مقدّمة المصحح

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.

وبعد ـ أيّها القارئ الكريم ـ فإنّ هذا الكتاب الّذي بين يديك المسمّى ب «النصّ الجليّ في إثبات ولاية عليّ عليه‌السلام» من تأليفات العالم الجليل المتكلّم الفقيه الأصولي الشيخ حسين بن الآقا باقر البروجرديّ ، المتوفى بعد سنة ١٣٠٦ ه‍.

وهذا الكتاب ، مع ما فيه من الإيجاز والاختصار ، حاو لأبحاث قيّمة ، ومسائل جيّدة حول الإمامة ، وقد اشتمل على مقدّمة وأربعين آية من القرآن الكريم نازلة في شأن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وإثبات خلافته وإمامته ، وذيّل المؤلّف آية بروايات عديدة شاهدة على معنى الآية من كتب الفريقين.

وغير خفيّ وجود تأليفات كثيرة بهذا الأسلوب ، أي إثبات الإمامة من طريق الآيات والروايات ، ولكنّها ليست على حدّ الإحصاء إلى الأربعين من الآيات ، إضافة إلى ما في هذا الكتاب من كثرة المصادر المعتمدة والحاكية عن تضلّع المؤلّف في هذا الباب.

وعلى الرغم ممّا بذلناه من جهد للوقوف على نسخة مخطوطة للكتاب «النصّ الجليّ» إلّا

أنّنا لم نعثر إلّا على نسخته المطبوعة على الحجر سنة ١٣٣٠ ه‍ ، وهذه الطبعة حجرية ذات أغلاط مطبعيّة وغير مطبعيّة ، فقمت بعون الله تعالى باستنساخها وتحقيقها ، وتخريج رواياتها من المصادر المعتبرة.

وإذ عزّ الحصول على نسخ من الطبعة الحجريّة ، نقدّم هذه الطبعة للقرّاء الكرام بصورة محقّقة مرتّبة جامعة لعشرات من المصادر المعتمدة لدى الفريقين ، وأرجو من السادة الأعزّاء إذا وقفوا على موارد من زلّات القلم يعفوا عنها ويهدوها إلينا.

وفي الختام أقدّم جزيل الشكر لسماحة الاستاذ أبو ابراهيم عليّ بصريّ على لإنجاز تشجيعي هذا العمل ، أسأل الله تعالى له السلامة ولوالديه الغفران والرحمة ، وكما أشكر للأخ الفاضل عبد الرحيم المبارك عنايته بالكتاب وما بذله من وقت في مراجعته والفاضلان السيّد السيادة والرضواني.

على أصغر شكوهي قوچانيّ

١٠ / ٤ / ١٣٨٢

لمحة من حياة المؤلّف

انّ كتب التراجم والرّجال مع كثرتها وسعتها لم تسلّط ـ مع الأسف ـ الأضواء على حياة بعض علمائنا الأعلام ، حيث لم تتعرض لذكرهم على الاطلاق أو لم تذكرهم تفصيلا وسيّدنا المترجم العلّامة المولى المتكلّم محمد حسين بن الآقا باقر البروجردي لم يستثن عن هذه الحال ، فبعد ما تصفّحنا كثيرا من كتب التراجم لم نعثر على ترجمة وافية من مشايخه وتلاميذه ، ومحل أخذه العلوم ، ومولده وسنّ وفاته بشكل دقيق سوى ما ذكره العلّامة الخبير الشيخ الآقا بزرك الطهراني رحمه‌الله في كتاب طبقات أعلام الشيعة في القرن الرابع عشر ج ١ / ٥٣٧ ، قال :

الشيخ محمّد حسين بن الآقا باقر البروجردي من أكابر العلماء كان أحد الرجال الأعاظم في عصره ، وكانت له يد طولى في جملة من العلوم الإسلاميّة ، فقد كان متبحرا في الكلام ، ومحقّقا في التفسير ، وماهرا في الفقه ، وبارعا في الاصول ، وثقة في الحديث وغير ذلك من العلوم ، توفّي بعد ١٣٠٦ ه‍ ، وله آثار جليلة وتصانيف هامة منها : النصّ الجلي في إثبات ولاية عليّ عليه‌السلام طبع في سنة ١٣٢٠ ه‍ ، بمباشرة الشيخ آقا نور الدّين نجل المترجم له والمتوفى ١٣٣٦ ه‍ ، وذكر في آخره فهرس تصانيف والده فعدّ منها : لب الأصول والردّ على النصارى وتفسير القرآن الذي ذكرنا في الذريعة ٤ / ٢٧١ ومختصره أسرار التنزيل الّذي ذكرنا في الذريعة ٢ / ٤٣ وشرح حديث الحقيقة عن كميل بن زياد.

ذكر الفاضل المراغي في كتاب المآثر والآثار ص ١٧٣ وعده من علماء عصر السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، وقال ما ترجمته : إنّه مجتهد مسلّم من تلاميذ حجّة الإسلام البروجردي وله إجازات من العلماء جمعها في طومار والظاهر انّه كان في تاريخ التأليف وهو سنة ١٣٠٦ ه‍.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله على أسبغ نعمائه في موالاة أوليائه الّذي بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكتابه الكريم هداية إلى صراطه المستقيم ، مناهج الآل الكرام ، عترة المصطفى ، سبل السّلام ؛ وصلّى الله على آله وأوصيائه الهداة ، الذين هم أئمّة الدين ، ووسيلة النجاة.

أمّا بعد : فيقول العبد الفاقر محمد حسين ابن آقا باقر عفا الله عنهما في الأوّل والآخر.

إنّه قد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : من حفظ على أمّتي أربعين حديثا من أمر دينها ، بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما (١). فأردت أن أذكر في هذا المختصر من أحاديث خير البشر في مناقب الأئمّة الاثني عشر من صفوة أولاد أبي البشر ما أتوسّل به في يوم الدّين ويعرج به إلى معارج اليقين ، ويهتدى به إلى مناهج الصّدّيقين ، من موالاة الإمام المبين من آل طه ويس ؛ بالإشارة العالية الصّادرة من مصدر المكارم والمعالي ومرجع الأفاضل والأعالي ، وموئل السّادات والموالي ، كفيل مصالح الأمم ، منبع الجود والسّخاء والكرم ، معدن العلم والحلم والحكم ، مجمع المكارم ومحاسن الشّيم (٢) ، خلاصة نتائج اللّيالي والأيّام ، سلالة السّادات الكرام ، نقاوة (٣) الأماجد العظام ، متخدّم الأمراء والحكّام ، منّ الله علينا بوجوده وجوده ، وأتمّ نعمته عليه بإحراق حسوده ، وروّح أرواح أسلافه العظام الماضين ، وأدام بالشّرف والإقبال أعمار الباقين ، وخلّد ظلاله على مفارق المسلمين ، وأبدى آثاره إلى يوم الدّين ، بنشر أحاديث جدّه خير المرسلين ، وأخبار آبائه خلفاء النبيّين صلوات الله عليهم أجمعين (٤).

وسمّيت كتابي هذا ب «النصّ الجليّ في إثبات ولاية عليّ عليه‌السلام» ، وجعلته على مقدّمة وأربعين آية ، كلّ منها قبس من قبسات النور تترى (٥) من جانب الطور.

__________________

(١) من أصحّ الأحاديث المتّفق عليها. ومن المصادر التي نقلته : الخصال للصدوق ٢ : ٣١٩ و ٣٢٠ ؛ روضة الواعظين ٨٠٧ ؛ فردوس الأخبار ٤ : ٩١ ، ح ٥٧٧٨.

(٢) جمع شيمة ، وهو الخلق الحسن. محمد حسين

(٣) النّقاوة : أفضل ما انتقيت من الشيء.

(٤) ذكر المؤلّف هذه الأوصاف لمن أشار عليه بتأليف الكتاب ، لكنّه لم يصرّح باسمه.

(٥) تترى : متواترة. وأتر بين أخباره مواترة ووتارا : تابع.

المقدّمة

فاعلم أنّ المسلمين أجمعوا كافّة ـ إلّا شاذّا لا يعبأ به (١) ـ على وجوب الإمامة والخلافة بعد النبوّة ، واستقصاء البحث فيه موكول إلى الكتب الكلاميّة (٢). وإنّما أذكر هنا نبذا من تلك المباحث العلميّة والمصارع العدليّة.

ثمّ اختلفوا في أنّ وجوب الخلافة عن النبوّة : هل هو من باب الفروع أو الأصول؟ فذهب جمهور العامّة إلى أنّها من الفروع (٣).

إمّا لأنّها مقدّمة السياسات الشرعيّة من الحدود وغيرها الواجبة علينا ، ضرورة (٤) عدم إمكانها إلّا بنصب رئيس قاهر يعين عليها ، كما هو مذهب

__________________

(١) أنكر النجدات ـ وهم قوم من الخوارج أصحاب نجدة بن عامر ـ وجوب الإمامة ، وقالوا إنّها ليست بواجب أصلا. أنظر شرح المقاصد ٥ : ٢٣٥ ، ٢٣٦ ؛ شرح المواقف ٨ : ٣٤٥.

(٢) لاحظ مثلا : غياث الأمم ٢٢ ؛ الإمامة من أبكار الأفكار في أصول الدّين للآمديّ ٦٩ ؛ شرح المقاصد ٥ : ٢٣٥ ؛ الصواعق المحرقة ٧ و ٨ وفيه : إنّ الصحابة أجمعوا على أنّ نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوّة واجب ، بل جعلوه أهمّ الواجبات. وجاء في شرح المواقف ٨ / ٣٤٦ : تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأوّل بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على امتناع خلوّ الوقت عن خليفة وإمام.

(٣) شرح المواقف ٨ : ٣٤٤ ، ٣٥٢.

(٤) اتّفق الشيعة الإماميّة على كون الإمامة أصلا من أصول الدّين ، وبرهنوا على ذلك في كتبهم الكلاميّة ؛ انظر : الإفصاح في الإمامة للشيخ المفيد ٢٧ ـ ٣١ ؛ نهج الإيمان ٣٣ ـ ٤٩.

أمّا أهل السنّة فقد صرّحوا بأنّ الإمامة ليست من الأصول. انظر : الاقتصاد في الاعتقاد للغزاليّ ٢٣٤ ؛ غاية المرام في علم الكلام ٣٦٣ ؛ شرح المواقف ٨ : ٣٤٤ ؛ المحصّل للرازيّ ٤٠٦.

الأشاعرة (١).

أو لأنّها مقدّمة حفظ بيضة الإسلام من استيلاء الكفّار الواجب علينا ، ضرورة عدم إمكانها إلّا بها ، كما هو تقرير بعضهم. ومن هنا قالوا : إنّها تثبت بالاجتهاد واختيار الأمّة ؛ لأنّها من الفروع (٢).

والفروع كلّها تثبت بالاجتهاد من الظّنون والأقيسة والاستحسان وباختيار الأمّة ، لأنّها مقدّمة الواجب ، والمقدّمات تحصيلها موكول إلى المكلّف.

وذهب أصحابنا إلى أنّ الخلافة نيابة إلهيّة عن النبوّة بالنصّ والتسليم ، لا بالرأي والترجيم (٣) ، وبالوحي والتنزيل ، لا بنظر العقل العليل (٤). قال الله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٥) (٦).

ومن هنا استقرّ مذهب العامّة على اختيار أبي بكر ومن يهوى هواه ، اقتداء للخلف بالسّلف ، والأبناء بالآباء.

واستقرّ مذهب الإماميّة على اختيار عليّ وأولاده الطاهرين عليهم‌السلام ، لأنّه المنصوص عليه من الله ورسوله اتّفاقا (٧).

أمّا الخاصّة فظاهر ، وأمّا العامّة فلأنّه لا نصّ في غيره [أي في غير عليّ عليه‌السلام]

__________________

(١) شرح المقاصد ٥ : ٢٣٧ ، ٢٣٨.

(٢) شرح المواقف ٨ : ٣٤٤ ، ٣٥٢ ؛ شرح المقاصد ٥ : ٢٥٢ ، ٢٥٤ ، ٢٥٦.

(٣) الترجيم : من الرّجم ، وهو التكلّم من غير دليل وبرهان. محمّد حسين

(٤) شرح تجريد العقائد ٣٦٥ ؛ نهج الإيمان ٣٦.

(٥) الأنعام : ١٢٤.

(٦) مفعول لا علم كما هو رأى بعضهم ، أو لفعل مقدّر دلّ عليه المذكور ؛ كما هو مشي بعضهم. أو منصوبة كما عليه بعضهم وهي دالة على مدّعا على كلّ تقدير كما لا يخفى ولقد بيّنا المختار منها في كتابنا الموسوم شرح الصمديّة. محمد حسين

(٧) الأصول من الكافي ١ : ١٨٨ ، ٢٧٥ ؛ شرح تجريد العقائد ٣٨٠.

اتّفاقا ، ولو كان هناك نصّ من الله ورسوله لكان فيه عندهم أيضا (١).

ونحن نشير في هذا المختصر [إلى] تواتر روايات الفريقين من الأصول والصّحاح المعتبرة في البين على ولاية عليّ عليه‌السلام بالنصّ الجليّ إن شاء الله تعالى.

وإذا ثبت التنصيص من الله ومن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على ولاية عليّ عليه‌السلام بالنصّ الجليّ (٢) ، بطلت خلافة أبي بكر بالاجتهاد والرّأي بالأصل والاعتبار ، وتبعه بطلان خلافة من ينتهي أمره إليه من إخوانه. ولأصحابنا في إثبات ذلك طرق عقليّة ونقليّة :

أمّا العقلية فلأنّ الحاجة إلى الإمام في إقامة الدين وحفظ سنن المرسلين كالحاجة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فإنّ العلّة المحوجة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في تمهيد الشرائع هي العلّة المحوجة الى الإمام في استبقائها.

فإنّ الإمامة سادّة مسدّ النبوّة ، قائمة مقامها ؛ فإنّ الحكم الإلهيّة داعية إلى تمهيد النواميس الإلهيّة بإرسال الرّسل في تمهيدها ، ونصب الخلفاء عنهم في حفظها وصيانتها عن التغيير والتبديل ؛ لأنّه من مقدّمات إتمام الحجّة في التكاليف وإيضاح المحجّة ، كما تقرّر في مباحث العدليّة من فنّ الكلام.

ألا ترى كيف بدأ بالخليفة في قصّة آدم عليه‌السلام ، وجعله خليفة في الأرض (٣).

وقد أشار إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» (٤) ، رواه أصحابنا متواترا (٥).

__________________

(١) شرح المواقف ٨ : ٣٥١ ، وفيه : تثبت الإمامة ببيعة أهل الحلّ والعقد عند أهل السنّة والجماعة والمعتزلة والصالحيّة من الزيديّة ، خلافا للشيعة ، أي لأكثرهم ؛ فإنّهم قالوا : لا طريق إلّا النّصّ.

(٢) الأصول من الكافي ١ : ١٨٨ ، شرح تجريد العقائد ٣٦٧.

(٣) شواهد التنزيل ١ : ٩٧ ؛ تفسير السمرقنديّ المسمّى بحر العلوم ١ : ١٠٨ ؛ نهج الإيمان ٤٩.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٤٤ ، ٩٦ ؛ صحيح مسلم ٦ : ٢١ ، ٢٢ ؛ مجمع الزوائد ٥ : ٢١٨ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٤٧ و ١٣ : ٢٤٢ ؛ شرح المقاصد ٥ : ٢٣٩ ؛ كشف الأستار عن زوائد البزّار على الكتب الستّة ٢ : ٢٥٢ ؛ الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٧ : ٤٩.

(٥) الأصول من الكافي ١ : ١٨٠ ؛ الإفصاح في الإمامة للشيخ المفيد ٢٨ ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة ـ

ورواه من علماء الجمهور الحميديّ في الجمع بين الصحيحين (١).

وهذا نصّ في أنّ لكلّ زمان من أزمنة التكليف إماما يجب على الناس عرفانه ؛ ويشهد به أيضا قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) (٢) (٣).

والإمام في هذا الخبر وهذه الآية هو الحجّة الإلهيّة ، أعمّ من النبيّ والوليّ (٤).

ونصّ على أنّ الإمامة من الأصول (٥) ، ضرورة أنّ الجاهل بالفروع ليس يموت ميتة الجاهليّة ، أي كافرا مشركا زنديقا. وحمله بعض المنافقين على أنّ المراد به هو القرآن (٦).

ويدفعه أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما في الآية أيضا ـ أضاف الإمام إلى أهل كلّ زمان ، فيختلف باختلاف الأزمنة ، والقرآن واحد.

وأيضا لو أريد به القرآن لاقتضى وجوب تعلّمه على الأعيان (٧) ، وهو خلاف

__________________

الأبرار ١٨٩. وحديث «من مات ولم يعرف ...» من أصحّ الأحاديث المتّفق عليها ، وله ألفاظ أخرى ترجع كلّها الى معنى واحد.

(١) ورواه أيضا أحمد في مسنده ٤ : ٩٦ ؛ والبخاريّ في تاريخه الكبير ٦ : ٤٤٥ ؛ والطبرانيّ في معجمه الأوسط ١ : ١٧٥ ح ٢٢٧.

(٢) الإسراء : ٧١.

(٣) في الجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ ١٠ : ٢٩٧ : روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا ...) فقال : كلّ يدعى بإمام زمانهم. وروى الطوسيّ في التبيان في تفسير القرآن ٦ : ٥٠٤ ، عن عليّ عليه‌السلام قال : بإمام عصرهم. وروى العيّاشي في تفسيره (٢ : ٣٠٣) عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال : إذا كان يوم القيامة ، يدعى كلّ بإمامه الذي مات في عصره. وجاء في شرح المواقف ٨ : ٣٤٦ : تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأوّل بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على امتناع خلوّ الوقت عن خليفة وإمام. وروى الديلميّ في فردوس الأخبار ٥ : ٤٤٧ قال : أي إمام زمانهم ، وكتاب ربّهم ، وسنّة نبيّهم. وفي تفسير الثعلبيّ ٦ : ١١٥ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يؤتى كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربّهم وسنة نبيهم.

(٤) الألفين ١٢.

(٥) نهج الإيمان ٣٠.

(٦) قال السجستانيّ في تفسير غريب القرآن ١٦ : المراد بإمامهم أي بكتابهم ، ويقال : بدينهم.

(٧) أي الأعيان الشخصيّة. محمّد حسين

الإجماع على مذهب الحنفيّ ، حيث لا يوجبون تعلّم بعض القرآن أيضا حتّى الحمد ، بل جوّزوا ترجمته في الصلاة ، بل جوّزوا قراءة آية واحدة مثل (مُدْهامَّتانِ) ، بل ترجمتها أيضا (١).

مع أنّ بعض الحنفيّة ، كالأستروشيّ (٢) في فصوله ، والقاضي في المنهاج وشرّاحه جعلوا الإمامة من الأصول أيضا ، ولذا قالوا بكفر من لم يقل بإمامة أبي بكر.

وبلسان آخر : احتجّ أصحابنا بأنّ الإمام لطف في التكليف ، وكلّ لطف واجب ، فنصب الإمام من الله واجب في الحكمة الإلهيّة ، ولا يخلّ بواجب ، ينتج أنّه تعالى قد نصب لكلّ زمان من أزمنة التكليف إماما يتمّ به الحجّة (٣).

وأجابوا عن حجّة العامّة بأنّ إقامة الحدود مشروطة بالتمكّن ، ولا يجب تحصيل مقدّمات التمكّن كالنّصاب في الزّكاة والاستطاعة في الحجّ ؛ فإذا دليلهم عليل لا يشفي الغليل ، مضافا إلى كونه اجتهادا في مقابلة النصّ الجليّ من الله ورسوله على ولاية عليّ عليه‌السلام (٤).

ويشهد بصحّة مذهبنا قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». رواه أصحابنا متواترا (٥).

__________________

(١) الهداية في شرح بداية المبتدي ١ : ٤٨ ؛ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ١ : ١١٠ ـ ١١٢.

(٢) الأستروشنيّ محمّد بن محمود بن الحسين مجد الدين ، مات سنة ٦٣٢ ه‍ ، له كتب : الأوّل كتاب الأحكام الصغائر في الفروع ، طبع على هامش جامع الأصولين سنة ١٣٠٠ ه‍. والثاني : كتاب الفصول في المعادلات ، والثالث فتاوى (الفوائد البهيّة ٨٢).

(٣) شرح تجريد العقائد ٣٦٥ ؛ بصائر الدرجات ٤٨٤ ـ ٤٨٩ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٦٤ ؛ نهج الإيمان ٣٦ ـ ٤٠.

(٤) نهج الحقّ وكشف الصدق ١٦٨.

(٥) الأمالي للصدوق ٤٦ ؛ إكمال الدين ١ : ٢٣٧ ؛ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٥٧ ؛ الأمالي للمفيد ٤٦ ؛ تحف العقول ٣٤ ؛ الأمالي للطوسيّ ١٦٢ ، ٢٥٥ ، ٥٤٨ ، منهاج الكرامة ١٥٥.

ورواه الجمهور مستفيضا ؛ بل يكاد أن يكون متواترا (١).

رواه مسلم في صحيحه بإسناده عن زيد بن صبّاغ ، عن زيد بن أرقم في حديث الغدير (٢). ورواه أبو الحسن عليّ بن المغازليّ الشافعيّ بإسناده عن ابن امرأة زيد بن أرقم في حديث الغدير : «ألا وإنّي فرطكم (٣) ، وإنّكم تبعي ، توشكون أن تردوا عليّ الحوض ، فأسألكم حين تلقونني عن ثقليّ كيف خلفتموني فيهما» (٤).

ورواه أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده عن عليّ بن ربيعة ، عن زيد بن أرقم ؛ وبإسناده عن أبي سعيد الخدريّ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي قد تركت فيكم الثّقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي ، وأحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله عزوجل حبل ممدود من السّماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ؛ ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (٥).

ورواه الثعلبيّ بالإسناد عن أبي سعيد : «أيّها النّاس ، إنّي قد تركت فيكم الثّقلين إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله عزوجل حبل ممدود من السّماء ـ أو قال إلى الأرض ـ وعترتي أهل بيتي ؛ ألا وإنّهما لن يفترقا

__________________

(١) حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة المشتهرة ، رواه علماء المسلمين بأسانيد وألفاظ مختلفة. ومن المصادر التي نقلته :

خصائص الإمام عليّ عليه‌السلام للنسائيّ ٧٠ ح ٧٤ ؛ الذريّة الطاهرة للدولابيّ ١٦٨ ؛ سنن الدارميّ ٢ : ٣١٠ ؛ المعجم الصغير للطبرانيّ ١ : ١٣١ و ١٣٥ ؛ مصابيح السنّة للبغويّ ٢ : ٤٥٥ و ٤٥٧ ؛ فردوس الأخبار ١ : ٩٨ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٥٤ ؛ كفاية الطالب ٤٨ ؛ الصواعق المحرقة ٧٥ ، ٨٩ ، ١٣٦.

(٢) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ ـ ٧٤.

(٣) قوله : فرطكم بالتحريات العلم المستقيم الّذي يهتدي به (محمّد حسين).

(٤) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ١٧.

(٥) مسند أحمد بن حنبل ٣ : ١٤ ، ١٧ ، ٢٦ ، ٥٩ ؛ و ٤ : ٣٦٧ ؛ و ٥ : ١٨١ ، ١٨٢ ، ١٨٩ ، باختلاف في بعض الألفاظ.

حتّى يردا عليّ الحوض» (١).

ورواه ابن المغازليّ في مناقبه بالإسناد عن أبي سعيد الخدريّ في حديث «إنّي تركت فيكم الثّقلين : كتاب الله حبل ممدود من السّماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا ما ذا تخلفوني فيهما» (٢).

ورواه أيضا عن زيد بن أرقم ، كما رواه ابن حنبل سواء ، ورواه عن زيد ، كما رواه مسلم.

ورواه إمام الحرمين (٣) ، وزيد بن معاوية العبدريّ في الجمع بين الصّحاح الستّة ، في الجزء الثالث من الأجزاء من صحيح أبي داود السجستانيّ ، وهو كتاب السنن (٤). ومن صحيح الترمذيّ بالإسناد عن زيد بن أرقم «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السّماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (٥).

وفي تذكرة الخواصّ لابن الجوزيّ (٦) : أخرجه أحمد في الفضائل وضعّفوه. والعجب كيف خفي عنهم هذا وقد رواه مسلم في صحيحه ، وأبو داود في سننه ، والترمذيّ ، وابن رزين في الجمع بين الصحاح الستّة ، وعامّة المحدّثين؟

__________________

(١) تفسير الثعلبي ٣ : ١٦٣ ، و ٩ : ١٨٦ ، مشكل الآثار ٢ : ٢٥٤.

(٢) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ١٧ ، ٢٣٤ ـ ٢٣٦.

(٣) انظر : المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٨ ؛ العمدة لابن البطريق ٧٠ ح ٨٤.

(٤) العمدة لابن البطريق ٧٠ ح ٨٤ و ٧٢ ح ٨٩ ، ولم أعثر عليه في صحيح أبي داود المطبوع.

(٥) سنن الترمذيّ ٥ : ٦٦٢.

(٦) تذكرة الخواصّ : ٣٢٢.

وروى ابن الأثير في النهاية في اللّغة (١). وفي الفائق (٢) ، والقاموس أيضا ؛ ففي القاموس : الثّقل «محرّكة» متاع الرّجل ، ونفيس الشيء ومصونه ، ومنه حديث «إنّي تارك فيكم الثّقلين» (٣).

وفي الفائق : الثّقل : المتاع المحمول على الدابّة ، وإنّما قيل للجنّ والإنس «الثقلان» ، لأنّهما قطّان (٤) للأرض. فكأنّهما ثقلاها ، وقد يشبّه بهما الكتاب والعترة في كون الشريعة والدّين تصلح بهما وتعمر كما عمرت الدّنيا بالثّقلين.

وقيل : لأنّ الأخذ بهما ثقيل ، يقال لكلّ خطر نفيس : «ثقل» ، فسمّاهما ثقلين إعظاما لقدرهما ، وتفخيما لشأنهما (٥).

أقول : الثّقل هنا وصف للكتاب والعترة ، فهو محرّك ، كالحسن ، ومعناه الوزين وبالفارسيّة «گران بها» ، ووجه الشبه ظاهر.

فوائد

الأولى : المراد بالعترة أهل بيته ، وهم المذكورون في آية التطهير (٦) والمباهلة (٧) ، وقد استفاضت النصوص في تفسير أهل البيت لعليّ وفاطمة والحسنين عليهم‌السلام.

__________________

(١) النهاية في غريب الحديث والأثر ١ : ٢١٦.

(٢) الفائق في غريب الحديث ١ : ١٧٠.

(٣) القاموس المحيط ٣ : ٥٠٢.

(٤) قطّان جمع قاطن ، ككفّار جمع كافر ، أي الساكنون في الأرض. (محمد حسين)

(٥) الفائق في غريب الحديث ١ : ١٧٠.

(٦) قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) الأحزاب : ٣٣. وسيجيء ذكر آية التطهير في الآية السابعة والعشرين من هذا الكتاب ، إن شاء الله تعالى.

(٧) وهي قوله تعالى (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) آل عمران : ٦١. وسيجيء ذكر آية المباهلة في الآية الرابعة من هذا الكتاب ، إن شاء الله تعالى.

الثانية : هذا الخبر [حديث الثقلين] نصّ في عدم افتراق العترة عن القرآن والقرآن عن العترة (١) ، فكلّ منهما دليل على الآخر حيثما كان ، ولا خلاف في الأمّة على اختصاص هذا الوصف بعليّ وفاطمة والحسنين عليهم‌السلام من الصحابة.

الثّالثة : وهذا الخبر في عدم مفارقة كلّ من الكتاب والعترة عن الآخر نصّ في عصمة العترة ؛ لأنّ من لا يفارق القرآن فهو معصوم ضرورة (٢). ولا خلاف في أنّ غير عليّ وفاطمة والحسنين صلوات الله وسلامه عليهم من الصّحابة لم يكونوا معصومين ، فانحصر الأمر فيهم (٣).

الرّابعة : هذا الخبر نصّ في أنّ من لم يتمسّك بها (٤) فقد ضلّ.

إذا عرفت هذا فأقول ، وبالله التوفيق وعليه التّكلان (٥) :

__________________

(١) نهج الإيمان ٢٠٢ ؛ تفسير البرهان ١ : ٩ فما بعدها ؛ مسند أحمد بن حنبل ٤ : ١٣٧ ؛ و ٥ : ١٨١ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٦٦٢.

(٢) لأن عدم المفارقة في الحقيقة أن يعمل بما فيه حقّ العمل ، ومن كان كذلك فله العصمة بالبديهة. محمد حسين.

(٣) نهج الإيمان ٥٣ ـ ٦٧.

(٤) أي بالعترة الطاهرة.

(٥) التوكّل : إظهار العجز ، والاعتماد على الغير ، والاسم : التّكلان.

الآية الأولى

من سورة البقرة : قوله تعالى لإبراهيم عليه‌السلام : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ١٢٤.

فإنّه لمّا جمع إبراهيم عليه‌السلام معالي الخصال ، قال له تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فتمنّى إبراهيم أن يجعله في ذرّيّته إلى يوم القيامة بقوله : (مِنْ ذُرِّيَّتِي) أي : واجعله بعض ذرّيّتي دائما ، وفي ذرّيّتي إلى يوم القيامة.

فأجابه تعالى إلى ذلك باستثناء الظالم بقوله (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١). قوله :

__________________

(١) قال الطبريّ في تفسيره ١ : ٥٣٠ و ٥٣١ «ذكر من قال : لا يكون إمام ظالما : وهم : مجاهد وعكرمة وسفيان وابن عبّاس وغيرهم. وقال إسماعيل بن كثير في تفسيره ١ : ٢٩٤ الظالم لا يصلح أن يكون خليفة ولا حاكما ولا مفتيا ولا راويا. وقال الماورديّ أيضا في تفسيره «النكت والعيون» ١ : ١٨٥ : في تفسير قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) : إنّ العاصي والظالم لا يستحقّ الإمامة. وجاء في تفسير الزمخشريّ ١ : ١٨٤ : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) عطف على الكاف ، كأنّه قال : وجاعل بعض ذرّيّتي ؛ كما يقال لك سأكرمك ، فتقول : وزيدا. (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي من كان ظالما من ذرّيّتك لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة ، وإنّما ينال من كان بريئا من الظلم. وهذا دليل على أنّ الفاسق لا يصلح للإمامة ، وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته ، ولا تجب طاعته ، ولا يقدّم للصلاة.

وعن ابن عيينة : لا يكون الظالم إماما قطّ ، وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة والإمام إنّما هو لكفّ الظّلمة ، فإذا نصب من كان ظالما في نفسه فقد جاء المثل السائر : من استرعى الذئب ظلم.

(وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) معطوف على كاف «جاعلك». مثل قولهم : «زيدا» في [قولهم] «سأكرمك وزيدا» ففي الآية قصر الإمامة على ذرّيّة إبراهيم ، وبه بطل إمامة من ادّعى الإمامة من غير ذرّيّته (١) ، وأنّ الإمامة عهد من الله تعالى لا باختيار الأمّة كما يقوله المخالفون (٢) ، وبه بطل إمامة أبي بكر وأخويه مع أنّه كان مشركا و (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٣) (٤).

ومنه بطل إمامته أيضا ، وبه استدلّ أصحابنا على بطلان دعواه الإمامة في الكتب الكلاميّة ، وثبت إمامة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بالإجماع المركّب ، وعدم القول بالفصل ، ولأنّه من الذرّيّة (٥). ولم يكن ظالما قطّ. ويؤيّد ما ذكرناه قوله

__________________

(١) ذلك أنّ الإمامة جعل من الله وعهد لا يناله من اتّصف بالظلم ، سواء كان ظالما لنفسه أو لغيره.

(٢) واستدلّوا بإجماع الأمّة ، وأنّه حجّة ، ومعلوم لمن له فطنة إنّه لم ينعقد [الإجماع المزعوم] ؛ لمخالفة عليّ وفاطمة وسلمان وأشياعهم ، ومع انعقاده لا يكون حجّة في المقام ، كما برهن عليه في كتب الأعلام. محمد حسين

(٣) لقمان : ١٣.

(٤) أسلم أبو بكر وهو ابن أربعين سنة. انظر : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢١٥ ، ٢٣٥ ، وروى الطبريّ في تاريخه ٢ : ٢١٥ بإسناد صحيح ورجال ثقات عن محمّد بن سعد بن أبي وقّاص. قال : «قلت لأبي : أكان أبو بكر أوّلكم إسلاما؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين».

(٥) كان أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام نفس الرّسول ، والمراد من «أنفسنا» في آية المباهلة هو عليّ عليه‌السلام ، وقد جلّل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا وفاطمة وابنيهما عليهم‌السلام بكساء وقال : «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي». انظر مناقب آل أبي طالب ٢ : ٢٤٦ ؛ مجمع البيان ٢ : ٤٥٢ ؛ شواهد التنزيل ١ : ١٥٥ ـ ١٦٧ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازليّ ٣١٨ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٧ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٤ ؛ الصواعق المحرقة ١٤٣ ـ ١٤٦.

والروايات متظافرة في أنّه عليه‌السلام من عترته : منها : الرواية المتواترة المشهورة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّي تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي». انظر : مسند أحمد ٣ : ١٤ ، ١٧ ؛ و ٤ : ٣٦٦ ، ٣٧١ ؛ و ٥ : ١٨١ و ١٨٩ ؛ صحيح الترمذيّ ٥ : ٣٢٨ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٨ ؛ الذرّيّة الطاهرة للدولابيّ ١٦٨. ـ

تعالى في سورة إبراهيم عليه‌السلام حكاية عنه : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) إلى قوله تعالى : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١). حيث دلّ على سلب المشركين عنه ، فلم يكن أحد منهم من ذرّيّته شرعا. ويحمل قوله (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) على من لم يسلب عنه شرعا ؛ كما في سلب ابن نوح عليه‌السلام عنه بقوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (٢).

ومن هذا الباب ما رواه الفريقان في الأصول الصحيحة.

أمّا الخاصّة ففي الخصال (٣) عن الرضا عليه‌السلام.

وأمّا العامّة ففي مناقب ابن المغازليّ الشافعيّ عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : «انتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ عليه‌السلام ، لم يسجد أحد منّا لصنم قطّ. فاتّخذني الله نبيّا ، واتّخذ عليّا وصيّا» (٤).

وأنت خبير أنّ هذه مناقب لا تدانيها منقبة ، وفي الآية دلالة على كون النبيّ والوليّ من أصلاب طاهرة إلى إبراهيم عليه‌السلام ، لتصحّ النبوّة ، كما عليه إجماع أصحابنا.

ومنه يظهر إيمان أبي طالب عليه‌السلام ، كما يقوله أصحابنا أجمع ، وخالف في ذلك

__________________

ـ ومنها : حديث السفينة «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح : من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق» راجع : المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥١ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ١٣٢ ـ ١٣٤ ؛ فرائد السمطين ٢ : ٢٤٤ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ٢٦٥ ؛ الصواعق المحرقة ١٥٢ ؛ الفصول المهمّة ٢٧.

(١) إبراهيم : ٣٥ ـ ٣٦.

(٢) هود : ٤٦.

(٣) الخصال ١ : ١٧٧ ؛ الأمالي للشيخ الطوسيّ ١ : ٣٨٨ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢٣٥ ؛ كشف اليقين ٢٤.

(٤) مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازليّ ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ؛ كفاية الطالب ١٠٦ ؛ تاريخ الخلفاء ١٦٦.

بعض العامّة ، وليس بشيء (١).

وفي [تفسير] البيضاويّ : في الآية دلالة على عصمة الأنبياء بعد البعثة (٢) ، وفيه أنّ المشتقّ وإن كان حقيقة في المتلبّس بالمبدإ حين التّلبّس ، لكن النصّ المزبور ، وقوله تعالى (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) ، أوجب صرفه إلى من تلبّس بالظلم في وقت ما ، كما عرفت بيانه.

والذرّيّة أعمّ من النبيّ والوصيّ ، وكذلك الإمام هو الذي يؤتمّ به سواء كان نبيّا أو وصيّا ، فلا تختصّ بالأنبياء كما توهّمه المفسّر ؛ على أنّ الأنبياء السالفة جلّهم كانوا أوصياء.

__________________

(١) أبو طالب بن عبد المطّلب بن هاشم ، اسمه عبد مناف ، وقيل : اسمه عمران ، وهو عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووالد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. ولد قبل مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمس وثلاثين سنة ، وتوفّي في النصف من شهر شوّال في السنة العاشرة من النبوّة ؛ ولم يكفر أبو طالب بالله قطّ. وكان من أوصياء الأنبياء ، وقد آمن بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في بداية أمره ، ولم يعبد صنما قطّ. وأجمع الشيعة وعلماؤهم على إسلام أبي طالب عليه‌السلام. وأشعاره في مدح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والدفاع عنه مشهورة.

قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام يعجبه أن يروى شعر أبي طالب عليه‌السلام ، وأن يدوّن ، وقال : تعلّموه وعلّموه أولادكم ؛ فإنّه كان على دين الله ، وفيه علم كثير. ويكفينا من الاستدلال على إيمان أبي طالب عليه‌السلام ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٤ : ٨٣. عن الباقر عليه‌السلام ، قال : سئل عمّا يقوله النّاس من أنّ أبا طالب في ضحضاح من نار! فقال : لو وضع إيمان أبي طالب عليه‌السلام في كفّة ميزان ، وإيمان هذا الخلق في الكفّة الأخرى لرجح إيمانه. ألم تعلموا أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه‌السلام كان يأمر أن يحجّ عن عبد الله وابنه محمّد وأبي طالب صلوات الله عليهم في حياته ، ثمّ أوصى في وصيّته بالحجّ عنهم؟

وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة ؛ إنّما عنى أبا طالب.

والكتب الّتي ألّفت في إيمان أبي طالب عليه‌السلام من العامّة والخاصّة تتجاوز السبعين كتابا. انظر : مقدّمة كتاب مواهب الواهب في فضائل والد أمير المؤمنين أبي طالب عليهما‌السلام ١٢ ـ ٢٩.

(٢) أنوار التنزيل ١ : ٨٠ ، ٨١ ، ١١١.

الآية الثانية

من البقرة أيضا ؛ قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) ٢٠٧.

اتّفقت روايات الفريقين (١) في الأصول الصحيحة على أنّ الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، حين بات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة المبيت حتّى هرب صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الغار (٢).

__________________

(١) الخصال ٢ : ٣٥٥ ؛ الأمالي للشيخ الطوسيّ ٢٥٢ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٧٢ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٠١ ؛ التبيان في تفسير القرآن ٢ : ١٨٣ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٧٦ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٢٧ ، ٤٤٣ ؛ خصائص الوحي المبين ٥٩ ؛ خصائص الأئمّة ٥٨ ؛ العمدة لابن البطريق ٢٤٠.

المستدرك على الصحيحين ٣ : ٤ ، ١٣٢ ؛ تاريخ الطبريّ ٢ : ١٠٠ ؛ تفسير الطبريّ ٩ : ١٤٠ و ٢٢٩ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٢٧ ؛ كفاية الطالب ٢٠٩ ؛ الفصول المهمّة ٤٧ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٥٨ ؛ تاريخ اليعقوبيّ ٢ : ٣٩ ؛ شرف النبيّ ١٧٦ ؛ معارج النبوّة الركن الرابع ٣ ؛ تاريخ بغداد ١٣ : ١٩١ ؛ شواهد التنزيل ١ : ١٢٣ ؛ فرائد السمطين ١ : ٣٣٠.

(٢) وعند ذلك باهى الله به عليه‌السلام ملائكته ؛ فما أشدّ عماهم حيث يرجّحون مواليهم عليه. طبع الله على قلوبهم فهم لا يبصرون. محمّد حسين

رواه أصحابنا : العيّاشيّ (١) في تفسيره وغيره في عدّة أخبار (٢).

ومن العامّة : الثعلبيّ (٣) ، والنيسابوريّ (٤) ، والفخر الرازيّ (٥) ، وغيرهم في تفاسيرهم (٦) ، عن جماعة من الصحابة والتابعين ؛ والقصّة مشهورة معروفة بين المسلمين لا رادّ لها.

روى أحمد بن حنبل في مسنده (٧) ، وابن المغازليّ في مناقبه (٨) بنقل الثقات ، أنّ الله تعالى باهى جبرئيل وميكائيل ، فقال لهما : قد واخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أكثر ، فأيّكما يؤثر أخاه على نفسه ، فلم يؤثر ؛ فقال لهما : لم لا تكونا كعليّ ، واخيت بينه وبين نبيّي ، فبات على فراشه وأفداه بنفسه ، فأهبطا إليه واحرساه إلى الصبح ، فهبطا وجلس جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه يحرسانه ، فقال جبرئيل : بخّ بخّ يا ابن أبي طالب ، يباهي الله بك الملائكة (٩).

والرواية مشهورة بين الفريقين لا رادّ لها.

فائدة :

معنى (يَشْرِي نَفْسَهُ) يبيعها ، والمشتري هو الله تعالى ، ولعلّه أشار إليه في قوله

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ ١ : ١٠١.

(٢) تفسير القمّي ١ : ٩٢ ؛ تفسير فرات الكوفيّ ٦.

(٣) تفسير الثعلبيّ ٢ : ١٢٦ ؛ تذكرة الخواصّ ٣٥.

(٤) غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٢ : ٢٠١.

(٥) التفسير الكبير للفخر الرازيّ ٥ : ٢٢٣.

(٦) تفسير الطبريّ ٩ : ١٤٠ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ٤.

(٧) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣٠ ، ١٣١.

(٨) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ١١٨ في حديث المناشدة.

(٩) الفضائل لابن شاذان ٩٤ ، ١٣٧ ؛ الفضائل لابن عقدة ١٧٧ ـ ١٨١.

تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (١) ، فالجنّة عوض نفسه الشريفة ، لا يدخلها إلّا من يتولّى بولايته (٢).

__________________

(١) التوبة : ١١١.

(٢) قال العيّاشيّ في تفسيره ٢ : ١١٣ في تفسير هذه الآية : هم الأئمّة. وانظر أيضا : بحار الأنوار ١٣ : ٢١٨ ؛ تفسير البرهان ٢ : ١٦٦.

الآية الثالثة

من البقرة ؛ قوله تعالى (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ٢٧٤.

نزلت في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام برواية الفريقين (١) ؛ كان له أربعة دراهم فأنفقها.

كذلك رواه أصحابنا في المجمع (٢) وغيره (٣) عن الباقر والصادق وأبي الحسن عليهم‌السلام ؛ بل عدّه الصدوق من عقائده.

__________________

(١) تفسير فرات الكوفيّ ٧٠ ـ ٧١ ؛ تفسير العيّاشيّ ١ : ١٥١ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٨٧ ؛ كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ٣٦٥ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٣٣ ؛ تفسير الكشّاف ١ : ٣١٩ ؛ الجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ ٣ : ٣٤٦ ؛ شواهد التنزيل ١ : ١٤٠ ـ ١٥٠ ؛ الدرّ المنثور ١ : ٣٦٣ ؛ ذخائر العقبى ٨٨ ؛ نظم درر السمطين ٩٠ ؛ الصواعق المحرقة ١٣١ ؛ الرياض النضرة ٢ : ٢٠٦ ؛ كفاية الطالب ٢٠٣ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢٧٦ ؛ أنوار التنزيل ١ : ١٤١ ؛ فرائد السمطين ١ : ٣٥٦ ؛ المناقب للخوارزميّ ٢٨١ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٢٨٠ ؛ الفصول المهمّة ١٢٣ ؛ أسباب النزول للواحديّ النيسابوريّ ٥٨.

(٢) مجمع البيان ١ : ٣٨٨.

(٣) تفسير العيّاشيّ ١ : ١٥١ ؛ تأويل الآيات الظاهرة ١ : ٩٧ ـ ٩٨. ورواه العلّامة الحلّيّ في منهاج الكرامة ١٣٧.

ورواه من علماء الجمهور الثعلبيّ (١) في تفسيره ، وسبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (٢) عن عكرمة.

والعلّامة الحلّيّ رحمته الله من أصحابنا في منهاج الكرامة (٣) عن أبي نعيم من علماء الجمهور ، كلّهم عن ابن عبّاس من الصحابة المعتبرين عند الفريقين.

وفيه دلالة على محمدة له ، وقبول إنفاقه وإخلاصه ، وكونه أسخى من غيره (٤) حتّى من نازعه في الإمامة ، فيكون إماما عليهم ، دون العكس ، لقبح تقديم المفضول على الفاضل عقلا وشرعا (٥) ، وإلّا لصدق قوله تعالى في حقّه : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) (٦) (٧).

__________________

(١) خصائص الوحي المبين ١١٨ ؛ تفسير الثعلبيّ ٢ / ٢٧٩ ، أسباب النزول للواحدي ٥٨.

(٢) تذكرة الخواصّ ١٤.

(٣) منهاج الكرامة ١٣٧.

(٤) شرح تجريد العقائد ٣٧٧.

(٥) نفس المصدر ٣٦٧ ؛ الإفصاح في الإمامة للشيخ المفيد ٣٧.

(٦) البقرة : ٤٤.

(٧) لا يخفى أنّ الاستفهام في الآية توبيخيّ ، ومفاده وقوع مدخوله وملامة فاعله ، فلو كان الأمر كما قالوا لزم أن يكون جلّ اسمه فاعلا للقبيح ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ؛ فعليك بالتأمّل. محمّد حسين

الآية الرابعة

من آل عمران

إنّ آية المباهلة (١) والقصّة معروفة مشهورة متواترة ، وهي أنّه جاء وفد من

__________________

(١) قوله تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) ٦١.

لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله معه إلى المباهلة الحسن والحسين فكانا أبناءه ، ودعا فاطمة فكانت نساءه ، ودعا عليّ بن أبي طالب فكان نفسه ، وهذا شيء ظاهر منقول في كتب الفريقين :

أما الإماميّة فلا خلاف فيه بينهم أصلا. انظر عيون أخبار الرضا ٢ : ٢١٠ ؛ الأمالي للصدوق ٦١٨ ؛ الاختصاص للمفيد ٥٦ ، ١١٤ ؛ مجمع البيان ٢ : ٤٥٢ ؛ تفسير العيّاشيّ ١ : ١٧٦ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٢٤٦ ؛ الأمالي للطوسيّ ٢ : ١٧٧ ؛ خصائص الوحي المبين ٧٣ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٢٥ ؛ الطرائف ١٢٩ ؛ حقائق التأويل للسيّد الشريف الرضيّ ٢٢٩ ـ ٢٣٥ ؛ الفضائل لابن عقدة ١٨٤ ، ١٨٥ ؛ المقنع في الإمامة ٦٦ ؛ العمدة لابن البطريق ١٨٨ ـ ١٩٢ ؛ كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ٢١٣ ـ ٣١٩ ؛ منهاج الكرامة ١٢٣.

وأمّا العامّة : فقد روى منهم الفقيه الشّافعي ابن المغازليّ في المناقب ٢٦٣ حديثا أسنده إلى الشعبيّ ، عن جابر بن عبد الله ، قال : لمّا قدم وفد نجران على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : العاقب والطيّب ، فدعاهما إلى الإسلام ، فقالا :

أسلمنا يا محمّد قبلك ، قال : كذبتما ، إن شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الإسلام. قالا : فهات أنبئنا. قال : حبّ الصليب ، وشرب الخمر ، وأكل الخنزير ، فدعاهما إلى الملاعنة ، فواعداه أن يغادياه بالغداة ، فغدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، ثمّ أرسل إليهما ، فأبيا أن يجيباه وأقرّا له بالخراج ، فقال الأسقف : يا معشر النصارى ، إنّي أرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله ،

نصارى نجران إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : إلى ما تدعو؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله ، وأنّ عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث.

فقالوا : من أبو موسى؟ قال : عمران ، قالوا : فأنت؟ [أي فأنت ابن من؟] قال : عبد الله بن عبد المطّلب ، قالوا : فعيسى؟ فسكت ينظر الوحي ، فنزل (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)

فقالوا : ما نجد هذا فيما أوحي إلى أنبيائنا ، فنزل قوله تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ).

فطلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله [المباهلة] بالأعزّة وأفلاذ الكبد ، والمباهلة مفاعلة من البهلة (١) بالضمّ والفتح : اللعنة ؛ أي تعالوا نتباهل بأن نلعن الكاذب منّا.

__________________

ـ فلا تبتهلوا فتهلكوا فلا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : والّذي بعثني بالحقّ نبيّا ، لو فعلا لأمطر الله عليهما الوادي نارا.

قال جابر : فيهم نزلت الآية (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ...).

وانظر : مسند أحمد : ١٨٥ ؛ تفسير الكشّاف ١ : ٣٦٨ ؛ تفسير الطبريّ ٣ : ١٩٢ ؛ أسباب النزول للواحديّ ٦٧ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠١ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٣٠ ؛ خصائص النسائيّ ٢٤ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٠ ؛ التفسير الكبير لفخر الدين الرازيّ ٢ : ٦٩٩ ؛ مصابيح السنّة للبغويّ ٢ : ٤٥٤ ؛ كفاية الطالب ١٢٢ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٠٨ ؛ تفسير ابن كثير ١ : ٣٧٠ ؛ دلائل النبوّة لأبي نعيم ٢٩٧.

ولا شيء أقوى من آية المباهلة في فضل أصحاب الكساء عليهم‌السلام ؛ قال الزمخشريّ في الكشّاف : وفيها برهان واضح على صحّة نبوّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنّهم أجابوا إلى ذلك.

(١) الصواب أنّها مشتقّة من البهل لا من البهلة ، كما قرّر في علم الصرف. محمّد حسين

فقالوا : أنصفت يا محمّد ، فمتى نأت نباهلك؟ قال : غدا إن شاء الله تعالى ؛ فانصرفوا ، فقال : رؤساؤهم (١) السيّد والعاقب والأيهم (٢) إن خرج في عدّة من أصحابه باهلناه ، فإنّه ليس نبيّا ؛ وإن خرج في أهله وخاصّته ، فلا نباهله ، فإنّه لا يقدم إلى أهل بيته (٣) ، إلّا وهو صادق ، لئن باهلتموه لنهلكنّ ؛ فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى العالية ومن حولها ، فلم يبق بكر ولا عانس إلّا وقد خرجت (٤).

قال أبو إسحاق (٥) الثعلبيّ (٦) من أكابر علماء المخالفين في تفسيره : فغدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله محتضنا الحسين ، آخذا بيد الحسن ، وفاطمة خلفه ، وعليّ عليهم‌السلام بين يديه ، ورسول الله محتضنا الحسين ، آخذا بيد الحسن ، وفاطمة خلفه ، وعليّ عليه‌السلام بين يديه ، ورسول الله يقول : إذا دعوت فأمّنوا ، فلمّا رأى النصارى خافوا وقال لهم الأسقف منهم : يا معشر النصارى ، إنّي لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله ، فلا تباهلوه فتهلكوا ؛ فجاءوا إليه وقالوا : يا محمّد ، أقلنا من المباهلة أقالك الله ، نعطيك الرّضا فاعف عنّا ، فصالحهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الجزية فانصرفوا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والّذي نفسي بيده ، لو خرجوا لأملأنّ عليهم الوادي نارا.

__________________

(١) قال ابن طاوس في الإقبال ٢ : ٣١٣ : فأقبل عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله السيّد ، واسمه أهتم بن النعمان ، والعاقب ، واسمه عبد المسيح بن شرحبيل ، وهو عميد القوم وأميرهم وصاحب رأيهم.

وقال الواحديّ النيسابوريّ في أسباب النزول ٦١ : قدم وفد نجران ـ وكانوا ستّين راكبا ـ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم ، فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الّذي لا يصدرون إلّا عن رأيه ، واسمه عبد المسيح ، والسيّد إمامهم وصاحب رحلهم ، واسمه الأيهم ، وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم.

(٢) في الأصل : «الأهتم».

(٣) أي مع أهل بيته.

(٤) تذكرة الخواصّ ١٤.

(٥) وفي الأصل أبو الحسن والصحيح ما أثبتناه.

(٦) تفسير الثعلبيّ ٣ : ٨٥ ؛ أسباب النزول ٦٨.

وجه الدلالة : أنّه لا خلاف بين الأمّة أنّه لم يخرج في ذلك اليوم مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المباهلة إلّا عليّ وفاطمة والحسنان عليهم‌السلام ، رواه أصحابنا متواترا (١).

ومن علماء المخالفين : رواه مسلم في صحيحه (٢) ، والحميديّ في الجمع بين الصحيحين في مسند سعد بن وقّاص في الحديث السادس من أفراد مسلم ، ورواه الثعلبيّ (٣) والكلبيّ (٤) ومقاتل (٥) في تفاسيرهم.

وحكاه ابن طاوس في الإقبال (٦) عن الحافظ بن مردويه ، وعبد الله بن عبّاس ، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ ، والحسن البصريّ ، والشعبيّ ، والسّدّيّ ، كلّهم من علماء الجمهور.

والفاضل سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (٧) عن ابن عبّاس ، والزمخشريّ في كشّافه (٨) في تفسير الآية.

وبالجملة : لم أجد بين الأمّة ورواياتهم عن الصحابة والأئمّة خلافا في أنّ أصحاب الكساء في المباهلة مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما كان عليّا وفاطمة والحسنين وجدّهم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين (٩).

__________________

(١) تأويل ما نزل من القرآن الكريم ٨٧ ـ ٩٢.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٢٣٧ ؛ و ٤ : ١٨٧١ ، كتاب فضائل الصحابة.

(٣) عمدة عيون صحاح الأخبار ١٨٩ ؛ تذكرة الخواصّ ١٥.

(٤) تفسير الدرّ المنثور ٢ : ٣٩ ؛ شواهد التنزيل ١ : ١٥٩ ـ ١٦٠ كلاهما عن الكلبيّ.

(٥) رواه عن مقاتل : ابن البطريق في عمدة عيون صحاح الأخبار ١٨٩ ـ ١٩٠.

(٦) إقبال الأعمال ٢ : ٣٤٩.

(٧) تذكرة الخواصّ ١٤.

(٨) تفسير الكشّاف ١ : ٣٦٨ ـ ٣٧٠.

(٩) دلّت الآية النّازلة ـ أي آية المباهلة ـ على إمامة عليّ عليه‌السلام ، وأنّه من أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودلّت أيضا على أفضليّة المرتضى عليه‌السلام على جميع الصحابة لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدع أحدا من بني هاشم ، ولا من الصحابة غير أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ؛ كما لم يدع غير فاطمة عليها‌السلام من النساء ، وغير الحسن والحسين عليهما‌السلام من البنين ، على ما نصّ عليه المؤرخون وعلماء التفسير من العامّة والخاصّة.

وفيه من الدّلالة على فضلهم ومناقبهم ما لا يخفى ، وشهادة أهل الخلاف أبلغ وأوضح في إيضاح الحجّة ؛ كيف بإجماع المسلمين وعلماء السّير والتفسير والحديث على نزول الآية فيهم عليهم‌السلام.

قال الزمخشريّ : خرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليه مرط مرجّل من شعر أسود ، فجاء الحسن عليه‌السلام فأدخله ، ثمّ جاء الحسين عليه‌السلام فأدخله ، ثمّ فاطمة ، ثمّ عليّ عليهما‌السلام ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) (١) (٢).

وفي تذكرة الخواصّ (٣) : قال ابن عبّاس : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للمباهلة رافعا يديه وأشار إلى الحسن والحسين عليهما‌السلام وقال : هلمّوا ، فهؤلاء أبناؤنا ، وأشار إلى فاطمة عليها‌السلام وقال : هذه نساؤنا ، وأشار إلى عليّ عليه‌السلام وقال : هذا أنفسنا.

قال الزمخشريّ (٤) في الكشّاف ما حاصله : إنّما باهل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأعزّته وأفلاذ كبده ، وأحبّ الناس إليه ، وتوقّى بنفسه وصدقه ، وكذب خصمه حتّى يهلكه مع أحبّته وأعزّته هلاك صبر إن تمّت المباهلة ، وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء. وأنت تعرف أنّ الزمخشريّ من المتعصّبين في مذهب أهل السنّة. وعن النقّاش في شفاء الصدور : وحصلت بها فضيلة لعليّ عليه‌السلام ، حيث جعله الله كنفس الرسول.

وبه صرّح الثعلبيّ (٥) ، وابن المغازليّ (٦) ، وابن حجر (٧) ، كلّهم من أعاظم علماء

__________________

(١) تفسير الكشّاف ١ : ٣٦٩.

(٢) الأحزاب : ٣٣.

(٣) تذكرة الخواصّ ١٤ و ١٨ ؛ غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٢ : ٢١٤.

(٤) تفسير الكشّاف ١ : ٣٦٨.

(٥) تفسير الثعلبيّ ٣ : ٨٥.

(٦) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ٣٠١ ـ ٣٠٧.

(٧) الصواعق المحرقة ١٤٥.

المخالفين.

وكذا ذكره سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (١) في عداد فضائل عليّ عليه‌السلام.

وفيه دلالة على تخصيص أصحاب الكساء بشرف لا يدانيه شرف ، وفضيلة لا يوازيها فضل ، وعلى أنّ الإجابة مقرونة بدعائهم ، وأنّ لهم عند الله وعند رسوله منزلة عظيمة لا توصف ، وأنّ الحسن والحسين عليهما‌السلام أبناء رسول الله ، وأنّ عليّا عليه‌السلام نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ـ الخبر ـ

ولقبح دعوة الشخص نفسه ، وهذا دليل على أنّ عليّا عليه‌السلام كان من نور الرّسول ؛ كما تواتر به الخبر في الفريقين. ومن معدن صفائه ، ودليل على عصمته ، ووجوب طاعته ، وكونه إماما وليّا على الخلق بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى كونه أفضل من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين (٢) ـ لرسول الله ـ فضلا عن كونه أفضل أمّته.

وعلى أنّ الحسنين عليهما‌السلام مع صغر السنّ أولى في المباهلة ، وفي مقام استجابة الدعاء من خلّص أصحابه ؛ وفاطمة سلام الله عليها من خلّص نسائه ، وليس إلّا لكونهم أقرب إلى الله ، وأكرم على الله. فالعجب كلّ العجب ممّن أمضى دهره في عبوديّة الأصنام أربعين سنة (٣) كيف يقدّم عليهم غيرهم (٤) ممّن مضى دهره في

__________________

(١) تذكرة الخواصّ ١٤ ؛ الفصول المهمّة ٢٦.

(٢) الاعتقادات للشيخ الصدوق ٨٩ ؛ بصائر الدرجات ٢٢٧ ـ ٢٢٩ ، ٢٣١.

(٣) أسلم أبو بكر وهو ابن أربعين سنة ؛ وأسلم عمر بن الخطّاب بعد أربعين سنة. انظر : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢١٥ ؛ المسترشد في الإمامة ١٥٦ ؛ ومن عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : سبّاق الأمم ثلاثة : لم يشركوا بالله طرفة عين : عليّ بن أبي طالب ، وحبيب النجّار مؤمن آل ياسين ، وحزقيل مؤمن آل فرعون. انظر : تاريخ بغداد ١٤ : ١٥٥ ؛ ذخائر العقبى ٥٨ ؛ كفاية الطالب ١٠٧.

(٤) حيث يقولون : إنّهم في الفضل كترتيب خلافتهم ، ثمّ يصرّحون بأنّ مرادنا بالفضل ثوابهم عند الله ، وإلّا فلعليّ مناقب لا تحصى. وليت شعري كيف اطّلعوا على قدر الثواب والعقاب وهما مكنونان في علم الله تعالى؟! محمّد حسين

عبوديّة الأصنام أربعين سنة وليس لهم فضل يعرفه العقول ، ويتلقّاه عموم الأمّة بالقبول.

إن قلت : مقابلته ب (نِساءَنا) دليل على إرادة الرجال منه.

قلنا : لو لا (أَبْناءَنا) ، فالآية دليل على كون عليّ عليه‌السلام أفضل الأمّة ، وبها بطل قول بعض المخالفين بخلافه ؛ وأفضل الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين حتّى أولو لعزم من الرّسل ، لكونه نفس الرسول الأفضل (١) ، وعليه أعاظم العرفاء من أصحابنا وبعض المجتهدين (٢).

ويشهد [على ذلك] رواية «ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثّقلين» (٣).

ودخل جميع الأنبياء والمرسلين إلّا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لوضوح خروجه عنه اتفاقا ، فضلا عن أمّته من أبي بكر واخوانه ؛ بمعنى كونه أكثر ثوابا (٤) ، وإن كان مفضولا في

__________________

(١) كفاية الطالب ٢٥٤ ؛ نهج الإيمان ٣٠٠ ـ ٣٠٢ ؛ بصائر الدرجات ٢٢٧ ـ ٢٢٩ ، ٢٣١ ؛ الألفين ٣٢٦.

(٢) نهج الإيمان ٣٠٠ ـ ٣٠٢ ، ٦٥٣ ـ ٦٦٤.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ : ٣٢ ؛ التفسير الكبير للرازيّ ٣٢ : ٣١ ، في تفسيره سورة القدر ؛ المناقب للخوارزميّ ١٠٧ ؛ فرائد السمطين ١ : ٢٥٦ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ١٤ ؛ تاريخ بغداد ١٣ : ١٨ ، رقم ٦٩٧٨ بتفاوت ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ١٠٧ ؛ كشف الغمّة ١ : ٢٠٥ ؛ منهاج الكرامة ٩١ ، ١٦٧ ؛ أسرار الإمامة ٢٦٢ ، ٤٥٢.

(٤) لمّا عرف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله باجتماع المشركين ، حفر الخندق بمشورة سلمان ، ثمّ برز عمرو بن عبد ودّ ـ وكان يعدّ بألف فارس ـ والمسلمون كأنّ على رءوسهم الطير لمكان عمرو بن عبد ودّ ، فركز عمرو رمحه على خيمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : ابرز يا محمّد ؛ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من يقوم إلى مبارزته فله الإمامة بعدي؟» فنكل الناس أجمعون عنه واستتر بعضهم ببعض ، وكان عليّ عليه‌السلام يقوم ليبارزه ، فيأمره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالجلوس ، حتّى نزل جبرئيل عليه‌السلام عن الله تعالى أن يأمر عليّا بمبارزته ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا عليّ ، ادن منّي» وعمّمه بعمامته وأعطاه سيفه ، وقال «امض لشأنك» ثمّ قال : «اللهمّ أعنه» ، فلمّا توجّه إليه ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «خرج الإيمان سائره إلى الكفر سائره» أو قال : «برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه». قال عمرو بن عبد ودّ : «ما كنت أظنّ أحدا من العرب يرومني عليها ، وإنّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وكان أبوك لي نديما» ، فقال عليّ عليه‌السلام : «لكنّي أحبّ أن أقتلك» فتناوشا ، فضربه عمرو في الدرقة فقدّها ، وضربه عليّ على عاتقه ـ

معالي الخصال ، وهذا خرافة ومجازفة لقبح ذلك في العقول ، وعدم الدليل. والدليل ـ بل الأدلّة ـ على خلافه ، كما لا يخفى من هذا الباب وغيره.

__________________

ـ فسقط. وفي رواية حذيفة : ضربه على رجليه بالسيف من أسفله ، فوقع على قفاه وحزّ رأسه ، وقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لمبارزة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لعمرو بن عبد ودّ أفضل من عمل أمّتي إلى يوم القيامة.

مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ١٦٣ ؛ كفاية الطالب ٢٢٦ ؛ روضة الواعظين ٤٢ ؛ ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام لابن عساكر ٢ : ٤١٨ ، ح ٩٣٤ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ٣٧ ؛ الدرّ المنثور ٣ : ١٩٩.

الآية الخامسة

من المائدة ـ آية الولاية ؛ وهي قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ٥٥.

فقد روى أعاظم الفريقين نزولها في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام حين أعطى السائل الّذي سأل في مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يعطه أحد شيئا ، فأشار إليه بخنصره اليمنى ، فأعطاه خاتمه الّذي كان يتختّم به فيها. أو أعطاه حلّة كانت عليه ، على اختلاف الرّوايات ـ ولا منافاة لإمكان الجمع باعطائه حلّة أوّلا ثمّ خاتما ثانيا ـ فنزلت الآية.

أمّا أصحابنا : فقد رووه متواترا ، ولا خلاف بينهم قطعا (١).

وأمّا المخالفون : فقد رواه أعاظم المحدّثين والمفسّرين في الأصول المعتبرة والصحيحة (٢).

__________________

(١) الأصول من الكافي ١ : ٤٢٧ ؛ الأمالي للصدوق ١٠٧ ؛ أمالي الطوسيّ ١ : ٥٨ ؛ الخصال : ٣٦٧ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٢٧ ؛ مجمع البيان ٢ : ٢١٠ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ١٤٧ ، ١٥٩ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٥ ؛ منهاج الكرامة ١١٥ ـ ١١٦ ؛ خصائص الوحي المبين ١٥ ـ ٢٨ ؛ الطّرف من الأنباء والمناقب لابن طاوس ٤٣٠.

(٢) أسباب النزول ١٣٣ ؛ تفسير الكشّاف ١ : ٦٤٨ ـ ٦٤٩ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٢٠٩ ـ ٢٤٥ ؛ جامع البيان ـ

فقد روى نزولها فيه أبو إسحاق الثعلبيّ (١) في تفسيره عن السدّيّ ، وعتبة بن أبي حكم ، وغالب بن عبد الله ، وعباية بن ربعيّ ، وابن عبّاس ، وأبي ذر الغفاريّ ، كلّهم قالوا : إنّما عنى الله سبحانه بقوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، لأنّه مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه ، فنزلت الآية (٢).

ورواه رزين في الجمع بين الصحاح الستّة في الجزء الثالث من الأجزاء (٣) الثلاثة.

ورواه ابن المغازليّ الفقيه من طرق خمسة في مناقبه (٤) ، والخوارزميّ في المحكيّ (٥).

ورواه النسائيّ في صحيحه ، وصحّحه الأندلسيّ في الجمع (٦).

ورواه ابن طاوس من أصحابنا في إقباله أيضا عن عليّ بن عابس ، وعبد الله بن عطاء.

ورواه الزمخشريّ في كشّافه ، قال : نزلت الآية في عليّ عليه‌السلام ، قال : إن قلت : كيف يصحّ أن يكون لعليّ واللّفظ لفظ جماعة؟

__________________

ـ للطبريّ ٦ : ١٨٦ ؛ أنوار التنزيل ٢ : ٢٨١ ؛ نظم درر السمطين ٨٥ ـ ٨٧ ؛ ذخائر العقبى ٨٨ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢٧٦ ـ ٢٧٧ ؛ المناقب للخوارزميّ ٢٨١ ؛ الفصول المهمّة ١٢٤ ؛ فرائد السمطين ١ : ١٨٧ ؛ كفاية الطالب ٢١٩ ؛ تاريخ بغداد ٩ : ٣٦٩ ؛ تفسير الثعالبيّ ٢ : ٣٩٦ ؛ الدرّ المنثور ٢ : ٥٢٠.

(١) تفسير الثعلبيّ ٤ : ٨٠.

(٢) تفسير السدّيّ الكبير ٢٣١ ؛ تذكرة الخواصّ ١٥.

(٣) نهج الإيمان ١٣٨ ؛ جامع الأصول لابن الأثير ٩ : ٤٧٨ ، نقلا عن ابن رزين في الجمع بين الصحاح الستّة.

(٤) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ٣١١ ـ ٣١٤.

(٥) المناقب للخوارزميّ ٢٦٤ ؛ تفسير السمرقنديّ المسمّى بحر العلوم ١ : ٤٤٥.

(٦) العمدة لابن البطريق ١٢١ ح ١٥٩.

قلت : جيء به ترغيبا للنّاس (١) في مثل فعله لينالوا مثل ثوابه ، وليثبت على أنّ سجيّة المؤمن يجب أن يكون على هذا الغاية من الحرص على البرّ والإحسان (٢).

وفي قلع الأساس ، من الفاضل المعتمد المحدّث الميرزا محمّد الشهير بالأخباريّ من فضلاء أصحابنا ، [قال :] قد أثبتنا نزولها في عليّ عليه‌السلام من كتب الخمسة عشر من الصّحابة والتابعين ، غير ما نظمه شعراء الأصحاب في هذا الباب (٣).

__________________

(١) إقبال الأعمال ٥٢٦ ، والصّواب أنّ الجمع لتعظيمه عليه‌السلام ومثله أكثر من أن يحصى ، ومنها قوله تعالى : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) سورة يوسف : ٦٣ وقوله تعالى : (إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) (منه).

(٢) تفسير الكشّاف ١ : ٦٤٩ ؛ التفسير الكبير ٣ : ٤٣١ ؛ تفسير الطبريّ ٦ : ١٨٦.

(٣) انظر على سبيل المثال : تذكرة الخواصّ ١٥ و ١٦ ؛ كفاية الطالب ٢٥١ ب ٦٢ ؛ وقال الورّاق كما في مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٣.

عليّ أبو السبطين صدّق راكعا

بخاتمه سرّا ولم يتجهّم

فلمّا أتاه سائل مدّ كفّه

فلم يستو حتّى حباه بخاتم

وقيل في ذلك (كما في كفاية الطالب ٢٢٠ ؛ مناقب الخوارزمي ٢٨١) :

أو في الصّلاة مع الزكاة أقامها

والله يرحم عبده الصبّارا

من ذا بخاتمه تصدّق راكعا

وأسرّه في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمّد أسرى يؤمّ الغارا

من كان جبريل يقوم يمينه

يوما وميكال يقوم يسارا

من كان في القرآن سمّي مؤمنا

في تسع آيات جعلن كبارا

وقال طلائع بن رزّيك في حقّه عليه‌السلام كما في المناقب لابن شهرآشوب ٢ : ١١٧ :

هو الزاهد الموفي على كلّ زاهد

فما قطع الأيّام بالشهوات

بإيثاره بالقوت يطوي على الطّوى

إذا أمّه المسكين في الأزمات

تقرّب للرحمن إذ كان راكعا

بخاتمه في جملة القربات

وقال الفاضل النحرير والمدقّق البصير ، بديع الزّمان ، فصيح اللسان الشيخ رفيع ، المتولّد في بلدة جيلان ، النزيل باصبهان ، في تعليقه على مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام : بل قال بعضهم أنّ نزولها في عليّ عليه‌السلام موضع إجماع ، وظاهر دعوى إجماع المخالفين ، فضلا عن الموافقين.

وفي أنوار البصائر [ومؤلّفه] من فضلاء الأصحاب : قد نزلت في عليّ عليه‌السلام اتّفاقا ، وظاهر أيضا دعوى الاتّفاق من الفريقين.

ونقل في مجمع البيان للشيخ أبي عليّ نزولها في عليّ عليه‌السلام حين تصدّق بخاتمه في ركوعه عن جمهور المفسّرين ، وذكر قصّة ابن عباس وغيره (١).

وروى الثعلبيّ كيفيّة نزولها فيه عليه‌السلام ، عن ابن عبّاس أنّه جلس عند شفير زمزم يحدّث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقبل رجل معمّم بعمامة ، فجعل ابن عبّاس لا يقول «قال رسول الله إلّا وقال الرّجل : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» ؛ فقال ابن عبّاس : سألتك

__________________

ـ وروى ابن شهرآشوب في المناقب ٣ : ١٠ عن حسّان بن ثابت أنّه قال :

عليّ أمير المؤمنين أخو الهدى

وأفضل ذي نعل ومن كان حافيا

وأوّل من أدّى الزكاة بكفّه

وأوّل من صلّى ومن صام طاويا

فلمّا أتاه سائل مدّ كفّه

إليه ولم يبخل ولم يك جافيا

فدسّ إليه خاتما وهو راكع

وما زال أوّاها إلى الخير داعيا

فبشّر جبريل النبيّ محمّدا

بذاك ، وجاء الوحي في ذاك ضاحيا

وروى عن الصاحب كافي الكفاة أبي القاسم إسماعيل بن عبّاد بن العبّاس الطالقانيّ قال :

ألم تعلموا أنّ الوصيّ هو الّذي

آتى الزكاة في المحراب

ألم تعلموا أنّ الوصيّ هو الّذي

حكم الغدير له على الأصحاب

وعن الصّفي البصريّ قوله :

يا من بخاتمه تصدّق راكعا

إنّي ادّخرتك للقيامة شافعا

الله عرّفني وبصّرني به

فمضيت في ديني بصيرا سامعا

(١) مجمع البيان ٢ : ٢٠٩ ، ٢١٠ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤١٢.

بالله من أنت؟ قال : فكشف العمامة من وجهه ، فقال : يا أيّها النّاس من عرفني ، فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدريّ أبو ذر الغفاريّ ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهاتين ـ وإلّا فصمّتا ـ ورأيته بهاتين ـ وإلّا فعميتا ـ يقول : عليّ قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله. إنّي صلّيت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما من الأيّام صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السّماء ، وقال : اللهمّ اشهد إنّي سألت في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يعطني أحد شيئا ؛ وكان عليّ عليه‌السلام راكعا ، فأومأ إليه بخنصره اليمنى الّتي كان يتختّم فيها ، فأقبل السّائل وأخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرفع رأسه إلى السّماء وقال : اللهم إنّ أخي موسى سألك ، فقال (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (١) (٢). فأنزلت عليه قرآنا ناطقا : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) (٣) اللهمّ وأنا محمّد نبيّك وحبيبك ، اللهمّ فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيرا من أهلي عليّا ، واشدد به أزري ـ أو قال : ظهري ـ.

قال أبو ذر : فو الله ما استتمّ رسول الله الكلمة حتّى نزل به جبرئيل ، فقال : اقرأ يا محمّد ؛ فقال : وما أقرأ؟ قال : اقرأ : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ).

فأنشد حسّان بن ثابت (٤) من شعراء الأصحاب ـ على ما حكاه عنه عظماء

__________________

(١) طه : ٢٥ ـ ٣٣.

(٢) تفسير الثعلبيّ ٤ : ٨٠ ، ٨١.

(٣) القصص : ٣٥.

(٤) جاء في شعراء الشيعة للمرزبانيّ ٤٢ ؛ ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج ٣ : ١٠ خزيمة بن ثابت وهو ذو الشهادتين من أصحاب الإمام عليّ عليه‌السلام.

الفريقين في هذا الباب ـ شعرا :

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

وكلّ بطيء في الهدى ومسارع

أيذهب مدحي والمخبّر صادق (١)

وما المدح في جنب الإله بضائع

فأنت الّذي أعطيت إذ كنت راكعا

فدتك نفوس القوم يا خير راكع

بخاتمك الميمون يا خير سيّد

ويا خير شار ثمّ يا خير بايع

فأنزل فيك الله خير ولاية

وبيّنها في محكمات الشرائع (٢)

ثمّ أقول : في الآية حسب النزول دلالة على أنّ كلّ ولاية كانت لله ورسوله على النّاس ، كانت لعليّ عليه‌السلام ، ضرورة إرادة ولاية واحدة صدرا وذيلا ، والمتبادر من الولاية لله ورسوله في المقام إنّما هو أولويّة التصرّف في الخاصّ والعامّ ، بدليل امتناع غيره ، والحصر والتسوية بالعطف ، وعدم ترجيح بعض أفراد المطلق الواقع في كلام الحكيم.

وقول الزمخشريّ باحتمال عدم الاختصاص به ، مدفوع بالإجماع. وقد نقله في المواقف (٣) ، وشرح المقاصد (٤) ، وشرح التجريد (٥) ، وكذا ما في الصواعق عن البصريّ : إنّ عليّا كان من جملة من نزلت فيهم (٦) ، وإنّما توهّموه من لفظ الجمع ، وإلّا فلم ينقل عن أحد اشتراك أحد مع عليّ عليه‌السلام في فعله في ذلك ونزول الآية في حقّه ؛ ولعلّ البصريّ أراد عمومها لمن كان يأتي من بعده من أولاده الطّاهرين ،

__________________

(١) في الأصل : أيذهب مدحي والمحبّ صانعا.

(٢) النور المشتعل من كتاب ما نزل ٧٠ ؛ المناقب للخوارزميّ ٢٦٥ ؛ شواهد التنزيل ٢٣٦ ؛ نهج الايمان ١٤٨.

(٣) شرح المواقف ٨ : ٣٥٩ ـ ٣٦٢.

(٤) شرح المقاصد ٥ : ٢٦٩ ـ ٢٧٢.

(٥) شرح تجريد العقائد ٣٦٨.

(٦) الصواعق المحرقة ١٣١.

على أنّ البصريّ لا عبرة بكلامه.

ولو قيل : سياق الآية يدلّ على أنّ المراد بالولاية المحبّة والنصر ، لكونهما المراد في الآية السابقة واللّاحقة.

قلنا : ممنوع ؛ بل المراد بقوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (١) (٢). قبول ولاية الله ورسوله وولاية عليّ في الآية السابقة ، وفي أخبارنا دلالة عليه. مثل ما رواه في المجالس (٣) عن الباقر عليه‌السلام ، في قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) قال : إنّ رهطا من اليهود أسلموا ، منهم عبد الله سلام ، وأسد ، وثعلبة ، وابن أمين ، وابن صوريا. فأتوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : يا نبيّ الله ، إنّ موسى أوصى إلى يوشع بن نون ، فمن وصيّك يا رسول الله ومن وليّنا بعدك؟ فنزلت الآية (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) الآية.

قال رسول الله : قوموا ؛ فقاموا فأتوا المسجد ، فإذا سائل خارج ، فقال يا سائل ، أما أعطاك أحد شيئا؟ قال : نعم ، هذا الخاتم. قال : من أعطاكه؟ قال : أعطانيه ذلك الرجل الّذي يصلّي. قال : على أيّ حال أعطاك؟ قال : كان راكعا ، فكبّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكبر أهل المسجد ؛ فقال النبيّ : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وليّكم بعدي ، قالوا : رضينا بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّا ، وبعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وليّا ؛ فأنزل الله (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) (٤) الآية.

ومحمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام من التابعين في الطبقة الثالثة ، مقبول القول والرّواية عند المخالفين أيضا بلا خلاف.

يظهر منهم ـ مع أنّه لا عبرة بالسّياق بعد فعل عثمان في القرآن ، وكذا ردّ عمر

__________________

(١) المائدة : ٥٦.

(٢) تفسير الحبريّ ٢٦١ ؛ تفسير فرات ٣٨ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٢٣٥.

(٣) أمالي الصدوق ١٠٨ ح ٤.

(٤) المائدة : ٥٦.

القرآن الّذي كتبه بخطّه [أمير المؤمنين] عليه‌السلام وجمعه وجاء به [بعد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله] إلى مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في محضر المهاجرين والأنصار ، وقال : كتاب ربّكم كما أنزل ، ففتحه عمر وردّه (١) ، وقال : لا حاجة لنا فيه ، حسبنا مصحف عثمان ، وأمر زيد بن ثابت بتأليف القرآن (٢) على أنّ نصرة الله ورسوله بعده للمؤمنين لا تحصل إلّا للعالم بالسّياسات الشرعيّة إن قلت : يلزم من ذلك ثبوت الولاية له في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قلنا : لا ضير ؛ بل نلتزم نحن به ، إلّا أنّه كان مولى مولّى (٣) عليه في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) وهذا الردّ كفر منه ، لأنّ ردّ وزير الرسول كردّ الرسول. والدليل على وزارته ما نقله في الخطبة القاصعة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله : «إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلّا أنّك لست بنبيّ ولكنّك وزير ، وإنّك لعلى خير». محمد حسين.

(٢) روى البخاريّ في صحيحه ، كتاب فضائل القرآن في باب جمع القرآن ٦ : ٩٩ في هذا الباب رواية طويلة مفصلة ، جاء فيها : وأرسل عثمان إلى كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق.

وقال البيهقيّ في سننه ٢ : ٤١ أرسل عثمان إلى حفصة بنت عمر أن : أرسلي إلينا بالصحف الّتي جمع فيها القرآن ، فأرسلت بها إليه حفصة ، فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وغيره أن ينسخوها في المصاحف «إلى أن قال» ففعلوا حتّى كتبت المصاحف ، ثمّ ردّ عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كلّ جند من أجناد المسلمين بمصحف ، وأمرهم أن يحرقوا كلّ مصحف يخالف المصحف الّذي أرسل به ، وذلك زمان أحرقت المصاحف.

(٣) قال عبد خير : قال عليّ عليه‌السلام : لمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقسمت أن لا أضع ردائي على ظهري حتّى أجمع بين اللوحين ، فما وضعت ردائي حتّى جمعت القرآن. انظر حلية الأولياء ١ : ٦٧ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٥١.

وفي خبر طويل عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، أنّه عليه‌السلام حمله وولى راجعا نحو حجرته وهو يقول : (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ).

انظر : مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٥١ ؛ الاحتجاج للطبرسي ٨٢ ؛ كتاب سليم بن قيس ٧٢.

(٣) الأوّل بالتخفيف بخلاف الثاني ، كما لا يخفى. محمد حسين

فإن قلت : لفظ الجمع ينافي إرادة الوحدة من الآية.

قلنا : إلّا مع القرينة ، خصوصا بعد الأخبار المذكورة ، مع أنّا نريد الجمع ـ وهم عليّ والأئمّة من ولده عليهم‌السلام ـ كما روي من طريقنا.

على أنّا نقول : المراد بالموصول : إمّا الجمع أو الفرد ؛ وعلى الثاني ، إمّا المنتشر ، أو المعيّن ، وعلى الثاني ، إمّا الموجود ، أو من سيوجد منه ، ولا سبيل إلى الأوّل اتّفاقا للزوم الولاية لكلّ من فعل ذلك ، وإن كان فاسقا فاجرا أو عدمه لغيره ، وإن كان مجمعا عليه ؛ والثاني باطل إجماعا من الأمّة ، ولأنّه مناف للحكمة ، بل مخالف للضرورة ، ولا إلى الثاني ، لما ذكر ، وللإبهام الموجب للتعرّي عن الفائدة ، ولا إلى الرابع للزوم وجوب ذلك على الخليفة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ، ولا قائل به ، فتعيّن أن يكون المراد بالموصول هو الفرد المعيّن ، وليس الموجود غير عليّ عليه‌السلام بالاتّفاق ، وبه تمّ المرام ـ والحمد لله ـ على أنّ ولاية عليّ عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثابتة بالإجماع المركّب من الآية بعد الأخبار المذكورة.

وظاهر الآية ثبوت ولايته بلا فصل ، وولاية غيره منفيّة بالأصل ، ولزوم التناقض لو أريد من الآية أيضا ، إذ يلزم أن يكون كلّ واحد منهم مولى للآخر ومولّى عليه له. والتالي باطل عقلا وإجماعا ، فالمقدّم مثله ، وتأخير عليّ عليه‌السلام من زمان وفاة (١) النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما بعد عثمان تقييد بلا حجّة ، ودعوى بلا بيّنة لا تسمع (٢) ؛ فوجب إرادة الوحدة من الآية الشريفة ، وليس إلّا عليّا بالإجماع المركب ،

__________________

(١) في الأصل : «فوت».

(٢) كيف يكون دليلا لهم وهو يشكو ويقول : فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا ، وطفقت أرتئي بين أن اصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصّغير ، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصّبر على هاتا أحجى.

نهج البلاغة ـ الخطبة المعروفة بالشّقشقيّة ـ وتشهد هذه الخطبة أنّ قعوده عليه‌السلام كان لعدم الناصر والمعين. محمد حسين

والأخبار الصحيحة والمعتبرة نقلا عن الأصول والجوامع المجمع عليها في الفريقين.

فائدة :

قوله تعالى : في الآية الثانية (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي (الَّذِينَ آمَنُوا) المذكور في الآية السّابقة ـ أعني المتصدّق بالخاتم في ركوعه ـ (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) يعني أولئك حزب الله ، لأنّ من تولّى ولي الله فقد تولّى الله ، فكان [من] حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون ، وهذا إنّما كان مقابلا لحزب الشيطان ، وحزب الشيطان هم الخاسرون ؛ فإن لم يكن [من] حزب الله كان [من] حزب الشيطان ، فمن لم يتولّ عليّا عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ـ كما دلّت عليه الآية والرّوايات ، والإجماع المركب والبيانات السّابقة ـ كان [من] حزب الشيطان ، وحزب الشيطان هم الخاسرون ، والحمد لله.

الآية السّادسة

من المائدة أيضا ؛ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ٦٧.

فاعلم أنّ هذه الآية الشريفة إنّما نزلت في عليّ عليه‌السلام يوم غدير خمّ (بضمّ الخاء المعجمة وتشديد الميم : موضع بين مكّة والمدينة على ثلاثة أميال من الجحفة عنده غدير مشهور يضاف إليه).

والقصّة مشهورة عند المسلمين ، وهي أنّه لمّا أمر الله عزوجل رسوله بولاية عليّ عليه‌السلام ، وأنزل عليه (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية ، وفرض ولاية أولي الأمر ، فلم يدروا ما هي ؛ فأمر الله رسوله أن يفسّر لهم الولاية المذكورة في قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية ، إثباتا للحجّة وإيضاحا للمحجّة ، كما فسّر لهم الصّلاة والزّكاة والصوم والحجّ ، فلمّا أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله ، وتخوّف أن يرتدّوا عن دينهم وأن يكذّبوه ؛ فضاق صدره وراجع ربّه ، عزوجل ؛ فأوحى الله إليه (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) الآية ، فصدع بأمر الله تعالى ذكره ، فقام بولاية عليّ عليه‌السلام يوم غدير (١) خمّ ، فنادى الصّلاة جامعة وأمر أن يبلّغ

__________________

(١) غدير خمّ : مجمع مياه أو بئر ، سمّي باسم رجل صبّاغ أضيف إليه الغدير الذي هو بين مكّة والمدينة ـ

الشاهد الغائب.

وتفصيله [على] ما في الاحتجاج (١) : عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما‌السلام ـ الّذي قوله حجّة على المخالف أيضا ، لكونه من التابعين في الطبقة الثالثة ، ثقة ـ.

قال ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ (٢) : محمّد بن عليّ عليهما‌السلام هذا أسند الحديث عن جماعة من الصحابة ، منهم جابر بن عبد الله وأبو سعيد ، وابن عبّاس ، وأبو هريرة ، وأنس بن مالك ، والحسن والحسين عليهما‌السلام ، وروى عنه خلق كثير من التابعين منهم : سعيد بن المسيّب ، والأئمّة ، أي أئمّة الحديث.

وقال ابن سعيد في الطبقات (٣) : إنّه من الطبقة الثالثة من أهل المدينة ، وكان عالما عابدا. روى عنه الائمّة أبو حنيفة وغيره ، وقد لقي جابر بن عبد الله الأنصاريّ من الصّحابة ، قال : إنّه قد حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة ، وقد بلّغ جميع الشرائع غير الحجّ والولاية ؛ فأتاه جبرئيل ، فقال : يا محمّد إنّ الله عزوجل يقرئك السلام ، ويقول لك : إنّي لم أقبض نبيّا من أنبيائي ، ولا رسولا من رسلي إلّا بعد إكمال ديني ، وتأكيد حجّتي ، وقد بقي عليك من ذلك فريضتان ممّا يحتاج أن تبلغها قومك : فريضة الحجّ ، وفريضة الولاية والخلافة ، من بعدك ؛ فإنّي لم أخل أرضي (٤) من حجّة ولن أخليها أبدا ؛ فإنّ الله عزوجل يأمرك أن تبلّغ قومك الحجّ ،

__________________

بالجحفة ، معجم البلدان ٢ : ٣٨٩.

(١) الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ٥٥ ـ ٦٧.

(٢) تذكرة الخواصّ ٣٠.

(٣) الطبقات الكبرى ٥ : ٣٢٠ ـ ٣٢٣.

(٤) الإمامة في اللغة : هي التقدّم ، والائتمام. وعند المتكلّمين : رئاسة دينيّة مشتملة على ترغيب عموم الناس في حفظ مصالحهم الدينية والدنيويّة.

والولاية : بكسر الواو الإمارة ، والسلطان ، والوليّ : كلّ من ولي أمرا أو قاربه ، و «وليّ اليتيم» الّذي يلي أمره ، ويقوم بكفالته.

ويحجّ معك كلّ من استطاع سبيلا من أهل الحضر والاطراف ، والأعراب وتعلّمهم من حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم ، وتوقفهم من ذلك على مثال الّذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرائع ، فنادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ألا إنّ رسول الله يريد الحجّ ، وأن يعلّمكم من ذلك مثل الّذي علّمكم من شرائع دينكم ، ويوقفكم من ذلك على ما أوقفكم عليه من غيره ؛ فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخرج معه الناس وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع ، فيصنعوا مثله.

فحجّ بهم وبلغ من حجّ مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون ، على نحو عدد أصحاب موسى عليه‌السلام سبعين ألفا الذين أخذ عليهم ببيعة هارون ، فنكثوا واتّبعوا العجل والسامريّ ، وكذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ البيعة لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بالخلافة على عدد أصحاب موسى عليه‌السلام ؛ فنكثوا البيعة واتّبعوا العجل سنّة بسنّة (١) ، ومثلا بمثل ، واتّصلت التلبية ما بين مكّة والمدينة ، فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل عن الله تعالى ؛ فقال يا محمّد ، إنّ الله يقرئك السّلام ويقول لك : إنّه قد دنا أجلك ومدّتك وأنا مستقدمك على ما لا بدّ منه ولا عنه محيص ، فاعهد عهدك ، وقدّم وصيّتك ،

__________________

ـ والخلافة : الإمامة و ـ الإمارة و «الخليفة» ـ والمستخلف ـ والسلطان الأعظم ، جمع خلفاء وخلائف ، واشتقاقه من «خلف» بضمّ عين المضارع وفتحها في الماضي : صار خلفه ، وأخذه من خلفه ، وجاء بعده فصار مكانه ، فلاحظ أصولها وفروعها تجدها متوافقة ومتقاربة مع الإمامة وأصولها وفروعها.

وفريضة الولاية أوجب الفرائض وأشدّها ، فقد يرخّص في بعض الأحيان والأحوال في ترك الفرائض ، أمّا الولاية فلا رخصة فيها ، روى الكليني في الكافي ٢ : ٢٢ ، عن أبي العلاء الأزدي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ الله عزوجل فرض على خلقه خمسا ، فرخّص في أربع ، ولم يرخّص في واحدة» وفيه أيضا ١ : ١٧٨ و ١٧٩ عن أبي حمزة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال : لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت.

(١) إشارة إلى الأخبار الواقعة في هذا الباب متواترة ، فإنّ ما وقع في الأمم السابقة يقع في هذه الأمّة ، حذو النعل بالنعل. محمد حسين

واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء والسلاح والتّابوت ، وجميع ما عندك من آيات الأنبياء عليهم‌السلام ؛ فسلّمها إلى وصيّك وخليفتك من بعدك ، حجّتي البالغة على خلقي : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فأقمه للنّاس علما ، وجدّد عهده وميثاقه وبيعته ، وذكّرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الّذي واثقتهم به ، وعهدي الّذي عهدت إليهم من ولاية وليّي ومولاهم ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ فإنّي لم أقبض نبيّا من الأنبياء إلّا من بعد إكمال ديني وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي ، وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي على خلقي باتّباع وليّي وطاعته ؛ وذلك أنّي لا أترك أرضي بغير قيّم ليكون حجّتي لي على خلقي ؛ ف «اليوم اكملت لكم دينكم» (١) الآية ، بولاية وليّي ، ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة عليّ عليه‌السلام عبدي ووصيّ نبيّي ، والخليفة من بعده ، حجّتي البالغة على خلقي ، مقرون طاعته بطاعة محمّد نبيّي ، ومقرون طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي ، من أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني ، جعلته علما بيني وبين خلقي ، من عرفه كان مؤمنا ، ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك [في] بيعته كان مشركا ، ومن لقيني بولايته دخل الجنّة ، ومن لقيني بعداوته دخل النار.

فأقم يا محمّد عليّا علما ، وخذ منهم البيعة ، وجدّد عليهم عهدي وميثاقي لهم الّذي واثقتهم عليه ، فإنّي قابضك إليّ ، ومستقدمك عليّ ، فخشي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قومه وأهل النفاق والشّقاق أن يتفرّقوا ويرجعوا جاهليّة ، لما عرف من عداوتهم ، ولما تنطوي عليه أنفسهم لعليّ عليه‌السلام من البغضة.

وسأل جبرئيل أن يسأل ربّه العصمة من النّاس ، وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من النّاس من الله جلّ اسمه ، فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف ؛ فأتاه

__________________

(١) المائدة : ٣.

جبرئيل في مسجد الخيف فأمره أن يعهد عهده ويقيم عليّا للنّاس ، ولم يأته بالعصمة من الله جلّ جلاله الّذي أراد ، حتّى أتى «كراع الغميم» (١) بين مكّة والمدينة ؛ فأتاه جبرئيل وأمره بالّذي أتاه به من قبل الله تعالى ولم يأته بالعصمة ؛ فقال : يا جبرئيل ، إنّي أخشى قومي أن يكذّبوني ولا يقبلوا قولي في عليّ عليه‌السلام : فرحل فلمّا بلغ غدير خمّ قبل الجحفة (٢) بثلاثة أميال أتاه جبرئيل على خمس ساعات مضت من النّهار بالزّجر والانتهار والعصمة من النّاس ؛ فقال : يا محمّد ، إنّ الله يقرئك السّلام ويقول لك : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) في عليّ عليه‌السلام (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).

وكان أوائلهم قربت من الجحفة ؛ فأمره بأن يردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ، ليقيم عليّا للنّاس ، ويبلّغهم ما أنزل الله تعالى في عليّ عليه‌السلام ، وأخبر بأنّ الله عزوجل قد عصمه من الناس ؛ فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ما جاءته العصمة مناديا ينادي في النّاس بالصلاة جامعة ، ويردّ من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر : فتنحّى عن يمين الطريق إلى جنب مسجد الغدير ، أمره بذلك جبرئيل عن الله عزوجل في موضع «سلمات» (٣) ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقمّ ما تحتهنّ ، وينصب له أحجار كهيئة المنبر يشرف على النّاس ؛ فتراجع النّاس ، واحتبس أواخرهم في ذلك المكان لا يزالون ؛ فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فوق تلك الأحجار ، ثمّ حمد الله تعالى وأثنى عليه ، فقال : الحمد لله الّذي علا في توحّده ، ودنا في تفرّده ، وجلّ في سلطانه ، وعظم في أركانه ، وأحاط بكلّ شيء علما وهو

__________________

(١) كراع الغميم : موضع بناحية الحجاز بين مكّة والمدينة. لسان العرب ٨ : ٣٠٩ ؛ معجم البلدان ٤ : ٤٤٣.

(٢) الجحفة : قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكّة أربع مراحل ؛ سمّيت الجحفة لأنّ السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام ، وهي الآن خراب بينها وبين غدير خمّ ميلان. معجم البلدان ٢ : ١١١.

(٣) سلمات موضع في طريق مكّة. لسان العرب ٦ : ٣٤٧ «سلم».

في مكانه ، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه ، مجيدا لم يزل ، محمودا لا يزال. (والخطبة فيها مواضع من النصّ على خلافة عليّ عليه‌السلام وإمامته ووجوب طاعته وفضله).

وفي رواية القمّيّ (١) : أيّها النّاس ، هل تعلمون من وليّكم؟ قالوا : نعم ، الله ورسوله ، قال : ألستم تعلمون أنّي أولى بكم منكم بأنفسكم؟ قالوا : بلى. قال : اللهمّ اشهد ، فأعاد ذلك عليهم ثلاثا ، في كلّ ذلك يقول مثل قوله الأوّل ، ويقول الناس كذلك ، ويقول : اللهمّ اشهد ، ثمّ أخذ بيد أمير المؤمنين عليه‌السلام فرفعه حتّى بدا للنّاس بياض ابطيه ، ثمّ قال : ألا من كنت مولاه ، فهذا عليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله وأحبّ من أحبّه ، ثمّ قال : اللهمّ اشهد عليهم وأنا من الشّاهدين (٢).

فاستفهمه عمر (٣) من بين أصحابه ؛ فقال (٤) : يا رسول الله هذا من الله أو من رسوله؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم هذا من الله ومن رسوله ، إنّه أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجّلين ، يقعده الله تعالى يوم القيامة على الصراط ، فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النّار ؛ فقال أصحابه الّذين ارتدّوا بعده : قد قال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد الخيف ما قال ، وقال هنا ما قال ، وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له ؛ فاجتمع أربعة عشر نفرا (٥) ، وتآمروا على قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقعدوا له في

__________________

(١) تفسير القمّيّ ١ : ١٧١ ـ ١٧٣.

(٢) تفسير الصافي ٢ : ٧٠.

(٣) لا تخفى على المنصف أنّ هذا السؤال وقع منه لرجائه أن يكون الأمر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيسهل له الخدش فيه ، كما نسب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الهذيان عند وفاته. قال في «حياة الحيوان» : وهو أوّل من سمّي بأمير المؤمنين وهو كما ترى. «منه».

(٤) المغازي للواقدي ٢ : ١٠٤٤ ؛ أسباب النزول للواحدي ١٧٠ ؛ الخصال ٢ : ٢٧٢.

(٥) معارج النبوّة في مدارج الفتوّة الركن الرابع ٢٣٧.

العقبة ـ الحديث (١).

وبالجملة كيفيّة تنصيص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على خلافة عليّ عليه‌السلام ، وإقامته يوم غدير خمّ ونزول هذه الآية في هذه الكيفيّة عند أصحابنا [مورد] إجماع ، وقد أثبتنا في كتبنا الأصوليّة أنّ إجماعهم حجّة قاطعة بالبرهان القاطع عقلا ، والنّور السّاطع نقلا ، لكونه كاشفا عن رأي أهل بيت العصمة والطهارة ، بشهادة آية التطهير النّازلة في حقّهم. بتواتر رواية الفريقين ، وتواتر عندهم كلّ ذلك أيضا ، وكفى به حجّة على الخصم العنيد ، لأنّ التواتر عبارة عن إخبار جماعة يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب من جهة الكثرة ، ولا يشترط فيه الايمان واتّحاد المذهب ؛ كما ذكره أكابر الأصوليّين من الفريقين.

ولا ريب في تواتر أخبار غدير خمّ ونصب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا عليه‌السلام بالخلافة والإمامة والإمارة ، ونزول هذه الآية في حقّه ، وفي الأمر أيضا كما مضى ، فيكون حجّة على المخالفين أيضا ، وقد تواتر عنهم ذلك أيضا (٢).

__________________

(١) كان أهل العقبة الّذين أرادوا اغتيال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة عشر رجلا ، سمّاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحذيفة. انظر : المغازي للواقدي ٢ : ١٠٤٤ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ٥٠ ـ ٥٤.

(٢) مسند أحمد ١ : ١١٩ ، ١٥٢ ؛ و ٤ : ٣٦٨ ؛ و ٥ : ٣٤٧ ، ٣٦٦ ؛ صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ ؛ تفسير الطبريّ ٦ : ١٩٨ ؛ غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٦ : ١٩٢ ؛ التفسير الكبير للرازيّ ٣ : ٥٣٩ ؛ الدرّ المنثور ٢ : ٢٩٨ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٨ ؛ رسالة طرق حديث «من كنت مولاه فعليّ مولاه» للحافظ شمس الدين الذهبي ٨٥ ؛ الذرّية الطاهرة للدولابيّ ١٦٨ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٢ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٠ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٦٣٢ ؛ ذخائر العقبى ٦٧ ؛ الفصول المهمّة ٤٠ ـ ٤٢ ؛ تذكرة الخواصّ ٢٨ ـ ٣٤ ؛ الرياض النضرة ٢ : ٢١٧ ؛ مطالب السئول ٥٣ ؛ أسباب النزول للواحدي ١٣٥ ؛ تفسير ابن كثير ٢ : ١٤ ، ٤٩١ ؛ الجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ ١٨ : ٢٧٨ ؛ البداية والنهاية ٧ : ٣٤٩ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٢٨ ـ ١٨٣ ؛ ذكر أخبار اصبهان ١ : ١٠٧ و ٢ : ١٢٨ ؛ تاريخ بغداد ٨ : ٣٩٠ رقم ٤٣٩٣ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٠ ؛ الأصول من الكافي ١ : ٢٨٩ ؛ الأمالي للطوسي ٢ : ١٧١ ـ ١٨٠ ؛ مجمع البيان ٢ : ٢٢٣ ؛ تفسير فرات ١٩٥ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣١٨ ، ٤٢٨ ؛ كشف اليقين ٣٧٦ ؛ تفسير الحبري ـ

فقد رواه البخاريّ في صحيحه (١) ، وأحمد بن حنبل في مسنده (٢) ، وفي الفضائل (٣) بعدّة طرق صحيحة حسنة ، والثعلبيّ في تفسيره (٤) ، وابن المغازلي الشافعيّ (٥) ، وابن عقدة (٦) بمائة وخمس وعشرين طريقا ، ورواه الترمذيّ (٧) في جامعه ، والسجستانيّ في صحيحه (٨) ، والأندلسيّ (٩) في الجمع ، والخوارزميّ (١٠) ، والبيهقيّ (١١) ، وابن مردويه (١٢) في المناقب والمرزبانيّ في السّرقات ، والواحديّ في الأسباب (١٣).

وأبو الفرج في المرج (١٤) ، والعجليّ في الموجز (١٥) ، وابن الصبّاغ في الفصول (١٦) ،

__________________

ـ ٢٦٢ ، ٢٦٣ ؛ خصائص الوحي المبين ٢٩ ؛ المقنع في الامامة ٧٤ ، ٧٥ ؛ تفسير التبيان ٣ : ٤٣٥ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٨.

(١) صحيح البخاريّ بل رواه البخاريّ في تاريخه الكبير ٤ : ١٩٣ رقم ٢٤٥٨ ؛ و ١ : ٣٧٥ رقم ١١٩١ ؛ و ٦ : ٢٤٠ رقم ٢٢٧٧.

(٢) مسند أحمد ١ : ٨٤ ، ٨٨ ، ١١٨ ، ١١٩ ، ١٥٢ ؛ ٤ : ٣٦٨ و ٣٧٠.

(٣) فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٥٧٢ ، ٥٨٥ ، ٥٨٦ ، ٦١٣ ، ٦٨٢.

(٤) تفسير الثعلبيّ ٤ : ٩٢ ، ٩٣.

(٥) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ١٦ ـ ٢٧.

(٦) كتاب الولاية لابن عقدة ١٥٥ ـ ٢٥٤.

(٧) سنن الترمذيّ ٥ : ٦٣٣ ، ح ٣٧١٣.

(٨) لم أعثر عليه في سنن أبي داود المطبوع ، وروى عنه العمدة لابن البطريق ١٠٣ ح ١٣٨ ؛ ورواه ابن ماجة في سننه ١ : ٥٥.

(٩) العمدة لابن البطريق ١٠٣ ح ١٣٨ و ١٣٩.

(١٠) المناقب للخوارزميّ ١٣٤ ـ ١٣٦ ، ١٥٤ ـ ١٥٦ ، ١٦١.

(١١) السنن الكبرى للبيهقيّ ١٠ : ١٤ ح ١٩٥٢٠ ضمن حديث.

(١٢) الصراط المستقيم ٢ : ٣٠٤.

(١٣) أسباب النزول للواحدي النيسابوريّ ١٣٥.

(١٤) هو أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الأصبهانيّ ، رواه في كتابه ، مرج البحرين ، انظر ملحقات إحقاق الحقّ ٢١ : ١٢.

(١٥) الفصول المهمّة لابن الصبّاغ ٤١.

(١٦) الفصول المهمّة ٤٠ ـ ٤٤.

والشاميّ في المطالب ، والحافظ في الحلية (١٧) ، والجزريّ في الأسنى (١٨) ، والسيّد جمال الدّين في الروضة ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (١٩) ، والسبط في المرآة ، والغزاليّ في سرّ العالمين وكشف ما في الدّارين (٢٠) ، والقاضي زاده في الاعتقاديّة (٢١) ، وابن حجر في الصواعق (٢٢) ، والحمويّ في المنهاج ، والنيسابوريّ في تفسيره (٢٣) ، والزمخشريّ (٢٤) في آية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) ـ من النحل ـ ، وصاحب المشكاة (٢٥) ، والحسكانيّ (٢٦) ، والطبرانيّ (٢٧) ، والدار قطنيّ (٢٨) ، والأصفهانيّ (٢٩) ، والنسائيّ (٣٠) ، والذهبي (٣١) ، وسبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (٣٢) ، كلّهم من أكابر علماء العامّة وأعاظمهم.

__________________

(١٧) حلية الأولياء ٥ : ٢٧ و ٤ : ٣٥٦.

(١٨) أسنى المطالب ٤٨ ـ ٥٠.

(١٩) شرح نهج البلاغة ١ : ٢٣٤.

(٢٠) سرّ العالمين وكشف ما في الدارين ١٦.

(٢١) ورواه أيضا في كتابه الآخر. تحفة الشاهيّة ١٥٨.

(٢٢) الصواعق المحرقة ١٢٢.

(٢٣) غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٦ : ١٢٩.

(٢٤) تفسير الكشّاف ٢ : ٦٢٩.

(٢٥) مشكاة المصابيح ٣ : ١٧٢٠ ح ٦٠٨٢.

(٢٦) شواهد التنزيل ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٨.

(٢٧) المعجم الكبير للطبرانيّ ٣ : ١٠٨ ح ٣٠٥٢ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٣٣.

(٢٨) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٥ والصراط المستقيم ١ : ٣٠١.

(٢٩) حلية الأولياء لأبي نعيم الاصفهاني ٤ : ٣٥٦.

(٣٠) خصائص الإمام عليّ عليه‌السلام للنسائيّ ٦٩ ـ ٧٤.

(٣١) ميزان الاعتدال ٤ : ٦٧ ، رقم ٤٢٣٠ ؛ و ٥ : ٣٥٤ ، رقم ٦٤٨٧.

(٣٢) تذكرة الخواصّ ٢٨ ـ ٣٤.

ورواه في الجوامع (١) لأبي عليّ صاحب التفسير من أصحابنا عن ابن عبّاس ، وجابر بن عبد الله ، إنّ الله أمر نبيّه أن ينصب عليّا للنّاس ، ويخبرهم بولايته ، فتخوّف أن يقولوا : حابى ابن عمّه ، وأن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه ، فنزلت هذه الآية ؛ فأخذ بيده يوم غدير خمّ. وقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه وفي المجمع (٢) رواه عن الثعلبيّ (٣) والحسكانيّ (٤) وغيرهما من العامّة.

وفي قلع الأساس للمحدّث الفاضل الميرزا محمّد حديث الولاية في كتاب الولاية عن مائة وعشرين صحابيّا.

والطبريّ بخمسة (٥) وسبعين طريقا ، والبخاريّ (٦) بسبعة ، وابن عقدة بمائة وخمسة (٧) وعشرين طريقا.

وفي منهاج الكرامة للعلّامة الحليّ : اتّفقوا على نزولها في عليّ عليه‌السلام.

روى أبو نعيم (٨) الحافظ بإسناده عن عطيّة ، قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

وفي تفسير الثعلبيّ (٩) معناه : بلّغ ما أنزل إليك من ربّك في فضل عليّ عليه‌السلام ؛ فلمّا نزلت أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ ، وقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه.

__________________

(١) تفسير جوامع الجامع للطبرسيّ ١١٤.

(٢) مجمع البيان ٣ : ٣٤٤ ؛ ذيل الآية ٦٧ من سورة المائدة.

(٣) تفسير الثعلبيّ.

(٤) شواهد التنزيل ١ : ٢٥٥.

(٥) كتاب الولاية لمحمّد بن جرير الطبريّ ٨٧ ـ ١٠٠ ؛ نهج الإيمان ١١٢ ، نقلا عن الطبريّ.

(٦) انظر التاريخ الكبير للبخاريّ ١ : ٣٧٥ رقم ١١٩١ ، و ٤ : ١٩٣ رقم ٢٤٥٨ ، و ٦ : ٢٤٠ رقم ٢٢٧٧.

(٧) كتاب الولاية لابن عقدة ١٥٥ ـ ٢٥٤.

(٨) النور المشتعل من كتاب ما نزل ٨٦.

(٩) تفسير الثعلبيّ ٤ : ٩٢.

وفي قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، روى أبو نعيم (١) بإسناده إلى أبي سعيد الخدريّ ، قال : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا النّاس إلى عليّ عليه‌السلام في غدير خمّ ، وأمر بما تحت الشجرة من الشّوك فقمّ ، فقام فأخذ بضبعي عليّ فرفعهما ينظر النّاس إلى بياض إبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي وبولاية عليّ من بعدي ، ثمّ قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله.

وقال الجزريّ (٢) ـ من علماء الجمهور ـ في كتاب أسنى المناقب في فضائل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

اعلم أنّ حديث «من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، صحيح من وجوه كثيرة ، تواتر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو متواتر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا ، رواه الجمّ الغفير عن الجمّ الغفير ، ولا عبرة بمن حاول انكاره ممّن لا اطّلاع له في هذا العلم ، فقد ورد مرفوعا من حديث ثمانية وعشرين صحابيّا أيضا ، وثبت أنّ هذا القول منه يوم غدير خمّ.

وقد عرفت أنّ أحمد بن حنبل أخرجه في المسند (٣) والفضائل بطرق كثيرة صحيحة حسنة ، من ذلك ما رواه عن زاذان ، قال : سمعت عليّا عليه‌السلام ينشد النّاس في الرّحبة (٤) ، ويقول : أنشد الله رجلا سمع رسول الله يقول يوم غدير خمّ «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ؛ فقام ثلاثة عشر رجلا من الصّحابة ، فشهدوا أنّهم سمعوا

__________________

(١) النور المشتعل من كتاب ما نزل ٨٦.

(٢) أسنى المطالب ٤٨.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٨٤.

(٤) الرّحبة : رحبة المسجد والدار ـ بالتحريك ـ ساحتهما ومتّسعهما. والرحبة في الحديث هي رحبة مسجد الكوفة.

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك.

ورواه الترمذيّ (١) ، فزاد فيه : اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وأدر الحقّ معه ، [و] لفظ الترمذيّ هكذا : رحم الله عليّا ، اللهمّ أدر الحقّ معه حيث دار.

وفي لفظ أسنى المناقب للجزريّ : وأدر الحقّ معه حيث كان (٢).

ومن ذلك ما رواه أحمد في الفضائل (٣) عن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت وليّه فعليّ وليّه. وفي هذه الرواية «فقام بالرّحبة ثلاثون رجلا وخلق كثير ؛ فشهدوا له بذلك».

وقال أحمد في الفضائل (٤) : عن رياح بن (٥) الحارث ، قال : جاء رهط إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقالوا : السّلام عليك يا مولانا ، وكان بالرحبة ، فقال : كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ فقالوا : سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خمّ : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، قال رياح : فقلت : من هؤلاء؟ فقيل لي : نفر من الأنصار فيهم أبو أيّوب الأنصاريّ صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال أحمد : حدّثنا ابن نمير ، حدّثنا عبد الملك (٦) بن سليمان ، عن عطيّة العوفي ، قال : أتيت زيد بن أرقم ؛ فقلت له : إنّ ختنا لي حدّثني عنك بحديث في شأن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأنا أحبّ أن أسمعه منك ؛ فقال لي : إنّكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم ؛ فقلت له : ليس عليك منّي بأس ، فقال نعم : كنّا بالجحفة ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علينا ظهرا وهو آخذ بعضد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ فقال :

__________________

(١) سنن الترمذيّ ٥ : ٢٩٧.

(٢) لم نجدها في أسنى المناقب.

(٣) فضائل الصحابة ٢ : ٥٦٣ ح ٩٤٧.

(٤) نفس المصدر ٢ : ٥٧٢ رقم ٩٦٧ ؛ مسند أحمد ٥ : ٤١٩.

(٥) في الأصل : رماح بن الحرث.

(٦) في الأصل : عبد الملك بن عطيّة.

أيّها النّاس ألستم تعلمون أنّي أولى بالنّاس من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ؛ قالها أربع مرّات (١).

وقال أحمد أيضا (٢) : حدّثنا عفّان ، حدّثنا حماد بن سلمة ، حدّثنا زيد ، عن عديّ بن ثابت ، عن براء بن عازب ، قال : كنّا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سفر ، فنزلنا بغدير خمّ ، فنودي فيها الصلاة جامعة ، وكسح (٣) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين شجرتين ، فصلّى بها الظهر ، وأخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وقال : من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهمّ انصر من نصره ، واخذل من خذله ، قال ، فقال عمر بن الخطّاب هناك : يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

وبالجملة : لا مجال في الارتياب في تواتر حديث (٤) «من كنت مولاه فعليّ مولاه» كما عرفت ، قد توافق فيه روايات الخاصّة والعامّة في الأصول والصّحاح المعتبرة بالأسانيد الكثيرة ، وتلقّاها بالقبول أكابر الفريقين كما عرفت.

وقد أنشأ شعراء الأصحاب في ذلك اليوم قصائد في بيان هذا المطلب للنبيّ ، والشرف لعليّ وولاية الوليّ ، حكاها أعاظم علماء الفريقين مثل الكميت ،

__________________

(١) فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٥٨٦ ح ٩٩٢.

(٢) مسند أحمد ٤ : ٢٨١ ؛ تذكرة الخواصّ ٢٩.

(٣) كسح : كنس.

(٤) في مكالمات عمرو بن العاص مع معاوية ، حكاه في تذكرة الخواصّ ، عن الواقدي [تذكرة الخواصّ ٨٦] : «أما علمت يا معاوية أنّ أبا الحسن بذل نفسه لله ، وبات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال له : من كنت مولاه فعليّ مولاه» ـ إلى آخره ـ فلم يقدر معاوية على دفعه بمحضر الجماعة المعاندين من أهل الشام وغيره ، فمن تتبع كتب السّير والحديث والتفسير والقصائد والأشعار وغيرها من كتب المسلمين من الخاصّة والعامّة ، ظهر له أنّه لا يمكن دفع هذا الخبر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ المسلمين تلقّوه بالقبول ، فهو مشهور بين الخاصّ والعامّ ، مذكور على ألسنة النسوان والأطفال والعوامّ في الأقطار والأمصار ، لا يتأمّل [أي لا يتردّد] فيه إلّا بعض من له اللجاج أو في ذهنه الاعوجاج (منه رحمه‌الله).

والحميري ، وقيس وغيرهم (١) ، ستعرف شطرا منها إن شاء الله تعالى.

وذكر ابن كثير (٢) من علماء الجمهور عند ذكر ترجمة الطبريّ الشافعيّ : إنّي

__________________

(١) نظم الشعراء في واقعة الغدير من الأشعار ما لا يحصى لانتشاره ، ومنهم دعبل الخزاعي ، والعوني ، والأمير أبو فراس الحمداني ، وأبو العلاء ، والقاضي التنوخي ، وغيرهم.

قال دعبل بن عليّ بن رزين بن عثمان الخزاعيّ المتوفّى سنة ٢٤٦ ه‍ : أخبار شعراء الشيعة ٩٦ ـ ١٠٨.

فقال : ألا من كنت مولاه منكم

فهذا له مولاه بعد وفاتي

أخي ووصيّي وابن عمّي ووارثي

وقاضي ديوني من جميع عداتي

(أخبار شعراء الشيعة ١٤٨ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٠)

وقال العونيّ ، وهو أبو محمّد طلحة بن عبيد الله بن أبي عون الغسّانيّ العونيّ ، كان يتفنّن في الشعر ويأتي بأساليبه وفنونه وبحوره مقدرة منه على تحوير القول وصياغة الجمل كيفما شاء ، قال ابن شهرآشوب في المعالم إنّه نظم أكثر من المناقب. الغدير ٤ : ١٢٤ ـ ١٤٠.

من قال أحمد في يوم الغدير له :

من كنت مولاه من عجم ومن عرب

فإنّ هذا له مولى ومنذرها

يا حبّذا هو من مولى ويا بأبي

(مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٤١)

وقال الزاهيّ وهو أبو القاسم عليّ بن إسحاق بن خلف القطّان البغداديّ النازل بالكرخ ، الشهير بالزاهي ، شاعر ، عبقريّ تحيّز في شعره إلى أهل بيت الوحي ، ودان بمذهبهم. الغدير ٣ : ٣٨٨ ـ ٣٩٨.

من قال أحمد في يوم الغدير له

بالنقل في خبر بالصدق مأثور :

قم يا عليّ فكن بعدي لهم علما

واسعد بمنقلب في البعث محبور

مولاهم أنت والموفي بأمرهم

نصّ بوحي على الأفهام مسطور

وذاك أنّ إله العرش قال له

بلّغ وكن عند أمري خير مأمور

فإن عصيت ولم تفعل فإنّك ما

بلّغت أمري ولم تصدع بتذكيري

(مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٣٠)

وقال الأمير أبو فراس الحمدانيّ ، وهذه الأبيات من قصيدته في مدح آل البيت :

تبّا لقوم تابعوا أهواءهم

فيما يسوؤهم غدا عقباه

أتراهم لم يسمعوا ما خصّه

منه النبيّ من المقال أتاه

إذ قال في يوم الغدير معالنا

من كنت مولاه فذا مولاه

(ديوان أبي فراس ٣١٢ ـ ٣١٤ ، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٣٩)

(٢) عبقات الأنوار ٢ : ٤٨٧ ؛ وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٤ : ٢٧٧ ، في ترجمة ابن جرير أنّ ابن ـ

رأيت كتابا ضخيما في مجلّدين ، كلّه طرق هذه الرواية ، يعني رواية «من كنت مولاه» في يوم غدير خمّ ، وكتابا جمع فيه طرق حديث الطير المشويّ.

بل قال أبو المعالي الجوينيّ (١) من أعاظم المخالفين متعجّبا : إنّي رأيت كتابا في بغداد مكتوبا عليه «المجلّد الثامن والعشرون من مجلّدات هذه الرواية ويتلوه المجلّد التاسع والعشرون».

وقد حكى هذه الحكاية بعض الفضلاء الأعلام في كتاب صنّفه في الإمامة عن أبيه ، أنّه رآه أيضا في بغداد عند صحّاف ؛ وقد اشتهرت بين أرباب السير على وجه لا ينكر ولا يؤوّل ، وله شواهد أخرى ستعرف بعضها فيما يأتي إن شاء الله.

قال أبو الحسن الواحديّ (٢) عليّ بن أحمد ـ من أكابر علماء المخالفين ـ في تفسيره : هذه الولاية الّتي أثبتها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام مسئول عنها يوم القيامة. وروى قوله تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٣) : أي عن ولاية عليّ عليه‌السلام ، والمعنى أنّهم يسألون هل والوه حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أضاعوها وأهملوها؟

قال الغزاليّ في كتاب له سمّاه سرّ العالمين وكشف ما في الدارين : لكن أسفرت الحجّة وجهها ، وأجمع الجماهير على متن الحديث عن خطبة يوم غدير خمّ ، باتّفاق الجميع وهو يقول : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، فقال عمر بن الخطاب : بخّ بخّ لك يا أبا الحسن ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ؛ إلى

__________________

ـ جرير جمع طرق حديث غدير خمّ في أربعة أجزاء. قال : رأيت شطره فبهرني سعة رواياته وجزمت بوقوع ذلك.

(١) نهج الايمان ١٣٣ ، وفيه : قال أبو المعالي الجوينيّ : شاهدت مجلّدا ببغداد في يد صحّاف فيه روايات هذا الخبر مكتوبا عليه «المجلّدة الثامنة والعشرون من طرق قوله «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ويتلوه المجلّدة التاسعة والعشرون».

(٢) الصواعق المحرقة ١٤٩.

(٣) الصافات : ٢٤.

أن قال الغزاليّ : وهذا يعني قول عمر بالبخبخة والاعتراف بالمولويّة لأمير المؤمنين عليه‌السلام عليه وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة ، وهذا تسليم ورضا وتحكيم ؛ ثمّ بعد هذا غلب عليه الهوى لحبّ الرئاسة وحمل عمود الخلافة وعقود البنود وخفقان الهوى في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار ؛ فسقاهم كأس الهوى ، فعادوا إلى الخلاف الأوّل ـ وفي بعض النسخ : إلى الجاهلية ـ (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (١) (٢).

وقد نقل عنه لفظه هذا بعينه ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (٣) ، والقاضي زاده عن كتاب سرّ العالمين ؛ فدلّ على أنّ الكتاب له : ولا يسع انكار بعض الجهّال كونه له ، وأنت خبير بأنّ هذا من الغزاليّ وهو من أكابر أئمّتهم في المذهب دعوى الإجماع على صحّة الخبر المذكور المشهور من قوله «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» ... وتواتره لنقل الثقات ، وأنّه تكفير صريح للثلاثة وأتباعهم ، والعجب من قولهم مع ذلك بإمامة الثلاثة ووجوب طاعتهم ، وكأنّهم يرون أنّ إجماع الأمّة على إمامة أبي بكر نسخ حكم الله ورسوله في غدير خمّ بولاية عليّ عليه‌السلام ومولويّته. وقبول أبي بكر وعمر ذلك والبخبخة (٤). أو يقولون : بأنّ الإجماع على

__________________

(١) سرّ العالمين ١٦ ، ١٧. وفيه : ولمّا مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال قبل وفاته : ائتوني بدواة وبياض لازيل عنكم إشكال الأمر ، وأذكر لكم من المستحقّ لها بعدي. قال عمر : دعوا الرّجل فإنّه ليهجر ، وقيل : يهذو.

(٢) آل عمران : ١٨٧.

(٣) تذكرة الخواصّ ٢٩.

(٤) قال سعيد بن المسيب : قلت لسعد بن أبي وقاص : إنّي أريد أن أسألك عن شيء ، وإنّي أتهيّبك ، قال : سل عمّا بدا لك ، فإنّما أنا عمّك. قلت : مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خمّ فيكم؟ قال : نعم ، قام فينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالظهيرة ، فأخذ بيد عليّ ، فقال : «من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه».

فقال أبو بكر وعمر : أمسيت يا بن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

البيعة أوجب إمامة أبي بكر ونصّ أبي بكر على عمر أوجب إمامة عمر ، وحكم الشورى أوجب إمامة عثمان ووجوب طاعتهم ، وإن ارتدّوا كما هو ظاهر كلامه ؛ فعادوا إلى الخلاف الأوّل ، أو الجاهليّة الأولى ، ولو لا ذلك كان قولهم بالأمرين تهافتا وتناقضا ، ثمّ بعد الآية وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّ عليه‌السلام بما عرفت.

قال حسّان بن ثابت (١) من شعراء الصحابة : يا رسول الله أتأذن لي أن أقول في عليّ عليه‌السلام أبياتا تسمعها ؛ فقال : قل على بركة الله ، فقام حسّان فقال : يا معشر قريش اسمعوا قولي بشهادة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ أنشأ يقول :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ وأسمع بالنّبيّ مناديا

وقال : فمن مولاكم ووليّكم (٢)

فقالوا ولم يبدوا هناك التّعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولن تجدن منّا لك اليوم عاصيا

هناك دعا : اللهمّ وال وليّه

وكن للّذي عادى عليّا معاديا

فقال له : قم يا عليّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا (٣)

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا حسّان لا تزال مؤيّدا بروح القدس ما نافحت عنّا

__________________

ـ انظر كتاب الولاية لابن عقدة الكوفيّ ١٥٥ ؛ رسالة طرق حديث «من كنت مولاه فعليّ مولاه» للذهبيّ ١٤ ؛ كفاية الطالب ٥٦ ؛ الصواعق المحرقة ١٠٧ ؛ فيض القدير ٦ : ٢١٧.

(١) أبو الوليد حسّان بن ثابت بن المنذر ، وبيت حسّان أحد بيوتات الشعر ، قال المرزباني في معجم الشعراء : قال دعبل والمبرّد : أعرق الناس كانوا في الشعر آل حسّان. وفضل حسّان الشعراء بثلاث : كان شاعر الأنصار ، وشاعر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشاعر اليمن كلّها في الإسلام. ولد حسّان مثل مولد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بثمان سنين ، وعاش مائة وعشرين سنة. وكان ممّن دافع عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشعره ، حتّى قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله يؤيّد حسّان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله. ثمّ انحرف حسّان عن أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمات عثمانيّا. الغدير ٢ : ٦٢ ـ ٦٥

(٢) في الأصل : «بأنّي مولاكم ، نعم ووليّكم».

(٣) نظم درر السمطين ١١٢ ؛ النور المشتعل من كتاب ما نزل ٥٧ ؛ فرائد السمطين ١ : ٧٣ ؛ الاقتصاد للشيخ الطوسيّ ٣٥١ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٣٦ ؛ شواهد التنزيل ١ : ١٥٧ ؛ نهج الايمان ١١٦ ؛ المقنع في الامامة ٧٥ ؛ الجمل ١١٧ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٣٧.

بلسانك.

حكاه في تذكرة الخواصّ (١) لابن الجوزيّ وغيره. وقوله «عنّا» إشارة إلى كون عليّ من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا.

وقال قيس بن سعد بن عبادة الأنصاريّ وأنشدها بين أمير المؤمنين عليه‌السلام بصفّين.

قلت لمّا بغى العدوّ علينا

حسبنا ربّنا ونعم الوكيل

وعليّ إمامنا وإمام

لسوانا (٢) أتى به التّنزيل

يوم قال النبيّ من كنت مولاه

فهذا مولاه خطب جليل

إنّ ما قاله النبيّ على الأمّة

حتم ما فيه قال وقيل (٣) و (٤)

وقال الكميت :

نفى عن عينك الأرق الهجوعا

وهمّا يمتري منها الدّموعا

__________________

(١) تذكرة الخواصّ ٣٣.

(٢) في الأصل : «لسوانا به آية».

(٣) أخبار شعراء الشيعة ٤٣ ؛ الفصول المختارة ٢٣٦ ؛ خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام للنسائي ٤٣ ؛ الاقتصاد للطوسيّ ٣٥١ ؛ كنز الفوائد ٢ : ٩٨ ؛ المقنع في الإمامة ١٣٤ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٣٧ ؛ روضة الواعظين ١٠٣ ؛ تذكرة الخواصّ ٣٣ ؛ وقعة صفّين ٩٣ ، ١٢٧ ، ١٩٥ ، ٢٠٨ ، ٤٢٦ ، ٤٤٦.

(٤) في مشارق البرسيّ ، عن الخوارزميّ في مناقبه ـ المناقب للخوارزميّ ١٤٤ ـ مرفوعا إلى ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أتاني جبرئيل فنشر جناحه ، وإذا على أحدهما مكتوب «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله» ، وعلى الآخر مكتوب «لا إله الّا الله» ، عليّ وليّ الله» ؛ وعلى أبواب الجنّة مكتوب «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ أخوه وليّ الله ، أخذت ولايتهم على الذرّ قبل خلق السماوات والأرض بألفي عام». أو فيه عن أبي بكر بن الخطيب مرفوعا إلى ابن عبّاس ، قال : على أبواب الجنّة مكتوب «لا إله إلّا الله» ، محمّد رسول الله ، عليّ وليّ الله ، فاطمة خيرة الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، على محبّهم رحمة الله ، وعلى مبغضهم لعنة الله». محمد حسين

لدى الرّحمن يصدع (١) بالمثاني

وكان له أبو حسن مطيعا (٢)

ويوم الدّوح دوح غدير خمّ

أبان له الولاية لو (٣) اطيعا

ولكنّ الرّجال تبايعو (٤) ها

فلم أر مثله (٥) حقّا أضيعا (٦)

قال ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ : ولهذه الأبيات قصّة عجيبة حكاها بعض إخواننا ، قال : أنشدت ليلة هذه الأبيات. وبتّ مفكّرا فيها : فنمت فرأيت أمير المؤمنين عليه‌السلام في منامي ، فقال لي : أنشدني أبيات الكميت ، فأنشدته إيّاها ، فلمّا ختمتها ، قال عليه‌السلام :

فلم أر مثل ذاك اليوم يوما

ولم أر مثله حقّا أضيعا

قال : فانتبهت مذعورا (٧).

أقول : لم أر مثل ذلك اليوم قد حضر فيه المهاجر والأنصار وغيرهم سبعين ألفا أو يزيد ، وقد نصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على ولاية عليّ عليه‌السلام وأكّدها أشدّ تأكيد ، حتّى

__________________

(١) في الأصل : «يشفع».

(٢) في الأصل : «شفيعا».

(٣) كلمة «لو» سقطت في الأصل.

(٤) في الأصل : «تدافعوها».

(٥) في الأصل : «فلم أر مثلها خطرا مبيعا».

(٦) شرح هاشميّات الكميت ١٩٥ ـ ١٩٧ ؛ المقنع في الإمامة ١٣٥ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٣٥ ؛ أخبار شعراء الشيعة ٧١ ـ ٧٩ ، وفيه : قال الكميت لأبي جعفر الباقر عليه‌السلام : إنّي قد قلت شعرا إن أظهرته خفت القتل ، وإن كتمته خفت الله تعالى. فأنشد : نفى عن عينك الأرق الهجوعا ...

قال : فأدار أبو جعفر عليه‌السلام وجهه إلى القبلة وقال : اللهمّ اكف الكميت ، ثلاث مرات ، فلمّا وقع في الحبس تخلّص بدعائه عليه‌السلام.

(٧) تذكرة الخواصّ ٣٣ ، ٣٤ ؛ نهج الإيمان ١٣١ ، وفيه : روي أنّ ابن الكميت رأى في منامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول له : أنشدني قصيدة أبيك ـ يعني هذه ـ فأنشدته إيّاه فلمّا وصلت إلى قوله «ولم أر مثله حقّا أضيعا» بكى رسول الله بكاء شديدا وقال : صدق أبوك رحمه‌الله ، أي والله ولم أر مثله حقّا أضيعا ، ثمّ انتبه. وإنّما ذكر الكميت «الدّوح» لأن الغدير كان في وادي الأراك عند شجرات خمس دوحات عظام.

لم يبق منهم جاهل بذلك الأمر ، وقام عمر بن الخطاب وبخبخ واعترف بالمولويّة على نفسه ، وأمرهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين ، فشاع لقبه عن الله ورسوله بأمير المؤمنين (١).

وكفى به حجّة على إمامته وولايته عند أولي الألباب ، بل عند كلّ جاهل فضلا عن عالم ، ومكث هناك [ف] أخذ البيعة له بولايته عليهم ، ولم أر مثله حقّا أضيعا ، حتّى نكثوا البيعة واتّخذوا عليه العجل واختاروا السّامري ، فانقلبوا على أعقابهم ، ورجعوا إلى الجاهليّة الأولى ، واشتروا به ثمنا قليلا من حطام الدنيا ، فبئس ما يشترون.

وقال السيّد الحميري :

يا بائع الدّين بدنياه

ليس بهذا أمر الله

من أين أبغضت عليّ الرضى

وأحمد قد كان يرضاه

من ذا الذي أحمد من بينهم

يوم غدير الخمّ ناداه

أقامه من بين أصحابه

وهم حواليه فسمّاه

هذا عليّ بن أبي طالب

مولى لمن قد كنت مولاه

فوال من والاه يا ذا العلى

وعاد من قد كان عاداه (٢)

__________________

(١) أمير المؤمنين لقب خاصّ بالإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ولا يجوز شرعا إطلاقه على غير الإمام عليّ عليه‌السلام مهما بلغت رتبته ومقامه. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو علم الناس متى سمّي عليّ أمير المؤمنين ما أنكروا فضله سمّي أميرا وآدم بين الروح والجسد ...

فردوس الأخبار ٣ / ٣٩٩ ؛ حلية الأولياء ١ / ٦٣ ، ٦٦ ؛ المناقب للخوارزميّ ٨٥ ، ٣٠٣ ، أمالي الصدوق ٢٤٤ ، اليقين ٢٤١.

(٢) أبو هاشم إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن وداع الحميريّ الملقّب بالسيّد ، ويكنّى بأبي هاشم ، وكان يلقّب منذ صغر سنّه بالسيّد. روي أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام لقي السيّد بن محمّد الحميري وقال : «سمّتك أمّك سيّدا ، وفّقت في ذلك وأنت سيّد الشعراء». وكان السيّد الحميري رأس الشيعة ، وكانت الشيعة من تعظيمها له ـ

فائدة

والمولى له معان :

الف : المعتق بكسر التاء (١).

ب : المعتق ، بفتح التاء (٢).

ج : ابن العمّ ، ومنه قول اللهبيّ (٣) (٤).

مهلا بني عمّنا مهلا موالينا

لا تبحثوا (٥) بيننا ما كان مدفونا (٦)

د : الحليف ، ومنه قول الذبيانيّ :

موالي حليف لا موالي قرابة

يقول هم حلفاء لابني عمّ

__________________

ـ تلقي له وسادة بمسجد الكوفة ، وكان السيّد أحذق النّاس بسوق الأحاديث والأخبار والكلام والمناقب في الشعر ، لم يترك لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فضيلة معروفة إلّا نقلها إلى الشعر ، ولد السيّد سنة ١٠٥ ، ومات في سنة ١٧٣ ه‍. انظر : العقد الفريد ٢ : ٢٨٩ ؛ أخبار شعراء الشيعة للمرزبانيّ ١٥١ ـ ١٧٩ ؛ الأغاني ٧ : ٢٢٩ ـ ٢٧٨ ؛ رجال الكشّي ١٨٦ ؛ تذكرة الخواصّ ٣٤ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٤٢.

(١) المولى : المعتق ، وهو مولى النعمة ، وفي الحديث «الميراث للعصبة ، فإن لم يكن فللمولى» انظر : مسند أحمد بن حنبل ٢ : ٣٥٦.

(٢) المولى : العبد المعتق. وفي الحديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا تحلّ الصدقة لآل محمّد ، ومولى القوم منهم» وهذا الحديث في باب تحريم الصدقة على بني هاشم. انظر : مسند أحمد بن حنبل : ٢٠٠ ، ٢٠١ ، و ٣ : ٤٤٤ ، ٤٧٦ ؛ الموطّأ ٢ : ١٠٠٠ باب ما يكره من الصدقة.

(٣) في الأصل : «الهذليّ».

(٤) اللهبيّ هو الفضل بن العبّاس بن عتبة بن أبي لهب ، اللهبيّ من قريش شاعر من فصحاء بني هاشم ، كان معاصرا للفرزدق والأحوص ، وله معهما أخبار ، مدح عبد الملك بن مروان ، وهو أوّل هاشمي مدح أمويّا ، توفّي سنة ٩٥ ه‍.

(٥) في الأصل : لا تنبشوا.

(٦) المولى ابن العمّ : قال الله تعالى : «وانّى خفت الموالي من ورائى» أي بني العمّ ، هذا قول أبي عبيدة. وقوله تعالى (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) أي عصبة.

ه : التوالي الضمان الجريرة وحيازة الميراث ، وقد كان ذلك في الجاهليّة ، ثمّ نسخ بآية الميراث.

و : الجار لماله الحقوق بالمجاورة. ولكلّ هذه المعاني الستّة ، ظاهر العلماء من الفريقين اتّفاقهم على فساد إرادتها في المقام ضرورة.

وفي أنوار البصائر : أجمعت الأمّة على فساد إرادتها في المقام ، ويظهر من المثنوي للحضرة المولويّ صحّة إرادة المعتق بكسر التاء ، قال :

زين سبب پيغمبر با اجتهاد

نام خود وآن علي مولى نهاد

كيست مولى آنكه آزادت كند

بند رقيت ز پا بركند (١)

وهذا المعنى بهذا التفسير معناه الهادي إلى سبيل النجاة ، فإنّ المولى من له أن يعتق عبده ، والعتق قد يكون عن الرقيّة الظاهرة الشرعيّة ، وقد يكون عن الرقيّة الباطنيّة لعبيد الهوى ، فلا ضير فيه بهذا التأويل.

ز : بمعنى المالك (٢) ، قال الله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) (٣) وقوله تعالى : (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) (٤) أي على مالك رقبته ، ولو أريد هذا المعنى من المولى في المقام كان معناه : من كنت مالك رقبته ، فعليّ مالك رقبته

__________________

(١)

زين سبب پيغمبر با اجتهاد

نام خود وآن على مولا نهاد

گفت هركس را منم مولا ودوست

ابن عمّ من على مولاى اوست

كيست مولا آنكه آزادت كند

بند رقيت ز پايت بركند

دفتر ششم مثنوى ١١٧

(٢) المولى : المالك. وفي حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله «أيّما عبد تزوّج بغير إذن مولاه فهو عاهر» انظر مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٣٠٠ و ٣٨٢ ؛ سنن ابن ماجة ، باب تزويج العبد بغير إذن سيّده ، ح ١٩٥٩.

(٣) سورة النحل : ٧٥.

(٤) سورة النحل : ٧٦.

أيضا. ولا يراد منه الملكيّة الشرعيّة حتّى يصحّ له بيعه ضرورة ، فيكون معناه التشبيه في وجوب الطّاعة عليه وأولويّة المولى في أمره ، فيتمّ به الغرض أيضا.

ح : الناصر ، ومنه قوله تعالى : (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) (١). ولو أريد منه معنى الناصر كان معنى قوله «من كنت ناصره» فعليّ ناصره أيضا ، ضرورة اتّحاد معنى مولويّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مع مولويّته عليه‌السلام ، ومعنى نصرة الرسول لأمّته لا يصحّ ولا يناسب إلّا بمعنى هدايته ونصرته على الأبالس ونفسه الأمّارة ، وبه يتمّ المرام.

ط : المحبّ ، ومحبّة الرّسول ، لأنّه ليس إلّا من جهة الهداية.

ي : السيّد المطاع ، وهو المولى المتبادر عند الإطلاق.

يا : المولى ، بمعنى الأولى ، ومنه قوله تعالى (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) (٢) أي أولى بكم (٣).

ذكره أبو عبيدة (٤) ، واستدلّ بشعر لبيد (٥) ، والأخطل (٦) ، ووافقه في ذلك ابن قتيبة (٧)

__________________

(١) سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ١١.

(٢) الحديد : ١٥.

(٣) قال الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب (٢٩ : ٢٢٧) : «هي موليكم» أي أولى بكم ؛ وقال البخاريّ في صحيحه (٨ : ١٨٣) : مولاكم ، أي أولى بكم ؛ وقال الزمخشريّ في تفسيره (الكشّاف ٣ : ٣١٠) «والله موليكم» ... (سورة التحريم : ٢) : سيّدكم ومتولّي أموركم ، وقيل : مولاكم أولى بكم من أنفسكم. وانظر أيضا : تفسير الطبري ٢٧ : ٢٢٨ ؛ الجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ ١٧ : ٢٤٨.

(٤) غريب الحديث ١ : ٤٤١ ؛ وانظر أيضا عبقات الأنوار ٢ : ٤٩٦.

(٥) وهو قول لبيد :

فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه

مولى المخافة خلفها وأمامها

مجاز القرآن لأبي عبيدة ٢ : ٢٥٤ ، ديوان لبيد ١٧٣.

قال أحمد بن محمّد الشهاب القاضي في حاشيته على تفسير البيضاويّ (٨ : ١٦٢) : فغدت كلا الفرجين ...

أي غدت البقرة الوحشيّة لما نفرت لفزعها من الصيّاد لا تدري ذلك الصيّاد خلفها أم قدّامها ، فتحسب كلا

والفرّاء (٨) ، وأبو بكر الأنباري (٩) في أنوار البصائر.

وقد رووا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بطلان النكاح بغير إذن المولى ، و (١٠) فسّر بالاتّفاق بمعنى الأولى.

وذكره في الصّحاح (١١) ، والقاموس (١٢) ، واستند بشعر الأخطل ، والجزريّ (١٣) في النهاية ، في تفسير قول عمر : اصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

وقد اعترف به سعد الدّين في شرح المقاصد (١٤).

ونصّ عليه أيضا الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفيّ الاصفهانيّ في كتابه المسمّى ب «مرج البحرين» ، فإنّه روى هذا الحديث وقال : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ عليه‌السلام وقال : من كنت مولاه فعليّ وليّه (١٥).

فلا مجال لإنكار بعضهم كون المولى بمعنى الأولى بكم من أنفسكم في صدر

__________________

جانبيها من الخلف والأمام أحرى وأولى بأن يكون فيه الخوف. انظر : لسان العرب ٢٠ : ٢٩١ ؛ تاج العروس ١٠ : ٣٩٩ ؛ شرح المعلّقات السبع للقاضي أبي عبد الله الزوزنيّ ١٢٧ ؛ نهج الإيمان ١٢٤ ؛ جاء فيه : أراد لبيد أنّ الظبية تحيّرت فلم تدر أخلفها أولى بالمخافة أم أمامها.

(٦) نهج الايمان ١٢٤ ، وروى قول الأخطل في مدح عبد الملك بن مروان :

فأصبحت مولاها من النّاس كلّهم

وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا

يريد بقوله هذا أنّ ابن مروان أولى بسياسة الأمّة وتدبيرها.

(٧) تأويل مشكل القرآن ٤٥٥ ، ٤٥٦.

(٨) مجاز القرآن ١ : ١٢٤ و ٢ : ١٦١ ؛ نهج الإيمان ١٢٥.

(٩) نهج الإيمان ١٢٥.

(١٠) مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٣٠٠ ، ٣٨٢ ؛ سنن ابن ماجة ، باب تزويج العبد بغير اذن سيّده ح ١٩٥٩.

(١١) الصحاح ٦ : ٢٥٢٩.

(١٢) القاموس المحيط ٤ : ٤٠٤.

(١٣) النهاية في غريب الحديث ٥ : ٢٢٧.

(١٤) شرح المقاصد ٥ : ٢٧٣.

(١٥) تذكرة الخواصّ ٣٢.

الرواية ، أخذا من قوله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (١) [فلمّا سألهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله] فقالوا : بلى ، قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ؛ كما رواه أحمد بن حنبل بإسناده عن زيد بن أرقم ، وقد مضى ، ونحوه في حديث حذيفة بن رشيد الغفاريّ.

رواه المحدّث الحسيني (٢) عطاء الله بن فضل الله في أربعينه في مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : لمّا صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أي رجع ـ من حجّة الوداع ، نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهنّ ، ثمّ بعث إليهنّ فقمّ ما تحتهنّ من الشّوك ثمّ عمد إليهنّ فصلّى تحتهنّ ، ثمّ قام فقال : أيّها النّاس إنّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني عليّا ـ اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه. الحديث.

ويشهد به أيضا في ذيل الحديث «اللهمّ أدر الحقّ معه حيث كان» ، ورواه الترمذيّ (٣) في جامعه ، وأبو المؤيّد الجزريّ (٤) في مناقبه ، وفي رواية أحمد (٥) عن بريدة عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت وليّه فعليّ وليّه.

وظاهر أنّ الوليّ هو الأولى بالمولّى عليه ؛ ويؤيّده روايات ، ووردت آية (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية ، في حقّه ، وهذه المولويّة الّتي قالها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حقّ عليّ عليه‌السلام يوم غدير خمّ إنّما هي تفسير قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) وقوله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وهذا نصّ صريح على إمامته وولايته عليه‌السلام على كافّة الأمّة ، سواء أخذ المولى بمعنى الأولى ، أو بمعنى السيّد المطاع ، إذ المعنيان متقاربان ، وغيرهما من المعاني غير ظاهر عنه عند الاطلاق

__________________

(١) الأحزاب : ٦.

(٢) الأربعين للمحدث الحسينيّ ٤١.

(٣) سنن الترمذيّ ٥ : ٢٩٧.

(٤) أسنى المطالب ٤٨.

(٥) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣١.

كما لا يخفى ؛ لا سيّما إذا قامت القرائن الحاليّة والمقاليّة بخلافها ، كما في المقام من وجوه كثيرة عرفت بعضها.

قال ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (١) ـ من أعلام المخالفين ـ بعد حديث «من كنت مولاه فعليّ وليّه» : وهذا نصّ صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته ، وكذا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وأدر الحقّ معه كيف ما دار» نصّ صريح في ذلك ، قال : وإجماع الأمّة منعقد على أنّه ما جرى بينه عليه‌السلام وبين أحد من الصّحابة ، إلّا وكان الحقّ مع أمير المؤمنين. ألا ترى أنّ الفقهاء استنبطوا أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفّين. وأيضا يشهد بما ذكرناه ما رواه ثقات الفريقين في الأصول والجوامع المقبولة المشهورة.

منهم أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره ، قال : وما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار ، فبلغ ذلك النعمان بن الحرث الفهريّ ، فأتاه على ناقة له ، فأناخها على باب المسجد ، ثمّ قال : يا محمّد إنّك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله فقبلنا منك ذلك ، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضّلته على الناس ، وقلت «من كنت مولاه فعليّ مولاه». فهذا شيء من الله أو منك؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وقد احمرّت عيناه ـ : والله الّذي لا إله الّا هو إنّه من الله وليس منّي ، قالها ثلاثا ؛ فقام ابن الحرث وهو يقول : اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك. «وفي رواية : إن كان ما تقول حقّا» فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم ، قال : فو الله ما بلغ باب المسجد حتّى رماه الله بحجر من السّماء فوقع على هامّته ، فخرج من دبره فمات ، فأنزل الله سبحانه (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (٢)

__________________

(١) تذكرة الخواصّ ٣٢ ـ ٣٣.

(٢) تفسير الثعلبيّ ١٠ : ٣٥ ، انظر : تذكرة الخواصّ ٣٠ ، ٣١ ؛ خصائص الوحي المبين ٣٥ ؛ العمدة لابن ـ

الآية.

أقول : وهذا الحديث في سبب نزول هذه الآية قد رواه الفريقان بنقل الثقات ، [وهو] مشهور بينهم. وهذا نصّ في أنّ المولويّة المذكورة في حديث الولاية والمولويّة يوم غدير خمّ أريد منه السيّد المطاع والأولى بالنّاس من أنفسهم ، وهو نصّ صريح على إمامته وخلافته عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعده من الله سبحانه وتعالى ؛ وهو ما استدلّ به كافّة أصحابنا على إمامته وخلافته نصّا من الله ورسوله في المصارع الكلاميّة ، وقد اعترف به جماعة من أكابر المحقّقين من المخالفين ، منهم : ابن الجوزيّ في تذكرة خواصّ الأمّة (١) في مناقب الائمّة ، وذلك لأنّ المولى بالمعاني الأخر لا يناسب المقام ، وهذا الاعتراض على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واظهار البغض من هذا الجهول العنيد حتّى ارتدّ عن الإسلام بحضرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من جهة نسبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الهوى والكذب ـ كما لا يخفى ـ وسمّاه الله في نزول (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) كافرا تلويحا ؛ بل سمّاه كافرا لمّا أنكر ولاية عليّ عليه‌السلام ، وهو عندنا اجماع ثابت عن أهل بيت العصمة والطّهارة ، مضافا إلى ما سيأتي إن شاء الله من التنبيه مع ما مضى.

سلّمنا أنّ لفظة «مولى» مشترك بين المعاني المذكورة ، إلّا أنّ المتبادر الشائع منها هو السيّد المطاع والأولى بالتصرّف وصاحب الاختيار ، كما كان للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقد اعترف سعد الدّين العلّامة التفتازاني به في شرح المقاصد (٢) ، وأنّه حقيقة. سلّمنا ، لكنّ الحمل على الفرد الكامل والأفيد في المقام عرف شائع ، وليس إلّا السيّد المطاع والأولى بالاختيار ؛ كما قاله سبحانه وتعالى لنفسه ولرسوله في

__________________

ـ البطريق ١٠١.

(١) تذكرة الخواصّ ٣٠.

(٢) شرح المقاصد ٥ : ٢٧٣.

قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (١).

على أنّا قد بيّنا أنّ الأمّة اتّفقت على فساد إرادة تلك المعاني في المقام إلّا السيّد المطاع ، والأولى ، والناصر والمحبّ ، وأنّ نصرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمّته ليست على أعدائهم الدنيويّة ، ضرورة القطع بخلافها ؛ بل على الأبالس وأنفسهم الأمّارة ، وهذا هو معنى الهادي ؛ فيدلّ على أنّ عليّا عليه‌السلام هو الهادي بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا معنى إمامته ووجوب طاعته.

وكذا محبّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمّته ليست بالمعنى المتعارف ، بل بمعنى حبّه لهدايتهم ، كما قال تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٢) مع أنّه ظاهر ، ضرورة أنّ حبّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم كان في الإهداء والإرشاد والنجاة من عذاب الله وسلوك سبل السّلام ، وهذا معنى الإمامة. ووجوب الطاعة أيضا : أنّ المولى عين السيّد المطاع والأولى بالتصرّف ، [و] هو الأظهر في المقام حسب القرائن ، ومحاورة العرف والعادة ، مع أنّ المحبّ والناصر يرجعان إلى السيّد المطاع والأولى كما عرفت. قال تعالى (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٣) [وقوله تعالى](وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) (٤) وبذلك كلّه ظهر لك فساد ما في المواقف (٥) وشرح المقاصد (٦) ، وفي الشرح الجديد والقديم للتجريد ، وفي الصواعق (٧) من منع

__________________

(١) الأحزاب : ٣٦.

(٢) القصص : ٥٦.

(٣) يونس : ٣٥.

(٤) الأعراف : ٤٣.

(٥) شرح المواقف ٨ : ٣٦١.

(٦) شرح المقاصد ٥ : ٢٧٤.

(٧) الصواعق المحرقة ١٢٢ ؛ شرح المواقف ٨ : ٣٦١.

أبي حاتم الرازي وقوع هذا الأمر من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يكون متواترا ، بل ولا صحيحا ، وأنّه من الهذيانات والمزخرفات العامّيّة ، أصله من جهة اللجاج والعمى والاعوجاج ، إذ مخالفة الرازي العنود الجهول لا يقدح في التواتر سندا أو معنى في الأخبار المشاعة المذاعة المرويّة في الأصول والجوامع المشهورة المقبولة بينهم ، وإن اختلفوا في اعتبار العدد في التواتر ، والمشهور بين الفريقين الخاصّة والعامّة العدم ـ وهو الصحيح ـ كما ذكرنا في لبّ الأصول (٨) ، بل المعتبر هو ما يحصل معه العلم ، كما مرّ تعريفه.

وقيل : يعتبر فيه خمس. وقيل : اثنى عشر ، وقيل : عشرون في كلّ طبقة ؛ وكلّ ذلك خارج عن السّداد ، إلّا أنّه في المتواتر السندي لا في الأخبار المشاعة المذاعة في الأصول المعتبرة المشهورة بين الأمّة وفي التواتر المعنوي ، ولا أقلّ منه هنا.

وأفحش من ذلك إنكار العضدي (٩) كون عليّ عليه‌السلام مع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك السفر ، وليس أمثال ذلك إلّا معاندة محضة ، لا ينكره إلّا من له لجاج ، أو في ذهنه الاعوجاج ، يرشدك إليه اعتراف ابن حجر في موضع آخر من صواعقه (١٠) بصحّة ذلك ، وأفحش من ذلك إنكار كون المولى بمعنى الأولى بالتصرّف مع غاية شيوعه فيه عرفا ونقلا من أهل اللغة ، منهم أبو عبيدة (١١) في قوله تعالى : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ

__________________

(٨) من تأليفات المؤلّف.

(٩) شرح المواقف ٨ : ٣٦١ ، وفيه : قال العضدي : لأنّ عليّا لم يكن يوم الغدير مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه كان باليمن.

(١٠) الصواعق المحرقة ١٢٢.

(١١) أبو عبيدة معمّر بن المثنى التيميّ المتوفّى ٢١٠ ه‍.

مَوْلاكُمْ) (١) : كما مرّ ، مع أنّه يتمّ المرام أيضا إذا كان بمعنى السيّد المطاع ، ويشهد على صحّة ما ذكرنا قول الغزالي في سرّ العالمين (٢) ، وبخبخة عمر واعترافه بمولويّة عليّ عليه‌السلام عليه وعلى كلّ مؤمن ، كلّ ذلك مع أنّ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) معناه ؛ ما أنزل إليك في ولاية عليّ عليه‌السلام (٣) ، «وإن لم تفعل» ذلك «فما بلّغت رسالته» أي كأنّك ما بلّغت رسالته ، حيث أنّك إذ لم تنصب وليّا على النّاس ، ومستحفظا للدّين ضاع دينك وشريعتك ، فكأنّك ما بلّغت رسالته في عدم الفائدة. ويشهد به أيضا قوله تعالى (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) إذ المناسب لوعده بالعصمة في ذلك بمحضر المهاجرين والأنصار إنّما هو أمر الخلافة والإمامة الّذي كان هو معرض بروز نفاق المنافقين ، فأوّل من برز منه قول عمر بن الخطاب (٤) : يا رسول الله هذا شيء منك أو من الله ؛ فقال : بل من الله ، فقال عمر : بخّ بخّ لك يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. وأنت تعرف أنّ قول عمر هذا كان عن غضب تفوح منه رائحة الكراهة ، ولو كان عن شكّ كان كفرا صريحا ،

__________________

(١) مجاز القرآن ٢ : ٢٥٤. وقال الحسن الجلبي في حاشيته على شرح المواقف ٨ : ٣٦١ بأنّ المولى بمعنى المتولّي والمالك للأمر والأولى بالتصرّف شائع في كلام العرب ، منقول من أئمّة اللغة ؛ قال أبو عبيدة : هي موليكم أي أولى بكم ، وقال عليه‌السلام : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها ، أي الأولى بها والمالك لتدبير أمرها.

(٢) سرّ العالمين ١٧ ، ٢١.

(٣) نقل الجمهور أنّها نزلت في بيان فضل عليّ عليه‌السلام يوم الغدير ، وقد نقل ذلك كثير من علماء العامة حفّاظهم ومفسّروهم ومحدّثوهم ومؤرّخوهم ؛ فراجع : تفسير الطبريّ ٦ : ١٩٨ ؛ مسند أحمد ١ : ١١٨ ، ١١٩ ، ١٥٢ ، و ٤ : ٢٨١ ، و ٥ : ٣٧٠ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٢٩٨ ح ٦٣٣ ؛ التفسير الكبير للرازيّ ٣ : ٥٣٩ ؛ تفسير ابن كثير ٢ / ٢٥ ؛ ١٤ الدرّ المنثور ٢ : ٢٩٨ و ٥ / ١٨٢ ؛ أسباب النزول للواحديّ ١٣٥ ؛ شواهد التنزيل ١ / ٢٣٩ ؛ كفاية الطالب ٥٠ ـ ٥٨ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٣٤ ـ ١٣٦ ؛ مقتل الحسين للخوارزميّ ٤٧ ؛ الفصول المهمّة ٤٠ ؛ فرائد السمطين ١ : ٦٣ ـ ٧٨ ؛ تذكرة الخواصّ ٢٨ ـ ٣٠ ؛ الصواعق المحرقة ٧٥ ؛ تاريخ بغداد ٨ : ٢٩٠.

(٤) تفسير القمّيّ ١ : ١٧٤ ؛ تفسير الصافي ٢ : ٧٠.

لقوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (١) في حقّ رسوله ، ولو كان من جهة تصريح النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بولاية من الله تأكيدا كان تسليما ورضا ، وهذا ينافي فعله بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من بيعته لأبي بكر ، ودعواه الخلافة بعد أبي بكر لنفسه ، وأمره بالشورى بعده لعثمان وغيره. وممّن برز نفاقه النعمان بن الحرث كما مضى ، حتّى تمنّى نزول العذاب عليه لعدم رضاه بولاية عليّ عليه‌السلام ؛ فأنزل الله عليه العذاب وسمّاه كافرا ، وهذا تلويح إلى أنّ من أنكره كان كافرا معذّبا ، وقوله تعالى (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) لا يناسب إرادة غير السيّد المطاع والأولى من قوله «من كنت مولاه فعليّ مولاه» الّذي قاله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد نزول الآية ، وقد علمنا بفعله في يوم غدير خمّ ونصبه لعليّ عليه‌السلام وقوله : في حقّه بما قال : أنّه المراد في الآية ومن الآية. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله». وهل بقي لخذلانه إذا تركه النّاس وصاروا إلى العجل ؛ كما فعله اليهود في حقّ هارون وصيّ موسى عليه‌السلام شيء من الخذلان ، وهل بقي لمعاداته شيء حتّى قالوا : المؤمن لا يكمل إيمانه إلّا بمعاداة عليّ عليه‌السلام ، وهم أظهر أفراد الناصبي الّذين أنكروا ما ثبت من الدّين والشرع ضرورة ، من وجوب موالاة أصحاب الكساء أهل بيت الرسول الّذين كان عليّ عليه‌السلام رأسهم ورئيسهم وأفضلهم.

كلّ ذلك ثبت بأخبار ثقات الفريقين في الأصول المجمع عليها ، مشهور في كتب السير والحديث وغيرها ، فيا ليت شعري ما الداعي إلى تأويل قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم غدير خمّ «من كنت مولاه فعليّ مولاه» مع صدره «ألست أولى بكم من أنفسكم؟» وذيله يطلب النصر لناصره ، والخذلان لخاذله والمعاداة لعدوّه من ربّه عزوجل مع تلك التأكيدات ونزول آية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ

__________________

(١) النجم : ٣ و ٤.

إِلَيْكَ) ، مؤكّدا بقوله (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ثمّ مؤكّدا بقوله سبحانه (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) حتّى نزل في البطحاء وأمر بجمع الناس إليه من أمامه وورائه ، وأمر بما تحت الأشجار من الشوك فقمّ ، وأمر أن ينصبوا له من هيئة المنبر من الأحجار أو غيرها ، ثمّ رفع بضبع عليّ وقال ما قال : ثمّ قام عمر واستفهم أنّه من الله أو منه ، ثمّ بخبخ ، ثمّ اعترف بالمولويّة لعليّ عليه‌السلام عليه وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة.

ثمّ أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتسليم على عليّ بإمرة المؤمنين ، وشاع لقبه من ذلك اليوم بلا نكير ، وكان أمير المؤمنين بأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اتّفاقا لا من عند نفسه ؛ كما فعله عمر وغيره من خلفاء بني (١) أميّة وبني العبّاس. ثمّ جاء النعمان بن الحرث الفهريّ اعتراضا على رسول الله أنّه منه أو من الله ، فلمّا قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه من الله ، قام

__________________

(١) أوّل من لقّب نفسه بأمير المؤمنين هو أبو بكر ، حيث أرسل إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام للبيعة ؛ روى ذلك المجلسي في بحار الأنوار ٢٨ : ٢٦١ ؛ قال : «فأرسل إليه أبو بكر أجب خليفة رسول الله ، فأتاه الرسول فقال له ذلك ، فقال عليّ عليه‌السلام : سبحان الله ، ما أسرع ما كذبتم على رسول الله! إنّه ليعلم ويعلم الّذين حوله أنّ الله ورسوله لم يستخلفا غيرى ؛ وذهب الرسول فأخبره بما قال عليه‌السلام ، قال : اذهب فقل له : أجب «أمير المؤمنين أبا بكر» فأتاه فأخبره بما قال ، فقال له عليّ عليه‌السلام : «سبحان الله ، ما والله طال العهد فينسى ، فو الله انّه ليعلم أنّ هذا الاسم لا يصلح إلّا لي. ولقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة فسلّموا عليّ بإمرة المؤمنين ، فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة ، فقالوا : أحقّ من الله ورسوله؟ فقال لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم حقّا من الله ورسوله أنّه أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وصاحب لواء الغرّ المحجّلين يقعده الله يوم القيامة على الصراط ، فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار ، فانطلق الرسول فأخبره بما قال. قال : فسكتوا عنه يومهم ذلك. وروى ابن قتيبة ما يقرب منه في الإمامة والسياسة ١٣.

وأمّا من لقّب به عند النّاس عامّة وجعل له كلقب رسميّ فهو عمر بن الخطاب ؛ أخرج الطبري في تاريخه بالإسناد عن حسان الكوفيّ ، قال : لمّا ولى عمر قيل «يا خليفة خليفة رسول الله» ، فقال عمر : هذا أمر يطول ، كلّما جاء خليفة قالوا : «يا خليفة خليفة خليفة رسول الله» ، بل أنتم المؤمنون وأنا أميركم ، فسمّي أمير المؤمنين.

انظر تاريخ الطبري ٤ : ٢٠٨ ؛ مقدّمة ابن خلدون ١ : ٢٨٣ ؛ تاريخ الخلفاء ١٢٩.

وقال : اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فجاء حجر على هامته من السّماء وخرج من دبره ومات ؛ فأنزل سبحانه وتعالى (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ) الآية.

وأنزل في ذلك اليوم بعد نصب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا بالإمامة والخلافة والولاية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله أكبر على إكمال الدّين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي وبولاية عليّ عليه‌السلام ، وأنشد شعراء الأصحاب في ذلك قصائد مشهورة غير مردودة بين الأمّة (١).

__________________

(١) أنشد في ذلك السيّد الحميري فقال :

يا لقومي للنبيّ المصطفى

ولما قد نال من خير الأمم

جحدوا ما قاله في صنوه

يوم خمّ بين دوح منتظم

أيّها النّاس فمن كنت له

واليا يوجب حقّي في القدم

فعليّ هو مولاه لمن

كنت مولاه قضاء قد حتم

أفلا ينفذ فيهم حكمه

عجبا يولع في القلب الضرم

وله أيضا :

وقام محمّد بغدير خمّ

فنادى معلنا صوتا نديّا

لمن وافاه من عرب وعجم

وحفّوا حول دوحته حنيّا

ألا من كنت مولاه فهذا

له مولى وكان به حفيّا

إلهي عاد من عادى عليّا

وكن لوليّه ربّي وليّا

الغدير ٢ : ٣٢٩ ـ ٣٣٢.

وقال العبديّ الكوفيّ في ذلك ـ وهو أبو محمّد سفيان بن مصعب العبدي الكوفيّ من شعراء أهل البيت ، المتزلّفين إليهم بولائه وشعره ، المقبولين عندهم لصدق نيّته ، وعدّه شيخ الطائفة في رجاله من أصحاب الصادق عليه‌السلام :

قم يا عليّ فإنّي قد أمرت بأن

أبلّغ الناس والتبليغ أجدر بي

إنّي نصبت عليّا هاديا علما

بعدي وإنّ عليّا خير منتصب

وهذا الإسلام المرضيّ هنا هو ما ذكر في قوله تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (١) وهو ما قاله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) (٢). وهو قوله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) (٣) أي لا يكونوا مؤمنين ، (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) إلى قوله سبحانه (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

وما الدّاعي إلى تأويل قول عمر ردّا على قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «ائتوني ببياض ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعدي أبدا». فقال عمر : حسبنا كتاب الله (٤).

فاختلف القوم في محضر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال قوم : القول ما قاله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال قوم : القول ما قاله عمر ؛ فارتفعت الأصوات ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ينبغي لديّ النزاع ، اخرجوا» ، كلّ ذلك رواه أرباب السير والحديث ؛ كالبخاري في صحيحه ، فتأوّله شارحه بتأويل أفحش من ذنبه ، وهو أنّ ذلك كان من فقاهيّة عمر ، حيث خشي أن ينصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بشيء يخالفه النّاس فيستحقّوا العقوبة ، فأراد عمر فتح باب الاجتهاد.

__________________

فبايعوك وكلّ باسط يده

إليك من فوق قلب عنك منقلب

وكنت قطب رحى الإسلام دونهم

ولا تدور رحى إلّا على قطب

ولا تماثلهم في الفضل مرتبة

ولا تشابههم في البيت والنسب

الغدير ٢ : ٤١١

(١) آل عمران : ٨٥.

(٢) البقرة : ٢٠٨.

(٣) النساء : ٦٥.

(٤) مسند أحمد ١ : ٢٢٢ ، ٢٢٥ ، ٣٣٥ ، ٣٣٦ ؛ صحيح البخاريّ ١ : ٣٧ ح ٤ ، باب كتابة العلم ، وج ٧ : ٩ ح ١ ، باب قول المريض قوموا عنّي ؛ و ٨ : ١٦١ ح ٣ ، باب كراهية الخلاف ؛ صحيح مسلم ٥ : ٧٦ ؛ كتاب الوصية في باب ترك الوصيّة ؛ تاريخ الطبريّ ٢ : ٤٣٦ ؛ الملل والنحل للشهرستانيّ ١ : ٢٩ ؛ طبقات ابن سعد ٢ : ٣٦.

قلت : نعم لو لا أن يكون الدّين بالاجتهاد ، كيف يصيب عمرو اخوانه ما أصابوا ، وكيف ينبغي لهم دعوى خلافة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله؟!

والحاصل : إنّ تأويل هذه النصوص من المخالفين ليس إلّا من جهة تأويل قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ) (١) في حقّهم ، ثمّ قالوا : معنى قوله تعالى (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) إن لم تبلّغ جميعه كأنّك ما بلّغت رسالته ، فما أدّيت شيئا ، لأنّ كتمان بعضها يضيع ما أرى منها ، كترك بعض أركان الصّلاة ، فإنّ غرض الدعوة ينتقض به فكأنّك ما بلّغت شيئا منها ، كقوله تعالى : (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) (٢) من حيث أنّ كتمان البعض والكلّ سواء في الشناعة واستجلاب العذاب. وما قلنا من أنّ معناه : وإن لم تفعل تبليغ ولاية عليّ عليه‌السلام وتنصبه خليفة وإماما وعلما هاديا مستحفظا ، فما بلّغت رسالة ربّك في غيره ، لأنّ الدّين لا يكمل إلّا بنصب الوصيّ المستحفظ ، والنعمة لا تتمّ إلّا بنصب الإمام القيّم ، فإذا لم تنصبه مستحفظا وإماما قيّما على الدّين ، ضاع سائر ما بلّغته من الشرائع ، فكأنّك ما بلّغت رسالة ربّك أصلا لعدم تبليغ الركن الأعظم في تلك الشرائع ، وهو أولى وأنسب وأظهر في المقام ؛ بل ليس إلّا.

وأنت خبير بأنّ ترك البعض إنّما يساوي ترك الكلّ إذا كان ركنا يفوت به الكلّ ، ويكون عقابه عقاب تارك الكلّ ، وليس ترك نصب القيم المستحفظ إلّا ترك الكلّ.

ايراد وافتضاح : قال العضديّ (٣) والاصفهانيّ : لو سلّم كون المولى بمعنى الأولى لم يثبت العموم ، بل يكفي الأولويّة في أمر ما ، لمكان قولنا : كونه في كلام الحكيم يقتضي العموم بعد عدم ترجيح بعض أفراد المطلق ، وإلّا لأهمل التكليف ، سيّما في

__________________

(١) البقرة : ٩٣.

(٢) المائدة : ٣٢.

(٣) شرح المواقف ٨ : ٣٦٢.

المقام ؛ ضرورة أنّ حمل المولى على الأولى في أمر ما غير معيّن ولا متعيّن تكليف بالمجمل ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز. عندنا وعند المحقّقين. فالحمل على العموم من جهة الحكمة تعيين ، مضافا إلى ما تقرّر في محلّه من أن حذف المتعلّق دليل العموم ، والإطلاقات راجعة إلى العموم من باب سراية الماهيّة في الأفراد ؛ فكانت في حكم العموم ، والأصل فيها البيان والعموم لا الإجمال والإبهام كما زعمه بعض النّاس ، كلّ ذلك مضافا إلى أنّ مولويّة عليّ عليه‌السلام إنّما هي بالنيابة والخلافة عن مولويّة الرسول ، وما للرسول إنّما هو عن الله سبحانه وتعالى ؛ ولا معنى لتخصيص مولويّة الله ومولويّة رسوله ، وأولويّة الله وأولويّة رسوله ببعض الأمور ، لا سيّما على وجه الإهمال والإبهام كما زعمه هؤلاء الجهّال.

والحديث إنّما يثبت لعليّ عليه‌السلام مولويّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا غير بحسب السياق وأصالة الحقيقة وعدم الاستخدام ؛ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ، يحرّفون الكلم عن مواضعه ويقولون : هو من عند الله. وكذلك ما ذكر سعد الدين في شرح المقاصد (١) ، وتبعه القوشجيّ من أنّه إذا ثبت إرادة المعنى بعمومه ، فلا يثبت عموم الحكم في الأزمان ، فلا ينافي ما ذهبنا إليه من الترتيب.

قلنا : كفى في بطلان من تقدّم عليه إعراض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عنه ، والأصل مع عموم مولويّته على كلّ أحد ، كما كانت للرسول ، ومنهم أبو بكر واخوانه ، ويشهد بذلك اعتراف عمر بمولويّة عليّ عليه‌السلام عليه وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة بعد البخبخة ، عند قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ، بل اعترف بذلك أبو بكر أيضا (٢) في

__________________

(١) شرح المقاصد ٥ : ٢٧٣.

(٢) قال أبو بكر وعمر : أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

ذكر أخبار اصبهان ٢ : ٣٥٨ و ٣٥٩ ؛ الصواعق المحرقة ٤٤ ، كفاية الطالب ٥٦ ؛ كتاب طرق حديث

الروايات. ولم يأت بعد ذلك ناسخ لذلك ولا قول بالفصل أيضا. فتوجيه سعد دينهم بهذا بصحّة قول عمر وأبي بكر توجيه بما لا يرضي صاحبه. ضرورة أنّ عمر اعترف بمولويّته عليه وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة ؛ وسعد الدين (١) وجّه الحديث بأنّه مولى على غير الثلاثة ، فليس هذا إلّا أنّهم أشربوا في قلوبهم العجل حتّى أعماهم كلّ العمى ، ويشهد على ما ذكرناه أيضا ما يأتي في الآية السابعة.

__________________

«من كنت مولاه فعليّ مولاه» لشمس الدّين الذهبي ١٤ ؛ جواهر العقدين ٢٤٦ ؛ كتاب الولاية لابن عقدة الكوفي ١٥٥.

(١) شرح المقاصد : ٢٧٣.

الآية السّابعة

[من المائدة] قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) المائدة : ٣.

فقد روى الفريقان في صحاحهم أنّ الآية نزلت في عليّ عليه‌السلام بعد نصب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إيّاه وليّا واليا على النّاس يوم غدير خمّ.

أمّا الخاصّة : فظاهر تواتر ذلك عندهم (١).

وأمّا العامّة : فقد روى الثعلبيّ (٢) في تفسيره ، والواحدي في أسباب نزوله (٣) ، وفي تفسيره أيضا ، والخوارزميّ (٤) في مناقبه ، والحافظ أبو نعيم (٥) بإسناده إلى أبي

__________________

(١) الأصول من الكافي ١ : ٢٩٠ ؛ تفسير العيّاشي ١ : ٢٩٣ ؛ مجمع البيان ٣ : ١٥٩ ؛ نهج الإيمان ٩١ ـ ١٣٣ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٨ ـ ٥٤ ؛ كشف اليقين ٢٥٣ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩٢ ؛ عمدة عيون صحاح الأخبار لابن البطريق ٩٢ ـ ١١٩ ؛ خصائص الوحي المبين ٣٦ ؛ أسرار الإمامة ٢٥٧ ، ٣١٠ ، ٣٨١ ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ١٤٣ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣٣٠.

(٢) تفسير الثعلبي ٤ : ٩٢.

(٣) أسباب النزول ٢٩٤.

(٤) المناقب للخوارزميّ ١٣٥ ؛ مقتل الحسين للخوارزميّ ١ : ٤٧.

(٥) النور المشتعل من كتاب ما نزل ٥٦ ؛ وقال ابن كثير في تفسيره ٣ : ٢٥ : قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ) نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم حين قال لعليّ عليه‌السلام «من كنت مولاه فعليّ مولاه».

سعيد الخدريّ ، والطبريّ في كتابه (١) في شأن نزول الآية ، وابن عقدة (٢) ، وابن المغازليّ (٣) ، وأبو المؤيّد الجزريّ (٤) في أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأثبت فيها بالتواتر أنّ الآية نزلت في عليّ عليه‌السلام ، قال في ذلك أنّه لمّا نزلت آية التبليغ ، وبلّغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولاية عليّ عليه‌السلام في غدير خمّ حين أمر باجتماع النّاس ، فخطب ثمّ أخذ بيد عليّ عليه‌السلام ورمى به حتّى نظر النّاس إلى بياض إبطيهما ، ثمّ أشار إليه وقال : «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» ، وأمر النّاس أن يبايعوه على ذلك ، وأقام هناك إلى الظهر وتمام النهار أو أكثر ، على اختلاف الروايات ، مقيما على أخذ البيعة ولم يتفرّق النّاس حتّى نزلت هذه الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٥) الآية.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله أكبر على إكمال الدّين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ بعدي (٦).

قال الخوارزميّ : ثمّ أنشأ حسّان بن ثابت قصيدة مصدّرة بقوله :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم ، إلى أن قال :

فقال له قم يا عليّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا (٧)

__________________

(١) كتاب الولاية لابن عقدة ١٥٥.

(٢) كتاب الولاية لابن عقدة ١٥٥.

(٣) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ١٩.

(٤) أسنى المطالب ٤٨.

(٥) أسرار الإمامة ٣٠٩ ، وفيه : وأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله الرّجال بأن يبايعوه بالخلافة والإمامة. ولمّا فرغ الرّجال أمر النساء بأن يبايعنه ، وضرب لعليّ خيمة منفردة ، فأمر عليّا أن يحضر بطست ، فملأه بالماء ووضع يده فيه ، ووضعه على باب خيمته ، فجاءت النّسوان زرافات ووحدانا يسلّمن عليه ويقررن ببيعته.

(٦) نهج الإيمان ١١٥.

(٧) المناقب للخوارزميّ ١٣٦.

وهي مذكورة في رواية ابن مردويه بخمسة أبيات ، وفي رواية المرزبانيّ في سرقات الشعراء أيضا كذلك (١).

قال أبو الحسن عليّ بن أحمد الواحدي في تفسيره : هذه الولاية الّتي أثبتها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام مسئول عنها يوم القيامة في قوله تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٢) أي عن ولاية عليّ عليه‌السلام ، والمعنى انّهم يسألون هل والوه حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أم أضاعوها وأهملوها. انتهى كلام الواحدي من أعلام المخالفين.

وهذه الآية نزلت في السؤال عن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام من طريق أصحابنا أيضا (٣) ، كما ذكره الواحديّ من علماء الجمهور ، وأنت تعرف أنّ ما فعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من نصب عليّ عليه‌السلام وليّا بالنصّ الجليّ ، ثمّ نزلت آية التكميل ، كأنّ بيان المراد بالآية وأنّ ولاية عليّ عليه‌السلام هي إكمال الدّين وإتمام نعمة ربّ العالمين ، وهي النعمة الّتي قال تعالى : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) (٤) ، وهي الإسلام المرضيّ في قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) ؛ وقال هنا : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).

وثبت عدم الفصل بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله «ورضا الربّ برسالتي وبولاية عليّ عليه‌السلام من بعدي» زيادة على مقتضى الإطلاق وأصالة عدم ولاية أبي بكر وإخوانه ، فلا ريب أنّ خلافة أبي بكر وأضرابه كانت بدعة في الدين ، لأنّ الدّين قد تمّ بولاية

__________________

(١) وذكر مؤلف نهج الإيمان ١١٦ أنّ أبا عبد الله المرزبانيّ روى هذا الشعر بإسناده في أواخر الجزء الرابع من كتاب مرقاة الشعر.

(٢) الصافّات : ٢٤.

(٣) نهج الحقّ وكشف الصدق ١٨١ ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ٤٣ ، ٨١ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٢١ ، ٤٣٣.

(٤) النحل : ٨٣.

عليّ عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكمل ، فلا يكون غيره إلّا بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار (١).

ومن طريق أصحابنا في قوله تعالى في المائدة أيضا (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) (٢) الميثاق ميثاق ولاية عليّ عليه‌السلام لمّا أخذه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم فقالوا : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) ، ثمّ نقضوه.

رواه عليّ بن إبراهيم القمّيّ في تفسيره (٣) (إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) كما قال عمر : بخ بخ يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة (٤) ، ثمّ نقضوه واتّفقوا على مخالفة الله ورسوله في ولاية عليّ عليه‌السلام. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بما في صدوركم من المخالفة وبغض عليّ عليه‌السلام ونحو ذلك ؛ وهذا إشارة إلى مخالفتهم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما فعلوا.

وفي بعض روايات العامّة (٥) والخاصّة (٦) نزول آية الكمال قبل آية التبليغ وبعد قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية نزلت في حجّة الوداع عصر يوم عرفة والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واقف بعرفات ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أمّتي حديثو عهد بالجاهليّة ، فمتى أخبرتهم بهذا في ابن عمّي ، يقول قائل ... الخ. ويمكن الجمع بنزولها عليه مرّتين (٧) تأكيدا ، وفي صدر هذه الآية قوله (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) ، وذلك لمّا نزلت ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام.

__________________

(١) الخصال ٣٩٣ ؛ بحار الأنوار ٢ : ٣٠١.

(٢) المائدة : ٧.

(٣) تفسير القمّيّ ١ : ١٦٣ ؛ اللوامع النورانيّة ١٠٠.

(٤) إثبات الوصيّة ١٠٣ ؛ الكنى والأسماء للدولابيّ ١ : ٣٤٩ ؛ و ٢ : ١٠٥ ، ١٧٢ ؛ المعجم الأوسط للطبرانيّ ١ : ١١١.

(٥) أسباب النزول للواحدي ١٢٦.

(٦) التفسير للعياشيّ ١ : ٢٩٣.

(٧) تذكرة الخواصّ ٣٠.

رواه القمّيّ (١) منّا ، وصاحب كتاب النشر والطيّ حكاه ابن طاوس (٢) في إقباله. وذلك المفاد هو أنّ اليوم يئس الّذين كفروا من دينكم بعد نصب الوليّ المستحفظ للدّين ، وانقطع طمعهم في ضياعه ، حيث إنّ الدّين بلا مستحفظ ضائع ، فحيث روي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نصب عليّا واليا على أمّته ، قيّما على دينه ، انقطع طمعهم في ضياع دينه وانقطاع أثره بعده ، وعلموا أنّه باق ، والله العالم.

__________________

(١) تفسير القمّيّ ١ : ١٧٦.

(٢) إقبال الأعمال ٤٥٤ عن كتاب النشر والطيّ.

الآية الثامنة

من الأعراف : قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) ١٧٢ ، ١٧٣

فمن علماء الجمهور [رواها] ابن شيرويه في كتاب الفردوس (١) ، حكاه العلّامة الحلي من أصحابنا في (٢) منهاج الكرامة في دلائل الإمامة ، رفعه عن حذيفة اليماني ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو يعلم النّاس متى سمّي عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد ، قال

__________________

(١) فردوس الأخبار ٣ : ٣٩٩ ، ح ٥١٠٤ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازلي ٢٧١ ؛ الأصول من الكافي ١ : ٤١٣ ؛ اليقين لابن طاوس ٢٨٢ ؛ نهج الإيمان ٢٦٥ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ : ٩٣ ، ٩٨.

ويؤيّده الرواية الّتي نقلها الخوارزمي في المناقب ١٤٥ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كنت أنا وعليّ نورا بين يدي الله معلّقا يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بأربعة ألف عام ، فلمّا خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه ، فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب ، حتّى أقرّه في صلب عبد المطلب فقسمه قسمين : قسما في صلب عبد الله ، وقسما في صلب أبي طالب ، فعليّ منّي وأنا منه.

(٢) منهاج الكرامة ١٤٦ ؛ كشف اليقين ٤١٠ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩١.

الله عزوجل : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ) الآية ، فقال : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعليّ إمامكم وأميركم.

والحافظ أبو نعيم استخرجها من الاستيعاب لابن عبد البرّ ، حكاه في أنوار البصائر.

أقول : وهذا المعنى وهو أخذ عهد الإمامة والولاية والإمارة لعليّ بن أبي طالب في عهد «ألست» في ضمن أخذ عهد الربوبيّة والنبوّة في عالم الذرّ قبل خلق هذا العالم ، قد رواه أصحابنا (١) بطرق صحيحة معتبرة عن أهل العصمة والطهارة ، فيكون هذا الخبر ما رواه الفريقان ويشهد به الاعتبار أيضا ، وكفى به فضلا وحجّة على إمامته وإمارته على كلّ مؤمن ومؤمنة في كل زمان وأوان بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع أنّه يكفي في ذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لقّبه بأمير المؤمنين يوم غدير خمّ (٢) ، واشتهر به بلا نكير وإنكار بين الأمّة ، وكفى به حجّة على الإمامة والخلافة حتّى على الخلفاء الثلاثة.

__________________

(١) بصائر الدرجات ٧٠ ـ ٧٢ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩١ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ٣٧١.

(٢) فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة الكوفي ١٣ ، وفيه : عن بريدة قال : أمرنا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن نسلّم على عليّ بإمرة المؤمنين.

الآية التاسعة

في براءة ؛ قوله تعالى (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ١١٩.

فقد نزلت هذه الآية في عليّ وأولاده المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين لرواية ثقات الفريقين.

أمّا الخاصّة : فقد رووه في الكافي (١) ، ومجمع البيان (٢) ، وإكمال الدّين (٣) ، وتفسير القمّي (٤) وغيرها (٥).

وأمّا العامّة (٦) : فقد روى الحافظ أبو نعيم (٧) ، والفاضل ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ. عن ابن عبّاس أنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام ، ومعناه كونوا مع عليّ عليه‌السلام وأهل

__________________

(١) الأصول من الكافي ١ : ٢٠٨.

(٢) مجمع البيان ٥ : ١٢٢ ذيل الآية.

(٣) إكمال الدّين ١ : ٢٧٨.

(٤) تفسير القمّيّ ١ : ٣٠٧.

(٥) تفسير العيّاشي ٢ : ١١٦ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٢٩ ، ٤٣٢ ؛ بصائر الدّرجات ٣١ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ١١١ ؛ الأمالي للشيخ الطوسيّ ٢ : ١٧٠ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩٠ ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ١٥٤ ؛ كشف اليقين ٣٦٢ ؛ خصائص الوحي المبين ١٣٦.

(٦) نظم در السمطين ٩١ ؛ الدرّ المنثور ٣ : ٣٩٠ ؛ المناقب للخوارزميّ ٢٨٠ ؛ كفاية الطالب ٢٠٦ ؛ فرائد السمطين ١ : ٣٧٠ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٤١.

(٧) النور المشتعل من كتاب ما نزل ١٠٢.

بيته ، قال : وعليّ سيّد الصادقين. وفي تذكرة الخواصّ قال مجاهد الخطاب لعليّ عليه‌السلام ، وهو في حقه على وجه التأكيد (١).

واستدلّ بها أصحابنا على أنّ زمان التكليف لا يخلو من إمام (٢) معصوم يتمّ به الحجّة ، لأنّ الأمر على الاطلاق بالكون مع الصادقين ، ليس معناه إلّا متابعتهم والتزامهم بالمعيّة ، والمشايعة فرع وجودهم ، وإلّا لزم التكليف بالمحال لعدم ما يدلّ على رفعه ، ولا يجب متابعة غير المعصوم عقلا ونقلا ، فوجب ـ لأداء التكليف ـ أن يكون في كلّ قرن إمام معصوم حتّى يكون الكون معه والتزامه بالمتابعة والطاعة ، ولم يكن غير عليّ وأولاده الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين معصوما اتّفاقا ، فانحصر فيهم ، كما رواه الفريقان.

ثمّ ما أقبح ما أوّله به الفخر الرازيّ في تفسيره هنا من أنّ المراد بالصّادقين هو الإجماع ؛ لبعده عن الطبع السليم والفهم المستقيم ، مع أنّه مجاز بلا ريب ، فلا يصار إليه إلّا بالقرينة ، وليست بخلاف ما حملناها عليه من متابعة عليّ وأولاده ، ضرورة عدم كونه مجازا ، إلّا أنّه وجب تقدير رجال معصومين في القرون وأزمنة التكليف ؛ لقبح التكليف والأمر بالكون معهم في السّلوك إلى الله والسير في الله مقدّمة ؛ ولا ضير.

على أنّا نقول : بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبل انعقاد الإجماع ، هل كان من أزمنة هذا التكليف أولا؟ وعلى الأوّل لزم إمّا التكليف بما لا يطاق وهو باطل ، أو الاعتراف

__________________

(١) تذكرة الخواصّ ١٦ ؛ جواهر العقدين ٢٤٥.

(٢) الأصول من الكافي ١ : ١٧٨ ح ١٠ ، باب الأرض لا تخلو عن حجّة ؛ بصائر الدرجات ٤٨٩ ؛ إكمال الدين ٢٠١ ـ ٢٠٤ ؛ علل الشرائع ١٩٥ و ١٩٦ ؛ ثواب الأعمال ٢٤٥ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٦٤ ؛ الإمامة والتبصرة من الحيرة ١٥٧ ـ ١٦٣ ، روى عن يعقوب السرّاج ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : تبقى الأرض بلا عالم حيّ ظاهر يفزع إليه الناس في حلالهم وحرامهم؟ فقال لي : إذن لا يعبد الله يا أبا يوسف. وعن ابن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : تبقى الأرض يوما بغير إمام؟ فقال : لا.

بوجود إمام معصوم غير الإجماع ، وهو المطلوب. وعلى الثاني لزم التقييد بلا دليل ، فإذا بطل الشقّ الثاني تعيّن الأوّل ، وهو المطلوب ، وأيضا إطلاق الأمر بالكون مع الصادقين يقتضي الكون معهم في كلّ أمر من الأمور ، ولا ريب في عدم تحقّق الإجماع في كلّ أمر من الأمور ، فبطل كلامه السخيف.

وفي [سورة] البراءة أيضا قوله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) فقد روى الفريقان (١) أنّ المؤذن هو عليّ عليه‌السلام يوم قراءة آيات البراءة على المشركين في الموسم ، ورواه من الجمهور أحمد بن حنبل : وفيه دلالة على أنّ عليّا كان منصوبا من الله ورسوله على الأوّل ، والأصل بقاء حكمه.

__________________

(١) أمّا الخاصّة فمنهم : معاني الأخبار ٢٩٨ ؛ تفسير العيّاشيّ ٢ : ٧٣ ـ ٧٦ ؛ تفسير القمّيّ ١ : ٢٨٢ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢١٤ ؛ كشف اليقين ١٧٢ ـ ١٧٥ ؛ عمدة عيون صحاح الأخبار لابن البطريق ١٦٠ ـ ١٦٦ ؛ تلخيص الشافي ٣ : ١٨٧ ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ١٣٢.

وأمّا العامّة فمنهم : مسند أحمد ١ : ٣ ، ١٥١ ، ٢٣٠ ، و ٣ : ٢٨٣ ؛ صحيح البخاريّ ١ : ٢٠٣ ، باب ما يستر من العورة ؛ و ٦ : ٨١ ؛ تفسير الطبريّ ١٠ : ٦٤ ؛ التفسير الكبير ٤ : ٤٠٨ ، و ١٥ : ٢١٥ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٤٤ ؛ تفسير الكشّاف ٢ : ٢٤٣ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٠ ؛ تاريخ الطبريّ ٢ : ٣٨٣ ؛ خصائص الإمام عليّ عليه‌السلام للنسائيّ ٦٧ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ٥١ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٠٣ ـ ٣١٩.

الآية العاشرة

من سورة هود ؛ قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) ١٧.

فقد روى الفريقان في الأصول والصحاح أنّ المراد هو أنّ محمّدا كان على بيّنة ومعجزة من ربّه هو القرآن ، ويتلو هذا القرآن الّذي هو معجز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليكم حقّ التلاوة ، شاهد من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

رواه من أصحابنا جماعة منهم : الكلينيّ (١) عن الكاظم والرضا عليهما‌السلام ، وفي مجمع البيان (٢) عن أمير المؤمنين والباقر والرضا عليهم‌السلام ، والقمّيّ (٣) عن الصادق عليه‌السلام ، والعيّاشيّ (٤) عنه أيضا ، وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ما من رجل من قريش إلّا وقد أنزلت فيه آية أو آيتان من كتاب الله ، فقال له رجل من القوم : فما نزل فيك يا أمير المؤمنين؟ فقال : أما تقرأ الآية الّتي في هود (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ

__________________

(١) الأصول من الكافي ١ : ١٩٠ ؛ الأمالي للطوسيّ ١ : ٣٨١.

(٢) الأمالي للمفيد ١٤٥ ؛ مجمع البيان ٣ : ١٥٠.

(٣) تفسير القمّيّ ١ : ٣٢٤ ؛ سعد السعود ١٤٩.

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ : ١٤١ ، ١٤٢ تأويل ما نزل من القرآن الكريم ١٠٧ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة الكوفيّ ١٩٢ ، ١٩٣.

وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله على بيّنة من ربّه ، وأنا الشاهد.

وفي الأمالي (١) ، والبصائر (٢) مثله ، وفي الأمالي «وأنا الشاهد ، وأنا منه» ، وفي البصائر «وأنا الشاهد له فيه وأتلوه معه».

وفي الاحتجاج (٣) أنّه سئل عن أفضل منقبة له ؛ فتلا هذه الآية ، وقال : أنا الشاهد من رسول الله.

وفيه أيضا في حديث : قال بعض الزنادقة : وأجد الله يخبر أنّه يتلو نبيّه شاهد منه ، وكان الّذي تلاه عبد الاصنام برهة من دهره ؛ فقال عليه‌السلام : وأمّا قوله (ويتلوه شاهد منه» فذلك حجّة الله أقامها الله على خلقه ، وعرّفهم أنّه لا يستحقّ مجلس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا من يقوم مقامه ، ولا يتلوه إلّا من يكون في الطهارة مثله ، لئلّا يتسع لمن ماسّه حسّ الكفر في وقت من الأوقات انتحال الاستحقاق بمقام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليضيق العذر على من يعينه على إثمه وظلمه ، إذ كان الله قد حظر على من ماسّه الكفر تقلّد ما فوّضه إلى أنبيائه وأوليائه ، بقوله تعالى لإبراهيم (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي المشركين ، لأنّه سمّى الظلم شركا بقوله (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) فلمّا علم إبراهيم أنّ عهد الله تبارك وتعالى اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام ، قال (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (٤).

واعلم : أنّ من آثر المنافقين على الصادقين ، والكفّار على الأبرار ، فقد افترى إثما عظيما ، إذ كان قد تبيّن في كتابه الفرق بين المحقّ والمبطل والطاهر والنجس ، والمؤمن والكافر ، وأنّه لا يتلو للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥).

__________________

(١) الأمالي للمفيد ١٤٥.

(٢) بصائر الدرجات ١٣٣.

(٣) الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ١٥٩.

(٤) نفس المصدر ١ : ٢٥١.

(٥) الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ٢٥١.

وعند علماء الجمهور أبو إسحاق الثعلبيّ في تفسيره عن ابن عبّاس : أنّ الشاهد هنا عليّ عليه‌السلام ، وأنّه من رسول الله في القرب والنّسب.

وقال الثعلبيّ (١) ، عن زادان : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول : والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لو ثنيت لي وسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزّبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، والذي نفسي بيده ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلّا وأنا أعرف له آية تسوقه إلى الجنّة ، أو تقوده إلى النّار. فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ، فما آيتك التي أنزلت فيك؟ فقال : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ).

ورواه أيضا ابن المغازليّ (٢) ، وابن جرير الطبريّ (٣) ، والحافظ أبو نعيم (٤). وقال الفخر الرازيّ (٥) ذلك من جملة تفسير الآية.

أقول : قول الفخر الرازيّ اجتهاد في مقابلة النصّ ، فإنّ النصّ إذا ورد في تفسير الآية من ثقات الفريقين بلا معارض ، فلا وجه لتفسيرها بغيره.

ثمّ أقول : حرّرنا في تعليقاتنا على الصافي في تفسير الآية هكذا : قوله (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) ومعناه : محمّد على بيّنة من ربّه وهو القرآن ، و «يتلوه» يعني هذا القرآن عليكم «شاهد» من محمّد من أهل بيته : عليّ وأولاده من أوصيائه ، ويؤيّده قوله تعالى في الأنعام (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٦) معناه : ومن بلغ إليه هذا القرآن من أوصيائي ، فينذركم به أيضا ، وتذكير الضمير

__________________

(١) تفسير الثعلبيّ ٥ : ١٦٢ ؛ انظر : تذكرة الخواصّ ١٦.

(٢) مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازليّ ٢٧٠.

(٣) كتاب الولاية للطبريّ ٦٨ ؛ نهج الإيمان ٥٦٣ ؛ مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ١٠٣.

(٤) النور المشتعل من كتاب ما نزل ١٠٦.

(٥) التفسير الكبير ١٧ : ٢٠٠.

(٦) الأنعام : ١٩.

في قوله تعالى «ويتلوه» باعتبار البيّنة وهو القرآن ، «ويتلوه» على هذا من التلاوة كما اقتضاه خبر البصائر : وأتلوه معه ، وهذا كلّه دليل قاطع على عدم خلوّ الأرض من حجّة الله من آل محمّد كما هو مذهب أصحابنا وقام عليه البرهان ، وهو تالي القرآن من رسول الله على الناس ، ولولاه لم تتمّ الحجّة عليهم.

قال عليّ عليه‌السلام في نهج البلاغة : [ثمّ اختار سبحانه لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله لقاءه ، ورضى له ما عنده واكرمه عن دار الدّنيا ، ورغب به عن مقارنة البلوى] فقبضه إليه كريما صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخلّف فيكم ما خلّفت الأنبياء في اممها [اذ لم يتركوهم هملا بغير طريق واضح ، ولا علم قائم] كتاب ربّكم مبيّنا حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ... (١)

وأشار إلى كونه شاهدا لرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله تعالى (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٢).

وقد صحّ بنصّ الفريقين أنّ المراد ب (مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، رواه من علماء الجمهور الحافظ أبو نعيم (٣) ، والثعلبيّ (٤) ، وقال الله تعالى في آصف بن برخيا وصيّ سليمان بن داود عليهما‌السلام (الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) ، فيكون وصيّ خاتم الأنبياء هو الّذي عنده علم الكتاب كلّه ، إذ وصيّ كلّ نبيّ قائم مقامه حامل علمه ، وقوله تعالى (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) معناه كما أنزل لا بتحريف ، كما هو دأب علماء الجمهور ممّن يقول بالاجتهاد ، وفيه دلالة على الحاجة إليه في الأمّة ، جوابا عمّن قال «حسبنا كتاب الله» ، يعني ، نعم حسبنا لو وجدنا له مفسّرا

__________________

(١) نهج البلاغة الخطبة الأولى ؛ والفقرات بين المعقوفين لم ترد في المتن ؛ أوردناها من نهج البلاغة إكمالا للمعنى.

(٢) الرعد : ٤٣.

(٣) النور المشتعل ١٢٥.

(٤) تفسير الثعلبيّ ٥ : ٣٠٣.

وتاليا يتلوه علينا حقّ التلاوة ، كما أنزل الله بالاجتهاد.

قال : قل يا محمّد : هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ثقة ويقين بوحي وإلهام ، لا باجتهاد ورأي ، فيكون التابع له الداعي إلى الله مثله على بصيرة منذرا بالقرآن ، تاليا له.

ثمّ أقول : وعلى أخذ «يتلو» من التلو بمعنى المتابعة كان معناه : ويتبعه شاهد منه ، وبعضه كما هو مقتضى خبر الاحتجاج.

ولعلّه يشير إليه أيضا قوله تعالى (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (١) ، ويكون هذا نصّا على أنّ القائم مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعده إنّما يكون من أهل بيته عليّ وأولاده عليهم‌السلام بالاجماع المركّب ، إذ لا خلاف بين الأمّة أنّ الإمام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله القائم مقامه لا يخلو من عليّ وأبي بكر ، فإذا بطل إمامة أبي بكر بعدم كون من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تعيّن الإمامة في عليّ عليه‌السلام بلا فصل ولا فصل بعده ، إذ كلّ من قال بإمامة عليّ عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ، قال بإمامة أولاده لا غير.

ثمّ إنّه لم يقل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأحد «إنّه منّي» إلّا لعليّ عليه‌السلام وأولاده ؛ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : «أنت منّي وأنا منك» (٢).

وقد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله برواية العامّة (٣) والخاصّة (٤) أنّه قال : «عليّ منّي وأنا

__________________

(١) سورة يوسف : ١٠٨.

(٢) صحيح البخاريّ ٤ : ٢٠٧ و ٥ : ٢٢ باب مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ كفاية الطالب ٢٤٢ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٠ ؛ تاريخ الطبريّ ٢ : ١٩٧ ؛ المناقب للخوارزميّ ٦١ ؛ فرائد السمطين ١ : ٥٧ ؛ ذخائر العقبى ٢١٥.

(٣) مسند أحمد ١ : ١٥١ ، ٢٣١ ؛ و ٤ : ١٦٥ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٢٩٦ ؛ خصائص الإمام علي عليه‌السلام للنسائيّ ٦٧ و ٦٨ ؛ تاريخ الطبريّ ٢ : ١٩٧ ؛ التفسير الكبير ١٥ : ٢١٨ ؛ تاريخ بغداد ٤ : ١٤٠ ؛ كفاية الطالب ٢٤١ ؛ فردوس الأخبار ١ : ٨٨ ، ٥٣١ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٠٦ ـ ٣١٩ ؛ تذكرة الخواصّ ٣٦ ؛ تفسير ابن كثير ٢ : ٣٢٢ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٣٣ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٧٢ و ١٧٣ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٢.

منه».

من ذلك ما رواه البخاريّ (١) من الجزء الخامس من صحيحه ، وابن المغازليّ (٢) في المناقب ، والأندلسيّ في الجمع بين الصحاح الستّ بعدّة طرق ، وابن حنبل في المسند (٣) ، وصاحب المشكاة المبارك (٤) من علماء المخالفين ، كلّهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : أنا من عليّ وعليّ منّي ، وهو وليّ كلّ مؤمن من بعدي ، لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ.

وأخرج الترمذيّ (٥) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو عليّ. قال : وهذا حديث حسن ، وأخرج أحمد في الفضائل (٦) بمعناه ، وفيه : لا يؤدّي ديني إلّا عليّ عليه‌السلام.

ويشهد له أخبار ردّ أبي بكر من الطرق بأمر جبرئيل عليه‌السلام من الله تعالى في قصّة قراءة آيات البراءة على المشركين ، وأمر عليّ بأخذها منه وقراءتها على مشركي العرب ، معلّلا بأنّه لا يؤدّي منّي إلّا أنا أو رجل منّي (٧).

__________________

(٤) الأصول من الكافي ١ : ٢١٠ ؛ معاني الأخبار ٢٩٧ ؛ أمالي المفيد ٥٦ و ٢١٣ ؛ تفسير القمّيّ ١ : ٢٨٢ ؛ تفسير العيّاشيّ ٢ : ٧٤ ؛ المقنع في الإمامة ٧٤ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ١٤٥ ؛ الطرائف ٦٨ ؛ إعلام الورى ١٦٤ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢٠٤ ؛ منهاج الكرامة ٨٧ ؛ أسرار الإمامة ١٨٣ و ١٨٤.

(١) صحيح البخاريّ ٥ : ٢٠٢.

(٢) مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ٢٢١ ـ ٢٣٠.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٥١ ، ٣٣١ ، و ٥ : ٣٠.

(٤) مشكاة المصابيح ٣ : ١٧٢٠ ح ٦٠٨١ و ٦٠٨٣.

(٥) سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٠.

(٦) فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٥٩٩ ح ١٠٢٣.

(٧) سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٠ ؛ تفسير الكشّاف ٢ : ٢٤٣ و ٤ : ٢١٩ ؛ أنساب الأشراف ٢ : ١٠٧ ؛ غرائب القرآن ورغائب الفرقان ١٠ : ٣٩ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٣٣ ؛ ذكر أخبار أصبهان ١ : ٢٥٣ ؛ تفسير

وقد تواتر ذلك عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأخبار من الطرفين وكتب السّير ـ كما لا يخفى ـ مضافا إلى أخبار اتّحادهما في النّور بقوله : أنا وعليّ من نور واحد (١) ، وآية «أنفسنا» ؛ ضرورة أنّ نفس الرسول من الرسول ، بل لا أقرب منه من ذلك ، وكلّ ذلك دليل على أنّ المراد بالشاهد منه في الآية الشريفة هو عليّ بن أبي طالب ليس إلّا (٢).

وبطل قول الرازيّ في تفسيره ، إذ إنّه من تفاسير الآية ، لا أنّه متعيّن فيه ، إذ حمل على أنّ المراد بالشاهد منه هو لسانه الشريف ، وهو حمل بعيد مخالف للنصوص المذكورة ، مع أنّه يكفي في المطلوب ، لأنّه إذا كان ذلك من تفسيرها ثبت المدّعى به أيضا ، وهو أنّ عليّا هو الشاهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الآية ، مضافا إلى دلالة العرف والمحاورة أنّ الشاهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو من أهل بيته ، ومن نوره ، وعليّ سيّد أهل بيته.

فائدة

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليّ منّي» يدلّ على مكانة أمير المؤمنين ومنزلته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كاهل المجد إلى أعلى ذروته ، فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا قال : سلمان منّا أهل البيت (٣). دلّ

__________________

البغويّ المسمّى بمعالم التنزيل ٢ : ٢٦٧ ؛ ذخائر العقبى ٦٩ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٠٨ ؛ الخصال ١ : ٢٧٩ ؛ معاني الأخبار ٢٩٨ ؛ تفسير القمّيّ ١ : ٢٨٢ ؛ مجمع البيان ٥ ، ٣ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤١١ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ١٤٥ ؛ أسرار الإمامة ١٧٤.

(١) نظم درر السمطين ٧٩ ؛ الطرائف ١٥ ، ١٦ ؛ العمدة لابن البطريق ٤٤ ؛ أسرار الإمامة ٣٨٧ ؛ وانظر صدر الحديث في مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٣٥٩ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٢٩٦ و ٣٠٠ ؛ المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٤١.

(٢) الطرائف ٧٩ ؛ بحار الأنوار ٣٥ : ٣٩٣.

(٣) ذكر أخبار أصبهان ١ : ٥٣ ؛ البداية والنهاية ٢ : ١٦٨ ؛ الجامع الصغير ٢ : ٥٢ ؛ أسرار الإمامة ١٩٧ ؛ معارج النبوّة الركن الرابع ٢٦ ، ١٢٤ ؛ بصائر الدرجات ١٧.

على شرف له ومجد فاق به أقرانه بلا خلاف بين الأمّة ، فلمّا أضاف عليّا عليه‌السلام إلى نفسه بقوله : «عليّ منّي» (١) سما به عن تلك المرتبة وتجاوز به عن تلك المنزلة ، ولو اقتصر على ذلك كانت رتبته متعالية عن رتبة سلمان في هذه الرواية مع قطع النظر عن غيرها ، فلمّا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وأنا من عليّ» فجعل نفسه الشريفة من عليّ عليه‌السلام ، دل على أنّ كلّ منهما أصل للآخر وكلاهما من نور واحد ؛ كما تواتر ذلك عنه في صحاح الفريقين ، وارتقى به عن أقصى ما يطمعه ويتمنّاه المرء في معارج الفضل والشرف والمجد والعلى ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

إذا عرفت هذا ، فاعلم : أنّ الآية الشريفة تدلّ على أنّ من يستحقّ الخلافة والإمامة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، لأنّه هو الشاهد من رسول الله ، التالي لكتاب الله ، التابع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، الّذي هو بعده بوضع الله ، ولا نعني بالخليفة والإمام إلّا هذا ، مضافا إلى ما جاء في الروايات من طريق أصحابنا (٣) أنّ الآية كانت في النزول هكذا (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) إماما ورحمة (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) ؛ فيكون إماما ورحمة حالا من الشاهد المذكور ، فيكون نصّا في إمامته.

وإنّما غيّره المحرّفون لكتاب الله (٤) ، ومعناه (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) وهو القرآن «ويتلوه» أي يتلو هذا القرآن عليكم حقّ تلاوته «شاهد منه» أي من رسول الله ، بناء على أخذ «يتلوه» من التلاوة وارجاع ضمير المفعول إلى البيّنة الّتي هي القرآن ، أو يتعقّب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد منه بناء على أخذ «يتلوه» من التلو

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣١ ؛ نظم درر السمطين ٧٩.

(٢) الأمالي للطوسيّ ٢ : ١٧٤ ؛ ينابيع المودّة ١ : ٣٠٩ و ٣ : ٣٦٤.

(٣) نهج الإيمان ٥٦٣ ـ ٥٦٥ ؛ تأويل الآيات الظاهرة ٢٣٢.

(٤) يقصد أنّ هؤلاء حذفوا أسباب النزول والتفسير الذي كان موجودا في مصحف أمير المؤمنين عليه‌السلام ، من أجل أن يكون مصداق الآيات مبهما غير واضح.

وارجاع الضمير إلى النبيّ ، كما في «منه». وهذا أنسب بتذكير ضمير المفعول في «يتلوه» ، وعليه ، فلا يمكن حمل الشاهد منه على لسانه الشريف ، والّذي يتعقّب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم مقامه ، وفي الكلام حذف تقديره (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) ، كمن كان يريد الحياة الدّنيا ، كيف وبينهما بون بعيد.

فائدة

في إيراد قصّة ردّ أبي بكر من قراءة آيات البراءة ، لمناسبة المقام من جهة قول جبرئيل «لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك».

قال علماء السّير : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكر في سنة تسع (١) من الهجرة ليحجّ بالنّاس ، وقال له : إنّ المشركين يحضرون الموسم ويطوفون بالبيت عراة ، ولا أحبّ أن أحجّ حتّى لا يكون ذلك ؛ وأعطاه أربعين آية صدر «براءة» ليقرأها على أهل الموسم ، فلمّا سار دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا عليه‌السلام وقال أدرك أبا بكر فخذ منه الآيات واقرأها على النّاس ، ودفع إليه ناقته العضباء ؛ فأدرك أبا بكر بذي الحليفة (٢) فأخذ منه الآيات ؛ فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : بأبي أنت وأمّي ، هل نزل فيّ شيء (٣)؟ فقال : لا ، ولكن لا يبلغ عنّي إلّا رجل منّي (٤).

وأخرج أحمد معناه (٥) في الفضائل ، وفيه أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : جاءني جبرئيل

__________________

(١) تاريخ الطبريّ ٢ : ٣٨٢ ، ٣٨٣.

(٢) ذو الحليفة قرية بينها وبين المدينة ستّة أميال ، وهي ميقات أهل مصر والشام إن مرّوا بالمدينة في طريقهم إلى مكّة. معجم البلدان ٢ : ١١١ و ٢ : ٢٩٥.

(٣) ولا يخفى أنّ هنا السؤال إنّما كان منه لخوفه ظهور ما في صدره. (منه).

(٤) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣ ، و ٣ : ٢١٢ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٣٢ ـ ٣٤٣ ؛ خصائص الوحي المبين ٨٩ ؛ الدر المنثور ٣ : ٢٠٩.

(٥) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣١ ، ١٥١.

وقال : ابعث بها عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فلمّا كان يوم النحر قرأها عليه‌السلام كما أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أقول : لا خلاف بين الأمّة في هذه القصّة من عزل أبي بكر ونصب عليّ عليه‌السلام بأمر جبرئيل عليه‌السلام عن الله سبحانه وتعالى ، قد رواه الفريقان في الأصول والصّحاح بطرق كثيرة تبلغ التواتر ؛ فمن ذلك ما رواه في صحيح البخاريّ في الجزء الخامس (١) ، وتفسير الثعلبيّ (٢) في سورة براءة ، وفي الجمع بين الصّحاح في الجزء الثاني (٣) ، ما حاصله أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبا بكر مع آيات من براءة إلى أهل مكّة ، فلمّا بلغ ذي الحليفة (٤) بعث إليه عليّا فردّه ، فرجع أبو بكر فقال : هل نزل فيّ شيء؟ قال رسول الله : لا ، ولكن جاءني جبرئيل وقال : لا يؤدّي عنك إلّا أنت أو رجل منك.

وما رواه محمّد بن جرير الطبريّ من المخالفين في تاريخه في حوادث سنة ستّ من الهجرة : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر عمر بن الخطاب فأبى واعتذر ـ وهذا لفظه في التاريخ ـ ثمّ دعى عمر بن الخطّاب ليبعثه إلى مكّة ليبلغ أشرف قريش ، فقال عمر : يا رسول الله ، إنّي أخاف قريشا على نفسي (٥).

أقول : وهذا دليل على فسق عمر ، بل كفره ، لقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦). وإنّه لم يثق بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله ، قال الطبريّ : ثمّ بعث أبا بكر أوّلا ثمّ عزله ثانيا.

أقول : فيه تنبيه على أنّه لا يصلح للنيابة الجزئيّة في حياته المنوط قصور نظره

__________________

(١) صحيح البخاريّ ٥ : ٢٠٢ ح ١ ، باب قوله (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ) ج ١ : ٩٧ ح ٣ ، باب ما يستر من العورة.

(٢) تفسير الثعلبيّ ٥ : ٨ ، ٢٧.

(٣) العمدة لابن البطريق ١٦٥ ـ ١٦٦ ح ٢٥٤.

(٤) موضع يبعد عن المدينة ستّة أميال.

(٥) تاريخ الطبريّ ٢ : ٢٧٨.

(٦) النور : ٦٣.

بنظر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضلا عن الولاية الكلّيّة بعد وفاته ، فهو تنبيه على خطاء الأمّة واجتهادهم في اختياره ، ومن هنا استدلّ أصحابنا على فساد خلافة أبي بكر بهذه القصّة.

وقالوا : إنّما بعثه أوّلا ثمّ عزله ثانيا إعلاما للأمّة أنّه لا يصلح للتبليغ عنه إلّا هو أو رجل منه ، وهو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ ولعلّ بعثه أوّلا إنّما كان مقدّمة للإعلام بعدم كونه قابلا ، وأنّ الوحي من الله تعالى إنّما اختصّ بعليّ ؛ وفيه تنبيه على فساد القول بتفويض أمر الخلافة إلى الأمّة ، حيث أنّ الله لم يرض بفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف يفوّض إلى الأمّة والسفهاء ، وفي قضيّة اختيار موسى عليه‌السلام سبعين رجلا للميقات دلالة على فساد العمل بلا وصيّ من الله تعالى ، حيث كشف كفر هؤلاء المختارين ، فتدبّر.

الآية الحادية عشر

من سورة الرعد ؛ قوله تعالى (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) ٧

فقد روى الفريقان : أنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام.

أمّا الخاصّة : فمن ذلك ما رواه في الكافي عن الباقر عليه‌السلام ـ وهو من التابعين ، وقوله حجّة عند المخالفين أيضا ـ [في قول الله عزوجل (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)] (١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا المنذر ، ولكلّ زمان منّا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ الهداة من بعده عليّ ، ثمّ الأوصياء واحدا بعد واحد.

وعن الصّادق عليه‌السلام : كلّ إمام هاد للقرن الّذي هو فيهم (٢).

ومثله في الإكمال (٣) ، ورواه القمّيّ (٤) ، والعيّاشيّ (٥) ، وغير واحد من العامّة والخاصّة في غير واحد من الأسانيد ، والقمّيّ (٦) هو ردّ على من أنكر في كلّ عصر

__________________

(١) ـ أثبتنا ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) ـ الأصول من الكافي ١ : ١٩١ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة الكوفيّ ١٩٥.

(٣) ـ كمال الدّين وتمام النعمة ٦٦١ ـ ٦٦٧.

(٤) ـ تفسير القمّيّ ١ : ٣٥٩.

(٥) ـ تفسير العيّاشيّ ٢ : ٢٠٣.

(٦) ـ أي وقال القمّيّ : الحديث ردّ على من أنكر ... الخ.

وزمان إماما ، وأنّه لا يخلو الأرض من حجّة.

وفي مجمع البيان (١) : لمّا نزلت هذه الآية ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا المنذر ، وعليّ الهادي من بعدي ؛ يا عليّ بك يهتدي المهتدون.

وأمّا العامّة : فمن ذلك ما رواه في مجمع الزوائد (٢) عن ابن عبّاس ، وفي كتاب الفردوس (٣) من علماء الجمهور ، والحافظ أبو نعيم (٤) ، والحاكم الحسكاني (٥) في شواهد التنزيل ، هكذا : لمّا نزلت هذه الآية دعا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بطهر فتطهّر ، فأخذ بيد عليّ عليه‌السلام وضمّها إلى صدره ؛ فقال : إنّما أنت منذر ، ثمّ ردّها إلى صدر عليّ عليه‌السلام فقال (٦) : لكلّ قوم هاد.

ورواه أحمد بن حنبل (٧) في المسند ، والرازيّ (٨) ، والثعلبيّ (٩) في تفسيريهما ؛ بل صنّف ابن عقدة كتابا في أنّ المراد بالهادي عليّ عليه‌السلام ، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ حين نزول الآية : أنا المنذر وأنت الهادي ، يا عليّ بك يهتدي المهتدون من بعدي.

وعن ابن حسام أنّه قال : (١٠)

__________________

(١) ـ مجمع البيان ٣ : ٢٧٨.

(٢) ـ مجمع الزوائد ٧ : ٤١.

(٣) ـ فردوس الأخبار ١ : ٧٥ ، رقم ١٠٣.

(٤) ـ النور المشتعل من كتاب ما نزل ١١٧ ـ ١٢٤.

(٥) ـ شواهد التنزيل ١ : ٣٨١ ـ ٣٩٥.

(٦) ـ وهو يدلّ على الحصر كما قرّر في محلّه.

(٧) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٢٦.

(٨) ـ غرائب القرآن ورغائب الفرقان ١٣ : ٦٦.

(٩) ـ تفسير الثعلبيّ ٥ : ٢٧٢.

(١٠) ـ ديوان محمّد بن حسام ٤١٨ ـ ٤٢٦ ، وهو محمّد بن حسام الدّين بن شمس الدّين الخوسفي ، المتخلّص ب «ابن حسام» ، المتوفّى سنة ٨٧٥ ه‍.

گوهر معدن سخى او بود

درّ درياى هل اتى است عليّ

إنّما أنت منذر لعباد

وعليّ لكلّ قوم هاد

ثمّ أقول : قوله «يا عليّ بك يهتدي المهتدون» يفيد حصر الاهتداء في الاقتداء به عليه‌السلام وهو قصر افراد ، في مقابل من زعم الاهتداء بغيره من الصّحابة أيضا كأبي بكر وأخويه.

أقول : اختلفوا في الهادي ، فقيل : هو الله سبحانه ، وقيل : هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا بناء على عطف (هادٍ) على (مُنْذِرٌ) ، أي إنّما أنت منذر وهاد لكلّ قوم. وقيل : كلّ من يصلح للدّعوة.

وقال أصحابنا (١) : هو الإمام المعصوم القيّم على الدّين ، المستحفظ لسنن المرسلين ؛ وهذا هو الصحيح عملا بتواتر قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا المنذر وأنت الهادي يا عليّ ، بك يهتدي المهتدون من بعدي ؛ كما رواه ثقات الفريقين ، ولأنّ عطف (هادٍ) على (مُنْذِرٌ) يقتضي فصل (لِكُلِّ قَوْمٍ) بين حرف العطف والمعطوف ، وهو خلاف المحاورة والأصل ؛ فتعيّن ما قاله أصحابنا ، وأكثر الجمهور على كون (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) جملة مستقلّة قدّم فيها الخبر ، وثابت لكلّ قوم هاد في الوضع الالهيّ يهديهم سبل السلام ، وعلى هذا تكون الآية دليلا على ما تقرّر عند أصحابنا في الكتب الكلاميّة في مصارع بحث الإمامة ، من أنّ أزمنة التكليف لا تخلو من حجّة لله تعالى على عباده ، وأنّ الأرض لا تخلو من إمام معصوم منصوب من الله ، قيّم على الدّين ، لئلّا يكون للنّاس على الله حجّة ، لقبح التكليف

__________________

قدر تعظيم او نداند كس

آيت قدرت خداست عليّ

از ولايت اگر سخن پرسى

غرض نصّ انّما است عليّ

سر اين آيت بديع بدان

تا بدانى كه رهنما است عليّ

انّما انت منذر لعباد

وعليّ لكلّ قوم هاد

(١) ـ الأصول من الكافي ١ : ١٩٢ ، رقم ٩ ؛ بصائر الدرجات ٢٩ ـ ٣١.

بدون البيان والوليّ المرشد المبين. ألا ترى كيف بدأ بالخليفة قبل الخليفة (١) في قصّة آدم عليه‌السلام ، وجعل مدار الخلافة بالعلم والعصمة ، لئلّا يلزم نقض الغرض في التكليف.

وقد قال في موضع آخر في حقّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) (٢) وهو من شواهد ما ذكر الأكثرون ، من أنّ قوله تعالى (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) ليس عطفا على (مُنْذِرٌ).

وأمّا ما قيل : «إنّ الهادي هو الله» فليس يفهم من العبارة ، بل المفهوم منها في العرف والعادة هو أنّه ثابت لكلّ قوم هاد منهم يهديهم سبيل الرشاد في كلّ قرن ، وإلّا تسلسل ـ وهو باطل ـ تعيّن أن يكون لكلّ قوم هاد معصوم من الله ، وهو الإمام ، وهو مذهبنا من أنّ زمان التكليف لا يخلو من إمام معصوم ، وبطل ما زعمه المخالفون من عدم وجوب ذلك ، ثمّ بناء على المختار ظاهر الإطلاق في الآية والبعديّة في الرواية عدم الفصل ، فتعيّن أن يكون عليّ عليه‌السلام إماما بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل ، مضافا إلى الحصر المستفاد من قوله «بك يهتدي المهتدون» : كما عرفت. والحمد لله وله النعمة على إتمام النعمة ونصب الحجّة وإيضاح المحجّة.

__________________

(١) ـ أسرار الإمامة ٢٠٣ ـ ٢٠٧ ؛ نهج الإيمان ٤٩ ـ ٥٠ ، وفيه : قال الله عزوجل منبّها على وجوب الإمامة (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) ـ الإسراء : ٧١ ـ وظاهر اللفظ الشريف وعمومه يقتضي وجود الإمام في كلّ زمان. وقال جلّ من قائل (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ـ البقرة : ٣٠ ـ بدأ سبحانه بالخليفة قبل الخليقة ، وقال سبحانه (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) ـ فاطر : ٢٤ ـ وهذا عامّ في سائر الأمم ، وعمومه يقتضي أن كلّ زمان حصلت فيه أمّة مكلّفة بدين لا بدّ من نذير ، ففي أزمنة الأنبياء عليهم‌السلام هم النّذر للأمم ، وفي غيرها الأئمّة عليهم‌السلام ، وهو دليل ظاهر على أنّه لا يخلو كلّ زمان من حافظ للدّين ، إمّا نبيّ أو إمام.

(٢) ـ فاطر : ٢٣.

الآية الثانيّة عشر

من الرّعد أيضا ؛ (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) أي نخلات من أصل واحد (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) : ٤.

فقد روى الفريقان (١) تأويلها في محمّد وعليّ صلّى الله عليهما وآلهما ، قال في مجمع البيان : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : النّاس من شجر شتّى ، وأنا وأنت من شجرة واحدة (٢).

ورواه المحدّث الحسينيّ عطاء بن فضل الله من أصحابنا في أربعينه عن جابر بن عبد الله ، الحديث (٣).

__________________

(١) ـ أمّا الخاصّة : تفسير العيّاشي ٢ : ٣٠٣ ؛ الأمالي للطوسيّ ٢ : ٦٢٠ ؛ كشف اليقين ٣٦٩ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩٥ ، ١٩٦.

وأمّا العامّة : فردوس الأخبار ١ : ٧٧ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٧٥ ـ ٣٨٠ ؛ نظم درر السمطين ٧٩ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٢٠ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٩٠ ؛ كفاية الطالب ٢٨٣ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٤٣ ؛ تاريخ بغداد ١١ : ١٧١ ؛ المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٤١.

(٢) ـ مجمع البيان ٣ : ٢٧٦.

(٣) ـ الأربعين ٣١.

ورواه من علماء الجمهور الحافظ أبو بكر بن مردويه على ما نقله عنه صاحب كشف الغمّة (١) عن جابر بن عبد الله ، أنّه سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : النّاس من شجر شتّى ، وأنا وأنت يا عليّ من شجرة واحدة ، ثمّ قرأ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الآية ...

ويشهد له أخبار اتّحادهما في النور ، وكونهما نورا واحدا إلى صلب عبد المطلب ، فقسمه قسمين ؛ رواه الفريقان ، وآية «أنفسنا» وأخبار «عليّ منّي وأنا من عليّ» (٢) ، ضرورة أنّ مفادها اتّحادهما في الحقيقة النوريّة.

إذا عرفت هذا ، فلا ريب أنّ عليّا عليه‌السلام إذا كان من طينة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان معصوما متخلّقا بأخلاقه الشريفة ، متأدّبا بآدابه الرفيعة ، فائقا به عامّة الخلائق ، من ملك مقرّب ونبيّ مرسل ، لأنّه كنفس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو أفضل الخلائق أجمعين.

ويشعر بكونه أفضل ذيل الآية (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ) يعني ماء الرحمة (٣) قد نزل على الكلّ ، وإنّما الفضل بواسطة طهارة المحلّ (٤) وطيبه كقطع الأراضي ، فيدلّ على طهارة عليّ عليه‌السلام من رجس الآثام ، فيكون معصوما وأفضل من الأمّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيكون إماما على من سواه من الأمّة حتّى على الثلاثة ، لقبح تقديم المفضول على الفاضل (٥).

__________________

(١) ـ كشف الغمّة ١ : ٤٣٤ ، نقلا عن ابن مردويه.

(٢) ـ مسند أحمد ٤ : ٤٣٧ و ٤٣٨ ؛ صحيح البخاريّ ٥ : ٢٢ ، ١٨٠ ، مناقب عليّ عليه‌السلام ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٢٩٦ ح ٣٧٩٦ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٤٤ ح ١١٩ ؛ خصائص الإمام عليّ عليه‌السلام للنسائيّ ٦٣ ؛ كفاية الطالب ١٤١ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٠ ؛ تذكرة الخواصّ ٤٦.

(٣) ـ وهو ماء الوجود. (منه)

(٤) ـ والمراد به الماء منه كما لا يخفى. (منه)

(٥) ـ وقد عرفت أنّ الإمامة العامّة والخلافة المطلقة التامة تقتضي الأفضليّة والأكمليّة في جميع الفضائل الإنسانيّة والكمالات البشريّة بالنسبة إلى جميع الرعيّة ، والإمامة الحقّة والولاية المطلقة رئاسة إلهيّة وزعامة دينيّة وخلافة ربانيّة ، يقبح عقلا جعلها لمن هو مفضول بالنسبة إلى مأمومه ، وأمر الفاضل والأكمل ـ

يشهد بصحّة ما استنبطناه حديث اتّحادهما في النورانيّة المتواتر بين الفريقين ، فمن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل (١) في مسنده ، وابن المغازليّ (٢) في مناقبه ،

__________________

بتبعيّته.

فيكون تقديم المفضول على الفاضل مع قبحه عقلا كما ترشد إليه الآية الكريمة (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) سورة يونس : ٣٥ و (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) سورة الزمر : ٩. وأمثالها من الآيات نقضا لغرض الإمامة ، ومخالفا لمقاصد الولاية. وفيما ذا يتّبع الجاهل؟ وعلى هذا تقديم المفضول على الفاضل ، أو ترجيح المرجوح على الراجح هما قبيحان بضرورة العقل القاطعة ، بل عليه جبلت الطبائع ويشهد له أحوال العقلاء ، فإنّ المولى إذا أمر عبده بأن يفعل فعلا قبيحا ، فقدّم العبد رجلا جاهلا على رجل عالم في المجلس لعدّ ممتثلا.

ولهذا احتجّوا في السقيفة على الأنصار بالأفضليّة ، وأوصى أبو بكر إلى عمر متذرّعا بأفضليّته ، ثمّ قال عمر عند وفاته : لو كان أبو عبيدة حيّا لما قدّمت عليه أحد. وقال أبو بكر : أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم ، فإنّ كلّ ذلك يدلّ على أنّ تقديم الأفضل أمر جبليّ للطبائع السليمة.

وأمّا إنّ عليّا عليه‌السلام أفضل من غيره في الجميع ، فهو أعلى في الظهور من النور فوق الطور ، والأحاديث الدالّة على أنّه عليه‌السلام أكمل المخلوقات وأفضلهم من جميع الجهات كثيرة ، ومناقبه وقضاياه لا تحصى كثرة. منها : حديث المنزلة الذي حكم صلى‌الله‌عليه‌وآله له فيه بالفضل على الجماعة والنصرة والوزارة والخلافة في حياته وبعد وفاته ، وصيّر الإمامة له ؛ بدلالة أنّ هذه المنازل كلّها كانت لهارون من موسى في حياة موسى عليهما‌السلام وايجاب جميعها لأمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام إلّا ما أخرجه الاستثناء منها ظاهر ، وأوجبه بلفظ «بعد» له من بعد وفاته ، وبتقدير ما كان يجب لهارون من موسى لو بقي بعد أخيه ، فلم يستثنه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبقي لعليّ عليه‌السلام عموم ما حكم له من المنازل ، وهذا نصّ على إمامته لا خفاء به على من تأمّله.

ومنها : حديث الطير ، فقد دعا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأتيه الله بأحبّ خلقه إليه ، فجاءه عليّ عليه‌السلام فأكل معه ، وقد ثبت أنّه أحبّ الخلق إلى الله تعالى وأفضلهم عنده ، إذ كانت محبته منبئة عن الثواب دون الهوى وميل الطباع ، وإذا صحّ أنّه أفضل خلق الله تعالى ، ثبت أنّه كان الإمام ، لفساد تقدّم المفضول على الفاضل في النبوّة وخلافتها العامّة في الأنام.

الإفصاح في الإمامة ٢٩ ـ ٤٢ ، أسرار الإمامة ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، نهج الإيمان ٢٨٩ ـ ٣٠٢.

(١) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١١٥.

(٢) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٨٧ ـ ٨٩.

والخوارزميّ (١) في رواياته ، أنّه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كنت أنا وعليّ بن أبي طالب نورا بين يدي الله قبل خلق آدم بأربعة عشر ألفا عاما. فلمّا خلق الله آدم قسم ذلك النّور جزءين جزءا أنا وجزءا عليّ عليه‌السلام ، بل في رواية ابن المغازلي «افترقنا في صلب عبد المطلب ، ففيّ النبوّة وفي عليّ الخلافة».

وفي رواية أخرى للخوارزميّ «ثمّ أخرجه من صلب عبد المطلب فقسمه قسمين : قسما في صلب عبد الله ، وقسما في صلب أبي طالب ، فعليّ (٢) منّي وأنا منه ، لحمه لحمي ، ودمه دمي ، فمن أحبّه فبحبّي أحبّه ، ومن أبغضه فببغضي أبغضه».

ثمّ أقول : لا خلاف بين المحقّقين من علماء المسلمين في هذه القصّة واتّحادهما في الحقيقة النوريّة الّتي شهدت بها آية أنفسنا ، سوى ما نقل عن ابن الجوزي (٣) من أنّ هذا الحديث موضوع ، وقد ذمّه أصحابه حيث أكثر نسبة الوضع إلى ما ليس بموضوع (٤) بين الأمّة ، وردّ مثل هذه النصوص بمجرّد الاستبعاد اجتهاد مردود.

__________________

(١) ـ المناقب للخوارزميّ ١٤٥.

(٢) ـ إشارة إلى معنى دقيق يعرف بالحكمة والعرفان.

(٣) ـ الموضوعات لابن الجوزي ٢٥٤.

(٤) ـ أخرجه الحافظ الكنجي في كفاية الطالب ٢٨٠ الباب ٨٧ ، بإسناده عن أبي سعيد الخدريّ بعين السند ، ثمّ قال : هكذا أخرجه محدّث الشام في تاريخه في الجزء الخمسين بعد الثلاث مائة قبل نصفه ، ولم يطعن في سنده ولم يتكلّم عليه ، وهذا يدلّ على ثبوته.

الآية الثالثة عشر

من سورة الرعد ، قوله تعالى (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) ٤٣.

فقد روى الفريقان أنّ المراد بمن عنده علم الكتاب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، نزلت فيه (١).

رواه أصحابنا في الكافي (٢) ، والخرائج (٣) ، والعيّاشيّ (٤) عن الباقر عليه‌السلام ـ وهو من التابعين وقوله حجّة عند المخالفين (٥).

والقمّيّ (٦) ، وفي مجمع البيان (٧) عن الصادق عليه‌السلام ، واستقرّ عليه رأي

__________________

(١) ـ حلية الأولياء ١ : ٦٥ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٤٠٠ ؛ جامع أحكام القرآن للقرطبيّ ٩ : ٣٣٦ ؛ تفسير الحبري ٢٨٦ ؛ خصائص الوحي المبين ١٢٤ ؛ بصائر الدرجات ٢١٢ ـ ٢١٦ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٢٩ ، و ٣ : ٢٩٦ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٨٨ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ٣٧٥.

(٢) ـ الأصول من الكافي ١ : ٢٢٩.

(٣) ـ الخرائج ٢٠٩.

(٤) ـ تفسير العيّاشيّ ١ : ٢٢١.

(٥) ـ تذكرة الخواصّ ٣٣٦.

(٦) ـ تفسير القمّيّ ١ : ٣٦٧.

(٧) ـ مجمع البيان ٣ : ٣٠١.

أصحابنا (١).

ورواه من المخالفين الثعلبيّ (٢) في تفسيره ، وابن المغازليّ (٣) مرفوعا ، أنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام ، وفي منهاج الكرامة (٤) للعلّامة الحليّ منّا ، من طريق الحافظ أبي نعيم (٥) عن ابن الحنفية ، قال : هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

ورواه في المجالس من أصحابنا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثمّ لا يخفى أنّه كفى في فضل عليّ عليه‌السلام أنّ الله جعله حكما وشاهدا على نبوّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦).

أمّا بشهادة عليّ عليه‌السلام له ، فلعلّه من جهة آدابه وأخلاقه وصدقه وأمانته ، وفضله وعلمه الّذي فاق به غيره بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله باعتراف الخصوم ، بل فإذا كان مثله تابعا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مشعرا بنبوّته ، كانت دعواه [في] النبوّة حقّا لا ريب فيها ، أو كان وجوده عليه‌السلام من علائم نبوّته في الكتب السماويّة السابقة.

إن قلت : خبر الثعلبيّ وابن المغازلي مرفوع مرسل فلا عبرة به.

قلت : الظاهر أنّ مثل الثعلبيّ في تفسيره ، وابن المغازليّ في مناقبه لا يرسلان إلّا عن ثقة ، بل لا يحكمان بنزول الآية فيه إلّا أن يثبت ذلك عندهما بالقطع واليقين دون الظنّ والتخمين.

ثمّ قوله تعالى (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٧). وفي آصف بن برخيا وصيّ

__________________

(١) ـ الأمالي للشيخ الصدوق ٥٠٥ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣٢٤ ، ٤٢٩ ؛ عمدة عيون صحاح الأخبار ٣٠٤.

(٢) ـ تفسير الثعلبيّ ٥ : ٣٠٣.

(٣) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ٣١٤.

(٤) ـ منهاج الكرامة ١٣٩.

(٥) ـ النور المشتعل من كتاب ما نزل ١٢٥.

(٦) ـ راجع : تفسير البرهان ٢ : ٣٠٢ ـ ٣٠٤ ، وإحقاق الحقّ ٣ : ٢٨٠ ، ٤٥١ ، و ١٤ : ٣٦٢ ـ ٣٦٥ ، و ٢٠ : ٧٥ ـ ٧٧.

(٧) ـ من الواضح نقصان العبارة ، وحقّها أن تكون هكذا : ثمّ في قوله تعالى (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) دلالة

سليمان عليهما‌السلام (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) إنّ عليّا عليه‌السلام عنده علم الكتاب كلّه ، وقد أتى آصف بعلمه عرش بلقيس من سبأ (١) ، فعليّ أولى ، ومثله لا يكون إلّا عن وصيّ للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إعجاز له ، فيكون إماما.

__________________

على أنّ عليّا عليه‌السلام عنده علم الكتاب كلّه.

(١) ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : علم الكتاب كلّه ـ والله ـ عندنا ، وما أعطي وزير سليمان بن داود عليهما‌السلام إنّما عنده حرف واحد من الاسم الأعظم ، وعلم بعض الكتاب كان عنده ، قال تعالى (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) أي بعض الكتاب ، وقال تعالى في عليّ عليه‌السلام (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) أي الكتاب. بصائر الدرجات ٢١٢ رقم ١ و ٢ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ٣٧٥.

الآية الرابعة عشر

من سورة الحجر ، قوله تعالى (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) ٤٧.

حكى جماعة من العامّة (١) والخاصّة (٢) أنّها نزلت في محمّد وعليّ صلوات الله عليهما.

أقول : قال تعالى في سورة الحجر (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) ٤٥ ـ ٤٨.

ونزولها في النبيّ والوليّ إشارة إلى كونهما أخوين بوضع إلهيّ ، وفيه مناقب لا تحصى ، ويشهد له ـ مضافا إلى نصوص أهل الخصوص في تفسيرها بذلك ـ حديث المواخاة ، وقصّتها مشهورة بين الأمّة ، لا رادّ لها في الفريقين ، نقلها أرباب السير والحديث.

حيث إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين أصحابه يوما وأخّر عليّا عليه‌السلام ، فقال عليه‌السلام له صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) ـ تفسير الثعلبيّ ٤ : ٢٣٣ ؛ ذخائر العقبى ٨٩ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٤١٣ ، ٤١٤ ؛ أنساب الأشراف ٩١ ؛ فرائد السمطين ١ : ١٢١ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٣.

(٢) ـ الأمالي للطوسيّ ح ٥٨٧ ح ١١١٥ ؛ كشف اليقين ٢٠٨ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣٣٣ ؛ منهاج الكرامة ١٤٤ ، ١٤٥ ؛ نهج الايمان ٤١٣ ـ ٤٢٣.

تركتني ولم تواخ بيني وبين أحد ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما أخّرتك لنفسي ، أنت أخي في الدنيا والآخرة (١).

قوله «أنت أخي في الدنيا» إشارة إلى جعله أخاه يوم المؤاخاة ؛ كما آخى بين الصّحابة (٢).

ومن ألقابه المشهورة أنّه «أخو رسول الله» (٣).

وقوله «في الآخرة» إشارة إلى قوله تعالى «إخوانا على سرر متقابلين» ؛ كما في النصوص الآتية إن شاء الله تعالى. ويشهد له أيضا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث المنزلة «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» (٤) ، يعني في كلّ وصف إلّا النبوّة.

ومنها الاخوّة المحمولة على الحسبيّ لتعذر النسبيّ. ثمّ أقول : حديث المؤاخاة رواه أحمد بن حنبل (٥) في المسند ، والفضائل (٦) بطرق ، ومسلم في صحيحه (٧) ،

__________________

(١) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٠ ؛ كفاية الطالب ١٦٨ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٦٨ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤ ؛ مطالب السئول ١١ ، وفيه عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول شعرا :

أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي

ربيت معه وسبطاه هما ولدي

صدّقته وجميع الناس في بهم

من الضلالة والإشراك والنكد

قال جابر : سمعت عليّا ينشد بهذا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع ، فتبسّم رسول الله وقال : «صدقت يا عليّ».

(٢) ـ أمالي الصدوق ٢٧٣ ، ح ١٣ ، ٥٢٣ ؛ الأمالي للطوسيّ ٢ : ١٥٨ ؛ فرائد السمطين ١ : ٢٢٦ ؛ أسرار الإمامة ٤٣٥ ، ٤٠٨ ، ٢٧٨ ، ٢٧٥ ، ١٣٩ ، ١٧٥ ؛ أنساب الأشراف ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام ٩١.

(٣) ـ نظم درر السمطين ٩٦ ؛ الاصلاح لأبي حاتم الرازيّ من أعلام القرن الربع ٢٧٩ ؛ المناقب للخوارزميّ ٤٠ ؛ تاريخ الطبريّ ٢ : ٦٣.

(٤) ـ صحيح البخاريّ ٤ : ٢٠٨ ؛ صحيح مسلم ٧ : ١٢٠ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٠ ؛ إعلام الورى ١٧١ ؛ كشف المراد ٢٩٠ ، ٣١١ ؛ الرّسالة السعديّة ٢٤ ؛ كنز الفوائد ٢٧٤.

(٥) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٥٩ ، ٢٣١ ؛ الفضائل لأحمد بن حنبل ٢ : ٥٩٨ ح ١٠١٩.

(٦) ـ نفس المصدر.

(٧) ـ صحيح مسلم ٢ : ٤٤٨ ، ٤٤٩.

والترمذيّ في صحيحه وجامعه (١) ، وأبو داود في سننه (٢) ، والعبدريّ رزين (٣) ابن معاوية في الجمع بين الصحاح الستّ عن أحمد ، وأبي داود ، وابن المغازليّ في مناقبه (٤) بطرق ، والخوارزميّ (٥) ، والحاكم الحسكانيّ (٦) ، بل قال الحاكم : إنّه صحيح الإسناد ، والترمذيّ : إنّه حسن صحيح.

وفي قلع الأساس : حديث المؤاخاة رواه أحمد بطرق ثمانية عن سبعة ، والعبدريّ عنه ، وعن سنن أبي داود ، وابن المغازليّ بطرق سبعة عن سبعة ، والخوارزميّ ومسلم في صحيحه ، فالمسندون السبعة رووها بتسعة عشر طرقا عن أربعة عشر صحابيّا.

وأمّا روايات أصحابنا في قصّة المؤاخاة فلا نحتاج إلى ذكرها ، وأمّا حديث المنزلة فلا خلاف فيه بين الأمّة.

رواه أئمّة الفريقين في الأصول والصّحاح من غير نكير وإنكار بطرق كثيرة تبلغ التواتر.

أمّا أصحابنا فلا يخفى (٧).

وأمّا روايات المخالفين في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ،

__________________

(١) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٠.

(٢) ـ سنن أبي داود ١ : ٢٨.

(٣) ـ العمدة لابن البطريق ١٧٢ ح ٢٦٩.

(٤) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازليّ ٢٧ ـ ٣٩.

(٥) ـ المناقب للخوارزميّ ١٠٨ ـ ١١٣.

(٦) ـ شواهد التنزيل ١ : ١٩٤ ، ١٩٥ ، ٤٠٠ ، ٤٦٣ ، ٤٧٩. قال الحسكانيّ : وهذان الحديثان : المنزلة والمؤاخاة اللّذان كان شيخنا أبو حازم عمر بن أحمد العبدويّ (ت ٤١٧) يقول : خرّجتهما بخمسة آلاف إسناد.

(٧) ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٦٥ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة الكوفيّ ٥٦ ـ ٥٩ ، نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩١.

إلّا أنّه لا نبيّ بعدي (١).

فقد رواه البخاريّ (٢) بأربعة طرق في صحيحه في سادس كرّاس تقريبا من الجزء الخامس والرابع ، في الرابع الأخير تقريبا.

ومسلم في صحيحه (٣) بستّة طرق في الجزء الرابع في أوّله على حدّ كراسين تقريبا ، وفي الجمع بين الصّحاح (٤) في الثّلث الأخير من الجزء الثالث ، والحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثامن المتّفق عليه.

وأحمد بن حنبل في المسند ، والفضائل (٥) بعشرة طرق.

وابن المغازلي (٦) في مناقبه بطرق ، ولعلّها سبعة عشر.

ورواه التنوخيّ (٧) بطرق ، وضبط سبعة وعشرين طريقا.

وعن التنوخيّ في كتاب حديث المنزلة (٨) أنّه رواه عن ثلاثين ، كلّ منهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ورواه الترمذيّ (٩) بعدّة طرق.

وكذا الأسفرائينيّ ، والخوارزميّ (١٠) ، وابن عبد البرّ (١١) ،

__________________

(١) ـ سنن ابن ماجة ١ : ٤٣ «المقدّمة» ؛ حلية الأولياء ٤ : ٣٥٦.

(٢) ـ صحيح البخاريّ ٤ : ٢٠٨ ح ٦ ، باب مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام و ٥ : ١٢٩ ح ٢ ، باب غزوة تبوك.

(٣) ـ صحيح مسلم ٧ : ١١٩ ـ ١٢١ ، باب فضائل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

(٤) ـ المسند للحميديّ ١ : ٣٨.

(٥) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٧٠ ـ ١٧٩ ، ١٨٢ ، ١٨٤ ، و ٣ : ٣٢ ؛ الفضائل لأحمد بن حنبل ٢ : ٥٩٨ ، ح ١٠٢٠ ؛ و ٢ : ٦١٠ ح ١٠٤١.

(٦) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ٢٧ ـ ٣٧.

(٧) ـ نهج الإيمان ٤٠٠ ؛ الطرائف ٥٣ ؛ الأربعون حديثا للعلّامة الشيخ سليمان البحرانيّ ٨٢.

(٨) ـ الصراط المستقيم ١ : ٣١٩ ؛ قال : حتى إنّ التنوخي وأحمد بن سعيد صنّفا كتابين في طرقه.

(٩) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٤.

(١٠) ـ المناقب للخوارزميّ ١٠٨ ، ١٠٩.

(١١) ـ العقد الفريد ٤ : ٣١١.

والسجستانيّ (١) ، كلّ بعدّة طرق.

وحكاه في أنوار البصائر عن المسعوديّ في مروج الذهب (٢).

ورواه العبدريّ عن الصحيحين (٣).

وابن الأثير عن الصحاح الثلاث (٤).

وكذا ابن الصبّاغ عن الصّحاح الثلاث (٥).

ورواه الحاكم أبو نصير (٦) ، والحاكم الحسكانيّ ، كلّهم من أعلام المحدّثين المشهورين عند المخالفين جلّهم ممّن قبلوا حديثهم ؛ بل أجمعوا على قبول قولهم وحديثهم ، ولم يردّ هذا الحديث الشريف سوى المعاند العضديّ في المواقف. فلا عبرة به ، لاشتهاره بين الفريقين في كتب السير والحديث على وجه لا مجال لإنكاره إلّا اللجاج والفساد والاعوجاج.

فمن ذلك ما رواه في سنن أبي داود ، وصحيح الترمذيّ ، وفي الجمع بين الصّحاح ، ومسند أحمد بن حنبل ، والفضائل له ، ومناقب ابن المغازليّ بعدّة طرق.

ورواه الحاكم الحسكانيّ (٧) أيضا : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله آخى بين الناس وترك عليّا عليه‌السلام حتّى أخيرهم لا يرى له أخا ، فقال يا رسول الله : آخيت بين أصحابك وتركتني؟

__________________

(١) ـ الصراط المستقيم ١ : ٣١٩.

(٢) ـ مروج الذهب ٢ : ٤٢٥.

(٣) ـ نهج الإيمان ٤٢٨ ، نقلا عن الجمع بين الصحاح الستّة لرزين العبدريّ ؛ صحيح الترمذيّ ٥ : ٣٠٠.

(٤) ـ جامع الأصول ٩ : ٤٦٩.

(٥) ـ الصواعق المحرقة ٧٣.

(٦) ـ نهج الإيمان ٤٠١.

وجاء في الطرائف ص ٥٤ «وقد ذكر الحاكم أبو نصر الحربيّ في كتاب التحقيق لما احتجّ به أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الشورى ـ وهذا الحاكم المذكور من أعيان الأربعة المذاهب ، وقد كان أدرك حياة أبي العبّاس ابن عقدة الحافظ ، وكان وفاة ابن عقدة سنة ٣٣٠ ه‍».

(٧) ـ شواهد التنزيل ١ : ١٩٣ ؛ خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام للنسائي ٧٦ ـ ٩٥.

فقال : إنّما تركتك لنفسي ؛ أنت أخي وأنا أخوك ، فإن ذاكرك أحد. فقل «أنا عبد الله وأخو رسول الله» لا يدّعيها بعدك إلّا كذّاب ، والّذي بعثني بالحقّ نبيّا ما أخّرتك إلّا لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي.

وفي بعض روايات ابن المغازلي (١) زيادة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «اللهمّ هذا منّي وأنا منه ، بمنزلة هارون من موسى ، ألا من كنت مولاه ، فهذا عليّ مولاه» ، ثمّ قال ابن المغازلي : ثمّ رأى عمر بعد ذلك عليّا عليه‌السلام ؛ فقال : بخّ بخّ لك يا أبا الحسن ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم.

وفي بعض طرق ابن حنبل (٢) ، قال عليّ عليه‌السلام للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما الّذي أرث منك يا نبيّ الله؟ قال : ما ورثه الأنبياء قبلي ، قال : وما هو؟ قال : كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم.

قال الحسكانيّ بعد ذلك : الحديث صحيح الإسناد. وفي رواية الترمذيّ (٣) من حديث ابن عمر بلفظ «آخى رسول الله بين أصحابنا ؛ فجاء عليّ عليه‌السلام تدمع عيناه ، قال : يا رسول الله آخيت بين أصحابك ، ولم تواخ بيني وبين أحد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت أخي في الدنيا والآخرة». قال الترمذيّ : حسن صحيح.

ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده (٤) ، وأخرج الترمذيّ بمعناه بإسناده عن زيد بن أرقم ، قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده ، فذكر عليه قصّة مؤاخاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الصّحابة ؛ فقال عليّ عليه‌السلام : لقد ذهبت روحي ،

__________________

(١) ـ لم نعثر عليه في مناقب ابن المغازلي ، ولكن نقل عنه في إحقاق الحقّ ٥ : ٧٩ ؛ وكشف اليقين ٢٠٦ ـ ٢٠٨ ؛ والطرائف ١٤٨ ـ ١٥٠.

(٢) ـ فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ١ : ٥٢٥ ح ٨٧١ و ٢ : ٦٣٨ ح ١٠٨٥ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٥٠ ـ ١٥٢ ؛ المستدرك للحاكم ٣ : ١٤ باختصار ؛ فرائد السمطين ١ : ١١٢ ـ ١٢١.

(٣) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٠.

(٤) ـ فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٥٩٧ ح ١٠١٩.

وانقطع ظهري حين فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ، فإن كان هذا من سخطك فلك العتبى والكرامة ؛ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : والّذي بعثني بالحقّ نبيّا ، ما أخّرتك إلّا لنفسي ، فأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي ، وأنت منّي في قصري في الجنّة مع ابنتي فاطمة ، وأنت أخي ورفيقي ، ثمّ تلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «إخوانا على سرر متقابلين» المتحاجّون في الله ينظر بعضهم إلى بعض (١).

وفي رواية أبي هريرة ـ من رواتهم ـ «قال عليّ عليه‌السلام : يا رسول الله ، أيّنا أحبّ إليك أنا أم فاطمة؟ قال : فاطمة أحبّ إليّ منك ، وأنت أعزّ عليّ منها ، وكأنّي بك وأنت على حوضي ، تذود عنه الناس ، وإنّ عليه لأباريق مثل عدد نجوم السّماء ، وإنّي وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنّة ، ثمّ قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «إخوانا على سرر متقابلين» لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه (٢).

وما رواه ابن حنبل في مسنده بإسناد عن سعد بن أبي وقاص ، قال : خلّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا في غزوة تبوك في أهله ، فقال : يا رسول الله تخلفني في النّساء والصبيان ؛ فقال : ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، غير أنّه لا نبيّ بعدي (٣).

وأخرجاه في الصحيحين (٤) أيضا واتّفقا عليه.

وحكاه ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (٥) أيضا.

__________________

(١) ـ المناقب للخوارزميّ ١٥٠ ـ ١٥٢.

(٢) ـ مجمع الزوائد ٩ : ٢٧٤ ، ٣٢٦.

(٣) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٧٧ ؛ نهج الإيمان ٣٩٨.

(٤) ـ صحيح البخاري ٣ : ١٣٥٩ ح ٣٥٠٣ ، و ٤ : ١٦٠٢ ح ٤١٥٤ ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٠ و ١٨٧١ ح ٢٤٠٤.

(٥) ـ تذكرة الخواصّ ١٩.

وما رواه أحمد بن حنبل أيضا في كتاب الفضائل الّذي جمع فيه فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام مسندا عن بريدة ، عن أبيه ، قال : خرج عليّ عليه‌السلام مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ثنية الوداع حين توجّه إلى تبوك ، وهو يبكي ويقول : يا رسول الله خلّفتني مع الخوالف ، ما أحبّ أن تخرج في وجه إلّا وأنا معك ، فقال : ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوّة.

وأفضل ما ذكر (١) : ما رواه أحمد بن حنبل في الفضائل ، عن مجدوح بن زيد الباهليّ ، قال : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين المهاجرين والأنصار ؛ فبكى عليّ عليه‌السلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك؟ فقال لم تؤاخ بيني وبين أحد ، فقال : إنّما ادّخرتك لنفسي ، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، أما علمت أنّه أوّل من يدعى يوم القيامة أنا ، فأقوم عن يمين العرش في ظلّه فأكسى حلّة خضراء من حلل الجنّة ، ثمّ يدعى بالنبيّين بعضهم على أثر بعض ؛ فيقومون سماطين عن يمين العرش ويساره ، ويكسون حللا خضراء من الجنّة ، ثمّ بك لقرابتك منّي ، ويدفع إليك لوائي ـ وهو لواء الحمد ـ فتسير به بين السّماطين ، آدم ومن دونه وجميع الخلق يستظلون بظلّ لوائي يوم القيامة ، وطوله مسيرة ألف سنة ، وسنانه ياقوتة حمراء ، وقصبته درّة خضراء ، وله ثلاث ذوائب من نور ، ذؤابة في المشرق ، وذؤابة في المغرب ، وذؤابة في وسط الدّنيا مكتوب على كلّ ذؤابة سطر ، فعلى أحد الذوائب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وعلى الثانية (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، وعلى الثالثة «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله» ، فتسير باللّواء والحسن عن يمينك ، والحسين عن شمالك ، حتّى تقف بيني وبين أبي إبراهيم عليه‌السلام في ظلّ العرش ، وتكسى حلّة خضراء من حلل الجنّة ، وينادي مناد من تحت العرش : نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك عليّ ، أبشر يا عليّ ، فإنّك ستكسى إذا كسيت ، وتدعى إذا

__________________

(١) ـ نفس المصدر ٢٠ ، ٢١ ؛ ينابيع المودّة ١ : ١٧٩ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٤٠.

دعيت ، وتحيا إذا حيّيت ، وتقف على عقر حوضي تسقي من عرفت ، فكان عليّ عليه‌السلام يقول : والّذي نفسي بيده ، لأذودنّ من حوض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقواما من المنافقين ؛ كما تذاد غريبة الإبل عن الحوض ترده.

ثمّ أقول : هنا فوائد :

الأولى : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» يفيد الوزارة والخلافة والوصاية والأخوّة لعليّ عليه‌السلام من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ هارون كان وزير موسى ، لقوله تعالى (وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً) (١). وكان خليفة موسى لقوله تعالى (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٢) وكان وصيّا له ، وكان أخاه ، وإذا تعذّر حمل اخوّته على النسب ، فليحمل على الحسب.

وبالجملة ، كلّ صفة حميدة كانت لهارون من موسى كانت لعليّ عليه‌السلام من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلّا النبوّة ، واستثناء النبوّة دليل إرادة عموم المنزلة.

الثانية : الوزارة من الوزر ، وهو الثقل ، وكون هارون وزير موسى عبارة عن تحمّل ما كان على موسى من ثقل إمامة الدّين ، وهذا هو معنى الخلافة ، فيكون ذلك دليلا على خلافة عليّ عليه‌السلام من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الثالثة : كان هارون شريكا في أمره من اقامة الدّين لعموم المنزلة في حديث المنزلة.

الرابعة : والأخوّة مشاكلة ومشابهة ، يقال للشيء أخو الشيء إذا كان بينه وبينه مشاكلة ومشابهة كلّيّة ، فلمّا آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين الصّحابة وقرن كلّ قرين بقرينة علمنا مشاكلة كلّ أخوين : كأبي ذر وسلمان ، وأبي بكر وعمر ، فلمّا لم يؤاخ بين عليّ عليه‌السلام وبين غيره ؛ بل أخّره وادّخره لنفسه الشريفة ، علمنا أنّ عليّا عليه‌السلام لا

__________________

(١) ـ الفرقان : ٣٥.

(٢) ـ الأعراف : ١٤٢.

يوازنه إلّا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ الوليّ إنّما يوازن النبيّ ، والنبيّ [يوازن] الوليّ (١).

فكان عليّ عليه‌السلام من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله كنفسه الشريفة ، كما جعله تعالى نفس النبيّ في آية «أنفسنا» وكان من طينته ونوره. كما تواتر به الأخبار من الفريقين (٢).

وكانا رضيعا لبان واحد من روح القدس ؛ كما أنّ أبا ذر وسلمان كذلك ، وأنّ أبا بكر وعمر كانا أخوين في الدنيا والآخرة أيضا.

وهذا الفعل من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه من التلويح على حقيقة عليّ وبطلان أعدائه ما لا يخفى. وفيه دلالة على أنّ عليّا عليه‌السلام ناصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في اقامة الدّين كهارون من موسى ، لقوله تعالى (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) (٣).

الخامسة : فيه إشارة لطيفة على ارتداد هذه الأمّة جلّهم والعكوف على عجل السامريّ ، كما وقع لأمّة موسى ، حيث كفروا بولاية هارون وتركوه إلى العجل واعتكفوا عليه بعد ما ذهب موسى إلى ميقات ربّه ، وإليه أشار بقوله سبحانه

__________________

(١) ـ تقدّم مصادر هذا الحديث من كتب أهل السنّة فراجع.

(٢) ـ انظر : شرف النبيّ ٢٧١ ؛ فردوس الأخبار ٢ : ١٩١ ، ح ٢٩٥٢ ، و ٣ : ٢٨٣ ، ح ٤٨٥١ ؛ المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٤١ ، و ٣ : ١٦٠ ؛ كفاية الطالب ٢٨٠ ـ ٢٨٧ ، الباب ٨٧ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٤٥ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٨٧ ـ ٨٩ ؛ نظم درر السمطين ٧٩ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٧١ ؛ ذخائر العقبى ١٦ ؛ تذكرة الخواصّ ١٥.

الطرائف ١٥ ، ١٦ ؛ عمدة عيون صحاح الأخبار ٢٠٩ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢١٢ ؛ كشف اليقين ١١ ؛ احقاق الحقّ ٤ : ٩٢ ؛ و ٥ : ٢٤٣ ؛ كشف الغمّة ١ : ٩٦.

(٣) ـ القصص : ٣٥.

وعن أنس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : بعث النبيّ مصدّقا إلى قوم ، فعدوا على المصدّق فقتلوه ، فبلغ ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبعث عليّا عليه‌السلام فقتل المقاتلة وسبى الذريّة ، فبلغ ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فسرّه ؛ فلمّا بلغ عليّ أدنى المدينة تلقّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاعتنقه وقبّل بين عينيه وقال : بأبي أنت وأمّي من شدّ الله عضدي به كما شدّ عضد موسى بهارون.

انظر : شواهد التنزيل ١ : ٥٦١ ؛ نهج الإيمان ٤٠٣ و ٤٠٤.

وتعالى (أَفَإِنْ ماتَ) ـ يعني محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ (أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (١) ، يعني إلى الجاهليّة للأولى ، والاستفهام للتقرير (٢).

السّادسة : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت أخي في الدنيا والآخرة (٣) ، أشار إلى كونه بمنزلة هارون من موسى في الدنيا ، وأخاه في الآخرة إشارة إلى قوله تعالى (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) ، كما مضى تأويله.

السّابعة : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ووارثي» دلالة على كونه وارث كتابه وعلمه ، وهذا منصب الإمام والخليفة.

الثّامنة : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وأنت معي في قصري في الجنّة» (٤) دليل على أنّه عليه‌السلام أفضل الأمّة ، بل الخلق أجمعين ، ضرورة أنّه ليس في درجة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الجنّة إلّا من كان في درجته في العلم والعمل في الدنيا.

التّاسعة : حيث ثبت أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خلّف عليّا عليه‌السلام في حياته في غزوة تبوك بنصّ الأخبار المتواترة المتتابعة المشاعة ، واتّفاق الأمّة [على أنّه] كان خليفة عنه بعد وفاته أيضا ، إذ لم يثبت نسخ لفعله ذلك ولم يدّعه أحد ، ولم يجيء في أثر ولا خير ، وهذا ما استدلّ به أصحابنا على خلافته وبطلان قول المخالفين ، [من] أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينصّ على خليفة بعده ، فكان الأمر مفوّضا إلى اجتهاد الأمّة ، فأجمعوا على خلافة أبي بكر من اجتهادهم.

إن قلت : كونه خليفة على أهل المدينة [في] غياب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في غزوة تبوك لا يوجب عموم خلافة خصوصا في الأزمان.

__________________

(١) ـ آل عمران ١٤٤.

(٢) ـ والصواب أنّه للإنكار التوبيخيّ كما لا يخفى. (منه)

(٣) ـ وتقدّم فيه مصادر حديث الأخوّة.

(٤) ـ المناقب للخوارزميّ ١٥٠ ـ ١٥٢ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤ ، باختصار ؛ ذخائر العقبى ٨٩ ؛ فرائد السمطين ١ : ١١٢.

قلت : استخلافه على المدينة لم يقيّد بزمان ، فالعزل يحتاج إلى فسخ. ألا ترى أنّ السلطان إذا استخلف قاضيا على بلد احتاج عزله إلى ناسخ ، فالأصل بقاؤه استصحابا لحال النصّ إلى أن يثبت الناسخ ، ولم يفصل الأمّة بعد ثبوت خلافته عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الوفاة استصحابا للنصّ إلى ثبوت الناسخ بين المدينة وغيرها ، فيثبت في غيرها بعدم القول بالفصل والإجماع المركب على أنّ العبرة إنّما هي بعموم اللفظ لا بخصوص المورد.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في جواب [قول] عليّ عليه‌السلام «أتخلّفني في النساء والصبيان؟» : «ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى» يفيد استخلافه مطلقا ؛ كما كان هو لهارون من موسى ، ضرورة عدم [وجود] تقييد في خلافة هارون على أمّته من موسى ، ففي الحقيقة كأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في جواب الوليّ قال : لا تخصيص في خلافتك ، بل خلافتك كخلافة هارون من موسى ، لا أنّه تقرير للتخصيص المذكور في كلام عليّ عليه‌السلام. وما قاله عليه‌السلام لم يكن اعتراضا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل تمهيد لتعميم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خلافته كخلافة هارون من موسى على وجه يفيد البقاء بعد وفاته ، ضرورة أنّ هارون كان لو عاش بعد موسى كان خليفة ، وإنّما حال الموت بينه وبين الخلافة ، لا أنّ خلافته من موسى كانت مقيّدة بزمان عمره أو بزمان رجوع موسى من ميقات ربّه لعموم اللفظ ، وعدم كون المورد مخصّصا ، كما تقرّر عند المحقّقين في المصارع الأصوليّة.

وبالجملة كأنّ عليّا استفهم حقيقة أو إنكارا تخصيص خلافته ، فأجاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالعموم ، تنصيصا على عدم اختصاصها بأهل المدينة وبزمان سفره ، بل يعمّ الأزمان والأحوال والأمّة ، كما كان لهارون من موسى ؛ وبهذا ظهر فساد وهم بعضهم من أنّ خلافته كانت في سفره ، أو في أهل المدينة خاصّة. هذا هو التحقيق في فقه الحديث ليس إلّا.

إن قلت : يلزم من هذا كونه خليفة في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وحضوره.

قلت : لا ضير ولا منافاة بين كونه خليفة عنه وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أولى منه في التصرّفات وبالمسلمين ، بل هذا محقّق لمعنى الخلافة غير مناف ، كما كان هارون كذلك من موسى ، وهذا كما هو مقتضى اطلاق آيات الولاية وأخبارها لعليّ عليه‌السلام ، ضرورة عدم تقيدها بوفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. نعم عموم أثر ولايته وخلافته وإمارته يظهر بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

العاشرة : في مناقبه المستفادة من حديث الباهليّ ، وهي أمور :

أحدها : أنّ عليّا عليه‌السلام صاحب لواء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، رواه الخوارزميّ (١) ، وابن حجر في الصواعق (٢) ، أنّ عليّا صاحب اللواء وساقي الكوثر يوم القيامة.

وعندنا ثابت بالتواتر والإجماع (٣).

وعند المخالفين مشهور بين أكثر المحقّقين (٤).

واللواء جسم معروف أنّ الله أعطاه محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يوم القيامة يحمل بين يديه ، ظلّه مسيرة خمس مائة ألف عام ، أو ألف سنة على اختلاف الروايات ، يستظل بظلاله جميع الخلق ، كلّهم يلوذون به.

__________________

(١) ـ المناقب للخوارزميّ ٥٨ ، ٣١٧.

(٢) ـ الصواعق المحرقة ١٢٠.

(٣) ـ الخصال ٢ : ١٩٦ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام لابن عقدة ١٠٣ ؛ الصراط المستقيم ١ : ٢٠٩ ؛ عمدة عيون صحاح الأخبار ٢٢٩ ـ ٢٣٧ ؛ كشف الغمّة ١ : ٩٣ ، ٢٩٤ ، ٢٩٥ ؛ الفضائل لابن شاذان ٨٠ ، ١١١ ، ١٢٠ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ٨٢ ؛ كشف اليقين ٣٠٣ ؛ اليقين باختصاص مولانا عليّ أمير المؤمنين ١٢٩ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٦١ ـ ٢٦٥.

(٤) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٢ ؛ حلية الأولياء ١ : ٦٦ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٧ ؛ فرائد السمطين ١ : ٢٢٨ ، ٢٢٩ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٦٦ ، ١٨٥ ؛ كفاية الطالب ٣٠٠ ، ٣٠١ ؛ ذخائر العقبى ٧٥ ؛ الرياض النضرة ٢ : ٢٦٧ ؛ شواهد التنزيل ١ : ١١٨ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٢٠٠ ؛ تاريخ بغداد ١٢ : ٩٩ ؛ تذكرة الخواصّ ٢١ ؛ مقتل الحسين للخوارزميّ ٤٩.

قال : «آدم ومن دونه تحت لوائي» (١).

وقد نصّ على أنّ حامله بين يديه يوم القيامة هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام إلى الجنّة ، بنصّ الخاصّة والعامّة ، وهذا صورة وقالب لمعنى المرتبة الجامعة الحاوية لجميع مراتب الكمال ، فإنّها لا أعظم ولا أجلّ منها ، لشدّة امتدادها وقوّة إحاطتها بحيث يكون الكلّ إنّما يستفيدون الكمال منها ، فكلّ كمال وجمال في عالم المعاني وفي عالم الأشباح والصور مستعار من جماله وكماله في تلك المرتبة الجامعة الحاوية ؛ فهي لواء الحمد الجامع لمحامد الخصال ومحاسن الجمال ومجامع الكمال ، فيكون آدم ومن دونه تحت لوائه لما تقرّر في محلّه أن لا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلّا وهو مستفيض من ينبوعه ، ويستضيء بشمس نوره. ولذا قال : «آدم ومن دونه تحت لوائي» فاستظلال آدم ومن دونه بلوائه استظلال صوريّ ، ودليل على استظلال نوريّ ، وعليّ هو حامل ذلك اللواء ، إذ لا يطيق أحد ذلك غيره ، وهذا يطابق قوله الثابت بنقل ثقات الفريقين «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» (٢).

وبالجملة كونه حامل لوائه يوم القيامة إشارة لطيفة إلى كونه خليفة عنه في الدنيا ، لأنّ اللواء المذكور صورة المرتبة الجامعة والشريعة الكاملة. لا يخفى ذلك على أولي الألباب ، وهذا دليل على أنّ عليّا عليه‌السلام أفضل الخلق أجمعين بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّه صاحب اللواء والمرتبة الجامعة ، وقد أشار إليه في هذا الحديث الشريف بقوله : «ثمّ تسير باللواء ، والحسن عن يمينك ، والحسين عن شمالك ، حتّى تقف بيني وبين أبي إبراهيم في ظلّ العرش» (٣). فيكون موقف عليّ أقدم من

__________________

(١) ـ الفضائل لابن شاذان ١٢٠ ؛ مشارق أنوار اليقين ١٨٨.

(٢) ـ الإرشاد للمفيد ١ : ٣٣ ؛ ذخائر العقبى لمحبّ الدين الطبري ٧٧ ؛ المستدرك ٣ : ١٢٦ و ١٢٧ ؛ تاريخ بغداد ٤ : ٢٤٨.

(٣) ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٦٣.

محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من موقف إبراهيم ، وكلّ من كان موقفه أقدم كان إليه أقرب كان أفضل (١).

ثانيها : أنّه يفيد كون عليّ عليه‌السلام ساقي حوض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الكوثر ، وهذا مشهور مستفيض أيضا ، وكونه ساقيا بحوض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إشارة لطيفة إلى أنّه صاحب شرعه ودينه وعلمه ، وهو منصب الإمام.

ثالثها : قوله : «تسقي من عرفت» أي كان يتولّدك ويقول بولايتك ، ضرورة أنّه يعرف الكلّ بالسّعادة والشّقاوة ، لقوله تعالى (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) (٢). وهم شهداء الله على الخلق أئمّة الهدى ، سيّدهم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٣).

رابعها : قوله عليه‌السلام : «لأذودنّ عن حوض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقواما من المنافقين» أي من أظهر الإيمان بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبطن الكفر ، وليس إلّا من ارتدّ عن الإسلام والدّين بانكار ولاية أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، وذودهم عن الحوض صورة ذودهم عن الولاية.

خامسها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ثمّ يدعى بك لقرابتك منّي» اشارة إلى آية وجوب مودّة ذي القربى في أجر الرّسالة في قوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي

__________________

(١) ـ يقصد أن أمير المؤمنين عليه‌السلام أقرب إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من إبراهيم عليه‌السلام ، وأنّه لذلك ـ أفضل من إبراهيم عليه‌السلام.

(٢) ـ الأعراف : ٤٦.

(٣) ـ عن الأصبغ بن نباتة ، قال : كنت جالسا عند عليّ عليه‌السلام ، فأتاه عبد الله بن الكواء ، فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن قول الله : «وعلى الأعراف رجال ...» فقال : ويحك يا ابن الكواء نحن نوقف يوم القيامة بين الجنّة والنّار ، فمن ينصرنا عرفناه فأدخلناه الجنّة ، ومن أبغضناه عرفناه بسيماه فأدخلناه النّار ، فلا يدخل الجنّة إلّا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النّار إلّا من أنكرنا وأنكرناه.

انظر : الأصول من الكافي ١ : ١٨٤ ح ٩ ؛ تفسير العيّاشيّ ٢ : ١٨ ح ٤٤ ؛ الصواعق المحرقة ١٦٩ ؛ مطالب السئول ١٨ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣٢٤ ؛ مجمع البيان ٢ : ٤٢٣.

الْقُرْبى) (١) وستعرف حال الآية ونزولها في عليّ عليه‌السلام وأولاده الطاهرين إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) ـ تفسير الثعلبيّ ٨ : ٣١٠.

الآية الخامسة عشر

من النحل ؛ قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ٤٣.

فقد روى الفريقان : أنّها نزلت في آل محمّد عليهم‌السلام.

أمّا أصحابنا (١) فعليه إجماعهم وتواتر رواياتهم عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام ؛ قال : نحن أهل الذّكر المسئول عنهم ، والذّكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قوله تعالى (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ) (٢) فالذكر رسول الله ، ونحن أهله. وفي رواية البصائر عن الباقر عليه‌السلام (٣) ، والكافي (٤) عن الصادق عليه‌السلام : الذكر القرآن ، وأهله آل محمّد عليهم‌السلام.

وأمّا المخالفون : فقد رواه منهم الحافظ محمّد مؤمن الشيرازيّ ، عن ابن

__________________

(١) ـ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢١٠ ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ١١٠ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٣٩٣ ؛ و ٣ : ١١٨ ، ٢٧٩ ، ٢٩٩ ، و ٤ : ١٩٤ ؛ مجمع البيان ٣ : ٣٦٢ ؛ الطرائف ٩٤ ؛ خصائص الوحي المبين ١٣٢.

(٢) ـ سورة الطلاق : ١٠ و ١١.

(٣) ـ بصائر الدرجات ٣٧ ، ٣٨ ؛ عيون أخبار الرضا ٢ : ٢١٦ باب ٢٣.

(٤) ـ الأصول من الكافي ١ : ٢١٠ ؛ تفسير العيّاشي ٢ : ٢٦٠ ؛ قرب الإسناد ٣٥٠ ؛ الأمالي للطوسي ٦٦٢ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليّ لابن عقدة ١٩٧ ؛ أسرار الإمامة ٢٨٢ ، ٣١٣ ؛ نهج الإيمان ٥٧١.

عبّاس ، وعن سفيان الثوريّ ، عن السدي (١) ، أنّ أهل الذكر محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

أقول : الذكر أطلق في كلام الله على القرآن تارة ، في قوله تعالى (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (٢) ، وعلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تارة ، في قوله تعالى (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ).

وعلى الوجهين : فأهل الذكر هم آل محمّد عليهم‌السلام ، وعليّ عليه‌السلام سيّدهم.

أمّا على الأوّل : فلأنّهم أعلم علماء القرآن باتّفاق الخصم ، والمراد بأهل القرآن علماؤه الّذين أخذوا علمه وورثوه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا بالاجتهاد وتتبع لغة العربيّة وتمهيد قواعد عقليّة ونقليّة ، فإنّه تفسير منهم بالرأي ، وقد نهى عنه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد تواتر عن النبيّ عند الفريقين أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض (٣).

__________________

(١) ـ حلية الأولياء ١ : ٦٨ ؛ تفسير الطبريّ ١٤ : ١٠٨ ؛ ينابيع المودّة ١ : ١٤٥ ، ٣٥٧ ؛ كنز العمّال ٦ : ١٥٦ ؛ تفسير الثعلبيّ ٦ : ١٥٦ ؛ تفسير الثعلبيّ ٦ : ٢٧٠.

(٢) ـ النحل : ٤٤.

(٣) ـ حديث الثقلين حديث صحيح ثابت مشهور متواتر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، رواه من العامّة : مسند أحمد ٤ : ٣٧١ ؛ و ٥ : ١٨١ ، ١٨٩ ، ١٩٠ ، ٣٢٠ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٢٨ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٦٦٣ ؛ سنن الدارميّ ٢ : ٤٣١ ؛ صحيح مسلم ٢ : ٢٣٧ ، ٢٣٨ و ٤ : ١٨ ح ٢٤٠٨ ؛ المعجم الكبير للطبرانيّ ٣ : ٦٣ ح ٢٦٧٩ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٥ ، ٤٥٧ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٠٩ ، ١٤٨ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ٢٥٦ ـ ٢٦٠ ؛ الصواعق المحرقة ١٥٠ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٥٤ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٢٣٤ ـ ٢٣٦ ؛ الذريّة الطّاهرة للدولابيّ ١٦٨ ح ٢٢٨ ؛ كفاية الطالب ٥٣ ؛ تذكرة الخواصّ ٣٢٢ ؛ البداية والنهاية ٥ : ٢٠٩ ؛ الدرّ المنثور ٧ : ٣٤٩ ، في تفسير آية المودّة.

ومن الخاصّة : معاني الأخبار ٩٠ ـ ٩٥ ؛ الأمالي للصدوق ٤١٥ ؛ الأمالي للطوسيّ ١٦٢ ، ٢٥٥ ، ٥٤٨ ؛ بصائر الدرجات ٤١٢ ؛ كنز الفوائد للكراجكيّ ٣٧٠ ؛ الشافي في الإمامة ٣ : ١٢ ؛ منهاج الكرامة ٩٤ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ٧٠ ؛ الطرائف ١١٣ ـ ١٢٢ ؛ أسرار الإمامة ٩٧ ، ٢٧٧ ، ٢٩٧ ، ٣١٣ ، ٣٩٦ ، ٤٤٢ ، ٤٧٣ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٧٦ ؛ تفسير الحبري ١٥٦.

فإذا كان أهل بيته وعترته لا يفارقون القرآن ، ولا يفارقهم القرآن ، فكانوا هم العلماء بالقرآن ، وأحقّ من نسب إليه القرآن.

ويقال : إنّه القرآن علما وعملا ، ولم يثبت في حقّ غيرهم من أعلام المفسّرين شيء من هذه المنقبة الّتي لا يطمع فيها طامع.

وبالجملة هم أكمل أفراد أهل القرآن وأظهرهم ، فليحمل عليهم الإطلاق المذكور. على أنّ الله لا يأمر بالسؤال من الجهّال لقبحه ونقص غرضه ، ولم نر غير آل محمّد صلوات الله عليهم في الأمّة من يدّعي علم القرآن كلّه ، ولو ادّعاه أحد كفاه إحساس عجزه في أغلب الآيات ، فكان من بلغ الغاية من علماء التفسير نراه كالحيارى في فهم جلّ الآيات ، يذكر وجوها من الاحتمالات ؛ بخلاف ما نراه من عليّ عليه‌السلام ، وأولاده الطاهرين عليهم‌السلام من علمهم بآياته كلّها تأويلا وتنزيلا ظهرا وبطنا (١) ، بل بطونه من غير اجتهاد وحيرة.

فإطلاق الأمر بالسؤال من أهله في كلّ آية ومسألة يقتضي الأمر بالسؤال عمّن يعلم الكلّ ولا يتوقّف ولا يجهل ، وليس إلّا آل محمّد عليهم‌السلام ؛ مع أنّ القرآن فيه تبيان كلّ شيء ، والأمر بالسؤال من أهله يقتضي الأمر بالسؤال ممّن يعلم كلّ شيء ، وليس إلّا آل محمّد عليهم‌السلام ، إذ لم يدّعه ولا يدّعيه أحد سواهم ، فانحصر السؤال منهم فيهم ، وإلّا لزم الأمر بسؤال من لا يوجد ، وذلك باطل ، وتخصيص الأمر بسؤال علماء الأمّة فيما علموه كلّ بحسب فهمه وعلمه تخصيص بلا مخصّص.

وأمّا على الثاني فالأمر أوضح ، ضرورة أنّ أهل الرسول إنّما هم أهل بيته

__________________

(١) ـ قال عليّ عليه‌السلام في فهمه من كتاب الله تعالى : والله ما نزلت آية الّا وقد علمت فيهم نزلت ، وأين نزلت ، وعلى من نزلت ، إنّ ربّي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا.

حلية الأولياء ١ : ٦٧ ؛ تفسير الطبريّ ١٢ : ١٠ ؛ تذكرة الخواصّ ١٦ ؛ المناقب للخوارزميّ ٩٠ ، ٩٤ ؛ الدرّ المنثور ٣ : ٣٢٤.

بروايات الخاصّة والعامّة ، ولا يراد منه نساؤه هنا باتّفاق الفريقين ، ضرورة جهلهنّ بالقرآن كلّه أو جلّه ، وفي أخبارنا كلا التفسيرين كما مضى ، وهو إشارة إلى أنّه يتمّ على الوجهين :

أمّا على الأوّل : لانصراف الإطلاق إلى أكمل الأفراد وأظهره ، مضافا إلى ما مرّ من القرائن.

وأمّا على الثاني : فظاهر كما مرّ. ثمّ إذا عرفت وجوب السؤال منهم فيما لا علم لنا به ، وجب اتّباع قولهم فيه ، وإلّا لكان السؤال لغوا يجب تنزيه كلام الحكيم عنه. وإذا وجب اتّباع قولهم ثبت كونهم أئمّة النّاس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو المطلوب. واطلاق الأمر بالسؤال منهم يقتضي وجوب السؤال على النّاس طرّا ، حتّى على الخلفاء الثلاثة ؛ فثبت أنّ عليّا عليه‌السلام كان إماما وواليا عليهم وهم رعاياه ، وهو المطلوب.

الآية السّادسة عشر

من سورة مريم ؛ قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) ٩٦.

فقد روى الفريقان (١) في كيفيّة نزوله ، أنّ المراد بالموصول عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. رواه من المخالفين الرازيّ (٢) ، والنيسابوريّ (٣) ، وابن حجر في صواعقه (٤).

__________________

(١) ـ تفسير الحبري ٢٨٩ ؛ روضة الواعظين ١٠٦ ؛ خصائص الوحي المبين ٧٠ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ١ : ٣٠٨ ، و ٣ : ١١٣ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣١٤ ؛ كشف اليقين ٣٥٦ ؛ أسرار الإمامة ٢٤٦ ، ٢٥٥ ، ٤١٥ ؛ مجمع البيان ٣ : ٥٣٢ ؛ منهاج الكرامة ١٢٥.

تفسير الكشّاف ٣ : ٤٧ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٣٦٤ ـ ٤٧٧ ؛ الرياض النضرة ٢ : ٢٠٧ ؛ فرائد السمطين ١ : ٨٠ ؛ نظم درر السمطين ٨٥ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٦٧ ؛ تذكرة الخواصّ ١٧ ؛ الدرّ المنثور ٤ : ٢٨٧ ؛ كفاية الطالب ٢١٨ ؛ المناقب للخوارزميّ ٢٧٩ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازليّ ٣٢٧ ـ ٣٢٩ ؛ النكت والعيون تفسير الماورديّ ٣ : ١٩١ ، ٣٩١ ؛ الجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ ١١ : ١٦١.

(٢) ـ التفسير الكبير ٢٧ : ١٦٦ ، ١٦٧.

(٣) ـ غرائب القرآن ورغائب الفرقان ١٦ : ٨٥.

(٤) ـ الصواعق المحرقة ١٧٢.

ورواه أصحابنا القمّيّ (١) عن الصّادق عليه‌السلام [و] كان سبب نزول هذه الآية أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كان جالسا بين يديّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : قل يا علي «اللهمّ اجعل لي في قلوب المؤمنين ودّا» فأنزل الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ...) و [رواه] العيّاشي (٢) عنه عليه‌السلام [قال :] دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في صلاته رافعا بها صوته يسمع الناس يقول : اللهمّ هب لعليّ المودّة في المؤمنين ، والهيبة والعظمة في صدور المنافقين ، فأنزل الله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ...).

وفي الكافي (٣) عنه عليه‌السلام ، قال : ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام هي الودّ الّذي قال الله تعالى ، والقمّيّ (٤) عنه مثله.

وفي مجمع البيان (٥) عن الباقر عليه‌السلام ـ وهو من التابعين ، وقوله حجّة عند المخالفين ـ أيضا ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام : قل «اللهمّ اجعل لي عندك عهدا ، واجعل لي في قلوب المؤمنين ودّا» فقالهما : فنزلت هذه الآية.

وهذه رواها الجمهور ، منهم الثعلبيّ في تفسيره عن البراء بن عازب أنّه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحديث (٦).

وروى الواحديّ عليّ بن أحمد من أعلام المفسّرين من علماء الجمهور في تفسيره (٧) أنّ هذه الآية نزلت في عليّ عليه‌السلام.

__________________

(١) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ٥٧ ، ٧٦ ؛ خصائص الأئمّة ٧١.

(٢) ـ بحار الأنوار ٣٥ : ٣٥٤ عن تفسير العيّاشي.

(٣) ـ الأصول من الكافي ١ : ٤٣١ ؛ الخصال ٢ : ٣٦٢.

(٤) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ٥٦ ؛ تفسير البرهان ٣ : ٢٦ ، ٢٧.

(٥) ـ مجمع البيان ٣ : ٥٣٢ ؛ العسل المصفّى من تهذيب زين الفتى ٢ : ٢٠ ، ٢١ ؛ وفيه : قال عبد الله بن مسعود : «لو أحبّ أهل الأرض عليّا حبّ أهل السّماء ، ما عذّب الله منهم أحدا».

(٦) ـ تفسير الثعلبيّ ٦ : ٢٣٣ ؛ إحقاق الحقّ ٣ : ٧٦ ـ ٨٢ ، و ١٤ : ١٥٠ ـ ١٦٥ ، و ١٨ : ٥٤١ ، و ٢٠ : ٥١ ـ ٥٥.

(٧) ـ تفسير الوسيط للواحديّ النيسابوريّ ٣ : ١٩٧ ، وفيه : إنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، جعل له ودّا في قلوب المؤمنين ؛ جواهر العقدين ٣٢٧.

ورواه أبو نعيم بإسناده عن ابن عبّاس ، قال : نزلت في عليّ عليه‌السلام (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) والودّ محبّة في قلوب المؤمنين (١). وعلى الرواية المتضمّنة للعهد يكون قوله تعالى في الآيات السّابقة (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) (٢) عطاشا (٣) «لا يملكون الشفاعة» لا تنالهم ولا تنفع شفاعة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله «إلّا من اتّخذ عند الرّحمن عهدا» وهو عهد الإمامة لعليّ عليه‌السلام ، كما في قوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) مرّ به (٤) لما بهذه الآية ، فيكون المراد بالعهد عهد إمامة عليّ عليه‌السلام ، والمجرمون هم الكافرون به ، والمتّقون هم شيعته ، والحمد لله على الهداية.

ثمّ هذه المودّة في صدور المؤمنين علامة الإيمان ، والحمد لله على أوّل النّعم ، ونقيضه وعلامة الكفر بحكم العكس ، وقوله تعالى (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) ويشهد بصحّة ذلك من طريق الجمهور ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده (٥) ، والعبدريّ في الجمع بين الصحاح الستّ ، في الجزء الثاني على حدّ ثلثيه ، في باب مناقبه عليه‌السلام (٦) من صحيح أبي داود ، ومن الباب المذكور أيضا من صحيح البخاريّ ، والحميديّ (٧) بين الصحيحين في مسند عليّ عليه‌السلام ، وفي الحديث التاسع من أفراد

__________________

(١) ـ النور المشتعل من كتاب ما نزل ١٢٩ ـ ١٣٧ ؛ ذخائر العقبى ٨٩.

(٢) ـ سورة مريم : ٨٥ ، ٨٦.

(٣) ـ تأويل الآيات الظاهرة ٣٠١ ، ٣٠٢ ؛ وفيه : قال عليّ عليه‌السلام : من هؤلاء يا رسول الله؟ فقال : يا عليّ هم شيعتك وأنت إمامهم ، وهو قول الله عزوجل (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ ...) على الرّحائل ، (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ ...) وهم أعداؤك يساقون إلى النار.

(٤) ـ كذا في المتن.

(٥) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ٨٤ ، ٩٥ ، ١٢٨ ، و ٦ : ٢٩٢.

(٦) ـ العمدة لابن البطريق ٢١٨ ح ٣٤٣.

(٧) ـ المسند للحميديّ ١ : ٣١.

مسلم (١) ، وفي مشكاة المصابيح (٢) ، وفي الاستيعاب (٣) ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ عليه‌السلام : لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق.

وروى مسلم عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال : عهد إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لا يحبّني إلّا مؤمن ، ولا يبغضني إلّا منافق (٤).

ورواه أحمد في مسنده (٥) أيضا ، ورواه أحمد في الفضائل (٦) عن عبد المطّلب بن عبد الله بن خطيب ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته أوصيكم بحبّ ذي

__________________

(١) ـ صحيح مسلم ١ : ٥٥ ، ٨٦ كتاب الإيمان باب ٣٣ رقم ١٣١.

(٢) ـ مشكاة المصابيح ٣ : ١٧١٩ ح ٦٠٧٩ ؛ و ٣ : ١٧٢٢ ح ٦٠٩١.

(٣) ـ الاستيعاب ٣ : ٣٧.

(٤) ـ صحيح مسلم ١ : ٨٦ ح ٧٨ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٢٩٩ و ٣٠٦ ؛ سنن ابن ماجة ٤٢ ح ١١٤ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٨ ؛ فردوس الأخبار ٢ : ٢٢٧ ، ٥٢٢ و ٥ : ٤٠٨ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٧٤ ـ ١٨١ ؛ شرف النبيّ ٢٧٠ ؛ تاريخ بغداد ٢ : ٢٥٥ ، و ٤ : ٤١ ، تذكرة الخواصّ ٢٨ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٢ ؛ أنساب الاشراف ٢ : ٩٧ ، ١٥٣ ، ذخائر العقبى ٩١ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٨٩ ؛ نظم درر السمطين ١٠٢ ؛ المناقب للخوارزميّ ٣٢٦ ، رقم ٣٢٦ ؛ ترجمة الامام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ١ : ١٣٣.

الإرشاد للمفيد ١ : ٣٩ ؛ أمالي المفيد ٦٢ ؛ الخصال ٢ : ٣٦٢ ؛ تفسير الحبري ٣٥٠ ؛ بشارة المصطفى ١٤٨ ؛ تفسير فرات الكوفي ١١٥ ؛ نهج الإيمان ٤٥٣ ـ ٤٥٦ ؛ فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة ٢٩ ـ ٣٣ ؛ كتاب الولاية لابن عقدة ١٧٤ ؛ مائة منقبة ١٤٨ ؛ غوالي اللئالي ٤ : ٨٥ ؛ الثاقب في المناقب ١٢٣ ؛ أسرار الإمامة ٢٢٩ ، ٢٥٤ ، ٤١٥ ، ٤٥٩ ؛ وروى ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ٣ : ٢٣٩ ـ ٢٤٢ عن السيّد الحميريّ ، قال :

وجاء عن ابن عبد الله أنّا

به كنّا نميّز مؤمنينا

فنعرفهم بحبّهم عليّا

وإنّ ذوي النفاق ليعرفونا

ببغضهم الوصيّ ، ألا فبعدا

لهم ما ذا عليه ينقمونا؟

وممّا قالت الأنصار كانت

مقالة عارفين مجرّبينا

ببغض عليّ الهادي عرفنا

وحقّقنا نفاق منافقينا

 (٥) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ٩٥ ، و ٦ : ٢٩٢.

(٦) ـ تذكرة الخواصّ ٢٨ نقلا عن أحمد في الفضائل ، عن عبد المطّلب بن عبد الله بن حنطبة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبته : أوصيكم بحبّ ذي قرنيها أخي ...

قرابتي أقربها أخي وابن عمّي عليّ بن أبي طالب ، فإنّه لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق.

وأخرج الترمذيّ عن أمّ سلمة ، قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لا يحبّ عليّا إلّا مؤمن ، ولا يبغضه إلّا منافق.

قال الترمذيّ : هذا حديث حسن صحيح.

وفي رواية ، قال عليّ عليه‌السلام : والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة إنّه لعهد إليّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من أنّه لا يحبّني إلّا مؤمن تقيّ ، ولا يبغضني إلّا منافق شقيّ. وحكاها بعض الثقات عن الترمذيّ أيضا (١).

وعن النسائيّ (٢) ، وابن ماجة (٣) ، وقال الترمذيّ (٤) أيضا : كان أبو الدرداء يقول : ما كنّا نعرف المنافقين معشر الأنصار الّا ببغضهم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

ورواه أبو سعيد الخدريّ ، قال : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا ببغضهم عليّا (٥).

ورواه أبو ذر ، وقال : ما كنّا نعرف المنافقين إلّا بتكذيبهم الله ورسوله ، والتخلّف عن الصّلاة ، والبغض لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٦).

وعن عبادة بن الصامت قال : كنّا نبور ـ أي نختبر ـ أولادنا بحبّ عليّ بن أبي

__________________

(١) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٢٩٩ ، ٣٠٤.

(٢) ـ السنن للنسائيّ ٨ : ١١٥ ، ١١٦ ؛ خصائص الإمام عليّ عليه‌السلام للنسائي ٨٣.

(٣) ـ سنن ابن ماجة ١ : ٤٢ ، رقم ١١٤.

(٤) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٢٩٨ ؛ المناقب للخوارزميّ ٣٣٢ ؛ فرائد السمطين ١ : ٣٦٥ و ٣٦٦.

(٥) ـ الصواعق المحرقة ١٢٢ ؛ مختصر تاريخ دمشق ١٧ : ٣٧٠ ، ٣٧١ ؛ نظم درر السمطين ١٠٢ ؛ الدر المنثور ٦ : ٦٦ ؛ تاريخ الخلفاء ١١٥ ، ١٨٩ ؛ الفصول المهمّة ١٢٥ ؛ ذخائر العقبى ٩١.

(٦) ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٩ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٩٠ ؛ أنساب الأشراف ٢ : ٩٦ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٨٠ ؛ تذكرة الخواصّ ٢٨ ؛ كتاب فضائل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وكتاب الولاية للطبريّ ٥٧ ـ ٦٣ ؛ الأمالي للمفيد ٦٢ ؛ أسرار الإمامة ٢٩٠ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٣٩.

طالب عليه‌السلام ، فإذا رأينا أحدهم لا يحبّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام علمنا أنّه ليس منّا ، وأنّه لغير رشدة.

أورد هذه الأحاديث الثلاثة الشيخ شمس الدّين الجزريّ في أسنى المناقب (١) في فضائل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بأسانيد جيّدة. قال في حديث سعيد : رواه الترمذيّ وقال : غريب.

وفي حديث أبي ذر رواه الحاكم ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يبيّن شرح حديث عبادة ، إلّا أنّه أورده بإسناد حسن ، قال : ورد ذلك عن أبي سعيد الخدريّ أيضا ، ولفظه.

كنّا معشر الأنصار نبور أولادنا بحبّهم عليّا ، وإذا ولد فينا مولود فلم يحبّه ، عرفنا أنّه ليس منّا (٢).

وأورد حديث الترمذيّ في ذلك ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (٣) أيضا.

وفي نهج البلاغة عنه عليه‌السلام ، قال :

لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت

__________________

(١) ـ وقال محمّد بن يوسف الزرنديّ الحنفيّ في كتابه نظم درر السمطين ١٣٣ : سأل محمّد بن عليّ الباقر عليهم‌السلام جابر بن عبد الله الأنصاريّ لمّا دخل عليه عن عائشة وما جرى بينه وبين عليّ عليه‌السلام ؛ فقال له جابر : دخلت عليها يوما وقلت لها : ما تقولين في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام؟ فأطرقت رأسها ثمّ رفعته وقالت :

إذا ما التبر حكّ على المحكّ

تبيّن غشّه من غير شكّ

ففينا الغشّ والذّهب المصفّى

عليّ بيننا شبه المحكّ

وقال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن شهرآشوب في مناقبه ٣ : ٢٤٠ ، في خبر طويل : كان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ثمّ يقف على طريق عليّ عليه‌السلام فإذا نظر إليه أومأ بإصبعه [وقال :] يا بنيّ تحبّ هذا الرجل؟ فإن قال «نعم» قبله ، وإن قال «لا» خرق به الأرض ، وقال له : الحق بأمّك.

(٢) ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٩.

(٣) ـ تذكرة الخواصّ ٢٨.

الدّنيا بجمّاتها على المنافق على أن يحبّني ما أحبّني ، وذلك أنّه قضي فانقضى على لسان النبيّ الأمّيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : يا عليّ لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبّك منافق (١).

__________________

(١) ـ نهج البلاغة ١١٠٩ ، باب الحكم والمواعظ.

الآية السّابعة عشر

من طه ؛ قوله تعالى (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ٨٢.

فقد روى الفريقان (١) بنقل الثقات أنّ المراد ب «ثمّ اهتدى» : إلى ولاية عليّ وأهل البيت عليهم‌السلام.

رواه أصحابنا مستفيضا ، بل أجمعوا عليه : رواه القمّيّ (٢) ، والعيّاشيّ (٣) ، والكافي (٤) وغيرها عن الباقر عليه‌السلام ، قال : «ثمّ اهتدى» إلى ولايتنا أهل البيت.

وفي المجالس (٥) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال لعليّ عليه‌السلام [في حديث] : ولقد ضلّ من ضلّ عنك ولن يهتدي إلى الله من لم يهتد إليك وإلى ولايتك ، وهو قوله عزوجل (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ) الآية ، يعني إلى ولايتك.

__________________

(١) ـ شواهد التنزيل ١ : ٤٩١ ـ ٤٩٣ ؛ نظم درر السمطين ٨٦ ؛ النور المشتعل من كتاب ما نزل ١٤٢ ، ١٤٣.

الأمالي للصدوق ٣٩٩ ؛ بصائر الدرجات ٩٨ ؛ خصائص الوحي المبين ٤٢ ؛ مجمع البيان ٤ : ٢٣.

(٢) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ٦١.

(٣) ـ تفسير مجمع البيان ٧ : ٣٩ ، قال : أورده العيّاشيّ في تفسيره من عدّة طرق.

(٤) ـ الأصول من الكافي ١ : ١٨٢ ح ٦.

(٥) ـ الأمالي للطوسيّ ١ : ٢٦٥ ح ٤٧٣.

ورواه في المناقب (١) عن السّجاد عليه‌السلام ، وفي المحاسن (٢) عن الصّادق عليه‌السلام : يعني إلى ولايتنا أهل البيت.

ورواه من علماء الجمهور ابن حجر في صواعقه ، إنّ المراد «اهتدى» إلى ولاية أهل البيت (٣).

وفي خبر القمّيّ عن الباقر عليه‌السلام ، قال : ألا ترى كيف اشترط ولم ينفعه التوبة والإيمان والعمل الصالح حتّى اهتدى.

أقول : ويشهد بذلك أيضا ما رواه الفريقان بنقل الثقات في تفسير قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) أنّ المراد به صراط آل محمّد عليهم‌السلام (٤) ، ومنهاج عليّ عليه‌السلام.

ورواه الثعلبيّ في تفسيره (٥) ، بل أكثر أخبارنا أنّ المراد بالصراط المستقيم هو عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين والإمام. وفي رواية : نحن الصراط المستقيم (٦).

__________________

(١) ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ١٠٣.

(٢) ـ المحاسن ١٤٢ ، ح ٣٥.

(٣) ـ الصواعق المحرقة ١٥٣ ؛ جواهر العقدين ٣٣٥ ، وفيه : حبّ عليّ يأكل كل الذنوب كما تأكل النار الحطب.

(٤) ـ شواهد التنزيل ١ : ٧٤ ـ ٨٥ ؛ الطرائف ٩٦.

(٥) ـ تفسير الثعلبيّ ١ : ١٢٠.

(٦) ـ معاني الأخبار ٣٢ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٠ ؛ اللوامع النورانيّة ٨.

الآية الثامنة عشر

من طه ؛ قوله تعالى حكاية عن موسى عليه‌السلام (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) أي قوّني (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) الآية : ٢٩ ـ ٣٢.

روى من علماء الجمهور أبو نعيم الحافظ في الحلية (١) عن ابن عبّاس ، قال : أخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ عليه‌السلام ـ ونحن بمكّة ـ وصلّى أربع ركعات ، ثمّ رفع بيديه إلى السّماء ، فقال : اللهمّ إنّ موسى بن عمران سألك ، وأنا محمّد نبيّك أسألك أن تشرح صدري وتحلّل عقدة من لساني يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيرا من أهلي عليّ بن أبي طالب أخي ، أشدد به أزري وأشركه في أمري ـ إلى هنا رواه أحمد بن حنبل (٢) أيضا ـ وزاد في «الحلية» قال ابن عبّاس : فسمعت مناديا ينادي : يا أحمد قد أوتيت ما سألته.

أقول : وهذا نصّ في الإمامة ، والخلافة ، لقوله (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي). وبالجملة فيه فوائد : أنّ عليّا عليه‌السلام ينوب عنه في البيان ، كما كان لهارون من موسى.

وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فوّض الأمر إلى الله سبحانه وتعالى وسأله أن يجعله وزيرا ونائبا

__________________

(١) ـ حلية الأولياء ٧ : ١٩٠ ، ١٩٦ ؛ النور المشتعل من كتاب ما نزل ١٣٨ ـ ١٤١.

(٢) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٧٧ و ١٨٥ ؛ و ٦ : ٤٣٨.

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأعطاه سؤله ، وهذا يفيد أنّ أمر الخلافة إنّما هو إلى الله لا إلى الرعيّة ؛ كما يقوله الملحدون.

وأنّه جعله وزيرا له ، والوزير هو الّذي عليه ما على الملك من ثقل تحمّل السياسة المدنيّة على القوانين العقليّة ، والمراد هنا هو الّذي يحتمل عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان عليه من تبليغ الرّسالة والسياسات الشرعيّة والنواميس الإلهيّة ، وهو المعنى للإمامة والخليفة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال بعض المحقّقين : تفويض هذا الأمر إلى الله تعالى يدلّ على أنّه أمر تكويني لا تكليفي (١) ، ووزارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بحسب التكوين ، فلا يمكن عزله ، لا جرم فوّض الأمر إلى العالم بالسرائر والعواقب في حياته ووفاته ، وأصل الآية قول موسى عليه‌السلام : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي) الآية ، يدلّ على أنّ الخلافة أمر مفوّض إلى الله تعالى ليس لأحد ـ ولو مثل موسى بن عمران ـ صنع فيه ؛ فقول المخالفين «أنّ الخلافة أمر مفوّض إلى الرعيّة ، فإذا اختار واحدا كأبي بكر كان خليفة» شطط من القول وزور مخالف لكتاب الله وسنن الأنبياء.

وأمّا قوله تعالى في المشاورة : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (٢) ، فإنّه لا يدلّ على قبول قولهم ، ولذا لم يقل فإذا رأوا شيئا خيرا فوافقهم. كيف وهو أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بمتابعة أمّته ، فيكون هو رعيّتهم وهم مرسلون إليه لا أنّه أرسل إليهم ، وقد قال الله تعالى (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٣) ، بل الغرض في الأمر بالمشاورة إنّما هو

__________________

(١) ـ أسرار الإمامة ١٣٥ ـ ١٤٠ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٦٨ ـ ١٧١.

(٢) ـ آل عمران : ١٥٩.

والمشاورة والمشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض من قولهم «شرت العسل» إذا اتّخذته من موضعه واستخرجته منه. (المفردات للراغب ٢٧٠).

(٣) ـ الأحزاب : ٣٦.

تأليف قلوبهم وتفهيم الحقيقة.

ثمّ إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله طلب الوزارة لأهله ، كموسى ، فخرج الأمر من غير أهله ، ثمّ فسّره بعليّ ليكون نصّا في المطلوب. ثمّ إنّه قال كما قال موسى في هارون «أشركه» أي عليّا «في أمري» في شغلي وشأني وهو تبليغ النواميس الإلهيّة والشرائع الدينيّة والسّياسات الشرعيّة ، فيكون هذا نصّا في المطلوب ، تصريحا بما علم تلويحا من جعله وزيرا ، وقوله تعالى (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي) إشارة لطيفة على اشتراط العصمة في الوزير (١) كما دلّت آية التطهير على طهارة أهل بيته من رجس الآثام وزلل الاقدام. قد تواترت [في ذلك] الأخبار من الفريقين ، كما ستعرفها إن شاء الله تعالى ، مع أنّ نيابة غير المعصوم للمعصوم قبيح في العقول ، ثمّ في تعيّن عليّ عليه‌السلام للوزارة عنه والمشاركة في أمره وشغله دلالة [على] أنّه أكمل الأمّة وأليقهم بالخلافة والوزارة وقيامه مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ القيام مقام النبوّة ليس إلّا الولاية العامّة.

وقوله «أخي» نصّ على أخوّته المحمولة على الحسبي في الصفات ، ومكارم الأخلاق ، وقوله (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) دليل على أنّه مماثل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نيابة لا أصلا واستقلالا ، فإنّ شدّ الأزر لا يكون إلّا من الأقوى أو المماثل ، والأوّل باطل ،

__________________

(١) ـ أخرج الفريقان أنّ هذه الآيات نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ انظر : معاني الأخبار ٧٤ ـ ٧٩ ؛ أمالي الطوسي ٢ : ٢٥٥ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ١١٨ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢٢٩ ؛ خصائص الوحي المبين ١٣٩ ؛ الطرائف ٥١ ، ١٣٣ ؛ كشف اليقين ٢٧٩ ؛ الرسالة السعديّة ٢٤ ؛ كنز الفوائد ٢٧٤ ؛ إعلام الورى ١٧١.

سنن الترمذيّ ٥ : ٦٣٨ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٤٢ ؛ المعجم الكبير ١ : ١٠٨ ـ ١١٠ ؛ خصائص النسائي ٧٦ ـ ٩٥ ؛ كفاية الطالب ٢٤٨ ؛ الصواعق المحرقة ١١٩ ؛ الدرّ المنثور ٤ : ٢٩٥ ؛ التفسير الكبير ١٢ : ٢٦ ؛ تفسير ابن كثير ٣ : ٣٥٠ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازلي ٣٢٨ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٤٧٨ ـ ٤٩٠ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٠٨ ، ١٠٩ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٦٣ ؛ تاريخ بغداد ١ : ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، و ٨ : ٥٢ ، ٥٣ ؛ تفسير الطبريّ ١٩ : ٧٤.

الثاني ، فيكون هذا من مفاهيم أخوّته وأنّه ليس مماثل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا الوليّ.

وليس المراد بالمشاركة ، مشاركة عليّ عليه‌السلام في النبوّة لتعذّره وظهور أفراد أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكنّ القرينة القاطعة قائمة في المقام بعدم الإرادة ، فإنّ قوام أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هو بأمرين : جهة عالية قدسيّة يتلقّى الوحي بها عن الله ، وجهة سافلة إنسيّة يلقيه إلى عباد الله ، والخليفة شريكه في جهة الإلقاء لا التلقّي عن الله.

على أنّا نقول : كلّ نبيّ ووليّ يتلقّى الحكم عن الله تعالى ، لكن النبيّ [يتلقّى] مستقلّا ، وبلا واسطة بشر ، وبوحي ، والخليفة [يتلقّى] فرعا وبواسطة نور النبوّة وبإلهام ، وكلاهما إمامان للخلق ، لكنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أصلا ، والوليّ فرعا ونيابة.

وتفسير الإمامة بالنيابة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اصطلاح. ألا ترى أنّ الله تعالى كيف قال لإبراهيم عليه‌السلام : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) ثمّ فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) هذا وقوله هنا دليل على تأويل الآية في حقّه وحقّ عليّ عليه‌السلام بما هو في سؤال موسى لهارون ، فكلّ ما كان لهارون من موسى كان لعليّ من محمّد صلوات الله عليهم أجمعين ، ويشهد به أخبار المنزلة كما سلفت.

إن قلت : هارون كان خليفة لموسى في حياته ، والمطلوب خلافة عليّ عليه‌السلام في وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا دلالة لها في ذلك.

قلت : خلافة هارون من موسى لم تكن مقيّدة بزمان حياة موسى عليه‌السلام ؛ بل كانت مطلقة ، بحيث لو كان عاش كان خليفة له بعد وفاة موسى ، وإنّما حال الموت بين هارون عليه‌السلام والخلافة بعد موسى. وكذلك كان حال عليّ عليه‌السلام من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يقع موت لعليّ عليه‌السلام في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبقي خليفة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته من جهة

__________________

(١) ـ البقرة : ١٢٤.

(٢) ـ معاني الأخبار ١٣٠ و ١٣١.

اطلاق الدليل وعدم النسخ والاستصحاب ، مضافا إلى الإجماع المركّب ، إذ كلّ من قال بخلافته عليه‌السلام في حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله قال بخلافته عنه بلا فصل بعد وفاته ولم يقدّم عليه غيره. وكلّ من قال بخلافة غيره قبله ، لم يقل بخلافة غيره في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتعيّن خلافته عليه‌السلام بالنصّ الجليّ في حياته ، فثبت بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله بالإجماع المركّب من الأمّة ، ثمّ قوله : «من أهلي عليّا أخي» نصّ على أنّ عليّا عليه‌السلام أهله في آية التطهير. والحمد لله على أوّل النعم.

ثمّ عرفت أنّ عليّا عليه‌السلام مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قائم بالبيان والتبليغ ، لكن نيابة عنه ، وربّما دلّ عليه أيضا قوله تعالى في سورة الأنبياء (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) (١) (٢). وقد علمنا أنّ قبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما هو من سلف من الأنبياء ، وأمّا من معه ليس إلّا من سأل ربّه أن يشركه في أمره ، وهو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

__________________

(١) ـ الأنبياء : ٢٤.

(٢) ـ تأويل ما نزل من القرآن الكريم ١٥٣ وفيه : عن مولانا أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، في قول الله عزوجل (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) ، قال : «ذكر من معي» عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؛ و (ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام. وانظر أيضا : تأويل الآيات الظاهرة ٣٢١ ؛ اللوامع النورانيّة ٢١٨ ؛ تفسير البرهان ٣ : ٥٦.

الآية التاسعة عشر

من سورة النور ؛ قوله تعالى (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) ـ إلى قوله تعالى ـ (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) ٣٥.

فقد روى الفريقان أنّ المراد بنوره الّذي يهدي الله [إليه] من يشاء هو الأئمّة من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأولاده الطّاهرين.

أمّا الخاصّة : فقد رووه بألفاظ مختلفة وعبارات شتّى وتفاصيل حسنة لا تخفى على الخبير البصير (١).

وأمّا العامّة : فقد رواه ابن المغازلي الشافعي في مناقبه عن الحسن البصريّ أنّها تنظير لآل الرّسول ؛ «يهدي الله لنوره» ، قال : يعني بولايتهم ، معلوم أنّ عليّا عليه‌السلام أفضل الآل ، وهذا منصب الإمام أو النبيّ ، [و] حيث فقد الثاني تعيّن الأوّل (٢).

__________________

(١) ـ الأصول من الكافي ١ : ١٩٥ ؛ التوحيد للصدوق ١٥٨ ؛ أسرار الإمامة ٢٧ ، ١٣١ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢٠٧ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ١٠٣ ؛ مجمع البيان ٤ : ١٤٤ ؛ الطرائف ١٣٥.

(٢) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازليّ ٣١٧ ؛ العسل المصفّى من تهذيب زين الفتى ٢ : ٢٧٧.

وقد روى ابن المغازلي الحديث عن عليّ بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، وقد وهم ابن المغازلي ، فذكر أنّ عليّ بن جعفر روى عن الحسن (يقصد البصريّ). انظر كلام العلّامة المجلسي في بحار الأنوار ٢٣ : ٣١٦.

الآية العشرون

من سورة النور أيضا : قوله تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) ـ إلى ـ (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) ٣٦

. فقد روى الفريقان أنّها هي بيوت الأنبياء ، والمراد هنا بيوت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والرجال فيها أهل بيته.

أمّا الخاصّة : ففيه أخبار كثيرة (١).

وأمّا العامّة : فقد رواه الثعلبيّ بإسناده عن أنس بن مالك وبريدة ، قال : سأل أبو بكر النبيّ : وهذا البيت منها؟ يعني بيت عليّ وفاطمة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم ، من أفاضلها (٢).

وأنت خبير بأنّ عليّا إذا كان نور الله ، فكان معنى قوله تعالى في ذيل آيتين بعد

__________________

(١) ـ كشف الغمّة ١ : ٣١٩ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ١٠٤ ؛ تأويل ما نزل من القرآن الكريم ١٨٥ ؛ خصائص الوحي المبين ٥٠ ؛ مجمع البيان ٤ : ١٤٤ ؛ أسرار الإمامة ٢٧ ، ١٣١ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ١٩٩ ؛ كشف اليقين ٣٧٧ ؛ منهاج الكرامة ١٢١ ؛ العمدة لابن البطريق ٢٩١ رقم ٤٧٨.

(٢) ـ تفسير الثعلبيّ ٧ : ١٠٧ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٥٣٢ ـ ٥٣٤ ؛ الدرّ المنثور ٥ : ٥٠ ؛ مجمع البيان ٤ : ١٤٤ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ١٠٤ ؛ أسرار الإمامة ٢٧ ، ١٣١.

هاتين (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (١) من لم يهتد إلى نوره ـ وهو عليّ عليه‌السلام ـ بتوفيقه للقبول ، فما له من نور في القيامة يهتدي به إلى الجنّة ، كما قال تعالى في حقّ شيعة عليّ عليه‌السلام (٢) : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) (٣) الآية. وفي آية (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) (٤) الآية.

تلويح إليه أيضا ، فإنّ هذه الآية إنّما هي في المنافقين من هذه الأمّة ، والنّور المذكور إنّما هو نور ولاية آل محمّد عليهم‌السلام ، والسّور بينهم وبين الجنّة إنّما هو ولايتهم ، صارت حجابا للمنافقين عن الرّحمة ، حصنا للمؤمنين عن العذاب ؛ وبابه هو باب مدينة العلم ، باطنه ـ وهو الولاية ـ فيه الرّحمة كلّها ، وظاهره وهو خلاف الباطن [أي خلاف] الولاية ، ـ يعني إنكارها ـ من قبله العذاب كلّه ، تدبّر في الآية واغتنم واحمد الله على أوّل النعم.

__________________

(١) ـ النور : ٤٠.

(٢) ـ تأويل ما نزل من القرآن ٣٦٢ وفيه : عن صالح بن سهل قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وهو يقول : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) ، قال : نور أئمّة المؤمنين يوم القيامة يسعى بين أيديهم وبأيمانهم حتّى ينزلوا بهم منازلهم من الجنّة.

(٣) ـ الحديد : ١٢.

(٤) ـ الحديد : ١٣.

الآية الإحدى والعشرون

من سورة النّور أيضا ؛ قوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني حيث جعلهم خلفاءه على الأرض (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) ٥٥.

فقد روى الفريقان ما يقتضي اختصاصها بعليّ وأولاده الطاهرين عليهم‌السلام.

أمّا الخاصّة : ففي الكافي (١) ، عن الصّادق عليه‌السلام : هم الأئمّة.

وعن الباقر عليه‌السلام (٢) : ولاة الأمر من بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والقمّيّ (٣) ، ومجمع البيان (٤) : نزلت في القائم من آل محمّد عليهم‌السلام.

ولا منافاة ، لأنّه وعد من الله تعالى لم يظهر تأويله في زمان القائم عجّل الله فرجه ، وأيّام الرّجعة ، وهذه من الآيات الدالّة على ثبوت الرّجعة ، ضرورة عدم

__________________

(١) ـ الأصول من الكافي ١ : ١٩٤.

(٢) ـ ينابيع المودّة ٣ : ٢٤٥ ، وفيه : روي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام نزلت في القائم عليه‌السلام وأصحابه.

(٣) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ١٠٣ ، ١٠٤.

(٤) ـ كمال الدين وتمام النعمة ٢٥٣ ؛ تفسير فرات ١٠٣ ؛ إعلام الورى ٣٧٥ بتفاوت ؛ خصائص الأئمّة ٣٩ ؛ الطرائف ٩٦ ؛ الإفصاح في الإمامة ٩٠ ـ ٩٢ ؛ مجمع البيان ٤ : ١٥١ و ٢٥٢.

ثبوت تأويله إلى يومنا هذا وفي أيّام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا بدّ من ظهوره في يوم ما ، ولا يناسب إلّا مذهب الشيعة من ثبوت قيام القائم والرّجعة (١) ، فتدبّر.

وأمّا العامّة (٢) : فقد روى منهم الحافظ الشيرازيّ عن ابن مسعود ـ وهو من

__________________

(١) ـ أجمع علماء الشيعة على الاعتقاد بالرّجعة ، وهي من مسلّمات عقائدهم. والرّجعة بمعنى عود جماعة قليلة إلى الحياة الدنيويّة قبل يوم القيامة ، ثمّ موتهم وحشرهم مجدّدا يوم القيامة ، وليست [الرجعة] شيئا يضادّ أصول الإسلام. وكيف لا تكون كذلك وقد أخبر سبحانه عزوجل عن رجوع جماعة إلى الحياة الدنيويّة ، نظير : إحياء جماعة من بني إسرائيل (البقرة : ٥٥ : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).) ، وإحياء قتيل بني إسرائيل (البقرة ٧٣ : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ ...)) ، وموت ألوف من الناس وبعثهم من جديد (البقرة ٢٤٣ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ ...)) ، وبعث عزير بعد مائة عام من موته (البقرة ٢٥٩ : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ...)) ، وإحياء الموتى على يد عيسى عليه‌السلام (آل عمران ٤٩ : (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ ...)). فلو كان الاعتقاد برجوع بعض الناس إلى الدّنيا قبل القيامة أمرا محالا ، فما معنى هذه الآيات الصريحة في رجوع جماعة إليها؟

وتعتقد الشيعة بالرجعة في حقّ جماعة خاصّة ، وأمّا خصوصيّاتها ، فلم يحدّث عنها القرآن الكريم ، وجاء التفصيل عنها في السنّة ، وقد سأل المأمون العبّاسي الإمام الرّضا عليه‌السلام عن الرّجعة ، فأجابه بقوله : إنّها حقّ قد كانت في الأمم السّالفة ونطق بها القرآن ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يكون في هذه الأمّة كلّ ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة (أسرار الإمامة ٩٨ ؛ الرسائل العشر ١٢٧ ؛ وانظر مؤدّاه في سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٢٢ ؛ تاريخ بغداد ٤ : ٤١٨ ؛ إعلام الورى ٤٤٥ ؛ احقاق الحقّ ٤ : ٨٤.)

وأمّا من هم الراجعون؟ وما هو الهدف من إحيائهم؟ فيرجع فيه إلى الكتب المؤلّفة في هذا الموضوع.

واجمال الجواب عن الأوّل : أنّ الراجعين لفيف من المؤمنين ولفيف من الظالمين ، وقال المفيد ناقلا عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام : إنّما يرجع إلى الدّنيا عند قيام القائم عليه‌السلام من محض الإيمان أو محض الكفر محضا ، وأمّا ما سوى هذين فلا رجوع لهم إلى يوم المآب (تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد ٤٠.). وقال أيضا في المسائل السّرويّة ٣٥ : والرّجعة عندنا تختصّ بمن محض الإيمان ومحض الكفر ، دون ما سوى هذين الفريقين.

واجمال الجواب عن الثاني : إنّ الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف قوما ممّن كان تقدّم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ومشاهدة دولته ، ويعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٩١ ؛ مستدرك الوسائل ٢ : ٥٨٧ ؛ بحار الأنوار ٥٣ : ١٣٦ ، ١٣٨.

(٢) ـ شواهد التنزيل ١ : ٥٣٦ ؛ تفسير الطبريّ ١٨ : ١٢٢ ؛ تفسير القرطبيّ ١٢ : ٢٩٧ ؛ نهج الإيمان ٣٨٩

أجلّة المفسّرين عندهم ، في تفسيره ـ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : وقعت الخلافة من الله تعالى لثلاثة نفر : آدم عليه‌السلام في قوله تعالى (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ؛ وداود عليه‌السلام في قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً) ؛ وعليّ عليه‌السلام في قوله تعالى (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) الآية. قال ابن مسعود : فمن كفر بعد ذلك بولاية عليّ عليه‌السلام ، فأولئك هم الفاسقون.

أقول : لو لم يكن المراد عليّا عليه‌السلام ، لما صدق الاتّفاق على أنّ الثلاثة المتقدّمة عليه باختيار الأمّة لم يكونوا خلفاء من الله تعالى ولا من رسوله.

لكن قال الرازي (١) : جمع الضمير يناسبهم ، ويدفعه جواز رجوعه إلى عليّ وأولاده عليهم‌السلام ؛ كما هو من طريقتنا ، واستدلّ به في شرح الطوالع (٢) على صحّة خلافة الثلاثة ، وهو بمنزل [بعيد] عن التحقيق لعدم ظهور تأويله في زمانهم ، إذ النصّ فيه دفع الشرك والتقيّة بالمرّة ، لأنّ قوله تعالى (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) معناه يعبدونني عبادي لا يشركون بي شيئا ، ولم يرتفع الكفر والشرك إلى اليوم ، وإرجاع ضمير (يَعْبُدُونَنِي) و (لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) إلى (الَّذِينَ آمَنُوا) تناقض ، وهذا ما وعد [الله تعالى به] نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ليظهره على الدّين كلّه.

ولا ريب أنّه لم يأت تأويله ؛ بل يكون في زمان القائم عجّل الله فرجه ، وهو الّذي روى الفريقان [فيه] عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه : لو لم يبق من الدّنيا إلّا يوم ، لطوّل الله

__________________

٣٩٦ ، وفيه : رواه محمّد بن موسى الشيرازيّ ، عن علقمة بن مسعود ، قال : وقعت الخلافة من الله عزوجل في القرآن لثلاث نفر : آدم عليه‌السلام بقوله تعالى (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) يعني آدم ـ البقرة : ٣٠ ـ والخليفة الثاني داود عليه‌السلام لقوله تعالى (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) يعني أرض بيت المقدّس ـ سورة ص : ٢٦ ـ والخليفة الثالث أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في السورة الّتي يذكر فيها النور (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ـ إلى قوله تعالى ـ (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) الآية.

(١) ـ التفسير الكبير.

(٢) ـ وهو نظام الدين الشافعيّ. وانظر كلام البياضيّ في ردّه. (الصراط المستقيم ٢ : ١١).

تعالى ذلك اليوم حتّى يلي رجل من عترتي اسمه اسمي ، يملؤ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا (١).

وأيضا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أخبار الفريقين في خبر «إنّي تارك فيكم الثقلين خليفتين ، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السّماء ـ أو قال إلى الأرض ـ وعترتي أهل بيتي ؛ إلّا وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض» (٢).

رواه الثعلبيّ في تفسيره بإسناده عن أبي سعيد الخدريّ ، [و] فيه دلالة على أنّ العترة هم خلفاء الرسول بعده. ولو كان المراد بالاستخلاف في الآية استخلافه تعالى لغير العترة ، لما أقدم الرسول على جعل العترة خلفاء.

ويشهد بما ذكرناه حديث جعل عليّ عليه‌السلام بمنزلة هارون من موسى ، وحديث استخلافه في غزوة تبوك ، ولم يفعل مثله لهؤلاء الثلاثة قطّ ، مع أنّ قوله تعالى (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) والدّين المرضيّ هو المذكور في قوله تعالى (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً). وقد مرّ بنصّ الفريقين أنّ المراد هو تسليم ولاية عليّ عليه‌السلام في شأن نزول (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) الآية.

__________________

(١) ـ مسند أحمد ١ : ٩٩ ؛ و ٣ : ٣٦ ، ٧٠ ، ٣٧٦ ؛ سنن الترمذيّ ٣ : ٣٤٣ ؛ سنن أبي داود ٣ : ٣٠٩ و ٣١٠ ؛ البيان في أخبار صاحب الزمان عليه‌السلام للكنجيّ الشافعيّ ٨٦ ؛ مشكاة المصابيح ٣ : ١٥٠١ ؛ الفصول المهمّة ٣٩٤ ؛ تذكرة الخواصّ ٣٦٣ ، ٣٦٤ ؛ ذخائر العقبى ١٣٦ ؛ الصواعق المحرقة ٢٠٨ ؛ مصابيح السنّة ٣ : ٤٩٢ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ٥٥٧ ؛ الدرّ المنثور ٧ : ٤٢٤ ، ٤٢٧ ؛ كمال الدّين ٢٨٠ ؛ الطّرائف ١٧٦ ـ ١٨٠ ؛ العمدة لابن البطريق ٤٣٣ ـ ٤٤٠ ؛ أسرار الإمامة ١١١ ، ١٨٧.

(٢) ـ سبق إخراج مصادر الحديث.

الآية الثانية والعشرون

من سورة الفرقان ؛ قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) ٥٤.

فقد روى من أعلام الفريقين : الشيخ أبو عليّ من الخاصّة في مجمع البيان (١) ، والثعلبيّ (٢) من العامّة في تفسيره ، عن ابن سيرين ـ وهو من التابعين وقوله حجّة عندهم ـ أنّها نزلت في النبيّ وعليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام زوج فاطمة عليها‌السلام ، وهو ابن عمّه وزوج ابنته ، فكان نسبا وصهرا ، فدلّت الآية على أنّ قرابة عليّ عليه‌السلام من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نسبيّ وسببيّ ـ ولا ريب أنّها لعلّها سبقت لبيان كمال الاعتناء بقرابته ـ وإخراج عبّاس لكونه نسبا فقط ، وعثمان لكونه سببا فقط ، فلم يكونا من أهل بيته في آية التطهير ، مضافا إلى النصّ والإجماع.

في معاني الأخبار عن الباقر عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء ، احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في

__________________

(١) ـ الأمالي للطوسيّ ١ : ٣١٩ ، ٣٢٠ ؛ مجمع البيان ٤ : ١٧٥ ؛ منهاج الكرامة ١٤٢ ؛ العمدة لابن البطريق ٢٨٨ رقم ٤٦٤ ؛ كشف اليقين ٣٩٢ ؛ اللوامع النورانيّة ٢٦٠ ، ٢٦١.

(٢) ـ تفسير الثعلبيّ ٧ : ١٤٢.

دينكم ... وأنا الصّهر ، يقول الله عزوجل (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) (١).

أقول : الّذي يختلج بالبال في رفع الاشكال أمران :

أحدهما : أن يكون الغرض بيان أنّ تزويج فاطمة من عليّ عليه‌السلام كان بقضاء من الله وأمره (٢). ليكون نسل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من صلب عليّ عليه‌السلام في مجمع البحرين : بحر ماء النبوّة وبحر ماء الفتوّة ، وهي الولاية ، [و] ستعرفه إن شاء الله في (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ).

والثاني : أن يكون الغرض منه الإشارة إلى اتّحاد محمّد وعليّ عليهما‌السلام في النور والحقيقة الإلهيّة ، ففي الأمالي : عن أصحابنا بإسناده إلى أنس بن مالك ـ من الصحابة المخالفين لعليّ عليه‌السلام ـ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : قلت له : يا رسول الله ، عليّ أخوك؟ قال : إنّ الله عزوجل خلق ماء تحت العرش قبل أن يخلق آدم بثلاث

__________________

(١) ـ معاني الأخبار ٥٨ ـ ٦٠.

(٢) ـ مسند أحمد ١ : ٨٤ ، ٩٣ ، ١٠٦ ، ١٠٨ ؛ الإصابة ٢ : ٨١ ؛ نظم درر السمطين ١٨٦ ؛ المناقب للخوارزميّ ٣٣٦ ـ ٣٤٣ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ٣٣٠ ـ ٣٣٧ ؛ فرائد السمطين ١ : ٩٠ ؛ كفاية الطالب ٢٦٤ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٨٣ ؛ الصواعق المحرقة ٨٤ ، ٨٥ ؛ الذرّيّة الطاهرة للدولابيّ ٩٣ ـ ٩٨ ؛ كشف اليقين ١٩٥ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣٤٨ ، ٣٩٥ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ١٠٥ ـ ١٠٩ ؛ كتاب الولاية لابن عقدة ١٦٨ ، ١٧١ ؛ منهاج الكرامة ١٤٢ ؛ الطرائف ٧٦ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٣٩٣ ـ ٤٠٥ ، وفيه : للسيّد الحميري :

نصب الجليل لجبرئيل منبرا

في ظلّ طوبى من متون زبرجد

شهد الملائكة الكرام وربّهم

وكفى بهم وبربّهم من شهّد

وتناثرت طوبى عليهم لؤلؤا

وزمرّدا متتابعا لم يعقد

وفيه أيضا للعبديّ :

وزوّج في السماء بأمر ربّي

بفاطمة المهذّبة الطّهور

وصيّر مهرها خمسا بأرض

لما تحويه من كرم وحور

فذا خير الرجال وتلك خير

النساء ومهرها خير المهور

آلاف عام ، وأسكنه في لؤلؤة خضراء في غامض علمه ، إلى أن خلق آدم ، فلمّا خلق آدم نقل ذلك الماء من اللؤلؤ فأجراه في صلب آدم الى أن قبضه الله تعالى ، ثمّ نقله إلى صلب شيث ، فلم يزل ذلك الماء ينقل من ظهر إلى ظهر حتّى صار في عبد المطلب ، ثمّ نصفه عزوجل نصفين ، فصار نصفه في أبي عبد الله بن عبد المطلب ، ونصف في أبي طالب ، فأنا من نصف الماء ، وعليّ من النصف الآخر ، فعليّ أخي في الدنيا والآخرة ، ثمّ قرأه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) (١).

وفي روضة الواعظين (٢) ما يقرب منه. وعلى هذا فمعنى الآية (هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ) ذلك الماء المعهود المكنون تحت عرشه (بَشَراً فَجَعَلَهُ) أي قسم ذلك الماء المكنون المنقول في الأصلاب في صلب عبد المطلب «نسبا» وهو محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من عليّ عليه‌السلام «وصهرا» وهو عليّ من محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعالم العالم (٣).

__________________

(١) ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ ٣١٣ ؛ فردوس الأخبار ٢ : ٣٠٥ ؛ المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٤١ ؛ كفاية الطالب ٢٨٠ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٦٤ ؛ ذخائر العقبى ١٦ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٧١ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٤٥ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٨٨ ؛ فرائد السمطين ١ : ٤٣ ؛ الخصال ٢ : ٤٣٧ ؛ الطرائف ١٥ ، ١٦.

(٢) ـ روضة الواعظين ٧١ ، ٨٣.

(٣) ـ خصائص الوحي المبين ١٣٢ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٥٣٨ ؛ الصواعق المحرقة ١٥٨ ؛ الفصول المهمّة ٢٨ ؛ ذخائر العقبى ٣١.

الآية الثالثة والعشرون

من سورة الشعراء ؛ قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه‌السلام : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) ٨٤.

فقد روى الفريقان أنّ المراد بلسان الصدق المسئول هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام رواه القمّيّ (١) من الخاصّة ، وابن مردويه (٢) من العامّة ، قال العاميّ : لما عرضت ولاية عليّ عليه‌السلام على إبراهيم عليه‌السلام ، قال : اللهمّ اجعله من ذرّيتي ، ففعل الله ذلك ، فالمعنى واجعل لي لسان صدق ذريّة صادقة في الآخرين ، يقيمون أصول ديني ويدعون الناس إلى ما كنت عليه ، وهم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ والأئمّة من ذريّتهما عليهم‌السلام. ويشهد بصحّة هذا قوله تعالى في موضع آخر (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) (٣) بناء على كون عليّا اسما علما بدلا من «لسان صدق» ، وهو المرويّ من طريق أصحابنا (٤) ، كما في دعاء الندبة (٥) وغيره لا وصفا ، والأوّل أظهر وأنسب.

__________________

(١) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ١٢٣ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩٩.

(٢) ـ مفتاح النجا ٤١ ؛ أرجح المطالب ٧١ ؛ مناقب المرتضويّ ٥٥.

(٣) ـ سورة مريم : ٥٠.

(٤) ـ كشف الغمّة ١ : ٣٢٠ ؛ أسرار الإمامة ١٨١.

(٥) ـ في قوله «... وبعض اتّخذته لنفسك خليلا ، وسألك لسان صدق في الآخرين فأجبته وجعلت ذلك عليّا ...».

الآية الرابعة والعشرون

من سورة الشعراء أيضا ؛ قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ٢١٤.

فقد روى الفريقان (١) في شأن نزولها ما نصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على خلافة عليّ عليه‌السلام ووصايته ؛ ففي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ ، قال لمّا نزلت جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بني هاشم ، وهم أربعون رجلا ، كلّ واحد منهم يأكل الجذع ويشرب القربة ، فاتّخذ لهم طعاما بحسب ما أمكن ، فأكلوا حتّى شبعوا ، فقال رسول الله : من يكون وصيّي ووزيري وخليفتي؟ فقال لهم أبو لهب : جزما سحركم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتفرّقوا. فلمّا كان اليوم الثاني أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ففعل بهم مثل ذلك ثمّ سقاهم اللبن حتّى رووا ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّكم يكون وصيّي ووزيري وخليفتي؟ فقال أبو لهب : جزما سحركم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتفرّقوا فلمّا كان اليوم الثالث أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ففعل

__________________

(١) ـ علل الشرائع ١٧٠ ؛ الأمالي للطوسيّ ٥٨٢ ؛ المجلس ٢٤ ؛ عيون أخبار الرضا ٢ : ٢٠٩ ؛ مجمع البيان ٤ : ٢٠٦ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٣١ ؛ العمدة لابن البطريق ٧٦ ؛ منهاج الكرامة ١٤٧ ، ١٤٨ ؛ أسرار الإمامة ٢٨١ ؛ صحيح مسلم ١ : ١١٨ ح ٣٥٥ ؛ تفسير الطبري ١٩ : ٦٨ ؛ تاريخ الطبري ٢ : ٦٣ ؛ معالم التنزيل ٥ : ١٠٥ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢١٠ ، ٢١١ ؛ نظم درر السمطين ٨٢ ، ٨٣ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٥٤٢ ـ ٥٤٧ ؛ كفاية الطالب ١٧٧ ـ ١٧٩ ؛ مجمع الزوائد ٨ : ٣٠٢ باب معجزاته في الطعام وبركته فيه ؛ تذكرة الخواصّ ٣٨ ؛ الصواعق المحرقة ١٥٧.

لهم مثل ذلك ، ثمّ سقاهم اللبن ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّكم يكون وصيّي ووزيري وينجز عداتي ويقضي ديني؟ فقام عليّ عليه‌السلام ـ وكان أصغرهم سنّا ، وأحمشهم ساقا (١) وأقلّهم مالا ـ فقال : أنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت هو (٢).

ومن الجمهور رواه أحمد بن حنبل في مسنده (٣) ، عن ابن عبّاس بعدّة طرق ، والثعلبيّ (٤) في تفسيره مرفوعا إلى البراء بن عازب ، والرازي (٥) أيضا في تفسيره ، وابن المغازلي (٦) في مناقبه ، وابن عقدة (٧) في رسالته في شأن نزول هذه الآية ، وفيما رووه قال عليّ عليه‌السلام في المراتب الثلاثة : أنا يا رسول الله ، ولم يقدم غيره : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت هو. وفي بعض الروايات : فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب عليه‌السلام : أطع ابنك فإنّه أمّره عليك.

وهذا نصّ في خلافته لا مجال لإنكاره ، وظاهر الخلافة بلا فصل ، فيكون خليفة على الثلاثة أيضا ، مع أنّ الخلافة لعليّ عليه‌السلام إذا كانت بنصّ الرسول فكان إجماع الأمّة على أبي بكر عن اجتهاد غلط ، فكان باطلا ، وهو الظاهر. وهذه القصّة مشهورة بين الفريقين ، مسطورة في كتب الحديث والتفسير والتواريخ ، مذكور على الألسنة والأفواه ، وفيها من الدّلالة على صحّة مذهبنا وبطلان مذهب المخالفين ما لا يخفى (٨).

__________________

(١) ـ الحمش والحموشة والحماشة : الدقّة.

(٢) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ١٢٤.

(٣) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١١١ ؛ خصائص أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام للنسائيّ رقم ٦٥.

(٤) ـ تفسير الثعلبيّ ٧ : ١٨٢.

(٥) ـ التفسير الكبير ١٢ : ٢٦.

(٦) ـ انظر : مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٢٦١.

(٧) فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ٢٠٣ ـ ٢٠٥ ؛ أسرار الإمامة ٢٨٢.

(٨) انظر للتفصيل : موسوعة إحقاق الحقّ ٣ : ٥٦٢.

الآية الخامسة والعشرون

من سورة القصص ؛ قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) ٢٢ : ٦٨.

فقد روى من علماء الجمهور محمّد مؤمن الشيرازيّ ، عن أنس ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : إنّ الله اختارني وأهل بيتي على جميع خلقه فاجتبانا ، فجعلني الرّسول ، وجعل عليّا الوصيّ ، ثمّ قال (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) يعني ما جعل لعباده أن يختاروا (١).

وفي معناه روايات أخر.

أقول : كلمة «ما» في «ما كان لهم الخيرة» نفي ، ومعنى الآية وربّك يخلق ما يشاء (٢) ويجتبي منهم للرّسالة والخلافة من شاء ، وهو أعلم حيث يجعل رسالته ، وما كان للخلق أن يختاروا على اختيار الله ورسوله أحدا ، كما اختاروا أبا بكر على عليّ عليه‌السلام.

أو : وما كان للخلق أن يختاروا باجتهادهم أحدا للخلافة ، كما يقوله العامّة.

__________________

(١) ـ الطّرائف ٩٧ ، نقلا عن محمّد بن مؤمن الشيرازيّ.

(٢) ـ أسرار الإمامة ١٤١ ، ٢١٣ ؛ مناقب أهل البيت للشروانيّ ٤٥٣.

فالآية في بطلان قول المخالفين من أنّ أمر الخلافة مفوّض إلى الأمّة ؛ فإذا بطل القول بالتفويض ، وجب أن يكون الإمام منصوصا من الله ورسوله. وإلّا لزم إهمال الإمامة ، والتالي باطل عقلا ونقلا كتابا وسنّة ؛ بل إجماعا ؛ فتعيّن أن يكون منصوصا من الله ورسوله ، وليس إلّا عليّا عليه‌السلام باتّفاق الخصوم ، لإجماع الأمّة على عدم النصّ على أبي بكر وعبّاس ، و [ذكرنا] النصّ على عليّ عليه‌السلام فيما مضى و [سنذكره فيما] يأتي ، فالرواية مقرونة بدلالة الدليل ، فلا ريب فيها.

الآية السّادسة والعشرون

من سورة العنكبوت ؛ قوله تعالى (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ١ ـ ٢.

فقد روى أصحابنا ، منهم القمّيّ (١) عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : جاء العبّاس إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : انطلق يبايع لك النّاس ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أو تراهم فاعلين؟ قال : نعم. قال : فأين قوله عزوجل (الم أَحَسِبَ النَّاسُ) الآية.

وهذا الخبر يفيد أنّ المراد بهذه الفتنة إنّما هو فتنة الخلافة ، وفيها هلك من هلك. ولم نقف على ذلك في أصول المخالفين ، إلّا أنّه قال في أنوار البصائر : روي أنّ عليّا عليه‌السلام قال : يا رسول الله ، ما هذه الفتنة؟ قال يا عليّ بك ، وأنّك مخاصم ، فاستعدّ للخصومة (٢).

__________________

(١) ـ تفسير القمّيّ ١ : ١٤٨ ؛ وانظر القصّة في الإمامة والسياسة ١ : ٤ ، وقريب منه ما في العقد الفريد ١ : ١٣ ؛ الأمالي للشيخ الطوسيّ ٦٣ ، المجلس الثالث ؛ كتاب الأمالي للمفيد ٢٨٨ ؛ أسرار الإمامة ٥٠ ، ٢٨٩ ، ٤١١ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣١٦.

(٢) ـ شواهد التنزيل ١ : ٥٦٥ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ : ١٠٨ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، وفيه : لمّا نزلت (الم أَحَسِبَ النَّاسُ) الآية ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمّار : «إنّه سيكون ـ

وروى محمّد بن يوسف الكنجيّ (١) من رجال المخالفين في كفاية الطالب في المناقب ، عن جماعة ، إنّه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : سيكون بعدي فتنة ، وإذا كان كذلك فاقتدوا بعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام والزموه ، فإنّه أوّل من يراني ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصّديق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأمّة ، يفرق بين الحقّ والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين وإمام المتّقين.

ويشهد له قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من تمسّك بها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق (٢).

قد رواه الفريقان مستفيضا في الأصول المعتبرة ، ضرورة كون الخبر بيان فتنة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل طوفان نوح غرق فيها جلّ النّاس بتخلّفهم عن أهل البيت ، وليس [فتنتهم] إلّا تركهم عليّا وعكوفهم على العجل.

وهذا الحديث رواه أبو عبد الله (٣) الحاكم في المستدرك وحكم بصحّته ، بإسناده عن أبي ذر رحمه‌الله وهو آخذ بباب الكعبة ، قال : من عرفني فقد عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر ، سمعت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من

__________________

بعدي هنات ، حتّى يختلف السيف فيما بينهم ، وحتّى يقتل بعضهم بعضا ، وحتّى يتبرّأ بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني : عليّ بن أبي طالب ، فإن سلك الناس كلّهم واديا فاسلك وادي عليّ ، وخلّ عن الناس. يا عمّار ، إنّ عليّا لا يردّك عن هدى ، ولا يدلّك على ردى. يا عمّار طاعة عليّ طاعتي ، وطاعتي طاعة الله تعالى.

(١) ـ كفاية الطالب ١٦٢ ، ١٦٣ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٠٤ ، ١٠٥ ؛ أسد الغابة ٥ / ٢٨٧ ؛ الأمالي للشيخ الطوسيّ ٥٥ ، المجلس الخامس ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ١٩ ، ٢٠.

(٢) ـ المعجم الكبير للطبرانيّ ٣ : ٤٥ ح ٢٦٣٦ ؛ شرف النبيّ ٢٤٨ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ١٣٤ ؛ تاريخ بغداد ١٢ : ١٩ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ٢٦٥ ؛ نظم درر السمطين ٢٣٥ ؛ فرائد السمطين ٢ : ٢٤٢ ؛ الأمالي للشيخ المفيد ١٤٥ ؛ أسرار الإمامة ٢٥٠ ، ٢٩٦ ؛ خصائص الأئمّة ٧٧ ؛ تحفة الأبرار ١٢٨ ؛ عيون الأخبار ١ : ٢٤٣.

(٣) ـ في الأصل «أبو القاسم» ؛ والصحيح ما أثبتناه.

ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك (١).

ورواه ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (٢) ، عن أبي الفرج الاصفهانيّ في مرج البحرين ، بإسناده إلى أبي ذر. ورواه ابن المغازلي (٣) ، وابن حجر (٤) ، وابن حنبل (٥) ، ومسلم (٦) بعدّة طرق متقاربة المعنى أنّه قال : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق.

ورواه في مشكاة المصابيح (٧) ، والفصول المهمّة (٨) أيضا ، وكلّ هؤلاء من أعلام المخالفين وثقاتهم وأئمّتهم ، وكذا الحاكم ـ من أعاظم رجال المخالفين ـ قد أكثروا الرواية عنه ، وأسندوا إليه ، واعتمدوا عليه ، فلا مجال لردّ حديثه.

وروى أصحابنا [الحديث] متواترا وأجمعوا عليه (٩) ، ولا ريب أنّه لم يركب سفينة أهل البيت بالتمسّك بولايتهم والعمل بقولهم أمرا ونهيا إلّا الإماميّة. وقد أعرض عنهم أكثر النّاس ، ولم يثبت معهم بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا عدّة نفر. ودلالة الآية على وقوع فتنة يظهر فيها نفاق الأكثرين ظاهر ، ولم تقع فتنة من نزول الآية أعظم من فتنة الخلافة ، والله العالم.

وكلّ فتنة نشأت كانت ممّن عمل في سقيفة بني ساعدة واختيار أبي بكر وترك

__________________

(١) ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٠ ، ١٥١.

(٢) ـ تذكرة الخواصّ ٣٢٣.

(٣) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ١٣٢.

(٤) ـ الصواعق المحرقة ٢٣٤ ، ٢٣٦ ؛ ذخائر العقبى ٢٠ ؛ التفسير الكبير للرازيّ ٢٧ : ١٦٧.

(٥) ـ مسند أحمد بن حنبل ٥ : ١٨١ ، ١٨٩ ؛ في مسند زيد بن ثابت.

(٦) ـ صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣.

(٧) ـ مشكاة المصابيح ٣ : ١٧٤٢ رقم ٦١٧٤.

(٨) ـ حلية الأولياء ٤ : ٣٠٦ ؛ المعجم الصغير للطبرانيّ ١ : ١٣٩ ، و ٢ : ٢٢ ؛ البداية والنهاية ٢ : ٢٩٨ ؛ الفصول المهمّة ٢٦ ؛ الدرّ المنثور ١ : ٧١ ، ٧٢ ، ذيل الآية ٤٧ من سورة البقرة.

(٩) ـ الخصال ٢ : ٣٥٦ ؛ منهاج الكرامة ١٥٥ ؛ الطّرائف ١٣٢ ؛ الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ١٥٦ ، ١٥٧.

عليّ عليه‌السلام ، كما لا يخفى عند أولي الألباب ، ويؤيّده قوله تعالى (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (١) و (٢).

__________________

(١) ـ آل عمران : ١٤٤.

(٢) ـ انظر أسرار الإمامة ٥٠.

الآية السّابعة والعشرون

من سورة الأحزاب ؛ قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ٣٣.

فقد روى الفريقان مستفيضا ، بل متواترا ، أنّ المراد بأهل البيت في الآية : العترة الطّاهرة عليّ وفاطمة والحسنان عليهم‌السلام.

أمّا أصحابنا ، فقد رواه ثقاتهم في الأصول متواترا ، بل صار ذلك من أصول عقائدهم لا خلاف بينهم [فيه] (١).

وأمّا المخالفون : فقد رواه الترمذيّ (٢) عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت أمّ سلمة ، فدعا

__________________

(١) ـ الأصول من الكافي ١ : ٢٨٧ ؛ الإمامة والتبصرة من الحيرة لأبي الحسن ابن بابويه ١٧٧ ؛ عيون أخبار الرضا ١ : ٢٢٩ ـ ٢٣١ ؛ علل الشرائع ٢٠٥ ؛ الأمالي للصدوق ٤٢١ ؛ معاني الأخبار ١٣٨ ؛ كتاب الولاية لابن عقدة الكوفي ١٧٥ ، ١٨٦ ، ٢٠١ ؛ الطّرائف ١٢٢ ـ ١٣٠ ؛ سعد السعود ١٠٧ ، ٢١٥ ؛ تفسير الحبريّ ٢٩٨ ـ ٣١١ ؛ بشارة المصطفى ٢٤٠ ، ٢٤١ ؛ تفسير فرات الكوفيّ ١٢١ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ١٩٣ ؛ كشف اليقين ٤٠٥ ؛ منهاج الكرامة ٨٥ ، ٨٨ ، ٩٥ ، ١٢٠ ؛ الصراط المستقيم ١ : ١٨٤ ـ ١٨٦ ؛ مجمع البيان ٤ : ٣٥٦ ؛ خصائص الوحي المبين ٤١ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٤٥.

(٢) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٢٨ ح ٣٨٧٥ ، كنز العمّال ح ٣٦٣٧٤ ، وفيه : قال أبو بكر بن أبي قحافة : عليّ بن أبي طالب عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا وفاطمة والحسنين عليهم‌السلام ، فجلّلهم بكساء ثمّ قال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا ؛ فقالت أمّ سلمة : أنا معهم يا رسول الله؟ فقال : أنت على مكانك ، وأنت على خير.

ونحوه رواه أحمد بن حنبل (١) في مسنده بثمان طرق مختلفة الألفاظ ، متّفقة المعاني ، ورواه في صحيح البخاريّ (٢) ، وصحيح مسلم (٣) في الجزء الأوّل من فضائله ، وفي الرابع في موضعين بعد ثلاث كراريس ، وفي أواخره.

[ورواه] في سنن أبي داود ـ أي صحيحه ـ في صحيحه الثاني ، وفي موطأ مالك بعدّة طرق.

ورواه إمامهم الحميديّ (٤) في الجمع بين الصحيحين ، في مسند سعد بن وقاص في الحديث السّادس من أفراد مسلم ، في آية المباهلة ما بمعناه.

ورواه الثعلبيّ (٥) في تفسيره بسبع طرق.

ورواه الزمخشريّ في الكشّاف (٦) في آخر آية المباهلة ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالت : خرج رسول الله ذات غدوة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود ، فجاء الحسن عليه‌السلام فأدخله ، ثمّ جاء الحسين عليه‌السلام فأدخله ، ثمّ فاطمة عليها‌السلام ، ثمّ عليّ عليه‌السلام ، ثمّ قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ).

__________________

(١) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣٠ ، و ٤ : ١٠٧ ، و ٦ : ٢٩٢ ، ٢٩٦ ، ٢٩٨ ، ٣٠٤ ، ٣٢٣.

(٢) ـ العمدة ٣٦ عن صحيح البخاريّ بسنده إليه ؛ والصراط المستقيم ١ : ٢٨٦ عنه أيضا. ولم أعثر عليه في الصحيح المطبوع.

(٣) ـ صحيح مسلم ٤ : ١٨٣ ح ٢٤٢٤.

(٤) ـ العمدة لابن البطريق ٤٢ ـ ٤٣ ح ٢٩ و ٣٠ ؛ نقلا عن الحميدي.

(٥) ـ تفسير الثعلبيّ ٨ : ٣٥ ـ ٤٤ ؛ نهج الإيمان ٨٥ ؛ والعمدة ٣٧ ـ ٣٨ ح ٢٠ و ٢١.

(٦) ـ الكشّاف ١ : ٤٣٤.

رواه البيضاويّ (١) ، ونحوه روي في المشكاة (٢) ، وقال : رواه مسلم ، وفي آخره (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ورواه الواحديّ أيضا في تفسيره (٣) ، وفي أسباب نزوله (٤) في هؤلاء الخمس.

ورواه الطبرانيّ (٥) ، وعمر بن خضر ، والسيّد جمال الدّين ، وابن مردويه في تفسيره (٦) ، والخوارزميّ (٧) ، والسمعانيّ (٨) في الفضائل ، ورواه الجزريّ (٩) في أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، ورواه الأسفرايينيّ أبو العباس أحمد بن الحسن الضرير في كتابه المصابيح في بشارة نزول الآية.

وروى أحمد بن حنبل في مسنده (١٠) عن أنس بن مالك ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمرّ بباب فاطمة عليها‌السلام ستّة أشهر إذا خرج إلى الفجر ويقول : الصّلاة يا أهل البيت [إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت] ويطهّركم تطهيرا.

قال الحاكم في المستدرك (١١) : هذا صحيح الإسناد على شرط مسلم.

وعن أبي عبد الله محمّد بن عمران المرزبانيّ ، عن أبي الحمراء (١٢) ، أنّه بعد نزول الآية إلى عشرة أشهر كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي صبيحة كلّ يوم إلى باب عليّ عليه‌السلام

__________________

(١) ـ تفسير البيضاويّ ٣ : ٣٨٢ ، ذيل آية التطهير.

(٢) ـ مشكاة المصابيح ٣ : ١٧٣١ ح ٦١٢٧.

(٣) ـ تفسير الوسيط للواحدي ٣ : ٤٧٠.

(٤) ـ أسباب النزول أيضا للواحدي النيسابوريّ ٢٣٩.

(٥) ـ المعجم الكبير للطبرانيّ ٢٦٦٤ ، ٢٦٦٥ ؛ المعجم الصغير للطبرانيّ ١ : ٦٥ ، ١٣٥.

(٦) ـ تفسير الدرّ المنثور ٥ : ١٩٨ و ١٩٩ ذيل الآية ، عن ابن مردويه.

(٧) ـ المناقب للخوارزميّ ٦٠ ، ٦١.

(٨) ـ لم أعثر على كتابه ؛ وقد روى عن كتابه ابن شهرآشوب في المناقب ، والبياضيّ في الصراط المستقيم.

(٩) ـ لم أعثر عليه في أسنى المطالب المطبوع.

(١٠) ـ مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٢٥٨.

(١١) ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٨.

(١٢) ـ نهج الايمان ٨٦ ؛ مناقب أهل البيت للشروانيّ ٩٣ ، نقلا عن أبي الحمراء.

ويقول : الصّلاة رحمكم الله ، ويقرأ (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية ، حكاه بعض أصحابنا (١).

وفي رواية عن أمّ سلمة من هذه الأسانيد ، بزيادة «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، أبرار عترتي ، وأطائب أرومتي من لحمي ودمي ، أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، فقلت : يا رسول الله وأنا معهم؟ قال : إنّك إلى خير ، أنت من خير أزواجي».

والأرومة أصل الشجرة ، والمرط بكسر الميم كساء واسع من صوف إذخر أو شعر أو كتان ، والمرحّل بالحاء المهملة المنقوش عليه صور الرجال ، وقيل : الموشّي بخطوط يشبه نقش الرحل والموشّى المعلم.

قال ابن حجر (٢) : أكثر المفسّرين [والمحدّثين والمؤرّخين] (٣) على ذلك في

__________________

(١) ـ الأربعين للمحدّث الحسينيّ ٥٦. قال : وفيهم يقول شاعر :

على الله في كلّ الأمور توكّلي

وبالخمس من آل العباء توسّلي

محمّد المبعوث حقّا وبنته

وسبطيه ثمّ المقتدى المرتضى عليّ

لا يقال صدر الآية وعجزها يدلّان على أنّها نزلت في شأن أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا في شأن الخمسة المذكورين.

لأنّا نقول : يأباه تذكير الضمير في (عَنْكُمُ) و (يُطَهِّرَكُمْ) وهذا النقل الصّحيح المشهور المتقدّم آنفا ، والخروج من حكم إلى حكم آخر كثير جدا في القرآن الكريم.

(٢) ـ الصواعق المحرقة ١٤٣ ، وفيه : الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ ...) قالوا : أكثر المفسّرين على أنّها نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام.

(٣) ـ صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ ، كتاب فضائل أهل البيت ؛ تفسير الطبريّ ٢٢ : ٥ ، ٧ ؛ التفسير الكبير ٢٥ : ٢٠٩ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ١٨ ـ ١٣٩ ؛ الخصائص للنسائيّ ٢٤ ؛ تفسير الكشّاف ١ : ٣٦٩ ، و ٣ : ٥٣٨ ؛ تفسير الجامع لأحكام القرآن ١١ : ٢٦٣ ؛ تفسير البغويّ ٣ : ٥٢٩ ؛ الذريّة الطاهرة للدولابيّ ١٤٩ ، ١٥٠ ؛ تاريخ بغداد ١٠ : ٢٧٨ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٣ ؛ كفاية الطالب ٣٣٢ ـ ٣٣٩ ؛ تذكرة الخواصّ ١٧ ؛ الفصول المهمّة ٢٦ ؛ مطالب السئول ٨ ؛ فرائد السمطين ١ : ٣٦٧ ؛ تفسير ابن كثير ٣ : ٣٨٥ ، ٤٨٣ ؛ أنساب الأشراف ٢ : ١٠٤ ؛ نظم درر السمطين ١٣٣ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ٣٠١ ـ ٣٠٧ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٤ ؛ ذخائر العقبى ٢١ ـ ٢٤ ؛ ذكر أخبار

تفسير الآية.

وقال العلّامة الحليّ ـ من أصحابنا ـ في نهج الحقّ : أجمع المفسّرون عليه (١).

وقال ابن أبي جمهور الأحسائيّ ـ من أصحابنا ـ في المجلى : فإنّ المفسّرين اتّفقوا بأجمعهم أنّ هذه الآية نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٢) لمّا جلّلهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بكسائه إجابة لدعائه وجوابا لسؤاله ، وبيّن أنّ [الله تعالى] أراد طهارتهم وإذهاب جميع الارجاس عنهم ، وذكر في الآية بعده من التأكيد ، يعرفها من يعرف البلاغة. وإذا ثبت باتّفاق أئمّة الحديث والتفسير نزول الآية في العترة الطاهرة هؤلاء الخمسة عليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين.

فنقول : يجب وقوع مراد الله لقوله تعالى (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣). ولعدم جواز تخلّف المعلول عن العلّة ، وإجابة لدعاء الرسول ، والإجماع الأمّة على وقوع المراد هنا ، ولتواتر الروايات [في ذلك]. وإذا ثبت إذهاب جنس الرجس عنهم مع التأكيد بقوله (يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) أثبت عصمتهم ، لأنّ الرجس في الآية ليس محمولا على النجس الشرعيّ ؛ بل يعمّ الآثام ورذائل الأخلاق وقبائح الأعمال ، وهذا معنى العصمة أصلها من شرف النفس وأعلاها ملكة ؛ كالعدالة يمتنع معها المكلّف عن الاقدام على الذنب مطلقا ، [وهي] لطف ربّانيّ وموهبة سبحانيّة لا يختار معها المكلّف إلّا الطاعة مع القدرة ، بل لا يزلّ

__________________

اصبهان ١ : ١٠٨ ، و ٢ : ٢٥٣ ؛ طبقات المحدّثين باصبهان ٣ : ٣٨٤ ، و ٤ : ١٤٩ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ٢٦٣ ـ ٢٧٣ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٨٨ ؛ مشكل الآثار ١ : ٢٢٧ ـ ٢٣١.

(١) ـ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٧٣ ـ ١٧٥. وفيه : والكذب من الرجس ، ولا خلاف في أنّ أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ادّعى الخلافة لنفسه ، فيكون صادقا.

(٢) ـ مجلى مرآة المنجى ورق ١٩١ ، وفيه : لمّا ألحفهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بكسائه ...

(٣) ـ يس : ٨٢.

قدمه مطلقا عمدا وسهوا ، وإذا ثبت عصمتهم ثبت وجوب طاعتهم وإمامتهم وترجيحهم على المجتهد بالظّنون والآراء والأقيسة والاستحسان وأرباب الأهواء عقلا ، لقبح ترجيح المرجوح على الراجح.

ونقلا : كتابا ، لقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (١) وقوله تعالى (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢).

وأيضا ثبت بهذه [الآية] الرواية ذهاب الرجس ومنه الكذب عن عليّ عليه‌السلام حتّى امتنع عن بيعة أبي بكر ، مضافا إلى ما جاء في صحاح الطرفين : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ» ، و «اللهمّ أدر الحقّ معه حيث ما دار» (٣).

__________________

(١) ـ الزمر : ٩.

وعن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ، قال : نحن الّذين يعلمون ، وعدوّنا لا يعلمون ، وشيعتنا أولو الألباب انظر تأويل ما نزل من القرآن الكريم ٢٧٥ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ١٧٥.

(٢) ـ يونس : ٣٥.

وروى الحافظ الكبير عبيد الله بن عبد الله الحنفيّ النيسابوريّ ، المعروف بالحاكم الحسكانيّ في شواهد التنزيل (١ : ٣٤٨ ـ ٣٥٠) عن ابن عبّاس ، قال : اختصم قوم إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر بعض أصحابه أن يحكم بينهم ، فحكم فلم يرضوا به ، فأمر عليّا أن يحكم بينهم ، فحكم بينهم فرضوا به ، فقال لهم بعض المنافقين : حكم عليكم فلان فلم ترضوا به ، وحكم عليكم عليّ فرضيتم به ، بئس القوم أنتم ، فأنزل تعالى في عليّ عليه‌السلام (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).

وقال أيضا الحاكم الحسكانيّ : جاء أعرابيّان إلى عمر بن الخطاب يختصمان إليه ، فقال عمر : يا أبا الحسن اقض بينهما ، فقال أحدهما : هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلابيبه وقال : ويحك ما تدري من هذا؟ مولاي ومولى كلّ مؤمن ، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن. وانظر أيضا : الصواعق المحرقة ٤٤ ، ١٧٩ ؛ ذخائر العقبى ٦٨ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٦٠ ، ١٦١ ؛ الرياض النضرة ٣ : ١٢٨.

(٣) ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٤ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٠٤ ، ١٠٥ ، ١٧٧ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٢٤٤ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٤ ؛ العمدة لابن البطريق ٢٨٥ ؛ مجمع الزوائد ٩ :

كما رواه أحمد بن حنبل في مسنده (١) وغيره في أصولهم.

ومن شهد الله بطهارته كان الحقّ معه وهو مع الحقّ ، فهذه الرّوايات في تفسير الآية تدلّ على دوران الحقّ مع عليّ عليه‌السلام. ويدلّ عليه أيضا رواية «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنّهما لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض» رواه الفريقان متواترا (٢).

ولو قيل : عموم الآية يشمل غيرهم ، بل سياقها من حيث النظم يقتضي إرادة نساء النبيّ.

قلنا : بعد تواتر الروايات في صحاح الفريقين في تفسير الآية ، لا مجال لتوهّم أمثال هذه المزخرفات ، لأنّه اجتهاد في مقابلة النصوص الصحيحة المتواترة في تفسير كتاب الله ، ورأي محض واستبعاد ؛ وقد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النّار (٣).

روى العيّاشيّ ـ من أصحابنا ـ عن الباقر محمّد بن عليّ عليه‌السلام ـ وهو من التّابعين وقوله حجّة عند المخالفين أيضا ـ قال : ليس شيء أبعد من عقول الرجال من

__________________

١٨٣ ؛ فرائد السمطين ١ : ١٧٧ ؛ الأمالي للصدوق ٨١ ؛ الأمالي للطوسيّ ٣٠٥ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٧٦.

(١) ـ مسند أحمد بن حنبل ٣ : ١٤ ، و ٤ : ٣٧١ ، و ٥ : ١٨٢ ؛ المعيار والموازنة ٣٥ ؛ مشكاة المصابيح ٢ : ٥١١.

(٢) ـ أمالي الصدوق ٤١٥ ؛ بصائر الدرجات ٤١٢ ؛ تفسير الحبريّ ١٦١ ؛ كشف اليقين ٣٣٥ ؛ الطرائف ١١٣ ؛ الشافي في الإمامة ٣ : ١٢٠ ؛ إعلام الورى ٣٧٥ ؛ أسرار الإمامة ٩٧ ، ٢٥٢ ، ٢٧٧ ، ٢٩٧ ، ٣١٣ ، ٣٩٦ ، ٤٤٢ ؛ مسند أحمد ٣ : ١٤ ، ١٧ ، ٢٦ ، ٥٩ ؛ و ٤ : ٣٦٧ ، ٣٧١ ؛ المعجم الصغير للطبراني ١ : ١٣١ و ١٣٥ ؛ صحيح مسلم ٢ : ٢٣٧ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٦٦٣ ؛ خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام ٧٠ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٨ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٥ ، ٤٥٧ ؛ فردوس الأخبار ١ : ٩٨. وهذا حديث متفق عليه بين الفريقين في أكثر المجامع الحديثيّة.

(٣) ـ أسباب النزول للواحدي ٤ ؛ التفسير للعيّاشيّ ١ : ١٧ ، ١٨.

تفسير القرآن ، إنّ الآية ينزل أوّلها في شيء ، وأوسطها في شيء ، وآخرها في شيء. ثمّ قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) من ميلاد الجاهليّة (١). مع أنّه كان المراد بأهل البيت نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لذكر هذه [المزيّة] بين الخطاب لهنّ ، لم يناسب تذكير الضمير ، بل كان غلطا ؛ بل وجب أن يقول : إنّما يريد الله ليذهب عنكنّ الرّجس ويطهّركنّ تطهيرا ، بل [في] هذه الآية انقطعت مخاطبة نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخاطب بها أهل بيته العترة الطاهرة. وبالجملة لا يلتفت إلى ما ذكره البيضاويّ (٢) تقليدا لغيره ، من جواز إرادة النساء بعد تواتر الروايات من أعاظم الفريقين وتوافق المحقّقين من علماء الطائفتين على تفسير الآية ، وأنّ الخمسة هم المقصودون من الآية. وكذا ما قيل من عدم دلالتها على الحصر فيهم ، فيجوز إرادة النساء أيضا ، إذ لا دلالة على ذلك حينئذ لظهور الخطاب مع الرجال ، ولو لا النصّ والاجماع لم يدخل فاطمة أيضا إلّا من لفظ أهل البيت المفسّر بها أيضا مع عليّ والحسنين عليهم‌السلام دون غيرهم من نسائه ، مع أنّ الطهارة في نسائه منتفية اتّفاقا ، وحمل الطّهارة على الطّهارة من نجاسة الأحداث الشرعيّة كذب ، وكذا من نجاسة الأخباث أكذب ، فلا محمل للآية إلّا ما ذكره أصحابنا ، مع أنّه لا مجال للاعتراض بأنّ الآية مذكورة بين خطاب أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فالسياق يدلّ على اختصاصها بهنّ أيضا أو دخولهنّ ، بعد فعل عثمان وعمر في القرآن من تفسير وتغيير الكلم عن مواضعه وتحريفه (٣) ، والحمد لله.

__________________

(١) ـ التفسير للعيّاشيّ ١ : ١٧ ؛ الوسائل ج ٣ كتاب القضاء باب ١٣.

(٢) ـ تفسير البيضاويّ ٣ : ٣٨٢.

(٣) ـ رأي عمر بن الخطاب وعثمان بن عفّان في القرآن :

نهى عمر عن مشكلات القرآن ، قال سليمان بن يسار : قدم المدينة رجل يقال له «صبيغ» ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه عمر ـ وقد أعدّ له عراجين النخل ـ فقال : من أنت؟ قال أنا عبد الله صبيغ ، فأخذ

__________________

عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه ، وقال : أنا عبد الله عمر ، فجعل له ضربا حتّى أدمى رأسه. وعن الزهريّ : أنّ عمر جلد صبيغا لكثرة مساءلته عن حروف القرآن حتّى اضطربت الدماء في ظهره ، انظر : سنن الدارميّ ١ : ٥٤ ، ٥٥ ؛ تفسير ابن كثير ٤ : ٢٣٢ ؛ الدرّ المنثور ٦ : ١١١ ، و ٧ : ١٤.

وقال الغزاليّ في إحياء علوم الدين ١ : ٢٨ عمر هو الّذي سدّ باب الكلام والجدل وضرب صبيغا بالدرّة لمّا أورد عليه سؤالا في تعارض آيتين في كتاب الله ، وهجره وأمر الناس بهجره.

وعن خرشة بن الحرّ ، قال : رأى معي عمر بن الخطاب لوحا مكتوبا فيه : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) الجمعة : ٩. فقال : من أملى عليك هذا؟ قلت : أبيّ بن كعب ، قال : إنّ أبيّا أقرأنا للمنسوخ ، قرأها : «فامضوا الى ذكر الله». راجع : كتاب الأمّ ١ : ١٩٦ ؛ السنن الكبرى ٣ : ٢٢٧ ؛ الدرّ المنثور ٨ : ١٦١ ، وقال ابن داود في سننه (١ : ٢٣٠ و ٢ : ١٤٥) : قال عمر بن الخطاب : لو لا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها. انظر : مسند أحمد بن حنبل ١ : ٤٩ ، ٨١ ؛ موطّأ مالك ٢ : ٨٢٤ ؛ صحيح البخاريّ ٦ : ٢٥٠٤ ، رقم ٦٤٤٢ ؛ صحيح مسلم ٣ : ٥٢٤ ، كتاب الحدود ؛ سنن الترمذيّ ٤ : ٢٩ رقم ١٤٣١ ؛ سنن ابن ماجة ٢ : ٨٥٣.

أمّا أمر عثمان بحرق المصاحف ، فقد روى البخاريّ في صحيحه ٦ : ٩٩ كتاب فضائل القرآن في باب جمع القرآن رواية طويلة في هذا الباب ، وقال في جملتها : وأرسل ـ أي عثمان ـ إلى كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق. وانظر أيضا : السنن الكبرى ٢ : ٤١ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٤١ ؛ أنساب الأشراف ٥ : ٦٢.

الآية الثامنة والعشرون

من سورة الأحزاب ؛ قوله تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ٥٦.

فقد روى الفريقان وجوب الصّلاة على الآل.

فمن ذلك ما رواه أصحابنا (١) ، منهم الصدوق (٢) في العيون عن الرضا عليه‌السلام في مجلسه مع المأمون ، قال : وقد علم المعاندون منهم أنّه لما نزلت هذه الآية ، قيل : يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك ، فكيف الصلاة عليك؟ فقال : تقولون «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد».

ورواه الثعلبيّ (٣) في تفسيره ، ومالك في الموطّأ (٤) ، وابن حجر في

__________________

(١) ـ ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ١٨٨ ـ ١٩٠ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ٢١٣ ؛ أسرار الإمامة ٢٨٠ ـ ٢٨٢ ؛ الطّرائف ١٦٠ ـ ١٦٣ ؛ العمدة لابن البطريق ٤٩ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٨٧ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٢٧٦.

(٢) ـ عيون أخبار الرضا ١ : ٢٣٦.

(٣) ـ تفسير الثعلبيّ ؛ العمدة لابن البطريق ٤٩ ـ ٥٠ ح ٤٢ و ٤٣.

(٤) ـ مسند أحمد ١ : ١٩٩ ؛ صحيح البخاريّ ٦ : ٢٧ ؛ الموطّأ ١ : ١٣٧ ؛ سنن الدارميّ ١ : ٣٠٩ ، ٣١٠ ؛ السنن الكبرى ٢ : ١٤٧ ، ١٤٨.

صواعقه (١) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن هنا جوّز أصحابنا الصلاة على آل الرسول [في الصلاة] ؛ بل أوجبوها في التشهّد ، وبه قال بعض الفقهاء من الجمهور ؛ وعليّ سيّد الآل وأهل البيت.

وقد روى ابن حجر في الباب العاشر من صواعقه عن الشافعي شعرا :

يا أهل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنّكم

من لم يصلّ عليكم لا صلاة له (٢)

ويؤيّده ما رواه الثعلبيّ في تفسيره ، والنقّاش في قوله تعالى في سورة البقرة (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (٣) (٤).

وبه بطل قول المخالفين «أنّ الصلاة على الآل بدعة» ، مع أنّ عموم الآية كفى.

وستعرف حديث «أنّ الله صلّى عليّ وصلّى على عليّ سبع سنين» في سبق إسلامه (٥).

والصلاة من الله [أمر] مخصوص بالمعصوم باتّفاق الخصم على ما قيل ، ولعلّ

__________________

(١) ـ تاريخ الطبريّ ٢ : ٣٥١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٨ ؛ أخبار اصبهان ١ : ١٣١ ؛ تاريخ بغداد ٦ : ٢١٦ ، و ٨ : ١٤٣ ؛ الصواعق المحرقة ١٤٦.

(٢) ـ الصواعق المحرقة ١٤٨ ، وفيه : فيحتمل لا صلاة له صحيحة ، فيكون موافقا لقوله بوجوب الصلاة على الآل ، ويحتمل لا صلاة كاملة ، فيوافق أظهر قوليه.

(٣) ـ البقرة : ١٥٦ و ١٥٧.

وروى نزول هذه الآية الشريفة في حقّ عليّ عليه‌السلام عدّة من الحفّاظ والرواة ، منهم الحافظ العلّامة ابن شهرآشوب في مناقبه ٢ : ١٢٠ ، و ٣ : ٢٧٦.

(٤) ـ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢٠٩ : نزلت في عليّ عليه‌السلام لمّا وصل إليه قتل حمزة رضي الله عنه ، فقال : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) فنزلت هذه الآية ؛ إحقاق الحقّ ٣ : ٤٧٥ نقلا عن الثعلبيّ والنقّاش ؛ الطرائف ١٦٢ ؛ العمدة لابن البطريق ٤٩ ، نقلا عن الثعلبيّ.

(٥) ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٦ ؛ المناقب للخوارزميّ ٥٣ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ١٤ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ١٨٤ ، ١٨٥ ؛ فردوس الأخبار ١ : ٢٩ ؛ فرائد السمطين ١ : ٢٤٢.

الوجه هو أنّ الصلوات من الله على أحد منجّزا ـ كما هنا ـ ليس إلّا مع العصمة والاستحقاق ، كما لا يخفى ، وغير المعصوم لا يستحقّ الرحمة حتما ، وبه ثبت جواز الصّلاة على الآل وعلى أفضلهم اتّفاقا ؛ بل وجوبهما كما مرّ ، ومن وجب الصلاة عليه وصلّى الله عليه في ضمن الصّلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما بيّنه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخبر وفي الآية الثانية تصريحا ـ كان معصوما واليا على النّاس ، كالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واجب الطاعة.

وبالجملة ، من كانت الصلوات عليه جزء الصلاة وشرط قبولها نبيّ أو وصيّ ليس إلّا عند أولي الأبصار ، مضافا إلى حصر الاهتداء في الآية الثانية فيهم ، حيث قال : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) فأتى بالخبر معرّفا مع ضمير الفصل ، وكلّ منهما من أسباب الحصر ، وهذه المنقبة إمّا وقعت حقيقة فليس إلّا مرتبة العصمة ، أو ادّعاء ، فيفيد زيادة الثناء عليهم.

ثمّ من هنا نقول : يجوز أن يقال «صلّى الله على محمّد وآله» ، وأن يقال : «اللهمّ صلّ على محمّد وآله» ، وأن يقال : «صلوات الله وسلامه على محمّد وآله».

[وروى] عطاء الله بن فضل الله في أربعينه عن أبي أيّوب الأنصاري ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ ، لأنّنا كنّا نصلّي وليس معنا أحد يصلّي غيرنا.

وروى هذا الحديث عن ابن عبّاس ، ولفظه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين.

وقيل : ولم ذلك يا رسول الله؟ قال : لم يكن معي من الرجال غيره.

وفي رواية بعد قوله : «سبع سنين» : وذلك أنّه لا ترتفع شهادة أن لا إله إلّا الله

إلّا منّي ومن عليّ (١).

وعن الديلميّ في الفردوس (٢) : إنّ الصّلاة على محمّد وآله مع الدّعاء يوجب خرق الحجاب عن عروج الدّعاء إلى السّماء ، والدّعاء بغير صلاة يرجع ، ويؤيّده عموم قوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ).

ثمّ ورد في أخبارنا أنّ المراد بالتسليم الولاية للآل (٣).

__________________

(١) ـ الأربعين للمحدّث الحسينيّ ٣١ ، وفيه : وفي هذا المعنى قال الشاعر :

أنت الإمام الّذي نرجو بطاعته

يوم النّشور من الرحمن غفرانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا

جزاك ربّك عنّا فيه إحسانا

نفسي فداء لخير الناس كلّهم

بعد النبيّ عليّ الخير مولانا

أخي النّبيّ ومولى المؤمنين معا

وأوّل النّاس تصديقا وإيمانا

 (٢) ـ فردوس الأخبار ٣ : ٣٠٦ ؛ شرف النبيّ ٢٨٠ ، ٢٨٥.

(٣) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ١٩٦ ؛ تفسير الصافي ٤ : ٢٠١.

الآية التاسعة والعشرون

من سورة فاطر ؛ قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) ٣٢.

روى أصحابنا مستفيضا اختصاص الآية بالفاطميّين ، واختصاص ايراث الكتاب بالعترة الطّاهرة خاصّة (١).

ففي العيون (٢) : أراد الله بذلك ، العترة الطّاهرة ، ولو أراد الأمّة لكانت بأجمعها في الجنّة ، لقول الله تعالى (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) الآية ، ثمّ جمعهم كلّهم في الجنّة ، فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) الآية ، فصارت الوراثة للعترة الطّاهرة لا لغيرهم.

وفي الكافي عن الكاظم ، أنّه عليه‌السلام تلا هذه الآية ، [و] قال : فنحن الّذين اصطفانا الله عزوجل ، وأورثنا هذا الّذي فيه تبيان كلّ شيء (٣).

وعن الرضا عليه‌السلام ، أنّه سئل عنها فقال : ولد فاطمة عليها‌السلام ، والسّابق بالخيرات :

__________________

(١) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ٢٠٩ ؛ كشف اليقين ٣٧٢ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩٦ ؛ أسرار الإمامة ٢٧٦ ؛ بصائر الدرجات ٤٧ ، ١٩٧ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣١٧ ؛ تفسير فرات الكوفي ١٢٨.

(٢) ـ عيون أخبار الرضا ١ : ٢٢٨.

(٣) ـ الأصول من الكافي ١ : ٢٢٦.

الإمام ، والمقتصد : العارف بالإمام ، والظالم لنفسه : الّذي لا يعرف الإمام (١).

أقول : إن كان التقسيم المذكور إلى الثلاثة للمصطفين ، لزم أن يكون الظالم مصطفى لله والتالي باطل ، فوجب أن يكون الميراث الكتاب مختصّا بالعترة الطّاهرة من ولد فاطمة عليها‌السلام ، والتقسيم لمطلق ولدها ، والمراد المصطفين الّذين أورثهم الكتاب ؛ آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين العترة الطاهرة ، وعليّ عليه‌السلام سيّدهم وأفضلهم ، وهذا أظهر.

ومن طريق الجمهور ما رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه أنّ المراد بالاسم الموصول (٢) عليّ عليه‌السلام ؛ وحينئذ فالاتيان بصيغة الجمع : إمّا تشريف أو تشريك له لذريّته وهو الأظهر. وايراث الله كتابه للعترة الطاهرة (٣) كناية عن قيامهم مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في دعوة الخلق وتبليغ النواميس الإلهيّة وإرشاد النّاس سبل السلام ، أو تصريح بعلمهم بالكتاب من الله سبحانه وتعالى علما لدنيّا ، فيجب على غيرهم اتّباعهم بقوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وهو المعنيّ بالخليفة والإمام ، أو نصّ على كونهم أفضل ، فيكونون خلفاء على غيرهم ، لقبح تقديم المفضول على الفاضل.

وبالجملة ، هذه منقبة لا يساويها مناقب ، ويشهد بهذا التفسير من الآية الكريمة قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) (٤).

فإنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّا عليه‌السلام داخلان في العموم ، فكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بأولي أرحامه ، وأولو الأرحام أولى به ؛ والتقييد بكونهم مؤمنين مهاجرين يخرج غير

__________________

(١) ـ الأصول من الكافي ١ : ٢١٥.

(٢) ـ يقصد «الذين» ، في قوله عليه‌السلام : فنحن الذين اصطفانا الله.

(٣) ـ سنن الترمذيّ ٥ : ٤١ سورة الملائكة ، نور الأبصار للشبلنجيّ ٢٢٧.

(٤) ـ الأحزاب : ٦.

عليّ عليه‌السلام (١) ، لاتّفاق الأمّة أنّ الإمامة لا يخلو من ثلاثة ؛ عليّ وعبّاس وأبي بكر ، فإذا بطل إمامة عبّاس بعدم كونه مهاجرا ؛ بل طليقا ، وبطل إمامة أبي بكر بعدم كونه من أولي أرحام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وذوي قرابته عرفا ، لأنّ بعد الطبقة يوجب سلب اسم القرابة والرحم ، كما ذكره الفقهاء في بحث صلة الرّحم اتّفاقا ، وإلّا لصدق [على] ابن آدم كلّهم [أنّهم] قرابة ، والتالي ضرورة واتّفاقا ، فالمقدّم مثله ، ولأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلب القرابة عنه يوم البراءة بوحي جبرئيل عليه‌السلام ، بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يبلّغ عنّي إلّا أنا أو رجل منّي (٢). ثمّ أرسل عليّا عليه‌السلام ليبلّغ عنه واسترجع أبا بكر ـ باتّفاق الفريقين ـ بعد ارساله لقراءة آيات البراءة على أهل الموسم ، وهذا في سلب نسبه وقرابته عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. ولو سلّم الإطلاق ، فهو من الأفراد النّادرة ولا ينصرف إليه ، فيتبادر مثل عليّ عليه‌السلام ، ويخرج غيره من آية أولي القربى وآية وجوب المودّة في قوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٣).

أو نقول : عدم اجتماع الوصفين في غير عليّ عليه‌السلام بالاجماع يخرج غيره ، فهو أولى بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. والأولوية بأفراد الإنسان باختلاف الأفراد تختلف ، ويجمعها ما هو أهمّ عنده. والأهمّ عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو شرعه وكتابه وتبليغ الأحكام ، فيكون عليّا عليه‌السلام أولى بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من الثلاثة ، وهذا منصب الإمام ليس إلّا. أو نقول : اطلاق الأولوية بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقتضي العموم من جهة حذف المتعلّق وعدم التعيّن ومنافاة

__________________

(١) ـ كان عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام مهاجرا ذا رحم ، وقد أثبت الله تعالى بهذه الآية ولايته عليه‌السلام ، لأنّه كان أولى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من غيره.

(٢) ـ مسند أحمد ١ : ٣٣١ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠٠ ؛ خصائص النسائي ٢٠ ؛ مصابيح السنّة ٢ : ٣٥٠ ؛ تفسير الطبريّ ١٠ : ٤٦ ، ٤٧ ؛ الفصول المهمّة ٤٠ ؛ التفسير الكبير ١٤ : ٢١٨ ؛ غرائب القرآن ١٠ : ٣٩ ؛ زاد المسير في علم التفسير ٣ : ٣٩١ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٦٤ ، ١٦٥ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٢.

(٣) ـ الشورى : ٢٣ ؛ منهج الشيعة لابن شرفشاه ١١٤.

الاجمال للغرض والحكمة ، فيكون عليّ عليه‌السلام أولى بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من كلّ أحد في كلّ أمر ، وهذا الإطلاق ليس إلّا للإمام ، ويشهد به الأخبار المستفيضة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال لعليّ عليه‌السلام : أنت وارثي ، منها ما مضى في حديث المنزلة وغيرها (١).

ومنها ما رواه من المخالفين أحمد بن حنبل مرفوعا عن سلمان وأنس ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : قلت له : يا رسول الله ، من وصيّك؟ قال يا سلمان ، من كان وصيي أخي موسى؟ قلت : يوشع بن نون. قال : فإنّ وصيي ووارثي ويقضي ديني وينجز وعدي عليّ بن أبي طالب (٢).

ورواه ابن مردويه (٣) بزيادة فضائل له.

وظاهر إنّ وصيّ الإنسان هو القائم مقامه بأموره الهامّة ، وما أمر أهمّ للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من إقامة الدّين وهداية الأمّة إلى سنن المرسلين ، وهو المعنيّ بالإمام. قوله : «ووارثي». ولا إرث للنبيّ يرثه الوليّ إلّا الكتاب والعلم وآثار النبوّة ؛ وينصرف إليه الإطلاق في أمثال المقام لعدم اعتنائهم بالدراهم والدّنانير ، ولذا شاع في الأخبار «أنّ الأنبياء لا يورثون درهما ولا دينارا ، وإنّما يورثون العلم» ، وقد مضى عند ذكر حديث المنزلة أنّ عليّا عليه‌السلام سأله : ما أرث منك؟ فقال : ما كان ميراث الأنبياء؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : وما كان ميراث الأنبياء؟ قال : كتاب الله وسنّة نبيّهم (٤).

ومن ذلك ما رواه الخوارزميّ في المناقب : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم فتح خيبر : «لو لا أن يقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النّصارى في عيسى ابن مريم عليهما‌السلام ،

__________________

(١) ـ سبق تخريجه آنفا.

(٢) ـ فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ : ٦١٥ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٢٠٠ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ : ٢٠٨ ، ٢٥٦ ؛ المناقب للخوارزميّ ٨٥ ، ١٢٩ ، في حديث طويل ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٤٧ ؛ فرائد السمطين ١ : ٨٥ ، ١٤٥ ، ٢٦٩ ـ ٢٧٢.

(٣) ـ نهج الايمان ٢٠٠ ، ٢٠٢ ، نقلا عن ابن مردويه.

(٤) ـ فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٦٣٨ ح ١٠٨٥.

لقلت فيك اليوم مقالا ؛ بحيث لا تمرّ بملإ من المسلمين إلّا أخذ من تراب نعلك وفضل طهرك يستشفون به ، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك ، ترثني وأرثك ، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. يا عليّ أنت تؤدّي ديني ، وأنت في الآخرة أقرب النّاس منّي ، وأنت غدا على الحوض خليفتي تذود عنه المنافقين ، وأنت أوّل من يرد عليّ الحوض ، وأنت أوّل داخل في الجنّة من أمّتي ، وشيعتك على منابر من نور ، حربك حربيّ ، وسلمك سلمي ، وسرّك سرّي ، وعلانيتك علانيتي ، وسريرة صدرك سريرة صدري ، وأنت باب علمي ، ولدك ولدي ، ولحمك لحمي ، وجسمك جسمي ، ودمك دمي ، وإنّ الحقّ معك ، وعلى لسانك ، وفي قلبك ، وبين عينيك ، والإيمان مخالط لحمك ودمك ؛ كما خالط لحمي ودمي ، وإنّ الله عزوجل أمرني أن أبشّرك أنّك وعترتك في الجنّة ، وعدوّك في النّار ، ولا يرد على الحوض مبغض لك ولا يغيب عنك محبّك (١).

ورواه أحمد بن حنبل أيضا إلى قوله «من تحت قدميك للبركة».

وبالجملة ، الأخبار الناصّة في أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : «أنت وارثي» مستفيضة من الطرفين ؛ بل كادت أن تكون متواترة ، وكلّ ذلك من شواهد أنّ المراد بالآية ايراث الله الكتاب عليّا وأولاده الطاهرين عليهم‌السلام ، فيكون قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للولي «أنت وارثي» بايراث الله ووحيه ، وهذا نصّ على الخلافة والوصاية والإمامة عند من ليس له لجاج ، أو في ذهنه الاعوجاج ، والحمد لله على أوّل النّعم.

__________________

(١) ـ المناقب للخوارزميّ ١٢٩ ، ٣١١ ، ٣١٧ ؛ خصائص الأئمّة ٧٥ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ٢٣٧ ـ ٢٣٩ ؛ قصص الأنبياء لقطب الدّين الراونديّ ٣٥٩ ـ ٣٧٢.

الآية الثلاثون

من سورة الصّافات ؛ قوله تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) ٢٤.

فقد روى الفريقان (١) أنّ المراد أنّهم مسئولون عن ولاية عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام.

رواه أصحابنا ، منهم عليّ بن إبراهيم في تفسيره (٢) ، قال : عن ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ومثله في الأمالي (٣) ، والعيون (٤) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي علل الشرائع (٥) عنه عليه‌السلام أنّه قال في تفسيرها : لا يجاوز قدما عبد حتّى يسأل عن أربع :

__________________

(١) ـ أمّا العامّة : صحيح مسلم ٤ : ١٧٨٢ ؛ نظم درر السمطين ١٠٩ ؛ كفاية الطالب ٢١٦ ؛ فرائد السمطين ١ : ٧٩ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ١٦٠ ؛ شرف النبيّ ٢٥٢. وروى الخطيب في تاريخه ٣ : ١٦١ ، و ١٠ : ٣٥٧ مسندا إلى ابن عبّاس قال : قلت : يا رسول الله ، للنار جواز؟ قال : نعم ، قلت : وما هو؟ قال : حبّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

وأمّا الخاصّة : تفسير الحبري ٣١٣ ؛ مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٧٤ ؛ بشارة المصطفى ٢٤٣ ؛ نهج الإيمان ٥٠٣ ـ ٥٠٥ ؛ كشف اليقين ٣٦١ ؛ منهاج الكرامة ١٢٦ ، ١٢٧ ؛ أسرار الإمامة ٤٨ ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ٤٣ ، ٨١ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٨١ ؛ خصائص الوحي المبين ٨١ ؛ الطّرائف ٧٤ ؛ العمدة لابن البطريق ٢٨٦ ، ٣٠١.

(٢) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ٢٢٢.

(٣) ـ الأمالي للشيخ الطوسيّ ١ : ٢٩٦.

(٤) ـ عيون أخبار الرضا ١ : ٣١٣.

(٥) ـ علل الشرائع ٢١٨.

عن شبابه فيما أبلاه ، وعن عمره فيما أفناه ، وعن ماله من أين جمعه ، وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت (١).

ورواه من المخالفين في أصولهم الحافظ أبو نعيم (٢) ، عن الشعبيّ ، عن ابن عبّاس ، قال : مسئولون عن ولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

ورواه أحمد بن حنبل في المسند (٣) ، وابن شيرويه (٤) في الفردوس في قافية الواو ، وابن حجر في صواعقه (٥) ، والواحدي (٦) عن أبي سعيد الخدريّ ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : مسئولون عن ولاية عليّ عليه‌السلام.

وابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (٧) ، قال مجاهد عن حبّ عليّ عليه‌السلام.

ولا ريب أنّ ولايته الّتي يوقف العبد ويسأل عنها يوم القيامة ، لا سيّما في أوّل قدم قام بها من قبره ، لا تكون إلّا ولاية واجبة قائمة مقام النبوّة ، وليست إلّا الإمامة دون المحبّة المجرّدة ؛ كما في دون فاطمة من أقارب الرّسول وسائر المؤمنين. على أنّ وجوب المودّة والمحبّة دليل وجوب الاتّباع والطاعة ، وليس إلّا الإمامة.

ويشهد بصحّة هذا الخبر قوله تعالى (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ).

وقد روى الفريقان أنّ المراد بالنّبإ العظيم ولاية عليّ عليه‌السلام (٨).

__________________

(١) ـ المناقب للخوارزميّ ٧٧ ح ٥٩ ؛ المناقب لابن المغازليّ ١١٩ ؛ كفاية الطالب ٢٨٩.

(٢) ـ النور المشتعل من كتاب ما نزل ١٩٦ ـ ١٩٩.

(٣) ـ مسند أحمد بن حنبل ٢ : ١٧٥ ؛ صحيح مسلم ٤ : ١٧٨٢.

(٤) ـ في الأصل «مردويه» ، والصحيح ما أثبتناه.

(٥) ـ الصواعق المحرقة ١٤٩.

(٦) ـ الصواعق المحرقة ١٤٩ ، نقلا عن الديلميّ والواحديّ.

(٧) ـ تذكرة الخواصّ ١٧.

(٨) ـ عليّ عليه‌السلام هو النبأ العظيم ؛ انظر : نظم درر السمطين ٧٨ ؛ بصائر الدرجات ٧٧ ؛ تأويل ما نزل من القرآن

أمّا الخاصّة : فمستفيضا (١).

وأمّا العامّة (٢) : فقد رواه الحافظ الشيرازيّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ولاية عليّ ، يتساءلون عنها في قبورهم. ما من ميّت إلّا ويسأله منكر ونكير عن ولاية عليّ أمير المؤمنين بعد الموت. يقولون له : من ربّك وما دينك؟ ومن نبيّك؟ ومن إمامك؟.

وجه الدّلالة أنّ اجمال الآية يفصّل بالرّواية بما فيه تعيين إمامة عليّ عليه‌السلام ، فيجب الاقتصار عليه إلّا بالدّليل ، مع أنّ الفصل بغير تقييد ، فإذا كانت ولاية عليّ مسئول عنها في القبر والقيامة بالآيتين والرّوايتين كانت من أركان الإيمان ، فهو نصّ في إمامته وخلافته.

ورواه المفسّر من أصحابنا في منهج الصادقين (٣) عن الحافظ أبي نعيم الاصفهانيّ ، عن السدّي ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الحديث ، وفيها قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : فطوبى للمصدّق بولايته ، والويل للمكذّب بولايته ، وقوله تعالى (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) (٤) (٥).

__________________

الكريم ٤٢٣ ، وجاء فيه : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : ما لله نبأ هو أعظم منّي ، ولقد عرض فضلي على الأمم الماضية باختلاف ألسنتها.

(١) ـ الأصول من الكافي ١ : ٢٧٠ ؛ معاني الأخبار ٦٧ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ٤٠١ ؛ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار ٤٣ ؛ نهج الايمان ٥٠٥ ـ ٥٠٧ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢١١ ؛ الطّرائف ٩٥ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ١٧٤ ، ١٧٥ ، ١٧٨ ؛ مجمع البيان ٤ : ٤٤١ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٢١ ، ٤٣٠.

(٢) ـ شواهد التنزيل ٢ : ٤١٧ ، ٤١٨ ؛ المناقب للخوارزميّ ٢٧٥ ؛ الطرائف ٩٥ ؛ نقلا عن الحافظ الشيرازيّ.

(٣) ـ تفسير منهج الصادقين ٧ : ٥٠٩.

(٤) ـ سورة ص : ٦٧.

(٥) ـ كثر إطلاق النبأ العظيم على عليّ عليه‌السلام ، حتّى صار كأنّه من ألقابه الخاصّة وعناوينه المخصوصة على ألسنة العامّة والخاصة ، ففي دعاء الافتتاح في وصف أمير المؤمنين عليه‌السلام «وآيتك الكبرى والنّبإ العظيم» ؛ وفي

__________________

الشعر المعروف عن حسّان بن ثابت أو عمرو بن العاص.

هو النبأ العظيم وفلك نوح

وباب الله وانقطع الخطاب

وقال عمرو بن العاص في قصيدته المعروفة بالجلجليّة مخاطبا لمعاوية :

نصرناك من جهلنا يا ابن هند

على النبأ الأعظم الأفضل

وقال ابن أبي الحديد في قصيدته :

يا أيّها النبأ العظيم فمهتد

في حبّه وغواة قوم ضلّل

القصائد السبع العلويّات ٨٠.

الآية الإحدى والثلاثون

من سورة الصّافات أيضا ؛

قوله تعالى : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) ١٣٠.

فقد روى الفريقان أنّ المراد بآل يس آل محمّد صلّى الله عليه وعليهم وعلى سيّدهم ، وذلك لأنّ يس اسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بدليل [قوله تعالى](إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).

فقد رواه من أصحابنا القمّيّ (١) ، وفي معاني الأخبار (٢) ، ورواه في الجوامع عن (٣) ابن عبّاس : آل يس آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين ، ويس اسم من أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي الاحتجاج ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ الله سمّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الاسم ، حيث قال (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) ، لعلمه بأنّهم يسقطون قول الله سلام على آل محمّد سلام الله عليهم أجمعين ، كما أسقطوا غيره (٤). وفيه دلالة على آل

__________________

(١) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ٢٢٦ ؛ كشف اليقين ٤٠٣ ؛ مجمع البيان ٤ : ٤٥٧.

(٢) ـ معاني الأخبار ١٢٢ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢٠٥.

(٣) ـ ورواه أيضا في مجمع البيان ٨ : ٧١٤ ذيل الآية.

(٤) ـ الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ٢٥٣ ؛ تفسير الحبريّ ٣٥٨ ، وفيه : قال عليّ عليه‌السلام : إنّ الله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اسمه يس ، ونحن الّذين قال الله تعالى (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) ؛ مجمع البيان ٤ : ٤٥٧ ؛ تفسير البيان ٨ : ٥٢٣ ؛

يس ، ومن المخالفين ، قال ابن حجر في صواعقه (١) : إنّه تحقّق ذلك ، ورواه جمع كثير (٢).

أقول : ويؤيّده كون «آل» مفعولا عن «يس» في مصحف عثمان ، على ما حكاه جماعة من الأعلام ، وهذه الأخبار تشهد بصحّة قراءة «آل يس» بفتح الهمزة ومدّها وكسر اللام.

ورواه في العيون (٣) عن الرضا عليه‌السلام في مجلس المأمون ، قال له المأمون : فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن؟ قال : نعم ، أخبروني عن قول الله تعالى (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فمن عني بقوله (يس) ، قالت العلماء : يس محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لم يشكّ فيه أحد ، قال : فإنّ الله أعطى محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وآل محمّد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنه وصفه إلّا من عقله ، وذلك إنّ الله لم يسلّم على أحد إلّا على الأنبياء ، فقال تبارك وتعالى : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) (٤) و (سَلامٌ

__________________

ينابيع المودّة ١ : ١٤٣ ، وفيه : وقال الله تعالى (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) يعني آل محمّد عليهم‌السلام ، ولم يسلّم على آل أحد من الأنبياء عليهم‌السلام سواه.

(١) ـ الصواعق المحرقة ١٤٨ ، ١٤٩ ؛ التفسير الكبير ٢٦ : ١٦٠ ؛ جواهر العقدين ٢٢٨.

(٢) ـ شواهد التنزيل ٢ : ١٦٥ ـ ١٧٠ ؛ معاني القرآن ٢ : ٣٩٢ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ٢٧٧ ؛ غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٢٣ : ٦٧ ؛ تفسير الطبريّ ٢٣ : ٩٤ ـ ٩٦ ؛ الدرّ المنثور ٥ : ٢٨٦ ؛ تفسير الخازن ٦ : ٢٦ ؛ تفسير الثعالبيّ ٥ : ٤٦ ؛ زاد المسير في علم التفسير ٧ : ٨٤ ؛ غريب القرآن للسجستانيّ ١٥٩.

(٣) ـ عيون أخبار الرضا ١ : ٢٣٦ ؛ أسرار الإمامة ٢٣٩ ، ٢٨١ ، وفيه : قال الله تعالى (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) وقال (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) و (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) ثمّ قال في أهل النبيّ (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) ، وياسين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالإجماع ، فيجب أن يكون هؤلاء مثل نوح وموسى وهارون وابراهيم الّذين سلّم الله تعالى عليهم ، فخلع الله تعالى عليهم خلعة الأنبياء عليهم‌السلام.

(٤) ـ الصافّات : ٧٩ ، وعمّ سلام نوح في قوله (فِي الْعالَمِينَ) ، كأنّه جعل له بعدد كلّ أحد وبعدد كلّ شيء في العالم ـ ومن العالم ناطق وجماد وحيوان وموات ـ سلاما باقيا ذلك بقاء العالمين في الدنيا والآخرة ، فكذلك عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وسائر آل الرسول عليهم‌السلام اختصّوا بالسّلام في قوله : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) أي جعل لآل الرسول عليهم‌السلام وعليّ عليه‌السلام أفضل السلام.

عَلى إِبْراهِيمَ) (١) و (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) (٢) ، ولم يقل : وسلام على آل نوح ، ولم يقل : وسلام على آل إبراهيم ، ولم يقل : وسلام على آل موسى وهارون.

وقال : (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) يعني آل محمّد صلوات الله عليهم أجمعين (٣).

وبالجملة ، هذه القراءة في رواياتنا وعند علمائنا معروفة مشهورة لا نتركها مهما أمكن ، ونفتي بصحّتها ، للروايات الصحيحة من طريقنا مضافا إلى طريق المخالفين (٤).

وأمّا قراءة الياسين متّصلا لا آل يس ، فقيل : لغة في الياس كيناوسين (٥). وقيل : جمع له أريد به هو وأتباعه ، وفيه إنّه لو كان كذلك لكان معرّفا ، ولو كان أريد به هو واتباعه ، لزم أن يكون أتباع الياس في سلك الأنبياء ، وأن يكون الله سلّم عليهم ، والظاهر أنّ سلام الله على أحد يدلّ على عصمته وطهارته عن رجس الآثام ، وسلامته من الهلاك ، فيختصّ بأهل العصمة. فالصّحيح اختصاص الآية بالعترة الطاهرة أهل بيت الرسول ، فيكون آل يس عليّ سيّدهم في درجة الأنبياء حفظا لسياق الآيات وتطبيق الطرفين مع الوسط ، لأنّه تعالى ختم السورة بقوله سبحانه : (سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) ، وليس آل يس من المرسلين ، فيكونون أئمّة.

وقد روى ابن حجر (٦) المتأخّر من رجال المخالفين في صواعقه أيضا ، أنّ الله

__________________

(١) ـ الصافّات : ١٠٩.

(٢) ـ الصافّات : ١٢٠.

(٣) ـ مشارق الأنوار ١٠٦.

(٤) ـ رويت هذه القراءة عن نافع ، وابن عامر ، ويعقوب ، ورويس ، والأعرج ، وشيبة ، وزيد بن عليّ ، وعبد الله بن مسعود ، كما رويت عن الإمام الرضا عليه‌السلام. انظر معجم القراءات القرآنيّة ٥ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٥) ـ كذا في المتن.

(٦) ـ الصواعق المحرقة ١٤٩ ، وفيه : إنّ الله تعالى جعل أهل بيت نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله مطابقا له في أشياء كثيرة ، وذكر الفخر الرازي أنّ أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله يساوونه في خمسة أشياء :

تعالى ساوى بين محمّد وآله في خمسة مواضع :

منها : السّلام عليهم ، فكما سلّم على محمّد بقوله : والسلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته ، سلّم على آله بقوله سبحانه : «سلام على آل ياسين».

ثمّ أقول : إذا ثبت أنّ الله سبحانه وتعالى سلّم على الآل ، ثبت عصمتهم وطهارتهم وسلامتهم عن الآثام ، فيكونون أئمّة وأولى بالإمامة ، وهو الظاهر. ألا ترى كيف أثبت عصمة الأنبياء عن الزّلل بقوله تعالى : (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) بعد (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) ، فإنّ السلام على أحد دعاء بالسلامة ، و [السلام] من الله سبحانه وتعالى فعل السلامة بعبده تكوينا ، ولا نعني بالعصمة إلّا هذا.

__________________

إحداها : في السلام ، قال : «السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» وقال لأهل بيته : «سلام على آل ياسين».

والثانيّة : في الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الآل ، كما في التشهّد وغيره ، تجب الصلوات في التشهد بقول الشافعيّ : التفسير الكبير للرازيّ ٢٥ : ٢٢٧.

والثالثة : في الطهارة ، قال الله تعالى : (طه) أي يا طاهر (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) ، وقال لأهل بيت نبيّه (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

والرابعة : تحريم الصدقة ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تحلّ الصدقة لمحمّد ولا لآل محمّد.

والخامسة : المحبّة ، قال الله عزوجل : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) ، وقال لأهل بيته : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

الآية الثانية والثلاثون

من سورة الشورى ؛

قوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي على التبليغ والرسالة (أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ٢٣.

فقد روى الفريقان (١) أنّ المراد بذوي القربى في الآية : الّذين جعل الله مودّتهم

__________________

(١) ـ أمّا العامّة : مسند أحمد ١ : ٢٨٦ ؛ صحيح البخاريّ ٦ : ٣٧ ؛ حلية الأولياء ٣ : ٢٠١ ؛ المعجم الصغير ١ : ٧٦ ؛ تفسير الكشّاف ٤ : ٢٢٠ ؛ كفاية الطالب ٧٩ ـ ٨١ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٣٠٧ ـ ٣٠٩ ؛ المناقب للخوارزميّ ٢٧٥ ؛ الدرّ المنثور ٦ : ٧ ؛ الوسيط في تفسير القرآن للواحد النيسابوريّ ٤ : ٥٢ ؛ التفسير الكبير للرازيّ ٢٧ : ١٦٦ ، ١٦٧ ؛ شرف النبيّ ١٢٥ ؛ الذريّة الطاهرة للدولابيّ ١١٠ ؛ كتاب الولاية وفضائل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لمحمد بن جرير الطبريّ ٧٥ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ١٣٤ ؛ أسباب النزول للواحدي ١٣٣ ؛ تفسير الماورديّ المسمّى بنكت العيون ٢ : ٤٩ ؛ ذكر أخبار اصبهان ٢ : ١٦٥ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ٢٦٦ ؛ مطالب السئول ٨ ؛ نظم درر السمطين ٢٤ ، ٨٦ ؛ ذخائر العقبى ٢٦ ، ١٣٨ ؛ فرائد السمطين ٢ : ١٣ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٧٢ ؛ تفسير البحر المحيط ٧ : ٥١٦.

وأمّا الخاصّة : عيون أخبار الرضا ١ : ٢٣٣ ؛ الأمالي الصدوق ١٤١ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ١ : ٣٠٩ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ٢١٤ ؛ كتاب الولاية لابن عقدة ١٧١ ؛ تفسير الحبريّ ٣٥٩ ـ ٣٦٣ ؛ كشف الغمّة ١ : ٥٤ ؛ منهاج الكرامة ٨٢ ، ١٢٢ ؛ بشارة المصطفى ٢٤٠ ، ٢٤١ ؛ العمدة لابن البطريق ٤٧ ـ ٦٠ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ٢٧٥ ؛ بصائر الدرجات ١٣٨ ، ١٣٩ ؛ نهج الحقّ و

أجر الرسالة ، فمن لم يودّهم فسد إيمانه بالرّسول ، لأنّ أجر الرّسالة من متمّمات الإيمان بالرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله [و] هم العترة الطّاهرة : عليّ وفاطمة والحسنان عليهم‌السلام.

وأمّا أصحابنا فقد رووه متواترا وعليه إجماعهم لا خلاف بينهم.

منها : ما رواه في مجمع البيان (١) عن السّجاد والباقر والصادق عليهم‌السلام.

وفي الكافي عن الصادق عليه‌السلام ، قال : لمّا رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجّة الوداع وقدم المدينة أتته الأنصار ، فقالوا : يا رسول الله ، إنّ الله جلّ ذكره قد أحسن إلينا وشرّفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا ، فقد فرّح الله صديقنا ، وكبت عدوّنا ، وقد يأتيك وفود ، فلا تجد ما تعطيهم ، فيشمت بك العدوّ ، فنحبّ أن تأخذ ثلث أموالنا ، حتّى إذا قدم عليك وفد مكّة وجدت ما تعطيهم ، فلم يردّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم شيئا ، وكان ينتظر ما يأتيه من ربّه ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام وقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ولم يقبل أموالهم ، فقال المنافقون : ما أنزل الله هذا على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما يريد إلّا أن يرفع بضبع ابن عمّه ويحمل علينا أهل بيته ، يقول أمس : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ، واليوم : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢).

ونحوه رواه في قرب الإسناد (٣) ، والجوامع (٤) ، والمجمع (٥) ، والمحاسن (٦) ، وغيرها ،

__________________

كشف الصدق ١٧٥ ؛ خصائص الوحي المبين ٥٢ ـ ٥٥ ؛ أسرار الإمامة ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٥٦ ، وفيه : أعظم الأمور في الدّنيا النبوّة بعد الإلهيّة ، فجعل الله تعالى محبّة عليّ وأولاده بإزاء النبوّة ، وجعلها أجره إزاء النبوّة بمنزلة الشّكر لها ، فقال (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ ...) فمن أنكره فقد أنكر القرآن ، ومنكر القرآن كافر وعدوّ الله وعدوّ رسوله والمؤمنين.

(١) ـ مجمع البيان ٥ : ٢٨ ، ٢٩.

(٢) ـ الأصول من الكافي ١ : ٢٩٥ ، ٢٩٦ ، ٤١٣ ؛ روضة الكافي ٣٧٩ ، رقم ٥٧٤ ؛ روضة الواعظين ٢٦٨.

(٣) ـ قرب الإسناد ١٢٨ ، رقم ٤٥٠.

(٤) ـ تفسير جوامع الجامع للطبرسيّ ٤٢٩.

(٥) ـ مجمع البيان ٥ : ٢٨.

(٦) ـ المحاسن ١٤٥.

بل هذا من أصول مذهبنا وما أجمع عليه أصحابنا في الأعصار والأمصار (٧).

وأمّا المخالفون : فقد رواه منهم مسلم (٨) ، والبخاريّ (٩) في الصحيحين ، وأحمد بن حنبل في مسنده (١٠) ، والزمخشريّ (١١) ، والثعلبيّ (١٢) ، والبغويّ (١٣) في تفاسيرهم عن ابن عبّاس وغيره.

ورواه الأندلسيّ في الجمع بين الصّحاح (١٤) ، والطبرانيّ (١٥) ، والحاكم (١٦) ، وابن أبي حاتم (١٧) ، وابن حجر في صواعقه (١٨) عنه ، أنّه فسّر القرابة بعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وصفهم بوجوب المودّة.

__________________

(٧) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ٢٧٥ ؛ تأويل الآيات الظاهرة ٥٣٠ ـ ٥٣١ ؛ والأخبار كثيرة في أنّ حبّ عليّ وأولاده عليهم‌السلام حبّ الله تعالى ، وبغضهم بغض الله ، وبالجملة محبّتهم إيمان وبغضهم كفر ونفاق. وجاء في الخبر «أساس فاتحة الكتاب بسم الله الرّحمن الرّحيم ، وأساس الدّين حبّ آل محمّد عليهم‌السلام» وروي أيضا «أساس الإسلام حبّنا أهل البيت» انظر : أسرار الإمامة ٣٤٧.

(٨) ـ تفسير الدر المنثور للسيوطي ٦ : ٥ ذيل آية المودّة ، عن صحيح مسلم ، ولم أعثر عليه في صحيح مسلم المطبوع.

(٩) ـ تفسير الدرّ المنثور ٦ : ٥ ، ذيل الآية ، عن صحيح البخاريّ ؛ ولم أعثر عليه في صحيح البخاريّ المطبوع.

(١٠) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ٢٨٦ ؛ سنن أبي داود ٥ : ٣٧٧.

(١١) ـ الكشّاف ٤ : ٢٢٠.

(١٢) ـ تفسير الثعلبيّ ٨ : ٣١٠ ؛ العمدة لابن البطريق ٥٠ ح ٤٣.

(١٣) ـ تفسير البغويّ ٤ : ١٢٥ ذيل الآية ٢٣ من سورة الشورى.

(١٤) ـ العمدة لابن البطريق ٥٨ ح ٥٩ و ٦٠ ، عن الأندلسيّ.

(١٥) ـ المعجم الكبير للطبرانيّ ٣ : ٤٧ رقم ٢٦٤١.

(١٦) ـ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٨٨.

(١٧) ـ تفسير الدرّ المنثور ٦ : ٧ ذيل الآية عن ابن أبي حاتم في تفسيره.

(١٨) ـ قال ابن حجر في صواعقه ١٦٩ ، ١٧٠ في تفسير هذه الآية : أخرج أحمد ، والطبرانيّ ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، والثعلبيّ ، عن ابن عبّاس ، أنّ هذه الآية لمّا نزلت قالوا : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ وفاطمة وابناهما.

ومن التفصيل في ذلك ما في مسند أحمد بن حنبل (١) عن ابن عبّاس ، لمّا نزل (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك الّتي وجب علينا مودّتهم؟ قال : عليّ وفاطمة وأبناهما.

ونحوه في الصحيحين (٢) ، وتفسير الثعلبيّ (٣). ويشهد له أيضا ما ورد في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٤) يعني مودّة واجبة ؛ وأخبار وجوب محبّة عليّ عليه‌السلام ، فإنّ حبّه إيمان ـ أي متمّم الإيمان وشرط له ـ وبغضه نفاق ؛ وهي متواترة من الطرفين :

منها ما رواه من رجال المخالفين في صحيح البخاريّ (٥) ، وفي الجمع بين الصحيحين ، مسند عليّ عليه‌السلام ، في الحديث التاسع من أفراد مسلم ، وفي الجمع بين الصحاح ، في الجزء الثاني على حدّ ثلثيه في باب مناقبه ، عن صحيح ابن داود من الباب المذكور من صحيح البخاريّ.

و [يشهد له أيضا] ما في مسند ابن حنبل (٦) ، وفي المشكاة للمبارك نوري (٧) ، وفي الاستيعاب (٨) ، وحكاه في تذكرة الخواصّ (٩) لابن الجوزيّ ، عن الفضائل لابن حنبل أيضا ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ : لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا

__________________

(١) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٩٩ ؛ ذخائر العقبى ٢٥.

(٢) ـ تفسير الدرّ المنثور ٦ : ٥ ، ذيل آية المودّة ، عن صحيح البخاريّ وصحيح مسلم.

(٣) ـ تفسير الثعلبيّ ٨ : ٣١٠.

(٤) ـ سورة مريم : ٩٦.

(٥) ـ صحيح البخاريّ ٤ : ١٨١٩ باختلاف.

(٦) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ٨٤ ، ٩٥ ، ١٢٨ ، و ٦ : ٢٩٢.

(٧) ـ مشكاة المصابيح ٢ : ٥٠٣.

(٨) ـ الاستيعاب ٣ : ٣٧.

(٩) ـ تذكرة الخواصّ ٢٨ ، رواه عن الفضائل.

منافق (١).

وأورد جملة من هذه الرّوايات في تذكرة الخواصّ (٢) سبط ابن الجوزيّ ، ويشهد به أيضا أنّ الله تعالى جعل عليّا نفس النبيّ صلوات الله عليهما وآلهما في آية المباهلة ـ الآية الرابعة من هذا الكتاب ـ ومودّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واجبة اتّفاقا ، فكذا من هو كنفسه الشريفة. وإذا ثبت كون مودّتهم أجر الرّسالة ، ثبت وجوب طاعتهم ، وهو معنى الإمامة ، وهذه الخصلة من خواصّ الإمام ، مع أنّ إطلاق وجوب المودّة يقتضي عدم النكير عليهم فيما صدر عنهم ، فإن لم يكونوا معصومين جاز الخطاء عليهم ، فإن وجوب الردّ كان منافيا لإطلاق وجوب المودّة ، وإلّا كان مخالفا لما علم من الدّين ضرورة من وجوب الإنكار في المنكر ، وتقييد وجوب المودّة بما لم يكن ما صدر عنهم منكر خلاف الأصل ، فلا يصار إليه إلّا بدليل ، فإطلاق وجوب المودّة لهم دليل عصمتهم.

إذا عرفت هذه فنقول : أجمعت الأمّة على وجوب مودّة ذوي قرابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله للآية والرّوايات ، واختلفوا في تعميمها وتخصيصها بهؤلاء المنصوص عليهم في

__________________

(١) ـ أنساب الأشراف ٢ : ٩٧ ، ١٥٣ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٤٢ ؛ المسند للحميديّ ١ : ٣١ ؛ سنن الترمذيّ ٥ :٢٩٩ ، ٣٠٦ ؛ نظم درر السمطين ١٠٢ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٧٠ ـ ١٨١ ؛ صحيح مسلم ١ : ٥٥ ، ٨٦ ؛ كتاب الإيمان ؛ حلية الأولياء ٤ : ١٨٥ ؛ المناقب للخوارزميّ ٣٢٦ ؛ ذخائر العقبى ٩١ ؛ شرف النبيّ ٢٧٠ ؛ تاريخ بغداد ٢ : ٢٥٥ ، و ٤ : ٤١ ، و ٨ : ٤١٧ ، و ١٤ : ٤٢٦ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ :١٢٨ ؛ خصائص الإمام عليّ عليه‌السلام للنسائيّ ٨٣ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٢ ؛ فردوس الأخبار ١ : ٥٢٢ ، و ٥ : ٤٠٨ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ١٨٩ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٨٩.

الإرشاد للمفيد ١ : ٣٩ ؛ أمالي المفيد ٦٢ ؛ الخصال للشيخ الصدوق ٢ : ٣٦٢ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٣٥١ ؛ منهاج الكرامة ٩٤ ؛ الطّرائف ٦٩ ؛ الإفصاح في الإمامة ١٢٨ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ١٣٥ ، ٢٠٦ ؛ أسرار الإمامة ٢٢٩ ، ٢٥٤ ، ٤١٥ ؛ غوالي اللآلي ٤ : ٨٥ ؛ الثاقب في المناقب ١٢٣ ؛ كشف اليقين ٢٢٠ ـ ٢٣٢ ؛ العمدة لابن البطريق ٢٧٢ ـ ٢٨٢.

(٢) ـ تذكرة الخواصّ ١٤.

الرّوايات : عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (١) ، ويجب مودّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالأولويّة ، ولأنّها من لوازم الإيمان ، فالأكثرون من المسلمين على التخصيص بهؤلاء الجماعة المنصوص عليهم بالنصوص الصحيحة المتواترة من الطرفين ، ولأنّها معلومة المراد.

والأصل عدم إرادة غيرهم ، والأصل [عدم] براءة الذمّة عن التكليف بمودّة غير هؤلاء الجماعة المجمع عليها ولأنّ ظاهر الآية إطلاق وجوب المودّة ، وهو يقتضي عصمة من وجب مودّته ؛ ولا عصمة في غيرهم اتّفاقا ، فلا يجب مودّة غيرهم ، لأنّ انتفاء اللازم دليل انتفاء الملزوم ، فإطلاق وجوب المودّة في القربى ينافي إطلاق ذوي القرابة ، فوجب تخصيصها بالعترة الطّاهرة للجمع على وجوب مودّتهم ، إمّا بالخصوص أو في العموم ، لأنّهم أظهر أفراد ذوي القرابة وأولاهم ، فإن كانت الأمّة عامّة دخلوا ، وإن كانت خاصّة ، فهم المخصوصون بها.

ولو قيل : إذا وجب التقييد في الجملة ، فما الترجيح بجانب تخصيص ذوي القرابة بالعترة؟

قلنا : العترة مرادة من الآية اتّفاقا ، والشكّ إنّما هو في غيرهم ، والأصل عدم وجوب مودّة غيرهم ، فهذا هو المرجّح لعدم اليقين ، بل الظنّ في دخول غيرهم. على أنّ مودّة غير العترة على وجه ما ليست من أركان الإيمان ، والإسلام وأجر الرّسالة ؛ كما هو الظاهر [من] الآية ، بل نصّها لا يجب في غيرهم اتّفاقا ، بل مودّتهم إن كانت واجبة ، فهي مودّة المؤمن بمعنى عدم جواز بغضه ، ثمّ (الْقُرْبى) تأنيث أقرب ، ولا أقرب إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من نفسه ، يجعل الله تعالى عليّا نفسه في آية المباهلة باتّفاق الأمّة والمفسّرين ، مضافا إلى النصوص الصحيحة والمعتبرة في أصول الفريقين على أنّ [المراد] ب (أَنْفُسَنا) هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، عن أنّ

__________________

(١) ـ كشف الغمّة ١ : ٤٤٤ ؛ روضة الكافي ٨ : ٣١٠ ، رقم ٥٧٤.

القربى هم ذوي قرابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والظاهر المتبادر من القرابة قرابة النسب لا السّبب ، فخرج مثل عثمان. ثمّ الظّاهر المتبادر من ذوي قرابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أقاربه العرفيّة وأرحامه ، فلا يعمّ مثل أبي بكر ، لاتّفاق الأمّة على عدم كونه رحما داخلا في آية أولي الأرحام وإن كان من قريش ، وإلّا لكان بنو آدم كلّهم أرحام وأقرباء ، مضافا إلى نصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في سلبه عنه في يوم البراءة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو رجل منّي (١). ومن ثمّ عزل أبا بكر عن قراءة آيات البراءة على قريش في الموسم ونصب عليّا عليه‌السلام بوحي جبرئيل عليه‌السلام معلّلا بذلك ، وقد رواه الفريقان متواترا.

فدلّ هذا على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلب أبا بكر عن نفسه ، مضافا إلى نصوص الفريقين في الباب في تفسير الآية بعليّ وفاطمة والحسنين عليهم‌السلام ، مضافا إلى ما رواه أحمد بن حنبل (٢) في المسند ، ومسلم (٣) ، والبخاريّ (٤) في الصحيحين ، والثعلبيّ في تفسيره عن ابن عباس ، أنّه قال : لمّا نزل (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) الآية ، قالوا : يا رسول الله من قرابتك الّتي وجب علينا مودّتهم؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ وفاطمة وابناهما عليهم‌السلام (٥).

وهذا نصّ في الاختصاص. والنبيّ لم يضف إليهم غيرهم ، والظّاهر عدمه ؛ وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز عقلا ونقلا.

كما ـ تقرّر في محلّه ـ مضافا إلى أنّ الحسنة المذكورة بعد الآية (وَمَنْ يَقْتَرِفْ

__________________

(١) ـ سبق تخريج هذا الحديث في ذيل الآية الرابعة.

(٢) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ٢٨٦ ، رواه عن ابن عبّاس ؛ سنن أبي داود ٥ : ٣٧٧.

(٣) ـ لم أعثر عليه في صحيح مسلم المطبوع.

(٤) ـ صحيح البخاريّ ٤ : ١٨١٩ ح ٤٥٤١ ؛ و ٣ : ١٢٨٩ ح ٣٣٠٦ باختلاف.

(٥) ـ نهج الإيمان ٤٩٦ ، عن الثعلبيّ.

حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) هي موالاة آل محمّد صلّى الله عليهم أجمعين (١) ، على ما نقله الثعلبيّ ، وابن حجر عن ابن عبّاس (٢) ، كلّ ذلك مضافا إلى إجماع أهل البيت الّذين هم داخلون بلا خلاف ، ويشهد بطهارتهم آية التطهير ، والروايات المعتبرة في جوامع الفريقين (٣) ، والأخبار الصحيحة في أصول الفريقين أنّهم مع القرآن لا يفترقان حتّى يردا على الحوض (٤) ، على اختصاص الآية بهم ، والحمد لله.

__________________

(١) ـ كفاية الطالب ٨١ ، ٢٧٩ ؛ الصواعق المحرقة ١٧٠ ، وفيه : واقتراف الحسنات مودّتنا أهل البيت.

وأخرج الطبرانيّ والطبريّ في تفسيره : لمّا جيء بعليّ بن الحسين الإمام السجاد عليه‌السلام أسيرا فأقيم على درج دمشق ، قام رجل من أهل الشام ، فقال : الحمد لله الّذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرني الفتنة. فقال له عليّ بن الحسين عليه‌السلام : أقرأت القرآن؟ فقال : نعم ، قال : فقرأت آل حم؟ قال : قرأت القرآن ، ولم أقرأ آل حم قال : ما قرأت : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)؟ قال : وإنّكم لأنتم هم؟ قال : نعم. وفيه أيضا : وللشيخ شمس الدين بن العربي قوله :

رأيت ولائي آل طه فريضة

على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما طلب المبعوث أجرا على الهدى

بتبليغه إلّا المودّة في القربى

(٢) ـ سبق تخريجه آنفا.

(٣) ـ الطرائف ١٣١ ؛ المحاسن ١٤٥ ؛ قرب الإسناد ٣٨ ، وقد سبق تخريج هذه الروايات.

(٤) ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٧٧ ؛ تاريخ بغداد ١٤ : ٣٢١ ؛ المناقب للخوارزميّ ١٧٦ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ١١٧ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٤ ؛ فرائد السمطين ١ : ١٧٧ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٢ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٧٨ ؛ كتاب الأربعين عن الأربعين في فضائل عليّ أمير المؤمنين ٨٦ ، وفيه :

لنحن على الحوض ذوّاده

نذود ويسعد ورّاده

وما فاز من فاز إلّا بنا

وما خاب من حبّنا زاده

ومن سرّنا نال منّا السرور

ومن ساءنا ساء ميلاده

ومن كان ظالمنا حقّنا

فإنّ القيامة ميعاده

الآية الثالثة والثلاثون

من سورة الزّخرف ؛ قوله تعالى (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) ٥٧.

فقد روى الفريقان (١) نزولها لمّا مثّل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام بعيسى ابن مريم عليهما‌السلام اعترض عليه المنافقون.

ففي الكافي من طريق الأصحاب ، قال : قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ فيك شبها من عيسى ابن مريم عليهما‌السلام ، لو لا أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النّصارى في عيسى ابن مريم ، لقلت فيك قولا لا تمرّ بملإ من الناس إلّا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة ، قال : فغضب الأعرابيان والمغيرة بن شعبة وعدّة

__________________

(١) ـ الأمالي للطوسيّ ٢٥٦ ، ٣٤٥ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام لابن عقدة ٣١ ، ٣٢ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ٢٨٦ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢١٩ ؛ كشف اليقين ٣٨٧ ؛ العمدة لابن البطريق ٢١٠ ـ ٢١٥.

الخصائص للنسائيّ ٨٤ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٣ ؛ نظم درر السمطين ٩٢ ، ١٠٤ ؛ البداية والنهاية ٧ : ٣٥٦ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٨١ ؛ كفاية الطالب ٣٠٣ ؛ ذخائر العقبى ٩٢ ؛ شرف النبيّ ٢٩٣ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ٢٢٦ ـ ٢٣٦ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٣ ؛ فرائد السمطين ١ : ١٧٢ ـ ١٧٥ ؛ فردوس الأخبار ٥ : ٤٠٨ ؛ النور المشتعل من كتاب ما نزل ٢٢٠ ـ ٢٢٦.

من قريش معهم ، فقالوا : ما رضي أن يضرب لابن عمّه مثلا إلّا عيسى ابن مريم ، فأنزل الله تعالى على نبيّه (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) ـ إلى قوله تعالى ـ (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) ـ يعني من بني هاشم ـ (مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) (١) (٢).

ونحوه رواه في المناقب (٣) ، ومجمع البيان (٤) ، والتهذيب (٥) ، والقمّيّ (٦) ، باختلاف يسير لا يقدح في المطلب. وبالجملة هو المشهور في روايات الأصحاب ، ومعنى يصدّون : يضجّون أو يعرضون.

ومن رجال المخالفين : فقد رواه أحمد بن حنبل (٧) في مسنده بطرق ثمانية على ما ضبطها بعض المحدّثين ، وابن المغازليّ (٨) في المناقب ، ومحمّد بن عبد الواحد التميميّ في الجزء الثالث من جواهر الكلام في حروف النداء ، وابن عبد ربّه في كتاب العقد الفريد (٩).

فما ذكره المفسّرون في الآية وجوه محتملة ، هي اجتهاد في مقابلة النّصوص المعتبرة من الفريقين ، وتفسير بالرأي المنهيّ عنه ، وهذا الحديث من تمثيله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام بعيسى ابن مريم عليهما‌السلام.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو لا أن تقول فيك طائفة من أمّتي ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم ، لقلت فيك قولا لا تمرّ بملإ إلّا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون

__________________

(١) ـ الزخرف : ٦٠.

(٢) ـ الروضة من الكافي ٨ : ٥٧.

(٣) ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ١ : ٣٢٤.

(٤) ـ مجمع البيان ٤ : ٥٣.

(٥) ـ تهذيب الأحكام ٣ : ١٤٤ ، ١٤٥.

(٦) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ٢٨٦.

(٧) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٦٠.

(٨) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٧١ ؛ ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام لابن عساكر ٢ : ٢٨٠.

(٩) ـ العقد الفريد ٢ : ١٩٤.

بذلك البركة ، قد رواه الخوارزميّ من رجال المخالفين في يوم خيبر (١) أيضا ، وقد مضى حديثه في حديث المنزلة ، ومثل هذا لا يناسب إلّا للإمام (٢).

__________________

(١) ـ المناقب للخوارزميّ ١٥٨.

(٢) ـ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ مثلك في هذه الأمّة ، كمثل عيسى بن مريم أحبه قوم فأفرطوا فيه ، وأبغضه قوم فأفرطوا فيه. المناقب للخوارزميّ ٣٢٥.

الآية الرّابعة والثلاثون

من سورة الزّخرف أيضا ؛ قوله تعالى (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) ٤٥.

فقد روى الفريقان أنّ الله تعالى لمّا جمع بين نبيّه وبين أرواح الأنبياء ليلة المعراج ، قال : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) على ما ذا بعثوا؟ فقالوا : بعثنا على الإقرار بالتوحيد وبنبوّتك وبولاية عليّ عليه‌السلام.

رواه من الجمهور الحافظ أبو نعيم (١) ، استخرجه من كتاب الاستيعاب لابن عبد البرّ ، والنيسابوريّ (٢) في تفسيره عن الثعلبيّ.

وروى أصحابنا ما يفيد هذا المعنى أيضا (٣).

__________________

(١) ـ الصراط المستقيم للبياضيّ ١ : ٢٤٤ عن أبي نعيم الحافظ.

(٢) ـ تفسير الثعلبيّ ٨ : ٣٣٨ ؛ غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٢٥ : ٥٢ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ٢٢٢ ؛ ذخائر العقبى ٦٩ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٦٦ ؛ المناقب للخوارزميّ ٣١٢ ؛ كفاية الطالب ٦٦ ؛ فرائد السمطين ١ : ٨١ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ٥٧٠ ، وروى الهيثمي بمعناه في مجمع الزوائد ٩ : ١٧٩.

(٣) ـ الأصول من الكافي ١ : ٤٣٧ ؛ الأمالي للطوسيّ ١ : ١٠٢ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٨٣ ؛ منهاج الكرامة ١٣٠ ؛ تأويل ما نزل من القرآن الكريم ٣٠٥ ـ ٣٠٧ ؛ العمدة لابن البطريق ٣٥٣ ؛ الطّرائف ١٠١ ؛ بشارة المصطفى ٢٤٩ ؛ خصائص الوحي المبين ٩٨.

وعلى هذا ، فبعض السؤال مذكور في الآية وهو التوحيد ؛ كما قال الله تعالى (أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) هل حكمنا بعبادة الأوثان ، وهل جاءت في ملّة من مللهم ، وهذا ردّ على المشركين ، وبعضه غير مذكور ، بل ألقي عليه بالوحي ، أو ترك من جهة تغيير الكتاب بفعل عمر وعثمان (١).

وهذا نصّ في وجوب الإيمان بولاية عليّ عليه‌السلام المقرونة بنبوّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتوحيد الله تعالى في لسان جميع الأنبياء عليهم‌السلام ، فهو برهان قاطع على أنّ الإيمان بولاية أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام من أعظم أصول الدّين ، بعثت [لأجله] جميع الأنبياء ، وله الحمد.

__________________

(١) ـ يعتقد جميع علماء الشيعة بأنّ القرآن الكريم الموجود بين الدفّتين هو بنفسه القرآن الذي أنزله الله تبارك وتعالى على نبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله دون زيادة ولا نقصان ، وأنّ الله تعالى قد تكفّل بصيانة قرآنه من التحريف ، بقوله عزوجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ، لكنّ الشيعة يعتقدون أنّ أسباب النزول والتفسير اللذين كانا موجودين في مصحف أمير المؤمنين عليه‌السلام جرى تجاهلهما حين التزم القوم في تدوينهم المصحف بمصاحف بعض الصحابة دون مصحف أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ممّا نجم عنه ضياع ثروة علميّة ضخمة في أسباب نزول القرآن وتفسير آياته الكريمة.

الآية الخامسة والثلاثون

من سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ـ القمّيّ قال : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) ٣٢.

فقد روى الفريقان نزولها من شاق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

أمّا أصحابنا : فقد رواه القمّيّ (١) ، ورووه في الآية السابقة على هذا (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) (٢) الآية.

بل رووا عن أئمّتهم : إنّ في هذه السّورة آية فينا ، وآية في عدوّنا (٣).

وورد في جلّ آياتها تفاصيل (٤) ذلك عنهم.

__________________

(١) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ٣٠٠.

(٢) ـ سورة محمّد : ٢٥.

(٣) ـ شواهد التنزيل ٢ : ٢٤٠ ؛ كنز الدقائق ١٢ : ٢١٢.

(٤) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ٣٠٢ ؛ كشف اليقين ٣٨٢ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ١ : ٣٤٤ ، و ٣ : ١٠٠ ، ١٢٠ ، ٣٥٤ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٣١٥ ؛ كفاية الطالب ٢٠٥ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ٢٤٠ ـ ٢٥٠ ؛ الدرّ المنثور ٦ : ٦٦٦.

و [أمّا] من الجمهور ، فقد روى الحافظ أبو بكر بن مردويه أنّ المراد بالهدى المهديّ في أمر عليّ عليه‌السلام ، حكاها في كشف الغمّة (١).

ولا ريب أنّ الذمّ المبطل للأعمال ، الشامل للإيمان ، يدلّ على أنّ قبول ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام وما قاله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ركن للإيمان لا يتمّ الإيمان بدونه ؛ ضرورة أنّ مخالفة الرسول في الفروع لا يوجب بطلان جميع الأعمال حتّى الإيمان. وهذا دليل على إمامته ، وأنّ الإمامة من الأصول الإيمانيّة ، ثمّ من الواضح أنّه لم يقع شقاق في أمر عليّ عليه‌السلام في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده إلّا في ولايته (٢).

__________________

(١) ـ كشف الغمّة ١ : ٤٣٥ نقلا عن ابن مردويه.

(٢) ـ وقوله تعالى (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) أي قطعوه في أهل بيته بعد أخذ الميثاق عليهم.

الآية السادسة والثلاثون

من سورة ق ؛ قوله تعالى (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) ٢٤.

فقد روى الفريقان أنّ الخطاب لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ عليه‌السلام ، رواه من أصحابنا جماعة ، منهم : القمّيّ (١) ، وفي مجمع البيان (٢) ، والأمالي (٣) وغيرها (٤).

ومن الجمهور ما رواه أبو حنيفة في مسنده (٥) رواية عن الأعمش ، عن أبي سعيد الخدريّ ، أنّه قال : إذا كان يوم القيامة قال الله تعالى : يا محمّد يا عليّ ، قفا بين الجنّة والنار ، وألقيا في جهنّم كلّ كفّار عنيد. أي كافر مكابر في النبوّة ، معاند للولاية ؛ بل قال : أجمع عليه المفسّرون ووافقهم أبو حنيفة في مسنده للرواية.

__________________

(١) ـ تفسير القمّيّ ٢ : ٣٢٤.

(٢) ـ مجمع البيان ٥ : ٢١٥.

(٣) ـ الأمالي للمفيد ٣٢٨ ؛ أمالي الصدوق ٢٩٥ ، رقم ١٤ ؛ الأمالي للطوسيّ ٢٩٠ ، ٣٦٨ ، المجلس ١١ و ١٣.

(٤) ـ علل الشرائع ١ : ١٩٧ ؛ عيون أخبار الرضا ٢ : ٩٢ ح ٣٠ ؛ معاني الأخبار ٢٠٦ ؛ الخصال ٢ : ٢٠٧ ، ٣٦٧ ؛ الفضائل لابن شاذان ١٢٩ ؛ كشف اليقين ٤٢٠ ؛ الطرائف ٨٢ ؛ تحفة الأبرار ٢١٥ ؛ المقنع في الإمامة ٨٨ ؛ بصائر الدرجات ٤١٤ ـ ٤١٨ ؛ العمدة لابن البطريق ٣٧٧ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ١٨١ ؛ مائة منقبة ١٠٧ ، رقم ١٩ ؛ كشف الغمّة ١ : ١٠١ ؛ بشارة المصطفى ٤٩.

(٥) ـ جامع مسانيد أبي حنيفة ٢ : ٢٨٤ ؛ مسانيد أبي حنيفة ٢ : ٦ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ٢٦١ ـ ٢٦٥.

حكى ذلك كلّه البرسيّ في مشارقه (١).

أقول : هذا ما تواترت الأخبار فيه من أنّ عليّا عليه‌السلام قسيم الجنّة والنّار (٢) ، وقد استفيض في طريقنا عن الأئمّة الطّاهرة : إنّ إياب الخلق إلينا وحسابهم علينا.

فمن روايات المخالفين قد مضى ما دلّ على أنّ عليّا عليه‌السلام يوم القيامة على الحوض يذود ويرود (٣).

__________________

(١) ـ مشارق الأنوار ١٨٧.

(٢) ـ مسند أحمد ١ : ٨٤ ، ٩٥ ، ١٢٨ ؛ تاريخ بغداد ٢ : ٢٥٥ ، و ٨ : ٤١٧ ، و ١٤ : ٤٢٦ ؛ فردوس الأخبار ٣ : ٩٠ ؛ المناقب للخوارزميّ ٧١ ، ٢٩٤ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازليّ ٦٧ ، ١١٩ ؛ كفاية الطالب ٦٣ ؛ الفائق للزمخشريّ ٣ : ١٩٥ «قسم» ؛ البداية والنهاية ٧ : ٣٥٥ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٦ ؛ فرائد السمطين ١ : ٣٢٦ ؛ المعرفة والتاريخ ٢ : ٧٦٤ ، و ٣ : ١٩٢ ؛ ذخائر العقبى ٧١.

(٣) ـ العسل المصفّى من تهذيب زين الفتى ٢ : ٤٠٦.

راد يرود ريادا ، ومنه الرائد : الذي يتقدّم القوم يبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث.

الآية السّابعة والثلاثون

في سورة النّجم ؛ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى)

فقد روى الفريقان ما حاصله أنّها نزلت في وصاية عليّ عليه‌السلام (١).

فقد روى من أصحابنا في المحاسن (٢) عن ابن عبّاس ، قال : صلّينا العشاء الآخرة ذات ليلة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمّا أسلم أقبل علينا بوجهه ، ثمّ قال : إنّه ينقضّ كوكب من السّماء مع طلوع الفجر ، فيسقط في دار أحدكم ، فمن سقط ذلك الكوكب في داره ، فهو وصيّي وخليفتي والإمام بعدي ، فلمّا قرب الفجر جلس كلّ واحد منّا في داره ينتظر سقوط الكوكب في داره ، وكان أطمع القوم في ذلك أبو العبّاس بن عبد المطلب.

__________________

(١) ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ١٥ ، ١٦ ، وفيه : قال ابن حماد :

إنّ الإمام هو الّذي في داره

ينقضّ نجم الليل ساعة يطلع

فانقضّ في دار الوصي فغاظهم

وغدت له ألوانهم تتمقّع

قالوا أمال به الهوى في صنوه

وتوازروا إلبا عليه وشنّعوا

 (٢) ـ لم أعثر عليه في المحاسن ؛ وقد رواه الشيخ الصدوق في مجالسه ٤٥٣ و ٤٥٤ ح ٤ و ٥ ؛ وابن شاذان في الفضائل ٦٥.

انقض الكوكب من الهواء ، فسقط في دار عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ : يا عليّ والّذي بعثني بالنبوّة ، لقد وجبت لك الوصيّة والخلافة والإمامة.

فقال المنافقون عبد الله بن أبي (١) وأصحابه : لقد ضلّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في محبّة ابن عمّه وغوى وما ينطق في شأنه إلّا بالهوى ، فأنزل الله تبارك وتعالى (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) الآية. وعن الصّادق عليه‌السلام ما يقرب منه (٢).

ومن رجال الجمهور ما رواه أبو حامد الشافعيّ في كتاب شرف المصطفى (٣) حكاه بعض الثقات ، وابن المغازلي (٤) في المناقب عن ابن عبّاس ، قال : كنت جالسا مع جماعة من بني هاشم مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ انقضّ كوكب ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : من انقضّ هذا الكوكب في داره ، فهو الوصيّ من بعدي ، فقام جماعة من بني هاشم ، فإذا الكوكب قد انقضّ في دار عليّ عليه‌السلام ، فقالوا : يا رسول الله قد غويت في حبّ عليّ ، فأنزل الله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) الآية.

أقول : ومن الظاهر أنّ الوصيّ هو المتولّي بجميع أمور الموصي بعد وفاته نيابة عنه ، ولا أمر أهمّ عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من تبليغ الأحكام وارشاد الضالّة ، والقيام بأمور الدّين ، وحفظ سنن المرسلين ، وتبيين كتاب ربّ العالمين ، وهو المعنيّ بالخليفة والإمام.

وكون السورة مكيّة لا ينافي كون ابن عبّاس ـ كما قيل ـ قد ولد بعد الهجرة ، ومن اطلاقات المكيّة كون النزول بمكّة قبل الهجرة أو بعدها ، حكاها بعض الثقات

__________________

(١) ـ كنز الدّقائق ١٢ : ٤٦٩ ـ ٤٧١.

(٢) ـ تأويل ما نزل من القرآن الكريم ٣٣٧ ، ٣٣٨.

(٣) ـ إحقاق الحقّ ٢ : ٣٤٠ و ٣٤١ ؛ بحار الأنوار ٣٥ : ٢٨٤ ، عن شرف المصطفى.

(٤) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٢٦٦ ، ٣١٠.

عن السيوطيّ في كتاب الإتقان (١).

ومن الجمهور روى الخوارزميّ وابن مردويه في الوصاية مسندا عن أمّ سلمة ـ في حديث طويل ـ قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ الله تعالى اختار من كلّ أمّة نبيّا. واختار لكلّ نبيّ وصيّا ، فأنا نبيّ هذه الأمّة ، وعليّ وصيّي في عترتي وأهل بيتي وأمّتي من بعدي (٢).

ومن ذلك رواه أحمد بن حنبل مرفوعا عن سلمان ، أنّه سأل [النبيّ] عن وصيّه ، فأجابه بأنّ عليّا وصيّي ، وقد مضى الحديث بلفظه (٣).

ومن ذلك ما رواه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء (٤) عن أنس ، قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم : يا أنس ، أوّل من يدخل عليك من هذا الباب سيّد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، ويعسوب الدّين ، وخاتم الوصيّين.

قال : فأحببت أن يكون رجلا من الأنصار. وإذا بعليّ قد دخل عليه ، فاستقبله واحتضنه وبدأ يمسح من عرق جبينه بجبينه ، فقال : يا رسول الله ، ما وجدتك تصنع معي كصنيعك هذا اليوم ؛ فقال : ما يمنعني وأنت تؤدّي عنّي وتسمعهم صوتي وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي.

وهذا نصّ في الباب من وصايته وتفسيرها بالخلافة والإمامة والولاية بما لا مجال للاختلاف بغيره.

ومن ذلك ما رواه الخوارزميّ (٥) : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نزل عليّ جبرئيل عليه‌السلام

__________________

(١) ـ الإتقان في علوم القرآن للسيوطيّ ١ : ١٤ ، ٣٣.

(٢) ـ المناقب للخوارزميّ ١٤٦ ، ١٤٧ ، نقلا عن ابن مردويه.

(٣) ـ فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٦١٥ ح ١٠٥٢.

(٤) ـ حلية الأولياء ١ : ٦٣.

(٥) ـ المناقب للخوارزميّ ٣١٩ ، مائة منقبة ١٣٣ ، رقم ٦٥.

صبيحة يوم فرحا مستبشرا ، فقلت : حبيبي ما لي أراك فرحا مستبشرا؟ فقال : يا محمّد وكيف لا أكون كذلك وقد قرّت عيني بما أكرم الله به أخاك ووصيّك وإمام أمّتك عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقلت : وبم أكرم الله أخي وإمام أمّتي؟ قال : باهى بعبادته البارحة ملائكته وحملة عرشه ، وقال : ملائكتي انظروا إلى حجّتي في أرضي على عبادي بعد نبيّي ، فقد عفّر خدّه في التراب تواضعا لعظمتي ، أشهدكم أنّه إمام خلقي ومولى بريّتي.

وهذا نصّ في الباب ؛ وبالجملة الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى في كتب الفريقين (١) وأصولهم ، لا مجال لإنكارها ، قد ذكرت شطرا وافيا منها.

__________________

(١) ـ الروضة من الكافي ٨ : ٣٨٠ ؛ كشف الغمّة ١ : ٣٢٠ ؛ أمالي الصدوق ٤٥٣ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٩٢ ؛ خصائص الوحي المبين ٣٨ ؛ العمدة لابن البطريق ٧٨ ، ٩٠ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ٣٣٤ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ٢٧٥ ـ ٢٨٢ ؛ كفاية الطالب ١٤٣ ، ٢٢٩.

الآية الثامنة والثلاثون

من سورة الرّحمن ؛ قوله تعالى (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) ـ إلى ـ (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) ١٩ ـ ٢٢.

فقد روى الفريقان أنّ البحرين ؛ عليّ وفاطمة ، والبرزخ : محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله واللّؤلؤ والمرجان : الحسنان.

أمّا أصحابنا ، فقد رواه بعضهم (١).

وأمّا الجمهور ، فقد رواه الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، كما [في] كشف الغمّة عن أنس بن مالك ، أنّها نزلت في عليّ وفاطمة عليهما‌السلام (٢).

__________________

(١) ـ الأصول من الكافي ١ : ٤١١ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٥ ، ٣٦٧ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٨٨ ؛ كشف اليقين ٤٠٠ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٣ : ٣١٨ ؛ منهاج الكرامة ١٣٩ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ٢١٦ ؛ قرب الإسناد ٦٤ ؛ تفسير القمّيّ ٢ : ٣٤٤ ؛ خصائص الوحي المبين ١٢٣ ؛ تفسير فرات الكوفيّ ٤٦٠ ؛ العمدة لابن البطريق ٣٩٩ ؛ روضة الواعظين ١٤٨.

(٢) ـ كشف الغمّة ١ : ٣٢٣ ؛ نقلا عن ابن مردويه ؛ تذكرة الخواصّ ٢١٢ ؛ النور المشتعل من كتاب ما نزل ٢٣٦ ؛ الدرّ المنثور ٦ : ١٤٢ و ١٤٣ ، نقلا عن ابن عبّاس وابن مردويه ؛ نور الأبصار ١٠١ ؛ الفصول المهمّة ٢٨ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٣٣٩ ؛ مقتل الحسين للخوارزميّ ١ : ١١٣ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ٢٨٤ ـ ٢٩٠ ؛ تفسير الثعلبيّ ٩ : ١٨٢.

ورواه في مجمع البيان عن سلمان الفارسي ، وسعيد بن جبير ، وسفيان الثوري : و «البحرين» عليّ وفاطمة ، و «برزخ» محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، و «اللؤلؤ والمرجان» الحسن والحسين عليهما‌السلام (١).

أقول : هذا العلّة إشارة إلى اجتماع بحر النبوّة والولاية ، فيخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان ، أولاد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من صلب عليّ عليه‌السلام.

قال الشيخ عزّ الدّين المقدسيّ الشافعيّ في رسالته المعمولة في مدح الخلفاء : حكى بعض الثقات كلاما فيه أنّ البحرين بحر ماء النبوّة من فاطمة عليها‌السلام ، وبحر ماء الفتوّة من عليّ عليه‌السلام ، والبرزخ بينهما برزخ التقوى ، لا يبغيان أحدهما على الآخر بدعوى أو شكوى ، واللّؤلؤ والمرجان الحسنان عليهما‌السلام (٢).

وهذا يفيد كون عليّ عليه‌السلام تلو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيكون واليا على النّاس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيكون قوله تعالى (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) : معناه أبنعمة النبوّة أم بنعمة الولاية ـ وبهما تتمّ الهداية ـ تكذّبان (٣).

__________________

(١) ـ مجمع البيان ٥ : ٢٠١.

(٢) ـ لم نعثر على نسخة هذا الكتاب ، وانظر مؤدّاه : النور المشتعل من كتاب ما نزل ٢٣٦ ـ ٢٣٩ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ٢٨٤ ـ ٢٩٠.

(٣) ـ الأصول من الكافي ١ : ٢١٧.

الآية التاسعة والثلاثون

من سورة الواقعة ؛ قوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) ١٠ و ١١.

فقد روى الفريقان ما يفيد أنّ المراد عليّ عليه‌السلام لسبقه في الإسلام قبل الأمّة أجمع (١).

__________________

(١) ـ مسند أحمد بن حنبل ١ : ٩٩ ، ١٦٠ ، و ٤ : ٣٦٨ ، ٣٧٠ ، ٣٧١ ، و ٥ : ١٨١ ، ٤٩٥ ؛ الاستيعاب ٤ : ٤٠٤ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٤٤ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٥٩٨ ، ٦٠٠ ؛ أنساب الأشراف ٢ : ٩٢ ؛ مطالب السئول ١١ ؛ فردوس الأخبار ١ : ٧٢ ، و ٣ : ٤٣٣ ، و ٥ : ٤٠٦ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢١ ، ١٤٧ ؛ تاريخ الطبريّ ٢ : ٥٧ ؛ الرياض النضرة ٢ : ٢٠٨ ؛ ذخائر العقبى ٥٨ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٢٣ ـ ١٢٨ ؛ الفصول المهمّة ٣٢ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٠ ؛ المناقب للخوارزميّ ٥١ ـ ٥٩ ، ٢٧٦ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ١٣ ـ ١٦ ؛ فرائد السمطين ١ : ٢٤٢ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ٢٩١ ـ ٢٩٧ ؛ تاريخ بغداد ٢ : ١٨ ، و ٣ : ٨١ ؛ و ٤ : ٢٣٣ ؛ الدرّ المنثور ٦ : ١٥٤ ؛ الخصائص للنسائيّ ١٨ ـ ٢٣ ؛ تفسير القرطبيّ ٨ : ٢٣٦ ؛ شرف النبيّ ٢٤٧ ، ٤٨٤ ؛ وفيه : بنا أهل البيت بدأ الله الإسلام ، وبنا يعيد ، وبنا يختم الدّنيا.

الخصال ١ : ١٩٩ ، و ٢ : ٣٥٥ ؛ الإرشاد للمفيد ١ : ٣١ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ٢١٧ ؛ خصائص الوحي المبين ٨٢ ـ ٨٧ ؛ مجمع البيان ٥ : ٢١٥ ؛ منهاج الكرامة ١٢٨ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢٠٠ ؛ كشف اليقين ٢٥ ، ٢٦ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ؛ إعلام الورى ١٣٣ ـ ١٣٦ ؛ مناقب آل أبي طالب

أمّا أصحابنا ففي الخصال ؛ عن عليّ عليه‌السلام ، قال : نزلت فيّ (١).

وفي إكمال الدّين ، عن الباقر عليه‌السلام في حديث : نحن السّابقون ، نحن الآخرون (٢).

وفي الأمالي ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فقال لي : جبرئيل عليه‌السلام ذلك في عليّ عليه‌السلام وشيعته ، هم السّابقون إلى الجنّة المقرّبون من الله بكرامته (٣) لهم.

أقول : معنى السّابقون [: السابقون] في الإيمان بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو الوليّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، هم السّابقون إلى الجنّة ، وغيره يتبعه.

وروى الثعلبيّ من رجال المخالفين في تفسيره أنّ المراد به عليّ عليه‌السلام (٤).

وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه (٥) ما معناه أنّ المراد بهم عليّ وسلمان. بل قيل : إنّ سلمان كان أقدم من أبي بكر في الإسلام.

و [روى] ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (٦) عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، قال : أوّل من صلّى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّ عليه‌السلام ، فنزلت الآية.

واستدلال بعضهم على فضيلة أبي بكر في الهجرة ساقط ، لأنّ المراد الأسبق في الإسلام والإيمان ، مع أنّ أبا بكر لم يكن من المهاجرين ، لأنّ الهجرة إنّما كانت بعد هجرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبو بكر لم يخرج مهاجرا إلى الله تعالى ورسوله ، بل خرج مع

__________________

لابن شهرآشوب ٢ : ١٠ ، و ٣ : ٢٨٧ ، و ٤ : ٣٠٨ ، ٣٥٨ ؛ المقنع في الإمامة ٧٣ ؛ المحاسن للبرقيّ ٣٣١ ؛ الإفصاح في الإمامة ٢٣٢ ؛ أسرار الإمامة ٢١٦ ، ٣٤٧ ؛ تفسير الحبريّ ٢٤١ ، ٤٠٠ ـ ٤٠٩ ؛ العمدة لابن البطريق ٦٠ ـ ٦٨.

(١) ـ الخصال ٢ : ١٩٩ ، ٣٥٥.

(٢) ـ اكمال الدين ١ : ٢٠٦.

(٣) ـ الأمالي للمفيد ٢٩٨ ؛ أمالي الصدوق ٢٨ ح ٥ ؛ الأمالي للطوسيّ ٧٢ ، المجلس الثالث.

(٤) ـ نهج الإيمان ١٦٦ ، نقلا عن تفسير الثعلبيّ.

(٥) ـ أسرار الإمامة ١٩٧ ، وفيه : الذين أسلموا بعد النبوّة أبو ذر وسلمان ...

(٦) ـ تذكرة الخواصّ ١٧.

رسوله مخالفا في نهيه عن الخروج (١).

كما رواه الثقات [من] الفريقين ، وممّا يشهد بما ذكرناه ما رواه في أنوار البصائر عن الخوارزميّ (٢) ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال في عليّ عليه‌السلام : إنّه أوّلكم إيمانا معي ، وأوفاكم بعهد الله تعالى وأقومكم بأمر الله ، وأعدلكم في الرعيّة ، وأقسمكم بالسّويّة ، وأعظمكم عند الله مزيّة.

وعن حلية الأولياء لأبي نعيم الحافظ ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخصمك يا عليّ بالنبوّة ـ فلا نبوّة بعدي ـ وتخصم النّاس بسبع لا يحاجّك فيهن أحد من قريش : أنت أوّلهم إيمانا بالله ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقومهم بأمر الله ، وأقسمهم بالسويّة ، وأعدلهم في الرعيّة ، وأبصرهم في القضيّة ، وأعظمهم عند الله يوم القيامة مزيّة (٣).

وما رواه محمّد بن يوسف الكنجيّ في كفاية الطالب عن جماعة ، أنّه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ستكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فاقتدوا بعليّ بن أبي طالب والزموه ، فإنّه أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأمّة ، يفرق بين الحقّ والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين وإمام المتقين (٤).

وجه الدلالة أنّه لو لم يكن أسبق في الإسلام لم يكن أسبق في الملاقاة والمصافحة مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة ، إذ السّابقون في الإسلام هم السّابقون في دخول الجنّة ، وأولئك هم المقرّبون أصحاب عين التسنيم في قوله تعالى (عَيْناً

__________________

(١) ـ الطرائف ٤١٠.

(٢) ـ حلية الأولياء ١ : ٦٦ ؛ تفسير الطبريّ ٣٠ : ١٧١ ، باختصار ؛ المناقب للخوارزميّ ١١١ ؛ ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام لابن عساكر ١ : ١٣٢ ؛ فرائد السمطين ١ : ٢٢٣ ؛ مجمع البيان ٤ : ٢١٥ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٢٣.

(٣) ـ حلية الأولياء ١ : ٦٥.

(٤) ـ كفاية الطالب ١٦٢ ، ١٦٣.

يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) (١).

ثمّ أقول : قول المخالفين في لقب أبي بكر الصديق ، وفي لقب عمر الفاروق اطلاق من هذا الحديث ، كاطلاق أمير المؤمنين للشيخين ، حتّى صار الأمر إلى أن قيل لعلوج بني أميّة مثل يزيد بن معاوية ومروان «أمير المؤمنين».

وقوله «يعسوب المؤمنين» معناه أمير المؤمنين ، لأنّ اليعسوب هو أمير النحل (٢) ،

__________________

(١) ـ المطفّفين : ٢٨.

المقرّبون هم آل محمّد صلوات الله عليهم ، يقول الله (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخديجة وعليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام وذرّيّاتهم ، والمقرّبون يشربون من تسنيم صرفا ، وسائر المؤمنين ممزوجا ، والتسنيم عين في الجنّة ، سمّيت تسنيما لارتفاع مكانها. تفسير الصافي ٥ : ١٢٠ ؛ المفردات في غريب القرآن ٢٤٥.

(٢) ـ ومن ألقابه عليه‌السلام «يعسوب المؤمنين» ؛ قال الزجّاج في أماليه (ص ١٩) : قال أبو عبد الله الجدلي : دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فرأيت بين يديه ذهبا مصبوبا فقلت : ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال : هذا يعسوب المنافقين ، فقلت : وما معنى «يعسوب» يا أمير المؤمنين؟ فقال : هذا يلوذ به المنافقون ، كما يلوذ المؤمنون بي ، فأنا يعسوب المؤمنين.

وقال ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ ص ٤ : ويسمّى عليّ عليه‌السلام يعسوب المؤمنين ، لأنّ اليعسوب أمير النحل وهو أحزمهم ـ أي أقواهم ـ يقف على باب الكوارة ـ الكوارة شيء يتّخذ للنحل من القضبان ـ كلّما مرّت به نحلة شمّ فاها ، فإن وجد منها رائحة منكرة علم أنّها رعت حشيشة خبيثة فيقطعها نصفين ويلقيها على باب الكوارة ليتأدّب بها غيرها ، وكذا عليّ عليه‌السلام يقف على باب الجنّة فيشمّ أفواه الناس ، فمن وجد منه رائحة بغضه ألقاه في النّار.

وانظر : مسند أحمد ٥ : ٣١ ؛ سنن الترمذيّ ٥ : ٦٣٥ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٤٤ ؛ حلية الأولياء ١ : ٦٦ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٢٤ ؛ المناقب للخوارزميّ ٤٠ ، ٢٩٥ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٦٥ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٧ ؛ ذخائر العقبى ٥٦ ، ٧٠ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٥٥ ؛ تاريخ بغداد ٥ : ٤١٦ ؛ أخبار اصبهان ٢ : ٢٩٩ ؛ كفاية الطالب ١٨٨ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٣ : ٢٨٨ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٧٦ ؛ مصابيح السنّة ٤ : ١٧٢.

أمالي الصدوق ٣٠١ و ٣٨٥ ؛ معاني الأخبار ٣١٤ ؛ الاختصاص ٥٣ ؛ الأمالي للطوسي ٣٤٥ و ٥٥٢ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ١٧ ـ ٢٠ ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ٢ : ٣٥١ ؛ إعلام

وهذه الإمارة ثابتة له عليه‌السلام من الله ورسوله لا بإطلاق وقول زور.

وقوله : «وامام المتّقين» لعلّه إشارة إلى قوله تعالى (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) (١) إلى رحمته الواسعة لا نهاية لها ولا حدود ، إذا كان عليّ عليه‌السلام إمامهم ، كان نورهم يسعى بين أيديهم إلى رحمة الله الجنّة. (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ) ـ وهم خلاف المتّقين ـ (إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) (٢) أي عطاشا ، وإمامهم أئمّة يهدون إلى النّار ؛ أو [لعلّه] إشارة إلى قوله تعالى (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) (٣).

ثمّ قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الحديث الشريف : «ستكون بعدي فتنة ، وإذا كان ذلك فاقتدوا بعليّ بن أبي طالب والزموه» (٤) ، نصّ في خلافته وإمامته ووجوب طاعته ، وأنّه صراط الله المستقيم (٥).

ضرورة أنّ أوّل فتنة وقعت بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت أصل أصول الضلال والفتن المضلّة ، إنّما هي فتنة الخلافة والبيعة في سقيفة بني ساعدة لأبي بكر (٦) ، والتخلّف عن وصيّ رسول الله عليّ بن أبي طالب ، وإذا كان مثل ذلك وجب الاقتداء بعليّ

__________________

الورى ١٨٥ ، ١٦٠ ؛ كشف الغمّة ١ : ٩٣ ـ ٩٩ ؛ العمدة لابن البطريق ٢٦٤ ؛ الطرائف ١٠٦ ؛ كشف اليقين ٣٧.

(١) ـ سورة مريم : ٨٥.

(٢) ـ سورة مريم : ٨٦.

(٣) ـ الفرقان : ٧٤.

(٤) ـ الاصابة ٤ : ١٧١ ، وفيه : قال أبو ليلى الغفاريّ : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ستكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب ... وانظر : تاريخ بغداد ١٣ : ١٨٦ ؛ فرائد السمطين ١ : ١٧٨.

(٥) ـ حلية الأولياء ١ : ٩٤ ؛ تاريخ بغداد ١١ : ٤٧ ؛ شواهد التنزيل ١ : ٧٨ ـ ٨٢ ؛ كفاية الطالب ١٤٠ ـ ١٤٣ ؛ المناقب للخوارزميّ ٢٩٩.

(٦) ـ أمالي الصدوق ٢٥٢ ح ١٤ ؛ معاني الأخبار ٣٢ ـ ٣٧ ؛ الطرائف ١٣١ ؛ تفسير القمّيّ ١ : ٢٨ ؛ كشف الغمّة ١ : ٩٦ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٠ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ٢٠٥.

وروى الصدوق في معاني الأخبار ٣٢ ـ ٣٧ عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، قال : هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ومعرفته.

وملازمته ، كان هو إمام الهداية في سبل السلام ونوح سفينة النجاة ؛ قال الشاعر :

البحر طغى وماج موجا

وطمى لما ارتحل النبيّ عنّا

ومضى أهل الدنيا جميعهم قد غرقوا

من آل إلى سفينة الآل نجى (١)

وعن فخر الدّين الرازي : عند قوله تعالى (مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) (٢) انّ سبّاق الأمم ثلاثة : مؤمن آل فرعون ، وحبيب النجّار ، وعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهو أفضلهم ، ذكره في تفسيره (٣).

__________________

(١) ـ كذا في المتن.

(٢) ـ سورة المؤمن : ٢٨.

(٣) ـ التفسير الكبير ٢٧ : ٥٧ ؛ انظر : فردوس الأخبار ٢ : ٥٨١ ؛ مجمع الزوائد ٩ : ١٢٤ ؛ الصواعق المحرقة ١٢٥ ؛ الجامع الصغير ٢ : ٦٦ ، ١٤٥ ؛ تاريخ بغداد ١٤ : ١٥٥ ؛ الرياض النضرة ٢ : ١٥٨ ؛ ذخائر العقبى ٥٩ ؛ كفاية الطالب ١٠٧ ؛ ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام من تاريخ دمشق ٢ : ٢٨٢ ؛ المناقب للخوارزميّ ٣٠٧ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٢٤٦ ؛ تفسير الثعلبيّ ٨ : ١٢٦ ؛ مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٥٦ ، ١٩٣.

الإرشاد للمفيد ١ : ٣١ ؛ مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٠٨ ؛ أسرار الإمامة ١٥١ ؛ العمدة لابن البطريق ٢٢٠ ؛ الطرائف ٢٠ ؛ مجمع البيان ٥ : ٢١٥.

الآية الأربعون

من سورة الحاقّة ؛ قوله تعالى (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) ـ بعد قوله تعالى (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) ١١ ، ١٢.

أي تحفظها أذن من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظه.

وفي رواية الفريقين ، منهم الواحدي في أسباب نزول القرآن (١) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء (٢) ، وابن المغازلي في المناقب (٣) ، والثعلبيّ ، وأبو القاسم بن حبيب في تفسيريهما (٤) ، كلّهم من رجال العامة وثقات المخالفين.

__________________

(١) ـ أسباب النزول ٢٩٤.

(٢) ـ حلية الأولياء ١ : ٦٧.

(٣) ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٣١٨.

(٤) ـ تفسير الثعلبيّ ١٠ : ٢٨ ؛ نهج الإيمان ٥٥١ ؛ الصراط المستقيم ٢ : ٦٧.

وروى الديلمي في فردوس الأخبار (٥ : ٣٢٩) مرفوعا : يا عليّ إنّ الله أمرني أن أدنيك فأعلّمك التّقى ، وأنزلت هذه الآية (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) ، فأنت أذن واعية لعلمي.

وجاء في شرح المقاصد (٥ : ٢٩٧) : وعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أعلم الصحابة لقوّة حدسه وذكائه ، وشدّة ملازمته للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واستفادته منه. وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حين نزل قوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) : اللهم اجعلها أذن عليّ. قال عليّ عليه‌السلام : فما نسيت بعد ذلك شيئا. وقال : علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من

أنّه قال عليّ عليه‌السلام : ضمّني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : أمرني ربّي أن أدنيك ولا أقصيك ، وأن تسمع وتعي (١) [وحقّ على الله أن تسمع وتعي ، فنزلت (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)].

وزاد الثعلبيّ في تفسيره : «وأن أعلّمك وتعي ، ثمّ نزلت الآية» (٢).

وعن الروزبهان : أنّه لمّا نزلت الآية قال صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام ، سألت الله أن يجعلها أذنك الأذن الواعية (٣).

[وأمّا أعلام الشيعة قالوا : نزلت هذه الآية في عليّ عليه‌السلام] (٤).

__________________

العلم ، فانفتح لي من كلّ باب ألف باب. ولهذا رجعت الصحابة إليه في كثير من الوقائع ، واستند العلماء في كثير من العلوم إليه.

(١) ـ تفسير الكشّاف ٤ : ١٥١ ؛ المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٠ ؛ المناقب للخوارزميّ ٢٨٢ ، ٢٨٣ ؛ كفاية الطالب ٩٥ ، ٢٠٧ ؛ شواهد التنزيل ٢ : ٣٦١ ـ ٣٨٠ ؛ النور المشتعل من كتاب ما نزل ٢٦٦ ـ ٢٧٢ ؛ فرائد السمطين ١ : ١٩٩ ، ٢٠٠ ؛ أنساب الأشراف ٢ : ١٢١ ؛ التفسير الكبير للرازيّ ٣٠ : ١٠٧ ؛ تفسير الطبريّ ٢٩ : ٣١ ، ٣٦ ؛ تفسير ابن كثير ٤ : ٤١٣ ؛ الفصول المهمّة ١٢٣ ؛ الدرّ المنثور ٦ : ٢٦٠ ؛ مطالب السئول ٢٠ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ : ٣١٩ ، ٣٤٧ ؛ نظم درر السمطين ٩٣ ؛ شرح المواقف ٨ : ٣٧٠.

(٢) ـ نهج الإيمان ٥٥١ ، نقلا عن تفسير الثعلبيّ.

(٣) ـ نقل ذلك عنه أيضا مؤلّف «إحقاق الحقّ» ٣ : ١٥٤.

(٤) ـ الأصول من الكافي ١ : ٤٢٣ ؛ معاني الأخبار ٥٩ و ٦٠ ؛ كشف الغمّة ١ : ٤٤١ ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق ١٨٣ ؛ تفسير العيّاشيّ ١ : ١٤ ؛ منهاج الكرامة ١٣١ ، ١٦٢ ؛ بصائر الدرجات ١٣٦ ، ٥١٧ ؛ مجمع البيان ٥ : ٣٤٥ ؛ مناقب الطاهرين ١ : ٣٧٣ ؛ اللوامع النورانيّة ٤٦٨ ـ ٤٧٠ ؛ الطرائف ٩٣.

وروى ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ٣ : ٩٥ ، ٩٦ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : إنّي سألت ربّي أن يجعلها أذنك يا عليّ ، اللهم اجعل أذنا واعية أذن عليّ ، ففعل فما نسيت شيئا سمعته بعد. وقال الحميريّ :

وصيّ محمّد وأمين غيب

ونعم أخو الإمامة والوزير

إذا ما آية نزلت عليه

يضيق بها من القوم الصدور

وعاها صدره وحنت عليها

أضالعه وأحكمها الضمير

كان عليّ عليه‌السلام أعلم الناس بكتاب الله وسنّة رسول الله (١) ، فيكون إماما بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على الأمّة كلّهم وخليفته عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ مدار الإمامة والخلافة على العلم والفضل ، لا الزّور والبهتان ورأي الأمّة.

وصحّ روايات الفريقين عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، وفي رواية : أنا بيت الحكمة وعليّ بابها (٢).

__________________

(١) ـ شرح المواقف ٨ : ٣٧٠ وفيه : قال عليّ عليه‌السلام «لو كسرت لي الوسادة ثمّ جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بانجيلهم ، وبين أهل الزّبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم» والمقصود إحاطة علمه بما في هذه الكتب الأربعة. ويدلّ على ما ذكرناه قوله عليه‌السلام «والله ما من آية نزلت في برّ أو بحر ، أو سهل أو جبل ، أو سماء أو أرض ، أو ليل أو نهار ، إلّا أنا أعلم فيمن نزلت وفي أيّ نزلت».

ولأنّ عليّا ذكر في خطبته من أسرار التوحيد والعدل والنبوّة والقضاء والقدر ما لم يقع مثله في كلام سائر الصحابة ، فدلّ على أنّه أعلم ، ولأنّ جميع الفرق ينتسبون إليه في الأصول الكلاميّة والفروع الفقهيّة ...

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ : ١٤٧ أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة عليها‌السلام : أما ترضين أن زوّجتك أقدم أمّتي سلما ، وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلما.

وجاء في شرح المقاصد ٥ : ٢٩٨ وحلية الأولياء ١ : ٦٤ أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قسمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأعطي عليّ تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا ، وعليّ أعلم بالواحد منهم.

وانظر : مطالب السئول ٢١ ، ٢٦ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٦ : ١٣٦ ؛ المناقب للخوارزميّ ٨٢ ، ٩٤ ؛ المقتل للخوارزميّ ٤٤ ؛ فرائد السمطين ١ : ٣٤١ ؛ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام لابن المغازلي ٢٨٦ ؛ شرح المقاصد ٥ : ٢٩٨ ؛ تذكرة الخواصّ ١٤ ؛ الدرّ المنثور ٣ : ٣٢٤ ؛ فردوس الأخبار ١ : ٧٦ ، و ٣ : ٢٧٧ ؛ ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام لابن عساكر ٢ : ٤٨١ ؛ كفاية الطالب ٢٩٧ ؛ أمالي الصدوق ٢٢٨ ؛ أمالي المفيد ١٥٢ ؛ كشف الغمّة ١ : ١١١ ؛ مناقب آل أبي طالب ٢ : ٣٢ ؛ أسرار الإمامة ٢١٠.

(٢) ـ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أعلم أمّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. انظر : سنن الترمذيّ ٥ : ٣٧. ح ٣٧٢٣ ؛ حلية الأولياء ١ : ٦٤ ؛ فرائد السمطين ١ : ٩٧ ؛ كفاية الطالب ٢٩٧ ؛ فردوس الأخبار ١ : ٣٧٠ ، ٤٥١ ، رقم ١٤٩٤ ؛ فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام لابن عقدة ٤٣ ، ٤٤.

وبه استدلّ الخليل بن أحمد الفراهيديّ المتكلّم المناظر النحويّ العروضيّ المتوفّى سنة ١٧٥ ه‍ على أفضليّة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وتعيّنه للخلافة والإمامة في كلامه : «استغناؤه عن الكلّ وحاجة الكلّ إليه دليل أنّه إمام الكلّ» حيث رجعوا إليه في الحوادث والمسائل ، وهو لم يرجع إلى أحد في بيان الحقائق والحوادث والأحكام والمسائل. انظر سفينة البحار للمحدّث القمّيّ ٢ : ١٢٧.

وقد كذب من زعم أنّه يأتي البيت إلّا من بابه ، وقال الله تعالى (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) (١).

هذا آخر ما أوردناه في هذه المختصر ، وقد فرغنا عنه في العشر الآخر من ربيع الثاني في سنة ١٢٧٤ ه‍ ، والحمد لله أوّلا وآخرا.

__________________

(١) ـ البقرة : ١٨٩.

فهرس المصادر والمراجع العامّة

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ إقبال الأعمال : لرضي الدّين عليّ بن موسى بن جعفر بن طاوس العلويّ «ت ٦٦٤ ه‍».

٣ ـ الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام : لأبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبريّ البغداديّ «ت ٤١٣ ه‍» ، المؤتمر العالميّ لألفيّة الشيخ المفيد ، قم ، ط الثانيّة ، ١٤١٣ ه‍.

٤ ـ الأصول من الكافي : لثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني «ت ٣٢٨ ه‍» ، دار الكتب الإسلاميّة طهران ، ط الثانيّة ، ١٣٨٨ ه‍.

٥ ـ إكمال الدّين واتمام النعمة : لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ الشيخ الصدوق «ت ٣٨١ ه‍» ، مؤسّسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين ، قم ، ١٤٠٥.

٦ ـ الإمامة والتبصرة من الحيرة : لعليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ «ت ٣٢٩ ه‍» ، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهديّ ، قم.

٧ ـ إعلام الورى بأعلام الهدى : لأمين الإسلام أبي عليّ الفضل بن الحسن الطبرسيّ «القرن السادس الهجريّ» ، دار المعرفة ، بيروت ، ١٣٩٩ ه‍.

٨ ـ أنوار التنزيل : لأبي الخير عبد الله بن عمر البيضاويّ «ت ٧٩١ ه‍» ، شركة مكتبة المصطفى البابي مصر ، ١٣٨٨ ه‍.

٩ ـ الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان «ت ٣٥٤ ه‍» : لأمير علاء الدّين عليّ بن بلبان الفارسيّ «ت ٧٣٩ ه‍» دار الكتب العلميّة ، بيروت ، ١٤٠٧ ه‍.

١٠ ـ الإمامة : للعلّامة السيّد أسد الله ابن محمّد باقر الشفتي الجيلانيّ «ت ١٢٩٠ ه‍» مكتبة مسجد السيّد حجّة الإسلام الشفتيّ ، اصفهان ، ط الاولى ، ١٤١١ ه‍.

١١ ـ الإمامة من أبكار الأفكار في أصول الدّين : لأبي الحسن عليّ بن أبي عليّ الآمديّ «ت ٦٣١

ه» دار الكتاب العربي ، بيروت.

١٢ ـ الإكمال لابن مأكولا : للأمير عليّ بن هبة الله العجليّ «ت ٤٧٥ ه‍» دار الكتاب ، القاهرة.

١٣ ـ الآثار الباقية في القرون الخالية : للبيرونيّ أبي ريحان محمّد بن أحمد «ت ٤٤٠ ه‍» ، طبع لايبزيك ، ١٩٢٣ م.

١٤ ـ إثبات الوصية : للمسعوديّ عليّ بن الحسين «ت ٣٤٥ ه‍» ، منشورات الرضي ، قم.

١٥ ـ إيمان أبي طالب المعروف بكتاب الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب :

لأبي عليّ فخّار بن معد الرازي «ت ٦٣٠ ه‍» دار الزهراء للطباعة والنشر ، بيروت ، ط الثانية ، ١٤٠٨ ه‍.

١٦ ـ إيمان أبي طالب : لأبي عبد الله الشيخ الجليل المفيد «ت ٤١٣ ه‍» ، المؤتمر العالميّ لألفيّة الشيخ المفيد ، قم ، ط الأولى ، ١٤١٣ ه‍.

١٧ ـ الأربعين في فضائل الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : للأمير السيّد جمال الدّين عطاء الله بن فضل الله الحسيني الفارسي الهرويّ «ت ٩٣٠ ه‍» ، مؤسّسة الطبع التابعة للآستانة الرضويّة المقدّسة مشهد ، ط الثانيّة ، ١٤٢١ ه‍ ، تحقيق حجّة الإسلام محمّد حسن زبري.

١٨ ـ الأربعين : لفخر الدين محمّد بن عمر القرشي الشافعيّ الرازيّ «ت ٦٠٦ ه‍» دائرة المعارف العثمانيّة ، حيدرآباد دكن ، ط الأولى ١٣٥٣ ه‍.

١٩ ـ الأربعين عن الأربعين في فضائل عليّ عليه‌السلام : للشيخ المفيد أبي محمّد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين النيسابوريّ الخزاعيّ «القرن الخامس الهجريّ» ، مؤسّسة الطبع والنشر ، وزارة الثقافة والارشاد الإسلاميّ ، ط الأولى ، ١٤١٤ ه‍.

٢٠ ـ الأربعون حديثا : للفقيه المحدّث الشيخ سليمان بن عبد الله البحرانيّ «ت ١١٢١ ه‍» ، منشورات المحقّق ، قم ، ط الأولى ، ١٤١٧.

٢١ ـ أسنى المطالب في مناقب سيّدنا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : للجزريّ محمّد بن محمّد الشافعيّ «ت ٨٣٣ ه‍» مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، اصبهان.

٢٢ ـ احياء العلوم : لأبي حامد محمّد بن محمّد الغزاليّ «ت ٥٠٥ ه‍» دار المعرفة ، بيروت.

٢٣ ـ الإصابة في تمييز الصحابة : لأبي الفضل أحمد بن عليّ ابن حجر العسقلانيّ الشافعيّ «ت ٨٥٢ ه‍» مطبعة السعادة ، مصر ، ١٣٢٣ ه‍.

٢٤ ـ الإمامة والسياسة : لأبي محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوريّ «ت ٢٧٦ ه‍» ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، مصر ، ط الثانية ، ١٣٧٧ ه‍.

٢٥ ـ أسباب النزول : للواحدي عليّ بن أحمد النيسابوريّ «ت ٤٦٨ ه‍» ، عالم الكتب ، بيروت.

٢٦ ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب : لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبيّ المالكيّ «ت ٤٦٣ ه‍» مطبعة السعادة ، مصر ، ط الأولى بهامش الإصابة ، ١٣٢٣ ه‍.

٢٧ ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة : لعز الدّين عليّ بن محمّد الشيبانيّ المعروف بابن الأثير «ت ٦٣٠ ه‍» دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٢٨ ـ الألفين : لجمال الدّين العلّامة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ «ت ٧٢٦ ه‍» مؤسّسة الدّين والعلم ـ دار الهجرة ، طهران ، ط الثالثة ، ١٤٠٢ ه‍.

٢٩ ـ إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل : للعلّامة القاضي نور الله الحسينيّ التستريّ ، الشهيد في بلاد الهندسة «١٠١٩ ه‍» مكتبة آية الله المرعشيّ.

٣٠ ـ الإصلاح : أبي حاتم أحمد بن حمدان الرازيّ «القرن الرابع».

٣١ ـ الأمالي : لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ ، المعروف بالشيخ الصدوق «ت ٣٨١ ه‍» مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، ط الخامسة ، ١٤٠٠ ه‍.

٣٢ ـ الأمالي : لأبي عبد الله محمّد بن محمّد المعروف بالشيخ المفيد (ت ٤١٣ ه‍» ، منشورات جماعة المدرسين ، قم ، ١٤٠٣ ه‍.

٣٣ ـ الأمالي : لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ «ت ٤٦٠ ه‍». دار الثقافة ، قم ، ط الأولى ، ١٤١٤ ه‍.

٣٤ ـ الأمالي : للشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسويّ العلويّ «ت ٤٣٦ ه‍» ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط الثانية ، ١٣٨٧ ه‍.

٣٥ ـ الأمالي : لأبي القاسم عبد الرّحمن بن إسحاق الزجاجيّ النحويّ البغداديّ «ت ٣٣٧ ه‍» مطبعة السعادة ، مصر ، ط الأولى ، ١٣٢٤ ه‍.

٣٦ ـ الاختصاص : لأبي عبد الله الشيخ المفيد «ت ٤١٣ ه‍» مؤسّسة النشر الإسلاميّ ، قم.

٣٧ ـ اعتقادات الصدوق : المؤتمر العالميّ لألفيّة الشيخ المفيد ، ١٤١٣ ه‍.

٣٨ ـ أنساب الاشراف : للنسّابة أحمد بن يحيى بن جابر البلاذريّ «ت ٢٩٩ ه‍» مؤسّسة الأعلميّ

للمطبوعات ، بيروت ، ١٣٩٤ ه‍.

٣٩ ـ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد : لأبي عبد الله الشيخ المفيد «ت ٤١٣ ه‍» ، قم ، ط الأولى ، ١٤١٣ ه‍.

٤٠ ـ الاتقان في علوم القرآن : لجلال الدّين عبد الرحمن السيوطيّ الشافعيّ «ت ٩١١ ه‍» شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي وأولاده ، بمصر ، ط الرابعة ، ١٣٩٨ ه‍.

٤١ ـ أسرار الإمامة : لعماد الدّين الحسن بن عليّ بن محمّد الطبري «القرن السابع الهجري» ، مؤسّسة الطبع التابعة للآستانة الرضوية المقدّسة ، ط الأولى ، ١٤٢٢ ه‍.

٤٢ ـ أبجد العلوم : للقنوجي البخاري محمد صديق بن حسن «١٣٠٧ ه‍» ، طبع بهوبال (الهند) ، ١٢٩٥ ه‍.

٤٣ ـ إرشاد القلوب : لابي محمّد الشيخ الحسن بن محمّد الديلميّ «ق ٨ ه‍» منشورات الرضي ، قم.

٤٤ ـ الاحتجاج : لأحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسيّ «ق ٦ ه‍» مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، ط الثانية ، ١٤٠٣ ه‍.

٤٥ ـ إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين : لجمال الدّين مقداد بن عبد الله السيوريّ الحليّ «ت ٨٢٦ ه‍» ، مكتبة آية الله المرعشيّ ، قم ، ١٤٠٥ ه‍.

٤٦ ـ الاقتصاد : للشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ «ت ٤٦٠ ه‍».

٤٧ ـ الاقتصاد في اعتقاد للغزالي.

٤٨ ـ أخبار شعراء الشيعة : لأبي عبد الله محمد بن عمران المرزبانيّ الخراسانيّ «ت ٣٨٤ ه‍» شركة الكتبي للطباعة والنشر بيروت ، ١٤١٣ ه‍.

٤٩ ـ الأغاني : لأبي الفرج عليّ بن الحسين الاصبهانيّ «ت ٣٥٦ ه‍» دار إحياء التراث العربيّ ، بيروت ، ١٣٨٣ ه‍.

٥٠ ـ الاستنصار في النّص على الأئمّة الأطهار : لأبي الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكيّ «ت ٤٤٩ ه‍» ، بيروت ، دار الأضواء ، ط الثانية ، ١٤٠٥ ه‍.

٥١ ـ بصائر الدرجات : لأبي جعفر محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار القمّيّ «ت ٢٩٠ ه‍» ، مكتبة السيّد المرعشيّ ، قم ، ط الأولى ، ١٤٠٤ ه‍.

٥٢ ـ بحار الأنوار : للعلّامة الشيخ محمّد باقر المجلسيّ «ت ١١١١ ه‍» دار الكتب الإسلاميّة ، طهران.

٥٣ ـ بغية الطلب في تاريخ حلب : لعمر بن أحمد بن أبي جرادة ، المعروف بابن العديم «ت ٦٦٠ ه‍» ، مؤسّسة البلاغة ، بيروت ، ط الأولى ، ١٤٠٨ ه‍.

٥٤ ـ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : لعلاء الدّين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفيّ «ت ٥٨٧ ه‍» دار الكتب العلميّة ، بيروت.

٥٥ ـ بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : لأبي جعفر محمّد بن محمّد بن عليّ الطبريّ «ت ٥٢٥ ه‍» المطبعة الحيدريّة ، النجف الأشرف ، ١٣٨٣ ه‍.

٥٦ ـ البداية والنهاية : لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقيّ «ت ٧٧٤ ه‍» ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ط الرابعة ، ١٤٠٨ ه‍.

٥٧ ـ البيان في أخبار صاحب الزمان عليه‌السلام : لأبي عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعيّ المقتول سنة «٦٥٨ ه‍» ، شركة الكتبي للطباعة والنشر ، بيروت ، ط الرابعة ، ١٤١٣ ه‍.

٥٨ ـ بحوث في الملل والنحل : للشيخ جعفر السبحاني.

٥٩ ـ البحر الزّخار : لأحمد بن يحيى بن المرتضى «ت ٨٤٠ ه‍» مؤسّسة الرسالة بيروت ، ط الأولى ، ١٣٩٤ ه‍.

٦٠ ـ البلابل والقلاقل : لأبي المكارم محمود بن محمّد بن أبي الفضل واعظ «ق ٧ ه‍» ، احياء الكتاب ط الأولى ، ١٣٧٦.

٦١ ـ تاج العروس من جواهر القاموس : لمحبّ الدين أبي الفيض محمّد مرتضى الحسينيّ الزبيديّ «ت ١٢٠٥ ه‍» المطبعة الخيريّة ، مصر ، ط الأولى ، ١٣٠٦ ه‍.

٦٢ ـ تاريخ بغداد : لأبي بكر أحمد بن عليّ بن ثابت الخطيب البغداديّ «ت ٤٦٣ ه‍» ، مطبعة السعادة ، مصر ، ١٣٤٩ ه‍.

٦٣ ـ تاريخ الطبري «تاريخ الأمم والملوك» : لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبريّ «ت ٣١٠ ه‍» مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، ط الخامسة ، ١٤٠٩ ه‍.

٦٤ ـ تاريخ الخلفاء : لجلال الدين السيوطي «ت ٩١١ ه‍» ، دار القلم ، بيروت ، ط الأولى ، ١٤٠٦ ه‍.

٦٥ ـ تاريخ الخميس : للقاضي حسين بن محمّد الديار البكريّ «ت ٩٦٦ أو ٩٨٢ ه‍». المطبعة

الوهبيّة ، مصر ، ط الاولى ، ١٣٨٣ ه‍.

٦٦ ـ تاريخ جرجان : للسهمي أبي القاسم حمزة بن يوسف ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانيّة ، حيدرآباد دكن ، ١٣٦٩ ه‍.

٦٧ ـ تاريخ اليعقوبي : لأحمد بن يعقوب بن جعفر بن وهب واضح الكايت العبّاسيّ «ق ٣ ه‍» ، دار صادر ، بيروت.

٦٨ ـ تاريخ الإسلام : لشمس الدّين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبيّ «ت ٧٤٨ ه‍» دار الكتاب العربيّ ، بيروت ، ط الأولى ، ١٤٠٧ ه‍.

٦٩ ـ التوحيد : لأبي جعفر الشيخ الصدوق ، منشورات جماعة المدرسين ، قم.

٧٠ ـ تهذيب الكمال في أسماء الرجال : لجمال الدّين أبي الحجّاج يوسف المزّي «ت ٧٤٢ ه‍» مؤسّسة الرسالة بيروت ، ط الرابعة ، ١٤١٣ ه‍.

٧١ ـ تلخيص المستدرك «بهامش المستدرك على الصحيحين» : للذهبي «ت ٧٤٨ ه‍» ، دار المعرفة ، بيروت ، ١٤٠٦ ه‍.

٧٢ ـ ترك الإطناب في شرح الشهاب : لأبي الحسن عليّ بن أحمد المعروف ب «ابن القضاعي» ، «ت ٤٥٤ ه‍» ، جامعة طهران ، ١٣٦٣ ش.

٧٣ ـ تبصرة العوام : للسيّد مرتضى بن داعي الحسينيّ «ق ٦ ه‍» ، منشورات اساطير طهران ، ط الثانية ، ١٣٩٤ ش.

٧٤ ـ تلخيص الشافي : لأبي جعفر الشيخ الطوسيّ «ت ٤٦٠ ه‍» دار الكتب الإسلاميّة ، قم ، ط الثالثة ، ١٣٩٤ ه‍.

٧٥ ـ تلخيص التمهيد : لمحمّد هادى ، معاصر ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ ، قم ، ١٤١٨ ه‍.

٧٦ ـ تقريب المعارف في الكلام : لأبي الصلاح الشيخ تقي الدين بن نجم بن عبيد الله الحلبيّ «ت ٤٤٧ ه‍» ، ١٣٦٣ ش.

٧٧ ـ التذكار في أفضل الأذكار القرآن الكريم : لأبي عبد الله محمّد بن أحمد القرطبيّ المفسّر «ت ٦٧١ ه‍» ، دار الكتب العلميّة بيروت ، ط الثانية ، ١٤٠٨ ه‍.

٧٨ ـ تذكرة الحفّاظ : لشمس الدين الذهبيّ «ت ٧٤٨ ه‍» دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٧٩ ـ تذكرة الخواص : لابن الجوزي يوسف بن فرغلي بن عبد الله الحنفيّ «ت ٦٥٤ ه‍» مكتبة

نينوى الحديثة ، طهران.

٨٠ ـ تأويل الآيات الظاهرة : للسيّد شرف الدّين عليّ الحسينيّ الأسترآباديّ «ق ١٠ ه‍» مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ، قم ، ط الأولى ، ١٤٠٩ ه‍.

٨١ ـ تأويل ما نزل من القرآن الكريم : لابن الجحام محمّد بن العبّاس بن عليّ بن مروان بن الماهياريّ البزّاز «ق ٤ ه‍» ، نشر الهادي ، قم ، ط الأولى ، ١٤٢٠ ه‍.

٨٢ ـ ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام : للحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسن بن هبة الله الشافعيّ المعروف بابن عساكر «ت ٥٧١ ه‍» ، مؤسّسة المحمودي للطباعة والنشر ، بيروت ، ط الثانية ، ١٣٩٨ ه‍.

٨٣ ـ تفسير القمّيّ : لأبي الحسن عليّ بن إبراهيم القميّ «ق ٣ ، أو ٤ ه‍» مؤسّسة دار الكتاب للطباعة والنشر ، قم ، ط الثالثة ، ١٤٠٤ ه‍.

٨٤ ـ تفسير العيّاشيّ : لأبي النضر محمّد بن مسعود بن عيّاش السمرقنديّ المعروف بالعيّاشيّ «ت ٢٣٠ ه‍» المكتبة العلميّة الإسلاميّة ، طهران ، ١٣٨٠ ه‍.

٨٥ ـ تفسير البرهان : للسيّد هاشم البحرانيّ «ت ١١٠٧ ه‍» مؤسّسة إسماعيليان ، طهران.

٨٦ ـ تفسير روح المعاني : لشهاب الدّين سيّد محمود الآلوسي «ت ١٢٧٠ ه‍» دار إحياء التراث العربيّ ، بيروت ، ١٤٠٥ ه‍.

٨٧ ـ تفسير المراغي : للمراغي أحمد مصطفى ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، ١٤١٨ ه‍.

٨٨ ـ تفسير السمرقندي المسمّى «بحر العلوم» : لأبي الليث نصر بن محمّد بن أحمد السمرقنديّ «ت ٣٧٥ ه‍» ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، ط الأولى ، ١٤١٣ ه‍.

٨٩ ـ تفسير منهج الصادقين : للملا فتح الكاشانيّ ، تصحيح أبي الحسن الشعرانيّ ، طهران ، الطبعة الثالثة ، ١٣٤٦ ش.

٩٠ ـ تفسير الصافي : للمولى محسن الملقب بالفيض الكاشاني «ت ١٠٩١ ه‍» المكتبة الإسلاميّة ، طهران ، ط السادسة ، ١٣٦٢ ش.

٩١ ـ تفسير گازر : للشيخ أبو المحاسن الحسين بن الحسن الجرجانيّ «ق ٩ ه‍» ١٣٧٨ ه‍.

٩٢ ـ تفسير البغوي بمعالم التنزيل : لأبي محمّد الحسين بن مسعود الفرّاء البغويّ الشافعيّ «ت ٥١٦ ه‍» ، ط الثانية ، ١٤٠٧ ه‍.

٩٣ ـ تفسير الحبريّ : للمحدّث المفسر أبو عبد الله الحسين بن الحكم بن مسلم الحبريّ الكوفيّ

«ت ٢٨٦ ه‍» مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث ، بيروت ، ط الأولى ، ١٤٠٨ ه‍.

٩٤ ـ تفسير الوسيط : لأبي الحسن عليّ بن أحمد الواحدي النيسابوريّ «ت ٤٦٨ ه‍» دار الكتب العلميّة ، بيروت ، ط الأولى ، ١٤١٥ ه‍.

٩٥ ـ التفسير الكبير : للرازيّ محمّد بن عمر القرشيّ الشافعيّ المعروف بفخر الدّين «ت ٦٠٦ ه‍» ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٩٦ ـ تفسير القرطبيّ «الجامع لأحكام القرآن» : لأبي عبد الله محمّد بن أحمد الأنصاريّ القرطبيّ «ت ٦٧١ ه‍» دار الكتب المصريّة ، ط الثالثة ، ١٣٧٨ ه‍.

٩٧ ـ تفسير الطبريّ «جامع البيان عن تأويل القرآن» : لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبريّ «ت ٣١٠ ه‍» شركة مطبعة مصطفى البابي ، مصر ، ط الثالثة ، ١٣٨٨ ه‍.

٩٨ ـ تفسير الكشّاف : لجار الله محمود بن عمر الزمخشريّ «ت ٥٢٨ ه‍» مكتب الأعلام الإسلاميّ ، ط ١٤١٤ ه‍.

٩٩ ـ تفسير جوامع الجامع : للطبرسيّ ، ط الحجريّة ، تبريز ، ١٣٧٩ ه‍.

١٠٠ ـ تفسير الجلالين : للمحلي محمّد بن أحمد «ت ٨٦٤ ه‍» ، مطبعة فتح الكريم ، بمبئي ، ١٣٠٣ ه‍.

١٠١ ـ تفسير فرات : لأبي القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفيّ «ق ٤ ه‍» وزارة الثقافية والإرشاد الإسلاميّ ، طهران ، ١٤١٠ ه‍.

١٠٢ ـ تفسير السّدي الكبير : لأبي محمّد إسماعيل بن عبد الرحمن السّدي الكبير «ت ١٢٨ ه‍» ، دار الوفاء للطباعة والنشر ، ط الأولى ١٤١٤ ه‍.

١٠٣ ـ تفسير الثعالبي : للثعالبي عبد الرحمن بن محمد «ت ٨٧٥ ه‍» مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت.

١٠٤ ـ تفسير منهج الصادقين : للمولى فتح الله الكاشانيّ «ت ٩٧٧ ه‍»

١٠٥ ـ تفسير اثنى عشري : لشاه عبد العظيمي حسين بن أحمد الحسيني ، نشر ميقات ، طهران ، ١٣٦٣ ه‍. ش.

١٠٦ ـ تحفة شاهية (في مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بالفارسيّة) : لقاضي زاده كره رودي عبد الخالق ، تحقيق الشيخ محمد علي رسولي ، «انتشارات أنصاريان» قم ، ط الاولى.

١٠٧ ـ تفسير القرآن العظيم : لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقيّ «ت ٧٧٤ ه‍» دار الفكر للطباعة والنشر ، بيروت ، ط الثانية ، ١٣٨٩ ه‍.

١٠٨ ـ تفسير كنز الدقائق : للميرزا محمّد المشهديّ ابن محمّد رضا بن إسماعيل بن جمال الدين القمّيّ «ت ١١٢٥ ه‍» مؤسّسة النشر الاسلامي لجماعة المدرّسين ، قم ، ط الأولى ، ١٤١٤ ه‍.

١٠٩ ـ تفسير غريب القرآن : لأبي محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة «ت ٢٧٦ ه‍» دار إحياء الكتب العربية ، مصر ، ١٣٧٨ ه‍.

١١٠ ـ التبيان في تفسير القرآن : لأبي جعفر الشيخ الطوسي ، المطبعة العلميّة ، النجف الأشرف ، ١٣٧٦ ه‍.

١١١ ـ تأويل مشكلات القرآن : لأبي محمّد ابن قتيبة «ت ٢٧٦ ه‍» المكتبة العلميّة ، بيروت ، ط الثالثة ، ١٤٠١ ه‍.

١١٢ ـ التمثيل والمحاضرة : لأبي منصور عبد الملك بن محمّد بن إسماعيل الثعالبي «ت ٤٢٩ ه‍» ، ط ١٣٨١ ه‍ ، القاهرة.

١١٣ ـ تحفة الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار : لعماد الدّين الحسن بن عليّ الطبريّ «كان حيّا ٧٠١ ه‍» ، الميراث المكتوب طهران ، ط الأولى ، ١٣٧٦ ش.

١١٤ ـ التدوين في أخبار قزوين : لعبد الكريم بن محمّد الرافعي «ق ٦ ه‍» دار الكتب الإسلامي ، بيروت ، تحقيق العطاردي القوچاني ، ط الأولى ، ١٤٠٨ ه‍.

١١٥ ـ الثاقب في المناقب : لعماد الدّين أبي جعفر محمّد بن عليّ الطوسيّ المعروف بابن حمزة «ق ٦ ه‍» ، مؤسّسة أنصاريان قم ، ١٤١٢ ه‍.

١١٦ ـ ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : لأبي جعفر الشيخ الصدوق «ت ٣٨١ ه‍» مكتبة الصدوق ، طهران ، ١٣٩١ ه‍.

١١٧ ـ الجمل : للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان «ت ٤١٣ ه‍» الاعلام الاسلامي قم ، ط الأولى ، ١٤١٣ ه‍.

١١٨ ـ الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير : لجلال الدّين السيوطي «ت ٩١١ ه‍» دار الكتب العلميّة ، القاهرة ، ١٣٧٣ ه‍.

١١٩ ـ جواهر العقدين : لنور الدين عليّ بن عبد الله السمهودي «ت ٩١١ ه‍» ، دار الكتب العلميّة ،

بيروت ، ط الأولى ، ١٤١٥ ه‍.

١٢٠ ـ جامع الأسرار ومنبع الأنوار : للسيّد حيدر بن عليّ بن حيدر العلويّ الحسينيّ «المولود ٧١٩ ه‍» «انستيتو فرانسة وايران» ١٣٤٧ ش.

١٢١ ـ حياة الحيوان : لأبي البقاء محمّد بن موسى الدميريّ «ت ٨٠٨ ه‍» مطبعة المصطفى البابي الحلبيّ ، مصر.

١٢٢ ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الاصبهانيّ «ت ٤٣٠ ه‍» دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط الخامسة ، ١٤٠٧ ه‍.

١٢٣ ـ الخطط : للمقريزي أحمد بن عليّ بن عبد القادر «ت ٨٤٥ ه‍» مطبعة النيل ، مصر ، ١٣٢٦ ه‍.

١٢٤ ـ الخصال : للشيخ الصدوق «٣٨١ ه‍» منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم ١٤٠٣ ه‍.

١٢٥ ـ خصائص أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام : لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائيّ «ت ٣٠٣ ه‍» دار الكتب العلميّة ، بيروت ، ط الثانية ، ١٤٠٦ ه‍.

١٢٦ ـ خصائص الأئمّة : لأبي الحسن محمّد بن الحسين بن موسى البغداديّ ، الشريف الرضي «ت ٤٠٦ ه‍» مجمع البحوث الاسلاميّة ، مشهد المقدّسة ، ١٤٠٦ ه‍.

١٢٧ ـ خصائص الوحي المبين في مناقب أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام : للحافظ يحيى بن الحسن بن البطريق الأسدي الحلّيّ «ت ٦٠٠ ه‍» ، الطبعة الحجريّة ، ١٣١١ ه‍.

١٢٨ ـ ديوان أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام :

١٢٩ ـ ديوان أبي طالب عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : دار الكتب العربيّ ، ط الأولى ، ١٤١٤ ه‍.

١٣٠ ـ ديوان دعبل الخزاعي : جمع وتحقيق محمد يوسف النجم ، دار الثقافة ، بيروت ، ١٩٦٢ م.

١٣١ ـ ديوان حسان بن ثابت الأنصاريّ : دار صادر ، بيروت ، ١٩٧٤ م.

١٣٢ ـ دلائل الإمامة : لأبي جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري «ق ٥ ه‍» مؤسّسة البعثة قم ، ط الأولى ، ١٤١٣ ه‍.

١٣٣ ـ الدرّ المنثور في تفسير المأثور : لجلال الدّين السيوطي «ت ٩١١ ه‍» ، الناشر محمّد امين دمج وشركا ، بيروت.

١٣٤ ـ دلائل الصدق : للإمام المظفر الشيخ محمّد الحسن «ت ١٣٧٥ ه‍» مكتبة النجاح ، طهران ، ط

الأولى ، ١٣٩٦ ه‍.

١٣٥ ـ دلائل النبوّة : لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهانيّ «ت ٤٣٠ ه‍» ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت.

١٣٦ ـ الذخيرة في علم الكلام : للشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسويّ علم الهدى «ت ٤٣٦ ه‍» ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة الجماعة المدرسين ، قم ١٤١١ ه‍.

١٣٧ ـ ذخائر العقبى في مناقب ذوى القربى : لمحبّ الدّين أحمد بن عبد الله الطبريّ «ت ٦٩٤ ه‍» دار المعرفة ، بيروت ، ط ١٣٥٦ ه‍.

١٣٨ ـ الذريّة الطاهرة : لأبي بشر محمّد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي الدولابيّ «ت ٣١٠ ه‍» ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ١٤٠٧ ه‍.

١٣٩ ـ ذكر أخبار اصبهان : لأبي نعيم الاصبهانيّ «ت ٤٣٠ ه‍» طبع مدينة ليدن ١٩٣٦ م.

١٤٠ ـ روضة الواعظين : لأبي عليّ محمّد بن الحسن بن عليّ الفتال النيسابوريّ «الشهيد في سنة ٥٠٨ ه‍» ، المكتبة الحيدريّة ، النجف الأشرف ، ط ١٣٨٦ ه‍.

١٤١ ـ رسالة طرق حديث «من كنت مولاه فعليّ مولاه» : للحافظ شمس الدّين الذهبيّ «ت ٧٤٨ ه‍» انتشارات الدليل ، قم ، ط الثانيّة ، ١٤٢١ ه‍.

١٤٢ ـ الرسائل العشر : للشيخ الطوسيّ «ت ٤٦٠ ه‍» مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم.

١٤٣ ـ الرياض النضرة : لأبي جعفر أحمد بن عبد الله المعروف بمحبّ الدين الطبريّ «ت ٦٩٤ ه‍» ، دار الكتب العلميّة ، بيروت.

١٤٤ ـ الرسائل السعديّة : للعلّامة أبي منصور جمال الدّين الحسن بن يوسف بن المطهر «ت ٧٢٦ ه‍» ، مطبعة بهمن قم ، ط الأولى ، ١٤١٠ ه‍.

١٤٥ ـ زاد المسير في علم التفسير : لأبي الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن محمّد الجوزي البغدادي «ت ٥٩٧ ه‍» المكتب الإسلاميّ.

١٤٦ ـ سرمايه ايمان : للملّا عبد الرزاق اللاهيجيّ «قرن ١١ ه‍» مكتبة الزهراء ، طهران ، ١٣٦٢ ش.

١٤٧ ـ السقيفة وفدك : لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ البصريّ البغداديّ «ت ٣٢٣ ه‍» ، مكتبة نينوى الحديثة ، طهران [رواية ابن أبي الحديد المعتزلي المتوفّى ٦٥٦ ه‍]

١٤٨ ـ السنن : لأبي عبد الله محمّد بن يزيد ابن ماجة القزوينيّ «ت ٢٧٥ ه‍» ، دار إحياء التراث

العربيّ ، بيروت ، ١٣٩٥ ه‍.

١٤٩ ـ السنن : لأبي بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقيّ «ت ٤٥٨ ه‍» ، دار المعرفة ، بيروت.

١٥٠ ـ السنن ، أو الجامع الصحيح : لأبي عيسى محمّد بن عيسى ابن سورة الترمذيّ «ت ٢٧٩ ه‍» دار إحياء التراث العربيّ ، بيروت.

١٥١ ـ سنن الدارميّ : لأبي محمّد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارميّ «ت ٢٥٥ ه‍ ، دار إحياء السنّة النبويّة ، بيروت.

١٥٢ ـ السنن : لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستانيّ «ت ٢٧٥ ه‍» ، مكتبة الرياض ودار إحياء السنّة النبويّة.

١٥٣ ـ سعد السعود : لرضيّ الدّين أبو القاسم عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد طاوس الحسينيّ «ت ٦٦٤ ه‍» ، منشورات الرضيّ ، قم ، ١٣٦٣ ش.

١٥٤ ـ سير أعلام النبلاء : للحافظ شمس الدّين الذهبيّ «ت ٧٤٨ ه‍» ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، ط الثانية ، ١٤٠٢ ه‍.

١٥٥ ـ سرّ العالمين : لأبي حامد محمّد بن محمّد الغزاليّ «ت ٥٠٥ ه‍» ، الطبعة الحجريّة ، طهران ، ١٣٠٥ ش.

١٥٦ ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل : للحافظ عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحاكم الحسكانيّ النيسابوريّ الحنفيّ «ق ٥ ه‍» ، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة الارشاد الإسلاميّ ، ط الاولى ، ١٤١١ ه‍.

١٥٧ ـ شرح هاشميات الكميت بن زيد الأزدي : لأبي رياش أحمد بن إبراهيم القيسي «ت ٣٣٩ ه‍» ، عالم الكتب العربية ، بيروت ، ط الثانية ، ١٤٠٦ ه‍.

١٥٨ ـ شرح المقاصد : لسعد الدّين مسعود بن عمر الشهير بالتفتازانيّ «ت ٧٩٣ ه‍» ، منشورات الرضيّ ، قم ، ط الاولى ، ١٤٠٩ ه‍.

١٥٩ ـ شرح تجريد العقائد : للمحقّق الطوسيّ ، علاء الدّين عليّ بن القوشجي «ت ٨٧٩ ه‍».

١٦٠ ـ الشافي في الامامة : للشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسويّ علم الهدى «ت ٤٣٦ ه‍» ، مؤسّسة الصادق ، قم ، ط الثانية ، ١٤١٠ ه‍.

١٦١ ـ شرح المواقف : للقاضي عضد الدّين عبد الرحمن الايجي «ت ٧٥٦ ه‍» ، تحقيق السيّد

الشريف عليّ بن محمّد الجرجاني «ت ٨١٦ ه‍» ، ويليه حاشية السيالكوتي والجلبي «ت ١٠٦٨ ه‍» ، منشورات الرضيّ ، قم ، ط الاولى ، ١٤١٢ ه‍.

١٦٢ ـ شرح نهج البلاغة : لعز الدّين أبي حامد ابن هبة الله بن محمّد بن أبي الحديد المدائني المعتزليّ «ت ٦٥٦ ه‍» ، دار إحياء الكتب العربيّة ، ط الأولى ، ١٣٧٨ ه‍.

١٦٣ ـ شرف النبيّ : لأبي سعيد عبد الملك بن محمّد بن إبراهيم الخركوشي النيسابوريّ «ت ٥٤٤ ه‍» ، منشورات بابك ، طهران ، ١٣٦١ ش.

١٦٤ ـ شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم : لليماني نشوان بن سعيد الحميريّ «ت ٥٧٣ ه‍» ، دار الفكر ، دمشق ، ط الأولى ، ١٤٢٠ ه‍.

١٦٥ ـ صفوة الصفوة : لجمال الدّين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزيّ «ت ٥٩٧ ه‍» ، دار المعرفة ، بيروت ، ط الرابعة ، ١٤٠٦ ه‍.

١٦٦ ـ صحيفة الرضا : الناشر اللجنة الثقافية المؤتمر العالميّ للإمام الرضا عليه‌السلام ، مشهد المقدّسة ، ١٤٠٤ ه‍.

١٦٧ ـ الصراط المستقيم الى مستحقّي التقديم : لأبي محمّد عليّ بن يونس البياضي العامليّ «ت ٧٨٧ ه‍» ، المكتبة المرتضويّة ، طهران ، ١٣٨٤ ه‍.

١٦٨ ـ الصواعق المحرقة : للمحدّث أحمد بن محمّد بن عليّ بن حجر الهيثمي الشافعيّ «ت ٩٧٤ ه‍» ، مكتبة القاهرة ، ط الثانية ، ١٣٨٥ ه‍.

١٦٩ ـ صحيح البخاري : لأبي عبد الله محمّد بن اسماعيل البخاري «ت ٢٥٦ ه‍» عالم الكتب ، بيروت ، ط الخامسة ، ١٤٠٦ ه‍.

١٧٠ ـ صحيح مسلم : لأبي الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوريّ «ت ٢٦١ ه‍» ، دار الفكر ، بيروت ، ط الثانية ، ١٣٩٨ ه‍.

١٧١ ـ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : لرضي الدّين أبي القاسم ابن طاوس «ت ٦٦٤ ه‍» ، مؤسّسة البلاغ ، بيروت ، ١٣٩٨ ه‍.

١٧٢ ـ الطرف من الأنباء والمناقب : لرضي الدين أبي القاسم ابن طاوس «ت ٦٦٤ ه‍» ، تحقيق الشيخ قيس العطّار ، مؤسّسة عاشوراء ، ط الأولى ١٤٢٠ ه‍.

١٧٣ ـ طبقات المحدّثين باصبهان : لأبي محمّد عبد الله بن محمّد بن جعفر «ت ٣٦٩ ه‍» ، مؤسّسة

الرسالة ، بيروت ، ١٤١٢ ه‍.

١٧٤ ـ الطبقات الكبرى : لأبي عبد الله محمّد بن سعد بن منيع البصريّ «ت ٢٣٠ ه‍» دار صادر ، بيروت ، ١٤٠٥ ه‍.

١٧٥ ـ طبقات الحنابلة : لأبي الحسين محمّد بن أبي يعلى ، دار المعرفة ، بيروت.

١٧٦ ـ عيون أخبار الرضا : للشيخ الصدوق «ت ٣٨١ ه‍» مطبعة دار القلم ، قم ، ١٣٧٧ ه‍.

١٧٧ ـ علل الشرائع : للشيخ الصدوق ، المكتبة الحيدريّة ، النجف الأشرف ، ١٣٨٥ ه‍.

١٧٨ ـ عيون الأخبار مخطوط : لأبي المغازلي محمّد بن محمّد بن زيد العلويّ الحسينيّ البغداديّ ثمّ السمرقنديّ «ت ٤٧٦ ه‍».

١٧٩ ـ عيون الأخبار : لأبي محمّد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوريّ «ت ٢٧٦ ه‍» ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط الثانية ، ١٤١٦ ه‍.

١٨٠ ـ العقد الفريد : لأحمد بن محمّد بن عبد ربّه الأندلسيّ «ت ٣٢٨ ه‍» ، دار الكتب العلميّة ، بيروت.

١٨١ ـ عوالم العلوم : للشيخ عبد الله البحرانيّ الاصبهانيّ ، قم ١٤٠٨ ه‍.

١٨٢ ـ عمدة عيون صحاح الأخبار : للحافظ يحيى بن الحسن الأسدي الحليّ المعروف بابن البطريق «ت ٦٠٠ ه‍» ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ١٤٠٧ ه‍.

١٨٣ ـ العسل المصفى من تهذيب زين الفتى : للعاصمي أحمد بن عليّ الخراسانيّ «المولود ٣٧٨ ه‍» ، تحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي ، مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّ ، ١٤١٨ ه‍.

١٨٤ ـ غريب الحديث : لابي بكر محمّد السجستانيّ «ت ٣٣٠ ه‍» شركة الطباعة الفنّيّة المتّحدة ، مصر.

١٨٥ ـ غاية المرام في علم الكلام : للآمدي عليّ بن محمّد بن سالم «ت ٦٣١ ه‍» ، إحياء التراث الإسلامي ، القاهرة ، ١٣٩١ ه‍.

١٨٦ ـ غرائب القرآن ورغائب الفرقان : للنظام الدّين الحسن بن الحسين القمّيّ النيسابوريّ «ت ٧٢٨ ه‍» ، مكتبة مصطفى البابي ، مصر ، ١٣٨١ ه‍.

١٨٧ ـ غياث الامم :

١٨٨ ـ الغدير في الكتاب والسنّة والأدب : للشيخ عبد الحسين أحمد الأمينيّ النجفيّ «ت ١٣٩٠ ه

» ، دار الكتب الإسلاميّة ، طهران ، ١٣٧٢ ه‍.

١٨٩ ـ غاية المرام وحجّة الخصام : للسيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل الحسينيّ البحرانيّ «ت ١١٠٧ ه‍».

١٩٠ ـ غريب الحديث : لأبي عبيد القاسم بن سلام الهرويّ «ت ٢٢٤ ه‍» ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، ط الاولى ، ١٤٠٦ ه‍.

١٩١ ـ غوالي اللئالي : للشيخ محمّد بن عليّ بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور «ت ٩٤٠ ه‍» ، مطبعة سيّد الشهداء ، قم ، ط الأولى ، ١٤٠٣ ه‍.

١٩٢ ـ الفائق في غريب الحديث : لجار الله محمود بن عمر الزمخشريّ «ت ٥٢٨ ه‍» ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، ط الثانية ، ١٤١٤ ه‍.

١٩٣ ـ فردوس الأخبار بمأثور الخطاب : للحافظ شهرويه بن شهردار ابن شهرويه الديلميّ «ت ٥٠٩ ه‍» ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط الاولى ، ١٤٠٧ ه‍.

١٩٤ ـ الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة عليهم‌السلام : لنور الدّين عليّ بن محمّد بن أحمد بن الصّباغ المالكيّ «ت ٨٥٥ ه‍» ، مطبعة العدل ، النجف الأشرف.

١٩٥ ـ الفصول المختارة من العيون والمحاسن : للسيّد الشريف المرتضى «ت ٤٣٦ ه‍» ، المؤتمر العالميّ لألفيّة الشيخ المفيد ، قم ، ١٤١٣ ه‍.

١٩٦ ـ فرائد السمطين : للمحدّث إبراهيم بن محمّد بن المؤيد الجوينيّ «ت ٧٣٠ ه‍» ، مؤسّسة المحمودي للطباعة والنشر ، بيروت ، ط الأولى ، ١٣٩٨ ه‍.

١٩٧ ـ فضائل أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام : للحافظ أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد المعروف بابن عقدة الكوفي «ت ٣٣٢ ه‍» ، مطبعة الدليل ، قم ، ط الأولى ، ١٤٢١ ه‍.

١٩٨ ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير : للمحدّث محمّد المدعو بعبد الرءوف المناوي «ت ١٠٣١ ه‍» ، دار الفكر للطباعة والنشر ، بيروت ، ط الثانية ، ١٣٩١ ه‍.

١٩٩ ـ الفضائل : لسديد الدّين أبي الفضل شاذان بن جبرئيل بن إسماعيل القمّيّ «ت ٦٦٠ ه‍» ، المطبعة الحيدريّة ، النجف الأشرف ، ١٣٨١ ه‍.

٢٠٠ ـ فضائل الخمسة من الصّحاح الستّة : للسيّد مرتضى الحسينيّ الفيروزآباديّ ، دار الكتب الاسلاميّة ، طهران ، ط الثانية ، ١٤٠٨ ه‍.

٢٠١ ـ قرب الإسناد : لأبي العبّاس عبد الله بن جعفر الحميريّ القمّيّ «ق ٣ ه‍» مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، قم ، ط الأولى ، ١٤١٣ ه‍.

٢٠٢ ـ قادتنا كيف نعرفهم : للسيّد محمّد هاديّ الميلانيّ رحمة الله عليه «ت ١٣٩٥ ه‍» ، مؤسّسة الوفاء ، بيروت ، ط الأولى ، ١٤٠٦ ه‍.

٢٠٣ ـ القاموس المحيط : لمجد الدّين محمّد بن يعقوب الفيروزآباديّ «ت ٨١٧ ه‍» دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ١٤١٢ ه‍.

٢٠٤ ـ قصص الأنبياء : لقطب الدّين سعيد ابن هبة الله بن الحسن الراونديّ «ت ٥٧٣ ه‍» مجمع البحوث الإسلامية ، مشهد المقدّسة ، ط الأولى ، ١٤٠٩ ه‍.

٢٠٥ ـ القصائد السبع : لابن أبي الحديد عبد الحميد ابن هبة الله المدائني البغداديّ «ت ٦٥٥ ه‍» ، دفتر تبليغات المهدي ، اصبهان ، ١٤١٨ ه‍.

٢٠٦ ـ القند في ذكر علماء سمرقند : لنجم الدّين عمر بن محمّد بن أحمد النسفي «ت ٥٢٧ ه‍» مرآة التراث طهران ، ط الأولى ، ١٤٢٠ ه‍.

٢٠٧ ـ كاشف الغمّة في تاريخ الأئمّة : للميرزا محمّد بن محمّد رضا بن إسماعيل القمّيّ أصلا المشهديّ مولدا «ت ١١٢٥ ه‍» مؤسّسة الطبع والنشر التابعة للآستانة الرضوية المقدّسة مشهد ، تحقيق قسم الكلام والفلسفة مجمع البحوث الإسلاميّة ، ط الأولى ، ١٤١٩ ه‍.

٢٠٨ ـ كشف الغمّة في معرفة الائمّة : لبهاء الدّين أبي الحسن عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الأربليّ «ت ٦٩٣ ه‍» ، مطبعة تبريز ، ط الثانية ، ١٣٦٤ ش.

٢٠٩ ـ كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام : للعلّامة الحسن بن يوسف الحلّيّ «ت ٧٢٦ ه‍» طهران ، ط الأولى ، ١٤١١ ه‍.

٢١٠ ـ كشف الأستار عن زوائد البزار : للحافظ نور الدين عليّ بن أبي بكر الهيثميّ «ت ٨٠٧ ه‍» مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، ط الثانيّة ، ١٤٠٤ ه‍.

٢١١ ـ الكامل في التاريخ : لعز الدّين عليّ بن أبي الكرم محمّد الشيبانيّ المعروف بابن الأثير «ت ٦٣٠ ه‍» ، دار صادر ، بيروت ، ١٤٠٢ ه‍.

٢١٢ ـ الكنز المدفون : للسيوطي عبد الرحمن مؤسّسة النعمان ، بيروت ، ١٤١٢ ه‍.

٢١٣ ـ كنز الفوائد : للإمام أبي الفتح الشيخ محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكيّ الطرابلسيّ

«ت ٤٤٩ ه‍» ، دار الأضواء ، بيروت ، ١٤٠٥ ه‍.

٢١٤ ـ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال : لعلاء الدّين عليّ المتقي بن حسام الدّين الهنديّ «ت ٩٧٥ ه‍» ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، ط الخامسة ، ١٤٠٥ ه‍.

٢١٥ ـ كتاب سليم بن قيس : المتوفّى سنة «٩٠ ه‍» ، قسم الدراسات الاسلامية ، مؤسّسة البعثة ، طهران ، ١٤٠٧ ه‍.

٢١٦ ـ كامل بهائي : لعماد الدّين الحسن بن عليّ بن محمّد الطبريّ «ق ٧ ه‍» مؤسّسة الشيخ عبد الكريم التبريزيّ.

٢١٧ ـ كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : لأبى عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعيّ «ت ٦٥٨ ه‍» ، دار إحياء تراث أهل البيت عليهم‌السلام ، ١٤٠٤ ه‍.

٢١٨ ـ كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثنى عشر عليهم‌السلام : لأبي القاسم عليّ بن محمّد بن عليّ الرازي «ق ٤ ه‍» ، مطبعة بيدار ، قم.

٢١٩ ـ لسان الميزان : لشهاب الدّين أبي الفضل أحمد بن عليّ بن الحجر العسقلانيّ الشافعيّ «ت ٨٥٢ ه‍» ، مجلس دائرة المعارف النظاميّة ، حيدرآباد الدكن ، الهند ، ط الأولى ، ١٣٢٩ ه‍.

٢٢٠ ـ لسان العرب : لأبي الفضل محمّد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصريّ «ت ٧١١ ه‍» ، نشر أدب الحوزة ، قم ، ١٤٠٥ ه‍.

٢٢١ ـ اللوامع النورانيّة : للعلّامة السيّد هاشم بن سليمان البحرانيّ «ت ١١٠٧ ه‍» المطبعة العلمية ، قم ، ١٣٩٤ ه‍.

٢٢٢ ـ ديوان مثنوي : للمولوي ، جلال الدّين محمّد بن محمّد «ت ٦٧٣ ه‍» ، تصحيح رينولد. ا. نيكلسون ، طهران ، انتشارات أمير كبير ، ١٣٦٣ ه‍.

٢٢٣ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن : لأبي عليّ الفضل بن الحسن الطبرسيّ «ت ٥٤٨ ه‍» ، دار المعرفة ، بيروت ، ط الاولى ، ١٤٠٦ ه‍.

٢٢٤ ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : للحافظ عليّ بن أبي بكر الهيثميّ «ت ٨٠٧ ه‍» ، دار الفكر ، بيروت ، ١٤١٤ ه‍.

٢٢٥ ـ المستصفى من علم الاصول : للغزالي محمّد بن محمّد «ت ٥٠٥ ه‍» ، المكتبة التجاريّة الكبرى ، القاهرة ، ١٣٥٦ ه‍.

٢٢٦ ـ ميزان الاعتدال : لأبي عبد الله محمّد بن أحمد الذهبيّ «ت ٧٤٨ ه‍» ، دار المعرفة ، بيروت ، ١٣٨٢ ه‍.

٢٢٧ ـ معارج النبوّة في مدارج الفتوّة : للملّا معين الدّين بن الحاج محمّد الفراهي الهراتي ، مطبعة المحمّدي ، بمبئي ، ١٣٢٠ ه‍.

٢٢٨ ـ المعرفة والتاريخ : لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسويّ «ت ٢٧٧ ه‍» ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، ط الأولى ، ١٤١٩ ه‍.

٢٢٩ ـ محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلّمين : محمّد بن عمر الرازي «ت ٦٠٦ ه‍» دار الكتاب العربيّ ، ط الاولى ، ١٤٠٤ ه‍.

٢٣٠ ـ المعيار والموازنة : لأبي جعفر الاسكافي محمّد بن عبد الله المعتزليّ «ت ٢٢٠ ه‍» ، ١٤٠٢ ه‍.

٢٣١ ـ منهج الشيعة في فضائل وصيّ خاتم الشريعة : لجلال الدّين عبد الله بن شرفشاه الحسينيّ «ت ٨١٠ ه‍» ، نشر الدليل ، قم ، ١٤٢٠ ه‍.

٢٣٢ ـ معاني الأخبار : للشيخ الصدوق «ت ٣٨١ ه‍» ، مطبعة الإسلاميّ ، قم ، ١٣٧٩ ه‍.

٢٣٣ ـ المجلى : أبي جمهور محمّد بن زين الدّين «ت ٩٠١ ه‍» ، طهران ، ١٣٢٩ ه‍.

٢٣٤ ـ الموطّأ : لمالك بن أنس ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ١٤١٨ ه‍.

٢٣٥ ـ منهاج الكرامة في معرفة الإمامة : للعلّامة الحليّ «٧٢٦ ه‍» مؤسّسة عاشوراء ، مشهد المقدّسة ، ط الأولى ، ١٤٢١ ه‍.

٢٣٦ ـ المغني في أبواب التوحيد والعدل : للقاضي عبد الجبار الأسدآبادي «ت ٤١٥ ه‍» ، المؤسّسة المصريّة العامّة للتأليف والترجمة.

٢٣٧ ـ المعجم في أصحاب القاضي الصدفي : لأبي عليّ حسين بن محمّد «ت ٥٩٤ ه‍» ، دار الكتاب ، القاهرة ، ط الاولى ، ١٤١٠ ه‍.

٢٣٨ ـ معجم البلدان : لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي البغداديّ «ت ٦٢٦ ه‍» ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط الاولى ، ١٣٩٩ ه‍.

٢٣٩ ـ المغازي : للواقدي محمّد بن عمر «ت ٢٠٧ ه‍» ، جامعة طهران ، ١٣٦٢ ش.

٢٤٠ ـ المجازات النبويّة : للشريف الرضيّ محمّد بن أبي أحمد الحسينيّ «ت ٤٠٦ ه‍» مكتبة مصطفى البابي الحلبي ، مصر ، ١٣٩١ ه‍.

٢٤١ ـ مجمع الآداب في معجم الألقاب : لأبي الفضل عبد الرزاق بن أحمد المعروف بابن الفوطي الشيبانيّ «ت ٧٢٣ ه‍».

٢٤٢ ـ مجاز القرآن : لأبي عبيدة معمر بن المثنّى التيميّ «ت ٢١٠ ه‍» ، مكتبة الخانجي ، دار الفكر ، دمشق ، ١٣٨١ ه‍.

٢٤٣ ـ المفردات : لأبي القاسم الحسين بن محمّد بن المفضّل المعروف بالراغب الاصبهانيّ «ت ٥٠٢ ه‍» ، دفتر نشر الكتاب ، ط الثانية ، ١٤٠٤ ه‍.

٢٤٤ ـ مختصر تاريخ دمشق : لابن عساكر محمّد بن مكرّم بن منظور «ت ٧١١ ه‍» ، دار الفكر ، دمشق ، ١٤٠٩ ه‍.

٢٤٥ ـ مطالب السئول : لكمال الدّين محمّد بن طلحة الشافعيّ «ت ٦٥٤ ه‍» ، الطبعة الحجريّة ، طهران.

٢٤٦ ـ مشكل إعراب القرآن : للقيسي ، محمّد بن أبي طالب ، تحقيق ياسين محمد السواس ، «انتشارات نور» ، ١٣٦٢ ه‍.

٢٤٧ ـ ملامح شخصية الإمام عليّ عليه‌السلام : لعبد الرسول الغفّار ، معاصر ، مؤسّسة النعمان ، بيروت ، ١٩٨٨ م.

٢٤٨ ـ المسند : للحافظ أحمد بن حنبل «ت ٢٤١ ه‍» ، دار الفكر ، بيروت.

٢٤٩ ـ المسند : للحافظ أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي «ت ٢١٩ ه‍» ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، ١٤٠٩ ه‍.

٢٥٠ ـ الملل والنحل : لأبي الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستانيّ «ت ٥٤٨ ه‍» ، مطبعة الرضيّ ، قم ، ١٣٦٤ ش.

٢٥١ ـ مسند الرضا : تحقيق محمد جواد الجلالي ، مكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، ١٣٧٦ ه‍.

٢٥٢ ـ المقنع في الإمامة : للشيخ الجليل عبيد الله بن عبد الله السدآبادي «ق ٥ ه‍» مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ط الأولى ، ١٤١٤ ه‍.

٢٥٣ ـ المسترشد في إمامة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : لأبي جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبريّ «ق ٤ ه‍» المطبعة الحيدريّة ، النجف الأشرف.

٢٥٤ ـ المستدرك على الصحيحين : لأبي عبد الله محمّد بن عبد الله الحاكم النيسابوريّ «ت ٤٠٥ ه

» ، دار المعرفة ، بيروت ، ١٤٠٦ ه‍.

٢٥٥ ـ مشكاة المصابيح : للخطيب محمّد بن عبد الله التبريزيّ «ت ٧٤١ ه‍» ، شركة دار الأرقم بن الأرقم ، بيروت.

٢٥٦ ـ المحاسن : لأبي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ «ت ٢٧٤ ه‍» ، دار الكتب الإسلاميّة ، قم ، ط الثانية.

٢٥٧ ـ مصابيح السنّة : لأبي محمّد الحسين بن مسعود البغوي الشافعيّ «ت ٥١٦ ه‍» دار الكتب العلميّة بيروت ، ط الاولى ، ١٤١٩ ه‍.

٢٥٨ ـ مفاتيح الغيب : للصدر الدّين محمّد بن إبراهيم الشيرازيّ «ت ١٠٥٠ ه‍» ، «انجمن اسلامي حكمت وفلسفه ايران» ، ط الاولى ، ١٣٦٣ ش.

٢٥٩ ـ مقتل الحسين : للخوارزميّ أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكّيّ «٥٦٨ ه‍» ، مكتبة المفيد ، قم.

٢٦٠ ـ المناقب : للخوارزميّ أبي المؤيّد «ت ٥٦٨ ه‍» ، مكتبة نينوى ، طهران.

٢٦١ ـ مناقب أهل البيت : للمولى حيدر عليّ بن محمّد الشروانيّ «ق ١٢ ه‍» ، مطبعة المنشورات الإسلاميّة ، طهران ، ١٤١٤ ه‍.

٢٦٢ ـ مناقب آل أبي طالب : لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن شهرآشوب المازندرانيّ «ت ٥٨٨ ه‍» ، دار الأضواء ، بيروت ، ط الثالثة ، ١٤١٢ ه‍.

٢٦٣ ـ مناقب الطاهرين : لعماد الدّين الحسن بن عليّ الطبريّ «ق ٧ ه‍» ط الأولى ، ١٣٧٩ ش.

٢٦٤ ـ مناقب المرتضوي : للمولى محمّد صالح الحسينيّ الترمذيّ المشتهر بمشكين قلم ، مطبعة محمّدي ، بمبئي ، ١٢٦٩ ه‍.

٢٦٥ ـ مناقب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن المغازليّ الشافعيّ «ت ٤٨٣ ه‍» ، دار الأضواء ، بيروت ، ١٤٠٣ ه‍.

٢٦٦ ـ معاني القرآن : للفرّاء أبي زكريا يحيى بن زياد ، الدار المصريّة للتأليف والترجمة ، ١٩٧٢ م.

٢٦٧ ـ مشارق أنوار اليقين : للحافظ رجب بن محمّد البرسيّ «ت ٨١٣ ه‍» ، «دفتر نشر فرهنك أهل البيت عليهم‌السلام» ، طهران.

٢٦٨ ـ المعجم الصغير : لابي القاسم سليمان بن أحمد الطبرانيّ «ت ٣٦٠ ه‍» ، دار الكتب العلميّة ، بيروت.

٢٦٩ ـ الموضوعات : لأبي الفرج عبد الرحمن بن عليّ ابن الجوزيّ ، دار الكتب العلميّة بيروت ، ط الاولى ، ١٤١٥ ه‍.

٢٧٠ ـ المنتظم في تاريخ الأمم والملوك : لأبي الفرج عبد الرحمن بن عليّ محمّد بن الجوزيّ «ت ٥٩٧ ه‍» ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، ط ١٤١٢ ه‍.

٢٧١ ـ نزل الأبرار : للبدخشاني ، محمّد بن معتمد «ت ١١٢٦ ه‍» ، بمبئي ، ١٨٨٠ م.

٢٧٢ ـ نهج الحقّ وكشف الصدق : لجمال الدّين العلّامة الحسن بن يوسف الحلّي «ت ٧٢٦ ه‍» ، منشورات دار الهجرة ، قم ، ١٤٠٧ ه‍.

٢٧٣ ـ نهج البيان عن كشف معاني القرآن : للشيخ محمّد بن الحسن الشيبانيّ «ق ٧ ه‍» ، مؤسّسة دائرة المعارف الإسلاميّة ، طهران ، ط الاولى ، ١٤١٣ ه‍.

٢٧٤ ـ نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار : للشيخ مؤمن بن حسن مؤمن الشبلنجيّ «ق ١٣ ه‍» ، دار الجيل ، بيروت ، ١٤٠٩ ه‍.

٢٧٥ ـ نهج الإيمان : لزين الدّين عليّ بن يوسف بن جبر «ق ٧ ه‍» ، مجتمع الامام الهادي عليه‌السلام ، مشهد المقدّسة ، ط الأولى ، ١٤١٨ ه‍.

٢٧٦ ـ نظم درر السمطين : للزرنديّ محمّد بن يوسف بن الحسن الحنفيّ المدنيّ «ت ٧٥٠ ه‍» ، مكتبة نينوى الحديثة ، طهران.

٢٧٧ ـ النور المشتعل من كتاب ما نزل : للحافظ أحمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بأبي نعيم الاصبهانيّ «ت ٤٣٠ ه‍» ، منشورات وزارة الإرشاد الإسلامي ، طهران ، ١٤٠٦ ه‍.

٢٧٨ ـ نوادر الأثر في أنّ عليّا خير البشر : للفقيه أبي محمّد جعفر بن أحمد القميّ الإيلاقي «ق ٤ ه‍» مطبعة مهر ، ط الأولى ، ١٤٢٠ ه‍.

٢٧٩ ـ النهاية في غريب الحديث : لمجد الدّين أبي السعادات المبارك بن محمّد الجزريّ المعروف بابن الأثير «ت ٦٠٦ ه‍» ، مؤسّسة اسماعيليان ، قم ، ١٣٦٤ ش.

٢٨٠ ـ النقض : لنصير الدّين عبد الجليل بن أبي الحسين القزوينيّ كان حيّا «٥٦٠ ه‍» ، منشورات انجمن آثار ملي ايران» ، ١٣٥٨ ش.

٢٨١ ـ وقعة صفين : لأبي الفضل نصر بن مزاحم بن سيّار المنقريّ «ت ٢١٢ ه‍» ، مكتبة آية الله المرعشي ، قم ، ط الثانية ، ١٤٠٤ ه‍.

٢٨٢ ـ الولاية : للحافظ أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد المعروف بابن عقدة الكوفيّ ، «ت ٣٣٢ ه‍» ، مطبعة الدليل ، قم ، ط الأولى ، ١٤٢١ ه‍.

٢٨٣ ـ الولاية «فضائل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وكتاب الولاية : لمحمّد بن جرير بن يزيد الطبريّ «ت ٣١٠ ه‍» ، مطبعة الدليل ، قم ، ط الأولى ، ١٤١٩ ه‍.

٢٨٤ ـ الوسائل : لمحمّد بن الحسن الحر العامليّ «ت ١١٠٤ ه‍» ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ١٣٩١ ه‍.

٢٨٥ ـ وفيات الأعيان : لأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن خلكان «ت ٦٨١ ه‍» منشورات الرضيّ ، قم.

٢٨٦ ـ الهداية في شرح بداية المبتدي : لشيخ الاسلام عليّ بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغينانيّ «ت ٥٩٣ ه‍».

٢٨٧ ـ ينابيع المودة : للشيخ سليمان بن خواجه كلان إبراهيم بن بابا القندوزيّ الحنفيّ «ت ١٢٩٤ ه‍» ، دار الأسوة للطباعة والنشر ، ط الأولى ، ١٤١٦ ه‍.

٢٨٨ ـ اليقين تفي إمرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : للسيّد رضيّ الدّين عليّ بن موسى بن طاوس «ت ٦٦٤ ه‍» ، مؤسّسة دار الكتاب ، قم ، ١٤١٣ ه‍.

الفهرس

مقدّمة المصحح.................................................................. ٥

لمحة من حياة المؤلّف.............................................................. ٧

المقدّمة.......................................................................... ٩

[الآيات]

الآية الاولى من سورة البقرة ؛ إنّي جاعلك للناس إماما / ١٣٣........................ ١٩

الآية الثانية من سورة البقرة أيضا ؛ ومن الناس من يشرى نفسه / ٢٠٧................ ٢٣

الآية الثالثة من سورة البقرة أيضا ؛ الذين ينفقون اموالهم بالليل / ٢٧٤................ ٢٦

الآية الرابعة من سورة آل عمران ؛ آية المباهلة / ٦٠................................. ٢٨

الآية الخامسة من سورة المائدة ؛ انّما وليّكم الله ورسوله / ٥٥.......................... ٣٦

الآية السادسة من سورة المائدة أيضا ؛ يا ايها الرسول بلغ ما انزل أليك / ٦٧........... ٤٦

الآية السابعة من سورة المائدة أيضا ؛ اليوم اكملت لكم دينكم / ٣................... ٨٣

الآية الثامنة من سورة الأعراف ؛ واذ اخذ ربّك من بنى آدم / ١٧٢ ، ١٧٣............ ٨٨

الآية التاسعة من سورة البراءة ؛ كونوا مع الصادقين / ١١٩.......................... ٩٠

الآية العاشرة من سورة هود ؛ أفمن كان على بيّنة / ١٧............................. ٩٣

الآية الحادية عشر من سورة الرعد ؛ انّما انت منذر / ٧............................ ١٠٤

الآية الثانية عشر من سورة الرعد أيضا ؛ وفى الارض قطع متجاورات / ٤............. ١٠٨

الآية الثالثة عشرة من سورة الرعد أيضا ؛ قل كفى بالله شهيدا / ٤٣................. ١١٢

الآية الرابعة عشرة من سورة الحجر ؛ اخوانا على سرر / ٤٧........................ ١١٥

الآية الخامسة عشر من سورة النحل ؛ فاسألوا اهل الذكر / ٤٣..................... ١٣١

الآية السادسة عشر من سورة مريم ؛ ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات / ٩٦.......... ١٣٥

الآية السابعة عشر من سورة طه ؛ وانّى لغفّار لمن تاب / ٨٢........................ ١٤٢

الآية الثامنة عشر من سورة طه أيضا ؛ واجعل لى وزيرا / ٢٩ ـ ٣٢.................. ١٤٤

الآية التاسعة عشر من سورة النور ؛ الله نور السموات والارض / ٣٥................ ١٤٩

الآية العشرون من سورة النور أيضا ؛ في بيوت اذن الله / ٣٦....................... ١٥٠

الآية الإحدى والعشرون من سورة النور أيضا ؛ وعد الله الذين آمنوا منكم / ٥٥...... ١٥٢

الآية الثانية والعشرون من سورة الفرقان ؛ وهو الذي خلق من الماء / ٥٤.............. ١٥٦

الآية الثالثة والعشرون من سورة الشعراء ؛ واجعل لى لسان صدق / ٨٤.............. ١٥٩

الآية الرابعة والعشرون من سورة الشعراء أيضا ؛ وانذر عشيرتك / ٢١٤.............. ١٦٠

الآية الخامسة والعشرون من سورة القصص ؛ وربّك يخلق ما يشاء / ٦٨.............. ١٦٢

الآية السادسة والعشرون من سورة العنكبوت ؛ ألم أحسب الناس / ١ ـ ٢............ ١٦٤

الآية السابعة والعشرون من سورة الأحزاب ؛ انّما يريد الله ليذهب / ٣٣.............. ١٦٨

الآية الثامنة والعشرون من سورة الأحزاب أيضا ؛ ان الله وملائكته يصلون / ٥٦....... ١٧٧

الآية التاسعة والعشرون من سورة فاطر ؛ ثم اورثنا الكتاب الذين / ٣٢............... ١٨١

الآية الثلاثون من سورة الصافات ؛ وقفوهم انهم / ٢٤............................. ١٨٦

الآية الاحدى والثلاثون من سورة الصافات أيضا ؛ سلام على آل ياسين / ١٣٠..... ١٩٠

الآية الثانية والثلاثون من سورة الشورى ؛ قل لا أسألكم / ٢٣..................... ١٩٤

الآية الثالثة والثلاثون من سورة الزخرف ؛ ولمّا ضرب ابن مريم / ٥٧.................. ٢٠٢

الآية الرابعة والثلاثون من سورة الزخرف أيضا ؛ واسأل من ارسلنا / ٤٥.............. ٢٠٥

الآية الخامسة والثلاثون من سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ان الذين كفروا وصدوا / ٣٢.......... ٢٠٧

الآية السادسة والثلاثون من سورة ق ؛ ألقيا في جهنم كلّ / ٢٤.................... ٢٠٩

الآية السابعة والثلاثون من سورة النجم ؛ والنجم اذا اهوى / ١ ـ ٣.................. ٢١١

الآية الثامنة والثلاثون من سورة الرحمن ؛ مرج البحرين / ١٩ ـ ٢٢................... ٢١٥

الآية التاسعة والثلاثون من سورة الواقعة ؛ والسابقون / ١٠ ـ ١١.................... ٢١٧

الآية الاربعون من سورة الحاقة ؛ وتعيها اذن واعية / ١١ ـ ١٢....................... ٢٢٣

النصّ الجليّ في إثبات ولاية علي عليه السلام

المؤلف: محمد حسين بن الآقا باقر بروجردي
الصفحات: 250
  • مقدّمة المصحح 5
  • لمحة من حياة المؤلّف 7
  • المقدّمة 9
  • [الآيات]
  • الآية الاولى من سورة البقرة ؛ إنّي جاعلك للناس إماما / 133 19
  • الآية الثانية من سورة البقرة أيضا ؛ ومن الناس من يشرى نفسه / 207 23
  • الآية الثالثة من سورة البقرة أيضا ؛ الذين ينفقون اموالهم بالليل / 274 26
  • الآية الرابعة من سورة آل عمران ؛ آية المباهلة / 60 28
  • الآية الخامسة من سورة المائدة ؛ انّما وليّكم الله ورسوله / 55 36
  • الآية السادسة من سورة المائدة أيضا ؛ يا ايها الرسول بلغ ما انزل أليك / 67 46
  • الآية السابعة من سورة المائدة أيضا ؛ اليوم اكملت لكم دينكم / 3 83
  • الآية الثامنة من سورة الأعراف ؛ واذ اخذ ربّك من بنى آدم / 172 ، 173 88
  • الآية التاسعة من سورة البراءة ؛ كونوا مع الصادقين / 119 90
  • الآية العاشرة من سورة هود ؛ أفمن كان على بيّنة / 17 93
  • الآية الحادية عشر من سورة الرعد ؛ انّما انت منذر / 7 104
  • الآية الثانية عشر من سورة الرعد أيضا ؛ وفى الارض قطع متجاورات / 4 108
  • الآية الثالثة عشرة من سورة الرعد أيضا ؛ قل كفى بالله شهيدا / 43 112
  • الآية الرابعة عشرة من سورة الحجر ؛ اخوانا على سرر / 47 115
  • الآية الخامسة عشر من سورة النحل ؛ فاسألوا اهل الذكر / 43 131
  • الآية السادسة عشر من سورة مريم ؛ ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات / 96 135
  • الآية السابعة عشر من سورة طه ؛ وانّى لغفّار لمن تاب / 82 142
  • الآية الثامنة عشر من سورة طه أيضا ؛ واجعل لى وزيرا / 29 ـ 32 144
  • الآية التاسعة عشر من سورة النور ؛ الله نور السموات والارض / 35 149
  • الآية العشرون من سورة النور أيضا ؛ في بيوت اذن الله / 36 150
  • الآية الإحدى والعشرون من سورة النور أيضا ؛ وعد الله الذين آمنوا منكم / 55 152
  • الآية الثانية والعشرون من سورة الفرقان ؛ وهو الذي خلق من الماء / 54 156
  • الآية الثالثة والعشرون من سورة الشعراء ؛ واجعل لى لسان صدق / 84 159
  • الآية الرابعة والعشرون من سورة الشعراء أيضا ؛ وانذر عشيرتك / 214 160
  • الآية الخامسة والعشرون من سورة القصص ؛ وربّك يخلق ما يشاء / 68 162
  • الآية السادسة والعشرون من سورة العنكبوت ؛ ألم أحسب الناس / 1 ـ 2 164
  • الآية السابعة والعشرون من سورة الأحزاب ؛ انّما يريد الله ليذهب / 33 168
  • الآية الثامنة والعشرون من سورة الأحزاب أيضا ؛ ان الله وملائكته يصلون / 56 177
  • الآية التاسعة والعشرون من سورة فاطر ؛ ثم اورثنا الكتاب الذين / 32 181
  • الآية الثلاثون من سورة الصافات ؛ وقفوهم انهم / 24 186
  • الآية الاحدى والثلاثون من سورة الصافات أيضا ؛ سلام على آل ياسين / 130 190
  • الآية الثانية والثلاثون من سورة الشورى ؛ قل لا أسألكم / 23 194
  • الآية الثالثة والثلاثون من سورة الزخرف ؛ ولمّا ضرب ابن مريم / 57 202
  • الآية الرابعة والثلاثون من سورة الزخرف أيضا ؛ واسأل من ارسلنا / 45 205
  • الآية الخامسة والثلاثون من سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ ان الذين كفروا وصدوا / 32 207
  • الآية السادسة والثلاثون من سورة ق ؛ ألقيا في جهنم كلّ / 24 209
  • الآية السابعة والثلاثون من سورة النجم ؛ والنجم اذا اهوى / 1 ـ 3 211
  • الآية الثامنة والثلاثون من سورة الرحمن ؛ مرج البحرين / 19 ـ 22 215
  • الآية التاسعة والثلاثون من سورة الواقعة ؛ والسابقون / 10 ـ 11 217
  • الآية الاربعون من سورة الحاقة ؛ وتعيها اذن واعية / 11 ـ 12 223