كلمة المجمع

لا شكّ أنّ الحوار العلمي والاحتجاجات والمناظرات القائمة على الاسس المنطقية والأخلاقية من أبدع الوسائل للوصول إلى الحقائق والكشف عنها ، وقد حثّ القرآن الكريم على هذه الطريقة من البحث العلمي إذ قال تعالى : (... فَبَشِّرْ عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ...) (١).

ومن السبّاقين في هذا المضمار هم أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، فالكتب الروائية مشحونة بالاحتجاجات العقلية التي دارت بينهم وبين أصحاب المذاهب الفكرية الاخرى من المسلمين وغيرهم في جانبي المعارف الاعتقادية والأحكام الشرعية.

وقد سار علماؤنا رضوان الله عليهم على هذا الدرب المنير ، فأجروا حوارات ومناظرات مع من يخالفهم في الآراء الاعتقادية والفقهية عبر المشافهة والتخاطب أو التأليف والكتابة ، ولم يكتفوا بالمناظرة مع الأشخاص والمفكّرين المعاصرين لهم أو السابقين عليهم ، بل ربما كانوا هم الذين يثيرون الشبهات ، ومن ثمّ يتصدّون للإجابة عليها.

ونظرا إلى أهميّة موضوع الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والدور التأريخي والاجتماعي المهمّ لهذا الأمر فقد بادر علماؤنا منذ البدء إلى تأليف الكتب

__________________

(١) الزمر : ١٧ ، ١٨.

والرسائل في موضوع الإمامة وشتّى جوانبه العقلية والنقلية والتأريخية ، كما تصدّوا أيضا للردّ على الشبهات الواردة في هذا الموضوع سواء كانت الشبهات المثارة فعلا ، أو التي يمكن أن تثار في المستقبل.

والكتاب الذي بين يديك أيّها القارئ الكريم ـ بالرغم من وجازته ـ هو من خيرة الكتب المؤلّفة في هذا الموضوع فمؤلّفه ـ كما ستقف على نبذة من حياته العلمية ـ هو من فطاحل متكلّمي الشيعة كما تدلّ على ذلك تأليفاته الثمينة.

والكتاب (النجاة في القيامة) يحتوي على أهمّ المسائل المتعلّقة بمبحث الإمامة. ومنهج البحث فيه هو ذكر المسألة والآراء المتضاربة فيها ثمّ بيان الرأي الراجح ثمّ العود إلى الآراء المخالفة لمناقشتها استدلاليا ، ويذكر المؤلّف ما يثبت الرأي المختار عنده ، كما أنّه يبيّن المناقشات الجارية في دلالة هذه الأدلّة مع الإجابة عنها. هذا كلّه مع القناعة والالتزام بالطريق العقلي المستقيم والتجنّب عن كلّ نزعة ذاتية والاقتصار على الدفاع عن الحقّ والدين القويم.

إنّ هذا الكتاب حلقة مكمّلة لما قدّمه المتقدّمون عليه في هذا المجال كالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي ومن حذا حذوهم ونتاج زاخر بالعطاء يمتاز بالدقة وعمق النظر للمتأخّرين عنه.

ومجمع الفكر الإسلامي إذ يقدّم الطبعة الاولى المحقّقة لهذا السّفر الجليل إلى قرّاء المكتبة الإسلامية يأمل أن ينال هذا الموضوع مزيد عناية من العلماء والمفكّرين وطلّاب الحقيقة.

كما ويقدّم جزيل الشكر لمحقّقه صاحب الفضيلة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي حيث بذل جهدا مشكورا لإحياء هذا التراث الخالد راجيا الله تعالى أن يوفّقه وإيّانا لمراضيه إنّه وليّ التوفيق.

مجمع الفكر الإسلامي

من حياة المؤلف وعصره

ولادته ووفاته ومرقده :

يبدو من كتب التأريخ القديم أنّ اسم البحرين كان يطلق قديما على مجموعة من المدن والقرى فيما بين البصرة إلى عمان ، ثمّ تقلّص تدريجا حتّى اختصّ بمجموعة جزر بالقرب من الشاطئ الغربي من الخليج الفارسي ، هي :

المنامة ـ العاصمة ـ والمحرّق ، وحترة ، والنبيّ صالح ، وأم نسعان ، وجدّة ، ومن قراها المعروفة : البلاد ، والخيط ، والدراز ، والدونج ، والدمست ، والمهر ، والماحوز (١).

وقد ترجم لعلماء البحرين عدة منهم في عدة كتب ورسائل ، منهم الشيخ علي بن الحسن البلادي البحراني (م ١٣٤٠) في كتابه (أنوار البدرين في علماء البحرين : ٦٢ ـ ٦٩) فذكر أنّ في (الدونج) و (هلتا من الماحوز) بقعتان كلتاهما مشهورتان بأنّها بقعة (ابن ميثم البحراني).

ولكن المحقق البحراني (م ١١٨٦) ترجم له في كتابه (لؤلؤة البحرين : ٢٥٤ ـ ٢٦١) فعيّن أنّ قبر المترجم له في قرية «هلتا» وفي قرية «الدونج» قبر

__________________

(١) انظر للمزيد معجم البلدان ١ : ٣٤٦ ـ ٣٤٩ ، طبعة بيروت ١٩٧٩ م.

جدّه. يعني الميثم بن المعلّى (١).

وعليه يبدو أنّ اسرة المترجم له قد نزحت بعد وفاة الجدّ من قرية الدونج إلى قرية هلتا من ضواحي الماحوز فأمّا قبل ولادة المترجم له أو بعدها.

وأوّل من أرّخ مولده هو الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني (م ١١٢١) في فهرسه (فهرست آل بويه وعلماء البحرين : ٦٩) ولكنّه أرّخ وفاته بسنة (٧٦٩) وهذا تأريخ غريب عن ترجمته في سائر المصادر وعليه يكون عمره مائة وثلاثا وثلاثين سنة ، أي يكون من المعمّرين ، ولو كان لذكر. اللهم إلّا أن يكون من خطأ في الطبع أو النسخ بوقوع تأخير وتقديم في الترقيم بين العددين بأن يكون الأصل (٦٧٩) كما جاء ذلك في أكثر المصادر.

ويبدو أنّ أوّل من أرّخ وفاته بذلك الشيخ بهاء الدين العاملي (م ١٠٣٠) في (الكشكول ٣ : ٣٨٩ ، الطبعة الحجرية) بالأرقام كذلك ، بينما نقل ذلك عنه السيد إعجاز حسين الهندي في كتابه (كشف الحجب عن أسماء المؤلفين والكتب : ٣٥٧) فقال : «توفي سنة تسع وتسعين وستمائة» بالحروف. فلعلّه اعتمد نسخة معتمدة ، أو اطمأنّ إلى اشتباه السبعين عن التسعين ، بدلالة ما تنبّه إليه العلّامة الطهراني في كتابه (طبقات أعلام الشيعة ٧ : ١٨٧) حيث أرّخ ابن ميثم فراغه من كتابه (اختيار مصباح السالكين الشرح الصغير لنهج البلاغة) بسنة ٦٨١ (٢) ولا شكّ أنّ الأولى بالتشكيك تأريخ الوفاة ، دون تأريخه لفراغه من تأليفه لكتابه ،

__________________

(١) وعليه فلا يصحّ ما في نهاية مقدمة شرح النهج الكبير للمؤلف ١ : ٣٠٠ أنّه دفن في مقبرة جدّه المعلّى في قرية هلتا.

(٢) واختار الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني في تحقيقه لاختيار مصباح السالكين للمؤلف المترجم له ابن ميثم رحمه‌الله وسطا بين التأريخين : ٧٨٩ بلا ذكر مستند له لذلك.

وعليه فلا يمكن تصحيح ذلك التأريخ لوفاته إلّا باحتمال تحريف السبعين عن التسعين أو تصحيفه عنه. وعليه يكون عمره ثلاثا وستين سنة ، عمرا يكاد يكون طبيعيا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما بين الستين إلى السبعين معترك المنايا ... الحديث الشريف» (١) ومنسجما مع كثرة كتبه ومؤلفاته. وبهذا يضاف استبعاد آخر لصحّة التأريخ السابق (٦٧٩) فعليه يكون عمر المترجم له ابن ميثم ثلاثا وثلاثين سنة ، وهذا أيضا لو كان لذكر بقصر العمر ، ولم يذكر بذلك ، هذا أوّلا. وثانيا : كان من المستبعد جدّا أن يكون قد كتب كلّ ما سنذكره من كتبه خلال أقلّ من عقد ونصف.

إذن فالمختار في تأريخ حياة المؤلف المترجم له العلّامة ابن ميثم البحراني هو أنّه عاش ثلاثا وستين سنة من ٦٣٦ إلى ٦٩٩ ه‍.

عصر المؤلّف :

كانت ولادة المؤلّف في أواخر عصر المستنصر بالله العباسي (٦٢٣ ـ ٦٤٠) (١٢٤٢ ـ ١٢٥٨ م) وفي الرابعة من عمره توفي المستنصر وخلفه ابنه عبد الله المستعصم بالله (٦٤٠) فأوكل تدبير الملك إلى وزيره أبي طالب محمد ابن علي بن محمد القمي العلقمي ، واشتغل هو باللعب بالطيور ، وضرب الطنبور ، واللهو والفجور ، وأغار ابن الخليفة أبو بكر على محلّة «الكرخ» مسكن الشيعة في بغداد فنهبها ، وأسر جمعا كثيرا من سادة الشيعة ، ومعهم ألف امرأة أو فتاة منهم! فتصدّى الوزير العلقمي القمي لزوال آل العباس آملا في أن يليها أحد السادة العلويّين.

__________________

(١) البحار ٦ : ١١٩.

ومن قبل المستنصر وعلى عهد جدّه أحمد الناصر لدين الله (٥٧٥ ـ ٦٢٢) كان الملك في المشرق الإسلامي إيران وما والاها بيد تكش الخوارزمشاهي ، وتوفّي هذا في سنة ٥٩٦ وخلفه ابنه علاء الدين محمد خوارزمشاه ووسّع ملكه من أقصى المشرق إلى حدود العراق وملك كلّ هذه البلاد ، وأساء التصرّف مع وفود جنكيزخان المغولي فاحتجّ بذلك وأغار على المشرق الإسلامي ، وانهزم علاء الدين خوارزمشاه ، ولم يبق فيها من يحمي البلاد ويمنع الأوغاد فاستولوا عليها ، وتوفّي علاء الدين سنة ٦١٧ وخلفه ابنه جلال الدين ، وجهّز جيشا وحارب المغول وانتصر في بعض المواقع وانكسر في أواخرها فانهزم إلى الهند ، ورجع سنة ٦٢٢ واستجاب دعوته المسلمون لحرب المغول ، واستولى على البلاد ، ولكنّه بدأ يحارب الملوك : كيقباد السلجوقي والملك الأشرف فتصالحا لحربه فانكسر وانهزم.

وانتهز فرصة ضعفهم هولاكو حفيد جنكيز مع قومه التتار ، فكانت الحملة التترية بقيادة هولاكو بعد الحملة المغولية بقيادة جنكيزخان سنة ٦٢٨ وقتل فيها جلال الدين وانقضى ملك الخوارزمشاهيّين.

وانتهز الفرصة دعاة الاسماعيليين بقيادة الحسن بن الصبّاح ، فنشروا دعوتهم في أوساط إيران : قزوين وما والاها ، حتّى قضى عليهم التتار في سنة ٦٥٣ ه‍ ١٢٥٥ م (١) واستصحب هولاكو الخواجة نصير الدين الطوسي القمي (٢).

__________________

(١) أحوال وآثار خواجه نصير الدين : ١٤ ، (فارسي).

(٢) كان أبوه من كهرود واليوم يقال لها وشارة ـ بين قم وساوة تتمة المنتهى : ٥٢٠ ، طبعة قم ، والفوائد الرضوية : ٦٠٤. انظر روضات الجنات ٦ : ٣٠٠. بل يرى الأفندي أنّ طوس كانت من قرى قم ، انظر رياض العلماء ٥ : ١٦٠.

هذا والملك في غربي إيران إلى جانب الروم بأيدي أخلاف الملك كيقباد السلجوقي : قليج ارسلان السلجوقي ثمّ أبناؤه الثمانية! وفي الشامات الكبرى سورية وفلسطين والأردن ولبنان ومصر ، بأيدي أخلاف الفاطميين الاسماعيليين : أبناء صلاح الدين الأيوبي الثلاثة ، وأبناء أخيه أبي بكر الخمسة! والشيطان يوقع بينهم العداوة والبغضاء بخمر الدنيا وميسرها ، فالفتنة قائمة على قدم وساق ، وبشقّ الأنفس.

فأدّى اختلاف الكلمة بين ملوك المغرب الإسلامي إلى تجرّء متفيّئي ظلال الصليب عليهم ، فأجلبوا عليهم بخيلهم ورجلهم ، فاستولوا على كثير من مدن آسيا الصغرى وحكموها وأكثروا القتل والفساد فيها.

وفي أوائل المحرّم سنة ٦٥٥ ه‍ ١٢٥٧ م حاصر هولاكو بغداد ، وقد استصحب الخواجة نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي (٥٩٧ ـ ٦٧٢) وقرّر هولاكو إرسال المحقّق الطوسي سفيرا إلى الخليفة العباسي المستعصم للتفاوض معه (١) ، وحاول الطوسي أن يقنع الخليفة بالتنازل للأمر الواقع لتهدئة الأوضاع والحدّ من إراقة الدماء ، إلّا أنّ الخليفة أصرّ على رفض كلّ الحلول المطروحة ، فرجع الطوسي صفر اليدين ، وبدأ هولاكو بتضييق الحصار على بغداد.

وحيث تصدّى وزير الخليفة مؤيّد الدين العلقمي القمي لزوال آل العباس ، آملا في أن يليها أحد السادة العلويين ، فقد كاتب التتار وراسلهم خفية ، وأطمعهم في الاستيلاء على بغداد بغير قتال وجلاد ، وفرّق جيش المستعصم ، وأبلغه أنّ هولاكو يريد أن يزوّج ابنته ابنك أبا بكر ، ثمّ يكون لك كما كان لك السلاجقة وتبقى أنت الخليفة ، فإن رأيت أن تخرج إليهم وتصالحهم وتصاهرهم ، فلا تراق

__________________

(١) يادبود خواجه طوسى : ١٥ ، (فارسي).

الدماء وينتهي الأمر بالسلام والوئام!

وحيث لم يكن للخليفة تدبير إلّا في تطيير الطيور ، لذلك فقد نجحت فيه خدعة الوزير ، واستدعى الوزير من فقهاء بغداد وسائر علمائها أن يحضروا مجلس السلام ، وخرج الخليفة وبيده قضيب النبي (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليه بردته (٢) مع جماعة من العلماء والأعيان وأكابر الدولة إلى بلاط هولاكو ، وأدخلهم هولاكو في مخيّمه ، وحيث اجتمع جمعهم جرّد جنوده سيوف الخيانة والحتوف فيهم. أمّا المستعصم وابنه أبو بكر فقد وضعوهما في جولقين (خرجين) وضربوهما بمكدم الجصّ حتّى ماتا ، وكان ذلك في اليوم الثامن والعشرين من شهر محرّم سنة ٦٥٦ ه‍ ثمّ استباحوا بغداد أربعين يوما ، وقتلوا سائر أولاد المستعصم واسترقّوا بناته ، وكأنّ دخولهم بغداد كان بعد اسبوع من قتل المستعصم ومن اعتصم به ، في الخامس من شهر صفر سنة ٦٥٦ ه‍ ١٢٥٨ م.

وكان هولاكو قد اتّخذ تبريز عاصمة له ، واستوزر بهاء الدين محمد الجويني بعنوان صاحب الديوان ، لإدارة الدولة في إيران ، فتركه في بغداد ورجع هو ونصير الدين الطوسي إلى عاصمته تبريز ، بعد عام من دخوله بغداد في أوائل سنة ٦٥٧ ه‍ ١٢٥٨ م.

ورغّب الطوسي هولاكو في اختيار قاعدة جديدة ، ليقيم فيها أعظم رصد

__________________

(١) عصا صغيرة كان يأخذها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده يسمّى القضيب الممشوق.

(٢) نقل ابن الأثير في الكامل : أنّ البردة كان قد أهداها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى كعب بن زهير الشاعر واشتراها معاوية من ورثته بعشرين ألف درهم ، فكانت بيد الخلفاء حتّى أحرقها التتار ٢ : ٢٧٦.

ومكتبة من الكتب المنهوبة من خراسان وبغداد والموصل ودمشق (١) ومدرسة علمية ، وأن يوفد وفودا إلى العلماء في البلدان يدعوهم إليها ، واستجاب هولاكو لذلك ، واختار الطوسي مراغة قرب مدينة زنجان لذلك ، وأوفد فخر الدين لقمان المراغي لدعوة العلماء إليها (٢).

وفي سنة ٦٦١ توفّي بهاء الدين محمد الجويني صاحب الديوان ببغداد ، ففوض هولاكو حكومة بغداد إلى ابنه علاء الدين عطاء الملك الجويني واستوزر له أخاه شمس الدين محمد بن محمد الجويني.

وفي سنة ٦٦٢ ه‍ ١٢٦٣ م أوكل هولاكو إلى الطوسي ولاية الأوقاف والتفتيش العام في شئون البلاد. وفي سنة ٦٦٣ ه‍. هلك هولاكو ، وخلفه ابنه أبا خاقان ، وفي سنة ٦٧٢ ه‍. سافر الطوسي إلى العراق ، وأصابه في بغداد داء عضال توفّي به في يوم الغدير ١٨ ذي الحجة سنة ٦٧٢ ه‍. ١٢٧٢ م فدفن في رواق الإمامين الكاظمين عليهما‌السلام.

مشايخه في البحرين :

وقد ترجم له ثلاثة من علماء البحرين في كتبهم (٣) ولا نرى لديهم في مشايخه من علماء البحرين سوى شيخ واحد هو الشيخ كمال الدين علي بن سليمان البحراني (م ٦٧٢) وهو من قرية مصترة ، وله كتاب الإشارات ، ومفتاح الطير في

__________________

(١) يادبود خواجه طوسى ، المقدّمة : ٢ ، للدكتور موسى عميد.

(٢) أعيان الشيعة ٤٦ : ١١.

(٣) فهرست آل بويه وعلماء البحرين : ٦٩ ، والسلافة البهية في الترجمة الميثمية بضمن كشكول البحراني ١ : ٤١ ـ ٥٣.

شرح رسالة الطير وشرح قصيدة ابن سينا في النفس. وهذه كلّها رسائل فلسفية وفيها شيء من العرفان ، فلعل المؤلف قرأ عليه الفلسفة ، وابن سليمان هذا هو تلميذ الشيخ كمال الدين أبي جعفر أحمد بن علي بن سعيد بن سعادة ، من قرية مصترة ، وله رسالة باسم «رسالة العلم».

ذكر هذه الرسالة العلّامة الطهراني فقال : بعثها إليه (المؤلف المترجم له) استاذه الشيخ علي بن سليمان البحراني. وذكر أنّ المؤلّف أرفقها برسالة الخواجة نصير الدين الطوسي ، فيها المدح له والثناء عليه في غاية البلاغة ، وطلب فيها المؤلف من الخواجة شرح «رسالة العلم» لابن سعادة (١).

فالمعلوم من هذا : المرسل والمرسل والمرسل إليه بالوساطة «المؤلف» والمرسل إليه بالنهاية «الطوسي» هؤلاء معلومون ، ولكن المكان والزمان مجهولان ، فمتى؟ ومن أين؟ وإلى اين ارسلت الرسالة؟

لقاؤه بالخواجه :

وقد ذكروا اسم المحقق الطوسي رحمه‌الله في عداد تلامذة المؤلف المترجم له ابن ميثم في الفقه (٢) فأيضا متى؟ وأين كان ذلك؟ ولم يذكر للمؤلف أيّ سفر إلى إيران ، وإنّما إلى العراق فقط. وكذلك لم يذكر للمحقّق الطوسي رحمه‌الله سفر إلى البحرين وإنّما إلى العراق فقط أيضا. فمتى؟ وأين كان هذا التلاقي؟ وهل الرسالة قبله أو بعده؟

وقد مرّ أنّ المحقّق الطوسي قدس‌سره كان ملزما بملازمة السلطان هولاكو في

__________________

(١) الذريعة ٢٠ : ٢٩٧.

(٢) بدأه الطريحي في مجمع البحرين ، مادّة مثم ٦ : ١٧٢.

محاصرته بغداد من أوائل المحرّم سنة ٦٥٥ ه‍ حتّى سنة بعد سقوط بغداد حيث رجع مع السلطان إلى إيران في أواخر سنة ٦٥٦ ه‍. وسيأتي أنّ سفر المؤلف إلى بغداد كان في حكومة علاء الدين عطاء الملك الجويني أي بعد ٦٦١ ه‍. وعليه فلم يكن التلاقي في هذه السفرة.

ومرّ أيضا أنّ هولاكو أوكل ولاية الأوقاف والتفتيش العام في شئون البلاد إلى المحقق الطوسي قدس‌سره في سنة ٦٦٢ ه‍ ١٢٦٣ م فأرسله لذلك إلى العراق في تلك السنة فزار البصرة وبغداد والواسط والحلّة. وقد أرّخوا هلاك هولاكو بسنة ٦٦٣ ولم يؤرّخوا لرجوع المحقق من سفرته هذه إلّا أنّه بعد عشر سنين سافر إلى بغداد سفرته الأخيرة التي توفّي في أواخرها. ففي أي هاتين السفرتين سنة ٦٦٢ و٦٧٢ كان لقاء المؤلف بالمحقق؟

في سنة ٦٦٢ ه‍ وبتذكر مولد المؤلف في ٦٣٦ ه‍ يكون عمر المؤلف ٢٦ سنة ، وعمر المحقق بالقياس إلى مولده في ٥٩٧ ه‍ (١) ٦٥ سنة ، أفليس من الغريب والبعيد أن يكون المحقق في هذه السفرة وهو في ٦٥ من عمره قرأ الفقه على المؤلف وهو في ٢٥ من عمره تقريبا؟! اللهم إلّا أن يكون بالعكس ، أو يكون للمؤلف طرق رواية ليست للمحقق وأراد أن يتبرّك بها منه ، كما ذكر ذلك (٢) وفي السفرة الأخيرة للمحقق الطوسي كان عمره ٧٥ عاما والمؤلف ٣٥ سنة ، فهل فيها ـ دون السابقة ـ قرأ المحقق الفقه على المؤلف؟ أو استجاز منه للرواية؟

ولعلّ بين هاتين السفرتين للمحقق الطوسي قدس‌سره من إيران إلى بغداد ، سمع

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٢٤٦ ، وروضات الجنات ٦ : ٣١٤ ، وتنقيح المقال ٣ : ١٧٩.

(٢) انظر مقدمة الحاتمي لشرح النهج الكبير للمؤلف ١ : ى ، والحاتمي هو الشيخ محمد رضا البروجردي المتوفى في ١٤٠١ ه‍ ، معجم رجال الفكر : ١٤٦.

شيخ المؤلف الشيخ كمال الدين علي بن سليمان البحراني ـ وهو في البحرين ـ بالتقاء تلميذه المؤلف بالمحقق الطوسي ومعرفته به وسمع بالسمعة العالية للمحقق الطوسي في الفلسفة والكلام ، وقد أشكلت عليه «رسالة العلم» لاستاذه ابن سعادة فأرسلها إلى تلميذه ليتوسط له لدى المحقق الطوسي فيطلب منه شرح الرسالة ، وكان المحقق الطوسي قد رجع إلى تبريز أو مراغة زنجان ، فأرفق الرسالة برسالة منه إليه يطلب فيه منه ذلك ، وقد استجاب المحقق إلى ذلك فشرح الرسالة.

صلته بالأمير عزّ الدين النيشابوري :

مرّ آنفا : أنّ الفيلسوف الطوسي رغّب هولاكو في اختيار قاعدة جديدة في مراغة زنجان في إيران ، وأن يوفد وفودا إلى العلماء في البلدان يدعوهم إليها ، واستجاب هولاكو لذلك ، وأوفد فخر الدين لقمان المراغي لدعوة العلماء إليها (١).

وكان ممن استجاب للرحلة إلى مراغة السيد أبو الفضل بن المهنّأ الحسيني ومعه تلميذه الشيخ عبد الرزّاق بن أحمد الشيباني المعروف بابن الفوطي البغدادي المتوفّى في بغداد (٧٣٢ ه‍) وله كتاب «معجم الآداب في معجم الألقاب» جاء في تلخيصه ترجمة : عزّ الدين أبو المظفر عبد العزيز بن جعفر بن الحسين النيسابوري الملك ، صاحب البصرة ، له نسب في آل الأشتر النخعي. ذكره لي شيخنا أبو الفضل ابن المهنّأ الحسيني وكتب لي بخطّه قال : «ولد المذكور سنة ٦٢٦ وسافر حتّى عدّ من الرحّال الصدور ، فتعلّق ببيت الأوشادي أي سنقر بيتكجي. ولما فتحت العراق لجأ إلى الصاحبين : علاء الدين وشمس الدين (الجويني) ورتّب شحنة (مدير الشرطة) بواسط ، وفوّضت إليه البصرة وضواحيها ، وكان كثير الإحسان

__________________

(١) أعيان الشيعة ٤٦ : ١١.

إلى العلويين» ، ثمّ أضاف الفوطي : قدم علينا مراغة ورأيته. ومن شعره يمدح الصاحب علاء الدين عطا ملك الجويني :

عطا ملك ، عطاؤك ملك مصر

وبعض عبيد دولتك العزيز

تجازي كلّ ذي ذنب بعفو

ومثلك من يجازي أو يجيز

ولمّا استقرّ ملكه بالبصرة كانت لنجم الدين عبد السلام فيه مدائح كثيرة.

وتوفّي في ذي القعدة سنة ٦٧٢ ه‍ ورثاه شيخنا عبد السلام بقصيدته الغرّاء أوّلها :

لم أبك حتّى بكى لك الكرم

والسيف يوم القراع ، والقلم

وصنّف له شيخنا (ابن المهنّأ) : (المدائح العزّية والمنائح العزيزية) (١).

وذكر وفاته في كتابه الآخر (الحوادث الجامعة في المائة السابعة) فقال :

في منتصف ذي القعدة ٦٧٢ توفي الملك عزّ الدين عبد العزيز بن جعفر النيشابوري ببغداد تولّى شحنكية (مديرية شرطة) الواسط والبصرة ، وكان حسن السيرة عظيم الناموس (الشخصية) ودفن في مشهد علي عليه‌السلام ورثاه الشعراء وتوفي بعده في ١٨ ذي الحجة ٦٧٢ الخواجة نصير الدين الطوسي فرثاهما علي بن عيسى الأربلّي بقوله :

ولمّا قضى عبد العزيز بن جعفر

وأردفه رزء النصير محمد(٢)

ونرى مؤلّفنا المترجم له يصفه في مقدّمته لكتابه هذا الكلامي العقائدي الخاص بالإمامة «النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة» بقوله : «ثمّ أنّه تعالى لمّا وفّقني للاتّصال بجناب مولانا المعظّم ، العالم العادل البارع ، ذي النفس الأبيّة ،

__________________

(١) تلخيص معجم الآداب في معجم الألقاب ١ : ٢٠٨ ، برقم ٢٦٣.

(٢) الحوادث الجامعة : ٢٧٧ ، وعنه في الأنوار الساطعة : ٨٩.

والهمم العلية ، والأخلاق المرضية ، والأعلاق الزكية ، ملجأ الأنام ، وواحد الليالي والأيام ، عزّ الدنيا والدين ، أبي المظفر عبد العزيز بن جعفر النيسابوري ـ أعزّ الله ببقائه الطائفة ، وحرس به الملّة ـ فألفيته من أخصّ الأولياء لأولاد سيد الأنبياء ، مع ما خصّه الله تعالى به من العلم ، وحباه من مزيد الفهم ، فهو للعلماء والد عطوف ، ولمعاناة أحوالهم برّ رءوف ، يتواضع لهم مع علوّ مرتبته ويرفع من خاملهم مع شرف منزلته ، فشملني بإنعامه ، وأحلّني محلّ إكرامه ، حتّى أنساني الأهل والبلد ، وأصدفني عن المال والولد ... أشار إليّ بإملاء مختصر في الإمامة ، انقّح فيه الأدلّة والبيّنات ، واقرّر فيه الأسئلة والجوابات ، فهممت أن أعتذر لمشقّة السفر وما يستلزمه من تشعّب الأذهان ، ومفارقة الأهل والأوطان ، ثمّ كرهت أن ينسب ذلك إلى تقصير منّي في خدمته ، وأداء بعض ما وجب عليّ من شكر نعمته» (١).

ولا يؤرّخ الكتاب بدءا ولا ختاما ، ويبدو لي من نفس هذه المقدّمة أنّه أوّل ما كتبه لأمير ناحيته البصرة ، وكأنّه طلب إليه كتابا آخر مثله في الكلام العام على منهج الإمامية ، فكتب له الكتاب الثاني «قواعد المرام في علم الكلام» وعلى العادة ضمّن مقدّمته وصف الأمير فقال :

«وبعد ... فلمّا كان ... وكنت ممّن وسم فيه (اصول الدين) بالتحصيل ، وإن لم أحصل منه إلّا القليل ، أشار إليّ من إشارته غنم وتلقّي أوامره العالية حتم ؛ وهو المولى المكرّم ، الملك المعظّم ، العالم العادل ، الفاضل الكامل ، الذي فاق ملوك الآفاق باستجماع مكارم الأخلاق ، وفاز في حلبة السباق أهل الفضائل بالإطلاق ، الذي ملأ الأسماع بأوصافه الجميلة ، وأفاض أوعية الأطماع بألطافه

__________________

(١) راجع ترجمته في مقدمة الكتاب ، الصفحة : ٢.

الجزيلة ، حتّى أنسى بضروب النعم من سلف من أهل الكرم ، وأمّت كعبة جوده وجوه الهمم من سائر طوائف الامم : عزّ الدنيا والحقّ ، غياث الإسلام والمسلمين ، أبو المظفّر عبد العزيز بن جعفر ـ خلّد الله إقباله ، وضاعف جلاله ، وأبّد فضله وإفضاله ، وحرس عزّه وكماله ـ إذ كانت همّته العلية مقصودة على تحصيل السعادة الأبدية ، أن أكتب له مختصرا في هذا العلم يجمع بين تحقيق المسائل ، وإبطال مذهب الخصم بأوضح الدلائل ، المميزة للحق من الباطل» (١).

وكذلك لم يؤرّخ الكتاب بدءا ولا ختاما ، ولكن كاتب النسخة في سنة ٧١٧ ه‍ أحمد بن أبي عبد الله الآوي كتب في آخر نسخته :

«اتّفق فراغ مصنّفه ومؤلّفه : ملك العلماء علّامة الدهر مفتي الطوائف ، كاشف الحقائق واللطائف ، كمال الملّة والدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني تغمّده الله برحمته بمدينة السلام في العشرين من ربيع الأوّل سنة ست وسبعين وستمائة» (٢).

وعليه وبالقياس إلى تأريخ ولادته في ٦٣٦ ه‍ يكون عمره حينئذ ثلاثين سنة. ولعلّ نسخ هذين الكتابين بلغا إلى علماء الشيعة في حاضرتهم يومئذ بمدينة الحلّة المزيدية ، فرغبوا في لقائه فكانت قصته الشهيرة : «كلّي يا كمّي» بين خروجه من البصرة وقبل انتقاله إلى مدينة السلام (بغداد).

قصّة «كلي يا كمّي»! :

أنّه عطّر الله مرقده كان في أوائل حاله ، معتزلا مشتغلا بالبحث والدراسة والتحقيق ، فكتب إليه فضلاء الحلّة من العراق صحيفة تحتوي على عذله ولومه

__________________

(١) مقدمة قواعد المرام في علم الكلام : ٢٠ ، طبعة قم المقدسة.

(٢) انظر صورة النسخة في الصفحة الأخيرة من مقدمة الكتاب.

على ذلك ، فمع مهارته في العلوم والمعارف وحذاقته في التحقيق والإبداع ، معتزل خامل ، فكتب في جوابهم هذين البيتين من الشعر :

طلبت فنون العلم أبغي بها العلى

فقصّر بي عمّا سموت به القلّ

تبيّن لي أنّ المحاسن كلّها

فروع ، وأنّ المال فيها هو الأصل

فلمّا وصل هذا الشعر إليهم كتبوا إليه : «إنّ حكمك بأصالة المال عجيب غريب ، بل خطأ ظاهر ، أقلب تصب» فكتب في جوابهم هذه الأبيات لبعض المتقدمين :

قد قال قوم بغير علم

ما المرء إلّا بأصغريه(١)

فقلت قول امرئ حكيم

ما المرء إلّا بدرهميه

من لم يكن له درهم لديه

لم تلتفت عرسه إليه

ثمّ توجّه إلى العراق لزيارة الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ، وبعد زيارة تلك المشاهد المشرفة ، توجه إلى الحلّة ، فلبس بعض ثيابه العتيقة الخشنة والرثة ، ودخل بعض مدارسهم المشحونة بالباحثين والدارسين ، فسلّم عليهم فلم يردّ عليه إلّا بعضهم متثاقلا عنه ، ولم يلتفتوا إليه ، فجلس أوّل المجلس في صفّ النعال!

وعكف اولئك في بحثهم على مسألة دقيقة مشكلة ، فأدلى فيها بدلوه وأجاب عنها بتسعة أجوبة في غاية الجودة والدقّة ... ومع ذلك أحضروا طعاما أفردوه بشيء منه على حده ولم يشركوه في مائدتهم! وانفضّ مجلسهم فقاموا.

وفي اليوم التالي عاد إليهم وقد تعمّم بعمامة كبيرة وبملابس فاخرة ذات أكمام واسعة وهيئة رائعة! فلمّا دخل عليهم وسلّم قاموا فرحّبوا به وأكرموه

__________________

(١) ذكرها بعضهم : بأكبريه ، بينما المعروف : المرء بأصغريه ، بقلبه ولسانه ، لا بأكبريه ، ولا أراه إلّا من التصحيح بالغلط.

وعظّموه وأجلسوه صدر المجلس واجتهدوا في تكريمه وتوقيره وبالغوا في ملاطفته ومطايبته ... وإنّما داخلهم في بحثهم بكلام لا مشروع ولا معقول! ومع ذلك فقد قابلوه بالتحسين والتسليم على وجه التكريم! ولمّا حضرت المائدة بادروا إليه بالآداب ... فألقى الشيخ كمّه في ذلك الطعام وقال لها كلي يا كمّي! فاستغربوا ذلك وتعجّبوا واستفسروه عن ذلك. فقال : أنتم إنّما أكرمتم أكمامي هذه الواسعة ؛ وإلّا فأنا صاحبكم بالأمس ، جئتكم بهيئة الفقراء ولكن بسجية العلماء ، واليوم جئتكم بلباس الجبّارين وتكلّمت بكلام الجاهلين وأنتم رجّحتم الجهالة على العلم والغنى على الفقر ... نعم ، أنا صاحب الأبيات التي كتبتها إليكم في أصالة المال وفرعية صفة الكمال ، وأنتم قابلتموها بالتخطئة!

فاعترف الجماعة له واعتذروا إليه عمّا صدر منهم من التقصير في شأنه قدس‌سره (١).

ثمّ إلى بغداد :

مرّ آنفا أنّ بهاء الدين محمد الجويني الوالي التتري على بغداد توفّي في سنة ٦٦١ ه‍ ففوّض هولاكو حكومة بغداد إلى ابنه علاء الدين عطاء الملك الجويني ، واستوزر له أخاه شمس الدين محمد بن محمد الجويني. ولا يؤرخ المؤلف المترجم له لدخوله إلى بغداد واتّصاله بالجوينيين وبدئه بشرحه الكبير لنهج البلاغة ، ولكن يؤرّخ لإتمامه ذلك سنة ٦٧٧ ه‍.

__________________

(١) مجالس المؤمنين ٢ : ٢١٠. والمناسب مع هذه القصة أن تكون هذه السفرة الاولى له إلى الحلة قبل إقامته ببغداد ٦٧٦ ه‍ وفيها كانت مباحثة المحقق الحلّي معه وإقراره له بالفضل ، مجمع البحرين ٦ : ١٧٢ فهذا هو المناسب ، لا بعد إقامته ببغداد وصدور كتبه واشتهاره بها.

ونراه يقول في مقدمته لهذا الشرح الكبير : «إلى أن قضت صروف الزمن بمفارقة الأهل والوطن ، وأوجبت تقلّبات الأيام دخول دار السلام [بغداد] ، فوجدتها نزهة للناظر وآية للحكيم القادر ، بانتهاء أحوال تدبيرها ، وإلقاء مقاليد امورها ، إلى من خصّه الله تعالى بأشرف الكمالات الإنسانية ... (صاحب ديوان الممالك) السالك إلى الله أقرب المسالك (١) علاء الحقّ والدين عطا ملك ، ابن الصاحب ... الفائز بلقاء ربّ العالمين ، ومجاورة الملائكة المقرّبين بهاء الدنيا والدين محمد الجويني ... وشدّ أزره بدوام عزّ صنوه وشقيقه ... مولى ملوك العرب والعجم (صاحب ديوان ممالك العالم) شمس الحق والدين ، غياث الإسلام والمسلمين محمّد ... ولمّا اتّفق اتّصالي بخدمته وانتهيت إلى شريف حضرته ...» (٢).

وقال في نهاية الكتاب : «وإذ وفّقني الله تعالى لإتمام شرحه ، فله الحمد ... وكتب عبد الله الملتجئ إلى رحمته ... ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، في منتصف ليلة السبت سادس شهر الله المبارك رمضان ، من سنة سبع وسبعين وستمائة» (٣).

اختيار مصباح السالكين :

وفي مقدمة شرحه المختصر لنهج البلاغة الذي سمّاه هو «اختيار مصباح السالكين» وصف علاء الدين عطا ملك الجويني بقوله :

__________________

(١) لم يسمّ شرحه هذا الكبير في مقدمته باسم ، ولكنّه سمّى مختاره منه باسم : اختيار مصباح السالكين في شرح كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام. فلعلّ ذلك اشتقاقا من هذا الوصف «السالك» الذي أطلقه على من كتب له هذا الشرح : علاء الدين الجويني.

(٢) شرح النهج للبحراني ١ : ٣ ـ ٤.

(٣) شرح النهج للبحراني ٥ : ٤٦٨.

«وبعد ... فلمّا كان من تمام نعم الله عليّ وكمال إحسانه إليّ : اتّصالي بخدمة حضرة من تجلّت بنجوم كرمه وجوه المكارم ... مولى ملوك العرب والعجم صاحب ديوان ممالك العالم : علاء الحقّ والدين ، غياث الإسلام والمسلمين : عطا ملك ـ بن الصاحب المعظّم السعيد الشهيد : بهاء الدنيا والدين محمد الجويني ـ ... وجعل دأبه الكريم ... والتأسّف لقطع وقته بما عداها (نهج البلاغة والأحاديث الصحاح والأخبار) : ككتاب اليميني (م ٤٢٧) و (مقامات الحريري) وسائر منشور كلام العرب ... ثمّ استدرك الفارط منها لكرامتها لديه ، فألزم بملازمتها والتمسّك بها ولديه : الأميرين الكبيرين المعظّمين ، العالمين الفاضلين الكاملين : جلالي الدولة وعضدي الملّة : نظام الدنيا والدين أبا منصور محمد ، ومظفّر الدنيا والدين أبا العباس عليا. فندبهما إلى حفظ فصوصها ، وحرّضهما على اقتباس أنوار نصوصها ، وأشغل بها من لاذ بخدمتهما من البطانة والأتباع ، وقصد بذلك إحياء ميّت السنّة وعموم الانتفاع. ورأيت تشوّق خاطره المحروس إلى شرح كتاب (نهج البلاغة). فخدمت مجلسه العالي بشرح مناسب لهمّته ... فكبر لذلك حجمه ... فأشار عليّ أن ألخّص منه مختصرا جامعا لزبد فصوله ، خاليا من زيادة القول وطوله ، ليكون تذكرة لولديه ... فيسهل عليهما ضبط فوائده ، والوقوف على غاياته ومقاصده ، وعلى من عساه يحذو حذوهما في اقتناء الفضائل ... فبادرت إلى امتثال أمر العالي بالسمع والطاعة ، وبذلت في تهذيبه وتنقيحه جهد الاستطاعة» (١). وقال في نهاية الكتاب : «هذا اختيار مصباح السالكين ، لنهج البلاغة من كلام مولانا وإمامنا أمير المؤمنين ... وفرغ من اختصاره أفقر عباد الله تعالى ميثم بن علي بن ميثم البحراني عفا الله عنه ، في

__________________

(١) اختيار مصباح السالكين ، مقدّمة المؤلّف : ٤٥ ـ ٤٨ ، طبعة مشهد.

آخر شوال سنة إحدى وثمانين وستمائة» (١).

وإذا أعدنا النظر إلى تواريخ انتهائه من الكتب المتقدمة تكون النتيجة : أنّه فرغ من كتابيه الكلاميّين العقائديّين : قواعد المرام ، والنجاة في القيامة ، في النصف الأوّل من سنة ٦٧٦ ه‍ وأتمّ شرحه الكبير لنهج البلاغة في أوائل الشهر التاسع من سنة ٦٧٧ أي في حدود سنة ونصفها تقريبا ، ولكنّه لم يفرغ من اختصاره إلّا في شوّال سنة ٦٨١ أي بعد خمس سنين. فلعلّه رحل عن بغداد بعد ما اخذ الأخوان الوزيران الجوينيان : علاء الدين وشمس الدين ، وصودرت أموالهما وحبسا في همدان ، ورجع إليها بعد ما اطلقا وردّت إليهما أموالهما واعيدا إلى منصبهما في الديوان ببغداد سنة ٦٨١ ه‍ هذا وقد توفي علاء الدين محمد في ٤ ذي القعدة من نفس السنة (٢).

كتاب تجريد البلاغة :

وفي مقدمته لشرحه الكبير يقول : «رتّبت هذه المقدمة على ثلاث قواعد : القاعدة الاولى : في مباحث الألفاظ. وهي مرتّبة على قسمين : القسم الأوّل : في دلالة الألفاظ وأقسامها وأحكامها» ويستمرّ هذا القسم من الصفحة الخامسة حتّى الثامنة عشر. ثمّ يقول : «القسم الثاني : في كيفيات تلحق الألفاظ بالنسبة إلى معانيها فتوجب لها الحسن والزينة ، وتعدّها أتمّ الإعداد لأداء المعاني ، وتهيّئ الذهن للقبول. وهو مرتّب على مقدّمة وجملتين» ويستمرّ هذا القسم الثاني من

__________________

(١) اختيار مصباح السالكين : ٦٨٥ ، طبعة مشهد.

(٢) مجالس المؤمنين ٢ : ٤٦٧ ـ ٤٨١.

الصفحة الثامنة عشر حتّى صفحة ستّين فيدخل في القاعدة الثانية في الخطابة (١).

وفي «الذريعة» في التعريف بكتابه «تجريد البلاغة» قال : توجد منه نسخة في مدرسة سپهسالار الجديدة بطهران ، ألّفه باسم نظام الدين أبي المظفّر منصور ابن علاء الدين عطا ملك ابن بهاء الدين محمد الجويني. رتّبه على مقدّمة وجملتين. وقد شرحه الفاضل المقداد السيوري وسمّاه «تجريد البراعة في شرح تجريد البلاغة» (٢).

فيبدو لي أنّ المؤلف المترجم له كما اختصر شرحه الكبير لهذين الأخوين الجوينيّين ، كذلك جرّد القسم الثاني من قسمي القاعدة الاولى من القواعد الثلاث من مقدمة ذلك الشرح الكبير ، لهذين الأخوين ، أو للأخ الأكبر الذي سمّاه المؤلف ـ كما مرّ ـ نظام الدين أبا منصور محمد ، وليس أبا المظفّر منصور ، كما في «الذريعة».

ونظام الدين هذا هو الذي قلّده الملك أبا خاقان التتري المغولي حكومة اصفهان وعراق العجم في عهد والده شمس الدين محمد صاحب الديوان ببغداد ، فكأنّه غيّر لقبه من نظام الدين إلى بهاء الدين بلقب جدّه ، وباسمه وله كتب العماد الطبري كتابه «كامل بهائى» (فارسي) نسبة إلى بهاء الدين هذا وألّف له الخواجة الطوسي «أوصاف الأشراف» بالفارسية في الأخلاق ، و «صد كلمه بطلميوس» أيضا بالفارسية في الحكمة. وباسمه أيضا ألّف المحقق الحلّي كتابه الفقهي «المعتبر في شرح المختصر».

وتوفّي في أصفهان فجأة بالسكتة القلبية عن عمر لا يزيد عن ثلاثين سنة ،

__________________

(١) شرح النهج للبحراني ١ : ٥ ـ ٦٠ ، طبعة طهران ـ النصر.

(٢) الذريعة ٣ : ٣٥٢.

فرثاه الشعراء ، ووالده شمس الدين صاحب الديوان (١).

وذكره مادحا له القاضي نظام الدين الاصفهاني في بعض شعره في مدح آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله :

قل للنواصب : كفّوا ، لا أبا لكم

لشيعة الحقّ يأبى الله توهينا

أعاد حكم ملوك الترك رونقهم

وزادهم (ببهاء الدين) تمكينا

يرى (عليا وليّ الله) مدّخرا

للحشر أولاده العزّ الميامينا(٢)

وشرحه للمائة كلمة له عليه‌السلام :

ونرى في قائمة كتب المؤلّف المترجم له كتابا في «شرح المائة كلمة للإمام علي عليه‌السلام» يصفها في مقدمته بقوله : «مائة من الكلم جمعت لطائف الحكم ، انتخبها من كلماته الإمام أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ عفى الله عنه وكان ممّن استجمع فضيلتي العلم والأدب ، وحكم بأنّ كلّ كلمة منها تفي بألف من محاسن كلام العرب. ولم يخصّها من سائر حكمه لمزيد جلالة ، بل لضمّها الوجازة إلى الجزالة ... ثمّ اتّفق اتّصالي بمجلس الصاحب المعظّم ، ملك وزراء العالم ، العالم العادل ، ذي النفس القدسية والرئاسة الإنسية : شهاب الدنيا والدين مسعود بن كرشاسب ـ ضاعف الله جلاله وأدام إقباله ـ فألفيته منخرطا في سلك الروحانيات ، معرضا عن الأجسام والجسمانيّات ، مولّيا بوجهه شطر القبلة الحقيقية ، متلقّيا بقوّته العقلية أسرار المباحث النفسية ، أحظى جلسائه لديه من نطق بحكم ، وأكرمهم عليه من حاوره في علم ... أحببت أن اتحف حضرته العلية بكشف أستار بعض تلك

__________________

(١) الأنوار الساطعة : ١٧٣ ـ ١٧٤ ، وسرگذشت خواجه نصير الدين : ٦٧ ، (فارسي).

(٢) مجالس المؤمنين ٢ : ٤٨٢ ، وسرگذشت وعقائد خواجه نصير الدين : ٦٧.

الكلمات ورموزها ، وإبراز ما ظهر لي من دفائنها وكنوزها. فشرعت في ذلك ... فإنّي ... أحوالي الحاضرة جارية على غير نظام» (١).

حقّق هذا الكتاب ونشره المرحوم السيد المحقق الأرموي الحسيني المحدّث.

وقال في تقديمه للكتاب : «أمّا المؤلف له أعني الوزير شهاب الدين مسعود ابن كرشاسب الذي كتب الشارح هذا الشرح لأجله وأتحفه إيّاه ، فلم أعرفه ، إذ لم أعثر على شيء ـ في ما عندي من الكتب ـ يدلّني على معرفة بحاله» (٢).

ومعه الحقّ في ذلك ، ففي مظان ذلك من كتب التراجم لم نعثر له على ذكر بهذه الصورة «مسعود بن كرشاسب».

وإنّما غاية ما في الباب من كتب التراجم لذلك العهد ، أنّا نجد اسم «مسعود» لأحد أبناء شمس الدين محمد الجويني الستّة : محمد ، وأتابك وفرج الله ، ومسعود ، ويحيى ، الذين قتل أربعة منهم (عدا محمدا) بعد قتل أبيهم ؛ الملك أرغون خان التتري المغولي ، بدسائس اليهود ، ولهم خامس يدعى زكريا ، بقي حيا ، وكان ذلك في ٤ شوال سنة ٦٨٣ ه‍ (٣).

سعى فيه فخر الدين المستوفي القزويني وحسام الدين الحاجب لدى أرغون خان واتّهمه بإعداد السمّ لقتل آباقا خان ، فقتله أرغون خان في حوالي مدينة أهر (زنجان) وبعد فترة قليلة قتل أولاده الأربعة (٤).

__________________

(١) شرح المائة كلمة : ٢ ، طبعة طهران.

(٢) شرح المائة كلمة ، المقدّمة : ى.

(٣) الأنوار الساطعة : ١٧٢ ، نقلا عن القاضي في مجالس المؤمنين ، وانظر ترجمة ابنه بهاء الدين محمد في : ١٧٣.

(٤) سرگذشت خواجه نصير الدين الطوسي : ٦٦ ، (فارسي) ، وانظر مجالس المؤمنين ٢ : ٤٧٣ و٤٧٨.

وقال يحيى بن عبد اللطيف القزويني (٩٤٨ م) في «لبّ التواريخ» بالفارسية : «تملك أرغون خان بن آباقا خان ـ بعد أحمد خان ـ في ٧ جمادي الآخرة سنة ٦٨٣ ه‍ فقتل الخواجة شمس الدين صاحب الديوان الذي استمرّت وزارته وأبيه وجدّه تسعا وعشرين عاما ، بتهمة سمّه لآباقا خان ، في ضحى يوم الاثنين ٤ شعبان سنة ٦٨٣ ه‍ في آذربايجان ... وعاقب أولاده الأربعة ، وقبورهم قرية «چرنداب آب» وهلك أرغون خان بعد سبع سنين في ٥ ربيع الأوّل سنة ٦٩٠ ه‍ (١).

ومسعود بن شمس الدين الجويني هذا هو الذي يعبّر عنه السيد ابن طاوس في كتابه «مهج الدعوات» يقول : «حدّثني صديقنا الملك مسعود ، ختم الله له بإنجاز الوعود» (٢).

ولا نملك هنا ولا يسعنا إلّا احتمال أن يكون «المسعود» المعهود في مقدمة المؤلف لشرحه المائة كلمة هو هذا ، إن جوّزنا أن يكون «كرشاسب» الاسم الفارسي الأصيل لأبيه شمس الدين محمد أو جدّه بهاء الدين محمد ، أو لأحد أجداده ، وإلّا فالحق مع المحقق المحدّث الأرموي في بقاء المؤلف له هذا الكتاب مجهولا.

وإن كان المسعود هو الشهيد بن الشهيد شمس الدين ، وقد قتلا في ٦٨٣ ه‍ فعليه يكون شرحه للمائة كلمة متأخّرا عن شرحيه الكبير والصغير لنهج البلاغة ، وقبل قتلهم.

وليس في ما بأيدينا ما ينبئنا عن أواخر حياة المؤلف المترجم له ، فلا ندري

__________________

(١) لبّ التواريخ : ٢٣٦ و٢٣٧ ، (فارسي).

(٢) مهج الدعوات : ٤١٥ ، كما عنه في البحار ٩٥ : ٣٣٦.

ما الذي حدث له أو عليه بعد قتل هؤلاء الشهداء السعداء ، وإنّما نرى تأريخ وفاته في بلاده البحرين ، مما نستظهر منه أنّه انكمش إلى بلاده بعد النكبة لهؤلاء الأعلام.

كتبه ومؤلفاته :

لملء الفراغ والإعواز في النصوص عن حياة المؤلف المترجم له تمسّكت بمقدمات بعض كتبه ، وإلى هنا نكون قد أتينا على ذكر ستة من كتبه الأساسية الموجودة :

١ ـ قواعد المرام في علم الكلام. فرغ منه في ٢٠ ربيع الأوّل ٦٧٦ ه‍ بالبصرة لأميرها ، وطبع لأوّل مرّة في الهند بحاشيته (المنتخب في المراثي والخطب) للشيخ فخر الدين الطريحي سنة ١٣٣٢ (١) وطبع ثانية بإعداد السيد المحقق أحمد الحسيني بقم المقدسة سنة ١٣٩٨ ه‍ ضمن سلسلة مخطوطات مكتبة آية الله المرعشي النجفي قدس‌سره.

٢ ـ النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة ، هذا الكتاب ، لم يؤرّخه ، ولم يطبع (٢) كتبه في البصرة لأميرها عزّ الدين النيشابوري (٦٧٢ ه‍).

٣ ـ شرح النهج (الكبير مصباح السالكين) فرغ منه سنة ٦٧٧ ه‍ ببغداد طبع أوّلا بطهران سنة ١٢٧٦ في مجلّد ضخم طبع حجر قديم ، وثانية بشيء من التحقيق والتقديم بقلم الحاتمي وهو الشيخ محمد رضا البروجردي المتوفى في ١٤٠١ ه‍. واختصره العلّامة الحلّي ، ونظام الدين الجيلاني باسم : أنوار

__________________

(١) الذريعة ١٧ : ١٧٩ باسم القواعد الإلهية في الكلام والحكمة. وباسم مقاصد الكلام في علم الكلام في ٢١ : ٣٨٤ ، وباسم منهج الأفهام في علم الكلام في رياض العلماء ٥ : ٢٢٧.

(٢) الذريعة ٢٤ : ٦١ ، برقم ٢٩٦.

الفصاحة (١).

٤ ـ اختيار مصباح السالكين ، اختصره من شرحه الكبير بطلب علاء الدين الجويني لولديه ، فرغ منه سنة ٧٨١ ه‍ ببغداد. حققه الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني ، وطبع في مشهد سنة ١٤٠٨ ه‍ (٢).

٥ ـ تجريد البلاغة ، جرّده من مقدمة شرحه الكبير ، لابني علاء الدين الجويني أيضا أو لنظام الدين محمد خاصة ، لم يؤرخ ، ولم يطبع. وتوجد منه نسخة في مدرسة سپهسالار الجديدة بطهران. شرحه الفاضل المقداد السيوري وسمّاه «تجريد البراعة في شرح تجريد البلاغة» (٣).

ولم يعثر له على شرحه لنهج البلاغة عدا هذين الشرحين : الكبير والصغير ، اللهم إلّا أن يراد بالشرح الأصغر.

٦ ـ شرح المائة كلمة للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام. كتبه للأمير الوزير شهاب الدين مسعود بن كرشاسب ، لم يؤرخ ، حققه ونشره المحقق المحدّث الحسيني الأرموي سنة ١٣٩٠ ه‍ (٤).

سائر كتبه ورسائله :

٧ ـ آداب البحث ، ذكره الماحوزي في السلافة البهية ، كما في كشكول

__________________

(١) الذريعة ١٤ : ١٤٩ ، وباسم مصباح السالكين ٢١ : ١١٠.

(٢) ذكر باسم مختصر شرح النهج في الذريعة ٢٠ : ١٩٩ ، وباسم شرح النهج المتوسط أو الصغير ١٤ : ١٤٩ ، والوسيط ١٤ : ١٧٠.

(٣) الذريعة ٣ : ٣٥٢. وباسمه مقدمة البلاغة ٢٢ : ٤٤ ، وباسم اصول البلاغة ٢ : ١٧٩.

(٤) أعيان الشيعة ١٠ : ١٩٨ ، والذريعة ١٤ : ٤١ ، وباسم منهاج العارفين ٢٣ : ١٦٨.

البحراني ١ : ٤٥ وعنه في الذريعة ١ : ١٤ ، وأعيان الشيعة ١٠ : ١٩٨.

٨ ـ استقصاء النظر في إمامة الأئمة الاثني عشر ، ذكره الماحوزي كذلك وعنه في الذريعة ٢ : ٣٢.

٩ ـ البحر الخضم ، ذكره الماحوزي كذلك وعنه في الذريعة ٣ : ٣٧.

١٠ ـ الدر المنثور ، الذريعة ٨ : ٧٧.

١١ ـ رسالة في شرح حديث المنزلة ـ أعيان الشيعة ١٠ : ١٩٨.

١٢ ـ رسالة في العلم ، ذكرها الحرّ في أمل الآمل ، وعنه في الذريعة ١٥ : ٣١٦ واحتمل اتّحادها مع رسالة آداب الحديث.

١٣ ـ رسالة في الكلام ـ الذريعة ١٨ : ١٠٨.

١٤ ـ رسالة في الوحي والإلهام ـ ذكرها الماحوزي في السلافة وعنه في الذريعة ٢٥ : ٦١.

١٥ ـ غاية النظر ـ الذريعة ١٦ : ٢٤.

١٦ ـ المعراج السماوي ، ذكره الماحوزي في السلافة ، وعنه في الذريعة ٢١ : ٢٣٠.

وقد أسلفنا ذكر وفاة الشيخ المؤلف ومرقده في قرية هلتا من قرى الماحوز في بلاد البحرين. قدّس الله نفسه الزكية.

نحن وكتاب

النجاة في القيامة

في

تحقيق أمر الإمامة

يتضمّن الكتاب مقدمة وثلاثة أبواب.

أمّا المقدمة فهي في تعريف الإمامة ومذاهب الناس فيها.

والباب الأوّل في الشرائط المعتبرة في الإمامة.

الباب الثاني : في تعيين الإمام.

الباب الثالث : في تقرير شبهة الخصوم والجواب عنها ، وهذه هي أهمّ البحوث في الإمامة ويمتاز الكتاب على الرغم من ضآلة الحجم باستيعابه إلى حدّ كبير :

١ ـ الآراء المختلفة والمتضاربة حول الإمامة وفي مختلف شئونها. فهو يتطرّق إلى مذاهب المسلمين في وجوب الإمامة وفي تعيين الإمام والشروط المعتبرة فيه. كما ويتناول بالبحث في مذاهب طوائف الشيعة المنكرين لإمامة بعض الأئمة الاثني عشر.

٢ ـ الأدلّة والوجوه التي يقيمها لإثبات ما تراه الإمامية الاثنا عشرية في مختلف مسائل الإمامة فتراه يتطرّق إلى بيان الدليل ثمّ يستمرّ في ترسيخه وتدعيمه بذكر كلّ الوجوه المحتملة في المسألة وإبطالها وتعيين الوجه الصحيح منها

٣ ـ الأدلّة والوجوه التي يقيمها أصحاب بقية الطوائف الإسلامية لا سيّما مناقشاتهم في أدلّة الإمامية ، فيذكر كلّ ذلك بتفصيل ثمّ يدخل في نقدها وردّها بالاسلوب الكلامي المعهود عن المتكلّمين.

عملنا في تحقيق الكتاب كما يلي :

أ ـ استخراج منابعه ومصادره.

ب ـ تقويم نصّه ومتنه.

ج ـ اعتمدنا في تحقيقه على نسختين مخطوطتين :

إحداهما : نسخة مكتبة الإمام الرضا عليه‌السلام في مشهد رمزنا لها ب (ضا) ، وقد جاء في نهايتها هكذا : «بقلم أضعف العباد إلى رحمة ربّه الغنيّ الجواد : يوسف ابن محمد بن إبراهيم المثاني أعانه الله على طاعته وجعله حجّة له لا عليه. وذلك ضحى يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر الله المبارك ذو الحجّة أواخر سنة اثنتين وخمسين وثمان مائة ، وصلّى الله على سيدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل. تم».

وثانيتهما : نسخة مكتبة خاصّة للسيد محمد علي الروضاتي في اصفهان ورمزنا لها ب (عا).

د ـ توضيح الكلمات الغامضة التي وردت في الكتاب.

محمد هادي اليوسفي الغروي

٢٩ / ١٢ / ١٤١٣ ه‍ ق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله مفيض الجود ، وواهب وجود كلّ موجود ، الذي أحاط بكلّ شيء علما ، وعلا كلّ شيء قدرة وحكما ، الإله الجبّار ، الذي لا تدركه الأبصار ، ولا تحدّه الأفكار ، ولا يلحقه اختلاف الليل والنهار. أحمده بلسان الحال والمقال ، على ما عمّ به من الأنعام والأفضال.

وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، شهادة أدّخرها ليوم المآل ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي ختم به الكمال صلى‌الله‌عليه‌وآله خير آل.

وبعد ، فإنّ الله تعالى لمّا جعل الإسلام خير الأديان ، وأفضل المناهج التي يسلكها الإنسان ، ولم يكن سلوك ذلك المنهج غنيا عمّا يرفع فيه في كلّ حين أعلام الهدى للسالكين ، إذ كان المخطئ لمقاصده الحقيقية من أخسر الهالكين لا جرم لم يخل زمان من الأزمنة من إمام معصوم يوضح الدليل ونور مبين. وكان مقتضى الحكمة الإلهية كون تلك الأئمة الهادين من ذرية أفضل الشارعين صلّى الله عليه وعليهم أجمعين مراعاة لمناسبة الفضل للفضل ، وإلحاقا للفرع بالأصل ، أمّا في الأشباح فإنّها بقايا الطينة النبوية ، وأمّا في الأرواح فلكونها أنوار من أنوار الشعلة العلوية ، وذلك تقدير العزيز العليم ، فسبحانه من مدبّر حكيم.

ثمّ إنّه تعالى وفّقني للاتّصال بجناب مولانا الملك المعظّم العالم العادل البارع

ذي النفس الأبية ، والهمم العلية ، والأخلاق المرضية ، والأعلاق الزكية ، ملجأ الأنام ، وواحد الليالي والأيام عزّ الدنيا والدين ، أبي المظفر عبد العزيز بن جعفر النيسابوري (١) ـ أعزّ الله ببقائه الطائفة وحرس به الملّة ـ فألفيته من أخصّ الأولياء لأولاد سيّد الأنبياء مع ما خصّه الله تعالى به من العلم وحباه من مزيد الفهم ، فهو للعلماء والد عطوف ، ولمعاناة أحوالهم برّ رءوف ، يتواضع لهم مع علوّ مرتبته ، ويرفع من خاملهم (٢) مع شرف منزلته ، فشملني بإنعامه ، وأحلّني محلّ إكرامه ، حتّى أنساني الأهل والبلد ، وأصدفني (٣) عن المال والولد.

أشار إليّ بإملاء مختصر في الإمامة أنقّح فيه الأدلّة والبيّنات واقرّر فيه الأسئلة والجوابات ، فهممت أن أعتذر لمشقّة السفر وما يستلزمه من تشعّب الأذهان ، ومفارقة الأهل والأوطان ، ثمّ كرهت أن ينسب ذلك إلى تقصير منّي في خدمته وأداء بعض ما وجب عليّ من شكر نعمته فبادرت في امتثال أمره وسألت الله أن يفسح في مدّة عمره وأن يجعل ما كتبت حجة لي لا عليّ إنّه المنّان ذو الفضل والإحسان.

ورتّبته على مقدمة وثلاثة أبواب :

__________________

(١) راجع ترجمته في مقدمة الكتاب.

(٢) الخامل : قليل الذكر والاسم.

(٣) أصدفه : صرف بوجهه عنه.

المقدّمة

تعريف الإمامة

ضبط المذاهب في الإمامة

أمّا المقدّمة ففيها بحثان :

البحث الأوّل

[تعريف الإمامة]

الإمامة رئاسة عامة لشخص من الناس في امور الدين والدنيا ؛ إذ الرئاسة هي الجنس القريب للإمامة ، ومجموع القيود الباقية خاصّة مركبة (١) إذ كلّ منهما لا يخصّ نوع الإمامة دون كلّ ما عداه وإن خصّه بالنسبة إلى بعض الأشياء : فإنّ كون الرئاسة عامة وإن ميّز نوع الإمامة عن نوع القضاء وكلّ رئاسة خاصة لكنّه لا يميّزه عن نوع السلطنة الجوريّة ، إذ هي عامة أيضا ، وقولنا «لشخص» وإن ميّزه عن رئاسة لشخصين أو أكثر غير أنّه لا يميّزه عن السلطنة الجورية أيضا ، وقولنا «في امور الدين والدنيا» وإن ميّزه عن سلطان الجور غير أنّه لا يكفي في تميّزه إذ ليس كلّ رئاسة في امور الدين والدنيا وجب أن تكون عامّة ، فإذن كلّ واحد من هذه القيود وإن كان أعمّ من نوع الإمامة إلّا أنّها إذا اجتمعت حصل

__________________

(١) أي مجموعة أعراض بمجموعها تكون عرضا خاصا وسيفسره المؤلف قريبا.

من المجموع قدر مميّز لذلك النوع تمييزا مطلقا يسمّى باصطلاح قوم الخاصّة المركبة ، وبالله التوفيق.

البحث الثاني

في ضبط مذاهب الناس في هذه المسألة وتقرير الصحيح منها

الإمامة إمّا أن تكون واجبة مطلقا أو ليست واجبة مطلقا أو أن تكون واجبة في حال دون حال ؛ وإلى كلّ واحد من هذه الأقوال ذهب قوم : فالأوّل هو مذهب جمهور المتكلّمين ، والثاني هو مذهب النجدات من الخوارج (١) ، والثالث مذهب أبي بكر الأصمّ (٢) والفوطي (٣).

أمّا القائلون بوجوبها مطلقا : فمنهم من أوجبها على الله تعالى وجعل طريق وجوبها العقل فقط ، وهو مذهب الإمامية من الاثني عشرية وغيرهم ويثبتون الوجوب على الله تعالى بأنّ الإمامة لطف في الدين فتجب على الله تعالى بأن لا يخلي الزمان عنه.

ومنهم من أوجبها على الخلق إمّا سمعا فقط ، وهو مذهب أصحاب الحديث

__________________

(١) أتباع نجدة الخارجي ، يقولون بعدم وجوب الإمامة مطلقا. انظر الملل والنحل : ٩٦ ، طبعة طهران ١٢٨٨ ه‍.

(٢) هو أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصمّ المعتزلي ، وكان يخطّئ عليا عليه‌السلام في كثير من أفعاله ويصوّب معاوية في بعض أفعاله (٢٢٥ ه‍) ، أعلام الزركلي ٣ : ٣٢٣.

(٣) في النسختين : النوطي ، والظاهر أنّه يريد هشام بن عمرو الفوطي أحد رءوس المعتزلة ، الفهرست : ٢١٤.

والأشعرية وجمهور المعتزلة ، منهم أبو علي (١) وأبو هاشم (٢) وأتباعهما.

وإمّا عقلا وسمعا وهو مذهب الجاحظ (٣) وأبي القاسم البلخي (٤) وأبي الحسين البصري ومن تابعه.

وهؤلاء لمّا لم يقولوا بأنّه لطف في الدين لا جرم لم يوجبوه على الله تعالى.

وأمّا القائلون بوجوبها في حال دون حال : فقال الأصمّ : لا يجب نصب الإمام في حال ظهور العدل والإنصاف بين الخلق ، إذ لا حاجة إليه ، ويجب نصبه عند انتشار الظلم وظهوره.

وقال هشام (٥) بالعكس من ذلك أي عند ظهور الظلم لا يجب نصبه لأنّه ربّما كان سببا للفتنة ، لتمرّدهم واستنكافهم عن طاعته فيكون نصبه سببا لازدياد الشرور ، فأمّا عند ظهور الانتصاف وانتشاره فيجب نصبه لبسط الشرع وإظهار شعاره ؛ فهذا تفصيل المذاهب في هذه المسألة.

__________________

(١) أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبّائي الأهوازي البصري البغدادي ، المعتزلي الكبير المتوفى في بغداد سنة ٣٠٦ ه‍ ، وفيات الأعيان ١ : ٤٨١.

(٢) أبو هاشم عبد السلام بن محمد الجبّائي الأهوازي البغدادي المعتزلي الكبير المتوفّى في بغداد سنة ٣٢١ ه‍. وفيات الأعيان ١ : ٢٩٢.

(٣) عمرو بن بحر الجاحظ البصري المتوفى بالفالج في البصرة سنة ٢٢٥ وهو غلام النظّام المعتزلي.

(٤) أبو القاسم البلخي عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي المتوفى ٣١٧. وفيات الأعيان ١ : ٢٥٢.

(٥) هشام بن الحكم الشيباني (١٧٥ أو ١٧٩ أو ١٩٠ أو ١٩٩ ه‍) ولد بالكوفة ونشأ بواسط وسكن بغداد ، كانت له كتب في الردّ على الزنادقة وعلى القائلين بإمامة المفضول وعلى المعتزلة في طلحة والزبير ، وفي القدر والإمامة.

وأمّا تقرير ما يتمسّك به كلّ فريق والاشتغال بتزييفه وإبطاله فممّا يخرج عن الغرض فيما نحن بصدده ، غير أنّه عند تحقيق الحقّ يزهق الباطل.

فنقول : الإمامة واجبة عقلا وسمعا ؛ أمّا العقل فمن وجهين :

الأوّل : نصب الإمام إمّا أن يكون خيرا محضا أو الخير فيه أغلب ، أو شرّا محضا أو الشرّ فيه أغلب ، أو متساويين والأقسام الثلاثة الأخيرة باطلة لما يعلم بالضرورة بعد تصفح أحوال الخلق وعاداتهم أنّه متى كان بينهم رئيس منبسط اليد قوي الشوكة ، يردع ظالمهم وينصر مظلومهم ، ويحثّهم على الواجبات ويكفّهم عن المحرمات ، كانوا إلى الصلاح أقرب وعن الفساد أبعد ، وإذا لم يكن بينهم مثل هذا الرئيس كان حالهم بالعكس ، وفطرة العقل شاهدة بما ذكرنا ، وإذا كان الأمر كذلك لم يمكن أن يقال الشر في هذه الحالة مساو للخير فضلا عن القسمين الأخيرين فبقي أن يقال أنّها خير أو الخير فيه غالب ، وأيّما كان فهي تفيد المطلوب.

أمّا الأوّل : فلأنّ ذات الله تعالى فيّاضة بالخيرات ، لا توقف لها في إفاضة الخيرات على أمر غير ذاتها ، فكان إيجادها لمثل هذا الخير المحض واجبا.

وأمّا الثاني : فهو أيضا كذلك ، فأمّا كونها مشتملة على شيء من الشرور فلا يضرّ في وجوب وجودها ، لأنّ ترك الخير الكثير لأجل الشرّ القليل شرّ كثير في الجود والحكمة.

فيثبت بما قرّرناه أنّ نصب الإمام واجب من الله تعالى ، وهو المطلوب.

لا يقال (١) : لم قلتم بأنّ الأقسام الثلاثة باطلة ، قوله : «لأنّ الخلق إذا كان لهم رئيس يأمرهم بالواجبات كانوا إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد» قلنا :

__________________

(١) سيأتي الجواب عن هذا القول والإشكال بعنوان : الجواب عن الأوّل.

يدعي هذا مطلقا في كلّ وقت أو في بعض أوقات دون البعض؟ والثاني مسلّم ، والأوّل ممنوع ، فلم قلتم : إنّه كذلك؟! وبتقدير أن لا يكون كذلك لم يكن الخير فيها أغلب. سلّمنا ولكنّه معارض ، بما أنّ نصب الإمام يتضمّن الإضرار بالخلق ، وحينئذ يكون شرا محضا أو الشرّ فيه أغلب فوجب أن لا يجب ، بل ولا يجوز.

وإنّما قلنا إنّه يتضمّن الضرر ، لوجهين :

أحدهما : أنّه قد يستنكف أكثر الناس من طاعته فيحاربونه ويحاربهم ، فيؤدي ذلك إلى القتل والفتن وذلك محض الضرر ، واعتبر الوقائع الحاصلة بسبب إمامة علي عليه‌السلام بحرب الجمل وصفّين وحرب الخوارج ، فأنّا نعلم بالضرورة أنّ ذلك إنّما كان بسبب إمامة علي عليه‌السلام بحيث لو لم يكن لم يكن شيء من ذلك.

الثاني : أنّ الإمام إن لم يكن معصوما فبتقدير فسقه أو كفره إن لم يعزل تعدّى ضرر فسقه وكفره إلى الخلق ، وإن عزل احتيج في عزله إلى المحاربة والفتنة ، وذلك عين الضرر وإن كان معصوما جاز فسقه وكفره ، وحينئذ يتوجّه التقسيم المذكور فيه.

سلّمنا أنّ الإمامة لا تشمل على ضرر ، لكن لا نسلّم أنّها مشتملة على شيء من المصالح ، وحينئذ لا يكون فيها خير فضلا عن أن تكون خيرا محضا أو الخير فيها غالبا ، وبيان ذلك : أنّها إمّا أن تجب لا لفائدة ، فتكون عبثا وهو قبيح عندكم ، وأيضا فيكون تسليما للغرض أو لفائدة ، وهي إمّا منفعة دنيوية أو اخروية أو دفع مضرّة دنيوية أو اخروية ، وعلى كلّ التقديرات فهو محال : أمّا أوّلا : فلأنّكم لا توجبون على الله تعالى تحصيل كلّ المنافع للعباد ولا دفع كلّ المضارّ عنهم ، وإذا كان كذلك فلم لا يجوز أن تكون الإمامة من تلك المنافع أو دفع المضارّ؟ وأمّا ثانيا : فلأنّ إيصال تلك المنفعة أو دفع تلك المضرّة مقدور لله تعالى بدون الإمامة فينبغي أن توجبوا ذلك عليه ابتداءً.

والجواب (١) عن الأوّل : أنّا ندّعي ذلك مطلقا وفي كلّ وقت ، ولذلك فإنّ العقلاء بأسرهم متّفقون على إقامة الرؤساء في كلّ وقت معتقدون أنّ الحاجة إليهم في انتظام امور الدين والدنيا ضرورية ، وهو ضروري ، ولو كان نصبهم في وقت ما سببا لفساد أكثري أو متساويا لما كان اعتقاد الخلق كما ذكرناه دائما.

وعن الثاني : لا نسلّم أنّه يتضمّن الإضرار أو الأكثرية بالخلق أو المساوية للخير. قوله في الوجه الأوّل من المعارضة «أنّهم ربّما استنكفوا عن طاعته فيكون ذلك سببا للحروب والفتن كما في الوقائع المذكورة».

قلنا : هذا وإن وقع بسبب وجود الإمام إلّا أنّه أمر خيري بالنسبة إلى الفتن والأضاليل الواقعة على تقدير عدمه ، فإنّ العاقل إذا رجع إلى عقله علم أنّ غفلة الخلق عن امور الدين وثوران الفتن والتغلّب وعدم تسليم بعضهم لبعض عند ما لا يكون الإمام المذكّر بها والمعاتب على الإخلال بها موجود أكثر ممّا إذا كان موجودا بكثير.

قوله في الوجه الثاني : «إنّ الإمام إن كان معصوما جاز فسقه وكفره».

قلت : لا نسلّم أنّه إن كان معصوما جاز ذلك منه ، وذلك كما سنبيّن أنّ العصمة ملكة ترك المعاصي ، وهي متمكّنة في جوهر النفس ، فيستحيل زوالها إلى أضدادها ، وبالله التوفيق.

وعن الثالث : لم لا يجوز أن يكون وجوب الإمامة لفائدة هي تقريب عباده من طاعته المرادة له تعالى ، قوله «تلك المنفعة بدون الإمامة» إن كان ممكنا إلّا أنّه ليس بحسن ، بل هو قبيح عندنا عقلا ، وينبّهك على ذلك أنّ من دعا غيره إلى طعامه يعلم أنّه لا يحضر إلّا أن يتولّى دعاءه بنفسه وهو قادر على ذلك

__________________

(١) هذا جواب قوله : لا يقال.

ولا غضاضة عليه في فعله ، فإنّه متى لم يفعل عدّ مقصّرا في عرف العقل أو استقبح ذلك منه. واستعمالنا لهذا المثال في حقّ الله تعالى بحسب قياس الغائب على الشاهد ، فإنّ الفطرة شاهدة بعلّيته أي بمؤثّرية هذا الحكم مطلقا ، بل للتنبيه على ملاحظة عدم حسنه في حقّ الله تعالى.

الوجه الثاني : الإمامة جزء من أجزاء التمكين الذي هو واجب ، وجزء الواجب لا بدّ وأن يكون واجبا ، فالإمامة واجبة ، أمّا الكبرى فظاهرة ومتّفق عليها وأمّا الصغرى فبيانها : أنّ الداعي إلى فعل أكثر الطاعات واجتناب المعاصي في أكثر الخلق في كلّ وقت موقوف على وجود الإمام وغير ممكن الحصول من دونه ، وهذه ضرورية بعد تصحيح أحوال الخلق والاطلاع على أخلاقهم وطبائعهم ولوازم أمزجتهم ، وإذا كان فعل الطاعة غير ممكن بدون الداعي لاستحالة الترجيح من غير مرجّح والداعي غير ممكن من أكثر الخلق إلّا بوجود الإمام ، وجب أن يكون الإمام جزءا من أجزاء التمكين ، وكانت أولى بالوجوب.

وهذا التقدير (١) أولى من قول أصحابنا : إنّ الإمامة لطف وكلّ لطف واجب ؛ لأنّ تقدير كبرى قياسهم في غاية الصعوبة والتعسّر ، وبالله التوفيق.

لا يقال : لا نسلّم أنّ فعل الطاعات واجتناب المعصية موقوف على وجود الإمام ؛ وبيانه : أنّك إن أردت أنّ جميع الخلق في زمان وجود الإمام يمتنعون من جميع المعاصي ويفعلون جميع الطاعات فهذا ممنوع ، بل الضرورة تشهد ببطلانه ، وإذا كان كذلك كان بعض المعاصي واقعا وبعض الطاعات مفعولا في زمان وجوده ، وهذا أيضا ثابت في حال عدمه ، فإنّ بعض المعاصي موجود وبعض

__________________

(١) كذا في النسختين «عا» و «ضا» ، ولعلّ الأولى : التقرير.

الطاعات مفعول.

سلّمناه ، لكن متى تكون المعاصي مرتفعة والطاعات واقعة إذا كان الإمام ظاهرا نافذ الحكم؟! وإذا لم يكن كذلك فالأوّل مسلّم والثاني ممنوع.

بيانه : أنّ انزجار الخلق عن القبائح بسبب الإمام إنّما يكون إذا كان متمكّنا من زجرهم عن القبائح ، وإذا لم يكن قادرا على ذلك لم يحصل الانزجار.

والحاصل : أنّ الإمام الذي توجبونه لا يفيد مطلوبكم ، والذي يفيد مطلوبكم لا توجبونه.

لأنّا نجيب عن الأوّل : أنّا ما ادّعينا أنّ كلّ الخلق يمتنعون بوجوده من كلّ المعاصي ، بل نقول : إنّ الحازم يجزم بعد تصفّح أحوال الخلق أنّ دواعي أكثرهم إلى الطاعات واجتناب المعاصي موقوف على وجود الإمام ؛ أمّا في حقّ تاركي أصل العبادة والمترخّصين من أنفسهم فيها بما لا يجوز لهم فعله والإخلال به منها ، فظاهر ممّا بيّناه ، وأمّا في حقّ من كان سالكا للعبادة قائما بها فإنّ الحركات فيها مقولة بحسب التشكيك أي أنّها قابلة للأشدّ والأضعف ، فالعلم الضروري حاصل بأنّ العبادة ممّن كان قائما بها قبل وجود الإمام تكون بوجوده أوفى وأتمّ لتوفّر الدواعي عليها بوجوده ، فإذا القدر الزائد على العبادة بعد وجوده كان موقوفا على توفّر الدواعي إليه وذلك التوفّر موقوف على وجود الإمام ، والموقوف على الموقوف على الشيء موقوف.

وعن الثاني من وجهين :

أحدهما : أنّ الانزجار حاصل بالإمام وإن كان غائبا فإنّ المكلّفين إذا تقرّر في عقولهم وجود الإمام وصحّة إمامته واعتقدوا أنّه لا حال من الأحوال إلّا ويجوز ظهوره عليهم ويمكنه من التصرّف فيهم بالأخذ بالجرائم ، فحينئذ لا حال إلّا ويكون المكلّف فيه خائفا ، فلأجل ذلك يمتنع من القبيح.

الثاني : أنّ الانزجار وإن لم يحصل إلّا عند ظهوره وتمكّنه لكن هذا لا يقدح في وجوبه من الله سبحانه ، فإنّ عدم تمكينه إنّما كان لأمر يرجع إلى المكلّفين ، وهو إخافتهم للإمام وعدم أخذهم بيده ، مع قدرتهم على تمكينه وإزاحة علّته ، فهم إنّما أتوا من قبل أنفسهم.

لا يقال على الجواب الأوّل : إنّا إذا توقّعنا حدوث الإمام في كلّ وقت وعلمنا أنّه متى حدث كان مانعا من القبائح ، كان الخوف منه في كلّ وقت ـ وإن كنّا لا نعلم أنّه حاصل في ذلك الوقت أم لا ـ كالخوف الحاصل من وجوده وإمكان ظهوره ، وإذا كان كذلك فجوّزوا أن لا يكون موجودا إلّا أنّ الله تعالى يجب عليه أن يخلقه عند تحقّق المصلحة في إيجاده.

وعلى الثاني : أنّه ضعيف أيضا ، لأنّ العذر الذي ذكرتموه من تخويف الخلق له غير حاصل في أوليائه الذين يكونون له في غاية الولاء والإخلاص والمحبّة ، فكان ينبغي أن يظهر لهم عند شدّة حاجتهم إليه لاستفادة ما أشكل عليهم من العلوم.

لأنّا نجيب عن الأوّل : بأنّ الخوف من الإمام إنّما هو مشروط بوجود الإمام ، لأنّ الخوف ممّن يجزم العقل بعدمه محال وإن جوّز وجوده ، وما أحسب عاقلا لا يفرّق في حصول الخوف بين إمام موجود يتوقّع ظهوره عليه في كلّ لحظة ، وبين من يجزم بعدمه ويجوّز وجوده حتّى يستوي بينهما ، نعوذ بالله من عدم الإنصاف.

وعن الثاني : أنّا لا نسلّم أنّ الإمام الذي نقول بغيبته الآن لا يظهر لأوليائه ، بل يظهر لهم ويأخذون عنه الأحكام ، وقد ظهرت إليهم عنه أحكام وأجوبة مسائل سألوها وغير ذلك من الأدعية والمكاتبات كما هو مشهور بين

الاثني عشرية (١).

سلّمنا أنّه لا يظهر لأحد من أوليائه وإن كانوا في غاية الصلاح والمحبّة له والحاجة إليه ، لكن السبب فيه أحد أمرين :

أحدهما : أنّ الإنسان وإن كان في غاية الصلاح إلّا أنّ طبيعته مجبولة على طلب الكمال ، وأعظم كمال يتنافس فيه في الدنيا ويتخيّل كونه أشرف الكمالات هو الجاه ، فإنّ الإنسان ربّما يجهد في تحصيله بكلّ وسيلة ، حتّى أنّ كثيرا من الزّهاد ربّما جعلوا الوسيلة إليه إظهار بغضه ، ثمّ إنّه إذا كان مطلوبا للخلق من تعظيم أقلّ أمير من أمراء الجور لهم ، فكيف من الإمام الحقّ المؤيّد بالكرامات ، الذي لو عرف الخلق بأسرهم حقّيّة وجوده وصحّة إمامته وأنّ الحقّ معه لبذلوا مهجتهم دونه ، إذا اختصّ إنسانا من خلق الله ـ ربّما كان فقيرا مطّرحا ـ فتطرق إليه وظهر إليه ، فإنّه والحال هذه لا يؤمن أن يفتخر بمثل ذلك ويسرّه إلى أخ له أو ولد أو زوجة ، فينتشر ذلك إلى الأعداء أو ولاة الأشرار فإنّ لكلّ نصوح نضوحا (٢) وكلّ حديث جاوز اثنين شاع (٣) ، وإذا انتشر ذلك كان سببا للفساد.

الثاني : أنّ ذلك الولي لا يعرفه إلّا بالكرامات التي تظهر له منه ، ولا يصدقه بمجرد قوله ، ثمّ لا يمتنع أن تطرأ الشبهة على المكلّف في ذلك فلا يقف على وجه دلالة الكرامة على مدّعي الإمامة ، فيعتقد ما جاء به منكرا فيستعين بغيره ، فيصير خصما وسببا لوصول ذلك الأمر إلى الأعداء.

__________________

(١) راجع الاحتجاج على أهل اللجاج ٢ : ٢٧١ ـ ٣١٥ ، طبعة النجف الأشرف.

(٢) النصوح : الناصح المخلص ، النضوح : الرشح. أي : الناصح المخلص قد يترشّح منه الكلام إلى غيره.

(٣) في النسختين : شايع. والشائع ما أثبتناه.

واعلم أنّ للخصم اعتراضات اخر رغبنا عن إيرادها كراهة التطويل ، والله المستعان.

الباب الأوّل

في الشرائط المعتبرة في الإمامة

١ ـ في كون الإمام معصوما

٢ ـ في أنّ الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيّته

٣ ـ في أنّ الإمام يجب أن يكون عالما بكلّ الدين

٤ ـ في السبب الذي يتعيّن به الإمام

وفيه أبحاث :

البحث الأوّل

في كون الإمام معصوما

قالت الإمامية والاسماعيلية : أنّ العصمة شرط في الإمامة ، وإن اختلفوا في علّة وجوبها ؛ فإنّ الاسماعيلية بنوا وجوبها على أنّه لمّا كان الإمام معلّما للمكلّفين ما يحتاجون إليه من العلوم وجب أن لا يخطئ ، وقالت الإمامية : إنّما وجبت في حقّه لكونه لطفا ، فلو لم يكن معصوما لم يكن لطف إذ لا إمام غيره.

وقال الباقون من الامّة : إنّها ليست بشرط.

وقبل إثبات هذا المطلوب لا بدّ من بيان معنى العصمة :

فنقول : العصمة ملكة نفسانية يمتنع معها المكلّف من فعل المعصية. إذا عرفت هذا فنقول : لنا في وجوب كون الإمام معصوما وجوه :

الأوّل : لو لم يكن الإمام معصوما للزم التسلسل في وجود الأئمة ، والثاني

باطل فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية : أنّ علّة حاجة الخلق إلى الإمام إنّما هي جواز الخطأ عليهم ، بدليل أنّا متى تصوّرنا جواز الخطأ عليهم استلزم ذلك التصوّر حاجتهم إلى الإمام من غير توقّف على تصوّر أمر آخر ، وذلك يوجب كون جواز الخطأ علّة حاجتهم إلى الإمام ، فلو ثبت جواز الخطأ عليه لكانت حاجته إلى إمام آخر حاصلة ، لقيام علّة الحاجة فيه ، ولزم التسلسل. وأمّا بيان بطلان التالي فظاهر.

لا يقال : لا نسلّم أنّه لو لم يكن معصوما لافتقر إلى إمام آخر ، بل يكون خوفه من قيام الامّة عليه وعزله لو ارتكب خطأ يقوم في حقّه مقام الإمام في حقّ غيره ، وحينئذ لا حاجة إلى إمام آخر.

سلّمناه لكن ذلك معارض بأمرين :

أحدهما : أنّ علّة الحاجة إلى وجود الإمام هي بعينها علّة الحاجة إلى الامراء والقضاة ، وبالاتّفاق لا تجب عصمتهم ، فلا تجب عصمة الإمام.

الثاني : مفهوم الإمامة مركّب من قيدين : أحدهما : نفوذ حكم الإمام على الغير ، والثاني : عدم نفوذ حكم غيره عليه ، فلو وجبت العصمة لكان وجوبها إمّا للقيد الأوّل ، أو للثاني ، أوّلهما ، والتالي بالأقسام الثلاثة باطل. لما أنّ الأمير الذي في الصقع البعيد عن الإمام بحيث لا يصله حكم الإمام يكون كلّ واحد من تلك الأقسام متحقّقا فيه ، مع أنّه لا تجب عصمته بالاتّفاق.

الثالث (١) : أنّا سنبيّن أنّ إمامة الأئمة الثلاثة كانت صحيحة ، مع أنّهم ما كانوا معصومين ، وحينئذ يتبيّن عدم وجوب اشتراط عصمة الإمام.

__________________

(١) سيظهر من خلال أجوبة المؤلف على هذه المناقشات أنّها أربعة ، أوّلها ما ذكره بعد قوله : لا يقال.

لأنّا نجيب عن الأوّل : من وجهين :

أحدهما : أنّ الامّة غير معصومة فكان الخطأ عليهم جائزا ، فبتقدير أن يرتكب الإمام الكبائر جاز حينئذ أن يتابعوه على ذلك ، وعند متابعته لا يكون له منهم خشية إنكار عليه ، فتحقق حاجته إلى إمام آخر ، ويعود المحذور المذكور.

الثاني : أنّ كلّ من تصفّح أحوال العالم وعوائدهم اضطرّ إلى الحكم بأنّ الرعيّة في غالب الأوقات لا يتمكّنون من عزل الملوك الظالمين فجاز حينئذ أن يتغلّب عليهم ولا يكون له منهم خوف.

وعن الثاني : أنّ الفرق بين الامراء والقضاة وبين الإمام ظاهر ، فإنّا إنّما لم نوجب عصمة من عداه لأنّهم عند أن يرتكبوا ما لا يجوز كان الإمام هو الآخذ على أيديهم والرادع لهم عمّا ارتكبوه من ذلك ، وهذا الحكم غير موجود في حقّه من جهتهم ، لجواز اتّفاقهم على الخطأ على ما بيّناه أوّلا.

وعن الثالث ، من وجوه :

أحدها : لا نسلّم أنّ الإمامة مركّبة من القيدين المذكورين (١) ، وبيانه : أنّ القيد الأوّل وجودي والثاني عدميّ ولا يتركّب منهما حقيقة محصلة بل ماهية الإمامة ما ذكرناه أوّلا (٢) ، وهذان القيدان لازمان لها.

الثاني : لا نسلّم الحصر في الأقسام المذكورة ، على أنّا قد بيّنا سبب وجوب العصمة وذلك يستلزم عدم الحصر فيما ذكراه من الأقسام الثلاثة ، سلّمنا الحصر لكن لم لا يجوز أن يكون وجوبها لأجل نفوذ حكمه على كلّ من عداه من المسلمين ، والأمير المفروض في السؤال غير نافذ الحكم على كلّ المسلمين ، فلم

__________________

(١) الأوّل : نفوذ حكمه على غيره. والثاني : عدم نفوذ حكم غيره فيه.

(٢) الإمامة : رئاسة عامة في امور الدين والدنيا.

تكن علّة وجوب العصمة متحقّقة في حقه فلم تجب عصمته.

وعن الرابع : أنّا سنبيّن إن شاء الله تعالى أنّ إمامة المذكورين لم تكن حقّا وبالله التوفيق.

البرهان الثاني :الإمام تجب متابعته بمجرّد قوله ، وكلّ من كان كذلك كان واجب العصمة ، فالإمام واجب العصمة. أمّا أنّه تجب متابعته فلوجهين :

أمّا أوّلا : فبالاتّفاق لأنّه لا نزاع في وجوب متابعته على العامي في الفتوى والحكم ، ومتابعة من ينصبه لهما ، وأنّ العالم والعامي يجب عليهما متابعته في سياسته ، وعدله وتوليته ، وأمره ونهيه ، وتنفيذه إلى الغزوات ، وإقامة الحدود والتعزيرات. وأمّا أنّ ذلك بمجرّد قوله فلأنّه لو كان لأمر آخر ما كان فعلنا متابعة له ، لأنّا لا نوصف بمتابعة اليهود مثلا في اعتقاد نبوة موسى عليه‌السلام ، وذلك ظاهر.

وأمّا ثانيا : فلأنّه لو جاز خلافه لجاز إمّا في كلّ الأحكام أو في بعضها ، والأوّل محال ، لأنّ الأحكام الحقّة لا يجوز خلافها ، والثاني أيضا باطل ، لأنّا على تقدير أنّا خالفناه في حكم جاز أن يكون ذلك الحكم في نفسه حقا ، وحينئذ يكون قد خالفنا الحقّ وإنّه غير جائز. وبتقدير تسليمه فالمقصود حاصل لأنّ مقصودنا ليس إلّا وجوب اتّباعه في بعض الأحكام.

وأمّا الكبرى : فلأنّه لو لم يكن معصوما لجاز أنّ يخطئ الحق ويرتكب خلافه ونحن لا نعرفه ، فبتقدير ذلك منه وقد وجب اتباعه وجب علينا حينئذ ارتكاب ما نهينا عنه ، هذا خلف.

لا يقال : لا نسلم أنّ الإمام تجب متابعته ، قوله : «لو جاز خلافه لجاز إمّا في كلّ الأحكام أو في بعضها» قلنا : لم لا يجوز أن يكون في بعضها؟ قوله : «يجوز أن يكون ذلك في نفسه حقا فنكون قد خالفنا الحق» قلنا : لا نسلّم ، وهذا بناء على

أنّ الحقّ في جهة ، وذلك ممنوع ، فلم لا يجوز أن يكون كلّ مجتهد مصيبا؟! وحينئذ يجوز أن يخالفه العلماء ويكونوا مصيبين وإن كان هو أيضا مصيبا.

سلّمنا أنّه تجب متابعته بمجرد قوله فلم قلتم إنّ كلّ من كان كذلك وجب أن يكون معصوما؟

قوله : «لو جاز عليه الخطأ فبتقدير أن يأتي به نكون مأمورين باتباعه فيه فنكون مأمورين بفعل الخطأ وإنّه غير جائز».

قلت : هذا معارض بامور :

أحدها : أنّه تجب على الرعية متابعة القاضي والأمير بمجرد قولهما ، مع أنّه لا تجب عصمتهما.

وليس لقائل أن يقول : أنّ الإمام من وراء القاضي والأمير فيكون آخذا على أيديهما ومقوّما لزيغهما.

لأنّا نقول : هذا متصوّر في أمير قريب الدار من الإمام بحيث يمكنه تدارك ما يهمّ من سفك الدماء وإباحة الفرج الحرام ، فما القول في أمير يبعد عن الإمام بألف فرسخ (١) فإنّه يجب على الرعية الانقياد لقبول قوله ، مع أنّ الإمام غير منتفع به في حقّ مثل هذا الأمير عند تفريطه. وهب أنّ الإمام يدارك ذلك في ثاني الحال ولكن كيف ما كان فإنّه يجب على الرعية (٢) الانقياد للأمير الظالم في تلك الحال ، وأيضا فأيّ نفع للمقتول ظلما والموطوءة حراما في تدارك الإمام بعد ذلك.

وثانيها : أنّ المفتي من الشيعة يجب متابعة قوله مع أنّه ليس بمعصوم.

__________________

(١) فرسخ : معرّب عن الفارسية : فراسنگ ، بعد ما بين الحجرين المنصوبين في الطريق علامة. والفرسخ يعادل : خمس كيلومترات ونصف كيلومتر تقريبا.

(٢) في النسختين : للرعية.

وثالثها : يجب على الحاكم الحكم بشهادة من ظاهره العدالة مع أنّه لا تجب عصمة الشاهد.

ورابعها : أنّه يلزم العبد طاعة سيّده فيما لا يعلمه محرّما ، وكذلك الابن لوالده ، مع أنّه لا تجب عصمة السيّد والوالد.

وخامسها : أنّ المأموم يتبع الإمام في الصلاة وإن جوّز أن يكون فعل الإمام محظورا بأن قصد بركوعه وسجوده عبادة صنم ، فضلا عن وجوب عصمته.

والجواب عن الأوّل : أنّه ثبت في اصول الفقه أنّ الحق في جهة ، وحينئذ يجوز أن تكون تلك الجهة جهة الإمام. فلو جوّزنا خلافه لجاز أن يقع ذلك خلاف الحقّ ، وحينئذ يعود المحال! سلمناه ، لكن خطأ في أمر منصوص عليه جائز ، وحينئذ يعود الإلزام.

وعن المعارضات :

أمّا عن الاولى : فهو أنّا لا نسلّم أنّ متابعة الأمير والقاضي بمجرد قولهما ، بل لقيام قولهما مقام قول الإمام ولأمره لنا باتباع أقوالهما ، ولهذا فإنّه لو خالفت أوامرهما شيئا من الشريعة وجب على الخلق مراجعة الإمام.

قوله : «هذا إنّما يتصوّر في أمير قريب الدار من الإمام أمّا في البعيد بحيث لا يتمكّن تلافى ما يفعله» إلى آخره.

قلت : الأمير المفروض إمّا أن يمكن للإمام تدارك كلّ الأحكام عنه ، أو لا يمكن تدارك شيء منها ، أو يمكن تدارك بعضها دون البعض ، وعلى التقديرات الثلاثة فاشتراط عصمة الإمام إنّما هو للقدر الممكن من تدارك الأحكام ، وسواء كان امتناع التدارك لبعد المسافة أو لعدم الاطلاع فإنّ كلّ ذلك لا يقدح في اشتراط وجوب العصمة ، لأنّه لا يلزم من اشتراط العصمة اطلاع المعصوم على كلّ الكائنات ، ولا اقتداره على ما يخرج عن طاقة البشر.

وبه خرج الجواب عن الثانية وعن الثالثة : فإنّ قبول فعل الشاهد ليس بمجرد قول ، بل لأنّ قوله أفاد ظنّا امرنا بوجوب العمل به ، حتى [أنّه] لو لم يفد قوله الظنّ لم يجب بمجرد قوله.

وعن الرابعة : أنّ متابعة الإمام في الصلاة ليست أيضا بمجرد قوله ، بل لقيامه مقام الإمام الحق ، حتى لو اختلّ أمر إمامته وجبت مراجعة الإمام الأكبر.

وعن الخامسة : أنّ حكم الأب والسيد في حقّ الولد والعبد حكم الأمير في رعيّته ، وقد مرّ الجواب عنه وهو جواب المعارضة الاولى ، وبالله التوفيق.

البرهان الثالث :أنّه لو جاز الخطأ على الإمام فبتقدير أنّ ترجّح المفاسد التي تحصل من نصبه على المصالح يجب عزله وتولية غيره بالإجماع ، لكن عزله محال ، لأنّ العازل له إمّا آحاد الامّة أو مجموعها ، والقسمان باطلان ، فيمتنع وجوب عزله.

[و] إنّما قلنا أنّه يستحيل أن يكون العازل له آحاد الامّة لوجوه ثلاثة :

أحدها : لو صحّ من أحدهم عزله كما صحّ عزل آحادهم لم يتميّز حاله عن حال كل واحد منهم ، فحينئذ لا يكون هو أولى بالإمامة من أحدهم.

الثاني : أنّ كلّ من شاهد أحوال الملوك والرعايا وتصفّح كثيرا من جزئيات العالم ، علم بالضرورة بحسب مقتضى العادة أنّ كلّ واحد من آحاد الرعية لا يتمكّن من عزل ملك بلدته فضلا عن ملك الأرض بجملتها.

الثالث : أنّه يلزم أن يكون كلّ واحد من الرعية لطفا في حقّ الإمام الذي هو لطف في حقّ كلّ واحد منهم ، فيلزم الدور.

وإنّما قلنا : أنّه لا يجوز أن يكون العازل له مجموع الامّة لوجوه :

أحدها : أنّ رعيّة الإمام هو مجموع أهل الأرض ، لكن اجتماع أهل الأرض

على الشيء الواحد محال في العرف والعادة ، ولو سلّمنا في صورة لكن لا نسلّمه في كلّ صورة ، فإنّ اجتماعهم على إزالة ملك الأرض الذي قد خضعت له الرقاب ورغبت فيه طوائف من الأصدقاء وأحاطت به الغلمان ، أصعب وأعزّ من اجتماعهم على دفع منكر لا مخافة في دفعه.

الثاني : أنّه وإن أمكن ذلك في حقّ الإمام على سبيل الندور في بعض المعاصي ، لكن لا يكفي ذلك في منع الإمام عن جميع المعاصي واجتماعهم على دفعه عند كلّ معصية (١) محال.

الثالث : أنّا نعلم أنّ كلّ واحد من الرعية يخالف غيره لا يوافقه على المخالفة على الإمام قتله ، فيكون خلافه سببا لقتله (٢) وإذا كان ذلك حاصلا لكل واحد من آحاد الامّة لم يتحقّق المجموع على الاتفاق ، وبالله التوفيق.

احتجّ الخصم بأنّه لو وجب نصب الإمام المعصوم على الله لفعله ، ولو فعله لكان ظاهرا ، لأنّا نعلم بالضرورة أنّ هذا المقصود لا يحصل إلّا إذا كان ظاهرا متمكنّا من الترغيب والترهيب ، فأمّا إذا كان مستخفيا عن الخلق لم يحصل منه البتة شيء من المنافع.

والجواب : أنّ اللطف الحاصل لانبساط يده ذو أجزاء ثلاثة ، جزء يجب على الله فعله ، وهو إيجاد الإمام المعصوم بجميع شرائط الإمامة ، والثاني يجب على الإمام نفسه ، وهو تحمل أعباء الإمامة والقيام بامورها ، والثالث يجب على سائر المكلفين ، وهو تمكينه والانقياد تحت أوامر أقلامه.

ثمّ إنّ الماهية المركبة لا تحصل إلّا بتمام أجزائها ، والجزء الفائت من اللطف

__________________

(١) في الأصلين : مصيبة ، وهو غير مصيب.

(٢) كذا في الأصلين.

هاهنا إنّما هو المتعلّق بالمكلفين ، فإنّهم لمّا خوّفوا الإمام لا جرم كان مستترا منهم ، ولم يلزم من ذلك عدم وجوده ، فإنّ الجزء المتعلّق بالله تعالى أو الجزء المتعلّق به نفسه موجودان.

سلّمناه ، لكن لا نسلم أنّه ليس بظاهر ، وقد بيّنا أنّه يظهر لأوليائه والانتفاع به قائم.

لا يقال : الله تعالى قادر على أن ينصره بجيش معصوم يزيلون الخوف عنه ، سلمناه ، لكن لم لم يخلق الله تعالى في نفسه من القدرة والعلم ما يطّلع بها على بواطن الخلق ، ويقوى على دفع شرورهم عن نفسه؟!

لأنّا نجيب عن ذلك بأنّه معارض : بخوف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من المشركين واستتاره منهم ، فإنّه أمر متّفق على وقوعه مع أنّه لم ينصره في حال خوفه بجيش معصوم ، ولم يطلعه في تلك الحال على ما في بواطنهم ، وعلى ما يتخلّص به من شرورهم. أقصى ما في هذا الباب أن يفرّقوا بين الاستتارين بقصر المدّة هناك وطولها هاهنا ، لكن هذا لا يصلح فرقا ، لجواز أن يكون قد علم [أنّ] فرصة التمكين التام غير ممكنة في هذه المدة ، أو لعذر آخر لا يطّلع عليه ، وبالله التوفيق.

البحث الثاني

في أنّ الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيّته في ما هو إمام فيه

وبرهانه من وجوه :

الأوّل :أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ، وكلّ من كان كذلك وجب أن يكون أفضل من غير المعصوم.

أمّا المقدمة الاولى فقد مرّ بيانها ، وأمّا الثانية فمعلومة بالضرورة.

الثاني :لو لم يجب كون الإمام أفضل من رعيته لكان إمّا أن يكون مساويا أو أنقص ، والتالي بقسميه باطل فالمقدّم مثله [و] إنّما قلنا : أنّه يستحيل أن يكون مساويا لأنّه لو كان في رعية الإمام من هو مساو له فيما هو إمام فيه لما كان متعيّنا في الحاجة إليه ، فلم يجب أن يوجد ، وقد تعيّن في الحاجة إليه من بين سائر الأمّة فوجب أن يكون موجودا ، فوجب أن لا يكون فيهم مساو له فيما هو إمام فيه.

بيان الملازمة : أنّه إذا ثبت أن هناك مساويا لكان قائما مقامه فيما هو إمام فيه ، فلم تتعيّن الحاجة إليه ، فلم يجب وجوده.

بيان بطلان التالي ما بيّنا أنّ الحاجة إليه معيّنة وأنّه واجب أن يكون موجودا.

وأمّا أنّه يستحيل أن يكون أنقص ، فظاهر بطريق الأولى.

الثالث :أنّا سنبيّن إن شاء الله تعالى أنّ الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه من قبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإذا كان كذلك لزم أن يكون الأفضل ، لأنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يخصّ بتأدية أحكام الله تعالى وأوامره إلّا من كان أحفظ لها وأقوم بتأديتها ، وأعلم بمواردها ، وذلك هو الأفضل الأعلم ، والعلم بصدق هذه الصفة فطري فوجب أن يكون الإمام أفضل.

الرابع :لو جاز تقديم غير الأفضل لجاز إمّا تقديم المساوي أو الأنقص ، والأوّل باطل لأنّ تقديم المساوي إن كان لا لأمر كان ذلك ترجيحا للممكن من غير مرجح وهو محال ، وإن كان لأمر فهو إمّا أن يرجع إلى ذات الإمام فيكون في نفسه أرجح من غيره وقد فرضناه مساويا هذا خلف ، أو إلى غيره مع أنّ نسبة غيره إليه وإلى من يساويه في الحكم بالتقديم على سواء فاختصاصه بالحكم دون الآخر يستدعي مخصصا آخر ، والكلام فيه كالكلام في الأوّل ، فيلزم إمّا التسلسل أو الترجيح من غير مرجّح ، والثاني ، أيضا محال لأنّك علمت في حدّ الإمامة أنّها : رئاسة عامة لجميع الخلق في امور الدين والدنيا ، وذلك يقتضي أن يكون جميع المكلّفين في محلّ الحاجة في طريق الدين والدنيا إلى من تحقّقت هذه الرئاسة في حقّه ، فوجب حينئذ أن يكون الإمام أفضل من سائر الخلق فيما هو إمام فيه.

واعلم أنّه قد دخل في هذه المسألة بحسب مقتضى البراهين المذكورة وجوب أن يكون الإمام أعلم الخلق وأشجعهم وأحلمهم وأكرمهم وأتقاهم وبالجملة سائر الكمالات ، للمعنى المفهوم من الإمامة ، وبالله التوفيق.

البحث الثالث

في أنّ الإمام يجب أن يكون عالما بكلّ الدين

مرادنا بذلك أنّه عالم بالأحكام الكلية من الدين بالفعل وأمّا الأحكام الجزئية المتعلّقة بالوقائع الجزئية فله ملكة أخذ تلك الأجزاء من القوانين الكلّية من موادّها متى شاء وأراد ، ومعنى ذلك أنّه يكون متمكّنا من استنباط كلّ حكم في كلّ صورة صورة متى شاء.

وأطلق بعض أصحابنا القول بأنّه يجب أن يكون عالما بكلّ الدين ولم يفصّلوا ، فإن كان مرادهم ما ذكرناه من التفصيل فهو حق ، وإن كان المراد أنّه يجب أن يكون عالما بجميع قواعد الشريعة وضوابطها وقوانينها ، ثمّ بجزئيات الأحكام المتعلّقة بالحوادث الجزئية التي يمكن وقوعها على سبيل التفصيل ، فليس الأمر كذلك ، وبرهان فساده : أنّ الجزئيات التي يمكن وقوعها كالمسائل الجزئية الواقعة في كلّ باب من أبواب الفقه والتي يمكن وقوعها غير متناهية ، وما لا نهاية له يستحيل تعلّق علم الإنسان به على سبيل التفصيل دفعة ، والمقدمتان نظريتان ، وما كان محالا استحال أن يكون شرطا في صحّة الإمامة ، وبالله التوفيق.

البحث الرابع

في السبب الذي يتعيّن به الإمام

أجمعت الامّة على أنّ الإنسان لا يصير إماما بمجرّد أهليته للإمامة وأجمعت أيضا على أنّ المقتضي لتعيين الإمام ليس إلّا أحد الامور الثلاثة :

الأوّل : إمّا أن ينصّ عليه النبي أو الإمام.

الثاني : أن تختاره الامّة وتجتمع عليه.

الثالث : أن يدعو أهل الإمامة إلى نفسه بشرط أن يكون مباينا للظالمين آمرا بالمعروف عاملا به ، ناهيا عن المنكر مجتنبا له ، وهذا الإجماع إجماع عرضيّ ليس مقصودا بالقصد الأوّل من جميع الامّة ، بل معناه أنّ أحدا من الامّة لم يذكر سببا رابعا لتعيّن الإمام.

اعلم أنّ الاتفاق من كلّ الامّة حاصل على كون السبب الأوّل ـ وهو النصّ من النبي أو الإمام ـ سببا إلى تعيين الإمام ، واختلفوا في الطريقين (١) الباقيين ، واتّفقت الإمامية على إبطال أن يكون أحدها سببا. وذهب الأشعريّة (٢) وجمهور

__________________

(١) في الأصلين : الطرفين.

(٢) نسبة إلى أبي الحسن الأشعري المتوفى ٣٢٠ ه‍.

المعتزلة (١) والخوارج (٢) والصالحية من الزيدية (٣) إلى أنّ الاختيار سبب لثبوت الإمامة ، وذهب الباقون من الزيدية إلى أنّ الدعوة طريق إلى ذلك ، ووافقهم على ذلك أبو علي الجبّائي (٤) دون غيره من الامّة.

لنا في المسألة من الاستدلال أنواع ثلاثة :

أحدها : أن نبيّن فساد الاختيار والدعوة عقلا فيتعيّن أنّ السبب هو النصّ فقط.

الثاني : أن نبيّن أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يفوّض أمر الإمامة إلى الاختيار والدعوة عقلا ، فيتعيّن أنّ السبب [النصّ] (٥) وإن جاز ذلك عقلا.

الثالث : أن نبيّن أنّ النصّ وجد من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيكون الاختيار باطلا.

أمّا النوع الأوّل فمن وجوه :

الأوّل : أنّا بيّنا أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ، وذلك ممّا لا يصحّ معرفته بالاختيار والدعوة عقلا ، فتعيّن أنّ السبب هو النصّ فقط.

الثاني : أنّا بيّنا أنّ الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيّته في كلّ ما هو إمام فيه ، وذلك ممّا لا يمكن معرفته بالاختيار والدعوة.

__________________

(١) أتباع واصل بن عطاء الذي اعتزل مجلس درس الحسن البصري. بهجة الآمال ١ : ٨٤.

(٢) بدءوا بالخروج على علي عليه‌السلام وافتقروا إلى أكثر من عشرين فرقة ، بهجة الآمال ١ : ١٠٥ ـ ١١٠.

(٣) الزيدية : القائلون بإمامة زيد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام ، والصالحية فرقة منهم. بهجة الآمال ١ : ٩٥.

(٤) الأهوازي البصري البغدادي المعتزلي المتوفى في بغداد ٣٠٦ ه‍.

(٥) كذا الأصلان ، ولا يستقيم الكلام بدون [النص].

الثالث : القول بالاختيار يؤدي إلى خلوّ الزمان عن الإمام ، وذلك غير جائز.

بيان الأوّل : أنّ الاختيار ليس لكلّ أحد بل لأهل الحلّ والعقد من الامّة الذين هم أقلّ الامّة عددا ، وهؤلاء بالاتفاق غير معصومين ، فبتقدير أن يختلفوا في إمامين مثلا فتعيّن كلّ فرقة إماما باختيارهم تتعادل الفرقتان ، فأمّا أن يعمل باختيارهما ، وهو باطل بالاتفاق ، وإمّا أن يعمل بأحدهما ، وهو تحكم محض ، لأنّه ترجيح فيه على الآخر. وإمّا أن ينتفي الاختياران فيكون ذلك إخلاء للزمان من الإمام.

وأمّا بيان الثاني فبالاتفاق ، ولمثل هذا الدليل يبطل القول بالدعوة.

لا يقال على الأوّل : أنّه لا امتناع في أن ينصّ الله تعالى على قوم بأعيانهم ثم يفوض اختيار العقل.

وعلى الثاني : أنّا لا نسلّم أنّ الإمام يجب أن يكون أفضل ، وإن سلمناه لكن أفضل حقيقة. أو في الظاهر الأوّل ممنوع ، والثاني مسلّم ، وكونه أفضل الخلق في الظاهر لا يتوقّف على التنصيص بل يكفي فيه الاختيار كما في تولية الامراء والقضاة ، وإنّما قلنا أنّه يكفي أفضليته في الظاهر لما أنّا قد اكتفينا بالظنون في الشهود وعدالة إمام الصلاة وأمر السيد عبده والزوج زوجته ؛ فيجوز أن يكون هنا كذلك.

سلمناه لكن يجوز أن ينصّ الله تعالى على قوم كثيرين يكون كلّ واحد منهم أفضل أهل زمانه في الباطن ، ثم إنّه يفوّض الاختيار في إمامتهم إلينا.

لأنّا نجيب عن الأوّل : أنّا بيّنا أنّ العصمة تستلزم الأفضلية ، والأفضلية تستلزم التعيين ، وحينئذ لا حاجة إلى تفويض الاختيار إلى الامّة ، ويظهر اعتباره بتقدير اختيارهم غير الأفضل ، وقد سبق بيان ذلك.

وعن الثاني : أنّا بيّنا أنّه يجب أن يكون أفضل ، قوله : «في الحقيقة أو في الظاهر» قلنا : بل في الحقيقة ، سلّمنا أنّ أفضليته في الظاهر معتبرة لكن لا نسلّم أنّه يكتفى باختياره ، بل لا بدّ فيه من التنصيص ، والقياس على الامراء أو أئمة الصلاة ، قد بيّنا الفرق بين إمام الأصل والمذكورين.

قوله : «يجوز مع نصّ الله تعالى على أفضلية قوم أن يفوّض إلينا اختيارهم».

قلنا : لا نسلّم ، فإنّا بيّنا أنّ الأفضلية تستلزم التعيين فيكون الاختيار هدرا ، وبالله التوفيق.

النوع الثاني : في الاستدلال ، بيانه من وجوه :

الأوّل : أنّ الضرورة قاضية بعد الخوض في أمر الدين أنّ السياسة هي التي يقوم عليها الدين ولا يتمّ بدونها ، ثمّ إنّه قد علم من حال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان يسوس أمّته كما يسوس الوالد أولاده الصغار ، ومصداق ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما أنا لكم كالوالد الشفيق» أو قال : «أنا لكم كالوالد لولده فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها» (١) ، ثمّ إذا كان الوالد تجب عليه الوصية بأولاده الصغار عند موته فلأن يجب عليه أن يوصي بامّته إلى أحد يقوم فيهم مقامه وينفّذ فيهم أمر الدين ويحفظه يكون أولى.

الثاني : أنّه عليه‌السلام قد شاع وتظاهر عنه مبالغته في بيان أحكام الشرع من

__________________

(١) الحديث ٢٥٨٠ من الجامع الصغير للسيوطي عن مسند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجة.

الفرائض والسنن والآداب وشرح كيفيّة الاستنجاء والمسح على الخفّين (١) والعقل يشهد بأنّ أمر الإمام أهمّ من كلّ واحد من هذه الجزئيات فإذا ثبت أنّه عليه‌السلام لم يخلّ ببيان هذه الأشياء فبطريق الأولى أن لا يخلّ بأمر الإمامة.

الثالث : أنّ الله تعالى ما قبض نبيّه إليه حتّى أنزل عليه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٢). ولا يكون مكملا للدين إلّا وقد بيّن كلّ ما يتعلّق به ، والإمامة إن لم تكن أعظم أركان الدين فلا شكّ أنّها من الامور المهمّة في الدين ، فإذن من الواجب أن يكون تعالى قد بيّن أمر الإمامة إمّا في كتابه أو على لسان نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك يقتضي وجود النصّ.

لا يقال على الأوّل : أنّا لا نسلّم : أنّه يلزمه في أمّته كلّ ما يلزم الوالد في حقّ أولاده الصغار. لأنّه ما كان يلزمه دفع الضرر عنهم ولا الانفاق عليهم وإن وجب ذلك على الوالد.

وعلى الثاني : أنّ الصحابة لمّا أجمعوا على صحّة الاختيار وجب أن يكونوا عالمين بما دلّهم على صحّة الاختيار لانعقاد الإجماع لا على الدلالة.

ثمّ الذي يدلّ على جواز الاختيار وجهان :

أحدهما : قوله عليه‌السلام : «إن ولّيتم أبا بكر وجدتموه قويا في دين الله ضعيفا في بدنه ، وإن ولّيتم عمر وجدتموه قويا في دين الله قويا في بدنه ، وإن ولّيتم عليا وجدتموه هاديا مهديا» (٣) وذلك إشارة إلى صحّة الاختيار.

ما روي : أنّ المسلمين ولّوا يوم مؤتة خالد بن الوليد ولم ينكر ذلك عليهم

__________________

(١) كذا في النسختين ، ولعلّه من باب الجري في الجدل.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ٦ : ٥١ و٥٢ عن الجوهري. وذيله في ١١ : ١١ و١٧ : ١٧١.

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإذا ثبت أنّه عليه‌السلام نبّههم على جوازه كان قد بيّن لهم أمر الإمامة كما بيّن لهم سائر الشرائع. وهذا هو الاعتراض أيضا على الثالث.

لأنّا نجيب عن الأوّل : بأنّا ما ادّعينا أنّه يلزمه في أمّته كلّ ما يلزم الوالد مع أولاده ، بل بيّنا أنّه إذا كان قد وجب على الوالد أن يوصي بأولاده الصغار مع أنّ أمرهم جزئي من جزئيات أحوال الخلق فوصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمّته الذين هم كلّ الناس في الحقيقة يكون بطريق الأولى.

وعن الثاني : لا نسلّم أنّ الإجماع حجّة ، سلّمناه ، ولكن لا نسلّم على أنّ الإجماع انعقد على ذلك ، فإنّ كثيرا من الصحابة لم يكن حاضرا ، وكثير منهم لم يكن راضيا ، وبالجملة فعليكم حصر الصحابة ليتمّ لكم الإجماع.

وأمّا الخبر الوارد في ذكر الشيخين فلا نسلّم صحّته ، ثمّ إن سلّمناه لكن لا دلالة فيه على صلاحيتهما للاختيار ، فإنّ ذكر قوّتهما في الدين لا يوجب صحّة اختيارهما ، فإنّ غيرهما من أكابر الصحابة كانوا أقوى منهما في الدين ، فلو كانت القوّة في هذين الأمرين موجبة للاختيار لما كانا أولى بالتعيين ، بل نقول : إنّ هذا الخبر كأنّ فيه تنبيها عظيما للصحابة على وجوب نصب علي عليه‌السلام وتعيّنه دونهما ؛ لأنّ مقصوده الأوّل إلى الإقامة (١) إنّما هو هداية الخلق الطريق المستقيم ممّن هو مهتد في نفسه ، فإنّه لا يصلح لمثل هذا الأمر إلّا من كان كاملا في نفسه قادرا على تكميل غيره من الناقصين. فلذلك نبّه الصحابة على وجوب اتباعه صلّى الله عليهما بقوله : «هاديا مهديا» وإنّما احتاج هاهنا إلى هذه الرموز لما يعلم أنّ أكثر الصحابة كانوا بطباعهم الحيوانية يرغبون عن علي عليه‌السلام ، وتنفر قلوبهم منه ، وهذا أمر ظاهر لو كانت لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها.

__________________

(١) كذا في النسختين ، ولعلّ الصواب : لأنّ المقصود الأوّل من الإمامة إنّما هو ...

وأمّا قوله : «إنّ المسلمين ولّوا يوم مؤتة خالد بن الوليد ولم ينكر عليهم ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» فنقول : بعد تسليم صحّة هذا الخبر فليس فيه أيضا دلالة على صحّة اختيارهم ، فإنّ الحجّة ليست إلّا في تقريره عليه‌السلام لهم على ذلك الاختيار لا في نفس الاختيار ، ثمّ أقلّه [أنّه] كان ذلك لضرورة أو حاجة اقتضت سكوته عليه‌السلام عن الإنكار عليهم ، فأين ذلك من مجرّد اختيارهم بعد موته وخلاف كثير من الصحابة لهم؟!

وبهذا ظهر الجواب عن الاعتراض الثالث ، وبالله التوفيق.

وأمّا النوع الثالث من الاستدلال فسنبيّنه إن شاء الله تعالى في تعيين الإمام.

احتجّ الخصم في إبطال النصّ بأن قال : لو نصّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على الإمام بعده نصا جليا لكان ذلك بمشهد أهل التواتر أو لا يكون والتالي بقسميه باطل ، فالمقدم كذلك ، أمّا الملازمة فظاهرة ، أمّا بطلان القسم الثاني من التالي ، فلأنّه يبطل أصل الحجة ، وأمّا القسم الأوّل فلأنّه لو كان كذلك لوجب اشتهاره بين الامّة كسائر المتواترات.

وإنّما قلنا ذلك لأنّ تنصيص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على إمامة شخص معيّن (أمر عظيم ، وكلّ أمر عظيم) (١) يقع بمشهد أهل التواتر فلأنّه لا بدّ وأن ينتشر في أكثر الخلق ، وكلّ خبر هذا شأنه فلأنّه لا بدّ وأن يحصل العلم لسامعيه فهذا ادّعاء بحت ... (٢) يصحّ بصحّتها المطلوب.

__________________

(١) عن هامش الأصل نسخة ، أو هي مقتضى السياق ويأتي الإرجاع عليه.

(٢) كلمة غير مقروءة في النسختين.

وإنّما قلنا أنّ تنصيص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على إمامة شخص معيّن أمر عظيم ، لأنّ أعظم الأشياء عند الإنسان الدين وأعظم الناس الشارع ، فإذا أقام الشارع إنسانا نائبا له في دين أمّته ودنياهم فلا شكّ في كون تلك المنزلة أعظم المنازل.

وإنّما قلنا أنّ الأمر العظيم الواقع بمشهد الناس لا بدّ وأن ينتشر لأنّا نعلم بالضرورة أنّ أهل الجمعة إذا انصرفوا عن المسجد وقد تنكّس الخطيب عن المنبر مثلا فإنّما يمتنع أن لا يخبروا الناس بذلك وأن تتوفّر دواعيهم على نقله.

وإنّما قلنا : أنّ الخبر الذي هذا شأنه يفيد العلم ، لأنّ ذلك ضروري.

وإذا ثبتت هذه المقدّمات لزم من وجود النصّ انتشاره وظهوره فيما بين الخلق كسائر المتواترات ، فلمّا لم يكن كذلك علمنا كذبه.

والجواب : أنّا سنبيّن إن شاء الله تعالى صحّة النصّ الجليّ على إمامة عليّ عليه‌السلام وأنّه بلغ مبلغ التواتر ، وحينئذ ينتفي الاختيار ، وبالله التوفيق.

الباب الثاني

في تعيين الإمام

المقدّمة

١ ـ في أنّ الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب عليه‌السلام

٢ ـ في تعيين باقي الأئمة عليهم‌السلام

وفيه مقدّمة وأبحاث :

أمّا المقدّمة ، ففي تفصيل المذاهب في هذه المسألة ، فنقول :

ذهب جمهور المعتزلة والأشعرية والخوارج والمرجئة (١) : إلى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينصّ على إمام بعده.

وقال قوم : إنّه نصّ على إمام بعينه. ثمّ اختلفوا في ذلك المنصوص عليه ، فقالت الشيعة : إنّه نصّ على علي عليه‌السلام. وقال قوم من الشّذاذ : إنّه نصّ على أبي بكر. وقال آخرون : إنّه خصّ العبّاس بأقوال وأفعال تستلزم إنّه الأحقّ بالإمامة دون غيره. والذين ذهبوا إلى القول بالنصّ على أبي بكر فمنهم من قال : إنّه نصّ خفيّ وهو تقديمه له في الصلاة وهذا القول محكي عن الحسن البصري. ومنهم من قال : إنّه نصّ جليّ وهو قول جماعة من أصحاب الحديث. فهذا تفصيل المذاهب.

__________________

(١) سبقت الإشارة إلى هذه الفرق إلّا المرجئة ، وهم القائلون بإرجاء القرار بشأن الفاسقين إلى يوم القيامة ، وراجع بهجة الآمال ١ : ١١٠ ـ ١١٣.

البحث الأوّل

في بيان أنّ الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علي بن أبي طالب عليه‌السلام

وبيان ذلك بثلاثة أنواع من الأدلّة :

النوع الأوّل : في النصوص الجليّة ، وهي ثلاثة :

الأوّل : النصّ المتواتر على إمامته ، وهو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مخاطبا لأصحابه : «سلّموا عليه بإمرة المؤمنين» (١).

الثاني : قوله وهو مشير إليه آخذ بيده : «هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا» (٢).

الثالث : قوله عليه‌السلام يوم الدار وقد جمع بني عبد المطّلب : «أيّكم يبايعني ويؤازرني يكن أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي» (٣) فبايعه علي عليه‌السلام فوجب أن يكون أخاه ووزيره ووصيّه وخليفته من بعده.

لا يقال : لا نسلّم وجود هذه الأخبار ، بل هي موضوعة وفي المشهور أنّ

__________________

(١) الغدير ١ : ٢٧٠.

(٢) الغدير ١ : ٢٠٧ ، ومصادر حديث الدار في سبيل النجاة : ١١٣ ـ ١١٥.

(٣) الغدير ١ : ٢٠٧ ، ومصادر حديث الدار في سبيل النجاة : ١١٣ ـ ١١٥.

الواضع لها ابن الراوندي (١) ، سلّمناه ، لكن لا نسلّم أنّها متواترة ، سلّمناه ، لكنّها معارضة بامور تنافي النصّ :

الأوّل : أنّه لمّا مرض الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال العباس لعلي عليه‌السلام : «ادخل بنا عليه نسأله عن هذا الأمر فإن كان لنا بيّنه وإن كان لغيرنا وصّى الناس بنا» (٢) ومعلوم أنّ عليا عليه‌السلام لو كان منصوصا عليه لكان العباس أعرف الناس بذلك فكان لا يقول مثل هذا الكلام.

الثاني : لمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال العباس لعلي عليه‌السلام «امدد يدك ابايعك فيقول الناس : هذا عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بايع ابن عمّه فلا يختلف عليك اثنان» (٣).

ومعلوم أنّ العباس إنّما قال ذلك لأنّه وثق بطاعة الناس لمن يبايعه هو لكونه عمّا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إعظاما منهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذين يكونون كذلك لا بدّ وأن يكونوا مطيعين لمن نصّ عليه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ من رضيه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمامة فقبول المسلمين له أكثر ممّن رضيه غير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فالعباس كيف يمكنه الجزم بأنّه لا يختلف اثنان على من بايعه عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع مشاهدته أنّ الصحابة كلّهم تركوا نصّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! فإنّ هذا الكلام إمّا جهالة مفرطة أو وقاحة.

__________________

(١) أحمد بن يحيى المروزي البغدادي المتكلّم المعتزلي ، كان في أوّل أمره حسن السيرة جميل المذهب كثير الحياء ، وقيل أنّه تاب ومات ١٢٤٥ أو ٢٥٠ ببغداد. هدية الأحباب : ٦٨ ، طبعة الحيدري.

(٢) سيرة ابن هشام ٤ : ٣٠٤ ، ورواه المعتزلي عن كتاب السقيفة للجوهري في ٢ : ٤٨ و٥١ ، طبعة أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف و١٢ : ٢٦٢ وفي الطبري خبر يشير إليه ٤ : ٢٣٠.

(٣) الإمامة والسياسة ١ : ٤ ، وشرح المعتزلي ١ : ١٦٠.

الثالث : أنّ الأنصار لمّا طلبوا الإمامة وقدّم المهاجرون أنفسهم عليهم لمسابقتهم (١) في الإسلام ، ومزيد اختصاصهم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال أبو بكر : بايعوا عمر أو أبا عبيدة. فدفع عمر ذلك عنه قال : ولكن أقدّم فانحر كما ينحر البعير أحبّ إليّ من أن أتقدّم قوما فيهم أبو بكر (٢) فقال عمر لأبي عبيدة : امدد يدك ابايعك! فقال أبو عبيدة : تقول هذا وأبو بكر حاضر؟! ثمّ قال لأبي بكر : كنت صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله معه في المواطن كلّها ، شدّتها ورخائها ، قدّمك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة فخصّ بالإمامة لأجل الدين (٣) ومعلوم أنّ أمثال هذه الكلمات عمّن يعلم النصّ ، ويعلم من غيره علمه بكونه كاذبا فيما يقوله ، وقاحة.

الرابع : أنّ أبا بكر قال : قد وددت أنّي سألت الرسول عن هذا الأمر في من هو فكنّا لا ننازعه أهله (٤) وقال عمر : إن استخلف فقد استخلف من هو خير منّي ـ يعني أبا بكر ـ وإن ترك فقد ترك من هو خير منّي (٥) يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّهما بزعم الشيعة كانا عالمين بكونهما غير صادقين وأنّ السامعين يعلمون كذبهما ،

__________________

(١) كذا في النسختين ، ولعلّ الأولى : لسابقتهم.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ٢ : ٢٥ ، طبعة دار التعارف ، عن الواقدي.

(٣) الطبري ٣ : ٢٢٠ ـ ٢٢٢ ، عن الكلبي عن أبي مخنف وأقرب منه لفظا في الإمامة والسياسة ١ : ٩ ، طبعة ٦٩ م ، و١ : ١٦ ، طبعة بيروت. وفي تأريخ الخلفاء للسيوطي : ٨٠ ـ ٨٢ ، بيروت ٤٠٨ ه‍.

(٤) الطبري ٣ : ٤٣٠ ، بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف. و١٢ : ٢٦٣ ، والإمامة والسياسة ١ : ١٨ ، طبعة مصر ، و١ : ٢٤ ، طبعة بيروت ، وشرح النهج ١٧ : ١٦٤.

(٥) الطبري ٤ : ٢٢٨ ، عن أبي مخنف وغيره. والإمامة والسياسة ١ : ٢٣ ، طبعة مصر ، و : ٢٨ ، طبعة بيروت ، وكنز العمّال ٥ : ٧٣٤ ، وشرح النهج ١ : ١٨٥.

ولو كانا كذلك لما آمنوا أن يتجاسر واحد ممّن حضر مقالتهما على تكذيبهما وتخجيلهما ، فكيف يمكن إقدامهما على هذه المكابرة والوقاحة من غير حاجة ولا ضرورة إلى هذا الكلام؟!

الخامس : لو ثبت النصّ لامتنع علي عليه‌السلام في الشورى ، لأنّ دخوله فيها أرضى منه بالنصّ على أيّ واحد منهم كان.

لا يقال : أنّه دخل فيه للتقيّة.

لا نقول : التقية إنّما يحتاج إليها فيما يقرّبه إلى الإمامة لا فيما يبعده منها.

السادس : ولمّا قال علي عليه‌السلام لطلحة «إن أردت بايعتك» فقال طلحة : أنت أحقّ بهذا الأمر منّي وقد يجتمع لك (١) من هؤلاء ما لم يجتمع لي.

السابع : لمّا احتجّ عليّ عليه‌السلام على معاوية ببيعة الناس له لأنّه لو كان منصوصا عليه لما كانت إمامته بالبيعة حتّى يحتجّ بها ، وقد كتب إلى معاوية : «أمّا بعد فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام ، فإنّه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه (٢).

الثامن : ولمّا قال : أترككم كما ترككم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن يعلم الله فيه خيرا يجمعكم على خير كما جمعكم على خير بأبي بكر (٣).

التاسع : ولمّا قال : لو لا أخاف عليها تيسا من تيوس بني اميّة يحكم بغير ما أنزل الله لما دخلت فيها (٤).

__________________

(١) البحار ٣٢ : ٣٢ ، مع اختلاف في التعبير.

(٢) بمعناه في نهج البلاغة ، الكتاب ٦ ، وبنصّه.

(٣) صدره في مجمع الزوائد ٩ : ١٣٧ ، وكنز العمّال ٥ : ١٦٧.

(٤) لم نجده في مظانه.

العاشر : ولمّا قال حين دعي إلى البيعة : اتركوني والتمسوا غيري ، فإنّي أسمعكم وأطوعكم إن ولّيتم غيري (١).

الحادي عشر : ولمّا أنكر أكثر أهل البيت هذا النصّ ، فإنّ من المعلوم فرط حبّهم لعلي عليه‌السلام ، ومن كان كذلك استحال أن ينكر أعظم فضيلة لمحبوبه ، ومعلوم أنّ زيد بن علي رضي الله عنهما ـ مع كمال فضله ودينه ـ وجميع أتباعه أنكروا ذلك (٢).

الثاني عشر : روي أنّ السيد الحميري قال : ما لأمير المؤمنين فضيلة إلّا ولي فيها قصيدة (٣) وهذا النصّ الجلي لو صحّ لكان أعظم فضيلة له ، وما كان كذلك استحال من مادحه إلّا ذكره في أكثر قصائده ، وأشعاره ، ولكن ليس لهذا النصّ في أشعار السيد الحميري ذكر ، فدلّ على كونه موضوعا مخلقا.

فثبت بمجموع هذه الأدلّة أنّ النصّ على إمامة عليّ عليه‌السلام لم يوجد.

والجواب عن الأوّل والثاني أن نقول : إنّ هذه الأخبار بلغت مبلغ التواتر ولا يمكن إنكارها ، أقصى ما في الباب أن يقال لو كان كذلك لتواتر إلى المخالف والموافق ولما اختصّت به الشيعة دون غيرهم.

لأنّا نقول : إنّه كما يشترط صحّة النقل في نفس الأمر اشترط أيضا انتفاء المانع عن الأذهان القابلة له.

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة : ٩١ ، شرح النهج للمعتزلي ١ : ١٦٩.

(٢) النصّ في الخطبة ٩٢ : دعوني والتمسوا غيري ... ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم.

(٣) بمعناه في الأغاني ٧ : ٢٥٧ ، وأخبار السيد الحميري للمرزباني بتحقيق الأميني ، طبعة النجف الأشرف عام ١٣٨٦ ه‍ ، وعنهما في الغدير ٢ : ٢٤١ و٢٤٢.

وقد ذكر السيد المرتضى رحمه‌الله شرطا في التواتر لا يمكن إنكاره فقال : من شرط حصول العلم بالشيء بحسب التواتر أن لا يسبق إلى ذهن السامع اعتقاد نفي موجب الخبر لشبهة (١) ومعلوم أنّ هذا شرط صحيح ، فإنّا نجد من أنفسنا أنّا متى اعتقدنا نفي شيء اعتقادا جازما استحال لنا أن نعتقد صحّة ضدّه. وإذا كان كذلك فنقول : أنّ تلك النصوص لمّا جزم الخصم بنفي موجبها بحسب ما لاح له من الشبهة لا جرم ما يمكنه الجزم بوجود هذا النصّ المضادّ لليقين ، أمّا من لم يسبق له اعتقاد نفي ذلك الموجب لا جرم حصل له العلم بموجب ذلك النصّ ضرورة ، إذا (٢) كان حصول العلم من النقل هو الدليل على صحّة ذلك التواتر.

وعن الثالث وهو الأوّل من المعارضات أن نقول : إنّ العبّاس لم يقل لعليّ عليه‌السلام ذلك لجهله بالنصّ والاستحقاق ، وإنّما مقصوده أن يسأله عن استقامة هذا الأمر فيهم بعده وتسليم الامّة لهم ، وهل المعلوم لله الواقع بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تمكينهم منه وعدم الحيلولة بينهم وبينه ، فيطمئن لذلك قلبه ويسكن ، أو لا يستقيم ذلك لهم ، بل يكون مع استحقاقهم له كائنا لغيرهم.

ويدلّ على أنّ المراد ذلك تمام الخبر وهو جواب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للعباس : «عليّ سبيلكم معشر الشيعة أنتم المظلومون المقهورون» (٣) وهذه التتمّة ممّا جاءت به الرواية ، ولو لا أنّ السؤال من العبّاس كان على الوجه الذي ذكرناه لم يكن لجواب

__________________

(١) بمعناه في الذخيرة : ٤٦٥ ، وفي الذريعة ٢ : ٤٩٢.

(٢) كذا في النسختين ، ويبدو أنّ الصحيح : إذ.

(٣) كذا في النسختين ، وفي الفصول المختارة ٢ : ٢٠٣ جاء النصّ هكذا : «على رسلكم معشر بني هاشم أنتم المظلومون وأنتم المقهورون» وهو الصحيح.

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتتمّة المذكورة فائدة تعقل (١).

وعن الثاني من وجهين :

أحدهما : أنّ دعاء العباس أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى بسط اليد للبيعة إنّما كان بعد ثبوت إمامته ، لتجديد العهد في نصرته والحرب لمن خالفه وضادّه ، ولم يحتج عليه‌السلام في إثبات إمامته.

ويدلّ على ذلك قول العباس : «يقول الناس هذا عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بايع ابن عمّه فلا يختلف عليه اثنان» فعلّق الاتّفاق بوقوع البيعة ، ولم يكن متعلّقه (٢) إلّا وهي بيعة الحرب التي يذهب عندها الأعداء ويحذرون من مخالفته ، ولو كانت بيعة الاختيار من جهة الشورى والاجتهاد لما منع ذلك من الاختلاف ، بل كانت البيعة نفسها طريقا إلى تشتّت الرأي وتعلّق كلّ قبيل باجتهاده واختيار من يراه.

وينبّه على ذلك تمام الخبر أنّه لمّا (٣) ألح عليه العباس قال : «يا عمّ إنّ رسول الله صلّى الله عليه أوصاني أن لا اجرّد سيفا بعده حتّى يأتيني الناس طوعا ، وأمرني بجمع القرآن ، والصمت حتّى يجعل الله لي مخرجا» (٤) فدلّ ذلك على أنّ البيعة إنّما دعا العبّاس إليها للنصرة والحرب ، وأنّه لا تعلّق لثبوت الإمامة

__________________

(١) في النسختين : يعقل.

(٢) كذا في النسختين ، والنصّ للشيخ المفيد في العيون والمحاسن والفصول المختارة منها ٢ : ٢٠١ وفيه : «لتعلّقه بها» وعنه في الدرجات الرفيعة : ٨٥ وفيه : «ليعلّقه بها» وهو الصحيح ، أي ليعلق الاتّفاق بالبيعة.

(٣) النصّ في النسختين «إنّما إلخ» وأثبتنا الصحيح من الفصول المختارة ٢ : ٢٠١.

(٤) النصّ في النسختين : «حتّى يخرج الله مخرجا» وأثبتنا الصحيح من الفصول المختارة ٢ : ٢٠١.

بها (١).

الثاني : أن يقال : إنّ القوم لمّا أنكروا النصّ وأظهروا أنّ الإمام يثبت بطريق الاختيار ، أراد العباس رضى الله عنه أن يكيدهم من حيث ذهبوا إليه ، ويبطل أمرهم بنفس ما جعلوه طريقا لهم إلى جحد النصّ ، فقال : ابسط يدك ابايعك ، فإن سلّموا الحق إلى أهله لم تضرّك البيعة ، وإن ادّعوا الشورى والاختيار وأنكروا حقّك كان لك من البيعة والعقد والاختيار ما لم يكن لهم فلم يمكنهم الاستبداد بالأمر دونك. فكره عليه‌السلام أن يجعل الباطل طريقا إلى حقّه (٢) مع ظهور النصّ بينهم عليه في ذلك الوقت.

فإن قلت : إن لم تكن البيعة طريقا صحيحا فلم اعتمدها بعد قتل عثمان واحتجّ بها على معاوية؟!

قلت : إنّه لمّا كان يطمع منهم أن يرجعوا إلى النصّ في حال وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وقرب عهدهم به ، لأجله لم يجعل البيعة طريقا إلى حقّه ، خصوصا مع ما انضاف إلى ذلك من إشارة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عدم استتمام هذا الأمر له بعده فلمّا طال العهد وتقادم إنكار النصّ وصار كأن لم يوجد ، ثمّ رأى إقبال الخلق بأسرهم عليه ، لم يمكنه إلّا القيام بالحق ونصرة الدين ، كما قال عليه‌السلام : «والله لو لا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها» (٣).

وأمّا أنّ العباس لما وثق بطاعة الناس في هذا الأمر له ، فدلّ ذلك على أنّهم

__________________

(١) الفصول المختارة ٢ : ٢٠١.

(٢) الفصول المختارة ٢ : ٢٠١ و٢٠٢.

(٣) نهج البلاغة ، الخطبة الثالثة ، الخطبة الشقشقية.

أطوع لمن نصّ عليه الرسول صلّى الله عليه [وآله] وارتضاه للإمامة وكيف يمكنه الجزم بأنّه لا يختلف اثنان مع مشاهدته أنّهم بأسرهم تركوا نصّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لو لا أنّ النصّ غير صحيح؟!

فنقول : أنّه لا يلزم من وثوق العباس بطاعتهم كونهم مطيعين لنصّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لو كان النصّ موجودا ، وكيف لا يعقل الفرق بين طاعة رجل هو عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع ما يتعلّق به من خواصّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته ثمّ يبايع مثل عليّ عليه‌السلام قيام النصّ وطراوته في حقه وبين مجرّد نصّ ذكره الرسول صلّى الله عليه مرّة أو مرّتين في حقّ شخص قد اتّفق السامعون لذلك النصّ على حسده بما خصّه الله تعالى به من الفضائل ، استحقّ أن يقال فيه ذلك النصّ ؛ وعلى بغضهم بما أبلاهم به من قتل الأعزّة والأحبّاء ، خصوصا وهم الطالبون لهذه الرئاسة فإنّه لا عجب من طباع إنسان تعلّقت بحبّ رئاسة عامة في امور الدين والدنيا أن يكتم شهادة ولو أثبتها بخطّه في صكّ وقوبل بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضلا عن نصّ ذكره مرّة أو مرّتين ، فإنّ من لا يعقل مثل هذا الفرق كاد أن لا يكون إنسانا.

وعن الثالث : من المعارضة أنّ غايته استبعاد المستدلّ من أمثال هؤلاء المذكورين أن يكتموا النصّ ويتواطئوا على جحده. وقد بيّنا أنّ ذلك غير بعيد منهم ، ونزيده وضوحا فنقول : إنّ الناس كانوا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على طبقات ثلاث سادات ، وأتباع ، ومقلّدة.

أمّا السادات فإنّهم اجتمعوا على كتمان النصّ لأنّهم كانوا على قسمين :حسّادا ومبغضين. أمّا حسد الحسّاد فلما كانوا يشاهدونه من تفضيل الرسول إيّاه في المواطن كلّها ، وأمّا بغضهم إيّاه فلأنّه وتر أكابر القوم ، ولا شكّ أنّ مقتضى الطباع البشرية بغض من قتل أكابرهم وأحبّائهم ومحبّة قتله والاجتهاد في سدّ

أبواب مطالبه مهما استطاعوا.

وأمّا الاتّباع والمقلّدة فيتابعون السادات في ذلك ، فليت شعري ممّن يحصل الإنكار عليهم فيما فعلوه من عرض بعضهم البيعة على بعض وردّها إلى أبي بكر.

وعن الرابع : أنّهما يعلمان أنّ كليهما غير صادق. قوله : لو كان كذلك لم يأمنا من ينكر عليهما ، وكيف يمكن منهما هذه المكابرة لو كان النصّ موجودا.

قلنا الجواب ما مرّ أنّهما كانا من الأكابر والباقون أتباع وحسدة مبغضون.

وعن الخامس : أنّه عليه‌السلام لمّا رأى اعتقاد الجمهور حسن سيرة الشيخين. وأنّهما كانا على الحقّ ، لم يتمكّن من ذكر ما يدلّ على فساد إمامتهما ، لما في ذلك من الشهادة بالظلم والجور منهما بتحديد القول بأنّهما لم يكونا مستحقّين للإمامة.

وأمّا أنّه عليه‌السلام لم (١) دخل في الشورى فلوجهين :

أحدهما : ما قرّرناه من أنّه مأخوذ عليه دفع الظلم والقيام بأمر الدين مهما تمكّن ، فلمّا علم عدم التفاتهم إلى النصّ عليه قصد التوصّل إلى حقّه بمثل هذا الأمر.

الثاني : أنّه لم يكن مقصود عمر إلّا قتله ، ولذلك قال : «فإن اختار رجلان رجلا ورجلان رجلا فاقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن بن عوف» ، لعلمه أنّ عبد الرحمن لا يقبل إلّا عثمان لأنّه صهره (٢) ، وكان علي عليه‌السلام من الثلاثة الذين يقتلهم ، وإذا كان كذلك كان دخوله في الشورى ليس إلّا تقيّة من القوم فإنّه

__________________

(١) في النسختين : لما دخل ... والصحيح : لم ، أو : لما ذا.

(٢) أي لأنّ عبد الرحمن بن عوف كان زوج أمّ كلثوم بنت عقيبة بن أبي معيط الأموي وهي اخت عثمان من أمّه. راجع شرح النهج للمعتزلي ١ : ١٨٩. هذا وقد قتل علي عليه‌السلام عقبة بن أبي معيط يوم بدر.

كان يعلم إنّه لو امتنع لم يترك.

وعن السادس : أنّه إنّما قال عليه‌السلام ذلك على وجه الغضب من الامور المتقدّمة ، أي إنّ مثل الأمر قد تركته إلى هذا الحين ما نازعت فيه ، فإن شئت أن اسلّمه أيضا إليك سلمته ، وهذا كما يقول أحدنا عند ما (١) يتواتر عليه الظلم ثمّ يجيء وقت يطمع فيه ارتفاع الظلم عنه فيظهر له من يروم ظلمه فيقول : فقد ظلمني الناس وأنت أيضا من جملتهم إن شئت فافعل.

وأمّا قول طلحة له : أنت أحقّ بهذا الأمر ، وتعليله ذلك باجتماع الذين لم يجتمعوا له ، فلا يدلّ ذلك على عدم النصّ ، إذا (٢) كان طلحة في مظنّة الجحد (٣) للنصّ إذ (٤) كان من الحاسدين له ، بدليل خروجه عليه بعد ذلك.

وعن السابع : أنّه إنّما احتجّ على معاوية بالبيعة ليفيء إلى نصرته وترك الحرب والقتال ، لأنّ إمامته لم تثبت بالنصّ ، لأنّ معاوية ممّن جحد بالنصّ أيضا على إمامته عليه‌السلام ، فلم يمكنه الاستدلال عليه إلّا ببيعة الناس له ليوقع في قلبه رهبة عساه يفيء إلى الخلق بها ، وقد سبق مثل ذلك في الوجه الأوّل.

وعن الثامن : أنّا لا نسلّم صحّة هذا الخبر ، سلّمناه لكن معنى الخبر : أترككم كما ترككم رسول الله فإن يعلم الله فيكم خيرا يجمعكم على خيركم ، أي إن يعلم فيكم انتظام أمر يجمعكم على خيركم بعدي كما جمعكم على خير أي على انتظام اموركم الدنيوية وسكون الفتنة بأبي بكر ، وذلك لأنّ لفظ الخبر لفظ مفرد

__________________

(١) في النسختين : عند أن ... أثبتنا الصحيح.

(٢) في النسختين : إذا ، وأثبتنا الصحيح.

(٣) في النسختين : الحجّة ، وأثبتنا الصحيح.

(٤) في النسختين : إذا وهو غلط.

فسواء نكّر أو عرّف تعريف الطبيعة فإنّه لا يعمّ كلّ خير ، فبقى أن يحمل على بعض الخيرات ، وليس تخصيصكم أولى من تخصيصنا.

وعن التاسع : أنّ العلّة الحاملة له على الدخول في هذا الأمر هو المحافظة على طاعة الله بتنفيذ أحكامه كما قال عليه‌السلام : «لو لا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر» (١) إلى آخره ، وقد تقدّم ، فكان كلّ واحد من ظهور الحجة وقيام الناصر والأخذ من الله تعالى على العلماء العهد المذكور شرطا لدخوله في هذا الأمر ، وذلك خوفه من قول بني اميّة لهذا الأمر شرط أيضا لدخوله فيه ، ومعلوم أنّه يصدق أن يقال : لو لا وجود الشرط لما وجد المشروط ، لكن هذا لا ينافي وجود النصّ لجواز أن يقال : ولو لا وجود النصّ أيضا ، ولا يكون قبيحا.

وعن العاشر : أنّه إنّما قال ذلك لمعرفته بأنّهم لا يفلحون في صحّة الاجتماع عليه ، ولا يتمّ ذلك الاجتماع منهم ، فيحسن حينئذ منه أن يقول هذا الكلام لوجهين :

أحدهما : إنّكم ينبغي أن تجروا على قاعدتكم السابقة ، بقوله «غيري» (٢) فأنا أعلم أنّ قلوبكم لا تجتمع معي ولا تصفوا لي ، فاطلبوا غيري ، وأنا اطيعكم وأسمع كما سمعت لمن سبق ؛ وهذا لا ينافي وجود النصّ في حقّه فإنّه يعلم أنّهم كما قدّموا على كثير النصّ في حال طراوته حين وفاة النبي صلّى الله عليه فهم بعد مضي المدّة الطويلة أشدّ إقداما على نفيه ، فكيف يحسن منه ذكره في ذلك الوقت.

الثاني : يحتمل أنّه إنّما قال ذلك ليختبر صدق نياتهم في الإقبال عليه ، إذا

__________________

(١) النصّ في النسختين : «لو لا ظهور الحجة وقيام الناصر» ، وأثبتنا الصحيح كما في الخطبة الشقشقية ، الثالثة من نهج البلاغة.

(٢) هكذا النصّ في النسختين ، ولعلّ فيه سقطا.

كان الإنسان حريصا على ما يمنع منه ، فإن رأى لهم في الإقبال عليه وطلبه متانة (١) التزم بهم ما طلبوه ، وإلّا فلا فائدة.

وعن الحادي عشر : لا نسلّم أنّ أحدا من أهل البيت عليهم‌السلام أنكر ذلك النصّ ، والزيدية بأسرهم على أنّ عليا عليه‌السلام ثابت الإمامة بالنصّ الجليّ.

وعن الثاني عشر : أنّ للسيد الحميري رحمه‌الله في ذلك شعرا لكن عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود ، وبيان ذلك ، أنّه وجد في شعره رضي الله عنه في القصيدة التي أوّلها :

ألا الحمد لله حمدا كثيرا

وليّ المحامد ربّا غفورا

حتّى انتهى إلى قوله :

عليّ وصيّ النبيّ الذي

بمحضرهم قد دعاه أميرا

وكان الخصيص به في الحياة

فصاهره واجتباه عشيرا(٢)

ألا ترى إلى قوله أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا عليا عليه‌السلام في حياته بامرة المؤمنين.

وأنت بعد إحاطتك بضوابط أجوبتنا يمكنك أن تطّلع منها على فساد كلّ علّة يذكرونها في هذا الباب! وبالله التوفيق والعصمة.

__________________

(١) اللفظ غير واضح ، وأقرب ما يقرأ : متانة كما أثبتناه.

(٢) انظر الغدير ٢ : ١٦ وأخبار السيد الحميري ، للمرزباني. بتحقيق الأميني ، وشاعر العقيدة ، للحكيم.

النوع الثاني : الاستدلال بالنصوص ، وهي ثلاثة :

[البرهان] الأوّل : قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (١) والاستدلال بهذه الآية مبنيّ على امور ثلاثة :

أحدها : أنّ لفظة الوليّ محتملة في اللغة [المعنى] (٢) أولى.

الثاني : أنّ هذا الاحتمال متعيّن الإرادة هاهنا منها.

الثالث : أنّ المراد بقوله : (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) عليّ عليه‌السلام وحده ، ويلزم من هذه المقدمات أن يكون علي عليه‌السلام أولى بتدبير الامّة والتصرّف في امورهم ، وذلك معنى كونه إماما.

أمّا المقدمة الاولى : فبيانها بالنقل والعرف ، أمّا النقل فإنّ المبرّد قال في كتاب (كتاب العبارة) عن صفات الله تعالى : إنّ الولي هو الأولى أي الأحقّ (٣) قال الكميت :

ونعم ولي الأمر بعد وليّه

ومنتجع التقوى ونعم المؤدّب(٤)

أراد المقيم بتدبير الأمر.

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) زيادة لازمة.

(٣) لا نعرف نسخة من الكتاب ، ونقل عنه هذا السيد المرتضى في الشافي وفي تلخيصه ٢ : ١٣ ، وفي الذخيرة : ٤٣٨.

(٤) انظر التبيان ٣ : ٥٥٩ ، طبعة النجف الأشرف ، وتلخيص الشافي ٢ : ١١ ، والهاشميات ، ديوان شعر الكميت بن زيد الأسدي ، في قصيدة مطلعها :

طربت وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا لعبا منّي ، وذو الشيب يلعب!

وأمّا العرف : فإنّ أخا المرأة يوصف بأنّه وليّها لأنّه يملك العقد عليها ، ويقال : السلطان وليّ من لا وليّ له ، ويقال : فلان وليّ الدم ، إذا كان أحقّ بالتصرّف فيه بالأخذ والعفو.

وأمّا المقدّمة الثانية : فبيانها أنّ الوليّ يقال بحسب الاشتراك اللفظي على معنيين أحدهما : ما ذكرناه. والثاني : الناصر ، لكن حملها على الناصر [منتف] (١) ، فتعيّن حملها على ما ذكرناه ، وإنّما قلنا : أنّه يتعذّر حملها على الناصر لوجهين (٢) :

أحدهما : أنّ الولاية بمعنى النصرة عامة في حقّ المؤمنين ، والولاية المذكورة هذه في الآية غير عامة في حقّ كلّ المؤمنين ، ينتج من الثاني أن لا تكون الولاية المذكورة في الآية هي النصرة ، وإنّما قلنا : إنّ الولاية التي في الآية يمتنع أن تكون عامّة لأنّ صيغة «إنّما» تفيد حصر الولاية ـ التي في الآية ـ في المؤمنين الموصوفين بتلك الصفات ، فأمّا أنّ صيغة «إنّما» تفيد الحصر فللنقل والشعر أمّا النقل فلأنّ القائل إذا قال : إنّما لك عندي درهم ، أفاد حصر الدرهم ونفي ما سواه ، وكذلك قولك : إنّما أكلت اليوم رغيفا ، فإنّ مفهومه نفي ما زاد على رغيف واحد.

وأمّا الشعر فقول الأعشى :

ولست بالأكثر منهم حصى

وإنّما العزّة للكاثر(٣)

فإنّه يفهم نفي العزّة عمّن ليس بالكاثر وهو مراده.

وإنّما قلنا : إنّ كلّ المؤمنين ليسوا موصوفين بالصفات المذكورة في الآية لأنّ

__________________

(١) في النسختين : منتفية.

(٢) الظاهر أنّه لم يذكر إلّا وجها واحدا.

(٣) تلخيص الشافي ٢ : ١٦.

قوله تعالى : (وَهُمْ راكِعُونَ) إمّا أن يكون حالا أو استينافا ، والثاني باطل لوجهين :

أحدهما : أنّه ذكر الصلاة وهي مشتملة على الركوع ، فيكون استيناف ذكر الركوع مرّة اخرى تكرارا.

الثاني : أنّ من قال رأيت زيدا وهو راكب ، فإنّ المتبادر إلى فهم السامع أنّ الرؤية كانت في حال الركوب ، والمبادرة إلى الذهن دليل الحقيقة (١).

وإنّما قلنا أنّ الولاية بمعنى النصرة عامة لقوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (٢) فثبت بما ذكرنا أنّ الولاية التي في الآية غير عامة وأنّ الولاية بمعنى النصرة عامة وإحداهما مغايرة للاخرى وحيث امتنع حمله على الولاية بمعنى النصرة تعيّن حمله عليها بمعنى الأولى والأحقّ بالتصرّف ، ضرورة أنّه لا ثالث لهذين المعنيين.

أمّا المقدّمة الثالثة : وهو أنّه يلزم من ذلك إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام بيانه من وجوه :

الأوّل : أنّه لمّا ثبت أنّ المراد من هذه الآية إثبات كون بعض الناس متصرّفا في الامّة ، ولا معنى للإمام إلّا ذلك ، لزم دلالة هذه الآية على بعض الناس ، وقد أجمعت الامّة على أنّ هذه الآية لا تقتضي إمامة غير علي عليه‌السلام ولو لم تقتض إمامته أيضا لزم تعطيل الآية ، وأنّه غير جائز ، فلا بدّ من الجزم بدلالة هذه الآية على إمامته.

الثاني : أنّ الامّة أجمعت على أنّ عليا عليه‌السلام مراد بهذه الآية ، وإنّما اختلفوا

__________________

(١) انظر مظانّ البحث في كتب اصول الفقه.

(٢) التوبة : ٧١.

أنّ غيره مراد أيضا بها أم لا؟ ومتى ثبت أنّ مقتضى الآية الإمامة ، وثبت بالإجماع اندراج علي تحتها ثبتت إمامته ، ثمّ يلزم من ثبوت إمامته نفي إمامة غيره بالإجماع ، ويلزم من ذلك نفي اندراج غيره تحتها ، لأنّ غيره لو اندرج تحتها لكان إماما.

الثالث : أطبق المفسّرون على نزول هذه في حقّ عليّ عليه‌السلام لأنّه لم يتصدّق وهو راكع غيره ، فوجب أن يكون هو المراد لا غير ، فهذا تقرير هذه الحجّة.

لا يقال : إنّنا لم ننازعكم في المقام الأوّل والثالث (١) بل إنّما ننازعكم في المقام الثاني فلم قلتم : إنّه ليس المراد بالولي الناصر؟

قوله : الولاية في الآية بمعنى النصرة عامة والولاية المذكورة في هذه الآية غير عامة.

قلت : الولاية بمعنى النصرة في الآية الاولى (٢) وإن كانت عامة في حقّ المؤمنين إلّا أنّها لا تنافي أن تكون في هذه الآية أيضا بمعنى النصرة ، وذلك لأنّ معنى تلك الآية أنّ كلّ واحد من المؤمنين موصوف بالنصرة للآخر ، والحال هاهنا أيضا كذلك وأنّه تعالى قسّم المؤمنين قسمين ، أحدهما : المخاطبون بقوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ). وثانيهما : الذين عناهم بقوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) فكأنّه قال لكلّ بعض من المؤمنين : إنّما ناصركم الله ورسوله والبعض الآخر من المؤمنين ، وإذا ثبت ذلك ظهر أنّ إثبات مطلق النصرة لكلّ واحد من المؤمنين لا ينافي نصرة أحد ، فسمّى المؤمنين بالقسم الآخر منها ، وحينئذ لا يكون بين

__________________

(١) الأوّل في معنى الولي ، والثالث في الدلالة على الإمامة ، والثاني أي المقدّمة الثانية في نفي معنى الناصر.

(٢) التوبة : ٧١.

قوله : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أنصار بعض ، وبين قوله : إنّما ناصركم الله ورسوله والذين آمنوا ، منافاة.

سلّمناه لكن لم قلتم : إنّ الولاية التي في هذه الآية خاصة؟

قوله : لأنّ صيغة «إنّما» تفيد حصر الولاية في المؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة وكلّ المؤمنين ليسوا كذلك.

قلنا : لا نسلّم أنّ كلمة «إنّما» تفيد الحصر ، بيانه من وجوه :

الأوّل : أنّه يحسن دخول التوكيد والاستفهام عليها ، تقول : إنّما جاءني زيد وحده ، وإذا قال إنسان : إنّما أكلت رغيفا ، حسن أن يقول : كم أكلت ، رغيفا واحدا أو أكثر؟ وعندكم أنّ حسن التوكيد والاستفهام دليل الاشتراك ، وليس لكم أن تمنعوا من حسن ما ذكرنا لأنّكم تستحسنون دخول الاستفهام والتوكيد على صيغ العموم مع أنّ اقتضاءها له أظهر من اقتضاء «إنّما» للحصر.

الثاني : أنّ قوله : إنّ زيدا في الدار لا يدلّ على أنّ غيره ليس فيها ، وكلمة ما دخلت للتوكيد فاقتضى أنّ قول القائل إنّما زيد في الدار تأكيد لكونه فيها ، ولا يدلّ ذلك على أنّ غيره ليس فيها.

الثالث : أنّهم يقولون في العرف : إنّما الناس أهل العلم ، وإنّما الرجل هو الشجاع ، ولا يريدون نفي الإنسانية والرجولية عن غير العالم وغير الشجاع ، بل المراد أنّ الإنسانية والرجولية في العالم والشجاع أظهر آثارا.

ثمّ إن سلّمنا أنّ صيغة «إنّما» تفيد الحصر في المؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة فلم قلتم أنّ المؤمنين ليس كلّهم موصوفين بهذه الصفات؟

أمّا الزكاة حال كونه راكعا ، فإنّا : لا نسلّم أنّ قوله : (وَهُمْ راكِعُونَ) متعيّن للحال ، بل هو استيناف لوجوه :

الأوّل : أنّ القائل إذا قال : فلان أدّى الزكاة وهو راكع ، حسن أن يستفهم

فيقال : أدّاها حال الركوع أو قبله وهو الآن راكع؟ وحسن الاستفهام دليل الاشتراك.

الثاني : إنّ المفهوم من قوله تعالى : (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) إنّ ذلك من شأنهم وعادتهم فإنّه لا يقال مثل هذا القول في من أتى بفعل مرّة واحدة ، ومعلوم أنّه لم يكن إيتاء الزكاة ومن صفتهم أنّهم راكعون.

الثالث : أداء الزكاة في الصلاة مخلّ بكمال الخشوع والخضوع ، وذلك إمّا أن يكون مبطلا للصلاة أو لكمالها وذلك لا يليق بأمير المؤمنين.

الرابع : أنّ الآية لو أفادت المدح على إيتاء الزكاة حال الركوع لكان ذلك سنّة مندوبا إليها ، ومعلوم أنّه ليس كذلك في حقنا ، فعلمنا أنّ هذه الواو ليست للحال.

وقوله : لما جرى ذكر الصلاة فذكر الركوع بعده يكون تكرارا.

قلنا : يحتمل أنّ غرضه من ذكره على الخصوص تشريفه ، فلا يلزم من كون السجود أشرف إذ لا يخصّ هو بالذكر ، لاحتمال أن يكون في تخصيصه بهذا (١) التشريف مصلحة لا يطلع عليها ، ومع هذا الاحتمال لا يثبت القطع.

قوله : إنّ من قال (٢) رأيت زيدا وهو راكب فهم منه الحال.

قلنا : لا نسلّم ، أنّه إذا قيل فلان يحارب عنّي ويبني داري فإنّه لا يفهم منه أنّه يحارب عنه حال كونه بانيا هاهنا ، وهب أنّ المراد منه الاستئناف لكن المؤمنين بأسرهم ما كانوا راكعين حال نزول الآية قلنا : إذا حملنا الراكع على ما من شأنه أن يكون راكعا صار عامّا في كلّ المؤمنين.

__________________

(١) في نسخة «عا» : هذا ، وأثبتنا الصحيح من نسخة «ضا».

(٢) من نسخة «ضا».

قوله في الوجه الثاني : أن يكون المؤمنين بعضهم أولياء بعض بمعنى النصرة أمر ظاهر عرف من قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) فلا يكون في حمل الآية فائدة.

قلنا : بل فيه ثلاث فوائد : أحدها : أنّ الحكم العام يصحّ تخصيصه أي بعض منه كان ، وأمّا التنصيص على البعض المعيّن فلا يصحّ ذلك فيه. وثانيها : التشريف بالذكر. وثالثها : أنّ القصد بالآية إثبات ولاية المؤمنين للمؤمنين ، ونفيها عن اليهود والنصارى على ما دلّ عليه سياق هذه الآية وهذا المقصود غير حاصل في قوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ).

لا يقال : العلم بكون اليهود والنصارى ليسوا أولياء المؤمنين ضروري فلا حاجة فيه إلى هذه الآية.

لأنّا نقول : لا يمتنع أن تكون الآية دلّت على سبب يقتضي الشكّ في وجوب نصرة اليهود والنصارى ، وإذا لم يمتنع ذلك لم يكن القطع على أنّه لا فائدة في نزول الآية لبيان ذلك ، كيف وقد روي أنّه كان بين الخزرج وبين يهود بني قينقاع حلف في الجاهلية ، فلمّا أسرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أقام عبد الله بن ابي (١) على نصرتهم ونودي عبادة بن الصامت (٢) ودخل عبد الله بن ابي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسأله وألحّ عليه فأطلقهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأنزل الله هذه الآية (٣) تمنعهم عمّا اعتقدوا من أنّه إذا

__________________

(١) عبد الله بن ابي بن سلول رأس المنافقين.

(٢) ابن القيس الأنصاري الخزرجي (٣٨ ق ـ ٣٤ ه‍) شهد العقبة في نقباء الأنصار ، وشهد بدرا وسائر المشاهد ، وحضر فتح مصر ، وولي على القضاء في الرملة أو القدس من فلسطين ومات هناك في ٣٤ ه‍.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ : ٥٠ ـ ٥٣ ، ومغازي الواقدي ١ : ١٧٦ ـ ١٨٠ ، وإعلام الورى : ٨٠ ، ولعلّه عن ابن إسحاق.

تقدّم حلف في الجاهلية مع اليهود والنصارى وجب التزام ذلك الحلف.

فظهر أنّ في حمل الآية على ما ذكرنا فائدة جديدة.

ثمّ إن سلّمنا أنّه لا بدّ إلى بيان أنّه عليه‌السلام قد نصّ على إقامة علي من قبل نصّا جليّا لأنّ هذه الآية مدنية وعندهم أنّه قد نصّ عليه بمكّة نصّا جليّا ، بل هذا لكم ألزم لأنّ النصّ الخفي بعد النصّ الجلي أولى أن تكون فيه فائدة من نصّ خاص ورد بعد نصّ عام ، ومعلوم أنّ قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) يحتمل من التأويل ما لا يحتمله الخاص لأنّه قد يمكن أن يقول قائل في بعض الأشخاص أنّه غير داخل في ذلك العام ، إذ يقول من أين لكم أنّه بصفة اللفظ العام بحيث إذا قال الله تعالى هذا الشخص وليّ المؤمنين لم يمكن هذا القول ، فيثبت أنّ حمل الآية على ما ذكرنا أكثر فائدة من حملها على المعنى الذي ذكرتموه.

ثمّ إن سلّمنا إنّ ما ذكرتموه يقتضي تعذّر حمل الولاية التي في الآية على النصرة ففيها ما يمنع حملها على الإمامة من وجوه ثلاثة :

الأوّل : أنّ قوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) يشتمل على سبعة جموع (١) ولفظ الجميع يفيد أكثر من واحد فحملها على الواحد ترك للظاهر.

الثاني : أنّ الآية تقتضي ثبوت الولاية في الحال ، فلو كان المراد من الآية الإمامة لزم أن يكون علي عليه‌السلام إماما حال حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّه باطل.

أمّا لو حملناه على النصرة والمحبة كان ذلك حاصلا في الحال فوجب حمله عليه.

الثالث : أنّ ما قبل هذه الآية وما بعدها ينافي حملها على الإمامة ، وذلك من

__________________

(١) وليكم ... والذين آمنوا ... الذين يقيمون ... ويؤتون ... وهم راكعون.

وجوه :

أحدها : أنّه تعالى قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ثمّ قال : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية والظاهر من ذلك إنّها أثبتت الولاية التي نفتها (١) عن اليهود والنصارى لأنّ الإنسان إذا قال لأقوام الفسّاق : إنّما وليّكم (٢) أهل الصلاح ، عقلوا (٣) أنّه أثبت الولاية المنفية عن اليهود والنصارى وليست هي (٤) الإمامة بل النصرة.

[ثانيها] (٥) : قوله تعالى في صفة اليهود والنصارى (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ومعلوم أنّ الولاية الثابتة لبعضهم مع بعض ليست ولاية استحقاق التصرّف لأنّ المستحقّ لها هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإمام المسلمين بعده فإذا يجب حمل تلك الآية على النصرة ، لأنّ بعضهم كان ينصر بعضا ويدفع عنه فأخبر الله تعالى عن وجود المناصرة الحاصلة بينهم.

وثالثها : قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) والتولية هي النصرة والدفع عنهم وما قال ومن يتّخذهم أئمّة.

ورابعها : قوله تعالى بعد الآية : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٦) فعلمنا أنّ المراد من الآية تولّي النصرة لا تولّي الإمامة فهذه هي الوجوه المانعة [عن] حمل الولاية على الإمامة.

__________________

(١) النصّ : نفاها.

(٢) النصّ : وليك.

(٣) في الأصل : عقل.

(٤) النصّ : وليس هي.

(٥) في الأصل : الثاني.

(٦) المائدة : ٥١.

لأنّا نجيب عن الأوّل : أنّا وإن سلّمنا أنّه لا ينافي لكن مطلوبنا إنّما هو المغايرة ... ، ولا شكّ أنّ المغايرة ثابتة لأنّ العام مغاير للخاص وغير مناف له ، لأنّ النصرة لا تنافي الإمامة لكن المدّعي لنا أنّ الولاية في هذه الآية بمعنى الإمامة ، وقد بيّناه.

وعن الثاني قوله : لم قلتم إنّ الولاية في هذه خاصّة.

قلنا : لما مرّ من الدليل.

قوله : لا نسلّم أنّ لفظة «إنّما» تفيد الحصر.

قلنا : بيّنا ذلك.

قوله : في الوجه الأوّل من نفي إفادتها للحصر أنّه يحسن دخول التوكيد والاستفهام عليها.

قلنا : دخول التوكيد عليها ممّا يدلّ على إفادتها للحصر ، لأنّ معنى التوكيد تقوية المعنى الذي يفيده اللفظ الأوّل بلفظ ثان ، فلمّا انحصر المعنى (١) في زيد صحّ تقويته لذلك المعنى بقوله (وحده) ؛ وأيضا فهو معارض بحسن قولنا : ما جاءني إلّا زيد وحده ، مع إفادة (إلّا) للحصر هاهنا.

وأمّا حسن الاستفهام فنحن نمنعه هاهنا ، وبيانه أنّ قول القائل : إنّما أكلت رغيفا ، لا يفرّق الذوق السليم في لغة العرب بينه وبين قولنا : أكلت رغيفا واحدا ، فكما لا يحسن الاستفهام هناك فكذا لا يحسن هاهنا ؛ سلّمناه ، لكن لو حسن الاستفهام هاهنا لزم الاشتراك ، وأنّه خلاف الأصل.

قوله في الثالث : إنّه يقال في العرف : إنّما الناس أهل العلم ، وإنّما الرجل صاحب الشجاعة.

__________________

(١) كما في نسخة «عا» ، وفي «ضا» لا تقرأ الكلمة.

قلت : ليس المقصود هاهنا بالناس كلّ الناس ، ولا بالرجل المختصّ بالرجولية دون غيره ، وإنّما المقصود الناس الموصوفون بصفات الكمال وكذلك الرجل ، وحينئذ يتحقّق الحصر ؛ سلّمناه لكن إفادتها للحصر ظاهرة ؛ بدليل أنّ الجاهل والجبان يستقبحان هذا الكلام وتنفر طباعهما عنه ، ولو لا إفادتها للحصر لما حصل ذلك الاستقباح.

وعن الثالث : قوله : لم قلتم إنّ المؤمنين ليسوا كلّهم موصوفين بالصفات المذكورة؟

قلنا : للدليل المتقدّم.

قوله : لا نسلّم أنّ قوله : (وَهُمْ راكِعُونَ) متعيّن للحال ، بل هو للاستيناف.

قلنا : سبق بيانه.

قوله : لوجوه أربعة أحدها : أنّه إذا قال : أدّى الزكاة إلى آخره.

قلنا : لا نسلّم أنّه يحسن الاستفهام هاهنا فإن ذكر كونه راكعا لا يحتمل ما بعد الركوع ولا ما قبله ؛ سلّمنا لكن حسن الاستفهام دلّ على الاشتراك وأنّه خلاف الأصل.

قوله : ثانيا إنّ المفهوم من قوله : (يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) إلى آخره.

قلنا : لا نسلّم أنّ من عادة علي عليه‌السلام وأهل بيت الرسول عليهم‌السلام ذلك ، بل هو من عوائدهم ؛ سلمناه ، لكن أهليّتهم لذلك وفعلهم موافقة لتلك الأهلية مجرى عاداتهم.

قوله ثالثا : إنّ أداء الزكاة في حال الصلاة مخلّ بالخضوع.

قلنا : لا نسلّم ، بل هو من تمامه فإنّه عليه‌السلام جمع بين جهات الالتفات إلى الله بالجمع بين الصلاة والزكاة ، وذلك مؤكّد ومقوّ للخضوع والخشوع.

قوله : رابعا : لو أفادت المدح على إيتاء الزكاة حال الصلاة ، إلى آخره.

قلنا : الملازمة ممنوعة ؛ فليس كلما حسن وجب أن يكون سنّة ، لكن لم قلتم : إنّه ليس سنّة في حقّهم عليهم‌السلام إذ (١) كانوا يلزمون أنفسهم جميع الامور المقرّبة إلى الله تعالى وإن استلزمت المشاقّ والكلفة ، فجائز أن يسنّ في حقهم سنن ليست في حقّنا ، وإذا كانت كذلك تعيّن أنّ الواو للحال كما سبق بيانه.

قوله يحتمل أن يكون غرضه من ذكر الركوع على الخصوص تشريف.

قلنا : قد سلمتم أنّه يكون تكرارا ، بقي أن يؤوّلوا أنّه مشتمل على فائدة هي التشريف ، لكن التكرار خلاف الأصل ، وما ذكرتم أنّه زيادة فليس بحقّ وإنّه باطل لوجهين :

أحدهما : أن يقول : لو كان الواو للاستئناف لكان الكلام في غاية الركاكة ؛ وذلك لأنّ ذكر إقامة الصلاة أتمّ وأشرف من إقامة بعض أركان الصلاة ، وعادة الكلام الفصيح أن يبدأ بالأشرف فالأشرف (٢) لا أن يبدأ ويختم بما دونه ، لأنّا إذا علمنا أوصاف المؤمنين على الوجه الأكمل ثمّ ذكر لنا بعد ذلك وصف دون ذلك لم يكن للوصف الثاني ذوق في النفس ، بل يكون ذلك في غاية الركاكة.

الثاني : لو كان الواو للاستئناف لبقي الكلام منقطعا عمّا قبله وصار بمنزلة من يقول ابتداء ، هم راكعون ، وهذا الكلام غير مفيد.

بقي أن نقول : أنّهم أرادوا بالاستئناف العطف لكن الخطأ قائم من وجهين :

أحدهما : أنّ (٣) واو الاستئناف لا تطلق على واو العطف بالاتفاق.

__________________

(١) أثبتنا الراجح في الظنّ ، وفي النسختين : إذا.

(٢) أثبتنا الصحيح ، وفي النسختين : إلّا ، وفي نسخة «ضا» : إلّا أن يبدو.

(٣) من نسخة «ضا».

والثاني : إن سلّمنا العطف لكن عطف على الذين يؤتون الزكاة فإمّا أن يكون تقديره الذين يقيمون الصلاة والذين يؤتون الزكاة وهم راكعون ؛ وحينئذ يكون عطف جملة على مفرد وأنّه غير جائز أو يصير التقدير والذين هم راكعون وحينئذ يكون محتاجا إلى الإخبار ، والتقدير ، وأنّه (١) خلاف الأصل ؛ سلّمنا أنّه (٢) يحتمل أن تكون في ذكره فائدة زائدة لكن ذكر هذه الجملة عقيب الكلام يوجب سبق الذهن إلى أنّ الواو للحال ، والسبق إلى الذهن دليل الحقيقة.

قوله : لا نسلّم ، فإنّه إذا قيل : فلان يحارب عنّي ويبني داري ، لم يفهم منه الحال.

قلنا : الفرق من وجهين :

أحدهما : أنّه لم تجر العادة (٣) بالمحاربة حال البناء.

الثاني : أنّ الجمع بين البناء والمحاربة غير ممكن ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ الجمع بين إيتاء الزكاة حال الركوع عادة لعلي عليه‌السلام ، وهو أمر ممكن في نفسه.

قوله : يحمل الراكع على ما من شأنه أن يكون راكعا ، وحينئذ يصير عامّا لكلّ المؤمنين.

قلنا : ذلك لا يكون حقيقة بل مجازا وأنّه خلاف الأصل.

قوله : حمل الآية هاهنا على النصرة فيه ثلاث فوائد.

أحدها أنّ العام يصحّ تخصيص أي فرد منه كان ، أمّا التنصيص على البعض فقط غير جائز.

__________________

(١) زيادة الواو بمقتضى السياق.

(٢) في النسختين : أنّ.

(٣) في «عا» هنا زيادة : أن.

قلنا : بل هو جائز لأنّه لما ثبت أنّ الواو للحال ، وامتنع بالاتفاق أن تكون هذه الصفات حال الركوع ثابتة لكلّ المؤمنين ، وجب الحمل على البعض ، خصوصا والآية في سياق المدح والتعظيم ، فاستعمال لفظ الجمع في المفرد للتعظيم مشهور في اللغة ، كقوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) (١) ، (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (٢).

قوله في الفائدة الثانية : التشريف بالذكر.

قلنا : سبق الجواب عنه.

قوله في الفائدة الثالثة : المقصود من هذه الآية إثبات نصرة المؤمنين للمؤمنين ونفيها عن اليهود والنصارى.

قلنا : هذا المعنى بأسره موجود في الآية التي قبل هذه وهو قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) الآية ، فإنّه أثبت فيها موالاة بعضهم لبعض ونهى المؤمنين عن أنّهم يتّخذونهم (٣) أولياء ، ففهمنا من مجموع هذه الآية أنّهم ليسوا أنصارا للمؤمنين ، وكلّ واحد من المؤمنين يعلم بالضرورة (٤) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر المؤمنين ينصرونه ، ونعلم ذلك من قوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (ويعلمون أنّ من كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمؤمنين فلا بدّ (٥) وأن يكون معه (٦) دليل العقل ،

__________________

(١) نوح : ١.

(٢) القدر : ١.

(٣) أثبتنا الصحيح ، وفي النسختين : يتّخذوهم.

(٤) هنا في النسختين : حسنه ، ولا مناسبة لها.

(٥) أثبتنا الراجح في الظنّ ، وفي النسختين : ولا بدّ.

(٦) في نسخة (عا) : منعه.

والحسّ (١) أقوى من (٢) اللفظ) (٣) فكان (٤) حمل الولاية في هذه الآية على معنى غير النصرة أولى وأكثر فائدة.

سلّمنا لكن النصرة لا شكّ أنّها أعمّ من الإمامة ، فلو حملنا هذه الآية على الإمامة لكان أولى من حملها على النصرة ، لما أنّ الإمامة مستلزمة للنصرة استلزام الخاصّ للعامّ ، وذلك تكثيرا (٥) لفوائد كتاب الله عزوجل وصونا له عن كثرة التكرار.

قوله : سلّمنا : أنّه ليس هناك فائدة زائدة لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ على عليّ نصا جليا إلى آخره.

قلنا : لمّا نحن بيّنا أنّه يمتنع حمل الولاية هاهنا على النصرة وجب حملها على الإمامة ، أمّا أنّ هذه الفائدة زائدة على النصّ الجليّ أو ليست (٦) بزائدة ، فحديث آخر لأنّ لنا أن نحملها على التأكيد للنصّ الجليّ ليوافق كلام الله تعالى سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمّا أنتم فزعمتم حملها على النصرة من غير ضرورة ، مع دلالة الآية المذكورة على النصرة وكان تكرارا لا حاجة إليه ولا ضرورة بحملها عليه ، فافترق الأمران.

قوله : هاهنا ما يمنع حمل هذه الآية على الإمامة.

الأوّل : قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) إلى آخره.

__________________

(١) في «عا» : الحسن.

(٢) زيادة بمقتضى السياق.

(٣) كذا وردت العبارة في النسختين ، وهي مضطربة.

(٤) في النسختين : وكان. وأثبتنا الراجح.

(٥) أثبتنا ما صحّ ، وفي النسختين : تكثير.

(٦) في النسختين : ليس.

قلت : هب أنّه يصير مجازا لكن المجاز يصار إليه عند عدم إرادة الحقيقة ، وقد بيّنا أنّها غير مرادة.

قوله : ثانيا : الآية تقتضي ثبوت الولاية في الحال فيلزم أن يكون إماما في الحال.

قلنا : مقتضى الآية ذلك ، إلّا أنّ قرينة امتناع اجتماع أوامر الخليفة مع أوامر المستخلف بحسب العرف والعادة صرفت عن حملها على ثبوت الإمامة الفعلية في الحال ، وكانت قرينة في الحال فعلية بعد عدم المستخلف. وهذا ظاهر.

قوله : ثالثا : ما قبل الآية وما بعدها ينافي حملها على الإمامة لوجوه : الأوّل إلى آخره.

قلنا : لا نسلّم التنافي فإنّه إذا حملناها على الإمامة استلزمت النصرة وما يدلّ على مرادية الملزوم لوجود اللازم في الملزوم ، وهو الجواب عن باقي الوجوه ، وبالله التوفيق والعصمة.

البرهان الثاني : التمسّك بقوله يوم غدير خم وقد جمع الناس بعد رجوعه عند حجّة الوداع ، وكان يوما صائفا حتّى أنّ الرجل ليضع رداءه تحت قدميه لشدّة الحرّ ، وجمع الرحال (١) وصعد عليها مخاطبا لهم : «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم» ، قالوا : اللهم بلى ، قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» (٢).

__________________

(١) الرحال : جمع الرحل : ما يوضع على الإبل لركوبها.

(٢) انظر الجزء الأوّل من موسوعة الغدير في الكتاب والسنّة والأدب ، للعلّامة الشيخ عبد الحسين الأميني التبريزي النجفي قدس‌سره.

والاستدلال بهذا الخبر لما كان مشروطا بصحّته وجب تصحيحه أوّلا ثمّ بيان وجه الاستدلال به.

أمّا الأوّل : فعندنا أنّ هذا الخبر متواتر لكن حصول العلم عقيب خبر التواتر لما كان من باب الوجدانيات مع أنّه لا يعمّ ، لم يمكنّا الاستدلال به على خصومنا ؛ فلا جرم حاولنا إثباته عليهم من وجهين.

أحدهما : أنّ الامّة أجمعت على نقله ، وإجماعهم على مذهب الخصم حجّة.

أمّا أنّها أجمعت على صحّته فلأنّ الشيعة بأسرهم ينقلونه ليثبتوا به إمامتهم ، والخصم ينقله ليثبت به فضيلته ، فوجب أن يكون مجمعا على صحته.

الثاني : أنّ عليّا عليه‌السلام ذكره في الشورى عند أول حاول ذكر فضائله (١) ولم ينكره أحد منهم ، فعدم إنكارهم لذلك مع توفّر دواعي الخصم على إنكاره فيما يفتخر خصمه عليه (٢) ما يشهد بصحّته شهادة ضرورية.

وأمّا المقام الثاني ، وهو دلالته على الإمامة ، فمبني على امور ثلاثة :

أحدهما : انّ لفظة المولى محتملة لمعنى (٣) الاولى.

الثاني : أنّها متعينة للمراد هنا.

الثالث : أنّه يلزم من ذلك القول بإمامة علي عليه‌السلام.

أمّا الأوّل : فيدلّ عليه الكتاب ، والسنّة ، والشعر ، والنقل.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) (٤) قال المفسّرون

__________________

(١) أيضا انظر الغدير ١ : ١٥٩ ـ ١٦٣.

(٢) هنا في النسختين زيادة : (ما).

(٣) زيادة بمقتضى السياق.

(٤) الحديد : ١٥.

معناه أولى بكم (١).

وقوله تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) (٢) أطبق المفسّرون على أنّ معناه من كان أولى بالميراث وأحقّ به (٣).

وأمّا السنّة : فقوله عليه‌السلام : «أيّما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن مولاها» في بعض الروايات (٤) ولا يصحّ حمل المولى هاهنا على غير المالك لأمرها والأولى به.

وأمّا الشعر فقول لبيد :

فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه

مولى المخالفة خلفها وأمامها(٥)

وقال الأخطل :

فأصبحت مولاها على الناس كلّهم

وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا(٦)

وقال :

كانوا موالي حق يطلبون به

فأدركوه وما ملّوا ولا لغبوا(٧)

__________________

(١) التبيان ٩ : ٥٢٧ ، ومجمع البيان ٩ : ٣٥٥ ، وتفسير شبّر : ٥٠٤ ، وانظر الميزان ١٩ : ١٥٨.

(٢) النساء : ٣٣.

(٣) التبيان ٣ : ١٨٦ ، ومجمع البيان ٣ : ٦٥ ، وتفسير شبّر : ١١٣ ، وانظر الميزان ٤ : ٣٤٣.

(٤) انظر التبيان ٣ : ١٨٧ ، ومجمع البيان ٣ : ٦٥.

(٥) انظر مجمع البيان ٢ : ٤١ ، والضمير في غدت إلى البقرة.

(٦) انظر التبيان ٣ : ١٨٧.

(٧) الظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه من ديوان الأخطل : ١٠٧.

وفي الأصل :

كانوا موالي حقّ يطلبون لهم

فأدركوه وما ملّوا ولا تعبوا

لم يأشروا فيه إذ كانوا مواليه

ولو يكون لقوم غيرهم أشروا(١)

فكان الولي في هذه الأبيات ليس المقصود منه إلّا الأولى.

وأمّا النقل : فقال الفرّاء (٢) في كتاب (معاني القرآن) : الولي والمولى في كلام العرب واحدا.

وقال المبرد : هو تأويل الأولى.

وقال ابن الأنباري في (مشكل القرآن) : المولى هو الأولى بالشيء ؛ وأمثال ذلك كثيرة.

فثبتت بهذه الوجوه أنّ لفظ المولى محتمل [معنى] (٣) الأولى.

وأمّا بيان الثاني : وهو أنّ المراد بالمولى في هذا الحديث «الأولى» فمن وجوه :

الأوّل : أنّ ذكر مقدّمة الكلام وهي (٤) قوله : «ألست أولى منكم بأنفسكم» وذكر المولى عقيب ذلك دليل يوضح أنّ المقصود بالمولى هو الأولى السابق لوجهين :

__________________

(١) الظاهر أنّ الصواب ما أثبتناه ، راجع ديوان الأخطل : ٨٥. والمعنى : أنّهم لم يبطروا فتغرّهم النعمة كسواهم الذين إذا ما أنعم الله عليهم ملك رأسهم الغرور والكبر. نقلا عن هامش الديوان : ٨٥. وفي الأصل :

لم يثأروا فيه إذا هم كانوا مواليه

ولو يكون لقوم غيرهم

(٢) يحيى بن زياد الديلمي الكوفي اللغوي النحوي ، كان من خواصّ الكسائي ، واستخدمه المأمون لتأديب أبنائه ، توفّي في ٢٠٧ ه‍. وقد يطلق الفرّاء على معاذ بن مسلم الكوفي النحوي من أصحاب الصادق عليه‌السلام ـ هدية الأحباب : ٢٣٠.

(٣) زيادة بمقتضى السياق.

(٤) في النسختين : وهو.

أحدهما : أنّه السابق إلى الفهم والسبق إلى الفهم دليل الحقيقة.

الثاني : أنّه لم يرد إلّا الأولى ، وإلّا لم يبق للمقدّمة فائدة وكان ذلك ألغازا لا بيانا مثاله : لو قال إنسان لجماعة وله عدّة عبيد : ألستم تعرفون عبدي زيدا اشهدكم أنّ عبدي حرّ فإنّا نفهم أنّه أراد عبده زيدا دون غيره فكذا هاهنا ، لمّا قدّم ذكر الأولى ثمّ أردفه بذكر المولى المحتمل [معنى] (١) وجب أن يكون المولى هو الأولى.

والثاني : أنّ لفظة المولى تفيد المعتق ، والمعتق ، والعمّ ، والجار ، والحليف ، والناصر ، والأولى بالتصرّف. فلفظة المولى هاهنا إمّا أن تكون بمعنى المعتق ، وهو باطل ، لأنّه ليس معه صفات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا من صفات علي عليه‌السلام وكذلك المعتق ، فأمّا ابن العمّ فيستلزم كذب الكلام لأنّ التقدير : من كنت ابن عمه كان علي ابن عمه! ومعلوم أنّه عليه‌السلام (٢) كان ابن عم لجعفر وعقيل ولم يكن علي كذلك بل كان أخا لهما ، وأمّا الجار فهو أيضا ظاهر ، وأمّا الحليف فلم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حليفا.

وأمّا الناصر فغير مراد أيضا ؛ لأنّ كلّ أحد يعلم من ضرورة الدين وجوب تولّي المؤمنين بعضهم لبعض لقوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) فجمع الناس لشرح هذا المعنى الواضح الظاهر غير لائق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإذا بطلت هذه الأقسام لم يبق إلّا المولى بمعنى الأولى بالنصر وهو المطلوب.

الثالث : أنّه إمّا أن نكون نحمل هذه اللفظة على كلّ هذه المعاني ونجعلها

__________________

(١) زيادة بمقتضى السياق.

(٢) المقصود به رسول الله.

حقيقة في كل واحد منها فيكون ذلك اشتراكا لفظيا ، وأنّه خلاف الأصل ، أو نستعملها في بعض هذه المعاني دون البعض ، وهو ترجيح من غير مرجّح وهو محال فتعيّن أن نحملها على العلّة المشتركة بين هذه المفهومات وهو الأولى حقيقة ، وعلى كلّ واحد من هذه المفهومات مجازا ، ولا يمكن المعارضة بأنّ المجاز خلاف الأصل لأنّا إذا تردّدنا بين المجاز والاشتراك فالمجاز أولى كما هو مبيّن في اصول الفقه.

الرابع : أنّ عمر قال له عقيب كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة (١) وظاهر بالضرورة أنّ عمر لم يرد معتقي ولا معتقي ولا حليفي ولا ابن عمّي ، بقي أن يقال : أراد : أصبحت ناصري ، لكنه باطل أيضا لوجهين :

أحدهما : أنّ النصرة معلومة من قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) وأمثاله.

الثاني : أنّ نصرة علي عليه‌السلام وأهله أمر في غاية الظهور ، بل لا نسبة لأحد من الصحابة إليه في ذلك ، وما كان كذلك فلا يكون تعظيم عمر له بذلك وغبطه به لائقا بذكاء عمر وفطنته فلم يبق إلّا أن يقال أنّه أراد الأولى بالتصرّف في الامور ، وهو المطلوب.

وأمّا بيان الثالث : وهو أنّه لمّا كان المراد بالوليّ في الحديث : الأولى كان ذلك دليلا على إمامته ، وبيانه من وجهين :

أحدهما : أن تقول : إنّ الأولى لا يقبل إلّا معنى الأولى بالتصرّف فإنّ أهل اللغة لا يطلقون لفظة الأولى إلّا في من تملّك تدبير الأمر المتصرّف فيه فإنّهم.

__________________

(١) انظر الغدير ١ : ٢٧٠ ـ ٢٨٣.

يقولون : السلطان أولى بإقامة الحدود والولد أولى بالميراث ، والزوج أولى بامرأته ، ومرادهم ليس إلّا ما ذكرناه ، واتّفق المفسّرون على أنّ قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (١) المراد به أولى بتدبيرهم والقيام بامورهم (٢) وإذا ثبت أنّ المراد بالأولى المتصرّف فيه ثبت كونه إماما ، إذ لا معنى للإمام إلّا الشخص الذي هو أولى الناس بتدبير الخلق والتصرّف.

والثاني : أن نساعد على أنّ لفظة المولى (٣) غير متعينة [في معنى] (٤) الأولى بالتصرّف ، لكن نبيّن أنّ المراد بالأولى هاهنا هو الأولى بالتصرّف لأنّه إذا ثبت حمل قوله : «فعليّ مولاه» على الأولى بالتصرّف بالأمر والنهي لأجل المقدمة أيضا لأنّ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم» معناه : أولى بالتصرف فيكم بالأمر والنهي ، فيجب أن يكون قوله : «فعليّ مولاه» معناه : أولى بهم من أنفسهم في التصرّف في امورهم ، وهو المطلوب. فثبت أنّ (٥) المطلوب من هذا الحديث الإمامة.

[الشبهات في الاستدلال بالحديث] :

لا يقال : لا نسلّم صحّة هذا الحديث ، أمّا دعوى العلم الضروري بصحّته فمكابرة ، إذ ليس العلم به كالعلم بوجود محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والعلم بغزواته مع الكفّار

__________________

(١) الأحزاب : ٦.

(٢) التبيان ٨ : ٣١٧ ، ومجمع البيان ٨ : ٥٣٠ ، وتفسير شبّر : ٣٩٧ ، والميزان ١٦ : ٢٧٦.

(٣) في النسختين : الأولى ، وفي هامش «ضا» المولى ، وهو الصحيح.

(٤) زيادة بمقتضى السياق.

(٥) في «عا» هذا زيادة : من هذا.

وفتحه لمكّة وغير ذلك من المتواترات ، وأيضا فلأنّ كثيرا من أصحاب الحديث لم ينقلوا هذا الحديث كالبخاري ومسلم والواقدي وغيرهم ، وأيضا فلا تزعمون أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما قال هذا الكلام بغدير خمّ بعد رجوعه عن الحجّ ، ولم يكن علي عليه‌السلام مع النبي صلّى الله عليه [وآله] في ذلك الوقت لأنّه كان باليمن.

وأمّا دعواكم تواتر هذا الخبر فنقول : مخالفوكم أيضا يدعون تواتر الأخبار الدالّة على فضائل الشيخين ، فإن قبلتموها تركتم مذهبكم ، وإن لم تقبلوها لاحتمال أن يكون ذلك التواتر لا على سبيل الرواية بل على سبيل مذاكرة الخبر ببعضهم مع بعض ، واحتمال إنهاء ذلك إلى جمع قليل (١) في أوّل الأمر ، فكذلك ما ذكرتموه.

وأيضا فتعويلكم على رواية الشيعة إمّا أن يكون لأجل كثرتهم ، أو لما تقولونه من أن إجماعهم حجّة ، والأوّل باطل لأنّ سلفهم بلغوا حدّ التواتر ، ولأنّ مخالفيهم يروون فضائل الشيخين مع أنّهم أكثر ومع ذلك فالشيعة يقدحون في تلك الأحاديث ، وإن كان لما يقولون من أنّ إجماعهم حجّة فذلك باطل عندنا ، ولأنّ ذلك فرع من مسألة الإمامة فتصحيحها بها دور.

وأمّا الوجه الأوّل ممّا استدلّوا به فنقول : الامّة أجمعت على جعله من أخبار الآحاد أو من أخبار التواتر ، والأوّل مسلّم والثاني ممنوع ، فلم قلتم : أنّ ذلك يدلّ على القطع بصحّته.

بيانه : أنّ أكثر الامّة يجعلونه خبرا واحدا ، بمعنى أنّهم يعتقدون أنّ صحّته مظنونة لا معلومة ، وإنّ كلّ ما يكون صحّته غير يقينية عند الامّة فإنّهم لا يقبلونه ، بل أكثر الأخبار التي قبلوها وعملوا بها واجتهدوا في معرفة معانيها

__________________

(١) في نسخة «عا» : قبلتين ، وفي «ضا» : فنلبن ، وأثبتنا الراجح الصحيح.

غير مقطوعة الصحة ، فثبتت بهذا أنّه لا يلزم من عدم ردّ الامّة لهذا الحديث أو اشتغالهم بحمله تارة على الإمامة وتارة على الفضيلة قطعهم بصحته.

ثمّ إن سلّمنا حصول الإجماع ، ولكن قد بيّنا أنّه لا يمكنكم التمسّك بالاجماع لاحتمال أن يكون الإمام لا يظهر الحقّ لأجل الخوف من الظالمين.

أمّا الوجه الثاني وهو المناشدة به في الشورى ، فهو ضعيف ، لأنّ الحاجة إلى تصحيح المناشدة كالحاجة إلى تصحيح هذا الحديث ، بل ذلك أولى ، لأنّ أكثر المحدّثين ينكرون تلك المناشدة ، وبتقدير صحتها فلا نسلّم إنهائها إلى جميع الصحابة ، وبتقدير إنهائها إلى كلّهم فلا نسلّم أنّ ذلك يدلّ على قطعهم بصحّة الحديث ، بل الظاهر أنّهم قبلوا هذا الحديث كما قبلوا سائر الأحاديث من سائر الرواة من العدول وأن يقطعوا بصحّتها ، وبتقدير أنّهم لم يعتقدوا صحّة الحديث ، فلعلّهم سكتوا عن التكذيب تقيّة وخوفا من بني هاشم. وهذه المقدّمات ممّن لا ينكر تقديرها لا سيّما على مذهب من يجوّز على الخلوّ العظيم كتمان ما عملوا به.

ثمّ إن سلّمنا صحة هذا الحديث ولكن لا نسلّم صحّة هذه المقدّمة وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ألست أولى بكم من أنفسكم» بيانه أنّ الطرق التي ذكرتموها في تصحيح أصل الحديث لم يوجد في شيء منها هذه المقدمة ، فلم يمكن دعوى التواتر فيها ، ولم يمكن أيضا دعوى إطباق الامّة على قبولها ، لأنّ من خالف الشيعة إنّما يروي أصل الحديث للاحتجاج به على فضيلة علي عليه‌السلام ولا يروي هذه المقدّمة.

وأيضا فلم يقل أحد ، أنّ عليا عليه‌السلام ذكرها يوم الشورى ، فثبت أنّه لا يمكنكم إثبات هذه المقدّمة ، سلّمنا أصل الحديث ومقدمته لكن لا نسلّم دلالته على الإمامة ، ولا نسلّم أنّ لفظة المولى محتملة للأولى ، ويدلّ عليه أمران :

أحدهما : أنّ أولى موضوع ليدلّ على معنى التفضيل ، ومفعل موضوع ليدلّ على الحدثان أو الزمان أو المكان ، ولم يذكر أحدا من أئمة النحو واللغة أن مفعلا قد يكون بمعنى أفعل التفضيل ، وذلك يوجب امتناع إفادة المولى بمعنى الأولى.

وثانيهما : أنّ المولى لو كان يجيء بمعنى الأولى لصحّ أن يقرن بأحدهما ما صحّ أن يقرن بالآخر ، والثاني باطل ، فالمقدم كذلك ، بيان الشرطية أنّ تصرّف الواضع ليس إلّا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة فأمّا ضمّ بعض الألفاظ إلى بعض الوضع فهو أمر عقلي ، وإذا ثبت ذلك فلفظة الأولى إذا كانت موضوعة لمعنى آخر فصحة دخول إحداهما على الاخرى لا يمكن بالوضع بل بالعقل ، وإذا كان كذلك فلو كان المفهوم من لفظة المولى هو المفهوم من لفظة الأولى في العقل نحكم (١) أيضا بصحّة اقتران مفهومها لمفهوم الأولى لأنّ صحّة ذلك الاقتران ليس بين اللفظين بل بين مفهومهما.

وأمّا أنّه ليس كلّما صحّ دخوله على أحدهما صحّ دخوله على الآخر فظاهر ، إذ لا يقال : مولى من فلان كما يقال أولى منه ، فثبت أنّه لا يجوز حمل المولى على الأولى.

فأمّا النقل عن أئمة اللغة فلا حجة فيه لوجهين :

أحدهما : أنّ أبا عبيدة (٢) قال في قوله تعالى : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ)

__________________

(١) في نسخة «عا» : نحكم بصحة اقتران مفهوم من مفهوم الأولى نحكم ... وفي نسخة «ضا» : نحكم بصحة اقتران مفهوم من مفهوم الأولى نحكم أيضا ... والراجح أنّ الجملة متكرّرة زائدة.

(٢) معمر بن المثنى البصري اللغوي النحوي (١١٠ ـ ٢١٠ ه‍).

معناه أولى بكم ، وذكر ذلك أيضا الأخفش (١) والزجّاج (٢) وعلي بن عيسى (٣) واستشهدوا ببيت لبيد ، لكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق ، لأنّ الأكابر مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه ، والذاكرون له لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية وآية اخرى مرسلا غير مسند ، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة ، وليس كلّما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصيلة ، ولذلك فإنّهم يفسّرون اليمين بالقوة في قوله تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (٤) والقلب بالعقل في قوله تعالى : (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) (٥) مع أنّ ذلك ليس لغة أصيلة.

وثانيهما : أنّ أصل تركيب «والى» (٦) يدلّ على الدنوّ والقرب ، يقال وليته إليه وليا أي دنوت منه دنوّا وأوليته إياه أي أدنيته منه ، وتباعدنا بعد ولي ، ومنه قوله : «كل ممّا يليك» ، وقولهم فلان أولى من فلان ، أفعل التفضيل من الوالي : فالأدنى والأقرب من الداني والقريب ، ففيه معنى القرب ، لأنّ الأحقّ بالشيء أقرب إليه والمولى اسم لموضع الولي كالمرقى والممشى (٧) لموضع الرقي والمشي.

وإذا عرفت ذلك فنقول : أنّ تفسير أبي عبيدة : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) بأنّه أولى بكم فنقول إنّ ذلك ليس حقيقة لأنّ ذلك يقتضي أن يكون

__________________

(١) الأخفش على الاطلاق هو الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة المجاشعي تلميذ الخليل وسيبويه ، ومعنى الأخفش : صغير العينين مع ضيق النظر تشبيها بالخفاش.

(٢) إبراهيم بن محمد الزجّاج الأديب النحوي تلميذ المبرّد وثعلب توفّي في (٣١٠ ه‍).

(٣) علي بن عيسى بن عبد الله الرماني الواسطي النحوي والمعتزلي (٢٩٦ ـ ٣٨٤ ه‍).

(٤) الزمر : ٦٧.

(٥) ق : ٣٧.

(٦) كذا في النسختين ، ولعل الصحيح : ولي.

(٧) هنا في النسختين لفظة فموضع زائدة.

للكفّار حصّة في الجنّة إلّا أنّ النار أحقّ بهم ، لأنّ من لوازم أفعل التفضيل ذلك ، وهو باطل ، بل الأولى أن نحملها على الناصر أي هي ناصركم ومعناه : لا ناصر لكم غيرها والمقصود نفي الناصر مطلقا.

وأمّا بيت لبيد (١) فقد حكي عن الأصمعي فيه قولان :

أحدهما : أنّ المولى اسم لموضع الولي ، أي تحتسب البقرة أنّ كلّا من الجانبين موضع المخافة ، وإنّما جاء مفتوح العين تغليبا لحكم اللام على الفاعل أنّ الفتح في المولى ألفا قد جاء كثيرا.

الثاني : أنّه أراد بالمخافة الكلاب ومولاها : صاحبها.

وأمّا قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) (٢) فمعناه : ورّاثا يلون (٣) ما تركه الولدان.

وأمّا قول الأخطل :

فأصبحت مولاها على الناس كلّهم ...

وقوله : لم يأشروا فيه إذ كانوا مواليه ...

وقوله : (كانوا) موالي (حق) يطلبون (به) (٤) ...

فالمراد به : الأولياء ، ومنه قوله عليه‌السلام : «مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي

__________________

(١) قوله :

فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه

مولى المخافة خلفها وأمامها

وانظر مجمع البيان ٣ : ٦٥.

(٢) النساء : ٣٣.

(٣) في النسختين : يليون ، غلطا.

(٤) الألفاظ بين الأقواس ساقطة.

الله ورسوله» (١) أي أولياء الله ورسوله.

وقوله عليه‌السلام : «أيّما امرأة تزوّجت بغير إذن مولاها» (٢) فالرواية المشهورة مفسّرة له.

وقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) (٣) أي وليّهم وناصرهم هكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وعامة المفسرين (٤) فقد ظهر بما قلنا أنّ لفظة المولى غير محتملة الأولى.

سلمناه لكن لم قلتم : بتعيين حمله في هذا الحديث عليه في الوجه الأوّل ، وأنّ من ذكر كلاما محتملا لأشياء عقيب كلام خرج في أحد محتملاته. فإنّه يريد بذلك المحتمل ذلك الصريح.

قلنا : هذا ممنوع.

قوله : الإنسان إذا كان له عبيد فيهم زيد فقال للجماعة : ألستم تعرفون عبدي زيدا اشهدكم أنّ عبدي حرّ ، فهم منه أنّه أراد عبده زيدا.

قلنا : لا نسلّم ، بدليل حسن الاستفهام والتوكيد هاهنا الذين هما عندكم دليل الاشتراك ، فإنّه لو أشهد أقواما على ذلك لم يشهدوا حتّى يستفسروه : أي عبيدك تريد؟ ويحسن منه أن يقول بعد المقدمة : اشهدكم أنّ عبدي الذي هو زيد.

ثمّ سلّمنا أنّ تقديم تلك المقدّمة يقتضي أن يكون المراد بالمولى الأولى ،

__________________

(١) كنز العمّال ١٢ : ٨٨ ، الحديث ٣٤١١٣ ، مع تقديم وتأخير في مفردات الحديث.

(٢) انظر التبيان ٣ : ١٨٧ ، ومجمع البيان ٢ : ٤١ وفيهما : نكحت.

(٣) سورة محمد : ١١.

(٤) انظر التبيان ٩ : ٢٩٥ ، ومجمع البيان ٩ : ١٥١ ، وتفسير شبر : ٤٧٥ ، والميزان ١٨ : ٢٣٠.

ولكن (١) مؤخرة الحديث وهي قوله صلّى الله عليه [وآله] : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله» تقتضي أن يكون المراد من المولى الناصر ؛ وذلك أنّ لفظة المولى لمّا كانت محتملة لذلك المعنى ولغيره ، ثم ذكر عقيبها لفظا صريحا في ذلك المعنى وهي الموالاة التي هي ضدّ العداوة ، يبادر إلى الذهن أنّه إنّما أراد بالمولى الناصر.

قوله في الوجه الثاني : أنّ المولى له معان كثيرة لكن لا يمكن حمله هاهنا إلّا على الأولى.

قلنا : لا نسلّم ، ولم لا يجوز حمله على ولاية الدين والنصرة؟

قوله : كون المؤمنين بعضهم أولياء بعض معلوم ، فكيف يجوز أن يجمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الجموع في مثل ذلك ليقرأ على الخلق إيجاب ما تقدّم إيجابه من موالاته.

قلنا : في ذكره فائدتان :

إحداهما : أنّ لفظ العام ممكن للمعاند من أن يقول : إنّما أوجب الله تعالى ولاية المؤمنين ، فمن أين فلان منهم؟ ولا يمكن أن نقول ذلك إذا عيّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلانا بالولاية ، لأنّ ما نصّ عليه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو أحقّ.

الثانية : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ربّما أحسّ بقوم أنّهم غير مخلصين في ولاية علي عليه‌السلام فأراد أن يحملهم على الإخلاص في موالاته بموالاة نفسه.

بيانه : أنّه عليه‌السلام إنّما قال ذلك بعد الفتح ، وقد دخل في الإسلام بعد الفتح من كان علي عليه‌السلام قتل أقاربهم ، ولا يمتنع أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أشفق أن يكون قد بقي في قلوب اولئك بقايا نفار ، فأراد صلى‌الله‌عليه‌وآله إزالته ، وإذا كانت هذه الوجوه محتملة

__________________

(١) اللفظ هنا في النسختين : وذلك ، وأثبتنا الصحيح.

لم يلزم من حمل المولى على الناصر التكرار وخلوّه عن الفائدة.

ثمّ إن سلّمنا خلوّه عن الفائدة لكن لم لا يجوز ذلك؟ أليس عندكم أنّ إمامة علي عليه‌السلام كانت ثابتة بالنصوص الجلية فإذا جاز بعد سبق العلم بإمامته بالنصوص الجلية جمع الجموع لإثبات إمامته بمثل هذا النصّ الخفيّ فلئن يجوز فيما قلناه كان أولى.

سلمناه ، قوله في الوجه الثالث : إنّ لفظة المولى تفيد في جميع محاملها معنى واحدا وهو الأولى ، فوجب حملها عليها دفعا للاشتراك.

قلنا : أهل اللغة في هذه اللفظة فريقان : منهم من جعلها مشتركة بين هذه المعاني ، ومنهم من جعلها بمعنى القرب والدنو على ما بيّناه ، فالقول بأنّها موضوعة لمعنى واحد وهو الأولى خرق للإجماع.

سلّمنا أنّه لا يكون مخالفا للإجماع ولكن المعتق يسمى مولى مع أنّه ليس أولى بالتصرّف فبطل قولكم : أنّ هذه الأولوية ثابتة في جميع مفهومات هذه اللفظة.

سلّمنا أنّ الأولوية ثابتة في جميع مفهوماتها ، لكن معنى القرب والدنو قدر مشترك بينهما ، وقد نصّ أهل اللغة على أنّها موضوعة لذلك ، فيكون ذلك أولى ممّا ذكرتموه ، وأيضا فمعنى النصرة حاصل في الجميع فلم لا تحملونه عليه؟!

قوله في الوجه الرابع : إنّ عمر قال «بخ بخ» إلى آخره.

قلنا : لم لا يجوز أن يكون أراد النصرة؟

قوله : النصرة أمر ظاهر.

قلنا : تقدّم الكلام فيه.

سلمناه لكن لو كان المراد ما ذكرتموه للزم أن يكون أولى بالتصرّف في حال وجود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا ، كما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك ، ومعلوم ، أنّكم لا تقولون به.

سلمنا أنّ المولى يفيد الأولى فلم قلتم : إنّ ذلك يدلّ على الإمامة؟

قوله في الوجه الأوّل : إنّ أهل اللغة لا يستعملون ذلك إلّا فيمن يملك التدبير والتصرّف.

قلنا : لا نسلّم بل قد جاء في القرآن لغير ذلك قال الله تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (١) فأخبر أنّ أتباع إبراهيم كانوا أولى به ، ومعلوم أنّهم ليسوا بأولى بالتصرّف فيه ، فكذلك أتباع السلطان يقولون : نحن أولى بسلطاننا ، والتلامذة : نحن أولى باستاذنا ، وليس المقصود إلّا الأولوية في أمر ما ، لا في التصرّف فقط ، لأنّ صحّة الاستفهام عمّا هو فيه والتوكيد بذكره (٢) دليلان على الاشتراك.

قوله في الوجه الثاني : إنّ قولنا : فلان أولى بي من نفسي ، وإن كان لا يقتضي الأولوية في التصرّف إلّا أنّه هاهنا كذلك ، لأنّه لمّا كان قوله عليه‌السلام : «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم» معناه أولى بالتصرّف فيكم ، وجب أن يكون قوله : «فعلي مولاه أولى بكم من أنفسكم في التصرّف فيكم».

قلنا هذا أيضا ممنوع بدليل حسن الاستفهام والتوكيد.

[بداية الإجابة عن الشبهات] :

لأنّا نجيب :

عن الأوّل : أنّ العلم بصحته ضروري من التواتر.

قوله : هذه مكابرة إذ ليس العلم له كوجود مكة وغيرها من المتواترات.

__________________

(١) آل عمران : ٦٨.

(٢) في نسخة «عا» : نذكره ، غلطا.

قلنا : عندنا أنّه كذلك ، فأمّا عندكم فإن زعمتم أنّه لم يحصل لكم العلم به أصلا فلم يضرّنا ذلك ، وغير ممتنع أن يحصل لكم العلم ، للعلّة التي ذكرناها وهو اعتقادكم لما ينافي موجب الخبر ، وإن زعمتم أنّ العلم به حاصل لكن بينه وبين المتواترات تفاوت ، فقد سلمتم أنّه متواتر ، وأمّا التفاوت فغير ضار لأنّ العلوم الضرورية مختلفة بالأشديّة والأضعفيّة.

قوله : إنّ كثيرا من أكابر نقله الحديث لم ينقلوها كمسلم والبخاري وغيرهما.

قلنا : كون شخص أو شخصين أهملا حديثا لم يلزم منه سقوط ذلك الحديث وكذبه ، فإنّه لو نقل كلّ الرواة كل الأخبار كما وقعت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما وقع بين الناس خلاف في خبر قطّ ، ومعلوم أنّ الخلاف في الأخبار أكثر من أن يحصى ، ثمّ (الحامل لهم) (١) على الاهمال إمّا عدم الوصول إلى التزكية ، أو لاعتقادهم عدم صحّته لشبهة عندهم ، أو لعدم اعتقادهم لصحته ، أو لتوقفهم في رواته ، حتى أنّ تاركيه لو صرّحوا بفساده لم يلزم فساده.

قوله : على أنّ عليا عليه‌السلام كان يوم الغدير باليمن ولم يكن حاضرا.

قلنا : لا نسلّم فإنّ كلّ من نقل هذا الحديث نقل حضور علي عليه‌السلام وأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بضبعه (٢) والإشارة إليه بهذا الكلام. فالعلم الحاصل بهذا الخبر مستلزم للعلم بوجوده عليه‌السلام في ذلك الوقت. وأيضا فكلام عمر مخاطبا له (٣) وشعر حسّان

__________________

(١) عن هامش نسخة «عا».

(٢) انظر الجزء الأوّل من موسوعة الغدير في الكتاب والسنة والأدب ، للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني النجفي قدس‌سره.

(٣) انظر حديث التهنئة في الغدير ١ : ٢٧٠ ـ ٢٨٣.

ابن ثابت في هذا المعنى يشهدان بحضوره في ذلك الوقت (١).

قوله : أمّا دعواكم تواتر هذا الخبر فمخالفوكم أيضا يدّعون تواتر الأخبار الدالّة على فضائل الشيخين ، إلى آخره.

قلنا : أمّا ما كان من تلك الأخبار مستلزم صحته إمّا منهما ، أو قادحا فيما علمناه بالضرورة في حق علي عليه‌السلام فنحن نجزم بعدم صحّته ، لاستحالة أن يتكلّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بكلامين متنافيين وما لم يكن كذلك من الأخبار الدالّة على فضيلة لهما من خارج فنحن لا نمنع أن يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حقّ أحد كلاما يستميل به قلبه ، فتتأكّد فيه محبة الإيمان ورسوخه ، بعد ثبوت صحة ذلك النقل على وجهه.

قوله : تعويلكم على رواية الشيعة إمّا لأجل كثرتهم أو لأجل إجماعهم ، والأوّل باطل ، لأنّهم ما بلغوا في الزمن الأوّل حدّ التواتر.

قلنا : إنّ مثل هذا الخبر لا يختصّ بنقله الشيعة فقط حتّى لا تكون كثرتهم تفيد العلم.

سلّمنا أنّ الشيعة هم الناقلون فقط ، لكن لم قلتم أنّهم لم يبلغوا في الكثرة إلى حدّ التواتر؟ وظاهر أنّهم لم يزالوا بالغين إلى حدّ التواتر؟

سلّمنا لكنّ (٢) العلم التواتري لا يتوقّف على الكثرة فإنّ المخبر الواحد مع انضمام القرائن إليه قد يفيد خبره العلم ، فليس من شرط التواتر تحقّق الكثرة دائما.

قوله : إجماع الامّة إمّا أن يكون على كونه من أخبار الآحاد أو أخبار

__________________

(١) انظر شعر حسان وترجمته في الغدير ٢ : ٣٥ ـ ٦٥.

(٢) في نسخة «عا» هنا زيادة : لم قلتم؟ وهي في نسخة «ضا» مكتوبة ولكن مشطوب عليها.

التواتر ، الأوّل مسلّم والثاني ممنوع فلم قلتم : إنّ ذلك يدلّ على القطع؟

قلنا : اتّفاق الامّة على نقله واعتقاد صحّته دليل جزمهم به.

قوله : إنّ أكثر الامّة تجعله خبر واحد بمعنى أنّهم يعتقدون أنّ صحّته مظنونة لا معلومة إلى آخره.

قلنا : لا نسلّم ، وذلك أنّ أكثر الامّة إذا اعتقدوا بأسرهم مخالفهم ومؤالفهم (١) صحّته خصوصا ، وفي المخالفين لما يتضمّنه هذا الخبر من شديد المعاندة في إنكار مقتضاه ، فيستحيل أن يكون فيه تسليم له ثم بعد ذلك يتعسّف في صرفه عن ظاهره إلى تأويلات نادرة لا تسمن ولا تغني من جوع.

قوله : ولو سلّمنا ذلك لكن ، لا يمكنكم التمسّك بالإجماع ، لجواز (٢) أن يكون الإمام لم يظهر الحقّ لأجل الخوف من الظالمين.

قلنا : مرادنا من الإجماع إطباق الخلق بأسرهم على نقله والتواتر به.

سلّمناه لكن هذا الاعتراف ليس بشيء لأنّ الحقّ إمّا صحّة هذا الخبر أو كذبه ، فإن كان الأوّل فالخلق بأسرهم قد أطبقوا على نقله فالتقيّة ممّن تكون؟ وما مانع الإمام من إظهار الحقّ؟ وإن كان الحقّ كذبه فلا شكّ أنّ مضمونه على ما قرّرناه ممّا ينكره جمهور الخلق فلو كان الإمام يعلم أنّه كذب لكان إظهار ذلك منه ممّا يوافق طباع أكثر الخلق ويحبّوه وتميل أنفسهم إليه ، لأنّهم حينئذ كانوا يستغنون عن التعسّف في تأويله وحمله على الوجوه التي لا يخفى فسادها ، وكانت التقية أيضا عنه زائلة لمساعفة (٣) أكثر الخلق على ذلك.

__________________

(١) في نسخة «عا» : مخالفتهم ومؤالفتهم ، وهو غلط. وفي نسخة «ضا» هنا زيادة (على).

(٢) في نسخة «عا» : يجوز ، وهو غلط.

(٣) من الإسعاف ، بمعنى المساعدة.

قوله في الوجه الثاني : وأمّا المناشدة في الشورى فضعيف لأنّ الحاجة إلى تصحيح هذه المناشدة كالحاجة إلى تصحيح أصل الحديث بل ذلك أولى إلى آخره.

قلنا : أمّا المناشدة فمعلومة بالتواتر كما علم أصل الحديث.

قوله : ويتعذّر صحّتها فلا نسلّم إنهاءها إلى جميع الصحابة.

قلنا : لا شكّ في حضور المعتبرين من الصحابة الذين يدّعون الضدّية في هذا الأمر وأنّهم أولى به ، وتقدير الاعتراض أن نقول : يجوز أن يكون احتجاج علي عليه‌السلام في الشورى بهذا الخبر لو وصل إلى كلّ الصحابة لأنكر واحد منهم ، لكنّه إذا ثبت أنّ أجلّ الصحابة المتنازعين في هذا الأمر كانوا حضورا في وقت الخبر وفي وقت احتجاج علي عليه‌السلام به لم ينقل عن أحد منهم إنكاره ، فبطريق الأولى أن لا ينكره أحد من غيرهم ممّن لا طمع له في هذا الأمر لو وصله ، هذا مع تسليم أنّ الصحابة بأسرهم لم يكونوا حضورا عند احتجاج علي عليه‌السلام في الشورى ، وهو غير مسلّم.

قوله : بتقدير تسليم إنهائها إلى كلّهم ، فلا نسلّم أنّه لم يوجد فيهم من أنكر ذلك.

قلنا : لا شكّ أنّ ذلك من الوقائع الكبار في الإسلام والامور العظيمة التي يجب توافر الدواعي على نقلها ، فعلمنا أنّه لو كان هناك إنكار لنقل.

قوله : وبتقدير عدم النكير فلا نسلّم أنّ ذلك يدلّ على قطعهم بصحّته إلى آخره.

قلنا : لو لم تجزموا بصحّته عند احتجاجه عليهم به لكان لهم أن ينكروه ، خصوصا وهم في محلّ الحاجة إلى دفعه عليه‌السلام عن هذا الأمر ، وقد سبق تقرير ذلك.

قوله : لعلّهم سكتوا تقيّة وخوفا.

قلنا : التقيّة والخوف في حقّ تلك الامّة من نفر يسير غير جائز ، ولا مسموع ، ولو صحّ الخوف من بني هاشم لكان الخوف منهم عند سلبهم لمنصبه على اطّلاعهم على أولويّته به وطلبه لمثل تلك المناشدة وغيرها ، وكذلك ردّهم لشهادته ومنعهم لإرث فاطمة عليها‌السلام وغير ذلك ممّا تواترت به الرواية من أفعالهم أولى وأتمّ ، فهل يجوز أن يسكتوا لمثل هذا الخبر في مناشدته تقيّة لبني هاشم ولا يجوز تقيّتهم في مثل هذه المواضع وأمثالها.

قوله : ثمّ إن سلّمنا أصل الحديث فلا نسلّم صحّة هذه المقدّمة (١) إلى آخره.

قلنا : أمّا المقدّمة فمعلومة لنا بالتواتر ، وذلك لأنّ كلّ ناقل من الشيعة نقل هذا الخبر فهو ناقل لها ، وقد بيّنا أنّ نقل اليسير من الناس قد يفيد التواتر فضلا عن كثير الشيعة في كلّ الأطراف ، وإنكار بعض الامّة لهذه المقدّمة لا يضرّنا فيما علمناه جزما.

قوله : إنّ أحدا لم ينقل إنّ عليّا عليه‌السلام ذكرها يوم الشورى.

قلنا : من روى احتجاجه بالخبر يوم الشورى فإنّه يروي المقدّمة أيضا.

سلّمناه ، لكن عدم نقلهم لمقدّمته لا توجب أنّهم لم يسمعوها منه ، لجواز نقل البعض من الحديث اكتفاء به عن كلّه ، لشهرته ، أو لأنّهم نسوا ذكره للمقدّمة حال الرواية ، وإن كانوا قد سمعوها حال الاحتجاج.

سلّمناه ، لكن عدم ذكره لها يوم الشورى لا يستلزم عدم ذكرها من الرسول عليه‌السلام عند ذكر هذا الخبر ، وهو ظاهر.

قوله : سلّمنا أصل الحديث لكن لا نسلّم دلالته على الإمامة.

__________________

(١) مقدّمة النبي للنصّ على الوصيّ عليهما‌السلام.

قلنا : قد بيّناه ، وكذلك احتمال لفظ المولى (لمعنى) (١) الأولى.

قوله : إنّه باطل لوجهين : أحدهما : أن «أفعل من كذا» موضوع ليدلّ على معنى التفضيل ، ومفعل موضوع ليدلّ على الحدثان أو الزمان أو المكان.

قلنا : هب أنّه كذلك ولكن وضع مفعل لو منع كونه موضوعا في الأصل لما ذكرت ، من إطلاقه على غير هذا المعنى ، لكان كما يدلّ على معنى التفضيل كذا لا يدلّ على باقي المسمّات المشتركة فيه ، كالمعتق والمعتق والناصر والحليف وابن العمّ فلا يكون حينئذ لفظا مشتركا ، وقد أجمع أهل اللغة والنحو أنّه كذلك فإذن كون مفعل في الأصل موضوعا لهذه المعاني إمّا من واضع واحد أو أكثر على ما بيّن في اصول الفقه.

قوله : إنّ أحدا من أئمة اللغة لم يذكروا أنّ مفعلا قد يكون بمعنى أفعل التفضيل.

قلنا : قد بيّنا أنّ أكثر أهل اللغة ذكروه وأنّ المفسّرين أطبقوا على وروده بمعنى أفعل التفضيل في القرآن ، وكذلك أئمة النحويين كالمبرّد والفرّاء وابن الأنباري وغيرهم ، من رؤساء العربية والنحو.

قوله : لو كان لفظة المولى بمعنى الأولى لصحّ أن يقرن بأحدهما ما يقرن بالآخر ، إلى آخره.

قلنا : لا نسلّم ، بل التحقيق أنّ صحّة إقران اللفظ باللفظ من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعاني ، إذ لو لم يكن كذلك لصحّ أن يبدّل اللفظ بمرادفه من الفارسي ، وكان يحسن ان يقال عوارض قوله : اسقني معه إناء الماء أو اسقني من آب ؛ وإذا كان صحّة الاقتران من عوارض الألفاظ لم يلزم في كلّ ما عرض للفظ

__________________

(١) زيادة بمقتضى السياق.

أن يحسن عروضه للآخر ، وقد تقرّر ذلك في اصول الفقه (١) فلا يلزم إذا أن يصحّ أن يقرن بلفظ المولى ما صحّ اقترانه للفظ الأولى.

قوله : أمّا النقل عن أئمة اللغة فلا حجّة لوجهين : أحدهما إلى آخره.

قلنا : أمّا المرجع في اللغة إلى أئمة اللغة والنقل فذلك ظاهر مجمع عليه ، فلا يلتفت إلى منعه.

قوله : إنّ ذلك منهم لتساهل لا تحقيق فإنّ أحدا من أكابر الأئمة كالخليل وأضرابه لم يذكروه.

قلنا : لا نسلّم أنّهم لم يذكروه ، غاية ما في الباب أنّكم لم تجدوا لهم نقلا ، لكن عدم وجدانكم لا يدلّ على عدم وجوده.

سلّمناه لكن كون كلّ واحد من أهل اللغة لم يذكره ونقله الباقون لا يوجب القدح في النقلة ، فإنّ التساهل إذا جاز من الأكثرين جاز من الأقل فإذن الخليل لو ذكره لكان متساهلا وحينئذ لا يبقى وثوق بنقل اللغة.

قوله : إنّ الذاكرين له لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية (٢) وآية اخرى مرسلا غير مسند لم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة ، وليس كلّما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية ، ولذلك فإنّهم يفسّرون اليمين بالقوّة.

قلنا : اشتمال اللغة على الحقيقة والمجاز ظاهر ، ومعلوم أنّ المجاز إنّما يصار إليه عند تعذّر حمل الكلام على الحقيقة وإلّا فالأصل في الكلام الحقيقة.

ثمّ إنّ المجاز الأصلي قد يشيع ويكثر استعماله حتّى تصير الحقيقة اللغوية بالنسبة إليه مجازا ، وإذا كان كذلك فنقول إنّ لفظة المولى وإن كانت مشتركة إلّا أنّ

__________________

(١) انظر مظانّ البحث في كتب اصول الفقه.

(٢) المائدة : ٥٥.

أهل اللغة فهموا بحسب القرينة في هذا الخبر أنّ المراد من المولى هو الأولى ، بعد فهمهم أنّه من جملة مسمياتهم اللغوية ، فدعوى أنّه ليس لغة أصلية استلزم أنّه منقول ، وهو معارض بما أنّه خلاف الأصل ، فتفسير هذه الآية أو غيرها إذن بحسب اللغة الأصلية.

وأمّا ذكر أهل اللغة له مرسلا فلا يدلّ على فساده ، فإنّ الإرسال قد يكون لظهور الرواية ، وقد يكون لظهور مطابقة التفسير.

وأمّا تفسيرهم بغير اللغة الأصلية كاليمين وأمثاله فذاك إنّما كان لاستعماله اليمين بمعنى الجارحة على الله تعالى ، فلا جرم لما لم تصحّ الحقيقة للإرادة عدلوا إلى المجاز.

قوله : إنّ أصل تركيب والى (١) يدلّ على القرب والدنوّ إلى آخره.

قلنا : هب أنّه كذلك.

قوله : إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ تفسير أبي عبيدة : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) فإنّها الأولى بكم ليس حقيقة ، إلى آخره.

قلنا : إنّ أفعل جاءت لإثبات الفضل فقط ، فيحتمل أن يكون أبو عبيدة عنى بذلك أنّ النار لها ولايتهم ، لا أنّها أفضل من غيرها ، وذلك لا ينافي غرضنا.

سلّمنا أنّه يقتضي أن يكون للكفار حصّة في الجنّة لكن ذلك حقّ ، وأنّ الإنسان لمبدإ فطرته ثبت استحقاق الجنّة له ، وبأعماله الرديّة الطارئة على نفسه (٢) المرسلة لها ثبت استحقاق النار له ، ولما كانت الشقاوة بحسب الكفر كانت النار لهم

__________________

(١) كذا في النسختين ، ولعلّ الأولى : ولي.

(٢) هذا أقرب ما تقرأ الكلمة في نسخة «ضا» ، وجعلها في «عا» : يقينية ، ولا مناسبة لها.

أحقّ ويدلّ على ذلك قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كلّ مولود يولد على فطرة (١) الإسلام ، وإنّما أبواه هما يهوّدانه وينصّرانه».

قوله : وأمّا بيت لبيد فقد حكي عن الأصمعي فيه قولان : أحدهما : أنّ المولى اسم لموضع الولي إلى آخره.

قلنا : الأصل في اسم الموضع أن يكون مكسور العين ، فدعوى تقليب حكم اللام مدفوع.

قوله : في الوجه الثاني : أنّه أراد بالمخافة الكلاب ، وبالمولى صاحبها ، لو كان كذلك لكان لا يجوز له في خلفها وأمامها إلّا النصب ، لأنّ الرفع يقتضي أن يكون صاحب الكلاب ، فهو نفس الخلف والإمام فيصحّ رفعه ، وحمله على الأولى حمل هو هو.

قوله : وأمّا قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) (٢) فمعناه ورّاث يلون (٣) ما تركه الوالدان.

قلنا : لو كان المراد هو أن يليه فقط دون أن يكون أولى لكان لمن (٤) يلي حمله ونقله من الأجانب ـ والأقارب الذين ليسوا في درجة الوارث ـ فيه حصّة كما للوارث لعلّة ، أنّهم يلونه ، وهو ظاهر الفساد.

قوله : وأمّا قول الأخطل «فأصبحت مولاها» وقوله : «لم يثأروا فيه

__________________

(١) روى الحديث إلى هنا «على الفطرة» الكليني في اصول الكافي ٢ : ١٣ عن علي ابن إبراهيم بن هاشم القمي ، وليس في تفسيره. وروى ذلك الصدوق في التوحيد : ٣٣٠ ، ٣٣١ عن إبراهيم بن هاشم القمي.

(٢) النساء : ٣٣.

(٣) في النسختين : يكون. وأثبتنا الصحيح.

(٤) في النسختين : من ، وأثبتنا الصحيح.

إن (١) كانوا مواليه» وقوله : «موالي حقّ» فالمراد به الأولياء.

قلنا : المرجع في هذه المفهومات إلى أهل اللغة والنحو ، وقد بيّنا أنّهم فسّروها بالأولى ، على أنّه لا معارض بين المفسّرين ، لأنّ الأولى فعيل بمعنى فاعل فيكون المعنى والي ، ولا شكّ أنّ الوالي هو الأولى بالتصرّف ، وهو الجواب عن قوله عليه‌السلام «مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله» (٢) أي أولياء الله وقوله عليه‌السلام «أيّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن مواليها» (٣) فالرواية الثانية تفسّره.

قلنا : فإنّ المذكورين موالي الله ، أي كلّ واحد منهم ولي الله ، أي وال على إقامة مراضيه. وقد عرفت أنّ الوالي هو الأولى ، فهم أولى بالتصرّف فيما يرضي الله تعالى.

لا يقال (٤) فلزم أن يكون هؤلاء أولى بالتصرّف في مراضي الله تعالى من أكابر الصحابة.

لأنّا نقول : الأولوية هاهنا بالله لهم بالنسبة إلى من دونهم في ذلك.

فإن قلت : فيلزم أن يكون الحال في الخبر كذلك ، فيكون الأولوية فيه ثابتة لعلي عليه‌السلام بالنسبة إلى من هو دونه ، وذلك ممّا لا نأباه.

قلت : الفرق ظاهر ، فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا كان أولى من جميع الخلق بأنفسهم وجب أن يكون علي عليه‌السلام كذلك ، بخلاف خبر المذكورين ، وكذلك الجواب عن

__________________

(١) في نسخة «عا» : و. وهو غلط.

(٢) كنز العمّال ١٢ : ٨٨ ، ح ٣٤١١٣.

(٣) انظر التبيان ٣ : ١٨٧ ، ومجمع البيان ٢ : ٤١.

(٤) في «ضا» : لا ننال. وفي «عا» : من الأنفال. وأثبتنا الصحيح.

الخبر في ولي المرأة وأمّا قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) (١) فحمله المولى هاهنا على الأولى بالتصرّف حسن ، على أنّا لا ننكر أن يكون هاهنا بمعنى الناصر ، فإنّا ما ادّعينا أنّ لفظة المولى في كلّ موضوع تفيد الأولى ، بل في هذا الخبر.

قوله : سلّمناه لكن لم قلتم : إنّه يتعيّن حمله في حسن الاستفهام والتوكيد؟

قلنا : أمّا الاستفهام فلا نسلّم حسنه في هذه المواضع ، بل الذهن السليم يشهد بقبحه ، وأمّا حسن التوكيد (٢) فلا يدلّ على الاشتراك ، بأنّك إذا قلت : جاءني زيد ، يتبادر إلى فهم كلّ عقال أنّ هذا الإنسان المخصوص وصل إليك ، والمبادرة إلى الذهن قرينة الحقيقة ، فإن كان يحسن أن يؤكّده فيقول : جاءني زيد بنفسه.

وأمّا المنع من الشهادة عليه إلّا بعد الاستفسار فلا نسلّم ذلك مطلقا.

وبيانه : أنّ الفهم هاهنا قد يختلف بحسب ذلك السامع وبلادته ونقصه وعدم تفطّنه ، فجائز أن يسبق إلى ذهن واحد المعنى المراد قبل الآخر ، وأقوى منه ، فيجوز له على ذلك التقدير أن يشهد عليه ، وجائز لمن لم يكن كذلك أن يستفسر ، بل قد يجب الاستفسار لاستثبات الحقوق الشرعية ، وأمّا التأكيد ، فقد علمت أنّه لا يلزم منه الاشتراك.

قوله : سلّمناه لكن مؤخرة الحديث يقتضي أن يكون المراد من الحديث الناصر ، إلى آخره.

__________________

(١) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ١١.

(٢) هنا في النسختين كلمة (قلنا) ، زائدة.

قلنا : لا نسلّم مبادرة الذهن إلى ما ذكرتم ، بل نقول : دلالتها على ما أوردناه أولى ، بيانه : أنّ قوله : «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» غير لائق إلّا بمن كان له أولياء وأنصار وخاذلون أعداء ويحتاج إلى النصرة ، ويتضرر بالخذلان ، وذلك لا يليق إلّا بالسلطان.

وأمّا قوله لا يسلم حمله على الأولى ولم لا يجوز حمله على ولاية الدين والنصرة؟! قلنا ـ لما تقدّم قوله ـ في ذكره فائدتان : إحداهما : أنّ لفظ العام ، إلى آخره.

قلنا : أمّا أنّ اللفظ عامّ ، فظاهر ، وأمّا تمكين المعاند من أن يقول ما قلتم حتّى يحتاج إلى تعيين الرسول صلّى الله عليه [وآله].

قلنا : بطلان هذا الكلام ظاهر ؛ وذلك أنّ أحدا من الصحابة في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يشكّ [في] أنّ عليّا سيدا من سادات المؤمنين ، وقد عرفوا مكانه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجهاده في سبيل الله ، وطاعته لله ، بل كان منهم من يعتقد أنّه أفضل الخلق بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله. والذين جحدوا فضائله ونافسوا وكانوا يدعون المثلية في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينقصوه عن مراتب سادات المؤمنين حتّى يحتاج الرسول إلى ذلك الجمع العظيم في ذلك الوقت الشديد الحرّ الذي [كان] يحتاج الشخص منهم إلى أن يضع رداءه تحت قدميه من شدّة الحرّ ، ويخطبهم ليقرر عليهم مثل هذا الأمر الظاهر.

وهذا هو الجواب عن الفائدة الثالثة.

قوله : سلّمنا خلوّه عن الفائدة فلم لا يجوز ذلك أليس عندكم أنّ إمامة علي عليه‌السلام ثابتة بالنصّ الجلي ، إلى آخره.

قلنا : الفائدة هاهنا حاصلة ، وذلك لأنّ النصوص الجلية لم تكن بمحضر

مثل هذا الجمع العظيم من الصحابة ، فيجوز أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قصد هاهنا أن يشهد بذلك الحال ويسمعها كلّ الصحابة في ذلك الوقت ، لأنّه قريب وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو وقت الحاجة.

وأمّا أنّه لم يشهره في الوقت الأوّل وينهيه إلى جميع الصحابة؟

فلجواز أن يكون عليه‌السلام عالما بامتداد عمره فلا يجب عليه إشاعته وجوبا مضيّقا في ذلك الوقت ، لأنّه حكيم لا يعترض عليه بتخصيص بعض الأوقات بإيقاع فعل أو قول دون وقت آخر ، لجواز أن يفعل ذلك لمصلحة لا يطلع عليها.

قوله في الوجه الثالث : إنّ أهل اللغة فريقان ، إلى آخره.

قلنا : لا نسلّم حصرهم في الفريقين المذكورين ، فإنّ منهم من جعلها حقيقة في القدر المشترك أيضا. سلّمنا أنّ ذلك لم يقل به أحد من أهل اللغة السابقين ، لكن لا نسلّم أنّ أخذ (١) كلّ فرقة بقول يستلزم تحريم إحداث قول ثالث.

قوله : إنّ ذلك إجماع منهم فيكون القائل (٢) بغير أحد القولين خارقا للاجماع.

قلنا : لا نسلّم أنّ الإجماع حاصل ، سلّمناه ، لكن لا نسلّم أنّ مثل هذا إجماع (٣) فإنّ الإجماع عبارة عن : اتّفاق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله على أمر من الامور اتّفاقا مقصودا بالقصد الأوّل ، بحيث يفهم من كلّ منهم أنّ الحقّ ما اتّفقوا عليه دون غيره. وهاهنا ليس كذلك ، فإنّ اتّفاق أهل اللغة على أنّ المراد بهذه اللفظة أمر واحد أو أمران لا يحتمل غيرهما ، غير حاصل.

__________________

(١) تقرأ الكلمة في «ضا» : اقد. ولذلك كتبت في «عا» : أقل! وأثبتنا الصحيح.

(٢) في «عا» : القابل ، خطأ.

(٣) في «عا» : الاجماع ، غلطا.

نعم لو بيّن الخصم أنّه حصر أهل اللغة وحصر أقوالهم ، ثمّ بيّن أنّهم افترقوا إلى هاتين الفرقتين ، وأنّ كلّ واحدة منهما قالت بوجه من الوجهين المذكورين ، وأنّهم اتّفقوا على أنّ هذه اللفظة لا تحتمل شيئا آخر ، لأمكنه أن يستدلّ بالاجماع لكنّه لم يمكنه ذلك.

قوله في المعارضة بالمعتق : أنّه يسمّى مولى وليس أولى (١) بالتصرّف.

قلنا : بل هو أولى بالتصرّف فيما هو أهل له ، وهو خدمة معتقه والامور التي تلزمه مراعاتها.

قوله : معنى القرب قدر مشترك بينهما بنصّ أهل اللغة ، فحملها عليه أولى.

قلنا : حملها على ما ذكرناه أكثر فائدة لأنّ فيه معنى القرب وزيادة فكان أولى. وهو الجواب عن قوله : إنّ معنى النصرة أيضا حاصل في الجميع فلم لا تحملوها عليه؟

قوله في قول عمر : لم لا يجوز أن يكون أراد النصرة؟

قلنا : الضرورة تقتضي بأنّ كلام عمر مستلزم للغبطة ، والنصرة لا شكّ أنّها عامة لكلّ المؤمنين ، ولا يحصل بتنصيصها في حقّ علي عليه‌السلام غبطة. وأيضا : كلامه يدلّ بظاهره على حصول مرتبة لعليّ ليست لغيره ، والنصرة عامة لكلّ المؤمنين ، فلا يحصل لعلي عليه‌السلام بإظهارها في حقّه مرتبة له.

قوله : لو كان المراد ما ذكرتموه لزم أن يكون أولى بالتصرّف (٢) في حياة النبي صلّى الله عليه [وآله].

قلنا : ليس في اللفظ إلّا إثبات الولاية له عليه‌السلام كما ثبت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمّا أنّ

__________________

(١) من نسخة «ضا».

(٢) من نسخة «ضا» ، وفي «عا» : بالنصرة. غلطا.

تلك الولاية تكون في زمان النبي صلّى الله عليه [وآله] أو بعده؟ فليس في اللفظ ما يدلّ عليه ، إلّا أنّ العقل حكم بحسب العرف والعادة أنّ التصرّف للإمام في الامور لا يحصل بالفعل إلّا عند عدم النبي صلّى الله عليه [وآله] ، ثمّ لو سلّمنا في أنّ اللفظ يعمّ الأوقات فلنا أن نقول : إنّ التخصيص بالعقل جائز.

قوله : سلّمنا ذلك ، لكن لم قلتم : إنّها تدلّ على الإمامة؟!

قلنا : لما بيّناه.

قوله : إنّه جاء في القرآن لغير ذلك ، كقوله تعالى (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) (١) قلنا : هذا مطابق لغرضنا ، لأنّ الذين اتّبعوا إبراهيم هم أولى بالتصرّف في خدمته وأحواله من الكفّار الذين لم يتّبعوه ، وكذلك الرعيّة للسلطان والتلامذة للاستاذ ، وهذا هو المتبادر إلى الأفهام والتبادر إلى الذهن دليل الحقيقة ، ولا يحتمل الاستفهام ، وأمّا التوكيد فقد عرفت أنّه لا يوجب كون اللفظ مشتركا.

قوله على الوجه الثاني : إنّ ذلك أيضا ممنوع ، بدليل حسن الاستفهام والتوكيد.

قلنا : أما حسن الاستفهام فممنوع ، وأمّا التأكيد فقد عرفت أنّه قد يؤكّد اللفظ ويراد به حقيقة ظاهرة وبالله التوفيق.

البرهان الثالث : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدى» (٢) وجه الاستدلال به أنّ هذا الحديث يقتضي أن يثبت لعلي عليه‌السلام من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل جميع المنازل التي كانت ثابتة لهارون من

__________________

(١) آل عمران : ٦٨.

(٢) انظر من مصادر الحديث في تتمّة المراجعات : سبيل النجاة : ١١٧ ـ ١٢٣.

موسى عليهما‌السلام ، ومن المنازل الثابتة لهارون من موسى كونه مستحقّا للقيام مقامه بعد وفاته لو عاش بعده ، فوجب أن يثبت لعلي عليه‌السلام ذلك.

أمّا الأوّل فبيانه من ثلاثة أوجه :

الأوّل : أنّ الحكيم إذا تكلّم بكلام متناول بظاهره أشياء ثمّ استثنى بعضها وهو يريد الإفهام فإنّه يكون مريدا لما عدا المستثنى ويكون الاستثناء قرينة دالّة على إرادته لما عدا المستثنى ، لما يتناوله اللفظ ، كقول القائل : من دخل داري أكرمته إلّا زيدا ، عرفنا أنّه أراد إكرام من عداه ، لأنّه أراد الإفهام ، فلو لم يرد الإفهام ولم يرد إكرام عمرو أيضا لاستثناه كما استثنى زيد.

الثاني : أنّ الحديث لو أفاد منزلة واحدة فقط لما جاز أن يستثنى منزلة النبوّة ، لأنّ الشيء الواحد لا يمكن أن يستثنى منه.

الثالث : أنّ الامّة في هذا الحديث على ثلاثة أقوال :

أحدها : قول من قصره على منزلة واحدة ، وهو السبب الذي يدّعونه من خروج الكلام عليه ، وهو أنّه عليه‌السلام لمّا لم يستصحبه في غزوة تبوك أرجف (١) المنافقون بأنّه إنّما تركه بغضا له ، فشكا علي عليه‌السلام ذلك إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك إزالة لذلك الوهم.

والقول الثاني : أنّه يتناول كلّ المنازل إلّا ما خرج بالدليل.

والثالث : التوقّف إلى ظهور القرينة المعيّنة للمراد.

فالأوّل : باطل لثلاثة أوجه :

الأوّل : أنّ المرجف يبغض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام إن لم يكن عاقلا فلا معنى لتأذّيه منه ، وإن كان عاقلا فالضرورة قاضية ، بأنّه لا يجوز أن يتوهّم ذلك مع

__________________

(١) في النسختين : رجف ، وأثبت الصحيح.

علمه بقربه من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقواله فيه واعتداده به.

الثاني : أنّ أكثر الروايات أنّ هذا الخبر ورد في غير غزوة تبوك.

الثالث : أنّ ما ذكرتموه من الرواية آحادية فلا تفيد العلم ، وليس في لفظ الحديث ما يقتضي الاقتصار على هذه الواقعة ، فإذا يمتنع العلم بصحّة هذا.

والثالث أيضا باطل ؛ لما ثبت في اصول الفقه من القول بصيغ العموم ، وإذا كان كذلك وجبت صحّة القسم الثاني وإلّا لكان الحقّ خارجا عن الامّة وإنّه غير جائز.

وأمّا بيان الثاني وهو : أنّ من جملة منازل هارون من موسى استحقاقه للقيام مقامه بعد وفاته ، فلوجهين :

الأوّل : أنّه كان خليفة لموسى حال حياته لقوله تعالى حكاية عنه «اخلفني في قومي» (١) فوجب بقاء أهليّته للخلافة بعد وفاته.

التقرير الثاني : أنّا لا ندّعي خلافة هارون لموسى ، بل نقول إنّ هارون كان شريك موسى عليهما‌السلام في الرسالة ، ولا شكّ أنّه لو بقي بعد وفاته لقام مقامه في كونه مفروض الطاعة ، وذلك القدر كاف في المقصود ، لأنّه لمّا دلّ الحديث على أنّ حال عليّ عليه‌السلام كحال هارون في جميع المنازل ، كان من منازل هارون استحقاقه للقيام مقامه من وجوب العصمة ، وجب أن يكون علي عليه‌السلام كذلك.

لا يقال : الحديث لا يتناول إلّا المنازل الثابتة دون المقدّرة ، وإمامة هارون بعد موسى عليه‌السلام ما كانت حاصلة بل كانت مقدّرة ، فلا يتناولها الحديث.

لأنّا نقول : استحقاق هارون للقيام مقام موسى عليه‌السلام بعد وفاته منزلة ثابتة في الحال لأنّ استحقاق الشيء قد يكون حاصلا وإن لم يكن المستحقّ حاصلا في

__________________

(١) الأعراف : ١٤٢.

الحال.

لا يقال : لا نسلّم دلالة الحديث على العموم ، بيانه ، هو : أنّ حسن الاستفهام والتوكيد دليل الاشتراك ، ثمّ أنّه عليه‌السلام لم يقل أنت منّي بمنزلة هارون من موسى حتّى الخلافة إن عشت بعدي. وعند الإمامية إذا قال الإنسان ضربت كلّ من في الدار وكان فيه أربعة فإنّه يحسن من السائل أن يستفهمه ، ومن القائل أن يؤكّد ، فبطريق الأولى أنّ حسن الاستفهام والتوكيد في لفظ الحديث لا يقتضي العموم.

قوله : الحكيم إذا تكلّم بكلام ظاهره التناول للأشياء ، ثمّ استثنى بعضها وهو يريد الافهام ، فإنّه يكون مريدا لما عدا المستثنى.

قلنا : هذا لا يستقيم على مذهبكم ؛ لأنّ حسن الاستفهام والتوكيد دليل الاشتراك عندكم ، ومعلوم أنّه يحسن الاستفهام بعد الاستثناء فيقال : أكرم كل من عدا زيدا. وكذلك التوكيد من المتكلّم فيقال : أمّا جميع من عدا زيدا فإنّي اكرمهم.

قوله : الحديث لو أفاد منزلة واحدة لما جاز الاستثناء لامتناع الاستثناء من الشيء الواحد.

قلنا : من مذهبكم أنّ الاستثناء يخرج من اللفظ ما لولاه لصحّ دخوله فيه ، لا ما لولاه (١) لوجب دخوله فيه ، وإذا كان كذلك فقوله عليه‌السلام : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» يصلح لجميع المنازل ويصلح لبعضها عندكم ، فصحّ أن يستثني منه النبوّة ولا نقول : إنّه يفيد منزلة واحدة فقط ، بل نتوقّف فيه ، ونحمل الحديث على السبب ، لأنّه المتيقّن ، إذ لا يجوز خروجه عن اللفظ ، وما عداه فيلزم أن يتوقّفوا فيه.

__________________

(١) في «عا» : لو لأنّه يوجب. خطأ.

قوله : هذا الحديث روي في غير غزوة تبوك ، سلّمنا دلالة هذا الحديث على العموم ، لكن لا نسلّم أنّ منازل هارون من موسى كونه قائما مقامه بعد وفاته.

وقوله : إنّه كان خليفة في حال حياته ، فوجب بقاء تلك الخلافة بعد موته.

قلنا : لا نسلّم كونه خليفة له حال حياته.

أمّا قوله تعالى : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي).

قلنا : لم لا يجوز أن يكون ذلك إنّما كان (١) على طريق الاستظهار ، كما قال (وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) ولأنّ هارون كان شريك موسى في النبوّة ، فلو لم يستخلفه موسى لكان هو لا محالة يقوم بأمر الامّة ، وهذا لا يكون استخلافا على التحقيق لأنّ قيامه بذلك إنّما كان لكونه نبيّا.

ثمّ إن سلّمنا أنّ موسى عليه‌السلام استخلف هارون في قومه ، لكن في كلّ الأزمنة أو في بعضها؟ الأوّل ممنوع ، والثاني مسلّم ، بيانه : أنّ قوله : (اخْلُفْنِي فِي ...) (٢) أمر ، وهو لا يفيد التكرار بالاتّفاق ، وأيضا القرينة دالّة على أنّ ذلك الاستخلاف ما كان عامّا لكلّ الأزمنة ، لأنّ العادة جارية بأنّ من خرج من الرؤساء واستخلف على قومه خليفة أن يكون ذلك الاستخلاف معلّقا بتلك السفرة فقط ، وإذا ثبت أنّ ذلك الاستخلاف لم يكن حاصلا في كلّ الأزمنة لم يلزم من ثبوته في بعض الأزمنة ثبوته في كلّها. قوله : لو عاش هارون بعد موسى عليه‌السلام لقام مقامه في كونه مفترض الطاعة.

قلنا : تجب على الناس طاعته فيما يؤدّيه عن الله تعالى؟ أو فيما يؤدّيه عن

__________________

(١) في النسختين : يكون ، وأثبتنا الراجح.

(٢) الأعراف : ١٤٢ ، وبعده في «عا» : في أمر فهو. غلطا.

موسى عليه‌السلام؟ أو في تصرّفه في إقامة الحدود؟ الأوّل مسلّم ، ولكن ذلك نفس كونه نبيّا ، فلا يمكن ثبوته في حقّ عليّ عليه‌السلام ، وأمّا الثاني والثالث فممنوعان لأنّ من الجائز أن يكون النبيّ صلّى الله عليه [وآله] مؤدّيا للأحكام عن الله تعالى ويكون المتولّي لتنفيذ تلك الأحكام غيره ، وإذا جاز ذلك ما يلزم من تقدير بقاء هارون بعد موسى عليه‌السلام كونه متولّيا لتنفيذ الأحكام ، بل يجوز أن يتولّى تنفيذ الأحكام غيره ، وإذا لم يجب ذلك لم يجب كون عليّ أيضا كذلك ، سلّمنا أنّ هارون لو عاش بعد موسى لكان منفّذا للأحكام ، لكن لا شكّ في أنّه ما باشر ذلك ، لأنّه ما يستقبل موسى إماما لزم من الثاني أن لا يكون إماما (١) وإذا تعارضا تساقطا.

[الجواب عن الشبهات] :

لأنّا نجيب عن الأوّل أنّ لفظ المنزلة يفيد العموم ، وأمّا حسن الاستفهام فممنوع ، وأمّا التوكيد فبتقدير الاستئناف. على أنّ التأكيد إنّما هو تقوية المعنى الأوّل الذي يفيده اللفظ الأوّل بلفظ ثان ، فلو لم يكن اللفظ الأوّل مفيدا لعموم لما حسن تأكيده.

قوله : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقل أنت منّي بمنزلة هارون من موسى حتّى الخلافة إن عشت بعدي.

قلت : لمّا كانت لفظة «منزلة» مفيدة لعموم كلّ واحدة من المنازل ، ومن جملة المنازل كونه خليفة له لو عاش بعده ، لم يكن به حاجة إلى إفراد هذه المنزلة بالذكر.

قوله في الثاني : هذا لا يستقيم على مذهبكم ، لأنّ حسن الاستفهام

__________________

(١) كذا في النسختين ، والعبارة غير مستقيمة المعنى.

والتوكيد دليلا الاشتراك ، ومعلوم أنّه يحسن الاستفهام بعد الاستثناء وكذلك التوكيد.

قلنا : مرّ في الجواب عنه (١).

قوله في الثالث : من مذهبكم أنّ الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لصحّ دخوله تحت اللفظ.

قلنا : لا نسلّم ، بل هو عندنا يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله ، وصيغ العموم عندنا صحيحة. سلّمناه لكن قرينة توجب مرادية الباقي لا يستثني ما يريد إخراجه.

قوله : أصحاب الرواية الصحيحة كانت في غزوة تبوك.

قلنا : المعتبرون من أصحاب الرواية الصحيحة عندكم في هذا النقل غير بيّني العدالة عندنا ، فلا ثقة بقولكم.

قوله : لا نسلّم أنّ من جملة منازل هارون من موسى كونه قائما مقامه بعد موته.

قلنا : تقدّم جوابه.

قوله : لا نسلّم كونه خليفة له حال حياته.

قلنا : بل هو كذلك للآية.

قوله : لم لا يجوز أن يكون ذلك إنّما كان على سبيل الاستظهار.

قلنا : حمل لفظ الخلافة على ما أردناه حقيقة ، فصرفه إلى معنى آخر خلاف الظاهر ، وإنّه محتاج إلى الدليل.

قوله : ولأنّ هارون كان شريك موسى في النبوّة ، فلو لم يستخلفه موسى

__________________

(١) كذا في النسختين ، والعبارة غير وافية.

كان (١) هو لا محالة يقوم بأمر الامّة ، وهذا لا يكون استخلافا على التحقيق.

قلنا : حقيقة الاستخلاف هي قيام شخص مقام الآخر في تنفيذ مراسمه على سبيل النيابة عنه ، وهاهنا كذلك ، لأنّ هارون لو عاش بعد موسى عليهما‌السلام لكان متصرّفا في إقامة حدود شريعته ، منفّذا لسنّته التي خلّفها في قومه ، فقيامه بأمر الامّة حينئذ ليس لكونه نبيّا فقط.

قوله : لو سلّمنا أنّ موسى عليه‌السلام استخلف هارون في قومه لكن في كلّ الأزمنة أو بعضها؟ الأوّل ممنوع ، لأنّه أمر وهو لا يفيد التكرار ، والثاني مسلّم ، إلى آخره.

قلنا : مرادنا إثبات أهلية هارون للقيام مقام موسى بعده واستحقاقه له ، ولا شكّ أنّ تلك الأهلية ثابتة ، بدليل الاستخلاف ، والعلم حاصل ببقائها على تقدير بقائه بعده ، لمكان العصمة.

قوله : يجب على الناس طاعته فيما يؤدّيه عن الله تعالى؟ أو فيما يؤدّيه عن موسى؟ أو في نصرته في إقامة الحدود؟

قلنا : بل في الكلّ ، أمّا ثبوته في حقّ عليّ عليه‌السلام فإنّما كان من جهة كونه مؤدّيا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومتصرّفا في إقامة الحدود ، لاستحالة كونه نبيّا.

قوله : الثاني والثالث ممنوعان ، لأنّ من الجائز أن يكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هو المؤدّي عن الله تعالى ، ويكون المتولّي لتنفيذ الأحكام غيره.

قلنا : الجواز ظاهر ، لكن لا يلزم من عدم توليته لإقامة الحدود بنفسه خروجه عن كونه متصرّفا ، فإنّ التصرّف في إقامة الحدود مثلا يصدق أن يأمر غلامه بذلك ، فيصدق حينئذ أنّ هارون لو عاش بعد موسى لوجبت طاعته

__________________

(١) في «عا» : فكان. خطأ.

فيما يؤدّيه عن الله ، وعن موسى عليه‌السلام ، وفي التصرّف في إقامة الحدود ، وإن لم يكن هو المباشر لإقامتها.

قوله : سلّمنا أنّه لو عاش بعد موسى لكان منفّذ الأحكام ، لكن لا شكّ في أنّه ما باشر تلك الأحكام ، إلى آخره.

قلنا : إنّ هارون إنّما لم يباشر تلك الأحكام لموته قبل موسى ، وأمّا علي عليه‌السلام فإنّه لم يمت قبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فظهر الفرق ، وبالله التوفيق.

النوع الثالث : الاستدلال بالبراهين العقلية ، وهي أربعة :

البرهان الأوّل : علي عليه‌السلام أفضل الصحابة الأفضل يجب أن يكون هو الإمام ، فإذن يجب أن يكون علي هو الإمام.

أمّا المقام الأوّل ، فبيانه من اثنين وعشرين وجها.

الأوّل : قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ، وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ، وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) (١) وجه الاستدلال به أنّه عليه‌السلام دعا عليا إلى ذلك المقام ، وذلك يدلّ على غاية فضله.

أمّا الأوّل فلوجهين : أحدهما أنّه عليه‌السلام (٢) قصد بالمباهلة بيان دينه الذي جاء به ، وذلك يقتضي أن يخصّ بالمباهلة من يكون هو في غاية المحبّة له ، وإلّا لكان للمنافقين أن يقولوا : لو كان على بصيرة من أمره لدعا (٣) إلى المباهلة نزول العذاب على من يحبّه ويخاف عليه ، دون من ليس كذلك.

ثمّ إنّ شفقة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على الذين أحضرهم في ذلك الموضوع إمّا لشدّة قربهم ، وهو باطل ، وإلّا لأحضر العباس وعقيلا كما أحضر عليا عليه‌السلام ، أو لكمال فضلهم فيلزم أن يكون علي أفضل الخلق.

الثاني : أنّه لمّا كانت نفس علي عليه‌السلام نفسا له صلى‌الله‌عليه‌وآله وجب أن يثبت لعليّ عليه‌السلام جميع ما يثبت له ، لأنّ مقتضى الوحدة ذلك ، ترك العمل به فيما عرف بضرورة

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) هنا في النسختين زيادة : إنّه إن.

(٣) هنا في النسختين زيادة الهاء : لدعاه.

العقل وهو التعدّد والصفات التي اختصّ كلّ واحد منهما بها ، أو بنظره (١) كالنبوّة ، فيجب العمل به فيما عداه.

الثاني : قوله تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) جاء في التفسير أنّ الآية نزلت في عليّ عليه‌السلام (٣).

الثالث : قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٤). ولا شكّ في دخول عليّ عليه‌السلام ، وخروج أبي بكر.

الرابع : خبر الطير : وهو ما روي : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله اهدي إليه طائر مشويّ ، فقال : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك ، يأكل معي من هذا الطائر.

وفي رواية اخرى : «اللهم أدخل إليّ أحبّ أهل الأرض إليك» فجاء عليّ عليه‌السلام وأكل معه من ذلك الطير (٥) والاستدلال به : انّ أحبّ الخلق إلى الله ليس إلّا أكثرهم ثوابا ، لأنّ المحبّة منه تعالى لعبده ليس إلّا إرادة الثواب. وأمّا أنّ أكثر الناس ثوابا أفضل فهو ظاهر.

الخامس : حديث المؤاخاة فإنّه عليه‌السلام لمّا آخى بين أصحابه اتّخذه أخا

__________________

(١) أي بنظر العقل ، في مقابل ضرورة العقل.

(٢) التحريم : ٤.

(٣) انظر تلخيص الشافي ٣ : ٩ ، وبهامشه بعض مصادر الخبر ، والتبيان ١٠ : ٤٨ ، ومجمع البيان ١٠ : ٤٧٤ ، وتفسير شبّر : ٥٣٣ ، والميزان ١٩ : ٣٣٢ و٣٤٠ و٣٤١ ، وما نزل في القرآن في أهل البيت عليهم‌السلام للجبري : ٨٦ ، طبعة قم الاولى ، وينابيع المودّة ١ : ٩٣ ، طبعة استانبول.

(٤) الشورى : ٢٣.

(٥) انظر تلخيص الشافي ٣ : ١١ ، وبهامشه بعض مصادر الخبر ، والفصول المائة ٢ : ٣٢٧ ـ ٣٥٠.

لنفسه (١). وذلك يدلّ على علوّ شأنه وزيادة منقبته.

السادس : خبر الراية وهو ما روي : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبا بكر إلى خيبر فرجع منهزما ، ثم بعث عمر فرجع منهزما ، فبلغ ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيّ مبلغ ، فبات ليلته مهموما ، فلمّا أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية فقال : «لاعطينّ الراية اليوم رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، كرّارا غير فرّار» فتعرّض لها المهاجرون والأنصار ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله أين عليّ؟ فقالوا : إنّه أرمد العين فجاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتفل في عينه ، ثمّ دفع إليه الراية (٢).

فهذا الحديث وكيفية ما جرى يستلزم سلب الأوصاف الحميدة التي تثبت لعلي عليه‌السلام عن غيره ، خصوصا الذين غضب عليهم ، وإلّا لما كان في تخصيصه بهذه الأوصاف فائدة ، وليس ذلك من دليل الخطاب ، بل استدلال بقرائن كيفية ما جرت الحكاية عليه.

السابع : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» (٣) وقد تقدّم بيانه.

الثامن : قوله : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» (٤) وهذا الخبر وإن لم يدلّ على الإمامة فلا أقلّ من دلالته على أنّه عليه‌السلام أفضل من الشيخين.

التاسع : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذي الثدية : «يقتله خير هذه الامّة» (٥) وقاتله كان عليّ عليه‌السلام.

__________________

(١) انظر مصادر خبر المؤاخاة في تتمّة المراجعات ، سبيل النجاة : ١٢٣ ـ ١٢٧.

(٢) انظر مصادر خبر الراية في كتاب (علي في الكتاب والسنّة) ٢ : ٣٢٣ ـ ٣٢٦ ، طبعة بيروت ، وتلخيص الشافي ١ : ٢٣٦ و٢ : ٣٩ و٣ : ١٣.

(٣) انظر البحث عن حديث الغدير وطرقه وتفاصيله في الفصول المائة ٢ : ٤٠٧ ـ ٤٨٧.

(٤) انظر البحث عن حديث المنزلة وطرقه في الفصول المائة ٢ : ٣٥٧ ـ ٣٩٧.

(٥) انظر تلخيص الشافي ٢ : ٢٦٥ وبعض مصادره بهامشه ، والذخيرة : ٤٩٢ و٤٩٣.

العاشر : روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة عليها‌السلام : «إنّ الله اطّلع إلى أهل الأرض فاختار منهم أباك فاتّخذني نبيّا ، ثمّ اطّلع ثانية فاختار منهم بعلك» (١).

الحادي عشر : ما روي عن عائشة أنّها قالت : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبل عليّ عليه‌السلام فقال : «هذا سيّد العرب» قالت : قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمّي ألست أنت سيّد العرب؟ فقال : «أنا سيّد العالمين ، وهذا سيّد العرب» (٢).

الثاني عشر : ما روي عن أنس أنّه عليه‌السلام قال : «إنّ أخي ووزيري ، وخير من أتركه بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي : علي بن أبي طالب» (٣).

الثالث عشر : عن أبي رافع قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة عليها‌السلام : «أما ترضين أن قد زوّجتك خير أمّتي» (٤).

الرابع عشر : عن سلمان رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «خير من أترك بعدي علي بن أبي طالب» (٥).

الخامس عشر : عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليّ خير

__________________

(١) انظر الذرية الطاهرة : ٩٣ ، وتلخيص الشافي ٣ : ١٦ وبهامشه بعض مصادره ، والذخيرة : ٤٩٣ وبهامشه بعض مصادره ، تتمّة المراجعات ، سبيل النجاة : ١٥٦ و٢٢٤ ـ ٢٢٧.

(٢) انظر تلخيص الشافي ٣ : ١٦ وبهامشه بعض مصادره ، والذخيرة : ٤٩٣ ، وبهامشه بعض المصادر.

(٣) انظر تلخيص الشافي ٣ : ١٧ وبهامشه بعض المصادر ، والذخيرة : ٤٩٣ ، والغدير ٣ : ٩٥ و٧ : ١٨٢.

(٤) انظر تلخيص الشافي ٣ : ١٧ وبهامشه بعض المصادر ، والذخيرة : ٤٩٣ ، والغدير ٣ : ٩٥ و٧ : ١٨٢.

(٥) انظر تلخيص الشافي ٣ : ١٧ وبهامشه بعض المصادر ، والذخيرة : ٤٩٣.

البشر من أبى فقد كفر» (١).

السادس عشر : من الوجوه العقلية : عليّ عليه‌السلام أعلم الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأعلم أفضل ، بيان المقدّمة الاولى بالإجمال والتفصيل :

أمّا الاجمال فهو أنّه لا نزاع أنّه عليه‌السلام كان في أصل الخلقة في غاية الذكاء والاستعداد للعلوم ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في غاية الحرص في تربيته وإرشاده إلى اكتساب الفضائل ، ثمّ إنّ عليّا عليه‌السلام نشأ من أوّل صغره في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي كبره صار ختنا له ، وكان يدخل عليه في كلّ يوم ، ومعلوم أنّ مثل هذا التلميذ إذا كان بهذه الأوصاف وكان استاذه بالأوصاف المذكورة ، ثمّ اتّفق لهذا التلميذ أن اتّصل بخدمة مثل هذا الاستاذ في زمان الصغر وفي كلّ الأوقات ، فإنّه يبلغ المبلغ التامّ من العلم.

أمّا أبو بكر وأمثاله فإنّهم اتّصلوا بخدمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمان الكبر ، ثمّ إنّهم ما كانوا يصلون إليه في يوم وليلة إلّا زمانا يسيرا ، وقيل : «العلم في الصغر كالنقش في الحجر ، والعلم في الكبر كالنقش في المدر». فثبت أنّه عليه‌السلام كان أعلم من أبي بكر وغيره.

وأمّا التفصيل فمن وجوه :

أحدها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم عليّ» (٢) والقضاء يحتاج إلى جميع أنواع العلوم فلمّا رجح على الكلّ في القضاء وجب رجحانه عليهم في كلّ العلوم ، وأمّا سائر الصحابة فقد رجّح بعضهم على بعض في علم خاصّ كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أفرضكم زيد بن ثابت» و «أقرأكم أبيّ».

__________________

(١) انظر تلخيص الشافي ٣ : ١٧ وبهامشه بعض المصادر ، والذخيرة : ٤٩٣ وفيه : فمن أبى.

(٢) انظر تلخيص الشافي ٢ : ٢٧٣ و٣ : ٢١ ، والغدير ٣ : ٩٦ و٦ : ٩٦ ، و٧ : ١٨٣.

الثاني : أجمع أكثر المفسّرين على أنّ قوله تعالى (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (١) نزلت في حقّ عليّ عليه‌السلام ، وقد روي : أنّها لمّا نزلت (٢) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم اجعلها اذن عليّ فقال عليّ عليه‌السلام بعد ذلك ما نسيت بعدها أبدا (٣) واختصاصه بمزيد الفهم يدلّ على اختصاصه بمزيد العلم.

الثالث : روي : أنّ عمر أمر برجم امرأة ولدت لستّة أشهر فنبّهه عليّ عليه‌السلام بقوله : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (٤) مع قوله : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) (٥) على أنّ أقلّ مدّة الحمل ستة أشهر. فقال عمر سوّد الله وجهي ، لو لا علي لهلك عمر (٦).

الرابع : أنّ امرأة أقرّت بالزنا وهي حامل فأمر عمر برجمها ، فقال عليّ عليه‌السلام : إن كان لك سلطان عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟! دعها حتّى تضع ولدها ثمّ افعل بها ما شئت. فترك عمر رجمها وقال : لو لا عليّ لهلك عمر (٧).

الخامس : قال عليه‌السلام : «لو كسرت لي الوسادة ثمّ جلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ،

__________________

(١) الحاقّة : ١٢ ، وانظر التبيان ١٠ : ٩٨ ، ومجمع البيان ١٠ : ٥١٩ ، وتفسير شبّر : ٥٣٠ ، والميزان ٢٠ : ٣٩٥ و٣٩٦.

(٢) في النسختين هنا هذه الآية. وهي زائدة.

(٣) انظر تفاسير التبيان ومجمع البيان والميزان كما سبق ، والغدير ٣ : ٣٩٤ و٤ : ٦٥.

(٤) الأحقاف : ١٥.

(٥) البقرة : ٢٣٣.

(٦) الغدير ٦ : ٩٣ و٩٤.

(٧) الغدير ٦ : ١١٠ و١١١.

وبين أهل الفرقان بفرقانهم (١) والله ما من آية نزلت في برّ أو بحر ، أو سهل أو جبل ولا سماء ولا أرض ولا ليل ولا نهار ، إلّا وأنا أعلم فيمن نزل وفي أيّ شيء نزلت» (٢) وذلك يدلّ على أنّه لم يبار (٣) في العلوم.

السادس : إنّ أعظم العلوم علم الاصول (٤) ، وقد جاء في خطبه عليه‌السلام من أسرار التوحيد والعدل والنبوّة والقضاء والقدر وأحوال المعاد ما لم يأت في كلام سائر الصحابة.

السابع : إنّ جميع فرق العلماء تنتهي في علومهم مع اختلاف أنواعها إليه ، فوجب أن يكون أعلمهم ، بيان الأوّل :

أمّا علم الاصول فالمتكلّمون إمّا معتزلة وهم ينسبون إليه ، وإمّا أشعرية وهم ينسبون إلى أبي الحسن الأشعري (٥) وهو تلميذ أبي علي الجبّائي المعتزلي (٦) وهو ينسب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وأمّا الشيعة فانتسابهم إليه ظاهر.

وأمّا الخوارج وهم مع بعدهم عنه منتسبون إلى أكابرهم وكانوا تلامذة علي عليه‌السلام.

__________________

(١) إلى هنا في تلخيص الشافي ٣ : ٢٢ ومصادره في الهامش.

(٢) الغدير ٢ : ٤٤ ، و٧ : ١٠٨.

(٣) يبار : فعل مستقبل مجزوم من المباراة أي المسابقة.

(٤) الاصول هنا اصول العقائد ، كما يأتي.

(٥) أبو الحسن علي بن إسماعيل البصري البغدادي ، من أحفاد أبي موسى الأشعري ، توفّي في ٣٣٤ ه‍ ببغداد.

(٦) أبو علي محمّد بن عبد الوهاب المعتزلي البصري البغدادي المتوفّى في بغداد ، وعن ابن نديم أنّه أوصى أن ينقل إلى قريته الجبّاء بناحية البصرة فيدفن بها ـ هدية الأحباب : ١٣٤.

وأمّا علم التفسير : فرئيس المفسّرين ابن عباس وكان تلميذا لعليّ عليه‌السلام.

وأمّا علم الفقه : فكان عليه‌السلام فيه في أعلى درجة ، ولهذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أقضاكم علي» (١) وقال علي عليه‌السلام : «لو كسرت لي الوسادة» (٢) كما ذكرناه.

وأمّا الفصاحة : فمعلوم أنّ أحدا من الصحابة الذين بعده والذين معه أيضا لم يدركوا درجته ولا القليل منها.

وأمّا علم النحو : فمعلوم أنّه إنّما نشأ منه وهو الذي أرشد أبا الأسود الدؤلي إليه (٣).

وأمّا علم التصفية : فمعلوم أنّ نسبة جميع الصوفية تنتهي إليه.

وأمّا علم الشجاعة وممارسة الأسلحة فمعلوم أنّ نسبة هذا العلم تنتهي إليه أيضا.

فثبت بما ذكرناه أنّه عليه‌السلام كان استاذ العالمين بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجميع الخصال الحميدة والمقامات الشريفة حاصلة له ، وإذا ثبت أنّه عليه‌السلام كان أعلم الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجب أن يكون أفضلهم بعده لقوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٤) وقوله تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) (٥).

__________________

(١) اشير إلى مصادره قبل قليل.

(٢) اشير إلى مصادره قبل قليل.

(٣) الفصول المختارة ١ : ٥٩ ، طبعة النجف الأشرف.

(٤) الزمر : ٩.

(٥) المجادلة : ١١.

السابع عشر : عليّ عليه‌السلام كان أكثر جهادا من أبي بكر ، فوجب أن يكون أفضل منه.

أمّا الأوّل : فقراءة كتب السير والأخبار توضح ما قلناه (١).

وأمّا أنّ كلّ من كان جهاده أكثر كان أفضل ، فلقوله تعالى : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ، وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (٢).

الثامن عشر : إيمان علي عليه‌السلام كان قبل إيمان أبي بكر ، وإذا كان كذلك كان صلوات الله عليه أفضل من أبي بكر.

أمّا الأوّل فلوجوه :

أحدها : روي أنّ عليا عليه‌السلام قال على المنبر : «أنا الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم» (٣). ثمّ إنّ تلك الدعوى كانت بمحضر جمهور الصحابة والتابعين ولم ينكر أحد منهم عليه ، ولو لم يكن ذلك مشهورا بينهم لما أمكنهم السكوت عنه.

الثاني : سلمان الفارسي رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أوّلكم ورودا

__________________

(١) انظر فصل جهاده عليه‌السلام في الإرشاد : ٣٨ ـ ٨٨ ، طبعة النجف الأشرف ، ومناقب آل أبي طالب ٢ : ٦٥ ـ ٧٠ ، طبعة قم.

(٢) النساء : ٩٥.

(٣) انظر مصادر لقب الصدّيق والفاروق لعلي عليه‌السلام في تتمة المراجعات : سبيل النجاة : ٢٣٥ و٢٣٦ ، والصدّيق فقط في هامش تلخيص الشافي ٣ : ٣٤٤ ، ونصّ الخبر في الغدير ٣ : ٢٢١ و٢٢٣ ، وشرح النهج للمعتزلي ١٣ : ٢٢٨.

عليّ الحوض أوّلكم إسلاما ، عليّ بن أبي طالب» (١).

الثالث : روى أنس بن مالك قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الاثنين وأسلم علي عليه‌السلام يوم الثلاثاء (٢).

الرابع : عبد الله بن الحصين قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «أنا أوّل من صلّى وأوّل من آمن بالله ، ولم يسبقني غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٣).

الخامس : إنّ كون إيمان علي عليه‌السلام قبل إيمان أبي بكر أقرب إلى العقل ، وذلك أنّ عليا عليه‌السلام كان ابن عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي داره مختصّا به ، وأمّا أبو بكر فإنّه كان من الأجانب ، وفي غاية البعد أن يعرض الإنسان هذه المهمات العظيمة على الأجانب قبل عرضها للأقارب المختصّين به غاية الاختصاص سيّما والله تعالى يقول : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٤).

لا يقال : إسلام أبي بكر كان سابقا ، لقوله صلّى الله عليه [وآله] : «ما عرض الإيمان على أحد إلّا وله كبوة ، غير أبي بكر فإنّه لم يتلعثم» (٥). فلو تأخّر إسلام أبي بكر (٦) فإن كان من قبل تأخّر عرض الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الإسلام عليه كان ذلك تقصيرا من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو غير جائز ، وإن كان من قبل أبي بكر فهو باطل

__________________

(١) انظر مصادره في الغدير ٣ : ٢٢٠ ، ثمّ البحث في ذلك حتّى ٢٤٣ ، والصحيح في السيرة ١ : ٢٤١ ـ ٢٤٥ ، والفصول المختارة : ٢١٢.

(٢) انظر الغدير ٣ : ٢٢٤ و٢٢٥ ، وشرح النهج ١٣ : ٢٢٩.

(٣) انظر كلماته عليه‌السلام المختلفة في هذا المعنى في الغدير ٣ : ٢٢١ ـ ٢٢٤.

(٤) الشعراء : ٢١٤.

(٥) تلعثم الرجل : إذا مكث وتأنّى. ونقل الخبر المعتزلي عن نقض العثمانية للاسكافي في شرح النهج ١٣ : ٢٤٩.

(٦) في النسختين : لكان إن كان. وأثبتنا الصحيح.

للخبر المذكور ، فدلّ على أنّ إسلامه لم يتأخّر ، فهو بعينه يدلّ على أنّ من سواه قد تلعثم ، فيكون علي عليه‌السلام كذلك ، وذلك يدلّ على تأخّر إسلامه.

سلّمناه ، لكن نقول : إنّ عليا عليه‌السلام حين أسلم كان صبيا ، لدليل الشعر المنقول عنه قوله :

سبقتكم إلى الإسلام طرّا

غلاما ما بلغت أوان حلمي(١)

وأبو بكر حين أسلم كان شيخا عاقلا ، والناس قد اختلفوا في صحّة إسلام الصبيّ ، وكيف كان ، ولا شكّ أنّ إسلام البالغ العاقل الصادر عن التمييز أفضل من إسلام الصبيّ الذي لا يكون كذلك.

سلّمنا أنّ عليا عليه‌السلام كان بالغا حين أسلم إلّا أنّه كان في ذلك الوقت غير مشهور بين الناس ولا محترما ولا مقبول القول ، بل كان كالصبيّ الذي يكون في البيت ، فما كان يحصل بسبب إسلامه قوّة في الدين. فأمّا أبو بكر فإنّه كان شيخا موقّرا محترما ، فحصل بسبب شوكته قوّة ، فكان إسلامه أفضل من إسلام علي عليه‌السلام.

لأنّا نقول : أمّا الخبر الذي ذكرتموه فلا نسلّم صحّة طريقه ، سلّمناه ، لكنّه خبر واحد فلا يفيد العلم ، سلّمناه ، لكنّه لا ينافي تأخير إسلام أبي بكر لجواز تأخيره من قبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله العرض عليه ، لأنّه علم أنّه لا يقبل الإسلام في تلك المدّة ثمّ علم أنّه قد فزع إلى الحقّ فعرض عليه فلم يتلعثم ، وهذا لا يدلّ على

__________________

(١) في النسختين : غلام ، وأثبتنا الصحيح. ورواه المفيد (صغيرا) كما عنه في الفصول المختارة ٢ : ٢١١ وفي ٢٢٦ هكذا :

سبقتكم إلى الإسلام طرّا

على ما كان من فهمي وعلمي

وبحثه من ٢٠٤ ـ ٢٢٨ ، وفي الغدير ٢ : ٢٥ ـ ٣٣.

سبق إسلامه ، وثبت بالأدلّة السابقة أنّ إسلام عليّ عليه‌السلام كان مقارنا للبعثة ، فلم يلزم ممّا ذكروه سبق إسلام أبي بكر على إسلامه.

قوله : إنّ عليا عليه‌السلام حين أسلم لم يكن بالغا.

قلنا : لا نسلّم أنّه أسلم قبل البلوغ ، وبيانه : أنّ سنّ عليّ عليه‌السلام كان بين خمس وستين سنة وبين ستّ وستين سنة ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بلغ بعد الوحي ثلاثة وعشرين سنة ، وعلي عليه‌السلام قد بقي بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قريبا من ثلاثين سنة ، فإذا أسقطنا ثلاثا وخمسين من ستّ وستين بقي ثلاثة عشر سنة (١) وبلوغ الإنسان في مثل هذا (٢) السنّ ممكن ، فعلمنا أنّه كان ممكن البلوغ في ذلك الوقت ، وإذا ثبت الإمكان وجب الحكم بوقوعه لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة عليها‌السلام : «زوّجتك أقدمهم سلما ، وأكثرهم علما» (٣) ولو كان صبيا حين أسلم لما صحّ هذا الكلام.

سلّمنا أنّه ما كان بالغا حين أسلم لكن لا امتناع في وجود إسلام (٤) صبي كامل العقل قبل البلوغ ، وكذلك حكم أبو حنيفة بصحّة إسلام الصبي ، وحينئذ يكون إسلام صبيّ قبل البلوغ دليلا على فضله لوجهين :

أحدهما : أنّ الغالب على طباع الصبيان الميل إلى الأبوين ، ثمّ إنّ عليا عليه‌السلام خالف أبويه وأسلم فدلّ ذلك على فضله.

الثاني : أنّ الغالب على الصبيان الميل إلى اللعب فيكون نظره وفكره في دلائل التوحيد. وإعراضه عن اللعب من أدلّ الامور على فضله ، وكان في زمان

__________________

(١) هنا (ثلاث عشرة سنة) مكررة في النسختين.

(٢) من نسخة «عا».

(٣) انظر تلخيص الشافي ٣ : ٢٣٣ و٢٣٤ متنا وهامشا. ونزل الأبرار : ٦٤.

(٤) من نسخة «عا».

صباه مساويا للعقلاء الكاملين.

قوله : حصل بإسلام أبي بكر قوّة وشوكة في الدين لم تحصل بإسلام عليّ عليه‌السلام.

قلنا : هذا أوّلا إنّما يتمّ لو صحّ أنّ أبا بكر قبل إسلامه كان موقّرا محترما بين الخلق ، وأنّه دعا الناس إلى الإسلام وهما ممنوعان.

ثمّ لا نسلّم أنّه حصل بسبب إسلامه شوكة في الدين.

فيثبت بما قرّرناه أنّ إسلام علي عليه‌السلام كان مقدّما على إسلام أبي بكر ، وبثبوت ذلك ثبت أنّ عليا عليه‌السلام أفضل ، لقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (١) لأنّ المسارعة إلى الخيرات توجب الأفضلية ، لقوله تعالى في حقّ الأنبياء عليهم‌السلام : (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) (٢).

التاسع عشر : أنّ عليا عليه‌السلام كان أفضل بني هاشم بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو متّفق عليه وبنو هاشم أفضل من عداهم لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله اصطفى من ولد إبراهيم قريشا ، واصطفى من قريش هاشما» (٣). والأفضل من الأفضل أفضل.

العشرون : أنّ عليا عليه‌السلام لم يكفر بالله طرفة عين ، وأبو بكر في زمان الجاهلية كان كافرا ، ولذلك خصّ عليّ (٤) عليه‌السلام عند الخصم بقوله عند ذكره «كرّم الله وجهه». وإذا ثبت هذا فنقول : إنّ عليا عليه‌السلام كان أكثر تقوى من

__________________

(١) الواقعة : ١٠ و١١.

(٢) الأنبياء : ٩٠.

(٣) انظر تأريخ بغداد ١٣ : ٦٤ ، وأمالي المفيد : ٢١٦ ، طبعة الغفاري ، كلاهما عن واثلة بن الأصقع.

(٤) في النسختين : عليا. وأثبتنا الصحيح.

أبي بكر ، لأنّ من كان مؤمنا مدّة عمره فلا بدّ وأن يكون أكثر تقوى ممّن كان أكثر عمره كافرا ثمّ صار مؤمنا. والأتقى أفضل ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (١).

الحادي والعشرون : روى أحمد البيهقي في «فضائل الصحابة» أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في خلّته ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى عليّ ابن أبي طالب» (٢) فثبت بهذا الحديث أنّ عليا عليه‌السلام كان مساويا لهؤلاء الأنبياء في هذه الخصال التي هي جماع (٣) المكارم ، ولا نزاع في أنّ هؤلاء كانوا أفضل من أبي بكر وسائر الصحابة ، والمساوي للأفضل لا بدّ وأن يكون أفضل.

الثاني والعشرون : أنّ الفضائل إمّا نفسانية ، أو بدنية ، أو خارجية عنهما. أمّا النفسانية فإمّا علمية أو عملية.

أمّا العلمية فقد بيّنا أنّه عليه‌السلام كان أعلم الصحابة ويؤيّد ذلك وجوه (٤) :

الأوّل : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٥) ولا شكّ أنّ العلوم إنّما تخرج من تلك المدينة إلى الخلق من قبل ذلك الباب ، وقد فصّلنا انتهاء مبادي العلوم إليه في حقّه عليه‌السلام تصديقا لهذا الخبر.

الثاني : قوله عليه‌السلام : «علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم فانفتح لي

__________________

(١) الحجرات : ١٣.

(٢) انظر إحقاق الحقّ ٤ : ٣٨٩ ـ ٤٠٥.

(٣) الجماع بالضمّ : المجمع ، أو الجامع ، وبالكسر : النكاح.

(٤) في النسختين : وجهان ، وما أثبتناه هو الصواب.

(٥) انظر كتاب فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي. لابن الصديق الحسني المغربي ، طبعة طهران. وراجع تلخيص الشافي ٢ : ٢٨١ ، والفصول المائة ٢ : ٥٠٩ ـ ٥٢٠.

من كلّ باب ألف باب» (١).

الثالث : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة عليها‌السلام : «زوّجتك أكثرهم علما ، وأعظمهم حلما» (٢). وقول ابن عباس رضى الله عنه قسّم العلوم عشرة أجزاء تسعة في علي عليه‌السلام وواحد في الخلق ، ولقد شاركهم في العاشر (٣).

وأمّا العلمية فأقسام : منها : العفّة والزهد ، وقد كان رءوس الزهّاد من الصحابة كأبي ذرّ وسلمان تلامذة لعلي عليه‌السلام.

ومنها : الشجاعة ، ولم يكن أحد (٤) من الصحابة كشجاعته في اعتدائها (٥) وثمرتها ولذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لضربة من ضربات عليّ خير من عبادة الثقلين» (٦). ومن أوضح براهين ذلك قلعه لباب خيبر حيث يقول : «والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانية ، ولكن قلعته بقوّة إلهية» (٧).

ومنها : السخاء ، والمعلوم أنّه لم يكن أحد من الصحابة أسخى منه ، ويشهد بذلك لسبب نزول قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (٨) في حقّه ، وهو مشهور. وكذلك تصدّقه بخاتمه حال ركوعه.

__________________

(١) انظر ينابيع المودّة : ٧٢ ، وكتاب فتح الملك العلي : ١٩.

(٢) انظر الذرية الطاهرة للدولابي : ٩٣ متنا وحاشية.

(٣) لم أجده مسندا.

(٤) جاءت هذه الكلمة في «عا» : أحدا ، وفي «ضا» : أحد. وأثبتنا الصحيح.

(٥) كذا في النسختين ، ولعلّ الصحيح : اعتدالها ، أو احتدامها.

(٦) انظر إحقاق الحقّ ٦ : ٤ ـ ٨ و١٦ : ٤٠٢ ـ ٤٠٥ ، ونزل الأبرار : ٧٦.

(٧) البحار ١٠٢ : ١٣٨ مع اختلاف يسير.

(٨) الدهر : ٨ ، وانظر التبيان ١٠ : ٢١١ ، ومجمع البيان ١٠ : ٦١١ ، وتفسير شبّر : ٥٤٢ ، والميزان ٢٠ : ١٣٢ ـ ١٣٩.

ومنها : حسن الخلق ، وقد بلغ فيه إلى حدّ نسبه الجاهلون معه إلى الدعابة.

ومنها : البعد عن الدنيا ، وظاهر أنّه مع إقبالها إليه لم يلتفت إليها رأسا ، وكان يقول : «يا دنيا إليك عنّي غرّي غيري ، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها» (١) وله في هذا المعنى شعر :

دنيا تخادعني كأنّي

لست أعرف حالها

مدّت إليّ يمينها

فرددتها وشمالها

ورأيتها محتاجة

فوهبت جملتها لها

والأمر في ذلك ظاهر.

ومنها : إقباله على الله بالكليّة ، ووصوله إليه ، واشتغال سرّه به الذي هو الغاية القصوى من وجود الإنسان ، وقد كان عليه‌السلام في ذلك سباق غايات وصاحب آيات ، ويشهد بذلك أنّه عليه‌السلام لمّا وقع فيه في بعض الحروب سهم وقصد الحجّام ينزعه فجعل يتملّل فقال الحسن عليه‌السلام دعوه حتّى يشتغل بالصلاة ، فلمّا اشتغل بها نزعه منه في حال السجود ولم يحسّ به (٢) ، وذلك لاتّصال نفسه القدسية بمبدئها التامّ ، وعدم ملاحظته شيئا آخر في ذلك الوقت.

وأمّا الفضائل البدنية : فقد كان عليه‌السلام من أقوى الخلق وأشدّهم بأسا ، وكان يقطّ الهامّ قطّ الأقلام.

وأمّا الفضائل الخارجية : فمنها النسب ، ومعلوم أنّ أشرف ما ينتسب إليه

__________________

(١) نهج البلاغة ، الكتاب : ٤٥ ، القطع : ٢١ ، وقصار الحكم : ٧٧ ومصادر الكتاب في المعجم المفهرس : ١٣٩٦ ، طبعة قم. ومصادر الحكمة : ١٤٠٢. وعن زهده عليه‌السلام في إحقاق الحقّ ٤ : ٤٢٥ و٨ : ٢٧٢ و٢٧٤ و٥٩٨ ـ ٦٠٠ و١٥ : ٦٣٨ ـ ٦٤٤.

(٢) لم أعثر له على مصدر معتبر موثوق به.

الإنسان هو القرب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان أقرب الناس إليه. ومنها المصاهرة ، ولم يكن لأحد منها مثل ماله. ومنها : أنّه لم يكن لأحد من الصحابة في تمام الفضل مثل أولاده الحسن والحسين عليهما‌السلام اللذين هما سيّدا شباب أهل الجنّة» (١) ، ثمّ انظر إلى أولاد الحسن عليه‌السلام كالحسن المثنّى ، والمثلّث (٢) ، وعبد الله ابن الحسن (٣) والنفس الزكية (٤) وإلى أولاد الحسين مثل زين العابدين ، والباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا عليهم‌السلام الذين يقرّ بفضلهم وعلوّ درجتهم كلّ عاقل «والفضل ما شهدت به الأعداء».

ومن أوضح دلالات فضلهم أنّ من أفضل المشايخ السالكين إلى الله تعالى بعدهم أبو يزيد البسطامي وكان سقّاء في دار الصادق عليه‌السلام (٥).

وأيضا فمعروف الكرخي أسلم على يد عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، وكان بوّاب داره ، وبقى على حاله إلى آخر عمره ولم يكن لأحد مثل هذه الفضائل.

وأمّا تقرير المقدّمة الثانية ، وهو أنّه كلّ من كان أفضل وجب أن يكون هو الإمام ، فبيانها أنّ من جعل إماما لغيره فقد جعل متبوعا لذلك الغير ، وجعل الأكمل تبعا للأنقص قبيح في بداهة العقول ، مثال ذلك أنّه لو اخذ بعض الفقهاء

__________________

(١) انظر الإمام الحسن عليه‌السلام من تأريخ دمشق لابن عساكر : ١٢٨ ـ ١٤٢ ، والإمام الحسين عليه‌السلام كذلك : ٤١ ، ونزل الأبرار : ٩٣.

(٢) هو الحسن بن الحسن بن الحسن السبط.

(٣) أمّه وأخيه المثلّث : فاطمة بنت الحسين عليهم‌السلام.

(٤) هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن.

(٥) هو طيفور بن عيسى بن آدم ، زاهد صوفي معروف ، توفي في ٢٦١ ه‍ فيستبعد جدا أن يكون سقّاء في بيت الإمام الصادق عليه‌السلام المتوفّى في ١٤٨ ه‍ إلّا أن يكون من المعمّرين فوق المائة والأربعين ولم يكن ولم نجد للدعوى مصدرا معتبرا.

الأوساط ونصب للتدريس وأمر الشافعي وأبو حنيفة بالجلوس بين يديه والتلمذ (١) له لذمّ كلّ عاقل من تقدّم في نصب ذلك الفقيه.

فثبت أنّ عليا عليه‌السلام لمّا كان أفضل الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجب أن يكون هو الإمام وهو المطلوب.

البرهان الثاني : أنّ الامّة أجمعت على أنّ الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إمّا عليّ أو أبو بكر أو العباس ، ثمّ إنّ أبا بكر وعباسا لم يكونا صالحين للإمامة ، فتعيّن أن يكون الإمام عليّ عليه‌السلام. وإنّما قلنا إنّهما لم يكونا صالحين للإمامة ، لأنّه لا واحد منهما بمعصوم ، وكلّ من يصلح للإمامة يجب أن يكون معصوما ، فينتج أنّه لا واحد منهما يصلح للإمامة.

أمّا المقدّمة الاولى فبالاتّفاق ، وأمّا الثانية فقد مرّ بيانها ، فتعيّن حينئذ أن يكون الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو عليّ عليه‌السلام.

البرهان الثالث : أنّه لا واحد من الصحابة عدا علي عليه‌السلام بمنصوص على إمامته ، وكلّ من كان إماما يجب أن يكون منصوصا على إمامته ، ينتج : ولا واحد من الصحابة عدا عليا عليه‌السلام بإمام.

أمّا المقدّمة الثانية : فقد مرّ بيانها ، وأمّا الاولى فلأنّ المتأهّل للإمامة في نظر الامّة إمّا العبّاس وإمّا أبو بكر وإمّا عليّ عليه‌السلام ، وثبت أنّ العباس وأبا بكر لم يكن

__________________

(١) في النسختين : التلمّذ ، ونحن أثبتنا الصحيح ، واللفظة من التلموذ بالعبرية ، فالتلمذة تعني درايته بالتلموذ ، تفسير التوراة.

منصوصا عليهما وأمّا العباس فظاهر وأمّا أبو بكر (١) فلو كان منصوصا عليه كان توقيفه الأمر على البيعة من أعظم المعاصي ، وذلك قادح في إمامته ، وإذ ليس واحد منهما بمنصوص عليه فيثبت أنّ عليا عليه‌السلام منصوص عليه ووجب أن يكون الإمام وإلّا لخرج الحقّ عن جميع أقوال الامّة ، وإنّه غير جائز.

البرهان الرابع : أنّه نقل عن أبي بكر وعمر مطاعن تقدح في صحة إمامتهما ، ومتى كان كذلك تعيّن أن يكون عليّ عليه‌السلام هو الإمام ، وأمّا المطاعن فمذكورة في الكتب المطوّلة ، وأمّا أنّهما متى كانا كذلك تعيّن أن يكون الإمام عليا عليه‌السلام فلضرورة أنّه لا قائل بالفرق ، وبالله التوفيق.

__________________

(١) في النسختين : أبا بكر.

البحث الثاني

في تعيين باقي الأئمة عليهم‌السلام

الإمام الحقّ بعد عليّ عليه‌السلام ولده الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ ابنه عليّ بن الحسين زين العابدين ، ثمّ ابنه محمد الباقر ، ثمّ ابنه جعفر الصادق ، ثمّ ابنه موسى الكاظم ، ثمّ ابنه عليّ بن موسى الرضا ، ثمّ ابنه محمد الجواد ، ثمّ ابنه علي الزكيّ ، ثم ابنه الحسن العسكري ، ثمّ ابنه محمد الخلف الحجّة المنتظر عليهم‌السلام. ولنا في إثبات هذا الترتيب وجهان :

الأوّل : أنّا قد بيّنا أنّ الإمام يجب أن يكون هو المنصوص عليه من قبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أو من يقوم مقامه ، وثبت أيضا أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما ، ثمّ علمنا بالتواتر أنّ عليا عليه‌السلام نصّ على ابنه الحسن بالخلافة ، فتعيّن أن يكون هو الإمام بعده. وتعيّن أنّه معصوم ، وإنّه نصّ على أخيه الحسين وهكذا نصّ كلّ واحد منهم على من بعده من المذكورين ، فوجب أن يكون هو الإمام فلزم من ذلك أن تكون الإمامة معيّنة في المذكورين واحدا بعد آخر إلى آخرهم.

الثاني : الخبر المتواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال للحسين عليه‌السلام : «ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة ، تاسعهم قائمهم حجّة ابن حجّة أخو حجّة

أبو حجج تسع» (١) وهذا نصّ في المسألة.

بقي أن يقال لو سلّمنا تواتر هذا الخبر في هذا اللفظ ، لكن لم قلتم ، إنّ التسعة هم الذين عنيتموهم ، ولم يجوز أن يكون غيرهم من أولاد الحسين عليهم‌السلام ، فحينئذ يتعيّن الرجوع منّا إلى كلّ واحد منهم وقد نصّ على من بعده.

إذ نقول : إنّ غير الإمام يعترف باختيار الرعية له و [عدم] (٢) اطلاعهم على أنّه صاحب الملكة الرادعة عن المعاصي المسمّاة بالعصمة من بين سائر أولاد الإمام ، وبتعيين (٣) الإمام يتعيّن أن يكون هو الإمام الحقّ ، وبظهور الكرامات على يده.

وأمّا الكلام في تواتر هذا الخبر سؤالا وجوابا ، وتقريرا وإبطالا ، فكما تقدّم في تواتر النصّ الجليّ على إمامة عليّ عليه‌السلام ، وبالله التوفيق.

__________________

(١) إكمال الدين ٢ : ٢٦٢ ، مع اختلاف في التعبير.

(٢) زيادة بمقتضى السياق.

(٣) في النسختين : بتعيّن.

الباب الثالث

في تقرير شبهة الخصوم

والجواب عنها

المقدّمة

١ ـ شبهة المنكرين لإمامة علي عليه‌السلام

٢ ـ مطاعن الخوارج وغيرهم في عليّ عليه‌السلام

٣ ـ فساد ما قالته الطوائف من الشيعة المنكرين لواحد واحد من الأئمة عليهم‌السلام

٤ ـ غيبة الإمام عليه‌السلام

وفيه مقدّمة وأبحاث :

أمّا المقدّمة :

فاعلم أنّ المخالفين لنا في المسألة إمّا شيعة أو غير شيعة ، أمّا غير الشيعة فهم المنكرون لتقديم عليّ عليه‌السلام على أبي بكر وهم أكثر الامّة ، وأمّا الشيعة فاصولهم فرق أربعة : الإمامية ، والكيسانية (١) ، والزيدية (٢) ، والغلاة (٣) ، وكلّ فرقة كالنوع لأصناف ، ويلزم مقالة كلّ واحدة من هذه الأصناف إنكار أحد الأئمة الاثنى عشر عليهم‌السلام ، ونحن نعيّن كلّ واحدة من الفرق المنكرون لإمام إمام.

[فالاولى] : المنكرون لإمامة عليّ عليه‌السلام من الشيعة بعد أن كان مستحقّا لها وهم الكاملية أصحاب أبي كامل معاد بن الحصين ، وذلك أنّهم زعموا أنّ الصحابة

__________________

(١) الكيسانية : نسبة إلى كيسان معرّب كيشان مولى المختار بن أبي عبيدة الثقفي والوسيط بينه وبين محمد بن علي عليه‌السلام المعروف بابن الحنفية ، وكان كيسان يقول بإمامته.

(٢) الزيدية : نسبة إلى زيد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام يقولون بإمامته بعد أبيه.

(٣) الغلاة : الذين غالوا في عليّ عليه‌السلام بالقول بأنّ الله قد اتّحد به أو حلّ فيه!

كفرت لمخالفتهم النصّ الجليّ ، وأنّ عليا عليه‌السلام كفر بترك القتال معهم.

الثانية : المنكرون لإمامة الحسن بن علي عليهما‌السلام ، وهم صنفان :

الأوّل : السبأية وهم أصحاب ابن سبأ ، زعموا أنّ عليّا عليه‌السلام لم يمت وأنّه في السحاب ، والرعد صوته والبرق سوطه ، وأنّه ينزل إلى الأرض بعد حتى يقتل أعداءه.

الصنف الثاني : الذين قطعوا بموته لكنهم أنكروا إمامة الحسن عليه‌السلام ، وساقوا الإمامة من علي عليه‌السلام إلى ابنه محمد بن الحنفية رضى الله عنه وزعموا أنّه القائم المهدي ، وهو قول بعض الكيسانية.

الثالثة : المنكرون إمامة [ولد] (١) الحسين بعد أخيه الحسن عليهما‌السلام ، وهم الذين ساقوا الإمامة من الحسن عليه‌السلام إلى ابنه الحسن «الرضى من آل محمد» ومنه إلى ولده عبد الله بن الحسن بن الحسن ، ومنه إلى ولده محمد النفس الزكية ، ومنه إلى أخيه ابراهيم.

الرابعة : المنكرون لإمامة زين العابدين علي بن الحسين عليهم‌السلام ، وهم الذين ساقوها من الحسين عليه‌السلام إلى أخيه محمد بن الحنفية ، وهم أكثر الكيسانية.

الخامسة : المنكرون لإمامة محمد بن علي الباقر عليه‌السلام وهم الذين ساقوها إلى زيد بن علي رضى الله عنه وهم الزيدية.

السادسة : المنكرون لإمامة جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، وهم فرقتان :

إحداهما : الذين قالوا إنّ الباقر لم يمت وهم ينتظرونه.

الثانية : الذين قطعوا بموته لكن ساقوا الإمامة إلى محمد بن عبد الله ابن الحسن بن الحسن ، من غير ولده ، وهم أصحاب المغيرة بن سعد العجلي.

__________________

(١) زيادة بمقتضى السياق.

السابعة : المنكرون لإمامة موسى بن جعفر عليه‌السلام وهم طوائف :

إحداها : الذين قالوا بغيبة الصادق وأنّه لم يمت ولن يموت حتّى يظهر فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وهو القائم المهدي ، وهم بعض الناووسية.

الثانية : الذين قطعوا بموته لكن زعموا أنّه الإمام وأنّه (١) سيرجع إلى الدنيا فيملأها عدلا كما ملئت جورا وهم الناووسية أيضا.

الثالثة : الذين جزموا بموته لكن ساقوا الإمامة إلى ولده عبد الله ابن جعفر ، ويقال لهم الفطحية ، لأنّ عبد الله كان أفطح (٢) ويقال لهم أيضا عمّارية لانتسابهم إلى بعض أكابرهم يقال له عمّار.

الرابعة : الذين ساقوها إلى ولده محمد ويقال لهم السمطية.

الخامسة : الذين ساقوها إلى ولده اسماعيل وهم الاسماعيلية السبعية.

السادسة : الذين ساقوها إلى غير ولد جعفر وهم خمس طوائف :

الاولى : الذين قالوا : إنّ جعفر أوصى بالإمامة إلى موسى بن الطفّى ، ويقال لهم الطفّية.

الثانية : الذين زعموا أنّه أوصى بها إلى موسى بن عمران الأقمص وهم الأقمصية.

الثالثة : الذين زعموا أنّه أوصى بها إلى يرمع بن موسى الحائك وهم اليرمعية.

الرابعة : القائلون بأنّ الصادق عليه‌السلام أوصى بها إلى عبد الله بن سعد التميمي ، وهم التميمية.

__________________

(١) هنا في النسختين : بعده. زائدة.

(٢) الأفطح : المنبطح باطن قدميه فلا حفرة ولا تقعّر فيهما.

الخامسة : الذين ادّعوها لأبي جعدة وهم الجعدية.

السابعة : من المنكرين لإمامة موسى بن جعفر عليه‌السلام اليعقوبية ، وهم أصحاب أبي يعقوب ، فإنّهم جوّزوا الإمامة لولد جعفر ولغير ولده.

الثامنة : المنكرون لإمامة علي بن موسى الرضا عليه‌السلام وهم أيضا طوائف :

الاولى : الذين توقّفوا على موسى عليه‌السلام وقالوا : لا ندري أنّه مات أو لم يمت ، ويقال لهم الممطورة ، لأنّ يونس بن عبد الرحمن من علماء الشيعة قال : ما أنتم إلّا كلاب ممطورة.

الثانية : الذين قالوا وجزموا بأنّه لم يمت ولا يموت إلى يوم القيامة.

الثالثة : الذين جزموا بموت موسى وساقوا الإمامة إلى ولده أحمد ابن موسى.

التاسعة : والمنكرون لإمامة محمد بن علي الجواد عليه‌السلام محتجّين بعدم علمه ، لصغر سنّه في ذلك الوقت لأنّه لمّا مات الرضا عليه‌السلام كان سنّ الجواد أربع وقيل ثمان سنين.

العاشرة : المنكرون لإمامة علي الزكي عليه‌السلام ، وهم طائفة شاذّة زعمت أنّ الإمام بعد محمد بن علي عليهما‌السلام ابنه موسى بن محمد أخو أبي الحسن علي بن محمد.

الحادية عشر : المنكرون لإمامة الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام ، وهم الذين ساقوا الإمامة من علي بن محمد الزكي إلى ولده جعفر.

الثانية عشر : المنكرون لإمامة الحجّة الخلف المنتظر عليه‌السلام ، وهي ثلاثة عشر طائفة :

إحداها : الذين قالوا إنّ الحسن عليه‌السلام لم يمت لأنّه لو مات وليس له ولد ظاهر لخلا الزمان عن الإمام المعصوم ، وذلك غير جائز.

الثانية : الذين قالوا إنّه مات لكنّه سيجيء وهو المعنيّ بكونه قائما بعد

الموت.

الثالثة : قالوا إنّه مات لا يجيء لكنّه أوصى بالامّة إلى أخيه جعفر.

الرابعة : قالوا إنّه أوصى إلى أخيه محمد.

الخامسة : قالوا : إنّه مات من غير عقب ، فعلمنا أنّه ما كان إماما ، وأنّ الإمام كان جعفر.

السادسة : قالوا بل ظهر أنّ محمدا (١) كان الإمام ، لأنّ جعفر (٢) كان مجاهرا بالفسق ، والحسين كان فاسقا بالخفية ، فتعيّن محمد للإمامة.

السابعة : قالوا : مات ، ولكن ولد له بعد موته بثمانية أشهر ولد.

الثامنة : قالوا : لمّا مات الإمام ولا ولد له ، ولا يجوز انتقال الإمامة منه إلى غيره ، بقي الزمان خاليا عن الإمام وارتفعت التكاليف.

التاسعة : قالوا يجوز أن يكون الإمام لا من ذلك النسل بل من غيره من العلوية.

العاشرة : قالوا : لمّا لم يجز انتقال الإمامة من ذلك النسل إلى نسل آخر ، ولا يجوز خلوّ الزمان عن الإمام ، علمنا أنّه بقي من نسله ابن وإن كنّا لا نعرفه بعينه ، ونحن على ولايته إلى أن يظهر.

الحادية عشر : قالوا إنّ الإمامة إلى الرضا عليه‌السلام ، وبعده مضطربة ، فنتوقّف (٣) في الكلّ.

الثانية عشر : قالوا الإمام بعد الحسن ابنه المنتظر ، وأنّه عليّ بن الحسن ،

__________________

(١) في النسخة «ضا» : محمد.

(٢) في النسختين : جعفرا.

(٣) في النسختين : متوقف. وأثبتنا الصحيح.

وليس كما تقول القطعية في الغيبة والانتظار حرفا بحرف.

الثالثة عشر : قالوا إنّ أبا محمد مات من غير ولد ظاهر ، ولكنّه عن حمل بعض جواريه (١) والقائم من بعد الحسن محمول لم تلد به أمّه بعد ، وإنّما يجوز أن تبقى مائة سنة حاملا.

فهذه الوجوه المشهورة في ضبط هذه الطوائف ، ولهم شعب اخرى أضربنا عن ذكرها لعدم الفائدة فيه. وسنبيّن فساد ما قالوه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في النسختين : جواره.

البحث الأوّل

في شبهة المنكرين لإمامة علي عليه‌السلام

واعلم أنّ من الناس من ينكرها مطلقا ، أمّا الأوّلون فهم القائلون بإمامة أبي بكر ، وأمّا الآخرون فهم الخوارج. أمّا الأوّلون فتمسّكوا بعشرة شبه :

الاولى : قوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (١) ولفظ «الذين آمنوا» لفظ جمع وأقلّ الجمع ثلاثة فقد وعد الله الثلاثة فما فوقها من أمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يستخلفهم في الأرض ويمكّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وكلّ ما وعد الله تعالى فلا بدّ وأن يوجد ، وإلّا وقع الخلف في خبره تعالى وهو محال ، ومعلوم أنّه لم يوجد إلّا خلافة هؤلاء الأربعة.

الشبهة الثانية : التمسّك بقوله (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) الآية (٢) فنقول : إنّ الداعي لهؤلاء الأعراب إمّا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو الخلفاء الثلاثة الذين بعده ، وإمّا علي عليه‌السلام ومن بعده ، أمّا أنّ الداعي هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فمحال لقوله تعالى (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها)

__________________

(١) النور : ٥٥.

(٢) الفتح : ١٦.

الآية (١). وأمّا أنّه علي عليه‌السلام فباطل ؛ لأنّه تعالى قال في صفة هؤلاء الدعاة (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) ولم يتّفق لعلي عليه‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قتال بسبب الإسلام ، بل كانت محاربته بسبب طلب الإمامة. وأمّا أنّ الدعاة هم الذين كانوا بعد علي عليه‌السلام ، فهو ظاهر البطلان ؛ لأنّهم عندنا كانوا فسّاقا ، وعند الخصم كفّارا ، وعلى التقديرين فلا يليق بهم [ما] (٢) في قوله تعالى (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) الآية (٣) فلم يبق إلّا أن يكون المراد هو إمامة هؤلاء الثلاثة.

الشبهة الثالثة : لو كانت إمامة أبي بكر باطلة لما كان ممدوحا معظّما عند الله تعالى ، وقد كان كذلك ، فوجب القطع بصحّة خلافته ؛ أمّا الملازمة فظاهرة ، وأمّا أنّه ممدوح معظّم عند الله فلقوله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (٤) وهو من بايع تحت الشجرة ، فوجب أن يكون مرضيا عند الله تعالى ، (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (٥). وإذا ثبت أنّه مرضيّ عنه وجب صحّة إمامته.

الشبهة الرابعة : أنّ الصحابة كانوا يخاطبون أبا بكر بخليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلي عليه‌السلام حاضر ، والخصم يعترف بذلك إلّا أنّه يحمله على التقيّة ؛ ثمّ إنّ الله سبحانه وتعالى وصف الصحابة بالصدق فقال (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) إلى قوله (أُولئِكَ هُمُ

__________________

(١) الفتح : ١٥.

(٢) زيادة بمقتضى السياق.

(٣) الفتح : ١٦.

(٤) الفتح : ١٨.

(٥) التوبة : ١٠٠.

أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) إلى قوله (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١). فلمّا ثبت أنّهم خاطبوه بالخليفة ، وثبت أنّهم صادقون ، وجب أن يكون خليفة حقا.

الشبهة الخامسة : تمسّكوا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر» (٢) وقوله «اقتدوا» لفظ للجمع ، وهو إمّا للوجوب أو الندب ، وعلى التقديرين فإنّه يدلّ على جواز الاقتداء بهما في الأحكام ، ولو كان على الخطأ والضلالة لما جاز ذلك.

الشبهة السادسة : روى شعبة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّ الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ تصير ملكا عضوضا» (٣) وصف القائمين بهذا الأمر بعده مدّة ثلاثين سنة بالوصف المقتضي للمدح والتعظيم ، ووصف من بعدهم بالوصف الدالّ على أنّهم أرباب الدنيا لا أرباب الدين ، وذلك نصّ على صحّة خلافة الخلفاء الأربعة.

الشبهة السابعة : أبو بكر أفضل الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأفضل هو الإمام وإنّما قلنا إنّه أفضل لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر» (٤) وأمّا أنّ الأفضل هو الإمام فقد مرّ تقريره.

الشبهة الثامنة : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله استخلف أبا بكر في الصلاة ، فوجب أن يبقى خليفته في باقي الأحكام ضرورة ، لأنّه لا قائل بالفرق.

__________________

(١) الحشر : ٨.

(٢) الصواعق المحرقة : ١٩ ، والجامع الصغير للسيوطي ١ ـ مادة أق.

(٣) الصواعق المحرقة ، والرياض النضرة ، باب فضائل أبي بكر ، وانظر تلخيص الشافي ٣ : ٣٩ وفيه الرواية عن سفينة بدل شعبة.

(٤) الروض الفائق : ٢٢٠ ، مع اختلاف يسير.

الشبهة التاسعة : طريق ثبوت الإمامة إمّا بالنصّ ، وإمّا الاختيار ، وقد بيّنا أنّ النصّ باطل فثبت الاختيار ، وكلّ من قال أنّ الطريق إليه الاختيار قال أنّ الإمام هو أبو بكر ، فوجب القول بصحّة إمامته ضرورة ، لأنّه لا قائل بالفرق.

الشبهة العاشرة : لو كانت الإمامة حقّا لعليّ عليه‌السلام لكان تركه لها إمّا حال ما كانت الامّة مساعدة على الطلب أو حال ما كانت مخالفة له ؛ فإن كان الأوّل تعيّن عليه الطلب ، بحيث لو لم يطلب تبيّن أنّ الإمامة لم تكن حقّا له ، وإن كان الثاني وجب أن تكون هذه الامّة شرّ أمّة اخرجت للناس ، مع أنّهم خير أمّة اخرجت للناس ، وإذا ثبت أنّهم خير أمّة لم يكن تركه عليه‌السلام طلب للإمامة إلّا بسبب دفعهم له عنها ، وذلك يقتضي أن يكون تركه لها إنّما كان لأنّها ليست حقّا له.

الجواب عن الشبهة الاولى : لا نسلّم حملها على الأربعة فقط ، فإنّ اللفظ (الَّذِينَ آمَنُوا) لفظ عامّ يتناول كلّ من آمن وعمل صالحا ، فتخصيصه بالبعض دون البعض ترجيح من غير مرجّح ، فوجب حمله على كلّ المؤمنين.

وأمّا لفظ الخلافة فلا نسلّم أنّ المراد منها الإمامة فإنّ الخلافة أعمّ ، ووضع العامّ مكان الخاصّ مجاز ، بل المراد أنّ الله تعالى وعد جميع من آمن أن يستخلفهم عوضا من الكفار في الجاهلية.

وعن الثانية : لم لا يجوز أن يكون الداعي هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمّا ما تبيّن الاستقبال في (سَيَقُولُ) فتحمل على أنّ الآية نزلت قبل بعض الغزوات ، وحينئذ يكون الوعد بالقول في المستقبل عند تلك الغزوة حسنا ويصلح دخول التبيين فيه.

سلّمناه ، لكن لم قلتم أنّ الداعي إذا كان أحد هؤلاء الثلاثة وجب أن تكون إمامتهم صحيحة؟ إذ من الجائز أن يكون الإنسان على الفسق المخرج عن قبول

الشهادة فضلا عن الإمامة ويدعو مع ذلك إلى طاعة الله ، ويحرص على بعض أوامر الله ، ويؤيده ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «إنّ الله ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاسق» (١).

وعن الثالثة : لا نسلّم أنّ أبا بكر بقي معظّما مطلقا ، وبيانه من وجهين :

أحدهما : أنّ لفظ «رضي» لفظ فعل ماض ، ومع ذلك فهو مقيد بوقت البيعة في الشجرة ، والمقيّد بوقت يحتاج في استيعابه في باقي الأوقات إلى دليل.

الثاني : أنّ الرضا أعمّ من الرضا عنه في أفعاله وأحواله ومن الرضا في بعضها ، والمشترك لا يدلّ على إحدى الخصوصيتين ، فلم لا يجوز أن يحمل رضاه عنه هاهنا على الرضا عنه من جهة تصديقه بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومبايعته له فقط ، وهذا لا ينافي أن يكون غاصبا للخلافة من أهلها. وبأنّه يجوز أن يرضى عن المؤمن من جهة إيمانه ويسخط عليه من جهة فسقه.

وعن الرابعة : أنّ مخاطبة الصحابة أبا بكر بالخلافة كمخاطبتهم لمعاوية ، بل كمخاطبة بني مروان بها ، وسكوت علي لا يدلّ على الرضا ، فإنّ من لزم التقية في وقت عدم تمكّن أبي بكر في طلب هذا الأمر العظيم فلئن يلزم السكوت عن إطلاق لفظ بعد امتداد يد أبي بكر أولى.

وأمّا كون الصحابة صادقين فلا نسلّم أنّ الفقراء الموصوفين بالصفات المذكورة كانوا هم المخاطبين لأبي بكر بالخلافة ، بل كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكونوا هم أصحاب علي عليه‌السلام ومن أنكر إمامة أبي بكر.

سلّمناه ، لكنّ الصادق أعمّ من الصادق في كلّ أحواله أو في بعضها ، فلم قلتم أنّ المراد أنّهم صادقون في كلّ أقوالهم ، وحتّى لا يجوز أن يكذبوا ومعلوم أنّ

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ٢ : ٣٠٩.

الكذب جائز بالاتّفاق على آحادهم ، وإذا جاز ذلك كانت مخاطبتهم له بالخلافة كذبا.

وعن الخامسة : لا نسلّم صحّة الخبر ، سلّمناه لكنّه خبر واحد لا يجوز العمل به ، سلّمناه لكنّ الاقتداء أعمّ من الاقتداء في كلّ الامور أو في بعضها ، ولم لا يجوز أن يحمل الاقتداء بها على الاقتداء في المشاورات في امور الدنيا ، أو في أمر جزئي ، سلّمناه لكنّ الأمر لا يقتضي التكرار فلم لا يجوز الاقتداء بهما في وقت ما فلا يتعيّن أن يكون في خلافتهما ، سلّمناه لكنّ الأمر ورد بالاقتداء بهما معا وظاهره يقتضي أن يقتدى بهما حالة اجتماعهما على الفتوى أو على الأمر المقتدى فيه بهما ، وهما حال الاجتماع لا يكونان إمامين ، فإنّ الإمام يشترط أن لا يكون معه غيره ، بل يشترط أن لا يكون معه في الحكم غيره.

وعن السادسة : لا نسلّم صحّة هذا الخبر ، سلّمناه ، لكنّه خبر واحد فلا يعتمد عليه ، سلّمناه لكنّه معارض بما أنّ خلافة الحسن والحسين عليهما‌السلام كانت عندكم بعد أبيهما ، فعلى تقدير صحّة هذا الخبر لا يكون خلافتهما صحيحة ، لأنّ مفهومه أنّ هذه الرئاسة لا تسمّى خلافة إلّا في مدّة ثلاثين سنة فأمّا بعدها فتكون ملكا.

فإن قلت : المراد بالخلافة التي يكون المسلمون متمكّنون فيها من إجراء الشريعة على وجهها.

قلت : الخلافة أعمّ من الإمامة ، فلم لا يجوز أن يكون المراد خلافة المسلمين بعدي التي يتمكّنون فيها من إظهار الحقّ ثلاثون سنة ، وحينئذ لا يكون في الخبر دلالة على صحة الإمامة ولا على فسادها.

وعن السابعة : لا نسلّم أنّه الأفضل ، وأمّا الخبر فممنوع الصحة ، وأيضا

فهو معارض بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «علي خير البشر فمن أبى فقد كفر» (١) وأيضا لو صحّ هذا الخبر لكان مكذّبا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله «ولّيتكم ولست بخيركم» (٢) وذلك يستلزم سقوطه عن درجة الاعتبار في الإمامة.

وعن الثامنة : فلا نسلّم أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استخلفه في الصلاة ، فإنّ الذي صحّ وثبت أنّ عائشة قالت : مروا أبا بكر يصلّي بالناس (٣) وكان الأمر بذلك من جهتها في ظاهر الحال ، والخصم يقول : إنّما أمر بذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم تثبت لهم هذه الدعوى بحجّة.

ويدلّ على اختصاص ذلك الأمر بعائشة قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند إفاقته من عشيّته وقد سمع صوت أبي بكر في المحراب «إنّكنّ لصويحبات يوسف» (٤) ومبادرته معجّلا معتمدا على أمير المؤمنين عليه‌السلام والفضل بن العباس رحمه‌الله ورجلاه يخطّان في الأرض من الضعف ، حتّى نحّى أبا بكر عن المحراب ، ولو كان صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي أمر بالصلاة لما رجع باللوم على أزواجه في ذلك ولا بادر في تلك الحال الصعبة حتّى صرفه عن الصلاة.

سلّمناه ، لكنّ أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقتضي شيئا آخر ، بل لا يقتضي مرّة اخرى ، لأنّ الأمر لا يقتضي التكرار. وأيضا فمثل هذا الأمر لا يستدعي العزل لأنّ العرب لا تحتاج إليه لو ثبت أن الاستخلاف دائما ، والخصم يعترف بأنّه لم يولّه

__________________

(١) مرّت مصادره قبل هذا.

(٢) انظر سيرة ابن هشام ٤ : ٣١١ ، وعنه في الطبري ٣ : ٢١٠ ، وفي الإمامة والسياسة ١ : ١٦ ، وشرح النهج للمعتزلي ١ ، ١٣٤ ، وتأريخ الخلفاء : ٨٢ طبعة بيروت.

(٣) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ٦ : ٤٤.

(٤) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ٩ : ١٩٧.

دائما.

وعن التاسعة : أنّا بيّنا أنّ الطريق إلى إثبات الإمامة هو النصّ ، وأمّا الاختيار فهو ساقط عن درجة الاعتبار.

وعن العاشرة : إنّما ترك بسبب خذلان أكثر الامّة وجمهورهم له ، قوله : يلزم أن يكونوا شرّ أمّة اخرجت للناس قلنا لا نسلّم كونهم بأسرهم كذلك بل بعضهم ، وهم الدافعون لهذا الحقّ عن أهله ، والمقصّرون عن نصرته ، وكون البعض أشرارا لا ينافي (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) لأنّ هذا الخطاب إمّا مع كلّ الامّة بحيث لا يخرج منها واحد ، وهذا باطل بالاتّفاق لأنّ فيهم كثيرا من الأشرار ، فيبقى أن يحمل على الاختيار من الامّة ، وحينئذ يصير التقدير : لو كان هذا الحقّ مدفوعا عن أهله لكان الدافع له شرّ أمّة اخرجت للناس ، والدافع له بعض الصحابة.

قوله تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) لأنّه خاصّ ببعضهم أيضا ، والجزئيّتان لا يتناقضان. سلّمناه لكن لفظة «كنتم» تدلّ على أنّهم كانوا في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك ، أمّا بعده فلا نسلّم ، لأنّ ذلك يدلّ على الزمان الماضي. وقوله (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) لا نسلّم لأنّه للاستقبال بل بحال الماضي ، والله الموفّق.

البحث الثاني

في مطاعن الخوارج وغيرهم في علي عليه‌السلام

هؤلاء ذكروا مطاعن في علي عليه‌السلام وتوسّلوا بذلك إلى خروجه عن أهلية الإمامة ، وتلك المطاعن من وجوه عشرة :

الأوّل : أنّه حكّم الرجال في دين الله تعالى ، فلو لم يكن شاكّا في إمامة نفسه لما حكّم.

الثاني : أنّه رضي بتحكيم عمرو بن العاص «لعنه الله تعالى» مع فسقه وحكّم أبا موسى الأشعري وكان يثبط أهل الكوفة عنه.

الثالث : أنّ قتلة عثمان كانوا في جنده وقد قام جماعة منهم فقالوا : «نحن قتلنا عثمان» فلم يقتصّ منهم.

الرابع : أنّه شهد وحده لفاطمة عليها‌السلام على فدك ، ولم يعلم أنّ شهادة الواحد لا تقبل ، وأنّ شهادة الزوج لزوجته لا تقبل.

الخامس : أنّه ما يعرف تدبير الحروب ، وكان لا يستقيم له رأي ، ولذلك لم ينتظم له أمر في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا بعد وفاته.

السادس : أنّ ابن عباس أشار عليه أن يولّي معاوية مدّة ثمّ يستدرجه ويعزله فلم يفعل حتّى كان منه ما كان.

السابع : أنّه ردّ على عمر سهم ذي القربى وكان العباس أشار عليه بغير ذلك.

الثامن : أنّه كان يستبدّ برأيه وتارك المشورة ، وتارك المشورة مخط بإجماع العقلاء.

التاسع : أنّه اضطرب عليه عسكره لسوء تدبيره حتّى قال أهل الشام : عليّ رجل شجاع غير أنّه لا بصيرة له في الحرب (١).

العاشر : أنّه أشار عليه الصحابة بالمقام بالمدينة فلم يفعل ، وقد أقام بها من كان قبله. وكانوا يبعثون بالجيوش ، وقد كان هو يشير عليهم بمثل ذلك ، فإنّه أشار على عمر لمّا استشاره في الخروج إلى بعض الغزوات فقال له : «إنّك إن تخرج بنفسك إلى العدوّ فلا يكون للمسلمين كانفة يأوون إليها» إلى آخر الكلام كما هو مذكور في (نهج البلاغة) (٢).

والجواب عن الأوّل : أمّا المراد بقوله إنّه حكّم الرجال ، إن عنيتم به أنّه لا يجوز أن يردّ أمر ديننا إلى حكم رجل يحكم فيه برأيه من غير مراجعة كتاب الله أو بسنّة رسوله ، فذلك ممنوع ، بل هو جائز ، والتحكيم في هذا الأمر كالتحكيم في الزوجين ، وقد أشار عليه‌السلام إلى هذا فقال : «ما حكّمنا الرجال وإنّما حكّمنا كتاب الله ، وإنّه خطّ مسطور بين لوحين لا ينطق حتّى يتكلّم به

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٧ ، المقطع ١٥ : حتّى لقد قالت قريش : إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب. والمصادر في المعجم المفهرس : ١٣٧٩ ، طبعة قم.

(٢) إنّك متى تسير إلى هذا العدوّ بنفسك فتلقهم فتنكبّ لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم ـ نهج البلاغة ، الخطبة ١٣٤ ، المقطع ٢ ، والأموال لأبي عبيد : ٢٥٢ ، والفتوح لابن الأعثم ٢ : ١٦٥ ، وشرح النهج للبحراني ـ المؤلف ٣ : ١٦٢.

الرجال» (١) وقوله : إنّ ذلك يقتضي أن يكون شاكّا في إمامته.

قلنا : هذا باطل ، لأنّه في أوّل أمره لم يرض بالتحكيم بل منع منه : «أنّها مكيدة من ابن النابغة» (٢). فلم يطيعوه ، ويسلّمونه (٣) إلى التحكيم فأجاب إليه للاضطرار إليه.

وعن الثاني : أنّه عليه‌السلام لم يحكّم عمرو بن العاص وإنّما حكّمه خصمه ، وقد أجاب ابن العباس رضى الله عنه عن ذلك فقال : «أرأيتم لو كانت امرأة المسلم يهودية ووقع الخلاف بينهما فبعثت يهوديا حكما أما كان يرضى به المسلم؟» (٤) وأمّا أبو موسى الأشعري فلم يرضه عليه‌السلام ، ولمّا قالوا أنّه صاحب رسول الله وإنّه كذا وكذا قال عليه‌السلام : إنّ هذا الأمر لا يؤتى من زهد ولا ورع ، وإنّما يدفع إلى داهية العرب (٥) واختار هو عليه‌السلام ابن العباس رضى الله عنه فلم يطيعوه ولم يشعر عليه‌السلام في ذلك الوقت أنّه كان يثبّط الناس عنه (٦).

__________________

(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٢٥ : إنّا لم نحكّم الرجال وإنّما حكّمنا القرآن ، وإنّ هذا القرآن إنّما هو خطّ مستور بين الدفّتين لا ينطق بلسان ، ولا بدّ له من ترجمان ، وإنّما ينطق عنه الرجال. والمصادر في المعجم المفهرس : ١٣٨٧.

(٢) أنّها من مشورة ابن النابغة ـ وقعة صفّين : ٤٩١ من كلام الأشتر ، وعن علي عليه‌السلام : لكنّها الخديعة والمكيدة : ٤٨٩ طبعة هارون.

(٣) في النسختين : فسلم ليطيعوه ويسلموه. غلطا.

(٤) لم نعثر عليه.

(٥) لم نجده في مظانه في التأريخ.

(٦) في النسختين : أنّه إنّما. وإنّما زائدة. بل الجملة زائدة في غير محلّها ؛ فإنّه عليه‌السلام كان قد علم بأنّ الأشعري كان يثبط الناس عنه في الكوفة ، ولذلك أرسل إليه ابنه الحسن عليه‌السلام مع صاحبه عمّار بن ياسر ومعهم كتاب منه إلى أهل الكوفة يدعوهم إلى نصرته في البصرة ثمّ عزل الأشعري عن الكوفة. انظر شرح النهج للمعتزلي.

وعن الثالث : أنّ قتلة عثمان كانوا في شوكة ويحتاج في إجراء حكم الله عليهم إلى معونة ، وقد شغله من ذلك طلحة والزبير ومعاوية ، وقد أجاب عليه‌السلام معاوية عن هذا فقال : «ادخل فيما دخل الناس فيه ثمّ حاكم القوم إليّ أحملكم على كتاب الله تعالى» (١). وكيفية إقامة حكم الله تعالى عليهم ما أشار إليه عليه‌السلام وهو أن يمهل ويعاون (٢) ولا يشغل عنهم ويدعى أولياء الدمّ عند الإمام ، ويعينوا القتلة حتّى يتمكّن من إقامة القصاص عليهم.

وربما يقال : إنّ عليا عليه‌السلام هو الذي قتل عثمان! وهذا من بهت معاوية وأمثاله وافترائهم عليه ، وقد أجاب عليه‌السلام عن هذا فقال مخاطبا لمعاوية : «إنّك إن أنصفتني وجدتني أبرأ قريش من دم عثمان» (٣).

وعن الرابع : أنّ الشكّ في علم علي عليه‌السلام بما هو واضح مشهور بين الصحابة من أعجب العجائب ، أمّا شهادته وحده فلا يمكن الخصم أن يجزم بأنّه كان عالما بأنّه لا شاهد إلّا هو ، فإنّه قد روي أنّ الحسن والحسين عليهما‌السلام كانا شاهدين بذلك أيضا (٤).

سلّمناه ، لكن يحتمل أن يكون عليه‌السلام قد جوّز أنّ غيره سمع ما سمع وأدّى ما كان عليه ، مع تجويز أن يظهر غيره فيشهد بمثل شهادته.

__________________

(١) نهج البلاغة : الكتاب ٦٤ ، المقطع ١٠ ، والإمامة والسياسة ١ : ٧٠.

(٢) هاتان الكلمتان في نسخة (عا) : يمهد ويبادر ، والاولى في (ضا) كما أثبتناه : يمهل ، والثانية غير واضحة والأقرب والأنسب ما أثبتناه : يعاون.

(٣) لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الناس من دم عثمان ـ نهج البلاغة ، الكتاب ٦ ، المقطع ٤ ، ووقعة صفّين : ٢٩ ، وعنه في الطبري ٥ : ٢٣٥ ، طبعة اوربا وسائر المصادر في المعجم المفهرس : ١٣٩٤ طبعة قم.

(٤) انظر كتاب فدك في التأريخ للشهيد السيد الصدر رحمه‌الله.

سلّمناه ، لكن يجوز أن يحكم الحاكم بشاهد ويمين كما يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وأمّا شهادة الزوج لزوجته فهي شهادة صحيحة مقبولة ، وكذلك شهادة الولد لوالده. ولا نسلّم أنّها لا تجوز ، وبيان ذلك من المسائل الفقهيّة (٢).

وعن الخامس : أنّ مشاهدة حروبه ووقائعه بحسب التواتر وتصفّح كلامه في كيفية الحرب ، ممّا تضطرّ معه العقول إلى أنّه كان أوحد الخلق في إصابة الرأي في تدبير الحروب ، وكذلك مشاورات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك ؛ ورجوع أبي بكر وعمر إليه في كثير حركاتهم ، وعدم مخالفتهم لحرف ممّا يقوله في أمر تدبير الحرب دليل واضح على دوام إصابة الرأي ، غير أنّ قومه ما كانوا يطيعونه ، وكان ذلك مذكورا في خطبه ، مثل (٣) «لا رأي لمن لا يطاع» (٤). وكلّ فساد جرى في أمر ولايته عليه‌السلام إنّما كان من قبلهم لسوء تدبيرهم وقلّة طاعتهم له.

وعن السادس : أنّه إنّما لم يولّ معاوية لأنّه لم يكن في نظره أهلا (٥) للولاية لأنّ شرط ذلك أن يكون عدلا في الظاهر ، وما كان عنده كذلك ، ولذلك قال تعالى (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (٦).

__________________

(١) رواه الكليني في فروع الكافي ٧ : ٣٨٥ عن الصادق عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي الفقيه ٣ : ٥٤ ، وفي أماليه عن أهل السنّة : ٢١٨ طبعة حجر ، وفي التهذيب ٢ : ٨٣ ، والوسائل ١٨ : ١٩٣.

(٢) راجع المقنعة : ٧٢٦ ، والخلاف والبحث والأدلة في الانتصار : ٢٤٤ ـ ٢٤٦ ، والسرائر ٢ : ١٣٤ ، والتفصيل في الجواهر ٤١ : ٧٤ ـ ٧٨ طبعة النجف الأشرف.

(٣) في النسختين : المثل.

(٤) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٧ ، المقطع ١٦ ، ومصادره في المعجم المفهرس : ١٣٧٩ طبعة قم.

(٥) في «عا» : أمر. غلطا.

(٦) الكهف : ٥١.

وعن السابع : أنّه إنّما ردّ سهم ذي القربى لأنّ اجتهاده (١) أدّى إلى أنّ استحقاقهم إيّاه إنّما يكون لفقرهم ، ولذلك قال لعمر : «إنّ بنا العام لغنية عنه وبالناس (٢) حاجة إليه» (٣) ، وذلك من فضائله.

وعن الثامن : لا نسلّم أنّه كان يستبدّ برأيه مطلقا بل فيما يعلمه ، وظاهر أنّه عليه‌السلام كان يشاور أهل العلم والرأي. سلّمناه ، لكن قد ثبت أنّه عليه‌السلام معصوم ، فيلزم حينئذ أن تكون أوامره كلّها صائبة.

وعن التاسع : أنّ اضطراب عسكره لا يدلّ على سوء تدبيره. وهو لأنّ حركاتهم الفاسدة مربوطة بآرائهم الفاسدة ، وقد بيّنا أنّه عليه‌السلام واحد الناس بالعلم بكيفيّة الحروب وممارستها.

وعن العاشر : أنّ الاهتمام بالامور يفتح أبواب الآراء والترجيح بينها ، ولا شكّ أنّ آراءه كانت أولى من آراء غيره ، لشدّة اهتمامه بالأمر في ذلك الوقت ، فلم تأخذه في ذلك لائمة ، وقد ثبت أنّه عليه‌السلام معصوم فيجب حمل جميع أفعاله على الصواب ، وبالله التوفيق.

__________________

(١) في نفي الاجتهاد عن الإمام انظر تلخيص الشافي ١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٢.

(٢) نسخة «ضا».

(٣) وفي هامش نسخة «ضا» : والحقّ في الجواب أن يقال : إن كان المراد بهم ذوي القربى المردود هو ما يخصّه عليه‌السلام ، فذلك جائز لا اعتراض عليه فيه ، لأنّ له التصرّف فيه بأيّ جهة كانت ، ويدلّ عليه قوله عليه‌السلام : «إنّ بنا العام لغنية عنه» فإنّ ظاهره الإخبار عن نفسه ، وإن كان المراد سهم ذوي القربى غير الإمام ، فهو ممنوع ، وكيف يحقّ لمتبرّع أن يتبرّع ... إلى غير أهله؟! ..

البحث الثالث

في فساد ما قالته الطوائف

من الشيعة المنكرين لواحد واحد من الأئمة الاثنى عشر عليهم‌السلام

نذكر بعون الله تعالى ما يدلّ على فساد ما قالوه دلالة مجملة ، تشتمل على إبطال جميع أقوالهم ، ونورد بعد ذلك ما تمسّك به طوائف منهم تفصيلا ، إن شاء الله تعالى :

أمّا الأوّل : فبيانه من وجوه :

أحدها : لا واحد ممّن يدّعي هؤلاء الطوائف بمعصوم. وما ليس بمعصوم فليس بإمام ، وهو المطلوب. أمّا المقدمة الاولى فمتّفق على صحتها ، أمّا الثانية فقد مضى تقريرها.

الوجه الثاني : أنّه لا واحد ممّن يدّعي هؤلاء الطوائف إمامته بمنصوص عليه ، وقد بيّنا أنّ الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه ، ينتج أنّه لا واحد ممّن يدّعي هؤلاء الطوائف إمامته بإمام. أمّا المقدمة الاولى فسنبيّن صحتها ، وأمّا الثانية فقد ثبتت بالدليل.

الوجه الثالث : أنّ الشيعة بأسرهم معترفون بتقبيح العقل وتحسينه ، إذا عرفت ذلك فنقول : لو كان الحقّ مع أحد هؤلاء الطوائف المذكورة لما جاز انقراضها على تقدير أنّ الحقّ معها ، وإلّا لزم خروج الحقّ عن الامّة وإنّه

غير جائز ؛ وأمّا فساد الثاني : فظاهر أنّه لم يكن لأحد من هذه الطوائف كثرة ليعتدّ بنقلهم ، ولم يكن بينهم من هو مشهور بالعلم ، ولم يبرز لهم قول حتّى اضمحلّ. إذا عرفت ذلك فلنشرع الآن في بيان ما تمسّك به طوائف منهم من الخيالات ، ثمّ نبيّن فسادها إن شاء الله تعالى.

الطائفة الاولى ـ الكيسانية : إنّما تسمّوا بهذا الاسم لأنّهم أصحاب المختار ، وكان اسمه أوّلا كيسان (١) ، وقيل سبب تسميته أنّ أباه حمله وهو صغير إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فوضعه بين يديه فمسح يده على رأسه وقال له «كيّس كيّس» (٢). ثمّ إنّهم تمسّكوا في أنّ الإمام بعد علي عليه‌السلام محمد بن الحنفية رضى الله عنه لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام له يوم البصرة «أنت ابني حقا» (٣) وأنّه كان صاحب رايته كما كان علي عليه‌السلام صاحب راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. استدلّوا بذلك على أنّه أولى الناس بمقامه.

وأمّا أنّه القائم المهدي فلقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي وكنيته كنيتي واسم أبيه اسم أبي» (٤) وكان من أسماء علي عليه‌السلام عبد الله لقوله عليه‌السلام : «أنا عبد الله وأنا أخو رسول الله وأنا

__________________

(١) كان لقبه كيسان ـ رجال الكشي : ١٢٨ برقم ٢٠٤. وكيسان معرّب كيشان ، وكيش ـ بالفارسية ـ الدين.

(٢) رجال الكشي : ١٢٧ برقم ٢٠١ طبعة مشهد ، والفصول المختارة : ٢٩٦.

(٣) الفصول المختارة : ٢٩٦ ، وتلخيص الشافي ٤ : ١٩١.

(٤) انظر هذه الأحاديث والجواب عنها في العنوان ٢٢ من الجزء الأوّل من معجم أحاديث الإمام المهدي عجّل الله فرجه ، والشيعة والرجعة : ٢.

الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كذّاب مفتر» (١) وزعموا أنّه إذا كان هو الإمام وكان الإمام القائم المنتظر فلا إمام إذا غيره ، ولا يجوز أن يموت قبل ظهوره فتخلو الأرض من حجّة.

الجواب : أمّا قوله عليه‌السلام «أنت ابني حقا» فلا شكّ في هذه المقالة ، وإنّما النزاع في دلالة هذا الكلام على تخصيصه بالإمامة ، وظاهر أنّه ليس فيه دلالة على ذلك ، بل إنّما يحمل ذلك على الشهادة له بالشجاعة وطيب المولد وذلك أنّ محمدا رضى الله عنه لمّا حمل الراية يوم البصرة ثم (٢) صبر حتى كشف الناس ، فأبان من شجاعته وبأسه ما كان مستورا (٣) ، سرّ به عليه‌السلام وأحبّ أن يعظّمه ويمدحه على فعله ، أي أنّك تشبهني في هذا الخصال وفي الصبر في الله.

وأمّا كونه صاحب الراية كما كان علي عليه‌السلام صاحب راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فليس ذلك من الدلالة على إمامته في شيء البتة ، ولو صحّ الاستدلال بهذا القدر على الإمامة لكان كلّ من حمل راية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولعليّ عليه‌السلام كان منصوصا عليه بالإمامة ، وذلك ظاهر الفساد.

وبالجملة فهم مطالبون على تصحيح دعواهم بالدليل الموجّه.

وأمّا تمسّكهم في أنّه المهدي بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فليس في هذا الخبر إلّا أنّ الله يبعث رجلا وله هذه الأوصاف ، أمّا أنّه هو هذا أو ذاك فلا يتناوله الخبر ، على

__________________

(١) انظر الغدير ٢ : ٢١٤ و٣ : ٢١٢ ، وتلخيص الشافي ٣ : ٢٤٤ (الهامش) ، وتتمة المراجعات : سبيل النجاة : ١٤٣ برقم ٥٥٦ و٢٣٥ برقم ٧٥٨. ويبدو أنّ المؤلف قد أخذ ذلك كلّه عن الفصول المختارة ٢ : ٢٩٦.

(٢) (ثمّ) من الفصول المختارة ٢ : ٣٠٢.

(٣) هنا في النسختين زيادة : و.

أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يكن اسمه عبد الله وإنّما مراده من قوله «أنا عبد الله» الاعتراف لنفسه بصفة العبودية لله (١).

ثم الذي يدلّ على أنّ محمدا رضى الله عنه ليس بإمام أنّه لم يدّع الإمامة ولا دعا أحدا إلى اعتقاد ذلك عنه. بدليل أنّه سئل ـ عند (٢) ظهور المختار وادّعائه عليه أنّه أمره بالخروج والطلب بثأر الحسين عليه‌السلام وأنّه أمره أن يدعو الناس إلى إمامته ـ عن ذلك وصحّته؟ فأنكره وقال : «والله ما أمرته بذلك ، لكنّي لا أبالي أن يأخذ بثارنا كلّ أحد ، وما يسؤني أن يكون المختار هو الذي يطلب بدمائنا» (٣) فاعتمد السائلون له ذلك وكانوا خلقا كثيرا قد رحلوا إليه لهذا المعنى بعينه ، على ما ذكره أهل النقل ، فرجعوا ونصر أكثرهم المختار على الطلب بدم الحسين عليه‌السلام ، ولم ينصره على القول بإمامة محمد رحمه‌الله (٤) ومع ذلك لا يمكن القول بإمامته ، وبالله التوفيق.

الطائفة الثانية ـ الزيدية : ويجمعهم أنّ الإمام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ كلّ فاطمي خرج بالسيف مستحقّا لشرائط الإمامة وشبهتهم أنّ زيد بن علي رضى الله عنه كان عالما زاهدا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ، فوجب أن يكون مستحقا لشرائط الإمامة فكان هو الإمام.

والجواب : أنّا بيّنا أنّ من شرائط الإمامة العصمة والنصّ ، وهما مفقودان في حق زيد رضى الله عنه فمن ادّعاها فعليه البيان.

__________________

(١) راجع وقارن بالفصول المختارة : ٣٠٣.

(٢) في النسختين : عن ، ولا يستقم الكلام إلّا أن تكون هذه الكلمة : عند.

(٣) انظر الفصول المختارة : ٣٠٠.

(٤) راجع وقارن الفصول المختارة ٢ : ٢٩٤ ـ ٣٠٥ فلا تكاد ترى إلّا اختصارا وتلخيصا.

الطائفة الثالثة ـ الناووسية : وانتسابهم إلى رجل من أهل البصرة يقال له عبد الله بن ناووس (١) ويجمعهم كما عرفت أنّهم يقولون : أنّ جعفر بن محمد سيرجع إلى الدنيا فيملأها عدلا كما ملئت جورا ، وإن اختلفوا في أنّه مات أو لا؟ واحتجّوا على ذلك بخبر رواه عنبسة بن مصعب عنه عليه‌السلام أنّه قال : «إنّ من جاء يخبركم عنّي بأنّه غسّلني وكفّنّي ودفني فلا تصدّقوه» (٢).

والجواب : أنّ العلم بموته معلوم بالضرورة لا يدفع بخبر واحد ، وأيضا هذا الخبر إن لم يصحّ بطل ما قالوه ، وإن صحّ سلّطنا عليهم التأويل ، لمعارضته العقل ووجوب ترجيح العقل على النقل (٣).

الطائفة الرابعة ـ الاسماعيلية : شبهتهم من وجهين :

أحدهما : أنّ إسماعيل كان أكبر ولد جعفر ، وليس يجوز أن ينصّ على غير الأكبر (٤)!

الثاني : قالوا : قد أجمع من خالفنا على أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام نصّ على اسماعيل غير أنّهم ادّعوا أنّه «بدا لله فيه» وهذا قول لا نقبله منهم (٥).

جواب الأوّل : أنّ النصّ على الأكبر متى يجب إذا كان الأكبر باقيا بعد والده أو إذا لم يكن؟ الأوّل مسلم ، والثاني ممنوع ، فإنّ اسماعيل رضى الله عنه مات في زمن والده ، وإذا كان كذلك لم يكن للنصّ عليه معنى ، ولو وقع لكان كذبا ، لأنّ المعنى

__________________

(١) انظر الفصول المختارة : ٣٠٥.

(٢) الفصول المختارة : ٣٠٥.

(٣) راجع وقارن بالفصول المختارة : ٣٠٥ و٣٠٦.

(٤) الفصول المختارة : ٣٠٦.

(٥) الفصول المختارة : ٣٠٦.

أنّ المنصوص عليه يكون خليفة الماضي فيما يكون يقوم به ، فإذا لم يبق بعده لم يكن خليفته ، فيكون النصّ عليه حينئذ كذبا لا محالة (١).

وجواب الثاني : أنّا لا نسلّم تسليم الجماعة لهم حصول النصّ عليه ، فإنّ أحدا من أصحابنا لم يعترف بأنّ أبا عبد الله عليه‌السلام نصّ على ولده اسماعيل ، ولم ينقل أحد منهم ذلك شاذّا ولا معروفا ، وإنّما غلطوا من حيث أنّ الناس كانوا في حياة اسماعيل يظنّون أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام ينصّ عليه لأنّه كان أكبر أولاده وكان يعظّمه ، فلمّا مات اسماعيل رحمه‌الله زالت ظنونهم وعلموا أنّ الإمامة في غيره ، فتمسّك هؤلاء المبطلون بهذا الظنّ وجعلوه أصلا وادّعوا وقوع النصّ عليه ، وليس عندهم في ذلك أثر ولا خبر يسندوا دعواهم إليه.

فأمّا ما روي (٢) من قول الصادق عليه‌السلام : «ما بدا لله في شيء كما بدا له في اسماعيل» (٣). فليس على ما توهّموه من البداء في الإمامة ، لوجهين :

أحدهما : أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الله كتب القتل على ابني اسماعيل مرّتين فسأله فيه ، فما بدا له في شيء كما بدا له في اسماعيل» (٤) وعنى به ما ذكره من القتل الذي كان مكتوبا عليه فصرفه عنه بمسألة أبي عبد الله عليه‌السلام (٥).

__________________

(١) انظر الفصول المختارة : ٣٠٨.

(٢) هنا في «ضا : فأمّا ما من قول ... وفي «عا» كتبت (من) ثم شطب عليها. وبالنظر إلى الفصول المختارة : ٣٠٩ يبدو أنّ لفظة روي محذوفة.

(٣) كذا ذكره المفيد في الفصول المختارة : ٣٠٩ ، وتصحيح الاعتقاد : ٦٦ ، ورواه الصدوق عن الصادق عليه‌السلام في التوحيد : ٣٣٦ ، وأخرجه المجلسي عن أصل زيد النرسي الكوفي عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام في البحار ٤ : ١٢٢.

(٤) تصحيح الاعتقاد : ٦٦ ، والفصول المختارة : ٣٠٩ ، واللفظ للأخير.

(٥) الفصول المختارة : ٣٠٩.

الثاني : أنّ الإمامة لا يوصف الله تعالى فيها بالبداء ، لإجماع الإمامية على النقل المشهور عن الأئمة عليهم‌السلام أنّهم قالوا : «مهما بد الله في شيء فلا يبدو له في نقل نبي عن نبوّته ولا إمام عن إمامته ولا مؤمن قد أخذ الله عهده بالإيمان عن إيمانه» (١) وذلك يبطل ما ادّعوه من ثبوت النصّ ، وبالله التوفيق.

الطائفة الخامسة – الشمطية : القائلون بإمامة محمد بن جعفر ، وسمّوا الشمطية لنسبتهم إلى رئيس لهم يقال له يحيى بن أبي الشمط.

شبهتهم : أنّهم زعموا أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام كان جالسا في داره ، فدخل عليه محمد وهو صبيّ فكبا في قميصه ووقع لوجهه ، فقام إليه أبو عبد الله فقبّله ومسح رأسه وضمّه إلى صدره وقال : «سمعت أبي يقول : إذا ولد لك ولد يشبهني فسمّه باسمي ، فهذا الولد يشبهني ويشبه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ويكون على سنّته» (٢).

جوابها : لا نسلّم صحة الخبر ، سلّمناه ، لكنّه خبر واحد ولا يجوز العمل به ، سلّمناه ، لكنّه لا دلالة فيه على مرادكم ؛ لأنّ مسح أبي عبد الله عن وجه ولده التراب وضمّه إلى صدره وقوله «إنّ أخبرني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : سيولد لي ولد يشبهه يكون على سنّته» لا يدلّ شيء منه على الإمامة لا بالمطابقة ولا بالتضمّن ولا بالالتزام.

سلّمناه ، لكنّه معارض بما أنّ محمّدا خرج بعد أبيه بالسيف ودعا الناس إلى إمامته وتسمّى بإمرة المؤمنين ، ولم يتّسم بذلك أحد خرج من آل أبي طالب ، ولا خلاف بين الإمامية أنّ من تسمّى بهذا الاسم بعد أمير المؤمنين عليه‌السلام فقد أتى

__________________

(١) راجع وقارن بالفصول المختارة ٢ : ٢٥١.

(٢) راجع وقارن بالفصول المختارة : ٣٠٦.

منكرا (١) ، ولم يكن أهلا للإمامة.

الطائفة السادسة ـ الفطحية : القائلون بإمامة عبد الله بن جعفر عليه‌السلام ، وسمّوا بذلك لأنّ عبد الله بن جعفر كان أفطح الرجلين (٢) وقيل إنّه كان لهم رئيس ، يقال له عبد الله بن أفطح (٣). وكلام هذه الطائفة ظاهر البطلان ؛ لأنّهم لم يدّعوا نصا عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وإنّما عملوا على ما رووه من أنّ الإمامة تكون في الأكبر.

وجوابه من وجوه :

الأوّل : لا نسلّم أنّه الأكبر ، فإنّ الأكبر كان اسماعيل.

الثاني : أنّ هذا الحديث لم يرد قطّ إلّا مشروطا ، وذلك أنّه ورد «إنّ الإمامة تكون في الأكبر ما لم يكن به عاهة» (٤). وأهل الإمامة القائلون بإمامة موسى ابن جعفر عليه‌السلام متواترون بأنّ عبد الله كانت به عاهة في الدين لأنّه كان يذهب مذاهب المرجئة (٥) الذين الواقعون في علي وعثمان ، وأنّ أبا عبد الله عليه‌السلام قال فيه وقد خرج عنه : «هذا مرج كبير» (٦). وإنّه دخل عليه يوما وهو يحدّث أصحابه ، فلمّا رآه سكت حتّى خرج ، فسئل عن ذلك فقال : «أما علمتم أنّه من

__________________

(١) راجع وقارن بالفصول المختارة ٢ : ٣١٠ و٣١١.

(٢) أي كان باطن قدميه لا قعر فيه.

(٣) الفصول المختارة : ٣١٢.

(٤) راجع وقارن بالفصول المختارة : ٣١٢.

(٥) هنا في النسختين : وهم ... وعدّلنا النصّ من الفصول المختارة ٢ : ٢٥٣ فهو الصحيح ، إذ ليس كلّ المرجئة يقعون في علي وعثمان.

(٦) «هذا مرجئ كبير» الفصول المختارة : ٣١٢.

المرجئة» (١)؟!

الثالث : لم يكن له من العمل ما يتميّز به من العامة ، ولا يروى عنه شيء من مسائل الحلال والحرام ، ولا كان بمنزلة من يستفتى في الأحكام ، ولمّا خرج وادّعى الإمامة بعد أبيه امتحن بمسائل صغيرة فلم يجب عنها ولا تأتّى (٢) له الجواب. فثبت بهذه الوجوه أنّه ليس أهلا للإمامة.

الطائفة السابعة ـ الممطورة : وهم الواقفة في موسى عليه‌السلام أنّه مات أو لم يمت ، شبهتهم من وجهين :

أحدهما : أنّهم حكموا أنّه لمّا ولد موسى عليه‌السلام دخل أبو عبد الله عليه‌السلام على حميدة أمّ موسى فقال لها : «يا حميدة بخ بخ ، حلّ الملك في بيتك» (٣).

الثاني : ما رووا أنّه سئل عليه‌السلام عن اسم القائم فقال : «اسمه اسم حديدة الحلّاق» (٤).

وجواب الأوّل : أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام لعلّه أراد بالملك ، الإمامة على الخلق وفرض الطاعة على البشر ؛ وملك الأمر والنهي هو الملك على الحقيقة ، ومثله قوله تعالى : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (٥) فإنّه أراد بالملك ملك الدين والرئاسة فيه على العالمين.

وجواب الثاني : لا نسلّم صحّة هذا الخبر ، سلّمناه ، لكن لم لا يجوز أن تكون

__________________

(١) الفصول المختارة : ٣١٢.

(٢) في «ضا» : ولا يتأتّى ، وفي «عا» : ولم يتؤتى ، وفي الفصول : ولا تأتّى : ٣١٢.

(٣) الفصول المختارة : ٣١٣.

(٤) الفصول المختارة : ٣١٣.

(٥) النساء : ٥٤.

إشارته [إلى] (١) القائم بالإمامة بعده ، ولم يشر به إلى القائم بالسيف ، وقد علمنا أنّ كلّ إمام فهو قائم بالإمامة بعد أبيه.

الطائفة الثامنة ـ القائلون بإمامة أحمد بن موسى : ولهم شبهتان :

إحداهما : أنّ الرضا عليه‌السلام وصّى بالإمامة إليه ، ونصّ بها عليه (٢).

الثانية : أنّ أبا جعفر كان صغير السنّ في ذلك الوقت ، لأنّ الرضا عليه‌السلام مات وهو ابن سبع سنين ومثل هذا لا يصلح للإمامة (٣).

جواب الاولى : لا نسلّم صحّة النصّ على أحمد بن موسى ، فإنّ أحدا ممّن يعتبر نقله من الإمامية لم يروه (٤).

وجواب الثانية : أنّ الالتباس عليكم من جهة سنّه عليه‌السلام بيّن الفساد ، وذلك أنّ كمال العقل لا يستنكر لحجج الله تعالى مع صغر السنّ ، وله اعتبار بقصّة عيسى عليه‌السلام حيث قال القوم : (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (٥) الآية وقال تعالى في قصّة يحيى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (٦). فلم يكن كمال العقل منافيا للصبيّ في حقّ اولئك ، فوجب أن لا يكون منافيا في حقّ أولياء الله تعالى ، وذلك يبطل ما قالوه.

__________________

(١) زيادة بمقتضى السياق.

(٢) الفصول المختارة : ٣١٥.

(٣) الفصول المختارة : ٣١٤ و٣١٥.

(٤) في النسختين : لم يرووه.

(٥) مريم : ٢٩ و٣٠.

(٦) مريم : ١٢.

الطائفة التاسعة ـ القائلون بأنّ الإمامة بعد أبي الحسن علي بن محمد صارت إلى ابنه محمد بن علي ، بنصّ أبي الحسن عليه‌السلام :

وهؤلاء مطالبون ـ أوّلا ـ بنقل لفظ النصّ ولن يجدوه.

الثاني : أنّهم قد انقرضوا ولم يبق منهم إلّا شذاذة (١) لا يعتدّ بنقلهم ، ولا يكون حجة يتعين به الإمام.

الطائفة العاشرة ـ الذين زعموا أنّ الحسن بن علي لم يمت : شبهتهم : أنّه لو مات وليس له ولد ، لخلا الزمان عن الإمام المعصوم ، وأنّه غير جائز.

الجواب : أمّا موته فمعلوم بالضرورة. وأمّا أنّه لا ولد له فلا نسلّم ، فإنّ الجمهور من الإمامية يثبتون ولادة ابنه القائم المنتظر ، وصحّحوا النصّ عليه ، وقالوا هو سمي رسول الله ومهدي الأنام ، وتواتر بينهم أنّ الحسن عليه‌السلام أظهره لهم وأراهم شخصه ، وإن كان بينهم خلاف في سنّه عند وفاة أبيه ، فقال كثير منهم كان سنّه إذ ذاك خمس سنين ، لأنّ أباه توفّي سنة ستّين ومائتين ، وكان مولد القائم سنة خمس وخمسين ومائتين. وقال بعضهم : بل كان مولوده سنة اثنين وخمسين ، وكان (٢) سنّه عند وفاة أبيه ثمان سنين. واتّفقوا على أنّ أباه لم يمت حتّى أكمل الله تعالى عقله وعلّمه الحكمة وفصل الخطاب ، وأبانه من سائر الخلق بهذه الصفة ، إذ كان خاتم الحجج ووصي الأوصياء وقائم الزمان (٣).

واحتجّوا على جواز ذلك عقلا : بقصّة عيسى عليه‌السلام في قوله تعالى : (كَيْفَ

__________________

(١) يبدو منه بقاء عدة منهم حتى عصر المصنّف رحمه‌الله ، بينما الشيخ المفيد يفيد : أنّهم انقرضوا ولا بقية لهم ، وذلك مبطل لما ادّعوه ـ الفصول المختارة : ٣١٨.

(٢) في الأصل : كانت.

(٣) في النسختين : إذا. خطأ. انظر الفصول المختارة : ٣١٨.

نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (١) وبقصة يحيى عليه‌السلام بقوله تعالى : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (٢) وقالوا (٣) : «أنّ صاحب الأمر حيّ لا يموت حتّى يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما» وأمّا إنّه لم وجب بقاؤه؟ فلما تقدم من وجوب نصب الإمام من الله تعالى في كلّ وقت.

فهذا هو الكلام على الطوائف المشهورة منهم ، وأمّا الباقون فكلامهم ظاهر الفساد ، وبالله التوفيق.

__________________

(١) مريم : ٢٩ و٣٠.

(٢) مريم : ١٢.

(٣) في النسختين : قال. والصحيح من الفصول المختارة : ٣٠٩.

البحث الرابع

في غيبة الإمام عليه‌السلام

اعلم أنّ البحث في هذه المسألة يقع في مقامات أربع :

المقام الأوّل : في سبب الغيبة.

[المقام] الثاني : في إمكان بقاء المزاج الإنساني مثل المدة التي ندّعيها لهذا الإمام الغائب.

[المقام] الثالث : وقوع ذلك البقاء في الأمزجة كثيرة مشهورة.

[المقام] الرابع : في كون المدّعى إمامته هذا هو الإمام المعيّن.

وعند بيان هذه الامور نبيّن لك أنّ إنكار ما يقول الاثنى عشرية في أمر الغيبة جهل محض من منكريه ، وعصبية باطلة في مقابلة الحقّ.

أمّا المقام الأوّل : وهو بيان سبب الغيبة ، فاعلم : أنّا بيّنا في البحث الأوّل في وجوب عصمة الإمام ، أنّ سبب انبساط يده عليه‌السلام مركّب من ثلاثة أجزاء :

أحدها : يجب من الله وهو إيجاده وإكماله في ذاته.

والثاني : يجب عليه نفسه وهو القيام بأعباء الإمامة.

والثالث : على الخلق وهو الانقياد له ومساعدته في تنفيذ أوامر الله تعالى والقيام بها.

والماهية المركّبة لا تتحقّق إلّا بمجموع أجزائها ، لكن وإن حصل وجوده وقيامه بأعباء الإمامة ـ وهذان الأمران اللذان يتعلّقان بالله تعالى وبه نفسه ـ فإنّ الجزء الثالث من الخلق لم يحصل ، إذ لم يزل خائفا مستترا من الأعداء ، فقد (١) ظهر من ذلك : أنّ سبب غيبة الإمام هو قوّة الظالمين والخوف منهم.

على أنّ لنا أن نقول : إن سلّمنا أنّ هذا ليس بسبب ، لكن إذا ثبت أنّه عليه‌السلام معصوم لم يفعل قبيحا ولم يخلّ بواجب ، لم يلزم من عدم تعقّلنا (٢) لعلّة غيبته أن لا يكون موجودا ، لجواز أن يكون ذلك لمصلحة لا يطلع عليها.

وأمّا المقام الثاني ، وهو إمكان بقاء المزاج الإنساني مثل المدّة التي ندّعيها لهذا الإمام القائم ، فالعلم به ضروري ، ويدلّ على ثبوت الإمكان تواتر الوقوع.

وأمّا المقام الثالث ، وهو ثبوت البقاء في أمزجة مشهورة ، فهو أيضا بيّن ، ولنذكر عدّة من أعمار المعمّرين الذين تواترت بتعيين أعمارهم الأخبار : فمن اولئك :

الربيع بن ضبيع الفزاري ، كان من المعمّرين وعاش ثلاثمائة وثمانين سنة (٣) ، روي أنّه دخل على بعض خلفاء بني اميّة فقال : يا ربيع ، لقد طلبك جدّ (٤) غير عاثر. فقال : فصّل لي عمرك. فقال : عشت مائتي سنة في الفترة فترة عيسى ابن مريم عليه‌السلام ، ومائة وعشرين سنة في الجاهلية ، وستين سنة في الإسلام. مع

__________________

(١) هنا في النسختين : فإن. وأثبتنا مقتضى السياق.

(٢) في الأصل : عقيلتنا. ولعلّ الصواب ما أثبتناه.

(٣) عاش ثلاثمائة وأربعين سنة ، انظر الفصول العشرة في الغيبة : ٩٦ ، والغيبة للطوسي : ٨٠ طبعة النجف الأشرف.

(٤) الجدّ هنا بمعنى الحظّ.

سؤالات اخر لا تتعلّق بغرضنا (١).

ومنهم : المستوغر وهو عمر بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة ، عاش ثلاثمائة وعشرين سنة ، وأدرك أوّل الإسلام ، وله في ذلك شعر :

ولقد سئمت من الحياة وطولها

وعمّرت من بعد السنين مئينا

مائة أتت من بعدها مائتان لي

وازددت من بعد المئين سنينا(٢)  

هل ما بقي إلّا كما قد فاتنا

يوم يكرّ وليلة تفنينا(٣)

ومنهم أمانة بن قيس بن الحارث بن شيبان بن العارك بن معاوية بن الكندي (٤) ، عاش ثلاثمائة وعشرين سنة ، وفي ذلك المسلم النخعي يقول :

أيا ليتني عمّرت يا أمّ خالد

كعمر أمانات بن قيس بن شيبان

لقد عاش حتّى قيل ليس بميّت

وأفنى فئاما(٥) من كهول وشبّان

فحلّت به من بعد حرس وحقبة

دويهيّة حلّت بنصر بن دهمان

ومنهم : عبد المسيح بن بقيلة الغسّاني ، وهو عبد المسيح بن عمر بن قيس ابن حنّان بن بقيلة ، وبقيلة : كنية لثعلبة وقيل الحرث ، وإنّما سمّي بقيلة لأنّه خرج على قومه في بردين أخضرين فقالوا له : ما أنت إلّا بقيلة ، فعرف بذلك ، وعاش ثلاثمائة سنة وخمسين سنة ، وأدرك الإسلام ولم يسلم وكان نصرانيا (٦).

__________________

(١) انظر الغيبة للطوسي : ٧٩ و٨٠ ، وإكمال الدين : ٥١٢ ، ٥١٣ و٥٢٢.

(٢) إلى هنا في الفصول العشرة في الغيبة للمفيد : ٩٧ ، والمعمّرون : ١٣ ـ ١٤.

(٣) وإلى هنا في الغيبة للطوسي : ٨٠.

(٤) ذكره الصدوق : أماباة بن قيس بن الحارث بن شيبان الكندي ، عاش ستين ومائة سنة ، إكمال الدين : ٥٥٧.

(٥) الفئام : جماعات ، وفي النسختين : قياما. غلطا.

(٦) انظر الغيبة للطوسي : ٨١.

ومنهم : دويد بن زيد بن نهد بن زيد بن أسلم بن الحاف (١) بن قضاعة ، عاش أربعمائة سنة وستة وخمسين سنة.

وأمّا من عاش في الإسلام وقبيل الإسلام المائتين وفوقها فكثيرون ، كزهير ابن حباب الكلبي (٢) : فإنّه عاش مائتين وعشرين سنة ، وواقع مائتي وقعة (٣) ، وكان سيّدا مطاعا في قومه.

وكالرجل الجرهمي (٤) قيل إنّه دخل على معاوية بن أبي سفيان رجل فقال ممّن الرجل؟ فقال : من جرهم ، فقال : ومنهم باق؟ فقال : بقيت ولو لم أبق لم آتك ، فقال له معاوية : صف لنا الدنيا وأوجز ، فقال : نعم سنيات بلاء وسنيات رخاء ، يولد مولود ويهلك هالك ، ولو لا المولود لباد الخلق ، ولو لا الهالك لضاقت الأرض برحبها ، وقال :

وما الدهر إلّا صدر يوم وليلة

ويولد مولود ويفقد فاقد

وساع لرزق ليس يدرك قوته

ومهدى إليه رزقه وهو قاعد

وكان سنّه مائتين وأربعين سنة.

فهؤلاء بعض من عاش إلى هذه المدّة في هذا القرن.

وأمّا الأخبار عن أعمار من كان في القرون الاولى (٥) فمشهورة ، وقد نبّه القرآن العظيم على بعضها كعمر نوح عليه‌السلام إذ لبث في قومه يدعوهم سوى ما سبق

__________________

(١) في النسختين : الحرث ، وانظر الغيبة للطوسي : ٨٣.

(٢) وفي الغيبة للطوسي : ٨٣ : الحميري.

(٣) في النسختين : واقع مائتي وتسعة. والصحيح من الغيبة للطوسي : ٨٣.

(٤) ذكره الصدوق في إكمال الدين : ٥١١.

(٥) في النسختين : القرن الأوّل. والصحيح بالسياق ما أثبتناه.

(أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) (١) وما اشتهر عن عمر لقمان (٢) وأنّه عاش ثلاثة آلاف سنة ، وقيل : سبعة آلاف سنة.

وبالجملة : فالعلم التواتري حاصل بامتداد الحياة الإنسانية هذه المدّة وأمثالها.

وأمّا المقام الرابع ، وهو أنّ المدّعى إمامته وغيبته هو هذا المعيّن ، فقد بيّنا أنّ ذلك معلوم من نصّ أبيه (٣) وأنّ الاثنى عشرية ينقلون خلفا عن سلف أنّ الحسن عليه‌السلام أظهره لهم ونصّ عليه ، ولم يخرج من الدنيا حتّى أكمل الله عقله وعلّمه الحكمة وفصل الخطاب ؛ وإذا عرفت هذه المقامات ظهر لك أنّ استنكار غيبة هذا الإمام وطول حياته ممّن ينكرها ليس إلّا بمجرّد العصبية الفاسدة ، ولو سلّمنا أنّه لم يوجد بقاء المزاج الإنساني إلى الحدّ المذكور إلّا أنّ ذلك من الامور الممكنة ، والله تعالى قادر على جميع الممكنات ، ومن مذهب الكلّ أنّ خرق العادة في حقّ الأولياء والصالحين أمر جائز وحينئذ يكون الاستنكار والاستبعاد قبيحا ، والله وليّ التوفيق والعصمة ، وهو وليّ السداد وله الحمد والمنّة ، والحول والقوّة.

__________________

(١) العنكبوت : ١٤.

(٢) انظر إكمال الدين : ٥٢١ ، والفصول العشرة في الغيبة للمفيد : ٩٤.

(٣) الكلمة في النسختين : الله. إلّا أنّها في «عا» مصححة (أبيه) وهو الصحيح بمقتضى السياق.

الفَهَارِسُ الفَنِّيّةُ

دليل الفهارس

١ ـ فهرس الآيات الكريمة................................................... ٢١٣

٢ ـ فهرس الأحاديث الشريفة................................................ ٢١٩

٣ ـ فهرس أسماء المعصومين عليهم‌السلام............................................ ٢٣١

٤ ـ فهرس الأعلام......................................................... ٢٣٥

٥ ـ فهرس الأشعار......................................................... ٢٤٣

٦ ـ فهرس الفرق والمذاهب.................................................. ٢٤٥

٧ ـ فهرس البلدان والأماكن................................................. ٢٤٩

٨ ـ فهرس الجماعات والقبائل................................................ ٢٥١

٩ ـ مصادر التحقيق........................................................ ٢٥٥

١٠ ـ فهرس المواضيع....................................................... ٢٦١

فهرس

الآيات الكريمة

رقم الآية

رقم الصفحة

سورة البقرة (٢)

٢٣٣

(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ)

١٥٣

سورة آل عمران (٣)

٦١

(فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ...)

١٤٨

٦٨

(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ)

١٢٤ ، ١٣٩

 ٦٨

(وَالَّذِينَ آمَنُوا)

١٠٨ ، ١٨٠

١١٠

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)

١٨٤

١١٠

(تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)

 ١٨٤

سورة النساء (٤)

٣٣

(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ...)

 ١١١ ، ١٢٠ ، ١٣٣

٥٤

(فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ...)

 ١٩٩

٩٥

(فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً ...)

 ١٥٦

رقم الآية

رقم الصفحة

سورة المائدة (٥)

٣

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ...)

٧٣

٥١

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ)

 ١٠٢ ، ١٠٧

٥١

(بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ...)

 ١٠٢

٥٥

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ...)

 ٩٤ ، ٩٧ ، ١٠٢

٥٥

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ ...)

 ٩٩ ، ١٠١

٥٦

(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)

 ١٠٢

سورة الأعراف (٧)

١٤٢

(اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي)

 ١٤١ ، ١٤٣

١٤٢

(وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)

 ١٤٣

سورة التوبة (٩)

٧١

(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ...)

 ١٠٠،٩٦،

١١٣،١٠٧،١٠١

١٠٠

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ...)

 ١٧٨

سورة الكهف (١٨)

٥١

(وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)

 ١٨٩

رقم الآية

رقم الصفحة

سورة مريم (١٩)

١٢

(وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)

 ٢٠٠ ، ٢٠٢

٢٩

(كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ...)

 ٢٠٠ ، ٢٠١

٣٠

(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)

 ٢٠٠ ، ٢٠٢

سورة الأنبياء (٢١)

٩٠

(إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ...)

 ١٦٠

سورة النور (٢٤)

٥٥

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...)

 ١٧٧

سورة الشعراء (٢٦)

٢١٤

(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)

 ١٥٧

سورة العنكبوت (٢٩)

١٤

(أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً ...)

 ٢٠٧

سورة الأحزاب (٣٣)

٦

(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ...)

 ١١٥

رقم الآية

رقم الصفحة

سورة الزمر (٣٩)

٩

(هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ...)

 ١٥٥

٦٧

(وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ...)

 ١١٩

سورة الأحقاف (٤٦)

١٥

(وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ...)

 ١٥٣

سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤٧)

١١

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ)

 ١٢١ ١٣٥

سورة الفتح (٤٨)

١٥

(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ...)

 ١٧٧

١٦

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ ...)

 ١٧٧ ، ١٧٨

١٨

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ...)

 ١٧٨

سورة الحجرات (٤٩)

١٣

(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ...)

 ١٦١

سورة ق (٥٠)

٣٧

(لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ...)

 ١١٩

رقم الآية

رقم الصفحة

سورة الواقعة (٥٦)

١٠

(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)

 ١٦٠

١١

(أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)

 ١٦٠

سورة الحديد (٥٧)

١٥

(مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ...)

 ١١٠ ، ١١٨ ، ١١٩ ، ١٣٢

سورة المجادلة (٥٨)

١١

(يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ...)

 ١٥٥

سورة الحشر (٥٩)

٨

(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ ...)

 ١٧٨

سورة التحريم (٦٦)

٤

(وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ ...)

 ١٤٩

سورة الحاقّة (٦٩)

١٢

(وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)

 ١٥٣

سورة نوح (٧١)

١

(إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً ...)

 ١٠٧

رقم الآية

رقم الصفحة

سورة الدهر (٧٦)

٨

(وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ...)

 ١٦٢

سورة القدر (٩٧)

١

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)

 ١٠٧

فهرس

الأحاديث الشريفة

«أ»

ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٦٧

أترككم كما ترككم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

الإمام علي عليه‌السلام

٨٤ ، ٩١

اتركوني والتمسوا غيري فإنّي أسمعكم وأطوعكم

الإمام علي عليه‌السلام

٨٥

ادخل فيما دخل الناس فيه ثمّ حاكم القوم

الإمام علي عليه‌السلام

١٨٨

اسمه اسم حديدة الحلّاق

الصادق عليه‌السلام

١٩٩

أفرضكم زيد بن ثابت

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٥٢

اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٧٩

أقرأكم ابيّ

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥٢

أقضاكم عليّ

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥٢ ، ١٥٥

اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٤٩

اللهم اجعلها اذن عليّ

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥٣

اللهم أدخل إليّ أحبّ أهل الأرض إليك

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٤٩

اللهم وال من والاه وعاد من عاداه

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٢٢ ، ١٣٦

ألست أولى بكم منكم بأنفسكم

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٠٩ ، ١١٢ ، ١١٥ ، ١١٧ ، ١٢٤

أمّا بعد فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام

 الإمام علي عليه‌السلام

 ٨٤

أما ترضين أن قد زوّجتك خير أمّتي

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥١

أما علمتم أنّه من المرجئة

 الصادق عليه‌السلام

١٩٨

أنّ أبا بكر قال قد وددت أنّي سألت الرسول عن هذا الأمر

 في الخبر

 ٨٣

إنّ أبي أخبرني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : سيولد لي ولد يشبهه

الصادق عليه‌السلام

١٩٧

 إنّ أخي ووزيري وخير من أتركه بعدي يقضي ديني

 النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥١

إن أردت بايعتك

الإمام علي عليه‌السلام

 ٨٤

إنّ الله اصطفى من ولد إبراهيم قريشا

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٦٠

إنّ الله اطّلع إلى أهل الأرض فاختار منهم أباك

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥١

إنّ الله كتب القتل على ابني إسماعيل مرّتين

 الصادق عليه‌السلام

 ١٩٦

إنّ الله ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاسق

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٨١

إنّ الإمامة تكون في الأكبر ما لم يكن به عاهة

 الصادق عليه‌السلام

 ١٩٨

إنّ بنا العام لغنية عنه

 الإمام علي عليه‌السلام

 ١٩٠

إنّ الخلافة بعدي ثلاثون سنة

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٧٩

إنّ من جاء يخبركم عنّي بأنّه غسّلني

 الصادق عليه‌السلام

 ١٩٥

إنّ هذا الأمر لا يؤتى من زهد ولا ورع

 الإمام علي عليه‌السلام

 ١٨٧

إن ولّيتم أبا بكر وجدتموه قويا في دين الله

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ٧٣

أنا أوّل من صلّى وأوّل من آمن بالله

الإمام علي عليه‌السلام

 ١٥٧

أنا سيد العالمين وهذا سيّد العرب

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥١

أنا الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم

 الإمام علي عليه‌السلام

 ١٥٦

أنا عبد الله وأنا أخو رسول الله وأنا الصدّيق الأكبر

 الإمام علي عليه‌السلام

 ١٩٢ ، ١٩٤

أنا لكم كالوالد لولده فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ٧٢

أنا مدينة العلم وعليّ بابها

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٦١

أنت ابني حقّا

 الإمام علي عليه‌السلام

 ١٩٢ ، ١٩٣

أنت منّي بمنزلة هارون من موسى

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٣٩ ، ١٤٢ ، ١٥٠

إنّك إن أنصفتني وجدتني أبرأ قريش من دم عثمان

 الإمام علي عليه‌السلام

 ١٨٨

إنّك إن تخرج بنفسك إلى العدوّ فلا يكون للمسلمين

 الإمام علي عليه‌السلام

 ١٨٦

إنّكنّ لصويحبات يوسف

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٨٣

إنّما أنا لكم كالوالد الشفيق

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ٧٢

أنّها مكيدة من ابن النابغة

 الإمام علي عليه‌السلام

 ١٨٧

أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث أبا بكر إلى خيبر فرجع منهزما

في الخبر

 ١٥٠

أنّه كان بين الخزرج وبين يهود بني قينقاع حلف

 في الخبر

 ١٠٠

أوّلكم ورودا عليّ الحوض أوّلكم إسلاما

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥٦

أيّكم يبايعني ويؤازرني يكن أخي ووصيّي

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ٨١

أيّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن مولاها

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١١١ ، ١٢١ ، ١٣٤

أين عليّ

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥٠

«ب»

بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الاثنين وأسلم عليّ عليه‌السلام يوم الثلاثاء

في الخبر

١٥٧

«خ»

خير من أترك بعدي عليّ بن أبي طالب

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥١

«د»

دعوه حتّى يشتغل بالصلاة

 الحسن عليه‌السلام

 ١٦٣

«ز»

زوّجتك أقدمهم سلما وأكثرهم علما

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥٩

زوّجتك أكثرهم علما وأعظمهم حلما

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٦٢

«س»

سلّموا عليه بإمرة المؤمنين

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ٨١

سمعت أبي يقول إذا ولد لك ولد يشبهني فسمّه باسمي

 الصادق عليه‌السلام

 ١٩٧

«ع»

العلم في الصغر كالنقش في الحجر

 في الخبر

 ١٥٢

علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم

 الإمام عليّ عليه‌السلام

 ١٦١

عليّ خير البشر من أبى فقد كفر

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥١ ، ١٨٣

عليّ سبيلكم معشر الشيعة أنتم المظلومون

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ٨٦

«ف»

فعليّ مولاه

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١١٥

فعليّ مولاه أولى بكم من أنفسكم

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٢٤

«ك»

كلّ مولود يولد على فطرة الإسلام

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٣٣

كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبل عليّ عليه‌السلام

 في الخبر

 ١٥١

كيّس كيّس

 الإمام عليّ عليه‌السلام

 ١٩٢

«ل»

لا رأي لمن لا يطاع

 الإمام عليّ عليه‌السلام

 ١٨٩

لاعطينّ الراية اليوم رجلا يحبّ الله ورسوله

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥٠

لضربة من ضربات عليّ خير من عبادة الثقلين

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٦٢

لمّا قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال العباس لعلي عليه‌السلام امدد يدك ابايعك

في الخبر

٨٢

لمّا مرض الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال العباس لعلي عليه‌السلام ادخل بنا عليه نسأله عن هذا الأمر

في الخبر

٨٢

لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

١٩٢

 لو لا أخاف عليها تيسا من تيوس بني اميّة

الإمام عليّ عليه‌السلام

 ٨٤

لو لا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر

الإمام عليّ عليه‌السلام

 ٩٢

لو كسرت لي الوسادة ثمّ جلست عليها لحكمت بين أهل التوراة

الإمام عليّ عليه‌السلام

١٥٣ ، ١٥٥

«م»

ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل

 الصادق عليه‌السلام

 ١٩٦

ما حكّمنا الرجال وإنّما حكّمنا كتاب الله

 الإمام عليّ عليه‌السلام

 ١٨٦

ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٧٩

ما عرض الإيمان على أحد إلّا وله كبوة

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥٧

ما نسيت بعدها أبدا

الإمام عليّ عليه‌السلام

 ١٥٣

مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله

 النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٢٠ ، ١٣٤

من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٦١

من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال من والاه

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٠٩ ، ١٥٠

مهما بدا لله في شيء فلا يبدو له في نقل نبيّ عن نبوّته

 عنهم عليهم‌السلام

 ١٩٧

«ه»

هاديا مهديا

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ٧٤

هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ٨١

هذا سيّد العرب

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥١

هذا مرج كبير

 الصادق عليه‌السلام

 ١٩٨

«و»

والله لو لا حضور الحاضر وقيام الحجّة

 الإمام عليّ عليه‌السلام

 ٨٨

والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانية

الإمام عليّ عليه‌السلام

 ١٦٢

ولّيتكم ولست بخيركم

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٨٣

«ي»

يا حميدة بخ بخ حلّ الملك في بيتك

 الصادق عليه‌السلام

 ١٩٩

يا دنيا إليك عنّي غرّي غيري قد طلّقتك ثلاثا

 الإمام علي عليه‌السلام

 ١٦٣

يا عمّ إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصاني أن لا اجرّد سيفا بعده

الإمام عليّ عليه‌السلام

٨٧

 يقتله خير هذه الامّة

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

 ١٥٠

فهرس

أسماء المعصومين عليهم‌السلام

آدم عليه‌السلام

١٦١

نوح عليه‌السلام

١٦١ ، ٢٠٦

إبراهيم عليه‌السلام

          ١٦٠ ، ١٦١

يوسف عليه‌السلام

١٨٣

موسى عليه‌السلام

٥٨ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤١ ، ١٤٢ ١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٤٦ ، ١٥٠ ، ١٦١

هارون عليه‌السلام

١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤١ ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٤٦ ،

١٥٠

لقمان عليه‌السلام

٢٠٧

يحيى عليه‌السلام

٢٠٢

عيسى عليه‌السلام

١٦١ ، ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٠٤

محمّد بن عبد الله ـ رسول الله ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

٣٤ ، ٣٧ ، ٦٣ ، ٦٦ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧٢ ٧٤ ، ٧٥ ، ٧٦ ، ٧٧ ، ٧٩ ، ٨١ ، ٨٢ ، ٨٣ ٨٤ ، ٨٧ ، ٨٩ ، ٩١ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ١٠٠، ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٤ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١١٣

١١٤ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٥، ١٢٦ ، ١٢٩ ، ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٣٦ ، ١٣٧ ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤١ ، ١٤٤ ، ١٤٦ ١٤٨ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ١٥٥ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١ ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٦٥ ، ١٦٧ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨١ ، ١٨٣ ، ١٨٥ ، ١٨٦ ١٨٧ ، ١٨٩ ، ١٩٢ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ١٩٧

عليّ بن أبي طالب ـ أمير المؤمنين عليه‌السلام

٤٦ ٧٤ ، ٧٦ ، ٧٧ ، ٧٩ ، ٨١ ، ٨٢ ، ٨٤ ، ٨٥ ٨٦ ، ٨٧ ، ٨٩ ، ٩٠ ، ٩٣ ، ٩٤ ، ٩٦ ، ٩٧ ٩٩ ، ١٠١ ، ١٠٤ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ١١٠ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١١٧ ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٥ ، ١٢٦ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ١٣٤ ، ١٣٥ ، ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤١ ١٤٤ ، ١٤٦ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٥٦ ١٥٧ ، ١٥٨ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٢ ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٦٩ ، ١٧١ ١٧٢ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٨٠ ، ١٨٣ ، ١٨٤ ١٨٥ ، ١٨٨ ، ١٩٢ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ١٩٨

فاطمة الزهراء عليها‌السلام

١٢٩ ، ١٥١ ، ١٥٩ ، ١٦٢ ، ١٨٥

الحسن بن علي عليه‌السلام

١٦٣، ١٦٤ ، ١٦٧ ، ١٧٢ ، ١٨٢ ، ١٨٨ ، ١٩٤

الحسين بن علي عليه‌السلام

١٦٤، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٧٢ ، ١٨٢ ، ١٨٨ ، ١٩٤

علي بن الحسين عليه‌السلام

١٦٤ ، ١٦٧ ، ١٧٢ ، ١٩٤

محمد بن علي الباقر عليه‌السلام

١٦٤ ، ١٦٧ ، ١٧٢

جعفر بن محمد الصادق ـ أبو عبد الله عليه‌السلام

١٦٤ ، ١٦٧ ١٧٢ ، ١٧٣ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ، ١٩٧ ، ١٩٩

موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام

١٦٤ ، ١٦٧ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٩٨ ، ١٩٩

علي بن موسى الرضا عليه‌السلام

٣٤ ، ١٦٤ ، ١٦٧ ، ١٧٤ ، ١٧٥ ، ٢٠٠

محمد بن علي الجواد عليه‌السلام

١٦٧ ، ١٧٤ ، ٢٠٠

علي بن محمد الهادي عليه‌السلام

١٦٧ ، ١٧٤ ، ٢٠١

الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام

١٦٧ ، ١٧٤ ، ١٧٥ ، ١٧٦ ، ٢٠١ ، ٢٠٧

الحجّة المنتظر عجّل الله فرجه الشريف

١٦٧ ، ١٧٤ ، ١٧٥ ، ٢٠١

فهرس

الأعلام

«أ»

إبراهيم................................................................... ١٧٢

ابن الأنباري....................................................... ١١٢ ، ١٣٠

ابن الراوندي................................................................ ٨٢

ابن سبأ.................................................................. ١٧٢

ابن عبّاس.................................. ١٢١ ، ١٥٥ ، ١٦٢ ، ١٨٥ ، ١٨٧

أبو الأسود الدؤلي......................................................... ١٥٥

أبو بكر الأصمّ....................................................... ٤٣ ، ٤٤

أبو بكر بن أبي قحافة ٧٣ ، ٧٩ ، ٨٤ ، ٩٠ ، ٩١ ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥٢ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٨ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٧١ ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٧٩ ، ١٨١ ، ١٨٣ ، ١٨٩

أبو جعدة................................................................. ١٧٤

أبو الحسن الأشعري........................................................ ١٥٤

أبو الحسين البصري.......................................................... ٤٤

أبو حنيفة......................................................... ١٥٩ ، ١٦٥

أبو ذر الغفاري............................................................ ١٦٢

أبو رافع.................................................................. ١٥١

أبو عبيدة................................................... ٨٣ ، ١١٨ ، ١١٩

أبو علي الجبائي المعتزلي......................................... ٤٤ ، ٧٠ ، ١٥٤

أبو القاسم البلخي........................................................... ٤٤

أبو موسى الأشعري........................................................ ١٨٧

أبو هاشم.................................................................. ٤٤

أبو يزيد البسطامي......................................................... ١٦٤

أبو يعقوب................................................................ ١٧٤

أحمد البيهقي.............................................................. ١٦١

أحمد بن موسى.................................................... ١٧٤ ، ٢٠٠

الأخطل................................................... ١١١ ، ١٢٠ ، ١٣٣

الأخفش.................................................................. ١١٩

إسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق.................................. ١٩٥ ، ١٩٦

الأصمعي......................................................... ١٢٠ ، ١٣٣

الأعشى.................................................................... ٩٥

أمانة بن قيس بن الحارث................................................... ٢٠٥

أنس بن مالك..................................................... ١٥١ ، ١٥٧

«ب»

البخاري.......................................................... ١١٦ ، ١٢٥

«ج»

الجاحظ.................................................................... ٤٤

جعفر بن أبي طالب........................................................ ١١٣

«ح»

حسّان بن ثابت........................................................... ١٢٥

الحسن البصري.............................................................. ٧٩

الحسن المثنّى............................................................... ١٦٤

حميدة.................................................................... ١٩٩

السيد الحميري........................................................ ٨٥ ، ٩٣

«خ»

خالد بن الوليد........................................................ ٧٣ ، ٧٥

الخليل بن أحمد الفراهيدي................................................... ١٣١

«د»

دويد بن زيد بن فهد....................................................... ٢٠٦

«ذ»

ذي الثدية................................................................ ١٥٠

«ر»

الربيع بن ضبيع الفزاري..................................................... ٢٠٤

رجل الجرهمي.............................................................. ٢٠٦

«ز»

الزبير..................................................................... ١٨٨

الزجّاج................................................................... ١١٩

زهير بن حباب الكلبي...................................................... ٢٠٦

زيد بن علي......................................................... ٨٥ ، ١٧٢

«س»

سلمان الفارسي............................................ ١٥١ ، ١٥٦ ، ١٦٢

«ش»

الشافعي.................................................................. ١٦٥

الشيخان............................................ ٧٤ ، ١١٦ ، ١٢٦ ، ١٥٠

شعبة..................................................................... ١٧٩

«ط»

طلحة........................................................ ٨٤ ، ٩١ ، ١٨٨

«ع»

عائشة............................................................ ١٥١ ، ١٨٣

عبادة بن الصامت......................................................... ١٠٠

العبّاس بن عبد المطّلب ٧٩ ، ٨٢ ، ٨٦ ، ٨٧ ٨٨ ، ٨٩ ، ١٤٨ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٨٦

عبد الله بن ابيّ............................................................ ١٠٠

عبد الله بن جعفر (الأفطح)......................................... ١٧٣ ، ١٩٨

عبد الله بن الحسن................................................. ١٦٤ ، ١٧٢

عبد الله بن الحصين........................................................ ١٥٧

عبد الله بن سعد التميمي................................................... ١٧٣

عبد الرحمن بن عوف........................................................ ٩٠

عبد العزيز بن جعفر النيسابوري (أبو المظفّر).................................... ٣٨

عبد المسيح بن بقيلة الغساني................................................ ٢٠٥

عثمان بن عفان................................ ٨٨ ، ٩٠ ، ١٨٥ ، ١٨٨ ، ١٩٨

عقيل بن أبي طالب................................................ ١١٣ ، ١٤٨

علي بن الحسن............................................................ ١٧٥

علي بن عيسى............................................................ ١١٩

عمر بن الخطاب ٧٣ ، ٨٣ ٨٤ ، ٩٠ ، ١١٤ ، ١٢٣ ، ١٢٥ ، ١٣٨ ١٥٣ ، ١٦٦ ، ١٧٩ ، ١٨٦ ، ١٨٩ ، ١٩٠

عمر بن ربيعة بن كعب..................................................... ٢٠٥

عمرو بن العاص................................................... ١٨٥ ، ١٨٧

عنبسة بن مصعب......................................................... ١٩٥

«ف»

الفرّاء............................................................. ١١٢ ، ١٣٠

الفضل بن العباس.......................................................... ١٨٣

الفوطي.................................................................... ٤٣

«ك»

الكميت بن زيد الأسدي..................................................... ٩٤

كيسان................................................................... ١٩٢

«ل»

لبيد...................................................... ١١١ ، ١٢٠ ، ١٣٣

«م»

المبرّد............................................................. ١١٢ ، ١٣٠

مجاهد.................................................................... ١٢١

محمد بن جعفر............................................................ ١٩٧

محمد بن الحنفية.................................................... ١٧٢ ، ١٩٢

محمد بن عبد الله بن الحسن (النفس الزكية)............................ ١٦٤ ، ١٧٢

محمد بن علي............................................................. ٢٠١

المختار الثقفي..................................................... ١٩٢ ، ١٩٤

السيد المرتضى.............................................................. ٨٦

مسلم............................................................ ١١٦ ، ١٢٥

المسلم النخعي............................................................. ٢٠٥

معاد بن الحصين (أبو كامل)................................................ ١٧١

معاوية بن أبي سفيان.............. ٨٤ ، ٨٨ ، ٩١ ، ١٨١ ، ١٨٥ ، ١٨٨ ، ٢٠٦

معروف الكرخي........................................................... ١٦٤

المغيرة بن سعد العجلي..................................................... ١٧٢

موسى بن الطفّي.......................................................... ١٧٣

موسى بن عمران الأقمص.................................................. ١٧٣

موسى بن محمد........................................................... ١٧٤

«ه»

هشام بن الحكم الشيباني..................................................... ٤٤

«و»

الواقدي.................................................................. ١١٦

«ي»

يحيى بن أبي الشمط........................................................ ١٩٧

يرمع بن موسى الحائك..................................................... ١٧٣

يونس بن عبد الرحمن....................................................... ١٧٤

فهرس

الأشعار

الكميت

 ونعم وليّ

ونعم المؤدّب

 ٩٤

الكميت

طربت وما شوقا

 وذو الشيب يلعب

 ٩٤

الأخطل

 كانوا موالي

 ملّوا ولا لغبوا

 ١١١

رجل الجرهمي

 وما الدهر

 ويفقد فاقد

 ٢٠٦

رجل الجرهمي

 وساع لرزق

 وهو قاعد

 ٢٠٦

الأخطل

 فأصبحت مولاها

تهاب وتحمدا

 ١١١

الحميري

 ألا الحمد لله

 ربّا غفورا

 ٩٣

الحميري

 عليّ وصيّ

دعاه أميرا

 ٩٣

الحميري

 وكان الخصيص

 واجتباه مشيرا

٩٣

الأعشى

 ولست بالأكثر

 العزّة للكاثر

 ٩٥

الأخطل

لم يأشروا فيه

 غيرهم أشروا

١١٢

الإمام علي عليه‌السلام

دنيا تخادعني

 أعرف حالها

 ١٦٣

الإمام علي عليه‌السلام

 مدّت إليّ

 وشمالها

١٦٣

الإمام علي عليه‌السلام

 ورأيتها

 جملتها لها

١٦٣

لبيد

 فغدت كلا

 خلفها وأمامها

 ١١١ ، ١٢٠

الإمام علي عليه‌السلام

 سبقتكم إلى

 أوان حلمي

 ١٥٨

عمر بن ربيعة

 ولقد سئمت

 السنين مئينا

 ٢٠٥

عمر بن ربيعة

مائة أتت

 المئين سنينا

 ٢٠٥

عمر بن ربيعة

 هل ما بقي

 وليلة تغنينا

 ٢٠٥

المسلم النخعي

 أيا ليتني

 قيس بن شيبان

 ٢٠٥

المسلم النخعي

لقد عاش

 كهول وشبّان

 ٢٠٥

المسلم النخعي

 فحلّت به

 بن دهمان

 ٢٠٥

فهرس

الفرق والمذاهب

«أ»

الاثنى عشرية.......................................... ٤٣ ، ٥١ ، ٢٠٣ ، ٢٠٧

الإسلام. ٣٧ ، ١٢٢ ، ١٢٨ ، ١٥٧ ١٥٨ ، ١٦٠ ، ١٧٨ ، ٢٠٤ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦

الإسماعيلية.................................................. ٥٥ ، ١٧٣ ، ١٩٥

الأشعرية................................................ ٤٤ ، ٦٩ ، ٧٩ ، ١٥٤

الأقمصية................................................................. ١٧٣

الإمامية....................... ٣٣ ٣٤ ، ٤٣ ، ٥٥ ، ٦٩ ، ١٤٢ ، ١٧١ ، ١٩٧

«ت»

التميمية.................................................................. ١٧٣

«ج»

الجعدية................................................................... ١٧٤

«خ»

الخوارج............................ ٤٣ ، ٤٦ ، ٧٠ ، ٧٩ ، ١٥٤ ، ١٦٩ ، ١٧٧

«ز»

الزيدية................................................ ٧٠ ، ٩٣ ، ١٧١ ، ١٩٤

«س»

السمطية................................................................. ١٧٣

«ش»

الشمطية................................................................. ١٩٧

الشيعة ٣٣ ٥٩ ، ٧٩ ، ٨٣ ، ٨٥ ، ٨٦ ، ١١٠ ، ١١٦ ١٢٦ ، ١٢٩ ، ١٥٤ ، ١٦٩ ، ١٧١ ، ١٩١

«ص»

الصالحية................................................................... ٧٠

الصوفية.................................................................. ١٥٥

«ط»

الطفية.................................................................... ١٧٣

«غ»

الغلاة.................................................................... ١٧١

«ف»

الفطحية.......................................................... ١٧٣ ، ١٩٨

«ق»

القطعية................................................................... ١٧٦

«ك»

الكاملية.................................................................. ١٧١

الكيسانية................................................. ١٧١ ، ١٧٢ ، ١٩٢

«م»

المرجئة...................................................... ٧٩ ، ١٩٨ ، ١٩٩

المسلمون...................... ٣٣ ٥٧ ، ٧٣ ، ٧٥ ، ٨٢ ، ١٠٢ ، ١٨٢ ، ١٨٦

المعتزلة.................................................. ٤٤ ، ٧٠ ، ٧٩ ، ١٥٤

الممطورة........................................................... ١٧٤ ، ١٩٩

«ن»

الناووسية.......................................................... ١٧٣ ، ١٩٥

النصارى........................................... ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٧

«ي»

اليرمعية................................................................... ١٧٣

اليعقوبية.................................................................. ١٧٤

اليهود....................................... ٥٨ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٧

فهرس

البلدان والأماكن

«أ»

أصفهان.................................................................... ٣٤

«ب»

البصرة............................................................ ١٩٢ ، ١٩٣

«خ»

خيبر............................................................. ١٥٠ ، ١٦٢

«ش»

الشام...................................................................... ٨٤

«ص»

صفّين..................................................................... ٤٦

«غ»

غدير خم......................................................... ١٠٩ ، ١١٦

«م»

المدينة.............................................................. ٨٤ ، ١٨٦

مشهد..................................................................... ٣٤

مكة.............................................................. ١٠١ ، ١١٦

مؤتة................................................................. ٧٣ ، ٧٥

«ي»

اليمن............................................................. ١١٦ ، ١٢٥

فهرس

الجماعات والقبائل

«أ»

آل أبي طالب............................................................. ١٩٧

أسلم............................................................. ١٢٠ ، ١٣٤

أصحاب الحديث.............................................. ٤٣ ، ٧٩ ، ١١٦

الأنبياء عليهم‌السلام...................................................... ١٦٠ ، ١٦١

الأنصار............................................................ ٨٣ ، ١٥٠

أهل الإنجيل............................................................... ١٥٣

أهل البصرة............................................................... ١٩٥

أهل البيت عليهم‌السلام..................................................... ٨٥ ، ٩٣

أهل التوراة................................................................ ١٥٣

أهل الزبور................................................................ ١٥٣

أهل الشام................................................................ ١٨٦

أهل الفرقان............................................................... ١٥٤

«ب»

بنو اميّة.............................................................. ٨٤ ، ٩٢

بنو عبد المطّلب............................................................. ٨١

بنو قينقاع................................................................ ١٠٠

بنو مروان................................................................. ١٨١

بنو هاشم................................................. ١١٧ ، ١٢٩ ، ١٦٠

«ج»

جرهم.................................................................... ٢٠٦

جهينة............................................................ ١٢٠ ، ١٣٤

«خ»

الخزرج.................................................................... ١٠٠

خلفاء بني اميّة............................................................. ٢٠٤

«ع»

العرب.................................................... ١١٢ ، ١٥١ ، ١٨٧

علماء الشيعة............................................................. ١٧٤

«غ»

غفار............................................................. ١٢٠ ، ١٣٤

«ق»

قريش............................................................. ١٦٠ ، ١٨٨

«م»

مزينة............................................................. ١٢٠ ، ١٣٤

المهاجرون........................................................... ٨٣ ، ١٥٠

مصادر التحقيق

القرآن الكريم

نهج البلاغة (صبحي الصالح) ٨٤ ، ٨٥ ، ٨٨ ٩٣ ، ١٦٣ ، ١٨٦ ، ١٨٧ ، ١٨٨ ، ١٨٩

الاحتجاج ، لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي.................... ٥١

إحقاق الحقّ ، للشهيد القاضي السيد نور الله الحسيني التستري... ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٣

أخبار السيد الحميري ، للمرزباني ، بتحقيق الأميني......................... ٨٥ ، ٩٣

الإرشاد ، للإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد  ١٥٦

اصول الكافي ، لأبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي............ ١٣٣

أعلام الزركلي ، لخير الدين الزركلي............................................. ٤٣

إعلام الورى ، لأبي علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي................ ١٠٠

الأغاني ، لعلي بن الحسين أبو الفرج الأصفهاني.................................. ٨٥

إكمال الدين ، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقّب بالصدوق ١٦٨ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧

أمالي الصدوق ، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقّب بالصدوق ١٨٩

أمالي المفيد ، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد    ١٦٠

الإمامة والسياسة ، لعبد الله بن قتيبة الدينوري............. ٨٢ ، ٨٣ ، ١٨٣ ، ١٨٨

الأموال ، لأبي عبيد القاسم بن سلام......................................... ١٨٦

الانتصار ، للسيد الشريف المرتضى علم الهدى أبي القاسم علي ابن الحسين الموسوي ١٨٩

بحار الأنوار ، للعلّامة الشيخ محمد باقر المجلسي.................. ٨٤ ، ١٦٢ ، ١٩٦

بهجة الآمال ، للمولى علي العلياري التبريزي............................... ٧٠ ، ٧٩

تأريخ بغداد ، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي........................ ١٦٠

تأريخ الخلفاء ، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي........................ ٨٣ ، ١٨٣

تأريخ الطبرسي ، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبرسي....... ٨٢ ، ٨٣ ، ١٨٣ ، ١٨٨

تأريخ دمشق ، لعلي بن حسن الشافعي (ابن عساكر).......................... ١٦٤

التبيان ، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ٩٤ ، ١١١ ١١٥ ، ١٢١ ، ١٣٤ ، ١٤٩ ، ١٥٣ ، ١٦٢

تصحيح الاعتقاد ، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد       ١٩٦

تفسير شبّر ، للعلّامة المحقّق السيد عبد الله شبّر ١١١ ، ١١٥ ، ١٢١ ، ١٤٩ ، ١٥٣ ، ١٦٢

تفسير مجمع البيان ، للشيخ أبي علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي ١١١ ، ١١٥ ، ١٢٠ ، ١٢١ ، ١٣٤ ، ١٤٩ ، ١٥٣

تفسير الميزان ، للعلّامة السيد محمد حسين الطباطبائي ١١١ ، ١١٥ ، ١٢١ ، ١٤٩ ، ١٥٣ ، ١٦٢

تلخيص الشافي ، لشيخ الطائفة ٩٤ ٩٥ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٤ ١٥٦ ، ١٥٩ ، ١٦١ ، ١٧٩ ، ١٩٠ ، ١٩٣

التوحيد ، لمحمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقّب بالصدوق.... ١٣٣ ، ١٩٦

التهذيب ، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي............................... ١٨٩

جواهر الكلام ، للشيخ محمد حسن النجفي................................... ١٨٩

الجامع الصغير ، للعلّامة جلال الدين السيوطي.......................... ٧٢ ، ١٧٩

الخلاف ، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي................................ ١٨٩

الدرجات الرفيعة ، لصدر الدين السيد علي خان المدني الشيرازي.................. ٨٧

ديوان الأخطل ، للأخطل........................................... ١١١ ، ١١٢

الذخيرة ، للشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي البغدادي ٨٦ ، ٩٤ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٢

الذريعة ، للشيخ آغا بزرك الطهراني............................................. ٨٦

الذرية الطاهرة ، لأبي بشر محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي الدولابي ١٥١ ، ١٦٢

رجال الكشي ، لأبي جعفر الطوسي الملقّب بشيخ الطائفة....................... ١٩٢

الروض الفائق ، للشيخ الحرّ يغبش........................................... ١٧٩

الرياض النضرة ، لمحبّ الدين أحمد بن عبد الله الطبري المكي..................... ١٧٩

السرائر ، لأبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي.................. ١٨٩

السقيفة ، لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري................................ ٨٢

السيرة النبوية ، لأبي محمد عبد الملك بن هشام المعافري........... ٨٢ ، ١٠٠ ، ١٨٣

الشافي ، للشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي البغدادي..................... ٩٤

شرح النهج ، لميثم بن علي بن ميثم البحراني................................... ١٨٦

شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي ٧٣ ، ٨٢ ، ٨٣ ٨٥ ، ٩٠ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٨١ ، ١٨٣

الشيعة والرجعة ، لمحمد رضا بن عباس الطبسي................................. ١٩٢

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لجعفر مرتضى الحسيني العاملي.. ١٥٧

الصواعق المحرقة ، للشيخ ابن حجر المكّي..................................... ١٧٩

علي في الكتاب والسنّة ، للحاج حسين الشاكري.............................. ١٥٠

العيون والمحاسن ، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد         ٨٧

الغدير ، لعبد الحسين أحمد الأميني النجفي ٨١ ، ٨٥ ، ٩٣ ، ١٠٩، ١١٠ ، ١١٤ ، ١٢٥ ، ١٢٦ ، ١٥١ ، ١٥٢ ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٨ ، ١٩٣

الغيبة ، لشيخ الطائفة الإمامية أبي جعفر الطوسي............... ٢٠٤ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦

فتح الملك العلي ، لابن الصديق الحسني المغربي................................. ١٦٢

الفتوح ، لأحمد بن أعثم الكوفي.............................................. ١٨٦

فدك في التأريخ ، للشهيد السيد محمد باقر الصدر رحمه‌الله...................... ١٨٨

فروع الكافي ، لأبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي رحمه‌الله...... ١٨٩

الفصول العشرة في الغيبة ، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد         ٢٠٤ ، ٢٠٥ ، ٢٠٧

الفصول المائة ، لسيد أصغر ناظم زادة القمي.................. ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٦١

الفصول المختارة ، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد        ٨٧ ، ٨٨ ، ١٥٥ ، ١٥٧ ١٥٨ ، ١٩٢ ، ١٩٣ ، ١٩٤ ، ١٩٥ ، ١٩٦ ١٩٧ ، ١٩٨ ، ١٩٩ ، ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٠٢

الفقيه ، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقّب بالصدوق.... ١٨٩

الفهرست ، لمحمد بن إسحاق الملقّب بابن النديم................................. ٤٣

كنز العمّال ، لعلاء الدين المتّقي الهندي................... ٨٣ ، ٨٤ ، ١٢١ ، ١٣٤

ما نزل في القرآن في أهل البيت عليهم‌السلام ، للجبري............................... ١٤٩

مجمع الزوائد ، لابن حجر المكي............................................... ٨٤

سبيل النجاة ، (ملحق المراجعات) ، للشيخ حسين الراضي ١٣٩ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٦ ، ١٩٣

المعجم المفهرس ، لمحمد الدشتي................ ١٦٣ ، ١٨٦ ، ١٨٧ ، ١٨٨ ، ١٨٩

معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام ، للشيخ علي الكوراني...................... ١٩٢

المعمّرون ، لأبي حاتم الجوشني السجستاني..................................... ٢٠٥

المغازي ، لمحمد الواقدي..................................................... ١٠٠

المقنعة ، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد ١٨٩

الملل والنحل ، لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني........................ ٤٣

مناقب آل أبي طالب ، لأبي جعفر رشيد الدين محمد بن علي ابن شهرآشوب السروي المازندراني  ١٥٦

نزل الأبرار ، لمحمد بن معتمد خان الحافظ العارفي............... ١٥٩ ، ١٦٢ ، ١٦٤

وسائل الشيعة ، لمحمد بن الحسن الحرّ العاملي................................. ١٨٩

وفيات الأعيان ، لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر ابن خلكان.... ٤٤

وقعة صفين ، لنصر بن مزاحم المنقري................................. ١٨٧ ، ١٨٨

الهاشميات ، لكميت الكوفي................................................... ٩٤

هدية الأحباب ، للمحدّث الحاج الشيخ عباس القمي............. ٨٢ ، ١١٢ ، ١٥٤

ينابيع المودّة ، لسليمان بن إبراهيم القندوزي البغدادي................... ١٤٩ ، ١٦٢

فهرس المواضيع

من حياة المؤلف وعصره......................................................... ٧

نحن وكتاب " النجاة في القيامة "............................................... ٣٣

المقدمة

(٣٩ ـ ٥٢)

البحث الأول : تعريف الإمامة.................................................. ٤١

البحث الثاني : ضبط المذاهب في الإمامة...................................... ٤٣

دليل وجوب الإمامة......................................................... ٤٥

الباب الأول ـ في الشرائط المعتبرة في الإمامة

(٥٣ ـ ٧٦)

البحث الأول : في كون الإمام معصوما.......................................... ٥٥

البرهان الأول على وجوب عصمة الإمام........................................ ٥٥

البرهان الثاني على وجوب عصمة الإمام........................................ ٥٨

البرهان الثالث على وجوب عصمة الإمام....................................... ٦١

البحث الثاني : في أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته فيما هو إمام......... ٦٥

البرهان الأول على وجوب أفضلية الإمام....................................... ٦٥

البرهان الثاني على وجوب أفضلية الإمام........................................ ٦٥

البرهان الثالث على وجوب أفضلية الإمام...................................... ٦٦

البرهان الرابع على وجوب أفضلية الإمام........................................ ٦٦

البحث الثالث : في أن الإمام يجب أن يكون عالما بكل الدين................... ٦٧

البحث الرابع : في السبب الذي يتعين به الإمام................................. ٦٩

لا تثبت الإمامة إلا بالنص................................................... ٦٩

الاحتجاج على إبطال النص.................................................. ٧٥

الباب الثاني ـ في تعيين الإمام

(٧٧ ـ ١٦٨)

المقدمة : المذاهب في تعيين الإمام............................................ ٧٩

البحث الأول : في بيان أن الإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام)         ٨١

أنواع الأدلة على ذلك....................................................... ٨١

النوع الأول : النصوص الجلية................................................. ٨١

الشبهات في النصوص ، والجواب عنها......................................... ٨١

النوع الثاني : الاستدلال بالنصوص............................................ ٩٤

الأول : قوله تعالى : (إنما وليكم الله ورسوله).................................... ٩٤

الشبهات في الاستدلال بالآية ، والجواب عنها................................... ٩٧

الثاني : قوله (صلى الله عليه وآله) : " من كنت مولاه فعلي مولاه ".............. ١٠٩

الشبهات في الاستدلال بالحديث ، والإجابة عنها.............................. ١١٥

الثالث : قوله (صلى الله عليه وآله) : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى "........ ١٣٩

الشبهات في الاستدلال بالحديث ، والجواب عنها.............................. ١٤٢

النوع الثالث : الاستدلال بالبراهين العقلية.................................... ١٤٨

البرهان الأول............................................................. ١٤٨

البرهان الثاني.............................................................. ١٦٥

البرهان الثالث............................................................ ١٦٥

البرهان الرابع.............................................................. ١٦٦

البحث الثاني : في تعيين باقي الأئمة (عليهم السلام).......................... ١٦٧

الباب الثالث ـ في تقرير شبهة الخصوم والجواب عنها

(١٦٩ ـ ٢٠٧)

المقدمة : الفرق المنكرون لإمام إمام.......................................... ١٧١

البحث الأول : شبهة المنكرين لإمامة علي (عليه السلام) ، والجواب عنها....... ١٧٧

البحث الثاني : مطاعن الخوارج وغيرهم في علي (عليه السلام) ، والجواب عنها. ١٨٥

البحث الثالث : فساد ما قالته الطوائف من الشيعة المنكرين لواحد واحد من الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)         ١٩١

الدليل على فساد ما قالوه إجمالا............................................. ١٩١

الطائفة الأولى : الكيسانية.................................................. ١٩٢

الجواب عما تمسكوا به...................................................... ١٩٣

الطائفة الثانية : الزيدية..................................................... ١٩٤

الجواب عما تمسكوا به...................................................... ١٩٤

الطائفة الثالثة : الناووسية................................................... ١٩٥

الجواب عما تمسكوا به...................................................... ١٩٥

الطائفة الرابعة : الإسماعيلية................................................. ١٩٥

الجواب عما تمسكوا به...................................................... ١٩٥

الطائفة الخامسة : الشمطية................................................. ١٩٧

الجواب عما تمسكوا به...................................................... ١٩٧

الطائفة السادسة : الفطحية................................................. ١٩٨

الجواب عما تمسكوا به...................................................... ١٩٨

الطائفة السابعة : الممطورة................................................... ١٩٩

الجواب عما تمسكوا به...................................................... ١٩٩

الطائفة الثامنة : القائلون بإمامة أحمد بن موسى................................ ٢٠٠

الجواب عما تمسكوا به...................................................... ٢٠٠

الطائفة التاسعة : القائلون بأن الإمامة بعد علي بن محمد صارت إلى ابنه محمد بن علي ٢٠١

الجواب عما تمسكوا به...................................................... ٢٠١

الطائفة العاشرة : الذين زعموا أن الحسن بن علي لم يمت........................ ٢٠١

الجواب عما تمسكوا به...................................................... ٢٠١

البحث الرابع : في غيبة الإمام............................................... ٢٠٣

المقام الأول : سبب الغيبة................................................... ٢٠٣

المقام الثاني : إمكان بقاء المزاج الإنساني مثل المدة التي ندعيها للإمام الغائب....... ٢٠٤

المقام الثالث : وقوع ذلك البقاء في الأمزجة كثيرة مشهورة....................... ٢٠٤

المقام الرابع : كون المدعى إمامته هو هذا الإمام المعين........................... ٢٠٧

الفهارس الفنيّة............................................................... ٢٠٩

النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة

المؤلف: ميثم بن علي بن ميثم البحراني
الصفحات: 264
  • 1 ـ فهرس الآيات الكريمة 213
  • 2 ـ فهرس الأحاديث الشريفة 219
  • 3 ـ فهرس أسماء المعصومين عليهم‌السلام 231
  • 4 ـ فهرس الأعلام 235
  • 5 ـ فهرس الأشعار 243
  • 6 ـ فهرس الفرق والمذاهب 245
  • 7 ـ فهرس البلدان والأماكن 249
  • 8 ـ فهرس الجماعات والقبائل 251
  • 9 ـ مصادر التحقيق 255
  • 10 ـ فهرس المواضيع 261
  • إبراهيم 172
  • ابن الأنباري 112 ، 130
  • ابن الراوندي 82
  • ابن سبأ 172
  • ابن عبّاس 121 ، 155 ، 162 ، 185 ، 187
  • أبو الأسود الدؤلي 155
  • أبو بكر الأصمّ 43 ، 44
  • أبو بكر بن أبي قحافة 73 ، 79 ، 84 ، 90 ، 91 149 ، 150 ، 152 ، 156 ، 157 ، 158 ، 159 ، 160 ، 161 ، 165 ، 166 ، 171 177 ، 178 ، 179 ، 181 ، 183 ، 189
  • أبو جعدة 174
  • أبو الحسن الأشعري 154
  • أبو الحسين البصري 44
  • أبو حنيفة 159 ، 165
  • أبو ذر الغفاري 162
  • أبو رافع 151
  • أبو عبيدة 83 ، 118 ، 119
  • أبو علي الجبائي المعتزلي 44 ، 70 ، 154
  • أبو القاسم البلخي 44
  • أبو موسى الأشعري 187
  • أبو هاشم 44
  • أبو يزيد البسطامي 164
  • أبو يعقوب 174
  • أحمد البيهقي 161
  • أحمد بن موسى 174 ، 200
  • الأخطل 111 ، 120 ، 133
  • الأخفش 119
  • إسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق 195 ، 196
  • الأصمعي 120 ، 133
  • الأعشى 95
  • أمانة بن قيس بن الحارث 205
  • أنس بن مالك 151 ، 157
  • البخاري 116 ، 125
  • الجاحظ 44
  • جعفر بن أبي طالب 113
  • حسّان بن ثابت 125
  • الحسن البصري 79
  • الحسن المثنّى 164
  • حميدة 199
  • السيد الحميري 85 ، 93
  • خالد بن الوليد 73 ، 75
  • الخليل بن أحمد الفراهيدي 131
  • دويد بن زيد بن فهد 206
  • ذي الثدية 150
  • الربيع بن ضبيع الفزاري 204
  • رجل الجرهمي 206
  • الزبير 188
  • الزجّاج 119
  • زهير بن حباب الكلبي 206
  • زيد بن علي 85 ، 172
  • سلمان الفارسي 151 ، 156 ، 162
  • الشافعي 165
  • الشيخان 74 ، 116 ، 126 ، 150
  • شعبة 179
  • طلحة 84 ، 91 ، 188
  • عائشة 151 ، 183
  • عبادة بن الصامت 100
  • العبّاس بن عبد المطّلب 79 ، 82 ، 86 ، 87 88 ، 89 ، 148 ، 165 ، 166 ، 186
  • عبد الله بن ابيّ 100
  • عبد الله بن جعفر (الأفطح) 173 ، 198
  • عبد الله بن الحسن 164 ، 172
  • عبد الله بن الحصين 157
  • عبد الله بن سعد التميمي 173
  • عبد الرحمن بن عوف 90
  • عبد العزيز بن جعفر النيسابوري (أبو المظفّر) 38
  • عبد المسيح بن بقيلة الغساني 205
  • عثمان بن عفان 88 ، 90 ، 185 ، 188 ، 198
  • عقيل بن أبي طالب 113 ، 148
  • علي بن الحسن 175
  • علي بن عيسى 119
  • عمر بن الخطاب 73 ، 83 84 ، 90 ، 114 ، 123 ، 125 ، 138 153 ، 166 ، 179 ، 186 ، 189 ، 190
  • عمر بن ربيعة بن كعب 205
  • عمرو بن العاص 185 ، 187
  • عنبسة بن مصعب 195
  • الفرّاء 112 ، 130
  • الفضل بن العباس 183
  • الفوطي 43
  • الكميت بن زيد الأسدي 94
  • كيسان 192
  • لبيد 111 ، 120 ، 133
  • المبرّد 112 ، 130
  • مجاهد 121
  • محمد بن جعفر 197
  • محمد بن الحنفية 172 ، 192
  • محمد بن عبد الله بن الحسن (النفس الزكية) 164 ، 172
  • محمد بن علي 201
  • المختار الثقفي 192 ، 194
  • السيد المرتضى 86
  • مسلم 116 ، 125
  • المسلم النخعي 205
  • معاد بن الحصين (أبو كامل) 171
  • معاوية بن أبي سفيان 84 ، 88 ، 91 ، 181 ، 185 ، 188 ، 206
  • معروف الكرخي 164
  • المغيرة بن سعد العجلي 172
  • موسى بن الطفّي 173
  • موسى بن عمران الأقمص 173
  • موسى بن محمد 174
  • هشام بن الحكم الشيباني 44
  • الواقدي 116
  • يحيى بن أبي الشمط 197
  • يرمع بن موسى الحائك 173
  • يونس بن عبد الرحمن 174
  • الاثنى عشرية 43 ، 51 ، 203 ، 207
  • الإسلام. 37 ، 122 ، 128 ، 157 158 ، 160 ، 178 ، 204 ، 205 ، 206
  • الإسماعيلية 55 ، 173 ، 195
  • الأشعرية 44 ، 69 ، 79 ، 154
  • الأقمصية 173
  • الإمامية 33 34 ، 43 ، 55 ، 69 ، 142 ، 171 ، 197
  • التميمية 173
  • الجعدية 174
  • الخوارج 43 ، 46 ، 70 ، 79 ، 154 ، 169 ، 177
  • الزيدية 70 ، 93 ، 171 ، 194
  • السمطية 173
  • الشمطية 197
  • الشيعة 33 59 ، 79 ، 83 ، 85 ، 86 ، 110 ، 116 126 ، 129 ، 154 ، 169 ، 171 ، 191
  • الصالحية 70
  • الصوفية 155
  • الطفية 173
  • الغلاة 171
  • الفطحية 173 ، 198
  • القطعية 176
  • الكاملية 171
  • الكيسانية 171 ، 172 ، 192
  • المرجئة 79 ، 198 ، 199
  • المسلمون 33 57 ، 73 ، 75 ، 82 ، 102 ، 182 ، 186
  • المعتزلة 44 ، 70 ، 79 ، 154
  • الممطورة 174 ، 199
  • الناووسية 173 ، 195
  • النصارى 100 ، 101 ، 102 ، 107
  • اليرمعية 173
  • اليعقوبية 174
  • اليهود 58 ، 100 ، 101 ، 102 ، 107
  • أصفهان 34
  • البصرة 192 ، 193
  • خيبر 150 ، 162
  • الشام 84
  • صفّين 46
  • غدير خم 109 ، 116
  • المدينة 84 ، 186
  • مشهد 34
  • مكة 101 ، 116
  • مؤتة 73 ، 75
  • اليمن 116 ، 125
  • آل أبي طالب 197
  • أسلم 120 ، 134
  • أصحاب الحديث 43 ، 79 ، 116
  • الأنبياء عليهم‌السلام 160 ، 161
  • الأنصار 83 ، 150
  • أهل الإنجيل 153
  • أهل البصرة 195
  • أهل البيت عليهم‌السلام 85 ، 93
  • أهل التوراة 153
  • أهل الزبور 153
  • أهل الشام 186
  • أهل الفرقان 154
  • بنو اميّة 84 ، 92
  • بنو عبد المطّلب 81
  • بنو قينقاع 100
  • بنو مروان 181
  • بنو هاشم 117 ، 129 ، 160
  • جرهم 206
  • جهينة 120 ، 134
  • الخزرج 100
  • خلفاء بني اميّة 204
  • العرب 112 ، 151 ، 187
  • علماء الشيعة 174
  • غفار 120 ، 134
  • قريش 160 ، 188
  • مزينة 120 ، 134
  • المهاجرون 83 ، 150
  • القرآن الكريم
  • نهج البلاغة (صبحي الصالح) 84 ، 85 ، 88 93 ، 163 ، 186 ، 187 ، 188 ، 189
  • الاحتجاج ، لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي 51
  • إحقاق الحقّ ، للشهيد القاضي السيد نور الله الحسيني التستري... 161 ، 162 ، 163
  • أخبار السيد الحميري ، للمرزباني ، بتحقيق الأميني 85 ، 93
  • الإرشاد ، للإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد  156
  • اصول الكافي ، لأبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي 133
  • أعلام الزركلي ، لخير الدين الزركلي 43
  • إعلام الورى ، لأبي علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي 100
  • الأغاني ، لعلي بن الحسين أبو الفرج الأصفهاني 85
  • إكمال الدين ، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقّب بالصدوق 168 ، 205 ، 206 ، 207
  • أمالي الصدوق ، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقّب بالصدوق 189
  • أمالي المفيد ، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد    160
  • الإمامة والسياسة ، لعبد الله بن قتيبة الدينوري 82 ، 83 ، 183 ، 188
  • الأموال ، لأبي عبيد القاسم بن سلام 186
  • الانتصار ، للسيد الشريف المرتضى علم الهدى أبي القاسم علي ابن الحسين الموسوي 189
  • بحار الأنوار ، للعلّامة الشيخ محمد باقر المجلسي 84 ، 162 ، 196
  • بهجة الآمال ، للمولى علي العلياري التبريزي 70 ، 79
  • تأريخ بغداد ، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي 160
  • تأريخ الخلفاء ، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي 83 ، 183
  • تأريخ الطبرسي ، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبرسي 82 ، 83 ، 183 ، 188
  • تأريخ دمشق ، لعلي بن حسن الشافعي (ابن عساكر) 164
  • التبيان ، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي 94 ، 111 115 ، 121 ، 134 ، 149 ، 153 ، 162
  • تصحيح الاعتقاد ، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد       196
  • تفسير شبّر ، للعلّامة المحقّق السيد عبد الله شبّر 111 ، 115 ، 121 ، 149 ، 153 ، 162
  • تفسير مجمع البيان ، للشيخ أبي علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي 111 ، 115 ، 120 ، 121 ، 134 ، 149 ، 153
  • تفسير الميزان ، للعلّامة السيد محمد حسين الطباطبائي 111 ، 115 ، 121 ، 149 ، 153 ، 162
  • تلخيص الشافي ، لشيخ الطائفة 94 95 ، 149 ، 150 ، 151 ، 152 ، 154 156 ، 159 ، 161 ، 179 ، 190 ، 193
  • التوحيد ، لمحمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقّب بالصدوق 133 ، 196
  • التهذيب ، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي 189
  • جواهر الكلام ، للشيخ محمد حسن النجفي 189
  • الجامع الصغير ، للعلّامة جلال الدين السيوطي 72 ، 179
  • الخلاف ، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي 189
  • الدرجات الرفيعة ، لصدر الدين السيد علي خان المدني الشيرازي 87
  • ديوان الأخطل ، للأخطل 111 ، 112
  • الذخيرة ، للشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي البغدادي 86 ، 94 ، 150 ، 151 ، 152
  • الذريعة ، للشيخ آغا بزرك الطهراني 86
  • الذرية الطاهرة ، لأبي بشر محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي الدولابي 151 ، 162
  • رجال الكشي ، لأبي جعفر الطوسي الملقّب بشيخ الطائفة 192
  • الروض الفائق ، للشيخ الحرّ يغبش 179
  • الرياض النضرة ، لمحبّ الدين أحمد بن عبد الله الطبري المكي 179
  • السرائر ، لأبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي 189
  • السقيفة ، لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري 82
  • السيرة النبوية ، لأبي محمد عبد الملك بن هشام المعافري 82 ، 100 ، 183
  • الشافي ، للشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي البغدادي 94
  • شرح النهج ، لميثم بن علي بن ميثم البحراني 186
  • شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي 73 ، 82 ، 83 85 ، 90 ، 156 ، 157 ، 181 ، 183
  • الشيعة والرجعة ، لمحمد رضا بن عباس الطبسي 192
  • الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لجعفر مرتضى الحسيني العاملي.. 157
  • الصواعق المحرقة ، للشيخ ابن حجر المكّي 179
  • علي في الكتاب والسنّة ، للحاج حسين الشاكري 150
  • العيون والمحاسن ، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد         87
  • الغدير ، لعبد الحسين أحمد الأميني النجفي 81 ، 85 ، 93 ، 109، 110 ، 114 ، 125 ، 126 ، 151 ، 152 153 ، 154 ، 156 ، 157 ، 158 ، 193
  • الغيبة ، لشيخ الطائفة الإمامية أبي جعفر الطوسي 204 ، 205 ، 206
  • فتح الملك العلي ، لابن الصديق الحسني المغربي 162
  • الفتوح ، لأحمد بن أعثم الكوفي 186
  • فدك في التأريخ ، للشهيد السيد محمد باقر الصدر رحمه‌الله 188
  • فروع الكافي ، لأبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي رحمه‌الله 189
  • الفصول العشرة في الغيبة ، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد         204 ، 205 ، 207
  • الفصول المائة ، لسيد أصغر ناظم زادة القمي 149 ، 150 ، 161
  • الفصول المختارة ، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد        87 ، 88 ، 155 ، 157 158 ، 192 ، 193 ، 194 ، 195 ، 196 197 ، 198 ، 199 ، 200 ، 201 ، 202
  • الفقيه ، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الملقّب بالصدوق 189
  • الفهرست ، لمحمد بن إسحاق الملقّب بابن النديم 43
  • كنز العمّال ، لعلاء الدين المتّقي الهندي 83 ، 84 ، 121 ، 134
  • ما نزل في القرآن في أهل البيت عليهم‌السلام ، للجبري 149
  • مجمع الزوائد ، لابن حجر المكي 84
  • سبيل النجاة ، (ملحق المراجعات) ، للشيخ حسين الراضي 139 ، 150 ، 151 ، 156 ، 193
  • المعجم المفهرس ، لمحمد الدشتي 163 ، 186 ، 187 ، 188 ، 189
  • معجم أحاديث الإمام المهدي عليه‌السلام ، للشيخ علي الكوراني 192
  • المعمّرون ، لأبي حاتم الجوشني السجستاني 205
  • المغازي ، لمحمد الواقدي 100
  • المقنعة ، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقّب بالشيخ المفيد 189
  • الملل والنحل ، لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني 43
  • مناقب آل أبي طالب ، لأبي جعفر رشيد الدين محمد بن علي ابن شهرآشوب السروي المازندراني  156
  • نزل الأبرار ، لمحمد بن معتمد خان الحافظ العارفي 159 ، 162 ، 164
  • وسائل الشيعة ، لمحمد بن الحسن الحرّ العاملي 189
  • وفيات الأعيان ، لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر ابن خلكان 44
  • وقعة صفين ، لنصر بن مزاحم المنقري 187 ، 188
  • الهاشميات ، لكميت الكوفي 94
  • هدية الأحباب ، للمحدّث الحاج الشيخ عباس القمي 82 ، 112 ، 154
  • ينابيع المودّة ، لسليمان بن إبراهيم القندوزي البغدادي 149 ، 162
  • من حياة المؤلف وعصره 7
  • نحن وكتاب " النجاة في القيامة " 33
  • المقدمة
  • (39 ـ 52)
  • البحث الأول : تعريف الإمامة 41
  • البحث الثاني : ضبط المذاهب في الإمامة 43
  • دليل وجوب الإمامة 45
  • الباب الأول ـ في الشرائط المعتبرة في الإمامة
  • (53 ـ 76)
  • البحث الأول : في كون الإمام معصوما 55
  • البرهان الأول على وجوب عصمة الإمام 55
  • البرهان الثاني على وجوب عصمة الإمام 58
  • البرهان الثالث على وجوب عصمة الإمام 61
  • البحث الثاني : في أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته فيما هو إمام 65
  • البرهان الأول على وجوب أفضلية الإمام 65
  • البرهان الثاني على وجوب أفضلية الإمام 65
  • البرهان الثالث على وجوب أفضلية الإمام 66
  • البرهان الرابع على وجوب أفضلية الإمام 66
  • البحث الثالث : في أن الإمام يجب أن يكون عالما بكل الدين 67
  • البحث الرابع : في السبب الذي يتعين به الإمام 69
  • لا تثبت الإمامة إلا بالنص 69
  • الاحتجاج على إبطال النص 75
  • الباب الثاني ـ في تعيين الإمام
  • (77 ـ 168)
  • المقدمة : المذاهب في تعيين الإمام 79
  • البحث الأول : في بيان أن الإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام)         81
  • أنواع الأدلة على ذلك 81
  • النوع الأول : النصوص الجلية 81
  • الشبهات في النصوص ، والجواب عنها 81
  • النوع الثاني : الاستدلال بالنصوص 94
  • الأول : قوله تعالى : (إنما وليكم الله ورسوله) 94
  • الشبهات في الاستدلال بالآية ، والجواب عنها 97
  • الثاني : قوله (صلى الله عليه وآله) : " من كنت مولاه فعلي مولاه " 109
  • الشبهات في الاستدلال بالحديث ، والإجابة عنها 115
  • الثالث : قوله (صلى الله عليه وآله) : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " 139
  • الشبهات في الاستدلال بالحديث ، والجواب عنها 142
  • النوع الثالث : الاستدلال بالبراهين العقلية 148
  • البرهان الأول 148
  • البرهان الثاني 165
  • البرهان الثالث 165
  • البرهان الرابع 166
  • البحث الثاني : في تعيين باقي الأئمة (عليهم السلام) 167
  • الباب الثالث ـ في تقرير شبهة الخصوم والجواب عنها
  • (169 ـ 207)
  • المقدمة : الفرق المنكرون لإمام إمام 171
  • البحث الأول : شبهة المنكرين لإمامة علي (عليه السلام) ، والجواب عنها 177
  • البحث الثاني : مطاعن الخوارج وغيرهم في علي (عليه السلام) ، والجواب عنها. 185
  • البحث الثالث : فساد ما قالته الطوائف من الشيعة المنكرين لواحد واحد من الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)         191
  • الدليل على فساد ما قالوه إجمالا 191
  • الطائفة الأولى : الكيسانية 192
  • الجواب عما تمسكوا به 193
  • الطائفة الثانية : الزيدية 194
  • الجواب عما تمسكوا به 194
  • الطائفة الثالثة : الناووسية 195
  • الجواب عما تمسكوا به 195
  • الطائفة الرابعة : الإسماعيلية 195
  • الجواب عما تمسكوا به 195
  • الطائفة الخامسة : الشمطية 197
  • الجواب عما تمسكوا به 197
  • الطائفة السادسة : الفطحية 198
  • الجواب عما تمسكوا به 198
  • الطائفة السابعة : الممطورة 199
  • الجواب عما تمسكوا به 199
  • الطائفة الثامنة : القائلون بإمامة أحمد بن موسى 200
  • الجواب عما تمسكوا به 200
  • الطائفة التاسعة : القائلون بأن الإمامة بعد علي بن محمد صارت إلى ابنه محمد بن علي 201
  • الجواب عما تمسكوا به 201
  • الطائفة العاشرة : الذين زعموا أن الحسن بن علي لم يمت 201
  • الجواب عما تمسكوا به 201
  • البحث الرابع : في غيبة الإمام 203
  • المقام الأول : سبب الغيبة 203
  • المقام الثاني : إمكان بقاء المزاج الإنساني مثل المدة التي ندعيها للإمام الغائب 204
  • المقام الثالث : وقوع ذلك البقاء في الأمزجة كثيرة مشهورة 204
  • المقام الرابع : كون المدعى إمامته هو هذا الإمام المعين 207
  • الفهارس الفنيّة 209