمان حال كفره لزم تكليف ما لا يطاق. الثاني لو لم تكن القدرة متقدمة على الفعل لزم استغناء الفعل عن القدرة مع فرض الحاجة إليها وهو تناف ظاهر وبيان الملازمة أن الحاجة إلى القدرة إنما هي لإخراج الفعل من العدم إلى الوجود وحالة الإخراج يستغني عن القدرة وقبله لا قدرة فلا حاجة إليها مع أن الفعل إنما يخرج بالقدرة وإلى هذا أشار المصنف بقوله وللتنافي. الثالث لو لم تكن القدرة متقدمة لزم إما حدوث قدرة الله تعالى أو قدم الفعل والقسمان محالان فالمقدم باطل وإلى هذا أشار بقوله ولزوم أحد محالين لولاه أي لو لا التقدم هذا ما خطر لنا في تفسير هذا الكلام.

ويمكن أن يكون قوله وللتنافي إشارة إلى دليل مغاير للدليل الثاني الذي ذكرناه وهو أن القدرة لو قارنت الفعل وقد بينا أن القدرة تتعلق بالضدين فيلزم حصول الضدين معا وهو تناف فيكون قوله ولزوم أحد محالين من تتمة هذا الكلام وهو أن نقول لو كانت القدرة مقارنة لزم اجتماع الضدين للقدرة عليهما وهو تناف فيلزم أحد محالين إما اجتماعهما مع تضادهما وتنافيهما أو إيجاب أحدهما فيتقدم على الآخر مع فرض المقارنة.

قال : ولا يتحد وقوع المقدور مع تعدد القادر.

أقول : لا يمكن وقوع مقدور واحد بقادرين وهو مما قد اختلف فيه والدليل عليه أنه لو وقع بهما لزم استغناؤه بكل واحد منهما عن كل واحد منهما حال حاجته إليه وهو باطل بالضرورة ويمكن تعلق القادرين بمقدور واحد بأن يكون ذلك الشيء مقدورا لكل واحد منهما وإن لم يقع إلا بأحدهما ولهذا قال ولا يتحد وقوع المقدور ولم يقل ولا يتحد المقدور.

قال : ولا استبعاد في تماثلها.

أقول : ذهب قوم من المعتزلة إلى أن القدر مختلفة وبنوه على أصل لهم وهو أنه لا

تجتمع قدرتان على مقدور واحد وإلا لأمكن اتصاف ذاتين بهما فيجتمع على المقدور الواحد قادران وهو محال وإذا ثبت امتناع اجتماع قدرتين على مقدور واحد ثبت اختلاف القدر لأن التماثل في المتعلق يستلزم اتحاد المتعلق ونحن لما جوزنا تعلق القادرين بمقدور واحد اندفع هذا الدليل وحينئذ جاز وقوع التماثل فيها كغيرها من الأعراض.

قال : وتقابل العجز تقابل الملكة والعدم

أقول : العجز عند الأوائل وجمهور المعتزلة أنه عدم القدرة عما من شأنه أن يكون قادرا فهو عدم ملكة القدرة وذهبت الأشعرية إلى أنه معنى يضاد القدرة لأنه ليس جعل العجز عدما للقدرة أولى من العكس وهو خطأ فإنه لا يلزم من عدم الأولوية عندهم عدمها في نفس الأمر ولا من عدمها في نفس الأمر ثبوت العجز معنى.

قال : وتغاير الخلق لتضاد أحكامهما والفعل.

أقول : الخلق ملكة نفسانية تصدر بها عن النفس أفعال بسهولة من غير سابقة فكر وروية وهو مغاير للقدرة لتضاد أحكامهما لأن القدرة تتساوى نسبتها إلى الضدين والخلق ليس كذلك. والخلق أيضا يغاير الفعل لأنه قد يكون تكليفا.

المسألة الرابعة والعشرون

في الألم واللذة

قال : ومنها الألم واللذة وهما نوعان من الإدراك تخصصا بإضافة تختلف بالقياس.

أقول : من الكيفيات النفسانية الألم واللذة والمرجع بهما إلى الإدراك فهما نوعان منه تخصصا بإضافة تختلف بالقياس لأن اللذة عبارة عن إدراك الملائم ، والألم عبارة عن إدراك المنافي فهما نوعان من الإدراك تخصص كل واحد منهما بإضافة إلى الملائمة والمنافرة وهما أمران يختلفان بالقياس إلى الأشخاص إذ قد يكون الشيء ملائما

لشخص ومنافرا لآخر.

قال : وليست اللذة خروجا عن الحالة الطبيعية لا غير.

أقول : نقل عن محمد بن زكريا الطبيب أن اللذة هي الخروج عن الحالة الطبيعية لأنها إنما تعرض بانفعال يعرض للحاسة يقتضيه تبدل حال وهو غير جيد فإنه أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات ولهذا نلتذ بصورة نشاهدها من غير سابقة إبصار لها حتى لا تجعل اللذة عبارة عن الخلاص عن ألم الشوق.

قال : وقد يستند الألم إلى التفرق.

أقول : للألم سببان : أحدهما تفرق الاتصال فإن مقطوع اليد يحس بالألم بسبب تفرق اتصالها عن البدن وقد نازع في ذلك بعض المتأخرين بأن التفرق عدمي فلا يكون علة للوجودي وفيه نظر لأن التفرق ليس عدما محضا فجاز التعليل به على أن التفرق إنما كان علة بالعرض فإن العلة بالذات إنما هي سوء المزاج. الثاني سوء المزاج المختلف لأن الحمى توجب الألم ولا تفرق هناك وإنما قلنا المختلف لأن سوء المزاج المتفق لا يقتضي التألم.

قال : وكل منهما حسي وعقلي هو أقوى.

أقول : يريد قسمة الألم واللذة بالنسبة إلى الحس والعقل وذلك لأن جماعة أنكروا العقلي منهما والحق خلافه فإنا نلتذ بالمعارف وهي لذات عقلية لا تعلق للحس بها ونتألم بفقدانها بل هذه اللذة أقوى من اللذة الحسية ولهذا كثيرا ما تترك اللذة الحسية لأجل اللذة الوهمية لا العقلية فكيف العقلية وأيضا فإن الحس إنما يدرك ظواهر الأجسام ولا تعلق له بالأمور الكلية والعقل يدرك باطن الشيء ويميز بين الذاتيات والعوارض ويفرق بين الجنس والفصل فيكون إدراكه أتم فتكون اللذة فيه أقوى.

المسألة الخامسة والعشرون

في الإرادة والكراهة

قال : ومنها الإرادة والكراهة وهما نوعان من العلم.

أقول : من الكيفيات النفسانية الإرادة والكراهة وهما نوعان من العلم بالمعنى الأعم وذلك لأن الإرادة عبارة عن علم الحي أو اعتقاده أو ظنه بما في الفعل من المصلحة ، والكراهة علمه أو ظنه أو اعتقاده بما فيه من المفسدة ـ هذا مذهب جماعة ـ وقال آخرون إن الإرادة والكراهة زائدتان على هذا العلم مترتبتان عليه لأنا نجد من أنفسنا ميلا إلى الشيء أو عنه مترتبا على هذا العلم. وهي تفارق الشهوة فإن المريض يريد شرب الدواء ولا يشتهيه.

قال : وأحدهما لازم مع التقابل.

أقول : الذي فهمناه من هذا الكلام أن أحدهما أي إرادة الشيء تستلزم كراهة ضده فإن الكراهة للضد أحدهما يعني أحد الأمرين إما الإرادة أو الكراهة لازم للإرادة للشيء مع تقابل المتعلقين أعني الشيء والضد وهذا حكم قد اختلف فيه فذهب الأكثر إليه وذهب قوم إلى أن إرادة الشيء نفس كراهة الضد وهو غلط من باب أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات.

ويحتمل أن يكون معنى قوله وأحدهما لازم مع التقابل أي أن أحدهما لازم للعلم قطعا إذ المعلوم إما أن يشتمل فعله على نوع من المصلحة أو على نوع من المفسدة فأحد الأمرين لازم لكن لا يلزمه أحدهما بعينه للتقابل بينهما بل اللازم واحد لا بعينه.

قال : ويتغاير اعتبارهما بالنسبة إلى الفاعل وغيره.

أقول : الذي يظهر لنا من هذا الكلام أن الإرادة والكراهة يتغاير اعتبارهما بالنسبة

إلى الفاعل بالإرادة وغيره وذلك لأن الإرادة إن كانت لنفس فعل الفاعل من نفسه فهي عبارة عن صفة تقتضي تخصيصه بالإيجاد دون غيره مما عداه من الأفعال في وقت خاص دون غيره من سائر الأوقات ، وإن كانت لفعل الغير فإنها لا تؤخذ بهذا المعنى.

قال : وقد تتعلقان بذاتيهما بخلاف الشهوة والنفرة.

أقول : الإرادة قد تراد والكراهة قد تكره وهذا حكم ظاهر لكن الإرادة المتعلقة بالإرادة ليست هي الإرادة المتعلقة بالفعل لأن اختلاف المتعلقات يقتضي اختلاف المتعلقات أما الشهوة والنفرة فلا يصح تعلقهما بذاتيهما فالشهوة لا تشتهي وكذلك النفرة لا ينفر عنها لأن الشهوة والنفرة إنما تتعلقان بالمدرك لا بمعنى أنه يجب أن يكون موجودا فقد تتعلق الشهوة والنفرة بالمعدوم وهما غير مدركين.

قال : فهذه الكيفيات تفتقر إلى الحياة وهي صفة تقتضي الحس والحركة مشروطة باعتدال المزاج عندنا.

أقول : هذه الكيفيات النفسانية التي ذكرها مشروطة بالحياة وهو ظاهر ثم فسر الحياة بأنها صفة تقتضي الحس والحركة وزادها إيضاحا بقوله مشروطة باعتدال المزاج ثم قيد ذلك بقوله عندنا ليخرج عنه حياة واجب الوجود فإنها غير مشروطة باعتدال المزاج ولا تقتضي الحس والحركة.

قال : فلا بد من البنية.

أقول : هذا نتيجة ما تقدم من اشتراط الحياة باعتدال المزاج فإن ذلك إنما يتحقق مع البنية وهذا ظاهر والأشاعرة أنكروا ذلك وجوزوا وجود حياة في محل غير منقسم بانفراده وهو ظاهر البطلان.

قال : وتفتقر إلى الروح.

أقول : الحياة تفتقر إلى الروح وهي أجسام لطيفة متكونة من بخارية الأخلاط سارية في العروق تنبعث من القلب وحاجة الحياة إليها ظاهرة.

قال : وتقابل الموت تقابل العدم والملكة.

أقول : الموت هو عدم الحياة عن محل وجدت فيه فهو مقابل للحياة مقابلة العدم والملكة وذهب أبو على الجبائي إلى أنه معنى وجودي يضاد الحياة لقوله تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) والخلق يستدعي الإيجاد وهو ضعيف لأن الخلق هو التقدير وذلك لا يستدعي كون المقدور وجوديا.

المسألة السادسة والعشرون

في باقي الكيفيات النفسانية

قال : ومن الكيفيات النفسانية الصحة والمرض.

أقول : الصحة والمرض من الكيفيات النفسانية عند الشيخ أما الصحة فقد حدها في الشفاء بأنها ملكة في الجسم الحيواني يصدر عنه لأجلها أفعاله الطبيعية وغيرها على المجرى الطبيعي غير مئوفة ، والمرض حالة أو ملكة مقابلة لتلك.

وهنا إشكال فإن المتضادين يدخلان تحت جنس واحد فالصحة إن دخلت في الحال والملكة فكذا المرض لكن أجناس المرض سوء المزاج وسوء التركيب وتفرق الاتصال فسوء المزاج إن كان هو الحرارة الزائدة مثلا فهو من الكيفيات الفعلية لا من الحال والملكة ، وإن كان هو اتصاف البدن بها فهو من مقولة أن ينفعل وسوء التركيب عبارة عن مقدار أو عدد أو وضع أو شكل أو انسداد مجرى يخل بالأفعال ولا شيء من هذه بحال ولا ملكة وتفرق الاتصال عدمي لا يدخل تحت مقولة.

قال : والفرح والغم

أقول : الفرح أحد الكيفيات النفسانية وكذا الغم والسبب المعد للفرح كون حامله الذي هو الروح على أفضل أحواله في الكم والكيف ، والفاعل تخيل الكمال ، وأضداد هذه أسباب للغم.

قال : والغضب والحزن والهم والخجل والحقد.

أقول : هذه أيضا من الأعراض النفسانية واعلم أن جميع العوارض النفسانية تستلزم حركة الروح إما إلى داخل أو خارج والأول إن كانت كثيرة فكما في الفزع أو قليلة فكما في الحزن ، والثاني إما دفعة فكما في الغضب أو يسيرا يسيرا فكما في اللذة وقد يتفق أن يتحرك إلى جهتين دفعة واحدة إذا كان العارض يلزمه عارضان كالهم فإنه يوجد معه غضب وحزن فتختلف الحركتان ، وكالخجل الذي تنقبض الروح معه أولا إلى الباطن ثم يخطر بالبال انتفاء الضرر فتنبسط ثانيا ، ويعتبر في الحقد غضب ثابت وعدم سهولة الانتقام وعدم صعوبته.

المسألة السابعة والعشرون

في الكيفيات المختصة بالكميات

قال : والمختصة بالكمية إما المتصلة كالاستقامة والاستدارة والانحناء والتقعير والتقبيب والشكل والخلقة ، أو المنفصلة كالزوجية والفردية.

أقول : لما فرغ من البحث عن الكيفيات النفسانية شرع في الكيفيات المختصة بالكميات ونعني بها الكيفية التي تعرض للكمية أولا وبالذات وللجسم ثانيا وبالعرض واعلم أن الكم على قسمين متصل ومنفصل أما المتصل فقد يعرض له الكيف مثل الاستقامة والاستدارة والانحناء والتقعير والتقبيب والشكل والخلقة وأما المنفصل فقد

يعرض له أيضا أنواع أخر من الكيف كالزوجية والفردية وغيرهما.

قال : فالمستقيم أقصر الخطوط الواصلة بين نقطتين وكما أنه موجود فكذا الدائرة.

أقول : رسم أرشميدس الخط المستقيم بأنه أقصر خط يصل بين نقطتين لأن كل نقطتين يمكن أن يوصل بينهما بخطوط غير مستقيمة مختلفة في الطول والقصر وبخط واحد مستقيم هو أقصرها (إذا عرفت هذا) فنقول الخط المستقيم موجود بالضرورة أما الدائرة وهي سطح مستو يحيط به خط واحد في داخله نقطة كل الخطوط المستقيمة الخارجة منها إلى المحيط متساوية فقد اختلف الناس في وجودها فالذين أثبتوا ما لا ينقسم من ذوات الأوضاع نفوها والباقون أثبتوها وهو اختيار المصنف ـ رحمه‌الله ـ لأن الدائرة المحسوسة موجودة فإذا وصلنا بين المركز المحسوس منها وبين المحيط بخط ثم نقلنا طرف الخط الذي عند المحيط إلى جزء آخر فإن لم ينطبق عليه فإن كان لزيادة جزء أزلناه وإن كان لنقصان جزء ملأناه به وإن كان لنقصان أقل من جزء أو لزيادة أقل منه لزم انقسام الجوهر وإمكان العمل أيضا.

قال : والتضاد منتف عن المستقيم والمستدير فكذا عن عارضيهما.

أقول : إنه ربما توهم بعض الناس أن الخط المستقيم يضاد الخط المستدير للتنافي بينهما والتحقيق خلاف هذا فإن الضدين يجب اتحاد موضوعهما والموضوع هنا ليس بواحد إذ المستقيم يستحيل أن ينقلب إلى المستدير وبالعكس وأيضا فإن المستقيم قد يكون وترا لقسي غير متناهية كثرة وضد الواحد واحد لا غير وإذا انتفى التضاد عنهما فكذا عن عارضيهما ويفهم منه أمران : أحدهما أن التضاد منتف عن الاستقامة والاستدارة العارضتين للخط المستقيم والمستدير. والثاني أن التضاد منتف عن الحركتين الواقعتين على الخطين المستقيم والمستدير.

قال : والشكل هيئة إحاطة الحد أو الحدود بالجسم ومع انضمام اللون تحصل الخلقة.

أقول : ذكر القدماء أن الشكل ما أحاط به حد أو حدود والتحقيق أنه من باب

الكيف فإنه هيئة تعرض للجسم بسبب إحاطة الحد الواحد أو الحدود به كالكرية والتربيع وهو مغاير للوضع بمعنى المقولة وإذا اعتبر الشكل واللون معا حصلت الخلقة.

قال : الثالث المضاف.

أقول : لما فرغ من البحث عن الكيف وأقسامه شرع في المضاف وهو المقولة الثالثة من المقولات العشر وهذا المقولة مع ما بعدها من المقولات كلها نسبية وهو قسم مقابل لما تقدم من المقولات وفي هذا القسم مسائل :

المسألة الأولى

في أقسامه

قال : وهو حقيقي ومشهوري.

أقول : المضاف قد يقال لنفس الإضافة أعني العارضة للشيء باعتبار قياسه إلى غيره كالأبوة والبنوة ويقال له المضاف الحقيقي فإنه لذاته يقتضي الإضافة وغيره إنما يقتضي الإضافة بواسطته ، ويقال للذات التي عرضت لها الإضافة بالفعل كالأب والابن ويسمى المضاف المشهوري. وقد يقال للذات نفسها مضاف مشهوري باعتبار كونها معروضة للإضافة.

المسألة الثانية

في خواصه

قال : ويجب فيه الانعكاس والتكافؤ بالفعل أو القوة

أقول : هاتان خاصتان مطلقتان للمضاف لا يشاركه فيهما غيره ، إحداهما وجوب الانعكاس فإنه كما أن الأب أب للابن فكذا الابن ابن للأب والمراد بالانعكاس الحكم

بإضافة كل واحد منهما إلى صاحبه من حيث كان مضافا إليه كما مثلناه فإن لم تراع هذه الحيثية لم يجب الانعكاس كما تقول الأب أب للإنسان (الثانية) التكافؤ في الوجود بالفعل أو القوة والمتقدم مصاحب للمتأخر ذهنا.

قال : ويعرض للموجودات أجمع.

أقول : المضاف الحقيقي يعرض لجميع الموجودات كما يقال للواجب تعالى قادر عالم خالق رازق ويقال لنوع من الجواهر أنه أب وابن وغيرهما ويقال للخط طويل وقصير وللعدد قليل وكثير وللكيف أسخن وأبرد وللمضاف كالأقرب والأبعد وللأين أعلى وأسفل وللمتى أقدم وأحدث وللوضع أشد استقامة وانحناء وللملك أكسى وأعرى وللفعل أقطع وأصرم وللانفعال أشد تسخنا وتقطعا.

المسألة الثالثة

في أن الإضافة ليست ثابتة في الأعيان

قال : وثبوته ذهني وإلا تسلسل ولا ينفع تعلق الإضافة بذاتها.

أقول : اختلف العقلاء هنا فذهب قوم إلى أن الإضافة ثابتة في الأعيان لأن فوقية السماء ليست عدما محضا ولا أمرا ذهنيا غير مطابق وقال آخرون إنها عدمية في الأعيان ثابتة في الأذهان وهو اختيار المصنف ـ رحمه‌الله ـ وأكثر المحققين والدليل عليه وجوه ذكرها المصنف : أحدها أن الإضافة لو كانت ثابتة في الأعيان لزم التسلسل لأن حلولها في المحل إضافة أخرى وحلول ذلك الحلول ثابت يستدعي محلا وحلولا وذلك يوجب التسلسل.

أجاب الشيخ أبو علي بن سينا عن هذا بأن قال : يجب أن نرجع في حل هذه الشبهة إلى حد المضاف المطلق فنقول : المضاف هو الذي ماهيته مقولة بالقياس إلى غيره ، فكل شيء في الأعيان يكون بحسب ماهيته إنما يقال بالقياس إلى غيره فذلك الشيء هو المضاف ، لكن في الأعيان أشياء كثيرة بهذه الصفة فالمضاف في الأعيان موجود. ثم إن

كان في المضاف ماهية أخرى فينبغي أن يجرد ما له من المعنى المقول بالقياس إلى غيره فذلك المعنى هو بالحقيقة المعنى المقول بالقياس إلى غيره ، وغيره إنما هو مقول بالقياس إلى غيره بسبب هذا المعنى ، وهذا المعنى ليس مقولا بالقياس إلى غيره بسبب شيء غير نفسه بل هو مضاف لذاته فليس هناك ذات وشيء هو الإضافة بل هناك مضاف بذاته لا بإضافة أخرى فتنتهي من هذا الطريق الإضافات. وأما كون هذا المعنى المضاف بذاته في هذا الموضع فله وجود آخر ـ مثلا وجود الأبوة في الأب ـ أمر زائد على ذات الأب ، وذلك الموجود أمر مضاف أيضا فليكن هذا عارضا من المضاف لذي المضاف وكل واحد منهما مضاف لذاته إلى ما هو مضاف إليه لا لإضافة أخرى. فالكون محمولا مضاف لذاته ، والكون أبوة مضاف لذاته.

وهذا الكلام على طوله غير مفيد للمطلوب لأن التسلسل الذي ألزمناه ليس من حيث إن المضاف الذي هو المقولة يكون مضافا بإضافة أخرى حتى تقسم الأشياء إلى ما هو مضاف بذاته وإلى ما هو مضاف بغيره بل من حيث إن المضاف الحقيقي كالأبوة تفتقر إلى محل تتقوم به لعرضيتها وحلولها في ذلك المحل إضافة لها إلى ذلك المحل يستدعي محلا وحلولا ويتسلسل وإلى هذا أشار المصنف ـ رحمه‌الله ـ بقوله ولا ينفع تعلق الإضافة بذاتها أي تعلق الإضافة بالمضاف إليه لذاتها لا لإضافة أخرى.

قال : ولتقدم وجودها عليه.

أقول : هذا وجه ثان دال على أن الإضافة ليست ثابتة في الأعيان وتقريره أنها لو كانت ثبوتية لشاركت الموجودات في الوجود وامتازت عنها بخصوصية ما فاتصاف وجودها بتلك الخصوصية إضافة سابقة على وجود الإضافة فيلزم تقدم وجود الإضافة على وجودها وهو محال فالضمير في عليه يرجع إلى وجودها. ويحتمل عوده إلى المحل ويكون معنى الكلام أن الإضافة لو كانت موجودة لزم تقدمها على محلها لأن وجود محلها حقيقة له فاتصافه به نوع إضافة سابق على وجود الإضافة ، وأعاد الضمير إليه من غير ذكر لفظي لظهوره.

قال : ولزم عدم التناهي في كل مرتبة من مراتب الأعداد.

أقول : هذا وجه ثالث وتقريره أن الإضافات لو كانت ثابتة في الأعيان لزم أن تكون كل مرتبة من مراتب الأعداد تجتمع فيه إضافات وجودية لا تتناهى لأن الاثنين مثلا له اعتبار بالنسبة إلى الأربعة وتعرض له بذلك الاعتبار إضافة النصفية ، وإلى الستة وتعرض له بحسبه إضافة الثلثية ، وهكذا إلى ما لا يتناهى وهو محال : أما أولا فلما بينا من امتناع وجود ما لا يتناهى مطلقا ، وأما ثانيا فلأن تلك الإضافات موجودة دفعة ومترتبة في الوجود باعتبار تقدم بعض المضاف إليه على بعض فيلزم اجتماع أعداد لا تتناهى دفعة مترتبة وهو محال اتفاقا ، وأما ثالثا فلأن وجود الإضافات يستلزم وجود المضاف إليه فيلزم وجود ما لا يتناهى من الأعداد دفعة من ترتبها وكل ذلك مما برهن على استحالته.

قال : وتكثر صفاته تعالى.

أقول : هذا وجه رابع وتقريره أن الإضافات لو كانت وجودية لزم وجود صفات الله تعالى متكثرة لا تتناهى لأن له إضافات لا تتناهى وذلك محال.

المسألة الرابعة

في باقي مباحث الإضافة.

قال : ويخص كل مضاف مشهوري مضاف حقيقي فيعرض له الاختلاف والاتفاق إما باعتبار زائد أو لا.

أقول : المضاف المشهوري كالأب يعرض له مضاف حقيقي كالأبوة وكذا الابن تعرض له البنوة فكل مضاف مشهوري يعرض له مضاف حقيقي ولا يمكن أن يكون مضاف حقيقي واحد عارضا لمضافين مشهوريين لامتناع قيام عرض واحد بمحلين فإذا كان كل مضاف مشهوري يعرض له مضاف حقيقي عرض حينئذ الاختلاف في المضاف

الحقيقي كالأبوة والبنوة والاتفاق كالأخوة والجوار.

ثم إن هذا المضاف الحقيقي يعرض للمضاف المشهوري إما باعتبار زائد يحصل فيهما كالعاشق والمعشوق فإن في العاشق هيئة مدركة وفي المعشوق هيئة يتعلق بها الإدراك فيحصل حينئذ إضافة العشق باعتبار هذا الزائد ، وقد يكون الزائد في أحدهما إذ العالم المضاف إلى المعلوم باعتبار قيام صفة العلم به ، وقد لا يكون باعتبار زائد كالميامن والمياس ر فإنهما يتضايفان لا لأجل صفة زائدة على الإضافة هذا خلاصة ما فهمناه من هذا الكلام.

المسألة الخامسة

في مقولة الأين

قال : الرابع الأين وهي النسبة إلى المكان.

أقول : لما فرغ من البحث عن المضاف شرع في البحث عن الأين وهي نسبة الشيء إلى مكانه بالحصول فيه وهو حقيقي وهو نسبة الشيء إلى مكانه الخاص به ، وغير حقيقي وهو نسبته إلى مكان عام كقولنا زيد في الدار وهذه النسبة مغايرة للوجود ولكل واحد من الجسم والمكان ولا تقبل الشدة والضعف.

قال : وأنواعه أربعة عند قوم هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق.

أقول : أنواع الكون عند المتكلمين أربعة الحركة والسكون وهما حالتا الجسم بانفراده باعتبار المكان والاجتماع والافتراق وهما حالتاه باعتبار انضمامه إلى الغير من الأجسام.

قال : فالحركة كمال أول لما بالقوة من حيث هو بالقوة أو حصول الجسم في مكان بعد آخر.

أقول : هذان تعريفان للحركة : الأول منهما للحكماء ، والثاني للمتكلمين أما التعريف

الأول فاعلم أن الحركة حال حصول الجسم في المكان المنتقل عنه معدومة عنه ممكنة له فهي كمال للجسم ثم إن حصوله في المكان الثاني حينئذ معدوم عنه ممكن له فهو كمال أيضا والجسم في تلك الحال بالقوة في المكان الثاني لكن الحركة أسبق الكمالين فالحركة كمال أول لما بالقوة أعني الجسم الذي هو بالقوة في المكان الثاني. وإنما قيدنا بقولنا من حيث هو بالقوة لأن الحركة تفارق سائر الكمالات بأن جميع الكمالات إذا حصلت خرج ذو الكمال من القوة إلى الفعل وهذا الكمال من حيث إنه كمال يستلزم كون ذي الكمال بالقوة. وأما الثاني فإن المتكلمين قالوا ليست الحركة هي الحصول في المكان الأول لأن الجسم لم يتحرك بعد ولا واسطة بين الأول والثاني وإلا لم يكن ما فرضناه ثانيا بثان فهي الحصول في المكان الثاني لا غير.

قال : ووجودها ضروري.

أقول : اتفق أكثر العقلاء على أن الحركة موجودة وادعوا الضرورة في ذلك وخالفهم جماعة من القدماء كزينون وأتباعه قالوا إنها ليست موجودة واستدلوا على ذلك بوجوه : أحدها أن الحركة لو كانت موجودة لكانت إما منقسمة فيكون الماضي غير المستقبل أو غير منقسمة فيلزم تركبها من الأجزاء التي لا تتجزى واللازمان باطلان.

الثاني أن الحركة ليست هي الحصول في المكان الأول لأن الجسم حينئذ لم يتحرك بعد ولا في المكان الثاني لأن الحركة انتهت وانقطعت ولا المجموع لامتناع تحقق جزأيه معا في الوجود فلا تكون موجودة.

الثالث أن الحركة ليست واحدة فلا تكون موجودة.

وهذه الاستدلالات في مقابلة الحكم الضروري فلا تكون مسموعة.

قال : يتوقف على المتقابلين والعلتين والمنسوب إليه والمقدار.

أقول : وجود الحركة يتوقف على أمور ستة : أحدها ما منه الحركة ، والثاني ما إليه الحركة أعني مبدأ الحركة ومنتهاها والظاهر أن مراده بالمتقابلين هذان لأن المبدأ والمنتهى

متقابلان لا يجتمعان في شيء واحد باعتبار واحد ، الثالث ما به الحركة وهو السبب والعلة الفاعلية لوجودها ، الرابع ما له الحركة أعني الجسم المتحرك وهو العلة القابلية وهذان هما المرادان بقوله والعلتين ، الخامس ما فيه الحركة أعني المقولة التي ينتقل الجسم فيها من نوع إلى نوع والظاهر أنه المراد بقوله والمنسوب إليه إذ المقولة تنسب الحركة إليها بالتبعية ، السادس الزمان الذي تقع فيه الحركة وهو المراد بقوله والمقدار فإن الزمان مقدار الحركة.

قال : فما منه وما إليه قد يتحدان محلا وقد يتضادان ذاتا وعرضا.

أقول : ما منه وما إليه قد يكون محلهما واحدا لكن لا باعتبار واحد كالنقطة في الحركة المستديرة فإنها بعينها مبدأ للحركة المستديرة ومنتهى لها لكن باعتبارين ، وقد يتغاير محلهما كالحركات المستقيمة ثم قد يتضاد المحل في المتكثر إما ذاتا كالحركة من السواد إلى البياض أو عرضا كالحركة من اليمين إلى الشمال.

قال : ولهما اعتباران متقابلان أحدهما بالنظر إلى ما يقالان له.

أقول : الذي فهمناه من هذا الكلام أن لكل واحد مما منه وما إليه اعتبارين : أحدهما بالقياس إلى ما يقال له أعني ذا المبدإ وذا المنتهى ، والثاني بقياس كل واحد إلى صاحبه فالأول قياس التضايف والثاني قياس التضاد وذلك لأن المبدأ لا يضايف المنتهى لانفكاكهما تصورا بل يضايف ذا المبدإ فإن المبدأ مبدأ لذي المبدإ وكذا المنتهى وأما اعتبار المبدإ إلى المنتهى فإنه مضاد له إذ ليس مضايفا ، ولا سلبا وإيجابا ، ولا عدما وملكة فلم يبق إلا التضاد وهذان الاعتباران أعني التضايف والتضاد متقابلان (واعلم) أن هاهنا إشكالا وهو أن يقال الضدان لا يعرضان لموضوع واحد مجتمعين فيه والمبدإ والمنتهى قد يعرضان لجسم واحد.

والجواب أن الضدين قد يجتمعان في جسم واحد إذا لم يكن الجسم موضوعا قريبا لهما وحال المبدإ والمنتهى هنا كذلك لأن موضوعهما الأطراف في الحركات المستقيمة وتلك متغايرة بقي أن يقال هذا لا يتأتى في الحركات المستديرة وقد نبه المصنف ـ رحمه‌الله ـ على

ذلك بقوله قد يتحدان محلا فيكون وجه الخلاص عدم اجتماع الوصفين إذ حال وصفه بكونه منتهى ينتفي عنه كونه مبدأ وفيه ما فيه.

قال : ولو اتحدت العلتان انتفى المعلول.

أقول : قد بينا أنه يريد بالعلتين هنا الفاعلية أعني المحرك والقابلية أعني المتحرك وادعى تغايرهما على معنى أنه لا يجوز أن يكون الشيء محركا لنفسه بل إنما يتحرك بقوة موجودة إما فيه كالطبيعة أو خارجة عنه لأنه لو تحرك لذاته لانتفت الحركة إذ بقاء العلة يستلزم بقاء المعلول فإذا فرضنا الجسم لذاته علة للحركة كان علة لأجزائها فيكون كل جزء منها باقيا ببقاء الجسم لكن بقاء الجزء الأول منها يقتضي أن لا يوجد الثاني لامتناع اجتماع أجزائها في الوجود فلا توجد الحركة وقد فرضناها موجودة هذا خلف وإلى نفي الحركة أشار. بقوله انتفى المعلول.

قال : وعم.

أقول : هذه حجة ثانية على أن الفاعل للحركة ليس هو القابل أعني نفس الجسمية وتقريره أن نقول الأجسام متساوية في الماهية فلو اقتضت لذاتها الحركة لزم عمومها لكل جسم فكان كل جسم متحركا (هف) ثم إن الجسمية إن اقتضت الحركة إلى جهة معينة لزم حركة كل الأجسام إليها وهو باطل بالضرورة وإن كان إلى جهة غير معينة انتفت الحركة وأشار إلى هذا الدليل بقوله (وعم) أي وعم ما فرضناه معلولا وهو الحركة إما مطلقا أو إلى جهة معينة على ما قررنا الوجهين فيه.

قال : بخلاف الطبيعة المختلفة المستلزمة في حال ما.

أقول : هذا جواب عن إشكال يورد على هذين الدليلين وتقريره أن نقول الطبيعة قد تقتضي الحركة ولا يلزم دوامها بدوام الطبيعة ولا عمومها بعمومها.

وتقرير الجواب أن نقول الطبائع مختلفة فجاز اقتضاء بعضها الحركة إلى جهة معينة

بخلاف غيرها وإلى هذا أشار بقوله المختلفة.

وأيضا الطبيعة لم نقل إنها مطلقا علة للحركة وإلا لزم المحال بل إنما تقتضيها في حال ما وهو حال خروج الجسم عن مكانه الطبيعي ، أما حال بقاء الجسم في مكانه الطبيعي فلا تقتضي الحركة وإليه أشار بقوله المستلزمة في حال ما.

قال : والمنسوب إليه أربع فإن بسائط الجواهر توجد دفعة ومركباتها تعدم بعدم أجزائها.

أقول : يريد بالمنسوب إليه ما توجد فيه الحركة على ما تقدم تفسيره والحركة تقع في أربع مقولات لا غير هي الكم والكيف والأين والوضع ولا تقع فيما سوى ذلك أما الجوهر فقسمان بسيط ومركب فالبسيط يوجد دفعة فلا تتحق فيه حركة ، والمركب يعدم بعدم أحد أجزائه فلا تقع فيه حركة إذ المتحرك باق حال الحركة والمركب ليس بباق حال الحركة فلا تقع فيه حركة أيضا.

قال : والمضاف تابع.

أقول : المضاف لا تقع فيه حركة بالذات لأنه أبدا تابع لغيره فإن كان متبوعه قابلا للشدة والضعف قبلهما هو وإلا فلا.

قال : وكذا متى.

أقول : ذكر الشيخ في النجاة أن متى يوجد للجسم بتوسط الحركة فكيف يكون فيه حركة فإن كل حركة في متى فلو كان فيه حركة لكان لمتى متى آخر وقال في الشفاء يشبه أن يكون حال متى كحال الإضافة في أن الانتقال لا يكون فيه بل يكون في كم أو كيف ويكون الزمان لازما لذلك التغير فيعرض بسببه فيه التبدل.

قال : والجدة دفعة.

أقول : مقولة الملك لا تتحق فيها حركة لأنا قد بينا أنها عبارة عن نسبة التملك فإن

حصل وقع دفعة وإلا فلا حصول له فلا تعقل فيه حركة.

قال : ولا تعقل حركة في مقولتي الفعل والانفعال.

أقول : هاتان المقولتان لا توجد الحركة فيهما لأن الانتقال من التبرد إلى التسخن إن كان بعد كمال التبرد وانتهائه لم يكن الانتقال من التبرد بل من البرودة إذ التبرد قد عدم وانقطع ، وإن كان قبل كماله كان الجسم في حال واحد أعني حال الحركة متوجها إلى كيفيتين متضادتين هذا خلف.

قال : ففي الكم باعتبارين لدخول الماء القارورة المكبوبة عليه ، وتصدع الآنية عند الغليان.

أقول : لما بين أن الحركة تقع في أربع مقولات وأبطل وقوعها في الزائد شرع في تفصيل وقوع الحركة في مقولة مقولة فابتدأ بالكم وذكر أن الحركة تقع فيه باعتبارين أحدهما التخلخل والتكاثف ، والثاني النمو والذبول.

أما الأول فالمراد به زيادة مقدار الجسم ونقصانه من غير ورود أجزاء جسمانية عليه ، أو انفصال أجزاء منه بناء على أن المقدار أمر زائد على الجسم وأن الجسم قابل للانتقال من نوع منه إلى نوع آخر على التدريج ، واستدل على وقوع الحركة بهذا الاعتبار بوجهين : الأول أن القارورة إذا كبت على الماء فإن كان بعد المص دخلها الماء وإلا فلا مع أن الخلاء أو الملاء في البابين واحد فليس ذلك إلا لأن الهواء المحتقن داخل القارورة له مقدار طبيعي وبسبب المص يخرج شيء من الهواء فيكتسب الباقي لضرورة الخلاء مقدارا أكثر غير طبيعي فإذا كبت القارورة على الماء داخلها الماء فعاد الهواء إلى مقداره الطبيعي لوجود المستخلف عن الهواء الخارج بالمص.

الثاني أن الآنية إذا ملئت ماء وسد رأسها سدا محكما وغليت بالنار فإنها تنشق وليس ذلك لمداخلة أجزاء النار لعدم الثقب في الآنية فبقي أن يكون ذلك لزيادة مقدار ما فيها. وعندي في هذين الوجهين نظر وإن أفادا الظن.

قال : وحركة أجزاء المغتذي في جميع الأقطار على التناسب.

أقول : هذا هو الاعتبار الثاني وهو الحركة في الكم باعتبار النمو (واعلم) أن النامي يزداد جسمه بسبب اتصال جسم آخر به وتلك الزيادة ليست مطلقا بل إذا داخلت أجزاء المزيد عليه وتشبهت به فضد هذه الحالة الذبول وقد يشتبه هذا بالسمن والفرق بينهما أن الواقف في النمو قد يسمن كما أن المتزايد في النمو قد يهزل وذلك لأن الزيادة إذا أحدثت المنافذ في الأصل ودخلت فيها وتشبهت بطبيعة الأصل واندفعت أجزاء الأصل إلى جميع الأقطار على نسبة واحدة في نوعه فذاك هو النمو والشيخ قد يسمن لأن أجزاءه الأصلية قد جفت وصلبت فلا يقوى المغتذي على تفريقها والنفوذ فيها فلا تتحرك أجزاؤه الأصلية إلى الزيادة فلا يكون ناميا وإن تحرك لحمه إلى الزيادة فيكون ذلك في الحقيقة نموا في اللحم لكن المسمى باسم النمو إنما هو حركة الأعضاء الأصلية.

قال : وفي الكيف للاستحالة المحسوسة مع الجزم ببطلان الكمون والورود لتكذيب الحس لهما.

أقول : لما فرغ من البحث عن الحركة في الكم شرع في الحركة في الكيف أعني الاستحالة واستدل على ذلك بالحس فإنه يقضي بصيرورة الماء البارد حارا على التدريج وبالعكس وكذا في الألوان وغيرها من الكيفيات المحسوسة.

واعلم أن الآراء لم تتفق على هذا فإن جماعة من القدماء أنكروا الاستحالة وافترقوا في الاعتذار عن الحرارة المحسوسة في الماء إلى قسمين : أحدهما ذهب إلى أن في الماء أجزاء نارية كامنة فيه فإذا ورد عليه نار من خارج برزت تلك الأجزاء وظهرت للحس ، والثاني ذهب إلى أن الأجزاء النارية ترد عليه من خارج وتداخله فيحس منه بالحرارة.

والقولان باطلان فإن الحس يكذبهما أما الأول فلأن الأجزاء الكامنة يجب الإحساس بها عند مداخلة اليد لجميع أجزاء الماء وتفرقها قبل ورود الحرارة عليه ولما لم يكن كذلك دل على بطلان الكمون.

وأما الثاني فلأنا نشاهد جبلا من كبريت تقرب منه نار صغيرة فيحترق مع أنا نعلم أنه لم يكن في تلك النار الصغيرة من الأجزاء النارية ما يلاقي الجبل ويغلب عليه حسا.

قال : وفي الأين والوضع ظاهر.

أقول : وقوع الحركة في هاتين المقولتين أعني الأين والوضع ظاهر لكن الشيخ ادعى أنه الذي استخرج وقوع الحركة في الوضع وقد وجد في كلام أبي نصر الفارابي وقوعها فيه (واعلم) أن الحركة في الوضع وإن استلزمت حركة الأجزاء في الأين لكن ذلك باعتبار آخر مغاير لاعتبار حركة الجميع في الوضع.

قال : وتعرض لها وحدة باعتبار وحدة المقدار والمحل والقابل.

أقول : الحركة منها واحدة بالعدد ومنها كثيرة أما الواحدة فهي الحركة المتصلة من مبدإ المسافة إلى نهايتها وقد بينا تعلق الحركة بأمور ستة والمقتضي لوحدتها إنما هو ثلاثة منها لا غير : الأول وحدة الموضوع وهو أمر ضروري في وحدة كل عرض لاستحالة قيام العرض بمحلين وإليه أشار بقوله والمحل.

الثاني وحدة الزمان وهو كذلك أيضا لاستحالة إعادة المعدوم بعينه وإليه أشار بقوله المقدار

الثالث وحدة المقولة التي فيها الحركة فإن الجسم الواحد قد يتحرك في الزمان الواحد حركتي كيف وأين وإليه أشار بقوله والقابل.

ويحتمل أن يكون القابل هو الموضوع والمحل هو المقولة. ووحدة المحرك غير شرط فإن المتحرك بقوة ما مسافة إذا تحرك بأخرى قبل انقطاع فعل الأولى اتحدت الحركة. وإذا اتحدت الأشياء الثلاثة اتحد ما منه وما إليه لكن كل واحد منهما غير كاف فإن المتحرك من مبدإ واحد قد ينتهي إلى شيئين والمنتهي إلى شيء واحد قد يتحرك من مبدءين.

قال : واختلاف المتقابلين والمنسوب إليه يقتضي الاختلاف.

أقول : إذا اختلف أحد الأمور الثلاثة أعني ما منه وما إليه وما فيه ، اختلفت الحركة

بالنوع فإن الحركة في الكيف تغاير الحركة في الأين وهذا ظاهر. وأيضا الصاعدة ضد الهابطة. وأراد بالمتقابلين ما منه وما إليه وبالمنسوب إليه ما فيه ولا يشترط اختلاف الموضوع فإن الحجر والنار قد يتحركان حركة واحدة بالنوع ، ولا الفاعل لأن الطبيعية والقسرية قد تصدر عنهما حركة واحدة به ، ولا الزمان لعدم اختلافه وفي هذه المباحث نظر ذكرناه في كتاب الأسرار.

قال : وتضاد الأولين التضاد.

أقول : من الحركات ما هو متضاد وهي الداخلة تحت جنس أخير كالصاعدة والهابطة فعلة تضادهما ليس تضاد المتحرك لإمكان صعود الحجر والنار ، ولا تضاد المحرك لصدور الصعود عن الطبع والقسر ، ولا الزمان لعدم تضاده ، ولا ما فيه لاتحاد المسافة فيهما فلم يبق إلا ما منه وما إليه وإليه أشار بقوله وتضاد الأولين التضاد أي وتضاد الأولين يقتضي التضاد وعنى بالأولين ما منه وما إليه. ولا يمكن التضاد بالاستقامة والاستدارة لأنهما غير متضادين.

قال : ولا مدخل للمتقابلين والفاعل في الانقسام.

أقول : الحركة تنقسم بانقسام الزمان فإن الحركة في نصف الزمان نصف الحركة في جميعه مع التساوي في السرعة والبطء ، وبانقسام المتحرك فإنها عرض حال فيه والحال في المنقسم يكون لا شك منقسما ، وبانقسام ما فيه أعني المسافة فإن الحركة إلى منتصفها نصف الحركة إلى منتهاها ولا مدخل للمتقابلين أعني ما منه وما إليه في الانقسام ولا للفاعل وذلك كله ظاهر.

قال : وتعرض لها كيفية تشتد فتكون الحركة سريعة ، وتضعف فتكون بطيئة ولا تختلف بهما الماهية.

أقول : تعرض للحركة كيفية واحدة تشتد تارة وتضعف أخرى فتكون الحركة باعتبار

شدتها سريعة وباعتبار ضعفها بطيئة وتلك الكيفية هي السرعة والبطء ولا تختلف ماهية الحركة بهاتين الكيفيتين لوجهين : الأول أن هذه الكيفية واحدة وإنما تختلف بالقياس إلى غيرها فما هو سريع بالنسبة إلى شيء قد يكون بطيئا بالنسبة إلى غيره ، الثاني أنا نقسم الجنس الواحد من الحركة إلى الصاعد والهابط مثلا ونقسمه أيضا إلى السريع والبطيء وهاتان قسمتان ليستا مرتبتين حتى يكون عروض إحداهما للجنس بواسطة الأخرى بل يعرضان أولا لذلك الجنس وقد تبين أن الجنس الواحد لا يعرض له فصلان من غير ترتيب بل الفصل أحدهما خاصة.

قال : وسبب البطء الممانعة الخارجية أو الداخلية لا تخلل السكنات وإلا لما أحس بما اتصف بالمقابل.

أقول : اعلم أن المتكلمين ذهبوا إلى أن تخلل السكنات بين أجزاء الحركة سبب للإحساس بالبطء والأوائل لما امتنع عندهم وجود جزء لا يتجزى في الحركة امتنع إسناد البطء إلى تخلل السكنات بل أسندوه إلى الموانع الخارجية كالملاء في الحركات الطبيعية ، وإلى الداخلية كالميول الطبيعية في الحركات القسرية لأنه لو كان تخلل السكنات سبب البطء لما أحس بما اتصف بالمقابل يعني أنه يلزم عدم الإحساس بالحركات المتصفة بالسرعة التي هي مقابلة البطء لما تقدم في مسألة الجزء الذي لا يتجزى.

قال : ولا اتصال لذوات الزوايا والانعطاف لوجود زمان بين آني الميلين.

أقول : يريد أن كل حركتين مستقيمتين مختلفتين فإن بينهما زمان سكون كما بين الصاعدة والهابطة وعبر عن ذلك بذوات الزوايا وهي الحركة الحاصلة على خطين أحدهما متصل بالآخر على غير الاستقامة ، والانعطاف وهي الحركة الراجعة من المنتهى إلى المبدإ. وإنما وجب السكون بينهما لأن لكل حركة علة تقتضي إيصال الجسم إلى المطلوب والوصول موجود آنا فعلته كذلك وهذا الآن الذي يوجد فيه الميل المقتضي للوصول ليس هو آن الميل الذي يقتضي المفارقة لاستحالة اجتماع الميلين ولا يتصل الآنان فلا بد من

فاصل هو زمان عدم الميل فيكون الجسم ساكنا فيه وهو المطلوب.

قال : والسكون حفظ النسب فهو ضد.

أقول : اختلف الناس في تحقيق ماهية السكون وأنها هل هي وجودية أو عدمية فالمتكلمون على الأول فجعلوه عبارة عن حصول الجسم في حيز واحد أكثر من زمان واحد والحكماء على الثاني قالوا إنه عدم الحركة عما من شأنه أن يتحرك والمصنف ـ رحمه‌الله ـ اختار قول المتكلمين وهو أنه وجودي وأن مقابلته للحركة تقابل الضدية لا تقابل العدم والملكة وجعله عبارة عن حفظ النسب بين الأجسام الباقية على حالها.

قال : يقابل الحركتين.

أقول : يمكن أن يفهم من هذا الكلام معنيان : أحدهما أنه إشارة إلى الصحيح من الخلاف الواقع بين الأوائل من أن المقابل للحركة هو السكون في مبدإ الحركة لا نهايتها ، أو أن السكون مقابل للحركة من مكان السكون وإليه. والحق هو الأخير لأن السكون ليس عدم حركة خاصة وإلا لكان المتحرك إلى جهة ساكنا في غير تلك الجهة بل هو عدم كل حركة ممكنة في ذلك المكان واحتج الأولون بأن السكون في النهاية كمال للحركة وكمال الشيء لا يقابله.

والجواب أن السكون ليس كمالا للحركة بل للمتحرك. الثاني أن السكون ضد يقابل الحركة المستقيمة والمستديرة معا وذلك لأنه لما بين أن السكون عبارة عن حفظ النسب وكان حفظ النسب إنما يتم ببقاء الجسم في مكانه على وضعه وجب أن يكون السكون مقابلا للحركة المستقيمة والمستديرة معا لانتفاء حفظ النسب فيهما.

قال : وفي غير الأين حفظ النوع.

أقول : لما بين أن السكون عبارة عن حفظ النسب وكان ذلك إنما يتحقق في السكون في المكان لكن ليس كل سكون في مكان ، وجب عليه أن يفسر السكون في غير الأين من

المقولات فجعله عبارة عن حفظ النوع في المقولة ، التي تقع فيها الحركة.

قال : ويتضاد لتضاد ما فيه.

أقول : قد يعرض في السكون التضاد كما يعرض في الحركة فإن السكون في المكان الأعلى يضاد السكون في المكان الأسفل فعلة تضاده ليست تضاد الساكن ولا المسكن ولا الزمان لما تقدم في الحركة ولا تعلق له بما منه وما إليه فوجب أن تكون علة تضاده هو تضاد ما فيه.

قال : ومن الكون طبيعي وقسري وإرادي.

أقول : الكون يريد به هنا الجنس الشامل للحركة والسكون كما اصطلح عليه المتكلمون وقسمه إلى أقسام ثلاثة وذلك لأنه عبارة عن حصول الجسم في الحيز وذلك الحصول قد بينا أنه لا يجوز استناده إلى ذات الجسم فلا بد من قوة يستند إليها وتلك القوة إما أن تكون مستفادة من الخارج وهي القسرية ، أو لا وهي الطبيعية إن لم تقارن الشعور ، والإرادية إن قارنته.

قال : فطبيعي الحركة إنما يحصل عند مقارنة أمر غير طبيعي.

أقول : الطبيعة أمر ثابت والحركة غير ثابتة فلا تستند إليها لذاتها بل لا بد من اقتران الطبيعة بأمر غير طبيعي ويفتقر في الرد إليه إلى الانتقال فيكون ذلك الانتقال طبيعيا أما في الأين فكالحجر المرمي إلى فوق ، وأما في الكيف فكالماء المسخن ، وأما في الكم فكالذابل بالمرض.

قال : ليرد الجسم إليه فيقف

أقول : غاية الحركة الطبيعية إنما هي حصول الحالة الملائمة الطبيعية التي فرضنا زوالها حتى اقتضت الطبيعة الحركة ورد الجسم إليها بعد عدمها عنه ، لا الهرب عن الحالة غير

الطبيعية قيل لعدم الاختصاص وهو ممنوع إذ كل طريق غير طبيعي مهروب عنه فيختص بالطبيعي ، وعلى كل تقدير فإذا حصلت الحالة الطبيعية وقف الجسم وعدمت الحركة الطبيعية لزوال الشرط وهو عدم الحالة غير الطبيعية.

قال : فلا تكون دورية

أقول : هذا نتيجة ما تقدم فإن الحركة الطبيعية تطلب استرداد الحالة الطبيعية بعد زوالها والحركة الدورية تطلب بالحركة عين ما هربت عنه فلا تكون طبيعية وهو ظاهر.

واعلم أن الحركة الطبيعية قد بينا أنها إنما تصدر عن الطبيعة لا بانفرادها بل بمشاركة الأحوال الغير الطبيعية ولتلك الأحوال درجات متفاوتة في القرب والبعد فإذا حركت الطبيعة الجسم إلى نقطة معينة كانت مع حال مخصوصة غير ملائمة فإذا وصل الجسم إلى تلك النقطة لم تبق تلك الحالة بل حصلت حالة أخرى هي الحصول في حد آخر فعلة الحركة الأولى التامة غير علة الحركة الثانية فلا يقال الطبيعة في منتصف المسافة مثلا تهرب عما طلبته بالطبيعة.

قال : وقسريها مستند إلى قوة مستفادة قابلة للضعف.

أقول : الحركة القسرية إما أن تكون مع ملازمة المتحرك أو مع مفارقته والأول لا إشكال فيه وإنما البحث في الثاني فالمشهور أن المحرك كما يفيد المقسور حركة كذلك يفيده قوة فاعلة لتلك الحركة قابلة للضعف بسبب الأمور الخارجية والطبيعة المقاومة وكلما ضعفت القوة القسرية بسبب المصادمات قويت الطبيعة إلى أن تفنى تلك القوة بالكلية.

وعندي هنا إشكال فإن الواحد بالشخص لا يبقى حال ضعفه فالقوة القسرية إذا عدمت عند ضعفها افتقر المتجدد منها إلى علة كافتقار الحركة والأقرب هنا أن نثبت في المتحرك قسرا أمورا ثلاثة الحركة القسرية والميل القسري وهو القابل للشدة والضعف والقوة المستفادة من القاسر وهي باقية لا تشتد ولا تضعف وتجدد الميول ما لم يحصل للهواء الذي يتحرك فيه المتحرك تلبد وتصلب يمنع عن النفوذ فيه فتبطل القوة القسرية

بالكلية.

قال : وطبيعي السكون يستند إلى الطبيعة مطلقا.

أقول : السكون منه طبيعي كاستقرار الأرض في المركز ، ومنه قسري كالحجر الواقف في الهواء قسرا ، ومنه إرادي كسكون الحيوان بإرادته في مكان ما والطبيعي من السكون ما يستند إلى الطبيعة مطلقا بخلاف الحركة الطبيعية المستندة إلى الطبيعة لا مطلقا بل عند مقارنة أمر غير ملائم.

قال : وتعرض البساطة ومقابلها للحركة خاصة.

أقول : من الحركات ما هو بسيط كحركة الحجر إلى أسفل ، ومنها ما هو مركب كحركة النملة على الرحى إذا اختلفتا في المقصد فإن حركة كل من النملة والرحى وإن كانت بسيطة لكن إذا نظر إلى حركة النملة الذاتية باعتبار حصولها في محل متحرك بالعرض حصل لها تركيب ، ثم إن كانت إحدى الحركتين مساوية للأخرى حدث للنملة ثبات بالنسبة إلى الأمور الثابتة وإن فضلت إحداهما الأخرى حصل لها حركة بقدر فضل إحداهما على الأخرى وهذا إنما يكون في متحرك يتحرك بالعرض إذ يستحيل تحرك الجسم الواحد بالذات حركتين إلى جهة أو جهتين.

قال : ولا يعلل الجنس ولا أنواعه بما يقتضي الدور.

أقول : الذي خطر لنا في تفسير هذا الكلام الرد على أبي هاشم حيث قال إن حصول الجسم في المكان معلل بمعنى وإن الحركة معللة بمعنى والدليل على بطلانه أن المعنى الذي جعل علة في الحصول إما أن يوجد قبل الحصول أو لا فإن كان الثاني لزم الدور ، وإن كان الأول فإن اقتضى اندفاع الجسم إلى مكان ما فهو الميل وهو ثابت ، وإلا لم يكن علة.

المسألة السادسة

في المتى

قال : الخامس المتى وهو النسبة إلى الزمان أو طرفه.

أقول : لما فرغ من البحث عن مقولة الأين شرع في البحث عن المتى والمراد بها نسبة الشيء إلى الزمان أو طرفه بالحصول فيه وهو إما حقيقي وهو الذي لا يفضل عن كون الشيء كالصيام في النهار ، وإما غير حقيقي كالصلاة فيه.

والفرق بين المتى الحقيقي والأين الحقيقي في النسبة أن المتى الواحد قد يشترك فيه كثيرون بخلاف الأين الحقيقي.

قال : والزمان مقدار الحركة من حيث التقدم والتأخر العارضين لها باعتبار آخر.

أقول : الحركة يعرض لها نوعان من التقدم والتأخر وتتقدر باعتبارهما فإن الحركة لا بد لها من مسافة تزيد بزيادتها وتنقص بنقصانها ولا بد لها من زمان كذلك ويعرض لأجزائها تقدم وتأخر باعتبار تقدم بعض أجزاء المسافة على بعض فإن الجزء من الحركة الحاصل في الحيز المتقدم من المسافة متقدم على الحاصل في المتأخر منها ، وكذلك الحاصل في المتقدم من الزمان متقدم على الحاصل في متأخره لكن الفرق بين تقدم المسافة وتقدم الحركة أن المتقدم من المسافة يجامع المتأخر بخلاف أجزاء الحركة ، ويحصل للحركة عدد بالاعتبارين فالزمان هو مقدار الحركة وعددها من حيث التقدم والتأخر العارضين لها باعتبار المسافة لا باعتبار الزمان وإلا لزم الدور وإلى هذا أشار بقوله باعتبار آخر أي باعتبار آخر مغاير لاعتبار الزمان.

قال : وإنما تعرض المقولة بالذات للمتغيرات ، وبالعرض لمعروضها.

أقول : هذه المقولة التي هي المتى إنما تعرض بالذات للمتغيرات كالحركات ، وإنما تعرض لغيرها بالعرض وبواسطتها فإن ما لا يتغير لا تعرض له هذه النسبة إلا باعتبار

عروض صفات متغيرة له كالأجسام التي تعرض لها الحركات فتلحقها هذه النسبة.

قال : ولا يفتقر وجود معروضها وعدمه إليه.

أقول : الذي فهمناه من هذا الكلام أمران : (أحدهما) أن وجود معروض المتغيرات وعدمه لا يفتقر إلى الزمان لأنه متأخر عن المتغيرات لأنه مقدارها وهي متأخرة عن المتغيرات التي هي معروضها فلو افتقر وجود المعروض وعدمه إليه لزم الدور.

الثاني أن هذه النسبة التي هي المقولة عارضة للمنتسبين اللذين أحدهما الزمان فالزمان معروض لهذه النسبة ووجود هذا المعروض وعدمه لا يفتقران إلى الزمان وإلا لزم التسلسل.

قال : والطرف كالنقطة وعدمه في الزمان لا على التدريج.

أقول : الطرف يعني به الآن فإنه طرف الزمان ووجوده فرضي على ما اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ من نفي الجوهر الفرد كوجود النقطة في الجسم ، وعدمه في جميع الزمان الذي بعده لا على التدريج وذلك لأن عدم الشيء قد يكون في آن كالأجسام وغيرها من الأعراض القارة ، وقد يكون في زمان وهذا على قسمين : الأول أن يكون العدم على التدريج كعدم الحركة ، والثاني أن يكون لا على التدريج كاللامماسة وكعدم الآن.

قال : وحدوث العالم يستلزم حدوثه.

أقول : قد بينا فيما تقدم أن العالم حادث والزمان من جملته فيكون حادثا بالضرورة والأوائل نازعوا في ذلك وقد تقدم كلامهم والجواب عنه.

المسألة السابعة

في الوضع

قال : السادس الوضع وهو هيئة تعرض للجسم باعتبار نسبتين.

أقول : الوضع من جملة الأعراض النسبية واعلم أن لفظة الوضع تقال على معان

بالاشتراك : أحدها كون الشيء بحيث يشار إليه إشارة حسية أنه هنا أو هناك فالنقطة ذات وضع بهذا الاعتبار دون الوحدة. وثانيها هيئة تعرض للجسم بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض. والثالث هيئة تعرض للجسم بسبب نسبة أجزائه بعضها إلى بعض وبسبب نسبة أجزائه إلى الأمور الخارجة عنه وهذا هو المقولة المذكورة هنا كالقيام فإنه يفتقر إلى حصول نسبة الأجزاء ونسبة لها إلى الأمور الخارجية مثل كون رأس القائم من فوق ورجلاه من أسفل ولو لا هذه النسبة لكان الانتكاس قياما وإلى هذا أشار بقوله باعتبار نسبتين أي باعتبار نسبة الأجزاء بعضها إلى بعض وباعتبار نسبة الأجزاء إلى الأمور الخارجية.

قال : وفيه تضاد وشدة وضعف.

أقول : قد يقع في الوضع تضاد كالقيام والانتكاس فإنهما هيئتان وجوديتان بينهما غاية الخلاف متعاقبتان على موضوع واحد فيكونان متضادين وقد يقع فيه أيضا شدة وضعف فإن الانتصاب والانتكاس قد يقبلان الشدة والضعف.

المسألة الثامنة

في الملك

قال : السابع الملك وهو نسبة التملك.

أقول : قال أبو علي إن مقولة الملك لم أحصلها إلى الآن ويشبه أن تكون عبارة عن نسبة الجسم إلى حاو له أو لبعض أجزائه كالتسلح والتختم فمنه ذاتي كحال الهرة عند إهابها ، ومنه عرضي كبدن الإنسان عند قميصه وأما المصنف ـ رحمه‌الله ـ فإنه حصل هذه المقولة وبين أنها عبارة عن نسبة التملك قال ـ رحمه‌الله ـ ولخفائها عبر المتقدمون عنها بعبارات مختلفة كالجدة والملك وله.

المسألة التاسعة

في مقولتي الفعل والانفعال

قال : الثامن والتاسع أن يفعل وأن ينفعل.

أقول : هاتان مقولتان ذهب الأوائل إلى أنهما ثابتان عينا وهما عبارة عن تأثير الشيء في غيره وتأثره عنه ما دام التأثير والتأثر موجودين ، وإذا انقطعا قيل لهما فعل وانفعال فإن الجسم ما دام في الاحتراق قيل له هو ذا يحترق فإذا انقطع احتراقه واستقر أطلق عليه لفظة المصدر.

قال : والحق ثبوتها ذهنا وإلا لزم التسلسل.

أقول : المصنف ـ رحمه‌الله ـ ذهب هنا إلى ما ذهب إليه المتكلمون وخالف الأوائل في ذلك وجعل هاتين المقولتين أمرين ذهنيين لا ثبوت لهما عينا وإلا لزم التسلسل. ووجه اللزوم أن ثبوتهما يستدعي علة مؤثرة فيهما فتلك العلة نسبة التأثير إليهما ولهما نسبة التأثر عنها وذلك يستدعي ثبوت نسبتين أخريين وهكذا إلى ما لا يتناهى.

المقصد الثالث في :

إثبات الصانع تعالى وصفاته وآثاره

وفيه

فصول : الأول في وجوده تعالى

قال :

المقصد الثالث في إثبات الصانع تعالى وصفاته وآثاره وفيه فصول :

الأول في وجوده تعالى الموجود إن كان واجبا وإلا استلزمه لاستحالة الدور والتسلسل.

أقول : يريد إثبات واجب الوجود تعالى وبيان صفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز وبيان أفعاله وآثاره وابتدأ بإثبات وجوده لأنه الأصل في ذلك كله والدليل على وجوده أن نقول هنا موجود بالضرورة فإن كان واجبا فهو المطلوب ، وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثر موجود بالضرورة فذلك المؤثر إن كان واجبا فالمطلوب ، وإن كان ممكنا افتقر إلى مؤثر موجود فإن كان واجبا فالمطلوب وإن كان ممكنا تسلسل أو دار وقد تقدم بطلانهما وهذا برهان قاطع أشير إليه في الكتاب العزيز بقوله(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وهو استدلال لمي.

والمتكلمون سلكوا طريقا آخر فقالوا العالم حادث فلا بد له من محدث فلو كان محدثا تسلسل أو دار وإن كان قديما ثبت المطلوب لأن القدم يستلزم الوجوب وهذه الطريقة إنما تتمشى بالطريقة الأولى فلهذا اختارها المصنف ـ رحمه‌الله ـ على هذه.

الفصل الثاني

في صفاته تعالى وفيه مسائل

المسألة الأولى :

في أنه تعالى قادر

قال : الثاني في صفاته ـ وجود العالم بعد عدمه ينفي الإيجاب.

أقول : لما فرغ من البحث عن الدلالة على وجود الصانع تعالى شرع في الاستدلال على صفاته تعالى وابتدأ بالقدرة والدليل على أنه تعالى قادر أنا قد بينا أن العالم حادث فالمؤثر فيه إن كان موجبا لزم حدوثه أو قدم ما فرضناه حادثا أعني العالم والتالي بقسميه باطل بيان الملازمة أن المؤثر الموجب يستحيل تخلف أثره عنه وذلك يستلزم إما قدم العالم وقد فرضناه حادثا أو حدوث المؤثر ويلزم التسلسل فظهر أن المؤثر للعالم قادر مختار.

قال : والواسطة غير معقولة.

أقول : لما فرغ من الاستدلال على مطلوبه شرع في أنواع من الاعتراضات للخصم مع وجه المخلص منها وتقرير هذا السؤال أن يقال دليلكم يدل على أن مؤثر العالم مختار وليس يدل على أن الواجب مختار بل جاز أن يكون الواجب تعالى موجبا لذاته معلولا يؤثر في العالم على سبيل الاختيار وتقرير الجواب أن هذه الواسطة غير معقولة لأنا قد بينا حدوث العالم بجملته وأجزائه والمعني بالعالم كل موجود سوى الله تعالى وثبوت واسطة بين ذات الله تعالى وبين ما سواه غير معقول.

قال : ويمكن عروض الوجوب والإمكان للأثر باعتبارين.

أقول : هذا جواب عن سؤال آخر وتقريره أن المؤثر إما أن يستجمع جميع جهات

المؤثرية أو لا فإن كان الأول كان وجود الأثر عنه واجبا وإلا لافتقر ترجيحه إلى مرجح زائد فلا تكون الجهات بأسرها موجودة هذا خلف ، أو لزم الترجيح من غير مرجح وهو باطل بالضرورة ، وإن لم يكن مستجمعا لجميع الجهات استحال صدور الأثر عنه وحينئذ لا يمكن تحقق القادر لأنه على تقدير حصول جميع الجهات يمتنع الترك ، وعلى تقدير انتفاء بعضها يمتنع الفعل فلا تتحقق المكنة من الطرفين.

وتقرير الجواب أن الأثر تعرض له نسبتا الوجوب والإمكان باعتبارين فلا يتحقق الموجب ولا يلزم الترجيح من غير مرجح وبيانه أن فرض استجماع المؤثر جميع ما لا بد منه في المؤثرية هو بأن يكون المؤثر المختار مأخوذا مع قدرته التي يستوي طرفا الوجود والعدم بالنسبة إليها ومع داعيه الذي يرجح أحد طرفيه وحينئذ يجب الفعل بعدهما نظرا إلى وجود الداعي والقدرة ولا تنافي بين هذا الوجوب وبين الإمكان نظرا إلى مجرد القدرة والاختيار وهذا كما إذا فرضنا وقوع الفعل من المختار فإنه يصير واجبا من جهة فرض الوقوع ولا ينافي الاختيار وبهذا التحقيق يندفع جميع المحاذير اللازمة لأكثر المتكلمين في قولهم القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر لا لمرجح.

قال : واجتماع القدرة على المستقبل مع العدم.

أقول : هذا جواب عن سؤال آخر وتقريره أن نقول الأثر إما حاصل في الحال فواجب فلا يكون مقدورا ، أو معدوم فممتنع فلا قدرة.

وتقرير الجواب أن الأثر معدوم حال حصول القدرة ولا نقول إن القدرة حال عدم الأثر تفعل الوجود في تلك الحال بل في المستقبل فيمكن اجتماع القدرة على الوجود في المستقبل مع العدم في الحال. لا يقال الوجود في الاستقبال غير ممكن في الحال لأنه مشروط بالاستقبال الممتنع في الحال وإذا كان كذلك فلا قدرة عليه في الحال وعند حصول الاستقبال يعود الكلام ، لأنا نقول القدرة لا تتعلق بالوجود في الاستقبال في الحال بل في الاستقبال.

قال : وانتفاء الفعل ليس فعل الضد.

أقول : هذا جواب عن سؤال آخر وتقريره أن القادر لا يتعلق فعله بالعدم فلا يتعلق فعله بالوجود أما بيان المقدمة الأولى فلأن الفعل يستدعي الوجود والامتياز وهما ممتنعان في حق المعدوم ، وأما الثانية فلأنكم قلتم القادر هو الذي يمكنه الفعل والترك وإذا انتفى إمكان الترك انتفى إمكان الفعل. وتقرير الجواب أن القادر هو الذي يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل وليس لا يفعل عبارة عن فعل الضد.

قال : وعمومية العلة تستلزم عمومية الصفة.

أقول : يريد بيان أنه تعالى قادر على كل مقدور وهو مذهب الأشاعرة وخالف أكثر الناس في ذلك فإن الفلاسفة قالوا إنه تعالى قادر على شيء واحد لأن الواحد لا يتعدد أثره وقد تقدم بطلان مقالتهم.

والمجوس ذهبوا إلى أن الخير من الله تعالى والشر من الشيطان لأن الله تعالى خير محض وفاعل الشر شرير.

والثنوية ذهبوا إلى أن الخير من النور والشر من الظلمة.

والنظام قال : إن الله تعالى لا يقدر على القبيح لأنه يدل على الجهل أو الحاجة.

وذهب البلخي إلى أن الله لا يقدر على مثل مقدور العبد لأنه إما طاعة أو سفه.

وذهب الجبائيان إلى أنه تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد وإلا لزم اجتماع الوجود والعدم على تقدير أن يريد الله إحداثه والعبد عدمه.

وهذه المقالات كلها باطلة لأن المقتضي لتعلق القدرة بالمقدور إنما هو الإمكان إذ مع الوجوب والامتناع لا تعلق والإمكان ثابت في الجميع فثبت الحكم وهو صحة التعلق وإلى هذا أشار المصنف ـ رحمه‌الله ـ بقوله عمومية العلة أي الإمكان تستلزم عمومية الصفة أعني القدرة على كل مقدور.

والجواب عن شبهة المجوس أن المراد من الخير والشرير إن كان من فعلهما فلم لا يجوز

إسنادهما إلى شيء واحد. وأيضا الخير والشر ليسا ذاتيين للشيء فجاز أن يكون الشيء خيرا بالقياس إلى شيء وشرا بالقياس إلى آخر وحينئذ يصح إسنادهما إلى ذات واحدة.

وعن شبهة النظام أن الإحالة حصلت بالنظر إلى الداعي فلا تنافي الإمكان الذاتي المقتضي لصحة تعلق القادر.

وعن شبهة البلخي أن الطاعة والعبث وصفان لا يقتضيان الاختلاف الذاتي.

وعن شبهة الجبائيين أن العدم إنما يحصل إذا لم يوجد داع لقادر آخر إلى إيجاده.

المسألة الثانية

في أنه تعالى عالم

قال : والأحكام والتجرد واستناد كل شيء إليه دلائل العلم.

أقول : لما فرغ من بيان كونه تعالى قادرا وكيفية قدرته شرع في بيان كونه تعالى عالما وكيفية علمه واستدل على كونه تعالى عالما بوجوه ثلاثة الأول منها للمتكلمين والأخيران للحكماء (الوجه الأول) أنه تعالى فعل الأفعال المحكمة وكل من كان كذلك فهو عالم (أما المقدمة الأولى) فحسية لأن العالم إما فلكي أو عنصري وآثار الحكمة والإتقان فيهما ظاهرة مشاهدة (وأما الثانية) فضرورية لأن الضرورة قاضية بأن غير العالم يستحيل منه وقوع الفعل المحكم المتقن مرة بعد أخرى (الوجه الثاني) أنه تعالى مجرد وكل مجرد عالم بذاته وبغيره أما الصغرى فإنها وإن كانت ظاهرة لكن بيانها يأتي فيما بعد عند الاستدلال على كونه تعالى ليس بجسم ولا جسماني وأما الكبرى فلأن كل مجرد فإن ذاته حاصلة لذاته لا لغيره وكل مجرد حصل له مجرد فإنه عاقل لذلك المجرد لأنا لا نعني بالتعقل إلا الحصول فإذن كل مجرد فإنه عاقل لذاته.

وأما إن كل مجرد عالم بغيره فلأن كل مجرد أمكن أن يكون معقولا وحده وكل ما يمكن أن يكون معقولا وحده أمكن أن يكون معقولا مع غيره وكل مجرد يعقل مع غيره فإنه عاقل لذلك الغير أما ثبوت المعقولية لكل مجرد فظاهر لأن المانع من التعقل إنما هو المادة لا

غير. وأما صحة التقارن في المعقولية فلأن كل معقول فإنه لا ينفك عن الأمور العامة ، وأما وجوب العاقلية حينئذ فلأن إمكان مقارنة المجرد للغير لا يتوقف على الحضور في العقل لأنه نوع من المقارنة فيتوقف إمكان الشيء على ثبوته فعلا وهو باطل وإمكان المقارنة هو إمكان التعقل وفي هذا الوجه أبحاث مذكورة في كتبنا العقلية.

(الوجه الثالث) أن كل موجود سواه ممكن على ما يأتي في باب الوحدانية وكل ممكن فإنه مستند إلى الواجب إما ابتداء أو بوسائط على ما تقدم وقد سلف أن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول والله تعالى عالم بذاته على ما تقدم فهو عالم بغيره.

قال : والأخير عام.

أقول : الوجه الأخير من الأدلة الثلاثة الدالة على كونه تعالى عالما يدل على عمومية علمه بكل معلوم وتقريره أن كل موجود سواه ممكن وكل ممكن مستند إليه فيكون عالما به سواء كان جزئيا أو كليا وسواء كان موجودا قائما بذاته أو عرضا قائما بغيره وسواء كان موجودا في الأعيان أو متعقلا في الأذهان لأن وجود الصورة في الذهن من الممكنات أيضا فيستند إليه ، وسواء كانت الصورة الذهنية صورة أمر وجودي أو عدمي ممكن أو ممتنع فلا يعزب عن علمه شيء من الممكنات ولا من الممتنعات وهذا برهان شريف قاطع.

قال : والتغاير اعتباري.

أقول : لما فرغ من الاستدلال على كونه تعالى عالما بكل معلوم شرع في الجواب عن الاعتراضات الواردة عن المخالفين وابتدأ باعتراض من نفى علمه تعالى بذاته ولم يذكر الاعتراض صريحا بل أجاب عنه وحذفه للعلم به وتقرير الاعتراض أن نقول العلم إضافة بين العالم والمعلوم أو مستلزم للإضافة وعلى كلا التقديرين فلا بد من المغايرة بين العالم والمعلوم ولا مغايرة في علمه بذاته.

والجواب أن المغايرة قد تكون بالذات وقد تكون بنوع من الاعتبار وهاهنا ذاته تعالى من حيث إنها عالمة مغايرة لها من حيث إنها معلومة وذلك كاف في تعلق العلم.

قال : ولا يستدعي العلم صورا مغايرة للمعلومات عنده لأن نسبة الحصول إليه أشد من نسبة الصور المعقولة لنا.

أقول : هذا جواب عن اعتراض آخر أورده من نفى علم الله تعالى بالماهيات المغايرة له وتقرير الاعتراض أن العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم فلو كان الله تعالى عالما بغيره من الماهيات لزم حصول صور تلك المعلومات في ذاته تعالى وذلك يستلزم تكثره تعالى ، وكونه قابلا وفاعلا ومحلا لآثاره ، وأنه تعالى لا يوجد شيئا مما يباين ذاته بل بتوسط الأمور الحالة فيه وكل ذلك باطل.

وتقرير الجواب أن العلم لا يستدعي صورا مغايرة للمعلومات عنده تعالى لأن العلم هو الحصول عند المجرد على ما تقدم ولا ريب في أن الأشياء كلها حاصلة له لأنه مؤثرها وموجدها وحصول الأثر للمؤثر أشد من حصول المقبول لقابله مع أن الثاني لا يستدعي حصول صورة مغايرة لذات الحاصل فإنا إذا عقلنا ذواتنا لم نفتقر إلى صورة مغايرة لذواتنا ثم إذا أدركنا شيئا ما بصورة تحصل في أذهاننا فإنا ندرك تلك الصورة الحاصلة في الذهن بذاتها لا باعتبار صورة أخرى وإلا لزم تضاعف الصور مع أن تلك الصورة حاصلة لذاتنا لا بانفرادها بل بمشاركة من المعقولات فحصول العلم بالموجودات لواجب الوجود الذي تحصل له الأشياء من ذاته بانفراده من غير افتقار إلى صور لها أولى ، ولما كانت ذاته سببا لكل موجود وعلمه بذاته علة لعلمه بآثاره وكانت ذاته وعلمه بذاته العلتان ، متغايرتين بالاعتبار متحدتين بالذات فكذا معلوله والعلم به متحدان بالذات متغايران بنوع من الاعتبار وهذا بحث شريف أشار إليه صاحب التحصيل وبسطه المصنف ـ رحمه‌الله ـ في شرح الإشارات وبهذا التحقيق يندفع جميع المحالات لأنها لزمت باعتبار حصول صور في ذاته تعالى عن ذلك.

قال : وتغير الإضافات ممكن.

أقول : هذا جواب عن اعتراض الحكماء القائلين بنفي علمه تعالى بالجزئيات الزمانية

وتقرير الاعتراض أن العلم يجب تغيره عند تغير المعلوم وإلا لانتفت المطابقة لكن الجزئيات الزمانية متغيرة فلو كانت معلومة لله تعالى لزم تغير علمه تعالى والتغير في علم الله تعالى محال.

وتقرير الجواب أن التغير هنا إنما هو في الإضافات لا في الذات ولا في الصفات الحقيقية كالقدرة التي تتغير نسبتها وإضافتها إلى المقدور عند عدمه وإن لم تتغير في نفسها وتغير الإضافات جائز لأنها أمور اعتبارية لا تحقق لها في الخارج.

قال : ويمكن اجتماع الوجوب والإمكان باعتبارين.

أقول : هذا جواب عن احتجاج من نفى علمه تعالى بالمتجددات قبل وجودها وتقرير كلامهم أن العلم لو تعلق بالمتجدد قبل تجدده لزم وجوبه وإلا لجاز أن لا يوجد فينقلب علمه تعالى جهلا وهو محال.

والجواب إن أردتم بوجوب ما علمه تعالى أنه واجب الصدور عن العلم فهو باطل لأنه تعالى يعلم ذاته ويعلم المعدومات وإن أردتم وجوب المطابقة لعلمه فهو صحيح لكن ذلك وجوب لاحق لا سابق فلا ينافي الإمكان الذاتي وإلى هذا أشار بقوله ويمكن اجتماع الوجوب والإمكان باعتبارين.

المسألة الثالثة

في أنه تعالى حي

قال : وكل قادر عالم حي بالضرورة.

أقول : اتفق الناس على أنه تعالى حي واختلفوا في تفسيره فقال قوم إنه عبارة عن كونه تعالى لا يستحيل أن يقدر ويعلم. وقال آخرون إنه من كان على صفة لأجله عليها يجب أن يعلم ويقدر. والتحقيق أن صفاته تعالى إن قلنا بزيادتها على ذاته فالحياة صفة ثبوتية زائدة على الذات وإلا فالمرجع بها إلى صفة سلبية وهو الحق وقد بينا أنه تعالى قادر

عالم فيكون بالضرورة حيا لأن ثبوت الصفة فرع عدم استحالتها.

المسألة الرابعة

في أنه تعالى مريد

قال : وتخصيص بعض الممكنات بالإيجاد في وقت يدل على إرادته تعالى.

أقول : اتفق المسلمون على أنه تعالى مريد لكنهم اختلفوا في معناه فأبو الحسين جعله نفس الداعي على معنى أن علمه تعالى بما في الفعل من المصلحة الداعية إلى الإيجاد هو المخصص والإرادة وقال النجار إنه سلبي وهو كونه تعالى غير مغلوب ولا مستكره وعن الكعبي أنه راجع إلى أنه عالم بأفعال نفسه وآمر بأفعال غيره وذهبت الأشعرية والجبائيان إلى أنه صفة زائدة على العلم.

والدليل على ثبوت الصفة مطلقا أن الله تعالى أوجد بعض الممكنات دون بعض مع تساوي نسبتها إلى القدرة فلا بد من مخصص غير القدرة التي شأنها الإيجاد مع تساوي نسبتها إلى الجميع ، وغير العلم التابع للمعلوم وذلك المخصص هو الإرادة. وأيضا بعض الممكنات يخصص بالإيجاد في وقت دون ما قبله وبعده مع التساوي فلا بد من مرجح غير القدرة والعلم.

قال : وليست زائدة على الداعي وإلا لزم التسلسل أو تعدد القدماء.

أقول : اختلف الناس هنا فذهبت الأشعرية إلى إثبات أمر زائد على ذاته قديم هو الإرادة والمعتزلة اختلفوا فقال أبو الحسين إنها نفس الداعي وهو الذي اختاره المصنف وقال أبو علي وأبو هاشم إن إرادته حادثة لا في محل وقالت الكرامية إن إرادته حادثة في ذاته والدليل على ما اختاره المصنف أن إرادته لو كانت قديمة لزم تعدد القدماء والتالي باطل فالمقدم مثله ولو كانت حادثة إما في ذاته أو لا في محل لزم التسلسل لأن حدوث الإرادة في وقت دون آخر يستلزم ثبوت إرادة مخصصة والكلام فيها كالكلام هنا.

المسألة الخامسة

في أنه تعالى سميع بصير

قال : والنقل دل على اتصافه بالإدراك والعقل على استحالة الآلات.

أقول : اتفق المسلمون كافة على أنه تعالى مدرك واختلفوا في معناه فالذي ذهب إليه أبو الحسين أن معناه علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات وأثبت الأشعرية وجماعة من المعتزلة صفة زائدة على العلم.

والدليل على ثبوت كونه تعالى سميعا بصيرا السمع فإن القرآن قد دل عليه وإجماع المسلمين على ذلك إذا عرفت هذا فنقول السمع والبصر في حقنا إنما يكون بآلات جسمانية وكذا غيرهما من الإدراكات وهذا الشرط ممتنع في حقه تعالى بالعقل فإما أن يرجع بالسمع والبصر إلى ما ذهب إليه أبو الحسين وإما إلى صفة زائدة غير مفتقرة إلى الآلات في حقه تعالى.

المسألة السادسة

في أنه تعالى متكلم

قال : وعمومية قدرته تدل على ثبوت الكلام والنفساني غير معقول.

أقول : ذهب المسلمون كافة إلى أنه تعالى متكلم واختلفوا في معناه فعند المعتزلة أنه تعالى أوجد حروفا وأصواتا في أجسام جمادية دالة على المراد وقالت الأشاعرة أنه متكلم بمعنى أنه قام بذاته معنى غير العلم والإرادة وغيرهما من الصفات تدل عليها العبارات وهو الكلام النفساني وهو عندهم معنى واحد ليس بأمر ولا نهي ولا خبر ولا غير ذلك من أساليب الكلام والمصنف ـ رحمه‌الله ـ حينئذ استدل على ثبوت الكلام بالمعنى الأول بما تقدم من كونه تعالى قادرا على كل مقدور لا شك في إمكان خلق أصوات في أجسام تدل

على المراد وقد اتفقت المعتزلة والأشاعرة على إمكان هذا لكن الأشاعرة أثبتوا معنى آخر والمعتزلة نفوا هذا المعنى لأنه غير معقول إذ لا يعقل ثبوت معنى غير العلم ليس بأمر ولا نهي ولا خبر ولا استخبار وهو قديم والتصديق موقوف على التصور.

قال : وانتفاء القبح عنه تعالى يدل على صدقه.

أقول : لما أثبت كونه تعالى متكلما وبين معناه شرع في بيان كونه تعالى صادقا ، وقد اتفق المسلمون عليه لكن لا يتمشى على أصول الأشاعرة أما المعتزلة فهذا المطلب عندهم ظاهر الثبوت لأن الكذب قبيح بالضرورة ، والله تعالى منزه عن القبائح لأنه تعالى حكيم على ما يأتي فلا يصدر الكذب عنه تعالى.

المسألة السابعة

في أنه تعالى باق

قال : ووجوب الوجود يدل على سرمديته ونفي الزائد.

أقول : اتفق المثبتون للصانع تعالى على أنه باق أبدا واختلفوا فذهب الأشعري إلى أنه باق ببقاء يقوم به وذهب آخرون إلى أنه باق لذاته وهو الحق الذي اختاره المصنف والدليل على أنه باق ما تقدم من بيان وجوب وجوده لذاته وواجب الوجود لذاته يستحيل عليه العدم وإلا لكان ممكنا. والاعتراض الذي يورد هنا وهو أنه يجوز أن يكون واجبا لذاته في وقت وممتنعا في وقت آخر يدل على سوء فهم مورده لأن ماهيته حينئذ بالنظر إليها مجردة عن الوقتين تكون قابلة لصفتي الوجود والعدم ولا نعني بالممكن سوى ذلك (واعلم) أن هذا الدليل كما يدل على وجوب البقاء يدل على انتفاء المعنى الذي أثبته أبو الحسن الأشعري لأن وجوب الوجود يقتضي الاستغناء عن الغير فلو كان باقيا بالبقاء كان محتاجا إليه فيكون ممكنا هذا خلف.

المسألة الثامنة

في أنه تعالى واحد

قال : والشريك

أقول : هذا عطف على الزائد أي ووجوب الوجود يدل على نفي الزائد ونفي الشريك (واعلم) أن أكثر العقلاء اتفقوا على أنه تعالى واحد والدليل على ذلك العقل والنقل إما العقل فما تقدم من وجوب وجوده تعالى فإنه يدل على وحدته لأنه لو كان هناك واجب وجود آخر لتشاركا في مفهوم كون كل واحد منهما واجب الوجود فإما أن يتميزا أو لا والثاني يستلزم المطلوب وهو انتفاء الشركة والأول يستلزم التركيب وهو باطل وإلا لكان كل واحد منهما ممكنا وقد فرضناه واجبا هذا خلف وأما النقل فظاهر.

المسألة التاسعة

في أنه تعالى مخالف لغيره من الماهيات

قال : والمثل.

أقول : هذا عطف على الزائد أيضا أي ووجوب الوجود يدل على نفي الزائد ونفي الشريك ونفي المثل وهذا مذهب أكثر العقلاء وخالف فيه أبو هاشم فإنه جعل ذاته مساوية لغيرها من الذوات وإنما تخالفها بحالة توجب أحوالا أربعة وهي الحيية والعالمية والقادرية والموجودية وتلك الحالة هي صفة إلهية وهذا المذهب لا شك في بطلانه فإن الأشياء المتساوية تتشارك في لوازمها فلو كانت الذوات متساوية جاز انقلاب القديم محدثا وبالعكس وذلك باطل بالضرورة.

المسألة العاشرة

في أنه تعالى غير مركب

قال : والتركيب بمعانيه.

أقول : هذا عطف على الزائد بمعنى أن وجوب الوجود يقتضي نفي التركيب أيضا والدليل على ذلك أن كل مركب فإنه مفتقر إلى أجزائه لتأخره وتعليله بها وكل جزء من المركب فإنه مغاير له وكل مفتقر إلى الغير ممكن فلو كان الواجب تعالى مركبا كان ممكنا هذا خلف فوجوب الوجود يقتضي نفي التركيب.

واعلم أن التركيب قد يكون عقليا وهو التركيب من الجنس والفصل ، وقد يكون خارجيا كتركيب الجسم من المادة والصورة وتركيب المقادير من غيرها والجميع منفي عن الواجب تعالى لاشتراك المركبات في افتقارها إلى الأجزاء فلا جنس له ولا فصل له ولا غيرهما من الأجزاء العقلية والحسية.

المسألة الحادية عشرة

في أنه تعالى لا ضد له

قال : والضد.

أقول : هذا عطف على الزائد أيضا فإن وجوب الوجود يقتضي نفي الضد لأن الضد يقال بحسب المشهور على ما يتعاقب غيره من الذوات على المحل أو الموضوع مع التنافي بينهما وواجب الوجود يستحيل عليه الحلول فلا ضد له بهذا المعنى ، ويطلق أيضا على مساو في القوة ممانع وقد بينا أنه تعالى لا مثل له فلا مشارك له تعالى في القوة.

المسألة الثانية عشرة

في أنه تعالى ليس بمتحيز

قال : والتحيز.

أقول : هذا عطف على الزائد أيضا فإن وجوب الوجود يقتضي نفي التحيز عنه تعالى وهذا حكم متفق عليه بين أكثر العقلاء وخالف فيه المجسمة والدليل على ذلك أنه لو كان متحيزا لم ينفك عن الأكوان الحادثة وكل ما لا ينفك عن الحادث فهو حادث وقد سبق تقرير ذلك وكل حادث ممكن فلا يكون واجبا هذا خلف ويلزم من نفي التحيز نفي الجسمية.

المسألة الثالثة عشرة

في أنه تعالى ليس بحال في غيره

قال : والحلول.

أقول : هذا عطف على الزائد فإن وجوب الوجود يقتضي كونه تعالى ليس حالا في غيره وهذا حكم متفق عليه بين أكثر العقلاء وخالف فيه بعض النصارى القائلين بأنه حل في المسيح وبعض الصوفية القائلين بأنه حال في أبدان العارفين وهذا المذاهب لا شك في سخافته لأن المعقول من الحلول قيام موجود بموجود آخر على سبيل التبعية بشرط امتناع قيامه بذاته وهذا المعنى منتف في حقه تعالى لاستلزامه الحاجة المستلزمة للإمكان.

المسألة الرابعة عشرة

في نفي الاتحاد عنه تعالى

قال : والاتحاد.

أقول : هذا عطف على الزائد فإن وجوب الوجود ينافي الاتحاد لأنا قد بينا أن وجوب

الوجود يستلزم الوحدة فلو اتحد بغيره لكان ذلك الغير ممكنا فيكون الحكم الصادق على الممكن صادقا على المتحد به فيكون الواجب ممكنا وأيضا فلو اتحد بغيره لكانا بعد الاتحاد إما أن يكونا موجودين كما كانا فلا اتحاد وإن عدما أو عدم أحدهما فلا اتحاد أيضا ويلزم عدم الواجب فيكون ممكنا هذا خلف.

المسألة الخامسة عشرة

في نفي الجهة عنه تعالى

قال : والجهة.

أقول : هذا حكم من الأحكام اللازمة لوجوب الوجود وهو معطوف على الزائد وقد نازع فيه جميع المجسمة فإنهم ذهبوا إلى أنه تعالى جسم في جهة وأصحاب أبي عبد الله بن كرام اختلفوا فقال محمد بن الهيثم إنه تعالى في جهة فوق العرض لا نهاية لها والبعد بينه وبين العرش أيضا غير متناه وقال بعضهم البعد متناه وقال قوم منهم إنه تعالى على العرش كما تقوله المجسمة وهذه المذاهب كلها فاسدة لأن كل ذي جهة فهو مشار إليه ومحل للأكوان الحادثة فيكون حادثا فلا يكون واجبا.

المسألة السادسة عشرة

في أنه تعالى ليس محلا للحوادث

قال : وحلول الحوادث فيه.

أقول : وجوب الوجود ينافي حلول الحوادث في ذاته تعالى وهو معطوف على الزائد وقد خالف فيه الكرامية والدليل على الامتناع أن حدوث الحوادث فيه تعالى يدل على تغيره وانفعاله في ذاته وذلك ينافي الوجوب وأيضا فإن المقتضي للحادث إن كان ذاته كان أزليا وإن كان غيره كان الواجب مفتقرا إلى الغير وهو محال ولأنه إن كان صفة كمال

استحال خلو الذات عنه وإن لم يكن استحال اتصاف الذات به.

المسألة السابعة عشرة

في أنه تعالى غني

قال : والحاجة.

أقول : وجوب الوجود ينافي الحاجة وهو معطوف على الزائد وهذا الحكم ظاهر فإن وجوب الوجود يستدعي الاستغناء عن الغير في كل شيء فهو ينافي الحاجة ولأنه لو افتقر إلى غيره لزم الدور لأن ذلك الغير محتاج إليه لإمكانه (لا يقال) الدور غير لازم لأن الواجب مستغن في ذاته وبعض صفاته عن ذلك الغير وبهذا الوجه يؤثر في ذلك الغير فإذا احتاج في جهة أخرى إلى ذلك الغير انتفى الدور (لأنا نقول) هذا بناء على أن صفاته تعالى زائدة على الذات وهو باطل لما سيأتي وأيضا فالدور لا يندفع لأن ذلك الممكن بالجهة التي يؤثر في الواجب تعالى صفة يكون محتاجا إليه وحينئذ يلزم الدور المحال ولأن افتقاره في ذاته يستلزم إمكانه وكذا في صفاته لأن ذاته موقوفة على وجود تلك الصفة أو عدمها المتوقفين على الغير فيكون متوقفا على الغير فيكون ممكنا وهذا برهان عول عليه الشيخ ابن سينا.

المسألة الثامنة عشرة

في استحالة الألم واللذة عليه تعالى

قال : والألم مطلقا واللذة المزاجية.

أقول : هذا أيضا عطف على الزائد فإن وجوب الوجود يستلزم نفي اللذة والألم.

واعلم أن اللذة والألم قد يكونان من توابع المزاج فإن اللذة من توابع اعتدال المزاج والألم من توابع سوء المزاج وهذان المعنيان إنما يصحان في حق الأجسام وقد ثبت بوجوب الوجود أنه تعالى يستحيل أن يكون جسما فينتفيان عنه. وقد يعنى بالألم إدراك المنافي

وباللذة إدراك الملائم فالألم بهذا المعنى منفي عنه لأن واجب الوجود لا منافي له وأما اللذة بهذا المعنى فقد اتفق الأوائل على ثبوتها لله تعالى لأنه مدرك لأكمل الموجودات أعني ذاته فيكون ملتذا به والمصنف ـ رحمه‌الله ـ كأنه قد ارتضى هذا القول وهو مذهب ابن نوبخت وغيره من المتكلمين إلا أن إطلاق الملتذ عليه يستدعي الإذن الشرعي.

المسألة التاسعة عشرة في نفي المعاني والأحوال والصفات

الزائدة في الأعيان

قال : والمعاني والأحوال والصفات الزائدة عينا.

أقول : ذهبت الأشاعرة إلى أن لله تعالى معاني قائمة بذاته هي القدرة والعلم وغيرهما من الصفات تقتضي القادرية والعالمية والحيية إلى غيرها من باقي الصفات. وأبو هاشم أثبت أحوالا غير معلومة لكن تعلم الذات عليها. وجماعة من المعتزلة أثبتوا لله تعالى صفات زائدة على الذات وهذه المذاهب كلها ضعيفة لأن وجوب الوجود يقتضي نفي هذه الأمور عنه لأنه تعالى يستحيل أن يتصف بصفة زائدة على ذاته سواء جعلناها معنى أو حالا أو صفة غيرهما لأن وجوب الوجود يقتضي الاستغناء عن كل شيء فلا يفتقر في كونه قادرا إلى صفة القدرة ولا في كونه عالما إلى صفة العلم ولا غير ذلك من المعاني والأحوال وإنما قيد الصفات بالزائدة عينا لأنه تعالى موصوف بصفات الكمال لكن تلك الصفات نفس الذات في الحقيقة وإن كانت مغايرة لها بالاعتبار.

المسألة العشرون

في أنه تعالى ليس بمرئي

قال : والرؤية.

أقول : وجوب الوجود يقتضي نفي الرؤية أيضا (واعلم) أن أكثر العقلاء ذهبوا إلى

امتناع رؤيته تعالى والمجسمة جوزوا رؤيته لاعتقادهم أنه تعالى جسم ولو اعتقدوا تجرده لم تجز رؤيته عندهم والأشاعرة خالفوا العقلاء كافة هنا وزعموا أنه تعالى مع تجرده تصح رؤيته والدليل على امتناع الرؤية أن وجوب وجوده يقتضي تجرده ونفي الجهة والحيز عنه فينتفي الرؤية عنه بالضرورة لأن كل مرئي فهو في جهة يشار إليه بأنه هنا أو هناك ويكون مقابلا أو في حكم المقابل ولما انتفى هذا المعنى عنه تعالى انتفت الرؤية.

قال : وسؤال موسى لقومه.

أقول : لما استدل على نفي الرؤية شرع في الجواب عن احتجاج الأشاعرة وقد احتجوا بوجوه أجاب المصنف عنها الأول أن موسى عليه‌السلام سأل الرؤية ولو كانت ممتنعة لم يصح منه السؤال.

والجواب أن السؤال كان من موسى عليه‌السلام لقومه ليبين لهم امتناع الرؤية لقوله تعالى(لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) ، وقوله(أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا).

قال : والنظر لا يدل على الرؤية مع قبوله التأويل.

أقول : تقرير الوجه الثاني لهم أنه تعالى حكى عن أهل الجنة النظر إليه فقال(إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) والنظر المقرون بحرف إلى يفيد الرؤية لأنه حقيقة في تقليب الحدقة نحو المطلوب التماسا لرؤيته وهذا متعذر في حقه تعالى لانتفاء الجهة عنه فبقي المراد منه مجازه وهو الرؤية التي هي معلول النظر الحقيقي واستعمال لفظ السبب في المسبب من أحسن وجوه المجاز.

والجواب المنع من إرادة هذا المجاز فإن النظر وإن اقترن به حرف إلى لا يفيد الرؤية ولهذا يقال نظرت إلى الهلال فلم أره وإذا لم يتعين هذا المعنى للإرادة أمكن حمل الآية على غيره وهو أن يقال إن إلى واحد الآلاء ويكون معنى ناظرة أي منتظرة. أو نقول إن المضاف هنا محذوف وتقديره إلى ثواب ربها (لا يقال) الانتظار سبب الغم والآية سيقت

لبيان النعم (لأنا نقول) سياق الآية يدل على تقدم حال لأهل الثواب والعقاب على استقرارهم في الجنة والنار بقوله(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) بدليل قوله تعالى(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) فإن في حال استقرار أهل النار في النار قد فعل لها فاقرة فلا يبقى للظن معنى وإذا كان كذلك فانتظار النعمة بعد البشارة بها لا يكون سببا للغم بل سببا للفرح والسرور ونضارة الوجه كمن يعلم وصول نفع إليه يقينا في وقت فإنه يسر بذلك وإن لم يحضر الوقت كما أن انتظار العقاب بعد الإنذار بوروده يوجب الغم ويقتضي بسارة الوجه.

قال : وتعليق الرؤية على استقرار الجبل المتحرك لا يدل على الإمكان.

أقول : هذا جواب عن الوجه الثالث للأشعرية وتقرير احتجاجهم أن الله سبحانه وتعالى علق الرؤية في سؤال موسى عليه‌السلام على استقرار الجبل والاستقرار ممكن لأن كل جسم فسكونه ممكن والمعلق على الممكن ممكن. والجواب أنه تعالى علق الرؤية على الاستقرار لا مطلقا بل على استقرار الجبل حال حركته واستقرار الجبل حال الحركة محال فلا يدل على إمكان المعلق.

قال : واشتراك المعلولات لا يدل على اشتراك العلل مع منع التعليل والحصر.

أقول : هذا جواب عن شبهة الأشاعرة من طريق العقل استدلوا بها على جواز رؤيته تعالى وتقريرها أن الجسم والعرض قد اشتركا في صحة الرؤية وهذا حكم مشترك يستدعي علة مشتركة ولا مشترك بينهما إلا الحدوث أو الوجود ، والحدوث لا يصلح للعلية لأنه مركب من قيد عدمي فيكون عدميا فلم يبق إلا الوجود فكل موجود تصح رؤيته والله تعالى موجود.

وهذا الدليل ضعيف جدا لوجوه : الأول المنع من رؤية الجسم بل المرئي هو اللون والضوء لا غير. الثاني لا نسلم اشتراكهما في صحة الرؤية فإن رؤية الجوهر مخالفة لرؤية العرض. الثالث لا نسلم أن الصحة ثبوتية بل هي أمر عدمي لأن جنس صحة الرؤية

وهو الإمكان عدمي فلا يفتقر إلى العلة. الرابع لا نسلم أن المعلول المشترك يستدعي علة مشتركة فإنه يجوز اشتراك العلل المختلفة في المعلولات المتساوية. الخامس لا نسلم الحصر في الحدوث والوجود وعدم العلم لا يدل على العدم مع أنا نتبرع بذكر قسم آخر وهو الإمكان وجاز التعليل به وإن كان عدميا لأن صحة الرؤية عدمية. السادس لا نسلم أن الحدوث لا يصلح للعلية وقد بينا أن صحة الرؤية عدمية على أنا نمنع من كون الحدوث عدميا لأنه عبارة عن الوجود المسبوق بالغير لا المسبوق بالعدم. السابع لم لا يجوز أن تكون العلة هي الوجود بشرط الإمكان أو بشرط الحدوث والشروط يجوز أن تكون عدمية. الثامن المنع من كون الوجود مشتركا لأن وجود كل شيء نفس حقيقته ولو سلم كون الوجود الممكن مشتركا لكن وجود الله تعالى مخالف لغيره من الوجودات لأنه نفس حقيقته ولا يلزم من كون بعض الماهيات علة لشيء كون ما يخالفه علة لذلك الشيء. التاسع المنع من وجود الحكم عند وجود المقتضي فإنه جاز وجود مانع في حقه تعالى إما ذاته أو صفة من صفاته أو قبول الحكم يتوقف على شرط كالمقابلة هنا وهي تمتنع في حقه تعالى فلا يلزم وجود الحكم فيه.

المسألة الحادية والعشرون

في باقي الصفات

قال : وعلى ثبوت الجود.

أقول : هذا عطف على قوله على سرمديته أي أن وجوب الوجود يدل على سرمديته وعلى ثبوت الجود واعلم أن الجود هو إفادة ما ينبغي للمستفيد من غير استعاضة منه والله تعالى قد أفاد الوجود الذي ينبغي للممكنات من غير أن يستعيض منها شيئا من صفة حقيقية أو إضافية فهو جواد وجماعة الأوائل نفوا الغرض عن الجواد وهو باطل وسيأتي بيانه في باب العدل.

قال : والملك.

أقول : وجوب الوجود يدل على كونه تعالى ملكا لأنه غني عن الغير في ذاته وصفاته الحقيقية المطلقة والحقيقية المستلزمة للإضافة وكل شيء مفتقر إليه لأن كل ما عداه ممكن إنما يوجد بسببه وله ذات كل شيء لأنه مملوك له مفتقر إليه في تحقق ذاته فيكون ملكا لأن الملك هو المستجمع لهذه الصفات الثلاث.

قال : والتمام وفوقه.

أقول : وجوب الوجود يدل على كونه تعالى تاما وفوق التمام أما كونه تاما فلأنه واحد على ما سلف ، واجب من كل جهة يمتنع تغيره وانفعاله وتجدد شيء له فكل ما من شأنه أن يكون له فهو حاصل له بالفعل وأما كونه فوق التمام فلأن ما حصل لغيره من الكمالات فهو منه مستفاد.

قال : والحقية.

أقول : وجوب الوجود يدل على ثبوت الحقية له تعالى واعلم أن الحق يقال للثابت مطلقا والثابت دائما ويقال على حال القول والعقد بالنسبة إلى المقول والمعتقد إذا كان مطابقا وهو الصادق أيضا لكن باعتبار نسبة القول والعقد إليه والله تعالى واجب الثبوت والدوام غير قابل للعدم والبطلان فذاته أحق من كل حق وهو محقق كل حقيقة.

قال : والخيرية.

أقول : وجوب الوجود يدل على ثبوت وصف الخيرية لله تعالى لأن الخير عبارة عن الوجود والشر عبارة عن عدم كمال الشيء من حيث هو مستحق له وواجب الوجود يستحيل أن يعدم عنه شيء من الكمالات فلا يتطرق إليه الشر بوجه من الوجوه فهو خير محض.

قال : والحكمة.

أقول : وجوب الوجود يقتضي وصف الله تعالى بالحكمة لأن الحكمة قد يعنى بها معرفة الأشياء وقد يراد بها صدور الشيء على الوجه الأكمل ولا عرفان أكمل من عرفانه تعالى فهو حكيم بالمعنى الأول. وأيضا فإن أفعاله تعالى في غاية الإحكام والإتقان ونهاية الكمال فهو حكيم بالمعنى الثاني أيضا.

قال : والتجبر.

أقول : وجوب الوجود يقتضي وصفه تعالى بكونه جبارا لأن وجوب الوجود يقتضي استناد كل شيء إليه فهو يجبر ما بالقوة بالفعل والتكميل كالمادة بالصورة فهو جبار من حيث إنه واجب الوجود.

قال : والقهر.

أقول : وجوب الوجود يقتضي وصفه تعالى بكونه قهارا بمعنى أنه يقهر العدم بالوجود والتحصيل.

قال : والقيومية.

أقول : وصفه تعالى بكونه واجب الوجود يقتضي وصفه بكونه قيوما بمعنى أنه قائم بذاته ومقيم لغيره لأن وجوب الوجود يقتضي استغناءه عن غيره وهو معنى قيامه بذاته ويقتضي استناد غيره إليه وهو المعني بكونه مقيما لغيره.

قال : وأما اليد والوجه والقدم والرحمة والكرم والرضا والتكوين فراجعة إلى ما تقدم.

أقول : ذهب أبو الحسن الأشعري إلى أن اليد صفة وراء القدرة ، والوجه صفة مغايرة للوجود وذهب عبد الله بن سعيد إلى أن القدم صفة مغايرة للبقاء وأن الرحمة والكرم والرضا صفات مغايرة للإرادة وأثبت جماعة من الحنفية التكوين صفة مغايرة للقدرة والتحقيق أن هذه الصفات راجعة إلى ما تقدم.

الفصل الثالث

في أفعاله وفيه مسائل

المسألة الأولى

في إثبات الحسن والقبح العقليين

قال : الثالث في أفعاله ـ الفعل المتصف بالزائد إما حسن أو قبيح والحسن أربعة.

أقول : لما فرغ من إثباته تعالى وبيان صفاته شرع في بيان عدله وأنه تعالى حكيم لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب وما يتعلق بذلك من المسائل وبدأ بقسمة الفعل إلى الحسن والقبيح وبين أن الحسن والقبح أمران عقليان وهذا حكم متفق عليه بين المعتزلة. وأما الأشاعرة فإنهم ذهبوا إلى أن الحسن والقبح إنما يستفادان من الشرع فكل ما أمر الشارع به فهو حسن وكل ما نهى عنه فهو قبيح ولو لا الشرع لم يكن حسن ولا قبح ولو أمر الله تعالى بما نهى عنه لانقلب القبيح إلى الحسن والأوائل ذهبوا إلى أن من الأشياء ما هو حسن ومنها ما هو قبيح بالنظر إلى العقل العملي وقد شنع أبو الحسين على الأشاعرة بأشياء ردية وما شنع به فهو حق إذ لا تتمشى قواعد الإسلام بارتكاب ما ذهب إليه الأشعرية من تجويز القبائح عليه تعالى وتجويز إخلاله بالواجب وما أدري كيف يمكنهم الجمع بين المذهبين.

واعلم : أن الفعل من التصورات الضرورية وقد حده أبو الحسين بأنه ما حدث عن قادر مع أنه حد القادر بأنه الذي يصح أن يفعل وأن لا يفعل فلزمه الدور ، على أن الفعل أعم من الصادر عن قادر وغيره إذا عرفت هذا فالفعل الحادث إما أن لا يوصف بأمر زائد على حدوثه وهو مثل حركة الساهي والنائم وإما أن يوصف وهو قسمان حسن وقبيح فالحسن ما لا يتعلق بفعله ذم والقبيح بخلافه ، والحسن إما أن لا يكون له وصف زائد على حسنه وهو المباح ويرسم بأنه ما لا مدح فيه على الفعل والترك وإما أن يكون له وصف

زائد على حسنه فإما أن يستحق المدح بفعله والذم بتركه وهو الواجب أو يستحق المدح بفعله ولا يتعلق بتركه ذم وهو المندوب أو يستحق المدح بتركه ولا يتعلق بفعله ذم وهو المكروه فقد انقسم الحسن إلى الأحكام الأربعة الواجب والمندوب والمباح والمكروه ومع القبيح تبقى الأحكام الحسنة والقبيحة خمسة.

قال : وهما عقليان للعلم بحسن الإحسان وقبح الظلم من غير شرع.

أقول : استدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ على أن الحسن والقبح أمران عقليان بوجوه هذا أولها وتقريره أنا نعلم بالضرورة حسن بعض الأشياء وقبح بعضها من غير نظر إلى شرع فإن كل عاقل يجزم بحسن الإحسان ويمدح عليه ، وبقبح الإساءة والظلم ويذم عليه وهذا حكم ضروري لا يقبل الشك وليس مستفادا من الشرع لحكم البراهمة والملاحدة به من غير اعتراف منهم بالشرائع.

قال : ولانتفائهما مطلقا لو ثبتا شرعا.

أقول : هذا وجه ثان يدل على أن الحسن والقبح عقليان وتقريره أنهما لو ثبتا شرعا لم يثبتا لا شرعا ولا عقلا والتالي باطل إجماعا فالمقدم مثله بيان الشرطية أنا لو لم نعلم حسن بعض الأشياء وقبحها عقلا لم نحكم بقبح الكذب فجاز وقوعه من الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا فإذا أخبرنا في شيء أنه قبيح لم نجزم بقبحه وإذا أخبرنا في شيء أنه حسن لم نجزم بحسنه لتجويز الكذب ولجوزنا أن يأمرنا بالقبيح وأن ينهانا عن الحسن لانتفاء حكمته تعالى على هذا التقدير.

قال : ولجاز التعاكس.

أقول : الذي خطر لنا في تفسير هذا الكلام أنه لو لم يكن الحسن والقبح عقليين لجاز أن يقع التعاكس في الحسن والقبح بأن يكون ما نتوهمه حسنا قبيحا وبالعكس فكان يجوز أن يكون هناك أمم عظيمة تعتقد حسن مدح من أساء إليهم وذم من أحسن كما

حصل لنا اعتقاد عكس ذلك ولما علم كل عاقل بطلان ذلك جزمنا باستناد هذه الأحكام إلى القضايا العقلية لا الأوامر والنواهي الشرعية ولا العادات.

قال : ويجوز التفاوت في العلوم لتفاوت التصور.

أقول : لما استدل على مذهبه من إثبات الحسن والقبح العقليين شرع في الجواب عن شبهة الأشاعرة وقد احتجوا بوجوه : الأول لو كان العلم بقبح بعض الأشياء وحسنها ضروريا لما وقع التفاوت بينه وبين العلم لزيادة الكل على الجزء والتالي باطل بالوجدان فالمقدم مثله والشرطية ظاهرة لأن العلوم الضرورية لا تتفاوت (والجواب) المنع من الملازمة فإن العلوم الضرورية قد تتفاوت لوقوع التفاوت في التصورات. فقوله : ويجوز التفاوت في العلوم لتفاوت التصور إشارة إلى هذا الجواب.

قال : وارتكاب أقل القبيحين مع إمكان المخلص.

أقول : هذا يصلح أن يكون جوابا عن شبهتين للأشعرية : إحداهما قالوا لو كان الكذب قبيحا لكان الكذب المقتضي لتخليص النبي من يد ظالم قبيحا والتالي باطل لأنه يحسن تخليص النبي فالمقدم مثله. الثانية قالوا لو قال الإنسان لأكذبن غدا فإن حسن منه الصدق بإيفاء الوعد لزم حسن الكذب ، وإن قبح كان الصدق قبيحا فيحسن الكذب (والجواب) فيهما واحد وذلك لأن تخليص النبي راجح من الصدق فيكون تركه أقبح من الكذب فيجب ارتكاب أدنى القبيحين وهو الكذب لاشتماله على المصلحة العظيمة الراجحة على الصدق. وأيضا يجب عليه ترك الكذب في غد لأنه إذا كذب في الغد فعل شيئا فيه جهتا قبح وهو العزم على الكذب وفعله ، ووجها واحدا من وجوه الحسن وهو الصدق وإذا ترك الكذب يكون قد ترك تتمة العزم والكذب وهما وجها حسن ، وفعل وجها واحدا من وجوه القبح وهو الكذب. وأيضا قد يمكن التخلص عن الكذب في الصورة الأولى بأن يفعل التورية أو يأتي بصورة الإخبار الكذب من غير قصد إليه. ولأن جهة الحسن هي التخلص وهي غير منفكة عنه وجهة القبح هي الكذب وهي غير منفكة

عنه فما هو حسن لم ينقلب قبيحا وكذا ما هو قبيح لم ينقلب حسنا.

قال : والجبر باطل.

أقول : هذا جواب عن شبهة أخرى لهم وهي أنهم قالوا الجبر حق فينتفي الحسن والقبح العقليان والملازمة ظاهرة وبيان صدق المقدم ما يأتي والجواب الطعن في الصغرى وسيأتي البحث فيها.

المسألة الثانية

في أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب

قال : واستغناؤه وعلمه يدلان على انتفاء القبح عن أفعاله تعالى.

أقول : اختلف الناس هنا فقالت المعتزلة إنه تعالى لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب ونازع الأشعرية في ذلك وأسندوا القبائح إليه تعالى الله عن ذلك والدليل على ما اختاره المعتزلة أن له داعيا إلى فعل الحسن وليس له صارف عنه ، وله صارفا عن فعل القبيح وليس له داع إليه وهو قادر على كل مقدور ومع وجود القدرة والداعي يجب الفعل وإنما قلنا ذلك لأنه تعالى غني يستحيل عليه الحاجة وهو عالم بحسن الحسن وقبح القبيح ومن المعلوم بالضرورة أن العالم بالقبيح الغني عنه لا يصدر عنه وأن العالم بالحسن القادر عليه إذا خلا من جهات المفسدة فإنه يوجده وتحريره أن الفعل بالنظر إلى ذاته ممكن وواجب بالنظر إلى علته وكل ممكن مفتقر إلى قادر فإن علته إنما تتم بواسطة القدرة والداعي فإذا وجدا فقد تم السبب وعند تمام السبب يجب وجود الفعل. وأيضا لو جاز منه فعل القبيح أو الإخلال بالواجب لارتفع الوثوق بوعده ووعيده لإمكان تطرق الكذب عليه ولجاز منه إظهار المعجزة على يد الكاذب وذلك يفضي إلى الشك في صدق الأنبياء ويمتنع الاستدلال بالمعجزة عليه.

المسألة الثالثة

في أنه تعالى قادر على القبيح

قال : مع قدرته عليه لعموم النسبة ولا ينافي الامتناع اللاحق.

أقول : ذهب العلماء كافة إلى أنه تعالى قادر على القبيح إلا النظام والدليل على ذلك أنا قد بينا عموم نسبة قدرته إلى الممكنات والقبيح منها فيكون مندرجا تحت قدرته. احتج بأن وقوعه منه يدل على الجهل أو الحاجة وهما منفيان في حقه تعالى. والجواب أن الامتناع هنا بالنظر إلى الحكمة فهو امتناع لاحق لا يؤثر في الإمكان الأصلي ولهذا عقب المصنف رحمه‌الله ـ الاستدلال على مراده بالجواب عن الشبهة التي له وإن لم يذكرها صريحا.

المسألة الرابعة

في أنه يفعل لغرض

قال : ونفي الغرض يستلزم العبث ولا يلزم عوده إليه.

أقول : اختلف الناس هنا فذهبت المعتزلة إلى أنه تعالى يفعل لغرض ولا يفعل شيئا لغير فائدة وذهبت الأشاعرة إلى أن أفعاله تعالى يستحيل تعليلها بالأغراض والمقاصد. والدليل على مذهب المعتزلة أن كل فعل لا يفعل لغرض فإنه عبث والعبث قبيح والله تعالى يستحيل منه فعل القبيح. احتج المخالف بأن كل فاعل لغرض وقصد فإنه ناقص بذاته مستكمل بذلك الغرض والله تعالى يستحيل عليه النقصان (والجواب) النقص إنما يلزم لو عاد الغرض والنفع إليه أما إذا كان النفع عائدا إلى غيره فلا كما نقول إنه تعالى يخلق العالم لنفعهم.

المسألة الخامسة

في أنه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي

قال : وإرادة القبيح قبيحة وكذا ترك إرادة الحسن وللأمر والنهي

أقول : مذهب المعتزلة أن الله تعالى يريد الطاعات من المؤمن والكافر سواء وقعت أو لا ، ويكره المعاصي سواء وقعت أو لا. وقالت الأشاعرة كل ما هو واقع فهو مراد سواء كان طاعة أو معصية. والدليل على ما ذهب إليه المعتزلة وجهان : الأول أنه تعالى حكيم لا يفعل القبيح على ما تقدم فكما أن فعل القبيح قبيح فكذا إرادته قبيحة ، وكما أن ترك الحسن قبيح فكذا إرادة تركه. الثاني أنه تعالى أمر بالطاعات ونهى عن المعاصي والحكيم إنما يأمر بما يريده لا بما يكرهه ، وينهى عما يكرهه لا عما يريده فلو كانت الطاعة من الكافر مكروهة لله تعالى لما أمر بها ، ولو كانت المعصية مرادة لله تعالى لما نهاه عنها وكان الكافر مطيعا بكفره وعدم إيمانه لأنه فعل ما أراده الله تعالى منه وهو المعصية وامتنع عما كرهه وذلك باطل قطعا.

قال : وبعض الأفعال مستندة إلينا والمغلوبية غير لازمة والعلم تابع.

أقول : لما فرغ من الاستدلال شرع في إبطال حجج الخصم وهي ثلاثة :

الأولى قالوا الله تعالى فاعل لكل موجود فتكون القبائح مستندة إليه بإرادته (والجواب) ما يأتي من كون بعض الأفعال مستندة إلينا.

الثانية أن الله تعالى لو أراد من الكافر الطاعة ، والكافر أراد المعصية وكان الواقع مراد الكافر لزم أن يكون الله تعالى مغلوبا إذ من يقع مراده من المريدين هو الغالب (والجواب) أن هذا غير لازم لأن الله تعالى إنما يريد الطاعة من العبد على سبيل الاختيار وهو إنما يتحقق بإرادة المكلف ولو أراد الله تعالى إيقاع الطاعة من الكافر مطلقا سواء كانت عن اختيار أو إجبار لوقعت.

الثالثة قالوا : كل ما علم الله تعالى وقوعه وجب وما علم عدمه امتنع فإذا علم عدم وقوع الطاعة من الكافر استحال إرادتها منه وإلا لكان مريدا لما يمتنع وجوده. والجواب أن العلم تابع لا يؤثر في إمكان الفعل وقد مر تقرير ذلك.

المسألة السادسة

في أنا فاعلون

قال : والضرورة قاضية باستناد أفعالنا إلينا.

أقول : اختلف العقلاء هنا فالذي ذهب إليه المعتزلة أن العبد فاعل لأفعال نفسه واختلفوا فقال أبو الحسين إن العلم بذلك ضروري وهو الحق الذي ذهب إليه المصنف ـ رحمه‌الله ـ وقال آخرون إنه استدلالي. وأما جهم بن صفوان فإنه قال : إن الله تعالى هو الموجد لأفعال العباد وإضافتها إليهم على سبيل المجاز فإذا قيل فلان صلى وصام كان بمنزلة قولنا طال وسمن (وقال) ضرار بن عمرو والنجار وحفص الفرد وأبو الحسن الأشعري إن الله تعالى هو المحدث لها والعبد مكتسب ولم يجعل لقدرة العبد أثرا في الفعل بل القدرة والمقدور واقعان بقدرة الله تعالى وهذا الاقتران هو الكسب وفسر القاضي الكسب بأن ذات الفعل واقعة بقدرة الله تعالى وكونه طاعة ومعصية صفتان واقعتان بقدرة العبد (وقال) أبو إسحاق الأسفراييني من الأشاعرة إن الفعل واقع بمجموع القدرتين. والمصنف التجأ إلى الضرورة هاهنا فإنا نعلم بالضرورة الفرق بين حركة الحيوان اختيارا وبين حركة الحجر الهابط ومنشأ الفرق هو اقتران القدرة في أحد الفعلين به وعدمه في الآخر.

قال : والوجوب للداعي لا ينافي القدرة كالواجب.

أقول : لما فرغ من تقرير المذهب شرع في الجواب عن شبه الخصم وتقرير الشبهة الأولى أن صدور الفعل من المكلف إما أن يقارن تجويز لا صدوره أو امتناع لا صدوره والثاني يستلزم الجبر والأول إما أن يترجح منه الصدور على لا صدوره لمرجح أو لا لمرجح والثاني

يلزم منه الترجيح لأحد طرفي الممكن من غير مرجح وهو محال والأول يستلزم التسلسل أو الانتهاء إلى ما يجب معه الترجيح وهو ينافي التقدير ويستلزم الجبر.

والجواب أن الفعل بالنظر إلى قدرة العبد ممكن وواجب بالنظر إلى داعيه وذلك لا يستلزم الجبر فإن كل قادر فإنه يجب عنه الأثر عند وجود الداعي كما في حق الواجب تعالى فإن هذا الدليل قائم في حقه تعالى ووجه المخلص ما ذكرناه ، على أن هذا غير مسموع من أكثرهم حيث جوزوا من القادر ترجيح أحد مقدوريه على الآخر من غير مرجح وبه أجابوا عن الشبهة التي أوردها الفلاسفة عليهم فما أدري لم كان الجواب مسموعا هناك ولم يكن مسموعا هاهنا.

قال : والإيجاد لا يستلزم العلم إلا مع اقتران القصد فيكفي الإجمال.

أقول : هذا الجواب عن شبهة أخرى لهم وتقريرها أن العبد لو كان موجدا لأفعال نفسه لكان عالما بها والتالي باطل فالمقدم مثله والشرطية ظاهرة وبيان بطلان التالي أنا حال الحركة نفعل حركات جزئية لا نعقلها وإنما نقصد الحركة إلى المنتهى وإن لم نقصد جزئيات تلك الحركة (والجواب) أن الإيجاد لا يستلزم العلم فإن الفاعل قد يصدر عنه الفعل بمجرد الطبع كالإحراق الصادر عن النار من غير علم فلا يلزم من نفي العلم نفي الإيجاد نعم الإيجاد مع القصد يستلزم العلم لكن العلم الإجمالي كاف فيه وهو حاصل في الحركات الجزئية بين المبدإ والمنتهى.

قال : ومع الاجتماع يقع مراده تعالى.

أقول : هذا جواب عن شبهة أخرى لهم وتقريرها أن العبد لو كان قادرا على الفعل لزم اجتماع قادرين على مقدور واحد والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أنه تعالى قادر على كل مقدور فلو كان العبد قادرا على شيء لاجتمعت قدرته وقدرة الله تعالى عليه وأما بطلان التالي فلأنه لو أراد الله تعالى إيجاده وأراد العبد إعدامه فإن وقع المرادان أو عدما لزم اجتماع النقيضين وإن وقع مراد أحدهما دون الآخر لزم الترجيح من غير مرجح

(والجواب) أن نقول يقع مراد الله تعالى لأن قدرته أقوى من قدرة العبد وهذا هو المرجح وهذا الدليل أخذه بعض الأشاعرة من الدليل الذي استدل به المتكلمون على الوحدانية وهناك يتمشى لتساوي قدرتي الإلهين المفروضين أما هنا فلا.

قال : والحدوث اعتباري.

أقول : هذا جواب عن شبهة أخرى ذكرها قدماء الأشاعرة وهي أن الفاعل يجب أن يخالف فعله في الجهة التي بها يتعلق فعله وهو الحدوث ونحن محدثون فلا يجوز أن نفعل الحدوث (وتقرير الجواب) أن الفاعل لا يؤثر الحدوث لأنه أمر اعتباري ليس بزائد على الذات وإلا لزم التسلسل وإنما يؤثر في الماهية وهي مغايرة له.

قال : وامتناع الجسم لغيره.

أقول : هذا جواب عن شبهة أخرى لهم وهي أنا لو كنا فاعلين في الأحداث لصح منا إحداث الجسم لوجود العلة المصححة للتعلق وهي الحدوث. والجواب أن الجسم يمتنع صدوره عنا لا لأجل الحدوث حتى يلزم تعميم الامتناع بل إنما امتنع صدوره عنا لأننا أجسام والجسم لا يؤثر في الجسم على ما مر.

قال : وتعذر المماثلة في بعض الأفعال لتعذر الإحاطة.

أقول : هذا جواب عن شبهة أخرى ذكرها قدماؤهم وهي أنا لو كنا فاعلين لصح منا أن نفعل مثل ما فعلناه أولا من كل جهة لوجود القدرة والعلم والتالي باطل فالمقدم مثله وبيان بطلان التالي أنا لا نقدر على أن نكتب في الزمان الثاني مثل ما كتبناه في الزمان الأول من كل وجه بل لا بد من تفاوت بينهما في وضع الحروف ومقاديرها. (وتقرير الجواب) أن بعض الأفعال تصدر عنا في الزمان الثاني مثل ما صدرت في الزمان الأول مثل كثير من الحركات والأفعال وبعضها يتعذر علينا فيه ذلك لا لأنه ممتنع ولكن لعدم الإحاطة الكلية بما فعلناه أولا فإن مقادير الحروف إذا لم نضبطها لم يصدر عنا مثلها

إلا على سبيل الاتفاق.

قال : ولا نسبة في الخيرية بين فعلنا وفعله تعالى.

أقول : هذا جواب عن شبهة أخرى لهم قالوا لو كان العبد فاعلا للإيمان لكان بعض أفعال العبد خيرا من فعله تعالى لأن الإيمان خير من القردة والخنازير والتالي باطل بالإجماع فالمقدم مثله.

والجواب أن نسبة الخيرية هنا منتفية لأنكم إن عنيتم بأن الإيمان خير أنه أنفع فليس كذلك لأن الإيمان إنما هو فعل شاق مضر على البدن ليس فيه خير عاجل ، وإن عنيتم به أنه خير لما فيه من استحقاق المدح والثواب به بخلاف القردة والخنازير فحينئذ لا يكون الإيمان خيرا بنفسه وإنما الخير هو ما يؤدي إليه الإيمان من فعل الله تعالى بالعبد وهو المدح والثواب وحينئذ يكون المدح والثواب خيرا وأنفع للعبد من القردة والخنازير لكن ذلك من فعله تعالى (واعلم) أن هذه الشبهة ركيكة جدا وإنما أوردها المصنف ـ ره ـ هنا لأن بعض الثنوية أورد هذه الشبهة على ضرار بن عمرو فأذعن لها والتزم بالجبر لأجلها.

قال : والشكر على مقدمات الإيمان.

أقول : هذا جواب عن شبهة أخرى لهم قالوا لو كان العبد فاعلا للإيمان لما وجب علينا شكر الله تعالى عليه والتالي باطل بالإجماع فالمقدم مثله والشرطية ظاهرة فإنه لا يحسن منا شكر غيرنا على فعلنا.

والجواب أن الشكر ليس على فعل الإيمان بل على مقدماته من تعريفنا إياه وتمكيننا منه وحضور أسبابه والأقدار على شرائطه.

قال : والسمع متأول ومعارض بمثله والترجيح معنا.

أقول : هذا جواب عن الشبه النقلية بطريق إجمالي وتقريره أنهم قالوا قد ورد في الكتاب العزيز ما يدل على الجبر كقوله تعالى (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً).

والجواب أن هذه الآيات متأولة وقد ذكر العلماء تأويلاتها في كتبهم. وأيضا فهي معارضة بمثلها وقد صنفها أصحابنا على عشرة أوجه : أحدها الآيات الدالة على إضافة الفعل إلى العبد كقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ) (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ) (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) (ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) إلى آخرها.

الثاني الآيات الدالة على مدح المؤمنين على الإيمان وذم الكفار على الكفر والوعد والوعيد كقوله تعالى (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا) (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ).

الثالث الآيات الدالة على تنزيه أفعاله تعالى عن مماثلة أفعالنا في التفاوت والاختلاف والظلم كقوله تعالى (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) والكفر ليس بحسن وكذا الظلم (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (وَما ظَلَمْناهُمْ) (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً).

الرابع الآيات الدالة على ذم العباد على الكفر والمعاصي والتوبيخ على ذلك كقوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) (لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ).

الخامس الآيات الدالة على التهديد والتخيير كقوله (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ).

السادس الآيات الدالة على المسارعة إلى الأفعال قبل فواتها كقوله تعالى (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ).

السابع الآيات التي حث الله تعالى فيها على الاستعانة به وثبوت اللطف منه كقوله تعالى (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (اسْتَعِينُوا بِاللهِ) (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ) (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ).

الثامن الآيات الدالة على استغفار الأنبياء (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) (سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ).

التاسع الآيات الدالة على اعتراف الكفار والعصاة بنسبة الكفر إليهم كقوله تعالى (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ـ إلى قوله : (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) وقوله (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ).

العاشر الآيات الدالة على التحسر والندامة على الكفر والمعصية وطلب الرجعة كقوله (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا) (رَبِّ ارْجِعُونِ) (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة وهي معارضة بما ذكروه على أن الترجيح معنا لأن التكليف إنما يتم بإضافة الأفعال إلينا وكذا الوعد والوعيد والتخويف والإنذار وإنما طول المصنف ـ رحمه‌الله ـ في هذه المسألة لأنها من المهمات.

المسألة السابعة

في المتولد

قال : وحسن المدح والذم على المتولد يقتضي العلم بإضافته إلينا.

أقول : الأفعال تنقسم إلى المباشر والمتولد والمخترع فالأول هو الحادث ابتداء بالقدرة

في محلها. والثاني هو الحادث الذي يقع بحسب فعل آخر كالحركة الصادرة عن الاعتماد ويسمونه المسبب ويسمون الأول سببا سواء كان الثاني حادثا في محل القدرة أو في غير محلها. والثالث ما يفعل لا لمحل فالأول مختص بنا والثالث مختص به تعالى والثاني مشترك

واعلم أن الناس اختلفوا في المتولد هل يقع بنا أم لا فجمهور المعتزلة على أنه من فعلنا كالمباشر وقال معمر إنه لا فعل للعبد إلا الإرادة وما عداها من الحوادث فهي واقعة بطبع المحل والإنسان عنده جزء في القلب توجد فيه الإرادة وما عداها يضيفه إلى طبع المحل وقال آخرون لا فعل للعبد إلا الفكر وهم بعض المعتزلة. وقال أبو إسحاق النظام إن فعل الإنسان هي الحركات الحادثة فيه بحسب دواعيه والإنسان عنده هو شيء منساب في الجملة والإرادة والاعتقادات حركات القلب وما يوجد منفصلا عن الجملة كالكتابة وغيرها فإنه من فعله تعالى بطبع المحل. وقال ثمامة إن فعل الإنسان هو ما يحدثه في محل قدرته فأما ما تعدى محل القدرة فهو حادث لا محدث له وفعل لا فاعل له. وقالت الأشعرية المتولد من فعله تعالى. والجماهير من المعتزلة التجئوا في هذا المقام إلى الضرورة فإنا نعلم استناد المتولدات إلينا كالكتابة والحركات وغيرهما من الصنائع ويحسن منا مدح الفاعل وذمه كما في المباشر والمصنف ـ رحمه‌الله ـ استدل بحسن المدح والذم على العلم بأنا فاعلون للمتولد لا عليه لأن الضروريات لا يجوز الاستدلال عليها نعم يجوز الاستدلال على كونها ضرورية إذا لم يكن هذا الحكم ضروريا وجماعة من المعتزلة ذهبوا إلى أنه كسبي واستدلوا بحسن المدح والذم عليه فلزمهم الدور لأن حسن المدح والذم مشروط بالعلم بالاستناد إلينا فلو جعلنا الاستناد إلينا مستفادا منه لزوم الدور.

قال : والوجوب باختيار السبب لاحق.

أقول : هذا جواب عن إشكال يورد هنا وهو أن يقال إن المتولد لا يقع بقدرتنا لأن المقدور هو الذي يصح وجوده وعدمه عن القادر وهذا المعنى منفي في المتولد لأن عند اختيار السبب يجب المسبب فلا يقع بالقدرة المصححة (والجواب) أن الوجوب في المسبب عند اختيار السبب وجوب لاحق كما أن الفعل يجب عند وجود القدرة والداعي وعند فرض

وقوعه وجوبا لاحقا لا يؤثر في الإمكان الذاتي والقدرة فكذا هنا.

قال : والذم في إلقاء الصبي عليه لا على الإحراق.

أقول : هذا جواب عن شبهة لهم وهي أن المدح والذم لا يدلان على العلم باستناد المتولد إلينا فإنا نذم على المتولد وإن علمنا استناده إلى غيرنا فإنا نذم من ألقى الصبي في النار إذا احترق بها وإن كان المحرق هو الله تعالى (والجواب) أن الذم هنا على الإلقاء لا على الإحراق فإن الإحراق من الله تعالى عند الإلقاء حسن لما يشتمل عليه من الأعواض لذلك الصبي ولما فيه من مراعاة العادات وعدم انتقاضها في غير زمان الأنبياء ووجوب الدية حكم شرعي لا يجب تخصيصه بالفعل فإن الحافر للبئر يلزمه الدية وإن كان الوقوع غير مستند إليه.

المسألة الثامنة

في القضاء والقدر

قال : والقضاء والقدر إن أريد بهما خلق الفعل لزم المحال أو الإلزام صح في الواجب خاصة أو الإعلام صح مطلقا وقد بينه أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث الأصبغ.

أقول : يطلق القضاء على الخلق والإتمام قال الله تعالى (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) أي خلقهن وأتمهن ، وعلى الحكم والإيجاب كقوله تعالى (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) أي أوجب وألزم ، وعلى الإعلام والإخبار كقوله تعالى (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) أي أعلمناهم وأخبرناهم ، ويطلق القدر على الخلق كقوله تعالى (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) ، والكتابة كقول الشاعر :

واعلم بأن ذا الجلال قد قدر

في الصحف الأولى التي كان سطر

والبيان كقوله تعالى (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) أي بينا وأخبرنا بذلك.

إذا ظهر هذا فنقول للأشعري ما تعني بقولك أنه تعالى قضى أعمال العباد وقدرها إن

أردت به الخلق والإيجاد فقد بينا بطلانه وأن الأفعال مستندة إلينا ، وإن عنى به الإلزام لم يصح إلا في الواجب خاصة ، وإن عنى به أنه تعالى بينها وكتبها وأعلم أنهم سيفعلونها فهو صحيح لأنه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبينه لملائكته وهذا المعنى الأخير هو المتعين للإجماع على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره ولا يجوز الرضا بالكفر وغيره من القبائح ولا ينفعهم الاعتذار بوجوب الرضا به من حيث إنه فعله تعالى وعدم الرضا به من حيث الكسب لبطلان الكسب أولا وثانيا فلأنا نقول إن كان كون الكفر كسبا بقضائه تعالى وقدره وجب الرضا به من حيث هو كسب وهو خلاف قولكم وإن لم يكن بقضاء وقدر بطل استناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء والقدر.

واعلم أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلامه قد بين معنى القضاء والقدر وشرحهما شرحا وافيا في حديث الأصبغ بن نباتة لما انصرف من صفين فإنه قام إليه شيخ فقال له أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله تعالى وقدره فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بقضاء وقدر فقال له الشيخ عند الله احتسب عنائي ما أرى لي من الأجر شيئا فقال له مه أيها الشيخ بل عظم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين فقال الشيخ كيف والقضاء والقدر ساقانا فقال ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ولم تأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ولا المسيء أولى بالذم من المحسن تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها إن الله تعالى أمر تخييرا ونهى تحذيرا وكلف يسيرا لم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يرسل الرسل عبثا ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار فقال الشيخ وما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلا بهما فقال هو الأمر من الله تعالى والحكم وتلا قوله تعالى (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول :

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته

يوم النشور من الرحمن رضوانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا

جزاك ربك عنا فيه إحسانا

قال : أبو الحسن البصري ومحمود الخوارزمي وجه تشبيهه عليه‌السلام المجبرة بالمجوس من وجوه : أحدها أن المجوس اختصوا بمقالات سخيفة واعتقادات واهية معلومة البطلان وكذلك المجبرة.

وثانيها أن مذهب المجوس أن الله تعالى يخلق فعله ثم يتبرأ منه كما خلق إبليس ثم انتفى منه وكذلك المجبرة قالوا إنه تعالى يفعل القبائح ثم يتبرأ منها.

وثالثها أن المجوس قالوا إن نكاح الأخوات والأمهات بقضاء الله وقدره وإرادته ووافقهم المجبرة حيث قالوا إن نكاح المجوس لأخواتهم وأمهاتهم بقضاء الله وقدره وإرادته.

ورابعها أن المجوس قالوا إن القادر على الخير لا يقدر على الشر وبالعكس والمجبرة قالوا إن القدرة موجبة للفعل غير متقدمة عليه فالإنسان القادر على الخير لا يقدر على ضده وبالعكس.

المسألة التاسعة

في الهدى والضلالة

قال : والإضلال الإشارة إلى خلاف الحق وفعل الضلالة والإهلاك والهدى مقابل والأولان منفيان عنه تعالى.

أقول : يطلق الإضلال على الإشارة إلى خلاف الحق وإلباس الحق بالباطل كما تقول أضلني فلان عن الطريق إذا أشار إلى غيره وأوهم أنه هو الطريق ويطلق على فعل الضلالة في الإنسان كفعل الجهل فيه حتى يكون معتقدا خلاف الحق. ويطلق على الإهلاك والبطلان كما قال تعالى (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) يعني يبطلها. والهدى يقال لمعان ثلاثة مقابلة لهذه المعاني فيقال بمعنى نصب الدلالة على الحق كما تقول هداني إلى الطريق وبمعنى فعل الهدى في الإنسان حتى يعتقد الشيء على ما هو به وبمعنى الإثابة كقوله تعالى (سَيَهْدِيهِمْ) يعني سيثيبهم والأولان منفيان عنه تعالى يعني الإشارة إلى خلاف الحق وفعل

الضلالة لأنهما قبيحان والله تعالى منزه عن فعل القبيح وأما الهداية فالله تعالى نصب الدلالة على الحق وفعل الهداية الضرورية في العقلاء ولم يفعل الإيمان فيهم لأنه كلفهم به ويثيب على الإيمان فمعاني الهداية صادقة في حقه تعالى إلا فعل ما كلف به وإذا قيل إنه تعالى يهدي ويضل فإن المراد به أنه يهدي المؤمنين بمعنى أنه يثيبهم ويضل العصاة بمعنى أنه يهلكهم ويعاقبهم وقول موسى عليه‌السلام (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) فالمراد بالفتنة الشدة والتكليف الصعب يضل بها من يشاء أي يهلك من يشاء وهم الكفار.

المسألة العاشرة

في أنه تعالى لا يعذب الأطفال

قال : وتعذيب غير المكلف قبيح وكلام نوح عليه‌السلام مجاز والخدمة ليست عقوبة له والتبعية في بعض الأحكام جائزة.

أقول : ذهب بعض الحشوية إلى أن الله تعالى يعذب أطفال المشركين ويلزم الأشاعرة تجويزه والعدلية كافة على منعه والدليل عليه أنه قبيح عقلا فلا يصدر منه تعالى.

احتجوا بوجوه : الأول قول نوح عليه‌السلام (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) والجواب أنه مجاز والتقدير أنهم يصيرون كذلك لا حال طفوليتهم.

الثاني قالوا إنا نستخدمه لأجل كفر أبيه فقد فعلنا فيه ألما وعقوبة فلا يكون قبيحا.

والجواب أن الخدمة ليست عقوبة للطفل وليس كل ألم ومشقة عقوبة فإن الفصد والحجامة ألمان وليسا عقوبة نعم استخدامه عقوبة لأبيه وامتحان له يعوض عليه كما يعوض على أمراضه.

الثالث قالوا إن حكم الطفل يتبع حكم أبيه في الدفن ومنع التوارث والصلاة عليه ومنع التزويج (والجواب) أن المنكر عقابه لأجل جرم أبيه وليس بمنكر أن يتبع حكم أبيه في بعض الأشياء إذا لم يحصل له بها ألم وعقوبة ولا ألم له في منعه من الدفن والتوارث وترك الصلاة عليه.

المسألة الحادية عشرة

في حسن التكليف وبيان ماهيته ووجه حسنه وجملة من أحكامه

قال : والتكليف حسن لاشتماله على مصلحة لا تحصل بدونه.

أقول : التكليف مأخوذ من الكلفة وهي المشقة. وحده إرادة من تجب طاعته على جهة الابتداء ما فيه مشقة بشرط الإعلام ويدخل تحت واجب الطاعة الواجب تعالى والنبي عليه‌السلام والإمام والسيد والوالد والمنعم ويخرج البواقي.

وشرطنا الابتداء لأن إرادة هؤلاء إنما تكون تكليفا إذا لم يسبقه غيره إلى إرادة ما أراده ولهذا لا يسمى الوالد مكلفا بأمر الصلاة ولده لسبق إرادة الله تعالى لها منه.

والمشقة لا بد من اعتبارها ليتحقق المحدود إذ التكليف مأخوذ من الكلفة.

وشرطنا الإعلام لأن المكلف إذا لم يعلم إرادة المكلف بالفعل لم يكن مكلفا.

إذا عرفت هذا فنقول التكليف حسن لأن الله تعالى فعله والله تعالى لا يفعل القبيح ووجه حسنه اشتماله على مصلحة لا تحصل بدونه وهي التعريض لمنافع عظيمة لا تحصل بدون التكليف لأن التكليف إن لم يكن لغرض كان عبثا وهو محال ، وإن كان لغرض فإن كان عائدا إليه تعالى لزم المحال ، وإن كان إلى غيره فإن كان إلى غير المكلف كان قبيحا ، وإن كان إلى المكلف فإن كان حصوله ممكنا بدون التكليف لزم العبث ، وإن لم يمكن فإن كان لنفع انتقض بتكليف من علم الله كفره وإن كان للتعريض فهو المطلوب.

إذا عرفت هذا فنقول الغرض من التكليف هو التعريض لمنفعة عظيمة لأنه تعريض للثواب وللثواب منافع عظيمة خالصة دائمة واصلة مع التعظيم والمدح ولا شك أن التعظيم إنما يحسن للمستحق له ولهذا يقبح منا تعظيم الأطفال والأرذال كتعظيم العلماء وإنما يستحق التعظيم بواسطة الأفعال الحسنة وهي الطاعات ومعنى قولنا إن التكليف تعريض للثواب أن المكلف جعل المكلف على الصفات التي تمكنه الوصول إلى الثواب وبعثه على ما به يصل إليه وعلم أنه سيوصله إليه إذا فعل ما كلفه.

قال : بخلاف الجرح ثم التداوي ، والمعاوضات والشكر باطل.

أقول : هذه إيرادات على ما اختاره المصنف : الأول أن التكليف للنفع يتنزل منزلة من جرح غيره ثم داراه طلبا للدواء وكما أن ذلك قبيح فكذا التكليف.

الثاني أن التكليف طلبا للنفع يتنزل منزلة المعاوضات كالبيوع والإجارات وغيرها ولا شك أن المعاوضات تفتقر إلى رضا المتعاوضين حتى أن من عاوض بغير إذن صاحبه فعل قبيحا والتكليف عندكم لا يشترط فيه رضا المكلف.

الثالث لم لا يجوز أن يكون التكليف شكرا للنعم السابقة.

والجواب عن الأول بالفرق من وجهين : أحدهما أن الجرح مضرة والتكليف نفسه ليس بمضرة وإنما المشقة في الأفعال التي يتناولها التكليف. الثاني أن الجرح والتداوي إنزال مضرة لا غرض فيه إلا التخلص من تلك المضرة بخلاف التكليف.

وعن الثاني أن المراضاة تعتبر في المعاوضات لاختلاف أغراض الناس في التعامل جنسا ووصفا أما إذا لم يكن هناك معاوضة وبلغ النفع حدا يكون غاية ما يطلبه العقلاء لم يختلف العقلاء في اختيار المشقة بسببه حتى أن العقلاء يسفهون الممتنع منه.

وعن الثالث أن الشكر لا يشترط فيه المشقة والله تعالى قادر على إزالة صفة المشقة عن هذه الأفعال فلو كان التكليف شكرا لزم العبث في صفة المشقة ولأن طلب الفعل الشاق شكرا يخرج النعمة عن كونها نعمة.

قال : ولأن النوع محتاج إلى التعاضد المستلزم للسنة النافع استعمالها في الرياضة وإدامة النظر في الأمور العالية ، وتذكر الإنذارات المستلزمة لإقامة العدل مع زيادة الأجر والثواب.

أقول : لما ذكر المصنف ـ رحمه‌الله ـ حسن التكليف على رأي المتكلمين شرع في طريق الإسلاميين من الفلاسفة فبدأ بذكر الحاجة إلى التكليف ثم ذكر منافعه الدنيوية والأخروية وتحقيقه أن نقول إن الله خلق الإنسان مدنيا بالطبع لا كغيره من الحيوانات ، لا يمكن أن تبقى أشخاصه ولا تحصل لهم كمالاتهم إلا بالتعاضد والتعاون لأن الأغذية

والملبوسات أمور صناعية يحتاج كل منهم إلى صاحبه في عمل يستعيضه عن عمله له حتى يتم كمال ما يحتاج إليه واجتماعهم مع تباين شهواتهم وتغاير أمزجتهم واختلاف قواهم المقتضية للأفعال الصادرة عنهم مظنة التنازع والفساد ووقوع الفتن فوجب وضع قانون وسنة عادلة يتعادلون بها فيما بينهم ثم تلك السنة لو استند وضعها إليهم لزم المحذور فوجب استنادها إلى شخص متميز عنهم بكمال قواه واستحقاقه للانقياد إليه والطاعة له وذلك إنما يكون بمعجزات تدل على أنها من عند الله تعالى ثم من المعلوم تفاوت أشخاص الناس في قبول الخير والشر والرذائل والنقصان والفضائل بحسب اختلاف أمزجتهم وهيئات نفوسهم فوجب أن يكون هذا الشارع مؤيدا لا يعجز عن أحكام شريعته في جمهور الناس بعضهم بالبرهان وبعضهم بالوعظ وبعضهم بتأليف القلب وبعضهم بالزجر والقتال ولما كان النبي لا يتفق في كل زمان وجب أن تبقى السنن المشروعة إلى وقت اضمحلالها واقتضاء الحكمة الإلهية تجديد غيرها ففرضت عليهم العبادات المذكرة لصاحب الشرع وكررت عليهم حتى يستحكم التذكير بالتكرير فيحصل لهم من تلقي الأوامر والنواهي الإلهية منافع ثلاث : إحداها رياضة النفس باعتبار الإمساك عن الشهوات ومنعها عن القوة الغضبية المكدرة لصفاء القوة العقلية ، الثانية تعويد النفس النظر في الأمور الإلهية والمطالب العالية وأحوال المعاد والتفكر في ملكوت الله تعالى وكيفية صفاته وأسمائه وتحقق فيضان الموجودات عنه تعالى متسلسلة في الترتيب الذي اقتضته الحكمة الإلهية بالبراهين القطعية الخالية عن المغالطة ، والثالثة تذكرهم ما وعدهم الشارع من الخير والشر الأخرويين بحيث ينحفظ النظام المقتضي للتعادل والترافد ثم زاد الله تعالى لمستعملي الشرائع الأجر والثواب في الآخرة فهذه مصالح التكليف عند الأوائل.

قال : وواجب لزجره عن القبائح.

أقول : هذا مذهب المعتزلة وأنكرت الأشاعرة ذلك والدليل على وجوب التكليف أنه لو لم يكلف الله تعالى من كملت شرائط التكليف فيه لكان مغريا بالقبيح والتالي باطل لقبحه فالمقدم مثله بيان الشرطية أن الله تعالى إذا أكمل عقل الإنسان وجعل فيه ميلا إلى

القبيح وشهوة له ونفورا عن الحسن فلو لم يقرر في عقله وجوب الواجب وقبح القبيح والمؤاخذة على الإخلال بالواجب وفعل القبيح لكان وقوع القبيح من المكلف دائما وإلى هذا أشار بقوله لزجره عن القبائح أي لزجر التكليف عن القبائح.

قال : وشرائط حسنه انتفاء المفسدة وتقدمه وإمكان متعلقه وثبوت صفة زائدة على حسنه وعلم المكلف بصفات الفعل وقدر المستحق وقدرته عليه وامتناع القبيح عليه وقدرة المكلف على الفعل وعلمه به أو إمكانه وإمكان الآلة.

أقول : لما ذكر أن التكليف حسن ، شرع في بيان ما يشترط في حسن التكليف وقد ذكر أمورا لا يحسن التكليف بدونها منها ما يرجع إلى نفس التكليف ، ومنها ما يرجع إلى متعلق التكليف أعني الفعل والمكلف والمكلف.

أما ما يرجع إلى التكليف فأمران : أحدهما انتفاء المفسدة فيه بأن لا يكون مفسدة لنفس المكلف به في فعل آخر داخل في تكليفه أو مفسدة لمكلف آخر. والثاني أن يكون متقدما على الفعل قدرا يتمكن المكلف فيه من الاستدلال به فيفعل الفعل في الوقت الذي يجب إيقاعه فيه.

وأما ما يرجع إلى الفعل فأمران : أحدهما إمكان وجوده. والثاني كون الفعل قد اشتمل على صفة زائدة على حسنه بأن يكون واجبا أو مندوبا ، وإن كان التكليف ترك فعل فأن يكون الفعل قبيحا أو يكون الإخلال به أولى من فعله.

وأما ما يرجع إلى المكلف فأن يكون عالما بصفات الفعل لئلا يكلف إيجاد القبيح وترك الواجب ، وأن يكون عالما بقدر ما يستحق على الفعل من الثواب لئلا يخل ببعضه ، وأن يكون القبيح ممتنعا عليه لئلا يخل بالواجب فلا يوصل الثواب إلى مستحقه.

وأما ما يرجع إلى المكلف فأن يكون قادرا على الفعل وأن يكون عالما به أو متمكنا من العلم به وإمكان الآلة أو حصولها إن كان الفعل ذا آلة.

قال : ومتعلقه إما علم إما عقلي أو سمعي وإما ظن وإما عمل.

أقول : متعلق التكليف قد يكون علما وقد يكون عملا أما العلم فقد يكون عقليا محضا

نحو العلم بوجود الله تعالى وكونه قادرا عالما إلى غير ذلك من المسائل التي يتوقف السمع عليها ، وقد يكون سمعيا نحو التكاليف السمعية. وأما الظن فنحو كثير من الأمور الشرعية كظن القبلة وغيرها. وأما العمل فقد يكون عقليا كرد الوديعة وشكر المنعم وبر الوالدين وقبح الظلم والكذب وحسن التفضل والعفو وقد يكون سمعيا كالصلاة وغيرها وهذه الأفعال تنقسم إلى الواجب والمندوب والحرام والمكروه.

قال : وهو منقطع للإجماع ولإيصال الثواب.

أقول : يريد أن التكليف منقطع ويدل عليه الإجماع والمعقول أما الإجماع فظاهر إذ الاتفاق بين المسلمين وغيرهم واقع على أن التكليف منقطع وأما المعقول فنقول لو كان التكليف دائما لم يمكن إيصال الثواب إلى المطيع والتالي باطل قطعا فالمقدم مثله بيان الشرطية أن التكليف مشروط بالمشقة ، والثواب مشروط بخلوصه عن الأكدار والمشاق والجمع بينهما محال ولا بد من تراخ بين التكليف والثواب وإلا لزم الإلجاء.

قال : وعلة حسنه عامة.

أقول : لما بين أولا حسن التكليف مطلقا شرع في بيان حسنه في حق الكافر والدليل عليه أن العلة في حسن التكليف وهي التعريض للثواب عامة في حق المؤمن والكافر فكان التكليف حسنا فيهما وهو ظاهر.

قال : وضرر الكافر من اختياره.

أقول : هذا جواب عن سؤال مقدر وتقريره أن تكليف الكافر ضرر محض لا مصلحة فيه فلا يكون حسنا بيان المقدمة الأولى أن التكليف نوع مشقة في العاجل وحصل العقاب بتركه وهو ضرر عظيم فانتفت المصلحة فيه إذ لا ثواب له فكان قبيحا قطعا.

والجواب أن التكليف نفسه ليس بضرر ولا يستلزم من حيث هو تكليف ضررا وإلا لكان تكليف المؤمن كذلك بل الضرر إنما نشأ من سوء اختيار الكافر لنفسه.

قال : وهو مفسدة لا من حيث التكليف بخلاف ما شرطناه.

أقول : الذي يخطر لنا في تحليل هذا الكلام أنه جواب عن سؤال مقدر أيضا وهو أن يقال إنكم شرطتم في التكليف أن لا يكون مفسدة للمكلف ولا لغيره وهذا التكليف يستلزم الضرر بالمكلف فيكون قبيحا كما أن تكليف زيد لو استلزم مفسدة راجعة إلى عمرو كان قبيحا.

والجواب أن الضرر هنا مفسدة لا من حيث التكليف بل من حيث اختيار المكلف على ما تقدم بخلاف ما شرطناه أعني انتفاء المفسدة اللازمة للتكليف.

قال : والفائدة ثابتة.

أقول : هذا جواب عن سؤال مقدر وتقريره أن تكليف الكافر لا فائدة فيه لأن الفائدة من التكليف هي الثواب ولا ثواب له فلا فائدة في تكليفه فكان عبثا.

والجواب لا نسلم أن الفائدة هي الثواب بل التعريض له وهو حاصل في حقه كالمؤمن.

المسألة الثانية عشرة في

اللطف وماهيته وأحكامه

قال : واللطف واجب لتحصيل الغرض به.

أقول : اللطف هو ما يكون المكلف معه أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد من فعل المعصية ولم يكن له حظ في التمكين ولم يبلغ حد الإلجاء.

واحترزنا بقولنا ولم يكن له حظ في التمكين عن الآلة فإن لها حظا في التمكين وليست لطفا.

وقولنا ولم يبلغ حد الإلجاء لأن الإلجاء ينافي التكليف واللطف لا ينافيه. هذا اللطف المقرب.

وقد يكون اللطف محصلا وهو ما يحصل عنده الطاعة من المكلف على سبيل الاختيار ولولاه لم يطع مع تمكنه في الحالين وهذا بخلاف التكليف الذي يطيع عنده لأن اللطف أمر زائد على التكليف فهو من دون اللطف يتمكن بالتكليف من أن يطيع أو لا يطيع وليس كذلك التكليف لأن عنده يتمكن من أن يطيع وبدونه لا يتمكن من أن يطيع أو لا يطيع فلم يلزم أن يكون التكليف الذي يطيع عنده لطفا.

إذا عرفت هذا فنقول اللطف واجب خلافا للأشعرية والدليل على وجوبه أنه يحصل غرض المكلف فيكون واجبا وإلا لزم نقض الغرض بيان الملازمة أن المكلف إذا علم أن المكلف لا يطيع إلا باللطف فلو كلفه من دونه كان ناقضا لغرضه كمن دعا غيره إلى طعام وهو يعلم أنه لا يجيبه إلا إذا فعل معه نوعا من التأدب فإذا لم يفعل الداعي ذلك النوع من التأدب كان ناقضا لغرضه فوجوب اللطف يستلزم تحصيل الغرض.

قال : فإن كان من فعله تعالى وجب عليه وإن كان من المكلف وجب أن يشعره به ويوجبه وإن كان من غيرهما شرط في التكليف العلم بالفعل.

أقول : لما ذكر وجوب اللطف شرع في بيان أقسامه وهو ثلاثة : الأول أن يكون من فعل الله تعالى فهذا يجب على الله تعالى فعله لما تقدم ، الثاني أن يكون من فعل المكلف فهذا يجب على الله تعالى أن يعرفه إياه ويشعره به ويوجبه عليه ، الثالث أن يكون من فعل غيرهما فهذا ما يشترط في التكليف بالملطوف فيه العلم بأن ذلك الغير يفعل اللطف.

قال : ووجوه القبح منتفية والكافر لا يخلو من لطف والإخبار بالسعادة والشقاوة ليس مفسدة.

أقول : لما ذكر أقسام اللطف شرع في الاعتراضات على وجوبه مع الجواب عنها وقد أورد من شبه الأشاعرة ثلاثة : الأولى قالوا اللطف إنما يجب إذا خلا من جهات المفسدة لأن جهات المصلحة لا تكفي في الوجوب ما لم تنتف جهات المفسدة فلم لا يجوز أن يكون اللطف الذي توجبونه مشتملا على جهة قبح لا تعلمونه فلا يكون واجبا. وتقرير الجواب أن

جهات القبح معلومة لنا لأنا مكلفون بتركها وليس هنا وجه قبح وليس ذلك استدلالا بعدم العلم على العلم بالعدم. الثانية أن الكافر إما أن يكلف مع وجود اللطف أو مع عدمه والأول باطل وإلا لم يكن لطفا لأن معنى اللطف هو ما حصل الملطوف فيه عنده والثاني إما أن يكون عدمه لعدم القدرة عليه فيلزم تعجيز الله تعالى وهو باطل ، أو مع وجودها فيلزم الإخلال بالواجب. والجواب أن اللطف ليس معناه هو ما حصل الملطوف فيه فإن اللطف لطف في نفسه سواء حصل الملطوف فيه أو لا بل كونه لطفا من حيث إنه يقرب إلى الملطوف فيه ويرجح وجوده على عدمه وامتناع ترجيحه إنما يكون لمعارض أقوى هو سوء اختيار المكلف فيكون اللطف في حقه مرجوحا.

ويمكن أن يكون ذلك جوابا عن سؤال آخر لهم وتقريره أن اللطف لو كان واجبا لم تقع معصية من مكلف أصلا لأنه تعالى قادر على كل شيء فإذا قدر على اللطف لكل مكلف في كل فعل لم تقع معصية لأنه تعالى لا يخل بالواجب لكن الكفر والمعاصي موجودة. وتقرير الجواب أن نقول إنما يصح أن يقال يجب أن يلطف للمكلف إذا كان له لطف يصلح عنده ولا استبعاد في أن يكون بعض المكلفين لا لطف له سوى العلم بالمكلف والثواب مع الطاعة والعقاب مع المعصية والكافر له هذا اللطف. الثالثة أن الإخبار بأن المكلف من أهل الجنة أو من أهل النار مفسدة لأنه إغراء بالمعاصي وقد فعله تعالى وهو ينافي اللطف. والجواب أن الإخبار بالجنة ليس إغراء مطلقا لجواز أن يقترن به من الألطاف ما يمتنع عنده من الإقدام على المعصية وإذا انتفى كونه إغراء على هذا التقدير بطل قولهم إنه مفسدة على الإطلاق وأما الإخبار بالنار فليس مفسدة أيضا لأن الإخبار إن كان للجاهل كأبي لهب انتفت المفسدة فيه لأنه لا يعلم صدق إخباره تعالى فلا يدعوه ذلك إلى الإصرار على الكفر ، وإن كان عارفا كإبليس لم يكن إخباره تعالى بعاقبته داعيا إلى الإصرار على الكفر لأنه يعلم أنه بإصراره عليه يزداد عقابه فلا يصير مغريا عليه.

قال : ويقبح منه تعالى التعذيب مع منعه دون الذم.

أقول : المكلف إذا منع المكلف من اللطف قبح منه عقابه لأنه بمنزلة الأمر بالمعصية والملجئ إليها كما قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) ، فأخبر أنهم ـ لو منعهم اللطف في بعثه الرسول ـ لكان لهم أن يسألوا بهذا السؤال ولا يكون لهم هذا السؤال إلا مع قبح إهلاكهم من دون البعثة ولا يقبح ذمه لأن الذم حق مستحق على القبيح غير مختص بالمكلف بخلاف العقاب المستحق للمكلف ولهذا لو بعث الإنسان غيره على فعل القبيح ففعله لم يسقط حق الباعث من الذم كما أن لإبليس ذم أهل النار وإن كان هو الباعث على المعاصي.

قال : ولا بد من المناسبة وإلا ترجح بلا مرجح بالنسبة إلى المنتسبين.

أقول : لما فرغ من الاعتراضات على وجوب اللطف شرع في ذكر أحكامه وقد ذكر منها خمسة : الأول أنه لا بد وأن يكون بين اللطف والملطوف فيه مناسبة والمراد بالمناسبة هنا كون اللطف بحيث يكون حصوله داعيا إلى حصول الملطوف فيه وهذا ظاهر لأنه لو لا ذلك لم يكن كونه لطفا أولى من كون غيره لطفا فيلزم الترجيح من غير مرجح ولم يكن كونه لطفا في هذا الفعل أولى من كونه لطفا في غيره من الأفعال وهو ترجيح من غير مرجح أيضا وإلى هذين أشار بقوله وإلا ترجح بلا مرجح بالنسبة إلى المنتسبين وعنى بالمنتسبين اللطف والملطوف فيه هذا ما فهمناه من هذا الكلام.

قال : ولا يبلغ الإلجاء.

أقول : هذا الحكم الثاني من أحكام اللطف وهو أن لا يبلغ في الدعاء إلى الملطوف فيه إلى حد الإلجاء لأن الفعل الملجئ إلى فعل آخر يشبه اللطف في كون كل منهما داعيا إلى الفعل غير أن المتكلمين لا يسمون الملجئ إلى الفعل لطفا فلهذا شرطنا في اللطف زوال الإلجاء عنه إلى الفعل.

قال : ويعلم المكلف اللطف إجمالا أو تفصيلا.

أقول : هذا هو الحكم الثالث من أحكام اللطف وهو وجوب كونه معلوما للمكلف إما بالإجمال أو بالتفصيل لأنه إذا لم يعلمه ولم يعلم الملطوف فيه ولم يعلم المناسبة بينهما لم يكن داعيا له إلى الفعل الملطوف فيه فإن كان العلم الإجمالي كافيا في الدعاء إلى الفعل لم يجب التفصيل كما يعلم على الجملة كون الألم الواصل إلى البهيمة لطفا لنا وإن كان اللطف لا يتم إلا بالتفصيل وجب حصوله ويكفي العلم الإجمالي في المناسبة التي بين اللطف والملطوف فيه.

قال : ويزيد اللطف على جهة الحسن.

أقول : هذا هو الحكم الرابع وهو كون اللطف مشتملا على صفة زائدة على الحسن من كونه واجبا كالفرائض أو مندوبا كالنوافل هذا فيما هو من فعلنا وأما ما كان من فعله تعالى فقد بينا وجوبه في حكمته.

قال : ويدخله التخيير.

أقول : هذا هو الحكم الخامس وهو أن اللطف لا يجب أن يكون معينا بل يجوز أن يدخله التخيير بأن يكون كل واحد من الفعلين قد اشتمل على جهة من المصلحة المطلوبة من الآخر فيقوم مقامه ويسد مسده أما في حقنا فكما في الكفارات الثلاث وأما في حقه تعالى فلجواز أن يخلق لزيد ولدا يكون لطفا له وإن كان يجوز حصول اللطفية بخلق ولد غير ذلك الولد من أجزاء غير أجزاء الولد الأول وعلى صورة غير صورته وحينئذ لا يجب أحد الفعلين بعينه بل يكون حكمه حكم الواجب المخير.

قال : بشرط حسن البدلين.

أقول : لما ذكر أن اللطف يجوز أن يدخله التخيير نبه على شرط كل واحد من البدلين

أعني اللطف وبدله وأطلق على كل واحد منهما اسم البدل بالنظر إلى صاحبه إذ ليس أحدهما بالأصالة أولى من الآخر وذلك الشرط كون كل واحد منهما حسنا ليس فيه وجه قبح وهذا مما لم تتفق الآراء عليه فإن جماعة من العدلية ذهبوا إلى تجويز كون القبيح كالظلم منا لطفا قائما مقام إمراض الله تعالى. واستدلوا بأن وجه كون الألم من فعله تعالى لطفا هو حصول المشاق وتذكر العقاب وذلك حاصل بالظلم منا فجاز أن يقوم مقامه. وهذا ليس بجيد لأن كونه لطفا جهة وجوب والقبيح ليس له جهة وجوب واللطف إنما هو في علم المظلوم بالظلم لا في نفس الظلم كما نقول إن العلم بحسن ذبح البهيمة لطف لنا وإن لم يكن الذبح نفسه لطفا.

المسألة الثالثة عشرة

في الألم ووجه حسنه

قال : وبعض الألم قبيح يصدر منا خاصة وبعضه حسن يصدر منه تعالى ومنا وحسنه إما لاستحقاقه أو لاشتماله على النفع أو دفع الضرر الزائدين أو لكونه عاديا أو على وجه الدفع.

أقول : في هذا الكلام مباحث : الأول في مناسبة هذا البحث وما بعده لما قبله ـ اعلم أنا قد بينا وجوب الألطاف والمصالح وهي ضربان مصالح في الدين ومصالح في الدنيا أعني المنافع الدنياوية ، ومصالح الدين إما مضار أو منافع ، والمضار منها آلام وأمراض وغيرها كالآجال والغلاء ، والمنافع الصحة والسعة في الرزق والرخص فلأجل هذا بحث المصنف ـ رحمه‌الله ـ عقيب اللطف عن هذه الأشياء ولما كانت الآلام تستلزم الأعواض وجب البحث عنها أيضا.

البحث الثاني اختلف الناس في قبح الألم وحسنه فذهبت الثنوية إلى قبح جميع الآلام وذهبت المجبرة إلى حسن جميعها من الله تعالى وذهبت البكرية وأهل التناسخ والعدلية إلى حسن بعضها وقبح الباقي.

البحث الثالث في علة الحسن اختلف القائلون بحسن بعض الألم في وجه الحسن فقال أهل التناسخ إن علة الحسن هي الاستحقاق لا غير لأن النفوس البشرية إذا كانت في أبدان قبل هذه الأبدان وفعلت ذنوبا استحقت الألم عليها وهذا أيضا قول البكرية. وقالت المعتزلة إنه يحسن عند شروط : أحدها أن يكون مستحقا ، وثانيها أن يكون فيها نفع عظيم يوفى عليها ، وثالثها أن يكون فيها دفع ضرر أعظم منها ، ورابعها أن يكون مفعولا على مجرى العادة كما يفعله الله تعالى بالحي إذا ألقيناه في النار ، وخامسها أن يكون مفعولا على سبيل الدفع عن النفس كما إذا آلمنا من يقصد قتلنا لأنا متى علمنا اشتمال الألم على أحد هذه الوجوه حكمنا بحسنه قطعا.

قال : ولا بد في المشتمل على النفع من اللطف.

أقول : هذا شرط لحسن الألم المبتدإ الذي يفعله الله تعالى لاشتماله على نفع المتألم وهو كونه مشتملا على اللطف إما للمتألم أو لغيره لأن خلو الألم عن النفع الزائد الذي يختار المولم معه الألم يستلزم الظلم وخلوه عن اللطف يستلزم العبث وهما قبيحان فلا بد من هذين الاعتبارين في هذا النوع من الألم وهنا اختلف الشيخان فقال أبو علي أن علة قبح الألم كونه ظلما لا غير فلم يشترط هذا الشرط. وقال أبو هاشم إنه يقبح لكونه ظلما أو لكونه عبثا فأوجب في الأمراض التي يفعلها الله تعالى في الصبيان مع الأعواض الزائدة اشتمالها على اللطف لمكلف آخر ولهذا يقبح منا تخليص الغريق بشرط كسر يده واستيجار من ينزح ماء البئر ويقذفه فيها لغير غرض مع توفية الأجرة. ويمكن الجواب هنا لأبي علي بما ذكرناه في كتاب نهاية المرام.

قال : ويجوز في المستحق كونه عقابا.

أقول : هذا مذهب أبي الحسين البصري فإنه جوز أن تقع الأمراض في الكفار والفساق عقابا للكافر والفاسق لأنه ألم واصل إلى المستحق فأمكن أن يكون عقابا ويكون تعجيله قد اشتمل على مصلحة لبعض المكلفين كما في الحدود. ومنع قاضي

القضاة من ذلك وجزم بكون أمراضهم محنا لا عقوبات لأنه يجب عليهم الرضا والصبر عليها والتسليم وترك الجزع ولا يلزمهم ذلك في العقاب.

والجواب المنع من عدم اللزوم في العقاب لأن الرضا يطلق على معنيين : أحدهما الاعتقاد لحسن الفعل وهو مشترك بين العقاب والمحنة ، والثاني موافقة الفعل للشهوة وهذا غير مقدور للعبد فلا يجب في المحنة ولا في العقاب وإذا كان الرضا بالمعنى الأول واجبا في العقاب فكذلك الصبر على ذلك الاعتقاد واجب بأن لا يظهر خلاف الرضا وهو الجزع ويجب أيضا التسليم بأن يعتقد أنه لو تمكن من دفع المرض الذي هو مصلحة له لا يدفعه ولا يمتنع منه.

قال : ولا يكفي اللطف في ألم المكلف في الحسن.

أقول : هذا مذهب الشيخين وقاضي القضاة وجوز بعض المشايخ إدخال الألم على المكلف إذا اشتمل على اللطف والاعتبار وإن لم يحصل في مقابلته عوض لأن الألم كما يحسن لنفع يقابله فكذا يحسن لما يؤدي إليه الألم ولهذا حسن منا تحمل مشاق السفر لربح يقابل السلعة ولا يقابل مشاق السفر ولما كان مشاق السفر علة في حصول الربح المقابل للسلعة فكذا الألم الذي هو لطف لولاه لما حصل الثواب المقابل للطاعة فحسن فعله وإن خلي عن العوض لأدائه إلى النفع.

وحجة الأوائل أن الألم غير المستحق لو لا اشتماله على النفع أو دفع الضرر كان قبيحا والطاعة المفعولة لأجل الألم ليست بنفع والثواب المستحق عليها يقابل الطاعة دون الألم فيبقى الألم مجردا عن النفع وذلك قبيح.

قال : ولا يحسن مع اشتمال اللذة على لطفيته.

أقول : هذا مذهب أبي الحسين البصري خلافا لأبي هاشم وتقرير مذهب أبي هاشم أنا لو فرضنا اشتمال اللذة على اللطف الذي اشتمل عليه الألم هل يحسن منه تعالى فعل الألم بالحي لأجل لطف الغير مع العوض الزائد الذي يختاره المتألم لو عرض عليه قال

أبو هاشم نعم لأن الألم المشتمل على المنفعة الموفية في حكم المنفعة عند العقلاء ولهذا لا يعد العقلاء مشاق السفر الموصلة إلى الأرباح مضار وإذا كان الألم في حكم المنفعة صار حصول اللطف في تقدير منفعتين فيتخير الحكيم في أيهما شاء. وأبو الحسين منع ذلك لأن الألم إنما يصير في حكم المنفعة إذا لم يكن طريق لتلك المنفعة إلا ذلك الألم ولو أمكن الوصول إلى تلك المنفعة بدون ذلك الألم كان ذلك الألم ضررا وعبثا ولهذا يعد العقلاء السفر ضررا مع حصول الربح بدونه.

قال : ولا يشترط في الحسن اختيار المتألم بالفعل.

أقول : لا يشترط في حسن الألم المفعول ابتداء من الله تعالى اختيار المتألم للعوض الزائد عليه بالفعل لأن اعتبار الاختيار إنما يكون في النفع الذي يتفاوت فيه اختيار المتأمّلين فأما النفع البالغ إلى حد لا يجوز اختلاف الاختيار فيه فإنه يحسن وإن لم يحصل الاختيار بالفعل وهذا هو العوض المستحق عليه تعالى.

المسألة الرابعة عشرة

في الأعواض

قال : والعوض نفع مستحق خال عن تعظيم وإجلال.

أقول : لما ذكر حسن الألم المبتدإ مع تعقبه بالعوض الزائد وجب عليه البحث عن العوض وأحكامه وبدأ بتحديده فالنفع جنس للمتفضل به وللمستحق وقيد المستحق فصل يميزه عن النفع المتفضل به وقيد الخلو عن التعظيم والإجلال يخرج به الثواب.

قال : ويستحق عليه تعالى بإنزال الآلام وتفويت المنافع لمصلحة الغير وإنزال الغموم سواء استندت إلى علم ضروري أو مكتسب أو ظن لا ما تستند إلى فعل العبد وأمر عباده بالمضار أو إباحته وتمكين غير العاقل.

أقول : هذه الوجوه التي يستحق بها العوض على الله تعالى : الأول إنزال الآلام بالعبد كالمرض

وغيره وقد سبق بيان وجوب العوض به من حيث اشتماله على الظلم لو لم يجب العوض.

الثاني تفويت المنافع إذا كانت منه تعالى لمصلحة الغير لأنه لا فرق بين تفويت المنافع وإنزال المضار فلو أمات الله تعالى ابنا لزيد وكان في معلومه تعالى أنه لو عاش لانتفع به زيد لاستحق عليه تعالى العوض عما فاته من منافع ولده ، ولو كان في معلومه تعالى عدم انتفاعه به لأنه يموت قبل الانتفاع به لم يستحق به عوضا لعدم تفويته المنفعة منه تعالى. وكذلك لو أهلك ماله استحق العوض بذلك سواء شعر بهلاك ماله أو لم يشعر لأن تفويت المنفعة كإنزال الألم ولو آلمه ولم يشعر به لاستحق العوض. فكذا إذا فوت عليه منفعة لم يشعر بها وعندي في هذا الوجه نظر.

الثالث إنزال المغموم بأن يفعل الله تعالى أسباب الغم لأن الغم يجري مجرى الضرر في العقل سواء كان الغم علما ضروريا بنزول مصيبة أو وصول ألم أو كان ظنا بأن يغتم عند أمارة لوصول مضرة أو فوات منفعة أو كان علما مكتسبا لأن الله تعالى هو الناصب للدليل والباعث عليه النظر فيه وكذا هو الناصب لأمارة الظن فلما كان سبب الغم منه تعالى كل العوض عليه وأما الغم الحاصل من العبد نفسه من غير سبب منه تعالى نحو أن يبحث العبد فيعتقد جهلا نزول ضرر به أو فوات منفعة فإنه لا عوض فيه عليه تعالى ولو فعل به تعالى فعلا لو شعر به لاغتم نحو أن يهلك له مالا وهو لا يشعر به إلى أن يموت فإنه لا يستحق العوض عليه تعالى لأنه إذا لم يشعر به لم يغتم به.

الرابع أمر الله تعالى عباده بإيلام الحيوان أو أباحه سواء كان الأمر للإيجاب كالذبح في الهدي والكفارة والنذر أو للندب كالضحايا فإن العوض في ذلك كله على الله تعالى لاستلزام الأمر والإباحة الحسن والألم إنما يحسن إذا اشتمل على المنافع العظيمة البالغة في العظم حدا يحسن الألم لأجله.

الخامس تمكين غير العاقل مثل سباع الوحش وسباع الطير والهوام وقد اختلف أهل العدل هنا على أربعة أقوال : فذهب بعضهم إلى أن العوض على الله تعالى مطلقا ويعزى هذا القول إلى أبي علي الجبائي ، وقال آخرون إن العوض على فاعل الألم وهو قول يحكي عن أبي علي أيضا ، وقال آخرون لا عوض هنا على الله تعالى ولا على

الحيوان. وقال قاضي القضاة إن كان الحيوان ملجأ إلى الإيلام كان العوض عليه تعالى وإن لم يكن ملجأ كان العوض على الحيوان نفسه.

احتج الأولون بأنه تعالى مكنه وجعل فيه ميلا شديدا إلى الإيلام مع إمكان عدم الميل ولم يجعل له عقلا يميز به حسن الألم من قبحه ولم يزجره بشيء من أسباب الزجر مع إمكان ذلك كله فكان ذلك بمنزلة الإغراء فلو لا تكفله تعالى بالعوض لقبح منه ذلك.

واحتج الآخرون بقوله عليه‌السلام إن الله تعالى ينتصف للجماء من القرناء.

واحتج النافون للعوض بقوله عليه‌السلام : جرح العجماء جبار.

واحتج القاضي بأن التمكين لا يقتضي انتقال العوض من الفاعل إلى الممكن وإلا لوجب عوض القتل على صانع السيف بخلاف الإلجاء المقتضي لاستناد الفعل في الحقيقة إلى الملجئ ولهذا يحسن ذمه دون الملجأ ، وبأن العوض لو كان عليه تعالى لما حسن منعها عن الأكل.

والجواب عن الأول أنه لا دلالة في الحديث على أنه تعالى ينتصف للجماء بأن ينقل أعواض القرناء إليها وهو يصدق بتعويض الله تعالى إياها كما أن السيد إذا غرم ما أتلفه عبده يقال قد أنصف المظلوم من عبده ، مع أنه يحتمل المجاز بتشبيه الظالم لتمكنه من الظلم بالقرناء والمظلوم بالجماء لضعفه.

وعن الثاني أن المراد انتفاء القصاص.

وعن الثالث بالفرق فإن القاتل ممنوع من القتل وعنده اعتقاد عقلي يمنعه عن الإقدام عليه فلهذا لم نقل بوجوب العوض على صانع السيف بخلاف السبع.

وعن الرابع أنه قد يحسن المنع عن الأكل إذا كان لذلك المنع وجه حسن كما أنه يحسن منا الصبيان عن شرب الخمر ومنع المعاقب عن العقاب.

قال : بخلاف الإحراق عند الإلقاء في النار والقتل عند شهادة الزور.

أقول : إذا طرحنا صبيا في النار فاحترق فإن الفاعل للألم هو الله تعالى والعوض علينا نحن لأن فعل الألم واجب في الحكمة من حيث إجراء العادة والله تعالى قد منعنا من طرحه

ونهانا عنه فصار الطارح كأنه الموصل إليه الألم فلهذا كان العوض علينا دونه تعالى. وكذلك إذا شهد عند الإمام شاهدا زور بالقتل فإن العوض على الشهود وإن كان الله تعالى قد أوجب القتل والإمام تولاه وليس عليهما عوض لأنهما أوجبا بشهادتهما على الإمام إيصال الألم إليه من جهة الشرع فصار كأنهما فعلاه (لا يقال) هذا يوجب العوض عليه تعالى لأنه هو الموجب على الإمام قتله (لأنا نقول) قبول الشاهدين عادة شرعية يجب إجراؤها على قانونها كالعادات الحسيات فكما وجب العوض على الملقي للطفل في النار قضاء لحق العادة الحسية كذلك وجب العوض هنا على الشاهدين قضاء لحق العادة الشرعية والمناط هو الحكمة المقتضية لاستمرار العادات.

قال : والانتصاف عليه تعالى واجب عقلا وسمعا.

أقول : اختلف أهل العدل في ذلك فذهب قوم منهم إلى أن الانتصاف للمظلوم من الظالم واجب على الله تعالى عقلا لأنه هو المدبر لعباده فنظره كنظر الوالد لولده فكما يجب على الوالد الانتصاف كذلك يجب عليه تعالى قياسا للغائب على الشاهد. وقال آخرون منهم إنه يجب سمعا لأن الوالد يجب عليه تدبير أولاده وتأديبهم أما الانتصاف بأخذ الأرش من الظالم ودفعه إلى المظلوم فلا نسلم وجوبه عقلا بل يحسن منا تركهم إلى أن تكمل عقولهم لينتصف بعضهم من بعض والمصنف ـ رحمه‌الله ـ اختار وجوبه عقلا وسمعا أما من حيث العقل فلأن ترك الانتصاف منه تعالى يستدعي ضياع حق المظلوم لأنه تعالى مكن الظالم وخلي بينه وبين المظلوم مع قدرته تعالى على منعه ولم يمكن المظلوم من الانتصاف فلو لا تكلفه تعالى بالانتصاف لضاع حق المظلوم وذلك قبيح عقلا. وأما من حيث السمع فلورود القرآن بأنه تعالى يقضي بين عباده ولوصف المسلمين له تعالى بأنه الطالب أي الذي يطلب حق الغير من الغير.

قال : فلا يجوز تمكين الظالم من الظلم من دون عوض في الحال يوازي ظلمه.

أقول : هذا تفريع على وجوب الانتصاف وهو أنه هل يجوز تمكين الله تعالى من الظلم من لا عوض له في الحال يوازي ظلمه فمنع منه المصنف ـ رحمه‌الله ـ وقد اختلف أهل

العدل هنا فقال أبو هاشم والكعبي إنه يجوز لكنهما اختلفا فقال الكعبي يجوز أن يخرج من الدنيا ولا عوض له يوازي ظلمه وقال إن الله تعالى يتفضل عليه بالعوض المستحق عليه ويدفعه إلى المظلوم ، وقال أبو هاشم لا يجوز بل يجب التبقية لأن الانتصاف واجب والتفضل ليس بواجب فلا يجوز تعليق الواجب بالجائز. قال السيد المرتضى إن التبقية تفضل أيضا فلا يجوز تعليق الانتصاف بها فلهذا وجب العوض في الحال واختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ لما ذكرناه.

قال : فإن كان المظلوم من أهل الجنة فرق الله تعالى أعواضه على الأوقات أو تفضل عليه بمثلها وإن كان من أهل العقاب أسقط بها جزءا من عقابه بحيث لا يظهر له التخفيف بأن يفرق الناقص على الأوقات.

أقول : لما بين وجوب الانتصاف ذكر كيفية إيصال العوض إلى مستحقه (واعلم) أن المستحق للعوض إما أن يكون مستحقا للجنة أو للنار فإن كان مستحقا للجنة فإن قلنا إن العوض دائم فلا بحث وإن قلنا إنه منقطع توجه الإشكال بأن يقال لو أوصل العوض إليه ثم انقطع عنه حصل له الألم بانقطاعه. والجواب من وجهين : الأول أنه يوصل إليه عوضه متفرقا على الأوقات بحيث لا يبين له انقطاعه فلا يحصل له الألم. الثاني أن يتفضل الله تعالى عليه بعد انقطاعه بمثله دائما فلا يحصل الألم ، وإن كان مستحقا للعقاب جعل الله تعالى عوضه جزءا من عقابه بمعنى أنه يسقط من عقابه بإزاء ما يستحقه من الأعواض إذ لا فرق في العقل بين إيصال النفع ودفع الضرر في الإيثار فإذا خفف عقابه وكانت آلامه عظيمة علم أن آلامه بعد إسقاط ذلك القدر من العقاب أشد ولا يظهر له أنه كان في راحة ، أو نقول إنه تعالى ينقص من آلامه ما يستحقه من أعواضه متفرقا على الأوقات بحيث لا يظهر له الخفة من قبل.

قال : ولا يجب دوامه لحسن الزائد بما يختار معه الألم وإن كان منقطعا ولا يجب حصوله في الدنيا لاحتمال مصلحة التأخير والألم علي القطع ممنوع مع أنه غير محل النزاع.

أقول : لما ذكر وجوب العوض شرع في بيان أحكامه وقد اختلف الشيخان هنا فقال

أبو علي الجبائي إنه يجب دوامه وقال أبو هاشم لا يجب واختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ ـ والدليل عليه أن العوض إنما حسن لاشتماله على النفع الزائد على الألم أضعافا يختار معه المولم ألمه ومثل هذا يتحقق في المنقطع فكان وجه الحسن فيه ثابتا فلا تجب إدامته.

وقد احتج أبو علي بوجهين أشار المصنف إلى الجواب عنهما : الأول أنه لو كان العوض منقطعا لوجب إيصاله في الدنيا لأن تأخير الواجب بعد وجوبه وانتفاء الموانع منع للواجب وإنما قلنا بانتفاء الموانع لأن المانع هو الدوام مع انقطاع الحياة المانع من دوامه.(والجواب) لا نسلم أن المانع من تقدمه في الدنيا إنما هو انقطاع الحياة لجواز أن يكون في تأخيره مصلحة خفية.

الثاني لو كان العوض منقطعا لزم دوامه والتالي لا يجامع المقدم بيان الملازمة أنه بانقطاعه يتألم صاحب العوض والألم يستلزم العوض فيلزم من انقطاعه دوامه.

والجواب من وجهين : الأول يجوز انقطاعه من غير أن يشعر صاحبه بانقطاعه إما لإيصاله إليه على التدريج في الأوقات بحيث لا يشعر بانتفائه لكثرة غيره من منافعه ، أو بأن يجعله ساهيا ثم يقطعه فلا يتألم حينئذ. الثاني أنه غير محل النزاع لأن البحث في العوض المستحق على الألم هل يجب إدامته وليس البحث في استلزام الألم الحاصل بالانقطاع لعوض آخر وهكذا دائما.

قال : ولا يجب إشعار صاحبه بإيصاله عوضا.

أقول : هذا حكم آخر للعوض يفارق به الثواب وهو أنه لا يجب إشعار مستحقه بتوفيقه عوضا له بخلاف الثواب إذ يجب في الثواب مقارنة التعظيم ولا فائدة فيه إلا مع العلم به أما هنا فلأنه منافع وملاذ وقد ينتفع ويلتذ من لا يعلم ذلك فما يجب إيصاله إلى المثاب في الآخرة من الأعواض يجب أن يكون عالما به من حيث إنه مثاب لا من حيث إنه معوض وحينئذ أمكن أن يوفيه الله تعالى في الدنيا على بعض المعوضين غير المكلفين وأن ينتصف لبعضهم من بعض في الدنيا فلا تجب إعادتهم في الآخرة.

قال : ولا يتعين منافعه.

أقول : هذا حكم ثالث للعوض وهو أنه لا يتعين منافعه بمعنى أنه لا يجب إيصاله في منفعة معينة دون أخرى بل يصلح توفيته بكل ما يحصل فيه شهوة المعوض وهذا بخلاف الثواب لأنه يجب أن يكون من جنس ما ألفه المكلف من ملاذه كالأكل والشرب واللبس والمنكح لأنه رغب به في تحمل المشاق بخلاف العوض فإنا قد بينا أنه يصح إيصاله إليه وإن لم يعلم أنه عوض عما وصل إليه من الألم فصح إيصاله إليه بكل منفعة.

قال : ولا يصح إسقاطه.

أقول : هذا حكم آخر للعوض وهو أنه لا يصح إسقاطه ولا هبته ممن وجب عليه في الدنيا ولا في الآخرة سواء كان العوض عليه تعالى أو علينا هذا قول أبي هاشم وقاضي القضاة. وجزم أبو الحسين بصحة إسقاط العوض علينا إذا استحل الظالم من المظلوم وجعله في حل بخلاف العوض عليه تعالى فإنه لا يسقط لأن إسقاطه عنه تعالى عبث لعدم انتفاعه به.

واحتج القاضي بأن مستحق العوض لا يقدر على استيفائه ولا على المطالبة. به ولا يعرف مقداره ولا صفته فصار كالصبي المولى عليه لا يصح له إسقاط حقه عن غريمه.

والوجه عندي جواز ذلك لأنه حقه وفي هبته نفع للموهوب ويمكن نقل هذا الحق إليه فكان جائزا. والحمل على الصبي غير تام لأن الشرع منع الصبي من التصرف في ماله لمصلحة شرعية حتى أنا لو لا الشرع لجوزنا من الصبي المميز إذا علم دينه ، وأن هبته إحسان إلى الغير وآثر هذا الإحسان لانتفاء الضرر عنه مع اشتماله على الاختيار في الهبة لأنه كالبالغ لكن الشرع فرق بينهما وعلى هذا لو كان العوض مستحقا عليه تعالى أمكن هبته مستحقة لغيره من العباد لما ذكرنا من أنه حقه وفي هبته انتفاع الموهوب وإمكان نقل هذا الحق أما الثواب المستحق عليه تعالى فلا يصح منا هبته لغيرنا لأنه مستحق بالمدح فلا يصح نقله إلى من لا يستحقه.

قال : والعوض عليه تعالى يجب تزايده إلى حد الرضا عند كل عاقل وعلينا يجب مساواته.

أقول : هذا حكم آخر للعوض وهو أنه إما أن تكون علينا أو عليه تعالى أما العوض الواجب عليه تعالى فإنه يجب أن يكون زائدا عن الألم الحاصل بفعله أو بأمره أو بإباحته أو بتمكينه لغير العاقل زيادة تنتهي إلى حد الرضا من كل عاقل بذلك العوض في مقابلة ذلك الألم لو فعل له لأنه لو لا ذلك لزم الظلم أما مع مثل هذا العوض فإنه يصير كأنه لم يفعل وأما العوض علينا فإنه يجب مساواته لما فعله من الألم أو فوته من المنفعة لأن الزائد على ما يستحق عليه من الضمان يكون ظلما ولا يخرج ما فعلناه بالضمان عن كونه ظلما قبيحا فلا يلزم أن يبلغ الحد الذي شرطناه في الآلام الصادرة منه تعالى.

المسألة الخامسة عشرة

في الآجال

قال : وأجل الحيوان الوقت الذي علم الله تعالى بطلان حياته فيه.

أقول : لما فرغ من البحث عن الأعواض انتقل إلى البحث عن الآجال وإنما بحث عنه المتكلمون لأنهم بحثوا عن المصالح والألطاف وجاز أن يكون موت إنسان في وقت مخصوص لطفا لغيره من المكلفين فبحثوا عنه بعد بحثهم عن المصالح (واعلم) أن الأجل هو الوقت ونعني بالوقت هو الحادث أو ما يقدر تقدير الحادث كما يقال جاء زيد عند طلوع الشمس فإن طلوع الشمس أمر حادث معلوم لكل أحد فجعل وقتا لغيره ولو فرض جهالة طلوع الشمس وعلم مجيء زيد لبعض الناس صح أن يقال طلعت الشمس عند مجيء زيد إذا عرفت هذا فأجل الحيوان هو الوقت الذي علم الله تعالى بطلان حياة ذلك الحيوان فيه وأجل الدين هو الوقت الذي جعله الغريمان محلا له.

قال : والمقتول يجوز فيه الأمران لولاه.

أقول : اختلف الناس في المقتول لو لم يقتل فقالت المجبرة إنه كان يموت قطعا وهو قول أبي الهذيل العلاف. وقال بعض البغداديين إنه كان يعيش قطعا. وقال أكثر المحققين إنه كان يجوز أن يعيش ويجوز أن يموت ثم اختلفوا فقال قوم منهم إن من كان المعلوم منه البقاء لو لم يقتل له أجلان وقال الجبائيان وأصحابهما وأبو الحسين البصري إن أجله هو الوقت الذي قتل فيه وليس له أجل لو لم يقتل فما كان يعيش إليه ليس بأجل له الآن حقيقي بل تقديري.

واحتج الموجبون لموته بأنه لولاه لزم خلاف معلوم الله تعالى وهو محال.

واحتج الموجبون لحياته بأنه لو مات لكان الذابح غنم غيره محسنا إليه ، ولما وجب القود لأنه لم يفوت حياته.

والجواب عن الأول ما تقدم من أن العلم لا يؤثر في المعلوم (وعن الثاني) بمنع الملازمة إذ لو ماتت الغنم استحق مالكها عوضا زائدا على الله تعالى فذبحه فوت عليه الأعواض الزائدة ، والقود من حيث مخالفة الشارع إذ قتله حرام عليه وإن علم موته ولهذا لو أخبر الصادق بموت زيد لم يجز لأحد قتله.

قال : ويجوز أن يكون الأجل لطفا للغير لا للمكلف.

أقول : لا استبعاد في أن يكون أجل الإنسان لطفا لغيره من المكلفين ولا يمكن أن يكون لطفا للمكلف نفسه لأن الأجل يطلق على عمره وحياته ، ويطلق على أجل موته (أما الأول) فليس بلطف لأنه تمكين له من التكليف واللطف زائد على التمكين. (وأما الثاني) فهو قطع التكليف فلا يصح أن يكلف بعده فيكون لطفا له فيما يكلفه من بعد واللطف لا يصح أن يكون لطفا فيما مضى.

المسألة السادسة عشرة

في الأرزاق

قال : والرزق ما صح الانتفاع به ولم يكن لأحد منعه منه.

أقول : الرزق عند المجبرة ما أكل سواء كان حراما أو حلالا وعند المعتزلة أنه ما صح الانتفاع به ولم يكن لأحد منع المنتفع به لقوله تعالى (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) والله تعالى لا يأمر بالإنفاق من الحرام قالوا ولا يوصف الطعام المباح في الضيافة أنه رزقه ما لم يستهلكه لأن للمبيح منعه قبل استهلاكه بالمضغ والبلع وكذا طعام البهيمة ليس رزقا لها قبل أن تستهلكه لأن للمالك منعها منه إلا إذا وجب رزقها عليه والغاصب إذا استهلك الطعام المغصوب بالأكل لا يوصف بأنه رزقه لأن الله تعالى منعه من الانتفاع به بعد مضغه وبلعه لأن تصرفاته أجمع محرمة بخلاف من أبيح له الطعام لأنه بعد المضغ والبلع لا يحسن من أحد تفويته الانتفاع به لأنه معدود فيما تقدم من الأسباب المؤدية إلى الانتفاع به. وليس الرزق هو الملك لأن البهيمة مرزوقة وليست مالكة والله تعالى مالك ولا يقال إن الأشياء رزق له تعالى والولد والعلم رزق لنا وليسا ملكا لنا فحينئذ الأرزاق كلها من قبله تعالى لأنه خالق جميع ما ينتفع به وهو الممكن من الانتفاع والتوصل إلى اكتساب الرزق وهو الذي يجعل العبد أخص بالانتفاع به بعد الحيازة أو غيرها من الأسباب الموصلة إليه ويحظر على غيره منعه من الانتفاع وهو خالق الشهوة التي بها يتمكن من الانتفاع.

قال : والسعي في تحصيله قد يجب ويستحب ويباح ويحرم.

أقول : ذهب جمهور العقلاء إلى أن طلب الرزق سائغ وخالف فيه بعض الصوفية لاختلاط الحرام بالحلال بحيث لا يتميز وما هذا سبيله يجب الصدقة به فيجب على الغني دفع ما في يده إلى الفقير بحيث يصير فقيرا ليحل له أخذ الأموال الممتزجة بالحرام ولأن في

ذلك مساعدة للظالمين بأخذ العشور والخراجات ومساعدة الظالم محرمة. والحق ما قلناه ويدل عليه المعقول والمنقول أما المنقول فلأنه دافع للضرر فيكون واجبا. وأما المنقول فقوله تعالى (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) إلى غيرها من الآيات وقوله عليه‌السلام (سافروا تغنموا) أمر بالسفر لأجل الغنيمة.

والجواب عن الأول بالمنع من عدم التميز إذ الشارع ميز الحلال من الحرام بظاهر اليد ولأن تحريم التكسب من هذه الحيثية يقتضي تحريم التناول واللازم باطل اتفاقا (وعن الثاني) أن المكتسب غرضه الانتفاع بزراعته أو تجارته لا تقوية الظلمة (إذا عرفت هذا) فالسعي في طلب الرزق قد يجب مع الحاجة ، وقد يستحب إذا طلب التوسعة عليه وعلى عياله ، وقد يباح مع الغنى عنه ، وقد يحرم مع منعه عن الواجب.

المسألة السابعة عشرة

في الأسعار

قال : والسعر تقدير العوض الذي يباع به الشيء وهو رخص وغلاء ولا بد من اعتبار العادة واتحاد الوقت والمكان ويستند إليه تعالى وإلينا أيضا.

أقول : السعر هو تقدير العوض الذي يباع به الشيء وليس هو الثمن ولا المثمن وهو ينقسم إلى رخص وغلاء فالرخص هو السعر المنحط عما جرت به العادة مع اتحاد الوقت والمكان ، والغلاء زيادة السعر عما جرت به العادة مع اتحاد الوقت والمكان. وإنما اعتبرنا الزمان والمكان لأنه لا يقال إن الثلج قد رخص سعره في الشتاء عند نزول الثلج لأنه ليس أوان بيعه ويجوز أن يقال رخص في الصيف إذا نقص سعره عما جرت به عادته في ذلك الوقت ولا يقال رخص سعره في الجبال التي يدوم نزوله فيها لأنها ليست مكان بيعه ويجوز أن يقال رخص سعره في البلاد التي اعتيد بيعه فيها.

(واعلم) أن كل واحد من الرخص والغلاء قد يكون من قبله تعالى بأن يقلل جنس المتاع المعين ويكثر رغبة الناس إليه فيحصل الغلاء لمصلحة المكلفين وقد يكثر جنس ذلك

المتاع ويقلل رغبة الناس إليه تفضلا منه تعالى وإنعاما أو لمصلحة دينية فيحصل الرخص وقد يحصلان من قبلنا بأن يحمل السلطان الناس على بيع تلك السلعة بسعر غال ظلما منه أو لاحتكار الناس أو لمنع الطريق خوف الظلمة أو لغير ذلك من الأسباب المستندة إلينا فيحصل الغلاء وقد يحمل السلطان الناس على بيع السلعة برخص ظلما منه أو يحملهم على بيع ما في أيديهم من جنس ذلك المتاع فيحصل الرخص.

المسألة الثامنة عشرة

في الأصلح

قال : والأصلح قد يجب لوجود الداعي وانتفاء الصارف.

أقول : اختلف الناس هنا فقال الشيخان أبو علي وأبو هاشم وأصحابهما إن الأصلح ليس بواجب على الله تعالى. وقال البلخي إنه واجب وهو مذهب البغداديين وجماعة من البصريين وقال أبو الحسين البصري إنه يجب في حال دون حال وهو اختيار المصنف ـ رحمه‌الله ـ وتحرير صورة النزاع أن الله تعالى إذا علم انتفاع زيد بإيجاد قدر من المال له وانتفاء الضرر به في الدين عنه وعن غيره من المكلفين هل يجب إيجاد ذلك القدر له أم لا؟ احتج الموجبون بأن لله تعالى داعيا إلى إيجاده وليس له صارف عنه فيجب ثبوته لأن مع ثبوت القدرة ووجود الداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل. وبيان تحقق الداعي أنه إحسان خال عن جهات المفسدة ، وبيان انتفاء الصارف أن المفاسد منتفية ولا مشقة فيه.

واحتج النفاة بأن وجوبه يؤدي إلى المحال فيكون محالا. بيان الملازمة أنا لو فرضنا انتفاء المفسدة في الزائد على ذلك القدر وثبوت المصلحة فإن وجب إيجاده لزم وقوع ما لا نهاية له لأنا نفرض ذلك في كل زائد ، وإن لم يجب ثبت المطلوب.

قال أبو الحسين إذا كان ذلك القدر مصلحة خالية عن المفسدة وكان الزائد عليه مفسدة وجب عليه أن يعطيه ذلك القدر لوجود الداعي وانتفاء الصارف وإذا لم يكن في

الزائد مفسدة إلى غير النهاية فإنه تعالى قد يفعل ذلك القدر وقد لا يفعله لأن من دعاه الداعي إلى الفعل وكان ذلك الداعي حاصلا في فعل ما يشق فإن ذلك يجري مجرى الصارف عنه فيصير الداعي مترددا بين الداعي والصارف فلا يجب الفعل ولا الترك وتمثل بأن من دعاه الداعي على دفع درهم إلى فقير ولم يظهر له ضرر في دفعه فإنه يدفعه إليه فإن حضره من الفقراء جماعة يكون الدفع إليهم مساويا للدفع إلى الأول ويشق عليه الدفع إليهم لحصول الضرر فإنه قد يدفع الدرهم إلى الفقير منهم وقد لا يدفعه فإذا كان حصول الداعي فيما يشق يقتضي تجويز العدم فحصوله فيما يستحيل وجوده أولى لانتفاء الفعل معه فلهذا قال قد يجب الأصلح في بعض الأحوال دون بعض. وللنفاة وجوه أخر ، ذكرناها في كتاب نهاية المرام على الاستقصاء.

قال :

المقصد الرابع في :

النبوة

البعثة حسنة لاشتمالها على فوائد كمعاضدة العقل فيما يدل عليه واستفادة الحكم فيما لا يدل وإزالة الخوف واستفادة الحسن والقبح والنافع والضار وحفظ النوع الإنساني وتكميل أشخاصه بحسب استعداداتهم المختلفة وتعليمهم الصنائع الخفية والأخلاق والسياسات والإخبار بالعقاب والثواب فيحصل اللطف للمكلف.

أقول : في هذا المقصد مسائل :

المسألة الأولى

في حسن البعثة

اختلف الناس في ذلك فذهب المسلمون كافة وجميع أرباب الملل وجماعة من الفلاسفة إلى ذلك ومنعت البراهمة منه والدليل على حسن البعثة أنها قد اشتملت على فوائد وخلت عن المفاسد فكانت حسنة قطعا وقد ذكر المصنف ـ رحمه‌الله ـ جملة من فوائد البعثة (منها) أن يعتضد العقل بالنقل فيما يدل العقل عليه من الأحكام كوحدة الصانع وغيرها وأن يستفاد الحكم من البعثة فيما لا يدل العقل عليه كالشرائع وغيرها من مسائل الأصول (ومنها) إزالة الخوف الحاصل للمكلف عند تصرفاته إذ قد علم بالدليل العقلي أنه مملوك لغيره وأن التصرف في ملك الغير بغير إذنه قبيح فلولا البعثة لما علم حسن

التصرفات فيحصل الخوف بالتصرف وبعدمه إذ يجوز العقل طلب المالك من العبد فعلا لا سبيل إلى فعله إلا بالبعثة فيحصل الخوف (ومنها) أن بعض الأفعال حسنة وبعضها قبيحة ثم الحسنة منها ما يستقل العقل بمعرفة حسنه ومنها ما لا يستقل وكذا القبيحة ومع البعثة يحصل معرفة الحسن والقبح اللذين لا يستقل العقل بمعرفتهما و (منها) أن بعض الأشياء نافعة لنا مثل كثير من الأغذية والأدوية وبعضها ضار لنا مثل كثير من السموم والحشائش والعقل لا يدرك ذلك كله وفي البعثة تحصل هذه الفائدة العظيمة (ومنها) أن النوع الإنساني خلق لا كغيره من الحيوانات فإنه مدني بالطبع يحتاج إلى أمور كثيرة في معاشه لا يتم نظامه إلا بها وهو عاجز عن فعل الأكثر منها إلا بمشاركة ومعاونة والتغلب موجود في الطبائع البشرية بحيث يحصل التنافر المضاد لحكمة الاجتماع فلا بد من جامع يقهرهم على الاجتماع وهو السنة والشرع ولا بد للسنة من شارع يسنها ويقرر ضوابطها ولا بد وأن يتميز ذلك الشخص من غيره من بني نوعه لعدم الأولوية وذلك المائز لا يجوز أن يكون مما يحصل من بني النوع لوقوع التنافر في التخصيص فلا بد وأن يتميز من قبل الله تعالى بمعجزة ينقاد البشر إلى تصديق مدعيها ويخوفهم من مخالفته ويعدهم على متابعته بحيث يتم النظام ويستقر حفظ النوع الإنساني على كماله الممكن له (ومنها) أن أشخاص البشر متفاوتة في إدراك الكمالات وتحصيل المعارف واقتناء الفضائل فبعضهم مستغن عن معاون لقوة نفسه وكمال إدراكه وشدة استعداده للاتصال بالأمور العالية وبعضهم عاجز عن ذلك بالكلية وبعضهم متوسط الحال وتتفاوت مراتب الكمال في هذه المرتبة بحسب قربها من أحد الطرفين وبعدها عن الآخر وفائدة النبي تكميل الناقص من أشخاص النوع بحسب استعداداتهم المختلفة في الزيادة والنقصان (ومنها) أن النوع الإنساني محتاج إلى آلات وأشياء نافعة في بقائه كالثياب والمساكن وغيرها وذلك مما يحتاج في تحصيله إلى معرفة عمله والقوة البشرية عاجزة عنه ففائدة النبي في ذلك تعليم هذه الصنائع النافعة الخفية (ومنها) أن مراتب الأخلاق وتفاوتها معلوم يفتقر فيه إلى مكمل بتعليم الأخلاق والسياسات بحيث تنتظم أمور الإنسان بحسب بلده ومنزله (ومنها) أن الأنبياء يعرفون

الثواب والعقاب على الطاعة وتركها فيحصل للمكلف اللطف ببعثتهم فتجب بعثتهم لهذه الفوائد.

قال : وشبهة البراهمة باطلة بما تقدم.

أقول : احتجت البراهمة على انتفاء البعثة بأن الرسول إما أن يأتي بما يوافق العقول أو بما يخالفها فإن جاء بما يوافق العقول لم يكن إليه حاجة ولا فائدة فيه وإن جاء بما يخالف العقول وجب رد قوله. وهذه الشبهة باطلة بما تقدم في أول الفوائد وذلك أن نقول لم لا يجوز أن يأتوا بما يوافق العقول وتكون الفائدة فيه التأكيد لدليل العقل أو نقول لم لا يجوز أن يأتوا بما لا تقتضيه العقول ولا تهتدي إليه وإن لم يكن مخالفا للعقول بمعنى أنهم لا يأتون بما يقتضي العقل نقيضه مثل كثير من الشرائع والعبادات التي لا يهتدي العقل إلى تفصيلها.

المسألة الثانية

في وجوب البعثة

قال : وهي واجبة لاشتمالها على اللطف في التكاليف العقلية.

أقول : اختلف الناس هنا فقالت المعتزلة إن البعثة واجبة وقالت الأشعرية إنها غير واجبة. احتجت المعتزلة بأن التكاليف السمعية ألطاف في التكاليف العقلية واللطف واجب فالتكليف السمعي واجب ولا تمكن معرفته إلا من جهة النبي فيكون وجود النبي واجبا لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. واستدلوا على كون التكليف السمعي لطفا في العقلي بأن الإنسان إذا كان مواظبا على فعل الواجبات السمعية وترك المناهي الشرعية كان من فعل الواجبات العقلية والانتهاء عن المناهي العقلية أقرب وهذا معلوم بالضرورة لكل عاقل وقد بينا فيما تقدم أن اللطف واجب.

المسألة الثالثة

في وجوب العصمة

قال : ويجب في النبي العصمة ليحصل الوثوق فيحصل الغرض ولوجوب متابعته وضدها والإنكار عليه.

أقول : اختلف الناس هنا فجماعة المعتزلة جوزوا الصغائر على الأنبياء إما على سبيل السهو كما ذهب إليه بعضهم أو على سبيل التأويل كما ذهب إليه قوم منهم أو لأنها تقع محبطة بكثرة ثوابهم. وذهبت الأشعرية والحشوية إلى أنه يجوز عليهم الصغائر والكبائر إلا الكفر والكذب وقالت الإمامية إنه تجب عصمتهم عن الذنوب كلها صغيرها وكبيرها والدليل عليه وجوه : أحدها أن الغرض من بعثة الأنبياء عليهم‌السلام إنما يحصل بالعصمة فتجب العصمة تحصيلا للغرض. وبيان ذلك أن المبعوث إليهم لو جوزوا الكذب على الأنبياء والمعصية جوزوا في أمرهم ونهيهم وأفعالهم التي أمروهم باتباعهم فيها ذلك وحينئذ لا ينقادون إلى امتثال أوامرهم وذلك نقض للغرض من البعثة. الثاني أن النبي تجب متابعته فإذا فعل معصية فإما أن تجب متابعته أو لا والثاني باطل لانتفاء فائدة البعثة والأول باطل لأن المعصية لا يجوز فعلها وأشار بقوله لوجوب متابعته وضدها إلى هذا الدليل لأنه بالنظر إلى كونه نبيا تجب متابعته وبالنظر إلى كون الفعل معصية لا يجوز اتباعه. الثالث أنه إذا فعل معصية وجب الإنكار عليه لعموم وجوب النهي عن المنكر وذلك يستلزم إيذاءه وهو منهي عنه وكل ذلك محال.

قال : وكمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي وعدم السهو وكلما ينفر عنه من دناءة الآباء وعهر الأمهات والفظاظة والغلظة والأبنة وشبهها والأكل على الطريق وشبهه.

أقول : يجب أن يكون في النبي هذه الصفات التي ذكرها وقوله وكمال العقل عطف على العصمة أي ويجب في النبي كمال العقل وذلك ظاهر. وأن يكون في غاية الذكاء

والفطنة وقوة الرأي بحيث لا يكون ضعيف الرأي مترددا في الأمور متحيرا لأن ذلك من أعظم المنفرات عنه وأن لا يصح عليه السهو لئلا يسهو عن بعض ما أمر بتبليغه. وأن يكون منزها عن دناءة الآباء وعهر الأمهات لأن ذلك منفر عنه وأن يكون منزها عن الفظاظة والغلظة لئلا يحصل النفرة عنه. وأن يكون منزها عن الأمراض المنفرة نحو الأبنة وسلس الريح والجذام والبرص وعن كثير من المباحات الصارفة عن القبول منه القادحة في تعظيمه نحو الأكل على الطريق وغير ذلك لأن ذلك كله مما ينفر عنه فيكون منافيا للغرض من البعثة.

المسألة الرابعة

في الطريق إلى معرفة صدق النبي

قال : وطريق معرفة صدقه ظهور المعجز على يده وهو ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى.

أقول : لما ذكر صفات النبي وجب عليه ذكر بيان معرفة صدقه وهو شيء واحد وهو ظهور المعجز على يده ونعني بالمعجز ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى لأن الثبوت والنفي سواء في الإعجاز فإنه لا فرق بين قلب العصا حية وبين منع القادر عن رفع أصغر الأشياء وشرطنا خرق العادة لأن فعل المعتاد أو نفيه لا يدل على الصدق وقلنا مع مطابقة الدعوى لأن من يدعي النبوة ويسند معجزته إلى إبراء الأعمى فيحصل له الصمم مع عدم برء العمى لا يكون صادقا. ولا بد في المعجز من شروط : أحدها أن يعجز عن مثله أو ما يقاربه الأمة المبعوث إليها. الثاني أن يكون من قبل الله تعالى أو بأمره. الثالث أن يكون في زمان التكليف لأن العادة تنتقض عند أشراط الساعة. الرابع أن يحدث عقيب دعوى المدعي للنبوة أو جاريا مجرى ذلك ونعني بالجاري مجرى ذلك أن يظهر دعوى النبي في زمانه وأنه لا مدعي للنبوة غيره ثم يظهر المعجز بعد أن ظهر معجز آخر عقيب دعواه فيكون ظهور الثاني كالمتعقب لدعواه لأنه يعلم تعلقه بدعواه وأنه لأجله ظهر كالذي ظهر عقيب دعواه. الخامس أن

يكون خارقا للعادة.

المسألة الخامسة

في الكرامات

قال : وقصة مريم وغيرها تعطي جواز ظهوره على الصالحين.

قال : اختلف الناس هنا فذهب جماعة من المعتزلة إلى المنع من إظهار المعجز على الصالحين كرامة لهم ومن إظهاره على العكس على الكذابين إظهارا لكذبهم. وجوزه أبو الحسين منهم وجماعة أخرى من المعتزلة والأشاعرة وهو الحق واستدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ بقصة مريم فإنها تدل على ظهور معجزات عليها وغيرها مثل قصة آصف وكالأخبار المتواترة المنقولة عن علي عليه‌السلام وغيره من الأئمة. وحمل المانعون قصة مريم على الإرهاص لعيسى عليه‌السلام وقصة آصف على أنه معجز لسليمان عليه‌السلام مع بلقيس كأنه يقول إن بعض أتباعي يقدر على هذا مع عجزكم عنه ولهذا أسلمت بعد الوقوف على معجزاته ، وقصة علي عليه‌السلام على تكملة معجزات النبي عليه‌السلام.

قال : ولا يلزم خروجه عن الإعجاز ولا التنفير ولا عدم التميز ولا إبطال دلالته ولا العمومية.

أقول : هذه وجوه استدل بها المانعون من المعتزلة : الأول قالوا لو جاز ظهور المعجزة على غير الأنبياء إكراما لهم لجاز ظهورها عليهم وإن لم يعلم بها غيرهم لأن الغرض هو سرورهم وإذا جاز ذلك بلغت في الكثرة إلى خروجها عن الإعجاز. والجواب المنع من الملازمة لأن خروجها عن حد الإعجاز وجه قبح ونحن إنما نجوز ظهور المعجزة إذا خلا عن جهات القبح فنجوز ظهورها ما لم تبلغ في الكثرة إلى حد خروجها عن الإعجاز.

الثاني قالوا لو جاز ظهور المعجزة على غير النبي لزم التنفير عن الأنبياء إذ علة وجوب طاعتهم ظهور المعجزة عليهم فإذا شاركهم في ذلك من لا تجب طاعته هان موقعه ولهذا لو

أكرم الرئيس بنوع ما كل أحد هان موقع ذلك النوع لمن يستحق الإكرام. والجواب بمنع انحطاط مرتبة الإعجاز كما لو ظهر على نبي آخر فإنه لو لم يظهر إلا على نبي واحد لكان موقعه أعظم فكما لا تلزم الإهانة مع ظهوره على جماعة من الأنبياء كذا لا تلزم الإهانة مع ظهوره على الصالحين.

الثالث احتجاج أبي هاشم قال المعجز يدل بطريق الإبانة والتخصيص وفسره قاضي القضاة بأن المعجز يدل على تميز النبي عن غيره إذ الأمة مشاركون له في الإنسانية ولوازمها فلو لا المعجز لما تميز عنهم فلو شاركه غيره فيه لم يحصل الامتياز. والجواب أن امتياز النبي يحصل بالمعجز واقتران دعوى النبوة وهذا شيء يختص به دون غيره ولا يلزم من مشاركة غيره له في المعجزة مشاركته له في كل شيء.

الرابع لو جاز إظهار المعجز على غير النبي لبطلت دلالته على صدق مدعي النبوة والتالي باطل فالمقدم مثله ، بيان الملازمة أن ثبوت المعجز في غير صورة النبوة ينفي اختصاصه بها وحينئذ لا يظهر الفرق بين مدعي النبوة وغيرها في المعجز فبطلت دلالته إذ لا دلالة للعام على الخاص (والجواب) المنع من الملازمة لأن المعجز مع الدعوى مختص بالنبي فإذا ظهرت المعجزة على شخص فإما أن يدعي النبوة أو لا فإن ادعاها علمنا صدقه إذ إظهار المعجزة على يد الكاذب قبيح عقلا ، وإن لم يدع النبوة لم يحكم بنبوته والحاصل أن المعجزة لا تدل على النبوة ابتداء بل تدل على صدق الدعوى فإن تضمنت الدعوى النبوة دلت المعجزة على تصديق المدعي في دعواه ويستلزم ذلك ثبوت النبوة.

الخامس قالوا لو جاز إظهار المعجز على صادق ليس بنبي لجاز إظهاره على كل صادق فجاز إظهار المعجز على المخبر بالجوع والشبع وغيرهما. والجواب لا يلزم العمومية أي لا يلزم إظهار المعجز على كل صادق إذ نحن إنما نجوز إظهاره على مدعي النبوة أو الصلاح إكراما له وتعظيما وذلك لا يحصل لكل مخبر بصدق.

قال : ومعجزاته عليه‌السلام قبل النبوة تعطي الإرهاص.

أقول : اختلف الناس هنا فالذين منعوا الكرامات منعوا من إظهار المعجزة على سبيل

الإرهاص إلا جماعة منهم وجوزه الباقون واستدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ على تجويزه بوقوع معجزات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل النبوة كما نقل من انشقاق إيوان كسرى ، وغور ماء بحيرة ساوا ، وانطفاء نار فارس وقصة أصحاب الفيل والغمام الذي كان يظله عن الشمس وتسليم الأحجار عليه ، وغير ذلك مما ثبت له عليه‌السلام قبل النبوة.

قال : وقصة مسيلمة وفرعون إبراهيم تعطي جواز إظهار المعجزة على العكس.

أقول : اختلف الناس هنا فالذين منعوا الكرامات منعوا من إظهار المعجزة على يد الكاذبين على العكس من دعواهم إظهارا لكذبهم واستدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ بالوقوع على الجواز كما نقل عن مسيلمة الكذاب لما ادعى النبوة فقيل له إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا لأعور فرد الله عينه الذاهبة فدعا لأعور فذهبت عينه الصحيحة. وكما نقل أن إبراهيم عليه‌السلام لما جعل الله تعالى عليه النار بردا وسلاما قال نمرود عند ذلك : إنما صارت كذلك هيبة مني فجاءته نار في تلك الحال فأحرقت لحيته.(لا يقال) يكفي في التكذيب ترك المعجز عقيب دعواهم فيبقى إظهار المعجز على العكس خرقا للعادة من غير فائدة فيكون عبثا (لأنا نقول) قد يتضمن المصلحة ، إظهاره على العكس إظهارا لتكذيبه في الحال بحيث يزول الشك لتجويز أن يقال تأخير المعجز عقيب الدعوى قد يكون لمصلحة ثم يوجد بعد وقت آخر فلا يحصل الجزم التام بالتكذيب.

المسألة السادسة

في وجوب البعثة في كل وقت

قال : ودليل الوجوب يعطي العمومية.

أقول : اختلف الناس هنا فقال جماعة من المعتزلة إن البعثة لا تجب في كل وقت بل في حال دون حال وهو ما إذا كانت المصلحة في البعثة. وقال علماء الإمامية إنه تجب البعثة في كل وقت بحيث لا يجوز خلو زمان من شرع نبي وقالت الأشاعرة لا تجب البعثة

في كل وقت لأنهم ينكرون الحسن والقبح العقليين وقد مضى البحث معهم. واستدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ على وجوب البعثة في كل وقت بأن دليل الوجوب يعطي العمومية أي دليل وجوب البعثة يعطي عمومية الوجوب في كل وقت لأن في بعثته زجرا عن القبائح وحثا على الطاعة فتكون لطفا ولأن فيه تنبيه الغافل وإزالة الاختلاف ودفع الهرج والمرج وكل ذلك من المصالح الواجبة التي لا تتم إلا بالبعثة فتكون واجبة في كل وقت.

قال : ولا تجب الشريعة.

أقول : اختلف الشيخان هنا فقال أبو علي تجوز بعثة نبي لتأكيد ما في العقول ولا يجب أن تكون له شريعة. وقال أبو هاشم وأصحابه لا يجوز أن يبعث إلا بشريعة لأن العقل كاف في العلم بالعقليات فالبعثة تكون عبثا. والجواب يجوز أن تكون البعثة قد اشتملت على نوع من المصلحة بأن يكون العلم بنبوته ودعائه إياهم إلى ما في العقول مصلحة لهم فلا تكون البعثة عبثا ويجب عليهم النظر في معجزته فيحصل لهم مصلحة لا تحصل بدون البعثة. واحتج أبو علي بأنه يجوز بعثة نبي بعد نبي بشريعة واحدة وكذا تجوز بعثة نبي بمقتضى ما في العقول.

المسألة السابعة

في نبوة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله

قال : وظهور معجزة القرآن وغيره مع اقتران دعوة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يدل على نبوته. والتحدي مع الامتناع وتوفر الدواعي يدل على الإعجاز. والمنقول معناه متواترا من المعجزات يعضده.

أقول : لما فرغ من البحث في النبوة مطلقا شرع في إثبات نبوة نبينا محمد عليه‌السلام والدليل عليه أنه ظهرت المعجزة على يده وادعى النبوة فيكون صادقا أما ظهور المعجزة على يده فلوجهين : الأول أن القرآن معجز وقد ظهر على يده أما إعجاز القرآن فلأنه تحدى به

فصحاء العرب لقوله تعالى (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)(فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ)(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ (لِبَعْضٍ ظَهِيراً). والتحدي مع امتناعهم عن الإتيان بمثله مع توفر الدواعي عليه إظهارا لفضلهم وإبطالا لدعواه وسلامة من القتل يدل على عجزهم وعدم قدرتهم على المعارضة. وأما ظهوره على يده فبالتواتر.

الثاني أنه نقل عنه معجزات كثيرة كنبوع الماء من بين أصابعه صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى اكتفى الخلق الكثير من الماء القليل بعد رجوعه من غزاة تبوك

وكعود ماء بئر الحديبية لما استقاه أصحابه بالكلية وتنشف البئر فدفع سهمه إلى البراء بن عازب فأمره بالنزول وغرزه في البئر فغرزه فكثر الماء في الحال حتى خيف على البراء بن عازب من الغرق.

ونقل عنه عليه‌السلام في بئر قوم شكوا إليه ذهاب ماءها في الصيف فتفل فيها حتى انفجر الماء الزلال منها فبلغ أهل اليمامة ذلك فسألوا مسيلمة لما قل ماء بئرهم ذلك فتفل فيها فذهب الماء أجمع.

ولما نزل قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) قال لعلي عليه‌السلام شق فخذ شاة وجئني بعس من لبن وادع لي من بني أبيك بني هاشم ففعل علي عليه‌السلام ذلك ودعاهم وكانوا أربعين رجلا فأكلوا حتى شبعوا ما يرى فيه إلا أثر أصابعهم وشربوا من العس حتى اكتفوا واللبن على حاله فلما أراد أن يدعوهم إلى الإسلام قال أبو لهب كاد ما سحركم محمد فقاموا قبل أن يدعوهم إلى الله تعالى فقال لعلي عليه‌السلام افعل مثل ما فعلت ففعل في اليوم الثاني كالأول فلما أراد أن يدعوهم عاد أبو لهب إلى كلامه فقال لعلي عليه‌السلام : افعل مثل ما فعلت ففعل مثله في اليوم الثالث فبايع عليا عليه‌السلام على الخلافة بعده ومتابعته.

وذبح له جابر بن عبد الله عناقا يوم الخندق وخبز له صاع شعير ثم دعاه عليه‌السلام فقال أنا وأصحابي فقال نعم ثم جاء إلى امرأته وأخبرها بذلك فقالت له أأنت قلت امض وأصحابك؟ فقال لا بل هو لما قال أنا وأصحابي قلت نعم فقالت هو أعرف بما قال فلما

جاء عليه‌السلام قال ما عندكم قال جابر : ما عندنا إلا عناق في التنور وصاع من شعير خبزناه فقال له عليه‌السلام أقعد أصحابي عشرة عشرة ففعل فأكلوا كلهم.

وسبح الحصا في يده عليه‌السلام وشهد الذئب له بالرسالة فإن أهبان بن أوس كان يرعى غنما له فجاء ذئب فأخذ شاة منها فسعى نحوه فقال له الذئب : أتعجب من أخذي شاة هذا محمد يدعو إلى الحق فلا تجيبونه فجاء إلى النبي وأسلم وكان يدعى مكلم الذئب.

وتفل في عين علي عليه‌السلام لما رمدت فلم ترمد بعد ذلك أبدا ودعا له بأن يصرف الله تعالى عنه الحر والبرد فكان لباسه في الصيف والشتاء واحدا. وانشق له القمر. ودعا الشجرة فأجابته وجاءته تخد الأرض من غير جاذب ولا دافع ثم رجعت إلى مكانها. وكان يخطب عند الجذع فاتخذ له منبرا فانتقل إليه فحن الجذع إليه حنين الناقة إلى ولدها فالتزمه فسكن.

وأخبر بالغيوب في مواضع كثيرة كما أخبر بقتل الحسين عليه‌السلام وموضع الفتك به فقتل في ذلك الموضع. وأخبر بقتل ثابت بن قيس بن الشماس فقتل بعده عليه‌السلام. وأخبر أصحابه بفتح مصر وأوصاهم بالقبط خيرا فإن لهم ذمة ورحما. وأخبرهم بادعاء مسيلمة النبوة باليمامة وادعاء العنسي النبوة بصنعاء وأنهما سيقتلان فقتل فيروز الديلمي العنسي قرب وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقتل خالد بن الوليد مسيلمة. وأخبر عليا عليه‌السلام بخبر ذي الثدية وسيأتي. ودعا على عتبة بن أبي لهب لما تلا عليه‌السلام والنجم فقال عتبة كفرت برب النجم بتسليط كلب الله عليه فخرج عتبة إلى الشام فخرج الأسد فارتعدت فرائصه فقال له أصحابه من أي شيء ترتعد فقال إن محمدا دعا علي فو الله ما أظلت السماء على ذي لهجة أصدق من محمد فأحاط القوم بأنفسهم ومتاعهم عليه فجاء الأسد فلحس رءوسهم واحدا واحدا حتى انتهى إليه فضغمه ضغمة ففزع منه ومات. وأخبر بموت النجاشي وقتل زيد بن حارثة بموته فأخبر عليه‌السلام بقتله في المدينة وأن جعفرا أخذ الراية ثم قال قتل جعفر ثم توقف وقفة ثم قال وأخذ الراية عبد الله بن رواحة ثم قال وقتل عبد الله بن رواحة وقام عليه‌السلام إلى بيت جعفر واستخرج ولده ودمعت عيناه ونعى جعفرا إلى أهله ثم ظهر الأمر كما أخبر

عليه‌السلام. وقال لعمار تقتلك الفئة الباغية فقتله أصحاب معاوية ولاشتهار هذا الخبر لم يتمكن معاوية من دفعه واحتال على العوام فقال قتله من جاء به فعارضه ابن عباس وقال لم يقتل الكفار إذن حمزة وإنما قتله رسول الله لأنه هو الذي جاء به إليهم حتى قتلوه. وقال لعلي عليه‌السلام ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين فالناكثون طلحة وزبير لأنهما بايعاه ونكثا ، والقاسطون هم الظالمون وهم معاوية وأصحابه لأنهم ظلمة بغاة ، والمارقون هم الخارجون عن الملة وهم الخوارج. وهذه المعجزات بعض ما نقل واقتصرنا على هذا القدر لكثرتها وبلوغ الغرض بهذه وقد أوردنا معجزات أخرى منقولة في كتاب نهاية المرام.

قال : وإعجاز القرآن قيل لفصاحته وقيل لأسلوبه وفصاحته وقيل للصرفة والكل محتمل.

أقول : اختلف الناس هنا فقال الجبائيان إن سبب إعجاز القرآن فصاحته وقال الجويني هو الفصاحة والأسلوب معا وعنى بالأسلوب الفن والضرب وقال النظام والمرتضى هو الصرفة بمعنى أن الله تعالى صرف العرب ومنعهم عن المعارضة. واحتج الأولون بأن المنقول عن العرب أنهم كانوا يستعظمون فصاحته ولهذا أراد النابغة الإسلام لما سمع القرآن وعرف فصاحته فرده أبو جهل وقال له يحرم عليك الأطيبين وأخبر الله تعالى عنهما بذلك بقوله (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ) إلى آخر الآية. ولأن الصرفة لو كانت سببا في إعجازه لوجب أن يكون في غاية الركاكة لأن الصرفة عن الركيك أبلغ في الإعجاز والتالي باطل بالضرورة. واحتج السيد المرتضى بأن العرب كانوا قادرين على الألفاظ المفردة وعلى التركيب وإنما منعوا عن الإتيان بمثله تعجيزا لهم عما كانوا قادرين عليه وكل هذه الأقسام محتملة.

قال : والنسخ تابع للمصالح.

أقول : هذا إشارة إلى الرد على اليهود حيث قالوا بدوام شرع موسى عليه‌السلام قالوا

لأن النسخ باطل إذ المنسوخ إن كان مصلحة قبح النهي عنه وإن كان مفسدة قبح الأمر به وإذا بطل النسخ لزم القول بدوام شرع موسى عليه‌السلام. وتقرير الجواب أن نقول الأحكام منوطة بالمصالح والمصالح تتغير بتغير الأوقات وتختلف باختلاف المكلفين فجاز أن يكون الحكم المعين مصلحة لقوم في زمان فيؤمر به ، ومفسدة لقوم في زمان آخر فينهى عنه.

قال : وقد وقع حيث حرم على نوح بعض ما أحل لمن تقدمه وأوجب الختان بعد تأخيره وحرم الجمع بين الأختين وغير ذلك من الأحكام.

أقول : هذا تأكيد لإبطال قول اليهود المانعين من النسخ فإنه بين أولا جواز وقوعه وهاهنا بين وقوعه في شرعهم وذلك في مواضع منها أنه قد جاء في التوراة أن الله تعالى قال لآدم وحواء عليهما‌السلام قد أبحت لكما كلما دب على وجه الأرض فكانت له نفس حية. وورد فيها أنه قال لنوح عليه‌السلام خذ معك من الحيوان الحلال كذا ومن الحيوان الحرام كذا فحرم على نوح عليه‌السلام بعض ما أباحه لآدم عليه‌السلام. ومنها أنه أباح نوحا عليه‌السلام تأخير الختان إلى وقت الكبر وحرمه على غيره من الأنبياء. وأباح إبراهيم عليه‌السلام تأخير ختان ولده إسماعيل عليه‌السلام إلى حال كبره وحرم على موسى عليه‌السلام تأخير الختان عن سبعة أيام. ومنها أنه أباح آدم عليه‌السلام الجمع بين الأختين وحرمه على موسى عليه‌السلام.

قال : وخبرهم عن موسى عليه‌السلام بالتأبيد مختلق ومع تسليمه لا يدل على المراد قطعا.

أقول : إن جماعة اليهود جوزوا وقوع النسخ عقلا ومنعوا من نسخ شريعة موسى عليه‌السلام وتمسكوا بما روي عن موسى عليه‌السلام أنه قال تمسكوا بالسبت أبدا والتأبيد يدل على الدوام ودوام الشرع بالسبت ينفي القول بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والجواب من وجوه : الأول أن هذا الحديث مختلق ونسب إلى ابن الراوندي. الثاني لو سلمنا نقله لكن اليهود انقطع تواترهم لأن بخت نصر استأصلهم وأفناهم حتى لم يبق منهم

من يوثق بنقله. الثالث أن لفظة التأبيد لا تدل على الدوام قطعا فإنها قد وردت في التوراة لغير الدوام كما في العبد أنه يستخدم ست سنين ثم يعرض عليه العتق في السابعة فإن أبى العتق ثقبت أذنه واستخدم أبدا وفي موضع آخر يستخدم خمسين سنة. وأمروا في البقرة التي كلفوا بذبحها أن يكون لهم ذلك سنة أبدا ثم انقطع تعبدهم بها. وفي التوراة قربوا إلى كل يوم خروفين خروف غدوة وخروف عشية بين المغارب قربانا دائما لاحقا بكم وانقطع تعبدهم به وإذا كان التأبيد في هذه الصور لا يدل على الدوام انتفت دلالته هنا قطعا. أقصى ما في الباب أنه يدل ظاهرا لكن ظواهر الألفاظ قد تترك لوجود الأدلة المعارضة لها.

قال : والسمع دل على عموم نبوته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أقول : ذهب قوم من النصارى إلى أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلممبعوث إلى العرب خاصة والسمع يكذب قولهم هذا قال الله تعالى (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) وقال تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) وسورة الجن تدل على بعثه عليه‌السلام إليهم وقال عليه‌السلام (بعثت إلى الأسود والأحمر) لا يقال كيف يصح إرساله إلى من لا يفهم خطابه وقد قال تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ)؟ لأنا نقول لا استبعاد في ذلك بأن يترجم خطابه لمن لا يفهم لغته مترجم وليس في الآية أنه تعالى ما أرسل رسولا إلا إلى من يفهم لسانه وإنما أخبر بأنه ما أرسله إلا بلسان قومه وجوز قاضي القضاة في يأجوج ومأجوج احتمالين : أحدهما أن لا يكونوا مكلفين أصلا وإن كانوا مفسدين في الأرض كالبهائم المفسدة في الأرض. والثاني أن يكونوا مكلفين وقد بلغتهم دعوته عليه‌السلام بأن يقربوا من الأمكنة التي يسمعون فيها كلام من هو وراء السد وجوز بعض الناس أن يكون في بعض البقاع من لم تبلغه دعوته عليه‌السلام فلا يكون مكلفا بشريعته. وعندي أن المراد بذلك إن كان عدم تكليفهم مطلقا سواء بلغتهم بعد ذلك الدعوة أم لا فهو باطل قطعا لما بينا من عموم نبوته عليه‌السلام ، وإن كان المراد أنهم غير مكلفين ما داموا غير عالمين فإذا بلغتهم الدعوة صاروا مكلفين بها فهو حق.

قال : وهو أفضل من الملائكة وكذا غيره من الأنبياء عليه‌السلام لوجود المضاد للقوة العقلية وقهره على الانقياد عليها.

أقول : اختلف الناس هنا فذهب أكثر المسلمين إلى أن الأنبياء عليهم‌السلام أفضل من الملائكة عليهم‌السلام. وذهب آخرون منهم وجماعة الأوائل إلى أن الملائكة أفضل واستدل الأولون بوجوه ذكر المصنف ـ رحمه‌الله ـ منها وجها للاكتفاء به وهو أن الأنبياء قد وجد فيهم القوة الشهوية والغضبية وسائر القوى الجسمانية كالخيالية والوهمية وغيرهما وأكثر أحكام هذه القوى تضاد حكم القوة العقلية وتمانعها حتى أن أكثر الناس يلتجئ إلى قوة الشهوة والغضب والوهم ويترك مقتضى القوة العقلية والأنبياء عليهم‌السلام يقهرون قوى طبائعهم ويفعلون بحسب مقتضى قواهم العقلية ويعرضون عن القوى الشهوانية وغيرها من القوى الجسمانية فتكون عباداتهم وأفعالهم أشق من عبادات الملائكة حيث خلوا عن هذه القوى وإذا كانت عباداتهم أشق كانوا أفضل لقوله عليهم‌السلام أفضل الأعمال أحمزها. وهاهنا وجوه أخرى من الطرفين ذكرناها في كتاب نهاية المرام.

قال :

المقصد الخامس في :

الإمامة

الإمام لطف فيجب نصبه على الله تعالى تحصيلا للغرض.

أقول : في هذا المقصد مسائل الأولى : في أن نصب الإمام واجب على الله تعالى.

اختلف الناس هنا فذهب الأصم من المعتزلة وجماعة من الخوارج إلى نفي وجوب نصب الإمام وذهب الباقون إلى الوجوب لكن اختلفوا فالجبائيان وأصحاب الحديث والأشعرية قالوا إنه واجب سمعا لا عقلا. وقال أبو الحسين البصري والبغداديون والإمامية إنه واجب عقلا ثم اختلفوا فقالت الإمامية إن نصبه واجب على الله تعالى. وقال أبو الحسين والبغداديون إنه واجب على العقلاء. واستدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ على وجوب نصب الإمام على الله تعالى بأن الإمام لطف واللطف واجب أما الصغرى فمعلومة للعقلاء إذ العلم الضروري حاصل بأن العقلاء متى كان لهم رئيس يمنعهم عن التغالب والتهاوش ويصدهم عن المعاصي ويعدهم على فعل الطاعات ويبعثهم على التناصف والتعادل كانوا إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد وهذا أمر ضروري لا يشك فيه العاقل وأما الكبرى فقد تقدم بيانها.

قال : والمفاسد معلومة الانتفاء وانحصار اللطف فيه معلوم للعقلاء ووجوده لطف وتصرفه آخر وعدمه منا.

أقول : هذه اعتراضات على دليل أصحابنا مع الإشارة إلى الجواب عنها : الأول قال المخالف : كون الإمامة قد اشتملت على وجه اللطف لا يكفي في وجوبها على الله تعالى بخلاف المعرفة التي كفى وجه الوجوب فيه علينا لانتفاء المفاسد في ظننا أما في حقه تعالى

فلا يكفي وجه الوجوب ما لم يعلم انتفاء المفاسد ولا يكفي الظن بانتفائها فلم لا يجوز اشتمال الإمامة على مفسدة لا نعلمها فلا تكون واجبة على الله تعالى (والجواب) أن المفاسد معلومة الانتفاء عن الإمامة لأن المفاسد محصورة معلومة يجب علينا اجتنابها أجمع وإنما يجب علينا اجتنابها إذا علمناها لأن التكليف بغير المعلوم محال وتلك الوجوه منتفية عن الإمامة فيبقى وجه اللطف خاليا عن المفسدة فيجب عليه تعالى ، ولأن المفسدة لو كانت لازمة للإمامة لم تنفك عنها والتالي باطل قطعا ولقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) وإن كانت مفارقة جاز انفكاكها عنها فيجب على تقدير الانفكاك

الثاني قالوا الإمامة إنما تجب لو انحصر اللطف فيها فلم لا يجوز أن يكون هناك لطف آخر يقوم مقام الإمامة فلا تتعين الإمامة للطفية فلا يجب على التعيين (والجواب) أن انحصار اللطف الذي ذكرناه في الإمامة معلوم للعقلاء ولهذا يلتجئ العقلاء في كل زمان وكل صقع إلى نصب الرؤساء دفعا للمفاسد الناشئة من الاختلاف.

الثالث قالوا الإمام إنما يكون لطفا إذا كان متصرفا بالأمر والنهي وأنتم لا تقولون بذلك فما تعتقدونه لطفا لا تقولون بوجوبه وما تقولون بوجوبه ليس بلطف (والجواب) أن وجود الإمام نفسه لطف لوجوه : أحدها أنه يحفظ الشرائع ويحرسها عن الزيادة والنقصان. وثانيها أن اعتقاد المكلفين لوجود الإمام وتجويز إنفاذ حكمه عليهم في كل وقت سبب لردعهم عن الفساد ولقربهم إلى الصلاح وهذا معلوم بالضرورة. وثالثها أن تصرفه لا شك أنه لطف ولا يتم إلا بوجوده فيكون وجوده نفسه لطفا وتصرفه لطفا آخر.

والتحقيق أن نقول لطف الإمامة يتم بأمور (منها) ما يجب على الله تعالى وهو خلق الإمام وتمكينه بالقدرة والعلم والنص عليه باسمه ونسبه وهذا قد فعله الله تعالى. (ومنها) ما يجب على الإمام وهو تحمله للإمامة وقبوله لها وهذا قد فعله الإمام (ومنها) ما يجب على الرعية وهو مساعدته والنصرة له وقبول أوامره وامتثال قوله وهذا لم تفعله الرعية فكان منع اللطف الكامل منهم لا من الله تعالى ولا من الإمام.

المسألة الثانية

في أن الإمام يجب أن يكون معصوما

قال : وامتناع التسلسل يوجب عصمته ولأنه حافظ للشرع ولوجوب الإنكار عليه لو أقدم على المعصية فيضاد أمر الطاعة ويفوت الغرض من نصبه ولانحطاط درجته عن أقل العوام.

أقول : ذهبت الإمامية والإسماعيلية إلى أن الإمام يجب أن يكون معصوما وخالف فيه جميع الفرق والدليل على ذلك وجوه : الأول أن الإمام لو لم يكن معصوما لزم التسلسل والتالي باطل فالمقدم مثله ، بيان الشرطية أن المقتضي لوجوب نصب الإمام هو تجويز الخطإ على الرعية فلو كان هذا المقتضي ثابتا في حق الإمام وجب أن يكون له إمام آخر ويتسلسل أو ينتهي إلى إمام لا يجوز عليه الخطأ فيكون هو الإمام الأصلي. الثاني أن الإمام حافظ للشرع فيجب أن يكون معصوما أما المقدمة الأولى فلأن الحافظ للشرع ليس هو الكتاب لعدم إحاطته بجميع الأحكام التفصيلية ولا السنة لذلك أيضا ولا إجماع الأمة لأن كل واحد منهم على تقدير عدم المعصوم فيهم يجوز عليه الخطأ فالمجموع كذلك ولأن إجماعهم ليس لدلالة وإلا لاشتهرت ولا لأمارة إذ يمتنع اتفاق الناس في سائر البقاع على الأمارة الواحدة كما نعلم بالضرورة عدم اتفاقهم على أكل طعام معين في وقت واحد ، أو لا لهما فيكون باطلا ، ولا القياس لبطلان القول به على ما ظهر في أصول الفقه وعلى تقدير تسليمه فليس بحافظ للشرع بالإجماع ، ولا البراءة الأصلية لأنه لو وجب المصير إليها لما وجب بعثة الأنبياء وللإجماع على عدم حفظها للشرع فلم يبق إلا الإمام فلو جاز الخطأ عليه لم يبق وثوق بما تعبدنا الله تعالى به وما كلفناه وذلك مناقض للغرض من التكليف وهو الانقياد إلى مراد الله تعالى. الثالث أنه لو وقع منه الخطأ لوجب الإنكار عليه وذلك يضاد أمر الطاعة له بقوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). الرابع ، لو وقع منه المعصية لزم نقض الغرض من نصب الإمام والتالي باطل

فالمقدم مثله بيان الشرطية أن الغرض من إقامته انقياد الأمة له وامتثال أوامره واتباعه فيما يفعله فلو وقعت المعصية منه لم يجب شيء من ذلك وهو مناف لنصبه. الخامس أنه لو وقع منه المعصية لزم أن يكون أقل درجة من العوام لأن عقله أشد ومعرفته بالله تعالى وثوابه وعقابه أكثر فلو وقع منه المعصية كان أقل حالا من رعيته وكل ذلك باطل قطعا.

قال : ولا تنافي العصمة القدرة.

أقول : اختلف القائلون بالعصمة في أن المعصوم هل يتمكن من فعل المعصية أم لا فذهب قوم منهم إلى عدم تمكنه من ذلك وذهب آخرون إلى تمكنه منها أما الأولون فمنهم من قال إن المعصوم مختص في بدنه أو نفسه بخاصية تقتضي امتناع إقدامه على المعصية ومنهم من قال إن العصمة هو القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية وهو قول أبي الحسين البصري وأما الآخرون الذين لم يسلبوا القدرة فمنهم من فسرها بأنه الأمر الذي يفعله الله تعالى بالعبد من الألطاف المقربة إلى الطاعات التي يعلم معها أنه لا يقدم على المعصية بشرط أن لا ينتهي ذلك الأمر إلى الإلجاء ومنهم من فسرها بأنها ملكة نفسانية لا يصدر عن صاحبها معها المعاصي وآخرون قالوا العصمة لطف يفعله الله تعالى بصاحبها لا يكون له معه داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية وأسباب هذا اللطف أمور أربعة : أحدها أن يكون لنفسه أو لبدنه خاصية تقتضي ملكة مانعة من الفجور وهذه الملكة مغايرة للفعل. الثاني أن يحصل له علم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات. الثالث تأكيد هذه العلوم بتتابع الوحي والإلهام من الله تعالى. الرابع مؤاخذته على ترك الأولى بحيث يعلم أنه لا يترك مهملا بل يضيق عليه الأمر في غير الواجب من الأمور الحسنة فإذا اجتمعت هذه الأمور كان الإنسان معصوما والمصنف ـ رحمه‌الله ـ اختار المذهب الثاني وهو أن العصمة لا تنافي القدرة بل المعصوم قادر على فعل المعصية وإلا لما استحق المدح على ترك المعصية ولا الثواب ولبطل الثواب والعقاب في حقه فكان خارجا عن التكليف وذلك باطل بالإجماع وبالنقل في قوله تعالى (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ).

المسألة الثالثة

في أن الإمام يجب أن يكون أفضل من غيره

قال : وقبح تقديم المفضول معلوم ولا ترجيح في المساوي

أقول : الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته لأنه إما أن يكون مساويا لهم أو أنقص منهم أو أفضل والثالث هو المطلوب والأول محال لأنه مع التساوي يستحيل ترجيحه على غيره بالإمامة والثاني أيضا محال لأن المفضول يقبح عقلا تقديمه على الفاضل ويدل عليه أيضا قوله تعالى (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ويدخل تحت هذا الحكم كون الإمام أفضل في العلم والدين والكرم والشجاعة وجميع الفضائل النفسانية والبدنية.

المسألة الرابعة

في وجوب النص على الإمام

قال : والعصمة تقتضي النص وسيرته عليه‌السلام.

أقول : ذهبت الإمامية خاصة إلى أن الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه وقالت العباسية إن الطريق إلى تعيين الإمام النص أو الميراث وقالت الزيدية تعيين الإمام بالنص أو الدعوة إلى نفسه وقال باقي المسلمين الطريق إنما هو النص أو اختيار أهل الحل والعقد. والدليل على ما ذهبنا إليه وجهان : الأول أنا قد بينا أنه يجب أن يكون الإمام معصوما والعصمة أمر خفي لا يعلمها إلا الله تعالى فيجب أن يكون نصبه من قبله تعالى لأنه العالم بالشرط دون غيره. الثاني أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أشفق على الناس من الوالد على ولده حتى أنه عليه‌السلام أرشدهم إلى أشياء لا نسبة لها إلى الخليفة بعده كما أرشدهم في قضاء الحاجة إلى أمور كثيرة مندوبة وغيرها من الوقائع وكان

عليه‌السلام إذا سافر عن المدينة يوما أو يومين استخلف فيها من يقوم بأمر المسلمين ومن هذه حاله كيف ينسب إليه إهمال أمته وعدم إرشادهم في أجل الأشياء وأسناها وأعظمها قدرا وأكثرها فائدة وأشدهم حاجة إليها وهو المتولي لأمورهم بعده فوجب من سيرته عليه‌السلام نصب إمام بعده والنص عليه وتعريفهم إياه وهذا برهان لمي.

المسألة الخامسة في أن الإمام بعد النبي عليه‌السلام

بلا فصل علي بن أبي طالب عليه‌السلام

قال : وهما مختصان بعلي عليه‌السلام.

أقول : العصمة والنص مختصان بعلي عليه‌السلام إذ الأمة بين قائلين أحدهما لم يشترطهما والثاني المشترطون وقد بينا بطلان قول الأولين فانحصر الحق في قول الفريق الثاني وكل من اشترطهما قال إن الإمام هو علي عليه‌السلام.

قال : والنص الجلي في قوله سلموا عليه بإمرة المؤمنين وأنت الخليفة من بعدي وغيرهما.

أقول : هذا دليل ثان على أن الإمام هو علي عليه‌السلام وهو النص الجلي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مواضع تواترت بها الإمامية ونقلها غيرهم نقلا شائعا ذائعا (منها) لما نزل قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا طالب أن يصنع له طعاما وجمع بني عبد المطلب فقال لهم أيكم يوازرني ويعينني فيكون أخي وخليفتي ووصيي من بعدي فقال علي عليه‌السلام أنا أبايعك وأوازرك فقال عليه‌السلام هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ووارثي فاسمعوا له وأطيعوا. وبقوله صلوات الله عليه : (أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني) (ومنها) لما آخى بين الصحابة ولم يتخلف سوى علي عليه‌السلام فقال يا رسول الله آخيت بين الصحابة دوني فقال له عليه‌السلام ألم ترض أن تكون أخي وخليفتي من

بعدي وآخى بينه وبينه (ومنها) أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تقدم إلى الصحابة بأن يسلموا عليه بإمرة المؤمنين وقال له أنت سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين وقال فيه هذا ولي كل مؤمن ومؤمنة والنصوص في ذلك كثيرة أكثر من أن تحصى ذكرها المخالف والمؤالف إلى أن بلغ مجموعها التواتر.

قال : ولقوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية وإنما اجتمعت الأوصاف في علي عليه‌السلام.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وهو قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) والاستدلال بهذه الآية يتوقف على مقدمات : إحداها أن لفظة إنما للحصر ويدل عليه المنقول والمعقول أما المنقول فلإجماع أهل العربية عليه. وأما المعقول فلأن لفظة إن للإثبات وما للنفي قبل التركيب فيكون كذلك بعد التركيب عملا بالاستصحاب وللإجماع على هذه الدلالة ولا يصح تواردهما على معنى واحد ولا صرف الإثبات إلى غير المذكور والنفي إلى المذكور للإجماع فبقي العكس وهو صرف الإثبات إلى المذكور والنفي إلى غيره وهو معنى الحصر. الثانية أن الولي يفيد الأولى بالتصرف والدليل عليه نقل أهل اللغة واستعمالهم كقولهم السلطان ولي من لا ولي له وكقولهم ولي الدم وولي الميت ، وكقوله عليه‌السلام أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل. الثالثة أن المراد بذلك بعض المؤمنين لأنه تعالى وصفهم بوصف مختص ببعضهم ولأنه لو لا ذلك لزم اتحاد الولي والمتولي. وإذ قد تمهدت هذه المقدمات فنقول : المراد بهذه الآية هو علي عليه‌السلام للإجماع الحاصل على أن من خصص بها بعض المؤمنين قال إنه علي عليه‌السلام فصرفها إلى غيره خرق الإجماع. ولأنه عليه‌السلام إما كل المراد أو بعضه للإجماع وقد بينا عدم العمومية فيكون هو كل المراد ولأن المفسرين اتفقوا على أن المراد بهذه الآية علي عليه‌السلام لأنه لما تصدق بخاتمه حالة ركوعه نزلت هذه الآية فيه ولا خلاف في ذلك.

قال : ولحديث الغدير المتواتر.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وتقريره أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في غدير خم وقد رجع من حجة الوداع معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى قال صلى‌الله‌عليه‌وآله من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وقد نقل المسلمون كافة هذا الحديث نقلا متواترا لكنهم اختلفوا في دلالته على الإمامة ووجه الاستدلال به أن لفظة مولى تفيد الأولى لأن مقدمة الحديث تدل عليه ولأن عرف اللغة يقتضيه وكذا الاستعمال لقوله تعالى (النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) أي أولى بهم وقول الأخطل (فأصبحت مولاها من الناس كلهم) وقولهم مولى العبد أي الأولى بتدبيره والتصرف فيه ولأنها مشتركة بين معان غير مرادة هنا إلا الأولى ولأنه إما كل المراد أو بعضه ولا يجوز خروجه عن الإرادة لأنه حقيقة فيه ولم يثبت إرادة غيره.

قال : ولحديث المنزلة المتواتر.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وتقريره أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وتواتر المسلمون بنقل هذا الحديث لكنهم اختلفوا في دلالته على الإمامة وتقرير الاستدلال به أن عليا عليه‌السلام له جميع منازل هارون من موسى بالنسبة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأن الوحدة منفية هنا للاستثناء المشروط بالكثرة وغير العموم ليس بمراد للاستثناء المخرج ما لولاه لوجب دخوله كالعدد والأصل عدم الاشتراك ولانتفاء القائل بالكثرة من دون العموم ولعدم فهم المراد من خطاب الحكيم لولاه ومن جملة منازله الخلافة بعده لو عاش لثبوتها له في حياته.

قال : ولاستخلافه على المدينة فيعم للإجماع.

أقول : هذا دليل آخر على إمامته عليه‌السلام وتقريره أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

استخلفه على المدينة وأرجف المنافقون بأمير المؤمنين عليه‌السلام فخرج إلى النبي وقال يا رسول الله إن المنافقين زعموا أنك خلفتني استثقالا وتحرزا مني فقال عليه‌السلام : (كذبوا إنما خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وإذا كان خليفته على المدينة في تلك الحال ولم يعزله قبل موته ولا بعده استمرت ولايته عليها فلا يكون غيره خليفة عليها وإذا انتفت خلافة غيره عليها انتفت خلافته على غيرها للإجماع فثبت الخلافة له عليه‌السلام (لا يقال) قد استخلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة على المدينة وعلى غيرها ومع ذلك فليسوا أئمة عندكم لأنا نقول إن بعضهم عزله عليه‌السلام والباقون لم يقل أحد بإمامتهم.

قال : ولقوله عليه‌السلام أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني بكسر الدال.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وتقريره أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني بكسر الدال وهذا نص صريح على الولاية والخلافة على ما تقدم.

قال : ولأنه أفضل وإمامة المفضول قبيحة عقلا.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وتقريره أنه أفضل من غيره على ما يأتي فيكون هو الإمام لأن تقديم المفضول على الفاضل قبيح عقلا وللسمع على ما تقدم.

قال : ولظهور المعجزة على يده كقلع باب خيبر ومخاطبة الثعبان ورفع الصخرة العظيمة عن القليب ومحاربة الجن ورد الشمس وغير ذلك وادعى الإمامة فيكون صادقا.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وتقريره أنه قد ظهر على يده معجزات كثيرة وادعى الإمامة له دون غيره فيكون صادقا أما المقدمة الأولى فلما تواتر عنه أنه فتح باب خيبر وعجز عن إعادته سبعون رجلا من أشد الناس قوة وخاطبه الثعبان على منبر

الكوفة فسئل عنه فقال إنه من حكام الجن أشكل عليه مسألة أجبته عنها.

ولما توجه إلى صفين أصابهم عطش عظيم فأمرهم فحفروا بئرا قريبا من دير فوجدوا صخرة عظيمة عجزوا عن قلعها فنزل عليه‌السلام فاقتلعها ودحا بها مسافة بعيدة فظهر الماء فشربوا ثم أعادها فنزل صاحب الدير وأسلم فسئل عن ذلك فقال بني هذا الدير على قالع هذه الصخرة ومضى من قبلي ولم يدركوه واستشهد معه عليه‌السلام في الشام. وحارب الجن وقتل منهم جماعة كثيرة لما أرادوا وقوع الضرر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث سار إلى بني المصطلق وردت له الشمس مرتين وغير ذلك من الوقائع المشهورة الدالة على صدق فاعلها. وأما المقدمة الثانية فظاهرة منقولة بالتواتر إذ لا يشك أحد في أنه عليه‌السلام ادعى الإمامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال : ولسبق كفر غيره فلا يصلح للإمامة فتعين هو عليه‌السلام.

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وهو أن غيره ممن ادعى لهم الإمامة كالعباس وأبي بكر كانا كافرين قبل ظهور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يصلحان للإمامة لقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) والمراد بالعهد هنا عهد الإمامة لأنه جواب دعاء إبراهيم عليه‌السلام.

قال : ولقوله تعالى (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وهو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) أمر تعالى بالكون مع الصادقين أي المعلوم منهم الصدق ولا يتحقق ذلك إلا في حق المعصوم إذ غيره لا يعلم صدقه ولا معصوم غير علي عليه‌السلام بالإجماع.

قال : ولقوله تعالى (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).

أقول : هذا دليل آخر على إمامة علي عليه‌السلام وهو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أمر بالاتباع والطاعة لأولي الأمر والمراد منه المعصوم إذ غيره لا أولوية له تقضي وجوب طاعته ولا معصوم غير علي عليه‌السلام بالإجماع.

المسألة السادسة

في الأدلة الدالة على عدم إمامة غير علي عليه‌السلام

قال : ولأن الجماعة غير علي عليه‌السلام غير صالح للإمامة لظلمهم بتقدم كفرهم.

أقول : هذه أدلة تدل على أن غير علي عليه‌السلام لا يصلح للإمامة : الأول أن أبا بكر وعمر وعثمان قبل ظهور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا كفرة فلا ينالوا عهد الإمامة للآية وقد تقدمت.

قال : وخالف أبو بكر كتاب الله تعالى في منع إرث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخبر رواه هو.

أقول : هذا دليل آخر على عدم صلاحية أبي بكر للإمامة وتقريره أنه خالف كتاب الله تعالى في منع إرث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يورث فاطمة عليها‌السلام واستند إلى خبر رواه هو عن النبي في قوله :» نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة«وعموم الكتاب يدل على خلاف ذلك. وأيضا قوله تعالى (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) وقوله في قصة زكريا (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) ينافي هذا الخبر وقالت له فاطمة عليها‌السلام أترث أباك ولا إرث أبي لقد جئت شيئا فريا. ومع ذلك فهو خبر واحد لم نعرف أحدا من الصحابة وافقه على نقله فكيف يعارض الكتاب المتواتر وكيف بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الحكم لغير ورثته وأخفاه عن ورثته ولو كان هذا الحديث صحيحا عند أهله لم يمسك أمير المؤمنين عليه‌السلام سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبغلته وعمامته ونازع العباس عليا عليه‌السلام بعد موت فاطمة عليها‌السلام ولو كان هذا

الحديث معروفا عندهم لم يجز لهم ذلك وروي أن فاطمة عليها‌السلام قالت يا أبا بكر أنت ورثت رسول الله أم ورثه أهله قال بل ورثه أهله فقالت ما بال سهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول إن الله إذا أطعم نبيا طعمة كانت لولي الأمر بعده وذلك يدل على أنه لا أصل لهذا الخبر.

قال : ومنع فاطمة عليها‌السلام فدكا مع ادعاء النحلة لها وشهد علي عليه‌السلام وأم أيمن وصدق الأزواج في ادعاء الحجرة لهن ولهذا ردها عمر بن عبد العزيز.

أقول : هذا دليل آخر على الطعن في أبي بكر وعدم صلاحيته للإمامة وهو أنه أظهر التعصب على أمير المؤمنين عليه‌السلام وعلى فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنها ادعت فدكا وذكرت أن النبي عليه‌السلام أنحلها إياها فلم يصدقها في قولها مع أنها معصومة ومع علمه بأنها من أهل الجنة واستشهدت عليا عليه‌السلام وأم أيمن فقال رجل مع رجل أو امرأة مع امرأة وصدق أزواج النبي عليه‌السلام في ادعاء أن الحجرة لهن ولم يجعل الحجرة صدقة ولما عرف عمر بن عبد العزيز كون فاطمة عليها‌السلام مظلومة رد على أولادها فدكا ومع ذلك فإن فاطمة عليها‌السلام كان ينبغي لأبي بكر إنحالها فدكا ابتداء لو لم تدعه أو يعطيها إياها بالميراث.

قال : وأوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر فدفنت ليلا.

أقول : هذا وجه آخر يدل على الطعن في أبي بكر وهو أن فاطمة عليها‌السلام لما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر غيظا عليه ومنعا له عن ثواب الصلاة عليها فدفنت ليلا ولم يعلم أبو بكر بذلك وأخفى قبرها لئلا يصلي على القبر ولم يعلم بقبرها إلى الآن.

قال : ولقوله أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم.

أقول : هذا وجه آخر في الطعن على أبي بكر وهو أنه قال يوم السقيفة أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم ، وهذا الإخبار إن كان حقا لم يصلح للإمامة

لاعترافه بعدم الصلاحية مع وجود علي عليه‌السلام وإن لم يكن حقا فعدم صلاحيته للإمامة حينئذ أظهر.

قال : ولقوله إن له شيطانا يعتريه

أقول : هذا دليل آخر على عدم صلاحيته للإمامة وهو ما روي عنه أنه قال مختارا : وليتكم ولست بخيركم فإن استقمت فاتبعوني ، وإن اعوججت فقوموني ، فإن لي شيطانا عند غضبي يعتريني ، فإذا رأيتموني مغضبا فاجتنبوني لئلا أوثر في إشعاركم وإبشاركم. وهذا يدل على اعتراض الشيطان له في كثير من الأحكام ومثل هذا لا يصلح للإمامة.

قال : ولقول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.

أقول : هذا دليل آخر يدل على الطعن فيه لأن عمر كان إماما عندهم وقال في حقه كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه فبين عمر أن بيعته كانت خطأ على غير الصواب وأن مثلها مما يجب فيه المقاتلة وهذا من أعظم ما يكون من الذم والتخطئة.

قال : وشك عند موته في استحقاقه للإمامة

أقول : هذا وجه آخر يدل على عدم إمامة أبي بكر وهو أنه قال لما حضرته الوفاة ليتني كنت سألت رسول الله هل للأنصار في هذا الأمر حق؟ وقال أيضا ليتني كنت في ظل بني ساعدة ضربت يدي على يد أحد الرجلين فكان هو الأمير وكنت الوزير وهذا كله يدل على تشككه في استحقاقه للإمامة واضطراب أمره فيها وإنه كان يرى أن غيره أولى بها منه.

قال : وخالف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في الاستخلاف عندهم وفي تولية من عزله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أقول : هذا طعن آخر في أبي بكر وهو أنه خالف الرسول عليه‌السلام في الاستخلاف

عندهم لأنهم زعموا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف أحدا فباستخلافه يكون مخالفا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندهم ومخالفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توجب الطعن. وأيضا فإنه خالف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في استخلاف من عزله النبي عليه‌السلام لأنه استخلف عمر بن الخطاب وقد كان النبي لم يوله عملا سوى أنه بعثه في خيبر فرجع منهزما وولاه أمر الصدقات فشكاه العباس إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعزله وأنكرت الصحابة على أبي بكر ذلك حتى قال له طلحة : وليت علينا فظا غليظا.

قال : وفي التخلف عن جيش أسامة مع علمهم بقصد البعد وولى أسامة عليهم فهو أفضل وعلي عليه‌السلام لم يول عليه أحدا وهو أفضل من أسامة.

أقول : هذا دليل آخر على الطعن في أبي بكر وهو أنه خالف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث أمره هو وعمر بن الخطاب وعثمان في تنفيذ جيش أسامة لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في مرضه حالا بعد حال نفذوا جيش أسامة وكان الثلاثة في جيشه وفي جملة من يجب عليه النفوذ معه فلم يفعلوا ذلك مع أنهم عرفوا قصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأن غرضه بالتنفيذ من المدينة بعد الثلاثة عنها بحيث لا يتوثبوا على الإمامة بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولهذا جعل الثلاثة في الجيش ولم يجعل عليا عليه‌السلام معه وجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسامة أمير الجيش وكان فيه أبو بكر وعمر وعثمان فهو أفضل منهم وعلي عليه‌السلام أفضل من أسامة ولم يول عليه أحدا فيكون هو عليه‌السلام أفضل الناس كافة.

قال : ولم يتول عملا في زمانه وأعطاه سورة براءة فنزل جبرئيل فأمره برده وأخذ السورة منه وأن لا يقرأها إلا هو أو أحد من أهل بيته فبعث بها عليا عليه‌السلام.

أقول : هذا طعن آخر على أبي بكر وهو أنه لم يوله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عملا في حياته أصلا سوى أنه أعطاه سورة براءة وأمره بالحج بالناس فلما مضى بعض الطريق نزل جبرئيل عليه‌السلام على النبي وأمره برده وأخذ السورة منه وأن لا يقرأها إلا هو

عليه‌السلام أو أحد من أهل بيته فبعث بها عليا عليه‌السلام وولاه الحج بالناس وهذا يدل على أن أبا بكر لم يكن أهلا لإمارة الحج فكيف يكون أهلا للإمامة بعده ولأن من لا يؤمن على أداء سورة في حياته عليه‌السلام كيف يؤمن على الإمامة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال : ولم يكن عارفا بالأحكام حتى قطع يسار سارق وأحرق بالنار ولم يعرف الكلالة ولا ميراث الجدة واضطرب في أحكامه ولم يحد خالدا ولا اقتص منه.

أقول : هذا طعن آخر في أبي بكر وهو أنه لم يكن عارفا بالأحكام فلا يجوز نصبه للإمامة أما المقدمة الثانية فقد مرت وأما الأولى فلأنه قطع سارقا من يساره وهو خلاف الشرع وأحرق الفجاءة السلمي بالنار وقد نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك وقال لا يعذب بالنار إلا رب النار. وسئل عن الكلالة فلم يعرف ما يقول فيها ثم قال أقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والحكم بالرأي باطل. وسألته جدة عن ميراثها فقال لا أجد لك شيئا في كتاب الله ولا سنة نبيه ارجعي حتى أسأل فأخبره المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطاها السدس. واضطرب في كثير من الأحكام وكان يستفتي الصحابة فيها. وذلك يدل على قصور علمه وقلة معرفته. وقتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة وواقع امرأته ليلة قتله وضاجعها فلم يحده على الزنا ولا قتله بالقصاص وأشار عليه عمر بقتله وعزله فقال لا أغمد سيفا شهره الله على الكفار.

قال : ودفن في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد نهى الله تعالى دخوله في حياته بغير إذن وبعث إلى بيت أمير المؤمنين عليه‌السلام لما امتنع من البيعة فأضرم فيه النار وفيه فاطمة والحسن والحسين وجماعة من بني هاشم ورد عليه الحسنان لما بويع وندم على كشف بيت فاطمة عليها‌السلام.

أقول : هذه مطاعن أخر في أبي بكر وهو أنه دفن في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد نهى الله تعالى عن الدخول إليه بغير إذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حال حياته فكيف بعد موته وبعث إلى بيت أمير المؤمنين عليه‌السلام لما امتنع من البيعة فأضرم فيه النار وفيه فاطمة والحسن والحسين وجماعة من بني هاشم وأخرجوا عليا عليه‌السلام كرها وكان معه الزبير في البيت فكسروا سيفه وأخرجوه من الدار وضربت فاطمة عليها‌السلام فألقت جنينا اسمه محسن ولما بويع أبو بكر صعد المنبر فجاءه الحسنان عليهما‌السلام مع جماعة من بني هاشم وغيرهم وأنكروا عليه وقال له الحسن والحسين عليهما‌السلام هذا مقام جدنا لست له أهلا ولما حضرته الوفاة قال ليتني تركت بيت فاطمة لم أكشفه وهذا يدل على خطئه في ذلك.

قال : وأمر عمر برجم امرأة حامل وأخرى مجنونة فنهاه علي عليه‌السلام فقال لو لا علي لهلك عمر.

أقول : هذا طعن على عمر يمتنع معه الإمامة له وهو أن عمر أتي إليه بامرأة قد زنت وهي حامل فأمر برجمها فقال له علي عليه‌السلام إن كان لك عليها سبيل فليس لك على حملها سبيل فأمسك وقال لو لا علي لهلك عمر. وأتي إليه بامرأة مجنونة قد زنت فأمر برجمها فقال له علي عليه‌السلام إن القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق فأمسك وقال لو لا علي لهلك عمر. ومن يخفى عليه هذه الأمور الظاهرة في الشريعة كيف يستحق الإمامة.

قال : وتشكك في موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تلا عليه أبو بكر : إنك ميت وإنهم ميتون فقال كأني لم أسمع هذه الآية.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عمر لم يكن حافظا للكتاب العزيز ولم يكن متدبرا لآياته فلا يستحق الإمامة وذلك أنه قال عند موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والله ما مات محمد حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم فلما نبهه أبو بكر بقوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) ، وبقوله : أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، قال كأني ما سمعت بهذه الآية وقد أيقنت بوفاته.

قال : وقال كل أفقه من عمر حتى المخدرات لما منع من المغالاة في الصداق.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عمر قال يوما في خطبته من غالى في صداق ابنته جعلته في بيت المال فقالت له امرأة كيف تمنعنا ما أحله الله لنا في كتابه بقوله وآتيتم إحداهن قنطارا الآية فقال عمر كل أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت ومن يشتبه عليه مثل هذا الحكم الظاهر لا يصلح للإمامة.

قال : وأعطى أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقترض ومنع أهل البيت عليهم‌السلام من خمسهم.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عمر كان يعطي أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيت المال حتى كان يعطي عائشة وحفصة عشرة آلاف درهم كل سنة وأخذ من بيت المال ثمانين ألف درهم فأنكروا عليه ذلك فقال أخذته على جهة القرض ومنع أهل البيت عليهم‌السلام الخمس الذي أوجبه الله تعالى لهم في الكتاب العزيز.

قال : وقضى في الجد مائة قضية وفضل في القسمة ومنع المتعتين :

أقول : هذه مطاعن أخر ، وهو أن عمر غير عارف بأحكام الشريعة فقضى في الجد بمائة قضية وروي تسعين قضية وهذا يدل على قلة معرفته بالأحكام الظاهرة. وأيضا فضل في القسمة والعطاء والواجب التسوية. وقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما مع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأسف على فوات المتعة ولو لم تكن أفضل من غيرها من أنواع الحج لما فعل النبي عليه‌السلام ذلك وجماعة كانوا قد ولدوا من المتعة في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد وفاته ولو لم تكن سائغة لم يقع منهم ذلك

قال : وحكم في الشورى بضد الصواب.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عمر خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندهم

حيث لم يفوض الأمر إلى اختيار الناس وخالف أبا بكر حيث لم ينص على إمام بعده ثم إنه طعن في كل واحد ممن اختاره للشورى وأظهر كراهية أن يتقلد أمر المسلمين ميتا كما تقلده حيا ثم تقلده وجعل الإمامة في ستة نفر ثم ناقض نفسه فجعلها في أربعة بعد الستة ثم في ثلاثة ثم في واحد فجعل إلى عبد الرحمن بن عوف الاختيار بعد أن وصفه بالضعف ثم قال :» إن اجتمع علي وعثمان فالأمر كما قالاه وإن صاروا ثلاثة ثلاثة فالقول للذين فيهم عبد الرحمن«لعلمه بعدم الاجتماع من علي وعثمان وعلمه بأن عبد الرحمن لا يعدل بها عن أخيه عثمان ابن عمه ثم أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن البيعة ثلاثة أيام وأمر بقتل من خالف الأربعة منهم أو الذين فيهم عبد الرحمن وكيف يسوغ له قتل علي عليه‌السلام وعثمان وغيرهما وهما من أكابر المسلمين.

قال : وخرق كتاب فاطمة عليها‌السلام.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن فاطمة عليها‌السلام لما طالت المنازعة بينها وبين أبي بكر رد أبو بكر عليها فدكا وكتب لها بذلك كتابا فخرجت والكتاب في يدها فلقيها عمر فسألها عن شأنها فقصت قصتها فأخذ منها الكتاب وخرقه فدعت عليه ودخل على أبي بكر وعاتبه على ذلك فاتفقا على منعها عن فدك.

قال : وولى عثمان من ظهر فسقه حتى أحدثوا في أمر المسلمين ما أحدثوا.

أقول : هذا طعن على عثمان وهو أنه ولى أمور المسلمين من ظهر منه الفسق والخيانة وقسم الولايات بين أقاربه وقد كان عمر حذره وقال له إذا وليت هذا الأمر فلا تسلط آل أبي معيط على رقاب المسلمين وصدق عمر فيه في قوله إنه كلف بأقاربه واستعمل الوليد بن عقبة حتى ظهر منه شرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران. واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة فظهر منه ما أخرجه به أهل الكوفة عنها. وولى عبد الله بن أبي سرح مصر حتى تظلم منه أهلها وكاتب ابن أبي سرح أن يستمر على ولايته سرا بخلاف ما كتب إليه جهرا وأمره بقتل محمد بن أبي بكر وولى معاوية الشام فأحدث من الفتن ما أحدث

قال : وآثر أهله بالأموال.

أقول : هذا طعن آخر على عثمان وهو أنه كان يؤثر أهل بيته وأقاربه بالأموال العظيمة من بيت مال المسلمين فإنه دفع إلى أربعة نفر من قريش أربعمائة ألف دينار حيث زوجهم ببناته ودفع إلى مروان ألف ألف درهم حين فتح إفريقية ومن قبله كان يعطي بقدر الاستحقاق ولا يتخطى الأجانب إلى الأقارب.

قال : وحمى لنفسه.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عثمان حمى الحمى لنفسه عن المسلمين ومنعهم عنه وذلك مناف للشرع لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل الناس في الماء والكلاء والنار شرعا سواء.

قال : ووقع منه أشياء منكرة في حق الصحابة فضرب ابن مسعود حتى مات وأحرق مصحفه وضرب عمارا حتى أصابه فتق وضرب أبا ذر ونفاه إلى الربذة.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عثمان ارتكب من الصحابة ما لا يجوز وفعل بهم ما لا يحل فضرب ابن مسعود حتى مات عند إحراقه المصاحف وأحرق مصحفه وأنكر عليه قراءته وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أراد أن يقرأ القرآن غضا فليقرأ بقراءة ابن مسعود وكان ابن مسعود يطعن في عثمان ويكفره. وضرب عمار بن ياسر حتى صار به فتق وكان يطعن في عثمان وكان يقول قتلناه كافرا. واستحضر أبا ذر من الشام لهوى معاوية وضربه ونفاه إلى الربذة مع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مقربا لهؤلاء الصحابة وشاكرا لهم.

قال : وأسقط القود عن ابن عمر والحد عن الوليد مع وجوبهما.

أقول : هذا طعن آخر وهو أن عثمان كان يترك الحدود ويعطلها ولا يقيمها لأجل

هوى نفسه ومثل هذا لا يصلح للإمامة فإنه لم يقتل عبد الله بن عمر لما قتل الهرمزان بعد إسلامه ولما ولي أمير المؤمنين عليه‌السلام طلبه لإقامة القصاص عليه فلحق بمعاوية ولما وجب على الوليد بن عقبة حد الشرب أراد أن يسقطه عنه فحده علي عليه‌السلام وقال لا يبطل حد الله وأنا حاضر.

قال : وخذله الصحابة حتى قتل وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الله قتله. ولم يدفن إلا بعد ثلاثة أيام وعابوا غيبته عن بدر وأحد والبيعة.

أقول : هذه مطاعن أخر في عثمان وهو أن الصحابة خذلوه حتى قتل وقد كان يمكنهم الدفع عنه فلو لا علمهم باستحقاقه لذلك وإلا لما ساغ لهم التأخر عن نصرته. وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام الله قتله وتركوه بعد القتل ثلاثة أيام ولم يدفنوه وذلك يدل على شدة غيظهم عليه وإفراطهم في الحنق لما أصابهم من ضرره وظلمه وعابت الصحابة عليه غيبته عن بدر وأحد ولم يشهد بيعة الرضوان.

المسألة السابعة

في أن عليا عليه‌السلام أفضل من الصحابة

قال : وعلي عليه‌السلام أفضل لكثرة جهاده وعظم بلائه في وقائع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأجمعها ولم يبلغ أحد درجته في غزاة بدر وأحد ويوم الأحزاب وخيبر وحنين وغيرها.

أقول : اختلف الناس هنا فقال عمر وعثمان وابن عمر وأبو هريرة من الصحابة إن أبا بكر أفضل من علي عليه‌السلام وبه قال من التابعين الحسن البصري وعمرو بن عبيد وهو اختيار النظام وأبي عثمان الجاحظ وقال الزبير وسلمان والمقداد وجابر بن عبد الله وعمار وأبو ذر وحذيفة من الصحابة إن عليا عليه‌السلام أفضل وبه قال في التابعين عطاء ومجاهد وسلمة بن كهيل وهو اختيار البغداديين كافة والشيعة بأجمعهم وأبي عبد الله البصري وتوقف الجبائيان وقاضي القضاة قال أبو علي الجبائي إن

صح خبر الطائر فعلي أفضل ونحن نقول إن الفضائل إما نفسانية أو بدنية وعلي عليه‌السلام كان أكمل وأفضل من باقي الصحابة فيهما والدليل على ذلك وجوه ذكرها المصنف ـ رحمه‌الله ـ : الأول أن عليا عليه‌السلام كان أكثر جهادا وأعظم بلاء في غزوات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأجمعها ولم يبلغ أحد درجته في ذلك : منها في غزاة بدر وهي أول حرب امتحن بها المؤمنون لقلتهم وكثرة المشركين فقتل علي عليه‌السلام الوليد بن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ثم العاص بن سعيد بن العاص ثم حنظلة بن أبي سفيان ثم طعيمة بن عدي ثم نوفل بن خويلد وكان شجاعا وسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكفيه أمره فقتله علي عليه‌السلام ولم يزل يقاتل حتى قتل نصف المشركين المقتولين والباقي من المسلمين وثلاثة آلاف من الملائكة مسومين قتلوا النصف الآخر ومع ذلك كانت الراية في يد علي عليه‌السلام.

ومنها في غزاة أحد جمع له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين اللواء والراية وكانت رأية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة وكان يسمى كبش الكتيبة فقتله علي عليه‌السلام فأخذ الراية غيره فقتله عليه‌السلام ولم يزل يقتل واحدا بعد واحد حتى قتل تسعة نفر فانهزم المشركون واشتغل المسلمون بالغنائم فحمل خالد بن الوليد بأصحابه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضربوه بالسيوف والرماح والحجر حتى غشي عليه فانهزم الناس عنه سوى علي عليه‌السلام فنظر إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إفاقته وقال له اكفني هؤلاء فهزمهم عنه وكان أكثر المقتولين منه عليه‌السلام.

ومنها يوم الأحزاب وقد بالغ في قتل المشركين وقتل عمرو بن عبد ود وكان بطل المشركين ودعا إلى البراز مرارا فامتنع عنه المسلمون وعلي عليه‌السلام يروم مبارزته والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمنعه من ذلك لينظر صنع المسلمين فلما رأى امتناعهم أذن له وعممه بعمامته ودعا له ، قال حذيفة لما دعا عمرو إلى المبارزة أحجم المسلمون عنه كافة ما خلا عليا عليه‌السلام فإنه برز إليه فقتله الله على يديه والذي نفس حذيفة بيده لعمله في ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم القيمة وكان الفتح في ذلك اليوم على يدي علي عليه‌السلام وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

لضربة علي خير من عبادة الثقلين.

ومنها في غزاة خيبر واشتهار جهاده فيها غير خفي وفتح الله تعالى على يديه فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصر حصنهم بضعة عشر يوما وكانت الراية بيد علي عليه‌السلام فأصابه رمد فسلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الراية إلى أبي بكر مع جماعة فرجعوا منهزمين خائفين فدفعها الغد إلى عمر ففعل مثل ذلك فقال عليه‌السلام لأسلمن الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ، كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح علي يده فلما أصبح قال ايتوني بعلي فقيل به رمد فتفل في عينه ودفع الراية إليه فقتل مرحبا فانهزم أصحابه وغلقوا الأبواب ففتح علي عليه‌السلام الباب واقتلعه وجعله جسرا على الخندق وعبروا وظفروا فلما انصرفوا أخذه بيمينه ودحاه أذرعا وكان يغلقه عشرون وعجز المسلمون عن نقله حتى نقله سبعون رجلا وقال عليه‌السلام : (والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ولكن قلعته بقوة ربانية).

ومنها في غزاة حنين وقد سار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عشرة آلاف فارس من المسلمين فتعجب أبو بكر من كثرتهم وقال لن نغلب اليوم من قلة فانهزموا بأجمعهم ولم يبق مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سوى تسعة نفر علي عليه‌السلام والعباس وابنه الفضل وأبو سفيان بن الحرث ونوفل بن الحرث وربيعة بن الحرث وعبد الله بن الزبير وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب فخرج أبو جرول فقتله علي عليه‌السلام فانهزم المشركون وأقبل المسلمون بعد نداء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصافوا العدو فقتل علي عليه‌السلام أربعين وانهزم الباقون وغنمهم المسلمون وغير ذلك من الوقائع المأثورة والغزوات المشهورة التي نقلها أرباب السير وكانت الفضيلة في ذلك بأجمعه لعلي عليه‌السلام وإذا كان أكثر جهادا كان أفضل من غيره وأكثر ثوابا.

قال : ولأنه أعلم لقوة حدسه وشدة ملازمته للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجعت الصحابة إليه في أكثر الوقائع بعد غلطهم وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقضاكم علي واستند الفضلاء في جميع العلوم إليه وأخبر هو عليه‌السلام بذلك.

أقول : هذا هو الوجه الثاني في بيان أن عليا عليه‌السلام أفضل من غيره وهو أنه عليه‌السلام أعلم من غيره فيكون أفضل أما المقدمة الأولى فيدل عليها وجوه : الأول أنه عليه‌السلام كان شديد الذكاء في غاية قوة الحدس ونشأ في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملازما له مستفيدا منه والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أكمل الناس وأفضلهم ومع حصول القبول التام والمؤثر الكامل يكون الفعل أقوى وأتم وبالخصوص وقد مارس المعارف الإلهية من صغره وقد قيل إن العلم في الصغر كالنقش في الحجر وهذا برهان لمي. الثاني أن الصحابة كانت تشتبه الأحكام عليهم وربما أفتى بعضهم بالغلط وكانوا يراجعونه في ذلك ولم ينقل أنه عليه‌السلام راجع أحدا منهم في شيء البتة وذلك يدل على أنه أفضل من الجماعة فإنه نقل عن أبي بكر أن بعض اليهود لقيه فقال له أين الله تعالى فقال على العرش فقال اليهودي خلت الأرض منه حيث اختص ببعض الأمكنة فانصرف اليهودي مستهزئا بالإسلام فلقيه علي عليه‌السلام فقال له إن الله أين الأين فلا أين له إلى آخر الحديث ، فأسلم على يده وسئل عن الكلالة والأب فلم يعرف ما يقول حتى أوضح علي عليه‌السلام الجواب. وسئل عمر عن أحكام كثيرة فحكم فيها بضد الصواب فراجعه فيها علي عليه‌السلام فرجع إلى قوله كما نقل عنه من إسقاط حد الشرب عن قدامة لما تلي عليه قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) فقال علي عليه‌السلام الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلون محرما وأمره برده واستتابته فإن تاب فاجلده وإلا فاقتله فتاب ولم يدر عمر كم يحده فأمره عليه‌السلام بحده ثمانين. وأمر عمر برجم مجنونة زنت فرده عليه‌السلام بقوله :»رفع القلم عن المجنون حتى يفيق«فقال لو لا علي لهلك عمر. وولدت امرأة لستة أشهر فأمر عمر برجمها فقال له عليه‌السلام إن أقل الحمل ستة أشهر بقوله تعالى : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) وقوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) وأمر عمر برجم حامل فقال له علي عليه‌السلام إن كان لك سبيل عليها فليس لك على ما في بطنها سبيل فامتنع وغير ذلك من الوقائع الشهيرة. الثالث قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقه أقضاكم علي والقضاء يستلزم العلم فيكون أفضل منهم. الرابع استناد العلماء بأسرهم إليه

فإن النحو مستند إليه وكذا أصول المعارف الإلهية وعلم الأصول فإن أبا الحسن الأشعري تلميذ أبي علي الجبائي من المعتزلة وكافة المعتزلة ينتسبون إليه ويدعون أخذ معارفهم منه وأهل التفسير رجعوا إلى ابن عباس فيه وهو تلميذ علي عليه‌السلام والفقهاء ينتسبن إليه والخوارج مع بعدهم عنه ينتسبون إلى أكابرهم وهم تلامذة علي عليه‌السلام.

الخامس أنه عليه‌السلام أخبر بذلك في عدة مواضع كقوله : سلوني عن طرق السماء فإني أعرف بها من طرق الأرض. وقال : والله لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم.

وذلك يدل على كمال معرفته بجميع هذه الشرائع ، وبالجملة فلم ينقل عن أحد من الصحابة ولا عن غيرهم ما نقل عنه من أصول العلم.

قال : ولقوله تعالى (وَأَنْفُسَنا).

أقول : هذا هو الوجه الثالث الدال على أنه عليه‌السلام أفضل من غيره وهو قوله تعالى (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) واتفق المفسرون كافة على أن الأبناء إشارة إلى الحسن والحسين عليه‌السلام والنساء إشارة إلى فاطمة عليه‌السلام والأنفس إشارة إلى علي عليه‌السلام ولا يمكن أن يقال إن نفسيهما واحدة فلم يبق المراد من ذلك إلا المساوي ولا شك في أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل الناس فمساويه كذلك أيضا.

قال : ولكثرة سخائه على غيره.

أقول : هذا وجه رابع يدل على أن عليا عليه‌السلام أفضل من غيره وهو أنه كان أسخى الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أنه جاد بقوته وقوت عياله وبات طاويا هو وإياهم ثلاثة أيام حتى أنزل الله تعالى في حقهم (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) وتصدق مرة أخرى بجميع ما يملكه وقد كان حينئذ يملك أربعة

دراهم لا غير فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية فأنزل الله تعالى في حقه (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) وكان يعمل بالأجرة ويتصدق بها ويشد على بطنه الحجر من شدة الجوع وشهد له بذلك أعداؤه فضلا عن أوليائه ، قال معاوية لو ملك علي بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفد تبره قبل تبنه ولم يخلف شيئا أصلا وقال يا بيضاء ويا صفراء غري غيري وكان يكنس بيوت الأموال ويصلي فيها مع أن الدنيا كانت بيده.

قال : وكان أزهد الناس بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أقول : هذا هو الوجه الخامس وتقريره أن عليا عليه‌السلام كان أزهد الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون أفضل من غيره بيان المقدمة الأولى ما نقل بالتواتر عنه أنه عليه‌السلام كان سيد الأبدال وإليه تشد الرحال في معرفة الزهد والتسليك فيه وترتيب أحوال الرياضات وذكر مقامات العارفين وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا ولم يشبع من طعام قط قال عبيد الله بن أبي رافع دخلت عليه يوما فقدم جرابا مختوما فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فأكل منه فقلت يا أمير المؤمنين كيف تختمه فقال خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن وهذا شيء اختص به علي عليه‌السلام لم يشاركه فيه غيره ولم ينل أحد بعض درجته وكان نعلاه من ليف ويرقع قميصه بجلد تارة وبليف أخرى وقل أن يأتدم فإن فعل فبالملح أو بالخل فإن ترقى فبنبات الأرض فإن ترقى فبلبن وكان لا يأكل اللحم إلا قليلا ويقول لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان وطلق الدنيا ثلاثا والمقدمة الثانية ظاهرة.

قال : وأعبدهم.

أقول : هذا وجه سادس وتقريره أن عليا عليه‌السلام كان أعبد الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنه تعلم الناس صلاة الليل واستفادوا منه ترتيب النوافل والدعوات وكانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده وكان يحافظ على النافلة حتى أنه بسط

له بين الصفين نطع ليلة الهرير فصلى عليه‌السلام النافلة والسهام تقع بين يديه وإلى جوانبه وكانوا يستخرجون النصول من جسده وقت الصلاة لالتفاته بالكلية إلى الله تعالى حتى لا يبقى له التفات إلى غيره.

قال : وأحلمهم.

أقول : هذا وجه سابع وهو أن عليا عليه‌السلام كان أحلم الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقابل أحدا بإساءته. فعفا عن مروان بن الحكم يوم الجمل وكان شديد العداوة له عليه‌السلام. وعفا عن عبد الله بن الزبير لما استأسره يوم الجمل وكان يشتمه عليه‌السلام ظاهرا وقال عليه‌السلام لم يزل الزبير رجلا منا أهل البيت حتى شبه عبد الله ، وعفا عن سعيد بن العاص وكان عدوا له عليه‌السلام وأكرم عائشة وبعثها إلى المدينة مع عشرين امرأة عقيب حربها له وصفح عن أهل البصرة مع محاربتهم له ولما حارب معاوية سبق أصحاب معاوية إلى الشريعة فمنعوه من الماء فلما اشتد العطش بأصحابه حمل عليهم وفرقهم وملك الشريعة فأراد أصحابه أن يفعلوا بهم كذلك فنهاهم عن ذلك وقال افسحوا بعض الشريعة ففي حد السيف ما يغني عن ذلك.

قال : وأشرفهم خلقا.

أقول : هذا وجه ثامن وتقريره أن عليا عليه‌السلام كان أشرف الناس خلقا وأطلقهم وجها حتى نسبه عمر إلى الدعابة مع شدة بأسه وهيبته. قال صعصعة بن صوحان كان فينا كأحدنا لين جانب وشدة تواضع وسهولة قياد وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه. وقال معاوية لقيس بن سعد رحم الله أبا حسن فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة فقال قيس أم والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى تلك هيبة التقوى ليس كما يهابك طغام الشام فيكون أفضل من غيره حيث جمع بين المتضادات من حسن الخلق وطلاقة الوجه وعظم شجاعته وشدة بأسه وكثرة حروبه.

قال : وأقدمهم إيمانا.

أقول : هذا وجه تاسع وتقريره أن عليا عليه‌السلام كان أقدم الناس إيمانا روى سلمان الفارسي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال أولكم ورودا على الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب عليه‌السلام. وقال أنس بعث النبي يوم الاثنين وأسلم على يوم الثلاثاء وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة عليه‌السلام زوجتك أقدمهم سلما وأكثرهم علما وقال عليه‌السلام يوما على المنبر أنا الصديق الأكبر وأنا الفاروق الأعظم آمنت قبل أن آمن أبو بكر وأسلمت قبل أن أسلم وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد. وروى عبد الله بن الحسن قال كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول أنا أول من صلى وأول من آمن بالله ورسوله ولم يسبقني بالصلاة إلا نبي الله. ولأنه عليه‌السلام كان في منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شديد الاختصاص به عظيم الامتثال لأوامره لم يخالفه قط وأبو بكر كان بعيدا عنه مجانبا له فيبعد عرض الإسلام عليه قبل عرضه على علي عليه‌السلام وبالخصوص وقد نزل قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (لا يقال) إن إسلامه عليه‌السلام كان قبل البلوغ فلا اعتبار به (لأنا نقول) المقدمتان ممنوعتان (أما الأول) فلأن سن علي عليه‌السلام كان ستا وستين سنة أو خمسا وستين والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقي بعد الوحي ثلاثا وعشرين سنة وعلي عليه‌السلام بقي بعد النبي نحوا من ثلاثين سنة فيكون سن علي عليه‌السلام وقت نزول الوحي فيما بين اثنتي عشرة سنة وبين ثلاث عشرة سنة والبلوغ في هذا الوقت ممكن فيكون واقعا لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوجتك أقدمهم سلما وأكثرهم علما (وأما الثانية) فلأن الصبي قد يكون رشيدا كامل العقل قبل سن البلوغ فيكون مكلفا ولهذا حكم أبو حنيفة بصحة إسلام الصبي وإذا كان كذلك دل على كمال الصبي (أما الأول) فلأن الطباع في الصبيان مجبولة على حب الأبوين والميل إليهما فإعراض الصبي عنهما والتوجه إلى الله تعالى يدل على قوة كماله (وأما ثانيا) فلأن طبائع الصبيان منافية للنظر في الأمور العقلية والتكاليف الإلهية وملائمة للعب واللهو فإعراض الصبي عما

يلائم طباعه إلى ما ينافره يدل على عظم منزلته في الكمال فثبت بذلك أن عليا عليه‌السلام كان أقدمهم إيمانا فيكون أفضل لقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ).

قال وأفصحهم.

أقول : هذا دليل عاشر وتقريره أن عليا عليه‌السلام كان أبلغ الناس في الفصاحة وأعظمهم منزلة فيها بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قال البلغاء كافة إن كلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق ومنه تعلم الناس أصناف البلاغة حتى قال معاوية ما سن الفصاحة لقريش غيره. وقال ابن نباتة حفظت من خطبه مائة خطبة. وقال عبد الحميد بن يحيى حفظت سبعين خطبة من خطبه.

قال : وأسدهم رأيا.

أقول : هذا دليل حادي عشر وتقريره أن عليا عليه‌السلام كان أسد الناس رأيا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجودهم تدبيرا وأعرفهم بمزايا الأمور ومواقعها وهو الذي أشار على عمر بالتخلف عن حرب الروم والفرس وبعث نوابه وأشار على عثمان بما فيه صلاحه وصلاح المسلمين فخالفه حتى قتل فيكون أفضل من غيره.

قال : وأكثرهم حرصا على إقامة حدود الله تعالى.

أقول : هذا وجه ثاني عشر وتقريره أن عليا عليه‌السلام كان أكثر الناس حرصا على إقامة حدود الله تعالى لم يراقب في ذلك أحدا ولم يلتفت إلى قرابة بل كان شديد السياسة خشنا في ذات الله تعالى لم يراقب ابن عمه ولا أخاه ونقض دار مصقلة بن هبيرة ودار جرير بن عبد الله البجلي وصلب جماعة وقطع آخرين ولم يساوه في ذلك أحد من الصحابة فيكون أفضل من غيره.

قال : وأحفظهم للكتاب العزيز.

أقول : هذا وجه ثالث عشر وهو أن عليا عليه‌السلام كان يحفظ كتاب الله تعالى على

عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن أحد يحفظه وهو أول من جمعه ونقل الجمهور أنه تأخر عن البيعة بسبب اشتغاله بجمع القرآن العظيم وأئمة القراء يسندون قراءاتهم إليه كأبي عمرو بن أبي العلاء وعاصم وغيرهما لأنهم يرجعون إلى أبي عبد الرحمن السلمي وهو تلميذه عليه‌السلام فيكون أفضل من غيره.

قال : ولإخباره بالغيب.

أقول : هذا وجه رابع عشر وتقريره أن عليا عليه‌السلام أخبر بالغيب في مواضع كثيرة ولم تحصل هذه المرتبة لأحد من الصحابة فيكون أفضل منهم قطعا وذلك كإخباره بقتل ذي الثدية ولما لم يجده أصحابه بين القتلى قال والله ما كذبت ولا كذبت فاعتبرهم عليه‌السلام حتى وجده وشق قميصه ووجد على كتفه سلعة كثدي المرأة عليها شعرات تنحدر كتفه مع جذبها وترجع مع تركها.

وقال له أصحابه إن أهل النهروان قد عبروا فقال عليه‌السلام لم يعبروا فأخبروه مرة ثانية فقال لم يعبروا فقال جندب بن عبد الله الأزدي في نفسه إن وجدت القوم قد عبروا كنت أول من يقاتله فلما وصلنا النهر لم نجدهم عبروا فقال عليه‌السلام يا أخا الأزد أتبين لك الأمر وذلك يدل على اطلاعه على ما في ضميره.

وأخبر عليه‌السلام بقتل نفسه في شهر رمضان وبولاية الحجاج وانتقامه وبقطع يد جويرية بن مسهر ورجله وصلبه على جذع ففعل به ذلك في أيام معاوية وبصلب ميثم التمار على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة وأراه النخلة التي يصلب على جذعها فكان كما قال ، وبذبح قنبر فذبحه الحجاج.

وقيل له قد مات خالد بن عرفطة بوادي القرى فقال لم يمت ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة صاحب رايته حبيب بن جماز فقام رجل من تحت المنبر فقال والله إني لك لمحب وأنا حبيب قال إياك أن تحملها ولتحملنها فتدخل بها من هذا الباب وأومى إلى باب الفيل فلما بعث ابن زياد عمر بن سعد إلى قتال الحسين عليه‌السلام جعل على مقدمته خالدا وحبيب صاحب رايته فسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل. وقال

عليه‌السلام يوما على المنبر سلوني قبل أن تفقدوني فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة وتهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة فقام إليه رجل فقال أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لقد حدثني خليلي بما سألت عنه وأن على كل طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزك وأن في بيتك لسخلا يقتل ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما كان من أمر الحسين عليه‌السلام ما كان تولى قتله والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى نقلها المخالف والمؤالف.

قال : واستجابة دعائه.

أقول : هذا وجه خامس عشر وتقريره أن عليا عليه‌السلام كان مستجاب الدعوة سريعا دون غيره من الصحابة فيكون أفضل منهم وتقرير المقدمة الأولى ما نقل بالتواتر عنه عليه‌السلام في ذلك كما دعا على بسر بن أرطاة فقال : اللهم إن بسرا باع دينه بالدنيا فاسلبه عقله ولا تبق له من دينه ما يستوجب به عليك رحمتك فاختلط عقله. واتهم العيزار برفع أخباره إلى معاوية فأنكر فقال له عليه‌السلام إن كنت كاذبا فأعمى الله بصرك فعمي قبل أسبوع. واستشهد جماعة من الصحابة عن حديث الغدير فشهد له اثنا عشر رجلا من الأنصار وسكت أنس بن مالك فقال له يا أنس ما يمنعك أن تشهد وقد سمعت ما سمعوا فقال يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت فقال اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببياض الوضح لا تواريه العمامة فصار أبرص. وكتم زيد بن أرقم فذهب بصره وغير ذلك من الوقائع المشهورة.

قال : وظهور المعجزات عنه.

أقول : هذا وجه سادس عشر وتقريره أنه عليه‌السلام ظهرت عنه معجزات كثيرة ، وقد تقدم ذكر بعضها ولم يحصل لغيره من الصحابة ذلك فيكون أفضل منهم.

قال : واختصاصه بالقرابة.

أقول : هذا وجه سابع عشر وتقريره أن عليا عليه‌السلام كان أقرب الناس نسبا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيكون أفضل من غيره ولأنه كان هاشميا فيكون أفضل لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله اصطفى من ولد إسماعيل قريشا ومن قريش هاشما.

قال : والأخوة.

أقول : هذا وجه ثامن عشر وهو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما واخى بين الصحابة وقرن كل شخص إلى مماثله في الشرف والفضيلة رأى عليا عليه‌السلام متكدرا فسأله عن سبب ذلك فقال إنك آخيت بين الصحابة وجعلتني منفردا فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أخرتك إلا لنفسي ألا ترضى أن تكون أخي ووصيي وخليفتي من بعدي فقال بلى يا رسول الله فواخاه من دون الصحابة فيكون أفضل منهم.

قال : ووجوب المحبة.

أقول : هذا وجه تاسع عشر وتقريره أن عليا عليه‌السلام كان محبته ومودته واجبة دون غيره من الصحابة فيكون أفضل منهم قطعا وبيان المقدمة الأولى أنه كان من أولي القربى فتكون مودته واجبة لقوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

قال : والنصرة.

أقول : هذا وجه عشرون وتقريره أن عليا عليه‌السلام اختص بفضيلة النصرة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون غيره من الصحابة فيكون أفضل منهم بيان المقدمة الأولى قوله تعالى (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) وقد اتفق المفسرون على أن المراد بصالح المؤمنين هو علي عليه‌السلام والمولى هنا هو الناصر لأنه القدر المشترك بين الله

تعالى وجبرئيل وجعله ثالثهم وحصر المولى في الثلاثة بلفظة هو في قوله تعالى (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ).

قال : ومساواة الأنبياء.

أقول : هذا وجه حادي وعشرون وتقريره أن عليا عليه‌السلام كان مساويا للأنبياء المتقدمين فيكون أفضل من غيره من الصحابة بالضرورة لأن المساوي للأفضل أفضل بيان المقدمة الأولى ما رواه البيهقي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من أحب أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي ابن أبي طالب.

قال : وخبر الطائر والمنزلة والغدير وغيرها.

أقول : هذا وجه ثاني وعشرون وتقريره أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر في مواضع كثيرة ببيان فضله وزيادة كماله على غيره ونص على إمامته (منها) ما ورد في خبر الطائر وهو أنه قال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر فجاء علي بن أبي طالب عليه‌السلام فأكل معه وفي رواية اللهم أدخل إلي أحب أهل الأرض إليك رواه أنس وسعد بن أبي وقاص وأبو رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن عباس وعول أبو جعفر الإسكافي وأبو عبد الله البصري على هذا الحديث في أنه عليه‌السلام أفضل من غيره وادعى أبو عبد الله شهرة هذا الحديث وظهوره بين الصحابة ولم ينكره أحد منهم فيكون متواترا (ومنها) خبر المنزلة وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وقد كان هارون أفضل أهل زمانه عند أخيه فكذا علي عليه‌السلام عند محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ومنها) خبر الغدير وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما خطب الناس بغدير خم في عوده من حجة الوداع : معاشر المسلمين ألست أولى منكم بأنفسكم قالوا بلى يا رسول الله فأخذ بيد علي عليه‌السلام وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من

نصره واخذل من خذله وأدر الحق مع علي كيف ما دار وقد بينا أن المراد بالمولى هاهنا الأولى بالتصرف وإذا كان علي عليه‌السلام أولى من كل أحد بالتصرف في نفسه كان أفضل منهم قطعا. اعترض بعضهم على هذا بجواز أن يكون المراد به الولاء لأنه وقع مشاجرة بين أمير المؤمنين عليه‌السلام وبين زيد بن حارثة فقال له علي عليه‌السلام أنت مولاي فقال زيد أنا مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولست بمولاك فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال من كنت مولاه فعلي مولاه والجواب من وجوه : الأول ما ذكره أبو عبد الله البصري وهو أنه لا اختصاص لعلي عليه‌السلام بالولاء دون غيره من أقارب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يجوز حمله على هذا المعنى. الثاني ما ذكره أبو عبد الله أيضا وهو أن عمر قال له بعد هذا الحديث هنيئا لك أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة وقالت عائشة والأنصار بعد ذلك يا مولانا فلا يجوز حمله على الولاء. الثالث أن مقدمة الحديث تنفي هذا المعنى وهو قوله عليه‌السلام ألست أولى منكم بأنفسكم (ومنها) قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذي الثدية يقتله خير الخلق والخليفة وفي رواية أخرى يقتله خير هذه الأمة. وقال لفاطمة عليه‌السلام إن الله اطلع على أهل الأرض فاختار منهم أباك فاتخذه نبيا ثم اطلع ثانية فاختار منهم بعلك فأمرني أن أنكحك إياه وأن أتخذه وصيا وقالت عائشة كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل علي عليه‌السلام فقال هذا سيد العرب قالت قلت بأبي أنت وأمي ألست أنت سيد العرب فقال أنا سيد العالمين وهذا سيد العرب. وعن أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعلي عليه‌السلام أنت أخي ووزيري وخير من أتركه بعدي تقضي ديني وتنجز موعدي. وسأل رجل عائشة عن مسيرها فقالت كان قدرا من الله فسألها عن علي عليه‌السلام فقالت لقد سألتني عن أحب الناس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزوج أحب الناس إليه وقال لفاطمة عليها‌السلامأ ما ترضين أني زوجتك خير أمتي وعن سلمان أنه قال رسول الله خير من أترك بعدي علي بن أبي طالب. وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي خير البشر فمن أبى فقد كفر. وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل أمتي علي بن أبي طالب.

قال ولانتفاء سبق كفره.

أقول : هذا وجه ثالث وعشرون وتقريره أن عليا عليه‌السلام لم يكفر بالله تعالى أصلا بل من حين بلوغه كان مؤمنا موحدا بخلاف باقي الصحابة فإنهم كانوا في زمن الجاهلية كفرة ولا ريب في فضل من لم يزل موحدا على من سبق كفره على إيمانه.

قال : ولكثرة الانتفاع به.

أقول : هذا وجه رابع وعشرون وتقريره أن عليا عليه‌السلام انتفع به المسلمون أكثر من نفعهم بغيره فيكون ثوابه أكثر وفضله أعظم. بيان المقدمة الأولى ما تقدم من كثرة حروبه وشدة بلائه في الإسلام وفتح الله البلاد على يديه وقوة شوكة الإسلام به حتى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الأحزاب لضربة علي خير من عبادة الثقلين وبلغ في الزهد مرتبة لم يلحقها أحد بعده واستفاد الناس منه طرائق الرياضة والترك للدنيا والانقطاع إلى الله تعالى وكذا في السخاوة وحسن الخلق والعبادة والتهجد وأما العلم فظاهر استناد كافة العلماء إليه واستفادتهم منه وعاش بعد أبي بكر زمانا طويلا يفيد الناس الكمالات النفسانية والبدنية وابتلي بما لم يحصل لغيره من المشاق.

قال : وتميزه بالكمالات النفسانية والبدنية والخارجية.

أقول : هذا وجه خامس وعشرون وتقريره أن الكمالات إما نفسانية وإما بدنية وإما خارجية أما الكمالات النفسانية والبدنية فقد بينا بلوغه فيها إلى الغاية إذ كان العلم والزهد والشجاعة والسخاء وحسن الخلق والعفة فيه أبلغ من غيره بل لا يجاريه في واحد منها أحد وبلغ في القوة البدنية والشدة مبلغا لا يساويه أحد حتى قيل إنه عليه‌السلام كان يقط إلهام قط الأقلام لم يخط في ضربه قط ولم يحتج إلى المعاودة وقلع باب خيبر وقد عجز عن نقلها سبعون رجلا من أشد الناس قوة مع أنه عليه‌السلام كان قليل الغذاء جدا بأخشن مأكل وملبس كثير الصوم مداوم العبادة.

وأما الخارجية فمنها النسب الشريف الذي لا يساويه أحد في القرب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنه كان أقرب الناس إليه فإن العباس كان عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأب خاصة وعلي عليه‌السلام كان ابن عمه من الأب والأم ومع ذلك فإنه كان هاشميا من الأب والأم لأنه علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم.

ومنها المصاهرة ولم يحصل لأحد ما حصل له منها فإنه زوج سيدة نساء العالمين وعثمان وإن شاركه في كونه ختنا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أن فاطمة عليها‌السلامأشرف بناته وكان لها من المنزلة والقرب من قلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبلغ عظيم وكان يعظمها حتى أنه كان إذا جاءت إليه نهض لها قائما ولم يفعل ذلك بأحد من النساء. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيدة نساء العالمين في الجنة أربع وعد منهن فاطمة عليها‌السلام.

ومنها الأولاد ولم يحصل لأحد من المسلمين مثل أولاده في الشرف والكمال فإن الحسن والحسين عليه‌السلام إمامان سيدا شباب أهل الجنة وكان حب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما في الغاية حتى إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتطأطأ لهما ليركباه ويبعبع لهما ثم أولد كل واحد منهما عليهما‌السلامأولادا بلغوا في الشرف إلى الغاية فالحسن عليه‌السلام أولد مثل الحسن المثنى والمثلث وعبد الله بن الحسن المثنى والنفس الزكية وغيرهم وأولد الحسين عليه‌السلام مثل زين العابدين والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والحجة وقد نشروا من العلم والفضل والزهد والانقطاع والترك شيئا عظيما حتى إن الفضلاء من المشايخ كانوا يفتخرون بخدمتهم عليهم‌السلام فأبو يزيد البسطامي كان يفتخر بأنه يسقي الماء لدار جعفر الصادق عليه‌السلام ومعروف الكرخي أسلم على يدي الرضا عليه‌السلام وكان بواب داره إلى أن مات وكان أكثر الفضلاء يفتخرون بالانتساب إليهم في العلم فإن مالكا كان إذا سئل في الدرب عن مسألة لم يجب السائل فقيل له في ذلك فقال إني أخذت العلم من جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلاموكنت إذا أتيت إليه لاستفيد منه نهض ولبس أفخر ثيابه

وتطيب وجلس في أعلى منزله وحمد الله تعالى وأفادني شيئا. واستفادة أبي حنيفة من الصادق عليه‌السلام ظاهرة غنية عن البرهان وهذه الفضائل لم تحصل لأحد من الصحابة فيكون علي عليه‌السلام أفضل منهم.

المسألة الثامنة

في إمامة باقي الأئمة الاثني عشر عليه‌السلام

قال : والنقل المتواتر دل على الأحد عشر ولوجوب العصمة وانتفائها عن غيرهم ووجود الكمالات فيهم.

أقول : لما بين أن الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام شرع في إمامة الأئمة الأحد عشر وهم الحسن بن علي ثم أخوه الحسين ثم علي بن الحسين زين العابدين ثم محمد بن علي الباقر ثم جعفر بن محمد الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم ثم ولده علي الرضا ثم ولده محمد الجواد ثم ولده علي الهادي ثم ولده الحسن العسكري ثم الإمام المنتظر. واستدل على ذلك بوجوه ثلاثة : الأول النقل المتواتر من الشيعة خلفا عن سلف فإنه يدل على إمامة كل واحد من هؤلاء بالتنصيص وقد نقل المخالفون ذلك من طرق متعددة تارة على الإجمال وأخرى على التفصيل كما روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متواترا أنه قال للحسين عليه‌السلام هذا ابني إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم وغير ذلك من الأخبار وروي عن مسروق وقال بينا نحن عند عبد الله بن مسعود إذ قال له شاب هل عهد إليكم نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كم يكون من بعده خليفة قال إنك لحديث السن وإن هذا شيء ما سألني أحد عنه نعم عهد إلينا نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكون بعده اثنا عشر خليفة عدد نقباء بني إسرائيل. (الوجه الثاني) قد بينا أن الإمام يجب أن يكون معصوما وغير هؤلاء ليسوا معصومين إجماعا فتعينت العصمة لهم وإلا لزم خلو الزمان عن المعصوم وقد بينا استحالته. (الوجه الثالث) أن الكمالات النفسانية والبدنية بأجمعها موجودة في كل واحد

منهم ، وكل واحد منهم كما هو كامل في نفسه كذا هو مكمل لغيره وذلك يدل على استحقاقه الرئاسة العامة لأنه أفضل من كل أحد في زمانه ويقبح عقلا تقديم المفضول على الفاضل فيجب أن يكون كل واحد منهم إماما وهذا برهان لمي.

المسألة التاسعة

في أحكام المخالفين

قال : ومحاربو علي عليه‌السلام كفرة ومخالفوه فسقة.

أقول : المحارب لعلي عليه‌السلام كافر لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حربك يا علي حربي ولا شك في كفر من حارب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وأما مخالفوه في الإمامة فقد اختلف قول علمائنا فيهم فمنهم من حكم بكفرهم لأنهم دفعوا ما علم ثبوته من الدين ضرورة وهو النص الجلي الدال على إمامته مع تواتره وذهب آخرون إلى أنهم فسقة وهو الأقوى. ثم اختلف هؤلاء على أقوال ثلاثة : أحدها أنهم مخلدون في النار لعدم استحقاقهم الجنة. الثاني قال بعضهم إنهم يخرجون من النار إلى الجنة. الثالث ما ارتضاه ابن نوبخت وجماعة من علمائنا أنهم يخرجون من النار لعدم الكفر الموجب للخلود ولا يدخلون الجنة لعدم الإيمان المقتضي لاستحقاق الثواب.

قال :

المقصد السادس في :

المعاد والوعد والوعيد وما يتصل بذلك

حكم المثلين واحد والسمع دل على إمكان المماثل

أقول : في هذا المقصد مسائل :

المسألة الأولى في إمكان خلق عالم آخر

واعلم أن إيجاب المعاد يتوقف على هذه المسألة ولأجل ذلك صدرها في أول المقصد وقد اختلف الناس في ذلك وأطبق المليون عليه وخالف فيه الأوائل واحتج المليون بالعقل والسمع أما العقل فنقول العالم المماثل لهذا العالم ممكن الوجود لأن هذا العالم ممكن الوجود وحكم المثلين واحد فلما كان هذا العالم ممكنا وجب الحكم على الآخر بالإمكان وإلى هذا البرهان أشار بقوله حكم المثلين واحد وأما السمع فقوله تعالى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ).

قال : والكرية ووجوب الخلاء واختلاف المتفقات ممنوعة.

أقول : هذا إشارة إلى ما احتج الأوائل به على امتناع خلق عالم آخر وتقريره من وجهين : الأول أنه لو وجد عالم آخر لكان كرة لأنه الشكل الطبيعي فإن تلاقت الكرتان أو تباينتا لزم الخلاء. والجواب لا نسلم وجوب الكرية في العالم الثاني سلمنا لكن لا نسلم وجوب الخلاء لإمكان ارتسام الثاني في ثخن بعض الأفلاك أو إحاطة المحيط بالعالمين. الثاني لو وجد عالم آخر فيه نار وأرض وغيرهما فإن طلبت أمكنة هذه العناصر لزم قسرها دائما وإلا اختلف المتفقات في الطباع في مقتضاها (والجواب) لم لا يجوز أن يكون العالم الآخر مخالفا لهذا العالم في الحقيقة سلمنا لكن لم لا يجوز أن يكون المكانان طبيعيين لهما فهذا ما خطر لنا في تطبيق كلام المصنف ـ رحمه‌الله ـ عليه.

المسألة الثانية

في صحة العدم على العالم

قال : والإمكان يعطي جواز العدم.

أقول : اختلف الناس في أن العالم هل يصح عدمه أم لا فذهب المليون أجمع إلى ذلك إلا من شذ ومنع منه القدماء واختلفوا فذهب قوم منهم إلى أن الامتناع ذاتي وجعلوا العالم واجب الوجود ونحن قد بينا خطأهم وبرهنا على حدوثه فيكون ممكنا بالضرورة وذهب آخرون إلى أن الامتناع باعتبار الغير وذلك أن العالم معلول علة واجب الوجود فلا يمكن عدمه إلا بعدم علته ويستحيل عدم واجب الوجود ونحن قد بينا خطأهم في ذلك وبرهنا على أن المؤثر في العالم قادر مختار وذهبت الكرامية والجاحظ إلى استحالة عدم العالم بعد وجوده بعد اعترافهم بالحدوث لأن الأجسام باقية فلا تفنى بذاتها ولا بالفاعل لأن شأنه الإيجاد لا الإعدام إذ لا فرق في العقل بين نفي الفعل وبين فعل العدم ولا ضد للأجسام لأنه بعد وجوده ليس إعدامه للباقي أولى من عدمه به لوقوع التضاد من الطرفين وأولوية الحادث بالتعلق بالسبب مشتركة وبكثرته باطلة لامتناع اجتماع المثلين وباستلزام الجمع بين النقيضين باطلة لانتفائه على تقدير القول بعدم دخول الحادث في الوجود ولا بانتفاء الشرط لعود الكلام عليه وهو خطأ فإن الإعدام يستند إلى الفاعل كما يستند الوجود إليه والامتياز واقع بين نفي الفعل وفعل العدم سلمنا لكن لم لا يجوز أن يعدم بوجود الضد ويكون الضد أولى بإعدامه وإن كان سبب الأولوية مجهولا ، سلمنا لكن لم لا يجوز اشتراط الجواهر بأعراض غير باقية يوجدها الله تعالى حالا فحالا فإذا لم يجدد العرض انتفت الجواهر. ودليل المصنف ـ رحمه‌الله ـ على مطلوبه من صحة العدم حجة على الجميع وهو أنا بينا أن العالم ممكن الوجود فيستحيل انقلابه إلى الامتناع أو الوجوب فيجوز عدمه كما جاز وجوده.

المسألة الثالثة

في وقوع العدم وكيفيته

قال : والسمع دل عليه.

أقول : يدل على وقوع العدم السمع وهو قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) وقوله تعالى :(كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) وقال تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) وقد وقع الإجماع على الفناء وإنما الخلاف في كيفيته على ما يأتي.

قال : ويتأول في المكلف بالتفريق كما في قصة إبراهيم عليه‌السلام.

أقول : المحققون على امتناع إعادة المعدوم وسيأتي البرهان على وجوب المعاد وهاهنا قد بين أنه تعالى يعدم العالم وذلك ظاهر المناقضة فبين المصنف مراده من الإعدام أما في غير المكلفين وهم من لا يجب إعادته فلا اعتبار به إذ لا يجب إعادته فجاز إعدامه بالكلية ولا يعاد وأما المكلف الذي يجب إعادته فقد تأول المصنف ـ رحمه‌الله ـ معنى إعدامه بتفريق أجزائه ولا امتناع في ذلك فإن المكلف بعد تفريق أجزائه يصدق عليه أنه هالك بمعنى أنه غير منتفع به ، أو يقال إنه هالك بالنظر إلى ذاته إذ هو ممكن وكل ممكن فإنه بالنظر إلى ذاته لا يجب له الوجود فلا يوجد إذ لا وجود إلا للواجب بذاته أو بغيره فهو هالك بالنظر إلى ذاته فإذا فرق أجزائه كان هو العدم فإذا أراد الله تعالى إعادته جمع تلك الأجزاء وألفها كما كانت فذلك هو المعاد ويدل على هذا التأويل قوله تعالى في سؤال إبراهيم عليه‌السلام عن كيفية الإحياء للأجزاء في الآخرة لأنه تعالى لا يحيي الموتى في دار التكليف وإنما الإحياء يقع في الآخرة فسأل عليه‌السلام عن كيفية ذلك الإحياء وهو يشتمل على السؤال عن جميع المقدمات التي يفعلها الله تعالى حتى يهيئهم ويعدهم لنفخ الروح فأمره الله تعالى بأخذ أربعة من الطير وتقطيعها وتفريق أجزائها ومزج بعض الأجزاء ببعض ثم يفرقها ويضعها على الجبال ثم يدعوها فلما دعاها ميز الله تعالى أجزاء

كل طير عن الآخر وجمع أجزاء كل طير وفرقها عن أجزاء الآخر حتى كملت البنية التي كانت عليها أولا ثم أحياها الله تعالى ولم يعدم تلك الأجزاء فكذا في المكلف هذا ما فهمناه من قوله كما في قصة إبراهيم عليه‌السلام فهذا هو كيفية الإعدام.

قال : وإثبات الفناء غير معقول لأنه إن قام بذاته لم يكن ضدا وكذا إن قام بالجوهر.

أقول : لما ذكر المذهب الحق في كيفية الإعدام شرع في إبطال مذهب المخالفين في ذلك واعلم أن من جملة من خالف في كيفية الإعدام جماعة من المعتزلة ذهبوا إلى أن الإعدام ليس هو التفريق بل الخروج عن الوجود بأن يخلق الله تعالى للجواهر ضدا هو الفناء وقد اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال : أحدها قال ابن الإخشيد إن الفناء ليس بمتحيز ولا قائم بالمتحيز إلا أنه يكون حاصلا في جهة معينة فإذا أحدثه الله تعالى فيها عدمت الجواهر بأسرها. الثاني قال ابن شبيب إن الله يحدث في كل جوهر فناء ثم ذلك الفناء يقتضي عدم الجوهر في الزمان الثاني فيجعله قائما بالمحل. الثالث قال أبو علي وأبو هاشم ومن تابعهما إن الفناء يحدث لا في محل فيفني الجواهر كلها حال حدوثه ثم اختلفوا فذهب أبو هاشم وقاضي القضاة إلى أن الفناء الواحد كاف في عدم كل الجواهر وذهب أبو علي وأصحابه إلى أن لكل جوهر فناء مضادا له لا يكفي ذلك الفناء في عدم غيره فإذا عرفت هذا فنقول القول بالفناء على كل تقدير فرضوه باطل لأن الفناء إن قام بذاته كان جوهرا إذ معنى الجوهر ذلك فلا يكون ضدا للجوهر وإن كان غير قائم بذاته كان عرضا إذ هو معناه فيكون حالا في الجوهر إما ابتداء أو بواسطة وعلى كلا التقديرين فيستحيل أن يكون منافيا للجواهر.

قال : ولانتفاء الأولوية.

أقول : يفهم من هذا الكلام أمران : أحدهما إقامة دليل ثان على امتناع قيام الفناء بالجوهر وتقريره أن نقول لو كان الفناء قائما بالجوهر لكان عرضا حالا فيه ولم يكن اقتضاؤه لنفي محله أولى من اقتضاء محله لنفيه بل كان انتفاء هذا الحال بالمحل أولى إذ منع

الضد دخول الضد الآخر في الوجود مع إمكان إعدامه له أولى من إعدام المتجدد للضد الباقي وبالخصوص إذا كان محلا له. الثاني إقامة دليل ثان على انتفاء الفناء وتقريره أن نقول لو كان الفناء ضدا للجواهر لم يكن إعدامه للجوهر الباقي أولى من إعدام الجوهر الباقي له بمعنى منعه عن الدخول في الوجود بل هو أولى لما تقدم.

قال : ولاستلزامه انقلاب الحقائق أو التسلسل.

أقول : القول بالفناء يستلزم أحد أمرين محالين : أحدهما انقلاب الحقائق ، والثاني التسلسل وكل مستلزم للمحال فإنه محال قطعا أما استحالة الأمرين فظاهر وأما بيان الملازمة فلأن الفناء إما أن يكون واجب الوجود بذاته أو ممكن الوجود والقسمان باطلان أما الأول فلأنه قد كان معدوما وإلا لم توجد الجواهر ثم صار موجودا وذلك يعطي إمكانه وأما الثاني فلأنه يصح عليه العدم وإلا لم يكن ممكنا فعدمه إن كان لذاته كان ممتنعا بعد أن كان ممكنا وذلك يستلزم انقلاب الحقائق وإن كان بسبب الفاعل بطل أصل دليلكم وإن كان بوجود ضد آخر لزم التسلسل هذا ما خطر لنا في معنى هذا الكلام.

قال : وإثبات بقاء لا في محل يستلزم الترجيح من غير مرجح أو اجتماع النقيضين.

أقول : ذهب قوم منهم ابن شبيب إلى أن الجوهر باق ببقاء موجود لا في محل فإذا انتفى ذلك البقاء انتفى ذلك الجوهر والمصنف ـ رحمه‌الله ـ أحال هذا المذهب أيضا باستلزامه المحال وذكر أن القول بذلك يستلزم أمرين : أحدهما الترجيح من غير مرجح ، والثاني اجتماع النقيضين والذي يخطر لنا في تفسير ذلك أمران : أحدهما أن يقال البقاء إما جوهر أو عرض والقسمان باطلان فالقول به باطل أما الأول فلأنه لو كان جوهرا لم يكن جعله شرطا لجوهر آخر أولى من العكس فإما أن يكون كل واحد منهما شرطا لصاحبه وهو دور ، أو لا يكون أحدهما شرطا للآخر وهو المطلوب. وأما الثاني فلأنه لو كان عرضا قائما بذاته لزم اجتماع النقيضين إذ العرض هو الموجود في المحل فلو كان البقاء قائما لا في محل مع كونه عرضا لزم ما ذكرناه. الثاني أن يقال البقاء إما واجب لذاته أو ممكن لذاته

والقسمان باطلان أما الأول فلأن وجوده بعد العدم يستلزم جواز عدمه والوجوب يستلزم عدم جوازه وذلك جمع بين النقيضين وأما الثاني فلأن عدمه في وقت دون آخر ترجيح من غير مرجح لاستحالة استناده إلى ذاته وإلا لكان ممتنع الوجود مع إمكانه وذلك جمع بين النقيضين ولا إلى الفاعل ولا إلى الضد وإلا لجاز مثله في الجواهر فالقول بذلك هنا مع استحالته في الجواهر ترجيح من غير مرجح ولا إلى انتفاء الشرط وإلا لزم أن يكون للبقاء بقاء آخر فليس أحدهما بكونه صفة للآخر أولى من العكس وذلك ترجيح من غير مرجح.

قال : وإثباته في المحل يستلزم توقف الشيء على نفسه إما ابتداء أو بواسطة.

أقول : ذهب جماعة من الأشاعرة والكعبي إلى أن الجواهر تبقى ببقاء قائم بها فإذا أراد الله تعالى إعدامها لم يفعل البقاء فانتفت الجواهر والمصنف ـ رحمه‌الله ـ أبطل ذلك باستلزامه توقف الشيء على نفسه إما ابتداء أو بواسطة ، وتقريره أن حصول البقاء في المحل يتوقف على وجود المحل في الزمان الثاني لكن حصوله في الزمان الثاني إما أن يكون هو البقاء أو معلوله ويستلزم من الأول توقف الشيء على نفسه ابتداء ومن الثاني توقفه على معلوله المتوقف عليه وذلك يقتضي توقف الشيء على نفسه بواسطة فهذا ما يمكن حمل كلامه عليه.

المسألة الرابعة

في وجوب المعاد الجسماني

قال : ووجوب إيفاء الوعد والحكمة يقتضي وجوب البعث والضرورة قاضية بثبوت الجسماني من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع إمكانه.

أقول : اختلف الناس هنا فذهب الأوائل إلى نفي المعاد الجسماني وأطبق المليون عليه واستدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ على وجوب المعاد مطلقا بوجهين : الأول أن الله تعالى وعد بالثواب وتوعد بالعقاب مع مشاهدة الموت للمكلفين فوجب القول بعودهم ليحصل الوفاء

بوعده ووعيده. الثاني أن الله تعالى قد كلف وفعل الألم وذلك يستلزم الثواب والعوض وإلا لكان ظالما تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فإنا قد بينا حكمته تعالى ولا ريب في أن الثواب والعوض إنما يصلان إلى المكلف في الآخرة لانتفائهما في الدنيا واستدل على ثبوت المعاد الجسماني بأنه معلوم بالضرورة من دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن دل عليه في آيات كثيرة بالنص مع أنه ممكن فيجب المصير إليه وإنما قلنا بأنه ممكن لأن المراد من الإعادة جمع الأجزاء المتفرقة وذلك جائز بالضرورة.

قال : ولا تجب إعادة فواضل المكلف.

أقول : اختلف الناس في المكلف ما هو على مذاهب عرفت منها قول من يعتقد أن المكلف هو النفس المجردة وهو مذهب الأوائل والنصارى والتناسخية والغزالي والحليمي والراغب من الأشاعرة وابن الهيثم من الكرامية وجماعة من الإمامية والصوفية (ومنها) قول جماعة من المحققين إن المكلف هو أجزاء أصلية في هذا البدن لا يتطرق إليها الزيادة والنقصان وإنما تقعان في أجزاء المضافة إليها.

(إذا عرفت هذا فنقول) الواجب في المعاد هو إعادة تلك الأجزاء الأصلية أو النفس المجردة مع الأجزاء الأصلية أما الأجسام المتصلة بتلك الأجزاء فلا تجب إعادتها بعينها وغرض المصنف ـ رحمه‌الله ـ بهذا الكلام الجواب عن اعتراضات الفلاسفة على المعاد الجسماني وتقرير قولهم إن إنسانا لو أكل آخر أو اغتذى بأجزائه فإن أعيدت أجزاء الغذاء إلى الأول عدم الثاني وإن أعيدت إلى الثاني عدم الأول. وأيضا إما أن يعيد الله تعالى جميع الأجزاء البدنية الحاصلة من أول العمر إلى آخره أو القدر الحاصل له عند موته والقسمان باطلان : أما الأول فلأن البدن دائما في التحلل والاستخلاف فلو أعيد البدن مع جميع الأجزاء منه لزم عظمه في الغاية ولأنه قد يتحلل منه أجزاء تصير أجساما غذائية ثم يأكلها ذلك الإنسان بعينه حتى تصير أجزاء من عضو آخر غير العضو الذي كانت أجزاء له أولا فإذا أعيدت أجزاء كل عضو إلى عضوه لزم جعل ذلك الجزء جزءا من العضوين وهو محال ، وأما الثاني فلأنه قد يطيع العبد حال تركبه من أجزاء بعينها ثم تتحلل تلك الأجزاء

ويعصي في أجزاء أخرى فإذا أعيد في تلك الأجزاء بعينها وأثابها على الطاعة لزم إيصال الحق إلى غير مستحقه. وتقرير الجواب واحد وهو أن لكل مكلف أجزاء أصلية لا يمكن أن تصير جزءا من غيرها بل تكون فواضل من غيره لو اغتذى بها فإذا أعيدت جعلت أجزاء أصلية لما كانت أصلية له أولا وتلك الأجزاء هي التي تعاد وهي باقية من أول العمر إلى آخره.

قال : وعدم انخراق الأفلاك وحصول الجنة فوقها ودوام الحياة مع الاحتراق وتولد البدن من غير التوالد وتناهي القوى الجسمانية استبعادات.

أقول : احتج الأوائل على امتناع المعاد الجسماني بوجوه : أحدها أن السمع قد دل على انتثار الكواكب وانخراق الأفلاك وذلك محال. الثاني أن حصول الجنة فوق الأفلاك كما ذهب إليه المسلمون يقتضي عدم الكرية. الثالث أن بقاء الحياة مع دوام الاحتراق في النار محال. الرابع أن تولد الأشخاص وقت الإعادة من غير توالد الأبوين باطل. الخامس أن القوى الجسمانية متناهية والقول بدوام نعيم أهل الجنة قول بعدم التناهي. والجواب عن الكل واحد وهو أن هذه استبعادات أما الأفلاك فلأنها حادثة على ما تقرر أولا فيمكن انخراقها كما يمكن عدمها فكذا حصول الجنة فوق الأفلاك. ودوام الاحتراق مع بقاء الجسم ممكن ولأنه تعالى قادر على كل مقدور فيمكن استحالة الجسم إلى أجزاء نارية ثم يعيدها الله تعالى هكذا دائما. والتولد ممكن كما في آدم عليه‌السلام. والقوى الجسمانية قد لا يتناهى أثرها إذا كانت واسطة في التأثير.

المسألة الخامسة

في الثواب والعقاب

قال : ويستحق الثواب والمدح بفعل الواجب والمندوب وفعل ضد القبيح والإخلال به بشرط فعل الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه والمندوب كذلك والضد لأنه ترك القبيح

والإخلال به لأنه إخلال به لأن المشقة من غير عوض ظلم ولو أمكن الابتداء به كان عبثا.

أقول : المدح قول ينبئ عن ارتفاع حال الغير مع القصد إلى الرفع منه. والثواب هو النفع المستحق المقارن للتعظيم والإجلال. والذم قول ينبئ عن اتضاع حال الغير مع قصده. والعقاب هو الضرر المستحق المقارن للاستخفاف والإهانة. والمدح والثواب يستحقان بفعل الواجب وفعل المندوب وفعل ضد القبيح وهو الترك له على ما ذهب من يثبت الترك ضدا والإخلال بالقبيح ومنع أبو علي وجماعة من المعتزلة استحقاق المدح والثواب بالإخلال بالقبيح وصارا إلى ذلك لأن المكلف يمتنع خلوه من الأخذ والترك الذي هو فعل الضد والحق ما ذكره المصنف ـ رحمه‌الله ـ فإن العقلاء يستحسنون ذم المخل بالواجب وإن لم يتصوروا منه فعلا كما يستحسنون ذمه على فعل القبيح.

واعلم أنه يشترط في استحقاق الفاعل المدح والثواب إيقاع الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه وكذا المندوب يفعله لندبه أو لوجه ندبه وكذا في ترك القبيح يتركه لكونه ترك قبيح أو لوجه ذلك والإخلال بالقبيح لكونه إخلالا بالقبيح فإنه لو فعل الواجب أو المندوب لا لما ذكرناه لم يستحق مدحا ولا ثوابا عليهما وكذا لو ترك القبيح لغرض آخر من لذة أو غيرها لم يستحق المدح والثواب. والدليل على استحقاق الثواب بفعل الطاعة أنها مشقة قد ألزمها الله تعالى المكلف فإن لم يكن لغرض كان عبثا وظلما وهو قبيح لا يصدر عن الحكيم وإن كان لغرض فإما الإضرار وهو ظلم وإما النفع وهو إما أن يصح الابتداء به أو لا والأول باطل وإلا لزم العبث في التكليف والثاني هو المطلوب وذلك النفع هو المستحق بالطاعة المقارن للتعظيم والإجلال فإنه يقبح الابتداء بذلك لأن تعظيم من لا يستحقه قبيح.

قال : وكذا يستحق العقاب والذم بفعل القبيح والإخلال بالواجب لاشتماله على اللطف وللسمع.

أقول : كما أن الطاعة سبب لاستحقاق الثواب فكذا المعصية وهي فعل القبيح وترك الواجب سبب لاستيجاب العقاب لوجهين : أحدهما عقلي كما ذهب إليه جماعة من العدلية

وتقريره أن العقاب لطف واللطف واجب أما الصغرى فلأن المكلف إذا عرف أن مع المعصية يستحق العقاب فإنه يبعد عن فعلها ويقرب إلى فعل ضدها وهو معلوم قطعا وأما الكبرى فقد تقدمت. الثاني سمعي وهو الذي ذهب إليه باقي العدلية وهو متواتر معلوم من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا عرفت هذا فنقول ذهب جماعة إلى أن الإخلال بالواجب لا يقتضي استحقاق ذم ولا عقاب بل المقتضي لذلك هو فعل القبيح أو ضد فعل الواجب وهو تركه وقد تقدم بيان ذلك.

قال : ولا استبعاد في اجتماع الاستحقاقين باعتبارين.

أقول : هذا جواب عن حجة من منع من كون الإخلال بالواجب سببا لاستحقاق الذم وتقريره أنه لو كان ذلك سببا والإخلال بالقبيح سبب للمدح لكان المكلف إذا خلا من الأمرين مستحقا للذم والمدح. والجواب لا استبعاد في اجتماع الاستحقاقين باعتبارين فيذم على أحدهما ويمدح على الآخر كما إذا فعل طاعة ببعض أعضائه ومعصية بالبعض الآخر.

قال : وإيجاب المشقة في شكر النعمة قبيح.

أقول : ذهب أبو القاسم البلخي إلى أن هذه التكاليف وجبت شكرا للنعمة فلا تستلزم وجوب الثواب ولا يستحق بفعلها نفع وإنما الثواب تفضل من الله تعالى وذهب جماعة من العدلية إلى خلاف هذا القول واحتج المصنف ـ رحمه‌الله ـ على إبطاله بأنه يقبح عند العقلاء أن ينعم الإنسان على غيره ثم يكلفه ويوجب عليه شكره ومدحته على تلك النعمة من غير إيصال ثواب إليه ويعدون ذلك نقصا في المنعم وينسبون إلى الرياء وذلك قبيح لا يصدر من الحكيم فوجب القول باستحقاق الثواب.

قال : ولقضاء العقل به مع الجهل.

أقول : هذا دليل ثان على إبطال قول البلخي وتقريره أن العقلاء بأسرهم يجزمون

بوجوب شكر المنعم وإذا كان وجوب الشكر معلوما بالعقل مع أن العقل لا يدرك التكاليف الشرعية وجب القول بكونها ليست شكرا.

قال : ويشترط في استحقاق الثواب كون الفعل أو الإخلال به شاقا لا رفع الندم على فعله ولا انتفاء النفع العاجل إذا فعل للوجه.

أقول : يشترط في استحقاق الثواب كون الفعل المكلف به الواجب أو المندوب شاقا وكون الإخلال بالقبيح شاقا إذ المقتضي لاستحقاق الثواب هو المشقة فإذا انتفت انتفى المقتضي للاستحقاق ولا يشترط رفع الندم على فعل الطاعة فإن الطاعة سبب لاستحقاق الثواب وقد وجدت منفكة عنه لأنه في حال الفعل يستحيل أن يكون نادما عليه ، نعم نفي الندم شرط في بقاء استحقاق الثواب وكذا لا يشترط في الثواب عدم النفع العاجل إذا أوقعه المكلف لوجه الوجوب أو للوجوب أو لوجه الندب أو للندب.

المسألة السادسة

في صفات الثواب والعقاب

قال : ويجب اقتران الثواب بالتعظيم والعقاب بالإهانة للعلم الضروري باستحقاقهما مع فعل موجبهما.

أقول : ذهبت المعتزلة إلى أن الثواب نفع عظيم مستحق يقارنه التعظيم والعقاب ضرر عظيم مستحق يقارنه الإهانة واحتجوا على وجوب اقتران التعظيم بالثواب واقتران الإهانة بالعقاب بأنا نعلم بالضرورة أن فاعل الفعل الشاق المكلف به فإنه يستحق التعظيم والمدح وكذلك من فعل القبيح فإنه يستحق الإهانة والاستخفاف.

قال : ويجب دوامهما لاشتماله على اللطفية ولدوام المدح والذم ولحصول نقيضهما لولاه.

أقول : ذهب المعتزلة إلى أن الثواب والعقاب دائمان واختلف في العلم بدوامهما هل

هو عقلي أو سمعي فذهبت المعتزلة إلى أنه عقلي وذهبت المرجئة إلى أنه سمعي واحتج المصنف ـ رحمه‌الله ـ على دوامهما بوجوه : أحدها أن العلم بدوام الثواب والعقاب يبعث العبد على فعل الطاعة ويبعده عن المعصية وذلك ضروري وإذا كان كذلك كان لطفا واللطف واجب على ما مر. الثاني أن المدح والذم دائمان إذ لا وقت إلا ويحسن مدح المطيع وذم العاصي إذا لم يظهر منه ندم على ما فعل وهما معلولا الطاعة والمعصية فيجب كون الطاعة والمعصية في حكم الدائمتين فيجب دوام الثواب والعقاب لأن دوام أحد المعلولين يستلزم دوام المعلول الآخر لأن العلة تكون دائمة أو في حكم الدائمة. الثالث أن الثواب لو كان منقطعا لحصل لصاحبه الألم بانقطاعه ولو كان العقاب منقطعا لحصل لصاحبه السرور بانقطاعه وذلك ينافي الثواب والعقاب لأنهما خالصان عن الشوائب هذا ما فهمناه من كلام المصنف ـ رحمه‌الله ـ وقوله لحصول نقيضيهما يعني نقيضي الثواب والعقاب لولاه أي لو لا الدوام.

قال : ويجب خلوصهما وإلا لكان الثواب أنقص حالا من العوض والتفضل على تقدير حصوله فيهما وهو أدخل في باب الزجر.

أقول : يجب خلوص الثواب والعقاب عن الشوائب أما الثواب فلأنه لو لا ذلك لكان العوض والتفضل أكمل منه لأنه يجوز خلوصهما عن الشوائب وحينئذ يكون الثواب أنقص درجة وأنه غير جائز وأما العقاب فلأنه أعظم في الزجر فيكون لطفا.

قال : وكل ذي مرتبة في الجنة لا يطلب الأزيد ويبلغ سرورهم بالشكر إلى حد انتفاء المشقة وغنائهم بالثواب ينفي مشقة ترك القبائح وأهل النار يلجئون إلى ترك القبيح.

أقول : لما ذكر أن الثواب خالص عن الشوائب ورد عليه أن أهل الجنة يتفاوتون في الدرجات فالأنقص إذا شاهد من هو أعظم ثوابا حصل له الغم بنقص درجته عنه وبعدم اجتهاده في العبادة وأيضا فإنه يجب عليهم الشكر لنعم الله تعالى والإخلال بالقبائح وفي ذلك مشقة. والجواب عن الأول أن شهوة كل مكلف مقصورة على ما حصل له ولا يغتم

بفقد الأزيد لعدم اشتهائه له. وعن الثاني أنه يبلغ سرورهم بالشكر على النعمة إلى حد تنتفي المشقة معه. وأما الإخلال بالقبائح فإنه لا مشقة عليهم فيها لأنه تعالى يغنيهم بالثواب ومنافعه عن فعل القبيح فلا تحصل لهم مشقة أما أهل النار فإنهم يلجئون إلى فعل ما يجب عليهم وترك القبائح فلا تصدر عنهم وليس ذلك تكليفا لأنه بالغ حد الإلجاء ويحصل من ذلك نوع من العقاب أيضا.

قال : ويجوز توقف الثواب على شرط وإلا لأثيب العارف بالله تعالى خاصة.

أقول : ذهب جماعة إلى أن الثواب يجوز أن يكون موقوفا على شرط ومنعه آخرون والأول هو الحق والدليل عليه أنه لو لا ذلك لكان العارف بالله تعالى وحده مثابا مع عدم نظره في المعجزة وعدم تصديقه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتالي باطل إجماعا فكذا المقدم ، بيان الشرطية أن المعرفة طاعة مستقلة بنفسها فلو لم يتوقف الثواب عليها على شرط لوجبت إثابة من لم يصدق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث لم ينظر في معجزته.

قال : وهو مشروط بالموافاة لقوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وقوله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ)

أقول : اختلف المعتزلة على أربعة أقوال فقال بعضهم إن الثواب والعقاب يستحقان في وقت وجود الطاعة والمعصية وأبطلوا القول بالموافاة وقال آخرون إنهما يستحقان في الدار الآخرة وقال آخرون إنهما يستحقان حال الاخترام وقال آخرون إنهما يستحقان في الحال بشرط الموافاة فإن كان في علم الله تعالى أنه يوافي الطاعة سليمة إلى حال الموت أو الآخرة استحق بها الثواب في الحال وكذا المعصية وإن كان في علمه تعالى أنه يحبط الطاعة أو يتوب من المعصية قبل الموافاة لم يستحق الثواب ولا العقاب بهما واستدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ على القول بالموافاة بقوله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وبقوله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) وتقريره أن نقول إما أن يكون المراد بالإحباط هنا كون العمل باطلا في أصله أو أن الثواب يسقط

بعد ثبوته أو أن الكفر أبطله والأولان باطلان أما الأول فلأنه علق بطلانه بالشرك المتجدد ولأنه شرط وجزاء وهما إنما يقعان في المستقبل وبالأول يبطل الثاني وأما الثاني فلما يأتي من بطلان التحابط فتعين الثالث.

المسألة السابعة

في الإحباط والتكفير

قال : والإحباط باطل لاستلزامه الظلم ولقوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ).

أقول : اختلف الناس هنا فقال جماعة من المعتزلة بالإحباط والتكفير ومعناهما أن المكلف يسقط ثوابه المتقدم بالمعصية المتأخرة أو تكفر ذنوبه المتقدمة بطاعته المتأخرة ونفاهما المحققون ثم القائلون بهما اختلفوا فقال أبو علي إن المتأخر يسقط المتقدم ويبقى على حاله ، وقال أبو هاشم إنه ينتفي الأقل بالأكثر وينتفي من الأكثر بالأقل ما ساواه ويبقى الزائد مستحقا وهذا هو الموازنة ويدل على بطلان الإحباط أنه يستلزم الظلم لأن من أساء وأطاع وكانت إساءته أكثر يكون بمنزلة من لم يحسن وإن كان إحسانه أكثر يكون بمنزلة من لم يسئ وإن تساويا يكون مساويا لمن لم يصدر عنه أحدهما وليس كذلك عند العقلاء ولقوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) والإيفاء بوعده ووعيده واجب.

قال : ولعدم الأولوية إذا كان الآخر ضعفا وحصول المتناقضين مع التساوي.

أقول : هذا دليل على إبطال قول أبي هاشم بالموازنة وتقريره أنا إذا فرضنا أنه استحق المكلف خمسة أجزاء من الثواب وعشرة أجزاء من العقاب فليس إسقاط إحدى الخمستين من العقاب بالخمسة من الثواب أولى من الأخرى فإما أن يسقطا معا وهو خلاف مذهبه أو لا يسقط شيء منهما وهو المطلوب ولو فرضنا أنه فعل خمسة أجزاء من الثواب وخمسة أجزاء من العقاب فإن تقدم إسقاط أحدهما للآخر لم يسقط الباقي بالمعدوم لاستحالة

صيرورة المغلوب والمعدوم غالبا ومؤثرا ، وإن تقارنا لزم وجودهما معا لأن وجود كل منهما نفي وجود الآخر فيلزم وجودهما حال عدمهما وذلك جمع بين المتناقضين.

المسألة الثامنة

في انقطاع عذاب أصحاب الكبائر

قال : والكافر مخلد وعذاب صاحب الكبيرة منقطع لاستحقاقه الثواب بإيمانه ولقبحه عند العقلاء.

أقول : أجمع المسلمون كافة على أن عذاب الكافر مؤبد لا ينقطع واختلفوا في أصحاب الكبائر من المسلمين فالوعيدية على أنه كذلك وذهبت الإمامية وطائفة كثيرة من المعتزلة والأشاعرة إلى أن عذابه منقطع وينبغي أن يعرف هنا الصغير والكبير من الذنب أما الصغير فيقال على وجوه (منها) ما يقال بالإضافة إلى الطاعة فيقال هذه المعصية صغيرة في مقابلة الطاعة أو هي أصغر من هذه الطاعة باعتبار أن عقابها ينقص في كل وقت عن ثواب تلك الطاعة في كل وقت وإنما شرطنا عموم الوقت لأنه متى اختلف الحال في ذلك بأن يزيد تارة ثواب الطاعة عن عقاب المعصية وتارة ينقص لم نقل أن تلك صغيرة بالإضافة إلى تلك الطاعة على الإطلاق بل تقيد بالحالة التي يكون عقابها أقل من ثواب الطاعة وحصول الاختلاف بما يقترن بالطاعة والمعصية فإن الإنفاق في سبيل الله مختلف كما قال تعالى (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) (ومنها) أن يقال بالنسبة إلى معصية أخرى فيقال هذه المعصية أصغر من تلك بمعنى أن عقاب هذه ينقص في كل وقت عن عقاب الأخرى (ومنها) أن يقال بالإضافة إلى ثواب فاعلها بمعنى أن عقابها ينقص في كل وقت عن ثواب فاعلها في كل وقت ، هذا هو الذي يطلقه العلماء عليه. والكبير يقال على وجوه مقابلة لهذه الوجوه (إذا عرفت هذا فنقول) الحق أن عقاب أصحاب الكبائر منقطع والدليل عليه وجهان : الأول أنه يستحق الثواب بإيمانه لقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) والإيمان أعظم أفعال الخير فإذا استحق العقاب بالمعصية فإما أن

يقدم الثواب على العقاب وهو باطل بالإجماع لأن الثواب المستحق بالإيمان دائم على ما تقدم أو بالعكس وهو المراد والجمع محال. الثاني يلزم أن يكون من عبد الله تعالى مدة عمره بأنواع القربات إليه ثم عصى في آخر عمره معصية واحدة مع بقاء إيمانه مخلدا في النار كمن أشرك بالله تعالى مدة عمره وذلك محال لقبحه عند العقلاء.

قال : والسمعيات متأولة ودوام العقاب مختص بالكافر.

أقول : هذا إشارة إلى الجواب عن حجج الوعيدية واحتجوا بالنقل والعقل (أما النقل) فالآيات الدالة على خلودهم كقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) وقوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) إلى غير ذلك من الآيات (وأما العقل) فما تقدم من أن العقاب والثواب يجب دوامهما (والجواب) عن السمع التأويل إما بمنع العموم والتخصيص بالكفار وإما بتأويل الخلود بالبقاء المتطاول وإن لم يكن دائما ، وعن العقل بأن دوام العقاب إنما هو في حق الكافر أما غيره فلا.

المسألة التاسعة

في جواز العفو

قال : والعفو واقع لأنه حقه تعالى فجاز إسقاطه ولا ضرر عليه في تركه مع ضرر النازل به فحسن إسقاطه ولأنه إحسان.

أقول : ذهب جماعة من معتزلة بغداد إلى أن العفو جائز عقلا غير جائز سمعا وذهب البصريون إلى جوازه سمعا وهو الحق واستدل عليه المصنف ـ رحمه‌الله ـ بوجوه : الأول أن العقاب حق لله تعالى فجاز تركه والمقدمتان ظاهرتان. الثاني أن العقاب ضرر بالمكلف ولا ضرر في تركه على مستحقه وكل ما كان كذلك كان تركه حسنا أما أنه ضرر بالمكلف فضروري وأما عدم الضرر في تركه فقطعي لأنه تعالى غني بذاته عن كل شيء وأما أن ترك مثل هذا حسن فضروري.

قال : وللسمع.

أقول : هذا دليل الوقوع سمعا وهو الآيات الدالة على العفو كقوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) فإما أن يكون هذان الحكمان مع التوبة أو بدونها والأول باطل لأن الشرك يغفر مع التوبة فتعين الثاني (وأيضا) المعصية مع التوبة يجب غفرانها وليس المراد في الآية المعصية التي يجب غفرانها لأن الواجب لا يعلق بالمشيئة فما كان يحسن قوله لمن يشاء فوجب عود الآية إلى معصية لا يجب غفرانها كقوله تعالى (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ)» وعلى«تدل على الحال أو الغرض كما يقال ضربت زيدا على عصيانه أي لأجل عصيانه وهو غير مراد هنا قطعا فتعين الأول.

(وأيضا) فالله تعالى قد نطق في كتابه العزيز بأنه عفو غفور وأجمع المسلمون عليه ولا معنى له إلا إسقاط العقاب عن العاصي.

المسألة العاشرة

في الشفاعة

قال : والإجماع على الشفاعة فقيل لزيادة المنافع ويبطل بنا في حقه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أقول : اتفقت العلماء على ثبوت الشفاعة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويدل عليه قوله تعالى (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) قيل إنه الشفاعة واختلفوا فقالت الوعيدية إنها عبارة عن طلب زيادة المنافع للمؤمنين المستحقين للثواب وذهبت التفضلية إلى أن الشفاعة للفساق من هذه الأمة في إسقاط عقابهم وهو الحق وأبطل المصنف الأول بأن الشفاعة لو كانت في زيادة المنافع لا غير لكنا شافعين في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث نطلب له من الله تعالى علو الدرجات والتالي باطل قطعا لأن الشافع أعلى من المشفوع فيه فالمقدم مثله

قال : ونفي المطاع لا يستلزم نفي المجاب وباقي السمعيات متأولة بالكفار.

أقول : هذا إشارة إلى جواب من استدل على أن الشفاعة إنما هي في زيادة المنافع وقد

استدلوا بوجوه : الأول قوله تعالى (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) نفى الله تعالى قبول الشفاعة عن الظالم والفاسق ظالم (والجواب) أنه تعالى نفى الشفيع المطاع ونحن نقول به لأنه ليس في الآخرة شفيع يطاع لأن المطاع فوق المطيع والله تعالى فوق كل موجود ولا أحد فوقه ولا يلزم من نفي الشفيع المطاع نفي الشفيع المجاب سلمنا لكن لم لا يجوز أن يكون المراد بالظالمين هنا الكفار جمعا بين الأدلة. الثاني قوله تعالى (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) ولو شفع عليه‌السلام في الفاسق لكان ناصرا له. الثالث قوله تعالى(وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) ، (يَوْماً لا تَجْزِي) نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً(فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) والجواب عن هذه الآيات كلها أنها مختصة بالكفار جمعا بين الأدلة. الرابع قوله تعالى (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) نفي شفاعة الملائكة عن غير المرتضى لله تعالى والفاسق غير مرتضى والجواب لا نسلم أن الفاسق غير مرتضى بل هو مرتضى لله تعالى في إيمانه.

قال : وقيل في إسقاط المضار والحق صدق الشفاعة فيهما وثبوت الثاني له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.

أقول : هذا هو المذهب الثاني الذي حكيناه أولا وهو أن الشفاعة في إسقاط المضار ثم بين المصنف ـ رحمه‌الله ـ أنها تطلق على المعنيين معا كما يقال شفع فلان في فلان إذا طلب له زيادة منافع أو إسقاط مضار وذلك متعارف عند العقلاء ثم بين أن الشفاعة بالمعنى الثاني أعني إسقاط المضار ثابتة للنبي بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وذلك حديث مشهور.

المسألة الحادية عشرة

في وجوب التوبة

قال : والتوبة واجبة لدفعها الضرر ولوجوب الندم على كل قبيح أو إخلال بواجب.

أقول : التوبة هي الندم على المعصية لكونها معصية والعزم على ترك المعاودة في

المستقبل لأن ترك العزم يكشف عن نفي الندم وهي واجبة بالإجماع لكن اختلفوا فذهب جماعة من المعتزلة إلى أنها تجب من الكبائر المعلوم كونها كبائر أو المظنون فيها ذلك ولا يجب من الصغائر المعلوم منها أنها صغائر. وقال آخرون إنها لا تجب من ذنوب تاب عنها من قبل. وقال آخرون إنها تجب من كل صغير وكبير من المعاصي أو الإخلال بالواجب سواء تاب عنها قبل أو لم يتب. وقد استدل المصنف على وجوبها بأمرين : الأول أنها دافعة للضرر الذي هو العقاب أو الخوف منه ودفع الضرر واجب. الثاني أنا نعلم قطعا وجوب الندم على فعل القبيح أو الإخلال بالواجب إذا عرفت هذا فنقول إنها تجب عن كل ذنب لأنها تجب من المعصية لكونها معصية ومن الإخلال بواجب لكونه كذلك وهذا عام في كل ذنب وإخلال بواجب.

قال : ويندم على القبيح لقبحه وإلا انتفت وخوف النار إن كان الغاية فكذلك وكذا الإخلال.

أقول : يجب على التائب أن يندم على القبيح لقبحه وأن يعزم على ترك المعاودة إليه إذ لو لا ذلك انتفت التوبة كمن يتوب عن المعصية حفظا لسلامة بدنه أو لعرضه بحيث لا ينثلم عند الناس فإن مثل هذا لا يعد توبة لانتفاء الندم فيه. وأما التائب خوفا من النار فإن كان الخوف من النار هو الغاية في توبته بمعنى أنه لو لا خوف النار لم يتب فكذلك أي لا يصح منه التوبة لأنها ليست توبة عن القبيح لقبحه فجرى مجرى طالب سلامة البدن وإن لم يكن هو الغاية بأن يندم عليه لأنه قبيح وفيه عقاب النار ولو لا القبح لما ندم عليه وإن كان فيه خوف النار صحت توبته وكذا الإخلال بالواجب إن ندم عليه لأنه إخلال بواجب وعزم على فعل الواجب في المستقبل لأجل كونه إخلالا بواجب فهي توبة صحيحة وإن كان خوفا من النار أو من فوات الجنة فإن كان هو الغاية لم تصح توبته وإلا كانت صحيحة ولهذا إن المسيء لو اعتذر إلى المظلوم لا لأجل إساءته بل لخوفه من عقوبة السلطان لم يقبل العقلاء عذره.

قال : فلا تصح من البعض ولا يتم القياس على الواجب.

أقول : اختلف شيوخ المعتزلة فذهب أبو هاشم إلى أن التوبة لا تصح من قبيح دون قبيح وذهب أبو علي إلى جواز ذلك والمصنف ـ رحمه‌الله ـ استدل على مذهب أبي هاشم بأنا قد بينا أنه يجب أن يندم على القبيح لقبحه ولو لا ذلك لم تكن مقبولة على ما تقدم والقبح حاصل في الجميع فلو تاب من قبيح دون قبيح كشف ذلك عن كونه تائبا عنه لا لقبحه (واحتج) أبو علي بأنه لو لم تصح التوبة عن قبيح دون قبيح لم يصح الإتيان بواجب دون واجب والتالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أنه كما يجب عليه ترك القبيح لقبحه كذا يجب عليه فعل الواجب لوجوبه فلو لزم من اشتراك القبائح في القبح عدم صحة التوبة من بعض القبائح دون بعض لزم من اشتراك الواجبات في الوجوب عدم صحة الإتيان بواجب دون آخر. وأما بطلان التالي فبالإجماع إذ لا خلاف في صحة صلاة من أخل بالصوم. وأجاب أبو هاشم بالفرق بين ترك القبيح لقبحه وفعل الواجب لوجوبه بالتعميم في الأول دون الثاني فإن من قال لا آكل الرمانة لحموضتها فإنه لا يقدم على أكل كل حامض لاتحاد الجهة في المنع ولو أكل الرمانة لحموضتها لم يلزم أن يتناول كل رمانة حامضة فافترقا وإليه أشار المصنف ـ رحمه‌الله ـ بقوله ولا يتم القياس على الواجب أي لا يتم قياس ترك القبيح لقبحه على فعل الواجب لوجوبه.

قال : ولو اعتقد فيه الحسن صحت.

أقول : قد تصح التوبة من قبيح دون قبيح إذا اعتقد التائب في بعض القبائح أنها حسنة وتاب عما يعتقده قبيحا فإنه يقبل توبته لحصول الشرط فيه وهو ندمه على القبيح لقبحه ولهذا إذا تاب الخارجي عن الزنا فإنه يقبل توبته وإن كان اعتقاده قبيحا لأنه لا يعتقده كذلك فيصدق في حقه أنه تاب عن القبيح لقبحه.

قال : وكذا المستحقر.

أقول : إذا كان هناك فعلان : أحدهما عظيم القبح والآخر صغيره وهو مستحقر

بالنسبة إليه حتى لا يكون معتدا به ويكون وجوده بالنسبة إلى العظيم كعدمه حتى تاب فاعل القبيح من العظيم فإنه تقبل توبته مثال ذلك أن الإنسان إذا قتل ولد غيره وكسر له قلما ثم تاب وأظهر الندم على قتل الولد دون كسر القلم فإنه تقبل توبته ولا يعتد العقلاء بكسر القلم وإن كان لا بد من أن يندم على جميع إساءته وكما أن كسر القلم حال قتل الولد لا يعد إساءة فكذا الندم.

قال : والتحقيق أن ترجيح الداعي إلى الندم عن البعض يبعث عليه وإن اشترك الداعي في الندم على القبيح كما في الدواعي إلى الفعل ولو اشترك الترجيح اشترك وقوع الندم وبه يتأول كلام أمير المؤمنين وأولاده عليهم‌السلام وإلا لزم الحكم ببقاء الكفر على التائب منه المقيم على صغيرة.

أقول : لما شرع في تقرير كلام أبي هاشم ذكر التحقيق في هذا المقام وتقريره أن نقول الحق أنه تجوز التوبة عن قبيح دون قبيح لأن الأفعال تقع بحسب الدواعي وتنتفي بحسب الصوارف فإذا ترجح الداعي وقع الفعل (إذا عرفت هذا) فنقول يجوز أن يرجح فاعل القبائح دواعيه إلى الندم على بعض القبائح دون بعض وإن كانت القبائح مشتركة في أن الداعي يدعو إلى الندم عليها وذلك بأن تقترن ببعض القبائح قرائن زائدة كعظم الذنب أو كثرة الزواجر عنه أو الشناع عند العقلاء عند فعله ولا تقترن هذه القرائن ببعض القبائح فلا يندم عليها وهذا في دواعي الفعل فإن الأفعال الكثيرة قد تشترك في الدواعي ثم يؤثر صاحب الدواعي بعض تلك الأفعال على بعض بأن يترجح دواعيه إلى ذلك الفعل بما يقترن به من زيادة الدواعي فلا استبعاد في كون قبح الفعل داعيا إلى الندم ثم تقترن ببعض القبائح زيادة الدواعي إلى الندم عليه فيترجح لأجلها الداعي إلى الندم على ذلك البعض ولو اشتركت القبائح في قوة الدواعي اشتركت في وقوع الندم ولم يصح الندم على البعض دون الآخر وعلى هذا ينبغي أن يحمل كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وكلام أولاده كالرضا وغيره عليهم‌السلام حيث نقل عنهم نفي تصحيح التوبة عن بعض القبائح دون بعض لأنه لو لا ذلك لزم خرق الإجماع والتالي باطل فالمقدم

مثله بيان الملازمة أن الكافر إذا تاب عن كفره وأسلم وهو مقيم على الكذب إما أن يحكم بإسلامه وتقبل توبته عن الكفر أو لا والثاني خرق الإجماع لاتفاق المسلمين على إجراء أحكام المسلمين عليه والأول هو المطلوب وقد التزم أبو هاشم استحقاقه عقاب الكفر وعدم قبول توبته وإسلامه لكن يمنع إطلاق الاسم عليه.

المسألة الثانية عشرة

في أقسام التوبة

قال : والذنب إن كان في حقه تعالى من فعل قبيح كفى فيه الندم والعزم وفي الإخلال بالواجب اختلف حكمه من بقائه وقضائه وعدمهما وإن كان في حق آدمي استتبع إيصاله إن كان ظلما أو العزم عليه مع التعذر أو الإرشاد إن كان إضلالا وليس ذلك إجزاء.

أقول : التوبة إما أن تكون من ذنب يتعلق به تعالى خاصة أو يتعلق به حق الآدمي والأول إما أن تكون عن فعل قبيح كشرب الخمر والزنا أو إخلال بواجب كترك الصلاة والزكاة ، (فالأول) يكفي في التوبة منه الندم عليه والعزم على ترك العود إليه (وأما الثاني) فتختلف أحكامه بحسب القوانين الشرعية فمنه ما لا بد مع التوبة منه من فعله أداء كالزكاة ومنه ما يجب معه القضاء كالصلاة اليومية ومنه ما يسقطان عنه كالعيدين وهذا الأخير يكفي فيه الندم والعزم على ترك المعاودة كما في فعل القبيح وأما ما يتعلق به حق الآدمي فيجب فيه الخروج إليهم منه فإن كان أخذ مال وجب رده على مالكه أو على ورثته إن مات ولو لم يتمكن من ذلك وجب العزم عليه وكذا إن كان حد قذف وإن كان قصاصا وجب الخروج إليهم منه بأن يسلم نفسه إلى أولياء المقتول فإما أن يقتلوه أو يعفوا عنه بالدية أو بدونها وإن كان في بعض الأعضاء وجب تسليم نفسه ليقتص منه في ذلك العضو إلى المستحق من المجني عليه أو الورثة وإن كان إضلالا وجب إرشاد من أضله ورجوعه عما اعتقده بسببه من الباطل إن أمكن ذلك (واعلم) أن هذه التوابع ليست أجزاء من التوبة فإن العقاب يسقط بالتوبة ثم إن قام المكلف بالتبعات كان ذلك إتماما للتوبة

من جهة المعنى لأن ترك التبعات لا يمنع من سقوط العقاب بالتوبة عما تاب منه بل يسقط العقاب ويكون ترك القيام بالتبعات بمنزلة ذنوب مستأنفة تلزمه التوبة منها نعم التائب إذا فعل التبعات بعد إظهار توبته كان ذلك دلالة على صدق الندم وإن لم يقم بها أمكن جعله دلالة على عدم صحة الندم.

قال : ويجب الاعتذار إلى المغتاب مع بلوغه.

أقول : المغتاب إما أن يكون قد بلغه اغتيابه أولا ويلزم على الفاعل للغيبة في الأول الاعتذار منه إليه لأنه أوصل إليه ضرر الغم فوجب عليه الاعتذار منه والندم عليه وفي الثاني لا يلزمه الاعتذار ولا الاستحلال منه لأنه لم يفعل به ألما وفي كلا القسمين يجب الندم لله تعالى لمخالفته النهي والعزم على ترك المعاودة.

قال : وفي إيجاب التفصيل مع الذكر إشكال.

أقول : ذهب قاضي القضاة إلى أن التائب إن كان عالما بذنوبه على التفصيل وجب عليه التوبة عن كل واحد منها مفصلا وإن كان يعلمها على الإجمال وجب عليه التوبة كذلك مجملا وإن كان يعلم بعضها على التفصيل وبعضها على الإجمال وجب عليه التوبة عن المفصل بالتفصيل وعن المجمل بالإجمال واستشكل المصنف ـ رحمه‌الله ـ إيجاب التفصيل مع الذكر لإمكان الإجزاء بالندم على كل قبيح وقع منه وإن لم يذكره مفصلا.

قال : وفي وجوب التجديد إشكال.

أقول : إذا تاب المكلف عن معصية ثم ذكرها هل يجب عليه تجديد التوبة قال أبو علي نعم بناء على أن المكلف القادر بقدرة لا ينفك عن الضدين إما الفعل أو الترك فعند ذكر المعصية إما أن يكون نادما عليها أو مصرا عليها والثاني قبيح فيجب الأول وقال أبو هاشم لا يجب لجواز خلو القادر بقدرة عنهما.

قال : وكذا المعلول مع العلة.

أقول : إذا فعل المكلف العلة قبل وجود المعلول هل يجب عليه الندم على المعلول أو على العلة أو عليهما مثاله الرامي إذا رمى قبل الإصابة قال الشيوخ يجب الندم على الإصابة لأنها هي القبيح وقد صارت في حكم الموجود لوجوب حصوله عند حصول السبب ، وقال القاضي يجب عليه ندمان : أحدهما. على الرمي لأنه قبيح ، والثاني على كونه مولدا للقبيح ولا يجوز أن يندم على المعلول لأن الندم على القبيح إنما هو لقبحه وقبل وجوده لا قبح

قال : ووجوب سقوط العقاب بها.

أقول : المصنف ـ رحمه‌الله ـ استشكل وجوب سقوط العقاب بها (واعلم) أن الناس اتفقوا على سقوط العقاب بالتوبة واختلفوا فقالت المعتزلة إنه يجب سقوط العقاب بها وقالت المرجئة إن الله تعالى يتفضل عليه بإسقاط العقاب لا على جهة الوجوب. احتجت المعتزلة بوجهين : الأول أنه لو لم يجب إسقاط العقاب لم يحسن تكليف العاصي والتالي باطل إجماعا فالمقدم مثله ، بيان الشرطية أن التكليف إنما يحسن للتعريض للنفع وبوجود العقاب قطعا لا يحصل الثواب وبغير التوبة لا يسقط العقاب فلا يبقى للعاصي طريق إلى إسقاط العقاب عنه ويستحيل اجتماع الثواب والعقاب فيكون التكليف قبيحا. الثاني أن من أساء إلى غيره واعتذر إليه بأنواع الاعتذارات وعرف منه الإقلاع عن تلك الإساءة بالكلية فإن العقلاء يذمون المظلوم إذا ذمه بعد ذلك (والجواب عن الأول) لا نسلم انحصار سقوط العقاب في التوبة لجواز سقوطه بالعفو أو بزيادة الثواب (سلمنا) لكن نمنع عدم اجتماع الاستحقاقين لأن عقاب الفاسق عندنا منقطع (وعن الثاني) بالمنع من قبح الذم سلمنا لكن نمنع المساواة بين الشاهد والغائب وأما المرجئة فقد احتجوا بأنه لو وجب سقوط العقاب لكان إما لوجوب قبولها أو لكثرة ثوابها والقسمان باطلان أما الأول فلأن من أساء إلى غيره بأنواع الإساءات وأعظمها كقتل الأولاد ونهب الأموال ثم اعتذر إليه فإنه لا يجب قبول عذره وأما الثاني فلما بينا من إبطال التحابط.

المسألة الثالثة عشرة

في باقي المباحث المتعلقة بالتوبة

قال : والعقاب يسقط بها لا بكثرة ثوابها لأنها قد تقع محبطة ولولاه لا يبقى الفرق بين التقدم والتأخر ولا اختصاص ولا تقبل في الآخرة لانتفاء الشرط.

أقول : اختلف الناس هنا فقال قوم إن التوبة تسقط العقاب بذاتها لا على معنى أنها لذاتها تؤثر في إسقاط العقاب بل على معنى أنها إذا وقعت على شروطها والصفة التي بها تؤثر في إسقاط العقاب أسقطت العقاب من غير اعتبار أمر زائد وقال آخرون إنها تسقط العقاب لكثرة ثوابها واستدل المصنف ـ رحمه‌الله ـ على الأول بوجوه : الأول أن التوبة قد تقع محبطة بغير ثواب كتوبة الخارجي من الزنا فإنه يسقط بها عقابه من الزنا ولا ثواب لها. الثاني أنه لو أسقطت العقاب بكثرة ثوابها لم يبق فرق بين تقدم التوبة على المعصية وتأخرها عنها كغيرها من الطاعات التي تسقط العقاب بكثرة ثوابها ولو صح ذلك لكان التائب عن المعاصي إذا كفر أو فسق أسقط عنه العقاب. الثالث لو أسقطت العقاب لعظم ثوابها لما اختص بها بعض الذنوب عن بعض فلم يكن إسقاطها لما هي توبة عنه بأولى من غيره لأن الثواب لا اختصاص له ببعض العقاب دون بعض (ثم) إن المصنف ـ رحمه‌الله ـ أجاب عن حجة المخالف وتقريرها أن التوبة لو أسقطت العقاب لذاتها لأسقطته في حال المعاينة في الدار الآخرة (والجواب) أنها إنما تؤثر في الإسقاط إذا وقعت على وجهها وهي أن تقع ندما على القبيح لقبحه وفي الآخرة يقع الإلجاء فلا يكون الندم للقبح

المسألة الرابعة عشرة

في عذاب القبر والميزان والصراط

قال : وعذاب القبر واقع لإمكانه وتواتر السمع بوقوعه.

أقول : نقل عن ضرار أنه أنكر عذاب القبر والإجماع على خلافه وقد استدل المصنف

ـ رحمه‌الله ـ بإمكانه عقلا فإنه لا استبعاد في أن يعجل الله تعالى العقاب في دار التكليف على وجه لا يمتنع مع التكليف كما في قطع يد السارق كما قال تعالى (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا) وقال في قطاع الطريق (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا) وقال تعالى : (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ) وحكى تعالى في كتابه إهلاك الفرق الذين كفروا به وإذا كان ممكنا والله تعالى قادر على كل ممكن وقد أخبر الله تعالى بوقوعه في قوله (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فذكر الرجوع بعد إحياءين وإنما يكون بإحياء ثالث وقال تعالى (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) فذكر موتتين إحداهما في الدنيا والأخرى في القبر وذكر إحياءين أحدهما في الدنيا والآخر في القبر ولم يذكر الثالث لأنه معلوم وقع فيه الكلام وغير الحي لا يتكلم وقيل إنما أخبروا عن الإحياءين اللذين عرفوا الله تعالى فيهما ضرورة فأحدهما في القبر والآخر في الآخرة ولهذا عقب بقوله (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) وقال تعالى في حق آل فرعون (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) وهذا نص في الباب.

قال : وسائر السمعيات من الميزان والصراط والحساب وتطاير الكتب ممكنة دل السمع على ثبوتها فيجب التصديق بها.

أقول : أحوال القيامة من الميزان والصراط والحساب وتطاير الكتب أمور ممكنة وقد أخبر الله تعالى بوقوعها فيجب التصديق بها لكن اختلفوا في كيفية الميزان فقال شيوخ المعتزلة إنه يوضع ميزان حقيقي له كفتان يوزن به ما يتبين من حال المكلفين في ذلك الوقت لأهل الموقف إما بأن يوضع كتاب الطاعات في كفة الخير ويوضع كتاب المعاصي في كفة الشر ويجعل رجحان أحدهما دليلا على إحدى الحالتين أو بنحو من ذلك لورود الميزان سمعا والأصل في الكلام الحقيقة مع إمكانها. وقال عباد وجماعة من البصريين وآخرون من البغداديين المراد بالموازين العدل دون الحقيقة وأما الصراط فقد قيل إن في الآخرة طريقين : إحداهما إلى الجنة يهدي الله تعالى أهل الجنة إليها ، والأخرى إلى النار يهدي الله تعالى أهل النار إليها كما قال تعالى في أهل الجنة : (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ

وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) وقال في أهل النار : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) وقيل إن هناك طريقا واحدا على جهنم يكلف الجميع المرور عليه ويكون أدق من الشعر واحد من السيف فأهل الجنة يمرون عليه لا يلحقهم خوف ولا غم والكفار يمرون عليه عقوبة لهم وزيادة في خوفهم فإذا بلغ كل واحد إلى مستقره من النار سقط من ذلك الصراط.

قال : والسمع دل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن والمعارضات متأولة.

أقول : اختلف الناس في أن الجنة والنار هل هما مخلوقتان الآن أم لا فذهب جماعة إلى الأول وهو قول أبي علي وذهب أبو هاشم والقاضي إلى أنهما غير مخلوقتين احتج الأولون بقوله تعالى (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ، (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) ، (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) ، (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) وجنة المأوى هي دار الثواب فدل على أنها مخلوقة الآن في السماء. احتج أبو هاشم بقوله تعالى (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) فلو كانت الجنة مخلوقة الآن لوجب هلاكها والتالي باطل لقوله تعالى (أُكُلُها دائِمٌ) والجواب دوام الأكل إشارة إلى دوام المأكول بالنوع بمعنى دوام خلق مثله وأكل الجنة يفنى بالأكل إلا أنه تعالى يخلق مثله والهلاك هو الخروج عن الانتفاع ولا ريب أن مع فناء المكلفين يخرج الجنة عن حد الانتفاع فتبقى هالكة بهذا المعنى.

المسألة الخامسة عشرة

في الأسماء والأحكام

قال : والإيمان التصديق بالقلب واللسان ولا يكفي الأول لقوله تعالى (وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) ونحوه ولا الثاني لقوله (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا).

أقول : اختلف الناس في الإيمان على وجوه كثيرة ليس هذا موضع ذكرها والذي اختاره المصنف ـ رحمه‌الله ـ أنه عبارة عن التصديق بالقلب واللسان معا ولا يكفي أحدهما فيه أما التصديق القلبي فإنه غير كاف لقوله تعالى(وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) وقوله

تعالى (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) فأثبت لهم المعرفة والكفر وأما التصديق اللساني فإنه غير كاف أيضا لقوله تعالى (قالَتِ الْأَعْرابُ) آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) ولا شك في أن أولئك الأعراب صدقوا بألسنتهم.

قال : والكفر عدم الإيمان إما مع الضد أو بدونه والفسق الخروج عن طاعة الله تعالى مع الإيمان والنفاق إظهار الإيمان وإخفاء الكفر.

أقول : الكفر في اللغة هو التغطية وفي العرف الشرعي هو عدم الإيمان إما مع الضد بأن يعتقد فساد ما هو شرط في الإيمان أو بدون الضد كالشاك الخالي من الاعتقاد الصحيح والباطل. والفسق لغة الخروج مطلقا وفي الشرع عبارة عن الخروج عن طاعة الله تعالى فيما دون الكفر والنفاق في اللغة هو إظهار خلاف الباطن وفي الشرع إظهار الإيمان وإبطان الكفر.

قال : والفاسق مؤمن لوجود حده فيه.

أقول : اختلف الناس هاهنا فقالت المعتزلة إن الفاسق لا مؤمن ولا كافر وأثبتوا منزلة بين المنزلتين. وقال الحسن البصري إنه منافق. وقالت الزيدية إنه كافر نعمة. وقالت الخوارج إنه كافر. والحق ما ذهب إليه المصنف وهو مذهب الإمامية والمرجئة وأصحاب الحديث وجماعة الأشعرية والدليل عليه أن حد المؤمن وهو المصدق بقلبه ولسانه في جميع ما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم موجود فيه فيكون مؤمنا.

المسألة السادسة عشرة

في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال : والأمر بالمعروف الواجب واجب وكذا النهي عن المنكر ، والمندوب مندوب سمعا وإلا لزم خلاف الواقع أو الإخلال بحكمته تعالى.

أقول : الأمر بالمعروف هو القول الدال على الحمل على الطاعة أو نفس الحمل على الطاعة أو إرادة وقوعها من المأمور ، والنهي عن المنكر هو المنع من فعل المعاصي أو القول المقتضي لذلك أو كراهة وقوعها وإنما قلنا ذلك للإجماع على أنهما يجبان باليد واللسان والقلب والأخير يجب مطلقا بخلاف الأولين فإنهما مشروطان بما يأتي. وهل يجبان سمعا أو عقلا اختلف الناس في ذلك فذهب قوم إلى أنهما يجبان سمعا للقرآن والسنة والإجماع وآخرون ذهبوا إلى وجوبهما عقلا واستدل المصنف على إبطال الثاني بأنهما لو وجبا عقلا لزم أحد الأمرين وهو إما خلاف الواقع أو الإخلال بحكمة الله تعالى والتالي بقسميه باطل فالمقدم مثله ، بيان الشرطية أنهما لو وجبا عقلا لوجبا على الله تعالى فإن كل واجب عقلي يجب على كل من حصل في حقه وجه الوجوب ولو وجبا عليه تعالى لكان إما فاعلا لهما فكان يلزم وقوع المعروف قطعا لأنه تعالى يحمل المكلفين عليه وانتفاء المنكر قطعا لأنه تعالى يمنع المكلفين منه وإما غير فاعل لهما فيكون مخلا بالواجب وذلك محال لما ثبت من حكمته تعالى.

قال : وشروطهما علم فاعلهما بالوجه وتجويز التأثير وانتفاء المفسدة.

أقول : شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثلاثة : الأول أن يعرف الآمر والناهي وجه الفعل فيعرف أن المعروف معروف وأن المنكر منكر وإلا لأمر بالمنكر ونهى عن المعروف. الثاني تجويز التأثير فلو عرف أن أمره ونهيه لا يؤثران لم يجبا الثالث انتفاء المفسدة فلو عرف أو غلب على ظنه حصول مفسدة له أو لبعض إخوانه في أمره ونهيه سقط وجوبهما دفعا للضرر. فهذا ما حصل لنا من شرح هذا الكتاب ونحن نسأل الله تعالى أن يجعله ذخرا لنا يوم المعاد وأن يوفقنا للرشاد بمنه وكرمه والحمد لله وحده.

التعليقات

على

كشف المراد

الاستاذ

الشيخ حسن حسن زاده الآملي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله مفيض الكلم والحكم ، وصلّى الله على الاسم الأعظم سيّد ولد آدم ، وآله المصطفين على العرب والعجم.

وبعد فيقول العبد الحسن بن عبد الله الطبريّ الآملي (المدعوّ بحسن زاده آملي) : هذه نبذة من تعليقاتنا على كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد مما أفاضها ربّ ن والقلم علينا وهدانا إليها حينما قيّض لنا تدريس معانيه والتحقيق حول مبانيه وهو سبحانه وليّ التوفيق وبيده أزمّة التحقيق.

ونشير في اثنائها الى بعض ما في النسخ من اختلافات العبارات التي ينبغي أن يعتنى بها.

قوله : العامّ احسانه. صفحه ١٩ / سطر ٢

كما في (م) وفي (ص) : الغامر احسانه والظن المتاخم بالعلم في رسم خطوط النسخ أن اسلوب رسم الخط اوجب توهم تبديل العام بالغامر. وقوله : وطلب الحق بالتعيين ، وفي عدة نسخ : وطلب الحق باليقين. وقوله : سالكا جدد التّدقيق ، وفي نسخ : سالكا جدد التوفيق.

قوله : وعلى اكرم أمنائه. ٢٠ / ٦

أي على عليّ أكرم أمنائه ، ولا يعاد الجار في المعطوف على المجرور الظاهر ؛ ويؤيّده ما يوجد في بعض النسخ من التصريح باسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قوله : من تحرير مسائل الكلام. ٢٠ / ٦

كما في (ص ق د ت). والنسخ الباقية : من تجريد مسائل الكلام.

واعلم أنه حكى عن مالك وأحمد بن حنبل بل الشافعي وجميع أصحاب الحديث ، النهي عن علم الكلام. وقالوا : إنّه بدعة. فكان هذا العلم في الصدر الأوّل عند المتشرّعين بمنزلة الفلسفة في العصر الأخير. وقد أفرط في ذلك كثير ممّن تأخّر كابن حزم وابن تيمية والمتعصّبين لمذهب السلف من بعده حتّى انهم ينكرون التلفّظ بمصطلحات علم الكلام كالجسم والجوهر والعرض والتحيّز والمكان وأمثال ذلك.

والحقّ أن تقييد فكر الإنسان بغلّ الجمود خلاف فطرة الله تعالى التي خلق الناس عليها. وكما لم يتوقّف النحو والعروض والأدب ، بل اصطلاح المحدّثين والقرّاء على ما كان عليه السلف بل زاد وتفنّن وتفرّق كذلك اصطلاح الكلام والاصول.

قالوا : لم يبحث السّلف عن الصفات وأنّه عين ذاته أو غيره ، ولم يتكلّموا في أنّه تعالى جسم أو جوهر أو متحيّز أو علة تامة أو ناقصة ، وليس في كلامهم هيولى وصورة ولا نفس وامثال ذلك.

نقول : كما أنّهم لم يبحثوا عن أسناد الحديث أنّه مسلسل أو مرفوع أو مقطوع أو مرسل ، ولم يتكلّموا في موانع صرف الاسم أنّها تسع ، ولم يتكلّموا في تواتر القراءات والاكتفاء بالسبع أو العشر. بل لم نر لفظ التجويد في كلام السلف ، ولا أقسام الوقف التّام والكافي. فاذا جازت زيادة الاصطلاح في ذلك جاز في الكلام والاصول. إلّا أن يقال : إنّ ذاك سهل نفهمه ، والكلام أو الاصول دقيق لا نفهمه ، فالايراد على قصور الفهم لا على المعنى. ولم نر في أمّة ولا طائفة من يجوّز أن يجتمع سفهاؤهم ويمنعوا عقلائهم عن التدبّر في امور لا يفهمونها ، ولم يوجب أحد أن يكون الكلام والفكر منحصرا فيما يفهمه جميع الناس من العامّة والخاصّة لأن في ذلك إبطالا لجميع العلوم.

ونظير ذلك الأخباريّون منّا فإنّهم يستبشعون اصطلاحات الاصول كالاستصحاب وأصل البراءة ، ولا يستبشعون المناولة والوجادة والمدابجة في اصطلاح المحدّثين مع أنّها لم تكن معهودة بين أصحاب الأئمة عليهم‌السلام. هذا ما افاده الاستاذ العلّامة الشعراني ـ قدس‌سره ـ في تعليقته على شرح الكافي للمولى صالح المازندرانى (ج ٣ ص ١٩٨ ط ١).

قوله : اكرم المسئولين ، ٢٠ / ٤

وفي (م) وحدها : اكرم مسئول ، بالافراد.

قوله : وسميته بتجريد الاعتقاد ، ٢٠ / ٨

وفي (م) : ووسمته. قد تقدم كلامنا حول التجريد في تبصرة آخر المقدمة فراجع. ثم يعاضد

ما حققناه هناك تسميته كتابه في المنطق بالتجريد وكلامه في اوله : وبعد فانا اردنا أن نجرّد اصول المنطق وكذا تسمية الشارح العلّامة شرحه عليه بالجوهر النضيد في شرح كتاب التجريد.

قوله : في الامور العامّة. ٢١ / ١

اي في ما لا يختصّ بقسم من اقسام الموجودات سواء كانت شاملة لجميعها كالوجود والوحدة ، او لا كالامكان الخاص والوجوب بالغير فانّ الأوّلين شاملان للواجب والجوهر والعرض ، والاخيرين للأخيرين ، وبحثها المستوفى يطلب في المطولات كالفصل الاول من اولى الاسفار.

قوله : ونقيضه. ٢٢ / ٣

اي نقيض الذي يمكن ان يخبر عنه ، وذلك النقيض هو الذي لا يمكن ان يخبر عنه. وهو تعريف للمعدوم.

وقوله : او بغير ذلك ، مثل قولهم الموجود هو الذي يكون فاعلا أو منفعلا ، او الّذي ينقسم الى الفاعل والمنفعل ، او ينقسم الى الحادث والقديم ، والمعدوم على خلافها.

قوله : اذ لا شيء أعرف من الوجود. ٢٢ / ١١

لا شيء اعرف من الوجود اذ لا معنى أعمّ منه ، والأعمّ لكون شروطه ومعانداته أقلّ ، يناسب جوهر النفس الناطقة البسيطة كما أنّ كل قوة مدركة تجانس مدركها ، وحكم المجانسة بين الغذاء والمغتذي سار في كلّ واحدة منهما. لذا قال الشيخ في إلهيات الشفاء (ج ٢ ص ٧٥ ط ١) : يشبه أن تكون الكثرة اعرف عند تخيّلنا ، والوحدة اعرف عند عقولنا. وفي الحكمة المنظومة للمتألّه السبزواريّ (ص ١٠٣) :

وسرّ أعرقية الأعمّ

سنخية لذاتك الأتمّ

ووحدة عند العقول اعرف

وكثرة عند الخيال اكشف

واعلم أن التعبير عن متن الأعيان وحقيقة الحقائق وجوهر الجواهر عسير جدّا. والتعبير عنه بالوجود تعبير عن الشيء بأخصّ اوصافه الذي هو اعمّ المفهومات ، إذ لو وجد لفظ يكون ذا مفهوم

محصّل أشمل من ذلك وأبين لكان أقرب إليه وأخص به ، وكان ذلك هو الصالح لأن يعبّر به عنه. ولمّا لم يكن بين الالفاظ المتداولة لفظ احق من الوجود اذ معناه اعمّ المفهومات حيطة وشمولا وأبينها تصوّرا واقدمها تعقّلا وحصولا ، اختاروه وعبّروا به عنه.

ويعبّرون عنه بالحق أيضا فالوجود هو الحق. وان شئت قلت : الوجود من حيث هو هو هو الحق سبحانه والوجود الذهني والخارجي والاسمائي ظلاله. فالوجود هو عين كل شيء في الظهور ، ما هو عين الأشياء في ذواتها ، سبحانه وتعالى بل هو هو والأشياء أشياء فتدبّر. والخوض غير حريّ بالمقام. وينبغي هاهنا الفرق بين المفهوم والعين ، والتوجه الى عدم المناسبة بين المتناهي وغير المتناهي ، والمطلق ومقيده وإن كان كل واحد من المطلق والمقيد مرآة للآخر بوجه. فافهم.

قوله : إذ هو بمنزلة تبديل لفظ بلفظ أوضح منه. ٢٢ / ١٤

أي لا يكون تعريفا معنويا ، كما يأتي في المسألة السابعة من الفصل الثاني من هذا المقصد. والماتن والشارح ناظران في المقام الى الفصل الخامس من المقالة الاولى من إلهيات الشفاء (ج ٢ ط ١ ص ٢٧) فراجع.

قوله : والاستدلال. ٢٢ / ١٧

مبتدأ وخبره باطل وبالتنافي عليه ، اى بالتنافي بين الوجود والعدم ، وعليه صلة للتوقف كتاليه ، والضمير راجع الى الوجود اي على تصوّر الوجود.

قوله : ذكر فخر الدين. ٢٢ / ١٩

ويقال له الامام فخر الدين الرازى ، وفي تاريخ ابن خلكان هو ابو عبد الله محمد بن عمر الطبرستاني الرازي المولد الملقب فخر الدين المعروف بابن الخطيب الفقيه الشافعي له التصانيف المفيدة في علوم عديدة توفي سنة ٦٠٦ ه‍ (ج ٢ ص ٤٨ ط ١).

قوله : الثاني أن تعريف الوجود. ٢٣ / ٥

تقريره على ما في شرح المقاصد أن الوجود معلوم بحقيقته ، وحصول العلم به إما بالضرورة ، او الاكتساب. وطريق الاكتساب إما بالحدّ او الرسم. والوجود يمتنع اكتسابه أما بالحدّ فلأنه انما

يكون للمركب والوجود ليس بمركب. وإلّا فأجزائه إما وجودات او غيرها.

فان كانت وجودات لزم تقدم الشيء على نفسه ومساواة الجزء للكل في تمام ماهيته وكلاهما محالان. أما الأول فظاهر. وأما الثاني فلأن الجزء داخل في ماهية الكل وليس بداخل في نفسه. وهذا اللزوم بناء على أن الوجود المطلق الذي فرض التركيب فيه ليس خارجا عن الوجودات الخاصة. بل إما نفس ماهيتها ليلزم الثاني ، أو مقوم لها ليلزم الأوّل. وإلا فيجوز أن تكون الأجزاء وجودات خاصة هي نفس الماهيات ، أو زائدة عليها والمطلق خارج عنها فلا يلزم شيء من المحالين.

وان لم تكن الأجزاء وجودات فاما أن يحصل عند اجتماعها امر زائد يكون هو الوجود ، او لا يحصل. فان لم يحصل كان الوجود محض ما ليس بوجود وهو محال. وإن حصل لم يكن التركيب في الوجود الذي هو نفس ذلك الزائد العارض بل في معروضه هف. الى أن قال :

وأما بالرسم فلما ثبت في موضعه من أنه انما يفيد بعد العلم باختصاص الخارج بالمرسوم ، وهذا متوقّف على العلم به وهو دور ، وبما عداه مفصّلا وهو محال ... الخ.

اقول : ما أتى به الشارح المذكور أولى من تقرير ما في الكتاب لأن الكلام في تركيب الوجود ليس معنونا فيه ، وان كان يستفاد منه بدقّة النظر أن البحث ينجرّ الى أن التركيب في قابل الوجود أو فاعله لا فيه.

قوله : كان التركيب في قابل الوجود أو فاعله لا فيه. ٢٣ / ٨

قابل الوجود هو الأجزاء التي هي معروضات الوجود ، والتعبير بالفاعل او القابل باعتبارين ظاهرين.

قوله لا فيه ، أي لا في الوجود لأن الوجود حينئذ هو الأمر الزائد العارض على معروضاته وهي الأجزاء. وذلك الزائد واحد ليس بمركّب.

قوله : ولا بالامور الخارجة عنه. ٢٣ / ٨

بيان لابطال الرسم ، عطف على قوله بنفسه وإلّا دار. اي ولا بالامور الخارجة عن الوجود.

قوله : عائد في كل ماهية مركبة على الاطلاق. ٢٣ / ١٧

مثلا أن يقال أجزاء البيت إما بيوت وهو محال ، واما غير بيوت وحينئذ اما أن يحصل عند

اجتماعها أمر زائد هو البيت فلا يكون التركيب في البيت هف. أو لا يحصل فيكون البيت محض ما ليس ببيت.

قوله : سلمنا لكن جاز التعريف ... ٢٣ / ١٨

جواب لابطال الرسم. اي انا نختار اكتسابه بالرسم ولا ضير فيه.

قوله : إذا عرض على ذهنه ٢٣ / ١٩

وفي (م ، ص) إذا أعرض على ذهنه.

قوله : ثم يفيد غيره تصورها. ٢٣ / ٢٠

اي يفيد الناظر فالكلمتان منصوبتان على المفعولية.

قوله : على ما قدمناه. ٢٣ / ٢٢

وهو قوله جاز أن يكون التصور للمفردات ناقصا الخ.

قوله : يعطى اشتراكه ٢٤ / ٣

اي كل واحد من هذه الوجوه الثلاثة يعطي الاشتراك. وفي (ت) : يعطي الشركة ، والشرح مطابق للأول. وفي منظومة الحكيم السبزواري : يعطي اشتراكه صلوح المقسم واعلم ان جمهور المحققين من الحكماء والمتكلمين أجمعوا على ان للوجود مفهوما واحدا مشتركا بين الوجودات. ولكن خالفهم في هذا الحكم ابو الحسن الاشعري وابو الحسين البصري حيث ذهبا إلى أن وجود كل شيء عين ماهيته ، ولا اشتراك إلا في لفظ الوجود حذرا من المشابهة والسنخيّة بين العلة والمعلول.

واستدل الجمهور بوجوه ثلاثة اشار إليها المصنف. والحق أن كون الوجود مشتركا بين الماهيّات فهو قريب من الأوليات ، والقول بكون اشتراك الوجود لفظيا بمعنى أن المفهوم من الوجود المضاف الى الانسان غير مفهوم الوجود المضاف الى الفرس ولا اشتراك بينهم في مفهوم الكون أي الوجود مكابرة ومخالفة لبديهة العقل.

ثم أن توهم المشابهة والسنخيّة بين العلة والمعلول وهم لأن تلك السنخيّة كسنخية الشيء والفيء

من شرائط العليّة والمعلوليّة. على أن الأمر عند النظر التام فوق التفوه بالعلية والمعلولية لأنّ الكل فيضه ، سبحان الله عما يصفون إلّا عباد الله المخلصين.

ثم القول بأن وجود كل ماهيّة عبارة عن نفس حقيقتها أخصّ من الاشتراك اللفظي لاحتمال الاشتراك أن يكون الوجود في كل ماهية امرا زائدا على الماهيّة مختصّا بها لا نفسها.

قوله : وإلّا لم ينحصر التقسيم بين السلب والايجاب. ٢٤ / ١٢

وذلك مراد من قال وإلّا ارتفع النقيضان ، وذلك لأنه لو كان احد طرفي التناقض مفهوما واحدا والطرف الآخر مفهومات متعددة كل منها نقيض للطرف الأول لأمكن خلوّ الموضوع عنهما بأن يكون واحدا آخر من تلك المفهومات. مثلا لو فرضنا أن الحمرة والصفرة نقيضان للبياض كالسواد ، لم يكن في الحمرة الصفرة والبياض وهو ارتفاع النقيضين.

قوله : فيغاير الخ ٢٤ / ٢٠

اى فيغاير الوجود الماهية ، وإلّا اتحدت الماهيات إن كان الوجود عينها ، أو لم تنحصر اجزاؤها ان كان جزء لها.

قوله : ان وجود كل ماهية نفس تلك الماهية. ٢٥ / ٢

فالماهيات بأسرها متخالفة ، وكذلك الوجود لانه عينها في كل مرتبة ، ولذا قالوا باشتراكه اللفظي حذرا من المشابهة والسنخيّة بين العلة ومعلولها ، وقد دريت ما فيه.

قوله : الثالث يلزم منه انتفاء الحقائق. ٢٥ / ١٦

اي لو كان الوجود جزءا من الماهية ولم يكن زائدا عليها للزم أن لا يتحقق شيء من الحقائق لأن المركّب يتحصل بالبسيط فاذا انتفى البسيط انتفى المركّب.

قوله : ولانفكاكهما تعقلا. ٢٥ / ١٨

اي لانفكاك الوجود والماهية. وقد ذكره الفارابي في الفصّ الأوّل من فصوصه ، وفي شرحنا عليه في المقام مطالب عسى أن تنفعك.

قوله : على تقدير الزيادة. ٢٦ / ٤

اي على تقدير زيادة الوجود على الماهية.

قوله : ولأن الامكان نسبة ... ٢٦ / ٧

النسبة انما تتحقق بين المتغائرين ، والامكان عبارة عن تساوي نسبة الماهية الى الوجود والعدم ، فلو كان الوجود نفس الماهية أو جزء منها لم يتصور نسبة فرضا عن تساويها.

قوله : وانما تتحقق هذه الفائدة على تقدير المغايرة ... ٢٦ / ١٢

وسيأتي البحث عن الحمل في المسألة الثامنة والثلاثين من هذا الفصل حيث يقول : والحمل يستدعي اتحاد الطرفين من وجه وتغاير هما من آخر. ثم ان الوجهين الرابع والسادس على فرض كون الوجود عين الماهية ، والخامس والسابع على فرض كونه جزء منها.

قوله : لكان قولنا ماهية موجودة ... ٢٦ / ١٢

وكذلك لو قلنا مثلا سواد موجود لكان بمنزلة سواد سواد وموجود موجود وليس كذلك ، وهكذا في غيرهما.

قوله : والتشكك في النسب الممتنع تحققه. ٢٦ / ١٨

كما في (م). والباقية بعضها : التشكك في النسبة ، وبعضها التشكيك في النسبة. كيف كان هو عطف على المغايرة ، والممتنع صفة للتشكّك ، وتحققه فاعله.

قوله : وتركّب الواجب. ٢٧ / ٣

مجرور معطوف على التناقض أي انتفاء تركّب الوجود

قوله : وانما يتحقق. ٢٧ / ٤

اي انما يتحقق انتفاء التركب لو كان الوجود زائدا على الماهية لانه يستحيل أن يكون نفس

الماهية واتحدت الماهية ، فلو كان جزء لزم أن يكون الواجب مركّبا لانه حينئذ مشترك بين الواجب والممكن فيلزم تركب الواجب اذ كل ماله جزء فله جزء آخر بالضرورة كما مرّ وهو معنى التركب.

قوله : قيام الصفة الوجودية بالمحل المعدوم. ٢٧ / ١٥

ويلزم اجتماع النقيضين أيضا.

قوله : الوجود قائم بالماهية من حيث هي هي. ٢٧ / ١٧

سيأتي قوله في المسألة الخامسة وليس الوجود معني به الخ وهو يجديك في المقام. وكذلك قوله في المسألة الثامنة والثلاثين : واثبات الوجود للماهية لا يستدعي وجودها أولا. وكذلك قوله في المسألة الثانية والاربعين : والحكم على الممكن بامكان الوجود حكم على الماهية لا باعتبار العدم والوجود.

واعلم انه ليس للماهية ثبوت في الخارج دون وجودها اى ثبوت منفك عن الوجود في الخارج ثم الوجود يحلّ فيها كما ظن وهو ظن فاسد لأن كون الماهية هو وجودها والماهية لا تتجرد عن الوجود الا في العقل لا بأن تكون في العقل منفكة عن الوجود فان تخليتها عنه عين تحليتها به والكون في العقل أيضا وجود عقلي كما ان الكون في الخارج وجود خارجي. بل بأن العقل من شأنه أن يلاحظها وحدها من غير ملاحظة الوجود وعدم اعتبار الشيء ليس باعتبار لعدمه فاذن اتصاف الماهية بالوجود امر عقلي ليس كاتصاف الجسم بالبياض فان الماهية ليس لها وجود منفرد ولعارضها المسمى بالوجود وجود آخر حتى يجتمعا اجتماع القابل والمقبول بل الماهية اذا كانت فكونها هو وجودها.

قوله : لاستحالة تحقق الخ ، ٢٧ / ٢١

كما في (م د) والباقية : ماهية ما من الماهيات منفكة عن الوجود. وفي بعض النسخ : منفردة عن الوجود.

قوله : واعلم ان القضية تطلق الخ ٢٨ / ١١

الحكم في الحقيقية ليس مقصورا على ما له وجود في الخارج فقط بل على كل ما قدر وجوده سواء كان موجودا في الخارج أو معدوما فيه ، فان لم يكن موجودا فيه فالحكم فيه على افراده المقدرة

الوجود كقولنا كل عنقاء طائر ، وإن كان موجودا فالحكم فيه ليس مقصودا على أفراده الموجودة بل عليها وعلى افراده المقدرة الوجود أيضا كقولنا كل انسان حيوان.

وأما الخارجية فالحكم فيها على الموجود في الخارج سواء كان اتصافه في الخارج حال الحكم او قبله او بعده فهي تستدعي وجود الموضوع في الخارج والحكم فيها مقصور على الأفراد الخارجية. ثم في المقام بحث منطقي حول موضوع القضايا يطلب في محله.

قوله : بل صورتها ومثالها. ٢٨ / ١٩

كما في (م) والباقية : بل صورتهما ومثالهما على التثنية.

قوله : ولا تزايد فيه ولا اشتداد. ٢٩ / ١١

التزايد في المقدار ، والاشتداد في الكيف. معنى الاشتداد هو اعتبار المحلّ الثابت إلى حال فيه غير قار يتبدل نوعيّته إذا قيس ما يوجد منها في آن ما إلى ما يوجد في آن آخر بحيث يكون ما يوجد في كلّ آن متوسطا بين ما يوجد في آنين يحيطان بذلك الآن ويتجدد جميعها على ذلك المحلّ المتقوم دونها من حيث هو متوجّه بتلك التجدّدات الى غاية ما. ومعنى الضعف هو ذلك المعني بعينه إلّا انه يؤخذ من حيث هو منصرف بها عن تلك الغاية. فالآخذ في الشدة والضعف هو المحلّ لا الحال المتجدد المتصرم ، ولا شكّ أن مثل هذا الحال يكون عرضا لتقوم المحلّ دون كل واحد من تلك الهويات. واما الحال الذي يتبدل هوية المحلّ المتقوم بتبدّله فلا يتصور فيه اشتداد ولا ضعف لامتناع تبدلها على شيء واحد متقوم يكون هو هو في الحالتين ، ولامتناع وجود حالة متوسطة بين كون الشيء هو وبين كونه ليس هو.

هذا ما حرّره الماتن في شرحه على الاشارات. وقال الشارح ببيان اخصر في الجوهر النضيد : ان معنى الاشتداد هو اعتبار المحل الواحد الثابت الى حال فيه غير قار يتبدل نوعيته ويوجد في كل آن نوع من تلك الانواع من غير أن يبقى آنين بحيث يكون في كل آن متوسطا بين ما يوجد في ذلك الآن وما يكون قبله وبعده وهذا لا يعقل الا في العرض. انتهى.

اذا دريت ذلك فاعلم ان الماهية لا يتصور كونها متقومة وموجودة من دون الوجود حتى يتصور توارد الوجود عليها كما لا يمكن ان تتحرك الهيولى في الصورة اذ ليس لها تقوم بدون الصورة حتى يمكن توارد الصور عليها. فلا تزايد في الوجود ولا اشتداد لان التزايد في الوجود هو حركة الماهية

متوجهة من وجود ناقص إلى وجود ازيد منه ، وعكس ذلك هو النقص اي حركتها من زائد الى انقص منه. والاشتداد في الوجود هو حركة الماهية من وجود ضعيف إلى وجود اشدّ منه وعكسه هو الضعف وقد علمت ان الماهيّة ليست متقومة بذاتها في الخارج بدون الوجود. ثم بما ذكرنا قد دريت مراد الشارح من قوله وهذا الدليل ينفي قبول الأعراض كلها للاشتداد والنقص وفي (م) : للاشتداد والضعف وفي عدة نسخ : للاشتداد والتنقص.

قوله : الآلة قاطعة فانها. ٣٠ / ٣

وفي عدة نسخ : الآلة قطّاعة فانها.

قوله : من الوجودات فيه. ٣٠ / ٧

اي في الخيرية والكمال.

قوله : الضدّ ذات. ٣٠ / ١٢

اي ماهية وامر. وجملة القول في ذلك ان كل واحد من الضد والمثل والمخالف يقال لما له ماهية ويكون مشاركا لغيره في الموضوع ولا يجتمعان فيه والوجود ليس بماهية بل هو تحقق الماهية وكونها.

ثم ان الوجود الحق الصمدي لا جوف له حتى يكون له ثان ضدّه او مثله او ندّه. والتقابل باقسامه انما يتحقق في شئونه المسماة بالوجودات الخاصة باعتبار تخصصها بالمعاني والماهيّات التي هي غير حقيقة الوجود. ويأتي البحث عن ذلك في المقصد الثالث عند قوله : وجوب الوجود يدل علي سرمديته ونفي الزائد والشريك والمثل.

قوله : ولا امتناع في عروض احد المتقابلين للآخر. ٣٢ / ٢

وسيأتي البحث عنه في المسألة الرابعة عشرة : ثم الوجود قد يؤخذ على الاطلاق الخ.

قوله : كالكلية والجزئية. ٣٢ / ٣

يعني بالجزئية الاضافي غير الحقيقي والمتن مطابق لنسختي (م ص) وفي (ق ش) : باعتبار مغاير لاعتبار تقابلهما.

قوله : ويساوق الشيئية. ٣٢ / ٧

اي يلازم الوجود المطلق الشيئية كما فسّر الشارح. وسيأتي في المسألة الثامنة عشرة أن الشيئية من المعقولات الثانية ، وفي المسألة السادسة والثلاثين أن الوجود من المعقولات الثانية فتبصّر. وانما عبّر بالمساوقة اشارة الى تغاير الوجود والشيء مفهوما وتلازمهما خارجا وسيأتيك في السادسة من ثاني هذا المقصد ما يعينك في المساوقة بمعني التلازم. ثم ان القول بالثبوت ان كان اصطلاح القوم على أن يسمي الصورة العلمية ثبوتا ، والخارجية وجودا فلا مشاحّة فيه والّا فالمنازع مكابر مقتضي عقله والواسطة بين الموجود والمعدوم في الخارج في غاية السخافة.

واعلم ان الداعي لهم على هذا القول امران.

الأوّل وهو الأهم في نظرهم تصحيح مسألة العلم الأزلي اذ قالوا لو لم يكن في الازل وجود الاشياء ولا ماهيّتها امتنع العلم ولو كان وجودها فيه لزم قدمها فبقي أن يكون الممتنع لزوم موجود قديم سوى الله لا ثابت قديم على انه وجب قدم علمه تعالى كصفاته الاخرى.

والثاني تصحيح الامكان للماهيات لانها في حال الوجود محفوفة بالضرورتين فلا بد أن تكون الماهيّة ثابتة قبل الوجود ليصح الامكان.

واقول أن الماهيات في اصطلاح الحكيم هي الاعيان الثابتة في اصطلاح العارف وهي الصور العلمية بوجودها الأحدي الذي هو عين الذات الصمديّة ويتراءى من اقوال هذا الفريق القائلين بالفرق بين الثبوت والوجود كما اشرنا إليه ، أن الوجود هو العين المقابل للعلم ، وإلّا فالأمران كلّ واحد منهما وهم ومسألة العلم اشرف من هذه الآراء الفائلة وبمعزل عنها بمراحل كما سنشير إليها في محلّها. ثم يكفي في امكان الماهيات سلب الضرورتين عن مرتبة ذاتها عند العقل وانفكاكها عن الوجود بالتعمل العقلي وان كان تخليتها عن الوجود عين تحليتها به.

ويؤيّد ما اشرنا إليه من أن الفرق المذكور مجرد اصطلاحهم على ذلك ما قاله الشارح القوشجي في المقام من ان المعتزلة ذهبت الى ان المعدوم الممكن شيء وثابت على معنى أن الماهية يجوز تقررها في الخارج منفكّة عن الوجود خلافا لسائر المتكلمين والحكماء مع اتفاقهم على أن الممتنع ويخصّه المعتزلي باسم المنفي ، ليس بشيء. فهم يجعلون الثبوت مقابلا للنفي أعم من الوجود والعدم اعم من النفي.

ولعلهم انما وقعوا فيه بما وقع الحكماء في اثبات الوجود الذهني وهو انّا نحكم حكما ايجابيا بامور

ثبوتية على ما ليس بموجود في الخارج ، ومعنى الايجاب الحكم بثبوت أمر لأمر وثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له فللمثبت له ثبوت وهو معدوم فالمعدوم ثابت. فثبوت الماهيات على وجهين : أحدهما ثبوتها في حدّ ذاتها بحيث لا يترتب عليها آثارها المطلوبة منها والمعدوم ثابت بهذا الوجه من الثبوت ، والآخر ثبوتها بحيث يترتب عليها الآثار ويظهر منها الاحكام. فهم يوافقون الحكماء في أن ثبوت الماهيات وتحقّقها على وجهين لكنهم ينسبون الوجهين الى الخارج ويخصّون الوجه الأخير من الثبوت باسم الوجود. والحكماء يسمّون كلا وجهي الثبوت وجودا ويقولون ان الوجه الأوّل من الثبوت لا يتصور إلا في قوة مدركة ويسمّونه بالوجود الذهني. انتهى ما اردنا من نقل كلامه في المقام فتدبر في قوله ولعلّهم انما وقعوا فيه الخ حتى يظهر لك وجه التأييد.

قوله : وقال جماعة من المتكلمين ٣٢ / ١٢

إنما قال جماعة لأن أبا الحسين البصري وأبا هذيل العلّاف والكعبي ومن تبعهم من البغداديين خالفوهم وقالوا بالمساوقة.

قوله : وانتفاء الاتصاف ٣٢ / ١٥

اى اتصاف الماهية بالوجود.

قوله : ونسبهم الى الجهل ، ٣٢ / ١٦

كما في (م) وذلك لان المكابر في الضرورة جاهل وفي نسخ اخرى : نسبهم الى المكابرة.

قوله : لا تاثير لها في الذوات ٣٢ / ١٧

اي في الماهيات.

قوله : لانه عندهم حال. ٣٢ / ١٨

يسمون المعاني الانتزاعيّة والصفات الاعتبارية نفس الامرية حالا وسيأتي بيانه في المسألة الثانية عشرة.

قوله : وهو عندهم باطل. ٣٣ / ١٣

اي وجود ما لا يتناهى عندهم باطل وذلك لانهم اتفقوا على أن الموجودات منحصرة متناهية ودليلهم على ذلك اجراء براهين امتناع التسلسل مطلقا من غير اشتراط الاجتماع والترتيب كما سيأتي البحث عنه في محله.

قوله : بالثبوت الذي هو الكون. ٣٣ / ١٥

صلة لقوله نكتفي.

قوله : وإلّا لزم منه محالات أحدها. ٣٤ / ١١

هكذا في النسخ كلها. والصواب : إحداها ... الثانية ... الثالثة.

قوله : الثاني ان المعلوم قد يكون مركّبا. ٣٤ / ١٥

يعني به المركبات الخيالية كجبل من الياقوت وبحر من الزيبق. وفي بعض النسخ مركبا خياليا ، ولكن الصواب أن خياليا تعليقة ادرجت في الكتاب.

ثم ان النسخ كلها متفقة على قوله : «وليس بثابت في العدم اتفاقا» وفي المطبوعة ليس بثابت في العين اتفاقا. وكان العدم بدّل بالعين من ظاهر قوله : ولو اقتضى التمييز الثبوت عينا.

والصواب هو العدم ، لأن المثبتين قائلون بثبوت المعدومات في العدم ، وقد تقدم كلام الشارح العلامة آنفا : هذا برهان آخر دال على انتفاء الماهيات في العدم.

بل وسيأتي تصريح المحقق الطوسي في ذلك في اوّل المسألة الثالثة عشرة.

قوله : اذ لا قدرة على الثابت ٣٤ / ١٦

وقد مرّت الاشارة إليه في قوله وكيف تتحقّق الشيئية الخ.

قوله : ان المعدوم ممكن ٣٤ / ١٩

يعني به المعدوم الممكن الذي سموه ثابتا لا المعدوم الممتنع المسمّى عندهم بالمنفي.

قوله : حالا في محل عدمي. ٣٥ / ١

لأن الثابت عندهم ليس بثابت عند المصنف فأبطل قولهم بالواسطة. وقوله كالممكنات العدمية يعني بها المنفي عندهم وهو العدم الممتنع. وقوله كالمركبات ، يعني بها المركبات الخيالية كما مضت الاشارة إليها آنفا.

قوله : ذهب ابو هاشم : ٣٥ / ٦

هو ابو هاشم عبد السلام بن ابى على محمّد الجبائي ، كان هو وابوه من كبار المعتزلة. ولد ابو هاشم سنة ٢٤٧ من الهجرة ، وتوفي سنة ٣٢١ ببغداد. والجبائي بضمّ الجيم وتشديد الباء الموحّدة وهذه النسبة إلى قرية من قرى البصرة (تاريخ ابن خلكان ج ١ ط ١ ص ٣١٧).

والقاضي هو ابو بكر محمد بن الطبيب المعروف بالباقلاني البصري المتكلم المشهور ، كان على مذهب الشيخ ابن الحسن الأشعري وناصرا طريقته توفي ببغداد سنة ٤٠٣ ه‍ (تاريخ ابن خلكان ج ٢ ط ١ ص ٥٦).

والجويني هو ابو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني الشافعي الملقب ضياء الدين المعروف بامام الحرمين مات سنّة ٤٧٨ (تاريخ ابن خلكان ج ١ ص ٣١٢ ط ١).

وفي معجم ياقوت : جوين (كزبير) اسم كورة جليلة نزهة على طريق القوافل من بسطام الى نيسابور ، يسمّيها اهل خراسان گويان فعرّبت فقيل جوين ... ينسب الى جوين خلق كثير من الأئمة والعلماء منهم الامام حقّا ابو المعالي عبد الملك بن ابي محمّد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف الجويني امام الحرمين ، اشهر من علم في راسه نار ـ الى أن قال ـ ومات بنيسابور في شهر ربيع الآخر سنة ٤٧٨.

قوله : وسموها الحال. ٣٥ / ٧

قال ابن الحزم في الفصل واما الأحوال التي ادّعتها الأشعرية فانّهم قالوا إنّ هاهنا أحوالا ليست حقّا ولا باطلا ولا هي مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا هي موجودة ولا معدومة ولا هي معلومة ولا هي مجهولة ولا هي اشياء ولا هي لا اشياء. انتهى.

واعلم ان القائلين بالاحوال جعلوها واسطة بين الأعيان الموجودة في الخارج بالاستقلال وبين

الصور العلمية التي لا توصف بأنها مجعولة لأنها من حيث هي صور علمية معدومة في الخارج فالاحوال لكونها صفات للاعيان المجعولة في الخارج وليست ذوات مستقلة واعيانا جوهرية بل لها وجود تبعي لا تكون موجودة ولا معدومة اى لا تكون موجودة جوهرية مستقلة خارجيّة ، ولا هي معدومة لانها موجودة بالتّبع وهذا صرف اصطلاح ، فالتشنيع غير وارد عليهم كيف والأوحدي من اساطين التحقيق الذين لا يرون الا الوجود الصمدي والحق الأحدي قائلون بان الأعيان من حيث انها صور علمية اعيان ثابتة اي لا توصف بانها مجعولة لانها حينئذ معدومة في الخارج والمجعول لا يكون إلا موجودا كما لا يوصف الصور العلمية والخيالية التي في اذهاننا بانها مجعولة ما لم توجد في الخارج ولو كانت كذلك لكانت الممتنعات أيضا مجعولة لأنها صور علمية فالجعل انما يتعلق بها بالنسبة الى الخارج وليس جعلها الا ايجادها في الخارج كما في التنبيه الاول من الفصل الثالث من فصول شرح القيصري على فصوص الحكم (ص ٢٠ ط ١).

بل صاحب فصوص الحكم يبحث في الفص الزكرياوي منه عن الاحكام التي هي حاكمة حقيقة في الموصوفين بها على غيرهم وتلك الاحكام كالمناصب التي في اصحابها فما داموا منصوبين ومتصفين بها كانوا حاكمين كالسلطان والقاضي والوزير وغيرهم ففي الحقيقة تلك الأحكام حاكمة لا انفس هؤلاء وتلك الاحكام هي معان قائمة في محالّها وهي واسطة بين الوجود والعدم بذلك الوجه الذي اشرنا إليه وانما سميت حالا إذ بها يتحول الذات فيقول صاحب الفصوص في تلك الأحكام التي هي احوال ما هذا لفظه :

والحكم لا يتصف بالخلق لانه امر توجبه المعاني لذواتها فالأحوال لا موجودة ولا معدومة أي لا عين لها في الوجود لانها نسب ، ولا معدومة في الحكم لان الذي قام به العلم يسمى عالما وهو الحال فعالم ذات موصوفة بالعلم فما هو عين الذات ولا عين العلم وما ثم إلا علم وذات قام بها هذا العلم وكونه عالما حال لهذه الذات باتصافها بهذا المعنى فحدثت نسبة العلم إليه وهو المسمّى عالما.

وقال الشارح المذكور : «فالاحوال والأحكام كلّها لا موجودة في الأعيان بمعنى ان لها اعيانا في الخارج ولا معدومة بمعنى انها معدومة الأثر في الخارج» ـ الى قوله : ـ «وهذا هو المسمى بالحال في مذهب المعتزلة الذي هو واسطة بين الوجود والعدم» (ص ٤٠٨ ط ١).

فعلى ما حقّقنا يظهر لك مفاد كلامهم المنقول في الشوارق حيث قال : «ذهب ابو هاشم واتباعه من المعتزلة وامام الحرمين والقاضي ابو بكر من الأشاعرة إلى أن المعلوم ان لم يكن له ثبوت في

الخارج فهو المعدوم وان كان له ثبوت في الخارج فاما باستقلاله وباعتبار ذاته فهو الموجود واما باعتبار التبعيّة لغيره فهو حال فالحال واسطة بين الموجود والمعدوم لانه عبارة عن صفة للموجود لا تكون موجودة ولا معدومة مثل العالمية والقادرية ونحو ذلك. والمراد بالصفة ما لا يعلم ولا يخبر عنه بالاستقلال بل بتبعية الغير والذات تخالفها وهي لا تكون إلا موجودة او معدومة بل لا معنى للموجود الا ذات لها صفة الوجود والصفة لا تكون ذاتا فلا تكون موجودة فلذا قيدوا بالصفة ، وإذا كانت صفة للموجود لا تكون معدومة أيضا لكونها ثابتة في الجملة فهي واسطة بين الموجود والمعدوم» انتهى.

فقول الشارح : وهذا المذهب باطل بالضرورة ، أو قول الماتن : فلا واسطة فممّا ينبغي التأمل فيه جدّا.

ومما هو أصدق شاهد على التحقيق الذي تفردنا به في المقام أن الكون في اصطلاح اهل التوحيد القائلين بالوحدة الشخصية في الوجود الحق اللابشرط الاطلاقي الصمدي هو عبارة عن وجود العالم من حيث هو عالم اي من حيث التعين والماهية لا من حيث انه حق اي لا من حيث الوجود ، وإن كان الكون مرادفا للوجود المطلق عند اهل النظر.

نعم لو ذهب القائل بالثبوت الى الثبوت في الخارج فهو خطأ بلا كلام كما ذهب إليه المعتزلى على ما صرّح به القيصرى في فصول شرحه على فصوص الحكم (ص ٢١ ط ١).

قوله : ثم الوجهان إن كانا موجودين. ٣٥ / ٢٢

باتفاق النسخ كلها. فالمراد بالوجهين الأمران المذكوران في الوجه الثاني. ولذا بدّل في المطبوعة الوجهان بالامرين.

قوله : الثاني ان العرض قد يقوم بالعرض على ما يأتي. ٣٦ / ٤

وذلك كالسرعة العارضة للحركة العارضة للجسم ، ويأتي في المسألة الخامسة من الفصل الأول من المقصد الثاني.

قوله : وانما يتميزان ، ٣٦ / ١٧

كما في (م). والنسخ الاخرى : وانما يتعددان. وقوله : فلا يتصور نفيهما ، أي نفي التماثل

والاختلاف في الحال.

قوله : وان تلك الأعداد متباينة بأشخاصها ٣٧ / ١٣

وفي بعض النسخ متناهية باشخاصها والقوشجي فسر على هذا الوجه ولكن الصواب هو الوجه الاوّل المختار.

قوله : اختلفوا في صفات الأجناس ٣٨ / ١

ذهب الشحام الى اتّصاف الذوات المعدومة في حال العدم بصفات الأجناس وغبرها أيضا حتى التزم رجلا معدوما ركب على فرس معدوم ركوبا معدوما وبيده سيف معدوم يحركه بحركات معدومة وعلى رأسه قلنسوة معدومة ذات الوان معدومة.

قوله : وابن متويه ٣٨ / ٤

وفي (م) : ابن مستويه. والصواب هو الأول وكأن كاتب الثاني قصد المطايبة والمزاح.

قوله : وأما الجبائيان ٣٨ / ٤

هما ابو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي المتوفى سنة ٣٠٣ ه‍ (تاريخ ابن خلكان ج ٢ ص ٥٦ ط ١) وابنه ابو هاشم المذكور آنفا.

قوله : عائدة إلى الجملة كالحيية ٣٨ / ٥

وفي (م) : الى الجمل ، وفي (ص ق ش ز د) كما اخترناه في الكتاب. وفي بعض النسخ كالحياة. والجمل جمع الجملة أي مجموع ما يتركّب منه البنية. وما يشترط بالحياة كالعلم والقدرة لان الحياة امام الأئمة من الاسماء وأمّ الامهات من الصفات. فالحياة عائدة الى مجموع ما يتركب منه البنية ويتّصف اجزاؤه بها أيضا واذا تفرقت الأجزاء وانتفت البنية انتفت الحياة عنها بخلاف باقي الصفات المعدودة في الكتاب.

قوله : وابو اسحاق ابن عياش ٣٨ / ١٥

ابن عياش هذا هو غير ابى بكر بن عياش الراوي عن العاصم القاري المعروف بابن عياش

أيضا. وهو أيضا غير احمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش الجوهري المعروف بابن عياش أيضا.

بل هو الذي قال ابن النديم في الفهرست : ومن المعتزلة ممن لا نعرف من امره غير ذكره ابو اسحاق ابراهيم بن محمد بن عياش.

قوله : على أن المعدوم لا صفة له ٣٨ / ٢٠

يعني أن المعدومية هل هي صفة ثابتة للمعدوم ويتصف المعدوم بها في العدم كما ذهب إليه البصري أم لا كما ذهب إليه جمهورهم.

قوله : وقسمة الحال ، ٣٩ / ٤

مجرور عطفا على قوله المتقدم : تحقق الذوات. اي فبطل ما فرعوا عليهما من تحقق الذوات غير المتناهية في العدم ، ومن قسمة الحال الى المعلل وغيره.

وقوله : وغير ذلك مما لا فائدة بذكره. ٣٩ / ٤

كالصفات العائدة الى الجملة والأفراد في الجواهر والأعراض مما قد تقدم الكلام فيه.

قوله : وقد يؤخذ مقيدا فيقابله مثله. ٣٩ / ١٨

باتفاق النسخ كلها اي فيقابله عدم مثله فحذف العدم هنا بقرينة قوله في المطلق.

قوله : ثم هذا الكون في الأعيان. ٣٩ / ١٩

اي باعتبار أنه وجه من وجوه الوجود الحق المطلق الصمدي وشأن من شئونه المنفطرة منه كما أنك تبحث عن عين انسان وقواه أو أنوار اغصان مثلا وهي منفطرة من اصولها وهو سبحانه وتعالى فاطر السموات والأرض.

قوله : وقد يؤخذ مجرّدا. ٣٩ / ٢٠

ينبغي في المقام التدبر التام في الفرق بين العين والمفهوم والعين هو الحق الصمدي الذي

هو الاول والآخر والظاهر والباطن لا يحيطون به علما والمفهوم وعاءه الذهن. ثم ان تميز المحيط عن المحاط انما هو بالتعيّن الاحاطي لا بالتعيّن التقابلي. والمبحوث عنه في الكتاب هو مفهوم الوجود المطلق ، فافهم.

قوله : انه معدوم مطلقا وانه موجود مطلقا. ٤٠ / ٢

أي معدوم باعتباره في الخارج بالحمل الأولى الذاتي ، وموجود باعتباره في الذهن بالحمل الشائع الصناعي.

قوله : وانما يجتمعان إذا أخذا لا باعتبار التقابل ٤٠ / ٣

وذلك كالكلية والجزئية اي الجزئي الاضافي غير الحقيقي كما تقدم في المسألة العاشرة.

قوله : وان كان قوم قد نازع ٤٠ / ٧

سيأتي في المسألة السابعة والثلاثين (ص ٦٨) ان الذهن يتصور العدم المطلق.

قوله : المتخصّص. ٤٠ / ٨

صفة للوجود ، أى الوجود متخصّص باعتبار تخصّص تلك الملكات. وفي (م ز) باعتبار تخصيص تلك الملكات الوجود ، فيصير الوجود متخصصا بها وهو الوجود الخاص المأخوذ في قبال الوجود المطلق.

قوله : ويفتقر. ٤٠ / ١٣

اي ذلك العدم المقيد وهو عدم الملكة ، وكذلك ضمير ملكته.

قوله : عن الأثطّ ٤١ / ١

في منتهى الارب : رجل أثطّ مرد كوسه لغت عامى است. ثطّ بر وزن خطّ كوسه را گويند.

وقوله : وعدمها عن الحيوان ليس عدم ملكة. ٤١ / ٣

مطابق لنسخ (م ص ق ز) والثلاث الاولى اصحها واقدمها واسلوب البحث يقتضي ذلك أيضا. وفي (د) : وعدمها عن الحيوانات. وهي تؤيدها. وفي (ش) وحدها : وعدمها عن الحمار.

وله وجه أيضا.

قوله : فلا فصل له. ٤١ / ٨

كما يأتي في المسألة الرابعة من الفصل الثاني أن ما لا جنس له فلا فصل له.

قوله : لا يقال لم لا يجوز. ٤١ / ١٢

يعني ما قلتم من أن الوجود بسيط حيث لا جنس له فلا فصل له لأن ما لا جنس له لا فصل له ممنوع وذلك لجواز أن يكون الوجود مركّبا من أجزاء لا تكون جنسا له ولا فصلا له تركب العدد من الآحاد مثلا أن العشرة مركبة من الآحاد وليس بعض تلك الآحاد جنسا لبعض آخر ولا فصلا له.

قوله : ويتكثر بتكثر الموضوعات. ٤١ / ١٨

وهذه المسألة واترابها ، موضوعها مفهوم الوجود المطلق كما صرّح به الشارح في قوله : الوجود طبيعة معقولة كلية واحدة غير متكثرة. وحقيقة الأمر اشمخ من ذلك بمراحل إلا أن أمثال هذه المباحث اظلالها وحكايات لها ومجدية النفس في الاعتلاء إليها.

ثم ان هذا التشكيك هو ما تفوّه به المشاء وان كان يمكن بين ما في الكتاب وبين قولهم بيان وجوه من الفرق ولكن نظر هما ينتهي الى وجود منزّه عن الماهيّة هو فوق التمام وما سواه زوج تركيبي من الوجود والماهية فينجرّ الكلام إلى تنزيه هو عين التشبيه وهو سبحانه منزّه عن هذا التنزيه أيضا.

وتفصيل هذه المباحث وتحقيق الحق فيها يطلب في رسالتنا الفارسيّة الموسومة ب «وحدت از ديدگاه عارف وحكيم» وسيأتي البحث عنه في المسألة السادسة والثلاثين أيضا.

قوله : والوجود من حيث هو. ٤٢ / ٦

باتفاق النسخ كلّها. اي الوجود المطلق.

قوله : والشيئية من المعقولات الثانية. ٤٢ / ١٧

لعلّ التنصيص بان الشيئيّة من المعقولات الثانية لدفع التوهم بانّها جنس الأجناس كما توهمه

بعض الناس حتى قد ذهب بعض من قارب عصرنا الى ذلك الوهم.

او الظاهر أن البحث عنها في المقام ناظر إلى قوله في المسألة الحادية عشرة ان الوجود يساوق الشيئية فلا تتحقق بدونه فهاهنا صرّح بان الشيئية من المعقولات الثانية ، وفي المسألة السادسة والثلاثين بان الوجود من المعقولات الثانية ثمّ عدّ عدة اخرى منها. والمراد بالوجود هو الوجود المطلق فتبصّر.

واعلم ان المعقول الثاني عند الحكيم اعمّ منه عند المنطقي. بيان ذلك أن ما يعرض لشيء فهناك ينتزع امران عروض واتصاف أما العروض فمن العارض ، وأما الاتصاف فمن الموضوع. مثلا إذا عرض بياض جسما عرض ذلك البياض الجسم واتصف الجسم به بأن صار ابيض. وعروض الشيء في بادي الرأي يتصور باحد الوجوه الاربعة :

الاول أن يكون العروض والاتصاف كلاهما في الخارج كعروض بياض لجسم واتصاف الجسم بذلك البياض.

والثاني أن يكون كلاهما في الذهن كالكلية والجزئية والذاتية والعرضية والجنسية والفصلية والموضوعية والمحمولية والقياس والقضيّة والمعرف وغيرها من المعاني التي جعلت موضوعا للمنطق على أحد القولين.

والثالث أن يكون الاتصاف في الخارج والعروض في الذهن كالشيئية والإمكان والجوهرية والعرضيّة.

والرابع عكس الثالث بأن يكون الاتصاف في الذهن والعروض في الخارج.

والأوّل عند كلا الفريقين ليس من المعقولات الثانية بلا خلاف. والثاني عندهما من المعقولات الثانية كذلك. والثالث عند الحكيم منها وعند المنطقي ليس منها. والرابع لا تحقق له. فالشيئية من المعقولات الثانية عند الحكيم.

وإنما سميت تلك المعقولات بالثانية لانها مستندة الى معقولات أولى متقدمة منها وذلك لأنه يتصور الإنسان أولا مثلا ثم تعرضه الكليّة فلما كانت تلك المعقولات متأخرة عن معقولات اخر سميّت بالمعقولات الثانية. والمراد بالثانية ما ليست بالاولى أعم من أن تعرض معقولا أولا أو ثانيا. وقد اشبعنا البحث عنها في تعليقاتنا على اللآلي المنظومة في المنطق للمتأله السبزواري.

قوله : قال ابو علي بن سينا. ٤٢ / ١٩

الحسين بن عبد الله بن سينا الشيخ الرئيس الحكيم المشهور اسم أمّه ستاره كان ابوه من اهل

بلخ وانتقل منها الى بخارى وتوفي سنة ٤٢٨ بهمدان (تاريخ ابن خلكان ج ١ ط ١ ص ١٦٨).

قوله : ونافى. ٤٣ / ٦

فعل ماض من المنافاة. عطف على استند وعدم الشرط مرفوع على الفاعلية ووجود المشروط منصوب على المفعولية ، وعلى هذا المنوال الجملة التالية.

قوله : وعدم غيره لا ينافيه. ٤٣ / ١٥

اي عدم غير الشرط لا ينافي المشروط.

قوله : يمكنه فرض عدمه. ٤٣ / ٢١

ضمير عدمه راجع إلى العدم الذي لوحظ لا باعتبار عروضه أعني العدم المطلق الذي يكون معروضا للعدم العارض له.

قوله : بل الأمر بالعكس على ما يأتي. ٤٤ / ١٠

يأتي في المسألة الثالثة والاربعين من هذا الفصل ، وفي المسألة السادسة عشرة من الفصل الثالث.

قوله : لانه لا يفيد إلا الوجود. ٤٤ / ١٣

باتفاق النسخ كلّها. اي الوجود في الذهن.

قوله : حقيقية. ٤٥ / ٧

اى منفصلة حقيقية دائرة بين الاثبات والنفي. وفي بعض النسخ منفصلة حقيقية ولكن الزيادة ادرجت في عبارة الكتاب.

وعبارة الشرح كما في (م) ، جاءت هكذا : وهذه القسمة حقيقية تمنع الجمع لاستحالة كون المستغني الخ. والنسخ الاخرى كلّها كانت هكذا : وهذه القسمة حقيقية أي تمنع الجمع والخلو ، أما منع الجمع فلاستحالة الخ ، ونظير ما في هذه النسخ يأتي في المسألة الرابعة والعشرين ومواضع

اخرى. ولكن العبارة في المقام هي ما اخترناها. ولا يبعد أن تصرف فيها بقرينة تلك المواضع ، والخطب سهل.

قوله : تكثرت الجهات التي عند العقل. ٤٦ / ٧

حرف التعريف في الجهات للعهد ناظر الى قوله المقدم : جهات في التعقل في الوجود. والمختار مطابق لنسخة (م) ، والنسخ الاخرى : الكتابة حدثت الجهات الثلاث عند التعقل.

قوله : وقد تؤخذ. ٤٦ / ١٩

اي تلك الثلاثة من الوجوب والامكان والامتناع. وقرئ أيضا وقد يؤخذ اي كل واحد منها. وقوله لا يمكن انقلابها بدل من قوله فتكون القسمة حقيقية كقوله الآتي يمكن انقلابها بدل من قوله فالقسمة مانعة الجمع بينهما.

قوله : قد تكون لكلي. ٤٧ / ٥

كما في (م) والنسخ الاخرى : قد تكون للكلي.

قوله : لا بالنظر الى وجود العلة ولا عدمها. ٤٧ / ٢١

اي بل بالنظر الى نفس الماهية التي من حيث هي ليست إلّا هي.

قوله : فان الممكن الذاتي. ٤٨ / ٢

وسيأتي في المسألة السابعة والعشرين أن معروض ما بالغير منهما ممكن.

قوله : على مضاف واحد. ٤٨ / ١٤

باتفاق النسخ كلها.

قوله : عن أحد الطرفين. ٤٨ / ١٩

أي الطرف المخالف فيعم الاخرى أي ضرورة الجانب الموافق والامكان الخاص.

وقد اتفقت النسخ على نقل قوله : فيعم الاخرى والخاص ، بهذه الصورة التي اخترناها.

قوله : القسمة العقلية ثلاثة. ٤٨ / ٢٠

هكذا رويت العبارة في النسخ كلها ، ولعل تأنيث العدد بلحاظ الواجب والممتنع والممكن ، وإلا فالصواب أن يقال : القسمة العقلية ثلاث.

قوله : هذا بحسب اصطلاح الخاصة. ٤٨ / ٢٠

اي الامكان بهذا المعنى.

قوله : قد رفعنا فيه ضرورة العدم. ٤٩ / ٣

فان كان وجوده ضروريا فيشمل الواجب ، وان كان وجوده كعدمه غير ضرورى فيشمل الامكان الخاص فالمراد من الضرورة الاخرى التي لا تقابله هو ضرورة الجانب الموافق لأن الضرورة التي تقابله هي ضرورة العدم وذلك لان الامكان بمعنى العام الوجودي فهو يسلب ضرورة العدم فلا محالة تقابله ضرورة العدم. فممكن الوجود بالامكان العام اعمّ من الواجب وممكن الوجود بالامكان الخاصّي. وكذلك ممكن العدم بالامكان العام اعم من الممتنع وممكن العدم بالامكان الخاصّي. وقوله اذا اخذ بهذا المعنى أي اذا اخذ الامكان بهذا المعنى. وقوله والامكان الخاص منصوب معطوف على ثبوت الاخرى.

والعبارة موافقة لنسخ (م ص ق د) والثلاث الاولى اصحّها واقدمها. وفي (ز) : فان رفع الضرورتين يستلزم ثبوت الاخرى. وفي (ش) : لا يستلزم. وهذه ليست بصواب لأن نفيها منفي.

قوله : يجوز وجوده في الاستقبال. ٤٩ / ٩

سيشير الشارح إليه في المسألة السادسة والعشرين إليه ويأتي تفصيله في المسألة الثانية والثلاثين.

قوله : هذا الامكان الخ. ٤٩ / ١٢

كما في (م) وهي اقدم النسخ ، وأما النسخ الاخرى فهكذا : ذهب قوم غير محققين الى أن

الممكن الاستقبالى شرطه العدم في الحال قالوا لانه لو كان الخ.

قوله : وهو خطاء لأن الوجود الخ ، ٤٩ / ١٣

قال الشيخ في منطق الاشارات (ص ٤٩ ط ١) : ومن يشترط في هذا ـ يعني به الامكان الاستقبالي ـ أن يكون معدوما في الحال فيشترط ما لا ينبغي وذلك لأنّه يحسب انه اذا جعله موجودا أخرجه إلى ضرورة الوجود ولا يعلم انه اذا لم يجعله موجودا بل فرضه معدوما فقد اخرجه الى ضرورة العدم فان لم يضرّ هذا لم يضرّ ذاك.

قوله : فالأولى أن لا ينافي. ٤٩ / ١٨

كما في (م) وفي (ص ق د) : فأولى أن لا ينافي. وفي (ش) وحدها : فبالأولى أن لا ينافي.

قوله : اذ هو تؤكده. ٥٠ / ١٢

على صيغة المصدر من باب التفعل أي الوجوب هو تؤكّد الوجود كما يأتي في المسألة الحادية والثلاثين أن الوجوب تأكد الوجود وقوته ، والامكان ضعف فيه.

قوله : فيكون الممتنع ممكنا ، ٥٠ / ٢١

كما في (م) والنسخ الاخرى : فيكون الممتنع ثابتا. والاول هو الحق كما قال في المتن : لزم امكان الممتنع ، والغور في اسلوب الدليل أيضا يحكم بذلك.

قوله : والحق يأباه. ٥١ / ٦

اقول : والحق يأباه لأن الامكان الاستعدادى صفة حقيقية وجودية كامنة في المركبات قابلة للشدة والضعف والزيادة والنقصان بل ويعدم ويوجد بخلاف الامكان الذاتي للممكنات المتصور في العقل لا يمكن زواله عنها كما يأتي بيان الفرق بينهما في المسألة الثانية والثلاثين والشارح انكره هاهنا واقر به هناك. واما قوله هاهنا : «والدليل على عدمه الخ» فالحق ان الاستعداد امر وجودي وهو غير امكانه كما افاده المتأله السبزواري بقوله :

قد يوصف الامكان باستعدادى

وهو بعرفهم سوى استعداد

والامكان الاستعدادى دال على وحدة الصنع والتدبير في العالم الكياني على نظامه بالعلم العنائي الربّاني.

قوله : ولا ممكن بالغير لما تقدم. ٥٢ / ٧

تقدم في المسألة الحادية والعشرين.

قوله : ولا منافاة بين الامكان والغيري. ٥٣ / ٤

اي بين الامكان والوجوب بالغير والامتناع بالغير اذ لا معنى للامكان بالغير كما تقدم والمتن مطابق للنسخ كلّها.

قوله : واذا لحظ الذهن الخ. ٥٣ / ١٦

الكلام في أن علة احتياج الأثر إلى مؤثره هي الامكان لا غير وهذا هو القول القويم والحكم الحكيم لا يعتريه ريب ولا يشوبه عيب فالممكن في بقائه محتاج إلى مؤثره كما انه في حدوثه مفتاق إليه على سواء والعلة الموجدة هي المبقية بلا مراء. والرأي الآخر بانها الحدوث او الامكان مع الحدوث شطرا او شرطا فائل جدّا.

ثمّ الحدوث على رأيهم ذلك هو الحدوث الزماني وهما منهم أن الحدوث لو لم يكن زمانيا لزم منه القول بقدم العالم واستغنائه عن المؤثر لأن العالم قديم وكل قديم مستغن عن المؤثر فالعالم مستغن عن المؤثر والأوسط لم يكرر في القياس.

لأن الحكيم القائل بقدمه يعني به الزماني لا الذاتي والقديم المستغني عن المؤثر هو الذاتي لا الزماني. والمصنف شنع عليهم بأن الحدوث ليس علة الاحتياج حتى لو قلنا بقدم العالم لم يستغن عن المؤثر لأن علة الاحتياج هو الامكان وهذا الفقر لا يفارق الممكن اينما كان وأيّما كان كما قال في المسألة الرابعة والاربعين : والممكن الباقي مفتقر الى المؤثر لوجود علته والمؤثر يفيد البقاء بعد الاحداث ولهذا جاز استناد القديم الممكن الى المؤثر الموجب لو امكن ولا يمكن استناده الى المختار.

ثم ان الحدوث لا يكون زمانيا فقط بل الحدوث الذاتي متحقق كما يأتي في المسألة الرابعة والثلاثين والحدوث الذاتي لا ينافي القدم الزماني على أن الامر الحري بالمقام فوق امثال هذه المسائل بدرجات وهو سبحانه رفيع الدرجات ذو المعارج. وسيأتي قوله في المسألة الخامسة والاربعين بانه

لا قديم سوى الله فالقديم الذاتي ليس إلا الله والقديم الذاتي هو الوجود الأحدي والحق الصمدي اي هو الاوّل والآخر والظاهر والباطن.

ثم اعلم ان اكثر ما احتج به ائمتنا عليهم‌السلام على الزنادقة لا يشتمل التمسك بالحدوث ينبئك الجوامع الروائية وذلك لأن اثبات الواجب تعالى لا يتوقف على اثبات الحدوث للعالم فتبصّر. وسيأتي تمام الكلام في مسألتي الرابعة والأربعين والخامسة والاربعين من هذا الفصل وفي أوّل الفصل الثالث من هذا المقصد.

قوله : ولا تتصور الاولوية. ٥٤ / ٢٠

سواء كانت الاولوية ذاتية اي بالنظر إلى ذات الممكن ، او خارجية. فعلى ردّ الأوّل قال : ولا يتصور الاولوية لاحد الطرفين بالنظر إلى ذاته اي بالنظر الى الممكن من حيث هو هو لأن وجوده وعدمه بالنسبة إليه متساويان فلا يكون احد هما اولى له من الآخر. وعلى رد الثاني قال : ولا تكفي الخارجية لأن الممكن ما لم يجب وجوده من العلة ولم يطرد جميع انحاء العدم منه لم يوجد فلا بد من الانتهاء الى الوجوب اي الى مرجّح يجب به وجوده. وكذا ما لم يجب عدمه من العلة لم يعدم.

قوله : احد الوقتين. ٥٥ / ١٢

كما في (م ص ز ق د) وفي (ش) ـ وحدها : احد الطرفين.

قوله : وهو سابق. ٥٥ / ١٥

اي هذا الوجوب هو وجوب سابق لأنه وجب أوّلا من علته فوقع سبقا ذاتيا لا زمانيا الذي استدللنا على تحقّقه بان الممكن ما لم يجب وجوده أو عدمه عن العلّة لم يقع وبعبارة اخرى استدل على تحققه بانه لا بد من الانتهاء الى الوجوب.

قوله : والامكان لازم. ٥٥ / ٢٠

اي لازم لماهية الممكن وإلّا لزم انقلاب الممكن الى الوجوب او الامتناع لأن المواد ثلاث فعند انفكاكه عنها يبقي احد الاخريين وقد بين امتناعه في المسألة الرابعة والعشرين.

قوله : ووجوب الفعليات ، ٥٦ / ٢

اي الوجوب اللاحق في الممكنات.

وقوله : لأن وجوبه بشرط ، لا مطلقا ٥٦ / ٥

اي ذلك الوجوب اللاحق لا يكون للممكن مطلقا بل بشرط وهو وجوب وجود العلة والامكان حال للماهية وصفة لها من حيث هي لا بشرط.

قوله : ويوجد للمركبات ٥٦ / ١٣

كما في (م ت ش) والنسخ الاخرى : ويوجد للممكنات. ولكن الصواب هو ما في النسخ الاولى كما قد اخترناه.

قوله : فقد بينا انه لا يمكن زواله ٥٧ / ٢

بين في المسألة الرابعة والعشرين.

قوله : فتغايرا. ٥٧ / ٢

اي تغاير الامكان الاستعدادي والامكان الذاتي.

قوله : والموجودان أخذ. ٥٧ / ٥

وفي (ص م ت ق ز د) : والوجود ان أخذ. وفي (ش) وحدها : والموجود ان اخذ ، كما في الشرح باتفاق النسخ كلّها : هذه قسمة للموجود.

قوله : والسبق ومقابلاه ٥٧ / ٩

مقابلا السبق هما التأخر والمعية.

قوله : والحصر استقرائى. ٥٧ / ١٠

وان كان دائرا بين الاثبات والنفي كقولهم المتقدم ان احتاج إليه المتأخر فان كان علة تامّة له

فهو بالعليّة وإلا فبالطبع ، وإن لم يحتج فان لم يمكن اجتماعهما في الوجود فبالزمان ، وإن أمكن فان اعتبر بينهما ترتب فبالرتبة وإلّا فبالشرف ، ولكن هذا الدوران ليس بحقيقي بل عبّروا تلك الأقسام على شهرتها بهذه الصورة الدائرة بينهما.

قوله : التقدم بالطبع وهو الخ. ٥٧ / ١٧

قال الشيخ في قاطيغورياس الشفاء : الأقدم عند الطبع هي الأشياء التي اذا رفعت ارتفعت ما بعدها من غير عكس ، وكذا فسّر التقدّم بالطبع في الفصل الاوّل من المقالة الرابعة من الإلهيات (ج ٢ ط ١ ص ٤٦٥).

قوله : ولا يكون هو كمال المؤثر ٥٧ / ١٧

اي ليس علة تامّة.

وقوله : ان جعل المبدأ الاعمّ. ٥٨ / ٢

يعني إن اخذنا من جنس الأجناس الى السافل وجعلناه مبدأ يكون كل جنس قريب بالمبدإ متقدما بالرتبة على نوعه ، وإن جعلنا النوع السافل مبدأ فبالعكس.

والمصنف قد ذكر في منطق التجريد الأقسام الخمسة من السبق على ما ذهب إليه الأوائل كما في منطق ارسطو وفصوص الفارابي وذكر السبق بالذات للمتقدم بالعلة ؛ ولم يعتن بما مال إليه المتكلمون حيث جعلوا السابق غير المجامع مع المسبوق على قسمين قسم يعرضه بسبب الزمان ويسمونه السبق الزماني ، وقسم يعرضه لذاته ويسمونه السبق بالذات كسبق أجزاء الزمان بعضها على بعض وعلّلوا بأن هذا السبق الذاتي ليس بأحد الوجوه الخمسة على الوتيرة التي في الشرح ؛ بل جعل السبق بالزمان شاملا لكليهما كما أعرب ضميره في اساس الاقتباس حيث قال : تقدم وتأخر بر پنج معنى اطلاق كنند اوّل بزمان مانند تقدم دى بر امروز وپدر بر پسر وقديم بر حادث ، وتأخر امروز از دى وپسر از پدر وحادث از قديم واين بالذات بود مانند تقدم دى بر امروز ، يا لغيره مانند ديگر مثالها الخ.

يعني ان تقدم امس على اليوم تقدم بالزمان ولا يلزم أن يكون للزمان زمان حتى يتسلسل وانما يلزم ذلك إذا كان هذا التقدم بزمان زائد على المتقدم والمتأخر بهذا التقدم نفس الزمان ويكون

عروض التقدم والتأخر لهما لذاتيهما ولغير أجزاء الزمان بسبب اجزاء الزمان فتحقق أن التقدم الذاتي الذي زاده المتكلمون غير ثابت.

قوله : وكذا اصناف التأخر والمعيّة. ٥٨ / ٣

والماتن في متن منطق التجريد بعد عدّ اقسام التقدم والتأخر الخمسة قال وكذلك المع (ص ٢٨ ط ١) وقال الشارح في الشرح : واذا عرفت اصناف المتقدم فاعرف منها اصناف المتأخر وهو ظاهر وكذا اصناف المعية الا في المعية بالعلية لاستحالة اجتماع علّتين مستقلّتين على معلول واحد والمصنف اطلق ذلك وليس بجيّد. انتهى.

والعجب انه اطلق في هذا المقام حيث قال وكذا اصناف التأخر والمعيّة فاطلاقه ليس بجيد والحق كما في الشوارق (ص ٩١ ج ١ ط ١) حيث قال : واما أقسام المعيّة فلا خفاء في المعيّة الرتبية كمفهومين متساويين وكمتحاذيين. ولا في المعية بالطبع كعلّتين ناقصتين لمعلول واحد ، وكمعلولين مشروطين بشرط واحد. ولا بالعلية كعلّتين مستقلتين لمعلول واحد نوعي الخ.

يعنى ان استحالة اجتماع علّتين مستقلتين على معلول واحد يجري في المعلول الواحد الشخصي واما في النوعي فلا استحالة فيها.

وقوله : وهذا الحصر استقرائي لا برهاني. ٥٨ / ٦

راجع في ذلك الى الفصل الاوّل من رابعة إلهيات الشفاء ، والى الشوارق في المقام والحكمة المنظومة (ص ٨١) في اقسام السبق.

قوله : بالاشتراك البحت. ٥٨ / ١٢

اي صرف الاشتراك اللفظي.

وقوله : وفي هذا بحث ذكرناه في كتاب الأسرار ٥٨ / ١٨

لم يحضرني هذا الكتاب ولعلّ ذلك البحث هو بعض ما نشير إليه في المقام فاعلم ان الشيخ قال في الفصل الاوّل من المقالة الرابعة من إلهيات الشفاء (ص ٤٦٤ ط ١) : ان التقدم والتأخر إن كان مقولا على وجوه كثيرة فانها يكاد أن يجتمع على سبيل التشكيك في شيء وهو أن يكون للمتقدم من

حيث هو متقدم شيء ليس للمتأخر ويكون لا شيء للمتأخر إلا للمتقدم.

وأورد عليه المولى صدرا في تعليقاته على الشفاء (ص ١٥٤) بقوله إن هذا منقوض بالمتقدم الذي بطل وجوده عند وجود المتأخر اذ لا شك انه متقدم بالزمان. ثم الذي للمتأخر بالزمان ليس موجودا للمتقدم عند وجود المتأخر ، ولا أيضا كان موجودا له كما أن ما للمتقدم من الزمان ما وجد للمتأخر اصلا بل كل جزء من اجزاء الزمان مختص بهوية لا توجد في غيره.

قال : ويمكن الجواب بأن ملاك التقدم في كل قسم من الأقسام شيء من نوع ما فيه التقدم او من جنسه فملاك التقدم في المتقدم بالزمان نفس طبيعة الزمان ولا شك أنّ هذه الطبيعة تكون متحققة فيما هو متقدم حين ما ليست متحققة فيما هو متأخر ولا يتحقق في المتأخر إلّا وقد تحققت في المتقدم وليس الغرض هاهنا تعريف القدر المشترك ليلزم الدور بايراد لفظ التقدم والتأخر بل التنبيه على القدر المشترك.

واقول : كأنّ هذا الجواب منه ليس بسديد لأن الشيخ قال أن يكون للمتقدم من حيث هو متقدم شيء ليس للمتأخر ، وهو يقول : ان هذه الطبيعة تكون متحققة فيما هو متقدم حين ما ليست متحققة فيما هو متأخر ، واين معنى احدهما من الآخر فتأمل.

ثم قال : ان قوله ـ يعني قول الشيخ في الشفاء ـ على الاطلاق ويكون لا شيء للمتأخر إلّا وقد وجد للمتقدم ليس بسديد فقد يوجد كثير من المعاني للمتأخر ولا يوجد مثلها للمتقدم كالجوهرية والجسمية في المبدعات والكائنات المتأخر وجود هما عن الأول تعالى فكان ينبغي أن يقيد ذلك بما يكون من جنس ما فيه التقدم وكانه المراد وان لم يصرح في اللفظ. انتهى ما اردنا من نقل كلامه.

وقال المولى اولياء في تعليقته على الشفاء : قوله وهو أن يكون للمتقدم الخ ، فان المتقدم بالزمان مثلا له مضي زمان اكثر منه للمتأخر وكذا المتقدم بالرتبة فان له وصولا الى المبدأ ليس للمتأخر وقس على هذا قوله ولا شيء للمتأخر اي من هذا المعنى الذي يكون التقدم والتأخر باعتباره فلا يرد ما ذكر البعض انه قد يوجد كثير من المعانى للمتأخر ولا يوجد مثلها للمتقدم كالجوهرية والجسمية في المبدعات والكائنات المتأخر وجودهما عن الاوّل تعالى. انتهى.

اقول : مفاد قوله اي من هذا المعنى الذي يكون التقدم والتأخر باعتباره ، ومفاد قول صدر المتألهين فكان ينبغي أن يقيد ذلك بما يكون من جنس ما فيه التقدم واحد فلا يرد قوله فلا يرد ما ذكر البعض.

واعلم ان البحث عن اقسام السبق وكثير من مسائله ذكرناه في شرحنا على فصوص الفارابي بالفارسية فراجع الى الفص التاسع والستين من ذلك الشرح.

قوله : اولى بتأخره عن الألف المضاف. ٥٨ / ٢١

خبر لب.

قوله : اما زماني كما في التقدم الزماني ٥٩ / ١٣

سواء كان التقدم بزمان زائد على المتقدم والمتأخر ، أو بنفس الزمان كما تقدم فلا يرد ما تفوه بأن الاشكال في القسم السادس أي التقدم بالذات على ما ذهب إليه المتكلمون فان عروض التقدم لبعض اجزاء الزمان المفروضة انما هو لذاته لا لأمر خارج.

ثم ان قول الماتن كما اخترناه موافق لجميع النسخ بلا استثناء واما قول الشارح فقد روي في غير (م ص) هكذا : اما زمان كما في التقدم الزماني او مكان كما في التقدم المكاني.

قوله : والقدم والحدوث الحقيقيان. ٥٩ / ١٦

ناظر الى الذاتيين منهما واعرب ضميره في قوله الآتي والحدوث الذاتي متحقق والحدوث الذاتي لا ينافي دوام الفيض ازلا وابدا ، فافهم. وكلامه هذا ردّ على من انكر الحدوث الذاتي ولم يعقل سوى الحدوث الزماني.

والشيخ الرئيس في الفصل الثاني عشر من النمط الخامس من الاشارات نقل مذاهب المتكلمين في حدوث العالم من جملتها أن من هؤلاء من قال ان العالم وجد حين كان اصلح لوجوده ، ومنهم من قال لم يكن وجوده إلّا حين وجد ، ومنهم من قال لا يتعلق وجوده بحين ولا بشيء آخر بل بالفاعل ولا يسأل عن لم. ثم قال الشيخ : فهؤلاء هؤلاء.

والنسخ كلها جاءت : والقدم ، بالواو ، كما اخترناه وفي (ت) وحدها : فالقدم ، بالفاء.

قوله : ومن جملتها التقدم والتأخر بالطبع. ٦٠ / ٣

فاللااستحقاقية متقدمة بالطبع على الاستحقاقية في الممكنات.

قوله : ومن الوجوب الذاتي والغيري. ٦١ / ٣

لا يخفى أن هذه العبارة عطف على قوله منهما أي تصدق القضية المنفصلة الحقيقية من الوجوب

الذاتي والغيري فهذا الكلام تتمة المسألة الرابعة والثلاثين والعجب أن الشارح شرحه على هذا النهج القويم ولكن جعله اوّل المسألة الخامسة والثلاثين في خواص الواجب. والحق ان قوله الآتي ويستحيل صدق الذاتي على المركب اوّل المسألة في خواص الواجب كما في الشوارق.

قوله : صدق أحد الجزءين. ٦١ / ١٣

اي احد الجزءين من القضية المنفصلة.

وقوله : ويستحيل صدق الذاتي على المركب. ٦١ / ١٥

البحث عن خواص الواجب اى لوازم وجوب الوجود لأن الوجود والحق والواجب وجوهر الجواهر وحقيقة الحقائق ونظائرها بمعنى واحد كما أومأنا إليه فالمفاهيم متعددة والعين واحدة.

قوله : هذه خاصية ثالثة للواجب ظاهرة. ٦٢ / ٥

باتفاق النسخ كلّها والمراد بالواجب هو الواجب الذاتي كما هو ظاهر.

قوله : وإلّا لكان ممكنا. ٦٢ / ١٠

متعلق بالجميع اي لكل واحد من الاحكام التي هي خواص الواجب. أي يستحيل صدق الذاتي على المركب والا لكان ممكنا وهكذا في الخاصّتين بعدها.

قوله : وتقريره أن نقول لو كان وجود الخ ٦٢ / ١٢

الكلام في أن واجب الوجود انيّة محضة فالحري بالتوحيد أن تعلم أن الوجود يساوق الحق والحق سبحانه هو الوجود الواجب وما سواه مرزوق بهذا الرزق ولولاه لما كان ما كان. قال مولانا سيد الساجدين عليه‌السلام في الدعاء الثاني والخمسين من الصحيفة : «أو كيف يستطيع أن يهرب منك من لا حياة له إلا برزقك». والممكن في حدوثه وبقائه مفتاق بهذا الرزق وبدونه لا اسم له ولا رسم ، وحيث انه تعالى وجود صمدي فهو الواحد الجميع اي هو الاوّل والآخر والظاهر والباطن.

قوله : والوجود المعلوم. ٦٣ / ١

يعني مفهوم الوجود المطلق العامّ ، والخاصّ به هو الوجود الواجب.

قوله : انا قد بيّنا ان الوجود مقول بالتشكيك. ٦٣ / ٥

قد بيّن في المسألة الرابعة والثلاثين.

قوله : وهذا التحقيق مما نبّه الخ ٦٣ / ٢٠

نبّه عليه في الفصل الأوّل من المقالة الاولى من الكتاب الثاني من التحصيل بقوله : ثم اعلم ان الوجود يحمل على ما تحته حمل التشكيك لا حمل التواطؤ ومعنى ذلك الخ (ص ٢٨١ ط ١).

والمصنف حرره في الفصل السابع عشر من النمط الرابع من الاشارات ردا على وهم الفخر الرازي حيث زعم ان الوجود شيء واحد في الواجب والممكن على السواء بالتواطؤ. وبيان هذا التشكيك أن مختلفات الحقيقة اي الواجب والممكنات قد تشترك في لازم واحد وهو الوجود المحمول عليها فالوجود بمعنى واحد في الجميع ولكن لا على السواء بل على الاختلاف.

ذهب المتأخرون من المشاء الى ان الوجودات العينية حقائق متباينة بتمام ذواتها البسيطة لا بالفصول ليلزم التركيب في الوجود ويكون الوجود المطلق جنسا ، ولا بالمصنفات والمشخصات ليلزم التركيب في الوجود أيضا ويكون الوجود المطلق نوعا ، بل المطلق عرضي لازم لها بمعنى انه خارج محمول اي محمول من صميمه لا أنه عرضي بمعنى المحمول بالضميمة. لأن العارض والمعروض في المحمول بالضميمة شيئان والمعروض اي المحمول سابق على العارض اي الحامل. وحمل الوجود المطلق على اعيان الوجودات المتباينة حمل اللازم على الملزومات المتعددة المتباينة وهذا الحمل على سبيل التشكيك اي اطلاق الوجود المطلق العام اللازم على ملزوم وهو الوجود الواجب اولى وأقدم على ملزوم آخر كالعقل الاوّل مثلا وعلى هذا القياس. وفي هذه الملزومات ملزوم واحد فقط له تاكّد وجودي وتوحّد كذلك هو انيّة محضة ووجود صرف وهو ذات الواجب وما سواه زوج تركيبي من الوجود والماهية. ولا منافاة بين ان يكون لازم واحد بمعنى واحد يطلق على ملزومات متباينة على سبيل التشكيك فالوجود المطلق العام العارض اللازم هو معروض التشكيك كما ان الوجودات العينية معروضاته فهي معروضات ذلك المعروض.

وقد أومأنا من قبل إلى أن التوحيد اشمخ من ظاهر هذا الزعم وهو تنزيه في عين التشبيه والتوحيد الصمدي منزه عن هذا التنزيه. فعلى هذا الزعم قالوا في علم الباري بالجزئيات انه عالم بها على النحو الكليّ. ووقعوا في صدور الكثرة عن الواحد الحقيقي وفي ربطها به وفي مسائل اخرى

في خبط عظيم إلّا ان يصحّح آراؤهم بمعاونة كلماتهم الاخرى على غير ما اشتهر منهم ولا ضير كما اشرنا الى طائفة منها في شرحنا على فصوص الفارابي ولا يعجبني اسناد تلك الآراء الفائلة بظاهرها إليهم ولا اعتقده فيهم بذلك الاسترسال والاطلاق.

قوله : وليس طبيعة نوعية الخ ٦٣ / ٢١

كما ذهب الفخر الرازي الى ان الوجود طبيعة نوعية. فراجع الى شرحه على الفصل السابع عشر من النمط الرابع من الاشارات (ص ٣٠٣ ط مصر).

قال شارح المقاصد سعد الدين التفتازاني : والعجب أن الامام قد اطلع من كلام الفارابي وابن سينا على أن مرادهم أن حقيقة الواجب وجود مجرد هي محض الواجبيّة لا اشتراك فيه اصلا والوجود العام المشترك المعلوم لازم له غير مقوّم بل صرّح في بعض كتبه بان الوجود مقول على الوجودات بالتشكيك ، ثم استمرّ على شبهته التي زعم انها من المتانة بحيث لا يمكن توجيه شك مخيل عليها وهي ان الوجود ان اقتضى العروض او اللاعروض تساوى الواجب والممكن في ذلك ، وان لم يقتض شيئا منهما كان وجوب الواجب من الغير. وجملة الأمر انه لم يفرق بين التساوي في المفهوم والتساوي في الحقيقة فذهب إلى انه لا بدّ من أحد الامرين إما كون اشتراك الوجود لفظيا ، أو كون الوجودات متساوية في اللوازم. (ص ٦٦ و ٦٧ ط ١).

وقد لخّص المحقق نصير الدين الطوسي كلام الفخر الرازي في شرح الفصل المذكور من رابع الاشارات بقوله : والفاضل الشارح قد اضطرب في هذا الموضع اضطرابا ظنّ بسببه أن عقول العقلاء وأفهام الحكماء باسرها مضطربة وذلك لأنّه استدلّ على أن الوجود لا يقع على الموجودات بالاشتراك اللفظي بدلائل كثيرة استفادها منهم وحكم بعد ذلك بأن الوجود شيء واحد في الجميع على السواء حتّى صرّح بان وجود الواجب مساو لوجود الممكنات تعالى عن ذلك. ثم انه لما رأى وجود الممكنات امرا عارضا لماهياتها وكان قد حكم بأن وجود الواجب مساو لوجود الممكنات حكم بأن وجود الواجب أيضا عارض لماهيته فماهيته غير وجوده تعالى عن ذلك علوا كبيرا. وظن أنه إن لم يجعل وجود الواجب عارضا لماهيته لزمه إما كون ذلك الوجود مساويا للوجودات المعلولة ، واما وقوع الوجود على وجود الواجب ووجود غيره بالاشتراك اللفظي ومنشأ هذا الغلط هو الجهل بمعنى الوقوع بالتشكيك الخ.

ثم أخذ في بيان اطلاق الوجود على الموجودات بالتشكيك على الوجه المحقق عند المشاء وقد

حرّرناه آنفا مع مزيد إيضاح منّا. وقد دريت ان الخطب ارفع مما ذهب إليه المشاء بمراحل فضلا عما توهم الفخر الرازي. ثم لنا في المقام حول كلمات الفخر وتحقيقات المحقق المذكور في شرحه على الاشارات مطالب مجدية لعلها تنجدك في هذه المباحث.

قوله : بل هو مقول بالتشكيك ، ٦٤ / ٨

وصدقه على افراده صدق عرضي كما دريت.

واعلم أن الشيخ في الفصل الثالث من سادسة الالهيات ناظر الى هذا التحقيق في تشكيك الوجود على ممشي المشاء حيث يقول : ثم الوجود بما هو وجود لا يختلف في الشدّة والضعف ولا يقبل الأقل والانقص وانما يختلف في ثلاثة احكام وهي التقدم والتأخر والاستغناء والحاجة والوجوب والامكان ، الى آخر ما افاد (ص ٥٣٤ ج ٢ ط ١).

قوله : في الوجود والعدم. ٦٤ / ١٤

متعلق بالانحصار.

قوله : والجواب أن الماهية من حيث هي هي. ٦٤ / ١٧

ناظر الى كلام الشيخ في الفصل السابع عشر من النمط الرابع من الاشارات حيث يقول : قد يجوز أن تكون ماهية الشيء سببا لصفة من صفاته ، وأن تكون صفة له سببا لصفة اخرى مثل الفصل للخاصّة ولكن لا يجوز أن تكون الصفة التي هي الوجود للشيء انما هي بسبب ماهيته التي ليست هي الوجود او بسبب صفة اخرى لأن السبب متقدم في الوجود ولا متقدم بالوجود قبل الوجود. انتهى.

واقول الماهية توجد بسبب الوجود والسنخية بين العلة ومعلولها توجب أن يكون معلول الماهية من سنخها في وعاء الذهن مثلا كون الاثنينية سببا لزوجية الاثنين وأنّى للماهيّة أن توجب صفة الوجود وتكون سببا له وهي حدّ ينتزع من شأن من شئون الوجود الاحدي الصمدي والسبب متقدم في الوجود ولا متقدم بالوجود قبل الوجود.

واعلم ان هذا الفصل من الاشارات وما حققه المحقق الطوسي في امر الوجود وردّ الشبهات الفخرية في المقام هو الاصل فيما أتى به المولى صدرا في الفصل الثالث من المنهج الثاني من المرحلة

الأولى من الاسفار من ان واجب الوجود انيته ماهيته.

ثم يستشم من كلام المحقق الطوسي في هذا المقام من التجريد أنه صنف التجريد بعد شرحه على الاشارات.

قوله : والنقض بالقابل ، ٦٤ / ٢٠

جواب عن اعتراض الفخر الرازي بالنقض.

وقوله : بل كون الماهية هو وجودها ، ٦٥ / ٥

سيأتي هذا البحث في المسألة الثامنة والثلاثين حيث يقول : واثبات الوجود للماهية لا يستدعي وجودها أولا.

قوله : والوجود من المحمولات العقلية. ٦٥ / ١١

اي مفهوم الوجود المطلق المحمول على الماهيات من الصفات العقلية الاعتبارية الموجودة في العقل فقط ، ليست بصفة عينية خارجية فذلك الوجود المطلق المحمول من المعقولات الثانية. واما الوجود المطلق الواجبي الحق الصمدي فهو الاول والآخر والظاهر والباطن سبحان الله عمّا يصفون إلّا عباد الله المخلصين.

قوله : وإن كان ما يصدق عليه الماهية من المعقولات الاولى. ٦٦ / ١١

يعني كما ان الأفراد الخارجية كزيد وعمرو وبكر مصاديق حقيقية للانسان كذلك الماهيات الذهنية كماهيات الانسان والبقر والغنم مصاديق ذهنية للماهية فالماهية صادقة على كل واحدة منها فالماهية من المعقولات الثانية العارضة على الاولى ومصاديقها افراد ذهنية ليست بخارجية.

قوله : في تصور العدم. ٦٧ / ١٢

الوجود باعتبار عمومه وانبساطه واحاطته وسعة رحمته يعرض مفهوم عدم المطلق والمضاف كالعمى في الذهن عند تصورهما. ولذلك العروض يحكم العقل عليهما بالامتياز بينهما وامتناع احدهما اي العدم المطلق لا يمكن تحققه ، وامكان الآخر اي العدم المضاف الممكن تحققه وذلك لان

كل ما هو ممكن وجوده كالبصر يمكن عدمه وهو العمى. وكذلك يحكم على العدمين بغير ذلك من الاحكام ويميز احدهما من الآخر.

قوله : على ما تقدم. ٦٨ / ١

تقدم في المسألة التاسعة عشرة حيث قال : وقد يتمايز الاعدام الخ. ثم التحقيق في المقام ان يقال : بالوجود ـ اي بالوجود الصمدي الذي هو متن الأعيان وحقيقة الحقائق وجوهر الجواهر ـ يتحقق الضدان ويتقوم المثلان بل هو الذي يظهر بصورة الضدّين وغير هما ويلزم منه الجمع بين النقيضين لان كلا من الضدين يستلزم سلب الآخر فالضدان يؤولان الى النقيضين من هذا السلب مثلا ان الالم والراحة ضدّان ليسا بنقيضين ولما كان كل منهما يستلزم عدم الآخر يطلق اسم النقيضين عليهما أيضا كانه يقال الراحة وعدمها والالم وعدمه. واختلاف الجهتين انما هو باعتبار العقل للمفهومين او الماهيتين وأمّا في الوجود فتتّحد الجهات كلّها فان الظهور والبطون وجميع الصفات الوجوديّة المتقابلة مستهلكة في عين الوجود فلا مغايرة الّا في اعتبار العقل. والصفات السلبية مع كونها عائدة الى العدم مفهوما وذلك العدم هو سلب الامكان والنقص ، أيضا راجعة الى الوجود من وجه وذلك الوجه هو إما تأكد الوجود وتوحّده الصمدي ، واما انبساط الوجود الي العدم لأن الأعدام المتمايزة بعضها عن البعض تمايزها أيضا باعتبار وجوداتها في ذهن المعتبر لها أو باعتبار وجود ملكاتها لا أن لها ذوات متمايزة بذواتها. فكل من الجهات المتغائرة من حيث وجودها العقلي عين باقيها لأن الصفات الكمالية من الحياة والعلم والإرادة والقدرة وغيرها تدور مع الوجود حيثما دار ولا تنفك عنه تحقّقا بل هو عينها فكل واحدة منها عين باقيها بوجودها الأحديّ فافهم.

ثم نقول ولكون الضدين مجتمعين في عين الوجود يجتمعان أيضا في العقل اذ لو لا وجودهما فيه لما اجتمعا فيه وعدم اجتماعهما في الوجود الخارجي الذي هو نوع من انواع الوجود المطلق لا ينافي اجتماعهما في الوجود من حيث هو هو. فتدبّر.

فالوجود الحق المطلق اي المطلق عن الاطلاق والتقييد على ما ذهب إليه المحققون من اهل التوحيد حقيقة واحدة ذات شئون وشجون ولكل شأن حكم لا يتجافى عنه من حيث ان ذلك الحكم حكم ذلك الشأن وان كان كل رقيقة محاكية عن حقيقتها وكل حقيقة هي واجدة كمال رقائقها مع ما هي عليها من الزيادة فالوجود المطلق الحق منصبغ بتلك الأحكام في عزّ وحدته وغناه الذاتي والانصباغ في الحقيقة هو الاتّصاف الوجودي الأحدي ولذا قال بعض مشايخ التوحيد

بأن الله لا يعرف الا بجمعه بين الأضداد في الحكم عليها بها.

واعلم ان نهاية كمال كل صفة هي أن لا يتطرق إليها زوال وفتور بعروض مقابلها بل انتظم معه والتأم بحيث يزيد قوة وسلطانا وسعة وقد جاء في الآيات القرآنية والمأثورات الروائية اتصافه سبحانه بالاسماء والصفات المتقابلة كالاول والآخر ، والظاهر والباطن ، واللطيف والقهار ، والنافع والضار ، والقابض والباسط ، والخافض والرافع ، والهادي والمضل ، والمعزّ والمذلّ ونظائرها.

قوله : وان يتصور عدم جميع الأشياء الخ. ٦٨ / ٣

قد اتفقت النسخ كلّها على صورة العبارة في قوله : وعدم العدم بأن يتمثل في الذهن. ثم قوله هذا جواب عن الشبهة المشهورة وهي لزوم اجتماع النقيضين في قولنا المعدوم المطلق يمتنع الحكم عليه. بيان اللزوم أن موضوع هذه القضية وهو المعدوم المطلق قد حكم عليه بامتناع الحكم عليه فالمعدوم المطلق في القضية موصوف بصحّة الحكم عليه كما انه موصوف بنقيضها الذي هو عدم صحة الحكم عليه فلزم اجتماع النقيضين فأجاب بان المعدوم المطلق ثابت باعتبار وغير ثابت باعتبار فصحة الحكم عليه باعتبار انه ثابت متصوّر وامتناع الحكم عليه باعتبار أنه غير ثابت فلا تناقض.

وفي بعض النسخ يصح مكان لا يصح ولكنه لا يصح بلا كلام.

قوله : يمكنه ان يلحقه نفس العدم. ٦٨ / ٨

من الالحاق أي يمكن الذهن أن يلحق العدم نفس العدم فالعدم ونفس العدم منصوبان على المفعولية.

قوله : وهو لا يستدعي. ٦٨ / ١٦

اي الحكم بامتياز احد الشيئين عن الآخر لا يستدعي.

وقوله : ولو فرض له هويّة. ٦٨ / ١٧

الضمير المخفوض راجع الى قوله غير ثابت أي لو فرض لما ليس بثابت هوية.

قوله : وجب أن يكون مطابقا. ٦٩ / ١٤

اي وجب ان يكون الحكم مطابقا ، المستفاد من قوله : فاذا حكم الذهن ، وكذا قوله الآتي لم تجب مطابقته ، الضمير راجع الى الحكم. وسيصرح فيه بقوله : الحكم الصحيح في هذين القسمين لا يمكن ان يكون باعتبار مطابقته لما في الخارج.

وقوله : حتى يكون حكم الذهن حقا ، مطابق لنسخة (م) والنسخ الاخرى : حتى يكون حكم الذهن صحيحا.

وقوله وإلا لكان باطلا يؤيد الأول ، وقوله الحكم الصحيح في هذين القسمين الثاني.

قوله قدس‌سره : وقد كان في بعض اوقات استفادتي منه. ٧٠ / ١

اقول : قد صنفنا رسالة في نفس الأمر وقد اوجب تصنيفها كلامه هذا من سؤاله وجواب المحقق الطوسي اياه فلا بأس بالرجوع إليها في المقام لعلها تجديك مطالب حول ذلك الموضوع الشريف والله سبحانه ولي الأمر.

قوله : من وجه. ٧٠ / ١٩

اي يستدعي مناسبة ما بينهما ومغايرة ما بينهما فالمناسبة تفيد الحمل والمغايرة الافادة. ثم الحمل هو الاتحاد والاتحاد بين الموضوع والمحمول اما بتنزّل الموضوع الى مقام المحمول حتّى يتحدا ، أو بتصعّد المحمول الى مقام الموضوع. وبالجملة الحمل هو الاتحاد وهو يقتضي اثنينية ما ووحدة ما واتحاد الطرفين بحسب الذات والوجود ، وتغاير هما بحسب المفهوم اي المتغايران مفهوما متحدان ذاتا. وإن شئت قلت في تعريف الحمل إنّ الحمل المفيد هو أن المتغائرين مفهوما متحدان ذاتا ، او أنّ الحمل هو الحكم باتحاد المتغائرين مطلقا سواء كان بحسب المفهوم او بحسب الاعتبار.

قوله : والتغاير لا يستدعي الخ. ٧١ / ١٢

جواب شك يورد على الحمل الايجابي مطلقا ، تقريره كما في الشوارق أن الحمل محال والّا وجب التغاير ليفيد فاذا وجب وجب أن يكون أحدهما قائما بالآخر اذ مع التغاير لولاه لم يكن بينهما مناسبة بل كان كل منهما اجنبيّا عن الآخر فلولا القيام لم يكن حمل احدهما عليه اولى من حمل

الآخر عليه واذا وجب قيام احدهما بالآخر يجب أن لا يتصف به في نفسه والّا اجتمع المثلان فيلزم قيام الشيء بما ليس بمتّصف به وهو جمع للنقيضين.

وتقرير الجواب منع استدعاء الحمل القيام مطلقا لصحة قولنا كل إنسان ناطق مع عدم تصور القيام بين الكل والجزء ، والأجنبية انما تلزم لو لم يكن مع عدم القيام اتحاد بالذات ولو سلم فلا نسلّم استدعاء اعتبار عدم ما هو قائم في قيامه بالآخر بل الذي يستدعيه لئلّا يلزم اجتماع المثلين هو عدم اعتبار القائم واين هو من اعتبار عدمه ليلزم اجتماع النقيضين.

قوله : والموضع لا يستدعي مجرد القيام. ٧١ / ١٨

مطابق لما في (م) والنسخ الباقية : والموضوع لا يستدعيه مجرد القيام ، وفي بعضها بمجرد القيام.

قوله : فيجب أن تكون الماهية ثابتة الخ. ٧١ / ٢١

لأن ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له. وتفصّى الفخر الرازي عن هذا الايراد بتخصّص القاعدة الفرعيّة بالاستثناء ، والدواني بتبديل الفرعية بالاستلزام لانّ ثبوت الشيء أي المثبت له في الفرعية يجب أن يكون مقدما ، ولكنّه في الاستلزام يتحقق مع المقارنة أيضا فالاستلزام غير مستدع لتقدم ثبوت المثبت له على الثابت بخلاف الفرعية ، والسيد المدقق تفصّى بانكار ثبوت الوجود لا ذهنا ولا عينا ، والمحققون من اساطين الحكماء كالشيخ في التعليقات وصدر المتألهين في الأسفار بأن الوجود نفس ثبوت الماهية لا ثبوت شيء للماهية حتى يكون فرع ثبوت الماهية.

قوله : انا لا نريد بذلك الخ. ٧٢ / ١٠

والحاصل الفرق بين الحينية والمشروطة.

قوله : الحمل والوضع. ٧٢ / ١٣

أي كون الشيء محمولا وموضوعا.

قوله : واما الوجود في الكتابة ، ٧٣ / ١٠

كما في (ت ، ق) وفي غيرهما : اما الموجود في الكتابة.

قوله : لكن الوجودان. ٧٣ / ١٣

هكذا كانت العبارة في جميع النسخ المعتبرة ، فلفظة لكن مخففة ملغاة عن العمل.

قوله : إلّا كون أحدهما. ٧٤ / ١٣

وفي (ش) وحدها : إلّا أن أحدهما. والنسخ الاخرى كلها والثلاث الاولى منها هي أقدم النسخ وأصحّها : إلّا كون احدهما كان موجودا. والظاهر أن ما في (ش) تصرّف من غير ضرورة.

قوله : وردت على الوجود. ٧٥ / ١٥

اي وردت القسمة وذلك لأن مورد القسمة في كل تقسيم لا يقيّد بشيء من القيود ولا بعدمه بل يؤخذ مطلقا والّا لزم تقسيم الشيء الى نفسه والى غيره. وفى (م ق) : وردت على الموجود.

قوله : وذلك لأن القسمة. ٧٦ / ١٨

اشارة إلى دفع السؤال بهذا التحقيق.

قوله : غير كونه آلة. ٧٧ / ٤

خبر لقوله كون الشيء.

قوله : وحكم الذهن الخ. ٧٧ / ١٩

قد تقدم تحقيقه في بيان نفس الأمر في المسألة السابعة والثلاثين. وهذا الكلام جواب عن استدلال من يقول بان الامكان موجود في الخارج بأن حكم الذهن على الممكن بالامكان إن لم يكن مطابقا للخارج كان جهلا وكان الذهن قد حكم بالامكان على ما ليس بممكن ، وإن كان مطابقا للخارج كان الامكان موجودا فيه. والجواب أن الامكان امر عقلي وقد تقدم ان صحة الحكم بالامور العقلية باعتبار مطابقته لما في نفس الأمر وهو أعمّ ممّا في الخارج وممّا في العقل فقد يكون صحة الحكم بمطابقته لما في العقل والحكم بالامكان من هذا القبيل.

قوله : والحكم بحاجة الممكن ضروري. ٧٨ / ٣

قال قدس‌سره في شرحه على الفصل العاشر من النمط الخامس من الاشارات : الممكن يفتقر في ترجّح أحد طرفي وجوده وعدمه على الآخر الى علّة مرجّحة لذلك الطرف وهذا حكم أوّلي وان كان قد يمكن للعقل أن يذهل عنه ويفزع إلى ضروب من البيان كما يفزع الى التمثيل بكفّتي الميزان المتساويين اللتين لا يمكن أن تترجّح إحداهما على الاخرى من غير شيء آخر ينضاف إليها والى غير ذلك مما يجري مجراه ويذكر في هذا الموضع. انتهى. وقد تقدم أيضا في المسألة الثلاثين من هذا الكتاب ان الحكم باحتياج الممكن ضروري.

قوله : والمؤثرية اعتبار عقلي. ٧٨ / ١٠

اقول : القول الاقوم الأحكم في المقام أن الجعل انما يتعلق بالوجود من حيث التعين لا من حيث ذاته وحقيقته لأن الامكان انما يتعلق بالوجود من حيث التعيّن لا من حيث الحقيقة فالتحقيق الأتم ان الماهية كما انها ليست مجعولة بمعنى أن الجاعل لم يجعل الماهية ماهية كذلك الوجود ليس مجعولا بمعنى ان الجاعل لم يجعل الوجود وجودا بل الوجود وجود ازلا وابدا وموجود ازلا وابدا ، والماهية ماهية ازلا وابدا وغير موجودة ولا معدومة ازلا وابدا وإنما تأثير الفاعل في خصوصية الوجود وتعيّنه لا غير.

وبعبارة اخرى الممكن هو الوجود المتعيّن فامكانه من حيث تعيّنه ، ووجوبه من حيث حقيقته فوجود الممكنات عبارة عن تعين الوجود الحقيقي في مرتبة من مراتب ظهوره بسبب تلبسه باحكام الاعيان الثابتة وآثارها وتلك الاعيان هي حقائق الممكنات. والايجاد عبارة عن تجلّيه فانه في الماهيات الممكنة الغير المجعولة التي كانت مرايا لظهوره ، فافهم.

قوله : وان اردت به مقارنة المؤثر للاثر الذاتية فذلك مستحيل. ٧٩ / ١٤

باتفاق النسخ كلّها. فالذاتية صفة للموصوف المحذوف اي المقارنة الذاتية.

قوله : وبالجملة كل من قال بان الامكان الخ. ٨١ / ٩

جمهور العقلاء مالوا الى أن علّة احتياج الأثر الى مؤثره هي الامكان لا غير ، وقال آخرون انها

الحدوث لا غير ، وقال آخرون هما معا. والشارح اشار الى قول جمهور العقلاء بقوله وبالجملة كل من قال الخ.

واما الفرقتان الاخريان فذهبتا إلى أن الممكن حال بقائه مستغن عن المؤثر اذ لا حدوث حال البقاء فلا حاجة.

وشنع عليهما الشيخ في النمط الخامس من الاشارات حاكيا كلامهم بقوله : وقد يقولون انه اذا أوجد فقد زالت الحاجة إلى الفاعل حتى انه لو فقد الفاعل جاز أن يبقى المفعول موجودا كما يشاهدونه من فقدان البنّاء وقوام البناء وحتى أن كثيرا منهم لا يتحاشى ان يقول لو جاز على الباري تعالى العدم لما ضرّ عدمه وجود العالم لأن العالم عنده انما احتاج الى الباري تعالى في أن اوجده اي أخرجه من العدم الى الوجود حتى كان بذلك فاعلا فاذ قد فعل وحصل له الوجود عن العدم فكيف يخرج بعد ذلك الى الوجود عن العدم حتى يحتاج الى الفاعل ، وقالوا لو كان يفتقر الى الباري تعالى من حيث هو موجود لكان كل موجود مفتقرا الى موجود آخر والباري أيضا موجود وكذلك الي غير النهاية.

ثم أخذ الشيخ في الرد عليهم فراجع إليه. وقال في حقهم : فهؤلاء هؤلاء. يعني انهم علماء العوام وعوام العلماء. وقد تقدم الكلام في ذلك أيضا في المسألة التاسعة والعشرين.

قوله : والمؤثر يفيد البقاء بعد الاحداث. ٨١ / ١٢

سيأتي البحث عنه في المسألة الثالثة من الفصل الثالث من هذا المقصد.

قوله : يشتمل على غلط. ٨١ / ١٨

اي ان قولهم يشتمل على غلط.

قوله : لا في الذي كان باقيا. ٨١ / ٢١

جملة الأمر أن المؤثر جعله متصفا بالبقاء والممكن كما في اتصافه بالوجود محتاج الى المؤثر كذلك في البقاء وحاجته إليه في البقاء كحاجته إليه في الحدوث لأن الممكن في ذاته لم يقتض شيئا منهما لاستواء نسبة ذاته الى طرفي وجوده وعدمه في الحدوث وكذلك اتصافه به في الزمان الثاني وما بعده من الأزمنة في البقاء.

قوله : فلهذا جاز الخ. ٨٢ / ١

الموجب بالفتح المضطرّ.

قوله : لو أمكن.

اي لو امكن القديم الممكن وكلمة لو للامتناع نحو قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) او لو امكن مؤثر قديم موجب بالذات ولكن الوجه الأوّل أولى بل المتعين كما يقتضيه سياق البحث والكلام من أن كل ممكن حادث.

وانما لم يمكن القديم الممكن لأنّ الفاعل المختار على زعمهم هو الذي يفعل بواسطة القصد والاختيار ... ، الى آخر ما قاله الشارح. يعني ولما قلنا من أن الممكن الباقي مفتقر الى المؤثر لوجود علته والمؤثر يفيد البقاء بعد الاحداث جاز استناد القديم الممكن الى المؤثر لانه ممكن باق فيحتاج الى المؤثر في بقائه فقط لا في الحدوث لانه القديم الممكن فليس له حال حدوث كما للحادث الباقي المحتاج الى المؤثر في حدوثه وبقائه كليهما.

اقول الفلاسفة الطبيعيّة كانوا قائلين بأنّ واجب الوجود بالذات هو الاصول الازلية اي الأجزاء التي لا تتجزّى الموسومة بالأتم وهي مادة هذه المحسوسات وعنصرها اي ان هذه المحسوسات معلولة كائنة منها. والى تلك الاصول اشار برهان الموحدين امير المؤمنين عليه‌السلام في الخطبة الواحدة والستين والمائة من نهج البلاغة بقوله : لم يخلق الأشياء من اصول ازلية ولا من أوائل ابدية بل خلق ما خلق فأقام حدّه وصوّر ما صوّر فأحسن صورته الخ. وفي المقام مذاهب اخرى نقلها الشيخ الرئيس في الفصل الثاني عشر من النمط الخامس من الاشارات والماتن المحقق الطوسي في شرحه عليه من القائلين بالمبادي الاسطقسية وغيرها.

وهؤلاء قائلون بأن المادة او الاسطقس علة موجبة اي مضطرة تكوّن هذه المحسوسات منها بلا إرادة واختيار. وبيان الايجاب هو على النحو الذي نقله عنهم الشيخ الرئيس في الفصل الثالث عشر من المقالة الاولى من طبيعيات الشفاء (ص ٢٦ ج ١ ط ١) حيث قال : انهم يرون أن مبادي الكل هي اجرام صغار لا تتجزى لصلابتها ولعدمها الخلاء وانها غير متناهية بالعدد ومبثوثة في خلاء غير متناهي القدر وان جوهرها في طباعها متشاكل وبأشكالها مختلف وانها دائمة الحركة في الخلاء فيتفق أن يتصادم منها جملة فيجتمع على هيئة فيكوّن منه عالم وأن في الوجود عوالم مثل هذا العالم غير

متناهية بالعدد مترتبة في خلاء غير متناه ومع ذلك فيرى أن الامور الجزئية من الحيوانات والنباتات كائنة لا بحسب الاتفاق.

وفرقة أخرى لم تقدم على أن يجعل العالم بكليّته كائنا بالاتفاق ولكنّها جعلت الكائنات متكونة عن المبادي الاسطقسية بالاتفاق فما اتفق أن كان هيئة اجتماعه على نمط يصلح للبقاء والنسل بقي ونسل ، وما اتفق أن لم يكن كذلك لم ينسل. وانه قد كان في ابتداء النشور بما يتولّد حيوانات مختلطة الأعضاء من انواع مختلفة وكأن يكون حيوان نصفه أيّل ونصفه عنز ، وان اعضاء الحيوان ليست هي على ما هي عليه من المقادير والخلق والكيفيات لأغراض بل اتفقت كذلك مثلا قالوا ليست الثنايا حادة لتقطع ولا الأضراس عريضة لتطحن بل اتفق أن كانت المادة تجتمع على هذه الصورة واتفق أن كانت هذه الصورة نافعة في مصالح البقاء فاستفاد الشخص بذلك بقاء. وربما اتفق له من آلات النسل نسلا لا ليستحفظ به النوع بل اتفاقيا. انتهى ما اردنا من نقل ما في الشفاء.

بيان : قوله ولعدم الخلاء ، اي ليس لها خلاء وتجويف. قوله في طباعها متشاكل ، اي من نوع واحد. قوله كائنة لا بحسب الاتفاق ، اي كائنة بحسب الطبيعة. قوله نصفه ايّل ونصفه عنز ، ايّل بالفتح والتشديد على وزن الميّت وفي الصحاح الايل الذكر من الاوعال وهو الذي يسميه بالفارسية گوزن. وعنز بالفتح والسكون يقال بالفارسية بز كوهى. فلنرجع إلى ما كنّا فيه :

والغرض أن هؤلاء واترابهم من الفرق الطبيعية قائلون بالإيجاب والاضطرار لأن تلك المبادي لا حياة لها ولا شعور وعلم واراده واتفق أن تكوّن منها هذه المحسوسات ، واما الفيلسوف الالهي فقائل بالمبدإ الحي العالم القادر المريد السميع البصير المختار في جميع افعاله وهو دائم الفضل على البرية وحاشاهم عن التفوه بالايجاب والاضطرار وعدم الاختيار في المبدأ سبحانه وتعالى.

ثم ان هذين العلمين ، يقولان ذلك ولا يمكن استناد القديم الممكن الى المختار ، وهذا يفسره ويعلّله بقوله لان المختار هو الذي يفعل بواسطة القصد والاختيار والقصد انما يتوجه في التحصيل الى شيء معدوم لأن القصد الى تحصيل الحاصل محال وكل معدوم يجدد فهو حادث. وتفوّها بحدوث العالم بدليل كونه مختارا وبأن القول بقدمه يوجب أن يكون موجبا مضطرّا. والمحقق الطوسي في رسالته الموسومة بتذكرة آغاز وانجام قد افاد في التوحيد الصمدي الذي هو الأول والآخر والظاهر والباطن الفياض على الاطلاق ازلا وابدا على ما يراه الموحدون الشامحون في معارف الحكمة المتعالية حقائق دالّة على توغّله في توحّد الوجود الحق الصمدي الازلي في ذاته وجميع صفاته وأفعاله وقد بيّنا

واوضحنا كلماته الشريفة في تعليقاتنا على آغاز وانجام على التفصيل والاستيفاء معاضدة بمنطق الوحي فراجع إليها.

وكان بعض مشايخنا يقول كان المحقق الطوسي في التجريد جالسا على كرسي الكلام فتكلّم على دأبهم وهديهم.

ثم قد يأتي كلامه في الايجاب أيضا في المسألة الأولى من الفصل الأوّل من المقصد الثالث في صفاته تعالى حيث يقول : وجود العالم بعد عدمه ينفي الايجاب.

قوله : ولا قديم سوى الله تعالى. ٨٢ / ٩

قدمه سبحانه يساوق قدم فيضه.

وقوله : اما الفلاسفة فظاهر. ٨٢ / ١٠

فقد دريت حق القول وتحقيقه في ذلك. والايجاد وان كان بحسب كل يوم في شأن وتجلّيه على الدوام بالاسمين الشريفين القابض والباسط وسائر اسمائه الحسنى متجددا آنا فآنا بتجليّات غير متناهية خلقيّة ولكن الوجود الحق قديم واجب بذاته حي عليم ازلي ابدي متصف بجميع الصفات الكمالية بوجوده الأحدي. فالوجود غير مجعول مطلقا كما انه غير قابل للعدم مطلقا لاستحالة انفكاك الشيء عن نفسه وانقلابه الى غيره. والآراء الاخرى كلّها قابلة لمحمل صحيح بحيث لا تنافي ذلك التوحيد الصمدي بمعناه الارفع الاشمخ.

وقوله : كل هذه المذاهب باطلة. ٨٢ / ٢٠

ينبغي التأمل فيه. والقول بالحال والثبوت فقد علمت تحقيق الحق في ذلك. والكتب المدونة في الملل والنحل كالفصل لابن حزم الاندلسى ، والملل والنحل لمحمّد الشهرستاني وغيرهما في المذاهب والآراء والفرق اكثرها مما استفادوها من ظواهر بعض عبارتهم واخترعوا منها مذهبا أو رأيا واسندوهما إلى قائليها ولا يرتضي غالبا صاحب القول بهما حيث انه لم يعن ما استفيد من كلامه ولم يصل مؤلف الملل والنحل الى مغزى كلامه ولبّ مراده ولنا على ما قلنا شواهد عديدة كثيرة نقل شرذمة منها ينجرّ الى الاسهاب ويوجب تأليف كتاب عجاب. وينبغي لنا تصنيف مصنّف في الجمع بين الآراء كما صنّفه الفارابي في الجمع بين الرأيين ، لعل الله يحدث بعد ذلك امرا. وبالجملة ان اهل التحقيق في التوحيد أعني المتألهين في التوحيد قائلون بان الحق سبحانه

ليس له سوى فضلا عن أن يكون قديما او حادثا بل ليس الوجود إلا لحق وآياته.

قوله : واما المسلمون ، ٨٢ / ١١

كما في النسخ الاربع الاولى. وفي بعض النسخ : وأما المتكلمون.

قوله : بحالة خامسة ، ٨٢ / ١٣

متعلق بفعل علل.

قوله : هما الباري تعالى والنفس. ٨٢ / ١٤

اي النفس التي هي مبدأ الحياة من النفس الانسانية والفلكية.

قوله : واما الزمان ، ٨٢ / ١٨

أي الدهر.

قوله : ولا يفتقر الحادث الى المدّة والمادّة. ٨٣ / ٣

المادة ما يكون موضوعا للحادث ان كان الحادث عرضا ، او هيولاه ان كان الحادث صورة ، او كان متعلقه ان كان الحادث نفسا ، وبالجملة أن الحادث محتاج الى محل سابق. وقوله لأن كل حادث ممكن ، دليل لمسبوقيته بمادة. وقوله ولان كل حادث يسبقه ، دليل لمسبوقيته بمدّة. وقوله : هذا النوع من التقدم ، منصوب مفعول مطلق نوعي ليتقدم. وقوله : لفظ مشترك بين معنيين ، كما بيّن في المسألة الثانية والثلاثين حيث قال : والاستعدادي قابل للشدّة والضعف الخ.

واعلم أن الحادث ينقسم الى الحادث الذاتي ، والى الحادث الزماني والثاني يحتاج الى المادة والمدّة دون الأوّل لأن العقول عند الالهيين من الفلاسفة حادثة بالحدوث الذاتي كغيرها من الحادثات الزمانية ولكنها غير متصفة بالحدوث الزماني فكل ما حادث بالزماني حادث بالذاتي أيضا ولا عكس كليا والحدوث الذاتي يصدق على القديم الممكن الغير المفتقر الى المدّة والمادة ، والمفتقر إليهما مسبوق بالامكان الاستعدادي. والتسلسل التعاقبي في المقام غير ضار لدوام الفيض وقدمه. والتحقيق موكول الى البحث عن حق التوحيد الذي هو توحيد الوجود الحق الصمدي ذي المعارج.

قوله : وان كان العدم لا يسمى قديما. ٨٤ / ٤

قد يوصف العدم بالقدم والحدوث فيقال العدم الغير المسبوق بالوجود قديم والمسبوق حادث.

قوله : في الماهية ولواحقها. ٨٥ / ٢

قال المصنف في شرح الفصل الخامس من سابع الاشارات في اشتقاق لفظ الماهية ومعناها : ان ماهية الشيء هي ما يحصل في العقل من ذلك الشيء نفسه دون عوارضه الخارجة ولذلك اشتقت لفظة الماهية من لفظ ما هو ، فان الجواب عنها يكون بها. انتهى.

يعني ان الجواب عن لفظة ما هو يكون بالماهية. وقوله : لواحقها ، يعني بها عوارضها من الوحدة والكثرة والكلية والجزئية والوجود والعدم وغيرها.

قوله : وهو ما به يجاب ، ٨٥ / ٣

اي الماهية وتذكير الضمير باعتبار الخبر كقوله تعالى (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي)

قوله : والذات والحقيقة عليها. ٨٥ / ٤

أي تطلق الذات والحقيقة على الماهية مع اعتبار الوجود الخارجى ، فلا يقال مثلا ذات العنقاء وحقيقتها بل يقال ماهية العنقاء. وقد يستعمل هذه الالفاظ الثلاثة اي الماهية والذات والحقيقة بلا اعتبار فرق بينها وقوله (س ١٣) : واحدة مغايرة ، باتفاق م ص ق ز د.

قوله : ولا نقول الانسان من حيث هو انسان ليس الفا. ٨٦ / ١٤

بل الانسان ليس هو من حيث هو انسان بالف ولا غير الف لان الماهيّة من حيث هي هي ليست إلا هي ، وقضية الانسان من حيث هو انسان ليس الفا في حكم الايجاب العدولي ومعناه الانسان من حيث هو لا الف ، أي هو شيء وذلك الشيء هو لا الف ، وهذا ليس بصحيح لأنه ليس إلّا نفسه والألف واللاالف مغايران له وهو كما أنه ليس بالف. ليس بلا الف وعبارة المقام مطابقة للنسخ كلّها.

قوله : وهو الماهية. ٨٦ / ٢٠

باطباق النسخ كلّها : وهو الماهية ، بتذكير الضمير ، وكذلك في الشرح.

قوله : المسألة الثالثة. ٨٨ / ٤

عبارات المتن والشرح موافقة للنسخ كلّها.

قوله : بما مضى. ٨٨ / ١٤

من البسيط والمركب الحقيقين المستفادين من قوله قدس سرّه والماهية : منها بسيط وهو ما لا جزء له ومنها مركب وهو ما له جزء.

واعلم ان البسيط يطلق بالاشتراك اللفظي على عدة معان : فيقال انه سبحانه بسيط كما انه دائر في ألسنة الحكماء أنّ بسيط الحقيقة كل الاشياء. أي انه تعالى صمد لا جوف له. وكثيرا ما يعبرون عن هذا المعني بانه تعالى غير متناه كما يعبرون عنه بوحدة الوجود أيضا. فالكلمات الاربع اعني قولهم بسيط الحقيقة كل الأشياء ، والصمد ، وغير المتناهي ووحدة الوجود ، معناها واحد. وعلى هذا المعنى من البساطة قال صاحب المنظومة في الحكمة غرر في بساطته تعالى (ص ١٥٠).

ويقال للمفارقات النورية عقول بسيطة واطلاق البسيط عليها باعتبار كليتها أي سعة وجودها أيضا. قال الشيخ في الفصل الرابع من المقالة الخامسة من نفس الشفاء : ان الأشياء المركبة والاشياء البسيطة التي هي قائمة في المركب يجوز أن يجتمع فيها فعل أن يبقى وقوة ان يفسد ، وفي الأشياء البسيطة المفارقة الذات لا يجوز أن يجتمع هذان الأمران (ص ٣٥٥ ج ١ ط ١).

ويطلق البسيط على الملكة العلمية أيضا فيقال ان حقيقة كل شيء مندمج في بسيطه كاندماج العلوم التفصيلية في الملكة البسيطة. وتلك الملكة البسيطة يقال لها القوة العقلية المطلقة والعلم البسيط أيضا فراجع الى الفصل السادس من خامسة نفس الشفاء (ص ٣٥٩) واطلق في ذلك الفصل العقل البسيط على الملكة أيضا ، وعلى منواله قال المتأله السبزواري في تعليقة على آخر الفصل السابع من الطرف الأول من المرحلة العاشرة من الأسفار : سواء كان فياض العقول التفصيلية هو العقل البسيط الذي هو الملكة أو باطن ذات النفس أو العقل الفعّال (ج ٣ ص ٣٢١ ط ٢). ويعبّر عن هذا العلم البسيط بالعقل البسيط الاجمالي ، فراجع الى الموضع المذكور اخيرا من

الشفاء والى الأسفار (ص ٢٩٣ ج ١ ط ١) حيث يقول : اثبات هذا العقل البسيط لا يمكن إلّا بالقول باتحاد العاقل بالمعقولات.

ويطلق خصوصا على المعلول الأوّل أي العقل الأوّل البسيط. وهذا الوجه مندرج في الاطلاق السابق.

ويطلق البسيط على العناصر الأوّلية للمركبات الطبيعية كثيرا.

ويطلق على السطح أيضا كما قال الشيخ في الفصل الثامن والعشرين من النمط الأوّل من الاشارات : الجسم ينتهي ببسيطه وهو قطعه ، والبسيط ينتهى بخطّه وهو قطعه الخ.

ويطلق على عضو الحيوان بالنسبة الي بدنه المركب من الاعضاء وان كان كل عضو منه مركب من البسائط كما في المباحث المشرقية للفخر الرازي (ج ٢ ص ٢٣٢ ط حيدرآباد) وفي الأسفار (ج ٤ ط ١ ص ٩) من ان مزاج العضو البسيط مشابه لمزاج جزئه.

ويطلق على العرض المقابل للجوهر أيضا كالسطح والنقطة وغير هما من البسائط العرضية فما قدمنا من اطلاقه على السطح داخل في هذا الوجه أيضا.

ويقال في الفن الرياضي للعدد الأول البسيط أيضا في قبال العدد المركب ففي صدر المقالة السابعة من اصول اقليدس بتحرير المحقق الطوسي العدد الأوّل هو الذي لا يعدّه غير الواحد ، والمركب هو الذي يعده آخر.

ويطلق كثيرا في زبر المتقدمين على النفوس الناطقة الانسانية ففي آخر الفصل الرابع من المقالة التاسعة من إلهيات الشفاء حيث قال : وممّا لا نشكّ فيه ان هاهنا عقولا بسيطة مفارقة تحدث مع حدوث ابدان الناس ولا تفسد بل تبقى الخ (ج ٢ ط ١ ص ٢٦٩). وكذلك يطلق في العلوم الأدبية وغيرها على الحروف والكلمات وغيرهما.

قوله : لا انه لا جزء له هو المركب المخصوص ، ٨٨ / ٢١

كما في (ش). والضمير في انه وفي له راجع الى البسيط ، وضمير هو راجع الى ذلك المركب وقد روى العبارة على وجوه ففى (م) : من ذلك المركب لانه ـ وله خ ـ لا جزء له هو المركب المخصوص. وفي (ص ز ق د) : من ذلك المركب وانه لا جزء له وهو المركب المخصوص. وفي اخرى : من ذلك المركب وان كان له جزء آخر كما للمركب المخصوص. والاخير أوضح الوجوه معنى ، والأول أمتنها لفظا ومعنى فقد اخترناه. وفي غيره يحتمل التحريف والتصحيح القياسي ، على أن غير الطرفين لا يخلو عن

تكلف ثخين.

قوله : الأوّل أعني ، ٨٩ / ٣

بيان لقول المصنف بما مضى.

قوله : فقد تعاكسا. ٨٩ / ٧

اي صارت النسبة بين البسيط الاضافي والبسيط الحقيقي على عكس النسبة بين المركب الاضافي والمركب الحقيقي لأن البسيط الاضافي أعم مطلقا من البسيط الحقيقي ، والمركب الاضافي اخصّ مطلقا من المركب الحقيقي فلا يخفى ان هذه النسبة عكس النسبة بين البسيطين اما الأول فلأنّ كل ما لا جزء له يصدق عليه انه جزء لما تركب منه ومن غيره وليس كلّ ما هو جزء لغيره يصدق عليه انه لا جزء له لجواز أن يكون جزء شيء ذا أجزاء ، واما الثاني فلأنّ كل مركب اضافي مركب حقيقي وليس كل مركب حقيقي مركبا اضافيا لجواز أن لا يعتبر اضافته الى جزء.

قوله : وكما تتحقق الحاجة الخ. ٨٩ / ٩

قال الشارح القوشجي : اختلفوا في أن الماهيات الممكنة هل هي مجعولة بجعل جاعل أم لا على اقوال ثلاثة : الأوّل ما اختاره المصنف وهو انها كلها مجعولة بجعل الجاعل سواء كانت مركبة أو بسيطة ، الثاني انها غير مجعولة مطلقا مركبة كانت او بسيطة ، الثالث ان المركبة مجعولة بخلاف البسيط. انتهى.

اقول : المستفاد من كلامه في النمط الرابع من الاشارات ومن كلماته الأخرى وممّا مضى منه في الكتاب ، عدم اعتقاده في مجعولية الماهيات برأسها اصالة ومراده من تحقق الحاجة في المركب والبسيط باعتبار صيرورتها موجودة بتبعية الوجود بضرب من الاعتبار الذهني في تغايرهما. ومن ذهب الى انها غير مجعولة مطلقا ناظر الى جعلها بالأصالة فالقولان واحد. والقول الثالث ناظر الى ان البسائط كالأعراض مجعولة بجعل الماهيات الموجودة في الخارج فهي موجودة بالتبع أيضا فان جعل زيد في الخارج هو جعله متكمما بكم كذا ومتلونا بلون كذا وهكذا لا أن الجعل مرة يتعلق بالماهيات واخرى باعراضها فالاقوال ناظرة الى أمر فارد ولا تنازع بينها.

واعلم انه يصدق قولنا الماهية ليست بموجودة ولا يصدق قولنا الوجود ليس بموجود ، وذلك لأن

الوجود ليس بمجعول بل هو الحق المتحقق في عظموت جلاله وجبروت كبريائه والماهيات اوعية تحققها هي الأذهان لا غير وانما ينتزع وتعتبر من حدود اطواره وشئونه وآياته وتلك الحدود تعتبر بما يلينا لا بما يليه لأنها بما يليه لا حدّ لها لقيامها بها كامواج البحر مثلا تعتبر حدودها بما يلينا لا بما يلي البحر لانها لا حدود لها من تلك الجهة فافهم.

والفيلسوف الالهي يبحث عن اجزاء الجسم فيجده مؤلفا من الهيولى والصورة فينتقل من ازدواجهما الى اصل مفارق يقيم أحدهما بالآخر فيثبت من هذا الطريق خالقا مدبرا قيوما قائما على الأجسام ، او يجده مؤلفا من اجزاء صغار صلبة لا تتجزّى فينتقل من تأليفها الى جامع لها مدبر فيها تدبيرا اراديا فيثبت بهذا الطريق موجودا واجبا بذاته خالقا مريدا متصفا بجميع الكمالات الغير المتناهية او يبحث عن الممكن بانه زوج تركيب من الوجود والماهية فينتقل من ازدواجهما الى جاعل الماهية موجودة وهو الله سبحانه. والعارف ينظر بنور برهان الصديقين على وجهه الاتم انه سبحانه هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن فيحتاج في اثبات العالم الي دليل فالماهيات في منظره الأعلى كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتّى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفّاه حسابه.

قوله : وهما قد يقومان بانفسهما الخ. ٨٩ / ١٧

انت بما قدّمنا من معاني البسيط تدري ان بعض البسائط كالجوهر قائم بنفسه ، وبعضه كالكيف مفتقر الى المحل ، ثم ان الحيوان والسواد في الشرح مثالان للمركب اما الحيوان فظاهر وامّا السواد فباعتبار أن اللون جنس له وقابض نور البصر فصل له. وقوله لا بدوان يكون أحد أجزائه قائما بنفسه كالناطق في الحيوان.

قوله : وهو علة الغنى عن السبب ، ٩٠ / ١

اي تقدم الأجزاء على الماهية المركبة فالضمير راجع الى المصدر المستفاد من قوله عما يتقدم.

قوله : فقد ظهر أن جزء الحقيقة ، ٩٠ / ٩

قد مضى في المسألة الاولى من هذا الفصل ان الذات والحقيقة تطلقان على الماهية مع اعتبار الوجود الخارجي.

وقوله : ونقول هذا التقدم ، ٩٠ / ١٢

بيان لمرجع الضمير في قول المصنّف وهو علة الغناء المستفاد من قوله عما يتقدم كما تقدم.

وقوله : عن السبب الجديد ، ٩٠ / ١٣

لا عن السبب مطلقا فان السبب الاول الذي للكل سبب له أيضا فقوله : ولسنا نقول الخ جملة بيانية.

وقوله : فان فاعل الجزء هو فاعل الكل ، ٩٠ / ١٣

الظاهر انه لو قال فان فاعل الكل هو فاعل الجزء لكان انسب.

وقوله : الموصوف بالتقدم ، ٩٠ / ١٧

وهو هو لا يكون إلّا جزء لأن غير الجزء لا يتصف بالتقدم على الكل فهو ذاتي لا غير.

وقوله : وهي الحصول المطلق ، ٩٠ / ١٨

اعم من أن يكون جزء أم لا بأن يكون عرضا لازما فلا يلزم من أن يكون ذاتيا لا غير وان امتنع رفع هذا اللازم في الذهن فانه لا يلزم أن يكون كل ما امتنع رفعه في الذهن ذاتيا مقوما كما ذهب إليه قوم من المنطقيين والشيخ ردّهم في منطق الاشارات في ضمن قوله اشارة الى العرضي اللازم (ص ١٩ ط ١).

فانما كان هذه الخاصة اعم من الخاصة الاولى لان كل ما هو متقدم على الكل مستغن عن سبب جديد ، وليس كل ما هو مستغن عن سبب جديد فهو متقدم.

وقوله : اعم منه ، ٩٠ / ٢٢

اي من الأول وهو وجوب تقدمه الخ ، لمشاركة بعض اللوازم له اي للاوّل في ذلك اي في كل واحد من الاستغناء وامتناع الرفع.

قوله : ولا بد من حاجة ما الخ. ٩١ / ٣

اي لا بدّ في المركب من حاجة ما.

قوله : فلا بد لكل مركب ، ٩١ / ٧

كما في (م) والباقية في كل مركب.

قوله : كالمادة المحتاجة الخ. ٩١ / ١٣

كما قيل بالفارسية :

هيولى در بقاء محتاج صورت

تشخص كرد صورت را گرفتار.

قوله : اجزاء الماهية الخ. ٩١ / ١٦

بيان لمرجع الضمير وهو هي.

قوله : والثاني باطل الخ. ٩٢ / ١

وهو أولا مقابل المحسوس في قوله : اما ان يكون كل واحد منهما محسوسا أو لا.

وقوله : فيكون التركيب في قابل السواد او فاعله ، ٩٢ / ٣

قد مضى نظير ذلك الاحتجاج في الوجود في المسألة الاولى من الكتاب. وفي (م) : في قابل السواد وفاعله ، وأما النسخ الاخرى فكما اخترناه.

قوله : ومضائفه ، ٩٢ / ٥

على صيغة اسم الفاعل.

وقوله للأجزاء. ٩٢ / ٦

صلة للعروض ولم يأت به المصنف لدلالة العروض والمقام عليها.

وقوله : اعتبرنا عروضهما ، ٩٢ / ٧

واعتبرنا عدم عروضهما لها أيضا ليتحقق التباين والضمير راجع الى العموم والخصوص المعبر

بالمضايف في المتن.

وقوله : اعم من البعض ، ٩٢ / ٨

اعم مطلقا أو من وجه.

وقوله : فتسمى المتباينة ، ٩٢ / ٨

وأما المتساوية فهي خارجة عن هذه القسمة لأن تركب الماهية الحقيقية من أمرين متساويين ممتنع عند المصنّف لما يأتي من قوله ـ قدس‌سره ـ وما لا جنس له فلا فصل له.

وقوله : او صفة له ، ٩٢ / ١٠

اي للخاص.

وقوله : وقد يكون مضافا ، ٩٢ / ١١

عطف على قد يكون أي وقد يكون العام عاما مضافا.

وقوله : وبعضها عدمي كالاول ، ٩٢ / ١٢

يعني كالعدد الاوّل. والعدد الاوّل مقابل العدد المركب. والاول كالخمسة والسبعة ، والمركب كالستة والثمانية كما في صدر سابعة الاصول العدد الاول هو الذي لا يعدّه غير الواحد ، والمركب هو الذي يعدّه آخر.

قوله : كما تقدم تحقيقه ، ٩٢ / ٢٢

تقدم في المسألة الثانية من هذا الفصل.

وقوله : وجعلاهما واحد ، ٩٣ / ٨

وسيأتي أيضا البحث عنه في آخر هذا الفصل حيث يقول وجعل الجنس والفصل واحد.

قوله : وهو علة. ٩٣ / ١٥

الجنس من المعقولات الثانية والطبيعة الجنسية امر مبهم في العقل بمعنى انه مأخوذ لا بشرط

متردد بين اشياء كثيرة ، هي عين كل واحدة منها في الخارج بمعنى انها جزء حقيقتها غير منطبقة على تمام حقيقة واحدة منها فاذا انضم إليها الفصل زال عنها الابهام والتردد وتعيّنت وهي مع انضمامه منطبقة على تمام حقيقتها فيحصل النوع. فالفصل علة لصفة الجنس في الذهن وهي التعين أي زوال الابهام والتردد فيه لا انه علة لوجود الجنس في الذهن او في الخارج وإلا لوجب أن لا يعقل الجنس إلا مع علته وهو فصل ما على الأول ، ووجب أن تغايرا في الوجود ويمتنع الحمل بالمواطاة على الثاني. والى هذا التحقيق يشير القطب في شرح المطالع (ص ٩٢ ط ١) حيث قال بعد نقل كلام الشيخ من أن الفصل علة لحصة النوع ، بهذه العبارة : ليس مراده ان الفصل علة لوجود الجنس وإلا لكان اما علة له في الخارج فيتقدم عليه في الوجود وهو محال لاتحاد هما في الجعل والوجود ، وإمّا علة له في الذهن وهو أيضا محال وإلا لم يعقل الجنس دون فصل بل المراد ان الصورة الجنسية مبهمة في العقل يصلح أن يكون اشياء كثيرة هي عين كل واحد منها في الوجود غير محصلة في نفسها لا يطابق تمام ماهياتها المحصّلة وإذا انضاف إليها الصورة الفصلية عيّنها وحصّلها أي جعلها مطابقة للماهية التامّة فهي علة لرفع الابهام والتحصيل.

وقوله : اشبه بالمادة من الفصل ، ٩٣ / ١٦

بيان لتخلل الكاف في قوله والجنس هاهنا كالمادة يعني كما أن الهيولى لا تحصّل لها في الخارج إلّا بالصورة كذلك الجنس لا تحصل لها في الخارج إلّا بالفصل. وانما يكونا كالمادة والصورة لانهما اجزاء خارجية للجسم وهما امور ذهنية من المعقولات الثانية والعبارة نقلت في (م ق د) هكذا : والجنس هاهنا كالمادة. وفي (ص) : والجنس هنا كالمادة.

وقوله : لأنّ الشيخ أبا علي ادعى. ٩٣ / ١٩

قال الشيخ في منطق الاشارات (ص ٢٩ ط ١) : وكل فصل فانه بالقياس الى النوع الذي هو فصله مقوم ، وبالقياس الى جنس ذلك النوع مقسّم.

وقال المحقق الماتن في شرحه عليه : يريد أن الفصل الذي يتحصّل به الجنس نوعا انما يكون له اعتباران احدهما بقياسه الى الجنس المتحصّل به ، والثاني بقياسه الى النوع المتحصّل منه. والاول هو التقسيم فان الناطق يقسّم الحيوان الى الإنسان وغيره. والثاني هو التقويم فانه يقوم الانسان لكونه ذاتيا له. واما قولهم الفصل مقوّم لحصّة من الجنس فذلك التقويم غير ما نحن فيه فانه بمعنى كونه سببا لوجود الحصّة لا بمعنى كونه جزء منه.

وقال القطب في تعليقته عليه على منوال كلامه توضيحا : وللفصل ثلاث نسب : نسبة الى الجنس بالتقسيم ، ونسبة الى النوع بالتقويم ، ونسبة الى الحصّة بالتقويم أيضا لكن بمعنى آخر فانه مقوم للنوع بمعنى انه مقوم لماهيته ذاتي له ، ومقوم للحصّة لا بمعنى انه مقوم لماهيته بل بمعنى انه مقوم لوجوده فانه إذا قارن الجنس تحصّص فهو علة لوجود الجنس لا مطلقا بل للقدر الذي هو حصة النوع.

قوله : كالجنس العالي الخ. ٩٤ / ٧

اي ذلك الشيء هو كالجنس العالي وكالفصل الاخير لانهما لو كانا مركبين من الجنس والفصل يلزم المحال الذي يذكره الشارح بعيد هذا في ضمن قول المصنف ويجب تناهيهما فكل من الجنس العالي والفصل الأخير مثال للشيء لا للأمرين المتساويين بان يكون ذانك الأمران المتساويان هما الجنس العالي والفصل الأخير لوضوح بطلان هذا الكلام فلا تغفل.

ثم قوله : ولو جعل كل منهما ـ الى آخره ـ موافق لنسختى (ش د) ووجهه ظاهر. وفي (م) : لزم التسلسل ولم يكن جعل كل واحد منهما فصلا للمركب ، ولم يكن المركب فصلا لكل منهما لتساوى نسبته ونسبتهما الى الوجود ، وهي اقدم النسخ واصحّها غالبا. ومعنى العبارة ظاهر. وهي في النسخ مضطربة اشد من اضطراب المضطربة. وهي في (ش د) هكذا : لزم التسلسل ولو جعل كل منهما فصلا للمركّب ولم يكن المركب فصلا لكل منهما لزم الترجيح من غير مرجح لتساوى نسبته ونسبتهما إلى الوجود.

والظاهر أن هذا تحرير آخر من غير الشارح العلّامة. وفي (ز) : لزم التسلسل ولم يجعل كل منهما فصلا للمركب ولم يكن المركب فصلا لكل منهما لتساوى نسبته ونسبتهما الى الوجود. وفي (ق) : لزم التسلسل ولم جعل كل منهما ـ ثمّ إلى آخر مثل ما في (ز) ـ ونسخة (د) كانت نحو ما في (ز) ثم صحح مثل ما في (ش).

قوله : والأول يلزم منه كونه الخ. ٩٥ / ٨

اي ما يكون مساويا له يلزم منه أن يكون فصلا للجنس. وسيأتي زيادة بيان وتوضيح في كون المساوي فصلا في قوله بعيد هذا وإذا نسبا الى ما يضافان إليه الخ.

قوله : فانه لو لا تناهى الأجناس الخ. ٩٥ / ١٤

على انه لزم من ذلك تركب الماهية من أجزاء غير متناهية فلزم منه عدم تحصّل الاشخاص

أيضا وقد جمعهما الشارح في الجوهر النضيد بقوله : وانما وجب انتهاء الاجناس في التصاعد لانه لو لا ذلك لزم تركب الماهية من أجزاء غير متناهية ويلزم وجود علل ومعلولات لا يتناهى وهو محال (ص ١٤ ط ١).

قوله : ومن الجنس ما هو مفرد ، ٩٦ / ٧

كما في (م) وحدها. والنسخ الاخرى كلها : وفي الجنس ما هو مفرد. والشرح يناسب الأول حيث قال : من اقسام الجنس المفرد. وباقى المتن كان باتفاق النسخ كلها.

قوله : وان يكون صدقه ، ٧٣ / ١٠

اي صدق العقل على افراده صدق الجنس على انواعه لا صدق النوع على افراده حتى يصير الجوهر جنسا للعقل.

قوله : بل قد تجتمع الخمس الخ. ٩٦ / ١٦

قال الشيخ في منطق الاشارات : وقد يكون الشيء بالقياس الى كلي خاصّة ، وبالقياس الى ما هو اخصّ منه عرضا عاما فان المشي والأكل من خواص الحيوان ومن الأعراض العامة بالقياس الى الإنسان. وقال الماتن المحقق الطوسي في شرحه عليه : كل واحد من الخمسة انما يكون واحدا منها بالقياس الى شيء فان الجنس جنس لشيء. والنوع نوع لشيء ولا يمتنع أن يكون ما هو جنس لشيء نوعا لغيره وكذلك البواقي. وقد يتمثل في هذا الموضع باللون فيقال انه جنس للاسود ، وفصل للكيف ، ونوع للمتكيف بوجه ، ولهذا الملون بوجه ، وخاصّة للجسم ، وعرض عام للحيوان ، وليس هذا المثال صحيحا في بعض الصور ولكن لا يناقش في الامثلة.

قوله : والّا لم يكن فصلا. ٩٦ / ٢٠

لأن الجنس حينئذ يصير مقوما للفصل اي يكون جزء لماهيته. وأيضا لزم اعتبار جزء واحد في الماهية مرتين وانه باطل قطعا.

قوله : والتشخص من الامور الاعتبارية. ٩٧ / ٩

اي من الاعتباريات التي لها نفسية وواقعية ، لا كالاعتباريات التي لا نفسية لها كما تحقّق

في البحث عن نفس الأمر. ولا يلزم من كونه ذا نفسية أن يكون صفة زائدة على الذات المتشخّصة كما ان زيدا موجود جزئي خارجي مثلا وليس صفة الجزئية صفة زائدة على ذاته وهذا هو المراد من ان التشخّص امر اعتباري لا وجود له في الخارج. ثم لا يخفى عليك ان التشخص امر زائد على الماهية في كل واحد من اشخاص تلك الماهية لأن هذه الماهية النوعية من حيث هي هي نفس تصوّرها غير مانع من صدقها على كثيرين واما الشخص فنفس تصوره مانع من الشركة ففي الشخص امر زائد على الماهية وهو التشخص. نعم ان هاهنا دقيقة في أمر الجزئي الذهني وهي أن الصورة العلمية وإن كانت مثالية جزئية كصورة الشمس مثلا فهي من تلك الحيثية قابلة للصدق على الكثيرين من امثالها اي الصورة العلمية كلية مطلقا وقد تحقق البحث عن ذلك في الحكمة المتعالية وإلهيات الشفاء فتدبر.

قوله : من التشخصات فيه ، ٩٧ / ١٠

ضمير فيه راجع الى التشخص والظرف متعلق بقوله مشاركا.

قوله : لا من العينية ، ٩٧ / ١١

اي الخارجية.

قوله : فيحتاج الى تشخص آخر ، ٩٧ / ١٥

وفي (م ، ق) الى مخصص آخر.

وقوله : الماهية المتشخّصة ، ٩٧ / ١٧

ففيهما الماهية المشخصة.

قوله : قابلة لا تكثر فيها ، ٩٨ / ٤

كما في (م) والنسخ الاخرى : قابلة للتكثر وتلك المادة الخ.

قوله : ولا يحصل التشخص بانضمام كلي عقلي الى مثله. ٩٨ / ٧

كلمة الكلي تطلق باشتراك اللفظ على معاني عديدة جمعناها في كتابنا الف نكتة ونكتة

والنكتة الرابعة والتسعين والثلاثمائة منها في ذلك الاطلاق. والقيد بالعقلي إما للاحتراز على الطبيعي المقابل للطبيعي والمنطقي ، أو المراد منه ما يحصل في العقل ولكل منهما وجه كما في الشوارق على التفصيل. وقال القوشجى : ولم يظهر لي بعد فائدة تقييد الكلي بالعقلي.

قوله : والشخص قد لا تعتبر مشاركته ، فلا تميّز. ٩٨ / ١٧

والكلى قد يكون اضافيا فيتميز ، فلا تشخص. والشخص المندرج تحت عام متميز ، فاجتمع التشخص والتميز.

قوله : لا انه تعريف معنوي. ١٠٠ / ٥

كما تقدم البحث عنه مفصلا في المسألة الاولي من صدر الكتاب.

قوله : فان الوحدة اعرف. ١٠٠ / ٩

في اوّل الفصل الثالث من اولى إلهيات الشفاء (ص ٤٢٩ ط ١) : يشبه أن تكون الكثرة اعرف عند تخيّلنا والوحدة اعرف عن عقولنا. ويشبه أن تكون الوحدة والكثرة من الامور التي نتصورها بديّا لكن الكثرة نتخيّلها أوّلا والوحدة نعقلها أولا والوحدة نعقلها من غير مبدأ لتصورها عقلي بل ان كان ولا بد فخيالي. وفي الحكمة المنظومة (ص ١٠٣).

وسرّ اعرفية الأعمّ

سنخيّة لذاتك الأتمّ

ووحدة عند العقول اعرف

وكثرة عند الخيال اكشف

قوله : فتكون ثبوتية. ١٠١ / ١

اي الوحدة.

وقوله : وان كانت وجودية ، ١٠١ / ٢

اي الكثرة فالجملة عطف على قوله ان كانت عدمية لان الوجود مقابل العدم.

وقوله : وان كانت ثبوتية ، ١٠١ / ٢

اي الوحدة فالجملة عطف على قوله ان كانت سلبية لان الثبوت مقابل السلب.

وقوله : كان مجموع العدمات ، ١٠١ / ٢

اي مجموع الوحدات السلبية لان الكلام في أن تكون الوحدة سلبيّا فلا تغفل.

قوله : وتقابلهما لاضافة العلية الخ. ١٠١ / ٩

اقسام التقابل غير جارية بين الوحدة والكثرة وانما التقابل بينهما بالعرض والشيخ قد بحث عن تقابل الوحدة والكثرة في سادس ثالثة إلهيات الشفاء (ص ٨٨ ـ ٩٢ ط ١) على التفصيل وبعد البيان في عدم اصناف التقابل فيهما قال : فبالحريّ أن تجزم أن لا تقابل بينهما في ذاتيهما ولكن يلحقهما تقابل وهو أن الوحدة من حيث هي مكيال تقابل الكثرة من حيث هي مكيل ، وليس كون الشيء وحدة وكونه مكيلا شيئا واحدا بل بينهما فرق ، والوحدة يعرض لها أن تكون مكيالا كما انها يعرض لها أن تكون علة ، الخ. ومعنى كون الوحدة مكيالا للكثرة انها تفنيها مرة بعد اخرى كما ان العادّ في الكم المنفصل ، والمقدّر في الكم المتصل كذلك إلا أن الواحد لا يكون عادا وان كان مفنيا كما حقق في العلوم الرياضية. وستعلم اصناف التقابل في المسألة الحادية عشرة من هذا الفصل.

قوله : في اقسام الواحد. ١٠٢ / ٢

باتفاق النسخ كلّها.

قوله : وقد يتغاير ، ١٠٢ / ٥

عطف على قوله قد يكون واحدا أي وقد يتغاير معروضهما.

وقوله : وحدة بقول مطلق. ١٠٢ / ٦

وفي بعض النسخ وحدة شخصية بقول مطلق اي وحدة هي شخص من اشخاص مفهوم الوحدة فان مفهوم الوحدة واحد من حيث الذات كثير من حيث الافراد فهو غير داخل في المقسم. والمراد بقول مطلق انها وحدة من غير اضافة الى شيء بأن يقال مثلا وحدة النقطة او وحدة العقل وغير ذلك.

وقوله : قد بيّنا أن الوحدة والكثرة من المعقولات الثانية ، ١٠٢ / ٨

بيّنه في المسألة الثامنة قبيل ذلك.

وقوله : جهة وحدته غير جهة كثرته ، ١٠٢ / ١٠

وذلك كافراد الانسان مثلا فانّها كثيرة من حيث اشخاصها وواحدة من حيث انها انسان.

وقوله : كنسبة الرائس ، ١٠٢ / ١٣

وفي نسخ كنسبة الرّبان ، الربّان بالباء الموحدة كرمّان هو الفلاح ويقال له الملاح أيضا وهو بالفارسية ناخدا. وفي منتهى الارب : ربان كرمان مهتر كشتيبان كه كشتى راند.

وقوله : وكذلك حال النفس الى البدن ، ١٠٢ / ١٣

التحقيق أن حال النفس الى البدن ارفع من نحو هذا القول فان البدن من حيث هو بدن مرتبة نازلة للنفس والانسان الواحد الشخصي له مرتبة طبيعية ومرتبة مثالية ومرتبة عقلية ومرتبة لاهوتية ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم اطوارا.

ثم مراد الشارح ان التدبير وهو جهة الوحدة بين النسبتين ليس مقوما ولا عارضا لانه غير محمول عليهما اذ المدبر هو النفس والملك لا نسبتاهما.

وقوله : كقولنا القطن هو الثلج ، ١٠٢ / ١٩

فانهما كثير بذاتهما وواحد من حيث انهما ابيض فالابيض جهة الوحدة وهو عارض ذاتي للقطن والثلج الذين هما جهتا الكثرة.

وقوله : على كثرة مختلفة ، ١٠٢ / ٢١

كوحدة الانسان والفرس من حيث انهما حيوان.

وقوله : نوع ان كانت الحقائق متفقة ، ١٠٢ / ٢٢

كوحدة زيد وعمرو من حيث انهما انسان.

وقوله : وفصل ان كانت مقولة ، ١٠٢ / ٢٢

كوحدة زيد وعمرو من حيث انهما ناطق.

وقوله : وهو الوحدة نفسها ، ١٠٣ / ٤

كما سيأتي في آخر هذه المسألة من أن الوحدة قد تعرض لذاتها.

قوله : كنسبة الرائس. ١٠٢ / ١٣

كما في (م) والباقية كنسبة الربّان.

وقوله : فالوحدة بينهما عرضية ، ١٠٢ / ١٥

كما في (م) والنسخ الاخرى : فالوحدة فيهما عرضية.

قوله : والهو هو على هذا النحو. ١٠٣ / ١٤

الهو هو لفظ مركب جعل اسما فعرف باللام والمراد به الحمل الايجابى بالمواطاة.

وقوله : فلا يعرض ، ١٠٣ / ١٧

ضمير الفعل راجع الى الهو هو اي لا يعرض الهو هو للشخص الواحد بخلاف الوحدة.

قوله : والوحدة في الوصف. ١٠٣ / ١٨

المتن والشرح مطابقان للنسخ كلها ، وما في المطبوعة قد سقط منها سطر. والمراد من قوله هذا أن الشيئين المتغائرين آن اتحدا في الوصف العرضي كالثلج والعاج في البياض ، او اتحدا في الوصف الذاتي كالانسان والفرس في الحيوانية ، فان اسماء الوحدة تتغاير بتغاير المضاف إليه الوحدة لأن الوحدة تضاف الى ذلك الوصف كوحدة البياض في الأولين ، ووحدة الحيوانية في الأخيرين ، وغيرهما.

قوله : على ما سلف. ١٠٤ / ٥

سلف في المسألة الثامنة والثلاثين من الفصل الأول.

قوله : والوحدة مبدأ العدد المتقوم بها لا غير. ١٠٤ / ١٠

اقول العدد ان عرّف بانه كمية تطلق على الواحد وما تألف منه قيل فيدخل الواحد فيه ، وان عرّف بانه نصف مجموع حاشيتيه ـ كالاربعة مثلا حيث ان حاشيتها التحتانية ثلاثة ، والفوقانية خمسة فالمجموع من الحاشيتين ثمانية فالأربعة نصف مجموع هاتين الحاشيتين منها ـ قيل فيخرج الواحد منه. وعرّف أيضا بانه كمية تحصل من الواحد بالتكرير أو بالتجزية حتى يشمل التعريف الكسور أيضا فهذا التعريف عندهم هو الجامع دون الأولين.

ويرد على الأول بان العدد كم منفصل والكم يقبل الانقسام ، والوحدة لا تقبله. وعلى الثاني بأن الواحد أيضا نصف مجموع حاشيتيه لأنّ الحاشية اعمّ من الصحيح والكسر والواحد حاشيته التحتانية نصف ، والفوقانية واحد ونصف اذ الحاشية التحتانية لكل عدد تنقص عنه بمقدار زيادة الفوقانية والمجموع من النصف والواحد والنصف اثنان فالواحد نصف مجموع حاشيتيه فتامل. فالحق كما قال العلّامة البهائى في أوّل خلاصة الحساب : ان الواحد ليس بعدد وان تألّف منه الأعداد كما ان الجوهر الفرد عند مثبتيه ليس بجسم وان تألفت منه الأجسام وذلك لما قلنا ان العدد لكونه كمّا يقبل الانقسام والوحدة لا تقبله. وفي الشفاء لم تكن الوحدة غير عدد لانها لا انفصال فيها الى وحدات (ج ٢ ط ١ ص ٤٤١).

تبصرة : قال مولانا الامام سيد الساجدين عليه‌السلام في دعائه متفزعا الى الله تعالى من الصحيفة الكاملة : لك يا إلهي وحدانية العدد. ولا يخفى على البصير لطائف كلامه ودقائق اسراره ولعلّ ما في الفص الادريسي من فصوص الحكم ، وما في اوائل المرحلة الخامسة من الأسفار في بعض احكام الوحدة والكثرة (ص ١٣٤ ج ١ ط ١) وما في علم اليقين للفيض في الوحدة والعدد وخواصه (ص ٢٦٠ من الطبع الرحلى) وكذلك بعض رسائلنا كلقاء الله تعالى والوحدة في نظر العارف والحكيم يفيدك في ذلك افادة تامّة ان أخذت الفطانة بيدك.

قوله : والى هذا اشار ارسطو الخ. ١٠٤ / ١٩

قاله الشيخ في الاول من ثالثة إلهيات الشفاء بعد البحث عن حدّ العدد : ولهذا ما قال

الفيلسوف المقدم لا تحسبنّ ان ستة ثلاثة وثلاثة بل هو ستة مرة واحدة (ص ٤٤٠ ط ١).

قوله : لأن خواص العدد موجودة فيه. ١٠٥ / ٤

من خواصه أنه كم منفصل والاثنان كذلك ، وانه نصف مجموع حاشيتيه والاثنان كذلك لان حاشيته الفوقانية ثلاث والتحتانية واحدة ومجموعها أربعة والاثنان نصفهما ، وان الاثنين صحيح وجذر للاربعة ، وانه مضعّف واحده ، وانه تام ، وانه منطق.

قوله : كالصمم والمنطقية. ١٠٥ / ٨

اعلم ان العدد اما مطلق او مضاف والاوّل يسمّى الصحيح لانه غير مضاف الى غيره ؛ والثاني يقابله لانّ الجزء يضاف الى ما فرض واحدا له ولذلك سمي كسرا. والمطلق ان كان له احد الكسور التسعة او جذر فمنطق ـ بالفتح ـ والّا فاصمّ. والجذر هو العدد المضروب في نفسه كالثلاثة فانها اذا ضربت في نفسه حصلت منه تسعة فيسمى الثلاثة جذرا والتسعة مجذورا. وانما سمي منطقا لنطقه بكسره أو جذره ، واصمّ لعدم نطقه باحدهما. والمنطق ان ساوى اجزائه فتام كالستة فان لها نصفا وثلثا وسدسا اى الثلاثة والاثنان والواحد ومجموعها ستة. وسمّي تامّا لتمامية عدده بالنسبة الى اجزائه. وإن زاد عليها فناقص كالثمانية فان لها نصفا وربعا وثمنا ومجتمعها سبعة ، سمّي ناقصا لنقصان اجزائه منه. وإن نقص عنها فزائد كالاثني عشر فان له نصفا وربعا وثلثا وسدسا ومجموعها خمسة عشر ، سمّي زائدا لزيادة اجزائه عنه.

قوله : كافراد الانسان او الفرس الخ. ١٠٥ / ١٤

تمثيل للحقائق.

قوله : قد بيّنا. ١٠٦ / ٣

بيّنه في ثامنة هذا الفصل.

قوله : الذي يفهم من هذا الكلام. ١٠٦ / ٧

قال في الشوارق : هذا احسن ما قيل في توجيه المتن. (ص ١٧٨ ط ١ ج ١).

قوله : فان عشرية الأناسي. ١٠٦ / ١٥

إنس بالكسر مردم ، أنسىّ بالتحريك وإنسيّ يكى ، اناسيّ بالتشديد والتخفيف واناسية واناس جمع (منتهى الارب).

قوله : وتضاف الى موضوعها. ١٠٧ / ١

وفي (ت) وحدها : وتضاف الى معروضها والنسخ الاخرى كلّها وتضاف الى موضوعها. وقد مضى في اوّل هذه المسألة كلام الشارح في تفسير الموضوع بالمعروض حيث قال : اذا عرفت هذا فموضوعهما اعني المعروض ، بل كان عبارة الماتن هناك المعروض أيضا حيث قال : ثم معروضهما قد يكون واحدا الخ.

قوله : المتنوع الى انواعه الاربعة. ١٠٧ / ١٣

المتنوع مجرور صفة للتقابل. وكل واحد من السلب والايجاب والعدم والملكة وتقابل الضدين وتقابل التضايف منصوب بقوله : اعنى. ثم الظاهر من شرح الشارح انه جعل القول والعقد مترادفين. وفي مصنّفات القوم فسر القول بالوجود اللفظيّ ، والعقد بالوجود الذهني فالعقد بمعنى المعتقد. ونقل صاحب الشوارق العقل باللام بدل العقد بالدال ثم فسّر القول بالوجود اللفظي ، والعقل بالوجود الذهني. وفي غوص القضايا من اللئالي المنظومة :

والعقد والقضية ترادفا

اذ ارتباطا واعتقادا صادفا

وقال في الشرح : والمقصود ان العقد الذي يطلق على القضية اما بمعنى الربط او بمعنى الاعتقاد وكل منهما يناسب القضية. انتهى. ثم اطلاق القول على القضية سائر في عبارات القوم وفي هذا الغوص من اللئالي أيضا : ان القضية لقول محتمل للصدق والكذب وطار ما اخلّ.

ثم ان النسخ كلها كانت العبارة كما اخترناه إلّا نسخة (ت) ففيها : في التحقيق والمشهورى ، ثم كتبت فوق المشهورى والمشهورية خ ل.

قوله : لان مقابليهما الخ. ١٠٧ / ٢٠

اي مقابل السلب الخاص الاصل ، ومقابل السلب الخاصّ المقابل له. توضيح هذا الكلام ان

السلب الخاص لا يقابله سلب خاص. مثلا ان عدم الناطق لا يقابله عدم الانسان ، وكذلك عدم الفرس لا يقابله عدم البقر. وذلك لأن مقابليهما أي مقابل السلب الخاص الاصل ، ومقابل السلب الخاص المقابل للأصل ان لم يتقابلا كالمثال الاول حيث ان عدم الانسان سلب خاص مقابل لسلب خاص آخر وهو عدم الناطق ومقابلاهما وهما الانسان والناطق لم يتقابلا كما لا يخفي فالظاهر انهما اعني السلب الخاص الاصل والسلب الخاص المقابل له لا يتقابلان كما هو ظاهر لأنّ نقيض المتساويين متساويان.

وكذلك ان تقابلا ـ اي تقابل مقابلا السلبين الخاصّين الأصل والمقابل ـ كالمثال الثاني حيث ان الفرس مقابل للبقر والفرس والبقر مقابلا السلبين الخاصّين ـ لا يتقابلان أيضا لصدقهما معا اي لصدق السلب الخاصّ الأصل والسلب الخاص المقابل له معا على غير المتقابلين ، المتقابلان الفرس والبقر مثلا وغيرهما كلّ ما كان غيرهما مثلا يصدق على الابل بانه عدم الفرس كما يصدق عليه بانه عدم البقر الذي كان مقابلا لعدم الفرس.

قوله : لأن الضدّين في المشهور الخ. ١٠٨ / ١٢

هذا التفسير منه للضدّين في المشهور هاهنا ليس بسديد والحق ما قاله في شرحه على منطق التجريد للمصنّف الموسوم بالجوهر النضيد من ان تقابل الضدين يطلق في المشهور على معنى وفي التحقيق على معنى آخر. اما في المشهور فيطلق الضدان على كل امرين ينسبان الى موضوع واحد ولا يمكن ان يجتمعا فيه سواء كانا وجوديين أو احداهما ، وسواء اندرجا تحت جنس قريب أو لا كما يجعلون الذكورة ضدّ الانوثة ، واما بحسب التحقيق مصطلح الحكماء فيطلق الضدان على كلّ وجوديين بينهما غاية التباعد بشرط اندراجهما تحت جنس قريب يصحّ منهما أن يتعاقبا على موضوع واحد وارتفاعهما معا عنه. وكذلك المصنف في اساس الاقتباس ، والمتأله الشيرازي في الأسفار وغيرهم في غيرها من الكتب المنطقية والحكمية.

قوله : ويندرج تحته الجنس الخ. ١٠٨ / ٢١

المراد من الجنس التقابل ، وضمير تحته راجع الى التضايف. يعني ان التقابل مع انّه جنس لانواعه الأربعة ومنها التضايف ، فهو أحد انواع التضايف أيضا باعتبار آخر فجنس النوع صار نوعا لنوعه ونوعه صار جنسا له وكم له من نظير باعتبار طروّ الحيثيات على المعاني.

ثم لا يخفى على البصير المتدرب باسلوب الكلام ان قول الماتن : التقابل المتنوع الى انواعه الاربعة صريح بأن التقابل جنس او كالجنس لتلك الأربعة وان الضمير في أي موطن كان ينظر الى المرجع القريب إلّا ان يدل دليل على خلافه. فالمعنى بالجنس التقابل ، والمراد بالضمير في تحته التضايف كما أن الشارح حمله على هذا النمط وكذلك صاحب الشوارق الا ان القوشجي ارجع الضمير الى التقابل وفسّر الجنس بالتضايف ثم قال ما قال وبعد ذلك نقل التفسير الذي قاله الشارح ثم اورد عليه ، وصاحب الشوارق اجابه وشنع عليه بانّه اخطأ في الجواب فراجع الكتابين حتى تجد الصواب في البين.

قوله : حتى صار كالجنس لها. ١٠٨ / ٢٢

اتى بالكاف تنبيها على أن التقابل ليس جنسا على الحقيقة لما تحته بوجه من الوجوه وقد دلّ عليه الشيخ بقوله : وذلك لان المتضائف ماهيته أنّه معقول بالقياس الى غيره ثم يلحق هذه الماهية ان يكون مقابلا ليس انها يتقوم بهذا فانه ليس هذا من المعاني التي يجب أن يتقدم في الذهن أوّلا حتى يتقرر في الذهن ان الشيء ماهيته مقولة بالقياس الى غيره بل اذا صار الشيء متضايفا لزم في الذهن أن يكون على صفة التقابل فالذاتية بشرائطها غير موجودة بين التقابل وبين الأشياء التي هي كالانواع للتقابل. انتهى.

ثم ان صاحب الشوارق بعد نقل كلام الشيخ المذكور قال : اتى الشيخ بالتضايف على سبيل التمثيل لجريانه في التضاد وغيره ويدل عليه قول المصنف أيضا ومقوليته عليها بالتشكيك لما سيأتي من نفي التشكيك في الذاتيات وسواء في ذلك الاعتباريات وغيرها. انتهى.

وقول الفخر الرازي على ما نقله القوشجي من انا نعقل ماهية المتضائفين وان لم يخطر ببالنا امتناع اجتماعهما وذلك يعرفنا عدم تقوم المتضائفين ، بالتقابل مأخوذ من دليل الشيخ كما لا يخفى.

ثم ان المحقق الماتن قال في اساس الاقتباس (ص ٥٨ ط ١) بعبارة اوضح واوجز ما هذا لفظه : وحمل تقابل بر اين اقسام نه چون حمل اجناس بود چه ماهيت بعضى بى تعقل تقابل معقول است بل چون لوازم بود.

قوله : ومقوليته عليها بالتشكيك واشدّها فيه الثالث. ١٠٩ / ٧

قد اصاب العبارة في سائر النسخ تحريف فاحش حيث حرف فيها الثالث بالسلب او

السالب. الصواب الثالث بدل السلب او السالب بلا دغدغة كما في (ت) ، اي الثالث من انواع التقابل الاربعة في العبارة المتقدمة وهو تقابل الضدين. على أن السلب لا يوافق شرح العلامة الحليّ أيضا لانه قال : فان تقابل الضدين اشدّ في التقابل من تقابل السلب والايجاب ، وبعد ذلك قال : وقيل ان تقابل السلب والايجاب اشد من تقابل التضاد.

ثم أن تقابل الضدين اشد لأن محلّهما في الاتصاف بأحدهما يفتقر الى سلب الآخر ويستلزمه وهو أي ثبوت الضدّ اخص من السلب دون العكس لأن السلب لا يستلزم الضد فهو اي ثبوت الضد اشدّ في العناد للآخر من سلبه ، فالضدان فيهما سلب ضمني مع كونهما في غاية الخلاف ولذلك كان اشدها في التقابل الثالث.

قوله : فلو قلنا الاسود قابض للبصر. ١١٠ / ٧

لو ذكر المثال هكذا ـ كما في سائر الكتب ـ : الجسم مفرق للبصر بشرط كونه ابيض ، وليس بمفرق بشرط كونه اسود ، لكان أولى.

قوله : فان الكلية ضدّ. ١١٠ / ١١

كما في النسخ كلّها الّا نسخة (ت) ففى هامشها : فان الكلية ضدّ الكلية وكأن تعليقة ادرجت في المتن وذلك لان الكلام في تناقض القضايا وصرّح بأن شرطه في المحصورة الاختلاف ومع الاختلاف لا يصدق الضدّية فهذا قرينة بينة في ان المراد من قوله الكلية ضدّ هوان الكلية ضدّ الكلية فلا حاجة الى ذكرها مع بناء الرسالة على الايجاز.

قوله : وهو الاختلاف فيها. ١١١ / ١

قد حرفت العبارة في سائر النسخ بهذه الصورة : وهو الاختلاف أيضا بحيث. ولكن الصواب : وهو الاختلاف فيها بحيث كما اخترناه في المتن. موافقا لنسخة (ت) وضمير فيها راجع الى الجهة بقرينة الموجّهات ، كما في الشرح وكما ان العبارة السابقة وهو الاختلاف فيه راجع الى الحصر بقرينة المحصورة.

قوله : وهي تقابل الوجودية. ١١١ / ١١

اي الموجبة المعدولة تقابل الموجبة المحصلة.

قوله : او الاتصاف بالوسط. ١١١ / ٢١

اي او عند الاتصاف بالوسط.

قوله : كالفاتر. ١١٢ / ٣

وهو المتوسط بين الحرارة والبرودة.

قوله : وهو انه لا يعرض الخ. ١١٢ / ٥

هذا الدليل بأسره خلاصة ما ذكره الشيخ في إلهيات الشفاء وكذا الحكمان الآتيان (ج ٢ ط ١ ص ٤٢٥ وص ٥٥١).

قوله : وهو منفي ، ١١٢ / ٩

اي التضادّ منفيّ عنها. وقال الشارحان صاحب الشوارق والقوشجي : ان مستند هذا الحكم والحكم الآتي وهو قوله ومشروط في الانواع باتحاد الجنس ، هو الاستقراء.

قوله : لانها ليسا جنسين الخ. ١١٢ / ١١

لأنا قد نعقل الاشياء التي يطلق عليها الخير او الشر مع الذهول عن كونها خيرات او شرورا وقد تقدم آنفا توضيح ذلك تفصيلا عن الشيخ والطوسي.

قوله : ولا ينتقض بالشجاعة والتهور. ١١٢ / ١٤

بأن يقال انهما ضدّان مع كونهما تحت جنسين هما الفضيلة والرذيلة.

قوله : وجعل الجنس والفصل واحد. ١١٢ / ١٦

قد تقدم في المسألة الرابعة من هذا الفصل أيضا حيث قال : وجعلاهما واحد. ثم ان العبارة في (م ت ص) منصوبة هكذا : وجعل الجنس والفصل واحدا بالنصب والباقية بالرفع. والظاهر أن الرفع صواب.

قوله : كل شيء يصدر عنه امر الخ. ١١٤ / ٣

اورد عليه المحقق الشريف بأن هذا التعريف بظاهره لا يتناول غير الفاعلية اذ لا صدور من غير الفاعلية فالاولى أن تعرف بالاحتياج فيقال العلة ما يحتاج إليه امر. قال صاحب الشوارق انما قال بظاهره لإمكان تأويل الصدور الى الاحتياج كما يشعر به أيضا قوله فالاولى. ثم حمل الصدور على معنى عام حتى يجري في العلل كلّها. ثم قال لا بأس بالتعريف. لأن قوله بالانضمام يشمل العلل الثلاث أيضا ، ثم قال او يكون التعريف للفاعلية ويفهم غيرها منه بالمقايسة.

اقول الأمر الأهم في المقام هو أن يعلم أن العلة والمعلول بمعناهما المتعارف في الاذهان لا يجري على الاوّل تعالى وآياته التي هي مظاهر اسمائه التي هي شئون ذاته الصمدية التي لا جوف لها ، وأنّ التمايز بين الحق سبحانه وبين الخلق ليس تمايزا تقابليّا بل التمايز هو تميز المحيط عن المحاط بالتعين الاحاطي والشمول الاطلاقي الذي هو الوحدة بمعناها الحقيقي بل اطلاق الوحدة من باب التفخيم وهذا الاطلاق الحقيقي الاحاطي حائز للجميع ولا يشذ عن حيطته شيء فهو الكمال الحقيقي وهو سبحانه محيط بكل شيء لانه الحيّ القيّوم اي القائم لذاته والمقيم لغيره لا انه محيط على كل شيء فقط. فيجب تلطيف السرّ في معنى الصدور والتميز بين الحق والخلق وكون العلة والمعلول على النحو المعهود المتعارف في الأذهان السافلة ليس على ما ينبغي بعزّ جلاله وعظموته سبحانه وتعالى. وبالجملة يجب الوصول الى نيل التوحيد القرآني حتى يعلم ان البينونة بين العلة ومعلولها في المقام ليست عزلية بل وصفيّة بمعنى سلب السلوب والحدود والنواقص عنه تعالى حتّى يعلم أن اطلاق العلة والمعلول في المقام على ضرب من التوسع في التعبير ارفع واشمخ من المعنى المعهود.

قوله : كما في العلل التامة. ١١٤ / ١١

هكذا في النسخ الاصيلة المعتبرة على صورة الجمع ، وفي بعض النسخ جاءت الكلمة بالافراد اي العلة التامة.

قوله : والمادة والصورة جزءاه. ١١٥ / ٦

اى جزءا الاثر الذي هو معلول.

قوله : بل المؤثر إن كان مختارا. ١١٥ / ١٣

وقد تقدم الكلام فيه في المسألة الرّابعة والاربعين من الفصل الأوّل.

قوله : ولا يجوز بقاء المعلول بعده. ١١٥ / ١٥

اي بعد الفاعل في قوله فالفاعل مبدأ التأثير.

وقوله : ذهب قوم غير محققين الخ. ١١٥ / ١٦

واما قول المحققين فقد تقدم في المسألة التاسعة والعشرين من الفصل الاوّل من ان علة احتياج الاثر الى مؤثره هو الامكان لا غير.

وقوله : تمثلوا في ذلك بالبناء الباقي بعد الباني ، ١١٥ / ١٧

وكذا بالابن الباقي بعد الأب وبالسخونة الباقية بعد النار وقالوا لو جاز على الباري العدم لما اضرّ عدمه بقاء العالم ، وشنع عليهم الشيخ في كتابي الاشارات والشفاء. امّا الاشارات فقد تقدم نقل كلامه منه في تلك المسألة المذكورة ، واما كلامه في الشفاء فيطلب في الثاني من سادسة الالهيات (ص ٥٢٤ ج ٢ ط ١).

قوله : ومع وحدته يتحد المعلول. ١١٦ / ٣

يعني مع وحدة الفاعل الذي هو مبدأ التّأثير يتحد المعلول ويعبّرون عنه بأن الواحد لا يصدر عنه الّا الواحد. والشيخ في الاشارات وسم هذا المطلب بالتنبيه حيث قال في الفصل الحادي عشر من خامس الاشارات : تنبيه مفهوم ان علة ما يجب عنها ـ أ ـ غير مفهوم ان علة ما بحيث يجب عنها ـ ب ـ الخ وقال المحقق الماتن في شرحه عليه : يريد بيان أن الواحد الحقيقي لا يوجب من حيث هو واحد الّا شيئا واحدا بالعدد وكان هذا الحكم قريب من الوضوح ولذلك وسم الفصل بالتنبيه وانما كثرت مدافعة الناس إياه لإغفالهم معنى الوحدة الحقيقية.

اقول : وللراقم في هذا المقام من شرحه على الاشارات تعليقة هي العمدة والاصل في بيان صدور الواحد عن المبدأ الأوّل الواحد الأحدي الصمدي سبحانه وتعالى فعليك بالغور فيها وهي ما يلي :

ان هذه المسألة اي الواحد الأحدي لا يصدر عنه الّا واحد من أمّهات المسائل الفلسفية وقد تعاضد العقل والنقل فيها فانه تحقق عن الشرع اوّل ما خلق الله العقل. ثم ان لهذه المسألة الرصينة شأنا آخر أجلّ وادق مما ذكر في هذا الكتاب واترابه وقد برهن في الحكمة المتعالية والصحف العرفانية ، والوصول إلى ادراك حقيقته يحتاج الى تلطيف سرّ وتدقيق فكر وتجريد نظر. وذلك الشأن هو الفرق بين أوّل ما صدر وبين أوّل ما خلق فان أوّل ما خلق هو العقل والخلق هو التقدير فالعقل هو تعيّن تقديري من التعينات التقديرية وهذا التعين شأن من شئون الصادر الأوّل ونقش من نقوشه وكلمة من كلماته العليا وبتعبير آخر على نحو توسع في التعبير ان هذا التعين عارض على مادة الممكنات وتلك المادة هو الوجود المطلق بمعنى نفس الرحمن لا الوجود المطلق الحق الأحدي المنزه عن هذا الاطلاق. والصادر الاوّل هو الوجود المنبسط الساري في الممكنات ومنها العقل. فأوّل ما خلقه الله تعالى هو العقل ، وأما أوّل ما صدر عنه تعالى فهو الوجود المنبسط الذي هو مادة العقل ومادة جميع الممكنات.

وفي آخر نصوص الصدر القونوي : والحق سبحانه وتعالى من حيث وحدة وجوده لم يصدر عنه الّا واحد لاستحالة اظهار الواحد وايجاده من حيث كونه واحدا ما هو اكثر من واحد لكن ذلك الواحد عندنا هو الوجود العام المفاض على اعيان المكوّنات وما وجد منها وما لم يوجد مما سبق العلم بوجوده ، وهذا الوجود مشترك بين القلم الأعلى الذي هو أوّل موجود المسمّى أيضا بالعقل الاوّل وبين سائر الوجودات. الخ.

فراجع في تلك الغاية القصوى الى المرحلة السادسة من الحكمة المتعالية اعني الأسفار في العلة والمعلول ، سيما الفصل المعنون بقوله في الكشف عمّا هو البغية القصوى. وقد شرح هذا الفصل الحكيم الالهي آقا علي المدرس في بدائع الحكم (ص ١٨٤) ، وهكذا الى الأسفار (ج ١ ص ١٩٣ ط ١) والى المقام الخامس من مصباح الانس لابن الفناري في شرح مفتاح الغيب (ص ٦٩ ط ١) ورسالتنا الفارسية الموسومة بوحدت از ديدگاه عارف وحكيم تجديك في المقام جدّا والله سبحانه وليّ التوفيق.

قوله : المؤثر إن كان مختارا. ١١٦ / ٤

المؤثر الأوّل سبحانه وتعالى مختار باتفاق المتألّهين في التوحيد ، والفاعل الموجب هو المبدأ الطبيعي اعني الاصول الازلية المادية التي هي اجزاء لا تتجزى وجواهر فردة على ما ذهب إليه

القائلون بها في تكوّن صورة العالم.

ولم يتفوّه حكيم إلهي بأن الواجب سبحانه فاعل موجب ، كما لم يذهب الى جواز صدور الكثرة عن الواحد بالوحدة الحقة الحقيقية لبراءته عن الحيثيات الكثيرة ، ومع ذلك كلّه يقول بسيط الحقيقة كلّ الاشياء فافهم.

قوله : فان كانت النسبتان جزئيه. ١١٦ / ٦

كلمة جزئيه على التثنية المضافة الى الضمير.

قوله : وهي عندي ضعيفة الخ. ١١٦ / ٧

كذا قال ـ رحمه‌الله ـ في كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد للمصنّف قدّس سره حيث قال الخواجة : ويكون مقدوره عند الحكماء بلا توسط شيئا واحدا والباقي بتوسط ، قال الشارح : أقول : ذهب الاوائل الى أن الله تعالى يفعل بذاته لا بتوسط شيء آخر واحدا لا ازيد والباقي بتوسط ذلك الصادر عنه لانه تعالى واحد من كلّ جهة والواحد من كل جهة لا يصدر عنه شيئان لأن مفهوم صدور الاوّل عنه مغاير لمفهوم صدور الثاني. وهذان المفهومان ان كانا مقوّمين لزم تركيب واجب الوجود فلا يكون واجبا ، وكذا ان كان احدهما داخلا. وان كانا خارجين كان مفهوم صدور احدهما عنه غير مفهوم صدور الآخر ويتسلسل.

ثم قال ردا عليهم : وهذا الكلام في غاية السقوط لأن مفهوم الصدور اعتباري لا تحقق له في الخارج وإلّا لزم التسلسل ويلزم امتناع اتصاف البسيط باكثر من واحد لان مفهوم اتصافه بأحد الشيئين مغاير لمفهوم اتصافه بالآخر وامتناع سلب شيئين عن واحد (ص ٤٤ ط ١).

وكذا في كتابه المسمى نهج المسترشدين الذي شرحه الفاضل المقداد وسمّى ذلك الشرح ارشاد الطالبين حيث قال في النهج : ويمكن استناد معلولين الى علة بسيطة الى آخر ما قال. والفاضل المقداد بعد ما نقل مذهب الحكماء قال على مذهب العلامة : والجواب ـ يعنى الجواب عن الحكماء ـ من وجهين : الاوّل من حيث النقض وهو انّا نمنع القسمة وحصرها فان ذلك انما يتم على تقدير كون الصدورين موجودين في الخارج فيقال فيهما إما أن يكونا داخلين أو خارجين ـ الى آخر الكلام. وأما إذا كانا مفهومين ذهنيين لا تحقق لهما في الخارج فانّا نختار حينئذ انهما خارجان ولا يلزم التسلسل لعدم احتياجهما الى العلّة.

ثم قال : ثم المصنّف ـ يعني صاحب النهج ـ استدل على كون الصدور أمرا اعتباريا لا وجود له في الخارج فانه لو كان موجودا في الخارج لزم التسلسل واللازم باطل فكذا الملزوم. بيان الملازمة انه لا جائز أن يكون واجبا لاستحالة تعدد الواجب ، واستحالة كونه عرضا فيكون ممكنا فيكون له صدور وننقل الكلام الى صدوره ونقول فيه كما قلنا في الأول فيلزم التسلسل.

الثاني من حيث المعارضة وهي هنا نقض اجمالي وذلك من وجهين : الأوّل انه يلزم ان لا يصدر عن ذلك البسيط شيء اصلا وذلك لانكم تسلّمون صدور أمر واحد عن تلك العلة البسيطة وحينئذ نقول ذلك الواحد له صدور فيكون مغايرا للعلّة ولذلك الواحد لكونه نسبة إليهما فاما أن يكون داخلا في العلة او خارجا فمن الاوّل يلزم التركيب ، ومن الثاني يلزم التسلسل.

الثاني انه لو صحّ ما ذكرتم لزم ان لا يسلب من الواحد اكثر من واحد ، وأن لا يتصف إلّا بشيء واحد. اما الاوّل فلأنّ سلب ـ ا ـ عن ـ ج ـ مغاير لسلب ـ ب ـ عنه لا نا نعقل احد السلبين ونغفل عن الآخر فامّا ان يكونا داخلين او خارجين الى آخره.

واما الثاني فلأنّ اتّصاف ـ ا ـ بب ، غير اتصافه بج ، وهما أيضا مغايران لما قلنا فإمّا ان يكونا داخلين او خارجين ـ الى آخر الكلام ـ ويلزم ما قلتم ، انتهى (ص ٨٦ ط ١).

اقول : ان السنخية بين الفاعل وفعله مما لا يعتريه ريب ولا يتطرق إليه شائبة دغدغة ويعبّرون عنها بالسنخية بين العلة ومعلولها وكل فعل يصدر من فاعله على جهة خاصّة فيه والّا يلزم صدور كل شيء عن كل شيء وظهور كل اثر عن كل شيء وهو كما ترى فان صدر عن فاعل اثران فلا شك ان فيه جهتين صدر كل واحد منهما عن كل واحدة منهما. وهذه الجهة هي الحيثية الواقعية المتحققة في ذات الفاعل وهو مبدأ صدور الاثر ومنشأ ظهوره والامر الاعتباري المحض الذي يفرض في الذهن فرضا بلا واقع انّى له شأنية الاصدار. فما قالوا في صدور الكثرة عن الواحد محقق في الفاعل ذي الحيثيات النفس الأمرية لا الفاعل الصمد الذي هو الاول والآخر والظاهر والباطن. وحيث علمنا وايقنا بأن نضد الكلمات الالهية على نظم أتم واحسن فلا يصدر من فاعلها القيوم إلّا واحد هو نور مرشوش ورق منشور ثم تصور بصور الكثرة غير المتناهية الاشرف فالاشرف نزولا والاخس فالاخس صعودا على وفق علمه العنائى الذي هو عين ذاته والكثرات مرايا آياته ومظاهر اسمائه وصفاته. ثم ان كلام الخواجة ليس إلّا في صدور الفعل عن فاعله واما ان كان الفاعل واجب الوجود لذاته فهو غير مصرّح في كلامه فتأمّل.

قوله : ثم تعرض الكثرة. ١١٦ / ٩

اشارة الى جواب ما قاله المتكلمون من انه لو لم يصدر عن الواحد الّا الواحد لما يصدر عن المعلول الاول الّا واحد هو الثاني ، وعنه واحد هو الثالث وهلم جرّا فيكون الموجودات سلسلة واحدة طولية فكيف ظهرت الكثرات العرضية.

قوله : لأن هذه الجهات لا تصلح للتأثير. ١١٦ / ١٧

هذا الاعتراض اورده الفخر الرازي أيضا. والحق ان الفاعل في الوجود هو الحق سبحانه وتلك الجهات هي شئون ظهور آثاره. وما قالوه من ان العقل يعقل ذاته لتجرده ويعقل مبدأه فليس عقلا مبائنا وموجودا متمايزا عن فاعله سبحانه وإلّا كان الواجب واحدا بالعدد وهو سبحانه في السماء إله وفي الارض إله وقيوم لهما وله ما في السموات والأرض بالملكية الحقيقية التي يعبرون عنها بالإضافة النورية الاشراقية. نعم لو تفوه بأن الماهيات متأصلة في تحققها ، او الموجودات حقائق متمايزة متباينة لكان الاعتراض واردا ولكن الأمر ارفع من تأصلها رأسا واشمخ من تبائنها اصلا. والحكم على التوحيد الصمدي محكم غاية الاحكام.

قوله : وهذا الحكم ينعكس على نفسه. ١١٦ / ١٩

النسخ كلّها على نفسه إلا (ت) فهي : الى نفسه. يعني ان قولنا مع وحدته يتّحد المعلول ينعكس على نفسه اي مع وحدة المعلول تتّحد العلة. اي كما انه لا يصدر عن الواحد الّا الواحد كذلك لا يصدر الواحد الّا عن الواحد. واعلم ان كلا من الأصل والعكس مستدل على حياله فلا اشكال على عكسه الى نفسه في الظاهر. وهذا مثل أن يقال على مبنى الحكمة المتعالية أن كل عاقل معقول وأن كلّ معقول عاقل ، فانهما حكمان برهن كل واحد منهما في محله لا أن الحكم الثاني استفيد من العكس فيقال ان الموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها.

لا بأس بنقل كلام كامل رصين من الماتن المحقق في الردّ على زعم الفخر الرازي تأييدا للمرام وتسديدا للحكم المبحوث عنه في الصدور في المقام قال في شرح الفصل الحادي عشر من خامس حكمة الاشارات : ان الفاضل الشارح ـ يعني به الفخر الرازي ـ عارض به دليل الحكماء بأن الواحد قد يسلب عنه اشياء كثيرة كقولنا هذا الشيء ليس بحجر وليس بشجر ، وقد يوصف بأشياء كثيرة

كقولنا هذا الرجل قائم وقاعد ، وقد يقبل أشياء كثيرة كالجوهر للسواد والحركة ، ولا شك في أن مفهومات سلب تلك الاشياء عنه واتصافه بتلك الاشياء وقبوله لتلك الاشياء مختلفة ويعود التقسيم المذكور حتى يلزم أن يكون الواحد لا يسلب عنه الّا واحد ولا يوصف الّا بواحد ولا يقبل الّا واحدا.

واجاب الخواجة عنه بأن سلب الشيء عن الشيء واتصاف الشيء بالشيء وقبول الشيء للشيء امور لا تتحقق عند وجود شيء واحد لا غير فانه لا يلزم الشيء الواحد من حيث هو واحد بل يستدعي وجود اشياء فوق واحدة تتقدّمها حتى يلزم تلك الامور لتلك الاشياء باعتبارات مختلفة وصدور الاشياء الكثيرة عن الاشياء الكثيرة ليس بمحال.

بيانه ان السلب يفتقر الى ثبوت موصوف وصفة والقابلية الى قابل ومقبول او الى قابل وشيء يوجد المقبول فيه واختلاف المقبول كالسواد والحركة يفتقر الى اختلاف حال القابل فان الجسم يقبل السواد من حيث ينفعل عن غيره ويقبل الحركة من حيث يكون له حال لا يمتنع خروجه عنها. واما صدور الشيء عن الشيء امر يكفي في تحققه فرض شيء واحد هو العلة والّا لامتنع استناد جميع المعلولات الى مبدأ واحد.

لا يقال الصدور أيضا لا يتحقق إلّا بعد تحقق شيء يصدر عنه وشيء صادر ، لأنّا نقول الصدور يطلق على معنيين : احدهما امر اضافي يعرض للعلة والمعلول من حيث يكونان معا وكلامنا ليس فيه. والثاني كون العلة بحيث يصدر عنه المعلول وهو بهذا المعنى متقدم على المعلول ثم على الاضافة العارضة لهما وكلامنا فيه وهو امر واحد ان كان المعلول واحدا. وذلك الأمر قد يكون هو ذات العلة بعينها ان كانت العلة علّة لذاتها ، وقد يكون حالة تعرض لها ان كانت علة لا لذاتها بل بحسب حالة اخرى أما إذا كان المعلول فوق واحد فلا محالة يكون ذلك الأمر مختلفا ويلزم منه التكثّر في ذات العلة. انتهى. ثم ان في المقام مباحثات اخرى رأينا الذبّ عنها أجدر وان شئت فراجع الى الأسفار (ج ٧ ط ٢ ص ٢١٩).

قوله : والنسبتان من ثواني المعقولات. ١١٧ / ٦

اعلم ان صاحب الشوارق جعل قوله والنسبتان الى قوله تتكافى النسبتان مسألة ثالثة فقال : هذه المسألة في احوال العلّة مطلقا سواء كانت تامّة او غير تامّة مع معلولها :

فمنها ان العلية والمعلولية من الامور الغير المتأصلة في الخارج على ما قال والنسبتان الخ.

ومنها أن بينهما مقابلة التضايف ومنهما أنهما قد يجتمعان الخ.

ومنها انهما اي العلة والمعلولة لا يتعاكسان فيهما اي في العلية والمعلولية وهذا المعنى يقال له الدور وهذه الاحكام كلّها ضرورية.

ومنها انه لا يجوز الترتيب بينهما الى غير النهاية ويقال له التسلسل وإليه اشار بقوله ولا يتراقى ، الخ.

وقد احتج على بطلانه بوجوه : الأوّل قوله لان كل واحد ، الخ والثاني برهان التطبيق الخ.

قوله : ولا يتراقى. ١١٧ / ٢٠

في نسخ (ص ، ق ، ش) : ولا يترامى ، بالميم على وضوح.

قوله : لأن كل واحد منها الخ. ١١٧ / ٢٠

قال صاحب الشوارق : هذا اشارة منه الى طريقة مخترعة له مشهورة عنه وهي أن الممكن لا يجب لذاته وما لا يجب لذاته لا يكون له وجود وما لم يكن له وجود لا يكون لغيره عنه وجود فلو كانت الموجودات بأسرها ممكنة لما كان في الوجود موجود فلا بد من واجب لذاته فقد ثبت واجب الوجود وانقطع السلسلة أيضا.

ثم قال : وهذا الطريقة حسنة حقّه مستقيمة خفيفة المئونة ومبناها على مقدمة ظاهرة جدّا وهي أن الشيء ما لم يمتنع جميع انحاء عدمه لم يجب وجوده. ثم أخذ في تقرير الطريقة ببيان مبسوط.

واقول : قوله وهذا الطريقة حسنة حقّة مستقيمة الخ تعريضات على ما في الشرح أعني كشف المراد من قوله وفي هذا الوجه عندي نظر.

ولعل وجه نظره ما قاله القوشجي في الشرح من يجوّز ذهاب سلسلة الممكنات الى غير النهاية يقول كل منها يجب بغيره ويوجد بغيره ولا ينتهي الى ما هو واجب بذاته فدعوى انه لا بد من وجود علة واجبة لذاتها مصادرة.

ثم يجب أن يعتقد او يلاحظ في هذه الوجوه من الأدلة أن سلسلة الممكنات الموجودة بالفعل معا قائمة بذاتها لا بدّ أن تنتهي الى واجب قائم لذاته مقيم لغيره اي الوجود القيوم ومع التوجّه الى هذا الاصل القويم كان النظر فيه غير مستقيم ، وتعليله بالمصادرة عليل.

قوله : باعتبار النسبتين. ١١٨ / ١٦

اي نسبة العلية ونسبة المعلولية. واعلم ان طريق هذا البرهان أن تعزل المعلول المحض من

السلسلة اذا كان التسلسل في جانب العلل كما هو ظاهر هذا الشرح وصريح الشوارق والأسفار ، او العلة المحضة اذا كان التسلسل في جانب المعلولات كما ان القوشجي اقام البرهان بهذا الوجه أيضا ، ثم تجعل كلا من الآحاد التي فوقه على الاول او تحتها على الثاني متعددا باعتبار وصفي العليّة والمعلولية ، فيلزم زيادة وصف العلية على الاوّل والمعلولية على الثاني فينقطع السلسلتان. فقوله من حيث السبق اي من حيث وجوب سبق العلية على المعلولية ، او بالعكس على الوجهين المذكورين في طريق العزل وكان الكلام في تناهي معروضي العلية والمعلولية فلا تغفل.

وهذا الوجه كما افاده الشارح راجع الى الثاني وقد استخرجه المصنف من برهان التطبيق. ثم الظاهر من قول الشارح ولا يحتاج في تطابقهما الى توهم تطبيق ، انه ناظر الى كون هذا البرهان اقل مئونة من برهان التطبيق كما يستفاد من الشوارق حيث قال : وهذا البرهان اقل مئونة من برهان التطبيق لانه مستغن عن توهم تطبيق كل واحد من آحاد احدى السلسلتين بواحد من آحاد السلسلة الاخرى كما احتاج إليه برهان التطبيق وذلك لكونهما متطابقتين بلا تعمل من الوهم. وكذلك هو اتم فائدة منه لانه يجري في المتعاقبات أيضا دون برهان التطبيق.

واعلم ان العزل ان اختص بالمعلول الاخير فقط كان المراد من احدى النسبتين هي النسبة بالعلية كما في الأسفار والشوارق وكان المراد من السبق السبق بالعلية ، وان لم يختص به كان قوله احدى النسبتين جاريا على العلة والمعلول كليهما وكذلك السبق.

قوله : فان الواحد من تلك السلسلة ، ١١٨ / ٢١

دليل لحصول التعدد.

قوله : هذا وجه رابع. ١١٩ / ٩

هذا الوجه هو ما ذكره الشيخ في الفصل الثاني عشر من رابع الاشارات وقد صدّره بالتنبيه. وكذا ذكره في الفصل السادس عشر من المبدأ والمعاد ، وكلام الشارح هنا قريب مما ذكره الشيخ فيه فلا بأس بما اتى به في المبدأ والمعاد توضيحا للمراد ، قال :

فصل في انه لا يمكن أن يكون لكل ممكن الوجود علة معه ممكنة الى غير نهاية : وقبل ذلك فانا نقدّم مقدمات. فمن ذلك انه لا يمكن أن يكون في زمان واحد لكل ممكن الذات علل ممكنة الذات بلا نهاية ، وذلك لأن جميعها إمّا أن يكون موجودا معا وإمّا ان لا يكون موجودا معا.

فان لم يكن موجودا معا لم يكن الغير المتناهي في زمان واحد ولكن واحد قبل الآخر أو بعد الآخر وهذا لا نمنعه. واما أن يكون موجودا معا ولا واجب وجود فيها فلا يخلو إما أن تكون تلك الجملة بما هي تلك الجملة واجبة الوجود بذاتها ، او ممكنة الوجود في ذاتها. فان كانت واجبة الوجود بذاتها وكلّ واحد منها ممكن الوجود يكون الواجب الوجود يتقوم بممكنات الوجود ، هذا محال ، وأما إن كانت ممكنة الوجود بذاتها فالجملة محتاجة في الوجود الى مفيد الوجود. فامّا أن يكون خارجا منها أو داخلا فيها.

فان كان داخلا فيها فإمّا أن يكون كل واحد واجب الوجود ـ وكان كلّ واحد منها ممكن الوجود ـ هذا خلف. واما أن يكون ممكن الوجود فيكون هو علّة للجملة ولوجود نفسه لانّه أحد الجملة. وما ذاته كاف في أن يوجد ذاته ، فهو واجب الوجود ، وكان ليس واجب الوجود هذا خلف.

فبقى أن يكون خارجا عنها. ولا يجوز ان يكون علة ممكنة ، فانا جمعنا كلّ علة ممكنة الوجود في هذه الجملة ، فهي اذا خارجة عنها وواجبة الوجود بذاتها. فقد انتهت الممكنات الى علة واجبة الوجود فليس لكلّ ممكن علّة ممكنة معه. انتهي ما افاده في المبدأ والمعاد.

قوله : واما أن يكون موجودا معا الخ

هذا المطلب الجسيم كان مرادنا في قولنا آنفا من انه يجب أن يلاحظ ان سلسلة الممكنات الموجودة بالفعل معا الخ.

قوله : نسبة الامكان. ١٢٠ / ١٨

كما في (ص) وفي (م ، ق ، ش) نسبة امكان. ويأتي قوله في المسألة الاولى من الفصل الرابع من المقصد الثاني في شرح قول الماتن : «وادلّة وجوده مدخولة» على تعريف الامكان باتفاق النسخ كلها حيث يقول : لأن نسبة القبول نسبة الامكان ونسبة الفاعل نسبة الوجوب.

قوله : وتجب المخالفة بين العلة والمعلول الخ. ١٢١ / ٣

ذكره الشيخ في ثالث من سادسة إلهيات الشفاء (ص ٥٢٧ ج ٢ ط ١) قال في عنوان البحث : الفصل الثالث في مناسبة ما بين العلل الفاعلية ومعلولاتها ، فراجع.

قوله : علة لشخصيتها ، ١٢١ / ٦

وفي (ص ق) : لتشخصها.

قوله : ويساويها لا مع ذلك. ١٢١ / ٨

اي يساوي المعلول العلة لا مع فوات شرط او حضور مانع. وقوله : والاحساس مثال لعدم التساوي عند فوات شرط او حضور مانع.

قوله : يعني به ان نسبة العلية. ١٢١ / ١٣

وبعبارة اخرى لا يجوز ما مع العلة علة والّا لزم اجتماع العلتين في مرتبة واحدة ، ولا أن يكون ما مع المعلول معلولا.

قوله : كحمرة النار. ١٢١ / ١٤

بالحاء المهملة والمعجمة كما في بعض النسخ مهملة.

قوله : قال الشيخ ابو علي بن سينا الخ ، ١٢١ / ١٥

راجع في ذلك الى شرح الماتن على الفصل الحادي والعشرين من النمط الاوّل من كتاب الاشارات قوله : يجب أن يعلم في الجملة أن الصورة الجرمية وما يصحبها ليس شيء منهما سببا لقوام الهيولى مطلقا الخ ، وكذا الى شرحه على الفصل الحادي والثلاثين من النمط السادس منه قوله هداية اذا فرضنا جسما يصدر عنه فعل الخ.

قوله : ثم قال وجود الخلاء. وعدم المحوى متقارنان. ١٢١ / ١٧

وبالعكس اي وجود المحوى وعدم الخلاء متقارنان.

قوله : اعني عدم الخلاء فيكون عدم الخلاء ، ١٢١ / ١٩

أقول وهو الصواب وما في بعض النسخ اعني وجود الخلاء فيكون وجود الخلاء ، غلط جدّا.

قوله : فتوهم بعضهم ، ١٢١ / ٢٠

هذا البعض هو الفخر الرازي وتفصيل كلامه في ذلك وجواب المحقق الطوسي ايّاه يطلبان في الموضعين المذكورين من الاشارات.

قوله : بخلاف العقل والفلك ، ١٢٢ / ٤

العقل هو علة المحوى في المقام فلا تغفل.

قوله : وليس الشخص من العنصريات علة الخ. ١٢٢ / ٨

وفي (ت) : لشخص منها ، بدون كلمة آخر ، وانما خصّ هذا الحكم بالعنصريات لأن الافلاك لا يجوز فيها الكثرة الافرادية فان كل نوع منها منحصر في فرده الشخصي بخلاف العنصريات لان كل نوع منها يجوز فيه تكثر الأفراد وتحققه.

قوله : وإلّا لم تتناه الأشخاص. ١٢٢ / ٨

اقول بل لم تتحقق الأشخاص رأسا لأن العلة الذاتية اذا تحققت كان معلولها معها ولا ينفك عنها ، والفرض أن معلولها أيضا من سنخ هذا الشخص فهو أيضا علة ذاتية فكون الشخص العنصري علة ينجر حكمه الى كونه مقتضيا للكثرة بحسب ذاته والطبيعة التي تقتضي ذاته الكثرة محال أن يوجد له فرد في الخارج وكأنّ مراده من قوله والّا لم تتناه الأشخاص كان هذا المعنى الذي اشرنا إليه فتدبّر. على أنّ في كون الشخص العنصري علة ذاتية لشخص آخر مفاسد اخرى.

قوله : وأيضا فان الشخص. ١٢٢ / ١٣

تقرير القوشجي اوضح واخصر حيث قال : ان العناصر ليس بعضها اولى بأن يكون علّة ذاتية لبعضها من غيره بل نسبة كلّها في ذلك سواء فيستغني ما فرضناه معلولا عمّا فرضناه علة بغير ذلك المفروض هذا خلف.

قوله : هذا وجه ثالث. ١٢٢ / ١٩

والوجه الثاني هو قوله : ولاستغنائه عنه بغيره وقد شرحه الشارح العلامة بقوله : وأيضا فان

الشخص من العناصر الخ.

قوله : لأن التقدم الذاتي ما يبقي ، ١٢٢ / ٢١

كلمة «ما» اما موصولة او موصوفة.

قوله : ولتكافئهما. ١٢٣ / ٣

قرره صاحب الشوارق هكذا : الرابع أن افراد النوع الواحد متكافئة لتماثلها فليس بعضها اولى بالعليّة من بعض وهذا معنى قوله ولتكافئهما. وكذلك القوشجي في شرحه. ولكن يرد عليهما على هذا التقرير أن كون هذا الوجه غير السابق فيه تأمل كما اورده بعض الأجلّة على الشوارق ، وأما ما قرره الشارح العلامة فلا غبار عليه ومتين غاية المتانة.

قوله : لا يصح ، ١٢٣ / ٥

كما في (م) ، والباقية : لا يصلح.

قوله : وبالعكس قد يعدم. ١٢٣ / ٨

أتى به تحقيقا لقول الماتن : لبقاء أحدهما.

قوله : ويستحيل بقاء العلة ، ١٢٣ / ٩

كما تقدم في المسألة الثالثة من هذا الفصل قوله في ذلك : ولا يجوز بقاء المعلول بعده وان جاز في المعدّ.

قوله : والفاعل منا يفتقر الى تصور جزئي. ١٢٣ / ١٣

لأن الرأي الكليّ لا ينبعث منه شيء مخصّص جزئي وراجع في ذلك الى شرحه على الفصل التاسع والعشرين من ثالث الاشارات.

قوله : ثم إرادة ، ١٢٣ / ١٣

وتسمى الإجماع أيضا وفي (م) وحدها : ثم تشوق ، مكان قوله : ثم شوق.

قوله : ثم حركة العضلات. ١٢٣ / ١٣

بيّن قدس سرّه حق المطلب في المقام في شرحه على الفصل الخامس والعشرين من ثالث الاشارات عند قول الشيخ واما الحركات الاختيارية فهي اشدّ نفسانية ولها مبدأ عازم مجمع ، بما هذا لفظه :

اعلم ان لهذه الحركات مبادي أربعة مترتبة ابعدها عن الحركات هو القوى المدركة وهي الخيال او الوهم في الحيوان ، والعقل العملي بتوسّطهما في الإنسان.

وتليها قوة الشوق فانها تنبعث عن القوى المدركة ، وتنشعب الى شوق نحو طلب انما ينبعث عن ادراك الملائمة في الشيء اللذيذ او النافع ادراكا مطابقا او غير مطابق وتسمّى شهوة ؛ والى شوق نحو دفع وغلبة انما تنبعث عن ادراك منافاة في الشيء المكروه او الضار وتسمّى غضبا. ومغايرة هذه القوة للقوى المدركة ظاهرة وكما ان الرئيس في القوى المدركة الحيوانية هو الوهم فالرئيس في القوى المحركة هو هذه القوة.

وتليها الاجماع وهو العزم الذي ينجزم بعد التردد في الفعل والترك وهو المسمّى بالارادة والكراهة. ويدل على مغايرته للشوق كون الانسان مريدا لتناول ما لا يشتهيه ، وكارها لتناول ما يشتهيه. وعند وجود هذا الاجماع يترجّح احد طرفي الفعل والترك اللذين تتساوى نسبتهما الى القادر عليهما.

وتليها القوى المنبثّة في مبادئ العضل المحركة للاعضاء. ويدل على مغايرتها لسائر المبادئ كون الانسان المشتاق العازم غير قادر على تحريك أعضائه ، وكون القادر على ذلك غير مشتاق ولا عازم. وهي المبادئ القريبة للحركات وفعلها تشنيج العضل وارسالها ويتساوى الفعل والترك بالنسبة إليها. انتهي.

بيان : مبادئ العضل هي الأعصاب والقوى المنبثة فيها هي المبادئ القريبة للحركات.

قوله : فحصلت الإرادة الخ. ١٢٣ / ١٩

فان قلت الانسان قد يريد ولا يشتاق كما في إرادة تناول الداء البشع ، فالجواب أن المنفي هناك الشهوة لا الشوق مطلقا فان من اعتقد النفع ينبعث من اعتقاده شوق عقلي لا محالة وان لم يسم شهوة.

قوله : والحركة الى مكان الخ. ١٢٤ / ١

هذا الكلام لدفع ايراد يتوهم في المقام وهو أن صدور الافعال الجزئية عن الانسان لا يتوقف على تصورات وارادات جزئية. مثلا من تصور الحركة على مسافة ينشئ إرادة متعلقة بقطع جميع المسافة من غير أن يتصور المتحرك الحدود الجزئية من المسافة حتى يتعلق بها الارادات الجزئية.

واعلم ان هذه المسألة العاشرة وشرحها خلاصة ما في آخر النمط الثالث من الاشارات وشرح الماتن عليه فراجع الى فصلي الخامس والعشرين والتاسع والعشرين منه.

قوله : ويشترط في صدق التأثير على المقارن الوضع. ١٢٤ / ١٥

كلمة على الجارة صلة للصدق. والمقارن بكسر الرّاء اي المقارن للمادة وذلك المقارن هو الصور القائمة بالمواد والأعراض الحالّة في الأجسام والمقارن مقابل المفارق في اصطلاح اهل المعقول كما سيأتي في أول المقصد الثاني. والوضع مرفوع اي يشرط الوضع. واعلم أن ما يشترط في تاثيره الوضع ، مادّي لا محالة لأن قوامه بمواد الأجسام فيؤثر أوّلا لمادّته وجرمه ثم للأقرب فالأقرب منه على وسعه ، فان النار تسخّن وتضيء على سعتها والشمس كذلك لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها. وأمّا ما ليس بمادّي فلا يشترط به وله الاحاطة كالمجردات. ثم ان المفارق اما مجرد بذاته وفعله ، او مجرد بذاته فقط الاوّل العقل والثاني النفس فالنفوس الفلكية والانسانية في النشأة الاولى ليست بغنيّة عن الأجرام والأجسام وان لم تكن ماديّة. وجملة الامر أن القوى المتعلقة بالأجسام اما محتاجة في ذاتها إليها كالقوة النارية والمائيّة مثلا ، او محتاجة إليها لا في ذاتها بل في فعلها كالنفوس مطلقا وسيأتي البحث عن الجوهر المفارق في اولى الاوّل من المقصد الثاني.

ثم كان الصواب أن يجعل المسألة الحادية عشرة واللتان بعدها مسألة واحدة.

قوله : يشترط في صدق التأثير. ١٢٤ / ١٦

تقرير الشارح هذه المسألة بأسرها ملخّص ما قرّره المصنّف في شرحه على الفصل الخامس عشر من سادس الاشارات.

قوله : التي باعتبارها. ١٢٥ / ٣

كلمة الموصول صفة للكلمات الثلاث والضمير راجع إليها.

قوله : او عدد تلك الاعمال ، ١٢٥ / ١٣

هذا هو الصنف الثالث الآتي ذكره.

وقوله : اما مع وحدة العمل واتصال زمانه ، ١٢٥ / ١٤

هذا هو الصنف الأوّل.

وقوله : او مع فرض الاتصال ، ١٢٥ / ١٥

هذا هو الصنف الثاني. والمراد من فرض الاتصال في العمل انه لا تعدد له اي المعتبر في هذا القسم هو امتداد الزمان فقط.

قوله : والثاني قوى يفرض صدور عمل ما منها على الاتصال. ١٢٥ / ٢١

اي من غير اعتبار وحدته وكثرته كما في الاوّل والثالث حيث اعتبر الاوّل في الاوّل والثاني في الثالث. بقى في المقام كلام وهو ان الشارح جعل التناهى عطفا على الوضع وهذا الكلام بظاهره يقتضي توقف التأثير على التناهي وفيه دغدغة كما قال الشريف : الظاهر من هذا العطف توقف تأثير القوة الجسمانيّة على التناهي كتوقفه على الوضع لكن الظاهر كما هو المفهوم من كلامهم أن التأثير متوقف على الوضع ومستلزم للتناهي.

وقال المولى اسماعيل في تعليقته على الشوارق في بيان كلامهم ومستلزم للتناهي ما هذا لفظه : اي لا يتوقف التأثير على التناهي وإلّا يلزم تحقق تناهي الأثر قبل تحقق التأثير وهو مستلزم لتحقق التأثير بعد تحقق الأثر وتحقق الأثر قبل تحقق التأثير وهو محال.

لكن صاحب الشوارق سلك سبيل الشارح العلامة فقال ما هذه خلاصة مقاله : كلّ مقارن مؤثر ما لم يعلم تناهي اثره لم يحكم بأنه مؤثر ذلك الأثر ولو كان الأثر غير متناه نجزم بأن المؤثر مجرد متعلق بذلك المقارن ثم شنع على القوم بانّهم لم يتفطنوا ما ذكره فتحيروا في العطف. ولا يخفى عليك حسن رويته وجودة دقته في بيان العطف.

قوله : يتفاوت مقابله. ١٢٦ / ٥

أي مقابل المبدأ وهو الطرف الآخر في الشرح ، فيلزم التناهي بحسب التفاوت.

قوله : امّا الأوّل ، ١٢٦ / ١٠

اي القسرية.

وقوله : من الحركات. ١٢٦ / ١٠

بيان لما في قوله ما لا يتناهى.

وقوله : عن القوتين. ١٢٦ / ١٠

صلة للصدور في قوله صدور ما لا يتناهى. والقوتان القسرية والطبيعية.

ثم ان قوله محال لما مر ، ناظر الى قوله : فيكون ما لا يتناهى في الشدة واقعا لا في زمان الخ ، وإلّا ما مرّ صريحا في هذا المعنى شيء غير ذكره الاصناف الثلاثة وقوله : لا يمكن وجود قوة جسمانية تقوى على ما يتناهى وهو لا يقتضي حجة له فقط دونهما.

نعم ان اللاتناهي في الشدة ظاهر البطلان ، ولذلك لم يشتغلوا بالاحتجاج عليه واقاموا الحجة على اللاتناهي بحسب المدة والعدة.

وقال صاحب الشوارق : وامّا بحسب الشدة فليس بمقصود إمّا لظهور بطلانه وإمّا لعدم فساده وذلك اذا كان يجوز انتهاء زمان الحركة في القلة الى حيث لا يمكن بالامكان الوقوعي تنصيفه وتجزيته.

أقول : والصواب هو ظهور بطلانه ، واما الشق الثاني فمجرد فرض غير معتبر ولا يتوهم احد أن تكون في الأجسام قوة جسمانية تقوى على ما لا يتناهى شدة وهذا الفرض الموهوم خارج عن البحث العلمي رأسا. ولذلك لم يقم الشيخ في الاشارات الحجة على التناهي في الشدّة وقال الخواجة في شرحه عليه بعد ذكر الاصناف الثلاثة ـ كما أتى به الشارح العلامة في هذا الكتاب ـ : وكان مراد الشيخ ما يختلف في النهاية واللانهاية بحسب المدة او العدة فقط. انتهى وانما كان مراده ما يختلف فيهما لان اللاتناهي في الشدة ظاهر البطلان.

قوله : حركات لا تتناهى. ١٢٦ / ١٢

منصوب بقوله يحرك.

وقوله : ثم حرّك بتلك القوة جسما اصغر الخ. ١٢٦ / ١٢

جاءت العبارة في غير واحدة من النسخ المطبوعة وغيرها هكذا : ثم حركت تلك القوة جسما اصغر ، بتأنيث الفعل وحذف الجارة وهي محرفة بلا دغدغة والصحيحة ما اخترناها. وعبارة الشيخ في الاشارات هكذا : ثم فرضنا انه يحرّك اصغر من ذلك بتلك القوة. وعبارة الخواجة في شرحه عليها هكذا : اذا حرك جسم بقوته جسما آخر من مبدأ مفروض حركات لا نهاية لها ثم فرضنا ان ذلك الجسم المحرك يحرّك جسما آخر شبيها بالجسم الاوّل في الطبيعة واصغر منه بالمقدار بتلك القوة بعينها من ذلك المبدأ المفروض الخ. ونظائر هذا التحريف في الكتاب كثيرة جدّا.

قوله : هذا خلف. ١٢٦ / ١٥

اعلم ان المصنف الماتن سلك في اقامة هذا البرهان مسلك الشيخ في الاشارات وبعد تقرير الحجة في الشرح قال : واعلم ان هذا البرهان اعمّ مأخذا ممّا استعمله الشيخ فان الحاصل منه أن القوة الغير المتناهية لو حركت بالفرض جسمين مختلفين لوجب أن يكون تحريكها إياهما متفاوتا ويلزم منه كونها متناهية بالقياس الى احدهما بعد أن فرضت غير متناهية مطلقا هذا خلف فاذن القوة الغير المتناهية سواء كانت جسمانية او غير جسمانية يمتنع أن تكون مباشرة لتحريك الاجسام بالقسر والشيخ خصّصه بالقوة الجسمانية لأن غرضه في هذا الموضع هو نفي اللانهاية عن القوى الجسمانية. انتهى.

اقول : انما كان البرهان اعمّ مأخذا لان القوة الغير المتناهية تعمّ الجسمانية وغير الجسمانية ، وقوله : سواء كانت جسمانية او غير جسمانية بيان لكونه اعم مأخذا.

قوله : وهاهنا سؤال صعب. ١٢٦ / ١٦

السائل هو الفخر الرازي في ذلك المقام ، هذا السؤال والجواب وايراد التلميذ وجواب الشيخ والايراد عليه كلّها مذكورة في شرح الماتن المحقق الطوسي على الفصل التاسع عشر من النمط السادس من الاشارات. وراجع في ذلك أيضا الى الفصل الأخير من المرحلة الثامنة من الأسفار (ج ١ ط ١ ص ٢٥٩). والسؤال كان رائجا قبل الفخر كما هو نصّ كلام الخواجة في المقام حيث قال : والاعتراض المشهور الّذي اورده الفاضل الشارح عليه بتجويز أن يكون التفاوت في التحريكين

بالسرعة والبطء الخ.

ثم ما قال الشارح بعد نقل كلام الماتن من الاشارات : وفيه نظر لأن اخذ القوة بحسب الاعتبارين لا ينافي وقوع التفاوت بالاعتبار الثالث ، ليس كما ينبغي لان ذلك النظر مجرد فرض غير معتبر في البحث العلمي وكما قلنا آنفا ان اللاتناهي في الشدة ظاهر البطلان ولذلك لم يشتغلوا بالاحتجاج عليه على أن الخواجة قال ان هذا الاعتراض اي السؤال الصعب مندفع لأن المراد بالقوة المذكورة هاهنا هي التي لا نهاية لها باعتبار المدة والعدة دون الشدة على ما مر. وقوله على ما مرّ ناظر الى ما قاله في الفصل الخامس عشر من النمط المذكور وقال هناك : كان مراد الشيخ في النهاية واللانهاية بحسب المدة والعدة فقط. وقيد فقط لاخراج ما بحسب الشدّة وذلك كما قلنا لشدة ظهور بطلانه ولذا لم يبحثوا عنه بنظر علمي.

قوله : ليس لها كل موجود. ١٢٦ / ٢٣

اي ليس لها مجموع موجود فكلمة كل مرفوعة على أنّها اسم ليس بمعنى المجموع ، وموجود صفة لها. وعبارة الخواجة في شرحه على الاشارات في المقام هكذا : ردّ الشيخ عليهم بأن قال لمّا لم يكن لها مجموع موجود في وقت من الاوقات.

قوله : والطبيعي. ١٢٧ / ٧

منصوب بقوله لأنّ ، معطوف على القسري.

وقوله : فإذا تحرّكا. ١٢٧ / ٧

كما في النسخ كلّها إلّا نسخة (ت) ففيها : وإذا تحرّكا.

وقوله : هذا بيان لاستحالة القسم الثاني. ١٢٧ / ٩

الخواجة قدس‌سره قرّر البرهان في شرحه على الاشارات (من الفصل ٢٠ الى ٢٣ من النمط السادس) بعد بيان تمهيد ثلاث مقدمات اتى بها الشيخ ينبغي التدبّر فيه نيلا الى المراد.

الاولى ان الجسم من حيث هو جسم لما لم يكن مقتضيا لتحريك ولا لمنع عنه بل كان ذلك لقوة تحلّه فاذن كبيره وصغيره اذا فرضنا مجردين عن تلك القوة كانا متساويين في قبول التحريك

وإلّا لكان الجسم من حيث هو جسم مانعا عنه.

الثانية أن القوة الجسمانية المسماة بالطبيعيّة اذا حرّكت جسمها ولا محالة يكون ذلك الجسم خاليا عن المعاوقة والّا لم تكن الطبيعة طبيعة لذلك الجسم فلا يجوز أن يعرض بسبب كبر الجسم وصغره تفاوت في القبول لما مرّ في المقدمة الاولى بل ان عرض تفاوت فهو بسبب القوة فانها تختلف باختلاف محلّها على ما سيأتي في المقدمة الثالثة وهناك يستبين ان التفاوت كما كان في الحركات القسريّة بسبب القوابل لا غير فهو في الطبيعة بحسب الفواعل لا غير.

الثالثة ان القوى الجسمانية المتشابهة تختلف باختلاف الأجسام ويتناسب بتناسب محالّها المختلفة بالكبر والصغر لانها حالة فيها متجزية بتجزئتها.

فنقول إنه لا يجوز ان يكون في جسم من الاجسام قوة طبيعيّة تحرّك ذلك الجسم حركات بلا نهاية وذلك لأن قوة ذلك الجسم اكثر واقوى من قوة بعضه لو انفرد بالمقدمة الأخيرة ، وليس زيادة جسمه في القدر تؤثر في منع التحريك حتى تكون نسبة المحرّكين والمتحرّكين واحدة بالمقدمة الاولى وفي هذا القول اشارة أيضا الى سبب الاحتياج الى هذه المقدمة وذلك السبب هو ان المعاوقة لو كانت في الكبير اكثر منها في الصغير مع ان القوة في الكبير أيضا أقوى منها في الصغير لكانت نسبة المحركين والمتحركين واحدة لكن ليس كذلك لما مرّ في المقدمة الاولى ، بل المتحركان في حكم ما لا يختلفان والمحركان مختلفان بالمقدمة الثانية. فان حرّكتا جسميهما من مبدأ مفروض حركات بغير نهاية لزم منه تناهى الاقل.

اقول : لمّا ثبت أن صدق التأثير على المقارن مشروط بالوضع والتناهي المذكورين ، وأن القوى الجسمانية مطلقا تكون مدة آثارها وكذلك عدد آثارها متناهية كما أنّها بحسب الشدة متناهية فلا بد أن ينتهى الأمر الى المفارق.

قوله : باستعدادات يكتسبها. ١٢٨ / ٧

هذا الاستعداد ليس ذاتيا بل يحصل من جهة العوارض الطارية وبه يحصل القرب والبعد دون الاستعداد الذاتي الاول كان للمادة لذاتها.

قوله : وجزء فاعل لمحلّه. ١٢٨ / ١٩

كلمة الجزء مضافة الى الفاعل أي جزء علة لمحلّه. والفاعل هو معطي الوجود وذلك لأن الصورة

شريكة للفاعل الذي هو المفارق على ما سلك إليه المشاء وبسط الكلام فيه الشيخ في النمط الاوّل من الاشارات وتقدم الاشارة إليه.

قال القوشجي : واعلم ان ما نقلناه عن الحكماء في هذا المبحث كلّها من فروع الهيولى والصورة ، والمصنّف لمّا كان منكرا لهما كما سيجيء كان المناسب أن لا يذكر هذه المباحث ويذكرها على سبيل النفي والانكار لا على طريق الاثبات والاقرار. وقال صاحب الشوارق تعريضا له : ان هذه الامور المتفرعة على ثبوت الهيولى ذكرها المصنف هاهنا على سبيل الحكاية ، وبمعنى انه على تقدير ثبوتها وعند القائلين بها يكون الحال هكذا فلا منافاة بينها وبين ما سيأتي من نفيه الهيولى في هذا الكتاب.

قوله : والغاية علة بماهيتها. ١٢٩ / ٨

قريب من كلام الشيخ في الفصل السابع من رابع الاشارات في تعريف الغاية حيث قال : والعلة الغائية التي لأجلها الشيء علّة بماهيّتها ومعناها لعلية العلة الفاعلية ومعلولة لها في وجودها الخ.

اي الغاية بصورتها الذهنيّة وحصولها في علم الفاعل علّة لعليّة العلة الفاعلية ، وهي معلولة في وجودها الخارجي للمعلول. وأراد وبقولهم أوّل الفكر آخر العمل هذا المعنى. قال الشيخ في إلهيات الشفاء : ونعني بالغائية العلة التي لا جلها يحصل وجود شيء مباين لها.

والمباين هو المعلول الخارجي وانما كان مبائنا لها لانه لا يكون حالا فيها ولا محلا لها. وللعارف الرومي في المثنوي :

ظاهرا آن شاخ اصل ميوه است

باطنا بهر ثمر شد شاخ هست

گر نبودى ميل واميد ثمر

كى نشاندى باغبان بيخ شجر

اوّل فكر آخر آمد در عمل

خاصه فكرى كو بود وصف ازل

قوله : وهي ثابتة لكل قاصد. ١٢٩ / ١٥

الضمير راجع الى الغاية والغاية عرّفت بانها علة لعليّة الفاعلية فلا بد أن يكون معنى هذه الجملة أن الغاية بهذا المعنى ثابتة لكل فاعل يفعل بالقصد اعنى الفاعل بالقصد على اصطلاح

الحكماء لانّ الغنى التام والجواد والملك الحق لا غرض ولا غاية له مطلقا. والفاعل الذي يفعل لغاية إما أن يكون وجود تلك الغاية اولى به فيكون الفاعل مستكملا بوجود الغاية ، أو أن فاعليته يتم بتلك الغاية فيلزم أن يكون الفاعل ناقصا في عليّته ويستكمل بتلك الغاية فالفاعل لغاية فقير والله سبحانه هو الغني فليس بفاعل لغاية وغرض كما أنّه ليس بعابث (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) (مؤمنون ١٥).

قال الخواجة في شرحه على الفصل السادس من النمط السادس من الاشارات : الغرض هو غاية فعل فاعل يوصف بالاختيار فهو اخصّ من الغاية. والقائلون بان الباري تعالى انّما يفعل لغرض ذهبوا الى انه انما يفعله لغرض يعود الى غيره لا الى ذاته وذلك لا ينافي كونه غنيا وجوادا ، فأشار الشيخ إلى أن من يفعل لغرض فلا بد من أن يكون ذلك الفعل احسن به من تركه لأن الفعل الحسن في نفسه ان لم يكن أحسن بالفاعل لم يمكن أن يصير غرضا له ثم انتج من ذلك أن الملك الحق لا غرض له مطلقا.

قوله : اما الحركات الاسطقسية. ١٢٩ / ١٧

في اقرب الموارد : الاسطقس بفتح الألف وسكون السين وفتح الطاء وكسر القاف : اعجمية معناها الاصل وتسمّى العناصر الاسطقسات (بكسر الألف) وهي الماء والارض والهواء والنار. وفي المنجد بفتح الألف وكسرها وفي غياث اللغات : بضم الاوّل والثالث والرابع وسكون الثاني لفظ يوناني بمعنى العنصر.

اقول : الكلمة اذا كانت عجميّة تلعب بها العرب ما شاءت وهذا المثل سائر بينهم : عجمي فالعب به ما شئت. والغرض العمدة ان الشارح أراد منها الحركات الطبيعية مطلقا في قبال الاراديّة سواء كانت لعناصر بسيطة أو لم تكن كما يستفاد التعميم من تمثيله بالبر وجعله مقابلا للفاعل بالقصد والإرادة ، ومن قول الماتن بعيد هذا واثبتوا للطبيعيّات غايات ، ومن قول الشارح هناك اما اثبات الغايات للحركات الطبيعية فقد تقدم. فقوله فقد تقدم اشارة الى ما قاله في هذا المقام. وفي الشوارق ان الحكماء اثبتوا لكل تحريك وفعل سواء كان اراديّا او طبيعيا غاية والمصنف خصّ هذا الحكم بالاراديات.

قوله : اما القوة الحيوانية. ١٣٠ / ١

قيد القوة بالحيوانية لاخراج الفلكية وذلك لان القوة المحركة الفلكية ليست غايتها الوصول الى

المنتهى بل غايتها الدوام على الحركة كما سيأتي.

قوله : وهو قد يكون ، ١٣٠ / ١

اي الوصول.

وقوله : فهو اما خير او عادة ، ١٣٠ / ٢

اي تلك الحركة والتذكير باعتبار الخبر. وفي (ت) وحدها : وهو قد يكون غاية الشرقية. والنسخ الاخرى : غاية الشوقية.

وقوله : او عبث او جزاف ، ١٣٠ / ٢

قال ـ قدس‌سره ـ شرحه على الفصل الاخير من خامس الاشارات : الجزاف لفظة معرّبة معناه الأخذ بكثرة من غير تقدير وقد يطلق بحسب الاصطلاح على فعل يكون مبدأه شوقا تخيليا من غير ان يقتضيه فكر كالرياضة ، او طبيعة كالتنفس ، او مزاج كحركات المرضى ، او عادة كاللعب باللحية مثلا وهو باعتبار من الفاعل كما أن العبث يكون باعتبار من الغاية.

وقوله : على ما تقدم. ١٣٠ / ٤

تقدم في المسألة العاشرة من هذا الفصل.

وقوله : وقد تكون هي بعينها. ١٣٠ / ٦

اي تكون غاية القوة المحركة بعينها.

وقوله : كمن طلب مفارقة مكانه والحصول في آخر ، ١٣٠ / ٦

فاجتمعت الغايتان اي غاية القوة المحركة وغاية القوة الشوقية.

وقوله : باطلة بالنسبة إليها ، ١٣٠ / ٧

واما بالنسبة الى القوة المحركة فالغاية حاصلة وليست بباطلة لأن غايتها هي الوصول الى المنتهى.

وقوله : وان حصلت الغايتان ، ١٣٠ / ٨

اي غاية القوة المحركة وغاية القوة الشوقية.

قوله : فهو الجزاف والعبث. ١٣٠ / ٩

الشيخ جعلهما اثنين حيث قال في الخامس من سادسة إلهيات الشفاء في اثبات الغاية (ج ٢ ط ١ ص ٥٤١) : كل نهاية ينتهي إليها الحركة وتكون هي بعينها الغاية المتشوّقة التخييلية ولا يكون المتشوقة بحسب الفكرة ، فهي التى تسمى العبث. وكل غاية ليست هي نهاية الحركة ومبدؤها تشوق تخيلي غير فكري فلا يخلو اما أن يكون التخييل وحده هو المبدأ لحركة الشوق سمي ذلك الفعل جزافا ولم يسم عبثا الخ. وكذلك الخواجة في شرحه على الفصل الاخير من خامس الاشارات جعلهما اثنين وقد تقدم آنفا.

قوله : واثبتوا للطبيعيات غايات الخ. ١٣٠ / ١٢

قال الشيخ في الفصل التاسع عشر من ثامن الاشارات : إذا نظرت في الامور وتأملتها وجدت لكل شيء من الاشياء الجسمانية كمالا يخصّه وعشقا اراديا أو طبيعيا لذلك الكمال وشوقا طبيعيا أو اراديا إليه اذا فارقه رحمة من العناية الاولى على النحو الذي هو به عناية.

وقال الخواجة في الشرح : وللشيخ رسالة لطيفة في العشق بيّن فيها سريانه في جميع الكائنات.

اقول : هذه الرسالة قد طبعت مع عدة رسائل اخرى للشيخ مترجمة بالفرنسية أيضا. وكتبها الشيخ باسم تلميذه ابي عبد الله المعصومي الذي قال ابن سينا في حقه : ابو عبد الله مني بمنزلة أرسطاطاليس من افلاطون.

وكذا قال الخواجة في شرح الفصل السابع من رابع الاشارات في البحث عن العلة الغائية ما هذا لفظه : اعترض الفاضل الشارح بانهم يثبتون للأفعال الطبيعية عللا غائية والقوى الطبيعية لا شعور لها فلا يمكن ان يقال تلك الغايات موجودة في اذهانها ، ولا أن يقال انها موجودة في الخارج لان وجودها متوقف على وجود المعلولات فاذن تلك الغايات غير موجودة وغير الموجود لا يكون علة للموجود ولا خلاص عنه إلّا بان يقال ليس للأفعال الطبيعية غايات.

والجواب أن الطبيعة ما لم تقتض لذاتها شيئا كأين ما مثلا لا تحرك الجسم الى حصول ذلك الشيء فكون ذلك الشيء مقتضاها امر ثابت دال على وجود ذلك الشيء لها بالقوة وشعور ما لها به قبل وجوده بالفعل فهو العلة الغائية لفعلها. انتهى.

اقول : الحق ان الطبائع لها غايات وكل طبيعة تحبّ بقائها وتعرج الى كمالها والكل تسعى الى غاية الغايات ومبدأ المبادئ الله رب العالمين ونعم ما قال صاحب الحكمة المنظومة :

وكل شيء غاية مستتبع

حتى فواعل هي الطبائع

وفي الاسفار أن الله تعالى قد جعل لواجب حكمته في طبع النفوس محبة الوجود والبقاء وجعل في جبلّتها كراهة الفناء والعدم وهذا حق لأن طبيعة الوجود خير محض ونور صرف وبقائه خيرية الخير ونورية النور (ج ٤ ط ١ ص ١٦٣) بل افاد الشيخ المعظم في الاوّل من ثانية نفس الشفاء أنّ حبّ الدوام امر فائض من الاله على كل شيء (ج ١ ط ١ ص ٢٩٤).

اقول ومما ينادى بأعلى صوتها أن الطبيعيات أيضا لها غايات هي وحدة النظام الحاكية عن وحدة الصنع والتدبير الدالّة على أن الحياة والشعور سارية في الكلّ وينتهي الأمر إلى أنّ الوجود المطلق الحق القيّوم هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن وان الخلق هو الموجود المقدّر القائم به قيام الفعل بفاعله والكلام بمتكلّمه وأن ما نزل من الموجودات من الصقع الربوبي ما نزل بكليته بل ملكوته بيده سبحانه وتعالى. وعليك بالتدبر فيما نتلوه عليك من منطق الوحي وبيان السنة تراجمه :

الذي خلق فسوّى والذي قدّر فهدى (الاعلى ٣ و ٤).

قال ربنا الذي اعطى كل شيء خلقه ثم هدى (طه ٥١).

وفي الارض قطع متجاورات وجنات من اعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضّل بعضها على بعض في الاكل ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون (رعد ٥).

الباب السادس والثلاثون من توحيد الصدوق في الرد على الثنوية والزنادقة باسناده عن هشام بن الحكم قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما الدليل على أن الله واحد؟ قال : اتصال التدبير وتمام الصنع ، كما قال عزوجل : لو كان فيهما آلهة الّا الله لفسدتا.

وفي توحيد المفضل : يا مفضل ان اسم هذا العالم بلسان اليونانيّة الجاري المعروف عندهم قوسموس وتفسيره الزينة. وكذلك سمته الفلاسفة ومن ادعى الحكمة فكانوا يسمّونه بهذا الاسم إلا لما رأوا فيه من التقدير والنظام فلم يرضوا أن يسموه تقديرا ونظاما حتى سمّوه زينة ليخبروا انه مع ما هو عليه من الصواب والاتقان على غاية الحسن والبهاء (بحار ج ٢ ط ١ ص ٤٥).

قوله : فقد تقدم البحث فيه ، ١٣٠ / ١٣

في هذه المسألة حيث قال آنفا : اما الحركات الاسطقسية فقد اثبت الأوائل لها غايات الخ.

قوله : واما العلل الاتفاقية فقد نفاها قوم ، ١٣٠ / ١٤

الحق ان كلّ ممكن فله سبب والاتفاق في نظام العالم منفي وكلّ ما يتوهم انه اتفاقي فهو حق وجب وجوده إلّا أن العامة يسمّون نادر الوجود او الذي سببه مجهول لهم اتفاقيا والنادر له سبب والشيء ما لم يجب وجوده لا يتحقق قط وما لم ينف جميع انحاء العدم عنه لا يوجد. ونعم ما قال المتأله السبزواري في الحكمة المنظومة (ص ١٢٢) :

وليس في الوجود الاتفاقي

اذ كل ما يحدث فهو راقي

لعلل بها وجوده وجب

يقول الاتفاق جاهل السبب

وقال في تعليقته عليه : قولنا وليس في الوجود الاتفاقي ردّ على القائل بالاتفاق فيزعم لسوء ظنّه أن المطر مثلا لضرورة المادة كائن اذا الشمس بخرت من البحار والاراضي الرطبة فاذا ارتفع البخار ووصل الى الزمهرير برد وصار ماء ونزل ضرورة فاتفق ان يتحقق مصالح شتى من غير قصد ولم يعلم هذا الجاهل انه لا يقع شيء في العالم ولو كان احقر ما يتصور بدون علم الله وارادته وقدرته المحيطة وقد مرّ أن كلّ القوى والمبادئ مجالي مشيته وقدرته ، فهب ان الشمس تبخّر فمن الذي يسخّرها ويديرها ويسيّرها والنفس المتعلقة بها التي تجرّها الى الجنوب والشمال وتفعل الفصول الاربعة من امر من هو وتجلّى من عليه وبنور من يستضيء.

وقوله يقول الاتفاق جاهل السبب ، ناظر الى عبارة المحقق الطوسي في شرحه على منطق الاشارات في الفصل المبحوث فيه عن العرضي اللازم غير المقوم ، حيث قال : لازم الشيء بحسب اللغة هو ما لا ينفك الشيء عنه وهو إما داخل فيه او خارج عنه والاول هو الذاتي المقوم ، والثاني هو المصاحب الدائم فان المصاحب منه ما يصاحبه دائما ، ومنه ما يصاحب وقتا ما ، وسبب المصاحبة إمّا ان يكون بحيث يمكن ان يعلم او لا يكون ، والاول ينسب الى اللزوم في العرف ، والثاني ينسب الى الاتفاق فان الاتفاق لا يخلو عن سبب ما إلّا أن الجاهل بسببه ينسبه الى الاتفاق. (ص ١٨ ط ١).

ونحوه ما قال في آخر شرح الفصل التاسع من النمط الثاني من الاشارات في بيان قول الشيخ وستعلم ان الاتفاق يستند الى اسباب غريبة : الاتفاق ليس على ما يظن انه لا يستند الى سبب بل هو الذي يستند الى سبب غريب يندر وجوده ولا يتفطن له فينسب الى الاتفاق (ص ٥٣ ط ١).

اقول : تفصيل البحث عن ذلك يطلب في النمطين الرابع والخامس من الاشارات. ثم يجب عليك التمييز بين الاتفاق الذي يقول به المنطقي ، وبين قول الحكيم من أن ما يوجد في الخارج ليس باتفاقي. فالمنطقي يبحث عن اللزوم بين القضيتين وعدمها فما لم يكن بينهما لزوم يقول إن القضية اتفاقية كقولك اذا كانت الشمس طالعة كانت الحمامة طائرة وأمّا الفلسفي فيحكم بأن كلّ واحد من طرفي القضية في النظام الوجودي وجب وجوده فوجد فتبصّر.

واعلم أن لمولانا مبين الحقائق الامام الصادق صلوات الله عليه في المقام كلاما في توحيد المفضل ينبغي أن نتشرف بتبرك نقله ، قال عليه‌السلام (بحار ج ٢ ط ١ ص ٤٦ و ٤٧) :

فاما اصحاب الطبائع فقالوا أن الطبيعة لا تفعل شيئا لغير معنى ولا [تتجاوز] عما فيه تمام الشيء في طبيعته وزعموا أن المحنة تشهد بذلك فقيل لهم فمن أعطى الطبيعة هذه الحكمة والوقوف على حدود الأشياء بلا مجاوزة لها وهذا قد تعجز عنه العقول بعد طول التجارب؟

فان اوجبوا للطبيعة الحكمة والقدرة على مثال هذه الأفعال فقد أقروا بما انكروا لأن هذه هي صفات الخالق ، وان انكروا أن يكون هذا للطبيعة فهذا وجه الخلق يهتف بأن الفعل للخالق الحكيم.

وقد كان من القدماء طائفة انكروا العمد والتدبير في الأشياء وزعموا أن كونها بالعرض والاتفاق. وكانوا ممّا احتجوا به هذه الاناث التي تلد غير مجرى العرف والعادة كالانسان يولد ناقصا او زائدا اصبعا ويكون المولود مشوها مبدّل الخلق فجعلوا هذا دليلا على ان كون الأشياء ليس بعمد وتقدير بل بالعرض كيف ما اتفق أن يكون.

وقد كان ارسطاطاليس ردّ عليهم فقال : ان الذي يكون بالعرض والاتفاق انما هو شيء في الفرط مرة مرة لأعراض تعرض للطبيعة فتزيلها عن سبيلها وليس بمنزلة الامور الطبيعية الجارية على شكل واحد جريا دائما متتابعا.

وانت يا مفضل ترى اصناف الحيوان أن يجري اكثر ذلك على مثال ومنهاج واحد كالانسان يولد وله يدان ورجلان وخمس اصابع كما عليه الجمهور من الناس. فاما ما يولد على خلاف ذلك فانه لعلّة تكون في الرحم او في المادة التي ينشأ منها الجنين كما يعرض في الصناعات حين يتعمد

الصانع الصواب في صنعته فيعوق دون ذلك عائق في الأداة ، أو في الآلة التي يعمل فيها الشيء فقد يحدث مثل ذلك في اولاد الحيوان للاسباب التي وصفنا فيأتي الولد زائدا أو ناقصا او مشوّها ويسلم اكثرها فيأتي سويّا لا علّة فيه فكما أن الذي يحدث في بعض الاعمال الاعراض لعلّة فيه لا توجب عليها جميعا الاهمال وعدم الصانع ، كذلك ما يحدث على بعض الأفعال الطبيعيّة لعائق يدخل عليها لا يوجب أن يكون جميعها بالعرض والاتفاق.

فقول من قال في الأشياء أن كونها بالعرض والاتفاق من قبل أن شيئا منها يأتي على خلاف الطبيعة يعرض له خطأ وخطل.

فان قالوا ولم صار مثل هذا يحدث في الأشياء؟ قيل لهم : ليعلم انه ليس كون الأشياء باضطرار من الطبيعة ولا يمكن أن يكون سواه كما قال قائلون بل هو تقدير وعمد من خالق حكيم اذ جعل الطبيعة تجري اكثر ذلك على مجرى ومنهاج معروف ويزول أحيانا عن ذلك لأعراض تعرض لها فيستدل بذلك على انها مصرفة مدبرة فقيرة الى ابداء الخالق وقدرته في بلوغ غايتها واتمام عملها تبارك الله احسن الخالقين.

اقول : تبجيل الامام عليه‌السلام ارسطاطاليس بما نطق فيه من لسان العصمة حجة على المتقشفين الذين ليس لهم إلّا إزراء العلم وذويه بما أوهم فيهم نفوسهم الأمّارة بالسوء والايذاء فهؤلاء بمعزل عن سبيل الولاية وإلّا فهذا وليّ الله الاعظم يبجّل العلم والعالم. وكفى بارسطاطاليس فخرا أن حجة الله على خلقه نطق باسمه تبجيلا وارتضى سيرته السنيّة المضيئة بأنه كان يسلك الناس الى بارئهم من طريق وحدة الصنع والتدبير ويوقظ عقولهم بأن الاتفاقي لا يكون جاريا دائما متتابعا وما هو سنّة دائمة لا تبدل ولا تحوّل فهو تحت تدبير الملكوت فكان الأصل ما هو قبل الطبيعة وفوقها وبعدها.

قال العالم الأوحدي محمد الديلمي في محبوب القلوب (ص ١٤ ط ١) : يروى ان عمرو بن العاص قدم من الاسكندرية على سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسأله عمّا رأى؟ فقال : رأيت قوما يتطلّسون ويجتمعون حلقا ويذكرون رجلا يقال له ارسطوطاليس لعنه الله.

فقال صلوات الله وتسليماته عليه وآله : مه يا عمرو! إن ارسطوطاليس كان نبيّا فجهله قومه.

قال الديلمي : قال الفاضل الشهرزورى في تاريخ الحكماء : هكذا سمعناه.

ثم قال الديلمي : اقول ويؤيد هذه الرواية ما نقل السيد الطاهر ذو المناقب والمفاخر رضي الدين على بن طاوس قدّس الله روحه في كتابه فرج المهموم في معرفة الحلال والحرام من علم النجوم قولا

بأن ابرخس وبطليموس كانا من الأنبياء ، وأن اكثر الحكماء كانوا كذلك وانما التبس على الناس امرهم لأجل اسمائهم اليونانيّة اي لما كانت اسماؤهم موافقة لاسماء بعض حكماء يونان الذين ينسب إليهم فساد الاعتقاد اشتبه على الناس حالهم وظنوا ان اصحاب تلك الأسامي بأجمعهم على نهج واحد من الاعتقاد.

واعلم ان الشيخ سلك في الشفاء مسلك وحدة الصنع والتدبير على ردّ القائلين بالبخت والاتفاق أيضا. وقد اشبع البحث عن ذلك وأجاد في الفصلين الثالث عشر والرابع عشر من المقالة الاولى منه في الفرق القائلين بالبخت والاتفاق ونقض حججهم (ج ١ ط ١ ص ٢٥ ـ ٣٣) وهذان الفصلان من غرر فصول الشفاء جدّا. ومن كلماته السامية في الثاني منهما :

ولنمعن النظر في مثل تكوّن السنبلة عن البرّة باستمداد المادة عن الأرض ، والجنين عن النطفة باستمداد المادة عن الرحم هل ذلك بالاتفاق؟ ونجده ليس باتفاقي بل امرا توجبه الطبيعة وتستدعيه قوة.

وكذلك لنساعد أيضا على قولهم ان المادة التي للثنايا لا تقبل الا هذه الصورة لكنّا نعلم انها لم يحصل لهذه المادة هذه الصورة لانها لا تقبل الّا هذه الصورة بل حصّلت هذه المادة لهذه الصورة لانّها لا تقبل الّا هذه الصورة فانه ليس البيت انما رسب فيه الحجر ، وطفى الخشب لأن الحجر اثقل والخشب أخفّ ، بل هناك صنعة صانع لم يصلح لها إلّا يكون نسب موادّ ما يفعله هذه النسبة فجاء بها على هذه النسبة والتأمل الصادق يظهر صدق ما قلناه وهو أن البقعة الواحدة اذا سقط فيها حبة برّة انبتت سنبلة برّة او حبّة شعير انبتت سنبلة شعير ويستحيل أن يقال إن الأجزاء الارضيّة والمائية تتحرك بذاتها وتنفذ في جوهر البرّة وتربّيه فانه سيظهر أن تحركها عن مواضعها ليس لذاتها والحركات التي لذاتها معلومة فيجب أن يكون تحركها انما هو يجذب قوى مستكنّة في الحبّات جاذبة باذن الله. وان كانت الامور تجري اتفاقا فلم لا ينبت البرّة شعيرة؟ ولم لا يتولد شجرة مركبة من تين وزيتون كما يتولد عندهم بالاتفاق عنز أيّل؟ «ولم لا يتكرر هذه النوادر بل يبقى الأنواع محفوظة على أكثر؟ الى آخر ما افاد.

وقال العارف الرومي في المثنوي :

هيچ گندم كارى وجو بر دهد

ديده اى اسبى كه كره خر دهد

قوله : ولأن الموصوف بالعلة. ١٣١ / ٦

دليل آخر.

وقوله : أو بعضها ، ١٣١ / ٧

عطف على كل واحد وكذلك قوله أو المجموع.

وقوله : وهذان الضعيفان ، ١٣١ / ١٠

أي الدليلان.

وقوله : وهو باطل ، ١٣١ / ١٠

أي ذلك الاقتضاء باطل.

قوله : والمادة المركبة الخ. ١٣١ / ١١

والمادة البسيطة كهيوليات البسائط العنصرية ، والصورة البسيطة كصور هذه البسائط ، والغاية البسيطة كوصول كل منها الى مكانه الطبيعي ولعلّها لوضوحها لم يذكرها الشارح. عبارة الشيخ في الثاني من اولى طبيعيات الشفاء (ص ٨ ط ١ ج ١) كقولنا عن الزاج والعفص كان المداد (كان الحبر ـ خ). وفي الثالث منها : والعفص والزاج للحبر.

وقوله : كالانسانية المركّبة من اشكال مختلفة. ١٣١ / ١١

اي من صور اعضائها الآلية والّا فالصورية لا تكون مركّبة وقد مضى في آخر المسألة الرابعة عشرة من هذا الفصل أن الصورة واحدة. قال الشيخ في الثاني عشر من اولى طبيعيات الشفاء : الصورة المركبة مثل صورة الانسانية التي تحصل من عدة قوى وصور تجتمع. فتدبر.

قوله : هذه العلل الخ. ١٣١ / ٢١

قد ذكر مثالا للفاعلية الكليّة والجزئية فقط ، وأمثلة البواقي غير خفية.

قوله : على ما مع العلة. ١٣٢ / ٩

اي وصف ملازم للعلة كما يأتي في المسألة الآتية قوله ومن العلة العرضية ما هو معدّ ، وجعله ثاني الاعتبارين هناك.

قوله : ولا يتحقق العموم والخصوص في الصور. ١٣٢ / ١٢

قال الشيخ في الفصل الثاني عشر من اولى طبيعيات الشفاء : الصورة الخاصّة لا تخالف الجزئية وهو مثل حد الشيء أو فصل الشيء أو خاصة الشيء. والعامة فلا تفارق الكليّة وهو مثل الجنس للخاصة. انتهى ما اردنا من نقل كلامه.

الظاهر أن مراد الشيخ من قوله الصورة الخاصة لا تفارق الجزئية والعامة الكليّة ، هو أن الاقسام بأسرها غير جارية في الصورة. وبعبارة اخرى ان الأقسام المذكورة وهي ان العلة مطلقا بسيطة ومركبة ، وبالقوة أو بالفعل ، وكلية وجزئية ، وذاتية وعرضية ، وعامة وخاصة وقريبة وبعيدة ، ومشتركة او خاصة ؛ جارية بأسرها في غير الصورة وأما في الصورة فالكلية والجزئية والعموم والخصوص فيها واحد. والمراد من التمثيل هو ان حدّ الشيء أو فصل الشيء او خاصة الشيء كما لا يوجد في غير هذا الشيء المخصوص فكذلك الصورة الجزئية كصورة هذا الكرسي لا توجد إلّا جزئية. وقوله وهو مثل الجنس للخاصة ، ولم يقل للنوع لأن الجنس بالنسبة الى النوع ليس صورة له بل مادة. فنقول : ان قول الشارح العلامة ولا يتحقق العموم والخصوص في الصورة يشبه ان يكون مشيرا الى ما قاله الشيخ من انه لما كانت الصورة الخاصّة والجزئية وكذلك العامة والكلية بمعنى فلا حاجة بعد ذكر احدهما الى ذكر الآخر فتأمل.

وقيل إنه لا فرق بين الصورة العامة والصورة الكلية كذلك لا فرق بين المادة العامة والكليّة ، والفاعل العام والكليّ ، والغاية العامة والكلية ، فلا حاجة الى اعتبار العامة بعد الكلية.

ولكن لا يبعد أن يكون مراد الشارح من عدم تحققهما فيها ما قاله بعضهم : من أن الفاعل العام والغاية والمادة العامّتان ، يصح وجود فرد مخصوص من أحدها يكون فاعلا او مادة أو غاية لاشياء كثيرة بخلاف الصورة فانه لا يمكن وجود فرد منها مخصوص يصلح لكونه صورة لاشياء كثيرة والا لزم اتحاد الاثنين. ويشبه أن يكون حمل كلامه على هذا الوجه أولى وألزم.

قوله : والعدم للحادث. ١٣٢ / ١٨

وفي (ت) : فالعدم. والباقية : والعدم للحادث بالواو.

قوله : على ما بيّنا الخ. ١٣٣ / ٤

بيّن في المسألتين الثامنة عشرة والثالثة والاربعين من الفصل الأوّل. وسيذكره في المسألة

الآتية أيضا.

قوله : ما هو باق الخ. ١٣٤ / ٥

كما في (م). والنسخ الاخرى كلّها. منه ما هو قار ومنه ما هو غير قار.

قوله : قد بيّنا ان العلة العرضية تقال باعتبارين. ١٣٥ / ١

بيّن في المسألة السابقة عند قوله وذاتية وعرضية. الاعتبار الاول هو قوله : وهي أن تقتضي العلة شيئا ، والثاني في آخر الشرح وهو قوله : وقد تطلق العلة العرضية الخ.

ثم عبارة المتن أعني قوله : ومن العلل العرضية ما هو معد ، موافقة لنسخة (ز) والباقية. ومن العلّة العرضية ، بالافراد.

قوله : الممكن إما أن يكون الخ. ١٣٨ / ١

حرف التعريف للعهد. وقد تقدم في المسألة الحادية والعشرين من الفصل الاول من المقصد الاول قوله : وقسمة كل منهما الى الاحتياج والغنى حقيقية. وفي مواضع اخرى أيضا.

قوله : او مقارن فاما ان يكون محلا الخ. ١٣٩ / ١

اورد القوشجي عليه بأن جعل المادة من اقسام المقارن للمادة نوع حزازة ، فالاولى أن يقال أو غير مفارق بدل قوله او مقارن. وكذا في استعمال المادة قبل أن يخرج من التقسيم فالأولى تأخير تقسيم الجواهر الى المفارق وغيره عن تقسيمه الى المادة والصورة.

وصاحب الشوارق فسّره هكذا : اما مفارق عن الوضع أو مقارن للوضع ولا يخفى أن ايراد القوشجي لا يرد على هذا التفسير.

ثم قال في الشوارق تعريضا عليه : وانت خبير بانه على هذا التقدير أيضا لا يجب أن يكون المراد من المادة هو المحل المتقوم بالحال ليرد ما ذكره فان للمادة معنى اعمّ منه ومن الموضوع ومن نفس الجسم ومن الأجزاء التي لا تتجزّى ألا ترى ان الطوائف كلّها يطلقون لفظي المادة والمادي مع أن غير المشائين لا يقولون بالمادة بمعنى المحلّ المتقوم بالحال بل تفسير المفارق بالمفارق عن المادة هنا غير صحيح وإلا لزم كون الجسم على مذهب المصنف غير مادي بل من المجردات اذ يصدق عليه المفارق بهذا المعنى. انتهى.

قوله : على هذا التقدير.

يعني على تقدير تفسير المفارق بالمفارق عن المادة ، والمقارن بالمقارن لها.

وقوله معني اعم منه ،

ذلك المعنى الاعم هو القابل الذي يكون ذا وضع.

وقوله : على مذهب المصنف غير مادي ،

وذلك لأن الجسم على رأيه ليس مركبا من الهيولى والصورة بل الجسم عنده هو نفس الصورة الجسمية كما يأتي.

قوله : ويصدق العرض على المحل والحال جزئيا ، ١٣٩ / ١٧

اي لا كليا فان الحركة القائمة بالجسم محل السرعة والبطء عند المتكلم كما يأتي في المسألة الخامسة من هذا الفصل وامّا عند الحكيم المشائي ان السرعة مثلا ليست عرضا قائما بالحركة بل هي فصل مقوم لها. ومن المحل ما هو جوهر وكذا الحال كالمادة والصورة عند المشاء. فبين المحل والعرض عموم وخصوص من وجه فمادة الاجتماع هي الحركة فانّها عرض على الجسم ومحل للسرعة والبطء. ومادتا الافتراق الجسم والسرعة فان الاوّل محل ليس بعرض ، والثانية عرض ليس بمحل. وكذا بين المحل والحال عموم وخصوص من وجه كما لا يخفى. والحال يصحّ أن يكون عطفا على المحل كما يصح ان يكون عطفا على العرض اي ويصدق الحال أيضا على المحل جزئيا لا كليا. واختار صاحب الشوارق الثاني لان النسبة بين الحال والعرض قد مرت فيلزم التكرار.

قوله : وقد يكون عرضا. ١٣٩ / ١٨

كالحركة بالنسبة الى السرعة والبطء. والمحل أعم من الموضع.

قوله : والجوهرية والعرضية من ثواني المعقولات الخ. ١٤٠ / ٣

جعل المعلم الأوّل المعقولات منحصرة في العشر : احداها مقولة الجوهر حيث انه جنس لانواعه

الخمسة ، والتسع الباقية الأعراض التسعة المشهورة. ولكن بعضهم كابن سهلان الساوجي صاحب البصائر ، والشيخ الاشراقي وغيرهما كل أخذ مذهبا ولا يهمّنا نقل تلك المذاهب.

واما ما ذهب إليه المصنف من نفي جنسية الجوهر والعرض لما تحتهما بادلّته الثلاثة فاورد عليها بأسرها بأن ما ذكره في الدليل الأوّل من احتياج اثبات كثير من الجواهر كالنفوس الناطقة والصور النوعية ، وكذا في اثبات عرضية كثير من الأعراض كالمقادير والألوان والأضواء مثلا الى وسط اي نظر واستدلال ولو كانا جنسين لما تحتهما لما احتجنا إليه لأن ذاتي الشيء يكون بيّن الثبوت لذلك الشيء ؛ فهو يتمّ لو كان الشيء متصورا بالكنه ولو تصور بالكنه لا لأمكن أن لا نحتاج الى وسط اصلا.

وبأن ما اتى به في الدليل الثاني من انهما مقولان على ما تحتهما من الأنواع بالتشكيك لأن بعض انواع الجوهر كالمجرد أولى بالجوهرية من آخر كالمادة مثلا ، وكذلك العرض بعضه كغير القار أولى بالعرضية من البعض كالقار والذاتي لا يكون مقولا بالتشكيك ؛ فهو لا يتم لأن التشكيك ناش من الوجود فان الجوهر من حيث الوجود اقدم واقوم من آخر. وأما بلحاظ الجوهر فليس فيه تقديم وتأخير لأن معنى الجوهر هو الموجود لا في موضوع أنه ماهية يلزمها في الاعيان إذا وجدت أن يكون وجودها لا في موضوع ، لا انه كان الموجود بالفعل. مثل ما يقال فلان ضاحك أي من شانه عند التعجب أن يضحك فلا ريب أنا اذا قلنا في شيء موجود أو معدوم نجد أنه ماهية اذا وجدت في الأعيان كانت لا في موضوع ، وأنّ هذا المعنى مقوم لذلك الشيء وذاتي له والجنس يدلّ على طبيعة الأشياء وماهياتها بخلاف العرض ولو عبّرنا عنه بانه ماهية من شأنها الوجود في الموضوع كان هذا المعنى لا يدل على طبيعة الأعراض وحقيقتها فان معنى العرض سلب القيام بنفسه ونسبته الى شيء آخر وهذا ما يلحق ويعرض ماهية الأعراض ولا يدل على ماهيتها مثلا ان العرض لا يدل على طبيعة البياض والسواد وغيرها بل على ان له نسبة الى ما هو فيه ، وعلى انه ذاتي يقتضي هذه النسبة كما افاده الشيخ في منطق الشفاء والنمط الرابع من الاشارات.

وأما ما أتى به في الثالث من انّا لا نعقل من الجوهر سوى المستغنى عن الموضوع ، ومن العرض المحتاج إليه وهما مفهومان اضافيان ومثل ذلك لا يمكن أن يكون الّا عرضيّا ؛ فهو في العرض صحيح لا كلام فيه ، وأما في الجوهر فلا. وذلك لما قلنا من انا نتصور من الجوهر ماهية شأنها اذا وجدت في الخارج لا يكون في موضوع وهذا المعنى هو حقيقة الجوهر وكنهه ، والاستغناء عن الموضوع المتصوّر من الجوهر وجه من وجوهه وعارض من عوارضه. فتبيّن لك ان نفي الجنسية في العرض صحيح الّا ان الدليلين الاوّلين عليلان ، والجوهر جنس والادلّة الثلاثة في نفيه مردودة.

قوله : لتوقف نسبة إحداهما على وسط.

أي على دليل ، لأن الوسط ما يقارن قولنا لأنه.

قوله : ولا بينها وبين غيرها. ١٤١ / ٧

وفي (ت) وحدها : ولا بينها وبين عرضها. واما النسخ الاخرى كلها فالعبارة : ولا بينها وبين غيرها.

قوله : مع كونها في غاية البعد عنها. ١٤١ / ١٠

هذا هو تقابل الضدين بحسب التحقيق اي التضاد الحقيقي مقابل المشهوري وقد تقدم الكلام في ذلك في الحادية عشرة من ثاني الأول.

قوله : وهو التنافي في المحل مطلقا. ١٤١ / ١٩

اي تقابل الضدين بحسب الشهرة. وقد تقدم الفرق بين المحل والموضوع آنفا في أوّل هذا المقصد.

قوله : وكلام ابي هاشم في التأليف. ١٤٢ / ١١

انّ أبا هاشم ذهب الى أن التأليف عرض واحد قائم بجوهرين فردين وان هذا هو الموجب لصعوبة الانفكاك بين أجزاء الجسم.

قوله : وبعض الأوائل في الاضافات. ١٤٢ / ١١

اي في الاضافات المتشابهة الأطراف كالتقارب والتجاور والاخوة ونظائرها.

قوله : انقسام المحل لا يستلزم الخ. ١٤٢ / ١٤

قضية مهملة في قوّة الجزئية فلا تنافي قوله الآتي : واعلم ان الأعراض السارية الخ.

قوله : واعلم ان الأعراض السارية الخ. ١٤٢ / ٢١

الأعراض السارية هي التي تقبل القسمة بانقسام محالّها كالسواد والبياض ، والمنقسمة بالمقدار كالخط. وهذه داخلة في الاولى بوجه. والحقائق الماهيات ولا يخفى عليك ان ماهيات المركبات لا تقبل الانقسام باعتبار محالّها فضلا عن البسائط.

قوله : والموضوع من جملة المشخصات. ١٤٣ / ٤

اعلم ان هذا الحكم غير مختص بالعرض بل شامل للصورة أيضا بالنسبة الى المادة لكن المصنف لما ذهب الى بساطة الجسم وعدم تركبه من المادة والصورة كما يأتي عن قريب خصّ هذا الحكم بالعرض كما افاده في الشوارق.

وقول الشارح : والّا لكان نوعه في شخصه ، اي لكان نوعه منحصرا في شخصه. وفي بعض النسخ : لكان نوعه منحصرا في شخصه. والمتن مطابق لنسخ (م ، ق ، ش).

قوله : بموجده ومشخصه : ١٤٣ / ٧

وفي (م) وحدها : بموجده وتشخصه.

قوله : الى محل متوسط ، ١٤٣ / ٩

اي يتوسطه ، وفي (م ، ق) : إلى محل يتوسطه. والباقية الى محل متوسط كالشرح بالاتفاق.

قوله : ولحركة الموضوعين. ١٤٤ / ١٠

يعنى أنا لو فرضنا خمسة جواهر أفراد متساوية ، فركب خط من ثلاثة منها ، ووضع الآخران على فوق طرفيه ثم تحرك الموضوعان الى الوسط ، الى آخر ما في الشرح.

قوله : فان تحرك القريب من القطب. ١٤٥ / ٤

انما قال القريب من القطب لأن نقطة القطب من حيث هي قطب ساكنة لا يتصور فيها الحركة

مطلقا لا الاستدارية ولا الاستقامية. ولو فرضت فيه حركة استدارية لكانت نقطة اخرى هي القطب وتدور هذه حولها ، ثم إن العبارة في (م) كانت «من التفكيك» في المتن والشرح كليهما. وفي النسخ الاخرى : التفكك مطلقا.

قوله : لأن الدائرة القطبية ١٤٥ / ١٥

الدائرة القطبية في المقام ما تلا جانب القطب وان كانت مجاورة ومماسة للمنطقية فتبصر.

قوله : ولا يلزم نفيها مطلقا. ١٤٦ / ٥

وفي (م) بدون كلمة مطلقا.

قوله : الى بقية الأجسام. ١٤٨ / ١

اي بقية الأجسام التي كان الفرض انها مؤلفة من اجزاء غير متناهية.

قوله : يساوى طباع كل واحد منهما. ١٤٩ / ٣

الطباع اعمّ من الطبيعة فيشمل الفلك أيضا. وذلك لأن الطباع يقال لمصدر الصفة الذاتية الأوّلية لكل شيء ، والطبيعة قد تختصّ بما يصدر عنه الحركة والسكون فيما هو فيه أولا وبالذات من غير إرادة ، وقوله : في هذا الموضع. باتفاق النسخ كلّها.

قوله : لما صحّ عليه. ١٤٩ / ٨

كما في (م ز ش ق د). وفي (ص) وحدها : كما صحّ عليه.

قوله : له مادة واحدة. ١٥٠ / ١١

المادة من حيث هي ليست إلّا هي فلا توصف بالوحدة والكثرة بذاتها بل بتبع الصورة فلا يرد الايراد.

قوله : ومكان المركب الخ. ١٥١ / ٨

ناظر الى عبارة الشيخ في الفصل الخامس من النمط الثاني من الاشارات حيث قال : وللبسيط مكان واحد يقتضيه طبعه وللمركب ما يقتضيه الغالب فيه اما مطلقا واما بحسب مكانه او ما اتفق

وجوده فيه اذا تساوت المجاذبات عنه فكل جسم له مكان واحد.

وقوله : ان تركب من جوهرين ، ١٥١ / ٩

كالبخار فانّه اجزاء صغار مائية كثيرة مختلطة بالهواء. وكالدخان فانه اجزاء صغار ارضية كثيرة مختلطة بالهواء ، بل وكل واحد منهما مركب من ثلاثة والجزء الثالث فيهما هي النار. ثم لو فرض تحقق المركب من جوهرين أو من ثلاثة مع التساوي والتمانع وقف المركب حيثما اتفق وجوده فيه. ولعلّ هذا المعنى هو مراد الشارح من الوسط فتأمل.

وعبارة الماتن في شرحه على الفصل المذكور من الاشارات هكذا :

المركب اما أن يكون أحد أجزائه غالبا على الباقية بالإطلاق ، أو لا يكون ، والثاني لا يخلو إما أن تكون الأجزاء التي أمكنتها في جهة واحدة كالأرض والماء مثلا غالبة على الأجزاء الباقية وحينئذ يكون تلك الأجزاء معا غالبة بحسب طلب جهة المكان ، أو لا يكون. فالمركّبات بحسب هذه القسمة ثلاثة اقسام : ومكان القسم الاوّل ما يقتضيه الغالب في المركب مطلقا ، ومكان القسم الثاني ما يقتضيه الغالب فيه بحسب مكانه اذ لا غالب فيه مطلقا لكن فيه غالب بالاعتبار المذكور ، ومكان القسم الثالث وهو الذي لا يغلب فيه جزء لا على الاطلاق ولا مع الغير بالاعتبار المذكور فهو ما اتفق وجوده فيه ويكون ذلك عند تساوي المجاذبات فيه عن المكان الذي اتفق وجوده فيه فان ذلك يقتضي بقاءه ثمة كالحديدة التي تجذبها قطع متساوية من المقناطيس عن جوانبها.

قوله : قيل في تعريف الشكل ١٥١ / ١٥

الشكل عند المهندسين هو ما أحاط به حدّ او حدود ، كما في صدر المقالة الاولى من الاصول. ولكنه عند التحقيق من الكيفيات المختصة بالكم المتّصل وهو هيئة احاطة حدّ او حدود بالشيء.

قوله : فالمقدم مثله. ١٥٣ / ٢٢

كما في جميع النسخ الستّ المعتبرة بلا استثناء. وأما ما في المطبوعة من قوله : فالملزوم مثله ، فكأنه تصحيح قياسي أوجبه قوله : لزم أحد الأمرين.

قوله : وكانت الجهة ملائمة. ١٥٤ / ١٧

باتفاق النسخ كلّها.

قوله : بل متناهية. ١٥٥ / ٣

كما في (م) وهو اسم مكان ، وغيرها : بل نهايته.

قوله : والطبيعي منها فوق وسفل الخ. ١٥٥ / ١١

ولم يتعرض بأن محدّد هما ما هو. واعلم أن كثيرا منهم ذهبوا الى أن محدّد الجهات هو تاسع الافلاك الموسوم بالأطلس ومعدل النهار وفلك الافلاك أيضا ، وبعضهم كمعاصرينا الى انه الأرض والبحث على المذهب الأول يطلب في النمط الثاني من الاشارات ، وعلى الثاني في مؤلفات المعاصرين ، ولا يهمّنا الورود في البحث عن ذلك.

قوله : وتشتمل على سبعة متحيرة الخ. ١٥٦ / ٦

هكذا في جميع النسخ التى عندنا والصواب على سبعة سيارة ، بدل على سبعة متحيرة ، الّا ان نسخة واحدة كانت خمسة متحيرة مكان سبعة متحيرة ولكنها صواب بحسب الصورة لأن المتحيرة خمسة ، وليست بصواب بحسب المعنى لأن تلك الأفلاك تشتمل على سبعة سيارة والف ونيف وعشرين كوكبا ثوابت ، لا على الخمسة المتحيرة وتلك الكواكب ، وإلّا فأين النّيران. وتصدى بعض لتصحيح العبارة فقد غفل عن تحريف المعنى. والخمسة المتحيرة هي الخنس الجوار الكنّس.

قوله : واستدلوا على ذلك بان الافلاك الخ. ١٥٨ / ٢

هذه العبارة الى قوله : انتفى لازمهما اعني الثقل والخفة ، لا توجد في نسخة معتبرة من النسخ المخطوطة المعتبرة عندنا وهي نسخة (ق) والظاهر انها تعليقة ادرجت في الكتاب ونسخة (م) قد أصابتها سوانح من أول هذا الفصل الرابع وكتبت ثانيا من النسخ الرائجة.

واعلم أن المتفكرين في خلق السموات والأرض اثبتوا بأفهامهم الرصينة افلاكا مجسمة لتنظيم حركات الكواكب ولذا قالوا انّا لا نثبت فضلا في الفلكيّات وعند التحقيق العالم الفلكي لا يحتاج أولا الى اثبات الفلك المجسم بل الفلك عنده هو مدار الكوكب وفرض الفلك مجسما لسهولة التعليم والتعلّم والبحث عن عدد الأفلاك انما هو بحث رياضي هيوى ادرج في الكلام والفلسفة وقصارى

ما يثبت الطبيعي في المقام هو محدّد الجهات الذي يعيّن الجهتين الطبيعيتين وهما فوق وسفل اللهم إلّا أن يقال ان فرض الفلك المجسّم انتشأ من تعريف الفلسفة بأنها علم بأحوال الأعيان فان الفيلسوف تفطن باختلاف الافلاك على اختلاف اوضاع الكواكب وحركاتها المختلفة فتدبر. وقد بسطنا الكلام في الفلك عند الطبيعي والرياضي في الدرس الثامن عشر من كتابنا الموسوم بدروس معرفة الوقت والقبلة فراجع.

وما قاله الشارح العلامة من أن كون الثوابت في فلك واحد غير معلوم ، فالصواب أن كونها في فلك واحد من فرض العالم الهيوي لانه لا يحتاج الى اكثر من ذلك ولا يثبت فضلا في الفلكيات. ومن فرض كونها في فلك واحد ينتظم به امر حركاتها فانّها تتحرك في كل سبعين سنة درجة واحدة فلكية. نعم ان للحكيم الرياضي الرصدي المولوي ابي القاسم غلام حسين بن المولى فتح محمد الكربلائى الجينوري صاحب الزيج البهادري بيانا على التفصيل في حركاتها المختلفة في ذلك الزيج ينجرّ نقله وشرحه الى الاطناب وان شئت فراجع إليه (ص ٥٦٥).

ثم ان الشارح كانما ناظر في قوله المذكور الى ما قاله الشيخ في الفصل السادس من الفن الثاني من طبيعيات الشفاء : على اني لم يتبيّن لي بيانا واضحا ان الكواكب الثابتة في كرة واحدة ، او في كرات ينطبق بعضها على بعض إلّا باقناعات وعسى أن يكون ذلك واضحا لغيرى. (ص ١٧٥ ج ١ ط ١).

قوله : ومركزها مركز العالم. ١٥٩ / ٥

هاهنا زيادة في النسخ المطبوعة بعد قوله ومركزها مركز العالم تقرب من ستة عشر سطرا ولكن النسخ المخطوطة كلّها خالية عنها. وانما هي تعليقة ادرجت في الكتاب بلا ارتياب. ولا بأس بنقلها هاهنا تتميما للفائدة وهي ما يلي :

ومركزها مركز العالم لا غير. بيان ذلك أن العنصريات نجد فيها قوى مهيّأة نحو الفعل أي كيفيات تجعل موضوعاتها معدة للتأثير في شيء آخر مثل الحرارة والبرودة والطعوم والروائح ، وقوى مهيّأة نحو الانفعال السريع أو البطيء أي كيفيات تجعل موضوعاتها معدة للتأثر عن الغير بحسب السرعة او البطء مثل الرطوبة واليبوسة واللين والصلابة وغير ذلك. ثم فتشنا فوجدناها قد تخلو عن جميع الكيفيات الفعلية إلا الحرارة والبرودة والمتوسطة التي تستبرد بالقياس الى الحار ، وتستسخن بالقياس الى البارد. فانا نجد جسما خاليا عن اللون ، وجسما خاليا عن الطعم ، ولم نجد جسما

خاليا عن الحرارة أو البرودة أو المتوسطة. وكذلك فتشنا فوجدناها خالية عن جميع الكيفيات الانفعالية إلّا الرطوبة واليبوسة والمتوسطة بينهما ، فعلم بهذا الاستقراء ان العناصر البسيطة لا تخلو عن احدي الكيفيّتين الفعليتين أي الحرارة والبرودة ، ولا عن احدى الكيفيتين الانفعاليتين اي الرطوبة واليبوسة. ولما كانت الازدواجات الممكنة الثنائية غير زائدة على أربعة : الحرارة مع اليبوسة ، والحرارة مع الرطوبة ، والبرودة مع الرطوبة ، والبرودة مع اليبوسة كانت البسائط الموضوعة لتلك المزدوجات أربعة : الموضوع للحرارة واليبوسة وهو النار ، والموضوع للحرارة والرطوبة وهو الهواء ، والموضوع للبرودة والرطوبة وهو الماء ، والموضوع للبرودة واليبوسة وهو الأرض.

والدليل على انها كرات هو انها بسائط وقد علمت أن الشكل الذي تقتضيه البساطة هو الكرى. انتهت تلك الزيادة.

قوله : ولأن خسوف القمر اذا اعتبر الخ. ١٥٩ / ٧

ولذلك كانوا بخسوف القمر يحصّلون مقادير اطوال البلاد. وهذا الطريق في تحصيل الطول قد أتى به من المتأخرين صاحب الزيج البهادري في الباب الخامس عشر من المقالة الثالثة منه (ص ٨٠) وأما في ازياج المتقدمين وصحفهم النجومية الهيوية فكثير ذكره. منها المجسطي الاسلامي قانون ابي ريحان البيروني تغمده الله برحمته فان الباب الأول من المقالة الخامسة منه في بيان تصحيح اطوال البلدان بالخسوفات وقد بسط القول فيه وأحسن وأجاد وافاد وهذا الاثر القويم العظيم لم تجد له بديلا بل عديلا في موضوعه.

واعلم أن الطريق المذكور في تحصيل اطوال الآفاق جار في خسوف القمر فقط ، ولا يمكن تحصيلها من كسوف الشمس لأن كسوفها ليس بانمحاء نورها واقعا بل بحيلولة القمر بينها وبين الأرض ولذا يختلف الكسوف باختلاف الآفاق بسبب اختلاف المنظر اختلافا يتفق في افق أن ينكسف الشمس كليا ، وفي افق آخر ان ينكسف جزئيا ، أو لم ينكسف اصلا ؛ بخلاف القمر فان انخسافه انمحاء نوره واقعا لوقوعه في ظل الأرض وعدم امكان كسبه النور من الشمس فمتى تحقق خسوف القمر في افق كانت الآفاق الاخرى على سواء في رؤيته على التفصيل الذي بيّن في محلّة. ثم ان من ادلّة ارسطو على كروية الأرض ما يرى من ظل الأرض على صفحة القمر حين الخسوف فان الظل يرى مدورا وظل الكرة فقط مدور فالأرض كرة.

وفي المقام ادلة اخرى ذكرناها مع الإشارة الى مصادرها ومأخذها في كتابنا الموسوم بدروس

معرفة الوقت والقبلة فراجع الى الدرس السادس عشر منه بل في عدة مواضع اخرى من سائر دروسه أيضا.

قوله : والسائر على خط نصف النهار الخ. ١٥٩ / ٩

اقول وبذلك الارتفاع والانخفاض حصّلوا مساحة الأرض على التفصيل الذي ذكرناه في الدرس المذكور آنفا (ص ١٠١ من دروس معرفة الوقت والقبلة ط ١).

قوله : والأغوار والأنجاد الخ. ١٥٩ / ١١

وذلك لأن تضاريس الأرض أوهادها وانجادها لا تخرجها عن الاستدارة حسا اذ لا نسبة محسوسة لها الى جملتها كبيضة من حديد الزقت بها حبّات شعير فلا تقدح في كونها كروية الشكل. بل قالوا ان نسبة تلك التضاريس الى كرة الأرض اصغر بكثير من نسبة الشعير الى البيضة اذ برهنوا ان نسبة ارتفاع اعظم الجبال الى قطر الأرض كنسبة سبع عرض شعيرة الى كرة قطرها ذراع كما بيّن في محلّه.

وبرهن المتأخرون أيضا الى أن ارتفاع اعظم الجبال لا يتجاوز جزء من سبعمائة جزء من نصف قطر الأرض. نعم ان المتأخرين ذهبوا الى ان الأرض ليست بكرة تامّة بل شبيهة بالكرة شكلها في الحقيقة شلجميّ بسبب تطامن طرفيها. والمباحث عن ذلك بطولها تطلب في الدرس المذكور من دروس معرفة الوقت والقبلة.

قوله : كما يعقد اهل الحيل الخ. ١٦٠ / ٢

اهل الحيل هم ارباب الاكسير اي طلّاب الكيمياء والأجساد هي الاجسام الذائبة بحسب مصطلحات اصحاب الحيل أي الفلزّات. وانما يعبّرون عنها بالاجساد لا الأجسام لأنّ الجسد هو برزخ بين الطرفين ليس بغلاظة ما دونه ، ولا بلطافة ما فوقه ، كما يعبر ارباب المعقول عن التمثلات في الخيال المتصل والمنفصل بالأجساد ، وبعضهم يعبرون عن الأبدان الاخروية مطلقا بالاجساد ، وبعضهم قائلون بان معراج الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جسدانيا. وبالجملة لما كانت الفلزات ممّا تكوّنت من العناصر وهي مركبات معدنية ذوات أمزجة ، ولها أيضا استحالات ألطف ممّا هي بالفعل عبروا عنها بالاجساد فهي ذائبة بالنسبة الى بعدها كما هي ذائبة بالنسبة الى قبلها.

والاكسير هو الكيمياء واهل العصر يقولون الشيمي. وهي كلمة فرنسية اصلهاChimic ولها فروع لغوية كثيرة وحرف C يتلفظ كثيرا بالكاف وان كان مع حرف h بعدها يتلفظ بالشين.

وما تذاب بها تلك الأجساد من الزيبق والكبريت والنوشادر وغيرها تسمى في اصطلاح اهل الكيمياء ارواحا. صرّح بذلك ابن الفناري في مصباح الانس (ص ٢٠٩ ط ١) والشارح العلامة ناظر في اغلب هذه المباحث الى كلمات الماتن في شرحه على كتاب الاشارات. فراجع الى شرحه على الفصل العشرين من النمط الثاني منه في المقام.

قوله : هي الفلك الاثير. ١٦٠ / ١٠

الاثير هي النار الخالصة الصرفة. وقد يطلق على الفلك أيضا بل اكثر استعماله في الفلكيات. والشارح قد اطلق الفلك على كرة الاثير ، وقد اطلقه عليها غيره أيضا.

قوله : كما في اصول الشعل ، ١٦٠ / ١٥

ناظر الى عبارة الشيخ في الفصل الخامس والعشرين من النمط الثاني من الاشارات قال : اعلم ان النار الساترة لما وراءها انما يكون ذلك لها اذا علقت شيئا ارضيا ينفعل بالضوء عنها ولذلك اصول الشعل وحيث النار قوية هي شفافة لا يقع لها ظل ويقع لما فوقها ظل عن مصباح آخر.

وقوله : لانهم لما رأوا الشهب الخ. ١٦٠ / ١٦

الشهب والنيازك ليستا بمتحركتين بل يظن من نحو حدوثهما أنهما متحركتان وبيان حدوثهما هو كما حرّره الماتن في شرحه على الفصل المذكور اخيرا من الاشارات أن المتخلّل اليابس المتصعّد لاكتساب الحرارة اعني الدخان المرتفع من الأرض انما يعلو البخار لأنّ اليابس اكثر حفظا للكيفيّة الفعليّة وأشدّ إفراطا فيها لذلك ، فاذا بلغ الجوّ الأقصى الحارّ بالفعل لبعده عن مجاورة الماء والأرض ومخالطة ابخرتهما وقربه من الأثير اشتعل طرفه العالي أولا ثم ذهب الاشتعال فيه إلى آخره فرأى الاشتعال ممتدا على سمت الدخان الى طرفه الآخر وهو المسمى بالشهاب فاذا استحالت الأجزاء الأرضيّة نارا صرفة صارت غير مرئيّة لعدم الاستضاءة فظنّ انها طفئت فليس ذلك بطفوء.

نعم ان حدوث النيازك والشهب عند القطبين يدلّ على أن النار كروية الشكل صحيحة الاستدارة تحديبا وتقعيرا فتأمّل.

قوله : بشيء من النار. ١٦١ / ١١

في النسخ المطبوعة زيادة اسطر هاهنا وهي تعليقة ادرجت في المتن نأتي بها تتميما للفائدة وهي هذه :

الطبقة الاولى المجاور للارض ، المتسخن لمجاورة الأرض ، المشعشعة بشعاع النير. وهي بخارية حارة. والبخار هو المتخلل الرطب وهو اجزاء مائية اكتسب حرارة فتصاعدت لأجلها وخالطت الهواء الملاصق للارض. الطبقة الثانية وهي الهواء المتباعد عن الأرض الذي انقطع عنه تأثير الشعاع لبعده عن الأرض وهي بخارية باردة ، ويقال لها الطبقة الزمهريرية وذلك بسبب ما يخالطها من الابخرة. الطبقة الثالثة : الهواء الصرف. الطبقة الرابعة : طبقة دخانية فان البخار وإن صعد في الهواء لكن الدخان يجاوزه ويعلوه لأنه اخف حركة واقوى نفوذا لشدّة الحرارة ، والدخان هو المتخلل اليابس. انتهت الزيادة.

قوله : لانهم جعلوا العناصر متعادلة. ١٦٢ / ٥

اي متعادلة في الحجم.

قوله : فوق الأرض او تحتها. ١٦٢ / ٧

المراد من التحت جوفها وباطنها ولذا كان اصغر من الأرض لأن ما في بطن الجسم أقل منه.

قوله : ولما سقط على الاستقامة الخ. ١٦٢ / ١٧

بل هو كذلك لا يسقط عليها على الاستقامة على نقطة رمي الحجر منها الى فوق. وقريب من هذا المنهج حركة الفاندول على الوجه الذي انتقل به فوكولة وعمل به في مرصد باريس وبيان تفصيله يطلب من تحفة الافلاك (ص ٢٧ ـ ٣٠ ط ١) وغيره من كتب الفن منها كتاب السماء بالفرنسية تأليف الفنس برژت (ص ١٣ ـ ١٦ ط باريس).

قوله : الخامس في طبقاتها وهي ثلاث. ١٦٣ / ٢

عبارة الشفاء في المقام هكذا : فيشبه لذلك أن تكون الأرض ثلاث طبقات : طبقة تميل إلى محوضة الأرضية ، وتغشيها طبقة مختلطة من الأرضية والمائية وهو طين ، وطبقة منكشفة عن الماء

جفّف وجهها الشمس وهو البر والجبل وما ليس بمنكشف فقد ساح عليه البحر (ج ١ ط ١ ص ٢٢٧).

وعبارة الفاضل الرومي في شرحه على الملخص في الهيئة للجغميني هكذا :

انحصار العناصر في الأربعة مستفاد من ازدواجات الكيفيّات الفعلية والانفعاليّة على ما ذكر في الطبيعي لكن التعويل على الاستقراء. وهي تسع طبقات في المشهور عند الجمهور كالافلاك : طبقة الأرض الصرفة المحيطة بالمركز ، ثم الطبقة الطينيّة ، ثم طبقة الأرض المخالطة التي تتكوّن فيها المعادن وكثير من النباتات والحيوانات ، ثم طبقة الماء ، ثم طبقة الهواء المجاور للأرض والماء ، ثم الطبقة الزمهريريّة الباردة بسبب ما تخالط الهواء من الأبخرة وعدم ارتقاء انعكاس الأشعة إليها وهي منشأ السحب والرعد والبرق والصواعق ، ثم طبقة الهواء الغالب القريب من الخلوص ، ثم الطبقة الدخانية التي يتلاشى فيها الأدخنة المرتفعة من السفل ويتكوّن فيها ذوات الأذناب والنيازك وما يشبههما من الأعمدة ونحوها وربما توجد متحركة بحركة الفلك تشييعا له ، ثم طبقة النار.

ومنهم من قسم الهواء باعتبار مخالطة الأبخرة وعدمها بقسمين : احدهما الهواء اللطيف الصافي من الأبخرة لأنّها تنتهي في ارتفاعها الى حدّ لا يتجاوزه وهو قريب من سبعة عشر فرسخا.

وثانيهما الهواء الكثيف المخلوط بالأبخرة ويسمى كرة البخار وعالم النسيم وكرة الليل والنهار إذ هي مهبّ الرياح والقابلة للظلمة والنور. والزرقة التي يظن انها لون السماء انما يتخيل فيها. وبهذا الاعتبار يمكن ان يؤخذ الطبقات سبعا كالسماوات. (ص ١٨ ط ١).

قوله : واجزاء هي حنطة. ١٦٣ / ١٩

وفي غير واحدة من النسخ المعتبرة أيضا واجزاء هي شحمة بدل قوله واجزاء هي حنطة. وقد ذهب اصحاب الخليط الى أن مادة هذه المحسوسات اي اعيان الموجودات هي تلك الأجزاء المختلفة بالنوع كما قاله الخواجة في شرحه على الثاني عشر من خامس الاشارات. وقال أيضا في شرحه على الفصل الثالث والعشرين من ثاني الاشارات : إن انكساغورس واصحابه القائلين بالخليط كانوا ينكرون التغير في الكيفية وفي الصورة ـ اي كانوا ينكرون الاستحالة والكون ـ ويزعمون ان الاركان الاربعة لا يوجد شيء منها صرفا بل هي مختلطة من تلك الطبائع ومن سائر الطبائع النوعية. وانما تسمى بالغالب الظاهر منها ويعرض لها عند ملاقاة الغير أن يبرز منها ما كان كامنا فيها فيغلب ويظهر للحس بعد ما كان مغلوبا غائبا عنه لا على انه حدث بل على انه برز ويكمن فيها ما كان

بارزا فيصير مغلوبا وغائبا بعد ما كان غالبا وظاهرا.

وبإزائهم قوم زعموا ان الظاهر ليس على سبيل بروز بل على سبيل نفوذ من غيره فيه كالماء مثلا فانّه انما يتسخن بنفوذ اجزاء نارية فيه من النار المجاورة له.

والمذهبان متقاربان فانهما يشتركان في أن الماء مثلا لم يستحل حارا لكن الحار نار تخالطه ويفترقان بأن أحدهما يرى ان النار برزت من داخل الماء ، والثاني يرى انها وردت عليه من خارجه.

وانما دعاهم الى ذلك الحكم بامتناع كون الشيء عن لا شيء ، وامتناع صيرورة الشيء شيئا آخر.

قوله : فتكسر صرافة كيفيتها. ١٦٤ / ٣

وفي (ت) : فتكسر ما فيه كيفيتها. والباقية كلّها : فتكسر صرافة كيفيتها ، كما اخترناه. والضمير في كيفيتها راجع الى الأسطقسات. وان كان راجعا الى المادة فبالاضمار اي تكسر هذه الكيفية صرافة كيفية الصورة التي حالّة في المادة.

قوله : نقل الشيخ الخ. ١٦٤ / ٢٠

نقله في الفصل السابع من الفن الثالث من طبيعيات الشفاء (ص ٢٠٥ ج ١ ط ١).

وقد ذهب صاحب الأسفار الى ذلك المذهب الذي استغربه الشيخ فراجع الى الفصل الاول من الباب الثاني من كتاب النفس منه (ص ٦ ج ٤ ط ١). وكذلك الى الفصل التاسع من الفن السادس من الجواهر والاعراض منه (ج ٢ ط ١ ص ١٩٤) وكذلك الى الفصل الرابع عشر من الفن السادس منه (ج ٢ ص ٢٠٢). وتفصيل ذلك يطلب في الفصل الخامس عشر من ذلك الفن (ج ٢ ص ٢٠٦).

وخلاصة كلام الشيخ في الشفاء وغيره من طائفة المشاء ما ذكره بهمنيار في التحصيل من أن الجواهر العنصرية ثابتة في الممتزج بصورها متغيرة في كيفياتها فقط وكيف لا تكون ثابتة فيه والمركب انما هو مركب عن اجزاء فيه مختلفة وإلّا لكان بسيطا لا يقبل الأشدّ والأضعف. وأما كيفياتها ولواحقها فتكون قد توسّطت ونقصت عن حدّ الصرافة (ص ٦٩٣ ط ١).

وقوله : وابطله الشيخ بان ذلك يكون كونا وفسادا لا مزاجا. ١٦٥ / ٤

وفي (م ق) : لا امتزاجا. ومفادهما في المقام واحد. وعنوان الفصل في الشفاء كان : في ابطال

مذهب محدث في المزاج. وما في الفصل من عبارات الشيخ تارة يناسب المزاج ، واخرى الامتزاج. وتعبير الخواجة في شرح الاشارات والقوشجى وصاحب الشوارق في شرح التجريد هو المزاج.

قوله : وكل من كان مزاجه اقرب الخ. ١٦٥ / ١٦

واتمّ منه ما افاد الخواجة في شرحه على الفصل الأخير من النمط الثاني من الاشارات ونأتي بكلامه السامي تبرّكا ثم نتبعه بما نشير إليه في المقام لنفاسة البحث عن ذلك المطلب الأسنى. قال قدس سرّه :

اعلم أن انكسار تضاد الكيفيات واستقرارها علي كيفيّة متوسطة وحدانيّة نسبة ما لها الى مبدئها الواحد. وبسببها تستحق لأن يفيض عليها صورة أو نفسا تحفظها فكلّما كان الانكسار اتم كانت النسبة اكمل والنفس الفائضة بمبدئها اشبه. انتهي.

اقول : كلامه السامي في اعتدال المزاج حكم محكم واصل رصين في النفس المكتفية التي هي المركز والقطب وما سواها من النفوس وغيرها تدور حولها فما كان اقرب منها فهو ذو مزاج اعدل فهكذا الاقرب فالاقرب ، وعلى خلافه الابعد فالأبعد. وبهذا المطلب الأسنى تقدر أن تفهم اسرارا في علم الإنسان الكامل الامام وما جاء في الجوامع الروائية من أن النفوس المكتفية إذا شاءوا أن يعلموا علموا فتدبّر حق التدبر.

ثم اعلم ان التوحّد أيضا هو ملاك تعقلنا الحقائق لأن التعقل هو التوحّد والتعلّق هو التفرق ، والتعقل لا يتحقق مع التعلق ولذا قال اصحاب التوحيد أن حقائق الأشياء في الحضرة العلمية بسيطة فلا ندركها علي نحو تعيّنها فيها إلّا من حيث أحديّتنا كما افاده في مصباح الانس (ص ٩ ط ١).

قوله : ذلك المزاج الخاص ، ١٦٥ / ٢٢

اي ذلك المزاج الخاصّ النوعي.

قوله : في تناهي الأجسام. ١٦٧ / ٨

اقول أما تناهي الابعاد الجزئية اي الأجسام الجزئية فهو قريب من الأوليات كتناهي كرة الأرض وغيرها من العناصر والكواكب. وأما تناهي الابعاد بمعنى أن العالم الجسماني ينتهي في

جميع الجهات الى محدّب محدّد الجهات وبعده لا خلاء ولا ملاء فدون اثباته خرط القتاد. والادلّة التي ذكروها كلّها مدخولة. وتلك الادلة هي البرهان السلمي ، والترسي ، وبرهان التطبيق ، والبرهان الذي اقامه السيد السمرقندي ، والبرهان اللام الفي ، والذي اقامه صاحب التلويحات ، وبرهان التخليص ، وبرهان المسامتة. وقد حرّرتها وبيّنت وجوه عدم تماميّتها في المدعى في كتابنا الموسوم بالف نكتة ونكتة فاطلبها من النكتة الثالثة والثمانين والستمائة منه.

قوله : بالتناهي. ١٦٨ / ٢

صلة لقوله اتصاف الخط ، وهو بيان به في قول الماتن.

قوله : وقيل أن النظام الخ. ١٦٩ / ١٣

اقول ذهب النظام الى أن الأجسام متجددة آنا فآنا كالأعراض كما في شرح المواقف (ص ٤٤٧ ط قسطنطنية). فقد تفوه النظام بالقول الحق أعني القول بحركة الجوهر لأن الأعراض هي المرتبة النازلة للجوهر فاذا كانت متجددة آنا فآنا كانت موضوعاتها متجدّدة أيضا وهذه حجّة من حجج اثبات الحركة في الجوهر كما قال الحكيم السبزواري في الحكمة المنظومة.

وجوهرية لدينا واقعة

إذ كانت الأعراض كلّا تابعة

فالأجسام ليست بباقية بالبرهان فهي متجدّدة آنا فآنا فلا بدّلها من جامع حافظ يجمع أجزاءها ويحفظ صورها على الاتصال والدوام كما يقوله القائل بتجدد الأمثال أيضا وذلك الجامع الحافظ ليس إلّا اصلا مفارقا ولولاه لاضمحلّت الأجسام وتفرّقت الصور والهيئات لاقتضاء الحركة ذلك. وادعاء الضرورة في بقائها ليس إلّا من شهادة الحس باستمرار الأجسام ولا يصلح الحس وشهادته بالبقاء للتعويل عليه والوثوق به.

وقال الآمدي كما في شرح المواقف : نحن نعلم بالضرورة العقلية ما ان شاهدناه بالأمس من الجبال الراسيات والارضين والسماوات هو عين ما نشاهده اليوم ، وكذا نعلم بالاضطرار ان من فاتحناه بالكلام هو عين من ختمناه معه ، وان اولادنا ورفقاءنا الآن هم الذين كانوا معنا من قبل. انتهى.

واقول : التعبير بالضرورة العقلية محض ادعاء والحق أن يقال نحن نعلم بالضرورة الحسية.

قوله : وعليها مبنى القواعد الاسلامية. ١٧٠ / ١٨

اي وهو مبنى قواعد جميع الأديان الالهية لان الدين عند الله الاسلام ولا شكّ في حدوثها آنا فآنا لأنه سبحانه وتعالى دائم الفضل على ما سواه بشئون جميع اسمائه الحسنى وصفاته العليا كما أخبر عن نفسه بانه كل يوم هو في شأن. فلا تعطيل في اسم من اسمائه ازلا وابدا لانه الحق الأحدي الصمدي الغني المغني فلا حالة انتظار له في فعل من افعاله وايفاء حكم اسم من اسمائه المنتشئة من ذاته بل الاسماء عين المسمّى كما انها غيره وكلّ يوم هو في شأن واذا كان هو في شأن فأسماؤه غير المتناهية ازلا وابدا في شئونهم. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله.

قوله : واما تناهي جزئياتها. ١٧٢ / ١

كما في (ت ، ق ، ز) والضمير راجع الى الأجسام وذلك لان المصنف بين حدوث الأجسام من جهة عدم انفكاكها من جزئيات متصفة بوصفين احدهما كونها متناهية ، وثانيهما كونها حادثة. فما لم يتبين تناهي الجزئيات وحدوثها لم يتبين حدوث الاجسام فأخذ المصنّف في بيانهما فبدأ بحدوث الجزئيات مع ان ترتيب العبارة يوجب تقديم بيان تناهيها لأن الحدوث مأخوذ في بيان التناهي ، فقال : فانها ـ يعني الجزئيات ـ لا تخلو من الحركة والسكون وكل منهما حادث. ثم تصدّى لبيان تناهي الجزئيات فقال : واما تناهي جزئياتها الخ. فكان ينبغى في الشرح أن يقال : لما بين حدوث الجزئيات شرع الآن في بيان تناهيها. ألا ان الشارح قرأ جزئياتها على التثنية فارجع الضمير الى الحركة والسكون والنساخ كتبوا المتن على منواله على صورة التثنية وهو كما ترى.

ثم المراد من قوله : فيجب زيادة المتصف بإحداهما ، هو الّذي اتصف بالإضافتين اي السبوق واللحوق او العلية والمعلولية كليهما ، والناقص هو الّذي اتصف بالسبق مثلا وحده ، والزائد ما اتصف بالسبق واللحوق معا.

قوله : فان الاولى أزيد من الثانية. ١٧٢ / ١٠

الحق ان معلوماته تعالى ومقدوراته غير متناهيتين بالفعل لأنه صمد غير متناه فكذلك معلوماته ومقدوراته فلا تجرى النسبة فيهما فلا تتطرق الزيادة والنقصان فيهما فتبصّر.

قوله : الثالث التطبيق وهو الخ. ١٧٢ / ١١

اقول : الأمر المهمّ في التناهي هو أن جميع اعيان الموجودات المتحققة في الخارج مستندة في وجوداتها الى الغني الواجب بالذات بالفعل وهذا معنى انتهاؤها. واستنادها الوجودي الى الواجب كان على وزان قوله سبحانه لكليمه : انا بدّك اللازم يا موسى. والحركات الماضية ليست عللا فاعلية لوجودها والأمر ارفع من المباحث العادية. قالت المتكلمة ان دوام الشيء مع الشيء يقتضي مساواتهما وعدم اولوية احدهما بالعليّة وهو ممنوع فان الشعاع المحسوس من النيّر لا النّير منه وهو معه يدوم بدوامه ، وكذا حركة الخاتم مع حركة الاصبع فلأن يدوم أثر اقوى المؤثرات وما له كل التأثير في الحقيقة كان اولى. والخلوّ عن التأثير تعطيل. ثم كون الحركات دائمة ازلية لا يلزم منه أن يكون كلّ حادث متوقفا على حصول ما لا يتناهى فيقال ان كل ما كان كذلك فلا يحصل. وذلك أعني عدم اللزوم لأن المتوقف على غير المتناهي وجودا يلزم منه عدم حصوله ، لا على غير المتناهي إعدادا له. والأهم من ذلك الأمر هو النيل بمعنى توحيده سبحانه. ورأينا التعرض بواحدة واحدة من شبههم والرد عليها موجبا للاسهاب فالأعراض عنها انسب بالتعليقة على الكتاب.

قوله : احد مقدوريه لا لأمر عند بعضهم ١٧٣ / ١٤

كما في (ت ، ق ، ش ، ز ، د) وذلك الأمر هو الداعي والمرجّح. وفي بعض النسخ : أحد مقدوريه بلا داع ومرجّح عند بعضهم والمظنون أن تفسير الأمر جعل موضعه في المتن. وفي (ص) : احد مقدوريه لا لمرجّح عند بعضهم ، وفي هامشه لا لأمر ـ خ ل. وقوله : لان عند وجود المؤثر التام يجب وجود الأثر ، باتفاق النسخ كلّها.

قوله : اما العقل فلم يثبت دليل على امتناعه. ١٧٦ / ٣

بل الادلّة الرصينة العقلية والنقلية قائمة على تحقّقه وجودا.

قوله : ان المعلول الاول هو العقل الاول. ١٧٧ / ٣

المعلول هو المخلوق وقد اعتبر في الخلق التقدير فينبغي أن يفرق ويميز في هذا المقام بين اوّل

ما صدر وبين اوّل ما خلق. اما الصادر الاول فهو نور مرشوش ورق منشور عليها جميع الكلمات النورية الخلقية من العقل الأوّل الى آخر الخلق. والبحث عن ذلك بالتفصيل والاستيفاء موكول الى محلّه. ولعل ما في رسالتنا الفارسية الموسومة بالوحدة في نظر الحكيم والعارف يجديك في المقام.

قوله : مشروطة بأسرها. ١٧٨ / ٥

كما في (م ، د) وفي (ص ، ق ، ز ، ش) : مشروط تأثيرها.

قوله : حركات السماوات ارادية. ١٧٨ / ٢٠

قال عز من قائل : اذ قال يوسف لأبيه يا ابت اني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (يوسف ٦) والساجدون صيغة جمع لذوي العقول. وفي الدعاء الثالث والاربعين من الصحيفة الكاملة السجادية وهو دعائه عليه‌السلام اذا نظر الى الهلال : ايها الخلق المطيع الدائب السريع المتردد في منازل التقدير المتصرف في فلك التدبير الخ.

قوله : الحركات في الجهة. ١٧٩ / ١٣

وفي (م) : الحركات والجهة وفي غيرها : في الجهة. وهذا هو الصواب المختار.

قوله : بل الايون ١٨٠ / ٥

كما في غير (م) وأما في (م) ـ وهي اقدم النسخ ـ فالعبارة : بل الالوان. والمراد من الايون امكنة الافلاك التي هي غير امكنتها الفعلية. وقال الشيخ في التعليقات : هذه الاوضاع والأيون كلها طبيعية للفلك. وقال في إلهيات الشفاء (ج ٢ ط ١ ص ٦١٥) : فهذه الحركة لا تشبه سائر الحركات الى قوله : لانها نفس استبقاء الاوضاع والأيون على التعاقب الخ ، ونحوه في طبيعيات الشفاء (ج ١ ط ١ ص ٤٦) فكلماته فيهما يؤيّد الأيون في الكشف ، بل المحقق هو الأيون لا الالوان.

قوله : كمال مقصود له. ١٨٠ / ٧

وفي غير واحدة من النسخ المعتبرة : كمال مفقود له.

قوله : قال وقولهم لا علية بين المتضائفين. ١٨٠ / ٢١

وفي (م) : قال لا علية بين المتضائفين. وظاهر الشرح يوافقها.

قوله : والاول وهو ان يكون الحاوى علة في المحوى. ١٨١ / ٤

باتفاق النسخ كلها ، واسلوب الكلام يقتضي أن يقال. علة للمحوى.

قوله : واما النفس فهي الكمال. ١٨١ / ٢١

اقول يناسب المقام الرجوع الى رسالتنا الموسومة بعيون مسائل النفس ممّا برز من قلم الراقم. وهي تنشعب الى ستة وستين عينا في كل عين تنهمر حقائق نوريّة في معرفة النفس ونرجو أن تكون تامة الفائدة لأهل التحقيق وأن تقع موقع قبول ارباب البحث والتنقيب والله سبحانه ولي التوفيق.

قوله : الذي يحصل من اجتماعهما. ١٨٢ / ٣

هكذا بافراد الموصول باطباق النسخ وكأن الصواب الذين على التثنية اي الجسم والنفس الذين يحصل من اجتماعها الخ (الشفاء ج ١ ط ١ ص ٢٧٨).

قوله : وغير توسطها. ١٨٢ / ١٠

وذلك كعلم النفس بنفسها وبآلاتها من القوى ومحالّها ، وادراكها الحقائق المرسلة والكليات المطلقة.

قوله : وعليه ثلاثة أوجه. ١٨٢ / ١٥

باتفاق النسخ كلّها. أي يستدلّ عليه ، او يدلّ عليه ، أو نحوهما.

قوله : وفي هذا الوجه نظر الخ. ١٨٢ / ١٩

والماتن في شرحه على الفصل الخامس من نفس الاشارات اورد هذا النظر ثم اجابه على

اسلوب الحكمة المشائية. والشارح العلامة ناظر الى كلامه هناك فراجع الى العين الخامسة عشر من عيون مسائل النفس.

قوله : فان اللامس اذا ادرك شيئا لا بد وان ينفعل عن الملموس. ١٨٣ / ١٠

هكذا جاءت العبارة في جميع النسخ وكان الصواب : فلا بدّ وأن ينفعل لأن في إذا معنى الشرط.

قوله : ان الإنسان قد يغفل الخ. ١٨٣ / ١٩

ان شئت فراجع في ذلك الى الدرس الرابع والخمسين من كتابنا الموسوم بدروس معرفة النفس (ص ١٧٢ ط ١) بل يجديك ذلك الكتاب في مسائل النفس الموردة في هذه المباحث من التجريد وشرحه غاية الجدوى.

قوله : والحليمي. ١٨٤ / ١٨

هذا الرجل يذكر في البحث عن المعاد الجسماني من هذا الكتاب أيضا والنسخ المطبوعة عارية عن اسمه وغير واحدة من المخطوطة الموثوق بها واجدة اياه وكذلك الراغب في الموضعين لكن لم نظفر بالحليمي في غير واحد من تراجم الرجال.

ولعل الحليمى هو الحكيمى وفي الفهرست لابن النديم (ص ١٦٨ ط تجدد) : ابو عبد الله محمد بن احمد بن ابراهيم بن قريش الحكيمى. وكان أخباريا قد سمع من جماعة. الخ.

قوله : واستدل على تجردها بوجوه الخ. ١٨٤ / ١٩

قد جمعنا ادلة تجردها العقلية من مصادرها العلمية تنتهي الى اكثر من سبعين دليلا عدة منها ناطقة في تجردها البرزخي ، وطائفة منها في تجردها العقلي ، وبعضها في فوق طور تجردها. ثم قوله لاستحالة حلول المجرد في المادي ، كان على ممشى المشاء والمتكلمة والأمر اشمخ من الحلول وارفع منه كما حقق في الحكمة المتعالية. وهكذا كثير من التعبيرات الآتية من الحال والمحل والعروض والعارض والمعروض أو القبول والقابل والمقبول ونظائرها.

قوله : وفيه نظر للمنع الخ. ١٨٥ / ١٨

وفي نظره نظر لان الحكم لم يجر على صرف التعلق حتى يرد اعتراضه بل التعلق الذي يكون

العلم بالجزء علما بكل ذلك المعلوم فيلزم على هذا ان يكون الجزء مساويا للكل بلا كلام.

قوله : لان التعقل قبول ١٨٦ / ٢

وفي (م) : لأن التعقل قبول الفعل. والنسخ الاخرى : لان التعقل قبول لا فعل. ثم ان نظر الشارح منظور فيه فتدبر.

قوله : متوسطة ١٨٦ / ٢٠

كما في (م ، ش) والنسخ الاخرى تتوسط وقوله الآتي : التي يعرض لها التعقل ، جاءت العبارة في (م). يحصل ، مكان يعرض. ولكن سياق الكلام في المتن والشرح بقرينة العارض والمعروض يوافق المختار.

قوله : متحدة في النوع ، ١٨٧ / ١٥

بل التحقيق ان النفس في النشأة الاولى نوع وتحتها افراد ، وفي النشأة الاخرى جنس وتحتها انواع فتبصر.

قوله : يصحّ جعلها. ١٨٨ / ٣

كما في (م). وفي غيرها : يصحّ جمعها.

قوله : النفوس البشرية حادثة. ١٨٨ / ٢٠

التحقيق انها حادثة بحدوث الأبدان لا مع حدوثها.

قوله : وقال افلاطون انها قديمة. ١٨٩ / ٣

والحق ان مراده من قدمها قدم مبدعها ومنشئها الذي ستعود إليه بعد انقطاعها عن الدنيا كما في الفصل السابع من الطرف الثاني من المرحلة العاشرة من الأسفار (ط ١ ج ١ ص ٣١٩) وراجع في ذلك الى الدرس الثالث من كتابنا اتحاد العاقل بالمعقول (ص ٤٢ ط ١).

قوله : فان كل انسان يجد ذاته ذاتا واحدة. ١٩٠ / ٥

كما قال سبحانه وتعالى : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (الأحزاب ٥).

قوله : النفس لا تفنى بفناء البدن. ١٩٠ / ١٠

هذا الحكم المحكم نتيجة ادلة تجردها مطلقا.

قوله : والّا بطل. ١٩١ / ٨

وفي (ت) وحدها : وإلا لبطل. والنسخ الاخرى كما اخترناه.

قوله : الى جواز التناسخ. ١٩١ / ٩

القول الحق المحقق في التناسخ هو ما حرّرناه بعون الفيّاض على الاطلاق في كتابنا المسمى بالف نكتة ونكتة فراجع الى النكتتين ٦٣٧ و ٨٤٩ منه.

قوله : في كيفية تعقل النفس وادراكها ١٩١ / ١٩

هذه المسألة من أغمض المسائل الحكمية. وقد حرّرنا البحث عنها والفحص عن مبانيها في الدرس التاسع عشر من كتابنا الموسوم باتحاد العاقل بالمعقول.

قوله : على تناسب في اقطاره. ١٩٣ / ٤

اي في ابعاده الثلاثة من الطول والعرض والعمق على تناسبه الطبيعي.

قوله : وسيأتي بيانه. ١٩٣ / ١١

وهو قوله الآتي بعيد هذا والمصورة عندي باطلة.

قوله : ليتم الاغتذاء ، ١٩٣ / ١٨

كما في غير (م) من النسخ الخمس ، وأما (م) ففيها : ليتم الغذاء.

قوله : مداخله ، ١٩٤ / ٧

جمع المدخل والضمير راجع الى جسم آخر. والكلمة حرفت تارة بمداخلة ، واخرى بمتداخلة.

قوله : والمصورة عندي باطلة. ١٩٤ / ١٠

التحقيق التام في هذه المسألة مذكور في العين الثانية والثلاثين من عيون مسائل النفس فراجع.

قوله : وفي تعدده نظر. ١٩٥ / ٥

وفي (ت) كتب في هامشها على صورة النسخة : وهي متعددة. وفي (د) بالعكس أعني جعل قوله : وفي تعدده نظر ، نسخة ، وكأن ما في الشرح يستشم منه صحة قوله : وهي متعددة.

قوله : الى وصول الهواء المنفعل ، أو ذى الرائحة. ١٩٥ / ١٥

باتفاق النسخ كلّها كما هو صريح الشرح أيضا. وما في المطبوعة : «المنفعل من ذي الرائحة» فهو وهم.

قوله : يهيّج الرائحة. ١٩٥ / ٢١

كما في (م) ، والباقية : يفتح.

قوله : عند تأدي الهواء. ١٩٦ / ٥

النسخ كلّها إلا (م) ففيها : عند بادي الهواء. وفي النسخ المطبوعة عند تعدي الهواء.

قوله : مع امتناع بقاء الشكل. ١٩٦ / ٨

اي شكل تموج الهواء وهيئة الصوت. وقوله : لهذا تدرك الجهة ويتأخر السماع عن الابصار ، استدلال على أن الصوت له وجود في الخارج. وفي المباحث المشرقية للفخر الرازي لمعتقد أن يعتقد أن الصوت لا وجود له في الخارج بل انما يحدث في الحس من ملامسة الهواء المتموج ؛ وهذا باطل لانّا كما ادركنا الصوت ادركنا مع ذلك جهته الخ (ج ١ ط ١ ص ٣٠٦).

واعلم أن صفتي القرب والبعد في الأصوات امران معنويان فادراك النفس اياهما تدلّ على

تجردها عن الاحياز وسائر اوصاف المادة كما حررناه في رسالتنا المصنوعة في براهين تجردها ، وجملة الأمر في المقام ما افادها صدر المتألهين في الفصل الثاني من الباب الرابع من الجواهر والاعراض من الأسفار (ج ٢ ط ١ ص ٣٢) من أن التحقيق أن يقال أن تعلق النفس بالبدن يوجب تعلّقها بما اتّصل به كالهواء المجاور بحيث كأنهما شيء تعلقت به النفس تعلقا ولو بالعرض فكلّما حدث فيه شيء مما يمكن للنفس ادراكه بشيء من الحواس من الهيئات والمقادير والابعاد بينها والجهة التي لها وغيرها فادركت النفس له كما هو عليه.

اقول : هذا التحقيق الانيق هو أحد البراهين على أن النفس الناطقة تصير بعد تكاملها الجوهري عارية عن المواد وهو كلام سام سامك يعقله من كان له قلب. وقد حررناه بالتقرير الأبين في الدرس الثمانين من دروس معرفة النفس واما نظر الشارح العلامة ففيه أن الصوت المسموع من وراء الجدار يدل على بقاء الشكل على حاله.

قوله : ومنه البصر. ١٩٦ / ٩

في النسخ المطبوعة زيادة كانت تعليقة ادرجت في المتن على هذه الصورة ومنه البصر وهي قوة مودعة في العصبتين المجوفتين اللتين تتلاقيان وتتفارقان الى العينين بعد تلاقيهما بتلك ويتعلق بالذات بالضوء واللون.

قوله : وهو راجع فينا الى تأثّر الحدقة. ١٩٦ / ١٣

وفي (ت) وهو راجع فيهما الى تأثر الحدقة.

قوله : ولهذا قيده المصنف ـ رحمه‌الله ـ بقوله فينا. ١٩٦ / ١٥

اقول : بل لا يصح فينا على الاطلاق أيضا لانّا نبصر في منامنا بل في يقظتنا في احوالنا الأخرى ابصارا ارفع واشد مما في يقظتنا مع انه لا يتحقق بتأثر الحدقة فعلى هذا اقرأ وارقه.

قوله : شروط الادراك سبعة. ١٩٦ / ١٩

اي الادراك البصري ولكن الابصار في الرؤيا بل في كثير من احوالنا حالة اليقظة أيضا لا يشترط فيه واحدة من تلك الشرائط.

ثم جاءت النسخ كلها هكذا : شرائط الادراك سبعة : الاول ... الثاني .. الثالث. والصواب : شروط الادراك سبعة : الاول الخ. أو شرائط الادراك سبع : الاولى ... الثانية ... الثالثة الخ.

قوله : بخروج الشعاع. ١٩٧ / ١٢

الأمر الأهم في الابصار ان تعلم ان المقصود من خروج الشعاع عند قائليه خروج الشعاع من المرئي الى البصر لا بالعكس كما اشتهر في صحف المتأخرين وراجع في ذلك الى العين الثلاثين من عيون مسائل النفس.

قوله : في الرطوبة الجليديّة. ١٩٧ / ١٥

الرطوبة الجليديّة هي رطوبة نيّرة تشبه الجليد ، مستديرة غير صحيحة الاستدارة وبها يكون البصر.

قوله : الشعاع اذا خرج. ١٩٧ / ٢٣

عبارة القوشجى في المقام هكذا : الشعاع اذا وقع على صقيل كالمرآة مثلا ينعكس منه الى شيء آخر وضعه من ذلك الصقيل كوضعه مما خرج عنه الشعاع فزاوية الانعكاس كزاوية الشعاع على ما ذكر في المناظر.

قوله : بالمرآة. ١٩٨ / ١

كما في (ز). والباقية : في المرآة. ولكن الاولى انسب بكلام اصحاب الشعاع من الثانية.

قوله : بنطاسيا. ١٩٨ / ٢١

ويقال لها الخيال أيضا. والاطبّاء يسمونها المصوّرة : تفصيل البحث يطلب في عيون مسائل النفس.

قوله : لذلك فلا بد ، ١٩٩ / ٩

كما في (ص). والباقية : كذلك فلا بد.

قوله : متفكرة ، ١٩٩ / ٥

كما في (ش) وفي (ق ص د ز) مفكرة. المفكرة صفة للقوة الناطقة من حيث انها استعملت القوة المتصرفة ، والمتفكرة صفة للمتصرفة من تلك الحيثية كالمتخيلة.

ثم ان المتذكرة في المقام قد جاءت في غير واحدة من النسخ المذكرة ، فراجع الى العين ٢٢ من عيون مسائل النفس.

قوله : والمبرسم ما لا تحقق له. ١٩٩ / ١٩

المبرسم على هيئة المفعول معرّب من كلمتين فارسيتين إحداهما بر بمعنى الجنب والاخرى سام بمعنى المرض. وفي البرسام من بحر الجواهر للهروي قال نفيس انه قد خالف جمهور القوم في تعريف هذا المرض فانهم اتفقوا على انه ورم في الحجاب الحاجز نفسه وهو الحجاب المعترض الذي بين القلب والمعدة. وفي بعض النسخ المخطوطة المسرسم مكان المبرسم واصله من السرسام كالبرسام.

قوله : والوهم المدرك للمعاني الجزئية. ٢٠٠ / ٩

والحق أن الأمر في الادراك تثليث لا تربيع. والوهم عقل ساقط. والبحث عن تحقيق هذا المطلب الاسنى يطلب في كتابنا الألف نكتة ونكتة فراجع الى النكتة ٥١٥ منه.

قوله : والحس يدرك الصور المحسوسة.

أي الحس المشترك يدركها.

قوله : بعضها مع بعض. ٢٠٠ / ١٩

وفي بعض النسخ بعضها ببعض ، ولكن الصواب هو ما اخترناه لان التركيب ليس بمزجي بل انضمامي فتدبّر.

قوله : وامكان وجود العاد. ٢٠٣ / ١٨

والعاد يطلق على الكمّ المنفصل ، والمقدّر على المتصل والعدد الاوّل هو الذي لا يعدّه غير الواحد ،

والمركب هو الذي يعدّه عدد آخر كما في صدر تاسعة الاصول والظاهر انه اراد معناه الأعم كما هو المستفاد من كلام الشارح أيضا.

ثم ان اصول النسخ المعتبرة التي عندنا مطبقة على لفظة ويشملها ، كما في (ت د ص ق ش ز) وأما (م) فناقصة هنا. فالضمير راجع الى الجسم والسطح والخط والزمان والعدد ، وفي غيرها جاءت اللفظة ويشملهما ، فالضمير راجع الى الكمّين المتّصل والمنفصل.

قوله : او عارضها. ٢٠٤ / ١١

وفي المطبوعة زيادة تقرب من سطر كانت تعليقة ادرجت في الكتاب وهي هذه : كالجسم الطبيعي الذي هو معروض للكم المتصل ، وكالمعدود الذي هو معروض للكم المنفصل ، أو عارضها كالسواد.

قوله : فيهما لأولهما. ٢٠٤ / ١٦

كما في (ق) وفي (ز ت د ص ش) : منهما لأولهما. ولكن الشرح موافق للوجه الاول لان المراد من قوله الثاني من القسمين هو المنفصل والعرضي ، والمراد من قوله : في القسمين معا هو قسما الكم أحدهما إما متصل ومنفصل ، وثانيهما : إما ذاتي أو عرضي.

قوله : لأن علم التعاليم. ٢٠٦ / ٥

اي علم الرياضي سيما الهندسة. فانهم اوّل ما كانوا يتعلمونه هو علم الهندسة لانه يقوّم الفكر ويعدّ له ويقيمه على الوسط ويحفظه من الانحراف والشطط وهذا العلم نعم العون لتعديل الفكر. قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه ونعم ما قال : اعلم ان الهندسة تفيد صاحبها اضاءة في عقله واستقامة في فكره لأن براهينها كلّها بينة الانتظام ، جلية الترتيب لا يكاد الغلط يدخل اقيستها لترتيبها وانتظامها فيبعد الفكر بممارستها عن الخطاء ، وينشأ لصاحبها عقل على ذلك المهيع. وقد زعموا انه كان مكتوبا على باب افلاطون : من لم يكن مهندسا فلا يدخلن منزلنا. وكان شيوخنا ـ رحمهم‌الله ـ يقولون : ممارسة علم الهندسة للفكر بمثابة الصابون للثوب الذي يغسل منه الاقذار وينقّيه من الأوضار والادران وانما ذلك لما اشرنا إليه من ترتيبه وانتظامه. انتهي (ص ٤٨٦ ط مصر).

قوله : والتبدل الخ. ٢٠٦ / ١٦

الغرض أن الجسم التعليمى والسطح والخط والزمان والعدد اعراض فلا يكون واحد منها جزء

لماهية الجسم الطبيعي لانه جوهر. والبرهان الاول للاول وهكذا على الترتيب أي التبدل مع بقاء الحقيقة يعطي عرضية الجسم التعليمى ، وافتقار التعليمي الى برهان يعطي عرضية السطح ـ الى قوله : ـ والتقوم به اي التقوم بالعرض يعطي عرضية العدد. وفي (ت) وحدها : والتقوم به ، والنسخ الاخرى كلها : والتقويم به. ووجههما ظاهر. ولكن قول الشارح : وأما العدد فلانه متقوم بالآحاد على اطباق النسخ ـ ظاهر في الاول ان لم يكن نصّا صريحا عليه.

قوله : والّا فالانقسام. ٢٠٧ / ١٣

كما في النسخ كلّها إلا (ص) ففيها : والّا لزمه الانقسام. ولكنها تصحيح قياسي وتصرف وهمي من غير لزوم وضرورة.

قوله : ولا فناء صرفا. ٢٠٧ / ١٨

وفي النسخ الستّ الاولى : ولا نفيا صرفا.

قوله : واما الثالث فان الجسمين. ٢٠٨ / ٤

وفي عدة نسخ معتبرة : وعن الثالث أن الجسمين ، ولكن سياق العبارة يقتضي ما اخترناه من نسخ اخرى.

قوله : باعتبار عدد الآثار. ٢٠٨ / ١١

وفي (م) باعتبار عدد الآنات ، ولا معنى للآنات في المقام.

قوله : تخصّه جملتها ٢٠٨ / ١٧

وفي (م) : تحصر جملتها. وفي (ت) تخصّ جملتها.

قوله : فالتي تحيط بها. ٢١٠ / ١٣

أي الأجزاء التي تحيط بها الخ. وقوله الآتي : والذي يقطع ، وكذا والذي ينفصل اي الجزء الّذي كان كذلك. وعبارة النسخ مضطربة. وعبارة القوشجي في المقام موافقة للمختار ، وصاحب

الشوارق نقل عبارة القوشجي أيضا حرفا بحرف. قال : زعم جمع من الأوائل أن هذه الكيفيات نفس الأشكال قالوا : ان الاجسام ينتهي تحليلها إلى اجزاء صلبة قابلة للانقسام الوهمى دون الانقسام الفعلى ، وزعموا أن تلك الأجزاء متخالفة الأشكال فالأجزاء التي يحيط بها أربع مثلثات تكون متحدة الأطراف مفرقة لاتصال العضو فتحسّ منها بالحرارة. والأجزاء التي يحيط بها ست مربعات تكون غليظة الأطراف غير نافذة في العضو فتحسّ منها بالبرودة. وكذا الحال في الطعوم فان الجزء الذي يقطع العضو الى أجزاء صغار وتكون شديدة النفوذ فيه هو الحريف ، والجزء الّذي يتلاقى هذا التقطيع هو الحلو. وكذا القول في الالوان فان الجزء الّذي ينفصل منه شعاع مفرق للبصر هو الأبيض ، والذي ينفصل منه شعاع جامع للبصر هو الأسود ، ويتحصّل من اختلاط هذين النوعين من الشعاع الألوان المتوسطة بين السواد والبياض.

قوله : وتسمى الحرارة الغريزية ، ٢١٢ / ١٣

الغريزية في قبال الغريبة. ويقال للغريزية الروح البخاري.

قوله : فتوجد ميلا مشوبا بآثار الضعف. ٢١٤ / ١٧

وفي (م ص) : فتوجد ميلا مستويا بإزاء الضعف. وعبارته الآتية بعد بضع اسطر : فاذا فرضناه ممنوّا بالمعاوقة ، حرفت هكذا : محفوفا ، وفي بعضها ممنوعا وفي بعضها مستويا ، وفي بعضها بكلمات اخرى ونظائر هذا التحريف في الكتاب كثيرة جدا. وكذا الاضافات التي هي إلحاقات الحواشي بالكتاب ، وكذا الأسقاط الاخرى رأينا عدم التعرض بها أجدر وأولى.

واعلم ان عبارة المحقق الطوسي في شرحه على الاشارات المطبوع الرائج موافقة لما اخترناها حيث قال فى شرح الفصل السادس من النمط الثاني : فاذا طرأ على جسم ذي ميل طبيعي بالفعل ميل قسري تقاوم السببان اعني القاسر والطبيعة فان غلب القاسر وصارت الطبيعة مقهورة حدث ميل قسري وبطل الطبيعي ، ثم تأخذ الموانع الخارجية والطبيعية معا في إفنائه قليلا قليلا وتقوى الطبيعة بحسب ذلك ، ويأخذ الميل القسري في الانتقاص وقوة الطبيعة في الازدياد إلى أن تقاوم الطبيعة الباقي من الميل القسري فيبقى الجسم عديم الميل ، ثم تجدّد الطبيعة ميلها مشوبا بآثار الضعف الباقية فيها ويشتد الميل بزوال الضعف فيكون الأمر بين قوة الطبيعة والميل القسري قريبا من الامتزاج الحادث بين الكيفيات المتضادة (ص ٤٩ ط شيخ رضا).

قوله : هذا اشارة الى الدليل على وجود الميل الطبيعي في كل جسم ، ٢١٤ / ٢١

هذا لو لم يكن القول بقوة جاذبة الأرض حاكما عليه. وقد ذهب ثابت بن قرّة من علماء صدر الاسلام الى القول بتجاذب الأرض كما نصّ به المتأله السبزواري في شرح الاسماء حيث قال في شرح الفصل السادس من الجوشن الكبير عند قوله عليه‌السلام يا من استقرت الارضون باذنه : وقال ثابت بن قرة : سببه ـ اي سبب ميل الأجزاء الثقيلة من جميع الجوانب الى المركز ـ طلب كل جزء موضعا يكون فيه قربه من جميع الأجزاء قربا متساويا اذ عنده ميل المدرة الى السفل ليس لكونها طالبة للمركز بالذات بل لأن الجنسية منشأ الانضمام. فقال لو فرض ان الأرض تقطّعت وتفرّقت في جوانب العالم ثم اطلقت أجزاؤها لكان يتوجه بعضها الى بعض ويقف حيث يتهيأ تلاقيها (ص ٥٣ ط ١) فبما قلنا دريت أن مذهب نيوتن في القوة الجاذبة للأرض ليس بمذهب بديع لم يكن قبل ولم يذهب إليه احد وهو ممّن نطق به وليس إلّا. واكثر الآراء الغربية الرائجة الدارجة في اصول المسائل العلمية كانت هكذا وما منها إلّا وله اصل رصين في الصحف الاسلامية إلّا ان الناس لغفلتهم عمّا في ايديهم يأكلون نعمهم ويشكرون الأغيار.

قوله : وقال ابو علي ان الثقل. ٢١٥ / ١٤

هو ابو علي الجبائي المعتزلي.

قوله : وهو المختلف. ٢١٥ / ١٨

كما في (م ق) والنسخ الاخرى : المجتلب. وقد تقدم ذكر المختلف في هذه المسألة غير مرة ، وسيأتي أيضا.

قوله : الى محل لا غير. ٢١٦ / ١

اي يحتاج الاعتماد الى محل واحد ، أما الى محل فلكونه عرضا ، وأما الى محل واحد فلامتناع حلول عرض في محلين ، والقياس بالتأليف وهم. ومدافعة محله أى حفظه.

قوله : فان المتحرك يوجد. ٢١٦ / ١٧

كما في (د ، ش) وفي نسخ اخرى المحرك مكان المتحرك ولكن الحق هو الأوّل والأكوان هي

الأكوان الأربعة على اصطلاح المتكلمين وهي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق. وسيأتي البحث عنها في مقولة الأين.

قوله : انما يتخيل لعدم غور الجسم الضوء. ٢١٧ / ١٩

هذه هي العبارة الصحيحة. والعدم بضمّ العين وسكون الدال المهملتين. والغور بفتح الغين المعجمة والضوء منصوب على المفعولية. وقد حرّفت العبارة في النسخ المطبوعة بصور مشوّهة.

وعبارة الشيخ في الشفاء هكذا : قالوا فأما السواد فيتخيّل لعدم غور الجسم وعمقه الضوء والإشفاف معا (أوّل الفصل الرابع من المقالة الثالثة من نفس الشفاء ، ص ٣١٣ ج ١ ط ١).

قوله : واما سبب وهم اولئك ٢١٩ / ٢١

باتفاق النسخ كلها وهو ناظر الى الى قوله : وسبب غلطه ما يتوهم من كونه متحركا.

قوله : والظلمة عدم ملكة. ٢٢٠ / ١٠

ولكن قال الامام سيد الساجدين عليه‌السلام : سبحانك تسمع انفاس الحيتان في قعور البحار. سبحانك تعلم وزن السماوات. سبحانك تعلم وزن الأرض. (الأرضين ـ خ ل). سبحانك تعلم وزن الشمس والقمر. سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور. سبحانك تعلم وزن الفيء والهواء. سبحانك تعلم وزن الريح كم هي من مثقال ذرّة. (الصحيفة الثانية السجادية مما جمعه المحدّث الثقة الجليل صاحب الوسائل الشيخ الحرّ العاملي رضوان الله تعالى عليه ص ٢٧٧ ط ١ مصر. وكان من دعائه عليه‌السلام في التسبيح).

قوله : لا على انه وجودية مطلقا. ٢٢٠ / ١٥

وهي العبارة الصحيحية اتفقت النسخ الستّ الاصيلة وما في المطبوعة : «لا على انتفاء كونها وجودية مطلقا» مصحفة جدّا ، وكم لها من نظير في الكتاب اعرضنا عن التعرض بها خوفا للاسهاب.

قوله : الصوت جوهر. ٢٢١ / ١

باتفاق النسخ الست الاولى : الصوت جواهر. على صيغة الجمع.

قوله : يدل علي القرب والبعد. ٢٢١ / ٢١

تقدّم كلامنا فيهما.

قوله : إذا سمعنا لفظة زيد. ٢٢٢ / ٣

وفي (م) : إذا وضعنا لفظة زيد والتركيبات الخمسة هي غير كلمة زيد من حروف زيد وهي : يزد ، ديز ، زدي ، دزي ، يدز.

قوله : تنقسم الحروف الى قسمين. ٢٢٢ / ١٨

ينبغي التوجه الى التميز بين الحروف المصوتة أو الصامتة هاهنا وبين ما في العلم الارثماطيقي ، لأن في ذلك العلم اصطلاحا آخر في الصامتة ففيه تسمى أربعة عشر حرفا صامتة تجمعها هذه الكلمات الاربع : احد ، رسص ، طعكل ، موهلا. وذكروا لها خواصّ وآثارا معجبة وراجع في المقام إلى الأسفار أيضا (ج ٢ ط ١ ص ٣٣).

قوله : ولا يعقل غيره. ٢٢٣ / ٩

ردّ على الأشاعرة اعلم أنما الاوائل ذهبوا ـ من قوله سبحانه : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) ونحوه ـ الى القول بان الله متكلم والقرآن كلام الله ، ثم الى أن القرآن قديم. إجلالا للقرآن ثم اقتفاهم الأشاعرة فانجرّ الأمر إلى أن افتوا بأنّ من قال بخلق القرآن اي حدوثه فهو مبدع بل كافر. ثمّ لمّا قابلوا الاعتراضات الكثيرة من ارباب العقول القائلين بأن القرآن مخلوق اي حادث تمسّكوا لتثبيت اعتقادهم وانفاذه ردا علي المعترضين عليهم بالكلام النفسي. وقالوا ان الكلام نفسي ولفظي والقرآن كلام قديم بالمعنى الأول ، والثاني المخلوق الحادث دالّ عليه وهذا متصرّم الحدوث دون الأوّل. ثم لمّا واجهوا اعتراضات القول في الكلام النفسي بانه أيّ نحو من الكلام تمسكوا بانه كلام ليس بخبر ولا أمر ولا نهي ولا يدخل فيه ماض ولا حال ولا استقبال ولا غيرها من احكام الكلام اللفظي ولا احكام الكلام الخيالي. وقد تمسك الفخر الرازي في المحصّل في اثبات الكلام النفسي بقول الاخطل (ص ١٢٦ ط الآستانة) :

ان الكلام لفي الفؤاد وانما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

وقال المصنف اعني المحقق الطوسي في نقد المحصّل ردا عليه : الاستدلال بهذا البيت ركيك وهو يقتضي أن يقال للأخرس متكلم لكونه بهذه الصفة. وقال في النقد أيضا : فقد صارت مسألة قدم الكلام الى أن قام العلماء ، وقعدوا وضرب الخلفاء الاكابر لأجلها بالسوط بل بالسيف مبتنية على هذا البيت الذي قاله الأخطل والاعجب تكفيرهم من يأبى القول بهذا الأمر المحال.

وقد أصرّ الفخر في محصّله بأن كلام الله تعالى قديم وهو امام الاشاعرة ومرادهم من الكلام هذا هو النفسي.

وقال شارح المقاصد : وعلى البحث والمناظرة في ثبوت الكلام النفسي وكونه هو القرآن ينبغي أن يحمل ما نقل من مناظرة ابي حنيفة وابي يوسف ستة اشهر ثم استقرّ رأيهما على أن من قال بخلق القرآن فهو كافر.

وفي شرح القوشجي : الحنابلة قالوا كلامه تعالى حروف واصوات يقومان بذاته وانه قديم وقد بالغوا فيه حتى قال بعضهم جهلا : الجلد والغلاف أيضا قديمان فضلا عن المصحف.

وفي الملل والنحل للشهرستاني : قال ابو الحسن الأشعري : الباري تعالى متكلم بكلام وكلامه واحد والعبارات والالفاظ المنزلة على لسان الملائكة الى الأنبياء عليهم‌السلام دلالات على الكلام الازلي والدلالة مخلوقة محدثة والمدلول قديم ازلي والفرق بين القراءة والمقرو والتلاوة والمتلو كالفرق بين الذكر والمذكور فالذكر محدث والمذكور قديم. انتهي ملخصا. (ص ٩٦ ج ١ ط مصر).

فما يعني بقوله : وكلامه واحد؟ فان اراد علمه البسيط الأحدي القرآني الجمعي فلم يجعل الكلام قسيم العلم. ثم ما يعني في قوله : والعبارات والالفاظ المنزلة على لسان الملائكة. والأمر ارفع من هذه الأقاويل وبعض اشاراتنا في رسالتنا الفارسية المسماة بالقرآن والانسان يجديك في المقام. وبالجملة ان ارادوا بالكلام النفسي علمه الازلي الذاتي البسيط الأحدي القرآني الجمعي ، وباللفظي الفرقان المخلوق الكتبي أو اللفظي وإلّا فلا فائدة في قيل وقال.

قوله : سموه الطلب والكلام. ٢٢٣ / ١١

كما في (م) ، والنسخ الاخرى خالية عن الطلب الّا الثانية منها بعد كتابته مدّ على وجهه خط البطلان. ولكن ذيل الشرح يؤيد ما في نسخة (م) حيث يقول : وليس الطلب مغايرا لها.

قوله : وليس الطلب مغايرا لها. ٢٢٣ / ١٦

وهذا البحث عن الطلب والإرادة تطرق في اصول الفقه أيضا وقد بسطوا الكلام فيهما في كتبهم غاية البسط بل ألفوا فيه رسائل.

قوله : منها العلم وهو اما تصورا وتصديق. ٢٢٥ / ١٢

العلم المقسم للتصور والتصديق هو الحصولي الارتسامي لا مطلق العلم. والبحث عن العلم على شعوبه من أغمض المسائل الحكمية ولنا رسالة فيه لعلّها مفيدة في موضوعها.

ثم عدّ العلم من الكيفيات فيه ما فيه لان الكيف عرض والعرض لا يكون مؤثرا في حقيقة الموضوع وجوهره والعلم يخرج النفس من الظلمة الى النور ويصير عينها وأنّى للعرض هذه الشأنية؟! بل العلم من حيث انه يجعل وجود النفس قويا ويخرجها من الضيق الى السعة فهو من حيث الوجود خارج عن المقولات. اللهم الّا ان يقال مفهومه كيف نفساني ، تفصيل البحث يطلب في رسالتنا في العلم.

قوله : ولا بد فيه من الانطباع. ٢٢٦ / ١١

بل الأمر ارفع من الانطباع. وقول الشارح : لا تحقق لها في الخارج ، كثيرا ما يراد من الخارج نفس الأمر فالصور العلمية المحققة لها نفسيّة في متن الحقائق الوجودية بمراتبها ومدارجها. ثم ان استدلالهم هذا من احدى الدلالات على اثبات الوجود الذهني على مذاق القوم.

قوله : في المحل المجرد القابل. ٢٢٦ /

القبول والانطباع والارتسام ونظائرها رائجة في السنة المشاء ، والامر كما قلنا فوق هذه العبارات. ثم ان العلم صورة عارية عن المادة واحكامها فوعاؤه اعم من الواهب والمتهب يجب أن يكون من سنخه فالنفس ومخرجها من النقص والكمال ليسا من هذه النشأة الاولى الطبيعيّة.

قوله : هو مثال المعقول وصورته. ٢٢٧ / ٦

الصورة بمعنى ما هو الشيء بالفعل فالعلم هو ادراك النفس صورة الشيء بهذا المعنى وعطف على

المثال الصورة ليفيد أن المثال بمعنى ما هو الشيء بالفعل. وراجع في تفصيل ذلك الى الفصل السابع من نفس الاشارات حيث يقول الشيخ : ادراك الشيء هو أن يكون حقيقته متمثّلة عند المدرك يشاهدها ما به يدرك. والى بيان الخواجة في الشرح حيث يقول : يقال تمثل كذا عند كذا اذا حضر منتصبا عنده بنفسه او بمثاله. والى الفصل التاسع من النمط السادس منه حيث يقول : لا تجد إن طلبت مخلصا الّا أن تقول ان تمثل النظام الكلّي في العلم السابق مع وقته الواجب اللائق يفيض منه ذلك النظام على ترتيبه الخ. والى الفصل التاسع من النمط الثامن منه حيث يقول : وكمال الجوهر العقل أن تتمثل فيه جلية الحق الأول قدر ما يمكنه أن ينال منه ببهائه الذي يخصّه ثم يتمثّل فيه الوجود كلّه على ما هو عليه مجرّدا عن الشوب الخ.

ومع الغور والخوض في تلك الكلمات الكاملة تحصّل أن ما شنّع القوم على المشاء بأنهم ذهبوا الى أن ذات الاوّل تعالى محل الصور والارتسام ليس على ما ينبغي فان التشنيع يرد عليهم لو كان المثال بمعنى الشبح والشكل ونحو هما فتدبر.

قوله : ولا يمكن الاتحاد. ٢٢٧ / ١٠

بل الاتحاد محقق وليس إلّا. وكتابنا دروس اتحاد العاقل بالمعقول كافل انحاء المباحث عنه في المسألتين أي مسألة اتحاد صورة المعقول والعاقل ، ومسألة اتحاد العاقل بالعقل الفعال.

قوله : في هذا الموضع. ٢٢٨ / ٩

كما في (م ش ز د) وفي (ص) وحدها : في هذا الموضوع.

قوله : حتى أن بعضهم توهم انه نفس الاضافة. ٢٢٨ / ١٣

وهو الفخر الرازي واتباعه. قال الفخر : لست أفتي أن العلم من أي مقولة ان لم يكن من مقولة الإضافة. انتهى. اقول : لو سئل الفخر عن علمه بنفسه فيقال له هل العلم حاصل لنفسك بذاتها أم لا؟ فيقر بعدم الاضافة لأنّ بين الشيء ونفسه لا يتحقق اضافة. ثم العجب انه كيف ذهب الى أن اشرف البضاعة الانسانية هو اضعف المقولات الاعتباري. وانما ذهب في العلم الى الاضافة ليندفع عنه بعض الشكوك الموردة على كون الادراك صورة. وتفصيل ذلك يطلب في شرح الخواجة على الفصل السابع من نفس الاشارات في العلم.

قال صدر المتألهين في الفصل الحادي عشر من الطرف الاول من المقالة العاشرة من الأسفار (ج ١ ط ١ ص ٢٨٨) والعجب من هذا المسمّى بالإمام كيف زلّت قدمه في باب العلم حتى صار الشيء الذي به كمال كلّ حيّ وفضيلة كل ذي فضل والنور الذي يهتدي به الإنسان الى مبدئه ومعاده ، عنده من اضعف الأعراض وانقص الموجودات التي لا استقلال لها في الوجود؟. أما تأمل في قوله تعالى في حق السعداء : نورهم يسعى بين ايديهم وبأيمانهم؟. أما تدبّر في قول الله سبحانه : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ)؟. وفي قوله : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)؟. ألم ينظر في معنى قول رسوله عليه وآله السلام : الايمان نور يقذفه الله في قلب المؤمن؟. فهذا وامثاله كيف يكون حقيقتها حقيقة الإضافة التي لا تحصّل لها خارجا وذهنا إلّا بحسب تحصّل حقيقة الطرفين.؟!.

وقال في الفصل الرابع من القسم الثاني من الجواهر والاعراض من الأسفار (ج ٢ ط ١ ص ٣٩) : قال فخر المناظرين ـ الى قوله : ـ واما العلم والادراك مطلقا فليس كما زعمه هذا النحرير ـ ـ يعني به فخر المناظرين ـ عبارة عن اضافة محضة بين العالم ومعلومه من غير حاجة الى وجود صورة ، والّا فلم يكن منقسما الى التصوّر والتصديق. ولا أيضا متعلقا بالمعدوم حين عدمه. ولا أيضا حصل علم الشيء بنفسه. اذ لا اضافة بين الشيء والمعدوم ، ولا بينه وبين نفسه. بل المراد بالعلم هو نفس الصورة الموجودة المجردة الخ.

قوله : وهو عرض. ٢٢٩ / ٥

بل هو فوق المقولة وجودا.

قوله : وهو تابع. ٢٣٠ / ١٨

وبمعنى آخر العلم تابع حيث يعطى الأعيان الثابتة ما يطلبه كل واحد منها باقتضاء عينه الثابت فلا دور. والبحث عنه يطلب في عدة مواضع من شرح القيصري على فصوص الحكم (ص ١٧ ، ١٠٤ ، ١٧٩ ، ٢٠٠ ، ٢٧٠ ط ١) وفي مصباح الانس (ص ٨٣ ط ١).

وقوله : موازيه. ٢٣٠ / ١٨

كما في (م ز). وهو الصواب على موازاة قوله الآتى في المسألة الرابعة عشرة من الفصل الثالث

من المقصد الثالث : «فلا يجوز تمكين الظالم من الظلم من دون عوض في الحال يوازى ظلمه». باتفاق النسخ كلّها. ص ٣٥٤. وفي (ت) : موازنه ، بالنون ، وفي (ش) : موازنه. وفي (د) : موازاته. وفي بعض النسخ : مقارنه.

ويؤيد المختار تعبير الشيخ في إلهيات الشفاء (ج ٢ ط ١ ص ٦٣٦) حيث قال في كمال النفس الناطقة : فتنقلب عالما معقولا موازيا للعالم الموجود كلّه. وكذا قوله فى رابع النمط الخامس من الاشارات : مثل هذا الاتصال الذي يوازي الحركات في المقادير.

قوله : هو ما عليه المعلوم وان ما عليه العلم فرع عليه. ٢٣١ / ٨

ولكن في (ص) : هو فاعلية المعلوم وان فاعلية العلم فرع عليه. وهي لا تفيد معنى محصّلا والظاهر انها محرّفة.

قوله : فهي كليات تلك المحسوسات ، ٢٣٢ / ١١

كما في (م). والباقية : بين كليات تلك المحسوسات.

قوله : وباصطلاح يفارق. ٢٣٢ / ٤

كما في (ت) والباقية : وفي الاصطلاح يفارق.

قوله : ذكر الشيخ ابو علي. ٢٣٣ / ١١

في الفصل السادس من المقالة الخامسة من نفس الشفاء في البحث عن العقل البسيط (ص ٣٥٨ ط ١). حيث قال : فنقول ان تصور المعقولات على وجوه ثلاثة الخ.

قوله : والسهو عدم ملكة العلم. ٢٣٦ / ١٥

وفي (ت) : والسهو عدم ملكته. والباقية كلها كما اخترناه.

قوله : وآخر قسم لأحدهما ، ٢٣٧ / ١٣

اي بمعنى آخر. وفي (م ش ص د) : وبآخر. وفي (ز) : وتأخر.

قوله : في كل واحد. ٢٣٩ / ١٨

اي في كل واحد من الضروب. وفي (م) : في كل واحدة. ولكن الصواب ما اخترناه كما في النسخ الاخرى كلها.

قوله : ويشترط أيضا حضورها. ٢٤١ / ١٠

وذلك لأن طلب المجهول المطلق محال فمن يطلب شيئا فلا بدّ من أن يدرك منه أولا شيئا.

قوله : العقليان. ٢٤١ / ١٢

وفي (م ز) : العقليات بالجمع. والنسخ الاخرى كلّها بالتثنية كما في الشرح.

قوله : فان تشابهت. ٢٤٦ / ١٤

أي فإن تشابهت اقسام المحل المستفادة من قوله لاستلزام انقسام المحل انقسام الحال. والمحل هو القوة العاقلة في المقام.

قوله : ان القدر مختلفة. ٢٤٩ / ٢٢

كما في (م ص ز د) وكذا في العبارة الآتية. وهي جمع القدرة كثقبة وثقب ، وغرفة وغرف.

قوله : وتغاير الخلق. ٢٥٠ / ١٠

وفي (ت) وحدها : وتضاد الخلق. والشرح يوافق الوجه الأول الموافق لسائر النسخ كلها.

قوله : وليست اللذة خروجا عن الحالة الطبيعية لا غير. ٢٥١ / ٢

كما في (م ت د ص ش) وهذه عبارة صحيحة اخترناها. وكلمة غير كما في المطبوعة زائدة. وهذا التصحيف قد تطرق في كتب اخرى كالأسفار حيث قال : وزعم بعض الاطباء كمحمد بن زكريا الرازى ان اللذة عبارة عن الخروج عن الحال الغير الطبيعية الخ. (ج ٢ ط ١ ص ٣٨) ، وكالمباحث المشرقية

للفخر الرازي حيث قال : زعم محمد بن زكريا ان اللذة عبارة عن الخروج عن الحالة الغير الطبيعية ، والألم عبارة عن الخروج عن الحالة الطبيعية وسبب هذا الظن اخذ ما بالعرض مكان ما بالذات الخ (ج ١ ط ١ ص ٣٨٧) وعبارة الأسفار مأخوذة من المباحث. ولكن العبارة محرفة وقد تصرف فيها من لا دربة له في فهم اساليب العبارات العلمية. والعبارة في نسخة مخطوطة من المباحث عندنا هكذا : زعم محمد بن زكريا ان اللذة عبارة عن الخروج عن الحالة الطبيعية وسبب هذا الظن أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات. الخ. وعبارة الخواجة موافقة لها. ونسخة التجريد المنسوبة الى خطّ الخواجة أيضا موافقة لما اخترناه.

ثم قد نقل الفخر في المحصّل عبارة الرازي هكذا : ثم قال محمّد بن زكريا اللذة عبارة عن الخلاص عن الالم (ص ٧٥ ط مصر).

قوله : سوء المزاج المختلف. ٢٥١ / ١١

لأن المتفق أي المستوى صارت حرارة الحمى متمكّنة فيه كالمزاج له (اسفار ج ٢ ط ١ ص ٣٨).

قوله : لأن اختلاف المتعلقات يقتضي اختلاف المتعلقات. ٢٥٣ / ٦

الاول بالفتح والثاني بالكسر.

قوله : وتفتقر الى الروح. ٢٥٤ / ١

اي الروح البخاري وهي من صفوة الاخلاط الاربعة ولا جسم ألطف منه وهي المطيّة الاولى للنفس.

قوله : مقابلة لتلك. ٢٥٤ / ١٤

اي مقابلة للصحة. وفي (م) وحدها : مقابلة لذلك أي مقابلة لذلك الحد. والوجه الاول مطابق لعبارة الشيخ كما في نسخة عتيقة من الشفاء عندنا حيث قال في الفصل الثاني من المقالة السابعة من قاطيغورياس منطق الشفاء : الصحة وهي ملكة في الجسم الحيواني يصدر عنه لأجلها افعاله الطبيعية وغيرها على المجري الطبيعي غير مئوفة ، وسواء نسبت الى البدن كله أو إلى عضو

واحد ، وسواء كانت بالحقيقة أو بحسب الحس فان الذي بحسب الحس رسمه بحسب الحس. والمرض حالة أو ملكة مقابلة لتلك فلا تكون افعاله من كل الوجوه كذلك بل يكون هناك آفة في الفعل. الخ.

قوله : والفاعل تخيّل الكمال. ٢٥٥ / ٣

التخيّل مصدر مضاف خبر للفاعل.

قوله : غير متناهية. ٢٥٦ / ١٧

كما في (م ص ز د ش) وفي بعض النسخ : غير متشابهة. والوجهان يفيدان معنى صحيحا إلّا ان الأول متعين ولا تكون القسى غير المتناهية على وتر إلا غير المتشابهة واظن ان تعليقة اقيمت مقام غير المتناهية ثم بدلت الكثرة بالكثيرة ليستقيم المعنى. والقسى المتشابهة هي التي تقبل الزوايا المتساوية ، كما يرشدك بذلك العاشر من ثانية أكر ثاوذوسيوس بتحرير المحقق الماتن : اذا كانت في كرة دوائر متوازية ورسمت دوائر عظيمة تمرّ بأقطابها فان القسى من الدوائر المتوازية التى فيما بين الدوائر العظيمة متشابهة.

قوله : وللمضاف كالأقرب والأبعد. ٢٥٨ / ٧

باتفاق النسخ كلّها.

قوله : اجاب الشيخ ابو علي ابن سينا عن هذا الخ. ٢٥٨ / ١٨

اجاب عنه الشيخ في الفصل العاشر من ثالثة إلهيات الشفاء (ج ٢ ط ١ ص ٤٦٢) عبارة الشيخ المنقولة في نسخ كشف المراد تغاير عبارة الشفاء في الجملة. وقول الشارح بعد نقل كلام الشيخ : «وهذا الكلام على طوله غير مفيد للمطلوب» يعطي انه نقل كلامه من غير تصرف فيه وتحرير آخر ، ولكن عرضها على الشفاء يوهم ان ما في الكشف كأنه تحرير آخر من كلام الشيخ. كيف كان فقد نأتي هنا بعبارة الشيخ من نسخة مصحّحة عندنا صحّحناها في اثناء تدريسنا إياها بمقابلتها على عدة نسخ مخطوطة كريمة موجودة في مكتبتنا المحقرة على غاية الدقة والاتقان في العمل فهي ما يلى :

يجب أن نرجع في حل هذه الشبهة إلى حدّ المضاف المطلق فنقول : ان المضاف هو الّذي ماهيته

معقولة بالقياس إلى غيره فكل شيء في الاعيان يكون بحيث ماهيته انما يعقل بالقياس إلى غيره فذلك الشيء من المضاف ، لكن في الأعيان اشياء كثيرة بهذه الصفة فالمضاف في الأعيان موجود فان كان للمضاف ماهية اخرى فينبغي أن يجرد ما له من المعنى المعقول بالقياس الى غيره فذلك المعنى هو بالحقيقة المعقول بالقياس إلى غيره ، وغيره انما هو معقول بالقياس الى غيره بسبب هذا المعنى وهذا المعني ليس معقولا بالقياس إلى غيره بسبب شيء غير نفسه بل هو مضاف لذاته فليس هناك ذات وشيء هو الاضافة بل هناك مضاف بذاته لا باضافة اخرى فتنتهي من هذا الطريق الاضافات. واما كون هذا المعنى المضاف بذاته في هذا الموضوع فهو من حيث انه في هذا الموضوع ماهية معقولة بالقياس الى هذا الموضوع وله وجود آخر ، مثلا وهو وجود الابوة وذلك الوجود أيضا مضاف لكن ليس ذلك هذا فليكن هذا عارضا من المضاف لذي المضاف وكل واحد منهما مضاف لذاته إلى ما هو مضاف إليه بلا اضافة اخرى فالكون محمولا مضاف لذاته ، والكون ابوة مضاف لذاته. انتهى.

اقول : ان الشارح في البحث عن التقابل وهو المسألة الحادية عشرة من ثاني المقصد الاول قال في تعريف التضايف ما هذا لفظه : المتقابلان ان كانا وجوديين فان عقل احدهما بالقياس الى الآخر فهو تقابل التضايف كالابوة والبنوة ... الى قوله : في تعريف الضدين في المشهور : ان الضدين في المشهور يطلقان على كل وجوديين متقابلين لا يعقل احدهما بالقياس الى الآخر. الخ.

وعلى هذا الوزن ينبغي أن يقال هاهنا في تعريف الاضافة نحو عبارات الشيخ من يعقل ، والمعقول ونظائر هما في عبارة الشفاء والشارح عدل عنها الى مقولة ونظائرهما كما في الكتاب.

قوله : يكون بحسب ماهيته. ٢٥٨ / ٢٠

كما في (م). وفي غيرها : يكون بحيث ماهيته.

قوله : فليكن هذا عارضا من المضاف لذي المضاف. ٢٥٩ / ٧

كما في (م). وفي عدة نسخ مخطوطة من الشفاء وكشف المراد :

فليكن هذا عارضا من المضاف لزم المضاف. وما في (م) امتن واوفق باسلوب العبارة. بل ينبغي ان يقال هو متعيّن ولزم محرّف.

قوله : في هذا الموضع. ٢٥٩ / ٦

كما في (م). وفي غيرها في هذا الموضوع.

قوله : ولتقدم وجودها عليه. ٢٥٩ / ١٦

برفع الوجود فاعل تقدّم وتقدم فعل ماض.

قوله : وتكثر صفاته. ٢٦٠ / ١٠

برفع التكثر واضافته عطفا على عدم التناهي اي لزم تكثر صفاته.

وقوله : ويخص كل مضاف مشهورى مضاف حقيقى ٢٦٠ / ١٥

باتفاق النسخ كلها. فمضاف حقيقى فاعل.

قوله : كالميامن والمياسر ، ٢٦١ / ٥

على هيئة اسم الفاعل فيهما. وفي نسخ قد حرّفا بالتيامن والتياسر. ولا يخفى عليك وجه التحريف لان الكلام في المضاف المشهوري وعروض اضافة حقيقية.

قوله : الرابع الأين وهي النسبة الى المكان. ٢٦١ / ١٠

باتفاق النسخ كلّها.

قوله : بالتبعية. ٢٦٣ / ٤

كما في نسخة (م) والنسخ الاخرى كلّها بالفيئيّة.

قوله : ولهما اعتباران الخ. ٢٦٣ / ١١

العبارة في الشوارق هكذا : ولهما اعتباران متقابلان احدهما بالنظر الى ما يقالان له ، وثانيهما اعتبار كل منهما بالنظر الى الآخر (ص ٣٧٦ ج ٢ ط ١) ولكن نسخ كشف المراد

كلّها مطبقة على ما نقلناه. وكأنه لم يأت بالاعتبار الآخر لدلالة اسلوب الكلام عليه.

قوله : او خارجة عنه ٢٦٤ / ٦

باتفاق النسخ كلها. وفي المطبوعة : او خارجة عنه كالنفس. والظاهر ان المثال اعني قوله : كالنفس تعليقة ادرجت في الكتاب.

قوله : لدخول. ٢٦٦ / ٧

كما فى (ش د ق) والنسخ الاخرى بالكاف أي كدخول. وقول الشارح : «واستدل على وقوع الحركة بهذا الاعتبار بوجهين» موافق للّام فان اللام للاستدلال والتعليل. وان قيل ان الكاف تاتي للتعليل أيضا نحو قوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ). وقوله : «وتصدّع». مصدر مجرور مضاف إلى الآنية ، عطفا على الدخول.

قوله : مع أن الخلاء أو الملاء في البابين واحد. ٢٦٦ / ١٥

كما في (ش د ق ص). وفي (ز) : مع ان الخلاء والملاء في البابين واحد. وفي (م) مع أن الخلاء والملاء في الماءين واحد. وفي نسخة اخرى مع ان الخلاء والملاء في التأثير واحد. وفي المطبوعة : مع ان الخلاء والماء في البابين واحد. (المباحث المشرقية للفخر الرازي ج ١ ص ٥٦٩).

قوله : لضرورة الخلاء. ٢٦٦ / ١٧

كما في النسخ كلها إلا (ص) ففيها : لصيرورة الخلاء. وما في المطبوعة : لضرورة امتناع الخلاء وهم ، وان كان عبارة القوشجي ونحوها عبارة صاحب الشوارق أيضا : ضرورة امتناع الخلاء. ومعنى لضرورة الخلاء ان الخلاء يوجب ذلك اي يوجب ان يكتسب الباقي مقدارا اكثر غير طبيعي.

وعبارة القوشجي في تقرير الدليل الأول هكذا : ان القارورة الضيقة الرأس يكبّ على الماء فلا يدخلها اصلا ، فاذا مصّت مصّا قويا وسدّ رأسها بالاصبع بحيث لا يتصل برأسها هواء من خارج ثم تكبّ عليه دخلها ، وبهذا الطريق يملئون الرشاشات الطويلة الاعناق الضيّقة المنافذ جدّا بماء الورد ، وما ذلك الدخول لخلاء حدث فيها بان يخرج المصّ منها بعض الهواء ويبقى مكان ذلك

البعض الخارج خاليا لامتناعه على رأيهم ، بل لأن المصّ اخرج بعض الهواء واحدث في الهواء الباقي تخلخلا فكبر حجمه بحيث يشتغل مكان الخارج أيضا ، ثم اوجد في ذلك الهواء المتخلخل البرد الذي في الماء تكاثفا فصغر حجمه وعاد بطبعه إلى مقداره الذي كان له قبل المصّ فدخل فيها الماء ضرورة امتناع الخلاء.

وفي المباحث للفخر (ج ١ ص ٥٦٩) : ان القارورة تمصّ فتكبّ على الماء فيدخلها الماء فإما أن يكون قد وقع الخلاء وهو محال ، وإما أن يكون الجسم الكائن فيها قد تخلخل بالقسر الحامل اياه على تخلية المكان ثم كثفه برد الماء أو تكاثف بطبعه فرجع الى حجمه الطبيعي عند زوال السبب المخلخل اياه خارجا عن طبعه وذلك هو المطلوب.

وفي الدليل بعض شبهات اوردوها في الكتب المطولة اشار الى جوابها صاحب المنظومة في الحكمة في التعليقة بقوله : فيتكاثف هواء القارورة ببرد الماء أو لتنافر هما او شبه ذلك فيرجع الى الخلف ويتبعه الماء او المائع الآخر لمحالية الخلاء بخلاف ما اذا كانت غير ممصوصة (ص ٢٤٣ ط ١ أعلى).

قوله : في جميع الأقطار. ٢٦٧ / ١

اي في جميع الابعاد.

قوله : ببطلان الكمون والورود. ٢٦٧ / ١١

مقابل الكمون هو البروز. ووجه الورود ظاهر أيضا وفي الشرح ما يدل عليه. والنسخ كلّها ببطلان الكمون والورود مكان الكمون والبروز. وفي بعضها كلمة البروز مكتوبة على صورة خ ل. والنسخة المنسوبة الى خط الخواجة أيضا : ببطلان الكمون والورود. وفي المباحث المشرقية : اصحاب الكمون والظهور (ج ١ ط ١ ص ٥٧٦). وعبارة الخواجة في شرحه على الفصل الثالث والعشرين من النمط الثاني من الاشارات كانت بلفظة البروز والورود ، وتقدم الكلام فيهما (ص ٥٤٧).

قوله : يقتضي الاختلاف. ٢٦٨ / ٢٠

كما في (ش ص ز د) وفي (م ق ت) ونسخ اخرى : مقتض للاختلاف. ولكن الصواب هو الاول كما نصّ به الشارح في بيان المتن التالي حيث يقول : أي وتضاد الاولين يقتضي التضاد.

قوله : الاجسام الباقية. ٢٧١ / ٧

كما في (م) والنسخ الباقية : الاجسام الثابتة. والصواب الاول كما يصرّح به في شرح المتن التالي.

قوله : ويتضادّ لتضادّ ما فيه. ٢٧٢ / ٢

كما في غير (م) وفيها : ويتضادّان لتضادّ ما فيه ، على التثنية. ولعلها باعتبار السكونين أي يتضادّ سكون سكونا لتضادّ ما فيه.

قوله : درجات متفاوته ، ٢٧٣ / ٨

هكذا في جميع النسخ إلّا (م) ففيها : درجات متقاربة.

قوله : ولا يعلل الجنس ، ٢٧٤ / ١٥

المراد بالجنس في المقام الكون أي الأين كما تقدم في كلام الشارح آنفا بيان قوله : «ومن الكون طبيعى وقسري وارادي» من ان الكون هو الجنس ، فان الكون عند المعتزلة هو الجنس لانواعه الاربعة : الحركة والسكون والاجتماع والافتراق.

قوله : العارضين لها. ٢٧٥ / ٩

كما في (ز) وفي عدة نسخ مخطوطة مصححة معتبرة (م ق ص ش د) : العارضان لها ، وكذا في عبارة الشارح. ومتن الشوارق والقوشجي والشرح القديم للاصفهاني والنسخة المنسوبة الى خط الخواجة كلّها : العارضان لها فالنعت مقطوع تنبيها على أن الزمان يلحقه التقدم والتأخر لذاته.

قوله : كالتسلح ، ٢٧٧ / ١٧

بالحاء المهملة ، والمعجمة مهملة.

اما عبارة الشيخ فقال في الفصل الثالث من ثانية طبيعيات الشفاء في بيان المقولات التي تقع الحركة فيها : وأما مقولة الجدة فانّى إلى هذه الغاية لم اتحققها. والذي يقال : إن هذه المقولة تدلّ على

نسبة الجسم الى ما يشمله ويلزمه في الانتقال ، فيكون تبدل هذه النسبة على الوجه الأول انما هو في السطح الحاوي وفي المكان فلا يكون فيها على ما اظن لذاتها وأوّلا حركة (ج ١ ط ١ ص ٤٧).

قوله : هو ذا يحترق. ٢٧٨ / ٦

هو ذا كلمة واحدة معناها بالفارسية : اينك ، اكنون ، آنك.

وفي طبيعيات ارسطو (ص ٤٦٥ ط ١ القاهرة) : وأما هو ذا فانه الجزء من الزمان المستقبل القريب من الآن الحاضر غير المنقسم ، مثال ذلك ان تقول : متى تمضي؟ فيقال لك : هو ذا يمضي ، اي الوقت الّذي هو مزمع بالمضي فيه قد أزف.

ومن الزمان السالف ما ليس ببعيد من الآن ، مثال ذلك أن تقول : متى تمضي؟ فيقال لك : هو ذا قد مضيت. ولسنا نقول : ان مدينة ايليون هو ذا قد فتحت ، لأن فتحها كان بعيدا جدّا من الآن.

اقول : فكلمة هو ذا يونانية دخيلة في كلمات العرب لا أنها مؤلفة من كلمتين هما هو وذا ثم استعملت مفردة كما يظن. ونحوها كلمة هب بمعنى سلمنا الرائجة في الصحف العربية فانها يونانية أيضا دخلت في لغة العرب من قلم المترجمين في اوائل الاسلام ، لا انها من وهب كما يظن أيضا.

وقال الشيخ فى آخر المقالة الثانية من طبيعيات الشفاء (ج ١ ط ١ ص ٨١) : ومن هذه الالفاظ ـ يعني الالفاظ الزمانية ـ قولهم هو ذا ، وهو ما يدل على آن قريب في المستقبل من الآن الحاضر لا يشعر بمقدار البعد بينهما قصرا شعورا يعتد به

والشيخ عقد في الموضع المذكور من الشفاء فصلا في بيان الالفاظ الزمانية نحو بغتة ودفعة وقبيل ونحوها. وقال في منطق الشفاء : شكل الكلمة التي في المستقبل بعينه شكل الكلمة التي للحاضر فيقال ان زيدا يمشي اي في الحال ، ويمشي اي في الاستقبال ، فاذا حاولوا زيادة البيان قالوا إن زيدا هو ذا يمشي فاقتضى الحال ، او قالوا سوف يمشي فاقتضى الاستقبال.

وهذه الكلمة في الروايات أيضا غير عزيزة ففي كتاب الطب لابى عتاب وأخيه ، احمد بن العباس بن المفضل قال : حدثنى اخي المفضل قال : لدغتني عقرب فكادت شوكته حين ضربتني تبلغ بطني من شدة ما ضربتني ، وكان ابو الحسن العسكري عليه‌السلام جارنا ، فصرت إليه فقال [ابى] : ان ابني عبد الله لدغته وهو ذا يتخوف عليه فقال اسقوه من دواء الجامع فانه دواء الرضا عليه‌السلام الحديث.

وفي الباب الحادي والعشرين من ابواب التيمّم من وسائل الشيعة (ج ١ ص ١٨٩ من الطبع البهادرى) : عبد الله بن عاصم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل لا يجد الماء فيتيمّم ويقوم في الصلاة فجاء الغلام فقال هو ذا الماء ، فقال : ان كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ وان كان قد ركع فليمض في صلاته.

وقال الشيخ في الفصل الخامس من النمط الثالث من الاشارات في اثبات ان نفس الانسان غير الجسمية والمزاج ما هذا لفظه : هوذا يتحرك الحيوان بشيء غير جسميته الخ. وترجمه عبد السلام الفارسي هكذا : آنك جانور جنبش مى كند به چيزى جز جسم او.

وللسيد الأفخم محمد باقر المعروف بالميرالداماد تعليقة في ذلك المقام من الاشارات في بيان كلمة هوذا ، قال : هوذا بفتح الهاء وتسكين الواو كلمة مفردة تستعمل للاستمرار وللتأكيد ومرادفها في لغة الفرس همي ، ومقابلتها في لغة العرب بغتة الخ.

اقول : والصواب ان مرادفها في لغة الفرس اينك واكنون وآنك ، كما علمت من كلمات ارسطو والشيخ ومواضع استعمالها في الرواية وغيرها. ثم ان قوله : تستعمل للاستمرار والتأكيد ففيه ما فيه أيضا كما دريت ، ولما فسّرها للاستمرار والتأكيد قال ان مرادفها في لغة الفرس همي ، وقد فهمت معناها الصحيح ومرادفها كذلك.

قوله : في انه تعالى قادر. ٢٨١ / ٤

باتفاق النسخ كلها. بدون كلمة مختار وفي آخر البحث : فظهر أن المؤثر للعالم قادر مختار ، أيضا باتفاق النسخ كلها ، فأوهم ذيل البحث زيادة مختار في العنوان كما في المطبوعة.

قوله : والواسطة غير معقولة. ٢٨١ / ١١

وفي (م) ، وحدها وهي اقدم النسخ : أو بواسطة غير معقولة. والنسخ الاخرى كلها كما في المتن ، واسلوب كلام الخواجة في التجريد يعطي الاول.

قوله : موجبا لذاته معلولا يؤثر ، ٢٨١ / ١٤

كما في (م ص ش د) فقوله : معلولا ، مفعول لقوله : موجبا ، بالكسر على هيئة الفاعل. وفي (ق ز) : موجبا لذاته وله معلول يؤثر. فعلى هذه النسخة كان قوله : موجبا ، بالفتح. ولكنها تصرف من

غير لزوم ومفادهما واحد لكن ما في النسخ الاولى وهي امتنها واقدمها متعيّن بلا كلام.

قوله : قادر على شيء واحد. ٢٨٣ / ١٣

الفيلسوف الالهي لا يقول ان ذلك الشيء واحد عددي فلا ردع ولا بطلان.

قوله : والثنوية ذهبوا. ٢٨٣ / ٩

قال الماتن في نقد المحصل (ص ١٣٠ ط مصر) : المجوس من الثنوية يقولون ان فاعل الخير يزدان ، وفاعل الشرّ اهرمن ويعنون بهما ملكا وشيطانا ، والله تعالى منزه عن فعل الخير والشر. والمانوية يقولون ان فاعلهما النور والظلمة. والديصانية يذهبون الى مثل ذلك الخ فيستفاد من كلامه ان الثنوية في الشرح محرفة والصواب المانوية.

قوله : اما طاعة أو سفه. ٢٨٣ / ١٥

وفي (م) إما طاعة أو سنة. والنسخ الباقية سفه. والشارح العلامة قال في الشرح : ان الطاعة والعبث وصفان الخ والعبث هو السفه.

قوله : والإحكام والتجرد. ٢٨٤ / ٩

الاحكام هو اتقان الصنع ووحدة التدبير. والحكم بالاحكام محكم ، واما تجرده تعالى تنزيه في عين التشبيه تعالى الله عن ذلك بل هو في السماء إله وفي الارض إله وهو الصمد الحق العالي في دنوّه والداني في علوّه.

قوله : واما وجوب العاقلية ٢٨٥ / ١

كما في (م ص) وهما اصح النسخ والاولى اقدمها. وفي (ش ق ز د) : واما ثبوت العاقلية. ولا يخفى عليك ان قوله : فانه عاقل لذلك الغير ، يناسب الوجوب اشد مناسبة من الثبوت.

قوله : بل بتوسط الامور الحالّة فيه. ٢٨٦ / ٦

وفي (م) : بل بتوسط الامور الخارجية ، فالامور الخارجية هي تلك الصور الحالّة في الذات فهي

من حيث انها تغاير الذات خارجية عنها فتدبر. والنسخ الباقية بعضها : بل يتوسط الامور الحالّة فيه ، وبعضها : أو بتوسط الأمور الحالّة فيه. وما اخترناه موافق لعبارة الخواجة في الفصل السابع عشر من النمط السابع من شرحه على الاشارات (ص ١٩٢ ط الشيخ رضا) حيث قال : وبأنه تعالى لا يوجد شيئا ممّا يباينه بذاته بل بتوسط الامور الحالّة فيه. والشارح العلامة ناظر الى عباراته في ذلك المقام من شرح الاشارات فراجع.

قوله : بوجوب ما علمه تعالى. ٢٨٧ / ١٠

باتفاق النسخ كلها.

قوله : يعلم المعدومات. ٢٨٧ / ١٢

اي يعلم المتجددات قبل وجودها.

قوله : يدل على ارادته تعالى. ٢٨٨ / ٤

التحقيق هو أن العلم والإرادة والشوق والميل معنى واحد يوجد في عوالم أربعة انسانية ، وان ارادته تعالى للاشياء عين علمه بها وهما عين ذاته. (الاسفار ج ٣ ط ١ ص ٧٦ و ٨٠) وراجع في ذلك الى رسالتنا في الجعل.

قوله : وهو عندهم معنى واحد. ٢٨٩ / ١٨

قد تقدم البحث عن الكلام النفسي. وكونه معنى واحدا بسيطا كأنّه ناظر الى علمه الاحدي ، إلّا انهم جعلوه مقابل العلم ، فلا يصحّ بناء كلام النفسي على العلم وتصحيحه.

قوله : وكل ما لا ينفك عن الحادث. ٢٩٣ / ٦

بالافراد كما في (م). والنسخ الاخرى كلّها عن الحوادث ، بالجمع.

قوله : لكن تعلم الذات عليها. ٢٩٦ / ١٠

وفي (ش) علّتها ؛ أعربها بتشديد اللام والتاء المنقوطتين من فوق. وفي (د) بدون تشديد

واعجام ، وفي النسخ الاخرى : عليها ، على الجار والمجرور بالاعجام. وفي نسخة اخرى عندنا صحّحت العبارة واعربت هكذا : «لكن بعلم الذات عللها» باضافة العلم الى الذات المجرور بالباء ، وعللها على هيئة الجمع.

والصواب هو الاوسط المختار أعني عليها على الجار والمجرور كما في نسختين من شرح القديم لمؤلفه محمود بن احمد الاصفهاني حيث قال في المقام : ومذهب ابى هاشم ان لله تعالى احوالا مثل العالمية والقادرية وغيرهما والحال لا يعلم ولكن يعلم الذات عليها. انتهى. وكلام الفخر الرازي في المحصل أيضا يفيد هذا المعنى (ص ١٣٦ ط ١ مصر).

قوله : والرؤية. ٢٩٦ / ١٩

الحق ان الرؤية بمعنى لقائه سبحانه هي غاية آمال العارفين بالله وقد ندب إليه الشرع بانحاء عديدة. واما الرؤية بمعنى الابصار بالعين فلا تدركه الأبصار وهو يدرك الابصار. والراقم قد صنف في كل واحدة من المسألتين رسالة على حدة لعلها وافية في شعوب مباحثها العقلية والنقلية.

قال الشيخ الاجلّ الصدوق في باب رؤية كتاب التوحيد ما هذا لفظه : والأخبار التي رويت في هذه المعنى ـ يعني في الرؤية ـ صحيحة وانما تركت ايرادها في هذا الباب خشية أن يقرؤها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عزوجل وهو لا يعلم.

والاخبار التي ذكرها احمد بن محمد بن عيسى في نوادره ، والتي أوردها محمد بن احمد بن يحيى في جامعه في معنى الرؤية صحيحة لا يردها الّا مكذّب بالحق او جاهل به ، والفاظها الفاظ القرآن ، ولكل خبر منها معنى ينفي التشبيه والتعطيل ويثبت التوحيد وقد أمرنا الأئمة صلوات الله عليهم أن لا نكلّم الناس إلّا على قدر عقولهم.

ومعنى الرؤية الواردة في الأخبار العلم. وذلك ان الدنيا دار شكوك وارتياب وخطرات فاذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله واموره في ثوابه وعقابه ما يزول به الشكوك ويعلم حقيقة قدرة الله عزوجل. وتصديق ذلك في كتاب الله عزوجل. لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد.

انتهى ما اردنا من نقل كلامه ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في التوحيد. ولكن لا يخفى عليك ان الأئمة عليهم‌السلام امرونا ان نكلّم الناس على قدر عقولهم ، وما امرونا ان لا نروي احاديثهم التي حدّثوا بها. والشيخ الاكرم المفيد ـ قدّس سره ـ قال في تصحيح الاعتقادات نقدا عليه : ولو اقتصر

على الاخبار ولم يتعاط ذكر معانيها كان اسلم له من الدخول في باب يضيق عنه سلوكه.

والمتأله السبزواري في شرح الاسماء عند قوله عليه‌السلام في الفصل الخمسين من الجوشن الكبير يا من يرى ولا يرى ، حرر اقوال القوم في الرؤية اتم تحرير فراجع إليه (ص ١٨٥ ط ١).

قوله : وتعليق الرؤية الخ. ٢٩٨ / ٨

كما في (م) وفي (ق ، ص ، ش ، د) : وتعليق الرؤية باستقرار المتحرك لا يدل على الامكان. وفي (ز) : لاستقرار المتحرك. وفي (ت) : والتعليق باستقرار الجبل لا يدل على الامكان.

قوله : ولا يلزم من كون بعض الماهيات. ٢٩٩ / ١٠

اي بعض الماهيات بوجوده علة لشيء كما هو ظاهر. أو أن الكون في الموضعين بمعنى الوجود. وفي المطبوعة : ولا يلزم من كون وجود بعض الماهيات ، ولكن النسخ كلّها عارية عن الوجود والكلمة كانت تعليقة ادرجت في المتن.

قوله : مع امكان التخلص ، ٣٠٤ / ١٠

كما في (ش ، ت) وفي (م ، ص ، ز) مع امكان المخلص. وفي (د) مع عدم امكان المخلص. وفي (ق) مع عدم امكان التخلص. يعني اذا اضطر الى ارتكاب القبيحين ولم يمكنه الخلاص عنهما ارتكب اقل القبيحين كالمثال الثاني في الكتاب فانه ان يكذب غدا فالكذب قبيح ، وان لم يكذب فخلاف الوعد قبيح لكنه يرتكب اقل القبيحين.

وظاهر الشرح حيث قال : وأيضا قد يمكن التخلص عن الكذب ، يوافق عدم العدم وان كان للعدم معنى صحيح ، وكذا التخلص في المتن ، ولكن قد تكرر ذكر المخلص في الكتاب ونسخ (م ص متفقة فيه والشرح تعبير بعبارة اخرى.

وقوله : ولأن جهة الحسن هي التخلص. ٣٠٤ / ٢١

دليل للصورتين كلتيهما وان كان بظاهره يناسب الثانية ، فما في (م) من قوله : ولان جهة الحسن هي التخليص ، كان مفاده بيّنا مناسبا للصورة الاولى.

قوله : وللأمر والنهي. ٣٠٧ / ٣

كما في (م) وهو الصواب والشرح يوافقه. والنسخ الباقية كلها : والامر والنهى. وعلى هذه النسخ كان معنى العبارة هكذا : وكذا ترك إرادة الحسن قبيح ، وكذا ترك الامر والنهي قبيح. لانه سبحانه يجب عليه الامر بالحسن والنهي عن القبيح. ولكن شرح العلامة ناصّ على صحة النسخة الاولى.

قوله : باستناد افعالنا إلينا. ٣٠٨ / ٦

ينبغي في المقام الفرق بين اسناد الفعل وايجاده والموجد هو الوجود الحق سبحانه وتعالى ، وافعالنا مستندة إلينا ، بحول الله وقوته اقوم واقعد. وسلطانه لا يرفع عن ممكن ولا معنى للرفع اصلا وما تشاءون الا أن يشاء الله رب العالمين فتدبر في قوله سبحانه : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى). فالافعال الستة موجدها هو سبحانه واستنادها الى الخلق. والمسائل والبحث عنها حول هذا المطلب تطلب في رسالتنا المصنوعة في ردّ الجبر والتفويض واثبات امر بين الأمرين.

قوله : وحفص الفرد. ٣٠٨ / ١١

في غير واحد من كتب الملل والنحل : وحفص بن الفرد. والفرد بالفاء ، وبإلقاء تصحيف. قال الاستاذ في شرحه على التجريد بالفارسية ما هذا لفظه : وحفص القرد يعني بوزينه لقب است. اقول الظاهر ان تحريف الفرد بالقرد نشأ من تكفير الشافعي اياه. وفي اوّل المقالة الخامسة من الفن الثالث من الفهرست لابن النديم (ص ٢٢٩ ط رضا تجدد) : وكان حفص الفرد من المجبرة من اكابرهم نظيرا للنجار. ويكنى أبا عمرو. وكان من اهل مصر ، قدم البصرة فسمع بابي الهذيل واجتمع معه وناظره فقطعه ابو الهذيل. وكان أولا معتزليا ثم قال بخلق الافعال وكان يكنى أبا يحيى. ثم عدّ كتبه.

وفي لسان الميزان للعسقلاني (ص ٣٣٠ ج ١ ط حيدرآباد ، الترجمة رقم ١٣٥٥) حفص القرد (معجمة بالقاف) مبتدع. قال النسائي صاحب كلام لا يكتب حديثه وكفره الشافعي في مناظرته.

وفي ميزان الاعتدال (١ / ٥٦٤ الترجمة رقم ٢١٤٣) مثل ما في اللسان.

قوله : والوجوب للداعي ، ٣٠٨ / ١٨

كما في (ق ش د ز) وفي (م ت) : والوجوب الداعي. وفي (ص) : والوجوب والداعي. والشرح يوافق ما اخترناه وهي النسخ الاربع المذكورة.

قوله : فيكفي الاجمال. ٣٠٩ / ٩

كما في (م د). والنسخ الاخرى : فيكفي الاجمالي ، مع الياء.

قوله : وتعذر المماثلة. ٣١٠ / ١٤

والحق ان الجواب الحاسم للشبهة هو التحقيق في تجدد الأمثال وعدم تكرار التجلي.

قوله : من تعريفنا اياه ، ٣١١ / ١٦

كما في (ص). وفي (ش ز د) : وتعريفنا اياه.

قوله : وقد صنفها. ٣١٢ / ٢

النسخة الثانية وقد وضعتها ، والباقية وقد صنفها.

قوله : وهي معارضة لما ذكروه ، ٣١٣ / ١٧

وفي النسخة الثانية بما ذكروه.

قوله : هل يقع بنا ، ٣١٤ / ٤

وفي غير واحدة من النسخ هل يقع منّا.

قوله : هو شيء منساب. ٣١٤ / ٨

وفي (ص) وحدها : هو شيء سار.

قوله : والقضاء والقدر. ٣١٥ / ١٢

القدر هو تفصيل قضائه. قال ـ قدس سرّه ـ في شرح الفصل الواحد والعشرين من سابع الاشارات : ان القضاء عبارة عن وجود جميع الموجودات في العالم العقلي مجتمعة ومجملة على سبيل الابداع. والقدر عبارة عن وجودها في موادّها الخارجية بعد حصول شرائطها مفصّلة واحدا بعد واحد كما جاء في التنزيل في قوله عز من قائل : وان من شيء الّا عندنا خزائنه وما ننزّله إلّا بقدر معلوم.

وقال الشيخ ـ رضوان الله عليه ـ : ويجب أن يكون عالما بكل شيء لأن كل شيء لازم له بوسط او غير وسط يتأدّى إليه بعينه قدره الذي هو تفصيل قضائه الأول تأديا واجبا اذ كان ما لا يجب لا يكون.

قوله : ان امير المؤمنين على بن ابي طالب. ٣١٦ / ٩

راجع في بيان الحديث إلى الوافي للفيض ـ قدّس الله سره ـ فانه قد أتى ببيان من المحقق الخواجة في بيانه وفوائد اخرى مطلوبة جدّا (ص ١١٧ ج ١ ط ١). وفيه كان المصراع الأخير هكذا : جزاك ربك بالاحسان احسانا. وفي نسخة : جزاك ربك عنا منه احسانا. وللشيخ الكراجكي ـ رضي الله عنه ـ في كنز الفوائد في القضاء والقدر لطائف عذبة (ص ١٦٨ ط ١) وان شئت فراجع الى الاحتجاج للطبرسي ـ رضوان الله عليه ـ (ص ١٠٩ ط ١). وفي باب الرضاء بالقضاء من الوافي أيضا اشارات لطيفة في ذلك (ص ٥٥ ج ٣ ط ١).

قوله : والاضلال الاشارة. ٣١٧ / ١٥

اسناد الاضلال إليه سبحانه بالعرض وقد قرّرنا بيانه في النكتة السابعة من الف نكتة ونكتة.

قوله : والتكليف حسن. ٣١٩ / ٣

التكليف يتعلق في العبادة الصفاتية لا الذاتية وفي مصباح الانس في المقام فوائد نفيسة. منها قوله : لا تكليف في العبادة الذاتية وليست من نتائج الأمر انما متعلقه الصفاتية رأفة من الله واحتياطا من ميله بجاذب إحدى صفاته من الاعتدال الموقوف عليه الاستكمال اذ القلوب وان

كانت مفطورة على معرفته والعبادة له واللجأ إليه فان الشواغل والغفلات التي هي من خواصّ هذه النشأة تشغله عن ذكر ما يجب استحضاره فاحتاج الى التذكير لا جرم امره بها وإليه الاشارة بقوله عليه وآله السلام كل مولود يولد على الفطرة الحديث. (ص ١٤٩ ط ١)

ثم ان كلامه والتكليف حسن ، ردّ على اصحاب المعارف يشابه قولهم قول البراهمة الآتي ردّ عقيدتهم في البحث عن حسن البعثة. قال الطبرسي في مجمع البيان في تفسير قوله سبحانه : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (البقرة ١٠٣) : وفي هذه الآية دلالة على بطلان قول اصحاب المعارف لانه نفى ذلك العلم عنهم.

وفي نسخة مخطوطة مصحّحة من المجمع عندنا فسّر اصحاب المعارف في هامشها هكذا : الظاهر أن المراد باصحاب المعارف الذين يقولون لا حاجة بنا الى بعثة الأنبياء لأن عقولنا مستقلّة بما يحتاج إليه في المعاش والمعاد.

قوله : ثم داراه طلبا للدواء ٣٢٠ / ٣

كما في النسخة الثالثة وهي الصحيحة. والباقية كلّها داواه بالواو وهي عليلة.

قوله : ان الله خلق الإنسان مدنيا بالطبع الخ ٣٢٠ / ٢١

ناظر الى كلمات الشيخ في الفصل الرابع من النمط التاسع من الاشارات في اثبات النبوة حيث قال : اشارة لما لم يكن الانسان بحيث يستقل وحده بأمر نفسه الخ ، بل الشيخ ناظر في هذا الفصل الى كلام الشيخ اليوناني زينون الكبير تلميذ ارسطاطاليس في الفصل الرابع من رسالته في المبدأ والمعاد وقد حرّرها المعلم الثاني ابو نصر الفارابي اتم تحرير وقد طبعت مع عدة رسائل اخرى للفارابي في حيدرآباد الدكن. قال زينون : النبي يضع السنن والشرائع ويأخذ الامّة بالترغيب والترهيب يعرفهم ان لهم إلها مجازيا لهم على افعالهم ، يثيب الخير ويعاقب على الشر ولا يكلّفهم بعلم ما لا يحتملونه فان هذه الرتبة التي هي رتبة العلم اعلى من أن يصل إليها كل أحد. قال معلمي : ارسطاطاليس حكاية عن معلمه افلاطن ان شاهق المعرفة اشمخ من أن يطير إليه كل طائر وسرادق البصيرة احجب من أن يحوم حوله كل سائر.

قوله : الى غير ذلك من المسائل التي. ٣٢٣ / ١

وفي عدة نسخ : الى غير ذلك من الصفات التي.

قوله : لتحصيل الغرض به. ٣٢٤ / ١٥

كما في (م ص ز ق). والباقية : ليحصل الغرض به.

قوله : اخباره تعالى بعاقبته ٣٢٦ / ٢٠

وفي (ص ش) : اخباره تعالى بمعاقبته.

قوله : فاخبر أنهم لو منعهم. ٣٢٧ / ٤

كما في (م ص). والباقية فاخبر أنه لو منعهم.

قوله : الى الفعل الملطوف فيه. ٣٢٨ / ٤

كما في (م) والباقية الى فعل الملطوف فيه.

قوله : بشرط حسن البدلين. ٣٢٨ / ١٩

كما في جميع النسخ التي عندنا ، وكذا في شرح القوشجي وشرح القديم ؛ ولكن في (ت) : بشرط حسن التذكير. والظاهران التذكير تحريف البدلين فانه لا معنى للتذكير.

قوله : كما اذا آلمنا ٣٣٠ / ٧

من الايلام.

قوله : بما ذكرناه في كتاب نهاية المرام ٣٣٠ / ١٨

كتاب نهاية المرام في علم الكلام للعلامة ، نسخة منه موجودة في مكتبة المجلس.

قوله : أن تقع الأمراض ٣٣٠ / ٢٠

كذا في جميع النسخ التي عندنا إلّا في (م) ففيها : تقع الآلام.

قوله : وهذا غير مقدور للعبد. ٣٣١ / ٥

كذا في (م) والباقية بدون للعبد.

قوله : على لطفيته ٣٣١ / ١٩

كما في (ت ، م ، ص ، ق ، ز ، د ، ش) اي باتفاق النسخ كلّها.

قوله : العوض به. ٣٣٣ / ١

اي العوض بانزال الآلام بالعبد. وفي (م) : العوض بها ، فالضمير راجع الى الآلام ، ولكن الاول انسب باسلوب الكلام.

قوله : وهو قول يحكى عن ابي علي أيضا. ٣٣٣ / ٢٣

كذا في جميع النسخ وفي (م) يحيى مكان يحكي. ولم نجد يحيى هذا في تراجم الرجال مع طول فحصنا.

قوله : قد يحسن المنع عن الاكل اذا. ٣٣٤ / ١٩

كذا في (م) والباقية : قد يحسن المنع منّا عن الحسن اذا.

قوله : بخلاف الاحراق. ٣٣٤ / ٢١

بخلاف الاحرار (م).

قوله : هذا يوجب العوض. ٣٣٥ / ٤

كما في (م) وفي عدة نسخ : هلّا وجب العوض.

قوله : هل يجوز تمكين الله. ٣٣٥ / ٢٢

كما في (م). والنسخ الاخرى : هل يجوز أن يمكن الله.

قوله : فرق الله تعالى. ٣٣٦ / ٧

كما في النسخ كلها إلا (ت) ففيها : عرف الله تعالى. وكان الشرح على الاولى أعني فرق انسب من الثانية.

قوله : والوجه عندى الخ. ٣٣٨ / ١٥

هو كلام الشارح العلامة خالف المصنف وأبا هاشم وقاضي القضاة في عدم صحة اسقاط العوض علينا واختار رأي ابى الحسين في صحة اسقاط العوض علينا. ثم صرّح بالفرق بين العوض والثواب بأن الأول يصح اسقاطه علينا دون الثاني فتبصّر.

قوله : من الصبي المميّز إذا علم دينه وان هبته ٣٣٨ / ١٧

باتفاق النسخ كلها إلّا (ز) ففيها : من الصبي المميّز اذا علم دينه بأن هبته ، الخ. ثم الظاهر أن دينه بفتح الدال.

قوله : واجل الحيوان الخ ٣٣٩ / ١٢

وفي (ت) : واجل الحيوان الموقت الذي على الله تعالى بطلان حياته فيه. والشرح يوافق الأول. وكلمة على في (ت) تحريف علم لأن رسم الخط القديم كان علم قريبا من على.

قوله : ويباح ويحرم ٣٤١ / ١٨

كذا في النسخ كلّها إلّا في (م) ففيها : ويباح ويكره ويحرم. والشرح على وزان النسخ الاولى.

قوله : واللازم باطل اتفاقا ٣٤٢ / ٦

باتفاق النسخ كلها.

قوله : لا تقوية الظلمة. ٣٤٢ / ٧

وفي (ش) : لا معونة الظلمة. وفي (د) : لا معونة ، نسخة. والنسخ الاخرى هي ما اخترناه في

الكتاب.

قوله : ويستند. ٣٤٢ / ١٣

اي السعر ، وان شئت قلت : كل واحد من الرخص والغلاء. وفي (ش ق د) : ويستندان. اي الرخص والغلاء ، والمآل واحد. وفي (م ص ز ت) : ويستند. وظاهر الشرح يوافق الوجهين ، والنسخ الثانية امتن من الاولى غالبا كما اخترناه.

قوله : والنافع والضار. ٣٤٦ / ٢

كما في (ق ش د ز ت) وفي (م ص) : والمنافع والمضار. ونسخ الشرح القديم موافقه للاولى.

قوله : وتجب في النبي العصمة. ٣٤٩ / ٣

الحق أن السفير الالهي مؤيد بروح القدس ، معصوم في جميع احواله واطواره وشئونه قبل البعثة او بعدها فالنبي معصوم في تلقي الوحي وحفظه وابلاغه كما انه معصوم في افعاله مطلقا بالأدلّة العقلية والنقلية فمن اسند إليه الخطأ فهو مخطئ ، ومن اسند إليه السهو فهو أولى به. ونقل الروايات والاخبار بل الآيات القرآنية في ذلك يؤدّي الى الاسهاب وتنزيه الأنبياء لعلم الهدى السيد المرتضى أغنانا عن ورود البحث عن هذه المسائل.

قوله : والانكار عليه. ٣٤٩ / ٤

وفي (ق د) : للانكار عليه. والباقية كلّها : والانكار عليه.

قوله : وان يكون منزها عن الأمراض المنفرة ٣٥٠ / ٤

في خصال الصدوق وخامس البحار في كتاب النبوة (ص ٢٠٤ ط ١).

في خبر القطان عن السكرى عن الجوهري عن ابن عمارة عن ابيه عن جعفر بن محمد عن ابيه عليه‌السلام قال ان أيوب عليه‌السلام ابتلى سبع سنين من غير ذنب (بغير ذنب ـ خ ل) وان الأنبياء عليهم‌السلام لا يذنبون لانهم معصومون مطهرون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا لا صغيرا ولا كبيرا. وقال ان ايّوب عليه‌السلام من جميع ما ابتلي به لم تنتئنّ له رائحة ولا قبحت له صورة ولا

خرجت منه مدة من دم ولا قيح ولا استقذره احد رآه ولا استوحش منه احد شاهد ولا تدوّد شيء من جسده ، وهكذا يصنع الله عزوجل بجميع من يبتليه من انبيائه واوليائه المكرمين عليه وانما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر امره لجهلهم بما له عند ربه تعالى من التأييد والفرج. وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الامثل فالأمثل وانما ابتلاه الله عزوجل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له الربوبية اذا شاهدوا ما اراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه وليستدلوا بذلك على ان الثواب من الله تعالى على ضربين استحقاق واختصاص ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيرا لفقره ولا مريضا لمرضه وليعلموا انه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء متى شاء كيف شاء بأي سبب شاء ويجعل ذلك عبرة لمن شاء وشقاوة لمن شاء وسعادة لمن شاء وهو عزوجل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في افعاله لا يفعل بعباده الا الاصلح لهم ولا قوة لهم الّا به. انتهى.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اعظم الناس بلاء الأنبياء. ومن ذلك العظم الضرّ بالضم قال عز من قائل : وأيوب اذ نادى ربه اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين. اذ الضر بالفتح الضر في كل شيء ، وبالضم الضرر في النفس. ذكره في الكشاف.

قال علم الهدى في تنزيه الأنبياء : فان قيل أفتصحّون ما روي من ان الجذام اصابه حتى تساقطت أعضاؤه؟ قلنا : اما العلل المستقذرة التي تنفر من رآها وتوحشه كالبرص والجذام فلا يجوز شيء منها على الأنبياء عليهم‌السلام لأن النفور ليس بواقف على الامور القبيحة بل قد يكون من الحسن والقبح معا وليس ينكر أن يكون أمراض أيوب عليه‌السلام واوجاعه ومحنه في جسمه ثم في اهله وماله بلغت مبلغا عظيما تزيد في الغم والالم على ما ينال المجذوم وليس ينكر تزايد الألم فيه عليه‌السلام وانما ينكر ما اقتضى التنفير.

قال في مجمع البيان عند قوله سبحانه : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران ١٥٩) :

في هذه الآية دلالة على اختصاص نبيّنا بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال ، ومن عجيب امره صلى‌الله‌عليه‌وآله انه كان اجمع الناس لدواعي الترفّع ثم كان ادناهم الى التواضع وذلك انه كان اوسط الناس نسبا وأوفرهم حسبا واسخاهم واشجعهم وازكاهم وافصحهم وهذه كلّها من دواعي الترفع. ثم كان من تواضعه انه كان يرقع الثوب ويخصف النعل ويركب الحمار ويعلف الناضح

ويجيب دعوة المملوك ويجلس في الأرض ويأكل على الأرض وكان يدعو الى الله من غير زئر وكهر ولا زجر. ولقد احسن من مدحه في قوله :

فما حملت من ناقة فوق ظهرها

أبرّ وأوفى ذمّة من محمّد

الى أن قال ـ ره ـ : وفيها أيضا دلالة على ما نقوله في اللطف لأنه سبحانه نبّه على أنه لو لا رحمته لم يقع اللين والتواضع ولو لم يكن كذلك لما اجابوه فبيّن ان الامور المنفرة منفيّة عنه وعن سائر الأنبياء ومن يجري مجراهم في انه حجة على الخلق وهذا يوجب تنزيهم أيضا عن الكبائر لأن التنفير في ذلك اكثر.

قوله : نحو الاكل على الطريق ٣٥٠ / ٥

في الكافي عن الصادق عليه‌السلام قال خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الغداة ومعه كسرة قد غمسها في اللبن وهو يأكل ويمشي وبلال يقيم الصلاة. وفيه عن امير المؤمنين عليه‌السلام لا بأس أن يأكل الرجل وهو يمشي وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل ذلك. نقله الشيخ بهاء الدين ـ ره ـ في الكشكول (ص ٥٧١ ط ١). فتدبر في الروايتين فان في الاولى ناصا على انه خرج قبل الغداة فهي تقيّد الثانية على وجه لا ينافي التنافر العقلي.

قوله : وطريق معرفة صدقه. ٣٥٠ / ٩

الحق انه نفسه دليل لنفسه كما ان الدليل دليل لنفسه اي دليل كل امر فانما هو دليل لنفسه. كما أن الوحى اذا انزل إليه وجبرئيل نزل به على قلبه ادرك النبوة بنفسه وصدّقها بذاته ادراكا ما اعتراه وسوسة ، وتصديقا ما اعتوره دغدغة بل هو على بينة من ربّه رأى نبوّته على بصيرة اشدّ من رؤية الشمس البازغة على بصر.

قوله : وهو ثبوت ما الخ. ٣٥٠ / ٩

المعجز امر خارق للعادة مقرون بالتحدّي مع عدم المعارضة.

قوله : مع عدم برء العمى ، ٣٥٠ / ١٦

كما في (م) والنسخ الاخرى : مع عدم برء عماه.

قوله : وقصة مريم الخ. ٣٥١ / ٤

حكم حكيم وكلام كامل رصين لأن النفوس الإنسانية مجبولة ومفطورة على الاعتلاء الى مقاماتها الشامخة التي تعطي المفاتيح وتصرف في مادة الكائنات باذن الله سبحانه. والأنبياء والأوصياء دعوا ما سواهم من النفوس الانسانية الى الارتقاء الى معارجهم كما يناديك بذلك القرآن الفرقان بقوله السلام الصدق تعالوا. فلولا هذه الشأنية لهم لما وقعوا في محل الخطاب بذلك الأمر المستطاب. وهم عليهم‌السلام معصومون في جميع شئون احوالهم ، فحاشاهم أن يدعوا الذين ليسوا بمستحقين لذلك الخطاب وقابلين له فان هذا من اعمال الجهال قال ، تعالى شأنه : قالوا أتتخذنا هزوا قال اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين (البقرة ٦٨) نعم يجب الفرق في المقام بين النبوّة الإنبائيّة والنبوة التشريعية على ما حرّرناهما في سائر رسائلنا. والاشارات القرآنية والمأثورات المتظافرة معاضدة على افصح لسان وانطق بيان في ذلك.

قوله : على الارهاص لعيسى عليه‌السلام. ٣٥١ / ٩

الرهص بالكسر العرق الاسفل من الحائط يقال رهصت الحائط بما يقيمه. قاله الجوهري في الصحاح وفي منتهى الارب : رهص بالكسر چينه بن ديوار. والارهاص احداث معجزات تدل على بعثته وكأنه تأسيس لقاعدة نبوّته فكانه العرق الأسفل من الحائط يقال له الرهص بالنسبة إلى ما يبنى عليه ويأتي بعده.

قوله : هان موقعه ولهذا لو اكرم ، ٣٥١ / ٢١

اي هان موقع الاعجاز. والنسخ كلها متفقة على ما اخترناه ، وضمير موقعهم كما في المطبوعة من قبل راجع الى الأنبياء.

قوله : والجواب لا يلزم الخ. ٣٥٢ / ١٩

النسخ كلها متفقة على ما اخترناه في المقام.

قوله : بحيرة ساوا. ٣٥٣ / ٣

البحيرة تصغير البحر يعني بها درياچه ساوه.

قوله : قال نمرود عند ذلك. ٣٥٣ / ١٠

كما في النسخ كلّها إلّا (ق) ففيها : قال عمّه عند ذلك. ولكن كلام الخواجة حيث قال : وفرعون ابراهيم ، يعطى الاول. نعم جاءت العبارة في (ق ت) بالواو بعد فرعون ، اي : وفرعون وابراهيم. فعلى هذا الوجه يمكن أن يقال : وقصة عمّ ابراهيم. فكان فرعون هو فرعون موسى كما يقال في قصة فرعون موسى انه قال انفلق البحر هيبة منّى فأدركه الغرق. ولكن الصواب هو الاضافة اي : فرعون ابراهيم ، كما في (م ص د ش ز) على ان الشارح لم يشر الى فرعون موسى اصلا.

قوله : النظر في معجزته ٣٥٤ / ١١

كما في (ص) والباقية : النظر في معجزتهم.

قوله : والتحدي. ٣٥٤ / ١٧

قال الجوهري في الصحاح : تحدّيت فلانا اذا ماريته في فعل ونازعته الغلبة.

قوله : وسلامه. ٣٥٥ / ٣

بالإضافة باتفاق النسخ كلها ، أي مع سلامته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من القتل.

قوله : كنبوع الماء. ٣٥٥ / ٦

وفي (م) : كنبع الماء. والنبوع والنبع بمعنى. وما في المطبوعة من قوله. «كينبوع الماء» فهو محرف كنبوع الماء.

قوله : ان القرآن معجز ٣٥٤ / ٢١

لا يخفى عليك ان معجزات السفراء الالهية على قسمين قولي وفعلي والقولي اقوى الحجتين على حجيّتهم وقد استوفينا البحث عن ذلك في رسالتنا نهج الولاية (ص ١٩٥ ـ ٢٠٢ ط ١ من ١١ رساله فارسى). فان شئت فراجع إليها.

ثم ان من معجزاته الفعلية الباقية الى الآن قبلة المدينة الطيّبة زادها الله تعالى شرفا بيان ذلك يطلب في الدرس السادس والخمسين من كتابنا دروس معرفة الوقت والقبلة (ص ٣٦٥ ـ ٣٨٤ ط ١).

ثم ان معجزته الفعلية الاخرى هي بناء جدار مسجده كان يعلم المسلمون من ظلّه وقت زوال كل يوم في غاية الاستواء والتعديل على اساس رصين علمي بني بنور الله صار دليلا لمهرة الفنون الرياضية على استنباط الشكلين الظلّي والمغني منه. كما ان نفس بناء الجدار على ذلك الوجه صار دليلا للمراصد الكبار لاستعلام الظهر الحقيقي معتقدين بانه اوثق الطرق واحسنها واتقنها لذلك والبحث على الاستقصاء عن ذلك يطلب أيضا من الدرس الثاني والسبعين من كتابنا المذكور. وقد حررناه بالفارسية في رسالتنا قرآن وانسان ، وفي النكتة المائة من الف نكتة ونكتة.

قوله : فلانه تحدّى الخ ٣٥٤ / ٢١

كانه تحدّى أولا بمثل القرآن ، ثم خفّف فتحدى بعشر سور ، ثم خفّف فتحدى بسورة من مثله ولو كانت مثل الكوثر.

قوله : فبايع عليا عليه‌السلام ، ٣٥٥ / ٢٠

باتفاق النسخ كلّها.

قوله : فان اهبان بن اوس. ٣٥٦ / ٣

اهبان بضم الاول كعثمان صحابي. في الخصائص الكبرى للسيوطي : اهبان بن اوس (ج ٢ مصر ص ٢٦٨ وط حيدرآباد الدكن ج ٢ ص ٦١) وفي اسد الغابة ج ١ ص ١٦١ ط مصر.

قوله : وادعاء العنسي. ٣٥٦ / ١٤

بالعين المهملة والنون الساكنة ، الاسود العنسي في الخصائص الكبرى ج ٢ ص ١١٦ ط مصر. والعنسي من الانساب للسمعاني.

قوله : فاحاط القوم بانفسهم. ٣٥٦ / ١٩

في الخصائص الكبرى للسيوطي فحاطوا انفسهم بمتاعهم ووسطوه بينهم (ج ١ ط مصر

ص ٣٦٩). والكلب هو الحيوان المفترس فيشمل الاسد والذئب ونحوها.

وقوله : فلحس. ٣٥٦ / ٢٠

كما في (م) والنسخ الاخرى : يهمش مكان فلحس.

قوله : واخبر بموت النجاشي. ٣٥٦ / ٢١

ثم جمع المسلمين في البقيع فصلى على جنازة النجاشي عن بعد. وقد كان النجاشي قد آوى المسلمين في حبشة وان الله لا يضيع اجر من احسن عملا.

قوله : وقال الجويني هو الفصاحة والاسلوب معا. ٣٥٧ / ١١

هكذا نقلت العبارة باطباق جميع النسخ التي عندنا. وما في المطبوعة : وقال اهل الحق هو الفصاحة والاسلوب معا ، يعد من تحريفات الكتاب.

قوله : وقيل للصرفة. ٣٥٧ / ٩

قال في نقد المحصّل : اعجاز القرآن على قول قدماء المتكلمين وبعض المحدثين في فصاحته. وعلى قول بعض المتأخرين في صرف عقول الفصحاء القادرين على المعارضة عن ايراد المعارضة. قالوا كل اهل صناعة اختلفوا في تجويد تلك الصناعة فلا محالة يكون فيهم واحد لا يبلغ غيره شأوه وعجز الباقون عن معارضته ولا يكون ذلك معجزا له لأن ذلك لا يكون خرقا للعادة لكن صرف عقول اقرانه القادرين على معارضته عن معارضته يكون خرقا للعادة فذلك هو المعجز. والاستدلال بالاخلاق والافعال أيضا قوي وهو معنى قوله تعالى (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) فان ذلك يشهد على صدقه في دعواه وهو صادر منه. انتهى كلامه.

وقال ياقوت في معجم الادباء : قرأت بخطّ عبد الله بن محمّد بن سعيد بن سنان الخفاجيّ في كتاب له الّفه في الصرفة زعم فيه ان القرآن لم يخرق العادة بالفصاحة حتى صار معجزة للنبيّ (ص) وان كل فصيح بليغ قادر على الاتيان بمثله إلّا انهم صرفوا عن ذلك لا أن يكون القرآن في نفسه معجز الفصاحة وهو مذهب لجماعة من المتكلمين والرافضة منهم بشر المريسيّ والمرتضى ابو القاسم قال في تضاعيفه وقد حمل جماعة من الادباء قول اصحاب هذا الرأي على انّه لا يمكّن احد

من المعارضة بعد زمان التحدّي على أن ينظموا على اسلوب القرآن واظهر ذلك قوم واخفاه آخرون. انتهى.

فزعم اصحاب الصرفة أنّ الله تعالى صرف القوى البشرية عن المعارضة ولذلك عجزوا ولو لا صرفه تعالى لهم لاستطاعوا أن يأتوا بمثله.

والحق أن القرآن معجز في بلاغته واسلوبه وكماله اللفظي والمعنوي في جميع جهاته وليس اعجازه منحصرا في البلاغة والاديب ينظر إليه من حيث صناعته فيقول من هذه الجهة معجز. وكلّ ذي فن في الفنون يخبر عنه بحسب فنه ويظهر العجز عن الاتيان بمثله كذلك. وعلى القول بالصرفة أيضا اعجازه تام بل يمكن التفوّه بالاولويّة وذلك لانهم عاجزون عن اتيان ما هو كان مقدورا لهم فبصرفه سبحانه اياهم عجزوا عن ذلك فكلّ من اهتم عن الاتيان بمثله يصرفه الله تعالى عن ذلك.

ثم لما كان الشريف المرتضى من اعاظم الامامية قائلا بالصرفة اسندوا القول بالصرفة إليهم وإلّا لم يذهب الامامية ـ أنار الله برهانهم ـ على الاطلاق الى الصرفة.

قوله : فرّده ابو جهل. ٣٥٧ / ١٥

كما في (م ص) : والنسخ الاخرى فصدّه. وفي صحاح الجوهرى : الأطيبان الاكل والجماع.

قوله : ولأن الصرفة لو كانت ٣٥٧ / ١٧

هكذا كانت العبارة في جميع النسخ وسياق العبارة يقتضي أن يقال : وبأن الصرفة لو كانت بالباء الجارة لا اللام. أي واحتج الأولون بأن المنقول عن العرب ... وبأن الصرفة لو كانت ...

قوله : وغير ذلك من الاحكام. ٣٥٨ / ٧

هكذا نقلت العبارة باتفاق جميع النسخ.

قوله : أباح نوحا تأخير الختان. ٣٥٨ / ١٢

باتفاق النسخ كلها.

قوله : مختلق. ٣٥٨ / ١٧

كما في (م ، ص ، ق ، ز) وفي (ت) : مختل. وفي (د ، ش) مختلف. والشرح يوافق الاول.

قوله : ابن الراوندي. ٣٥٨ / ٢١

في جميع النسخ المعتبرة عندنا ابن الروندي ، بلا الف. ولكن الصحيح مع الألف ، ولعل رسم الخط كان بدونه نحو إسماعيل وإسحاق. وابن الراوندي هو احمد بن يحيى المروزي معروف مذكور في التراجم والفهارس. ففي تاريخ ابن خلكان : ابو الحسين احمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي العالم المشهور له مقام في علم الكلام وكان من الفضلاء في عصره وله من الكتب المصنّفة نحو من مائة وأربعة عشر كتابا ـ الى قوله : ونسبته الى راوند بفتح الراء والواو وبينهما الف وسكون النون وبعدها دال مهملة وهى قرية من قرى قاسان بنواحي اصفهان وراوند أيضا ناحية ظاهر نيسابور ـ توفى سنة خمس واربعين ومائتين (ج ١ ط ١ ص ٢٨).

قوله : وسورة الجن الخ. ٣٥٩ / ١٢

بل وسور اخرى أيضا والبحث عن ذلك يطلب في المجلد الثالث من كتابنا تكملة منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (ص ٢٨٦ ـ ٢٩٥). والجن من ذوي العقول ولهم استنباط عقلي في الامور كما ترى انهم قالوا : انّا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فآمنا به. والآية في سورة الجن. والفاء في فآمنا به للنتيجة اي القرآن يهدي الى الرشد وما يهدي الى الرشد يجب أن يؤمن به فآمنا به. على ان وصفهم القرآن بالعجب والهداية الى الرشد فرع التمييز العقلاني. ولكنهم في القوة العاقلة دون الانسان والانسان الكامل الالهي في كل عصر وزمان اما خائفا مغمورا او ظاهرا مشهورا فكما هو امام الانس وهو امام الجن أيضا بل هو قطب عالم الامكان مطلقا كبقية الله وتتمة النبوة مولانا المنتظر القائم في هذا العصر المحمدي.

قوله : والتهاوش. ٣٦٢ / ٩

بالواو كما في (ق ، ص ، ش ، ز) والتهارش بالراء كما في (م ، د) والوجه الاول انسب بل هو المتعيّن.

قوله : ووجوده لطف وتصرفه آخر وعدمه منّا. ٣٦٢ / ١٣

هكذا جاءت العبارة في جميع النسخ اطباقا. قوله : وتصرفه آخر ، اي تصرفه لطف آخر. وزيادة

لطف في العبارة ليست بمنقولة في نسخة من تلك النسخ المصححة المعتبرة عندنا. وقوله : وعدمه منا ، اي وعدم تصرفه منّا وذلك بأن يكون غائبا ولكن عدمه هذا منّا. ورسائلنا الاربع : الامامة بالعربية والثلاث الاخرى بالفارسية : نهج الولاية ، انسان كامل از ديدگاه نهج البلاغة ، انسان وقرآن ؛ لعلّها تجديك في المقام.

قوله : لعدم احاطته. ٣٦٤ / ١٢

بل الحق انه نور وتبيان لكل شيء كما نطق به لسانه الصدق ، ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء (النحل ٩٠) والصواب فيه ما قاله الوصي عليه‌السلام في الخطبة ١٢٣ من النهج : وهذا القرآن انما هو خط مسطور بين الدفتين لا ينطق بلسان ولا بدّ له من ترجمان وانما ينطق عنه الرجال.

قوله : أو لا لهما. ٣٦٤ / ١٥

باتفاق النسخ كلّها والضمير راجع الى الدلالة والأمارة.

قوله : الى مراد الله ، ٣٦٤ / ٢٠

كما في (م ، ق ش ، د) وفي (ص ، ز) : الى امر الله.

قوله : من اقامته. ٣٦٥ / ١

هكذا جاءت العبارة في النسخ الثلاث الاولى اي (م ، ص ، ق) وهي توافق قوله : ويفوت الغرض من نصبه فان نصبه هو اقامته. وفي (ش ، د ، ز) : من إمامته.

قوله : كان الانسان معصوما. ٣٦٥ / ١٩

وفي نسخة (م) وحدها كان الامام معصوما ، والنسخ الاخرى كلها كان الانسان معصوما والانسان انسب باسلوب الكلام من الامام.

قوله : ولا ترجيح في المساوى. ٣٦٦ / ٣

كما في (ص ، ق ، ش ، ز ، د) وفي (ت) : وإلّا يرجّح في التساوى. وفي (م) ولا ترجيح

المتساوى ، ولكل وجهة هو موليها.

قوله : في اجل الاشياء ، ٣٦٧ / ٢

وفي (م) ، الى اجلّ الاشياء والنسخ الاخرى كلها هي ما اخترناه.

قوله : ونقلها غيرهم. ٣٦٧ / ١٤

بل اقول : ان الجوامع الروائية لأهل السنّة وحدها كافية في اثبات المذهب الحقة الامامية.

قوله : وهما مختصّان بعلي عليه‌السلام. ٣٦٧ / ٧

قال ابن ابي الحديد شارح نهج البلاغة المتوفى ٦٦٥ في ضمن شرح الخطبة الخامسة والثمانين من نهج البلاغة حيث قال الوصي عليه‌السلام : «بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم ازمة الحق واعلام الدين وألسنة الصدق فأنزلوهم باحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش» ما هذا نصّه : (ج ١ ص ٣٤١ من الطبع الحجري).

فانزلوهم باحسن منازل القرآن تحته سرّ عظيم وذلك انه امر المكلفين بان يجروا العترة في اجلالها واعظامها والانقياد لها والطاعة لا وامرها مجرى القرآن.

ثم قال :

فان قلت : فهذا القول منه يشعر بان العترة معصومة فما قول اصحابكم في ذلك؟

قلت : نصّ ابو محمد بن متويه ـ ره ـ في كتاب الكفاية على أن عليا معصوم وادلة النصوص قد دلّت على عصمته وان ذلك امر اختصّ هو به دون غيره من الصحابة.

هذا ما حكاه الشارح المذكور في شرحه على النهج. واقول : لو تفوّه ابن متويه بخلاف ذلك لكان خلافا. انّ الامير عليه‌السلام بتعبير الشيخ الرئيس في رسالته المعراجية : كان بين الخلق مثل المعقول بين المحسوس. وبتعبير الشيخ الاكبر في الباب السادس من فتوحاته المكيّة : امام العالم وسرّ الأنبياء اجمعين (ج ١ ص ١٣٢ ط بولاق).

ثم لنا في بيان كلام الوصي صلوات الله عليه في انزال العترة باحسن منازل القرآن تقرير رفيع في عصمتهم في رسالتنا نهج الولاية فراجع إليها (ص ٢٠٥ ـ ٢٠٨ ، ١١ رساله ط ١).

قوله : بطلان قول الاولين. ٣٦٧ / ٩

كما في (م) ، والباقية : بطلان قول الاوائل.

قوله : والنص الجلي. ٣٦٧ / ١١

كما في (ش ص ت م ز) وهو الصحيح. والنسخ الاخرى : وللنص الجلي. وكلامه هذا اعني النص الجلي ذكر مورد لقوله آنفا : والعصمة تقتضي النص.

قوله : منها لما نزل. ٣٦٧ / ١٥

في مجمع البيان : وقد فعل ذلك صلى‌الله‌عليه‌وآله واشتهرت القصة بذلك عند الخاص والعام وفي الخبر المأثور عن البراء بن عازب انه قال : لما نزلت هذه الآية جمع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بنى عبد المطلب وهم يومئذ اربعون رجلا ، الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العسّ ، فأمر عليا برجل شاة فادمها ، ثم قال : ادنوا بسم الله ، فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا. ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ، ثم قال : هلمّوا اشربوا بسم الله فشربوا حتى رووا. فبدرهم ابو لهب فقال : هذا ما سحركم به الرجل ، فسكت صلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ ولم يتكلّم.

ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ، ثم أنذرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا بني عبد المطلب اني انا النذير إليكم من الله عزوجل والبشير فأسلموا واطيعوني تهتدوا. ثم قال : من يواخينى ويوازرنى ويكون وليى ووصيى بعدى وخليفتى في اهلي ويقضي دينى؟ فسكت القوم ، ويقول علي : أنا ، فقال في المرة الثالثة : انت.

فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب : أطع ابنك فقد أمر عليك. اورده الثعلبي في تفسيره.

وروى عن ابى رافع بهذه القصة وانه جمعهم في الشعب فصنع لهم رجل شاة فأكلوا حتى تضلّعوا ، وسقاهم عسّا فشربوا كلّهم حتى رووا.

ثم قال : ان الله امرنى أن انذر عشيرتك الأقربين ، وانتم عشيرتى ورهطي ، وان الله لم يبعث نبيّا إلّا جعل له من أهله أخا ووزيرا ووارثا ووصيا وخليفة في أهله ، فأيّكم يقوم فيبايعني على انه أخى ووارثى ووزيرى ووصيّى ويكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدى؟ فسكت القوم. فقال : ليقومنّ قائمكم أو ليكوننّ في غيركم ثم لتندمنّ ثم أعاد الكلام ثلاث مرّات ، فقام عليّ

فبايعه فأجابه. ثم قال : ادن منّى فدنى منه ففتح فاه ومجّ في فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وثدييه. فقال ابو لهب : بئس ما حبوت به ابن عمّك أن أجابك فملأت فاه ووجهه بزاقا. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ملأته حكمة وعلما. هذا ما اردنا نقله من المجمع.

قوله : وللاجماع على هذه الدلالة ٣٦٨ / ١١

وفي (ق) وحدها : وللاجماع على بقاء الدلالة.

قوله : اتحاد الولي والمتولى ٣٦٨ / ١٧

كما في (م ق ش د) وفي (ص ز) اتحاد الوليّ والمولّى. وفي المطبوعة : اتحاد الوليّ والمولّى عليه.

قوله : ولاستخلافه على المدينة. ٣٦٩ / ٢٠

اقول : ولاستخلافه على مكة المكرّمة ليلة المبيت ، وللمواخاة بينهما حيث اخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده وقال : هذا أخي. حينما قرن كل شبه الى شبهه كما هو مقتضى المواخاة ويوم المواخاة يوم مشهور. والبحث عن ذلك اليوم المشهود يطلب على الاستقصاء في شرحنا على نهج البلاغة.

قوله : ولقوله عليه‌السلام انت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي. ٣٧٠ / ٩

اقول : كان عليه‌السلام في صدر الاسلام معروفا بالوصي. وغير واحد من سنام الصحابة وكبار التابعين وصفوه في اشعارهم ومقالاتهم بالوصي. وقد جمعنا اشعار جمع منهم مع ذكر مأخذها في المجلد الثاني من تكملة المنهاج في شرح النهج (ص ١٩ ـ ٢٩) وفي عدة مواضع اخرى منها ، إلّا ـ كما جرى الحق على لسان الفخر الرازي في تفسيره الكبير (ج ١ ص ١٦٠ ط استانبول) ـ انّ الدولة لما وصلت الى بني أميّة بالغوا سعيا في ابطال آثار علي عليه‌السلام.

قوله : كقلع باب خيبر ٣٧٠ / ١٧

والسرّ العظيم لأهل السرّ في هذا القلع ان اعضاءه لم تحس بباب خيبر. هذا هو تعالي النفس الناطقة حيث تتصرف في مادة الكائنات بلا اعمال آلات وادوات جسمانية ، وتصير اعيان الاكوان بمنزلة اعضائه وجوارحه يتصرف فيها باذن الله تعالى. روى عماد الدين الطبري وهو من اعلام القرن السادس الهجري في كتابه القيم بشارة المصطفى لشيعة المرتضى مسندا ، انه عليه‌السلام قال : والله ما قلعت باب خيبر وقذفت به اربعين ذراعا لم تحسّ به اعضائي بقوة جسدية ولا حركة غذائية ولكن أيدت بقوة ملكوتية ونفس بنور ربها مضيئة (مستضيئة ـ خ ل) (ص ٢٣٥ ط نجف).

وذلك هو السعادة التي بحثوا عنها في الصحف العلمية في بيان ارتقاء النفس الناطقة الانسانية. قال الفارابي في المدينة الفاضلة (ص ٦٦ ط مصر) : وذلك هو السعادة وهي أن تصير نفس الانسان من الكمال في الوجود الي حيث لا تحتاج في قوامها إلى مادة وذلك أن تصير في جملة الأشياء البريئة عن الاجسام وفي جملة الجواهر المفارقة للمواد الخ.

ونعم ما أفاد العارف الرومي في اوّل ثالث المثنوي :

اين چراغ شمس كو روشن بود

نز فتيله پنبه وروغن بود

سقف گردون كو چنين دائم بود

نز طناب واستنى قائم بود

قوت جبرئيل از مطبخ نبود

بود از ديدار خلاق ودود

همچنين اين قوت ابدال حق

هم ز حق دان نز طعام واز طبق

جسمشان را هم ز نور اسرشته اند

تا ز روح واز ملك بگذشته اند

قوله : ورفع الصخرة العظيمة عن القليب ٣٧٠ / ١٧

قد ورد هذا الأمر في موضعين من شرحنا على النهج مع بيانه واشارات الى لطائف نورية ، الأول في أوّل التكملة (ص ٣٦٢ ط ١) والآخر في الثاني منها (ص ٢٤ ط ١).

قوله : وبغلته وعمامته ٣٧٢ / ٢١

كما في (ص ق ز) والنسخ الثلاث سيما الاولين منها مصحّحة بالقراءة والاجازة. وفي (م ش د) : ونعليه وعمامته. وهذه الثلاث عارية عن علامة التصحيح والقراءة والاجازة. وقال في ناسخ التواريخ : چگونه ابو بكر آلات ودابّة وبعضى اشياء را ، الخ (ج ٢ ط ١ ص ١٠٠) والظاهر انّ الدابّة ترجمة البغلة بل صريح البخارى : ما ترك رسول الله (ص) ... إلّا بغلته البيضاء التى كان يركبها ... الخ (سيرة ابن كثير ، ج ٤ ص ٥٦٠ ط مصر).

وفي الكافي والتهذيب باسنادهما عن حمزة بن حمران قال : قلت لابى عبد الله عليه‌السلام : من ورث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : فاطمة ورثته متاع البيت والخرثى وكل ما كان له.

وفي الفقيه باسناده عن الفضيل بن يسار قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا والله ما ورث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العباس ولا علي ولا ورثه الّا فاطمة عليها‌السلام وما كان اخذ علي عليه‌السلام السلاح وغيره الّا انه قضى عنه دينه. ثم قال وأولو الارحام بعضهم اولى

ببعض في كتاب الله.

الخرثى بالضم اثاث البيت واسقاطه. والخبر الأخير ردّ لما زعمته العامة ان وارثه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مع فاطمة عليها‌السلام عمه العباس بناء على ما يرونه من التعصيب. وعندنا انه لو لا فاطمة عليها‌السلام لكان وارثه امير المؤمنين صلوات الله عليه لانه كان ابن عمه اخي ابيه لابيه وأمه دون العباس لانه كان اخا ابيه لأبيه دون أمه. هذا ما افاده الفيض في الوافي (ج ١٣ ص ١١٥).

قوله : مع ادعاء النحلة لها وشهد علي عليه‌السلام. ٣٧٣ / ٥

كما في (ص ق ش د) وفي غيرها بدون لها.

قوله : فقال رجل مع رجل أو امرأة مع امرأة. ٣٧٣ / ١٠

النسخ المطبوعة عارية عنه. وهو مذكور في النسخ التي عندنا كلها متفقة ، الّا ان في (م ، ص) فقال ، بالفاء ، والباقية : وقال ، بالواو.

قوله : لئلا يصلي على القبر ٣٧٣ / ١٨

وفي (م) حتى لا يصلي عليها. وفي (ص) ولم يعلم قبرها الى الآن. والنسخ الاخرى موافقة لما نقلناه.

قوله : وهذا الاخبار إن كان الخ. ٣٧٣ / ٢١

الاخبار بالكسر أي اخبار ابي بكر من نفسه بانه ليس بخير من علي عليه‌السلام ان كان حقا اي صدقا ومطابقا للواقع فلاعترافه بعدم الصلاحية للامامة لم يصلح لها. وان لم يكن حقا وصدقا فعدم صلاحيته للامامة حينئذ اظهر لأن اخباره لم يكن حقا ومطابقا للواقع فهو كاذب في اخباره من نفسه والكاذب لعدم عصمته لا يصلح للامامة على الامة.

هذا هو قول ابي بكر في اوله ، ومثله قول عمر في آخره كما رواه البخاري في مقتل عمر بن الخطاب من جامعه انه قال لعبد الله انطلق الى عائشة أمّ المؤمنين فقل يقرأ عليك عمر السلام ولا تقل امير المؤمنين فاني لست اليوم للمؤمنين اميرا البتة.

فأقرّ عمر بانه بعد ضربة ابي لؤلؤة إياه ليس بأمير المؤمنين فيكون كغيره من آحاد الناس. فهذا الاخبار إن كان كذبا فعدم صلاحيته للامامة اظهر واهل السنّة يدعون اجماعهم على تقدمه وفضله وعدله وعلمه وصدقه واجتهاده ووصوله الى حقائق الاحكام واتصاله بروح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وان كان صدقا فيكف يصحّ له تأسيس الشورى وتعيين امر الخلافة في ستة نفر وحكمه بقتل جماعة وهو تصرّف في اهمّ امور المؤمنين وجرأة على خراب الدين.

قوله : هذا دليل آخر ٣٧٤ / ٤

سقطت العبارة في النسخ المطبوعة من قبل ، عبارة الشرح تقرب من أربعة اسطر الكتاب واكملناها من عبارة النسخة الاولى. وراجع في بيان تفصيل هذا الدليل الى الشافي لعلم الهدى الشريف المرتضى ، أو الى تلخيصه لشيخ الطائفة محمد الطوسي ـ قدّس سرّ هما القدوسي ـ. (ص ٤١٥ ط ١) فان العلمين المحقق والعلّامة في إمامة التجريد ناظران كثيرا إليهما. وان كانت تلك المطاعن بلغت الأسماع وملأت الاصقاع.

واعلم ان العلامة أبا الريحان البيروني المتوفى في سنة اربعين وأربعمائة من الهجرة في البحث عن الفيء والظل من رسالته الكريمة الموسومة بافراد المقال في امر الظلال افاد في معنى ما ورد من الخبر أن السلطان ظل الله في ارضه بقوله ، (ص ٨ ط حيدرآباد الدكن) :

... وإليه يرجع ما روي عن ابي الدرداء انه قال (ان شئتم لا قسمن لكم ان احب عباد الله الى الله الذين يرعون الشمس والقمر والنجوم والأظلّة لذكر الله) يعني الفيء فانه بفضل التفكر في خلق السموات والأرض واستعماله في التوحيد وفي اوقات العبادة.

واما ما ورد في الخبر أن السلطان ظل الله في ارضه فمعناه متّجه على الذي يكون حجّة لا على المتسلّط بالغلبة. وكيف يتوجه إليه مع ما ورد (أن لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق) وانما قصر الخبر على من يتقبل فعله تعالى في ابقاء العالم على نظام التعادل وحملهم على مناهج المصلحة حتى تشابه بفعله ظل الشخص يتحرك بحركته ويسكن بسكونه إلّا أن يسهو بما في جبلّته ، كما قال ابو بكر الصديق في قوّته الغضبيّة : (ان لي شيطانا يعتريني فاذا مال بي فقوّمونى). فاما من يبعث في الأرض قصدا ويخرب البلاد عمدا ويخالف فعل الله مضرّا فتعالى الله عن أن يكون مثله ظلّه او حجة على خلقه من عنده. انتهي.

وقد أفاد وأجاد ويا ليته كان يورد البحث عن المقوّم أيضا بأن مقوّم من يعتريه الشيطان هل يعتريه الشيطان أيضا أم يجب أن يكون معصوما من ذلك الاعتراء الخبيث. اي يكون ممن ليس للشيطان عليه سبيل.

قوله : على اعتراض الشيطان. ٣٧٤ / ٧

جاءت العبارة منقولة في جميع النسخ : على اعتراض الشيطان. وهي عبارة اخرى عن اعتراء الشيطان وفي النسخ المطبوعة هاهنا سقط يقرب من ثلاثة اسطر وما اخترناه موافق لنسختي (م ص) وراجع في ذلك الى الشافي لعلم الهدى (ص ٤١٥ و ٤١٦ ط ١).

قوله : وقى الله ، ٣٧٤ / ٩

وفي (ت) وحدها : فوقى الله. وفي قوله الآتي : في استحقاقه للامامة ، وفي (ت) وحدها أيضا : في استحقاقه الامامة. وقوله الآتي : وخالف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الاستخلاف عندهم باتفاق النسخ السبع كلها. وفي المطبوعة : وخالف الرسول في الاختلاف عندهم. وفي قوله الآتي : مع علمهم بقصد البعد ، باتفاق النسخ كلها.

قوله : حيث امره هو وعمر بن الخطاب وعثمان في تنفيذ جيش اسامة. ٣٧٥ / ١٠

باتفاق النسخ كلّها.

قوله : بحيث لا يتوثبوا على الإمامة. ٣٧٥ / ١٣

في (م) بحيث لا يتفشوا على الامامة. وفي (د) : بحيث لا يتوثقوا على الامامة. وهذه تحريف لا يتوثبوا.

قوله : ولم يتول الخ ٣٧٥ / ١٨

عبارة المتن هي ما في (م ، ص) بلا اختلاف إلّا ان العبارة في (م) جاءت : فنزل جبرئيل فامر بردّه. وفي (ق ش ت ز د) : الّا هو أو احد من اهله.

قوله : ارجعي حتى أسأل. ٣٧٦ / ١٢

في النسخة الاولى اعني (م) وكذا في النسخة الرابعة وهي (ق) باضافة الجلالة. اي ارجعي حتى

أسأل الله فاخبره المغيرة بن شعبة الخ. فهذه الاضافة ناصّة على أن كاتب النسختين كان من محبّيه اضاف الجلالة رفعا لنقص ممدوحه وترفيعا لمقامه ولم يرزق المحبّ المسكين فهم عبارة الكتاب بأن المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة اخبراه بذلك ، على أين هو والتفوّه بذلك.

المغيرة بن شعبة بن ابى عامر بضم الميم وكسر الغين المعجمة كان موصوفا بالدعاء. مذكور في رقم ٥٠٦٤ من اسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (ص ٢٤٧ ج ٥ ط دار الشعب بالقاهرة).

ومحمد بن مسلمة ، هو محمّد بن مسلمة بن خالد بفتح الميم واللام وسكون ما بينهما اخو محمود بن مسلمة الانصاري. وهو مذكور في رقم ٤٧٦١ من اسد الغابة (ص ١١٢ ج ٥). وفي نسخ كشف المراد قد حرّف محمد بن مسلمة تارة بمحمد بن سلمة واخرى بمحمد بن مسلم.

قوله : وقتل خالد بن الوليد الخ. ٣٧٦ / ١٥

في (م ص) : وواقع امرأته. وفي غيرهما : وتزوج امرأته. وفي تلخيص الشافي (ص ٤٢٢ ط ١) ان خالدا قتل مالك بن نويرة وهو على ظاهر الاسلام ، وضاجع امرأته من ليلته ، وترك اقامة الحدّ عليه وزعم أنه سيف من سيوف الله سلّه الله على أعدائه.

قوله : وأشار عليه عمر ، ٣٧٦ / ١٦

أي أمره ودلّه عليه لأن الاشارة اذا كانت صلتها على تفيد هذا المعنى.

واعلم أن مطاعن ابي بكر مذكورة أيضا في شرح ابن ابي الحديد على نهج البلاغة فراجع الى الجزء السابع عشر من ذلك الشرح (ص ٣٣٦ ـ ٣٤٩ ج ٢ من الطبع الحجري سنة ١٣٠٤).

قوله : ودفن في بيت الخ. ٣٧٦ / ١٨

المتن والشرح كلاهما موافقان لنسختي (م ، ص) وهما اصح النسخ ، واوليهما اقدمها.

قوله : فكسروا سيفه واخرجوه من الدار. ٣٧٧ / ٤

كما في (م ، ص) وفي (ش ، ق ، د ، ز) : فكسروا سيفه واخرجوا من الدار من أخرجوا.

قوله : وهذا يدل على خطائه في ذلك. ٣٧٧ / ٨

بل

قوله : حتى تلا عليه ابو بكر. ٣٧٧ / ١٦

وفي (ت) : حتى علمه ابو بكر. وفي الشرح : فلمّا نبّهه ابو بكر.

قوله : وقال كل افقه ٣٧٨ / ١

المتن والشرح مطابقان للنسخ كلها.

قوله : حتى المخدرات في البيوت. ٣٧٨ / ٤

باتفاق النسخ كلّها.

قوله : وقضى في الجدّ مائة قضيّة. ٣٧٨ / ١٢

اي قضى في ميراث الجد بمائة حكم مختلفة فكان يتلوّن ولم يدر الصواب. والعبارة المذكورة قد حرفت في النسخ المطبوعة بل وفي غير واحدة من المخطوطة أيضا تحريفا فاحشا بهذه العبارة : وقضى في الحدّ بمائة قضيب. ثم على وزانها حرفت عبارات الشرح أيضا. ففي تلخيص الشافي : وممّا طعنوا عليه انه كان يتلوّن في الاحكام حتى روي انه قضى في الجد سبعين قضية وروي مائة قضية. (ص ٤٣٨ ط ١). وكذا في شرح ابن ابي الحديد على النهج في مطاعنه قال : الطعن السابع انه كان يتلون في الاحكام حتى روي انه قضى في الجدّ بسبعين قضية وروي مائة قضية ومطاعنه مذكورة في الجزء الثاني عشر من ذلك الشرح (ص ٨٠ ـ ٩٩ ج ٢ من الطبع المذكور آنفا).

قوله : وهو ان عمر غير عارف باحكام الشريعة ، ٣٧٨ / ١٣

كما في النسخ كلها إلّا نسخة (ص) ففيها : وهو انه لم يكن عارفا باحكام الشريعة.

قوله : لا يعدل بها عن اخيه عثمان ابن عمه. ٣٧٩ / ٦

وفي شرح ابن ابى الحديد على النهج : لعلمه بأن عليا وعثمان لا يجتمعان ، وأن عبد الرحمن لا يكاد يعدل بالأمر عن ختنه وابن عمه (الجزء الثاني عشر ص ٩٢ ج ٢ ط ١). وفي الشافي : لعلمه بأن عبد الرحمن لا يعدل بالأمر عن أخيه وابن عمه (ص ٤٣٩ ط ١). وفي (م) : لا يعدل بها عن زوج

اخته عثمان ابن عمه.

وفي اوّل كتاب عثمان من وقائع الاقاليم السبعة من ناسخ التواريخ : ... اهل شورى از نزد عمر بيرون شدند هركس طريق سراى خويش گرفت. عباس بن عبد المطلب با على عليه‌السلام مى رفت ، پس على با عباس فرمود سوگند با خداى كه اين كار از ما بيرون شد ، عباس گفت : از كجا گويى؟ فرمود : مگر ندانستى سخن عمر را كه گفت از آن سوى رويد كه عبد الرحمن مى رود؟ عبد الرحمن پسر عمّ عثمان است وبا او سمت مصاهرت دارد چه أمّ كلثوم دختر عقبة بن ابى معيط كه بشرط زنى در سراى عبد الرحمن است با عثمان از جانب مادر خواهر است ، وأروى دختر كريز مادر عثمان ومادر أمّ كلثوم است ، وبزيادت رسول خداى ميان عثمان وعبد الرحمن عقد مواخات بست لا جرم او هرگز جانب عثمان را فرونگذارد ونگران او باشد (ج ٢ ط ١ ص ٤٤٤ و ٤٤٥).

وفي اسد الغابة : عثمان بن عفّان بن ابى العاص ، أمّه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ، وأمّ اروى : البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله (ص). فما في (م) لا يستقيم لأن عبد الرحمن كان زوج اخت عثمان من قبل أمّه لا بالعكس. واما كون عثمان ختن عبد الرحمن فلأن الختن يطلق على كل من كان من قبل المرأة كما في صحاح الجوهري فلا بأس بما في نسخة شرح النهج لابن ابي الحديد. واما كونه اخاه فلأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخى بينهما.

قوله : استعمل الوليد بن عقبة. ٣٧٩ / ١٨

الوليد بن عقبة بالقاف ابن ابي معيط بالتصغير. وعتبة بالتاء محرفة وتقدم بيان التحريف في المقدمة عند ذكر نماذج التحريف في رقم ي.

ثم ان مطاعن عثمان مذكورة في الجزء الثالث من شرح ابن ابي الحديد على النهج (ص ١٢٩ ـ ١٤٢ ج ١ من الطبع المذكور). والمجلد الثاني من تكملة منهاج البراعة قد تصدّى لعرض كثير منها مع ذكر مصادرها واشارات تاريخية ودينية في ذلك.

قوله : ودفع الى مروان ، ٣٧٩ / ١

كما في (م) وفي النسخ الاخرى : دفع الى مروان الف الف لأجل فتح افريقية.

قوله : فليقرأ بقراءة ابن مسعود ٣٨٠ / ١٤

وفي النسخ الاخرى غير (ص) : فليقرأ بقراءة ابن أمّ عبد. وفي (ص) : فليقرأ بقراءة ابن أمّ عبد يعنى ابن مسعود.

قوله : واسقط القود ٣٨٠ / ١٩

المتن والشرح موافقان للنسخ كلها إلّا في (ش ز) ففيهما : لا تبطل حدود الله وانا حاضر.

قوله : بعد ثلاثة ايام ٣٨١ / ٦

كما في (ص). والنسخ الاخرى كلها : بعد ثلاث وعابوا. وفي الامامة والسياسة للدّينوري : ثم احتملوه على باب ليلا وانطلقوا مسرعين ويسمع من وقع رأسه على اللوح طق طق (ج ١ ص ٤٥ ط مصر).

قوله : وإلا لما ساغ لهم التأخر ٣٨١ / ٨

باتفاق النسخ كلّها. اي فلولا علمهم باستحقاقه لذلك من الخذلان والقتل لما خذلوه حتى قتل ، وإلا لما ساغ لهم التأخر عن نصرته.

قوله : وهو اختيار البغداديين كافة ٣٨١ / ٢٠

كذا في جميع النسخ إلا نسخة (م) وكذا في ابتداء شرح ابن ابي الحديد على النهج حيث قال : وقال البغداديون قاطبة قد ماؤهم ومؤخروهم كأبي سهل بشر بن المعمّر ، وابي موسى عيسى بن صبيح ، وابي عبد الله جعفر بن مبشّر ، وأبي جعفر الاسكافي ، وابي الحسين الخياط ، وابي القاسم عبد الله بن محمود البلخي وتلامذته : انّ عليا عليه‌السلام افضل من أبي بكر. الخ (ص ٣ ط ١ ج ١ الحجري).

وقال في انتهاء شرحه عليه عند قوله عليه‌السلام : يهلك فيّ رجلان محبّ مطر وباهت مفتر ، ما هذا لفظه (ص ٤٩١ ج ٢ من الطبع الحجري) : والحاصل انّا لم نجعل بينه عليه‌السلام وبين النبي (ص) الّا رتبة النبوّة واعطيناه كل ما عدا ذلك من الفضل المشترك بينه وبينه ـ الى أن قال : ـ والقول بالتفضيل قول قديم قد قال به كثير من الصحابة والتابعين : فمن الصحابة عمار والمقداد وابو ذر وسلمان وجابر بن عبد الله وابيّ بن كعب وحذيفة وبريدة وابو أيوب وسهل بن حنيف

وعثمان بن حنيف وابو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت وابو الطفيل عامر بن واثلة والعباس بن عبد المطلب وبنوه وبنو هاشم كافة وبنو المطلب كافة ، وكان من بني امية قوم يقولون بذلك منهم خالد بن سعيد بن العاص ومنهم عمر بن عبد العزيز ـ الى أن قال : ـ

فأما من قال بتفضيله على الناس كافة من التابعين فخلق كثير كاويس القرني وزيد بن صوحان وصعصعة اخيه وجندب الخير وعبيدة السلماني وغيرهم ممن لا يحصى كثرة ولم تكن (ولم تكن ـ خ ل) لفظة الشيعة تعرف في ذلك العصر الّا لمن قال بتفضيله ولم تكن مقالة الامامية ومن نحا نحوها من الطاعنين في إمامة السلف مشهورة حينئذ على هذا النحو من الاشتهار فكان القائلون بالتفضيل هم المسمّون الشيعة وجميع ما ورد من الآثار والأخبار في فضل الشيعة وانهم موعودون بالجنّة فهؤلاء هم المعيّنون به دون غيرهم. قال : ولذلك قال اصحابنا المعتزلة في كتبهم وتصانيفهم نحن الشيعة حقا فهذا القول هو اقرب الى السلامة واشبه بالحق من القول المقتسمين طرفي الافراط والتفريط ان شاء الله. انتهى كلام ابن ابى الحديد.

وفي نسخة (م) وحدها : وهو اختيار البغداديين من المعتزلة كافة.

اقول : ومن المعتقدين بأن عليا امير المؤمنين عليه‌السلام افضل من ابي بكر وغيره ، الشيخ العارف مجدود بن آدم السنائي الغزنوي حيث قال في قصيدته النونية في ذلك (ص ١٠٠ من الطبع الحجري من ديوانه) :

كار عاقل نيست در دل مهر دلبر داشتن

جان نگين مهر مهر شاخ بى برداشتن

تا دل عيسى مريم باشد اندر بند تو

كى روا باشد دل اندر سمّ هر خر داشتن

يوسف مصرى نشسته با تو در هر انجمن

زشت باشد چشم را در نقش آزر داشتن

احمد مرسل نشسه كى روا دارد خرد

دل اسير سيرت بوجهل كافر داشتن

بحر پركشتى است ليكن جمله در گرداب خوف

بى سفينه نوح نتوان چشم معبر داشتن

گر نجات دين ودل خواهى همى تا چند از اين

خويشتن چون دائره بى پا وبى سر داشتن

من سلامت خانه نوح نبى بنمايمت

تا توانى خويشتن را ايمن از شر داشتن

شو مدينه علم را در جوى پس در وى خرام

تا كى آخر خويشتن چون حلقه بر در داشتن

چون همى دانى كه شهر علم را حيدر در است

خوب نبود جز كه حيدر مير ومهتر داشتن

كى روا باشد به ناموس وحيل در راه دين

ديو را بر مسند قاضى اكبر داشتن

من چه گويم تو چه دانى مختصر عقلى بود

قدر خاك افزون تر از گوگرد احمر داشتن

از تو خود چون مى پسندد عقل نابيناى تو

پارگين را قابل تسنيم وكوثر داشتن

مر مرا باور نكو نايد ز روى اعتقاد

حق زهرا بردن ودين پيمبر داشتن

آنكه او را بر سر حيدر همى خوانى امير

كافرم گر مى تواند كفش قنبر داشتن

تا سليمان وار باشد حيدر اندر صدر ملك

زشت باشد ديو را بر تارك افسر داشتن

خضر فرّخ پى دليلى را ميان بسته چو كلك

جاهلى باشد ستور لنگ رهبر داشتن

چون درخت دين به باغ شرع هم حيدر نشاند

باغبانى زشت باشد جز كه حيدر داشتن

از گذشت مصطفى مجتبى جز مرتضى

عالم دين را نيارد كس معمّر داشتن

هشت بستان را كجا هرگز توانى يافتن

جز به حبّ حيدر وشبير وشبّر داشتن

گر همى مؤمن شمارى خويشتن را بايدت

مهر زرّ جعفرى بر دين جعفر داشتن

الى آخر ابيات القصيدة وهي كثيرة وفي ديوانه مسطورة. وسبب انشائه هذه القصيدة هو أن السلطان سنجر بعد وفاة ابيه ملكشاه كتب إليه وطلب منه معرفة الدين الحق الالهي فانشأها وارسلها إليه وقال فيها مخاطبا له :

از پس سلطان ملكشه چون نمى دارى روا

تاج وتخت پادشاهى جز كه سنجر داشتن

از پس سلطان دين پس چون روادارى همى

جز على وعترتش محراب ومنبر داشتن

وراجع في ذلك الى المجلس السادس من مجالس المؤمنين للقاضي السعيد نور الله الشهيد نور الله نفسه ورمسه (ص ٢٩٤ ط الحجري).

ثم أنّ لهذا المتمسّك بذيل ولاية الوصي مذهبا آخر تفرّد به وهو انه لا يقول بذلك التفضيل ابدا ولا يتفوّه به قطّ ، وذلك لأن التفضيل شرطه مشاركة الطرفين في صفات الفضيلة وتجانسهما في جميع المقايسات إلّا أنّ احد هما في تلك الصفات افضل من الآخر كما ينبئك عن هذه الدقيقة قوله علت كلمته : تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض (البقرة ٢٥٤) وقوله : ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض (الاسراء ٢٢) ونحوهما من آيات اخرى. فحيث ان التشارك والتجانس شرط في المقايسة فلا يقاس الخط بالنقطة ، ولا السطح بالخط ، ولا الجسم بالسطح ، ولا النور بالظلمة ، ولا العلم بالجهل ، ولا الحق بالباطل ، ولا المعصوم بغير المعصوم. ولست ادري أيّ مشاركة بين الوصي امير المؤمنين علي عليه‌السلام وبين الثلاثة في العصمة التي اختصّ هو بها دون غيره من الصحابة؟!

وأيّ مجانسة بينه وبينها في الفضائل القرآنية والحقائق العقلية الملكوتية وقد كان عليه‌السلام بين الصحابة المعقول بين المحسوس ، وعدل النبيّ إلّا درجة النبوة ، وما سبقه الأوّلون الّا بفضل النبوّة ولا يدركه الآخرون. واين الذرة من المجرّة ، والحصباء من الشعرى ، ونار الحباحب من نور البيضاء حتى يتفوّه بذلك التفضيل؟! أرأيت هل تجوّز التفوّه بتفضيل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ على ابي بكر بأن تقول كان هو افضل من ابي بكر كما تجوّز القول بانه عليه‌السلام افضل الأنبياء والمرسلين. وانّما منزلة الذي كان عدله الّا بفضل النبوة ، هي هكذا بلا دغدغة ولا مراء. فشرط المناسبة في المقايسة يوجب مقايسته عليه‌السلام مع سائر الأنبياء وقاطبة الأوصياء والاولياء الكاملين لا مع آحاد الرعية وغاغة الناس. ألا ترى ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما واخى بين الصحابة وقرن كل شخص الى مماثله في الشرف والفضيلة واخاه عليه‌السلام من دون الصحابة. وانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من احب أن ينظر الى آدم في علمه ، والى نوح في تقواه ، والى ابراهيم فى حلمه ، والى موسى في هيبته ، والى عيسى في عبادته فلينظر الى علي بن ابي طالب رواه البيهقي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فالوصي عليه‌السلام كان مساويا للأنبياء المتقدمين.

قوله : وشيبة بن ربيعة. ٣٨٢ / ٦

ولكن الرواية جاءت في السيرة لابن كثير هكذا ... فحمى عند ذلك عتبة بن ربيعة ، واراد أن يظهر شجاعته ، فبرز بين اخيه شيبة وابنه الوليد ، فلمّا توسطوا بين الصفّين دعوا الى البراز ـ الى أن قال : ـ فقال النبي (ص) : «قم يا عبيدة ، بن الحارث ، وقم يا حمزة ، وقم يا علي» ـ الى قوله : ـ فبارز عبيدة ـ وكان أسنّ القوم ـ عتبة ، وبارز حمزة شيبة ، وبارز عليّ الوليد بن عتبة ، فاما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله ، وأما عليّ فلم يمهل الوليد أن قتله ، واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين ، كلاهما أثبت صاحبه ، وكرّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فدفّفا عليه ، واحتملا صاحبهما فحازاه الى اصحابهما. (ج ٢ ص ٤١٣ ط مصر).

والغرض من النقل أن قاتل شيبة بن ربيعة كان حمزة عليه‌السلام لا امير المؤمنين علي عليه‌السلام فانه كان قاتل ابن اخيه الوليد بن عتبة.

قوله : حتى قتل نصف المشركين المقتولين. ٣٨٢ / ٨

كما في (ص) وحدها وهو الصواب والنسخ الاخرى عارية عن الوصف اعني المقتولين.

قال اليعقوبى في تاريخه (ص ٣٣ ج ٢ ط النجف) في نقل وقعة بدر العظمى : واقبلت قريش مستعدّة لقتال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وعدتهم الف رجل ، وقيل تسعمائة وخمسون. انتهي.

وفي السيرة النبوية لابن هشام (ص ٧٠٦ ج ١ ط مصر) : جميع من شهد بدرا من المسلمين ثلاث مائة رجل وأربعة عشر رجلا ـ الى أن قال (ص ٧١٤): ـ ان قتلى بدر من المشركين كانوا سبعين رجلا ، والأسرى كذلك ، وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب. وفي كتاب الله تبارك وتعالى : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) يقوله لأصحاب أحد ـ وكان من استشهد منهم سبعين رجلا ـ يقول : قد أصبتم يوم بدر مثلى من استشهد منكم يوم أحد ، سبعين قتيلا وسبعين اسيرا. وانشدني ابو زيد الأنصاري لكعب بن مالك.

فأقام بالعطن المعطّن منهم

سبعون ، عتبة منهم والأسود

يعني قتلى بدر. انتهى باختصار.

والغرض من النقل أن الصحيح هو ما اخترناه من (ص) ، وعبارة النسخ الخالية عن الوصف المذكور لا توافق الواقع.

قوله : وكانوا يستخرجون النصول الخ. ٣٨٧ / ٢

قال السيد الجزائرى في الأنوار النعمانية (ص ٣٠٠ ط الحاج موسى) : نور في الحب ودرجاته ـ الى قوله : ـ العشق هو الافراط في المحبة. واشتقاقه من العشقة وهي نبت يلتف على الشجرة من اصلها الى فرعها فهو محيط بها كما أن العشق محيط بمجامع القلب. واما اشتغال النفس بهذه المرتبة عن قواها الشهوانية وعن النوم فانما جاء من فرط نار المحبة الكامنة في القلب ، الشاغلة له عما عداه حتى أنه في هذه الحالة ربما شغل قلبه وحسّه عن آلام البدن وأوجاعها. وهذا الحالة قد كانت في الحب الحقيقي وذلك ان أمير المؤمنين عليه‌السلام لما كانت النصال تلج في بدنه الشريف من الحروب كان الجراح يخرجها منه اذا اشتغل بالصلاة لعدم إحساسه بها ذلك الوقت لاشتغال قلبه بعالم القدس وملك الجبروت. انتهى باختصار.

وقد أجاد العارف الجامي في المقام نظما حيث قال :

شير خدا شاه ولايت على

صيقلى شرك خفى وجلى

روز احد چون صف هيجا گرفت

تير مخالف به تنش جا گرفت

غنچه پيكان به گل او نهفت

صد گل محنت ز گل او شكفت

روى عبادت سوى محراب كرد

پشت بدرد سر اصحاب كرد

خنجر الماس چو بنداختند

چاك بتن چون گلشن انداختند

غرقه به خون غنچه زنگارگون

آمد از آن گلشن احسان برون

گل گل خونش بمصلّى چكيد

گشت چو فارغ ز نماز آن بديد

اين همه گل چيست ته پاى من

ساخته گلزار مصلّاى من

صورت حالش چو نمودند باز

گفت كه سوگند به داناى راز

كز الم تيغ ندارم خبر

گرچه ز من نيست خبردارتر

طاير من سدره نشين شد چه باك

گر شودم تن چو قفس چاك چاك

جامى از آلايش تن پاك شو

در قدم پاك روان خاك شو

شايد از آن خاك به گردى رسى

گرد شكافى وبمردى رسى

قوله : فحمل خالد بن الوليد باصحابه ، ٣٨٢ / ١٣

وفي (م ص) : واصحابه.

قوله : فتفل في عينه ، ٣٨٣ / ٧.

كما في (ش م ز د) وفي (ق ص) : في عينيه.

قوله : وقال لن نغلب اليوم من قلة ، ٣٨٣ / ١٣

كما في اوّل باب غزاة حنين من سادس البحار ط ١ : ان بعضهم حين رأى المسلمين لن نغلب اليوم من قلة. وكذا في (م ص ق ز د) وفي (ش) وحدها : لن نغلب القوم من قلة.

قوله : وكانت الفضيلة في ذلك باجمعه ، ٣٨٣ / ١٩

كما في (م) والنسخ الاخرى كلها : وكانت الفضيلة باجمعها في ذلك.

قوله : ولانه أعلم الخ. ٣٨٣ / ٢١

المتن مطابق للنسخ كلها إلا أن العبارة في (م) جاءت : «وشدّة ملازمته للنبى» مكان «شدّة

ملازمته للرسول».

قوله : سئل عمر عن احكام كثيرة. ٣٨٤ / ١٣

وفي (م) فقط : عن اشياء كثيرة.

قوله : وامره بردّه واستتابته فان تاب فاجلده وإلا فاقتله فتاب ولم يدر عمركم يحدّه ٣٨٤ / ١٧

كما في النسخ كلّها ، وأماما في المطبوعة من زيادة «وقال عليه‌السلام» بعد «واستتابته» فيشبه أن تكون تعليقة ادرجت في الكتاب.

قوله : من الوقائع الشهيرة. ٣٨٤ / ٢٣

كما في (م ص) وفي غيرهما : من الوقائع الكثيرة.

قوله : وكذا اصول المعارف الالهية وعلم الاصول ، ٣٨٥ / ١

وفي (ص) وحدها : وكذا اصول الفقه وعلم اصول المعارف الالهية.

قوله : مع بعدهم عنه. ٣٨٥ / ٤

وفي (م) مع بعد عنهم.

قوله : كقوله سلوني. ٣٨٥ / ٥

كما في (ش). والنسخ الاخرى كلّها : اسألوني. وفي (ق) كتبت فوق اسألوني ، لفظة بخطّه.

قوله : الّا المساوى. ٣٨٥ / ١٦

وفي (م) وحدها : الا التساوى.

قوله : وبات طاويا هو واياهم ثلاثة ايام ، ٣٨٥ / ٢١

كذا في جميع النسخ بالاتفاق.

قوله : كثفنة البعير ٣٨٦ / ٢٢

في (ص) وحدها : كركبة البعير ، والنسخ الاخرى كلها : كثفنة البعير.

قوله : لما استاسره ٣٨٧ / ٧

كما في النسخ كلها إلا نسخة (م) ففيها : لمّا استأمره.

قوله : افسحوا بعض الشريعة ، ٣٨٧ / ١٣

كما في (م) وفي غيرها : افسحوا لهم عن بعض الشريعة.

قوله : اولكم ورود اعلى الحوض اولكم اسلاما علي بن ابى طالب عليه‌السلام ٣٨٨ / ٣

هكذا روى باتفاق النسخ كلها.

قوله : اقدمهم سلما واكثرهم علما. ٣٨٨ / ٦

هكذا روى باتفاق النسخ كلها.

قوله : فلان الصبى قد يكون رشيدا ٣٨٨ / ١٩

قال عز من قائل : وآتيناه الحكم صبيّا كيف نكلم من كان في المهد صبيا (مريم ١٣ ، ٣٠)

قوله : وافصحهم واسدّهم رأيا. ٣٨٩ / ٣

باتفاق النسخ كلّها. وما في المطبوعة : وافصحهم لسانا ، زيادة من النساخ ، أو هو تصحيح قياسي.

قوله : وقال ابن نباتة ٣٨٩ / ٧

في وفيات الأعيان لابن خلكان : ابو يحيى عبد الرحيم بن نباتة صاحب الخطب المشهورة ، كان إماما في علوم الأدب ، قال : حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة ، حفظت مائة

فصل من مواعظ علي بن ابى طالب عليه‌السلام.

وفيه أيضا : ابو غالب عبد الحميد الكاتب البليغ المشهور كان كاتب مروان بن حكم الأموى آخر ملوك بنى امية ، وبه يضرب المثل في البلاغة حتى قيل : فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد. وكان في الكتابة وفي كل فن من العلم والأدب إماما. قال حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت.

اقول : يعني بالأصلع امير المؤمنين عليا عليه‌السلام.

قوله : واعرفهم بمزايا الامور. ٣٨٩ / ١١

وفي (ق) وحدها : واعرفهم تمييزا بالامور. والنسخ الاخرى كلها كما في الكتاب.

قوله : بل كان شديد السياسة. ٣٨٩ / ١٦

كما في النسخ كلها إلا (م) ففيها : بل كان شديد الشوكة.

قوله : شعرات تنحدر. ٣٩٠ / ٩

هذه العبارة الصحيحة قد حرفت في النسخ المطبوعة وغيرها بوجوه مشوّهة. وراجع في أمر ذى الثدية الى المجلد الثاني من مروج الذهب للمسعودى (ص ٤١٧ ط مصر).

وقوله : شق قميصه ، ٣٩٠ / ٩

وفي (ص) : وفتق قميصه.

قوله : عن فئة تضل ، ٣٩١ / ١

كما في النسخ كلها إلا نسخة (م) ففيها : عن فتنة تضل.

قوله : ببياض الوضح لا تواريه العمامة ٣٩١ / ١٦

الوضح بفتحتين : البرص. اي فاضربه ببياض البرص لا تواريه العمامة.

قوله : انه قال من أحب أن ينظر الخ ٣٩٣ / ٦

كما رووا في جوامعهم الروائية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : من أراد أن ينظر الى ميّت يمشي على وجه الأرض فلينظر الى ابى بكر.

قوله : باحد من النساء ٣٩٦ / ١٠

يستوى في الأحد الواحد والجمع والمؤنث. قال تعالى : لستنّ كأحد من النساء. وقال تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ).

قوله : يسقى الماء ، ٣٩٦ / ٢٠

كما في (م) والنسخ الاخرى : يستقى الماء.

قوله : في المعاد ٣٩٩ / ٢

قد ذكرنا فيه اصولا وامهات واشارات لطيفة في تعليقاتنا على رسالته الفارسية الموسومة بتذكرة آغاز وانجام فراجع ولا حاجة الى نقلها هاهنا.

قوله : على امكان المماثل ، ٤٠٠ / ١

وفي (م ت ز) : امكان التماثل.

قوله : او احاطة المحيط ٤٠٠ / ١٤

باتفاق النسخ كلها. وقوله : في مقتضاها ، كما في (م) والنسخ الاخرى : في مقتضياتها.

قوله : ويتأول في المكلف ٤٠٢ / ٧

في (ت م) : ويتناول في المكلّف. والنسخ الاخرى كلها بالاتفاق : ويتأول في المكلف بالتفريق.

قوله : واثبات الفناء ٤٠٣ / ٤

في (م) وحدها : وامتياز الفناء. والنسخ الاخرى كلها : واثبات الفناء كذلك في متون شرح

القديم للاصفهاني وشروح اخرى : واثبات الفناء. وكل واحد منهما صواب يفيد معنى فاردا.

قوله : للجواهر ضدا. ٤٠٣ / ٧

باتفاق النسخ على هيئة الجمع.

وقوله : ولا قائم بالمتحيز ٤٠٣ / ٨

وفي (م) فقط : ولا حال في المتحيز. والنسخ الاخرى كلها : ولا قائم بالمتحيز.

قوله : على كل تقدير فرضوه باطل. ٤٠٣ / ١٥

باتفاق النسخ كلها إلا (ش) ففيها : كان في ضده ، اصلا ، وفرضوه نسخة بدل في ضدّه.

قوله : ولانتفاء الأولوية ٤٠٣ / ١٩

وفي (م) وحدها : وانتفاء الاولوية ، بدون الجارة ، والنسخ الاخرى كلّها معها كما في الكتاب.

قوله : بانه معلوم بالضرورة من دين محمد

في (م) والنسخ الاخرى : بانه امر معلوم بالضرورة في دين النبي.

قوله : وابن الهيصم. ٤٠٦ / ١٠

بالصاد المهملة هو محمد بن الهيصم الكرامي. وما في المطبوعة من الثاء المثلثة فمحرف.

قوله : لو أكل آخر أو اغتذى. ٤٠٦ / ١٦

كما في (م) ، والنسخ الاخرى : لو أكل آخر واغتذى.

قوله : لو اغتذى بها. ٤٠٧ / ٣

وفي (م) وحدها : ولو اعيد بها. والنسخ الاخرى كلها متفقة على ما في الكتاب ، ولا يفيد ما في (م) معنى صحيحا.

قوله : ويستحق الثواب الخ. ٤٠٧ / ٢٠

المتن موافق للنسخ كلّها.

قوله : على ما ذهب من يثبت الترك ضدا ، ٤٠٨ / ٥

اي ضدا للفعل. وفي النسخ الاخرى على مذهب من يثبت.

الّا ان نسخة (م) متفردة بزيادة به بعد الاخلال الاول ، وهو الحق المطابق للشرح بل المتن أيضا وقد جاء في هامش (ش) بعد كان كلمة التكليف بدون بيان انه من الاصل او نسخة. وبالجملة عبارة المتن على ما اخترناه لا ريب في صحتها. بيانها : انه ذكر استحقاق الثواب والمدح بإزاء الافعال الاربعة وهي : فعل الواجب ، وفعل المندوب ، وفعل ضد القبيح ، وفعل الاخلال بالقبيح. ثم قال ان الاستحقاق المذكور بإزاء تلك الافعال مشروط بشرط. وذكر الشرط في قبال تلك الافعال على الترتيب بقوله : بشرط فعل الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه. والمندوب كذلك اي بشرط فعل المندوب لندبه أو لوجه ندبه. والضد لانه ترك القبيح اي بشرط فعل ضد القبيح لانه ترك القبيح. والاخلال به لانه اخلال به اي بشرط فعل الاخلال بالقبيح لانه اخلال به. ثم علّل الاستحقاق بقوله : لان المشقة من غير عوض ظلم. ثم قال ان الابتداء بذلك العوض اي الاستحقاق عبث فيجب ان يكون بإزاء تلك الافعال اي بإزاء التكليف.

قوله : لاشتماله على اللطف وللسمع. ٤٠٨ / ٢٠

باتفاق النسخ كلها.

قوله : فكذا المعصية وهي فعل القبيح وترك الواجب سبب لاستيجاب العقاب ، ٤٠٨ / ٢٢

كما في (م) وفي (ص ش ز د) : وهي فعل القبيح او الاخلال بالواجب سبب لاستحقاق العقاب.

قوله : ان مع المعصية يستحق العقاب. ٤٠٩ / ١

هكذا كانت العبارة في النسخ كلها إلا (ص) ففيها : ان بالمعصية ، كيف كان اسم ان يجب

أن يكون هو الشأن.

قوله : وايجاب المشقة في شكر النعمة قبيح. ٤٠٩ / ١٣

باتفاق النسخ كلها.

قوله : ويشترط في استحقاق الثواب. ٤١٠ / ٣

المتن توافقه النسخ كلها والزيادات في المطبوعة تعليقات ادرجت في المتن. قوله : لا رفع الندم على فعله اي يشترط في استحقاق الثواب ما قلنا لا رفع الندم ولا انتفاء النفع العاجل اي لا يشترط ذاك ولا ذلك كما في الشرح.

قوله : ان فاعل الفعل الشاق ، ٤١٠ / ١٧

كما في (م) ، والنسخ الاخرى كلها : ان من فعل الفعل الشاق.

قوله : لاشتماله على اللطفية ، ٤١٠ / ١٩

باتفاق النسخ كلها.

قوله : لحصل لصاحبه السرور. ٤١١ / ٨

كما في النسخ كلها إلا (م) ففيها : لحصل له السرور.

قوله : واما العقاب فلأنه اعظم في الزجر. ٤١١ / ١٦

باتفاق النسخ كلّها. وفي المطبوعة فلانه أدخل في الزجر. وهذا تحريف سنح من ظاهر قول الماتن : «وهو أدخل في باب الزجر». والصواب اعظم ، وهو تفسير ادخل. يعنى يجب خلوص الثواب من شوائب الألم اي يجب أن لا يكون مشوبا بألم من مثل الحزن والغم والخوف ونحوها ، وكذا يجب خلوص العقاب من شوائب اللذة اي يجب أن لا يكون مشوبا باللذة.

قوله : وكل ذى مرتبة في الجنة. ٤١١ / ١٧

وذلك لان الدرجات هنالك ليست إلا مراتب الاعمال الصالحة والحقائق الايقانية النورية المكسوبة هاهنا. وعن مولانا امام الملك والملكوت الصادق عليه‌السلام : لا تقولن الجنة واحدة ان الله يقول : ومن دونهما جنّتان ، ولا تقولن درجة واحدة ان الله يقول : درجات بعضها فوق بعض ، انما تفاضل القوم بالاعمال. رواه في الصافي في سورة الرحمن في تفسير قوله سبحانه : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ).

قوله : وهو مشروط بالموافاة. ٤١٢ / ١٢

اي الثواب مشروط بأن عامل الخير يوافي ايمانه الموت اي يدوم ايمانه الى حال الموت ويوافي بالطاعة سليمة الى الموت. قال في تفسير المجمع عند قوله سبحانه : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (البقرة ٣٤) : واما قوله تعالى (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) ، قيل معناه كان كافرا في الاصل وهذا القول يوافق مذهبنا في الموافاة.

وفي نسخة مخطوطة مصحّحه من المجمع عندنا مزدانة بتعليقات عتيقة ، جاءت عبارة التعليقة في المقام هكذا : اختلف المعتزلة في اشتراط الموافاة في الثواب والعقاب فقال بهما مشايخ بغداد وانكره الباقون. والقائلون بالموافاة اختلفوا فمنهم من قال لا يثبت الاستحقاق بهما إلّا في الآخرة وهو اذا وافى العبد بالطاعة سليمة إلى دار الآخرة. ومنهم من قال يثبت في حال الموت وهو اذا وافى العبد بها الى الموت. ومنهم من قال بل في حال الطاعة أو المعصية بشرط الموافاة وهو اذا كان معلوم الحكم منه انه لا محبط الطاعة الى حالة الموت.

احتج المشترطون بان ثواب الايمان دائم فلو لم يتوقف على الموافاة لكان المرتد امّا أن يستحق العقاب الدائم مع استحقاق دوام الثواب ، أو يكون أحدهما زائلا بالآخر وهو المطلوب. واعلم ان استحقاق الثواب يتوقف على الاستمرار على الايمان وعلامة ذلك الموافاة.

قوله : وتقريره أن نقول الخ. ٤١٢ / ٢١

العبارة قد حرّفت في النسخ المطبوعة والمخطوطة تحريفا فاحشا ، ومختارنا مطابق لما في نسخة (م) وهو الحق محققا. فنقول في بيانه على وزان كلام الشارح العلامة في تقرير هذا المطلب القويم الاصيل : ان الثواب مشروط بالموافاة على ما تقدم منّا تفسيرها آنفا ، وذلك بالكريمتين اللتين استدل

بهما المحقق الطوسي على الموافاة ، فان المراد بالاحباط والحبط فيهما يتصور على وجوه ثلاثة :

احدها أن يكون العمل باطلا في اصله.

وثانيها ان الثواب يسقط بعد ثبوته.

وثالثها أن الكفر اي الشرك والارتداد ابطله ، أي لم يتحقق الموافاة.

والوجه الاول باطل بدليلين : الاول ان الله سبحانه علق بطلان العمل بالشرك المتجدد حيث قال : لئن اشركت ليحبطن عملك ، وقال : ومن يرتدد منكم الآية. الدليل الثاني ان قوله سبحانه في الآيتين شرط وجزاء والشرط والجزاء انما يقعان في المستقبل فبالاول اي الشرط يبطل الثاني اي الجزاء ، يعني اذا سنح الشرك والارتداد يحبط الاعمال فلا يكون العمل باطلا في اصله.

والوجه الثاني باطل لانه احباط كما يأتي في المسألة الآتية.

فاذا بطل الوجهان الاولان تعيّن الوجه الثالث وهو صحة القول بالموافاة.

فبما بيّنا دريت ان المراد من قوله : وبالاول يبطل الثاني ، هو الشرط والجزاء. وقد توهم بعضهم ان المراد بهما هو الوجه الاول والثاني. ثم اوجب هذا الوهم السوء تبديل الثاني بالثالث واسقاط قوله فتعين الثالث.

والصورة المحرفة هكذا : والاولان باطلان اما الاول لانه علق بطلانه بالشرك ولانه شرط وجزاءهما انما يقعان في المستقبل وبالاول يبطل الثاني واما الثالث فلما يأتي من بطلان التحابط.

قوله : والاحباط باطل. ٤١٣ / ٥

وهو في الحقيقة الكشف عن عدم اليقين في الايمان ، وعدم الاخلاص في العبادة كالمرائي فيرى لا ثواب له لأنه عمل لغير وجه الله واقعا كما قال سبحانه : (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) (البقرة ٢٦٥). وقال عزّ من قائل : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ) (الزمر ٣) والروايات في بطلان عمل المرائي أيضا دالّة على ذلك ، وليس هاهنا احباط بمعناه الحقيقي.

قال الطبرسي في المجمع في تفسير قوله تعالى : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) الآية (البقرة ٣٥) : وانما قلنا لا يجوز مواقعة الكبائر على الأنبياء عليهم‌السلام من حيث ان القبيح يستحق فاعله به الذمّ والعقاب لأن المعاصي عندنا كلّها كبائر وانما تسمى صغيرة باضافتها الى ما هو اكبر عقابا منها لأن الاحباط قد دلّ الدليل عندنا على بطلانه واذا بطل ذلك فلا معصية إلّا ويستحق

فاعلها الذم والعقاب واذا كان الذم والعقاب منفيين عن الأنبياء عليهم‌السلام وجب ان ينتفى عنهم سائر الذنوب. الخ.

وقال فيه عند كلامه سبحانه : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) (البقرة ١٣٩) : فصل في ذكر الاخلاص : روي عن حذيفة بن اليمان قال : سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الاخلاص ما هو؟ قال : سألت جبرئيل عليه‌السلام عن ذلك قال : سألت ربّ العزة عن ذلك فقال : هو سرّ من سرّي استودعته قلب من احببته من عبادي.

وروي عن ابن ادريس الخولاني عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ان لكلّ حق حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحبّ أن يحمد على شيء من عمل الله.

وقال سعيد بن جبير : الاخلاص ان يخلص العبد دينه وعمله لله ولا يشرك به في دينه ولا يرائي بعمله أحدا.

وقيل : الاخلاص أن تستوي أعمال العبد في الظاهر والباطن. وقيل : هو ما استتر من الخلائق واستصفى من العلائق. وقيل : هو أن يكتم حسناته كما يكتم سيئاته.

قوله : ولعدم الاولوية اذا كان الآخر ضعفا. ٤١٣ / ١٦

الضعف بالكسر فالسكون وما في بعض النسخ : «ضعيفا» فمحرّف بلا حرف. وفي (ت) بعد قوله ضعفا : وحصولها لمتناقضين والنسخ الاخرى كما اخترناه وحصول المتناقضين مجرور معطوف على عدم الاولوية. ونسخة (م) قد نقصت منها عدة صفحات من هذه المسألة الى المسألة الخامسة عشرة.

الكلام في رد قول ابى هاشم بالموازنة وقد دريت انه ذهب الى انه ينتفى الأقل بالاكثر ، وينتفى من الاكثر بالأقل ما ساواه ويبقى الزائد مستحقا. فالمحقق أتى بدليلين في ابطال قوله احدهما بعدم الاولوية على فرض احد من الثواب والعقاب ضعفا للآخر كما مثّل الشارح العلامة بقوله : اذا فرضنا استحق المكلف خمسة اجزاء من الثواب وعشرة اجزاء من العقاب. والثاني حصول المتناقضين اي جمعهما على فرض تساوي الثواب والعقاب كما مثل في الشرح بقوله : ولو فرضنا انه فعل خمسة اجزاء من الثواب وخمسة اجزاء من العقاب. وتقرير الشارح في بيان الدليلين خال عن التكلّف جار على اسلوبه الطبيعى. والاستاذ العلّامة الشعراني عدل من الضعف الى الضعيف

ففسّر العبارة بما ليس بمراد وقد تكلف بما استفاد ، واسند بيان الشارح الى التكلف وعدم السداد.

قوله : والكافر مخلّد. ٤١٤ / ٥

فانه بابطال نفسه وجعلها بتراء صار من سنخ الجحيم فلا ترد النعيم. كما لو كان في هذه النشأة مخلّدا فازال مرّة بصره بسوء عمله آنا ما ، فانّه في هذه النشأة اعمى مخلّدا فلا يسمع منه أن يقول إن سوء عملي كان آنا ما فلما ذا كنت أعمى بالخلود المؤبد.

قوله : الصغير والكبير من الذنب. ٤١٤ / ٩

قد تقدم آنفا عن المجمع أن المعاصي عندنا كلّها كبائر وانما تسمّى صغيرة باضافتها الى ما هو اكبر عقابا منها. فلا تنظر الى الذنب انه محقر بل انظر الى من عصيته.

قوله : بوجوه ، ٤١٥ / ١٧

بوجوه ، كما في (ص). وفي (ق ش ز د) : بوجوه ثلاثة. وعبارة المتن أيضا جاءت في غير (ت) : ولانه احسان ، بالواو ، واما نسخة (ت) ففيها : فحسن اسقاطه لانه إحسان بدون الواو. ونسخة (م) هاهنا ساقطة وقد كتبت ثانية وكانت هي اقدم النسخ. فالوجوه محمولة على اقل الجمع. ولكن الشارح القوشجي في شرحه بعد بيان الوجهين قال : الثالث العفو احسان والاحسان على الله تعالى واجب. وكلامه هذا بيان لقول المحقق الطوسي ولانه احسان كما هو ظاهر. وظني ان كلام الشارح العلامة في الوجه الثالث سقط عن قلم النساخ وقد رأيت نظيره في الكتاب ، فيجب أن يضاف إليه نحو قول القوشجى بان يقال : الثالث العفو احسان والاحسان على الله تعالى واجب. بيانا لقوله : ولانه احسان.

قوله : في الشفاعة. ٤١٦ / ١٢

المحقق في الشفاعة أن المؤمن يكسبها في هذه النشأة باتباع سيرة الشفيع فما حرثه في مزرعة نفسه هاهنا يرى نتيجته في نشأته الاخرى التي هي يوم حصاده والنتيجة في طول العمل بل الجزاء نفس العمل.

قوله : متأولة في الكفار ، ٤١٦ / ٢٠

كما في (ت) ، والنسخ الاخرى : متأولة بالكفار.

قوله : والفاسق غير مرتضى. ٤١٧ / ٩

وفي نسخة (ق) كتبت فوق غير مرتضى هذه اللفظة : بخطّه. يعني ان غير مرتضى بخط الشارح العلامة.

قوله : والتوبة واجبة. ٤١٧ / ٢٠

قد بحثنا عن وجوب التوبة على الاستقصاء في ثلاثة عشر مبحثا في المجلد الأول من تكلمة المنهاج (ص ١٧١ ـ ٢٠٩ ج ١ ط ١) فراجع.

قوله : وكذا المستحقر ٤١٩ / ٢١

وفي (ت) فقط : وكذا المستخف. وقوله في آخر الشرح : فكذا الندم ، كما في (ص) والنسخ الاخرى : وكذا العزم.

قوله : والتحقيق الخ. ٤٢٠ / ٦

المتن موافق للنسخ كله إلا نسخة (ص) ففيه : وبهذا يتأول ، مكان وبه يتأول. وما في المطبوعة حواش إيضاحية ادرجت في المتن.

قوله : لكن يمنع اطلاق الاسم عليه ، ٤٢١ / ٤

كما في (ص ش) اي يمنع ابو هاشم اطلاق اسم الكافر على الكافر الذي تاب عن كفره واسلم وهو مقيم على الكذب مثلا. وفي (ق) لكن لا يمتنع اطلاق اسم الاسلام عليه. وفي (ز د) : لكن يمتنع اطلاق اسم الاسلام عليه. والصواب هو الاول. لفظا ومعنى. والثاني معنى فقط. وقد سقطت كلمة لا في العبارة في الثالث.

قوله : وليس ذلك أجزاء. ٤٢١ / ٩

على صيغة الجمع. وفي بعض النسخ : أجرا ، وفي بعضها : جزاء. ولكنهما محرّفان. وهذا رد على المعتزلة لأنّهم ذهبوا الى أن ردّ المظالم شرط في صحة التوبة فقالوا لا تصحّ التوبة عن مظلمة دون الخروج عن تلك المظلمة. وذهب اصحابنا الإمامية ووافقهم الاشعرية الى أن ذلك واجب برأسه لا مدخل له في الندم على ذنب آخر. قال الشيخ البهائي في كتاب الاربعين : اعلم ان الاتيان بما يستتبعه الذنوب من قضاء الفوائت واداء الحقوق والتمكين من القصاص والحدّ ونحو ذلك ليس شرطا في صحة التوبة بل هذه واجبات برأسها والتوبة صحيحة بدونها وبها تصير اكمل واتم. انتهى وراجع في ذلك الي شرح الروضة الحادية والثلاثين من رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد السّاجدين عليه الصلاة والسلام (ص ٣٢٩ ط ١) والى شرحنا على النهج المذكور آنفا.

قوله : ومنه ما يسقطان عنه كالعيدين. ٤٢١ / ١٤

باتفاق النسخ كلّها.

قوله : ورجوعه عما اعتقده ، ٤٢١ / ٢١

باتفاق النسخ كلها.

قوله : وفي وجوب التجديد اشكال. ٤٢٢ / ١٧

اقول : لا كلام في ان التوبة تكون من الذنب فمتى عمل ذنبا وتاب عنه ثم تذكر ذلك الذنب لا يكون صرف تذكره ذنبا بالاتفاق فلم يفعل قبيحا ولم يترك ذنبا حتى يتوب عنه. فما قال ابو علي فهو بمعزل عن التحقيق ، على ان نعلم ـ كما قاله الآمدي ـ بالضرورة ان الصحابة ومن اسلم بعد كفره كانوا يتذكرون ما كانوا عليه في الجاهلية من الكفر ولم يجب عليهم تجديد الاسلام ولا أمروا بذلك وكذلك في كل ذنب وقعت التوبة عنه.

قوله : وبوجود العقاب قطعا. ٤٢٣ / ١٢

اتفاق النسخ كلّها على الوجود بالدال.

قوله : وعذاب القبر واقع. ٤٢٤ / ٢٠

راجع في بيانه الى شرح الحديث التاسع والثلاثين من كتاب الاربعين للعلامة البهائى. وفي بيانه على الاستقصاء في كتبنا دروس اتحاد العاقل بمعقوله ، وشرحنا على فصوص الحكم الموسوم بنصوص الحكم على فصوص الحكم ، وتعليقاتنا على رسالة آغاز وانجام للمحقق الطوسي.

قوله : والصراط والحساب. ٤٢٥ / ١٣

وفي (ص ت) والصراط وتطائر الكتب ، بدون لفظة الحساب.

قوله : إحداهما الى الجنة. ٤٢٥ / ٢٢

لان الطريق تذكّر ويؤنّث.

قوله : دوام خلق مثله. ٤٢٦ / ١٢

كما في النسخ كلها الّا نسخة (ش) ففيها : خلف مثله ، بالفاء.

قوله : في الاسماء والاحكام. ٤٢٦ / ١٦

باتفاق النسخ كلها الا نسخة (ز) ففيها : في الايمان والاحكام. فبدل الاسماء بالايمان. اي في اسماء المؤمن والمسلم والكافر والفاسق والمنافق واحكامها.

قوله : والمندوب ، ٤٢٧ / ١٩

مجرور معطوف على الواجب صفة للمعروف اي الامر بالمعروف المندوب ، وفي (ص ز ش د ق) : وبالمندوب.

وقوله : وهو القول الدال على الحمل على الطاعة ، ٤٢٨ / ١

وفي (م) وحدها بدون «على الحمل».

وقوله : بيان الشرطية. ٤٢٨ / ٨

كما في (ص م) وفي غيرهما : بيان الملازمة.

وقوله : ذخرا لنا يوم المعاد ، ٤٢٨ / ١٩

وفي (ص) وحدها : ذخرا ليوم المعاد ، نحو قول الخواجة في صدر الكتاب.

قال الطبرسي في مجمع البيان في تفسير كريمة (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران ١٠٤) : في هذه الآية دلالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعظم موقعهما ومحلّهما من الدين لانّه تعالى علق الفلاح بهما واكثر المتكلمين على انهما من فروض الكفايات. ومنهم من قال انهما من فروض الأعيان واختاره الشيخ ابو جعفر ـ رحمه‌الله ـ والصحيح أن ذلك انما يجب بالسمع وليس في العقل ما يدل على وجوبه الّا إذا كان على سبيل دفع الضرر. وقال ابو علي الجبائى : يجب عقلا والسمع يؤكده. الخ.

اقول فليتدبر في ذلك في قوله عز من قائل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ). جعلنا الله واياكم من العاملين به انه وليّ التوفيق.

والى هنا ختم تعليقاتنا على تجريد الاعتقاد وشرحه كشف المراد بعون الفيّاض على الاطلاق وقد فرغنا من تسويدها صبيحة الأحد ثامن شهر الله المبارك من سنة ١٤٠٦ ه‍ ق الموافق ٢٨ / ٢ / ١٣٦٥ ه‍ ش في دار العلم قم. دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيّتهم فيها سلام وآخر دعواهم ان الحمد لله ربّ العالمين. وأنا العبد حسن حسن زاده الآملي.

الفهرس

الموضوع

الصفحة

المقدّمة على كشف المراد..................................................... ٣ ـ ١٨

مقدّمة الشارح.................................................................. ١٩

المقصد الأول في الامور العامّة وفيه فصول :

الفصل الأول في الوجود والعدم وفيه مسائل :

المسألة الاولى في أن الوجود والعدم لا يمكن تحديد هما............................... ٢٢

المسألة الثانية في أن الوجود مشترك............................................... ٢٤

المسألة الثالثة في أن الوجود زائد على الماهيات...................................... ٢٤

المسألة الرابعة في انقسام الوجود الى الذهني والخارجي................................ ٢٨

المسألة الخامسة في أن الوجود ليس هو معنى زائدا على الحصول العيني................. ٢٩

المسألة السادسة في أن الوجود لا تزايد فيه ولا اشتداد............................... ٢٩

المسألة السابعة في أن الوجود خير والعدم شر....................................... ٢٩

المسألة الثامنة في أن الوجود لا ضدّ له............................................. ٣٠

المسألة التاسعة في أنه لا مثل للوجود.............................................. ٣٠

المسألة العاشرة في أنه مخالف لغيره من المعقولات وعدم منافاته لها...................... ٣١

المسألة الحادية عشرة في تلازم الشيئية والوجود...................................... ٣٢

المسألة الثانية عشرة في نفي الحال................................................. ٣٥

المسألة الثالثة عشرة في التفريع على القول بثبوت المعدوم والأحوال..................... ٣٧

المسألة الرابعة عشرة في الوجود المطلق والخاص...................................... ٣٩

المسألة الخامسة عشرة في أن عدم الملكة يفتقر الى الموضوع........................... ٤٠

المسألة السادسة عشرة في أن الوجود بسيط........................................ ٤١

المسألة السابعة عشرة في مقوليته على ما تحته من الجزئيات........................... ٤١

المسألة الثامنة عشرة في الشيئية................................................... ٤٢

المسألة التاسعة عشرة في تمايز الأعدام............................................. ٤٣

المسألة العشرون في أن عدم الأخص أعمّ من عدم الأعم............................ ٤٤

المسألة الحادية والعشرون في قسمة الوجود والعدم الى المحتاج والغني.................... ٤٥

المسألة الثانية والعشرون في الوجوب والإمكان والامتناع.............................. ٤٥

المسألة الثالثة والعشرون في أن هذه القضايا الثلاث لا يمكن تعريفها................... ٤٦

المسألة الرابعة والعشرون في القسمة الى هذه الثلاث................................. ٤٦

المسألة الخامسة والعشرون في أقسام الضرورة والإمكان............................... ٤٨

المسألة السادسة والعشرون في أن الوجوب والإمكان والامتناع ليست ثابتة في الأعيان.... ٤٩

المسألة السابعة والعشرون في الوجود والإمكان والامتناع المطلقة....................... ٥١

المسألة الثامنة والعشرون في عروض الإمكان وقسيميه للماهية........................ ٥٢

المسألة التاسعة والعشرون في علّة الاحتياج الى المؤثر................................. ٥٣

المسألة الثلاثون في أن الممكن محتاج الى المؤثر...................................... ٥٤

المسألة الحادية والثلاثون في وجوب الممكن المستفاد من الفاعل........................ ٥٤

المسألة الثانية والثلاثون في الإمكان الاستعدادي.................................... ٥٦

المسألة الثالثة والثلاثون في القدم والحدوث......................................... ٥٧

المسألة الرابعة والثلاثون في أن التقدم مقول بالتشكيك............................... ٥٨

المسألة الخامسة والثلاثون في خواصّ الواجب....................................... ٦١

المسألة السادسة والثلاثون في أن وجود واجب الوجود ووجوبه نفس حقيقته............ ٦٢

المسألة السابعة والثلاثون في تصوّر العدم........................................... ٦٧

المسألة الثامنة والثلاثون في كيفية حمل الوجود والعدم على الماهيات.................... ٧٠

المسألة التاسعة والثلاثون في انقسام الوجود الى ما بالذات والى ما بالعرض.............. ٧٣

المسألة الأربعون في أن المعدوم لا يعاد............................................. ٧٣

المسألة الحادية والأربعون في قسمة الموجود الى الواجب والممكن....................... ٧٥

المسألة الثانية والأربعون في البحث عن الامكان..................................... ٧٦

المسألة الثالثة والأربعون في أن الحكم بحاجة الممكن الى المؤثر ضروري.................. ٧٨

المسألة الرابعة والأربعون في أن الممكن الباقي محتاج الى المؤثر.......................... ٨١

المسألة الخامسة والأربعون في نفي قديم ثان......................................... ٨٢

المسألة السادسة والأربعون في عدم وجوب المادة والمدة للحادث....................... ٨٣

المسألة السابعة والأربعون في أن القديم لا يجوز عليه العدم............................ ٨٤

الفصل الثاني في الماهية ولواحقها

المسألة الاولى في الماهية والحقيقة والذات........................................... ٨٥

المسألة الثانية في أقسام الكلّي.................................................... ٨٦

المسألة الثالثة في انقسام الماهيّة الى البسيط والمركب.................................. ٨٨

المسألة الرابعة في أحكام الجزء.................................................... ٩١

المسألة الخامسة في التشخّص..................................................... ٩٧

المسألة السادسة في البحث عن الوحدة والكثرة..................................... ٩٩

المسألة السابعة في أن الوحدة غنية عن التعريف................................... ١٠٠

المسألة الثامنة في أن الوحدة ليست ثابتة في الأعيان............................... ١٠٠

المسألة التاسعة في التقابل بين الوحدة والكثرة..................................... ١٠١

المسألة العاشرة في أقسام الواحد................................................. ١٠٢

المسألة الحادية عشرة في البحث عن التقابل....................................... ١٠٧

الفصل الثالث في العلّة والمعلول وفيه مسائل :

المسألة الاولى في تعريف العلّة والمعلول............................................ ١١٤

المسألة الثانية في أقسام العلّة.................................................... ١١٤

المسألة الثالثة في أحكام العلّة الفاعلية............................................ ١١٥

المسألة الرابعة في إبطال التسلسل................................................ ١١٧

المسألة الخامسة في متابعة المعلول للعلّة في الوجود والعدم............................ ١١٩

المسألة السادسة في أن القابل لا يكون فاعلا..................................... ١٢٠

المسألة السابعة في نسبة العلّة الى المعلول......................................... ١٢١

المسألة الثامنة في أن مصاحب العلّة ليس بعلّة وكذا مصاحب المعلول ليس معلولا...... ١٢١

المسألة التاسعة في أن العناصر ليست عللا ذاتية بعضها لبعض...................... ١٢٢

المسألة العاشرة في كيفية صدور الافعال منّا....................................... ١٢٣

المسألة الحادية عشرة في أن القوى الجسمانية انما تؤثر بمشاركة الوضع................. ١٢٤

المسألة الثانية عشرة في تناهي القوى الجسمانية.................................... ١٢٥

المسألة الثالثة عشرة في العلّة المادية.............................................. ١٢٧

المسألة الرابعة عشرة في العلّة الصورية............................................ ١٢٨

المسألة الخامسة عشرة في العلّة الغائية............................................ ١٢٩

المسألة السادسة عشرة في أقسام العلّة........................................... ١٣٠

المسألة السابعة عشرة في أن افتقار المعلول انما هو في الوجود أو العدم................ ١٣٣

المقصد الثاني في الجواهر والأعراض وفيه فصول :

الأول في الجواهر وفيه مسائل :

المسألة الاولى في قسمة الممكنات بقول كلّي...................................... ١٣٨

المسألة الثانية في أن الجوهر والعرض ليسا جنسين لما تحتهما......................... ١٤٠

المسألة الثالثة في نفي التضاد عن الجواهر......................................... ١٤١

المسألة الرابعة في أن وحدة المحل لا تستلزم وحدة الحال............................. ١٤٢

المسألة الخامسة في استحالة انتقال الأعراض...................................... ١٤٣

المسألة السادسة في نفي الجزء الذي لا يتجزّى.................................... ١٤٣

المسألة السابعة في نفي الهيولى.................................................. ١٥٠

المسألة الثامنة في إثبات المكان لكلّ جسم........................................ ١٥٠

المسألة التاسعة في تحقيق ماهية المكان............................................ ١٥٢

المسألة العاشرة في امتناع الخلاء................................................. ١٥٤

المسألة الحادية عشرة في البحث عن الجهة........................................ ١٥٤

الفصل الثاني في الاجسام وفيه مسائل :

المسألة الاولى في البحث عن الأجسام الفلكية.................................... ١٥٦

المسألة الثانية في البحث عن العناصر البسيطة.................................... ١٥٨

المسألة الثالثة في البحث عن المركّبات............................................ ١٦٣

الفصل الثالث في بقية أحكام الأجسام ويشتمل على مسائل :

المسألة الاولى في تناهي الأجسام................................................ ١٦٧

المسألة الثانية في أن الأجسام متماثلة............................................ ١٦٨

المسألة الثالثة في أن الأجسام باقية.............................................. ١٦٩

المسألة الرابعة في أن الأجسام يجوز خلوها عن الطعوم والروائح والألوان............... ١٦٩

المسألة الخامسة في أن الأجسام يجوز رؤيتها....................................... ١٧٠

المسألة السادسة في أن الأجسام حادثة.......................................... ١٧٠

الفصل الرابع في الجواهر المجرّدة وفيه مسائل :

المسألة الاولى في العقول المجرّدة.................................................. ١٧٦

المسألة الثانية في النفس الناطقة................................................. ١٨١

المسألة الثالثة في أن النفس الناطقة ليست هي المزاج............................... ١٨٢

المسألة الرابعة في أن النفس ليست هي البدن..................................... ١٨٣

المسألة الخامسة في تجرّد النفس.................................................. ١٨٤

المسألة السادسة في أن النفس البشرية متحدة بالنوع............................... ١٨٧

المسألة السابعة في أن النفوس البشرية حادثة...................................... ١٨٨

المسألة الثامنة في أن لكلّ نفس بدنا واحدا وبالعكس.............................. ١٩٠

المسألة التاسعة في أن النفس لا تفنى بفناء البدن.................................. ١٩٠

المسألة العاشرة في إبطال التناسخ................................................ ١٩١

المسألة الحادية عشرة في كيفية تعقّل النفس وإدراكها............................... ١٩١

المسألة الثانية عشرة في القوى النباتية............................................ ١٩٢

المسألة الثالثة عشرة في أنواع الاحساس.......................................... ١٩٤

المسألة الرابعة عشرة في أنواع القوى الباطنة المتعلّقة بإدراك الجزئيات................... ١٩٨

الفصل الخامس في الأعراض وفيه مسائل :

المسألة الاولى في أن الاعراض منحصرة في تسعة : (الأول الكم).................... ٢٠٢

المسألة الثانية في قسمة الكم................................................... ٢٠٣

المسألة الثالثة في خواصه....................................................... ٢٠٣

المسألة الرابعة في أحكامه...................................................... ٢٠٤

الثاني الكيف وفيه مسائل :

المسألة الاولى في رسمه.......................................................... ٢٠٨

المسألة الثانية في أقسامه....................................................... ٢٠٩

المسألة الثالثة في البحث عن المحسوسات......................................... ٢١٠

المسألة الرابعة في مغايرة الكيفيّات للأشكال والأمزجة.............................. ٢١٠

المسألة الخامسة في البحث عن الملموسات........................................ ٢١١

المسألة السادسة في البحث عن المبصرات........................................ ٢١٧

المسألة السابعة في البحث عن المسموعات....................................... ٢٢٠

المسألة الثامنة في البحث عن المطعومات......................................... ٢٢٣

المسألة التاسعة في البحث عن المشمومات........................................ ٢٢٤

المسألة العاشرة في البحث عن الكيفيات الاستعدادية.............................. ٢٢٤

المسألة الحادية عشرة في البحث عن الكيفيات النفسانية............................ ٢٢٥

المسألة الثانية عشرة في البحث عن العلم بقول مطلق.............................. ٢٢٥

المسألة الثالثة عشرة في أن العلم يتوقف على الانطباع.............................. ٢٢٦

المسألة الرابعة عشرة في أقسام العلم.............................................. ٢٢٩

المسألة الخامسة عشرة في توقف العلم على الاستعداد.............................. ٢٣١

المسألة السادسة عشرة في المناسبة بين العلم والإدراك............................... ٢٣٢

المسألة السابعة عشرة في أن العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول....................... ٢٣٢

المسألة الثامنة عشرة في مراتب العلم............................................. ٢٣٣

المسألة التاسعة عشرة في كيفية العلم بذي السبب................................. ٢٣٣

المسألة العشرون في تفسير العقل................................................ ٢٣٤

المسألة الحادية والعشرون في الاعتقاد والظن وغيرهما................................ ٢٣٥

المسألة الثانية والعشرون في النظر وأحكامه....................................... ٢٣٨

المسألة الثالثة والعشرون في أحكام القدرة......................................... ٢٤٧

المسألة الرابعة والعشرون في الألم واللذة........................................... ٢٥٠

المسألة الخامسة والعشرون في الإرادة والكراهة..................................... ٢٥٢

المسألة السادسة والعشرون في باقي الكيفيات النفسانية............................ ٢٥٤

المسألة السابعة والعشرون في الكيفيات المختصّة بالكمّيات......................... ٢٥٥

الثالث المضاف وفيه مسائل :

المسألة الاولى في أقسامه....................................................... ٢٥٧

المسألة الثانية في خواصّه....................................................... ٢٥٧

المسألة الثالثة في أن الاضافة ليست ثابتة في الأعيان............................... ٢٥٨

المسألة الرابعة في باقي مباحث الاضافة.......................................... ٢٦٠

المسألة الخامسة في مقولة الأين.................................................. ٢٦١

المسألة السادسة في المتى....................................................... ٢٧٥

المسألة السابعة في الوضع...................................................... ٢٧٦

المسألة الثامنة في الملك......................................................... ٢٧٧

المسألة التاسعة في مقولتي الفعل والانفعال........................................ ٢٧٨

المقصد الثالث في إثبات الصانع تعالى وفيه فصول :

الأولى في وجوده تعالى

الفصل الثاني في صفاته تعالى وفيه مسائل :

المسألة الاولى في أنه تعالى قادر................................................. ٢٨١

المسألة الثانية في أنه تعالى عالم.................................................. ٢٨٤

المسألة الثالثة في أنه تعالى حي.................................................. ٢٨٧

المسألة الرابعة في أنه تعالى مريد................................................. ٢٨٨

المسألة الخامسة في أنه تعالى سميع بصير.......................................... ٢٨٩

المسألة السادسة في أنه تعالى متكلّم............................................. ٢٨٩

المسألة السابعة في أنه تعالى باق................................................ ٢٩٠

المسألة الثامنة في أنه تعالى واحد................................................ ٢٩١

المسألة التاسعة في أنه تعالى مخالف لغيره من الماهيات.............................. ٢٩١

المسألة العاشرة في أنه تعالى غير مركّب........................................... ٢٩٢

المسألة الحادية عشرة في أنه تعالى لا ضدّ له...................................... ٢٩٢

المسألة الثانية عشرة في أنه تعالى ليس بمتحيّز..................................... ٢٩٣

المسألة الثالثة عشرة في أنه تعالى ليس بحالّ في غيره................................ ٢٩٣

المسألة الرابعة عشرة في نفي الاتحاد عنه تعالى..................................... ٢٩٣

المسألة الخامسة عشرة في نفي الجهة عنه تعالى..................................... ٢٩٤

المسألة السادسة عشرة في أنه تعالى ليس محلا للحوادث............................ ٢٩٤

المسألة السابعة عشرة في أنه تعالى غني........................................... ٢٩٥

المسألة الثامنة عشرة في استحالة الألم واللذّة عليه تعالى............................. ٢٩٥

المسألة التاسعة عشرة في نفي المعاني والأحوال والصفات الزائدة في الأعيان عنه تعالى... ٢٩٦

المسألة العشرون في أنه تعالى ليس بمرئي.......................................... ٢٩٦

المسألة الحادية والعشرون في باقي الصفات....................................... ٢٩٩

الفصل الثالث في أفعاله تعالى وفيه مسائل :

المسألة الاولى في إثبات الحسن والقبح العقليين.................................... ٣٠٢

المسألة الثانية في أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب......................... ٣٠٥

المسألة الثالثة في أنه تعالى قادر على القبيح....................................... ٣٠٦

المسألة الرابعة في أنه تعالى يفعل لغرض........................................... ٣٠٦

المسألة الخامسة في أنه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي.......................... ٣٠٧

المسألة السادسة في انا فاعلون.................................................. ٣٠٨

المسألة السابعة في المتولّد....................................................... ٣١٣

المسألة الثامنة في القضاء والقدر................................................. ٣١٥

المسألة التاسعة في الهدى والضلالة.............................................. ٣١٧

المسألة العاشرة في انه تعالى لا يعذب الأطفال..................................... ٣١٨

المسألة الحادية عشرة في حسن التكليف و........................................ ٣١٩

المسألة الثانية عشرة في اللطف وماهيته وأحكامه.................................. ٣٢٤

المسألة الثالثة عشرة في الألم ووجه حسنه......................................... ٣٢٩

المسألة الرابعة عشرة في الأعواض................................................ ٣٣٢

المسألة الخامسة عشرة في الآجال................................................ ٣٣٩

المسألة السادسة عشرة في الأرزاق............................................... ٣٤١

المسألة السابعة عشرة في الأسعار................................................ ٣٤٢

المسألة الثامنة عشرة في الأصلح................................................. ٣٤٣

المقصد الرابع في النبوة وفيه مسائل :

المسألة الاولى في حسن البعثة................................................... ٣٤٦

المسألة الثانية في وجوب البعثة.................................................. ٣٤٨

المسألة الثالثة في وجوب العصمة................................................ ٣٤٩

المسألة الرابعة في الطريق الى معرفة صدق النبي..................................... ٣٥٠

المسألة الخامسة في الكرامات................................................... ٣٥١

المسألة السادسة في وجوب البعثة في كلّ وقت.................................... ٣٥٣

المسألة السابعة في نبوّة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم........................................ ٣٥٤

المقصد الخامس في الإمامة وفيه مسائل :

المسألة الاولى في أن نصب الإمام واجب على الله تعالى............................ ٣٦٢

المسألة الثانية في أن الإمام يجب أن يكون معصوما................................ ٣٦٤

المسألة الثالثة في أن الإمام يجب أن يكون أفضل من غيره.......................... ٣٦٦

المسألة الرابعة في وجوب النصّ على الإمام....................................... ٣٦٦

المسألة الخامسة في أن الإمام بعد النبيّ (ص) بلا فصل علي بن أبي طالب (ع)....... ٣٦٧

المسألة السادسة في الأدلّة الدالّة على عدم إمامة غير علي (ع)..................... ٣٧٢

المسألة السابعة في أن عليّا عليه‌السلام أفضل من الصحابة............................... ٣٨١

المسألة الثامنة في إمامة باقي الائمة الاثنى عشر عليهم‌السلام............................. ٣٩٧

المسألة التاسعة في أحكام المخالفين.............................................. ٣٩٨

المقصد السادس في المعاد وفيه مسائل :

المسألة الاولى في إمكان خلق عالم آخر.......................................... ٤٠٠

المسألة الثانية في صحة العدم على العالم......................................... ٤٠١

المسألة الثالثة في وقوع العدم وكيفيته............................................. ٤٠٢

المسألة الرابعة في وجوب المعاد الجسماني.......................................... ٤٠٥

المسألة الخامسة في الثواب والعقاب.............................................. ٤٠٧

المسألة السادسة في صفات الثواب والعقاب...................................... ٤١٠

المسألة السابعة في الاحباط والتكفير............................................. ٤١٣

المسألة الثامنة في انقطاع عذاب أصحاب الكبائر.................................. ٤١٤

المسألة التاسعة في جواز العفو................................................... ٤١٥

المسألة العاشرة في الشفاعة..................................................... ٤١٦

المسألة الحادية عشرة في وجوب التوبة............................................ ٤١٧

المسألة الثانية عشرة في أقسام التوبة............................................. ٤٢١

المسألة الثالثة عشرة في باقي المباحث المتعلّقة بالتوبة................................ ٤٢٤

المسألة الرابعة عشرة في عذاب القبر والميزان والصراط............................... ٤٢٤

المسألة الخامسة عشرة في الأسماء والأحكام....................................... ٤٢٦

المسألة السادسة عشرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر......................... ٤٢٧

التعليقات على كشف المراد.............................................. ٤٢٩ ـ ٦٣٣

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله وصلّي الله على محمّد نبّي الله وعلى آله آل الله

لقد قامت مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعةالمدرّسين في الحوزة العلميّة بقم المشرّقة بنشاطات واسعة في مجال نشر المعرفة وإحياء التراث الإسلامي واليكم سرداً لبعض منشوراتها :

أ ـ من الكتب التي تمَّ طبعها أخيراً

١ ـ الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل

تاليف عدّة من الفضلاء

الجزء الأوّل

بإشراف ناصر مكارم الشيرازي

٢ ـ الحدائق الناضرة ج ١ ١٦

تاليف الشيخ يوسف البحراني

٣ ـ الحدائق الناضرة ج ٢١ و ٢٢ و ٢٣

تاليف الشيخ يوسف البحراني

٤ ـ فرائد الاصول

تاليف الشيخ مرتضى الأنصاري

٥ ـ فوائد الاصول ج ١ و ٢ (تقرير بحث آية الله النائيني)

تاليف الكاظمي الخراساني

٦ ـ فوائد الاصول ج ٣ (تقرير بحث آية الله النائيني)

تاليف الكاظمي الخراساني

مع الحواشي آية الله آغا ضياء الدين العراقي

٧ ـ الصلاة ج ١ (تقريرات بحث المحقّق الداماد)

تاليف الشيخ محمّد المؤمن

٨ ـ الصلاة ج ٢ (تقريرات بحث المحقّق الداماد)

تاليف الشيخ عبدالله الجوادي الآملي

٩ ـ الوهّابيّة في الميزان

تاليف الشيخ جعفر السبحاني

كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد

المؤلف: الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
الصفحات: 646
  • المقدّمة على كشف المراد 3 ـ 18
  • مقدّمة الشارح 19
  • المقصد الأول في الامور العامّة وفيه فصول :
  • الفصل الأول في الوجود والعدم وفيه مسائل :
  • المسألة الاولى في أن الوجود والعدم لا يمكن تحديد هما 22
  • المسألة الثانية في أن الوجود مشترك 24
  • المسألة الثالثة في أن الوجود زائد على الماهيات 24
  • المسألة الرابعة في انقسام الوجود الى الذهني والخارجي 28
  • المسألة الخامسة في أن الوجود ليس هو معنى زائدا على الحصول العيني 29
  • المسألة السادسة في أن الوجود لا تزايد فيه ولا اشتداد 29
  • المسألة السابعة في أن الوجود خير والعدم شر 29
  • المسألة الثامنة في أن الوجود لا ضدّ له 30
  • المسألة التاسعة في أنه لا مثل للوجود 30
  • المسألة العاشرة في أنه مخالف لغيره من المعقولات وعدم منافاته لها 31
  • المسألة الحادية عشرة في تلازم الشيئية والوجود 32
  • المسألة الثانية عشرة في نفي الحال 35
  • المسألة الثالثة عشرة في التفريع على القول بثبوت المعدوم والأحوال 37
  • المسألة الرابعة عشرة في الوجود المطلق والخاص 39
  • المسألة الخامسة عشرة في أن عدم الملكة يفتقر الى الموضوع 40
  • المسألة السادسة عشرة في أن الوجود بسيط 41
  • المسألة السابعة عشرة في مقوليته على ما تحته من الجزئيات 41
  • المسألة الثامنة عشرة في الشيئية 42
  • المسألة التاسعة عشرة في تمايز الأعدام 43
  • المسألة العشرون في أن عدم الأخص أعمّ من عدم الأعم 44
  • المسألة الحادية والعشرون في قسمة الوجود والعدم الى المحتاج والغني 45
  • المسألة الثانية والعشرون في الوجوب والإمكان والامتناع 45
  • المسألة الثالثة والعشرون في أن هذه القضايا الثلاث لا يمكن تعريفها 46
  • المسألة الرابعة والعشرون في القسمة الى هذه الثلاث 46
  • المسألة الخامسة والعشرون في أقسام الضرورة والإمكان 48
  • المسألة السادسة والعشرون في أن الوجوب والإمكان والامتناع ليست ثابتة في الأعيان 49
  • المسألة السابعة والعشرون في الوجود والإمكان والامتناع المطلقة 51
  • المسألة الثامنة والعشرون في عروض الإمكان وقسيميه للماهية 52
  • المسألة التاسعة والعشرون في علّة الاحتياج الى المؤثر 53
  • المسألة الثلاثون في أن الممكن محتاج الى المؤثر 54
  • المسألة الحادية والثلاثون في وجوب الممكن المستفاد من الفاعل 54
  • المسألة الثانية والثلاثون في الإمكان الاستعدادي 56
  • المسألة الثالثة والثلاثون في القدم والحدوث 57
  • المسألة الرابعة والثلاثون في أن التقدم مقول بالتشكيك 58
  • المسألة الخامسة والثلاثون في خواصّ الواجب 61
  • المسألة السادسة والثلاثون في أن وجود واجب الوجود ووجوبه نفس حقيقته 62
  • المسألة السابعة والثلاثون في تصوّر العدم 67
  • المسألة الثامنة والثلاثون في كيفية حمل الوجود والعدم على الماهيات 70
  • المسألة التاسعة والثلاثون في انقسام الوجود الى ما بالذات والى ما بالعرض 73
  • المسألة الأربعون في أن المعدوم لا يعاد 73
  • المسألة الحادية والأربعون في قسمة الموجود الى الواجب والممكن 75
  • المسألة الثانية والأربعون في البحث عن الامكان 76
  • المسألة الثالثة والأربعون في أن الحكم بحاجة الممكن الى المؤثر ضروري 78
  • المسألة الرابعة والأربعون في أن الممكن الباقي محتاج الى المؤثر 81
  • المسألة الخامسة والأربعون في نفي قديم ثان 82
  • المسألة السادسة والأربعون في عدم وجوب المادة والمدة للحادث 83
  • المسألة السابعة والأربعون في أن القديم لا يجوز عليه العدم 84
  • الفصل الثاني في الماهية ولواحقها
  • المسألة الاولى في الماهية والحقيقة والذات 85
  • المسألة الثانية في أقسام الكلّي 86
  • المسألة الثالثة في انقسام الماهيّة الى البسيط والمركب 88
  • المسألة الرابعة في أحكام الجزء 91
  • المسألة الخامسة في التشخّص 97
  • المسألة السادسة في البحث عن الوحدة والكثرة 99
  • المسألة السابعة في أن الوحدة غنية عن التعريف 100
  • المسألة الثامنة في أن الوحدة ليست ثابتة في الأعيان 100
  • المسألة التاسعة في التقابل بين الوحدة والكثرة 101
  • المسألة العاشرة في أقسام الواحد 102
  • المسألة الحادية عشرة في البحث عن التقابل 107
  • الفصل الثالث في العلّة والمعلول وفيه مسائل :
  • المسألة الاولى في تعريف العلّة والمعلول 114
  • المسألة الثانية في أقسام العلّة 114
  • المسألة الثالثة في أحكام العلّة الفاعلية 115
  • المسألة الرابعة في إبطال التسلسل 117
  • المسألة الخامسة في متابعة المعلول للعلّة في الوجود والعدم 119
  • المسألة السادسة في أن القابل لا يكون فاعلا 120
  • المسألة السابعة في نسبة العلّة الى المعلول 121
  • المسألة الثامنة في أن مصاحب العلّة ليس بعلّة وكذا مصاحب المعلول ليس معلولا 121
  • المسألة التاسعة في أن العناصر ليست عللا ذاتية بعضها لبعض 122
  • المسألة العاشرة في كيفية صدور الافعال منّا 123
  • المسألة الحادية عشرة في أن القوى الجسمانية انما تؤثر بمشاركة الوضع 124
  • المسألة الثانية عشرة في تناهي القوى الجسمانية 125
  • المسألة الثالثة عشرة في العلّة المادية 127
  • المسألة الرابعة عشرة في العلّة الصورية 128
  • المسألة الخامسة عشرة في العلّة الغائية 129
  • المسألة السادسة عشرة في أقسام العلّة 130
  • المسألة السابعة عشرة في أن افتقار المعلول انما هو في الوجود أو العدم 133
  • المقصد الثاني في الجواهر والأعراض وفيه فصول :
  • الأول في الجواهر وفيه مسائل :
  • المسألة الاولى في قسمة الممكنات بقول كلّي 138
  • المسألة الثانية في أن الجوهر والعرض ليسا جنسين لما تحتهما 140
  • المسألة الثالثة في نفي التضاد عن الجواهر 141
  • المسألة الرابعة في أن وحدة المحل لا تستلزم وحدة الحال 142
  • المسألة الخامسة في استحالة انتقال الأعراض 143
  • المسألة السادسة في نفي الجزء الذي لا يتجزّى 143
  • المسألة السابعة في نفي الهيولى 150
  • المسألة الثامنة في إثبات المكان لكلّ جسم 150
  • المسألة التاسعة في تحقيق ماهية المكان 152
  • المسألة العاشرة في امتناع الخلاء 154
  • المسألة الحادية عشرة في البحث عن الجهة 154
  • الفصل الثاني في الاجسام وفيه مسائل :
  • المسألة الاولى في البحث عن الأجسام الفلكية 156
  • المسألة الثانية في البحث عن العناصر البسيطة 158
  • المسألة الثالثة في البحث عن المركّبات 163
  • الفصل الثالث في بقية أحكام الأجسام ويشتمل على مسائل :
  • المسألة الاولى في تناهي الأجسام 167
  • المسألة الثانية في أن الأجسام متماثلة 168
  • المسألة الثالثة في أن الأجسام باقية 169
  • المسألة الرابعة في أن الأجسام يجوز خلوها عن الطعوم والروائح والألوان 169
  • المسألة الخامسة في أن الأجسام يجوز رؤيتها 170
  • المسألة السادسة في أن الأجسام حادثة 170
  • الفصل الرابع في الجواهر المجرّدة وفيه مسائل :
  • المسألة الاولى في العقول المجرّدة 176
  • المسألة الثانية في النفس الناطقة 181
  • المسألة الثالثة في أن النفس الناطقة ليست هي المزاج 182
  • المسألة الرابعة في أن النفس ليست هي البدن 183
  • المسألة الخامسة في تجرّد النفس 184
  • المسألة السادسة في أن النفس البشرية متحدة بالنوع 187
  • المسألة السابعة في أن النفوس البشرية حادثة 188
  • المسألة الثامنة في أن لكلّ نفس بدنا واحدا وبالعكس 190
  • المسألة التاسعة في أن النفس لا تفنى بفناء البدن 190
  • المسألة العاشرة في إبطال التناسخ 191
  • المسألة الحادية عشرة في كيفية تعقّل النفس وإدراكها 191
  • المسألة الثانية عشرة في القوى النباتية 192
  • المسألة الثالثة عشرة في أنواع الاحساس 194
  • المسألة الرابعة عشرة في أنواع القوى الباطنة المتعلّقة بإدراك الجزئيات 198
  • الفصل الخامس في الأعراض وفيه مسائل :
  • المسألة الاولى في أن الاعراض منحصرة في تسعة : (الأول الكم) 202
  • المسألة الثانية في قسمة الكم 203
  • المسألة الثالثة في خواصه 203
  • المسألة الرابعة في أحكامه 204
  • الثاني الكيف وفيه مسائل :
  • المسألة الاولى في رسمه 208
  • المسألة الثانية في أقسامه 209
  • المسألة الثالثة في البحث عن المحسوسات 210
  • المسألة الرابعة في مغايرة الكيفيّات للأشكال والأمزجة 210
  • المسألة الخامسة في البحث عن الملموسات 211
  • المسألة السادسة في البحث عن المبصرات 217
  • المسألة السابعة في البحث عن المسموعات 220
  • المسألة الثامنة في البحث عن المطعومات 223
  • المسألة التاسعة في البحث عن المشمومات 224
  • المسألة العاشرة في البحث عن الكيفيات الاستعدادية 224
  • المسألة الحادية عشرة في البحث عن الكيفيات النفسانية 225
  • المسألة الثانية عشرة في البحث عن العلم بقول مطلق 225
  • المسألة الثالثة عشرة في أن العلم يتوقف على الانطباع 226
  • المسألة الرابعة عشرة في أقسام العلم 229
  • المسألة الخامسة عشرة في توقف العلم على الاستعداد 231
  • المسألة السادسة عشرة في المناسبة بين العلم والإدراك 232
  • المسألة السابعة عشرة في أن العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول 232
  • المسألة الثامنة عشرة في مراتب العلم 233
  • المسألة التاسعة عشرة في كيفية العلم بذي السبب 233
  • المسألة العشرون في تفسير العقل 234
  • المسألة الحادية والعشرون في الاعتقاد والظن وغيرهما 235
  • المسألة الثانية والعشرون في النظر وأحكامه 238
  • المسألة الثالثة والعشرون في أحكام القدرة 247
  • المسألة الرابعة والعشرون في الألم واللذة 250
  • المسألة الخامسة والعشرون في الإرادة والكراهة 252
  • المسألة السادسة والعشرون في باقي الكيفيات النفسانية 254
  • المسألة السابعة والعشرون في الكيفيات المختصّة بالكمّيات 255
  • الثالث المضاف وفيه مسائل :
  • المسألة الاولى في أقسامه 257
  • المسألة الثانية في خواصّه 257
  • المسألة الثالثة في أن الاضافة ليست ثابتة في الأعيان 258
  • المسألة الرابعة في باقي مباحث الاضافة 260
  • المسألة الخامسة في مقولة الأين 261
  • المسألة السادسة في المتى 275
  • المسألة السابعة في الوضع 276
  • المسألة الثامنة في الملك 277
  • المسألة التاسعة في مقولتي الفعل والانفعال 278
  • المقصد الثالث في إثبات الصانع تعالى وفيه فصول :
  • الأولى في وجوده تعالى
  • الفصل الثاني في صفاته تعالى وفيه مسائل :
  • المسألة الاولى في أنه تعالى قادر 281
  • المسألة الثانية في أنه تعالى عالم 284
  • المسألة الثالثة في أنه تعالى حي 287
  • المسألة الرابعة في أنه تعالى مريد 288
  • المسألة الخامسة في أنه تعالى سميع بصير 289
  • المسألة السادسة في أنه تعالى متكلّم 289
  • المسألة السابعة في أنه تعالى باق 290
  • المسألة الثامنة في أنه تعالى واحد 291
  • المسألة التاسعة في أنه تعالى مخالف لغيره من الماهيات 291
  • المسألة العاشرة في أنه تعالى غير مركّب 292
  • المسألة الحادية عشرة في أنه تعالى لا ضدّ له 292
  • المسألة الثانية عشرة في أنه تعالى ليس بمتحيّز 293
  • المسألة الثالثة عشرة في أنه تعالى ليس بحالّ في غيره 293
  • المسألة الرابعة عشرة في نفي الاتحاد عنه تعالى 293
  • المسألة الخامسة عشرة في نفي الجهة عنه تعالى 294
  • المسألة السادسة عشرة في أنه تعالى ليس محلا للحوادث 294
  • المسألة السابعة عشرة في أنه تعالى غني 295
  • المسألة الثامنة عشرة في استحالة الألم واللذّة عليه تعالى 295
  • المسألة التاسعة عشرة في نفي المعاني والأحوال والصفات الزائدة في الأعيان عنه تعالى... 296
  • المسألة العشرون في أنه تعالى ليس بمرئي 296
  • المسألة الحادية والعشرون في باقي الصفات 299
  • الفصل الثالث في أفعاله تعالى وفيه مسائل :
  • المسألة الاولى في إثبات الحسن والقبح العقليين 302
  • المسألة الثانية في أنه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب 305
  • المسألة الثالثة في أنه تعالى قادر على القبيح 306
  • المسألة الرابعة في أنه تعالى يفعل لغرض 306
  • المسألة الخامسة في أنه تعالى يريد الطاعات ويكره المعاصي 307
  • المسألة السادسة في انا فاعلون 308
  • المسألة السابعة في المتولّد 313
  • المسألة الثامنة في القضاء والقدر 315
  • المسألة التاسعة في الهدى والضلالة 317
  • المسألة العاشرة في انه تعالى لا يعذب الأطفال 318
  • المسألة الحادية عشرة في حسن التكليف و 319
  • المسألة الثانية عشرة في اللطف وماهيته وأحكامه 324
  • المسألة الثالثة عشرة في الألم ووجه حسنه 329
  • المسألة الرابعة عشرة في الأعواض 332
  • المسألة الخامسة عشرة في الآجال 339
  • المسألة السادسة عشرة في الأرزاق 341
  • المسألة السابعة عشرة في الأسعار 342
  • المسألة الثامنة عشرة في الأصلح 343
  • المقصد الرابع في النبوة وفيه مسائل :
  • المسألة الاولى في حسن البعثة 346
  • المسألة الثانية في وجوب البعثة 348
  • المسألة الثالثة في وجوب العصمة 349
  • المسألة الرابعة في الطريق الى معرفة صدق النبي 350
  • المسألة الخامسة في الكرامات 351
  • المسألة السادسة في وجوب البعثة في كلّ وقت 353
  • المسألة السابعة في نبوّة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم 354
  • المقصد الخامس في الإمامة وفيه مسائل :
  • المسألة الاولى في أن نصب الإمام واجب على الله تعالى 362
  • المسألة الثانية في أن الإمام يجب أن يكون معصوما 364
  • المسألة الثالثة في أن الإمام يجب أن يكون أفضل من غيره 366
  • المسألة الرابعة في وجوب النصّ على الإمام 366
  • المسألة الخامسة في أن الإمام بعد النبيّ (ص) بلا فصل علي بن أبي طالب (ع) 367
  • المسألة السادسة في الأدلّة الدالّة على عدم إمامة غير علي (ع) 372
  • المسألة السابعة في أن عليّا عليه‌السلام أفضل من الصحابة 381
  • المسألة الثامنة في إمامة باقي الائمة الاثنى عشر عليهم‌السلام 397
  • المسألة التاسعة في أحكام المخالفين 398
  • المقصد السادس في المعاد وفيه مسائل :
  • المسألة الاولى في إمكان خلق عالم آخر 400
  • المسألة الثانية في صحة العدم على العالم 401
  • المسألة الثالثة في وقوع العدم وكيفيته 402
  • المسألة الرابعة في وجوب المعاد الجسماني 405
  • المسألة الخامسة في الثواب والعقاب 407
  • المسألة السادسة في صفات الثواب والعقاب 410
  • المسألة السابعة في الاحباط والتكفير 413
  • المسألة الثامنة في انقطاع عذاب أصحاب الكبائر 414
  • المسألة التاسعة في جواز العفو 415
  • المسألة العاشرة في الشفاعة 416
  • المسألة الحادية عشرة في وجوب التوبة 417
  • المسألة الثانية عشرة في أقسام التوبة 421
  • المسألة الثالثة عشرة في باقي المباحث المتعلّقة بالتوبة 424
  • المسألة الرابعة عشرة في عذاب القبر والميزان والصراط 424
  • المسألة الخامسة عشرة في الأسماء والأحكام 426
  • المسألة السادسة عشرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 427
  • التعليقات على كشف المراد 429 ـ 633