
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه وحده نستعين وعليه وحده نتوكل
والحمد لله ربّ
العالمين ، والصَّلاة والسلام على سيد رُسُله ، وخاتم أنبيائه وآله ومن سار على
خطاهم وتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يولي المسلمون
أهميّة كبرى للعقيدة الصحيحة لأنّها تشكّل حجر الزاوية في سلوكهم ومناراً يضيءُ
دروبهم وزاداً لمعادهم.
ولهذا كرّسَ
رسُولُ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الفترة المكيّة من حياته الرسالية نفسه لإرساء أُسس
التوحيد الخالص ، ومكافحة الشرك والوثنية ، ثمّ بنى عليها في الفترة المدنية صَرحَ
النظامِ الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والسياسيّ.
ولهذا ـ ونظراً
للحاجةِ المتزايدة ـ رأينا أن نقدّم للأُمةِ الإسلاميّة الكريمة دراسات عقائدية
عابرة مستمدَّةٍ من كتاب اللهِ العزيز ، والسنّةِ الشريفة الصحيحة ، والعقل السليم
، وما اتَّفق عليه علماءُ الأُمةِ الكرام ، تُروي ظمأَ العطشانِ ، وتلَبّي حاجةَ
المشتاق ، وتساعد على إيقاظ الأُمة ، وتوحيد صفوفها ، والله الموفِّق.
معاونيّة التعليم
والبحوث الإسلاميّة
بسم الله الرحمن الرحيم
يتّسم الدين
الإسلامي في أبرز ما يتّسم به ، بأنّه دين الدنيا والآخرة ، ومن هنا يجب على
المسلم أن يهتم بالجانبين ، فيعمل لآخرته كما يعمل لدنياه ، ويتزوّد من حياته
الحاضرة لحياته الأبديّة المستقبلة كما قال تعالى : (وَابْتَغِ فِيما
آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) (القصص / ٧٧).
ولهذا كان من
الواجب على المسلم أن يعمل بالفرائض الدينية ، ويتجنّب المحرّمات الإلهية ، ويلتزم
بقواعد الشرع الحنيف ، جهد إمكانه ، فيصلّي الخمس ، ويصوم شهر رمضان ، ويزكّي ماله
، ويحجّ بيت الله الحرام ، ويأمر بكل خير قَدِر عليه ، ويعتمد في تحصيل السعادة
الأُخروية على العمل الصالح ، والطاعة لله تعالى ، كيف وقد نصّت الآيات القرآنية
على أنّ كلّ امرئ مرهون بعمله ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر؟
كما نصّت الأحاديث
الشريفة المأثورة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعترته الطاهرة وصرّحت بضرورة العمل والطاعة للحصول على
النجاة والسعادة الأُخرويتين.
فقد روي أنّ
الإمام جعفر الصادق عليهالسلام أمر بحضور جميع أقربائه قبيل وفاته ، ثمّ التفت إليهم
وأكّد على أهمية الصلاة. وإليك الحديث بأكمله :
روى أبو بصير عن
أصحاب الإمام قال : دخلت على أُم حَميدة (زوجة الإمام جعفر الصادق عليهالسلام) أُعزِّيها بأبي عبد الله عليهالسلام فبكت وبكيت لبكائها ، ثمّ قالت : يا أبا محمد لو رأيت أبا
عبد الله عليهالسلام عند الموت لرأيت عجباً ، فتح عينيه ، ثمّ قال : «اجمعوا
كلّ من بيني وبينه قرابة».
قالت : فما تركنا
أحداً إلّا جمعناه ، فنظر إليهم ثمّ قال : «إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة» .
فليس للمسلم أن
يعول على شيء إذا أهمل الواجبات وترك الفرائض ، أو استهان بها.
نعم ، خلق الإنسان
ضعيفاً ـ بحكم جبلته ـ محاصَراً بالشهوات ، محاطاً بالغرائز ، ولذلك ربما سها ولها
، وربّما بدرتْ منه معصية ، واستحوذ عليه الشيطان ، ووقع في شباكه وشراكه ، فعصى
من حيث لا يريد ، وخالف من حيث لا يجب ، ثمّ تعرض لضغط الوجدان ، ووخْزِ الضمير ،
فهل له أن ييأس في هذه الحالة ويقنط ، وقد قال ربّ العزّة : (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا
الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (يوسف / ٨٧).
كلّا ليس له إلّا
الرجاء في رحمة الله ، والأمل في عفوه ولطفه ، وقد فتح الإسلام نوافذ الأمل
والرجاء أمام العاصي النادم ، ليعود إلى ربه ،
__________________
ويواصل مسيرة
تكامله في ثقة وطمأنينة.
ومن هذه النوافذ :
التوبة والإنابة والاستغفار ، ومنها : الشفاعة للمذنبين ، الشفاعة التي تنالهم وفق
معايير وردت في الكتاب والسنّة ، الشفاعة التي يبعث الأمل فيها بصيصاً من الرجاء
في نفوس العصاة ، ويمنع من قنوطهم ويأسهم ، ويبعث فيهم روح العمل والنشاط.
وهذا لا يعني
تمهيد الطريق للعصاة ، لما للشفاعة من شروط وقيود ، بل هي عملية زرع الأمل ، والرجاء
في النفوس ، ما دام الأصل هو العمل والإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات.
وتوضيحاً لهذه
الحقيقة ، وتبييناً لهذا المفهوم القرآني الإسلامي أعددنا هذه الرسالة ، آملين أن
نلقي الضوء على إحدى السبل الإسلامية لمعالجة اليأس والقنوط الذي يصيب المذنبين.
المؤلف
١
موقف علماء الإسلام
من الشفاعة
أجمع علماء الأُمة
الإسلاميّة على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أحد الشفعاء يوم القيامة مستدلّين على ذلك بقوله سبحانه : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (الضحى / ٥) والذي
أُعْطي هو حقّ الشفاعة الذي يُرضيه ، وبقوله سبحانه : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً
مَحْمُوداً) (الإسراء / ٧٩)
واتّفق المفسّرون على أنّ المقصود من المقام المحمود ، هو مقام الشفاعة.
إنّ الشفاعة من
المعارف القرآنية التي لا يصح لأحد من المسلمين إيجاد الخلاف والنقاش في أصلها ،
وإن كان يمكن لهم الاختلاف في بعض فروعها ، فها نحن نورد آراء كبار علماء الإسلام
ـ من القدامى والجدد ـ حتى يُعلَم موقِفهم من هذا الأصل :
١
ـ قال أبو منصور
الماتريدي السمرقندي (ت ٣٣٣ ه) ، إمام أهل السنّة في المشرق الإسلامي ، بعد أن
أورد قوله سبحانه : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها
شَفاعَةٌ) (البقرة / ٤٨) ،
وقوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ
إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (الأنبياء / ٢٨)
قال : إنّ الآية الأُولى وإن كانت تنفي الشفاعة ، ولكن هنا شفاعة مقبولة في
الإسلام وهي التي تشير إليها هذه الآية .
٢
ـ وقال تاج الإسلام
أبو بكر الكلاباذي (ت ٣٨٠ ه) : إنّ العلماء قد أجمعوا على أنّ الإقرار بجملة ما
ذكر الله سبحانه وجاءت به الروايات عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الشفاعة واجب ، لقوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (الضحى / ٥)
ولقوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (الإسراء / ٧٩)
وقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ
إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (الأنبياء / ٢٨).
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي» .
٣
ـ وقال الشيخ المفيد
(٣٣٦ ـ ٤١٣ ه) : اتّفقت الإماميّة على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يشفع يوم القيامة لجماعة من مرتكبي الكبائر من أُمته ،
وإنّ أمير المؤمنين عليهالسلام يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته ، وإنّ أئمة آل محمد عليهمالسلام كذلك ، وينجي الله بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين .
وقال في موضع آخر
: إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يشفع يوم القيامة في مذنبي أُمته فيشفّعه الله عزوجل ، ويشفع أمير المؤمنين فيشفّعه الله عزوجل ، وتشفع الأئمة في مثل ما ذكرناه فيُشفّعهم الله ، ويشفع
المؤمن البر لصديقه المؤمن المذنب فتنفعه شفاعته ، ويشفّعه الله. وعلى هذا
__________________
القول إجماع
الإمامية إلّا من شذّ منهم ، وقد نطق به القرآن ، وتظاهرت به الأخبار ، قال الله تعالى في الكفار عند
إخباره عن حسراتهم وعلى الفائت لهم ممّا حصل لأهل الإيمان : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَلا صَدِيقٍ
حَمِيمٍ) (الشعراء / ١٠٠) ؛
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّي أشفع يوم القيامة فأُشفّع ، ويشفع عليّ عليهالسلام فيشفّع ، وإنّ أدنى المؤمنين شفاعة يشفع في أربعين من
إخوانه .
٤
ـ وقال الشيخ الطوسي
(٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه) : حقيقة الشفاعة عندنا أن يكون في إسقاط المضار دون زيادة المنافع
، والمؤمنون عندنا يشفع لهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فَيشفِّعه الله تعالى ويسقط بها العقاب عن المستحقين من
أهل الصراط لما روي من قوله عليهالسلام : إدّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي ، والشفاعة ثبت
عندنا للنبي ، وكثير من أصحابه ولجميع الأئمة المعصومين وكثير من المؤمنين
الصالحين .
٥
ـ قال القاضي عياض
بن موسى (ت ٥٤٤ ه) : مذهب أهل السنّة هو جواز الشفاعة عقلاً ووجودها سمعاً بصريح
الآيات وبخبر الصادق ، وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحّة الشفاعة
في الآخرة لمذنبي المؤمنين ، وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنّة عليها .
٦
ـ وقال الإمام أبو
حفص النسفي (ت ٥٣٨ ه) : والشفاعة ثابتة
__________________
للرسل والأخيار في
حقّ الكبائر بالمستفيض من الأخبار .
وقد أيّد
التفتازاني في «شرح
العقائد النفسية» هذا الرأي وصدّقه دون أي تردّد أو توقف .
٧
ـ وقال الزمخشري (ت
٥٣٨ ه) في تفسير قوله تعالى : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها
شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) (البقرة / ٤٨) :
كانت اليهود تزعم أنّ آباءهم الأنبياء يشفعون لهم فَأُويِسوا.
ثمّ أتى بكلام في
حد الشفاعة وأنّها للمطيعين لا للعاصين ، وسنوافيك عن ذلك في فصل خاص .
٨
ـ قال الإمام ناصر
الدين أحمد بن محمد بن المنير الاسكندري المالكي في كتابه «الانتصاف فيما
تضمّنه الكشاف من الاعتزال» : وأمّا من جحد الشفاعة فهو جدير أن لا ينالها ، وأمّا من
آمن بها وصدّقها وهم أهل السنّة والجماعة فأولئك يرجون رحمةَ الله ، ومعتقدهم أنها
تنال العصاة من المؤمنين وإنما ادّخرت لهم ، وليس في الآية دليل لمنكريها ، لأنّ
قوله (يَوْماً) في قوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً
لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) (البقرة / ٤٨)
أخرجه منكراً. ولا شك أنّ في القيامة مواطن ، يومها معدود بخمسين ألف سنة. فبعض
أوقاتها ليس زماناً للشفاعة وبعضها هو الوقت الموعود ، وفيه المقام المحمود لسيّد
البشر ، عليه أفضل الصلاة والسلام.
وقد وردت آيات
كثيرة ترشد إلى تعدّد أيامها واختلاف أوقاتها ،
__________________
منها قوله تعالى :
(فَلا أَنْسابَ
بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) (المؤمنون / ١٠١)
، مع قوله : (وَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (الصافات / ٢٧) ،
فيتعيّن حمل الآيتين على يومين مختلفين ووقتين متغايرين ، أحدهما محل للتساؤل ،
والآخر ليس له ، وكذلك الشفاعة ، وأدلّة ثبوتها لا تُحصى كثرة .
٩
ـ قال البيضاوي في
تفسير قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً
لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) (البقرة / ٤٨) :
ربّما تجعل الآية ذريعة على نفي الشفاعة لأهل الكبائر وأُجيبوا بأنّها مخصوصة
بالكفار ، للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة. ويؤيده أنّ الخطاب هنا مع الكفار
، والآية نزلت ردّاً لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم .
١٠
ـ وقال الفتال
النيسابوري ـ من علماء القرن السادس الهجري ـ : لا خلاف بين المسلمين أنّ الشفاعة
ثابتة مقتضاها إسقاط المضار والعقوبات .
١١
ـ وقال الرصاص الذي
هو من علماء القرن السادس الهجري في كتابه «مصباح العلوم في معرفة الحي القيوم» : إنّ شفاعة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم القيامة ثابتة قاطعة .
وقال ابن تيمية
الحراني الدمشقي (ت ٧٢٨ ه) : للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في
__________________
يوم القيامة ثلاث
شفاعات ـ إلى أن قال : ـ وأمّا الشفاعة الثالثة فيشفع في من استحقّ النار وهذه
الشفاعة له صلىاللهعليهوآلهوسلم ولسائر النبيّين والصدّيقين وغيرهم في من استحق النار أن
لا يدخلها ويشفع في من دخلها .
١٢
ـ وقال ابن كثير
الدمشقي (ت ٧٧٣ ه) في تفسير قوله سبحانه : (مَنْ ذَا الَّذِي
يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (البقرة / ٢٥٥) :
هذا من عظمته وجلاله وكبريائه عزوجل أنّه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلّا بإذنه له
في الشفاعة كما في حديث الشفاعة عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : «آتي تحت العرش فأخرّ ساجداً ، فيدعني ما شاء الله أن
يدعني ، ثمّ يقال : ارفع رأسك وقل تسمع ، واشفع تشفع. قال : فيحدّ لي حدّاً
فأدخلهم الجنّة» .
١٣
ـ وقال نظام الدين
القوشجي (ت ٨٧٩ ه) في شرحه على «تجريد
الاعتقاد» : اتفق المسلمون
على ثبوت الشفاعة لقوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) وفسّر بالشفاعة .
١٤
ـ قال المحقّق
الدواني : الشفاعة لدفع العذاب ، ورفع الدرجات حق لمن أذن له الرحمن من الأنبياء ،
والمؤمنين بعضهم لبعض ، لقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ لا
تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) .
__________________
١٥
ـ قال الشعراني ، في
المبحث السبعين : إنّ محمداً هو أول شافع يوم القيامة ، وأول مشفّع وأولاه فلا أحد
يتقدّم عليه ، ثمّ نقل عن جلال الدين السيوطي : إنّ للنبي يوم القيامة ثمان شفاعات
، وله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم القامة ثمان شفاعات : وثالثها : فيمن استحقّ دخول
النار أن لا يدخلنها .
١٦
ـ وقال العلّامة
المجلسي (ت ١١١٠ ه) : أما الشفاعة فاعلم أنّه لا خلاف فيها بين المسلمين بأنّها
من ضروريات الدين وذلك بأنّ الرسول يشفع لأُمته يوم القيامة ، بل للأُمم الأُخرى ،
غير أنّ الخلاف إنّما هو في معنى الشفاعة وآثارها هل هي بمعنى الزيادة في المثوبات
، أو إسقاط العقوبة عن المذنبين؟ والشيعة ذهبت إلى أنّ الشفاعة تنفع في إسقاط
العقاب وإن كانت ذنوبهم من الكبائر ، ويعتقدون أيضاً بأنّ الشفاعة ليست منحصرة في
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام من بعده ، بل للصالحين أن يشفعوا بعد أن يأذن الله لهم
بذلك .
١٧
ـ قال محمد بن عبد الوهاب
(١١١٥ ـ ١٢٠٦ ه) : وثبتت الشفاعة لنبينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم القيامة ولسائر الأنبياء والملائكة والأولياء والأطفال
حسبما ورد ، ونسألها من المالك لها والآذن فيها بأن نقول : اللهمّ شفِّعْ نبينا
محمداً فينا يوم القيامة أو
اللهمّ شَفِّعْ فينا عبادك الصالحين ، أو
ملائكتك ، أو نحو ذلك مما
يطلب من الله لا منهم ـ إلى أن قال : ـ إنّ الشفاعة حقّ في الآخرة ، ووجب على كلّ
مسلم الإيمان
__________________
بشفاعته ، بل
وغيره من الشفعاء إلّا أنّ رجاءها من الله ، فالمتعيّن على كل مسلم صرف وجهه إلى
ربّه ، فإذا مات استشفع الله فيه نبيه .
١٨
ـ وقال السيد سابق :
المقصود بالشفاعة سؤال الله الخير للناس في الآخرة. فهي نوع من أنواع الدعاء
المستجاب ومنها الشفاعة الكبرى ، ولا تكون إلّا لسيّدنا محمد رسول الله فانّه يسأل
الله سبحانه أن يقضي بين الخلق ليستريحوا من هول الموقف ، فيستجيب الله له فيغبطه
الأوّلون والآخرون ، ويظهر بذلك فضله على العالمين وهو المقام المحمود الذي وعد
الله به في قوله سبحانه : (وَمِنَ اللَّيْلِ
فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (الإسراء / ٧٩).
ثمّ نقل الآيات والروايات الخاصة بالشفاعة والمثبتة لها وقد ذكر بعض شروط قبولها .
١٩
ـ وقال الدكتور
سليمان دنيا : والشفاعة لدفع العذاب ورفع الدرجات حقّ لمن أذن له الرحمن من
الأنبياء عليهمالسلام والمؤمنين بعضهم لبعض لقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ
إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) وقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي
يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) .
٢٠
ـ يقول الشيخ محمد
الفقي : وقد أعطى الله الشفاعة لنبيه ولسائر الأنبياء والمرسلين وعباده الصالحين
وكثير من عباده المؤمنين ، لأنّه وإن كانت الشفاعة كلّها لله كما قال : (لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) إلّا أنّه
__________________
تعالى يجوز أن
يتفضّل بها على من اجتباهم من خلقه واصطفاهم من عباده وكما يجوز أن يعطي من ملكه
ما شاء لمن شاء ولا حرج .
هذا نزر من كثير ،
وغيض من فيض أوردناه ليكون القارئ على بصيرة من موقف علماء الإسلام من هذه المسألة
المهمة. والاستقصاء لكلمات المفسّرين والمحدّثين والمتكلّمين ، يدعونا إلى تأليف
مفرد في خصوص هذا الفصل والغرض إراءة نماذج من كلماتهم. وهي نصوص وتصريحات لا تترك
ريباً لمرتاب ، ولا شكاً لأحد بأن الشفاعة أصل من أصول الإسلام نطق بها الكتاب
الكريم ، وصرّحت بها السنّة النبوية والأحاديث المعتبرة من العترة الطاهرة ، وأنّ
الاختلاف إنّما هو في معناها وبعض خصوصياتها وسنوافيك بالتفاصيل.
__________________
٢
الشفاعة في القرآن الكريم
وردت مادة الشفاعة
في القرآن الكريم بصورها المتنوعة ثلاثين مرّة في سور شتى ، ووقعت فيها مورداً
للنفي تارة والإثبات أُخرى. هذا وينمّ كثرة ورودها والبحث حولها عن مدى اهتمام
القرآن بهذا الأصل سواء في مجال النفي أو في مجال الإثبات. غير أنّ الاستنتاج
الصحيح من الآيات يحتاج إلى جمع الآيات على صعيد واحد ، حتى يفسّر بعضها بعضاً
ويكون البعض قرينة على الأُخرى.
ومن الواضح أنّ
الآيات المتعلّقة بالشفاعة على أصناف ، يرمي كلّ صنف إلى هدف خاص كالآتي :
١ ـ الصنف الأول : ما
ينفي الشفاعة
وهو آية واحدة ،
يقول سبحانه وتعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ
يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ
الظَّالِمُونَ) (البقرة / ٢٥٤) :
إلّا أنّ الآية اللاحقة لهذه الآية تصرّح بوجود الشفاعة عند الله سبحانه ، إلّا
أنّها مشروطة بإذنه : (مَنْ ذَا الَّذِي
يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (البقرة / ٢٥٥).
قال العلّامة
الطباطبائي : «إنّ لوازم المخالّة إعانة أحد الخليلين الآخر في مهام أُموره ، فإذا
كانت لغير وجه الله كان نتيجتها الإعانة على الشقوة الدائمة والعذاب الخالد كما
قال تعالى بشأن الظالمين يوم القيامة : (يا وَيْلَتى
لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ
بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) الفرقان / ٢٨ ـ ٢٩). أمّا الأخلّاء من المتقين فإن
خُلَّتهم تتأكد وتنفعهم يومئذٍ. وفي الخبر النبوي : إذا كان يوم القيامة انقطعت
الأرحام وقلّت الأنساب وذهبت الإخوة إلّا الأخوة في الله ، وذلك قوله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف / ٦٧) .
وعلى ذلك ، فكما
أنّ المنفيّ هو قسم خاص من المخالة دون مطلقها ، فهكذا الشفاعة ، فالمنفيّ بحكم
السياق ، قسم خاص من الشفاعة. أضف إلى ذلك أن الظاهر هو نفي الشفاعة في حق الكفار
بدليل ما ورد في ذيل الآية ، حيث قال : (وَالْكافِرُونَ هُمُ
الظَّالِمُونَ).
__________________
٢ ـ الصنف الثاني :
ما يفنّد عقيدة اليهود في الشفاعة
وهو الآيات التي
خاطبت اليهودَ الذين كانوا يعتقدون بأنّ أنبياءهم وأسلافهم يشفعون لهم وينجُّوهم
من العذاب سواء كانوا عاملين بشريعتهم أو عاصين ، وأنّ مجرد الانتماء والانتساب
يكفيهم في ذلك المجال. يقول تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ
اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى
الْعالَمِينَ* وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا
يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة / ٤٧ ـ ٤٨).
إنّ وحدة السياق
تقضي بأنّ الهدفَ من نفي قبول الشفاعة هو الشفاعة الخاطئة التي كانت تعتقدها
اليهود في تلك الفترة من دون أن يشترطوا في الشفيع والمشفوع له شرطاً أو أمراً.
ولا صلة لها بالشفاعة المحدودة المأذونة.
* * *
٣ ـ الصنف الثالث :
ينفي شمولَ الشفاعة للكفّار
وهو الآيات التي
يستشف منها نفي وجود الشفيع يوم القيامة للكفّار الذين انقطعت علاقتهم عن الله
لأجل الكفر به وبرسله وكتبه ، كما انقطعت علاقتهم الروحية عن الشفعاء الصالحين
لأجل انهماكهم في الفسق والأعمال السيّئة ، فانّه ما لم يكن بين الشفيع والمشفوع
له ،
ارتباطٌ روحي لا
يقدر أو لا يقوم الشفيع على إنقاذه وتطهيره وتزكيته. يقول تعالى : (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ
قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا
لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا
أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (الأعراف / ٥٣)
ويقول تعالى أيضاً : (إِذْ نُسَوِّيكُمْ
بِرَبِّ الْعالَمِينَ* وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ* فَما لَنا مِنْ
شافِعِينَ* وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (الشعراء / ٩٨ ـ ١٠١)
ويقول أيضاً : (وَكُنَّا نُكَذِّبُ
بِيَوْمِ الدِّينِ* حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ* فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ
الشَّافِعِينَ) (المدثر / ٤٦ ـ ٤٨).
* * *
٤ ـ الصنف الرابع :
ينفي صلاحية الأصنام للشفاعة
وهذا الصنف يرمي
إلى نفي صلاحية الأصنام للشفاعة ، وذلك لأنّ عرب الجاهلية كانت تعبد الأصنام
لاعتقادها بشفاعتها عند الله ، وهذه الآيات هي :
أ ـ (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ
الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ
وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (الأنعام / ٩٤).
ب ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا
يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ
أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ
سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (يونس / ١٨).
ج ـ (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ
شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) (الروم / ١٣).
د ـ (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ
شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ) (الزمر / ٤٣).
ه ـ (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ
يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا
يُنْقِذُونِ) (يس / ٢٣).
والحاصل أنّ القرآن مع أنّه فنّد العقائد الجاهلية وعقائد الوثنيين في باب الشفاعة
، وأبطل كون النظام السائد في الآخرة عين النظام السائد في الدنيا ، لم يُنكِر
الشفاعة بالمرّة ، بل أثبتها لأوليائها ، في إطار خاص وبمعايير خاصة. وعلى ذلك
فالآيات النافية نزلت بشأن تلك العقيدة السخيفة التي التزمت بها الوثنية وزعمت
بموجبها وحدة النظامين ، وأنّ تقديم القرابين والصدقات إلى الأصنام والخشوع
والبكاء لديهم ، يُصحِّح قيامهم بالشفاعة وأنّهم قادرون على ذلك بتفويض منه سبحانه
إليهم ، بحيث صاروا مستقلين في الفعل والترك.
والآيات المثبتة
تشير إلى الشفاعة الصحيحة التي ليست لها حقيقةٌ سوى جريان فيضه سبحانه ومغفرته من
طريق أوليائه إلى عباده بإذنه ومشيئته تحتَ شرائط خاصة.
* * *
٥ ـ الصنف الخامس :
يخص الشفاعة به سبحانه
وهذه الآيات تبيّن
أنّ الشفاعة مختصّة بالله سبحانه لا يشاركه فيها غيره ، والآيات الكريمة هي :
أ ـ (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ
أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأنعام / ٥١).
ب ـ (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ
لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ
تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) (الأنعام / ٧٠).
ج ـ (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ
وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ
ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (السجدة / ٤).
د ـ (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ
مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (الزمر / ٤٤).
وجدير بالذكر أنّ
الله سبحانه لا يشفع لأحد عند أحد ، فإنّه فوق كل شيء ، وذلّ كل شيء لديه ، وبذلك
يُصبح معنى قوله سبحانه : (لِلَّهِ الشَّفاعَةُ
جَمِيعاً) رفضاً لعقيدة المشركين التي أشار إليها سبحانه في آية
سابقة ، أعني : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ
دُونِ اللهِ شُفَعاءَ) (الزمر / ٤٣) ،
فيكون المراد أنّ كل شفاعة فانّها مملوكة لله فانّه المالك لكل شيء ومنه شفاعتهم ،
فلا يشفع أحد إلّا بإذنه.
فهنا شفاعتان :
إحداهما لله ، والأُخرى لعباده المأذونين. فما لله فمعناها : مالكيّته لكل شفاعة
مأذونة بالأصالة لا أنّه سبحانه يشفع لأحد لدى أحد. وأما ما لعباده المأذونين ،
فهي شفاعتهم لمن ارتضاه سبحانه : وسنوافيك توضيحه في الصنف السادس من الآيات.
٦ ـ الصنف السادس :
يثبت الشفاعة لغيره سبحانه بشروط
إنّ هذا الصنف من
الآيات يصرّح بوجود شفيع غير الله سبحانه وأن شفاعته تقبل عند الله تعالى في إطار
خاص وشرائط معيّنة في الشفيع والمشفوع له. وهذه الآيات وإن لم تتضمن أسماء الشفعاء
، أو أصناف المشفوع لهم ، إلّا أنّها تحدّد كلّاً منهما بحدود واردة في الآيات :
أ ـ (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ
إِلَّا بِإِذْنِهِ) (البقرة / ٢٥٥).
ب ـ (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ
إِذْنِهِ) (يونس / ٣).
ج ـ (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ
اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (مريم / ٨٧).
والضمير في قوله (لا يَمْلِكُونَ) يرجع إلى الآلهة التي كانت تعبد ، وأُشير إليه في قوله
سبحانه (وَاتَّخَذُوا مِنْ
دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا* كَلَّا سَيَكْفُرُونَ
بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) (مريم / ٨١ ـ ٨٢).
د ـ (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ
إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) (طه / ١٠٩).
ه ـ (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ
إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا
قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (سبأ / ٢٣).
و ـ (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ
دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (الزخرف / ٨٦).
والضمير المتّصل
في (يَدْعُونَ) يرجع إلى الآلهة الكاذبة
كالأصنام فهؤلاء
لا يملكون الشفاعة إلّا من شهد بالحق وهم يعلمون ، أي شهد بعبوديّة ربّه
ووحدانيّته كالملائكة والمسيح.
ويستفاد من هذه
الآيات الأُمور التالية :
١ ـ إنّ هذه
الآيات تصرّح بوجود شفعاء يوم القيامة يشفعون بشروط خاصة وإن لم تصرّح بأسمائهم
وسائر خصوصياتهم.
٢ ـ إنّ شفاعتهم
مشروطة بإذنه سبحانه ، حيث يقول : (إِلَّا بِإِذْنِهِ).
٣ ـ يشترط في
الشفيع أن يكون ممّن يشهد بالحق ، أي يشهد بالله سبحانه ووحدانيته وسائر صفاته.
٤ ـ أن لا يظهر
الشفيع كلاماً يبعث غضب الله سبحانه ، بل يقول قولاً مرضياً عنده ، ويدل عليه قوله
: (وَرَضِيَ لَهُ
قَوْلاً).
٥ ـ أن يعهد الله
سبحانه له بالشفاعة كما يشير إليه قوله : (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ
عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً). ثمّ إنّ هناك سؤالاً يطرح في هذا المقام ، وهو كيف يصح
الجمع بين هذا الصنف من الآيات التي تثبت الشفاعة لغيره سبحانه ، والصنف الخامس
الذي يخصّها بالله سبحانه؟ والجواب
: إنّ مقتضى التوحيد
في الأفعال ، وأنّه لا مؤثر في عالم الكون إلّا الله سبحانه ، ولا يوجد في الكون
مؤثر مستقل سواه ، وإنّ تأثير سائر العلل إنّما هو على وجه التبعية لإرادته سبحانه
ومشيئته ، والاعتراف بمثل العلل التابعة لا ينافي انحصار التأثير الاستقلالي في
الله سبحانه ، ومن ليس له إلمامٌ بالمعارف القرآنية يواجه حيرة كبيرة تجاه طائفتين
من الآيات ؛ إذ كيف يمكن أن تنحصر شئون وأفعال ، كالشفاعة
والمالكية
والرازقية ، وتوفّي الأرواح والعلم بالغيب والإشفاء بالله سبحانه ، كما عليه أكثر
الآيات القرآنية ، بينما تنسب هذه الأفعال في آيات أُخرى إلى غير الله من عباده.
فكيف ينسجم هذا الانحصار مع هذه النسبة؟ غير أن الملمّين بمعارف الكتاب العزيز
يدركون أنّ هذه الأُمور على وجه الاستقلال والأصالة قائمة بالله سبحانه ، مختصة به
، في حين أنّ هذه الأُمور تصدر من الغير على وجه التبعية وفي ظل القدرة الإلهية.
وقد اجتمعت
النسبتان في قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال / ١٧).
فهذه الآية عند ما تنسب الرمي بصراحة إلى النبي الأعظم ، تَسْلِبه عنه وتنسِبه إلى
الله سبحانه ، ذلك لأنّ انتساب الفعل إلى الله (الذي منه وجود العبد وقوّته وقدرته)
أقوى بكثير من انتسابه إلى العبد ، بحيث ينبغي أن يعتبر الفعلُ فعلاً لله ، ولكن
شدّة الانتساب لا تسلب المسئولية عن العبد.
وعلى ذلك فإذا
كانت الشفاعة عبارة عن سريان الفيض الإلهي (أعني : طهارة العباد عن الذنوب
وتخلّصهم عن شوائب المعاصي) على عباده ، فهي فعل مختصّ بالله سبحانه لا يقدر عليه
أحد إلّا بقدرته وإذنه. وبذلك تصح نسبتُه إلى الله سبحانه بالأصالة وإلى غيره
بالتبيعة ، ولا منافاة بين النسبتين ، كالملكية ، فالله سبحانه مالك الملك
والملكوت ، ملك السماوات والأرض بإيجاده وإبداعه ، ثمّ يملكه العبد منه بإذنه ولا
منافاة في ذلك ، لأنّ الملكية الثانية على مدى الملكية الأُولى. ونظيرها كتابة
أعمال العباد ، فالكاتب هو الله سبحانه ، حيث يقول : (وَاللهُ يَكْتُبُ
ما
يُبَيِّتُونَ) (النساء / ٨١) وفي
الوقت نفسه ينسبها إلى رسله وملائكته ، ويقول : (بَلى وَرُسُلُنا
لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف / ٨٠).
فإذا كانت الملائكة والأنبياء والأولياء مأذونين في الشفاعة ، فلا مانع من أن تنسب
إليهم الشفاعة ، كما تنسب إلى الله سبحانه ، غير أنّ أحدهما يملك هذا الحقّ
بالأصالة والآخر يملكها بالتبعية.
* * *
الصنف السابع :
يُسمّى من تقبل شفاعتُه
ويتضمّن هذا الصنف
أسماء وخصوصيات من تُقْبل شفاعته يوم القيامة. وهذه الآيات هي :
أ ـ (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً
سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ
بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ* يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا
يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (الأنبياء / ٢٦ ـ ٢٨).
وهذه الآيات تصرّح
بأنّ الملائكة التي اتّخذها المشركون أولاداً لله سبحانه ، معصومون من كل ذنب لا
يسبقون الله بالقول وهم بأمره يعملون ، ولا يشفعون إلّا لمن ارتضاه الله سبحانه ،
وهم مشفقون من خشيته.
ب ـ (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا
تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ
يَشاءُ وَيَرْضى) (النجم / ٢٦).
وهذه الآية كالآية
السابقة تفيد كون الملائكة ممّن ترضى
شفاعتهم بإذن الله
سبحانه في حقّ من يشاء الله ويرضاه.
ج ـ (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ
حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا) (غافر / ٧).
وهذه الآية تعد
حملة العرش ومن حوله ممّن يستغفرون للّذين آمنوا. والآية مطلقة ، تشمل ظروف الدنيا
والآخرة. وهل طلب المغفرة الّا الشفاعة في حقّ المؤمنين؟ هذه هي الأصناف السبعة من
الآيات الواردة في الشفاعة. فهي غير نافية على وجه الإطلاق ، ولا مثبتة كذلك ، بل
تثبتها تحت شروط خاصة وتصرّح بوجود شفعاء مأذونين ولا يذكر أسماءهم سوى الملائكة
وذلك للمصلحة الكامنة في هذا الإبهام ، ولأجل أن يتميّز المقبول من المرفوض نورد
خلاصة الآيات :
الشفاعات المرفوضة :
١ ـ الشفاعة التي
كانت تعتقدها اليهود الذين رفضوا كل قيد وشرط في جانب الشافع والمشفوع له ،
واعتقدوا أنّ الحياة الأُخروية كالحياة الدنيوية ، حيث يُمكن التخلّص من عذاب الله
سبحانه بالفداء.
وقد ردّ القرآن في كثير من الآيات وقال : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها
شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة / ٤٨) وقد
أوردنا هذا في الصنف الثاني من الأصناف السبعة المذكورة.
٢ ـ الشفاعة في
حقّ من قطعوا علاقاتهم الإيمانية مع الله سبحانه
فلم يؤمنوا به أو
بوحدانيته أو بقيامته ، أو أفسدوا في الأرض ، وظلموا عباده ، أو غير ذلك ممّا يوجب
قطع رابطة العبد مع الله سبحانه حتى صاروا أوضح مصداق لقوله سبحانه : (نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) (الحشر / ١٩) ،
وقوله سبحانه : (قالَ كَذلِكَ
أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) (طه / ١٢٦) ،
وقوله سبحانه : (فَالْيَوْمَ
نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) (الأعراف / ٥) إلى
غير ذلك من الآيات الواردة في حق المشركين والكافرين والظالمين والمفسدين ؛ وهؤلاء
كما قطعوا علاقتهم الإيمانية مع الله سبحانه كذلك قطعوا صلاتهم المعنوية مع الشافع
، فلم تبق بينهم وبين الشافعين آية مشابهة تصحح شفاعتهم له.
وقد ورد في الصنف
الثالث من الأصناف السبعة المذكورة ما يوضح هذا الأمر.
٣ ـ الأصنام التي
كانت العرب تعبدها كذباً وزوراً ، وقد نفى القرآن أن تكون هذه الأصنام قادرة على
الدفاع عن نفسها فضلاً عن الشفاعة في حقّ عبادها. (لمزيد من التوضيح راجع الصنف
الرابع من الأصناف المذكورة).
هذه هي الشفاعات
المرفوضة في القرآن
الكريم.
الشفاعات المقبولة
أما الشفاعات
المقبولة فهي :
١ ـ الشفاعة التي
هي من حقّ الله سبحانه ، وليس للمخلوق أن
ينازعه في هذا
الحق أو يشاركه فيه (لاحظ الصنف الخامس من الأصناف السبعة).
٢ ـ شفاعة فئة
خاصة من عباد الله سبحانه ، الذين تقبل شفاعتهم عند الله بشروط خاصة ذكرت في
الآيات الواردة في الصنف السادس وإن لم تُذكَر أسماؤهم وخصوصياتهم.
٣ ـ شفاعة
الملائكة وحملة العرش ومن حوله ، حيث يستغفرون للّذين آمنوا ، فهؤلاء يقبل
استغفارهم الذي هو قسم من الشفاعة ، والفرق بين هذا وما تقدّم ، هو أنّه قد ذكرت
أسماء الشفعاء وخصوصياتهم في هذه الآيات دون ما تقدمها.
وبالوقوف على هذه
الأصناف السبعة بإمكاننا تمييز الشفاعة المرفوضة عن المقبولة كما نصّ عليها القرآن الكريم.
٣
حقيقة الشفاعة
إنّ الشفاعة في
القرآن الكريم على معان أو أقسام ثلاثة :
أ ـ الشفاعة
التكوينية.
ب ـ الشفاعة
القيادية.
ج ـ الشفاعة
المصطلحة.
أ ـ الشفاعة
التكوينية
اتّفق الواعون من
المسلمين على أنّه لا مؤثر مستقل في الوجود غيره سبحانه ، وأنّ غيره مفتقر في
الوجود والتأثير إليه سبحانه ، ولأجل ذلك صار شعار القرآن في حق الإنسان وفي حق غيره قوله : (يا أَيُّهَا
النَّاسُ
أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ* إِنْ
يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (فاطر / ١٥ ـ ١٧)
وقوله سبحانه : (وَاللهُ الْغَنِيُّ
وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (محمد / ٣٨) وقال
سبحانه على لسان نبيّه الكريم : (رَبِّ إِنِّي لِما
أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص / ٢٤).
فبما أنّ عالم
الكون عالم إمكاني لا يملك من لدن ذاته وجوداً ولا كمالاً ، بل كلّ ما يملك من
وجود وكمال فقد أُفيض إليه من جانبه سبحانه فهو بحكم الإمكان موجود مفتقر في عامة
شئونه وتأثيره وعلّيته.
ونظراً لتوقف
تأثير كل ظاهرة كونيّة على إذنه سبحانه كما جاء في قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ
رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (يونس / ٣) فانّ
الآية بعد ما تصف اللهَ سبحانه بأنّه خالق السماوات والأرض في ستة أيام وأنّه
استوى بعد ذلك على العرش ، وأنّه يدبر أمر الخلق ، تُعلِن بأنّ كل ما في الكون من
العلل الطبيعية والظواهر المادية يؤثر بعضه في البعض بإذنه سبحانه ، وأنّه ليست
هناك علّة مستقلة في التأثير ، بل كل ما في الكون من العلل ، ذاته وتأثيره ،
قائمان به سبحانه وبإذنه ، فالمراد من الشفيع في الآية هو الأسباب والعلل المادية
وغيرها ، الواقعة في طريق وجود الأشياء وتحقّقها وإنّما سمِّيت العلة شفيعاً ،
لأنّ تأثيرها يتوقف على إذنه سبحانه ، فهي (مشفوعةً إلى إذنه سبحانه) تؤثر وتعطي
ما تعطي.
وعلى ذلك تخرج
الآية عن الدلالة على الشفاعة المصطلحة بين المفسّرين وعلماء الكلام ، وإنّما
اخترنا هذا المعنى لوجود قرائن في نفس الآية ، فانّها تبحث في صدرها عن خلق
السماوات والأرض وتحديد مدّة الخلق والإيجاد بستة أيام ، ثمّ ترجع الآية ، وتنص
على سعة قدرته على جميع ما خلق وإحاطته بهم ، وانّه بعد ما خلق السماوات والأرض ،
استوى على عرش القدرة وأخذ يدبّر العالم. وعند ذلك يتساءل القارئ : إذا كان هو
المدبر والمؤثر فما حال سائر المدبرات والمؤثرات التي يلمسها البشر في حياته؟
فللإجابة على هذا السؤال قال سبحانه : (ما مِنْ شَفِيعٍ
إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) مصرِّحاً بأنّ كل تأثير وتدبير في سبب من الأسباب إنّما هو
بإذنه ومشيئته ولو لا إذنه ومشيئته لما قام السبب بالسببية ، ولا العلة بالعلية ،
وهذه القرائن توجب حمل هذه الجملة على ما يجري في عالم الكون والوجود من التأثير
والعلية ، وتفسيرها بالشفاعة التكوينية ، وأنّ كل ظاهرة مؤثرة كالشمس والقمر
والنار والماء لا تؤثر إلّا بالاستمداد من قدرته سبحانه والاعتماد على إذنه
ومشيئته حتى يتم بذلك التوحيد في الخالقية والتدبير.
* * *
ب
ـ الشفاعة القيادية
وهو قيام قيادة
الأنبياء والأولياء والأئمة والعلماء والكتب السماوية مقام الشفيع والشفاعة في
تخليص البشر من عواقب أعمالهم
وآثار سيئاتهم.
والفرق بين الشفاعة المصطلحة والشفاعة القيادية هو أنّ الشفاعة المصطَلحة توجب رفع
العذاب عن العبد بعد استحقاقه له ، والشفاعة القيادية توجب أن لا يقع العبد في
عداد العصاة حتى يستحق. والظاهر أنّ إطلاق الشفاعة على هذا القسم ليس إطلاقاً
مجازياً ، بل إطلاق حقيقي. وقد شهد بذلك القرآن والأخبار ، قال سبحانه : (وَأَنْذِرْ بِهِ
الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ
وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأنعام / ٥١).
والضمير المجرور في (بِهِ) يرجع إلى القرآن .
ولا شك أنّ ظرف
شفاعة هذه الأُمور إنّما هو الحياةُ الدنيويةُ ، فانّ تعاليم الأنبياء وقيادتهم الحُكمية
وهداية القرآن وغيره ، إنّما تتحقّق في هذه الحياة الدنيوية ، وإن كانت
نتائجها تظهر في الحياة الأُخروية ، فمن عمل بالقرآن وجعله أمامه في هذه الحياة ،
قاده إلى الجنّة في الحياة الأُخروية. ولأجل ذلك نرى أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم يأمر الأُمة بالتمسك بالقرآن ويصفه بالشفاعة ويقول : «فإذا التَبَست عليكم الفتنُ كقطع
الليل المظلم فعليكُم بالقرآن فإنّه شافعٌ مشفَّع وماحِل مصدَّق ، ومن جَعَلَه أمامَه
قاده إلى الجنّة ، ومن جعله خلفَه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدل على خير سبيل ،
وهو كتاب فيه تفصيل وبرهان» .
فإنّ قوله : «ومن
جعله أمامه» ، تفسير لقوله : «فإنّه شافع مشفَّع».
والحاصل : أنّ
الشفاعة القيادية شفاعة بالمعنى اللغوي ، فإنّ المكلّفين
__________________
بضم هداية القرآن وتوجيهات الأنبياء
والأئمة إلى إرادتهم وطلباتهم ، يفوزون بالسعادة ويصلون إلى أرقى المقامات في
الحياة الأُخروية ويتخلّصون عن تبعات المعاصي ولوازمها.
فالمكلّف وحده لا
يصل إلى هذه المقامات ، ولا يتخلّص من تبعات المعاصي ، كما أنّ خطاب القرآن والأنبياء وحده ـ من دون أن يكون هناك من يسمع قولهم
ويلبّي نداءهم ـ لا يؤثر ما لم ينضم إليه عمل المكلّف إلى هدايتهم ، وهدايتهم إلى
عمل المكلّف فعندئذٍ تتحقّق هذه الغاية.
* * *
ج ـ الشفاعة المصطلحة
وحقيقة هذه
الشفاعة لا تعني إلّا أن تصل رحمتهُ سبحانه ومغفرته وفيضه إلى عباده عن طريق
أوليائه وصفوةَ عباده ، وليس هذا بأمرٍ غريب. فكما أنّ الهداية الإلهية التي هي من
فيوضه سبحانه ، تصل إلى عباده في هذه الدنيا عن طريق أنبيائه وكتبه ، فهكذا تصل
مغفرته سبحانه وتعالى إلى المذنبين والعصاة يوم القيامة من عباده عن ذلك الطريق.
ولا يبعد في أن يصل
غفرانه سبحانه إلى عباده يوم القيامة عن طريق خِيرة عباده ، فإنّ الله سبحانه قد
جعل دعاءهم في الحياة الدنيوية سبباً ، ونصّ بذلك في بعض آياته. فنرى أنّ أبناء
يعقوب لمّا عادوا
خاضعين ، رجعوا
إلى أبيهم ، وقالوا له : (يا أَبانَا
اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) (يوسف / ٩٧)
فأجابهم يعقوب بقوله : (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ
لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يوسف / ٩٨).
ولم يقتصر الأمر
على يعقوب فحسب ، بل كان النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ممّن يستجاب دعاؤه أيضاً في حق العصاة ، قال سبحانه : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ
لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (النساء / ٦٤).
وهذه الآيات ونظائرها ممّا لم نذكرها مثل قوله : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (التوبة / ١٠٣)
تدل على أنّ مغفرته سبحانه قد تصل إلى عباده بتوسيط واسطة كالأنبياء ، وقد تصل بلا
توسيط واسطة ، كما يفصح عنه سبحانه بقوله : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) (التحريم / ٨)
وقوله : (وَاسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (هود / ٩٠). إلى
غير ذلك من الآيات التي تكشف عن أنّ توبة العبد تجلب المغفرة بلا واسطة أحد وقد
تصل بتوسيط واسطة هي من أعز عباده وأفضل خليقته وبريته.
وتتضح هذه الحقيقة
إذا وقفنا على أنّ الدعاء بقول مطلق ـ وبخاصة دعاء الصالحين ـ من المؤثرات الواقعة
في سلسلة نظام العلة والمعلول ، ولا تنحصر العلة في العلل الواقعة في إطار الحس
فإنّ في الكون مؤثرات خارجة عن إحساسنا وحواسنا ، بل قد تكون بعيدة حتى عن تفكيرنا
، يقول سبحانه : (وَالنَّازِعاتِ
غَرْقاً* وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً* وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً* فَالسَّابِقاتِ
سَبْقاً* فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (النازعات / ١ ـ ٥).
فما المراد من هذه
(فَالْمُدَبِّراتِ
أَمْراً) أهي مختصة
بالمدبرات الطبيعية المادية ، أو المراد هو الأعم منها؟ فقد روي عن علي عليهالسلام تفسيرها بالملائكة الأقوياء ، الذين عهد الله إليهم تدبير
الكون والحياة بإذنه سبحانه ، فكما أنّ هذه المدبرات يجب الإيمان بها وإن لم تعلم
كيفية تدبيرها وحقيقة تأثيرها ، فكذلك الدعاء يجب الإيمان بتأثيره في جلب المغفرة
، ودفع العذاب وإن لم تعلم كيفية تأثيره.
٤
مبرّرات الشفاعة
هناك مبررات لجعل
الشفاعة من أسباب المغفرة ورفع العذاب ، نورد بعضها على سبيل المثال :
أ ـ ابتلاء الناس
بالذنب والتقصير
ربما يقال : إذا
كان المنقذ الوحيد للإنسان يوم القيامة هو عمله الصالح كما صُرّح به في الآيات
فلما ذا جعلت الشفاعة وسيلة للمغفرة وسبباً لرفع العذاب ، أوَليس الله بقائل : (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً
فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) (الكهف / ٨٨) ، (فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) (القصص / ٦٧) ، (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ
آمَنَ وَعَمِلَ
صالِحاً) (القصص / ٨٠) وعلى
ذلك فلما ذا أُدْخِلت الشفاعة في سلسلة العلل لجلب المغفرة؟ الإجابة على هذا
السؤال واضحة فالفوز بالسعادة وإن كان يعتمد على العمل أشدّ الاعتماد ، غير أن
صريح الآيات الأُخر هو أنّ العمل بنفسه ما لم تنضم إليه رحمته الواسعة لا يُنقِذ
الإنسان من تبعات تقصيره ، قال سبحانه : (وَلَوْ يُؤاخِذُ
اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ
يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (النحل / ٦١) ، (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما
كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) (فاطر / ٤٥).
ب ـ سعة رحمته لكل
شيء
إنّ التدبّر في
الآيات القرآنية يعطي أنّ رحمة الله سبحانه واسعة تسع كلّ الناس ، إلّا من بلغ
حداً لا يقبل التطهّر ولا الغفران. قال سبحانه حاكياً عن حملة العرش : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ
حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ
لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) (غافر / ٧) نرى
أنّ حملة العرش يدللون طلب غفرانه سبحانه للتائبين والتابعين لسبيله ، بكون رحمته
واسعة وسعت كل شيء.
كما نرى أنّه
سبحانه يأمر نبيّه أن يواجه الناس كلّهم ـ حتى المكذّبين لرسالته ـ بقوله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو
رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) (الأنعام / ١٤٧)
ونرى في آية ثالثة يعد الذين يجتنبون الكبائر بالرحمة
والمغفرة ويقول : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ
الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ
هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) (النجم / ٣٢) وهذه
الآيات توضح مضامين الأدعية الإسلامية من قوله عليهالسلام : «يا من سبقت رحمتُه غضبَه».
كيف لا! ونحن نرى
أنّ الله سبحانه يعد القانط من رحمة الله والآيس من روحه كافراً وضالاًّ ، ويقول :
(وَلا تَيْأَسُوا مِنْ
رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْكافِرُونَ) (يوسف / ٨٧) ، ويقول
تعالى أيضاً : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ
رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (الحجر / ٥٦) ،
ويقول سبحانه : (قُلْ يا عِبادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ
اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر / ٥٣).
فإذا عرَّفنا القرآن أنّ الله سبحانه ذو رحمة واسعة تفيض على كل شيء ، فعند ذلك
لا مانع من أن تفيض رحمته وغفرانه عن طريق أنبيائه ورسله وأوليائه ، فيقبل أدعيتهم
في حقّ عباده بدافع أنّه سبحانه ذو رحمة واسعة ، كما لا مانع أن يعتقد العصاة في
شرائط خاصة بغفرانه سبحانه من طرق كثيرة لأجل أنّه عدّ القانط ضالاًّ والآيس
كافراً.
وإجمالاً : فكما
يجب على المربّي الديني أن يذكّر عباد الله بعقوبته وعذابه وما أعدّ للعصاة
والكفّار من سلاسل ونيران ، يجب عليه أيضاً أن يذكّرهم برحمته الواسعة ومغفرته
العامة التي تشمل كل شيء ، إلّا من بلغ من الخبث والرداءة درجة لا يقبل معها
التطهير كما قال سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (النساء / ٤٨).
ج ـ الأصل هو السلامة
دلّت التجارب
والبراهين العقلية على أنّ الأصل الأوّلي في الخليقة هو السلامة ، وأنّ المرض
والانحراف أمران يعرضان على المزاج ، ويزولان بالمداواة والمعالجة ، وليس هذا
الأصل مختصاً بالسلامة من حيث العيوب الجسمانية ، بل الأصل هو الطهارة من الأقذار
والأدران المعنوية ، فقد خلق الإنسان على الفطرة النقيّة السليمة من الشرك
والعصيان التي أشار إليها القرآن بقوله : (فِطْرَتَ اللهِ
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) (الروم / ٣٠) ،
وقال النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كُل مولود يولد على الفطرة ثمّ أبواه يهوّدانه أو
ينصّرانه أو يمجّسانه» .
وعلى ذلك فلا غرو
في أن تزول آثار العصيان عن الإنسان بالعلاج والمداواة الخاصة في مواقف شتى حتى
تظهر الخليقة الأُولى التي فُطِر عليها. فقد جعل الله سبحانه المواقف التي يمرّ
بها الإنسان بعد موته في البرزخ ويوم القيامة ، وسائل لتطهير الإنسان وتصفيته من
آثار الذنوب وتبعاتها. ولا غرو في أن يكون الشفعاء المرضيون عند الله ، أطباء
يعالجون أُولئك المرضى ، بتصرفاتهم ونفوسهم القويّة حتى يزيلوا عنهم غبار المعصية
، ودرن الذنب حتى تعود الجوهرة الإنسانية نقيّةً صافيةً ناصعةً ، فيستحقّ الإنسان
نعيمَ الآخرة ودخول الجنة إلّا من بلغ حداً لا يقبل العلاج والتداوي ، لأجل أنّ
ذاته قد انقلبت إلى ما يضاد
__________________
الجوهرة الإنسانية
النقية التي لا تقبل أيّةَ مداواة أو علاج ، كما لو اتّخذ لربّه شريكاً فاستحق
الخلودَ في النار.
فليس التوقف في
البرزخ ولا في المراحل المتنوعة في يوم القيامة ولا الدخول في النار مدةً محدودة
ولا شفاعة الأنبياء والأولياء في حقّهم ، إلّا تصرّفاً تكوينياً في حقّهم حتى تعود
الجوهرة الأوليّة إلى حالتها الطبيعية الأُولى وتصفو من كل شائبةٍ
تعلَّقت بها نتيجة
العصيان والتمرّد.
د ـ الآثار البنّاءة
والتربويّة للشفاعة
إنّ تشريع الشفاعة
، والاعتراف بها في النظام الإسلامي إنّما هو لأجل غايات تربويةٍ تترتب على ذلك
التشريع والاعتقاد به ، ذلك لأنّ الاعتقاد بالشفاعة المقيّدة بشروط معقولة ، من
شأنه بعث الأمل في نفوس العصاة وأفئدة المذنبين ، يدفعهم إلى العودة عن سلوكهم
الإجراميّ ، وإعادة النظر في منهج حياتهم.
ولكن هناك من
يعترض ويقول : إنّ الشفاعة توجب الجرأة وتحيي روح التمرّد في العصاة والمجرمين.
إلّا أنّ الواقع يفصح أنّ الشفاعة سبب في إصلاح سلوك المجرم ووسيلة لتخلّيه عمّا
يرتكبه من آثام وما يقترفه من ذنوب.
وتظهر حقيقة الحال
إذا لاحظنا مسألة التوبة ، وهي التي اتفقت عليها الأُمة ونصّ عليها الكتاب المجيد
والحديث الشريف ، فإنّه لو كان
باب التوبة
مُوصداً ، في وجه العصاة والمذنبين ، واعتقد المجرم بأنّ عصيانه مرّة واحدة أو
مرّات سيخلده في عذاب الله ، ولا مناص له منه ، فلا شك أنّ هذا الاعتقاد يوجب
التمادي في اقتراف السيّئات وارتكاب الذنوب ، لأنّه يعتقد بأنّه لو غيّر وضعه
وسلوكه في مستقبل أمره لا يقع ذلك مؤثراً في مصيره وخلوده في عذاب الله. فلا وجه
لأن يترك المعاصي ويغادر اللذة المحرّمة ، ويتحمّل عناء العبادة والطاعة ، بل
يستمر في وضعه السابق حتى يوافيه الأجل.
وهذا بخلاف ما إذا
وجد الطريق مفتوحاً ، والنوافذ مشرعة واعتقد بأنّه سبحانه سيقبل توبته إذا كانت
نصوحاً ، وأنّ رجوعه هذا سيغيّر مصيره في الآخرة ، ويُنقِذه من تبعات أعماله ،
وأليم العذاب ، فعند ذاك سيترك العصيان ويرجع إلى الطاعة ويستغفر لذنوبه ويطلب
الإغضاء عن سيئاته.
فهذا الاعتقاد له
الأثر البنّاء في تهذيب الناس والشباب خاصة ، وكم من شباب اقترفوا السيئات وأمضوا
الليالي في اللذة المحرّمة ، ثمّ عادوا إلى خلاف ما كانوا عليه في ظل التَّوبة
والاعتقاد بأنّها تجدي المذنبين ، وبأنّ أبواب الرحمة والفلاح مفتوحةٌ لم تغلق بعد
، فعادوا يسهرون الليالي في العبادة ، ويحيونها بالطاعة.
وليس هذا إلّا أثر
ذلك الاعتقاد ، وذاك التشريع. ومثل ذاك ، الاعتقاد بالشفاعة المحدودة ، فإنّه إذا
اعتقد العاصي بأنّ أولياء الله سبحانه قد يشفعون في حقه في شرائط خاصة إذا لم يهتك
الستر ، ولم
يبلغ حداً لا تنفع
معه شفاعة الشافعين ، فعند ذاك سوف يعيدُ النظر في سيرته الشخصيّة ، ويحاول تطبيق
سلوكه على شرائط الشفاعة حتى يستحقّها ، ولا يحرمها.
نعم ، إنّ الاعتقاد
بالشفاعة المطلقة ، المحرّرة من كلّ قيد ، من جانب الشفيع والمشفوع له ، هو الذي
يوجب التجرّي والتمادي في العصيان. وهذه الشفاعة مرفوضة في منطق العقل والقرآن ، وكأنّ المعترض قد خلط بين الشفاعة المحدودة والشفاعة
المطلقة من كل قيد ، ولم يُميز بينهما وبين آثارهما.
فالشفاعة الموجبة
للتجرّي ومواصلة العناد والتمرّد ، هي الاعتقاد بأنّ الأنبياء والأولياء سيشفعون
في حقّه يوم القيامة على كلّ حال وفي جميع الشرائط وإن فعل ما فعل ، وارتكب ما
ارتكب. وعند ذلك سيستمر في عمله الإجرامي إلى آخر حياته رجاءَ تلك الشفاعة التي لا
تخضع لضابط ولا قانون ، ولا تقيّد بقيد ولا شرط.
وأمّا الشفاعة
التي نطق بها الكتاب وأقرّت بها الأحاديث واعترف بها العقل فهي الشفاعة المحدودة
بشرائط في المشفوع له والشافع.
ومجمل تلك الشرائط
هو أن لا يقطع جميع علاقات العبودية مع الله ، ولا يفصم وشائجه الروحية مع
الشافعين ، ولا يصل تمرّده إلى حدّ القطيعة ونسف الجسور. فالاعتقاد بهذا النوع من
الشفاعة مثل الاعتقاد بتأثير التوبة في الغفران ماهية وأثراً.
ه ـ الأمر بيده
سبحانه أوّلاً وآخراً
ما ذكرناه من
الوجوه هي مبررات الشفاعة والجهات التعليلية لجعلها في صميم العقائد الإسلامية ،
ومع ذلك كلّه فالأمر إليه سبحانه فهو إن شاء أذن في الشفاعة وإن لم يشأ لم يأذن ،
وهو القائل سبحانه : (ما يَفْتَحِ اللهُ
لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ
مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر / ٢).
وصفوة القول : إنّ
الشفيع إنّما يشفع بإذنه ، وفي إطار مشيئَته ، وتحت الشروط التي يرتضيها ، إذ هو
الذي يبعثُ الشفيعَ على أن يشفع في حقّ المشفوع له. وعند ذلك فلا تستلزم شفاعة
الشافعين خروج الأمر عن يده ، وتحديد سلطته (تعالى) وملكه.
٥
أثر الشفاعة
(هل هو إسقاط العقاب أو زيادة الثواب؟)
هل إنّ نتيجة
الشفاعة هو حطّ ذنوب المذنبين وإسقاط العقاب والمضار عنهم والعفو عن العصاة ، أم
هي زيادة الثواب ورفع الدرجات للمطيعين؟ لقد ذهب جمهور المسلمين إلى الأوّل ،
والمعتزلة إلى الثاني.
إنّ فكرة الشفاعة
كانت عند اليهود والوثنيين قبل الإسلام ، إلّا أنّ الإسلام طرحها مهذّبةً من ما
علق بها من الخرافات.
وغير خفي على من
وقف على آراء اليهود والوثنيين في أمر الشفاعة ، أنّ الشفاعة الدارجة بينهم ـ خصوصاً
اليهود ـ كانت مبنيّة على
رجائهم لشفاعة
أنبيائهم وآبائهم في حطّ ذنوبهم وغفران آثامهم ، ولأجل هذا الاعتقاد كانوا يقترفون
المعاصي ، ويرتكبون الذنوب تعويلاً على ذلك الرجاء.
وفي هذا الموقف
يقول سبحانه ردّاً على تلك العقيدة الباعثة على الجرأة : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ
إِلَّا بِإِذْنِهِ) (البقرة / ٢٥٥).
ويقول أيضاً رفضاً لتلك الشفاعة المحرّرة من كل قيدٍ : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (الأنبياء / ٢٨).
وحاصل الآيتين أنّ أصل الشفاعة التي يدّعيها اليهود ويلوذ بها الوثنيّون حقّ ثابتٌ
في الشريعة السماوية ، غير أنّ لها شروطاً أهمّها إذنه سبحانه للشافع ورضاؤُه
للمشفوع له.
ولعلّ أوضح دليل
على عمومية الشفاعة في الإسلام ما اتّفق على نقله المحدِّثون من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ادّخرتُ شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي» .
فكان دافع
المعتزلة بتخصيص آيات الشفاعة بأهل الطاعة دون العصاة هو الموقف الذي اتخذوه في
حقّ العصاة ومقترفي الذنوب في أبحاثهم الكلامية. فإنّهم قالوا بخلود أهل العصيان
في النار.
ومن الواضح أنّ من
يتخذ مثل هذا الموقف لا يصح له أن يعمّم آيات الشفاعة إلى العصاة ، وذلك لأنّ
التخليد في النار لا يجتمع مع التخلص عنها بالشفاعة.
قال الشيخ المفيد
: اتّفقت الإمامية على أنّ الوعيد بالخلود في
__________________
النار موجهة إلى
الكفّار خاصّة ، دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى ، والإقرار بفرائضه
من أهل الصلاة. وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك ، وزعموا أنّ الوعيد بالخلود في
النار عام في الكفّار وجميع فسّاق أهل الصلاة.
واتّفقت الإمامية
على أنّ من عُذِّب بذنبه من أهل الإقرار والمعرفة والصلاة لم يخلد في العذاب
وأُخرج من النار إلى الجنة ، فينعم فيها على الدوام ووافقهم على ذلك من عددناهم ،
وأجمعت المعتزلةُ على خلاف ذلك وزعموا أنّه لا يخرج من النار أحدٌ دخلها للعذاب .
نعم ، نسب العلامة
الحلي في «كشف المراد» تلك العقيدة إلى بعض المعتزلة لا إلى جميعهم ، وكذلك نظامُ الدين القوشجي في «شرحه على التجريد» .
وقد خالفهم أئمة
المسلمين وعلماؤهم في هذا الموقف وقالوا بجواز العفو عن العصاة عقلاً وسمعاً.
أمّا العقل فلأنّ
العقاب حق لله تعالى فيجوز تركه.
وأما السمع ،
فللآيات الدالة على العفو في ما دون الشرك ، قال سبحانه : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ
بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (النساء / ٤٨).
__________________
والآية واردة في
حق غير التائب ، لأنّ الشرك مغفور بالتوبة أيضاً ، وقال سبحانه : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ
لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) (الرعد / ٦) أي
تشملهم المغفرة مع كونهم ظالمين.
وقال سبحانه : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (الزمر / ٥٣) ،
إلى غير ذلك من النصوص المتضافرة على العفو في حق العصاة. ومع ذلك لا مانع من شمول
أدلّة الشفاعة لهم.
وأوضح دليل على
العفو بدون التوبة قوله سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي
يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) (الشورى / ٢٥)
فإنّ عطف قوله : (وَيَعْفُوا عَنِ
السَّيِّئاتِ) على قوله : (يَقْبَلُ التَّوْبَةَ) ب «واو
العطف» ، يدل على
التغاير بين الجملتين ، وإنّ هذا العفو لا يرتبط بالتوبة وإلّا كان اللازم عطفُه
بالفاء.
وقال سبحانه : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما
كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى / ٣٠).
فإنّ الآية واردةٌ في غير حق التائب ، وإلّا فإنّ الله سبحانه يغفر ذنوب التائب
جميعها لا كثيرها مع أنّه سبحانه يقول : (وَيَعْفُوا عَنْ
كَثِيرٍ).
فتلخّص من ذلك
أنّه لا مانع من القول بجواز العفو في حق العصاة كما لا مانع من شمول آيات الشفاعة
لهم.
نعم ، يجب إلفات
النظر إلى نكتة وهي أنّ بعض الذنوب الكبيرة ربما تقطع العلائق الإيمانية بالله
سبحانه ، كما تقطع الأواصر الروحية مع
النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم فصاحب هذه المعصية لا تشمله الشفاعة ، فيجب عليه دخول
النار حتى يتطهّر بالعذاب وتصفو روحه من آثار العصيان ، ويليق لشفاعة الشافعين.
٦
طلب الشفاعة من
المأذونين بالشفاعة
قد تجلّتِ الحقيقة
بأجلى مظاهرها وتبيّن أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ولفيفاً من الأولياء والصالحين يشفعون عند الله في ظروف
خاصة وأنّهم مأذونون من جانبه سبحانه يوم القيامة.
كما أن تبيّن أنّ
المفهوم الواضح لدى العامّة من الشفاعة ، هو دعاء الرسول وطلبه من الله غفرانَ
ذنوب عباده ، إذا كانوا أهلاً لها. إذن يرجع طلب الشفاعة من الشفيع إلى طلب الدعاء
منه لتلك الغاية ، وهل ترى في طلب الدعاء من الأخ المؤمن إشكالاً؟! فضلاً عن النبي
الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، الذي يُستجاب دعاؤه ولا يُردّ بنص الذكر الحكيم .
__________________
فعند ما كان النبي
الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم حيّاً في دار هجرته ، كان طلبُ أصحابِه الدعاءَ منه ،
راجعاً إلى طلب الشفاعة منه والاختلاف في الاسم لا في الواقع والحقيقة.
وبعد انتقاله من
الدنيا إلى عالم البرزخ ، يرجع طلب الشفاعة منه أيضاً إلى طلب الدعاء منه لا غير.
فلو أنّ أعرابياً
جاء إلى مسجده فطلب منه أن يستغفر له ، فقد طلب منه الشفاعة عند الله. ولو جاء ذاك
الرجل بعد رحيله ، وقال له : يا أيها النبي ، استغفر لي عند الله. أو قال : اشفع
لي عند الله فالجميع بمعنى واحدٍ لبّاً وحقيقةً ، وإنّما يختلفان صورةً وظاهراً.
فالإذعان بصحة أحدِهما ، والشك في صحة الآخر كالتفكيك بين المتلازمين.
نعم ، هناك سؤالٌ
يطرح نفسَه وهو أنّه إذا كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حيّاً يُرزَق في هذه الدنيا ويسمع كلام السائل ، فلا فرق
بين طلب الدعاء وطلب الشفاعة.
وأمّا بعد رحيله
وانتقاله إلى رحمة الله الواسعة ، فلا يسمع كلام السائل ، بأيّ صفة خاطبَه وكلَّمه
سواء أقال : استغفر لي ، أم قال : اشفع لي.
والإجابة واضحة ،
لأنّ الكلام مركَّزٌ في تبيين معنى طلب الشفاعة منه حيّاً وميّتاً وأنّ حقيقته
أمرٌ واحدٌ بجميع صوره ، وأمّا أنّه يسمع أو لا يسمع ، أو أنّ الدعوة تنفع أو لا
تنفع ، فهو أمرٌ نرجع إليه بعد الفراغ من صميم البحث. ولإيضاح الأمر نورد بعض
النصوص من المفسّرين في
تفسير الشفاعة :
قال الإمام الرازي
في تفسير قوله سبحانه : (الَّذِينَ
يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ
شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ
وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) (غافر / ٧) إنّ
الآية تدل على حصول الشفاعة للمذنبين ، والاستغفار طلب المغفرة ، والمغفرة لا
تُذْكر إلّا في إسقاط العقاب ، أمّا طلب النفع الزائد فإنّه لا يسمّى استغفاراً.
وقوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا) يدل على أنّهم يستغفرون لكل أهل الإيمان ، فإذا دللنا على
أنّ صاحب الكبيرة مؤمن ، وجب دخوله تحت هذه الشفاعة .
نرى أنّ الإمام
الرازي جعل قول الملائكة في حق المؤمنين والتائبين ، من أقسام الشفاعة ، وفسّر
قوله : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ
تابُوا) بالشفاعة. وهذا دليل واضح على أنّ الدعاء في حق المؤمن ،
شفاعة في حقّه ، وطلبه منه طلبُ الشفاعة.
ونقل نظام الدين
النيسابوري ، في تفسير قوله تعالى : (مَنْ يَشْفَعْ
شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها) (النساء / ٨٥) عن
مقاتل : «إنّ الشفاعة إلى الله إنّما هي دعوة الله لمسلمٍ ، لما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له ، وقال الملك
ولك مثل ذلك» .
__________________
والذي يوضح أنّ
شفاعة النبي عبارة عن دعائه في حقّ المشفوع له ، ما رواه مسلم في «صحيحه» عن النبي الأكرم أنّه قال : «ما من ميّت يُصلّي عليه أُمة
من المسلمين يبلغون مائة كلّهم يشفعون له إلّا شُفِّعوا فيه» .
وفسّر الشارح قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يشفعون له» بقوله : أي يدعون له ، كما فسّر قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إلّا شُفِّعوا فيه» بقوله : أي قبلت شفاعتهم.
وروي أيضاً عن عبد
الله بن عباس أنّه قال : سمعت رسول الله يقول : «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على
جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلّا شفّعهم الله فيه» أي قبلت شفاعتهم في حق ذلك الميت فيغفر له.
فإذا كان مرجع
الاستشفاع من الصالحين إلى طلب الدعاء ، فكل من يطلب من النبي الشفاعة لا يقصد منه
إلّا المعنى الشائع .
إلى هنا تبيّن أنّ
طلب الشفاعة يرجع إلى طلب الدعاء ، وهو أمر مطلوب في الشرع من غير فرق بين طلبه من
الشفيع في حال حياته أو مماته ، فهو لا يخرج عن حد طلب الدعاء ، وأمّا كونه ناجعاً
أو لا؟ فهو أمر آخر نرجع إليه كما مرّ.
والذي يحقّق هذا
الأمر هو صدور مثله من السلف الصالح في
__________________
الأعصار المتقدمة
وإليك نزراً منه :
السلف
وطلب الشفاعة من النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم
١ ـ الأحاديث
الإسلامية وسيرة المسلمين تكشفان عن جواز هذا الطلب ، ووجوده في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد روى الترمذي في «صحيحه» عن أنس قوله : سألت النبي أن يشفع لي يوم القيامة ، فقال
: «أنا فاعل» ، قال : قلت : يا رسول الله فإنّي أطلبك ، فقال : «اطلبني أوّل ما
تطلبني على الصراط» .
السائل يطلب من
النبي الأعظم ، الشفاعة دون أن يخطر بباله أنّ هذا الطلب يصطدم مع أُصول العقيدة.
٢ ـ هذا سواد بن
قارب ، أحد أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول مخاطباً إيّاه :
فكن لي شفيعاً
يوم لا ذو شفاعة
|
|
بمغن فتيلاً عن
سواد بن قارب
|
٣ ـ روى أصحاب السير والتاريخ ، أنّ
رجلاً من قبيلة حمير عرف أنّه سيولد في أرض مكة نبي الإسلام الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولما خاف أن لا يدركه ، كتب رسالة وسلّمها لأحد أقاربه
حتى يسلّمها إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حينما يبعث ، وممّا جاء في تلك الرسالة قوله : «وإن لم
أدرك فاشفع لي
__________________
يوم القيامة ولا
تنسني» ولمّا وصلت الرسالة إلى يد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «مرحباً بتُبَّع الأخ الصالح» فإنّ وصف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لطالب الشفاعة بالأخ الصالح ، أوضح دليل على أنّه أمر لا
يتعارض وأُصول العقيدة.
٤ ـ وروى المفيد
عن ابن عباس أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام لمّا غسّل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وكفّنه كشف عن وجهه وقال : «بأبي أنت وأُمّي طبتَ حيّاً
وطبت ميتاً ... اذكرنا عند ربك» وروى الشريف الرضي في «نهج البلاغة» : أنّ عليّاً عليهالسلام قال عند ما ولي غسل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «بأبي أنت وأُمي اذكرنا عند ربك واجعلنا من بالك» .
٥ ـ روي أنّه لمّا
توفي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أقبل أبو بكر فكشف عن وجهه ثمّ أكبّ عليه فقبّله وقال : «بأبي
أنت وأُمّي طبت حيّاً وميتاً اذكرنا يا محمد عند ربّك ولنكن من بالك» .
وهذا استشفاع من
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في دار الدنيا بعد موته.
٦ ـ وختاماً نذكر
ما ذكره الدكتور عبد الملك السعدي في كتابه «البدعة في مفهومها الإسلامي الدقيق» : أمّا طلب الشفاعة من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بصورة عامّة وبدون قيد بعد أذان أو غيره فقد ورد في السنّة
، حيث قد طلبها منه بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ دون نكير من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. والأحاديث الواردة بهذا الخصوص وبمواضع
__________________
ومناسبات عديدة
كثيرة جداً نذكر منها :
عن مصعب الأسلمي
قال : انطلق غلام منّا فأتى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : إنّي سائلك سؤالاً قال : «وما هو؟» قال : أسألك أن
تجعلني ممَّن تشفع له يوم القيامة ، قال : «من أمرك هذا؟» أو «من علّمك هذا؟» أو «من
دلّك على هذا؟» قال : ما أمرني به أحد إلّا نفسي ، قال : «فإنّك ممّن أشفع له يوم
القيامة». أورده الهيتمي في «مجمع
الزوائد» وقال : رواه
الطبراني.
وقد أورد الهيتمي
بهذا الموضوع كثيراً من الأحاديث . هذا في حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أمّا بعد انتقاله
إلى الرفيق الأعلى فهل يصح طلب الشفاعة منه لا سيما أمامَ قبره الشريف وعند السلام
عليه؟ بما أنّه ثبت بما لا يقبل الشك أنّ الأموات يسمعون ويتكلّمون ويدعون في عالم
البرزخ وبخاصة هو صلىاللهعليهوآلهوسلم عند ما يُسلَّم عليه تردّ إليه روحه الشريفة ، فلا موجب
للتفرقة في طلب الشفاعة بين حياته قبل انتقاله وبين حياته ، الحياة البرزخية بعد
انتقاله. ومن ادّعى المنع فعليه بالدليل والله الموفق .
كل هذه النصوص تدل
على أنّ طلب الشفاعة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان أمراً جائزاً وشائعاً ، وذلك لأنّهم يرونه مثل طلب
الدعاء منه ، ولا فرق بينها وبينه إلّا في اللفظ ، وقد عرفت صحّة إطلاق لفظ
الشفاعة على الدعاء ، والاستشفاع على طلب الدعاء ، وممّا يدلّ على ذلك أنّ البخاري
عقد بابين بهذين العنوانين ، وهما :
__________________
١ ـ إذا استشفعوا
ليستسقى لهم لم يردهم.
٢ ـ وإذا استشفع
المشركون بالمسلمين عند القحط .
فنرى أنّ البخاري يطلق
لفظ الاستشفاع على الدعاء وطلبه من الإمام في العام المجدب ، من دون أن يخطر بباله
أنّ هذا التعبير غير صحيح.
وعلى العموم أنّ
طلب الشفاعة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم داخل فيما ورد من الآيات التالية : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ
لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (النساء / ٦٤) ، (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا
ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ* قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ) (يوسف / ٩٧ ـ ٩٨).
وقوله سبحانه : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا
يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ
وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (المنافقون / ٥)
فكلّ ما يدل على جواز طلب الدعاء من المؤمن الصالح يمكن الاستدلال به على صحة ذلك.
__________________
٧
أسئلة حول طلب الشفاعة
قد اتّضح أنّ طلب
الشفاعة بمعنى طلب الدعاء ، ليس ممّا يرتاب في جوازه مؤمن واعٍ ، عارفٌ بالكتاب
والسنّة ، نعم ربما تُثار هنا شبهات أو أسئلة يجب رفعها أو الإجابة عليها وليست
الأسئلة مطروحة على صعيد واحد ولأجل ذلك نذكر كلّ واحدٍ بعنوان يُعرّف مغزاه ،
والجميع يرجع إلى طلب الدعاء من الشفيع بعد رحيله بعد تجويزه في حياته.
السؤال الأول :
الشفيع ميّت كيف يُطلبُ منه الدّعاء؟
إنّ طلب الشفاعة
وإن كان طلب الدعاء لكنّه لا جدوى فيه لكون الشفيع بعد الموت لا يستطيع أن يقوم
بالدعاء.
على هامش السؤال
السؤال جدير
بالدراسة والتحليل ، وهو عالق على ذهن لفيف من الناس فهم يناجون في أنفسهم كيف
يُطلَب الدّعاء والشفاعة من النبي الأكرم وهو ميّت لا يستطيع على إجابة طلب الطالب؟
أولاً
: إنّ الرجوع إلى القران المجيد ، واستنطاقه في هذا المجال يوقفنا على جليّة الحال ، وهو
يعترف بموتهم ماديّاً لا موتهم على الإطلاق ، بل يصرّح بحياة لفيف من الناس الذين
انتقلوا من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة من صالحٍ وطالحٍ ، وسعيدٍ وشقيٍّ ، وها
نحن نتلو على القارئ الكريم قسماً منها ليقف على أنّ الموت ، أمرٌ نسبي ، وليس
بمطلق ، ولو صار بدن الإنسان جماداً ، ليس معناه بطلانه وانعدام شخصيته وليس الموت
إلّا انتقالاً من دارٍ إلى دارٍ ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة وإليك لفيفاً من
الآيات :
١ ـ قال سبحانه : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ*
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ
يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ) (آل عمران / ١٦٩ ـ
١٧٠).
والآية صريحة في
المقصود ، صراحةً لا تتصوّر فوقها صراحة ، حيث أخبرت الآية عن حياتهم ورزقهم عند
ربهم وتبشيرهم لمن لم يلحقوا بهم ، وما يتفوهون به في حقهم بقولهم : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ).
وعلى ذلك فلو كان
الشفيع أحد الشهداء في سبيل الله تعالى فهل يكون هذا المطلب لغواً؟!
٢ ـ إنّ القران يعدّ النبي شهيداً على الأُمم جمعاء ، ويقول سبحانه : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ
أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (النساء / ٤١).
فالآية تصرّح بأنّ
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم شاهد على الشهود الذين يشهدون على أُممهم فإذا كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم شاهداً على الأُمم جمعاء ، أو على شهودهم فهل تعقل الشهادة
بدون الحياة ، وبدون الاطلاع على ما تجري فيهم من الأُمور من الكفر والإيمان
والطاعة والعصيان؟! ولا يصح لك أن تفسّر شهادة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بشهادته على معاصريه فقط ، وذلك لأنّه سبحانه عدّ النبي
شاهداً في عداد كونه مبشّراً ونذيراً ، وهل يتصوّر أحدٌ أن يختص الوصفان الأخيران
بمن كان يعاصر النبي؟! كلّا. فإذن لا وجه لتخصيص كونِهِ شاهداً على الأُمة
المعاصرة للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
٣ ـ الآيات
القرآنية صريحة في امتداد حياة الإنسان إلى ما بعد موته ، يقول سبحانه في حقّ
الكافرين : (حَتَّى إِذا جاءَ
أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما
تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى
يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون / ٩٩ ـ ١٠٠).
فهذه الآية تصرّح
بامتداد الحياة الإنسانية إلى عالم البرزخ ، وإنّ هذا العالم وعاءٌ للإنسان يعذّب
فيها مَن يُعذّب وينعَّم فيها من ينعَّم.
أمّا التنعُّم فقد
عرفت التصريح به في الآية الواردة في حقّ الشهداء.
وأمّا العقوبة ،
فيقول سبحانه : (النَّارُ يُعْرَضُونَ
عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ
فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (غافر / ٤٦).
٤ ـ هذا هو الذكر
الحكيم ينقل بياناً عن الرجل الذي جاء من أقصى المدينة ، وأيّد رسل المسيح ، فلمّا
قتل خوطب باللفظ التالي : (قِيلَ ادْخُلِ
الْجَنَّةَ) فأجاب بعد دخوله الجنة : (يا لَيْتَ قَوْمِي
يَعْلَمُونَ* بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) (يس / ٢٦ ـ ٢٧)
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على امتداد الحياة ، واستشعار لفيف من عباد الله لما
يجري هنا وهناك ، غير أنّا لا نَسمع بيانَهم ولا نفهم خِطابهم ، وهم سامعون ،
عارفون بإذن الله سبحانه.
ثانياً
: إنّ الأحاديث
الواردة في هذا المورد فوق الحصر فحدِّث عنها ولا حرج ، وقد روى المحدِّثون عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما من أحد يسلّم عليّ إلّا ردّ الله روحي حتى أردّ عليهالسلام» كما نَقَلوا قوله : «إنّ لله ملائكةً سيّاحين في الأرض
يبلّغوني من أُمتي السلام» .
ثالثاً
: نرى أنّه سبحانه
يسلم على أنبيائه في آيات كثيرة ، ويقول : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ
فِي الْعالَمِينَ ـ سَلامٌ
عَلى إِبْراهِيمَ ـ سَلامٌ
عَلى مُوسى وَهارُونَ ـ سَلامٌ
عَلى إِلْ ياسِينَ ـ وسَلامٌ
عَلَى الْمُرْسَلِينَ) (الصافات / ٧٩ ،
١٠٩ ، ١٢٠ ، ١٣٠ ، ١٨١).
__________________
كما يأمرنا
بالتسليم على نبيّه والصلوات عليه ويقول بصريح القول : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً) (الأحزاب / ٥٦) ،
فلو كان الأنبياء والأولياء أمواتاً غير شاعرين لهذه التسليمات والصلوات فأيّ
فائدة في التسليم عليهم وفي أمر المؤمنين في الصلاة ، بالسلامِ على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ والمسلمون أجمع يسلّمون على النبي في صلواتهم بلفظِ
الخطاب ، ويقولون : السلامُ عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته ، وحَمْلُ ذلك
على الشعارِ الأجوف والتحية الجوفاء ، أمرٌ لا يجترئ عليه من له إلمامٌ بالقران والحديث.
السؤال الثاني :
الشفيع ميّت وهو لا يسمع؟
هذا هو السؤال
الثاني الذي ربّما يُطرَح في المقام ، وهو أيضاً جديرٌ بالدراسة ، ولكنّه في
التحقيق صورةٌ صغيرة من السؤال السابق ، فالتركيز ـ هنا ـ على خصوص عدم السماع ،
ولكنّه في السابق على معنىً أعم وهو عدم الاستطاعة على شيء سماعاً كان أو غيره.
ونقول : ربما يقال
: ظاهر الذكر الحكيم على أنّ الموتى لا يسمعون ، حيث شبّه المشركين بهم. ووجه
الشبه هو عدم السماع. قال : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ
الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (النمل / ٨٠) ،
فالآية تصف المشركين بأنّهم أموات وتشبِّهُهُم بها ، ومن المعلوم أنّ صحة التشبيه
تتوقّف على وجود وجه الشبه في المشبَّه به بوجهٍ أقوى وليس وجه الشبه إلّا أنّهم
لا يسمَعون ، فعند ذلك تُصبح
النتيجة : إنّ
الأموات مطلقاً غير قابلين للإفهام ويدل على ذلك أيضاً قوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما
أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (فاطر / ٢٢).
ووجه الدلالة في
الآيتين واحد.
على هامش السؤال
القران الكريم منزّه عن التناقض والاختلاف وكيف لا يكون كذلك وهو يقول : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء / ٨٢) وهو
يصرّح في غير واحد من آياته على أنّ الأنبياء كانوا يكلّمون الموتى ويخاطبونهم.
ونلمس ذلك بوضوح في قصتي صالح وشعيب.
أمّا الأُولى : فالقران يحكي خطابَه لقومه ـ بعد هلاكهم وأخذهم الرجفة ـ ويقول : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ
فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ* فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ
لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ
النَّاصِحِينَ) (الأعراف / ٧٨ ـ ٧٩).
أمعن النظر في
قوله : (فَتَوَلَّى) حيث تصدَّر بالفاء الدالة على الترتيب : أي بعد ما عمّهم
الهلاك أعرض صالح بوجهه عنهم وخاطبهم بقوله : يا قوم ...
أمّا الثانية فهو
أيضاً قرينة الأُولى ونظيرتها قال سبحانه : (فَأَخَذَتْهُمُ
الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ* الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً
كَأَنْ لَمْ
يَغْنَوْا
فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ* فَتَوَلَّى
عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ
لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) (الأعراف / ٩١ ـ ٩٣).
إنّ الأُوليين من
الآيات صريحتان في نزول البلاء عليهم وإبادتهم وإهلاكهم جميعاً ـ فبعد ذلك ـ يخاطبهم
نبيُّهم شعيب معرِضاً بوجهه عنهم ، مشعراً بالتبرّي ويقول : يا قوم لقد أبلغتكم
رسالات ربي ... وليس لنا ، ولا لغيرنا تأويل القران لأخذ موقف مسبَق في الموضوع ، بل يجب عرض الرأي عليه لا
عرض القران على الفكر الإنساني.
ونكتفي من الآيات
بما تلوناه عليك وهناك آيات أُخرى موحدة في المضمون نترك نقلها للاختصار.
السنّة لا تتفق مع
عدم السماع
إنّ السنّة
الكريمة ، عدل القران ، يُحتَجُّ بها كما يُحتجّ به ، فقد أخذت موقف الإيجاب فهي
لا تتفق مع عدم السماع وإليك نزراً يسيراً منها :
١ ـ ما أنتم بأسمعَ
منهم
هذه الكلمة ألقاها
النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم عند ما كان بمقربة من قتلى قريش ، وكان يكلّمهم ولمّا
اعترض عليه بعض أصحابه بقوله : «كيف تكلّمهم وهم قوم موتى» أجابه بقوله : «ما أنتم
بأسمع منهم» وإليك
التفصيل :
لقد انتهت معركة
بدر بانتصارٍ عظيمٍ في جانب المسلمين وهزيمة نكراء في جانب المشركين. فقد غادر
المشركون ساحة القتال هاربين صوب مكة مخلّفين وراءهم سبعين قتيلاً من صناديدهم
وساداتهم وفتيانهم الشجعان وسبعين أسيراً.
ولمّا أمر النبي
بإلقاء قتلى المشركين في القليب وقفَ رسولُ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عند القليب وأخذ يخاطب القتلى واحداً واحداً ويقول : «يا
أهلَ القليب ، يا عتبة بن ربيعة ، ويا شيبة بن ربيعة ، ويا أُمية بن خلف ، ويا أبا
جهل (وهكذا عدّ من كان منهم في القليب) هل وجدتم ما وعدَكم ربّكم حقاً ، فإنّي قد
وجدت ما وعدَني ربّي حقاً».
فقال له بعض
أصحابه : يا رسول الله أتنادي قوماً موتى؟ فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «وما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنّهم لا يستطيعون أن
يجيبوني».
وكتب ابن هشام
يقول : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «يا أهل القليب بئس عشيرة النبيّ كنتم لِنبيّكم
كذَّبتموني وصدّقني الناسُ ، وأخرجتُموني وآواني الناس ، وقاتلتُموني ونصرني الناس
، (ثمّ قال :) هل وجدتُم ما وعدكم ربي حقاً؟» .
وقد أنشد حسان
قصيدة بائيّةٌ رائعة حول وقعة بدر الكبرى يشير في بعض أبياتها إلى هذه الحقيقة ،
أعني قصة القليب إذ يقول :
__________________
يناديهمْ رسولُ
الله لمّا
|
|
قذَفناهم كباكبَ
في القليب
|
ألم تجِدوا
كلامي كان حقاً
|
|
وأمرُ الله يأخذ
بالقلوب؟
|
فما نَطقوا ولو
نَطقوا لقالوا
|
|
صدقتَ وكنتَ ذا
رأي مصيب!
|
على أنّه لا توجد
عبارة أشد صراحة ممّا قاله رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في المقام ، حيث قال : «ما أنتم بأسمع منهم».
وليس ثمة بيان
أكثر إيضاحاً وأشد تقريراً لهذه الحقيقة من مخاطبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لواحدٍ واحدٍ من أهل القليب ، ومناداتهم بأسمائهم وتكليمهم
كما لو كانوا على قيد الحياة.
فلا يحق لأيّ
مسلمٍ مؤمن بالرسالة والرسول ، أن يسارع إلى إنكار هذه القضية التاريخية الإسلامية
المسلّمة ، ويبادر قبل التحقيق ويقول : إنّ هذه القضية غير صحيحة ، لأنّها لا
تنطبق مع الموازين العقلية المادية المحدودة.
وقد نقلنا هنا
نصَّ هذا الحوار ، لكي يرى المسلمون الناطقون باللغة العربية كيف أنّ حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يصرّح بهذه الحقيقة ، بحيث لا توجد مثلها عبارة في الصراحة
، والدلالة على هذه الحقيقة.
ومن أراد الوقوف
على مصادر هذه القصة فعليه أن يراجع ما ذكرناه في الهامش أدناه .
__________________
٢ ـ رواية الصحابي
الجليل : عثمان بن حنيف
روى الحافظ
الطبراني عن الصحابي الجليل عثمان بن حنيف : أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن
عفان في حاجة له ، وكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ، فلقى ابنَ حنيف فشكى
إليه ذلك ، فقال له ابنُ حنيف : ائت الميضاة ، فتوضأ ثمّ ائتِ المسجد فصلِّ ركعتين
، ثمّ قل : اللهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّنا محمد نبيّ الرحمة ، يا محمد
إنّي أتوجّه بك إلى ربّك أن تقضي حاجتي ، وتذكر حاجتك.
فانطلق الرجل فصنع
ما قال ، ثمّ أتى باب عثمان فجاءَه البوّاب حتى أخذ بيده ، فأُدخِلَ على عثمان
فأجلسه معه على الطنفسة فقال : حاجتك؟ فذكر حاجته وقضى له ، ثمّ قال له : ما ذكرتُ
حاجتك حتى كانت الساعة ، وقال : ما كانت لك من حاجة فاذكرها ، ثمّ إنّ الرجل خرج
من عنده فلقى ابن حنيف فقال له : جزاك الله خيراً ، ما كان ينظر في حاجتي ولا
يلتفت إليّ حتى كلّمتَه في.
فقال ابن حنيف :
والله ما كلّمته ، ولكن شهدتُ رسول الله ، وأتاه ضرير فشكى إليه ذهاب بصره ، فقال
له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن شئت دعوتُ أو تصبر ، فقال : يا رسول الله إنّه ليس لي
قائدٌ وقد شقّ عليّ ، فقال له النبي : ائت الميضاة فتوضّأْ ثمّ صلّ ركعتين ثمّ
ادعُ بهذه الدَعَوات. قال ابنُ حنيف : فو اللهِ ما تفرَّقْنا وطال بنا الحديثُ حتى
دَخَلَ علينا الرجلُ كأنّه لم
يكن به ضر .
وقال الترمذي :
هذا حديث حقٌّ حسنٌ صحيحٌ.
وقال ابن ماجة :
هذا حديثٌ صحيحٌ.
وقال الرفاعي : لا
شك أنّ هذا الحديث صحيحٌ ومشهورٌ .
تفسير الآيتين
إلى هنا اتّضح
الأمر وإنّ هناك إسماعاً وسماعاً ومخاطِباً وخطاباً ، وإفهاماً وفهماً ، فعند ذلك
تصل النوبة إلى تفسير الآيتين ، علماً منّا ومن كل مسلم ، بأنّه لا اختلاف في القران ولا تعارض بين آياته فنقول :قال سبحانه : (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ...) (الروم / ٥٢).
وقال تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي
الْقُبُورِ) (فاطر / ٢٢).
فالآيتان صريحتان
في امتناع إسماع الموتى.
والجواب على هذا
واضح : فإنّ هاتين الآيتين ناظرتان إلى الأجساد الموجودة في القبور ، فإنّها هي
التي لا تسمع ، ولا تعي ، والاتصال لا يكون بيننا وبين هذه الأجساد ، بل يتحقّق
بيننا وبين الأرواح الطاهرة والنفوس الزكية الباقية الخالدة ، وإن تبعثر الجسدُ
وتناثرت أجزاؤه فالأرواح هي التي يُسلَّم ويُصلّى عليها وهي التي تَسمع وتردُّ.
__________________
وأمّا الحضور عند
المراقد التي تضم الأجساد والأبدان فلأجل أنّه يبعث على التوجه إلى صاحب تلك
الأجساد ويكون أدعى إلى تذكّر خصاله ، وصفاته ، وإلّا فإنّ الارتباط بهم ، والسلام
عليهم يمكن حتى ولو من مكانٍ ناءٍ وبلدٍ بعيدٍ ، كما تصرّح بعض أحاديث الصلاة على
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وبعبارة ثانية :
إنّ الآية تنفي السماع والإفهام عن الأموات المدفونين في القبور ، فإنّهم أصبحوا
بعد الموت كالجماد لا يفهمون ولا يسمعون ، وهذا غير القول بأنّ الأرواح المفارقة
عن هذه الأبدان غير قابلة للإفهام ولا للإسماع. والآيتان دالّتان على عدم إمكان
إسماع الأموات والمدفونين في القبور ، ولا تدلّان على عدم إمكانية تفهيم الأرواح
المفارقة عن الأبدان ، العائشة في البرزخ عند ربّهم كما دلّت عليه الآيات السابقة.
ومن المعلوم أنّ
خطاب الزائر للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : يا محمد اشفَعْ لنا عند الله ، لا يشير إلى جَسَده
المطهَّر ، بل إلى روحه الزكية الحية العائشة عند ربّها إلى غير ذلك من الصفاتِ
التي يضفيها عليه القران الكريم وعلى سائر الشهداء. حتى إنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن وقف عند أجساد أهل القليب لكن التكلّم مع أرواحهم ،
والوقوف عنده ، لأجل تخصيص خطابه بهم وإفهامه لغيرهم من الحاضرين.
تحقيق رائع حول
الآيتين
هناك تحقيق رائع
حول الآيتين ، لا يقف عليه إلّا الذي كرّس
عمره في تفسير القران. وإليك بيانه : إنّ الآيتين في مقام بيانِ أمرٍ آخر وهو
أنّ المراد من الإسماع هنا هو الهداية وهي تتصوَّر على قسمين : هداية مستقلة ،
وهداية معتمدة على إذنه سبحانه ، والآيتان بصدد بيان أنّ النبي غير قادر على القسم
الأوّل من الهدايتين ، بل هي من خصائصه سبحانه ، وإنّما المقدور له هو الهداية
المعتمدة على إذنه تعالى ، ويدل على ذلك نفس الآية الواردة في سورة فاطر حيث يقول
: (وَما يَسْتَوِي
الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ* وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ* وَلَا الظِّلُّ وَلَا
الْحَرُورُ* وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ* إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ
مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ* إِنْ أَنْتَ إِلَّا
نَذِيرٌ) .
وإذا قارنتَ قولَه
: (وَما أَنْتَ
بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) مع قوله : (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ
مَنْ يَشاءُ) تقف على أنّ المراد من قوله : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي
الْقُبُورِ) هو نفي الإسماع أو الهداية المستقلّة من دون مشيئته سبحانه
، فكأنّه يقول : لستَ أيّها النبي بقادر على الهداية ، بل الهادي هو الله سبحانه ،
ولأجل ذلك يعود فيصف النبي في الجملة الأخيرة بأنّه : (ليس إلّا نذيرلا) المتصرف في عالم الوجود مستقلاً ومعتمداً على إرادته.
وبعبارة ثانية :
إنّ كون الآية بصدد بيان أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس بقادر على إسماع الموتى وهدايتهم مطلقاً ، شيء ،
وكونها بصدد أنّ النبي لا يقدر على الهداية والإسماع مستقلاًّ ومعتمداً على إرادة
نفسه ، شيءٌ
__________________
آخر. والآية بصدد
بيان الأمر الثاني لا الأوّل. ويدل على ذلك قوله سبحانه : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ
اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (البقرة / ٢٧٢). وقال
سبحانه : (إِنَّكَ لا تَهْدِي
مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (القصص / ٥٦) ،
وقال سبحانه : (وَاللهُ يَقُولُ
الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (الأحزاب / ٤).
فهذه الآيات تؤكد
الغاية التي تهدف إليها تلك الآية (أي نفي استقلال النبي بأمر الهداية وإسماعهم)
وإن كان يقدر على ذلك بإذنه بقرينة قوله سبحانه : (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا
مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (النمل / ٨١
والروم / ٥٣) وقوله سبحانه : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) (السجدة / ٢٤) ،
بل يصفه سبحانه بقوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي
إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى / ٥٢)
وبذلك يظهر أنّ المستدل أغفل هدف الآية.
والتدبر في الآيات
يوحي أنّ النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم كان حريصاً على هداية الناس وكان راغباً في إسعادهم كما
يحكي عنه قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي
مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (القصص / ٥٦) وقال
تعالى : (وَما أَكْثَرُ
النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف / ١٠٣) وقال
سبحانه : (لَيْسَ لَكَ مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) (آل عمران / ١٢٨)
وقال سبحانه : (لَعَلَّكَ باخِعٌ
نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء / ٣).
كل هذه الآيات
تؤكد إلحاح النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحرصه على هداية أُمته ، وعلى ذلك فيكون المراد من الآيات
التي توحي طلب النبي في أمر
الأُمة ، هو نفي
كون النبي قائماً بذلك الأمر على وجه الاستقلال ، وعلى نحو الإطلاق ، سواء شاء
الله أم لم يشأ. بل إنّما تتحقق إرادته وعلاقته بهدايتهم إذا وقعت في إطار إرادته
، سبحانه ومشيئته من غير فرق في ذلك بين الموتى والأحياء ، بإسماع الموتى وهداية
الأحياء.
وبذلك يظهر ما
تهدف إليه آية سورة النمل فإنّ المقصود من قوله : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ
الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (النمل / ٨٠) هو
أنّك لا تقوم بإسماع الميت الواقعي ، أو ميّت الأحياء كالمشركين والمنافقين
مستقلاًّ ، وإنّما المقدور لك هو ما تعلّقت مشيئته سبحانه بهدايتهم ، ولأجل ذلك
يقول : (وَما أَنْتَ بِهادِي
الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ
مُسْلِمُونَ) (النمل / ٨١).
فلو تعلّقت مشيئته
تهدي من يشاء وتسمع من يشاء من دون فرق بين المؤمن والكافر ، والحي والميت.
السؤال الثالث :
الشفاعة فعل الله
الشفاعة فعل الله
سبحانه ، ولا يُطلب فعلُه من غيره ، قال سبحانه : (قُلْ لِلَّهِ
الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (الزمر / ٤٤).
فاذا كانت الشفاعة
مملوكة لله وهو المالك لها ، فكيف يُطلَب ما يرجع إليه من غيره؟
على هامش السؤال
لا شك أنّ الشفاعة
لله كما هو صريح الآية وما يرجع إليه سبحانه لا يُطلَب من غيره. مثلاً إنّ الرزق
والإحياء والإماتة له لا تُطلَب من عباده.
غير أنّ المهم
تشخيص ما يرجع إليه سبحانه ، وتمييزه ما أعطاه لعباده الصالحين.
إنّ الشفاعة
المطلقة ملك لله سبحانه ، فلا شفيع ولا مشفوع له ، بلا إذنه ورضاه فهو الذي يسنُّ
الشفاعة ويأذن للشافع ، ويبعث المذنب إلى باب الشافع ليستغفر له ، إلى غير ذلك من
الخصوصيات. فلا يملك الشفاعة بهذا المعنى إلّا هو ، وبذلك يردّ القران على المشركين الذين كانوا يزعمون أنّ أربابهم يملكون
الشفاعة المطلقة فالشفاعة بهذا المعنى غير مسئولة ولا مطلوبة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
والمسئول والمطلوب
من النبي والصالحين هو الشفاعة المرخّصة المحدّدة ، من الله سبحانه ، أي ما رخّص
لهم في أن يشفعوا ويطلبوا لعباده الغفران ، فمثل هذه الشفاعة المرخّصة المأذونة
ليست له لأنّه سبحانه فوق كل شيء ، لا يَستأذن ولا يُؤذن ولا يُحدّد فعله.
وبعبارة واضحة :
المراد من قوله سبحانه : (قُلْ لِلَّهِ
الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) ليس أنّه سبحانه هو الشفيع دون غيره ، إذ من الواضح أنّه
سبحانه لا يشفع عند غيره ، بل المراد أنّ المالك لمقام الشفاعة هو سبحانه وأنّه لا
يشفع أحد في حقّ أحد إلّا بإذنه للشفيع وارتضائه للمشفوع له ، ولكن هذا المقام
ثابت لله سبحانه بالأصالة والاستقلال ، ولغيره بالاكتساب
والاجازة ، قال
سبحانه : (وَلا يَمْلِكُ
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (الزخرف / ٨٦).
فالآية صريحة في
أنّ من شهد بالحق يملك الشفاعة ولكن تمليكاً منه سبحانه وفي طول ملكه.
وعلى ذلك فالآية
أجنبية عن طلب الشفاعة من الأولياء الصالحين الذين شهدوا بالحق وملكوا الشفاعة ،
وأُجيزوا في أمرها في حقّ من ارتضاهم لها.
وأنت أيّها الأخ
المتحرر من كل رأي مسبق ، إذا لاحظتَ ما ذكرته سابقاً في تفسير الآية ، يتضح لك ،
أنّ طلب الشفاعة من الصالحين ، ليس طلبَ فعله سبحانه من غيره.
السؤال الرابع : طلب
الشفاعة يشبه عمل المشركين
إنّ طلب الشفاعة
يشبه عمل عَبَدة الأصنام في طلبهم الشفاعة من آلهتهم الكاذبة الباطلة ، وقد حكى القران ذاك العمل منهم ، قال سبحانه : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا
يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (يونس / ١٨) وعلى
ذلك فالاستشفاع من غيره سبحانه عبادة لهذا الغير.
على هامش السؤال
ما كنت أفكّر
أيّها الأخ أن تغتر بظواهر الأعمال وتقضي بالبساطة والسذاجة ، مع أن القران أمر بالتدبّر والتفكّر والدقّة في مصادر الأعمال
وجذورها ، لا
بالاغترار بظاهرها.
فالفرق واضحٌ بين
عمل المسلم والمشرك لأنّك إذا أمعنتَ النظر في مضمون الآية تقف على أنّ المشركين
كانوا يقومون بعملين :
١ ـ عبادة الآلهة
ويدل قوله عليه : (وَيَعْبُدُونَ ...).
٢ ـ طلب الشفاعة
ويدل عليه : (وَيَقُولُونَ ...).
وكان علّة
اتّصافهم بالشرك هو الأوّل لا الثاني ، إذ لو كان الاستشفاع بالأصنام عبادة لها
بالحقيقة ، لما كان هناك مبرّرٌ للإتيان بجملة أُخرى ، أعني قوله : (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا) بعد قوله : (وَيَعْبُدُونَ ...) إذ لا فائدة لهذا التكرار ، وتوهم أنّ الجملة الثانية
توضيحٌ للأُولى خلاف الظاهر ، فإنّ عطف الجملة الثانية على الأُولى يدل على
المغايرة بينهما.
إذاً لا دلالة
للآية على أنّ الاستشفاع بالأصنام كان عبادة ، فضلاً عن كون الاستشفاع بالأولياء
المقربين عبادة لهم.
وهناك فرق واضح بين
طلب شفاعة الموحِّد من أفضل الخليقة ـ عليه أفضل التحية ـ وطلب شفاعة المشرك ، حيث
إنّ الأول يطلب الشفاعة منه بما أنّه عبدٌ صالح أذِنَه سبحانه ليشفع في عباده تحت
شرائط خاصة ، بخلاف المشرك فإنّه يطلب الشفاعة منه ، بما أنّه ربّ يملك الشفاعة
يعطيها من يشاء ويمنعها عمّن يشاء. أفيصح عطفُ أحدهما على الآخر والحكم بوحدتهما
جوهراً وحقيقة؟!
كيف يصح لمسلم واع
اتخاذ المشابهة دليلاً على الحكم ، فلو
صح ذلك لزم عليه
الحكم بتحريم أعمال الحج والعمرة فانّها مشابهة لأعمال المشركين ، أمام أربابهم
وآلهتهم.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى
لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).
السؤال الخامس : إن
طلب الشفاعة دعاء الغير ، وهو عبادة له
طلب الحاجة من
غيره سبحانه حرام فانّ ذلك دعاء لغير الله وهو حرام. قال سبحانه : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (الجن / ١٨) وإذا
كانت الشفاعة ثابتة لأوليائه وكان طلب الحاجة من غيره حراماً فالجمع بين الأمرين
يتحقق بانحصار جواز طلبها من الله سبحانه خاصة ، ويوضح ذلك قوله سبحانه : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ
الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ)
(فاطر / ٦) ، فقد
عبّر عن العبادة في الآية بلفظ الدعوة في صدرها وبلفظ العبادة في ذيلها ، وهذا
يكشف عن وحدة التعبيرين في المعنى. وقد ورد قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الدعاء مخّ العبادة».
على هامش السؤال
لا أظن أنّ أحداً
على وجه البسيطة يجعل الدعاء مرادفاً للعبادة. وإلّا لم يمكن تسجيل أحد من الناس ـ
حتى الأنبياء ـ في ديوان الموحدين ، فلا بد أن يقترن بالدعاء شيءٌ آخر ، ويصدر
الدعاء عن عقيدة خاصة في المدعوّ وإلّا فمجرّد دعوة الغير حيّاً كان أو ميتاً ، لا
يكون عبادة له.
هل ترى أنّ
الشاعرة التي تخاطب شجر الخابور بقولها :
أيا شجر الخابور
ما لك مورِقا
|
|
كأنّك لم تجزع
على ابن طريف
|
أنّها عبدته؟ كلّا
ثمّ كلّا.
إنّ العمل لا
يتّسم بالعبادة إلّا إذا كانت في نية الداعي عناصر تضفي عليه صفة العبادة وحدّها
وهو الاعتقاد بألوهية المدعو وربوبيته وإنّه المالك لمصيره في عاجله وآجله ، وإن
كان مخلوقاً أيضاً. والمراد من الدعاء في قوله تعالى : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) ليس مطلق دعوة الغير ، بل الدعوة الخاصة المضيّقة
المترادفة للعبادة ، ويدل عليه قوله سبحانه في نفس هذه الآية : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ).
وما ورد في الحديث
من «أنّ الدعاء مُخُّ العبادة» فليس المراد منه مطلق الدعاء ، بل المراد دعاء الله
مخ العبادة. كما أنّ ما ورد في الروايات من أنّه : من أصغى إلى ناطق فقد عَبَدَه ،
فإنْ كان ينطق عن الله فقد عبد الله ، وإن كان ينطق عن غير الله فقد عبد غير الله فليس المراد من العبادة هنا : العبادة المصطلحة ، بل
استعيرت في المقام لمن يجعل نفسه تحت اختيار الناطق.
وعلى ذلك فيكون
المراد من النهي عن دعوة الغير هو الدعوة الخاصة المقترنة بالاعتقاد ، أي كون
المدعو ذا اختيارٍ تامّ في التصرّف في الكون وقد فُوِّض إليه شأن من شئُونه
سبحانه.
فإذا كان طلب
الشفاعة مقترناً بهذه العقيدة فانّه يُعَدُّ عبادةً
__________________
للمشفوع إليه.
وإلّا فيكون طلب الحاجة كسائر الطلبات من غيره سبحانه الذي لا يشك ذو مسكة في عدم
كونه عبادة.
وبعبارة أُخرى :
طلب الشفاعة إنّما يُعَدُّ عبادة للشفيع إذا كان مقروناً بالاعتقاد بألوهيته
وربوبيته ، وأنّه مالك لمقام الشفاعة أو مفوَّض إليه ، يتصرّف فيها كيف يشاء ،
وأمّا إذا كان الطلب مقروناً باعتقاد أنّه عبدٌ من عباد الله الصالحين يتصرف بإذنه
سبحانه للشفاعة ، وارتضائه للمشفوع له ، فلا يُعَدُّ عبادة للمدعوّ ، بل يكون
وزانه وزان سائر الطلبات من المخلوقين ، فلا يعدُّ عبادة بل طلباً محضاً ، غاية
الأمر لو كان المدعو قادراً على المطلوب يكون الدعاء ـ عقلاً ـ أمراً صحيحاً ،
وإلا فيكون لغواً.
فلو تردّى إنسان
وسقط في قعر بئر وطلب العون من الواقف عند البئر القادر على نجاته وإنقاذه ،
يُعَدّ الطلب أمراً صحيحاً ، ولو طلبه من الأحجار المنضودة حول البئر يكون الدعاء
والطلب منها لغواً مع كون الدعاء والطلب هذا في الصورتين غير مقترن بشيء من
الألوهية والربوبية في حق الواقف عند البئر ، ولا الأحجار المنضودة حولها.
إنّ الآية تحدّد
الدعوة التي تُعَد عبادة بجعل المخلوق في رتبة الخالق سبحانه كما يفصح عنه قوله : (مَعَ اللهِ) وعلى ذلك فالمنهيُّ هو دعوة الغير ، وجعله مع الله ، لا ما
إذا دعا الغيرَ معتقداً بأنّه عبدٌ من عباده لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا
نفعاً ولا حياةً ولا بعثاً ولا نشوراً إلّا بما يتفضل عليه بإذنه ويقدر عليه
بمشيئته ، فعند ذاك فالطلب منه بهذا
الوصف يرجع إلى
الله سبحانه.
وبذلك يبدو أنّ ما
تدل عليه الآيات القرانیة من أنّ طلب الحاجة من الأصنام كان شركاً في العبادة ،
إنّما هو لأجل أنّ المدعوّ عند الداعي كان إلهاً أو ربّاً مستقلاً في التصرف في
شأن من شئُون وجوده أو فعله.
قال سبحانه : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا
يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) (الأعراف / ١٩٤)
ترى أنّه سبحانه يستنكر دعاءهم بقوله : (لا يَسْتَطِيعُونَ
نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) وقوله : (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) مُذكِّراً بأنّ عقيدتهم في حق هؤلاء عقيدة كاذبة وباطلة
فالأصنام لا تستطيع نصرة أحد ، وهذا يكشف عن أنّ الداعين كانوا على جانب النقيض من
تلك العقيدة وكانوا يعتقدون بتملّك الأصنام لنصرهم وقضاء حوائجهم من عند أنفسهم.
وحصيلة البحث :
أنّ الدعاء ليس مرادفاً للعبادة ، وما ورد في الآية والحديث من تفسير الدعاء
بالعبادة لا يدل على ما يراه المستدِلّ ، فالمراد من الدعاء فيهما قسمٌ خاصٌّ منه
، وهو الدعاء المقترن باعتقادِ الألوهية في المدعو والربوبيّة في المطلوب منه كما
عرفت.
٨
الشفاعة في الأحاديث الإسلامية
لقد اهتمّ الحديث
بأمر الشفاعة وحدودها وشرائطها وأسبابها وموانعها اهتماماً بالغاً لا يوجد له مثيل
إلّا في موضوعات خاصة تتمتع بالأهمية القصوى ، وأنت إذا لاحظت الصحاح والمسانيد
والسنن وسائر الكتب الحديثية لوقفت على جمهرة كبرى من الأحاديث حول الشفاعة بحيث
تدفع الإنسان إلى الإذعان بأنّها من الأُصول المسلّمة في الشريعة الإسلامية. ولأجل
هذا التضافر نرى أنفسنا في غنىً عن المناقشة في الاسناد.
نعم لو كانت هناك
رواية اختصت بنكتة خاصة غير موجودة في الروايات الأُخر فإثبات النكتة الخاصة يحتاج
إلى ثبوت صحة سندها
كما هو المحقّق في
علم الحديث.
ولما كانت
الأحاديث حول الشفاعة وفروعها كثيرة جداً ، ومبثوثة في الكتب جمعناها في هذه
الصحائف تحت عناوين خاصة ، ولسنا ندّعي أنّنا قد أحطنا بكل الأحاديث في هذا المجال
وإنّما ندّعي أنّا قد جئنا بقسم كبير من الأحاديث .
أحاديث الشفاعة عند
أهل السنّة :
١ ـ قال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لكلّ نبي دعوة مستجابة فتعجّل كل نبي دعوته وأنّي
اختبأت دعوتي شفاعة لأُمتي وهي نائلة من مات منهم لا يشرك بالله شيئاً» .
__________________
٢ ـ قال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أُعطيت خمساً ... وأُعطيت الشفاعة فادّخرتها لأُمتي فهي
لمن لا يشرك بالله شيئاً» .
٣ ـ قال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «شفاعتي نائلة إن شاء الله من مات ولا يشرك بالله شيئاً»
.
٤ ـ قال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم في تفسير قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) : «هو المقام الذي أشفع لأُمتي فيه» .
٥ ـ قال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنا أول شافع وأول مشفّع» .
٦ ـ قال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلّا الله مخلصاً يصدق قلبه
لسانه ولسانه قلبه» .
٧ ـ قال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أُمتي» .
٨ ـ قال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رأيت ما تلقى أُمتي بعدي (أي من الذنوب) فسألت الله أن
يوليني شفاعة يوم القيامة فيهم ففعل» .
٩ ـ قال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من
__________________
قال لا إله إلّا
الله خالصاً من قلبه أو نفسه» .
١٠ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنا أوّل شافع في الجنة» .
١١ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «شفاعتي لكل مسلم» .
١٢ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إذا كان يوم القيامة كنت امام النبيين وخطيبهم وصاحب
شفاعتهم غير فخر» .
١٣ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنا سيد ولد آدم وأوّل شافع وأوّل مشفع ولا فخر» .
١٤ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّي لأرجو أن أشفع يوم القيامة عدد ما على الأرض من
شجرة ومدرة» .
١٥ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ليخرجنّ قوم من أُمتي من النار بشفاعتي يسمّون
الجهنميين» .
١٦ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «خُيّرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أُمتي الجنة
فاخترت الشفاعة لأنّها أعم وأكفى ، أترونها للمتقين؟ لا ، ولكنّها للمذنبين
الخطائين المتلوثين» .
__________________
١٧ ـ وحكى أبو ذر
: أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلّى ليلة فقرأ آية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ
عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فلمّا أصبح قلت : يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتى
أصبحت تركع بها وتسجد بها ، قال : إنّي سألت ربّي عزوجل الشفاعة لأُمتي فأعطانيها فهي نائلة إن شاء الله لمن لا
يشرك بالله عزوجل شيئاً» .
١٨ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يشفع النبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار : بقيت
شفاعتي» .
١٩ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ الله يخرج قوماً من النار بالشفاعة» .
٢٠ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يشفع يوم القيامة الأنبياء ثمّ العلماء ثمّ الشهداء» .
٢١ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «فإذا فرغ الله عزوجل من القضاء بين خلقه وأخرج من النار من يريد أن يخرج ، أمر
الله الملائكة والرسل أن تشفع فيعرفون بعلاماتهم : إنّ النار تأكل كل شيء من ابن
آدم إلّا موضع السجود» .
٢٢ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «... فيؤذن للملائكة والنبيين والشهداء
__________________
أن يشفعوا فيشفعون
ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان» .
٢٣ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إذا ميّز أهل الجنة وأهل النار ، فدخل أهل الجنة الجنة
، وأهل النار النار قامت الرسل وشفعوا» .
٢٤ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يشفع الأنبياء في كل من يشهد أن لا إله إلّا الله
مخلصاً ، فيخرجونهم منها» .
٢٥ ـ ذكرت الشفاعة
عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : «إنّ الناس يعرضون على جسر جهنم ... وبجنبتيه
الملائكة يقولون : اللهمّ سلّم سلّم ...» .
٢٦ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث : «أمّا أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها
ولا يحيى ولكن ناس أصابتهم نار بذنوبهم أو بخطاياهم فأماتتهم إماتة ، حتى إذا
كانوا فحماً أذن في الشفاعة فيخرجون ضبائر ضبائر» .
٢٧ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث : «... فيشفعون حتى يخرج من قال لا إله إلّا الله
ممّن في قلبه ميزان شعيرة» .
__________________
٢٨ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يشفع الشهيد في سبعين إنساناً من أهل بيته» .
٢٩ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من تعلّم القران (من قرأ
القران) فاستظهره فأحلّ
حلاله وحرّم حرامه أدخله الله به الجنة وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلّهم قد وجبت
له النار» .
٣٠ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث : «إذا بلغ الرجل التسعين غفر الله ما تقدّم من
ذنبه وما تأخّر وسمي أسير الله في الأرض ، وشفّع في أهله» .
٣١ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ليدخلنّ الجنة بشفاعة رجل من أُمتي أكثر من بني تميم» .
٣٢ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ من أُمتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر» .
٣٣ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ليدخلنّ الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين أو مثل
أحد الحيين ربيعة ومضر» .
٣٤ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ الرجل من أُمتي ليشفع للفئام من
__________________
الناس فيدخلون
الجنة وإنّ الرجل ليشفع للقبيلة ، وإنّ الرجل ليشفع للعصبة ، وإنّ الرجل ليشفع
للثلاثة ، وللرجلين ، وللرجل» .
٣٥ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصف الناس (أهل الجنة) صفوفاً فيمر الرجل من أهل النار على
الرجل فيقول : يا فلان أما تذكر يوم استقيت فسقيتك شربة؟ قال : فيشفع له ، ويمرّ
الرجل فيقول : أما تذكر يوم ناولتك طهوراً؟ فيشفع له» .
٣٦ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث : «لا يصبر على لأوائها (أي المدينة) وشدتها إلّا
كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة» .
٣٧ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لخادمه : «ما حاجتك؟ قال : حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة ،
قال : ومن دلّك على هذا؟ قال : ربي ، قال : أما فأعنّي بكثرة السجود» .
٣٨ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من صلّى على محمد وقال : اللهمّ أنزله المقعد المقرّب
عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي» .
٣٩ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من قال حين يسمع النداء : «اللهمّ ربّ هذه الدعوة
التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي
وعدته» حلّت له شفاعتي يوم القيامة» .
__________________
٤٠ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثمّ صلّوا عليّ
فإنّه من صلّى عليّ صلاة صلّى الله عليه عشراً ، ثمّ سلوا الله عزوجل لي الوسيلة فمن سأل الله لي الوسيلة حلّت عليه الشفاعة» .
٤١ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من غشّ العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودّتي» .
٤٢ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ اللعّانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة» .
٤٣ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «تعلّموا القران فإنّه شافع لأصحابه يوم القيامة» .
٤٤ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ سورة من القران
ثلاثين آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي : تبارك الذي بيده الملك» .
٤٥ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الصيام والقران يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي ربّي منعته
الطعام والشهوات بالنهار فشفّعني
__________________
فيه ، ويقول القران : منعته النوم بالليل فشفّعني فيه ، قال : فيشفعان» .
٤٦ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن أقربكم منّي غداً وأوجبكم عليَّ شفاعة : أصدقكم
لساناً وأدّاكم لأمانتكم وأحسنكم خلقاً ، وأقربكم من الناس» .
٤٧ ـ روى أنس بن
مالك عن أبيه قال : سألت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال : أنا فاعل ، قلت : يا رسول
الله فأين أطلبك؟ قال : اطلبني أوّل ما تطلبني على الصراط ، قلت : فإن لم ألقك على
الصراط؟ قال : فاطلبني عند الميزان ، قلت : فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال : فاطلبني
عند الحوض فإنّي لا أخطئ هذه الثلاث المواطن» .
٤٨ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث : «أنا سيد الناس يوم القيامة ... ثمّ يقال : يا
محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفّع ، فأرفع رأسي فأقول : يا ربّي أُمتي يا ربّي
أُمتي يا ربّي أُمتي ، فيقول : يا محمد أدخل من أُمتك من لا حساب عليه من الباب
الأيمن من أبواب الجنة» .
٤٩ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنا أوّل الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعاً»
.
٥٠ ـ أخرج ابن
مردويه عن طلق بن حبيب : كنت أشد الناس
__________________
تكذيباً بالشفاعة
حتى لقيت جابر بن عبد الله فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل
النار ، فقال : يا طلق أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم لسنّة رسول الله منّي؟ إنّ
الذين قرأت هم أهلها هم المشركون ، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً فعذّبوا ثمّ
أخرجوا منها ثمّ أهوى بيديه إلى أُذنيه ، فقال : صمّتا إن لم أكن سمعت رسول الله
يقول : يخرجون من النار بعد ما دخلوا ، ونحن نقرأ كما قرأت.
وعن ابن أبي حاتم
عن يزيد الفقير ، قال : جلست إلى جابر بن عبد الله وهو يحدّث ، فحدّث أنّ ناساً
يخرجون من النار ، قال : وأنا يومئذٍ أنكر ذلك ، فغضبت وقلت : ما أعجب من الناس
ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمد تزعمون أنّ الله يخرج ناساً من النار والله يقول : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ
النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) فانتهرني أصحابه وكان أحلمهم ، فقال : دعوا الرجل إنّما
ذلك للكفار ، فقرأ : (إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ
لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ) حتى بلغ (وَلَهُمْ عَذابٌ
مُقِيمٌ) أما تقرأ القران؟ قلت : بلى قد جمعته ، قال : أليس الله يقول : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ
نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) فهو ذلك المقام فإنّ الله تعالى يحتبس أقواماً بخطاياهم في
النار ما شاء لا يكلّمهم فإذا أراد أن يخرجهم أخرجهم قال : فلم أعد بعد ذلك إلى أن
أكذب به ...» .
* * *
__________________
هذه خمسون حديثاً
رواها أهل السنّة عن النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ولو أضفنا إليها الصور المختلفة لكل حديث لتجاوز عدد
الأحاديث المائة حديث ، ولكن اكتفينا بهذا المقدار وأشرنا إلى المواضع التي نقلت
فيها صورها المختلفة والناظر فيها يذعن بأنّ الاعتقاد بالشفاعة كان أمراً مسلّماً
بين جماهير المسلمين كما يذعن بأنّها لم تكن عندهم مطلقة عن كل قيد ، بل لها شرائط
خصوصاً في جانب المشفوع له ، وأنّ هناك شفعاء وسنشير في خاتمة المطاف إلى فذلكة
الروايات وعصارتها في المواضع المختلفة.
هلمّ معي نقرأ ما
روته الإمامية في هذا الباب من الأحاديث الكثيرة من النبي الأكرم والأئمة
المعصومين ، ولأجل سهولة الإرجاع إليها نحافظ على التسلسل المذكور في الأحاديث
السابقة.
* * *
أحاديث الشفاعة عند
الشيعة الإمامية
٥١ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّي لأشفع يوم القيامة وأُشفّع. ويشفع عليٌّ فيُشفّع ،
ويشفع أهل بيتي فيشفّعون» .
٥٢ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أُعطيت خمساً ... أُعطيت الشفاعة» .
٥٣ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ الله أعطاني مسألة فادّخرت مسألتي
__________________
لشفاعة المؤمنين
من أُمتي يوم القيامة ففعل ذلك» .
٥٤ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ من أُمتي من سيدخل الله الجنة بشفاعته أكثر من مضر»
.
٥٥ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي» .
٥٦ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الشفعاء خمسة : القران ، والرحم ، والأمانة ، ونبيكم ، وأهل بيت نبيكم» .
٥٧ ـ قال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يقول الرجل من أهل الجنة يوم القيامة : أي ربّي عبدك
فلان سقاني شربة من ماء في الدنيا ، فشفّعني فيه فيقول : اذهب فأخرجه من النار
فيذهب فيتجسس في النار حتى يخرجه منها» .
٥٨ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي» .
٥٩ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّ أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع في أربعين من إخوانه» .
__________________
٦٠ ـ قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أيّما امرأة صلّت في اليوم والليلة خمس صلوات ، وصامت
شهر رمضان وحجّت بيت الله الحرام ، وزكّت مالها ، وأطاعت زوجها ووالت علياً بعدي
دخلت الجنة بشفاعة بنتي فاطمة» .
أحاديث الشفاعة عن
الإمام عليّ عليهالسلام
:
٦١ ـ قال علي عليهالسلام : «لنا شفاعة ولأهل مودّتنا شفاعة» .
٦٢ ـ قال علي عليهالسلام : «ثلاثة يشفعون إلى الله عزوجل فيشفّعون :
الأنبياء ، ثمّ
العلماء ثمّ الشهداء» .
٦٣ ـ قال علي عليهالسلام لولده محمد الحنفية : «اقبل من متنصّل عذره ، فتنالك
الشفاعة» .
٦٤ ـ قال علي عليهالسلام : «اعلموا أنّ القران شافع ومشفّع ، وقائل ومصدّق ، وأنّه من شفّع له القران يوم القيامة شفّع فيه» .
٦٥ ـ قال علي عليهالسلام : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا قمت المقام المحمود تشفّعت في أصحاب الكبائر من
أُمتي فيشفّعني الله فيهم ، والله لا تشفّعت فيمن آذى ذرّيتي» .
__________________
٦٦ ـ قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : «إنّ للجنة ثمانية أبواب باب يدخل منه النبيون والصديقون
، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون ، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا فلم
أزل واقفاً على الصراط أدعو وأقول : ربّ سلّم شيعتي ومحبّي وأنصاري ومن تولّاني في
دار الدنيا فإذا النداء من بطنان العرش : قد أُجيبت دعوتك وشفّعت في شيعتك ، ويشفع
كل رجل من شيعتي ومن تولّاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفاً
من جيرانه وأقربائه ، وباب يدخل منه سائر المسلمين ممّن يشهد أن لا إله إلّا الله
ولم يكن في قلبه مقدار ذرّة من بغضنا أهل البيت» .
٦٧ ـ قال أمير
المؤمنين عليهالسلام : «سمعت النبي يقول : إذا حشر الناس يوم القيامة ناداني
مناد : يا رسول الله إنّ الله جلّ اسمه قد أمكنك من مجازاة محبيك ومحبّي أهل بيتك
الموالين لهم فيك والمعادين لهم فيك فكافهم بما شئت فأقول : يا ربّ الجنة
فأبوِّئُهم منها حيث شئت ، فذلك المقام المحمود الذي وعدت به» .
٦٨ ـ عن علي بن
أبي طالب عليهالسلام قال : «قالت فاطمة عليهاالسلام لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أبتاه أين ألقاك يوم الموقف الأعظم ويوم الأهوال ويوم
الفزع الأكبر؟ قال : يا فاطمة عند باب الجنة ومعي لواء الحمد وأنا الشفيع لأُمتي
إلى ربّي. قالت : يا أبتاه فإن لم ألقك هناك؟ قال :
__________________
ألقيني على الحوض
وأنا أسقي أُمتي ، قالت : يا أبتاه إن لم ألقك هناك؟ قال : ألقيني على الصراط وأنا
قائم أقول : ربّ سلّم أُمتي ، قالت : فإن لم ألقك هناك؟ قال : ألقيني وأنا عند
الميزان ، أقول : ربّي سلّم أُمتي ، قالت : فإن لم ألقك هناك؟ قال : ألقيني على
شفير جهنّم أمنع شررها ولهبها عن أُمتي فاستبشرت فاطمة بذلك ، صلّى الله عليها
وعلى أبيها وبعلها وبنيها» .
أحاديث الشفاعة عن
سائر أئمة أهل البيت عليهمالسلام
:
٦٩ ـ قال الحسن عليهالسلام : «إنّ النبي قال في جواب نفر من اليهود سألوه عن مسائل :
وأمّا شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم» .
٧٠ ـ عن الحسين عليهالسلام وهو ينقل كلام جده معه في منامه قائلاً : «حبيبي يا حسين كأنّي
أراك عن قريب مرمّلاً بدمائك مذبوحاً بأرض كربلا على أيدي عصابة من أُمتي وأنت مع
ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي ، لا أنالهم الله
شفاعتي يوم القيامة» .
٧١ ـ قال علي بن
الحسين عليهماالسلام في الدعاء الثاني من صحيفته : «عرّفه في أهله الطاهرين ،
وأُمته المؤمنين من حسن الشفاعة ، أجل ما وعدته» .
__________________
٧٢ ـ قال علي بن الحسين
عليهماالسلام : «اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد وشرّف بنيانه وعظّم
برهانه ، وثقّل ميزانه ، وتقبّل شفاعته» .
٧٣ ـ قال علي بن
الحسين عليهماالسلام : «فإنّي لم آتك ثقة منّي بعمل صالح قدمته : ولا شفاعة
مخلوق رجوته إلّا شفاعة محمد وأهل بيته عليه وعليهم سلامك» .
٧٤ ـ قال علي بن
الحسين عليهماالسلام : «إلهي ليس لي وسيلة إليك إلّا عواطف رأفتك ، ولا ذريعة
إليك إلّا عوارف رحمتك ، وشفاعة نبيك نبي الأُمة» .
٧٥ ـ قال علي بن
الحسين عليهماالسلام : «صلّ على محمد وآله واجعل توسلي به شافعاً يوم القيامة
نافعاً إنّك أنت أرحم الراحمين» .
٧٦ ـ قال محمد بن
علي الباقر عليهماالسلام : «إنّ لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شفاعة في أُمته» .
٧٧ ـ قال محمد بن
علي الباقر عليهماالسلام : «من تبع جنازة مسلم أُعطي يوم القيامة أربع شفاعات» .
٧٨ ـ قال محمد بن
علي الباقر عليهماالسلام : «يشفع الرجل في القبيلة ، ويشفع الرجل لأهل البيت ،
ويشفع الرجل للرجلين على قدر عمله ،
__________________
فذلك المقام
المحمود» .
٧٩ ـ قال محمد بن
علي الباقر عليهماالسلام : «إنّ أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً ، فعند
ذلك يقول أهل النار : فما لنا من شافعين ، ولا صديق حميم» .
٨٠ ـ سئل محمد بن
علي الباقر عليهماالسلام عن أرجى آية في كتاب الله؟ فقال الإمام عليهالسلام للسائل (بشر بن شريح البصري) : «ما يقول فيها قومك؟ قال :
قلت : يقولون : (يا عِبادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) ، قال : لكنّا أهل البيت لا نقول بذلك ، قال السائل : قلت
: فأيّ شيء تقولون فيها؟ قال : نقول : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ
رَبُّكَ فَتَرْضى) الشفاعة ، والله الشفاعة ، والله الشفاعة» .
٨١ ـ دخل مولى
لامرأة عليّ بن الحسين عليهماالسلام على أبي جعفر (الباقر) يقال له أبو أيمن فقال : «يغرون
الناس فيقولون شفاعة محمد ، قال : فغضب أبو جعفر حتى تربد وجهه ، ثمّ قال : ويحك
يا أبا أيمن أغرّك أن عفّ بطنك وفرجك ، أما والله لو قد رأيت افزاع يوم القيامة
لقد احتجت إلى شفاعة محمد ، ويلك وهل يشفع إلّا لمن قد وجبت له النار» .
٨٢ ـ عن محمد بن
مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : «لفاطمة
__________________
وقفة على باب جهنم
فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه
إلى النار ، فتقرأ بين عينيه محباً ، فتقول : إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من
تولّاني وتولّى ذريتي من النار ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد ، فيقول الله عزوجل : صدقت يا فاطمة إنّي سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك
وتولّاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار ووعدي الحق ، وأنا لا أخلف الميعاد وإنّما
أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأُشفّعك ليتبيّن لملائكتي وأنبيائي ورسلي
وأهل الموقف موقفك منّي ومكانتك عندي فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فجذبت بيده
وأدخلته الجنة» .
٨٣ ـ قال جعفر بن
محمد عليهماالسلام : «والله لنشفعنّ لشيعتنا ، والله لنشفعنّ لشيعتنا ، والله
لنشفعنّ لشيعتنا حتى يقوم الناس فما لنا من شافعين ولا صديق حميم» .
٨٤ ـ قال جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام : «لكل مؤمن خمس ساعات يوم القيامة يشفع فيها» .
٨٥ ـ قال جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام : «شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا ، وأمّا التائبون فإنّ
الله عزوجل يقول : ما على المحسنين من سبيل» .
__________________
٨٦ ـ قال جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام : «من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا : المعراج ،
والمساءلة في القبر ، والشفاعة» .
٨٧ ـ قال معاوية
بن عمار لجعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام : «من ذا الذي يشفع عنده إلّا بإذنه؟ قال : نحن أُولئك
الشافعون» .
٨٨ ـ سئل جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام عن المؤمن هل يشفع في أهله؟ قال : «نعم المؤمن يشفع فيشفّع»
.
٨٩ ـ قال جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام : «إذا كان يوم القيامة نشفع في المذنب من شيعتنا وأمّا
المحسنون فقد نجّاهم الله» .
٩٠ ـ قال جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام : «نمجّد ربنا ونصلّي على نبيّنا ونشفع لشيعتنا فلا يردنا
ربّنا» .
٩١ ـ قال جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام : «إنّ المؤمن ليشفع لحميمه ، إلّا أن يكون ناصباً ولو أنّ
ناصباً شفع له كل نبي مرسل وملك مقرّب ما شفعوا» .
٩٢ ـ قال جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام : «إنّ الجار ليشفع لجاره والحميم لحميمه ، ولو أنّ
الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين
__________________
شَفّعوا في ناصب
ما شُفّعوا» .
٩٣ ـ قال جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام : «إنّ المؤمن ليشفع يوم القيامة لأهل بيته فيشفّع فيهم
حتى يبقى خادمه فيقول فيرفع سبابتيه : يا رب خويدمي كان يقيني الحر والبرد ،
فيشفّع فيه» .
٩٤ ـ كتب جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام إلى أصحابه : «واعلموا أنّه ليس يغني عنهم من الله أحد من
خلقه شيئاً ، لا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا من دون ذلك فمن سرّه أن تنفعه شفاعة
الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه» .
٩٥ ـ قال جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام : «إذا كان يوم القيامة بعث الله العالم والعابد ، فإذا
وقفا بين يدي الله عزوجل قيل للعابد : انطلق إلى الجنة ، وقيل للعالم : قف تشفّع
للناس بحسن تأديبك لهم» .
٩٦ ـ قال جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام في تفسير قوله سبحانه : (لا يَمْلِكُونَ
الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) لا يشفّع ولا يشفّع لهم ولا يشفعون إلّا من أذن له بولاية
أمير المؤمنين والأئمة من ولده فهو العهد عند الله» .
٩٧ ـ قال جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام : «يا معشر الشيعة فلا
__________________
تعودون وتتّكلون
على شفاعتنا فو الله لا ينال شفاعتنا إذا ركب هذا (الزنا) حتى يصيبه ألم العذاب
ويرى هول جهنم» .
٩٨ ـ سئل جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام عن المؤمن هل له شفاعة؟ قال : «نعم ، فقال له رجل من القوم
: هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد؟ قال : نعم ، إنّ للمؤمنين خطايا وذنوباً وما من
أحد إلّا يحتاج إلى شفاعة محمد يومئذٍ» .
٩٩ ـ قال جعفر بن
محمد الصادق عليهماالسلام أو محمد بن علي الباقر عليهماالسلام في تفسير قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) قال : «هي الشفاعة» .
١٠٠ ـ عن سماعة عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن شفاعة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم القيامة؟ قال : يلجم الناس يوم القيامة العرق ويقولون
: انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا عند ربّه ، فيأتون آدم فيقولون : اشفع لنا عند
ربّك فيقول : إنّ لي ذنباً وخطيئة فعليكم بنوح ، فيأتون نوحاً فيردّهم إلى من يليه
وكلّ نبي يردّهم إلى من يليه حتى ينتهون إلى عيسى فيقول : عليكم بمحمد رسول الله ـ
صلّى الله عليه وعلى جميع الأنبياء ـ فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه فيقول :
انطلقوا ، فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمن ويخرّ ساجداً فيمكث ما شاء
الله ، فيقول عزّ
__________________
وجلّ : ارفع رأسك
واشفع تشفّع وسل تعط وذلك قوله : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)» .
١٠١ ـ عن عيسى بن
القاسم عن أبي عبد الله عليهالسلام : «انّ أُناساً من بني هاشم أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا : يكون لنا
هذا السهم الذي جعله للعاملين عليها فنحن أولى به ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا بني عبد المطلب إنّ الصدقة لا تحل لي ولا لكم ولكنّي
وُعدت الشفاعة ثمّ قال : والله أشهد أنّه قد وعدها فما ظنّكم يا بني عبد المطلب
إذا أخذت بحلقة الباب أتروني مؤثراً عليكم غيركم ، ثمّ قال : إنّ الجن والإنس
يجلسون يوم القيامة في صعيد واحد فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فيقولون : إلى
من؟ فيأتون نوحاً فيسألونه الشفاعة ، فقال : هيهات قد رفعت حاجتي ، فيقولون إلى من؟
فيقال : إلى إبراهيم ...» الخ .
١٠٢ ـ عن سماعة عن
أبي إبراهيم في قول الله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) قال : «يقوم الناس يوم القيامة مقدار أربعين عاماً ويؤمر
الشمس فيركب على رءوس العباد ويلجمهم العرق ، ويؤمر الأرض لا تقبل من عرقهم شيئاً
، فيأتون آدم فيتشفعون منه فيدلهم على نوح ، ويدلهم نوح على إبراهيم ويدلهم
إبراهيم على موسى
__________________
ويدلهم موسى على
عيسى ويدلهم عيسى فيقول : عليكم بمحمد خاتم البشر ، فيقول محمد : أنا لها ، فينطلق
حتى يأتي باب الجنة فيدقّ فيقال له : من هذا ـ والله أعلم ـ فيقول : محمد! فيقال :
افتحوا له ، فإذا فتح الباب استقبل ربه فيخر ساجداً فلا يرفع رأسه حتى يقال له :
تكلّم وسل تعط واشفع تشفّع ، فيرفع رأسه فيستقبل ربّه فيخر ساجداً فيقال له مثلها
فيرفع رأسه حتى أنّه ليشفع من قد احترق بالنار ، فما أحد من الناس يوم القيامة في
جميع الأُمم أوجه من محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو قول الله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)» .
١٠٣ ـ قال موسى بن
جعفر الكاظم عليهماالسلام : «لمّا حضر أبي (جعفر بن محمد) الوفاة قال لي : يا بني
انّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة» .
١٠٤ ـ قال موسى بن
جعفر الكاظم عليهماالسلام : «كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : لا تستخفوا بفقراء شيعة علي فإنّ الرجل منهم ليشفع
بعدد ربيعة ومضر» .
١٠٥ ـ قال موسى بن
جعفر الكاظم عليهماالسلام : «شيعتنا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويحجّون
البيت الحرام ويصومون شهر رمضان ويوالون أهل البيت ويتبرءون من أعدائهم ، وانّ
أحدهم ليشفع في مثل
__________________
ربيعة ومضر
فيشفّعه الله فيهم لكرامته على الله عزوجل» .
١٠٦ ـ قال علي بن
موسى الرضا عليهماالسلام ناقلاً عن علي عليهالسلام : «من كذّب بشفاعة رسول الله لم تنله» .
١٠٧ ـ قال علي بن
موسى الرضا عليهماالسلام : «مذنبوا أهل التوحيد لا يخلّدون في النار ويخرجون منها
والشفاعة جائزة لهم» .
١٠٨ ـ قال علي بن
موسى الرضا عليهماالسلام ناقلاً عن آبائه عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرم لذريّتي ،
والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي في أُمورهم عند ما اضطرّوا إليه ، والمحبّ لهم
بقلبه ولسانه» .
١٠٩ ـ قال علي بن
موسى الرضا عليهماالسلام ، ناقلاً عن آبائه عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله شفاعتي ثمّ قال عليهالسلام : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمتي فأمّا المحسنون فما
عليهم من سبيل ، قال الحسين بن خالد : فقلت للرضا عليهالسلام : يا بن رسول الله فما معنى قول الله عزوجل : (وَلا يَشْفَعُونَ
إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى)؟ قال : لا يشفعون إلّا لمن ارتضى الله دينه» .
١١٠ ـ قال علي بن
محمد الهادي عليهماالسلام كما في الزيارة الجامعة : «ولكم المودّة الواجبة والدرجات
الرفيعة والمقام المحمود ، والمقام
__________________
المعلوم عند الله عزوجل والجاه العظيم ، والشأن الكبير والشفاعة المقبولة» .
١١١ ـ قال الحسن
بن علي العسكري عليهماالسلام ناقلاً عن أمير المؤمنين عليهالسلام في ضمن حديث : «لا يزال المؤمن يشفع حتى يشفع في جيرانه
وخلطائه ومعارفه» .
١١٢ ـ قال الحجة
بن الحسن عليهماالسلام في الصلوات المنقولة عنه : «اللهمّ صلّ على سيد المرسلين
وخاتم النبيين وحجة ربّ العالمين ، المرتجى للشفاعة» .
هذه هي الأحاديث
الواردة عن طرق الشيعة الإمامية وأنت إذا أضفتها إلى ما رواه أصحاب الصحاح
والمسانيد ، يتجلّى لك موقف الشفاعة في الشريعة الإسلامية من القطعية كما يتجلّى
لك معناها إلى غير ذلك من الخصوصيات التي مرّ بيان الخلاف فيها.
ثمّ بقيت في
المقام روايات مبعثرة في الكتب والصحاح والمسانيد ، يستلزم جمعها إفراد رسالة في
المقام ولأجل ذلك اكتفينا بما ذكرناه.
__________________
خاتمة المطاف :
بحث وتمحيص
حول الروايات الواردة في الشفاعة
قد وقفت على
النصوص والروايات التي نقلناها من الصحاح والمسانيد لأهل السنّة والمجاميع
الحديثية للشيعة الإمامية والواجب هنا هو الوقوف على مضمون هذه الروايات على وجه
الاختصار وإليك ما تدل عليه تلك المأثورات :
١ ـ يستفاد من
الروايات المختلفة أنّ الشفاعة من ضروريات التشيع وأنّ أئمة أهل البيت يجاهرون
بذلك ، فلاحظ الأرقام التالية من الأحاديث الماضية : ٨٦ ، ١٠٦ ، ١٠٩.
٢ ـ إنّ الدقة
فيما مرّ من الروايات المتواترة يقضي ببطلان ما ذهب إليه المعتزلة في معنى الشفاعة
، وأنّ الحقّ في الشفاعة هو ما عليه جمهور المسلمين من أنّه عبارة عن غفران الذنوب
الكبيرة ببركة شفاعة الشفيع ودعائه ، فلاحظ الأرقام التالية من الأحاديث الماضية :
١ ، ٧ ، ١٥ ،
١٦ ، ٥٥ ، ٥٨ ، ٦٥
، ٦٦ ، ٨٥ ، ١٠٩ وغيرها من الروايات.
٣ ـ إنّ الشفاعة
كما تحفظ من دخول النار توجب خروج المذنب من النار بعد الدخول فيها ، فلاحظ
الأرقام التالية : ٢٦ ، ٥٠ ، ٥٧ ، ١٠٧ وغيرها.
٤ ـ إنّ شفاعة
الشافعين مشروطة بوجود مؤهلات في المشفوع لهم وقد جاء شروطها في الروايات. منها :
أن لا يكون مشركاً ، ومنها : أن يكون مسلماً ، ومنها : أن يكون مؤمناً ، ومنها :
أن يكون محبّاً لأهل البيت لا ناصباً لهم العداء ، ومنها : أن لا يكون مستخفاً
للصلاة ، نعم من كان مؤدياً للأمانة ، حسن الخلق وقريباً من الناس يشفع قبل كل أحد
، فلاحظ في ذلك كلّه الأرقام التالية : ٢ ، ٣ ، ٦ ، ٩ ، ١١ ، ١٧ ، ٢٤ ، ٩١ ، ٩٢ ،
١٠٣.
٥ ـ إنّ القران وإنّ أجمل مسألة الشفيع ولم يصرّح في ذلك إلّا في مورد أو
موردين ، غير أنّ الأحاديث أعطت صورة مفصّلة عن الشفعاء وإليك أسماءهم مع الإشارة
إلى الأحاديث الدالّة عليها.
أ ـ الرسول الأكرم
صلىاللهعليهوآلهوسلم من الشفعاء ، فلاحظ الأرقام التالية من الأحاديث الماضية :
٤ ، ٥ ، ٧ ، ٨ ، ١٠ ، ١٤ ، ٥٦ ، ٦٩ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٦ ، ١٠٠ ، ١٠١.
ب ـ الملائكة من
الشفعاء ، فلاحظ الأرقام التالية : ١٨ ، ٢١ ، ٢٢.
ج ـ الأنبياء من
الشفعاء ، فلاحظ الأرقام التالية : ٢٠ ، ٢١ ، ٢٢.
د ـ أهل البيت من
الشفعاء ، فلاحظ الأرقام التالية : ٥١ ، ٥٦.
ه ـ علي من
الشفعاء ، فلاحظ الرقم التالي : ٦١.
و ـ فاطمة من
الشفعاء ، فلاحظ : ٦٠ ، ٨٢.
ز ـ العلماء من
الشفعاء ، فلاحظ : ٢٠ ، ٦٢ ، ٩٥.
ح ـ الشهداء من
الشفعاء ، فلاحظ : ٢٠ ، ٢٢ ، ٢٨ ، ٦٢.
ط ـ القران من الشفعاء ، فلاحظ : ٤٣ ، ٤٤ ، ٥٦ ، ٦٤.
ى ـ متعلّم القران والعامل به من الشفعاء ، فلاحظ : ٢٩.
ك ـ المؤمن من
الشفعاء ، فلاحظ : ٧٧ ، ٧٨ ، ٨٨ ، ٩١ ، ٩٣ ، ١٠٥ ، ١١١.
ل ـ من بلغ
التسعين يشفع ، لاحظ : ٣٠.
م ـ من كان حافظاً
للرحم مؤدياً للأمانة يشفع ، لاحظ : ٥٦.
ما ذكرناه عصارة
هذه الروايات والوقوف على الجزئيات يتوقف على ملاحظتها واحدة بعد الأُخرى.
والحمد لله ربّ العالمين
جعفر السبحاني
فهرس الموضوعات
(١)
موقف
علماء الإسلام من الشفاعة
اتفاق علماء الإسلام
على انّ الشفاعة من صميم الدين............................... ٧
نقل عشرين كلمة من
أكابر العلماء................................................. ٧
(٢)
الشفاعة
في القران الكريم
الآيات المتعلقة
بالشفاعة على أصناف............................................. ١٦
الصنف الأوّل ما ينفي
الشفاعة................................................... ١٧
الصنف الثاني ما يفند
عقيدة اليهود في الشفاعة..................................... ١٨
الصنف الثالث ينفي
شمول الشفاعة للكفار........................................ ١٨
الصنف الرابع ينفي
صلاحية الأصنام للشفاعة...................................... ١٩
الصنف الخامس يخصّ
الشفاعة به سبحانه......................................... ٢٠
الصنف السادس يثبت
الشفاعة لغيره سبحانه بشروط............................... ٢٢
الصنف السابع يسمّي من
تقبل شفاعته........................................... ٢٥
الشفاعات المرفوضة............................................................. ٢٦
الشفاعات المقبولة.............................................................. ٢٧
(٣)
حقيقة
الشفاعة
الشفاعة التكوينية.............................................................. ٢٩
الشفاعة القيادية................................................................ ٣١
الشفاعة المصطلحة............................................................. ٣٣
(٤)
مبررات
الشفاعة
مبررات الشفاعة عبارة عن :
أ ـ ابتلاء الناس
بالذنب والتقصير................................................. ٣٦
ب ـ سعة رحمته لكل شيء....................................................... ٣٧
ج ـ الأصل هو السلامة......................................................... ٣٩
د ـ الآثار البنّاءة
والتربويّة للشفاعة................................................. ٤٠
ه ـ الأمر بيده سبحانه
أولاً وآخراً................................................. ٤٣
(٥)
اثر
الشفاعة
اثر الشفاعة عند أهل
السنة والشيعة الإمامية هو إسقاط العقاب...................... ٤٥
نقل كلماتٍ من أكابر
العلماء في ذلك المضمار..................................... ٤٦
اثر الشفاعة عند
المعتزلة هو ترفيع الدرجة ونقده..................................... ٤٧
(٦)
طلب
الشفاعة من المأذونين بالشفاعة
طلب الشفاعة عبارة عن
طلب الدعاء............................................. ٥٠
تصريح الإمام الرازي
ونظام الدين النيسابوري بذلك................................. ٥١
السلف الصالح وطلب
الشفاعة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.................................... ٥٣
نقول من كتب الحديث
والتاريخ في المقام........................................... ٥٣
(٧)
أسئلة
حول طلب الشفاعة
السؤال الأوّل : الشفيع ميّت كيف يطلب منه الدعاء................................ ٥٨
النبي الأكرم حي يرزق........................................................... ٥٩
السؤال الثاني : الشفيع ميّت وهو لا يسمع........................................ ٦١
إنّ المسئول ليس هو
الجسد بل الروح.............................................. ٦١
وجود الصلة بين الحياة
الدنيوية والبرزخية........................................... ٦٢
السنّة لا تتفق مع عدم
السماع................................................... ٦٣
الصحابي الجليل عثمان
بن حنيف وطلب الشفاعة من النبي بعد رحيله................. ٦٦
تفسير قوله سبحانه : «فإنّك
لا تسمع الموتى»..................................... ٦٧
تفسير قوله سبحانه : «وما
أنت بمسمع من في القبور».............................. ٦٨
تحقيق رائع حول
الآيتين......................................................... ٦٩
السؤال الثالث : الشفاعة فعل الله................................................ ٧١
ما هو المسئول عن
النبي ليس فعل الله المختص به................................... ٧١
السؤال الرابع : طلب الشفاعة يشبه عمل المشركين.................................. ٧٣
المقياس هو باطن العمل
لا ظاهره................................................. ٧٤
السؤال الخامس : إنّ طلب الشفاعة دعاء الغير وهو عبادة........................... ٧٥
ليس كل دعاء عبادة
وإنّما الدعاء الخاص عبادة..................................... ٧٦
(٨)
الشفاعة
في الأحاديث الإسلامية
أحاديث الشفاعة عند
أهل السنّة وهي خمسون حديثاً............................... ٨٠
أحاديث الشفاعة عند
الشيعة الإمامية وهي اثنان وستون حديثاً....................... ٩٠
خاتمة المطاف : بحث وتمحيص حول الروايات الواردة في الشفاعة.................... ١٠٥
فهرس الموضوعات............................................................. ١٠٨
|