الكتاب ومؤلفه

قال الدكتور حكمت هاشم رئيس جامعة دمشق الاسبق وهو يتحدث عن مؤلف الكتاب ومؤلفاته في خطاب له امام اعضاء المجمع العلمي العربي نأخذ منه ما يلي.

واحب ان اقدم الكلام على آخر هذه الكتب عهدا في تاريخ حياته اعني كتاب «نقض الوشيعة» ، لما خاض موسى جار الله التركستاني في «نقد عقائد الشيعة» ، برز له ـ رحمه‌الله ـ يدرأ مطاعنه الجارحة ، والحق ان ذلك الكتاب ليروع قارئه بايمان المؤلف وسعة احاطته وقوة حجته ودامغ برهانه. حتى انه ربما قاده لاعادة النظر في مواقف كان في نفسه منها شيء كأمر «التلاعن والتطاعن» و «عصمة الامام» «والتقية» و «نكاح المتعة» وما الى ذلك.

واشهد ان المرء ، في كثير من المواضع التي يبدو عليها ان ظاهر الحق في جانب الخصم ، لا يلبث ان يخرج ميالا الى العكس بعد سماع الرد.

وبعد ، ايها السادة ، فإن أسفي شديد لأني لم اسعد بلقاء «السيد» والتعرف عليه عن قرب حتى أجلو لكم خصائص خلقه وشخصيته ، ولكن أصدقاءه وتلامذته يرسمون له صورة تستهوي الافئدة في بساطتها وسموها على السواء.

لقد أشادوا بما عرفوا فيه من تواضع وزهد بالجاء وعزوف عن المنزلة واحتقار للمظاهر الباطلة الغرارة. ذكروا انه ما بالى قط متاع الحياة الدنيا فاجتزأ بما يسد البلغة ويقوم بالأود ، كان يسعى لشأنه بنفسه ، ويباشر بيده تهيئة طعامه غير حافل برفاهية مأكل او مشرب ، ولا ملتفت الى زينة في شارة او كسوة ..... كذلك شأن العظماء ينكرون ما اسماه نيتشه «فلسفة الخياطين» فلا يؤمنون ان الثوب يخلق الراهب ، ولا ان الزنار المفضض خير من الذكر الحسن! ..

ولقد صوروا ما رأوا فيه من ورع وتقوى وعفة يد ولسان ، وشهدوا ان «الآلاف ذهبا كانت ترد عليه فما يمسها ويحولها للحال الى وجوه الخير» بل ربما انفق ماله على تأسيس المدارس ووقفها في عصر اذل فيه الحرص اعناق الرجال .... كذلك شأن الزاهدين الأصفياء اذكياء النفوس يحقرون الاستكثار ويأنفون من التكالب على الرزق ، لأنهم لا يقيسون الفضل بذلك المقياس العجيب الذي حدثنا عنه يوما احد عمداء العلم واسماه «مقياس عدد الاصفار»!

ثم هم اطبقوا على جودة رأيه وشجاعة قلبه وثبات جنانه وتحرره من العصبية والجمود ونهوضه بما يعتقد انه حق ... كذلك شأن الروحانيين المخلصين لا يدارون في فكرتهم ولا يداجون ولا يصانعون ولا يتلمسون مجدا رخيصا قائما على تملق العامة واسترضاء الدهماء. ذلك بأنهم ادركوا سر تلك الحكمة العسجدية المنقوشة في صدر تريستان وايزولت والتي تصلح شعارا للمثاليين جميعا من كل جلدة : «ما لا يقدر عليه السحرة ، فباستطاعة القلب ان يأتي به بقوة الحب والبطولة»!

الناشر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وآله الطاهرين وسلم تسليما.

(وبعد) فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن ابن المرحوم السيد عبد الكريم الحسيني العاملي : أنه لا يمضي يوم إلا ويطلع علينا من زوايا التعصب وحب التفريق بين المسلمين ونبش الدفائن وتهييج الضغائن رسائل وكتب ومؤلفات ينتقد بها أصحابها أهل مذهبنا بمر الانتقاد وسيء القول من دون أن يسلكوا في ذلك طريقة أهل العلم ويتأدبوا بآداب المناظرة ويبنوا أقوالهم على الدليل والمنطق الصرف وكثير منهم يتجاوزون ذلك إلى الشتم والذم والسباب والنبز بالألقاب المنهي عنه في السنة والكتاب مع إنه لا يلجأ إلى ذلك إلا العاجز عن الحجة والبرهان فإن فيهما كفاية لإسكات الخصم ولا يبالي هؤلاء أن يفتروا علينا الأكاذيب ويختلقوا المعايب بشتى الأساليب يفرقون بذلك كلمة المسلمين ويوغرون الصدور ويهيجون كوامن الضغائن والأحقاد في زمان قد وصلت فيه حالة المسلمين إلى ما وصلت إليه وهم إلى الوئام والائتلاف وجمع الكلمة والوفاق أحوج منهم إلى النزاع والاختلاف والشقاق. ونحن هم أهل دين واحد ونبي واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة نشهد. جميعا لله تعالى بالوحدانية ولنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة ونؤمن بكل ما جاء به من عند ربه نحل حلاله ونحرم حرامه نقيم الصلوات الخمس ونؤتي الزكاة ونصوم شهر رمضان ونحج البيت الحرام ونعظم شعائر الاسلام ونعترف بالبعث والنشور

والحساب والعقاب والثواب والجنة والنار وبكل ما ثبت في دين الاسلام وليس بيننا وبينهم نزاع ولا خلاف إلا في أمور يسيرة لا يوجب الخطأ فيها ـ إن كان ـ خروجا عن الاسلام أهمها مسألة الخلافة التي لم يبق لها اليوم أثر يذكر لكن قوما لا يروق لهم اتحاد المسلمين واتفاقهم فيعمدون إلى ما يهدم ذلك فيودعونه مؤلفاتهم ويطبعونه وينشرونه على الملأ تقليدا لغيرهم واتباعا لما غرسته العصبية العمياء في نفوسهم فحالت بينها وبين النظر إلى الأمور بعين البصيرة والانصاف واتباع الحقائق وغفلة عن أن هذه النزاعات والأقوال السيئة ما كان باعثها إلا السياسة بما أسسه علماء السوء تبعا لأهواء الظلمة من الملوك والامراء وطمعا في دنياهم وقد زال باعثها اليوم وصارت السياسة تبعث على ضدها ولو أن هؤلاء قرعوا الحجة بالحجة والدليل بالدليل وتركوا سوء القول لهان أمرهم وكان خيرا لنا ولهم ولكنهم لم يفعلوا من ذلك شيئا. ونحن ما زلنا نسعى في جمع الكلمة جهدنا وفي تأليف القلوب بكل ما في طاقتنا ووسعنا ولكن ما نصنع بهؤلاء الذين ذكرناهم إلا أن نرد غائلتهم وندفعهم عنا ونبرئ أنفسنا من افترائهم علينا بالباطل ونفند أقوالهم بالحجة والبرهان فمن ذلك كتاب أطلعنا عليه في هذه الأيام يسمى الوشيعة في نقد عقائد الشيعة ليس في اسمه مناسبة سوى مراعاة السجع تأليف رجل اسمى نفسه موسى جار الله ابن فاطمة ـ كما ذكر فيه ـ مطبوع بمصر سنة ١٣٥٥ ه‍ ـ فوجدناه قد جرى في سبيل هؤلاء الذين أشرنا إليهم ونهج في منهاجهم وزاد عليهم بأمور خالف فيها إجماع المسلمين (١) ولم نجد في وشيعته شيئا يصح أن يسمى علما بل ليس فيها إلا دعاوى مجردة عن الدليل ودعاوى متناقضة وعبارات منمقة مزخرفة لا طائل تحتها وأمورا أكل الدهر عليها وشرب وافتراءات وفلسفات باردة وتأويلات فاسدة وسخافات وآراء كاسدة وتمحلات عن الحق حائدة وتفسيرات معوجة ومصادمات للبديهة ومخالفات لإجماع المسلمين وضرورة الدين وحمل للآيات على ما لا مساس لها به وسباب وبث سموم كل هذا مع التكرير والتطويل بلا طائل وإعادة الكلام الواحد مرارا ومرارا كما ستطلع على ذلك كله. ولقد كانت بالاعراض عنها أحق لو لا انتشارها وأضرارها فاضطرتنا الحال إلى نقضها وبيان ما فيها من الخلل والفساد. ومن العجيب أنه كتب على ظهرها : هي أول تدبير

__________________

(١) مثل توريثه ابن الابن مع الابن وغير ذلك كما ستطلع عليه.

في تأليف قلوب الأمة الشيعة وأهل السنة والجماعة ، هذا عذري في تأليف الكتاب لتأليف القلوب وفي طبعه ونشره خالصا لوجه الله. مع أنها أول تدبير وآخره في تنفير القلوب وأعظم تدمير وتخريب لما بناه ويبنيه المصلحون. يؤلف هذه الوشيعة المخربة المدمرة ويطبعها له بعض الكتبيين المرتزقين في مصر وينشرها طمعا بثمن بخس دراهم معدودة يبيع بها ائتلاف المسلمين ويوقد به نار العداوة بينهم ويجرح به عواطف مائة مليون من الشيعة بغير حق ويشتري به سخط الله وسخط عقلاء الأمة غير متأثم ولا متحرج ثم يقول المؤلف إنه أول تدبير في تأليف قلوب الامة وانه كتبها لتأليف القلوب وطبعها ونشرها لوجه الله

ورب سودا واسمها فضة

وكم تسمى عبد سوء سرور

ولو كان هؤلاء الأقوام المتحرشون بنا من بعيد عارفين قدر أنفسهم وواثقين بقوة حجتهم ومخلصين في نواياهم لدعونا إلى ميدان المناظرة وقرع الحجة بالحجة والدليل بالدليل فيعرف حينئذ الهجان من الهجين والغث من السمين والمحق من المبطل ولو فعلوا لوجدونا سراعا إلى إجابة دعوتهم ولكنهم يرمون بالغيب من مكان سحيق ويصح فيهم قول المتنبي :

وإذا ما خلا الجبان بارض

طلب الطعن وحده والنزالا

وكانت قد وردتنا من العراق أسئلة موجهة من هذا الرجل ـ إذ كان نزيل دار السلام بغداد ـ لعلماء النجف الأشرف بتاريخ ٢١ ذي القعدة سنة ١٣٥٣ ه‍ و ٢٥ فبراير سنة ١٩٣٥ م ثم أرسل هذه الأسئلة بعينها إلى علماء الكاظمية بتاريخ ٢٨ ذي القعدة سنة ١٣٥٣ ه‍ و ٣ مارس سنة ١٩٣٥ م وهي عشرون سؤالا وطلب إلينا جماعة من فضلاء البلدين الجواب عنها فحررنا أجوبتها وأرسلناها إليهم من دمشق بتاريخ ٢٣ من المحرم سنة ١٣٥٤ ه‍ ولما أطلعنا على الوشيعة وجدناه قد أدرج فيه مضامين تلك الأسئلة دون أن يذكرها بعنوان السؤال فلم نجد بدا من نقض وشيعته والجواب عما فيها من نقده معتمدين في ذلك على الأدلة الصحيحة والبراهين الجلية لئلا يغتر بوشيعته بعض من ينظر إليها فيتوهم صحة ما فيها فتتسع شقة الخلاف التي نسعى في كل مواقفنا ومؤلفاتنا إلى تضييقها وبالآخرة إلى محوها وإبادتها. وأدرجنا في هذا النقض أجوبة تلك المسائل التي كنا حررناها كما أدرج هو مسائله في وشيعته. هذا

وقد وجدنا جماعة من فضلاء إخواننا السنيين ساخطين على وشيعته ناقمين على خطته فيها شافهنا بعضهم بذلك مشافهة وراسلنا بعضهم مراسلة. فجاء نقضنا هذا بحمده تعالى كتابا وافيا باثبات الحق في جل المسائل الخلافية وأهمها مع تفصيلها ـ وتفصيل أدلة الطرفين فيها والله تعالى هو المستعان وعليه التكلان ومنه التوفيق والتسديد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وقبل الشروع في نقض الوشيعة نقدم مقدمة نذكر فيها ما وصل إلينا من أحوال مؤلفها.

من هو موسى جار الله مؤلف الوشيعة

هو رجل من أهل تركستان من بلاد روسيا يعبر عن نفسه في كتاباته وو شيعته تارة بموسى جار الله وأخرى بموسى جار الله ابن فاطمة. ولا ندري وجه تلقيبه نفسه بجار الله أو تلقيب أبيه به ولا وجه اختياره الانتساب إلى أمه والله تعالى يقول ادعوهم لآبائهم. وصرح في الوشيعة بأنه من متصوفة الاسلام ويظهر من ملامحه حينما زارنا بمنزلنا في الكوفة أواخر عام ١٣٥٢ أنه تجاوز الستين من عمره يلبس اللباس الافرنجي وعلى رأسه قلنسوة من المخمل الأسود وهو كثير شعر الرأس واللحية قد وخطه الشيب يحسن العربية الفصحى والفارسية والتركية ولا بدّ أن يكون يحسن غيرها من اللغات الفرنجية وقد حضر المؤتمر الاسلامي المنعقد في القدس عام ١٣٥١ ه‍ ـ ثم جاء إلى العراق عام ١٣٥٢ ثم ذهب إلى إيران عام ١٣٥٣ ثم عاد إلى العراق في تلك السنة ووجه الأسئلة المشار إليها إلى علماء النجف والكاظمية ثم سافر إلى مصر وألف فيها وشيعته وطبعها عام ١٣٥٥ وهو باق في مصر إلى الآن عام ١٣٥٩ ولسنا نعلم تفصيل أحواله ولكننا نذكر شيئا منها مما أدرجه في أوائل الوشيعة وما جرى لنا معه في الكوفة وطهران.

قال في أوائل الوشيعة : هاجرت بيتي ووطني في نهاية سنة ١٩٣٠ م هجرة اضطرارية وكانت قد سدت علي كل طرق النجاة حتى آثرت مضطرا أوعر الطرق

وأصعبها وأطولها فساقتني الأقدار من طريق التركستان الغربي إلى الأقطار الاسلامية إلى التركستان الشرقي الصيني فالبامير فافغانستان وبقيت أربعة أشهر وزيادة على متون الخيول حتى وصلت إلى كابل ورأيت من كل عجائب الطبيعة وأعاجيب الأمم والأحوال ما كان ينسيني الصعوبات التي كنت ألقاها أو أتورط فيها. وأصعب عذاب لا أكاد أنساه هو أني بأيدي حرس كانت ترقبني ولا تتركني على اختياري في البحث وفي الاقامة حيث أريد ـ وهذا يدل على أنه نفي من بلاده لأمور لعلها سياسية ـ وكان الأولى به بعد ما رأى ما حل بالاسلام والمسلمين وما حل به نفسه أن لا يسعى بما يثير الفتن بينهم ويوغر الصدور وأن لا يدفن المحاسن ويجتهد في اختلاق المعايب والتعصب بالباطل قال؟ أقمت بكابل في الانتظار أربعين يوما ضيفا عند حكومتها الكريمة ثم فتح الله جل جلاله على وجهي أبواب السفر بإشارة من جلالة الملك أعلى حضرت نادر شاه فانتهزت ضرورة الاغتراب في اختيار السياحة بالبلاد الاسلامية وقد كنت سحت من قبل في الهند وجزيرة العرب ومصر وكل بلاد تركيا وكل التركستان الغربي إذ أنا طالب صغير قد فرغ من درس العلوم المعروفة في المدارس الثانوية والمدارس الدينية ودامت سياحتي في تلك المرة ستة أعوام كنت فيها في مختلف الأقطار الاسلامية إلا العراق وإلا الايران (كذا) وفي هذه المرة الأخيرة أعدت سياحتي في كل الأقطار الاسلامية التي كنت فيها من قبل. أما سياحتي في البلاد العراقية والإيرانية فقد دامت سنة وزيادة وكانت صعبة شديدة ثم قال ذهبت في نهاية سنة ١٩٢٠ م إلى بخارى بعد ما استولت عليها البلاشفة بقوة عسكرية من ابنائنا ـ وهذا يدل على أنه من بلاد تركستان الروسية ـ ثم في سنة ١٩٢٧ م زرت المدينة المنورة وأقمت بالحرم النبوي عشرين يوما ثم قال جلت في بلاد الشيعة طولا وعرضا سبعة أشهر وزيادة وكنت أمكث في كل عواصمها أياما وأسابيع وأزور معابدها ومشاهدها ومدارسها وأحضر محافلها وحفلاتها في العزاء والمآتم وحلقات الدروس وكنت أستمع ولا أتكلم بكلمة ا ه ـ وهذا يدل على أن دأبه كان التجسس وتطلب العورات ولم تكن نيته خالصة ولا كان طالبا للحق وإلا لتكلم وباحث وحقق معهم ودقق فأما أن يخصموه أو يخصمهم ولكنه كان ينظرهم بعين السخط التي لا تبدي إلا المساوئ فأخطأ نظره في كثير من الأمور التي رآها واعتقدها وخالف اعتقاده الحقيقة فيها.

ما جرى لنا معه في الكوفة

زارنا بمنزلنا في الكوفة من أرض العراق أواخر عام ١٣٥٢ حينما تشرفنا بزيارة المشاهد الشريفة وذلك بعد ما جاء من المؤتمر الاسلامي بالقدس. دخل علينا فسلم فرددنا عليه‌السلام ورحبنا به وقلنا له هل أنت مسلم فقال أو ما يكفي لبيان اسلامي السلام فقلنا له قد يسلم غير المسلمين وكانت هيأته في لباسه الافرنجي ولباس رأسه وطول شعره كما قدمنا يظن منها أنه موسوي غير مسلم ثم قال إني وردت النجف وسمعت بكم فجئت لزيارتكم فشكرناه على ذلك وسألناه من أي بلد هو فقال إنه مسلم يتوطن بلاد الافرنج ثم انه رأى في كتاب عندنا بيتين قديمين في الجاحظ وهما.

لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا

ما كان إلا دون مسخ الجاحظ

رجل ينوب عن الجحيم بوجهه

وهو القذى في عين كل ملاحظ

فاعتاظ لذلك فقلنا له هذا شعر قديم قد قيل في الجاحظ وأودع في الكتب وطبع وانتشر وتبعته ليست علينا وكان في مجلسنا سيد فاضل يساعدنا في الكتابة فأراد أن يجيبه فانتهره وأظهر الغضب فاحتملنا له ذلك لأنه ضيف وأخبرنا أن له مؤلفات غابت عن ذاكرتنا اسماؤها ثم سألنا سؤالين.

(السؤال الأول) ما سبب قول الشيعة وعملهم بالتقية. فقلنا له التقية لا تختص بالشيعة بل هي عامة عندهم وعند غيرهم من المسلمين بل عند جميع العقلاء لأنها عبارة عن إظهار خلاف المعتقد بقول أو عمل عند الخوف على النفس أو العرض أو المال وهذا مما قضى به العقل وحكم بجوازه الشرع حتى جوز إظهار الكفر بقوله تعالى (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ، إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً. وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ. وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وإنما اشتهر الشيعة بالتقية دون غيرهم لكثرة ما جرى عليهم من الظلم والاضطهاد وحصل لهم من الخوف فكثر عندهم استعمال التقية واشتهروا بها دون غيرهم.

(السؤال الثاني) ما دليل حلية المتعة فقلنا له الدليل عليها أنها كانت مشروعة بإجماع المسلمين ونزل بها القرآن الكريم بقوله تعالى (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) حتى أن ابن مسعود كان يقرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى رواه

الطبري في تفسيره وغيره وعمل بها في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعهد الخليفة الأول وبعض مدة الخليفة الثاني حتى حرمها لمصلحة رآها فقال متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أحرمهما وأعاقب عليهما متعة الحج ومتعة النساء فقد ثبتت شرعيتها ولم يثبت نسخها. فقال هكذا أجابني بعض علماء النجف عن السؤالين وسكت ولم يبد اعتراضا وكان عليه أن يبدي اعتراضه إن كان عنده اعتراض لنا وللعالم النجفي لينظر ما عندنا في ذلك فإن كان حقا قلبه وإن كان باطلا رده علينا لا أن يسكت في الحضور ثم يقذف بكلامه في المغيب من مكان سحيق.

وحضر وقت الغداء فدعوناه إلى أن يتغدى معنا فلم يقبل وألححنا عليه فأبى وودعنا وشيعناه ومضى.

ما جرى لنا معه في طهران

ثم رأيناه في طهران عاصمة إيران سنة ١٣٥٣ وكنا نصلي جماعة في مسجد يسمى مسجد الجمعة فحضر ذات ليلة وصلّى معنا ولما فرغنا من الصلاة رأيناه فسلمنا عليه وتحدثنا معه وكان من حديثه معنا أن قال أنا احترم جميع المذاهب ولا اتعصب فشكرنا له ذلك ثم صعد الخطيب المنبر ليخطب بما جرت به عادته كل ليلة بعد انقضاء الصلاة وهو أشهر خطيب في طهران ويسمى الميرزا عبد الله الطهراني وكان خطابه يطول أكثر من ساعة وهو بالفارسية فجلس يستمع إليه فقلنا له هل تحسن الفارسية فقال نعم ثم قام وقال أريد أن أجلس قريبا من المنبر حتى لا يفوتني شيء من الخطاب واستمر على ذلك ليلتين ثم زارنا في منزلنا بطهران فسألناه عن منزله لنرد له الزيارة فقال انه نازل عند امرأة أرمنية ثم لم يتسع لنا المجال لزيارته ثم أرسل إلينا في اليوم الثالث انتقادات ينتقد بها خطباء طهران وعلماءها وقد أدرجها في وشيعته هذا ما جرى لنا معه في العراق وإيران ثم لم نره بعد ذلك وقد بلغنا أنه توفي.

ونحن نشرع في نقض هذه الوشيعة متوكلين عليه تعالى سائلين من فضله وكرمه أن يلهمنا الصواب ويوفقنا لسلوك نهج السداد والرشاد.

ونعتذر إلى من يقرأ كتابنا هذا من أهل العلم والفضل عما قد يبدر منا من خشونة في قول فإنه قد يدعونا إلى ذلك ما في كلامه مما لا تحتمله الطباع وربما اقتضت الحكمة ذلك.

ولا خير في حلم إذا لم يكن له

بوادر تحمي صفوه أن يكدرا

* * *

وللحلم أوقات وللجهل مثلها

ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب

ولما كان كلامه مشتملا على تكرير كثير وكان يعيد في مواضع متعددة ما ذكره قبل ذلك ويضع أشياء في غير محلها ويدخل مبحثا في مبحث رأينا أن نجمع مكرراته في مكان واحد مهما أمكن روما للاختصار وليستوفي الناظر معرفة ما ذكرناه فيه ولا ينتقل من مكان لآخر وأن نذكر كل شيء مع ما يناسبه فاقتضى ذلك أحيانا تقديم ما أخر وتأخير ما قدم وجمع ما فرق وتفريق ما جمع فلينتبه لذلك ولا يتوهم أنا تركنا الرد على بعض ما في الكتاب حين يصل القارئ إلى محله فلا يجد ردا عليه فإن الرد عليه يكون متقدما أو متأخرا وقد نغفل أشياء من كلامه لا نرى فائدة في نقلها ونقضها. وعلى الله نتوكل وبه نستعين.

ما قاله عن وشيعته

كتب على ظهرها أنه جمع فيها من كتب الشيعة عقائد لها لا تتحملها الأمة والعقل وأدبها ودعوى الائتلاف وأن تلك العقائد في القلوب توري نيران الشحناء وليست إلا أهوية تنفخ في ضرام العداء وأن كلمة التوحيد توجب اليوم على مجتهدي الشيعة نزع تلك العقائد من الكتب وإلا فإن الكلمات هراء هواء وأثر المؤتمرات عداء ، وكتب على ظهرها أيضا هذين البيتين وختمها بهما.

ما مشكل أن القيو

د تكون غل الأرجل

إن القيود على العقو

ل فذاك كل المشكل

«محمد الهراوي»

ودعا في خطبة وشيعته بأدعية كثيرة ثم قال كأني سمعت أن الله قال : قد أوتيت سؤلك يا موسى وقال صفحة (ج) الله يعلم وإني أشهد الله إني لم أعمل عملا إلا في

الله وقد انفقت كل أعماري وشريت نفسي ونسلي ابتغاء مرضاة الله وكنت في كل ذلك مخلصا لوجه الله ثم أورد في صفحة (د) هذا البيت :

أيا رب أني لم أرد بالذي به

كتبت كتابي غير وجهك فاقبل

قال ص ١٧ كانت ـ أي الوشيعة ـ رسالة صغيرة جمعت فيها مسائل من امهات الكتب المعتمدة للشيعة الإمامية ثم قدمتها لمجتهدي عالم الشيعة وشيوخها عملا بأدب الكتاب الكريم (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) واليوم بعد أن انتظرت سنة وزيادة انشرها لتنظر فيها الأمة الاسلامية والشيعة الامامية الاثنا عشرية موسى جار الله ـ ابن فاطمة. وقال فيما وجهه إلى علماء النجف بالتاريخ المتقدم بعد مقدمة طويلة لم نر فائدة في نقلها قال في جملتها ص ١٨ و ١٩ أقدم هذه المسائل رغبة في تأليف قلوب عالمي الاسلام الشيعة الامامية الطائفة المحقة وعامة الأمة أهل السنة والجماعة ثم قال إنه يحترم كل المذاهب الاسلامية خصوصا مذهب الشيعة الإمامية.

وأنه كان يعرف أصول الشيعة الامامية من الكتب الكلامية وأنه كان في مكتبته الغنية كثير من كتب الشيعة الامامية الفقهية درسها واستفاد منها واستحسن الكثير من مسائلها وأحكامها.

ولكنه قال ص ٢٠ أن في هذه الكتب أمورا لا تتحملها الأمة ولا يرتضيها الأئمة ولا تقتضيها مصلحة الاسلام ثم هي جازفت في مسائل مستبعدة ما كان ينبغي وجودها ولا أظن أن الأئمة كانت تدين بها هم أرفع وأجل من أمثال هذه المسائل علما ودينا وعقلا وأدبا ا ه.

(ونقول) المسلمون متفقون بطبيعة الحال ليس بينهم عند التحقيق خصام ولا جدال فيما هو روح الاسلام ولبه وجوهره ألا وهو الشهادتان والالتزام باحكام الدين التي أسسها ضرورية أو إجماعية وعليها يتوقف صدق اسم الاسلام وجريان أحكامه سواء في ذلك سنيهم وشيعيهم فالجميع معترفون بها فالرب واحد والنبي واحد والكتاب واحد والعبادة واحدة والقبلة واحدة ولا خلاف بينهم إلا في بعض الفروع وبعض العقائد المعلومة التي اختلف فيها الأشاعرة مع الشيعة والمعتزلة وكلها ليست من أسس الاسلام وإلا في أمر الخلافة الذي لا يخرج الخلاف فيه عن حظيرة الاسلام باتفاق الجميع وإنما أضرمت نار الخلاف السياسة ونفخ في ضرامها الجاهلون وجاء

صاحبنا اليوم يريد النفخ في إضرامها باسم الاصلاح وتأليف القلوب ويهول بهذه الألفاظ الفارغة ويزعم أن للشيعة عقائد لا تتحملها الأمة «الخ» وعقيدة الشيعة كما مر لا تختلف في شيء عن عقيدة من تسموا بأهل السنة فيما هو لب الاسلام وجوهره وغيره لا يؤبه له سواء أتحملته الأمة أم لم تتحمله لكن صاحبنا لا يرضيه ذلك ولا يأتلف مع الشيعة إلا أن يتركوا جميع عقائدهم وإلا فإن الكلمات هراء هواء وأثر المؤتمرات عداء فلله دره من مصلح ماهر :

أوردها سعد وسعد مشتمل

ما هكذا تورد يا سعد الابل

المرء يترك رأيه بالحجة والبرهان لا بقول هذا لا تتحمله الأمة والعقل والأدب ولا بالتهجين والتشهير. المسلمون يجب دعوتهم إلى ترك العداء والأذى بينهم لأن ذلك يضعفهم ويوهن شوكتهم وأن يرجعوا فيما اختلفوا فيه إلى الحجة والبرهان والجدال بالتي هي أحسن. وعند قراءة بيتي الهراوي جرى على اللسان هذان البيتان :

كل يخال بان في

ه العقل من قيد خلي

لكن علما بالقيو

د نراه كل المشكل

والمتأمل فيما جاء في وشيعته يعلم أن الله لم يقل له ما تخيله وأن الذي خاطبه بذلك غير الله.

وقد زكى نفسه بأنه لم يعمل عملا إلا لله مخلصا لوجه الله وانفق اعماره ـ ولم يقل عمره على المتعارف حبا بالشذوذ ـ ابتغاء مرضاة الله. والله تعالى يقول : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ. فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) وكان عليه بدلا من أن يشهد لنفسه هذه الشهادة أن يتهمها في تعصباته وإثارته الفتن والضغائن وتفريقه بين المسلمين وإيقاده نار العداء بينهم وتحامله على أهل البيت وشيعتهم بالباطل ومخالفته إجماع المسلمين في عدة آراء رآها فدخل في قوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وأن يخاف أن يكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون إنهم يحسنون صنعا وعلى ذكر البيت الذي اقتبسه من قول السيد الحميري الذي هو صادق في قوله لكونه في دولة اعداء أهل البيت :

أيا رب أني لم أرد بالذي به

مدحت عليا غير وجهك فارحم

جرى على اللسان هذان البيتان :

أتزعم وجه الله فيما كتبته

أردت ووجه الله عنك بمعزل

وكم فاعل فعلا يظن بفعله

ثوابا ومنه الله لم يتقبل

وأما مسائله التي أشار إليها فقد ذكرنا في صدر الكتاب أنه وردتنا نسختان من هذه المسائل من النجف والكاظمية وكتبنا جواباتها وأرسلناها إلى مرسليها ولا ندري أأرسلت إليه أم لا؟ وذكر هو في وشيعته أنه جاءته أجوبة مطولة من عالم بالبصرة وهو يقول : واليوم بعد أن انتظرت سنة وزيادة انشرها. فكيف نشرها ولم ينشر جوابات العالم البصري التي جاءته فذلك يجعلنا نرتاب في خلوص نيته ثم هو كان في النجف وبقي فيها مدة كما مر فلما ذا لم يباحث علماءها في تلك المسائل بكل ما لديه من قوة وتحرر ابحاثه وأبحاثهم وتطبع وتنشر لتنظر فيها الأمة الاسلامية في أقطار الأرض وتعرف لمن الفلج فلو خلصت نيته أو عرف من نفسه القدرة لفعل ذلك لكنه نأى وجعل يقذف بالقول من مكان سحيق ، وادعى أنه يحترم كل المذاهب الاسلامية خصوصا مذهب الشيعة لكننا نراه سلك غير الطريق التي يجب أن تسلك في تأليف القلوب فافتتح كلامه بالغمز واللمز بقوله : الطائفة المحقة الذي لا محمل له إلا ذلك كأنه لم يعلم أن كل طائفة ترى نفسها المحقة والحكم الدليل ، وأخذ في انتقاد أحد الخصمين بمر الانتقاد واغمض عما يجب أن ينتقد به خصمه فعمد إلى بعض كتب الشيعة التي فيها الغث والسمين والحق والباطل شأن كتب كل فرقة والى روايات فيها الصحيح والضعيف والشيعة لا تعتقد بكل ما فيها بل تبحث في كتب الرجال والفقه عن أسانيدها وعن الجمع بينها وبين ما يعارضها فتطرح ما ضعف سنده أو عارضه ما هو أقوى منه أو خالف الكتاب أو السنة أو الاجماع أو ما ثبت من أصول العقائد ولو صح سنده فجعل ذلك معتمده ومحط نظره ولو كان كل ما سطر في الكتب أو جاءت به رواية حقا للزم الهرج والمرج والتناقض المحال. وغض النظر عما في بعض كتب غير الشيعة مما لا تتحمله الأمة ولا يرتضيه الأئمة ولا تقتضيه مصلحة الاسلام وعن المجازفات التي فيها في مسائل مستبعدة ما كان ينبغي وجودها وغاب عن نظره كتاب

ابن تيمية وكتاب ابن حزم وامثالهما. وما حكاه ابن قتيبة في كتابه الاختلاف في اللفظ كما يأتي نقلة عند ذكر محبته أهل البيت إنشاء الله تعالى.

أباطيل بزعمه في كتب الشيعة

قال ص ٢٢٨ رويت في صحائف هذا الكتاب أباطيل كثيرة كبيرة من أمهات كتب الشيعة وكنت أعرف أنه :

في كل جيل أباطيل يدان بها

وما تفرد يوما بالهدى جيل

إلا أنه فرق بين باطل وباطل فإذا سمعنا شيعيا يؤله عليا فانا لا نشهد الزور وإذا مررنا باللغو نمر كراما أما إذا رأينا امهات كتب الشيعة تقول في الصحابة وفي العصر الأول وفي أم المؤمنين تدعي تحريف القرآن فهذان خصمان اختصموا عند ربهم لننزع ما في صدورنا من غل إخوانا على سرر متقابلين وأشهد الله وأقسم بصدق القرآن أن هذا هو المقصد الذي كتبت كتابي له :

أيا رب أني لم أرد بالذي له

كتبت كتابي غير وجهك فارحم

ونقول (أولا) أنه لا يعرف الحق من الأباطيل إلا بالدليل لا بالتهويل ومجرد الأقاويل.

في كل جيل ديانات يدان بها

حقا يظنونها وهي الأباطيل

(ثانيا) لا يوجد شيعي ـ ممن يريد نقد عقائدهم ـ يؤله عليا بل الشيعة تكفر من يعتقد ألوهية علي أو أحدا من البشر ولكن الذي يعامل الصحابة معاملة الآلهة هو من يأخذ بأقوالهم ويترك قول القرآن ومتواتر السنة كما يأتي منه ، والعجب أنه نقل في ص ٢٢٢ قول الصدوق في رسالة عقائد الشيعة : اعتقادنا في الغلاة والمفوضة انهم كفار بالله «إلخ» ونسبه إلى القساوة والجفاء في البيان. وهنا يقول : إذا سمعنا شيعيا يؤله عليا ولكن لا عجب منه فالمناقضات في كلامه لا حصر لها وقد بينا فيما يأتي من هم الذين اكفروا الصحابة. والعصر الأول كان فيه الصالح والطالح والمؤمن والمنافق فلا يعقل أن تلعنه الشيعة كما يأتي.

وبينا فيما يأتي مفصلا عقيدتنا في أمهات المؤمنين عامة وخاصة كما بينا فيما يأتي أن نسبة القول بتحريف القرآن إلينا زور وبهتان. وبمثل هذه الأساليب نريد أن ننزع الغل من الصدور وإذا كان هذا هو المقصد الذي كتب وشيعته له فكان عليه سلوك غير هذا الطريق الوعر الخشن وتحري الحقائق ونزع عوامل التقليد من نفسه. أما نحن فنستشهد ببيت السيد الحميري ـ الذي غيره هنا وفي ما مر على ظهر الوشيعة ـ بدون أن نغير منه شيئا :

أيا رب أني لم أرد بالذي به

مدحت عليا غير وجهك فارحم

مسائل فقهية في كتب الشيعة

قال ص ٢٢٩ كنت أرى في كتب الشيعة مسائل فقهية اجتماعية استحسنها باعجاب نقلت في هذا الكتاب البعض بالنقد والبعض بالرد إذ كنت أرى للشيعة شدة التقليد باخبار الأئمة تحت رايات دعاوي الاجتهاد.

(ونقول) (أولا) المسائل الفقهية اجتماعية كانت أو غيرها إنما تؤخذ من الأدلة الشرعية ، الكتاب ، والسنة ، والاجماع ، ودليل العقل ، وليس لآراء الرجال فيها مدخل ولا يعرف أسرارها وحكمتها على التمام إلا علام الغيوب الذي أحاط بكل شيء علما. فقول : استحسن مسائل كذا باعجاب أولا استحسن لغو من القول متى وجد الدليل ليس لأحد أن يقول لا استحسن ومتى فقد ليس لأحد أن يقول استحسن. «ثانيا» بينا هو يستحسنها باعجاب إذا به يردها وينتقدها بعصب وعناد فناقض آخر كلامه أوله «ثالثا» الشيعة قالوا بالاجتهاد وعملوا به وبذلوا الوسع في تحصيله وحافظوا على شروطه واصوله ولم يأخذ مجتهدوهم الحكم إلا من دليله من أحد الأدلة الأربعة المار ذكرها فسبيل الأحكام عندهم التوقيف والنص من الشارع المقدس فيستنبطون الحكم من الدليل ويرجحون دليلا على دليل ولا يأخذون بالرأي والاستحسان والقياس والمصالح المرسلة كما هو عند غيرهم فأيهما أحق بالعذر وبصحة الاجتهاد (رابعا) إذا كانت الشيعة تقلد باخبار الأئمة تحت رايات دعاوى الاجتهاد وهؤلاء الأئمة اخذوا أخبارهم عن جدهم الرسول والرسول جعلهم احد الثقلين الكتاب والعترة وبمنزلة باب حطة وسفينة نوح فأيهما اعذر؟ من يقلد من هذه صفته وهو لا يقصر في

علمه وفقهه عمن تقلده أنت أن لم يزد عليه أم من يقلد من يأخذ برأيه واجتهاده ويجوز عليه الخطأ ويدعي أنه أصاب بذلك شاكلة الصواب سواء كان ذلك اجتهادا أم تقليدا تحت رايات دعاوى الاجتهاد كما يقول.

وفي صفحة (ط) : ولما وردت طهران زرت بعض كبار مجتهدي الشيعة وكنت أحضر حفلات العزاء ومجلس الوعظ وكان فيها في تلك الأيام أمام مجتهدي الشيعة السيد المحسن الأمين ضيفا وكان يؤم الجماعة في صلاة المغرب والعشاء جمعا وكنت زرت حضرة السيد العاملي مرة بالكوفة وجرى في تلك المرة بيننا كلام يسير فزرته في جامع طهران مرة ثانية وصلينا الصلاتين ثم كتبت على ورقة صغيرة وقدمتها بيد السيد المحسن الأمين لمجتهدي طهران وقلت وذكر المسائل الآتية.

(ونقول) أرسل إلينا ونحن بطهران شيئا من هذه المسائل في ورقة فوجدناها مسائل تافهة عن أمور غير واقعة فلم نشغل أنفسنا يومئذ بالجواب عنها وحيث أدرجها في وشيعته ونشرها فلا بد لنا من الجواب عنها وكلها مذكورة في صفحة (ط) قال أرى المساجد في بلاد الشيعة متروكة مهملة وصلاة الجماعة فيها غير قائمة وهو في ذلك كاذب.

(المساجد)

فبلاد الشيعة التي رآها هي العراق وإيران كما صرح به في مقدمة كتابه صفحة (ه) فالمساجد في كلا البلادين معتنى بها أشد الاعتناء معمورة بالمصلين في كل بلدة وقصبة ومدينة وقرية تقام فيها الصلوات الخمس ويزدحم فيها ألوف المصلين وقد رأى هو ذلك بام العين في مسجد الجمعة الذي كنا نصلي فيه في طهران فقد كان يغص بالمصلين على سعته. وكل مسجد في تلك البلاد له أمام يقيم فيه الجماعة في الصلوات الخمس فما معنى أنها متروكة مهملة والجماعة فيها غير قائمة وقد اعترف كما مر بانا كنا نؤم الجماعة في جامع طهران ويأتم هو بنا وهنا يقول المساجد متروكة مهملة وصلاة الجماعة فيها غير قائمة فهل هذا إلا تناقض لكنه لا يبالي بالتناقض في كلامه كما بيناه مرارا.

الأوقات والجمع بين الصلاتين

قال : الأوقات غير مرعية. والظاهر أنه يريد به الجمع بين الظهرين والعشاءين في

غير سفر ولا مطر. وهذا أمر قد قامت الأدلة عندهم على جوازه مع كون التفريق أفضل فلا مجال للنقد فإن كان في وسعه إقامة البرهان على خطئهم في ذلك كان نقده صحيحا وإلا فليس لأحد أن ينتقد غيره بأن اجتهادك مخالف لاجتهادي ولا هذا من دأب العلماء.

دليل جواز الجمع في غير سفر ولا مطر

روى الإمامان مسلم والبخاري في صحيحيهما ما يدل على جواز الجمع في الحضر بغير مرض ولا مطر ولا خوف. قال الامام مسلم في صحيحه ج ٣ ص ٤١٦ بهامش ارشاد الساري : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب ما قالا حدثنا أبو معاوية «ح» وحدثنا أبو كريب وأبو سعيد الأشج واللفظ لأبي كريب قالا حدثنا وكيع كلاهما عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر. في حديث وكيع قلت لابن عباس : ما أراد إلى ذلك قال أراد أن لا يحرج امته. وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن جابر بن زيد عن ابن عباس : صليت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمانيا جميعا وسبعا جميعا الحديث. حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وحدثنا أبو الربيع الزهراني : حدثنا حماد عن الزبير بن الخريت عن عبد الله بن شقيق قال خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة فجاء رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني : الصلاة الصلاة فقال ابن عباس أتعلمني بالسنة لا أم لك ، ثم قال رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، قال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شيء فاتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته. وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا وكيع حدثنا عمران ابن حديد عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال قال رجل لابن عباس الصلاة فسكت ثم قال الصلاة فسكت ثم قال لا أم لك أتعلمنا بالصلاة كنا نجمع بين الصلاتين على

عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وروى الامام البخاري في صحيحه في آخر باب صلاة العصر بالاسناد عن أبي أمامة : صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلت يا عم ما هذه الصلاة التي صليت قال العصر وهذه صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي كنا نصلي معه ا ه. ومن أراد زيادة بيان فليرجع إلى ما كتبناه في هذه المسألة في كتابنا معادن الجواهر (١ : ٣٥٣ ـ ٣٦٠) وقال الشهيد في الذكرى أن جواز الجمع في الحضر من غير خوف ولا سفر ولا مطر رواه العامة عن علي وابن عباس وابن عمر وأبي موسى وجابر وسعد بن أبي وقاص ا ه.

صلاة الجمعة

قال والجمعة متروكة تماما وفي صفحة (ح) ما حاصله : انكر شيء رأيته في بلاد الشيعة اني لم أر جماعة صلت صلاة الجمعة إلا في بوشهر رأيت طائفة صلت جمعة شيعية وخطب خطيبها خطبة شيعية ولم ازل اتعجب كيف امكن ان هوى مذهبيا او اجتهاد فرد يرسخ فتمكنا في قلوب امة حتى تجمع على ترك نصوص الكتاب.

(ونقول) ان فقهاء المسلمين من غير الشيعة ومن الشيعة متفقون على وجوب صلاة الجمعة باصل الشرع وعلى ان لها شروطا للوجوب وللصحة. فمن شروط الوجوب عند بعض فقهاء الشيعة اذن السلطان العادل فتجب عينا مع اذنه ويسقط وجوبها العيني والتخييري مع عدم اذنه وقالت طائفة تجب عينا ولا يشترط في وجوبها اذنه وقالت طائفة وهو الاصح تجب عينا مع اذنه وتخييرا بينها وبين الظهر مع عدم اذنه وقال الشافعي ومالك واحمد بن حنبل تصح اقامتها بغير اذن السلطان ويستحب استئذانه ، وقال ابو حنيفة لا تنعقد الا باذنه ولا تصح الا في مصر جامع لهم سلطان ذكر ذلك الشعراني في ميزانه.

فقد وافق الشافعي ومالك واحمد من قال من الشيعة بعدم اشتراط اذن السلطان ووافق أبا حنيفة من قال منهم باشتراط اذنه وبذلك ظهر ان قول الشيعة في الجمعة لا يخرج عن المذاهب الأربعة ، وان قوله انكر شيء رأيته «الخ» هو من انكر الامور وصادر عن حدة وعصبية وقلة تدبر كقوله ان هوى مذهبيا او اجتهاد فرد يرسخ في قلوب امة

حتى تجمع على ترك نصوص الكتاب ، فالشيعة اورع واتقى من ان تميل في مذهبها الى الهوى وافضل واعلم من ان تتبع اجتهاد فرد وتترك بذلك نصوص الكتاب فالكتاب الكريم لم يجئ مبينا لجميع شروط الواجبات وموانعها وجلها مستفاد من السنة والكتاب العزيز اوجب السعي الى صلاة الجمعة عند سماع النداء لها وجميع الفقهاء من جميع المذاهب اشترطوا العدد والخطبتين والحضر وليس لذلك ذكر في كتاب الله وابو حنيفة اشترط اذن السلطان والمصر ولا ذكر لهما في الكتاب فاين موضع النكارة لو كان من المنصفين او المتعقلين. واولى بالتعجب ان يكون هوى مذهبيا او اجتهاد فرد صحابي يرسخ متمكنا في قلوب امة فتسقط من اذان الصلاة واقامتها بعضهما وتدخل فيهما بعض عادات المجوس وتجمع على ترك نصوص الكتاب في بعض مسائل النكاح المعروفة وبعض مسائل الطلاق وغير ذلك. هذا هو محل التعجب لا ما زعمه. اما قوله صلت صلاة شيعية وخطب خطيبها خطبة شيعية فمما لا يكاد ينقضي منه العجب فصلاة الجمعة ليس فيها شيعية وغير شيعية بل هي عند الجميع ركعتان وخطبتها أيضا ليس فيها شيعية وغير شيعية بل فيها عند الجميع خطبتان بينهما جلوس مشتملتان على الشهادتين والتصلية والوعظ وسورة او آية من القرآن الكريم مع قول ابي حنيفة بكفاية التسبيح او التهليل او التحميد. واذا ساغ له ان يقول ذلك ساغ لغيره ان يقول انه رأى طائفة صلت جمعة صلاة غير شيعية «الخ» وما يدريك مع من هو الحق منهما حتى يعيبه الآخر.

تعظيم القبور وزيارتها

قال : وأرى المشاهد والقبور عندكم معبودة. ونقول اذا كانت زيارة مشاهد الأنبياء والأوصياء والاولياء والصلحاء وتعميرها وتعظيمها عبادة لها فهذا امر لا تختص به الشيعة بل يشاركها فيه عموم المسلمين من اهل نحلته عدا الوهابية وقد رأى بعينه تعظيم قبري الامام ابي حنيفة والقطب الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد وغيرهما من المشاهد وقبور الاولياء والصلحاء ورأى بعينه في مصر التي طبع وشيعته فيها ولا يزال يقطنها حتى اليوم تعظيم قبر الامام الشافعي ومشاهد رأس الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة وسائر المشاهد والقبور المعظمة هناك فتخصيصه

الشيعة بالنقد سفه وعصبية باردة. والحق ان قبور الأنبياء والأوصياء والصلحاء عند الشيعة وعند غيرهم مزورة معظمة لا معبودة كما يتوهمه الوهابية وقد اقمنا البرهان على رجحان زيارتها وتعظيمها واستحباب ذلك وانه ليس فيه شيء من العبادة في كتابنا (كشف الارتياب) المطبوع بما لا مزيد عليه فليرجع إليه من اراده.

المقابر

قال : اما المقابر فهي في اكثر بلادكم طرق للناس ومعابر يدوسها الانعام والكلاب وكل عابر. (ونقول) المقابر في بلاد الشيعة مثلها في بلاد سواهم منها ما هو مسور بحائط ومنها ما هو خلو من ذلك ومنها ما يعبر الناس فيه كثيرا ولا بد ان تعبر فيه الانعام والكلاب وكل عابر فلينظر الى مقابر بلاد الشام وقراها وجميع بلاد الاسلام حتى مقبرة البقيع بالمدينة المنورة هل ينقطع المرور فيها بين القبور وهل يمكن ذلك وقد قيل اقبح العيب ان تعيب ما فيك مثله

القرآن

قال صفحة (ي) : لم ار فيكم لا بين الاولاد ولا بين الطلبة ولا بين العلماء من يحفظ القرآن ولا من يقيم تلاوته ، ولا من يجيد قراءته ، ارى القرآن عندكم مهجورا أليس عليكم ان تهتموا في اقامة القرآن الكريم في مكاتبكم ومدارسكم.

ثم قال ص ٢٧ على عادته في التكرير والتطويل الممل بلا طائل لم ار بين علماء الشيعة ولا بين اولاد الشيعة لا في العراق ولا في الايران (كذا) من يحفظ القرآن ولا من يقيمه بعض الاقامة بلسانه ولا من يعرف وجوه القرآن الأدائية ما السبب في ذلك هل هذا اثر من آثار عقيدة الشيعة في القرآن الكريم. اثر انتظار مصحف علي الذي غاب بيد قائم آل محمد.

(ونقول) ان الشيعة في العراق وبلاد ايران ـ التي تكرم عليها بال وجاء بها معه من تركستان ـ وجميع البلدان اشد محافظة على القرآن من كل انسان يحفظونه في صدورهم ويتلونه في عشيهم وبكورهم وفي انديتهم وعلى قبورهم ويختمونه في ايامهم واسابيعهم وشهورهم يقع ذلك من صغيرهم وكبيرهم واناثهم وذكورهم. وان اراد حفظ القرآن عن ظهر القلب فكم فيهم من يحفظه كذلك وان كان ليس عاما

فيهم ولا في غيرهم ولكن يوجد في المصريين في كثيرهم واذا كان لم ير من يحفظه كذلك فهو لا يدل على عدم وجوده لأنه في سياحته لم يعاشر جميع طبقاتهم. والشيعة اذا حفظت القرآن تقرأه بخشوع وخضوع وبكاء ودموع شأنها في جميع العبادات والادعية والاذكار لا بغناء واطراب وتواجد واضطراب ومكاء وتصدية. واذا سمعته تسمعه بتدبر واعتبار لا بمجرد الاستماع الى حسن الصوت ونغمات القارئ وتغنيه وترديده وتلحينه والله تعالى قد ذم من لا يتدبر القرآن لا من لا يلحنه ويطربه. وليس كل من حفظ القرآن تدبره وعمل بما فيه ورب تال للقرآن والقرآن يذمه وهو له مخالف فهو يقول : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) وهو قد اغتاب اخوانه في العراق وايران بالباطل فنسبهم الى التهاون بحفظ القرآن وان السبب في ذلك اثر اعتقادهم في القرآن واساء الظن بهم في ذلك والله تعالى يقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) فما يفيده حفظ الفاظ القرآن وهو غير عامل بها.

ولا شيء اعجب من قوله ارى القرآن عندكم مهجورا مع انهم اكثر الناس تلاوة له واهتماما به ولا يمضي عليهم يوم دون ان يفتتحوه بقراءة القرآن ولا شهر رمضان دون ان يختموا فيه عدة ختمات. ولا يكاد ينقضي عجبي من قوله : أليس عليكم ان تهتموا في اقامة القرآن في مكاتبكم ومدارسكم فمتى رآنا هذا الرجل لا نهتم في اقامة القرآن في مكاتبنا ومدارسنا اننا وايم الله اشد اهتماما بذلك من كل من قال لا إله الا الله. ولكن ما الحيلة فيمن يخلق ما يقول ، اما قوله ما السبب في ذلك الى آخر كلامه الذي ابرزه مبرز السخرية فهو بهذا القول احق بان يسخر منه فاعتقاد الشيعة في القرآن الكريم هو اعتقاد جميع المسلمين كما سنبينه مفصلا عند تعرضه لتحريف القرآن.

واما قائم آل محمد

فقد اعترف به كل مسلم واذا كان هو وارث علم جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يستغرب ان يكون عنده تأويل متشابه القرآن الكريم.

وقد تعرض لذكر القائم في موضعين آخرين من وشيعته بطريق السخرية أيضا

وهو احق بان يسخر منه فقال في (ص) ١٩٤ وسبب التفاوت في الحظوظ في الميراث ان العائلة تنبني على نظام الأبوة والانثى في نظام الابوة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا ضمان في العاقلة وتأخذ المهر ولم يعرف البشر الا نظام الابوة او نظام الامومة وان تخيل متخيل دولة بنيت على خليط من هذين النظامين مثل دولة صاحب الزمان الامام المنتظر في الجزيرة الخضراء لشيعة بحار الانوار وغاية المرام فيكون القانون في مثل هذه الدولة للذكر مثل حظ الأنثى وقال (ص) ٢١٥ ما حاصله تروي امهات كتب الشيعة عن الصادق ان الله آخى بين الارواح في الاظلة قبل ان يخلق الابدان بألفي عام فاذا قام قائمنا اهل البيت يجعل ذلك الاخ هو الوارث ولم يورث الأخ من الولادة وبهذه الشريعة جعل النبي الصديق خليفة له بنسب الارواح لا بنسب الابدان وقال (ص) ٢٢٦ فيا ليت لو ان السادة الشيعة قبلت اليوم الحق الذي وقع بإرادة الله ورضى نبيه وانصفت الشيعة الامة واخذت بشريعة إمامها المعصوم صاحب الزمان وجعلت النبي صاحب القرآن في آخر حياته مثل صاحب الزمان في عظيم دولته وقالت ان الصديق كان وارثا للنبي وكان إماما بالحق ليت ذلك كان والا يجب ان يكون شرع صاحب الزمان ناسخا لشريعة جده وان يكون النبي اعجز في اقامة شرعه من صاحب الزمان الذي يختفي طول العصور وهو بنا معذور.

ونقول الامام المنتظر ليس منتظرا الشيعة بحار الانوار وغاية المرام فقط بل لجميع المسلمين ـ ان كان منهم ـ فقد اتفق علماؤهم وكتب احاديثهم ومنها بعض الصحاح لمن تسموا بأهل السنة على أنه لا بد من إمام يخرج في آخر الزمان يسمى محمدا من نسل علي وفاطمة يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وانما الخلاف في انه ولد او سيولد وائمة اهل البيت وشيعتهم قالوا بولادته وبوجوده في الامصار غائبا عن الابصار حتى يأذن الله له بالخروج حسبما تقتضيه حكمته ولهم على ذلك ادلة وبراهين مذكورة في كتب الكلام وغيرها ولا مانع من بقائه وطول عمره كما طال عمر نوح وعيسى والخضر والياس من الابرار والدجال وابليس من الاشرار فابرازه ذلك بمعرض السخرية وتعبيره عن غيبته باختبائه دليل على استحقاقه السخرية والاستهزاء وان جاء في خبر انه يسكن الجزيرة الخضراء وصح سنده فلا مانع من قبوله والا كان كباقي الاخبار الضعيفة المشتملة عليها كتب

الفريقين ولسنا ندري ما يريد بكلامه هذا الذي زعم فيه ان دولة صاحب الزمان خليط بين النظامين لنبدي رأينا فيه ولعله رأى خبرا في البحار لا يقول احد بمضمونه (والبحر يوجد فيه الدر والخزف) فعاب به فإن دأبه ان يترك المسلمات ويتتبع المهجورات. واما قوله يا ليت لو ان السادة الشيعة «الخ» فيا ليت انه يأتي في كلامه بشيء من البرهان ولا يقتصر على الدعاوى المجردة ولو شئنا لقلنا له اقلب تصب. ويا ليته يعلم بان الشيعة لا تعتقد بمضمون حديث ان شرع صاحب الزمان ناسخ لشرع جده ولا تصححه. ولا ندري لما ذا يلزم ان يكون النبي اعجز في اقامة شرعه من صاحب الزمان وبعد هذا نقول ان الاشتغال بهذه الأمور التي ليست من لب الاسلام ولا جوهره صحت أم فسدت حقت أم بطلت ولم يكلف النبي (ص) من يريد الاسلام باعتقادها ولا بعدمه لا فائدة فيه الا تفريق الكلمة وايقاد نار الفتنة واما لب الاسلام وجوهره فانه متفق عليه بيننا كما فصلناه غير مرة. ولكن ما تصنع بهذا الرجل الذي جعل دأبه المماحكة والمنابذة والسعي وراء القشور ونبذ اللباب والذي يلوح لنا من تتبع كلماته انه لا يزن كلامه. ولا يتأمل فيما يقول

التطبير

قال في صفحة (ح) انه رأى بالنجف يوم عاشورا العابا رياضية يسمونها التطبير ، قال وصوابها لفظا ومعنى واشتقاقا واصلا هو التتبير كنت اقول كلما اراها ان هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعلمون (الى ان قال) وكل هذه التمثيلات والالعاب لكان فيها روعة لو لم يكن فيها اغراء عداوة وبغضاء ولعجل الامام القائم المنتظر الرجعة لو رأى فيها اثر صدق بين ملايين الشيعة.

(ونقول) ان هذا التطبير لا يعتقد به اهل المعرفة من الشيعة ولا يستحلونه وقد ألّفنا فيه رسالة مطبوعة اسمها التنزيه لأعمال الشيعة ذكرنا فيها فتوى فقهائنا بتحريمه وانه من فعل الجاهلين فكيف ساغ له ان يدرجه فيما انتقده من عقائد الشيعة. واما انه كان يقول حين يراها : ان هؤلاء بشر ما هم فيه. فهل كان يقول ذلك حين يرى السيارة والدوسة وضرب الشيش واكل النار وضرب الدفوف والصياح الذي يشبه اصوات بعض الحيوانات والميل يمينا وشمالا وخروج الزبد من

الافواه والأصوات والانغام في مجالس الذكر وهل كان يقول ذلك حين يرى الالعاب الرياضية والدوران بالتنورة على رجل واحدة الذي يسميه الافرنج رقص الاسلام وغير ذلك مما لسنا بحاجة الى ذكره لاشتهاره. لا نراه تعرض لذكره ولا افادنا ما كان يقوله حين يراه في سياحاته في بلاد الاسلام فكيف تناساه وتغاض عنه ولم يتعرض لانتقاده.

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك اذا فعلت عظيم

وما ندري ما يريد باغراء العداوة والبغضاء الذي جمجم فيه وابهم ولعله يريد العداوة لمسببي قتل سبط الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واهل بيته وفاعليه ويروم الدفاع والمحاماة عنهم. والإمام المنتظر الذي صح بوجوده الخبر وتواتر الاثر سواء أرأي فيها اثر صدق أم لم ير فهي مما لا يستجيزه اهل المعرفة كما مر وليس لك ان تعيب ما فيك مثله واشنع منه.

العداوة بين المسلمين

قال ص ٢٢٧ : كنت اتعجب واتأسف اذ كنت ارى في كتب الشيعة ان اعدى اعداء الشيعة هم اهل السنة والجماعة ورأيت رأي العين ان روح العداوة قد استولت على قلوب جميع طبقات الشيعة.

(ونقول) سواء أكان ما ادعاه من عداوة الشيعة لمن يسميهم اهل السنة حقا أم باطلا فما باله اغضى الطرف عن عداوة أولئك للشيعة وانهم يرون الشيعة بأنهم اعدى اعدائهم فهل هو لم يجدها في كتبهم او وجدها وسكت عنها وهل هو لم ير رأي العين ان روح العداء قد استولت على قلوب جميع طبقات غير الشيعة الا من شذ او رآها وتعامى عنها ، انا لا نزال نتعجب ونتأسف لذلك. نعم ان روح العداء قد انتشرت بين المسلمين وهي من اعظم مصائب الاسلام وما كان انتشارها الا بما يبثه امثاله لا سيما بمؤلفاتهم التي يطبعونها وينشرونها كوشيعته هذه ينبشون فيها الدفائن ويثيرون الضغائن ويغرسون الاحقاد وينتقدون الشيعة بالباطل ويفترون عليهم قائلين انا نريد بذلك الاصلاح وتأليف القلوب وانهم لهم المفسدون.

التلاعن والطاعن

قال صفحة (ي) ـ بين كتب الشيعة ـ

غنينا عصورا في عوالم جمة

فلم نلق الا لا عنا متطاعنا

فان فاتهم طعن الرماح فمحفل

ترى فيه مطعونا عليه وطاعنا

هنيئا لطفل ازمع السير عنهم

فودع من قبل التعارف ظاعنا

هذه حال الشيعة في نسبتها الى الأمة.

(ونقول) : لهذا المنصف العادل او المتعصب المتحامل او العالم المتجاهل او الجاهل المتعاقل هل كان التلاعن والتطاعن منحصرا في الشيعة وكتبها أو عم المسلمين في جميع اعصارها وادوارها وكتبها واسفارها وما ذا رأيت بين كتب غير الشيعة وهل كانت حال هذه الامة التي تلهج دائما بذكرها في نسبتها الى الشيعة الا أسوأ من هذه الحال التي تدعيها. ومهما نسيت او تناسيت فلا تنسى عصرا كان التلاعن والتطاعن فيه بين من تسمى بامرة المؤمنين وتشرف بشرف الصحبة ونالت ألسنته علي بن ابي طالب رابع الخلفاء الراشدين والحسن والحسين سبطي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن عباس حبر الأمة واستمر ذلك فيما يزيد عن ثمانين سنة. وهل نسي او تناسى ما كان يجري بين الحنابلة والشافعية في بغداد وبين الحنفية والشافعية في بلاد خراسان مما تكفلت به كتب التاريخ وهل نسي او تناسى رجم جنازة الطبري صاحب التاريخ والتفسير من الحنابلة فليست هذه حال الشيعة في نسبتها الى الأمة بل حالة الأمة بعضها مع بعض وعلى ذكر هذه الأبيات التي أوردها جرى على لساننا هذه الأبيات :

لنا سلف فيما ترون مقدس

نرى فيه مطعونا عليه وطاعنا

وكلهم نال الرضا عند ربه

ولو قد غدا كل لكل مباينا

اذا ما اقتدينا بالذي من به اقتدى

ينال الهدى فالكل اصبح آمنا

زعمه التشيع بشكله الاخير لم يكن في العصر الأول

قال صفحة (ي) : والتشيع على شكله الذي نراه اليوم وكنا نراه من قبل لم يكن في العصر الأول وعهد الخلافة الراشدة «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض» قد الف الله بين قلوبهم وفي صفحة (ع) انا لا أريد ان اكذب القرآن الكريم والتوراة اذ يقول رحماء بينهم.

وفي ص ٣٤ : لم يقع بين الصديق والفاروق وبين علي خلاف في الخلافة ولم يقع بين هؤلاء الصحابة الكرام الاجلة ائمة الاسلام عداء ابدا اصلا نزع الله من صدورهم غلا كان فيها وكل آية نزلت في الثناء على الامة فهم اوّل داخل فيها وكل ما في كتب الشيعة وكتب الاخبار من العداء بين هؤلاء الأئمة فكلها موضوعة بلسان الدعاة العداة لو ثبت البعض منها لكان فيها عيب كبير للامام علي امير المؤمنين ولا هل بيته كافة. وفي ص ٥٠ لم يقع بين علي واكابر الصحابة تعاد اصلا.

(ونقول) : هل كان سعد بن عبادة سيد الخزرج من المؤمنين فلما ذا لم يبايع وقال منا امير ومنكم امير وقيل فيه اقتلوا سعدا قتل الله سعدا حتى خرج الى حوران وقتلته الجن بسهم المغيرة بن شعبة الصحابي في عهد الخلافة الراشدة. وهل كان ذلك مسببا عن الولاية وألفة القلوب وهل كان علي بن ابي طالب من غير المؤمنين فلم يبايع الا بعد وفاة فاطمة على بعض الروايات. وهل كان من الولاية والالفة بين القلوب ما كانت تقوله أمّ المؤمنين والمؤمنات للخليفة الثالث. وهل كان حرب الجمل وصفين منبعثا عن الولاية والالفة بين القلوب وهل كان ذلك كله في العصر الأول وعهد الخلافة الراشدة وهل يرى ان اصحاب الجمل لم يكونوا من اكابر الصحابة رجالا ونساء. وهل كان موت الزهراء وهي واجدة على الخليفة ـ كما رواه البخاري في صحيحه ـ ناشئا عن الولاية والالفة بين القلوب. وهل كان قتل الخليفة الثالث بين ظهراني المهاجرين والانصار مسببا عن الولاية والالفة بين القلوب والمحبة الزائدة وحرب الجمل وصفين هل كان سببه الولاية بين المؤمنين والمؤمنات والالفة بين قلوبهم والتراحم بينهم او حب الدنيا والامارة او خدعة الصبي عن اللبن بالاجتهاد المخطئ؟!

وسيأتي منه أنه وقع في تاريخ الاسلام أمران لا ندري أيهما أفجع وأشد وقعا وأذهب بالدين والشرف قتل عثمان بمرأى من المهاجرين والانصار أو قتل الحسين وهو يناقض

كلامه هنا مناقضة صريحة كما سنفصله هناك ولكنه لا يبالي بتناقض كلامه او لا يفهمه.

واذا كان اهل العصر الأول كلهم كما ذكر قد الف الله بين قلوبهم فلما ذا احتيج الى الاعتذار عما صدر بينهم بانه اجتهاد للمخطئ فيه اجر وللمصيب اجران فهل يمكن لموسى جار الله ان يحل هذا اللغز ليكون صادقا في دعواه وقد كان الاولى به عدم التعرض لهذه الامور لئلا يضطرنا الى نبش دفائنها وهو لا يريد ان يكذب القرآن الكريم والتوراة بصراحة ووضوح بل يريد ان يكذبهما بالكناية من دون تصريح فيقول ان قوله تعالى في القرآن الكريم (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) (الآية) شامل لبعض اصحاب الملك العضوض من بني امية ممن سفكوا الدماء الحرام واستحلوا الاموال الحرام وانتهكوا حرمة الاسلام وفرقوا كلمة المسلمين وتلاعنوا وتشاتموا على رءوس المنابر لأنهم مجتهدون فكان ذلك كله نوعا من التعاطف والتراحم بينهم وحياطة للإسلام وليس خاصا فيكون مكذبا للقرآن ولكن بلباقة وكناية لا بصراحة ونود ان لا يكون وقع بينهم خلاف في الخلافة ولا عداء كما قال. وكان الاولى به ـ لو عقل ـ طي هذه الامور فليس في نشرها في هذه الاعصار الا الضرر للمسلمين لكننا نسأله لما ذا لم يدخل علي في الحروب التي وقعت في الفتوحات الاسلامية بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا في ولاية او أمارة فهل جبن بعد ما كان شجاعا وانما قام الاسلام بسيفه او خفي عليه فضل الجهاد او لم يكن اهلا للولاية والامارة وقيادة الجيوش او في الامر سر آخر لا نعرفه. ولما ذا دفن البضعة الزهراء ليلا واخفى قبرها حتى انه لا يعرف موضعه على التعيين حتى اليوم وهناك امور أخر لا يتسع المجال لذكرها نضرب عنها صفحا ونطوي دونها كشحا ومحافظة على تأليف القلوب والله ولي عباده والعالم بسرهم وجهرهم ، ولو كان في خوف نبي او امام عيب عليه لكان ذلك في قرار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكة ليلة الغار خوفا على نفسه من قريش وفرار موسى عليه‌السلام من فرعون وقومه لما خافهم وخروجه من مصر خائفا يترقب وقول لوط عليه‌السلام لو ان لي بكم قوة او آوى الى ركن شديد ، وقول هارون ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني عيبا عليهم وحاشاهم.

محبة اهل البيت

قال صفحة (ي) : وكان كل يحب اهل البيت ويحترم بيت النبوة وقال صفحة (ك) ومحبة الامة لاهل البيت كانت صادقة لا يلعب بها غرض سياسي ، وقال ص ٣٤ والامة هم اولى الناس بأهل البيت وكل الأئمة. والولاية الصادقة بمعناها الصحيح الذي يرتضيه اهل البيت لا توجد اليوم وقبل اليوم الا عند اهل السنة والجماعة وهم عامة الامة ، وقال ص ٦٢ الامة اصدق ولاية لأهل البيت. الامة اهدى وارشد متابعة لاهل البيت في كل ما يصح عنهم وثبت عن امام الأئمة علي امير المؤمنين وقال ص ١٠٦ ولايتنا نحن اهل السنة والجماعة لاهل البيت حبا واحتراما واتباعا اصدق وأشد واقوى واقوم من ولاية الشيعة الامامية لاهل البيت.

(ونقول) : المحبة والولاية أمر قلبي لا يطلع عليه الا الله تعالى ولكن له دلائل وعلامات. وكذلك الاحترام تدل عليه الأقوال والافعال. ومن دلائل محبة الامة لأهل البيت محبة صادقة لا يلعب بها غرض سياسي انحرافها عن سيد أهل البيت وامامهم ومحاربته يوم الجمل وصفين ولعنه ولعن ولديه وابن عمه وخيار اصحابه على المنابر الاعوام المتطاولة قصدا لأن يربو عليها الصغير ويهرم عليها الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلا والامة بين فاعل وساكت. ومن انكر كان جزاؤه القتل صبرا بمرج عذرا او الدفن حيا فهل يريد موسى جار الله دليلا على صدق محبة الامة اقوى من هذا وحجة اوضح. ومن دلائل ذلك موالاة من اشاد بلعن اهل البيت على المنابر واوقع القتل والنهب والحرمان بمن لا يبرأ منهم والشاعر يقول :

صديق صديقي داخل في صداقتي

صديق عدوي ليس لي بصديق

وتعريضه بالشيعة بان لهم في حبهم غرضا سياسيا جهل منه وقلة انصاف فالشيعة لم تحبهم لغرض سياسي واي غرض سياسي تجنيه من ذلك والدنيا والملك في يد غيرهم فان كان لأحد غرض سياسي في حب آخر فليكن حبه لغيرهم وما احبتهم الشيعة الا اتباعا لما امر الله تعالى به ورسوله بقوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) وقوله عليه‌السلام مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ومثل باب حطة واشباهه مما لا يحويه نطاق الحصر. نعم ما كان سبب صرف الناس عنهم

والعداوة لهم الا الاغراض السياسية ومحبة غير الشيعة لهم التي جعلتهم فيها كسائر الناس او اقل لم يلعب بها غرض من الاغراض الا الغرض السياسي وتبع فيها اللاحق السابق ولكن لا عجب من هذا الرجل فهو يختار في اكثر دعاويه مصادمة الضرورة والبديهة. وكأنه يريد الاستدلال على الحق بكثرة الاتباع بتعبيره بعامة الامة وغير خفي ان الكثرة لا تصلح دليلا على ذلك ولا القلة على ضده لما هو غني عن البيان وما زال اتباع الحق الاقلين في كل زمان. (وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ).

وقد مدح الله تعالى القلة في القرآن في نحو من عشرين موضعا وذم الكثرة في القرآن في نحو من مائة موضع. ومن صدق محبة الأمة لسيد أهل البيت ايصاؤه اولاده ان يدفنوه سرا خوفا عليه بعد موته ودفنه. ومن صدق محبة الأمة لأهل البيت ايصاء الزهراء عليها‌السلام بأن تدفن ليلا سرا ولا يعرف قبرها. ومن صدق محبة الأمة لأهل البيت حربها للحسن ريحانة الرسول من أهل البيت وممالئتها لعدوه حتى اضطرته الى صلح مشين خوفا على نفسه واتباعه حتى قضى مسموما مظلوما قد غصب حقه ونقض عهده ، ومن صدق محبة الأمة لأهل البيت قتلها الحسين سبط الرسول وريحانته من أهل البيت بتلك الصورة الفظيعة وما اعقبها من فظائع وفجائع فكانت الأمة بين قاتل وخاذل إلا نفرا قلائل ولله در القائل :

قضى اخوه خضيب الرأس وابنته

غضبى وسبطاه مسموما ومنحورا

ومن صدق محبة الامة لاهل البيت ما فعلته مع ابناء الحسن السبط من حملهم من المدينة الى العراق مغللين مكبلين وحبسهم بالهاشمية في محبس لا يعرفون فيه الليل من النهار واذا مات منهم واحد بقي معهم في محبسهم لا يغسل ولا يكفن ولا يدفن يشجيهم منظره ويؤذيهم ريحه حتى هدم عليهم الحبس فماتوا تحت انقاضه والامة بين فاعل وخاذل. ومن دلائل محبة الامة لاهل البيت اعراضها عن مذهبهم وهجره ومعاداة من ينتسب إليه وتبرؤها ممن يعمل بمذهبهم ويقلدهم دينه وهجر طريقتهم اصلا ورأسا واتباع من لا يصل الى درجتهم علما وعملا فلا يساوونهم بالثوري ولا بمحمد بن الحسن الشيباني ولا بابي يوسف فضلا عن الائمة الاربعة مع

ان مذهبهم اقرب الى الصحة واولى بالاتباع من غيره لانهم اخذوه عن آبائهم عن اجدادهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عن الله تعالى كما قال الشيخ البهائي :

ووال اناسا قولهم وحديثهم

روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

أفلا يكفي هذا كله دليلا على ما يزعمه موسى جار الله من ان الامة اصدق واهدى واشد اتباعا لاهل البيت وامام الائمة علي عليه‌السلام ، ومن صدق محبة الامة لاهل البيت معاداتهم لشيعتهم واتباعهم ومن ينتمي إليهم ونبزهم بالالقاب واختلاق المعايب لهم وستر الفضائل فعادوهم وآذوهم واقصوهم وحرموهم وقد قال الامام جعفر الصادق عليه‌السلام كما عزاه إليه صاحب العتب الجميل.

ان اليهود بحبها لنبيها

امنت معرة دهرها الخوان

وذوو الصليب بحب عيسى أصبحوا

يمشون زهوا في قرى نجران

والمؤمنون بحب آل محمد

يرمون في الآفاق بالنيران

وقال الطغرائي.

حب اليهود لآل موسى ظاهر

وولاؤهم لبني اخيه بادي

وأمامهم من نسل هارون الأولى

بهم اهتدوا ولكل قوم هادي

وأرى النصارى يكرمون محبة

لنبيهم نجرا من الأعواد

واذا توالى آل احمد مسلم

قتلوه او وسموه بالالحاد

هذا هو الداء العياء بمثله

ضلت حلوم حواضر وبوادي

لم يحفظوا حق النبي محمد

في آله والله بالمرصاد

ومن صدق محبة الامة لامام اهل البيت علي امير المؤمنين عليه‌السلام انها عمدت الى كل فضيلة له ثبتت بالنقل الصحيح فانكرتها تارة ووهنتها اخرى وتناولتها بشتى التأويلات الفاسدة ورامت معارضتها بما لم يصح ولم يثبت. أفلا يكفي كل هذا دليلا على ما يزعمه موسى جار الله من ان الامة اصدق واهدى وارشد اتباعا لاهل البيت وامام الأئمة علي امير المؤمنين. وقد اقتفى موسى جار الله اثرهم وزاد عليهم فيما يأتي من كلماته ليبرهن على صدق دعواه هذه.

قال ص ٣٤ : وليس الشأن كل الشأن في ولايتنا وحبنا لاهل البيت اذ لا يوجد مؤمن يعادي اهل البيت وانما الشأن كل الشأن فيمن يحبهم اهل البيت. ولا ارى ولا اتوهم ان عليا واولاده الائمة يحبون من يعادي الصحابة او يعادي العصر الأول.

(ونقول) : نعم لا يوجد مؤمن يقول انا اعادي اهل البيت والشأن فيمن يحبهم اهل البيت لا من يقول انا احب اهل البيت ، ولكن يا ترى ان من قال انا احب اهل البيت وهو يوالي اعداءهم ويعادي اولياءهم هل يكون صادقا في دعواه وهل ان اهل البيت يحبون من اشاد بلعن سيدهم على المنابر من اهل العصر الاول ومن يواليه ويحامي عنه من اهل الاعصار الأخيرة ، ومن قال ان الحسين خارجي حلال الدم وان يزيد خليفة حق وغير ذلك.

ترد عدوي ثم تزعم انني

صديقك ان الرأي منك لعازب

وللكاتب العالم المشهور عبد الله بن مسلم بن قتيبة كلام في كتاب الاختلاف في اللفظ طبع مصر يوضح ما قلناه ويثبته قال في ص ٤٧ بعد ما ذم حالة العلماء في عصره ما لفظه مع بعض الاختصار : وقد رأيت هؤلاء قابلوا الغلو في حب علي بالغلو في تأخيره وبخسه حقه ولحنوا في القول وان لم يصرحوا الى ظلمه واعتدوا عليه بسفك الدماء بغير حق ونسبوه الى الممالاة على قتل عثمان واخرجوه بجهلهم من أئمة الهدى الى جملة أئمة الفتن ولم يوجبوا له اسم الخلافة لاختلاف الناس عليه واوجبوها ليزيد بن معاوية لإجماع الناس عليه واتهموا من ذكره بخير وتحامى كثير من المحدثين ان يحدثوا بفضائله او يظهروا ما يجب له وكل تلك الاحاديث لها مخارج صحاح وجعلوا ابنه الحسين خارجيا شاقا لعصا المسلمين حلال الدم واهملوا من ذكره او روى حديثا من فضائله حتى تحامى كثير من المحدثين ان يتحدثوا بها وعنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص ومعاوية كأنهم لا يريدونهما بذلك وانما يريدونه. فان قال قائل اخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي وابو سبطيه الحسن والحسين واصحاب الكساء علي وفاطمة والحسن والحسين تمعرت (١) الوجوه وتنكرت العيون وطرت حسائك الصدور وان ذكر ذاكر قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه وانت مني بمنزلة هارون

__________________

(١) في لسان العرب في الحديث فتمعر وجهه أي تغير واصله قلة النضارة وعدم اشراق اللون من قولهم مكان امعر وهو الجدب الذي لا خصب فيه ا ه. ـ المؤلف ـ.

من موسى واشباه هذا التمسوا لتلك الاحاديث الصحاح المخارج لينقصوه ويبخسوه حقه وهذا هو الجهل بعينه ا ه

فما رأي صاحب الوشيعة في هذا الكلام وابن قتيبة مرمي بالانحراف عن أهل البيت ، قال الكوثري المعاصر في حاشية كتابه المذكور ـ أي الاختلاف في اللفظ ـ أنه ـ أي ابن قتيبة ـ في مؤلفاته السابقة يشف من ثنايا نقوله ما شجر بين الصحابة الانحراف والنصب حتى أن الحافظ ابن حجر قال في حق حمل السلفي كلام الحاكم فيه على المذهب : أن مراد السلفي بالمذهب النصب فإن في ابن قتيبة انحرافا عن أهل البيت والحاكم على ضد من ذلك ا ه.

قال صفحة (ك) وميل الشيعة زمن الأموية إلى أهل البيت لم يكن عاطفة دينية وإنما هو رغبة وأمل فيما كانوا ينتظرونه على أيدي أهل البيت من الحكم بالعدل ومن الاستقامة في السيرة فكان تشيع الشيعة عداوة لبني أمية وبني العباس. (نقول) هذه الدعاوى كغيرها من دعاواه مجردة عن الدليل لا يعضدها برهان ويخالفها الدليل والوجدان. بل ميل الشيعة زمن الأموية وفي كل زمان إلى أهل البيت كان عن عقيدة دينية راسخة لما بلغهم من قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي. أني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي. مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هوى. مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة من دخله كان آمنا وأمثالها. ولما رأوه فيهم من الفضل والعفة والنبل والعلم والعمل والزهادة والعبادة. ولما رأوه في سواهم من أضداد هذه الصفات.

(وقوله) : من الحكم بالعدل والاستقامة في السيرة اعتراف منه بأن ذلك لم يكن في بني أمية وهذا مما أوجبه الدين والشرع فالميل إلى من يرجى فيه ذلك يكون عاطفة دينية والميل عمن فيه ضد ذلك ليس إلا للعاطفة الدينية فهو يناقض قوله لم يكن عاطفة دينية (وقوله) فكان تشيع الشيعة عداوة لبني أمية وبني العباس يناقض قوله رغبة وأملا فيما كانوا ينتظرونه على أيديهم من الحكم بالعدل والاستقامة في السيرة فوقع في كلامه ثلاث جمل متتالية متناقضة. لم يكن عاطفة دينية يناقض رغبة في العدل والاستقامة والثاني يناقض عداوة للأموية والعباسية مع أنه لم يكن بين

الشيعة وبين الأمويين شيء خاص يوجب العداوة إلا العداوة الدينية لظلمهم أهل البيت فما هي إلا العاطفة الدينية على أنه كان في الأمويين جماعة متشيعين مثل خالد ابن سعيد بن العاص وكان عمر بن عبد العزيز يقول بتفضيل علي (ع) وخبره في الذي حلف بطلاق زوجته إن لم يكن علي أفضل الناس بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معروف ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج من رواية ابن الكلبي ويحكى التشيع عن معاوية الأصغر ، ومثل مروان بن محمد السروجي. قال المرزباني في تلخيص اخبار شعراء الشيعة : كان من بني أمية من مصر وكان حسن التشيع. ومثل صاحب الأغاني من نسل مروان بن الحكم. وكان في العباسيين جماعة كذلك أولهم عبد الله بن العباس الذي بلغ الغاية في نصر أمير المؤمنين عليه‌السلام ونشر فضائله ومنهم المأمون والامام الناصر وغيرهما ، وكل هذا يدل على قصور نظره.

زعمه حدوث التشيع زمن علي عليه‌السلام

قال صفحة (ي) : ولم يحدث التشيع والتخرج إلا زمن علي بدهاء معاوية وفساد الأموية حدث من عداوة جاهلية بين أفراد أو بين بيوت ولم يكن من الدين ولا من الاسلام في شيء. ولو كان لعلي سيرة النبي وسياسة الشيخين لما كان للتشيع من إمكان.

(ونقول) : دعواه أنه لم يحدث التشيع إلا زمن علي ـ أي زمن خلافته ـ دعوى باطلة. فقد قال الشيخ أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي في كتاب الفرق والمقالات المطبوع في استانبول : الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمون بشيعة علي في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما بعده معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته وقال أبو حاتم السجستاني في الجزء الثالث من كتاب الزينة أن لفظ الشيعة كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقب أربعة من الصحابة سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وذلك صريح في أن مبدأ التشيع من زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال السيوطي في الدر المنثور في تفسير كلام الله بالمأثور في تفسير قوله تعالى (أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) اخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله كنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاقبل علي فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والذي نفسي بيده أن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة «الحديث» قال :

واخرج ابن عدي عن علي قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألم تسمع قول الله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم لحساب تدعون غرا محجلين إلى غير ذلك. وهذا وإن لم يصرح فيه بوجود التشيع لعلي يومئذ إلا أنه يدل على أن باذر بذر التشيع هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان اسم التشيع لعلي لم يحدث في خلافته بل قبلها وأن التشيع له لم يحدث بدهاء معاوية وبغيه بل بأمر النبي (ص) وبشارته. والسامعون لهذا الكلام ومنهم جابر لا بد من أن يكون فيهم من تشيع لعلي بعد سماعه هذا الكلام المؤثر المرغب ان لم يكن متشيعا له قبل ذلك ، وما سماه دهاء معاوية قد أخطأ في تسميته وهو أولى أن يسمى بغير هذا الاسم وينعت بسوى هذا النعت مما يعرفه العارفون ويتحققه المنصفون. أما فساد الأموية فسواء أحدث من عداوة جاهلية بين أفراد أو بيوت كما زعم أم من عداوة دينية بين الاسلام والوثنية وعبادة الله وعبادة الاصنام ومن ثارات بدرية وضغائن احدثها يوم الفتح وانتصار الاسلام على الكفر فالذنب فيه ليس على الامويين وحدهم بل على الامة المعصومة بزعمه التي اعانتهم ونصرتهم ومهدت لهم ، وما كلامه هذا الذي اراد ان يعتذر به للأمويين من طرف خفي الا خارج من هذا المنبع وهل كان حرب الجمل من عداوة بين العلوية والاموية وهل كان فعل ابن الزبير مع ان اباه ابن عمة الرسول وعلي بن ابي طالب ـ حين قطع ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الخطبة كما يأتي ـ مسببا عن العداوة بين الاموية والعلوية.

ومن ذلك تعلم ان قوله : لم يكن من الدين ولا من الاسلام في شيء. ليس من الحق ولا من الصواب في شيء ، فما جاهدت العلوية الاموية وعادتها الا دفاعا عن الدين الذي ارادت الاموية ان تثأر منه وما حاربت الاموية العلوية وعادتها الا انتقاما من الدين والاسلام ، ولذلك قال عمار بن ياسر يوم صفين ان هذه الراية قاتلتها ثلاث عركات ما هذه بارشدهن او ما هذا معناه. وقوله لو كان لعلي سيرة النبي جهل منه بمقام علي او تجاهل فسيرة علي عليه‌السلام لا تعدو سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيد شعرة فبسيرته اقتدى. وعلى مثاله احتذى وفي منهاجه نهج. وكيف لا يكون كذلك وهو الذي ربي في حجر النبي (ص) وتأدب بآدابه واقتدى بهداه وكان منه بمنزلة هارون من موسى وكان نفسه في آية المباهلة ، وقال فيه النبي (ص) علي مني وانا من

علي ـ رواه البخاري ـ علي مني بمنزلة الصنو من الصنو. علي مني بمنزلة الذراع من العضد وآخاه دون كل الصحابة. وقال له تقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. وقال علي عليه‌السلام ـ كما في نهج البلاغة ـ وانا من رسول الله (ص) كالصنو من الصنو او كالضوء من الضوء والذراع من العضد. قال ابن ابي الحديد في الشرح : وهذه الرتبة قد اعطاه اياها رسول الله (ص) في مقامات كثيرة نحو قوله في قصة براءة قد امرت ان لا يؤدي عني الا انا او رجل مني وقوله لتنتهن يا بني وليعة او لأبعثن إليكم رجلا مني او قال عديل نفسي ، وقد سماه الكتاب العزيز نفسه فقال : (وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) وقال له لحمك ولحمي مختلط ودمك منوط بدمي وبشرك وبشري واحد الى غير ذلك مما لا يسعه المقام ، أفلا يكفي هذا ان يكون لعلي سيرة النبي عند موسى تركستان. ولما قال له عبد الرحمن بن عوف ابايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين أبى إلا المبايعة على كتاب الله وسنة رسوله وهذه هي السيرة النبوية في تقديم الكتاب والسنة على كل شيء أفيحسن التركستاني بعد هذا ان يقول لو كان لعلي سيرة النبي. وأولى بالصواب ان يقال : لو كان للشيخين سيرة وسياسة علي لما كان للتشيع من امكان. وكيف يتصور ذو عقل أو ذو دين أن يكون لعلي غير سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وقال ص ٣٤. كل يعلم وكلنا نعلم ان البيوت الاموية والعباسية والعلوية كانت بينها ثارات وثارات وعداوات عادية قديمة وحديثة ولم تكن الا خصائص بدوية سامية عربية قد كانت وضرت الاسلام ووقعت بها فقط لا بغيرها في تاريخ الاسلام امور منكرة لم تقع في غيره ثم زالت بزوال اهلها وليس فيها اثم ولا أثر لاهل الاسلام ولا لاهل السنة ليس الاثم الا لاهلها وهم البيت الاموي والبيت العباسي والبيت العلوي والله يفصل بينهم يوم القيامة.

وقال صفحة (ج س) : وعلى علي لبني امية ثارات باقلها تستحل طبيعة العرب المحارم وتستبيح الدماء قلت ذلك ليعلم ان ما وقع في اوائل افضل العصور الاسلامية لم يقع الا من بيوتات اموية هاشمية علوية لعداوة قديمة ليس للاسلام فيه من اثر ولا لأهل السنة والجماعة فيه من دخل قد كانت عفاريت الاعداء توري به نيران البغضاء في قلوب الامم الاسلامية.

وفي ص ٤٩ ـ ٥٠ تراجم الابواب ـ في الكتب ـ مثل باب ما نزل من الآيات في

اعداء الائمة هذه التراجم في نفسها ساقطة سخيفة لم يكن للامة عداوة للأئمة وان كان وقع بين اموي وعباسي وعلوي عداوة عادية بدوية فلم ينزل فيها شيء والامة منها بريئة تمام البراءة ، نعم قد استفاد اعداء الاسلام من تعادي هذه البيوت استفادة شيطانية ولا ذنب فيها على الامة ومر في صفحة (ي) قوله ان التشيع حدث من عداوة جاهلية بين افراد او بين بيوت ولم يكن من الدين ولا من الاسلام في شيء.

ونقول (أولا) زعمه ان هذه التارات والعداوات بين الامويين والعلويين وبين العباسيين والعلويين كانت امورا عادية بدوية تستحل العرب المحارم وتستبيح الدماء بأقلها ليس فيها اثم ولا اثر لاهل الاسلام ولا لمن تسموا باهل السنة ليس الاثم فيها الا لاهل البيوت الثلاثة والامة منها بريئة هو تمويه وتضليل فالثارات والعداوات بين الامويين والعلويين لم تكن الا بين الكفر والاسلام وعبادة الله وعبادة الاصنام مهما غير اسمها او بدل وصفها فذلك لا يجعل لاهلها ولمن مكنهم منها عذرا ، وطبيعة العرب في استحلال المحارم واستباحة الدماء قد محاها الاسلام ولو صدق اسلام بني امية لما كانوا يثأرون لها. فالصواب انها لم تكن الا بدرية لا بدوية وشهد شاهد من اهلها بقوله (ليت اشياخي ببدر شهدوا) وفي غير ذلك شواهد ممن سبقوا يزيد وممن تأخروا عنه وان اراد سترها وتمويهها بانها عادية بدوية كالتي حدثت بسبب داحس والغبراء فهي سهلة ليس لها كثير اهمية لم ينزل فيها شيء ولو نزل فيها شيء لعلمه موسى جار الله والامة منها بريئة تمام البراءة ـ براءة اخوة يوسف من القائه في الجب ـ واذا كان الامر كذلك فمن هم الذين مكنوا ومهدوا لهم حتى ارتكبوا هذه المنكرات وهل كانت آثام تلك المنكرات الا في رقابهم والذين نازعوا عليا وحاربوه بجيوشهم يوم الجمل وصفين والنهروان وشقوا عصى المسلمين وقتلوا مئات الالوف منهم وجعلوا بأس المسلمين بينهم والذين سب علي وبنوه على المنابر عشرات السنين وهم ساكتون لا يغيرون بيد ولا لسان او معاونون والذين اضطروا اولاده ان يدفنوه سرا ويخفوا قبره والذين حاربوا الحسن مع بني امية والذين خذلوه وكاتبوا عدوه والذين طعنوه في فخذه وانتهبوا رحله والذين مهدوا لسمه ولخلافة يزيد حتى جيش الجيوش على الحسين والذي ترك الصلاة على النبي (ص) في خطبته مدة طويلة ـ فيما رواه المؤرخون ـ وقال ان له اهيل سوء اذا ذكرته اقلعوا اعناقهم فاحب ان اكبتهم

وقال بيت سوء لا اوّل لهم ولا آخر والذين كانوا يسمعون ولا يغيرون بيد ولا لسان والذين مهدوا لبني امية حتى ولوا زيادا والحجاج على المسلمين وفعلا الافاعيل والذين اعانوا بني العباس حتى ظلموا الطالبيين وبنوا عليهم الحيطان وقتلوا الامام موسى بن جعفر بالسم بعد حبسه سنين وحرثوا قبر الحسين ومنعوا من زيارته وسخروا من امير المؤمنين علي في مجالس اللهو كل هؤلاء لم يكونوا من الامة المعصومة ولا اثم ولا اثر لها في ذلك ولا لقومه الذين يدافعون وينافحون عن مرتكبي تلك الجرائم جهدهم كل هذه امور عادية بدوية حدثت بين الامويين والعباسيين والعلويين فقط كالتي حدثت بين بني عبس وبني ذبيان لا دخل فيها لاحد سواهم ، اصحاب الجمل وصفين كلهم من بني امية والذين مع علي كلهم من العلويين وباقي الامة كانت على الحياد تعبد الله وتسبحه وتقدسه معتزلة للفريقين اعتزال الاحنف في بني تميم. قال ذلك موسى جار الله محافظة على افضل العصور لئلا يقال انه وقع فيها مثل هذه القبائح فكان كغاسل الدم بالبول ، والمنصور والرشيد والمتوكل وغيرهم من بني العباس كانوا خصماء العلويين وحدهم لم يساعدهم احد من الامة ولم يكن في ووزرائهم ولا جيوشهم احد من غير بني العباس والعداوة بينهم وبين العلويين عادية بدوية قضايا مسلمة وامور ضرورية لا يشك في فسادها الا ابله او متعصب غطى الهوى على بصيرته. وعداوة بني العباس للعلويين لم تكن عادية ولا خصائص بدوية عربية بل حسدا للعلويين وخوفا منهم على ملكهم ولم يكن لها اثر قبل تولي بني العباس الملك ولم يكن فيها ذنب للعلويين الا فضلهم وميل الناس إليهم ومن الذي كان يعين العباسيين على العلويين غير الامة المعصومة.

(ثانيا) زعمه انه وقعت بها فقط لا بغيرها امور منكرة في تاريخ الاسلام مؤكدا بقوله (فقط لا بغيرها) جهل منه او تجاهل ففتنة قتل عثمان وحرب الجمل بل وحرب صفين كانت من الامور المنكرة التي جرت الويلات على الاسلام والمسلمين كانت بغيرها لا بها وكم وقعت في تاريخ الإسلام أمور منكرة لا تحصى كانت بغيرها لا بها وشهرتها تغني عن ذكرها.

(ثالثا) إذا كانت زالت بزوال اهلها فآثارها باقية الى اليوم وبعد اليوم وجدالك هذا معنا وتهوينك امرها اثر من آثارها.

(رابعا) عفاريت الاعداء واعداء الاسلام الذين حاربوه يوم بدر وأحد والاحزاب وغيرها ثم دخلوا فيه كرها ليحقنوا دماءهم هم الذين كانوا يضرمون نيران البغضاء في قلوب الامم الاسلامية لنيل مآربهم الدنيوية فاستفادوا فوائد شيطانية دنيوية ساعدتهم عليها الامة المعصومة بعفاريتها وشياطينها فكان الذنب كل الذنب عليها لا على عبد الله بن سبأ وامثاله كما يفهم من كلامه في موضع آخر ولا ما قلد فيه غيره ولاكته بعض الألسن من ان التشيع لاهل البيت حدث من الفرس كيدا للاسلام ومن بعض اليهود فانه بعيد عن الحقيقة بعد السماء عن الارض وهو من الامور الشيطانية لا يراد به الا ستر القبائح واخفاء الفضائح وهيهات.

(خامسا) اشراكه البيت العلوي مع البيتين الآخرين في غير محله فاين آل امية وآل عباس من آل علي قال الشريف الرضي :

لنا الدولة الغراء ما زال عندها

من الظلم واق أو من الجور منصف

بعيدة صوت في العلى غير رافع

بها صوته المظلوم والمتحيف

وقال ابو فراس الحمداني :

وما توازن يوما بينكم شرف

ولا تساوت بكم في موطن قدم

وقال بعض شعراء العصر :

حاشا بني فاطم ما القوم مثلهم

شجاعة لا ولا جودا ولا نسكا

(سادسا) قوله هذه التراجم في نفسها ساقطة سخيفة لم يكن للامة عداوة للأئمة. هو في نفسه كلام ساقط سخيف يكذبه أن إمام الأئمة مضى أكثر عمره ولم يدخل في شيء من امور الأمة جهاد ولا غيره وجرى عليه وعلى ولديه الحسنين ما مر في الأمر الأول وتتبع الظالمون شيعته وذريته فاوسعوهم قتلا وحبسا وتشريدا وغيرها من أنواع الظلم الفاحش وباقي الأئمة كانوا في الدولتين تحت ستار من الخوف وفي مضايق الاضطهاد والظلم والحبس والنفي والقتل بالسم وأنواع الأذى كما هو معروف مشهور. كل هذا ولم يكن للأمة عداوة لهم وتركت الأمة مذهبهم ولم تره كأحد

المذاهب التي تقلدها مع أنه أولى بالاتباع وكان الباعث على ذلك المودة لا العداوة حتى قام موسى التركستاني اليوم يشكك في روايتهم فيقول ان كانت لهم رواية.

الصحابة والعصر الأول وأمهات المؤمنين

نسب إلى الشيعة في مواضع من كتابه امورا قال انها لا تتحملها الأمة والعقل والدين وهي (١) القول في الصحابة وفيمن غصب حق أهل البيت وظلمهم (٢) في العصر الأول (٣) في امهات المؤمنين ، ناقلا ذلك عن بعض الكتب التي فيها الحق والباطل والصحيح والسقيم ولو كان كل ما فيها صحيحا فلما ذا وضع علم الرجال وعلم الدراية هل هو إلا للبحث عن الأسانيد وتمييز الصحيح منها من السقيم والأخذ بما صح سنده ولم يخالف الكتاب والسنة والاجماع وطرح ما عداه ولا يمكن أن ينسب إلى طائفة من أهل المذاهب اعتقاد كل ما في كتب أفرادها إذ ليسوا كلهم بمعصومين ولا كل ما رووه في كتبهم صحيحا بل صاحب الكتاب لا يرى كل ما في كتابه صحيحا وإنما ذكر سنده كما وجده وإذا كان تحرى فإنما أخذ في صحة الاسناد بالظنون والاجتهادات التي يجوز عليها الخطأ ويجوزها هو على نفسه وقد يظهر لغيره ما لم يظهر له ويطلع غيره على ما لم يطلع هو عليه فيخالفه في رأيه ويكون الصواب مع ذلك الغير. ونحن نتكلم على كل واحد من هذه الأمور التي ذكرها على حدته ونبين ما هو الصواب فيه.

«١»

الصحابة

(أما الصحابة) فالنزاع بين الشيعة الإمامية الاثني عشرية وبين الأشاعرة ـ الذين سموا أنفسهم بأهل السنة والجماعة وبين المعتزلة في أمر الخلافة والإمامة وفي تفاوت درجات الصحابة رضوان الله عليهم وعدالة جميعهم وعدمها ، وكون علي أحق ممن تقدمه بالخلافة أولا. ليس هو وليد اليوم بل قد مضت عليه القرون والاحقاب وحصل قبل الف ومئات من السنين قبل أن يخلق الله الأشاعرة والمعتزلة وتناولته الألسن والأقلام في كل عصر وزمان ممن لا يصل أمثاله إلى أدنى درجاتهم في العلم والفت فيه الكتب الكلامية المختصرة والمطولة من الفريقين ابراما ونقضا وبذل فيه

الفريقان وسعهم وأتوا بكل ما وصلت إليهم قدرتهم من حجج وبراهين ونقض وإبرام فكل يدلي بحجته ويدعي أن الحق في جانبه ولا مرجع لا ثبات أن الحق مع أحد الفريقين إلا الدليل والبرهان فإن كان في وسعه إقامة البرهان على شيء من ذلك فليأت به أما هذه التهويلات والكلام الفارغ والدعاوى المجردة عن الدليل أمثال لا تتحملها الأمة والأدب والعقل والدين فلا تثبت حقا ولا تنفي باطلا ولا تأتي بجدوى وكل من الباحثين مجتهد بزعمه معذور عند ربه إن أخطأ فله أجر واحد وإن أصاب فله أجران أسوة بالصحابة الكرام الذين اجتهدوا فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ وللمصيب منهم أجران وللمخطئ أجر واحد والقاتل والمقتول والباغي والمبغي عليه كلهم في الجنة فليسعنا من رحمة الله وعفوه ما وسعهم فإن رحمته واسعة لا تسع قوما وتضيق عن آخرين فما لنا ولهذا التهويش في زمان نحن فيه أحوج إلى الوئام والوفاق من النزاع والشقاق. ونحن نسأله عن العصر الأول أفضل عصور الاسلام وخير القرون عندك وخير أمة أخرجت للناس بنص الكتاب وعصر الخلافة الراشدة هل كان يسب ويلعن فيه علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين وولداه الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيدا شباب أهل الجنة وعبد الله ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن وفقيه الصحابة وهم خيار الصحابة وأفاضلهم وأكابرهم على المنابر الأعوام المتطاولة في كل قطر وفي جميع بلاد الاسلام في الأعياد والجمعات ويقنت بلعنهم في الصلوات وفي أعقابها وعلى منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقابل حجرته الشريفة بمسمع من أهل بيته وباقي الأمة ساكتون أو معاونون في جميع أقطار الأرض إلا نفر يسير كان جزاؤهم القتل بالسيف صبرا في مرج عذرا. ونسأله عن قتل حجر بن عدي الكندي صبرا وعن قتل عمرو بن الحمق الخزاعي وحبس زوجته آمنة بنت الشريد في سجن دمشق سنتين وهما من أفاضل الصحابة فهل كان كل ذلك من الأمور التي تحملتها الأمة والأدب والعقل والدين وقد استمر ذلك مدة ملك بني أمية إلا يسيرا منها في خلافة عمر بن عبد العزيز (١)

__________________

(١) راجع شرح النهج لابن أبي الحديد وتاريخي الطبري وابن الأثير وكتب أسماء الصحابة وغيرها. وقال كثير في عمر بن عبد العزيز لما رفع السب

وليت فلم تشتم عليا ولم تخف

بريا ولم تتبع مقالة مجرم

فلما ذا احتملتها الأمة كل هذه المدة وبقيت صامتة أو معاونة مشاركة وجاءت الأمة بعد ذلك تجعل عذرا لمرتكبي هذه الفظائع وتحملها على الاجتهاد الذي يؤجر صاحبه والأمة معصومة عندك كما ستصرح به مرارا وتكرارا فهل كان هذا من آثار عصمتها أو أن الله تعالى ـ وهو اعدل العادلين ـ من جهة قوم شديد العقاب ومن جهة آخرين غفور رحيم فمن هو يا ترى الذي سن السب واللعن وفتح باب القدح والطعن واحتملته الأمة واحتمله الأدب والعقل والدين مئات السنين ثم لم تعد تحتمله ونسأله عن قول إحدى امهات المؤمنين في بعض أكابر الصحابة من الخلفاء الراشدين اقتلوا فلانا فقد كفر وعن قول ابن أم كلاب لها :

وأنت أمرت بقتل الامام

وقلت لنا إنه قد كفر (٢)

عدالة الصحابة

قال صفحة (ما) : القرن الأول هم الصحابة عدول بالاجماع وخير هذه الأمة. وخير أمة أخرجت للناس. وكل ثناء في القرآن هم أول داخل فيه. خرج النبي عن الدنيا وهو عن كلهم راض. ولهم كان الخطاب : اليوم أكملت لكم دينكم الآية. وخطاب الوعد بالاستخلاف والتمكين. ثم ذكر آية : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان الآية. قال والمتبوع لا يكون إلا الأفضل والأشرف. فالعصر الأول هم أفضل الأمة. وأفضله الصديق والفاروق والخلافة الراشدة والصحابة ا ه ملخصا.

(ونقول) في كلامه مواقع للنظر (أولا) دعواه الاجماع على عدالة جميع الصحابة التي سبقه إليها ابن حجر هي في محل الخلاف فقد صرح ابن الحاجب في مختصر الأصول والعضد في شرحه بنسبة ذلك إلى الأكثر قال وقيل كغيرهم وقيل إلى حين الفتن فلا يقبل الداخلون من الطرفين ا ه. وقال الآمدي في الأحكام : اتفق الجمهور

__________________

وقال الشريف الرضي يخاطب عمر بن عبد العزيز

أنت نزهتنا عن السب والشتم

فلو أمكن الجزاء جزيتك

(٢) راجع تاريخي الطبري وابن الأثير وغيرهما ـ المؤلف.

من الأئمة على عدالة الصحابة ، وقال قوم حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند الرواية. ومنهم من قال إلى حين ما وقع من الاختلاف والفتن فيما بينهم ا ه فإذا المسألة ذات أقوال ثلاثة فأين الاجماع (ثانيا) ينافي هذه الدعوى ما شوهد من صدور أمور من بعضهم لا تتفق مع العدالة كالخروج على أئمة العدل وشق عصا المسلمين وقتل النفوس المحترمة وسلب الأموال المعصومة والسب والشتم وحرب المسلمين وغشهم والقاح الفتن والرغبة في الدنيا والتزاحم على الامارة والرئاسة وغير ذلك مما كفلت به كتب الآثار والتواريخ وملأ الخافقين وأعمال مروان ابن الحكم والوليد بن عقبة في خلافة عثمان وبسر بن أرطاة وعمرو بن العاص أيام معاوية معلومة مشهورة وكلهم من الصحابة والحمل على الاجتهاد يشبه خدعة الصبي عن اللبن (ثالثا) العموم في باقي ما ذكره ممنوع فإن كل ذلك مقيد أو مخصص بغيره من الأدلة والآيات الدالة على اشتراط ذلك بعدم حصول ما ينافيه (رابعا) سيأتي منه في مقتل عثمان ما ينافي عدالة جميع الصحابة (خامسا) كون النبي خرج عن الدنيا وهو عن كلهم راض دعوى تحتاج إلى الاثبات وقد تبرأ إلى الله من فعل بعضهم في حياته ثلاثا (سادسا) إذا كان الله تعالى خاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمين بأنه أكمل لهم الدين واتم عليهم نعمته ورضي لهم الاسلام دينا فما وجه الملازمة بين ذلك وبين عدالة جميعهم وهل يمنع ذلك من أن يكون بعضهم لم يقم بشكر تلك النعمة (سابعا) الفضل لا يكون إلا بالتفوق في الصفات الفاضلة التي نراها مستجمعة في علي بن أبي طالب عليه‌السلام لا يشاركه فيها مشارك كما قال خزيمة ذو الشهادتين :

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

ولا ينكر ذلك إلا مكابر أو مقلد (ثامنا) إذا كانت الآيات المذكورة شاملة للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم فهي لا تشمل من صدرت منهم الأمور المنافية للعدالة (تاسعا) إذا كانت الأمة معصومة كما ادعاه فيما يأتي واطال فيه وملأ الصفحات والأوراق فلما ذا لم يدع العصمة في الصحابة وهم أعيان الأمة واقتصر على مجرد العدالة.

«٢»

العصر الأول والقرن الأول

قال في صفحة (ف) الروح في كتب الشيعة هي العداء للعصر الأول وفي ص ٢٢٧ ان أول عصور كل الأديان والأمم يعتقدها اتباعها مقدسة محترمة إلا الشيعة وفي ص ٢٦ الأمة قد علمت علم اليقين أن أفضل قرون الاسلام قرن رسالته وقرن خلافته الراشدة ، وفي صفحة ٢٢٧ أن العصر الأول هو أفضل عصور الاسلام وفي ص (له) ما حاصله : ثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. والمعنى أن القرون الثلاثة خير من القرون السابقة على الاسلام ولا تفاضل بين القرون الثلاثة إذ ثبت أمتي كالمطر لا يدري أولها خير أم آخرها أريد التفاضل بين القرون الثلاثة فمعنى لا يدري أولها خير أم آخرها في سعة الأرزاق واتساع البلاد والدولة.

ونقول (أما العداء للعصر الأول) فالذي بيننا وبينك ليس العداء للأعصار ولا للأشخاص انا متفقون معكم في كل شيء جاءت به شريعة الاسلام إلا في الإمامة لمن هي ومن هو الأحق بها بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي صفات الباري تعالى ورؤيته ونحو ذلك. وهذه تكون القناعة فيها بالحجة والبرهان لا بهذه التهويلات التي لا تغني فتيلا.

وأما ان اوائل عصور الأديان مقدسة محترمة باعتقاد اتباعها. فيرده انه لو سلم اعتقاد اتباعها ذلك لا يدل على انها مقدسة واقعا بل هم ان اعتقدوا ذلك فهم مخطئون في اعتقادهم لأن الوجدان على خلافه. فآدم عليه‌السلام كان له ابنان قتل أحدهما الآخر ظلما فاذا كان هذا وبنو آدم في الدنيا اثنان فقط فما ظنك بهم وقد صاروا فيها ألوفا وملايين ومليارات. ونوح عليه‌السلام من اولي العزم لبث في قومه الف سنة إلا خمسين عاما ، يدعوهم وهم يكذبونه ويسخرون منه ، وهو يبني السفينة ويقولون له صرت بعد النبوة نجارا فأهلكهم الطوفان وأهلك جميع من على وجه الأرض من انسان وحيوان إلا من حملتهم السفينة. وابراهيم عليه‌السلام من اولي العزم عاصره النمرود وادعى الربوبية ورام احراقه بالنار فنجاه الله ثم طرد وأبعد. ولوط عليه‌السلام كذبه قومه وانتشرت فيهم فاحشة اللواط حتى قلب الله مدينتهم بأهلها وجعل عاليها سافلها. وقوم صالح عليه‌السلام كذبوه وعقروا الناقة فأهلكهم

الله. وأولاد يعقوب عليه‌السلام أرادوا قتل أخيهم يوسف عليه‌السلام ثم القوة في الجب وباعوه بيع العبيد واحزنوا أباهم حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ... وموسى عليه‌السلام من أولي العزم عاصر فرعون مدعي الربوبية ورام قتله فخرج من مصر خائفا يترقب يقتات من نبات الأرض ولاقى من بني اسرائيل الشدائد بعد ما خلصهم من فرعون الذي كان يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم ولم تجف اقدامهم من البحر حتى طلبوا منه أن يجعل الأصنام ولم تمض مدة طويلة حتى عبدوا العجل وقالوا اذهب انت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون ، وحتى تاهوا في الأرض أربعين سنة وحتى مسخوا قردة وخنازير ، وخالفوا على وصي موسى يوشع ابن نون وحاربوه. وعيسى عليه‌السلام من أولي العزم كذب وحاول قومه صلبه ودل عليه بعض أصحابه وهكذا سائر الأنبياء فعل بهم الأفاعيل ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم حذوا النعل بالنعل والقذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن نصيبه بأقل من نصيب الأنبياء قبله من أممهم كذب وأذوي وطرد وراموا قتله ، فخرج عنهم مستخفيا وكان طول حياته مشغولا بالحروب حتى ظهر امر الله وهم كارهون وكان في عصره كثير من المنافقين بنص الكتاب وراموا قتله يوم تبوك ، فأعلمه الله بهم وبعده توالت الفتن والحروب وانتقم اعداؤه من ذريته وأهل بيته ، بعد موته ، بما هو مشهور معروف ثم توالت الفتن والحروب في جميع دول الاسلام إلى اليوم. والعصور إنما تكون مقدسة محترمة بأهلها فهذه أوائل عصور كل الأديان والأمم كانت بهذه الصفة عند الله تعالى وعند انبيائه وصالحي عباده ولم تكن مقدسة ولا محترمة إلا عند موسى تركستان. فأين هو أول العصور الذي كان مقدسا محترما ومتى كان لا نراه وجد في زمان إلا ان يكون في عصر مؤلف الوشيعة الذي نفي من تركستان ولاقى ما لاقى ثم جاء الى هذه البلاد ينفث السموم ويوقد نيران الفتن ويثير الضغائن ويفرق الكلمة ويؤلف الكتب ويطبعها وينشرها.

ويأتي في الفصل الذي بعده ما له علاقة بهذا.

وأما ان افضل العصور وخير القرون العصر الأول والقرن الأول وان الأمة قد علمت ذلك علم اليقين. فالأمة ليس لديها ما تعلم به ذلك بل لديها من المشاهدات

ما تعلم به عكسه علم اليقين. والحديث الذي اشار إليه نقله ابو المعالي الجويني بلفظ خيركم القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه ثم الذي يليه ، وكذلك أورده نقيب البصرة كما يأتي وأرسله ابن حجر في الاصابة بلفظ خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ورواه صاحب اسد الغابة عن جعدة بن هبيرة المخزومي ورواه بعضهم عن جعدة ابن هبيرة الأشجعي كما في تهذيب التهذيب وغيره ، فهو مضطرب المتن والسند ولم تثبت صحته بل قد علم وضعه بمخالفته الوجدان فالعصور التي يقال فيها انها خير العصور انما يكون ذلك باعتبار أهلها وهي متساوية متماثلة دائما فيها الصالح والطالح من عهد آدم عليه‌السلام الى يومنا هذا والغالب على أهلها الفساد والصالحون فيها افراد قلائل (وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) سواء في ذلك اوائلها وأواسطها وأواخرها ووجود انبياء وصلحاء في كل عصر لا يجعل الغالب على أهله الصلاح ولا يجعله خيرا من غيره.

وما احسن ما قاله بديع الزمان الهمذاني من جملة كتاب له الى احمد بن فارس : والشيخ يقول فسد الزمان أفلا يقول متى كان صالحا. أفي الدولة العباسية فقد رأينا آخرها وسمعنا بأولها أم المدة المروانية وفي اخبارها (لا تكسع الشول باغبارها) (١) أم السنين الحربية :

والرمح يركز في الكلى

والسيف يغمد في الطلى

ومبيت حجر في الفلا

والحرتين وكربلاء

__________________

(١) هذا شطر بيت للحارث بن حلذة (بكسر الحاء وتشديد اللام المكررة) اليشكري قال :

لا تكسع الشول بأغبارها

إنك لا تدري من الناتج

قال الجوهري كسع الناقة اذا ضرب خلفها (بكسر الخاء وسكون اللام) بالماء البارد ليزاد اللبن في ظهرها وذلك اذا خاف عليها الجدب في العام القابل قال الحارث بن حلذة :

لا تكسع الشول بأغبارها

انك لا تدري من الناتج

والشول جمع شائلة على غير قياس وهي التي أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة اشهر فجف لبنها (والأغبار) جمع غبر كقفل واقفال وهو بقية اللبن في الضرع. يقول لا تغزر ابلك اي تترك حلبها وتطلب بذلك قوة نسلها واحلبها لأضيافك فلعل عدوا يغير عليها فيكون نتاجها له دونك وقال الخليل هذا مثل وتفسيره اذا نالت يدك من قوم شيئا بينك وبينهم احنة فلا تبق على شيء انك لا تدري ما يكون في الغد.

أم البيعة الهاشمية وعلي يقول ليت العشرة منكم برأس من بني فراس (١). أم الأيام الأموية والنفير الى الحجاز والعيون الى الاعجاز أم الأمارة العدوية وصاحبها يقول وهل بعد البزول إلا النزول. أم الخلافة التيمية وصاحبها يقول طوبى لمن مات في نأنأة الاسلام. أم على عهد الرسالة ويوم الفتح قيل اسكتي يا فلانة فقد ذهبت الامانة أم في الجاهلية ولبيد يقول :

ذهب الذين يعاش في أكنافهم

وبقيت في خلف كجلد الاجرب

أم قبل ذلك وأخو عاد يقول :

بلاد بها كنا وكنا نحبها

إذا الناس ناس والزمان زمان

أم قبل ذلك وروي عن آدم عليه‌السلام :

تغيرت البلاد ومن عليها

فوجه الأرض مغبر قبيح

أم قبل ذلك وقد قالت الملائكة : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. وما فسد الناس وإنما اطرد القياس ولا أظلمت الأيام وإنما أمتد الاظلام وهل يفسد الشيء إلا عن صلاح ويمسي المرء إلا عن صباح.

والحاصل ان الحديث الذي أشار إليه لم يثبت بل يثبت كذبه وكيف يثبت وهو مخالف للوجدان. واثباته مع مخالفته للوجدان تكذيب لمن نسب إليه. وإنما وضع امثال هذه الأحاديث متعصبة الأموية مراغمة لأهل البيت وأتباعهم.

__________________

(١) يشير الى قول علي عليه‌السلام في خطبته لما بلغه غلبة بسر بن ابي ارطاة على اليمن مخاطبا اصحابه اما والله لوددت ان لي بكم الف فارس من بني فراس بن غنم.

هنالك لو دعوت اتاك منهم

فوارس مثل ارمية الحميم

قال ابن ابي الحديد وهم بنو فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضرحي مشهور بالشجاعة ـ منهم علقمة بن فراس وهو جذل الطعان ومنهم ربيعة بن مكدم بن حدثان بن جذيمة ابن علقمة بن فراس الشجاع المشهور حامي الظعن حيا وميتا والبيت الممتثل به لأبي جندب الهذلي واوّل الابيات :

ألا يا أم زنباع اقيمي

صدور العيس نحو بني تميم

وقال الشريف الرضي : الأرمية جمع رمي وهو السحاب والحميم هنا وقت الصيف وانما خص الشاعر سحاب الصيف بالذكر لأنها أشد جفولا وأسرع خفوقا لأنه لا ماء فيه وانما يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء وذلك لا يكون في الأكثر إلا زمان الشتاء وإنما اراد الشاعر وصفهم بالسرعة اذا دعوا والاغاثة اذا استغيثوا والدليل على ذلك قوله هنالك لو دعوت اتاك منهم.

ـ المؤلف ـ

حكى ابن ابي الحديد في شرح النهج عن نقيب البصرة يحيى بن زيد العلوي انه جرى في مجلسه ذكر هذه المسألة فذكر بعض الشافعية ـ فيما ذكر ـ هذا الحديث فأتى النقيب برسالة قال انها لبعض الزيدية ـ والمظنون انها للنقيب ـ : وفيها : وأما حديث خيركم القرن الذي أنا فيه الخ ، فمما يدل على بطلانه ان القرن الذي جاء بعده بخمسين سنة شر قرون الدنيا قتل فيه الحسين وأوقع بالمدينة وحوصرت مكة ونقضت الكعبة وشرب خلفاؤه الخمور وارتكبوا الفجور كما جرى ليزيد بن معاوية ويزيد بن عاتكة والوليد بن يزيد وأريقت الدماء الحرام وقتل المسلمون وسبي الحريم واستعبد ابناء المهاجرين والانصار ونقش على ايديهم كما ينقش على ايدي الروم وذلك في خلافة عبد الملك وإمرة الحجاج. قال واذا تأملت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شرا كلها لا خير فيها ولا في رءوسها وأمرائها والناس برؤسائهم وامرائهم والقرن خمسون سنة فكيف يصح هذا الخبر وانما هذا وامثاله من موضوعات متعصبة الأموية فإن لهم من ينصرهم بلسانه وبوضعه الأحاديث اذا عجز عن نصرهم بالسيف ا ه. وقرن الخلافة الراشدة كان قرن الفتن والحروب بين المسلمين قتل فيه الخلفاء الثلاثة ووقع فيه حروب الجمل وصفين والنهروان وما تبعها من فتن ومفاسد فكيف يكون من خير القرون اللهم إلا ان نعمي على انفسنا ونقول ان تلك الحروب والفتن كانت في سبيل مصلحة المسلمين ورقيهم وان القاتل والمقتول في الجنة لأنهما مجتهدان مثابان. ومن عنده أقل تمييز وأنصاف يعلم انه لو لا تلك الحروب والفتن بين المسلمين لفتحوا جميع المعمورة. ومر في الفصل الذي قبله ما له علاقة بالمقام.

وأما دعواه انه لا تفاضل بين القرون الثلاثة فيرده انه لو ثبت الحديث لكان ظاهرا في التفاضل لمكان ثم. ولكان معارضا لحديث أمتي كالمطر الذي ادعى ثبوته. وليس بثابت ـ بل الظاهر انه من الموضوعات ومن سنخ الحديث الآخر وعلى غراره قصد بوضعه التمويه لا رضاء بعض المتسلطين ليمكن ان يقال فيهم انهم خير ممن قبلهم أو من قبلهم ليسوا خيرا منهم. والتأويل الذي ذكره بأن المراد في سعة الارزاق واتساع البلاد والدولة ـ مع انه لا دليل عليه ـ هو بعيد عن لفظ الحديث لأنه يقول لا يدري أي الأمة خير لا أي أعصارها.

وأما آية (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) فلا يمكن حملها على

العموم لأن تعقيبها بقوله تعالى تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ظاهر في ان الذين هم خير أمة من هذه صفتهم لا عموم الأمة ولا شك ان جميع الأمة لم تكن بهذه الصفة مع انه ظهر في هذه الأمة ما هو شر صرف سواء من كان في عصر الرسالة ومن كان في عصر الصحابة فقد جاء فيهم : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) ونزلت في المنافقين سورة مخصوصة تتلى. ونزل فيهم : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ. وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ). فعلم ان فيهم الشاكر ومن ينقلب على عقبيه فأين العموم. وفيهم من ارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين والكفار. وكان فيهم الحكم ابن أبي العاص وكفاك به. وفيهم الوليد بن عقبة الفاسق بنص الكتاب. ومنهم حبيب بن مسلمة وبسر بن ارطاة اللذين فعلا في دولة معاوية ما فعلا الى غير ذلك مما يصعب احصاؤه واذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يعلم المنافقين في عصره بنص القرآن فليس لنا أن نحكم على احد بدخوله في خطاب كنتم خير أمة أخرجت للناس إلا ان يظهر لنا حاله كالشمس الضاحية فكيف لنا بالحكم بالعموم.

قال ص ٢٢٧ وكل مؤمن ينبغي له ان لا تكون نسبته الى العصر الأول اضعف من نسبة مجنون ليلى الى ليلاه حيث يقول :

سأجعل عرضي جنة دون عرضها

وديني فيبقى عرض ليلى ودينها

(ونقول) كل يغني على ليلاه :

وكل يدعي وصلا بليلى

وليلى لا تقر لهم بذاكا

والمسألة مسألة حجج وبراهين وعقيدة ودين لا عشاق ومجانين فأي فائدة في هذه الألفاظ المنمقة المزوقة الفارغة.

(٣)

أمهات المؤمنين

وهذا قد تعرض له في عدة مواضع من شيعته بما يتلخص في امور أربعة : (١) للشيعة سوء أدب في امهات المؤمنين ، (٢) امهات المؤمنين كإبراهيم عليه

السلام ، (٣) عائشة تساوي ابراهيم في ثلاثة امور عظيمة ، (٤) أهل البيت في آية التطهير هم أمهات المؤمنين.

(الأمر الأول) : قال في ص ٩٣ للشيعة في ازواج النبي امهات المؤمنين خصوصا في عائشة وحفصة وزينب سوء أدب عظيم لا يتحمله عصمة النبي وشرف أهل البيت ولا دين الأئمة ثم حكى عن الكافي ان آية ضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط نزلت في عائشة وحفصة.

(ونقول) : ان احترام امهات المؤمنين عموما وامي المؤمنين خصوصا علينا لازم احتراما لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلو جاء في كتاب ما ينافي ذلك لا نقول به لما ذكرناه غير مرة من ان جميع ما في الكتب لا يمكن لأحد الاعتقاد بصحته. وعقيدة الشيعة في الأزواج وعموما وفي عائشة وحفصة خصوصا هو ما نزل به القرآن الكريم وجاءت به الآثار الصحيحة لا يمكن ان يحيدوا عنه وهو انهم جميعا امهات المؤمنين في لزوم الاحترام والتكريم احتراما للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرمة نكاحهن من بعده (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ. ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ). التي كان سبب نزولها قول لبعض الصحابة معروف. وان الزوجية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ترفع عقاب المعصية بل تضاعفه كما تضاعف ثواب الطاعة : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ. وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ. يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَ) شرط عليهن التقوى ليبين سبحانه ان تفضيلهن بالتقوى وبالزوجية لا بمجرد الزوجية وان زوجية المرأة للنبي لا تنفعها مع سوء عملها كما ان زوجيتها للكافر المدعي الربوبية لا تضرها مع حسن عملها : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) وان بعض ازواجه افشت سره وان اثنتين منهما قد صغت قلوبهما ومالت عن طريق الطاعة وفعلتا ما يوجب التوبة وانهما تظاهرتا عليه : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) ثم قال تعالى : (إِنْ

تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) الآية. وروى الطبري في تفسيره روايات كثيرة ، والبخاري في صحيحه ان المتظاهرتين كانتا عائشة وحفصة. وان نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعلن ما يوجب اعتزاله إياهن تسعة وعشرين يوما حتى نزلت آية التخيير (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً). وان أم المؤمنين عائشة كانت حافظة للحديث بصيرة بالفقه جريئة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظهر ذلك منها في عدة مواضع لا يتسع المقام لذكرها منها قولها له في غزوة فتح مكة تزعم انك رسول الله ولا تعدل ـ راجع السيرة الحلبية ـ وأنها أخطأت بخروجها على الإمام العادل مظهرة الطلب بدم عثمان وهي كانت من أعظم المحرضين عليه. وكانت تقول ما هو معروف مشهور وتخرج قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول ما هو معروف ومشهور أيضا. وقد تركت عثمان وهو محصور لم تنصره ولم تحرض على نصره وخرجت الى مكة ثم خرجت من مكة تريد المدينة فلقيها ابن أم كلاب من اخوالها ـ فيما رواه الطبري وابن الأثير ـ فأخبرها بقتل عثمان وبيعة علي فقالت ليت هذه انطبقت على هذه ـ أي السماء على الأرض ـ ان تم الأمر لصاحبك وانصرفت راجعة الى مكة وهي تقول قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه فقال لها والله ان اوّل من امال حرفة لأنت وقال من أبيات :

منك البداء ومنك الغير

ومنك الرياح ومنك المطر

وانت امرت بقتل الامام

وقلت لنا انه قد كفر

وانها طلبت الى حفصة ان تخرج معها الى البصرة للطلب بثأره فقبلت فمنعها اخوها عبد الله بن عمر. وجاءت الى أم سلمة تطلب منها ان تخرج معها فوعظتها بكلام مأثور مشهور وذكرتها أشياء من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق علي بن أبي طالب (منها) قوله ليت شعري ايتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فتنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها ويسارها قتلى كثيرة فعدلت عن الخروج ثم جاء ابن اختها عبد الله بن

الزبير فنفث في اذنها فعزمت على الخروج ، فلما بلغت بعض المياه نبحتها كلابه فسألت عنه فقيل لها انه ماء الحوأب ، فقالت ردوني ، فأقاموا لها خمسين أو سبعين شاهدا من الأعراب رشوهم فشهدوا لها زورا ان هذا ليس ماء الحوأب. وكانت أول شهادة زور في الاسلام فسارت وقد أمرت ان تقر في بيتها بقوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) وروى ابو الفرج ومحمد بن سعد في الطبقات الكبير وذكره المرزباني في معجم الشعراء والطبري وابن الأثير في تاريخهما انه لما جاءها نعي علي تمثلت :

فألقت عصاها واستقرت بها النوى

كما قر عينا بالإياب المسافر

ثم قالت من قتله قيل رجل من مراد فقالت :

فإن يكن نائيا فلقد نعاه

نعي ليس في فيه التراب

قال أبو الفرج ثم تمثلت :

ما زال إهداء القصائد بيننا

شتم الصديق وكثرة الألقاب

حتى تركت كان قولك فيهم

في كل مجمعة طنين ذباب

أما خديجة أم المؤمنين فهي أفضل ازواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأول امرأة آمنت به وبذلت اموالها الجزيلة في سبيل الدعوة الاسلامية حتى قام الاسلام بمالها وسيف علي ابن أبي طالب. واما باقي ازواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكن كلهن على الصلاح وخيرهن بعد خديجة أم سلمة. هذه هي عقيدة الشيعة في أمهات المؤمنين. ومن ذلك يظهر انها لا تتعدى ما نزل في القرآن الكريم وجاءت به الآثار الصحيحة وانه ليس في ذلك سوء أدب كما زعم وان تهويله بقوله لا تتحمله عصبة النبي وشرف أهل البيت ولا دين الأمة تهويل فارغ لا محل له.

اما زينب بنت جحش أمّ المؤمنين فمن العجيب نسبته الى كتب الشيعة سوء الأدب في حقها ، فإن كتب الشيعة لم تذكر في حقها حرفا واحدا يوجب سوء الأدب وفي خبر تطليق زيد اياها نزهت كتب تفاسير الشيعة شرف مقام النبوة عما تناولته كتب تفاسير غيرها ولكن هذا الرجل يرسل الكلام على عواهنه ولا يزن ما يتكلم به.

الأمر الثاني

زعمه امهات المؤمنين في الفضل كإبراهيم عليه‌السلام

قال صفحة (ك ي) ان الله سمى ابراهيم في قوله ملة ابيكم إبراهيم أبا لنا ولم يجعل زوجه اما لنا وسمى ازواج النبي امهات المؤمنين ولم يسم النبي أبا لهم فأفاد ان ازواج النبي في الفضل مثل ابراهيم لأن الكفاءة بين الأب والأم معتبرة قال وهذا من بدائع البيان في اسلوب القرآن.

(ونقول) ابوة ابراهيم عليه‌السلام اما مجازية لأن حرمته على المسلمين كحرمة الوالد على الولد أو حقيقية لأن العرب من نسل اسماعيل واكثر العجم من ولد إسحاق وامومة الأزواج للمؤمنين في الآية الشريفة مجازية تشبيها بالأمهات فيما علم من الشرع ثبوته لهن من الاحترام وحرمة التزويج ولزوم برهن بأولادهن وبر أولادهن بهن ولم يثبت لامومتهن معنى وراء ذلك فالمستفاد من الآيتين ان ابراهيم (ع) أب أو كالأب في لزوم الاحترام وان الازواج بمنزلة الأمهات في الأمور المذكورة اما مساواة الأزواج لابراهيم في الفضل فافتراء على القرآن وكون الله تعالى سمى ابراهيم أبا لنا ولم يسم النبي أبا للمؤمنين لا يرتبط بما نحن فيه بشيء وإن كانت ابوة ابراهيم في الاحترام فالنبي أولى بذلك. والكفاءة التي يدعيها بين الأب والأم ان كانت في الشرف والنسب فقد ألغاها الشرع الإسلام وقال المسلم كفوء المسلم وقد زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنة عمته زينب بمولاه زيد وان كانت في الدين فما يصنع بزوجتي نوح ولوط وزوجة فرعون وإن كانت في الفضل يلزم ان تكون مارية مثل النبي في الفضل لأنها أم ولده ابراهيم. فهذه الفلسفة المعوجة التي جاء بها وجعلها من بدائع البيان باردة تافهة وأسلوب القرآن بريء منها والله تعالى وسيدنا ابراهيم الأواه الحليم لا يرضيان منه ان يساوي بينه وبين نساء لا فضل لهن إلا بعملهن وامهات المؤمنين لا يرضين منه ان يساوي بينهن وبين أولي العزم من النبيين.

(الأمر الثالث)

زعمه عائشة تساوي ابراهيم عليه‌السلام

قال صفحة (ل ا) المعروف باسم أم المؤمنين هي عائشة كما ان المعروف

باسم ابي المسلمين هو ابراهيم وان سمي القرآن سائر الأنبياء آباء العرب فإبراهيم أب إيمان وديانة وعائشة أم سنة وجماعة والله قد جعل عائشة تساوي ابراهيم في ثلاثة امور مهمة عظيمة : (١) ابراهيم بنى البيت واضافه الله الى نفسه (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) وعائشة بنت في المدينة مسجدا انزل الله فيه : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) (٢) الحج حجان اصغر يحرم له من مسجد عائشة بالتنعيم واكبر يحرم له من حرم ابراهيم ، (٣) سمى ابراهيم أبا لنا وسمى عائشة أم المؤمنين (ونقول) أم المؤمنين يعم جميع ازواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشة وغيرها على السواء : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ).

ولا مأخذ لتسمية واحدة من الأزواج بأم المؤمنين سوى هذه الآية فدعواه انها المعروفة بذلك غير صواب ولو سلم فاصله الآية والفرع لا يزيد على أصله. وأما ان القرآن سمى سائر الأنبياء آباء العرب فلا نجد ذلك في القرآن فكان عليه ان يبينه وأما ابوة إبراهيم عليه‌السلام فقد مر تفسيرها وأما أمومة عائشة فمأخذها الآية الكريمة وتشاركها فيها سار الأزواج كما مر فهذه المساواة التي زعمها كرقم فوق ماء وأما دعواه ان آية : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) نزلت في مسجد بنته عائشة بالمدينة فلم نسمعها لغيره ولم يذكرها مفسر وكل مسجد يقال له بيت الله ـ ولا عجب فهذا الرجل في آرائه مخترع ـ ففي تفسير الرازي : اختلفوا في المساجد فقال الأكثرون انها المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله. وقال الحسن المساجد البقاع كلها وقيل المساجد الصلوات حكي عن الحسن أيضا ، وقال سعيد بن جبير المساجد الأعضاء السبعة التي يسجد العبد عليها ، وعن ابن عباس المساجد مكة ا ه. ونحوه في مجمع البيان ولم يذكر الواحدي في اسباب النزول انها نزلت فيما قال ولا ندري من اين اخذه ، وفي الدر المنثور للسيوطي اخرج ابن ابي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى وان المساجد لله قال لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجد إلا المسجد الحرام ومسجد ايليا ببيت المقدس ا ه. فأين دعواه انها نزلت فيما قال ولعله يريد انها بنت مسجدا فشمله وان المساجد لله. وفيه ان الأصمعي أو أبا نواس لو بنيا مسجدا لشمله ذلك فهل يلزمه ان يساويا ابراهيم (ع) والعمرة تصح من ادنى الحل لا من مسجد عائشة ولا من غيره. ولما كانت ابعاد الحرم متفاوتة وكان أقربها الى مكه التنعيم اختار الناس

الاحرام للعمرة منه وإلا فالاحرام لها يصح من كل مكان وراء الحرم ولا يختص بالتنعيم بل لعل الاحرام من غير التنعيم أفضل لأن افضل الأعمال احمزها فأين هي الأمور الثلاثة المهمة العظيمة التي سوى الله فيها بين عائشة وابراهيم ولا نخال السيدة عائشة ترضى بأن يجعل التركستاني هذه السخافات من مميزاتها التي تشبه قول القائل :

أليس الليل يجمع أم عمرو

وإيانا فذاك بنا تداني

نعم وارى الهلال كما تراه

ويعلوها النهار كما علاني

والسيدة عائشة قد رووا لها من الفضائل اخذ ثلثي الدين عنها وانها كانت تحفظ أربعين الف حديث وان فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وغير ذلك فهي في غنى عن ان يجعل التركستاني هذه السخافات من مميزاتها.

(الأمر الرابع)

زعمه أهل البيت في آية التطهير هم أمهات المؤمنين

قال في صفحة (ط) وصفحة (ع) ان اهل البيت أمهات المؤمنين وفي صفحة (٢٢) أم المؤمنين عائشة وحفصة بنص القرآن الكريم أهل البيت.

(ونقول) تذكير الضمير في آية التطهير يمنع من تخصيص أهل البيت بالأزواج والروايات الكثيرة المستفيضة تمنع من دخولهن في أهل البيت وتنص على تخصيص أهل البيت بعلي وفاطمة وابنيهما وان كان الكلام قبل الآية وبعدها في نساء النبي لأن امثال ذلك في القرآن كثير كما يعرف بالتتبع.

وفي مجمع البيان : متى قيل ان صدر الآية وما بعدها في الأزواج فالقول فيه ان هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم فإنهم يذهبون من خطاب الى غيره ويعودون والقرآن من ذلك مملوء وكذلك كلام العرب واشعارهم ا ه.

أهل البيت في آية التطهير علي وفاطمة وابناهما

فمن الأخبار الواردة في ان المراد بأهل البيت في آية التطهير علي وفاطمة

وابناهما خاصة ، ما في الدر المنثور في تفسير كتاب الله بالمأثور للسيوطي قال : اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبري فجاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة ـ وهي الثريد ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ادعي زوجك وابنيك حسنا وحسينا فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فأخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفضل إزاره فغشاهم إياه ثم اخرج يده من الكساء وأومأ بها الى السماء ثم قال هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالها ثلاث مرات قالت أم سلمة ، فأدخلت رأسي في الستر فقلت يا رسول الله وأنا معكم فقال : انك الى خير مرتين.

قال واخرج الطبراني عن أم سلمة : جاءت فاطمة الى ابيها بثريدة تحملها في طبق لها حتى وضعتها بين يديه فقال لها : أين ابن عمك قالت هو في البيت قال اذهبي فادعيه وابنيك فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما في يد وعلي يمشي في اثرهما حتى دخلوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأجلسهما في حجره وجلس علي عن يمينه وجلست فاطمة عن يساره قالت أم سلمة فاجتذب من تحتي كساء كان بساطنا على المنامة في البيت (١).

قال : واخرج الطبراني عن أم سلمة وذكر الحديث الى ان قال قالت أم سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك على خير.

قال واخرج ابن مردويه عن أم سلمة قالت نزلت هذه الآية في بيتي : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وفي البيت سبعة جبرئيل وميكائيل وعلي وفاطمة والحسن والحسين وأنا على باب البيت قلت يا رسول الله ألست من أهل البيت قال : إنك الى خير انك من ازواج النبي.

__________________

(١) هكذا في النسخة المطبوعة وهي غير مضمونة الصحة ولا يخفى ان العبارة ناقصة فلعله سقط شيء من الطابع ويدل عليه ما في غاية المرام عن مسند احمد بن حنبل فى آخر الحديث. فاجتذب من تحتي كساء خيبريا كان بساطا لنا على منامة في المدينة فلفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واخذ طرفي الكساء والوى بيده اليمنى الى ربه عزوجل وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا الحديث.

ـ المؤلف ـ.

قال واخرج ابن مردويه والخطيب عن ابي سعيد الخدري قال كان يوم أم سلمة أم المؤمنين فنزل جبرائيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحسن وحسين وفاطمة وعلي فضمهم إليه ونشر عليهم الثوب والحجاب على أم سلمة مضروب ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت أم سلمة فأنا معكم يا نبي الله قال انت على مكانك وانك على خير.

قال : واخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه ، من طرق عن أم سلمة قالت في بيتي نزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين فجللهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكساء كان عليه ثم قال هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

قال واخرج ابن جرير وابن ابي حاتم والطبراني عن ابي سعيد الخدري قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلت هذه الآية في خمسة فيّ وفي علي وفاطمة وحسن وحسين (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

قال واخرج ابن ابي شيبة واحمد ومسلم وابن جرير وابن ابي حاتم والحاكم عن عائشة ، خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر اسود فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه ثم جاء فاطمة فأدخلها معه ثم جاء علي فأدخله معه ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

قال واخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه عن سعد قال نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحي فأدخل عليا وفاطمة وابنيهما. تحت ثوبه ثم قال اللهم هؤلاء أهلي وأهل بيتي.

قال واخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن واثلة بن الأسقع قال جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى فاطمة ومعه حسن وحسين وعلي حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة فأجلسهما بين

يديه واجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه وأنا مستدبرهم ثم تلا هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

قال واخرج الحاكم والترمذي والطبراني وابن مردويه وابو نعيم والبيهقي معا ، في الدلائل عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان الله خلق الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما إلى ان قال ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرهما بيتا فذلك قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب.

قال واخرج ابن مردويه عن ابي سعيد الخدري قال لما دخل علي بفاطمة جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اربعين صباحا الى بابها يقول السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته الصلاة رحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا أنا حرب لمن حاربتم ، أنا سلم لمن سالمتم.

قال واخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي الحمراء قال حفظت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ليس من مرة يخرج الى صلاة الغداة إلا أتى الى باب علي فوضع يده على جنبتي الباب ثم قال الصلاة الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

قال واخرج الطبراني عن ابي الحمراء رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأتي باب علي وفاطمة ستة اشهر ويقول انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.

قال واخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال شهدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقت كل صلاة فيقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا الصلاة رحمكم الله كل يوم خمس مرات ا ه. الدر المنثور.

واورد ابن جرير الطبري في تفسيره سبعة عشر حديثا في ان المراد بأهل البيت في الآية هم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ويدخل فيها بعض ما مر عن الدر المنثور ونقلها يوجب الاطالة فليرجع إليها من ارادها.

وأورد صاحب غاية المرام واحدا واربعين حديثا في ذلك من طريق غير الشيعة وأربعة وثلاثين حديثا من طريق الشيعة لا نطيل بنقلها فليراجعها من أرادها. وأورد صاحب مجمع البيان أحاديث كثيرة في ذلك أيضا فهذه الأخبار صريحة في ان المراد بأهل البيت علي وفاطمة والحسنان وفي خروج امهات المؤمنين منهم. ولا يصغي الى ما حكاه الطبري في تفسيره عن عكرمة انها نزلت في نساء النبي خاصة وما حكاه في الدر المنثور عن ابن عباس وعن عروة انها نزلت في نساء النبي (أولا) لأن عكرمة كان يرى رأي الخوارج كما نص عليه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب وغيره ، فهو متهم في حق علي وولده (ثانيا) لأن تخصيصها بالنساء ينافي تذكير الضمير (ثالثا) لأنها لا تقوى على معارضة تلك الروايات الكثيرة. وما في بعض الروايات من انه ادخل أم سلمة معهم لا يلتفت إليه لمعارضته بغيره مما دل على انه لم يأذن لها في الدخول معهم وقال لها مكانك وانت الى خير وانه جذب الكساء من يدها لما ارادت الدخول معهم. وفي بعض الأخبار انه قال لها قومي فتنحي عن أهل بيتي فتنحت في البيت قريبا ولكنه حين قال اللهم أليك لا الى النار أنا وأهل بيتي قالت وأنا يا رسول الله قال وانت ـ أي انت الى الله لا الى النار ـ لا أنها من أهل بيته كما لا يخفى.

زعمه الأمة شريكة نبيها

قال صفحة (خ) تحت عنوان (الأمة شريكة نبيها في كل ما كان له) ، كل ما انعم الله به على نبيه من فضل ونعمة وكل ما نزل من عرش الله الى نبيه فكله بعده لأمته والأمة شريكة نبيها في حياته ثم ورثته بعد مماته ، وكل فضل ونعمة ذكرها القرآن لنبيه فقد ذكرها لأمته (١) وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين. كنتم خير أمة أخرجت للناس (٢) ويتم نعمته عليك. واتممت عليكم نعمتي (٣) وينصرك الله نصرا عزيزا وكان حقا علينا نصر المؤمنين (٤) إنّا فتحنا لك فتحا مبينا. واثابهم فتحا قريبا ـ وفتح المؤمنين كان اوسع وأقوى من فتح النبي (٥) ان الله وملائكته يصلون على النبي. هو الذي يصلي عليكم وملائكته ـ كل الأمة في كل احوالها تصلي وتسلم على النبي وعلى امته ـ كل الأمة في كل صلواتها تسلم على النبي ثم تسلم على كل أمته فالأمة في الشرف والكرامة مثل نبيها (٦) هو الذي ايدك بنصره ـ وأيدهم بروح منه.

(ونقول) هذا الكلام كسائر كلماته لا يخرج عن ان يكون زخرفة مجردة لا طائل تحتها فالأمم من عهد آدم عليه‌السلام الى اليوم فيها الصالح والطالح كما نبهنا عليه مرارا عند تكريره لهذه المزخرفات ، وقد اخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذه الأمة بقوله لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، وهذا يمنع ان تكون جميع افرادها مقدسة وانها لم تكن متبعة سنن من كان قبلها بل يدل على ان اكثر افرادها ليس كذلك لتوجيه الخطاب الى العموم ، ولكن الله تعالى ميز هذه الأمة بمميزات اكراما للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرفع عنها المسخ والخسف وغير ذلك مما كان يجري في الأمم السالفة. وإن فعلت ما يوجب ذلك من افعال الأمم السابقة وجعلها خير أمة أخرجت للناس بنبيها وشريعتها التي فاقت جميع الشرائع وبأنها تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر كما في آخر الآية. وهو كالتعليل فمن لم تكن صفته ذلك فهو خارج عن الآية. واما انها شريكة نبيها في كل ما كان له وفي كل نعمة وفضل انعم الله بها عليه فالله تعالى انعم على نبيه بالنبوة والعصمة وبظهور المعجزات على يديه وانه على خلق عظيم والتأييد بالوحي السماوي وان قوله وفعله وتقريره حجة وانه اولى بالمؤمنين من انفسهم وانه رحمة للعالمين الى غير ذلك فهل صارت الأمة شريكة نبيها في كل هذه الأمور. فكل واحد منها نبي وموسى جار الله نبي وكل منها معصوم من الخطأ والذنب وظهرت على يده المعجزات وهو على خلق عظيم ، مؤيد بالوحي السماوي وافعاله واقواله حجة وهو اولى بالمؤمنين من انفسهم وهو رحمة للعالمين ، وكثير من افراد الأمة كان نقمة عليها بما أثار من الفتن والمفاسد والحروب وفي الأمة ما لا يحصى من أهل الفساد والشقاوة والشر ان لم يكن الأكثر كذلك (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ. وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ. وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) فهل هؤلاء شركاء للنبي في فضله وكماله وورثوه منه بعد مماته؟ فالله تعالى انعم على نبيه بنعم فشكرها وشملت جملة من تلك النعم امته فشكرها أقلهم وكفرها اكثرهم فوعد الله من شكرها المزيد وتوعد من كفرها بالعذاب الشديد بقوله : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي

لَشَدِيدٌ) وكل نعم الله على العباد أو جلها قد شملت المؤمن والكافر والنبي وغيره كنعمة الايجاد التي هي أول النعم ونعمة العقل والسمع والبصر وسائر الحواس ونعمة الهواء والماء والشمس والقمر وانبات النبات والحب والشجر والثمر وتسخير الحيوانات وتذليلها (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) وتسخير البحر يأكلون منه لحما طريا ويستخرجون منه حلية يلبسونها ، والتسيير في البر والبحر الى غير ذلك مما ذكر في القرآن وما لم يذكر (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) فهل في ذلك دلالة على مساواة في فضل أو مشاركة فيه وتذكرنا هذه المشاركة التي يزعم الرجل ان الأمة شاركت فيها نبيها بالمشاركة التي ذكرها الشاعر بقوله :

أليس الله يجمع أم عمرو

وإيانا فذاك بنا تداني

نعم وارى الهلال كما تراه

ويعلوها النهار كما علاني

وما زعمه خطابا للأمة في هذه الآيات التي استشهد بها هو في الحقيقة خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ولو سلم لا يفيد ان الأمة شاركت النبي في فضله. والفتح القريب. في مجمع البيان هو فتح خيبر عن قتادة واكثر المفسرين وقيل فتح مكة عن الجبائي ا ه. إذا فهو فتح النبي لا فتح المؤمنين الذي قال عنه انه كان اوسع واقوى من فتح النبي. ولكن من فتح من الأمة لا عزاز دين الله ونشر الاسلام كان له اجره ومن فتح لتوسعة ملك وأمارة وغنائم فذلك ثوابه. من كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله ومن كانت هجرته الى امرأة يتزوجها أو مال يصيبه فهجرته الى ما هاجر إليه. والصلاة من الله الرحمة ومن عيره الدعاء والسلام هو التحية وكل ذلك يكون على الصالح والطالح فكيف صار ذلك دالا على ان الأمة مثل النبي في الشرف والكرامة على ان السلام في الصلاة قد خص بعباد الله الصالحين.

واستشهد صفحة (د) لمشاركة الأمة لنبيها بآيتي (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ. ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) قال : والميراث تأخذه الاحياء بعد الأموات والكتاب محفوظ الى الأبد فالأمة احياء الى الأبد. واصطفى الامة بنون العظمة بنفسه لنفسه. ولم يكل الاصطفاء الى غيره. وسائر الأمم لم تكن مصطفاة فانحرفت عن كتابها والأمة ببركة الاصطفاء لا تنحرف.

وأضاف الاصطفاء الى نون العظمة لقطع امكان الانحراف والضلال بالاغواء أو بغيره (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) فلا يمكن الضلال في الأمة بنص آية ان عبادي. ذكر الاصطفاء بعد قوله ان الله بعباده لخبير بصير ، والاصطفاء بعد العلم بالاهلية لا زوال له. ونقول (أولا) ان ايراث الكتاب للذين اصطفاهم الله من عباده لا لجميع الأمة لان الاصطفاء هو الاختيار والانتقاء ولو كان الايراث عاما لجميع الأمة لما كان للاصطفاء معنى (ثانيا) من في الآية للتبعيض فهو نص في ان المصطفى بعض الأمة (ثالثا) الاضافة الى نون العظمة كما وقع في القرآن الكريم بالنسبة الى الاصطفاء وقع بالنسبة الى الاهلاك وشبهه فهو لا يدل على عظمة ما اضيف إليه بل على عظمة الله خاصة (رابعا) آية ان عبادي ليس لك عليهم سلطان ينص على ان المراد البعض لا الكل فهو عليه لا له فهل يقول ان الشيطان لا سلطان له على احد من الأمة وان الذين عصوا وضلوا إنما اغواهم واضلهم الرحمن لا الشيطان (خامسا) كون الكتاب محفوظا الى الأبد يدل على ان من اصطفاهم احياء الى الأبد وهم من قال فيهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض لا جميع الأمة (سادسا) الله تعالى لم يصطف الأمة كلها بنون العظمة فدعوى ذلك كذب على الله (سابعا) اذا كان الله تعالى اصطفى الذين اورثهم الكتاب لنفسه بنفسه ولم يكل الاصطفاء الى غيره فلم قلتم ان اختيار الامام الى الرعية لا الى الله؟. وهل احد احق بإيراث الكتاب من الامام واحق بالاصطفاء منه؟ (ثامنا) ان كان سائر الأمم غير مصطفاة فلذلك انحرفت عن كتابها وهذه الأمة ببركة الاصطفاء لم تنحرف فلما ذا قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لتتبعن سنن من كان قبلكم من الأمم «الخ» في الحديث المتكرر ذكره. (تاسعا) ان كانت اضافة العباد الى نون العظمة لقطع امكان الانحراف وكان الضلال في الأمة غير ممكن فلما ذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستفترق امتي ثلاثا وسبعين فرقة. فرقة ناجية والباقون في النار. (عاشرا) الاصطفاء بعد العلم بالاهلية لا زوال له لكنه لبعض الأمة لا كلها فبان ان فلسفات هذا الرجل الباردة الممقوتة لا تصدر من صغار الأطفال فضلا عن رجل ينسب الى علم.

واستشهد أيضا صفحة (ض) لمشاركة الأمة لنبيها بآيات (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما

تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ. إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ). قال ومغفرة الذنب في النبي كانت بالفتح والنصر ونحن نأمل ان الله يغفر كل ما تقدم وكل ما تأخر من ذنوب الأمة بفتوحاتها في سبيل الدين والتمدن والعلوم والمعارف. واستقامة الأمة مثل استقامة نبيها في اقامة الدين معصومة ثم (وَمَنْ تابَ مَعَكَ) يتناول كل الأمة الى يوم القيامة حيث جعل المعية في مجرد التوبة.

وقال صفحة (ظ) : كان النبي بلسان الشكر يقول شيبتني هود واخواتها (عبس والنازعات والمرسلات) يشير بذلك إشارة نبوية على ان الأمة ستستقيم استقامة النبي وروح النبوة ستبقى فيها فكأن النبي حي بحياتها اشيب بشيابها.

(ونقول) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اعتقادنا معصوم من الذنوب فلا يحتاج الى المغفرة لذلك احتاج القائلون بعصمته إلى تأويل ليغفر لك الله بوجوه من التأويل لأن ظاهر النقل اذا خالف الدليل القطعي وجب تأويله. ومما روي في تأويله ان المراد ما تقدم من ذنبك وما تأخر عند أهل مكة. اما الأمة التي ليست افرادها بمعصومة كلها فالذنب الواقع منها ذنب حقيقي محتاج الى المغفرة والله تعالى قد وعد التائب النادم المغفرة فاين مشاركة الأمة للنبي في المغفرة وامل الغفران للأمة ليس بفتوحاتها وحدها بل تأمل الغفران لكل مذنب تائب برحمة الله وعفوه والفتوحات التي كانت لمعونة الظالمين على ظلمهم وتوسيع ملكهم سبيلها سبيل من كانت هجرته لا مرأة يتزوجها أو مال يصيبه ان لم توجب ذنبا لا توجب مغفرة. والنبي ومن تاب معه امروا بالاستقامة ونهوا عن الطغيان فالنبي امتثل واستقام وغيره منهم من امتثل واستقام فكان له فضله ومنهم من لم يستقم وطغى فان عليه وزره ومجرد الأمر لا يدل على الامتثال فالتفريع الذي ذكره فاسد سواء أكان من تاب معه يتناول كل الأمة. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيبتني هود واخواتها يشير به الى ما فيها من التهديد والوعيد للعاصين وما أصاب الأمم الماضين المذكورين فيها من الخسف والغرق والهلاك فكان يخاف على امته ان يصيبها مثله ويخاف على العاصين منهم ويعرض له الخوف من الله تعالى على قدر معرفته يقول ذلك بلسان الخوف لا بلسان الشكر ولذلك شيبته. واما انه يشير الى ان الأمة ستستقيم «الخ» فمع عدم دلالة شيء من الألفاظ على ذلك يكذبه الوجدان فالأمة بامرائها وقد دبت فيها بعد الخلفاء الراشدين روح الفساد ولم تبق فيها روح النبوة ولا ريحها ومات النبي

باماتتهم سنته واحكامه فلم يكن فيها شابا ولا أشيب وكان صوفية الاسلام التي ينتحلها لنفسه كما جاء في بعض كلامه الآتي قادته الى هذه التمحلات والتأويلات التي لا يدل عليها لفظ كما في اكثر تأويلاته.

واستشهد صفحة (ظ) بآيات أخر لمشاركة الأمة لنبيها لا شاهد فيها منها : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) آمن الأمة كما آمن نبيه من كل خزي وسوء الى يوم القيامة. ومنها : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) فمخالفة الأمة مثل مخالفة الرسول والوعيد في مخالفة الرسول على المشاقة وفي مخالفة الأمة على مجرد عدم الاتباع ومثل هذا البيان بلاغة معجزة بيان رجحان كفة الأمة. ومنها (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) عطف على المبتدأ فالذين معه رسل الله الى الأمم فكل فضيلة تستوجبها الرسالة تكون في الأمة. وهذا الوجه يؤيد قراءة اشداء رحماء بالنصب على الحالية. ومن هذا اخذ النبي (علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل) ويؤكده تأكيدا لا يذر ذرية ريبة قوله : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) لأن القسم لا يكون إلا للمستقبل

وقال صفحة (غ) قول الله في عيسى : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) إذا تلوناه بعد (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) نفهم ان الآية عرضت للأمة المحمدية الرسالة الى الأمم فالأمة المحمدية خلف لنبيها في الرسالة الى الأمم. ومنها : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) اشترك الأمة مع نبيها في الشهادة على الأمم فإن النبي مثل اعلى في أدب الحياة للأمة ... ومن وظائف الأمة ان تكون في أدب الحياة مثلا اعلى لسائر الأمم. يقول الصادق لا يجوز ان تستشهد الأمة يوم القيامة. اما انا فاعتقد ان كلية الأمة اصدق من الصادق واعلم من كل الأئمة ، يقول الصادق عن الأمة ونحن شهداء الله على خلقه. ونحن الشهداء على الناس يوم القيامة فمن صدقنا صدقناه يوم القيامة ومن كذبنا كذبناه يوم القيامة اما نحن فنقول ان شهادة القرآن تغنينا عن كل شهادة (ومنها) صفحة (كط). (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ. وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ

الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) الآية. اضاف الدين الى الأمة وقال دينهم الذي ارتضى لهم فدل على ان دين الأمة وسياسة الخلافة الراشدة هو الذي ارتضاه لهم (ومنها) صفحة (ك ي): لقد جاءكم رسول من انفسكم. اشهر آية واشرف آية خطاب لكل الناس في كل العصور ولا يمكن بقاؤه إلا اذا كان الأمة خلفا للرسول. وقال صفحة (كج): قول النبي (يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له يدخل فيه القرآن الكريم لقوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ).

(ونقول) : الذين آمنوا معه في آية يوم لا يخزي الله النبي خاص بمن آمن به إيمان اخلاص وكان معه ولا يشمل من تأخر وأي خزي على الأمة اعظم من ان يليها مثل يزيد بن ميسون ويزيد صاحب حبابة والوليد والحجاج واضرابهم وهي ساكتة مطيعة. واتباع غير سبيل المؤمنين عبارة عن عدم الايمان وسبيل المؤمنين هو سبيل الرسول فوعيد متبع غير سبيل المؤمنين لأنه كفر بالله وخالف الرسول لا لأنه خالف الأمة فمخالفة الأمة وموافقتها سيان اذا لم يكن فيه خلاف للرسول فقوله مخالفة الأمة مثل مخالفة الرسول ساقط كفلسفته في بيان رجحان كفة الأمة على كفة الرسول. وما قيمة الأمة لو لا الرسول. والعطف في آية محمد رسول الله على المبتدأ بعيد. ودعوى ان كل فرد من الأمة كذلك ابعد فإن في الأمة من لا يستحق ذلك ولا ما دونه وقراءة النصب لا تنافي الاستئناف فإن الخبر ما بعد اشداء رحماء. والاخبار بذلك ينافي العموم لمشاهدة كثير ممن ليس فيهم هذه الصفة. وعلماء أمتي مخصوص بالعلماء العاملين لا يشمل جميع الامة ولا علماء السوء. وكونه اخذ ذلك من الآية افتراء عليه وهو فرع كونها على العطف. وكتب الله لأغلبن أنا ورسلي حكاية عن الماضي فلا ينافي القسم. ورسله انبياؤه لا افراد الأمة. وآية لو نشاء لجعلنا منكم ملائكة مفادها ـ والله أعلم ـ لو نشاء لأهلكناكم يا بني آدم وجعلنا بدلكم ملائكة يكونون خلفا لكم وعوضا عنكم في الأرض. والآية الأولى نفي لربوبية عيسى عليه‌السلام ليس إلا سواء أتلوناها بعد الآية الثانية أم قبلها وما فهمه منهما لا تساعد عليه دلالة ونرى الله تعالى يخاطب الأمة المحمدية فيقول : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) فجعلها منقلبا على عقبيه وشاكرا ولم يجعلها

جميعها مقدسة معصومة مشاركة لنبيها في الرسالة. ويقول : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) واذا كان من وظائف الأمة التي يتغنى بذكرها ويدعي مشاركتها لنبيها في كل ما كان له ـ ان تكون في أدب الحياة مثلا اعلى لسائر الأمم هل قامت كلها بهذه الوظيفة بعد نبيها أو اشتغلت بالفتن والحروب بينها ولما يمض على وفاة نبيها زمن طويل وهل كانت الحروب بينها لأجل القيام بهذه الوظيفة ولتكون مثلا اعلى لسائر الأمم. كل ذلك يدلنا على ان المقصود بهذه الآية وامثالها طائفة مخصوصة من الأمة لا جميعها وان جميعها بعيد عن العدالة فضلا عن العصمة. وانها كسائر الأمم فيها الصالح والطالح وان الصالح أقل من الطالح والوجدان على ذلك وحديث لتتبعن سنن من كان قبلكم المتكرر الاشارة إليه نص في ذلك. وكلية الامة التي يقول عنها انها اصدق من الصادق واعلم من كل الائمة لا فضل لها الا بوجود اهل البيت النبوي ومنهم الصادق فيها واتباعها لهم لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق. مثل اهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله كان آمنا) سواء في ذلك كلية الامة وجزئيتها. والامة فيها الصادق والكاذب حتى في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد قام في الناس خطيبا وقال ما معناه : كثرت علي الكذابة أو القالة فمن كذب علي معتمدا فليتبوأ مقعده من النار وفيها العالم والجاهل فكيف تكون كليتها اصدق من الصادق واعلم من كل الائمة احد الثقلين وعترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي امرنا الرسول بالتمسك بها وجعلها شريكة القرآن لا يضل المتمسك بهما ولا تفارقه الى ورود الحوض وامر بالتعلم منها ونهى عن تعليمها لانها اعلم ممن يريد تعليمها. والامام الصادق ما سمي بذلك الا لصدق حديثه وهو الذي نشر العلم واخذ عنه الناس وتخرج على يده من العلماء ما لا يحصى وروى عنه من الرواة عدد لا يستقصى وهو امام العترة في عصره. فاعتقاد صاحب الوشيعة ان كلية الامة اصدق من الصادق واعلم من كل الائمة ما هو الا جهل وعناد خالف فيه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واذا كان الامر كما ذكر فحق للصادق ان يقول نحن الامة ونحن شهداء الله على خلقه ونحن الشهداء على الناس يوم القيامة «الخ» بعد ما بان ان لفظ الامة الوارد في القرآن لا يمكن ان يراد به جميع افرادها فلا بد ان يكون المراد به جماعة مخصوصة واولى ان تكون

هذه الجماعة ائمة العترة فالقرآن شاهد لنا لا لك وتغنينا شهادته عن كل شهادة سواها. والتقييد في آية (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) يعملوا الصالحات ينافي العموم لجميع افراد الامة وعلى فرض اضافة الدين الى الامة فأي فضل لمن لم يقم بواجبات الدين من الامة وتلبس بالمعاصي والله تعالى لا شك بأنه مكن للمسلمين دين الاسلام واظهره على الدين كله ونشره في اقطار الارض وارتضاه للمسلمين واستخلفهم في الارض فملكهم اياها كما استخلف الذين من قبلهم من امم الأنبياء الذين آمنوا بعيسى وموسى وغيرهما ولكن هذا لا يجعل جميع المسلمين رسلا وانبياء وصلحاء متمسكين بجميع واجبات الاسلام كما لم يجعل الذين من قبلهم كذلك ولا ربط له بذلك ولا بسياسة الخلافة الراشدة لا سلبا ولا ايجابا. واستدلاله بآية لقد جاءكم رسول من انفسكم على ان الامة خلف للرسول في رسالته من الاعاجيب ولا عجب فاغلب استدلالاته من هذا القبيل. فكونه خطابا لكل الناس في كل العصور ان سلم بناء على شمول خطاب المشافهة للغائبين على قول بعض الأصوليين لا يدل على ان كلا منهم رسول اذ معنى من انفسكم اي من بني آدم لا من الملائكة فلا يدل على ان منكم في كل عصر رسولا اذا فبقاء هذا الخطاب لا يستلزم ان تكون الامة خلفا للرسول في الرسالة ولا ربط له بذلك سواء كانت اشهر آية واشرف آية أم لم تكن.

ولا ندري وجه كونها اشهر واشرف والقرآن الكريم ليس فيه مشهور واشهر ومشروف واشرف. ولفظ عدوله في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفي ما يدعيه من العموم في الامة في جميع ما سبق سواء ادخل في العلم القرآن الكريم أم لم يدخل فهو عليه لا له. ومما ذكرناه فيما مر عليك يظهر الجواب عن كل ما استشهد به واطال فيه من الآيات مما لم ننقله روما للاختصار.

قلب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقلوب اصحابه

قال صفحة (كج) : اصدق قول قاله قائل قول من يقول ان الله نظر في قلوب العباد فوجد خيرها قلب محمد فاصطفاه لنفسه ثم وجد قلوب اصحابه خير القلوب بعد قلب محمد فجعلهم وزراءه. وقال صفحة (كد) ما حاصله : فان لم يكن هذا في الواقع كذلك بل كان الواقع ما تزعمه الشيعة فالله هو الجاهل حيث يقول : ان الله

بعباده لخبير بصير. ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا. اذ لن يكون خبيرا بصيرا بعباده من قد اخطأ خطأ كبيرا في اصطفائه فاصطفى نبيه وزراء وصحابة ليسوا بأهل.

(ونقول) : محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واصحابه لا يحتاجون في بيان فضلهم الى قول مجهول القائل ، وقد بان باستدلاله هذا انه هو الجاهل حيث ضم قول هذا القائل الذي لم يبينه ولم يبرهن على صحته الى قول الله تعالى وجعل منهما دليلا والذي اصطفاه الله وزيرا لنبيه هو الذي قال فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انت مني بمنزلة هارون من موسى وقال الله تعالى حكاية عن موسى واجعل لي وزيرا من اهلي هارون أخي وقال له الله تعالى قد أوتيت سؤلك يا موسى وهو الذي نصره ووازره وحامى عنه وجاهد بين يديه في كل حرب وكشف عنه كل كرب وصبر معه في كل شدة ولم يفر في حرب قط. فان كان الواقع ما تزعمه الشيعة ـ وهو الواقع ـ فقد اجرى الله تعالى الامر على الحكمة والصواب ويكون الجاهل من يتوهم ان ذلك يستلزم نسبة الجهل إليه تعالى.

الامة او الائمة

قال صفحة (ث) تحت هذا العنوان : اني لا انكر الا مسائل فيها ضرر للاسلام وللشيعة وللامة في قوتها ووحدتها وائتلاف قلوبها. لا ابحث عن ضلال المسائل وصوابها وانما اقوم عليها قيام من ينكرها لضررها وقال صفحة (ث) أيضا : الولاية والامامة كتب الشيعة تعدها من اصول الدين واهم اركان الايمان وهي عندنا ـ اهل السنة والجماعة ـ من امهات المسائل وان كنا لا نجعلها من اركان الايمان.

(ونقول) : زعمه انه لا ينكر الا مسائل فيها ضرر ولا يبحث عن ضلالها وصوابها وابرازه نفسه بمنزلة الناصح المشفق ودعواه هذه الطويلة العريضة بهذه العبارات المنمقة المزخرفة التي اعتادها مثل فيها ضرر للاسلام وللشيعة وللامة في قوتها ووحدتها وائتلاف قلوبها وامثال ذلك لا يساعده على ما يأتي منه من الاقتصار على مجرد التهجين والانكار ونفث السموم بغير دليل ولا برهان. مع ان الواجب في كل مسألة البحث عن ضلالها وصوابها فان كانت صوابا لم يعقل ان يكون فيها ضرر

لاحد ولا للامة في قوتها ووحدتها وائتلاف قلوبها ولم يسغ لاحد انكارها وان كانت ضلالا لم يعقل ان يكون فيها نفع للامة ووجب انكارها ولكن ذلك انما يكون بالدليل والبرهان لا الدعاوي المجردة.

اما الامامة فهي عندنا وعندكم من اصول الدين لانها راجعة الى العقيدة لا الى العمل كما هو الشأن في فروع الدين. واذا كنتم لا تجعلونها من اركان الايمان فلما ذا تعادون من يخالفكم فيها هذا العداء العظيم وتنسبونه الى العظائم.

وقال ص ٦٢ والامة اسبق اخذا بكل ما ثبت عن امام الائمة علي امير المؤمنين ليس من دأب الامة ان تضع على لسان احد من الائمة شيئا بهوى وانما دأبها ان تأخذ ما ثبت بسند.

(ونقول) : زعمه انها اسبق اخذا بكل ما ثبت عن امام الائمة يكذبه رفضها قوله في العول والتعصيب وغيرهما مما مر الى قول غيره ومبالغته هو في ذلك وتشدده والتماسه التأويلات الفاسدة والوجوه المتمحلة كما يعلم مما مر والامة باعراضها عن ائمة اهل البيت وعن مذاهبهم واقوالهم لا يخشى منها ان تضع على احد منهم شيئا لا يهوى ولا بغير هوى وذلك يكذب انها تأخذ ما ثبت عنهم بسند فلم ترها أخذت عنهم شيئا ولا عملت بفتوى احد منهم ولا جعلتهم كمحمد بن الحسن الشيباني وابي يوسف على الاقل.

زعمه عصمة الامة

قال صفحة (ث) : اني اعتقد في الامة عقيدة الشيعة في الائمة. الامة في عقيدتي معصومة بعصمة نبيها والاصل في عقيدتنا ان الامام كبير الامة. وممثل كلية الامة فان لم تكن الامة معصومة فلا عصمة للامام. والاصل في الشرف والعصمة هي الامة وإليه يرشد : ان ابراهيم كان امة. انا لا انكر عصمة الائمة فاني في عصمة ائمتنا فرح اكثر من فرح الشيعة اذا سار غيري في التشيع برجليه اللتين لا يغسلهما فاني اطير باجنحتي التي امسح بها واذا مت سواي في ولاء اهل البيت بلمحة تقية فاني اتوسل بغرة لائحة نقية وللآخرة ولائي لا للحاضرة الا ان عصمة الائمة لا تغني الامة في شيء ولا تغنيها عن شيء. وعقيدة انحصار الائمة في عدد

محدود قد اضطرت الشيعة الاثني عشرية الى ان تقول اقوالا كلها مستحيلة وعقيدة عصمة الائمة قد بناها الشيعة على حرمان كل الأمة من عقل عاصم ومن ايمان هادئ هاد فان الامة ان كان لها عقل يعصمها وإيمان يديها فهي بالغة رشيدة خرجت عن الوضيعة وكبرت عن طوق الشيعة فلذلك عرضت للشيعة هذا السؤال الامة او الائمة فان قالت الشيعة بعصمة الائمة فانا اقول بعصمة الامة اذ لا حكمة للدين ولا مصلحة للامة في مجرد عصمة الائمة فان الامة ان لم يكن لها عقل يعصمها وايمان يهديها وقوة تحميها فلا وجود للامة.

وقال صفحه (لز) والامة معصومة عصمة نبيها في تحملها وحفظها وتبليغها وادائها حفظت كل ما بلغه النبي مثل حفظ النبي وبلغت كل ما بلغه النبي مثل تبليغ النبي. حفظت كليات الدين وجزئياته اصلا وفرعا وبلغتها لم يضع من اصول الدين وفروع الدين شيء حفظته الامة كافة عن كافة عصرا بعد عصر ولا يمكر ان يوجد شيء من الدين غفل عنه او نسيه (كذا) الامة فالامة بالقرآن والسنة اعلم من جميع الائمة واهتداء الامة اقرب من اهتداء الائمة وعلم الامة بالقرآن وسنن النبي اليوم اكثر واكمل من علم علي ومن علوم كل اولاد علي. ومن عظيم فضل الله على نبيه وعلى الامة ان جعل في الامة من ابنائها كثيرا هم اعلم من الائمة ومن الصحابة وهذا معلوم بالضرورة فان كل لاحق يرث كل ما كان للسابق ثم يكسب ويوفر والامة ما قصرت بل ورثت ثم وفرت ودونت والقرآن وعلومه والسنة وعلومها واجتهاد الائمة وكل ثمراته تناله اليوم ايدينا بسهولة من كثب فابن الامة اليوم في علومه هو الامة في علومها كلها وخلافه كسل دائب واستصعابه وهم رائب كان صعبا عسيرا او متعذرا من قبل اما اليوم فهمة الامة وجهودها العظيمة في عصور متوالية قد يسرته للذكر تيسيرا فهل من مدكر وكل ما تدعيه (كذا) الشيعة وجوده في الائمة موجود بتمامه قطعا في الامة وابن الامة احفظ واعلم وافقه. وقال صفحة (لح) : والامة التي ورثت نبيها وصارت رشيدة ببركة الرسالة وختمها ارشد الى الهداية والى الحق من كل امام والامة مثل نبيها معصومة ببركة الرسالة وكتابها وعقلها العاصم ، الامة بلغت وصارت رشيدة لا تحتاج الى الامام رشدها وعقلها يغنيها عن كل امام. وقال صفحة (لط) انا لا انكر على الشيعة عقيدتها ان الائمة معصومة وإنما انكر عليها عقيدتها ان امة محمد

لم تزل قاصرة ولن تزال قاصرة تحتاج الى وصاية امام معصوم الى يوم القيامة. والامة اقرب الى العصمة والاهتداء واهدى الى الصواب والحق من كل امام معصوم لان عصمة الامام دعوى أما عصمة الامة فبداهة وضرورة بشهادة القرآن. وعقلنا لا يتصور احتياج الامة الى امام معصوم وقد بلغت رشدها ولها عقلها العاصم وعندها كتابها المعصوم وقد جازت بالعصوبة كل مواريث نبيها وفازت بكل ما كان للنبي بالنبوة. وقال صفحة (م) التي هي ص ٤٠ والعقل نور إلهي يهدي الله لنوره من يشاء. ومن يؤمن بالله يهد قلبه فان الايمان يهدي القلب الى العلم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) فالعقل العاصم والايمان بالله وكتاب الله الذي نزل تبيانا لكل شيء يغني الامة عن كل امام معصوم. ولو احتاجت الامة الى الامام المعصوم ذرة احتياج لما ختم النبوة برسالة محمد ولم يكن محمد خاتم النبيين الا لزوال الاحتياج ببركة القرآن الكريم فدعوى الاحتياج الى الامام المعصوم تنافي حكمة الله في ختم النبوة فان الاحتياج اما لقصور في بيان الكتاب او في روح النبوة او في التبليغ فدعوى عصمة الامام طعن في اصل الدين. وقال صفحة (ما): والامة بعقلها وكمالها ورشدها بعد ختم النبوة اكرم واعز وارفع من ان تكون تحت وصاية وصي تبقى قاصرة الى الابد. وقال صفحة (ب س) والامة رشيدة راشدة ارشد من كل من ادعى الوصاية. وقال صفحة (ح م): ان العصمة في الامة مطلوبة معقولة ممكنة اما عصمة الائمة فلا حاجة لنا إليها ولا امكان لوقوعها. وقال ص ٦٢ اما انا فأرى جميع المذاهب محترمة واوافق شيخ شريعة الشيعة في قوله ونحن فوق المذاهب ـ اصل الشيعة ١٣٤ ثم ازيد والقرن الاول سلفنا وفي الدين فوقنا والامة والقرن الاول امامها معصومة ـ اولئك هم خير البرية. وقال صفحة (كج) العصر الاول افضل الامة والامة معصومة.

(ونقول) كرر في كلامه دعوى عصمة الامة ورشدها وما الى ذلك على عادته الممقوتة في التكرير والتطويل بلا طائل ظانا انه قد فتح فتحا جديدا واهتدى الى كنز ثمين ودعاويه هذه كلها كرقم فوق ماء.

(اما دعواه) ان الامة معصومة مثل نبيها فاولى بأن تلحق بالهذر والهذيان من ان تدرج في كتاب يطبع وينشر على الملأ. فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصوم من الذنوب

ومن الخطأ والنسيان في الاحكام الشرعية فهل صار كل فرد من هذه الامة كذلك ببركة موسى تركستان الذي ظهر في هذا الزمان وهل صار كل واحد منها نبيا وبعض اهل نحلته انكر عصمة الأنبياء والامة التي يعتقد بعصمتها وخلقت لها مخيلته العصمة جل افرادها غير معصوم اتفاقا وكل واحد منها غير معصوم عند اهل نحلته فكيف يكون معصوما من جل افراده او كلها غير معصوم بل جل افرادها بعيد عن العدالة فضلا عن العصمة فاي هذر وسخافة ازيد من هذا الذي لم يسبقه إليه احد وخالف به الضرورة والبداهة هذا ان اراد بالامة كل فرد من افرادها وان اراد مجموع الامة بحيث يكون اجماعا فهو حجة لما بين في الاصول لكن لا لأن الامة معصومة وهو لا ينفع فما اختلفت فيه الامة وهو كثير فلا بد من الرجوع الى امام معصوم والرسالة والكتاب والعقل والايمان لا تجعل احدا معصوما ولا تغني عن الامام المعصوم والا لما وقع الاختلاف بين الامة ولا ضل احد من الامة وها قد اختلفت الامة في امور لا تحصى بل اختلفت في كل شيء من اصول الدين وفروعه وعقولها معها وايمانها ثابت والكتاب الذي نزل تبيانا لكل شيء بين ايديها فلم يكن ذلك مزيلا لاختلافها الموجب لخطأ بعضها فاختلفت في مسائل الغسل والمسح في الوضوء وهو في كتاب ربها وكل يدعي ان الكتاب معه ولا يزال الخلاف قائما بينها من الصدر الاول الى اليوم وبعد اليوم ولم يغنها ما ذكره في رفع خلافها شيئا وقد اختلفنا نحن وانت فلم تكن هذه مزيلة لاختلافنا وكتاب الله فيه تبيان كل شيء من اصول الاحكام اما تفاصيلها فتؤخذ من السنة التي لا يؤتمن عليها غير المعصوم كما يأتي. ثم اذا كانت الامة معصومة فلا تحتاج الى امام معصوم فبالاحرى ان لا تحتاج الى امام اصلا لا معصوم ولا غير معصوم وهذا مخالف لاجماع المسلمين فقد اجمعوا على انه لا بد من امام وانما اختلفوا في وجوب عصمته وعدمها. ومخالف لقوله عليه‌السلام : من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية ولو كان العقل وحده عاصما كافيا والايمان بمجرده هاديا لما احتاج الى امام اصلا لا معصوم ولا غير معصوم كما مر ولا الى ارسال الأنبياء في كل فترة بل كانت تكفينا نبوة ابينا آدم عليه‌السلام. واما تعليله ذلك بأن الامة معصومة بعصمة نبيها وان الامام كبير الامة وممثل كليتها فان لم تكن معصومة فلا عصمة له فهو طريف جدا اذ اي ملازمة بين عصمة النبي وعصمة امته والوجدان على

خلافه. واذا كان الامام كبير الامة وممثل كليتها فاي ملازمة بين عدم عصمتها وعدم عصمته بل الملازمة بالعكس فانها اذا كانت غير معصومة لزم كونه معصوما ليردها عن خطئها. ثم ان الامام عندك غير معصوم فما الذي اوجب عصمة الامة وهي لا تختلف عنه بل اذا كان كبيرها فهي دونه. وكون الاصل في الشرف والعصمة هي الامة وشرف الامام وعصمته تابعان لها الامة فيها الاصل والامام الفرع لا يفهم له معنى ولا يدل عليه دليل والامة لا عصمة لها والامام عنده لا عصمة له. وآية (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) لا ترتبط بشيء من ذلك ففي مجمع البيان : اختلف في معناه فقيل قدوة ومعلما للخير. قال ابن الاعرابي يقال للرجل العالم امة وهو قول اكثر المفسرين. وقيل امام هدى عن قتادة. وقيل سماه امة لان قوام الامة كان به وقيل لانه قام بعمل امته. وقيل لانه انفرد بالتوحيد عن مجاهد. فاي ربط لهذه الاقوال بكون الاصل في الشرف والعصمة هي الامة. واما تعليله ذلك أيضا بان الامة معصومة عصمة نبيها في تحملها وحفظها وتبليغها وانها حفظت كل ما بلغه النبي من كليات الدين وجزئياته اصوله وفروعه لم يضع منها شيء ولم تنس شيئا فهو كسابقه في غاية السخافة فاذا كان النبي معصوما في تحمله وحفظه وتبليغه فما الذي اوجب ان تكون الامة كذلك وكل فرد منها ليس بنبي حتى تكون له صفة النبي واذا كانت الامة قد حفظت كليات الدين وجزئياته فلما ذا اختلفت في صفات الباري تعالى وامكان رؤيته وفي وجوب عصمة الأنبياء قبل البعثة وبعدها وفي خلق الافعال والحسن والقبح العقليين وفي الامامة وغير ذلك وفي مسائل من فروع الدين من الطهارة الى الديات ولما ذا اختلف عمر وابن عباس في العول والمتعة واختلف في العول والتعصيب ائمة اهل البيت مع غيرهم ولما ذا اختلفت أمّ المؤمنين وابن عمر في حديث ان الميت يعذب ببكاء اهله ولما ذا اختلفت الزهراء والخليفة في إرث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وماتت وهي واجدة عليه ولما ذا اختلف ابو ذر وعثمان وكعب الاحبار في ان بعض الآيات عام لنا ولغيرنا او خاص بغيرنا ولما ذا اختلف سعد وغيره في الامامة والامارة ولما ذا اختلف علي واصحاب الجمل وعلي وحزبه ومعاوية وحزبه في امر الخلافة والامارة فهل كان هؤلاء كلهم من غير الامة او كان امر الخلافة ليس من كليات الدين ولا من جزئياته ولما ذا اختلف من تسموا بأهل السنة والمعتزلة والامامية في جملة من مسائل الاصول

والفروع ولما ذا اختلف ائمة المذاهب الاربعة في مسائل الفروع ووقع الخلاف من غيرهم من الفقهاء كمحمد بن الحسن الشيباني والقاضي ابي يوسف وداود الظاهري وغيرهم ولما ذا اختلف الحنابلة وغيرهم في المسائل المعروفة في العقائد. ولما ذا اختلف الخوارج وغيرهم ولما ذا افترقت الامة ثلاثا وسبعين فرقة أكل هؤلاء لم يكونوا من الامة أم ما جرى بينهم ليس خلافا في كليات الدين ولا في جزئياته ولا في اصوله ولا في فروعه بل هو خلاف في مسائل الحساب والهندسة والطب وان اراد ان الحق في ذلك لا يخرج عن الامة فهذا لا ينفع فيما اختلفت فيه الامة ولا يرشد المخطئ الى الصواب ولا يقال فيه ان الامة حفظت كليات الدين وجزئياته اصوله وفروعه ولم يضع منها شيء ولا يمكن ان ينسى او يغفل منه عن شيء فالمخطئ من الامة لم يحفظ ذلك وقد نسي وغفل عما هو الصواب. واما تعليله ذلك بان الامة اذا لم يكن لها عقل يعصمها وايمان يهديها وقوة تحميها فلا وجود للامة واستشهاده بآية يهدي الله لنوره من يشاء وان العقل نور إلهي وبآية ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم فهو في السخافة كما سبقه فان العقل بمجرده لا يكون عاصما كما عرفت وكونه نورا إلهيا لا يمنع ان تغطي عليه ظلمات الشهوات ممن لم يهدهم الله لنوره فان هذا النور الالهي لم يخلقه الله تعالى قادرا على ادراك كل شيء. والايمان وحده لا يكون هاديا سواء أكان هادئا أم متحركا. والذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم والذين عملوا السيئات لا تشملهم هذه الهداية. والقوة التي تحمي الامة يجب ان تكون في يد امام معصوم لئلا يستعملها من هي في يده في هدم كيان الامة وفيما يضرها ويصرفها حسب شهوات نفسه لا حسب مصلحة الامة كما وقع ذلك في دولة الاسلام كثيرا وكفلت بحفظه التواريخ وهو اظهر من ان يحتاج الى بيان مع ان الامامة لا يمكن ان تزيد عن النبوة فالانبياء الذين كذبوا وقتلوا وطردوا ولم يكن لهم قوة تحميهم ولا تحمي اممهم هل كان ذلك قادحا في نبوتهم وموجبا لان نقول ان اممهم حيث انه ليس لها قوة تحميها لا وجود لها ولوط عليه‌السلام يقول لو ان لي بكم قوة فكون الامة التي ليست كذلك لا وجود لها مجرد تزويق وتنميق لا يرجع الى محصل.

واما زعمه ان الامة اقرب الى العصمة والاهتداء من كل امام معصوم وتعليله ذلك بأن عصمة الامام دعوى وعصمة الامة بداهة وضرورة بشهادة القرآن. فيكذبه

ان عصمة الامام ليست بدعوى بل هي الثابتة بالبداهة والضرورة وشهادة القرآن. وذلك لما اشرنا إليه غير مرة من ان الدليل الدال على عصمة النبي هو بعينه دال على عصمة الامام فالنبي مبلغ للشريعة والامام حافظ لها بعد النبي من الزيادة والنقصان وامين عليها ومرجع للأمة في امورها الدينية والسياسية للاتفاق على ان الامامة رئاسة عامة في امور الدين والدنيا لشخص من الاشخاص نيابة عن النبي فكما يجب ان يكون النبي معصوما من الذنوب لأن صدور الذنب منه يوجب سقوط محله من القلوب وعدم الوثوق بأقواله وافعاله وذلك ينافي الغرض المقصود من ارساله. كذلك يجب ان يكون الامام معصوما لهذه العلة بعينها فانه ان لم يكن معصوما لم يكن مأمونا على الشريعة وعلى امور الأمة الدينية والدنيوية ولكان وقوع المعصية منه موجبا لسقوط محله من القلوب وعدم الوثوق باقواله وافعاله وهو ينافي الغرض المقصود من إمامته. واما شهادة القرآن بعصمة الامام فهي قوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين والخلافة والإمامة عهد من الله تعالى اتفاقا ولو كانت باختيار الأمة لأن من اختارته الأمة يصير خليفة واجب الاطاعة بأمر الله تعالى عند القائلين بانها باختيار الأمة لقوله تعالى واولي الأمر منكم وغير المعصوم ظالم لنفسه فلا يناله هذا العهد الى غير ذلك من الأدلة المذكورة في كتب الكلام فكان عليه ان يبطلها بالدليل والبرهان لا بمجرد دعوى انها دعوى. ودعواه عصمة الأمة بالبداهة والضرورة بشهادة القرآن باطلة بالبداهة والضرورة وبشهادة القرآن. اما بطلانها بالبداهة والضرورة فيعلم مما مر. واما بطلانها بشهادة القرآن فبقوله تعالى (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ). فهذا نص في ان الأمة بعد نبيها منها من ينقلب على عقبيه ومنها من يكون شاكرا فاين العصمة.

والآيات التي ذكرها لا ترتبط بما يحاوله من اثبات عصمة الأمة واستغنائها عن امام معصوم فان الهداية هي إراءة الطريق وقد تفضل الله بها على عباده بما وهب لهم من العقول وارسل إليهم من الرسل ولكن ذلك لا يكفي عن وجود امام له رئاسة عامة في امور الدين والدنيا يكون حافظا للشرع من الزيادة والنقصان ومنصفا للمظلوم من الظالم.

واما زعمه ان الأمة بلغت رشدها وانها ارشد من كل امام يدعى له الوصاية عليها ببركة الرسالة وختمها وانها اكرم واعز وارفع من ذلك فلا تحتاج الى امام لأن الوصاية تكون على القاصر لا على البالغ الراشد فهو كما سبقه في السخافة فان المسألة ليست مسألة بلوغ سن وحصول رشد بل مسألة احتياج الأمة الى امام يكون بالصفات الآنفة الذكر وهذا قد اتفق عليه المسلمون فاجمعوا على وجوب نصب الإمام قبل ان يخلق الله صاحب الوشيعة وبعد ما خلقه وانما اختلفوا في ان الإمام هل يجب ان يكون معصوما أو لا ، وفي ان نصبه من الله تعالى او باختيار الرعية وعلى مقتضى كلامه لا حاجة الى امام لا منصوب من الله ولا من الرعية لا معصوم ولا غير معصوم هذا علم موسى جار الله وهذه ادلته وهذه انظاره التي خالف بها اجماع المسلمين ولم يأت بدليل سوى تكرير عبارات وتسجيع الفاظ وتجنيسها لا طائل تحتها بل هي كرحى تطحن قرونا تسمع جعجعة ولا ترى طحنا. والأمة قد اتفقت على انه لا بد لها من امام معصوم او غير معصوم تكون تحت وصايته الى الا بد وبين لها صاحب ختم النبوة ذلك بقوله من مات ولم يعرف امام زمانه الخ. والأمة لم يمنعها عقلها وكما لها ورشدها ـ الذي يدعيه لها ـ بعد ختم النبوة من الاختلاف في مسائل الدين والامرة من الحروب والفتن وضلال جمع منها عن طريق الحق ولا ينافي ذلك وقوع هذا مع وجود الإمام لأنهم اذا لم يتبعوه ولم يطيعوا قوله كان الذنب عليهم. والأنبياء أعلى درجة من الإمام وقد وقع هذا مع وجودهم وتطاول الايد لا يزيد الامة في العقل والرشد والكرامة والعز والرفعة كما نراه بالعيان. بل نرى انها كلما كبرت سنها فقدت رشدها وخرفت وشاخت وولي عليها امثال يزيد والحجاج وشرب خلفاؤها الخمور وارتكبوا الفجور فاتصفت بالوضيعة ولم تكبر عن طوق الشيعة وسواء أكانت الامة قد بلغت رشدها أم كبرت وشاحت واضاعت رشدها فنحن قد رضينا من هذه الامة اهل بيت نبينا فاتبعنا طريقتهم واهتدينا بهداهم واستننا بسنتهم كما اوصانا رسولنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وانت ترى نفسك في غنى عنهم وتتمسك من الامة بسواهم فلك ما تمسكت به ولنا ما تمسكنا بهم.

نحن بما عندنا وانت بما عن

دك راض والرأي مختلف

فظهر ان قوله بعصمة الامة سخف عار عن التحصيل لم يسبقه إليه عاقل ولا جاهل وانها غير ممكنة ولا معقولة وان المصلحة في عصمة الإمام والضرورة والحاجة إليها ظاهرة بينة وانها ممكنة وواقعة وانها تغني الامة في كل شيء ولا يغني عنها شيء. وائمته عنده غير معصومة فليفرح بعدم عصمتهم وائمة اهل البيت ليسوا بأئمته وهو ينكر عصمتهم وهو بهذا الإنكار فرح اكثر من فرح الشيعة. ومن القول بعصمتهم متغيظ. واذا كان الدليل قادنا الى اعتقاد عصمتهم فلا نبالي بفرحه ولا بحزنه فليطر بجناحيه الى مخالفتهم ومنابذة اوليائهم ومحبيهم الذين يمسحون بارجلهم كما امر بذلك كتاب ربهم ولا يغسلونها. واذا مت غيره في ولاء اهل البيت بلمحة تقية خوفا من اعدائهم فانهم يرجون بذلك اجرا عند ربهم وعده الصابرين اما هو فبعيد بقوله هذا عن ولائهم وليس له فيه غرر ولا حجول ولا يريده لا للحاضرة ولا للآخرة. وحديث القرون الثلاثة قد مر انه من الموضوعات وخير البرية لا يعم جميع افراد الامة ولا اكثرهم واظهر من دخل في عمومه محمد واهل بيته عليه وعليهم‌السلام وعلى ذكر عصمة الامة التي يدعيها نذكر ابياتا لنا من قصيدة :

امة تلعن الوصي ترى ذ

لك دينا نأت عن التسديد

امة يغتدي خليفتها مث

ل يزيد ما حظها بسعيد

امة تقتل ابن بنت رسول الل

ه ظلما لشر بيض وسود

وما دعواه ان الامة اعلم بالقرآن والسنة من جميع الائمة ومن الصحابة وان علمها اليوم بذلك اكثر واكمل من علم علي واولاده وان اهتداء الامة اقرب من اهتداء الائمة وان الامة اهدى الى الصواب والحق من كل امام معصوم فهي لا تنقص عن سابقاتها في السخافة وظهور البطلان فان كون الامة اعلم بالقرآن والسنة من جميع الائمة يكذبه قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العترة ولا تعلموهم فانهم اعلم منكم وقوله (ص) انا مدينة العلم وعلي بابها وقول لو لا علي لهلك عمر قضية ولا ابو حسن لها ورجوع الناس الى الائمة واخذهم العلم عنهم وعدم رجوعهم الى احد. وكون علم الامة اليوم بالقرآن والسنن اكثر واكمل من علم باب مدينة علم المصطفى وابنائه الذين اخذوا علومهم عنه عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عن الله

تعالى الذي لا يمكن ان يكون علم اكثر منه واكمل محض عناد وضلال وهل علم اكثر ابناء اليوم وقبل اليوم بالسنن الا تقليد في تقليد

لقد هزلت حتى بدا من هزالها

كلاها وحتى استامها كل مفلس

لقد جاء زمان بفضل فيه موسى التركستاني ابناء اليوم على علي وولده في العلم وعلى الصحابة.

اذا وصف الطائي بالبخل مادر

وعير قسا بالفهاهة باقل

وقال السهى للشمس انت ضئيلة

وقال الدجى للصبح لونك حائل

وفاخرت الارض السماء سفاهة

وكاثرت الشهب الحصى والجنادل

فيا موت زر ان الحياة ذميمة

ويا نفس جدي ان دهرك هازل

ولا شيء اعجب من ادعائه ان ذلك معلوم بالضرورة وتعليله ذلك بارث اللاحق ما كان للسابق وان الامة ورثت ذلك ووفرت ودونت وانها ورثت نبيها فان الامة باعراضها عن علوم اهل البيت مفاتيح باب مدينة العلم وينابيع الحكمة ومن امرت بان تتعلم منهم ولا تعلمهم لانهم اعلم منها قد افلست ولم توفر ولم ترث الا النزر اليسير والذين ورثوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الامة في علومه كلها هم اهل بيته دون سواهم وهم الذين نزل القرآن في بيوتهم على جدهم الرسول (ص) وعنه اخذ جدهم علي بن ابي طالب القرآن وعلومه والسنة وعلومها وعلمه من القرآن محكمه ومتشابهه وعامه وخاصه ومطلقه ومقيده وناسخه ومنسوخه وفرائضه وسننه ورخصه وعزائمه وتنزيله وتأويله فقد كان ملازما له في سفره وحضره وليله ونهاره وعشيه وابكاره من طفولته الى وقت وفاته فلم تكن من آية الا وهو يعلم متى نزلت واين نزلت وفيم نزلت وهو الذي قال سلوني قبل ان تفقدوني ولم يقلها بعده إلا كاذب واخذ الائمة من ابنائه علومهم عنه خلفا عن سلف. أفهؤلاء يقال ان في الامة اليوم او قبل اليوم من هو اعلم منهم بكثير واخذها عنهم فقهاء شيعتهم الذين لم يقصروا وورثوا ووفروا ودونوا. وهل الاجتهاد المأخوذ بالآراء والمقايس والاستحسان ـ سواء أتناولته الايدي بسهولة من كتب أم بصعوبة من بعد ـ اقرب الى الصواب من العلم المأخوذ خلفا عن سلف عن امام عن ابيه عن جده عن الرسول (ص) عن جبرئيل عن الله تعالى. وابن الامة اليوم لا يزيد عن ابيه الذي قد وصفنا حاله وتسجيع العبارات

وتنميقها لا يغير من حال الابن والأب شيئا. وما تدعيه الشيعة وتثبته في الائمة استنادا الى كتاب ربها واقوال نبيها لا يمكن وجوده في احد غيرهم لا بتمامه ولا ببعضه فضلا عن ان يكون فيها من هو احفظ واعلم وافقه ودعوى القطع في ذلك هي عين الوهم. وكون الله تعالى جعل في الامة من هو اعلم من الصحابة بكثير ينافي حديث خير القرون قرني الذي اعتمد عليه فيما سبق ـ فان القرن باهله ولا شيء خير من العلم وكيف يكون اهتداء الامة اقرب واصوب من اهتداء الائمة والائمة اخذوا اهتداءهم عن آبائهم عن اجدادهم عن الرسول (ص) عن جبرئيل عن الله تعالى وغيرهم اهتدوا بآرائهم ومقاييسهم واستحساناتهم فأي الفريقين احق بان يكون اهتداؤه اقرب الى الصواب والحق. واما دعواه ان الامة حازت بالعصوبة كل مواريث نبيها وفازت بكل ما كان له بالنبوة فيقال له أكل فرد من افراد الامة حاز ذلك وفاز به بالعصوبة أم طائفة مخصوصة من الامة فان قال بالاول كذبه العيان والوجدان وان قال بالثاني فمن هي الطائفة من الامة التي هي احق بميراث نبي الامة من اهل بيته وابنائه وعصبته الادنين الذين ورثوا علومه خلفا عن سلف واخبر ان المتمسك بهم لا يضل ابدا والذين جعلهم في ذلك شركاء القرآن وبمنزلة باب حطة وسفينة نوح والذين امر بلزومهم وعدم التقدم عليهم وعدم التأخر عنهم وانت تحيد عنهم وتنتقد اقوالهم في غير موضع من وشيعتك الواهية البالية وتنابذ شيعتهم ومتبعيهم فالامة في نبذها اقوالهم وهجرها لم تحز من مواريث نبيها لا بالعصوبة ولا بالعول الا النزر اليسير.

واما دعواه ان احتياج الناس الى الإمام المعصوم ينافي حكمة ختم النبوة لانه اما لقصور في بيان الكتاب او في روح النبوة او في التبليغ فدعوى الاحتياج طعن في اصل الدين فهي طنطنة وتهويل بغير معنى. فانا نسأله أتحتاج الامة الى امام غير معصوم أم لا فان قال لا فقد خالف اجماع الامة وان قال نعم فكيف لم يرفع ختم النبوة برسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبركة القرآن الكريم الاحتياج الى الإمام الغير المعصوم ورفع الاحتياج الى المعصوم مع ان رفعه الاحتياج الى غير المعصوم اولى وحينئذ يقال دعوى الاحتياج الى الإمام الغير المعصوم تنافي حكمة الله في ختم النبوة الى آخر ما ذكره. وحكمة ختم النبوة اولى بان تثبت الاحتياج الى امام معصوم من ان تنفيه فاذا

لم يكن بعد هذه النبوة نبوة فاولى ان تحتاج الامة الى امام معصوم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينفي عن الشريعة الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل فدعوى احتياج الناس الى امام معصوم من مقتضيات حكمة الله في ختم النبوة لا من منافياتها ولم يكن محمد خاتم النبيين الا ليكون اوصياؤه خاتمة الأوصياء واذا اوجب الله الوصية في الكتاب على من ترك مائة درهم مثلا فمن ترك امة عظيمة احرى بان يوصي بها الى من يؤتمن عليها وليس الا المعصوم وليس ذلك لقصور في بيان الكتاب ولا في روح النبوة ولا في التبليغ اما الكتاب الكريم فانه لم يتكفل ببيان جميع تفاصيل الاحكام وان قال الله تعالى انه تبيان لكل شيء لانه لا بد من حمل ذلك على بعض الوجوه مثل ان فيه اصول الاحكام اما تفاصيلها فلا او غير ذلك لما نراه بالبديهة ان جملة من الاحكام او تفصيلها لا يمكن استفادته من الكتاب فهو دال مثلا على وجوب الصلوات الخمس اما ان الظهرين والعشاء اربع ركعات والمغرب ثلاث والصبح ركعتان وان التكفير في الصلاة مستحب او غير مشروع فلا ، وعلى وجوب الزكاة وليس فيه انها في اي شيء وما مقدارها وشرائط وجوبها وليس فيه جميع تفاصيل احكام الحج ولا اشتراط رفع الجهالة في البيع وان ، الربا في اي شيء يتحقق ، ولا ان النكاح يقع بلفظ اعطيت او لا بد من زوجت وانكحت وهكذا جميع الاحكام من الطهارة الى الديات فلا يقال عن هذا انه قصور في بيان الكتاب فان الكتاب لم يرد منه الا هذا المقدار من البيان وأوكل التفصيل الى بيان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاختلاف في مسائل الدين كثير من الصدر الاول الى اليوم مع وجود القرآن العظيم وكل يدعي ان الحق معه فظهر ان الكتاب لا يمكن ان يستغنى به وحده ومن زعم ذلك فقد غالط نفسه او حاول العناد. واما انه ليس قصورا في روح النبوة ولا في التبليغ فلانه قد وقع الاختلاف في الاحكام التي بينتها روح النبوة اصولا وفروعا ولم يستلزم ذلك هذا القصور فان المبلغين بالفتح منهم من حفظ ومنهم من نسي وضيع ومنهم من غير كما يشهد بذلك اختلاف الامة المستمر من الصدر الاول الى اليوم وما بعد اليوم فدعوى الحاجة الى امام معصوم ليست طعنا في اصل الدين بل هي دفاع عنه وانما دعوى عدم عصمة الإمام هي الطعن في اصل الدين بان صاحب الشرع والدين ترك الامة سدى لم ينصب لها من يحفظ عليها دينها ورضي لها بنصب من ليس بمعصوم عن الخطأ في امور الدين.

واما دعواه ان عقيدة انحصار الائمة في عدد قد اضطرت الشيعة الاثني عشرية الى اقوال كلها مستحيلة فكان عليه ان يبين هذه الاقوال لنبين له انها ممكنة واقعة وان غيرها هو المستحيل وانحصار الائمة في عدد قد اخذته الشيعة الاثنا عشرية مما ثبت عن صاحب الرسالة وروته ثقات المسلمين منا ومنكم في الصحاح الستة وغيرها من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الائمة من قريش. يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش او من بني هاشم. من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية. اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي اهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض. دل الحديث الاول والثاني على ان الإمام لا يكون الا قرشيا وعليه اجماع المسلمين والحديث الثالث على انه لا بد ان يوجد واحد منهم في كل زمان والا لكان التكليف بمعرفته تكليفا بغير المقدور وليس في قريش ائمة بهذا العدد وفي كل زمان منهم واحد غير الائمة الاثني عشر. ودل الحديث الرابع على عصمة العترة كالكتاب والا لأمكن ان يكون المتمسك بها ضالا وان العترة لا تفارق الكتاب حتى ورود الحوض. ولا يكون ذلك الا بوجود امام معصوم منها في كل زمان. وليس المراد جميع العترة لوقوع الذنوب من بعضها وللإجماع على ان غيرها ليس بمعصوم. فبان ان انحصار الائمة في عدد محدود ثابت لا مناص منه ولا يمكن ان يضطرنا الى قول مستحيل. وانما القول بعدم انحصار الائمة في عدد قد اضطر غيرنا الى القول بإمامة أمثال يزيد بن معاوية ومروان بن الحكم والوليد ويزيد صاحب حبابة من بني امية وامثالهم من بني العباس او ان تكون الأمة التي يتغنى بذكرها ويدعي عصمتها ماتت ميتة جاهلية

وقال صفحة (م) التي هي ص ٤٠ : والشيعة بدعواها في الائمة تصغر حق الامة وقوتها غاية التصغير والقرآن الكريم قد رفع ويرفع قدر الامة وقوتها مكانا عليا دونه مكان ادريس ويعلي بشأن الامة وحرمتها درجات دونها كل درجة وقد تلونا من قبل مئات من الآيات تشهد بذلك ونتلو الآن آيات بشرتنا بما ستبلغه الامة بقوتها وعقلها واجتهادها وسعيها في مستقبل الايام. ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله. اي كلمات الله التي ستكتبها الامة تداركا لما كان لنبيها من الامية. ثم كل هذا ليس على مجرد الكلام والكلمات بل

منه أيضا ان وجه الحكمة وتامل عجائب الصنعة وادراك اتقان نظام الخلقة لا ينفد. ومن اعجب ما اراه في نسق الآيات ان آية قل انما انا بشر مثلكم يوحى الي انما إلهكم إله واحد بعد آية قل لو كان البحر مدادا فان النبي جعل نفسه في هذه الآية مثل فرد من امته في تلك الايام فيكون الفرد من امته مثل نبيها.

ونقول ان كانت الشيعة على زعمه بدعواها الحاجة الى امام معصوم تصغر قدر الامة يلزمه هو ان تكون الامة اجمع باتفاقها على الاحتياج الى امام معصوم او غير معصوم قد صغرت حق الامة وقوتها غاية التصغير والقرآن الكريم قد رفع ويرفع قدرها مكانا عليا فوق مكان ادريس عليه‌السلام. والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية. وبقوله الائمة من قريش قد صغر حق الامة وقوتها غاية التصغير. والامة اذا كانت غير معصومة بالبرهان والوجدان. والغالب عليها الظلم والفساد في كل عصر وزمان فالقول بان الله تركها بدون ان يقيم لها إماما معصوما يفرق بين الحق والباطل ويحكم بينها بالعدل وتركها تقيم لنفسها من هو مثلها في الخطأ وعدم العصمة هو اعظم تصغير لحقها وتهاون بها لو كان هذا الرجل يدري ما يقول. واما قوتها فان نراها قد جعلت باسها بينها فصغرت قوتها. والقرآن الكريم لم يرفع الا قدر المتقين من الامة ولا يعلي الا شأنهم. وقليل ما هم. وقليل من عبادي الشكور. واما من كان بغير هذه الصفة من الامة فالقرآن لا يضعه الا بالموضع الذي وضع فيه نفسه كل ذلك يجري في كل عصر وكل زمان. ودعوى ان جميع افراد الامة او اكثرها بالصفة التي يريدها الله تعالى يكذبها الوجدان والقرآن والآيات الكريمة التي تلاها قد بينا عدم دلالتها على ما يدعي من العموم. وكون المراد بكلمات الله الكلمات التي ستكتبها الامة بخصوصها او مع غيرها لا يساعد عليه دليل بل الظاهران المراد بها ـ والله اعلم ـ آثار قدرة الله كما سمى عيسى عليه‌السلام كلمة الله القاها الى مريم وكما قال : انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ولا ربط لذلك بالامة. والذي قال عنه انه من اعجب ما يراه في نسق الآيات حقيق ان يقال فيه ان من اعجب ما نراه من هذا الرجل حمله آيات الكتاب الكريم على معان لا مساس لها بها. فقوله : انما انا بشر مثلكم اي لست بملك بل بشر مثلكم شرفني الله عليكم بما اوحاه الي من التوحيد فقد جعل نفسه مثل فرد من امته في

البشرية لا في غيرها واي فضل في ان يكون الفرد من امته مثل نبيها في البشرية.

وقال في صفحة (لح) كل حادثة اذا وقعت فالامة لا تخلو من حكم حق وصواب جواب يريه الله لواحد من الامة. وقال صفحة (لط) وليس يمكن في العالم نازلة حادثة ليس لها جواب عند الامة.

(ونقول) : لو سلمنا ذلك وانها اذا وقعت حادثة واختلفت الامة في حكمها على قولين او اقوال لا بد ان يكون احدها صوابا فما الفائدة في ذلك والقول الصواب من بينها مجهول وهل يكون ذلك مغنيا عن امام معصوم يبين الصواب.

وشبه في صفحة (لح) كلية العلوم بكلية الصناعات وقال لا يوجد صانع يصنع كل المصنوعات ومعلوم بالضرورة ان الإمام لم يكن يفتي في جميع علوم الدين. ولا يعلم التاريخ إماما له علم يبلغ به الى درجة امام من آحاد ائمة الامة في علم من العلوم.

(ونقول) : الشريعة ليست كلية مدارس ولا كلية صناعات ان هو الا وحي يوحى نزل به جبرئيل على خاتم الأنبياء فهذه الخزعبلات لا تفيد الا التطويل وتضييع الوقت ودعواه الضرورة في ان الإمام لم يكن يفتي في جميع علوم الدين ان تمت فانما تتم في بعض من كانوا في منصب الإمامة اما ائمة اهل البيت فهذه الدعوى فيهم باطلة بالضرورة فقد قال ابو الائمة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام سلوني قبل ان تفقدوني. في الاستيعاب بسنده عن سعيد بن المسيب ما كان احد من الناس يقول : سلوني غير علي بن ابي طالب. وفي الاستيعاب : روى معمر عن وهب بن عبد الله عن ابي الطفيل : شهدت عليا يخطب وهو يقول : سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء الا اخبرتكم. ورواه السيوطي في الإتقان بهذا السند مثله. وروى ابو جعفر الإسكافي في كتاب نقض العثمانية عن ابن شبرمة : ليس لاحد من الناس ان يقول على المنبر سلوني الا علي بن ابي طالب. وكان باب مدينة علم المصطفى وقد رجع إليه جميع الصحابة في علوم الدين ولم يرجع الى احد وفتاواه العجيبة في مشكلات مسائل الدين مشهورة وفي المؤلفات مذكورة وقد افردت بالتأليف باسم (عجائب قضايا امير المؤمنين علي بن ابي طالب) وقد جمعناها في كتاب وطبعناه وقال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اقضاكم علي ، وقول عمر فيه ورجوعه الى

قوله معروف مشهور وورث علومه اولاده الائمة واحدا بعد واحد وقد جاء عنه وعن اولاده في علوم الدين والفتاوى في ابواب الفقه من الطهارة الى الديات ما ملأ الطوامير واناف على ما في الصحاح الستة وغيرها بكثير ولا يتسع المقام للإشارة الى جميعها. واين هو الواحد من آحاد الامة الذي لا يبلغه علم امام من ائمة اهل البيت ما هي الا الدعاوي المجردة عن كل مستند كما قال القائل :

وعالم قد جاءنا

يفتي بما لم يخلق

يفتي هنا ويدعي

دليله في الدورق

الامام الباقر عليه‌السلام

قال صفحة (لح) : الباقر كان يدعي ان عنده اصول علم يتوارثه اهل البيت الا انه كان يكنزها كما يكنز الناس الذهب والفضة.

(ونقول) : الباقر لقب بذلك لتوسعه في العلم لقبه به جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وارسل إليه السلام مع جابر بن عبد الله الانصاري واعترف بعلمه الناس كافة وقال ابن حجر في صواعقه : اظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الاحكام واللطائف ما لا يخفى الا على منطمس البصيرة او فاسد الطوية والسريرة ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه. فذكره بهذه العبارة عبارة الاستخفاف ما هو الا عناد للرسول (ص) الذي سماه باقر العلم ، وما ندري الآن صحة ما حكاه عن الإمام الباقر واذا صح لم يكن فيه استغراب ولا استبعاد من قوم هم ورثة علوم جدهم. واذا كان يكنزها عن غير اهلها ويبذلها لاهلها لم يكن في ذلك غرابة.

علوم الائمة عليهم‌السلام

قال صفحة (لط) : والشيعة اذا اتت بما عند الائمة من العلوم تأتي بتفسير الجهد وبما يقوله الناقوس والطبول ثم بغرائب تسميها غرائب العلوم إن دلت على شيء فانما تدل على جهل كاتبيها وقائليها والائمة من كلها بريئة.

(ونقول) : قد ابطل في حصره مرويات الشيعة عن الائمة من العلوم في ذلك. فالشيعة روت عن ائمة اهل البيت في انواع العلوم ما لا يحصى. فروت عنها في

التفسير. والكلام والجدل والاحتجاج. والتوحيد. واصول الفقه. والمواعظ والحكم والآداب والفقه من الطهارة الى الديات وغير ذلك ما جمع في مجلدات كثيرة العدد ضخمة الحجم جمة الفوائد ، فرووا عن علي امير المؤمنين كتابا املى فيه ستين نوعا من علوم القرآن ، ورووا عن الباقر كتابا في التفسير واشار إليه ابن النديم في فهرسته والامام الصادق رووا عنه في انواع العلوم ما ملأ الخافقين وروى عنه راو واحد وهو ابان بن تغلب ثلاثين الف حديث ، والامام الحسن العسكري رووا عنه كتابا في التفسير واشتملت كتب التفسير للشيعة كمجمع البيان والتبيان المطبوعين وغيرهما وتوحيد المفضل المطبوع المروي عن الصادق هو احسن كتاب في رد الدهرية وكذلك توحيد الصدوق المطبوع المروي عن ائمة اهل البيت ، وكتاب الاهليلجة في الكلام مروي عن الصادق موجود في البحار. وكتاب تحف العقول المطبوع جمع علي بن شعبة الحلبي في مواعظهم وحكمهم وآدابهم التي هي كنوز لا تنفد ، والجزء السابع عشر من البحار كذلك ، ونهج البلاغة معروف ، وغرر الحكم ودرر الكلم جمع الآمدي مشهور مطبوع ، ونثر اللآلئ جمع الطبرسي صاحب مجمع البيان مطبوع كلاهما من كلام امير المؤمنين علي عليه‌السلام ، ورسالة الحقوق لزين العابدين جمعت ادب الدنيا والدين مطبوعة واستقصاء ما اثر عنهم ان ذلك لا يسعه المقام وما روي عنهم في الفقه كتب كثيرة كل منها في مجلدات ضخمة وقد فصلها صاحب الوشيعة في موضع آخر وهنا يقول : الشيعة اذا اتت بما عند الائمة من العلوم تأتي بتفسير ابجد «الخ» هذا انصافه ومعرفته. وهذا الكلام منه ان دل على شيء فانما يدل على جهل قائله او على عناده وتمحله. ما رووه عنهم في غرائب العلوم كتفسير ابجد وامثاله ليس بمستغرب ولا مستبعد واذا لم توجد غرائب العلوم عندهم فعند من توجد وهم وحدهم وارثو جميع علوم جدهم جامع العلوم والغرائب. مع ان ذلك ان صح أم لم يصح لا يعد عيبا فكم في كتب غيرهم مما يشبه ذلك كخبر الجساسة المروي في صحيح مسلم وامثاله. روى الامام احمد في مسنده بسنده عن زر بن حبيش : تسحرت ثم انطلقت الى المسجد فمررت بمنزل حذيفة بن اليمان فأمر بلقحة فحلبت وبقدر فسخنت ثم قال ادن فكل فقلت اني اريد الصوم فقال وانا اريد الصوم فأكلنا وشربنا ثم اتينا المسجد فاقيمت الصلاة ثم قال حذيفة هكذا فعل بي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قلت أبعد الصبح قال نعم هو الصبح غير ان لم تطلع الشمس قال وبين بيت حذيفة وبين المسجد كما بين مسجد ثابت وبستان حوط وقال حذيفة هكذا صنعت مع النبي وصنع بي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وبسنده عن حذيفة : كان بلال يأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يتسحر واني لا بصر مواقع نبلي قلت أبعد الصبح قال بعد الصبح الا انها لم تطلع الشمس. وبسنده عن عاصم : قلت لحذيفة اي ساعة تسحرتم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال هو النهار الا ان الشمس لم تطلع. وبسنده عن زر بن حبيش قلت يعني لحذيفة يا أبا عبد الله تسحرت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال نعم قلت أكان الرجل يبصر مواقع نبله قال نعم هو النهار الا ان الشمس لم تطلع. فما رأي صاحب الوشيعة في هذه الاخبار أهي اعجب أم تفسير أبجد؟!.

هشام بن الحكم وعمرو بن عبيد

قال صفحة (لط) تقول الشيعة ان الحواس والجوارح قد تغلط وتحتار والله قد جعل القلب لها إماما به يندفع شكها وغلطها واحتياج الناس الى امام يندفع به الحيرة الزم واحكم فمن جعل للحواس إماما لا يترك الناس بلا امام. تقول الشيعة ان هشام ابن الحكم افحم بهذه الحجة عمرو بن عبيد وهذه مغالطة وان افتخرت بها الشيعة فان الله لم يترك يوما من الايام امة من الامم سدى بل جعل لها من ابنائها ائمة ثم جعل لها عقلا يهديها (إلى آخر نغمته السالفة التي كررها عشرات المرات). العقل العاصم فوق الامام في العصمة ، الامة بعد ان بلغت وصارت رشيدة ببركة الرسالة وختمها عقلها ورشدها يغنيها عن إمام بل هي الامام وابناؤها بعقولها ائمة.

ايها الغران خصصت بعقل

فاسألته فكل عقل نبي

(ونقول) : لا بد أولا من نقل خبر هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد الذي اشار إليه لتكون على بصيرة منه ثم بيان فساد ما تعقبه به. روى الكليني في الكافي والطبرسي في الاحتجاج بالاسناد عن يوسف بن يعقوب قال كان عند ابي عبد الله جماعة من اصحابه فيهم هشام بن الحكم وهو شاب فقال ابو عبد الله يا هشام قال لبيك يا ابن رسول الله قال الا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته (الى ان قال) قال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة

وعظم ذلك علي فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة واتيت مسجد البصرة فاذا بحلقة كبيرة واذا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء مؤتزر بها من صوف وشملة مرتديها والناس يسألونه فاستفرجت الناس فافرجوا لي فقعدت في آخر القوم على ركبتي ، ثم قلت ايها العالم انا رجل غريب أتأذن لي فأسألك عن مسألة قال اسأل قلت له ألك عين قال يا بني اي شيء هذا من السؤال فقلت هذه مسألتي فقال يا بني سل وان كانت مسألتك ، حمقاء قلت اجبني فيها فقال لي سل فقلت ألك عين قال نعم قلت فما ترى بها قال الالوان والاشخاص ، قلت ألك انف قال نعم قلت فما تصنع به قال اشم به الرائحة ، قلت ألك لسان قال نعم قلت فما تصنع به قال اتكلم به ، قلت ألك اذن قال نعم قلت فما تصنع بها قال اسمع بها الاصوات قلت ألك يدان قال نعم قلت فما تصنع بها قال ابطش بهما واعرف بهما اللين من الخشن قلت ألك رجلان قال نعم قلت فما تصنع بهما قال انتقل بهما من مكان الى مكان قلت ألك فم قال نعم قلت فما تصنع به قال اعرف به المطاعم على اختلافها قلت أفلك قلب قال نعم قلت فما تصنع به قال اميز به كلما ورد على هذه الجوارح ، قلت أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب قال لا قلت وكيف ذاك وهي صحيحة سليمة قال يا بني ان الجوارح اذا شكت في شيء شمته او رأته او ذاقته ردته الى القلب فتيقن بها اليقين وابطل الشك قلت فانما أقام الله عزوجل القلب لشك الجوارح قال نعم ، قلت لا بدّ من القلب والا لم تستيقن الجوارح قال نعم ، قلت يا أبا مروان الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحكم حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح ويتقي ما شكت فيه ويترك هذا الخلق كله في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك فسكت ولم يقل لي شيئا ثم التفت الي فقال انت هشام قلت لا فقال لي جالسته فقلت لا قال فمن اين انت؟ قلت من اهل الكوفة قال فانت إذا هو ، ثم ضمني إليه واقعدني في مجلسه وما نطق حتى قمت فضحك ابو عبد الله ثم قال يا هشام من علمك هذا قلت يا ابن رسول الله جرى على لساني أه. فهشام ان قال بان القلب كالإمام للجوارح فهو قد اتى بشيء واضح يفهمه كل من كان له قلب او القى السمع وهو شهيد وليس هو امرا يختلف فيه ذوو العقول حتى يقال فيه تقول الشيعة كذا بل ابداء امر يفهمه كل ذي لب وفهم. ولكن من اخذ

على نفسه الشغب في كل شيء فهو يشاغب حتى في البديهيات والمحسوسات وليست المسألة مسألة افتخار ومفاخرة بل مسألة ادلة وبراهين وزعمه انها مغالطة هو اقل وافسد من ان يسمى مغالطة فهشام قد الزم عمرو بن عبيد بما لا مناص منه فلذلك سكت ولم يتكلم حتى قام هشام وقد كان عمرو واحد عصره في قومه ولا يصل صاحب الوشيعة الى ادنى درجاته فلو رأى ان في كلام هشام شيئا من المغالطة لما سكت وصاحب الوشيعة يعترف بأن الله لم يترك الامة سدى لكنه يدعي انه جعل لها ائمة من ابنائها ونحن نسأله عن هؤلاء الائمة فان كانوا منزهين عن الخطأ فهو ما نقوله وان لم يكونوا فالاعمى لا يهدي اعمى والمخطئ لا ينقذ من الخطأ بل يوقع فيه وكلماته التي كررها في عصمة الامة وابنائها قد بينا سابقا سخافتها وانه لا محصل لها والاحكام الشرعية يجب اخذها من صاحب الشرع فقط ولا تصل إليها العقول.

ايها الغر إن خصصت بعقل

فاسألته فكل عقل نبي

فهو ينبيك ان عقلك عن اد

راك حكم الإله ناء قصي

قال صفحة (م) التي هي ص ٤٠ رأيت في كتب الشيعة بيانات لائمة الشيعة لو تركوها مكنوزة مكتومة لكان احسن واستر اذ ليس في ظهورها الا شيوع الجهل ـ جهل الإمام بالقرآن ـ وحكت كتب الشيعة كلمات جرت بين الصادق وابي حنيفة لو صدقت لدلت على جهل الصادق جهلا لا ينفع فيه التعليم أه. ولم يذكر تلك البيانات ولا تلك الكلمات.

(ونقول) : كلامه هذا لو تركه مكتوما لكان احسن له واستر اذ ليس في ظهوره الا شيوع جهله فالصادق عليه‌السلام امام اهل البيت في عصره والقرآن نزل في بيت جده وأخذ علوم القرآن بواسطة آبائه عن جده عن جبرئيل عن الله تعالى وشيعته اخذت عنه ما رواه الثقات عن الثقات. وهو قد احال على مجهول ولو ذكر تلك البيانات لبينا له انه هو الجاهل بالقرآن وعلومه.

بين الصادق وابي حنيفة

والكلمات التي جرت بين الصادق وابي حنيفة معلومة مشهورة حكتها كتب من تسموا باهل السنة كما حكتها كتب الشيعة ولم تقتصر حكايتها على كتب الشيعة

وحدها وهي صادقة بينة تدعمها الحجة والبرهان وانكاره صدقها يدل على جهله جهلا لا ينفع فيه التعليم وعناده عنادا حاد به عن الطريق المستقيم. فممن رواها من السنيين الحافظ ابو نعيم الاصفهاني في حلية الاولياء ومن الشيعة الشيخ ابو جعفر الطوسي في أماليه وغيرهما بسنديهما انه دخل ابن ابي ليلى وابو حنيفة على جعفر بن محمد فقال لابن ابي ليلى من هذا معك قال هذا رجل له بصر ونفاذ في امر الدين قال لعله يقيس امر الدين برأيه قال نعم فقال جعفر لابي حنيفة هل قست رأسك بعد هل علمت ما الملوحة في العينين والمرارة في الاذنين والحرارة في المنخرين والعذوبة في الشفتين قال لا فبين له وجه الحكمة في ذلك بما يطول الكلام بذكره فليطلب من محله ثم قال حدثني ابي عن جدي ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال اوّل من قاس امر الدين برأيه ابليس قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، وروى ابو نعيم في الحلية بسنده عن عبد الله بن شبرمة : دخلت انا وابو حنيفة على جعفر بن محمد وذكر مثله وزاد ابن شبرمة ثم قال جعفر ايهما اعظم قتل النفس او الزنا قال قتل النفس قال فان الله عزوجل قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا الا أربعة ثم قال ايهما اعظم الصلاة أم الصوم قال الصلاة قال فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ، وفي رواية الطوسي في أماليه : ثم قال البول اقذر أم المني قال البول قال يجب على قياسك ان يجب الغسل من البول دون المني وقد اوجب الله الغسل من المني دون البول. ثم قال ما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة ثم سافرا وجعلا امرأتيهما في بيت واحد فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقي الغلامان ايهما في رأيك المالك وايهما المملوك وايهما الوارث وايهما الموروث ، ثم قال فما ترى في اعمى فقأ عين صحيح واقطع قطع يد رجل كيف يقام عليهما الحد. ثم قال فانت الذي تقول سانزل مثل ما انزل الله قال اعوذ بالله من هذا القول قال اذا سئلت فما تصنع قال اجيب من الكتاب أو السنة أو الاجتهاد قال اذا اجتهدت من رأيك وجب على المسلمين قبوله قال نعم قال وكذلك وجب قبول ما انزل الله فكأنك قلت انا انزل مثلما انزل الله. وفي كنز الفوائد للكراجكي ذكروا ان أبا حنيفة اكل طعاما مع جعفر بن محمد فلما رفع جعفر يده من اكله قال الحمد لله رب العالمين اللهم هذا منك ومن رسولك فقال ابو حنيفة يا أبا عبد الله أجعلت مع الله شريكا فقال له ان الله

يقول في كتابه (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) ويقول (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) فقال ابو حنيفة والله لكأني ما قرأتهما قط ولا سمعتهما الا في هذا الوقت.

في تاريخ الإسلام أمران أمران قتل عثمان وقتل الحسين

قال صفحة (ك) وقع في تاريخ الإسلام أمران أمران كل منهما أمر من الآخر لا ندري ايهما افجع واشد وقعا واذهب بالدين والشرف (الاول) قتل الامام عثمان في الحرم النبوي وهو خليفة رسول الله في الرسالة المحمدية ورئيس الامة في الدولة الاسلامية رابع الامة في اقامة الدين وثاني الامة في المصاحف وفتوحات المؤمنين. واهل الثورة فئة حقيرة بطرت معيشتها فبغت وثارت بغيا وتمردا وقوة الدولة هم الانصار والمهاجرون وعلي على رأسهم بالمدينة وكليمة همس من علي او اشارة لمح من صاحب ذي الفقر تكفي في طرد الفئة الثائرة من ارض الدولة وتكفي الاسلام الخزي والسوء بايدي اعدائه. اهين الإسلام واهينت كل حرماته بايدي فئة باغية حقيرة وقوة الدولة هم الانصار والمهاجرون بالمدينة لم اجد في هذا الامر عذرا لاحد كلا لا وزر ينجي من عزمات اللوم من حضر. وقال في صفحة (م) ان في تاريخ الإسلام أمرين أمرين لا يدري ايهما اكبر خزيا ولا اشد سوءا (اولهما) شهادة خليفة الإسلام في ايدي فئة حقيرة باغية وقوة الدولة الإسلامية حاضرة قوية كانت متمكنة من دفعها ولم تدافع. وقال صفحة (ب س) الفئة التي ثارت على عثمان اثارتها دعاة ماكرة كابن سبأ او مغفلة كأبي ذر فانه كان يذكي نيران هذه الفتنة بنظره القاصر هو وان اشتهر بالزهد والورع والتقوى فقد اثر فيه دعوة اهل المكر فافتتن بها فكان آلة عمياء ولم يكن يعلم ان عثمان اعلم منه واورع وازهد واتقى وانصح للدين والامة ثم ذكر صفحة (ب س) ما نقمة الناس على عثمان ثم ذكر مقتله صفحة (ج س) فقال قتلوه شر قتلة ثم تركوا جنازة الإمام جيفة محتقرة وقوة الدولة وقوة الإسلام حاضرة ناظرة خاذلة تصلي الجمعة ـ والفرض تلك الساعات غيرها ـ اقول مثل هذه الاقاويل الشنيعة مضطرا اذ لم اجد لفاجعة الإمام ذي النورين عثمان من عذر وقد ثبت في

كتب الاحاديث والاخبار ان عثمان استنصر عليا ومعاوية قال العباس لعلي اني ارى ان عثمان قد اخذ في امور والله لكاني بالعرب قد سارت إليه حتى ينحر في بيته وان كان ذلك وانت بالمدينة لزمك الناس به ولم تنل من الامر شيئا الا من بعد شر لا خير معه فوقع كل ما انذر به وكنت اظن ان عليا كان متمكنا تمام التمكن من دفع الفتنة ولم يكن له ان يعتزل ولم يكن له عذر ابدا في الاعتزال واعتزاله هو الذي فتح ابواب الشرور بعده وآثار كل حروبه حتى ان شهادة الحسين قد عدها العدو يوما بيوم

(ونقول) في كلامه مواقع للنظر والنقد (أولا) انه وقع في تاريخ الإسلام امور وامور كل منها إمر وكلها مر ومآسي محزنة وفظائع مخزية وبعضها كان هو السبب في هذين الامرين فاقتصاره على امرين ليس بصواب وابتدأت تلك الامور من زمن حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال في بعضها يوم الغميصاء اللهم اني أبرأ أليك مما فعل خالد ثلاثا وبعضها في غزوة تبوك حين حاول المنافقون الفتك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرفهم حذيفة وكان حذيفة اعرف الناس بالمنافقين وبعضها في مرضه حين طلب الدواة والكتف وحين امر بتنفيذ جيش اسامة وبعضها بعيد وفاته حين قتل مالك بن نويرة وجرى لا مرأته ما جرى واختلف رأي الخليفة وبعض اكابر الصحابة في القاتل والفاعل.

وحدثت امور اخر خلال تلك المدة كل منها إمر مر نضرب عن ذكرها صفحا ونطوي دونها كشحا. ثم حصلت فتنة قتل الخليفة الثالث التي سببها امور جرت قبلها كل منها إمر مر لا حاجة الى شرحها لاشتهارها. ثم حرب الجمل طلبا بثأر الخليفة والطالبون بثأره هم القاتلون في الحقيقة وأي أمر إمر اعظم من يوم الجمل وافظع قتلت فيه الالوف من المسلمين لما ذا ونتفت فيه شعور اللحى والشوارب والاجفان والحواجب واتي برجال عبد القيس يجرون كالكلاب فيقتلون لا لذنب. ثم حرب صفين وحق ان يقال فيه إنه امر إمر وسبب هذين الحربين الخطأ في الاجتهاد لا حب الدنيا فنشأ من هذا الاجتهاد المخطئ قتل الالوف من المسلمين ونهب الاموال وضعف شوكة الإسلام وتمكن الضغائن والاحقاد في النفوس وتشتت امر المسلمين وتفرقهم شيعا ومذاهب وجعل بأسهم بينهم. ومسببو هذه الفظائع معذورون ومثابون مأجورون. ثم امر الحكمين وهو امر إمر مر ومنه نشأت فتنة

الخوارج التي سفكت فيها الدماء واستحلت الاموال وانتهكت الاعراض وقتل بسببها خليفة المسلمين علي بن ابي طالب واستمرت بلواها وحروبها في دول الإسلام قرونا كثيرة واثر محنتها باق الى اليوم وارسل صاحب الشام بسر بن ارطاة يغير على بلاد المسلمين مكة والمدينة حرم الله وحرم رسوله واليمن يقتل الرجال ويذبح الاطفال وينهب الاموال ويسبي النساء ثم كانت وقعة كربلاء. ثم وقعة الحرة التي قتل فيها المهاجرون والانصار وابناؤهم وابيحت مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثا حتى ولد مئات من الاولاد لا يعرف لهم اب وكان الرجل من اهل المدينة اذا اراد ان يزوج ابنته لا يضمن بكارتها يقول لعله اصابها شيء يوم الحرة وبويع المهاجرون والانصار وابناؤهم على انهم عبيد رق ليزيد بن معاوية ان شاء استرق وان شاء اعتق ومن ابى ضربت عنقه. أفليس هذا امرا إمرا في نظر صاحب الوشيعة واي أمر إمر افظع منه وافجع واشنع ثم جاءت دولة بني مروان فكان فيها كل أمر إمر مما شاع وذاع وحفظه التاريخ سلط عبد الملك بن مروان الحجاج على الحجاز ثم على العراق فهدم الكعبة المعظمة وختم على ايدي المهاجرين والانصار واعناقهم كما يفعل بالروم وكان يحبس الرجال والنساء في مكان واحد في سجن ليس له سقف ووجد في سجنه بعد هلاكه ألوف مؤلفة لا يعرف لهم ذنب وفعل بنو ابيه بعده الافاعيل وعملوا الاعمال الشنيعة مما هو معروف مشهور كصاحب حبابة والوليد رامي القرآن بالسهام وغيرهما ممن يحملون لقب الخلافة وإمرة المؤمنين. ولم تكن الدولة العباسية في قبح افعالها بأقل من الدولة الاموية بما فعلوه مع العلويين وغيرهم حتى بنوا عليهم الحيطان احياء وهدموا عليهم سقوف الحبوس الى غير ذلك مما هو مشهور معروف واشرنا الى بعضه في غير هذا المكان ، وارسل السفاح اخاه يحيى عاملا على الموصل فقتل منهم احد عشر الفا من العرب ومن غيرهم خلق كثير في المسجد بعد ما اعطاهم الامان وسمع في الليل بكاء نسائهم واطفالهم فامر بقتلهن فقتلن مع الاطفال وكان معه أربعة آلاف زنجي فاخذوا النساء قهرا كما في تاريخ ابن الاثير. وآل الامر ببعض من تسمي باسم الخلافة وإمرة المؤمنين منهم ان جعل يستهزىء بامير المؤمنين علي بن ابي طالب ويسخر منه في مجالسه وحرث قبر الحسين ومنع من زيارته والملقب بالقاهر منهم علق أم الخليفة الذي كان قبله وهي مريضة برجل واحدة وضربها بيده في المواضع الغامضة

ليستخرج منها الاموال. هذه نبذة مما وقع في تاريخ الإسلام من الامور التي كل منها إمر ومر. وهناك غيرهما مما ينبو عنه الحصر فهي مئات وألوف لا امران فقط.

(ثانيا) كلامه هنا ينافي ويناقض ما سلف منه بقوله انه في العصر الاول وعهد الخلافة الراشدة كان المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض قد الف الله بين قلوبهم فانا نرى المؤمنين في العصر الاول وعهد الخلافة الراشدة كانوا بالنسبة الى الخليفة الثالث ـ وهم في عصر الخلافة الراشدة ـ بين قاتل وخاذل وقد اعترف بذلك صاحب الوشيعة في قوله وقوة الدولة هم المهاجرون والانصار بالمدينة وقد ذهب حواري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمّ المؤمنين والمؤمنات من المدينة الى مكة والخليفة محصور لم يدفعوا عنه ولم يدافعوا ثم قاموا يطلبون بثاره ممن دفع ودافع جهده.

(ثالثا) الم يكن من المؤمنات أمّ المؤمنين التي كانت تقول في الإمام المحرم عثمان خليفة رسول الله ورئيس الامة ما تقول حتى قال لها ابن أم كلاب ما مر من الشعر وغيره. وتنصب قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول ما نقول أكان هذا من الولاية بين المؤمنين والمؤمنات والتآلف بين القلوب.

(رابعا) نراه قد انحى باللائمة من طرف خفي على علي بقوله وكليمة همس من علي او اشارة لمح من صاحب ذي الفقار «الخ» بل جاهر بذلك واظهر بقوله لم اجد في هذا الامر عذرا لاحد الخ. ونرى ان كلمات اجهار واعلان من علي لم تكن لتكفي في اقل من هذا حينما كان علي ينصح للخليفة الثالث ويصلح الامور ومروان يفسدها. ولو كانت كليمة همس او اشارة لمح من صاحب ذي الفقار تكفي في اخماد ثورة لكفت في غيرها مما تقدمها من الامور التي جرت على علي مما لسنا بحاجة الى بيانه لظهوره واشتهاره ولو كان لذي الفقار عمل لعمله يومئذ.

(خامسا) ان عليا حامى عن الخليفة الثالث جهده فيما رويتم وارسل ولديه لحمايته ولنا ان نعذره في سكوته لانفراده كما سكت فيما سبق له من المقامات التي كان عليه ان ينتصر فيها لنفسه ويطالب بحقه فسكت لفقد الناصر الا قليلا ضن بهم وبنفسه عن القتل ولو رام خلاف ذلك لا صابه ما اصاب الخليفة الثالث ولكن باقي المهاجرين والانصار كانوا اقل عذرا من علي في قعودهم وسكوتهم وخروج بعضهم من المدينة والخليفة محصور الى مكة وغيرها والله تعالى اعلم بعذرهم. وابن عمه

صاحب الشام كانت له قوة ومنعة وجنود وعدة وقد استغاث به فلم يغثه وارسل جيشا وامرهم بالبقاء في وادي القرى حتى يأتيهم امره فبقوا هناك حتى قتل فدخلوا كما ذكره المؤرخون وهذا عذره في خذلان ابن عمه ظاهر فانه اراد ان يستغل قتله ليلصقه بغيره وتتم له الإمرة ولو لا ذلك لما تمكن من حرب علي ومنابذته والصاق قتله به وتحريك حوارها لها لتحن وقد تم له ذلك.

(سادسا) : ما قاله يبطل القول بعدالة جميع الصحابة الذين كانوا في ذلك العصر بتهاونهم في نصر عثمان واشتراك بعضهم في حصره حتى قتل فحصل للإسلام الخزي والسوء واهين الاسلام واهينت كل حرماته وشملهم اللوم ولم يكن لأحد منهم عذر إلا الاجتهاد المصطنع.

(سابعا) مر منه مكررا مؤكدا ان الأمة معصومة قد بلغت رشدها فهل كان قتل الإمام المحرم ثالث الخلفاء وقتل الحسين سيد الشهداء وما تقدم ذلك وتخلله من الفتن والفظائع من آثار عصمة الأمة وبلوغها رشدها.

(ثامنا) قوله اثارتها دعاة ماكرة كابن سبأ سيأتي عند ذكر الأمر الثاني بيان ان ابن سبأ أقل واذل من ذلك ومن هو الذي أثارها.

(تاسعا) قد قال فيما يأتي انه يعد من لغو الكلام وسقطه القول فيما جرى بين الصحابة زمن الخلافة الراشدة وتراه يقول ويبسط لسانه فيما جرى بين الصحابة زمن الخلافة الراشدة وينسى ما قاله قبل اسطر فينسب أبا ذر الى انه مغفل قاصر النظر ولذلك كان يذكي فتنة قتل الخليفة وانه افتتن بدعوة أهل المكر فكان آلة عمياء وان عثمان اعلم منه واورع وازهد واتقى وانصح للدين وللأمة فهو قد قال فيما جعل القول فيه من لغو الكلام وسقطه وادخل نفسه في الحكم بين اكابر الصحابة ابي ذر والخليفة واين هو من ذلك وفضله عليه بالعلم وعلي يقول في ابي ذر انه حوى علما جما فأوكأ عليه وفضله عليه في باقي الصفات والوجدان يكذبه واساء الأدب بهذه الألفاظ الخشنة الجافية التي هي به أليق في حق من قال فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما اقلت الغبراء ولا اظلت الخضراء على ذي لهجة اصدق منه ، وقال فيه الوصي ما سمعت وهو من اهل العصر الأول افضل العصور عنده وخير امة اخرجت للناس.

(عاشرا) قوله قتلوه شر قتلة «الخ» هذا أيضا قد خالف فيه ما قاله قبل اسطر من انه يعد من لغو الكلام وسقطه القول فيما جرى بين الصحابة زمن الخلافة الراشدة ونراه قد قال فيه بملء فيه. وطالما تغنى بأن الأمة معصومة راشدة رشيدة ، وان قرن الخلافة الراشدة خير القرون أفكان قتل الامام شر قتلة وترك جنازته جيفة محتقرة من آثار عصمة الأمة ورشدها ورشادها.

(حادي عشر) : قوله ثبت ان الخليفة استنصر عليا ومعاوية كأنه يريد بذلك ان ينحي باللوم على علي ولكنه اشرك معه معاوية وشتان بين علي ومعاوية في ذلك فعلي نصره جهده ودافع عنه بنفسه وولده ولم يكن متمكنا من دفع القتل عنه ولا من دفنه فإن الحاضرين قد منعوا من دفنه حتى دفن بالليل سرا في بعض البساتين. اما معاوية فأرسل جيشا حين استنصره عثمان وامرهم بالبقاء في وادي القرى فبقوا حتى قتل عثمان ثم جعل ذلك حجة ووسيلة لنيل ما اراد فقام يطالب عليا بثأره.

(ثاني عشر) كأن ما اشار به العباس هو الذي دعاه الى ان يقول فيما يأتي عند ذكر الشورى : كان العباس انفذ نظرا واقوى حدسا يرى الأمور من وراء الستور واذا كان نظر العباس وحدسه كذلك فهو قد رأى ان الخليفة اخذ في امور يحلف على ان العرب ستسير إليه فتنحره في بيته لا جلها وهو يدل على ان الأمر قد كان متفاقما لا حيلة فيه لعلي ولا لغيره إلا بالإقلاع عن تلك الأمور. ثم لا يخفى ان هذا التعليل الذي علل به العباس لزوم خروج علي من المدينة عليل ـ ان صح انه قاله ـ فمعاوية الذي جهد في الصاق قتل عثمان بعلي ـ وهو يعلم براءته منه ـ ليتم له ما اراد لا يصعب عليه ان يقول لعلي خذلته ودسست الرجال ليقتلوه وفارقته وهو محصور لم تدفع عنه فكان خروجه من المدينة اقرب الى دعوى الخذل وبقاؤه أقرب الى النصر وقد دافع وحامى جهده واصلح الأمور بين عثمان والثائرين عليه مرارا ومروان يفسدها ومع ذلك الصق به معاوية تهمة خذل عثمان.

(ثالث عشر) : ظنه ان عليا كان متمكنا من دفع الفتنة الى آخر ما قاله حقيق ان يقال فيه :

ان بعض الظن اثم

صدق الله تعالى

وهو ينافي ما ذكره سابقا من براءة علي من دم عثمان. والذي نعتقده ونجزم به ان عليا لم يكن متمكنا من دفع الفتنة لا تمام التمكن ولا بعضه وحاشاه ان يتمكن من دفع فتنة كهذه ولا يدفعها وانه لم يعتزل ولم يتهاون زنة ذرة ولكنه كان يصلح الأمور ويفسدها مروان كما مر وقد فصلته كتب التواريخ والآثار ولما حوصر الخليفة لم يكن باستطاعته ان يفعل اكثر مما فعل وليس اعتزاله فتح ابواب الشرور لأنه لم يعتزل ولكن عزله عن الأمور هو الذي فتح ابواب الشرور في عصره وبعده وآثار كل حروبه وشهادة الحسين عدها العدو يوما بيوم بدر وان اظهر انها بيوم قتل الخليفة وشهادة الحسين لم تكن بيد من قتله بل بيد من مكنه ومهد له :

سهم اصاب وراميه بذي سلم

من بالعراق لقد ابعدت مرماك

قال صفحة (س د) ارتقى علي ـ وهو اعلم من في زمنه ـ وافضل الصحابة بعد الثلاثة ـ عرش الخلافة بعد ان جعلت شهادة الخليفة كل الامة الاسلامية هائجة ثائرة ، وبعد ان لم يبق للخلافة من ورعة وجلال وللإمام من قول يطاع فاضطرب كل اموره ولم يصف له ثانية من يومه وليله ـ وامرأة من بني عبس ردت عليه وهو يخطب في منبر الكوفة فقالت ثلاث بلبلن القلوب عليك : رضاك بالقضية واخذك بالدنية وجزعك عند البلية ، بدوية تجترىء بمثل هذه الكلمات على الإمام وهو يخطب في منبر الكوفة ولا ينكر عليها احد ثم يفحم الإمام ويسكت كل ذلك يشهد على اضطراب امره ولم يكن هذا العيب في علي وقد حكى القرآن الكريم امثاله لأولي العزم من الرسل وإنما هو امر قضاه الله وقدره صرفا للأمر عن أهل البيت به أتى تأويل انت مني بمنزلة هارون من موسى وبه ينهار ما تقولته الشيعة الامامية في الأمة.

(ونقول) : أولا ـ الصواب انه اعلم الناس بعد ابن عمه كلهم لأنه باب مدينة علمه وكان الصحابة يرجعون إليه ولم يرجع الى احد وانه افضل الصحابة كلهم لامتيازه عنهم في جميع الصفات التي بها يكون استحقاق الفضل وذلك ملحق بالبديهيات لو لا التقليد والعناد.

(ثانيا) ان الأمة كانت هائجة ثائرة في زمن الخليفة نقمة عليه وان شهادته لم

تجعل الامة الاسلامية هائجة ثائرة. ولو كان كذلك لنصرته هذه الأمة ـ المعصومة عند التركستاني ـ وقد بقي محصورا مدة طويلة لم ينصره فيها إلا من طولب بدمه وان الذي هيج جماعة من الأمة وأثارها على علي بعد مقتل عثمان هو جلوس علي عرش الخلافة حسدا له وحبا بالأمارة وحطام الدنيا لا شهادة الخليفة فقالت من لها المكانة في الإسلام لما بلغها قتله ايها ذا الأصبع تعني ابن عمها طلحة تتمنى له الخلافة فلما بلغها ان عليا بويع بالخلافة قالت وددت ان هذه انطبقت على هذه ـ السماء على الأرض ـ ولم يكن هذا الأمر راجع الطبري وابن الأثير. وخرج اصحاب الجمل الى البصرة ليهيجوا الناس ويثيروهم على علي بحجة الطلب بدم الخليفة وهيج صاحب الشام اهلها وآثارهم على علي بحجة الطلب بدمه وكلهم يعلمون انه بريء من دمه وانهم هم الذين خذلوه والبوا الناس عليه وان الخلافة لم يبق لها روعة وجلال قبل شهادته وعادت الى روعتها وجلالها بعد بيعة علي الذي رد على الناس ما كان من القطائع ونشر العدل والمساواة بينهم. واذا اردت ان تعرف ذلك فانظر الى صفة دخول علي البصرة في مروج الذهب وان اقواله كانت مطاعة واصحابه اطوع له من يده واتبع له من ظله وبما ذا قاد الجيوش الجرارة لحرب الجمل وصفين أبالطاعة أم بالمعصية؟ وكان في عسكره اعلام الصحابة وجل المهاجرين والانصار ووجوههم واستوسقت له الامور واستقامت وصفت لو لا الناكثون والقاسطون والمارقون. نقول هذا لا بطال ما يريد ان يرتبه على كلامه من ان اضطراب امره لأن الله صرف الأمر عن اهل البيت.

(ثالثا) استشهاده بكلام المرأة العبسية التي يظهر انها من الخوارج ـ ان صح ذلك ـ لا شاهد فيه وهو من السخافة بمكان وان دل على شيء فإنما يدل على حلمه لا سيما عن النساء وكذلك سكوت اصحابه كان ترفعا وتأدبا. وقوله ثم يفحم الامام ويسكت مما يضحك الثكلى فالإفحام الإتيان بما يعجز المخاطب عن جوابه كقول تلك المرأة للخليفة حين اعلن عن رد الزيادة في المهر الى بيت المال فردت عليه بآية وان آتيتم احداهن قنطارا فقال كل الناس افقه منك حتى المخدرات اما هذه فجوابها واضح لكل احد. وقوله بدوية تصغيرا لامرها مع ان المرأة العربية سواء أكانت بدوية أم حضرية تجترىء وتبين عن مرادها ببلاغة وفصاحة. وقوله تجترىء

بمثل هذه الكلمات تعظيما للأمر وليس في هذه الكلمات ما يوجب ذلك لكنه اراد بالتصغير والتعظيم زيادة الإيهام في اضطراب الأمر وهو كما عرفت والله تعالى لم يصرف الأمر عن أهل البيت بل جعله لهم وجعله حقهم دون غيرهم وإنما صرفه عنهم الناس ولم يضرهم ذلك ولم يعبهم فهم ائمة الخلق ان قاموا وان قعدوا وان ظهروا وان استتروا وان تكلموا وان سكتوا وستعرف ان حديث المنزلة لا مساس له بذلك وانه دال على الإمامة باوضح دلالة والشيعة الإمامية لا تتقول بل تعتمد في اقوالها على الحجج والبراهين الساطعة واقوالها وعقائدها في الأئمة ثابتة راسخة بأدلتها الواضحة تنهار الجبال ولا تنهار وبذلك ينهار ما تقوله وافتراه على الشيعة الإمامية.

قال صفحة (ك) الثاني ـ أي من الأمرين الأمرّين في تاريخ الاسلام ـ قتل الحسين وكل من معه من أهل بيت النبوة بقساوة فاحشة ووحشية متناهية. تدعوه شيعة أهل البيت بآلاف من الكتب والرسائل وعدد كثير من الوفود دعوة نفاق وخداع ثم تسلمه لأعداء أهل البيت اسلام خذل يخزي كل جبان ولو كان في نهاية الضعف ويقتله وكل من معه ويمثل به مثلات بكل إهانة جيش الدولة الإسلامية ابتغاء مرضاة مسرف مفسد ماجن.

ودعوى الشيعة مثل دعوة الكوفة اولها كتب نفاق وخداع وعقباها خذلان ثم نتيجتها اسلام المعصوم الى ايدي اعدائه. وقال صفحة (م) : وشهادة ابن بيت النبوة بخيانة من شيعته وقوة الدولة الإسلامية هي التي قتلته واهانته ومثلت به مثلات. وقال صفحة (ل) انا لا اكفر يزيد لأن عمله اشنع وافحش من كل كفر ولا ألعنه لأن اسلام الشيعة بعد ان دعوه واطاعة الجيش وقائديه امر يزيد ابتغاء لمرضاته اشنع وافحش من امر يزيد اضعافا مضاعفة. وان قال قائل ان الحسين قتل في حرب أثارها هو فهذا القول يكون تبرئة ليزيد وتخطئة عظيمة للإمام الحسين عليه‌السلام أنا لا اقول بهذا القول حتى لو قالته الشيعة. ولو قال قائل ان الحسين قتل في حرب اثارتها الشيعة التي دعته دعوات ثم خذلته فهذا مثل القول الأول تبرئة ليزيد والذنب كل الذنب يكون على الشيعة التي خدعته ثم خذلته واسلمته ولم يكن البكاء على الشهداء إلا احتيالا الى لعن من هو يعاديه أو مكرا ودهاء وتقية ودين الأمة كان ارفع من كل ذلك.

(ونقول) كل كلامه هذا اخطاء وحياد عن الحق.

(أولا) : زعمه ان شيعة أهل البيت دعته دعوة نفاق وخداع ثم اسلمته لا عدائه ، وقوله بخيانة من شيعته هذر من القول فشيعة أهل البيت هم اتباعهم ومحبوهم وهؤلاء لا يمكن ان يكون غرضهم بدعوته النفاق والخداع ولا ان يخونوه وإلا لم يكونوا من اتباعه ومواليه وإنما هذا شأن الاعداء فأول هذه الجملة يكذب آخرها. والذين دعوه من أهل الكوفة جلهم كانت دعوتهم دعوة اخلاص لا نفاق فيها ولا خداع وربما كان فيهم من هو على خلاف ذلك مثل شبث بن ربعي وحجار ابن ابجر ويزيد بن الحارث بن رويم ومحمد بن الأشعث واضرابهم الذين كتبوا إليه ثم خرجوا لحربه كما هو الشأن في امثال هذه الحال في كل عصر وزمان. واسلام من كان بالكوفة من الشيعة له بعد ان دعوه انما هو للخوف ممن بيدهم السلطان وفي قبضتهم الجنود والأموال وحبسهم عن الخروج الى نصره ، فقد نظم ابن زياد الخيل ما بين واقصة الى القطقطانة فلا يدعون احدا بلج ولا احدا يخرج ، ومثله جار في كل عصر وزمان في سكوت أهل الحق عما يكون بيد الظلمة الذين بيدهم القوة والسلطان مع عدم قدرتهم على الدفع. ومع ذلك فقد خرج من قدر منهم على الخروج متخفيا مخاطرا بنفسه امثال حبيب بن مظاهر الاسدي ونافع بن هلال الجملي وغيرهما فجاهدوا معه وقاتلوا حتى قتلوا والعادة الجارية في مثل هذه الحال ان يستولي الخوف على الأفراد فتذهب قوة المجموع الذي لم يتألف بعد. وليس ذلك بأعجب من فرار المسلمين عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أحد حتى رجع بعض اكابر الصحابة بعد ثلاث. وليس باعجب من مخالفة الرماة يوم أحد امر قائدهم عن امر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتركهم مواقفهم طمعا في النهب إلا قليلا منهم حتى قتل القائد وقتلوا معه وفرارهم يوم حنين وهم اثنا عشر الفا حتى لم يبق مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير عشرة انفس لكن وجود راية يفيئون إليها معها الرسول (ص) وعلي وجماعة من بني هاشم ثبتوا بثباته اوجب كرّهم بعد فرهم واجتماعهم بعد تشتتهم ولم يكن في الكوفة مثل ذلك. ولا بأعجب من جبنهم عن عمرو يوم الخندق وبيدهم جيش ومعهم الرسول فأيهما اعذر أشيعة الكوفة الذين لا جيش لهم وهم محصرون أم هؤلاء؟ ولئن كان أهل الكوفة غير معذورين في

تفرقهم عن مسلم بن عقيل فلا تزيد حالهم عن حال المسلمين الذين فروا يوم أحد وحنين وجبنوا يوم الخندق.

(ثانيا) : اذا كان شيعة الكوفة قد اسلموه فغيرهم من المسلمين قد خذلوه ولم ينصروه واذا كان الشيعة غير معذورين في عدم نصرهم فالأمة جمعاء التي يتغنى موسى جار الله دائما بذكرها ويدعي عصمتها اقل عذرا بتمكينها يزيد الخمير السكير من الخلافة الاسلامية حتى تمكن من قتل الحسين وفعلها اشنع وافحش فكيف كان ذنب خذلانه على الشيعة دون غيرهم واذا فات غيرهم نصره فلم لم يأخذوا بثأره ولم لم يخلعوا يزيد وهم يرون قبيح افعاله ولم لم ينتصروا لآل الحسين وهم يساقون سبايا الى الكوفة والشام وهل كان لهم عذر في ذلك عنده دون الشيعة وقد قال اهل الشام ليزيد لما استشارهم فيها يصنع بهم لا تتخذن من كلب سوء جروا.

(ثالثا) : قوله بكل اهانة سوء أدب منه فما قتل الحسين عليه‌السلام إلا قتلة عز وشرف ومجد .. وهو الذي اختار موت العز على عيش الذل فلا يسوغ القائل ان يقول في حقه بكل اهانة مهما قصد ومهما اراد.

(رابعا) : تعبيره بجيش الدولة الإسلامية وقوة الدولة الإسلامية غير صواب فالاسلام بريء من هذه الدولة المؤسسة على الفجور وشرب الخمور واللعب بالطنبور وانكار البعث والنشور والانتقام للشرك من الاسلام والأخذ بثأر من قتل على الشرك يوم بدر. نعم كان ذلك بجيش دولة تنتسب الى الإسلام وليست منه في شيء.

(خامسا) قوله قتله جيش الدولة الإسلامية الخ. وقوة الدولة الإسلامية هي التي قتلته «الخ» مع كون جيش الدولة وقوتها هو جيش الأمة وقوتها يناقض ما يأتي منه ومن ان الأمة معصومة قد بلغت رشدها.

(سادسا) : قوله دعوى الشيعة مثل دعوة الكوفة «الخ» خداع منه وإرادة لعيب الشيعة بالباطل فدعوى الشيعة مبنية على الدليل والبرهان لا يشوبها نفاق ولا خداع ولا خذلان. اما دعواه هو فليس مثلها دعوى في ظهور البطلان وعدم استنادها الى دليل أو برهان.

والدعاوي ما لم تقيموا عليها

بينات ابناؤها ادعياء

ونعيد له هنا ما مر من ان عمدة الخلاف بيننا في امور محصورة معلومة فإن

قدرت ان تثبت لنا ان الحق فيها معك نكون لك من الشاكرين ، واما هذه الدعاوي الفارغة والكلمات الخشنة فليس فيها إلا الضرر ودعوة الكوفة قد عرفت حالها فهذا التشبيه منه محض عداوة وسوء قول بالباطل وتفريق للكلمة.

(سابعا) : قوله أنا لا اكفر يزيد ولا ألعنه ، وتعليله بما ذكره تحذلق بارد فلا شيء اشنع وافحش من الكفر واسلام الشيعة الذي يقوله قد عرفت حاله. وقائد الجيش اذا كان فعله اشنع وافحش من كفر يزيد اضعافا مضاعفة فما يصنع بما في تهذيب التهذيب ج ٧ ص ٤٥٠ عمر بن سعد بن أبي وقاص قال العجلي كان يروي عن ابيه احاديث روى الناس عنه وهو تابعي ثقة وهو الذي قتل الحسين ا ه. أفهذا من جملة نقد الأمة الأحاديث الذي يدعيه فيما يأتي؟

(ثامنا) : ان قتل الحسين لم يحصل بفعل ذلك الجيش وحده وقائديه بل هو مسبب عن افعال تقدمته :

سهم اصاب وراميه بذي سلم

من بالعراق لقد ابعدت مرماك

اصابك النفر الماضي بما فعلوا

وما المسبب لو لم ينجح السبب

تالله ما كربلاء لو لا السوابق وال

اقوام تعلم لو لا النار ما الحطب

(تاسعا) : قوله وان قال قائل «الخ» يتلخص في ان الشيعة تقول ان الحسين قتل في حرب أثارها هو وهو يقول انه قتل في حرب اثارتها الشيعة التي دعته ثم خذلته وكلا القولين تبرئة ليزيد اذا فرأيه المصيب ان تبعة قتل الحسين انما هي على الشيعة ويزيد بريء من تبعته فليهنأ هذا العصر الذي ظهر فيه موسى التركستاني بهذه الآراء الصائبة التي ادت به الى تبرئة يزيد من قتل الحسين. اما ان الشيعة دعته ثم خذلته فقد مر الكلام فيه فلا نعيده ، واما ان الشيعة تقول ان الحسين قتل في حرب أثارها هو فيكذبه قول امام علماء الشيعة الشريف المرتضى في كتابه تنزيه الأنبياء والأئمة ، ان سيدنا أبا عبد الله الحسين عليه‌السلام لم يسر طالبا للكوفة إلا بعد ان توثق من القوم وبعد ان كاتبوه طائعين غير مكرهين ومبتدئين غير مجيبين وبذلوا له الطاعة وكرروا الطلب والرغبة ورأى من قوتهم على واليهم وضعفه عنهم ما قوى في ظنه ان المسير هو الواجب ، ولم يكن في حسابه ان القوم يغدر بعضهم ويضعف أهل الحق عن نصرته

وأسباب الظفر بالأعداء كانت لائحة متوجهة والاتفاق عكس الأمر وقلبه فأين قوله وافتراؤه ان الشيعة تقول ان الحسين قتل في حرب أثارها هو؟.

(عاشرا) : تسويته بين الأمرين قتل الخليفة الثالث وقتل الحسين غير صواب فالخليفة الثالث قتل في سبيل امور نقمت عليه وكان مروان يفسد اموره والحسين قتل في سبيل العز والشرف والإسلام. قتل في سبيل عدم مبايعته لكفور فاسق فاجر مسرف مفسد ماجن وشتان ما بينهما.

(حادي عشر) قوله لم يكن البكاء على الشهداء «الخ» هذه العبارة مع عجمتها وعدم وضوح جميع المراد منها اشبه بكلام المبرسمين فالبكاء على شهداء كربلاء ـ الذين يغلب على الظن انه ارادهم ـ كان حبا وولاء واقتفاء واقتداء بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي بكى عليهم قبل قتلهم في جماعة اصحابه فيما رواه الماوردي الشافعي في اعلام النبوة وبأئمة أهل البيت الذين فعلوا ذلك وامروا به شيعتهم ومواليهم كما اوضحناه في كتاب اقناع اللائم ولم يكن احتيالا لشيء ولا مكرا ودهاء وتقية كما صورت له مخيلته ودين الأمة لا يمكن ان يكون ارفع مما فعله أهل بيته وامروا به.

قال صفحة (ل) في الوافي عن الكافي عن الصادق ان الوصية نزلت على محمد كتابا مختوما بخواتيم من ذهب دفعه الى علي فتح علي الخاتم الأول وعمل بما فيه والحسن فتح الثاني ومضى لما فيه فلما فتح الحسين الثالث وجد قاتل واقتل وتقتل واخرج بأقوام للشهادة لا شهادة لهم إلا معك.

قال : ولا أرى إلا ان الشيعة لم تضع على لسان الصادق هذا الحديث إلا احتيالا الى التخلص من خزي الخذلان المخزي ولا خلاص ولات حين مناص لأن خروج الإمام الحسين عليه‌السلام لو كان بكتاب من الله مختوم بذهب لاستعدّ له عملا بقول الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) الآية ولرفع الراية وحولها قوته على حد قول الله : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) لأن الأمر الإلهي لا يكون إلا بالتأييد وعلى حد قوله (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) الآية ، ولكان جواب الإمام لشيعة الكوفة «فأعرض عنهم» لأن شيعة الكوفة قد جربها ابوه واخوه وما كان الحسين لينسى قول ابيه في الشيعة الذليل من نصرتموه «الخ» ولو صح نهج البلاغة لكان يعلمه الحسين واكثر خطبة

شكوى ولعنة وهل كان يخذل عليا إلا شيعته ولعلي كلمات مرة خطابا للشيعة وهي كلها صادقة اخفها واحقها ما في ص ١٨٣ ج ٢ شرح ابن أبي الحديد. وقال صفحة (س د) وقلما خلت خطبة من ذم لشيعته وشكوى.

(ونقول) تكذيبه ان ينزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصية فيها ما يجب ان يعمله آله بعد موته لا يستند الى دليل سوى الاستبعاد الناشئ عن جهله بمقام أهل البيت وعظيم قدرهم اتباعا لما اعتاده والفه. ورأيه ان الشيعة وضعت هذا الحديث على لسان الصادق احتيالا الى التخلص من خزي الخذل رأي أفين (أولا) لأن الشيعة ليس من دأبها الوضع ولا العمل بالموضوع ـ وان زعم المفترون ـ ولا تأخذ إلا بما رواه الثقات عن الثقات كما يعلم ذلك من مراجعة كتب الدراية وكتب اصول الفقه لها (ثانيا) رواة هذا الحديث متأخرون عن قتل الحسين عليه‌السلام بمئات السنين وهم لم يخذلوا الحسين ليحتالوا الى التخلص من خزي خذله (ثالثا) ان خزي الخذل المخزي لا يلحق بالشيعة وهم بريئون منه كما اوضحناه فيما سبق. وإنما خزي الخذل المخزي هو على الأمة المعصومة عند التركستاني التي خذلت ابن بنت رسول الله ومكنت يزيد الفاجر من قتله كما خذلت اباه واخاه من قبل كما قال المعري :

أرى الأيام تفعل كل نكر

فما انا في العجائب مستزيد

أليس قريشكم قتلت حسينا

وكان على خلافتكم يزيد

(قوله) لو كان خروج الحسين بكتاب من الله لاستعدّ له الخ ، فيه أنه استعد لذلك جهده فكاتب أهل البصرة وكاتبه أهل الكوفة وارسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل اوثق اهل بيته في نفسه ولم يدع وسيلة ممكنة من وسائل الاستعداد إلا استعملها.

(قوله) لأن الأمر الإلهي لا يكون إلا بالتأييد غير سديد فالله تعالى قد امر انبياءه بالدعوة وكثير منهم كذب وطرد بعضهم قتل وبعضهم أيد وبنو اسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس سبعين نبيا ورأس يحيى بن زكريا أهدي الى بغي من بغايا بني اسرائيل. والله تعالى امر بالجهاد فهل كل جهاد كان معه التأييد والنصر والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارسل جيشا الى مؤتة فقتل قواده وامراؤه وعاد مهزوما وكانوا ثلاثة آلاف

مقابل مائتي الف من الروم والعرب فهل كان النبي (ص) ارسل ذلك الجيش من غير امر الله. والجهاد لا تنحصر فائدته في النصر الحاضر. والحسين عليه‌السلام ان خذل فقتل يوم كربلاء فقد احرز نصرا باهرا على اعدائه فقد كان قتله مقوضا لأركان دولتهم مظهرا لفضائحهم محييا لدين جده الذي حاول بنو أمية قلعه من اساسه.

(قوله) لأن شيعة العراق قد جربها ابوه واخوه. نعم قد جرباها فلم ينصرهما غيرها. ولكن هل يعتقد موسى جار الله ان العراق في عهد ابيه واخيه كان كل اهله او جلهم شيعة لهما او ان الغالب من اهلها على خلاف ذلك واذا كان يعتقد الأول فلما ذا حاربه أهل البصرة يوم الجمل ويوم ابن الحضرمي ولما ذا قصد اصحاب الجمل البصرة دون غيرها من البلدان وكيف يكون ذلك وجل اهلها عثمانية. ولما ذا قعد عنه اهل الكوفة يوم الجمل في اوّل الأمر وقد ارسل ولده الحسن وعمار بن ياسر يستنجدهم فلم ينجدوه ومالوا الى تخذيل ابي موسى. ولما ذا لم يتمكن من عزل شريح القاضي ومن ابطال الجماعة في نافلة شهر رمضان حتى كانوا ينادون في مسجد الكوفة وا سنة فلاناه وغير ذلك مما لم يمكنه ابطاله. وقد كان في الكوفة الأشعث ابن قيس رئيس كندة من اكبر عشائر الكوفة ـ وعشيرته تبع لأمره ـ وهو ألد اعداء علي امير المؤمنين وكان يفسد عليه اموره وله الضلع الأكبر في خذلان علي يوم رفع المصاحف ويوم الحكمين وفي جميع ادوار إمارة امير المؤمنين عليه‌السلام وله الضلع الأكبر في قتله وهو الذي افسد عليه أمر الخوارج لما اراد استصلاحهم وابنه محمد اعان على قتل هانئ ومسلم بن عقيل بالكوفة وخرج هو واخوه قيس لحرب الحسين وكان قيس ممن كاتبه وسلب قيس قطيفة الحسين. وجل عشائر العراق انما كانت تتبع رؤساءها واطماعها ولم تكن أهل دين ولا تشيع خلا نادر منها كهمدان وعبد القيس وغيرهما.

أما ما زعم انه قول ابيه في الشيعة فهو افتراء فالشيعة لم يكونوا ليعصوا له امرا أو يخالفوا نهيا أو يحيدوا عن اوامره ونواهيه قيد شعرة ولكن هؤلاء كانوا اقلاء. وانما قاله فيمن كانوا معه وتحت حكمه من الناس وكان فيهم أو الغالب عليهم ما قدمناه.

(قوله) وما كان لينسى قول ابيه في الشيعة «الخ» قد عرفت ان هذا ليس قول ابيه فيهم بل في عامة الناس الذين ان لم يكن الشيعة فيهم اقلية فليسوا بأكثرية. واذا

كان الحسين لم ينس قول ابيه فيهم فما باله خرج إليهم ولم يكن مغفلا ولا قليل تجربة فقد ناقض هذا الرجل نفسه واستدل بما يثبت خلاف مطلوبه.

نهج البلاغة

(قوله) ولو صح نهج البلاغة الخ. نهج البلاغة صحيح وان حاول المحاولون ابطاله وقدحوا فيه عند كل مناسبة لغرض في نفوسهم كما قدح القادحون في القرآن وقالوا انه كلام ساحر وكلام شاعر فلم يضره ذلك وشهدت بلاغته وفصاحته وعجز الناس عن معارضته بصحته كما شهدت بلاغة نهج البلاغة ـ الذي هو بعد الكلام النبوي فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق ـ وفصاحته وعجز الفصحاء والبلغاء عن الإتيان بمثله بصحته فشرحه الشارحون شروحا لا تحصى وحفظه الخطباء والوعاظ واستمدوا منه واشتهر في جميع الأقطار والاعصار ولم يستطع ان يشق له غبار.

(قوله) واكثر خطبه شكوى ولعنة وقلما خلت خطبة من ذم لشيعته وشكوى وهل كان يخذل عليا إلا شيعته (وتقول) شكوى ولكن ممن ولعنة ولكن على من؟ وذم ولكن لمن؟ انظره وانظر كلامه واشعاره تجد ان اكثر خطبه وكلامه مدح وثناء على رؤساء اصحابه من الشيعة كالأشتر والأحنف وقيس بن سعد وسعيد بن قيس وعمار وابن التيهان وابناء صوحان والحصين بن المنذر ومحمد بن ابي بكر وامثالهم وذم لعامة اصحابه الذين لم يكونوا كذلك وشكوى من اعدائه وفي كلامه وشعره المدح العظيم لهمدان وربيعة حتى قال :

لو كنت بوابا على باب جنة

لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

وقال :

ربيعة اعني انهم اهل نجدة

وبأس اذا لا قوا خميسا عرمرما

وحاشا شيعته ان يخذلوا وانما كان يخذله من عرفت وقد دفع عنه الاحنف يوم الجمل مائة الف سيف من بني تميم كانوا على رأي اصحاب الجمل فاعتزل بهم ويوم

الحكمين بذل غاية جهده في عزل ابي موسى والأشتر ابى التحكيم اباء شديدا وكذا غيره من خلص شيعته ولكن المنافقين امثال الأشعث والجامدين من القراء الذين لم يكونوا يعرفون لأمير المؤمنين حقه هم الذين خذلوه ومن الخطل المشين عدهم من شيعته من ابوا إلا التحكيم وإلا أبا موسى المعلوم حاله.

اما ما حكاه عن شرح نهج البلاغة فهو يشير الى خطبة يتذمر فيها امير المؤمنين عليه‌السلام من اصحابه ويذمهم على عدم اطاعتهم له. ولا يخفى ـ كما مر ـ ان جميع اصحابه ورعيته لم يكونوا شيعة له عارفين بحقه بل كان جلهم ـ إلا النادر ـ على خلاف ذلك وقد ابان هذا المعنى ابن ابي الحديد في شرح النهج عند شرحه لهذه الخطبة ج ٢ ص ١٨٤ ، فقال : من تأمل احواله عليه‌السلام في خلافته علم انه كان كالمحجور عليه لا يتمكن من بلوغ ما في نفسه. وذلك لأن العارفين بحقيقة ماله كانوا قليلين وكان السواد الأعظم لا يعتقدون فيه الأمر الذي يجب اعتقاده فيه ـ الى ان قال ـ : واكثرهم انما يحارب معه بالحمية والنخوة العربية لا بالدين والعقيدة الى آخر كلامه الذي ذكره في شرح هذه الخطبة ولا شك ان صاحب الوشيعة قد رآه وقرأه وقد كان فيه ردع له عما قاله لو كان عنده شيء من الانصاف وكان قصده تحري الحقيقة فبان ان زعمه كون هذه الخطبة في ذم الشيعة زعم فاسد ورأي كاسد فالشيعة في اصحابه لم يكونوا إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض واذا كان نهج البلاغة لم يصح عنده فما باله يستشهد به لمزاعمه.

قال صفحة (م) (١) : ومهما يختلق للثانية ـ اي شهادة الحسين ـ مختلق من وجه سياسي فإن الأولى لن يجد وجها لها نفس واجد الا توجيهات صوفية للثانية ذكر بعضها مؤلف سر الشهادتين واذ لم اقنع بها توهمت وقلت انما هي فتنة جاءت من عفاريت اليهود وشياطين الفرس لعبت بغفلة الشيعة للنيل من دين الاسلام ومن

__________________

(١) اعلم ان لهذا الرجل ميلا الى الشذوذ حتى في وضع العدد لصفحات كتابه وضع العدد في اوّل الكتاب بالحروف الا بجدية لكن على غير الطرز المتعارف الى غاية ٣٦ ورقة ثم وضعها بالأرقام الهندية الى نهاية الكتاب وصفحة (م) قد تكررت في كلامه والتي هنا هي الأولى فتنبه ـ المؤلف ـ.

دولته هذه اوهامي في توجيه الأمر او الأمرين ولا علم عندي في وجه الأمرين غير ذلك وان كنت قد احطت بما في كتب الشهادتين.

(ونقول) عبارته هذه الممجوجة في الاسماع والقلوب بقوله فيها لن يجد وجها لها نفس واجد ، وقوله إلا توجيهات صوفية للثانية الذي اوجب استثنائه هذا فيها خللا في نظم الكلام وغير ذلك فيه ان الثانية لا تحتاج الى ان يختلق لها مختلق وجها سياسيا مهما اطال هذا الرجل وكرر هذه الترهات فليس وجهها إلا ما اعلن به فأعلنها على رءوس الملأ بقوله :

ليت اشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحا

ثم قالوا يا يزيد لا تشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

لست من خندف ان لم انتقم

من بني احمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

وكما قلت :

ثارات بدر ادركت في كربلاء

لبني أمية من بني الزهراء

وقد ساقته اوهامه في توجيه الأمر او الأمرين مع احاطته بما في كتب الشهادتين الى ان هذه الفتنة جاءت من عفاريت اليهود وشياطين الفرس. وينبغي لسامع هذا الكلام ان يقهقه وان كان ثاكلا ولسامعته ان تضحك وان كانت ثكلى. فتنة قتل الخليفة الثالث وفتنة قتل السبط الشهيد جاءتا من عفاريت اليهود وشياطين الفرس (اما الأولى) فيقول المقريزي في خططه أثارها عبد الله بن سبأ اليهودي ومشى خلفه موسى جار الله وأثارها الفرس الذين دخلوا في الإسلام واظهروا التشيع للانتقام من الاسلام كلمة قالها شخص وتبعه من بعده لأنها وافقت هواهم ولكنا لا ندري متى اظهر الفرس التشيع انتقاما من الاسلام وجميع بلاد الفرس في الدولة الإسلامية من اولها اهلها سنيون إلا ما ندر وجميع اجلاء علمائهم ومحدثيهم هم سنيون الا ما شذ. كالبخاري وابن ماجة القزويني وابو زرعة الرازي والكياالهراسي والنسائي وغيرهم

ممن يضيق عنهم نطاق الاحصاء ولم ينتشر التشيع في بلاد الفرس إلا في عهد الصفوية وهم من نسل الإمام الكاظم وليسوا فرسا فمن هم الذين اظهروا التشيع من الفرس انتقاما من الاسلام وفي اي زمان وجدوا؟ (واما الثانية) فلا ندري ولا المنجم يدري ما علاقتها باليهود والفرس (والصواب) ان الأولى جاءت ممن كان يخرج قميص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول ما هو مشهور معروف ويأمر بقتل عثمان ويلقبه بلقب مشهور ويقول ما هو معروف مشهور. وممن صلّى بالناس صلاة الصبح ثلاث ركعات في مسجد الكوفة وهو سكران وتقيأ الخمر في محراب المسجد وممن كان يكتب الكتب عن لسانه ويختمها بخاتمه ويرسلها مع غلامه على راحلته ولا يعلم هو بذلك. ومن كان كلما وعد احدا بازالة شكايته افسد عليه ذلك. وممن تركه محصورا بعد ما هيج الناس عليه وخرج من المدينة الى مكة. وممن استنجد به فلم ينجده بل ارسل قوما لنجدته وامرهم بالمقام بوادي القرى دون المدينة حتى قتل هؤلاء الذين جاءت منهم الفتنة الأولى مع انضمام اسباب أخر لا من عفاريت اليهود كابن سبأ وغيره فإنه اقل واذل من ذلك ولا من شياطين الفرس واين كان الفرس عن هذه الفتن ليكون لهم اثر فيها وهل ترك عفاريت العرب وشياطينهم مجالا لعفاريت اليهود وشياطين الفرس في ذلك. واذا استطاع ابن سبأ اليهودي الملحد ان يؤثر على المسلمين وفيهم جمهور الصحابة الكرام واهل الحل والعقد ـ وهم امة معصومة قد بلغت رشدها ـ فيوقعهم في فتنة عمياء تؤدي الى قتل خليفتهم وتشعب امرهم وتشوب الفتن بينهم وهم لا يشعرون فأي ذم لهم يكون اكبر من ذلك. هذا ما لا يرتضونه لأنفسهم ولا يرتضيه لهم المقريزي ولا موسى جار الله ولا احد من المسلمين (والصواب) ان الثانية جاءت من يوم بدر ومن غلبة الاسلام على الكفر كما مر.

(وأما قوله) لعبت بغفلة الشيعة «الخ» فقد علمت مما مر أن لا شيء من ذلك لعب بغفلة الشيعة للنيل من دين الاسلام ومن دولته وإنما نال من دين الإسلام ومن دولته من أثار تلك الفتن حبا بالدنيا وأعراضا عن الآخرة وطمعا في الأمرة وحسدا وبغيا وانتقاما للكفر من الإسلام والغفلة التي نسبها إلى الشيعة لم تكن إلا فيه بتقليده من تقدمه وغفلته عن الحق. (قوله) هذه أوهامي «الخ» قد ظهر أنها أوهام فاسدة وتخرصات واهية باردة. والعجب منه كيف يقول لا علم عندي في وجه

الأمرين غير ذلك مع إحاطتي بما في كتب الشهادتين. والوجه فيهما باد كالشمس الضاحية.

قال ص (أن) : وقد كشف الغطاء عن وجه الأمرين الامام المجتهد النجفي جعفر ابن الشيخ خضر في كتابه كشف الغطاء وهو كتاب يعتمد عليه شيعة اليوم حيث ذكر فيه ما يفهم منه رضا علي بقتل عثمان الذي قتله المهاجرون والأنصار (إلى أن قال) فكشف بمثل هذا التحقيق كل الغطاء عن وجه الشهادتين فهل بعد ذلك يمكن أن يقال إن مطالبة معاوية عليا بدم عثمان كان بغيا وهل يمكن لوم يزيد ولعنه لأجل قتله الحسين وأهل بيته وعثمان أسود أموي ومعاوية ويزيد أحق أموي بمطالبته دمه وأقوى أموي يستوفي حقوق بني أمية من أعدائها ولا لوم إلا على من فتح باب الفتنة بقتل أسود أموي بعد ما ذهب الاسلام بجذور الفتن ولا لوم إلا على شيعة الكوفة التي خدمت يزيد فدعت الحسين نفاقا ثم باعت دينها بدنيا يزيد فخذلت الحسين وأسلمته إلى يزيد لا لوم إلا على من كان يخذل عليا في حياته وسعى في قتل أولاده بعد مماته ا ه باختصار.

(ونقول) الشيعة لا تتوقف عن مخالفة الشيخ جعفر في هذا الرأي سواء أوصف بالإمام المجتهد أم لم يوصف فهو ليس بمعصوم من الخطأ في آرائه. وأما كتابه فكسائر الكتب يعتمد عليه شيعة اليوم وقبل اليوم فيما أصاب فيه ويردونه فيما أخطأ فيه ولا يمكن أن يجعل معبرا عن رأي عموم الشيعة ولا عن رأي فرد منهم سواه. ولا يشك أحد من الشيعة في براءة علي من دم عثمان. لا سيما بعد أن تبرأ منه في عدة مواضع فالتفريع الذي فرعه عليه في حق معاوية ويزيد خطأ ما عليه من مزيد ـ وإن أراد ستره بقوله وفعله أكبر وأفحش الخ ـ ولكن قد سبق منه أن قال : قتل الإمام وقوة الدولة هم الأنصار والمهاجرون ـ وعلي على رأسهم ـ بالمدينة وكليمة همس منه تكفي في طرد الفئة الثائرة. لم أجد في هذا الأمر عذرا لاحد. شهادة خليفة الإسلام وقوة الدولة الإسلامية حاضرة قوية كانت متمكنة من دفعها ولم تدفع ولم تدافع. وهذا يلزم منه عين ما عابه على الشيخ جعفر لا في حق علي وحده بل في حق جميع المهاجرين والأنصار الموجودين يومئذ.

ثم إن التي يجب أن نأخذ ثلثي ديننا عنها وحواري رسول الله ومن هم من العشرة المبشرة وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وغيرهما ومعاوية ومن معه من الصحابة العدول كلهم قد اجتهدوا فاعتقدوا خطأ أن عليا قتل عثمان فقاموا يطلبون بدمه ويقاتلون عليا يوم الجمل وصفين حتى قتلت عشرات الألوف من المسلمين بسبب هذا الاجتهاد المخطئ والقاتل والمقتول في الجنة وللمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد. وهؤلاء كلهم كانوا معاصرين للخليفة مطلعين على ظاهر أمره وباطنه وقتل وهم أحياء قريبين منه لا يخفى عليهم شيء من أمر قتله وتأتيهم أخباره بكرة وعشية ومع ذلك فقد اعتقدوا خطأ أن عليا قتله فإذا اعتقد الشيخ جعفر بعد ألف ومئات من السنين خطأ رضا علي بقتل عثمان فليس ذلك بالأمر الغريب ويكون معذورا في اجتهاده الذي اخطأ فيه واعذر من الذين كانوا في ذلك العصر فأخطئوا وعذروا وأثيبوا. على أن خطأ الشيخ جعفر لم يترتب عليه من المفاسد ما ترتب على خطأ أولئك من إراقة الدماء الكثيرة وتشتيت كلمة المسلمين واستحكام العداوة والشحناء بينهم إلى اليوم.

ثم إنا نراه قد أقام نفسه محاميا ومدافعا عن يزيد وأبيه بما لا يرضيانه ولا يشكرانه عليه فالأب قد قال حين دخل الكوفة بعد صلح الحسن عليه‌السلام فيما رواه أبو الفرج الأصبهاني في المقاتل ورواه أيضا عن المدائني : إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا أنكم لتفعلون ذلك ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون والابن قد قال فيما رواه سبط ابن الجوزي عن الشعبي :

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

فهما قد دافعا عن أنفسهما وأبانا عما في ضمائرهما فلا يحتاجان إلى مدافعته ومماحكته هذه. وقد عرفت مما سبق من هو الذي فتح باب الفتن وسبب قتل أسود أموي ثم قام يطلب بثأره. والإسلام إن كان ذهب بجذور الفتن ـ كما يدعي ـ فالمسلمون والأمة المعصومة ـ عنده ـ قد أعادوا هذه الجذور وسقوها بمياه التمويه

والخداع حتى نمت واستطالت وامتدت فروعها فبلغت أداني بلاد الإسلام وأقاصيها وبقيت تلك الفروع باسقة مستطيلة إلى اليوم وهو يتمسك بفروعها وأغصانها. قوله لا لوم إلا على شيعة الكوفة الخ. نعم لا لوم إلا عليها عنده أما سائر الأمة فلا لوم عليها أبدا بخذلانها ابن بنت نبيها وتمكينها ليزيد من قتله بل تستحق على ذلك المدح والثناء. وقد عرفت فيما مضى من الجواب عن مثل هذا الكلام أنه عار عن التحصيل فلا نعيد.

قال صفحة (ن) : وانطلق قلم الشيخ ـ صاحب كشف الغطاء ـ فأخذ يبث ما في قلبه من العلوم والعقائد وطفق يستدل على فضل علي بحديث لا يجوز على الصراط إلا من كان بيده جواز من ولاية علي. بخبر لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي في وقعة أحد بحديث رد الشمس عليه مرة أو مرتين أو ستين مرة.

(ونقول) : نقله ما ذكره الشيخ جعفر من فضائل علي عليه‌السلام بعبارة الاستهزاء يوجب الهزء بعلمه وعقله ففضائل علي قد ملأت الخافقين ووصلت إلى أسماع الجن والإنس والمستهزئ بها عار من العلم والعقل (إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون) ونراه اقتصر على الدعاوى المجردة كعادته.

(أما حديث لا يجوز على الصراط الخ) فقد رواه أبو المؤيد موفق بن أحمد من أعيان علماء من تسموا بأهل السنة باسناده من طريقين في كتب فضائل أمير المؤمنين (ع) ورواه أبو الحسن علي بن محمد الخطيب المعروف بابن المغازلي الشافعي في المناقب من ثلاثة طرق وأكثر ورواه إبراهيم بن محمد الحموئي من أعيان علماء السنيين بسنده. ورواه ابن شيرويه الديلمي من أعيان علماء السنيين في كتاب الفردوس في باب الحاء ولكن بلفظ حب علي براءة من النار ورواه غيرهم أيضا وهذه الأحاديث بألفاظها وأسانيدها مذكورة في غاية المرام وروي من طريف الشيعة بسبعة طرق مذكورة في غاية المرام أيضا.

(وأما حديث لا سيف إلا ذو الفقار) فرواه الطبري وابن الأثير وغيرهما ونظمه الشعراء وأودعه العلماء مؤلفاتهم فهل يمكنه إنكاره أو لا يجده فضيلة ليقل ما شاء.

(وأما حديث رد الشمس لعلي عليه‌السلام) فقد رواه من غير الشيعة ابن

المغازلي الفقيه الشافعي بسنده عن أسماء بنت عميس كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوحي إليه ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن عليا كان على طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت. ورواه ابن المغازلي الشافعي أيضا بسند آخر عن أبي رافع نحوه. ورواه موفق بن أحمد بطريقين في حديث احتجاج علي على أهل الشورى فكان فيما قال : أمنكم أحد ردت عليه الشمس بعد غروبها حتى صلّى صلاة العصر غيري قالوا لا. ورواه موفق أيضا بسنده عن أسماء بنت عميس نحوه. ورواه موفق أيضا بسند آخر عن أسماء بنت عميس. ورواه إبراهيم بن محمد الحموئي بسنده عن أسماء بنت عميس وهذه الأحاديث كلها بأسانيدها ومتونها مذكورة في غاية المرام للسيد هاشم البحراني. وذكر ابن حجر الهيتمي في الفصل الرابع من الباب التاسع من صواعقه المعقود لذكر نبذ من كرامات علي ما لفظه : ومن كراماته الباهرة أن الشمس ردت عليه لما كان رأس النبي صلّى الله عليه (وآله) وسلم في حجره والوحي ينزل عليه وعلي لم يصل العصر فما سري عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا وقد غربت الشمس فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم انه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس فطلعت بعد ما غربت قال وحديث ردها صححه الطحاوي والقاضي في الشفاء وحسنه شيخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غيره وردوا على جميع من قالوا أنه موضوع. فهذا هو حديث رد الشمس الذي حكاه بعبارة الاستهزاء بقوله مرة أو مرتين أو ستين مرة. وهذه عصبيته التي أدت به إلى الاستهزاء بالحديث النبوي فما ذا يكون منه بعد هذا.

وحكى صفحة (ع) عن صاحب كشف الغطاء أنه عقد بابا للمثالب ذكر فيه رواية البخاري في صحيحه عن نافع عن ابن عمر قام النبي خطيبا فأشار نحو مسكن أم المؤمنين وقال الفتنة تطلع من هاهنا ثلاثا من حيث يطلع قرن الشمس. ثم قال هذه شواهد تدل على قدر الإيمان والأدب والأمانة لأقلام مجتهدي الشيعة.

(ونقول) : خوض الناس في المثالب والمناقب ليس من مخترعات صاحب كشف الغطاء فقد جرى البحث والجدال في ذلك في الأعصار السالفة واللاحقة وابتدأ ذلك من عصر الصحابة كما يظهر بأدنى تتبع وتناظر فيه العلماء في كل عصر وقد صنف فيه

إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي صاحب المغازي المتوفى سنة ٢٨٣ كتابه المعروف وحلف أن لا يرويه إلا بأصفهان التي كان أهلها في ذلك الوقت أبعد الناس عن أهل البيت فانتقل إليها ورواه بها ثقة منه بصحة ما رواه في ذلك وتناظر فيه المرتضى وقاضي القضاة الباقلاني فألف الباقلاني كتاب المغني ونقضه المرتضى بكتاب الشافي المطبوع وتناظر فيه قبل المرتضى ابن قبة مع بعض علماء ما وراء النهر نقضا وابراما بكتب عدة حتى مات أحدهما. وما زالت المناظرة شائعة بين العلماء في كل عصر وزمان. وغير المعصوم لا يمتنع أن يوجد له مناقب ومثالب وما دام المتبع هو الدليل والبرهان فليس لأحد أن يغضب أو يعيب إلا بدليل وبرهان. أما إيمان مجتهدي الشيعة فيوازي الجبال الرواسي. وأما الأدب فليس في نقل ما يرويه العلماء منافاة للأدب. وأما الأمانة فهل رأى أن ما حكاه عن صحيح البخاري ليس موجودا فيه أو أن فيه شيئا من التحريف. ولو اتسع لنا المجال لبينا له أين موضع الأدب والأمانة وقد ظهر من تضاعيف ما ذكرناه أنه في وشيعته بعيد عنهما.

نقده لكتاب أصل الشيعة

انتقد كتاب أصل الشيعة في عدة مواضع فرقها في كتابه ونحن ذكرناها متتالية.

قال صفحة (ف) : امام مجتهدي الشيعة اليوم محمد الحسين آل كاشف الغطاء رأيته أول مرة بالقدس ثم زرته في بيته بالنجف الأشرف فأعطاني كتابه «أصل الشيعة» وقال طالعه تجد فيه حقائق كثيرة قد استحسنه علماء الغرب حتى قرضوه أو قرضه البعض احطت بما في أصل الشيعة في جلسة. وقد وقفت مطي أفكاري وقفة طويلة عند قوله : أم امام الشيعة علي بن أبي طالب الذي يشهد الثقلان أنه لو لا سيفه ومواقفه في بدر وأحد وحنين والأحزاب ونظائرها لما اخضر للاسلام عود وما قام له عمود حتى كان أقل ما قيل في ذلك ما قاله أحد علماء السنة.

الا انما الاسلام لو لا حسامه

كعفطة عنز أو قلامة ظافر

ثم أخذ في تهجين الاستشهاد بالبيت فقال : دين أنزله الله إلى سيد المرسلين وخاتم النبيين ليكون دينا للعالمين إلى يوم الدين في كتاب لئن اجتمعت الجن والانس

على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا كيف يقول فيه قائل له عقل ان أقل ما يقال فيه أنه عفطة عنز أو قلامة ظافر أو ضرطة عنز بذي الجحفة فإن كان معتزلي اعتزل دينه شبه الاسلام بذلك فقد كان أجهل الناس بالاسلام وأبعد الناس عن الإيمان وشر منه قول من جعل قول المعتزل أقل ما يقال فيه فأي شيء بقي أقل من ذلك. جيء به ترفضا وتشيعا حتى تكون أبلغ بليغ.

فإن كنت تخفي بغض حيدر خيفة

فبح لأن منه بالذي أنت بائح

فقل الآن أي شيء بعد قولك هذا أكثر ما يقال فيه. ثم عاد إلى ذلك في صفحة (ت) فانكر وعاب ما شاء.

(ونقول) لا يشك من عنده أدنى معرفة وأنصاف في أنه لو لا سيف علي بن أبى طالب لما اخضر للاسلام عود ولا قام له عمود. ويكفي شاهد واحد على ذلك ضربته يوم الخندق عمرو بن عبد ود بعد ما جبن عنه الناس جميعا وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ : برز الاسلام كله إلى الشرك كله (١) لمبارزة علي لعمر ويوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة (٢) اليوم نغزوهم ولا يغزوننا (٣).

أما الاستشهاد بالبيت فلا يوجب كل هذا الاستنكار والتهويل والتهجين والازباد والارعاد ووقوف مطي الأفكار وقفة طويلة أو قصيرة فالبيت جار على عادة الشعراء في مبالغاتهم وهب أن فيه سوء أدب بالنسبة إلى الاسلام فسوء الأدب يغتفر إذا علم أن فاعله لم يقصد سوءا وقد اغتفرت نسبة الهجر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعض أكابر الصحابة حين طلب الدواة والكتف ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا لما علم أنه لم يقصد بها سوء والبيت جيء فيه بلو لا التي هي للامتناع والنفي فلا وجه لقوله أنه قال فيه أنه عفطة عنز أو قلامة ظافر وأنه شبه الاسلام بذلك والله تعالى يقول في الكتاب العزيز. ولو لا ان ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا. ولو لا فضل الله

__________________

(١) ابن ابي الحديد في شح النهج ناسبا له الى الحديث المرفوع.

(٢) الحاكم في المستدرك.

(٣) المفيد في الارشاد وغيره. المؤلف.

عليكم ورحمته لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم ولو لا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا. ويقول مخاطبا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين. وسواء أكان في نظم البيت والاستشهاد به سوء أدب أم لم يكن فليس ذلك بمهم إنما المهم تحقيق أنه لو لا سيف علي لما اخضر للاسلام عود ولا قام له عمود ولم يأت في نفيه بشيء. والظاهر أنه غاظه المبالغة في فضل علي ولم يطقها سمعه ولم تحتملها نفسه ولم يشأ أن يظهر أن غضبه لذلك فاظهر أن غضبه غيرة على الاسلام وخرجت به الحدة والغضب إلى أن اخرج ابن أبي الحديد المعتزلي ناظم البيت عن الدين وجعله اجهل الناس بالاسلام وأبعدهم عن الإيمان وجعل قول المستشهد بالبيت شرا منه وزاد به هيجان عاصفة الغضب بلا سبب فلجأ إلى السلاح المعهود النبز بالرفض والتشيع وفاه بكلمة الفحش مضافة إلى العنز. مهلا أيها الرجل خفف من غلوائك. أن فضل علي بن أبي طالب أعظم مما تظن ومناقبه أكثر مما تتصور وحقا لو لا سيفه لما اخضر للاسلام عود ولا قام له عمود.

فما أبغض الاسلام ذاكر فضله

ولكن دليل الحب من ذاك لائح

فإن كنت تخفي بغض حيدر خيفة

فبح لأن منه بالذي أنت بائح

وكون الاسلام دينا أنزله الله إلى سيد المرسلين ليكون دينا إلى يوم الدين لا ينافي أن يقيض الله له من ينصره بسبعة بل لازمه ذلك ليبقى إلى يوم الدين ويصحح ان يقال فيه ما قيل.

قال صفحة (ص) : وهل لعلي فضل سوى أنه صحابي بين الصحابة وبطل من أبطال جيش المسلمين. ولو لا الاسلام لما كان لعلي ولا لعرب الحجاز ذكر (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً. مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً. يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) الآية. ومن كان له أدب فليس من دأبه أن يمن على الله بشيء من عمله قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان. وقال صفحة (ق) وامام الأئمة علي أول من يتبرأ من مثل هذا الكلام ـ أي مضمون البيت ـ وأفضل أحوال علي أن يكون خامس الأمة رابع الصحابة. وقد جعله الله كذلك ورضي هو في حياته بذلك وقد كان يقول دنياكم عندي كعفطة عنز في فلاة ومثل هذا الكلام في مثل هذا المقام له وقع وله بلاغة. أما

انتحاله في الاسلام لو لا سيف علي فلم ولن يرتكبه أحد إذ لا شرف لعلي وسيفه إلا بإسلامه والاسلام في شرفه غني عن العالمين غنى الله منه بدأ وإليه يعود. ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا.

وقال صفحة (ص) لو صدق قول امام الشيعة لو لا سيف علي «الخ» لكان النبي في قوله انجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده كاذبا كذب كفران ولكان قول الله جل جلاله : (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ) باطلا بطلان عدوان.

(ونقول) من ادهى مصائب الزمان أن يقول رجل مثل موسى تركستان : وهل لعلي فضل سوى أنه صحابي بين الصحابة وبطل من أبطال جيش المسلمين (لقد هزلت) نعم لعلي فضل سوى أنه صحابي بين الصحابة ـ والاستدلال على ذلك كالاستدلال على الشمس الضاحية ـ وانكاره كانكارها.

تريد على مكارمنا دليلا

متى احتاج النهار إلى دليل

فهو أعلم الصحابة وأشجعهم وأزهدهم وأعبدهم وأفصحهم وأشدهم سياسة وأرجحهم عقلا وكياسة وأسدهم رأيا وأولهم اسلاما وأكثرهم جهادا وأجمعهم لصنوف الفضائل. لم يكن علي صحابيا كسائر الصحابة بل امتاز عنهم بفضائل لم يشاركه فيها أحد كما قال خزيمة بن ثابت :

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

سبقهم جميعا إلى الاسلام وعبد الله وليس في الأرض من يعبده إلا ثلاثة هو أحدهم والآخران رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة وسبق الناس إلى الجهاد في سبيل الله وحامى عن دين الله وقاتل أعداء الله في كل يوم عصيب وواسى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفداه بنفسه وشاركه في كل شدة ومحنة من طفولته إلى وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقام الاسلام بسيفه ـ وإن غاظ ذلك موسى جار الله ـ فكان ينيمه أبوه في مضجع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيام حصار الشعب ليكون فداء له إن رام أحد الفتك به. وكان أطفال قريش يؤذون النبي (ص) في أول البعثة فقال له إذا خرجت فاخرجني معك فكان يحمل عليهم ويقضمهم فيرجعون إلى أهلهم باكين ويقولون قضمنا علي بن أبي طالب وبات على فراشه ليلة الغار وأدى أماناته وحمل الفواطم إلى المدينة وهزم الذين حاولوا إرجاعه وقتل مقدمهم وكان عليه

المدار يوم بدر وأحد والخندق وخيبر وغيرها ولا موقف من مواقف النبي (ص) إلا وله فيه موقف مشهود ومقام معدود كما قال الرضي :

ومن قبل ما أبلى ببدر وغيرها

ولا موقف إلا له فيه موقف

ولم يسمع لسواه ممن يريدهم التركستاني بقتيل ولا جريح في موقف من المواقف. وكان نفس النبي (ص) بنص آية المباهلة واختاره أخا لنفسه لما آخى بين أصحابه قال الصفي الحلي :

لو رأى مثلك النبي لأخا

ه والا فأخطأ الانتقاد

ولم يعمل بآية النجوى غيره.

وهو ثاني ذوي الكسا ولعمري

أفضل الخلق من حواه الكساء

وكان منه بمنزلة هارون من موسى وأولى بالمؤمنين من أنفسهم وولي كل مؤمن ومؤمنة ، وهو باب مدينة علمه ، ومن سدت الأبواب من المسجد إلا بابه ، ومن لا تحصى مناقبه ولا تعد فضائله وألف النسائي في خصائصه كتابا مشهورا مطبوعا ومن اخفى اعداؤه فضائله حسدا وأولياؤه خوفا وظهر من بين ذين ما ملأ الخافقين هذا هو علي بن أبي طالب الذي يريد أخو تركستان أن يغض منه وهيهات.

وإذا خفيت على الغبي فعاذر

أن لا تراني مقلة عمياء

أفيحسن بعد هذا أن يقال هل لعلي فضل سوى أنه صحابي بين الصحابة وبطل من أبطال جيش المسلمين. كلا ليس هو بطلا من أبطال جيش المسلمين بل هو بطل جيش المسلمين وحده. وأين كان أبطال جيش المسلمين الذين تدعيهم عن يوم بدر وقد قتل علي نصف المقتولين وقتل سائر الناس النصف الباقي. وأين كانوا عن يوم أحد وقد قتل علي أصحاب اللواء جميعا وحامى عن الرسول (ص) وقد فر الناس إلا أقلهم حتى رجع أحد المعروفين بعد ثلاث ونادى جبرئيل لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي وقال متعجبا هذه هي المواساة وأين كانوا عن يوم الخندق وقد عبره عمرو ابن عبد ود وهو ينادي هل من مبارز فجبن عنه الناس جميعا إلا علي فقتله وجاء برأسه وأين كانوا عن مرحب يوم خيبر وقد فروا براية الاسلام واحدا بعد واحد حتى أخذها علي فقتل مرحبا وفتح الحصن ودحا الباب. وأين كانوا عن يوم حنين وقد فروا جميعا

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يزيدون عن اثني عشر ألفا إلا عليا يضرب بالسيف أمامه مع ثمانية من بني هاشم معهم أيمن ثبتوا بثباته ، وأين كانوا عن ليلة الغار التي بات فيها على فراش الرسول (ص) يقيه بنفسه غير خائف ولا هياب وقد احدقت به سيوف الموت. وأين كانوا عن يوم هجرة علي إلى المدينة ومعه الفواطم وقد لحقه ثمانية فوارس من شجعان قريش وهم فرسان وهو راجل فقتل مقدمهم بضربة قدته نصفين وعاد الباقون عنه خائفين مذعورين إلى غير ذلك من المواقف والمشاهد التي أثبتت أنه بحق بطل جيش المسلمين بلا مشارك.

(قوله) لو لا الاسلام لما كان لعلي ولا لعرب الحجاز ذكر طريف جدا فلو لا الاسلام ولو لم يبعث محمد (ص) بالرسالة لم يكن لرسول الله (ص) ذكر فهذا لا يوجب أن يكون علي كسائر المسلمين وكسائر عرب الحجاز مع امتيازه عن الجميع كما لا يوجب أن يكون الرسول (ص) كذلك. فقد جاء الاسلام وعرف علي به وامتاز لمن سواه بفضائله ومناقبه. ولا يمنع هذا أيضا من أن نقول لو لا سيف علي لم يكن للاسلام ذكر. على أن بيت علي أشرف البيوت في الجاهلية والاسلام. تحامل بارد وتمحل سخيف. (أما الآيات التي استشهد بها) فلا ترتبط بما أراده بوجه من الوجوه. القائل يقول علي له أثر عظيم في نصرة الاسلام. والآيات الشريفة تقول : الانسان لم يكن ثم كان لله العزة جميعا. الناس فقراء والله هو الغني فهل مضامين هذه الآيات تنافي قولنا لو لا سيف علي لما قام الاسلام. عزة الله لا يدانيها عزة والناس كلهم فقراء إلى الله والله غني عنهم ولكن هذا لا ينافي أن يكون بعض عبيد الله اختصه الله بأن قام الاسلام بسيفه ولو لا سيفه لما اخضر للاسلام عود ولا قام له عمود وكون العزة لله والغنى لله لا يسلب الفضل عن أهل الفضل. ولا شيء أغرب من قوله : من كان له أدب فليس من دأبه أن يمن على الله. فمن هو الذي من على الله. إذا قلنا لو لا سيف علي لما قام دين الله نكون قد مننا على الله ، كلا أننا نعلم أن المنة لله تعالى على جميع خلقه والله تعالى قد من على علي بأن جعل انتصار دينه بسيفه لأنه جرت عادته أن يجري المسببات على أسبابها فإذا جعل انتصار الاسلام بسيفه كان ذلك فضيلة له وساغ لنا أن نقول لو لا سيفه لما انتصر الاسلام ولا يتوهم عاقل أن في ذلك منّا على الله وقد ظهر

من ذلك فساد قوله : علي أول من يتبرأ من مثل هذا الكلام وكيف يتبرأ منه وهو عين الواقع وفيه تحدث بنعمة الله عليه.

(قوله) وأفضل أحوال علي أن يكون خامس الأمة رابع الصحابة بل هو ثاني الأمة التي أولها النبي (ص) وأول الصحابة بالدليل والبرهان كما عرفت لا بمجرد الدعوى كما يفعل هذا الرجل.

(وقوله) وقد جعله الله كذلك افتراء على الله تعالى بل الله قد جعله ثاني الأمة وقدمه بفضله على جميع الصحابة وجعله وصي رسول الله (ص) وخليفته وأولى بالمؤمنين من أنفسهم على لسان رسوله يوم الغدير وغيره. (قوله) ورضي هو في حياته بذلك كذب وافتراء عليه وتظلمه من ذلك طول حياته قد ملأ الخافقين. (قوله) وقد كان يقول دنياكم عندي «الخ» استدلال عجيب واستشهاد غريب فإذا كان زاهدا في الدنيا هل يدل ذلك على أنه أسقط حقه من الخلافة الذي جعله الله له وهل تراد الخلافة لأجل رئاسة الدنيا وحطامها. (قوله) أما انتحاله في الاسلام «الخ» قد علمت مما مر أنه عين الحقيقة وأن ما يتمحله هذا الرجل ويصادم به البديهة فلم ولن وما وليس يرتكبه أحد عنده أدنى معرفة وانصاف. (قوله) إذ لا شرف لعلي وسيفه إلا بالاسلام قد سبق آنفا منه نظير هذا التمويه وذكرنا ما فيه ونقول أيضا ان شرف علي وسيفه بالاسلام لا يمنع أن يكون لعلي وسيفه في الاسلام أثرهما الذي لا أثر مثله وأن يكون الاسلام قام بعلي وسيفه فالاسلام دين الله الذي تشرف به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتشرف به علي وكل مسلم ولكن الاسلام لم يكن لباسا وخلعة البسه الله تعالى لعباده وشرفهم به بل هو اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان فإذا أباه الناس أصبح في خبر كان وإذا كان جهاد علي في نصرة الاسلام سببا في ظهوره وانتشاره كان لعلي في ذلك الشرف الاسمي والمقام الأعلى وصح أن يقال لو لا سيفه لما كان اسلام شاء موسى جار الله أم أبى. (قوله) والاسلام في شرفه غني عن العالمين «الخ» هو كالسابق تمويه وتلبيس فإذا كان الاسلام غنيا عن العالمين فلم أمرهم الله بنصره والجهاد في سبيله والذب عنه أجل هو غني عنهم لو أراد الله استغناءه عنهم ولكن الله أجرى الأمور بأسبابها فمن جاهد في سبيل نصرة الاسلام فله فضله وأجره وصح أن يقال لولاه لما انتصر الاسلام ولم يكن ذلك منافيا لغنى الله وقدرته. (قوله) لو صدق قول إمام الشيعة «الخ» هذا

كسابقه تمويه وتلبيس فإنه لو صدق قول موسى تركستان هذا لا نتفت فضيلة الجهاد ولما كان للأمر به والحث عليه معنى إذ الله تعالى هو الذي ينجز وعده وينصر عبده ويهزم الأحزاب وحده فالمجاهد والقاعد سواء وهو رد للقرآن الكريم الذي فضل المجاهدين على القاعدين. انجز وعده لنبيه ونصر عبده بوليه وهزم به الأحزاب يوم الخندق بقتله عمرو بن عبد ود والأثر في ذلك لله وحده فهو مسبب الأسباب وخالق القدرة فيمن هزم الأحزاب ومجري الأسباب على أيدي عباده وهذا لا يبطل فضل من أجريت على يده ولا يمنع من قولنا لو لا ضربة علي لما هزمت الأحزاب والفئة لا تغني شيئا ولو كثرت إذا لم يكتب الله لها النصر والتوفيق وهذا ليس معناه أنه ليس للفئة فضل في جهادها ولا يمنع من القول أنه لولاها لما كان كذا.

استشهاده بأدب اليهود وكلام التوراة

ذكر في صفحة (ر) تحت عنوان (عظيم أدب اليهود) ما حاصله : أن اليهود في حرب العمالقة وكانوا قدر مليونين ما أسندوا الغلبة إلى أنفسهم بل بأدبهم اسندوا الغلبة إلى صلاة موسى واستشهد لذلك بكلام للتوراة في سفر الخروج. ثم ذكر أن يوشع كان نبيا بطلا قويا وأطال في مدحه وقال أنه ذكر في العاشر من سفره : (وأخذ يشوع جميع أولئك الملوك وأرضهم دفعة واحدة لأن الرب إله إسرائيل حارب عن إسرائيل) وقال صفحة (ش) لا شبهة أن الغلب كان له أسباب عادية إلا أن أدب البطل النبي وأدب كتبة اليهود يوحي أن الرب إله إسرائيل هو الذي حارب عن إسرائيل والغلب من الله بنصر الله لا بقوة أحد. ثم نقل عن نص تثنيه التوراة في الفصل التاسع أن الأمة قوتها وبقاؤها بنبيها وبركته ولولاه لما بقي لها أثر وأن قوة النبي بالله وعونه لا بعونها ولا بسيف فرد منها.

ثم قال ما معناه أن الفصل التاسع من التوراة يشبه قوله تعالى (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ـ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ. وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ). قال وكل ذلك يدل على أن الله في إقامة دينه غني عن قوة الأمة وعن سيف الافراد ولا يتعلق نجاح دين الله على حياة أحد من عباده وليس الغلب بقوة أحد وإنما هو بنصر الله. ثم استشهد بآيات لا شاهد فيها فقال وهذا الأدب أدب قديم في كل الكتب

السماوية وفي القرآن الكريم ومن عظيم أدب القرآن الكريم (١) أن ينسب العبد كل ما له إلى الله. وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله (٢) أن ينسب الله جل جلاله الخير والثواب وكل ما يناله الانسان في حياته إلى الانسان. جزاء بما كنتم تعملون. بما أسلفتم في الأيام الخالية. جمع القرآن هاتين النسبتين إلى أدب البيان وإلى أدب السعي والاجتهاد. وعاد إلى ذلك في صفحة (ث) فانكر وعاب وتحذلق.

(ونقول) : ما لنا وللتوراة المحرفة وأدب اليهود الذي هو مشغوف بالاستشهاد به كثيرا. يكفينا القرآن الكريم وأدب الاسلام فنحن في غنى بهما عن التوراة وأدب اليهود. قال الله تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى. ولكن هذا لا ينفي فضل الرامي ولا يمنع أن نقول لو لا رميه لما كان كذا. وهو في هذا المقام قد أجاب نفسه بنفسه فاعترف بأن الغلب له أسباب عادية وأن الله تعالى لا يوقع الغلب بقوته القاهرة الخارجة عن العادة وحينئذ فمن جرى الغلب على يده مثل يوشع وصي موسى وعلي وصي رسول الله صلّى الله عليهم وطالوت يكون له المقام الاسمي والميزة على غيره ويكون الغلب بجهاده فيوشع عليه‌السلام بقتاله العمالقة له فضل الجهاد وشرف الشجاعة. والقول بأن الرب إله إسرائيل حارب عن إسرائيل لا ينافي القول بأن يوشع عليه‌السلام حارب عن إسرائيل وانتصر على العمالقة ولو لا يوشع وحربه لما انتصر إسرائيل على العمالقة لأن مشيئته تعالى اقتضت أن يكون انتصاره عليهم على يد يوشع ولو لا جهاده لما حصل ذلك الانتصار. والقول بأن إله إسرائيل حارب عن إسرائيل معناه أن الله تعالى هو الذي أوجد يوشع عليه‌السلام وجعل فيه القوة والقدرة وأمره بجهاد العمالقة فانتصر عليهم ولو لا يوشع لما كان هذا النصر لأنه تعالى شاء أن يكون هذا النصر بجهاده وعلى يده تكريما له ورفعا لشأنه مع قدرته تعالى أن يهلك العمالقة بغير واسطة يوشع لكن حكمته اقتضت أن تجري الأشياء بأسبابها العادية. والله تعالى قد مدح طالوت في كتابه العزيز وقال أنه بعثه ملكا على بني إسرائيل ليقتل جالوت فقتله فاستحق المدح والثناء وصح أن يقال لو لا طالوت لما قتل جالوت فقوله والغلب من الله بنصر الله صحيح ، وقوله لا بقوة أحد غير صحيح فالله تعالى كثيرا ما يجعله بقوة آحاد. وفيما نقله عن تثنية التوراة قد أجاب نفسه ورد عليها بنفسه فإذا ساغ أن نقول الأمة قوتها وبقاؤها بنبيها وبركته ولولاه لما بقي لها أثر وقوة النبي

مستمدة من الله وعونه ، ساغ أن نقول أن قوة الاسلام بسيف الوصي ولو لا سيفه لما قوي الاسلام وقوة الوصي مستمدة من الله وعونه أما أن قوة النبي ليست بعون الأمة ولا بسيف فرد منها فخطأ ظاهر إذ لا شك أن معاوية الأمة للنبي تجعل له قوة وسيف فرد منها أو سيوف أفراد تجعل للنبي قوة كما أنه لا شك أن سيف علي بن أبي طالب قوى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يشك في ذلك فهذا الكلام إن صح أنه من كلام التوراة وليس محرفا ولم يكن من كلامه فهو محمول على مثل ما مر من أن المؤثر الحقيقي في قوة النبي هو الله تعالى الذي سخر أفراد الأمة وسيوفها لمعونته والدفاع عنه. وإذا كانت قوة النبي ليست بعون الأمة ولا بسيف فرد منها فلما ذا يقول موسى عليه‌السلام : واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري واشركه في أمري ولما ذا قال الله تعالى سنشد عضدك بأخيك. ولما ذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض وهل هذا إلا كقولنا لو لا سيف علي لم يظهر الاسلام ، لو لا العصبية وقلة الانصاف فهو في معنى لو لا هذه العصابة لم تعبد في الأرض وغنى الله تعالى في إقامة دينه وفي كل شيء عن قوة الأمة وسيف الأفراد ثابت لا يشك فيه مؤمن بالله ولا يحتاج إلى الاستشهاد بالآيات ولا بالتوراة أما أن نجاح دين الله لا يتعلق على حياة أحد وليس الغلب بقوة أحد فباطل لأن الله شاء أن يكون نجاح دينه بالأسباب العادية لا بالقدرة الإلهية فقط لذلك جاز أن يعلق نجاح دينه على حياة شخص وجهاده ونصره كما علقه على حياة يوشع وطالوت وعلي بن أبي طالب وغيرهم وهذا لا ينافي غناه تعالى عن قوة الأمة وسيف الأفراد ولا يقتضي افتقاره إلى ذلك كما هو واضح وكون الغلب بنصره تعالى مسلم لكنه بجهاد وليه. وإذا كان نجاح الدين لا يتعلق على حياة أحد فلما ذا قال الله تعالى مخاطبا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) ولما ذا لم يقتصر على التأييد بنصره. والهداية في قوله تعالى (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) هي إراءة الطريق وهي من الله تعالى فليس في الآية إلا بيان الواقع لا تعليم الأدب والآيتان حث على العمل والطاعة ولا ربط لذلك بالأدب فما قاله مع عدم ارتباطه بالمطلوب تطويل بلا طائل وفلسفة باردة وقد علم بما مر أن إنكاره وتحذلقه في صفحة (ث) ليس له محل ولا معنى.

أول من وضع بذر التشيع

وقال صفحة (مه) فيما انتقده على كتاب أصل الشيعة : أما ما يقوله شيخ الشيعة في كتابه أصل الشيعة أن أول من وضع بذر التشيع في حقل الاسلام هو نفس صاحب الشريعة الاسلامية فمغالطة فاحشة خرجت عن حدود كل أدب وابتهار وافتراء على النبي وتحريف للآيات أي حبة بذر النبي حتى أنبتت سنابل اللعن وعقيدة التحريف وان وفاق الأمة ضلال وان الرشاد في خلافها حتى توارت العقيدة الحقة في لج من ضلال الشيعة جم. والشيعة زمن النبي والعترة هم الذين هاجروا معه ونصروه في كل أموره وفيهم نزل (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ).

(ونقول) المذكور في كتاب أصل الشيعة دليلا لكون أول من وضع بذر التشيع في حقل الاسلام هو صاحب الشريعة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فيما رواه السيوطي في الدر المنثور في تفسير أولئك هم خير البرية ـ في علي : والذي نفسي بيده أن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. ونزلت ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية. وفي الدر المنثور من إخراج ابن عدي عن ابن عباس : لما نزلت ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي أنت وشيعتك يوم القيامة راضون مرضيون. وفيه من إخراج ابن مردويه عن علي قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألم تسمع قول الله ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين ا ه.

قال وروى بعضها ابن حجر في صواعقه عن الدارقطني قال وحدث أيضا عن أم سلمة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا علي أنت وشيعتك في الجنة ، وقال ابن الأثير في النهاية في حديث علي عليه‌السلام قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين ويقدم عليه عدوك غضابا مقمحين.

قال وروى الزمخشري في ربيع الأبرار : يا علي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله تعالى وأخذت أنت بحجزتي وأخذ ولدك بحجزتك وأخذ شيعة ولدك بحجزهم فترى إلى أين يؤمر بنا إلى آخر ما ذكره وكل هذه الروايات مصرحة بشيعة

علي وشيعة ولده والروايات الأولى مصرحة بأن الآية نزلت فيهم فحمله لها على أنها نزلت في الذين هاجروا مع الرسول ونصروه وأنهم هم الشيعة زمن النبي وهم العترة مغالطة فاحشة خرجت عن حدود كل أدب وابتهار وافتراء على النبي وتحريف للآيات ولم يعبر في تلك الروايات بالشيعة حتى يحمل على من ذكره وإنما عبر بشيعة علي وشيعة ولده. وحبة ذلك البذر لم تنبت سنابل اللعن وإنما انبتت سنابله حبة البذر التي مكنت بني أمية من لعن الوصي والسبطين وحبر الأمة ولم تنبت عقيدة التحريف كما سنبينه عند تعرضه له. ووفاق الأمة عندنا هو الرشاد وخلافها هو الضلال إذا لم يخرج عنها سادتها وقادتها أهل البيت الطاهر أحد الثقلين ومثل باب حطة وسفينة نوح. وانما نرجح الحديث الموافق لهم على المخالف عند التعارض لأن الموافق لهم أقرب إلى الصواب كما يأتي عند تعرضه لذلك. والعقيدة الحقة لم تتوار في ضلال الشيعة. وهيهات أن يكون ضالا من اقتدى باهل بيت نبيه الذين لا يفارقون الكتاب ولا يفارقهم واتبع طريقتهم المثلى

حكاية رفع الستار

قال صفحة (كد) : وأجل فرح حصل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر ساعة من حياته إذ رفع الستار فرأى جميع أصحابه يصلون جماعة خلف خليفته الذي أقامه إماما لأمته في دينها ودنياها.

(ونقول) : فضل الخليفة لا ينكر ولا نراه يرضى أن ينسب إليه الفضائل المختلقة ما لنا ولحديث رفع الستار المختلق الذي لم يروه محدث معتمد لا منا ولا منكم ولنرجع إلى ما اتفقنا عليه نحن وأنتم ولندع ما اختلفنا فيه أليس قد اتفقنا على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وهو مريض لا يستقل من المرض يتوكأ على الفضل بن العباس ورجل آخر لم تشأ أن تسميه أم المؤمنين فأتى المسجد والخليفة قد سبق إلى الصلاة بالناس قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناس ولندع ما اختلفنا فيه من أنه أخره عن المحراب وابتدأ الصلاة من أولها ولم يبن على صلاته أو أنه كان النبي أمام الخليفة والخليفة إمام الناس لندع هذا كله ولنرجع إلى أمر واحد يكون بيننا وبينكم لننظر ولنتأمل ما الذي دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الخروج للصلاة وهو مريض لا يستقل من المرض يتوكأ على رجلين وقد أوذن

بالصلاة قبل ذلك فلم يخرج ونحن نروي أنه قال إني مشغول بنفسي ليصل بالناس بعضهم وأنتم تروون أنه قال مروا فلانا فليصل بالناس. ما الذي دعاه إلى الخروج في هذه الحالة بعد ما أؤذن فلم يخرج وبعد ما أمر الخليفة بالصلاة بالناس ، أهو قصد تأييد الخليفة أم توهين أمره فإن كان الأول فخروجه قد أتى بضد المطلوب لأنه قد جعل مجالا للظن بأنه إنما خرج ليبطل ما قد يسبق إلى الأذهان من أن التقدم إلى الصلاة كان عن أمره. فلو لم يخرج لكان أبلغ في التأييد فيكون فعله ناقضا لغرضه وحاشاه من ذلك. ثم ان رفع الستار وهذا الفرح العظيم الذي حصل له لا بد أن يكون قبل خروجه إذ بعد خروجه تمت الصلاة ولا محل لرفع الستار وإذا كان قد حصل مراده ومتمناه وما أوجب حصول أجل فرح له فما سبب هذا الخروج وما المقصود منه ، والحق أن أعظم كرب حصل للنبي (ص) في آخر ساعة من حياته حين أمرهم باحضار الدواة والكتف ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا فلم يفعلوا ولست أدري كيف يكون الأمر بالصلاة لو صح دليلا على الإمامة في الدين والدنيا عند من يجوز الصلاة خلف البر والفاجر.

(نسبته سوء الأدب الى موسى والحسد إلى يونس (ع) وحاشاهما)

قال صفحة (جم) : عبرة بعبرة. العجب أن اليهود كانت تأتي بكل أمر منكر.

وذكر مذام كثيرة لليهود وقال أنها عبدت العجل وموسى وهارون ويوشع بن نون في قيد الحياة. ومع ذلك كانت اليهود تقدس أمة اليهود وتحترمها حتى أن أنبياء اليهود كانوا يلومون الله ويغاضبونه إذا بدا لهم من الله تقصير في أمر اليهود وقد حكى الله في القرآن شيئا من ذلك في موسى إذ يقول (فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ). وهذا لوم بليغ عذر الله نجيه فيه لأنه صدر عن حب وفرط من شفقة للسبعين وحبه لأمته وصدق احترامه لليهود في كل أمورها وقد حكى الله أعظم من ذلك في يونس (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) وعذره الله في ذلك حيث لم يكن غضبه إلا لأجل أن يختص الله بهدايته اليهود والحسد وان كان أكبر كبيره عفاه الله عن ذي النون لأنه تمنى به امتياز اليهود بين الأمم بفضل الله وهدايته.

(ونقول) في اعترافه بأن اليهود عبدت العجل وانبياؤها إحياء ، اعتراف بوقوع نظير ذلك في هذه الأمة ـ المعصومة عنده ـ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتتبعن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو دخل أحدهم جحر ضب لدخلتموه. ثم انظر وتأمل في قوله أنبياء اليهود كانوا يلومون الله ويغاضبونه إذا بدا لهم من الله تقصير في أمر اليهود هل يليق أن يقال مثل هذا الكلام في حق الله تعالى وأنبيائه. الله تعالى يقصر في حق اليهود والأنبياء إذا بدا لهم هذا التقصير يلومون الله تعالى ويغاضبونه على تقصيره كما يلوم الرجل ولده أو خادمه أو نظيره ويغاضبه عند تقصيره وأي جاهل ينسب إلى الأنبياء أنهم يظنون أو يعتقدون حصول التقصير من الله تعالى في حق اليهود فيلومونه ويغاضبونه لأجل ذلك والتقصير إذا نسب إلى عبد من عباد الله يكون ذما له فكيف بالله جل جلاله وهل يكون اللوم إلا على فعل غير لائق والمغاضبة إلا على فعل قبيح. ولكن هذا الرجل لا يدري ما يقول أو لا يبالي ما يقول وإذا كان هذا قوله في حق الله تعالى وأنبيائه فلا عجب مما صدر منه في حق الباقر والصادق في مقام آخر. ولا شيء أعجب من نسبة أكبر كبيرة إلى يونس (ع) وهي الحسد وأن الله تعالى عفا عنه ذلك لأنه تمنى بحسده امتياز اليهود بفضل الله وهدايته. فهذا الحسد الذي زعمه إن لم يكن معصية لم يجز نعته بأنه أكبر كبيرة ولم يحتج إلى العفو وإن كان معصية لم يجز صدوره من الأنبياء المعصومين من الذنوب سواء أتمنى به امتياز اليهود أم لا. والحاصل ان الأنبياء بعصمتهم الثابتة بالعقل والنقل منزهون عن أن يسندوا إلى الله فعلا قبيحا غير لائق فيلومونه عليه أو يغاضبونه لأجله ومنزهون عن كل ما ينافي العصمة ويوجب نسبة الذنب ، وإذا ورد في ظاهر النقل ما يوهم ذلك وجب تأويله لأن الحكم المستفاد من العقل قطعي وهو موجب للقطع بعدم إرادة ظاهر اللفظ المخالف له فلا لوم من موسى بن عمران عليه‌السلام لربه وان زعم ذلك موسى تركستان لا بليغ ولا غير بليغ وإنما صدر منه التأسف على ما أصاب قومه والعذر الذي اعتذره موسى عن موسى عليه‌السلام اقبح من الذنب الذي نسبه إليه فإن الشفقة للسبعين وحبه أمته واحترامه لليهود لا يسوغ له نسبة القبيح إليه تعالى وهو نبي من أولي العزم. وأما يونس عليه‌السلام فلما تأخر نزول العذاب على قومه حسبما كان أخبرهم تألم لذلك وتركهم شبه المغاضب الظان عدم القدرة عليه فالكلام مجاز نظير زيد أسد

أو المراد ـ وهو الأظهر المروي من طريق أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ـ فذهب مغاضبا لقومه فظن أن لن نقدر عليه رزقه. وأما امتحانه بابتلاع الحوت فلتركه الأولى من التريث والتأني في أمر قومه كما ابتلي يعقوب بفراق ابنه لتركه الأولى من البحث عن جاره الفقير ، وقوله أني كنت من الظالمين جار هذا المجرى ولم يكن ظالما حقيقة وأجهل الجاهلين لا يمكن أن يظن عدم قدرة الله عليه فضلا عن النبي المرسل. قال المرتضى رضي الله عنه في كتاب تنزيه الأنبياء : من ظن أن يونس عليه‌السلام خرج مغاضبا لربه من حيث لم ينزل بقومه العذاب فقد خرج عن الايمان في الافتراء على الأنبياء عليهم‌السلام وسوء الظن بهم. وليس يجوز أن يغاضب ربه إلا من كان معاديا له وجاهلا بأن الحكمة في سائر أفعاله وهذا لا يليق باتباع الأنبياء من المؤمنين فضلا عمن عصمه الله تعالى ورفع درجته. وأقبح من ذلك ظن الجهال وإضافتهم إليه عليه‌السلام أنه ظن أن ربه لا يقدر عليه من جهة القدرة التي يصح بها الفعل ويكاد يخرج عندنا من ظن بالأنبياء عليهم‌السلام مثل ذلك عن باب التمييز والتكليف وإنما كان غضبه على قومه لمقامهم على تكذيبه وإصرارهم على الكفر ويأسه من اقلاعهم وتوبتهم فخرج من بينهم خوفا من أن ينزل العذاب بهم وهو مقيم بينهم فأما قوله تعالى فظن أن لن نقدر عليه فمعناه أن لن نضيق عليه المسلك ، قال الله تعالى : ومن قدر عليه رزقه أي ضيق. الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أي يوسع ويضيق. فأما إذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه. وإنما لم يخرج من أول الأمر لأن تزول العذاب كان له أجل مضروب فكان يعلم بعدم نزوله قبل الأجل ا ه ومما مر يظهر أن في حالات هذا الرجل عبرا وعبرا لمن اعتبر.

لعن الأموية عليا عليه‌السلام

قال ص (مه) : اللعنات بدعة فاحشة منكرة أحدثتها بيوت متعادية ولعنت الأموية الإمام عليا مدة ولا نشك في أن عليا رابع الأمة أعلم الصحابة فلو لعن علوي أمويا لأمكن أنه من باب (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ).

(ونقول) اللعنات فاحشة منكرة على غير مستحقيها فقد لعن القرآن الكاذبين والظالمين وهذه البيوتات المتعادية كان العداء فيها بين الاسلام والكفر والحق والباطل

وإذا كان علي رابع الأمة واعلم الصحابة فما قولنا فيمن لعنه على المنابر ومعه الحسن والحسين وابن عباس واتخذ ذلك ديدنا واتبعه بنو أبيه عليه أعواما متطاولة نحو سبعين عاما وهم يحملون لقب إمارة المؤمنين واثنان منهم من الصحابة وإذا كان علي رابع الأمة واعلم الصحابة فما قولنا في لعنه معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى بعد وقعة الحكمين وكلهم صحابة وهو يعلم أنهم لا بد أن يقابلوه بالمثل ولم يكن غرا ولا مغفلا وهل تقبل عقولنا أن نحمل ذلك على الاجتهاد فنقول :

ونعرض عن ذكر الصحابة فالذي

جرى بينهم كان اجتهادا مجردا

ونراه فيما سبق يقول وهل لعلي فضل سوى أنه صحابي بين الصحابة وبطل من أبطال جيش المسلمين وأفضل أحوال علي أن يكون خامس الأمة رابع الصحابة وهنا يعترف بأنه اعلم الصحابة. وإذا كانت اللعنات بدعة فاحشة منكرة فما بال الأمة المعصومة عنده بين فاعل وساكت.

أصول الدين

قال ص (مه) : اصول الدين وأركانه. جعل القرآن الكريم اصول الدين وأركانه ثلاثة. الإيمان بالله وباليوم الآخر. والعمل الصالح من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا. ثم قال صفحة (وم) وفصل العمل الصالح في القرآن تفصيلات وافية بينة. إلى أن قال صفحة (حم) : وكتب الكلام لها في بيان أصول الإيمان طرق وأساليب تختلف على حسب اختلاف المذاهب. والشيعة الامامية التي أخذت على نفسها أن تعلم الله بدينها والتي تتخذ إيمان المؤمن وسيلة إلى أغراضها واهوائها تقول أصول الايمان ثلاثة (١) التصديق بتوحيد الله في ذاته وصفاته وبالعدل في أفعاله (٢) التصديق بنبوة الأنبياء (٣) التصديق بامامة الأئمة المعصومين ثم لا يكتفون بذلك بل يقولون الايمان هو الولاية لولينا والبراءة من عدونا والتسليم لأمرنا وانتظار قائمنا ثم الاجتهاد والورع ويقولون إنا في الاسلام ثلاثة الصلاة والزكاة والولاية والولاية هي أصل الأركان وأفضل الأركان وفي كل الأركان رخصة لا يوجب تركها الكفر أما الولاية فلا رخصة فيها وتركها في أي حال كفر.

(ونقول) الشيعة الإمامية تؤمن بالله وكتبه ورسله وبكل ما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند ربه ولا تعلم الله بدينها كما زعم بل لا تأخذ دينها إلا عن كتاب ربها وسنة نبيها وطريقة أهل بيت نبيها شركاء القرآن ومعادن العلم والحكمة ولا تتخذ إيمان المؤمن وسيلة إلى أغراضها وأهوائها كما افترى بل لا تتبع إلا الدليل والبرهان وهو وسيلتها إلى أغراضها وحاشاها من اتباع الأهواء ولو اتسع لنا المجال لبينا له من هو متبع الأهواء والأغراض وأصول الدين وأركانه لا تقتصر على الثلاثة التي ذكرها بل يضاف إليها الإقرار بالنبوة. والآية التي ذكرها ليست بصدد الحصر كما لا يخفى. أما أصول الدين وأركانه التي يلزم الاعتقاد بها ويتوقف عليها الاسلام عند الشيعة الامامية فثلاثة. التوحيد ، والنبوة ، والمعاد. مع اشتراط عدم إنكار شيء من ضروريات الدين الذي يؤول إلى إنكار أحد الثلاثة فتحقق هذه الثلاثة كاف في ترتب جميع أحكام الاسلام وفقد واحد منها مخل بثبوت الاسلام. أما ما يلزم الاعتقاد به ولكن فقده لا يخل بالاسلام فالعدل والامامة. ولهم في إثبات إمامة الأئمة المعصومين أدلة وبراهين مذكورة في كتبهم الكلامية فإن كان يستطيع نقضها وإبطالها فله الفلج فإذا ثبتت إمامتهم كان التصديق بها من العمل الصالح أو من شروطه ومقوماته وكذلك الولاية لوليهم والبراءة من عدوهم والتسليم لأمرهم وانتظار قائمهم ، والورع والاجتهاد لب العمل الصالح. فبان أن قول صاحب الوشيعة الذي أخذ على نفسه ان يعلم الله بدينه وأن لا يكون في وشيعته شيء من الحق ـ : أن ترك الولاية في أي حال كان كفر عند الشيعة الامامية كذب وافتراء. فترك الولاية لا يوجب الكفر عند أحد من الشيعة ومن مسلمات مذهب الشيعة أن الاسلام يكفي فيه الاقرار بالشهادتين وعدم انكار شيء من ضروريات الدين وليست الولاية من ضرورياته بالبداهة والاتفاق إذ الضروري ما يكون ضروريا عند جميع المسلمين. والاسلام بهذا المعنى هو الذي يكون به التوارث والتناكح وتثبت به جميع أحكام الاسلام عند الشيعة الامامية.

كتب الكلام

قال صفحة (م ط) كتب الكلام قد اطالت الكلام في الامامة من غير فهم ومن غير اهتداء. والشيعة الامامية هي اطول الفرق كلاما في الامامة ولها فيها كتب

مثل غاية المرام في تعيين الامام وكتاب الألفين في الفرق بين الصدق والمين اعدها عارا وسبة للشيعة الامامية مثل كتاب فصل الخطاب في تحريف كلام رب الارباب وهذا الاخير سبة فاحشة للشيعة وان كان له قيمة عندها.

(ونقول) كتب الكلام عند المسلمين قد اطالت الكلام في الامامة من غير فهم ومن غير اهتداء حتى جاءت التوبة إليه ففهم ما لم يفهموه واهتدى الى ما لم يهتدوا إليه فسبحان الله القادر الذي خلق في آخر الزمان من أهل تركستان من فهم واهتدى ما لم يفهمه ولم يهتد إليه فحول علماء الاسلام من أهل علم الكلام امثال القاضي الباقلاني وابن قبة والخواجة نصير الدين الطوسي صاحب التجريد والقوشجي شارحه والعلامة الحلي واصحاب المواقف والمراصد والعقائد النسفية وشراح هذه الكتب ومحشيها وغيرهم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فكان من نتائج هذا الفهم والاهتداء ان اطال الكلام في وشيعته بتكراراته الكثيرة وتعسفاته البعيدة وتمحلاته الكريهة اطالة ممقوتة مملة منفذة للصبر والجلد لم يسبق لها مثيل من غير فهم ومن غير اهتداء. اما عده كتاب غاية المرام وكتاب الألفين عارا وسبة على الشيعة فهو اعظم عار وسبة عليه فغاية المرام كتاب ضخم جمع فيه مؤلفه الأحاديث الواردة من طرق من تسموا بأهل السنة من مشاهير كتبهم ومن طرق من عرفوا بالشيعة في فضل علي امير المؤمنين عليه‌السلام واثبات إمامته وكتاب الألفين فيه الفا دليل على إمامته فأي سبة وعار في ذلك ان لم يكن موضع الفخر. واما فصل الخطاب فلا قيمة له عند الشيعة وقد كتبوا ردا عليه في حياة مؤلفه وستعرف عند التكلم على مسألة التحريف ان ما فيه باطل عند الشيعة وهو يفتري ويقول له قيمة عندها.

حديث المنزلة

قال صفحة (م ط) : منزلة هارون من موسى لما عزم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الخروج الى تبوك استخلف عليا على المدينة وعلى اهله فقال علي ما كنت اوثر ان تخرج في وجه إلا وأنا معك فقال أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي : تقول الشيعة وكتب الكلام ان عموم المنزلة يقتضي المساواة ولا ريب ان

هارون لو بقي بعد موسى لم يتقدم عليه احد. سند الحديث ثابت والامة والشيعة قد اتفقت على هذا الحديث.

وقال صفحة (ن) حديث المنزلة ثابت صحيح تلقته الشيعة والامة بالقبول.

ثم قال صفحة (ن) وهذه المنزلة هي الخلافة عند غيبته القصيرة في امر جزئي وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي واصلح الآية. ولما رجع موسى الى قومه غضبان اسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي اضطراب الامور في خلافته القصيرة حتى القى الالواح واخذ برأس اخيه يجره إليه ، وللامام علي في خلافته بعد الثلاثة من هذا الشبه حظ عظيم لم يستقم له امر كما لم يستقم لهارون في خلافته القصيرة امر بني اسرائيل حتى عبدوا العجل الذي تسند التوراة صوغه الى هارون نفسه والقرآن قد برأ هارون وان كان لعلي عند ادعياء الشيعة نصيب من هذه المنزلة التي ابتهرها اليهود على هارون. ثم نقل صفحة (ن) وصفحة (ان) وصفحة (ب ن) عن التوراة ما حاصله : ان هارون وكل بنيه لم يكن لهم نصيب في ارض اسرائيل ولم يكن لكاهن ولا لاوي حظ في الرئاسة لم يكن لهم الا خدمة خيمة الاجتماع لم يكن لموسى وهارون ولا لا بنائه شيء من الدنيا وانما لهم الله وكل ما في السماء ، وقال انها عبارة سماوية يعجبني غاية الاعجاب بلاغتها وعلو معناها وهي تحقيق لقول كل رسول لكل امة وما اسألكم عليه من اجر ان اجري الا على رب العالمين. وفي التوراة ان موسى قد حرم ان يرى شيئا من الرئاسة وانه قد خلع ثياب هارون المقدسة وصار هارون محروما من كل حق له ولو بقي بعد موسى لما كان له شيء وان يوشع صار قائدا لا بالاستخلاف بل تنازل له موسى عن كل حقوقه وعزل لاجله هارون بعد ان حرم الله موسى وهارون من حق العبور وكل ذلك مفصل في الخروج والعدد والتثنية من اسفار التوراة فقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاخيه علي أما ترضى ان تكون الخ يدل دلالة قطعية على ان عشيرة النبي وعليا واهل البيت ليس لهم نصيب وسط الامة وليس لاحد منهم لا لعلي ولا لأولاده ولا لعباس ولا لأولاده حق من جهة النسب لم يكن لاهل البيت نصيب الله هو نصيبهم. وهذا ليس بحرمان وانما هو رفع لعظيم اقدارهم وشريعة مقدسة في كل رسالة. وقال في صفحة (ن) لم يكن لاحد من عشيرة النبي حق في

الخلافة نعتقد ان الله صرف الدنيا والخلافة عن اهل البيت اكراما لاهل البيت وتبرئة للنبوة ولبيت النبوة (الى ان قال) وكل من نال خطا من الملك والرئاسة من بيوت العرب في تاريخ الاسلام قد صدق فيهم قول القرآن الكريم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) وهذه الآية اتى تأويلها في البيت الاموي والعباسي في افجع صورة ومن حام حول الحمى اوشك ان يقع فيه فلاجل ذلك صرف الله الخلافة عن عشيرة النبي وابنائه تبرئه لنبيه عن ابعد التهم ورفعا لقدر ابنائه اختارهم واصطفاهم لنفسه والله وحده وعرشه هو نصيب اهل البيت في الدنيا.

(ونقول) في كلامه هذا العريض الطويل الخالي عن التحصيل مواقع للعجب والرد (أولا) انه لما عزم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على غزاة تبوك خلف عليا عليه‌السلام على المدينة لانه علم بالوحي انه لا يكون في هذه الغزاة حرب والا لم يخلفه ولم يكن به غناء عنه في جميع غزواته ولا سد احد مسده في بدر وأحد والخندق وخيبر وغيرها فقال المنافقون انما خلفه استثقالا به فشكا ذلك علي الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي. وهو اختصر الكلام مقدمة لتصغير امر المنزلة وتهوينه بانها امر جزئي بمدة قصيرة.

(ثانيا) تكرر منه مقابلة الامة بالشيعة وليس له في ذلك معذرة مسموعة وما دعاه إليه الا حاله المعلومة وامة يخرج منها اهل البيت وشيعتهم ليست بامة.

(ثالثا) حديث المنزلة الذي اعترف بصحة سنده واتفاق جميع المسلمين عليه دال دلالة واضحة على عموم المنزلة بقرينة الاستثناء فانه اخراج ما لولاه لدخل كما ذكره اهل العربية فلو لم يدل على العموم لما احتيج الى الاستثناء ولما صح الاستثناء فلما استثنيت النبوة بقي ما عداها على العموم فيما عدى المستثنى ولكنه نسي ذلك او تناساه وهارون كان شريكا لموسى عليهما‌السلام في النبوة ولو بقي بعد موسى لكان نبيا لكنه مات في حياة موسى فلو لم تستثن النبوة لكان علي شريك محمد فيها وببقائه بعده يكون نبيا بعده وخليفته في امته فلما استثنيت النبوة علمنا انه ليس بنبي وبقي ما عدا ذلك على العموم ومنه خلافته بعده المجردة عن النبوة ولو لم يكن عموم المنزلة دالا

على ان عليا له منزلة هارون بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما احتيج الى استثناء النبوة بعده وهذا بمكان من الوضوح فاستثناء النبوة بعده يدل على عموم المنزلة وتخصيصها بالخلافة القصيرة عند غيبته وباضطراب الامر عليه تخصيص بلا مخصص وثبوت ذلك له لا ينفي ما عداه

(رابعا) زعمه ان لعلي ادعياء الشيعة نصيب من منزلة هارون التي ابتهرتها اليهود عليه من صوغ العجل افتراء وبهتان وهو اولى بان يكون دعي المسلمين.

(خامسا) قد اولع بالاستشهاد لدعاويه بكلام التوراة كما فعل هنا وفي عدة مواضع فهل ندع كلام القرآن ونصوصه ونتبع عبارات ينقلها هو عن التوراة المنسوخة المحرفة لا نعلم صحتها : ولا نفهم دلالتها. يقول الله تعالى في سورة طه حكاية عن موسى عليه‌السلام لما اراد ارساله الى فرعون (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) فاجابه الله تعالى بقوله (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) الى ان قال (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) الى ان قال (فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) دلت هذه الآيات الكريمة على ان هارون الذي هو اخو موسى ومن اهله ونسبه وزير لموسى وناصر شاد لازره وشريك له في النبوة والرسالة ولو بقي بعده لكان نبيا ودل قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي الذي اعترف المؤلف بصحته أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي على ان لعلي من الرسول هذه المنزلة التي كانت لهارون من موسى وهي انه اخوه ووزيره من اهله وناصره وشاد ازره وشريكه في امره وقد كان علي كذلك فهو ان لم يكن اخا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النسب فهو اخوه بالمؤاخاة وهو وزيره بنص القرآن لا من تدعى له الوزارة غيره وشاد ازره وناصره نصرا لا يبلغه نصر هارون لموسى وشد ازره وشريكه في امره فهذا النبي وهذا الوصي بعده وهذا الداعي الى الحنيفية وهذا داعم دعوته بسيفه وجهاده ولم يستثنى من هذه المنزلة الا النبوة بعده كما مر في الامر الثالث.

(سادسا) هذه العبارة التي اعجبته غاية الاعجاب بلاغتها وعلو معناها وزعم انها تحقيق لقول وما اسألكم عليه من اجر «الخ» كلامه فيه كرحى تطحن قرونا

جعجعة بلا طحن فهذا الذي استشهد به من كلام التوراة وزعم انه محقق لعدم سؤال الاجر لا مساس له بالموضوع فاذا كان هارون وابناؤه ليس لهم نصيب في ارض اسرائيل وليس لهم شيء من الدنيا وكانوا زاهدين فيها قانعين فهل يدل ذلك على انه ليس لهم شيء من النبوة والخلافة والامامة حتى نقيس عليهم عشيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونقول ليس لهم حق في الخلافة والامامة لان عليا بمنزلة هارون بل زهدهم في الدنيا وكونهم ليس لهم شيء منها يحقق إمامتهم وخلافتهم فما زال انبياء الله واوصياؤهم زاهدين في الدنيا راغبين عنها فهارون شريك موسى في النبوة مع كونه ليس له شيء من الدنيا فاذا كان اهل البيت ليس لهم شيء من الدنيا هل يقتضي ذلك ان لا يكون لهم خلافة وإمامة والامامة والخلافة باعتقادنا منصب ورئاسة في امور الدين والدنيا من الله تعالى وليست ملكا وسلطنة فسواء أكان لصاحبها نصيب في حطام الدنيا أم لم يكن لا يخل ذلك بامامته والتوراة بنقل المؤلف تقول انه ليس لموسى وهارون وابنائه شيء من الدنيا وانما لهم الله وكل ما في السماء. وموسى عليه‌السلام كان نبيا من اولي العزم وهارون شريكه في نبوته ومع ذلك حكمت التوراة انه ليس له ولا لهارون شيء من الدنيا فهل الخلافة والامامة اعلى درجة من النبوة حتى يمتنع ان يكون الامام ليس له شيء من الدنيا. هذه هي العبارة التي اعجبته غاية الاعجاب بلاغتها وعلو معناها وقال انها تحقيق لقول (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) وكونها تحقيقا لهذا القول يثبت انه ليس لها ولا لهذا القول مساس بالموضوع فهل كون علي واولاده لهم الخلافة والامامة من الله بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجعل الرسول سائلا على رسالته من الناس اجرا ويكون اجره عليهم لا على رب العالمين.

(سابعا) قوله ان في التوراة ان موسى قد حرم ان يرى شيئا من الرئاسة هو من غرائب الاقوال واي رئاسة اعلى واعظم من النبوة نبوة اولي العزم وان اريد السلطنة والملك والاحتواء على حطام الدنيا فهذا كما لا يضر بالنبوة لا يضر بالخلافة والامامة بل يحققهما ويؤكدهما والامامة فرع النبوة والفرع لا يزيد على اصله.

(ثامنا) قوله ان موسى قد خلع ثياب هارون المقدسة وصار هارون محروما من كل حق له ولو بقي بعد موسى لما كان له شيء هو كسابقه فهل النبوة رئاسة بلدية من

قبل الحاكم لصاحبها شارة وثياب مقدسة وينعزل صاحبها بالعزل وتخلع عنه شارتها وثيابها المقدسة. مع ان هذا يكذبه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا انه لا نبي بعدي الذي اعترف المؤلف بالاتفاق على صحته فانه لو لم يكن هارون اذا بقي بعد موسى يكون نبيا لم يكن لهذا الاستثناء معنى كما مر. ومثله قوله ان يوشع تنازل له موسى عن كل حقوقه وعزل لأجله هارون فهل حقوق النبوة تسقط بالاستعفاء والتنازل والأنبياء يعزلون ويعين مكانهم غيرهم هذه نتيجة اعراضه عن آيات الذكر الحكيم وتمسكه بالمترجم والمحرف والمنسوخ.

(تاسعا) ظهر مما مر ان حديث المنزلة يدل دلالة قطعية على ان عليا احق بالخلافة والامامة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كل احد وان من الواضح انه لا دلالة له على ما ادعاه من حرمان عشيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الطالبيين والعباسيين وابنائهم من حق الخلافة لا بدلالة قطعية ولا ظنية وان دعواه ان ذلك شريعة مقدسة في كل رسالة افتراء على الشرائع المقدسة والرسالات المطهرة.

(عاشرا) قوله ليس لاحد منهم حق من جهة النسب ليس بصواب فان اراد به مجرد النسب فلم يقل احد ان استحقاق الخلافة يكون بمجرد النسب فنحن نقول انه بالفضل والوحي الإلهي وغيرنا يقول انه باختيار الامة وان اراد انه ليس للنسب مدخل في ذلك فليس بصحيح للاتفاق من الكل على ان للنسب مدخلا فنحن نقول بانحصارها في علي وولده وانتم تقولون بانحصارها في قريش وقد احتج المهاجرون على الانصار يوم السقيفة بانهم عشيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولذلك قال امير المؤمنين علي عليه‌السلام لما بلغه ذلك ما معناه :

ان تكن الخلافة بالقرابة فالحجة لنا

والا فالانصار على دعواهم

وقال :

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيب

وإن كنت بالقربى وليت عليهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب

وجاء في الحديث المتفق عليه الائمة من قريش.

(حادي عشر) اذا لم يكن لهارون وابنائه شيء من الدنيا وانما لهم الله واذا كان

هارون صار محروما من كل حق له بعد موسى ومعزولا. وعلي بمنزلة فكيف صار رابع الخلفاء وكيف صار ولده الحسن خليفة بعده وكيف ادخله الخليفة الثاني في الشورى وكيف طالب بالخلافة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكيف امتنع عن مبايعة الخليفة الاول مدة هذا يكذب ان منزلة علي منزلة هارون.

(ثاني عشر) قوله هذا ليس بحرمان وانما هو رفع لعظيم اقدارهم دعوى غريبة ومهزلة في بابها عجيبة حرمانهم من الإمامة التي هي رئاسة عامة في امور الدين والدنيا ليس بحرمان بل رفع لعظيم اقدارهم واي رفع لعظيم اقدارهم اعظم من ان يكونوا محكومين لا حاكمين ومأمورين لا آمرين يحكم فيهم من لا يساوي شسع نعالهم ويضطهدهم ويغصب حقوقهم من لا يماثل تراب اقدامهم امثال زياد وابنه الدعيين.

محلئون فاصفى وردهم وشل

عند الورود واوفى وردهم لمم

(ثالث عشر) اذا كان الله قد صرف الدنيا والخلافة عن اهل البيت اكراما لهم وتبرئه لنبيه ولبيت النبوة عن ابعد التهم ولان من حام حول الحمى اوشك ان يقع فيه فيلزم ان تولي من تولى الخلافة من الخلفاء الراشدين كان اهانة لهم فانه اذا كان صرف الخلافة عن شخص اكراما له كان صرفها الى غيره اهانة له بالبداهة وعلي سيد أهل البيت فكيف ولي الخلافة ولم تصرف عنه اكراما له وتبرئة من التهمة وكذلك ولده الحسن منطق معكوس وحجة تثبت ضد المطلوب. اذا كان اهل البيت اهلا للخلافة ـ وهم أهل ـ لم يكن في خلافتهم وصمة على النبوة ولا على بيت النبوة ليكون صرفها تبرئة لهم بل كان صرفها عنهم وصمة وعارا.

(رابع عشر) اذا كان الله تعالى قد اختار اهل البيت واصطفاهم لنفسه فمن هو احق منهم بمنصب الامامة والخلافة ولم حرمهم الله منها وهم خيرته واصفياؤه وهل ذلك يوجب حرمانهم منها كلا الا عند موسى جار الله الذي تثبت مقدماته دائما ضد مطلوبه.

(خامس عشر) اذا كان كل من نال ملكا ورئاسة من بيوت العرب في

الاسلام صدق فيهم آية فهل عسيتم «الخ» شمل ذلك كل من تسمى باسم الخلافة اذ لا رئاسة ولا ملك اعلى منها والآية خطاب لجميع الامة لا تختص بالبيت الاموي والعباسي ، واذا كان تأويل هذه الآية اتى في البيت الاموي والعباسي في افجع صورة وقد دامت الدولتان ما يزيد على ستمائة سنة الاموية نحو (٩١) سنة والعباسية نحو (٥١٨) سنة فاين كانت الامة المعصومة على رأي موسى جار الله طيلة هذه المدة وكيف مكنت لهاتين الدولتين من الفساد في الارض في افجع صورة وهل كان ذلك من آثار عصمة الامة ونزاهتها وما هو مقدار الزمان الذي تبلغ الامة فيه رشدها عند موسى جار الله الا يكفي فيه ٦٠٠ سنة. وما ذا يقول فيمن ولي الخلافة من البيت الاموي وهو صحابي مقدس.

ما جرى بعد حجة الوداع

قال صفحة (ب ن) تقول تثنية التوراة : دعا موسى يوشع وقال له امام اعين جميع اسرائيل تشدد وتشجع لانك انت تدخل مع هذا الشعب الارض التي كتب الله لكم وانت تقسمها لهم والرب سائر إمامك لا يهملك ولا يتركك. وسار سيرة صاحب التوراة هذه صاحب القرآن في آخر ايام حياته فبعد حجة الوداع جهز جيشا الى الشام يزيد على ثلاثة آلاف فيهم اعيان الصحابة من المهاجرين والانصار بقيادة اسامة وقال سر الى مقتل ابيك بمؤتة بمشارف الشام واشتد مرض النبي في اوّل ربيع الاول وامر الصديق بالصلاة وبتنفيذ جيش اسامة وقال تشددوا وتشجعوا لا تخافوا ولا ترهبوا ان الله معكم فالصديق في امة محمد مثل يوشع في امة موسى. وقال صفحة (ز ن) واذا اشتد مرضه امر الصديق ان يصلي بالناس وبتنفيذ جيش اسامة واذ وجد قوة ونشاطا خرج وجلس عن يمين الصديق مقتديا بصلاته وفي سائر الايام كان يصلي داخل البيت مقتديا به.

(ونقول) ـ أوّلا ـ الصواب ان يقال سار سيرة صاحب التوراة هذه صاحب القرآن في آخر ايام حياته بعد حجة الوداع لما انزل عليه (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)

فنزل بمكان يدعى غدير خم بين مكة والمدينة وهو اذ ذاك ليس بموضع يصلح للنزول لعدم الماء والكلأ فيه وجمع الناس في حر الظهيرة قبل ان يتفرقوا الى بلادهم وصعد على منبر من الاحجار فوقها الاحداج ومعه علي واخذ بضبعيه ورفعهما ليراه الناس ويتحققوه وقال امام اعين جميع من حضر وهم ألوف ألست اولى بكم من انفسكم قالوا بلى قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيث دار فقال له بعض اكابر الصحابة بخ بخ لك يا علي اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

ثم افرد له خيمة وامر الناس ان يدخلوا عليه فيبايعوه بامرة المؤمنين فبايعه الناس رجالا ونساء وبايعه ازواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستأذن حسان بن ثابت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يقول في ذلك شيئا فاذن له فوقف على نشز من الارض وقال :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم واسمع بالنبي مناديا

فقال ومن مولاكم ووليكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وانت ولينا

ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا

فقال له قم يا علي فانني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له اتباع صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا

وفي ذلك يقول ابو تمام الطائي :

ويوم الغدير استوضح الحق اهله

بفيحاء ما فيها حجاب ولا ستر

اقام رسول الله يدعوهم بها

ليقربهم عرف وينآهم نكر

يمد بضبعيه ويعلم انه

ولي ومولاكم فهل لكم خبر

وفي ذلك يقول ابو فراس الحمداني :

قام النبي بها يوم الغدير لهم

والله يشهد والاملاك والامم

(ثانيا) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جهز جيشا بعد رجوعه من حجة الوداع لما احس بالمرض بقيادة اسامة الشاب وامره على وجوه المهاجرين والانصار ومنهم الصديق وقال سر الى

مقتل ابيك بمؤتة وكان يأمر وقد اشتد به المرض بتجهيز جيش اسامة ويذم من تخلف عنه ولكن الجيش لم يجهز ولم ينفذ وبقي معسكرا بالجرف حتى توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما ذا لم يجهز ولم ينفذ فهو قد اخطأ في تمثيل الصديق بيوشع لان يوشع كان مؤمرا على الجيش والصديق لم يكن مؤمرا بل كان اسامة مؤمرا عليه وجيش يوشع جهز ونفذ وجيش اسامة لم يجهز ولم ينفذ بل الصواب ان عليا في امة محمد مثل يوشع في امة موسى فكما اقام موسى يوشع لاسرائيل بعده اقام محمد عليا يوم الغدير إماما لامته بعده وكما حاربت يوشع زوجة موسى بعده حاربت عليا زوجة محمد بعده.

(ثالثا) الصواب انه لم يأمر احدا بعينه بالصلاة وانه لما أؤذن بالصلاة قال اني مشغول بنفسي فليصل بالناس بعضهم فطلبت كلتا زوجتيه ان يأمروا اباها بالصلاة فلما سمع ذلك تحامل وخرج الى المسجد متوكئا على علي والفضل بن العباس ورجلاه تخطان الارض وهذا يدل على انه خرج في شدة المرض لا انه وجد خفة فوجده قد ابتدأ الصلاة فنحاه عن المحراب وصلّى بالناس جالسا ولم يبن على ما مضى من صلاته وبعضهم اراد الاعتذار عن ذلك فقال انه كان مؤتما بالنبي وسائر الناس به مع ان مثل ذلك لم يشرع في الاسلام اما انه اقتدى بالصديق في صلاته واقتدى به وهو في حجرته فمن الاكاذيب الملفقة والنبي افضل الخلق لا يقتدي باحد والصديق اعظم ادبا من ان يقبل ذلك.

(رابعا) لينظر الناظر وليتأمل المتأمل ما الذي دعاه الى تجهيز الجيوش وهو مريض مشغول بنفسه عن تجهيز الجيوش.

تأويله حديث الغدير بتأويل فاسد

ذكر في صفحة ١٩٠ آية النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم ثم قال روت كتب الشيعة عن ائمة اهل البيت : من مات وترك دينا فعلينا دينه وإلينا عياله ومن مات وترك مالا فلورثته. وروت كتب الامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انا اولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك ما لا فلورثته ومن ترك كلا دينا او ضياعا فالي وعلي وهذا البيان في معنى الولاية اتفقت عليه كتب الشيعة وكتب الامة وهذا احسن بيان للآية واسمى معنى للولاية واشرف وظيفة للنبي وعلى الامام بعده وعلى الامة. ثم هذا اصوب تفسير

لحديث غدير خم ويكون الحديث اسمى شرف لعلي ولأولاده لا يوازيه شرف وعنده ينقطع الخصام.

وقال صفحة ١٩١ : والامام والامة يقوم مقام النبي في هذه الوظيفة ومن تدين ما يقوت به عياله ومات فالدين على الله وعلى رسوله كان على الامام وعلى الامة قضاؤه. روى كتب الشيعة ان النبي قال ايما مؤمن مات وترك دينا لم يكن في فساد ولا اسراف فعلى الامام قضاؤه فان لم يقضه فعليه اثمه ووزره والله قد جعل للغارم سهما في آية الصدقات.

ثم اعاد ذلك صفحة ٢٤٩ على عادته في التكرير بغير جدوى فقال. من اقوم ما استجدته واستحسنته ما وافقت فيه كتب الشيعة كتب الامة صادق الموافقة في معنى الولاية في قول الله : النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم فقد روت كتب الشيعة ان النبي كان يقول انا اولى بالمؤمنين من انفسهم فمن ترك دينا او كلا فعلي ومن ترك ما لا فلورثته ، وروى الصادق ان النبي قال ايما مسلم مات وترك دينا ولم يكن في فساد ولا اسراف فعلى الامام ان يقضيه وهذا المعنى اعلى واجمع تفسير للولاية واشرف وظيفة اجتماعية للنبي وعلى الامام بعده وهذا هو الذي اراد الشارع في حديث غدير خم اذ قال ألست اولى بالمؤمنين من انفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه وهذا شرف لعلي ولكل امام بعده لا يوازيه ولا يقاربه شرف اما غير هذا المعنى فلم يرده النبي الكريم ولا ادعاه الامام علي ولا امام بعده ولم يجيء في عرف الكتاب وعرف السنة المولى بمعنى الرئاسة وكل مؤمن مولى مؤمن. ذلك بان الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لا مولى لهم.

(ونقول) : اعتاد مقابلة الشيعة بالامة لحاجة في نفسه. وقوله تعالى : النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم ولاية عامة لكل شيء ليس فوقها ولاية وليست دونها مرتبة الخلافة والامامة وقد ثبتت لعلي بحديث الغدير حيث قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألست اولى بكم من انفسكم قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه هذا نص الآية والحديث لا يحتاج الى تأويل او تفسير ، اما هذه التمحلات التي تمحلها ليخرج الحديث عن منصوصه وزعمه انها تقطع الخصام وذلك بحمل انه اولى بالمؤمنين من انفسهم على ان من مات وترك دينا فعليه دينه وزعمه ان هذا البيان اتفقت عليه كتب الفريقين وانه احسن بيان

للآية واسمى معنى للولاية واشرف وظيفة اجتماعية للنبي وعلى الامام بعده واصوب تفسير لحديث الغدير وان الحديث يكون اسمى شرف لعلي واولاده الى آخر هذه الثرثرات والتزويقات فمهما لا يجدي نفعا فعموم اولى بالمؤمنين من انفسهم ظاهر وثابت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالآية واجماع الامة وقد ثبت مثل ذلك لعلي بحديث الغدير. وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انا اولى بكل مؤمن من نفسه ومن ترك كذا او كذا فالي وعلي لا يخصص الولاية بذلك لانه انما ذكر شيئا من متفرعاتها وهي باقية على عمومها ولا يجوز تفسير الولاية بما يتفرع عليها. وقول ائمة اهل البيت : من مات وترك دينا فعلينا دينه وإلينا عياله لا يدل على تخصيص ولايتهم بذلك بل هذا بعض لوازم الولاية العامة ومن ادلتها على انه اذا كان قضاء الدين على النبي وعلى الامام وعلى الامة فاي شرف للنبي في ذلك وللامام ولعلي وولده فهم في ذلك كسائر افراد الامة واذا كان ذلك عاما لكل امام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكل الامة يكون قوله في حديث الغدير من كنت مولاه فعلي مولاه لغوا وعبثا بل كذبا فكان اللازم ان يقول من كنت مولاه فهذا علي وكل امام مولاه وكل فرد من الامة مولاه واذا كان كذلك فما وجه هذا الاهتمام وجمع الناس في الصحراء والرمضاء قبل ان يتفرقوا الى بلادهم وهل يزيد هذا الامر على حكم فقهي كسائر الاحكام الفقهية هذه تأويلات موسى جار الله وهذه تمحلاته مع ان كون ذلك على النبي والامام لان بيده بيت المال وهو معد لمصالح المسلمين ومن جملتها قضاء دين الغارم وفيه الزكاة ومن مصارفها قضاء دين الغارم كما تضمنته آية الصدقات اما انه على الامة فلا وجه له ولا دليل يدل عليه ولكنه قد شغف بذكر الامة المعصومة عنده فهو يدخلها في كل شيء على ان الذي بيده بيت المال هو النبي والخليفة بعده وعلي عنده ليس بخليفة بعده ولا اولاده خلفاء فمن اين صارت هذه الوظيفة لهم وهذا التكليف عليهم واذا كان الحديث يدل على ان هذه الوظيفة لهم مع انها للامام والخليفة الذي بيده بيت المال فقد دل الحديث على ثبوت الخلافة لهم واذا لم يكن بيدهم بيت المال فمن اين يقضون ديون الغارمين من كافة المسلمين فالذي اراده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث غدير خم هو الولاية العامة الثابتة له في حياته ولعلي والائمة من ولده بعد مماته وبذلك تكون الولاية اشرف وظيفة للنبي وللامام بعده وشرفا لا يوازيه ولا يقاربه شرف وتخصيصها بقضاء دين الغارم افتراء على النبي وعلى حديثه وزعمه

انه لم يجيء في عرف الكتاب والسنة المولى بمعنى الرئاسة افتراء على الكتاب والسنة فقوله تعالى (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) لم لا يكون معناه انه اولى بهم وقد نص الكتاب والسنة في حديث الغدير على ان المولى بمعنى الاولى بالمؤمنين من انفسهم واي معنى للرئاسة اعلى من ذلك واذا كان نصا فلا يقال انه محل النزاع واذا استعمل المولى في موضع بغير هذا المعنى فلا يلزم ان يكون في كل موضع كذلك ولا يكون ذلك عرفا للكتاب والسنة.

حديث جمع النبوة والامامة لاهل البيت

قال صفحة (د ن) ان الصديق والفاروق رويا حديث ان الله ابى ان يجمع لاهل البيت بين النبوة والخلافة وتلقته الامة بالقبول فان لم تقبله الشيعة فحديث المنزلة في معناه. قال وادخال علي في الشورى لا ينافي لان عدم استحقاق علي بالارث لا ينافي الاستحقاق بانتخاب الامة واختيارها.

(ونقول) أولا انهما لم يرويا ذلك حديثا وانما قال الفاروق وحده لابن عباس كما يأتي قريبا كرهت قريش ان تجتمع لكم النبوة والخلافة فقريش هي التي كرهت ذلك ما كرهت النبوة حسدا حتى جاء امر الله وهم كارهون اما الصديق فلم ينقل عنه ذلك لا حديثا ولا غيره فيما علمناه.

(ثانيا) قبول الاخبار وعدمه ليس وساقة عرب اذا لم يقبل خصمنا خبرنا لم نقبل خبره. فحديث المنزلة اتفقنا نحن وانت على صحته فيلزمك قبوله وحديث الاباء ـ ان صح تسميته حديثا ـ اختلفنا فيه فلا يلزمنا قبوله وزعمك ان الامة تلقته بالقبول مع عدم قبول اهل البيت خيار الامة واتباعهم له جزاف من القول.

(ثالثا) اعتذاره عن ادخال علي في الشورى بان عدم الاستحقاق بالنسب لا ينافي الاستحقاق بالانتخاب فيه ان حديث الاباء ـ ان صح ـ ليس فيه تقييد بالنسب بل هو عام للنسب والانتخاب فاذا كان الله يأبى ان يجعل لهم الخلافة فكيف تنتخبهم الامة لها وتفعل ما يأباه الله وهي معصومة عندك وكيف جعلت الامة الخلافة لعلي بعد عثمان وللحسن بعد علي وخالفت الله تعالى الذي ابى ان يجمع لهم النبوة والخلافة مع قبولها لما رواه الصديق والفاروق.

زعمه لم يول النبي ولا الصديق والفاروق هاشميا

قال صفحة (د ن) كل قرابة النبي كانت مصروفة زمن النبي عن كل ولاية وعن كل رئاسة ولم يستعمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احدا من بني هاشم أيام حياته وطلب عمه العباس ولاية فقال يا عم نفس تحييها خير من ولاية لا تحصيها ولم يكن في اعمال الصديق والفاروق هاشمي لان القرابة قد صرفت عن امر الرئاسة والولاية ولم يكن يعتبر في الاستعمال والولاية الا الكفاءة والغناء وقد كان يقدم في كبار الاعمال بني امية عملا بالعدل وابتعادا عن التهمة وتنزيها لحرم النبوة وقال صفحة (ن ه) ان في ذلك رعاية قوة الدولة الاسلامية لانها في اوّل الاسلام كانت في قريش وكانت قريش تكره ان تجتمع في بني هاشم النبوة والخلافة واستشهد بقول عمر لابن عباس انتم اهل النبي فما تقول منع قومكم منكم قال لا ادري والله ما اضمرنا الا خيرا قال كرهت قريش ان تجتمع لكم النبوة والخلافة فتذهبوا في السماء بذخا وشمخا ولو لا رأي ابي بكر في لجعل لكم نصيبا من الامر ولو فعل ما هنأكم قومكم انهم ينظرون إليكم نظر الثور الى جازره. وقال صفحة (ون) فراعى شرع الاسلام الذي جاء بالمساواة المطلقة هذه الجهة السياسية فقطع كل القطع حق البيت الهاشمي بالارث فلم يبق له حق الا مثل حق كل فرد من الامة.

(ونقول) يكذب قوله ان النبي لم يستعمل احدا من بني هاشم انه ولى عليا على اليمن ايام حياته وجعل إليه قضاءها وولاه على الجيش المرسل إليها وعلى الجيش المرسل الى ذات السلاسل وولى اخاه جعفرا رئاسة المهاجرين الى الحبشة وولاه أيضا على جيش مؤتة وإمارة الجيوش اهم أمارة واذا كان لم يول عمه العباس ـ ان صح ذلك ـ على ولاية رأى انه لا يحصيها فليس معناه انه صرف كل ولاية عن بني هاشم. واما الصديق والفاروق فنحتاج الى الاعتذار عنهما في عدم تولية بني هاشم ولم يأت هو بعذر مقبول واذا كان الصديق والفاروق لم يوليا هاشميا فقد ولاهم امير المؤمنين علي بن ابي طالب ولى عبد الله بن العباس البصرة واخاه قتما مكة واخاهما عبيد الله اليمن وتماما اخاهم المدينة لما خرج لحرب الجمل فهل كان مخطئا في ذلك وغيره مصيبا؟!.

(ثانيا) قوله لم يكن يعتبر في الاستعمال الا الكفاءة مناقض لقوله ان القرابة قد صرفت عن امر الرئاسة والولاية اذ معناه انها قد صرفت وان كان فيها كفاءة وغناء للعلة المتقدمة ولو كانت الكفاءة هي المدار لم يكن في الناس كفوء لعلي بن ابي طالب الذي شهد له الخليفة بانه ان وليهم ليحملنهم على المحجة البيضاء والطريق الواضح ولا لعبد الله بن عباس.

(ثالثا) قوله وقد كان يقدم في كبار الاعمال بني امية عملا بالعدل «الخ» فيه ان تأخير غيرهم خلاف العدل وليسوا في الكفاءة فوق غيرهم ولا مثلهم اللهم الا ان يكون الوليد بن عقبة الذي ولى الكوفة في عهد الخلافة الراشدة وشرب الخمر وصلى الصبح بالناس في مسجد الكوفة وهو سكران ثلاث ركعات وتقيأ الخمر في محراب المسجد فكان في توليته وامثاله عمل بالعدل وابتعاد عن التهمة وتنزيه لحرم الاسلام واي تنزيه. وتولية بني امية كبار الاعمال نجم عنها مفاسد عظيمة في الاسلام منها حرب صفين وشق عصى المسلمين وتفريق كلمتهم وغير ذلك مما استطار شرره وبقي اثره الى آخر الدهر. وتولية الاكفاء ليس فيه تهمة ولا ما ينافي تنزيه حرم النبوة من اي قبيلة كانوا وكان الاولى به ترك هذه التعليلات العليلة السخيفة وعدم اشغالنا وتضييع وقتنا يردها وعدم اضطرارنا الى كشف ما لا نود كشفه.

(رابعا) قوله ان في ذلك رعاية قوة الدولة الاسلامية لأنها في أول الاسلام كانت في قريش فيه ان قوتها لم تكن في أول الإسلام في قريش بل في الأنصار أو فيهم وفي المهاجرين.

(خامسا) قوله كانت قريش تكره ان تجتمع في بني هاشم النبوة والخلافة فيه ان قريشا وفي اولهم بنو امية كانوا يكرهون نبوة بني هاشم لا اجتماع النبوة والخلافة فيهم فقط واذا كانت الخلافة كالنبوة بامر إلهي لا باختيار الامة لاشتراطها بالعصمة التي لا يعلمها الا الله. لا ينال عهدي الظالمين. والعاصي ظالم لنفسه كما فصل في محله وليس لرضا قريش عدم رضاها اثر في ذلك قال الشاعر :

زعمت سخينة ان ستغلب ربها

وليغلبن مغالب الغلاب

فاذا كانت قريش تكره ان تجتمع لبني هاشم النبوة والخلافة حسدا وبغضا لانهم قاتلوهم على الاسلام فصاروا ينظرون إليهم نظر الثور الى جازره لم يكن ذلك مانعا لهم من استحقاق الخلافة ويكون الوزر في تأخيرهم عنها على قريش وهذا

اعتراف بان تأخيرهم عن الخلافة كان حسدا وبغضا وان كونهم اهل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من موجبات استحقاقهم لها.

(سادسا) كلام الخليفة لابن عباس الذي استشهد به هنا يدل على ان ذلك من كلام الخليفة وهو الصواب وهو قد جعله سابقا حديثا.

(سابعا) قوله فراعى شرع الاسلام «الخ» افتراء منه على الشرع الاسلامي كما يعلم مما مر مع انه مناف لقوله السابق ان الله صرف الدنيا والخلافة عنهم اكراما لهم وتبرئة للنبوة واذا كان الشرع الاسلامي جاء بالمساواة المطلقة فلما ذا حصر الامامة في قريش واحتج به المهاجرون على الانصار يوم السقيفة وهل حصرها في قريش الا كحصرها في بني هاشم او في علي وولده ، والخلافة لم يقل احد من المسلمين انها بالارث ولكنه يخبط خبط عشواء.

وقال ص ٢٢٥ ما حاصله : وكذلك الشأن في الشرائع السابقة فان موسى حرم كل اقاربه من ميراثه في حقوقه ووظائفه وورثه فتاه يوشع بن نون. ودعا سليمان ـ بلسان شريعة التوراة ـ رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي. لم يكن هذا الملك ينبغي لاحد من ورثته بالنسب. ودعا زكريا فقال : فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا. ومعلوم ان إرث نبي الامة وارث كل الامة لا يكون بنسب الابدان بل بنسب الارواح. ثم لما عاين ما لمريم من عند الله زاد رجاؤه هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء كل هذه بنسب الارواح لا مجرد نسب الابدان. وقال ص ٢٢٦ فيا ليت لو ان السادة الشيعة قبلت اليوم الحق الذي وقع بإرادة الله ورضى نبيه والا يجب ان يكون شأن النبي وشأن دينه الحكيم اقل واهون عند الله من شأن زكريا ودعائه وان يكون شأن اهل البيت في الارث بعد النبي اقل واذل من شأن غلام زكريا في إرثه اياه وآل يعقوب.

(ونقول) هذا الرجل قال فيما يأتي في حرمان الزوجة من الارض ان الشيعة انتحلت ذلك من الاناجيل والتوراة وبينا هناك بطلان قوله ونراه لا يزال ينتحل من الاناجيل والتوراة ويستند الى شريعتهما ويستشهد باحكامهما كما فعله هنا ولا يبالي بالتناقض في كلامه. وهذه النغمة في حرمان اهل البيت من خلافة جدهم كما حرم

ذرية موسى واقاربه قد تكررت منه على عادته بغير فائدة وفندناها فيما سبق.

(ونقول) هنا ان الله تعالى قد جعل هارون وزيرا لاخيه موسى وشد به ازره واشركه معه في النبوة ولو بقي بعده لكان نبيا كما مر في حديث المنزلة. وهو يبطل زعمه ان اقارب الأنبياء وعشائرهم محرومة من حقوق نبوتهم وسليمان طلب ملكا لا ينبغي لاحد من بعده لا من ذريته ولا من غيرهم لا بالنسب ولا بالروح فلا ربط له بما اراده. وزكريا هل كان وليه الذي سأله ولدا بنسب الارواح لا بنسب الابدان وهل كانت الذرية التي طلبها روحية فقط لا بدنية وكونه لما رأى ما لمريم من عند الله زاد رجاؤه لا يجعل ابنه يحيى وليا بنسب الارواح لا الابدان. وهكذا كل ادلة هذا الرجل تكون عليه لا له. ومن الطريف قوله معلوم ان إرث نبي الامة وكل الامة بنسب الارواح لا الابدان فان كونه بنسب الارواح لا يمنع ان يجتمع معه نسب الابدان على ان الشرف الحاصل بنسب الابدان وطهارة الطينة والاصل له كل المدخلية في هذا الارث. مع انه اذا انحصر إرث نبي الامة بنسب الارواح فكيف انحصر إرث الامة بذلك. واطرف من ذلك قوله وكل هذه نسب الارواح لا مجرد نسب الابدان فمتى قلنا او قال احد في الكون ان آل محمد «ع» ليس بينه وبينهم الا نسب الابدان كلا بل هم اشبه الخلق به هديا وطريقة وخلقا وفي جميع اطواره واحواله واخلاقه وافعاله فقد جمعوا نسب الابدان ونسب الارواح على اكمل وجوههما كما جمعها يحيى بن زكريا ولا ندري ولا المنجم يدري لما ذا يلزم ان يكون شأن النبي ودينه اهون عند الله من شأن زكريا ودعائه الى آخر ما لفقه اذا لم تقبل الشيعة بما زعم انه وقع بإرادة الله ورضا نبيه ـ وهما بريئان منه ـ وقد عرفت ان استشهاده بامر زكريا عليه لا له.

من الذي قدمه النبي (ص) بعده

قال صفحة (ون) لم يتول الامر بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا عمه وكان اعقل قريش واسودها ولا ابناء عمه وكل قد كان كفؤا واهلا فكان هذا برهانا على انه لم يكن

يطلب ملكا حيث لم يقدم بعده احدا بقرب نسب بل انما قدم من قدم بالايمان والتقوى والكمال والغناء.

(ونقول) بل قدم بعده من قدمه يوم الغدير ويوم نزلت وانذر عشيرتك الاقربين فجمعهم وقال لعلي انت اخي ووصيي وخليفتي فيهم رواه الطبري باسناده في التفسير والتاريخ ورواه غيره ومن لا يوازيه عمه في فضل ولا يدانيه سواء أكان اسود قريش واعقلها أم لم يكن واذا قدم من هو اهل للتقديم لم يدل ذلك على انه يطلب ملكا سواء أكان ذا نسب قريب أم لا واصحابك يقولون انه لم يقدم احدا وانما اختارت الامة لنفسها فكيف تقول انما قدم من قدم واذا كان التقديم بما ذكرت من الصفات فليس احق بها ممن قدمه يوم الغدير ويوم انذر عشيرته الاقربين.

ما ذكره من فضائل الصديق

قال صفحة (ز ن) ان للصديق فضائل في الجاهلية. له عشيرة تحميه. ومال. كان محبوبا. وفي الاسلام بالسبق الى امور. الاسلام. الانفاق. الجهاد. عتق العبيد. بناء المساجد. الهجرة. تزويج ابنته. جمع القرآن. الذي يؤتي ماله يتزكى. العلم باحوال العرب وانسابها. خدمة النبي. آمن الناس عند النبي. الحزم والفراسة به صار وزيرا للنبي في كل اموره.

(ونقول) كان الأولى به ذكر فضائل الصديق الحقيقة اما اضافة فضائل إليه لا حقيقة لها فذلك مما لا يرضي الصديق بل يغضبه فالعشيرة والمال مع كثرة المشاركين فيهما لا ينبغي ان يحسبا من الفضائل مع ان المال لم يتحقق فان المنقول انه كان في الجاهلية ينادي على مائدة عبد الله بن جدعان باجرة. والسبق الى الاسلام لعلي وحده اسلم ولم يكن يصلي لله تعالى على وجه الارض غير ثلاثة هو احدهم والآخران الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجة. والانفاق كان لخديجة وبعد موتها من مالها الموروث. والجهاد الكامل كان لعلي وحده في كل موقف ولم يسمع عن الصديق انه قتل احدا وهجرته كانت في استخفاء مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغلام ابي بكر عامر بن فهيرة ودليلهم المستأجر عبد الله بن اريقط الليثي وهو مشرك ولما لحقهم سراقة بن مالك وهم أربعة احدهم

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكى ابو بكر فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لك تبكي قال ما على نفسي ابكي ولكن عليك يا رسول الله قال لا عليك فدعا على سراقة فغاصت قوائم فرسه في الارض فطلب ان يدعو له بخلاصه فدعا له فرجع. وعلي كانت هجرته بالفواطم ظاهرا ومعه ابو واقد الليثي وايمن ابن أمّ ايمن فلحقهم ثمانية فوارس فقتل علي مقدمهم وعاد عنه الباقون. وتزويج ابنته هو الذي قلنا عنه انه لا يرضي الصديق عده من فضائله فقد تزوج النبي بنت حيي بن اخطب. وافضل منه تزويج ابنته التي رد عنها غيره ولم يكن لها كفوء سواه. والقرآن جمعه مع تأويله علي بن ابي طالب. والعلم باحوال العرب وانسابها علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في من رآه في المسجد في حلقة وقيل عنه انه علامة لعلمه بذلك ونحوه. وخدمة النبي لم يكن اقوم بها من علي الذي لازمه صغيرا وكبيرا وربي في حجره. وآمن الناس عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي ادى اماناته يوم الهجرة كما اوصاه اقام مناديا بالابطح إلا من كانت له امانة عند محمد فليأت تؤد إليه امانته وأتمنه على الفواطم فهاجر بهن من مكة الى المدينة ولم يأتمن على ذلك غيره وأتمنه على اداء سورة براءة. والوزارة في كل أموره ليست لسوى علي بنص حديث المنزلة الذي اعترف بصحته وآية واجعل لي وزيرا من اهلي وباقي ما ذكره اما مشارك فيه مع زيادة او ليس له كثير اهمية.

وبعد ما ذكر في ص ٤١ احاديث نقلها عن الوافي لا يعلم مقدار صحة اسانيدها وضعفها عند الشيعة لا ترتبط بالعقيدة فلا نطيل بنقلها والكلام عليها واحاديث تتعلق بيومي الغدير والغار لا يعلم أيضا مبلغ صحتها وضعفها وليس كل ما في الكتب سواء أكانت من الامهات أم غيرها يمكن الجزم بصحته. وهل يمكن لأية فرقة ان تجزم بصحة جميع اخبار كتبها والعهد بعيد والرواة انما يعتمد في توثيقهم وتعديلهم على الظنون التي كثيرا ما تخطىء وعلى اقوال اقوام يجوز عليهم الخطأ والاشتباه. تكلم بعد ذلك في ص ٤٣ على آية الغار فقال : ان كان الله ثالث الاثنين فالى اين تبلغ رتبة الاول. فان كان ارتعد خوفا على حياة النبي فان كان انزل سكينة الله على هذا الاول وأيد الله هذا الاول ونبيه بجنود لم يرها احد من قريش غير الاول فهل نال احد من خلق الله مثل هذا الشرف وهذا الثناء الجليل.

(ونقول) : كان عليه ان يقتصر على فضائل الصديق المسلمة ولا يستدل عليها

بما لا دلالة فيه مما لا يرضى به الصديق فان كون الله تعالى ثالث الاثنين لا يستدل به على فضل واحد من الاثنين فقد قال الله تعالى (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) الى قوله (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) فهذا يشمل كل متناجين مهما كانت صفتهم وكون الله معهم لا يدل على فضيلتهم وقوله ان الله معنا دال على انه لا يصل إليهما سوء من الذين قصدوهما وانما قصدهم الاصلي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سواه فالله قد اخبر انه سيدفع الضرر منهم عن النبي ومن معه مهما كانت صفته وكون السكينة انزلها الله على الصديق غير ظاهر من اللفظ ان لم يظهر خلافه وهو اختصاصها بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكون الرسول غير محتاج إليها وانما احتاج إليها من ارتعد ينافيه قوله في مقام آخر (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) مما دل على ان النبي محتاج الى انزال السكينة عليه وليس مقام ادعى الى الخوف والاضطراب من مقام الغار فاذا احتاج الى انزال السكينة عليه في غيره فهو فيه إليها احوج وقوله وايده الله ونبيه ينافيه افراد الضمير ولو اراد ذلك لقال وايدهما وقوله لم يرها احد من قريش غيره حاشية للقرآن الكريم ليست فيه.

قال صفحة (ز ن) : والنبي وادع امته في حجة الوداع وكانت الصحابة تسأله عن كل حال ثم لم يسأله احد عمن يخلفه بعده لان الخليفة بعده كان معلوما عند كل احد منهم.

(ونقول) ان كانوا لم يسألوه فهو قد ابتدأهم واخبرهم عمن يخلفه بعده يوم نزلت وانذر عشيرتك الاقربين ثم يوم الغدير ثم في مرض موته حين قال آتوني بدواة وكتف اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا فقال بعضهم حسبنا كتاب ربنا وقال انه يهجر قد غلبه المرض وهذا ينافي ان يكون الخليفة معلوما عند كل احد او يدل على انه غير من يريدونه واذا كان الخليفة معلوما عند كل احد فما بال الاجتماع في سقيفة بني ساعدة وقول الانصار او بعض الانصار لا نبايع الا عليا فيما رواه الطبري ثم قولهم منا امير ومنكم امير واحتجاج المهاجرين عليهم بانهم عشيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقومه وكان يلزم ان يقولوا لهم ان الخليفة معلوم عند كل احد واجتماع بني هاشم ومعهم الزبير في بيت فاطمة وضرب سيف الزبير بالحائط وكسره ونفي سعد الى حوران. هذا يدل اما على

انه لم يكن معلوما عند كل احد او كان معلوما وخولف وهذا ينافي ما يدعيه من عصمة الامة او عدالتها على الاقل.

قال صفحة (ز ن) فقد ارشد امته الى اختيار الاحق من غير ان يحرم الامة من حقوق انتخابها إمامها فقدمت الامة خليفة رسول الله تقديم اجماع.

ونقول (أولا) كونه ارشد امته الى اختيار الاحق وكونه كما مر قدم من قدم بالايمان والتقوى وكون الخليفة كان معلوما عند كل احد يناقض عدم حرمان الامة من حق الانتخاب مناقضة ظاهرة فاذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدم شخصا معينا معلوما عند كل احد انه الخليفة وجب التسليم لامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يجز انتخاب غير من قدمه وعينه وذلك حرمان للامة من حق انتخاب إمامها.

(ثانيا) الله تعالى ورسوله اعلم بمن يصلح للخلافة أم الامة الثاني باطل قطعا فان كان الاول لزم ان يرشد الله تعالى الامة رحمة بها بواسطة نبيه الى من يصلح للخلافة ويعينه لها ولا يوكل امر انتخابه إليها في تشتت اهوائها واختلاف نزعاتها وهل وقعت الحروب والفتن والمفاسد في الاسلام الا من هذه الانتخابات.

(ثالثا) كيف يكون اجماعا من خرج منه بنو هاشم كافة والزبير وسعد بن عبادة ومن تابعه من الانصار هذا ان لم نعتد برأي سائر المسلمين خارج المدينة الذين لم يؤخذ رأيهم ولا يمكنهم الخلاف بعد انعقاد الامر ولله در مهيار حيث يقول :

وكيف صيرتم الاجماع حجتكم

والناس ما اتفقوا طوعا ولا اجتمعوا

امر علي بعيد عن مشورته

مستكره فيه والعباس يمتنع

وتدعيه قريش بالقرابة والأ

نصار لا خفض فيه ولا رفع

فاي خلف كخلف كان بينكم

لو لا تلفق اخبار وتصطنع

زعمه عدم النص على الامام

قال صفحة (ح ن) : ولو فرض محالا وجود نص بالامامة لحرم على من له النص ان لا يقوم بها ولامتنع امتناعا عاديا خفاء هذا النص على احد. وعلي ترك الامامة والامام الحسن تركها وكل امام بعد الحسين تركها وكله يبطل دعوى وجود النص لعلي واولاده من السيدة فاطمة.

(ونقول) الواجب على من له النص القيام بالامامة حسب جهده وطاقته وهذا قد حصل اما القيام بها على كل حال فلو حرم على من له النص ان لا يقوم بها مع خوفه لحرم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التخفي بعبادة ربه في اوّل البعثة احيانا. ولحرم على هارون ان يقول ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ولحرم على لوط ان يقول لو ان لي بكم قوة او آوي الى ركن شديد. واما هذا النص فلم يخف على احد وعلي وولده لم يتركوا الامامة فهم ائمة اطيعوا أم عصوا والأنبياء التي كذبتها اممها ولم يتبعها الا قليل منها لا يقال انها تركت نبوتها وليست الامامة هي الحكم والسلطنة.

ما ذكره من فضائل الفاروق

ذكر في صفحة (ن ط) فضائل الفاروق فلم يقتصر على فضائله الحقيقة بل اضاف إليها ما اعترف الفاروق نفسه بنفيها عنه كما فعل عند ذكر فضائل الصديق. مثل انه كان يرى رأيا فيقبله النبي ويوافقه الله من فوق عرشه مع ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقبل رأيه في اسارى بدر وفي الصلاة على ابن أبي وفي بعض من رأى قتلهم كما فصلته كتب التواريخ والآثار ومثل كونه افقه الصحابة واعلم الصحابة في زمنه وهو يقول كل الناس افقه منك حتى المخدرات ويقول لو لا علي لهلك عمر. ثم قال ان الصديق استخلفه بعهد منه. وهذا حرمان للامة من حق انتخابها أمامها وقد سبق منه ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يشأ ان يحرم الامة من حقوق انتخابها إمامها فكيف خالفه الصديق.

زعمه عصمة الخلافة الراشدة

قال صفحة (س) نحن فقهاء اهل السنة والجماعة نعتبر سيرة الشيخين اصولا تعادل سنن النبي الشارع في اثبات الاحكام الشرعية ونقول الخلافة الراشدة معصومة عصمة الرسالة المعصومة.

(ونقول) (أو لا) ادخاله نفسه في فقهاء من تسموا باهل السنة والجماعة وفقهه هذا المزعوم ادى به الى مخالفة اجماع المسلمين في عدة مواضع اشرنا الى بعضها فيما

مضى والى بعضها فيما يأتي من هذا الكتاب منها تشريك ولد الولد مع الولد في الميراث.

(ثانيا) كون سيرة الشيخين تعادل سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكون الخلافة الراشدة معصومة يحتاج الى اثبات ولم يأت عليه بدليل سوى مجرد الدعوى. نعم اذا ادعي ذلك في حق علي بن ابي طالب كان له وجه لآية الطهارة وقول النبي اللهم ادر الحق معه كيفما دار ، علي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار وحديث الثقلين وقول علي سلوني قبل ان تفقدوني «الخ» ولم يستطع احد ان يرد عليه.

(ثالثا) نسبته ذلك الى جميع فقهائهم لم نجد له موافقا عليه

(رابعا) هذه الدعوى لم يدعها اصحاب الخلافة الراشدة انفسهم فقال احدهم ان لي شيطانا يعتريني وقال الآخر كل الناس افقه منك ولو لا علي لهلكت وكل ذلك اعتراف بعدم العصمة.

(خامسا) جعله سيرة الشيخين كسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يناقض جعل الخلافة الراشدة معصومة كعصمة الرسالة فان الخلافة الراشدة يراد بها خلافة الخلفاء الاربعة فاذا الخلفاء الاربعة كلهم معصومون واحدهم علي بن ابي طالب وهو لم يرض ان يبايعه عبد الرحمن بن عوف على الكتاب والسنة وسيرة الشيخين بل على الكتاب والسنة فقط فإذا عصمة الخلافة الراشدة تثبت عدم عصمة الخلافة الراشدة.

(سادسا) الناس قد شككوا في عصمة الأنبياء فكيف بالخلافة الراشدة.

ما جرى بين الصحابة

قال صفحة (ا س) : ونعد من لغو الكلام وسقطة القول الكلام فيما جرى بين الصحابة زمن الخلافة الراشدة.

(ونقول) ان لزمنا الاعراض عما جرى بين الصحابة لم يختص ذلك بزمن الخلافة الراشدة كما ادعاه فان العدالة والاجتهاد قد ادعيا لجميعهم حتى قال القائل :

ونعرض عن ذكر الصحابة فالذي

جرى بينهم كان اجتهادا مجردا

ولكننا نود أن يرشدنا الى الدليل الذي سبب هذا الحجر على العقول والألسنة والأقلام. ونرى الصحابة انفسها لم تعرض عن الخوض فيما جرى بينها وهم قدوة بأيهم اقتدينا اهتدينا. وهو نفسه لم يعرض عن القول فيما جرى بين الصحابة زمن الخلافة الرادة فلام عليا والمهاجرين والأنصار في مقتل عثمان ولام أبا ذر في سلوكه مع عثمان كما مر ويأتي.

الشورى

قال صفحة (ا س) عثمان اوّل خليفة انتخب بعد مشاورة تامة واستقصاء آراء من حضر بالمدينة. وقد كان العباس قال لعلي لا تدخل في الشورى ان اعتزلت قدموك وان ساويتهم تقدموك ولم يقبله وان كان العباس انفذ نظرا واقوى حدسا يرى الامور من وراء الستور. وكان علي يعلم انه لا يستحق الامر بالارث فدخل لعله يناله بالانتخاب وكاد ينتخب لو انه قبل الشرط الذي عرضه له ابن عوف والشرط كان معقولا به يندفع خوف قريش من البيت الهاشمي على العرب والا فلم يكن احد ينكر فضل علي وكفاءته لكل امر عظيم.

(ونقول) (أوّلا) المشاورة لم تكن الا بين هؤلاء الستة وسائر من بالمدينة لم تؤخذ آراؤهم انما حضر مع الستة بعضهم وليس له رأي ، نعم يقال ان عبد الرحمن شاور اهل المدينة ولكن من الذي يضمن لنا انه اخذ بما اشاروا به او ان آراءهم لم تكن متناقضة.

(ثانيا) المتأمل في امر الشورى اذا جرد نفسه من التقليد يعلم انه لم يكن المقصود من الشورى الشورى بل تثبيت خلافة عثمان بطريق قانوني محكم. فالشورى جعلت بين ستة علي وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف. وقال الخليفة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات وهو عنهم راض ثم ذكر لكل واحد منهم عيبا فقال لعلي ما معناه انه ان وليهم ليحملنهم على الطريق الواضح والمحجة البيضاء الا ان فيه دعابة ، وقال لعثمان ان وليهم ليحملن آل ابي معيط على رقاب الناس. وجعل العبرة باكثرية الاصوات فان تساوت رجح الفريق الذي فيه عبد الرحمن بن عوف فان اتفق الاكثر او من فيهم عبد الرحمن على واحد وخالف الباقون قتل المخالف وان مضت ثلاثة ايام ولم يتفقوا على واحد قتل الستة وترك المسلمون

يختارون لانفسهم ولسنا بصدد نقد الشورى من جميع نواحيها بل بصدد بيان ان المقصود منها تثبيت خلافة عثمان بوجه قانوني فانه كان من المعلوم ان عليا لا تكون معه الاكثرية بل اما ان يكون معه صوتان فقط او نصف الاصوات لان المتقين ان من يكون معه هو الزبير وحده او شخص آخر فقط ومعلوم ان عبد الرحمن هواه مع عثمان فلا يمكن ان يختار عليا عند تساوي الاصوات ورجوع الامر إليه ثم لما رجع الامر إليه اراد عليا ان يبايعه على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين فلم يقبل علي الا على كتاب الله وسنة رسوله وقبل عثمان فهل كان ابن عوف يرتاب في أن عليا لا يقبل إلا بالكتاب والسنة فقط وهل كان يشك في ان عثمان لا يمتنع من قبول سيرة الشيخين هذه هي الشورى.

(ثالثا) كون العباس انفذ نظرا واقوى حدسا من علي ليس بصواب. ان نسب الى علي انه قال عنه انه يرى الأمور من وراء الستور ، وقوله وان اعتزلت قدموك يصعب التصديق بانه رأي مصيب فكيف يقدمونه مع الاعتزال ولا يقدمونه مع الدخول بل الحق انه مع الاعتزال مقطوع بعدم تقديمه اما مع الدخول فمحتمل.

(رابعا) لم يقل احد ولم يتوهم احد ان عليا كان يستحق الامر بالارث وقد كرره في كلامه في عدة مواضع وهو من لغو الكلام وانما كان يعلم انه يستحقه بالنص عليه وانما دخل لان للمرء ان يتوصل الى حقه بكل وسيلة.

(خامسا) عقل علي بن ابي طالب كان اكبر من عقله وكان يعلم ان هذا الشرط غير معقول ولا يمكنه الاخذ به لأن سيرة الشيخين ان وافقت الكتاب والسنة اغنيا عنها وان خالفتهما قدما عليها وان كانت فيما لم يرد فيه شيء في الكتاب والسنة كان باب مدينة العلم اعرف بوجوه استنباط حكمه منهما ولذلك اضاف إليهما ـ كما في بعض الروايات ـ واجتهاد رأيي.

(سادسا) ان قريشا لم تكن تخاف من البيت الهاشمي على العرب ولا على العجم وانما كانت تحسد البيت الهاشمي وتعاديه وهذا الذي دعاها الى صرف الامر عنه مع كونها تعرف فضل علي وكفاءته لكل امر عظيم وكيف تخاف قريش ممن

يقول : والله لو اعطيت الاقاليم السبع بما تحت افلاكها على ان اعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت ، نعم ربما كانت تخاف عدله ومساواته.

زعمه لم يكن في القرن الاول

من يقدم عليا في الخلافة

قال صفحة (ب س) لم يكن في القرن الاول احد يدعي ان عليا اولى بالخلافة والامر ولم يدع علي لنفسه الاولوية وتقديم بيت النبوة دعوى دخيلة ادخلها اهل المكر الذين تظاهروا بالاهتداء كيدا ولم يكن احد وصيا لنبي في امته.

(ونقول) ما اكثر القائلين بذلك والمدعين له. منهم الصديق الذي قال اقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم ، ومنهم بنو هاشم كافة ومنهم الاثنا عشر الذين خالفوا يوم السقيفة ذكرهم الطبرسي في الاحتجاج ومن جملتهم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ومن قوله :

ما كنت احسب ان الامر منصرف

عن هاشم ثم منها عن ابي حسن

أليس اوّل من صلّى لقبلتكم

واعلم الناس بالقرآن والسنن

واقرب الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

ما ذا الذي ردهم عنه فنعلمه

ها ان ذا غبن من اعظم الغبن

وفي جملتهم سلمان الفارسي الذي قال (كرديد ونكرديد) ومن جملتهم ابو الهيثم ابن التيهان وكان بدريا كان يقول يوم الجمل كما في شرح النهج لابن ابي الحديد :

قل للزبير وقل لطلحة اننا

نحن الذين شعارنا الانصار

ان الوصي إمامنا وولينا

برح الخفاء وباحت الاسرار

ومنهم الانصار او بعض الانصار قال الطبري في تاريخه قالت الانصار او بعض الانصار لا نبايع الا عليا ومنهم الزبير الذي كان مع علي حتى شب ابنه عبد الله. وقال ابن ابي الحديد في اوائل شرح نهج البلاغة : ان القول بتفضيل علي قول قديم وقد قال به كثير من الصحابة والتابعين. فمن الصحابة : عمار والمقداد

وابو ذر وسلمان وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وحذيفة وبريدة وابو أيوب وسهل وعثمان ابنا حنيف وابو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت وابو الطفيل عامر بن واثلة والعباس بن عبد المطلب وبنو هاشم كافة وبنو المطلب كافة وكان الزبير من القائلين به في بدء الامر. وكان من بني امية قوم يقولون بذلك منهم خالد بن سعيد بن العاص ومنهم عمر بن عبد العزيز ا ه.

(اما) علي فقد بلغت دعواه للاولوية عنان السماء وملأت شكواه الفضاء. وحسبك بالخطبة الشقشقية التي لاجلها انكر نهج البلاغة كله او بعضه وكيف لا يدعي لنفسه الاولوية وهو لم يبايع الا بعد وفاة الزهراء. (واما) تقديم بيت النبوة فقد علم مما مر انها دعوى قديمة صحيحة اصيلة لا دخيلة ادعاها جمع من اكابر الصحابة والتابعين. وان دعوى كونها دخيلة ادخلها اهل المكر كيدا هي دعوى دخيلة ادخلها اهل المكر وعلماء السوء كيدا لاهل البيت واتباعهم فزعموا ان اصلها من الفرس الذين دخلوا في الاسلام بقصد الكيد للاسلام الذي ثل عروش ملكهم. وهذا الزعم واضح الفساد فهي موجودة في صدر الاسلام من اكابر المسلمين قبل ان يدخل الفرس في دين الاسلام. والفرس وغيرهم من العجم الذين دخلوا في الاسلام كان دخولهم فيه عن بصيرة ومعرفة وصدق نية وجل علماء من تسموا باهل السنة في كل فن هم من العجم فمن هم من غير العرب الذين دخلوا في الاسلام واظهروا التشيع كيدا للاسلام نبؤنا بهم ان كنتم صادقين.

(اما) نفي الوصاية عن جميع الأنبياء فلم يأت عليها بدليل فهي مردودة عليه بل لكل نبي وصي بالنقل والعقل (اما النقل) فروى ابن بابويه في كتاب اكمال الدين بسنده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث قال اوحى الله الى آدم ان اوص الى شيث فاوصى إليه وهو ابنه هبة الله واوصى شيث الى ابنه مسبان ومسبان الى محليث ومحليث الى محوق ومحوق الى غشميشا وغشميشا الى اخنوخ وهو ادريس وادريس الى ناحور ودفعها ناحور الى نوح واوصى نوح الى سام وسام الى عثامر وعثامر الى برعيثاشا وبرعيثاشا الى يافث ويافث الى برة وبرة الى حقيبة وحقيبة الى عمران وعمران الى ابراهيم الخليل وابراهيم الى ابنه اسماعيل واسماعيل الى إسحاق وإسحاق الى يعقوب ويعقوب الى يوسف ويوسف الى بثريا وبثريا الى شعيب. وشعيب الى موسى وموسى الى يوشع بن

نون ويوشع الى داود وداود الى سليمان وسليمان الى آصف بن برخيا وآصف الى زكريا ودفعها زكريا الى عيسى بن مريم واوصى عيسى الى شمعون بن حمون الصفا وشمعون الى يحيى بن زكريا ويحيى الى منذر ومنذر الى سليمة وسليمة الى بردة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفعها الى بردة الحديث. والمراد في هذا الحديث والله اعلم ان كل نبي كان يوصي الي من بعده فقد يكون من بعده نبيا مثله وقد يكون وصيا والوصي قد يوصي الى نبي بعده اي يرشد الناس الى نبوته. ولا ينافي ايصاء شعيب الى موسى ان موسى جاءته النبوة بعد مفارقة شعيب فهو كان أولا وصيا ثم صار نبيا (والحاصل) ان الارض لا تخلو من حجة منصوب من الله تعالى اما نبي او وصي واذا كان صاحب الوشيعة لا يصدق بهذا الحديث فليس له ان يكذبه ويجزم بان الأنبياء ليس لهم اوصياء ويقول بما لا يعلم (واما العقل) فاذا كان الله تعالى قد امر بالوصية من يخلف مائة درهم مثلا أفلا يأمر بالوصية من يخلف امة عظيمة ان هذا لو صح لكان قدحا في حكمة الله وانبيائه عليهم‌السلام ولله در القائل :

أنبي بلا وصي تعالى الل

ه عما يقوله سفهاها

كيف تخلو من حجة والى من

ترجع الناس في اختلاف نهاها

قال صفحة (ه س) : لو صدق كليمة من اقاويل الشيعة لكان النبي يجهل شيئا يعلمه كل احد في زمنه ولكان الله جاهلا في كل افعاله وكاذبا في اكثر اقواله.

دعها سماوية تجري على قدر

لا تفسدنها برأي منك منكوس

(ونقول) هل يليق برجل ينتسب الى العلم ان يتفوه بمثل هذه الكلمات في حق الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولو علقها على محال بزعمه

وهل يمكن ان يقول ذو ادب

ان كان الامر الفلاني حقا فأمه زانية او زوجته كذا ولو علقه على امر هو غير واقع بزعمه. ولكن هذا الرجل شاذ في جميع اطواره

وقد بينا غير مرة ان الذي تختلف فيه الشيعة عن الاشاعرة الذين تسموا باهل السنة هي مسائل معدودة فان كان باستطاعته ان يبين لنا بالحجة والبرهان ان الحق فيها معه فهو الرجل كل الرجل اما هذه الدعاوى الفارغة والهذيان والعبارات الطويلة

العريضة التي لم يدعمها بحجة ولا برهان والشتائم البذيئة فلا تفيد الا جهل قائلها.

الشيعة اقوالها مدعومة بالحجج والبراهين القاطعة لا تقول الا بالحق ولا تتمسك الا بالصدق بين لنا هذه الأقوال التي تستلزم جهل النبي وجهل الله وكذبه ـ والعياذ بالله ـ ان كنت من الصادقين.

دع عنك تلك الدعاوى لا دليل لها

مثل الجسوم بلا روح ولا روس

وابغ الحقيقة في قول وفي عمل

لا تفسدنها برأي منك معكوس

ثم ذكر الانقلابات في الخلافة الاسلامية وغاية الادارة في الشرع الاسلامي والحكومة التؤقراتية في الاسلام والعقل والنقل واطال في ذلك كله بما استغرق ٢٤ صفحة شنع فيها ما شاء بدعاوى لا يرافقها دليل مما تعرف نماذجه من كلامه السابق والآتي ولا يتعلق غرضنا بالكلام عليه صح أم فسد.

عدم تحريف القرآن

قال صفحة ٢٣ القول بتحريف القرآن الكريم باسقاط كلمات وآيات وتغيير ترتيب الكلمات اجمع عليه كتب الشيعة واخف ما رأيت للشيعة في القرآن الكريم ان جميع ما بين الدفتين في المصحف كلام الله الا انه بعض ما نزل والباقي مما نزل عند المستحفظ لم يضع منه شيء واذا قام القائم يقرؤه للناس كما انزله الله على ما جمعه امير المؤمنين علي واخبار التحريف مثل اخبار الامامة متواترة عند الشيعة من رد اخبار التحريف أو أولها يلزم عليه رد أخبار الامامة والولاية ونسب في صفحة ٦٢ ـ ٦٣ الى المجلسي وصاحب الوافي ان اخبار التحريف متواترة مثل اخبار الولاية واخبار الرجعة ، ثم تعرض في ص ٤٤ لذكر تحريف القرآن واساء القول وجاء بأخشن الكلام على عادته وأساء الأدب الى الغاية في حق امير المؤمنين علي عليه‌السلام وان ابرزه بصورة التعليق مثل قوله ان صح كذا فعلي هو الزنديق أو اذل منافق الى غير ذلك من أمثال هذه العبارات التي اعتادها بحسن أدبه والتي لا يليق ذكرها ولو معلقة على فرض غير صحيح.

(ونقول) : دعوى اجماع كتب الشيعة على ذلك زور وبهتان بل كتب المحققين ومن يعتني بقولهم من علماء الشيعة مجمعة على عدم وقوع تحريف في القرآن لا بزيادة ولا نقصان : وتفصيل الكلام في ذلك انه اتفق المسلمون كافة على عدم الزيادة في القرآن واتفق المحققون واهل النظر ومن يعتد بقوله من الشيعيين والسنيين على عدم وقوع النقص ووردت روايات شاذة من طريق السنيين ومن بعض طرق الشيعة تدل على وقوع النقص ردها المحققون من الفريقين واعترفوا ببطلان ما فيها وسبقها الاجماع على عدم النقص ولحقها فلم يبق لها قيمة وأليك ما قاله رؤساء علماء الشيعة ومحققوهم في هذا الشأن.

كلام الصدوق

قال الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق وبرئيس المحدثين في رسالته في اعتقادات الشيعة الامامية المطبوعة اعتقادنا في القرآن انه ما بين الدفتين وهو ما في ايدي الناس وليس بأكثر من ذلك ومن نسب إلينا إنّا نقول انه اكثر من ذلك فهو كاذب ا ه. فهو ينفي وقوع النقصان وينسب عدم وقوعه الى اعتقاد جميع الامامية ويكذب من ينسبه إليهم تكذيبا باتا وإنما لم يقل ولا أقل لأن الزيادة مقطوع بعدمها وليست محل كلام. وصاحب الوشيعة قد رأى رسالة الاعتقادات هذه وقرأها ونقل عنها في آخر صفحة من كتابه ص ١٣٢ فقال : يقول الصدوق محمد بن بابويه في رسالة العقائد : اعتقادنا في الغلاة والمفوضة انهم كفار بالله أضل من جميع أهل الأهواء المضلة وانه ما صغر الله احد تصغيرهم بشيء والأئمة بريئة كل البراءة من اباطيلهم ا ه. ومع ذلك يقول اجمعت كتب الشيعة على تحريف القرآن فكيف لنا ان نطمئن الى شيء من انقاله بعد هذا؟

كلام الشيخ الطوسي

وقال الشيخ محمد بن الحسن الطوسي المعروف بالشيخ الطوسي وبشيخ الطائفة في اوّل كتابه التبيان في تفسير القرآن : اما الكلام في زيادة القرآن ونقصه فمما

لا يليق به لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها واما النقصان فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه وهو الاليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى وهو الظاهر في الروايات غير انه رويت روايات من جهة الشيعة والعامة (أهل السنة) بنقصان آي من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع الى موضع طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا والأولى الأعراض عنها ا ه. فهذا شيخ الطائفة يقول ان الكلام في ذلك مما لا يليق وان اخبار التحريف رويت من جهة الشيعة وأهل السنة وانها اخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا وصاحب الوشيعة بفتري ويقول انها متواترة عند الشيعة فهل يبقى لنقله قيمة بعد هذا؟

كلام الشريف المرتضى

وقال الشريف المرتضى في جواب المسائل الطرابلسيات فيما حكاه عنه صاحب مجمع البيان ان العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث العظام والكتب المشهورة واشعار العرب فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت الى حد لم تبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والاحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من اعرابه وقراءته وحروفه وآياته فكيف يجوز ان يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد.

(وقال أيضا) ان العلم بتفصيل القرآن وابعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمون من جملتها حتى لو ان مدخلا ادخل بابا من النحو في كتاب سيبويه او من غيره في كتاب المزني لعرف وميز وعلم انه ملحق ومعلوم ان العناية بنقل القرآن وضبطه اكثر من العناية بكتاب سيبويه ودواوين الشعراء. وذكر أيضا ان القرآن كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن لأنه كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له وانه كان يعرض على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتلى عليه وان جماعة

من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدة ختمات كل ذلك يدل على انه كان مجموعا مرتبا وذكر ان من خالف في ذلك من الامامية وحشوية العامة (أهل السنة) لا يعتد بخلافهم فانه مضاف الى قوم من اصحاب الحديث نقلوا اخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم ا ه. فهو قد احتج لذلك وبينه البيان الشافي الذي ما بعده بيان والذي لا يمكن لأحد الزيادة عليه بل ولا الاتيان بمثله ومكانته بين علماء الشيعة لا يصل إليها احد ومع ذلك يزعم صاحب الوشيعة اجماع كتب الشيعة على تحريف القرآن أفيكون بهتان فوق هذا؟

كلام صاحب مجمع البيان

وقال الشيخ ابو علي الفضل بن الحسن الطبرسي من اكابر العلماء والمفسرين في مقدمة كتابه مجمع البيان لعلوم القرآن : اما الزيادة في القرآن فمجمع على بطلانها. واما النقصان فروى جماعة من اصحابنا وقوم من حشوية العامة (أهل السنة) ان في القرآن نقصانا والصحيح من مذهب اصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى.

ثم نقل كلام المرتضى السابق ا ه.

هذا كلام من تعرض للمسألة من عظماء علمائنا المتقدمين.

كلام الشيخ البهائي

وقال الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي الذي شهرته تغني عن التنويه به : الصحيح ان القرآن محفوظ عن ذلك ـ أي التحريف ـ زيادة كان أو نقصانا. ويدل عليه قوله تعالى : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ا ه.

كلام المحقق الثاني الشيخ علي الكركي

وصنف الشيخ علي بن عبد العالي الكركي المعروف بالمحقق الثاني إمام عصره رسالة في نفي النقيصة بعد الاجماع على عدم الزيادة.

كلام الفقيه الشيخ جعفر النجفي

وقال الشيخ جعفر الفقيه النجفي فقيه عصره واحد ائمته في مقدمة كتابه كشف الغطاء : لا ريب ان القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان كما دل عليه صريح القرآن واجماع العلماء في كل زمان ولا عبرة بالنادر ا ه. وصاحب الوشيعة قد رأى كشف الغطاء وقرأه ورد على جملة من محتوياته كما مر ومع ذلك فهو يقول اجمعت كتب الشيعة على تحريف القرآن هذه أمانته وصدقه في النقل.

كلام السيد محسن المحقق البغدادي

وقال السيد محسن الحسيني الأعرجي المعروف بالمحقق البغدادي من ائمة عصره في شرح الوافية في اصول الفقه : الاجماع على عدم الزيادة والمعروف بين علمائنا حتى حكي عليه الاجماع عدم النقيصة ا ه. وهؤلاء من المتأخرين فها هم محققوا علماء الشيعة وائمه مذهبهم وقادتهم ومن يعول على قوله منهم من المتقدمين والمتأخرين متفقون في كل عصر وزمان على عدم الزيادة وعدم النقصان ولا شك ان غيرهم من لم يتعرضوا للمسألة على مثل هذا الرأي وهو مع ذلك يقول اجمعت كتب الشيعة على تحريف القرآن بالنقصان وان اخبار التحريف مثل اخبار الامامة متواترة عندهم أفيبقى بعد هذا وثوق بشيء من انقاله ودعاواه أو يبقى لكلامه أقل قيمة؟.

ومما يدل دلالة قطعية على اجماع الشيعة على ان القرآن الكريم لا نقصان فيه بعد اجماعهم القطعي على نفي الزيادة اتفاق فقهائهم ورواياتهم على كفاية قراءة أي سورة كانت من القرآن في الصلاة عدا سورتي الضحى وأ لم نشرح فهما سورة واحدة والفيل ولايلاف فهما أيضا سورة واحدة اما سوى هذه فيجزي قراءة أي سورة كانت مع اتفاقهم على لزوم قراءة سورة كاملة بعد الحمد في الركعتين الأولتين من الفريضة وعدم جواز التبعيض بناء على وجوب القراءة في الفريضة بعد الحمد وهذا ينادي باجماعهم على عدم النقصان أفيسوغ بعد هذا كله ان تلصق بهم هذه التهمة الباطلة لو لا العصبية وقلة الانصاف.

(الروايات المتضمنة تحريف القرآن بالنقصان

من طريق أهل السنة) في مسند الامام احمد

وصحيح البخاري وتاريخ ابن عساكر وغيرها

(١) في مسند الامام احمد بن حنبل ج ٥ ص ١١٧ باسناده عن ابن عباس : جاء رجل الى عمر فقال اكلتنا الضبع ـ يعني السنة ـ فقال عمر لو ان لامرئ واديا أو واديين لابتغى إليهما ثالثا.

فقال ابن عباس ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب فقال عمر لابن عباس ممن سمعت هذا قال من أبي قال فاذا كان بالغداة فاغد علي فرجع الى أمّ الفضل فذكر ذلك لها فقالت ما لك وللكلام عند عمر وخشي ابن عباس ان يكون ابي نسي فقالت أمه عسى ان يكون ابي نسي فغدا الى عمر ومعه الدرة فانطلقا الى ابي فخرج أبي عليهما وسأله عمر عما قال ابن عباس فصدقه ا ه. والظاهر ان عمر فهم من ابن عباس ان ما قاله قرآن أو كان في الكلام ما يدل على ذلك وتركه الراوي وإلا فلا داعي لهذا الاهتمام ولا لخوف ابن عباس وأمه ان يكون نسي ابي ولا لقولها ما لك وللكلام عند عمر مع دلالة الروايات الأخر على ذلك أيضا فهي تفسر المراد من هذه الرواية كما انه يظهر انه سقط بعد قوله وواديين من مال بقرينة الروايات الآتية.

(٢) في مسند الامام احمد أيضا ج ٥ ص ١٣١ حدثنا عبد الله (١) حدثني ابي حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا حدثنا شعبة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابي ابن كعب قال ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ان الله تبارك وتعالى امرني ان اقرأ عليك القرآن فقال فقرأ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب قال فقرأ فيها ولو ان ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه لسأل ثانيا فلو سأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وان ذلك الدين القيم عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيرا فلن يكفره.

__________________

(١) هو ابن الامام احمد بن حنبل المؤلف ـ.

(٣) في مسند الإمام احمد أيضا ج ٥ ص ١٣٢ س ١ حدثنا عبد الله حدثني عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا مسلم بن قتيبة حدثنا شعبة عن عاصم بن بهدلة عن زرّ عن ابي بن كعب قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان الله تبارك وتعالى امرني ان اقرأ عليك فقرأ علي : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ان الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيرا فلن يكفره قال شعبة ثم قرأ آيات بعدها ثم قرأ : لو ان لابن آدم واديين من مال لسأل واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب قال ثم ختمها بما بقي منها.

(٤) في صحيح مسلم بهامش صحيح البخاري ج ٤ ص ٤٣٧ في باب كراهة الحرص على الدنيا : حدثني سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر عن داود عن ابي حرب بن ابي الاسود عن ابيه قال بعث ابو موسى الاشعري الى قراء اهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن فقال انتم خيار اهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الامد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم وانا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فانسيتها غير اني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها باحدى المسبحات فانسيتها غير اني حفظت منها يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في اعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة

آية الرجم

(٥) في مسند الإمام احمد ج ٥ ص ١٣٢ س ١٢ حدثنا عبد الله حدثني وهب ابن بقية عن خالد بن عبد الله الطحان عن يزيد بن ابي زياد عن زر بن حبيش عن أبي ابن كعب قال كم تقرءون سورة الاحزاب قال بضعا وسبعين آية قال لقد قرأتها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل البقرة او اكثر منها وان فيها آية الرجم.

(٦) حدثنا عبد الله حدثنا خلف بن هشام حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن

بهدلة عن زر قال قال لي أبي بن كعب كائن تقرأ سورة الاحزاب وكائن تعدها قلت له ثلاثا وسبعين آية فقال قط لقد رأيتها وانها لتعادل سورة البقرة ولقد قرأنا فيها الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عليم حكيم.

(٧) في صحيح البخاري في باب رجم الحبلى من الزنا اذا احصنت من كتاب المحاربين من اهل الكفر والردة ج ٤ ص ١٢٥ طبع عام ١٣٠٤ ـ ١٣٠٥ بمصر بسنده عن عمر بن الخطاب في حديث انه قال ان الله بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحق وانزل عليه الكتاب فكان مما انزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها فلهذا رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا بعده فاخشى ان طال بالناس زمان ان يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة انزلها الله (الى ان قال) ثم انا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله ان لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر بكم ان ترغبوا عن آبائكم (الحديث) قال شيخ الاسلام في حاشية صحيح البخاري : آية الرجم هي (الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة) لكن نسخت تلاوتها دون حكمها ا ه. (اقول) نسخ التلاوة ممكن في كل ما روي نقصه من القرآن فهو مشترك بين الفريقين على ان نسخ التلاوة يصعب تصوره فاذا كان الحكم باقيا فما الفائدة من نسخ التلاوة ويشبه ان يكون انزال الآية ثم نسخ تلاوتها مع بقاء حكمها عبثا مع ان الآيات المنسوخ حكمها تلاوتها باقية.

(٨) في تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر ج ٢ ص ٢٢٨ في ترجمة ابي بن كعب عن ابي ادريس الخولاني ان أبا الدرداء ركب الى المدينة في نفر من اهل دمشق فقرأ فيها على عمر بن الخطاب هذه الآية إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام فقال عمر بن الخطاب من اقرأكم هذه القراءة فقالوا ابي بن كعب فدعاه فقال لهم عمر اقرءوا فقرءوا ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام فقال أبي لعمر نعم انا اقرأتهم فقال عمر لزيد بن ثابت اقرأ يا زيد فقرأ زيد قراءة العامة فقال عمر اللهم لا اعرف الا هذا فقال ابي والله يا عمر انك لنعلم اني كنت احضر ويغيبون وادنو ويحجبون ويصنع بي ويصنع وو الله لئن احببت لا لزمن بيتي فلا احدث احدا ولا أقرئ احدا حتى اموت فقال عمر اللهم غفرا انك لتعلم ان الله قد جعل عندك علما فعلم الناس ما علمت. قال ومر عمر

بغلام وهو يقرأ في المصحف : النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم وهو اب لهم فقال يا غلام حكها فقال هذا مصحف ابي بن كعب فذهب إليه فسأله فقال له انه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالاسواق ا ه وروى نحوه ابن الاثير الجزري في جامع الاصول. وفي كنز العمال : روى هذه الروايات ابو داود الطيالسي في سننه والحاكم في مستدركه.

سورتا القنوت

(٩) قال السيوطي في الاتقان والدر المنثور اخرج الطبراني والبيهقي وابن الضريس ان من القرآن سورتين ـ وقد سماهما الراغب في المحاضرات سورتي القنوت ـ ونسبوهما الى تعليم علي وقنوت عمر ومصحف ابن عباس وزيد بن ثابت وقراءة ابي موسى (احداهما) بسم الله الرحمن الرحيم انا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفك ونخلع ونترك من يفجرك (والثانية) بسم الله الرحمن الرحيم اللهم اياك نعبد ولك نصلي ونسجد وأليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد ان عذابك بالكافرين ملحق.

(١٠) في كتاب الاحكام في اصول الاحكام للآمدي الشافعي ج ١ ص ٢٢٩ طبع مصر ان في مصحف ابن مسعود (فصيام ثلاثة ايام متتابعات) وان أبا حنيفة بني عليه وجوب التتابع في صوم اليمين.

(١١) روى الطبري في تفسيره ان ابن مسعود كان يقرأ : فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى.

فاذا كان شذاذ منكم ومنا سبقهم الاجماع ولحقهم رووا ما اتفق المحققون والجمهور منا ومنكم على بطلانه ودلت عباراته بانحطاطها عن درجة القرآن الكريم على انها ليست بقرآن فكيف تلصقون بنا عيبه وتبرءون انفسكم ما هذا بانصاف.

ما روى من طريق غيرنا في وقوع الزيادة في القرآن

مع الاجماع منا ومنهم على عدم الزيادة

(١) في صحيح البخاري في باب والنهار اذا تجلى من كتاب تفسير القرآن ج ٣ ص ١٥٢ طبع عام ١٣٠٤ بمصر حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن الاعمش عن ابراهيم عن علقمة قال دخلت في نفر من اصحاب عبد الله الشام فسمع بنا ابو الدرداء فاتانا فقال أفيكم من يقرأ فقلنا نعم فقال فايكم اقرأ فاشاروا الي فقال اقرأ فقرأت والليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى والذكر والانثى قال انت سمعتها من في صاحبك قلت نعم قال وانا سمعتها من في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهؤلاء يأبون علينا.

(٢) في صحيح البخاري أيضا : باب وما خلق الذكر والانثى حدثنا عمر بن حفص حدثنا ابي حدثنا الاعمش عن ابراهيم قال قدم اصحاب عبد الله على ابي الدرداء فطلبهم فوجدهم فقال ايكم يقرأ على قراءة عبد الله قالوا كلنا قال فايكم يحفظ فاشاروا الى علقمة قال كيف سمعته يقرأ والليل اذا يغشى قال علقمة والذكر والانثى قال اشهد اني سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ هكذا وهؤلاء يريدوني على ان اقرأ وما خلق الذكر والانثى والله لا اتابعهم ا ه. فهاتان الروايتان صريحتان في الزيادة وصرح الآمدي الشافعي في كتاب الاحكام في اصول الاحكام ج ١ ص ٢٣٠ بان مصاحف الصحابة مختلفة وان ابن مسعود انكر كون الفاتحة والمعوذتين من القرآن وصرح أيضا في ج ١ ص ٢٣٣ بانهم اختلفوا في البسملة هل هي جزء من القرآن أو لا أهو الامام ابو حنيفة يرى ان البسملة ليست جزءا من القرآن. فهذا نوع آخر من التحريف انفردت به رواياتكم. وليس لنا ان نعيبه عليكم.

القراءات السبع

(قال) ص ٢٢ والاحرف السبعة والوجوه العديدة قد اتت في القرآن متواترة من الامة كافة في القرون كافة. ويقول فيها الصادق كذبوا لكن القرآن نزل على حرف واحد.

(ونقول) قال كثير من علمائنا وعلماء من تسموا باهل السنة بتواتر القراءات السبع بل ادعى جماعة من مشاهير علمائنا الاجماع على تواترها بل في مفتاح الكرامة حكاية القول بتواترها عن اكثر علمائنا منهم المحقق الشيخ علي الكركي في جامع المقاصد والشهيد الثاني في روض الجنان ، قال ونفى الاردبيلي في مجمع البرهان الخلاف عن تواترها وقد نعيت بالتواتر في الكتب الفقهية والاصولية وعد جملة منها قال وقد نقل جماعة حكاية الاجماع على تواترها عن جماعة. وفي رسم المصاحف بها وتدوين الكتب لها حتى انها معدودة حرفا فحرفا وحركة فحركة ما يدل على ان تواترها مقطوع به والعادة تقضي بالتواتر في تفاصيل القرآن من اجزائه والفاظه وحركاته وسكناته لتوفر الدواعي على نقله لكونه اصلا لجميع الاحكام ، بل قال الشهيد في الذكرى بتواتر الشعر ا ه. ويحكى عن السيد ابن طاوس من علمائنا انه قال في كتابه المسمى (سعد السعود) بعدم تواتر القراءات السبع وحكي مثله عن الشيخ الرضي شارح الكافية. وقال شمس الدين محمد بن محمد الجزري الشافعي في كتابه النشر للقراءات العشر المطبوع بمصر : كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ووافقت المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ووجب على الناس قبولها سواء أكانت عن السبعة أم العشرة أم غيرهم ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة اطلق عليها انها ضعيفة او شاذة او باطلة سواء أكانت عن السبعة أم عمن هو اكبر منهم هذا هو الصحيح عند التحقيق من السلف والخلف ونحوه ، قال ابو شامة فيما حكي عنه في كتاب المرشد الوجيز : ثم انه على القول بتواترها هل المراد تواترها الى اربابها او الى الشارع ، في مفتاح الكرامة الظاهر من كلام اكثر علمائنا واجماعاتهم الثاني وبه صرح الشهيد في المقاصد العلية ، ونقل الامام الرازي اتفاق اكثر اصحابه على ذلك. وقال الشيخ الطوسي في التبيان : المعروف من مذهب الامامية والتطلع في اخبارهم ورواياتهم ان القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد غير انهم اجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القراء وان الانسان مخير باي قراءة شاء قرأ وكرهوا تجريد قراءة بعينها. ونحوه في مجمع البيان. وهو قد يعطي ان تواترها الى اربابها. وعن الزركشي من علماء السنة في البرهان انه قال التحقيق انها متواترة عن الائمة السبعة اما تواترها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففيه نظر فان اسنادهم لهذه القراءات السبع موجود في

الكتب وهو نقل الواحد عن الواحد اه ـ وقال الزمخشري : ان القراءة الصحيحة التي قرأ بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما هي الواحدة في صفتها والمصلي لا تبرأ ذمته من الصلاة الا اذا قرأ فيما وقع فيه الاختلاف على كل الوجوه كملك وصراط وسراط وغير ذلك ا ه. وهو صريح في انكار تواترها الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد حكم الزمخشري بسماجة قراءة ابن عامر قتل اولادهم شركائهم بنصب اولادهم وخفض شركائهم ، وانكر الشيخ الرضي قراءة حمزة تساءلون به والارحام بخفض الارحام. وبذلك تعلم انه لا اتفاق على تواترها الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا عندنا ولا عند غيرنا ولا على لزوم القراءة باحداها عند غيرنا ولكن ادعي الاتفاق على ذلك من اصحابنا ولم يثبت فليخفف موسى جار الله من غلوائه وليعلم ان دعواه تواترها جزما ناشئ عن قصور في اطلاعه واسراع الى النقد والتشنيع قبل التفحص وان قول صادق اهل البيت عليه وعليهم‌السلام كما في صحيح الفضيل وخبر زرارة لما قال له ان الناس يقولون ان القرآن نزل على سبعة احرف كذبوا ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد هو الصواب وليس محلا للاستغراب وانه قد قال به الزركشي والزمخشري ويفهم ذلك من كلام الجزري وابي شامة وكلهم من علماء غيرنا كما يعلم من كلام هؤلاء ان دعوى تواترها الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظاهرة الوهن.

التحاكم الى قضاة الجور

ذكر في ص ٢٤ ما يتلخص في ان في كتب الشيعة عدم جواز التحاكم الى قضاة الجور وان حكومات الدول الاسلامية كلها كذلك.

(ونقول) الدول الاسلامية وقضاتها منها ما هو على العدل واتباع الكتاب والسنة والحكم بهما وهو قليل. ومنها ما هو على الجور والحكم بغير ما انزل الله وبالرشى والوساطات فهل ينكر موسى جار الله ذلك وقد ملأ الخافقين وشحنت به كتب التواريخ والاخبار وان انكره فما يصنع بحديث الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا اما ان كلها على الجور كما ادعاه فلا ولو اتسع لنا المجال لشرحنا له شيئا من احوال من كان يحمل لقب الخلافة وإمارة المؤمنين وافعاله مما لا يجهله هو ولا غيره ليعلم ان حكومات الدول الاسلامية كان اكثرها كذلك ولبينا له كيف كانت

حالة القضاة المنصوبين من بعض المتغلبين لكنا نذكر بعض الوقائع نموذجا. كان شريح القاضي قاضي الكوفة سببا في تفريق جمع مذحج الذين جاءوا لتخليص هانئ ابن عروة المرادي من حبس الدعي ابن الدعي عبيد الله بن زياد بالحيلة والخديعة حتى قتل.

وافتى القاضي ابو البختري الرشيد ببطلان الامان الذي كتبه ليحيى بن عبد الله ابن حسن بن حسن العلوي حين خرج ببلاد الديلم سنة ١٧٦ بعد ما عرضه يحيى على القضاة والعلماء فاخبروه بانه لا اعتراض عليه فقدم يحيى بغداد على الرشيد ثم اراد الرشيد الغدر به وقتله فاحضر يحيى واحضر نسخة الامان واحضر القاضي أبا البختري ومحمد بن الحسن الشيباني الفقيه فقال الرشيد لمحمد بن الحسن ما تقول في هذا الامان أصحيح هو فقال صحيح فحاجه الرشيد في ذلك فقال له محمد ما تصنع بالامان لو كان محاربا ثم اعطيته الامان هل كان آمنا فاحتملها الرشيد على محمد ثم سأل أبا البختري فقال هذا منتقض من وجه كذا وكذا وتفل فيه ، فقال له الرشيد انت قاضي القضاة فمزق الامان ابو البختري وحبس الرشيد يحيى فمات في الحبس والى ذلك يشير الامير ابو فراس الحمداني بقوله في قصيدته الشافية :

يا جاهدا في مساويهم يكتمها

غدر الرشيد بيحيى كيف يكتتم

وكان يحيى بن اكثم قاضي قضاة المأمون في مجلس المأمون فافرط به السكر فامر المأمون ان يعمل له شبه القبر من الرياحين ويدفن فيه وامر من يغني عنده :

نبهته وهو ميت لا حراك به

مكفن في ثياب من رياحين

فقلت قم قال رجلي لا تطاوعني

فقلت خذ قال كفي لا تواتيني

فلما افاق يحيى قال :

يا سيدي وامير الناس كلهم

قد جار في حكمه من كان يسقيني

اني غفلت عن الساقي فصيرني

كما تراني سليب العقل والدين

فاختر لنفسك قاض انني رجل

الراح تقتلني والعود يحييني

وقال له المأمون يوما من الذي يقول :

قاض يرى الحد في الزناء ولا

يرى على من يلوط من بأس

قال هو الذي يقول يا امير المؤمنين :

لست ارى الجور ينقضي وعلى الأم

ة وال من آل عباس

قال من هو قال فلان قال ينفى الى السند.

وقال البديعي في هبة الايام وغيره ان الحسن بن وهب لما كان غلاما مازحه يحيى بن اكثم ثم جمشه فغضب الحسن فانشد يحيى بن اكثم :

أيا قرا جمشته فتغضبا

واصبح لي من تيهه متجنبا

اذا كنت للتجميش والعض كارها

فكن ابدا يا سيدي متنقبا

ولا تظهر الاصداغ للناس فتنة

وتجعل منها فوق خديك عقربا

فتقتل مشتاقا وتفتن ناسكا

وتترك قاضي المسلمين معذبا

وذكر الثعالبي في اليتيمة في ترجمة القاضي التنوخي ان قضاة البصرة كانوا اذا جاء الليل خلعوا ثوب الوقار للعقار واجتمعوا على الشراب وعليهم المصبغات والمخانق وما منهم الا طويل اللحية ابيضها وفي يد كل منهم كأس من ذهب فيرقصون ويغمسون لحاهم في تلك الكئوس ويرشون بعضهم على بعض وفيهم يقول الشاعر :

مجالس ترقص القضاة بها

اذا انتشوا في مخانق البرم

تخال كلا كأن لحيته

لحية فعلان ضرجت بدم

وسأل بعض القضاة المعروفين رجلا عما يقوله الناس فيه فقال يقولون انك تنتسب الى البرامكة ولست منهم وانك تستعمل الحشيشة وتعشق الغلمان.

فقال اما الانتساب الى البرامكة فمن يريد الانتساب الى غير آبائه ينتسب الى قوم اشراف كبني هاشم لا الى قوم اصلهم مجوس واما الحشيشة فهي والخمر كلاهما محرم فمن اراد المعصية شرب الخمر وسكت عن الثالثة وخبره مع الغلام الذي كان يتعشقه فحجبه اهله ونظم في ذلك الاشعار معروف.

وفي اواخر الدولة العباسية كان يضمن القضاء ضمانا بمال يؤديه القاضي. وفي اواخر الدولة الاسلامية التي كانت في عصرنا كان يؤخذ من كل قاض ثلاثمائة ليرة ذهبية ليعين قاضيا مدة ثلاث سنين.

هذه حال اكثر حكومات الدول الاسلامية التي لا يخفى عليه ولا على احد ما وقع فيها من الجور والعسف وحال قضاتها الذي لسنا بحاجة الى بيانه لظهوره والذي كان هو السبب في وصول المسلمين الى الحالة التي هم فيها اليوم مما هو غني عن البيان فهل يرى موسى جار الله عيبا في عدم جواز التحاكم الى قضاة الجور الحاكمين بغير ما انزل الله وهل يمكنه ادعاء ان حكومات الدول الاسلامية كلها او جلها كانت على العدل والانصاف واننا نسأله هل يعتقد ان غيرنا من فرق المسلمين يرى نفوذ احكام قضاتنا من اي مذهب كانوا ليكون له حق بهذا الاعتراض.

قال ص ٢٤ ما ملخصه ان كتب الشيعة صرحت ان كل الفرق الاسلامية كافرة واهلها نواصب.

(ونقول) سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم لا يعتقد احد من الشيعة بذلك بل هي متفقة على ان الاسلام هو ما عليه جميع فرق المسلمين من الاقرار بالشهادتين الا من انكر ضروريا من ضروريات الدين كوجوب الصلاة وحرمة الخمر وغير ذلك وعمدة الخلاف بين المسلمين هو في امر الخلافة وهي ليست من ضروريات الدين بالبديهة لان ضروري الدين ما يكون ضروريا عند جميع المسلمين وهي ليست كذلك وقد صرحت كتب الشيعة كلها بخلاف ما قاله فقالت ان الاسلام ، هو ما عليه جميع فرق المسلمين وبه يتوارثون ويتناكحون وتجري عليهم جميع احكام الاسلام قال الشيخ جعفر بن سعيد الحلي المعروف بالمحقق فقيه الشيعة في كتاب شرائع الاسلام : المسلمون يتوارثون وان اختلفوا في المذاهب وصرحت بمثل ذلك جميع كتب الشيعة الفقهية مع اتفاقهم على ان الكافر لا يرث المسلم وفيما رواه الشيعة عن ائمة اهل البيت عليهم‌السلام : الاسلام هو ما عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث والعجب منه كيف يتشبث بالشواذ ويسندها الى العقيدة. كأنه قد اخذ على نفسه ان لا يودع كتابه كلمة فيها انصاف ويفضي عما في بعض كتب قومه مما يماثل ما نسبه هنا الى كتب الشيعة وليس لهم مسوغ لذلك ولا مبرر.

ما بال عينك لا ترى اقذاءها

وترى الخفي من القذى بجفوني

جهاد الامم الاسلامية

قال ص (٢٥) جهاد الامم الاسلامية لم يكن مشروعا وهو اليوم غير مشروع حتى لو اوصى احد في سبيل الله وسبيل الله في عقيدته هو الجهاد جاز العدول الى فقراء الشيعة والجهاد مع غير الامام المفترض طاعته حرام.

(ونقول) الجهاد واجب مع وجود السلطان العادل بجميع انواعه ومع عدم وجود السلطان العادل لا يجب الا جهاد الدفاع فنسبته إلينا ان جهاد الامم الاسلامية غير مشروع والجهاد مع غير الامام المفترض طاعته حرام ليس بصواب فجهاد الدفاع مشروع في كل وقت وزمان وواجب ولو مع غير الامام المفترض طاعته لا حرام كما في جميع الكتب الفقهيّة. وقد افتى مجتهدوا الشيعة في العراق ـ وهم قدوة الشيعة في جميع الاقطار ـ بوجوب الجهاد في الحرب العالمية الاولى وباشره جماعة منهم فخرج السيد محمد سعيد الحبوبي النجفي والشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة الاصفهاني والسيد مهدي آل السيد حيدر الكاظمي وكلهم من كبار العلماء الى ساحة القتال في ناحية البصرة وبقيادتهم الالوف المؤلفة من شيعة العراق حتى توفي الاول منهم في ساحة الحرب متأثرا. وتطوع في الجيش العثماني عدد كثير من شيعة ايران فكانوا في جهات حلب مع عدم دخول دولتهم في الحرب في حين ان علماء غير الشيعة لم نسمع لواحد منهم شيئا من هذا القبيل فلينظر في ذلك المنصفون وبذلك يظهر فساد ما فرعه عليه من الوصية فلو اوصى في سبيل الله لكان ارجح مصاريفه وافضلها الجهاد. وقوله وسبيل الله في عقيدته الجهاد لا يظهر له معنى فسبيل الله يعم الجهاد وغيره.

تنزيل آيات في كتب الشيعة

قال ص (٢٧) في كتب الشيعة ابواب في آيات وسور نزلت في الائمة والشيعة وآيات نزلت في غيرهم تزيد على مائة آية قد ضبطتها. ما رأيكم اليوم في تنزيل هذه الآيات وفي تأويلاتها وكيف يذكر ذلك في اقدس كتبها في الحديث.

(ونقول) ليس كل ما في كتب الحديث صحيحا سواء أكان من اقدسها أم ابخسها وكتب الحديث مشتملة على الصحيح والضعيف والمقبول والمردود بل

صاحب الكتاب لا يعتقد بكل ما رواه فيه لان غرضه مجرد جمع الروايات كما رويت ويكل امر تصحيحها وتضعيفها الى انظار العلماء كل بحسب مبلغ نظره وان كان كل ما في كتب الحديث صحيحا فلما ذا وضع علم الدراية وعلم الرجال وقسم الحديث الى اقسامه المعروفة ولا نعرف ما المراد بهذه الآيات ولا يعترف علماء الشيعة بما خرج عن تفاسيرهم المعروفة المشهورة المطبوعة التي عليها الاعتماد كالتبيان ومجمع البيان وجامع الجوامع وليس كل كتاب نسب الى الشيعة هو صحيح عندهم ولا كل خبر ذكر في كتاب منسوب الى الشيعة يمكننا القول بصحته عندهم.

وقد ورد في اقدس الكتب عند غير الشيعة ما لا يمكن تصحيحه فهل يسوغ لنا ان نقول انهم كلهم يعتقدون بصحته.

اخرج الائمة البخاري ومسلم في صحيحيهما واحمد بن حنبل في مسنده والطبري في تاريخه عن ابي هريرة ان ملك الموت جاء الى موسى عليهما‌السلام فقال له اجب ربك فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها فرجع الملك الى الله تعالى فقال انك ارسلتني الى عبد لك لا يريد الموت ففقأ عيني فرد الله إليه عينه (الحديث) وفي بعضها ان ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتى اتى موسى فلطمه ففقأ عينه وانه جاء الى الناس خفيا بعد موت موسى ا ه. واصاب عزرائيل في ذلك فالمثل يقول (الملسوع يخاف من جرة الحبل) فاذا كان موسى وهو نبي مرسل من اولى العزم لطمه على عينه ففقأها فلعله يجيء الى رجل مثل عنتر عبس لا يعرف الله كما يعرفه موسى فيلطمه لطمة يفقأ بها عينيه معا ولعل الله يغضب منه ويقول له ما تعلمت من اوّل مرة فلا يرد إليه عينيه فيعيش اعمى فيرسله الله لقبض روح زيد فيقبض روح عمر ولانه اعمى فيقع اختلال في نظام الكون او لعله يجيء الى بعض العناترة فيضربه ضربة يكسر بها رأسه فيموت فيحتاج الله تعالى الى ان يحييه ثانيا ليتم قبض ارواح ما بقي من الناس أو ينصب غيره من الملائكة لهذه المهمة ولعله يكون اقسى من عزرائيل ويريد الاخذ بثاره فيلاقي بنو آدم منه الامرين فجزى الله عزرائيل عن تخفيه خيرا!!!.

ما وافق الامة وخالفها

قال ص (٢٦) ادعت كتب الشيعة ان الائمة ـ اولاد علي ـ كانت تنكر كل حديث يرويه امام من ائمة الامة وان الاخذ بنقيض ما اخذته الامة اسهل طريق في الاصابة وكل خبر وافق الامة باطل وما خالف الامة ففيه الرشاد وكان الامام يقول : دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم وتقول الشيعة ان وافق الكل يجب الوقوف وكان الصادق يأمر بما فيه خلاف العامة ويقول ان عليا لم يكن يدين بدين الا خالفته الامة ابطالا لامر علي وهذا اصل من اصول الفقه عند الشيعة والامة قد علمت ان افضل القرون قرن الرسالة والخلافة فما روي عن سنتهما ارشد واقرب من الحق فكون الوفاق سمة البطلان والخلاف دليل الاصابة غريب بديع ونقل في ص ٦٢ عن الوافي ما اختص بروايته الامة فلا نلتفت إليه ثم قال ولم كل هذه هل هذا الا لأن الامة لا تعادي ولا تلعن العصر الاول ولا ميزة للشيعة في هذا الباب الا هذا.

(ونقول) (أولا) كون كتب الشيعة ادعت ذلك كذب وباطل فجل اقوال فقهاء الشيعة وائمة اهل البيت وفتاواهم موافق لما رواه وافتى به. من يسميهم الامة وهم يرون فيه الرشاد لا فيما خالفه وكيف يقول الامام دعوا ما وافق القوم ويأمر الصادق بما فيه خلافهم وجل فتاوى الائمة ومنهم الصادق وفتاوى فقهائهم موافق لهم فهذه دعاوى يكذبها فتاوى اهل البيت واقوال فقهائهم التي كلها موافق للمذاهب الاربعة الا ما ندر. غاية ما في الباب ان علماء الشيعة تقول في كتب الاصول في باب علاج تعارض الاخبار : اذا تعارض خبران اخذ بالاظهر منهما دلالة او الاصح سندا او الموافق للكتاب والسنة فاذا تعذر كل ذلك اخذ بالموافق لفتاوى اهل البيت المخالف لفتاوى غيرهم كما امرهم به ائمتهم لان ذلك اقرب الى الصواب فان ائمة اهل البيت كانوا اعرف بروايات جدهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كل احد وكل منهم يروي عن ابيه عن جده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عن الله تعالى وقد جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اهل البيت بمنزلة باب حطة وسفينة نوح وامر بالتمسك بهم كما امر بالتمسك بالقرآن وقال ان المتمسك بهما لا يمكن ان يضل بعده ابدا فلذلك رجح الخبر الموافق لأقوالهم على الخبر الموافق لا قوال غيرهم وعليه يحمل ما حكاه عن الوافي ان صح.

وهذا بعيد عما يدعيه بعد السماء عن الارض وستأتي الاشارة الى ذلك قريبا عند الكلام على التقية.

(ثانيا) قوله ان وافق الكل يجب الوقوف لا يظهر له معنى وهو يناقض بظاهره قوله وكل خبر وافق الامة باطل.

(ثالثا) كون الامام كان يقول ان عليا لم يكن يدين بدين الا خالفته الامة الى غيره ابطالا لامر علي ـ ان صح ـ لم يكن فيه بعد من امة كان في رؤسائها من يقتل من لا يبرأ من علي ومن دينه الذي يدين به ويأمر بدفن بعضهم حيا ومن امة كانت في بعض ادوارها لا يجسر احد ان يروي خبرا واحدا عن علي ويخاف من خادمه وزوجته وكان اذا اضطر الى الرواية عنه قال حدثني ابو زينب او رجل من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ومن امة كانت في بعض القرون لا يجسر احد ان يسمى بينها مولودا باسم علي وكان علي يسب فيها على المنابر في الاعياد والجمعات السنين المتطاولة وخبر ان امي عقتني فسمتني عليا مع الحجاج مشهور معروف كما روى ذلك كله ابن ابي الحديد وغيره. وخبر علي بن عبد الله بن العباس مع عبد الملك بن مروان حين علم ان اسمه علي وكنيته ابو الحسن فقال لا احتملهما لك فغير كنيته وتكنى بابي العباس رواه ابو نعيم الاصفهاني في حلية الاولياء في ترجمة علي المذكور.

(رابعا) بينا مرارا انه ليس بيننا وبينك معاداة العصور ولا لعنها ولا خلاف فيما به يتحقق الاسلام ولم نختلف الا في مسائل معدودة بيناها فيما مر مرارا فان اثبت ان الحق معك فيها فانت الرجل كل الرجل واما ميزة الشيعة فهي انها اتبعت اهل بيت نبيها الذين امر الرسول باتباعهم وجعلهم ثاني القرآن في انه لا يضل المتمسك بهما وانهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض فلم كل هذا الا لأن الشيعة متمسكة باهل بيت نبيها كل التمسك.

التقية

ذكرها في وشيعته في عدة مواضع على عادته في التكرير والتطويل بلا طائل ونحن نجمعها في موضع واحد.

معنى التقية ومحلها

قال في ص ٢٧ التقية في سبيل حفظ حياته وشرفه وحفظ ماله وفي حماية حق من حقوقه واجبة على كل احد إماما كان او غيره وقال ص ٨٢ والتقية هي وقاية النفس من اللائمة والعقوبة وهي بهذا المعنى من الدين جائزة في كل شيء ، وقال ص ٨٥ عند نقل كلام الصادق والتقية واجبة ان كان في تركها ضرر لنفسه او غيره حرام عند أمن الضرر مكروهة حيث يخاف الالتباس على العوام ، وقال ص ٨١ روى الامام السرخسي في المبسوط عن الحسن البصري : التقية جائزة الى يوم القيامة. والتقية ان يقي الانسان نفسه او غيره بما يظهره وقد كان بعض اهل العلم يأبى ذلك ويقول انه من النفاق والحق جوازه الا ان تتقوا منهم تقاة وقد اذن الشارع لعمار وهذا النوع من التقية تجوز لغير الأنبياء اما التقية في الدعوة والنقل فلا تجوز اصلا ابدا لاحد والا لدخلت الشبهة في الادلة.

ترجيح احد الخبرين بمخالفة التقية

قال ص ٢٧ للشيعة ولكتبها في حيلة التقية غرام قد شغفها حبا حيلة التقية فاذا روى امام حديثا يوافق ما عليه الامة او عمل عملا يشبه عمل الامة فان الشيعة تردها على انها حيلة على انها تقية نحن نجل الائمة ونحترم اهل البيت ومن عزة الامام وأعظم شرفه ان يكون من الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا الا الله. ومن الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.

وقال ص ٨٢ : واسوأ التقية في رواية الاخبار فقيه الشيعة يقول ولا يتقي : ما اختلف من اخبار اهل البيت فهو التقية والتقية رحمة للشيعة والامام ان قال قولا على سبيل التقية فللشيعي ان يأخذ به ان لم ينتبه الى ان قول الامام كان على سبيل التقية. فقيه الشيعة يحمل الرواية على التقية اذا كان رجال السند من اهل السنة او الزيدية وهذه حيلة الشيعة في رد السنن الثابتة من الائمة الوجه في هذه الرواية التقية لانها موافقة لما تراه الامة.

التقية بالعبادة والرواية

وقال ص ٢٧ اما التقية بالعبادة بان يعمل عملا لم يقصد به وجه الله وانما تاه وهما وخوفا من سلطان جائر والتقية بالتبليغ بان يسند الامام الى الشارع حكما لم يكن من الشارع فان مثل هذه التقية لا تقع ابدا من احد له دين ويمتنع صدورها من امام له عصمة وحمل رواية الامام وعبادة الامام على التقية طعن على عصمته وطعن على دينه والتقية في العبادة عمل لم يقصد به وجه الله وكل عبادة لم يقصد بها وجه الله باطلة وهي شرك ان قصد بها النفاق وكل رواية يرويها عدل فهي اداء امانة وهي تبليغ وحملها على التقية قول بان العدل قد افتراها على الله وكاد بها الامة وكل سامع وقال ص ٨٥ وليس يوجد بين الكلمات ما يثبت ان إماما كان يأتي تقية في عبادته بعمل لا يعتقده قربة او كان قد يضع حديثا يراه باطلا يرفعه الى الشارع تقية يتظاهر بالوفاق عند العامة نفاقا ولا كلام لنا الا في هاتين الصورتين من التقية ا ه.

وقال ص ٢٨ وكل يعلم ان خلاف الرواية السكوت والساكت آمن من كل شر ولم يقع ان جائرا عاقب الساكت.

تشديد الصادقين في امر التقية

حكى في ص ٨٠ عن اصول الكافي عن الباقر والصادق من ترك التقية في دولة الباطل يكون (كذا) لم يرض بقضاء الله وخالف امر الله وضيع مصلحة الله التي اختارها لعباده يقولان التقية ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له ، وقال ص ٨٥ كان الصادق يقول : التقية من دين الله في كل ملة في الاقوال والافعال والسكوت عن الحق حفظا للنفس والمال وابقاء للدين ولو لا التقية لبطل دين الله وانقرض اهله وامثال ذلك سمعت ابي يقول ما بلغت تقية احد تقية اصحاب الكهف ان كانوا ليشهدون الاعياد ويشدون الزنانير فاعطاهم الله اجرهم مرتين مرة للايمان ومرة للعمل بالتقية وقال الصادق كانت طائفة آمنت بمحمد واخفت ايمانها تقية فنزلت أولئك الذين

يؤتون اجرهم مرتين بما صبروا ـ على مصائب التقية ـ ويدرءون بالحسنة ـ بالتقية ـ السيئة ـ الاذاعة.

امور عاب بها التقية

قال ص ٨٢ والتقية على ما عليه الشيعة غش في الدين وبيانه نصيحة ونصح والامام لا يسلك الا طريق النصح ولم يكن احد من الائمة يسلك طريق الغش وكل يعلم ان من اظهر بلسانه ما لم يعتقده بقلبه فهو كذب ونفاق تجيزها الشيعة لغرض عدائي.

وقال ص (٨٤) ولا اظن ان الائمة كانوا يعلمون الشيعة التقية تقية الخداع في الاخبار والنفاق في الاحكام. والشيعة تتقي في طفائف الامور تعمل اعمالا نفاقية وتضع اخبارا على وجه التقية ثم تجاهر بأسوإ الكبائر وتزعم انها تتقي تقية بها تخادع العامة.

وقال ص (٨٥) تقية الشيعة روحها النفاق وثمرتها كفر التهود قالوا سمعنا وعصينا اذا تقررت ادبا دينيا فقلت كل شيعي في غلاف التشيع يكون مستورا وراء التقية لا يبقى لقوله قيمة ولا يبقى لعمله صدق ولا لوعده وعهده وفاء ويحلفون بالله انهم لمنكم وما هو منكم ولكنهم قوم يفرقون.

واستشهد ص ٨٦ على بطلان التقية ـ وظن انه قد فتح بذلك كنزا ـ بقول الامام : العبادة خوفا من العذاب عبادة العبيد وطمعا في الاجر عبادة الاجراء واطاعة للامر وحبا لله عبادة الاحرار. قال فكيف يكون حال امام معصوم يأتي تقية بعبادة عند سلطان جائر وهما في خوفه او طمعا في رضاه او سعيا لا رضاء هوى باطل او كيف يكون ادب امام له دين يفتري على الله حكما او على نبيه حديثا يتعمد الكذب ويزعم فيه التقية وهو واهم في خوفه وضال ينافق في تظاهره بالوفاق للعامة ثم كيف تنسب التقية الى الباقر وفي طوماره ولا تخش الا الله يعصمك من الناس. نحن اهل السنة والجماعة نبرئ كل مؤمن له ادب من ان يتدرك الى مثل هذا الدرك الاسفل من الادب.

وختم كلامه ص ٨٥ بقوله : هذه جمل غثها وسمينها للشيعة في التقية كلمات بعضها حق وكلها اريد بها باطل وادعي انا ـ احتراما لكل امام ـ ان جميعها موضوع على لسان الصادق والباقر.

(ونقول) قد افرط هذا الرجل في تعنته وتعصبه وعناده واساءة القول ولم يأت بشيء يصح ان يقال عنه انه دليل او شبه دليل.

والعجب منه ومن امثاله في عيبهم الشيعة بالتقية وقد نطق بها القرآن الكريم وجوزها الشارع الحكيم في افظع واعظم شيء يتصور في موالاة الكفار واظهار كلمة الكفر ومدح الاصنام وسب الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ستعرف وعيب التقية ليس على الشيعة الذين حفظوا بها دماءهم واموالهم واعراضهم بل عارها وشنارها ووبالها على من اضطر الشيعة إليها.

معنى التقية

(التقية) لغة الحذر وشرعا اظهار خلاف الواقع في الامور الدينية بقول او فعل خوفا وحذرا على النفس او المال او العرض المعبر عنه في هذا الزمان بالشرف على نفسه او على غيره.

حكم التقية

(وحكمها) انها واجبة عند حصول هذا الخوف محرمة عند عدمه قال الامام الرازي في تفسير سورة آل عمران : التقية انما تجوز فيما يتعلق باظهار الموالاة والمعاداة وقد تجوز فيما يتعلق باظهار الدين فاما ما يرجع ضرره الى الغير كالقتل فذلك غير جائز البتة ومذهب الشافعي ان التقية بين المسلمين اذا شاكلت الحالة بين المسلمين والمشركين حلت التقية محاماة على النفس. والتقية جائزة لصون النفس وهل هي جائزة لصون المال يحتمل لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرمة مال المسلم كحرمة دمه ولقوله من قتل دون ماله فهو شهيد والماء اذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء فكيف لا يجوز هنا ا ه.

وقال الباقر عليه‌السلام فيما رواه الكليني في اصول الكافي : انما حلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية.

وحكى الامام الرازي عن مجاهد : الحكم ـ يعني في التقية ـ بالجواز كان ثابتا في اوّل الاسلام فاما بعد قوة دولة الاسلام فلا. قال وروى عوف عن الحسن ان التقية جائزة للمؤمنين الى يوم القيامة وهذا القول اولى لان دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الامكان ا ه.

دليل التقية

(والدليل عليها) العقل والنقل فقد قضى العقل بجواز دفع الضرر بها بل بلزومه واتفق عليها جميع العقلاء ونص عليها الكتاب العزيز والسنة المطهرة. فمن الكتاب آيات (منها) قوله تعالى في سورة آل عمران ٢٨ (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) الآية ومهما اختلف المفسرون في سبب النزول وفي معنى التولي للكافرين فالآية صريحة في النهي عن اتخاذهم اولياء وفي تهديد الفاعل لذلك بانه ليس من الله في شيء بقطع العلقة بينه وبين الله تعالى وذلك تهديد عظيم وذم كبير ليس اكبر ولا اعظم منه ومع ذلك فقد رخص الله فيه وفي اظهاره عند الخوف والتقية. فهل يبقى بعد ذلك مجال للوم الشيعة على التقية لحفظ دمائهم واموالهم واعراضهم. وهل يبقى مجال لتشدق موسى جار الله واضرابه.

(ومنها) قوله تعالى في سورة النحل ١٠٦ (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) قال الرازي في تفسير هذه الآية : روي ان ناسا من اهل مكه فتنوا فارتدوا عن الاسلام وفيهم من اكره فاجرى كلمة الكفر على لسانه مع انه كان بقلبه مصرا على الايمان. منهم عمار وابواه ياسر وسمية وصهيب وبلال عذبوا فقتل ياسر وسمية واما عمار فقد اعطاهم ما ارادوا بلسانه مكرها فقيل يا رسول الله ان عمارا كفر فقال كلا ان عمارا ملئ ايمانا من فرقه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه فاتى عمار

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبكي فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح عينيه ويقول مالك ان عادوا لك فعد لهم بما قلت ا ه ـ. وفي مجمع البيان عن ابن عباس وقتادة نزلت في جماعة اكرهوا وهم عمار وابوه وسمية أمه وصهيب وبلال وخباب عذبوا وقتل ابو عمار وأمه واعطاهم عمار بلسانه ما ارادوا منه ثم اخبر سبحانه بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال قوم كفر عمار فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلا ان عمارا ملئ ايمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه وجاء عمار الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبكي فقال ما وراءك فقال شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهم بخير فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح عينيه ويقول ان عادوا لك فعدلهم بما قلت فنزلت الآية ا ه.

واخرج الحاكم في المستدرك بسنده عن ابي عبيدة عن محمد ابن عمار بن ياسر عن ابيه قال اخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه فلما اتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له ما وراءك قال شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال كيف تجد قلبك قال مطمئن بالايمان قال ان عادوا فعد (قال الحاكم) : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ـ البخاري ومسلم ـ ولم يخرجاه ا ه. وذكره الذهبي في تلخيص المستدرك معترفا بانه صحيح على شرطهما.

وروى الكليني في الكافي انه قيل لابي عبد الله ان الناس يروون ان عليا قال على منبر الكوفة ايها الناس انكم ستدعون الى سبي فسبوني ثم تدعون الى البراءة مني فلا تتبرءوا مني قال ما اكثر ما يكذب الناس على علي انما قال انكم ستدعون الى سبي فسبوني ثم ستدعون الى البراءة مني واني لعلى دين محمد ولم يقل فلا تتبرءوا مني فقال له السائل أرأيت ان اختار القتل دون البراءة فقال والله ما ذلك عليه وما له الا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث اكرهه اهل مكة وقلبه مطمئن بالايمان فانزل الله عزوجل فيه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندها باعمار ان عادوا فعد فقد انزل الله عذرك وامرك ان تعود ان عادوا ا ه.

(ومنها) قوله تعالى في سورة المؤمن ٢٨ وقال رجل من آل فرعون يكتم ايمانه فهل كان يكتم ايمانه الا وهو يتقي.

ومما يدل على جواز التقية بل وجوبها مضافا الى ما سبق عموم قوله تعالى ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة. يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. ما جعل عليكم في الدين من حرج. لا يكلف الله نفسا الا ما آتاها. ومما يرشد الى التقية قوله تعالى ولا تسبوا الذين كفروا فيسبوا الله عدوا بغير علم. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثت بالحنيفية السمحة السهلة. وروى ابن سعد في الطبقات الكبير بسنده ان أبا بكر كان ردف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين مكة والمدينة وكان ابو بكر يختلف الى الشام فكان يعرف وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يعرف فكانوا يقولون يا أبا بكر من هذا الغلام بين يديك فيقول هذا يهديني السبيل. وبسنده ركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وراء ابي بكر ناقته فكلما لقبه انسان قال من انت قال باغ ابغي قال من هذا وراءك قال هاد يهديني فقد ورى ابو بكر بما يظهر منه انه يفتش على ضائع ضاع له وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دليل يدله على الطريق وهذا نوع من الكذب لاجل الخوف اقره عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينهه عنه. والتورية لا ترفع الكذب ولهذا لا تجوز في اليمين لفصل الخصومة. وحكى اليعقوبي في تاريخ وغيره انه لما جاء بسر بن ابي أرطاة بجيشه الى المدينة وطلب جابر بن عبد الله قال جابر لام سلمة اني خشيت ان اقتل وهذه بيعة ضلال فقالت اذا تبايع فان التقية حملت اصحاب الكهف على ان كانوا يلبسون الصلب ويحضرون الاعياد مع قومهم. وفي ميزان الاعتدال : قال مصعب عن الدراوردي لم يرو مالك عن جعفر حتى ظهر امر بني العباس. فلما ذا لم يرو مالك امام المذهب عن جعفر الصادق في ملك بني امية وكتم علمه الذي يرويه عن جعفر حتى ظهر امر بني العباس هل كان داعيه الى ذلك الا الخوف والتقية فهل كان مالك اخوف على نفسه من بني امية وهو لا يظهر عداءهم ولا يظهرون عداءه من الباقر الذي يعادونه ويسبون جده على المنابر وقد قال ابراهيم عليه‌السلام لقومه اني سقيم ولم يكن سقيما وامر يوسف فنودي ايتها العير انكم لسارقون ولم يكونوا سارقين وقالوا نفقد صواع الملك ولم يفقدوه فاذا جاز الكذب لانبياء الله تعالى لمصلحة لا تبلغ حفظ النفس أفلا يجوز الكذب بعمل او قول تقية لحفظ النفس ولما عزز الله رسولي عيسى الى اهل انطاكية بشمعون الصفا اظهر شمعون أولا انه منهم حتى توصل الى مراده. والحاصل ان الاضطرار يبيح الحرمات بضرورة شرع الاسلام فيحل للمضطر اكل

الميتة لحفظ حياته ويحل لمس بدن الاجنبية لانقاذها من الغرق ويسوغ الكذب وهو من الكبائر لمصلحة لا تبلغ الاضطرار كالاصلاح بين الناس ويجب لحفظ نفس محترمة الى غير ذلك مما لا يحصى وليست التقية الا نوعا من الضرورات لحفظ الدم والمال والعرض. ومن العجيب ان خصومنا يتقون اذا ابتلوا بما دون الخوف على النفس ويشنعون علينا اذا اتقينا عند الخوف على انفسنا.

وقد اجاب عن الاستدلال بالآية الاخيرة فقال ص (٨٠) قيل عند الباقر ان الحسن البصري يزعم ان الذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم اهل النار فقال الباقر فهلك اذا مؤمن آل فرعون. ما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحا فليذهب الحسن يمينا وشمالا لا يوجد العلم الا هاهنا ـ واشار الى صدره (١) امام الائمة الحسن البصري يقول ان النبي لم يترك لامته سوى ما في ايدي الناس. وقد كذب كذبا من يدعي ان عنده من علوم النبي واسراره ما ليس في ايدي الناس وكذلك يكذب من يدعي انه يظهر من ذلك ما يشاء ويكتم ما يشاء. واراد الباقر ان يرد قول الحسن البصري بان الكتمان عند التقية طريقة مستمرة من زمن نوح الى الآن وان مؤمن آل فرعون قد كتم بنص القرآن الكريم ويدعي الباقر ان اكثر المعارف والشرائع لا يوجد الا في صدره وان التقية والكتمان من دينه ودأبه ولا أرى الا ان ما اسند الى الباقر موضوع. ولم يضعه الا جاهل لان مؤمن آل فرعون لم يكتم العلم وانما كتم ايمانه وبث علمه بتفصيل ذكره القرآن الكريم في آية ١٨ من سورة غافر والآيات ظاهرة في رد ما يدعيه الباقر وتدل على بطلان التقية دلالة قطعية والآية الاخيرة (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) نص في انه ما نجا الا بتركه التقية ولو اتقى لكان اوّل ما دخل في قول الله وحاق بآل فرعون سوء العذاب.

وقال ص ٨١ عجيب مستبعد ان كتب الشيعة ترفع الى اعلم الائمة قولا لا يمكن صدوره الا من اجهل جاهل ثم تفتخر ومؤمن آل فرعون اذ يكتم ايمانه من آل فرعون لا يتقي بالكتم بل يقتوي به الى سماع كلماته الناصحة الهادية ولو اظهر لكان قولا من عدو يدعوهم الى تبديل الدين او ان يظهر في الارض الفساد فالكتم في مثله

__________________

(١) واشار الى صدره ليس في الرواية ـ المؤلف ـ.

اقتواء وليس باتقاء.

(ونقول) الحسن البصري كان ـ كما وصفه بعض ائمة اهل البيت ـ يجاري كل فرقة ويتصنع للرئاسة والامام الباقر لما علم انه كان يرى نفسه في غنى عن علم اهل البيت رد قوله هذا باقوى حجة فانه لما اطلق ذم كاتم العلم مع الخوف وعدمه رد عليه بكتمان مؤمن آل فرعون ايمانه فاذا عذر كاتم الايمان لخوفه فبالحري ان يعذر كاتم العلم مع ان كتمان الايمان لا يتم الا باظهار الكفر بخلاف كتمان العلم فانه يكفي فيه السكوت وستعرف ان كتمان الايمان يلزمه كتمان العلم وبين انه وان ادعى الاستغناء عن علم اهل البيت فلن يجد العلم الا عند اهل البيت ورثة علوم جدهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحق له ان يقول ذلك وقد سماه جده الرسول باقر العلم فليذهب الحسن البصري ـ سواء أأسماه امام الائمة أم لا ـ وغير الحسن البصري وموسى جار الله وراءهم يمينا وشمالا وشرقا وغربا وبرا وبحرا واين شاءوا فلن يجدوا العلم الصحيح الا عند ائمة اهل البيت مفاتيح باب مدينة العلم ووارثي علم جدهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يستحق احد ان يسمى امام الائمة غيرهم على انه قد حكى فيما مر عن السرخسي عن الحسن البصري ان التقية جائزة الى يوم القيامة فكيف يستشهد بكلامه هنا على نفي التقية.

وقد كذب كذبا من يدعي ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يترك لامته سوى ما في ايدي الناس الذين اخذوا بآراء الرجال التي تخطىء وتصيب وبالمقاييس واعرضوا عن علوم آل محمد الذين جعلوا شركاء القرآن واحد الثقلين لا يضل المتمسك بهم ومثل باب حطة وسفينة نوح والذين امروا بان يتعلموا منهم ولا يعلموهم وان لا يتقدموهم ولا يتأخروا عنهم والذين قولهم وحديثهم (روى جدنا عن جبرئيل عن الباري). ولا نظن ان نسبة هذا الكلام الى الحسن البصري صحيحة فهو في علمه ومعرفته لم يكن لينكر ان اهل البيت اعلم الناس في زمانهم وان عندهم ما ليس عند الناس وان نسب إليه الانحراف عن علي عليه‌السلام وحكي عنه انكار ذلك. وكيف كان فكلامه ليس وحيا لا سيما ان خالف المنقول والمشاهد. وبما ذا علم موسى جار الله ان علوم النبي واسراره احاط بها من عدا اهل البيت ولم ينفرد اهل البيت بشيء منها ما هو الا التخرص على الغيب وعدم انزال اهل البيت بالمنزلة التي انزلهم الله بها.

واما قوله ويكذب كذبا من يدعي انه يظهر من ذلك ما يشاء ويكتم منه ما يشاء فليس احد احق بالكذب والافتراء منه في هذا القول. فلا يكتم الا ما يخاف من اظهاره يكتمه عمن يعلم انه لا يقبله او يخاف شره على نفسه ولا يكتمه عمن يقبله من اصحابه واتباعه.

واذا اراد الباقر ان يرد قول الحسن البصري بما ذكره فما اتى الا بواضح البرهان وشاهد القرآن ومن هو وارث علم الأنبياء غيره وغير اهل بيته.

واذا ادعى الباقر ان اكثر المعارف والشرائع لا يوجد الا عنده فحق له ذلك فهو باقر علوم جده الرسول ومفتاح باب مدينة العلم وامام من امرنا بان نتعلم منهم ولا نعلمهم. وابن من قال سلوني قبل ان تفقدوني. وابن من قال لو ثنيت لي الوسادة. وابن من قيل فيه لو لا علي. قضية ولا ابو حسن لها فقد ورث علوم اجداده خلفا عن سلف فهذا الثمر من ذلك الشجر وهذا السيل من ذلك المطر شاء موسى جار الله واضرابه او ابوا.

واذا كانت التقية والكتمان لعلمه ممن يخاف شرهم ولا يأمن ضرهم من دينه ودأبه فما فعل الا ما اوجبه العقل والدين والشرع وما امر به الله ورسوله فزعم موسى جار الله انه موضوع لم يضعه الا جاهل جهل.

وتعليله ذلك بان مؤمن آل فرعون لم يكتم العلم وانما كتم ايمانه وبث علمه تعليل فاسد فهل كان حبيب النجار يظهر انه على دين قوم فرعون فان لم يكن يظهر ذلك لم يكن قد كتم ايمانه واذا كان يعلم ان فرعون وكل بني آدم لا يستحق واحد منهم ان يكون إله وان ما عليه فرعون وقومه باطل وكتم ذلك واظهر خلافه أفليس يكون قد كتم علما واظهر باطلا وهل يصح ان يقال في حقه انه لم يكتم العلم واما انه بث علمه بما حكته آيات سورة غافر فانما يكون ردا على من يقول انه لا يجوز لاحد كتم شيء من علمه خوفا ان يظهر غيره ولو كان لا يخاف من اظهاره او ان من كتم علما خوفا ثم أمن لا يجوز له اظهاره بعد الأمن فمؤمن آل فرعون صرح القرآن الكريم انه كان يكتم ايمانه وكتمان الايمان يلزمه كتمان العلم ثم صرح القرآن بانه اظهر شيئا من علمه بقوله : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ

كَذَّابٌ) الى قوله (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) وهي الآيات التي حكى الله تعالى فيها قوله لقومه فاما ان يكون خائفا من اظهار ايمانه آمنا من عاقبة ما قاله لقومه او يكون خائفا أولا ثم آمن وعلى كل حال فهو قد كتم ايمانه يقينا وكتمانه كتمان للعلم وبذلك يظهر ان هذا التعليل الذي علل به فاسد عليل وان دعواه ان تلك الآيات ظاهرة في رد ما يدعيه الباقر ودالة على بطلان التقية دلالة قطعية باطلة بطلانا قطعيا ودالة على جهله وسوء ادبه دلالة جلية وكيف يقول هنا انها دالة على بطلان التقية وهو قد قال فيما مر التقية بمعنى وقاية النفس من اللائمة والعقوبة هي من الدين ولكنه لا يبالي بتناقض اقواله.

وقوله : الآية الاخيرة نص في انه ما نجا الا بترك التقية نقول على الله وآياته فليس في الآية الا انه كانت عاقبته ان وقاه الله سيئات ما مكروا اما كون ذلك بسبب التقية فلا تدل عليه بنص ولا ظهور ولا ربط لها بذلك ولا يبعد ان يكون الله تعالى وقاه سيئات ما مكروا باستعماله التقية في اوّل الامر بكتمان ايمانه ولو اظهره أولا لقتل ولكنه اتقى فكتم ايمانه واظهر انه مثلهم فوقاه الله سيئات ما مكروا.

وقوله : لو اتقى لدخل في وحاق بآل فرعون سوء العذاب طريف جدا فهل كان سبب حوق سوء العذاب بآل فرعون اتقاؤهم.

وقوله : عجيب مستبعد «الخ» هو عجيب لكنه غير مستبعد ان يصدر من هذا الرجل ما لا يمكن صدوره الا من اجهل جاهل بعد ما تكرر منه صدور امثال ذلك ثم يفتخر بانه اهتدى الى ما لم يهتد إليه الامام الباقر ويقول مؤمن آل فرعون اذ يكتم ايمانه لا يتقي بالكتم بل يقتوى به مع ان الكتم سواء اقتوى به أم لا فهو تقية اذ لو كان لا يخاف فلما ذا يكتم فان قال انه لا يخاف من القتل لكن يخاف من عدم قبول قوله قلنا هذا نوع من الخوف اظهر خلاف الواقع بسببه والامام الباقر اذ يكتم بعض علمه المتضمن انه امام من بني امية وبني العباس لا يتقي بالكتم ـ ان صح ان لا يسمى ذلك اتقاء ـ بل يقتوي به الى اسماع كلماته الناصحة الهادية وبث احكام جده الصحيحة العادلة حتى ملأ ذلك منه بطون الكتب والدفاتر ولو اظهر كل ما عنده من علم لجميع الناس لكان قولا من عدو يدعوهم الى خلع طاعة من لا يستحق الخلافة او ان يظهر في الارض الفساد فلا يتوقفون عن قتله او سجنه كما فعلوا بجماعة من

اهل بيته فيكون الكتم في مثله اقتواء وليس باتقاء والصواب انه اتقاء واقتواء في آن واحد

فظهر بما تلوناه عليك ان التقية مما قضى به العقل وفعله كافة العقلاء واجازه وامر به النقل حتى في افظع الافعال والاقوال واشنعها وان في تركها مخالفة لقوله تعالى ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة وانها نوع من انواع الضرورات التي تباح لا جلها المحذورات وبذلك تعلم ان جميع ما اتى به سخف باطل ومماحكة ومراء وتعصب وعناد لا نصيب له من الصحة وهو يتلخص في امور.

(الاول) ما ذكره في معنى التقية ومحلها وهو لا يفترق عما نقوله شيئا فهو يقول انها واجبة على كل احد في حفظ حياته وشرفه وماله وحماية حقه فهل بلغه ان الشيعة تجيز التقية في غير هذه المواضع الاربعة كلا ومن زعم غير ذلك فقد كذب وافترى. ويقول انها وقاية النفس من اللائمة والعقوبة وانها بهذا المعنى من الدين وهذا هو الذي نقول به والذي امرنا به ائمتنا لا نحيد عنه قيد شعرة واذا كانت عنده جائزة في كل شيء فما باله خصصها بغير العبادة والرواية وما دليل هذا التخصيص. ولسنا ندري ما يريد بقوله مكروهة حيث يخاف الالتباس على العوام وفي اي مكان وجده بل هي واجبة عند الضرر حرام عند عدمه لا غير او مباحة اذا لم يكن فيها اغراء بالجهل ولا ندري مبلغ صحة هذا النقل انها واجبة ومحرمة ومكروهة والذي يظهر انحصارها في واجبة ومحرمة وما حكاه عن الحسن البصري والسرخسي لا يخرج عن التقية التي تقول بها الشيعة واباء بعض اهل العلم ذلك جمود وجهل ولو ابتلي هذا البعض ببعض ما يسوغ التقية لما توقف عنها ومنع التقية في النقل ما هو الا جهل فلا يجب على الانسان ان يسلم نفسه للقتل او ما دونه تجنبا عن نقل كاذب وليس هو باعظم من اظهار الكفر وشيوع الشبهة ودخولها في الادلة ممنوع فللشبهة ما يرفعها من ادلة العقل والنقل ولو اسلم فليس باعظم من شيوع الكفر.

(الثاني) التقية في الجمع بين الخبرين المتعارضين ، زعم ان الشيعة لها غرام بحيلة التقية شغفها حبا حيلة التقية وفرع عليه انه اذا روى امام حديثا يوافق ما عليه الامة ترده على انها تقية.

وكذب في عبارته الاولى التي تفاصح بها بالحيلة والحيلة فالشيعة اتبعت ما امر

الله به في كتابه من التقية وجاءت به سنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واوصت به ائمة اهل البيت احد الثقلين وشركاء القرآن وفعله عامة العقلاء ففعلتها ـ حيث تفعلها ـ كارهة لها صابرة على مضضها حسبة لله تعالى حافظة بها دماءها واموالها واعراضها من طواغيت الظلمة. وانما هو قد شغفه حب المراء والعداء وتفريق الكلمة ومصادمة البديهة فجاء بما جاء ونطق بما نطق كما كذب في عبارته الثانية تمسكا بعصبية باطلة قاده إليها العداء ما ردت الشيعة حديثا ولا عملا لانه يوافق ما عليه الامة ولا هذا رأيها ولا اعتقادها وجل الاحاديث والاعمال التي تأخذ بها الشيعة وتقتدي بالأئمة فيها موافق لعمل من يسميهم الامة وانما ترجح احد الحديثين المتعارضين عند فقد جميع المرجحات في السند والدلالة بموافقته لفتوى ائمة اهل البيت كما مر آنفا في موافقة الامة ومخالفة الامة وهذا بعيد عما يزعمه بعد المشرق عن المغرب واذا كان يجل الائمة ويحترم اهل البيت ويرى من عزة الامام واعظم شرفه ان يكون من الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احدا الا الله ومن الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم فهل كان الائمة ـ وهو لا يراهم بالعين التي تراهم بها الشيعة ـ اعظم عنده من موسى كليم الله وهو نبي من اولي العزم حين قال ففررت منكم لما خفتكم وحين خرج من مصر خائفا يترقب ، او اعظم من نبي الله شعيب حين قال لو ان لي بكم قوة او آوي الى ركن شديد ، او اعظم من هارون وزير موسى وشريكه في الرسالة حين قال ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلما ذا لم يكلفوا ان يجاهدوا اعداءهم ولا يخافوهم ويخشوا الله ولا يخشوا احدا الا هو ، او اعظم من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين كان يعبد ربه سرا في اوّل الرسالة وحين اختفى ثلاثا في الغار ثم فر هاربا الى المدينة مستخفيا فلما ذا لم يكلف ان يجاهد المشركين يومئذ ولا يخافهم ويخشى الله ولا يخشى غيره.

وقوله اسوأ التقية في رواية الاخبار هو من أسوإ الاقوال وفقيه الشيعة يمنعه ورعه وتقواه عن ان يقول فيما اختلف من اخبار اهل البيت الا بما ثبت عنده من الحق الصريح من الترجيح بالمرجحات في السند والدلالة وموافقة الكتاب والسنة وعند فقد جميع ذلك يرجح بموافقة فتاوى ائمة اهل البيت لانها اقرب الى الحق كما مر آنفا ولكن هذا الرجل يقول ولا يتقي ان ما اختلفت من اخبار اهل البيت فهو التقية عند فقيه

الشيعة ولا شك ان التقية رحمة للشيعة حفظت بها دماءها واموالها واعراضها ولولاها لما بقي واحد منها. وهو يشك في ذلك وقد جاءنا من اقاصي الارض ينابذ الشيعة ويخاصمهم ويوري نار العداء لهم بغير حق وقد بلغت حالة المسلمين ما بلغت من وهن سنيهم وشيعيهم والتقية اولى ان تكون رحمة من اختلاف الامة المدعي انه رحمة المستلزم كون اتفاقها نقمة.

والشيعي ان اخذ بقول الامام الصادر تقية ولم يتنبه ـ وهو اقل قليل ـ كان معذورا كما يعذر من يأخذ بأقوال اهل المذاهب المختلفة الذي عد اختلافها رحمة ولا يمكن ان يكون كلها قول رسول الله (ص) لان قوله واحد وشرعه واحد انما يعذر من يخالفه باجتهاده. وكون كل مجتهد مصيب قد بين مفاده في الاصول انما كل مجتهد معذور مع عدم تقصيره ومقلده معذور كما يعذر الذي يأخذ بما رواه الراوي كذبا وهو لا يعلم كذبه. وقد كثرت عليه الكذابة في حياته فضلا عما بعد وفاته.

وفقيه الشيعة لا يحمل الرواية على التقية بمجرد كون رجال السند ممن تسموا بالسنيين او الزيدية ـ كما افتراه هذا الرجل ـ فالشيعة عملت بروايات الثقات من السنيين والزيدية كما عملت بروايات جميع من خالفها في العقيدة من الثقات كالفطحية والناووسية والواقفة وغيرهم وردت احاديث الشيعة انفسهم ان لم يكونوا ثقات ومنه تعلم ان قوله هذه حيلة الشيعة «الخ» زور وبهتان وتعصب بجهل وحيلة للرد على الشيعة وانما رد غيرها السنن الثابتة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واهل بيته احد الثقلين وشركاء القرآن بقول صحابي يعترفون بعدم عصمته كما يعلم مما يأتي في المتعة والعول والاذان والاقامة وغيرهما.

(الثالث) التقية في العبادة والرواية فمنع منهما بقوله اما التقية بالعبادة والتقية بالتبليغ «الخ» وقوله لا كلام لنا الا في هاتين الصورتين. وهو يناقض قوله التقية في سبيل حفظ حياته وشرفه وماله وحقه واجبة على كل احد إماما او غيره فاذا توقف حفظ احد الاربعة على التقية في احد الامرين فان قال بوجوبها ناقض ذلك منعه لها في الامرين وان قال بالعدم ناقض ايجابه لها لحفظ احد الاربعة وان خص ايجابها لحفظ احد الاربعة بغير العبادة والرواية سألناه عن المخصص وان انكر توقف حفظ احدها على التقية في احدهما خالف البديهة. وما نقله عن الامامين الشافعي والسرخسي

مقتضاه العموم. واذا رخص الله تعالى عمارا في افحش الاشياء واقبحها للتقية أفلا يرخص في اظهار الموافقة في عبادة او فتوى لحفظ احد الاربعة ، أفما فعله عمار اعظم أم المسح على الخف وغسل الرجلين في الوضوء وافتاء السائل بما يوافق مذهبه واي شيء يبقي بعد ما فعله عمار لا تجوز فيه التقية لو لا العصبية وقلة الانصاف. وقوله : لم يقصد به وجه الله ثم تفريعه ان ما لم يقصد به وجه الله باطل وشرك وان قصد النفاق طريف جدا فاذا حفظ به احد الاربعة الواجب عليه حفظها مطيعا امر الله له بالتقية كما امر عمارا ونهي الله عن الالقاء باليد الى التهلكة فلم لا يكون قاصدا وجه الله واي عمل يتقرب به الى الله خير من ذلك بل عمله من اعظم القربات. وذكره الوهم مع الخوف لا يظهر له وجه سوى الوهم. وقوله لا تقع ابدا من احد له دين ويمتنع صدورها من امام له عصمة ، قول لا يقع مثله ابدا من احد له دين وانصاف فقد بان انه ليس في وقوعها شيء ينافي الدين والعصمة عند من له انصاف ودين وقد وقع اعظم منها لمن ملئ ايمانا من قرنه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه واقره عليه الرسول الاعظم وامره بالعود إليه اذا عادوا بل يمتنع صدور غيرها من امام له عصمة ولو صدر غيرها لكان طعنا على عصمته ودينه لانه يكون مخالفا لامر ربه بها وملقيا بيده الى التهلكة وكيف يقصد به النفاق ليكون شركا وكيف لا يعتقده قربة وهو من اعظم القربات. وما ادعاءه انه يقصد به النفاق الا نوع من النفاق.

واذا كانت الرواية امانة والتقية فيها افتراء على الشارع وكيدا للامة وكل سامع ـ كما يقول ـ فالشهادة بالوحدانية والرسالة ونبذ الاصنام أليس هو امانة والتقية فيها باظهار انكار الوحدانية ومدح الاصنام التي جعلت شركاء لله تعالى وسب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واظهار ان ذلك هو الحق الذي يجب اتباعه وترك ما عداه أليست هي افتراء على الشارع وكيدا للامة وكل سامع فكيف رخص فيه وفي الدوام عليه لعمار الذي ملئ ايمانا من فرقه الى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه ولم يرخص لغيره فيما هو اهون منه. ولسنا ندري ما يريد بالكلمات التي يزعم انه لا يوجد بينها ان إماما كان يتقي في عبادته او روايته أهي كلمات ائمة اهل البيت أم كلمات غيرهم فان اراد الاولى فانا نحن شيعتهم واتباعهم قد وجدنا بين كلماتهم ما يثبت ذلك رواه لنا الثقات عن الثقات بالطرق الصحيحة فاتبعناهم واقتدينا بهم ـ ونعم القدوة

هم ـ وان اراد الثانية لم يكن ذلك دليلا على انتفائه والامام لا يضع حديثا يراه باطلا ـ كما زعم ـ بل يستفتى فيفتي بخلاف رأيه حفظا لنفسه من اذى الظالمين فهل ذلك اعظم مما فعله عمار حتى يكون ذلك جائزا وهذا نفاقا لو لا النفاق وعدم الانصاف.

واما تمويهه بان خلاف الرواية السكوت والساكت آمن فيرده ان التقية بالرواية تكون عند السؤال ومعه قد لا يمكن السكوت وقد يكون السؤال من نوع التجسس وهذا واضح لكل احد ولكن عناد هذا الرجل يدعوه الى التمحل والتعسف ولو انصف قليلا لعلم ان من يكون مثل ائمة اهل البيت في اشتهارهم بالعلم والفضل عند الخاص والعام لا يمكنه السكوت في كل مقام ولا يتيسر له ولا يقبل منه

(الرابع) تشدد الصادقين في امر التقية نقل ما روي عنهما فيها في معرض النقد والاستنكار.

واذا نظرنا الى ما جرى على ائمة اهل البيت الطاهر واتباعهم وسائر افراد البيت العلوي في الدولتين الاموية والعباسية بل واكثر الدول الاسلامية من سلاطين الجور الحاملين لقب إمارة المؤمنين واعوانهم ومن عاصرهم او تأخر عنهم مما شاع وذاع وتواترت به الاخبار وتكفلت بنقله كتب الآثار من الظلم والاضطهاد الباعث لأشد الخوف بالالقاء في السجون والقتل بالسم والسيف والتشريد عن الاوطان وبناء الحيطان عليهم احياء ودفنهم احياء ومنع الحقوق والتخليد في المطامير وايقاع كل مكروه بهم مما هو معلوم معروف. وقد كان العلم او الظن او التهمة بان الرجل من اتباع اهل البيت كافيا في ايصال انواع الاذى والضرر إليه بالقتل فما دونه. علمنا ان الباقر والصادق عليهما‌السلام مصيبان كل الاصابة في تشديدهما الامر بالتقية في دولة الباطل ووصفهما تاركها بانه لم يرض بقضاء الله وخالف امر الله وضيع المصلحة التي اختارها الله لعباده ، وفي قولهما التقية ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له وان التقية كانت واجبة عليهم بكل انواعها وانهم كانوا معذورين فيها وان تركها لو تركوها كان مخلا بديانتهم وعصمتهم وحكمتهم وانه لولاها لما بقي لهم ولا لشيعتهم واتباعهم اثر وكانت المفسدة اعظم واضر. قال القاضي ابن ابي جرادة الحلبي في شرح قصيدة ابي فراس الميمية : لما عزم المنصور على الحج في العام الذي توفي فيه وهو عام

١٥٨ دعا ريطة ابنة اخيه السفاح وهي زوجة ابنه محمد واعطاها مفاتيح واحلفها بأوكد الايمان ان لا تفتح بها خزائن عرفها اياها ولا تطلع عليها احدا ولا ابنه المهدي حتى يصح عندهما موته فيجتمعان وليس معهما ثالث على فتحها فلما بلغ ابنه موته وولي الخلافة فتح تلك الابواب ومعه ريطة فاذا ازج عظيم فيه قتلى الطالبيين وفي آذانهم رقاع فيها انسابهم منهم المشايخ والشباب والاطفال فلما رأى ذلك المهدي ارتاع وامر فحفرت لهم حفيرة ودفنوا فيها ا ه.

وما جرى عليهم في عهد الملك العضوض والعصرين الاموي والعباسي المشئومين كله سلسلة مظالم قادحة وحلقات فظائع مفجعة ، وشي الى الرشيد بان علي ابن يقطين احد وزرائه شيعي فامر بالتجسس عليه في عبادته فامره الكاظم بالتقية فاخبر الرشيد بعبادته فسلم وعاقب الواشي واستمر ذلك في اعصار كثيرة وبقي شرره يتطاير الى اليوم ومع ذلك يلام اتباع اهل البيت ويندد بهم وينسبون الى النفاق والحيلة اذا اتقوا دفعا للضرر وبعدا عن الخطر أفيقع ذلك ممن عنده ذرة من انصاف وحسبك ان يجيء موسى جار الله بعد الف ومئات من السنين من اقاصي تركستان وآخر ما عمر الله الى هذه البلاد في هذا الزمان الذي لم يبق فيه للاسلام دولة ولا صولة وقد ملكت عليهم بلادهم واصبحوا غرباء في اوطانهم وبدلت شرائع دينهم يضرم نار الخلاف ويهدم بنيان الوفاق بكلماته هذه التي يقطر السم والشر من جوانبها وينتقد ائمة اهل البيت واتباعهم بمر الانتقاد بغير حق ويسيء الادب في حق ائمة اهل البيت الطاهر وان اراد ستر ذلك بان ما اسند إليهم موضوع.

والتقية من دين الله في كل ملة كما قال الامام الصادق فقد كان مؤمن آل فرعون يكتم ايمانه وكان اهل الكهف يتقون وما هربوا ودخلوا الكهف الا خوفا وتقية ولما افاقوا بعد ثلاثمائة وتسع سنين قالوا (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) الآية فاوصوه بالاستخفاء والتقية خوفا من القتل او الفتنة عن الدين ، قال الرازي في تفسيره عن ابن عباس (فلينظر ايها ازكى طعاما) يريد ما حل من الذبائح لان عامة اهل بلدهم كانوا مجوسا وفيهم قوم يخفون ايمانهم ا ه. فهل كانوا يخفونه الا تقية فبان بذلك صدق قول الامام الصادق : التقية

من دين الله في كل ملة في الاقوال والافعال والسكوت عن الحق حفظا للنفس والمال وابقاء للدين ولو لا التقية لبطل دين الله وانقرض اهله.

وقوله : التقية على ما عليه الشيعة غش في الدين هو عين الغش في الدين فقد بان ان التقية على ما عليه الشيعة هي عين ما اعترف به في كلامه وعين ما نقله عن السرخسي وهي عين ما امر الله به في كتابه وعلى لسان نبيه واوصيائه وقضى به العقل ولا نختلف عما يفعله هو واهل نحلته وجميع الناس عند خوفهم شيئا وهي عين النصح والنصيحة. وتركها غش في الدين لانه ايقاع للنفس في الضرر وفي التهلكة. والامام لا يسلك الا طريق صح ولذلك امر شيعته واتباعه بالتقية ليحفظوا نفوسهم من القتل والاذى واموالهم من السلب والنهب واعراضهم من الانتهاك ولو امرهم بترك التقية لكان قد غشهم ولم يكن احد من الائمة يسلك طريق الغش ولكن هذا الرجل يأبى الا المراء والعناد وسلوك طريق الغش. وكل يعلم ان من اظهر بلسانه ما لم يعتقده بقلبه تقية وحفظا لدمه وماله وعرضه مأجور مثاب ثواب الصابرين داخل في قوله تعالى (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) مشارك لعمار الذي رخصه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اظهار كلمة الكفر للتقية فجعل هذا الرجل ذلك كذبا ونفاقا هو من الشقاق والنفاق ومرض القلب. ويزعم ان الشيعة تجيزه لغرض عدائي ـ وكذب ـ لا تجيزه الا حفظا للنفس او المال او العرض كما اجازه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في افظع الامور تقية ولكن هذه المماحكات منه ما هي الا لغرض عدائي. واذا كان لا يظن ان الائمة كانوا يعلمون الشيعة التقية التي يسميها تقية الخداع في الاخبار والنفاق في الاحكام جهلا منه او خداعا ونفاقا فنحن نعلم ولا نظن انهم كانوا يعلمونهم ما يفعله كل عاقل وذي دين وما امر الله به في كتابه وما فعله عمار فيفعلونه مكرهين مرغمين صابرين على مضضه وبلائه كما صبر عمار مكرها مرغما وحاشاهم من الخداع والنفاق ومن رماهم بذلك هو احق واولى به منهم وقد اتضح مما مر وضوح الشمس الضاحية ان نسبته الى الشيعة الاتقاء في طفائف الامور والاعمال النفاقية بوضع الاخبار على وجه التقية والمجاهرة بأسوإ الكبائر «الخ» نسبة كاذبة باطلة وعمل من الاعمال الشقاقية النفاقية ومجاهرة بأسوإ الكبائر. فالشيعة لا تأخذ الاحكام جزافا ولا تتبع الا ما رسمه لها الدليل في امر التقية سواء في ذلك طفائف

الامور وعظامها وان كلامه هذا روحه النفاق والشقاق لله ولرسوله وثمرته كفر التهود قالوا سمعنا وعصينا سمع قول الله تعالى الا من اكره الا ان تتقوا وعصاه وعاب من اطاعه ونحن سمعناه واطعناه فاي الفريقين احق ان يدخل تحت هذه الآية.

واي شيء اعظم في تقرير التقية ادبا دينيا من القرآن. وقلب كل شيعي خال من كل شائبة مطمئن بامتثال ما امره به ربه في امر التقية ولكن قلب هذا الرجل في غلاف العداء والمراء مستور عن رؤية الحق واذا كان لا يبقى لقول مستعمل التقية قيمة ولا لعمله صدق ولا لوعده وعهده وفاء يكون اعتراضه متوجها الى الله تعالى لانه رخص للصحابة في اظهار كلمة الكفر تقية ولجميع المسلمين في جميع انواع التقية فعرضهم لأن لا يكون لأقوالهم قيمة ولا لعملهم صدق ولا لوعدهم وعهدهم وفاء. واولى بالانطباق عليه من الآية التي استشهد بها قوله تعالى (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ).

وما استشهد به من تقسيم الامام العبادة الى اقسامها الثلاثة لا شاهد فيه فعبادة الامام التي يأتي بها لحفظ دمه وماله وعرضه هي من اخلص العبادات وافضلها وهي من عبادة الاحرار اتي بها اطاعة للامر بالتقية والنهي عن الالقاء باليد الى التهلكة وحبا لله تعالى. وقوله فكيف يكون حال امام معصوم «الخ» يقال له كيف يكون حال نبي مرسل خاتم الأنبياء وافضلهم يجيز لعمار النطق بكلمة الكفر وسب النبي وانكار الوحدانية والنبوة والاعتراف بأن الاصنام يحق لها العبادة وانها تقرب الى الله زلفى حفظا لنفسه ولا يجيز الاتيان بعبادة او فتوى حفظا للنفس فاي الامرين افظع واشنع عند الله وعند العقلاء ، وبذلك يظهر هذره في قوله وهما في خوفه (الخ) فالامام المعصوم لا يأتي بالعبادة عند الجائر وهما في خوفه ولا طمعا في رضاه ولا سعيا لا رضاء هوى باطل وليس هو ضالا ينافق في تظاهره بالوفاق للعامة بل للضال والمنافق من ينسب إليه الضلال والنفاق. واما ما حكاه عن طومار الباقر وقد مر له حكاية نظيره فانا نسأله كيف الجمع بين ما في هذه الطومار والطومار المنزل من عنده تعالى وفيه ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة. ونحن معاشر شيعة اهل البيت الذين هم اعلم الناس بسنة جدهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبرئ كل مؤمن ومؤمنة لهما ادب من كل ما يعاب ولكنه اساء فهما فأساء اجابه.

والجمل التي قال ان غثها وسمينها للشيعة ليس فيها غث وكلها حق بما مر من الادلة لكن عناده وتعسفه وشدة تحامله يأبى له الا ان يجعل فيها غثا بغير دليل ولا برهان. وقوله كلها اريد بها باطل هو عين الباطل وانما جمله وكلماته هذه كلها باطل اريد بها باطل واذا كان بعضها حقا فكيف حكم بانه موضوع على لسان الامامين هل هذا الا سوء ظن وتهجم بسوء القول من غير دليل.

ادب التقية

قال ص ٨١ اصابت اصول الكافي اذ تروي اذا حضرت البلية فاجعلوا اموالكم دون انفسكم واذا نزلت نازلة فاجعلوا انفسكم دون دينكم هذا هو ادب التقية بذل النفيس في حفظ النفس وبذل النفس في حفظ الدين.

التوكل واليقين

قال ص ٨٢ ثبت عند الشيعة حديث حد التوكل اليقين وحد اليقين ان لا تخاف مع الله شيئا.

(ونقول) ما زعمه ادب التقية الظاهر انه لا ربط له بالتقية بل المراد بالحديثين انه اذا دار الامر بين حفظ النفس وحفظ المال فحفظ النفس مقدم واذا خيف على الدين وجب الجهاد وجعل النفس دون الدين.

وحديث التوكل أيضا لا يرتبط بالتقية وليس فيه منافاة لرأينا في التقية الذي سلف ولا لغيره ولو جربنا على ظاهره لبطلت التقية من رأس بل هذا الحديث اذا صح جار مجرى كلام اهل العرفان والمتصوفة الذين ينتسب إليهم كما جاء في بعض كلامه وما هو في هذه الاستشهادات الا كحاطب ليل.

الحرية في الفكر والقول والعمل

قال ص ٨٢ لم تكن المباحثة والمذاكرة في عصر من العصور توجب خيفة على النفس والنفيس والمجتهد كان حرا في فكره وقوله وعمله ثم نشره.

وقال ص ٨٤ لم يكن في عصر من العصور الاسلامية قتل شيعي وعقابه اذا اعلن وتجاهر بعقيدته لم يكن البتة شيء من ذلك وكل ما روي في ذلك فهو من اوضاع الشيعة.

(ونقول) امر هذا الرجل من غرائب الامور فهو يأبى دائما الا مصادمة البديهة والا العناد ومخالفة الضرورة وانكار المسلمات كان الله لم يخلقه الا لذلك يزعم حرية الفكر والقول والعمل والنشر في جميع الاعصار والحال انه لم يكن احد في عصر من العصور حرا في فكره وقوله وعمله ولا في نشره وكانت المباحثة والمذاكرة في جميع العصور توجب خيفة على النفس والنفيس فقد اخفى ابن عباس القول بعدم العول ايام الخليفة واظهره بعده وقال هبته وكان امرا مهيبا. ونفي سعد الى حوران ولم يكن حرا في فكره ونفي ابو ذر ولم يكن حرا في فكره. وقتل حجر بن عدي الكندي وكل هؤلاء من خيار الصحابة وقتل مع حجر نحو من سبعة احدهم ابنه وكلهم لم يكونوا احرارا في افكارهم واقوالهم واعمالهم ولم يكن في دولة بني امية احد يجسر ان يروي فضيلة لعلي بن ابي طالب ولا ان يسمي باسمه ولا يكتني بكنيته ولما دخل علي بن عبد الله بن العباس على عبد الملك بن مروان سأله عن اسمه وكنيته فقال علي ابو الحسن فقال لست احتملهما لك فغير كنيته وتكنى بابي العباس قاله ابو نعيم الاصفهاني في حلية الاولياء فلم يكن المرء حرا حتى في اسمه وكنيته. ولما قتل الحسين عليه‌السلام لم يجسر احد على رثائه. والامام احمد بن حنبل ضرب وحبس لانه قال بعدم خلق القرآن وضرب غيره وحبس لانه قال بذلك أفكان هذا من آثار حرية الفكر والقول والعمل عند موسى جار الله وربما كان للناس بعض الحرية والمذاكرة حتى الدهريين والملحدين الا فيما يرجع الى فضل اهل البيت ونصرة التشيع فقد كان ذلك ممنوعا منعا باتا ولم يكن جزاء مرتكب هذه الجريمة غير القتل والحبس والنفي والحرمان.

واغرب من ذلك ـ ولا غرابة في امر هذا الرجل ـ قوله : لم يكن في عصر من العصور قتل شيعي وعقابه لمجاهرته بعقيدته وزعمه ان كل ما روي في ذلك من اوضاع الشيعة. فان هذا يدل على جهله بالتاريخ او على تعصبه وعناده الذي ادى به الى انكار المسلمات او على كليهما والافراد والجماعات الذين قتلوا على التشيع او اوذوا

في سبيله في كل عصر من العصور لا يمكن احصاؤهم. وكان يكفي لإيذاء الرجل وطرده وحرمانه بل قتله في دولة بني امية ان يقال عنه انه ترابي حتى ان جبل ابي قبيس لما استولى عليه الحجاج في حرب ابن الزبير وجاء الخبر بذلك الى الشام قال الشاميون لا نرضى حتى يؤتى بهذا الترابي الخبيث الى الشام ـ ظانين ان أبا قبيس رجل وكان الرجل اذا نسب الى الالحاد والزندقة اهون من ان ينسب الى التشيع وكان الرجل في عهد بني امية يتقي من زوجته وخادمه ولا يجسر احد ان يروي حديث علي ، وكم نهبت وهدمت الدور وقطعت الايدي والارجل والعراقيب وصلب قوم على جذوع النخل وفعلت الافاعيل في ذلك العصر على التشيع. جيء بحجر بن عدي واصحابه وهم نحو أربعة عشر رجلا من الكوفة الى الشام مكبلين بالحديد لانكارهم سب علي بن ابي طالب وعدم براءتهم منه فقتل نحو من نصفهم بمرج عذرا ، قال ابن الاثير طلب اثنان من اصحاب حجر ان يرسلوهما الى معاوية فقال لاحدهما ما تقول في علي قال اقول فيه قولك قال تبرأ من دينه الذي يدين الله به فسكت فتشنع فيه بعض الحاضرين فنفاه الى الموصل فمات بها وقال للآخر ما تقول في علي قال دعني لا تسألني فهو خير لك قال والله لا ادعك قال اشهد انه كان من الذاكرين الله كثيرا من الآمرين بالحق والقائمين بالقسط والعافين عن الناس (الى ان قال معاوية) قتلت نفسك قال بل اياك قتلت فرده الى زياد وامره ان يقتله شر قتلة فدفنه زياد حيا وقتل دعي بني امية زياد بن سمية الملحق بابي سفيان بشهادة ابي مريم الخمار انه زني بامه وهي تحت عبيد رشيد الهجري على التشيع قطع يديه ورجليه ولسانه وصلبه وقتل هذا الدعي أيضا جويرية بن مسهر العبدي على التشيع قطع يده ورجله وصلبه الى جذع ابن معكبر وقتل ابنه الدعي ابن الدعي عبيد الله ميثما التمار على التشيع صلبه وطعنه في اليوم الثالث بحربة فقتله. وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة مصدع المعرقب انما قيل له المعرقب لان الحجاج او بشر بن مروان عرض عليه سب علي فابى فقطع عرقوبه ، قال ابن المديني فقلت للراوي في اي شيء عرقب قال في التشيع ا ه. وقتل الحجاج الطاغية عامل عتاة بني امية فيمن قتل من شيعة علي عليه‌السلام كميل ابن زياد النخعي على التشيع امر به فضربت عنقه وقتل هذا الطاغية أيضا قنبرا مولى علي عليه‌السلام بعد ما عرض عليه البراءة من دين علي فلم يفعل فامر به فذبح. ولم

يكن العصر العباسي اقل بلاء على الشيعة من ذلك العصر فكم قتل ملوك بني العباس قوما من الشعراء لمدحهم آل علي وقطعوا لسان بعضهم واحرقوا ديوانه وبعضهم نبشوه بعد موته واحرقوه. قال ابن شهرآشوب في المعالم : علي بن محمد بن عمار البرقي احرقوا ديوانه وقطعوا لسانه. وابو الحسن علي بن وصيف الناشي المتكلم بغدادي من باب الطاق حرقوه. ابن مدلل او مدرك الحسيني نفي من الموصل. منصور بن الزبرقان النمري نبشوا قبره ا ه. هذه هي العصور التي يتشدق موسى جار الله بحرية الفكر والقول والعمل فيها ويقول بلا خجل ولا استحياء لم يكن في عصر من العصور الاسلامية قتل شيعي وعقابه لمجاهرته بعقيدته البتة وكل ما روي في ذلك من وضع الشيعة. وما ذكرناه هو غيض من فيض وقطرة من بحر مما وقع من الظلم والاضطهاد لائمة اهل البيت وشيعتهم في الدولتين الاموية والعباسية وبعدهما وكتب السير والاخبار حافلة بذلك. ومن الجماعات الذين قتلوا بالالوف على التشيع شيعة افريقية الذين قتلوا في عهد المعز بن باديس سنة ٤٠٧ كما ذكره ابن الاثير (ومنهم) شيعة حلب الذين قتلوا قتلا عاما فيما بعد المائة السادسة وكان جل أهلها شيعة (وممن) قتل بعد المائة السابعة على التشيع من اعاظم علماء الشيعة محمد بن مكي العاملي الجزيني المعروف بالشهيد الاول الذي قتل بالسيف ثم صلب ثم احرق برحبة قلعة دمشق والشيخ زين الدين بن علي العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني المقتول قرب استانبول والقاضي نور الله التستري المقتول ببلاد الهند والقاضي شمس الدين محمد بن يوسف الدمشقي الذي قتل شر قتلة على التشيع واحرق تحت قلعة دمشق وقتل معه حسين البقسماطي راجع شذرات الذهب في حوادث سنة ٩٤٢ ج ٨ ص ٢٤٩ والسيد نصر الله الحائري المقتول في استانبول على التشيع حين ارسله نادر شاه سفيرا الى الدولة العثمانية للاعتراف بالمذهب الجعفري فكان جزاؤه القتل وقد ذكر القصة الشيخ عبد الله السويدي البغدادي في بعض رسائله المطبوعة بمصر وعندي نسخة مخطوطة من هذه الرسالة رواها الشيخ محمد السويدي عن والده الشيخ عبد الله وقال ان والده ذكر القصة في النفحة المسكية في الرحلة المكية وقال في آخرها ان هذا الخطيب ـ يعني السيد نصر الله الحائري ـ قتل شر قتلة بسبب شيعي فكان للوالد في اجر قتله سبب

وافر ا ه وجدنا السيد علي ابن السيد محمد الامين من اعاظم علماء جبل عاملة قتل مسموما في عكا في عهد ابراهيم باشا المصري وغيرهم ممن لا يسعنا احصاؤهم في هذه العجالة. وكم كان الشيعة في الحجاز يؤذون بانواع الاذى بالقتل فما دونه في اغلب الاعصار. وكم كان يوضع طبيخ العدس الجريش في حر الحجاز حتى ينتن ويجعل في الحرم لشريف ويدعي على شيعة العجم انه عذرة وضعوها في المسجد توصلا لإيذائهم وفي عصرنا هذا قتل سيد ايراني شريف من ذرية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء لاداء فريضة الحج في عهد الوهابيين ادعي عليه حمل العذرة على شفتيه وتنجيس الكعبة بها فحكم القاضي بقتله فذبح بين الصفا والمروة بالسيف ذبح الشاة. وامثال ذلك كثير لا يمكن حصره. ومع كل هذا يقول مؤلف الوشيعة بلا خجل ولا استحياء لم يكن في عصر من العصور الاسلامية ضرر على شيعي اذا جهر بعقيدته وما روي في ذلك فهو من اوضاع ، وما وشيعته هذه وما اودعه فيها الا شرارة من تلك النار وسهم من تلك الكناية.

كتم السر

قال ص (٨٢) كان للائمة في الدعوة والامور السياسية اسرار واخبار اذاعها البعض فقتل او كان سببا لقتل امام فكانت الائمة قد يتقون الشيعة اكثر من اتقائها الناصب والمخالف قال امام ما قتلنا من اذاع سرنا خطأ بل قتلنا قتل عمد. وقال ص (٨٣) فالتقية اذا كانت بمعنى كتم السر فهي ادب لازم لم يكن يقوم بها الا قليل والغالب ان مثل هذا الادب لم يكن عند الشيعة زمن الائمة ولذلك كانت الائمة تتقي الشيعة اكثر من اتقائها المخالف والناصب.

(ونقول) أولا لم يكن عند الائمة اسرار سياسية فيما يرجع الى الملك والسلطان وانما كان سرهم الذي لا يريدون اذاعته القول بامامتهم في الدين واخذ احكامه عنهم فكانوا يوصون اتباعهم بالتقية في ذلك خوفا من ملوك زمانهم الذين يخافون من ميل الناس إليهم ان ينازعوهم ملكهم وهذا يشمل ويعم كلما يدل على القول بامامتهم اما صريحا او ضمنا من فعل عبادة تختص بهم كالمسح على الرجلين ونقل فتوى تخالف فتوى غيرهم وغير ذلك ففي اخفاء ذلك كتم للسر وفي اظهاره

اذاعة له. واظهار هذا وحده كان كافيا في سفك الدماء ونهب الاموال والحبس والضرب وانواع الاذى من طواغيت زمانهم لكل من يقول به وينتسب إليه فامروا اتباعهم بالتقية لاجل ذلك وهي تشمل التقية في العبادة والرواية اللتين حصر كلامه فيهما وانكرهما سابقا واعترف بهما هنا من حيث لا يشعر فاذا كان كتم السر يشمل عدم اظهار القول بامامتهم وعدم اظهار عبادة او فتوى تختص بهم لان لازم ذلك القول بامامتهم فقد شملت التقية العبادة والفتوى ويترتب على ذلك امور.

(١) بطلان جعله كتم السر غير التقية بالعبادة والفتوى وغيرهما بقوله فالتقية ان كانت بمعنى كتم السر فهي ادب لازم بل كتم السر يشمل التقية بالعبادة والفتوى وغيرهما.

(٢) بطلان قوله ان مثل هذا الادب لم يكن عند الشيعة زمن الائمة مستندا الى ان الائمة كانت تتقي الشيعة اكثر من اتقائها المخالف والناصب لان الشيعة كانت تذيع السر فان اذاعة السر كما عرفت تشمل العبادة والرواية وغيرهما وكون ذلك لم يكن عند الشيعة غير صواب فقد كان ذلك عندهم زمن الائمة الا من شذ ومحمد بن ابي عمير من اصحاب الكاظم حبسه الرشيد وضربه اشد الضرب ليدل على اصحاب موسى بن جعفر فصبر وعصمه الله من ان يدل عليهم فيقتلوا ودفنت اخته كتبه خوفا فتلفت فحدث من حفظه وكذلك كون الائمة كانت تتقي الشيعة اكثر من غيرهم غير صواب وان صح عن احدهم انه قاله فهو من باب المبالغة والتشديد في الزجر عن ترك التقية وكذلك قول ما قتلنا من اذاع سرنا خطأ بل قتل عمد ـ ان صح ـ فانما هو تشديد ومبالغة في الوصاة بالتقية وبيان ان تركها قد يسبب قتلنا وليس المراد ان بعض شيعتهم اذاع سرهم فكان سبب قتلهم فهو كقول القائل من فعل كذا فقد قتلني وهو مؤيد لما قلناه وبذلك يبطل قوله او كان سبب قتل امام الذي رتبه على قول ما قتلنا من اذاع سرنا «الخ» فاننا لا نعلم إماما قتل بسبب اذاعة السر من بعض اصحابه وهذا احد استنتاجاته الخاطئة. ولعله اراد بالبعض الذي اذاع السر فقتل هو المعلى بن خنيس مولى الامام جعفر الصادق الذي قتله بعض طواغيت بني العباس واخذ امواله بسبب ترك التقية واذاعة السر باظهار القول بالامامة وهو مؤيد لما قلناه.

(٣) بطلان قوله السابق لا اظن ان الائمة كانوا يعلمون الشيعة التقية وانها تقية الحق لا تقية الخداع والنفاق كما سماها هناك بحسن ادبه وبطلان قوله لم يكن في عصر من العصور قتل شيعي «الخ».

قال ص ٨٣ قال الصادق ذكرت التقية يوما عند علي بن الحسين فقال والله لو علم ابو ذر ما في قلب سلمان لقتله ولكفره وقد آخى الله بينهما هذه صورة اخرى من تقية كتم ما في القلب من الافكار والعلوم ـ ان سمينا الكتم تقية ـ فمثل هذه التقية لا بأس بها. وليست هي من تقية الشيعة. ومثل هذه التقية قليل عند الائمة واقل عند الشيعة الا اذ اطال المجتهد الشيعي كلاما لا معنى له في موضوع لا يفهمه فبعد التعب العظيم والاتعاب يتظاهر بالعلم ويقول : وهاهنا بيان يسعه الصدر ولا يسعه السطر ولذلك كتمناه في الصدور وارخينا دونه الحجب والستور. هذه تقية لها فائدة تستر العجز والجهل نعم.

لله سر تحت كل لطيفة

فاخو البصائر غائص يتعلق

(ونقول) : حديث لو علم ابو ذر «الخ» لا نعتقد بصحته ان لم نجزم ببطلانه وليس كل ما اودع في الكتب يمكن وصفه بالصحة من كتب الفريقين ولو صح لوجب حمله على تفاوت درجات الايمان والمعرفة. واما قوله في حق المجتهد الشيعي ـ صاحب اصل الشيعة ـ فكان ينبغي له ان يشافهه به. وقد رأى هذا الكلام منه وهو عنده وفي بلده وفي بيته فيفحمه في رد كلام هو بزعمه لا معنى له في موضوع لا يفهمه فيظهر بذلك عجزه وجهله الذي يدعيه لا ان يؤخر جوابه فيبعث به من وراء البحار والقفار بكلام مجمل لا يقدر ان يجزم سامعه بصحته ولا بفساده حتى لا يصدق عليه قول القائل :

واذا ما خلا الجبان بارض

طلب الطعن وحده والنزالا

ثم اتى ص ٨٤ بكلمات تشبه كلمات الصوفية ومناحيهم وجاء في اثنائها ببعض كلمات القذف والقذع مما هو احق به ولا حاجة بنا الى نقله.

قال ص ٨٤ الشيعة تروي عن الصادق ان اسم أمير المؤمنين خاص بعلي لا يتسمى به إلا كافر فإن ثبت هذا عن الصادق فقد كفر كل ملوك الاسلام وخلفائهم. هذا جهار باشنع فاحشة واعتداء طاغ على حرمة الاسلام وأمته وقد كان الصادق

يخاطب خلفاء بني العباس بأمير المؤمنين فكيف مثل هذا الاعتداء الطاغي ومثل هذه التقية المذلة المخزية من إمام معصوم من غير عذر قاهر يلجئه إليها بعد أن أسرف في الاعتداء.

(ونقول) كذب في ذلك. ولو وجد في رواية لا يعلم حالها ولا مبلغ صحتها وضعفها لم يجز اسناده إلى الشيعة بوجه العموم. وإن صح أن الصادق قال في بعض الخلفاء شيئا فهو أنه ليس أمير المؤمنين بحق وهذا غير بعيد عن جملة ممن تسمى بإمرة المؤمنين أمثال يزيد ومروان والوليد من ملوك بني أمية وجملة من ملوك بني العباس الذين صدرت منهم أشنع الفواحش واطغى الاعتداءات على حرمة الاسلام وأمته وهل كان يأمن الصادق على دمه لو لم يخاطب المنصور بأمير المؤمنين. وهل هذا لا يكفي عذرا للمخاطبة بأمير المؤمنين عند هذا الرجل حتى يقول من غير عذر قاهر يلجئه إليها ويسميها تقية مذلة مخزية حقا لقد أسرف هذا الرجل في الاعتداء واعطى نفسه من هواها ما تشاء بغير خجل ولا استحياء وهل سلم الصادق من شر المنصور مع هذا الخطاب فقد استدعاه مرارا من المدينة إلى العراق ليقتله فنجاه الله منه هذا وهو يخاطبه بأمير المؤمنين فكيف لو ترك خطابه بذلك وتركه يدل على أنه لا يعتقد بخلافته ويطعن فيها.

قال ص ٨٥ ومن ينتحل حب أهل البيت مدعيا ويضمر بغض أكابر الصحابة والقرن الأول متقيا ويستحل في المخالف كل شيء معتديا فهو شر الفرق.

(ونقول) من ينتحل حب أهل البيت مدعيا هو من يجعلهم كسائر الناس لا ميزة لهم في شيء كما سلف منه وينكر فضائلهم ويفضل عليهم من لا يساويهم ويوالي عدوهم ويعادي وليهم ويهجر مذهبهم ولا يهتدي بهديهم وينابذ اتباعهم ومحبيهم وشر ممن يظهر بغض أكابر الصحابة والقرن الأول ويلعنهم على المنابر الأعوام الطويلة مجاهرا غير متق ولا متستر ونحن نواليه ونلتمس له الأعذار. والكلام في الصحابة والقرن الأول قد مضى مفصلا. والشيعة لا تستحل شيئا في المخالف فضلا عن أن تستحل فيه كل شيء تحترم الدم والمال والعرض وتجري على المخالف لها من فرق المسلمين جميع أحكام الاسلام كما

بيناه فيما سبق وإن كذب هذا الرجل وافترى. وما باله غض النظر وارخى الستار عمن يستحل في الشيعة كل شيء معتديا.

ما اعجبه من مذهب الشيعة

قال ص (٣٠) يعجبني دين الشيعة في تحريم كل شراب يسكر كثيرة قليله حرام حتى أن المضطر لا يشرب الخمر ساعة الاضطرار لأنها قاتلة. والشيعة تحرم الجلوس على مائدة كانت أو تكون فيها الخمر.

وقال ص (٥٢) واستحسن من قول الشيعة ـ لو صدقه فعلها ـ أن قليل ما يسكر كثيرة حرام لا يحل حتى في الاضطرار تبالغ فيه الشيعة حتى تقول أن الجلوس على مائدة شرب فيها مسكر حرام وأحسن من قول الشيعة قول أبي العلاء في لزومياته :

لو كانت الخمر حلا ما سمحت بها

لنفسي الدهر لا سرا ولا علنا

فليغفر الله كم تطغى مآربنا

وربنا قد أحل الطيبات لنا

وقال ص ٣٠ استحسن كل الاستحسان مذهب الشيعة الامامية في مسائل الطلاق وبعض أصول المواريث.

(ونقول) الأحكام الشرعية إنما تؤخذ بالنص عليها من الشارع لا بالعقول والآراء وقول استحسن ولا استحسن ويعجبني ولا يعجبني إن هو إلا وحي يوحى. ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. ودين الشيعة هو دين الأئمة الطاهرين الذين اخذوه واحدا بعد واحد عن أبيهم علي بن أبي طالب عن جدهم الرسول عن جبرئيل عن الله تعالى وأخذه عنهم شيعتهم واتباعهم بالروايات والأسانيد الصحيحة على أنه مخطئ في نسبته إلى الشيعة تحريم الخمر عند الاضطرار وتحريم الجلوس على مائدة كانت أو تكون فيها الخمر أو شرب فيها مسكر حرام بل الحرام الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر أو عليها الخمر ولعل مراده ذلك. والشيعة لا تقول شيئا بهواها واجتهادها واستحسانها ولا تبالغ لا تقول إلا ما أخذته عن صاحب الشرع بالسند المعتبر وقولها بحرمة الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر إنما أخذته من قول أئمة أهل البيت لا مبالغة فيه وقوله (لو صدقه فعلها) إن أراد أن فيها

من يشرب المسكر فهذا ليس خاصا بها بل يعم جميع أهل المذاهب والنحل التي تحرم الخمر. والشيعة إن لم تكن اكثر الناس اجتنابا للمحرمات فليست أقلها. وقد جعل قول أبي العلاء في شعره أحسن من قول الشيعة المأخوذ عن أئمة أهل البيت عن جدهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكفى بذلك جهلا.

الربا

قال ص ٣ ولم يعجبني فتاواهم ـ أي الشيعة ـ في جزئيات الربا ووجدت ما طالعته من كتب الشيعة مقصرة في بيان الربا وقال ص ٥٦ كتب الشيعة في مسائل الربا مقصرة. ولها في باب التخلص من الربا حيل منكرة مرفوعة إلى أئمة الشيعة وذكر أمثلة لذلك (منها) طلب مني مائة ألف درهم على أن يكون ربحي عشرة آلاف درهم أقرضه تسعين ألف درهم وأبيع منه ثوبا قيمته ألف درهم بعشرة آلاف درهم ، قال أبو الحسن لا بأس أعطه مائة ألف درهم وبعه الثوب بعشرة آلاف درهم واكتب كتابين قال فإن جاز مثل هذه الحيل الشرية في فقه الشيعة أوفقه أحد المذاهب فلا حرام في الدنيا والقرآن مهجور والشرع تحت أقدام المحتالين والسلام على الدين وربا اليهود وكل ربا البنوك حلال طلق سائغ هنيء بعد هذه الحيل ، وقال ص ٥٦ ـ ٥٧ تقول الشيعة ولا تتقي : الناصب حرب لنا فما له غنيمة والناصب في عقيدتهم من يعتقد بإمامة الشيخين ، وقال ص ٥٧ تقول الشيعة ليس بين الشيعي والذمي ولا بين الشيعي والناصب ربا قال من يتقول على شرع الاسلام بمثل هذه الأقاويل لا يكون له فقه ولا دين. كتب الشيعة في بيان الربا مقصرة وفي المعاملة بالربا متهورة. أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون. والقرآن الكريم يحرم الربا أكلا وإيكالا ثم تأتي كتب المذهب تحل الحيل تضل بها الذين آمنوا وحياة المجتمع لا تبنى على الحيل ، ثم أطال بما لا فائدة في نقله وقال كيف يكون إذا أخذت الأمة تحتال بحيل شرية تسميها شرعية تجعل حكم الله تحت أقدام الحيل تتظاهر بالدين وتحتال بالدون. وذكر في ص ٥٨ في كلام طويل أنه ألف كتابا في الزكاة والربا وأنه عرض فيه لمجتهدي الأمة طريقا سهلا ظن فيه إمكان حل لمسائل الربا ينبني على أساس الاحسان في حال والتعاون بين الأموال والأعمال في حال. قال

وأريت بعون الله وعون القرآن الكريم ـ يهدي الله لنوره من يشاء ـ أن التحريم والاحلال يدور على مدار الفرق بين قرض وقرض لا على مدار الفرق بين بدل وبدل كما جرى عليه أئمة الاجتهاد ثم افتخر وقال هذا حدس خصني الله به. وإدارة تحريم الربا على الفرق بين بدل وبدل وهم قد عم البلاد والآحاد إلى آخر ما ذكره مما لا فائدة في نقله.

(ونقول) قد عرفت ان الدين يعرف بالنص وليس لاحد ان يقول يعجبني ولم يذكر هذا التقصير لنعرفه وكتب الشيعة لم تقصر في مسائل الربا بل ذكرت جميع احكامه وفروعه ومسائله ولم تترك منها شاردة ولا واردة بدون نقصان عن كتب غيرهم ان لم يكن فيها زيادة كما هو حالها في جميع ابواب الفقه ولها السبق في كل شيء وما سبب نسبة التقصير إليها الا القصور منه ، ثم ان الفتاوى تؤخذ من كتب الفقه لا من كتب الاخبار التي فيها الصحيح والسقيم والقوي والضعيف والمتعارضات والكتاب الذي ثقل منه هو كتاب اخبار لا كتاب فقه ولفقهاء الشيعة في الحيل الشرعية خلاف وليست صحيحه عند الجميع.

ثم ان الاحكام في الشرع الاسلامي تابعة للعناوين التي في الادلة لا للاستبعادات ولا لعبارات التهويل الفارغة كقول حيل منكرة حيل شرية تسميها شرعية لا حرام في الدنيا القرآن مهجور الشرع تحت اقدام المحتالين السلام على الذين تحل الحيل تضل بها. حياة المجتمع لا تبنى على الحيل تتظاهر بالدين تحتال بالدون وامثال ذلك وكلامه هذا يشبه كلام المشركين الذين جعلوا الاحكام تابعة للنتائج لا للعناوين فقالوا انما البيع مثل الربا فرد الله تعالى عليهم بانها تابعة للعناوين لا للنتائج فقال واحل الله البيع وحرم الربا وهو يقول الحيل الشرعية نتيجتها نتيجة الربا ولم ينظر الى العناوين. فالكلب نجس محرم في اكثر المذاهب فاذا وقع في المملحة وصار ملحا طهر وحل اكله لان الله تعالى نجس الكلب وحرمه وطهر الملح واحله. وامرأة الغير الاجنبية اذا ارضعت طفلة الرضاع المحرم وعقد رجل على تلك الطفلة صارت المرأة محرما بعد ما كانت اجنبية. والهبة المعوضة يجري عليها حكم الهبة فاذا باع الموهوب بمثل ذلك العوض جرى عليه حكم البيع. وبيع المجهول فاسد والصلح عليه صحيح. وبيع الف درهم بعشرة آلاف درهم ربا محرم وبيع ثوب قيمته عشرة

آلاف درهم بالف درهم او بالعكس صحيح وان كانت نتيجته نتيجة الربا لان الله تعالى احل البيع وحرم الربا. وبيع دينار بدينارين ربا محرم وبيع دينار قيمته عشرة دراهم بعشرين درهما صحيح مع ان نتيجته نتيجة الربا. فجعل ذلك حيلا منكرة من الامور المنكرة وتسميتها حيلا شرية من الاعمال الشرية كما ان تسميتها حيلا شرعية ليس فيه شيء من النقص والعيب اذا المراد انها امور يتوصل بها الى تبديل الموضوع الذي يتبدل به الحكم.

وهذا الامام ابو حنيفة يقول لو ان شاهدين شهدا عند قاض ان فلان ابن فلان طلق امرأته وعلما جميعا انهما شهدا بالزور ففرق القاضي بينهما ثم لقيها احد الشاهدين فله ان يتزوج بها ثم علم القاضي بعد فليس له ان يفرق بينهما تاريخ بغداد (١٣ : ٣٧٣) وذلك لان حكم الحاكم عنده بغير الواقع فهذا من التوصل بالحيل الشرعية المحرمة فما قوله فيه أيهول فيه مثل هذا التهويل.

وما ذكره في تفسير الناصب وانه ليس بينه وبين الشيعي ربا كذب منه وافتراء بل الناصب من نصب العداوة لاهل البيت وما ينقله عن رواية انه حرب لنا فلا يمكننا الجزم بصحتها لاشتمال كتب الروايات على الصحيح والسقيم كما مر ولكنا نسأله هل يستعظم قول من يكفر غير فرقته من المسلمين ويستحل الاموال والدماء ، وتقول ليس بين الذمي والمسلم ربا وهي لم تقل ذلك من عند انفسها بل قلدت من لو قال الامام ابو حنيفة او الامام الشافعي بمثل قوله لما توقف موسى جار الله في قبوله فاذا صدر من اهل بيت النبوة. رده بالاستبعاد والتهويل لا بالبرهان والدليل.

وكتب الشيعة لم تتهور في المعاملة بالربا كما مر ولكنه هو يتهور يقذف بالباطل وهو اولى بان يكون داخلا في الآية التي استشهد بها

ومسائل الربا وشروطه واحكامه مبينة مفصلة في كتب الفقه الاسلامية وجلها ان لم يكن كلها متفق عليه بين المسلمين وتحريمه من ضروريات فقه الاسلام ومسائله واضحة ظاهرة ليس فيها اشكال ولا عقد تحتاج الى حلوله وفلسفته وحدسه ـ الذي اختصه الله به ـ والهداية التي اكتسبها من نور القرآن الكريم ،. ما هي الإضلالات وخيالات وهمية وما اطال به هنا مما نقلنا بعضه وتركنا جله من الفلسفات والحلول

التي لا تبنى على ادلة ولا اصول كلها تطويل بلا طائل وتضييع للعمر في غير جدوى ولو لا طبع كتابه ونشره لما اتعبنا نفسنا في نقضه.

مسائل في المواريث

قال ص ١٨٥ بين الشيعة والامة في باب المواريث اختلافات مهمة بعضها بقية من اختلاف الصحابة والبعض قد حدث باختلاف الاجتهاد وقد يكون ما يراه الشيعة اوفق بالكتاب واقرب الى صلاح المجتمع.

وقال ص ١٨٧ ان اوّل ما نزل في المواريث : للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه او كثر نصيبا مفروضا.

وقال ص ١٨٨ ان القرآن في هذه الآية سمى الام والدا وفي آية ولا بويه لكل واحد منهما السدس سماها أبا وتسميته القرآن حقيقية فالاخوة والاخوات تحجب بالام كاحتجابها بالاب ومن يكون له أم لا يكون له كلالة وهذا حجة قوية قائمة للشيعة على مذاهب الامة.

(ونقول) كثر في كلامه مقابلة الشيعة بالامة ولا عذر له في ذلك بما أمه وبان ان نفسه غير خالية من الوصمة.

ولسنا ندري ما يريد بقوله ان رأي الشيعة اوفق بالكتاب «الخ» الذي جل اقواله الآتية تخالفه. والام لا تسمى والدا حقيقة بل تسمى والدة لان الوالد للمذكر بحسب وضع اللغة ولكن تسميته الوالد والوالدة والدين وتسميته الأب والام ابوين من باب التغليب الشائع في كلام العرب كالعمرين والقمرين وغير ذلك وحجة الشيعة القوية على حجب الاخوة والاخوات بالام هي غير هذه.

العول

ذكره في مواضع من وشيعته على عادته في التكرير والتطويل بغير طائل ونحن نجمعها في موضع واحد روما للاختصار وتسهيلا للتناول ونذكر أولا معنى العول

والخلاف فيه ثم نتبعه بنقل كلماته وردها.

(العول) لغة اسم للزيادة والنقيصة فهو من اسماء الاضداد وفي اصطلاح الفقهاء هو الزيادة في الفريضة عند زيادة السهام عنها ليمكن خروج تلك السهام منها وذلك ان السهام المفروضة في الكتاب ستة. النصف. والثلث. والثلثان. والربع. والسدس. والثمن. فاذا اجتمع في الفريضة سهمان منها او اكثر بحيث لا تسعهما الفريضة فمن قال بالعول زاد على الفريضة بقدر ما عالت به ومن قال بعدم العول قال يقدم من فرض له في الكتاب فرضان اعلى وادنى فيأخذ نصيبه تاما ويدخل النقص على من فرض له فرض واحد مثلا امرأة توفيت عن زوج واختين لاب للزوج النصف (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) وللاختين الثلثان (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ) والمال ليس له نصف وثلثان والفريضة هنا من ستة الزوج النصف ثلاثة وللاختين الثلثان أربعة عالت الفريضة بواحد فمن قال بالعول زاد على الفريضة واحدا فجعلها من سبعة واعطى الزوج ثلاثة من سبعة بعد ما كان له ثلاثة من ستة والاختين أربعة من سبعة بعد ما كان لهما أربعة من ستة ومن قال بعدم العول اعطى الزوج النصف والاختين الباقي. وهذه المسألة وقعت في خلافة الخليفة الثاني وهي اوّل مسألة وقعت في العول في الاسلام فقال ان اعطينا الزوج النصف لم يبق للاختين ثلثان وان اعطينا الاختين الثلثين لم يبق للزوج نصف ولا اجد اوسع من ادخال النقص على الجميع فجعل الفريضة من سبعة ، وقال بقوله الفقهاء الاربعة وباقي الفقهاء اكثرهم وخالفه ابن عباس ـ وبالغ في المخالفة ـ والائمة من اهل البيت وجميع فقهائهم ، وقال المرتضى في الانتصار : قال بنفيه أيضا عطاء بن ابي رباح وحكاه فقهاء اهل السنة عن الامام الباقر وهو مذهب داود بن علي الاصفهاني اه ـ وفي مفتاح الكرامة حكاه فقهاء العامة عن محمد بن الحنفية. والاخبار ببطلان العول ودخول النقص على بعض اصحاب الفروض دون بعض من طرق ائمة اهل البيت مستفيضة بل كادت تكون متواترة ففي صحيحة ابن مسلم والفضلاء عن الباقر عليه‌السلام : السهام لا تعول ، وفي صحيحة ابن مسلم انه اقرأه ابو جعفر الباقر ذلك في صحيفة الفرائض التي هي املاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط علي بيده وفي بعضها : السهام لا تعول لا تكون اكثر من ستة. ان الفرائض لا تعول على اكثر من

ستة. ان السهام ليس تجوز ستة لا تعول على ستة. اصل الفرائض من ستة اسهم لا تزيد على ذلك ولا تعول عليها. السهام لا تعول من ستة. سهام المواريث من ستة اسهم لا تزيد عليها. ومعنى ان السهام لا تعول على ستة لا تزيد عليها فان من قال بالعول قد زادها على ستة حيث جعل الثمن تسعا والنصف اقل منه والثلثين اقل منهما وهكذا.

فالعول هنا بمعنى الزيادة اما رواية لا تعول من ستة فيمكن كون من بمعنى عن لان حروف الجر ينوب بعضها عن بعض وتعول محتمل للزيادة والنقيصة فان من اعال فقد نقص السهام فجعل الثمن تسعا «الخ» اما رواية لا تعول على اكثر من ستة فيمكن ان يكون معناه لا تزيد على ستة فاكثر بان تكون سبعة فما فوق نظير وان كن نساء فوق اثنتين اي اثنتين فما فوق والله اعلم.

وظاهر ان من قال بالعول انما قال به باجتهاد الرأي لما لم يجد مخرجا سواه وفقهاء اهل البيت انما قالوا به اخذا باقوال ائمة اهل البيت التي تلقوها عن جدهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن عباس انما اخذ بطلان العول عن امير المؤمنين لانه تلميذه وخريجه عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم او عن الرسول بلا واسطة فسنوا لهم هذه القاعدة من تقديم ذوي السهام المؤكدة التي فهموها بالنص وعلموا انه تعالى اشار بتأكيدها الى تقديمها ومرجع ذلك الى ان اطلاق آيات الفروض قد قيد بعضه وبقي الباقي على اطلاقه فآية فرض الثلثين للاختين مثلا قد قيد اطلاقها بما اذا لم يكن معهما زوج فانهما في هذه الصورة ترثان بالقرابة لا بالفرض فيكون لهما الباقي والمقيد لاطلاق الكتاب اقوال الائمة الماخوذة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

كلماته في العول

قال ص ٣٠ ما حاصله كتب الشيعة وان ردت القول بالعول وانكرت على الائمة اعالة الفرائض الا انها لم تنج من اشكال ابن العباس والامام الباقر ان الذي احصى رمل عالج لم يجعل في مال نصفا وثلثين فالاشكال باق والعول ضروري فان ادخال النقص في سهام من أخره الله من الورثة اخذ بحظ كبير جائر من العول ولا يدفع اصل الاشكال فان التسمية باقية بنص الكتاب والنقص في جميع السهام هو

العول العادل والذي قسم المال وسمى السهام هو الذي احصى رمل عالج وجميع ذرات الكائنات وهو اصل الاشكال الذي انتحله الباقر وقد تبين بهذا ان لا عول عند الشيعة قول ظاهري قيل ببادئ الرأي عند بيان الاختلاف ردا لمذهب الامة وهربا من وفاق العامة والعول هو النقص فان كان في جميع السهام بقدر متناسب فهو العول العادل اخذت به الامة وحافظت على نصوص الكتاب وان كان في سهم بعض الورثة دون بعض فهو العول الجائر جارت به الشيعة خالفت به نصوص القرآن الكريم ولم تدفع به الاشكال والاشكال الذي تحير فيه ابن العباس ثم انتحله الامام الباقر ثابت راس ولا اريد اليوم كما اراد ابن العباس في يومه ان ابتهل او اباهل احدا وانما اريد ان تعلموني مما علمتم في ازالة الاشكال رشدا.

وقال ص ٢٠٤ يقول اهل العلم : اوّل من حكم بالعول الامام عمر اذ حدث في عهده مسألة ضاق مخرجها عن فروضها فشاور الصحابة فاشار العباس الى العول وقد كان انفذ العرب نظرا يرى الامور من وراء الستور وتحدس بقوله الصحابة وجه المسألة فتابعوه ولم ينكره احد الا ابنه بعد موت عمر فقيل له هلا انكرت في زمن عمر فقال هبته وكان مهيبا ـ هيبة اجلال واحترام ـ وكان ابن عباس في مجلس الاجماع ابن لبون اذا لز في قرن لم يستطع صولة البزل القناعيس وفقهاء الصحابة عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت كانوا اعلم من ابن عباس فانعقد الاجماع والامام علي حاضر ولا ارى الا ان صلة الحدس وسند الاجماع كان نظم القرآن في اوّل آيات المواريث.

وقال ص ٢٠٥ والشيعة في مسائل العول ذهبت مذهب ابن عباس فانه قال اوّل من اعال الفرائض عمر وايم الله لو قدم من قدم الله ما عالت فريضة فقيل له وايها التي قدم الله فقال كل فريضة لم تزل الا الى فريضة فهي التي قدم الله وكل فريضة اذا زالت من فرضها لم يكن لها الا ما بقي فهي التي اخرها الله فالزوجان والابوان يقدمون والبنات والاخوات يؤخرون فقيل له فهلا راجعت فيه عمر فقال انه كان مهيبا ورعا ولو كلمته لرجع ، وقال الزهري لو لا انه تقدم ابن عباس امام عدل اذا امضى امرا مضى وكان ورعا ما اختلف على ابن عباس اثنان من اهل العلم وكان يقول أترى الذي احصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا فاين موضع

الثلث وكان يقول تعالوا فلندع ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. ما جعل الله في مال نصفا ونصفا وثلثا قال ونحن نقول النقل من فرض الى عصوبة لا يوجب ضعفا لان العصوبة في شرع التوريث اقوى اسباب الارث اما تقديم البعض وتأخير البعض فانما يكون في حال التعصيب اما حال تسمية سهام كل واحد فلا يمكن ان يكون واحد اولى واقدم من آخر فان القرآن سمى للزوج النصف «الخ» وادخال الضرر على فريق واحد اخذ بالعول الجائز وابطال لنص الآية وترك لتسميتها الصريحة وابطال تسمية الآية في فريق اشنع في المخالفة من اخذ نصف ونصف وثلث من مخرج.

وقال ص ٢٠٦ الورثة قد تساوت في سبب الاستحقاق فيأخذ كل نصيبه عند الاتساع واذا ازدحمت وتدافعت الحقوق الغير المستقرة التي لا تزال تتناقص من كل الى صفر فقد علمنا من اوّل آيات المواريث (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) ان كل سهم يؤخذ باسمه من مخرج فتجتمع الانصاف التي لا حصر لها او الاثلاث التي لا حد لها ومجموعها تعول إليه المسألة فكل مسائل الاولاد والاخوة والاخوات تخرج من اثنين او ثلاثة فعشرة ابناء وعشر بنات وعشرة اخوة وعشر اخوات المسألة في كلا الصورتين من اثنين او ثلاثة على حسب تسمية القرآن ثم تعول الى ثلاثين نصفا او ثلاثين ثلثا والقرآن الكريم في مسألة الاولاد والاخوات قد اكتفى بمخرجين فقط فكيف ولم يباهلنا ترجمان القرآن ابن عباس ثم يقسم ان الذي احصى كل شيء عددا لم يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا والنصف ابدا واحد من اثنين والثلث ابدا واحد من ثلاثة ولو بلغ عدد الانصاف وعدد الاثلاث مئات ، وبيان القرآن اوجز البيان واوضح البيان فكيف خفي على فهم مثل ابن عباس وباي عذر يترك الفرضي تعبير القرآن. وابن عباس اذا ادعى التأخر في ذي فرض هو يؤخره فباي عذر وباي دليل يترك تسمية القرآن لذي الفرض الذي يؤخره فابن عباس والشيعة بادخال الضرر في حظ فريق سماه له القرآن يخالفون القرآن اشنع مخالفة فيأخذون بعول جائر لا وجه له ويدعون الجهل على الله اذ سمى شيئا لا وجود له وامر بتنفيذ شيء لا امكان له ولو جاز دعوى التأخير في صورة الازالة عن فريضة الى غير فرض فدعوى التأخير في صورة التسمية ترك للقرآن ليس الا واسناد تقصير الى بلاغة القرآن في اكمل بياناته.

وقال ص ٢٠٧ والشيعة قد تتهور في اسناد التقصير والتناقض الى بيان القرآن تقول ان حظ البنتين في الفرائض وحال الشركة اذا زادت السهام او نقصت لم يبينها القرآن ولا ضرر في عدم البيان اكتفاء ببيان اهل البيت على احسن الوجوه واذا عالت الحقوق تقول الشيعة نعلم ان الكل غير مراد للتناقض ولم نعلم من القرآن من المراد بل نطلب البيان من غير القرآن من اخبار الائمة ، يتهمون القرآن الكريم بقصور البيان ولا يتهمون النفس بقصور الفهم ثم قال : وحقوق الورثة شائعة في كل ذرة من ذرات التركة والقسمة في المشاع عولية بطبيعة الحال لا نزاعية والعدل المطلق في القسمة عولية او نزاعية هو اخذ الحقوق والحظوظ من مخرج معين حتى يصيب كل احد حقه وحتى يسري التناقص الى كل احد بنسبة عادلة نافذة اما مذهب الشيعة في ادخال النقص على فريق دون آخر فهو عدل جائر والتزام ان الله في شئون الحساب والقسم جاهل جائر وترك لما سماه الله في كتابه بنص ظاهر.

وقال ص ٢٠٨ الاعالة نص القرآن الكريم اجمع عليها شورى الصحابة وهم اعلم وافقه من ابن عباس وقد سكت في مجلس الاستشارة ولو تكلم لفهم ان سند الاجماع هو بيان القرآن وبيان القرآن رياضي على وجه الاعالة وهي اخذ الحظوظ كلها من مخرج كسور سماها القرآن ومجموع الحظوظ يصح منه المسألة وقول الله في أول آيات المواريث (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) جملة جميلة جليلة موجزة تصح بها جميع مسائل الفرائض بعد قوله (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) مجموع انصاف غير محصورة او مجموع اثلاث غير معدودة هذا هو الوجه في ان الكتاب الكريم المبين قد حصر جميع مسائل الفرائض بين هاتين الآيتين من مخرجين مسميين لا حدّ لانصافهما ولا عد لأثلاثهما ولم يذكر مثل هذا الحساب الرياضي في غيرهما فان الاحالة الى غير حد لا توجد في غيرهما.

وقال ص ١٩٣ إرث النسب دل عليه الكتاب (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ثم قال ص ١٩٥ تمهيدا للاستدلال على العول ففي ابن وبنت يلزم علينا ان نقول الابن حظه النصفان والبنت حظها النصف والمجموع ثلاثة انصاف من الاثنين ـ مخرج النصف ـ وفي ابن وبنتين يلزم ان نقول الابن حظه الثلثان من

الثلاثة ـ مخرج الثلثين ـ والبنتان لهما الثلثان من الثلاثة ـ مخرج الثلثين ـ فيكون القرآن بين حظ الذكر بعبارتين بيانا رياضيا بلسان عربي مبين وثلاثة انصاف من اثنين وأربعة اثلاث من ثلاثة هي العول الظاهر وبيان العول بمثالين في سهام الاولاد يهدي الى جواز العول في سائر الورثة دلالة بداهة واقتضاء ثم اطال في بيان ذلك بما لا فائدة في نقله ثم قال ص ١٩٦ فاعود واقول ان العول نزل في القرآن نص عليه نص عبارة في اوّل آياته باظهر شواهده فكيف تنكره الشيعة وكيف وقع فيه اختلاف المذاهب وكيف امكن ان يخفى على ابن عباس ولنا فيه زيادة بيان (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ).

(ونقول) كرر مقابلة الامة بالشيعة فيما مر ويأتي ولم يعلم ان الجماعة التي يخرج منها ائمة اهل البيت مقتدى الشيعة في ابطال العول ويخرج منها ابن عباس حبر الائمة وغيرهم مما مر لا يجوز ان يطلق عليها لفظ الامة.

وفرض نصف وثلثين مثلا في مال يستلزم نسبة الجهل إليه تعالى كما اشار إليه ابن عباس والامام الباقر بان الذي احصى رمل عالج يعلم ان المال ليس له نصف وثلثان فلا يمكن ان يكون اطلاق فرض النصف والثلثين الوارد في الكتاب العزيز شاملا لهذا المورد لئلا يلزم نسبة الجهل إليه تعالى فلا بد من تقييد الاطلاق وقد دل على هذا التقييد قول ابن عباس الذي اخذه عن امير المؤمنين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، او عن النبي رأسا وقول ائمة اهل البيت شركاء القرآن واحد الثقلين وهم اعلم بدين جدهم من كل احد اما العول بادخال النقص على الجميع بنسبة سهامهم فلا دليل عليه مع انه مستلزم لاستعمال الفاظ السهام في غير معانيها بدون علاقة كاستعمال الثمن في التسع وغير ذلك ولو فرض وجود العلاقة للزم استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي في استعمال واحد وهو غير جائز كما تقرر في الاصول وليس هنا معنى جامع ليكون من عموم المجاز مع ان القرينة مفقودة ومجرد عدم امكان خروج السهام لا يصلح قرينة مع احتمال تقييد الاطلاق لو فرض عدم وجود الدليل عليه.

وقد ظهر بذلك بطلان جميع ما اطال به من كلامه الذي يشبه رحى تطحن قرونا تسمع جعجعة ولا ترى طحنا.

فالشيعة لم ترد القول بالعول من عند انفسها بل بما روته عن نبيها بواسطة

اهل بيته احد الثقلين الذي امر نبيها بالتمسك بهم ونجت من اشكال ابن عباس والامام الباقر بقولها ان الله فرض في مال نصفا وما بقي لا نصفا وثلثين ووقع فيه غيرها لقوله ان اطلاق السهام في الآيات شامل لمورد العول وهو مستلزم للمحال ونسبة الجهل إليه تعالى ان بقيت السهام على حقائقها ولاستعمال اللفظ في معناه الحقيقي وفيما لا علاقة بينه وبين المعنى الحقيقي ولا قرينة في استعمال واحد وهو غير جائز كما مر. وادخال النقص في سهام من أخره الله هو عين العدل وليس أخذا بحظ كبير ولا صغير جائر من العول بل غيره هو الجور فانا ادخلنا النقص على من دل الدليل على دخول النقص عليه وانه ليس بذي فرض في هذا الفرض لكونه وارثا بالقرابة وكون الحكم عادلا او جائرا مرجعه نص الشارع لا الرأي والاستحسان فما حكم به هو العدل وما لم يحكم به هو الجور وقد ظهر اندفاع اصل الاشكال والتسمية في الكتاب غير شاملة لمن ادخل عليه النقص بعد التقييد وكون النقص في جميع السهام عولا عادلا وفي سهم المؤخر فقط عولا جائرا انما يتم مع فرض الشمول وقد عرفت عدمه وانه غير ممكن لان الذي احصى رمل عالج وجميع ذرات جميع الكائنات يعلم ان المال ليس له نصف وثلثان فكيف يفرضهما فيه. وكون الامة اخذت بالعول العادل والشيعة بالسبيل الجائر كلام جائر فمن يسميهم الامة اخذوا بالعول الجائر الذي لم يفرضه الله وجاروا على اكثر ذوي الفروض فنقصوهم عن فروضهم التي فرضها الله لهم واعطوا المال الذي فرضه الله لشخص غيره بغير دليل. والشيعة بما حفظته عن ائمتها عن جدها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اخذت بالسبيل العادل فاعطت ذوي الفروض فروضهم واعطت من لم يجعل الله له فرضا في هذه الصورة الباقي لان ذلك هو الذي جعله الله له فهي لم تنقص احدا شيئا مما جعله الله له. والذي قسم المال وسمى السهام هو الذي احصى رمل عالج ولذلك قلنا انه لا يمكن ان يفرض في مال سهاما لا يسعها وليس ذلك اصل الاشكال فقد عرفت انه لا اشكال اصلا والامام الباقر لم يكن منتحلا مذهب احد ولا قوله في وقت من الاوقات لا ابن عباس ولا غيره بل كان وارثا للعلم عن آبائه الذين تعلم منهم ابن عباس عن جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي سماه باقر العلم لتوسعه فيه. وقد تبين بهذا ان القول بان لا عول عند الشيعة ليس قولا ظاهريا بل قول واقعي فانه لا عول عند الشيعة بالمعنى المصطلح عند الفقهاء واما دخول

النقص على البعض فليس بعول اصطلاحا والشيعة لم تقل به الا لما قام عندها من الدليل لا ردا لمذهب الامة ولا هربا من وفاق العامة لانهم في اكثر الفروع قبلوا مذهب من يسميهم الامة ولم يردوه ووافقوا العامة ولم يهربوا من وفاقهم وانما تركوا مذهب شخص واحد قاله برأيه واجتهاده لما ظهر لهم ان الصواب في غيره بما بينه ابن عباس وبينه ائمة أهل البيت. وسيان عندهم مع موافقة الدليل وفاق العامة وخلافها. وسواء أكان العول هو النقص أم الزيادة فجعل النقص في جميع السهام بقدر متناسب وتسميته عولا عادلا انما يتم اذا فرض شمول آيات الفرائض للجميع وقد عرفت بطلانه كما ظهر لك أن القائلين بالعول لم يحافظوا على نصوص الكتاب وخالفوها كلها فمن فرض له النصف أعطوه أقل منه ومن فرض له الثلثان أعطوه أقل منهما بالاجتهاد وهو العول الجائر بكل معنى الجور وأن الشيعة حافظوا على نصوص القرآن الكريم فأبقوها بحالها في غير من دخل عليه النقص وقيدوا ظاهر الاطلاق فيمن دخل عليه النقص بما ثبت عندهم من السنة وهذا هو العول العادل الذي وافقت فيه الشيعة نصوص القرآن الكريم وقيدت مطلقاتها بالدليل ودفعت بذلك أشكال فرض سهام لا يسعها المال. وابن عباس لم يكن متحيرا بل كان على بصيرة من أمره ولذلك دعا مخالفه إلى المباهلة فالذي يدعو إلى المباهلة لا يمكن أن يكون متحيرا وإنما المتحير غيره وإنما أورد هذا الاشكال على غيره ممن قال بالعول ولا جواب لهم عنه والأشكال على نفي العول ليس بثابت ولا راس بل قد دك من الأساس ولم يبق له ذنب ولا رأس وإنما هو ثابت راس على من قال بالعول من الناس لا يهدمه معول ولا فاس ومن أراد المباهلة باهلناه.

والأحكام الشرعية لا تكون بالحدس ولا بالمشاورة والاشارة ولا بعقد المجالس كمجالس الوزراء والنواب لتدبير المملكة إنما هي بنص الشارع وبيانه ولا بعقول الرجال فلو صح ان العباس أشار بالعول كما حكاه ابن عابدين في حاشية الدر المختار بقوله فأشار العباس إلى العول فقال اعيلوا الفرائض فتابعوه على ذلك ولم ينكره أحد إلا ابن عباس بعد موت عمر ا ه. لم تكن اشارته حجة لأنه ليس بمعصوم وكونه كان انفذ العرب نظرا يرى الأمور من وراء الستور وتحدس بقوله الصحابة كلام مزخرف مزوق ليس تحته معنى فالنبي الذي هو أعظم من العباس وثبتت له

العصمة لم يكن يرى الأمور من وراء الستور وكان يتوقف عن الجواب إذا سئل حتى يأتيه الوحي ويجوز أن يكون العباس انفذ العرب نظرا في التجارة وأمور الدنيا أما الأحكام الشرعية فليس فيها نفوذ رأي لأحد حتى الأنبياء إلا بوحي من الله تعالى لا من وراء الستور ولا من قدامها وليس للصحابة أن يحدسوا وجه المسألة بقول العباس أو من هو أعلم منه بل ليس لهم أن يحدسوا وجهها بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدسا فإن الحدس والظن لا يؤمن معه الخطأ وقد نهى الشارع عن اتباعه وليس لهم الحكم إلا بالحس بالسماع من الشارع وظهور اللفظ على قاعدة التخاطب. وقوله لم ينكره أحد إلا ابنه يكذبه أن عليا كان ممن انكر كما يأتي في المسألة المنبرية والصواب أن المراد بالهيبة هيبة الخوف لا هيبة الاجلال والاحترام كما فسرها فإن الاجلال والاحترام لا يمنع مثل ابن عباس من بيان الحق إذ ليس فيه ما ينافي الاجلال والاحترام والاجلال والاحترام لا يزول بالموت فكما يجل الرجل ويحترم في حياته يجل ويحترم بعد موته فكيف سكت في حياته احتراما وبالغ في الانكار عليه بعد موته حتى دعا إلى المباهلة وكلامه المزوق بأن ابن عباس كان في مجلس الاجماع ابن لبون «الخ» يرده أن ابن عباس كان في خلافة الخليفة الثاني كامل العقل والرشد وافر العلم مشهور الفضل معروفا بالفقه وكان يسمى حبر الأمة وترجمان القرآن وكان يقال أن عنده ثلثي علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحديثه وما أثر عنه من الأحاديث في الفقه والتفسير وغيرها ومواقفه في الجدل والخصام معروفة وكان الخليفة الثاني يفاوضه ويناقشه ويحادثه ويقول له غص يا غواص ولو فرض أنه كان ابن لبون فلم تكن البزل القناعيس تستطيع صولته إذا لزت معه في قرن وليس العلم والفقه بكبر السن. وأما أن من عدهم كانوا أعلم منه فلعله كان أعلم من جملة منهم لما مر.

ولو سلم فجائز ان يخطئوا ويصيب بعد الاتفاق على عدم العصمة وافقه الصحابة علي بن أبي طالب فهو الذي كانوا يرجعون إليه ولم يكن يرجع إلى أحد وهو الذي قال فيه عمر لو لا علي. قضية ولا. لا عشت لمعضلة. فحشره مع من ذكر وتسويته بهم وتقديم احدهم عليه ليس باول ظلم وقع عليه وابن عباس إنما أخذ بطلان العول منه كما ذكرناه مرارا.

ولا أعجب من قوله : فانعقد الاجماع وعلي حاضر فحضوره لم يتحقق وهبه حضر فابن عباس مخالف وهو لا يقصر عن جملة منهم علما وفقها ان لم يزد وكيف

ينعقد الاجماع بأربعة والصحابة يعدون بالألوف وهب أن الأربعة أفقه الصحابة ففي غيرهم فقهاء أيضا ومن الذي فسر الاجماع باتفاق الأفقه ، وقوله أيضا ولا أرى إلا أن صلة الحدس في سند الاجماع كان نظم القرآن في أول آيات المواريث فستعرف أن فلسفته التي ذكرها في أول آيات المواريث ولم يوافقه عليها أحد في القديم ولا الحديث أولى وأوهن من بيت العنكبوت فكون هذا الحدس ـ الذي هو حدس في حدس ـ صلته تلك الفلسفة يجعله متقطعا بلا صلة ولا عائد. وكون هذا الاجماع المزعوم الموهوم سنده ذلك يجعله بلا سند زيادة على ما هو عليه.

والشيعة في العول ذهبت مذهب ائمة أهل البيت الذين أخذوه عن جدهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذين اقتدى ابن عباس بسيدهم واخذ عنه القول بعدم العول.

والحديث الذي حكاه عن ابن عباس في أول من اعال الفرائض قد روي من طريق أهل السنة في كتب الحديث لأصحابنا وفي مستدرك الحاكم بما يخالف ما حكاه في عدة مواضع روى المحمدون الثلاثة الصدوق والكليني والشيخ الطوسي باسانيد عديدة ورواه صاحب المسالك ببعض تلك الأسانيد وصرح بأن رجاله من أهل السنة وكلها عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال جالست ابن عباس فعرض ذكر الفرائض في المواريث فقال ابن عباس سبحان الله العظيم أترون الذي احصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا فهذان النصفان ذهبا بالمال فاين موضع الثلث فقال له زفر بن اوس البصري فمن اوّل من اعال الفرائض فقال عمر ابن الخطاب لما التقت الفرائض عنده ودفع بعضها بعضا فقال والله ما ادري ايكم قدم الله وايكم اخر وما اجد شيئا هو اوسع من ان اقسم عليكم هذا المال بالحصص فادخل على كل ذي سهم ما ادخل عليه من عول الفرائض وايم الله لو قدم من قدم الله واخر من اخر الله ما عالت فريضة فقال له زفر وايها قدم وايها اخر فقال كل فريضة لم يهبطها عن فريضة الا الى فريضة فهذا ما قدم الله كالزوج له النصف فاذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع عنه الى الربع لا يزيله عنه شيء ، والزوجة لها الربع فاذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت الى الثمن لا يزيلها عنه شيء والام لها الثلث فاذا زالت عنه صارت الى السدس ولا يزيلها عنه شيء ، واما ما اخر فكل فريضة اذا زالت عن فرضها لم يبق لها الا ما بقي كالبنات والاخوات لها النصف والثلثان فاذا ازالتهن

الفرائض عن ذلك لم يكن لهن الا ما بقي فاذا اجتمع ما قدم الله وما اخر بدئ بما قدم الله فاعطي حقه كاملا فاذ بقي شيء كان لمن اخر وان لم يبق شيء فلا شيء له (١) فقال زفر فما منعك ان تشير بهذا الرأي على عمر فقال هبته والله وكان امرأ مهيبا فقال الزهري والله لو لا انه تقدمه امام عدل كان امره على الورع فامضى امرا فمضى ما اختلف على ابن عباس في العلم اثنان ا ه. ورواه الحاكم في المستدرك بسنده عن محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال اوّل من اعال الفرائض عمر وايم الله لو قدم من قدم الله الى قوله فلا شيء له.

والمذكور في هذه الرواية كما سمعت هبته والله وكان امرأ مهيبا وهو الذي نقله في ص ٢٠٤ ناقلا له عن أهل العلم كما مر. أما ما نقله في ص ٢٠٥ من قوله كان مهيبا ورعا فلم نجد أحدا ذكره ولا ذكر هو مأخذه فالظاهر أن الأول هو الصواب فيكون قد منعه من ذلك الهيبة منه أي الخوف فلم يظهر ذلك في حياته وأظهره بعد موته لا هيبة الاجلال فإنها لا تمنع من إظهار الحق وتزول بالموت لو كانت كما مر تفصيله ولو كان يعتقد أنه لو كلمه لرجع لما تأخر عن كلامه وهو يبالغ في الانكار بعد موته ويدعو إلى المباهلة والا لكان سفيها وكيف كان فهو يدل على أنه كان مخالفا من أول الأمر وأن المانع له من إظهار قوله هو الهيبة سواء أكانت هيبة إجلال أم هيبة خوف ومصدر ابن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن أمير المؤمنين وعلم ابن عباس وجلالة قدره في العلم والفقه لا تنكر فلا وجه لترك قوله إلى غيره إلا العصبية. كما يظهر من قول الزهري أيضا أنه كان موافقا لابن عباس وأن جميع أهل العلم كانوا يوافقونه لو لا تقدم من تقدمه بالقول بالعول.

وقد استفيد من حديث ابن عباس فوائد (منها) محالية العول واستلزامه نسبة الجهل أو العبث إليه تعالى (ومنها) أن من يدخل عليه النقص ومن لا يدخل مستفاد من آيات الفرائض حيث جعل للأول فرضا واحدا وللثاني فرضين أعلى وأدنى عند وجود من يزيله عن فرضه الأعلى فأشار بتأكيد فرضه إلى تقديمه وأنه لا يزيله عنه شيء (ومنها) ضابطة من يدخل عليه النقص ومن لا يدخل فالأول من فرض له فرض

__________________

(١) الظاهر ان الاخير لا مصداق له ـ المؤلف ـ.

واحد والثاني من فرض له فرضان. ومتى نقصت السهام عن المال تكون الزيادة للأول كما يأتي ومن له الغنم فعليه الغرم.

(ومنها) أن القائل بالعول قاله برأيه واجتهاده من دون استناد إلى نص وذلك حين التفت عليه الفرائض ودفع بعضها بعضا ولم يدر أيها قدم الله وأيها أخر.

وابن عباس لم يستند في تقديم البعض وتأخير البعض إلى أن النقل من فرض إلى عصوبة يوجب ضعفا سواء أكانت العصوبة أقوى أسباب الارث أم لم تكن وإنما استند إلى أن فرض سهام في المال لا يسعها المال لا يقع ممن أحصى رمل عالج عددا وذكر ضابطة لتقديم البعض وتأخير البعض أخذها من الوصي عن النبي وفيها إيماء إلى وجه التقديم بتأكيد الفرض مع أن كون العصوبة أقوى أسباب الارث لا دليل عليه ولا يعرف الأقوى والأضعف إلا من الشرع. والتعصيب لا نقول به حتى نقول أن تقديم البعض وتأخير البعض يكون حال التعصيب وتكرير الدعوى بقوله فإن القرآن سمى للزوج النصف وادخال الضرر على فريق واحد عول جائر «الخ» لا يثبتها ولا يصححها وتكرير الألفاظ الشنيعة كقوله أشنع في المخالفة يزيد أقواله ودعاواه شناعة.

وكون الورثة تساوت في سبب الإرث الذي أطال به ـ مع ما اختصرناه منه ـ بدون طائل ما هو إلا كالرقم على الماء فقياس الحقوق التي تزدحم وتتدافع كالنصف والنصف والثلث على الحقوق التي لا تزدحم ولا تتدافع كقسمة اثنين أو ثلاثة على عشرة قياس فاسد فالأولى لا يمكن خروجها من المال ومن يقول إن الله فرضها في مال واحد فقد نسب الله الى الجهل أما عشرة أبناء وعشر بنات فقسمة الثلثين عليهم والثلث عليهن لا يشبه العول في شيء إذ كل ثلثين يمكن قسمتهما على عدد كثير وكل ثلث كذلك بدون أن يلزم محال بخلاف العول فإن جعل نصف ونصف وثلث للمال محال وكون هذه السهام أريد بها الأقل شيء خارج عن مدلول اللفظ يحتاج إلى دليل خاص ولا يكفي فيه أن الشارع في مسألة الأولاد قسم الثلثين على عشرة والثلث على عشر فهذه الفلسفة الباردة التي جاء بها لا تجدي شيئا في إثبات العول وقوله ثم تعول إلى ثلاثين نصفا أو ثلاثين ثلثا تمويه باطل فهي تقسم على ثلاثين سهما ولا مانع منه وتسميته عولا غير صحيحة فليست قسمته على ثلاثين مسببة عن أنه فرض فيه ما

لا يسعه بل فرض فيه ما يسعه فسواء اكتفى القرآن بمخرجين أم لم يكتف لا ربط لذلك بالعول ولا حاجة إلى مباهلة ابن عباس ترجمان القرآن ولا هو أهل لأن يقرن بابن عباس وعدد الأنصاف لا يزيد على اثنين وعدد الاثلاث على ثلاثة في شيء واحد ومئات الأنصاف ومئات الاثلاث قد حصل في مئات الأشياء لا في شيء واحد وفي محل الكلام قد فرض النصف والنصف والثلث في شيء واحد.

وبيان القرآن لا يمكن أن يخفي على ترجمان القرآن ويظهر لاخي تركستان وبأي عذر يترك الفرضي تعبير القرآن فيحمل النصف على أقل منه والثلث والثلثين على أقل منها والثمن على التسع بغير دليل ولا برهان وابن عباس إذ ادعى التأخر في ذي فرض فهو لم يؤخره وإنما أخذ تأخيره عن مدينة العلم وبابها ولكن بأي عذر وبأي دليل يترك أهل العول تسمية القرآن لأهل الفروض وينزلونها إلى أقل منها.

وابطال تسمية الآية في فريق واحد للدليل لا شناعة فيه بل الشناعة في ابطال تسميتها في الجميع بحمل السهام على أقل منها والنصف والثلث لم تؤخذ من مخرج كما زعم وإنما أخذ غيرها وهو الأقل منها. وهذه الألفاظ السيئة التي اعتادها يخالفون القرآن اشنع مخالفة. يدعون الجهل على الله التزام أن الله في شئون الحساب والقسم جاهل جائر. ترك للقرآن ليس إلا. اسناد تقصير إلى بلاغة القرآن. إسناد التقصير والتناقض إلى بيان القرآن يتهمون القرآن بقصور البيان. وأمثالها لا يعود سوؤها إلا على قائلها فقد علم مما مر من هو الذي خالف القرآن وأن الذي يدعي الجهل على الله هو من قال أنه فرض في مال ما لا يسعه وأن دعوى التأخير في بعض صور التسمية لدليل ليس تركا للقرآن بل ترك التسمية في جميع صورها وحملها على ما هو أقل منها بغير دليل هو ترك للقرآن ليس إلا واسناد تقصير إلى بلاغة القرآن في أكمل بياناته ونسبته التهور إلى الشيعة في حظ البنتين هو أحد الأمور التي أدى إليه سوء فهمه فجميع المسلمين الشيعة وغيرهم يقولون أن حظ البنتين مع الانفراد هو الثلثان وهو غير مذكور صريحا في القرآن قال تعالى (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) ذكر ما فوق اثنتين ولم يذكر الاثنتين ولكن المسلمين أجمعوا على أن حكم الاثنتين حكم الأكثر وقيل أن ذلك في لسان العرب معناه اثنتان فما فوق ومثله الحديث لا تسافر المرأة لفوق ثلاثة أيام إلا ومعها زوجها أو

ذو محرم. أي ثلاثة أيام فما فوق فنسبته ذلك إلى الشيعة جهل وتهور.

وأما حال التركة إذا زادت السهام وعالت الحقوق فلا مؤاخذة على الشيعة إذا أخذت بما أخذه ترجمان القرآن عن مدينة العلم وبابها وبما قاله أئمة أهل البيت أحد الثقلين وأشار إليه القرآن الكريم بجعله لمن يدخل عليه النقض فرضا واحدا ولمن لا يدخل عليه فرضين بارشاد ترجمان القرآن ومن انزل القرآن في بيوتهم وورثوا تفسيره عن جدهم الرسول وليس المتهور إلا من يزعم أن الله فرض في مال ما لا يسعه وأسند التقصير إلى بيان القرآن بأنه أراد بالسهام ما هو أقل منها بغير قرينة ولا مسوغ في لغة العرب ومن فسر القرآن ببيان أهل البيت وترجمان القرآن اعذر ممن فسره ببيان من تحيروا في تفسيره ولجئوا إلى استشارة من أشار برأي لم يستند فيه إلى دليل ويجور عليه الخطأ.

وأما حال التركة وزيادة السهام وهو التعصيب فنحن وانتم متفقون على أن البنتين أو الأكثر لهما الثلثان فرضا والزائد عندكم لم يبينه القرآن وبينته السنة بقول ما أبقت الفريضة فلأولى عصبة ذكر فيكونون قد تهوروا واسندوا التقصير إلى القرآن الذي لم يبين حكم الزيادة وعندنا بينه القرآن بآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) بعد تفسيرها من أئمة أهل البيت شركاء القرآن بأن الأقرب أولى من الأبعد فظهر أن التهور في إسناد التقصير والتناقض إلى بيان القرآن لم يصدر إلا منه وممن على شاكلته.

وكون حقوق الورثة شائعة في التركة لا ينكره أحد وكون القسمة في المشاع عولية بمعنى أن السهام فيه تزاد بأضعافها لتقسم على أصحابها على الوجه الذي تفلسف فيه بما يأتي ستعرف أنه لا فائدة فيه لأن هذه الزيادة ـ سواء اسميناها عولا أم لا ـ لا تشبه العول المتنازع فيه لما ستعرف من أن الثلث مثلا يمكن قسمته على مائة ولا يلزم منه محال أما أن يكون لمال ثلثان ونصف فهو محال. وجعل القسمة عولية ونزاعية لم نجده لغيره ولا عجب فهو مجمع الغرائب وكون العدل في القسمة مع عدم العول أخذ الحقوق من مخرج معين حتى يصيب كل أحد حقه فهو من توضيح الواضحات أما مع العول فيقال له ثبت العرش ثم انقش ، وما ذكره عن مذهب الشيعة في العول قد تكرر منه وتكرر جوابه والتزام أن الله في شئون الحساب جاهل جائر إنما يكون ممن

ينسب إليه تعالى أنه فرض في مال ما لا يسعه.

ولو كانت الاعالة نص القرآن الكريم لما تحير فيها في أول الأمر أول من قال بها فالنص يفهمه كل أحد من أهل اللسان لأنه ما لا يحتمل الخلاف ولما احتاج إلى شورى الصحابة فالشورى تكون في الأمور المشكلة الغامضة لا في الأمور الظاهرة التي نص عليها الكتاب ولما خالف فيها علي والأئمة من ولده ومن أعرف منهم بنص القرآن وظاهره ومحكمه ومتشابهه. ومهزلة إجماع الشورى قد عرفت الكلام فيها .. وسكوت ابن عباس أولا كان خوفا كما مر. وأما أنه لو تكلم لفهم أن سند الاجماع بيان القرآن فهو تخرص على الغيب ولعله لو تكلم لفهم أبوه ـ أن صح أنه أشار بالعول ـ ومن وافقه أن الحق بجانبه ولرجعوا إلى قوله وبيان القرآن لو كان لما احتيج إلى الاجماع المزعوم الموهوم. وبيان القرآن سواء أكان رياضيا أم غير رياضي لا ربط له بالعول كما ستعرف. وأخذ الحظوظ كلها من مخرج كسور سماها القرآن في صورة العول غير ممكن إن أبقيت تلك الحظوظ على حالها وإن انقصت كما يقوله أهل العول كان ذلك خروجا عن نص القرآن الذي ذكرها تامة لا ناقصة. ومجموع الحظوظ لا تصح منه المسألة إن أبقيت الحظوظ على حالها وأن انقصت فلا يدل القرآن على ذلك وآية وان كن نساء فوق اثنتين آية جميلة جليلة موجزة لا تفتقر إلى أن يشهد لها بذلك فهي تزيد على ما وصفها أنها معجزة. ولكنها لا ربط لها بآية للذكر مثل حظ الأنثيين ـ كما زعم ـ حتى تصح بها جميع مسائل الفرائض فتلك لبيان نصيب الذكران والآنات إذا اجتمعوا وهذه لبيان نصيب البنات والبنت الواحدة إذا انفردن. وفلسفته التي ذكرها ص ١٩٣ ـ ١٩٦ وأشار إليها هنا بأن في الآيتين مجموع انصاف وأثلاث كثيرة وذلك هو العول فلسفة خارجة عن دلالة القرآن فاسدة من عدة وجوه (أولا) أن الله تعالى بين ميراث الأولاد بلسان عربي مبين لا يحتمل هذه الفلسفات الباردة المعوجة فبين أنه عند اجتماع الذكور والاناث من الأولاد يكون للذكر مثل حظ الانثيين وعند انفراد البنتين لهما الثلثان وعند انفراد البنت لها النصف وقوله للذكر مثل حظ الانثيين لم يفهم منها أحد من يوم نزولها إلى أن جاء هذا الرجل يفسرها بتفسيره هذا إلا أنه للذكر سهمان وللأنثى سهم واحد فمع اجتماع ذكر واحد وأنثى واحدة القسمة من ثلاثة ومع اجتماع أكثر تكون الفريضة على هذا النمط للذكر سهمان وللأنثى سهم واحد وما

تخرج منه السهام صحيحة فمنه القسمة أما أن للذكر مثل حظ الانثيين أي للذكر مع البنت نصفان وللبنت نصف ومع البنتين الثلثان وللبنتين ثلثان فشيء لا يدل عليه اللفظ بشيء من أقسام الدلالات ولا يقتضيه بوجه من الوجوه فضلا عن أن يدل عليه دلالة بداهة.

(ثانيا) القرآن الكريم بين حظ الذكر بعبارة واحدة فقط هي قوله للذكر مثل حظ الانثيين لا بعبارتين ، وقوله : وإن كن نساء فوق اثنتين. وإن كانت واحدة خاص بصورة انفراد البنتين وانفراد البنت عن الابن فأين هما العبارتان اللتان بين القرآن الكريم حظ الذكر فيهما.

(ثالثا) القرآن الكريم بين حظ الذكر بعبارة عربية مبينة بيانا عربيا واضحا يفهمه كل أحد لا بيانا رياضيا مبنيا على العلوم الرياضية التي لم يكن يعرفها العرب ولا يفهمونها.

(رابعا) لو كان قوله تعالى للذكر مثل حظ الانثيين راجعا إلى تتمة الآية وهي قوله فلهن ثلثا ما ترك فلها النصف ـ كما يزعم ـ لكان للابن الواحد مع البنت الواحدة الثلثان ولها النصف لأن حظ الأنثيين الثلثان بمقتضى (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) وقد جعل هذا الحظ للذكر. وحظ الواحدة النصف بمقتضى (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) والبنتان لم يفرض القرآن لهما النصفين حتى يقال أن سهم الابن مع البنت النصفان وسهمها النصف والله تعالى يقول للذكر مثل حظ الانثيين ولم يقل مثلا حظ الأنثى فلما قال للذكر مثل حظ الأنثيين وقال فلهن ثلثا ما ترك كان له الثلثان وهو حظهما ولو قال للذكر مثلا حظ الأنثى لصح أن يقال حظ الأنثى النصف ومثلا حظها النصفان لكنه لم يقل فيلزم على مقتضى قوله أن يكون الذكر له الثلثان دائما سواء أكان مع البنت الواحدة أم مع البنتين وللبنت الواحدة معه النصف وللأكثر الثلثان فعلى مقتضى العول ـ للذي يزعمه ـ في ابن وبنت للابن الثلثان لا النصفان وللبنت النصف فالقسمة من سبعة للابن أربعة من سبعة وللبنت ثلاثة من سبعة عالت الفريضة بواحد فقد كان للابن أربعة من ستة وللبنت ثلاثة من ستة فعلى هذه الفلسفة المعوجة التي ذكرها يكون القرآن دالا على أنه مع اجتماع الابن والبنت للابن أقل من سهمين وللبنت أكثر من سهم وهو مخالف لضرورة الدين.

(خامسا) لو دل القرآن ـ كما يزعم ـ في ابن وبنت على ان للابن نصفين وللبنت نصفا وفي ابن وبنتين على أن للابن الثلثين وللبنتين الثلثين للزم منه نسبة الجهل إلى الله تعالى بأن يفرض في مال ثلاثة أنصاف وليس له إلا نصفان وفي مال أربعة أثلاث وليس له إلا ثلاثة فإن قال أنه فعل ذلك ليبين أن المال يقسم مثالثة في الأول ومناصفة في الثاني بيانا رياضيا ـ تركستانيا ـ قلنا التعبير عن قولنا للابن ثلثان وللبنت ثلث ونحوه بقولنا للابن نصفان وللبنت نصف وعن قولنا للابن النصف وللبنتين النصف بقولنا للبنت ثلثان وللابن ثلثان يعد من التعبير الركيك الساقط الذي تأباه بلاغة القرآن وسمو محله ويكون عدولا عن التعبير الواضح البين إلى التعبير الملغز المعمى وإنما اضطر القائل بالعول إلى القول به لأنه قد رأى أن المال قد فرض فيه من السهام ما لا يسعه أما هنا فلا ضرورة (وبالجملة) فهذه تمحلات باردة تافهة فاسدة يجب أن يصان عنها كلام الله المعجز. وادعاؤه أن القرآن نص على العول فكيف تنكره الشيعة وتختلف فيه المذاهب ويخفى على ابن عباس وافتخاره بأنه ظهر له ما خفي على كل هؤلاء مستشهدا بآية (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) يقال فيه أن الله على كل شيء قدير بقدر على أن يظهر له ما خفي على حبر الامة وعلى جميع الأمة من عهد الرسالة إلى اليوم (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ).

قياس العول على الدين

استدل القائلون بالعول بقياسه على الدين مع قصور المال بجامع الاستحقاق لكنه لم يذكره في وشيعته والعجب كيف تركه مع تشبثه بكل رطب ويابس وذكرناه تتميما للفائدة (والجواب) بالفرق بين الدين والميراث إذ لا يستحيل أن يكون على شخص من الدين ما لا يفي به ماله بل الدين يكون مع فقد المال بالكلية بخلاف الميراث فإنه يستحيل أن يكون للمال نصف وثلثان أو أن يستحق شخص الارث مع فقد التركة وذلك لأن الدين يتعلق بالذمة وهي تقبل تحمل الجميع فإذا فرض تعلقه بعين المال ولم يسع الجميع لم يكن ذلك محالا إذ معنى هذا التعلق استحقاق كل أن يستوفي بنسبة دينه. وهذا لا محال فيه وإنما المحال استحقاق كل استيفاء جميع دينه

بخلاف الارث فإنه يتعلق بنفس التركة تعلق انحصار وهي لا تقبل تعلق جميع السهام ولهذا يجب الخروج من حقوق الديان كملا ولا يعد أخذ أحد منهم قسطه استيفاء لجميع حقه بل لبعضه وأن فرض قدرة المديون على إيفاء الدين بعد تقسيط ما له على الديان يجب عليه الخروج من باقي حقهم ومع موته يبقى الباقي في ذمته ويصح احتسابه عليه من زكاة وغيرها وابراؤه منه ومع بقائه يعوضون عنه في الآخرة والارث مخالف للدين في جميع ذلك وأن فرض اتساع أموال الميت أمكن استيفاء جميع الديون منها بخلاف العول فإن الحقوق متعلقة بأجزاء مسماة ولا يجوز أن تستوفى قط من مال ميت واحد قل أو كثر.

والأولى أن يقال أن الدين متعلق بالتركة بلا ريب فإن أمكن خروجه منها وإلا أخرج بالنسبة لأن تعلقه إنما كان بتلك النسبة وهذا لا محال فيه ولا محذور. أما الميراث في صورة العول فتعلق السهام كلها بالتركة مع عدم إمكان خروجها منها محال مع بقائها على حقائقها ومع إرادة الأقل منها باطل كما مر.

قياس العول على الوصية

قال ص ٢٠٤ من أوصى لانسان بالثلث ولآخر بالربع ولثالث بالسدس ولم تجز الورثة نقسم الثلث على مجموع السهام وهي من اثني عشر والمجموع تسعة من غير أن نرى في الوصية فسادا ولا في جمع السهام من المخرج تناقضا ولا إلى بيان الإمام حاجة وإيجاب الله أقوى من إيجاب العبد وبيان القرآن أصدق وأحق من بيان الانسان فالعول طبيعي وبيان القرآن رياضي.

(ونقول) الوصية بما يزيد عن الثلث تقع على وجهين الايصاء بذلك تدريجا كالمثال الذي ذكره ودفعة كما لو قال اعطوا نصف مالي لزيد وعمرو وخالد وقياس العول على الوصية على الوجه الأول في المثال الذي ذكره مبني على قولهم بدخول النقص على جميع الموصى لهم ولا نقول به بل الحق صحة الوصية الأولى وبطلان الباقي لأنه لما أوصى بالثلث لم يكن مانع من صحته إذ لكل إنسان أن يوصي بثلث ماله فلما أوصى بالثانية والثالثة ولم يجز الورثة كان قد أوصى بما لا يحق له فيبطل وبذلك جاءت الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ولو سلم دخول النقص على

الكل فهو غير ما نحن فيه لأن من أوصى بما يزيد عن ثلث ماله يكون قد أوصى بماله حق الايصاء به وزيادة وهذا لا يستلزم محالا فتصح فيما له حق وتبطل في الزيادة كما لو أوصى ولا مال له فما صحت فيه يكونون قد استحقوه على الاجتماع بنسبة الوصية أفيقسم فيهم كما يقسم الشيء المستحق بين الشركاء لاشتراكهم في السبب بدون مائز وكذا على (الوجه الثاني) فظهر بطلان قياس العول على الوصية بأكثر من الثلث بكلا وجهيها. وإذا كان لا يرى في هذه الوصية فسادا ولا تناقضا ولا حاجة إلى بيان الإمام ففي العول فساد وتناقض وحاجة إلى بيان الإمام الذي حرم منه وكون إيجاب الله أقوى من إيجاب العبد إنما يتم إذا أمكن شمول إيجابه لمورد العول وهو مستلزم للمحال فالعول ليس بطبيعي ولا وضعي وبيان القرآن الرياضي بعيد عما يزعمه.

المسألة المنبرية

ذكرها في وشيعته ص ٢٠٤ فقال روى أهل العلم أن الإمام عليا سئل وهو يخطب في منبر الكوفة عن امرأة وبنتين وأبوين فقال لها ثلاثة ولا بنتيه ستة عشر ولأبويه ثمانية من سبعة وعشرين فقال السائل أليس للزوجة الثمن فقال علي صار ثمنها تسعا وهذا عول صريح وجوابه على منبر الكوفة لا يمكن أن يكون تقية وكان إماما يقاتل في التنزيل والتأويل.

ونقول المروي في هذا السؤال والجواب خلاف ما نقله وهذا الذي نقله لم نجده في شيء مما وصل إلينا من كتب الفريقين فالتفصيل الذي ذكره في الجواب خيانة في النقل.

ففي الدر المختار شرح تنوير الأبصار في الفقه الحنفي : (وأربعة وعشرون تعول إلى سبعة وعشرين كامرأة وبنتين وأبوين) وتسمى منبرية ا ه وفي حاشيته المسماة برد المختار لابن عابدين قوله وتسمى منبرية لأن عليا سئل عنها وهو على منبر الكوفة يقول في خطبته : الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعا ويجزي كل نفس بما تسعى وإليه المآب والرجعى فسئل عنها حينئذ (١) فقال من غير روية والمرأة صار ثمنها تسعا

__________________

(١) المسألة اثناء الخطبة ليس فيها حسن ادب ويظهر ان ذلك كان متعارفا فقد جاء في نهج البلاغة ان رجلا من أهل السواد اعطاه كتابا وهو يخطب فجعل ينظر فيه ـ المؤلف ـ.

ومضى في خطبته فتعجبوا من فطنته (در منتقى) ا ه وظاهر هذا أنه لم يزد في الجواب على قوله والمرأة صار ثمنها تسعا لأن ذلك هو المناسب لوقوع الجواب في أثناء الخطبة من غير روية.

وفي النهاية الأثيرية هذه المسألة تسمى في الفرائض المنبرية لأن عليا سئل عنها وهو على المنبر فقال من غير روية صار ثمنها تسعا ا ه ولو كان الجواب كما حكاه هذا الرجل لم يكن من غير روية.

وفي التهذيب للطوسي والمسالك وغيرهما : استدل القائلون بالعول من غيرنا بما رواه عبيدة السلماني عن أمير المؤمنين عليه‌السلام حيث سئل عن رجل مات وخلف زوجة وابوين وابنتين فقال صار ثمنها تسعا ا ه ولم يذكروا هذا التفصيل الذي ذكره.

وقال المرتضى في الانتصار : فأما دعوى المخالف أن أمير المؤمنين كان يذهب إلى العول في الفرائض وأنما يروون عنه ذلك وأنه سئل وهو على المنبر عن بنتين وأبوين وزوجة فقال بغير روية صار ثمنها تسعا فباطلة لأنا نروي عنه خلاف هذا القول ووسائطنا إليه النجوم الزاهرة من عترته كزين العابدين والباقر والصادق والكاظم وهؤلاء أعرف بمذهب أبيهم ممن نقل خلاف ما نقلوه وابن عباس ما تلقى أبطال العول في الفرائض إلا عنه ومعولهم في الرواية عنه أنه كان يقول بالعول الرواية عن الشعبي والحسن بن عمارة والنخعي ، فأما الشعبي فإنه ولد سنة (٣٦) والنخعي ولد سنة (٣٧) وقتل أمير المؤمنين سنة (٤٠) فكيف تصح رواياتهم عنه والحسن بن عمارة مضعف عند أصحاب الحديث ولما ولي المظالم قال سليمان بن مهران الأعمش : ظالم ولي المظالم. ولو سلم كل ما ذكرناه من كل قدح وجرح لم يكن بإزاء من ذكرناه من السادة والقادة الذين رووا عنه أبطال العول فأما الخبر المتضمن أن ثمنها صار تسعا فإنما رواه سفيان عن رجل لم يسمه. والمجهول لا حكم له. وما رواه عنه أهله أولى وأثبت. قال : وفي أصحابنا من يتأول هذا الخبر إذا صح على أن المراد به أن ثمنها صار تسعا عندكم أو أراد الاستفهام وأسقط حرفه كما أسقط في مواضع كثيرة ا ه الانتصار. وهو يدل على أن الجواب كان مقتصرا على قوله صار ثمنها تسعا دون التفصيل الذي ذكره وما أجاب به السيد المرتضى كاف واف في رد الاستدلال بالمنبرية

على أن عليا كان يقول بالعول وحمله على الاستفهام يراد به الانكاري وهو قريب جدا فإن حذف أداة الاستفهام شائع في الكلام وفي التهذيب أما الخبر الذي رووه إذا سلمناه احتمل وجهين أحدهما أن يكون خرج مخرج النكير لا مخرج الاخبار كما يقول الواحد منا إذا أحسن إلى غيره فقابله ذلك بالاساءة وبالذم على فعله فيقول قد صار حسني قبيحا وليس يريد بذلك الخبر عن ذلك على الحقيقة وإنما يريد به الانكار والوجه الآخر أن يكون أمير المؤمنين قال ذلك لأنه كان قد تقرر ذلك من مذهب المتقدم عليه فلم يمكنه المظاهرة بخلافه كما لم يمكنه المظاهرة بكثير من مذاهبه حتى قال لقضاته وقد سألوه بم نحكم يا أمير المؤمنين فقال أقضوا كما كنتم تقضون حتى يكون للناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي وقد روى هذا الوجه المخالفون لنا روى أبو طالب الأنباري : حدثني الحسن بن محمد بن أيوب الجوزجاني حدثنا عثمان ابن أبي شيبة حدثنا يحيى بن أبي بكر عن شعبة عن سماك عن عبيدة السلماني قال كان علي على المنبر فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين رجل مات وترك ابنتيه وأبويه وزوجة فقال علي صار ثمن المرأة تسعا قال سماك قلت لعبيدة وكيف ذاك قال ان عمر بن الخطاب وقعت في أمارته هذه الفريضة فلم يدر ما يصنع وقال للبنتين الثلثان وللأبوين السدسان وللزوجة الثمن فكان هذا الثمن باقيا بعد الأبوين والبنتين فقال له أصحاب محمد أعط هؤلاء فريضتهم للأبوين السدسان وللزوجة الثمن وللبنتين ما يبقى فقال فأين فريضتهما الثلثان فقال له علي بن أبي طالب لهما ما يبقى فأبي ذلك عليه عمر وابن مسعود فقال علي على ما رأى عمر ، قال عبيدة وأخبرني جماعة من أصحاب علي بعد ذلك في مثلها أنه أعطى الزوج الربع مع الابنتين والأبوين السدسين والباقي رد على البنتين وذلك هو الحق وان أباه قومنا ا ه فظهر أن قوله هذا عول صريح ادعاء غير صحيح وأن وجه التقية فيه ظاهر على مقتضى هذه الرواية وان كان الجواب على منبر الكوفة فالكوفة هي التي لم يمكنه فيها عزل شريح القاضي ولا ابطال الجماعة في نافلة شهر رمضان وكونه إماما يقاتل في التنزيل والتأويل لا يمنع أن لا يوافقه على جملة مما يراه إلا القليل وانظر قول عبيدة ذلك هو الحق وإن أباه قومنا.

آيات المواريث وصحيفة الفرائض

ذكر ص ٢٠٢ ـ ٢٠٣ آيات المواريث الخمس. يوصيكم الله في أولادكم. ولكم نصف ما ترك أزواجكم. وإن كان رجل يورث كلالة. وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض. وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض من المؤمنين والمهاجرين. ثم قال كتاب لم يغادر صغيرة ولا كبيرة من المسائل إلا أحصاها يجد فيها المجتهد جواب كل ما يمكن وقوعه في حوادث الارث والتوريث وهذه الآيات الخمس هي لا غيرها صحيفة الفرائض التي تدعيها الشيعة ويقول فيها الباقر وبعده الصادق أن النبي املاها على علي وكتبها علي بيده لم يرها بيد الباقر والصادق إلا زرارة وكل مسألة رأى فيها زرارة كان يقول من غير شك باطلة أما هذه الآيات الخمس فقد أملاها النبي على الأمة وكتبها الأمة صحفا مطهرة لم تضع ولن تضيع كما ضاعت صحيفة الفرائض وكل ما كتبه علي بيده من الجفر والجامعة والمصحف ومصحف السيدة وطامور الوصايا.

(ونقول) طامور الوصايا مر الكلام عليه عند ذكر شهادة الحسين عليه‌السلام وصحيفة الفرائض وغيرها مما ذكره يأتي الكلام عليه بعد الفراغ من مبحث العول.

وإذا كانت آيات المواريث الخمس يجد فيها المجتهد جواب كل ما يمكن وقوعه في حوادث الارث فهل رفعت الخلاف بين الأمة في مسائل الارث وإذا كان الأمر كذلك فلما ذا اختلفت الأمة في أحكام المواريث من عهد الصحابة إلى اليوم فاختلف فيها الصحابة أنفسهم مع قرب عهدهم بالقرآن وكونه انزل بلغتهم كما اختلفوا في كثير من مسائل الفقه فضلا عن التابعين وتابعي التابعين ومن بعدهم والقرآن الكريم إنما يراد بأن فيه تبيان كل شيء أن فيه أصول جميع الأحكام لا جميع فروعها فليس فيه أن الظهرين والعشاء أربع ركعات والمغرب ثلاث والصبح اثنتان وعدد فصول الأذان والإقامة والتكفير في الصلاة مستحب أولا والجماعة في نافلة رمضان أولا وعدد ركعات نافلة الليل وأن بنت الابن لها السدس تكميلا للثلثين كما يأتي في التعصيب إلى غير ذلك مما لا يحصى ولما ذا وجدت المذاهب الأربعة بعد ما كانت أكثر بكثير والمذاهب الإسلامية في بعضها ما يناقض البعض فهل في القرآن الكريم تناقض وكل

احتج به على مذهبه وإذا لم يكن كذلك فما ذا نفعنا في اختلافنا أن القرآن فيه تبيان كل شيء ولكن هذا الرجل يكابر ويعاند.

قال ص ٢٠٨ ـ ٢٠٩ وحيث أن عول الفرائض يدوم فيه من العصر الأول إلى هذه الأيام أشكال قاهر ولم أر من أهل العلم من دفعه ببيان ظاهر باهر بل رأينا ان ابن عباس يلاعن بالابتهال ثم الامام الزهري يقول لو لا أنه تقدمه امام عدل إذا أمضى أمرا مضى لما اختلف على ابن عباس اثنان من أهل العلم. وللشيعة في العول تطاول على الأمة وتحامل فبعد كل ذلك بسطت في أصل العول الكلام بسطا يستأصل أصل الأشكال ويكون فيه فائدة لكل راغب من الطلبة (إلى أن قال) وعقدت بابا في أن أهل الأدب قد يقع منهم خطأ في فهم بيان الكتاب ليكون لنا فيه جمال حين تريح الطلبة وحين تسرح في مراعي الفكر ومسارح العلم وفي رياض الاجتهاد.

وانك ان تستعمل العقل لا يزل

مبيتك في ليل بعقلك مشمس

* * *

الفكر حبل متى يمسك على طرف

منه ينط بالثريا ذلك الطرف

والدين كالبحر ما غيضت غواربه

شيئا ومنه بنو الاسلام تغترف

(ونقول) اشكروا يا علماء الاسلام هذه النعمة فالعول يدوم فيه من العصر الاول الى هذه الايام اشكال قاهر عجز عن حله جميع اهل العلم ولم يقدر احد من اهل العلم على دفعه ببيان ظاهر باهر حتى ابن عباس مع ما وصف به من العلم وحتى الامام الزهري الى ان بعث الله للامة الاسلامية في هذا الاوان وآخر الزمان رجلا من اقاصي تركستان فبسط القول في العول ببيان قاهر باهر بسطا استأصل فيه اصل هذا الاشكال القاهر الذي دام من العصر الاول الى اليوم ولم يستطع احد من العلماء حله فكان بما آتاه الله من علم حكما بين الخليفة الثاني وبين ابن عباس والامام الزهري الذي ظهر منه الميل الى مذهب ابن عباس ودفع تطاول الشيعة على الامة وتحاملها فجاء ببيانات طويلة مملة مكررة تكريرا ممقوتا لا تزيد عن رحى تطحن قرونا وليس فيها شيء يصح ان يقال عنه انه علم زيادة على ما ذكره علماء الفريقين فهم قد احتجوا بكل ما في وسعهم مما نقلناه وما لم ننقله. ثم جاء يفتخر بانه وصل الى ما لم يصل إليه احد من اهل العلم. والذي كان من الشيعة هو الاستدلال على نفي

العول ورد ادلة الخصم بالطريقة المألوفة بين العلماء ولا يعد ذلك من التطاول والتحامل الا كل متطاول متحامل. والباب الذي عقدة لتخطئة اهل الادب في فهم الكتاب واظهر بلاغته وتفاصحه وقدرته على التنميق في ذلك قد يكون ابان فيه خطأ نفسه لا خطأهم واولى من الشعر الذي انشده ان يقال :

يخال الفتى من جهله وهو دامس

بأن بات في ليل من العقل مشمس

* * *

الفكر حبل منوط بالثرى طرف

للحبل او بالثريا ذلك الطرف

والدين كالبحر بعض الناس قد غرقوا

فيه هلاكا ومنه البعض قد غرفوا

مسائل ذكرها الباقر عليه‌السلام ردا على فعل العول

(١) قال ص ٢١٥ تركت زوجها واخوتها لام واختها لاب المسألة على مذهب الباقر من ستة والباقي هو السدس للاخت لاب ولا يمكن الاعالة اذ لو كان بدل الاخت اخ لما زاد على الباقي وهو السدس وقد كان له الكل (وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) يقول الباقر فما لكم تحرمون من له الكل ولا تنقصون من له النصف ولا يزاد نصيب الانثى على نصيب الذكر ان حل محلها ابدا.

(٢) تركت زوجها وابويها وبنتها المسألة من اثني عشر لبنتها خمسة اذ لو كان بدلها ابن لما كان له غير خمسة ولو تركت بنات لم يكن لهن أيضا غير هذه الخمسة إذ لو كان بدل البنات ابناء لم يكن لهم غير هذه الخمسة.

(ثم قال) اعتراض الامام الباقر ان ورد فانما يرد على تسمية الكتاب لا على مسألة فتريد والامة فالكتاب سمى للبنت والبنات والاخت والاخوات ولم يسم للذكور فقول الباقر ما لكم تحرمون من له الكل مغالطة لان العصبة له الكل عند الانفراد فقط اما عند الاجتماع فلا تسمية له يأخذ ما بقي بعد سهام الزوج والابوين ان بقي من غير مخالفة لنظم الكتاب والبنت لها المسمى وهو النصف من مخرج السهام وقول الباقر لا يزاد نصيب الانثى على نصيب الذكر ان حل محلها ابدا خلاف لبيان الكتاب لان من قال للذكر مثل حظ الانثيين عند اختلاط الذكور والاناث هو سمى للاناث عند الانفراد ولم يسم للذكور عند الانفراد ولعل ذلك لان الانثى عند

انفرادها احوج وليس لها نصير مساعد فزيد في حظها واما عند الاختلاط فأخوها يساعدها فزيد في حظ الذكور مع الاختلاط مقابل القيام بحاجات الاناث.

(٣) قال ص ٢١٦ تركت زوجها وأمها واخوتها للام وان كانت مع هؤلاء اخت لاب فلها النصف الذي سماه الله لها وان كان بدلها اخ لاب فهو محروم لان الله لم يسم له شيئا وانما جعله عاصبا يأخذ ما بقي ان بقي قال واعتراض الباقر في مثل هذه المسائل مغالطة اذ لم يحرم صاحب الكل وانما حرم المحروم الذي لم يسم الله له شيئا كما حرم الباقر كل الاخوة والاخوات بوجود الأم.

(ونقول) وقد تعدى هذا الرجل طوره وتجاوز حده واساء الادب مع امام اهل البيت الذي سماه جده الرسول باقر العلم فنسبه الى المغالطة تارة والى ان اعتراضه يرد على تسمية الكتاب اخرى. ومن ادرى منه بآيات الكتاب وفي بيته نزل وهو وآباؤه تراجمته ووارثو علومه لا اهل تركستان ولا فلان وفلان ولا زيد ولا عمرو وهو احد الثقلين. ولم يسبقه الى هذه الإساءة سابق يدين بالإسلام وجاء في مستند هذه الاساءة بما لا يستحق ان يسمى مغالطة بل هو اقل وأفسد وابطل من ان يسمى بذلك. الامام الباقر وارث علوم جده الرسول وآبائه الائمة الامناء صلوات الله وسلامه عليه وعليهم يقول للاخت في المسألة الاولى الباقي وهو السدس وللبنت في المسألة الثانية الباقي وهو خمسة ويستدل على ذلك ببرهان قاطع لا يمكن رده فيقول قد علم من طريقة الشارع في باب الميراث ان الانثى لا يزاد نصيبها عن نصيب الذكر ان حل محلها ابدا مع تساوي جهة القرابة بل اما ان يكون نصيبها على النصف من نصيب الذكر وهو الاكثر او مساويا له كما في قرابة الام اما زيادة نصيبها عن نصيب الذكر فلم يقع ابدا وان كانت الام قد تزيد عن الأب كزوج وابوين مع عدم الحاجب للام من الاخوة الفريضة من ستة للزوج النصف ثلاثة وللام الثلث اثنان وللاب الباقي وهو واحد لكن هذا غير محل الكلام وهو حلول الذكر محل الانثى وهنا لم يحل محلها بل اجتمعا ويكون للاب ثلثان وللام ثلث مع عدم زوج او زوجة. فاذا كان بدل الاخت في المسألة الاولى اخ كان له الباقي وهو السدس مع ان الاخ عند الانفراد يكون له الكل (وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) والاخت عند الانفراد لها النصف

(وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) فما لكم تنقصون من له الكل الى السدس ولا تنقصون من له النصف الى السدس. واذا كان بدل البنات في المسألة الثانية ابناء لم يكن لهم غير الباقي فكذلك البنات لهن الباقي. وهذا الرجل يهول دائما بذكر الامة وما هي هنا الا واحد او آحاد معدودة لم يدعوا لانفسهم العصمة ولا ادعاها لهم مدع. ويقول الكتاب سمي للبنت والبنات والاخوة والاخوات ولم يسم للذكور مع ان الكتاب الذي سمي للاخت النصف فرض للاخ الكل كما سمعت. وقوله لان العصبة أله الكل عند الانفراد ـ فقط ـ مع ان المذكور في كلام الباقر الاخ لا العصبة ـ فيه ان الاخت أيضا لها النصف عند الانفراد فقط فيتوجه الاعتراض بانه كيف نقص من له الكل ولم ينقص من له النصف ولم يأت في جوابه بشيء. وقوله اما عند الاجتماع فلا تسمية له يأخذ ما بقي بعد سهام الزوج والابوين فيه ان الاخ المذكور في كلام الباقر لا شيء له مع الزوج والابوين عند الامام الباقر واهل بيته الائمة الهداة بل في فيه التراب فهل يجعل من عنده ادنى تميز ما ابطله الامام الباقر حجة على الامام الباقر على انه مع الزوج والابوين لا يبقي شيء لا مع الولد ولا مع عدم الولد فهذا الكلام ساقط سواء اقيده بقوله ان بقي أم لم يقيده وقوله من غير مخالفة لنظم الكتاب فيه ان القول بالعول مخالفة لنظم الكتاب في جميع الفاظ السهام التي حصل فيها العول بإطلاقها على اقل منها كما عرفت والبنت التي لها المسمى وهو النصف لم تعط النصف بل اقل منه. وجعله قول الباقر عليه‌السلام ان الانثى لا يزيد نصيبها عن نصيب الذكر ان حل محلها خلافا لبيان الكتاب وتعليله ذلك بان من قال للذكر مثل حظ الانثيين عند اختلاط الاناث والذكور هو سمى للاناث عند الانفراد ولم يسم شيئا للذكور عند الانفراد مع كونه سوء ادب عظيم في حق باقر العلوم بشهادة جده الرسول ومخالفة صريحة لقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو نفسه كلام فاسد فان من قال للذكر مثل حظ الانثيين عند اجتماع الابناء وسمى للبنت الواحدة النصف وللبنتين فما زاد الثلثين عند الانفراد قد جعل على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للابن الواحد وللابنين فما زاد جميع المال هذا في الابناء واما في الكلالة فمن جعل للاخت النصف عند انفرادها (وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) جعل للاخ الكل عند انفراده (وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) والله تعالى قد بين نصيب الذكور والاناث من

الاولاد والاخوة عند الانفراد والاجتماع وهو يدل على صحة احتجاج الباقر عليه‌السلام وسخافة قول هذا الرجل وقد ظهر فساد قوله اذ لم يحرم صاحب الكل وانما حرم المحروم الذي لم يسم الله له شيئا فقد عرفت ان الاخ قد سمى الله له الكل والباقر اذا حرم كل الاخوة والاخوات بوجود الام فانما حرمهم بما اخذه عن جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) بعد ما فسرها ائمة اهل البيت عليهم‌السلام بان الاقرب يمنع الا بعد لا بالرأي والاجتهاد فاي الفريقين احق بالخطإ والمغالطة. واسخف مما مر تعليله التسمية للاناث عند الانفراد وعدم التسمية للذكر عند الانفراد بان الانثى عند الانفراد احوج وليس لها نصير مساعد فزيد في حظها فانك قد عرفت ان الذكر عند الانفراد له الكل والانثى لها النصف فكيف يكون قد زيد في حظها لو كان يعقل ما يقول مع ان هذا التعليل الذي ذكره من انها عند الانفراد احوج ليس لها نصير مساعد لو تم لاقتضى ان يرد الفاضل عن النصف عليها الا ان يعطى للطبقة المتأخرة كما يقوله اهل التعصيب على ان مثل هذه التعليلات لو صحت لكانت حكمة لا يجب ان تطرد ولا يجوز ان يبنى عليها احكام شرعية.

واما المسألة الثالثة فاشار بها الى مسألة ذكرها الباقر عليه‌السلام في ذيل المسألة الاولى فقال فلا تعطون الذي جعل الله له الجميع في بعض فرائضكم شيئا وتعطون الذي جعل الله له النصف النصف تاما فاستفهم السائل عن معنى ذلك فقال يقولون في أم وزوج واخوة لام واخت لاب فيعطون الزوج النصف والام السدس والاخوة من الام الثلث والاخت من الأب النصف فيجعلونها من تسعة وهي من ستة قال كذلك يقولون قال فان كانت الاخت ذكرا اخا لاب قال ليس له شيء فقال لابي جعفر فما تقول انت جعلت فداك فقال ليس للاخوة من الأب والام ولا الاخوة مع الأب شيء مع الام. ومن ذلك تعلم انه قصر في نقل هذه المسألة وبترها بحيث جعلها لا تفهم فهو يطيل في اكثر ما يذكره بدون طائل تطويلا مملا ويختصر في غير محل الاختصار اختصارا مخلا ، والامام الباقر اراد في هذه المسألة النقض على اصحاب العول والتعصيب معا كما نقض في المسألة الاولى على اصحاب العول فقط فقال انه يلزمهم ان تكون الانثى اذا حلت محل الذكر وارثه واذا حل الذكر محلها ان يكون غير

وارث مع انه علم من طرق الشرع ان الذكر اقوى سببا في الميراث من الانثى اذا حل محلها فتشدق موسى تركستان بان هذا مغالطة هو اقل من ان يقال عنه انه مغالطة لان الباقر عليه‌السلام يريد ان يلزم من يقول بارث الاخوة هنا مع الام ان تكون الاخت وارثة والاخ اذا حل محلها غير وارث واللازم باطل فالملزوم مثله وقوله انما حرم المحروم الذي لم يسم الله له شيئا لا محل له فان الاخوة لا يرثون مع الام عند الباقر واهل بيته سواء أكانوا ممن سمى الله لهم شيئا أم لا ، والامام الباقر انما حرم كل الاخوة والاخوات بوجود الام لذلك فان الابعد لا يرث مع الاقرب في مذهب اهل البيت.

إرث الزوجة من الارض والعقار

قال ص ٢١٢ النساء لا ترث لا من الارض ولا من العقار. هذا اصل به خالفت الشيعة شرع الاسلام انتحلته من شريعة التوراة وللشيعة انتحالات من الاناجيل والتوراة ومن سائر الاديان وبم تحرم الشيعة النساء إرث الارض والعقار والكتاب يقول : ولهن الربع مما تركتم. فلهن الثمن مما تركتم. ثم اطال بما لا فائدة في نقله.

(ونقول) الشيعة لم تخالف شرع الاسلام وانما خالفه من نبذ اقوال ائمة اهل البيت الذين امر شرع الاسلام بالتمسك بهم كالقرآن واخبر ان المتمسك بهم لا يضل ابدا واتبع من لا يؤمن عليه الخطأ والشيعة لا تنتحل من شريعة التوراة ولا الاناجيل ولا سائر الاديان فهي غنية بما ورثته عن اهل بيت نبيها في كل علم عن كل انتحال ولا سيما في احكام الدين ففي كتب اخبارها ما يزيد عما في الصحاح الستة كثيرا وانما الذي يصح ان يقال عنه انه ينتحل من شريعة التوراة والإنجيل هو هذا الرجل الذي يستشهد بكلام التوراة والإنجيل في كل مناسبة كما مر ذلك منه مرارا. اما عدم توريث الزوجة من الارض والعقار فلم تقل به الشيعة من عند انفسها بل بما صح لديها من روايات ائمة اهل البيت واحدا عن واحد عن جدهم الرسول عن جبرئيل عن الله تعالى. وعموم القرآن وان كان شاملا للارض والعقار الا انه يجوز تخصيصه

بما ثبت من السنة وقد قلتم انتم في التعصيب بمثل ذلك فخالفتم ظاهر القرآن بما رويتموه ما ابقت الفريضة فالذي عصبة ذكر على ان الشريف المرتضى يقول انها تحرم من العين ولا تحرم من القيمة وقال الكل انها لا تحرم من قيمة البناء والشجر. قال المرتضى في الانتصار : ويمكن ان يكون الوجه في صد الزوجة عن الرباع انها ربما تزوجت واسكنت هذه الرباع من كان ينافس المتوفى او يغبطه او يحسده فيثقل ذلك على اهله وعشيرته فعدل بها عن ذلك الى اجمل الوجوه ا ه. فهذا امر جامع بين حفظ حق الزوجة وحفظ شرف اهل الزوج.

حجب الام بالاخوة

قال ص ٢١٥ تقول الشيعة ان الاخ الواحد لا يحجب الامام اما الاخوان فيحجبان وأربع أخوات تحجب الأم والثلاث لا تحجب لإن الأربع في حكم الأخوين والثلاث انقص. وهذا اجتهاد في اللفظ قد ينقضه المعنى لأن احتياج الأب الى توفير حظه في بناته الثلاث أكثر من احتياجه الى توفير حظه في ابنيه وقد يكون ابناه يغنيانه عن تركة الميت وعن توفير حظه بحجب الأم.

(ونقول) ظاهر الآية ان حجب الام عن الثلث الى السدس لا يكون الا باخوة ذكور ثلاثة فما فوق لقوله تعالى (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) والاخوة جمع مذكر اقله ثلاثة لكن روايات ائمة اهل البيت اتفقت على حصول الحجب بالاخوين فما فوق وبأربع اخوات وباخ واختين فصاعدا اذا كانوا لاب او ابوين وبالحجب بالاخوين قال الائمة الاربعة كما في ميزان الشعراني وفي الدر المختار في الفقه الحنفي وحاشيته لابن عابدين ان الحجب يكون باثنين من الاخوة او الاخوات فصاعدا لابوين او لاب او لام ذكورا واناثا من جهة واحدة او اكثر ا ه. وبذلك ظهر ان ما قاله غير الشيعة فيه اجتهاد في اللفظ وما قالته الشيعة انما قالته بما روته عن ائمة اهل البيت فقوله هذا اجتهاد في اللفظ قد ينقضه المعنى في غير محله نعم الحكمة فيه التوفير على الأب لكن الحكمة لا يجب اطرادها وانما يجب اطراد العلة.

صحيفة الفرائض والجفر والجامعة

ومصحف فاطمة وغيرها

قال ص ٢٠٣ ومرت إليه الاشارة في اثناء الكلام على العول عند ذكر آيات خمس في المواريث :

وهذه الآيات الخمس هي لا غيرها صحيفة الفرائض التي تذكر في كتب الشيعة ويقول فيها الباقر والصادق ان النبي املاها على علي وكتبها علي بيده صحيفة الفرائض التي تدعيها الشيعة لم يرها بيد الباقر والصادق الا زرارة وكل مسألة رأى فيها زرارة كان يقول من غير شك باطلة اما هذه الآيات الخمس فقد املاها النبي على الامة وكتبها الامة صحفا مطهرة لم تضع ولن تضيع كما ضاعت صحيفة الفرائض وكل ما كتبها علي بيده من الجفر والجامعة والمصحف ومصحف السيدة وطامور الوصايا.

وفي ص ١٠٧ ـ ١٠٨ ـ ١٠٩ كل ما قدمت من الدعاوى. مصحف السيدة فاطمة. مصحف علي الذي غاب بيد الامام الغائب المنتظر. طوامير الوصايا. صحيفة الفرائض صحيفة في ذؤابة سيف النبي. الجفر الابيض والاحمر. الجفر الاكبر والاصغر. الجامعة. الف حرف والف باب يفتح كل حرف وكل باب الف حرف وألف باب. فإن الإسلام وكتابه ارفع وأغنى من كل هذه الدعاوي والله في كتابه يقول : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ. وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.). ومن ينظر في الجفر ويتيه في جداول الأحرف فهو معرض تائه وأهم متوهم. ومن يقول ان علم الحرف علم شريف يستنبط منه جميع العلوم إلا انه علم مكنون عند اهله فقد أصاب إصابة اللزوميات في قوله :

لقد عجبوا لاهل البيت لما

اروهم علمهم في مسك جفر

ومرآة المنجم وهي صغرى

ارته كل عامرة وقفر

فلا يكون جفر الامام الا مثل نجامة منجم قوتها ضئيلة وفائدتها تافهة ليس من شرف الامام ان يتدرك الى دركات عراف العرب وكاهن اليهود وفقير الهند وهم اعلم من منجم يرى في مراياه الصغيرة كل عامرة وقفر والصوفي الذي يدعي انه يعاين اللوح المحفوظ اعقل في دعواه من شيعي يعتقد ان الامام يتلقى العلوم من روح القدس ثم يدعي ان امامه ينظر في جداول الجفر يتيه ويتعب عبثا. فهذه الدعاوى ثبتت أو لم تثبت أكثرها يحط من شأن الإمام وليس فيها من شرف وفضيلة فالعالم لا يدعي والامام لا يتزيد وادب النبي ان يتواضع ويتزيد وقل رب زدني علما. فان كان ثبت البعض من البعض فلا يكون الا من نزع عرق الى أم قيصرية او جدة كسروية لا اثرا ولا إرثا من بيت النبوة فان الدعوى ان ثبتت فقد اتت بواسطة شهربانو من يزدجرد لا من محمد بواسطة السيدة فاطمة عليها وعلى أبيها الصلاة والسلام وان ادعينا للنبي العلم فلنا ان نقول انه يعاين كل ما لدى الله في أمّ الكتاب ويتلو كل ما كتبه القلم في لوح الاجمال وما يكتبه في الواح التفاصيل وان النبي ينعكس في مرايا عقله كل ما في عالم الوجود ويتجلى في قلبه الله بكل ما له من تجليات وتدليات. هذا هو العلم للنبي الذي له علوم الاولين وعلوم الآخرين من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين لا النظر في الجفر الابيض والجفر الاكبر ولا البحث في مزابل حروف الجفر الاحمر. ومن يدعي النظر في الجفر الاصغر والاكبر والابيض والاحمر. فاقل ما يقال فيه انه اوّل داخل في قول الله جل جلاله (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ).

(ونقول) ان ضاعت صحيفة الفرائض والجفر والجامعة وما ذكر معها عنده وعند امثاله ممن حرموا انفسهم من علوم اهل بيت النبوة فلم تضع عند اهلها بل بقيت محفوظة يرويها الثقات عن الثقات ويودع العلماء ما فيها كتبهم وجوامعهم ورآها بيد الباقر والصادق زرارة وغيره لا زرارة وحده. وممن رآها وقرأها محمد بن مسلم الطائفي وممن قرأت عليه ابو بصير. وان كان زرارة رأى في اوّل الامر ان بعض ما فيها باطل لمخالفته ما في ايدي الناس فقد علم بعد حين انه حق وصواب لما اعلمه الامام بذلك واذا كان صادق اهل البيت وباقر علومهم يقولان انها املاء رسول الله وخط علي بيده وروتها لنا الثقات عن الثقات فهي اولى بالاتباع من الاقوال

المستندة الى آراء الرجال والى المقاييس والاستحسانات وكذلك الجفر والجامعة ومصحف فاطمة التي حفظنا ما فيها وضيعها هو وقومه وطامور الوصايا مر الكلام عليه عند ذكر شهادة الحسين عليه‌السلام. والمصحف كتب فيه علي عليه‌السلام التأويل والتنزيل وذكره السيوطي وقال لو ظفر به لكان كنزا ثمينا او ما هذا معناه واما الجفر فقد وردت روايات عن ائمة اهل البيت عليهم‌السلام بانه كان عند علي مسك جفر (جلد جدي من الماعز) مكتوب فيه من العلوم وهو املاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط علي بيده وتوارثه ابناؤه من بعده وورد نحو ذلك في صحيفة الفرائض والجامعة وغيرها وهذا ليس من الامور المستحيلة ولا من الامور المشينة بل فضيلة تنضاف الى فضائل اهل البيت الكثيرة فاذا وردت به الرواية وجب قبوله فقوله ومن ينظر في الجفر ويتيه في جداول الاحرف فهو معرض تائه واهم متوهم قد دل على انه هو وحده معرض تائه واهم متوهم ليس الجفر علما من العلوم وان توهم ذلك كثيرون ولا هو مبني على جداول الاحرف ولا على علم الحرف ولا ورد به خبر ولا رواية وان اقتضى ذلك كلام كشف الظنون بقوله : ادعى طائفة ان الامام علي بن ابي طالب وضع الثمانية والعشرين حرفا على طريق البسط الاعظم في جلد الجفر يستخرج منها بطرق مخصوصة وشرائط معينة والفاظ مخصوصة ما في لوح القضاء والقدر الى آخر ما قال. الجفر كما قدمناه جلد كتب فيه علي عليه‌السلام من املاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انواعا من العلوم والحوادث المتأخرة هكذا جاءت الرواية عن ائمة اهل البيت عليهم‌السلام ولم يتحقق غير ذلك ولكن الناس توسعوا في تفسيره وقالوا فيه اقاويل لا تستند الى مستند شأنهم في امثال ذلك. ولو ثبت انه كما قال كشف الظنون لم يكن فيه استبعاد ولا استنكار بل استنكار ذلك واستبعاده حجر على قدرته تعالى وتضييق لسعة علمه وعجائب قدرته لا تحيط بها العقول ولا تصل إليها الاوهام ، فجعل جفر الامام مثل نجامة منجم وعرافة العرب وكهانة اليهود وفقر الهند جهل وتعصب في غير محله ، في الجفر علم إلهي بلسان خاتم النبيين وقلم سيد الوصيين فجعله كالامور المذكورة لا يخرج عن الجهل والتعصب الذميم ، نعم الامام اعلم من منجم ولكن صاحب اللزوميات ضرب لذلك مثلا مرآة المنجم :

والله قد ضرب الاقل لنوره

مثلا من المشكاة والنبراس

ومن ذلك تعلم انه اوّل داخل في قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية.

وقد سبقت دعوى الشيعي هذه دعوى من قال ان بعض الصحابة كانت تحدثه الملائكة حتى اكتوى كما مر والشيعي لم يدع ان امامه ينظر في جداول الجفر كما عرفت لكن هذا الرجل يتيه في وادي التعصب ويتعب نفسه عبثا.

والعالم والامام يتحدث بنعمة الله (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) وليس ذلك منافيا للتواضع وطلب المزيد هذه هي ادلة هذا الرجل وهذه هي انتقاداته.

واراد بعيبه الائمة الطاهرين بالام القيصرية والجدة الكسروية متفاصحا باثر وارث. الاقتداء بسلفه الاموي احد اركان الامة المعصومة هشام بن عبد الملك حين قال لزيد الشهيد : تطلب الخلافة وانت ابن أمة فقال : الخلافة اعظم أم النبوة وقد كان اسماعيل ابن امة وكان من ذريته سيد النبيين وكان إسحاق ابن حرة وكان من ذريته القردة والخنازير. وبعد فما يقصر برجل جده رسول الله وابوه علي امير المؤمنين وجدته خديجة وأمه الزهراء ان يكون ابن امة فلا عيب على ائمة اهل البيت وجدهم الرسول وابوهم الوصي وامهم البتول بان امهم قيصرية وجدتهم كسروية. ومفاتيح بيت النبوة لم تكن بيده ليعرف ما جاء منه بواسطة السيدة فاطمة من الذي جاء بواسطة شهربانو كلام فارغ يأسف المرء على وقت يضيعه في رده.

وعلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد افضى به الى اخيه وابن عمه وباب مدينة علمه ووارث علمه فصار كأنه عاين كل ما لدى الله في أمّ الكتاب الى آخر ما زوقه من عبارات الصوفية حتى وصل الى التدليات واملى عليه من ذلك ما كتبه في مسك جفر توارثه منه اولاده واحدا بعد واحد وكانوا ينظرون فيه. وهذا هو العلم للنبي الذي له علوم الاولين والآخرين وورثها منه اخوه وابن عمه سيد الوصيين وورثها لا بنائه الائمة الطاهرين لا هذا الكلام الفارغ الساقط الذي بحث عليه هذا الرجل واستخرجه من مزابل فكره.

والجفر بعد ما وردت به الروايات عن الائمة الهداة بانه مسك جفر فيه علم من املاء النبي بخط الوصي ولم يكن مانع يمنع من ذلك عقلي ولا نقلي وجب التصديق به ويكون آية من آيات الله تعالى فمنكره اقل ما يقال فيه انه داخل في قوله تعالى وكأين

من آية الى قوله وهم مشركون. ولكن التركستاني بانصافه وعلمه الجديد واقواله التي لا تتجاوز حد الاستبعاد والسخرية والاستهزاء ينكر ذلك كله وقبله قد استبعد اناس البعث والحشر والنشر وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا واستهزءوا بالرسل وسخروا منهم فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون.

التعصيب

هو اعطاء ما زاد عن سهام الورثة المفروضة في الكتاب للعصبة كميت خلف بنتا او بنتين فللواحدة بنص الكتاب النصف وللبنتين الثلثان يبقى نصف او ثلث. فعندنا يرد النصف على البنت فتأخذ جميع المال ويرد الثلث على البنتين فيكون المال بينهما بالسوية وليس للعصبة شيء وهكذا جميع المسائل التي يزيد المال فيها عن سهام الورثة يرد الزائد على اصحاب السهام بنسبة سهامهم بتفصيل مذكور في محله عدى الزوج والزوجة فلا رد عليهما كما لا ينقص نصيبهما عند العول. وعند من قال بالتعصيب يكون الزائد للطبقات المتأخرة من العصبة الذكور كالاخ وابن الاخ والعم وابن العم دون الاناث فلا تعطى الانثى وان كانت اقرب من الذكر في النسب شيئا.

قال ص ٢١٦ في توريث العصبة خلاف طويل عريض بين الامة والشيعة. سئل الصادق المال لمن هو للاقرب او للعصبة فقال المال للاقرب والعصبة في فيه التراب وتوريث الرجال دون النساء قضية جاهلية.

قال ص ٢١٧ دليل الامة قول النبي : الحقوا الفرائض باهلها فما ابقته الفرائض فلأولي رجل ذكر وحديث جابر ان سعد بن الربيع قتل يوم احد وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زار امرأته فجاءت بابنتي سعد فقالت يا رسول الله ان اباهما قتل واخذ عمهما المال كله ولا تنكحان الا ولهما مال فقال النبي سيقضي الله في ذلك فانزل الله (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) حتى ختم الآية فدعا النبي اخا سعد وقال اعط الجاريتين الثلثين واعط امهما الثمن وما بقي فلك. ورأينا المعنى الجوهري في الوارث هو التعاون والتناصر حتى اذا لم يوجد في القريب كان في صدر الاسلام يحرم من الارث (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ

حَتَّى يُهاجِرُوا) والتناصر في نظام الابوة كان ينتشر في عمود النسب بين العصبة وعلى نظام الابوة وعلى روح التناصر بين نظام المواريث في الاسلام.

وقال ص ٢١٨ والله سمى للبعض حظه ولم يسم حظ الآخرين وهم العصبة ولم يكن عدم التسمية في الآخرين لضعف في القرابة او الاستحقاق بل لشدة القرابة وقوة الاستحقاق بدليل ان الكتاب لم يسم الا حظ الاناث فقط البنت والام والاخوات ولم يسم حظ الابناء والأب والاخوة. بين القرآن حال اكبر عصبة وهو الأب ليتبين حال سائر العصبات بدلالة النص.

وقال ص ٢١٩ والسنة وهي قول الشارع الحقوا الفرائض باهلها وما ابقته الفرائض فلأولى رجل ذكر بيان لبعض ما تفيده آيات الكتاب الكريم فان الكتاب قد سمى حظ ذي الفرض ولم يسم حظ العصبة وهم اقوى الورثة. وقد طاش طيش كتب الشيعة فقالت انما هذه السنة كلمة القاها الشيطان على السنة العامة وان طاوسا راوي هذا الحديث عن ابن عباس قد تبرأ منه وان ابن عباس انكر رواية طاوس وان العصبة في فيه التراب هذه تقولات الشيعة على بيان الكتاب الكريم والسنة الكريمة وعلى نظام التوريث في الاسلام تقولات وتهم عن غفلة واوهام فان السنة ان نسيها ناس او انكرها منكر فان الذين هم احفظ منه واعدل قد حفظوها والامة قد تلقتها حتى ان لم تثبت هذه السنة فان بيان الكتاب يغنينا كما قدمنا بيان الكتاب في الفروع وهم احق وفي الاصول وهم اكبر وفي الاخوة في الكلالة ثم يشمل كل هؤلاء العصبات (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ)

وقال ص ٢٢٢ فتوريث العصبة ثابت بجميع آيات المواريث في الفروع والاصول والاخوة وفي فروع الاصول البعيدة وكل آيات الارث فيها إرث العصبة فتراب الشيعة ان اصاب فليس يصيب آلافا الكتاب.

(ونقول) كرر ما اعتاده من مقابلة الشيعة بالامة لظلمة في رأيه مدلهمة. وقال المرتضى في الانتصار كما قال الباقر عليه‌السلام : توريث الرجال دون النساء مع المساواة في القربى والدرجة من احكام الجاهلية وذم الله من اقام عليها بقوله (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً) ورواية ما ابقته الفرائض «الخ» رواها عبد الله بن طاوس عن ابيه عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال الشيخ

الطوسي في التهذيب : الذي يدل على بطلان هذه الرواية انهم رووا عن طاوس خلاف ذلك وانه تبرأ من هذا الخبر وذكر انه لم يروه وانما هو شيء القاه الشيطان على السنة العامة روى ذلك ابو طالب الانباري قال حدثنا محمد بن احمد البربري حدثنا بشر بن هارون حدثنا الحميدي حدثني سفيان عن ابي إسحاق عن قارية بن مضرب قال جلست الى ابن عباس وهو بمكة فقلت حديث يرويه اهل العراق عنك وطاوس مولاك يرويه ان ما ابقت الفرائض فلاولى عصبة ذكر فقال أمن اهل العراق انت قلت نعم قال ابلغ من وراك اني اقول قول الله عزوجل (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) وقوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) وهل هذه الا فريضتان وهل ابقتا شيئا ما قلت هذا ولا طاوس يرويه عني قال قارية بن مضرب فلقيت طاوسا فقال لا والله ما رويت هذا على ابن عباس قط وانما الشيطان القاه على ألسنتهم قال سفيان اراه من قبل ابنه عبد الله بن طاوس فانه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك وكان يحمل على هؤلاء القوم حملا شديدا يعني بني هاشم ا ه.

واجاب الشيخ الطوسي عن الخبر الثاني بان رواية رجل واحد وهو عبد الله بن محمد بن عقيل وهو عندهم ضعيف ولا يحتجون بحديثه وهو منفرد بهذه الرواية وما هذا حكمه لا يعترض به ظاهر القرآن الذي بينا وجه الاحتجاج منه ا ه. واشار بذلك الى ما ذكره قبل هذا فقال : والذي يدل على بطلان القول بالعصبة قوله تعالى (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) فذكر تعالى ان للنساء نصيبا مما ترك الوالدان والاقربون كما ان للرجال نصيبا مثل ذلك فلو جاز لقائل ان يقول ليس للنساء نصيب جاز ان يقول آخر ليس للرجال نصيب واذا كان ذلك باطلا فما يؤدي إليه ينبغي ان يكون باطلا قال ويدل عليه أيضا قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) فحكم الله تعالى ان ذوي الارحام بعضهم اولى ببعض وانما اراد لذلك الأقرب فالأقرب بلا خلاف ونحن نعلم ان البنت اقرب من ابن ابن ابن اخ ومن ابن العم أيضا ومن العم نفسه لانها انما تتقرب بنفسها الى الميت وابن العم يتقرب بالعم والعم بالجد والجد بالأب والأب بنفسه ومن يتقرب بنفسه أولى ممن يتقرب

بغيره بظاهر التنزيل واذا كان الخبر الذي رووه يقتضي ان من يتقرب بغيره اولى ممن يتقرب بنفسه فينبغي ان نحكم ببطلانه ا ه.

وجعله المعنى الجوهري في الوارث هو التعاون والتناصر خبط وخلط فالتعاون والتناصر كان سببا للارث في صدر الاسلام لحكمة موقتة اقتضت ذلك ثم نسخ وجعل الميراث بالقرابة فقط بقوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) فجعله المعنى الجوهري في الوارث هو التعاون والتناصر ـ مع انه رجوع الى امر منسوخ ـ لا دليل عليه حتى قبل النسخ بل المعنى الجوهري في الوارث هو القرابة وتفريعه على ذلك ان التناصر في نظام الابوة كان ينتشر في عمود النسب بين العصبة تفريع لا محل له سواء أصح في نفسه أم لم يصح كقوله انه على روح التناصر بني نظام المواريث في الاسلام بل بني على القرابة لا سيما بعد نسخ التوارث بالتناصر.

وكون التسمية لضعف القرابة والاستحقاق وعدمها لشدة القرابة وقوة الاستحقاق وعدمها فلسفة باردة وما علل به فاسد فالله سمى للأب (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) وسمى للكلالة وفيهم الذكر والانثى وسمي للزوج فالتسمية ليست تابعة لضعف القرابة والاستحقاق ولا عدمها لضد ذلك وهبه كذلك فاي ربط له بالتعصيب.

وكون بيان القرآن لميراث الأب اكبر عصبة ليتبين منه حال سائر العصبات بدلالة النص لا يرجع الى محصل كاكثر كلامه ولم يقله احد قبله وما وجه الدلالة ككون حديث الحقوا الفرائض بأهلها بيانا لبعض ما تفيده آيات الكتاب فالآيات لا تدل على التعصيب بوجه من الوجوه ليكون الحديث بيانا لمداليل بعضها كما اقتضته مخيلة هذا الرجل.

وكتب الشيعة لا يطيش طيشها لان الطيش شأن من لا يرجع في اموره الى اصل ثابت ومرجع الشيعة في كتبها الى اقوال الائمة من اهل بيت نبيها التي اخذوها امام عن امام حتى انتهت الى جدهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ورويت لنا عنهم بالاسانيد الصحيحة ولا يقولوا بالرأي والقياس والاستحسان وكون ذلك القاه الشيطان على السنة العامة مبالغة في انكاره الذي قاله طاوس وتبرؤ طاوس المنسوب إليه رواية الحديث

منه وانكار ابن عباس ان يكون طاوس رواه عنه كل ذلك لم تروه الشيعة وانما رويتموه انتم وروته الشيعة عنكم واخذته منكم كما مر في رواية ابي طالب الانباري ومر ان سفيان احد رواته قال اراه من قبل ابنه عبد الله بن طاوس وكان على خاتم سليمان بن عبد الملك وكان يحمل على بني هاشم حملا شديدا ولو لا ذلك ما جعله سليمان على ديوان الخاتم فروى ضد ما يراه بنو هاشم عداوة لهم وإرادة للخلاف عليهم. فالذي طاش طيشه وجاش تعصبه وذهب رشده حتى لم يعد يميز بين رواية الشيعة ورواية غيرهم ولا يعرف مناحي الكلام هو هذا الرجل لا كتب الشيعة.

والشيعة لم تتقول على بيان الكتاب الكريم الذي هو بريء مما تقوله عليه هذا الرجل ونسبه إليه من دلالته على التعصيب بدعوى انفرد بها لم يسبقه إليها سابق ولا يلحقه لاحق فاي تقول على بيان الكتاب الكريم افظع وافحش من هذا. كما انها لم تتقول على السنة الكريمة بل هو تقول عليها وحاول اثباتها برواية يبرأ منها من رويت عنه وترك ما قاله فيها ائمة اهل البيت الذين هم اعرف بسنة جدهم من كل احد ومنهم لا من غيرهم يجب ان يؤخذ نظام التوريث في الاسلام. ولا تكون التهم الباطلة والغفلة والاوهام الا ممن اعرض عنهم وترك وصاية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمسك بهم اذ جعلهم شركاء القرآن لا يضل المتمسك بهما ابدا فمن هو الاحق بالتقول والغفلة والوهم والسنة ان نسيها ناس او انكرها منكر فمن يكون احفظ لها منهم ومن ذا الذي يصل الى درجتهم في العدالة والحفظ فضلا عن ان يكون اعدل واحفظ منهم أهو عبد الله بن طاوس احد اعوان فراعنة الملك العضوض الذي كان يحمل على أهل البيت حملا شديدا ويجاهر بعداوتهم وقد فرض الله مودتهم وجعلها اجر الرسالة. وما أن الأمة تلقتها فافتراء على الأمة فقد ردها حبر الأمة وردتها ائمة أهل البيت سادات الأمة. واما بيان الكتاب فقد عرفت انه بريء من ذلك. ومن اعجب الأعاجيب قوله ثم يشمل كل هؤلاء العصبات للرجال نصيب. وأولو الأرحام فإن الآية الأولى لو قال قائل انها صريحة في نفي التعصيب لم يكن بعيدا من الصواب لان اهل التعصيب يخصونه بالرجال دون النساء والآية تجعل الميراث شاملا للرجال والنساء ولذلك قال المرتضى كما مر ان توريث الرجال دون النساء سنة جاهلية وآية اولي الارحام ان لم تدل على نفي التعصيب لا تدل على ثبوته وقد عرفت انها فسرت من قبل ائمة اهل البيت بان

الاقرب اولى من الابعد فهي الى الدلالة على بطلان التعصيب اقرب. وبذلك يظهر سخف قوله : توريث العصبة ثابت بجميع آيات المواريث الذي لم يسبقه إليه احد وان جميع آيات المواريث لا مساس لها بالتعصيب الذي وقع النزاع فيه فاذا دلت الآيات على توريث من هو عصبة في طبقة واحدة فهل تدل على توريث العصبة في طبقة متأخرة لان كلا منهما عصبة استدلال سخيف عجيب فتراب افترائه لم يصب الا فم الكتاب بل فمه وحده.

وقال ص ٢٢٠ وللشيعة في نفي التعصيب سنة محفوظة هي ان حمزة عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قتل يوم أحد اعطى النبي ابنة حمزة كل الميراث ولم يعط العباس شيئا ولا اعلم الآن وجه الحديث هل كان قضاء النبي حرما للأخ كما تدعيه الشيعة او لأن العباس كان غنيا وهو الاظهر.

(ونقول) الاحاديث لا تدفع بالاحتمالات وما استظهره لا مستند له وغنى العباس لا يسوغ منع حقه منه.

وقال ص ٢٢٠ ـ ٢٢١ يترتب على الاختلاف في توريث العصبة اختلاف في حظوظ الورثة وذكر لذلك شواهد (منها) زوج وابوان للزوج النصف وللام الثلث بنص الكتاب والأب وارث بنص الكتاب (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ) ولم يسم له حظ فهو عصبته له الباقي ومن يقول ان الام لها هنا السدس ثم يعبر عنه بثلث ما بقي فقد احتال على ان يستر خلافه لله ولكتابه. بها يبطل قول الشيعة بطولا لا يقوم بعده ابدا لان الأب ليس بصاحب فرض هنا إذ لا فرض له الا عند وجود الولد وارثه منصوص لا يكون الا بالعصوبة وادعاء ان حظ الأب هنا السدس رد لنص الكتاب فان السدس مشروط بوجود الولد.

(ونقول) قد خبط في المقام خبط اعمى ركب متن عمياء في ليلة ظلماء.

(أولا) ان هذه المسألة ليست من مسائل التعصيب المصطلح فزجها في مسائله غلط.

(ثانيا) علماء الشيعة متفقة على ان للزوج هنا النصف وللام الثلث وللاب الباقي وهو السدس كما هو نص القرآن الكريم. لم يقل احد منهم ان للام هنا السدس الا مع الحاجب ولا ان لها ثلث الباقي وانما حكوا عن غير الشيعة ان للام

ثلث الباقي مطلقا كما عن بعض. وعن بعض آخر الفرق بين الزوج والزوجة فنقوله ان القائل بذلك احتال لستر حلافه لله ولكتابه هو اشارة الى قول يختص باصحابه والشيعة مجمعة على خلافه فتأمل واعجب.

(ثالثا) قوله بها يبطل قول الشيعة الخ بها اي بهذه المسألة يبطل قول الشيعة بعدم توريث العصبة مع ذوي السهام لان الأب عصبة لم يسم له نصيب فله الباقي وادعاء ان له السدس رد لنص الكتاب لان السدس مشروط بوجود الولد هذا توجيه كلامه. وفساده اظهر من ان يخفى فالخلاف في العصبة التي هي من طبقة متأخرة والأب من الطبقة الاولى مجمع على توريثه ونص عليه الكتاب فتوريثه لا يبطل قول الشيعة ولا يثبت قول غيرهم ولو فرض انه يسمى عصبة فاذا كان لرجل دين على تركي من اهل استانبول هل له ان يطالب به تركيا من اهل بخارى لان كلا منهما تركي.

(رابعا) من قال ان نصيب الأب هنا السدس لم يقل انه فرض له بنص الكتاب حتى يقال ان قوله هذا رد لنص الكتاب لان السدس فيه مشروط بوجود الولد وانما قال ان له الباقي واتفق ان الباقي هنا هو السدس.

اعتراضات على التعصيب

قال ص ٢٢٠ للشيعة على اصول توريث الامة اعتراضات (منها) في بنت وبنت ابن وعم ان يكون الباقي بعد النصف للعم لانه اولى رجل ذكر وان لا يكون لابنة الابن شيء وفي اخت لاب وأم واخت لاب وابن عم ان يكون الباقي لابن العم والاخت لاب محرومة وللامة متمسك من الكتاب لان حظ البنات وحظ الاخوات الثلثان فاعطاء السدس تكميل لما سماه الكتاب ببيان السنة وعند الشيعة لا إرث لاحد من اولاد الولد عند وجود البنت والشقيقة لا يرث معها العم ولا الاخت لاب فان الميراث كله للاقرب.

(ونقول) الحكم في المسألة الاولى عند اهل التعصيب ان للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة للثلثين وللعم الباقي وهو الثلث فتوجه عليهم الاعتراض بانه

ينبغي على القول بالتعصيب ان يكون الباقي بعد النصف الذي هو فرض البنت للعم وحده لانه اولى عصبة ذكر وان لا يكون لابنة الابن شيء لانها ممنوعة بالبنت التي هي اقرب منها وليست عصبة وجعل السدس لها تكملة للثلثين لا دليل عليه لانها ان دخلت في آية (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) لزم ان يكون الثلثان بينها وبين البنت بالسرية ولا يكون للبنت حينئذ النصف لانه فرضها مع انفرادها وان لم تدخل ـ وهو الصواب ـ لم يكن دليل على اعطائها السدس.

والحكم في المسألة الثانية عند اهل التعصيب ان للاخت للابوين النصف وللاخت للاب السدس تكملة للثلثين والباقي وهو الثلث لابن العم فتوجه عليهم الاعتراض هنا بمثل ما توجه في المسألة الاولى من انه ينبغي ان يكون الباقي بعد النصف الذي هو فرض الاخت للابوين لابن العم وحده وان لا يكون للاخت للاب شيء لما مر في المسألة الاولى حرفا بحرف. وحكم المسألتين عندنا هو ما ذكره عملا بتقديم الاقرب ولا نراه جاء في الجواب عن هذا الاعتراض بشيء وزعمه ان لهم عليه متمسكا من الكتاب لان حظ البنات والاخوات الثلثين فاعطاء السدس تكميل لما سماه الكتاب ببيان السنة واضح البطلان لان الله تعالى جعل في الكتاب العزيز الثلثين فرض البنتين فما زاد والاختين لاب وابوين فما زاد ولم يجعله فرض البنت وبنت الابن ولو سلم فيجب ان يقتسماهما بالسوية لا بالنصف والسدس. وكذلك الله تعالى فرض الثلثين للاختين للابوين او للاب ولم يفرضهما للاخت للابوين والاخت للاب بل فرض الأولى هنا النصف وليس للثانية فرض لان تلك اقرب منها ولو سلم فيجب ان يقتسماهما بالسوية لا بالنصف والسدس فانه لا دليل عليه في المقامين فدعوى ان ذلك تكميل لما سماه الكتاب ببيان السنة افتراء على الكتاب والسنة.

وقال ص ٢٢٢ ومن اعتراضات الشيعة على اصول الامة ان يكون الابن الصلبي اضعف من ابن ابن ابن عم في رجل مات وخلف ابنا و ٢٨ بنتا المال يقسم على ثلاثين للابن منها اثنان وان كان بدل الابن ابن ابن ابن عم لكان للبنات عشرون وللابعد عشرة من ثلاثين فيكون حظ الابعد خمسة امثال حظ الاقرب. وما تقولون ان ترك هذا الميت هؤلاء البنات معهن بنت ابن فان قلتم ان البنات لهن

الثلثان والباقي للعصبة وليس لبنت الابن شيء. يقال المسألة بحالها الا انه مع بنت الابن ابن ابن فان قلتم ان البنات لهن الثلثان والباقي بين ابن الابن وبنت الابن للذكر مثل حظ الانثيين فقد خالفتم اصلكم وخالفتم حديثكم في اي كتاب واي سنة وجدتم ان بنات الابن اذا لم يكن معهن اخوهن لا يرثن شيئا واذا حضر اخوهن ورثن بسبب اخيهن.

هذه اعتراضات الشيعة ظاهرة الورود ذكرتها اعجابا بها واستحسانا لها ومن نظرة فيما تقدم فاجوبتها بين يديه.

(ونقول) من نظر نظرة فيما تقدم منه لا يجد شيئا من اجوبتها لا بين يديه ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن شماله ولا فوقه ولا تحته. ومن نظر نظرة فيما قدمناه يجدها واضحة الورود.

مخالفته اجماع المسلمين وضرورة الدين بتوريث ولد الولد مع الولد

قال ص ٢٢٤ خلف ابنه واولاد ابنه المتوفى في حياته او اولاد بنته المتوفاة في حياته اتفقت الشيعة والامة على ان الميراث لابنه وليس لاولاد ابنه او بنته شيء. والذي اراه ويطمئن إليه قلبي ان المال في الصورة الاولى نصفه للابن ونصفه لاولاد الابن وفي الصورة الثانية ثلثاه للابن وثلثه لاولاد البنت. والاصل ان القريب ان كان واسطة يحجب الابعد والا فلا اذ لا تكون نقطة اقرب من نقطة لا اذا كانتا على حظ واحد فان زال الاقرب فالابعد يحل محله فيكون هو الاقرب اذ لا بعد الا بوجود الواسطة فاذا زالت اقترب البعيد وحل محل القريب هذا هو الذي بني عليه بقاء النوع الانساني وهو الذي يقتضيه نظام المجتمع وهو الذي يرشد إليه القرآن الكريم فانه يعتبر اولاد المتوفى خلفا عنه فيدخلون في قوله (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) الآية دخول الاولاد دخولا اوليا. وكيف ينادينا الكتاب الكريم يا بني آدم اذا لم نكن خلفا حقيقيا وابنا صلبيا لآدم ذهب الاصول فحللنا محلها وأول الاصول ابن فنحن ابن آدم بل نحن آدم لا يحجبنا حاجب بعد ما ذهب.

(ونقول) بعد اجماع المسلمين كافة بل حصول الضرورة من الدين على ان

الابن يجوز الميراث دون ابن الابن وابن البنت فلا مسوغ لقوله الذي اراه ويطمئن إليه قلبي فانه ابتداع في الدين فالاحكام الشرعية لا تصاب بالآراء واطمئنان القلب ولا يجوز لاحد ان يخالف اجماع المسلمين وضرورة الدين لرأي يراه وهوى يهواه هذا مثال من امثلة مرت وتأتي من معرفة هذا الرجل وآرائه وتهوره والانكى من ذلك استدلاله عليه بان القريب ان كان واسطة يحجب الابعد والا فلا الى آخر ما تفلسف به فان ذلك مع مخالفته الاجماع لا يصح في نفسه اذ القرب الى الميت والبعد عنه يدور مدار وجود الواسطة في الولادة والانتساب وعدمها ووجود واسطة واحدة لا وسائط وهذا لا يتفاوت الحال فيه بين حياة الواسطة وموتها فان الابن ينتسب الى جده بواسطة ابيه سواء أكان ابوه حيا أم ميتا فان جده قد ولد اباه واباه قد ولده فاذا مات ابوه لم يصح ان يقال ان جده قد ولده الا بواسطة ابيه وهو ابن ابن الجد سواء أكان ابوه حيا أم ميتا فالابن ان كان حيا حجب ابنه وان كان ميتا حجبه عمه لانه اقرب منه وموت ابيه لم يجعله في درجة عمه في القرب وهذا واضح وقوله هذا هو الذي بني عليه بقاء النوع الانساني وهو الذي يقتضيه نظام المجتمع كلام ليس تحته محصل فالاحكام الشرعية لا تبنى على مثل هذه الالفاظ بقاء النوع الانساني نظام المجتمع فمن شرع الاحكام وسنها اعرف بما يبتني عليه بقاء النوع الانساني وبنظام المجتمع من كل احد والاشد من ذلك نكاية دعواه انه الذي يرشد إليه القرآن الكريم. يوصيكم الله في اولادكم الآية فانه ان سلم شمول الولد لولد الولد فآية اولي الأرحام دالة والاجماع قائم والسنة ثابتة على لزوم تقديم الاقرب على الابعد والا لورث ابن الابن مع وجود ابيه ونداء القرآن لنا ببني آدم لا يوجب ان تكون في درجة واحدة في القرب إلى آدم فكلنا بنو آدم لكن بعضنا أقرب من بعض وكوننا نحن آدم يقتضي ان نكون انبياء لأن آدم نبي وحينئذ فلا عجب أن يأتي هو بما يخالف شرع الاسلام فإنه نبي. آراء سخيفة وتمحلات ممقوتة.

عرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إرثه على العباس

قال ص ٣٢ ـ ٣٣ حديث عرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصحبه وسلم إرثه لعمه سيدنا العباس وابن عمه علي امير المؤمنين ان ثبت يكون اصلا عظيما في اصول المواريث. في الوافي ـ ٢ ـ ١٣٣ عن الكافي : دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمه العباس

وعليا امير المؤمنين قبيل وفاته فقال لعمه العباس : تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته فرد العباس عليه وقال : شيخ كثير العيال قليل المال فقال النبي سأعطيها من يأخذها بحقها وقال يا علي : أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه. هذا حديث مهم جليل لم اره في كتب الاحاديث غير كتب الشيعة عددته اذ رأيته كنزا غنيا يستخرج منه أصول في ابواب الفقه وعرض الارث ان صح لكان له شأن جليل جزيل فإن ذلك يقلب اصول الإرث في الإسلام قلبا يمكن ان يكون فيه صلاح وحكمة اجتماعية فإن الإرث عند الفقهاء خلافة في الملك وفي الحقوق ليس فيها لا للمورث ولا للوارث اختيار. الوارث يكون خليفة في ملك الميت وحقوقه. عرض المورث او لم يعرض شاء الوارث او لم يشأ وهل الارث نقل يتوقف على إرادة المورث او انتقال لا يكون الا بقبول الوارث في هاتين المسألتين لاهل العلم انظار واقوال. لاجل ذلك عددت حديث عرض الارث كنزا فيه علوم واصول لو صح لكان له اصل جليل ولكن راويه قد افسده افسادا بحديث عفير عن ابيه عن جده عن نوح صاحب السفينة التي استوت على الجودي ثم لا إرث للعصبة عند الشيعة اما عند فقهاء الامة فابن العم لا يرث عند وجود العم وحرم الوارث ليس في اختيار المورث في شريعة صاحب القرآن وكيف يكون قول الشيعة في التعصيب ان ثبت حديث العرض. وسيدنا العباس كان غنيا وكان اعقل وارفع من ان يرد عرض النبي بخلا او غفلة عن عظيم الشرف والعباس كان اشرف قريش وانفذهم نظرا والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكرم العباس اكرام ابيه وكان العباس للنبي اطوع اقربيه نعم كان العباس عمه لابيه وكان سيدنا ابو طالب عمه لابيه وأمه ولنا ان نقدم اولاد سيدنا ابي طالب على عم النبي لا بأس فيه بل هو الغالب لان سيدنا أبا طالب قد قام مقام عبد الله بعد عبد المطلب فاولاده اخوة للنبي والاخ مقدم على العم هذا هو الاصوب وهذا هو الكافي.

ونقول : يلزم قبل التكلم على ما قاله في هذا الحديث ان نبين ما يظهر منه.

والظاهر ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرض ممتلكاته على عمه العباس ليهبها له في حياته او يكون وصيه عليها على ان يقضي دينه وينجز عداته فان الدين مقدم على الميراث فأبى واعتذر بانه شيخ كبير السن عاجز عن القيام بهذا المهم الذي يحتاج الى مزيد تعب. كثير العيال. قليل المال فربما لا تفي تلك الممتلكات بدينه وعداته الكثيرة

فيحتاج الى التضحية بقسم كبير من ماله فيكون قد اضر بعياله الكثيرين مع قلة ماله وكان قد غلب على ظنه ذلك وعرض ذلك على علي فقبل ويدل عليه ما في تتمة الحديث من انه نزع خاتمه من اصبعه فقال تختم بهذا في حياتي ودعا بالمغفر والدرع والراية وذي الفقار والسحاب (العمامة) والبرد والابرقة والقضيب ثم دعا بزوجي نعال عربيين وبالقميص الذي اسري به فيه ليلة المعراج والقميص الذي خرج فيه يوم أحد والقلانس الثلاث قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين والجمع وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع اصحابه وبالبغلتين الشهباء والدلدل والناقتين العضباء والقصواء والفرسين ذا الجناح وحيزوم والحمار عفير وقال اقبضها في حياتي الحديث.

وحينئذ نقول له كيف يكون هذا الحديث قالبا لاصول الارث في الاسلام قلبا فانا نراه لا يؤثر شيئا على اصول الارث فضلا عن ان يقلبها قلبا اما عندك فالانبياء لا تورث وما تركوه صدقة فاذا كانوا قد وهبوه في حياتهم او سلموه لمن يقضي به ديونهم لم يبق موضوع للارث كمن انفق ماله في حياته ولم يترك شيئا او اوصى بصرفه في دينه. اذا فما هو الذي يقلب اصول الارث قلبا. وكانه توهم ان المراد بقوله تأخذ تراث محمد تكون وارثا له دون وارثه فيفهم منه ان للانسان ان يجعل ميراثه لغير وارثه بشرط قبول ذلك الغير فلذلك جعله قالبا لاصول الارث وهو توهم فاسد فالمراد بقوله تأخذ تراث محمد اي ما يكون تراثا بعد موته لو لم ينقله عن ملكه في حياته ولم يوص به ولم يكن عليه مقابله دين فهو من باب اني اراني اعصر خمرا اي عنبا يؤول الى الخمر والارث كما ذكره أو لا اضطراري لا اختياري ولم يقل ولم يحتمل احد من العلماء انه اختياري وهو حكم لا عقد حتى يتوقف على القبول فما بناه عليه من دلالة الحديث على انه اختياري فاسد فانهار كل ما بناه عليه وقد ظهر انه لو صح هذا الحديث او لم يصح ليس فيه علوم ولا اصول سوى جواز ان يهب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يملكه في حياته او يسلمه لمن يقضي به دينه وهذا ليس به شيء يخالف ما يذهب إليه فقهاء الاسلام واشار بقوله ان راويه قد افسده «الخ» الى ما ذكره صاحب الكافي بعد هذا الحديث بقوله : وروى ان امير المؤمنين عليه‌السلام قال ان ذلك الحمار كلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال بابي انت وامي ان ابي حدثني عن ابيه عن جده عن ابيه انه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال يخرج من صلب

هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم الحديث فاي شيء في هذا يفسد ذلك الحديث افسادا أهو تكليم الحمار لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رما فيه من المعجز والبوصيري يقول :

والجذع حن إليه والبعير شكا

لسيد الرسل ما يلقى من الالم

وقد رويتم ان بعض الصحابة كلمه الذئب أم حكايته عن ابيه عن جده عن ابيه انه كان مع نوح في السفينة واذا جاز في الحيوانات ان تكلم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاز ان تفهم لغة آبائها وتحكي عنها كما جاء نظيره في نمل سليمان عليه‌السلام. وهب ان هذا الحديث كان كذبا فاي ربط له بالحديث الذي قبله المروي بسند متصل الى ابي عبد الله بن جعفر بن محمد الصادق حتى يقال ان راويه قد افسده افسادا بحديث عفير فاذا ذكر عالم في كتابه حديث مسندا ثم ذكر بعده حديثا مرسلا مكذوبا او غير مكذوب فهل يستلزم كذب احدهما كذب الاخر. هذا علم لم نجده لاحد قبل موسى جار الله. وفقهاء الامة هم اهل بيت النبوة الذين جعلهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شركاء القرآن وبمنزلة باب حطة وسفينة نوح والذين لا يحصى ما انتشر عنهم من العلم والفقه وعندهم ان الارث مع وجود العم وابن العم والبنت للاقرب وهو البنت بالفرض والرد واستعمال حرم بكسر الراء في مصدر حرم بدل حرمان مع ثقله وخفة حرمان واشتهاره ليس له من داع الا حب الشذوذ. والتعصيب لا علقة له بالمقام سواء أثبت حديث العرض أم لم يثبت.

والأحاديث لا ترد بالاجتهاد والاستبعاد فسيدنا العباس رضوان الله عليه نعم كان غنيا ولكن المال عزيز على الانسان في كل عصر وزمان وقد قال العباس لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما اسر يوم بدر وقال له الرسول افد نفسك وابني اخيك عقيلا ونوفلا وحليفك : انه ليس لي مال فقال اين المال الذي وضعته حين خرجت عند أمّ الفضل الحديث. فهذا يرفع استبعاد انه كيف رد ما عوضه عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكون النبي كان يكرم العباس اكرام ابيه لا مساس له بالموضوع وكونه اطوع اقربيه غير مسلم بل كان اطوعهم له وأذبهم عنه واحبهم إليه علي بن ابي طالب واين مرتبة العباس الذي خرج يوم بدر لحرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو وابنا اخويه عقيل ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب حتى أسر وبقي في مكة ولم يهاجر حتى ضرب الاسلام بجرانه من مرتبة

علي بن ابي طالب الذي لم يفارقه طرفة عين وبات على فراشه ليلة الغار وفداه بنفسه وجاهد امامه في كل مواقفه حتى قام الاسلام بسيفه واين مرتبته من مرتبة ابي طالب الذي حمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحامى عنه وقاسى البلاء والشدة في حمايته واوصى اولاده بنصره وقال في ذلك الاشعار وما زالت قريش كاعة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى مات ابو طالب فنالت قريش عند موته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قال : لشد ما وجدنا فقدك يا عم. وكون العباس عمه لابيه وابو طالب عمه لابيه وأمه لا يوجب تقديم اولاد ابي طالب فانه ليس لنا ان نقدم احدا لزيادة وصلته في النسب ولا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل ذلك وانما هذا من فعل الملوك وابناء الدنيا بل المستحق للتقديم من امتاز بفضله واعماله وجهاده في الاسلام ومحاماته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت هذه الخصال متوفرة في علي بن ابي طالب من بين سائر بني هاشم وفي ابيه ابي طالب من قبله ولو كان ذلك كافيا لما كان لنا ان نساوي بين عقيل بن ابي طالب الذي خرج لحرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر وبين اخيه علي لتساويهما في النسب واستعمال «بل» هو الغالب هنا غير مناسب والاولى بل هو المظنون او المحقق او نحو ذلك وكيف يقول سيدنا ابو طالب وهو كافر مشرك مات على شركه في ضحضاح من نار باعتقاد قومه وكون اولاد ابي طالب بمنزلة اخوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاخ مقدم استدلال ركيك واه لا محصل له ولا يوجب تقديما ولا تعظيما ولا توجب هذه الاخوة الموهومة شيئا من الفضل بل موجب الفضل ما قدمناه ومن موجبه الاخوة التي خص بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا دون سائر اصحابه.

المتعة

وهي النكاح الى أجل ذكرها في عدة مواضع من وشيعته وكرر واطال تطويلا مملا ممقوتا كعادته وزاد ونحن نجمع ما فرق ونفرق ما اجتمع بحسب المناسبة كعادتنا.

قال ص ٣١ كتب الشيعة اذا تعصبت على المسألة فهي تجازف في الكلام تتجاوز حد التشدد في المبالغة مثل ما روت في المتعة والمسح على الخفين وغيرهما كان الباقر

والصادق يبالغان في المتعة ويقولان من لم يستحل متعتنا ولم يقل برجعتنا فليس منا.

(ونقول) كتب الشيعة بعيدة عن التعصب والتشدد وان تشددت في بعض مسائلها فتشددها ناشئ من التشدد والتعصب عليها. والتشدد مع الحق لا يضر. والتساهل مع الباطل لا ينفع فالمهم تمييز الحق من الباطل. وقد نسي او تناسى مجازفات قومه في الكلام اذا تعصبوا على المسألة وتجاوزهم حد التشدد في مواضع يضيق عنها الاحصاء ونسي نفسه في تعصباته وتشدداته في كل مسألة ذكرها بما قد تجاوز كل حد حتى ادى به ذلك الى مخالفة الاجماعات وانكار المسلمات. ومنها هذه المسألة فله فيها سلسلة دعاو انفرد بها وجاوز وتجاوز الحد.

(الدعوى الأولى) انها من بقايا الانكحة الجاهلية ولم تكن مباحة في الاسلام. فذكر في مطاوي كلامه في ص ٣١ ـ ١٢٠ ـ ١٢٧ ـ ١٢٨ ـ ١٣١ ـ ١٣٢ ـ ١٣٥ ـ ١٣٩ ـ ١٤٤ ـ ١٤٦ ـ ١٤٧ ـ ١٦٥ ما حصل مجموعه :

ارى ان المتعة من بقايا الانكحة في الجاهلية كانت امرا تاريخيا لا حكما شرعيا بقيت في صدر الاسلام بقاء العوائد التي لا تستأصل الا بزمن فالعرب قبل الاسلام كان لها انكحة دامت حتى صارت عادة ابطلها الاسلام. منها. البغاء. المخادنة. الاستبضاع. المتعة يمكن ان البعض كان يرتكبها في صدر الاسلام جريا على العادة مستحلا أو جاهلا. ويمكن ان الشارع اقرها لبعض في بعض الأحوال من باب ما نزل فيها ما قد سلف وقد نزل في اشد المحرمات ونسخت وحرمت تحريم ابد. ولم يكن نسخها نسخ حكم شرعي بل نسخ امر جاهلي. ولم يكن في الاسلام نكاح متعة. ليس بيد احد دليل لاباحتها في زمن من صدر الاسلام ولم تقع من صحابي في الاسلام ولو وقعت فلا يتمكن احد ان يثبت انها كانت بإذن من الشارع بل دوام عمل كان في الجاهلية وعادة معروفة راسخة لم يقتلع منه البعض حتى نودي بتحريمه مرات يوم خيبر ويوم الفتح وأيام حجة الوداع فوهم الرواة ان تكرار النداء كان لتكرير الاباحة مثل العري في الطواف حرم في صدر الاسلام ولم ينقطع إلا بعد زمن والا بالقوة بعد البراءة حتى عدت المتعة من غرائب الشريعة. وكما تكرر نزول تحريم الخمر تقريرا لتحريم كان من قبل فدعوى إباحة الشارع في صدر الاسلام ساقط

(كذا) وقال في ص ٤٤ العرب قبل الاسلام كانت لها انكحة دامت حتى صارت عادة ابطلها الاسلام ومنها المتعة والعادة لا يقتلعها إلا الزمن فدامت المتعة في صدر الاسلام والتبس الأمر على البعض فارتكبها جاهلا أو مستحلا ، وفي ص ١٣١ اما العقد الى اجل فإن اثبت مثبت انه كان يقع في صدر الاسلام وانه كان بعلم من الشارع فنحن نقول ان النكاح كان ينعقد ويبطل التوقيت لأن النكاح من اقوى العقود وينعقد انعقادا يبطل كل الشروط فتبين تبينا لا يذر من ريب لمتثبت ان نكاح المتعة لم يقع في صدر الاسلام وعلى هذا البيان يحمل كل حديث ثبت سنده في صحاح الأئمة مثل البخاري ومسلم واحد والحمد لله الذي هدانا لهذا ومر رواية الترمذي عن محمد بن كعب عن ابن عباس انما كانت المتعة في اوّل الاسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى انه يقيم تحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) قال ابن عباس فكل ما سواهما حرام والظاهر ان العقد في مثل هذه الصورة كان ينعقد انعقاد دوام يترتب عليه كل آثاره ولا ينقطع إلا بالطلاق أو بالموت. قيل لعمر يعيب عليك الناس انك حرمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ثم نفارق عن ثلاث فقال ان النبي انما احلها زمن الضرورة وقد رجع الناس الى سعة ثم لم اعلم احدا من المسلمين عاد إليها ولا عمل بها فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد اصبت والله يعلم يريد ان النكاح بقضيته ينعقد انعقاد دوام ثم ينقطع بطلاق بعد ايام وأي ضرورة كانت في عهد النبي تضطر الناس الى المتعة إلا انها كانت عادة معروفة رسخت في الجاهلية لم يمكن قلعها إلا بعد زمن لم يكن غير هذه الضرورة حتى استأصلها الفاروق ومن غرائب أقوال أهل العلم ان المتعة من غرائب الشريعة لأنها أبيحت في صدر الاسلام ثم حرمت يوم خيبر ثم ابيحت يوم اوطاس ثم حرمت بعد ذلك تحريم الأبد ، ثم ليس لقول في هذا الباب فرار فقد قيل اذن بها في حجة الوداع ومنع عنها في حجة الوداع. وحديث المتعة من غرائب الأحاديث كان يقول بها جماعة من الصحابة حتى قال بها جماعة من التابعين منهم طاوس وعطاء وسعيد بن جبير وجماعة من فقهاء مكة. روى الحاكم في علوم الحديث عن الامام الاوزاعي انه كان يقول يترك من قول اهل الحجاز خمس منها المتعة.

(ونقول) في هذا الكلام خبط وخلط وافتراء وتهافت وتناقض من وجوه.

(أولا) الاحكام الشرعية مصدرها الكتاب والسنة واجماع المسلمين لا الآراء والتخمين فقوله ارى كذا ويمكن كذا ويمكن كذا هذر من القول ولو كانت تؤخذ بالآراء والشهوات لما بقي لهذا الدين اثر.

(ثانيا) زعمه ان المتعة من بقايا الأنكحة الجاهلية وانها لم تكن في صدر الاسلام وانها لم تقع من صحابي وان وقعت فبغير اذن الشارع وانها كانت أمرا تاريخيا لا حكما شرعيا وان نسخها نسخ لامر جاهلي لا لحكم شرعي هو من مخترعات هذا العصر وليس له اثر في كلام العلماء السالفين فهو من الأكاذيب الملفقة والأباطيل لدحض الحق ولم ينقل ناقل انه كان في الجاهلية نوع من النكاح يشابه المتعة ويماثلها ولو كان لنقل فإن شرائع الجاهلية كثر تناقل الرواة لها ولم يذكروا فيها شيئا من هذا القبيل فادراجها مع البغاء والمخادنة والاستبضاع كذب وافتراء فالبغاء الزنا (والمخادنة) اتخاذ الرجل امرأة والمرأة رجلا يزني بها (والاستبضاع) في النهاية نوع من نكاح الجاهلية كان الرجل منهم يقول لأمته أو امرأته أرسلي الى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها حتى يتبين حملها يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد اما المتعة فلم يذكر محدث ولا مؤرخ ولا لغوي ولا غيرهم انها من انكحة الجاهلية إلا بعض أهل هذا العصر كالآلوسي في بلوغ الإرب ومحمد ثابت المصري في كتاب جولة في ربوع الشرق وصاحبنا في وشيعته وقد دلت الأدلة القاطعة التي لا يمكن لأحد ردها ولا انكارها ولا التشكيك فيها من الكتاب والسنة واجماع المسلمين واقوال ائمتهم على انها كانت مشروعة في صدر الاسلام مباحة بنص الشارع وان كثيرا من الصحابة فعلوها في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمره واذنه وترخيصه وبعد وفاته وان نسخها عند من يقول به نسخ لحكم شرعي وهو مع ذلك يماحك ويتحمل ويعاند ويكابر ويقول انها لم تكن في صدر الاسلام وان نسخها نسخ لأمر جاهلي وحسبه بهذا جهلا وعنادا (فالكتاب) آية فما استمتعتم ويأتي الكلام عليها عند تعرضه لها (والسنة) الروايات الصحيحة الصريحة المستفيضة ـ ان لم تكن متواترة ـ الآتية التي رواها ائمة الحديث في صحاحهم البخاري ومسلم واحمد بن حنبل والنسائي والترمذي وغيرهم الدالة على اذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها وعلى وقوعها في عهد الرسالة ومدة حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وفي خلافة الشيخين وعدم نسخها. وكذلك الروايات الآتية التي ذكروها دليلا للنسخ فإنها لو ثبتت لكانت دالة على انه نسخ لحكم شرعي فهي تكذب دعاواه وكل هذه الروايات نص صريح لا يقبل شيئا من تأويلاته وتمحلاته الفاسدة.

ومن جملة الروايات رواية الترمذي عن محمد بن كعب المار ذكرها في كلامه آنفا للتصريح فيها بأن المتعة كانت في اوّل الاسلام وان الرجل كان يتزوج المرأة الى اجل بقدر ما يرى انه يقيم وهي تكذب قوله لم يكن في الاسلام نكاح متعة. واستظهاره ان النكاح كان ينعقد دائما ليس في الكلام ما يشير إليه إلا ان يكون وحيا نزل عليه ومن جملتها رواية يعيب عليك الناس المار ذكرها أيضا في كلامه وتفسيره لها بما فسر به الأولى لا دلالة في الكلام عليه بشيء من الدلالات وما يرضى به صاحبه تفسيرا لكلام وإنما اراد انه يمكنه ايقاع النكاح من اصله دائما ثم يطلق لا انه اذا اوقعه الى اجل انعقد دائما ولا يتوهم ذلك من عنده شيء من فهم وهي دالة على انه كان مشهورا بين الناس ان الله رخص في المتعة وانه هو الذي حرمها فلذلك عاب الناس عليه تحريمها لأنه ضيق عليهم فيما كان رخصة من الله وهو لم ينكر انه حرمها وانما اعتذر بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احلها زمن الضرورة ورجع الناس الى سعة ولم يبق لها لزوم ولم يعتذر بأن النبي (ص) حرمها بعد ما احلها بل ظاهره ان احلالها باق ولكنه لم يعلم ان احدا عاد إليها ولا عمل بها لكونهم في سعة وغنى عنها لا لانها محرمة وفي هذا رد صريح لما ادعاه من انها من بقايا عوائد الجاهلية وفي قوله أي ضرورة الخ رد على الخليفة الذي قال ان النبي احلها للضرورة ورجع الناس الى سعة فإنه كالصريح في ان الضرورة عدم السعة لا ما زعمه من انها عادة جاهلية لم يمكن قلعها إلا بعد زمن. ثم اعتذر بعذر اوسع من ذلك وهو انه لو فرض بقاء الضرورة الى التزوج بقبضة فالآن من شاء نكح بقبضة نكاحا دائما وفارق بعد ثلاث بطلاق فالضرورة لا تدعو الى المتعة لإمكان الاستغناء عنها بالدائم بمهر مثل مهر المتعة والفراق بالطلاق بدلا من انقضاء الأجل وقد اصبت في تحريمي المتعة ولم اضيق على الناس فليس لهم ان يعيبوا عليّ تحريمها هذا هو معنى الحديث لا ما تمحله ولسنا الآن بصدد ان هذا العذر مقبول أو لا وان التزوج دائما بقبضة لا يتيسر غالبا وانما كلامنا في ان ما ذكره هذا الرجل لا مساس له بالحديث وقد ظهر ان ما استشهد به من الحديثين هو عليه لا

له ككثير من استشهاداته واستدلالاته. ويكذبه أيضا قول الخليفة نفسه متعتان كانتا على عهد رسول الله انا احرمهما وأعاقب عليهما.

(والاجماع) حكاه الامام فخر الدين الرازي في تفسيره فقال اتفقوا على انها كانت مباحة في صدر الاسلام ا ه. والاجماع مشاهد من اقوال العلماء فقد عرفت انه لم ينكر انها كانت مشروعة في الاسلام احد قبل هذا العصر.

ومن اقوال ائمة المسلمين بانها شرعت في الاسلام ما حكاه النووي في شرح صحيح مسلم عن القاضي عياض عن المازري انه قال ثبت ان نكاح المتعة كان جائزا في اوّل الاسلام ا ه. وقال انه كان نكاح المتعة مباحا في اوّل الاسلام ثم حرم وهو الآن جائز عند الشيعة ا ه. وقال ابن المنذر بنقل صاحب الوشيعة جاء من الأوائل الترخيص في المتعة ولا اعلم اليوم من يجيزها إلا بعض الشيعة ا ه. فبان ان دعاواه هذه مخالفة منه لاجماع ومصادمة وتكذيب لما يرويه ائمة الأمة الذين اثنى عليهم اعظم الثناء.

(ثالثا) زعمه انها كانت من العوائد التي لا تستأصل ولا تقتلع إلا بزمن وإلا بالقوة وان البعض كان يرتكبها جريا على عادة مستحلا أو جاهلا وانه لم يقتلع منها إلا بعد ان نودي بتحريمها مرات أيام خيبر والفتح وحجة الوداع وقياسها على ما جاء في آية ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم وعلى العري في الطواف وتحريم الخمر فساده اوضح من ان يبين فكونها من عوائد الجاهلية قد عرفت فساده. والعوائد الجاهلية يقتلعها الاسلام بمجرد نهي النبي (ص) عنها ولم يكن الذين آمنوا به ليبقوا عليها بعد النهي حتى يقتلعها الزمن ونسبة ذلك لهم قدح في ايمانهم وعدالتهم ومناف لما وصفهم به من انهم :

رهبان ليل يذكرون كلامه

آساد غيل في الوغى بنهار

وقوله مستحلا أو جاهلا لا بدّ ان يكون مراده به مستحلا عالما بالتحريم أو جاهلا بالتحريم بقرينة المقابلة واي شيء أفظع من نسبة استحلال الزنا الى الصحابة بعد علمهم بالتحريم واين تكون عدالتهم. وكيف يتصور عاقل ان الصحابة داوموا على فعلها ولم يقتلعوا عنها إلا بعد ان نودي بتحريمها مرات آخرها في حجة الوداع فكانوا يفعلونها الى حجة الوداع التي هي آخر حياة النبي (ص) فإن كانوا لم يسمعوا

هذا النداء الذي تكرر ثلاث مرات بل سبع مرات على رءوس الأشهاد في غزوات متعددة ومواضع متبددة في ضمن سنين فذلك ما لا يقبله عقل وان كانوا سمعوا واصروا وعصوا فهو نسبة لأشنع القبائح إليهم هذا هو العلم الذي هدي إليه موسى جار الله اما قياسه لها على ما جاء في آية ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم فهو قياس فاسد فذاك نكاح ثبت حصوله في الجاهلية بنص القرآن وتحريمه بنص القرآن وضرورة دين الاسلام ولم يرد فيه ترخيص أصلا وهذا نكاح لم ينقل انه كان في الجاهلية وورد القرآن بتحليله واتفق المسلمون على انه شرع في صدر الاسلام ـ وان خالفهم موسى تركستان في آخر الزمان ـ واختلفوا في نسخه وصرحت الروايات الصحيحة الآتية بأنه وقع في عصر النبي (ص) وباذنه وآية إلا ما قد سلف ليس فيها اقرار لنكاح الجاهلية بوجه من الوجوه اذ الاستثناء فيها منقطع كما نص عليه النحويون وقالوا انه استثناء من المفهوم اي فالناكح ما نكح ابوه مؤاخذ إلا ما قد سلف في الجاهلية فلا مؤاخذة عليه لأن الاسلام يجب ما قبله وهذا ليس فيه شيء من اقرار نكاح الجاهلية.

ثم انه تكلم على آية الا ما قد سلف فقال ص ١٤٩ ذكر في القرآن المحرمات خمس عشرة نسوة أولاها امرأة في نكاح ابيك واخراها محصنة لم تدخل في حيطة نكاحك ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم الآية. وفي ص ١٥٠ ـ ١٥١ يعجبني اعجابا يملأ قلبي فرحا وقناعة قول إمام الامة شمس الأئمة الامام السرخسي في كتابه المبسوط الذي لم يؤلف قلم الاجتهاد في مذاهب الاسلام كلها كتابا في فقه الشريعة مثله فقد قال في موجز إيضاحه : معنى الاستثناء في مثل هذه الآيات ان الا في معنى ولا. لئلا يكون للناس عليكم حجة الا الذين ظلموا منهم. ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم الآية. لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا. وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا إلا خطأ. قال : وهذا الذي قاله صاحب المبسوط في هذه الآيات الأربع معنى بديع سهل واضح. ا ه. باختصار.

وهذا الذي نقله عمن سماه امام الامة وشمس الأئمة وبالغ فيه وفي كتابه هذه المبالغة واعجبه إعجابا ملأ قلبه فرحا وسرورا لا يساعد عليه لغة ولا عرف وقد قاله ابو عبيدة في الآية الأولى وانكر عليه الفراء والمبرد كما في مجمع البيان فكيف يكون بديعا سهلا واضحا سواء أقاله شمس الأئمة أم بدرها بل هو في الأولى استثناء منقطع

كقوله : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) او ان الحجة بمعنى الحاجة فالاستثناء متصل. وفي الثانية الاستثناء منقطع كما صرح به علماء العربية والتفسير مخرج من المفهوم كما مر ووضع له فيه مكان ألا لا يصحح الكلام على انه اذا كان المعنى ولا ما قد سلف يكون نهيا عما سلف وهو غير معقول وتوجيهه بأن المراد عدم انعقاده تكلف وتعسف وفي الثالثة (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) استثناء من قوله ولا جنبا لأن لا تقربوا الصلاة يراد به مواضع الصلاة وهي المساجد أي لا تقربوها جنبا إلا عابري سبيل فإن عبور الجنب في المسجد مغتفر وفي الرابعة (إِلَّا خَطَأً) مثل (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) أي فقاتل المؤمن مؤاخذ إلا الخطأ فلا إثم فيه وإنما فيه الدية. فهذه العبارات المنمقة : يعجبني اعجابا يملأ قلبي فرحا وقناعة لا تدخل على القلب شيئا من الفرح ولا من القناعة لأن ما يخالف اللغة والعرف لا يعجب احدا ولا يفرحه ولا يقنعه.

(رابعا) قياس ذلك على العري في الطواف وتحريم الخمر قياس فاسد فالعري في الطواف ثبت انه من احكام الجاهلية ، ونظمت فيه الاشعار في الجاهلية :

اليوم يبدو نصفه أو كله

فما بدا منه فلا احله

(والمتعة) لم يروا راو ولا مؤرخ انها كانت في الجاهلية (والعري) لم يناد به إلا مرة واحدة يوم براءة (والمتعة) يدعى انه نودي بتحريمها مرارا (والعري) الظاهر ان الذين كانوا يفعلونه من المشركين لقوله تعالى : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فكيف يقاس عليه ما فعله المسلمون من الصحابة.

(والخمر) ورد تحريمها في آيتين في سورة المائدة (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ). وفي سورة البقرة : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) ولم ينزل تحريم الخمر في اوّل الاسلام فكيف يقاس بها ما يدعى انه نودي بتحريمه مرارا ثلاثا أو رابعا أو سبعا بعد الاباحة من مبدأ الاسلام.

(رابعا) اذا كانت لم تشرع في الاسلام ولم يفعلها احد من الصحابة وقد نودي بتحريمها في حياة النبي (ص) ثلاث مرات أو اربع بل سبع على رءوس الأشهاد وبمرأى ومسمع من الصحابة بلغ فيه الشاهد الغائب فلما ذا احتاج الخليفة ان يحرمها ويتهدد بالعقاب على فعلها في شأن عمرو بن حريث ولو لم تكن فعلت في

زمانه لما احتاج الى هذا النهي والتهديد وكيف تجرأ الصحابة على فعلها بعد تكرار النهي عنها والمناداة به مرارا وهل يقبل ذلك من عنده ذرة من عقل؟

(خامسا) زعمه ان الذي تكرر هو النداء بالتحريم فتوهم الرواة منه تكرير الاباحة كما قاله أولا أو التبس الأمر على بعض الصحابة فارتكبها جاهلا أو مستحلا كما قاله ثانيا فساده اوضح من ان يبين اذ كيف يتوهم عاقل ان جميع الرواة سمعوا النداء بالتحريم مرارا فتوهموا منه الاباحة وجل الصحابة التبس عليهم الأمر فتوهموا التحريم إباحة وهبهم توهموا ذلك في المرة الأولى فهل يمكن ان يتوهموه ثلاث مرات الى سبع مرات في سنين متباعدة وهب ان واحدا منهم توهم ذلك فكيف توهم الجميع والنداء كان بمسمع الألوف مرارا في اوقات مختلفة فهل يمكن ان يتوهموا كلهم من قول المنادي المتعة حرام ان المتعة مباحة هذا ما لا يتفق لصغار الصبيان ولا من ابلد البلداء وهو يدلنا على ان هذا العذر الملفق قصد به تصحيح ما لا يمكن ان يصح.

واذا كان قد تكرر ثلاث مرات ـ على قوله ـ في اوقات متباعدة ـ وتباعد بعضها بسنين. ايام خيبر والفتح وحجة الوداع وسبع مرات ـ على ما سنبينه ـ بزيادة عمرة القضاء وحنين واوطاس وتبوك واذا كان يستحيل عادة عدم علم الجميع بتحريمها في مثل تلك الحال. يلزم ان يكون الصحابة بعد سماعهم النداء بالتحريم ثلاث مرات أو سبع مرات في أوقات مختلفة متباعدة بقوا مصرين على عمل جاهلي هو زنا وحكم جاهلي من بقايا احكام الجاهلية مداومين عليه الى آخر ايام حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فإن النداء بالتحريم في حجة الوداع لا بدّ ان يكون تقدمه فعلها والالم يحتج الى النداء ثم بقوا مصرين عليه طول خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر بعد ما سمعوا النداء بتحريمه في حجة الوداع. ويفعله منهم ابن مسعود الذي وصفه بما وصفه هذا ما لا يتصوره عاقل واين عدالة الصحابة ونزاهتهم وهم الذين قال عنهم ان اقلهم ـ ولا أقل بينهم ـ اجل من ان يبتذل آية. هذا علم موسى جار الله وهذه ادلته وحمل روايات البخاري ومسلم واحمد وغيرهم المصرحة بوقوعها ايام خيبر والفتح واوطاس وحجة الوداع على الوهم والاشتباه من الراوي بين التحريم والاباحة يسقط كل رواية رواها الثقات لإمكان الوهم فيها ويفتح الباب لابطال كل حديث في

الصحاح وغيرها ولو ساغ التعويل على احتمال الوهم لكان كل من يسمع رواية لا توافق هواه يحملها على الوهم ولما بقي من احكام هذا الدين شيء ولعمت الفوضى في الاحكام مع ان هذا يناقض دعواه عند التكلم على متون الاحاديث من ان احاديث الصحاح قد خلت من كل شائبة وان اصحابها نقدوا الاحاديث نقد الصيارفة وانه لم يبق في احاديث الأمة زيف أو دخيل واي زيف اعظم من ان يكون فيها التحليل بدل التحريم.

(سادسا) زعمه انها ان كانت وقعت كانت تنعقد دائما ويبطل التوقيت محض تخرص وتحكم اذ ليس لذلك اثر في تلك الروايات بل هي صريحة في خلافه لا سيما قوله (ص) اجعلوا بينكم وبينهن اجلا فاذا كان التوقيت يبطل فما فائدة الأمر به وتعليله ذلك بأن النكاح من اقوى العقود ينعقد انعقادا يبطل كل شرط يناقض ما يأتي منه ان الصديق شرط على الزبير شرطا تتطلق به ابنته اسماء منه اذا فركته ولكن التناقض والتهافت في كلامه ليس له كبير اهمية عنده ، واذا كان النكاح من اقوى العقود فما باله ينفسخ بالطلاق باللفظ العامي والملحون.

(سابعا) اصاب من قال ان اقوال اهل العلم في المتعة من غرائب الأقوال وحديثها من غرائب الأحاديث وليس لقول في بابها قرار. واخطأ من قال ان المتعة من غرائب الشريعة اذ ليس في الشريعة غرائب كيف وهي الشريعة السهلة السمحة التي ما جعل الله فيها علينا من عسر ولا حرج والمطابقة لمصلحة الخلق في كل عصر وزمان وإنما اقوال أهل العلم فيها من غرائب الأقوال فإنهم لما ارادوا تصحيح ما لا يمكن ان يصح ادى ذلك الى وقوع الغرائب في اقوالهم. واختلاف الروايات التي رووها فيها هو الذي ادى بهم الى ذلك وهي لم يقتصر فيها على الاباحة في صدر الاسلام والتحريم يوم خيبر والاباحة يوم اوطاس والتحريم بعدها مؤيدا والاذن بها في حجة الوداع والمنع عنها فيها كما قال بل اختلفت في وقت النسخ اكثر من ذلك ففي بعضها انه كان يوم خيبر وكان في المحرم سنة سبع وفي بعضها في عمرة القضاء وكانت في ذي الحجة سنة سبع وفي بعضها يوم الفتح بعد ان اباحها وكان الفتح لعشر بقين من رمضان سنة ثمان. وفي بعضها في غزاة حنين وكانت في شوال سنة ثمان. وفي بعضها عام اوطاس بعد ان رخص فيها ثلاثة أيام وكانت أوطاس في شوال بعد حنين

بقليل. وفي بعضها في غزوة تبوك وكانت في رجب سنة تسع. وفي بعضها في حجة الوداع بعد ان اباحها وكانت سنة عشر فعلى هذه الروايات تكون قد ابيحت ونسخت في سنة سبع وثمان وعشر سبع مرات لا مرتين فقط كما قال بعضهم. وبين حنين وفتح مكة نحو من شهر فتكون قد أبيحت وحرمت في شهر مرتين وبإضافة اوطاس تكون قد حرمت وأبيحت في نحو من شهر ثلاث مرات فهذا الاختلاف العظيم أمارة على بطلان احاديث التحريم ولزوم التمسك بالإباحة المعلومة لا على بطلان اصل الاباحة فإنها معلومة من الشرع لا تتوقف على هذه الأحاديث. وامر المتعة على ما رووه حقا انه لغريب ولكن امر غرابته ليس بعجيب فانهم ارادوا ان يصححوا ما لا يمكن ان يصح فوقعوا في هذه الغرابة التي اعترف بها هذا الرجل واجراها الله على لسانه من حيث لا يشعر وان كان قد تقدمه غيره فقالوا ان امر المتعة من غرائب الشريعة.

واغرب من امر المتعة امر هذا الرجل فإنه الذي ينبغي ان يقال فيه ان امره من اغرب الأمور فإنه خالف اجماع المسلمين وقال ان المتعة لم تكن مباحة في شرع الاسلام اصلا وحمل الاحاديث الواردة فيها في الصحاح ـ التي يقول عنها انه لم يبق فيها زيف ولا دخيل ـ على الوهم وحكى عن جماعة من الصحابة وجماعة من التابعين وجماعة من فقهاء مكة منهم ابن جريح وعن أهل الحجاز القول بها كما سمت وهو يقول لم تكن مباحة في شرع الاسلام اصلا وقد تبين بما ذكرناه تبينا لا يذر من ريب لمن عنده ادنى تثبت وانصاف ان نكاح التمتع وقع في صدر الاسلام باجماع المسلمين بإذن الشارع وعلمه وان القول بعدم وقوعه مخالف للاجماع ومكذب للروايات الواردة في الصحاح وقدح في اكابر الصحابة وان انعقاده نكاح دوام نوع من الهذر لم يرد به خبر ولا أثر سواء أكان النكاح من اقوى العقود أم لا.

ثبوت المتعة بالقرآن الكريم

انكر هذا الرجل كعادته في انكار المسلمات والاجماعيات ان تكون المتعة ثبتت بالقرآن وتشدد في ذلك واطنب واساء القول وكرر الشيء الواحد عدة مرات في عدة مواضع من وشيعته البالية بغير جدوى كعادته الممقوتة.

فقال ص ١٦٤ ليس بيد الشيعة في حل المتعة دلالة أو آية إلا فما استمتعتم به منهن وفي ص ٢٠٨ حيث ان متعة الشيعة كبيرة إلا على فقهاء الشيعة ثقيلة في السماوات وفي الأرض واسنادها الى الكتاب المبين عيب شديد على الدين واهانة لنساء المسلمين رأيت من موجب الادب ان انبسط بالكلام عليها ببيان سهل يفيده الكتاب واصول الشريعة وفي ص ٣٢ ان ادعى مدع ان المتعة كانت حلا بأذن الشارع فلتكن ولنقل ان لا بأس بها ولا كلام في هذه على ردها وإنما كلامي الآن على انها ثبتت بالقرآن الكريم أولا. كتب الشيعة تدعي انه نزل فيها قول الله جل جلاله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) وارى ان ادب البيان يأبى وعربية هذه الجملة الكريمة تأبى ان تكون هذه الجملة الجميلة الكريمة نزلت في المتعة لأن تركيب هذه الجملة يفسد ونظم هذه الآية الكريمة يختل لو قلنا انها نزلت فيها. وفي ص ١٥٩ وأي كلمة يمكن ان تكون اضيع من آية (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) لو قلنا ان الله قبل ان يتم بيان حكم اخذ في بيانه ترك الكلام ابتر وعجل ليرضي شيعة علي كما عجل موسى ليرضي ربه فأخذ في بيان متعة الشيعة خوفا من ضياع كف من بر وحفنة من شعير. وفي ص ١٦٣ هل يمكن ان يكون متكلم اعجمي يعرف شيئا من البيان يقطع كلامه قبل اتمامه ويطفر طفرة عصفور ويأذن ان يسفد سفاد عصفور مقابل كف من بر ويطيل الكلام في اجر السفاد ثم يقول : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) هل يكون مثل هذا الكلام كلام عاقل له شأن. وفي ص ١٦٧ قال تتفلسف كتب الشيعة تروي عن هشام بن الحكم ان الله احل الفروج للرجال على حسب القدرة اربعا للقادر على مهورها وامساكها ونفقاتها ولمن دونه في الغنى والقدرة ثلاثا واثنتين أو واحدة ومن لا يقدر على مهر حرة ونفقتها فمما ملكت يمينه ومن لا يقدر على حرة ولا امساك مملوكة فله المتعة بأيسر ما يقدر عليه من مهر بلا لزوم امساك ولا نفقة يغني الله كل واحد عن الفجور بما اعطاه من القوة. وفي ص ١٦٧ ـ ١٦٨ هذه فلسفة بديعة وصنيعة جيدة اجتماعية لو قيلت في غير شرع القرآن اما في شرع القرآن فهي فلسفة مزخرفة محرمة تحرف القرآن مثل سائر تأويلات الشيعة وتنزيلاتها فآيات القرآن في قوله والمحصنات من النساء الى قوله غير مسافحين ذكر النكاح المطلق الذي ينبني عليه نظام البيت والعائلة والمجتمع ثم فرع عليه شرطية الاستمتاع بالنكاح

المذكور من الأزواج فقط ثم قال من غير فاصل ومن لم يستطع منكم طولا الى قوله ولا متخذات اخدان فالاستمتاع المذكور من بين هاتين الآيتين لا يمكن ان يكون متعة الشيعة ـ على حسب هذه الفلسفة ـ إلا اذا اختل نظام الآية وبطل ترتيب البيان في القرآن وهي توجب اما اختلال نظم الآية وبطلان ترتيب البيان واما ان يكون تفلسف الشيعة هباء منبثا فمتعة الشيعة جفاء مجتثا ، وفي ص ١٢٠ ـ ١٢٢ مادة المتعة نزلت في آيات كثيرة بمعان اصلها واحد. متعة التسريح باحسان. متعة الحج. الانتفاع بطيبات الرزق. ثم قال ومن عجيب اعجاز القرآن ان المتاع وباب التفعل والتفعيل فيه قد جاء في القرآن لانتفاع موقت ولم يجيء الاستمتاع فيه إلا في الانتفاع الدائم الذي لم ينقطع إلا بانقطاع حياة الدنيا : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) اما متعة النكاح ونكاح المتعة فلم ينزل قرآن فيها وفيه ولبيان هذا المعنى عقدت هذا الباب. وفي ص ١٤٠ الكتاب الكريم يقول محصنات غير مسافحات ولا متخذات اخدان محصنين غير مسافحين ولا متخذي اخدان ونكاح المتعة لا احصان به والمتعة فيها سفاح ماء في غير حرث والمتعة هي اتخاذ خدن في كلا الطرفين فهي حرام بنصوص القرآن الكريم. وفي ص ١٤٨ ـ ١٤٩ مهما انكر ملأ شيئا فلا انكر على الشيعة ان تتبع الظن وتعيد ما تهوى الأنفس وتهتوي حيث تستهويها دعوى الولاية وتفتري على العصر الأول وتقول على الله وعلى دين الله كل ما يوحيه عشق الوضع وهوى التقية ما انكر شيئا من ذلك لها دعاويها انما انكر القول بأن متعة الشيعة نزل فيها القرآن الكريم ثم استبعد غاية الاستبعاد ان يكون مؤمن يعلم لغة القرآن ويؤمن باعجازه ويفهم افادة النظم يقول ان الآية نزلت في متعة النساء قول لا يكون إلا من جاهل يدعي ولا يعي ثم ان اصل الشيعة قد حصر الأدب في اعيان الشيعة واحتظر ائمة الأدب في حظيرة التشيع واحتكر البلاغة والأدب في زريبة الترفض والتشيع وجعل البلاغة سمة الترفض وميزة الشيعة وبالغ واسرف في هذه الدعوى وجعل خلافها مكابرة وعنادا للحق فلو كان الأدب والبلاغة ميزة الشيعة فكيف اجمعت على قول لا يكون إلا من جاهل؟

وفي صفحة ١٤٠ الكتاب الكريم يقول : محصنات غير مسافحات ولا متخذات اخدان. محصنين غير مسافحين ولا متخذي اخدان. ونكاح المتعة لا

احصان به. والمتعة فيها سفاح ماء في غير حرث واتخاذ خدن في كلا الطرفين فهي حرام بنص القرآن الكريم.

وذكر في ص ١٤٩ ـ ١٥٩ محرمات النكاح في القرآن وما يتبعها والطلاق قبل الدخول وما يتحقق به الاحصان وان معنى السفاح الزنا والآيات المكنى بها عن المواقعة. محصنين غير مسافحين ولا متخذي اخدان. محصنات غير مسافحات ولا متخذات اخدان. فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم. نساؤكم حرث لكم. وأطال في ذلك بدون جدوى في نحو من خمس أوراق وتجاوز الحد في البذاءة وسوء القول ، ثم قال ص ١٥٩ ـ ١٦٠ فصرف ماء الحياة على غير ما في هذه الآيات هو السفاح في وضع اللسان وأدب القرآن في عقد كان أو غيره : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ).

وفي ص ٦٠ فأي عمل في مسألة حل المحصنات يمكن ان يكون حابطا وهو في الآخرة خاسرا سوى سفح ماء الحياة في غير حرثه وفي غير ابتغاء ما كتب الله : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) الآيات ، وأي ضلال غشي أو يغشى قلب مسلم هو زعمه ان كل آية فيها ذكر الكفر أو الاستهزاء بآيات الله نزلت في غيره فقط يزعم ان حكمها لا يتناوله ومن يمكن ان يكون اكفر بالايمان في آية حل المحصنات من عاد يترك المحصنة ويتمتع ومن يكون اكفر أو اهزأ إلا من يؤمن بالله وكتابه ثم يتركه وينبذه وراء ظهره أو يضعه تحت قدميه يدوسه.

نادت على الدين في الآفاق طائفة

يا قوم من يشتري دينا بدينار

جنت كبائر آثام وقد زعمت

ان الصغائر تجني الخلد في النار

وهذه بلية قد غمت وعمت واعمت سلكتها في قلوبنا كتب الكلام ثم تكلم ص ١٦١ في المهر بما لا يرتبط بالموضوع بانه يجب بنفس العقد ويكون معجلا ومؤجلا ثم قال ولبيان تمام العقد وتقرر اثره قال فما استمتعتم به منهن الخ (به) أي بهذا النكاح المتقدم بيانه منهن أي من الأزواج التي ملكت ايمانكم تمام عصمتهن هذا

معنى هذه الجملة وهي نص فيه وسياق الكلام ومقام البيان لا يحتمل ابعد احتمال غيره وفي ص ١٦١ ـ ١٦٢ ولو كانت هذه الجملة لبيان متعة الشيعة لاختل نظام هذه الآيات الثلاث يعني : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ. فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) ولبقي الكلام الأول في اصل النكاح ابتر ويبطل التفريع بالفاء ولكان العقد وهو الأصل في المتعة غير مذكور في الكتاب. وفي ص ١٦٤ ليس في الآية على تفسير الشيعة إلا تحقق الاستمتاع ووجوب الايثار بل لا يوجد فيها ما يدل على وقوع العقد من الطرفين ولا على رضا المرأة فإن الاستمتاع وايتاء الأجر لا يكون إلا بعد العقد ولا ذكر له في هذه الجملة ولكان اختلاف الضميرين في به ومنهن لغوا ولكان قوله ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة حشوا ولغوا اشتغالا بأمر تافه حقير بعد الاعراض عن الكلام في بيان أمر هو اهم ما ينبني عليه حياة الانسان هذا لا يكون إلا من باقل ولا من باقل يبسط كفيه ويفتح فكيه يخرج لسانه ليقول بكف من بر أو بحفنة من شعير ثم تكلم في بيان المهر بما لا يرتبط بالموضوع بأنه يجب بنفس العقد ويكون معجلا ومؤجلا ولبيان تمام العقد. وفي ص ١٦٢ ثم قوله فما استمتعتم به منهن جملة شرطية والشرطية اذا كان جزاؤها جملة انشائية يكون جزاؤها عمدة الكلام والشرط قيدا للحكم فلو كانت هذه الجملة في حل متعة الشيعة لكان حق الكلام ان يكون فما آتيتموهن اجورهن فاستمتعوا منهن ، واذا اراد قائل ان يفيد حل المتعة فقال ان تمتعت بها فأعط اجرها كان ذلك قول اعجمي لا يفهم ما يقول كان عليه ان يقول ان اعطيت الأجر فتمتع بها هذه مسألة نحوية ابتدائية اكتبها وانا خجل كيف امكن ان شيخا جليلا احتكر الأدب سمة للترفض والبلاغة ميزة للتشيع يقول ان الآية نزلت في متعة الشيعة.

وقال ص ١٣٨ ـ ١٣٩ من وجوه تحريم المتعة ان القرآن اذ ذكر حال من لا يستطيع طولا ان ينكح ذكر النكاح فقط ولم يذكر الاجارة ولم يذكر المتعة فقال : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) فهذه الآية نص قطعي يحرم نكاح المتعة لأن من لم يستطع طولا لو كان له المتعة بأجرة لذكره القرآن الكريم وألا يكون (كذا) القرآن قاصرا في بيان

شرعه وبهذا يخط الى دركة الصغر فلسفة فقهاء الشيعة.

وقال ص ١٦٣ لو كان (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) في حل المتعة بكف من بر فكيف يكون قوله بعد هذه الآية : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) وهل يتصور عاقل ان يكون الانسان عاجزا عن كف بر ثم يشتري ويملك يمينه جارية ومجرد نزول آية : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) بعد (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) يكفي في تحريم المتعة فإنها نقلت من لم يستطع ان ينكح المحصنة الى ملك اليمين ولم يذكر له ما هو أقدر عليه من ملك اليمين فلو كان التمتع بكف من بر جائزا لذكره فلو حل تمتع لكان بيان القرآن قاصرا والذي يبين غافلا نسي ما ذكره قبل جملتين.

وقال ص ١٦٤ آية : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) على تفسير الشيعة ليس فيها إلا تحقق الاستمتاع ووجوب الايتاء وليس فيها ما يدل على وقوع العقد من الطرفين بل ولا على رضا المرأة.

وقال ص ١٦٥ احسن الاحتمالات فيما ينسب للباقر والصادق ان فما استمتعتم به منهن نزل في المتعة ان السند موضوع والا فالباقر والصادق جاهلان. روى الوافي ان أبا

حنيفة سأل الصادق عن متعة النساء أحق هي فقال سبحان الله أما تقرأ كتاب الله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) فقال والله لكأنها آية لم أقرأها قط : هذه الحكاية كاذبة من غير شك لم يضعها إلا ادعياء الشيعة ونحن قبل ان نجل إمام الأمة نجل إمام أهل البيت من ان يقول قولا لا يقوله إلا مدع جاهل وان يفتري على كتاب الله. وقال ص ١٦٦ لا يوجد في غير كتب الشيعة قول لاحد ان الآية نزلت في متعة النساء وقد اجمعت الأمة على تحريم المتعة ولم يقل احد ان الآية قد نسخت.

وقال ص ١٦٨ ومن لم يستطع طولا فالقرآن الكريم قد نقله من نكاح الى نكاح فانكحوهن بأذن أهلهن ثم لم يذكر في آية من الآيات حديث المتعة وهي استئجار باتفاق كتب الشيعة لا وقت لها ولا عدد ولو كانت نكاحا لما كان لصاحب الأربع ان يتمتع. ونقل القرآن من نكاح الى نكاح فقط ابطال للاستئجار واتفاق كتب الشيعة على ان لصاحب الأربع ان يتمتع اتفاق على انها استئجار والا بطل

فانكحوا ما طاب لكم الآية ، فاتفقت كتب الشيعة على بطلان متعة الشيعة بآيات القرآن وهم لا يشعرون.

وقال ص ٢٧٣ اجمعت امهات كتب الشيعة على ان الآية نزلت في متعة الشيعة ولا اتعجب من قولهم تعجبي من هذا الاجماع ومن هذه الدعوى فإنه جهل باللغة عظيم وغفلة عن أدب البيان كبيرة وخطأ في فهم الكتاب فاحش ادبيا ومنطقيا. وقال ص ١٨٤ ـ ١٨٥ وافحش خطأ عندي قول الشيعة التي لم تزل تقول ان الآية نزلت في متعة الشيعة فإن مثل هذا القول غفلة فاحشة عن مسألة نحوية ابتدائية بعد الاغراق في احتكار الأدب والبلاغة في زرائب التشيع وهو بعد ذلك فرية على الله وعلى القرآن الكريم وعلى أهل البيت وعلى الأئمة.

ونقول (أولا) كرر فيما نقلنا وفيما اعرضنا عن نقله قوله متعة الشيعة وهي سيئة منه شنيعة فهي متعة الدين والاسلام ومتعة الله وكتابه وسنة رسوله وأهل بيته الطاهرين ، ومتعة ابي بكر وعمر في بعض خلافته ومتعة الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين ، كابن جريح وامثاله ؛ وان كره ذلك واباه موسى تركستان. وقد بان بما ذكره سابقا ولاحقا من الأدلة بطلان قوله ليس بيد الشيعة دليل سوى الآية.

(ثانيا) ان متعة الاسلام التي احلها الله في كتابه وامر بها نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفعلها اصحابه كبيرة على هذا الرجل وانها لكبيرة الا على الخاشعين. وان كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله. ثقيلة عليه. وكذاك الحق محملة ثقيل وقد اسندها الى الكتاب المبين خيار صحابة النبي الأمين كابن مسعود وابي بن كعب وابن عباس وغيرهم ، وخيار التابعين كما يأتي فجعل ذلك عيبا شديدا على الدين ليس إلا من قلة الدين جعل ما أباحه الله اهانة لنساء المؤمنين. فإنه من اخلاق الجاهليين وقد انبسط بالكلام عليها واعاد الكرة مرة بعد مرة ومرات مستمرة تعصبا وعنادا بدون فائدة ولا جدوى واساء القول ولم يأت بما يوجبه الادب ولم يزده هذا الانبساط إلا انقباضا عن الحق ولم يستطع لا ببيانه السهل ولا بيانه الصعب ان يثبت ان قوله مما يفيده الكتاب أو ينطبق على اصول الشريعة.

(ثالثا) زعمه ان كتب الشيعة وحدها تدعي نزول الآية في المتعة وانه لا يوجد في كتب غيرها قول لأحد بذلك كذب منه وافتراء فقد شاركها في ذلك كتب اجلاء

العلماء ممن تسموا بأهل السنة من المفسرين والمحدثين وغيرهم ومنهم الذين قالوا بنسخها بآية إلا على ازواجهم فإن القول بالنسخ اعتراف بنزولها في المتعة وشاركها في ذلك اجلاء الصحابة والتابعين فكل هؤلاء لا يعرفون ادب البيان ونظم القرآن ويعرفه وحده موسى تركستان. وما سميت المتعة متعة إلا تبعا لتسمية القرآن الكريم. وهذه كلمات من أشرنا إليهم ننقلها لتعرف مبلغ علم هذا الرجل وصدقه.

روى الطبري في تفسيره ان ابن مسعود كان يقرأ فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى ا ه. وهو وان كان خبر واحد لا يثبت به القرآن كما قال الطبري أو من باب التفسير فهو يدل على انه كان يرى ان الآية نازلة في المتعة وقال الامام الرازي في تفسيره : روى ان أبي بن كعب كان يقرأ فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى وهذا أيضا قراءة ابن عباس ا ه. ويأتي قول عمران بن حصين نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي حتى مات. وروى الطبري أيضا في تفسيره عن ابي كريب حدثنا يحيى بن عيسى حدثنا نصير بن ابي الأشعث حبيب بن ابي ثابت عن ابيه ورواه الثعلبي في تفسيره عن حبيب بن أبي ثابت عن ابيه : اعطاني ابن عباس مصحفا فقال هذا على قراءة أبي قال أبو كريب قال يحيى فرأيت المصحف عند نصير فيه فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى. وفيه بسنده عن أبي نصيرة سألت ابن عباس عن متعة النساء فقال أما تقرأ سورة النساء قلت بلى قال : فما تقرأ فيها فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى قلت لا ، لو قرأتها هكذا ما سألتك قال : فإنها كذا أنزلت وبسند آخر عن أبي نصيرة نحوه. وبسند آخر عن أبي نصيرة قرأت هذه الآية على ابن عباس فما استمتعتم به منهن قال ابن عباس الى اجل مسمى قلت ما أقرؤها كذلك قال : والله لا نزلها الله كذلك ثلاث مرات ، وبسنده عن شعبة عن أبي إسحاق عن عمير أن بن عباس قرأ فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى. وبسنده عن شعبة عن ابي إسحاق عن ابن عباس نحوه. وبسنده عن قتادة قال في قراءة أبي بن كعب فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى فآتوهن اجورهن ا ه تفسير الطبري. وفي الدر المنثور في تفسير كتاب الله بالمأثور للسيوطي : اخرج ابن ابي حاتم عن ابن عباس في حديث

انه كان يقرأ فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى. قال واخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس (الى ان قال) وكانوا يقرءون هذه الآية فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى. قال واخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الانباري في المصاحف والحاكم وصححه عن أبي نضرة (١) قرأت على ابن عباس فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن قال ابن عباس فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى فقلت ما نقرؤها كذلك فقال ابن عباس والله لا نزلها الله كذلك ، واخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال في قراءة ابي بن كعب فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى ، واخرج ابن أبي داود في المصاحف عن سعيد بن جبير قال في قراءة أبي بن كعب فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى واخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس رحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها امة محمد ولو لا نهيه عنها ما احتاج الى الزنا إلا شقي ، قال وهي التي في سورة النساء فما استمتعتم به منهن الى كذا وكذا من الأجل على كذا وكذا قال وليس بينهما وراثة فإن بدا لهما ان يتراضيا بعد الأجل فنعم وان تفرقا فنعم وليس بينهما نكاح واخبر انه سمع ابن عباس يراها الآن حلالا ا ه. الدر المنثور وهذه القراءة ولو قيل انها غير متواترة وغير ما جاءت به مصاحف المسلمين ـ كما في تفسير الطبري ـ فانها تدل على ان الذين قرءوا بها كانوا يرون ان الآية واردة في المتعة ولعلها كانت من باب التفسير لا القرآن وفي شرح التحرير لشيخ الاسلام زكريا الانصاري ج ٢ ص ١٩٥ طبع مصر عند ذكر قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) الآية : المراد اولاد الأم بدليل قراءة ابن مسعود وغيره وله اخ أو اخت من أم والقراءة الشاذة كالخبر على الصحيح ا ه. وقال العلامة الشرقاوي في الحاشية قوله كالخبر أي خبر الواحد في الاحتجاج بها ا ه. وحينئذ فلتكن هذه القراءة كخبر الواحد في الاحتجاج بها على ان الآية نازلة في المتعة.

وجماعة من اكابر العلماء كانوا يقولون بورود الآية في المتعة ـ رواه الطبري في تفسيره بسنده عن السدي ومجاهد واخرجه عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد كما في

__________________

(١) كأنه ابو نصيرة المتقدم في سند الروايات الأخر وصحف احدهما بالآخر ـ المؤلف ـ.

الدر المنثور. وروى الطبري في تفسيره عن شعبة انه سأل الحكم بن عتيبة عن آية فما استمتعتم به منهن أمنسوخة هي قال لا (١) قال الحكم قال علي : لو لا ان عمر نهى عن المتعة ما زني إلا شقي وهو كالصريح بأن شعبة والحكم كانا يقولان بنزولها في المتعة فشعبة انما سأله عن انها منسوخة أم لا اما كونها واردة في المتعة فكان مسلما عنده والحكم بجوابه انها غير منسوخة علم انها واردة في المتعة عنده فظهر ان قوله لم ينزل في جواز المتعة قرآن محض تعصب وعناد ومصادمة للبديهة. وان اكابر الصحابة والعلماء الذين اعترفوا بنزولها في المتعة هم اعرف منه وادرى باللغة وادب البيان وان هذا الكلام ما دعاه إليه إلا جهله واتباع هواه قصدا لتصحيح قول من يعترف بعدم عصمته واذا كان الصحابة والتابعون والعلماء والمفسرون يقولون بنزولها في المتعة وهو يقول لم ينزل في جوازها قرآن فلم يبق إلا ان ينزل عليه جبرئيل ويخبره لذلك او يكلمه الله من وراء حجاب كما كلم موسى بن عمران.

ثم اراد بتمحلاته التي صارت معروفة ان يجيب عن قراءة من قرأ الى اجل مسمى فقال ص ١٦٦ نعم روي في الشواذ زيادة الى اجل مسمى ولا ريب ان هذه الزيادة لم تكن إلا على سبيل البيان وتفسير المعنى من كتاب المصحف أو من صاحب المصحف وما يراه صحابي أو تابعي ليس بحجة على احد ولم تكن حجة على احد اصلا لأن من نسبت إليه هذه الزيادة قراءته في الأسانيد المتواترة وفي كل المصاحف بغير هذه الزيادة وقال ص ١٦٧ تسمية الأجل شرط لا رخصة فيه عند الشيعة وان لم يسم اجل ينعقد دواما فسقوط الى اجل مسمى من التلاوة ومن المصاحف يهدم مذهب الشيعة في متعة النساء لأن ارتفاع شيء بعد ما ثبت يجتث كل آثاره ثم الأجل في المتعة اجل العقد والزيادة الشاذة لو ثبتت لا تكون إلا اجل الاستمتاع والبون بين الأجلين اطول من بعد المشرقين فعقد المتعة اذا انعقد ينعقد الى اجل رغما لهوى متمتع يتمتع ارغاما لمن حرمها لأن القراءة الشاذة ردت الأجل الى الاستمتاع لا الى العقد والعقد الذي هزله جد اذا انعقد ينعقد عقد ثبات ودوام.

ونحن يكفينا وجود هذه الزيادة في مصحف أبي بن كعب وقراءته بها وقراءة

__________________

(١) كلمة قال لا ليست في النسخة المطبوعة من الطبري سقطت سهوا من الطابع والتصحيح من الروضة ـ المؤلف ـ.

ابن مسعود وابن عباس بها سواء أكانت قرآنا يتلى أم لا لأنها تدل على اعتقادهم ان الآية نزلت في المتعة وهم الذين نزل القرآن بينهم وحفظوه وجمعوه وان كانت تفسيرا فالتفسير من أبي لا ممن كتبوا المصحف وان كان منهم فهم أيضا من الصحابة وهو يكذب زعمه انه لا يوجد في غير كتب الشيعة قول لأحد انها نزلت في المتعة ويكذب أيضا دعاواه السابقة بأنه لم يقل احد بنزولها في المتعة ولكنه لا يبالي ان يكذب نفسه بنفسه وقوله الأجل شرط لا رخصة فيه «الخ» نوع من استدلالاته التي خص بها. نحن نقول الآية واردة في المتعة سواء أقرئت الى اجل مسمى أم لم تقرأ ونجعل قراءة من قرأ من الصحابة الى اجل مسمى دليلا على انه كان يرى نزولها في المتعة وسقوط الى اجل مسمى من التلاوة لا يفهم له معنى فمن قرأ بها قرأ بها طول حياته ولم تسقط من تلاوته ومن لم يقرأ بها لم تكن في تلاوته من أول الأمر فما معنى سقوطها من التلاوة. وسقوطها من المصاحف لأن رسم المصاحف على غير هذه القراءة وهي القراءة المشهورة فأين هو الشيء الذي ارتفع بعد ما ثبت ارتفاع ليلة القدر؟. والأجل في المتعة اجل العقد والاجل في قراءة من قرأ الى اجل مسمى وان كان قيدا للاستمتاع إلا انه لا يخرج عن كونه اجلا للعقد والاستمتاع الى اجل لا يكون إلا في العقد الى اجل الدائم فالاستمتاع فيه غير محدود. هذا ان لم نحمل قوله فما استمتعتم على إرادة فما عقدتم عقد متعة فقوله القراءة الشاذة ردت الأجل الى الاستمتاع لا الى العقد خال عن التحصيل وقوله البون بين الأجلين اطول من بعد المشرقين ابعد عن الصواب من بعد المشرقين ، وقوله عقد المتعة اذا انعقد ينعقد لا الى اجل قد عرفت فساده فعقد المتعة لا يكون إلا الى اجل والعقود تابعة للقصود فاذا انعقد انعقد الى اجل رغما لهوى متمحل يتمحل ارغاما لمن يخالف من حرم وكذلك قوله : والعقد الذي هزله جد «الخ» مع انه لا يزيد على الاستدلال بعين الدعوى ويشبه الهزل لا الجد. وكون ما يراه صحابي أو تابعي ليس بحجة على احد صحيح ولذلك لم يكن حجة على احد ما رآه بعض الصحابة من تحريمها ولكن قوله هذا يناقض قوله السابق عند ذكر عصمة الخلافة الراشدة من انه يعتبر سيرة الشيخين تعادل سنن النبي في اثبات الاحكام الشرعية وان الخلافة الراشدة معصومة عصمة الرسالة ولكن التناقض لا أهمية له عنده. ونحن لم نستند في الحل الى اقوال الصحابة في قراءتهم هذه إلا

لكشفها عن ان الآية نزلت في المتعة فيجب التمسك بها حتى يثبت الناسخ. وكونها ليست قرآنا غير معلوم بعد قراءة أبي وابن مسعود وابن عباس بها وحلف ابن عباس انها هكذا انزلت وكون من نسبت إليه قراءته في الأسانيد المتواترة بغير هذه الزيادة غير صحيح فمن نست إليه لم يرو عنه انه قرأ بغيرها فضلا عن التواتر نعم الموجود في المصاحف بغير هذه الزيادة فهل يوجب ذلك الجزم ببطلانها مع روايتها عمن ذكر وتأكيد ابن عباس ذلك بالقسم وقد ظهر أيضا فساد قوله لم ينزل في المتعة قرآن.

(رابعا) قوله وارى ان ادب البيان «الخ» هو من جملة آرائه التي علم حالها فيما مر ويأتي في مخالفتها العرف واللغة واجماع المسلمين والعقول السليمة ودعواه التي كررها مرارا وضمنها الفاظه الخشنة البذيئة بأن أدب البيان وعربية هذه الجملة وافادة النظم ولغة القرآن واعجازه تأبى ان تكون هذه الآية نزلت في المتعة. وتعليله ذلك بلزوم اختلال نظم الآيات بدعوى انه لو كانت هذه الآية نزلت في المتعة لكان الله تعالى قبل ان يتم بيان الحكم في اصل النكاح الذي اخذ في بيانه ترك الكلام ابتر وعجل الى بيان حكم المتعة مع كونه اجتهادا في مقابل النص هو اوضح فسادا من ان يحتاج الى رد ولبيان ذلك وغيره مما لا يزال يتغنى به. نذكر ما جاء من الآيات الكريمة في احكام النكاح قال الله تعالى في اوائل سورة النساء : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) فبين الدائم وملك اليمين ثم قال : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فبين حكم المهر وبذلك تم بيان قسمين من النكاح نكاح الحرة الدائم وملك اليمين ثم بين بعد آيات كثيرة مثل آيات المواريث وغيرها محرمات النكاح من النساء والرضاع والمصاهرة فقال : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف حرمت عليكم أمهاتكم الى قوله وان تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) ذوات الأزواج : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من سبي من كان لها زوج أو كان لها زوج فباعها.

(وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) بثمن أو صداق (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) فبين انه يحل لهم ان يبتغوا بأموالهم ما عدا ما ذكر من المحرمات بشرط ان يكون نكاحا شرعيا لا سفاحا وهذا شامل لأقسام النكاح الأربعة. نكاح الحرة ،

والأمة دواما والمتعة وملك اليمين ، ولما كان الأول والرابع قد نص عليهما فيما تقدم لم يحتج الى اعادتهما ونص على الثالث بقوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) وسمى المهر هنا اجرا كما سمى المهر في الدائم صداقا وبين حكم هذا المهر بأنه يجوز الحط منه بالتراضي ثم بين حكم الرابع بقوله : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) (الى قوله) (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (الى قوله) (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وبذلك تم الكلام على جميع اقسام النكاح فأين هو البتر الذي يحصل في الكلام واختلال النظم لو أريد بهذه الجملة المتعة لو كان يعقل ما يقول فظهر انه لا شيء من أدب البيان ولا نظم الآية يأبى ذلك بل الأمر بالعكس فإن حملها على الدائم وحمل الأجور على المهور يوجب التكرير بلا فائدة كما يأتي عن حكاية الإمام الرازي فإن الدائم قد تقدم بقوله فانكحوا ما طاب لكم والمهور بقوله وآتوا النساء صدقاتهن والمهر في الدائم يجب بالعقد لا بالاستمتاع فلا يصح جعل فآتوهن اجورهن لبيان مهر الدائم بخلاف المتعة فإن المهر لا يجب إلا بالاستمتاع هذا الذي ينافي أدب البيان ونظم الآية ولو كان في دعوى نزولها في المتعة ما يوجب ما ذكره لتفطن له العلماء السالفون وردوا به على القائلين بحليتها فأنهم قد تشبثوا في ردهم بكل رطب ويابس إلا ان يكون قد اهتدى في آخر الزمان الى ما لم يهتد إليه علماء الصحابة والتابعين وباقي علماء المسلمين (فكم ترك الأول للآخر) كما ظهر انه ان اريد بهذه الجملة المتعة لم يبق الكلام في أصل النكاح أبتر ـ وان صورت له مخيلته ذلك تمحلا وتعنتا ـ بل دعواه هذه بتراء نكراء. ولم يكن قد عجل ليرضي شيعة علي ـ التي تفتخر بأنها شيعته ، كما عجل موسى تركستان الى البهت والسخرية بغير حق ليرضي هواه. ولا عجلة موسى بن عمران. وانه لا يلزم من حمل الآية على المتعة قطع كلام قبل اتمامه ولا طفرة عصفور ولا وثبة ليث هصور. وما اذن الله فيه لا يسوغ لذي دين ان يعبر عنه بعبارات السخرية والاستهزاء. والمتعة مما اذن الله تعالى فيه بالأدلة القاطعة سواء اسماها ـ بأدبه ـ سفاد عصفور أم ملك باعلى القصور فالأحكام الشرعية لا تثبت ولا تنفى إلا بالدليل لا بمثل هذه الكلمات التي لا

تشين إلا قائلها. وان قوله ويطيل الكلام في اجر السفاد ما هو إلا اعتراض على الله تعالى وتهجين لكلامه وسخرية من احكامه ولا يكون مثل هذا الكلام كلام عاقل ولا متدين ولا كلاما له شأن ولا كلام من يعرف شيئا من أدب البيان وأي كلمة يمكن ان تكون اضيع من آية يتلاعب بها على مقتضى هواه ويحملها على مشتهاه. وحفنة بر وكف شعير هي كتعليم السورة قد جاءت بها صحاح الأخبار كما يأتي وجوزها الشارع مهرا لهما والشرع جاء ببيان حكم الخطير والحقير وقد حكى هو فيما مر انه قيل لعمر كانت المتعة رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث فقال فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وان تمحل له هناك بأنه كان ينعقد دائما لكنه يكفينا كون الدائم يكون بقبضة فإبرازه بمعرض السخرية ما هو إلا استهزاء باحكام الله (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وآية (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) يأتي الكلام عليها.

وما حكاه عن هشام بن الحكم بيان شاف واف تام لا بيان اتم منه موضح للحكمة البالغة في احكام الشريعة الاسلامية ومبين انها ارقى الشرائع واسماها واشدها قمعا لمادة الزنا والفجور بحيث لا تدع مجالا لمرتكبه إلا ان يكون لا يبالي بمعصية الله ويختارها عفوا مقدما للحرام على الحلال وللفجور على العفاف. وهذا البيان كسائر بيانات الشيعة وفرائد علومهم التي ورثوها عن أهل بيت الوحي ومعادن العلم لا يصل إليها هو ولا من فوقه وابرازه لها في معرض النقد والعيب لا يضرها.

فكم من عائب قولا صحيحا

وآفته من الفهم السقيم

وفلسفته التي زخرفها ردا على ما قاله هشام بأن حمل (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) على النكاح الى اجل يحرف القرآن ويخل بنظم الآية ويبطل ترتيب البيان قد ظهر مما مر في الأمر الرابع انها فلسفة مزيفة لم تكن إلا هباء منبثا وجفاء مجتثا وتحريفا لكلام الله عن مواضعه.

(خامسا) اذا ورد لفظ الاستمتاع في آية في الانتفاع الدائم في الحياة الدنيا فهل يجب ان يكون كل لفظ استمتاع كذلك؟ على ان الذين اذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا ليس كلهم كان استمتاعهم بها دائما ويأتي في احاديث البخاري ومسلم وغيرهما التعبير عن المتعة بالاستمتاع ففلسفته هذه واهية باردة.

(سادسا) معنى محصنات. متزوجات غير زانيات أو عفائف غير زوان. ومعنى محصنين غير مسافحين متزوجين غير زانين أو أعفة غير زناة كما قاله المفسرون وهو الذي يظهر من اللفظ. ولا متخذات اخدان. ولا متخذي اخدان أي اخلاء في السر لأن الرجل منهن كان يتخذ صديقة فيزني بها والمرأة تتخذ صديقا فيزني بها وعن ابن عباس كان قوم في الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا ويستحلون ما خفي منه فنهى الله عن الزنا سرا وجهرا بقوله : (الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) فمعنى غير مسافحات ولا متخذات اخدان غير زانيات لا سرا ولا جهرا وبذلك ظهر حال هذا الرجل في استدلالاته ، وظهر كذب قوله نكاح المتعة لا احصان به. المتعة فيها سفاح ماء في غير حرث. المتعة اتخاذ خدن في كلا الطرفين وترتيبه على ذلك انها حرام بنص القرآن هذا القياس أو الأقيسة التي رتبها من الشكل الأول لا ينقصها في صحة الاستدلال بها إلا ان الصغريات فيها كاذبة. الاحصان النكاح بعقد صحيح ومن الذي قال لك المتعة لا احصان فيها. السفاح الزنا مقابل النكاح الصحيح ومن اخبرك ان المتعة سفاح والاخدان الاصدقاء ومن اين علمت ان المتعة اتخاذ اخدان في كلا الطرفين هذا نموذج من علم هذا الرجل واحتجاجه بعين لدعوى ، حكى الفخر الرازي في تفسيره عن ابي بكر الرازي انه استدل على ان ليس المراد من الآية نكاح المتعة بأن قوله غير مسافحين سمى الزنا سفاحا لأنه لا مقصود فيه إلا سفح الماء ولا يطلب فيه الولد وسائر مصالح النكاح. والمتعة لا يراد منها إلا سفح الماء فكانت سفاحا. واجاب الفخر الرازي عن ذلك بأن المتعة ليست كذلك فإن المقصود منها سفح الماء بطريق مشروع مأذون فيه من قبل الله فإن قلتم المتعة محرمة فنقول هذا أول البحث فلم قلتم ان الأمر كذلك فظهر ان هذا الكلام رخو ا ه. كما ظهر كذب قوله : المتعة سفاح ماء في غير حرث فإن السفاح هو الزنا والمتعة اذا كانت حلالا فمن يسميها سفاحا مفتر على الله ورسوله. وهي قد تكون في حرث يقصد به النسل وقد لا تكون كذلك كالنكاح الدائم للولود والعاقر وكذب قوله هي اتخاذ خدن في كلا الطرفين فالمراد بالأخدان كما عرفت الاصدقاء في السر لأجل الزنا والمتعة نكاح بسنة الله ورسوله فجعلها زنا رد على الله ورسوله وادعاء انها حرام بنص القرآن الكريم افتراء على القرآن الكريم : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).

(سابعا) قوله وما انكر (م الأشياء) الخ فنحن مهما انكرنا من شيء فلا ننكر عليه اتباعه الأوهام في وشيعته فليس عنده غيرها وان يتبع تقليده ويعبد هواه وان يهتوي حيث تستهويه دعوى التعصب والعناد وان يفتري على العصر الأول فيزعم انه مقدس وعلى الأمة فيدعي انها معصومة وان يقول على الله وعلى دين الله كل ما يوحيه عشق التقليد والوضع وهوى التعصب لا ننكر شيئا من ذلك عليه له دعاويه بل لا ننكر عليه انكاره ان تكون الآية نزلت في متعة النساء ومبالغته في ذلك بتلك العبارات الشنيعة التي نضح بها إناؤه واطالته وتكريره الذي يوجب التهوع ولا تفاصحه بوضع (م الأشياء) مكان من الأشياء ليقود الفصاحة والأدب الى حظيرة تنصبه ويودعه زريبة تنصبه ولا نعجب من مخالفته اجلاء الصحابة واجلاء العلماء من أهل نحلته الذين قالوا بنزولها في متعة النساء. ولازم كلامه ان لا يكونوا من المؤمنين الذين يعلمون لغة القرآن ويؤمنون باعجازه ويفهمون افادة النظم وعليهم نزل وهم تراجمته وان يكونوا عنده جهلاء يدعون ولا يعون وهو احق بذلك منهم ومن كل احد لا نعجب من شيء من ذلك ولا نستبعد صدور امثاله منه بعد ما ظهر من مخالفته الاجماعات والمسلمات وانكاره البديهيات بل مخالفته ضرورة الدين في توريث اولاد الأولاد مع الأولاد وانه يدعي ولا يعي وانكار تميز الشيعة في الأدب والبلاغة وفضلهم على الأدب العربي لا يكون إلا من جاهل ولا يمكن احدا انكاره مهما تعصب وتنصب وجعل قلة الأدب سمة للنصب واحتكره في زريبته (وهل ترى من أديب غير شيعي). والشيعة لا تتبع الظن ولا تتبع إلا الدليل القاطع كما يعلم من حالها في الأصولين وانما هو يتبع الأوهام ولا تعبد إلا الله لا الهوى والعصبية للباطل كما هو دأبه. وهي تفتخر وتعتز بولاية أهل بيت نبيها عن ايمان وعقيدة لا عن دعوى كاذبة كما هو شأنه وبولاية من قال فيه الرسول من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه ولا تفتري على الأعصار ولا تقول إلا بما صحت به الاخبار ولا تقول على الله وعلى دينه إلا الحق هي اورع واتقى واخوف لله من ان تفتري أو تقول غير الحق ، ورثت ذلك عن ائمتها وأهل بيت نبيها ، أهل الورع والصدق والتقوى ، لا تستحل وضعا ولا كذبا وهي غنية عن الوضع بما ورثته عن مفاتيح باب مدينة العلم ومعادن الحكمة وشركاء القرآن. والتقية التي نزل بها القرآن وامر بها عمار وهي دين اولياء الله في كل عصر ومتبع كل ذي عقل لا يعيب بها إلا رقيق الدين عظيم الجهل.

ومن لم يستطع طولا قد نقله القرآن من نكاح الى نكاح ولكن هل حجر عليه غير ذلك النكاح الذي نقله إليه كلا ، اذ لا يدل القول بأن من لا يتمكن من نكاح الحرائر دواما فلينكح الاماء على حرمة نكاح الحرائر والاماء متعة بشيء من الدلالات كما يأتي كما لا يدل قولنا من لم يمكنه لباس الحرير فليلبس القطن على انه يحرم عليه لباس الكتان فإذا دل دليل على جواز لبس الكتان لم يكن منافيا وكان الحاصل ان من لم يتمكن من الحرير له لبس القطن أو الكتان وحديث المتعة فيه انه قد ذكره قبل ذلك بقوله فما استمتعتم فلم يحتج الى ذكره بعد وليست هي استئجار بل نكاح بمهر الى اجل باتفاق كتب الشيعة وعلمائهم وشبهها بالاستئجار لا يجعلها استئجارا حقيقة ولا تنعقد بلفظ الاستئجار اجماعا والله تعالى يقول فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن وهو عنده وارد في النكاح الدائم فهل هذا يجعل النكاح الدائم استئجارا. وزعمه انها لو كانت نكاحا لما كان لصاحب الأربع ان يتمتع لا دليل عليه فالنكاح في الشرع قسمان دائم منحصر في الأربع والى اجل غير منحصر فيهن كما ان الوطء بملك اليمين نكاح شرعي ولا ينحصر في عدد فبطل قوله ، ونقل القرآن من نكاح الى نكاح فقط ابطال للاستئجار. واذا كان نقلا من نكاح الى نكاح فقط فإن المتعة نكاح فقط ، وليست باستئجار كما عرفت والاتفاق على ان لصاحب الأربع ان يتمتع ليس اتفاقا على انها استئجار كما عرفت ولا يستلزم ذلك بطلان فأنكحوا ما طاب لكم الآية ، باختصاصه بالدائم فأين هو اتفاق كتب الشيعة على بطلان المتعة بآيات القرآن. ولكنه هو قد اعتاد ان يبطل كلامه بكلامه وهو لا يشعر.

(ثامنا) ما اطال به من ذكر محرمات النكاح واتبعه به ما هو إلا كرحى تطحن قرونا كأكثر ما اطال به في وشيعته فسفح ماء الحياة على غير ما احله الله هو السفاح وقد اثبتنا بالبراهين القاطعة ان المتعة مما احله الله فمن يجعلها سفاحا فقد رد على الله حكمه وكفر بالايمان وحبط عمله وكان من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وليس بيد من حرمها دليل سوى تحريم بعض الصحابة وسوى روايات متناقضة متدافعة فإن كان بوسعه اثبات تحريمها بدليل غير ذلك فليأت به وله الفلج أما هذه الجعجعات والكلام البذيء فهي سلاح العاجز وآيات الذم التي أوردها هو بمضمونها احق وهي به أليق واضر ضلال غشي أو يغشى قلبه ان كان يزعم

ان الآيات التي ذكرها نزلت في غيره فقط وحكمها لا يتناوله ومن يمكن ان يكون اكفر في آية حل المحصنات من عاد يصرفها عن وجهها ويحملها على غير ما أريد بها ويحرم ما احله الله بغير دليل بل بشهوة النفس والتعصب والعناد والعداوة. وقد بان بما ذكرناه من هو الذي يترك كتاب الله وينبذه وراء ظهره أو يضعه تحت قدميه ويدوسه واحق مما انشده ان يقال له :

قد ارخصت دينها في الناس طائفة

بدرهم لم تبعه أو بدينار

لكن بشهوة نفس واتباع هوى

فساقها سائق التقليد للنار

وهذه بلية قد عمت واعمت سلكها في قلوبهم التقليد واتباع الاهواء لا كتب الكلام وما ربط كتب الكلام بالمقام كتب الكلام تشحذ الافهام ممن تأمل واستقام.

(تاسعا) ما ادعاه من اللوازم الباطلة على تقدير كون الآية في المتعة غير لزوم اختلال النظم وبقاء الكلام ابتر الذي تقدم من بطلان التفريع وكون العقد غير مذكور واختلاف الضميرين لغوا ولا جناح عليكم حشوا غير صواب (اما التفريع) بالفاء فإن قوله واحل لكم ما وراء ذلكم لما شمل الدائم والمنقطع اجمالا وكان حكم الدائم قد تقدم تفصيله صح تفريع حكم المنقطع على ذلك الاجمال بقوله فما استمتعتم فكان تفصيلا بعد اجمال (وأما) عدم ذكر العقد من الطرفين ورضا المرأة فهو زعم غريب زعمه هنا وفي ص ١٦٤ ـ ولا غرابة في امر هذا الرجل فإن معنى فما استمتعتم فما تزوجتم به منهن وعقدتم عليه متعة وهو دال على العقد كما دل عليه فانكحوا ما طاب لكم فإن كان ذلك قد ذكر فيه العقد فهذا كذلك وان كان ذكر ضمنا فهنا قد ذكر ضمنا وهو كاف ولو فرض ان فما استمتعتم معناه فما انتفعتم فهو دال على العقد ضمنا أيضا سواء أحمل على الدائم أم المتعة لا مناص عن ذلك والفقهاء استدلوا على صحة جملة من عقود التجارة بآية إلا ان تكون تجارة عن تراض وليس فيها تصريح بالعقد ، وجل آيات النكاح ان لم تكن كلها لم تدل على وقوع العقد من الطرفين ولا على رضا المرأة صراحة. فانكحوا ما طاب لكم من النساء. وأحل لكم ما وراء ذلكم. فمما ملكت أيمانكم. فهل هذا دليل على جواز الاكراه في النكاح على مقتضى علم هذا الرجل وفلسفته المعوجة. وما في (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) يجوز كونها شرطية وموصولية كما يفهم من العكبري في اعراب القرآن والأولى ان تكون موصولة

مبتدأ عبارة عن النساء والضمير في به عائد عليها على اللفظ وما الموصولة وان كانت لغير العاقل إلا انه يجوز استعمالها في صفات من يعقل ومن في منهن للتبعيض حال من الهاد في به وجملة فآتوهن خبر والعائد ضمير النسوة ويظهر من قوله به أي بهذا النكاح المتقدم بيانه انه جعل ما عبارة عن النكاح أي ، فالنكاح المتقدم الذي استمتعتم به منهن وحينئذ لا بد من تقدير ضمير في جملة فآتوهن يعود على المبتدأ أي فآتوهن اجورهن فيه أو لأجله ولا يخفى ما فيه من التكلف المنافي لبلاغة القرآن ولو سلم فهو لا ينافي ورودها في المتعة كما لا يخفى فالمعنى الذي جعل الآية نصا فيه لتكون خاصة بالدائم لا تحتمله إلا على ابعد احتمال وذلك الاحتمال لا يجعلها خاصة بالدائم وهكذا دأبه يدعي الاجماع في محل الخلاف وفي محل الاجماع على العدم والنصوصية مع عدم الدلالة وينكر المسلمات ويخالف الاجماعات بدون تحرج ولا مبالاة على ان قراءة جماعة من اكابر الصحابة والتابعين الى اجل مسمى كما مر دالة على انها عندهم واردة في المتعة وهم اعرف بنصوص القرآن وظواهره من كل احد واما اختلاف الضميرين في به ومنهن فإنما هو لكون الأول راجعا الى ما الموصولة على اللفظ أو الشرطية لا الى هذا النكاح كما توهمه والثاني راجع الى النساء ولسنا ندري لما ذا يكون اختلاف الضميرين لغوا ان أريد بها المتعة كما لا ندري لما ذا يكون لا جناح عليكم «الخ» حشوا ولغوا وبيان الحكم الشرعي في أي شيء كان حقيرا أو كبيرا لا يصح ان يقال عنه انه اشتغال بأمر تافه فليس في الشريعة امر تافه والامر المهم الذي ينبني عليه حياة الانسان قد فرغ من بيانه واشتغل ببيان غيره وقوله ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة راجع الى نكاح المتعة فأل في الفريضة للعهد الذكري. في مجمع البيان قال السدي معناه لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من استئناف عقد آخر بعد انقضاء مدة الأجل المضروب في عقد المتعة يزيدها في الأجر فتزيده في المدة ا ه. لكن الطبري في تفسيره روى عن السدي انه ان شاء ارضاها من بعد الفريضة الأولى يعني الأجرة التي اعطاها على تمتعه بها قبل انقضاء الأجل فقال اتمتع منك أيضا بكذا وكذا قبل ان يستبرأ رحمها ا ه. ومراد السدي العقد عليها ثانيا ولا يرد عليه ما أورده الطبري من فساد القول بإحلال جماع المرأة بغير نكاح ولا ملك يمين فإنه احلال بنكاح. وبأقل مهما بلغت به البلادة فبسط كفيه واخرج لسانه لما سئل عن ظبي بيده بكم اشتراه مشيرا بانه اشتراه باحد عشر درهما

فقد الظبي لن يبلغ مدى هذا الرجل في تحكماته وتمحلاته وتقولاته على الكتاب والسنة.

(عاشرا) ما تحذلق به في امر الجملة الشرطية التي جوابها إنشاء واخذه الخجل من كتابة مسألة نحوية ابتدائية ظهرت له وخفيت على من احتكر الأدب سمة للرفض وقال انه لا يصدر إلا من اعجمي لا يعرف ادب البيان هو كسائر اقواله رقم فوق ماء والعجمة ظاهرة في كلماته مثل ادخاله ال على براءة كما مر واللحن كثير في كلامه فيما لا يلحن فيه صغار الطلبة كما نبهنا على جملة منه فيما مر مما يدل على جهله بأدب البيان فهذه الجملة لم يعلم انها شرطية بل يجوز ان تكون خبرية وما موصولة كما مر بل هو الأولى وعلى فرض كونها شرطية وكون عمدة الكلام هو وجوب المهر بالاستمتاع فلا محذور فيه فإن حلية المتعة نفهم منه ضمنا. ونكاح المتعة كما مر داخل في عموم : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) وانما ذكر ثانيا لتفصيل ما اجمل كقولنا سيجيئك العلماء فإذا جاءك زيد منهم فأكرمه وليترتب عليه حكم آخر بين بقوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) كما مر فبعد ما بين النكاح اجمالا بقوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) قال : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) فالقسم الذي كان نكاحه نكاح متعة والعقد عليه عقد متعة مما ابتغيتم باموالكم يجب ايتاؤهن اجورهن حال كونها فريضة أي مفروضة لا يجوز غصب شيء منها ومنعه. هذا ان حمل استمتعتم على معنى عقدتم عقد متعة وان حمل على معنى انتفعتم كما هو اصل معنى الاستمتاع يكن المعنى انه يجب ايتاء الأجر عند حصول الاستمتاع لبيان ان الأجر يجب بالاستمتاع لا بمجرد العقد كما في الدائم فإنه يجب بالعقد وجوبا مراعى بعدم الطلاق قبل الدخول وإلا سقط النصف فاذا كانت الجملة في حلية المتعة فلا مناص عما عبر به فيها. ولو قيل فما آتيتموهن اجورهن فاستمتعوا منهن لكان كلاما ساقطا غير مفيد للمطلوب قول جاهل اعجمي لا يفهم ما يقول (والحاصل) انه قد بيّن في اوّل السورة النكاح الدائم : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) ثم وجوب ايتاء الصداق : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ) ثم محرمات النكاح ثم احلال ما عداها بنكاح دائم أو منقطع أو ملك يمين. ثم وجوب ايتاء المهر في نكاح المتعة وجواز تجديده قبل انقضاء الأجل أو بعده بزيادة في الفريضة. ولو كان يعرف شيئا من أدب البيان لعلم ان حملها على النكاح الدائم هو المنافي لأدب

البيان ونظم القرآن فإنه اذا كان جزاء الجملة هو عمدة الكلام تكون عمدة هذه الجملة هي وجوب اداء المهور وهذا قد تقدم بقوله وآتوا النساء صدقاتهن فيلزم التكرير لغير فائدة وهو مما يأباه أدب البيان ونظم القرآن. والامام الرازي حكى الاستدلال على نزولها في المتعة بأنه اوجب المهور بمجرد الاستمتاع التلذذ والانتفاع والاجور في الدائم لا تجب على الاستمتاع بل على النكاح ـ أي العقد ـ ولذا لزم نصف المهر بمجرد العقد. وانا لو حملناها على الدائم لزم تكرار بيان حكم النكاح في السورة الواحدة لأنه تعالى قال في اوّل هذه السورة : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) الخ ثم قال وآتوا النساء صدقاتهن بخلاف ما لو حملناها على المتعة فإنه يكون حكما جديدا ا ه. والذين قالوا بنزولها في متعة الاسلام هم ابن عباس ترجمان القرآن وابن مسعود وأبي بن كعب الذي امر الله رسوله ان يقرأ عليه والسدي ومجاهد من اعلم الناس بتفسير القرآن فليرفع عن نفسه هذا الخجل بموافقة هؤلاء للشيعة. وليعلم ان المسائل النحوية الابتدائية والانتهائية لم تكن لتخفى على اقل طلبة الشيعة.

(حادي عشر) سواء أسمي المتعة اجارة أم نكاحا باجرة تهجينا لامرها تعصبا وعنادا للحق أم ما شاء له هواه أم نكاحا بمهر فهي قد ثبتت بالكتاب والسنة كما عرفت. اما استدلاله بآية من لم يستطع طولا وزعمه انها نص قطعي في تحريم المتعة على عادته في دعوى القطع في ما لا يخرج عن الوهم فالآية يراد بها ان من لم يستطع نكاح الحرائر لقلة طوله وقلة غناه فليتزوج من الاماء لقلة مهورهن ونفقتهن وتكاليفهن وليس المراد النكاح بالشراء وملك اليمين كما توهم لقوله تعالى بعد ذلك فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن اجورهن بالمعروف ولو اريد الاستدلال بها بنحو آخر لعله قد استدل به غيره فنقله وخلطه بغلطه هذا وهو ان الآية نقلت من لم يستطع نكاح المحصنة الى نكاح ملك اليمين ولم تذكر ما هو أقدر عليه من ذلك وهو المتعة الى آخر ما ذكره (والجواب) يفهم مما مر في آية وليستعفف من انها لا تدل على حرمة المتعة ولا اباحتها بشيء من الدلالات لا بمنطوق ولا بمفهوم ولا ربط لها بذلك بوجه من الوجوه وانما هي مسوقة لبيان ان نكاح الأمة دواما مشروط بعدم القدرة على نكاح الحرة دواما فمنطوقها ان من لم يستطع تزوج الحرائر دواما ومفهومها ان من استطاع ذلك ليس له تزوج الاماء ولا دلالة لها على شيء وراء هذا من حلية المتعة أو حرمتها فاذا وجد ما يدل على حلية المتعة لم يكن معارضا لمفهوم الآية ولا لمنطوقها فهي بمنزلة قولنا

من لم يستطع ان يشتري البطيخ فليشتر القثاء. فلا يدل على انه ليس له ان يشتري الخيار فاذا وجد ما يدل على إباحة شراء الخيار كان مقتضى الجمع بين الأدلة ان من لم يقدر على شراء البطيخ له شراء القثاء أو الخيار فالله تعالى أباح نكاح الحرائر دواما بمهر مطلقا ونكاح الحرائر والإماء الى اجل بمهر مطلقا ونكاح الاماء دواما بشرط عدم استطاعة نكاح الحرائر ومنع منه مع الاستطاعة وجوز نكاح الاماء بملك اليمين مطلقا هذه هي احكام النكاح التي بينها الله تعالى في كتابه ليس بينها تناف ولا تعارض لو كان يدري ما يقول. على ان مهر الحرة في الدائم كما يمكن ان يكون قنطارا من ذهب يمكن ان يكون تعليم سورة وكفا من بر كما صرح به الخليفة واقل ما يتمول ومهرها في المنقطع كما يمكن ان يكون كفا من بر يمكن ان يكون قنطارا من ذهب وكما يمكن ان لا يستطيع نكاح الحرة دائما لكثرة المهر أو لامر آخر ويتمكن من نكاح الأمة يمكن ذلك في نكاحها متعة فأسباب عدم الاستطاعة لا تنحصر في كثرة المهر وفي النفقة كما مر في آية وليستعفف وبذلك ينحط الى دركات ما تحت الصفر بكثير تفلسفه هذا البارد السخيف.

(ثاني عشر) قد بان بما ذكرناه سابقا ولاحقا من الأدلة بطلان قوله ليس بيد الشيعة دليل سوى الآية بل بيدها مضافا الى ذلك السنة والاجماع على المشروعية والخلاف في النسخ وبأن بطلان قوله لا يوجد في غير كتب الشيعة قول لأحد انها نزلت في متعة النساء ويبطل قوله لم يقل احد انها نسخت اقوال من اجابوا عنها بأنها نسخت من علماء من تسموا بأهل السنة كما يأتي.

ومنهم ابن حزم في كتابه الناسخ والمنسوخ وهبة الله بن سلامة المفسر في كتاب الناسخ والمنسوخ المطبوع بهامش اسباب النزول للواحدي حيث قال عند ذكر الآيات المنسوخة من سورة النساء : الآية العاشرة قوله تعالى في متعة النساء : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً). نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزلا في اسفاره فشكوا إليه العزبة فقال استمتعوا من هؤلاء النساء فكان ذلك مدة ثلاثة أيام ولاء فلما نزل خيبر حرمها وحرم لحوم الحمر الأهلية. ثم ذكر انها نسخت بآية ميراث الزوجة. ثم حكي عن الشافعي انها نسخت بآية الا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم وقد بان بذلك جهله وقصور معرفته وان قول الشيعة ليس فيه خطأ فضلا عن

كونه فاحشا وان افحش خطأ وافتراء على الله وعلى القرآن الكريم هو انكاره ذلك. وان هذه المسألة النحوية لا تخفى على صبيان المكاتب من الشيعة.

(ثالث عشر) : زعمه احسن الاحتمالات فيما ينسب للصادقين عليهم‌السلام ان السند موضوع تكذيب للروايات بغير دليل والقول بأن الآية نزلت في المتعة قال به جماعة من اجلاء الصحابة والعلماء وقد جعله قول مدع جاهل مفتر وهو اولى بالدعاوي الباطلة والجهل والافتراء على كتاب الله منهم واذا قال به جماعة من اجلاء الصحابة والعلماء فلا غرو ان يقول به إمام أهل البيت والامام ابو حنيفة وإمام أهل البيت هو إمام الأمة بحق الذي اخذ عنه من سماه إمام الأمة. وقطعه بكذب الحكاية يوجب القطع بجهله وجرأته على الباطل. والشيعة ليسوا بادعياء في تشيعهم قد اخلصوا في حب أهل بيت نبيهم وحفظوا فيهم وصية جدهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما الدعي إلا من يرد اقوالهم بالهوى والغرض ويكذب رواياتهم الصحيحة بغير دليل ولا مستند. ودعواه اجماع الأمة على التحريم مع مخالفة ائمة أهل البيت وعلماء شيعتهم هي كسائر دعاويه الفاسدة. ونحن لا نتعجب من ادعائه هذه الدعاوي التي علم بطلانها ولا من خطأ الفاحش في فهم الكتاب ادبيا ومنطقيا بعد ما ظهر منه في كل مواقفه من التمحل والتعسف ومصادمة البديهة ومخالفة الاجماعات.

ثبوت المتعة بالسنة النبوية

المستفيضة بل المتواترة التي رواها ائمة الحديث في صحاحهم. البخاري. ومسلم. واحمد بن حنبل. والنسائي وغيرهم من ائمة الحديث الدالة على اذن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها أو على وقوع ذلك في عهد الرسالة وعهد الشيخين أو على الاباحة وانه لم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدة حياته.

روى البخاري في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الاكوع قالا كنا في جيش فأتانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال انه قد اذن لكم ان تستمتعوا فاستمتعوا وروى مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال ان رسول الله قد أذن لكم ان تستمتعوا يعني متعة النساء ، وروى مسلم في صحيحه أيضا بسنده عن سلمة بن الأكوع وجابر بن عبد الله ان

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتانا فأذن لنا في المتعة. وروى البخاري في صحيحه في باب ما يكره من التبتل والخصاء بسنده قال : قال عبد الله كنا نغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس لنا شيء قلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا ان ننكح المرأة بالثوب ثم قرأ علينا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) الآية. البخاري في باب قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) نحوه. قال القسطلاني في ارشاد الساري لشرح صحيح البخاري في ذلك الباب : وهذا الحديث اخرجه مسلم والنسائي في التفسير. وقال أيضا في شرح الحديث : (عبد الله) ابن مسعود «ان تنكح المرأة بالثوب» أي الى اجل في نكاح المتعة وقال في موضع آخر وهو نكاح المتعة (ثم قرأ علينا) أي عبد الله بن مسعود كما في رواية مسلم وكذا الاسماعيلي في تفسير المائدة. ثم قال : قال في الفتح وظاهر استشهاد ابن مسعود بهذه الآية هنا يشعر بأنه كان يرى جواز المتعة ا ه. مسلم في صحيحه بسنده عمن سمع عبد الله ـ يعني ابن مسعود كما سمعت ـ يقول كنا نغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس لنا نساء فقلنا ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا ان ننكح المرأة بالثوب الى اجل ثم قرأ عبد الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين. مسلم أيضا بسنده مثله إلا انه قال ثم قرأ علينا ولم يقل قرأ عبد الله. مسلم أيضا بسنده مثله إلا انه قال كنا ونحن شباب فقلنا يا رسول الله ألا نستخصي ، ولم يقل نغزو قال النووي في شرح صحيح مسلم : فيه أي في استشهاد ابن مسعود بالآية اشارة الى انه كان يعتقد إباحة المتعة كقول ابن عباس وانه لم يبلغه نسخها ا ه. وفي تفسير الفخر الرازي روي ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة فشكا اصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه العزوبة فقال استمتعوا من هذه النساء. وفي شرح النووي لصحيح مسلم عن القاضي عياض انه قال روي حديث إباحة المتعة جماعة من الصحابة فذكره مسلم من رواية ابن مسعود وابن عباس وجابر وسلمة بن الأكوع وسبرة بن معبد الجهني ا ه. وفي صحيح مسلم بسنده عن عطاء : قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئناه في منزله فسأله القوم عن اشياء ثم ذكروا المتعة قال نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابي بكر وعمر. وفي صحيح مسلم أيضا بسنده عمن سمع جابر بن عبد الله يقول كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن

حريث. وهما صريحتان في بقاء المشروعية بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدة خلافة ابي بكر وشطرا من خلافة عمر. وفي صحيح مسلم أيضا بسنده عن أبي نضرة : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر فعلناهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما. الامام احمد بن حنبل في مسنده من مسند عبد الله بن عمر (٢ : ٩٥) بسنده عن عبد الرحمن بن نعم أو نعيم الأعرجي. : سأل رجل ابن عمر عن المتعة وانا عنده متعة النساء فقال والله ما كنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زانين ولا مسافحين. ثم قال والله لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثون او اكثر. الامام احمد في مسنده أيضا (٤ : ٤٣٦) من حديث عمران بن حصين قال نزلت آية المتعة في كتاب الله تبارك وتعالى وعملنا بها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى مات. وفي تفسير الفخر الرازي عند ذكر الاحتجاج على إباحة متعة النساء عن عمران بن الحصين انه قال ان الله انزل في المتعة آية وما نسخها بآية اخرى وامرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمتعة وما نهانا عنها ثم قال رجل برأيه ما شاء يريد ان عمر نهى عنها ا ه. وروى الثعلبي في تفسيره ـ كما في مجمع البيان ـ باسناده عن عمران بن الحصين قال نزلت آية المتعة في كتاب الله ولم تنزل آية بعدها تنسخها فأمرنا رسول الله وتمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومات ولم ينهنا عنها فقال بعد رجل برأيه ما شاء.

فهذه الروايات تكذب دعاواه السخيفة كلها تكذيبا صريحا فقول جابر : استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر وقول ابن عمر لما سئل عن متعة النساء : والله ما كنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زانين ولا مسافحين يكذب دعواه انه لم يكن في الاسلام نكاح متعة وانها لم تقع من صحابي. وما اشتملت عليه روايات جابر وسلمة من إن رسول الله (ص) اذن لهم في متعة النساء وامرهم بها وما اشتملت عليه روايات عبد الله بن مسعود من ان رسول الله (ص) رخص لهم في نكاح المرأة بالثوب الى اجل واستشهاده بآية لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم كله يكذب دعوى انها لم تكن بإذن من الشارع ويسقط قوله فدعوى إباحة

الشارع لها في صدر الاسلام ساقطة وكلها تكذب هذيانه بأنها من بقايا الأنكحة الجاهلية وانها كانت امرا تاريخيا لا حكما شرعيا وانه ليس بيد احد دليل بإباحتها في صدر الاسلام. والحمد لله على ما ظهر من ان ما حمد الله عليه وزعم انه هداه إليه هو دعاوي مجردة قد قامت البراهين القطعية على فسادها.

واراد ان يتحمل عذرا عن روايات ابن مسعود على عادته فقال في ص ١٢٨ ـ ١٣٠ ما حاصل مجموعه روى الامام الطحاوي في معاني الآثار عن عبد الله بن مسعود : كنا نغزو وليس لنا نساء فقلنا ألا نختصي الحديث المتقدم ، ثم قال : هذا كلام لفقته ألسنة الرواة من كلمات جرت في مجالس متفرقة على حوادث مختلفة حفظ الراوي منها جواب النبي لقائل قد قال ألا نختصي ، وقد كان جواب النبي على اسلوب حكيم يرشد المضطر الى ترك اشد الحرامين ولو بارتكاب الأخف وكلام الحكيم في امثاله لا يفيد احلال الأخف وانما يرشد الى تقليل الشر عند الاضطرار الى احد الشرين. قلت ذلك لأن ابن مسعود لم يغب في غزوة غيبة طويلة تضطره الى الاختصاء ولأن قول الصحابة ألا نختصي يدل دلالة قطعية على ان حرمة التمتع كانت معلومة مثل حرمة الزنا وإلا لما قال اجهل صحابي ألا نختصي ولأن أطول الغزوات غيبة عن المدينة مثل خيبر والفتح وتبوك كانت بعد نزول : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) وابن مسعود كان أقوم الناس بأدب الدين وأطوعهم لأوامر الكتاب وكان يعلم ان امد الاغناء يمكن ان يمتد الى سنين فلم يمكن ان يقول صحابي له أدب خرج من بيته مجاهد في سبيل الله ألا نختصي وهو يحفظ آية فليستعفف ولم يغب عن زوجه إلا أياما أو أسابيع وهل كان ابن مسعود افقر من ان يكون له كف من بر. ثم اعاد الكلام في آية وليستعفف فكرر واطال بما يوجب الضجر والملال بدون جدوى على عادته السيئة فذكرها في ص ١٣٣ ـ ١٣٥ وفي ص ١٣٩ و ١٦٤ و ١٦٩ اكثر من تسع مرات بمضامين متقاربة ونضح إناؤه بما فيه من سوء القول فقال ما ملخصه : قوله تعالى في سورة النور : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ. وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ. وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ. وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ) هذه الآية الكريمة ، وحدها تكفي ان تثبت ان المتعة كانت محرمة في صدر الاسلام تحريم ابد ولو حلت لما كان لهذه الآية

الجليلة ولا لجملة من جملها الخمس معنى. الاستعفاف مبالغة التعفف ومن لم يتمكن من نكاح فعليه الاستعفاف حتى يمكنه الله ويغنيه من فضله ولو حل تمتع لبطل هذا الأمر. وآية وليستعفف نص قاطع محكم في تحريم المتعة تحريم ابد. ومجتهد الشيعة الذي تفلسف في توجيه هواه ومذهبه قد نسي ومر على آية في القرآن الكريم واعرض عنها. وكأين من آية في القرآن الكريم وسنن امة النبي الحكيم يمرون عليها وهم عنها معرضون. هذه الآية تهدي من لا يجد نكاحا الى الاستعفاف حتى يغنيه الله لا الى التمتع ولا الى الاستئجار لا يتمتع ولا يمتع لا يستأجر ولا يؤجر إلا مذهب الشيعة لا دين الكتاب الكريم ولا أهل بيت النبي الحكيم ثم ان كان جملة وما استمتعتم في حل المتعة ولا يقوله إلا باقل أو اعجمي جاهل فأين كان الله الذي لا ينسى واين كان قوله فليستعفف هل نسيه أو نسخه وجملة شرطية نزلت تفريعا في تفصيل آيات النكاح هل تنسخ آية فيها تأكيد حرمة النكاح وتقديسه بإيجاب الانتظار الى اغناء الله وأي معنى لقوله لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله لو حل تمتع بكف من بر أو بعدهم واي حاجة الى الاستعفاف لو حل المتعة بوجه من الوجوه فوجوب الاستعفاف عند العجز عن النكاح يناقض حل التمتع بينهما مناقضة منطقية ومراقبة عروضية والله ارشد كل فقير الى النكاح بقوله وانكحوا الأيامى ثم اوجب على نفسه اغناء الفقير في دوام العقد والزيجة ولو جاز تمتع الشيعة لم يبق لهذه الآية شأن ولما كان لذكر آية الاستعفاف بعدها من مناسبة اعجازية أو ادبية تعالى :

كتاب الله وهو اجل قدرا

من الاخبار عنه بالتعالي

قال : ومن كان الخاطب بآية اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله وقد نزلت قبل هذه الغزوات بمدة. وهل يمكن ان يوجد جزع اشد وأذم من جزع مجاهد يقول ألا نختصي وهو يحفظ أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وهل يمكن ان يكون صحابة أفضل نبي اوهن واوقح في جنب الله عند نبيه من اصحابه أي نبي كان وقد كانوا :

رهبان ليل يذكرون كلامه

آساد غاب في الوغى ينهار

ثم تمضي عليهم سنون لا يجس في قلب احد منهم واجس تمتع ولا داعية ميل الى زوجة. ومثل ابن مسعود في ورعه ودينه اذا اعتقد حرمة زنا وقال ألا نختصي لا

يمكن ان يعتدي على القرآن يضرب بعض الآيات ببعضها يبتذل في سبيل سبقه آية لا تحرموا طيبات ما أحل لكم ولا تعتدوا ، واي فرق بين هذا الاعتداء وبين قول خليع يستحل زنا بغادة جميلة ويقول لا تحرموا واقل صحابي (ولا أقل بين الصحابة) اجل من ان يبتذل آية مثل هذا الابتذال فكيف ابن مسعود وهو احفظ الصحابة واقرأهم بلا استثناء واعلم من اكثرهم واشبههم أدبا وهديا بالنبي صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

(ونقول) (أولا) انه لم يرو ذلك الامام الطحاوي وحده بل رواه قبل الطحاوي اصحاب الصحاح وغيرهم. الامام البخاري. والامام مسلم. والامام احمد بن حنبل والنسائي وابن ماجة وغيرهم وهم الذين قال عنهم فيما يأتي عند ذكر متون الاحاديث انهم ائمة الأمة وان لهم رواية محيطة ودراية نافذة واسعة وانهم نقدوا الاحاديث نقد الصيارفة خالص النقود من زيوفها وانه ما فاتهم شيء من سنن النبي واحاديثه وانه لم يبق في احاديث الأمة زيف أو دخيل وهنا يقول هذا كلام لفقته ألسنة الرواة من كلمات جرت في مجالس متفرقة على حوادث مختلفة وهل هذا الا قدح في نقد هؤلاء الأئمة للأحاديث بأنه اختلط عليهم الأمر فجمعوا كلاما لفقته ألسنة الرواة من كلمات جرت في مجالس متفرقة على حوادث مختلفة لم يميزوا بينها فلفقوها وجمعوها وهل هذا إلا تناقض ظاهر وكم له في كلامه امثال.

(ثانيا) لا أقبح ولا ابرد ولا اسخف من هذا العذر الذي اعتذره عن ترخيص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم في النكاح بالثوب الى اجل بانه ترخيص في الزنا لكونه اخف حرمة من الاختصاء فإنه لا يصدر ممن عنده ذرة من معرفة مع انه مناقض لما وصفهم به من انها تمضي عليهم سنون لا يجس في قلب احد منهم واجس تمتع ولا داعية ميل الى زوجة ولما وصف به ابن مسعود من الورع والدين فمن تكون هذه صفتهم هل يتفوه من عنده ذرة من علم او عقل بأنهم يقدمون على الزنا ثم يزيد بأن النبي (ص) رخص لهم فيه لأنه اخف حرمة من الاختصاء هل يمكن ان يتكلم بمثل هذا مفلت من دبر هرقل ومناقض أيضا لأمر الله لهم بالصبر والمصابرة ولكن التناقض في كلامه لا شيء أرخص منه وأي حكمة في ذلك يمكن اسنادها الى النبي (ص) وهم لم يريدوا بقولهم ألا نختصي حقيقة وإنما أرادوا اظهار زيادة المشقة أي ما ذا نصنع أنختصي فلم

يبق بيدنا شيء نفعله إلا الاختصاء كما يقول المتضجر ما ذا افعل أأقتل نفسي؟ فلا اضطرار هنا الى احد الأمرين يبيح الأخف ضررا منهما كانقاذ الاجنبية من الغرق المستلزم مس بدنها كما هو واضح.

(ثالثا) زعمه ان ابن مسعود وغيره لم يغيب عن أهله غيبة طويلة في عهد الرسالة تضطره للاختصاء هو رد للآثار الثابتة بالاستبعادات والتأويلات الخارجة عن مداليل الألفاظ ولو جاز التعويل عليها لم يسلم لنا حديث فكل يؤل على مشتهاه ان الاختصاء لم ترد حقيقته كما عرفت وهل كان مع الصحابة فعرف سرهم وعلانيتهم وظاهر احوالهم وباطنها على ان عوامل الطبيعة في مثل ذلك كما تكون مع الغيبة الطويلة تكون مع القصيرة امثال الشهر والشهرين والأقل وطبائع الأشخاص في ذلك مختلفة مع ان هذه الدعوى لو صحت لأبطلت عذره المتقدم من ان جواب النبي كان على اسلوب حكيم «الخ» ، كما لا يخفى.

(رابعا) احكام الشريعة كانت تنزل تدريجا فيجوز ان يكون حلية المتعة شرعت يومئذ وبذلك يبطل زعمه ان قوله ألا نختصي يدل على ان حرمة التمتع كانت معلومة على انه قد قال فيما مر : كانت في عهد الرسالة تثبت سنة وتخفي على جماعة من الصحابة كثيرة وان ابن عباس قد خفي عليه سنن في ابواب الربا والصرف مع ما قيل عنه ان عنده ثلثي علم رسول الله (ص) فلابن مسعود اسوة به فصح على مقتضى قوله ان يكون التمتع مشروعا وخفي عن جماعة كثيرة من الصحابة ولا ينافي ذلك ما وصف به ابن مسعود من صفات التعظيم.

(خامسا) ان صح ان اطول الغزوات كانت بعد نزول آية وليستعفف لم يمنع ذلك ان يشكو ابن مسعود الى الرسول (ص) مشقة العزوبة ويقول ألا نختصي والأمر الطبيعي لا يتنافي مع القيام بأدب الدين واطاعة أوامر الكتاب ولا يرتبط بذلك ويمكن حصوله في المدة الطويلة والقصيرة ولا يرفعه الأدب ولا الخروج للجهاد في سبيل الله بل هو امر قهري من لوازم الطبيعة يحصل للمجاهدين والقاعدين والمتأدبين والقليلي الأدب والمطيعين لأوامر الكتاب والعاصين لها. فقول ابن مسعود أو غيره للرسول (ص) ألا نختصي ليس عصيانا لقوله تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ) ولا خروجا عن أدب الدين بل هو شكاية الى الرسول (ص) كما يدل عليه ما في رواية اخرى : شكونا الى رسول الله العزبة ومن عادة الاتباع ان يشكوا الى متبوعهم كل ما ينوبهم

خصوصا من هو احنى عليهم من الأب الشفيق وهم ـ كما مر ـ لم يريدوا حقيقة الاختصاء بل اظهار زيادة المشقة والضجر فأرشدهم الى المتعة واباحها لهم عن الله تعالى فكانت شكايتهم سببا لحصول الفرج لهم. واذا كان ابن مسعود يعلم ان امد الاغناء يمكن ان يمتد الى سنين كان ذلك ادعى الى ان يشتكي الى الرسول العزبة وابن مسعود لم يعلم بحلية المتعة قبل ذلك الوقت فبطل قوله هل كان افقر من ان يكون له كف من بر وآية وليستعفف لا دلالة لها على تحريم المتعة بشيء من الدلالات ولذلك لم يذكرها احد في ادلته قبل هذا الرجل مع تشبثهم في ذلك بكل رطب ويابس اللهم الا ان يكون وقع ذلك من احد امثاله فهذا التكرار والتطويل والتهويش والتهويل بدون برهان ولا دليل لا يغني من فتيل وإن دلت على وجوب الاستعفاف عن الزنا من الذين لا يقدرون على التزوج لفقرهم حتى يغنيهم الله من فضله فيتمكنون من مهر الزوجة ونفقتها والمهر في كل من النكاح الدائم والمنقطع يجوز ان يكون كفا من بر أو درهما أو تعليم سورة أو قنطارا من ذهب وقد اجمع المسلمون كافة على ان كل ما يتمول يصح ان يكون مهرا في الدائم بل يصح بدون مهر اصلا كما نطق به القرآن الكريم ويكون لها مع الدخول مهر المثل وقد صرح الخليفة الثاني كما نقله هو فيما مر بأن كفا من بر يصح ان يكون مهرا في النكاح الدائم واعترف هو أيضا فيما مر بأن أقوال الشيخين حجة كأقوال الرسول (ص) كما اجمع كل من قال بنكاح المتعة ان كل ما يتمول يصح ان يكون مهرا قل أو كثر ككف من بر أو درهم أو تعليم سورة أو قنطار من ذهب. وكما يمكن ان لا يقدر المرء على النكاح الدائم لفقره مع غلاء المهر وكثرة النفقة يمكن ان لا يقدر على المنقطع لعدم رضا المرأة بمهر قليل أو عدم رضاها بالمنقطع اصلا ولو بمهر كثير أو عدم تمكنه ولو من القليل كدرهم أو درهمين أو عدم رضاها بالمنقطع اصلا ولو بمهر كثير فيدخل تحت قوله لا يجدون نكاحا. وكما يمكن ان ترضى في المنقطع بمهر قليل ككف من بر أو درهم أو تعليم سورة يمكن ان ترضى بذلك في الدائم أو بغير مهر ويصح النكاح وان تكون غنية فلا تكلف الزوج النفقة فبان ان النكاح الدائم والمنقطع يشتركان في جوازهما بكل مهر وان قل جدا او كثر جدا وفي إمكان عدم القدرة على النكاح لفقد المهر قل أو كثر ولو سلم ورود الآية في الدائم لأنه الغالب لم يكن فيها دلالة على حل المتعة ولا حرمتها لأنها انما تدل على

وجوب الاستعفاف بترك الزنا عند عدم التمكن من الدائم أما ان الزنا ما هو وبأي شيء يحصل واي نكاح صحيح وأي نكاح باطل فلا دلالة لها عليه فاذا كان نكاح المتعة مباحا مع قطع النظر عن هذه الآية بما دل عليه لم يكن فعلها منافيا للاستعفاف ولا هذه الآية منافية لحليتها. فظهر بما ذكرناه ان ما يتفق به بقوله ان هذه الآية نص قاطع محكم «الخ» عار عن التحصيل وان الآية لا ربط لها بما ذكره بوجه من الوجوه وان قوله لما كان لهذه الآية الجليلة ولا لجملها الخمس معنى ليس له معنى وان جملها الخمس لا ترتبط بحلية المتعة ولا بحرمتها اصلا وان هذا الذي تفلسف به في معنى الآية لتوجيه هواه ومذهبه يدخله في عموم وكأين كل آية في القرآن الكريم وسنن امة النبي الحكيم يمرون عليها وهم عنها معرضون ولها تاركون وتعبيره عن المتعة بالاستئجار والايجار كما مر منه مرارا ما هو إلا هذر من القول لا يثبت حقا ولا ينفي باطلا كما علم بما اقمناه من الأدلة على شرعية المتعة وعدم نسخها انها من دين الكتاب الكريم وسنة النبي الحكيم ومذهب كثير من الصحابة واهل البيت عامة وان دعاواه هذه المجردة لا قيمة لها كما ظهر ان انكار كون فما استمتعتم في حل المتعة لا يقع من باقل ولا اعجمي جاهل فأين كان الله الذي لا ينسى حتى يكرر حكم النكاح الدائم الذي ذكره في أول السورة بقوله فانكحوا ما طاب لكم وحكم المهر المذكور بقوله وآتوا النساء صدقاتهم فيعيده مرة ثانية بقوله فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فهل نسيه واين كان الله تعالى الذي اوجب المهر في الدائم بمجرد العقد هل نسيه أو نسخة فأوجبه بالاستمتاع لا بالعقد. وجملة شرطية نزلت تفريعا في حكم المتعة التي دخلت في آيات النكاح كما مر عند الكلام على تلك الجملة الشرطية لا تنافي آية وليستعفف التي فيها تأكيد حرمة النكاح وتقديسه حتى تكون ناسخة لها كما بيناه وأي معنى لقوله لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله اذا حل نكاح دائم بكف من بر أو بدرهم كما اجمع عليه المسلمون وحكاه هو عن الخليفة الثاني واي حاجة الى الاستعفاف اذا حل هذا فما يكون جوابه فهو جوابنا والجواب يعلم مما مر عند بيان معنى آية الاستعفاف فظهر ان وجوب الاستعفاف عند العجز عن النكاح وحل المتعة ليس بينها مناقضة منطقية ولا مراقبة عروضية مما تفاصح به عند من ينصف ويفهم مناحي الكلام واذا كان الله تعالى حث على النكاح ونهى عن ان يكون الفقر مانعا منه

ووعد بإغناء الفقير اذا تزوج وامر من لم يقدر على النكاح ان يتعفف عن الزنا فما ربط ذلك بحلية المتعة وحرمتها فاذا قال تعالى من تزوج فقيرا يغنه الله من فضله ويجوز النكاح الى اجل ومن لم يجد نكاحا لفقره فليستعفف حتى يغنيه الله من فضله أي منافاة بينها تنافي الاعجاب والأدب بعد الاجماع على جواز كون المهر في الدائم والمتعة من حفنة بر الى قنطار ذهب.

كتاب الله وهو اجل قدرا

تعالى عن اباطيل الرجال

ويلزم على رأيه ان لا يشتكي المجاهدون جوعهم الى رسول الله (ص) اذا جاعوا ولا عطشهم اذا عطشوا ولا شيئا مما يصيبهم لأن ذلك ينافي امرهم بالصبر والمصابرة فالصبر على الشدة مع امكان التخلص منها هو صبر بلادة لا صبر شرف واجر. وتهويله بأنه هل يمكن ان يوجد جزع أشد من جزع مجاهد يقول ألا نختصي وهو يحفظ آية أم حسبتم ان تدخلوا الجنة وهل يمكن ان يكون صحابة افضل نبي «الخ» بتلك العبارة المعقدة. تهويل بارد. المجاهد يطلب منه الثبات في الحرب وعدم الفرار وعدم الجزع والخوف ولا يطلب منه اذا حصل له امر طبيعي ان يشكوه الى نبيه الذي يمكن ان يبيح له ما يرفعه سواء أكان من صحابة افضل نبي أم لا واي ربط لأفضلية النبي وعدمها بالمقام ولم يكن في المقام جزع ولا هلع واذا كانوا رهبان ليل في عبادة الله بالصلاة والدعاء والتلاوة لم يلزم ان يكونوا رهبان نصارى لا رهبانية في الاسلام. ولم تسلب منهم شهوة النكاح وقد ورد تعلموا من الديك خمس خصال وعدّ منها كثرة الطروقة وحبب إليه (ص) من الدنيا ثلاث اولها النساء ومات عن تسع نسوة وتسمية ذلك وهنا ووقاحة من الوهن والوقاحة لما عرفت. وقوله مضت عليهم سنون «الخ» من جملة عباراته الفارغة. قوله لا يجس في قلب احدهم واجس تمنع تكذيب للأحاديث النبوية. وقوله ولا داعية زوجة نسبة لهم الى مخالفة السنة ان اراد انهم لم يتزوجوا ويكذبه المعلوم من حالهم ان اراد عدم ميلهم للنساء وعلى ذكر البيت الذي انشده جرى على اللسان هذان البيتان :

حب النساء شريعة مسنونة

مأخوذة عن احمد المختار

ما كان في شرع النبي ترهب

من عابد أو فارس كرار

(سادسا) مثل ابن مسعود في ورعه ودينه اذا كان يرى ويروي حلية المتعة

ويروي ذلك ائمة الأمة مثل البخاري ومسلم وامثالهما الذين قال هو فيهم فيما يأتي انهم نقدوا الأحاديث نقد الصيارفة ولم يبق في كتب الأمة زيف أو دخيل ويستشهد بعده بآية لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم وجب قبول قوله واتباعه ولم يجز رد روايته وحقا انه اذا اعتقد حرمة الزنا واستباح المتعة ـ كما حكاه عن نفسه ـ فلا بد ان يكون استباحها بنص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يمكن ان يعتدي على القرآن يضرب بعض الروايات ببعضها وانما تلا آية لا تحرموا مستشهدا بها لما سمعه وثبت عنده من احلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الله تعالى للمتعة ورادا بذلك على من حرمها ولا يمكن ان يبتذل في سبيل قضاء شهواته آية لا تحرموا ولا ان يعتدي فما ذكره أدل على خلاف مراده. ومثل هذا الذي وقع من ابن مسعود في علمه ودينه وادبه مثل من تزوج بحسناء وقال لا تحرموا. اما الاعتداء وابتذال السنة والآيات في سبيل تأييد هوى النفس فهو ما فعله هذا الرجل في صرف الروايات والآيات عن موردها بغير دليل ولا موجب سوى شهوة النفس وابن مسعود لا يمكن ان يبتذل آية من كتاب الله ولكن عد هذا الرجل الاستشهاد بالآية الكريمة على ما تدل وتنطبق عليه ابتذالا لها هو عين الابتذال للحق والصواب والاخلال بواجب الآداب. ولم يفهم لقوله ـ ولا أقل بين الصحابة ـ معنى فهل يرى ان الصحابة كلهم في درة واحدة فمروان بن الحكيم والوليد بن عقبة والمغيرة بن شعبة وبسر بن ارطاة واضرابهم في درجة الخلفاء الرادين لا يقلون عنهم في شيء.

فظهر ان قوله ان هذا الكلام كان ملفقا كلام ملفق مزوق بعيد عن الحقيقة والحق.

الروايات المدعي فيها النسخ

مسلم في صحيحه بسنده عن سلمة بن الأكوع : رخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها.

روايات سبرة بن معبد الجهني

مسلم في صحيحه بسنده عن الربيع بن سبرة ان اباه غزا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتح مكة قال فأقمنا خمس عشرة ثلاثين بين يوم وليلة فأذن لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في متعة

النساء فخرجت أنا ورجل من قومي ولي عليه فضل في الجمال وهو اقرب من دمامة مع كل واحد منا برد فبردي خلق واما برد ابن عمي فبرد جديد غض حتى اذا كنا بأسفل مكة أو باعلاها فتلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة فقلنا لها هل لك ان يستمتع منك احدنا قالت وما ذا تبذلان فنشر كل واحد منا برده فجعلت تنظر الى الرجلين ويراها صاحبي ينظر الى عطفها فقال ان برد هذا خلق وبردي جديد غض فتقول برد هذا لا بأس به ثلاث مرات أو مرتين ثم استمتعت منها فلم اخرج حتى حرمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة بن معبد عن ابيه ان نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام فتح مكة امر اصحابه بالتمتع من النساء فخرجت انا وصاحب لي من بني سليم حتى وجدنا جارية من بني عامر وكأنها بكرة عيطاء فخطبناها الى انفسنا وعرضنا عليها بردينا فجعلت تنظر فتراني اجمل من صاحبي وترى برد صاحبي احسن من بردي فأمرت نفسها ساعة ثم اختارتني على صاحبي فكن معنا ثلاثا ثم امر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفراقهن.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة عن ابيه ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى يوم الفتح عن متعة النساء.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة الجهني عن ابيه انه اخبره ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن المتعة زمان الفتح متعة النساء وان اباه كان قد تمتع ببردين احمرين.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة الجهني عن ابيه : امرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم يخرج حتى نهانا عنها.

(وبسنده) عن سبرة الجهني ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن المتعة وقال انها حرام من يومكم هذا الى يوم القيامة ومن كان اعطى شيئا فلا يأخذه.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة الجهني عن ابيه انه قال اذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمتعة فانطلقت انا ورجل الى امرأة من بني عامر فعرضنا عليها انفسنا فقالت ما تعطيني فقلت ردائي وقال صاحبي ردائي وكان رداء صاحبي اجود من ردائي وكنت اشب منه فاذا نظرت الى رداء صاحبي اعجبها واذا نظرت إليّ اعجبتها ثم قالت انت ورداؤك تكفيني فكنت معها ثلاثا ثم ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال من كان عنده من هذه النساء اللاتي يتمتع بهن فليخل سبيلها.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة الجهني ان اباه قال قد كنت استمتعت في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امرأة من بني عامر ببردين احمرين ثم نهانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المتعة.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة الجهني ان اباه حدثه انه كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال يا أيها الناس إني كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وان الله قد حرم ذلك الى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة عن ابيه ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن نكاح المتعة.

الامام احمد بن حنبل في مسنده فيما اخرجه من حديث سبرة بن معبد بسنده عن الربيع بن سبرة الجهني عن ابيه : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الفتح فأقمنا خمس عشرة من بين ليلة ويوم فاذن لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المتعة وخرجت انا وابن عم لي في اسفل مكة أو قال في اعلى مكة فلقينا فتاة من بني عامر بن صعصعة كأنها البكرة العنطنطة وأنا قريب من الدمامة وعليّ برد جديد غض وعلى ابن عمي برد خلق فقلنا لها هل لك في ان يستمتع منك احدنا قالت وهل يصلح ذلك قلنا نعم فجعلت تنظر الى ابن عمي فقلت لها ان بردي هذا جديد وبرد ابن عمي هذا خلق مح قالت برد ابن عمك هذا لا بأس به فأستمتع منها فلم نخرج من مكة حتى حرمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(وبسنده) عن ربيع بن سبرة عن ابيه ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن متعة النساء يوم الفتح.

(وبسنده) عن ربيع بن سبرة : سمعت ابي يقول سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع ينهي عن نكاح المتعة.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة عن ابيه : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة في حجة الوداع الى ان قال فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبين الصفا والمروة ثم امرنا بمتعة النساء فرجعنا إليه فقلنا يا رسول الله انهن قد ابين الا الى اجل مسمى قال فافعلوا فخرجت انا وصاحب لي عليّ برد وعليه برد فدخلنا على امرأة فعرضنا عليها انفسنا فجعلت تنظر الى برد صاحبي فتراه اجود من بردي وتنظر إليّ فتراني اشب منه فقالت برد مكان برد واختارتني فتزوجتها عشرا ببردي فبت معها تلك الليلة فلما اصبحت غدوت الى المسجد فسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على المنبر يخطب يقول من

كان منكم تزوج امرأة الى اجل فليعطها ما سمي لها ولا يسترجع مما اعطاها شيئا وليفارقها فإن الله قد حرمها عليكم الى يوم القيامة.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة عن ابيه : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المتعة.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة عن ابيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه امرهم بالمتعة قال فخطبت انا ورجل امرأة فلقيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ثلاث فاذا هو يحرمها اشد التحريم ويقول فيها اشد القول وينهي عنها اشد النهي.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة عن ابيه سبرة الجهني اذن لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المتعة فانطلقت انا ورجل هو اكبر مني سنا من اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلقينا فتاة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء فعرضنا عليها انفسنا فقالت ما تبذلان قال كل واحد منا ردائي وكان رداء صاحب أجود من ردائي وكنت أشب منه فجعلت تنظر الى رداء صاحبي ثم قالت انت ورداؤك تكفيني فأقمت معها ثلاثا ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كان عنده من النساء التي تمتع بهن شيء فليخل سبيلها ففارقتها.

(وبسنده) عن الربيع بن سبرة الجهني عن ابيه خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلما قضينا عمرتنا قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استمتعوا من هذه النساء والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج فعرضنا ذلك على النساء فأبين إلا ان نضرب بيننا وبينهن اجلا فذكرنا ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال افعلوا فانطلقت انا وابن عم لي ومعه بردة ومعي بردة وبردته اجود من بردتي وانا اشب منه فأتينا امرأة فعرضنا ذلك عليها فأعجبها شبابي واعجبها برد ابن عمي فقالت برد كبرد فتزوجتها فكان الأجل بيني وبينها عشرا فبقيت عندها تلك الليلة ثم اصبحت غاديا الى المسجد فاذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الباب والحجر يخطب الناس يقول ألا أيها الناس قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء إلا وان الله تبارك وتعالى قد حرم ذلك الى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.

ابن ماجة القزويني في سننه بسنده عن الربيع بن سبرة عن ابيه : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع فقالوا يا رسول الله ان العزوبة قد اشتدت علينا قال فاستمتعوا من هذه النساء فأتيناهن فأبين ان ينكحننا الى ان نجعل بيننا وبينهن اجلا فذكروا ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال اجعلوا بينكم وبينهن اجلا فخرجت انا وابن عم لي معه

برد ومعي برد وبرده اجود من بردي وانا اشب منه فأتينا على امرأة فقالت برد كبرد فتزوجتها فمكثت عندها تلك الليلة ثم غدوت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائم بين الركن والباب وهو يقول ايها الناس اني قد كنت اذنت لكم في الاستمتاع الا وان الله قد حرمها الى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما اتيتموهن شيئا.

هذه هي روايات سبرة التي اخرجها مسلم وابن حنبل وابن ماجة نقلناها كلها ليتضح ما في دعاواه وآرائه من الفساد وهو قد اشار إليها ص ١٣٣ مستدلا بها على التحريم المؤبد فقال وقد روى الامام احمد والامام مسلم عن سبرة الجهني التحريم المؤبد من يوم الفتح الى يوم القيامة ا ه.

(ونقول) أولا انها كما دلت على التحريم المؤبد يوم الفتح دلت على الاباحة يوم الفتح وعلى الاباحة في حجة الوداع وبه تبطل دعواه السابقة انها لم تكن مباحة في شرع الاسلام اصلا وانها من بقايا احكام الجاهلية ومبالغة في ذلك واطالة لسانه بسوء القول فكيف عرف دلالتها على التحريم وعمى عن دلالتها على الاباحة؟

(ثانيا) انها لا تصلح دليلا لما زعمه من التحريم المؤبد من وجوه.

(الأول) انها مع تسليم سندها معارضة بما مر من الروايات عن جابر وعمران ابن الحصين وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وسلمة بن الأكوع وغيرهم وتلك ارجح لكثرة رواتها وروايات سبرة انما رواها الربيع بن سبرة عن ابيه فهي بمنزلة رواية واحدة مع تأكيد تلك بالاستشهاد بآية تحريم الطيبات والتصريح ببقاء الاباحة الى خلافة الشيخين حتى نهى عنها عمر وتأكيد ابن عمر ذلك بالحلف بأنهم لم يكونوا على عهد الرسالة زانين ولا مسافحين وتصريح عمران ابن الحصين بنزول آية المتعة والعمل بها وعدم نسخها وعدم نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها طول حياته وان الذي حرمها قال ذلك برأيه

(الثاني) انها مختلفة في تاريخ الاباحة والنسخ ففي بعضها من روايات مسلم وابن حنبل انهما كانا يوم الفتح وفي بعضها من روايات ابن حنبل وابن ماجة انهما كانا في حجة الوداع. وفي بعضها من روايتهما لم يعين الوقت وإذا ضممنا الى ذلك ما ورد في اباحتها وتحريمها يوم خيبر وعمرة القضاء وحنين واوطاس وتبوك وتكون قد ابيحت ونسخت سبع مرات كما تقدم مفصلا في اوّل البحث عند

الكلام على قوله ان المتعة من غرائب الشريعة وكما فصلناه في الحصون المنيعة.

(الثالث) ان مضامينها متنافية متناقضة مع كونها حكاية لواقعة واحدة مع شخص واحد فرواية سبرة الأولى التي فيها التحريم يوم الفتح فيها تناقض بين روايتي مسلم وابن حنبل فمسلم روى ان سبرة كان جميلا وبرده خلق وصاحبه من قومه كان قريبا من الدمامة وبرده جيد وان الذي تمتع بها هو سبرة دون صاحبه واحمد روى ان القريب من الدمامة هو سبرة وبرده جيد غض وبرد ابن عمه خلق وان الذي استمتع بها هو ابن عمه لا هو ورواية سبرة الأولى في صحيح مسلم ومسند أحمد ظاهرها ان الأذن كان بعد خمسة عشر يوما من دخول مكة. وروايتا مسلم واحمد الأخريان ظاهرهما ان الترخيص كان حين دخول مكة لقوله حين دخلنا مكة فلما قدمنا مكة طفنا ثم امرنا بمتعة النساء وروايتا مسلم واحمد الأولتان دلتا على ان سبرة خرج مع رجل من قومه ابن عم له ورواية مسلم الثانية على انه خرج مع صاحب له من بني سليم وسبرة من جهينة وجهينة ابو بطن من قضاعة ابن معد بن عدنان. وبنو سليم بطن من مضر بن نزاد بن معد بن عدنان وهو سليم بن منصور وبنو سليم بن فهم أيضا فرقة من الأشاقر وهم بطن من دوس ودوس فرقة من غسان وغسان بطن من قحطان وجميع العرب الموجودين يرجعون الى عدنان وقحطان وقضاعة كما في عيون المسائل فلا يتوهمن متوهم ان بني سليم من جهينة. وروايتان من روايات مسلم دلتا على ان سبرة تمتع بامرأة من بني عامر ببرد واحد ورواية ثالثة لمسلم على انه استمتع بامرأة من بني عامر ببردين احمرين فكم مرة تمتع سبرة يوم فتح مكة مع ان في الروايات ما يدل على ان ذلك كله حكاية لواقعة واحدة صدرت معه يوم الفتح فإن راوي هذه الروايات كلها عنه شخص واحد وهو ابنه الربيع بن سبرة وهي متحدة في اكثر الخصوصيات مثل خروجه مع رجل وعرضهما انفسهما على المرأة ورفيقه دميم اكبر منه سنا وهو جميل شاب وتردد المرأة بينهما لذلك واختيارها الشاب وكونها من بني عامر وكونها مثل البكرة العنطنطة أو العيطاء التي بمعناها فكيف تتفق معه كل هذه الخصوصيات كل مرة ومع ذلك فمرة كان هذا يوم الفتح ومرة في حجة الوداع ومرة كان هو الشاب الجميل الذي برده رديء فاختارته المرأة ومرة بالعكس كل هذا مما يدل على ان هذه الروايات موضوعة مضافا الى امور اخرى ذكرناها في الحصون المنيعة لبطلان هذه الروايات.

زعمه الاجماع على تحريم المتعة من الصحابة والامة

في ص ١٢٧ : اجمعت الشيعة على ان عمر نهى عن متعة النساء على ملأ من الصحابة والامام علي وشيعته عنده وسيفه بيده حاضر ولم ينكر ذلك على عمر منكر فهذا اجماع على ثبوت النهي وعلى ثبوت النسخ. والمجلس كان مجلس استشارة ولم يكن احد يسكت فيه خوفا أو وهما ولم يكن من دأب علي ان يسكت في مثل هذه الساعة على مثل هذه المسألة وفي السكوت هدم لحكم جليل من احكام الدين هو شعار له وشارة. ودعوى التقية بعد كل هذه شأن ذليل متهور يهرأ ويهزأ ويتفل على وجه الحق ثم ينجو بالسوأة وابن عباس كان قد اشتهر عنه القول بالمتعة حتى جرت مجرى الامثال وكان يقول بالمتعة جماعة من الصحابة وعن جابر انهم كانوا متمتعون من النساء حتى نهاهم عنها عمر ثم امتنعوا والنهي زمان عمر كان باجماع من الصحابة فيهم علي والاجماع اجماع على ثبوت نهي الشارع وعلى ثبوت النسخ من الشارع ثم قد اجمعت الامة على منع المتعة والامتناع عنها. وقد كانت في عهد الرسالة تثبت سنة وتخفى على جملة من الصحابة كثيرة وعلمها عند واحد أو جماعة ويرى صحابي رأيا من عند نفسه يخالفها أو لا يخالفها وابن عباس قد خفي عليه سنة في ابواب الربا والصرف كما خفي عليه وعلى جماعة من الصحابة تحريم المتعة حتى اجمعت شورى الصحابة عند عمر وعلي على ان الشارع حرمها تحريم الأبد وهذا معنى قول جابر انهم كانوا يتمتعون حتى نهاهم عمر.

وفي ص ١٣٣ قال ابن المنذر جاء من الأوائل الترخيص في المتعة ولا اعلم اليوم من يجيزها إلا بعض الشيعة وقال عياض ثم وقع الاجماع على تحريمها. وتمتع جماعة من صحابي أو تابعي ليس بحجة ثم خلاف جماعة لم يبلغها حديث التحريم أو بلغها وعملت على خلافه لا يقدح اصلا وابدا في الحجة اذ قد صح عند الامة حديث التحريم المؤبد بإجماع في شورى الصحابة حيث ان جابرا يقول ان من لم يبلغه النسخ كان يتمتع يعتقد ان الأمر باق على ما كان حتى ثبت النسخ والتحريم المؤبد في شورى الصحابة زمن عمر ووافقته الأمة.

وفي ص ١٣٥ ثبت عند أهل العلم وائمة الاجتهاد وائمة المذاهب تحريم المتعة بوجوه وذكر منها اجماع الأمة على التحريم بعد ما تقرر النهي والنسخ في شورى

الصحابة زمن عمر وكان علي حاضرا بالمجلس وقد ثبت باجماع الشيعة وأهل السنة والجماعة وبرواية زيد بن زين العابدين ومحمد بن الحنفية عن امام الأئمة وامير المؤمنين علي (ع) تحريم المتعة تحريم ابدا ، الرواية ثابتة قطعا ودعوى التقية ساقطة بالضرورة فالاجماع قطعي.

وفي ص ١٢٦ روى الامام مالك والزهري عن ائمة أهل البيت عن علي امير المؤمنين (ع) ان النبي نهى يوم خيبر عن نكاح المتعة. روى الامام الشافعي عن ابن عيينة عن الزهري عن الحسن (١) عن ابيه الباقر محمد بن علي عن علي بن أبي طالب ان النبي حرم نكاح المتعة يوم خيبر. روى محمد بن الحنفية بن أبيه علي بن أبي طالب ان منادي رسول الله نادى يوم خيبر ألا ان الله ورسول الله ينهاكم عن المتعة. والامام الطحاوي في معاني الآثار روى بسند ثابت ان عليا قال لابن عباس انك رجل تائه ألم تعلم ان رسول الله نهى عن متعة النساء وروى عن عبد الله بن عمر : والله لقد علم ابن عباس ان رسول الله حرمها يوم خيبر وروت كتب الشيعة بالسند عن زيد بن زين العابدين علي عن آبائه عن علي بن ابي طالب (ع) أن النبي حرم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة والشيعة لا تنكر هذه الرواية وان قالت انها وردت مورد التقية ودعوى التقية بعد ثبوت الرواية هراء وهواء وطعن على دين الامام.

وفي ص ١٤١ ثبت بسند اجمع عليه الشيعة والأمة ان شورى الصحابة وركنها الأعظم علي (ع) قررت وأقرت على تحريم المتعة تحريم الأبد زمن النبي.

وفي ص ١٤٧ بعد ما ذكر حيث ـ قيل لعمر يعيب عليك الناس ـ المتقدم قال وبه ـ أي بهذا الحديث ـ يرتد عن دينه ما ابتهرته الشيعة على لسان الامام علي انه كان يقول لو لا نهيه عن المتعة ما زنى إلا شقي أو إلّا شقا ـ قليل ـ فذلك القول من عمر رد لهذا القول الذي وضعته الشيعة على لسان علي (الى ان قال) فلو كان علي صار يقول هذا القول بعد زمن الفاروق لكان اذل الناس.

وفي ص ١٤٩ العرب قبل الاسلام كانت لها انكحة دامت حتى صارت عادة ابطلها الاسلام ومنها المتعة فدامت في صدر الاسلام حتى تقرر في شورى الصحابة

__________________

(١) هكذا في النسخة ولعل في العبارة سقطا ـ المؤلف ـ.

زمن عمر ثبوت النهي والنسخ وتحريم الأبد فنهى عنها عمر فأشيع اشاعة غرض أو غفلة ان الناهي انما هو عمر فبقي الاختلاف زمن التابعين حتى رجع الأكثر الى ما كان يراه عمر فأجمعت الأمة بعده على التحريم إلا الشيعة ولم يكن بيدها من دليل الا ارغام بمجرد ولم يوجد لها من زخرفة إلا انها شارة لأهل البيت وشعار للائمة.

(ونقول) كلامه هذا كسائر كلماته قد اشتمل على امور هي عبارة عن دعاو مجردة عن دليل ومماحكات وتمحلات وتناقضات ومصادمات للبديهة ومخالفات لإجماع المسلمين ودعوى للاجماع في محل الخلاف وللقطع في موضع القطع بالعدم وغيرها من هذا النسخ فلنتكلم على كل واحد منها على حدة.

(الأول) زعمه اجماع الصحابة على ثبوت النهي واستدلاله بأنه وقع على ملأ منهم ولم ينكره احد وعلي حاضر فكان اجماعا. وفيه ان حضوره غير معلوم ومن الذي ذكره. ومما يضحك الثكلى قوله (وشيعته عنده وسيفه بيده) فهل كان الموقف موقف حرب وطعن وضرب واحداث فتنة في الاسلام هي اعظم مفسدة مما حصل ولعله يقصد بذلك الهزء وهو اولى به. ولو كان عند علي من شيعته من يغني عنه لنفعه قبل هذا الموقف ولم يكن عنده حمزة ولا جعفر ولا عبيدة. وسيفه ولم يكن في يده بل في غمده لا يؤذن له بالسل ولو فرض انه كان حاضرا وسكت فقد سكت فيما هو اعظم من تلك الساعة. ومن عند كلامه على التقية انه لم يكن اعظم من موسى كليم الله حين قال ففررت منكم لما خفتكم. ولا من هارون لما قال ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني. ولا من لوط اذ قال لو ان لي بكم قوة ولا من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقد فر من قومه لما تعاقدوا على قتله الى الغار فاختفى فيه ثلاثا ثم الى المدينة مستخفيا. على ان دعوى عدم انكاره كذب وافتراء فقد قال لو لا ما تقدم به فلان ما زنى إلا شفا أو ما هذا معناه وهذا غاية ما يمكنه من الانكار واما زعمه ان الشيعة ابتهرته ووضعته على لسان علي يكذبه انه انما رواه عن علي علماء غير الشيعة ممن تسموا بأهل السنة فالابتهار ليس إلا من هذا الرجل الذي لا يبالي ما يقول وبذلك يرتد عن دينه ما ابتهره (١) على الشيعة غير هياب ولا مبال من انها وضعته على لسان

__________________

(١) تبعنا لفظه في هذه الجملة مع عدم ظهور صحتها عربية ـ المؤلف.

علي. ففي تفسير الطبري ج ٥ ص ٩ بسنده عن شعبة عن الحكم قال علي لو لا ان عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شفا. ومثله عن الثعلبي في تفسيره. وفي الدر المنثور في تفسير كلام الله بالمأثور للسيوطي ج ٢ ص ١٤٠ اخرج عبد الرزاق وابو داود في ناسخه وابن جرير عن الحكم قال علي لو لا ان عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شفا ومن ذلك يعلم مبلغ امانة هذا الرجل ومبلغ علمه بالأحاديث ومبلغ ادبه في قوله فلو كان علي صار يقول الخ. وما يدريه انه قاله في زمن الفاروق أو بعده. اما الروايات التي اسندت إليه روايات التحريم فهي مخالفة لما رواه عنه الأئمة من ذريته الذين هم اعرف بمذهبه من كل احد فلا يلتفت إليها. والتقية قد بينا عند الكلام عليها انها ثابتة في العقل والنقل وانها من الدين فما كلامه هذا الا هراء وهواء وطعن على دين الاسلام كما ان دعوى عدم انكار احد عليه أيضا كذب وافتراء فقد انكر عليه جماعة وأبوا عليه هذا النهي كما مر عند ذكر ثبوتها بالسنة ففي الدر المنثور للسيوطي ج ٢ ص ١٤١ قال اخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق عطاء عن ابن عباس : رحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد لو لا نهيه عنها ما احتاج الى الزنا اشفى الحديث. وفي النهاية الأثيرية عن كتاب الهروي ما لفظه في حديث ابن عباس ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو لا نهيه عنها ما احتاج الى الزنا إلا شفى أي إلا قليل من الناس. وقال الأزهري اي إلا ان يشفي أي يشرف على الزنا ولا يواقعه ا ه. النهاية وفي لسان العرب في الحديث عن عطاء سمعت ابن عباس يقول ما كانت المتعة وساق الحديث الى ان قال والله لكأني اسمع قوله إلا شفى ـ عطاء القائل ـ ودعوى رجوعه عنها باطلة مختلفة كدعوى قول علي له انك رجل تائه الخ. وابن عباس انما اخذ القول بإباحتها عن علي وابن عمر لم يكن ليقول والله لقد علم ابن عباس ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرمها فإنه قدح في ابن عباس بمخالفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عالما لا يقدم عليه ابن عمر مع ان المروي عنه انكار تحريمها. وقوله والله ما كنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زانين ولا مسافحين وجوابه لمن قال له ان اباك نهى عنها شهور وممن رواه الترمذي عن قول عمران بن الحصين نزلت آية المتعة في كتاب الله وعملنا بها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى مات وفي رواية عنه ان الله انزل في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى وامرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها وما نهانا عنها

ثم قال رجل برأيه ما شاء أو فقال بعد رجل برأيه ما شاء وقول جابر فعلناهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما كالصريح في ان الامتناع لنهي عمر لا لغيره وهو انكار ضمني وما اسنده الى جابر لا يدل عليه شيء من الأحاديث المنقولة المار ذكرها فهو يقول في احدها : استمتعنا على عهد رسول الله (ص) وابي بكر وعمر وفي الأخر كنا نستمتع بالقبضة على عهد رسول الله وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث وفي الثالث فعلناهما ـ أي المتقين ـ مع رسول الله (ص) ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما. فهل في هذا الكلام دلالة على ان من لم يبلغه النسخ كان يتمتع يعتقد ان الأمر باق حتى ثبت النسخ بشيء من الدلالات كما يزعمه هذا الرجل فهو افتراء على جابر وتفسير لكلامه بما لا يرضى به ولم ينسبه احدا إليه. نعم لم ينكر عليه احد انكار ممانعة ومقاومة ومن ذا الذي يجسر على هذا وهو يقول انا احرمهما وأعاقب عليهما فيعرض نفسه للعقاب ويقول لو كنت تقدمت لرجمت. وممن افتى بها أبي بن كعب كما مر عند الكلام على آية فما استمتعتم وكانت فتواه هذه طول حياته وقال المرتضى في الشافي افتى بالمتعة جماعة من الصحابة والتابعين وعد من الصحابة عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله الأنصاري وسلمة بن الأكوع وزاد العلامة في كشف الحق المغيرة بن شعبة ومعاوية بن ابي سفيان وفي كشف الحق قال محمد بن حبيب البختري كان ستة من الصحابة وستة من التابعين يفتون بإباحة المتعة للنساء. وظاهر هذا النقل عنهم انهم كانوا يفتون بها طول حياتهم كما ان ذلك صريح ما مر عن ابن عباس وابن عمر وعمران كل هذا وهو يتحمل ويقول انه خفي عليهم تحريم المتعة حتى اجمعت شورى الصحابة على ان الشارع حرمها يحمل على ذلك قول جابر المتقدم مع انه لا يدل على الاجماع على التحريم بل على الامتناع لأجل النهي بعد سماع هذا التهديد فظهر فساد دعواه اجماع الصحابة على النهي وسخفها وانها دعوى للاجماع في محل الخلاف واغرب من ذلك دعواه انه ثبت بإجماع الشيعة ومن تسموا بأهل السنة وبرواية زيد وابن الحنفية عن علي تحريم المتعة تحريم ابد فستعرف انه لا اجماع لا من الشيعة ولا من غيرهم وكيف جمع الشيعة على روايته عن علي وتخالفه وان جميع ائمة أهل البيت كانوا يفتون عليها كما روى ذلك عنهم بالتواتر والاتفاق اصحابهم واتباعهم من شيعتهم ومحبيهم الذين

هم اعرف بمذهبهم من كل احد وهو مع ذلك يشتط ويقول بلا خجل ولا مبالاة الاجماع قطعي ورواية النهي عن زيد وابن الحنفية عن امير المؤمنين علي بالتحريم باطلة قطعا لأنها مخالفة لما ثبت عنه بالتواتر المتقدم سواء أكانت دعوى التقية ساقطة أم قائمة فقوله الرواية ثابتة قطعا ودعوى التقية ساقطة بالضرورة فالاجماع قطعي كلها دعاو ساقطة لا برهان عليها أسرع مدعيها الى دعوى القطع ـ على عادته ـ في محل الشك أو القطع بالخلاف كما ظهر فساد قوله ان النهي زمن عمر كان بإجماع الصحابة فإنه وحده هو الناهي ، ولم ينقل عن احد غيره انه نهى بل جماعة أبوا عليه هذا النهي كما مر وفساد قوله لم يكن احد يسكت خوفا أو وهما وقوله أو وهما وهم منه ذكر مثله سابقا عند الكلام على التقية وبينا وهمه فيه وظهر انه وحده هو المتهور الذي يهرأ ويهزأ وينقل على وجه الحق ثم ينجو بالسوأة وان هذه العبارات السيئة التي اعتادها وتفاصح بها (يهرأ ويهزأ) لا احد احق بها منه.

(الثاني) زعمه ان هذا الاجماع اجماع على ثبوت النسخ والنهي من الشارع وفيه. مع ان الاجماع اصلا غير واقع فضلا عن ان يكون على ثبوت نهي الشارع ـ ان الناهي قد اسند النهي الى نفسه بقوله متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) انا انهي عنهما وأعاقب عليهما بطريق الحصر وتقديم الضمير المنفصل على فعل النهي الدال صريحا على انه هو الناهي لا غيره كما تقرر في علم البيان في مثل قولنا أنا فعلت كذا ولو كان المراد نهي الشارع لكان اسناد النهي الى الشارع بأن يقال نهي الشارع عنها متعينا لأنه ادخل في القبول منه ولم يكن ليسنده الى نفسه.

(الثالث) زعمه ثبوت النهي والنسخ وتحريم الأبد في شورى الصحابة وان المجلس الذي وقع تحريمها فيه كان مجلس استشارة وفيه انه لم يكن مجلس استشارة كما زعم ولكنه مجلس انذار وتهديد وانها لم تكن شورى من الصحابة وفي ذلك المجلس الذي يدعيه وانما كان تحريم وتهديد ووعيد من رجل واحد فقط وان هذه الشورى المزعومة الموهومة لم يحضرها علي ولم يكن ركنها الأعظم ولا غير الأعظم ولم يكن لها اركان ولا بناء ولم يكن إلا تحريم رجل واحد وتهديده المخالف بالعقاب على ان الاستشارة لا محل لها في الاحكام الشرعية واحكام الشرع لا تكون بالشورى وبالآراء وانما سبيلها نص الشارع : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)

وليس سبيلها آراء الرجال حتى يشيروا فيها بنفي أو بإثبات وإنما الاستشارة في الحروب وسياسة الملك وامور الدنيا وهل تكون الشورى ناسخة لوحي الله تعالى واذا كانت المتعة حرمت في زمن النبي (ص) تحريم الأبد فلا بد ان يكون اطلع على هذا التحريم كافة الصحابة لا سيما بعد ان تكرر النهي سنة سبع وثمان وتسع عشرة في آخر حياة النبي (ص) في حجة الوداع فهل يحتمل عاقل انه بقي احد يجهل هذا النهي لو كان وكيف خالفه جماعة من الصحابة واي حاجة الى شورى الصحابة في هذا الحكم بعد وفاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بعدة سنين فهذا كله يبطل ما يقوله ويناقض ما يدعيه ويدل على ان الأمر على خلاف ما زعمه واجتماع شورى الصحابة عند عمر وعلي على تحريمها افتراء على الصحابة وما ابعد الشورى عن قول من يقول لو تقدمت لرجمت على ان هذه الشورى التي يدعيها ان كان اصحابها قالوا بالتحريم اجتهادا فهو مردود عليهم لعدم عصمتهم وان كانوا رووه عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وكان النهي ثابتا عندهم فأي حاجة الى الشورى؟.

(الرابع) زعمه اجماع الأمة بعد الصحابة على التحريم وهي دعوى واضحة البطلان ، قال المرتضى في الشافي : افتى بالمتعة جماعة من الصحابة والتابعين وعد من التابعين أبا سعيد الخدري وسعيد بن جبير وابن جريح ومجاهد وغيرهم ممن يطول ذكره ا ه. وزاد العلامة في كشف الحق عطاء وقد اعترف صاحب الوشيعة ص ١٣٢ بانه كان يقول بالمتعة جماعة من التابعين منهم طاوس وعطاء وسعيد بن جبير وجماعة من فقهاء مكة منهم ابن جريح ومر قول محمد بن حبيب البخزي كان ستة من التابعين يفتون بإباحة المتعة للنساء فهذا كله يكذب حصول الاجماع في عصر التابعين ومن بعدهم كما ثبت كذب حصوله في عصر الصحابة ويدل على انه لم يحصل لا على المنع ولا على الامتناع.

قال المرتضى في الشافي : فأما سادة أهل البيت وعلماؤهم فأمرهم واضح في الفتيا بها كعلي بن الحسين زين العابدين وابي جعفر الباقر وابي عبد الله الصادق وابي الحسن موسى الكاظم وعلي بن موسى الرضا عليهم‌السلام. اما تهويله بأنه ثبت عند أهل العلم وائمة الاجتهاد وائمة المذاهب تحريم المتعة بإجماع الأمة فأهل العلم هم أهل البيت الذي أمرنا أن نتعلم منهم ولا نعلمهم وان لا نتقدمهم ولا نتأخر عنهم

واذا اردنا دخول مدينة علم المصطفى ان نأتي بابها علي بن أبي طالب (ع) سيد أهل البيت وكلهم افتوا باحلالها. اما ائمة الاجتهاد فدعوى افتائهم كلهم بتحريمها غير ثابت ففي حاشية مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر في الفقه الحنفي المطبوع بالآستانة سنة ١٣١٩ لصاحب الشرح ج ١ ص ٢٧٠ ما لفظه : وقال مالك هو ـ أي نكاح المتعة ـ جائز لأنه كان مباحا فليبق الى ان يظهر ناسخه ا ه. وذكر في الشرح المذكور انه منسوخ باجماع الصحابة ثم قال : فعلى هذا يلزم عدم ثبوت ما نقل من اباحته عند مالك ا ه. ففرع عدم ثبوت النقل على النسخ بإجماع الصحابة وحيث ان اجماعهم غير متحقق بل عدمه ثابت بافتاء جماعة منهم بذلك كابن عباس وابن مسعود وابن عمر وجابر الأنصاري وعمران بن الحصين وغيرهم ممن تقدم فالتفريع غير ثابت.

ولو فرض افتاؤهم كلهم بتحريمها فحكم القرآن الكريم والسنة النبوية واقوال اكابر الصحابة والتابعين والفقهاء امثال ابن جريح فقيه مكة مقدمة.

(الخامس) اعترافه بأن ابن عباس وجماعة من الصحابة كانوا يقولون بالمتعة وان جابرا كان يقول انهم كانوا يتمتعون من النساء حتى نهاهم عنها عمر واعتراف ابن المنذر بثبوت الترخيص في المتعة من الأوائل الذي لا يمكن ان يكون ترخيصا في حكم جاهلي مناقض ومكذب لقوله السابق انها لم تشرع في الاسلام وانها من بقايا انكحة الجاهلية وانها كانت امرا تاريخيا لا حكما شرعيا ولكنه ينقل ما يكذبه ويحتج به ولا يبالي.

(السادس) زعمه انها كانت تثبت سنة وتخفى على جماعة كثيرة من الصحابة والتباس الأمر عليهم لو امكن في غير هذا المقام فهو هنا غير ممكن بعد ما نودي بتحريمها ـ على ما زعموا ـ مرارا عديدة على رءوس الأشهاد وفي غزوات متعددة احداها يوم فتح مكة المتأخر عن صدر الاسلام كثيرا وفي آخر حياة النبي (ص) في حجة الوداع فبقاء حكمها خافيا عنهم أو عن بعضهم طول حياة النبي (ص) ومدة خلافة ابي بكر وشطرا من خلافة عمر واستمرارهم على فعلها حتى نهاهم عمر في شأن عمر بن حريث ممتنع عادة ولا يؤمن به صغار العقول فضلا عن كامليها.

(السابع) زعمه ان تمتع جماعة من صحابي أو تابعي ليس بحجة يبطله ان الصحابة الذين تمتعوا اسندوا ذلك الى ترخيص النبي (ص) وامره كما نصت عليه

الاخبار التي نقلناها فكيف لا يكون حجة واذا كان تمتع جماعة من الصحابة مع اسنادهم الترخيص الى النبي (ص) ليس بحجة فتحريم صحابي واحد مع اسناده التحريم الى نفسه ومخالفة جماعة من صحابي وتابعي وغيرهم له كيف صار حجة والتمست له الوجوه البعيدة وسردت واولت لأجله الروايات الصحيحة. وزعمه ان الجماعة المخالفة لم يبلغها حدث التحريم أو بلغها وعملت على خلافه يبطله ان عدم بلوغها ممتنع عادة كما عرفت واحتمال بلوغها وعملها على خلافه اشنع وابشع فإنه نسبة لاجلاء الصحابة الى الاقدام على الزنا عمدا ومخالفة نهي النبي الصريح وفيهم مثل ابن مسعود الذي وصفه ص ١٢٨ ـ ١٢٩ ـ ١٣٠ بأعلى صفات الفضل ومنها ان اقوم الناس بأدب الدين واشبه الصحابة هديا بالنبي (ص) وكيف يلتئم هذا مع عدالة جميع الصحابة ومع كون عصرهم اقدس العصور وأفضلها كما قاله فيما سلف لا سيما عصر الرسالة ومع قوله ص ١٢٩ فأين قول الكتاب وليستعفف الآية. ومن كان المخاطب بقوله اصبروا وصابروا وهل يمكن ان يكون صحابة افضل نبي أوهن واوقح من صحابة أي نبي كان وقد كانوا رهبان ليل فأي تهور اعظم من هذا أو اي تناقض اقبح منه وحديث التحريم المؤيد ما صح ولن يصح وكيف يصح حديث مضطرب يقتضي ان تكون ابيحت وحرمت سبع مرات وقد بينا عدم صحة حديث التحريم في الحصون المنيعة بما لا مزيد عليه. وما اسنده الى جابر لا يدل عليه شيء من احاديثه المتقدمة وهي : استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابي بكر وعمر. كنا نستمتع بالقبضة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث فعلناهما أي المتعتين مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما فهل يتوهم احد عنده ذرة من فهم ان معنى هذا الكلام ان من لم يبلغه النسخ كان يتمتع بقبضة يعتقد ان الأمر باق تي ثبت النسخ والتحريم المؤبد فهو افتراء على جابر وتفسير لكلامه بما لا يرضى به ولا يدل عليه ولم ينسبه احد إليه.

(الثامن) زعمه ان اشيع اشاعة غرض أو غفلة ان الناهي هو عمر وهذا تمويه وستر للحقائق فقد ترك الخداع من كشف القناع بقوله : انا احرمهما وأعاقب عليهما والغفلة لا يتوهمها إلا الغارق في الغفلة وأي غفلة تبقى بعد هذا التصريح نعم اشيع اشاعة غرض لا غفلة فيه ان النهي من صاحب الشرع وليس كذلك وبقاء الاختلاف

زمن التابعين دليل على بطلان قرار الشورى الذي زعمه. ولم يكن بيد من قال بحرمتها من دليل إلا ارغام من احلها ومتابعة من حرمها مع الاعتراف بعدم عصمته ولم يوجد لها من زخرفة إلا اشباه هذه الزخرفات التي يذكرها هذا الرجل.

دعوى رجوع ابن عباس عن القول بالمتعة

قال ص ١٣٣ قال الشعبي حدثني بضعة عشر نفرا من اصحاب ابن عباس انه ما خرج من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة فإن لم يقبل رجوعه فإجماع التابعين بعده يرفع قوله والأمة ترث العلم ولا ترث ضلال احد.

(ونقول) دعوى رجوع ابن عباس عنها باطلة فقد اشتهر القول بها عنه اشتهارا ما له من مزيد حتى نظمت فيه الأشعار ففي الدر المنثور للسيوطي وغيره من طريق سعيد بن جبير قلت لابن عباس ما ذا صنعت ذهب الركاب بفتياك وقالت فيه الشعراء قال وما ذا قالوا؟ قلت قالوا :

اقول للشيخ لما طال مجلسه

يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس

هل لك في رخصة الأطراف آنسة

تكون مثواك حتى مصدر الناس

ورجوعه لم يصح والرواية بذلك عن الشعبي مع ارسالها وكون النفر الذين رووا ذلك عن ابن عباس مجهولين ومع انحراف الشعبي عن علي وبني هاشم وكونه نديم الحجاج وقاضي عبد الملك بن مروان لم تكن لتعارض ما صحت واستفاضت روايته. وفي الكشاف عن ابن عباس ان آية فما استمتعتم محكمة ـ يعني لم تنسخ ـ وكان يقرأ فما استمتعتم به منهن الى اجل مسمى ا ه. وهو يدل على عدم رجوعه وفي النهاية الأثيرية عن كتاب الهروي ما لفظه وفي حديث ابن عباس ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد (ص) لو لا نهيه عنها ما احتاج الى الزنا الأشفى أي إلا قليل من الناس وقال الأزهري أي إلا ان يشفي أي يشرف على الزنا ولا يوافقه ا ه. النهاية وروى مسلم في صحيحه بسنده ان عبد الله بن الزبير قام بمكة فقال ان اناسا اعمى الله قلوبهم كما اعمى ابصارهم يفتون بالمتعة يعرض برجل فناداه فقال انك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد امام المتقين يريد رسول الله

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له ابن الزبير فجرب بنفسك فو الله لئن فعلتها لأرجمنك باحجارك قال النووي في شرح صحيح مسلم : يعرض برجل يعني يعرض بابن عباس ا ه. ومن ذلك يفهم ان هذه المسألة دخلتها العصبية واستمرت حتى اليوم وفي تفسير الفخر الرازي : قال عمارة سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح قال لا سفاح ولا نكاح قلت فما هي قال متعة كما قال الله تعالى قلت هل لها عدة قال نعم عدتها حيضة قلت هل يتوارثان قال لا ا ه. والظاهر ان مراده من نفي كونها نكاحا نفي النكاح الدائم بحيث يترتب عليها جميع احكامه وكأنه فهم ذلك من سؤال السائل وإلا فما ليس بنكاح فهو سفاح. على ان فتوى ابن عباس ليست هي المستند فسواء عندنا رجوعه عنها وعدمه. وقوله الأمة ترث العلم ولا ترث ضلال احد من جملة هذيانه الذي لا يرجع الى محصل ولا يرتبط بالمقام والأمة التي يتغنى دائما بذكرها كما ترث العلم قد ترث الضلال لأن العصمة ليست الا الذي الجلال ومن شاء الله. ويأتي قريبا في الحوار بين ابن عباس وابن الزبير ما يدل على اشتهار القول بالمتعة عن ابن عباس اشتهارا لا يقبل التكذيب وان اسناد الرجوع إليه مجرد تلفيق

قصة اسماء ذات النطاقين

قال ص ١٣١ فلو قلنا ان اسماء ذات النطاقين بنت الصديق اخت السيدة عائشة أمّ المؤمنين تزوجها الزبير حواري النبي (ص) نكاح متعة فمن يثبت لنا ان هذا النكاح كان متعة الى اجل فانقطع بانقضاء الأجل. والحزم قد يوجب على الصديق الاحتياط تداركا للأمر عند ظهور عدم القيام بين الزوجين فالغالب ان الصديق ـ وقد كان حازما ـ احتاط لعقيلته فشرط على الزبير امرا به تتطلق كريمته اذا تركته وشاع في الناس انه نكاح الى اجل ثم وضعت السنة الرواة على لسان السيدة اسماء ان النكاح كان متعة بأجرة الى اجل لأن سادة قريش كانت تستنكف الاتجار بشرف المرأة والصديق كان اسود واغنى من ان تمتع عقيلته نفسها بأجرة لضرورة أو ضعة هذا الذي وقع ومن ادعى غيره فقد افترى.

(ونقول) الأحكام الشرعية تشمل جميع المكلفين لا فرق فيها بين احد واحد

يستوي فيها ذات النطاقين وذات النطاق الواحد واخت السيدة عائشة أمّ المؤمنين واخت أم جميل زوجة ابي لهب والزبير حواري النبي وغيره. فاذا قلنا انه تزوج اسماء نكاح متعة كان هذا العقد منعقدا الى اجل فانقطع بانقضاء الأجل لأن ذلك هو معنى نكاح المتعة لغة وشرعا وعرفا وغيره يحتاج الى دليل واثبات ولا يكفي فيه التخرص بمقتضى الشهوات فقوله الغالب ان الصديق «الخ» تخرص على الغيب وقول بغير علم ولو جاز مثله لجاز لكل احد ان يقول الغالب كذا والغالب كذا فيئول كل حديث لا يوافق هواه على ما يوافق وحينئذ تقع الفوضى في الدين ولا يسلم لنا خبر ولا حديث فالألفاظ لها ظاهر يجب الأخذ به والعمل عليه ولا يجوز العدول عنه بقول الغالب ان المراد. على انه لو كان شيء مما قاله واقعا لنقل ولاعتذر به ابن الزبير وأمه اسماء حين قال له ابن عباس ان اوّل مجمر سطع في المتعة لمجمر آل الزبير وحين قال سل امك عن بردي عوسجة فإنها لم تزد حين سألها على ان قالت يا بني : احذر هذا الأعمى الذي ما اطاقته الأنس والجن واعلم ان عنده علم فضائح قريش ومخازيها كما يأتي قريبا. واذا كان الصديق حازما والحزم يوجب عليه اشتراط امر تنفسخ به عقدة النكاح عند ظهور عدم القيام فلم لم يستعمل هذا الحزم إلا في تزويج ابنته ذات النطاقين من الزبير حواري الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم لم يحتط هذا الاحتياط في تزويج اخته من الأشعث بن قيس الذي ارتد ثم تاب فردها إليه والأشعث كان أولى بأن يحتاط منه لأنه ليس في درجة الزبير وكيف لم يوجب عليه الحزم الاحتياط هناك واوجبه عليه في حق حواري الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تزوجه بذات النطاقين لشد سفرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنطاقها أو لشعة ولم يستعمل هذا الحزم غيره من الصحابة حين زوجوا بناتهم واخواتهم فلم ينقل ان احدا منهم استعمل مثل هذا الحزم واشترط مثل هذا الشرط وهم كانوا اولى بذلك فليس كل بناتهم مثل ذات النطاقين تحسن التبعل ولا كل اصهارهم مثل حواري الرسول يطيع أوامر الله في زوجته. كل ذلك يدلنا على ان هذا الشرط الذي صورته مخيلته لم يقع من الصديق وانه مجرد اختلاق. واشترط امر به تتطلق كريمته من زوجها الزبير اذا تركته قهرا عليه ينافي ما سبق منه من ان النكاح من اقوى العقود ينعقد انعقادا يبطل كل الشروط ولكن التناقض في كلامه طبيعة. ونسبة الى السنة الرواة الوضع على لسان السيدة اسماء ان النكاح كان متعة بأجرة الى اجل قدح في الصحابة أو من بعدهم من الرواة ونسبته لهم الى الكذب والوضع على

لسان ذات النطاقين بنت الصديق اخت أمّ المؤمنين زوجة الحواري وهو أيضا مناقض لقوله المتقدم ان الاخبار لم يبق فيها زيف أو دخيل واعترف منه بالوضع في اخباره وتكذيب لنفسه فيما ادعاه على الشيعة مرارا انها تضع ولا تحسن الوضع ولعله رأى هنا ان رواته وضعت واحسنت الوضع.

وروى ابن ابي الحديد وغيره ان ابن الزبير خطب بمكة وابن عباس تحت المنبر فقال ان هاهنا رجلا اعمى الله قلبه كما اعمى بصره يرعم ان المتعة حلال من الله ورسوله الى ان قال : وقد قاتل أمّ المؤمنين وحواري رسول الله (ص) فقال ابن عباس لقائده سعيد بن جبير بن هشام مولى بني اسد بن خزيمة استقبل بي وجه ابن الزبير وارفع من صدري وكان قد كف بصره فاستقبل به وجهه وأقام قامته فحسر عن ذراعيه ثم قال يا ابن الزبير :

قد انصف القارة من راماها

انا اذا ما فئة نلقاها

ترد أولاها عن اخراها

حتى تصير حرضا دعواها

فاما العمى فإن الله تعالى يقول : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). الى ان قال فأما المتعة فسل امك اسماء اذا نزلت عن بردي عوسجة. واما قتالنا أم المؤمنين فبنا سميت أم المؤمنين لا بك ولا بأبيك فأنطلق أبوك وخالك (١) الى حجاب مده الله عليها فهتكاه عنها ثم اتخذاها فتنة يقاتلان دونها وصانا حلائلهما في بيوتهما فلا انصفا الله ولا محمدا من انفسهما اذا ابرزا زوجة نبيه وصانا حلائلهما وأما قتالنا إياكم فإنّا لقيناكم زحفا فإن كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا وان كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم إيانا وايم الله لو لا مكان صفية فيكم ومكان خديجة فينا لما تركت لبني اسد ابن عبد العزى عظما إلا كسرته. فلما عاد ابن الزبير الى أمه سألها عن بردي عوسجة فقالت ألم انهك عن ابن عباس وعن بني هاشم فانهم كعم الجواب اذا بدهوا قال بلى وعصيتك فقالت يا بني احذر هذا الأعمى الذي ما اطاقته الأنس والجن وعلم ان عنده فضائح قريش ومخازيها بأسرها فإياك وإياه آخر الدهر فقال في ذلك ايمن بن خزيم بن فاتك الأسدي من ابيات :

يا ابن الزبير لقد لاقيت بائقة

من البوائق فألطف لطف محتال

__________________

(١) يريد به طلحة لأنه تيمي وأم ابن الزبير تيمية.

ان ابن عباس المعروف حكمته

خير الأنام له حال من الحال

عيرته المتعة المتبوع سنتها

وبالقتال وقد عيرت بالمال (١)

فأحتز مقولك الأعلى بشفرته

حزا وحيا بلا قيل ولا قال

وفي العقد الفريد عن الشعبي ان ابن الزبير حين قال لابن عباس افتيت في المتعة قال له ابن عباس في جملة كلام ان اوّل مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير.

وقوله سادة قريش كانت تستنكف الاتجار بشرف المرأة تهويش بارد فاسد فإنها اذا ثبتت حلية المتعة كان القائل بأنها اتجار بشرف المرأة رادا على الله ورسوله ومستهزئا بأحكامه وليس في حلال امتهان لشرف ويمكن ان يقال مثله في الدائم بأنه اتجار بشرف المرأة لأنها تأخذ مقابل وطئ الزوج لها ثمنا هو المهر ونفقة ونحو ذلك من العبارات الشعرية التي يقصد منها مجرد التنفير أو الترغيب ولا تستند الى حق ولا صواب والسيادة لا توجب الارتفاع على احكام الله ولا تجوز الاستكبار عنها والاستنكار لها واطاعة امر الله ليس فيها ضعة على احد وبذلك ظهر ان الذي وقع غير ما ادعاه وان دعوى وقوعه محض افتراء.

زعمه النكاح المطلق لا يشمل المتعة

وكل آية فيها النكاح تحريم لها

قال (ص ١٢٨) النكاح إذا أطلق لم يكن يشمل نكاح المتعة لا لغة ولا شرعا وفي ص ١٥٢ إذا اطلق النكاح لا ينصرف إلا على هذا العقد الدائم في تعارف هل اللغة وعرف الشرع وفي (ص ١٦٥) نسخت المتعة بكل آية نزلت في النكاح وفي ص ١٣٥ ـ ١٣٦ كل آية فيها حل النكاح أو تحريمه يدل على تحريم المتعة فإن النكاح اذا اطلق لا يشملها لا لغة ولا شرعا لا يطلق على ماء الورد اسم الماء إلا بالإضافة ولا يطلق اسم الأزواج واسم امرأة الرجل ونساء المؤمنين على المتمتع بهن. هذه بينة لغوية بيانية انكارها مكابرة واستكبار. والذين هم لفروجهم حافظون إلا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم فمن ابتغى وراء ذلك

__________________

(١) لأن ابن الزبير قال لابن عباس فيما قال انه اخذ مال البصرة وترك المسلمين بها يرتضخون النوى. ـ المؤلف ـ.

فأولئك هم العادون. لا ريب ان التمتع ابتغاء وراء ذلك فالتمتع عدوان وذلك اشارة ولا اشارة الا الى مشاهد ولا مشاهد إلا الازواج ومطلق الأزواج لا تشمل إلا صاحبة تعيش معك في بيتك تملك عصمتها بنكاح مطلق دائم ولم يرد لا في اللغة ولا في القرآن الكريم ولا في كتب العهدين العتيق والجديد اطلاق اسم المرأة على من يتمتع بها بأجرة أو بقوة وجاء في اسفار التوراة اسم زانية وبغي على من تمتع بها بأجرة وترك عندها رهنا عصاه وخاتمه شارة رئاسة وقول النذيرة : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) حكاية لما كان عليه عصرها سمته بغاء وبغيا ثم قص القرآن قول اليهود : (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) فجعل التمتع بغاء من جانب المرأة وسوء أسوأ من جانب الرجل.

ونقول : بلغ من جهل هذا الرجل وتعصبه وعناده ان يستدل في اكثر المواضع بعين الدعوى ويرتب أقيسة صغرياتها ممنوعة ويستنتج منها نتائج باطلة وكان الأولى بنا عدم تضييع الوقت في رد كلامه هذا الذي يعد من المهملات لو لا طبع كتابه وانتشاره واخذنا على انفسنا رده فزعمه ان النكاح اذا اطلق لا يشمل المتعة لا لغة ولا شرعا افتراء على اللغة والشرع بل هو نكاح لغة وشرعا. والمتمتع بها زوجة لغة وشرعا. في الكشاف في تفسيراته إلا على ازواجهم : فإن قلت هل فيه دليل على تحريم المتعة قلت لا لأن المنكوحة نكاح المتعة من جملة الأزواج.

وفي القاموس : النكاح الوطء والعقد له. وقياس ذلك على الماء وماء الورد غير صحيح بل هو كالماء وماء البحر وماء النهر فما جعله بينة لغوية بيانية لا بينة فيه لا لغوية ولا بيانية إلا عند من يريد المكابرة والاستكبار على انه لو سلم جدلا. ان النكاح المطلق لا يشمل المتعة لم يصح ان يعلل به ، قوله ان كل آية فيها حل النكاح أو تحريمه يدل على تحريم المتعة لأن تحليل شيء أو تحريمه لا يدل على تحريم غيره فاذا قال الشارع خلق الله الماء طهورا لا يدل على انه خلق ماء الورد بخسا ولو قال الماء بخس لم يدل على ان ماء الورد بخس فهذا نوع آخر من استدلالات هذا الرجل المنبئة عن جهله المطبق. وقد ظهر انه لا ريب في بطلان قوله لا ريب ان التمتع ابتغاء وراء ذلك وان قوله الأزواج لا تشمل الا صاحبة تعيش معك في بيتك بنكاح دائم. لم يزد فيه على مجرد

الدعوى كأكثر دعاواه وان الصاحبة التي تعيش معك في بيتك تشمل الدائمة والمنقطعة والأجل يمكن كونه عشرات السنين وان دعواه عدم اطلاق المرأة والزوج على من يتمتع بها في اللغة والقرآن الكريم افتراء على اللغة والقرآن الكريم بل يشملهما اسمهما بلا ريب كما مر عن الكشاف وان قوله على من يتمتع بها باجرة مجرد تضليل وسوء قول دعاه إليه حب التشنيع بالباطل لسوء طويته ولا ينطق به الا جاهل وقوله او بقوة لا يفهم له معنى ولو فهم مراده منه لكان كسائر هذيانه وكلام التوراة الذي استشهد به لم ينقل لفظه ليعلم انطباقه على ما يدعيه وهبه كذلك فما لنا ولكلام التوراة المنسوخ وكتب العهدين الذين اولع وشغف بالاستشهاد بهما في كل مناسبة يكفينا عنها كتاب ربنا وسنة نبينا ولغة قومنا ودعواه ان قول مريم عليها‌السلام ولم أك بغيا حكاية لما كان عليه عصرها وان الذي كان فيه هو المتعة افتراء على البتول وبغي على الشرائع فليس في كلامها إلا انها لم تكن زانية وكذلك قول اليهود فترهاته هذه لا ترتكز على اصل ولا أساس.

زعمه آيات الطلاق ومتاع التسريح والعدة تدل على تحريم المتعة

قال ص ١٣٦ ما حاصله آية (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) دلت على ان عقد النكاح المشروع لا ينقطع إلا بطلاق ونكاح المتعة ينقطع بغير طلاق ولا يوجب متاع التسريح فلا يكون مشروعا وعلى ان العقد لا يوجب العدة إلا بعد المس والمس لا يوجب العدة إلا على الأزواج. والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر وعشرا. والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فكل نكاح لا يوجب به القرآن عليها العدة باطل بالضرورة ولا آية اوجبت عدة متعة.

(ونقول) هذا استدلال غريب واستنباط عجيب قاده إليه رأي غير مصيب.

(أولا) آية (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ) واردة في بيان حكم الطلاق ولا طلاق إلا في الدائم وكل مفادها ان المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها ولها المتعة وفهم من آية تنصيف المهر لمن فرض لها مهر ان المتعة لمن لم يفرض لها مهر وليست مسوقة لبيان عن عقد النكاح بما ذا ينقطع بل لبيان انه اذا انقطع بالطلاق قبل الدخول فلا عدة عليها ولها المتعة مع عدم تسمية المهر فأين هي من الدلالة على ان عقد المتعة غير مشروع لأنه

ينقطع بغير طلاق ولا يوجب متاع التسريح هي بعيدة عن ذلك ابعد من السماء عن الأرض ولا يستدل بها عليه من عنده ذرة من فهم.

(ثانيا) عقد النكاح المشروع ينقطع بالموت والعيب والخلع والمباراة بناء على انهما غير الطلاق فقوله لا ينقطع إلا بطلاق غير صحيح.

(ثالثا) دعواه انها دلت على ان العقد لا يوجب العدة إلا بعد المس باطلة فانها انما دلت على ان عدة الطلاق لا تجب إلا بالمس لا مطلق العدة.

(رابعا) قوله والمس لا يوجب العدة إلا على الأزواج من توضيح الواضح والتطويل بلا طائل.

(خامسا) تعليل ذلك بآية عدة الوفاة غير صحيح لأن عدة الوفاة تجب على المدخول بها وغيرها كما مر.

(سادسا) كون كل نكاح لا يوجب به القرآن عليها العدة باطلا بالضرورة لأن جميع الأحكام لا يجب اخذها من القرآن بل بعضها يؤخذ من السنة.

(سابعا) قوله ولا آية اوجبت عدة في المتعة باطل لأن آية عدة الوفاة تشمل الدائمة والمنقطعة وعليه فتوى ائمة أهل البيت وعلمائهم اما عدة انقضاء الأجل مع الدخول فثبتت بالسنة.

زعمه آيات الطلاق والصداق وغيرها تدل على تحريم المتعة

قال ص ١٣٧ من وجوه تحريم المتعة كل آيات الطلاق والصداق والعدة والمواريث والحقوق (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) تدل دلالة ظاهرة قطعية تفيد اليقين على ان العقد الحلال انما هو هذا النكاح الذي تثبت به كل هذه الأشياء وهذه الحقوق فكل عقد لا يترتب عليه طلاق ولا أرث ولا يكون فيه لها مثل الذي عليها لا يكون حلالا هذه بينته في كل الشرائع وكل القوانين.

(ونقول) : هذا استدلال آخر من استدلالاته العجيبة التي لا ترتكز على اصل معطوف على ما سبق فأحكام الشرع تابعة لأدلتها وعناوين موضوعاتها : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فاذا دل الدليل على حلية المتعة وجب الاخذ به واذا جاء في الشرع ان الطلاق لا يكون إلا في الدائم وان المتمتع بها لا يقع بها الطلاق وتبين بانقضاء العدة وجب الاخذ به ولم يكن بينهما تناف ولا مخالفة للآيات

واما الصداق فثابت في كل منهما قل او كثر بغير فرق والعدة ثابتة على كل منهما في الوفاة من غير فرق وفي الطلاق مع الفرق بالأدلة الفارقة وليس في ذلك ما يخالف آيات القرآن. واما الميراث فلو لم تخصص آيات المواريث بالدائمة بالأدلة الصحيحة لقلنا به في الكل فلما قام الدليل على التخصيص قلنا به ولم يكن فيه مخالفة للآيات وهكذا الكلام في الحقوق فظهر ان هذه الآيات لا تدل دلالة قطعية ولا ظنية على حصر العقد الحلال في النكاح الذي ثبتت به هذه الأشياء وهذه الحقوق وانه اذا دل دليل على عدم ثبوت بعضها في نوع من انواع النكاح لم يكن ذلك منافيا لتلك الآيات وان قوله كل عقد لا يترتب عليه هذه الأشياء لا يكون جلالا جزاف من القول لا يستند الى دليل ولا برهان وانه لا بينة من ذلك في شيء من الشرائع واما قوانين الدول فليست مستندا لأحكام الشرع إلا عند هذا الرجل الذي يستشهد بها وبالكتب المنسوخة.

عدم إرث القاتلة والكافرة وعدم نفقة الناشز

قال (ص ١٣٧) والمجادل الذي يتحيل في دحض الحق بالباطل يقول القاتلة والكافرة لا ترث والناشزة لا نفقة لها. وقوله في عقيدته باطل لأن السقوط عند قيام المانع لا ينافي ولا ينفي الوجوب بأصل العقد ولعل هوى التشيع يبيح التشييع وان يقول شيعي لعامي قولا يراه في اصل فقه مذهبه باطلا. فعقد القاتلة انعقد موجبا للإرث والناشزة للنفقة وإنما سقط الحق الثابت بمانع حدث بعد وعقد الكافرة انعقد موجبا للإرث وسقط الإرث بمانع قائم حين العقد قصاصا لأنها لا ترى الإرث بدينها اما اذا كانت ترى الارث بدينها أو بقانون الدولة فالإرث ثابت بالعقد لا يسقط باختلاف الدين.

(ونقول) لهذا المجادل المتحيل لدحض الحق بالباطل الذي لا تخلو كلمة من كلماته من سوء القول الذي لا يعتمده إلا جاهل :

ان من يحرم المتعة قد استدل على تحريمها بحصر النكاح المحلل في الزوجة وملك اليمين (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) وليست المتمتع بها ملك يمين وهو واضح ولا زوجة وإلا لورثت ووجبت نفقتها فلما لم ترث ولم تجب نفقتها دل على انها ليست بزوجة. فأجابهم اصحابنا بان انتفاء الإرث أو النفقة لا يوجب

انتفاء الزوجية لانتفاء الإرث في القاتلة والكافرة والنفقة في الناشز مع بقاء الزوجية تدل على انه لا ملازمة بين الزوجية والارث ولا بينها وبين النفقة بحيث كلما وجدت وجدا وكلما انتفيا انتفت تكون الوجوب بأصل العقد والسقوط لمانع لا يضر شيئا حيث ثبت امكان تخلف الإرث والنفقة عن الزوجية سواء أكان ذلك لمانع طارئ أو لمانع من أول الأمر فبطل الاستدلال بانتفاء الارث والنفقة على انتفاء الزوجية فكما جاز ان ينتفي الارث أو النفقة لحصول مانع مع اقتضاء العقد لهما جاز ان ينتفيا لحصول مانع من أول الأمر كما اعترف هو في الكافرة لكنه أراد ان يتحيل لدحض الحق بالباطل فلم تتم حيلته فقال ان سقوط ارثها كان قصاصا لأنها لا ترى الإرث بدينها. نحن نقول لا ملازمة بين الزوجية والارث فانتفاؤه لا يوجب انتفاءها لأن الزوجية الكافرة لا ترث اجماعا وانتفاء ارثها لا يوجب انتفاء زوجتها سواء أكان ذلك قصاصا أم غير قصاص فالمتمتع بها كذلك والزوجة الكافرة والمتمتع بها كلاهما فيها مانع الارث من حين انعقاد الزوجية فلا يجيء في الكافرة الجواب الذي لفقه في القاتلة من ان اصل العقد مقتضى للارث وانا سقط الارث بمانع حادث. وجعله الارث ثابتا اذا كانت تراه بدينها أو بقانون الدولة لا يفهم له معنى فاذا اراد ارثها من المسلم فهو منتف بالاجماع سواء أكانت ترى الارث بدينها أم لا بل اجمع أهل نحلته على عدم التوارث من الجانبين مع اختلاف الدين واي مدخل لقانون الدولة في احكام الشرع وان اراد إرث الكافرة من الكافر فهو غير محل الكلام فظهر ان قول الشيعة في رد هذا الاستدلال لا يخالف اصول الفقه عندهم وانهم لم يحتجوا على غيرهم بما يرونه باطلا في عقيدتهم كما تشدق به وتفاصح بقوله هوى التشيع يبيح التشيع وهو بعيد عن الفصاحة قريب من ان يكون مهملا.

آية فابتغوا ما كتب الله لكم

وقال ص ١٣٨ ما حاصله بعد حذف كثير من عباراته الفارغة : من وجوه تحريم المتعة قوله تعالى : (وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) وقد كتب الله لنا في حل النكاح مقاصد مطلوبة اصلية قضاء الوطر فيها مطلوب تابع فالنكاح لم يشرع لمجرد قضاء الوطر بل لأغراض مشروعة مطلوبة وسفح الماء في الشهوة واقتضاء الشهوة

بالمتعة لا يقع وسيلة الى المقاصد التي كتب الله لنا فلا يكون مشروعا وهذا برهان عقلي بمعنى معقول افادته نصوص الكتاب الكريم الحكيم. المتعة لا ينبني عليها المجتمع إلا اذا كان شيوعيا يشترك في نسوته رجاله أو يشرك كل امرأة في نفسها رجاله. المتعة لا ينبني على قواعدها بيت عائلة أو اسرة ولا يقوم على عمودها نسب ولا تنمو من نواتها شجرة لها اغصان ولها افنان وكل هذه مقاصد اصلية مطلوبة في بقاء النوع بالنكاح فحيث لا تتحقق يقينا لا يكون فيها النكاح مشروعا فنكاح المتعة باطل بحكم الكتاب ونصوصه الظاهرة.

(ونقول) الأحكام الشرعية إنما تثبت بنص الشارع لا بهذه الخزعبلات والمقاصد المطلوبة الأصلية التي كتب الله لنا كما تتحقق في الدائم تتحقق في المتعة فإنها احد قسمي النكاح بلا فرق سوى الأجل والطلاق. وجعله المتعة نظاما شيوعيا يشترك فيه الرجال في النساء والنساء في الرجال افتراء منه على الحق واجتراء على الله ورسوله ودينه. متى كانت المتعة كذلك وهي تزويج بعقد ومهر وعدة كالدائم فأي اجتراء وافتراء اعظم من جعلها نظاما شيوعيا والمتعة ينبني على قواعدها بيت عائلة ويقوم على عمودها نسب وولدها ولد شرعي وتنمو من نواتها شجرة لها اغصان وافنان وان افترى موسى تركستان واكثر من الهذيان فإنها لا تفترق عن الدائم إلا بالأجل الذي يجوز ان يكون عشرات من السنين فهذه الفلسفة الباردة التي سماها برهانا عقليا أفادته نصوص الكتاب ما هي إلا سفسطة ومخرقة ونصوص الكتاب بريئة منها بعيدة عنها ولا تزيد ان تكون اجتهادا واهيا سخيفا في مقابل نصوص الكتاب وزعمه ان نكاحها باطل بحكم الكتاب ونصوصه الظاهرة باطل بحكم الكتاب والسنة ونصوصهما القطعية على انه يلزم على مقتضى فلسفة هذه ألا يكون نكاح التي علم انها لا تلد ليأس أو غيره مشروعا لأنه لم يقصد به إلا سفح الماء في الشهوة ولا تتحقق به تلك المقاصد الأصلية المطلوبة التي ذكرها.

فتوى ابن جريح فقيه مكة بإباحة المتعة

قال ص ١٣٣ : وقد اسرف في القول بإباحة المتعة فقيه مكة ابن جريح كما كان يسرف في العمل بها حتى اوصى بنيه بستين امرأة وقال لا تتزوجوا بهن فإنهن

امهاتكم وقد روى ابو عوانة في صحيحه عن ابن جريح عن هذا المسرف المتمتع انه قال لهم بالبصرة اشهدوا اني قد رجعت عن المتعة اشهدهم بعد ان حدثهم فيها ثمانية عشر حديثا انه لا بأس بها وبعد ان شبع وعجز.

(ونقول) نسبته ابن جريح الى الاسراف في القول والعمل اسراف منه وليس هو اهلا لأن يتجرأ ويقول هذا القول في ابن جريح فقيه الحرم واحد الأعلام والأئمة الحفاظ الفقهاء المحدثين ومن اوعية العلم والعباد صائمي الدهر ومن لم ير احسن صلاة منه ومن تظهر عليه خشية الله وهو من أهل نحلته وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ فقال ابن جريح الامام الحافظ فقيه الحرم ابو الوليد ويقال ابو خالد عبد الملك ابن عبد العزيز بن جريح الرومي الأموي مولاهم المكي الفقيه صاحب التصانيف احد الأعلام حدث عن جماعة وروى عنه السفيانان ومسلم بن خالد وابن علية وحجاج بن محمد وأبو عاصم وروح ووكيع وعبد الرزاق وامم سواهم ، قال احمد بن حنبل كان من اوعية العلم وهو ابن ابي عروبة أول من صنّف الكتب ، وقال عبد الرزاق ما رأيت احدا احسن صلاة من ابن جريح كنت اذا رأيته علمت انه يخشى الله ويقال ان عطاء قيل له من نسأل بعدك قال هذا الفتى اذا عاش يعني ابن جريح ، وقال ابن عاصم كان ابن جريح من العباد وكان يصوم الدهر إلا ثلاثة أيام من الشهر وكانت له امرأة عابدة وعن عبد الرزاق كان من ملوك القراء وخرجنا معه فأتاه سائل فأعطاه دينارا قال جرير كان ابن جريح يرى المتعة تزوج ستين امرأة ، قال ابن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول استمتع ابن جريح بتسعين امرأة حتى انه كان يحتقن في الليلة بأوقية شيرج طلبا للجماع قال ابن قتيبة مولده بمكة سنة ٨٠ وقال الواقدي مات سنة ١٥٠ ا ه. واخباره أهل البصرة انه رجع عن المتعة بعد ما روى فيها ثمانية عشر حديثا انه لا بأس بها وبعد ما تمتع بستين أو تسعين امرأة الله اعلم بصحته ولو كان صحيحا لأشار الذهبي في ترجمته فما هو إلا موضوع مختلق وكيف يمكن ان يرجع عن القول بها بعد ما روى ثمانية عشر حديثا انه لا بأس بها إلا ان يراد بالرجوع تركها لكبر سنه.

خبر عبد الله الليثي مع الباقر عليه‌السلام

قال ص ١٢٤ في الكافي والتهذيب : سألنا الباقر عن المتعة فقال احلها الله في كتابه وسنة نبيه نزلت في القرآن : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) فهي حلال الى يوم القيامة فقيل له يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد حرمها عمر فقال وان كان فعل فقيل فإنّا نعيذك بالله من ذلك ان تحل شيئا حرمه عمر فقال انت على قول صاحبك وانا على قول رسول الله (ص) هلم الا عنك ان القول ما قال النبي وان الباطل ما قاله صاحبك فأقبل عبد الله الليثي وقال أيسرك ان نساءك وبناتك واخواتك وبنات عمك يفعلن ذلك فعرض الباقر حين ذكر نساءه وبنات عمه.

وفي ص ١٤٢ فكيف يكون إمام دين يستجيز في بنات الأمة امرا اذا ذكر في نسائه وبنات عمه يظل وجهه مسودا وهو كظيم يعرض غضبان يتوارى من سوء ما ذكر به بناته فهل يمكن ان يستجيز شرع القرآن في بنات نبيه. النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه امهاتهم فالمؤمنون اخوة ابوهم النبي وازواجه امهاتهم وبنات الأمة بناته.

وفي ص ١٤٠ لا نشك ان الليثي قد اغلظ واساء الأدب في خطاب الإمام بهذا. ولو انه ذكر للباقر قصة لوط : يا قوم هؤلاء بناتي هن اطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي لكفى ولأصاب ولم يسيء الأدب. قصة عرض لوط بناته لا محمل لها إلا نكاح المتعة ولا يستحلها لوط إلا في غاية الضرورة والنبي لوط قد وقع في غاية الضرورة ولم ينس غاية الأدب فاكتفى بعرض بناته وما اعتدى بعرض بنات الأمة.

وقال ص ١٤١ قصة عرض لوط بناته تدل دلالة أدبية على تحريم المتعة مثل تحريم الزنا ، فإن قول القائل الكريم احمل عار بناتي اهون عليّ من ان احمل عارا في ضيوفي معناه ان عار الضيوف اقبح هذا أدب قديم عادي وكرم سامي اما التمتع ببنات الأمة فأدب شيعي وكرم شيعي هذا هو عذر الليثي في خطاب اوجب اعراض الامام وهذا عذر يقطع الكلام ولا يترك مجالا لامتهان ولا لعان.

وفي ص ١٤٢ : كنت لا ازال اتعجب تعجب حيرة من قوم كانوا يأتون الذكران ويذرون ما خلق لهم ربهم من ازواجهم وهم قوم عاد كيف قالوا في بنات خيرات حسان عرضهن لهم ابوهن : لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وانك لتعلم

ما نريد وهذا القول أدب نزيه جليل كان ينبغي ان يكون لفقيه حكيم وإمام كريم يكرم امته تكريما ويحترم ملته احتراما وهذه عبرة عابرة فهل من معتبر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر.

(ونقول) انما اعرض الإمام الباقر عن عبد الله الليثي حين ذكر نساءه وبنات عمه لما بدا منه من الجفاء والغلظة وسوء الأدب من ذكر نسائه وبنات عمه في مجالس الرجال في معرض التشنيع والتهجين المنافي للشهامة والغيرة عملا بقوله تعالى (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) وأشد منه جفاء وغلظة وسوء أدب قول هذا الرجل في حق إمام أهل البيت وباقر علوم جده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من سوء ما ذكر به بناته ومثل هذا قد تكرر منه مرارا اما تمويهه هذا الذي كرره مرارا على عادته فقد كررنا جوابه أيضا بأن الأحكام الشرعية تتبع الدليل ولا تتبع التمويه والتهويل فالمتعة ان كان عليها دليل شرعي لم يكن لقوله كيف يستجيز في بنات الأمة كذا بنات الأمة بناته وامثال هذه الألفاظ وان لم يكن عليها دليل بطلت سواء أكن بنات الأمة بناته أم لا ، واعراض الامام الباقر عليه‌السلام عن الليثي لما عرفت مما لا يرتبط بحلية المتعة أو بحرمتها وإباحة الأشياء لا ترفع قبح ذكر بعض الأمور في المجالس والمحافل وذكر النساء في مجالس الرجال فهل إباحة الفعل تسوغ ان يقال لرجل ايسرك ان ابنتك يطئوها زوجها ويتفخذها ويضاجعها ويضمها ويقبلها؟ وهل اذا قيل له ذلك فأعرض وغضب وزجر المتكلم يكون ملوما؟ ويسوغ ان يقال له كيف تستجيز في بنات الأمة امرا اذا ذكر في بنتك غضبت وترجرجت وهل يدل على ان تلك الأمور محرمة؟ بل إباحة الفعل بالأصل لا ترفع قبحه من بعض الناس كالأكل على الطريق ومجالسة الأراذل ممن له شرف وتزويج الأسافل من بنات الأشراف وغير ذلك مما لا يحصى واذا كانت المتعة مباحة فلا يلزم ان يفعلها كل احد فكم من مباح يترك تنزها وترفعا. ونظير ما قاله الليثي للباقر عليه‌السلام ما قاله بعض ائمة المذاهب لبعض اصحاب الأئمة عليهم‌السلام فقال له ما قولك في المتعة؟ فقال حلال فقال أيسرك ان يتمتع بناتك أو اخواتك؟ قال : ما شأن البنات والأخوات هنا. شيء احله الله وان كرهته نفسي فما حيلتي ولكن ما قولك في النبيذ فقال : هو حلال ، فقال أيسرك ان تكون بناتك واخواتك نباذات قال شيء احله الله وان كرهته نفسي فما حيلتي. وجواب ابن عمر المشهور المعروف حين قيل له ان اباك حرمها هو عين جواب الامام

الباقر وقد رواه الترمذي ولم نر احدا اعترض عليه بمثل اعتراض هذا الرجل على الامام الباقر بكلامه الخشن البذيء.

وأما تعليمه لليثي بأنه لو ذكر الباقر قصة لوط لكفى ولأصاب ولم يسيء الأدب. فهو لم يخرج به عن الخطأ واساءة الأدب بأفحش انواعها بنسبة نبي الله لوط عليه‌السلام الى انه قدم بناته للزنا ونسبة الامام الباقر باقر العلم كما سماه جده (ص) الى انه جهل ما اهتدى هو إليه بزعمه والامام الباقر يعلم من تفسير القرآن ومعانيه ما لا يعلمه هو ولا الليثي ولا غيرهما من جميع العلماء ، وقد خالف بهذا الذي نسبه الى لوط عليه‌السلام اقوال ائمة المفسرين. ففي مجمع البيان في تفسير (هؤُلاءِ بَناتِي) ، معناه ان لوطا لما هموا بأضيافه عرض عليهم نكاح بناته وقال هن احل لكم من الرجال فدعاهم الى الحلال قيل اراد بناته لصلبه عن قتادة ، وقيل اراد النساء من أمته لأنهن كالبنات له فإن كل نبي أبو أمته وازواجه امهاتهم عن مجاهد وسعيد بن جبير ثم قيل عرضهن بالتزويج وكان يجوز في شرعه تزويج المؤمنة من الكافر كما كان في أول الاسلام ثم نسخ ، وقيل اراد التزويج بشرط الايمان عن الزجاج وقيل كان لهما سيدان مطاعان فيهم فأراد ان يزوجهما بنتيه زعوراء وريتاء ا ه. فظهر ان قوله قصة عرض لوط بناته لا محمل لها إلا المتعة افتراء على كتاب الله وعلى نبيه وان قوله ان لوطا عليه‌السلام وقع في غاية الضرورة ولم ينس غاية الأدب فاكتفى بعرض بناته وما اعتدى بعرض بنات الأمة ـ تعريضا بالإمام الباقر عليه‌السلام ـ لا بقوله من عنده ادنى فهم فلوط عليه‌السلام لم يكن ليعرض بناته إلا للحلال كما يدل عليه قوله هن اطهر لكم ولم يكن ليدفع الحرام بالحرام وان نسبة عرض بناته بالحرام إليه اساءة ادب عظيمة وضرورة دفع اللواط لا تجوّز عرض الزنا ولم يصل الى ذلك إلا علم هذا الرجل والدلالات التي خلقها الله تعالى وعرفها العلماء هي ثلاث ، ولكن هذا الرجل بعلمه الجم وذهنه الحاذق اخترع دلالة رابعة هي الدلالة الأدبية فاستدل بها على حرمة المتعة وجعل قول القائل الكريم احمل عار بناتي اهون من ان اجمل عارا في ضيوفي أدبا قديما عاديا وكرما ساميا وجعله عذرا لليثي في اساءته الأدب مع الإمام الذي اوجب اعراضه عنه ، نعم هذا أدب لكنه أدب حديث تركستاني وكرم جديد خرافي اطلع الله عليه هذا الرجل ولم يطلع عليه احدا من خلقه سواه فخرج به عن دائرة الأدب مع ائمة أهل البيت وشيعتهم ومع انبياء الله فنسب نبي الله لوطا عليه‌السلام الى عرض

بناته للزنا دفعا للواط بضيوفه لأن عار الضيوف اقبح فأي أدب وكرم يصل الى درجته ويلزم على قياس قوله هذا ان رجلا لو جاءه قوم يريدون ان يفعلوا بضيوفه فعل قوم لوط فعرض نفسه لهم ان يكون ذلك منه أدبا عماديا وكرما حاتميا لا ساميا. وهذا عذر بقطع الكلام فإن من يجعل عرض نبي من الأنبياء بناته للزنا من الأدب والكرم لا مجال للكلام معه ولا ازال اتعجب من استنباطات هذا الرجل وتمحلاته التي لا يساعد عليها لفظ وقد زاد تعجبي منه الآن حيث قد أدى به تفكيره بعد طول حيرة الى ان يجعل اللوطيين اللواط المحرم الفاحش على النكاح المحلل الطاهر هو أدبا نزيها جليلا كان ينبغي ان يكون لفقيه حكيم وإمام كريم ولسنا ندري كيف استفاد من قولهم ما لنا في بناتك من حق أنه أدب نزيه جليل وكأنه حمله على انه عرضهن عليهم للزنا فأبوا الزنا فلذلك جعله أدبا نزيها جليلا أو على انهم أبوا الزنا بهن لأنهن بناته احتراما له وكلاهما غير صواب فلوط عليه‌السلام عرض بنات عليهم للتزويج المحلل لا المحرم فأجابوه بأنه قد علم انه لا أرب لهم ولا رغبة في نكاح الإناث وانا يريدون نكاح الذكور وحالهم كان معلوما مشهورا عنده وعند غيره فهذه عبرة عابرة من جملة عبر هذا الرجل فهل من معتبر.

زعمه النكاح هزله جد فلا ينعقد إلا دائما

قال ص ١٦٥ لا ننكر الشيعة ان النكاح جده جد وهزله جد وما يكون هزله جدا اذا انعقد لا ينعقد إلا لازما اقوى من عقد البيع يوجب ملكا لا يرتفع إلا بالموت أو بالطلاق وانقطاع المتعة بدون طلاق لم يكن إلا من عدم الانعقاد.

(ونقول) هذا الكلام هو بالهزل اشبه منه بالجد والى الهذيان اقرب منه الى القصد. العقود كلها يشترط فيها القصد والهزل ليس له اثر عند الشيعة في جميع العقود وكونه لا يرتفع إلا بالموت أو بالطلاق استدلال بعين الدعوى وهو في كلامه كثير بل هو نوعان احدهما يرتفع بما ذكر والآخر بانقضاء الأجل وجعله الانقطاع بدون طلاق دليل عدم الانعقاد طريف جدا فإن كل عقد مؤجل ينقطع بانقطاع الأجل كالاجارة التي تنتهي بانتهاء اجلها وذلك دليل الانعقاد ولو كان غير منعقد لم يحتج الى انقضاء الأجل.

خبر النوبية ومرعوش

ذكر في صفحة ١٤١ فضائل الخليفة الثاني ثم قال حتى ان نوبية اعتقها عبد الرحمن بن خالد وكانت ثيبة رؤيت حبلى واعترفت انها حبلت من مرعوش بدرهمين فأمر بها عمر فجلدت مائة ثم غرّبت وسقط الحد لأنها جاهلة ولم يكن عليّ ليسكت وقد شهد عذاب مؤمنة مسكينة جاهلة وعلي يعلم ان المتعة بدرهمين حلال وشعار لبيت النبوة.

(ونقول) من ضروريات الفقه الاسلامي ان الحدود تدرأ بالشبهات فلو كانت تزوجت متعة بدر همين لكان ذلك شبهة دارئة للحد بالاجماع فكيف يحدها الخليفة مائة حد الزاني الغير المحصن مع وجود الشبه والجهل وقوله سقط الحد لأنها جاهلة لا يفهم له معنى لأنه مناقض لقوله فأمر فجلدت مائة وان كانت محصنة وسقط حد الرجم لجهلها فلما ذا جلدت مائة؟ والقضية ان صحت ظاهرة في الزنا أو هي مجملة وكيف كان فلا يصح الاستشهاد بها ولم يتيسر لنا حين التحرير مراجعتها. وتكريره قول وشعار لبيت النبوة وما في معناه مظهرا له بمظهر السخرية لا يدل إلا على جهله وقلة بضاعته وانه احق بالسخرية.

آية واذ اسر النبي

ذكر في ص ١٢٨ واشار إليه في ص ١٤٢ قيل للصادق هل تمتع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال نعم : وقرأ (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ) حديثا وأطال في ذلك وكرر على عادته في انه ان لم يكرر الشيء عشرا فما فوق فلا أقل من مرتين وشنع ما شاءت له بذاءة لسانه.

ولا نعلم من اين نقل هذا الذي عزاه الى الصادق عليه‌السلام ولا يصح ان ينسب إلينا في تفسير القرآن غير ما ذكره اكابر مفسرينا كالشيخ الطوسي في التبيان والطبرسي في مجمع البيان وجمع الجوامع دون غيرها وأمامنا الآن مجمع البيان وقد ذكر في تفسير الحديث الذي أسره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى بعض ازواجه وجوها كثيرة منها انه كان يتعلق بمارية القبطية عن الزجاج وفي خبر انه يتعلق بمن يملك بعده وليس فيها هذا الذي ذكره فإطالته في ذلك وتشنيعه لا يعود بالشناعة إلا عليه.

تصديق المرأة في انها خلية من زوج

تعجب في ص ١٤٥ من تجويز الصادق عليه‌السلام التمتع بمن تدعي انه ليس لها زوج وعدم ايجاب التفتيش.

وهذا التعجب في غير محله فالنساء مصدقات في مواضع كثيرة بدون قيام البينة في الحيض والطهر وانقضاء العدة وغير ذلك فإذا افتى الامام الصادق وارث علم جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتصديقهن في الخلو من الزوج لم يكن ذلك محل تعجب ولا استغراب كما لم يكن محل تعجب ولا استغراب فتوى الامام ابي حنيفة كما ذكره الخطيب في تاريخ بغداد بأنه اذا شهد شاهدان عند القاضي بأن فلانا طلق زوجته وهما يعلمان بأنهما كاذبان فحكم القاضي بطلاقها جاز لأحد الشاهدين ان يتزوجها.

المحلل والمحلل له

قال ص ١٤٦ الشارع لعن المحلل والمحلل له والمحلل لم يلعنه إلا لأنه نكاح متعة ولو كان نكاح المتعة جائزا لما كان للشارع ان يلعنه ولكان لعنه جهلا من الشارع لشرعه ثم لكان لغوا قول القرآن فإن طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا لأن حرمة المرأة بعد الثلاث لزوجها الأول تنتهي بذوق العسيلة والانتهاء بالذوق قد نص عليه الشارع.

(ونقول) هذا أيضا من استدلالاته واستنباطه الغريبة التي انفرد بها وخبط فيها خبط عشواء وليس لها معنى محصل بل من نوع الهذيان فإن نكاح المحلل نكاح دائم لا نكاح متعة بالاتفاق لاحتياجه الى الطلاق كما دل عليه قوله فإن طلقها فخبط وخلط نكاح المحلل بنكاح المتعة. والمحلل له لعنهما الشارع لأنهما فعل فعلا دنيئا فكان فعلهما مكروها والمكروه قد ورد اللعن عليه في موارد كثيرة كالنائم في البيت وحده والمسافر وحده والآكل طعامه وحده والمحلل شبه في الشرع بالتيس المستعار والمحلل له قد طلق زوجته ثلاثا ففعل ما يوجب تحليلها فصار ملوما بذلك ويدل كلامه على ان نكاح المحلل محصور في نكاح المتعة ولذلك لعنه الشارع ولو لا ذلك لم يكن له ان يلعنه ولكان لعنه جهلا من الشارع لشرعه والحال ان نكاح المحلل محصور في النكاح ـ

الدائم كما مر ـ بالاتفاق وهو جائز بضرورة دين الاسلام واذا كان زنا فكيف جوزة الشارع ليحصل التحليل بقوله حتى تنكح زوجا غيره ، وكيف صححه واوجب الطلاق بعده اذا اراد المراجعة أفيكون تمحل وسخافة وخبط وخلط اعظم من هذا وقوله ثم لكان لغوا قول القرآن فإن طلقها كأنه يريد به انه لو جاز نكاح المتعة لحصل به التحليل فلا يحتاج الى قوله فإن طلقها لأن نكاح المتعة ينقضي بانقضاء الأجل وهو تمحل كسابقه فإن قوله فإن طلقها يدل على انه لا يكفي في التحليل نكاح المتعة بل لا بد من كونه دائما وأي دلالة لذلك على كون نكاح المتعة غير جائز فاذا قال الشارع النكاح الدائم والنكاح الى اجل كلاهما صحيح والمحلل في طلاق الثلاث هو الدائم المؤجل كان قوله فإن طلقها مقيدا للنكاح في قوله حتى تنكح زوجا غيره بالنكاح الدائم فأي تناف بين هذه الأحكام وأي شيء اوجب ان يكون قوله فإن طلقها لغوا إلا في مخيلة هذا الرجل.

الأمر بتزوج الأبكار

قال ص ١٧١ روت امهات كتب الشيعة نبي الأمة الأمر بتزوج الابكار فأنهن وانهن قال وهذه السنة قد جمعت مقاصد النكاح وبركات الزواج ولا تكون في متعة الشيعة.

ونقول : ما ربط الأمر بتزويج الأبكار بمتعة الشيعة وما بقي عليه إلا ان يستدل على حرمة المتعة بلمع البرق وقصف الرعد ونزول المطر واذا كانت هذه المقاصد والبركات لا توجد في متعة الشيعة فهل توجد في تزوج الثيبات فإن قال لا كان تزوج الثيبات حراما كالمتعة وان قال نعم فقد كذب في قوله لا توجد في متعة الشيعة فأنظر واعجب.

الحكومة الايرانية والحكومة التركية

قال ص ١٧٢ العجم ونساؤها والحكومة بمملكة الشيعة في عذاب بئيس وحرج ضيق شديد من متعة فقهاء الشيعة ومن احدى سيئات متعة الشيعة ما كنت

اراه في بلادها من ابتذال المرأة في شوارع مدن العاصمة وقراها ابتذالا لا يمكن ان يوجد افحش منه ولا في نظام الشيوع المطلق وكتبت في هذه لجماعة من مجتهدي العاصمة وقلت هلا يوجد على مثل هذه المهانة عندكم من غيرة وهلا يوجد لكم منها من تأثر وما رأيت على وجه مجتهد عند ذلك إلا بشاشة وهشاشة تبسم ان كان استهان بي فقد استخف واستهان بدينه وأمته وامهاته من قبل وحكومات الأمم الاسلامية اليوم ارشد في شرف دينها وصلاح دنياها من فقهاء الأمة فحكومة الدولة الايرانية نراها اليوم بفضل مليكها الأعظم قد فسخت المتعة فسخا قطعيا بتاتا واعظم حكومة شيعية بفضل ملكها الأجل قد اهتدت الى عقد معاهدة مع اقوى حكومة سنية تركية ولم تزل امهات الكتب في المدارس تبذر بذور العداء في قلوب الأساتذة والطلبة. وفي ص ١٨٥ يعجبني غاية الاعجاب ان حكومة الدولة الايرانية التي تسعى في اصلاح حياة الأمة ودنياها وفي تعمير الوطن واحيائه اخذت في اصلاح دين الأمة فمنعت منعا باتا متعة فقهاء الشيعة واخذت في تصفية عقائد الأمة في مدارسها وكلياتها وكتبها تستبدل إيمان الإمام علي امير المؤمنين وعقيدة أهل البيت بعقائد الشيعة الامامية التي في أمهات كتبها المتأخرة وفي صفحة (ي) ارى ابتذال النساء وحرمات الاسلام في شوارع مدنكم بلغ حدا لا يمكن ان يراه الانسان في غير بلادكم.

ونقول : ليهنئه ما عند العرب ونسائها لا سيما البلد الذي ألف كتابه وطبعه فيه وعند الحكومة بملكه غير الشيعة من النعيم المقيم والسعة العظيمة من ترك متعة فقهاء الشيعة فدور البغاء فيها غاصة بالمومسات وبلد طبع كتابه تزيد على ذلك (الخول) وما كنا نود ان يجري قلمنا بمثل هذا لو لا انه اضطرنا إليه. ومن احدى محاسن تحريم متعة الاسلام ما كان يراه في بلاد الاسلام لا سيما البلد الذي ألّف كتابه وطبعه فيه من انتشار دور البغاء وابتذال المرأة في شوارع مدن العواصم وقراها فإن كان يريد ان جميع النساء في مدن العاصمة التي رآها وقراها كما وصف فقد كذب وافترى. نساء مدن العاصمة التي رآها (حين رآها) من اشد النساء تسترا وتحجبا وعفافا وصيانة فإنه رآها قبل إجبار الحاكم ـ الذي اشاد بمدحه النساء على السفر وان كان يريد انه يوجد افراد من النساء مبتذلات فليقل لنا هل لا يوجد مثل ذلك في كل بلد من بلاد الاسلام على ظهر الكرة الأرضية؟ ونساء مدن الاسلام في إيران ان لم تكن اعف واستر من نساء سواها فليست دونها في الستر والعفاف. فقوله ابتذالا لا

يمكن ان يوجد افحش منه في نظام الشيوع المطلق كذب فاحش ساقه إليه التعصب والعناد وبهتان لا بهتان افحش منه وظلم لا ظلم اشنع منه واذا كان كتب لبعض مجتهدي العاصمة بما قال فلما ذا لم يكتب لعلماء العاصمة التي كان فيها طبع كتابه ولعلماء غيرها من البلاد فيقول لهم هلا يوجد على مثل هذه المهانة عندكم من غيرة. فدور البغاء في بلادكم منتشرة والفتيان والفتيات يسبحون ويسبحن جميعا على شاطئ البحر عارين وعاريات وهلا يوجد لكم منها من تأثر وان كان كتب فهل رأى على وجه واحد منهم بشاشة وهشاشة تبسم أو عبوس وتقطيب تألم. حسبنا ايها الرجل كلاما فارغا وتشتيتا وتفريقا بين المسلمين وعيبا بما فيك مثله أو اكثر. وأي فائدة تجنيها من عيبك امة عظيمة بغير ما فيها أو بما فيك مثله واعظم ثم تزعم ان بشاشة العالم في وجهك ـ بما طبع عليه من مكارم الأخلاق ـ هي استهانة بك واستخفاف واستهانة بدينه وأمته وامهاته من قبل. تغضب على المجتهدين وتصفهم بسيئ الوصف لأنهم لا يتابعونك على تحريم ما احله الله فلو كنت ذا غيرة على الدين والإسلام والمسلمين لدعوتهم الى مباحثتك وانتصبت ـ بما أوتيته من بلاغة وقوة حجة ـ لمخاصمتهم وحججتهم وخصمتهم وسجلت ما دار بينك وبينهم وطبعته ونشرته ليعلم الناس حينئذ ان الحق والصواب في جانبك. وان كانت الأخرى سلمت لهم ورجعت عن رأيك اما ان تأتي الى عاصمة ايران وتتبع العورات وتعد السيئات وتغضي عن الحسنات وتكتب في ورقة بعض الكلمات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ثم تأتي مصر وتطبع وتنشر بأقبح العبارات وابشع الألفاظ ما خيلته لك واهمتك ولا يوافقك على اكثره أهل مذهبك ويطبعه لك من لا يهمه إلا ان ينتفع في دنياه بدراهم معدودة ، فليس هذا من سيرة أهل الدين والعلم والاخلاص ، وقد جئتنا الى الكوفة وسألتنا عن التقية والمتعة فأجبناك فلم تنبس ببنت شفة وذلك بعد ما سألت صاحب أصل الشيعة فأجابك فلم تتكلم بحرف وإنما كتبت بعد رجوعك لبغداد اسئلة في دفتر تنتقد بها الشيعة لا تمت الى العلم ولا الى الانصاف بصلة وصلتنا فأجبناك عنها وأجابك غيرنا وممن أجابك عالم في البصرة لم تنشر شيئا من أجوبته كما اعترفت به في وشيعتك فهلا باحثتنا حين رأيناك بالكوفة وباحثت صاحب أصل الشيعة واقنعتنا بحججك الواضحة ثم طبعت ما دار بيننا ونشرته ليعرف الناس فضلك وان الحق في جانبك اما ما جئت ترمي به من مكان سحيق فما أجدره بقول القائل :

واذا ما خلا الجبان بأرض

طلب الطعن وحد والنزالا

وينبغي للأمم الاسلامية من جميع الفرق ان تبادر قبل فوات الفرصة الى العمل بنصائح هذا الرجل فتقتدي بحكومات الأمم الاسلامية وتدع الاقتداء بفقهاء الامة لتنال بذلك شرف الدين وصلاح الدنيا فإن حكومات الأمم الاسلامية اليوم هي ارشد في شرف دينها وصلاح دنياها من فقهاء الأمة ـ عند هذا الرجل. أليس كذلك فعلى المسلمين اليوم ـ حفظا لدينهم ودنياهم ـ ان يمشوا على نهج اعظم حكومة شيعية وأقوى حكومة سنية تركية. وان كانت أمهات الكتب في المدارس تبذر بذور العداء في قلوب الأساتذة والطلبة فقد اصبح الأساتذة والطلبة ـ والحمد لله ـ بفضل ما بذرته الوشيعة في قلوبهم من بذور الالفة والاتحاد مع غيرهم إخوانا على سرر متقابلين

وحكومة الدولة الايرانية ـ التي يقول عنها انها اخذت في اصلاح دين الأمة واعجبه ذلك غاية الاعجاب وقد منعت اشياء كثيرة غير ما ذكره واجابت اشياء كثيرة فكان عليه ان يذكر ذلك لنعرف أعجبه ذلك أيضا غاية الاعجاب أم دون الغاية أم لم يعجبه أصلا وان لا يقتصر على ذكر شيء واحد يوافق هواه. وشيعة علي وأهل البيت أقرب الى ان يطلعوا على ايمانه وعلى عقيدة أهل البيت من صاحب الوشيعة ومن المدارس والكليات الجديدة وكتبها.

المتعة شارة أهل البيت

مما اولع به هذا الرجل وكرره في كلامه على عادته في التطويل والتكرير الممقوتين وجعله نقدا على الشيعة قوله المتعة شارة أو شعار أو حلية لأهل البيت وللأمة ففي ص ٣١ كان الباقر والصادق يبالغان في المتعة ويقولان من لم يستحل متعتنا ولم يقل برجعتنا فليس منا ويجعلها علماء الشيعة شارة أهل البيت وشعار الأئمة وفي ص ١٢٦ تقول الشيعة تفتخران حلية المتعة وزينة التمتع شعار لأهل البيت وشارة لبيت النبوة ، وفي ص ١٢٧ وفي السكوت (من علي (ع)) هدم لحكم جليل من احكام الدين هو شعار له وشارة ، وفي ص ١٤١ ولم يكن علي ليسكت وهو يعلم ان المتعة بدرهمين حلال وشعار لبيت النبوة ، وفي ص ١٣٥ وجعل المتعة حلية لأهل

البيت او شارة وشعار للأئمة لا يكون إلا جنفا من نجف أو شنيعة من شيعة يصدق فيها قول القائل عدو عاقل خير من صديق جاهل ، وفي ص ١٣٥ بعد ما عبر عن المتعة بعبارات قبيحة قال فكيف يجعل شارة لبيت نبوة العرب إلا من عجمي كسروي مدائني اذا لقي عربيا سمعت له شهيقا وهو يفور يكاد يتميز من الغيظ وفي ص ١٤٤ لم يوجد للشيعة زخرفة إلا ان المتعة شارة لأهل البيت وشعار للأئمة وفي ص ١٤٨ ثم تعدت الشيعة واعتدت حتى ادعت ان المتعة شارة للأئمة وشعار لأهل البيت وفي ص ١٥٩ أي كلمة يمكن ان تكون اضيع من آية : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) لو قلنا ان متعة الشيعة شعار أهل البيت بيت النبوة وقلنا انها شارة ائمة الدين وفي ص ١٦٤ الزنا أقرب الى الحل من متعة تجعل شعارا لبيت نبوته ـ نبوة الشرع ـ.

ونقول : ليس المقام مقام مفاخرة وافتخار بل مقام بيان حكم شرعي ـ الشيعة ذكرته واستدلت عليه وهو لم يزد على تكرير العبارات الفارغة التي لا طائل تحتها وعلى السباب والشتم والبذاءة وسوء القول ولم يأت بدليل ولا شبه دليل فليفتخر ما شاء بتحريم ما أحله الله فتشدقه بهذه الألفاظ الممقوتة وتفاصحه جنفا من نجف. شنيعة من شيعة. لا يعود إلا بالمذمة والشناعة عليه ونسبة الجهل إليه واذا كان عدو عاقل خير من صديق جاهل فما قولك بعدو جاهل وكيف لا يجعل شارة لبيت نبوة العرب شرعه وأباحه نبي العرب والعجم ويجعل شارة للمسلمين ما لم يشرعه ذلك النبي وهو شعار العجم والمجوس وقد خالف بقوله من عجمي كسروي الخ قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) وقول نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى. ان احد خير من احد إلا بالتقوى. فشهيقه هذا وهو يفور يكاد يتميز من الغيظ سيؤدي به الى الثبور وقد وجد للشيعة الأدلة القاطعة المتقدمة لا ما زخرفه من انه لم يوجد لها زخرفة إلا انها شارة للبيت والشيعة لا تتعدى ولا تعتدي بل هو معتد في جعله الزنا أقرب الى الحل مما نزل بحله القرآن وجاءت به بعدم نسخه السنة المطهرة.

تجاوزه الحد في الافتراء والقذف والتشنيع وسوء القول

افرط هذا الرجل في تشنيعه وافترائه على الشرع المطهر وسوء قوله فجعل المتعة

زنا بل اقبح من الزنا فاستحق حد القاذف ولئن سلم من ذلك في الدنيا فلن يسلم منه في الآخرة.

فقال في ص ١٣٤ المتعة بأجرة سماها القرآن البغاء : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) واذا كان عرض المتعة واجرتها حراما والاكراه يوجب عقاب الله وغضبه فنفس العمل اشد وافحش ، وفي ص ١٤٥ اما متعة الشيعة اليوم فهو زنا مستحل ثم اكثر من امثال هذه الكلمات حسبما اداه إليه ادبه وتعصبه وتنصبه فقال : هي زنا فاحشة ومقتا وزيادة استحلال زيادة في الكفر وزيادة في الفساد بها يترك الرجل فراشه ويهجر ربة البيت فتكفر وتبرأ ثم تدعو على الآمر بها وتلعنه وبها تفسد العائلة وفي ص ١٦٤ فأي فرق بين متعة الشيعة وبين زنا برضا أو بقهر وان كان فرق فعلى فائدة حل الزنا اذ قد يكون زنا لا يكون فيه اتجار يهين المرأة والزنا أقرب الى الحل من متعة يتاجر بها الشرع ومن متعة تجعل شعارا لبيت نبوته ونبيها ابو أمته وازواجه امهات بناتها وفي ص ١٦٥ متعة الشيعة زنا وزيادة استحلال وعقيدة باطلة بدعوى التقرب بها الى الله.

(ونقول) زعمه ان المتعة سماها القرآن بغاء افتراء منه على القرآن فهي نكاح بعقد ومهر اجازه القرآن وابداله المهر بالأجرة لقصد التشنيع لا يعود إلا بالشناعة عليه وجعله ذلك من قبيل اكراه الفتيات على البغاء بغي منه وعناد للحق وافتراء على كتاب الله فإكراه الفتيات كان من المشركين على الزنا والبغاء بأجرة بدون محلل شرعي وقد نهى الله عنه في كتابه كما نهى عن سائر المحرمات والمتعة بعقد ومهر الى اجل قد رخص الله فيه في كتابه واعترف جملة من اجلاء الصحابة بعدم نسخه وفعلته الصحابة في عصر الرسالة وبعده وفعله التابعون فتسوية احدهما بالآخر عين الجهل والعناد والافتراء على الكتاب والسنة والفحش الذي جاء في كلامه يوجب لقائله عقاب الله وغضبه ويلحق به فاحشة ومقتا وزيادة في الكفر وزيادة في الفساد وزيادة استحلال للحرام وعقيدة باطلة وكون الرجل بها يترك قرانه ويهجر ربة البيت فتفعل ما تفعل لا يفترق شيئا عن تعدد الزوجات وملك اليمين الذي لا ينحصر في عدد بالاتفاق فإنه يقال فيهما بذلك يترك الرجل فراشه ويهجر ربة البيت فتكفر وتبرأ ثم تدعو على الآمر به وتلعنه وبه تفسد العائلة فهل يوجب ذلك تحريم تعدد الزوجات؟ هذا علم

صاحبنا وهذه أدلته والاحكام الشرعية تثبت بنصوص الشارع لا بمثل هذه التلفيقات والكلمات التي لا طائل تحتها والتي تدل على جهل قائلها كقوله أيضا اتجار يهين المرأة متعة يتاجر بها الشرع فما احله الله لا إهانة فيه لاحد وانما هذا الكلام اهانة لشرع الله تعالى وتهجين لأحكامه واذا كان النبي أبا امته وازواجه امهات بناتها فهو بما شرعه واحله وامر به اعرف بما يهينها ويشرفها من هذا الرجل الذي جاء يكيل الدعاوي كيلا بلا دليل ولا برهان ان هذا الرجل يتهجم على الأحكام ويقول في المتعة انها زنا بل يفضل الزنا عليها وقد كذب بذلك نفسه في دعواه فيما تقدم انها كانت تنعقد دائما ويبطل الأجل وهذا يبطل افتراءه هنا بجعلها زنا. والامام أبو حنيفة وزفر قالا بانعقادها دائما وبطلان الأجل. على ان المسائل الخلافية والاجتهادية في النكاح لا يجوز نسبة احد فيها الى الزنا إذ لا أقل من كونه نكاح شبهة أفلا يكفي في حصول الشبهة استناد مستحلها الى الكتاب والسنة والاجماع وفتاوي ائمة أهل البيت والشرع الاسلامي صحح نكاح المجوس وسائر الفرق ولم يقل احدا انه زنا. ثم ما يقول فيما اذا خالف الامام الشافعي والإمام مالك في احدى الروايتين عنه بقية المذاهب الأربعة فقال بأنه يحل للرجل ان ينكح المتولدة من زناه كما حكاه الشعراني في ميزانه وغيره واشار إليه الزمخشري بقوله من ابيات :

وان شافعيا قلت قالوا بأنني

أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وما يقول في قول الإمام أبي حنيفة الذي حكاه الخطيب في تاريخ بغداد في ترجمة ابي حنيفة انه لو شهد شاهدان كذبا وهما يعلمان انهما كاذبان بأن فلانا طلق زوجته فحكم القاضي بطلاقها جاز لأحد الشاهدين ان يتزوجها. هل يقول ان ما حكم به الامامان الشافعي وابو حنيفة زنا أو يقول انه نكاح صحيح ويستشهد بذلك لذلك بقول البوصيري :

وكلهم من رسول الله ملتمس

غرفا من البحر أو رشفا من الديم

لا شك انه يقول بالثاني فإذا كيف يجعل زنا ما افتى به ائمة أهل البيت السجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم‌السلام وفقهاؤهم ووافقهم حبر الأمة ابن عباس وعدد غير يسير من اجلاء الصحابة والتابعين ووافقهم الامام مالك في احدى الروايتين كما مر وابن جريح فقيه مكة لا شك انه لا يجرأ على ذلك رجل يؤمن بالله

واليوم الآخر وعنده ذرة من علم. وهل كان الامام الصادق وباقي ائمة أهل البيت أقل فقها وعلما من ائمة المذاهب الأربعة حتى تكون فتواهم في تصحيح النكاح مقبولة وفتوى الصادق وباقي الأئمة غير مقبولة وهم ان لم يكونوا افقه من ائمة المذاهب فليسوا دونهم.

عباراته الشنيعة التي تفوه بها

قد استعمل في تهجين امر المتعة عبارات ذكرها في ص ١٣٥ و ١٣٩ و ١٤٠ و ١٤٦ و ١٦٠ و ١٦٢ لا يتفوه بها ذو علم وأدب ولا ترجع الى دليل مثل المتعة اتجار المرأة بفرجها ، ببدنها وعرضها المتعة تجرح شرف المرأة. المتعة اجارة المرأة نفسها ليتمتع بها الرجال أو تجارة المرأة بفرجها امتهان لها وهتك لشرفها. وفتك بعزتها. المتعة اجارة واجارة المنفعة بيع وتجارة ولم يستحل دين تجارة المرأة ببدنها وعرضها وشرفها وعفافها بذل المرأة نفسها في سبيل الهوى والحب إجابة لداعي الهوى اقرب الى العفاف والشرف من بذلها في سبيل حفنة من الحب. نحن نقول اداء التراويح جماعة شعار للسنة فهذا القول يمكن ان يكون له وجه ادبي وديني اما اتجار المرأة بفرجها فلن يكون إلا خزيا لا يدانيه خزي يحمر منه وجه الأدب ويسود منه جلد الاجرب. واخس رجل لا يرضى ان يتمتع احد بأخته أو بنته فكيف يستحلها الفقيه والامام في بنات الامة والمرأة اذا أجرت نفسها أو اتجرت بها مرة يتجنبها الرجال ومن يمكن ان يكون اكفر بالايمان في آية المحصنات من عاد يترك المحصنة ويتمتع بالتي تتجر ببدنها فتؤجره بكف من بر أو حفنة من شعير. والله يريد ان يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات ان تميلوا ميلا عظيما. من هم الذين يتبعون الشهوات هل هم الا الذين يستحلون التمتع بكف من بر ثم يقولون من لم يقل بكرّتنا ويستحل متعتنا فليس منا. يكفينا كل تعب في سبيل تحريم متعة النساء كلمة المتعة وحدها التي تجرح شرف المرأة فإن الانسان غاية للكون وللتشريع الى آخر ما تفلسف به مما لا طائل تحته ، وقد اكثر من سفاسفه هذه واطال في زخارفه واطنب في هذيانه فيما هو من هذا البحر وعلى هذه القافية وتجاوز الحد في سوء قوله واطال بما اوجب الملال وكرر واعاد على عادته الشنيعة وعاد الى هذه المهزلة مرارا بعبارات تركنا اكثرها لعدم فائدة في نقلها

واكتفينا بنموذج منها والاحكام الشرعية لا تثبت ولا تنتفي بتزويق العبارات وتنميقها وتجنيسها وتسجيعها. هتك وفتك. الحب والحب ولا بعبارات الفحش المنفرة والبذاءة ولا بالتكرير والتطويل وليس الحكم في حسم النزاع إلا الدليل. فالمتعة ان دل الدليل على اباحتها لم تحرم بهذه العبارات التي ملؤها البذاءة والفحش وان لم يدل الدليل على اباحتها كفى ذلك في حرمتها من غير حاجة الى هذه العبارات التي هي صفات قائلها. فتعبيره عما احله الله بهذه العبارات لا يكون إلا خزيا عليه لا يدانيه خزي يحمر منه وجه الدين ويسود منه جبين الحق ولكن هذا الرجل لا يحمر وجهه ولا يصفر من اقواله هذه التي اسود منها وجهه عند أهل الحق وتعبيره باتجار المرأة بفرجها وامثاله لا يشبه إلا قول من يريد ان يعيب التزوج ويستحسن الترهب فيقول التزوج اتجار المرأة بفرجها لأنها تأخذ المهر من الزوج ثمنا مقابل الوطي وتأخذ النفقة مقابل الاستمتاع وقول من يقول ان فلانا المتزوج بفلانة يمتهنها في شرفها يطئوها وينظر الى فرجها وينظر إليها عارية ويفعل ويفعل الى غير ذلك من الفاظ الفحش والبذاءة التي يمكن ان يعبر بها عن النكاح المحلل وهو بعينه قول من كان يأبى الصلاة من المشركين ويقول لا أحب ان يعلوني استي فيأبى الإسلام لذلك وهو بعينه فعل أهل الجاهلية في وأدهم بناتهم تخلصا من عار التزويج أو غيره وأراد هذا الرجل أن لا يفوته التشبه بهم فجعل ما أباحه شرع الاسلام ونطق بإباحته الكتاب والسنة واتفق جميع المسلمين على انه شرع واختلفوا في نسخه مثل الزنا بل على الزنا أقرب الى الشرف والعفاف منه وهذا رد على الله ورسوله وجميع علماء المسلمين الذين اتفقوا على انه شرع وسخرية بدين الله وذم له سواء أكانت شرعيتها باقية أم منسوخة وهذا ما لا يستحله دين من الأديان وحفنة من الحب التي كرر ذكرها في كل مناسبة ليعيب ويشنع بها قد ذكرنا مرارا انها يصح ان تجعل مهرا في كل نكاح ، وقد نقل ذلك هو عمن حرمها في قوله فالآن من شاء نكح بقبضته وفارق عن ثلاث فما بالك تعيب يلزمك عيبه كما ذكرنا غير مرة اتفاق المسلمين على ان كل ما يتمول يصح كونه مهرا قل وكثر وقد كان في عصر الرسالة يكون المهر تعليم سورة وكون اخس رجل لا يرضى ان تتمتع اخته أو بنته قد مر اعتراض احد ائمة المذاهب به على هشام بن الحكم فأجابه بأنه شيء احله الله وان ابته نفسي فما حيلتي ولكن ما تقول في

النبيذ؟ قال حلال ، قال أيسرك ان تكون اختك او بنتك نباذة فأفحمه كما ان قوله اجارة المرأة نفسها ليتمتع بها الرجال يمكن ان يقال مثله في النكاح الدائم بأنه بيع المرأة نفسها ليتمتع بها الرجال ويطؤها الزوج ويفعل كذا وكذا واذا طلقت تمتع بها زوج آخر فاذا طلقت تمتع بها ثالث فتكون قد باعت نفسها ليتمتع بها الرجال أليس كل ذلك حق وواقع في الشرع فهل هو عيب إلا على قائله واذا صح له دعوى ان المتعة اجارة لأنها الى اجل بمال صح ان يدعي ان النكاح الدائم بيع لأنه تمليك لا الى اجل بمال. اما استشهاده بالجماعة في التراويح والجماعة في الفرائض فكل عبادة لم يرد فيها رخصة من الشارع لا يمكن ان يكون لها وجه أدبي ووجه ديني والذي سن الجماعة في التراويح لقصد الاجتماع على العبادة هو الذي حرم المتعة في شأن عمرو بن حريث لما تمتع بامرأة فحملت فرأى فيها مفسدة وهو الذي اسقط حي على خير العمل من الأذان والإقامة لئلا يعلم الناس ان الصلاة خير العمل فيتركوا الجهاد وهو الذي امضى الطلاق ثلاثا بلفظ واحد قصدا لردع الناس عن الطلاق وكان يرى الاجتهاد في الاحكام وكان له في ذلك قصد حسن ولكننا بعد ان علمنا ان الله اكمل الدين وانقطع الوحي وليس لأحد ان يجتهد في تغيير الاحكام لم يلزمنا اتباعه أما الجماعة في الفرائض فمن ضروريات دين الاسلام فلا وجه لذكرها في المقام إلا التطويل وقوله إذا آجرت المرأة نفسها أو اتجرت بها مرة يتجنبها الرجل مما يضحك الثكلى فهي لم تفعل ذلك وإنما تزوجت بعقد ومهر الى اجل بإباحة من الله ورسوله فإن كان ذلك اجارة وتجارة فليكن الدائم بيعا وتجارة كما مر ، واما انه يتجنبها الرجال فمع فرض صحته يأتي مثله في الطلاق فمن تزوجت وطلقت مرارا يتجنبها الرجال فيلزم على مقتضى قوله ان لا يشرع الطلاق واذا فرض ان شيئا مباحا يوجب تجنب الرجال لها لا يجعله ذلك محرما ودعواه ان لفظ المتعة وحده يكفيه في تحريمها طريفة جدا فلفظ المتعة قد جاء في القرآن بلا ريب بآية فما استمتعتم وهو يقول انها واردة في النكاح الدائم فإذا هي كافية في تحريم النكاح الدائم ومن يمكن ان يكون اكفر بالإيمان في آية حل المحصنات من عاد يفضل الزنا على ما احله الله ويتلاعب بالآيات ويحملها على هواه وما احقه بقوله تعالى : (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) من هم الذين يتبعون الشهوات هل هم إلا امثال هذا الرجل الذي يحرم ما احله الله ورسوله اتباعا لشهوة نفسه وميلا مع هواه.

قال ص ١٢٦ واذا افتلينا كتب الشيعة واجتلينا حالها في حلية المتعة فلا علينا إلا ان اقتفينا اجتهاد ائمة المذاهب واقتدينا به ثم اكتفينا بنوره واهتدينا به الى هدى الله في كتابه.

(ونقول) لا نكلفه افتلاء كتب الشيعة بل يكفيه ان ينظر نظرة واحدة في كتب قومه بشيء من الانصاف فيتضح له ان ما نزل به الكتاب وأباحه النبي الكريم وعملت به الصحابة والتابعون عدة سنين لم يكن لأحد ان يحرمه برأيه وهو غير معصوم وان ابى فله اقتفاؤه اجتهاد ائمة مذهبه واقتداؤه بهم ولنا اقتفاؤنا لأهل بيت نبينا وائمة مذهبنا الذين ندعي بهم يوم يدعى كل اناس بإمامهم واقتداؤنا بهم. امتثالا لقول نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي. اني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وعتري أهل بيتي. وقد اكتفينا بنورهم واهتدينا به الى هدى الله في كتابه فأي الفريقين احق بالاصابة. واحق بالأمن وهيهات ان يهدي الى هدى الله في كتابه الأنور يخرج من مشكاة بيت النبوة ومصابيح الهدى ائمة بيت النبوة. مع ان افتاء ائمة المذاهب كلهم بتحريمها غير صحيح لافتاء الامام مالك بها كما مر ونحن قد افتلينا وشيعته فما وجدنا فيها إلا الدعاوي الفارغة والمخالفات لإجماع المسلمين واعلم ان المتعة عند الشيعة ان وقعت فإنما تقع نادرا وفي حالات استثنائية وهم يرونها عيبا وان كانت حلالا فليس كل حلال يفعل.

اعتذاره عن التطويل

قال ص ١٤٨ لقد علمت اني أسهبت اسهابا انتهى بي الى الاملال وعذري فيه ان مسألة شرف النساء او ابتذالهن له في حياتنا الاجتماعية الأدبية اهمية عظيمة وأحاديث المتعة متضاربة متعبة لا تطمئن قلب الفقيه المجتهد وكتب الشيعة قد اسرفت في القول بها ابتيارا والوضع فيها ابتهارا حتى عدت عدوانا وعادت عداء فعدت سفح ماء الحياة في غوار المتمتعات تقربا الى الله ارغاما لمن استنصر الله به في دينه ثم تعدت واعتدت حتى ادعت ان المتعة شعارا لأهل البيت نزل فيها القرآن الكريم ا ه. باختصار.

(ونقول) : لقد صدق في انه اسهب واطال بما ادى الى الاملال بدون جدوى ولا شبه جدوى سوى الفاظ مزوقة مجنسة مسجعة بما زادها برودة وسماجة ابتيارا ابتهارا عدت عدوانا عادت عداء فعدت تعدت واعتدت ادعت مدّعيا انه يريد المحافظة على شرف النساء والله ورسوله اعظم محافظة على شرفهن بما اودع في الكتاب العزيز والسنة المطهرة في هذه المسألة. ويا ليته اتى بشيء يصح الاعتماد عليه في هذه الاخبار المتضاربة التي كشف تضاربها عن الوضع فيها انتصارا لمن حرمها باجتهاده وارغاما لمن احلها بدلالة الكتاب والسنة لا عن الوضع في ما روته الشيعة كما زعم وهذه الأحاديث المتضاربة المتبعة قد اتعب اناس قبله انفسهم في ترقيعها واصلاحها فلم يستطيعوا ولم يأتوا بشيء كما بيناه في الحصون المنيعة وهم كانوا اعلم منه واعرف واقدر على التوجيه والاصلاح ولا يصل هو الى ما يقارب درجة ادناهم والشيعة اشد ورعا واعظم تقوى من الاسراف في القول والوضع والعداء بغير حق بما ورثته عن ائمتها الطاهرين وأهل بيت نبيها الطيبين وما نسبت الى اهل البيت إلا ما افتوا به والى القرآن الكريم إلا ما نزل فيه وإنما الاسراف والابتيار والوضع والابتهار والتعدي والاعتداء منه ومن امثاله.

المعاوضة في النكاح

قال ص ١٥٧ واذا نظر الفقيه الحصين الى عقد النكاح يراه عقد معاهدة حيوية تأخذ المرأة ميثاقها الغليظ من زوجها وان وجدنا او ادعينا في عقد النكاح معنى المعاوضة فأصل المعاوضة بين الزوجين فلذلك لا ينعقد عقد النكاح إلا بذكرهما في الايجاب والقبول وإلا بحضورهما في المجلس وتسلم كل للآخر والمال من طرف المرء ليس بعوض أصلا ابدا لكنه زائد وجب عليه لها على سبيل الكرامة.

(ونقول :) هذه فلسفة جديدة في النكاح ونوع جديد من العلم اختص به هذا الرجل ولم يطلع عليه فقهاء المسلمين فكلهم يقولون ان المهر عوض البضع والمعاوضة بين الزوجين بمعنى ان من احدهما العوض ومن الآخر المعوض. نعم جوز الشارع العقد بدون ذكر المهر تسهيلا لأمر التزويج فيثبت مهر المثل بالدخول وهذا لا ينفي كون المهر عوض البضع. أما هو فيقول المعاوضة بين الزوجين بمعنى ان

احدهما عوض والآخر معوض لكنه لم يبين ايهما العوض وايهما المعوض فهل الزوجة عوض الزوج أو الزوج عوض الزوجة هذا بقي مبهما في كلامه. واغرب من ذلك تعليله بأن النكاح لا ينعقد إلا بذكرهما في الإيجاب والقبول مع ان كل عقد كذلك ففي البيع يقال بعتك كذا بكذا فيقول قبلت كما يقال زوجتك فلانة بمهر كذا فيقول قبلت والميثاق الغليظ الذي اخذته الزوجة من الزوج وهو العقد قد ذكره الله تعالى في معرض التوبيخ للزوج على اخذ شيء من المهر بقوله تعالى : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) فدل على ان الميثاق الغليظ كان على المهر وان المعاوضة بين البضع والمهر فهو يدل على خلاف ما ادعاه ويثبت ما نفاه. وأغرب من هذا التعليل تعليله بأنه لا ينعقد عقد النكاح إلا بحضور الزوجين في المجلس وتسلم كل الآخر فإنه لم يسمع من مسلم عالم ولا جاهل قبله وكأنه اخذه من الذين لا يزال مستشهدا بأحكام كتابهم.

صاحب كتاب اصل الشيعة

قال ص ١٤٩ صاحب كتاب اصل الشيعة قد اتى بفرية كبيرة بهيتة اذ تكلم على طبقات الشيعة وافترى ابتهارا من غير استحياء على كل من ذكرهم فيها بالتشيع الذي عليه شيعة اليوم هم براء من كل عقيدة ابدعتها امهات كتب الشيعة. كل يؤمن ايمان علي ويتولى كل صحابي يغسل رجليه ويمسح على خفيه لم يكن لأحد منهم عقيدة الشيعة في الامامة نعم كل كان يحب أهل البيت محبة أهل السنة والجماعة لهم :

فإن كان في حب الحبيب حبيبه

حدود لقد حلت عليه حدود

(ونقول) لم يزد في كلامه على سوء القول بدون حجة وليس ذلك من دأب أهل العلم. وامهات كتب الشيعة كأصحابها منزهة عن الابتداع ليس دأبها إلا الاتباع للحق وان وجد فيها ما لم يصح فهو موجود في سواها والذين ذكرهم صاحب اصل الشيعة في طبقات الشيعة الله اعلم بعقائدهم وسرائرهم ، وكونهم ليسوا على عقيدة الشيعة اليوم لم يأت عليه بدليل فهذا الكلام لا يفيد إلا التطويل واما محبة أهل البيت فقد ذكرنا عند تعرضه لها كيف يجب ان تكون. والبيت الذي استشهد به

الأولى ان يقال بدله :

وكل محب كان في الحب صادقا

فعن طاعة المحبوب ليس يحيد

خبر حسبنا كتاب ربنا

قال في ص ١٤٤ بعد ما ذكر جملة من فضائل الخليفة الثاني ان النبي وافقه في آخر عهد من حياته حين قال حسبنا كتاب ربنا. لم ينكر قوله وانما انكر نزاع الناس فقال قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع وقال انه لا يرتاب في ان هذا وفاق من النبي له.

(ونقول) خبر حسبنا كتاب ربنا كان الأولى به ان لا يتعرض له ولا يضطرنا الى الجواب عن كلامه فيه لأنه قد اقترن بقوله غلب عليه الوجع وغلبه الوجع وكان ابن عباس يقول ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم رواه البخاري في صحيحه في باب قول المريض قوموا عني ورواه ابن سعد في الطبقات وفي رواية أخرى للبخاري فقالوا ما شأنه أهجر وروى هذه الرواية الطبري في تاريخه وابن سعد في الطبقات وفي رواية اخرى لابن سعد في الطبقات فقال بعض من كان عنده ان نبي الله ليهجر وفي رواية اخرى لابن سعد فقالوا انما يهجر رسول الله وفي رواية للطبري في تاريخه فقالوا ان رسول الله يهجر وذلك يبطل كل ما قاله هذا الرجل.

رعية الامام الجائر والامام العادل

قال ص ٣٥ روى الكافي ان الباقر كان يقول : ان الله قال لأعذبن كل رعية دانت بولاية إمام جائر ولا استحي وان كانت الرعية في اعمالها بررة تقية ولا عفون عن كل رعية في الاسلام دانت بولاية إمام عادل من الله ولا استحي وان كانت الرعية ظالمة مسيئة في أي كتاب قال الله هذه الكلمات ثم ما الفائدة من أمثال هذه الكلمات.

ونقول : قد بينا فيما سلف ان الكتب فيها الغث والسمين والصحيح والسقيم

ولكنا نقول من دان بولاية إمام جائر كان شريكا له في جوره ولا يمكن ان يكون برا تقيا في كل اعماله واذا عمل بعض اعمال البر يجوزان لا يقبلها الله لأنه انما يتقبل من المتقين ويكون ابعد عن عفو الله لأنه مشاق له في عقيدته والعقيدة يكون المخطئ فيها أبعد عن العذر لأن الله تعالى أقام الحجج والبراهين الساطعة ووهب للناس العقول التي يميزون بها بين الحق والباطل فالمخالف للحق في عقيدته اما معاند أو مقصر بخلاف من يرتكب المعصية لشهوة دعته الى ذلك فيرجى له ان يشمله الله بعفوه اذا لم يقصر في عقائده وان صح الحديث جاز ان يكون من الأحاديث القدسية التي رواها الباقر عن آبائه عن جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عن الله تعالى. والفائدة من امثال هذه الكلمات هي تهجين الجور والظلم والمبالغة في الردع عن معاونة الظالم على ظلمه والحث على العدل وعلى معاونة العادل على عدله. وقد نسي هو او تناسى اطالته الكلام في اشياء كثيرة لا فائدة فيها.

النسيء

قال ص ٣٥ ـ ٣٦ ما هو النسيء الذي هو زيادة في الكفر وهل كان له عند العرب قبل الاسلام نظام يدور عليه حساب السنين وسنو عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل عدّت على وفق نظام النسيء أو كان للعرب تقويم خال عن النسيء به كان يعد عمر الانسان في الوافي الكتاب ٥ ص ٤٥ ان حساب الشهور عند الأئمة كان روميا ما وجه اتخاذ الأئمة حساب الروم وشهورهم وسنيهم وحساب العرب كان عربيا وتاريخ الهجرة عربي ما وجه اتباع الروم ووجه الابتداع.

ونقول : النسيء فعيل من النسء وهو التأخير. وسميت العصا منسأة لأنه يؤخر بها الشيء ويبعد (والنسيء) هو جعل شهر من الأشهر الحرم مكان شهر كانوا في الجاهلية اذا احتاجوا الى القتال في شهر من الأشهر الحرم قاتلوا فيه وجعلوا مكانه شهرا آخر قال الله تعالى في سورة التوبة : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) ثلاثة منها سرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد فرد وهو رجب وكانت العرب تحرم القتال في الشهور الأربعة. في مجمع البيان : وذلك مما تمسكت به من ملة ابراهيم واسماعيل ثم قال

الله تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) في مجمع البيان : كانوا اصحاب غارات وحروب فربما كان يشق عليهم ان يمكثوا ثلاثة اشهر متوالية لا يعزون فيها فكانوا يؤخرون تحريم المحرم الى صفر فيحرمونه ويستحلون المحرم فيمكثون بذلك زمانا ثم يزول التحريم الى المحرم ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة ، قال ابن عباس معنى زيادة في الكفر انهم احلوا ما حرم الله وحرموا ما احل الله ثم ذكر ان الذي كان ينسؤهما كان يقول اني قد نسأت المحرم العام وهما العام صفران فاذا كان العام القابل قضينا فجعلناهما محرمين وقال مجاهد : كان المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين وفي المحرم عامين وفي صفر عامين وكذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة ثم حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العام القابل حجة الوداع فوافقت في ذي الحجة فذلك حين قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألا وان الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم. اراد ان الأشهر الحرم عادت الى مواضعها وعاد الحج الى ذي الحجة وبطل النسيء ا ه. وفي تفسير الرازي ان القوم علموا انهم لو رتبوا حسابهم على السنة القمرية فانه يقع حجهم تارة في الصيف وتارة في الشتاء وكان يشق عليهم الأسفار ولم ينتفعوا بها في المرابحات والتجارات لأن سائر الناس من سائر البلاد ما كانوا يحضرون إلا في الأوقات اللائقة الموافقة فعلموا ان بناء الأمر على رعاية السنة القمرية يخل بمصالح الدنيا فتركوا ذلك واعتبروا السنة شمسية ولما كانت السنة الشمسية زائدة على السنة القمرية بمقدار معين احتاجوا الى الكبيسة وحصل لهم بسبب تلك الكبيسة امران هما جعل بعض السنين ثلاثة عشر شهرا وانتقال الحج من بعض الشهور القمرية الى غيره فكان الحج يقع في بعض السنين في ذي الحجة وبعده في المحرم وبعده في صفر وهكذا في الدور حتى ينتهي بعد مرة مخصوصة مرة اخرى فحصل بسبب الكبيسة هذان الأمران الزيادة في عدة الشهور وتأخير الحرمة الحاصلة لشهر الى غيره ثم قال واما المفسرون فانهم ذكروا في سبب هذا التأخير وجها آخر فقالوا ان العرب كانت تحرم الشهور الأربعة وكان ذلك شريعة ثابتة من زمان ابراهيم واسماعيل عليهما‌السلام وكانت العرب اصحاب حروب وغارات فشق عليهم ان يمكثوا ثلاثة اشهر متوالية لا يغزون فيها وقالوا ان توالت ثلاثة اشهر حرم لا نصيب فيها شيئا لنهلكن

وكانوا يؤخرون تحريم المحرم الى صفر فيحرمونه ويستحلون المحرم.

قال الواحدي واكثر العلماء ان هذا التأخير ما كان يختص بشهر واحد بل كان ذلك حاصلا في كل الشهور وهذا القول عندنا هو الصحيح على ما قررناه ا ه. يعني انهم كانوا اذا اخروا المحرم الى صفر اخروا صفر الى ربيع وهكذا حتى ينتهي بعد مدة الى ذي الحجة ونظامه عند العرب في الجاهلية الذي يدور عليه حساب السنين هو هذا الذي نقله الواحدي عن اكثر العلماء. وسنو عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن تعد على وفق النسيء بحيث تخالف عدد الشهور نعم ذكروا في سيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه حملت به أمه ايام التشريق من ذي الحجة وولد في ربيع الأول فإن كان ربيع تلك السنة كان حمله أقل من ستة اشهر ولا يكون الحمل أقل من ستة اشهر بنص القرآن وان كان ربيع السنة القابلة كانت مرة حملت اكثر من سنة وهو خلاف ما اتفق عليه فقهاء أهل البيت ورواياتهم من ان اقصى مرة الحمل سنة واجيب باحتمال ان يكون ذلك محمولا على النسيء بأن يكون ذو الحجة الذي حملت فيه هو شهر آخر غير ذي الحجة لأجل النسيء ولعله يريد هذا. اما عند من قال بجواز تأخر الحمل اكثر من سنة بل سنين فلا يجيء هذا اشكال. واما ما ذكره من ان في الوافي ان حساب الشهور كان عند الأئمة روميا فهو يشير الى ما في الوافي ج ٥ ص ٤٥ عن الفقيه والتهذيب عن عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم وفي النصف من تموز على قدم ونصف وفي النصف من آب على قدمين ونصف وفي النصف من ايلول على ثلاثة أقدام ونصف وفي النصف من تشرين الأول على خمسة ونصف وفي النصف من تشرين الآخر على سبعة ونصف وفي النصف من كانون الأول على تسعة ونصف وفي النصف من كانون الآخر على سبعة ونصف وفي النصف من شباط على خمسة ونصف وفي النصف من آذار على ثلاثة ونصف وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف وفي النصف من أيار على قدم ونصف وفي النصف من حزيران على نصف قدم ا ه. قال صاحب الوافي : هذا الحديث يبين اختلاف الظل الباقي عند الزوال بحسب الأزمنة كما أشرنا إليه سابقا والظاهر انه مختص بالعراق وما قاربها كما قاله بعض علمائنا ا ه. وغير خفي ان حساب زوال الشمس وتقديره بالاقدام لا يتم إلا على الحساب الشمسي الرومي للشهور لا على الحساب العربي القمري. وهذا ليس معناه ان حساب الشهور كان عند الأئمة

روميا كما لا يخفى ولا يتوهمه من عنده ادنى معرفة حتى يسأل عن وجه اتخاذ الأئمة حساب الروم وشهورهم وسنيهم مع ان حساب العرب وتاريخ الهجرة كان عربيا ويجعل ذلك ابتداعا بل هذه فضيلة ومنقبة للإمام الصادق عليه‌السلام وفي تطبيقه معرفة زوال الشمس بالاقدام على الأشهر الرومية التي لا يمكن معرفته وتطبيقه إلا عليها وما ربط هذا بالنسيء وبسني عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

حجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال ص ٢٦ نحن نعلم ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد حج بعد الهجرة حجة واحدة ويقول الباقر والامام الصادق ان النبي قد حج بمكة مع قومه عشرين حجة كلها كانت مستترة لأجل النسيء كان في قومه كثرة قبل النبوة فكيف امكن له الاستتار ولم يكن بعد النبوة فرض الحج بمكة ولم يكن متعبدا بعد النبوة إلا بشرعه فعلى أي شريعة كان يحج وهل كان يحضر في مواسم الحج مع الناس.

(ونقول) اتفق المسلمون كافة على انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يحج بعد الهجرة إلا حجة واحدة وهي التي تسمى حجة الوداع أو حجة الاسلام. رواه الكليني في الكافي بسنده عن جعفر عليه‌السلام. (لعله ابي جعفر) وقال ابن سعد في الطبقات الكبير : قالوا انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اقام بالمدينة عشر سنين يضحي ولا يحج حتى كان في ذي القعدة سنة عشر من الهجرة فحج حجة الوداع ا ه. وفي السيرة الحلبية لم يحج صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة غيرها قيل لا خراج الكفار الحج عن وقته لأن أهل الجاهلية كانوا يؤخرون الحج في كل عام احد عشر يوما حتى يدور الدور الى ثلاث وثلاثين سنة فيعود الى وقته فلذلك قال عليه الصلاة والسلام في هذه الحجة إلا ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض فإن هذه الحجة كانت في السنة التي عاد فيها الحج الى وقته وكانت سنة عشر.

واما حجاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل النبوة ففي رواية الكليني السابقة انه حج بمكة مع قومه حجات. وفي رواية الكليني بسنده عن الصادق عليه‌السلام حج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشر حجات مستترا في كلها يمر بالمأزمين فينزل فيبول. وفي رواية عشرين حجة روى محمد بن ادريس الحلي في آخر السرائر عن جامع البزنطي عن زرارة سمعت أبا

جعفر وأبا عبد الله من بعده عليهما‌السلام يقولان حج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشرين حجة مستترة منها عشر حجج أو قال سبع ـ الوهم من الراوي ـ قبل النبوة ا ه. هذه هي الروايات الواردة في ذلك من طرقنا وليس فيها ان الاستتار كان لأجل النسيء كما قال فيمكن كونه لأجله فإن حجهم بسبب النسيء كان يقع في غير اشهر الحج فيحج هو في اشهر الحج مستترا ويمكن انه كان يستتر في بعض اعمال حجة عنهم لأنهم كانوا أهل جاهلية يخالفون الشرع في بعض اعمال الشرع التي منها انهم كانوا يقفون بجمع وهو مع بقية العرب يقف بعرفة كما يأتي. أما غيرنا فاختلفوا كم حج قبل الهجرة بعد اتفاقهم على انه لم يحج بعدها إلا حجة واحدة فقيل : حج بعد النبوة قبل الهجرة حجة واحدة رواه ابن سعد في الطبقات بسنده عن مجاهد. وقيل حج بعد النبوة قبل الهجرة حجتين وهما اللتان كان عندهما بيعتا العقبة الأولى والثانية وان الحجة التي بايعه فيها ثمانية أو ستة من الأنصار كما يأتي هي العقبة الأولى لا غيرها لكن ابن سعد قال انها غيرها. وقيل انه حج بعد النبوة قبل الهجرة ثلاث حجات (احداها) قبل العقبة الأولى وهي التي اسلم فيها ثمانية أو ستة من الأنصار حين عرض عليهم‌السلام بمنى. (والثانية) الحجة التي لقي فيها اثني عشر رجلا من الأوس والخزرج (والثالثة) الحجة التي بايعه فيها السبعون عند العقبة الثانية قاله ابن سعد في الطبقات. وفي السيرة النبوية لدحلان انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يحج بعد فرض الحج غير حجة الوداع قال قال ابو إسحاق السبيعي : وحج وهو بمكة اخرى ولكن قوله اخرى يوهم انه لم يحج قبل الهجرة إلا واحدة وليس كذلك بل حج قبلها مرارا قيل حجتين وقيل ثلاث حجج قال : والحق الذي لا ارتاب فيه كما في شرح الزرقاني على المواهب انه لم يترك الحج وهو بمكة لأن قريشا في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج. واذا كانوا وهم على غير دين ـ يحرضون على اقامة الحج فكيف يظن به انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتركه قال وقد ثبت حديث جبير بن مطعم انه رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واقفا بعرفة وانه من توفيق الله له وكانت قريش تقف بجمع ولا تخرج من ارض الحرم وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخالفهم ويصل الى عرفة ويقف بها مع بقية العرب. وصح انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدعو قبائل العرب الى الاسلام بمنى ثلاث سنين متوالية قال الزرقاني فلا يقبل نفي ابن سعد انه لم يحج بعد النبوة إلا حجة الوداع لأن المثبت مقدم على الثاني ولذلك قال ابن الجوزي حج قبل النبوة وبعدها حجات لا يعلم عددها ، وقال ابن الأثير في النهاية كان يحج كل سنة قبل ان

يهاجر ا ه. كلام دحلان. واذا كان بقاؤه بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة ثلاث عشرة سنة يكون قد حج بعد النبوة وقبل الهجرة ثلاث عشرة حجة ـ وحينئذ فما ورد في رواياتنا كما سبق من انه حج مع قومه قبل الهجرة عشرين حجة هو الصواب يكون حج سبعا قبل البعثة وثلاث عشرة بعدها أو ثمانية قبلها واثنتي عشرة بعدها.

واما فرض الحج ففي السيرة الحلبية قال الجمهور : فرض الحج كان سنة ست من الهجرة وقيل سنة تسع وقيل سنة عشر وقيل فرض قبل الهجرة واستغرب ا ه.

اذا عرفت ذلك كله علمت ان حجه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الهجرة أو قبل النبوة أو بعدها عدة حجات بمكة مع قومه لا يختص برواياتنا عن الامامين الباقر والصادق عليهما‌السلام وان حجة بعد النبوة قبل الهجرة لا بد ان يكون قبل فرض الحج في شرع الاسلام لأنه لم يفرض إلا بعد الهجرة كما عرفت. اما انه كان في قومه كثرة فكيف امكنه الاستتار فكثرة قومه لا تمنعه من الاستتار بأن يحج وحده أو مع قومه ويستتر في بعض الأعمال. واما انه بعد النبوة لم يكن فرض الحج بمكة ولم يكن متعبدا بعد النبوة إلا بشرعه فلا يختص بنا فإن ورد علينا ورد على غيرنا وهذا يدل على قلة اطلاعه. واذا ثبت انه كان يحج قبل ان يفرض الحج فلا بد ان يكون ذلك على شريعة غيره واعتراضه بأنه بعد النبوة لم يكن متعبدا إلا بشرعه غير وارد لأن ذلك انما يسلم فيما له فيه شرع أما قبل فرض الحج في شرعه فلا مانع ان يتعبد فيه بشرع غيره ويمكن ان يكون قد شرع الحج في حقه خاصة بعد النبوة وان لم يكن قد شرع في حق غيره. واما قبل النبوة فحال الحج كغيره من الاحكام والعبادات وللأصوليين خلاف مشهور في انه قبل النبوة هل كان متعبدا بشرعه أو بشرع غيره. ومن ذلك يعلم الجواب عن قوله هل كان يحضر في مواسم الحج وكيف كان فإيراد هذه المسائل في فقه عقائد الشيعة لا وجه له.

قال ص ٣٦ حج ابو بكر وعلي مع الناس في السنة التاسعة. تقول كتب الشيعة ان حج السنة التاسعة كان في ذي القعدة في دور النسيء ، وكيف يصح ذلك والكتاب الكريم سماه يوم الحج الأكبر.

ونقول : كتب الشيعة التي بأيدينا لم نجد فيها ما ذكره ففي مصباح المتهجد للشيخ الطوسي : في اوّل يوم من ذي الحجة سنة تسع من الهجرة بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سورة

براءة حين نزلت عليه مع أبي بكر ثم نزل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه لا يؤديها عنك إلا انت أو رجل منك فأنفذ عليا حتى لحق أبا بكر فأخذها منه وهو صريح في ان حج تلك السنة كان في ذي الحجة لا في ذي القعدة وقال الطبرسي في تفسير قوله تعالى : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) اختلف في هذه الأشهر الأربعة فضل ابتداؤها يوم النحر عن مجاهد وهو المروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقيل من أول شوال وقيل ابتداؤها يوم النحر لعشرين من ذي القعدة لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت ثم صار في السنة الثانية في ذي الحجة وفيها حجة الوداع وكان سبب ذلك النسيء عن الجبائي فهو لم يقل ان حج تلك السنة كان في ذي القعدة بل نقله عن الجبائي ولم ندر ما هي كتب الشيعة التي تقول ذلك وان كانت تقول ذلك وقد شاركتها في هذا القول كتب غير الشيعة. قال الامام الرازي في تفسير الآية : اختلفوا في هذه الأشهر الأربعة فقيل ان ابتداءها شوال وقيل ابتداؤها العشرون من ذي الحجة وقيل ابتداء تلك المدة كان من عشر ذي القعدة الى عشر من ربيع الأول لأن الحج في تلك السنة كان في ذلك الوقت بسبب النسيء الذي كان فيهم ثم صار في السنة الثانية في ذي الحجة أي حجة الوداع. والدليل عليه قوله عليه الصلاة والسلام ألا ان الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض ا ه. فهو قد نقل ما نقله الطبرسي وظهر منه ترجيح القول الاخير. وفي الكشاف في تفسير (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) الى قوله (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) ثلاثة سرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد مفرد وهو رجب ومنه قوله عليه‌السلام في خطبته في حجة الوداع الا ان الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم. ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان والبعض رجعت الأشهر الى ما كانت عليه وعاد الحج في ذي الحجة وبطل النسيء الذي كان في الجاهلية وقد وافقت حجة الوداع ذي الحجة وكانت حجة أبي بكر قبلها في ذي القعدة ا ه. فظهر ان اسانيده ذلك الى كتب الشيعة وحدها كان عن قصور في اطلاعه وحينئذ فيسأل كيف حج ابو بكر وعلي في ذي القعدة في دور النسيء وهو من سنن الجاهلية ويمكن الجواب من وجهين (الأول) ان الحج لم يكن قد فرض بناء على انه قد فرض سنة عشر من الهجرة كما هو احد الأقوال المتقدمة

في الفصل الذي قبل هذا ويؤيده ان الحج لو كان مفروضا قبل سنة عشر لما تركه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدم استطاعته له بعيد لا سيما ان مكة المشرفة كانت قد فتحت سنة ثمان من الهجرة واذا لم يكن الحج مفروضا فلا مانع من حج ابي بكر وعلي في دور النسيء لغاية تبليغ علي سورة براءة (الثاني) يمكن ان يكون ابو بكر وعلي خرجا مع المشركين في حجهم في ذي القعدة وبلغ علي (ع) سورة براءة في الموسم ثم حج هو وابو بكر في ذي الحجة من تلك السنة وهذا الجواب يتم سواء أقلنا بأن الحج كان قد فرض أم لا ، وحينئذ فمن قال ان حج ابي بكر في السنة التاسعة كان في ذي القعدة يريد حجه مع الناس ولا ينافي ذلك ان يكون حج وحده حجا صحيحا والله اعلم. ومن هنا تعلم عدم المنافاة بين ذلك وبين تسميته في الكتاب الكريم بيوم الحج الأكبر إلا على القول بأن يوم الحج الأكبر يوم عرفة أو يوم النحر والقول بأنه وقع في ذي القعدة وقد عرفت ان شيخ الطائفة الطوسي قال في مصباحه انه وقع في ذي الحجة وان غيره من علماء غير الشيعة قالوا بوقوعه في ذي القعدة فتوجه عليهم الاعتراض اما على القول بأن الحج الأكبر هو مطلق الحج لأن العمرة تسمى الحج الأصغر أو انه سمي الحج الأكبر لاجتماع المسلمين والمشركين فيه فلا يرد هذا الاعتراض أيضا وكل ذلك يدل على قصور اطلاعه.

اسانيد الشيعة وغيرهم واخبارهم

قال ص ٤٦ بعد ذكر بعض اخبار نقلها من كتب الشيعة : وهذه وامثالها تشهد شهادة قطعية ان الشيعة تضع ولا تحسن الوضع لا ذوق للشيعة في الوضع ولا مهارة. تروي كتب الشيعة ان إماما من ائمة اهل البيت يقول : ذروا الناس فإن الناس اخذوا عن الناس وانتم اخذتم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي ص ٤٧ نقلا عن شرح الكافي للمجلسي (١ ـ ٢٨) ان شيوخنا رووا عن الباقر والصادق وكانت التقية شديدة وكانت الشيوخ تكتم الكتب فلما خلت الشيوخ وماتت وصلت كتب الشيوخ إلينا فقال امام من الأئمة حدثوا بها فإنها صادقة. تعترف الشيعة انه لم يكن عندها علم الحلال والحرام والمناسك الى زمن الباقر والصادق. نرى ان التقية جعلت وسيلة الى وضع الكتب. ثم جعل كل هذا دليلا على جواز العمل بالوجادة. هذا خلاصة

للشيعة في اسانيد الاخبار والكتب. يقول أهل العلم ان اخبار الشيعة متونها موضوعة واسانيدها كلها مفتعلة مختلقة. والوضع زمن الأموية والعباسية كان شائعا غاية الشيوع للدعوة والدعاية لأسباب سياسية. وقد كان اعداء الاسلام واعداء الدولة الاسلامية من اليهود والمجوس يتظاهرون بالدين نفاقا ويضعون الأحاديث مكرا بالدين واثارة للفتن. واصل الأكاذيب في احاديث الفضائل كان من الشيعة المتظاهرة واخرجتها العصبية من ذكر الفضائل الى تعداد الرذائل. وكل متن يناقض المعقول أو يخالف الأصول أو يعارض الثابت من المنقول فهو موضوع على الرسول وفي ص ٤٨ كان لأئمة الأمة رواية محيطة احاطت احاطة مفترقة مستغرقة على كل ما رويت (كذا) لم تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا حصتها وكان لهم دراية نافذة واسعة حتى نقدت الأحاديث بعد التثبت في اسانيدها نقد الصيارفة خالص النقود من زيوفها ثم دونت الجوامع في الصحاح ودونت المسانيد فيما صح وحسن وثبت من الأحاديث فما فات الأئمة شيء من سنن النبي واحاديثه ولم يدخل ولم يبق في كتب الأمة زيف أو دخيل.

وكان لهم دراية نافذة واسعة وكانت لهم رعاية صادقة ناصحة.

وفي ص ٤٩ وروايات أهل البيت ائمة الشيعة ان كان لهم رواية فكلها ينتهي الى علي امير المؤمنين وكل ما صح وثبت عن علي فقد روته ائمة الأمة قبل ائمة الشيعة بزمن وهم ادركوه وهم كانوا أعلم واحرص هذا ما للشيعة وما لائمة الأمة في مسألة الأسانيد والمتون. فإجلالا لأهل البيت واحتراما لأئمة الشيعة انكر كل اخبار الشيعة لو ثبت بعض ما في كتب الشيعة فالأئمة وأهل البيت جاهلة سيئة الأدب قليلة الدين. في ابواب ما نزل من الآيات في الأئمة والشيعة وفي اعداء أهل البيت دليل لا يزر عيبا على من يقول كل ما في كتب الشيعة موضوعة كل ما روي في تأويل الآيات وتنزيلها استخفاف بالقرآن ولعب بالآيات لا يدل إلا على جهل القائل بها لو ثبت اخبار الكافي في القرآن وفي تأويل الآيات وتنزيلها فلا قرآن ولا إسلام ولا شرف لأهل البيت ولا ذكر لهم.

(ونقول) الشيعة لا تضع ولا تحسن الوضع ولا ذوق لها فيه ولا مهارة ولا تحتاج إليه وهي غنية بما ورثته من علوم آل محمد مفاتيح باب مدينة العلم وشركاء

القرآن عن الوضع والكذب وغيرها قد يضع ويحسن الوضع ويكون له فيه ذوق ومهارة وقد يضع ولا يحسن الوضع ويكون وضعه بدون ذوق ومهارة كمن روى ما أبطأ عني جبرئيل إلا ظننت انه بعث الى فلان. وما ابطأ عني الوحي إلا ظننت انه نزل في آل فلان فواضع هذا لقلة ذوقه ومهارته لم يتفطن الى ان فيه نسبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الظن بعدول الباري تعالى عن نبوته والى الظن بأن نبوته قد انقطعت ومن شكره في استمرار النبوة أو ظن انقطاعها لم يكن مسلما فضلا عن ان يكون نبيا خاتم الأنبياء وسيدها وافضلها. وقد وضعوا لأمير الشام حين ادر عليهم الأموال من بيت مال المسلمين احاديث في ذم علي بن أبي طالب لم يكن لهم ذوق ولا مهارة في وضعها (منها) ان آية (وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) نزلت في علي بن ابي طالب (ومنها) ان عليا خطب بنت ابي جهل فخطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال في خطبته لاها الله لا تخطب بنت عدو الله على بنت رسول الله فاطمة بضعة مني من أذاها فقد آذاني حتى نظم ذلك مروان بن ابي حفصة شاعر بني العباس متقربا بذلك إليهم فقال :

وساء رسول الله اذا ساء بنته

بخطبته بنت اللعين أبي جهل

كما ذكره ابن ابي الحديد وغيره من المؤرخين فواضع هذا لا ذوق له في الوضع ولا مهارة فإنه لم يتفطن الى ان عليا في مكانته في الاسلام لا يمكن ان تصدق نسبة الافساد في الأرض إليه وانه لا يمكن ان يتزوج على الزهراء في حياتها وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو قال ذلك لكان قدحا في نبوته ـ والعياذ بالله ـ لتحريمه ما أحله الله؟ وان صح قول احد الأئمة الناس اخذوا عن الناس وانتم اخذتم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان راجعا الى الفتوى لا الى الرواية اذ كل من يروي يسند حديثه الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اما الفتوى فالشيعة تأخذ احكامها عن ائمة أهل البيت الذين اخذوا عن آبائهم عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرها يأخذ احكامه عن الناس من ائمة المذاهب الذين يعلم انهم يفتون بالاجتهاد الذي يجوز فيه الخطأ لكن صاحبه معذور أخطأ أم أصاب.

والشيعة كغيرهم قسموا اسانيد الاخبار والكتب الى اقسامها المعروفة عند الجميع من الصحيح والحسن والموثق والضعيف والمجهول والمرسل والمقطوع والمضمر والآحاد والمتواتر وغيرها من الأقسام المفصلة في كتب الدراية للشيعة ولغيرها. واما

تحمل الرواية فطرقه عندهم هي ما عند غيرهم كالسماع من الشيوخ والقراء عليهم والاجازة والوجادة وغيرها مما فضّل في كتب الدراية فسخه لطريقة الشيعة في الاسانيد وتحمل الرواية وابرازه لها بهذا الشكل تعصب منه وقلة امانة ، وقوله ان شيوخنا رووا الى قوله صادقة الدال على جواز تحمل الرواية بالوجادة لا غبار عليه فأنها احد طرق التحمل فذكره في معرضها النقد قلة انصاف وما ذا ينكر من اشتداد التقية المؤدي الى كتمان الكتب وهل كان جزاء من ينتمي الى ائمة اهل البيت ويأخذ دينه عنهم غير القتل بشر القتلات وافظعها. وقد حبس الرشيد محمد بن ابي عمير احد اصحاب الكاظم ورواة الحديث وضربه اشد الضرب ليدل على اصحاب موسى بن جعفر فكاد يبوح لشدة البلاء ثم عصمه الله ودفنت اخته كتبه في غرفة فتلفت بما اصابها من المطر وامثال هذا كثير لا يحصى وكم بنيت الحيطان على العلويين ووضعوا احياء في اساطين البناء وكم خلد شيعة أهل البيت في السجون واودعوا المطامير أليس بعض هذا كافيا في لزوم التقية؟ فقوله نرى ان التقية جعلت وسيلة الى وضع الكتب ثم جعل هذا دليلا على جواز العمل بالوجادة رأي فاسد ومقال جائر. التقية لم تجعل وسيلة الى وضع الكتب. والتقية التي لا يمكن انكار وجوبها لا يسوغ لمنصف ان يعيب بها ويجعلها نقدا ووضع الكتب على لسان ائمة أهل البيت والتوسل الى ذلك بالتقية لا داعي له حتى يرتكبه رواة الشيعة ، فإن كان الاحتياج الى الوضع لقلة علوم أهل البيت فهم ينابيع العلم والحكمة والذين امرنا بأن نتعلم منهم ولا نعلمهم وان كان حبا بالوضع والكذب فهؤلاء الرواة قد اتسموا بالعدالة والوثاقة والتحرز في كتب الرجال وهم ابعد عن الكذب والوضع من كل احد وان وجد بينهم مقروح فيه فالشيعة ترد احاديثه ولا تقبلها وجعله هذا الكلام دليلا على ان الشيعة لم يكن عندها علم الحلال والحرام والمناسك الى زمن الباقر والصادق عليهما‌السلام سوء فهم منه وعناد وتعصب فإذا كانت شيوخ الشيعة تكتم بعض الكتب المروية عنهما في زمن شدة التقية ثم ظهرت تلك الكتب عند خفة التقية فليس معناه انه ليس عند الشيعة غير هذه الكتب ، ولا ان الشيعة لم تكن تعلم ما في هذه الكتب من الحلال والحرام والمناسك وتعمل به كيف لا وهم رواتها وحفظتها وإنما المراد انها لم تكن منتشرة انتشارها زمن خفة التقية واوّل الكلام صريح في انها مروية عن الباقر والصادق ، ومعمول بها في

زمانهما وقبل زمانهما فكيف يقول لم يكن عندها علم الحلال والحرام إلى زمنهما ولكنه لا يدري ما يقول والشيعة ورثت علم الحلال والحرام والمناسك أولا عن امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام باب مدينة علم المصطفى وفاصل القضايا وحلال المشكلات والذي قال فيه الخليفة لو لا علي لهلك عمر قضية ولا ابو الحسن لها. لا عشت لمعضلة ليس لها ابو الحسن. وله من المؤلفات جمع القرآن وتأويله وكتاب املى فيه ستين نوعا من انواع علوم القرآن وذكر لكل نوع مثالا يخصه وهو الأصل لكل من كتب في انواع علوم القرآن. وكتاب الجامعة. وكتاب الجفر. وصحيفة الفرائض. وكتاب في زكاة النعم. وكتاب في أبواب الفقه. وكتاب آخر في الفقه. وعهده للأشتر. ووصيته لابن الحنفية. وكتاب عجائب احكامه. وقد تكلمنا على هذه الكتب في الجزء الأول من اعيان الشيعة (ص ١٥٤ ـ ١٨٧) ثم عن أولاده ائمة الهدى ومصابيح الدجى واحد الثقلين واحدا بعد واحد وإنما كان انتشار ذلك في زمن الصادقين. وحاشا اهل العلم ان يقولوا في اخبار الشيعة ومتونها ما ذكره وان قاله قائل فهو من أهل الجهل بل هو اجهل من كل جاهل وما يحمل قائل ذلك عليه إلا العداوة والعصبية وقلة الخوف من الله تعالى. واخبار الشيعة متون واسانيد كأخبار غيرها بل هي اقرب الى الصحة لأنها لا تعمل ولا تعتقد إلا بما يرويه الثقات عن الثقات عن الأئمة الهداة عن جدهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عن الله تعالى كما قال الشاعر :

ووال اناسا قولهم وحديثهم

روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

ولا تأخذ بما يرويه مائة الف أو يزيدون وتحكم بعدالتهم جميعا وفيهم امثال بسر بن ارطاة ومروان بن الحكم والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة واضرابهم وفيهم الذين اقاموا لأم المؤمنين اربعين أو خمسين شاهدا يشهدون زورا ان هذا ليس ماء الحوأب فكانت أول شهادة زورا قيمت في الاسلام وتسبب عنها قتل عشرات الألوف من المسلمين.

واذا كان الوضع شائعا زمن العباسية والاموية فمن هم الذين كانوا يضعون الاحاديث غير علماء السوء من الامة المعصومة ـ عنده ـ كانوا يضعونها لمن يبذل لهم الاموال وتوليهم الولايات ضد اهل البيت وفي مدح اعدائهم والذين ابتدءوا بالوضع وحملوا الناس عليه بالترغيب والترهيب هم ملوك بني أمية في ملكهم العضوض فبذل

اوّل ملك منهم الاموال العظيمة وولى الولايات الجليلة لمن يروي له حديثا في ذم علي واهل بيته ثم فيمن يروي في فضائل غيرهم ثم تبعه بنو ابيه على ذلك مدة ملكهم ثم بني العباسية على هذا الاساس لا سباب يسميها المؤلف سياسية وبأي اسم سماها فهي لا تخرج عن العداوة لاهل البيت الطاهر وقصد اخفاء فضلهم وغمط حقهم ويأبى الله ذلك اما اهل البيت وشيعتهم فلم يكونوا في حاجة الى وضع ولا في فقر الى اختلاق لغناهم بالفضائل والمناقب التي اعترف بها العدو قبل الصديق بل لم يكونوا قادرين على اظهارها للملإ وهي حق حتى كانوا لا يجسرون ان يصرحوا باسم علي اذا رووا عنه فيقولون حدثني ابو زينب او رجل من اصحاب رسول الله ومنعوا عن ان يسموا باسمه او يكنوا بكنيته. وقد قال بعض من تسموا باهل السنة في حق امير المؤمنين علي عليه‌السلام ما اقول في رجل اخفى اولياؤه فضائله خوفا واعداؤه حسدا وظهر من بين ذين ما ملأ الخافقين وكون اليهود والمجوس كانوا يضعون الاحاديث كلام خال عن التحصيل قاله مخادع ماهر وتبعه عليه كثيرون فنسبوا وضع الاحاديث والمكر بالدين واثارة الفتن الى اليهود المجوس سترا للامر والصواب ان الذين فعلوا ذلك هم الذين اسلموا كرها وتظاهروا بالدين نفاقا واحقادهم يوم بدر وغيره باقية في صدورهم وهم اعداء الاسلام فبذلوا الاموال وولوا الولايات لمن يضع لهم الاحاديث في ذم علي واهل بيته ومدح غيرهم مكرا بالدين واثارة للفتن وعداوة لصاحب الشرع واهل بيته ولم يظهر المراد من قوله الشيعة المتظاهرة ولعل المراد ما في قوله السابق يتظاهرون بالدين نفاقا والصواب ان اصل الاكاذيب في احاديث الفضائل والذم كان ممن قدمنا ذكره كما ذكره ابن ابي الحديد في شرح النهج وغيره اما الشيعة فأئمتها غنية بالفضائل لا تحتاج الى الاختلاق كما مر وقد كان ابراهيم بن محمد الثقفي من اهل الكوفة الف كتابا في المناقب والمثالب فاشار عليه اهل الكوفة ان لا يظهره خوفا عليه فسألهم اي البلاد ابعد عن الشيعة فقالوا اصفهان فحلف ان لا يروينه الا باصفهان ثقة منه بصحة اسانيده فانتقل الى اصفهان ورواه بها.

والشروط التي ذكرها لمتون الاحاديث ليس الشأن في ذكرها بل الشأن في تطبيقها ومعرفة ان اي حديث يناقض المعقول واي حديث لا يناقضه فحديث النظر الى الله تعالى يوم القيامة يقول المعتزلة انه محال مناقض للمعقول ويقول الاشاعرة انه

غير متناقض والشأن في ان اي القولين اصح والاصول التي يدعي ان الحديث يناقضها تختلف فيها الانظار فالمهم تصحيح الصحيح منها والثابت من المنقول عند قوم قد لا يثبت عند آخرين وهكذا كل كلامه تطويل بلا فائدة.

وكل امة تدعي لائمتها ما ادعاه لائمته والله اعلم بالمصيب منها والمخطئ والاختلاف في اموال الرجال من الرواة ينفي الجزم بأنه لم يبق في الكتب زيف او دخيل واذا كانت ائمة الائمة نقدت الاحاديث كما وصف فلما ذا رد احاديث اعظم ائمة الحديث في المتعة كما مر. البخاري ومسلم وابن حنبل والنسائي وابن ماجة الدالة على مشروعيتها وقال انها لم تشرع وبالغ في ذلك وقال في بعضها هذا كلام لفقته السنة الرواة الى آخر ما مر وهنا يقول لم يبق في اخبار الامة زيف او دخيل فكان في ذلك كالنعامة قيل لها احملي قالت انا طير قيل لها طيري قالت انا جمل او كالبومة قيل لها ما بال رأسك كبير قالت انا شويخة قيل فما بال ذنبك صغيرا قالت انا قديخة قيل ما تصدقين من رأسك الى ذنبك.

وقوله عن اهل البيت ان كان لهم رواية عجيب. وهل الرواية الا لهم فقد روى راو واحد وهو ابان بن تغلب عن امام واحد وهو جعفر بن محمد الصادق ثلاثين الف حديث. وقال الحسن بن علي الوشاء ادركت في مسجد الكوفة سبعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد. واحصى الحافظ ابن عقدة الرواة عن جعفر بن محمد من الثقات خاصة فكانوا أربعة آلاف. وقد صنف اصحاب الائمة فيما رووه في فنون شتى ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب ، وقال البهائي في الوجيزة ان ما تضمنته كتبنا من هذه الاحاديث يزيد على ما في الصحاح الستة بكثير كما يظهر لمن تتبع احاديث الفريقين وهذا الرجل يقول ان كانت لهم رواية.

ما ضر شمس الضحى والشمس مشرقة

ان لا يراها الذي في عينه رمد

قوله كلها تنتهي الى علي الصواب ان روايات اهل البيت ائمة الشيعة ـ الذين تفتخر الشيعة بانهم ائمتها وتدعى بهم يوم يدعى كل اناس بامامهم ـ كلها تنتهي الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عن الله تعالى كما قال احد ائمة اهل البيت عليهم‌السلام ما مضمونه كلما حدثتكم به فسندي فيه ابي عن جدي عن ابيه عن جده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وكون كل ما صح وثبت عن علي روته ائمة الامة قبل ائمة

الشيعة بزمن يرده انه متى كان من يسميهم ائمة الائمة يروون حديث علي في عهد من عهود الاسلام أفي العهد الاول الذي سئل عنه الخليل بن احمد النحوي واشترط عليه السائل ان لا يبوح به في حياة السائل فقال الخليل هذا يدل على ان الجواب اعظم من السؤال فقال رأيت الصحابة كانهم بنو أم واب وعليا كأنه ابن عكة فاجابه الخليل بجواب معروف واشترط عليه كتمان الجواب مدة حياة الخليل ، أم في العهد الاموي والعباسي وكان لا يجسر احد ان يروي عنه حديثا كما مر واستمر ذلك الى اليوم فقام موسى التركستاني ينكر فضلهم ويفضل عليهم من لا يلحقهم في فضل. والذي للشيعة في الاسانيد انهم لا يقبلون الا ما رواه الثقات عن الثقات حتى ينتهي الى صاحب الشرع وفي المتون انهم لا يقبلون ما يناقض المعقول او يخالف الثابت من المنقول وقد ملأت كتبهم في احوال الرجال والبحث عن عدالتهم وضعفهم الخافقين. والذي لائمة من يسميهم الامة قد علم حاله مما مر. وهذه التهويلات بتلك الالفاظ الهائلة. لا قرآن لا اسلام لا شرف. لا سماوات لا ارضون لا بحار لا انهار لو ثبت كذا فكل ما في كتب الشيعة موضوع. لو ثبت كذا فهو استخفاف بالقرآن. لا تدل الا على جهل قائلها. لما ذا كل هذا التهويل لان ما ذكر يخالف ما يعتقده موسى جار الله ولعل فيما يعتقده حقا وباطلا وصوابا وخطأ ليس موسى جار الله معصوما وان ادعى العصمة لنفسه ولامته في مواضع لا تحصى من وشيعته. نحن لا نقول بصحة كل ما في كتب الاخبار للشيعة لا في الاحكام الشرعية ولا غيرها لا الكافي ولا غيره ولا ندعي العصمة التي يدعيها له ولامته بل في هذه الاخبار جميع اقسام الحديث مما يحتج به وما لا حجة فيه فعلينا ان نبحث عن صحة سند الحديث وضعفه وقد تكفلت بتوثيق الرجال وتضعيفهم كتب الرجال ولا يلزمنا الاعتقاد او العمل بكل ما صح سنده بل نطرح ما خالف الكتاب والسنة واجماع المسلمين او خالف العقل. واذا كان جميع ما في كتب الاخبار صحيحا فلما ذا وضعت كتب الرجال ولما ذا قسم الحديث الى اقسامه المعروفة فقوله لو ثبت كذا فالائمة واهل البيت جاهلة سيئة الادب جهل منه وسوء ادب وانكاره كل اخبار الشيعة احتراما للائمة ـ بزعمه ـ تعد منه وتجاوز للحد كدعواه وضع كل ما في كتب الشيعة. فاذا كان في هذه الاخبار ما يخالف رأيه لا يترتب عليه ما ذكره من اللوازم اذ يجوز على رأيه الخطأ

والصواب ويجوز ان يكون في هذه الاخبار ضعيف السند فاصداره هذه الاحكام الجائرة على كل اخبار الشيعة تهور وخطأ.

واشار ص ٥٠ الى بعض ما في الكافي وقال انه اصح كتاب عند الشيعة ثم اتى بعبارات اساء فيها الادب كثيرا مع الامام الصادق عليه‌السلام امام اهل البيت لم نر من مقتضى الادب نقلها وهو لا يساوي تراب اقدام الصادق وقد بينا ان الشيعة لا تعمل ولا تعتقد بكل ما في الكافي ولا تراه كله صحيحا وتقسم اخباره الى الاقسام المعروفة التي فيها الصحيح والضعيف سواء أكان اصح كتاب عندها أم اضعفه.

أم العباس

قال ص ٣٣ كلام كتب الشيعة في أم العباس فيه شيء من سوء الادب لا ارتضيه وهذه قد عادت للشيعة وكتبها عادة ، وفي ص ٥٠ ما في الوافي في أم العباس لعله نزعة شيعية زادتها الشيعة على الشعوبية.

(ونقول) هذه مسألة تاريخية ذكرها كافة المؤرخين من الشيعة وغيرهم فتخصيص كتب الشيعة بذلك قلة انصاف منه وهذه وامثالها قد عادت له عادة.

والشعوبية لم تؤثر شيئا في تاريخ الاسلام ولم يحوجها اهل الاسلام الى زيادة شيء فيه. والشيعة اصدق حديثا من ان تزيد على الشعوبية او غيرها ولكن نزعات العداوة للشيعة تحمل على مثل هذا القول.

ايمان جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابيه وأمه وعمه

قال ص ٥١ (مسائل حسنة فقهية في كتب الشيعة) يعجبني غاية الاعجاب عقيدة الشيعة في جد النبي عبد المطلب وعمه ابي طالب وأمه الثانية فاطمة أم علي عن الصادق : يحشر عبد المطلب امة وحده عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك. نزل جبرئيل على النبي عن الله تعالى اني قد حرمت الناس على صلب انزلك وبطن حملك وحجر كفلك. ومثل هذه الاحاديث وان كانت رويت على طريق الدعاية وعلى قصد تأييد هوى من الاهواء فان قلبي يميل الى هذه العقيدة وان لم يكن عندي لها دليل بل يميل

قلبي الى توسيع هذه العقيدة في عمود النسب حتى يدخل في دائرة الرحمة الإلاهية التي رسمها اشعاع بركة النبي كل ما لم يرد فيه نص الحرمان. وكنت استبعد غاية الاستبعاد قول ابن حزم في كتابه الاحكام في اصول الاحكام : وقد غاب عنهم ان سيد الأنبياء هو ولد كافر وكافرة. عجيب من مثل هذا الامام الكبير محمد بن حزم مثل هذه الصراحة ومثل هذا القطع وقد كان والد النبي وأمه على دين ابراهيم او امكن ان يكون على دينه.

(ونقول) العقائد لا تكون بالاعجاب ولا بميل القلب. بل تكون بالدليل والدليل على اسلام من ذكر كالنور على السطور. بما روي عن ائمة اهل البيت الذين هم اولى بالاتباع من كل احد ومنه الحديث الذي نقله فالصلب الذي انزله عبد الله ويمكن شموله لجميع اجداده الى آدم والبطن الذي حمله آمنة والحجر الذي كفله عبد المطلب وابو طالب وزوجته فاطمة بنت اسد لكنه لم يذكر اباه وأمه الوالدة مع ذكرهما في الرواية ومع ان الوالدة اولى بالذكر من المربية المتفق على اسلامها ويزيد اسلام ابي طالب بما سيجيء ومع ذلك لم يقل به اكثر قومه لأحاديث موضوعة رويت في عصر الملك العضوض على طريق الدعاية ضد اهل البيت النبوي قصد تأييد هوى من الاهواء عداوة لمن ولده آخر حجر كفله بل عداوة له نفسه واخذها من تأخر بالقبول غفلة عن حالها وبناء على بعض الاسس غير الثابتة في قبول الخبر حين ينتهي الى صحابي. وزعمه ان احاديث ايمان هؤلاء رويت على سبيل تأييد الدعاية وعلى قصد تأييد هوى من الاهواء. لم يسقه إليه الا هوى من الاهواء. ويقول ان عقيدة اسلام هؤلاء ليس لها عنده دليل. مع ان الدليل على اسلام ابي طالب مما لا ينبغي الشك فيه ولذلك نصره وحامى عنه وتحمل اذى قومه في سبيله واوصى اولاده عليا وجعفر عند موته بنصره فقال :

ان عليا وجعفرا ثقتي

عند مسلم الخطوب والكرب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

اخي لامي من بينهم وابي

والله لا اخذل النبي ولا

يخذله من بني ذو حسب

وصرح بالاسلام في شعره في عدة مواضع وانما كان يخفي اسلامه ليتمكن من نصره فهو الذي يقول :

ولقد علمت بأن دين محمد

من خير اديان البرية دينا

ويقول :

ألم تعلموا ان ابننا لا مكذب

لدينا ولا يعني بقول الأباطل

كذبتم وبيت الله نخلي محمدا

ولما نطاعن دونه ونناضل

وننصره حتى نصرع حوله

ونذهل عن ابنائنا والحلائل

الى غير ذلك من اشعاره. اما قول الصادق الذي ترويه الشيعة فلا يصلح دليلا عنده لان الشيعة ـ بزعمه ـ كل احاديثها موضوعة. ومثل هذه الاحاديث رويت على سبيل الدعاية ولتأييد هوى من الاهواء. واولى بذلك ما روي بضدها من ان والدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ماتا كافرين وانهما في النار. وكيف يقول بما لم يرد فيه نص الحرمان. وقد وردت في هؤلاء نصوص الحرمان ـ بزعم اصحابه ـ والعجب منه انه فيما يصيب فيه يبني اصابته على غير دليل وكان يستبعد غاية الاستبعاد ما قاله ابن حزم من ان سيد الأنبياء ولد كافر وكافرة ويتعجب منه ولكنه لو لم ينظر ابن حزم بعين الرضا ـ التي هي عن كل عيب كليلة ـ لما استبعد ان يصدر منه مثل هذا الكلام فقد اتى ابن حزم في كتابه الفصل من التعصب بالباطل على الشيعة والاكاذيب وقلب الحقائق بما تقشعر منه الجلود وتسميته بالامام الكبير ليست الا لذلك.

الطلاق والغسل والمسح

قال ص ٥٢ واستحسن الكثير من اقوال الشيعة في ادب الطلاق ونظامه. ولا استحسن غلو الشيعة في تحريم غسل الرجلين في الوضوء وغسل كل شيء وكل الاعضاء في كل حال وعلى كل حال مباح في الاصل فالتحريم جهل عظيم. وغسل الارجل تعبدا وتنظفا سنة قديمة ثبتت في كل الاديان السماوية ووردت في اسفار موسى على انها سنة ابراهيم. وفي ص ٥٤ والمسح بالرءوس له تاريخ قديم ولم يثبت في دين من الاديان السماوية الا الغسل في الارجل.

الغسل والمسح في آية الوضوء

وفي ص ٥٢ والغسل المسح في الارجل قرآن متواتر وفي سنة النبي كلاهما سنة متواترة وقول الباقر والصادق : يأتي على الرجل سبعون سنة ما قبل الله منه صلاة

لانه غسل الرجلين تحكم استكبار عند (كذا) جلال الله وتحجير لاختيار الله وفي ص ٥٢ ـ ٥٣ ـ ٥٤ وابن عباس كان يقول في آية (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) لا اجد في القرآن الا المسح لكن الامة ابت الا الغسل. ومثل هذا اسلوب محاورة للصحابة في الناظرة وفي تقرير الاشكال كان يقول هذا على ملأ من فقهاء الصحابة للمذاكرة والاستفادة وفيهم امام الائمة علي امير المؤمنين وافضل الامة وافقه الصحابة الامام عمر الفاروق وهو الذي كان يقدم ابن عباس على شيوخ الصحابة في مجالس العلم اجلالا لعلمه واعتمادا على عظيم ادبه فتسليم الصحابة اجماع منهم على ان وظيفة الرجلين هي الغسل والا لانكروا عليه قوله لكنكم ابيتم الا الغسل وكان هذا الاجماع قبل الصادق وابيه الباقر بقرن كامل فتحريم غسل الارجل لا بدّ ان يكون موضوعا على لسان الصادق والا فالصادق جاهل يعاند جده المعصوم وابن عباس كان من اعلم تلاميذ علي واكثرهم تعلقا بعلي وكان يوم الاجماع من شيعة علي وان ارتد بعد مدة وصار كافرا على ما تزعمه الشيعة (٢ : ٤٠١) اصول الكافي. وروى اهل العلم بسند كل رجاله : ان ابن عباس قال اكتفاء القرآن الكريم في التيمم بمسح الوجوه والايدي يرشد الى ان وظيفة الارجل في الوضوء هي المسح فقط فالتيمم هو مسح ما كان يغسل في الوضوء وترك ما كان يمسح فيه ولا ريب ان هذا القول فيه فقه جليل لطيف وحدس سريع خفيف الى ما في اوضاع الشرع من الانتظام العجيب الحصيف. وعندنا عليه زيادة. وذلك ان الآية فيها الوجهان وكل وجه آية بذاتها وحمل احد الوجهين على الآخر تكلف نحوي وتصرف في قول القائل من غير اذنه واعتداء على قصده وحجر على اختياره وبيان معنى الوجهين حق مخصوص للشارع والشارع كان يعمل بكلا الوجهين كان يغسل رجليه وهو اغلب احواله في احتفائه وقد يمسح رجليه وهو منتعل متخفف (لابس خفا) واذا راعينا معنى النظافة من الاحداث والاخباث في الوضوء ومصلحة التيسير ورفع الحرج عرفنا ان النصب امر بغسل الارجل في حال الاحتفاء والخفض تيسير بمسح الارجل في حال الانتعال والاختفاف على انه رخصة. نعم لو كان التيمم عزيمة في شرع الاسلام والوضوء رخصة لكان لمسح الارجل في حال احتفائها وجه جواز ثم لما كان لتحريم غسل الارجل من وجه لا شرعا ولا عقلا فقد قلنا ان غسل كل شيء في كل

حال مباح وهو ضروري في الاحيان فلا يأتي شرع بتحريمه الا على قاعدة شيعية امامية كل ما عليه العامة فساد والاخذ بخلاف ما عليه الامة رشاد. وهذه القاعدة هي اصل من اصول الفقه عند الشيعة وفي ص ٥٤ ـ ٥٥ والمسح باليد زمن ابراهيم وقبله بقرون كان رمز تقديس وكل شيء يراد تقديسه كان الكاهن يمسحه بيده وملكى صادق (كذا) كبير عصره دعا لا إبراهيم وباركه مسح بيديه رأسه رمزا على ان يكون إماما للانبياء وأبا الجمهور وهذا من اعجب اعاجيب ما وقع في التاريخ القديم ترويه التوراة بقول فصل وعبارات جزيلة يصدقه القرآن الكريم في آيات جليلة وما كان يقدس الانسان بمسح رأسه الا غيره ولم يكن انسان يتقدس بنفسه وحياء الاسلام فكرم الانسان وهداه الى ان الانسان لا يتقدس الا بعمله واقر المسح رمزا للتقديس وجعل المسح ثالث اركان الوضوء قبل غسل الارجل لان اهتداء الانسان في سبيل حياته لا يستقيم الا اذا استقام رأسه وتقدس عقله ولعل (كذا) لاجل هذا المعنى تأخر نزول آية الوضوء الى عشرين من نبوته لان الامة لم تتقدس الا بعد عقدين من سعيه.

المسح على الخفين

قال في ص ٣١ كتب الشيعة اذا تعصبت على المسألة تجازف في الكلام تتجاوز حدود التشدد في المبالغة مثل ما روي في المسح على الخفين كان الصادق يقول يأتي على الرجل سبعون سنة ما قبل الله منه صلاة لانه مسح على خفيه لانه غسل الرجلين وفي ص ٥٥ سورة المائدة وآية الوضوء والتيمم نزلت في السادسة من الهجرة وعدد هذه الآية في السورة صار تاريخا لنزولها. وآية التيمم نزلت في سفر النبي الذي ضاع فيه جزع أمّ المؤمنين عائشة ومقتها مشهورة كانت في السادسة وعلي اعلم بمنازل الآيات. وما في التهذيب عن الباقر ان عمر جمع الصحابة وفيهم علي فقال ما تقولون في المسح على الخفين فقام المغيرة بن شعبة فقال رأيت النبي يمسح فقال علي قبل المائدة او بعدها فقال لا ادري فقال علي سبق الكتاب الخفين انما نزلت المائدة قبل ان يقبض بشهرين او ثلاثة. مع كونه خطأ تاريخيا او موضوعا شاهد على اجماع من في المجلس ان النبي كان يمسح على الخفين حيث ان عليا لم ينكر على المغيرة قوله رأيت النبي

يمسح على خفيه. واذ ثبت ان النبي كان يمسح على خفيه فهذا الفعل من الشارع بيان لمعنى الجر في وارجلكم وفي ص ٤٦ ثبت المسح على الخفين في آخر ايامه بالمدينة في حديث عبد الله البجلي وكان بعد حجة الوداع. هذا بعض ما لاهل العلم في المسح على الرجلين والغسل والمسألة معركة حرب كبيرة لم تكن في القرن الاول فلنضع اوزارها بعد اليوم.

(ونقول) احكام الشرع ليست بالاستحسان بل بالدليل عن صاحب الشرع فاستحسان اقوال الشيعة في الطلاق وعدم استحسانها فهي غسل الرجلين في الوضوء لا قيمة له. نعم يمكن الاستدلال على صحة الحكم بموافقته للحكمة وطريقة الشارع في باقي احكامه وعلى فساده بمخالفته لذلك وكيف كان فنحن نحمد الله على ان استحسن بعض احكامنا ولم يستقبحها كلها. وغسل كل شيء وكل الاعضاء مباح في الاصل لا يقول احد بتحريمه لا من الشيعة ولا من غيرها لكن اباحته في الاصل لا تجعله جزءا من الوضوء الذي هو محل الكلام اذ لا يكفي في ذلك الاصل فاستدلاله على كونه جزء الوضوء باباحته في الاصل جهل عظيم لا يستبعد صدوره منه. وقد نسخ ديننا جميع الاديان السماوية واسفار موسى وغيرها فلا شغل لنا منها بغير الدين الإسلامي وما نزل به القرآن الكريم والتنظف لا يحتاج إلى الأديان السماوية والتعبد يجب أخذه من ديننا لا من غيره فالاستشهاد بالأديان السماوية تطويل بلا طائل صح ما حكاه عنها أم لا فان كان موسى جار الله يريد غسل رجليه اتباعا لما جاء في اسفار موسى فله شأنه.

وقد خبط في آية الوضوء خبط عشواء كعادته وتحمل وتعسف ولم يأت بطائل فادعى ان الغسل والمسح كلاهما متواتر في القرآن والسنة ولا تواتر في الغسل لا في القرآن ولا في السنة (اما القرآن) ففي الآية قراءتان الجر والنصب في وارجلكم فاذا سلم ان القراءتين متواترتان يكونان بمنزلة آيتين مستقلتين كما قال فقراءة الجر تعين المسح لتعين عطف الارجل على الرءوس واما قراءة النصب فاما ان تعطف فيها الارجل على الوجوه او على محل الجار والمجرور وكلاهما جائز بحسب القواعد العربية لكن عطفها على الوجوه يلزم منه التعقيد اللفظي المخل ببلاغة القرآن الموهم خلاف المقصود بتأخير لفظ عن موضعه وتقديم لفظ فتكون كقولك اكرم زيد او عمرا واستخف بخالد وبكرا مع إرادة ان بكرا مأمور بالكرامة لا بالاستخفاف به فتعين

عطف الارجل على قراءة النصب على محل الجار والمجرور فان العطف عليه سائغ شائع قال :

معاوي اننا بشر فاسجح

ولسنا بالجبال ولا الحديدا

ويكون ذلك جمعا بين القراءتين وهذه حجة من قال بالمسح اما من قال بالغسل فحمل قراءة النصب على عطف الأرجل على الوجوه وقراءة الجر على المجاورة نحو هذا حجر ضب خرب بجر خرب لمجاورة ضب وكلاهما غير صحيح اما الاول فيلزم منه التعقيد اللفظي المخل ببلاغة القرآن واما الثاني فهو ضعيف فلا يحمل عليه القرآن على ان الجر بالمجاورة لا يصح مع الفاصل وهو هنا موجود وهو حرف العطف (ان قيل) نصب الارجل دال على عطفها على الوجوه (قلنا) نصبها لا يعين ذلك لبقاء احتمال عطفها على محل الجار والمجرور الذي هو عربي جيد (ان قيل) تأخير الارجل لبيان ان غسلها يجب ان يكون بعد مسح الرءوس (قلنا) لا دلالة في التأخير على ذلك لان الواو لا تفيد الترتيب بل مطلق الجمع (ان قيل) قراءة الجر لا تنافي الغسل لان غسل الارجل لما كان فطنة الاسراف عطفت على الممسوح لبيان انه ينبغي ان تغسل غسلا خفيفا يشبه المسح لئلا يلزم الاسراف كما قاله صاحب الكشاف (قلنا) هذا الغاز يجب ان يصان عنه كلام الله تعالى المبني على بلاغة الاعجاز مع انه الغاز بما لا يفهم ولا يهتدي إليه ولا بقول المنجم ولم يقع مثله في كلام والعجب من صاحب الكاشف كيف يتفوه بمثله لكن من يريد جعل ما لا يكون كائنا لا بدّ ان يقع في مثل هذا فتعين ان تكون الارجل في قراءة النصب معطوفة على محل الجار والمجرور وبذلك يكون المسح متعينا على كل حال فزعمه ان الغسل في الارجل قرآن متواتر هذر من القول لا يعرف له معنى صحيح حتى لو سلمنا تواتر قراءة النصب وحمله قراءة النصب على الغسل وقراءة الجر على المسح على الخفين ستعرف فسادها (واما السنة) فدعواه تواترها بالغسل والمسح على الخفين مجازفة محصنة فظهر ان جعله قول الباقر والصادق تحكم استكبار عن جلال الله وتعجيزا لاختيار الله ما هو الامر على كتاب الله وتحكم استكبار وعناد لامر الله واساءة ادب عظيمة مع اولياء الله.

اما فلسفته الباردة وتحمله الفاسد في كلام ابن عباس فلا يجدي نفعا فابن

عباس لم يقل ذلك ليجعله اسلوبا للمحاورة والمناظرة وتقريرا للاشكال ولا للمذاكرة والاستفادة بل قاله عن اعتقاد وردا على من يقول بالغسل وهل يقبل قوله لا اجد في القرآن الا المسح التأويل وهل يمكن ان يعارض قول الناس قول الله ليكون محلا للمناظرة والمذاكرة. ودعواه اجماع الصحابة التي اعدها لكل حادث طريفة جدا فاذا كان عدم الانكار يفيد الاجماع فعدم انكارهم قوله لا اجد في القرآن الا المسح اجماع منهم على ان وظيفة الرجلين هي المسح والا لا نكروا عليه قوله لا اجد في القرآن الا المسح فهو قد ادعى دعويين (احداهما) انه لا يجد في القرآن الا المسح (والثانية) ان الناس قد أخطئوا بقولهم بالغسل لمخالفته للقرآن ، والصحابة قد سمعوا ذلك منه وسكتوا فعلى قوله يكون سكوتهم اجماعا منهم على صحة كلا الدعويين وكان هذا الاجماع قبل ان يخلق الله موسى جار الله بما يزيد عن الف وثلاثمائة سنة. فقوله باجماع الصحابة على ان وظيفة الرجلين الغسل افتراء منه على الصحابة وجهل ومعاندة لصاحب الشريعة المعصوم وكيف كان فابن عباس مخالف فاين الاجماع. واما افضل الامة بعد سيد الامة فهو من لم يشاركه احد من الامة في فضائله كما شهد له بذلك خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين بقوله :

من فيه ما فيهم لا يمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

وشهدت له بذلك شواهد اليقين التي لا يمكن ردها. واما ان فيهم أفقه الصحابة فهو لم يدع ذلك لنفسه حين قال كل الناس افقه منك حتى المخدرات. لو لا علي لهلك عمر. قضية ولا ابو حسن لها. لا عشت لقضية ليس لها ابو حسن.

ولم يكن يقدم ابن عباس ويأخذ بقوله كما زعم بل الذي كان يقدمه ويأخذ بقوله في الفتاوى والأمور المشكلة هو علي بن أبي طالب وحسبك ما مر من أقواله آنفا وقد اخذ بقوله في وضع التاريخ وغزو الفرس وحلي الكعبة وغيرها واين ابن عباس وغير ابن عباس من علي ابن ابي طالب. وابن عباس لم يجسر على اظهار قوله في العول في حياته بل اظهره بعد وفاته كما مر في العول. وبذاءة لسانه ـ التي اعتادها ـ في حق الصادق امام اهل البيت الطاهر وفي حق غيره قد دلت على سوء ادبه وعدم صفاء نفسه وان ابرزها بصورة التعليق. وجدّ الصادق امير المؤمنين علي بن ابي طالب معصوم بالبرهان

القاطع لا بمثل دعاواه الفارغة. واذا كان ابن عباس من اعلم تلاميذ علي واكثرهم تعلقا به فلا بد ان يكون اخذ قوله لا اجد في القرآن الا المسح منه ولا يمكن ان يترك علي وتلميذه قول القرآن الى قول الناس وهو من شيعته يوم الاجماع الذي لو صح لكان على عكس ما توهمه موسى جار الله كما يعلم مما مر وقبله وبعده الى آخر حياته وما نسبه الى الشيعة في حقه سخافة لا يقولها احد منهم ولا تستحق الجواب ولم اجدها في اصول الكافي في الطبعة التي عندي ، نعم روي كثير من المؤرخين انه اخذ مال البصرة وذهب الى الحجاز فان صح فهي موبقة عظيمة لا تختص الشيعة بإلقائها عليه ولكن المحققين من علماء الشيعة وغيرهم لا يصححون نسبة ذلك إليه ويقولون انه لم يفارق عليا حتى استشهد ، بدليل ما ذكروا انه هو الذي اخذ البيعة للحسن بالكوفة بعد قتل ابيه ولا يبعد ان يكون ما نسب إليه موضوعا من اعداء بني هاشم عامة وآل ابي طالب خاصة او انه صدرت منه هفوة ثم تاب منها وعاد الى علي ولكن مؤلف الوشيعة لا يألو جهدا في نسبة القبائح الى شيعة اهل البيت فتعود تلك القبائح عليه. والاستنباط اللطيف العجيب الذي استنبطه ابن عباس ولا شك انه اخذه من قدوته علي بن ابي طالب وعلي اخذه من منبع الرسالة مع ثناء صاحب الوشيعة عليه بتلك العبارات يخالفه ويقول عندنا عليه زيادة. وانما هي كزيادة زياد في آل حرب فحمل احدى القراءتين على الاخرى بالوجه الصحيح الذي تقتضيه لغة العرب وفصاحة القرآن وبلاغته أم لازم واجب دفعا للتناقض ورفعا للتعارض وصونا لبلاغة القرآن الكريم عن التعقيد اللفظي فاذا كانت القراءتان متواترتين وكانتا بمنزلة آيتين مستقلتين فلا مناص عن الجمع بينهما بما ذكر ، وليس ذلك تكلفا بل حمل على وجه عربي جيد جاءت لغة العرب الفصيحة بمثله ولا حجرا على اختيار الشارع فالشارع لا يمكن ان يختار ما لا يدل عليه اللفظ وما يوجب سقوط بلاغة القرآن ولزوم التعقيد في عبارته. اما الحمل على وجوب الغسل حال الاحتفاء والمسح على النعل والخف حال لبس احدهما فذلك فرع صحة عطف الارجل على الوجوه وقد عرفت فساده فهو تصرف في قول الله تعالى من غير اذنه وبما لا يرضاه وبما لا يصححه تكلف نحوي ولا صرفي وبما يوجب التعقيد في كلامه تعالى واعتداء على قصده وافتراء عليه وتقييد بغير مقيد والآية تنص على المسح بالارجل لا بجلود الشياه والبقر والابل ، والمكلف امر بان

يوضئ جلده لا جلود الانعام وإرادة الخفاف من الارجل مجاز ينافيه اصالة الحقيقة وفقد القرينة ومسح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الخفين لم يثبت ان لم يثبت عدمه. وائمة اهل البيت الذين نزل القرآن والاحكام في بيتهم وعلى جدهم وورثوا علومه اعرف بالاحكام بمعاني القرآن من موسى تركستان ومن كل انسان وهم قد اوجبوا المسح بالرجلين دون الغسل ودون المسح على الخف. ومسح المنتعل بالنعل العربية برجليه ممكن بادخال يده تحت التراك ، فلو فرض ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح منتعلا لم يناف ذلك المسح بالرجلين وليس بيان معنى الوجهين حقا مخصوصا بالشارع كما توهم بل الله تعالى خاطب الناس بما يفهمون فعليهم العمل بما يفهمون من غير انتظار بيان آخر والشارع لا يمكن ان يأتي ببيان آخر يخالف اللغة والتخاطب ويخل ببلاغة القرآن وعمله بكلا الوجهين لم يثبت بل ثبت خلافه كما مر. واما مراعاة معنى النظافة والتيسير ورفع الحرج وغير ذلك من هذه العبارات المزوقة فاحكام الشرع تثبت بنص الشارع وتوقيفه لا بالحدس والظن والتخمين والمناسبات والاستحسانات وتنميق العبارات وحكم الشرع لا يعرفها الا الشارع وليس لعقولنا طريق إليها ، وقد عرفت ان النصب لا يمكن ان يكون امرا بغسل الارجل لا في حال الاحتفاء ولا غيرها وان الخفض نص في وجوب المسح بالرجلين لا بالخفين والنعلين لان الخف والنعل ليسا برجل فهذا التفصيل الذي فصله بان النصب امر بالغسل حال الاحتفاء للتنظيف والخفض امر بالمسح حال الانتعال او الاختفاف يشبه الالغاز في الكلام ولا يستند الى مستند غير الاوهام والمناسبات والاستحسانات التي لا يجوز بناء الاحكام الشرعية عليها وانه تلاعب بآيات القرآن واذا كان المسح رخصة حال الاختفاف فليكن كذلك حال الاحتفاء أيضا تيسيرا لعدم وجود الماء الكافي لغسل الرجلين في كثير من الحالات فالتيسير فيه اولى من التيسير في نزع الخف والنعل اللذين لا مشقة فيهما. والوضوء والتيمم كلاهما عزيمة لا رخصة فيهما بالمعنى المعروف للعزيمة والرخصة من الوجوب والاستحباب والاباحة. والرخصة بمعنى التيسير مجرد مناسبة لا يبتني عليها حكم شرعي فقوله لو كان التيمم عزيمة والوضوء رخصة لكان لمسح الارجل في حال احتفائها وجه جواز. عار عن الفائدة. وفي كتاب ربنا ودلالته الواضحة غنية عن هذه التمحلات الباردة وقد بينا ان المتنازع فيه

هو كون الغسل جزءا من الوضوء الذي هو عبادة واجبة او مستحبة فقوله انه مباح وانه ضروري في الاحيان لا يأتي شرع بتحريمه لا يصدر من احد ينسب الى علم فالاباحة لا تثبت الوجوب وكونه ضروريا في بعض الاحيان لا يجعله جزءا من العبادة ولم يأت شرع بذلك الا على قاعدة موسوية تركستانية مستوحاة من هوى النفس وقد بينا في اوائل الكتاب عند ذكره لخلاف ما عند العامة بطلان قوله كل ما عليه العامة «الخ» وان كونه اصلا من اصول الفقه عند الشيعة لا اصل له فراجع.

وهذا الرجل مولع باقوال التوراة يستشهد بها في كل مناسبة لكن بما لا ينطبق على مدعاه ما لنا وللتوراة حسبنا كتاب ربنا الذي نسخ التوراة والإنجيل. يقول ان كبير عصر إبراهيم دعا لا إبراهيم وباركه بمسح رأسه بيديه وإبراهيم عليه‌السلام غني باتخاذ الله له خليلا عن كبير عصره ودعائه مباركته ويجعل من أعجب الأعاجيب موافقة القرآن الكريم في إيجاب مسح الرأس في الوضوء لذلك. لكن من أعجب الأعاجيب اشتغاله بهذه الأمور. يقول ما كان يقدس الانسان بمسح رأسه إلا غيره والاسلام جعل الانسان لا يتقدس إلا بعمله فيمسح رأسه بيده. ونحن نقول الانسان لا يتقدس لا بعمله في الاسلام وقبل الاسلام وفي كل عصر ويرجى له البركة بمسح الصالحين في الاسلام وغيره وكون الكاهن كان يمسح كل ما يراد تقديسه بيده موجود مثله في الاسلام فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمسح رءوس الأطفال ويبارك عليهم ويدعو لهم وكل مولود يولد كان يؤتى به إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليبارك عليه وكل رجل صالح يرجى منه ذلك وكل رجل في الاسلام وغيره لا يباركه بمسح رأسه إلا غيره أما هو فبركته لا تزداد ولا تحدث بمسحه رأسه إنما يرجى له البركة بمسح صالح رأسه وخص الرأس لأنه أشرف عضو في الانسان وكون الانسان يمسح رأسه بيده في وضوئه لا يدل على أنه لا تحصل له البركة بمسح أحد الصالحين رأسه ومسح الرأس باليد في الوضوء عبادة أمر الله بها لا لأنها بركة وتقديس من الانسان لنفسه فهذا والذي جعله علة لجعل المسح ثالث أركان الوضوء والذي جعله علة لتأخر نزول آية الوضوء كلها تمحلات وفلسفات باردة وتطويل بغير فائدة ككون الأمة لم تتقدس إلا بعد عقدين من سعيه أي بعد عشرين سنة من نبوته حين نزلت آية الوضوء والأمة لم تقدسها آية الوضوء ولا يقدسها الوضوء إنما يقدسها إخلاص إيمانها وشريف أعمالها وهذا كان حاصلا لبعضها من أول البعثة وبعضها لم يحصل له شيء منه طول حياته

كالذين مردوا على النفاق من أهل المدينة ومن حولها من الاعراب والمؤلفة قلوبهم وبعضها كان تقديسه ضعيفا بضعف إيمانه وعمله.

ونسبة كتب الشيعة إلى التعصب والمجازفة مر عند الكلام على المتعة أنها بعيدة عن ذلك. وإذا ثبت بالدليل وجوب المسح دون الغسل وعدم جواز المسح على الخف لم يكن في قول الصادق تشدد فالعمدة هو الدليل لا هذه الألفاظ الفارغة.

وكون آية الوضوء والتيمم نزلت في السادسة من الهجرة لم نجد ما يدل على صحته بعد البحث ولم يذكر هو مأخذه. وكون عدد الآية في السورة صار تاريخا لنزولها أي أنها الآية السادسة من السورة موقوف على صحة ذلك وكذلك كون آية التيمم نزلت في السفر الذي وقع فيه حديث الإفك لم نجد مستنده ولا ذكره هو.

والباقر عليه‌السلام اعرف بمنازل الآيات من كل أحد منزه عن الخطأ واتباعه عن الوضع لأنه باقر العلم والمتوسع فيه بشهادة جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ولأنه شريك القرآن بحديث الثقلين ووارث علوم جده أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي اعترف موسى جار الله بأنه اعلم بمنازل الآيات واتباعه منزهون عن الوضع لغناهم بعلمه. وكون رواية الباقر شاهدا على اجماع من في المجلس أن النبي كان يمسح على الخفين غريب إذ لم يقل ذلك إلا المغيرة بن شعبة والباقون لم يعلم رأيهم وعلي عليه‌السلام كذب المغيرة ضمنا بقوله سبق الكتاب الخفين ، ومعناه أن قوله وأرجلكم يدل على وجوب مسح الرجل والخف ليس رجلا وسأله أولا أن هذه الرؤية كانت قبل المائدة أو بعدها فإن قال قبل المائدة أجابه بأن آية الوضوء التي في المائدة لم تكن انزلت بعد وأن قال بعد المائدة رد عليه بأنه سبق الكتاب الخفين فلما قال لا أدري اقتصر في الرد على الثاني الدال على أنه بعد نزول آية الوضوء لم يمسح على الخفين. ولو فرض أن عليا لم ينكر ذلك على المغيرة فكيف دل على اجماع من في المجلس وهم لم يتكلم منهم أحد. ودون ثبوت مسح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الخفين خرط القتاد حتى يكون بيانا لمعنى الجز ومعنى الجز واضح لا يحتاج إلى بيان. ولسنا نعرف مبلغ حديث عبد الله البجلي من الصحة وأحاديث أئمة أهل البيت الذين أمرنا بالتمسك بهم كما أمرنا بالتمسك بالقرآن والذين هم أصدق حديثا من البجلي والجدلي ومن كل أحد انكرت المسح على الخفين وهي أولى بالاتباع. والمسألة كانت معركة حرب كبيرة في

القرن الأول وبعده وكفى في ذلك مخالفة علي أعلم الأمة وابن عباس جرها. ومما مر تعلم أنه لم يجيء بشيء يوجب وضع اوزارها بعد اليوم ويقتضي هذا التبجح.

مال الناصب ونكاح الاماء

قال ص ٦٠ نحن لا نقول قول الشيعة وقول الصادق في مال الناصب بل نقول قول الاسلام : كن في مال الغير وحقه كما تريد أن يكون الغير في حقك ومالك. وللشيعة في كتبها ميل منتشر إلى الازدحام في النساء. رجل أمته تحت عبده يأمر عبده أن يعتزلها ولا يقربها حتى تحيض فإذا حاضت بعد مسه إياها ردها عليه بغير نكاح فسيدها يطؤها بملك اليمين وعبده يطئوها بملك النكاح. عن الصادق رجل زوج عبده أمته ثم اشتهاها يقول له اعتزلها فإذا طمثت وطئها ثم يردها عليه إذا شاء وليس لعبد رجل طلاق في أمة الرجل إن زوجه إياها لأن الله يقول عبدا مملوكا لا يقدر على شيء هذا مبلغ فقه الصادق وهذه عصمته.

(ونقول) هل يصدق قول هذا الرجل كن في مال الغير «الخ» قول جماعة من أصحابه وفعلهم في حقنا بما لا يسعنا بيانه ولا نود ذكره ولا الاشارة إليه لو لا ما يضطرنا إليه هذا الرجل بتشنيعاته علينا بالباطل وحاشا للشيعة أن تقول إلا بما قاله نبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفسه فهي أشد تمسكا به من كل مسلم وان تقتدي إلا بمثل قول زين العابدين عليه‌السلام لو أن قاتل الحسين استودعني السيف الذي قتله به لأديته إليه.

وقد تسافل الزمان أي تسافل حتى صار موسى التركستاني يهزأ بفقه الامام جعفر بن محمد الصادق فقيه أهل البيت ووارث علوم آبائه عن جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحد الثقلين اللذين لا يضل المتمسك بهما إلى يوم القيامة فيقول هذا الكلام بلا خجل ولا استحياء وإذا كانت سخافة هذا التركستاني أدته إلى أن يرد على الله ورسوله ويخالف إجماع المسلمين فيورث ولد الولد مع الولد كما مر فلا نستغرب منه رده على جعفر الصادق وفقه الصادق الذي عن أبيه عن أجداده عن رسول الله (ص) عن جبرئيل عن الله تعالى لم يؤده إلى أن (يبيح الطلا وهي الشراب المحرم) ولا أن (يبيح نكاح البنت والبنت تحرم) ولا أن (يبيح لهم أكل الكلاب وهم هم) كما أشار

إليه الزمخشري الحنفي في أبياته المشهورة المطبوعة على أول الكشاف. وما ذا نقم من فقه الصادق. فهل ينكر قول الله تعالى (عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) أو ينكر دلالته على المطلوب أو يرى من المحال أن يطلق الرجل أمته المزوجة من عبده أو يفسخ نكاحها ويطأها بعد ما اعتدت ثم يردها عليه بعقد أو تحليل. أما تشدقه بأن للشيعة في كتبها ميل فتتوالى الازدحام في النساء فهو من باب أساء فهما فأساء إجابة فقد أجمعت فقهاء الشيعة على أن من زوج عبده أمته حرم على المولى وطئ الأمة حتى تحصل الفرقة وتنقضي عدتها فإذا أراد ردها على العبد لا يجوز إلا بعقد جديد أو إحلال جديد عند من يجوز إحلال المولى أمته لعبده. قال فقيه الشيعة جعفر بن سعيد الحلي المعروف بالمحقق في كتابه شرائع الاسلام في بحث نكاح الاماء إذا زوج عبده أمته كان عقدا صحيحا لا إباحة وله أن يفرق بينهما بغير لفظ الطلاق. وقال أيضا يحرم على المالك وطئ مملوكته إذا زوجها حتى تحصل الفرقة وتنقضي عدتها إذا كانت ذات عدة. وقال في بحث العدد عدة الأمة في الطلاق مع الدخول قرءان وإن كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض اعتدت بشهر ونصف سواء أكانت تحت حرام عبد. ثم قال لو طلقت الأمة بعد الدخول لم يجز للمولى الوطي إلا بعد الاعتداد ا ه. وفي الجواهر في شرح قوله (يحرم على المالك وطئ مملوكته إذا زوجها) : بغيره ولو عبده وبعد قوله (إذا كانت ذات عدة) : بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه مضافا إلى النصوص المعتبرة. عشر لا يجوز نكاحهن ولا غشيانهن وعد منها أمتك ولها زوج. ونحوه الآخر بزيادة وهي تحته. يحرم من الإماء عشر : وعد منها امتك ولها زوج. أمتك وهي في عدة. فعلم من ذلك أن تزويج المولى عبده أمته لا يكون إلا بالعقد له عليها أو باحلالها له عند من جوز الاحلال وأن المولى له أن يطلقها أو يفسخ العقد وأنه إذا طلق أو فسخ بانت من العبد فلا يجوز رجوعه إليها إلا بعقد أو إحلال جديد فإن ورد ما يخالف ذلك من الروايات وجب رده لمخالفته الاجماع أو حمله على ما يوافقه. وهو الذي أشار إليه في أول كلامه بقوله رجل أمته تحت عبده «الخ» ، فقد أشار به إلى ما روي عن الباقر عليه‌السلام أنه سئل عن قول الله تعالى : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت إيمانكم قال هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته فيقول له اعتزل امرأتك. ولا تقربها ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسكها فإذا حاضت بعد

مسه إياها ردها عليه بغير نكاح. فهذه الرواية بظاهرها مخالفة للنص والاجماع الدالين على أن النكاح الأول بطل بفسخ العقد فيجب ردها وعدم العمل بها أو حملها على التحليل بناء على جوازه فإن فيه خلافا بين أصحابنا. وشرط العمل بالخير عندنا أن لا يخالف المشهور فكيف بما خالف الاجماع وليس كل ما أودع في كتب الأخبار يمكن العمل به وقد مر عند ذكر علوم الأئمة روايات في مسند الامام أحمد دالة على أن رسول الله (ص) جوز الأكل في شهر رمضان بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس فهل لنا أن نعيب بها أهل السنة لأنها وردت في صحاحهم مع علمنا بأنهم لا يعلمون بها. فقوله : فسيدها يطئوها بملك اليمين وعبده يطئوها بملك النكاح تهجينا للأمر وتشنيعا لا يعود بالشناعة إلا عليه لتوهمه أن العبد والسيد يشتركان في وطئها هذا بالعقد وهذا بملك اليمين فصدق عليه اساء فهما فأساء إجابة. أما الرواية الثانية فليس فيها إلا أنه يردها عليه إذا شاء والمراد أنه يردها عليه بعقد أو إحلال فليس فيها ما يخالف شيئا مما ثبت فهذا فهم موسى جار الله وهذه معرفته.

كل ما لنا حل لشيعتنا

نقل في ص ٦٠ ـ ٦١ أحاديث فيها الصحيح والسقيم والغث والسمين عن بعض الأئمة تتضمن : كل ما لنا فهو حل موسع لشيعتنا لتطيب مواليدهم ـ أنا وأهل بيتي أورثنا الله الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا وما أخرج الله منها من شيء فهو لنا. ثم رتب عليه أن كل الأموال للامام فلا يحل لأحد لا نكاح ولا تجارة ولا طعام إلا بإباحة من الامام. ثم قال كل هذه دعاوي لا تكون لنبي ولا إمام ولا لأحد من الفراعنة والنماردة.

(ونقول) في هذه المنقولات حق وباطل. فالحق أن للامام نصف الخمس من الغنائم وهو سهم الله الراجع إلى الرسول (ص) وسهم ذوي القربى وأنهم احلوا لشيعتهم ما أخذ من السبي وللامام فيه نصف الخمس لتطيب مواليدهم. أما من لا يعتقد ذلك فهو حل له بطبيعة الحال ونكاحه صحيح. وأما أن كل الأموال للامام لا يحل نكاح ولا تجارة ولا طعام إلا باباحته فباطل لا يعتقده أحد منا وهذه كتب الفقه عندنا خالية من ذلك وقد بينا غيره مرة أنه لو كان كل ما في كتب الحديث صحيحا لما

احتيج إلى علم الرجال وعلم الدراية. فتهويله بألفاظه الخشنة يشبه فعل الفراعنة والنماردة.

زعمه الشيعة تنكر على الأمة مذاهبها

قال ص ٦١ الشيعة تنكر على الأمة مذاهبها وأعمالها ثم نقل حديثين يتضمن أحدهما إعادة الناصب الزكاة إذا عرف هذا الأمر والآخر إعادة المخالف الحج كذلك وقال عن الصادق أنه كان يقول لا يستقيم الناس على الفرائض والطلاق والزكاة إلا بالسيف.

(ونقول) ومن تسميهم الأمة ينكرون أيضا على الشيعة مذاهبها واعمالها (فما بال باؤكم تجر وباؤنا لا تجر) والخبران أن صحا محملهما فقد شرط من شروط الزكاة والحج وقومه لا يعتقدون فيما يخالفهم دون ذلك فما باله يعتقد بما فيه مثله. والخلاف بين أئمة أهل البيت وغيرهم من الفقهاء في العول والتعصيب من أحكام الفرائض معروف ومشهور وكذلك الطلاق فعند أئمة أهل البيت لا يصح طلاق المدخول بها الحاضر معها زوجها في حال الحيض ولا في طهر المواقعة ويشترط حضور شاهدين عدلين يسمعان الطلاق وكونه بالعربية الصحيحة بلفظ أنت طالق دون الملحون ودون غيره مما يؤدي معناه وإذا قال أنت طالق ثلاثا لم تقع إلا واحدة وباقي الفقهاء يجيزونه في حال الحيض مع قولهم أنه بدعة وفي طهر المواقعة ولا يشترطون الاشهاد ويجيزون الطلاق بالملحون والمحرف والمصحف وكل ما يفيد معنى الطلاق ووقوع الثلاث بلفظ واحد وقد اعترف هو فيما سبق بانه اعجبه مذهب الشيعة في الطلاق.

وفي الزكاة بعض الاختلاف وجل الأمة أخذت في الفرائض والطلاق والزكاة بغير أقوال أهل البيت ونبذت أقوالهم فلذلك قال الصادق هذا القول. ويمكن أن يراد في خصوص الزكاة معنى آخر هو أنه لا يؤدي الناس الزكاة إلا بالسيف وكيف كان فاي انتقاد على الشيعة في ذلك.

الرجعة

حكى في ص ٦٢ ـ ٦٣ عن المجلسي وصاحب الوافي أن أخبار الرجعة متواترة

وقال رجعة جماعة من أولياء الله وأعدائه لأجل الانتقام من الأموية لن تقع.

(ونقول) الرجعة أمر نقلي أن صح النقل به لزم اعتقاده وإلا فلا ولا يستحق كل هذا التهويل ولا كل هذا الاستنكار لو لا التعصب والاستكبار وجزمه بأنها لن تقع دعوى منه لعلم الغيب الذي اختص الله به. وقد كثر التشنيع بها على الشيعة من خصومهم وهو ظلم فإن كان من حيث دعوى وهو أنها محال أو مستبعدة فهو يشبه قول منكري البعث إذا كنا ترابا وعظاما أإنا لمخرجون فرد الله تعالى عليهم (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) وقد وقع نظيرها في الأمم السالفة فيما حكاه القرآن الكريم (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتسلكن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه. وإن كان من جهة عدم ثبوت الرواية بها عندكم فذلك لا يوجب عيب من يدعي ثبوت الرواية بها عن أهل بيت نبيه ولا يوجب الجزم بأنها لن تقع والتقول على قدرة الله وكان عليكم أن تنظروا في أسانيد رواياتها فإن كان فيها ضعف رددتموها من هذه الجهة وكان قولكم مقبولا وحجتكم ظاهرة أما ردها بمجرد الدعوى بقول لن تقع فليس من دأب أهل العلم والانصاف. وقد أجاب السيد الحميري سوارا القاضي بحضرة المنصور فيما رواه المفيد في الفصول حين قال سوار يا أمير المؤمنين إنه يقول بالرجعة فقال السيد أقول بذلك على ما قال الله تعالى ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا. فعلمنا أن هنا حشرين عاما وخاصا وقال سبحانه (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ. فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ).

الولاية

وحكى عن المجلسي وصاحب الوافي أيضا أن أخبار الولاية متواترة ثم قال والولاية في الدين تعم جميع المسلمين يدخل في آياتها الامام علي وأولاده مثل دخول

كل مؤمن وأولاده والولاية وظيفة دينية أو حق ديني يستوي فيها الكل من غير تقدم وتأخر.

(ونقول) الولاية التي صغر أمرها وحقر شأنها وسوى فيها بين علي وأولاده وسائر الناس لحاجة في نفسه هيهات أن تكون كذلك بل هي الولاية الثابتة بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم. ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه وبقوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) الخاصة بمن تصدق بخاتمه في صلاته وهو راكع والثابتة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله كان آمنا. مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هوى.

تأويل آيات في الكافي

أطال في ص ٦٣ واطنب وطول وهول بأن في الكافي نزول آيات فيما يكون من الصحابة بعد وفاة النبي وأن الصحابة والأمة انكرت ما لعلي ولأولاده حسدا وبغيا وأمثال ذلك.

(ونقول) الكافي وغيره من كتب الأخبار لا يقول واحد من الشيعة بأن جميع ما فيه صحيح كما قلنا مرارا كما لا يمكنكم أن تقولوا بأن جميع ما في كتب أخباركم صحيح وإذا كان كذلك فما فائدة علم الرجال وكتب الرجال ودراية الحديث. والشيعة لا تعتمد في تفسير القرآن الكريم على غير ما في كتب أئمة مفسريها كالتبيان لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي ومجمع البيان للطبرسي وجمع الجوامع له وكلها مطبوعة وليس معنى اعتمادها عليها أنها ترى كل ما فيها صوابا فإن العصمة لله وحده ولمن عصمه. وحسد كثير من الأمة لعلي وولده ملحق بالضروريات لا يحتاج فيه إلى الروايات.

الخمس والزكاة

قال ص ٦٦ يعجبني واستحسن رأي الشيعة في تعميم ما غنمتم من شيء من آية الغنائم. فإنها وإن نزلت في غنائم الحرب إلا أن حادثة النزول لا تخصص عموم العام المستغرق المؤكد. ما غنمتم من شيء يدخل فيه غنائم الحرب من المنقول وغيره وما استفيد من المعادن والكنوز وربح التجارة والزراعة والصناعة. هذا فقه جليل لطيف فإن مقادير الزكاة أربعة :

(١) خمس غنائم الحرب والمعادن والركاز والكنوز.

(٢) نصف الخمس في بعض ما تخرجه الأرض بالزرع وهو العشر.

(٣) ربع الخمس في البعض الآخر وهو نصف العشر.

(٤) ثمن الخمس في الذهب والفضة وأموال التجارة. وهذا نظام هندسي صعودا أو هبوطا مثل سلسلة سهام الفرائض معناه أن حق الشرع في جميع الأموال خمس ما يربح منها. ونصاب الفضة مائتا درهم حق الشرع منها خمسة دراهم ونصاب الذهب عشرون مثقالا حصة الزكاة منه نصف مثقال فهذا إرشاد من الشارع إلى أن الربح المأذون فيه غايته خمسة وعشرون في كل مأتين من الفضة والذهب فنسبة حصة الزكاة إلى مقدار النصاب واحدة هي خمس الربح الذي يحصل منه في الغالب ومقدار النصاب في الأموال واحد وهو أربعون نصاب الذهب عشرون مثقالا فيها نصف مثقال ونصاب الفضة مائتا درهم زكاتها خمسة دراهم ثم ذكر دية الانسان وأطال بما لا فائدة فيه وقال هذا الرأي أرانيه الله في معنى هذه الآية (أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ).

وفي ص ٧٢ قال أن آية الخمس في بيان الأئمة وعقيدة الأمة خاصة بغنائم الحرب ثم أكد أنها عامة وأطال في بيان ذلك.

وفي ص ٦٩ وعليه ينهار بعض الانهيار ما يراه الشيعة الامامية في الخمس وأهليه وفي مصارفه وينهار تمام الانهيار ما تعتقده في معنى هذه الآية فإن الخمس لو جعلت ثلاثة أسداسه للامام أو نائبه والثلاثة الباقية حق الفقراء من بني هاشم فأي شيء يبقى لليتامى والمساكين وابن السبيل. ومسألة الغنائم وكونها من خصائص هذه الأمة فيها إشكال من وجوه (منها) أن غنائم الغلبة في القرون الأولى ذكرها القرآن

الكريم في سور متعددة (ومنها) أن الامام أحمد وجماعة رووا حديثا معناه أن الغنائم لم تحل لهذه الأمة إلا لأنها ضعيفة فحلها لها ضرورة وليس بشرف لها فإن الجهاد لم يشرع إلا لوجه الله والدين فقط لا للغنائم (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) فشيء لم يجعل حلالا إلا لأجل الضعف كيف يكون حقا لآل محمد وكثير من أئمة الأمة. حرمة الصدقة على النبي وأهل بيته كرامة جليلة وتنزيه عظيم من ريبة وأوساخ ولا يلحق على أهل البيت بمثل هذه الكرامة الجليلة نقصان يحتاج إلى جره بخمس الغنائم. ثم لو كان الخمس عوضا عن حرمة الصدقة لاستحقه من يستحق الصدقة على نحو استحقاق الصدقة ولا يستأهل الصدقة إلا الفقير ثم لا يستأهل الفقير إلا على وجه جواز الصرف لا على وجه وجوب الصرف.

وفي ص ٧٠ فما معنى كون الخمس حقا فرضا لآل محمد ومحمد وآل محمد أكرم على الله وعند الله من أن يجعلهم الله فقراء إلا إلى الله. ثم ذكر أقوال الشيعة في الخمس في زمن غيبة الامام وبينها أقوال شاذة لا يعمل بها أحد وقولان هما العمدة سقوطه زمن الغيبة ودفعه لنائب الامام وهو المجتهد العادل يصرفه على مهمات الدين ومساعدة الضعفاء والمساكين. ثم قال كل هذه الأقوال كلمات تخرج من أفواه الشيعة لم تقلها ولا تقولها سريعة ونحن لا ننكرها (ونقول) قد أخطأ في جعل هذه الأقوال في الخمس كله بل هي في نصفه والنصف الثاني يصرف على فقراء بني هاشم جبرا لما فاتهم من الصدقة المحرمة عليهم وقوله لم تقلها ولا تقولها شريعة دعوى منه شنيعة في بابها فقد قالتها شريعة علماء آل محمد الذين أخذوا دينهم وشريعتهم عن ثقات أئمتهم عن جدهم الرسول (ص) عن جبرئيل عن الله تعالى فبطل تعجبه بقوله ونحن ـ أي الشيعة ـ لا ننكرها تعجبا من عدم انكارهم.

وفي ص ٧٣ ـ ٧٤ قال أن للأئمة في آية الخمس أقوالا قيل يقسم الخمس على ستة وهم المذكورون في الآية حكي عن أبي العالية وأن سهم الله يصرف إلى البيت وعمارة المساجد وقيل على خمسة بجعل سهم الله ورسوله واحدا وقيل لله ولرسوله مفتاح الكلام فإن الأرض كلها لله ثم الحكم لله ولرسوله والخمس للأربعة : لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل سهم الرسول كان له في حياته فهل سقط بموته قيل هو باق يصرف إلى الخليفة بعده وقيل سقط وسهم ذوي القربى كان النبي (ص)

يصرفه إلى بني هاشم وبني المطلب وقال إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد في الاسلام والجاهلية. وقد أجمع الصحابة في عهد الخلافة الراشدة وفيهم علي على تقسيم الخمس على ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل والنص معلوم لهم فكان إجماعا.

وفي ص ٧٥ ثبت أن النبي إذ قسم أموال بني النضير قسمها بين المهاجرين ولم يعط الانصار.

وفي ص ٧٨ عند الكلام على فدك : في الأم للامام الشافعي أن الفاروق قال لعلي في المسلمين اليوم خلة فإن أحببتم تركتم حقكم من الخمس وجعلناه في خلة المسلمين واهل البيت هم أحق الناس بالايثار وأكرم الخلق كافة وأرحم الناس بأمة محمد.

(ونقول) هذا هو الأمر الثاني الذي أعجبه من آراء الشيعة مضافا إلى الأمر الأول وهو الطلاق فنحمد الله على ذلك. ولكن إدماجه الخمس في الزكاة غير صواب. فالخمس في الغنائم سواء أخصصناها بغنائم الحرب أم عممناها لارباح التجارة والزراعة والكنوز والمعادن. ومصرفه لله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل بنص القرآن الكريم والزكاة في ثلاثة أشياء النقدين والغلات والأنعام ومصرفها للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل بنص القرآن الكريم وقد سمى الأول خمسا (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) والثاني زكاة (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ).

أما ما تفلسف به وقال أن الله أراه إياه من أن مقادير الزكاة التي أدرج فيها الخمس أربعة وجعلها كلها تدور على الخمس وأنه نظام هندسي كسهام المواريث فلا يبتنى على أساس فالله قد فرض الخمس في الغنائم والعشر وربعه في الزكاة والخمس لا ربط له بالزكاة سواء أسمينا العشر ونصفه وربعه بأسمائها أم سميناها نصف الخمس وربعه وثمنه فتغيير اسمها لا يوجب اندراج الخمس فيها ولا جعل ذلك نظاما هندسيا وما ربط الهندسة بالمقام وسهام الفرائض اقتضى تفاوتها في المقدار أن يكون فيها ثمن وربع ونصف وسدس وثلث وثلثان وليس لنظام الهندسة في ذلك دخل. وإرجاع الزكاة إلى الخمس وزعم أن معناه أن حق الشرع في جميع الأموال خمس ما يربح منها وأن جعل زكاة مائتي درهم خمسة دراهم وعشرين مثقالا لا نصف

مثقال ارشاد إلى أنه ينبغي أن يكون ربح المائتين خمسة وعشرين لا أزيد أو أن ربحها في الغالب كذلك تخرص بلا دليل والربح ليس له حد ولا غلبة في ذلك والزكاة في الذهب والفضة على المال المخزون سنة إذا بلغ النصاب ولم يغير وزكاة مال التجارة غير هذا فهذه الفلسفة التي تبجح وافتخر بأن الله أراه إياها لم تصادف محلها.

والخمس ثلاثة أسداسه للامام أو نائبه والثلاثة الاسداس الباقية للفقراء من بني هاشم ومنهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لأن المراد يتامى بني هاشم ومساكينهم وأبناء السبيل منهم كما صح عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام فلا ينهار ما يقولونه لا تمام الانهيار ولا بعضه وإنما تنهار أقاويله وتمحلاته الفاسدة.

وكتاب الله جعل الزكاة مقابلة للخمس قبل كتب الشيعة ، واعلموا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه. أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. إنما الصدقات للفقراء فجعله الزكاة قسما من الخمس مجرد تمحل وإذا كان بيان المقادير لم يجيء في القرآن إلا في آية الخمس فقد جاء بيانها في السنة المطهرة.

وأشكاله على كون الغنائم من خصائص هذه الأمة بأن القرآن ذكر غنائم الغلبة في سور متعددة لا يتعلق لنا به غرض فلم يصح عندنا انه من خصائصها وسواء أصح أم لم يصح لا فائدة فيه. أما استشهاد بحديث الامام أحمد وتفسيره له بما يوافق هواه فيشبه ما ذكره سابقا من أن آل محمد لاحق لهم في الخلافة لأن لهم الله أو ما هذا معناه وهنا يقول الخمس لا يستحقه آل محمد لأنه جعل لأجل الضعف بحديث لا يدري ما هو ولا مبلغ صحته وضعفه وليس ذلك بشرف لهم فينبغي أن يحرم آل محمد من الخمس وأن يموت فقراؤهم جوعا لئلا ينقص شرفهم كما حرموا من الخلافة محافظة على شرفهم وكون الجهاد لم يشرع إلا لوجه الله والدين فقط لا للغنائم طريف جدا فإذا كان الجهاد شرع لذلك فهل يلزم أن يحرم المجاهدون من الغنائم إذا فالله تعالى حيث أمر بقسمة الغنائم في المجاهدين قد خالف شرعه والرسول (ص) في قسمتها في المجاهدين مخطئ وإذا كان لله ولرسوله فيها حق مع كون حلها ضرورة لأجل الضعف وليس بشرف فلآل محمد اسوة بالله وبرسوله فشرفهم لا يزيد على شرف الله والرسول هذه فلسفات موسى جار الله وتعمقه في فهم الآيات والأحاديث. والآية التي ذكرها صدرها (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ

عَرَضَ الدُّنْيا) نزلت يوم بدر حين رغب المسلمون في أخذ الفداء من الأسرى وكان الاسلام ضعيفا أما بعد قوته فقد قال الله تعالى فإما منا بعد وإما فداء وبذلك يظهر أنها خارجة عما أراد.

وحرمة الصدقة على النبي وأهل بيته تنزيه عظيم لهم من الأوساخ أما أنه تنزيه من ريبة فلا. والنقصان الذي يلحقهم بحرمانهم من الزكاة نقصان مالي لا نقصان أدبي فجبر بالخمس.

والعوض لا يجب أن يساوي المعوض من كل وجه مع أن نصف الخمس لا يستحقه إلا الفقراء من بني هاشم ومنهم اليتامى والمساكين وابن السبيل أما النصف الآخر وهو سهم الله وسهم الرسول فيصرفه الرسول أو الامام أو نائبه فيما ينوبه وفي مصالح المسلمين. على أن هذا اجتهاد منه في مقابل النص فإن الأخبار صرحت بأن الخمس جعل لبني هاشم مقابل الزكاة تنزيها لهم عن أوساخ الناس كما ستعرف عند ذكر ما رواه الطبري في آية الخمس. ولا يفهم معنى لقوله ولا يستأهل الفقير إلا على وجه جواز الصرف فإن الفقير أحد مصارف الزكاة وأقله الوجوب التخييري.

وكون الخمس حقا فرضا لآل محمد قد عرفت معناه بما لا مزيد عليه ولكن فلسفة موسى جار الله اقتضت أن يبقى فقراء آل محمد حفاة عراة جياعى يتكففون الناس لأنهم أكرم على الله وعند الله من أن يجعلهم الله فقراء إلا إليه. وجعل نصيبهم في خمس الغنائم يغنيهم عن سؤال الناس ويقوم بحاجتهم ينافى كرامتهم كما اقتضت فلسفته فيما سبق أن جعل نصيب لهم في الخلافة ينافي كرامتهم فالواجب أن يبقوا رعايا يحكم فيهم من لا يساويهم لئلا تنقص كرامتهم وإذا كان الله لم يجعلهم فقراء إلا إليه فقد جعل لهم الخمس من ماله الذي رزقه عباده.

وهبني قلت أن الصبح ليل

أيعمى العالمون عن الضياء

والأقوال التي نقلها عن الشيعة في الخمس قد أخطأ في جعلها في الخمس كله بل في نصف الخمس أما النصف الثاني فيصرف على فقراء بني هاشم جبرا لما فاتهم من الصدقة المحرمة عليهم. وقوله لم تقلها ولا تقولها شريعة دعوى في بابها شنيعة فقد قالتها شريعة علماء آل محمد المأخوذة عن ثقات أئمتهم عن جدهم الرسول (ص) عن جبرئيل عن الله تعالى فبطل تعجبه بقوله ونحن ـ أي الشيعة ـ لا ننكرها

تعجبا من عدم انكارهم لها. والأقوال التي نقلها عن الأئمة في آية الخمس تخالف ما حكاه الطبري في تفسيره حيث قال اختلف أهل التأويل في ذلك فقيل فإن الله خمسه مفتاح كلام ولله الدنيا والآخرة وما فيهما وإنما معنى الكلام فإن للرسول خمسه فخمس الله وخمس رسوله واحد وقال أبو العالية الرياحي كان رسول الله (ص) يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة أربعة لمن شهدها ثم يأخذ الخمس فيأخذ منه قبضة فيجعلها للكعبة وهو سهم الله ثم يقسم ما بقي على خمسة سهم للرسول وسهم لذي القربى وثلاثة للثلاثة الباقية. وقال آخرون ما سمي لرسول الله (ص) من ذلك فإنما هو مراد به قرابته وليس لله ولا لرسوله منه شيء فإما من قال سهم الرسول لذوي القربى فقد أوجب الرسول سهما وإن كان (ص) صرفه إلى ذوي قرابته فلم يخرج من أن يكون القسم كان على خمسة أسهم ا ه فصرح في القول الأخير بأن المراد بذي القربى قرابة الرسول وبه صرح الطبري أيضا وهو لم يذكره وهو مما يبطل تفسيره يأتي ذوي القربى فيما يأتي وجعل السهام على القول الأول خمسة وهو جعلها أربعة وإنما الذي جعلها أربعة من قال أن سهم الرسول لذوي قرابته. والصواب أن سهم الرسول من الخمس باق بعد وفاته وأنه للامام بعده وهو نصف الخمس والنصف الثاني لفقراء بني هاشم كما ثبت عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام. والمشهور بين أصحابنا اختصاص سهم ذوي القربى ببني هاشم دون بني المطلب أخي هاشم وصرف النبي (ص) ذلك إلى الهاشميين أو هم والمطلبيين دليل على أنهم المرادون في آيتي الخمس والفيء. وزعمه الاجماع على قسمة الخمس ثلاثة أسهم. دعوى مجردة مخالفة لنص القرآن كسائر اجماعاته المتقدمة التي أعدها لكل نازلة ومن أين لنا أن نعلم أنه لم ينكره أحد أو أنهم تمكنوا من انكاره فلم ينكروه. والذي قسمه النبي (ص) من أموال بني النضير بين المهاجرين دون الأنصار ليس هو سهم ذي القربى بل سهام اليتامى والمساكين وابن السبيل بناء على أن المراد بهم غير بني هاشم كما ستعرف المدلول عليه بقوله تعالى بعد آية الفيء الآتية للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم إلى آخر الآية أو ان أموال بني النضير مما أوجف عليه بخيل وركاب فالذي قسمه بين المهاجرين هو سهم المجاهدين من الغنيمة.

وما حكاه عن الشافعي في الأم مع كونه من أخبار الخمس ولا محل لذكره في فدك صريح في أن لبني هاشم حقا في الخمس متميز لا سمها في الاخماس الأربعة الباقية كما يزعمه هو وأن الفاروق كان يعتقد ذلك فطلب إلى علي ترك حقهم في الخمس موقتا جبرا لخلة المسلمين ولو كان المراد حقهم في الاخماس الأربعة الباقية لما كان لطلب تنازلهم وحدهم وجه لتساويهم مع غيرهم فيها فالحديث عليه لا له سواء أراد الاستدلال به على مسألة فدك بدليل ذكره فيها أم على مسألة الخمس وكون أهل البيت أحق الناس بالايثار وأكرم الخلق وارحم الناس بالأمة لا ربط له بما فيه الكلام وهو أنه هل لهم حق في الخمس وهو سهم ذي القربى أولا وإيثارهم وكرمهم ورحمتهم لا تنفي ذلك ولا تثبته ولا ترتبط به وإذا كانوا كذلك ـ عند هذا الرجل ـ فهل يكون جزاؤهم أن ننكر حقوقهم التي فرضها الله لهم في كتابه ليتم لهم الايثار والكرم والرحمة ، وهذا الخبر قد روى نظيره السيوطي في الدر المنثور في تفسير كلام الله بالمأثور فقال : اخرج ابن المنذر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : سألت عليا فقلت يا أمير المؤمنين أخبرني كيف كان صنع أبي بكر وعمر في الخمس نصيبكم فقال أما أبو بكر فلم يكن في ولايته اخماس وأما عمر فلم يزل يدفعه إلى في كل خمس حتى كان خمس السوس وجنديسابور فقال وأنا عنده هذا نصيبكم أهل البيت من الخمس وقد اخل ببعض المسلمين واشتدت حاجتهم فقلت نعم فوثب العباس بن عبد المطلب فقال لا تعرض في الذي لنا فقلت ألسنا أحق من أرفق المسلمين وشفع أمير المؤمنين فقبضه فو الله ما قبضناه ولا قدرت عليه في ولاية عثمان ثم أنشأ علي يحدث فقال إن الله حرم الصدقة على رسوله فعوضه سهما من الخمس عوضا عما حرم عليه وحرمها على أهل بيته خاصة دون أمته فضرب لهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهما عوضا مما حرم عليهم وهذا الخبر دال على أن عمر كان يرى أن نصيبهم في الخمس لهم بعد وفاة الرسول (ص) وأنه غير السهام الأربعة كما مر في الذي قبله وأنه إنما شفع إليهم شفاعة في صرفه على المسلمين المعوزين وان العباس لم يرضى بذلك وأن عليا دعاه كرم نفسه أو ما الله به أعلم إلى القبول وأنه في ولاية عثمان لم يقدر على أخذه ولعله قبلها أيضا كذلك وقول عبد الرحمن كيف كان صنعهما في الخمس نصيبهم دال على أنه كان يعتقد أنه حق لهم حيث وصفه بأنه نصيبهم مرسلا له ارسال المسلمات وأن كونه

نصيبهم كان معروفا مشهورا وما في هذه الرواية من أنه لم يكن في ولاية أبي بكر أخماس قد ينافي ما في روايتي سعيد بن جبير والحاكم الآتيتين قريبا من أن أبا بكر رد نصيب القرابة وجعل يحمل به في سبيل الله وأن عليا كان يلي الخمس حياة أبي بكر لكن الظاهر أن المراد بذلك العقارات الثابتة فلا منافاة والتولية لم يعلم ثبوتها قال واخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رغبت لكم عن غسالة الأيدي لأن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم. واخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد : كان آل محمد لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم الخمس. واخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن علي : قلت يا رسول الله ألا توليني ما خصنا الله به من الخمس فولانيه. واخرج الحاكم وصححه عن علي : ولأني رسول الله (ص) خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر ا ه الدر المنثور ويأتي عند ذكر المراد بذي القربى ماله علاقة بالمقام.

الفيء

قال ص ٧٤ أما الفيء. ما أفاء الله على رسوله ولم توجف عليه الأمة من خيل ولا ركاب فكله لا خمسه لله ولرسوله. ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل أما بعد النبي فالفيء كله لكل الأمة.

(ونقول) آية الفيء هي قوله تعالى في سورة الحشر : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ، لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).

فقوله كله لله ولرسوله الصواب أن يضيف إليه الأربعة الباقية المذكورة في الآية وكونه كله لكل الأمة بعد النبي غير صواب بل الصواب أنه للامام القائم مقامه ولذوي قربى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم بنو هاشم كما ثبت عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ولليتامى والمساكين وابن السبيل ويأتي بيان المراد منهم وفي تفسير الطبري عن

الواحدي كان الفيء في زمن الرسول (ص) مقسوما على خمسة أسهم أربعة منها له خاصة والخمس الباقي يقسم على خمسة أسهم له أيضا والأربعة لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وأما بعد وفاته فللشافعي فيما كان له قولان «أحدهما» أنه للمجاهدين «والثاني» أنه يصرف إلى مصالح المسلمين.

من هم ذوو القربى في آيتي الخمس والفيء

قال في ص ٧٥ ومن ذوو القربى في آية الفيء وقد جاء ذكره في آيات كثيرة وحيثما ذكر فقد ذكر بعده اليتامى والمساكين ولم يوجد في آية من قرينة تدل على أنه ذو قربى الرسول. والقرآن الكريم بين ذوي القربى في آية الفيء فقال (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) للفقراء لا يمكن أن يكون بدلا من لله ولا من لرسوله فلم يبق إلا أن يكون بدلا من لذي القربى فذو القربى من ترك دياره وأمواله وبذل نفسه ونفيسه ونصر الله ونصر رسوله يبتغي فضلا من الله ورضوانا لا عرضا من الدنيا وهم المهاجرون فذوو القربى في آية الفيء هم المهاجرون بنص القرآن الكريم لا يدخل فيهم ذوو قربى النبي إلا بوصف كونه هاجر مع النبي.

وفي ص ٧٦ ـ ٧٧ أما ذوو القربى في آية الغنائم فهو مثل ذوي القربى في آية وآتي المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين ذو القربى من صاحب المال وذو القربى من أصحاب الغنائم قريب النبي وقريب غيره سواء من غير فرق. وخمس الغنائم حق الله. وحق الشرع من الغنائم فيه معنى الزكاة والصدقة لم يكن يأخذه ذو قربى النبي الكريم ولم تكن تصرفه الخلافة الراشدة الرشيدة إلا في اليتامى والمساكين وابن السبيل ومجد النبي الكريم وشرف ذوي قرابته الكرام كان يبعدهم عن أن يكون أحد منهم مع اليتامى والمساكين وابن السبيل ولم يكن النبي يعطي أحدا من ذوي قرباه الأسهم من الأخماس الأربعة الباقية لا من الخمس الذي كان يعتبر من أوساخ المال حقا للمساكين. وقد رأينا في تاريخ التشريع وتاريخ الاسلام ان الله تعالى كان ينجي أهل البيت وينجيهم من كل مظان التهم تثبيتا لدينه يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا. نعلم علم اليقين أن النبي كان يؤثر أهل الصفة والأرامل على أهل

بيته وعلى أحب الخلق إليه السيدة فاطمة. وحين شكت إليه الطحن والرحى وسألته أن يخدمها من السبي وكلها إلى الله وقال لها ولعلي : ألا أدلكما على خير مما سألتمانيه؟ ... كان هذا رأي النبي وكانت السيدة سيدة نساء العالمين فاطمة أقرب الناس إلى أبيها في كل آدابه واحق من الأنصار بأدبهم إذ يقول القرآن فيهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

(ونقول) مر قوله في الخمس أن أسهم ذوي القربى كان يصرفه النبي (ص) إلى بني هاشم وبني المطلب وهو يدل على الدوام والاستمرار فيدل على أنه ما كان يصرفه إليهم إلا لأنه حقهم فما الذي أسقط حقهم منه بعد وفاته. وفي تفسير الرازي بعد ذكر آية الفيء ما لفظه : واعلم أنهم أجمعوا على أن المراد من قوله ولذي القربى بنو هاشم وبنو المطلب ا ه فلو فرض أنه ليس في الآيات التي فيها ذو القربى قرينة تدل على أنه ذو قربى الرسول ففي الاجماع المدعي من الرازي وغيره وفي صرف النبي (ص) سهم ذي القربى إليهم في حياته وفي الأخبار الآتية ما يدل على ذلك أفلا يكفي هذا قرينة على إرادتهم مع أن المتبادر لأول وهلة منه هو ذلك ولا يحتاج إلى قرينة أخرى فإن أل في القربى للعهد ولا قربى معهودة سواهم مضافا إلى الأخبار الكثيرة الواردة في أن المراد بذي القربى في آيتي الخمس والفيء قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طريق أهل البيت وغيرهم التي لا يبقى معها مجال للشك والريب أما من طريق أهل البيت فكثيرة لا حاجة بنا إلى نقلها وأما من طريق غيرهم. فما رواه الطبري في تفسيره بسنده عن ابن عباس : كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس فأربعة منها لمن قاتل عليها وخمس واحد يقسم على أربعة فربع لله والرسول ولذي القربى يعني قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يأخذ النبي (ص) من الخمس شيئا والخمس الثاني لليتامى والثالث للمساكين والرابع لابن السبيل. ثم قال الطبري : وأما قوله ولذي القربى ـ يعني في آية الخمس ـ فإن أهل التأويل اختلفوا فيهم فقيل هم قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بني هاشم ـ وذكر من قال ذلك فروى بسنده عن خصيف عن مجاهد : كان آل محمد لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس. وبسند آخر عن خصيف عن مجاهد : كان النبي (ص) وأهل بيته لا يأكلون الصدقة فجعل لهم خمس الخمس. وبسند آخر عن خصيف عن مجاهد قال قد علم الله أن في

بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس فكان الصدقة. وبسنده عن السدي عن أبي الديلم قال علي بن الحسين لرجل من أهل الشام أما قرأت في الأنفال (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) قال نعم قال فإنكم لأنتم هم قال نعم. وبسند آخر عن خصيف عن مجاهد قال هؤلاء قرابة رسول الله (ص) الذين لا تحل لهم الصدقة. وبسنده عن عطاء عن ابن عباس أن نجدة كتب إليه يسأله عنه فكتب إليه كنا نزعم انا نحن هم فأبى ذلك علينا قومنا. قال الطبري وقيل بل هم قريش كلها وذكر من قال ذلك فروى عن سعيد المقبري قال كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن ذي القربى فكتب إليه ابن عباس قد كنا نقول انا هم فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا قريش كلها ذوو قربى. وفي الدر المنثور : اخرج الشافعي وعبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس وذكر مثله. ثم قال واخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس أن نجدة الحروري ارسل إليه يسأله عن سهم ذي القربى الذين ذكر الله فكتب إليه انا كنا نرى أنا هم فأبى علينا قومنا وقالوا لمن تراه فقال ابن عباس هو لقربى رسول الله قسمه لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان عمر عرض علينا من ذلك عرضا رأيناه دون حقنا فرددناه عليه وأبينا أن نقبله وكان عرض عليهم أن يعين ناكحهم وأن يقضي عن غارمهم وأن يعطي فقيرهم وأبى أن يزيدهم على ذلك. قال الطبري وقيل سهم ذي القربى كان للرسول ثم صار من بعده لولي الأمر من بعده. عن قتادة أنه سئل عن سهم ذي القربى فقال كان طعمة لرسول الله «ص» ما كان حيا فلما توفي جعل لولي الأمر من بعده. قال وقيل بل سهم ذي القربى كان لبني هاشم وبني المطلب خاصة وممن قال ذلك الشافعي وكانت علته في ذلك ما روى بالاسناد عن جبير بن مطعم قال لما قسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب مشينا أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة فقال إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد. ثم شبك يديه إحداهما بالأخرى. ثم قال الطبري وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال سهم ذي القربى كان لقرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بني هاشم وحلفائهم من

بني المطلب لأن حليف القوم منهم ولصحة الخبر الذي ذكرناه بذلك عن رسول الله (ص). ثم قال : واختلف أهل العلم في حكم هذين السهمين ـ سهم رسول الله (ص) وسهم ذي القربى ـ بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال بعضهم يصرفان في معونة الاسلام وأهله. وعن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ابن الحنفية كما صرح به في الدر المنثور اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله (ص) فقال قائلون سهم النبي لقرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقال قائلون سهم القرابة لقرابة الخليفة واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة. وقال آخرون أنهما إلى والي أمر المسلمين. وقال آخرون سهم الرسول مردود في الخمس والخمس مقسوم على ثلاثة أسهم على اليتامى والمساكين وابن السبيل وهو قول جماعة من أهل العراق ، وقال آخرون الخمس كله لقرابة رسول الله (ص) ثم روى بسنده عن المنهال بن عمرو : سألت عبد الله بن محمد بن علي وعلي بن الحسين عن الخمس فقالوا هو لنا فقلت لعلي ان الله يقول اليتامى والمساكين وابن السبيل قال يتامانا ومساكيننا ثم قال : والصواب من القول في ذلك عندنا ان سهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مردود في الخمس والخمس مقسوم على أربعة أسهم على ما روي عن ابن عباس للقرابة سهم وللثلاثة الباقية ثلاثة أسهم لأن الله أوجب الخمس لأقوام موصوفين بصفات كما أوجب الأربعة الأخماس الآخرين وقد اجمعوا أن حق الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم فكذلك حق أهل الخمس لن يستحقه غيرهم وغير جائز ان يخرج عنهم إلى غيرهم كما غير جائز ان تخرج بعض السهمان التي جعلها الله لمن سماه في كتابه بفقد بعض من يستحقه إلى غير أهل السهمان الأخر ا ه. وفي الدر المنثور في تفسير كلام الله بالمأثور للسيوطي : اخرج ابن أبي شيبة عن السدي ولذي القربى قال بنو عبد المطلب واخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب. واخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم قال آل محمد الذين اعطوا الخمس آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل. واخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله : واعلموا انما غنمتم من شيء يعني من المشركين ان لله خمسه وللرسول ولذي القربى يعني قرابة النبي «ص» (إلى أن قال) وكان المسلمون إذا غنموا في عهد النبي اخرجوا خمسه فيجعلون ذلك الخمس الواحد أربعة أرباع فربعه لله وللرسول ولقرابة النبي فما كان

لله فهو للرسول والقرابة وكان للنبي نصيب رجل من القرابة والربع الثاني للنبي إلى أن قال فلما توفي النبي رد أبو بكر نصيب القرابة فجعل يحمل به في سبيل الله. ا ه الدر المنثور.

وقد ظهر بما مر أن جل الروايات متوافقة على أن المراد بذي القربى هم قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم بنو هاشم لأنهم القرابة القريبة المتبادرة عند الاطلاق أو هم وبنو المطلب وان القول بأنهم قريش كلهم ما هو إلا تحامل على بني هاشم وحسد لهم كما يشير إليه قول ابن عباس السابق كنا نزعم أو نقول أو نرى انا نحن هم فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا قريش كلها ذوو قربى الدال على أن ابن عباس لم يزل متمسكا بأن بني هاشم هم ذوو القربى وأن سائر قريش أبت عليهم ذلك بدون حق فأشار إلى معتقده من طرف خفي وصرح بعض التصريح إذ لم يمكنه التصريح التام وأصرح من ذلك ما في حديثه الثاني حيث قال هو لقربى رسول الله وان عمر كان عرض عليهم من ذلك عرضا رأوه دون حقوقهم فردوه عليه ولم يقبلوه كما ظهر أن غير بني هاشم قد طالب بذلك في حياة النبي (ص) فمنعه. والحجة التي مرت عن الطبري حجة قوية وهي قاضية بأن ذوي القربى هم بنو هاشم وغير جائز ان يخرج سهمهم إلى غير أهل السهمان الأخر وان الذين قالوا بخلاف ذلك ما قالوه إلا بالظن والتخمين ولم يستندوا إلى مستند.

وكما أن للفقراء المهاجرين إلى آخر الآية لا يمكن أن يكون بدلا من لله ولرسوله لا يمكن أن يكون بدلا من لذي القربى لما مر من ظهوره في قربى النبي (ص) ودلالة الاجماع والروايات على ذلك فتعين كونه بدلا من اليتامى والمساكين وابن السبيل فزعمه كونه ذو القربى في آية الفيء هم المهاجرون بنص القرآن هو كسائر مزاعمه لا نصيب له من الصحة.

وإن سلم أن ذا القربى في آية وآتى المال على حبه ذوي القربى أريد به ذو القربى من صاحب المال فلا يلزم أن يكون ذو القربى في آية الغنائم مثله يراد به ذو القربى من أصحاب الغنائم بعد ورود تفسيره في الأخبار وكلام العلماء بأن المراد به قربى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوى الاجماع على ذلك كما مر.

وكون خمس الغنائم فيه معنى الزكاة والصدقة ليس بصواب فإنه مأخوذ

بالسيف والقهر والغلبة لا بالصدقة. وجملة من الأخبار السابقة قد نصت على أن الخلافة الراشدة كانت تصرفه فيهم وأنها صرحت بأنه حقهم على أنها خالفت ما ثبت من الشرع ـ ولم يدع أحد فيها العصمة ـ لا يجب اتباعها وقد ثبت بما مر أن ذوي القربى في آيتي الخمس والفيء هم بنو هاشم.

ولذوي قرابة النبي الكرام اسوة بالله وبرسوله في كونهما مع اليتامى والمساكين وابن السبيل فلو كان ذلك يخل بمجد أو شرف لما ذكر الله ورسوله معهم والمجد والشرف ليس بالغنى والمال بل بمحاسن الصفات والأفعال وكان النبي (ص) يفتخر بالفقر ويقول الفقر فخري ولم يكن الغنى شرفا إلا عند الجهال. على أن المراد بالثلاثة هم يتامى بني هاشم ومساكينهم وابن السبيل فهم كما يأتي فإذا كان أحدهم يتيما أو مسكينا أو ابن سبيل فما الحيلة حتى لا يكون مع اليتامى والمساكين وابناء السبيل. ومجد النبي الكريم وشرف ذوي قرابته الكرام يقتضي ـ على رأي هذا الرجل ـ أن يحرموا من كل شيء. من الخلافة والامارة. ومن خمس الغنائم ومن الفيء ليبقوا رعايا فقراء يتكففون الناس ويتم لذلك مجدهم وشرفهم. مع أن هذا اجتهاد في مقابل النصوص الكثيرة المتقدمة وزعمه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يعطي أحدا من ذوي قرباه إلا من الأخماس الأربعة تقول على النبي (ص) فقد كان يعطي بني هاشم سهم ذوي القربى وقد اعترف بذلك فيما سبق من كلامه في الخمس ولكنه لا يبالي بتناقض كلامه ويقسم الأخماس الأربعة في الباقية في المجاهدين ولا يعطي بني هاشم منها شيئا إذا لم يكونوا مجاهدين ويمنعهم من الزكاة التي هي من أوساخ الناس تنزيها لهم وتشريفا والخمس لا يعتبر من أوساخ المال لكونه غنيمة أخذ بالسيف والقهر والغلبة وكون بعضه حقا للمساكين الذين هم مساكين بني هاشم وفقراؤهم لا يجعله من أوساخ المال. وقد عرفت تصريح الأخبار الكثيرة بان الله تعالى جعل الخمس لبني هاشم عوضا عن الزكاة التي هي أوساخ الناس وغسالة الأيدي تكريما لهم وتشريفا وهذا الرجل يصادم بآرائه الشاذة قول الله ورسوله.

وإذا أعطى النبي (ص) أهل البيت حقهم المفروض لهم في الكتاب العزيز لم يكن في ذلك تهمة لينجيهم وينجيهم منها ومنعهم من حقهم ظلم وتاريخ التشريع وتاريخ الاسلام الذي انفرد بفهمه والتجنيس بين ينجهم وينجيهم لا يفيد شيئا من

ذلك واذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم لا يكون بمنعهم حقهم.

وكلامنا في أن سهم ذي القربى من الخمس هل هو حق لأهل البيت وبني هاشم أولا ونحن نقول دلت الأدلة السابقة على أن سهم ذي القربى من الخمس هو حق لهم فكون النبي (ص) كان يؤثر الفقراء من الغرباء على حب الناس إليه من أهل بيته لا ربط له بذلك بوجه من الوجوه لا نفيا ولا اثباتا فإذا كان يؤثر الغرباء على القرباء فهل هذا معناه أن قرابته ليس لهم حق في الخمس. كما أن كون سيدة نساء العالمين أقرب الناس إليه في كل آدابه ليس له ربط باستحقاقها من الخمس وعدمه فتنميق الألفاظ وتزويقها لا يكون دليلا للأحكام.

من هم اليتامى والمساكين وابن السبيل في آيتي الخمس والفيء

في مجمع البيان انهم من بني هاشم أيضا لأن التقدير ولذي قرباه ويتامى أهل بيته ومساكينهم وابن السبيل منهم قال وروى المنهال ابن عمرو عن علي بن الحسين عليه‌السلام في قوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل قال هم قربانا ومساكيننا وابناء سبيلنا. وقال جمع من الفقهاء هم يتامى الناس عامة وكذلك المساكين وابناء السبيل وقد روي ذلك أيضا عنهم عليهم‌السلام. روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال كان أبي يقول لنا سهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسهم ذي القربى ونحن شركاء الناس فيما بقي ا ه.

الزكاة

قال ص ٧١ تقول كتب الشيعة : زكاة الشيعة للشيعة فإن لم يجد ينتظر سنين ثم يطرحها في البحر. ثم ذكر آيات الإنفاق وآيات الزكاة وقال الانفاق والزكاة في عرف القرآن شيء واحد ولم يكن في الملك نصاب كانوا ينفقون من كل شيء من غير حد وكانوا في كل ما يؤمرون يأتون بغاية الكمال لذلك كان القرن الأول أفضل الأمة وخير البرية.

(ونقول) طرحها في البحر كذب وافتراء فمصرف الزكاة أصناف ثمانية بنص

القرآن الكريم احدها سبيل الله وهو عندنا كل مصلحة أو قربة فمهما عدمت المصارف لا يعدم سبيل الله فكيف يتصور عاقل أنها تطرح في البحر ولكنه اعتاد أن لا يتورع عن كذب ولا بهتان. وإرادة الزكاة من الإنفاق ممكن وليس بمتعين وإذا لم يكن في الملك نصاب فليس ذلك بزكاة وكونهم كانوا ينفقون من كل شيء من غير حد ويأتون فيما يؤمرون بغاية الكمال إن أريد أن ذلك كان في جميعهم فهو خلاف المحسوس. وقد بخلوا بدرهم أو بعض درهم أو بعض درهم يقدمونه بين يدي نجواهم صدقة ولم يعمل بذلك إلا علي بن أبي طالب حتى نسخ. وتركوا النبي (ص) يخطب يوم الجمعة وخرجوا للنظر إلى العير لما سمعوا صوت الطبل حتى لم يبق معه إلا نفر قليل وعاتبهم الله تعالى بقوله (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) وبنو آدم لم يتساووا في الصفات في عصر من الأعصار. وحديث كون العصر الأول أفضل الأمة مربيان فساده.

فدك

قال ص ٧٧ ـ ٧٨ ـ ٧٩ : فدك قرية خارج المدينة قرب خيبر ذات نخل كانت من صفايا النبي خالصة له اذ لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولم ترها السيدة فاطمة قط ولا تتصرف فيها في حياة النبي اصلا كان النبي من غلاتها ينفق على اهل بيته وعلى احب الخلق إليه السيدة فاطمة وأهل بيتها ، قدر الكفاية وعلى ذوي الفاقة من أهل المدينة وعلى الدافة وبعد النبي دفعها الصديق الى علي يصرف غلاتها في الجهات التي كان النبي يجعلها فيها كما سلم لعلي السيف والبغلة والعمامة وكثيرا غير ذلك من الآثار المباركة ولم يكن له من جهة الارث لأن ابن العم لا يرث عند وجود العم قام علي بإدارة فدك مدة ثم في السنين الاخيرة من خلافة عمر قال علي لأمير المؤمنين عمر بنا عنها العام غنى وللمسلمين إليها حاجة فأجعلها على المسلمين تلك السنة. والسيدة سيدة نساء العالمين راجعت الصديق ميراثها من ابيها إرثا او نحلة واذ سمعت حديث النبي فيما تركه الأنبياء اكتفت به وانصرفت اذ رأت الحق ثم لم ترجع ولم تنازع وكانت ارفع واعلى من كل ما ترويه كتب الشيعة وكانت غنية غنى النفس مستغنية غنى المال وكان قلبها بموت ابيها وحسراتها عليه اشغل من ان يحمل

شيئا على صاحبيه في الدنيا والآخرة ... ولما انتهى الأمر الى علي سلك في فدك وسهم ذوي القربى مسلك الخلافة الراشدة ترك فدك على ما كانت عليه. ولم يكن من شأن الامام المعصوم وهو امير المؤمنين وبيده القوة لا يخالفه احد ان يقر الباطل على بطلانه وان يبطل الحقوق. وقيل له في فدك فقال اني لأستحيي من الله ان اراد شيئا منعه الصديق وأمضاه الفاروق والشيعة لا تنكر هذه الرواية عن محمد بن إسحاق سألت أبا جعفر محمد بن علي قلت أرأيت عليا حين ولي العراق وما ولي من امر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى وفدك قال سلك طريق ابي بكر وعمر قلت وكيف ذلك وانتم تقولون ما تقولون قال اما والله ما كان اهله يصدرون الا عن رأيه فقلت فما منعه قال كان يكره ان يدعى عليه مخالفة ابي بكر وعمر. وانما تدعي ان عليا كان في آخر الأمر على بقية من التقية قوية. هذه دعوى فارغة ليس للشيعة عليها من دليل ودعوى تطعن في دين الامام وتذهب بعصمته. ونحن لا نرتاب ان عليا كان يرى الحق مع الصديق والفاروق فيوافق وفاق عقيدة لا وفاق نفاق وتقية. وان السيدة فاطمة راجعت الخليفة في الارث وقالت أيرثك اولادك ولا إرث انا رسول الله؟

فروى لها إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وصدقت روايته ثم لم تجد في نفسها حرجا مما قضي به ولم تهجره هجر مغاضبة بل ان كانت هجرته فهجر اشتغال عنه بأبيها وبشوق اللحاق به.

(ونقول) اما ان فاطمة عليها‌السلام لم تر فدكا فممكن رأتها في سترها المتناهي بحيث انها كانت تخرج لزيارة مقابر الشهداء ليلا ولم تشأ ان يرى جنازتها احد فاتخذ لها النعش المغطي شبه الهودج يمكن ان لا تخرج الى فدك واما انها لم تتصرف فيها في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اصلا فباطل روى ابو سعيد الخدري انه لما نزلت (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) اعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام فدك. حكاه المرتضى في الشافي الذي يرده به على المغني للقاضي ابي بكر الباقلاني من علماء المعتزلة : ثم قال وقد روي من طرق مختلفة غير طريق ابي سعيد انه لما نزل قوله تعالى ؛ (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام فاعطها فدك. وفي نهج البلاغة بلى كانت في ايدينا فدك من كل ما اظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين.

واذا كان قد دفعها الصديق الى علي وقام بإدارتها مدة فما وجه غضب فاطمة حتى ماتت واجدة عليه كما رواه البخاري في صحيحه وهجرته. ولما ذا دفنها علي ليلا سرا واخفي قبرها بوصية منها حتى انه لا يعرف قبرها على التعيين الى اليوم واما السيف والبغلة والعمامة وغيرها من الآثار المباركة فالذي ثبت عندنا ورواه ثقاتنا ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دفعها كلها في حياته في مرض موته الى علي بمحضر جمع كثير من المهاجرين والانصار ولو لا ذلك لكانت إرثا لفاطمة وحدها والصحيح ان عليا لم يقم بادارة فدك ولم تدفع إليه بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخرجت عن يده ويد زوجته الزهراء ولم تعد الى ورثة الزهراء إلا في خلافة عمر بن عبد العزيز وخلافة السفاح والمهدي والمأمون وان ما ذكره من قول علي لعمر نبأ عنها العام غنى «الخ» مختلق لا صحة له. وفي آخر خلافة عمر كانت قد كثرت الفتوحات وفتحت على المسلمين مملكتا كسرى وقيصر وكثرت عليهم الأموال وتقلبوا في النعيم فلم يكن بهم حاجة الى نخلات بيد علي وابنيه لو فرض انها في ايديهم وعلي قعيد بيته لا يلي ولاية ولا يؤمر على جيش أو لا يقبل التأمير وإنما يعمل في ارضه بينبع أو غيرها ولم يكن ذا ثروة ليتنازل للمسلمين عنها لغناه وحاجتهم. وقد روي ابو بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة ـ على ما حكاه ابن ابي الحديد بسنده ان أبا بكر كان يأخذ غلتها فيدفع إليهم منها ما يكفيهم ويقسم الباقي وكان عمر وعثمان وعلي يفعلون كذلك فلما ولي معاوية اقطع مروان بن الحكم ثلثها وعمرو بن عثمان بن عفان ثلثها ويزيد بن معاوية ثلثها فلم يزالوا يتداولونها حتى خلصت كلها لمروان ايام خلافته فوهبها لعبد العزيز ابنه فوهبها عبد العزيز لابنه عمر فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كانت أول ظلامة ردها دعا حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب وقيل علي بن الحسين فردها عليه. ويمكن ان يكون دعاهما معا. وكانت بيد أولاد فاطمة مدة ولاية عمر بن عبد العزيز فلما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم فصارت في يد بني مروان كما كانت يتداولونها حتى انتقلت الخلافة عنهم فلما ولي السفاح ردها على عبد الله بن الحسن بن الحسن ثم قبضها المنصور لما حدث من بني حسن ما حدث ثم ردها المهدي ابنه على ولد فاطمة ثم قبضها موسى بن المهدي وهارون اخوه حتى ولي المأمون فردها على الفاطميين فلم تزل في ايديهم حتى ولي المتوكل فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار

وكان فيها احد عشرة نخلة غرسها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده فكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها فاذا قدم الحاج اهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم فصرم عبد الله بن عمر البازيار ذلك الثمر وجه رجلا يقال له بشر بن ابي أمية الثقفي الى المدينة فصرمه ثم عاد الى البصرة ففلج ا ه. هذه هي فدك التي كانت بيد أهل البيت من كل ما اظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين فأنظر في هذا الخبر تجد فيها العبر لمن ابصر وتدبر ولله در دعبل حيث يقول :

أرى فيئهم في غيرهم مقتسما

وايديهم من فيئهم صفرات

ويظهر ان نخلها كان كثيرا يعتد به بحيث يقطعه معاوية اثلاثا لثلاثة اشخاص كبراء كما مر. اما دعواه انها اذا سمعت الحديث فيما ترك الأنبياء اكتفت وانصرفت الخ ـ التي قلد فيها غيره ـ فكان الأولى به عدم نبش هذه الدفائن وان لا يضطرنا الى ذكر ما لا نحب ذكره ولو اتى على دعاواه هذه الطويلة العريضة بدليل أو شبه دليل لكان لنا ان نجيبه عنه ، اما وقد اقتصر على الدعاوي المجردة فكان الأولى ان لا نجيبه بشيء ولكننا لا نترك جوابه بأمور يسيرة نشير إليها اشارة الضرورة ، فنقول دعواه هذه يكذبها ما رواه الامام البخاري في صحيحه من انها ماتت وهي واجدة عليه. وقد ادعى نحو هذه الدعوى القاضي عبد الجبار الباقلاني في كتاب المغني فقال انها لما سمعت ذلك كفت عن الطلب ، واجابه المرتضى في الشافي بقوله لعمري انها كفت عن المنازعة والمشاحنة لكنها انصرفت مغضبة متظلمة متألمة والأمر في غضبها وسخطها اظهر من ان يخفى على منصف ، فقد روى اكثر الرواة الذين لا يهتمون بتشيع ولا عصبية من كلامها في تلك الحال وبعد انصرافها عن مقام المنازعة ما يدل على ما ذكرناه من سخطها وغضبها ، ثم روى ما يدل على ذلك ، وفي شرح النهج لابن ابي الحديد عند ذكر فدك قال انه يذكر الاخبار والسير المنقولة من افواه أهل الحديث وكتبهم في امر فدك لا من كتب الشيعة ورجالهم قال لأنا مشترطون على انفسنا ان لا نحفل بذلك وجميع ما نرويه من كتاب ابي بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري في السقيفة وفدك وابو بكر الجوهري هذا عالم محدث كثير الأدب ثقة ورع اثنى عليه المحدثون ورووا عنه مصنفاته ، ثم ذكر روايته خطبة فاطمة لما بلغها اجماع أبي بكر على منعها فدك وهي صريحة بخلاف ما يدعيه ثم ذكر كلامها في مشهد الانصار وهو أيضا

صريح في خلاف ما يدعيه شرح النهج ج ٤ ص ٧٩ الى ان قال : قالت والله لا كلمتك ابدا قال : والله لا هجرتك ابدا ، قالت : والله لأدعون الله عليك ، قال : والله لا دعون الله لك ، فلما حضرتها الوفاة اوصت ان لا يصلي عليها فدفنت ليلا ا ه. ثم ذكر روايته كلامها لنساء المهاجرين والانصار وهو أيضا دال على خلاف ما يدعيه هذا الرجل ومن قلدهم شرح النهج ج ٤ ص ٨٧ وخير استئذانهما عليها في مرضها يدل على خلاف ما يدعيه شرح النهج ج ٤ ص ١٠٤ ، وذكر قول عبد الله بن الحسن بن الحسن كانت امي صديقة بنت نبي مرسل فماتت وهي غضبى على انسان فنحن غضاب لغضبها واذا رضيت رضينا ج ٤ ص ٨٦ ، وكتب الشيعة لم ترو إلا مطالبتها بحقها ولم نسمع في كل بني آدم ان احدا كان ارفع واعلى من ان يطالب بحقه ويحتج عليه لكن هذا الرجل ـ متابعة لنصر هواه ـ رأى آراء شذ فيها عن جميع الخلق فهو يرى ان جعل نصيب لأهل البيت في الخلافة نقص عليهم وان جعل نصيب لهم في الخمس والفيء يوجب التهمة لهم كما مر ، وهنا يرى ان مطالبتهم بحقهم تنافي رفعتهم وعلوهم فانظروا واعتبروا يا اولي الابصار. وكونها غنية غنى النفس لا يمنعها من المطالبة بحقها ولا ينافيه اما غنى المال فلم يكن لها من كل ما اظلته السماء غير فدك. وتفننه بتعبيره تارة بغنية واخرى بمستغنية لا يخرج عن البرودة. واذا كان قلبها بموت أبيها وحسراتها عليه اشغل من ان يحمل شيئا على صاحبيه في الدنيا والآخرة فقد كان الأولى بهما ـ ولم يحصل لهما شرف في الدنيا والآخرة إلا بصحبة ابيها ان لا يرداها عن شيء طلبته ويرضيا المسلمين من مالهما ـ لو فرض انه لا حق لها فيما طلبته ـ او يسترضياهم لها كما فعل ابوها يوم بدر فاسترضاهم ليردوا ما بعثت به ابنته زينب في فداء بعلها ابي العاص ابن الربيع ويطلقوه لها ففعلوا وما كانت زينب تبلغ منزلة فاطمة سيدة نساء العالمين ولا أبو العاص ـ وهو يومئذ كافر ـ يبلغ رتبة علي بن ابي طالب. والقلوب لا يمنعها شغلها بالحزن على موت الاحباء وبالحسرات عليهم مهما بلغ من ان تحمل وجدا وغيظا على احد اذا اقتضى الحال ذلك بل يزيدها. ودعواه انه لم يكن يخالف امير المؤمنين عليه‌السلام في زمن خلافته احد دعوى فارغة فما اكثر المخالفين له فهل تمكن منعزل شريح القاضي ومن ابطال الجماعة في نافلة شهر رمضان حين كانوا يصيحون واسنة ... ومن القضاء في

المواريث على مقتضى فتواه حين قال لقضاته اقضوا كما كنتم تقضون. ولو كانت التقية والخوف تطعن في دين الامام وتذهب بعصمته ـ كما زعم لطعنت في دين موسى كليم الله واحد اولي العزم من الرسل وفي نبوته وعصمته حين قال ففررت منكم لما خفتكم في دين هارون وذهبت بعصمته حين قال ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني في دين لوط وذهبت بعصمته اذ قال لو ان لي بكم قوة أو آوي ، وفي دين محمد ونبوته وعصمته حين فر من أهل مكة هاربا واختفى ثلاثا في الغار وقبل ذلك كان يعبد ربه بمكة مستخفيا والرواية الأولى عن علي في فدك التي ذكرها لا تعرفها الشيعة بل تنكرها وكم من فرق بينها وبين الثانية عن الباقر عليه‌السلام التي صرحت بأن الذي منعه عن اخذ فدك وسهم ذوي القربى كراهة ان يدعي عليه مخالفة الشيخين الذي لا يحتمله الناس منه لا انه ليس له فيهما حق وهي أيضا ليست من روايات الشيعة وانما رواها ابو بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة شرح النهج ج ٤ ص ٨٦ وهو بنص ابن ابي الحديد ليس من الشيعة فظهر بما ذكرنا ان دعوى ان عليا كان على بقية من التقية ليست دعوى فارغة وإنما دعاوي هذا الرجل كلها جوفاء فارغة.

واذا كان لا يرتاب فيما نسبه الى علي والزهراء فنحن لا نرتاب في ان دعاواه لا تستند الى دليل ولا برهان ومنها دعواه هذه على علي والقلوب لا يعلم ما فيها إلا خالقها وقوله لا وفاق نفاق وتقية جهل منه ونفاق فقد بينا ان الخوف حصل للانبياء والرسل فأحرى ان يحصل لعلي ـ وهو لا يراه بالعين التي تراه بها الشيعة ـ لا يراه إلا فردا من افراد الأمة كما صرح به في بعض كلامه واذا كان اظهار الوفاق خوفا نفاقا فأحرى ان يكون امرا بالنفاق قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وأما ان الزهراء صدقت ولم تجد في نفسها حرجا فيكذبه ما مر مفصلا ولا حاجة الى اعادته واما انها ان هجرته فهجر اشتغال عنه بأبيها وبشوق اللحاق إليه فما هو الذي اوجب ان تحزن على ابيها كل هذا الحزن حتى اوجب ان تهجر الخليفة وتشتغل عنه بشوق اللحاق بأبيها وهل كانت تجهل ما امر الله به من الصبر على المصائب وما نهى عنه من الجذع وهي لم يؤت إليها بشيء يغضبها بل كانت محترمة

معظمة مرفهة منعمة اديت إليها جميع حقوقها فما الذي يحزنها كل هذا الحزن ويشغلها كل هذا الشغل ويشوقها الى اللحاق بأبيها هل هو الا امر عظيم اشتهت معه الموت ولكن هذا الرجل لا يدري ما يقوله أله أم عليه.

التفويض

ذكره في ص ٨٦ وذكر له معاني باطلة وقال ان الشيعة تعتقد ببطلانها وان معتقدها كافر غال ولكنه اطال بذكرها لغير فائدة.

وقال في ص ٨٧ من معاني التفويض ان الله خلق نبيه على احسن ادب وارشد عقل ثم أدبه فأحسن تأديبه فقال خذ العفو وأمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين ثم اثنى عليه فقال : وإنك لعلى خلق عظيم ثم فوض إليه دينه وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. ومن يطع الرسول فقد اطاع الله ، ثم فوض النبي ذلك الى الأئمة فلا يختار النبي ولا الامام إلا ما فيه صلاح وصواب ولا يخطر بقلبه ما يخالف مشيئة الله وما يناقض مصلحة الأمة مثل الزيادة في عدد ركعات الفرض وتعيين النوافل فرض الله الصلوات ركعتين ركعتين واضاف النبي الباقي فأقره الله وسن النبي النوافل اربعا وثلاثين ركعة فأقر الله ذلك وذلك اظهارا لكرامة النبي والامام ولم يكن اصل التعيين إلا بالوحي ثم لم يكن الاختيار إلا بالالهام وله في الشرع شواهد حرم الله الخمر وحرم النبي كل مسكر فاجازه الله ولا فساد في مثل ذلك عقلا وقد دلت الاخبار عليه.

وفي ص ٨٩ من معاني التفويض ، التفويض في بيان العلوم والاحكام وفي تفسير الآيات سأل ثلاثة الصادق عن آية فأجاب كل واحد بجواب واختلاف الاجوبة كان يقع اما على سبيل التقية واما انه كان للامام ان يبين معنى الآية فالتفويض ثابت في التفسير مثل ثبوته في الاحكام والتفويض في الحكم كما كان لصاحب موسى في سورة الكهف وكما وقع لذي القرنين. والتفويض في الاعطاء والمنع كما وقع لسليمان : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ).

(ونقول) عقيدة الشيعة في النبي وفي جميع الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم لا تعد وانهم لا يقولون على الله إلا الحق لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وكل نقل اتى عنهم لا يمكن رده الى هذا فهو باطل أو موكول علم تأويله إليه تعالى وفي الامام

انه قائم مقام النبي (ص) لا يخالفه ولا يخالف حكم الله في قول ولا عمل اما حديث الزيادة في الفرائض وتعيين النوافل فاذا صح سنده فليس فيه شيء ينافي ذلك فالله تعالى فرض الفرائض والنبي زاد في عدد ركعاتها بالهام منه تعالى ، أو بغيره وسن النوافل كذلك وحرم كل مسكر كذلك فأمضاه الله أي خلل أو نقد في ذلك او اتباع لغير امر الله ، ثم ان هذا الذي حكاه عن النبي (ص) من الزيادة في عدد ركعات الفرض وتعيين النوافل وتحريم المسكر وجعله نقدا لعقائد الشيعة قد ذكر مثله في حق الخليفة الثاني فقال انه كان يقول قولا أو يرى رأيا فيقبله النبي ويوافقه الله من فوق عرشه فكيف صار ما هو من فضائل الفاروق عيبا ونقدا لغيره. وان صح ما نقله عن الصادق في الجواب عن الآية كان محمولا على انه بين لأحدهم بعض ما تدل عليه وللآخرين البعض الآخر بما لا ينافي مدلولها.

الغلاة والمفوضة وسبب الغلو

حكي ص ٨٩ قول الصدوق في رسالة العقائد : اعتقادنا في غلاة الشيعة والمفوضة انهم كفار وانهم اضل من جميع أهل الأهواء المضلة ثم قال : ومن بين الشيعة ليس بغال : الشيعة تفرط افراطا في الأئمة ثم تفرط تفريطا في الأمة وفي القرن الأول يدعون العصمة وتمام الاحاطة في الأئمة ويطعنون على الأمة والقرن الأول افضل قرون الأمة.

وفي ص ٩١ ـ ٩٢ هل لا نسب ولا قرابة بين تلك العقائد التي يعدها صدوق الشيعة سفاهة وضلالة وبين تلك الدعاوي المسرفة التي تسندها كتب الشيعة الى الأئمة اسناد افتخار عنه المنافرة وتعداد الفضائل. للائمة على ما ترويه كتب الشيعة كلمات ثقلت في السماوات والأرض ولهم دعاوي عريضة تخترق السماوات الى العرش ان كانت اكثرها لموضوعة. إلا اني اتوهم ان بعضها ثابت بالضرورة وإلا لما ترك ائمة الفقه وائمة السنن والأحاديث اخبار الأئمة من ولد الامام علي امير المؤمنين ولما عادت الأئمة من أهل البيت ائمة الاجتهاد وائمة السنن. ثم اورد عدة احاديث فيها ما لا تعتقده الشيعة وفيها ما لا يضر اعتقاده. وتمادى في اساءة الأدب وسوء

القول في حق الائمة ولا سيما في حق الامام الصادق وابيه الباقر بما تمسك عنه عنان القلم وكفى ذلك في مبلغ دينه وأدبه وكفى ذما لقائله صدور مثله منه.

وفي ص ١٠٣ ـ ١٠٤ ابو الخطاب محمد بن المغلاص كان من اخص اصحاب الصادق حتى نشر دعوته ولعنه الصادق وطرده ولم يكن إلا ماكرا يتظاهر بالتشيع ولما تمكن من نشر دعوته لو لم تكن للأئمة تلك الدعاوي العريضة. وهل يكون للصادق حق في لعن هذا المقام وهو ابن دعاويه العريضة. وللشيعة في كتبها باب في نفي الربوبية من الأئمة وهل توجد ضرورة الى عقد مثل هذه الأبواب السخيفة في كتاب أهل التوحيد والاسلام لو لم تكن تفرط من الأئمة كلمات في مثل هذه الدعاوي الفارغة التي تكاد السماوات ينفطرن منه (كذا) وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا.

(ونقول) له اقلب تصب فالشيعة لم تفرط ولم تفرط بل انت افرطت افراطا في القرن الأول فزعمت ان اقوال اهله تعادل السنة النبوية الثابتة كما مر مع اعتراف قومك بعدم عصمة أهله وفرطت تفريطا في الأئمة فزعمت انهم كسائر الأمة وفضلت عليهم من لا يساويهم وأسأت الأدب معهم في عدة مواضع من وشيعتك. اما الشيعة فلا تغلو وتبرأ من كل غال كما نقلته انت عن الصدوق في رسالته في عقائد الشيعة الامامية ولكنك مع ذلك تماحك وتعاند وتقول من من الشيعة ليس بغال ، وترى ان اسناد بعض المعجزات الى الأئمة والاحاطة بالعلم الذي ورثوه عن جدهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معدن العلوم غلوا ويسند قومك الى جماعة من الصحابة ما هو اعظم ولا يرونه ولا تراه انت غلوا فأي انصاف هذا؟. والشيعة ان ادعت العصمة والاحاطة للائمة فلم تدع ذلك جزافا كأقوالك بل ادعته بحجة وبرهان. وزعمه الطعن على الأمة والقرن الأول مر الكلام عليه في صدر الكتاب ككونه افضل القرون .. والعجب منه انه رأى رسالة الصدوق في عقائد الشيعة التي نقل عنها هذا الكلام وهي تصرح بأن القرآن هو ما بين الدفتين بغير زيادة ولا نقصان ومع ذلك نسب الى الشيعة القول بتحريف القرآن كما مر في صدر الكتاب. والنسب الذي يدعيه بين عقائد الغلاة وعقائد المعجزات ـ ان صح ـ فهو كالنسب بين تأليه عيسى بن مريم وبين ابرائه الأكمه والابرص واحيائه الموتى بإذن الله فيلزم على قياس قوله ان لا ينسب

لعيسى شيء من ذلك في القرآن لئلا يصير ذلك سببا لاعتقاد الالوهية فيه. على ان هذا النسب لو كان هو السبب لأثر في آصف ومن نسبت إليهم المعجزات من الصحابة كما مر وانما السبب الضلال الذي به عبدت والهت والاحجار والاشجار والنجوم وغيرها واذا صح عند الشيعة فضائل ومعجزات لائمتهم حق لهم ان يسندوها إليهم اسناد افتخار عند المنافرة وتعداد الفضائل. وكان في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل من جملة كتاب الوحي ثم ارتد وهرب وجعل يقول ما معناه كنت اغير في الفاظ الوحي واقرأه على محمد وهو يعلم فهذا كحال ابن مقلاص. والامام الصادق عليه وعلى آبائه وابنائه افضل الصلاة والسلام كان اتقى لله واعلم واعرف وانزه واشرف من ان يدعي ما ليس له وما ليس فيه على رغم كل من يدعي خلاف ذلك. وتهويله بأن للأئمة في كتب الشيعة كلمات ثقلت في السماوات والأرض الى آخر ما هول به وزعمه ان اكثرها موضوعة وتوهمه ثبوت بعضها بالضرورة الذي جمع فيه بين الوهم وهو الغلط والضرورة المفيدة للقطع توهم فاسد فأئمة أهل البيت كانوا اصدق أهل زمانهم واوثقهم واورعهم فلا يمكن ان يصدر ما لا يوافق الحق وليس كلها نسب إليهم في كتب الاخبار للشيعة تصححه الشيعة كما ذكرناه غير مرة وإلا لما وضعت كتب الرجال والدراية بل انها توجب عرض الخبر على الكتاب والسنة والأخذ بما وافقهما وطرح ما خالفهما ولو صح سنده وكتب الاخبار عند الشيعة كما هي عند غيرها فيها الصحيح والضعيف اذا علم ذلك فكل حديث يرويه اي شخص كان يخالف الكتاب والسنة او اجماع المسلمين أو فيه غلو يوجب المشاركة في شيء من صفة الربوبية أو يخالف ما ثبت بالضرورة من دين الاسلام فهو باطل طرحه أو تأويله وائمة أهل البيت براء منه والشيعة أيضا بريئة منه ولو قال بمضمونه احد فهي لا تشك في غلطه وخطئه وكل حديث يدل على معجز أو منقبة لأهل البيت أو علم أو مكانة لهم عند الله يمكن وقوعها ولا يستحيل عقلا أو شرعا صدورها وروتها الثقات وجب قبولها ولم يجز ردها هذه عقيدة الشيعة وهذه طريقتها وكل ما ينسب إليها سوى ذلك فهو باطل ولو وجد في كتاب جمعه احدها فهي لم تكن في وقت من الأوقات تعتقد ما في تلك الكتب ولا تزال تجاهر وتصرح بأن في كتب الاخبار الصحيح والسقيم فلا بد من النظر أولا في السند فاذا صح نظر في المتن فإن خالف ما ثبت من الكتاب أو السنة

او اجماع المسلمين وجب طرحه ولو كان سنده في غاية الصحة أفيجوز بعد هذا كله التنديد وسوء القول الذي تجاوز به هذا الرجل الحد حتى تعدى الى امام اهل البيت وفقيههم الامام جعفر الصادق الذي اتفق المسلمون كافة على عدالته ووثاقته ورموز علمه وفضله. واستشهاده لثبوت بعض تلك الأمور من الأئمة بأنه لو لا ذلك لما ترك ائمة الفقه وائمة السنن والأحاديث اخبار الأئمة من ولد علي ولما عاداهم الأئمة استشهاد بما لا شاهد فيه فأئمة الفقه لا نجد لهم عذرا في ترك اقوال ائمة أهل البيت واخبارهم إلا مداراة ملوك زمانهم الذين علم انحرافهم عن اهل البيت وعمن يميل إليهم خوفا على ملكهم ـ إن صح ان يكون ذلك عذرا ـ بعد احاديث الثقلين وباب حطة وسفينة نوح فالذين يحتاجون الى الاعتذار عنهم هم ائمة الفقه والسنن لا ائمة أهل البيت. اما ائمة السنن والأحاديث فكلهم رووا عن ائمة اهل البيت إلا واحدا لم يرو عن الصادق معتذرا بأنه لم ير التقية لا ما توهمه هذا الرجل ولكنه روى عن عمران بن حطان مادح عبد الرحمن بن ملجم على قتله امير المؤمنين علي بن ابي طالب وقد رووا عن عمر بن سعد قاتل الحسين عليه‌السلام. وائمة أهل البيت لم تعاد احدا من ائمة الاجتهاد وائمة السنن وانما كانت ترد بعض فتاواهم واخبارهم بالدليل.

والحاجة الى عقد باب نفي الربوبية عن الأئمة انما هي لرد دعاوي الغالين والمبطلين لهو كالآيات النافية لألوهية عيسى عليه‌السلام وعبادة الأصنام والأئمة منزهون عن الدعاوي الفارغة وهم شركاء القرآن لا يفارقون ولا يفارقهم بنص حديث الثقلين فكل ما يسند إليهم او يقال عنهم مما ينافي جلالة قدرهم وعظمة قدسهم باطل مردود أيا كان مسنده وقائله واساءته الأدب في حقهم تكاد السماوات يتفطرن منها.

الخلافة الراشدة وأهل البيت

قال ص ٧٨ ما في كتب الشيعة وكتب الاخبار في شأن الصحابة والخلافة الراشدة مع أهل البيت كلها كانت مما تتلوه الشياطين على ملك الاسلام ودولته كلها تهم على أهل البيت وافتراء بل فرية عظيمة طاعنة في دين أهل البيت وادب الأئمة قبل ان تكون طعنا في غيرهم.

(ونقول) ما اهون الدعاوي على مدعيها اذا كانت مجردة عن الدليل ما لنا ولكتب الطرفين التي انفرد بها أهلها لننظر فيما اتفق عليه الجميع واتفقت فيه الاخبار واجمع عليه اهل السير والآثار وننبذ التقليد ومذهب الآباء والأجداد وحينئذ يظهر لنا جليا ما كانت تتلوه الشياطين على دين الاسلام وشريعته وتلصقه به وهو منه بريء ويظهر لنا من هو المفتري على أهل البيت وتمييز الطعن والافتراء لا يكون بالاقوال المجردة وبألفاظ التهويل الفارغة.

معجزات الأئمة

قال عند الكلام على التفويض ص ٨٧ عند ذكر بعض معانيه تقول كتب الشيعة ان الاخبار تمنع من القول بهذا. وان صح في كتب الشيعة من الأئمة معجزات لم تكن للنبي يوما من الأيام.

(ونقول) المعجزات أو الكرامات هي الأمور الخارقة للعادة التي يجريها الله على يد عباده من نبي أو وصي أو ولي لاثبات دعوى النبوة أو لمصلحة من المصالح. وهذه لا مانع عقليا يمنع من اجراء الله لها على ايدي الأوصياء والأولياء ، ومنكر ذلك منكر لقدرته تعالى والاعتقاد بها متوقف على صحة النقل وليس كل من يدعي له المعجزة والكرامة تكون الدعوى له صحيحة. والشيعة لم تذكر من معجزات الأئمة إلا ما روته الرواة الذين فيهم الثقات وغيرهم والتمييز لكتب الرجال وعلمائها. والمعجزات التي استعظمها وقال انها لم تكن للنبي يوما من الأيام هي داخلة في ذلك ومهما عظمت فلا تزيد على احضار آصف بن برخيا وزير سليمان بن داود عرش بلقيس من اليمن الى فلسطين قبل ان يرتد الى سليمان طرفه ولا تزيد على ما ذكره

صاحب ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري مما حاصله ان بعض الصحابة كان يقول : كنت احدث ـ يعني تحدثني الملائكة ـ حتى اكتويت فلما اكتويت انقطع ذلك عني فلما عدت عاد وروت كتب الاخبار لغير الشيعة ما معناه ان رجلين من الصحابة كانا اذا رجعا من عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلا تضيء لهما عصى احدهما فاذا افترقا اضاءت لكل واحد عصاه. وحديث يا سارية الجبل مشهور معروف ذكر في شرح عقائد النسفي وحاصله ان جيشا للمسلمين كان يحارب في خلافة عمر وقائده يسمى سارية فنظر عمر وهو يخطب على المنبر الى الجيش وقد اوشك جيش العدوان يغلبه فنادى يا سارية الجبل فسمعه سارية وبينهما مسافات شاسعة فاعتصم بالجبل وسلم فلما رجع الجيش اخبروا بذلك. وروى الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ما معناه ان عمر بن عبد العزيز كان يحضر معه الخضر يسدده وان بعض الصالحين رآه معه فسأله من كان معك قال أو قد رأيته قال : نعم قال انك رجل صالح هذا اخي الخضر يحضر معي يسددني الى غير ذلك مما يجده المتتبع في كتب غير الشيعة المعتمدة عندهم ولم نجد احدا منهم يستنكره ويستعظمه وقد جعل صاحب العقائد النسفية وشارحها حديث يا سارية الجبل دليلا على ثبوت المعجزات للأولياء ولا رأينا موسى جار الله يفوه في ذلك بكلمة فاذا روت الشيعة في حق العترة الطاهرة شيئا من الكرامات تناولته الألسن بالتكذيب والاستنكار والاستعظام ونسبوا قائله الى الغلو وقال فيه هذا الرجل انه لم يكن للنبي في يوم من الأيام.

الحكم بين الأمم لله وحده

قال ص ٩٠ القرآن الكريم نزل بأدب عظيم في العقائد واختلاف الأمم (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فالحكم بين الأمم والفصل بين العقائد لله وحده يوم القيامة فقط.

ونقول اذا كان القرآن الكريم نزل بهذا الأدب العظيم في العقائد واختلاف الأمم وجعل الحكم والفصل له وحده يوم القيامة فما باله لم يتأدب بهذا الأدب ولا بشيء منه ونصب نفسه للحكم بين الأمم والفصل بين العقائد في الدنيا وقام يشنع

ويهجم وينتقد ويزيد ويرعد ويطبع وينشر يريد حمل الناس اعتقاداته شاءوا أم أبوا ما نراه إلا يقول ما لا يفعل ويعلم ما لا يعمل.

زعمه النبي يدعو ويتكلم للعقيدة الباطلة

قال ص ١٠٧ من الأعاجيب التي تناسب حال كتب الشيعة ما ورد في التوراة : اذا اقام في وسطك نبي اتى بمعجزة وقال لتذهب وراء آلهة اخرى فلا تسمع لكلام ذلك النبي لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون إلهكم من كل قلوبكم وراء الرب إلهكم تسيرون وإياه تعبدون وذلك النبي يقتل لأنه تكلم بالزيغ قال وهذا يفيد ان الله قد يضع الكلمات الباطلة والعقائد الفاسدة على افواه الأنبياء امتحانا فعلى الأمة ان لا تأخذ بالكلام الفاسد والعقيدة الباطلة ولو تكلم بها نبي أو اتى بها رسول.

(ونقول) قد اولع هذا الرجل بالاستشهاد بالتوراة المحرفة المنسوخة من اعجب الاعاجيب ان يتكلم بهذا الكلام رجل يدعي العلم فيستشهد بكلام متناقض ويقول انه يناسب حال كتب الشيعة فمن يتكلم بالزيغ الموجب للقتل كيف يكون نبيا ويأتي بمعجزة. ويزيد هو في هذا التهور فيقول انه يفيد ان الله قد يضع الكلمات الباطلة والعقائد الفاسدة على افواه الأنبياء. مع انه اذا كان يضع ذلك على افواههم لم يبق وثوق بكلامهم فيكون نقضا للغرض ومنافيا لعصمة الأنبياء فلا يمكن ان يكون الامتحان بمثل هذا وكفى هذا دليلا على علم هذا الرجل وحسن ادبه مع الأنبياء وبذلك تعلم ان تشبيهه حال كتب الشيعة بذلك تهور منه وافتراء.

البداء

قال ص ١٠٤ حدثت في مذهب الاسلام عقيدة يهودية محضة عقيدة البداء لله فاذا قال امام قولا او اخبر انه سيكون له قوة وظهور ثم لا يقع ما قاله أو يقع خلافه فكأن الإمام يقول به الله في ذلك الأمر فأتى بغيره.

وفي ص ١٠٩ كانت للأئمة اخبار لا تقع أو قد يقع خلافها وكان يحدث بهذا السبب لبعض الشيعة ارتياب في الأئمة وكان الأئمة في مثل هذه الأحوال يدعون البداء لله. واكثر الشيعة ما كانوا يعرفون اسرار البداء والأئمة كانت تقول : ان

معرفة اسرار البداء صعب (كذا) لا يتمكن منها كل احد ومن اجل ذلك حدثت التقية عند الأئمة إلا ان اكثر الأئمة ما كانوا يقومون بها ولم يكن امام يتحاشى من كلام صعب لا يتحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو مؤمن امتحن الله قلبه للتقوى ثم نسج منها عقيدة علم مخزون وسر مكنون لا يذاع إلا للشيعة.

وفي ص ١١٠ تكلم على البداء فأطال بلا طائل كعادته في تفسير البداء والاستشهاد بالآيات وطول لسانه ونسب الى الشيعة ـ كذبا وبهتانا ـ انها تقول بالبداء بمعناه الظاهري وان الأئمة ومنهم الصادق تقول به ـ وكذب ـ واستدل على بطلان البداء بمعناه الظاهري بما كفته الشيعة مئونة الاستدلال عليه.

وفي ص ١١١ ـ ١١٢ الله جل جلاله مقدس إلا ان لسان النبوة اذا عبر عن شيء فضرورة البيان بلسان البشر تضطره الى تعبير قد يكون فيه تشبيه فلسان البيان يميل ويتنازل الى تلبس وتشبيه اما الإيمان فهدي الى التقديس والتنزيه. تأخذ بكل من غير تأويل وتجمع كلا من غير تعطيل وتحويل. ثم استشهد بآيات في التوراة فيها التصريح بالبداء لله تعالى بمعناه الظاهري وانه لم يكن يعلم فبدا له فعلم والتصريح بالاستراحة والفراغ والحزن والندم والأسف والنسيان وقال ان ذلك تعبير بشري تدلى إليه التعبير السماوي جريا على فهم الانسان وعرفه ثم اوّل كل ذلك بما لا يظل بنقله ثم قال فالبداء عقيدة يهودية ثم اعدت عقيدة البداء عدوى الوباء من اسفار التوراة بألسنة الأئمة قلوب الشيعة الى كتب الشيعة.

وفي ص ١١٤ نقل الروايات الدالة على البداء عند الشيعة واطال.

وفي ص ١١٥ تقول كتب الشيعة تزخرف قولها ان البداء منزلته في التكوين منزلة النسخ في التشريع فالبداء نسخ تكويني كما ان النسخ بداء تشريعي قال وهذا القول زخرفة اذ لا بداء في النسخ والحكم كان موقتا في علم الله فأين البداء نعم بدا لنا ذلك من الله بعد نزول الناسخ فالبداء لنا في علمنا لا لله.

وفي ص ١١٥ تقول الشيعة لا بداء في القضاء ولا بداء بالنسبة الى جناب القدس الحق ولا بداء عند ملائكته القدسية ولا في هتن الدهر الذي هو ظرف الوجود القار والثبات البات وإنما البداء في القدر في امتداد الزمن الذي هو افق التقضي والتجدد وظرف التجريد والتعاقب ولا بداء إلا بالنسبة الى الكائنات الزمانية

وبالنسبة الى من في عالم الزمان والمكان واقليم المادة كل هذه وان كانت اقوالا صحيحة إلا انها زخرفة لا تثبت البداء لله.

وفي ص ١١٦ حكى عن اصول الكافي ان اوّل من قال بالبداء من نبي اسماعيل هو عبد المطلب جد النبي كان يعلم بنوبة ابنه باخبار الأنبياء واذ غاب في رعاية ابله قال يا رب أتهلك آلك ولما تفطن بإمكان البداء قال إن تفعل فأمر ما بدا لك ثم استدل على ان عبد المطلب لم يقل بالبداء ثم قال : نعم قال عبد المطلب حين هجم الحبشة لهدم البيت :

لا هم ان المرء يم

نع أهله فامنع حلالك

ان كنت تاركهم وكع

بتنا فأمر ما بدا لك

ثم قال في تفسيره ان كنت انا تركتهم وكعبتنا فأمر ما في دفع العدو يبدو منك بقضائك فاستجاب الله دعاءه فبدا له ان يرسل عليهم طيرا ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول فالبداء من الله في هذه الحادثة هو ظهور قضاء قد كان منه فى سابق علمه.

وفي ص ١١٧ ثم الكلام على زعم كتب الشيعة ماض واقع والشرط في كلام العاقل لا يفيد إلا الأمل في المستقبل فلا بد ان يكون معنى الكلام فأمر ما يبدو منك في منع عدوك من بيتك أو في انجاء نبيك وحفظه هذا معنى الكلام ولا يمكن غيره.

وفي ص ١١٨ للشيعة في كل ما تدعيه عقيدة تعصب عصيب يضطرها الى وضع فاحش فقد وضعت حديث اخذ الميثاق من كل نبي ان يقول بالبداء يقول الباقر : يوحي الله الى الملكين ان اكتبا عليه قضائي وقدري ، ونافذ امري واشترطا لي البداء فأي حاجة لله ان يشترط او كيف يكون شأن الله ان لم يشترط ولمن وعلى من يكون الاشتراط وكتب الشيعة من دعوى البداء لله في حرج عظيم تتحول وتتحيل في التخلص منه ولو بتحريف كلمة عن موضعها يقول الصادق ما بعث الله نبيا إلا اخذ عليه ثلاث خصال الاقرار له بالربوبية وخلع الانداد وان الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء. يريد الصادق ان يوهم بذلك ان تقديم ما يشاء أو تأخير ما يشاء هو البداء بل هو الاختيار والاختيار لا يكون إلا بالعلم لا بالبداء وتفسير البداء بالاختيار تحريف

في كلمات القرآن الكريم.

وفي ص ١٢٠ عاد الى البذاءة والتكرير وفسر البداء بما لم يفسره به احد وهو ان الله قد يعلق بركة لعبد على حركة تقع من العبد فاذا وقعت ترتب عليها فعل الله.

ثم قال : وبداء الشيعة في كتبها عقيدة يهودية محضة سلكته الكتب عن السنة الأئمة في قلوب الشيعة تخلصا من تبعة دعوى من دعاويها وادب الأئمة خالص من كلها بريء.

(ونقول) البداء مصدر بدا يبدو بداء اي ظهر ويستعمل في العرف بمعنى الظهور بعد الخفاء فيقال فلان كان عازما على كذا ثم بدا له فعدل عنه. وقد اجمع علماء الشيعة في كل عصر وزمان على انه بهذا المعنى باطل ومحال على الله لأنه يوجب نسبة الجهل إليه تعالى وهو منزه عن ذلك تنزيهه عن جميع القبائح وعلمه محيط بجميع الأشياء احاطة تامة جزئياتها وكلياتها لا يمكن ان يخفي عليه شيء ثم يظهر له ولكن ورد في بعض الاخبار من طرق الشيعة نسبة البداء إليه تعالى كما ورد في القرآن الكريم : (يُرِيدُ اللهُ. خَلَقْتُ بِيَدَيَّ. الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى. وَجاءَ رَبُّكَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. وغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) وورد في بعض الاخبار عند الجميع ان الله ينزل الى سماء الدنيا. وكما علمنا بالدليل العقلي ان الله تعالى منزه عن الأعضاء والجوارح وعن التركيب وعن الاستواء على العرش كاستواء احدنا على السرير وعن النزول والصعود والمجيء والذهاب لاستلزام ذلك المكان والجهة وهما من لوازم الجسم الحادث وعن الغضب الذي هو انفعالي نفساني وعن الاستهزاء الذي هو ظهور فعل في البدن والجوارح وكل ذلك من لوازم الحدوث كذلك علمنا ان الله تعالى لا يبدو له شيء بعد ان كان خفيا عنه لاستلزامه الجهل والله منزه عنه وكما لزم حمل الآيات المذكورة والخبر المذكور على ما لا ينافي نزاهته تعالى أو ايكال علمه إليه كذلك يلزم حمل البداء الوارد في بعض الاخبار على معنى لا ينافي نزاهته تعالى وهو مناسب للفظ البداء كل المناسبة بأن يراد بالبداء الاظهار بعد الاخفاء لا الظهور بعد الخفاء. ومعناه ان يظن حدوث شيء في الكون لسبب من الأسباب ثم يفعل الله تعالى ما يبطل هذا الظن ولما كان هذا شبيها بالبداء اطلق عليه لفظ البداء مجازا فالبداء نسخ في التكوين كما ان النسخ المعروف نسخ في التشريع فكما انه تعالى يحكم حكما من

الأحكام من وجوب او تحريم أو غيرهما يكون ظاهره الاستمرار بحيث لو لم ينسخ لكان مستمرا ولا يصرح باستمراره وإلا لكان نسخه مناقضا لذلك ولا بتحديده بزمان وإلا لكان توقيتا لا نسخا ثم ينسخه فيكون الناسخ قرينة على ان هذا الظهور غير مراد وان الحكم كان في الواقع محدودا لكنه لم يظهر تحديده لمصلحة اقتضت ذلك فالنسخ انما هو للظهور لا نسخ للحكم في الواقع لأن النسخ معناه الازالة فإن كان الحكم مستمرا في علم الله واقعا الى الابد كان نسخه محالا للزوم التناقض أو الجهل بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد فمع كون المصلحة توجب الاستمرار لا يجوز النسخ ومع كونها لا توجيه لا يجوز الحكم بالاستمرار إلا من الجاهل وان كان في الواقع محدود الى حين النسخ لم يكن ذلك نسخا اذ لا ازالة هنا ولذلك قال بعض الفرق من غير المسلمين باستحالة النسخ وكذلك قد يظهر من بعض الامارات حدوث شيء في الكون ثم يظهر بطلان ذلك فيعبر عنه بالبداء مجازا لشبهه بمن كان يريد فعل شيء ثم بدا له ان يفعل خلافه مثل ما ورد في حق الكاظم عليه‌السلام انه بدا لله في شأنه فإنه كان يظن ان الامام بعد الصادق هو ابنه اسماعيل لأنه اكبر ولده والامامة للأكبر بحسب النص فلما توفي اسماعيل في حياة ابيه ظهر انه ليس بإمام فالله تعالى اظهر بموته بطلان ما كان يظن من إمامته وعبر عن ذلك بالبداء مجازا. ونظير ذلك ما يحكى ان عيسى عليه‌السلام اخبر بموت عروس ليلة زفافها فوجدت في الصباح غير ميتة وتحت فراشها حية وعلم انها تصدقت بصدقة تلك الليلة فدفع الله عنها الموت وهذه كان قد قدر الله عمرها الى ليلة زفافها وكان اخبار عيسى عليه‌السلام بناء على ما علمه من ذلك التقدير وكان مشروطا بعدم التصدق وكان الله تعالى يعلم بانها ستتصدق ولا تموت وعيسى عليه‌السلام يجهل ذلك وهذا هو المحو والاثبات الوارد في الكتاب العزيز يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب فلا محو إلا بعد اثبات كما اعترف به في وشيعته فلا بد من حمل المحو على محو ما ثبت ظاهرا. لا ما ثبت واقعا والا لزم نسبة ما لا يليق إليه تعالى وهذا هو معنى البداء المجازي.

* * *

انتقل المؤلف الى جوار ربه والكتاب في المطبعة قد انهى طبع بعضه وبقي البعض الآخر وقد قمنا بإكمال طبع الباقي سائلين للفقيد الرحمة والرضوان.

فهرست الكتاب

خطبة الكتاب................................................................... ٥

من هو مؤلف الوشيعة............................................................ ٨

ما جرى لنا معه في الكوفة....................................................... ١٠

ما جرى لنا معه بطهران......................................................... ١١

ما قاله عن وشيعته.............................................................. ١٢

الرد على صاحب الوشيعة....................................................... ١٣

اباطيل بزعمه في كتب الشيعة.................................................... ١٦

مسائل فقهية في كتب الشيعة.................................................... ١٧

المساجد....................................................................... ١٨

الاوقات والجمع بين الصلاتين.................................................... ١٩

دليل جواز الجمع............................................................... ١٩

صلاة الجمعة................................................................... ٢٠

تعظيم القبور وزيارتها............................................................ ٢١

المقابر ، القرآن................................................................. ٢٢

قائم آل محمد.................................................................. ٢٣

التطبير........................................................................ ٢٥

العداوة بين المسلمين............................................................ ٢٦

التلاعن والتطاعن............................................................... ٢٧

التشيع بشكله الاخير لم يكن في عصره الاول...................................... ٢٨

المؤمنون بعضهم اولياء بعض..................................................... ٢٩

محبة اهل البيت................................................................ ٣٠

سبب ميل الشيعة الى اهل البيت................................................. ٣٤

زعمه حدوث التشيع زمن علي «ع».............................................. ٣٥

زعمه لو كان لعلي سيرة النبي وسيرة الشيخين...................................... ٣٦

البيوت الاموية والعباسية والعلوية.................................................. ٣٨

الصحابة والعصر الاول وامهات المؤمنين........................................... ٤١

عدالة الصحابة................................................................. ٤٣

القرن الاول والعصر الاول....................................................... ٤٥

العصر الاول وكلام بديع الزمان.................................................. ٤٦

امهات المؤمنين................................................................. ٥٠

زعمه امهات المؤمنين في الفضل كإبراهيم عليه‌السلام...................................... ٥٤

زعمه ان عائشة تساوي ابراهيم................................................... ٥٤

اهل البيت في آية التطهير........................................................ ٥٦

زعمه الامة شريكة نبيها......................................................... ٦٠

قلب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقلوب اصحابه............................................... ٦٨

الامة او الائمة................................................................. ٦٩

زعمه عصمة الامة.............................................................. ٧٠

الامام الباقر وعلوم الائمة (ع)................................................... ٨٥

خبر الجساسة ـ اخبار الاكل في رمضان بعد الصبح.................................. ٨٦

هشام بن الحكم وعمرو بن عبيد.................................................. ٨٧

بين الصادق وابي حنيفة......................................................... ٨٩

في تاريخ الاسلام امران أمران..................................................... ٩١

نقده لكتاب اصل الشيعة...................................................... ١١٤

فضل علي عليه‌السلام.............................................................. ١١٦

لو لا الاسلام لما كان لعلي عليه‌السلام ذكر........................................... ١١٨

استشهاده بأدب اليهود........................................................ ١٢١

اوّل من وضع بذر التشيع...................................................... ١٢٤

حكاية رفع الستار............................................................ ١٢٥

نسبته ما لا يليق الى موسى ويونس (ع)......................................... ١٢٦

لعن الاموية عليا عليه‌السلام......................................................... ١٢٨

اصول الدين.................................................................. ١٢٩

كتب الكلام................................................................. ١٣٠

حديث المنزلة................................................................. ١٣١

ما جرى بعد حجة الوداع...................................................... ١٣٨

حديث الغدير................................................................ ١٤٠

حديث جمع النبوة والامامة..................................................... ١٤٣

زعمه لم يول النبي هاشميا ولا الصديق ولا الفاروق................................. ١٤٤

زعمه أحلافه بنسب الارواح لا الابدان.......................................... ١٤٦

من الذي قدمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده............................................... ١٤٧

ما ذكره من فضائل الصديق.................................................... ١٤٨

زعمه الخليفة كان معلوما عند كل أحد........................................... ١٥٠

زعمه عدم النص على الامام................................................... ١٥١

ما ذكره من فضائل الفاروق.................................................... ١٥٢

زعمه عصمة الخلافة الراشدة................................................... ١٥٢

ما جرى بين الصحابة......................................................... ١٥٣

الشورى...................................................................... ١٥٤

زعمه لم يكن في القرن الاول من يقدم عليا في الخلافة.............................. ١٥٦

زعمه لو صدق كليمة من اقاويل الشيعة.......................................... ١٥٨

عدم تحريف القرآن............................................................ ١٥٩

عدم الزيادة في القرآن.......................................................... ١٦٨

القراءات السبع............................................................... ١٦٨

التحاكم الى قضاة الجور....................................................... ١٧٠

جهاد الامم الاسلامية......................................................... ١٧٤

تنزيل آيات في كتب الشيعة.................................................... ١٧٥

ما وافق الامة وخالفها......................................................... ١٧٦

التقية........................................................................ ١٧٧

التقية بالعبادة والرواية.......................................................... ١٧٩

حكم التقية ـ دليل التقية....................................................... ١٨١

رد اقوال التقية................................................................ ١٨٨

أدب التقية................................................................... ١٩٧

التوكل واليقين................................................................ ١٩٧

حرية الفكر والقول والعمل..................................................... ١٩٧

كتم السر................................................................... ٢٠١

اسم أمير المؤمنين............................................................. ٢٠٣

ما اعجبه من مذهب الشيعة................................................... ٢٠٥

الربا والحيل الشرعية........................................................... ٢٠٦

مسائل في المواريث............................................................ ٢٠٩

العول....................................................................... ٢٠٩

كلماته في العول.............................................................. ٢١٢

العول ـ قياسه على الدين....................................................... ٢٢٦

العول ـ المسألة المنبرية.......................................................... ٢٢٨

العول ـ قياسه على الوصية...................................................... ٢٢٧

العول ـ المسألة المنبرية.......................................................... ٢٢٨

آيات المواريث وصحيفة الفرائض................................................ ٣٢١

احتجاج الباقر على مسائل العول............................................... ٢٣٣

إرث الزوجة من الأرض والعقار................................................. ٢٣٧

حجب الأم بالأخوة........................................................... ٢٣٨

صحيفة الفرائض والجفر والجامعة ومصحف فاطمة................................. ٢٣٩

العيب بالامهات.............................................................. ٢٤٢

التعصيب.................................................................... ٢٤٣

اعتراضات على التعصيب...................................................... ٢٤٩

توريثه ولد الولد مع الولد....................................................... ٢٥١

عرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إرثه على العباس............................................. ٢٥٢

المتعة........................................................................ ٢٥٦

آية فما استمتعتم............................................................. ٢٦٦

ثبوت المتعة بالقرآن الكريم...................................................... ٢٧١

ثبوتها بالسنة النبوية........................................................... ٢٨٨

دعوى النسخ................................................................. ٢٩٨

دعواه الاجماع على تحريمها...................................................... ٣٠٤

دعوى رجوع ابن عباس عن القول بالمتعة......................................... ٣١٣

قصة اسماء................................................................... ٣١٤

ابن عباس وابن الزبير.......................................................... ٣١٦

ما يشمله النكاح المطلق........................................................ ٣١٨

آية الطلاق ومتاع التسريح..................................................... ٣١٩

آية الطلاق والصداق.......................................................... ٣٢٠

عدم إرث القاتلة والكافرة وعدم نفقة الناشز...................................... ٣٢١

آية فابتغوا ما كتب الله لكم.................................................... ٣٢٢

فتوى ابن جريح في المتعة....................................................... ٣٢٣

خبر عبد الله الليثي مع الباقر................................................... ٣٢٥

زعمه النكاح هزله جد فلا ينعقد الا دائما........................................ ٣٢٨

خبر النوبية ومرعوش........................................................... ٣٢٩

تصديق المرأة في خلوها من الزوج................................................ ٣٣٠

المحلل والمحلل له............................................................... ٣٣٠

الامر بتزويج الابكار.......................................................... ٣٣١

زعمه ابتذال المرأة في ايران...................................................... ٣٣٢

تكريره انها شارة اهل البيت..................................................... ٣٣٤

تجاوزه الحد في الافتراء.......................................................... ٣٣٥

عباراته الشنيعة التي تفوه بها..................................................... ٣٣٨

اعتذاره عن التطويل........................................................... ٣٤١

المعاوضة في النكاح............................................................ ٣٤٢

صاحب كتاب اصل الشيعة.................................................... ٣٤٣

خبر حسبنا كتاب ربنا......................................................... ٣٤٤

رعية الامام الجائر والامام العادل................................................ ٣٤٤

النسيء...................................................................... ٣٤٥

حجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.......................................................... ٣٤٨

اسانيد الشيعة وغيرهم واخبارهم................................................ ٣٥٢

ايمان جد النبي وابويه وعمه..................................................... ٣٦٠

الطلاق والغسل والمسح........................................................ ٣٦٢

الغسل والمسح في الآية......................................................... ٣٦٢

المسح على الخفين............................................................. ٣٦٤

مال الناصب ونكاح الاماء..................................................... ٣٧٢

كل ما لنا حل لشيعتنا......................................................... ٣٧٤

زعمه الشيعة تنكر على الامة مذاهبها........................................... ٣٧٥

الرجعة....................................................................... ٣٧٥

الولاية ـ تأويل آيات في الكافي.................................................. ٣٧٧

الخمس والزكاة................................................................ ٣٧٨

الفيء....................................................................... ٣٨٥

من هم ذوو القربى............................................................. ٣٨٦

اليتامى والمساكين وابن السبيل في آيتي الخمس والفيء.............................. ٣٨٢

الزكاة........................................................................ ٣٩٢

فدك........................................................................ ٣٩٣

التفويض..................................................................... ٣٩٩

الغلاة والمفوضة............................................................... ٤٠٠

الخلافة الراشدة واهل البيت.................................................... ٤٠٤

معجزات الائمة............................................................... ٤٠٤

الحكم بين الامم لله وحده...................................................... ٤٠٥

زعمه النبي يدعو للعقيدة الباطلة................................................ ٤٠٦

البداء....................................................................... ٤٠٦

فهرست الكتاب.............................................................. ٤١٢

نقض الوشيعة

المؤلف: السيّد محسن الأمين العاملي
الصفحات: 416
  • خطبة الكتاب 5
  • من هو مؤلف الوشيعة 8
  • ما جرى لنا معه في الكوفة 10
  • ما جرى لنا معه بطهران 11
  • ما قاله عن وشيعته 12
  • الرد على صاحب الوشيعة 13
  • اباطيل بزعمه في كتب الشيعة 16
  • مسائل فقهية في كتب الشيعة 17
  • المساجد 18
  • الاوقات والجمع بين الصلاتين 19
  • دليل جواز الجمع 19
  • صلاة الجمعة 20
  • تعظيم القبور وزيارتها 21
  • المقابر ، القرآن 22
  • قائم آل محمد 23
  • التطبير 25
  • العداوة بين المسلمين 26
  • التلاعن والتطاعن 27
  • التشيع بشكله الاخير لم يكن في عصره الاول 28
  • المؤمنون بعضهم اولياء بعض 29
  • محبة اهل البيت 30
  • سبب ميل الشيعة الى اهل البيت 34
  • زعمه حدوث التشيع زمن علي «ع» 35
  • زعمه لو كان لعلي سيرة النبي وسيرة الشيخين 36
  • البيوت الاموية والعباسية والعلوية 38
  • الصحابة والعصر الاول وامهات المؤمنين 41
  • عدالة الصحابة 43
  • القرن الاول والعصر الاول 45
  • العصر الاول وكلام بديع الزمان 46
  • امهات المؤمنين 50
  • زعمه امهات المؤمنين في الفضل كإبراهيم عليه‌السلام 54
  • زعمه ان عائشة تساوي ابراهيم 54
  • اهل البيت في آية التطهير 56
  • زعمه الامة شريكة نبيها 60
  • قلب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقلوب اصحابه 68
  • الامة او الائمة 69
  • زعمه عصمة الامة 70
  • الامام الباقر وعلوم الائمة (ع) 85
  • خبر الجساسة ـ اخبار الاكل في رمضان بعد الصبح 86
  • هشام بن الحكم وعمرو بن عبيد 87
  • بين الصادق وابي حنيفة 89
  • في تاريخ الاسلام امران أمران 91
  • نقده لكتاب اصل الشيعة 114
  • فضل علي عليه‌السلام 116
  • لو لا الاسلام لما كان لعلي عليه‌السلام ذكر 118
  • استشهاده بأدب اليهود 121
  • اوّل من وضع بذر التشيع 124
  • حكاية رفع الستار 125
  • نسبته ما لا يليق الى موسى ويونس (ع) 126
  • لعن الاموية عليا عليه‌السلام 128
  • اصول الدين 129
  • كتب الكلام 130
  • حديث المنزلة 131
  • ما جرى بعد حجة الوداع 138
  • حديث الغدير 140
  • حديث جمع النبوة والامامة 143
  • زعمه لم يول النبي هاشميا ولا الصديق ولا الفاروق 144
  • زعمه أحلافه بنسب الارواح لا الابدان 146
  • من الذي قدمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده 147
  • ما ذكره من فضائل الصديق 148
  • زعمه الخليفة كان معلوما عند كل أحد 150
  • زعمه عدم النص على الامام 151
  • ما ذكره من فضائل الفاروق 152
  • زعمه عصمة الخلافة الراشدة 152
  • ما جرى بين الصحابة 153
  • الشورى 154
  • زعمه لم يكن في القرن الاول من يقدم عليا في الخلافة 156
  • زعمه لو صدق كليمة من اقاويل الشيعة 158
  • عدم تحريف القرآن 159
  • عدم الزيادة في القرآن 168
  • القراءات السبع 168
  • التحاكم الى قضاة الجور 170
  • جهاد الامم الاسلامية 174
  • تنزيل آيات في كتب الشيعة 175
  • ما وافق الامة وخالفها 176
  • التقية 177
  • التقية بالعبادة والرواية 179
  • حكم التقية ـ دليل التقية 181
  • رد اقوال التقية 188
  • أدب التقية 197
  • التوكل واليقين 197
  • حرية الفكر والقول والعمل 197
  • كتم السر 201
  • اسم أمير المؤمنين 203
  • ما اعجبه من مذهب الشيعة 205
  • الربا والحيل الشرعية 206
  • مسائل في المواريث 209
  • العول 209
  • كلماته في العول 212
  • العول ـ قياسه على الدين 226
  • العول ـ المسألة المنبرية 228
  • العول ـ قياسه على الوصية 227
  • العول ـ المسألة المنبرية 228
  • آيات المواريث وصحيفة الفرائض 321
  • احتجاج الباقر على مسائل العول 233
  • إرث الزوجة من الأرض والعقار 237
  • حجب الأم بالأخوة 238
  • صحيفة الفرائض والجفر والجامعة ومصحف فاطمة 239
  • العيب بالامهات 242
  • التعصيب 243
  • اعتراضات على التعصيب 249
  • توريثه ولد الولد مع الولد 251
  • عرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إرثه على العباس 252
  • المتعة 256
  • آية فما استمتعتم 266
  • ثبوت المتعة بالقرآن الكريم 271
  • ثبوتها بالسنة النبوية 288
  • دعوى النسخ 298
  • دعواه الاجماع على تحريمها 304
  • دعوى رجوع ابن عباس عن القول بالمتعة 313
  • قصة اسماء 314
  • ابن عباس وابن الزبير 316
  • ما يشمله النكاح المطلق 318
  • آية الطلاق ومتاع التسريح 319
  • آية الطلاق والصداق 320
  • عدم إرث القاتلة والكافرة وعدم نفقة الناشز 321
  • آية فابتغوا ما كتب الله لكم 322
  • فتوى ابن جريح في المتعة 323
  • خبر عبد الله الليثي مع الباقر 325
  • زعمه النكاح هزله جد فلا ينعقد الا دائما 328
  • خبر النوبية ومرعوش 329
  • تصديق المرأة في خلوها من الزوج 330
  • المحلل والمحلل له 330
  • الامر بتزويج الابكار 331
  • زعمه ابتذال المرأة في ايران 332
  • تكريره انها شارة اهل البيت 334
  • تجاوزه الحد في الافتراء 335
  • عباراته الشنيعة التي تفوه بها 338
  • اعتذاره عن التطويل 341
  • المعاوضة في النكاح 342
  • صاحب كتاب اصل الشيعة 343
  • خبر حسبنا كتاب ربنا 344
  • رعية الامام الجائر والامام العادل 344
  • النسيء 345
  • حجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم 348
  • اسانيد الشيعة وغيرهم واخبارهم 352
  • ايمان جد النبي وابويه وعمه 360
  • الطلاق والغسل والمسح 362
  • الغسل والمسح في الآية 362
  • المسح على الخفين 364
  • مال الناصب ونكاح الاماء 372
  • كل ما لنا حل لشيعتنا 374
  • زعمه الشيعة تنكر على الامة مذاهبها 375
  • الرجعة 375
  • الولاية ـ تأويل آيات في الكافي 377
  • الخمس والزكاة 378
  • الفيء 385
  • من هم ذوو القربى 386
  • اليتامى والمساكين وابن السبيل في آيتي الخمس والفيء 382
  • الزكاة 392
  • فدك 393
  • التفويض 399
  • الغلاة والمفوضة 400
  • الخلافة الراشدة واهل البيت 404
  • معجزات الائمة 404
  • الحكم بين الامم لله وحده 405
  • زعمه النبي يدعو للعقيدة الباطلة 406
  • البداء 406
  • فهرست الكتاب 412