بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ربّ يسّر ولا تعسّر الحمد لله فاطر الخلق وموجده. ومظهر الحق ومنجده. الّذي جعل الحقّ وزرا (١) لمن اعتقده. وعمرا (٢) لمن اعتمده. وجعل الباطل مزلّا (٣) لمن ابتغاه. ومذلّا (٤) لمن اقتفاه. والصلاة والسلام على الصفوة الصافية. والقدوة الهادية. محمد وآله خيار الورى. ومنار الهدى

سألتم أسعدكم الله بمطلوبكم شرح معنى الخبر المأثور عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. في افتراق الأمّة ثلاثا وسبعين فرقة منها واحدة ناجية. تصير إلى جنّة عاليه. وبواقيها عاديه (٥). تصير إلى الهاوية. والنار الحامية. وطلبتم الفرق بين الفرقة الناجية التى لا يزلّ (٦) بها القدم. ولا تزول عنها النّعم. وبين فرق الضلال الذين يرون ظلام الظلم نورا. واعتقاد الحقّ ثبورا (٧) وسيصلون سعيرا. ولا يجدون من الله نصيرا.

__________________

(١) الوزر. السلاح لثقله على صاحبه

(٢) العمر الحياة

(٣) مزلا. من أزله اذا ازلفه او حمله على الزلة

(٤) مذلا. من اذله اي صيره ذليلا

(٥) عاديه. من عدا اذا ظلم

(٦) يزل. ينحرف

(٧) ثبورا. هلاكا

فرأيت إسعافكم بمطلوبكم من الواجب فى إبانة الدّين القويم. والصراط المستقيم. وتمييزها من الأهواء المنكوسة (١) والآراء المعكوسة. ليهلك من هلك عن بيّنة. ويحيا من يحيا عن بيّنة. فأودعت مطلوبكم مضمون هذا الكتاب. وقسمت مضمونه خمسة أبواب هذه ترجمتها

باب. فى بيان الحديث المأثور فى افتراق الأمة ثلاثا وسبعين فرقة (١ ب)

باب. فى بيان فرق الأمة على الجملة ومن ليس منها على الجملة

باب. في بيان فضائح كل فرقة من فرق الاهواء الضالة

باب. فى بيان الفرق التى انتسبت الى الإسلام وليست منها

باب. فى بيان الفرقة الناجية وتحقيق نجاتها وبيان محاسن دينه

فهذه جملة أبواب هذا الكتاب وسنذكر فى كل باب منها مقتضاه على شرطه إن شاء الله تعالى

__________________

(١) المنكوسة. المقلوبة

الباب الأوّل

(فى بيان الحديث المأثور فى افتراق الأمة)

أخبرنا أبو سهل بشر بن أحمد بن بشّار الأسفرائيني قال أخبرنا عبد الله بن ناجية قال حدّثنا وهب بن بقيّة عن خالد ابن عبد الله عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمّتى على ثلاث وسبعين فرقة : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عليّ بن زياد السميذى العدل الثقة. قال أخبرنا احمد بن الحسن بن عبد الجبّار. قال حدثنا الهيثم بن خارجة قال حدثنا إسماعيل بن عباس عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو قال. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ليأتينّ على أمتى ما أتى على بنى إسرائيل (١ ب و ٢ ا) تفرّق بنو اسرائيل على اثنتين وسبعين ملّة وستفترق امتى على ثلاث وسبعين ملة تزيد عليهم

ملة. كلهم فى النار الّا ملة واحدة. قالوا يا رسول الله من الملة الواحدة التى تنقلب (١). قال : ما أنا عليه وأصحابى : أخبرنا القاضى أبو محمد عبد الله بن عمر المالكىّ. قال حدثنا أبى عن أبيه. قال حدثنا الوليد بن مسلمة قال حدّثنا الاوزاعىّ. قال حدّثنا قتادة عن أنس عن النبىّ عليه‌السلام. قال : إنّ بنى إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإنّ امتى ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلّها فى النار إلّا واحدة وهى الجماعة : قال عبد القاهر للحديث الوارد فى افتراق الامة أسانيد كثيرة. وقد رواه عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جماعة من الصحابة كانس بن مالك وأبى هريرة وأبى الدّرداء وجابر وأبى سعيد الخدريّ وأبىّ بن كعب وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبى إمامة وواثلة بن الاسقع وغيرهم. وقد روى عن الخلفاء الراشدين أنّهم ذكروا افتراق الامة بعدهم فرقا وذكروا أنّ الفرقة الناجية منها فرقة واحدة وسائرها على الضلال فى الدنيا والبوار فى الآخرة. وروى عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذمّ القدريّة وأنهم مجوس هذه الأمة. وروى عنه ذمّ المرجئة مع القدرية. وروى عنه أيضا ذمّ المارقين وهم الخوارج. وروى عن أعلام

__________________

(١) اى تنقلب راجعة عن النار

الصحابة ذمّ القدريّة والمرجئة والخوارج المارقة. وقد ذكرهم عليّ رضى الله عنه فى خطبته المعروفة بالزهراء وبرئ فيها (٢ ا و ٢ ب) من اهل الاديموات. وقد علم كلّ ذى عقل من أصحاب المقالات المنسوبة الى (٢) أنّ النبىّ عليه‌السلام لم يرد بالفرق المذمومة التى (٣) أهل النار فرق الفقهاء الذين اختلفوا فى فروع الفقه مع اتفاقهم على اصول الدّين لانّ المسلمين فيما اختلفوا فيه من فروع الحلال والحرام على قولين (أحدهما) قول من يرى تصويب المجتهدين كلهم فى فروع الفقه. وفرق الفقه كلها عندهم مصيبون (والثانى) قول من يرى فى كل فرع تصويب واحد من المختلفين فيه وتخطئة الباقين من غير تضليل منه للمخطئ فيه وإنما فصّل النبىّ عليه‌السلام بذكر الفرق المذمومة فرق أصحاب الأهواء الضالة الذين خالفوا الفرقة الناجية فى أبواب العدل والتوحيد أو فى الوعد والوعيد أو فى بابى القدر والاستطاعة أو فى تقدير الخير والشرّ أو فى باب الهداية والضلالة أو فى باب الإرادة والمشيئة أو فى باب الروية والإدراك أو فى باب صفات

__________________

(٢) هنا بياض بالاصل ولعل الساقط (الاسلام)

(٣) هنا بياض بالاصل ولعل الساقط (عدّها من)

الله عزوجل وأسمائه وأوصافه أو في باب من أبواب التعديل والتجويز أو في باب من أبواب النّبوّة وشروطها ونحوها من الأبواب التى اتفق عليها أهل السّنة والجماعة من فريقى الرأى والحديث على أصل واحد خالفهم فيها أهل الأهواء الضالة من القدرية والخوارج والرّوافض والنّجّارية والجهمية والمجسمة والمشبّهة ومن جرى (١) من فرق الضلال فانّ المختلفين فى العدل والتوحيد (٢ ب و ٣ ا) والقبور والاسلاف متّحد والرّوية والصفات والتعديل والتجويز. وفى شروط النّبوّة والإمامة يكفّر بعضهم بعضا فصحّ تأويل الحديث المروىّ فى افتراق الأمة ثلاثا وسبعين فرقة الى هذا النوع من الاختلاف دون الانواع التى اختلفت فيها ائمّة الفقه من فروع الاحكام فى أبواب الحلال والحرام. أو ليس فيما بينهم تكفير ولا تضليل فيما اختلفوا فيه من احكام الفروع وسنذكر الفرق التى رجع إليهم تأويل الخبر المروىّ فى افتراق الامة فى الباب الّذي يلى ما نحن فيه إن شاء الله عزوجل

__________________

(١) هنا بياض بالاصل ولعل الساقط (مجراهم)

الباب الثانى

(من ابواب هذا الكتاب)

فى كيفية افتراق الامة ثلاثا وسبعين وفى ضمنه بيان الفرق الذين يجمعهم اسم ملة الاسلام فى الجملة. يقع فى هذا الباب فصلان أحدهما فى بيان المعنى الجامع للفرق المختلفة فى اسم ملة الاسلام فى الجملة. والفصل الثانى فى بيان (١) كيفية اختلاف الامة وتحصيل عدد فرقها الثلاث وسبعين وسنذكر فى كلّ واحد من هذين الفصلين مقتضاه ان شاء الله عزوجل

الفصل الأوّل

فى بيان المعنى الجامع للفرق المختلفة فى اسم ملة الاسلام على الجملة. قبل التفصيل اختلف المنتسبون الى الاسلام فى الذين يدخلون بالاسم العامّ فى ملة الاسلام. فزعم أبو القاسم (٣ ا و ٣ ب) الكعبى فى مقالاته أنّ قول القائل امة الاسلام تقع على كلّ مقرّ بنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وان كل ما

__________________

(١) الاصل (باب)

جاء به حقّ كائنا قوله بعد ذلك ما كان. وزعم قوم أنّ أمة الإسلام كلّ من يرى وجوب الصلاة الى جهة الكعبة وزعمت الكرامية مجسّمة خراسان أن امة الاسلام جامعة لكلّ من أقرّ بشهادتى الاسلام لفظا. وقالوا كلّ من قال لا إله الّا الله محمد رسول الله فهو مؤمن حقّا وهو من أهل ملة الاسلام سواء كان مخلصا فيه أو منافقا مضمر الكفر فيه والزندقة. ولهذا زعموا أن المنافقين فى عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا مؤمنين حقّا وكان ايمانهم كايمان جبريل وميكائيل والأنبياء والملائكة مع اعتقادهم النّفاق وإظهار الشهادتين. وهذا القول مع قول الكعبىّ فى تفسيراته الاسلام ينتقض بقول العيسوية من يهود أصبهان فانهم يقرّون بنبوّة نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبأن كل ما جاء به حق. ولكنهم زعموا انه بعث الى العرب لا الى بنى اسرائيل. وقالوا أيضا محمد رسول الله وما هم معدودين فى فرق الاسلام. وقوم من شاركانيّة اليهود حكوا عن زعيمهم المعروف بشاركان أنه قال انّ محمدا رسول الله الى العرب والى سائر الناس ما خلا اليهود. وأنه قال ان القرآن حقّ وكل (١) الاذان والإقامة والصلوات (٣ ب و ٤ ا) الخمس وصيام شهر رمضان

__________________

(١) هنا كلمة في الاصل لا تقرأ

وحجّ الكعبة كلّ ذلك حقّ غير أنه مشروع للمسلمين دون اليهود وربما فعل ذلك بعض الشاركانية قد أقرّوا بشهادتى ان لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله وأقرّوا بانّ دينه حقّ. وما هم مع ذلك من أمة الاسلام لقولهم بانّ شريعة الاسلام لا تلزمهم. وأما قول من قال انّ اسم ملة الاسلام أمر واقع على كل من يرى وجوب الصلاة الى الكعبة المنصوبة بمكة فقد رضى بعض فقهاء الحجاز هذا القول وأنكره أصحاب الرأى لما روى عن أبى حنيفة أن صحح إيمان من أقرّ بوجوب الصلاة الى الكعبة وشك فى موضعها. وأصحاب الحديث لا يصحّحون إيمان من شك فى موضع الكعبة كما لا يصححون إيمان من شكّ فى وجوب الصلاة الى الكعبة.

والصحيح عندنا أن أمة الاسلام تجمع المقرّين بحدوث العالم وتوحيد صانعه وقدمه وصفاته وعدله وحكمته ونفى التشبيه عنه وبنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورسالته الى الكافة وبتأييد شريعته وبأن كلّ ما جاء به حقّ وبأن القرآن منبع أحكام الشريعة وأن الكعبة هى القبلة التي تجب الصلاة إليها فكلّ من أقرّ بذلك كله ولم يشبّه ببدعة تؤدّى الى الكفر فهو السّني الموحّد. وأن ضمّ الى الاقوال بما ذكرناه بدعة شنعاء نظر فإن

كان على بدعة الباطنية او البيانية أو المغيرة (٤ ا و ٤ ب) او الخطّابية الذين يعتقدون إلهيّة الأئمة او إلهيّة بعض الأئمّة او كان على مذاهب الحلول أو على بعض مذاهب اهل التناسخ او على مذهب الميمونية من الخوارج الذين أباحوا نكاح بنات البنات وبنات البنين أو على مذهب اليزيدية من الاباضية فى قولها بان شريعة الاسلام تنسخ فى آخر الزمان أو أباح ما نص القرآن على تحريمه أو حرّم ما أباحه القرآن نصّا لا يحتمل التأويل فليس هو من أمة الاسلام ولا كرامة له. وان كانت بدعته من جنس بدع المعتزلة أو الخوارج أو الرافضة الامامية أو الزيدية أو من بدع البخارية أو الجهمية أو الضرارية أو المجسّمة فهو من الامة فى بعض الاحكام وهو جواز دفنه فى مقابر المسلمين وفى ألّا يمنع حظه من الفيء والغنيمة ان غزا مع المسلمين وفي ألّا يمنع من الصلاة فى المساجد وليس من الامة فى احكام سواها وذلك ألّا تجوز الصلاة عليه ولا خلفه ولا تحلّ ذبيحته ولا نكاحه لامرأة سنّيّة. ولا يحلّ للسّنّى أن يتزوّج المرأة منهم اذا كانت على اعتقادهم. وقد قال عليّ بن أبى طالب رضى الله عنه للخوارج. علينا ثلاث. لا نبدؤكم بقتال ولا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله. ولا نمنعكم من الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا والله أعلم

الفصل الثانى

(من هذا الباب)

فى بيان كيفية اختلاف الامة وتحصيل (٤ ب و ٥ ا) عدد فرقها الثلاث والسبعين. كان المسلمون عند وفاة رسول الله عليه‌السلام على منهاج واحد فى اصول الدين وفروعه غير من أظهر وفاقا وأضمر نفاقا. وأول خلاف وقع منهم اختلافهم فى موت النبىّ عليه‌السلام. فزعم قوم منهم أنه لم يمت وإنما أراد الله تعالى رفعه إليه كما رفع عيسى بن مريم إليه وزال هذا الخلاف وأقرّ الجميع بموته حين تلا عليهم أبو بكر الصدّيق قول الله لرسوله عليه‌السلام : إنّك ميّت وإنهم ميّتون : وقال لهم من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد رب محمد فانه حيّ لا يموت. ثم اختلفوا بعد ذلك فى موضع دفن النبىّ عليه‌السلام فأراد أهل مكة رده الى مكة لانها مولده ومبعثه وقبلته وموضع نسله وبها قبر جده إسماعيل عليه‌السلام وأراد اهل المدينة دفنه بها لأنها دار هجرته ودار أنصاره. وقال آخرون بنقله الى ارض القدس

ودفنه (١) ببيت المقدس عند قبر جدّه إبراهيم الخليل عليه‌السلام. وزلل هذا الخلاف بأن روى لهم أبو بكر الصدّيق عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إن الأنبياء يدفنون حيث يقبضون) فدفنوه فى حجرته بالمدينة. ثمّ اختلفوا بعد ذلك فى الامامة وأذعنت الانصار الى البيعة لسعد بن عبادة الخزرجيّ. وقالت قريش ان الإمامة لا تكون الا في قريش ثم أذعنت الانصار لقريش لما روى لهم قول النبىّ عليه‌السلام. الأئمة من قريش : (٥ ا و ٥ ب) وهذا الخلاف باق الى اليوم لان ضرارا او الخوارج قالوا بجواز الإمامة فى غير قريش. ثم اختلفوا بعد ذلك في شأن فدك (٢) وفى توريث التركات عن الأنبياء عليهم‌السلام. ثم نفذ فى ذلك قضاء ابي بكر بروايته عن النبىّ عليه‌السلام (ان الأنبياء لا يورثون) ثم اختلفوا بعد ذلك فى ما نعى وجوب الزكاة ثم اتفقوا على رأي ابي بكر في وجوب قتالهم ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال طليحة حين تبنى وارتدّ حتى انهزم الى الشام ثم رجع فى أيام عمر الى الاسلام وشهد مع سعد بن أبى وقّاص حرب القادسية وشهد بعد ذلك حرب نهاوند وقتل بها شهيدا. ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال مسيلمة الكذّاب الى ان كفى الله تعالى أمره

__________________

(١) الاصل تدفنه

(٢) فدك قرية بخيبر

وأمر سجاح المتنبية وأمر الاسود بن زيد العنسىّ. ثمّ اشتغلوا بعد ذلك بقتل سائر المرتدّين الى أن كفى الله تعالى أمرهم ثم اشتغلوا بعد ذلك بقتال الروم والعجم وفتح الله تعالى لهم الفتوح وهم فى اثناء ذلك كله على كلمة واحدة فى أبواب العدل والتوحيد والوعد والوعيد وفى سائر اصول الدين. وانما كانوا يختلفون فى فروع الفقه كميراث الجدّ مع الاخوة والأخوات مع الأب والأمّ او مع الأب وكمسائل العدل والكلالة والردّ وتعصيب الأخوات من الأب والأمّ او من الأب مع البنت او بنت الابن وكاختلافهم فى جر الولا وفى مسئلة الحرام ونحوها مما لم يورث اختلافهم فيه تضليلا ولا تفسيقا. وكانوا على هذه الجملة فى ايام أبى بكر وعمر وستّ سنين من خلافة عثمان. ثم اختلفوا (٥ ب و ٦ ا) بعد ذلك فى أمر عثمان لأشياء نقموها منه حتى أقدم لاجلها ظالموه على قتله ثم اختلفوا بعد قتله فى قاتليه وخاذليه اختلافا باقيا الى يومنا هذا. ثم اختلفوا بعد ذلك فى شأن عليّ واصحاب الجمل وفى شأن معاوية واهل صفّين وفى حكم الحكمين أبى موسى الأشعرىّ وعمرو بن العاص اختلافا باقيا الى اليوم ثم حدث فى زمان المتأخرين من الصحابة خلاف القدرية فى القدر والاستطاعة من معبد الجهنىّ وغيلان الدمشقي والجعد بن درهم

وتبرّأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبى هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وعبد الله ابن ابى او فى وعقبة بن عامر الجهنيّ وأقرانهم واوصوا اخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية ولا يصلّوا على جنائزهم ولا يعودوا مرضاهم ثم اختلفت الخوارج بعد ذلك فيما بينها فصارت مقدار عشرين فرقة كلّ واحدة تكفّر سائرها ثمّ حدث فى ايام الحسن البصريّ خلاف واصل بن (١) عطا الغزّال في القدر وفى المنزلة بين المنزلتين وانضمّ إليه عمرو بن عبيد بن باب فى بدعته فطردهما الحسن عن مجلسه فاعتزلا عن سارية من سواري مسجد البصرة فقيل لهما ولاتباعهما معتزلة لاعتزالهم قول الامة فى دعواها ان الفاسق من امة الاسلام لا مؤمن ولا كافر.

واما الروافض فان السبّابية منهم اظهروا بدعتهم فى زمان عليّ رضى الله عنه فقال بعضهم لعلىّ انت الامة فاحرق عليّ (٦ ا و ٦ ب) قوما منهم ونفى ابن سبا الى ساباط المدائن. وهذه الفرقة ليست من فرق امة الاسلام لتسميتهم عليّا إلها. ثم افترقت الرافضة بعد زمان عليّ رضى الله عنه أربعة اصناف زيدية وإمامية وكيسانية وغلاة وافترقت الزيدية فرقا والامامية فرقا

__________________

(١) الاصل بين

والغلاة فرقا كلّ فرقة منها تكفّر سائرها. وجميع فرق الغلاة منهم خارجون عن فرق الاسلام. فاما فرق الزيدية وفرق الامامية فمعدودون فى فرق الامة. وافترقت البخارية بناحية الرىّ بعد الزعفرانىّ فرقا يكفّر بعضها بعضا وظهر خلاف البكرية من بكر من اخت عبد الواحد بن زياد وخلاف الضرارية من ضرار بن عمرو وخلاف الجهمية من جهم بن صفوان وكان ظهور جهم وبكر وضرار فى ايام ظهور واصل بن عطا فى ضلالته وظهرت دعوة الباطنية فى ايام المأمون من حمران قومط ومن عبد الله بن ميمون القداح. وليست الباطنية من فرق ملة الاسلام بل هى من فرق المجوس على ما نبينه بعد هذا. وظهروا فى ايام محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بخراسان خلاف الكرّامية المجسّمة

فاما الزيدية من الرافضة فمطمعها ثلاث فرق وهى الجارودية والسليمانية. وقد يقال الحريرية أيضا والبترية وهذه الفرق الثلاث يجمعها القول بإمامة زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن ابى طالب في ايام خروجه وكان ذلك فى زمان هشام بن عبد الملك. والكيسانية منهم فرق كثيرة ترجع عن التحصيل (٦ ب و ٧ ا) الى فرقتين إحداهما تزعم ان محمد بن الحنفيّة

حىّ لم يمت وهم على انتظاره ويزعمون انه المهدىّ المنتظر. والفرقة الثانية منهم مقرون باماميته فى وقته وبموته وينقلون الإمامة بعد موته الى غيره ويختلفون بعد ذلك فى المنقول إليه

واما الامامية المفارقة للزيدية والكسائية والغلاة فانها خمس عشرة فرقة وهنّ المحمدية والباقرية والنّاووسيّة والشميطية والعمّارية والاسماعيلية والمباركية والموسوية والقطعية والاثنى عشرية والهشامية من اتباع هشام بن الحكم او من اتباع هشام بن سالم الجواليقى والزرارية من اتباع زرارة بن أعين واليونسية من اتباع يونس القمىّ والشيطانية من اتباع شيطان الطاق والكاملية من اتباع أبى كامل وهو أفحشهم قولا فى عليّ وفى سائر الصحابة رضى الله عنهم فهذه عشرون فرقة من فرق الروافض منها ثلاث زيدية وفرقتان من الكيسانية وخمس عشرة فرقة من الإمامية. فاما غلاتهم الذين قالوا بإلهيّة الائمة وأباحوا محرّمات الشريعة واسقطوا وجوب فرائض الشريعة كالبيانية والمغيرية والجناحية والمنصورية والخطّابية والحلولية ومن جرى مجراهم فما هم من فرق الاسلام وان كانوا منتسبين إليه وسنذكرها فى باب مفرد بعد هذا الباب واما الخوارج فانها لما اختلفت صارت عشرين فرقة وهذه أسماؤها. المحكّمة الاولى والازارقة ثم النجدات ثم الصّفرية

(٣)

ثم العجاردة وقد افترقت العجاردة فيما بينها فرقا كثيرة (٧ ا و ٧ ب) منها الخازمية والشّعيبيّة والمعلومية والمجهولية والمعبدية والرشيدية والمكرّمية والحمزية والابراهيمية والواقفة وافترقت الأباضية منها فرقا حفصية وحارثية ويزيدية واصحاب طاعة لا يراد الله بها. واليزيدية منهم اتباع ابن يزيد بن أنيس ليست من فرق الاسلام لقولها بان شريعة الاسلام تنسخ فى آخر الزمان بنبىّ يبعث من العجم وكذلك فى جملة العجاردة فرقة يقال لها الميمونية ليست من فرق الاسلام لانها أباحت نكاح بنات البنات وبنات البنين كما أباحته المجوس وسنذكر اليزيدية والميمونية فى جملة الذين انتسبوا الى الاسلام وما هم منهم ولا من فرقهم واما القدرية المعتزلة عن الحق فقد افترقت عشرين فرقة كل فرقة منها تكفّر سائرها وهذه اسماء فرقها ـ واصلية وعمرية والهذيلية والنظامية والاموارية والعمرية والثمامية والجاحظية والحائطية والحمارية والخيّاطية والسحامية وأصحاب صالح قبة والمويسية والكعبية والجبائية والبهشيمية المنسوبة الى أبى هاشم ابن الجبّائىّ. فهى ثنتان وعشرون فرقة ثنتان منها ليستا من فرق الاسلام وهما الحائطية والحمارية وسنذكرهما فى الفرق التى انتسبت الى الاسلام وليست منها

واما المرجئة فثلاثة أصناف صنف منهم قالوا بالإرجاء فى الايمان وبالقدر على مذاهب القدرية فهم معدودون فى القدرية والمرجئة كأبي شمر المرجئ ومحمد بن شبيب البصرى والخالدىّ وصنف (٧ ب و ٨ ا) منهم قالوا بالإرجاء فى الايمان ومالوا الى قول جهم فى الاعمال والاكساب فهم من جملة الجهمية والمرجئة وصنف منهم خالصة فى الإرجاء من غير قدر وهم خمس فرق يونسية وغسانية وثوبانية وتومنية ومريسية. وأما النجّارية فانها اليوم بالرّىّ اكثر من عشر فرق ومرجعها فى الاصل الى ثلاث فرق برغوثية وزعفرانية ومستدركة. وأما البكرية والضّرارية فكل واحدة منها فرقة واحدة ليس لها تبع كثير والجهمية أيضا فرقة واحدة والكرامية بخراسان ثلاث فرق حقائقية وطرائقية وإسحاقية لكن هذه الفرق الثلاث منها لا يكفر بعضها بعضا فعددناها كلها فرقة واحدة فهذه الجملة التى ذكرناها تشتمل على ثنتين وسبعين فرقة منها عشرون روافض وعشرون خوارج وعشرون قدرية وعشر مرجئة وثلاث نجّارية وبكرية وضرارية وجهمية وكرامية فهذه ثنتان وسبعون فرقة. فاما الفرقة الثالثة والسبعون فهى أهل السنة والجماعة من فريقى الرأى والحديث دون من يشترى لهو الحديث. وفقهاء هذين الفريقين وقرّاؤهم ومحدّثوهم ومتكلمو

أهل الحديث منهم كلّهم متّفقون على مقالة واحدة فى توحيد الصانع وصفاته وعدله وحكمته وفى اسمائه وصفاته وفى ابواب النبوة والإمامة وفى احكام العقبى وفى سائر اصول الدين وانما يختلفون فى الحلال والحرام من فروع الاحكام وليس بينهم فيما اختلفوا فيه منها تضليل ولا تفسيق وهم الفرقة الناجية ويجمعها الاقرار بتوحيد الصانع وقدمه وقدم (٨ ا و ٨ ب) صفاته الأزلية واجازة رؤيته من غير تشبيه ولا تعطيل مع الاقرار بكتب الله ورسله وبتأييد شريعة الاسلام وإباحة ما أباحه القرآن وتحريم ما حرّمه القرآن مع قيود ما صحّ من سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واعتقاد الحشر والنشر وسؤال الملكين فى القبر والاقرار بالحوض والميزان فمن قال بهذه الجهة التى ذكرناها ولم يخلط ايمانه بها بشيء من بدع الخوارج والروافض والقدرية وسائر اهل الاهواء فهو من جملة الفرقة الناجية ان ختم الله له بها وقد دخل فى هذه الجملة جمهور الامة وسوادها الأعظم من أصحاب مالك والشافعىّ وأبى حنيفة والأوزاعىّ والثورىّ وأهل الظاهر فهذا بيان ما اردنا بيانه فى هذا الباب ونذكر فى الباب الّذي يليه تفصيل مقالة كلّ فرقة من فرق الاهواء الذين ذكرناهم ان شاء الله عزوجل

الباب الثالث

(من أبواب هذا الكتاب)

فى بيان تفصيل مقالات فرق الاهواء وبيان فضائح كل فرقة منها على التفصيل ـ هذا باب يشتمل على فصول ثمانية وهذه ترجمتها :

فصل فى بيان مقالات فرق الرّفض

فصل فى بيان مقالات فرق الخوارج

فصل فى بيان مقالات فرق الاعتزال والقدر

فصل فى بيان مقالات الضرارية والبكرية والجهمية (٨ ب و ٩ ا)

فصل فى بيان مقالات الكرامية

فصل فى بيان مقالات المشبّهة الداخلة فى غمار الفرق التى ذكرناها وسنذكر فى كل فصل منها مقتضاه على شرطه ان شاء الله عزوجل

الفصل الأوّل

(من فصول هذا الباب فى بيان مقالات فرق الرفض)

قد ذكرنا قبل هذا ان الزيديّة منهم ثلاث فرق والكيسانية منهم فرقتان والامامية منهم خمس عشرة فرقة ونبدأ بذكر الزيدية ثم الامامية ثم الكيسانية على الترتيب ان شاء الله عزوجل

ذكر الجارودية من الزيدية. أو لا اتباع المعروف بأبى الجارود وقد زعموا ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نص على إمامة عليّ بالوصف دون الاسم وزعموا أيضا ان الصحابة كفروا بتركهم بيعة عليّ وقالوا أيضا ان الحسن بن عليّ كان هو الامام بعد عليّ ثم أخوه الحسين كان إماما بعد الحسن وافترقت الجارودية فى هذا الترتيب فرقتين فرقة قالت إنّ عليّا نصّ على إمامة ابنه الحسن ثم نصّ الحسن على إمامة أخيه الحسين بعده ثم صارت الامامة بعد الحسن والحسين شورى في ولدي الحسن والحسين فمن خرج منهم شاهرا سيفه داعيا الى دينه وكان عالما ورعا فهو الإمام وزعمت الفرقة الثانية منهم ان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الّذي نصّ على إمامة الحسن بعد عليّ وإمامة الحسين بعد

الحسن ثم افترقت الجارودية بعد هذا في الامام المنتظر فرقا منهم من لم يعيّن واحدا بالانتظار وقال كل من شهر سيفه ودعا الى دينه من ولدى الحسن والحسين فهو الامام ومنهم من ينتظر محمد بن عبد الله بن الحسن بن عليّ بن أبى طالب (٩ ا و ٩ ب) ولا يصدّق بقتله ولا بموته ويزعم انه هو المهدىّ المنتظر الّذي يخرج فيملك الارض. وقول هؤلاء فيه كقول المحمدية من الإمامية في انتظارها محمد بن عبد الله بن الحسن بن عليّ ومنهم من ينتظر محمد بن القاسم صاحب الطالقان ولا يصدق بموته ومنهم من ينتظر محمد بن عمر الّذي خرج بالكوفة ولا يصدق بقتله ولا بموته فهذا قول الجارودية وتكفيرهم واجب لتكفيرهم اصحاب رسول الله عليه‌السلام

ذكر السليمانية او الجريرية منهم. هؤلاء اتباع سليمان بن جرير الزيدي الذي قال ان الإمامة شورى وانها تنعقد بعقد رجلين من خيار الامة وأجاز إمامة المفضول واثبت إمامة ابى بكر وعمر وزعم أنّ الامة تركت الاصلح في البيعة لهما لان عليا كان اولى بالإمامة منهما الا أن الخطأ في بيعتهما لم يوجب كفرا ولا فسقا وكفّر سليمان بن جرير بالاحداث التي نقمها الناقمون منه وأهل السنة يكفّرون سليمان بن جرير من اجل

أنه كفّر عثمان رضى الله عنه

ذكر البترية منهم. هؤلاء اتباع رجلين أحدهما الحسن بن صالح بن حىّ والا خير كثير النوّاء الملقّب بالأبتر وقولهم كقول سليمان بن جرير في هذا الباب غير انهم توقفوا في عثمان ولم يقدموا على ذمّه ولا على مدحه. وهؤلاء احسن حالا عند أهل السنة من أصحاب سليمان بن جرير وقد اخرج مسلم بن الحجاج حديث الحسن بن صالح بن حىّ فى مسنده الصحيح ولم يخرج محمد بن اسماعيل البخارى حديثه فى الصحيح ولكنه قال فى كتاب التاريخ الكبير. الحسن بن صالح بن حىّ الكوفىّ سمع سمّاك بن حرب ومات سنة سبع وستين ومائة وهو من ثغور (١) همذان وكنيته ابو عبد الله (٩ ب و ١٠ ا)

قال عبد القاهر. هؤلاء البترية والسليمانية من الزيدية كلهم يكفّرون الجارودية من الزيدية لإقرار الجارودية على تكفير أبى بكر وعمر. والجارودية يكفّرون السليمانية والبترية لتركهما تكفير أبى بكر وعمر. وحكى شيخنا أبو الحسن الاشعرىّ فى مقالته عن قوم من الزيدية يقال لهم اليعقوبية اتباع رجل اسمه يعقوب أنهم كانوا يتولّون (٢) أبا بكر وعمرو لكنهم لا

__________________

(١) الاصل ثور

(٢) تولى فلان فلانا اتخذه وليا

يتبرّءون ممن تبرأ منهما. قال عبد القاهر اجتمعت الفرق الثلاث الذين ذكرناهم من الزيدية على القول بأن أصحاب الكبائر من الامة يكونون مخلّدين فى النار فهم من هذا الوجه كالخوارج الذين أيأسوا أسراء المذنبين من رحمة الله تعالى ولا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون إنما قيل لهذه الفرق الثلاث واتباعها زيدية لقولهم بإمامة زيد بن عليّ بن الحسن بن على بن أبى طالب فى وقته وإمامة ابنه يحيى بن زيد بعد زيد. وكان زيد ابن عليّ قد بايعه على إمامته خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة وخرج بهم على والى العراق وهو يوسف بن عمر الثقفىّ عامل هشام بن عبد الملك على العراقيين فلما استمرّ القتال بينه وبين يوسف بن عمر الثقفىّ قالوا له انا ننصرك على أعدائك بعد ان تخبرنا برأيك في أبى بكر وعمر اللذين ظلما جدّك عليّ ابن أبى طالب فقال زيد إنى لا أقول فيهما إلّا خيرا وما سمعت أبى يقول فيهما الّا خيرا وانما خرجت على بنى امية الذين قاتلوا جدى الحسين وأغاروا على المدينة يوم الحرّة ثم رموا بيتا لله بحجر المنجنيق (١٠ ب) والنار ففارقوه عند ذلك حتى قال لهم رفضتموني ومن يومئذ سمّوا رافضة وثبت معه نصر بن حريمة العنسى ومعاوية بن اسحاق بن يزيد بن حارثة في مقدار مائتى رجل

وقاتلوا جند يوسف بن عمر الثقفىّ حتى قتلوا عن آخرهم وقتل زيد ثم نبش من قبره وصلب ثم أحرق بعد ذلك وهرب ابنه يحيى بن يزيد الى خراسان وخرج بناحية الجوزجانى على نصر بن بشّار والى خراسان فبعث نصر بن بشار إليه مسلم ابن احوز المازنىّ فى ثلاثة آلاف رجل فقتلوا يحيى بن زيد ومشهده بجوزجان معروف قال عبد القاهر. روافض الكوفة موصوفون بالغدر والبخل وقد سار المثل بهم فيهما حتى قيل أبخل من كوفىّ وأغدر من كوفىّ والمشهور من غدرهم ثلاثة اشياء. أحدها انهم بعد قتل عليّ رضى الله عنه بايعوا ابنه الحسن فلما توجه لقتال معاوية غدروا به فى ساباط المدائن فطعنه سنان الجعفى فى جنبه فصرعه عن فرسه وكان ذلك أحد اسباب مصالحته معاوية. والثانى انهم كاتبوا الحسين بن عليّ رضى الله عنه ودعوه الى الكوفة لينصروه على يزيد بن معاوية فاغترّ بهم وخرج إليهم فلما بلغ كربلاء غدروا به وصاروا مع عبيد الله بن زياد يدا واحدة عليه حتى قتل الحسين وأكثر عشيرته بكربلاء. والثالث غدرهم يزيد بن عليّ بن الحسين بن على بن أبى طالب بعد ان خرجوا معه على يوسف بن عمر ثم نكتوا بيعته وأسلموه عند اشتداد القتال حتى قتل وكان من امره (١١ ا) ما كان

ذكر الكيسانية من الرافضة ـ هؤلاء اتباع المختار بن ابى عبيد الثقفى الذي قام بثأر الحسين بن عليّ بن ابي طالب وقتل اكثر الذين قتلوا حسينا بكربلاء. وكان المختار ويقال له كيسان. وقيل انه أخذ مقالته عن مولى لعلى رضى الله عنه كان اسمه كيسان. وافترقت الكيسانية فرقا يجمعها شيئان أحدهما قولهم بإمامة محمد ابن الحنفية وإليه كان يدعو المختار بن ابى عبيد والثانى قولهم بجواز البدء على الله عزوجل ولهذه البدعة قال بتكفيرهم كل من لا يجيز البدء على الله سبحانه. واختلفت الكيسانية في سبب إمامة محمد ابن الحنفية فزعم بعضهم أنه كان إماما بعد أبيه عليّ بن ابى طالب رضى الله عنه واستدلّ على ذلك بان عليا دفع إليه الراية يوم الجمل وقال له (ابيك تحمد لا خير في الحرب اذا لم تزبك) (كذا) وقال آخرون منهم إن الامامة بعد عليّ كانت لابنه الحسن ثم للحسين بعد الحسن ثم صارت الى محمد بن الحنفية بعد اخيه الحسين بوصيّة اخيه الحسين إليه حين هرب من المدينة الى مكة حين طولب بالبيعة ليزيد بن معاوية ثم افترق الذين قالوا بإمامة محمد ابن الحنفية فزعم قوم منهم يقال لهم الكربية اصحاب ابى كرب الضرير ان محمد بن الحنفية حىّ لم يمت وانه فى جبل رضوى وعنده عين من الماء وعين من العسل يأخذ منهما رزقه وعن

يمينه أسد وعن يساره نمر يحفظانه من أعدائه الى وقت خروجه وهو المهدىّ المنتظر وذهب الباقون من الكيسانية (١١ ب) الى الاقرار بموت محمد بن الحنفية واختلفوا في الامام بعده فمنهم من زعم أن الامامة بعده رجعت الى ابن اخيه عليّ بن الحسين زين العابدين. ومنهم من قال برجوعها بعده الى ابى هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفية واختلف هؤلاء في الامام بعد ابى هاشم. فمنهم من نقلها الى أبى محمد بن عليّ بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بوصيّة ابى هاشم إليه وهذا قول الروندية. ومنهم من زعم أن الامامة بعد ابى هاشم صارت الى بيان بن سمعان وزعموا أن روح الله تعالى كانت فى ابى هاشم ثم انتقلت منه الى بيان. ومنهم من زعم أن تلك الروح انتقلت من ابى هاشم الى عبد الله بن عمرو بن حرب وادعت هذه الفرقة إلهيّة عبد الله بن عمرو بن حرب والبيانية والحربية كلتاهما من فرق الغلاة نذكرهما فى الباب الّذي نذكر فيه فرق الغلاة ـ وكان كثير الشاعر على مذهب الكيسانية الذين ادعوا حياة محمد بن الحنفية ولم يصدّقوا بموته ولذا قال فى قصيدة له

ألا إنّ الأئمة من قريش

ولاة الحق أربعة سواء

عليّ والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط ايمان وبرّ

وسبط غيّبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى

يقود الخيل يقدمها (١) اللواء

تغيّب لا يرى فيهم زمانا

برضوى عنده عسل وماء

(١٢ ا) قال عبد القاهر أجبناه عن أبياته هذه بقولنا

ولاة الحق أربعة ولكن

لثانى اثنين قد سبق العلاء

وفاروق الورى أضحى إماما

وذو النونين بعد له الولاء

عليّ بعدهم أضحى إماما

بترتيبي لهم نزل القضاء

ومبغض من ذكرناه لعين

وفى نار الجحيم له الجزاء

وأهل الرّفض قوم كالنصارى

حيارى ما لحيرتهم دواء

وقال كثيّر أيضا فى رفضه

برئت الى الإله من ابن أروى

ومن دين الخوارج أجمعينا

ومن عمر برئت ومن عتيق

غداة دعى أمير المؤمنينا

وقد أجبناه عن هذين البيتين

برئت من الإله ببغض قوم

بهم أحيا الإله المؤمنينا

وما ضرّ ابن أروى منك بغض

وبغض البرّ دين الكافرينا

ابو بكر به جذلى إمام

على زعم الروافض اجمعينا

وفاروق الورى عمر بحق

يقال له أمير المؤمنينا

__________________

(١) يقدمها. يسبقها

ألا قل للوصىّ فدتك نفسى

أطلت بذلك الجبل المقاما

أضرّ بمعشر والوك منّا

وسمّوك الخليفة والإماما

وعادوا فيك اهل الأرض طرّا

مقامك عندهم ستين عاما

(١٢ ا و ١٢ ب) ثم قال فى هذه القصيدة

وما ذاق بن خولة طعم موت

ولا وارت له ارض عظاما

لقد أمسى بمجرى شعب رضوى

تراجعه الملائكة الكلاما

وإن له لرزقا من إمام

وأشربة يعلّ بها الطعاما

وقد أجبناه عن هذا الشعر بقولنا

لقد أفنيت عمرك بانتظار

لمن وارى التراب له عظاما

فليس بشعب رضواء إمام

تراجعه الملائكة الكلاما

ولا من عنده عسل وماء

وأشربة يعلّ بها الطعاما

وقد ذاق ابن خولة طعم موت

كما قد ذاق والده الحماما

ولو خلد امرؤ لعلوّ مجد

لعاش المصطفى ابدا وداما

وكان الشاعر المعروف بالسيّد الحميرى أيضا على مذهب الكيسانية الذين ينتظرون محمد بن الحنفية ويزعمون أنه محبوس بجبل رضوى الى أن يؤذن له بالخروج ولهذا قال فى شعر له

ولكن كلّ من فى الأرض فان

بذا حكم الّذي خلق الإماما

وكان اوّل من قام بدعوة الكيسانية الى إمامة محمد بن

الحنفية المختار بن ابى عبيد الثقفىّ وكان السبب فى ذلك أن عبيد الله بن زياد لما فرغ من قتل مسلم بن عقيل وفرغ من قتل الحسين بن عليّ رضى الله عنه رفع إليه ان المختار بن أبى عبيد (١٢ ب) كان ممّن خرج مع مسلم بن عقيل ثم اختفى فأمر باحضاره فلما دخل عليه رماه بعمود كان فى يده فشتر عينه وحبسه فتشفّع إليه فى امره قوم فأخرجه من الحبس وقال له قد أجّلتك ثلاثة أيام فان خرجت فيها من الكوفة والّا ضربت عنقك فخرج المختار هاربا من الكوفة الى مكة وبايع عبد الله بن الزبير وبقى معه الى ان قاتل بن الزبير جند يزيد بن معاوية الذين كانوا تحت راية الحصين بن نمير السكوتىّ واشتدّت نكاية المختار فى تلك الحروب على اهل الشام ثم مات يزيد بن معاوية ورجع جند الشام الى الشام واستقام لابن الزبير ولاية الحجاز واليمن والعراق وفارس ولقى المختار من ابن الزبير جفوة فهرب منه الى الكوفة وواليها يومئذ عبد الله بن يزيد الانصارىّ من قبل عبد الله بن الزبير فلما دخل الكوفة بعث رسله الى شيعة الكوفة ونواحيها الى المدائن ودعاهم الى البيعة له ووعدهم انه يخرج طالبا بثأر الحسين بن على رضى الله عنه ودعاهم الى محمد بن الحنفية وزعم ان ابن الحنفية قد استخلفه وأنه قد أمرهم بطاعته وعزل

ابن الزبير فى خلال ذلك عبد الله بن يزيد الانصارىّ عن الكوفة وولّاها عبد الله بن مطيع العدويّ واجتمع الى المختار من بايعه فى السرّ وكانوا زهاء سبعة عشر الف رجل ودخل فى بيعته عبيد الله بن الحرّ الّذي لم يكن فى زمانه اشجع منه وابراهيم بن ملك الأشتر ولم يكن فى شيعة الكوفة (١٣ ا) أجمل منه ولا أكثر منه تبعا فخرج به على والى الكوفة عبد الله بن مطيع وهو يومئذ فى عشرين الف ودامت الحرب بينهما اياما ووقعت الهزيمة فى آخرها على الزيدية واستولى المختار على الكوفة ونواحيها وقتل كلّ من كان بالكوفة من الذين قاتلوا الحسين بن عليّ بكربلاء ثم خطب الناس فقال فى خطبته ـ الحمد لله الّذي وعد وليّه النصر وعدوّه الخسر وجعلهما فيهما الى آخر الدهر قضاء مقضيا ووعدا مأتيّا يا أيها الناس قد سمعنا دعوة الداعي وقبلنا قول الداعي فكم من باغ وباغية وقتلى فى الواعية فهلمّوا عباد الله الى بيعة الهدى ومجاهدة العدى فانى انا المسلّط على المحلّين والطالب بثأر ابن بنت خاتم النبيين ـ ثم نزل عن منبره وانفذ بصاحب شرطته الى دار عمر بن سعد حتى أخذ رأسه ثم أخذ رأس ابنه جعفر بن عمر وهو ابن أخت المختار وقال ذاك برأس الحسين وهذا برأس ابن الحسين الكبير ثم بعث بابراهيم بن ملك

الاشتر مع ستة آلاف رجل الى حرب عبيد الله بن زياد وهو يومئذ بالموصل فى ثمانين الف من جند الشام قد ولّاه عليهم عبد الملك بن مروان فلما التقى الجيشان على باب الموصل انهزم جند الشام وقتل منهم سبعون الف فى المعركة وقتل عبيد الله بن زياد والحصين بن نمير السكوتى وانفذ ابراهيم بن الاشتر برءوسهم الى المختار فلما تمّت للمختار ولاية الكوفة والجزيرة والماهين الى حدود ارمينيّة تكهّن بعد ذلك وسجع كأسجاع (١٣ ب) الكهنة وحكى أيضا انه ادّعى نزول الوحى عليه فمن اسجاعه قوله ـ اما والذي أنزل القرآن. وبيّن الفرقان. وشرع الاديان. وكره العصيان. لأقتلنّ النعاة من أزد عمان. ومذحج وهمذان. ونهد وخولان. وبكر وهزّان. وثعل ونبهان. وعبس وذبيان. وقيس وعيلان. ثم قال وحقّ السميع العليم. العلىّ العظيم. العزيز الحكيم. الرحمن الرحيم. لأعركنّ عرك الاديم. أشراف بنى تهيم. ثم رفع خبر المختار الى ابن الحنفية وخاف من جهة الفتنة فى الدين فأراد قدوم العراق ليصير إليه الذين اعتقدوا إمامته وسمع المختار ذلك فخاف من قدومه العراق ذهاب رئاسته وولايته فقال لجنده انا على بيعة المهدى ولكن للمهدى علامة وهو أن يضرب بالسيف ضربة فان لم يقطع

السيف جلده فهو المهدى وانتهى قوله هذا الى ابن الحنفية فأقام بمكة خوفا من ان يقتله المختار بالكوفة ثم ان المختار خدعته السبّابية الغلاة من الرافضة فقالوا له انت حجّة هذا الزمان وحملوه على دعوى النبوّة فادعاها عند خواصه وزعم أن الوحى ينزل عليه وسجع بعد ذلك فقال. أما وتمشّى السحاب. الشديد العقاب. السريع الحساب. الغزير الوهاب. القدير الغلّاب. لأنبشنّ قبر ابن شهاب. المفترى الكذاب. المجرم المرتاب. ثم وربّ العالمين. وربّ البلد الأمين. لأقتلنّ الشاعر المهين. وراجز المارقين. واولياء الكافرين. وأعوان الظالمين. وإخوان الشياطين. الذين اجتمعوا على الاباطيل. (١٤ ا) وتقوّلوا عليّ الاقاويل. الاخطوبى لذوى الاخلاق الحميدة. والافعال الشديدة. والآراء العتيدة. والنفوس السعيدة. ثم خطب بعد ذلك فقال فى خطبته الحمد لله الّذي جعلنى بصيرا ونوّر قلبى تنويرا والله لأحرقنّ بالمصر دورا. ولا نبشنّ بها قبورا. ولأشفينّ منها صدورا. وكفى بالله هاديا ونصيرا. ثم أقسم فقال بربّ الحرم. والبيت المحرّم. والركن المكرّم. والمسجد المعظّم. وحق ذى القلم. ليرفعنّ لى علم. من هنا الى أضم. ثم الى اكناف ذى سلم. ثم قال اما ورب السماء. لينزلنّ نار من السماء. فليحرقنّ دار أسماء. فأنهى هذا القول الى

أسماء بن خارجة فقال قد سجع بى أبو إسحاق وانه سيحرق دارى وهرب من داره وبعث المختار الى داره من أحرقها بالليل وأظهر من عنده ان نارا من السماء نزلت فاحرقتها ثم إن اهل الكوفة خرجوا على المختار لما تكهّن واجتمعت السبّابية إليه مع عبيد اهل الكوفة لانه وعدهم أن يعطيهم اموال ساداتهم وقاتل بهم الخارجين عليه فظفر بهم وقتل منهم الكثير وأسر جماعة منهم وكان فى الأسراء رجل يقال له سراقة بن مرداس البارقىّ فقدم الى المختار وخاف البارقىّ أن يأمر بقتله فقال للذين أسروه وقدّموه الى المختار ما انتم أسرتمونا ولا انتم هزمتمونا بعدتكم وانما هزمنا الملائكة الذين رأيناهم على الخيل البلق فوق عسكركم فأعجب المختار قوله هذا فاطلق عنه فلحق بمصعب بن الزبير بالبصرة وكتب منها الى المختار هذه الابيات (١٤ ب)

ألا أبلغ أبا إسحاق أنى

رأيت البلق دهما مصمتات

أرى عينىّ ما لم تنظراه

كلانا عالم بالتّرّهات

كفرت بوحيكم وجعلت نذرا

عليّ قتالكم حتى الممات

وفى هذا الّذي ذكرناه بيان سبب كهانة المختار ودعواه الوحى إليه. واما سبب قوله بجواز البدء على الله عزوجل فهو أن ابراهيم بن الأشتر لما بلغه ان المختار تكهّن وادّعى نزول الوحى

إليه قعد عن نصرته واستولى لنفسه على بلاد الجزيرة وعلم مصعب ابن الزبير ان ابراهيم بن الاشتر لا ينصر المختار فطمع عند ذلك فى قهر المختار ولحق به عبيد الله بن الحر الجعفى ومحمد بن الاشعث الكندىّ واكثر سادات الكوفة غيظا منهم على المختار لاستيلائه على اموالهم وعبيدهم واطمعوا مصعبا فى أخذ الكوفة قهرا فخرج مصعب من البصرة فى سبعة آلاف رجل من عنده سوى من انضمّ إليه من سادات الكوفة وجعل على مقدمته المهلّب بن ابى صفرة مع اتباعه من الأزد وجعل أعنّة الخليل الى عبيد الله بن معمر التيمى وجعل الأحنف بن قيس على خيل تميم فلما انتهى خبرهم الى المختار اخرج صاحبه احمد ابن شميط الى قتال مصعب فى ثلاثة آلاف رجل من نخبة عسكره وأخبرهم بان الظفر يكون لهم وزعم أنّ الوحى قد نزل عليه بذلك فالتقى الجيشان بالمدائن وانهزم اصحاب المختار وقتل اميرهم ابن شميط واكثر قوّاد المختار ورجع فلولهم الى المختار وقالوا له لم تعدنا بالنصر على عدونا فقال ان الله تعالى كان قد وعدنى ذلك لكنه بدا له واستدلّ على الله (١٥ ا) بقول الله عزوجل (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) فهذا كان سبب قول الكيسانية بالبدء

ثم ان المختار باشر قتال مصعب بن الزبير بنفسه بالمذار من ناحية الكوفة وقتل فى تلك الواقعة محمد بن الأشعث الكندى. قال المختار. طابت نفسي بقتله ان لم يكن قد بقى من قتلة الحسين غيره ولا أبالي بالموت بعد هذا ثم وقعت الهزيمة على المختار واصحابه فانهزموا الى دار الامامة بالكوفة وتحصّن فيها مع أربعمائة من اتباعه وحاصرهم مصعب فيها ثلاثة أيام حتى فنى طعامهم ثم خرجوا إليه فى اليوم الرابع مستقتلين فقتلوا وقتل المختار معهم قتله أخوان يقال لهما طارف وطريف ابنا عبد الله بن دجاجة من بنى حنيفة وقال أعشى همدان فى ذلك

لقد نبئت والأنباء تنمي

بما لاقى الكوارث بالمذار

وما إن سرنى اهلاك قومي

وان كانوا وحقك فى خسار

ولكنى سررت بما يلاقى

أبو إسحاق من خزى وعار

فهذا بيان سبب قول الكيسانية بجواز البدء على الله عزوجل واختلفت الكيسانية الذين انتظروا محمد بن الحنفية وزعموا انه حىّ محبوس بجبل رضوى الى ان يؤذن له بالخروج واختلفوا فى سبب حبسه هنالك بزعمهم. فمنهم من قال لله فى امره سرّ لا يعلمه إلا هو ولا يعرف سبب حبسه. ومنهم من قال إنّ الله تعالى عاقبه بالحبس لخروجه بعد قتل الحسين بن عليّ الى يزيد

ابن معاوية وطلبه الأمان منه وأخذه عطاه ثم لخروجه فى وجه ابن الزبير من مكة الى عبد الملك بن مروان هاربا من ابن (١٥ ب) الزبير وزعموا ان صاحبه عامر بن واثلة الكنانىّ سار بين يديه وقال فى ذلك المسير لأتباعه. يا إخوانى يا شيعتى لا تبعدوا. ووازروا المهدىّ كيما تهتدوا. محمد الخيرات يا محمد انت الإمام الطاهر المسدّد. لا ابن الزبير السامرىّ الملحد. ولا الّذي نحن إليه نقصد. وقالوا انه كان يجب عليه ان يقاتل ابن الزبير ولا يهرب فعصى ربه بتركه قتاله وعصاه بقصده عبد الملك بن مروان وكان قد عصاه قبل ذلك بقصده يزيد بن معاوية ثم إنه رجع من طريقه الى ابن مروان الى الطائف ومات بها ابن عباس ودفنه ابن الحنفية بالطائف ثم سار منها الى الذر فلما بلغ شعب رضوى اختلفوا فيه فزعم المقرّون بموته انه مات فيه وزعم المنتظرون له أن الله حبسه هنالك (١) وغيّبه عن عيون الناس عقوبة له على الذنوب التى أضافوها إليه الى ان يؤذن له بالخروج وهو المهدىّ المنتظر

ذكر الامامية من الرافضة. هؤلاء الامامية المخالفة للزيدية والكيسانية والغلاة خمس عشرة فرقة. كاملية. ومحمدية. وباقرية.

__________________

(١) الاصل هالك

وناووسية. وشميطية. وعمارية. واسماعيلية. ومباركية. وموسوية. وقطيعية. واثنى عشرية. وهشامية. وزرارية. ويونسية. وشيطانية ذكر الكاملية منهم : ـ هؤلاء أتباع رجل من الرافضة كان يعرف بأبى كامل وكان يزعم ان الصحابة كفروا بتركهم بيعة على وكفر عليّ بتركه قتالهم وكان يلزمه قتالهم كما لزمه قتال اصحاب صفّين وكان بشار بن برد الشاعر الأعمى على هذا المذهب وروى انه قيل له ما تقول فى الصحابة قال كفروا فقيل له فما تقول فى عليّ فتمثّل بقول الشاعر

وما شرّ الثلاثة أمّ عمر

بصاحبك الّذي لا تصحبينا

وحكى أصحاب المقالات عن بشّار أنه ضمّ الى ضلالته فى تكفير الصحابة وتكفير عليّ معهم ضلالتين أخريين إحداهما قوله يرجع برجعة الاموات الى الدنيا قبل يوم القيامة كما ذهب إليه اصحاب الرجعة من الرافضة. والثانية قوله بتصويب إبليس فى تفضيل النار على الارض واستدلوا على ذلك بقول بشّار فى شعر له

الأرض مظلمة والنار مشرقة

والنار معبودة مذ كانت النار

وقد ردّ عليه صفوان الأنصارى فى قصيدته التى قال فيها

زعمت بأن النار اكرم عنصرا

وفى الأرض تحيا في الحجارة والزند

ويخلق فى أرحامها وارومها

أعاجيب لا تحصى بخطّ ولا عقد

وفي القعر من لجّ البحار منافع

من اللؤلؤ المكنون والعنبر الورد

ولا بدّ من أرض لكل مطيّر

وكل سبوح فى العمائر ذى خدّ

كذاك وما ينساخ في الارض ماشيا

على بطنه يمشى المجانب للقصد

وفى فلك الاجبال فوق مقطم

زبرجد املاك الورى ساعة الحشد

وفى الحرّة (١) معادن

لهنّ مغارات يتحبس بالنقد

من الذهب الإبريز والفضّة التى

تروق وتغنى ذا القناعة والزهد

وكل فلذ من نحاس وآنك (٢)

ومن زئبق حىّ ونوشادر سندى

وفيها روانيخ وشب ومرتب

ومزمر قشّا غير كاب ولا مكدى

__________________

(١) هنا بياض بالاصل

(٢) الآنك. الرصاص

وفيها ضروب القار (١) والزفت والمها (٢)

وأصناف كبريت مطاولة الوقد

ومن إثمد جوز وكلس (٣) وفضة

ومن توتيا فى معاربها هندى

وكل يواقيت الانام وحليها

من الارض والاحجار فاخرة المجد

وفيها مقام الحل والركن والصفا

ومستلم الحجّاج من جنّة الخلد

مفاخر للطين الّذي كان أصلنا

ونحن بنوه غير شك ولا جحد

فذلك تدبير ونفع وحكمة

وأوضح برهان على الواحد الفرد

فيا بن حليف الشؤم واللؤم والعمى

وابعد خلق الله من طرق الرشد

أتهجو أبا بكر وتخلع بعده

عليّا وتعزو كل ذاك الى برد

__________________

(١) القار شيء اسود يطلى به السفن والابل وقيل هو الزفت

(٢) المها جمع مهاة والمهاة البلور

(٣) الكلس النورة واخلاطها

كأنك غضبان على الدين كله

وطالب ذحل (١) لا يبيت على حقد

تواتب أقمارا وأنت مشوّه

وأقرب خلق الله من نسب القرد

وقد هجا حماد عجرد بشارا وقال فى هجائه

ويا أقبح من قرد اذا عمى القرد

وقيل ان بشّارا ما جزع من شيء جزعه من هذا البيت وقال يرانى فيصفنى ولا أراه فأصفه

قال عبد القاهر أكفّر هؤلاء الكاملية من وجهين أحدهما من جهة تكفيرها جميع الصحابة من غير تخصيص. والثانى من جهة تفضيلها النار على الارض وقد ذكرنا بعض فضائح بشّار بن يرد وقد فعل الله به ما استحقّه وذلك أنه هجا المهدىّ فأمر به حتى غرق فى دجلة (٢) ذلك له خزى فى الدنيا ولأهل ضلالته فى الآخرة عذاب أليم

ذكر المحمدية ـ هؤلاء ينتظرون محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على بن ابى طالب ولا يصدقون بقتله ولا بموته ويزعمون أنه فى جبل حاجر من ناحية نجد الى ان يؤمر

__________________

(١) الذحل. الثأر

(٢) الاصل الدجلة

بالخروج. وكان المغيرة بن سعيد العجلىّ فى صلاته فى التشبيه يقول لأصحابه إن المهدىّ المنتظر محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسين بن عليّ ويستدلّ على ذلك بان اسمه محمد كاسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واسم ابيه عبد الله كاسم أبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال فى الحديث عن النبىّ عليه‌السلام قوله فى المهدىّ ان اسمه يوافق اسمى واسم ابيه اسم ابى فلما اظهر محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن عليّ دعوته بالمدينة استولى على مكة والمدينة واستولى اخوه إبراهيم بن عبد الله على البصرة واستولى أخوهما الثالث وهو ادريس بن عبد الله على بعض بلاد المغرب وكان ذلك فى زمان الخليفة أبى جعفر المنصور فبعث المنصور الى حرب محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بعيسى بن موسى فى جيش كثيف وقاتلوا محمدا بالمدينة وقتلوه فى المعركة. ثم أنفذ بعيسى بن موسى أيضا الى حرب ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن عليّ مع جنده فقتلوا ابراهيم بباب حمرين على ستة عشر فرسخا من الكوفة ومات فى تلك الفتنة إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بارض المغرب وقيل إنه سمّ بها ومات عبد الله بن الحسن بن الحسين والد اولئك الاخوة الثلاثة فى سجن المنصور وقبره

بالقادسيّة وهو مشهد معروف يزار فلما قتل محمد بن عبد الله ابن الحسن بن الحسين بالمدينة اختلفت المغيرية فيه فرقتين فرقة أقرّوا بقتله وتبرّءوا من المغيرة بن سعيد العجلى وقالوا إنه كذب فى قوله إنّ محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين هو المهدىّ الّذي ملك الارض لانه قتل وما ملك الأرض. وفرقة منهم ثبتت على موالاة المغيرة بن سعيد العجلى وقالت إنه صدق فى قوله إن المهدىّ محمد بن عبد الله وإنه لم يقتل وإنما غاب عن عيون الناس وهو فى جبل حاجر من ناحية نجد مقيم هناك الى ان يؤمر بالخروج فيخرج ويملك الارض وتعقد البيعة بمكة بين الركن والمقام ويحيا له من الاموات سبعة عشر رجلا يعطى كل واحد منهم حرفا من حروف الاسم الأعظم فيهزمون الجيوش.

وزعم هؤلاء أن الذي قتله جند عيسى بن موسى بالمدينة لم يكن محمد بن عبد الله بن الحسن فهذه الطائفة يقال لهم المحمدية لانتظارهم محمد بن عبد الله بن الحسن وكان جابر بن يزيد الجعفىّ على هذا المذهب وكان يقول برجعة الأموات الى الدنيا قبل القيامة وفى ذلك قال شاعر هذه الفرقة فى شعر له

الى يوم يئوب الناس فيه

الى دنياهم قبل الحساب

وقال أصحابنا لهذه الطائفة. إن أجزتم ان يكون المقتول بالمدينة

غير محمد بن عبد الله بن الحسن واجزتم ان يكون المقتول هنا شيطانا تصوّر للناس فى صورة محمد بن عبد الله بن الحسن فأجيزوا بأن يكون المقتولون بكربلاء غير الحسين وأصحابه وإنما كانوا شياطين تصوّر وللناس بصور الحسين واصحابه وانتظروا حسينا كما انتظرتم محمد بن عبد الله بن الحسن او انتظروا عليا كما انتظرته السبّابية منكم الذين زعموا أنه فى السحاب والّذي قتله عبد الرحمن بن ملجم كان شيطانا تصوّر للناس بصورة عليّ وهذا ما لا انفصال لهم عنه والحمد لله على ذلك

ذكر الباقرية منهم ـ هؤلاء قوم ساقوا الإمامة من عليّ ابن ابى طالب رضى الله عنه فى اولاده الى محمد بن عليّ المعروف بالباقر وقالوا انّ عليّا نصّ على إمامة ابنه الحسن ونصّ الحسن على إمامة اخيه الحسين ونصّ الحسين على إمامة ابنه عليّ بن الحسين زين العابدين ونصّ زين العابدين على إمامة محمد بن عليّ المعروف بالباقر وزعموا انه هو المهدىّ المنتظر بما روى أن النبىّ عليه‌السلام قال لجابر بن عبد الله الانصارىّ انك تلقاه فاقرأه متى السلام وكان جابر آخر من مات بالمدينة من الصحابة وكان قد عمى فى آخر عمره وكان يمشى فى المدينة ويقول يا باقر يا باقر متى ألقاك فمرّ يوما فى بعض سكك المدينة

(*)

انّ جعفرا نصب ابنه إسماعيل للإمامة بعده فلما مات اسماعيل فى حياة أبيه علمنا أنه إنما نصب ابنه اسماعيل للدلالة على إمامة ابنه محمد بن إسماعيل والى هذا القول مالت الاسماعيلية من الباطنية وسنذكرهم فى فرق الغلاة بعد هذا

ذكر الموسوية منهم. هؤلاء الذين ساقوا الإمامة الى جعفر ، ثم زعموا أن الإمام بعد جعفر كان ابنه موسى بن جعفر ، وزعموا أن موسى بن جعفر حىّ لم يمت وانه هو المهديّ المنتظر ، وقالوا إنه دخل دار الرشيد ولم يخرج منها. وقد علمنا إمامته وشككنا فى موته فلا نحكم فى موته إلّا بيقين. فقيل لهذه الفرقة الموسوية اذا شككتم فى حياته وموته فشكّوا فى إمامته ولا تقطعوا القول بانه باق وانه هو المهدىّ المنتظر هذا مع علمكم بأن مشهد موسى بن جعفر معروف فى الجانب الغربى من بغداد يزار. ويقال لهذه الفرقة موسوية لانتظارها موسى بن جعفر ويقال لها الممطورة أيضا لان يونس بن عبد الرحمن القمىّ كان من القطيعية وناظر بعض الموسوية فقال فى بعض كلامه انتم أهون على عينى من الكلاب الممطورة

__________________

(*) (ملاحظة) الورقة رقم ١٩ مفقودة من الاصل وقد ذكر ذلك فى (كتالوج) برلين ولذا لزم التنبيه

ذكر المباركية. هؤلاء يريدون الإمامة فى ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر كدعوى الباطنية فيه وقد ذكر أصحاب الانساب فى كتبهم أن محمد بن إسماعيل بن جعفر مات ولم يعقّب

ذكر القطيعية منهم ـ هؤلاء ساقوا الإمامة من جعفر الصادق الى ابنه موسى وقطعوا بموت موسى وزعموا أن الإمام بعده سبط محمد بن الحسن الّذي هو سبط عليّ بن موسى الرضا. ويقال لهم الاثنا عشرية أيضا لدعواهم أن الإمام المنتظر هو الثانى عشر من نسبه الى عليّ بن أبى طالب رضى الله عنه واختلفوا فى سن هذا الثانى عشر عند موت ابنه. فمنهم من قال كان ابن أربع سنين. ومنهم من قال كان ابن ثمانى سنين واختلفوا فى حكمه فى ذلك الوقت. فمنهم من زعم أنه فى ذلك الوقت كان إماما عالما بجميع ما يجب أن يعلمه الإمام وكان مفروض الطاعة على الناس. ومنهم من قال كان فى ذلك الوقت إماما على معنى ان الإمام لا يكون غيره. وكانت الاحكام يومئذ الى العلماء من اهل مذهبه الى أوان بلوغه فلما بلغ تحققت إمامته ووجبت طاعته وهو الآن الإمام الواجب طاعته وان كان غائبا

ذكر الهشامية منهم ـ هؤلاء فرقتان فرقة تنسب الى هشام ابن الحكم الرافض والفرقة الثانية تنسب الى هشام بن سالم

الجواليقى وكلتا الفرقتان قد ضمّت الى خيرتها فى الامامة ضلالتها فى التجسيم وبدعتها فى التشبيه

ذكر قول هشام بن الحكم ـ زعم هشام بن الحكم ان معبوده جسم ذو حدّ ونهاية وانه طويل عريض عميق وأنّ طوله مثل عرضه مثل عمقه ولم يثبت طولا غير الطويل ولا عرضا غير العريض. وقال ليس ذهابه فى جهة الطول أزيد على ذهابه فى جهة العرض وزعم أيضا أنه نور ساطع يتلألأ كالسبيكة الصافية من الفضة وكاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها. وزعم أيضا أنه ذو لون وطعم ورائحته ومجسّة وان لونه هو طعمه وطعمه هو رائحته ورائحته هو مجسّته ولم يثبت لونا وطعما هما نفسه بل زعم انه هو اللون وهو الطعم. ثم قال قد كان الله ولا مكان ثم خلق المكان بان تحرّك فحدث مكانه بحركته فصار فيه ومكانه هو العرش

وحكى بعضهم عن هشام أن قال فى معبوده أنه سبعة اشبار بشبر نفسه كأنه قاسه على الانسان لأن كل انسان فى الغالب من العادة سبعة اشبار بشبر نفسه

وذكر ابو الهذيل فى بعض كتبه انه لقى هشام بن الحكم في مكة عند جبل أبى قبيس فسأله أيّهما أكبر معبوده أم هذا الجبل؟ قال فاشار الى ان الجبل يوفى عليه تعالى ان الجبل أعظم منه

وحكى ابن الرّاوندي في بعض كتبه عن هشام أنه قال بين الله وبين الاجسام المحسوسة تشابه من بعض الوجوه لو لا ذلك ما دلت عليه

وذكر الجاحظ في بعض كتبه عن هشام انه قال انّ الله عزوجل انما يعلم ما تحت الثرى بالشعاع المتصل منه والذاهب فى عمق الأرض. وقالوا لو لا مماسة شعاعه لما وراء الاجسام السائرة لما رأى ما وراءها ولا علمها. وذكر أبو عيسى الورّاق فى كتابه أنّ بعض أصحاب هشام أجابه الى أنّ الله عزوجل مماس لعرشه لا يفصل عن العرش ولا يفصل العرش عنه. وقد روى أنّ هشاما مع ضلالته فى التوحيد ضلّ فى صفات الله أيضا فأحال القول بأنّ الله لم يزل عالما بالاشياء وزعم أنه علم الأشياء بعد أن لم يكن عالما بها بعلم وان العلم صفة له ليست هى هو ولا غيره ولا بعضه قال ولا يقال لعلمه انه قديم ولا محدث لانه صفة وزعم ان الصفة لا توصف. وقال أيضا فى قدرة الله وسمعه وبصره وحياته وإرادته انها لا قديمة ولا محدثة لان الصفة لا توصف وقال فيها انها هى هو ولا غيره. وقال أيضا لو كان لم يزل عالما بالمعلومات لكانت المعلومات أزلية لانه لا يصح عالم الّا بمعلوم موجود كأنه أحال تعلق العلم بالمعدوم

وقال أيضا لو كان عالما بما يفعله عباده قبل وقوع الافعال منهم لم يصح منه الّا اختيار العباد وتكليفهم. وكان هشام يقول فى القرآن انه لا خالق ولا مخلوق ولا يقال انه غير مخلوق لانه صفة والصفة لا توصف عنده. واختلفت الرواية عنه فى أفعال العباد فروى عنه انها مخلوقة لله عزوجل وروى عنه انها معان وليست باشياء ولا أجسام لان الشيء عنده لا يكون إلا جسما. وكان هشام يجيز على الأنبياء العصيان مع قوله بعصمة الائمة من (١) الذنوب وزعم ان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عصى ربّه عزوجل فى أخذ الفداء من أسارى بدر غير ان الله عزوجل عفى عنه وتأول على ذلك قول الله تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) وفرق فى ذلك بين النبي والإمام بانّ النبي إذا عصى اتاه الوحى بالتنبيه على خطاياه والإمام لا ينزل عليه الوحى فيجب أن يكون معصوما عن المعصية. وكان هشام على مذهب الإمامية فى الامامة وأكفره سائر الامامية باجازته المعصية على الأنبياء وكان هشام يقول بنفى نهاية أجزاء الجسم وعنه أخذ النظام إبطال الجزء الّذي لا يتجزى

وحكى زرقان عنه فى مقالته أنه قال بمداخلة الاجسام بعضها

__________________

(١) الاصل مع

فى بعض كما أجاز النظّام تداخل الجسمين اللطيفين فى حيّز واحد

وحكى عنه زرقان انه قال : الانسان شيئان بدن وروح والبدن موات والروح حسّاسة مدركة فاعلة وهى نور من الانوار : وقال هشام فى سبيل الزلزلة. ان الارض مركبة من طبائع مختلفة يمسك بعضها بعضا فاذا ضعفت طبيعة منها غلبت الاخرى فكانت الزلزلة فان ازدادت الطبيعة ضعفا كان الخسف

وحكى زرقان عنه أنه أجاز المشى على الماء لغير نبىّ مع قوله بأنه لا يجوز ظهور الاعلام المعجزة على غير نبىّ

ذكر هشام بن سالم الجواليقى ـ هذا الجواليقى مع رفضه على مذهب الامامية مفرط فى التجسيم والتشبيه لانه زعم ان معبوده على صورة الانسان ولكنه ليس بلحم ولا دم بل هو نور ساطع بياضا. وزعم انه ذو حواس خمس كحواس الانسان وله يد ورجل وعين وأذن وأنف وفم وانه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة وأن نصفه الأعلى مجوّف ونصفه الاسفل مصمت وحكى ابو عيسى الورّاق أنه زعم أن لمعبوده وفرة سوداء وانه نور أسود وباقيه نور أبيض

وحكى شيخنا أبو الحسن الاشعرىّ فى مقالاته أنّ هشام بن سالم قال فى إرادة الله تعالى بمثل قول هشام بن الحكم فيها وهى

أن ارادته حركة وهى معنى لا هى الله ولا غيره وان الله تعالى اذا أراد شيئا تحرك فكان ما أراد قال. ووافقهما أبو مالك الحضرمىّ وعليّ بن ميثم وهما من شيوخ الروافض ان إرادة الله تعالى حركة غير انهما قالا إن إرادة الله تعالى غير

وحكى أيضا عن الجواليقى أنه قال فى أفعال العباد أنها أجسام لانه لا شيء فى العالم إلا الاجسام وأجاز ان يفعل العباد الاجسام وروى مثل هذا القول عن شيطان الطاق أيضا

ذكر الزرارية منهم. هؤلاء اتباع عليّ زرارة بن أعين وكان على مذهب الفطحية القائلين بامامة عبد الله بن جعفر ثم انتقل الى مذهب الموسوية وبدعته المنسوبة إليه قوله بان الله عزوجل لم يكن حيّا ولا قادرا ولا سميعا ولا بصيرا ولا عالما ولا مريدا حتى خلق لنفسه حياة وقدرة وعلما وإرادة وسمعا وبصرا فصار بعد أن خلق لنفسه هذه الصفات حيّا قادرا عالما مريدا سميعا بصيرا. وعلى منوال هذا الضال نسجت القدرية البصرية بحدوث الله وحدوث كلامه وعليه نسجت الكرامية قولها بحدوث قول الله وإرادته وإدراكاته

ذكر اليونسية منهم. هؤلاء اتباع يونس بن عبد الرحمن القمّى وكان فى الامامية على مذهب القطيعية الذين قطعوا بموت

موسى بن جعفر وهو الّذي لقّب الواقفة فى موت موسى بالكلاب الممطورة وأفرط يونس هذا فى باب التشبيه فزعم ان الله عزوجل يحمله حملة عرشه وهو أقوى منهم كما ان الكرسىّ يحمله رجلاه وهو أقوى من رجليه واستدلّ على أنه محمول بقوله (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) وقال اصحابنا الآية دلالة على ان العرش هو المحمول دون الربّ تعالى

ذكر الشيطانية منهم. هؤلاء أتباع محمد بن النعمان الرافضىّ الملقب بشيطان الطاق الى ابنه موسى وقطع بموت موسى وانتظر بعض أسباطه وشارك هشام بن سالم الجواليقى فى دعواهما أن أفعال العباد أجسام وأن العبد يصحّ أن يفعل الجسم وشارك هشام بن الحكم وتكليفهم وزعم أيضا أن الله تعالى إنما يعلم الاشياء اذا قدّرها وأرادها ولا يكون قبل تقديره الاشياء عالما بها

قال عبد القاهر قد ذكرنا فى هذا الفصل فرق الرفض بين الزيدية والكيسانية والامامية. والكيسانية منهم اليوم مغمورون فى غمار أخلاط الزيدية والإمامية وبين الزيدية والامامية منهم معاداة تورث تضليل بعضهم بعضا وقال بعض شعراء الإمامية يهجى الزيدية

يا ايّها الزيدية المهملة

إمامكم ذا آفة مرسله

يا ضماث الحق تبّا لكم

غصتم فاخرجتم لنا جندله

فاجابه شاعر الزيدية

إمامنا منتصب قائم

لا كالذى يطلب بالعربله

كل إمام لا يرى جهرة

ليس يساوى عندنا خردله

قال عبد القاهر قد أجبنا الفريقين عن شعرهما بقولنا

يا أيّها الرافضة المبطلة

دعواكم من أصلها مبطله

إمامكم ان غاب فى ظلمة

فاستدركوا الغائب بالمشعلة

أو كان مغمورا باغماركم

فاستخرجوا المغمور بالغربله

لكن إمام الحق فى قولنا

من سنة أو أيّة منزله

وفيهما للمهتدى مقنع

كفى بهذين لنا منزله

الفصل الثانى

(من فصول هذا الباب فى بيان مقالات فرق الخوارج)

قد ذكرنا قبل هذا أنّ الخوارج عشرون فرقة وهذه اسماؤها. المحكّمة الاولى. الأزارقة. والنجدات. والصّفرية. ثم العجاردة المفترقة فرقا منها الخازمية. والشعيبية. والمعلومية. والمجهولية.

وأصحاب طاعة لا يراد الله تعالى بها والصلتية. والاخنسية. والشّيبية. والشّيبانية. والمعبدية. والرشيدية. والمكرمية. والخمرية. والشمراخية. والابراهيمية. والواقفة. والاباضية منهم افترقت فرقا معظمها فريقان حفصية وحادثية فأما اليزيدية من الأباضية والميمونية من العجاردة فانهما فرقتان من غلاة الكفرة الخارجين عن فرق الامة وسنذكرهما فى باب ذكر فرق الغلاة بعد هذا ان شاء الله عزوجل. وقد اختلفوا فيما يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها فذكر الكعبىّ فى مقالاته أن الّذي يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها إكفار عليّ وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل وكل من رضى بتحكيم الحكمين والإكفار بارتكاب الذنوب ووجوب الخروج على الإمام الجائر. وقال شيخنا أبو الحسن الّذي يجمعها إكفار عليّ وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن رضى بالتحكيم وصوّب الحكمين او أحدهما ووجوب الخروج على السلطان الجائر ولم يرض ما حكاه الكعبىّ من إجماعهم على تكفير مرتكبى الذنوب. الصواب ما حكاه شيخنا أبو الحسن عنهم وقد أخطأ الكعبىّ فى دعواه إجماع الخوارج على تكفير مرتكبى الذنوب منهم. وذلك ان النجدات من الخوارج لا يكفّرون أصحاب الحدود من موافقتهم وقد قال قوم من الخوارج ان

التكفير انما يكون بالذنوب التى ليس فيها وعيد مخصوص فاما الّذي فيه حدّ او عيد فى القرآن فلا يزاد صاحبه على الاسم الّذي ورد فيه مثل تسميته زانيا وسارقا ونحو ذلك. وقد قالت النجدات إن صاحب الكبيرة من موافقتهم كافر نعمة وليس فيه كفر دين وفى هذا بيان خطإ الكعبىّ فى حكايته عن جميع الخوارج تكفير أصحاب الذنوب كلهم منهم ومن غيرهم. وانما الصواب فيما يجمع الخوارج كلها ما حكاه شيخنا الحسن رحمه‌الله من تكفيرهم عليا وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن صوّبهما او صوّب احدهما أو رضى بالتحكيم ونذكر الآن تفصيل كل فرقة منهم إن شاء الله عزوجل

ذكر المحكّمة الأولى منهم ـ يقال للخوارج محكّمة وشراة واختلفوا فى اوّل من تشرّى منهم فقيل عروة بن حدير أخو مرادس الخارجىّ وقيل اولهم يزيد بن عاصم المحاربيّ وقيل رجل من ربيعة من بنى يشكر كان مع عليّ بصفّين فلما رأى اتفاق الفريقين على الحكمين استوى على فرسه وحمل على أصحاب معاوية وقتل منهم رجلا وحمل على أصحاب عليّ وقتل منهم رجلا ثم نادى بأعلى صوته. ألا إنى قد خلعت عليّا ومعاوية وبرئت من حكمهما ثم قاتل أصحاب عليّ حتى قتله قوم من همذان ثم إن

الخوارج بعد رجوع عليّ من صفّين الى الكوفة انحازوا الى حرورا وهم يومئذ اثنا عشر ألفا ولذلك سميت الخوارج حرورية وزعيمهم يومئذ عبد الله بن كوّاء وشبت بن ربعى وخرج إليهم عليّ وناظرهم ووضحت حجته عليهم فاستأمن إليه ابن الكوّاء مع عشرة من الفرسان وانحاز الباقون منهم الى النهروان وأمّروا على أنفسهم رجلين. أحدهما عبد الله بن وهب الراسبىّ والآخر حرقوص بن زهير البجليّ العرنى المعروف بذى الثدية والتقوا فى طريقهم الى نهروان برجل رأوه يهرب منهم فأحاطوا به وقالوا له من أنت؟ قال أنا عبد الله بن حباب بن الأرتّ. فقالوا له حدّثنا حديثا سمعته عن أبيك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال (٢٣ ب) سمعت أبى يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشى والماشى خير من الساعى فمن استطاع ان يكون فيها مقتولا فلا يكوننّ قاتلا. فشدّ عليه رجل من الخوارج يقال له مسمع بن قدلى بسيفه فقتله فجرى دمه فوق ماء النهر كالشراك الى الجانب الآخر ثم إنهم دخلوا منزله وكان فى القرية التى قتلوه على بابها فقتلوا ولده وجاريته أم ولده ثم عسكروا بنهروان وانتهى خبرهم الى عليّ رضى الله عنه فسار إليهم فى أربعة ألف من أصحابه وبين

يديه عدىّ بن حاتم الطائىّ وهو يقول

نسير اذا ما كاع قوم وبلّدوا

برايات صدق كالنسور الخوافق

الى شرّ قوم من شراة تحزّبوا

وعادوا إله الناس رب المشارق

طغاة عماة مارقين عن الهدى

وكلّ ينفى قوله غير صادق

وفينا عليّ ذو المعالى يقودنا

إليهم جهارا بالسيوف البوارق

فلما قرب عليّ منهم أرسل إليهم عليّ أن سلّموا قاتل عبد الله ابن حبّاب فأرسلوا إليه. إنّا كلنا قتله ولئن ظفرنا بك قتلناك فاتاهم عليّ فى جيشه وبرزوا إليه بجمعهم فقال لهم قبل القتال ما ذا نقمتم منى؟ فقالوا له أوّل ما نقمنا منك أنا قاتلنا بين يديك يوم الجمل فلما انهزم أصحاب الجمل أبحت لنا ما وجدنا فى عسكرهم من المال ومنعتنا من سبى نسائهم وذراريهم (٢٤ ا) فكيف استحللت مالهم دون النساء والذرّية؟! فقال إنما أبحت لكم أموالهم بدلا عما كانوا أغاروا عليه من بيت مال البصرة قبل قدومى عليهم. والنساء والذرية لم يقاتلونا وكان لهم حكم الاسلام بحكم دار الاسلام ولم يكن منهم ردّة عن الاسلام ولا يجوز استرقاق من لم يكفر. وبعد لو أبحت لكم النساء أيّكم يأخذ عائشة فى سهمه؟ فخجل القوم من هذا ثم قالوا له. نقمنا عليك محو إمرة امير المؤمنين على اسمك فى الكتاب بينك وبين معاوية لما نازعك معاوية فى ذلك

فقال. فعلت مثل ما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبية حين قال له سهيل بن عمرو. لو علمت انك رسول الله لما نازعتك ولكن اكتب باسمك واسم ابيك فكتب (هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو) وأخبرنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان لى منهم يوما مثل ذلك فكانت قصتى فى هذا مع الأبناء قصة رسول الله عليه‌السلام مع الآباء فقالوا له فلم قلت للحكمين إن كنت اهلا للخلافة فأثبتانى فإن كنت فى شكّ من خلافتك فغيرك بالشّك فيك اولى فقال إنما أردت بذلك النّصفة (١) لمعاوية ولو قلت للحكمين احكما لى بالخلافة لم يرض بذلك معاوية. وقد دعا رسول الله عليه‌السلام نصارى نجران الى المباهلة وقال لهم : تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين : فانصفهم بذلك عن نفسه (٢٤ ب) ولو قال. ابتهل فاجعل لعنة الله عليكم لم يرض النصارى بذلك. لذلك أنصفت انا معاوية من نفسى ولم أدر غدر عمرو بن العاص قالوا. فلم حكمت الحكمين فى حقّ كان لك فقال وجدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد حكّم سعد بن معاذ فى بنى قريظة ولو شاء لم يفعل وأقمت انا أيضا حكما لكن حكم رسول الله عليه

__________________

(١) النصفة. اسم من الانصاف

السلام حكم بالعدل وحكمى خدع حتى كان من الامر ما كان فهل عندكم شيء سوى هذا فسكت القوم وقال اكثرهم صدق والله وقالوا التوبة واستأمن إليه منهم يومئذ ثمانية الف وانفرد منهم أربعة آلاف بقتاله مع عبد الله بن وهب الراسبىّ وحرقوص بن زهير البجلي وقال عليّ للذين استأمنوا إليه. اعتزلونى فى هذا اليوم. وقاتل الخوارج بالذين قدموا معه من الكوفة وقال لاصحابه قاتلوهم فو الّذي نفسى بيده لا يقتل منا عشرة ولا ينجو عشرة منهم فقتل من أصحاب عليّ يومئذ تسعة وهم دويبية بن وبرة البجلي وسعد بن مجالد السبيعي وعبد الله بن حمّاد الجهيرى ورقانة بن وائل الارجى والفياض بن خليل الازدى وكبسوم بن سلمة الجهنى وعتبة بن عبيد الخولانى وجميع بن جشم الكندى وحبيب بن عاصم الأودى قتل هؤلاء التسعة تحت راية عليّ رضى الله عنه فحسب. وبرز حرقوص بن زهير الى عليّ وقال يا بن أبى طالب والله لا نريد بقتالك إلا وجه الله والدار الآخرة وقال له عليّ بل مثلكم كما قال الله عزوجل (هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) (٢٥ ا) (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) منهم أنتم وربّ الكعبة ثم حمل عليهم فى أصحابه وقتل عبد الله بن وهب فى المبارزة وصرع ذو الثدية عن فرسه

وقتلت الخوارج يومئذ فلم يفلت منهم غير تسعة أنفس صار منهم رجلان الى سجستان. ومن اتباعهما خوارج سجستان ورجلان صارا الى اليمن. ومن أتباعهما أباضية اليمن ورجلان صارا الى عمان ومن اتباعهما خوارج عمان ورجلان صارا الى ناحية الجزيرة. ومن اتباعهما كان خوارج الجزيرة ورجل منهم صار الى تلّ مورون وقال عليّ لاصحابه يومئذ. اطلبوا ذا الثدية فوجدوه تحت دالية ورأوا تحت يده عند الابط مثل ثدى المرأة فقال صدق الله ورسوله وأمر فقتل فهذه قصة المحكّمة الاولى. وكان دينهم اكفار عليّ وعثمان وأصحاب الجمل ومعاوية واصحابه والحكمين ومن رضى بالتحكيم وإكفار كلّ ذى ذنب ومعصية ثم خرج على عليّ بعد ذلك من الخوارج جماعة كانوا على رأي المحكمة الاولى منهم أشرس بن عوف وخرج عليه بالأنبار وغلفة التيمى من تيم عدىّ خرج عليه بماسيذان والاشهب بن بشر العرنى خرج عليه بحرجرايا وسعد بن قفل خرج عليه بالمدائن وابو مريم السعديّ خرج عليه فى سواد الكوفة فاخرج عليّ الى كلّ واحد منهم جيشا مع قائد حتى قتلوا أولئك الخوارج ثم قتل عليّ رضى الله عنه فى تلك السنة فى شهر رمضان سنة ثمانى وثلاثين من الهجرة فلما استوت الولاية لمعاوية خرج عليه وعلى من بعده الى

زمان الازارقة (٢٥ ب) قوم كانوا على رأى المحكّمة الأولى منهم عبد الله بن جوشا الطائىّ خرج على معاوية بالنخيلة من سواد الكوفة فأخرج معاوية إليه اهل الكوفة حتى قتلوا اولئك الخوارج ثمّ خرج عليه حوثرة بن وداع الأسدىّ وكان من المستأمنين الى عليّ يوم النهروان فى سنة احدى وأربعين ثم خرج قروة بن نوفل الأشجعىّ والمستورد بن علقمة التميمي على المغيرة بن شعبة وهو يومئذ امير الكوفة من قبل معاوية فقتلا فى حربه ثم خرج معاذ بن جرير على المغيرة فقتل فى حربه ثم خرج زياد بن خرّاش العجلى على زياد بن أبيه فقتل فى حربه وخرج قريب بن مرّة على عبيد الله بن زياد وخرج عليه أيضا زحاف بن رحر الطائى واستعرضا الناس فى الطريق بالسيف فأخرج بن زياد إليهما بعباد بن الحصين الحيطى فى جيش فقتلوا اولئك الخوارج فهؤلاء هم الخوارج الذين عاونوا على المحكمة الاولى قبل فتنة الأزارقة والله اعلم

ذكر الأزارقة منهم ـ هؤلاء نافع بن الازرق الحنفى المكنّى بأبى راشد ولم تكن للخوارج قط فرقة اكثر عددا ولا أشدّ منهم شوكة والّذي جمعهم من الدين أشياء منها قولهم بأن مخالفيهم من هذه الامة مشركون. وكانت المحكمة الاولى يقولون

إنهم كفرة لا مشركون ومنها قولهم إنّ القعدة ممن كان على رأيهم عن الهجرة إليهم مشركون وإن كانوا على رأيهم. وكانت المحكمة الاولى لا يكفّرون القعدة عنهم اذا كانوا على رأيهم. ومنها أنهم أوجبوا امتحان من قصد عسكرهم (٢٦ ا) إذا ادّعى أنه منهم أن يدفع إليه اسير من مخالفيهم وأمروه بقتله فإن قتله صدّقوه فى دعواه أنه منهم وان لم يقتله قالوا هذا منافق ومشرك وقتلوه. ومنها أنهم استباحوا قتل نساء مخالفيهم وقتل أطفالهم وزعموا أن الاطفال مشركون وقطعوا بأن أطفال مخالفيهم مخلّدون فى النار واختلفوا فى أول من أحدث ما انفردت الأزارقة به من إكفار القعدة عنهم ومن امتحان من قصد عسكرهم فمنهم من زعم أن أوّل من أحدث ذلك منهم عبد ربه الكبير ومنهم من قال عبد ربه الصغير ومنهم من قال أول من قال ذلك رجل منهم اسمه عبد الله ابن الوضين وخالف نافع بن الأزرق فى ذلك واستتابه منه فلما مات ابن الوضين رجع نافع واتباعه الى قوله وقالوا. كان الصواب معه ولم يكفّر نافع نفسه بخلافه إياه حين خالفه وأكفر من يخالفه بعد ذلك ولم يتبرّأ من المحكمة الاولى فى تركهم إكفار القعدة عنهم وقال ان هذا شيء ما زلنا دونهم وأكفر من يخالفهم بعد ذلك فى اكفار القعدة عنهم وزعم نافع واتباعه أن دار مخالفيهم دار كفر

ويجوز فيها قتل الأطفال والنساء وأنكرت الأزارقة الرجم واستحلّوا كفر الأمانة التى أمر الله تعالى بأدائها وقالوا. ان مخالفينا مشركون فلا يلزمنا إذا امانتنا إليهم ولم يقيموا الحدّ على قاذف الرجل المحصن وأقاموه على قاذف المحصنات من النساء وقطعوا يد السارق فى القليل والكثير ولم يعتبروا فى السرقة نصابا وأكفرتهم الأمة فى هذه البدع التى (٢٦ ب) أحدثوها بعد كفرهم الّذي شاركوا فيه المحكمة الاولى فباءوا بكفر على كفر كمن باء بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين. ثم الازارقة بعد اجتماعها على البدع التى حكيناها عنهم بايعوا نافع بن الازرق وسمّوه أمير المؤمنين وانضمّ إليهم خوارج عمان واليمان فصاروا اكثر من عشرين ألفا واستولوا على الأهواز وما وراءها من أرض فارس وكرمان وجبوا خراجها. وعامل البصرة يومئذ عبد الله بن الحرث الخزاعىّ من قبل عبد الله بن الزبير فأخرج عبد الله بن الحرث جيشا مع مسلم بن عبس بن كريز بن حبيب بن عبد شمس لحرب الأزارقة فاقتتل الفريقان بدولاب الاهواز فقتل مسلم ابن عبس وأكثر أصحابه فخرج الى حربهم من البصرة عثمان ابن عبيد الله بن معمر التميمى فى ألفى فارس فهزمته الازارقة فخرج إليهم حارثة بن بدر الفدانى فى ثلاثة آلاف من جند البصرة

فهزمتهم الازارقة فكتب عبد الله بن الزبير من مكة الى المهلّب ابن أبى صفرة وهو يومئذ بخراسان يأمره بحرب الازارقة وولّاه ذلك فرجع المهلّب الى البصرة وانتخب من جندها عشرة آلاف وانضمّ إليه قومه من الأزد فصار فى عشرين ألفا وخرج وقاتل الأزارقة وهزمهم عن دولاب الأهواز إلى الأهواز ومات نافع ابن الأزرق فى تلك الهزيمة وبايعت الأزارقة بعده عبيد الله بن مأمون التميمى وقاتلهم المهلب بعد ذلك بالاهواز فقتل عبيد الله بن مأمون فى تلك الواقعة وقتل (٢٧ ا) أيضا أخوه عثمان بن مأمون مع ثلاثمائة من أشدّ الأزارقة وانهزم الباقون منهم الى ايدج وبايعوا قطرىّ بن الفجاءة وسمّوه أمير المؤمنين. وقاتلهم المهلّب بعد ذلك حروبا كانت سجالا وانهزمت الأزارقة فى آخرها الى سابور من أرض فارس وجعلوها دار هجرتهم وثبت المهلّب وبنوه وأتباعهم على قتالهم تسع عشرة سنة بعضها فى أيام عبد الله بن الزبير وباقيها فى زمان خلافة عبد الملك بن مروان وولاية الحجاج على العراق وقرر الحجاج المهلّب على حرب الازارقة فدامت الحرب فى تلك السنين بين المهلّب وبين الازارقة كرّا وفرّا فيما بين فارس والاهواز الى أن وقع الخلاف بين الازارقة ففارق عبد ربّه الكبير قطريّا وصار الى واد بجيرفت كرمين فى سبعة آلاف رجل وفارقه

عبد ربّه الصغير فى أربعة آلاف وصار الى ناحية اخرى من كرمان وبقى قطرىّ فى بضعة عشر ألف رجل بأرض فارس وقاتله المهلّب بها وهزمه الى أرض كرمان وتبعه وقاتله بأرض كرمان وهزمه منها الى الرّىّ. ثم قاتل عبد ربّه الكبير فقتله وبعث بابنه يزيد بن المهلّب الى عبد ربّه الصغير فأتى عليه وعلى أصحابه. وبعث الحجاج سفين بن الأبرد الكلبىّ فى جيش كثيف الى قطرى بعد أن انحاز من الرىّ الى طبرستان فقتلوه بها وأنفذوا برأسه الى الحجاج وكان عبيدة بن هلال اليشكري قد فارق قطريّا وانحاز الى قومس فتبعه سفين بن الابرد وحاصره فى حصن قومس الى ان قتله وقتل اتباعه وطهّر الله بذلك الأرض (٢٧ ب) من الازارقة والحمد لله على ذلك

ذكر النجدات منهم ـ هؤلاء اتباع نجدة بن عامر الحنفى وكان السبب فى رئاسته وزعامته أن نافع بن الازرق لما أظهر البراءة من القعدة عنه ان كانوا على رأيه وسمّاهم مشركين واستحلّ قتل أطفال مخالفيه ونسائهم وفارقه أبو قديل وعطية الحنفى وراشد الطويل ومقلاص وأيوب الأزرق وجماعة من اتباعهم وذهبوا الى اليمامة فاستقبلهم نجدة بن عامر فى جند من الخوارج يريدون اللحوق بعسكر نافع فاخبروهم بأحداث نافع وردّوهم الى اليمامة

وبايعوا بها نجدة بن عامر وأكفروا من قال بإكفار القعدة منهم عن الهجرة إليهم وأكفروا من قال بإمامة نافع وأقاموا على إمامة نجدة الى أن اختلفوا عليه فى امور نقموها منه فلما اختلفوا عليه صاروا ثلاث فرق. فرقة صارت مع عطية بن الأسود الحنفى الى سجستان وتبعهم خوارج سجستان ولهذا قيل لخوارج سجستان فى ذلك الوقت عطوية. وفرقة صارت مع أبى قديل حربا على نجدة وهم الذين قتلوا نجدة. وفرقة غدروا نجدة فى احداثه وأقاموا على إمامته. والّذي نقمه على نجدة اتباعه أشياء منها انه بعث جيشا فى غزو البرّ وجيشا فى غزو البحر ففضّل الذين بعثهم فى البرّ على الذين بعثهم فى البحر فى الرزق والعطاء. ومنها أنه بعث جيشا فأغاروا على مدينة الرسول عليه‌السلام وأصابوا منها جارية من بنات عثمان بن عفان (٢٨ ا) فكتب إليه عبد الملك فى شأنها فاشتراها من الّذي كانت فى يديه وردّها الى عبد الملك بن مروان فقالوا له إنك رددت جارية لنا على عدوّنا. ومنها أنه عذر أهل الخطأ فى الاجتهاد بالجهالات وكان السبب فى ذلك أنه بعث ابنه المطرح مع جند من عسكره الى القطيف فأغاروا عليها وسبوا منها النساء والذّرّية وقوّموا النساء على أنفسهم ونكحوهنّ قبل إخراج الخمس من الغنيمة وقالوا ان دخلت النساء فى قسمنا فهو مرادنا وان زادت قيمهنّ على

نصيبنا من الغنيمة غرمنا الزيادة من أموالنا فلما رجعوا الى نجدة سألوه عما فعلوا من وطء النساء ومن أكل طعام الغنيمة قبل إخراج الخمس منها وقبل قسمة أربعة أخماسها بين الغانمين. فقال لهم لم يكن لكم ذلك فقالوا لم نعلم ان ذلك لا يحلّ لنا فعذرهم بالجهالة ثم قال. ان الدّين أمران. أحدهما معرفة الله تعالى ومعرفة رسله وتحريم دماء المسلمين وتحريم غصب أموال المسلمين والإقرار بما جاء من عند الله تعالى جملة. فهذا واجب معرفته على كل مكلف وما سواه فالناس معذورون بجهالته حتى يقيم عليه الحجة فى الحلال والحرام. فمن استحلّ باجتهاده شيئا محرما فهو معذور. ومن خاف العذاب على المجتهد المخطئ قبل قيام الحجة عليه فهو كافر. ومن بدع نجدة أيضا أنه تولى اصحاب الحدود من موافقيه وقال لعل الله يعذبهم بذنوبهم فى غير نار جهنم ثم يدخلهم الجنة وزعم أن النار يدخلها من خالفه فى دينه. ومن ضلالاته أيضا أنه (٢٨ ب) أسقط حدّ الخمر ومنها أيضا أنه قال. من نظر نظرة صغيرة او كذب كذبة صغيرة وأصرّ عليها فهو مشرك. ومن زنى وسرق وشرب الخمر غير مصرّ عليه فهو مسلم اذا كان من موافقيه على دينه فلما أحدث هذا الإحداث وعذر اتباعه بالجهالات استتابه أكثر أتباعه من إحداثه وقالوا له اخرج الى المسجد وتب من

إحداثك ففعل ذلك. ثم ان قوما منهم ندموا على استتابته وانضموا الى العاذرين له وقالوا له. أنت الإمام ولك الاجتهاد ولم يكن لنا ان نستتيبك فتب من توبتك واستتب الذين استتابوك وإلّا نابذناك. ففعل ذلك فافترق عليه أصحابه وخلعه اكثرهم وقالوا له. اختر لنا إماما فاختار أبا فديك وصار راشد الطويل مع أبى فديك يدا واحدة. فلما استولى أبو فديك على اليمامة علم ان أصحاب نجدة اذا عادوا من غزاوتهم أعادوا نجدة الى الإمارة فطلب عبده ليقتله فاختفى نجدة فى دار بعض عاذريه ينتظر رجوع عساكره الذين كان قد فرّقهم فى سواحل الشام ونواحى اليمن. ونادى منادى أبى فديك من دلّنا على نجدة فله عشرة آلاف درهم. وأى مملوك دلنا عليه فهو حرّ. فدلت عليه أمة للذين كان نجدة عندهم فأنفذ أبو فديك راشدا الطويل فى عسكر إليه فكبسوه وحملوا رأسه الى أبى فديك فلما قتل نجدة صارت النجدات بعده ثلاث فرق. فرقة أكفرته وصارت الى أبى فديك كراشد (٢٩ ا) الطويل وأبى بيهس وأبى الشمراخ واتباعهم. وفرقة عذرته (١) فيما فعل وهم النجدات اليوم. وفرقة من النجدات بعدوا عن اليمامة وكانوا بناحية البصرة شكّوا فيما حكى من احداث

__________________

(١) الاصل عذرتهم

نجدة توقفوا فى أمره وقالوا لا ندرى هل أحدث تلك الأحداث أم لا فلا نبرأ منه الّا باليقين. وبقى أبو فديك بعد قتل نجدة الى ان بعث إليه عبد الملك بن مروان يعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي فى جند فقتلوا أبا فديك وبعثوا برأسه الى عبد الملك بن مروان فهذه قصة النجدات

ذكر الصّفرية من الخوارج ـ هؤلاء اتباع زياد بن الأصفر. وقولهم في الجملة كقول الأزارقة في أن اصحاب الذنوب مشركون غير أن الصّفرية لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ونسائهم. والأزارقة يرون ذلك وقد زعمت فرقة من الصّفرية. أن ما كان من الأعمال عليه حدّ واقع لا يسمى صاحبه الّا بالاسم الموضوع له كزان وسارق وقاذف وقاتل عمد وليس صاحبه كافرا ولا مشركا. وكلّ ذنب ليس فيه حدّ كترك الصلاة والصوم فهو كفر وصاحبه كافر وان المواعن (كذا) المذنب اسم الايمان فى الوجهين جميعا. وفرقة ثالثة من الصّفرية قالت بقول من قال من البيهسية ان صاحب الذنب لا يحكم عليه بالكفر حتى يرفع الى الوالي فيحدّه. فصارت الصفرية على هذا التقدير ثلاث فرق. فرقة تزعم أنّ صاحب كل ذنب مشرك كما قالت الأزارقة. والثانية تزعم أن اسم الكفر واقع على صاحب دين ليس فيه حدّ والمحدود فى ذنبه خارج عن (٢٩ ب)

الايمان وغير داخل فى الكفر. والثالثة تزعم أن اسم الكفر يقع على صاحب الذنب اذا حدّه الوالى على ذنبه. وهذه الفرق الثلاث من الصفرية يخالفون الأزارقة فى الاطفال والنساء كما بيّنّاه قبل هذا. وكلّ الصفرية يقولون بموالاة عبد الله بن وهب الراسبى وحرقوص بن زهير واتباعهما من المحكمة الاولى ويقولون بإمامة ابى بلال مرداس الخارجى بعدهم وبإمامة عمران بن حطّان السدويسي بعد ابى بلال. فأما ابو بلال مرداس فإنه خرج فى أيام يزيد بن معاوية بناحية البصرة على عبيد الله بن زياد فبعث إليه عبيد الله بن زياد بزرعة بن مسلم العامرى فى ألفى فارس وكان زرعة يميل الى قول الخوارج فلما اصطفّ الفريقان للقتال قال زرعة لأبى بلال أنتم على الحق ولكنا نخاف من ابن زياد أن يسقط عطانا فلا بدّ لنا من قتالكم فقال له أبو بلال. وددت لو كنت قبلت فيكم قول أخى عروة فإنه اشار عليّ بالاستعراض لكم كما استعرض قريب وزحاف الناس فى طرقهم بالسيف ولكنى خالفتهما وخالفت أخى. ثم حمل ابو بلال وأتباعه على زرعة وجنده فهزموهم ثم إن عبيد الله بن زياد بعث إليه بعباد بن أخضر التميمى فقاتل أبا بلال بنوّج وقتله مع اتباعه فلما ورد على ابن زياد خبر قتل أبى بلال قتل من وجدهم بالبصرة من الصفرية وظفر بعروة

أخى مرداس فقال له يا عدوّ الله أشرت على أخيك مرداس بالاستعراض للناس فقد انتقم الله تعالى للناس منك (٣٠ ا) ومن أخيك ثم أمر به فقطّعت يداه ورجلاه وصلبه فلما قتل مرداس اتخذت الصفرية عمران بن حطّان إماما وهو الّذي رثى مرداسا بقصائد يقول فى بعضها.

أنكرت بعدك ما قد كنت اعرفه

ما الناس بعدك يا مرداس بالناس

وكان عمران بن حطّان هذا ناسكا شاعرا شديدا فى مذهب الصفرية وبلغ من خبثه فى غزوة عليّ رضى الله عنه أنه رثى عبد الرحمن بن ملجم وقال فى ضربه عليا

يا ضربة من منيب ما أراد بها

الّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنى لأذكره يوما فأحسبه

أو فى البرية عند الله ميزانا

قال عبد القاهر وقد أجبناه عن شعره هذا بقولنا

يا ضربة من كفور ما استفاد بها

إلا الجداء بما يصليه نيرانا

إنى لألعنه دينا وألعن من

يرجو له أبدا عفوا وغفرانا

وذاك ابن ملجم أشقى الناس كلهم

أخفهم عند رب الناس ميزانا

ذكر العجاردة من الخوارج ـ العجاردة كلها أتباع عبد الكريم بن عجرد وكان عبد الكريم من اتباع عطية بن الاسود الحنفى. وقد كانت العجاردة مفترقة عشر فرق يجمعها

القول بأن الطفل يدعى إذا بلغ وتجب البراءة منه قبل ذلك حتى يدعى الى الاسلام او يصفه هو. وفارقوا الازارقة فى شيء آخر وهو ان الازارقة استحلّت أموال مخالفيهم بكل حال. والعجاردة لا يرون أموال مخالفيهم فيئا الا بعد قتل صاحبه. فكانت العجاردة على هذه الجملة الى ان افترقت فرقها التى نذكرها بعد هذا

ذكر الخازمية منهم ـ هؤلاء أكثر عجاردة سجستان وقد قالوا فى باب القدر والاستطاعة والمشيئة بقول أهل السنّة. أن لا خالق إلّا الله ولا يكون إلا ما شاء الله. وأن الاستطاعة مع الفعل وأكفروا الميمونية الذين قالوا فى باب القدر والاستطاعة بقول القدرية المعتزلة عن الحق ثم إن الخازمية خالفوا أكثر الخوارج فى الولاية والعداوة وقالوا انهما صفتان لله تعالى. وإنّ الله عزوجل إنما يتولى العبد على ما هو صائر إليه من الايمان وإن كان فى أكثر عمره كافرا ويرى منه ما يصير إليه من الكفر فى آخر عمره وإن كان فى أكثر عمره مؤمنا. وان الله تعالى لم يزل محبّا لأوليائه ومبغضا لأعدائه وهذا القول منهم موافقا لقول أهل السنّة فى الموافاة غير ان أهل السنّة ألزموا الخازمية على قولها بالموافاة ان يكون عليّ وطلحة والزبير وعثمان من أهل الجنة لأنهم من أهل بيعة الرضوان الذين قال الله تعالى

فيهم (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (الفتح ١٧) وقالوا لهم. اذا كان الرضا من الله تعالى عن العبد انما يكون عن علم انه يموت على الايمان وجب ان يكون المبايعون تحت الشجرة على هذه الصفة وكان عليّ وطلحة والزبير منهم وكان عثمان يومئذ أسيرا فبايع له النبىّ عليه‌السلام وجعل يده بدلا عن يده وصحّ بهذا بطلان قول من أكفر هؤلاء الاربعة

ذكر الشّعيبية منهم ـ قول هؤلاء فى باب القدر والاستطاعة والمشيئة كقول الخازمية وانما ظهر ذكر الشّعيبية حين نازع زعيمهم المعروف بشعيب رجلا من الخوارج اسمه ميمون وكان السبب فى ذلك أنه كان لميمون على شعيب مال فتقاضاه فقال له شعيب أعطيكه ان شاء الله فقال له ميمون قد شاء الله ذلك الساعة فقال شعيب لو كان قد شاء ذلك لم أستطع ألّا أعطيكه فقال ميمون قد أمرك الله بذلك وكلّ ما أمر به فقد شاءه وما لم يشأ لم يأمر به فافترقت العجاردة عند ذلك. فتبع قوم شعيبا وتبع آخرون ميمونا وكتبوا فى ذلك الى عبد الكريم بن عجرد وهو يومئذ فى حبس السلطان فكتب فى جوابهم. إنما نقول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا نلحق بالله سوءا فوصل الجواب إليهم بعد موت ابن عجرد وادعى ميمون

أنه قال بقوله لأنه قال. لا نلحق بالله سوءا وقال شعيب بل قال بقولى لأنه قال نقول. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ومالت الخازمية وأكثر العجاردة الى شعيب ومالت الحمزية مع القدرية الى ميمون ثم زادت الميمونية على كفرها فى القدر نوعا من المجوسية فأباحوا نكاح بنات البنات وبنات البنين. ورأوا قتال السلطان ومن رضي بحكمه فرضا. فأما من أنكره فلا يرون قتله إلّا اذا أغار عليهم أو طعن فى دينهم أو كان دليلا للسلطان. وسنذكر الميمونية فى جملة فرق الغلاة الخارجين عن الملّة فى باب بعد هذا إن شاء الله عزوجل. وقد كان من جملة الميمونية رجل يقال له خلف. ثم أنه خالف الميمونية فى القدر والاستطاعة والمشيئة وقال فى هذه الثلاثة بقول أهل السنّة وتبعه على ذلك خوارج كرمان ومكرّان فيقال لهم الخلفية وهم الذين قاتلوا حمزة ابن اكرك الخارجىّ فى أرض كرمان

ذكر الخلفية منهم ـ هم أتباع خلف الّذي قاتل حمزة الخارجىّ. والخلفية لا يرون القتال إلّا مع إمام منهم. وقد كفّوا أيديهم عن القتال لفقدهم من يصلح للإمامة منهم. وصارت الخلفية الى قول الأزارقة فى شيء واحد. وهو دعواهم أن أطفال مخالفيهم فى النار

ذكر المعلومية والمجهولية منهم ـ هاتان فرقتان من جملة الخازمية ثم ان المعلومية منهما خالفت سلفها فى شيئين. أحدهما دعواها أنّ من لم يعرف الله تعالى بجميع أسمائه فهو جاهل به والجاهل به كافر. والثانى أنهم قالوا إنّ أفعال العباد غير مخلوقة لله تعالى. ولكنهم قالوا فى الاستطاعة والمشيئة بقول أهل السنّة فى أنّ الاستطاعة مع الفعل وأنه لا يكون إلّا ما شاء الله. وهذه الفرقة تدّعى إمامة من كان على دينها وخرج بسيفه على اعدائه من غير براءة منهم عن القعدة عنهم. وأما المجهولية منهم فقولهم كقول المعلومية غير أنهم قالوا من عرف الله ببعض اسمائه فقد عرفه وأكفروا المعلومية منهم فى هذا الباب

ذكر الصلتية منهم ـ هؤلاء منسوبون الى صلت بن عثمان وقيل صلت بن أبى الصلت. وكان من العجاردة غير أنه قال. إذا استجاب لنا الرجل وأسلم تولّيناه وبرئنا من أطفاله لأنه ليس لهم إسلام حتى يدركوا فيدعون حينئذ الى الاسلام فيقبلونه. وبإزاء هذه الفرقة فرقة أخرى وهى التاسعة من العجاردة زعموا أنه ليس لأطفال المؤمنين ولا لأطفال المشركين ولاية ولا عداوة حتى يدركوا فيدعوا الى الإسلام فيقبلوا او ينكروا

ذكر الحمزية منهم ـ هؤلاء اتباع حمزة بن أكرك الذي

عاث سجستان وخراسان ومكران وقهستان وكرمان وهزم الجيوش الكثيرة وكان فى الأصل من العجاردة الخازمية ثم خالفهم فى باب القدر والاستطاعة فقال فيهما بقول القدرية فأكفرته الخازمية فى ذلك. ثم زعم مع ذلك أنّ أطفال المشركين فى النار فأكفرته القدرية فى ذلك. ثم إنه والى القعدة من الخوارج مع قوله بتكفير من لا يوافقه على قتال مخالفيه من فرق هذه الامة مع قوله بأنهم مشركون. وكان اذا قاتل قوما وهزمهم أمر باحراق أموالهم وعقد دوابهم وكان مع ذلك يقتل الاسراء من مخالفيهم. وكان ظهوره فى أيام هارون الرشيد فى سنة تسع وسبعين ومائة. وبقى الناس فى فتنته الى أن مضى صدر من أيام خلافة المأمون ولما استولى على بعض البلدان جعل قاضيه أبا يحيى يوسف بن بشار وصاحب جيشه رجلا اسمه جيويه بن معبد وصاحب حرسه عمرو بن صاعد وكان معه جماعة من شعراء الخوارج كطلحة بن فهد وأبى الجلندى وأقرانهم. وبدأ بقتال البيهسية من الخوارج وقتل الكثير منهم فسمّوه عند ذلك أمير المؤمنين وقال الشاعر طلحة بن فهد فى ذلك

أمير المؤمنين على رشاد

وغير هداية نعم الأمير

امير يفضل الأمراء فضلا

كما فضل السها القمر المنير

ثم انّ حمزة أسرى سرية الى الخازمية من الخوارج بناحية فلجرد فقتل منهم مقتلة عظيمة. ثم قصد بنفسه هراة فمنعه اهلها من دخولها فاستعرض الناس خارج المدينة وقتل منهم الكثير فخرج إليه عمرو بن يزيد الازدىّ وهو يومئذ والى هراة مع جنده فدامت الحرب بينهم شهورا وقتل من ارض هراة جماعة وقتل من أصحاب هيصم الشاري. وكان داعية حمزة يدعو الناس الى ضلالته. ثم أغار حمزة على كروخ من رستاق هراة وأحرق أموالهم وعقر أشجارهم. ثم حارب عمرو بن يزيد الأزدىّ بقرب بوشنج وقتل عمر. ثم انتصب عليّ بن عيسى بن هاديان وهو يومئذ والى خراسان لحرب حمزة فانهزم منه الى ارض سجستان بعد ان قتل من قواده ستون رجلا سوى اتباعه فلما وصل الى سجستان منعه أهل زرنخ عن دخول البلد فاستعرض الناس بالسيف فى صحراء البلد. ثم تنكّر لأهل زرنخ بان ألبس أصحابه السواد يوهمهم انهم أصحاب السلطان وأنذرهم بذلك منذر فمنعوه من دخول البلدة فعقر نخلهم فى سوادهم وقتل المجتازين فى صحاريهم ثم قصد نهر شعبة وقتل بها الكثير من الخوارج الخلفية وعقر اشجارهم وأحرق أموالهم وانهزم منه رئيس للخلفية اسمه مسعود بن قيس وعبر فى هزيمته واديا وغرق فيه وشك أتباعه فى موته وهم ينتظرونه الى

اليوم ثم رجع حمزة من كرمان وأغار فى طريقه على رستاق بست من رساتيق نيسابور. وكان بها قوم من الخوارج الثعالبة فقتلهم حمزة ودامت فتنة بخراسان وكرمان وقهستان وسجستان الى آخر ايام الرشيد وصدر من خلافة المأمون لاشتغال جند أكثر خراسان بقتال رافع بن ليث بن نصر بن سيان على باب سمرقند. فلما تمكن المأمون من الخلافة كتب الى حمزة كتابا استدعاه فيه الى طاعته فما ازداد الا عتوّا فى امره. فبعث المأمون بطاهر بن الحسين لقتال حمزة فدارت بين طاهر وحمزة حروب قتل فيها من الفريقين مقدار ثلاثين ألفا أكثرهم من اتباع حمزة وانهزم فيها حمزة الى كرمان وأتى طاهر على القعدة عن حمزة ممن كان على رأيه وظفر بثلاثمائة منهم فأمر بشدّ كلّ رجل منهم بالحبال بين شجرتين قد جذبت رءوس بعضها الى بعض ثم قطّع الرجل بين الشجرتين فرجعت كل واحدة من الشجرتين بالنصف من بدن المشدود عليها. ثم ان المأمون استدعى طاهر بن الحسين من خراسان وبعث به الى منصبه فطمع حمزة فى خراسان فأقبل فى جيشه من كرمان فخرج إليه عبد الرحمن النيسابورىّ فى عشرين ألف رجل من غزاة نيسابور ونواحيها فهزموا حمزة باذن الله وقتلوا الالوف من أصحابه وانفلت منهم حمزة جريحا ومات فى هزيمته

هذه وأراح الله عزوجل منه ومن أتباعه العباد بعد ذلك وكانت هذه الواقعة التى هلك بعدها حمزة الخارجىّ القدرىّ من مفاخر اهل نيسابور والحمد لله على ذلك

ذكر الثعالبة منهم ـ هؤلاء اتباع ثعلبة بن مشكان والثعالبة تدّعى إمامته بعد عبد الكريم بن عجرد ويزعم أن عبد الكريم بن عجرد كان إماما قبل أن خالفه ثعلبة فى حكم الأطفال. فلما اختلفا فى ذلك كفر بن عجرد وصار ثعلبة إماما. والسبب فى اختلافهما أن رجلا من العجاردة خطب الى ثعلبة بنته فقال له بيّن مهرها فأرسل الخاطب امرأة الى أم تلك البنت يسألها هل بلغت البنت فإن كانت قد بلغت ووصفت الاسلام على الشرط الذي تعتبره العجاردة لم يبال كم كان مهرها فقالت أمها. هى مسلمة فى الولاية بلغت أم لم تبلغ فاخبر بذلك عبد الكريم بن عجرد وثعلبة بن مشكان فاختار عبد الكريم البراءة من الاطفال قبل البلوغ وقال ثعلبة نحن على ولايتهم صغارا وكبارا الى أن يبين لنا منهم إنكار للحق. فلما اختلفا فى ذلك برئ كل واحد منهما من صاحبه وصار أتباع كلّ واحد منهما فرقا. وقد ذكرنا فرق العجاردة قبل هذا. وصارت الثعالبة بعد ذلك ستّ فرق فرقة أقامت على إمامة ثعلبة ولم تقل بإمامة احد بعده ولم يكترثوا لما طهر فيهم من خلاف الاخنسية والمعبدية

ذكر المعبدية منهم ـ والفرقة الثانية منهم معبدية قالت بإمامة رجل منهم بعد ثعلبة اسمه معبد خالف جمهور الثعالبة فى أخذ الزكاة من العبيد فى إعطائهم منها واكفر من لم يقل بذلك وأكفره سائر الثعالبة فى قوله

الأخنسية ـ والفرقة الثالثة منهم الاخنسية اتباع رجل منهم كان يعرف بالأخنس وكان فى بدء أمره على قول الثعالبة فى موالاة الأطفال ثم خنس من بينهم فقال يجب علينا ان نتوقف عن جميع من فى دار التقية إلا من عرفنا منه ايمانا فنولّيه عليه او كفرا فبرئنا منه. وقالوا بتحريم القتل والاغتيال فى السر وإن يبدأ أحد من أهل القبلة بقتال حتى يدعى إلا من عرفوه بعينه وصار له تبع على هذا القول وبرئ من سائر الثعالبة وبرئ منه سائرهم

الشيبانية منهم ـ والفرقة الرابعة من الثعالبة شيبانية هم اتباع شيبان بن سلمة الخارجىّ الّذي خرج فى ايام أبى مسلم صاحب دولة بني العباس وأعان أبا مسلم على أعدائه فى حروبه وكان مع (٣٤ ب) ذلك يقول بتشبيه الله سبحانه لخلقه فأكفره سائر الثعالبة مع أهل السنّة فى قوله بالتشبيه وأكفرته الخوارج كلها فى معاونته أبا مسلم. والذين أكفروه من الثعالبة يقال لهم زيادية أصحاب زياد بن عبد الرحمن. والشيبانية يزعمون أن شيبان

تاب من ذنوبه وقالت الزيادية إن ذنوبه كان منها مظالم العباد التي لا تسقط بالتوبة. وأنه أعان أبا مسلم على قتاله مع الثعالبة كما أعانه على قتاله مع بنى أمية

ذكر الرشيدية منهم ـ والفرقة الخامسة من الثعالبة يقال لهم رشيدية نسبوا الى رجل اسمه رشيد وانفردوا بأن قالوا فيما سقى بالعيون والأنهار الجارية نصف العشر. وإنما يجب العشر الكامل فيما سقته السماء فحسب. وخالفهم زياد بن عبد الرحمن فأوجب فيما سقى بالعيون والأنهار الجارية العشر الكامل

ذكر المكرمية منهم ـ والفرقة الثالثة من الثعالبة يقال لهم المكرمية اتباع أبي مكرم زعموا ان تارك الصلاة كافر لاجل ترك الصلاة لكن لجهله بالله عزوجل. وزعموا ان كل ذى ذنب جاهل بالله والجهل بالله كفر. وقالوا أيضا بالموافاة فى الولاية والعداء. فهذا بيان فرق الثعالبة وبيان اقوالها

ذكر الاباضية وفرقها ـ أجمعت الاباضية على القول بامامة عبد الله بن أباض وافترقت فيما بينهما فرقا يجمعها القول بأن كفار هذه الامة يعنون (٣٥ ا) بذلك مخالفيهم من هذه الامة براء من الشرك والإيمان وانهم ليسوا مؤمنين ولا مشركين ولكنهم كفّار. وأجازوا شهادتهم وحرّموا دماءهم فى السرّ واستحلّوها

فى العلانية وصححوا مناكحهم والتوارث منهم. وزعموا انهم فى ذلك محاربون لله ولرسوله لا يدينون دين الحق وقالوا باستحلال بعض اموالهم دون بعض والّذي استحلّوه الخيل والسلاح. فأما الذهب والفضة فانهم يردونهما على أصحابهما عند الغنيمة ـ ثم افترقت الاباضية فيما بينهم أربع فرق وهى الحفصية والحارثية واليزيدية واصحاب طاعة لا يراد الله بها. واليزيدية منهم غلاة لقولهم بنسخ شريعة الاسلام فى آخر الزمان وسنذكرهم فى باب فرق الغلاة المنتسبين الى الاسلام بعد هذا. وانما نذكر فى هذا الباب الحفصية والحارثية وأصحاب طاعة لا يراد الله بها

ذكر الحفصية منهم ـ هؤلاء قالوا بامامة حفص بن أبى المقدام وهو الّذي زعم أنّ بين الشرك والايمان معرفة الله تعالى وحدها فمن عرفه ثم كفر بما سواه من رسول او جنّة او نار او عمل بجميع المحرّمات من قتل النفس واستحلال الزنا وسائر المحرّمات فهو كافر برئ من الشرك. ومن جهل بالله تعالى وأنكره فهو مشرك وتأوّل هؤلاء فى عثمان بن عفان مثل تأوّل الرافضة فى أبى بكر (٣٥ ب) وعمر وزعموا أنّ عليا هو الّذي أنزل الله تعالى فيه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) (بقرة ٢٠٥)

وأنّ عبد الرحمن بن ملجم هو الّذي أنزل الله فيه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (بقرة ٢٠٨) ثم قالوا بعد هذا كلّه ان الإيمان بالكتب والرسل متّصل بتوحيد الله عزوجل. فمن كفر بذلك فقد أشرك بالله عزوجل. وهذا نقيض قولهم إنّ الفصل بين الشرك والايمان معرفة الله تعالى وحده. وأن من عرفه فقد برئ من الشرك وإن كفر بما سواه من رسول او جنّة أو نار فصار قولهم فى هذا الباب متناقضا

ذكر الحارثية منهم ـ هؤلاء اتباع حارث بن مزيد الأباضيّ وهم الذين قالوا فى باب القدر بمثل قول المعتزلة وزعموا أيضا أن الاستطاعة قبل الفعل وأكفرهم سائر الأباضية فى ذلك لان جمهورهم على قول أهل السنّة فى ان الله تعالى خالق أعمال العباد وفى ان الاستطاعة مع الفعل. وزعمت الحارثية انه لم يكن لهم إمام بعد المحكمة الأولى إلا عبد الله بن أباضى وبعده حارث ابن مزيد الاباضى

ذكر اصحاب طاعة لا يراد الله بها ـ زعم هؤلاء أنه يصح وجود طاعات كثيرة ممن لا يريد الله تعالى بها. كما قاله أبو الهزيل وأتباعه من القدرية وقال أصحابنا أن ذلك لا يصح إلا فى طاعة (٣٦ ا) واحدة وهو النظر الاول فإن صاحبه اذا استذل به كان

مطيعا لله تعالى فى فعله وإن لم يقصد به التقرّب الى الله تعالى لاستحالة تقرّبه إليه قبل معرفته فاذا عرف الله تعالى فلا يصحّ منه بعد معرفته طاعة منه لله تعالى إلا بعد قصده التقرّب بها إليه. وزعمت الأباضية كلها أنّ دور مخالفيهم من أهل مكة دار توحيد الا معسكر السلطان فإنه دار بغى عندهم واختلفوا فى النفاق على ثلاثة أقوال فقال فريق منهم إن النفاق براءة من الشرك والايمان جميعا واحتجّوا بقول الله عزوجل فى المنافقين (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) (النساء ١٤٢) وفرقة منهم قالت كلّ نفاق شرك لأنه يضادّ التوحيد. وفرقة ثالثة قالت لا نزيل اسم النفاق عن موضعه ولا نسمى بالنفاق غير القوم الذين سمّاهم الله تعالى منافقين ومن قال منهم بأنّ المنافق ليس بمشرك زعم أنّ المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا موحّدين وكانوا أصحاب كبائر فكفروا وإن لم يدخلوا فى حدّ الشرك. قال عبد القاهر بعد الجملة التى حكيناها عنهم شذوذ من الأقوال انفردوا بها. منها أنّ فريقا منهم زعموا أن لا حجة لله تعالى على الخلائق فى التوحيد وغيره الا بالخبر وما يقوم مقام الخبر من إشارة وايماء. ومنها أن قوما منهم قالوا. كلّ من دخل فى دين الاسلام وجبت عليه (٣٦ ب) الشرائع والاحكام سمعها أو

عرفها أو لم يسمعها ولم يعرفها. وقال سائر الامة لا يأثم بترك ما لم يقف عليه منها إلّا أن ثبتت عليه الحجة فيه. ومنها ان قوما منهم قالوا بجواز ان يبعث الله تعالى الى خلقه رسولا بلا دليل يدلّ على صدقه. ومنها ان قوما منهم قالوا من ورد عليه الخبر بأنّ الله تعالى قد حرّم الخمر او انّ القبلة قد حوّلت فعليه ان يعلم ان الّذي أخبره به مؤمن او كافر وعليه ان يعلم ذلك بالخبر وليس عليه ان يعلم أنّ ذلك عليه بالخبر. ومنها قول بعضهم ليس على الناس المشى الى الصلاة ولا الركوب والمسير للحج ولا شيء من الاسباب التى يتوصل بها الى أداء الواجب. وانما يجب عليهم فعل الطاعات الواجبة بأعيانها دون اسبابها الموصلة إليها. ومنها قولهم جميعا بوجوب استتابة مخالفيهم فى تنزيل او تأويل فان تابوا والا قتلوا سواء كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله او فيما لا يسع جهله وقالوا من زنى او سرق أقيم عليه الحدّ ثم استتيب فان تاب والا قتل. وقالوا انّ العالم يفنى كله اذا أفنى الله أهل التكليف ولا يجوز الا ذلك. لأنه انما خلقه لهم. وأجازت الاباضية وقوع حكمين مختلفين فى شيء واحد من وجهين. كمن دخل زرعا بغير إذن مالكه فان الله قد نهاه عن الخروج منه اذا كان خروجه منه مفسدا للزرع وقد أمره به. وقالوا لا يتبع المدبر فى الحرب اذا

كان من أهل القبلة (٣٧ ا) وكان موحّدا ولا نقبل منهم امرأة ولا ذرّية وأباحوا قتل المشبهة واتباع مدبرهم وسبى نسائهم وذراريهم. وقالوا ان هذا كما فعله أبو بكر بأهل الرّدّة. وقد كان من الاباضية رجل يعرف بابراهيم دعا قوما من اهل مذهبه الى داره وأمر جارية له كانت على مذهبه بشيء فأبطأت عليه فحلف ليبيعنّها فى الاعراب فقال له رجل منهم اسمه ميمون وليس هو صاحب الميمونية من العجاردة. كيف تبيع جارية مؤمنة الى الكفرة؟ فقال له ابراهيم انّ الله تعالى قد أحلّ البيع وقد مضى أصحابنا وهم يستحلّون ذلك فتبرّأ منهم ميمون وتوقّف آخرون منهم فى ذلك وكتبوا بذلك الى علمائهم فأجابوهم بأنّ بيعها حلال وبأنه يستتاب ميمون ويستتاب من توقّف فى ابراهيم فصاروا فى هذا ثلاث فرق ـ إبراهيمية ـ وميمونية ـ وواقفة ـ وتبع إبراهيم على إجازة هذا البيع قوم يقال لهم الضّحاكية وأجازوا نكاح المسلمة من كفّار قومهم فى دار التقية. فأما فى دار حكمهم فلا يستحلّون ذلك. وقوم منهم توقفوا فى هذه المسلمة وفى أمر الزوجة وقالوا ان ماتت لم نصلّ عليها ولم نأخذ ميراثها لأنّا لا ندرى ما حالها. وتبع بعد هؤلاء الإبراهيمية قوم يقال لهم البيهسية أصحاب أبى بيهس هيصم بن عامر. قالوا ان ميمونا

كفر بأن حرّم بيع الأمة فى دار التقية من كفّار قومنا وكفرت الواقفة (٣٧ ب) بأن لم يعرفوا كفر ميمون وصواب إبراهيم وكفر إبراهيم بأن لم يتبرّأ من أهل الوقف. قالوا وذلك أن الوقوف بما يسع على الأبدان وانما الوقوف على الحكم بعينه ما لم يوافقه أحد فاذا وافقه أحد من المسلمين لم يسع من حضر ذلك إلّا أن يعرف من عرف الحقّ ودان به ومن أظهر الباطل ودان به ثم ان البيهسية قالت ان من واقع ذنبا لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع الى الوالى ويحدّ ولا نسمّيه قبل الرفع الى الوالى مؤمنا ولا كافرا. وقال بعض البيهسية فاذا كفر الإمام كفرت الرعية وقال بعضهم. كلّ شراب حلال الأصل موضوع عمن سكر منه كل ما كان منه فى السكر من ترك الصلاة والشتم لله عزوجل وليس فيه حدّ ولا كفر ما دام فى سكره. وقال قوم من البيهسية يقال لهم العوفية. السكر كفر اذا كان معه غيره من ترك الصلاة ونحوه وافترقت العوفية من البيهسية فرقتين. فرقة قالت من رجع عنا من دار هجرته ومن الجهاد الى حال القعود برئنا منه. وفرقة قالت بل نتولّاه لانّه رجع إلى أمر كان مباحا له قبل هجرته إلينا. وكلا الفريقين قال اذا كفر الإمام كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد. وللأباضية والبيهسية بعد هذا مذاهب قد ذكرناها

فى كتاب الملل والنحل. وفيما ذكرنا منه فى هذا الكتاب كفاية

ذكر الشبيبية منهم ـ هؤلاء يعرفون بالشبيبيّة لانتسابهم (٣٨ ا) إلى شبيب بن يزيد الشيبانى المكنى بأبى الصحارى ويعرفون بالصالحية أيضا لانتسابهم الى صالح بن مشرح الخارجىّ وكان شبيب بن يزيد الخارجىّ من أصحاب صالح ثم تولّى الأمر بعده على جنده وكان السبب فى ذلك أن صالح بن مشرح التميمى كان مخالفا للأزارقة وقد قال انه كان صفريا وقيل إنه لم يكن صفريا ولا أزرقيا وكان خروجه على بشر بن مروان فى أيام ولايته على العراق من جهة أخيه عبد الملك بن مروان وبعث بشر إليه بالحارث بن عمير وذكر المدائني أن خروج صالح كان على الحجّاج بن يوسف وأن الحجاج بعث بالحارث بن عمير الى قتاله وأن القتال وقع بين الفريقين على باب حصن حلولا وانهزم صالح جريحا فلما أشرف على الموت قال لأصحابه قد استخلفت عليكم شبيبا وأعلم ان فيكم من هو أفقه منه ولكنه رجل شجاع مهيب فى عدّوكم فليعنه الفقيه منكم بفقهه. ثم مات وبايع أتباعه شبيبا إلى أن خالف صالحا فى شيء واحد وهو أنه مع أتباعه أجازوا إمامة المرأة منهم اذا قامت بأمورهم وخرجت على مخالفيهم وزعموا أن غزالة أم شبيب كانت الإمام

بعد قتل شبيب إلى أن قتلت واستدلّوا على ذلك بأن شبيبا لما دخل الكوفة اقام أمه على منبر الكوفة حتى خطبت. وذكر أصحاب التواريخ أن شبيبا فى ابتداء أمره قصد الشام ونزل على روح (٣٨ ب) بن زنباع وقال له سل أمير المؤمنين أن يفرض لى فى أهل الشرف فإن لى فى بنى شيبان تبعا كثيرا فسأل روح بن زنباع عبد الملك بن مروان ذلك. فقال هذا رجل لا أعرفه وأخشى أن يكون حروريا فذكر روح لشبيب أن عبد الملك بن مروان ذكر أنه لا يعرفه. فقال سيعرفنى بعد هذا ورجع إلى بنى شيبان وجمع من الخوارج الصالحية مقدار الف رجل واستولى بهم على ما بين كسكر والمدائن فبعث الحجاج إليه بعبيد بن أبى المخارق المتنبّي فى ألف فارس فهزمه شبيب فوجّه إليه بعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فهزمه شبيب وبعث بعتاب بن ورقاء التميمى فقتله شبيب. وما زال كذلك حتى هزم للحجاج عشرين جيشا في مدة سنتين ثم إنه كبس الكوفة ليلا ومعه ألف من الخوارج ومعه أمه غزالة وامرأته جهزية فى مائتين من نساء الخوارج قد اعتقلن الرماح وتقلّدن السيوف فلما كبس الكوفة ليلا قصد المسجد الجامع وقتل حرّاس المسجد والمعتكفين فيه ونصب أمه غزالة على المنبر حتى خطبت

وقال خزيم بن فاتك الأسدىّ فى ذلك

أقامت غزالة سيوف الضراب (كذا) لأهل العراقين حولا قميطا

سمت للعراقين فى جيشها

فلاق العراقان منها طيطا

وصبر الحجّاج لهم فى داره لان جيشه كانوا متفرقين إلى أن اجتمع جنده إليه بعد الصبح (٣٩ ا) وصلّى شبيب بأصحابه فى المسجد وقرأ فى ركعتى الصبح سورتى البقرة وآل عمران ثم وافاه الحجّاج فى أربعة آلاف من جنده واقتتل الفريقان فى سوق الكوفة إلى أن قتل أصحاب شبيب وانهزم شبيب فيمن بقى معه الى الأنبار فوجّه الحجّاج فى طلبه جيشا فهزموا شبيبا من الأنبار الى الأهواز وبعث الحجّاج سفين بن الأبرد الكليبىّ فى ثلاثة آلاف لطلب شبيب فنزل سفين على شط الدجيل وركب شبيب جسر الدجيل ليعبر إليه وأمر سفين أصحابه بقطع حبال الجسر فاستدار الجسر وغرق شبيب مع فرسه وهو يقول ذلك تقدير العزيز العليم. وبايع أصحاب شبيب في الجانب الآخر من الدجيل غزالة أم شبيب وعقد سفين بن الأبرد الجسر وعبر مع جنده الى أولئك الخوارج وقتل اكثرهم وقتل غزالة أم شبيب وامرأته جهيزة وأسر الباقين من اتباع شبيب وأمر الغواصين بإخراج شبيب من الماء وأخذ رأسه وانفذه مع الاسرى الى

الحجّاج فلما وقف الاسرى بين يدى الحجّاج أمر بقتل رجل منهم قال له اسمع مني بيتين أختم بهما عملي ثم أنشأ يقول

أبرأ الى الله من عمرو وشيعته

ومن عليّ ومن أصحاب صفين

ومن معاوية الطاغى وشيعته

لا بارك الله فى القوم الملاعين

فأمر بقتله وبقتل جماعة منهم وأطلق الباقين. قال عبد القاهر يقال للشبيبية من الخوارج. أنكرتم على أم المؤمنين عائشة خروجها الى البصرة (٣٩ ب) مع جندها الّذي كلّ واحد منهم محرم (١) لها لأنها أمّ جميع المؤمنين فى القرآن وزعمتم أنها كفرت بذلك وتلوتم عليها قول الله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) : (أحزاب ٣٢) فهلا تلوتم هذه الآية على غزالة أم شبيب وهلا قلتم بكفرها وكفر من خرجن معها من نساء الخوارج الى قتال جيوش الحجّاج فان أجزتم لهنّ ذلك لانه كان معهنّ أزواجهنّ او بنوهنّ واخوتهنّ فقد كان مع عائشة أخوها عبد الرحمن وابن اختها عبد الله بن الزبير وكل واحد منهم محرم لها. وجميع المسلمين بنوها وكل واحد محرم لها فهلّا أجزتم لها ذلك على ان من أجاز منكم إمامة غزالة فإمامتها لائقة به وبدينه والحمد لله على العصمة من البدعة

__________________

(١) محرم. يقال هو مرحم من فلانة اى لا تحل له

الفصل الثالث

(من فصول هذا الباب)

«في بيان مقالات فرق الضلال من القدرية المعتزلة عن الحق»

قد ذكرنا قبل هذا أن المعتزلة افترقت فيما بينها عشرين فرقة كل فرقة منها تكفر سائرها وهنّ : الواصلية. والعمرية. والهذيلية. والنظّامية. والاسوارية. والمعمّرية. والاسكافية. والجعفرية. والبشرية. والمردارية. والهشامية. والتمامية. والجاحظية. والحائطية. والحمارية. والخياطية. واصحاب صالح قبة. والمويسية. والشحامية. والكعبية. والجبابية. والبهشمية. المنسوبة الى أبى هاشم بن الحبالى فهذه ثنتان وعشرون فرقة فرقتان منها من جملة (٤٠ ا) فرق الغلاة فى الكفر. نذكرها فى الباب الّذي نذكر فيه فرق الغلاة وهما الحائطية والحماريه. وعشرون منها قدرية محضة يجمعها كلها فى بدعتها امور منها نفيها كلها عن الله عزوجل صفاته الازلية وقولها بأنه ليس لله عزوجل علم ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا صفة أزلية وزادوا على هذا بقولهم ان الله تعالى لم يكن له فى الازل

اسم ولا صفة. ومنها قولهم باستحالة رؤية الله عزوجل بالابصار وزعموا أنه لا يرى نفسه ولا يراه غيره واختلفوا فيه هل هو راء لغيره أم لا فأجازه قوم منهم وأباه قوم آخرون منهم. ومنها اتفاقهم على القول بحدوث كلام الله عزوجل وحدوث أمره ونهيه وخبره. وكلهم يزعمون ان كلام الله عزوجل حادث وأكثرهم اليوم يسمون كلامه مخلوقا. ومنها قولهم جميعا بأن الله تعالى غير خالق لأكساب الناس ولا لشيء من أعمال الحيوانات وقد زعموا ان الناس هم الذين يقدرون أكسابهم وانه ليس لله عزوجل فى اكسابهم ولا فى اعمار سائر الحيوانات صنع ولا تقدير. ولأجل هذا القول سمّاهم المسلمون قدرية. ومنها اتفاقهم على دعواهم فى الفاسق من أمة الاسلام بالمنزلة بين المنزلتين وهى انه فاسق لا مؤمن ولا كافر ولأجل هذا سمّاهم المسلمون معتزلة لاعتزالهم قول الأمة بأسرها. ومنها قولهم ان كل ما لم يأمر الله تعالى (٤٠ ب) به أو نهى عنه من أعمال العباد لم يشأ الله شيئا منها وزعم الكعبىّ فى مقالاته أن المعتزلة اجتمعت على أن الله عزوجل شيء لا كالاشياء وأنه خالق الأجسام والأعراض وأنه خلق كلّ ما خلقه لا من شيء وعلى أن العباد يفعلون أعمالهم بالقدر التى خلقها الله سبحانه وتعالى فيهم. قال وأجمعوا على أنه لا يغفر لمرتكبى الكبائر

بلا توبة. وفى هذا الفصل من كلام الكعبىّ غلط منه على أصحابه من وجوه. منها قوله إن المعتزلة اجتمعت على أن الله تعالى شيء لا كالاشياء وليست هذه الخاصية لله تعالى وحده عند جميع المعتزلة فإن الجبائى وابنه أبا هاشم قد قالا إن كل قدرة محدثة شيء لا كالاشياء ولم يخصوا ربهم بهذا المدح. ومنها حكايته عن جميع المعتزلة قولها بأن الله عزوجل خالق الأجسام والأعراض. وقد علم أن الاصم من المعتزلة ينفى الأعراض كلها وأن المعروف منهم بمعمّر يزعم ان الله تعالى لم يخلق شيئا من الأعراض وأن ثمامة يزعم أن الاعراض المتولّدة لا فاعل لها فكيف يصحّ دعواه إجماع المعتزلة على أن الله سبحانه خالق الأجسام والأعراض. وفيهم من ينكر وجود الأعراض وفيهم من يثبت الأعراض ويزعم أن الله تعالى لم يخلق شيئا منها. وفيهم من يزعم أن المتولّدات أعراض لا فاعل لها. والكعبىّ مع سائر المعتزلة زعموا أن الله تعالى لم يخلق أعمال العباد وهي (٤١ ا) أعراض عند من أثبت الأعراض فبان غلط الكعبىّ فى هذا الفصل على أصحابه ومنها دعوى إجماع المعتزلة على أن الله خلق ما خلق لا من شيء وكيف يصحّ اجماعهم على ذلك. والكعبىّ مع سائر المعتزلة سوى الصالحىّ يزعمون أن الحوادث كلها

كانت قبل حدوثها أشياء. والبصريون منهم يزعمون ان الجواهر والاعراض كانت فى حال عدمها جواهر وأعراضا وأشياء. والواجب على هذا الفصل ان يكون الله خلق الشيء من شيء وإنما يصح القول بانه خلق الشيء لا من شيء على اصول اصحابنا الصفاتية الذين أنكروا كون المعدوم شيئا. واما دعوى إجماع المعتزلة على ان العباد يفعلون أفاعيلهم بالقدر التي خلقها الله تعالى فيهم فغلط منه عليهم لان معمّرا منهم زعم أن القدرة فعل الجسم القادر بها وليست من فعل الله تعالى. والاصم منهم ينفى وجود القدرة لأنه ينفى الأعراض كلها. وكذلك دعوى إجماع المعتزلة على أن الله سبحانه لا يغفر لمرتكبى الكبائر من غير توبة منهم غلط منه عليهم. لان محمد بن شبيب البصرى والصالحىّ والخالدى هؤلاء الثلاثة من شيوخ المعتزلة. وهم واقفية فى وعيد مرتكبى الكبائر. وقد أجازوا من الله تعالى مغفرة ذنوبهم من غير توبة وبأنّ ما ذكرناه غلط الكعبىّ فيما حكاه عن المعتزلة وصحّ ان المعتزلة يجمعها ما حكيناه عنهم مما أجمعوا عليه (٤١ ب) فاما الّذي اختلفوا فيه فيما بينهم فعلى ما نذكره فى تفصيل فرقهم إن شاء الله عزوجل

ذكر الواصلية منهم ـ هؤلاء اتباع واصل بن عطا الغزال رأس المعتزلة وداعيهم الى بدعتهم بعد معبد الجهنى وغيلان الدمشقى

وكان واصل من منتابى مجلس الحسن البصرى فى زمان فتنة الازارقة وكان الناس يومئذ مختلفين فى اصحاب الذنوب من امة الاسلام على فرق. فرقة تزعم ان كل مرتكب لذنب صغير او كبير مشرك بالله. وكان هذا قول الازارقة من الخوارج وزعم هؤلاء ان اطفال المشركين مشركون ولذلك استحلوا قتل اطفال مخالفيهم وقتل نسائهم سواء كانوا من امة الاسلام او من غيرهم. وكانت الصفريّة من الخوارج يقولون فى مرتكبى الذنوب بانهم كفرة مشركون كما قالته الازارقة غير انهم خالفوا الازارقة فى الاطفال. وزعمت النجدات من الخوارج ان صاحب الذنب الّذي اجمعت الامة على تحريمه كافر مشرك وصاحب الذنب الّذي اختلفت الامة فيه حكم على اجتهاد اهل الفقه فيه وعذروا مرتكب ما لا يعلم تحريمه بجهالة تحريمه الى ان تقوم الحجة عليه فيه وكانت الاباضية من الخوارج يقولون ان مرتكب ما فيه الوعيد مع معرفته بالله عزوجل وبما جاء من عنده كافر كفران نعمة وليس بكافر كفر شرك. وزعم قوم من اهل ذلك العصران صاحب الكبيرة من هذه الامة (٤٢ ا) منافق. والمنافق شر من الكافر المظهر لكفره. وكان علماء التابعين فى ذلك العصر مع أكثر الامة يقولون إن صاحب الكبيرة من أمة الاسلام مؤمن لما فيه

من معرفته بالرسل والكتب المنزّلة من الله تعالى ولمعرفته بأن كل ما جاء من عند الله حق ولكنّه فاسق بكبيرته وفسقه لا ينفى عنه اسم الايمان والإسلام. وعلى هذا القول الخامس مضى سلف الامة من الصحابة وأعلام التابعين. فلما ظهرت فتنة الأزارقة بالبصرة والأهواز واختلف الناس عند ذلك فى أصحاب الذنوب على الوجوه الخمسة التي ذكرناها خرج واصل بن عطا عن قول جميع الفرق المتقدمة وزعم أن الفاسق من هذه الامة لا مؤمن ولا كافر وجعل الفسق منزلة بين منزلتى الكفر والايمان. فلما سمع الحسن البصرىّ من واصل بدعته هذه التى خالف بها أقوال الفرق قبله طرده عن مجلسه فاعتزل عند سارية من سوارى مسجد البصرة وانضمّ إليه قرينه فى الضلالة عمرو ابن عبيد بن باب كعبد صريخه أمه فقال الناس يومئذ فيهما انهما قد اعتزلا قول الأمة وسمّى أتباعهما من يومئذ معتزلة. ثم إنهما أظهرا بدعتهما فى المنزلة بين المنزلتين وضمّا إليها دعوة الناس الى قول القدرية على رأى معبد الجهنى. فقال الناس يومئذ لواصل إنه مع كفره قدرىّ وجرى المثل بذلك فى كل كافر قدرىّ. ثم ان واصلا وعمرا وافقا الخوارج فى تأييد عقاب صاحب الكبيرة فى النار مع قولهما بأنه موحّد وليس (٤٢ ب) بمشرك ولا كافر.

ولهذا قيل للمعتزلة إنهم مخانيث الخوارج لان الخوارج لما رأوا لأهل الذنوب الخلود فى النار سمّوهم كفرة وحاربوهم. والمعتزلة رأت لهم الخلود فى النار ولم تجسر على تسميتهم كفرة ولا جسرت على قتال اهل فرقة منهم فضلا عن قتال جمهور مخالفيهم ولهذا نسب إسحاق بن سويد العبدري واصلا وعمرو بن عبيد الى الخوارج لاتفاقهم على تأييد عقاب أصحاب الذنوب فقال فى بعض قصائده

برئت من الخوارج لست منهم

من الغزّال منهم وابن باب

ومن قوم اذا ذكروا عليّا

يردّون السلام على السحاب

ثم ان واصلا فارق السلف ببدعة ثالثة وذلك أنه وجد اهل عصره مختلفين فى عليّ وأصحابه وفى طلحة والزبير وعائشة وسائر أصحاب الجمل. فزعمت الخوارج ان طلحة والزبير وعائشة وأتباعهم يوم الجمل كفروا بقتالهم عليّا وأن عليا كان على الحقّ فى قتال أصحاب الجمل وفى قتال اصحاب معاوية بصفّين الى وقت التحكيم ثم كفر بالتحكيم وكان اهل السنّة والجماعة يقولون بصحة إسلام الفريقين فى حرب الجمل. وقالوا ان عليا كان على الحق فى قتالهم. واصحاب الجمل كانوا عصاة مخطئين فى قتال عليّ ولم يكن خطؤهم كفرا ولا فسقا يسقط شهادتهم وأجازوا الحكم بشهادة

عدلين من كل فرقة من الفريقين وخرج واصل عن قول الفريقين وزعم ان فرقة من الفريقين فسقة لا بأعيانهم وأنه لا يعرف الفسقة منهما وأجازوا ان يكون الفسقة من الفريقين (٤٣ ا) عليا واتباعه كالحسن والحسين وابن عباس وعمّار بن ياسر وأبى أيّوب الأنصارىّ وسائر من كان مع عليّ يوم الجمل وأجاز كون الفسقة من الفريقين عائشة وطلحة والزبير وسائر اصحاب الجمل. ثم قال فى تحقق شكّه فى الفريقين لو شهد عليّ وطلحة او عليّ والزبير او رجل من أصحاب عليّ ورجل من اصحاب الجمل عندى على باقة بقل لم أحكم بشهادتهما لعلمى بأن أحدهما فاسق لا بعينه كما لا أحكم بشهادة المتلاعنين لعلمى بان أحدهما فاسق لا بعينه ولو شهد رجلان من احد الفريقين ايّهما كان قبلت شهادتهما ولقد سخنت (١) عيون الرافضة القائلين بالاعتزال بشكّ شيخ المعتزلة فى عدالة عليّ واتباعه ومقالة واصل فى الجملة كما قلنا في بعض أشعارنا

مقالة ما وصلت بواصل

بل قطع الله به أوصالها

وسنذكر تمام أبيات هذه القصيدة بعد هذا إن شاء الله عزوجل

ذكر العمريّة منهم ـ هؤلاء أتباع عمرو بن عبيد بن باب

__________________

(١) سخنت عيونهم. حزنو

مولى بنى تميم وكان جدّه من سبى كامل وما ظهرت البدع والضلالات فى الأديان إلا من ابناء السبايا كما روى في الخبر. وقد شارك عمرو واصلا فى بدعة القدر وفى ضلالة قولهما بالمنزلة بين المنزلتين وفى ردّهما شهادة رجلين أحدهما من أصحاب الجمل والآخر من أصحاب عليّ. وزاد عمرو على واصل فى هذه البدعة فقال بفسق كلتا الفرقتين المتقاتلتين يوم الجمل وذلك أنّ واصلا إنما ردّ شهادة رجلين أحدهما من أصحاب الجمل والآخر من أصحاب عليّ رضى الله عنه وقبل شهادة رجلين كلاهما (٤٣ ب) من أحد الفريقين وزعم عمرو أن شهادتهما مردودة وإن كانا من فريق واحد لأنه قال بفسق الفريقين جميعا. وقد افترقت القدريّة بعد واصل وعمرو فى هذه المسألة فقال النظّام ومعمر والجاحظ فى فريقى يوم الجمل بقول واصل وقال حوشب وهاشم الاوقص نجت القادة وهلكت الاتباع وقال أهل السنّة والجماعة بتصويب عليّ وأتباعه يوم الجمل وقالوا إن الزبير رجع عن القتال يومئذ تائبا فلما بلغ وادى السباع قتله بها عمرو بن حرمون غرّة وبشّر عليّ قاتله بالنار وهمّ طلحة بالرجوع فرماه مروان بن الحكم وكان مع أصحاب الجمل بسهم قتله. وعائشة رضى الله عنها قصدت الإصلاح بين الفريقين فغلبها بنو أزد وبنو ضبّة على

أمرها حتى كان من الامر ما كان. ومن قال بتكفير الفريقين أو أحدهما فهو الكافر دونهم هذا قول أهل السنّة فيهم والحمد لله على ذلك

ذكر الهذيلية منهم ـ هؤلاء أتباع أبى الهذيل محمد بن الهذيل المعروف بالعلّاف كان مولى لعبد القيس وقد جرى على منهاج ابناء السبايا لظهور اكثر البدع منهم. وفضائحه تترى تكفّره فيها سائر فرق الأمة من أصحابه في الاعتزال ومن غيرهم وللمعروف بالمرداد من المعتزلة كتاب كبير فيه فضائح أبى الهذيل وفى تكفيره بما انفرد به من ضلالاته وللجبّائىّ أيضا كتاب فى الردّ على أبي الهذيل فى المخلوق ويكفّره فيه ولجعفر بن حرب أيضا (٤٤ ا) وهو المشهور فى زعماء المعتزلة كتاب سمّاه توبيخ أبى الهذيل وأشار الى تكفير أبي الهذيل وذكر فيه ان قوله يجرّ الى قول الدهرية فمن فضائح أبى الهذيل قوله بفناء مقدورات الله عزوجل حتى لا يكون بعد فناء مقدوراته قادرا على شيء. ولأجل هذا زعم ان نعيم اهل الجنة وعذاب اهل النار يفنيان ويبقى حينئذ اهل الجنة واهل النار خامدين لا يقدرون على شيء ولا يقدر الله عزوجل فى تلك الحال على إحياء ميت ولا على إماتة حىّ ولا على تحريك ساكن

ولا على تسكين متحرك ولا على إحداث شيء ولا على إفناء شيء مع صحة عقول الاحياء فى ذلك الوقت. وقوله في هذا الباب شر من قول من قال بفناء الجنة والنار كما ذهب إليه جهم لانّ جهما وإن قال بفنائهما فقد قال بأن الله عزوجل قادر بعد فنائهما على ان يخلق أمثالهما. وأبو الهذيل يزعم أن ربّه لا يقدر بعد فناء مقدوراته على شيء وقد شنّع المعروف منهم بالمرداد على أبى الهذيل في هذه المسألة فقال يلزمه اذا كان ولى الله عزوجل فى الجنة قد يناول باحدى يديه الكاس وبالاخرى بعض التحف ثم حضر وقت السكون الدائم ان يبقى ولىّ لله عزوجل ابدا على هيئة المصلوب. وقد اعتذر ابو الحسين الخياط عن أبى الهذيل فى هذا الباب باعتذارين. احدهما دعواه ان أبا الهذيل أشار الى ان الله عزوجل عند قرب انتهاء مقدوراته يجمع فى اهل الجنة اللذات كلها فيبقون على ذلك فى سكون دائم. واعتذاره الثانى دعواه ان (٤٤ ب) أبا الهذيل انه كان يقول هذا القول مجادلا به خصومه البحث عن جوابه. واعتذاره الاول عنه باطل من وجهين. أحدهما أنه يوجب اجتماع لذّتين متضادتين فى محل واحد فى وقت واحد وذلك محال كاستحالة اجتماع لذة وألم فى محل واحد. والوجه الثاني أن هذا الاعتذار لو صحّ لوجب أن يكون اهل الجنّة بعد فناء

مقدورات الله عزوجل أحسن من حالهم في حال كونه قادرا. وأما دعواه ان أبا الهذيل إنما قال بفناء المقدورات مجادلا به معتقدا لذلك فالفاصل بيننا وبين المعتذر عنه كتب أبو الهذيل وأشار فى كتابه الّذي سماه بالحجج إلى ما حكيناه عنه وذكر فى كتابه المعروف بكتاب القوالب بابا فى الردّ على الدهريّة وذكر فيه قولهم للموحّدين اذا جاز أن يكون بعد كل حركة حركة سواها لا إلى آخر وبعد كل حادث حادث آخر لا إلى غاية فهلّا صحّ قول من زعم أن لا حركة الا وقبلها حركة ولا حادث إلا وقبله حادث لا عن أول لا حالت قبله وأجاب عن هذا الالزام بتسويته بينهما وقال كما أن الحوادث لها ابتداء لم يكن قبلها حادث كذلك لها آخر لا يكون بعده حادث. ولاجل هذا قال بفناء مقدورات الله عزوجل وسائر المتكلمين من أصناف فرق الاسلام فرّقوا بين الحوادث الماضية والحوادث المستقبلة بفروق واضحة لم يهتد إليها أبو الهذيل فارتكب لاجل جهله بها قوله بفناء المقدورات وقد ذكرنا تلك الفروق الواضحة فى باب الدلالة على حدوث العالم فى كتبنا المؤلفة فى ذلك. والفضيحة الثانية (٤٥ ا) من فضائح أبى الهذيل قوله بان أهل الآخرة مضطرون الى ما يكون منهم وان أهل الجنة مضطرون

الى أكلهم وشربهم وجماعهم وأن أهل النار مضطرون الى أقوالهم. وليس لأحد فى الآخرة من الخلق قدرة على اكتساب فعل ولا على اكتساب قول. والله عزوجل خالق أقوالهم وحركاتهم وسائر ما يوصفون به. وكانت القدرية يعيبون جهما فى قوله ان العباد فى الدنيا مضطرون الى ما يكون منهم وينكرون على أصحابنا قولهم بأنّ الله عزوجل خالق اكساب العباد ويقولون لاصحابنا. اذا كان هو خالق ظلم العباد وجب ان يكون ظالما واذا خلق كذب الانسان وجب ان يكون كاذبا. فهلا قالوا لأبى الهذيل اذا قلت أنّ الله عزوجل يخلق فى الآخرة كذب اهل النار فى قولهم (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (الانعام ٢٢) وجب (١) ان يكون هو الكاذب بهذا القول ان كان الكاذب عندهم من فعل الكذب. ولا يتوجه علينا هذا الالزام لأنا لا نقول ان الكاذب والظالم من خلق الكذب والظلم. ولكنا نقول ان الظالم من قام به الظلم والكاذب من قام به الكذب لا من فعله. وقد اعتذر الخياط عن أبى الهذيل فى بدعته هذه بأن قال ان الآخرة دار جزاء وليست بدار تكليف فلو كان اهل الآخرة مكتسبين لاعمالهم لكانوا مكلفين ولوقع ثوابهم وعقابهم فى دار

__________________

(١) وجب. ساقطة فى الاصل

سواها. فيقال للخياط هل ترضى بهذا الاعتذار من أبي الهذيل أم تسخطه. فان رضيته فقل فيه بمثل قوله. وذلك خلاف قولك وان سخطته فلا معنى لاعتذارك عنه فى شيء (٤٥ ب) تكفّره وقلنا لابى الهذيل. ما تنكر من كون أهل الآخرة مكتسبين لاعمالهم وان يكونوا فيها مأمورين للشكر لله عزوجل على نعمه ولا يكونوا مأمورين بصلاة ولا زكاة ولا صيام ولا يكونوا منتهين عن المعاصى ويكون ثوابهم على الشكر وترك المعصية دوام النعيم عليهم وما انكرت عليهم من انهم يكونون فى الآخرة منهيين عن المعاصى ومعصومين منها كما قال أصحابنا مع أكثر الشيعة ان الأنبياء عليهم‌السلام كانوا فى الدنيا منتهين عن المعاصى ومعصومين عنها وكذلك الملائكة منتهون عن المعاصى ومعصومون عنها. ولذلك قال الله عزوجل فيهم : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (تحريم ٦)

والفضيحة الثالثة من فضائحه قوله بطاعات كثيرة لا يراد الله عزوجل بها كما ذهب إليه قوم من الخوارج الأباضية. وقد زعم أن ليس فى الارض هدىّ ولا زنديق الّا وهو مطيع لله تعالى فى أشباه كثيرة وان عصاه من جهة كفره. وقال أهل السنّة والجماعة. ان الطاعة لله عزوجل ممن لا يعرفه انما تصحّ

فى شيء واحد وهو النظر والاستدلال الواجب عليه قبل وصوله الى معرفة الله تعالى فان يفعل ذلك يكن مطيعا لله تعالى لأنه قد أمره به. وان لم يكن قصد بفعله لذلك النظر الاول التقرب به الى الله عزوجل. ولا تصح منه طاعة لله تعالى سواها الا اذا قصد بها التقرب بها إليه لانه يمكنه ذلك اذا توصل بالنظر الاول الى معرفة الله تعالى ولا يمكنه قبل النظر الاول التقرب به إليه اذا لم يكن عارفا به قبل نظره واستدلاله واستدل أبو الهذيل على دعواه صحة وقوع طاعات الله تعالى ممن لا يعرفه بأن قال (٤٦ ا) ان أوامر الله تعالى بإزائها زواجره. فلو كان من لا يعرفه فعل ترك جميع أوامره وجب ان يكون قد صار الى جميع زواجره. وان يكون من ترك جميع الطاعات قد صار الى جميع المعاصى. ولو كان كذلك لصار الدّهرى يهوديّا ونصرانيّا ومجوسيّا وعلى اديان سائر الكفرة. واذا صار المجوسى تاركا لكل كفر سوى المجوسية علمنا أنه عارض بمجوسيته التى قد نهى عنها ومطيع لله عزوجل بترك ما تركه من انواع الكفر لانه مأمور بتركها. فقلت له ليس الامر فى أوامر الله تعالى وزواجره على ما ظننته ولكن لا خصلة من الطاعة الا ويضادّها معاص متضادة ولا خصلة من الايمان الا ويضادّها خصال متضادّة كل نوع منها يضادّ النوع الآخر

كما يضادّها الطاعة وذلك بمنزلة القيام والقعود والاضطجاع والاستلقاء. وقد يخرج عن القعود من لا يصير الى جميع أضداده وانما يخرج من القعود بنوع واحد من أضداده. كذلك يخرج عن كل طاعة لله تعالى بنوع واحد من الكفر المضادّ للطاعات كلها. لان ذلك النوع من الكفر يضادّ نوعا آخر من الكفر كما يضادّ سائر الطاعات وهذا واضح فى نفسه وان جهله أبو الهذيل

والفضيحة الرابعة من فضائحه قوله بأن علم الله سبحانه وتعالى هو الله وقدرته هى هو ويلزمه على هذا القول أن يكون الله تعالى علما وقدرة. ولو كان هو علما وقدرة لاستحال ان يكون عالما قادرا. لأنّ العلم لا يكون عالما والقدرة لا تكون قادرة. ويلزمه أيضا اذا قال ان علم الله هو الله وقدرته هى هو ان يقول (٤٦ ب) ان علمه هو قدرته ولو كان علمه قدرته لوجب ان يكون كل معلوم له مقدورا له وهذا يوجب ان يكون رأيه مقدورا له. لانه معلوم له وهذا كفر. فما يؤدّى إليه مثله

والفضيحة الخامسة. تقسيمه كلام الله عزوجل الى ما يحتاج الى محل والى ما لا يحتاج الى محل. وقد زعم ان قول الله سبحانه للشىء كن حادث لا فى محل. وسائر كلامه حادث فى جسم من الاجسام. وكل كلامه عنده أعراض وقد زعم ان قوله للشيء

كن من جنس قول الانسان كن ففرق بين عرضين من جنس واحد فى حاجة أحدهما الى محل واستغناء الآخر عن المحل. فاما قوله بحدوث إرادة الله سبحانه لا فى محل وقد شاركه فيه المعتزلة البصرية مع قولهم بانها من جنس واحد ارادتنا المفتقرة الى المحل ووجود كلمة لا فى محل يوجب أن لا يكون بعض المتكلمين بان يتكلم بها أولى من بعض. وليس لأبى الهذيل ان يقول ان فاعلها أولى بان يتكلم بها من غيره لانه قد قال بان الله تعالى يخلق فى الآخرة كلام أهل الجنة وكلام أهل النار ولا يكون متكلما بكلامهم فقد أدّاه قوله بوجود كلمة لا فى محل الى تصحيح كلام لا لمتكلم وهذا محال فما يؤدّى إليه مثله

والفضيحة السادسة من فضائحه. قوله ان الحجة من طريق الاخبار فيما غاب عن الحواس من آيات الأنبياء عليهم‌السلام وفيما سواها لا تثبت بأقلّ من عشرين نفسا فيهم واحد من اهل الجنة او أكثر ولم يوجب بأخبار الكفرة والفسقة حجة وان بلغوا عدد التواتر الذين لا يمكن تواطؤهم على الكذب اذا لم يكن فيهم واحد من أهل الجنة وزعم أن خبر ما دون الاربعة لا يوجب حكما ومن فوق الاربعة (٤٧ ا) الى العشرين قد يصح وقوع العلم بخبرهم وقد لا يقع العلم بخبرهم وخبر العشرين اذا كان فيهم واحد من

اهل الجنة يجب وقوع العلم منه لا محالة. واستدلّ على ان العشرين حجة بقول الله تعالى (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) (الأنفال ٦٥) وقال لم يبح لهم قتالهم الا وهم عليهم حجة. وهذا يوجب عليه ان يكون خبر الواحد حجة موجبة للعلم لأن الواحد فى ذلك الوقت كان له قتال العشرة من المشركين فيكون جواز قتاله لهم دليلا على كونه حجة عليهم. قال عبد القاهر ما أراد ابو الهذيل باعتباره عشرين فى الحجة من جهة الخبر اذا كان فيهم واحد من أهل الجنة إلا تعطيل الاخبار الواردة فى الاحكام الشرعية عن فوائدها لانه أراد بقوله ينبغي ان يكون فيهم واحد من أهل الجنة واحد يكون على بدعته فى الاعتزال والقدر وفى فناء مقدورات الله عزوجل لان من لم يقل بذلك لا يكون عنده مؤمنا ولا من أهل الجنة. ولم يقل قبل أبى الهذيل أحد على بدعة أبى الهذيل حتى تكون روايته فى جملة العشرين على شرطه

الفضيحة السابعة. انه فرق بين أفعال القلوب وأفعال الجوارح فقال لا يجوز وجود أفعال القلوب من الفاعل مع قدرته عليه ولا مع موته وأجاز وجود أفعال الجوارح من الفاعل منا بعد موته وبعد عدم قدرته ان كان حيّا لم يمت وزعم ان الميت والعاجز يجوز ان يكونا فاعلين لافعال الجوارح بالقدرة التي كانت موجودة

قبل الموت والعجز وزعم الجبّائىّ وابنه أبو هشام ان أفعال القلوب فى هذا الباب كأفعال الجوارح فى انه يصحّ وجودها بعد فناء القدرة عليها ومع وجود (٤٧ ب) العجز عنها وقول الجبائى وابنه فى هذا الباب شرّ من قول أبى الهذيل غير ان أبا الهذيل سبق الى القول باجازة كون الميت والعاجز فاعلين لأفعال الجوارح ونسج الجبائى وابنه على منواله فى هذه البدعة وقاسا عليه إجازة كون العاجز فاعلا لأفعال القلوب ومؤسس البدعة عليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة من غير نقصان يدخل فى وزن العاملين بها

الفضيحة الثامنة من فضائحه. إنما لما وقف على اختلاف الناس في المعارف هل هى ضرورية أم اكتسابية ترك قول من زعم انها كلها ضرورية وقول من زعم أنها كلها كسبية وقول من قال ان المعلوم منها بالحواس والبداية ضرورية وما علم منها بالاستدلال اكتسابية. واختار لنفسه قولا خارجا عن أقوال السلف فقال المعارف ضربان. أحدهما باضطرار وهو معرفة الله عزوجل ومعرفة الدليل الداعى الى معرفته وما بعدها من العلوم الواقعة عن الحواس أو القياس فهو علم اختيار واكتساب. ثم انه بنى على ذلك قوله فى مهلة المعرفة فخالف فيها سائر الامة فقال

فى الطفل انه لا يلزمه فى الحال الثانية من حال معرفته بنفسه أن يأتى بجميع معارف التوحيد والعدل بلا فصل وكذلك عليه ان يأتى مع معرفته بتوحيد الله سبحانه وعدله بمعرفة جميع ما كلفه الله تعالى بفعله حتى ان لم يأت بذلك كله فى الحال الثانية من معرفته بنفسه ومات فى الحال الثالثة مات كافرا وعدوّا لله تعالى مستحقا للخلود في النار. واما معرفته بما لا يعرف الا بالسمع من جهة (٤٨ ا) الاخبار فعليه ان يأتى بمعرفة ذلك فى الحال الثانية من سماعه للخبر الّذي يكون حجة قاطعة للعذر. وكان بشر بن المعتمر يقول عليه ان يأتى بالمعارف العقلية فى الحال الثالثة مع معرفته بنفسه لان الحال الثانية حال نظر وفكر فان لم يأت بها فى الحالة الثالثة ومات فى الحال الرابعة كان عدوّا لله تعالى مستحقا للخلود فى النار فهذان القدريان اللذان انكرا على الازارقة قولهما بان اطفال مخالفيهم فى النار وعلى من زعم ان أطفال المشركين فى النار قد زعما ان اطفال المؤمنين اذا ماتوا فى الحال الثالثة او الرابعة من معرفتهم بأنفسهم قبل اتيانهم بالمعارف العقلية كفرة مخلدون فى النار من غير كفر اعتقدوه

الفضيحة التاسعة من فضائحه. انه أجاز حركة الجسم الكثير الاجزاء بحركة تحل فى بعض اجزائه ولم يخبر مثل هذا فى اللون

وقال سائر المتكلمين ان الجزء الّذي قامت به الحركة هو المتحرك بها دون غيره من اجزاء الجملة كما ان الجزء الّذي يقوم به السواد هو الاسود به دون غيره من اجزاء الجملة وان تحركت الجملة كان فى كل جزء منها حركة كما لو اسودت الجملة كان فى كل جزء منها سواد

الفضيحة العاشرة من فضائحه قوله بان الجزء الذي لا يتجزأ لا يصح قيام اللون به اذا كان منفردا ولا تصح رؤيته اذا لم يكن فيه لون وهذا يوجب عليه ان الله تعالى لو خلق جزءا منفردا لم يكن رائيا له. والحمد لله الّذي انقذ اهل السنّة من البدع التى حليناها فى هذا الباب من أبى الهذيل (٤٨ ب)

ذكر النظامية منهم. هؤلاء اتباع أبى إسحاق ابراهيم بن سيار المعروف بالنظام والمعتزلة يموهون على الاغمار بديته يوهمون انه كان نظّاما للكلام المنثور والشعر الموزون وانما كان ينظم الخرز فى سوق البصرة ولاجل ذلك قيل له النظام وكان في زمان شبابه قد عاشر قوما من الثنوية وقوما من السمتيّة القائلين بتكافؤ الادلة وخالط بعد كبره قوما من ملحدة الفلاسفة ثم خالط هشام بن الحكم الرافضى فاخذ عن هشام وعن ملحدة الفلاسفة قوله بابطال الجزء الذي لا يتجزأ ثم بنى عليه قوله بالطفرة التي لم يسبق إليها وهم احد قبله واخذ من الثنوية قوله بان فاعل العدل لا يقدر على

فعل الجور والكذب واخذ من هشام بن الحكم أيضا قوله بان الالوان والطعوم والروائح والاصوات اجسام وبنى على هذه البدعة قوله بتداخل الاجسام فى حيز واحد ودلين مذاهب الثنوية وبدع الفلاسفة وشبه الملحدة فى دين الاسلام وأعجب بقول البراهمة بابطال النبوات ولم يجسر على اظهار هذا القول خوفا من السيف فانكر اعجاز القرآن فى نظمه. وانكر ما روى فى معجزات نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم من انشقاق القمر وتسبيح الحصا فى يده ونبوع الماء من بين اصابعه ليتوصل بانكار معجزات نبينا عليه‌السلام الى انكار نبوته. ثم انه استثقل احكام شريعة الاسلام فى فروعها ولم يجسر على اظهار رفعها فابطل الطرق الدالة عليها فانكر لاجل ذلك حجة الاجماع وحجة القياس فى الفروع الشرعية (٤٩ ا) وانكر الحجة من الاخبار التى لا توجب) والعلم الضرورى ثم انه علم اجماع الصحابة على الاجتهاد فى الفروع الشرعية فذكرهم بما يقرءوه غدا من صحيفة مخازيه. وطعن فى فتاوى اعلام الصحابة رضى الله عنهم وجميع فرق الامة من فريقى الرأى والحديث مع الخوارج والشيعة والنجارية. واكثر المعتزلة متفقون على تكفير النظام وانما تبعه فى ضلالته شر ذمة من القدرية كالاسوارى وابن حائط وفضل الحدثي والجاحظ مع مخالفة كل واحد منهم له فى

بعض ضلالاته وزيادة بعضهم عليه فيها واعجاب هؤلاء النفر اليسير به كاعجاب الجعل بدحروجته. وقد قال بتكفيره اكثر شيوخ المعتزلة منهم أبو الهذيل فانه قال بتكفيره فى كتابه المعروف بالرد على النظام وفى كتابه عليه فى الاعراض والانسان والجزء الّذي لا يتجزأ. ومنهم الجبائى كفر النظام فى قوله ان المتولدات من افعال الله بايجاب الخلقة. والجبائى فى هذا الباب هو الكافر دون غيره غير انا أردنا ان نذكر تكفير شيوخ المعتزلة بعضها بعضا. وكفره الجبائى فى احالته قدرة الله تعالى على الظلم وكفره في قوله بالطبائع. وله فى ذلك كتاب عليه وعلى معمر فى الطبائع. ومنهم الاسكافى له كتاب على النظام كفره فيه فى اكثر مذاهبه. ومنهم جعفر بن حرب صنّف كتابا فى تكفير النظام بابطاله الجزء الّذي لا يتجزأ. واما كتب اهل السنة والجماعة فى تكفيره فالله يحصيها. ولشيخنا ابى الحسن الاشعرى رحمه‌الله فى تكفير النظام ثلاثة كتب وللقلانسى عليه كتب ورسائل (٤٩ ب) وللقاضى ابى بكر محمد بن أبى الطيب الاشعرى رحمه‌الله كتاب كبير فى بعض اصول النظام. وقد أشار الى ضلالاته فى كتاب اكفار المتأوّلين ونحن نذكر فى هذا الكتاب ما هو المشهور من فضائح النظام. فاولها قوله بان الله عزوجل لا يقدر ان يفعل بعباده خلاف ما

فيه صلاحهم ولا يقدر على ان ينقص من نعيم اهل الجنة ذرة لان نعيمهم صلاح لهم. والنقصان مما فيه الصلاح ظلم عنده ولا يقدر ان يزيد فى عذاب اهل النار ذرة ولا على ان ينقص من عذابهم شيئا. وزعم أيضا ان الله تعالى لا يقدر على ان يخرج احدا من اهل الجنة عنها ولا يقدر على ان يلقى فى النار من ليس من اهل النار. وقال لو وقف طفل على شفير جهنم لم يكن الله قادرا على القائه فيها وقدر الطفل على القاء نفسه فيها وقدرت الزبانية أيضا على القائه فيها. ثم زاد على هذا بان قال ان الله تعالى لا يقدر على ان يعمى بصيرا او يزمن صحيحا او يفقر غنيا اذا علم ان البصر والصحة والغنى اصلح لهم. وكذلك لا يقدر على ان يغنى فقيرا او يصحح زمنا اذا علم ان المرض والزمانة والفقر اصلح لهم ثم زاد على هذا ان قال انه لا يقدر على ان يخلق حية او عقربا او جسما يعلم ان خلق غيره اصلح من خلقه. وقد أكفرته البصرية من المعتزلة فى هذا القول وقالوا ان القادر على العدل يجب ان يكون قادرا على الظلم والقادر على الصدق يجب ان يكون قادرا (٥٠ ا) على الكذب وان لم يفعل الظلم والكذب لقبحهما او غناه عنهما وعلم بغناه عنهما لان القدرة على الشيء يجب ان يكون قدرة على صده. فاذا قال النظام ان الله تعالى لا يقدر على الظلم والكذب لزمه

ان لا يكون قادرا على الصدق والعدل. والقول بانه لا يقدر على العدل كفر فما يؤدى إليه مثله. وقالوا أيضا لا فرق بين قول النظام إنه يكون من الله تعالى ما لا يقدر على صدّه ولا على تركه وبين قول من زعم انه مطبوع على فعل لا يصح منه خلافه وهذا كفر فما يؤدى إليه مثله. ومن عجائب النظام فى هذه المسألة انه صنّف كتابا على الثنوية وتعجب فيه من قول المانوية بان النور يأمر اشكاله المختلفة بالظلمة يفعل الخير وهي مما لا تقدر على الشر ولا يصح منها فعل الشرور وتعجب من ذم الثنوية الظلمة على فعل الشرّ مع قولها بان الظلمة لا تستطيع فعل الخير ولا تقدر الا على الشر فيقال له. اذا كان الله عندك مشكورا على فعل العدل والصدق وهو غير قادر على فعل الظلم والكذب فما وجه انكارك على الثنوية ذم الظلم على الشر وهى عندهم لا تعذر على خلاف ذلك الفضيحة الثانية من فضائحه قوله ان الانسان هو الروح وهو جسم لطيف فداخل لهذا الجسم الكثيف مع قوله بان الروح هى الحياة المشابكة لهذا الجسد. وقد زعم انه فى الجسد على سبيل المداخلة وأنه جوهر واحد غير مختلف ولا متضاد. وفى قوله هذا فضائح له منها ان (٥٠ ب) الانسان على هذا القول لا يرى على الحقيقة وانما يرى الجسد الّذي فيه الانسان ومنها انه يوجب ان الصحابة ما رأوا رسول الله

صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانما رأوا قالبا فيه الرسول ومنها يوجب ان لا يكون احد قد رأى اباه وأمه وانما رأى قالبيهما. ومنها انه اذا قال فى الانسان انه ليس هو الجسد الظاهر وانما هو روح مداخل للجسد لزمه أن يقول فى الجماد أيضا انه ليس هو جسده وانما هو روح فى جسده وهو الحياة المشابكة للجسد. وكذلك القول فى الفرس وسائر البهائم وجميع الطيور والحشرات واصناف الحيوانات. وكذلك القول فى الملائكة والجن والانس والشياطين. وهذا يوجب ان احدا ما رأى حمارا ولا فرسا ولا طيرا ولا نوعا من الحيوان. ويوجب أيضا ان لا يكون النبي رأى ملكا ويوجب ان الملائكة لا يرى بعضهم بعضا وانما رأى الراءون قوالب هذه الاشياء التي ذكرناها. ومنها انه اذا قال ان الروح التى فى الجسد هى الانسان وهى الفاعلة دون الجسد الّذي هو قالبه لزمه ان يقول ان الروح هى الزانية والسارقة والقاتلة فاذا جلد الجسد وقطعت يده صار المقطوع غير السارق والمجلود غير الزانى وفى هذا غنى. ويقول الله عزوجل (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (النور ٢) وقوله (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (المائدة ٤١) وكفاه بعناد القرآن خزيا

الفضيحة الثالثة من فضائحه قوله بان الروح التى هى

الانسان بزعمه مستطيع بنفسه (٥١ ا) حىّ بنفسه وانما يعجز لآفة تدخل عليه والعجز عنده جسم ولا يخلو من ان يقول فى العاجز والميت انهما نفس الانسان الّذي يكون حيا قادرا او يقول ان الميت العاجز جسده. فان قال ان الانسان هو الّذي يعجز ويموت أبطل قوله بأنّ الانسان حىّ بنفسه ومستطيع بنفسه لوجود نفسه فى حال موته. وعجزه ميته او عاجزه وان زعم ان الروح هى قوى بنفسه وان الجسد هو الذي يموت ويعجز غير الّذي كان حيا قادرا ويجب على هذا القول ان لا يكون الله تعالى قادرا على احياء ميت ولا على امانة حىّ ولا على اقدار عاجز ولا على تعجيز قادر. لان الحىّ عنده لا يموت والقوىّ لا يعجز. وقد وصف الله تعالى نفسه بانه يحيى الموتى وان زعم ان الروح حىّ قوى بنفسه وانما تموت وتعجز لأنه تدخل عليه لم ينفصل ممن يزعم انها ميتة عاجزة بنفسها وانما تحيى وتقوى بحياة وقدرة تدخلان عليهما

الفضيحة الرابعة من فضائحه قوله ان الروح جنس واحد وافعاله جنس واحد وان الاجسام ضربان حىّ وميت وان الحى منها يستحيل ان يصير ميتا والميت يستحيل ان يصير حيا. وانما اخذ هذا القول من الثّنوية البرهانية الذين زعموا ان النور حىّ

خفيف من شأنه الصعود ابدا وان الظلام موات ثقيل من شأنه التسفل ابدا وان الثقيل الميت محال ان يصير خفيفا وان الخفيف الحىّ محال ان يصير ثقيلا ميتا (٥١ ب)

الفضيحة الخامسة من فضائحه دعواه ان الحيوان كله جنس واحد لاتفاق حمية منه فى تدريك الادراك. وزعم ان العمل اذا اتفق دلّ اتفاقه على اتفاق ما ولده. وزعم أيضا ان الجنس الواحد لا يكون منه عملان مختلفان كما لا يكون من النار تسخين وتبريد ولا من الثلج تسخين وتبريد. وهذا تحقيق قول الثنوية ان النور يفعل الخير ولا يكون منه الشر. والظلام يفعل الشر ولا يكون منه الخير لان الفاعل الواحد لا يفعل فعلين مختلفين كما لا يقع من النار تسخين وتبريد ولا من الثلج تسخين وتبريد. ومن العجب انه صنف كتابا على الثنوية ألزمهم فيه استحالة مزاج النور والظلمة اذا كانا مختلفين فى الجنس والعمل وكانت جهات تحركهما مختلفة. ثم زعم مع ذلك ان الخفيف والثقيل من الاجسام مع اختلافهما فى جنسيهما واختلاف جهتى حركتهما تتداخلان والمداخلة فى حيّز واحد اعظم من المزاج الّذي انكره على الثنوية الفضيحة السادسة من فضائحه قوله بان النار من شأنها ان تعلو بطباعها على كل شيء وانها اذا شملت من الشوائب الحابسة لها فى

هذا العالم ارتفعت حتى تجاوز السماوات والعرش الا ان يكون من جنسها ما تتصل به فلا تفارقه. وقال فى الروح أيضا انه اذا كان فارق الجسد ارتفع ويستحيل منها غير ذلك وهذا بعينه قول الثنوية اذا الّذي شاب من اجزاء النور باجزاء الظلمة اذا انفصل منها ارتفع الى عالم النور فان كان يثبت فوق السماء نورا تتصل به الارواح فهو ثنوىّ وان كان (٥٢ ا) يثبت فوق الهواء نارا يخلص إليها النيران المرتفعة فى الهواء فهو من جملة الطبيعيين الذين زعموا ان مسافة الهواء فى الارتفاع عن الاعراض ستة عشر ميلا وفوقها نار متصلة بفلك القمر يلحق بها ما يرتفع من لهب النار فهو اما ثنوى واما طبيعى يدلّس نفسه فى غمار المسلمين

الفضيحة السابعة من فضائحه قوله بان افعال الحيوان كلها من جنس واحد وهي كلها حركة وسكون. والسكون عنده حركة اعتماد. والعلوم والارادات عنده من جملة الحركات وهى الاعراض. والاعراض كلها عنده جنس واحد وهى كلها حركات. فاما الالوان والطعوم والاصوات والخواطر فهن عنده اجسام مختلفة به ومتداخلة ونتيجة قوله بان افعال الحيوان جنس واحد توجب عليه ان يكون الايمان مثل الكفر والعلم مثل الجهل والحب مثل البغض. وان يكون فعل النبي عليه‌السلام بالمؤمنين مثل فعل ابليس بالكافرين

وان يكون دعوة النبي عليه‌السلام الى دين الله تعالى مثل دعوة ابليس الى الضلالة وقد قال فى بعض كتبه ان هذه الافعال كلها جنس واحد وانما اختلفت اسماؤها لاختلاف احكامها وهى فى الجنس واحد لانها كلها افعال الحيوانات. ولا يفعل الحيوان عنده فعلين مختلفين كما لا يكون من النار تبريد وتسخين ويلزمه على هذا الاصل ان لا يغضب على من شتمه ولعنه لان قول القائل لعن الله النظّام عند النظّام مثل قوله رحمه‌الله. وقوله انه ولد زنى كقوله انه ولد حلال فان رضى (٥٢ ب) لنفسه بمثل هذا المذهب فهو أهل له ولما يلزمه عليه

الفضيحة الثامنة من فضائحه قوله بان الالوان والطعوم والروائح والاصوات والخواطر أجسام واجازته تداخل الاجسام الكثيرة فى حيّز واحد. وقد انكر على هشام بن الحكم قوله بان العلوم والارادات والحركات اجسام وقال لو كانت هذه الثلاثة اجساما لم يجتمع فى شيء واحد ولا فى حيّز واحد. وهو يقول ان اللون والطعم والصوت اجسام متداخلة فى حيّز واحد وينقض بمذهب اعتلاله على خصمه ومن أجاز مداخلة الاجسام فى حيّز واحد لزمه اجازة دخول الجمل فى سم الخياط

الفضيحة التاسعة من فضائحه قوله فى الاصوات وذلك انه

زعم انه ليس فى الارض اثنان سمعا صوتا واحدا الا على معنى انهما سمعا جنسا واحدا من الصوت كما يأكلان جنسا واحدا من الطعام وان كان مأكول احدهما غير مأكول الآخر. وانما ألجأه الى هذا القول دعواه ان الصوت لا يسمع الا بهجومه على الروح من جهة السمع ولا يجوز ان يهجم من قطعة واحدة على سمعين متباينين. وشبّه ذلك بالماء المصوب على قوم يصيب كل واحد منهم غير ما يصيب الآخر. ويلزمه على هذا الاصل ان لا يكون احد سمع كلمة واحدة من الله تعالى ولا من رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. لان مسموع كل واحد من السامعين خير من صوت المتكلم بالكلمة الواحدة. والكلمة الواحدة ربما كانت من حرفين وبعض الحرفين لا يكون كلمة عنده وان زعم (٥٣ ا) ان الصوت لا يكون كلاما ولا مسموعا الا اذا كان من حروف لزمه ان لا يسمع الجماعة حرفا واحدا لان الحرف الواحد لا ينقسم حروفا كثيرة على عدد السامعين

الفضيحة العاشرة من فضائحه قول بانقسام كل جزء لا الى نهاية. وفى ضمن هذا القول احالة كون الله تعالى محيطا بآخر العالم عالما بها وذلك قول الله تعالى (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (الجنّ ٢٨) ومن عجائبه انه انكر على المانوية قولهم بان الهمّامة التى هى روح

الظلمة عندهم قطعت بلادها ووافت الفضيحة العليا من العليا حتى شاهدت النور وقال لهم. ان كانت بلادها لا تتناهى من جهة السفل فكيف قطعتها الهمّامة لان قطع ما لا نهاية له محال. ثم زعم مع ذلك ان الروح اذا فارق البدن قطع العالم الى فوق مع قوله بان المقطوع من العالم غير متناهية الأجزاء. بل كل قطعة منها غير متناهية الاجزاء فكيف قطعها الروح فى وقت متناه. ولاجل هذا الالزام قال بالطفرة التى لم يسبق إليها من أهل الاهواء غيره. واعجب من هذا انه الزم الثنوية بتناهى النور والظلمة من كل جهة من الجهات الست من اجل قولهم بتناهى كل واحد منها من جهة ملاقاته للآخر. فهل استدل بتناهى كل جسم من جميع جهات اطرافه على تناهى اجزائه فى الوسط. واذا كان تناهى الجسم من جهاته الست لا يدل عنده على تناهيه فى الوسط لم ينفصل من الثنوية اذا قالوا ان تناهى كل واحد من النور والظلمة من جهة الملاقاة لا يدل على تناهيهما من سائر الجهات (٥٣ ب)

الفضيحة الحادية عشرة من فضائحه قوله بالطفرة وهى دعواه ان الجسم قد يكون فى مكان ثم يصير منه الى المكان الثالث أو العاشر منه من غير مرور بالامكنة المتوسطة بينه وبين العاشر ومن غير ان يصير معدوما فى الأول ومعادا فى العاشر. ونحن نتحاكم

إليه فى بطلان هذا القول ان انصف من نفسه وان كان التحكيم بعد أبى موسى الأشعرى وعمرو بن العاص تضييعا للحزم

الفضيحة الثانية عشرة من فضائحه هى التى تكاد السماوات يتفطرن منه وهى دعواه انه لا يعلم باخبار الله عزوجل ولا باخبار رسوله عليه‌السلام ولا باخبار اهل دينه شيء على الحقيقة. ودعواه ان الاجسام والالوان لا يعلمان بالاخبار والّذي الجأه الى هذا القول الشنيع قوله بان المعلومات ضربان محسوس وغير محسوس والمحسوس منها اجسام ولا يصح العلم بها الا من جهة الحس. والحس عنده لا يقع الا على جسم واللون والطعم والرائحة والصوت عنده اجسام. قال ولهذا ادركت بالحواسّ. واما غير المحسوس فضربان قديم وأعراض وليس طريق العلم بهما الخبر. وانما يعلمان بالقياس والنظر دون الحس والخبر. فقيل له على هذا الاصل كيف عرفت ان محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان فى الدنيا وكذلك سائر الأنبياء والملوك. وان كانت الاخبار عندك لا يعلم بها شيء فقال ان الذين شاهدوا النبي عليه‌السلام اقتطعوا منه حين رأوه قطعة توزعوها بينهم وصلوها بارواحهم فلما أخبروا التابعين عن وجوده خرج منهم بعض (٥٤ ا) تلك القطعة فاتصل بارواح التابعين ففرقه التابعون لاتصال ارواحهم ببعضه. وهكذا

قصة الناقلون عن التابعين ومن نقلوا عنهم الى ان وصل إلينا. فقيل فقد علمت اليهود والنصارى والمجوس والزنادقة ان نبينا عليه‌السلام كان فى الدنيا أفتزعم ان قطعة منه اتصلت بارواح الكفرة فالتزم ذلك فالزم ان يكون أهل الجنة اذا اطّلعوا على اهل النار ورآهم اهل النار وخاطب كل واحد من الفريقين الفريق الآخر ان تنفصل قطعة من ارواح كل واحد منهم فيتصل بأرواح الفريق الآخر فيدخل الجنة قطع كثيرة من ابدان اهل النار وارواحهم ويدخل النار قطع كثيرة من ابدان أهل الجنة وارواحهم وكفاه بالتزام هذه البدعة خزيا

الفضيحة الثالثة عشرة من فضائحه ما حكاه الجاحظ عنه من قوله تتجدد الجواهر والاجسام حالا بعد حال وان الله تعالى يخلق الدنيا وما فيها فى كل حال من غير ان يفنيها ويعيدها. وذكر أبو الحسين الخياط فى كتابه على ابن الراوندي ان الجاحظ غلط فى حكاية هذا القول على النظام فيقال له ان صدق الجاحظ عليه فى هذه الحكاية فاحكم بخل النظام وحمقه والحادة فيه. وان كذب عليه فاحكم بمجون الجاحظ وسفهه وهو شيخ المعتزلة وفيلسوفها ونحن لا ننكر كذب المعتزلة على أسلافها اذا كانوا كاذبين على ربّهم ونبيّهم

الفضيحة الرابعة عشر من فضائحه قوله بأنّ الله تعالى خلق الناس والبهائم وسائر الحيوان وأصناف النبات والجواهر (٥٤ ب) المعدنية كلها فى وقت واحد وأن خلق آدم عليه‌السلام لم يتقدم على خلق اولاده ولا تقدّم خلق الامهات على خلق الأولاد. وزعم أن الله تعالى خلق ذلك أجمع فى وقت واحد غير أنّ اكثر بعض الاشياء فى بعض. فالتقدّم والتأخر إنما يقع فى ظهورها من أماكنها. وفى هذا تكذيب منه لما اجتمع عليه من سلف الأمة مع أهل الكتاب من اليهود والنصارى والسامرة من أن الله تعالى خلق اللّوح والقلم قبل خلق السموات والأرض. وإنما اختلفت المسلمون فى السماء والأرض أيّتهما خلقت أولا فخالف النظام المسلمين وأهل الكتاب فى ذلك وخالف فيه أكثر المعتزلة لأن المعتزلة البصرية زعمت أن الله تعالى خلق إرادته قبل مراداته وأقرّ سائرهم بخلق بعض أجسام العالم قبل بعض. وزعم أبو الهذيل أنه خلق قوله للشىء كن لا فى محلّ قبل أن خلق الأجسام والأعراض. وقول النظام بالظهور والكمون فى الأجسام وتداخلها شرّ من قول الزهرية الذين زعموا أنّ الأعراض كلها كامنة فى الأجسام. وإنما يتعيّن الوصف على الأجسام بظهور بعض الاعراض وكمون بعضها وفى كل واحد من المذهبين تطريق

الدّهرية الى إنكار حدوث الأجسام والأعراض بدعواهم وجود جميعها فى كل حال على شرط كمون بعضها وظهور بعضها من غير حدوث شيء منها فى حال الظهور. وهذا إلحاد وكفر وما يؤدى الى الضلالة فهو مثلها

الفضيحة الخامسة عشرة. من فضائحه قوله ان نظم القرآن وحسن تأليف كلماته ليس بمعجزة للنبىّ عليه‌السلام ولا دلالة على صدقه فى دعواه النبوّة. وإنما وجه الدلالة منه على صدقه ما فيه من (٥٥ ا) الاخبار عن الغيوب. فأما نظم القرآن وحسن تأليف آياته فإنّ العباد قادرون على مثله وعلى ما هو أحسن منه فى النظم والتأليف وفى هذا عناد منه لقول الله تعالى (لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء ٨٨) ولم يكن غرض منكر إعجاز القرآن إلّا إنكار نبوّة من تحدّى العرب بأن يعارضوه بمثله

الفضيحة السادسة عشرة. من فضائحه قوله بأن الخبر المتواتر مع خروج ناقليه عند سامع الخبر عن الحصر ومع اختلاف همم الناقلين واختلاف دواعيهم يجوز أن يقع كذب هذا مع قوله بأن من أخبار الآحاد ما يوجب العلم الضرورىّ. وقد كفّره أصحابنا

مع موافقيه فى الاعتزال فى هذا المذهب الّذي صار إليه

الفضيحة السابعة عشرة من فضائحه تجويزه إجماع الامة فى كل عصر وفى جميع الاعصار على الخطأ من جهة الرأى والاستدلال يلزمه على هذا الاصل ان لا يثق بشيء مما اجتمعت الامة عليه لجواز خطئهم فيه عنده. واذا كانت احكام الشريعة منها ما اخذه المسلمون عن خبر متواتر. ومنها ما أخذوه عن اخبار الآحاد. ومنها ما أجمعوا عليه وأخذوه عن اجتهاد وقياس. وكان النظام واقعا لحجة التواتر ولحجة الإجماع وأبطل القياس وخبر الواحد اذا لم يوجد العلم الضرورىّ فكأنه أراد إبطال أحكام فروع الشريعة لإبطاله طرقها

الفضيحة الثامنة عشرة. دعواه فى باب الوعيد أن من غصب أو سرق مائة وتسعة وتسعين درهما (٥٥ ب) لم يفسق بذلك حتى يكون ما سرقه او غصبه وخان فيه مائتى درهم فصاعدا. فان كان قد بنى هذا القول على ما يقطع فيه اليد فى السرقة فما جعل أحد نصاب القطع فى السرقة مائتى درهم بل قال قوم فى نصاب القطع إنه ربع دينار او قيمته وبه قال الشافعىّ وأصحابه. وقال مالك بربع دينار او ثلاثة دراهم. وقال ابو حنيفة بوجوب القطع فى عشرة دراهم فصاعدا واعتبره قوم بأربعين درهما او قيمتها وأوجبت

الاباضية القطع فى قليل السرقة وكثيرها. وما اعتبر احد نصاب القطع بمائتى درهم. ولو كان التفسيق معتبرا بنصاب القطع لما فسق الغاصب لألوف دنانير لأنه لا قطع على الغاصب المجاهر ولوجب أن لا يفسق من سرق الالوف من غير حرز او من الابن لأنه لا قطع فى هذين الوجهين. وان كان إنما بنى تحديد المائتين فى الفسق على ان المائتين نصاب للزكاة لزمه تفسيق من سرق اربعين شاة بوجوب الزكاة فيها وان كانت قيمتها دون مائتى درهم واذا لم يكن للقياس فى تحديده محال ولم يدلّ عليه نصّ من القرآن والسنّة الصحيحة لم يكن مأخوذا الّا من وسوسة شيطانه الذي دعاه الى ضلالته

الفضيحة التاسعة عشرة من فضائحه قوله فى الايمان ان اجتناب الكبيرة فحسب. ونتيجة هذا القول ان الأقوال والافعال ليس شيء منها إيمانا والصلاة عنده أفعالها ليست بايمان ولا من الايمان وانما الايمان فيها ترك الكبائر فيها. وكان يقول مع هذا ان الفعل والترك كلاهما طاعة والناس قبله فريقان. فريق قالوا ان الصلاة كلها (٥٦ ا) من الايمان وفريق قالوا ليس شيء من الصلاة ايمانا. وقد فارق هو الفريقين فزعم ان الصلاة ليست من الايمان وترك الكبائر فيها من الايمان

الفضيحة العشرون من فضائحه قوله فى باب المعاد بان العقارب والحيّات والخنافس والذباب والذبان والجعلان والكلاب والخنازير وسائر السباع والحشرات تحشر الى الجنة. وزعم أنّ كل من وكل ما تفضل الله عليه بالجنة لا يكون لبعضهم على بعض درجة فى التفضيل وزعم أنه ليس لابراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الجنة تفضيل درجة على درجات أطفال المؤمنين. ولا لاطفال المؤمنين فيها تفضيل بدرجة او نعمة أو مرتبة على الحيّات والعقارب والخنافس لانه لا عمل لهم كما لا عمل لها فحجر على رب العالمين ان يتفضل على اولاد الأنبياء بزيادة نعمة لا يتفضل بمثلها على الحشرات. ثم لم يرض بهذا الحجر حتى زعم انه لا يقدر على ذلك وزعم أيضا انه لا يتفضل على الأنبياء عليهم‌السلام الّا بمثل ما يتفضل به على البهائم لأن باب الفضل عنده لا يختلف فيه العالمون وغيرهم وانما يختلفون فى الثواب والجزاء لاختلاف مراتبهم فى الاعمال. وينبغى للنظّام على قول هذا الأصل ان لا يغضب على من قال له. حشرك الله مع الكلاب والخنازير والحيّات والعقارب الى مأواها. ونحن ندعو له بهذا الدعاء رضى به لنفسه الفضيحة الحادية والعشرون من فضائحه أنه لما ابتدع ضلالاته فى العلوم العقلية أدخل فى أبواب الفقه أيضا ضلالات له لم

(٥٦ ب) يسبق إليها منها قوله إنّ الطلاق لا ينفع بشيء من الكنايات كقول الرجل لامرأته أنت خليّة او برية او حبلك على غاربك او الحقي بأهلك او اغتدى او نحوها من كنايات الطلاق عند الفقهاء. سواء نوى بها الطلاق او لم ينوه. وقد أجمع فقهاء الامة على وقوع الطلاق بها اذا قارنتها نية الطلاق. وقد قال فقهاء العراق. إنّ كتابات الطلاق فى حال الغضب كصريح الطلاق فى وقوع الطلاق بهما من غير نية. ومنها قوله فى الظهار ان من ظاهر من امرأته بذكر البطن او الفرج لم يكن مظاهرا. وهذا فيه خلاف قول الامة بأسرها والشأن فى أنه كان يقول بتفسيق أبى موسى الاشعرىّ فى حكمه ثمّ اختار قوله فى أن النوم لا ينقض الطهارة اذا لم يكن معها حدث على قول الجمهور الأعظم بأن النوم مضطجعا ينقض الوضوء. وانما اختلفوا فى النوم قاعدا وراكعا وساجدا وسامح فيه أبو حنفية وأوجبه اكثر اصحاب الشافعىّ من طريق القياس. ومنها أنه زعم أن من ترك صلاة مفروضة عمدا لم يصحّ قضاؤه لها ولم يجب عليه قضاؤها. وهذا عند سائر الامة كفر ككفر من زعم أن الصلوات الخمس غير مفروضة. وفى فقهاء الامة من قال فيمن فاتته صلاة مفروضة أنه يلزمه قضاء صلوات يوم وليلة. وقال سعيد بن المسيّب من ترك صلاة مفروضة

حتى فات وقتها قضى الف صلاة وقد بلغ من تعظيم شأن الصلاة أن بعض الفقهاء افتى بكفر من ينكرها (٥٧ ا) عامدا وان لم يستحل تركها كما ذهب إليه احمد بن حنبل. وقال الشافعىّ بوجوب قتل تاركها عمدا وان لم يحكم بكفره اذا تركها كسلا لا استحلالا وقال ابو حنيفة بحبس تارك الصلاة وتعذيبه الى ان يصلى. وخلاف النظام للامة فى وجوب قضاء المتروكة من فرائض الصلاة بمنزلة خلاف الزنادقة فى وجوب الصلاة. ولا اعتبار بالخلافين. ثم ان النظام مع ضلالاته التى حكيناها عنه طعن فى اخبار الصحابة والتابعين من اجل فتاويهم بالاجتهاد فذكر الجاحظ عنه فى كتاب المعارف وفى كتابه المعروف بالفتيا. أنه عاب اصحاب الحديث ورواياتهم احاديث ابى هريرة. وزعم أن أبا هريرة كان اكذب الناس وطعن فى الفاروق عمر رضى الله عنه. وزعم انه شك يوم الحديبية فى دينه وشك يوم وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وأنه ـ كان فيمن نفر بالنبى عليه‌السلام ليلة العقبة وأنه ضرب فاطمة ومنع ميراث الفترة. وانكر عليه تغريب نصر بن الحجاج من المدينة الى البصرة وزعم أنه ابدع صلاة التراويح ونهى عن متعة الحج وحرّم نكاح الموالى للعربيات. وعاب عثمان بإيوائه الحكم بن العاص الى المدينة واستعماله الوليد بن عقبة على الكوفة حتى صلى بالناس وهو سكران

وعابه بأن أعان سعيد بن العاص بأربعين الف درهم على نكاح عقده. وزعم أنه استأثر بالحمي. ثم ذكر عليا رضى الله عنه وزعم انه سئل عن بقرة قتلت حمارا فقال (٥٧ ب) اقول فيها برأيى ثم قال بجهله من هو حتى يقضي برأيه. وعاب أبا مسعود فى قوله فى حديث تزويج بنت واشتف اقول فيها برأيى فان كان صوابا فمن الله عزوجل وان كان خطأ فمنّى. وكذّبه فى روايته عن النبي عليه‌السلام أنه قال. السعيد من سعد فى بطن أمه والشقىّ من شقى فى بطن أمه. وكذبه أيضا فى روايته انشقاق القمر وفى رواية الجنّ ليلة الجنّ فهذا قوله فى اخيار الصحابة وفى اهل بيعة الرضوان الذين انزل الله تعالى فيهم (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (الفتح ١٨) ومن غضب على من رضى الله عنه فهو المغضوب عليه دونه. ثم أنه قال فى كتابه ان الذين حكموا بالرأى من الصحابة اما ان يكونوا قد ظنوا أن ذلك جائز لهم وجهلوا تحريم الحكم بالرأى فى الفتيا عليهم. وإما ارادوا أن يذكروا بالخلاف وأن يكونوا رؤساء فى المذاهب فاختاروا لذلك القول بالرأى فنسبهم الى إيثار الهوى على الدين. وما للصحابة رضى الله عنهم عند هذا الملحد الفرىّ ذنب غير أنهم كانوا موحدين لا يقولون بكفر القدرية الذين ادّعوا مع الله تعالى خالقين كثيرين

وانما انكر على ابن مسعود روايته. أن السعيد من سعد فى بطن أمه والشقىّ من شقى فى بطن أمه. لأن هذا اخلاف قول القدرية فى دعواها من السعادة والشقاوة ليستأمن قضاء الله عزوجل وقدره. وانما إنكاره انشقاق القمر فإنما كره منه ثبوت معجزة لنبينا عليه‌السلام كما انكر معجزته فى نظم القرآن فإن كان أحال (٥٧ ا) انشقاق القمر مع ذكر الله عزوجل ذلك فى القرآن مع قوله من طريق العقل فقد زعم أن جامع اجزاء القمر لا يقدر على تفريقها. وان اجاز انشقاق القمر فى القدرة والإمكان فما الّذي اوجب كذب ابن مسعود فى روايته انشقاق القمر مع ذكر الله عزوجل ذلك فى القرآن مع قوله (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (القمر ١ و ٢) فقول النظام بانشقاق القمر. لم يكن أصلا. شرّ من قول المشركين الذين قالوا لما رأوا انشقاقه زعموا أن ذلك واقع بسحر. ومنكر وجود المعجزة شرّ ممن تأوّلها على غير وجهها. وأما انكاره رؤية الجنّ اصلا لزمه أن لا يرى بعض الجنّ بعضا وان اجاز رؤيتهم فما الّذي أوجب تكذيب ابن مسعود فى دعواه رؤيتهم. ثم ان النظام مع ما حكيناه من ضلالاته كان افسق خلق الله عزوجل وأجرأهم على الذنوب العظام وعلى إدمان شرب المسكر. وقد

ذكر عبد الله بن مسلم بن قتيبة رحمه‌الله فى كتاب مختلف الحديث أن النظام كان يعدو على مسكر ويروح على مسكر وانشد قوله فى الخمر

ما زلت آخذ روح الزق فى لطف

واستبيح دما من غير مذبوح

حتى انتشيت ولى روحان فى بدن

والزقّ مطّرح جسم بلا روح

ومثله فى طعنه على اخبار الصحابة مع بدعته فى أقواله وضلالته فى أفعاله كما قيل فى الامثال السائرة. ان من كان فى دينه دميما وفى أصله لئيما لم يترك لنفسه عارا يهيما الا نحله كريما واستباح به حريما وهل يضرّ السحاب نباح الكلاب؟ وكما لا يضرّ السحاب نباح الكلاب كذلك لا يضرّ (٥٨ ب)

(ملاحظة) انقطع الكلام فى منتهى الصفحة ٥٨ ب ومن سياق الكلام يظهر ان ثمّة صحائف مفقودة.

عرض فى الجسم من فعل الجسم بطبعه. والاصوات عنده فعل الاجسام المصوبة بطباعها. وفناء الجسم عنده فعل الجسم بطبعه وصلاح الزروع وفسادها من فعل الزروع عنده. وزعم أيضا ان فناء كل فان فعل له بطبعه. وزعم ان ليس لله تعالى فى الاعراض

صنع ولا تقدير. وفى قوله ان الله تعالى لم يخلق حياة ولا موتا تكذيب منه لوصف الله سبحانه نفسه بأن يحيى ويميت وكيف يحيى ويميت من لا يخلق حياة ولا موتا

والفضيحة الثانية من فضائحه انه لما زعم أن الله تعالى لم يخلق شيئا من الاعراض. وانكر مع ذلك صفات لله تعالى الازلية كما أنكرها سائر المعتزلة لزمه على هذه البدعة أن لا يكون لله تعالى كلام اذ لم يمكنه أن يقول إنّ كلامه صفة له ازلية كما قال أهل السنة والجماعة لأنه لا يثبت لله تعالى صفة ازلية. ولم يمكنه أن يقول إن كلامه فعله كما قاله سائر المعتزلة لأن الله سبحانه عنده لم يفعل شيئا من الاعراض. والقرآن عنده فعل الجسم الّذي حل الكلام فيه وليس هو فعلا لله تعالى ولا صفة له فليس يصح على اصله أن يكون له كلام على معنى الصفة ولا على معنى الفعل. واذا لم يكن له كلام لم يكن له امر ونهى وتكليف. وهذا يؤدى الى رفع التكليف والى رفع احكام الشريعة وما أراد غيره لأنه قال بما يؤدى إليه

الفضيحة الثالثة من فضائحه دعواه أن كل نوع من الأعراض الموجودة فى الاجسام لا نهاية لعدده وذلك أنه قال اذا كان المتحرك متحركا بحركة قامت به (٥٩ ا) فتلك الحركة اختصت بمحله

لمعنى سواها. وذلك المعنى أيضا يختصّ بمحله لمعنى سواه. وكذلك القول فى اختصاص كل معنى بمحله لمعنى سواه لا الى نهاية. وكذلك اللون والطعم والرائحة وكلّ عرض يختص بمحله لمعنى سواه. وذلك المعنى أيضا يختص بمحله لمعنى سواه لا الى نهاية. وحكى الكعبىّ عنه فى مقالاته أن الحركة عنده انما خالفت السكون لمعنى سواها. وكذلك السكون خالف الحركة لمعنى سواه. وان هذين المعنيين مختلفان لمعنيين غيرهما. ثم هذا القياس معتبر عنده لا الى نهاية. وفى هذا القول إلحاد من وجهين. احدهما قوله بحوادث لا نهاية لها وهذا يوجب وجود حوادث لا يحصيها الله تعالى وذلك عناد لقول الله تعالى (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (الجن ٢٨) والثانى إن قوله بحدوث أعراض لا نهاية لها يؤديه الى القول بأنّ الجسم أقدر من الله لأن الله عنده أنه ما خلق غير الاجسام وهى محصورة عندنا وعنده. والجسم اذا فعل عرضا فقد فعل معه ما لا نهاية له من الاعراض. ومن خلق ما لا نهاية له ينبغى أن يكون أقدر مما لا يخلق إلا متناهيا فى العدد. وقد اعتذر الكعبىّ عنه فى مقالاته بأن قال إن معمرا كان يقول إنّ الانسان لا فعل له غير الإرادة. وسائر الاعراض أفعال الاجسام بالطباع. فان صحت هذه الرواية عنه لزمه أن يكون الطبع الّذي نسب إليه فعل الاعراض

أقوى من الله عزوجل لأن افعال الله أجسام محصورة وأفعال الطباع أصناف من الاعراض. كل صنف منها غير محصور العدد. وعلى أن قول معمر بأعراض لا نهاية لها تطريق لاصحاب (٥٩ ب) الظهور والكمون على المسلمين فى حدوث الأعراض. وذلك أن المسلمين استدلوا على حدوث الاعراض فى الأجسام بتعاقب المتضادات منها على الاجسام. وأنكر أصحاب الكمون والظهور حدوث الاعراض. وزعموا أنها كلها موجودة فى الاجسام. فاذا ظهر فى الجسم بعض الاعراض كمن فيه ضده. واذا كمن فيه العرض ظهر ضده. فقال لهم المقصّدون. لو كمن العرض تارة وظهر تارة لكان ظهوره بعد الكمون وكمونه بعد الظهور لمعنى سواه. والّا افتقر ذلك المعنى فى ظهوره وكمونه الى معنى سواه لا الى نهاية. واذا بطل اجتماع ما لا نهاية له من الاعراض فى الجسم الواحد صح تعاقبها على الجسم من جهة حدوثها فيه لا من جهة الكمون والظهور. واذا قال معمر. يجوز اجتماع ما لا نهاية له من الاعراض فى الجسم لم يصح له دفع اصحاب الكمون والظهور عن دعواهم وجود أعراض لا نهاية لها من اجناس الكمون والظهور فى محل واحد. وسوق هذا الاصل يؤدى الى القول بقدم الأعراض. وذلك كفر فما يؤدى إليه مثله

الفضيحة الرابعة من فضائحه قوله فى الانسان إنه شيء غير هذا الجسد المحسوس وهو حىّ عالم قادر مختار وليس هو متحركا ولا ساكنا ولا متلونا ولا يرى ولا يلمس ولا يحل موضعا دون موضع ولا يحويه مكان دون مكان. فاذا قيل له أتقول إن الانسان فى هذا الجسد أم فى السماء (٦٠ ا) أم فى الارض أم فى الجنة أم فى النار قال. لا اطلق شيئا من ذلك ولكني أقول إنه فى الجسد مدبّر وفى الجنة منعّم او فى النار معذّب وليس هو فى شيء من هذه الاشياء حالا ولا متمكنا لأنه ليس بطويل ولا عريض ولا عميق ولا ذى وزن. فوصف الانسان بما يوصف به الاله سبحانه لأنه وصفه بأنه حىّ عالم قادر حكيم. وهذه الاوصاف واجبة لله تعالى. ثم نزّه الانسان عن أن يكون متحركا او ساكنا او حارّا او باردا او رطبا او يابسا او ذا لون او وزن او طعم او رائحة. والله سبحانه منزّه عن هذه الاوصاف. وكما زعم أن الانسان فى الجسد مدبر له لا على معنى الحلول والتمكن فيه. كذلك الاله عنده فى كل مكان على معنى أن مدبّر له عالم بما يجرى فيه لا على معنى الحلول والتمكن فيه. فكأنه أراد أن يعبد الانسان لوصفه إياه بما يوصف الاله به. فلم يحسن على اظهار القول بذلك فقال بما يؤدى إليه. ثم إن هذا القول يوجب عليه أن لا يرى إنسان إنسانا

ويوجب أن لا يكون الصحابة رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكفاه بذلك خزيا

الفضيحة الخامسة من فضائحه قوله بأن الله لا يجوز ان يقول فيه انه قديم مع وصفه إياه بأنه موجود ازليّ

الفضيحة السادسة من فضائحه امتناعه عن القول بأن الله تعالى يعلم نفسه لا من شرط المعلوم عنده ان يكون غير العالم به وهذا يبطل عليه بذكر الذاكر نفسه. لأنه اذا جاز ان يذكر الذاكر نفسه جاز ان يعلم العالم نفسه وقد افتخر الكعبىّ فى مقالاته بان معمرا من شيوخه فى الاعتزال ومن افتخر بمثله (٦٠ ب) وهبناه منه وتمثلنا بقول الشاعر

هل مشتر والسعيد بايعه

هل بايع والسعيد من وهبا

ذكر البشرية منهم هؤلاء اتباع بشر بن المعتمر وقال اخوانه من القدرية بتكفيره في امور هو فيها مصيب عند القدرية فما كفرته القدرية فيه قوله بان الله تعالى قادر على لطف لو فعله بالكافر لآمن طوعا. وكفروه أيضا في قوله بان الله تعالى لو خلق العقلاء ابتداء في الجنة وتفضل عليهم بذلك لكان ذلك أصلح لهم. وكفروه أيضا بقوله ان الله لو علم من عبد انه لو أبقاه لآمن كان إبقاؤه اياه أصلح له من ان يميته كافرا. وكفروه أيضا

بقوله ان الله تعالى لم يزل مريدا. وفي قوله ان الله تعالى اذا علم حدوث شيء من افعال العباد ولم يمنع منه فقد أراد حدوثه. والحق في هذه المسائل الخمس كفّرت المعتزلة البصرية فيها بشرا مع بشر. والمكفرون له فيها هم الكفرة ونحن نكفّر بشرا في أمور سواها (كذا) كل واحد منها بدعة شنعاء. أولها قول بشر بان الله تعالى ما والى مؤمنا في حال إيمانه ولا عادى كافرا في حال كفره. ويجب تكفيره في هذا على قول جميع الامة اما على قول أصحابنا. فلأنّا نقول إنّ الله تعالى لم يزل مواليا لمن علم انه يكون وليا له اذا وجد. ومعاديا لمن علم اذا وجد كفر ومات على كفره يكون معاديا له قبل كفره وفي حال كفره وبعد موته. واما على اصول المعتزلة غير بشر. فلأنهم قالوا ان الله لم يكن (٦١ ا) مواليا لاحد قبل وجود الطاعة منه فكان في حال وجود طاعته مواليا له. وكان معاديا للكافر في حال وجود الكفر منه فإن ارتد المؤمن صار الله تعالى معاديا له بعد ان كان مواليا له عندهم. وزعم بشر أن الله تعالى لا يكون مواليا للمطيع في حال وجود طاعته ولا معاديا للكافر في حال وجود كفره وانما يوالى المطيع في الحالة الثانية من وجود طاعته ويعادى الكافر في الحالة الثانية من وجود كفره. واستدلّ على ذلك بأن قال لو جاز ان يوالى المطيع في حال طاعته

وجاز ان يعادى الكافر في حال وجود كفره لجاز ان يثيب المطيع في حال طاعته ويعاقب الكافر في حال كفره فقال اصحابنا. لو فعل ذلك لجاز فقال. لو جاز ذلك لجاز ان يمسخ الكافر في حال كفره فقلنا له لو فعل ذلك لجاز

الفضيحة الثانية من فضائح بشر إفراطه بالقول فى التولّد حتى زعم انه يصح من الانسان ان يفعل الالوان والطعوم والروائح والرؤية والسمع وسائر الإدراكات على سبيل التولد اذا فعل اسبابها. وكذلك قوله في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وقد كفّره اصحابنا وسائر المعتزلة في دعواه ان الانسان قد يخترع الألوان والطعوم والروائح والادراكات

الفضيحة الثالثة من فضائحه قوله بأن الله تعالى قد يغفر للانسان ذنوبه ثم يعود فيما غفر له فيعذبه عليه اذا عاد الى معصيته فسئل على هذا. عن كافر تاب عن كفره ثم شرب الخمر بعد توبته عن كفره من غير استحلال منه للخمر وغامضه الموت قبل (٦١ ب) توبته عن شرب الخمر هل يعذّبه الله تعالى في القيمة على الكفر الّذي قد تاب منه فقال. نعم. فقيل له. يجب على هذا أن يكون عذاب من هو على ملة الاسلام مثل عذاب الكافر فالتزم ذلك

الفضيحة الرابعة من فضائحه قوله بأن الله تعالى يقدر على ان

يعذّب الطفل ظالما له في تعذيبه اياه فانه لو فعل ذلك لكان الطفل بالغا عاقلا مستحقا للعذاب. وهذا في التقدير كأنه يقول ان الله تعالى قادر على ان يظلم ولو ظلم لكان بذلك الظلم عادلا. واوّل هذا الكلام ينقض آخره. واصحابنا يقولون ان الله تعالى قادر على تعذيب الطفل ولو فعل ذلك كان عدلا منه فلا يناقض قولهم في هذا الباب. وقول بشر فيه متناقض

الفضيحة الخامسة من فضائحه قوله بان الحركة تحصل وليس بالجسم في المكان الاول ولا في المكان الثاني ولكن الجسم يتحرك به من الاول الى الثاني. وهذا قول غير معقول في نفسه واختلف المتكلمون قبله في الحركة هل هو معنى أم لا فنفاها بقاء الاعراض. واختلف الذين اثبتوا الاعراض في وقت وجود الحركة. فمنهم من زعم انها توجد في الجسم وهو في المكان الاول فينتقل بها عن الاول الى الثاني. وبه قال النظام وابو شمر المرجئ. ومنهم من قال ان الحركة تحصل في الجسم وهو في المكان الثاني لأنها اوّل كون في المكان الثاني. وهذا قول ابى الهذيل والجبائى وابنه ابى هاشم وبه قال شيخنا ابو الحسن الاشعرىّ (٦٢ ا) رحمه‌الله. ومنهم من قال ان الحركة كونان في مكانين. احدهما يوجد في المتحرك وهو في المكان الاول. والثانى يوجد فيه وهو في المكان الثانى. وهذا قول

الراوندي وبه قال شيخنا ابو العباس القلانسى. وقد خرج قول بشر بن المعتمر عن هذه الاقوال بدعواه أن الحركة تحصل وليس الجسم فى المكان الاول ولا فى الثاني مع علمنا بأنه لا واسطة بين حالى كونه فى المكان الاول وكونه فى المكان الثاني. وقوله هذا غير معقول له. فكيف يكون معقولا لغيره؟

ذكر الهشامية منهم هؤلاء اتباع هشام بن عمرو القوطى وفضائحه بعد ضلالته بالقدر تترى. منها أنه حرّم على الناس أن يقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل من جهة تسميته بالوكيل. وقد نطق القرآن بهذا الاسم لله تعالى. وذكر ذلك فى السنّة الواردة فى تسعة وتسعين اسما من الله تعالى. فاذا لم يجز اطلاق هذا الاسم على الله تعالى مع نزول القرآن به ومع ورود السنة الصحيحة به فأى اسم بعده يطلق عليه؟ وقد كان اصحابنا يتعجبون من المعتزلة البصرية فى إطلاقها على الله عزوجل من الاسماء ما لم يذكر فى القرآن والسنة اذا دلّ عليه القياس. وزاد هذا التعجب بمنع القوطى عن اطلاق الله تعالى بما قد نطق به القرآن والسنّة واعتذر الخياط عن القوطى بأن قال ان هشاما كان يقول حسبنا الله ونعم المتوكّل عليه بدلا من الوكيل. وزعم ان وكيلا يقتضي موكّلا فوقه. وهذا من علامات جهل هشام والمعتذر (٦٢ ب) عنه

بمعانى الاسماء فى اللغة. وذلك ان الوكيل فى اللغة بمعنى الكافى لانه يكفي موكله أمر ما وكله فيه. وهذا معنى قولهم حسبنا لله ونعم الوكيل. ومعنى حسبنا كافينا وواجب ان يكون ما بعد نعم موافقا لما قبله كقول القائل. الله رازقنا. ونعم الرازق ولا يقال الله رازقنا ونعم الغافر. ولأن الله تعالى قال ومن يتوكل على الله فهو حسبه أى كافيه. وقد يكون الوكيل أيضا بمعنى الحفيظ ومنه قوله تعالى (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (الأنعام ٦٦). اى حفيظ ويقال فى نقيض الحفيظ رجل وكل ووكل اى بليد. والوكال البلادة واذا كان الوكيل بمعنى الحفيظ وكان الله عزوجل كافيا وحفيظا لم يكن للمنع من إطلاق الوكيل فى اسمائه معنى. والعجب من هشام فى انه أجاز ان يكتب لله عزوجل هذا الاسم وان يقرأ به القرآن. ولم يجز أن يدعى به فى غير قراءة القرآن

الفضيحة الثانية من فضائح القوطىّ امتناعه من اطلاق كثير مما نطق به القرآن فمنع الناس من ان يقولوا ان الله تعالى عزوجل ألّف بين قلوب المؤمنين وأضلّ الفاسقين. وهذا عناد منه لقول الله عزوجل (لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (الانفال ٦٣) ولقوله تعالى (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) (ابراهيم ٢٧) وقوله (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا

الْفاسِقِينَ) (البقرة ٢٧) ومنع ان يقول فى القرآن انه عمي على الكافرين عباد بن سليمان العمرى فى هذه الضلالة فمنع الناس أن يقولوا ان الله تعالى خلق الكافر لأن الكافر اسم لشيئين إنسان وكفره وهو غير خالق (٦٣ ا) لكفره عنده ويلزمه على هذا القياس ان لا يقول ان الله تعالى خلق المؤمن لان المؤمن اسم لشيئين انسان وايمان. والله عنده غير خالق لإيمانه ويلزمه على قياس هذا الاصل ان لا يقول إن احدا قتل كافرا او ضربه. لان الكافر اسم للانسان وكفره والكفر لا يكون مقتولا ولا مضروبا ومنع عباد من ان يقال ان الله تعالى ثالث كل اثنين ورابع كل ثلاثة. وهذا عناد منه لقول الله عزوجل (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) (المجادلة ٧) وكان يمنع ان يقال ان الله عزوجل أملى الكافرين. وفى هذا عناد منه لقوله عزوجل (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) (آل عمران ١٧٩). فان كان عباد قد أخذ هذه الضلالة عن استاذه هشام فالعصا من العصيّة (١) ولن تلد الحية الا الحية وان انفرد بها دونه فقد فاس التلميذ ما منع من اطلاقه على ما منع استاذه من اطلاق اسم الوكيل والكفيل على الله تعالى

__________________

(١) قيل ان العصا اسم فرس والعصية اسم أمه وهو مثل

الفضيحة الثالثة من فضائح القوطى قوله بأن الأعراض لا يدلّ شيء منها على الله تعالى وكذلك قال صاحبه عباد وزعما ان فلق البحر وقلب العصا حية وانشقاق القمر ونجى السحر والمشى على الماء لا يدل شيء من ذلك على صدق الرسول فى دعواه الرسالة. وزعم القوطى ان الدليل على الله تعالى يجب ان يكون محسوسا والاجسام محسوسة فهى الأدلة على الله تعالى وهى اعراض معلوم بدلائل نظرية فلو دلت على الله (٦٣ ب) تعالى لاحتاج كل دليل منها الى دليل سواه لا الى نهاية فقيل له يلزمك على هذا الاستدلال أن تقول إن الاعراض لا تدل على شيء من الاشياء ولا على حكم من الاحكام. لانها لو دلّت على شيء او على حكم لاحتاجت فى دلالتها على مدلولها الى دلالة على صحة دلالتها عليه واحتاج كل دليل الى دليل لا الى نهاية. فان صار الى ان الاعراض لا تدل على شيء ولا على حكم ابطال دلالة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الحلال والحرام والوعد والوعيد على ان من الاعراض ما يعلم وجوده بالضرورة كالالوان والطعوم والروائح والحركة والسكون فيلزمه ان تكون هذه الاعراض المعلومة بالضرورة دلالة على الله سبحانه لانها محسوسة كما دلّت الاجسام عليه لانها محسوسة فان قال ان الاعراض غير محسوسة لان نفاة

الاعراض قد انكروا وجودها قيل فالنجارية والضرارية قد انكروا وجود جسم لا يكون عرضا لدعواهم ان الاجسام اعراض مجتمعة فيجب على قياس قولك ان لا تكون الاجسام معلومة بالضرورة وان لا (١) سبحانه

الفضيحة الرابعة من فضائح القوطى قوله بالمقطوع والموصول وذلك قوله لو أن رجلا أسبغ الوضوء وافتتح الصلاة متقربا بها الى الله سبحانه عازما على اتمامها ثم قرأ فركع فسجد مخلصا لله تعالى فى ذلك كله غير انه قطعها فى آخرها ان أول صلاته وآخرها (٦٤ ا) معصية قد نهاه الله تعالى عنها وحرّمها عليه وليس له سبيل قبل دخوله فيها الى العلم بانها معصية فيجتنبها. واجتمعت الامة قبله على أن ما مضى منها كانت طاعة لله تعالى وإن لم تكن صلاة كاملة كما لو مات فيها كان الماضى منها طاعة وان لم تكن صلاة كاملة

الفضيحة الخامسة من فضائحه إنكاره حصار عثمان وقتله بالغلبة والقهر. وزعم أنّ شرذمة قليلة قتلوه غرّة من غير حصار مشهور. ومنكر حصار عثمان مع تواتر الاخبار به كمنكر وقعتى بدر وأحد مع تواتر الاخبار بهما وكمنكر المعجزات التى تواترت الاخبار بها

الفضيحة السادسة من فضائحه قوله فى باب الأمة ان الامة

__________________

(١) بياض بالاصل

اذا اجتمعت كلمتها وتركت الظلم والفساد احتاجت إلى إمام بسوسها واذا عصت وفجرت وقتلت امامها لم تعقد الامامة لاحد فى تلك الحال. وانما أراد الطعن فى إمامة على لانها عقدت له فى حال الفتنة وبعد قتل امام قبله. وهذا قريب من قول الأصمّ منهم إن الامامة لا تنعقد الّا بإجماع عليه. وإنما قصد بهذا الطعن في إمامة عليّ رضى الله عنه لأنّ الامة لم تجتمع عليه لثبوت أهل الشام على خلافه الى أن مات فانكر إمامة عليّ مع قوله بامامة معاوية لاجتماع الناس عليه بعد قتل على رضى الله عنه وقرّت عيون الرافضة المائلين الى الاعتزال بطعن شيوخ المعتزلة فى إمامة على وبعد شك زعيمهم (٦٤ ب) واصل فى شهادة على وأصحابه

الفضيحة السابعة من فضائح القوطىّ قوله بتكفير من قال ان الجنة والنار مخلوقتان. وأخلافه من المعتزلة شكّوا فى وجودها اليوم ولم يقولوا بتكفير من قال انهما مخلوقان. والمثبتون لخلقهما يكفّرون من أنكرهما ويقسمون بالله تعالى ان من أنكرهما لا يدخل الجنة ولا ينجو من النار

الفضيحة الثامنة من فضائحه انكاره افتضاض الأبكار فى الجنّة. ومن انكر ذلك يحرّم ذلك بل يحرّم عليه دخول الجنة فضلا عن افتضاض الابكار فيها. وكان القوطى مع ضلالاته التى حكيناها

عنه يرى قتل مخالفيه فى السر غيلة. وان كانوا من أهل ملة الاسلام. وأهل السنة يقولون فى القوطى وأتباعه إن دماءهم وأموالهم حلال للمسلمين وفيه الخمس وليس على قاتل الواحد منهم قود ولا دية ولا كفّارة بل لقاتله عند الله تعالى القربة والزلفى والحمد لله على ذلك ذكر المردارية منهم هؤلاء اتباع عيسى بن صبيح المعروف بابى موسى المردار وكان يقال له راهب المعتزلة. وهذا اللقب لائق به ان كان المراد به مأخوذا من رهبانية النصارى ولقبه بالمردار لائق به أيضا وهو فى الجملة كما قيل

وقلّ ما أبصرت عيناك من رجل

الا ومعناه ان فكّرت فى لقبه

وكان هذا المردار يزعم ان الناس قادرون على ان يأتوا بمثل هذا القرآن وبما هو أفصح منه كما قاله النظّام وفى هذا عناد منهما لقول الله عزوجل (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ) (٦٥ ا) (يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء ٨٨) وكان المردار مع ضلالته يقول بتكفير من لا بس السلطان ويزعم انه لا يرث ولا يورث. وكان اسلافه من المعتزلة يقولون فيمن لا بس السلطان من موافقيهم فى القدر والاعتزال انه فاسق لا مؤمن ولا كافر. وافتى المردار بانه كافر والعجب من

من سلطان زمانه كيف ترك قتله مع تكفيره إياه وتكفير من خالطه. وكان يزعم أيضا ان الله قادر على ان يظلم ويكذب. ولو فعل مقدوره من الظلم والكذب لكان إلها ظالما كاذبا. وحكى أبو زفر عن المردار انه أجاز وقوع فعل واحد من فاعلين مخلوقين على سبيل التولد مع انكاره على أهل السنة ما أجازوه من وقوع فعل من فاعلين احدهما خالق والآخر مكتسب. وزعم المردار أيضا أن من أجاز رؤية الله تعالى بالابصار بلا كيف فهو كافر والشاك فى كفره كافر وكذلك الشاك في الشاك لا الى نهاية. والباقون من المعتزلة انما قالوا بتكفير من أجاز الرؤية على جهة المقابلة أو على اتصال شعاع بصر الرائى بالمرئى والذين أثبتوا الرؤية مجمعون على تكفير المردار وتكفير الشاك فى كفره. وقد حكت المعتزلة عن المردار انه لما حضرته الوفاة اوصى أن يتصدق بماله ولا يدفع شيء منه الى ورثته. وقد اعتذر أبو الحسين الخيّاط عن ذلك بأن قال. كان فى ماله شبه وكان للمساكين فيه حق وقد وصفه فى هذا الاعتذار بانه (٦٥ ب) كان غاصبا وخائنا للمساكين. والغاصب عند المعتزلة فاسق مخلّد فى النار وقد اكفره سائر المعتزلة فى قوله بتولّد فعل واحد من فاعلين. وقد اكفر هو أبا الهذيل فى قوله بفناء مقدورات الله عزوجل. وصنّف فيه كتابا. واكفر استاذه بشر بن المعتمر فى

قوله بتوليد الالوان والطعوم والروائح والادراكات. واكفر النظّام فى قوله بأن المتولدات من فعل الله. وقال يلزمه ان يكون قول النصارى. المسيح ابن الله من فعل الله فهذا راهب المعتزلة. قد قال بتكفير شيوخه وقال شيوخه بتكفيره. وكلا الفريقين محقّ فى تكفير صاحبه

ذكر الجعفرية منهم. هؤلاء اتباع جعفر ابن احدهما جعفر ابن حرب والآخر جعفر بن مبشر. وكلاهما للضلالة رأس وللجهالة اساس. اما جعفر بن مبشر فأنه زعم ان فى فساق هذه الامة من هو شر من اليهود والنصارى والمجوس والزنادقة. هذا مع قوله بأن الفاسق موحّد وليس بمؤمن ولا كافر فجعل الموحّد الّذي ليس بكافر شرا من الثنوى الكافر. واقل ما نقابل به على هذا القول ان نقول له. انك عندنا شر من كل كافر على جديد الارض. وزعم أيضا ان إجماع الصحابة على ضرب شارب الخمر الحدّ وقع خطأ. لانهم أجمعوا عليه برأيهم فشارك ببدعته هذه نجدات الخوارج فى انكارها حد الخمر. وقد أجمع فقهاء الامة على تكفير من أنكر حد الخمر النيء وانما اختلفوا فى حد شارب النبيذ اذا لم يسكر منه. فأما اذا (٦٦ ا) سكر منه فعليه الحدّ عند فريقى الرأى والحديث على رغم من أنكر ذلك. وزعم ابن مبشر أيضا ان من سرق حبة او

ما دونها فهو فاسق مخلد فى النار. وخالف بذلك اسلافه الذين قالوا بغفران الصغائر عند اجتناب الكبائر. وزعم أيضا ان تأييد المذنبين فى النار من موجبات العقول. وخالف بذلك اسلافه الذين قالوا ان ذلك معلوم بالشرع دون العقل. وزعم أيضا ان رجلا لو بعث الى امرأة يخطبها ليتزوجها وجاءته المرأة فوثب عليها فوطئها من غير عقد انه لا حدّ عليها. لأنها جاءته على سبيل النكاح واوجب الحد على الرجل لانه قصد الزنى. ولم يعلم هذا الجاهل ان المطاوعة للزانى زانية اذا لم تكن مكرهة. وانما اختلف الفقهاء فيمن أكره امرأة على الزنى. فمنهم من أوجب للمرأة مهرا وأوجب على الرجل حدا وبه قال الشافعى وفقهاء الحجاز. ومنهم من أسقط الحد عن الرجل لأجل وجوب المهر عليه ولم يقل احد من سلف الامة بسقوط الحد عن المطاوعة للزانى كما قاله ابن مبشر. وكفاه بخلاف الاجماع خزيا. واما جعفر بن حرب فانه جرى على ضلالات استاذه المردار وزاد عليه قوله بان بعض الجملة غير الجملة. وهذا يوجب عليه ان تكون الجملة غير نفسها اذ كان كل بعض منها غيرها. وكان يزعم ان الممنوع من العقل قادر على العقل وليس يقدر على شيء. هكذا حكى عنه الشعبى فى مقالاته ويلزمه على هذا الاصل ان يجيز كون العالم

ليس غير عالم بشيء. قال عبد القاهر. لابن حرب (٦٦ ب) كتاب فى بيان ضلالاته وقد نقضنا عليه وسمينا نقضنا عليه بكتاب الحرب على ابن حرب وفيه نقض اصوله وفصوله بحمد الله ومنّه

ذكر الاسكافية منهم. هؤلاء اتباع محمد بن عبد الله الاسكافى وكان قد أخذ ضلالته فى القدر عن جعفر بن حرب ثم خالفه فى بعض فروعه. وزعم ان الله تعالى يوصف بالقدرة على ظلم الاطفال والمجانين ولا يوصف بالقدرة على ظلم العقلاء. فخرج عن قول النظّام بانه لا يقدر على الظلم والكذب وخرج عن قول من قال من أسلافه انه يقدر على الظلم والكذب ولكنه لا يفعلهما لعلمه بقبحهما وغناه عنهما. وجعل بين القولين منزلة فزعم انه انما يقدر على ظلم من لا عقل له ولا يقدر على ظلم العقلاء. واكفره أسلافه فى ذلك واكفرهم هو فى خلافه. ومن تدقيقه فى ضلالته قوله بانه يجوز ان يقال ان الله يكلم العباد ولا يجوز ان يقال انه يتكلم وسماه مكلما ولم يسمه متكلما. وزعم ان متكلما يوهم ان الكلام قام به ومكلم لا يوهم ذلك. كما ان متحركا يقتضي قيام الحركة به ومتكلما يقتضي قيام الكلام به فصحيح عندنا وكلام الله تعالى عندنا قائم به. واما أسلافه من القدرية فانهم يقولون له ان اعتلالك هذا يوجب عليك ان يكون المتكلم من بدن الانسان

لسانه فحسب لان الكلام عندك يحل فيه. بل يوجب عليك احالة اجراء اسم المتكلم على شيء لان الكلام عندك وعند سائر المعتزلة له حروف ولا يصح ان يكون حرف واحد كلاما ومحل كل حرف من حروف الكلام غير محل الحرف الآخر فيعنى على اعتلالك ان لا يكون الانسان (٦٧ ا) متكلما ولا جزء منه على قود اعتلالك ان الله تعالى لم يكن متكلما لان الكلام لا يقوم به عندك. وقد فخم بعض المعتزلة من الاسكافي بان زعم ان محمد بن الحسن رآه ماشيا فنزل عن فرسه. وهذا كذب من قائله لان الاسكافى لم يكن فى زمان محمد بن الحسن. ومات محمد بن الحسن بالرى فى خلافة هارون الرشيد ولم يدرك الاسكافى زمان الرشيد ولو أدرك زمان محمد لم يكن محمد ينزل لمثله عن فرسه مع تكفيره اياه. وقد روى هشام بن عبيد الله الرازى عن محمد بن الحسن ان من صلى خلف المعتزلىّ يعيد صلاته. وروى هشام أيضا عن يحيى ابن اكثم عن أبى يوسف انه سئل عن المعتزلة فقال. هم الزنادقة. وقد أشار الشافعى فى كتاب القياس الى رجوعه عن قبول شهادة المعتزلة وأهل الاهواء. وبه قال مالك وفقهاء المدينة. فكيف يصح من ائمة الاسلام اكرام القدرية بالنزول لهم مع قولهم بتكفيرهم؟

ذكر الثماميّة منهم. هؤلاء اتباع ثمامة بن اشرس النميرى من مواليهم. وكان زعيم القدرية فى زمان المأمون والمعتصم والواثق وقيل انه هو الّذي اغوى المأمون بان دعاه الى الاعتزال. وانفرد عن سائر اسلاف المعتزلة ببدعتين اكفرته الامة كلّها فيها. احداهما انه لما شاركه أصحاب المعارف فى دعواهم ان المعارف ضرورية زعم ان من لم يضطره الله تعالى الى معرفته لم يكن مأمورا بالمعرفة ولا منهيّا عن الكفر وكان مخلوقا للسحرة والاعتبارية فحسب كسائر الحيوانات التى ليست (٦٧ ب) بمكلفة. وزعم لاجل ذلك ان عوام الدهرية والنصارى والزنادقة يصيرون فى الآخرة ترابا. وزعم ان الآخرة انما هى دار ثواب او عقاب وليس فيها لمن مات طفلا ولا لمن يعرف الله تعالى بالضرورة طاعة يستحقون بها ثوابا ولا معصية يستحقون عليها عقابا فيصيرون حينئذ ترابا اذ لم يكن لهم حظ فى ثواب ولا عقاب. والبدعة الثانية من بدع ثمامة قوله بان الافعال المتولدة افعال لا فاعل لها. وهذه الضلالة تجر الى انكار صانع العالم لانه لو صح وجود فعل بلا فاعل لصح وجود كل فعل بلا فاعل. ولم يكن حينئذ فى الافعال دلالة على فاعلها ولا كان في حدوث العالم دلالة على صانعه كما لو أجاز انسان وجود كتابة لا من كاتب. ووجود منسوخ ومبنيّ لا من بان

وناسخ. ويقال له اذا كان كلام الانسان عندك متولدا ولا فاعل له عندك فلم تلوم الانسان على كذبه وعلى كلمة الكفر؟ وهو عندك غير فاعل للكذب ولا لكلمة الكفر. ومن فضائح ثمامة أيضا انه كان يقول فى دار الاسلام انها دار شرك وكان يحرم السبى لان المسبىّ عنده ما عصى ربه اذا لم يعرفه. وانما العاصى عنده من عرف ربه بالضرورة ثم جحده او عصاه. وفى هذا اقرار منه على نفسه بانه ولد زنى لانه كان من الموالى وكانت أمه مسبية ووطء من لا يجوز سبيها على حكم السبى الحرام (٦٨ ا) زنى. والمولود منه ولد زنى. فبدعة ثمامة على هذا التقدير لائق بنسبه. وقد حكى أصحاب التواريخ عن سخافة ثمامة ومجونه أمورا عجيبة. منها ما ذكره عبد الله بن مسلم عن كتيبه فى كتاب مختلف الحديث ذكر فيه ان ثمامة بن اشرس رأى الناس يوم جمعة يتعادون الى المسجد الجامع لخوفهم فوت الصلاة. فقال لرفيق له. انظر الى هؤلاء الحمير والبقر ثم قال ما ذا صنع ذاك العربى بالناس؟ يعنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وحكى الجاحظ فى كتاب المضاحك ان المأمون ركب يوما فرأى ثمامة سكران قد وقع في الطين فقال له. ثمامة. قال أى والله. قال ألا تستحى. قال لا والله. قال عليك لعنة الله. قال تترى ثم تترى. وذكر الجاحظ أيضا ان غلام

ثمامة قال يوما لثمامة قم صل. فتغافل. فقال له قد ضاق الوقت فقم وصل واسترح. فقال انا مستريح إن تركتنى. وذكر صاحب تاريخ المراوزة ان ثمامة بن أشرس سعى الى الواثق باحمد بن نصر المروزى وذكر له ان يكفّر من ينكر رؤية الله تعالى ومن يقول بخلق القرآن فاعتصم من بدعة القدرية فقتله ثم ندم على قتله. وعاتب ثمامة وابن داود وابن الزيات فى ذلك وكانوا قد أشاروا عليه بقتله. فقال له ابن الزيات وان لم يكن قتله صوابا فقتلنى الله تعالى بين الماء والنار. وقال ابن أبى داود. حبسنى الله تعالى فى جلدى ان لم يكن قتله صوابا. وقال ثمامة. سلط الله تعالى عليّ السيوف ان لم تكن أنت مصيبا فى قتله فاستجاب الله تعالى (٦٨ ب) دعاء كل واحد منهم فى نفسه. أما ابن الزيات فانه قتل في الحمام وسقط فى اثوابه فمات بين الماء والنار. وأما ابن أبى داود فان المتوكل رحمه‌الله حبسه فاصابه فى حبسه الفالج فبقى فى جلده محبوسا بالفالج الى ان مات. وأما ثمامة فانه خرج الى مكة فرآه الخزاعيون بين الصفا والمروة فنادى رجل منهم فقال يا آل خزاعة. هذا الذي سعى بصاحبكم احمد بن فهر وسعى فى دمه فاجتمع عليه بنو خزاعة بسيوفهم حتى قتلوه. ثم اخرجوا جيفته من الحرم فاكلته السباع خارجا من الحرم. فكان كما قال الله تعالى (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها

وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) (الطلاق ٩)

ذكر الجاحظية منهم. هؤلاء اتباع عمرو بن يحيى الجاحظ وهم الذين اغتروا بحسن بذله (هكذا) الجاحظ فى كتبه التي لها ترجمة تروق بلا معنى واسم يهول. ولو عرفوا جهالاته في ضلالاته لاستغفروا الله تعالى من تسميتهم اياه انسانا فضلا عن ان ينسبوا إليه احسانا. فمن ضلالاته المنسوبة إليه ما حكاه الكعبى عنه فى مقالاته مع افتخاره به من قوله. ان المعارف كلها طباع وهى مع ذلك فعل للعباد وليست باختيار لهم. قالوا ووافق ثمامة فى ان لا فعل للعباد الا الإرادة وان سائر الافعال تنسب الى العباد على معنى انها وقعت منهم طباعا وانها وجبت بإرادتهم. قال وزعم أيضا انه لا يجوز ان يبلغ احد فلا يعرف الله تعالى. والكفار عنده من معاند ومن عارف قد استغرقه حبه لمذهبه فهو لا يشكر (٦٩ ا) بما عنده من المعرفة بخالقه ويصدق رسله فان صدق الكعبىّ على الجاحظ فى أن لا فعل للانسان الا الإرادة لزمه ان لا يكون الانسان مصليا ولا صائما ولا حاجا ولا زانيا ولا سارقا ولا قاذفا ولا قاتلا. لانه لم يفعل عنده صلاة ولا صوما ولا حجا ولا زنى ولا سرقة ولا قتلا ولا قذفا. لان هذه الافعال عنده غير الإرادة واذا كانت هذه الافعال التى ذكرناها عنده طباعا لا كسبا لزمه

ان لا يكون للانسان عليها ثواب ولا عقاب لان الانسان لا يثاب ولا يعاقب على ما لا يكون كسبا له. كما لا يثاب ولا يعاقب على لونه وتركيب بدنه اذا لم يكن ذلك من كسبه. ومن فضائح الجاحظ أيضا قوله باستحالة عدم الاجسام بعد حدوثها. وهذا يوجب القول بان الله سبحانه وتعالى يقدر على خلق شيء ولا يقدر على افنائه. وانه لا يصح بقاؤه بعد ان خلق الخلق منفردا كما كان منفردا قبل ان خلق الخلق. ونحن وان قلنا ان الله لا يفنى الجنة ونعيمها والنار وعذابها ولسنا نجعل ذلك بان الله عزوجل قادر على افناء ذلك كله وانما نقول بدوام الجنة والنار بطريق الخبر ومن فضائح الجاحظ أيضا قوله بان الله لا يدخل النار احدا وانما النار تجذب اهلها الى نفسها بطبعها ثم تمسكهم فى نفسها على الخلود ويلزمه على هذا القول أن يقول فى الجنة انها تجذب اهلها الى نفسها بطبعها وان الله لا يدخل احدا الجنة. فان قال بذلك قطع الرغبة الى الله فى الثواب وابطل (٦٩ ب) فائدة الدعاء. وان قال ان الله تعالى هو يدخل اهل الجنة الجنة لزمه القول بان يدخل النار اهلها. وقد افتخر الكعبىّ بالجاحظ وزعم انه من شيوخ المعتزلة وافتخر بتصانيفه الكثيرة وزعم انه كنانىّ من بنى كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر فيقال له ان كان كنانيا

كما زعمت فلم صنفت كتاب مفاخر القحطانية على الكنانية وسائر العدنانية. وان كان عربيا فلم صنف كتاب فضل الموالى على العرب. وقد ذكر فى كتابه المسمى بمفاخر قحطان على عدنان اشعارا كثيرة من هجاء القحطانية للعدنانية. ومن رضى بهجو آبائه كمن هجا أباه. وقد احسن جحظة فى هجاء ابن بسام الّذي هجا اباه فقال من كان يهجو أباه فهجوه قد كفاه لو انه من أبيه ما كان يهجو اباه. واما كتبه المزخرفة فاصناف منها كتاب فى حيل اللصوص وقد علم بها الفسقة وجوه السرقة. ومنها كتابه فى عشر الصناعات وقد افسد به على التجار سلعهم. ومنها كتابه فى النواميس وهو ذريعة للمحتالين يجتلبون بها ودائع الناس واموالهم. ومنها كتابه فى الفتيا وهو مشحون بطعن استاذه النظام على اعلام الصحابة. ومنها كتبه فى القحاب والكلاب واللاطة وفى حيل المكدين ومعانى هذه الكتب لائقة به وبصفته واسرته. ومنها كتاب طبائع الحيوان وقد سلخ فيه معانى كتاب الحيوان لارسطاطاليس وضمّ إليه ما ذكره المدائنى من حكم العرب وأشعارها فى منافع الحيوان ثم انه شحن الكتاب بمناظرة بين الكلب والديك والاشتغال بمثل هذه المناظرة يضيع الوقت (٧٠ ا) بالغث ومن افتخر بالجاحظ سلمناه إليه قول اهل السنة فى الجاحظ

كقول الشاعر فيه

لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا

ما كان الا دون قبح الجاحظ

رجل ينوب عن الجحيم بنفسه

وهو القذى فى كل طرف لاحظ

ذكر الشحامية منهم. هؤلاء اتباع أبى يعقوب الشحام وكان استاذ الجبّائى وضلالاته كضلالات الجبائى غير انه أجاز كون مقدور واحد لقادرين وامتنع الجبائى وابنه من ذلك وقد ظن بعض الاغبياء ان قول الشحام كقول الصفاتية فى مقدور لقادرين. وبين القولين فرق واضح وذلك ان الشحام اجاز كون مقدور واحد لقادرين يصح ان يحدثه كل واحد منهما على البدل. وكذلك حكاه الكعبى فى كتاب عيون المسائل على أبى الهذيل. والصفاتية لا يثبتون خالقين وانما يجيزون كون مقدور واحد لقادرين. أحدهما خالقه والآخر مكتسب له وليس الخالق مكتسبا ولا المكتسب خالقا. وفى هذا بيان الفرق بين الفرقين على اختلاف الطريقين

ذكر الخياطية منهم. هؤلاء اتباع ابى الحسين الخياط الّذي كان استاذ الكعبى فى ضلالته وشارك الخياط سائر القدرية فى اكثر ضلالاتها وانفرد عنهم بقول من لم يسبق إليه فى المعدوم. وذلك ان المعتزلة اختلفوا فى تسمية المعدوم شيئا منهم من قال لا يصح ان يكون المعدوم معلوما ومذكورا ولا يصح كونه شيئا ولا ذاتا

ولا جوهرا ولا عرضا. وهذا اختيار الصالحىّ منهم وهو موافق لاهل السنة فى المنع فى تسمية المعدوم شيئا (٧٠ ب) وزعم آخرون من المعتزلة ان المعدوم شيء ومعلوم ومذكور وليس بجوهر ولا عرض وهذا اختيار الكعبىّ منهم. وزعم الجبائى وابنه ابو هاشم ان كل وصف يستحقه الحادث لنفسه او لجنسه فان الوصف ثابت له فى حال عدمه. وزعم ان الجوهر كان فى حال عدمه جوهرا وكان العرض فى حال عدمه عرضا وكان السواد سوادا والبياض بياضا فى حال عدمهما. وامتنع هؤلاء كلهم عن تسمية المعدوم جسما من قبل ان الجسم عندهم مركب وفيه تاليف وطول وعرض وعمق. ولا يجوز وصف معدوم بما يوجب قيام معنى به. وفارق الخياط فى هذا الباب جميع المعتزلة وسائر فرق الامة فزعم ان الجسم فى حال عدمه يكون جسما لانه يجوز ان يكون فى حال حدوثه جسما ولم يجزان يكون المعدوم متحركا لان الجسم فى حال حدوثه لا يصح ان يكون متحركا عنده فقال. كل وصف يجوز ثبوته فى حال الحدوث فهو ثابت له فى حال عدمه ويلزمه على هذا الاعتلال ان يكون الانسان قبل حدوثه انسانا لان الله تعالى لو احدثه على صورة الانسان بكمالها من غير نقل له فى الاصلاب والارحام ومن غير تغيير له من صورة الى صورة اخرى

يصح ذلك. وحسان هؤلاء الخياطية يقال لهم المعدومية لافراطهم بوصفهم المعدوم باكثر اوصاف الموجودات. وهذا اللقب لائق بهم وقد نقض الجبائى على الخياط قوله بان الجسم جسم قبل حدوثه فى كتاب مفرد وذكر ان قوله بذلك يؤديه الى (٧١ ا) القول بقدم الاجسام. وهذا الالزام متوجه على الخياط ويتوجه مثله على الجبائى وابنه فى قولهما بان الجواهر والاعراض كانت فى حال العدم اعراضا وجواهر فاذا قالوا لم تزل اعيانا وجواهر واعراضا ولم يكن حدوثها لمعنى سوى اعيانها فقد لزمهم القول بوجودها فى الازل وصاروا فى تحقيق معنى قول الذين قالوا بقدم الجواهر والاعراض. وكان الخياطىّ مع ضلالته فى القدر وفى المعدومات منكر الحجة فى اخبار الآحاد وما اراد بانكاره الّا انكار اكثر احكام الشريعة فان اكثر فروض الفقه مبنية على اخبار من اخبار الآحاد. وللكعبى عليه كتاب فى حجة اخبار الآحاد وقد ضلّل فيه من انكر الحجة فيها وقلنا للكعبىّ يكفيك من الخزى والعار انتسابك الى استاذ تقرّ بضلالته

ذكر الكعبية منهم. هؤلاء اتباع ابى القاسم عبد الله بن احمد ابن محمود البنحىّ المعروف بالكعبىّ وكان حاطب قبل يدعى فى انواع العلوم على الخصوص والعموم ولم يحظ فى شيء منها باسراره

ولم يحط بظاهره فضلا عن باطنه. وخالف البصريين من المعتزلة فى احوال كثيرة منها ان البصريين منهم أقروا بان الله تعالى يرى خلقه من الاجسام والالوان وانكروا ان يرى نفسه كما انكروا ان يراه غيره. وزعم الكعبىّ ان الله تعالى لا يرى نفسه ولا غيره الا على معنى علمه بنفسه وبغيره وتبع النظام فى قوله ان الله تعالى لا يرى شيئا فى الحقيقة ومنها ان البصريين منهم مع اصحابنا (٧١ ب) فى ان الله عزوجل سامع للكلام والاصوات على الحقيقة لا على معنى انه عالم بهما. وزعم الكعبى والبغداديون من المعتزلة ان الله تعالى لا يسمع شيئا على معنى الادراك المسمى بالسمع وتأوّلوا وصفه بالسميع البصير على معنى انه عليم بالمسموعات التي يسمعها غيره والمرئيات التي يراها غيره. ومنها ان البصرين منهم مع اصحابنا فى ان الله عزوجل مريد على الحقيقة غير ان اصحابنا قالوا انه لم يزل مريدا بإرادة ازلية وزعم البصريون من المعتزلة انه يريد بإرادة حادثه لا فى محل وخرج الكعبى والنظام واتباعهما عن هذين القولين. وزعموا انه ليست لله تعالى إرادة على الحقيقة. وزعموا انه اذا قيل ان الله عزوجل اراد شيئا من فعله فمعناه انه فعله واذا قيل انه اراد من عنده فعلا فمعناه انه أمره به. وقالوا ان وصفه بالارادة فى الوجهين جميعا مجاز كما ان وصف

الجدار بالارادة في قول الله تعالى (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) (الكهف ٧٨) مجاز وقد اكفرهم البصريون مع أصحابنا فى نفيهم إرادة الله عزوجل. ومنها ان الكعبىّ زعم ان المقتول ليس بميت وعاند قول الله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (آل عمران ١٨٦) وسائر الامة مجمعون على ان كل مقتول ميت وان صح ميت غير مقتول. ومنها ان الكعبىّ على قول من اوجب على الله تعالى فعل الاصلح فى باب التكليف. ومنها ان البصريين مع اصحابنا فى ان الاستطاعة معنى غير صحة البدن والسلامة من الافات. وزعم الكعبىّ انها ليست غير الصحة والسلامة (٧٢ ا) والبصريون من المعتزلة يكفرون البغداد بين منهم. والبغداديون يكفرون البصريين وكلا الفريقين صادق فى تكفير الفريق الآخر كما بينّاه فى كتاب فضائح القدرية

ذكر الجبائية منهم. هؤلاء أتباع أبى على الجبائى الّذي أهوى اهل خوزستان وكانت المعتزلة البصرية فى زمانه على مذهبه ثم انتقلوا بعده الى مذهب ابنه أبى هاشم فمن ضلالات الجبائى انه سمى الله عزوجل مطيعا لعبده اذا فعل مرادا لعبد. وكان سبب ذلك انه قال يوما لشيخنا أبى الحسن الاشعرى رحمه‌الله ما معنى الطاعة عندك؟ فقال موافقة الامر وسأله عن قوله فيها فقال

الجبائى حقيقة الطاعة عندى موافقة الإرادة. وكل من فعل مراد غيره فقد اطاعه فقال شيخنا ابو الحسن رحمه‌الله. يلزمك على هذا الأصل ان يكون الله تعالى مطيعا لعبده اذا فعل مراده فالزم ذلك فقال له شيخنا رحمه‌الله. خالفت إجماع المسلمين وكفرت برب العالمين. ولو جاز ان يكون الله تعالى مطيعا لعبده لجاز أن يكون خاضعا له. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ثم ان الجبائى زعم ان اسماء الله تعالى جارية على القياس وأجاز اشتقاق اسم له من كل فعل فعله والزمه شيخنا أبو الحسن رحمه‌الله ان يسميه بمحبل النساء لانه خالق الحبل فيهنّ فالتزم ذلك فقال له. بدعتك هذه أشنع من ضلالة النصارى في تسمية الله أبا لعيسى مع امتناعهم من القول بانه محبل مريم. ومن ضلالات الجبائى أيضا انه أجاز وجود (٧٢ ب) عرض واحد فى امكنة كثيرة وفى اكثر من ألف ألف مكان. وذلك انه أجاز وجود كلام واحد فى ألف ألف محل وزعم ان الكلام المكتوب فى محل اذا كتب فى غيره كان موجودا فى المحلين من غير انتقال منه عن المكان الأول الى الثانى ومن غير حدوث فى الثانى. وكذلك ان كتبت فى ألف مكان او ألف ألف. وزعم هو وابنه أبو هاشم أن الله تعالى اذا أراد أن يفني العالم خلق عرضا لا فى محل أفنى به جميع الاجسام

والجواهر ولا يصح فى قدرة الله تعالى أن يفنى بعض الجواهر مع بقاء بعضها. وقد خلقها تفاريق ولا يقدر على إفنائها تفاريق. وقد حكى ان شيخنا أبا الحسن رحمه‌الله قال للجبائي. اذا زعمت ان الله تعالى قد شاكل ما أمر به فما تقول في رجل له على غيره حق يماطله فيه؟ فقال له والله لأعطينك حقك غدا إن شاء الله ثم لم يعطه حقه فى غده. فقال يحنث فى يمينه لان الله تعالى قد شاء ان يعطيه حقه فيه. فقال له خالفت إجماع المسلمين قبلك لانهم اتفقوا قبلك على ان من قرن يمينه بمشيئة الله عزوجل لم يحنث اذا لم يقربه

ذكر البهشمية. هولاء اتباع أبى هاشم والجبائى واكثر معتزلة عصرنا على مذهبه لدعوة ابن عبّاد وزير آل بويه إليه. ويقال لهم الدمية لقولهم باستحقاق الدم لا على فعل وقد شاركوا المعتزلة فى اكثر ضلالاتها وانفردوا عنهم بفضائح لم يسبقوا إليها. منها قولهم باستحقاق الدم والعقاب لا على فعل وذلك انهم زعموا (٧٣ ا) ان القادر منها يجوز ان يخلو من الفعل والشرك مع ارتفاع الموانع من الفعل. والّذي الجأهم الى ذلك أن اصحابنا قالوا للمعتزلة اذا اجزتم تقدم الاستطاعة على الفعل لزمتكم التسوية بين الوقتين والاوقات الكثيرة في تقدمها عليه فكانوا يختلفون في الجواب عن هذا الالزام. فمنهم من كان يوجب وقوع الفعل او ضده بالاستطاعة في

الحال الثانية من حال حدوث الاستطاعة الى وقت حدوث الفعل ويوجب وقوع الفعل او ضده عند عدم الموانع. ويزعم مع ذلك ان القدرة لا تكون قدرته عليه في حال حدوثه. ومنهم من اجاز عدم القدرة مثل حدوث الفعل ومع حدوث العجز الذي هو ضد القدرة التي قد عدمت بعد وجودها. ورأى أبو هاشم بن الجبائى توجه الزام أصحابنا عليهم في التسوية بين الوقتين والاوقات الكثيرة في جواز تقدم الاستطاعة على الفعل ان جاز تقدمها عليه ولم يجد للمعتزلة عنه انفصالا صحيحا فالتزم التسوية وأجاز بقاء المستطيع ابدا مع بقاء قدرته وتوفر الآية وارتفاع الموانع عنه عاليها من الفعل والترك. فقيل له على هذا الاصل أرأيت لو كان هذا القادر مكلفا ومات قبل ان يفعل بقدرته طاعة له معصية ما ذا يكون حاله؟ فقال يستحق الذم والعقاب الدائم لا على فعل ولكن من أجل أنه لم يفعل ما أمر به مع قدرته عليه وتوفر (٧٣ ب) الآية فيه وارتفاع الموانع منه. فقيل له كيف استحق العقاب بأن لم يفعل ما أمر به وان لم يفعل ما نهى عنه دون ان يستحق الثواب بأن لم يفعل ما نهى عنه وان لم يفعل ما أمر به؟ وكان اسلافه من المعتزلة يكفّرون من يقول إن الله تعالى يعذّب العاصى على اكتساب معصية لم يخترعها العاصى. وقالوا الآن إن تكفير أبى هاشم في

قوله بعقاب من ليس فيه معصية لا من فعله ولا من فعل غيره اولى. والثانى انه سمى من لم يفعل ما أمر به عاصيا وان لم يفعل معصية ولم يوقع اسم المطيع الا على من فعل طاعة. ولو صح عارض بلا معصية لصح مطيع بلا طاعة او لصح كافر بلا كفر. ثم إنه مع هذه البدع الشنعاء زعم أن هذا المكلّف لو تغير تغيرا قبيحا لا يستحق بذلك قسطين من العذاب. أحدهما للقبيح الّذي فعله. والثانى لأنه لم يفعل الحسن الّذي أمر به. ولو تغيّر تغيّرا حسنا وفعل مثل أفعال الأنبياء وكان الله تعالى قد أمره بشيء فلم يفعل ولا فعل ضده لصار مخلدا. وسائر المعتزلة يكفّرونه في هذه المواضيع الثلاثة. أحدها استحقاق العقاب لا على فعل. والثانى استحقاق قسطين من العذاب اذا تغيّر تغيّرا قبيحا. والثالث في قوله انه لو تغيّر تغيّرا حسنا وأطاع بمثل طاعة الأنبياء عليهم‌السلام ولم يفعل شيئا واحدا مما أمره الله تعالى به ولا ضده لا يستحق الخلود في النار. وألزمه اصحابنا في الحدود مثل قوله في القسطين حتى يكون عليه حدان حد الزنى الذي قد فعله والثانى لأنه لم (٧٤ ا) يفعل ما وجب عليه من ترك الزنى. وكذلك القول في حدود القذف والقصاص وشرب الخمر. وألزموه ايجاب كفارتين على المفطر في شهر رمضان إحداهما لفطره الموجب للكفارة. والثانية

بان لم يفعل ما وجب عليه من الصوم والكفّ عن الفطر. فلما رأى ابن الجبائى توجه هذا الالزام عليه في بدعته هذه ارتكب ما هو أشنع منها فرارا من ايجاب حدين وكفارتين في فعل واحد فقال. إنما نهى عن الزنى والشرب والقذف. فأما ترك هذه الافعال فغير واجب عليه. وألزموه أيضا القول بثلاثة اقساط واكثر لا الى نهاية لانه اثبت قسطين فيما هو متولّد عنده قسطا لانه لم يفعله. وقسطا لانه لم يفعل سببه وقد وجدنا من السببات ما يتولّد عنده من اسباب كثيرة يتقدّمه كاصابة الهدف بالسهم فانها يتولّد عنده من حركات كثيرة يفعلها الرمى في السهم. وكل حركة منها سبب لما يليها الى الاصابة. ولو كانت مائة حركة فالمائة منها سبب الاصابة فيبقى على أصله اذا أمره الله تعالى بالاصابة فلم يفعلها ان يستحق مائة قسط وقسطا آخر الواحد منها ان لم يفعل الاصابة والمائة لانه لم يفعل تلك الحركات. ومن اصله أيضا انه اذا كان مأمورا بالكلام فلم يفعله استحق عليه قسطين قسطا لانه لم يفعل الكلام وقسطا لانه لم يفعل سببه ولو انه فعل ضد سبب الكلام لا يستحق قسطين. وقام هذا عنده مقام السبب الذي لم يفعله فقلنا له هل استحق ثلاثة اقساط. قسطا لانه (٧٤ ب) لم يفعل الكلام. وقسطا لانه لم يفعل سببه. وقسطا لانه ضد سبب الكلام. وقد حكى

بعض أصحابنا عنه انه لم يكن يثبت القسطين إلا في ترك سبب الكلام وحده. وقد نص في كتاب استحقاق الذمّة على خلافه. وقال فيه كل ماله ترك مخصوص فحكمه حكم سبب الكلام. وما ليس له ترك مخصوص فحكمه حكم ترك العطية الواجبة كالزكاة والكفارة وقضاء الدين ورد المظالم. واراد بهذا ان الزكاة والكفارة وما أشبههما لا تقع بجارحة مخصوصة ولا له ترك واحد مخصوص. بل لو صلى أو حجّ أو فعل غير ذلك كان جميعه تركا للزكاة. والكلام سبب تركه مخصوص فكان تركه قبيحا فاذا ترك سبب الكلام استحق لاجله قسطا. وليس للعطية ترك قبيح فلم يستحق عليه قسطا آخر اكثر من ان يستحق الذمّ لانه لم يود فيقال له. ان لم يكن ترك الصلاة والزكاة قبيحا وجب ان يكون حسنا. وهذا خروج عن الدين فما يؤدي إليه مثله. ومن مناقضاته في هذا الباب انه سمى من لم يفعل ما وجب عليه ظالما وان لم يوجد منه ظلم. وكذلك سماه كافرا وفاسقا وتوقف في تسميته إياه عاصيا. فأجاز أن يخلّد الله في النار عبدا لم يستحق اسم عاص. وتسميته اياه فاسقا وكافرا يوجب عليه تسميته بالعاصى. وامتناعه من هذه التسمية يمنعه من تسميته فاسقا وكافرا. ومن مناقضاته فيه أيضا ما خالف فيه الاجماع بفرقه بين الجزاء والثواب حتى انه قال يجوز ان يكون

في الجنة ثواب كثير لا يكون جزاء ويكون في النار عقاب كثير لا يكون جزاء وانما امتنع من تسميته جزاء (٧٥ ا) لان الجزاء لا يكون الا على فعل وعنده انه قد يكون عقاب لا على فعل. وقيل له اذا لم يكن جزاء الا على فعل فما تنكر انه لا ثواب ولا عقاب إلا على فعل. والفضيحة الثانية من فضائح أبى هاشم قوله باستحقاق الذم والشكر على فعل الغير. فزعم ان زيدا لو أمر عمرا بأن يعطى غيره فأعطاه استحق الشكر على فعل الغير من قابض العطيّة على العطية التى هى فعل غيره. وكذلك لو أمره بمعصية ففعلها لا يستحق الذم على نفس المعصية التى هى فعل غيره. وليس قوله في هذه كقول سائر فرق الامة انه يستحق الشكر او الذم على امره إياه به لا على الفعل المأمور به الّذي هو فعل غيره. وهذا المبتدع يوجب له شكرين أو ذمّين أحدهما على الامر الّذي هو فعله والآخر على المأمور به الّذي هو فعل غيره. وكيف يصح هذا القول على مذهبه؟ مع انكاره على اصحاب الكسب قولهم بأن الله تعالى يخلق اكساب عباده ثم يثيبهم او يعاقبهم عليها ويقال له. ما أنكرت على هذا الاصل الّذي هو فعل غيره انفردت به من قول الازارقة ان الله تعالى يعذّب طفل المشرك على فعل أبيه. وقيل اذا أجزت ذلك فأجز أن يستحق العبد الشكر

والثواب على فعل فعله الله تعالى عند فعل العبد مثل ان يسقى او يطعم من قد اشرف على الهلاك فيعيش ويحيى فيستحق الشكر والثواب على نفس الحياة والشبع والرىّ الّذي هو من فعل الله تعالى

والفضيحة الثالثة من فضائحه. قوله في التوبة لانها لا تصح مع ذنب مع الاصرار على قبيح آخر يعلمه قبيحا او يعتقده قبيحا وان كان (٧٥ ب) حسنا. وزعم أيضا ان التوبة من الفضائح لا تصح مع الاصرار على منع حبة تجب عليه وعوّل فيه على دعواه في الشاهد ان من قتل ابنا لغيره وزنى بحرمته يحسن منه قبوله توبة من احد الذنبين مع اصراره على الآخر وهذه دعوى غير مسلمة له في الشاهد. بل يحسن في الشاهد قبوله التوبة من ذنب مع العقاب على الآخر كالإمام يعقّه ابنه ويسرق أموال الناس ويزنى بجواريه ثم يعتذر الى أبيه في العقوق فيقبل توبته في العقوق عقوقه وفيما خانه فيه من ماله ويقطع يده في مال غيره ويجلده في الزنى. ومما عول عليه في هذا الباب قوله. أنما وجب عليه ترك القبيح لقبحه فاذا اصرّ على قبح آخر لم يكن تاركا للقبيح المتروك من أجل قبحه. وقلنا له ما تنكر ان يكون وجوب ترك القبيح لإزالة عقابه عن نفسه فيصحّ خلاصه من عقاب ما تاب عنه وان عوقب على ما لم يتب عنه. وقلنا له اكثر ما فى هذا الباب أن يكون التائب

عن بعض ذنوبه قد ناقض وتاب عن ذنبه لقبحه وأصرّ على قبيح آخر فلم لا تصحّ توبته من الذي تاب منه كما أن الخارجيّ وغيره ممن يعتقد اعتقادات فاسدة وعنده انها حسنة يصحّ عندك من التوبة عن قبائح يعلم قبحها مع اصراره على قبائح قد اعتقد حسنها ويلزمك على أصلك هذا اذا قلت انه مأمور باجتناب كل ما اعتقده قبيحا أن تقول في الواحد منا إذا اعتقد قبح مذاهب أبى هاشم وزنى وسرق أن لا يصح توبته الّا بترك جميع ما اعتقده قبيحا فيكون مأمورا باجتناب الزنى والسرقة وباجتناب مذاهب أبى هاشم كلها لاعتقاده (٧٦ ا) قبحها. وقد سأله أصحابنا عن يهودى اسلم وتاب عن جميع القبائح غير انه أصرّ على منع حبة فضة من مستحقها عليه من غير استحلالها ولا جحود لها هل صحت توبته من الكفر؟ فان قال نعم. نقض اعتلاله. وان قال لا عاند اجماع الامة ومن قوله أنه لم يصح اسلامه وانه كافر على يهوديته التي كانت قبل توبته. ثم انه لم تجر عليه احكام اليهود فزعم انه غير تائب من اليهودية بل هو مصرّ عليها وهو مع ذلك ليس يهوديّا. وهذه مناقضة بيّنة وقيل له ان كان مصرا على يهوديته فأبح ذبيحته وخذ الجزية منه. وذلك خلاف قول الامة

والفضيحة الرابعة من فضائحه. قوله في التوبة أيضا إنها لا تصحّ

عن الذنب بعد العجز عن مثله فلا يصحّ عنده توبة من خرس لسانه عن الكذب ولا توبة من جبّ ذكره عن الزنى. وهذا خلاف قول جميع الامّة قبله. وقيل له أرأيت لو اعتقد أنه لو كان له لسان وذكر لكذب وزنى كان ذلك من معصيته فاذا قال نعم. قيل فكذلك إذا اعتقد انه لو كان له آلة الكذب والزنى لم يعص الله تعالى بهما وجب أن يكون ذلك من طاعة وتوبة. وكان ابو هاشم مع افراطه في الوعيد أفسق أهل زمانه. وكان مصرا على شرب الخمر. وقيل انه مات في سكره حتى قال فيه بعض المرجئة

يعيب القول بالإرجاء حتى

يرى بعض الرجاء من الجرائر

واعظم من ذوي الارجاء جرما

وعبدي (كذا) أصرّ على الكبائر

والفضيحة الخامسة من فضائحه. قوله في الإرادة المشروطة واصلها عنده قوله بانه لا يجوز أن يكون شيء واحد مرادا من وجه (٧٦ ب) مكروها من وجه آخر. والّذي الجأه الى ذلك أن تكلّم على من قال بالجهات فى الكسب والخلق فقال. لا تخلو الوجهة التى هى الكسب من أن تكون موجودة أو معدومة

فان كان ذلك الوجه معدوما كان فيه إثبات شيء واحد موجودا ومعدوما. وإن كان موجودا لم يخل من أن يكون مخلوقا أم لا. فان كان مخلوقا ثبت أنه مخلوق من كل وجه. وان لم يكن مخلوقا صار العقل قديما من وجه خلقا من وجه آخر. وهذا محال فألزم على هذا كون الشيء مرادا من وجه مكروها من وجه آخر وقبل له إنّ الإرادة عندك لا تتعلق بالشيء إلا على جهة الحدوث. وكذلك الكراهة. فاذا كان مرادا من جهة مكروها من جهة أخرى وجب أن يكون المريد قد اراد ما اراد وكره ما اراد. وهذا متناقض. فقال لا يكون المريد للشىء مريدا له إلا من جميع وجوهه حتى لا يجوز أن يكرهه من وجه فألزم عليه المعلوم والمجهول اذ لا ينكر كون شيء واحد معلوما من وجه مجهولا من وجه آخر. ولما ارتكب قوله بأن الشيء الواحد لا يكون مرادا من جهة مكروها من جهة أخرى حلّت على نفسه مسائل فيها هدم اصول المعتزلة. وقد ارتكب اكثرها. منها انه يلزمه ان يكون من القبائح العظام ما لم يكرهه الله تعالى ومن الحسن الجميل ما لم يرده. وذلك انه اذا كان السجود لله تعالى عبادة عبادة الصنم مع ان السجود للصنم قبيح عظيم. وكذلك اذا اراد أن يكون القول بأنّ محمدا رسول الله إخبارا عن محمد بن عبد الله

وجب أن لا يكرهه ان يكون (٧٧ ا) إخبارا عن محمد آخر مع كون ذلك كفرا ولزمه اذا كره الله تعالى ان يكون السجود عبادة للصنم ان لا يريد كونه عبادة لله تعالى مع كونه عبادة لله طاعة حسنة وركب هذا كله وذكر فى جامعه الكبير أنّ السجود للصنم لم يكرهه الله تعالى وأبى ان يكون الشيء الواحد مرادا مكروها من وجهين مختلفين. وقال فيه أما ابو عليّ يعنى أباه فانه يجيز ذلك وهو عندى غير مستمر على الأصول لأن الإرادة لا تتناول الشيء إلا على طريق الحدوث عندنا وعنده. فلو اراد حدوثه وكره لوجب ان يكون قد كره ما اراد. اللهمّ إلا ان يكون له حدوثان. وهو الّذي عوّل عليه على اصلنا باطل لان الإرادة عندنا قد تتعلق بالمراد على وجه الحدوث وعلى غير وجه الحدوث وليس يلزم اباه ما ألزمه وله عن إلزامه جواب وقلب. اما الجواب فان اباه لم يرد بقوله إن الإرادة تتعلق بالشيء على وجه الحدوث ما ذهب إليه أبو هاشم وانما أراد بذلك انها تتعلق به فى حال حدوثه بحدوثه او بصفة يكون عليها فى حال الحدوث. مثل أن يريد حدوثه ويريد كونه طاعة لله تعالى وهى صفة عليها يكون فى حال الحدوث وهذا كقولهم إن الأمر والخبر لا يكونان امرا وخبرا إلا بالارادة اما إرادة المأمور به على أصل أبى هاشم وغيره او إرادة

كونه امرا وخبرا كما قاله ابن الاخشيد منهم لأن الله تعالى قد قال (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ) (الكهف ٢٦) وقد اراد حدوث كلامه وأراد الأيمان منهم وليس قولهم فليؤمن مع ذلك امرا. بل هو تهديد لأنه لم يرد (٧٧ ب) كون هذا القول امرا. وكذلك الخبر لا يكون خبرا عندهم وحتى يريد كونه خبرا عن زيد دون عمرو. مع أن هذا السبب بإرادة لحدوث الشيء وبان بهذا أن كراهة الله تعالى ان يكون السجود عبادة للصنم غير ارادته لحدوثه فلم يلزم ما ذكره ابو هاشم من كونه مرادا من الوجه الّذي كرهه. ووجه القلب عليه أن يقال إن الله تعالى قد نهى عن السجود للصنم وقد نصّ عليه وقد ثبت من اصل المعتزلة أن الله تعالى لا يأمر إلا بحدوث الشيء ولا ينهى إلا عن حدوثه. وقد ثبت أنه أمر بالسجود عبادة له فيلزمه ان يكون قد نهى عنه من الوجه الّذي امر به. لانه لا ينهى الا عن إحداث الشيء وليس للسجود الا حدوث واحد. ولو كان له حدوثان لزمه أن يكون محدثا من وجه غير محدث من وجه آخر فلزمه فى الامر والنهى ما ألزم إياه والتجار فى الإرادة والكراهة

والفضيحة السادسة من فضائحه. قوله بالاحوال التى كفّره فيها مشاركوه فى الاعتزال فضلا عن سائر الفرق. والّذي ألجأه

إليها سؤال أصحابنا قدماء المعتزلة عن العالم منا هل فارق الجاهل بما علمه لنفسه او لعلة وأبطلوا مفارقته إياه لنفسه مع كونهما من جنس واحد وبطل ان تكون مفارقته إياه لا لنفسه ولا لعلة لانه لا يكون حينئذ بمفارقته له أولى من آخر سواه. فثبت أنه إنما فارقه فى كونه عالما لمعنى ما. ووجب أيضا ان يكون لله تعالى فى مفارقة الجاهل معنى او صفة بها فارقه. فزعم أنه إنما فارقه لحال كان عليها (٧٨ ا) فأثبت الحال فى ثلاثة مواضع. أحدها الموصوف الّذي يكون موصوفا لنفسه فاستحق ذلك الوصف لحال كان عليها. والثانى الموصوف بالشيء لمعنى صار مختصا بذلك المعنى لحال. والثالث ما يستحقه لا لنفسه ولا لمعنى فيختص بذلك الوصف دون غيره عنده لحال. وأحوجه الى هذا سؤال معمّر فى المعانى لما قال إن علم زيد اختص به دون عمرو لنفسه او لمعنى او لا لنفسه او لا لمعنى. فان كان لنفسه وجب ان يكون لجميع العلوم به اختصاص. لكونها علوما. وان كان لمعنى صحّ قول معمّر فى تعلق كل معنى بمعنى لا الى نهاية. وان كان لا لنفسه ولا لمعنى لم يكن اختصاصه به أولى من اختصاصه بغيره. وقال ابو هاشم انما اختص به لحال وقال اصحابنا ان علم زيد اختص به لعينه لا لكونه علما ولا لكون زيد كما

تقول ان السواد سواد لعينه لا لان له نفسا وعينا. ثم قالوا لابى هاشم هل تعلم الاحوال؟ او لا تعلمها فقال لا من قبل انه لو قال انها معلومة لزمه اثباتها اشياء اذ لا يعلم عنده إلا ما يكون شيئا ثم ان لم يقل بانها احوال متغايرة لان التغاير إنما يقع بين الاشياء والذوات. ثم انه لا يقول فى الاحوال انها موجودة ولا انها معدومة ولا انها قديمة ولا محدثة ولا معلومة ولا مجهولة ولا تقول انها مذكورة مع ذكره لها بقوله انها غير مذكورة وهذا متناقض. وزعم أيضا ان العالم له فى كل معلوم حال لا يقال فيها انها حالة مع المعلوم الآخر. ولا جل هذا زعم ان احوال البارى عزوجل فى معلوماته لا نهاية لها وكذلك احواله فى مقدوراته لا نهاية لها كما ان مقدوراته لا نهاية لها. وقال له اصحابنا ما انكرت ان يكون لمعلوم واحد (٧٨ ب) احوال بلا نهاية لصحة تعلق المعلوم بكل عالم يوجد لا الى نهاية. وقالوا له هل احوال البارى من عمل غيره أم هى هو؟ فاجاب بانها لا هى هو ولا غيره. فقالوا له فلم انكرت على الصفاتية قولهم فى صفات الله عزوجل فى الازل انها لا هى ولا غيره؟

والفضيحة السابعة من فضائحه. قوله نبغى جملة من الأعراض التى اثبتها اكثر مثبتى الأعراض كالبقاء والإدراك والكدرة والألم

والشك. وقد زعم ان الألم الّذي يلحق الانسان عند المصيبة والألم الّذي يجده عند شرب الدّواء الكريه ليس بمعنى اكثر من ادراك ما ينفر عنه الطبع والادراك ليس بمعنى عنده ومثله ادراك جواهر اهل النار فى النار وكذلك اللذات عنده ليست بمعنى ولا هى اكثر من ادراك المشتهى. والادراك ليس بمعنى وقال فى الألم الّذي يحدث عند الوباء إنه معنى كالألم عند الضّرب واستدلّ على ذلك بانه واقع تحت الحسن وهذا من عجائبه لأن ألم الضرب بالخشب والألم بسعوط الخردل والتلدغ بالنار وشرب الصبر سواء فى الحسن. ويلزمه اذا نفى كون الملذة معنى ألّا يزيد لذات اهل الثواب فى الجنة على لذات الاطفال التى نالوها بالفضل لاستحالة ان يكون لا شيء اكثر من لا شيء وقد قال ان اللذة فى نفسها نفع وحسن فاثبت نفعا وحسنا ليس بشيء وقال كل ألم ضرر وجاء من هذا ان الضرر ما ليس بشيء عنده والفضيحة الثامنة من فضائحه قوله فى باب الفناء ان الله تعالى لا يقدر على ان يفنى من العالم ذرة مع بقاء السماوات والارض وبناه على اصله فى دعواه ان الاجسام لا تفنى (٧٩ ا) الا بفناء يخلقه الله تعالى لا فى محل يكون ضدا لجميع الاجسام لأنه لا يختص ببعض الجواهر دون بعض اذا ليس هو قائما بشيء منها فاذا كان

ضدا لها نفاها كلها وحسبه من الفضيحة فى هذا قوله بأن الله يقدر على إفناء جملة لا يقدر على افناء بعضها

والفضيحة التاسعة قوله أن الطهارة غير واجبة والّذي الجأه الى ذلك ان سأل نقسه عن الطهارة بماء مغصوب على قوله وقول ابيه بأن الصلاة فى الارض المغصوبة فاسدة واجاب بأن الطهارة بالماء المغصوب صحيحة وفرق بينها وبين الصلاة فى الدار المغصوبة بأن قال ان الطهارة غير واجبة وانما امر الله تعالى العبد بأن يصلى اذا كان متطهرا ثم استدل على ان الطهارة غير واجبة بان غيره لو طهره مع كونه صحيحا أجزأه ثم انه طرد هذا الاعتلال فى الحج فزعم ان الوقوف والطوف والسعى غير واجب فى الحج لان ذلك كله مجزيه اذا اتى به راكبا ولزمه على هذا الاصل ألّا تكون الزكاة واجبة ولا الكفارة والنذور وقضاء الديون لان وكيله ينوب عنه فيها وفى هذا ارفع احكام الشريعة وبان بما ذكرناه فى هذا الفصل تكفير زعماء المعتزلة بعضها لبعض واكثرهم يكفرون اتباعهم المقلدين لهم ومثلهم فى ذلك كما قاله الله تعالى (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) (المائدة ١٥) واما مثل اتباعهم معهم فقول الله تعالى (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) (البقرة ١٦٧) (وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَ

لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا) (البقرة ١٦٨) ومن مكابرات زعمائهم مكابرة النظام فى الطفرة وقوله بأن الجسم يصير (٧٩ ب) من المكان الاول الى الثالث او العاشر من غير ضرورة بالوسط. ومكابرة اصحاب التوكل منهم فى دعواهم ان الموتى يقتلون الاحياء على الحقيقة. ومكابرة جمهورهم فى دعواهم ان الّذي يقدر على ان يرتفع من الارض شبرا قادر على ان يرتفع فوق السماوات السبع وان المقيد المغلول يداه قادر على صعوده الى السماء وان البقة الصغيرة تقدر على شرب القران (كذا) بمثله وبما هو افصح منه. وزعم المعروف منهم بقاسم الدمشقى أن حروف الصدق هى حروف الكذب وان الحروف التى فى قول القائل لا إله إلّا الله هى التى فى قول من يقول المسيح إله وان الحروف التى فى القرآن هى التى فى كتاب زردشت المجوس باعيانها لا على معنى انها مثلها. ومن لم يعد هذه الوجوه مكابرات للعقول لم يكن له ان يعد انكار السوفسطائية للمحسوسات مكابرة. وقد حكى أصحاب المقالات ان سبعة من زعماء القدرية اجتمعوا فى مجلس وتكلموا فى قدرة الله تعالى على الظلم والكذب وافترقوا عن تكفير كل واحد منهم لسائرهم وذلك ان قائلا منهم قال للنظام فى ذلك المجلس. هل يقدر الله تعالى على ما وقع منه لكان جورا وكذبا منه؟ فقال لو قدر عليه لم ندر لعله قد جار او

كذب فيما مضى او يجور ويكذب فى المستقبل او جار في بعض اطراف الارض. ولم يكن لنا من جوره وكذبه امان الا من جهة حسن الظن به. قال ما دليل يؤمننا من وقوع ذلك منه فلا سبيل إليه؟ فقال له عليّ الاسوارى يلزمك على هذا الاعتلال ان لا يكون قادرا على ما علم انه لا يفعله (٨٠ ا) أو أخبر بانه لا يفعله لانه لو قدر على ذلك لم يأمن وقوعه منه فيما مضى او فى المستقبل. فقال النظام هذا الالزام فما قولك فيه؟ فقال أنا أسوي بينهما وأقول انه لا يقدر على ما علم ان لا يفعله او اخبر بانه لا يفعله كما أقول أنا وأنت انه لا يقدر على الظلم والكذب. فقال النظام للاسوارى قولك الحاد وكفر وقال أبو الهذيل للاسوارى ما تقول فى فرعون ومن علم الله تعالى منهم انهم لا يؤمنون هل كانوا قادرين على الايمان أم لا؟ فان زعمت انهم لم يقدروا عليه فقد كلفهم الله تعالى ما لم يطيقوه وهذا عندك كفر. وان قلت انهم كانوا قادرين عليه فما يؤمنك من ان يكون قد وقع من بعضهم ما علم الله تعالى ان لا يقع؟ او اخبر بانه لا يقع منه على قول اعتلالك واعتلال النظام انكار كما انكر قدرة الله تعالى على الظلم والكذب. فقال لابى الهذيل هذا الالزام لنا فما جوابك عنه؟ فقال انا أقول ان الله تعالى قادر على ان يظلم ويكذب وعلى ان يفعل ما علم انه لا يفعله. فقالا له

أرأيت لو فعل الظلم والكذب كيف يكون مكنون حال الدلائل التى دلت على ان الله تعالى لا يظلم ولا يكذب؟ فقال هذا محال. فقالا له كيف يكون المحال مقدورا لله تعالى ولم احلت وقوع ذلك منه مع كونه مقدورا له؟ فقال لانه لا يقع الا عن آفة تدخل عليه ومحال دخول الافات على الله تعالى. فقالا له ومحال أيضا ان يكون قادرا على ما يقع منه الا عن آفة تدخل عليه فبهت الثلاثة فقال لهم بشر كل ما انتم فيه تخليط فقال له أبو الهذيل فما تقول (٨٠ ب) أنت تزعم ان الله تعالى يقدر ان يعذب الطفل أم تقول «هذا يقول هذا»؟ يعنى النظام فقال أقول بانه قادر على ذلك فقال أرأيت لو فعل ما قدر عليه من تعذيب الطفل ظالما له فى تعذيبه لكان الطفل بالغا عاقلا عاصيا مستحقا للعقاب الذي اوقعه الله تعالى به وكانت الدلائل بحالها فى دلالتها على عدله؟ فقال له ابو الهذيل سخنت عينك كيف تكون عبادة لا تفعل ما تقدر عليه من الظلم؟ فقال له المردار انك قد انكرت على استاذى فكرا وقد غلط الاستاذ فقال له بشر فكيف تقول؟ قال اقول ان الله تعالى قادر على الظلم والكذب ولو فعل ذلك لكان إلها ظالما كاذبا. فقال له بشر فهل كان مستحقا للعبادة أم لا؟ فان استحقها فالعبادة شكر للمعبود واذا ظلم استحق الذم لا الشكر وان لم يستحق العبادة فكيف يكون

ربا لا يستحق العبادة؟ فقال لهم الاشبح انا أقول انه قادر على ان يظلم ويكذب ولو ظلم وكذب لكان عادلا كما انه قادر على ان يفعل ما علم انه لا يفعله علم لو فعله كان عالما بان يفعله. فقال له الاسكافى كيف ينقلب الجور عدلا. فقال كيف تقول انت؟ فقال أقول لو فعل الجور والكذب ما كان الفعل موجودا وكان ذلك واقعا لمجنون أو منقوص. فقال له جعفر بن حرب كانك تقول ان الله تعالى انما يقدر على ظلم المجانين ولا يقدر على ظلم العقلاء. فافترق القوم يومئذ عن انقطاع كل واحد منهم ولما انتهت نوبة الاعتزال الى الجبائى وابنه امسكا عن الجواب فى هذه المسألة بنصح ولا ذكر بعض أصحاب أبى هاشم فى كتابه هذه المسألة فقال من قال لنا أيصح وقوع ما يقدر الله تعالى عليه من الظلم (٨١ ا) والكذب؟ قلنا له يصحّ ذلك لانه لو لم يصحّ وقوعه منه ما كان قادرا عليه لان القدرة على المحال محال. فان قال أفيجوز وقوعه منه؟ قلنا لا يجوز وقوعه منه لقبحه وغناه عنه وعلمه بغناه عنه. فان قال أخبرونا لو وقع مقدوره من الظلم والكذب كيف كان يكون حاله فى نفسه هل كان يدل وقوع الظلم منه على جهله او حاجته؟ قلنا محال ذلك لانا قد علمناه عالما غنيا. فان قال فلو وقع منه الظلم والكذب هل كان يجوز ان يقال ان ذلك لا يدل على جهله وحاجته؟ قلنا لا

يوصف بذلك لانّا قد عرفنا دلالة الظلم على جهل فاعله او حاجته. فان قال فكانكم لا تجيبون عن سؤال من سألكم عن دلالة وقوع الظلم والكذب ممن على جهل وحاجة باثبات ولا نفى قلنا كذلك تقول. فهؤلاء زعماء قدرية عصرنا قد اقروا بعجزهم وعجز أسلافهم عن الجواب فى هذه المسألة ولو وفّقوا للصواب فيها لرجعوا الى قول أصحابنا بان الله قادر على كل مقدور وان كل مقدور له لو وقع منه لم يكن ظلما منه. ولو احالوا الكذب عليه كما أحاله أصحابنا لتخلصوا عن الالزام الذي توجه عليهم فى هذه المسألة. وكان الجبائى يعتذر فى امتناعه عن الجواب فى هذه المسألة «بنعم» او «لا» بان يقول مثال هذا ان قائلا لو قال اخبرونى عن النبي لو فعل الكذب لكان يدلّ على انه ليس بنبي او لا يدل على ذلك؟ وزعم ان الجواب فى ذلك مستحيل وهذا ظن منه على اصله فاما على أصل أهل السنّة فان النبي كان معصوما عن الكذب والظلم ولم يكن قادرا عليهما. والمعتزلة غير النظام والاسواري قد وصفوا الله تعالى بالقدرة (٨١ ب) على الظلم والكذب فلزمهم الجواب عن سؤال من سألهم عن وقوع مقدورة منهما. هل يدلّ على الجهل والحاجة أو لا يدلّ على ذلك؟ بنعم او لا. وأيهما أجابوا به نقضوا به أصولهم. والحمد لله الّذي أنقذنا من ضلالتهم المؤدية الى مناقضاتهم

الفصل الرابع

(من فصول هذا الباب)

فى بيان الفرق المرجئة وتفصيل مذاهبهم

والمرجئة ثلاثة أصناف. صنف منهم قالوا بالارجاء فى الايمان وما يقدر على مذاهب القدرية المعتزلة كغيلان وأبى شمر ومحمد ابن أبى شبيب البصرى. وهؤلاء داخلون فى مضمون الخبر الوارد فى لعن القدرية والمرجئة يستحقون اللعنة من وجهين. وصنف منهم قالوا بالارجاء بالايمان وبالخبر فى الاعمال على مذهب جهم ابن صفوان فهم اذا من جملة الجهمية. والصنف الثالث منهم خارجون عن الخبر والقدرية وهم فيما بينهم خمس فرق : اليونسية ، والغسانية ، والثوبانية ، والتومنية ، والمريسية ، وانما سموا مرجئة لانهم أخروا العمل عن الايمان. والارجاء بمعنى التأخير. يقال ارجيت وارجأته اذا آخرته. وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم انه قال لعنت المرجئة على لسان سبعين نبيا. قيل من المرجئة يا رسول الله؟ قال الذين يقولون «الايمان كلام» يعنى الذين زعموا ان الايمان هو اقرار وحده دون غيره. والفرق الخمس التى ذكرناها من المرجئة

تضل كل فرقة منها اختها ويضللها سائر الفرق. وسنذكرها على التفصيل ان شاء الله عزوجل

ذكر اليونسية منهم. هؤلاء اتباع يونس بن عون الّذي زعم ان الايمان في القلب واللسان وانه هو المعرفة (٨٢ ا) بالله تعالى والمحبة والخضوع له بالقلب والإقرار باللسان أنه واحد ليس كمثله شيء. ما لم تقم حجة الرسل عليهم‌السلام. فان قامت عليهم حجتهم بالتصديق لهم ومعرفة ما جاء من عندهم فى الجملة من الايمان وليست معرفة تفصيل ما جاء من عندهم أيمانا ولا من جملته. وزعم هؤلاء أن كل خصلة من خصال الايمان ليست بأيمان ولا بعض إيمان ومجموعها ايمان

ذكر الغسانية منهم. هؤلاء اتباع غسّان المرجئ الّذي زعم أن الايمان هو الإقرار او المحبة لله تعالى وتعظيمه وترك الاستكبار عليه. وقال انه يزيد ولا ينقص وفارق اليونسية بأن سمّى كل خصلة من الأيمان بعض الأيمان. وزعم غسّان هذا فى كتابه ان قوله فى هذا الكتاب كقول أبى حنفية فيه. وهذا غلط منه عليه. لان أبا حنفية قال إن الايمان هو المعرفة والاقرار بالله تعالى وبرسله وبما جاء من الله تعالى ورسله فى الجملة دون التفصيل وانه لا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس فيه. وغسان قد قال بأنه

يزيد ولا ينقص

ذكر التومنية منهم. هؤلاء اتباع أبى معاذ التومنى الّذي زعم ان الايمان ما عصم من الكفر وهو اسم لخصال من تركها أو ترك خصلة منها كفر. ومجموع تلك الخصال إيمان ولا يقال للخصلة منها أيمان ولا بعض أيمان. وقال كل ما لم تجتمع الامة على كفره بتركه من الفرائض فهو من شرع الأيمان وليس بأيمان. وزعم أن تارك الفريضة التى ليست بايمان يقال له فسق ولا يقال له فاسق (٨٢ ب) على الاطلاق اذا لم يتركها جاحدا. وزعم أيضا أن من لطم نبيّا او قتله كفر لا من أجل لطمه وقتله لكن من أجل عداوته وبغضه له واستخفافه بحقه

ذكر الثوبانية منهم. هؤلاء اتباع أبى ثوبان المرجئ الّذي زعم ان الايمان هو الإقرار والمعرفة بالله وبرسله وبكل ما يجب فى العقل فعله وما جاز فى العقل ان لا يفعل فليست المعرفة من الايمان. وفارقوا اليونسية والغسّانية بايجابهم فى العقل شيئا قبل ورود الشرع بوجوبه

ذكر المريسية منهم. هؤلاء مرجئة بغداد من أتباع بشر المريسى. وكان فى الفقه على رأى أبى يوسف القاضى غير أنه لما أظهر قوله بخلق القرآن هجره أبو يوسف وضللته الصفاتية

فى ذلك. ولما وافقوا الصفاتية فى القول بان الله تعالى خالق اكساب العباد وفى ان الاستطاعة مع الفعل اكفرته المعتزلة فى ذلك. فصار مهجور الصفاتية والمعتزلة معا. وكان يقول فى الايمان انه هو التصديق بالقلب واللسان جميعا كما قال ابن الراوندي فى ان الكفر هو الجحد والانكار. وزعما ان السجود للصنم ليس بكفر ولكنه دلالة على الكفر. فهؤلاء الفرق الخمس هم المرجئة الخارجة عن الخبر والقدر. واما المرجئة القدرية كأبي شمر وابن شبيب وغيلان وصالح قبة فقد اختلفوا فى الايمان فقال ابن مبشر الايمان هو المعرفة والاقرار بالله تعالى وبما جاء من عنده مما اجتمعت عليه الامة كالصلاة والزكاة والصيام والحج وتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير ووطء المحارم ونحو ذلك وما عرف بالعقل من عدل الايمان وتوحيده ونفى (٨٣ ا) التشبيه عنه وأراد بالعقل قوله بالقدر وأراد بالتوحيد نفيه عن الله تعالى صفاته الأزلية. قال كل ذلك إيمان والشاك فيه كافر والشاك في الشاك أيضا كافر ثم كذلك أبدا. وزعم أن هذه المعرفة لا تكون ايمانا الّا مع الاقرار. وكان أبو شمر مع بدعته هذه لا يقول لمن فسق من موافقيه فى القدر انه فاسق مطلقا. ولكنه كان يقول إنه فاسق فى كذا. وهذه الفرقة عند أهل السنّة والجماعة أكفر أصناف المرجئة لانها جمعت

بين ضلالتى القدر والإرجاء. والعدل الّذي أشار إليه أبو شمر شرك على الحقيقة لانه أراد به اثبات خالقين كبيرين غير الله تعالى. وتوحيده الّذي أشار إليه تعطيل لانه أراد به نفى علم الله تعالى وقدرته ورؤيته وسائر صفاته الازلية. وقوله فى مخالفيه إنهم كفرة وان الشاك فى كفرهم كافر مقابل بقول أهل السنّة فيه إنه كافر وان الشاك فى كفره كافر. وكان غيلان القدرىّ يجمع بين القدر والإرجاء ويزعم أنّ الايمان هو المعرفة الثانية بالله تعالى والمحبة والخضوع والإقرار بما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبما جاء من الله تعالى. وزعم ان المعرفة الاولى اضطرار وليس بايمان. وحكى زرقان فى مقالاته عن غيلان أن الايمان هو الاقرار باللسان وان المعرفة بالله تعالى ضرورية فعل الله تعالى وليست من الايمان. وزعم غيلان أن الايمان لا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس فيه. وزعم محمد بن شبيب أن الايمان هو الاقرار بالله والمعرفة برسله وبجميع ما جاء من عند الله تعالى مما نص عليه المسلمون من الصلاة والزكاة والصيام والحج وكل ما لم يختلفوا فيه. وقال ان الايمان يتبعض ويتفاضل الناس فيه والخصلة الواحدة من الايمان قد تكون بعض الايمان وتاركها يكفر بترك (٨٣ ب) بعض الايمان ولا يكون مؤمنا باصابة كله. وزعم الصالحى أن الايمان

هو المعرفة بالله تعالى فقط والكفر هو الجهل به فقط. وأن قول القائل ان الله تعالى ثالث ثلاثة ليس بكفر لكنه لا يظهر الا من كافر. ومن جحد الرسل لا يكون مؤمنا لا من أجل أنّ ذلك محال لكن لان الرسول قال «من لا يؤمن بى فليس مؤمنا بالله تعالى» وزعم ان الصلاة والزكاة والصيام والحج طاعات وليست بعبادة لله تعالى وأن لا عبادة له الا الايمان به وهو معرفته. والايمان عنده خصلة واحدة لا تزيد ولا تنقص. وكذلك الكفر خصلة واحدة. فهذه اقوال المرجئة فى الايمان الّذي لاجل تأخيرهم الاعمال عن الايمان سموا مرجئة

الفصل الخامس

(فى ذكر مقالات الفرق النجارية)

هؤلاء اتباع الحسين بن محمد النجار وقد وافقوا أصحابنا فى أصول ووافقوا القدرية فى اصول وانفردوا باصول لهم. فالذى وافقوا فيه أصحابنا قولهم معنا بان الله تعالى خالق اكساب العباد وأن الاستطاعة مع الفعل وانه لا يحدث فى العالم الا ما يريده الله تعالى. ووافقونا أيضا فى أبواب الوعيد وجواز المغفرة لاهل الذنوب

وفى اكثر أبواب التعديل والتحوير. وأما الّذي وافقوا فيه القدرية فنفى علم الله تعالى وقدرته وحياته وسائر صفاته الازلية وإحالة رؤيته بالابصار والقول بحدوث كلام الله تعالى. واكفرتهم القدرية فيما وافقوا فيه أصحابنا. وأكفرهم أصحابنا فيما وافقوا فيه القدرية. والّذي يجمع النجارية فى الأيمان قولهم بان الايمان هو المعرفة بالله تعالى وبرسله وفرائضه التى أجمع عليها المسلمون والخضوع له والإقرار باللسان. فمن جهل شيئا من ذلك بعد قيام الحجة به عليه (٨٤ ا) او عرفه ولم يقر به فقد كفر. وقالوا كل خصلة من خصال الأيمان طاعة وليست بايمان ومجموعها ايمان وليست خصلة منها عند الانفراد ايمانا ولا طاعة. وقالوا ان الايمان يزيد ولا ينقص. وزعم النجار أن الجسم اعراض مجتمعة وهى إلّا أعراض التى لا ينفك الجسم عنها كاللون والطعم والرائحة وسائر ما لا يخلو الجسم منه ومن ضده. فأما الّذي يخلو الجسم منه ومن ضده كالعلم والجهل ونحوهما فليس شيء منها بعضا للجسم. وزعم أيضا ان كلام الله تعالى عرض اذا قرئ وجسم اذا كتب. وانه لو كتب بالدم صار ذلك الدم المقطع تقطيع حروف الكلام كلاما لله تعالى بعد ان لم يكن كلاما حين كان دما مسفوحا. فهذه اصول النجارية. وافترقوا بعد هذا فيما بينهم فى العبادة عن خلق القرآن

وفى حكم أقوال مخالفيهم فرقا كبيرة كل فرقة منها تكفّر سائرها. والمشهورون منها ثلاث فرق وهى البرغوثية والزعفرانية والمستدركة من الزعفرانية

ذكر البرغوثية منهم. هؤلاء اتباع محمد بن عيسى الملقب ببرغوث. وكان على مذهب النجار فى اكثر مذاهبه وخالفه فى تسمية المكتسب فاعلا فامتنع منه. واطلقه النجار وخالفه أيضا فى المتوالدات فزعم انها فعل لله تعالى بايجاب الطبع. على معنى ان الله تعالى طبع الحجر طبعا يذهب إذا وقع. وطبع الحيوان طبعا يألم اذا ضرب. وقال النجار فى المتولدات بمثل قول أصحابنا فيها انها من فعل الله تعالى باختيار لا من طبع الجسم الّذي سموه مولدا

ذكر الزعفرانية منهم. هؤلاء اتباع الزعفرانى الّذي كان بالرى وكان يناقض بآخر كلامه اوّله. فيقول ان كلام الله تعالى غيره وكل ما هو غير الله تعالى مخلوق. ثم يقول مع ذلك «الكلب خير ممن يقول كلام الله مخلوق» (٨٤ ب). وذكر بعض أصحاب التواريخ أن هذا الزعفرانى أراد ان يشهر نفسه فى الآفاق فاكترى رجلا على أن يخرج الى مكة ويسبه ويلعنه فى مواسم مكة ليشتهر ذكره عند حجيج الآفاق. وقد بلغ حمق أتباعه بالرىّ أن قوما منهم لا يأكلون العنجد حرمة للزعفرانى ويزعمون انه كان يحب ذلك

وقالوا لا نأكل محبوبه

ذكر المستدركة منهم. هؤلاء قوم من النجارية يزعمون انهم استدركوا ما خفى على اسلافهم لان اسلافهم منعوا اطلاق القول بأن القرآن مخلوق. وزعمت المستدركة أنه مخلوق ثم افترقوا فيما بينهم فرقتين فرقة زعمت أن النبي عليه‌السلام قد قال ان كلام الله مخلوق على ترتيب هذه الحروف. ولكنه اعتقد ذلك بهذه اللفظة على ترتيبه حروفها. ومن لم يقل إن النبي عليه‌السلام قال ذلك على ترتيب هذه الحروف فهو كافر. وقالت الفرقة الثانية منهم إن النبي عليه‌السلام لم يقل كلام الله مخلوق على ترتيب هذه الحروف. ولكنه اعتقد ذلك ودل عليه. ومن زعم أنه قال إن كلام الله مخلوق بهذه اللفظة فهو كافر. ومن هؤلاء المستدركة قوم بالرىّ يزعمون أن أقوال مخالفيهم كلها كذب حتى لو قال الواحد منهم فى الشمس انها شمس لكان كاذبا فيه. قال عبد القاهر ناظرت بعض هذه الطائفة بالرىّ فقلت له اخبرنى عن قولى لك أنت إنسان عاقل مولود من نكاح لا من سفاح هل أكون صادقا فيه؟ فقال أنت كاذب فى هذا القول فقلت له أنت صادق فى هذا الجواب فسكت خجلا والحمد لله على ذلك

الفصل السّادس

(من فصول هذا الباب)

في ذكر الجهمية والبكرية (٨٥ ا) والضرارية وبيان مذاهبها

الجهمية اتباع جهم بن صفوان الّذي قال بالاجبار والاضطرار الى الاعمال وانكر الاستطاعات كلها. وزعم ان الجنة والنار تبيدان وتفنيان. وزعم أيضا ان الايمان هو المعرفة بالله تعالى فقط وان الكفر هو الجهل به فقط. وقال لا فعل ولا عمل لاحد غير الله تعالى وانما تنسب الاعمال الى المخلوقين على المجاز. كما يقال زالت الشمس ودارت الرحى من غير أن يكونا فاعلين او مستطيعين لما وصفتا به. وزعم أيضا أن علم الله تعالى حادث وامتنع من وصف الله تعالى بانه شيء او حي او عالم أو مريد. وقال لا أصفه بوصف يجوز اطلاقه على غيره كشىء موجود وحي وعالم ومريد ونحو ذلك. ووصفه بانه قادر وموجد وفاعل وخالق ومحيى ومميت. لان هذه الاوصاف مختصة به وحده. وقال بحدوث كلام الله تعالى كما قالته القدرية ولم بسمّ الله تعالى متكلما به. واكفره أصحابنا فى جميع ضلالاته

واكفرته القدرية فى قوله بان الله تعالى خالق اعمال العباد. فاتفق أصناف الامة على تكفيره. وكان جهم مع ضلالاته التي ذكرناها يحمل السلاح ويقاتل السلطان. وخرج مع شريح بن الحرث على نصر بن يسار وقتله سلم بن اجون المازنى فى آخر زمان بنى مروان واتباعه اليوم بنهوند. وخرج إليهم فى زماننا اسماعيل بن ابراهيم بن كبوس الشيرازى الديلى فدعاهم الى مذهب شيخنا ابى الحسن الاشعرى فاجابه قوم منهم وصاروا مع اهل السنة يدا واحدة والحمد له على ذلك

واما البكرية فاتباع بكر بن اخت عبد الواحد بن زيد وكان يوافق النظام فى دعواه ان الانسان (٨٥ ب) هو الروح دون الجسد الّذي فيه الروح. ويوافق اصحابنا فى ابطال القول بالتولد وفى ان الله تعالى هو المخترع الألم عند الضرب وأجاز وقوع الضرب من غير حدوث ألم وقطع بعدها كما أجاز ذلك أصحابنا. وانفرد بضلالات اكفرته الامة فيها. منها قوله بان الله تعالى يرى فى القيامة في صورة يخلقها وان يكلم عباده من تلك الصورة. ومنها قوله في الكبائر الواقعة من اهل القبلة انها نفاق وان صاحب الكبيرة منافق وعابد للشيطان وان كان من اهل الصلاة. وزعم أيضا أنه مع كونه منافقا مكذب لله تعالى جاحد له وان يكون

في الدرك الاسفل من النار مخلدا فيها وانه مع ذلك مسلم مؤمن ثم انه طرد قوله في هذه البدعة فقال في عليّ وطلحة والزبير ان ذنوبهم كانت كفرا وشركا غير انهم كانوا مغفورا لهم. لما روى في الخبر ان الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ومن ضلالاته أيضا ما عاند فيه العقلاء فزعم أن الاطفال فى المهد لا يألمون وان قطعوا او حرقوا وأجاز ان يكونوا فى وقت الضرب والقطع والاحراق متلذذين مع ظهور البكاء والصياح منهم. ومنها انه أبدع فى الفقه تحريم اكل الثوم والبصل وأوجب الوضوء من قرقرة البطن ولا اعتبار عند أهل السنّة بخلاف اهل الاهواء فى الفقه

واما الضرارية. فهم اتباع ضرار بن عمرو الّذي وافق اصحابنا فى ان افعال العباد مخلوقة لله تعالى واكساب للعباد وفى ابطال القول بالتولد ووافق المعتزلة فى ان الاستطاعة قبل الفعل وزاد عليهم بقوله انها قبل الفعل ومع الفعل وبعد الفعل وانها بعض المستطيع ووافق النجار فى دعواهما ان الجسم اعراض (٨٦ ا) مجتمعة من لون وطعم ورائحة ونحوها من الاعراض التى لا يخلو الجسم منها وانفرد باشياء منكرة منها قوله بان الله تعالى يرى فى القيامة بحاسّة سادسة يرى بها المؤمنون ماهية الإله. وقال لله

تعالى ماهية لا يعرفها غيره يراها المؤمنون بحاسة سادسة. وتبعه على هذا القول حفص القرد وانه أنكر حرف ابن مسعود وحرف ابى بن كعب وشهد بأن الله تعالى لم ينزلهما فنسب هذين الامامين من الصحابة الى الضلالة فى مصحفيهما. ومنها أنه شك فى جميع عامة المسلمين وقال لا أدرى لعل سرائر العامة كلها شرك وكفر. ومنها قوله ان معنى قولنا ان الله تعالى عالم حي هو انه ليس بجاهل ولا ميت. وكذلك قياسه فى سائر اوصاف الله تعالى من غير إثبات معنى أو فائدة سوى نفى الوصف بنقيض تلك الأوصاف عنه

الفصل السابع

(من هذا الباب)

فى ذكر مقالات الكرامية وبيان أوصافها

الكرامية بخراسان ثلاثة أصناف حقائقية وطرائقية واسحاقية. وهذه الفرق الثلاث لا يكفر بعضها بعضا وان أكفرها سائر الفرق. فلهذا عددناها فرقة واحدة. وزعيمها المعروف محمد بن كرام كان مطرودا من سخستان الى غرجستان. وكان أتباعه فى وقته أوغاد شورين وافشين ووردوا مع نيسابور

فى زمان ولاية محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر وتبعه على بدعته من أهل سواد نيسابور شرذمة من حوكة القرى والدتهم. وضلالات أتباعه اليوم متنوعة أنواعا لا نعدها أرباعا ولا اسباعا لكنا نزيد على الآلاف آلافا ونذكر منها المشهور الّذي هو بالقبح مذكور فمنها ان ابن كرام دعا اتباعه الى تجسيم (٨٦ ب) معبوده. وزعم أنه جسم له حدّ ونهاية من تحته والجهة التى منها يلاقى عرشه. وهذا شبيه بقول الثنوية إن معبودهم الّذي سموه نورا يتناهى من الجهة التى يلاقى الكلام وان لم يتناه من خمس جهات. وقد وصف ابن كرام معبوده فى بعض كتبه بأنه جوهر كما زعمت النصارى ان الله تعالى جوهر. وذلك أنه قال فى خطبة كتابه المعروف بكتاب عذاب القبر «إن الله تعالى احدى الذات احدى الجواهر» وأتباعه اليوم لا يبوحون بإطلاق لفظ الجوهر على الله تعالى عند العامة خوفا من الشناعة عند الاشاعة. واطلاقهم عليه اسم الجسم اشنع من اسم الجوهر. وامتناعهم من تسميته جوهرا مع قولهم بأنه جسم كامتناع تسمية شيطان الطاق الرافض من تسميته الاله جسما مع قوله بأنه على صورة الانسان. وليس على الخذلان فى سوء الاختيار قياس وقد ذكر ابن كرام فى كتابه ان الله تعالى مماس لعرشه وان العرش مكان له وأبدل أصحابه

لفظ المماسة بلفظ الملاقاة منه للعرش وقالوا. لا يصح وجود جسم بينه وبين العرش إلا بان يحيط العرش الى اسفل وهذا معنى المماسة التى امتنعوا من لفظها واختلف أصحابه فى معنى الاستواء المذكور فى قوله «الرحمن على العرش استوى» (طه ٥) فمنهم من زعم أن كل العرش مكان له وانه لو خلق بإزاء العرش عروشا موازية لعرشه لصارت العروش كلها مكانا له لانه أكبر منها كلها. وهذا القول يوجب عليهم ان يكون عرشه اليوم كبعضه فى عرضه. ومنهم من قال إنه لا يزيد على عرشه فى جهة المماسة (٨٧ ا) ولا يفضل منه شيء على العرش وهذا يقتضي ان يكون عرضه كعرض العرش. وكان من الكرامية بنيسابور رجل يعرف بابراهيم ابن مهاجر ينصر هذا القول ويناظر عليه. وزعم ابن كرام وأتباعه أن معبودهم محل للحوادث. وزعموا أن أقواله وارادته وإدراكاته للمرئيات وإدراكاته للمسموعات وملاقاته للصحيفة العليا من العالم أعراض حادثة فيه وهو محل لتلك الحوادث الحادثة فيه. وسموا قوله للشىء «كن» خلقا للمخلوق وإحداثا للمحدث واعلاما للذى يعدم بعد وجوده. ومنعوا من وصف الأعراض الحادثة فيه بأنها مخلوقة او مفعولة او محدثة. وزعموا أيضا أنه لا يحدث فى العالم جسم ولا عرض إلا بعد حدوث أعراض كثيرة فى ذات معبودهم

منها إرادة لحدوث ذلك الحادث. ومنها قوله لذلك الحادث «كن» على الوجه الّذي علم حدوثه عليه. وذلك القول فى نفسه حروف كثيرة كل حرف منها عرض حادث فيه. ومنها رؤية تحدث فيه يرى بها ذلك الحادث ولو لم يحدث فيه الرؤية لم ير ذلك الحادث. ومنها استماعه لذلك الحادث ان كان مسموعا. وزعموا أيضا أنه لا يعدم من العالم شيء من الاعراض الا بعد حدوث أعراض كثيرة فى معبودهم. منها إرادة لعدمه. ومنها قوله لما يريد عدمه «كن معدوما» او «افن». وهذا القول فى نفسه حروف كل حرف منها عرض حادث فيه فصارت الحوادث الحادثة فى ذات الاله عندهم أضعاف أضعاف الحوادث من اجسام العالم وأعراضها. واختلفت الكرامية فى جواز العدم على تلك الحوادث الحادثة فى ذات الإله بزعمهم. فأجاز بعضهم (٨٧ ب) عدمها وأجاز عدمها أكثرهم واجمع الفريقان منهم على أن ذات الاله لا يخلو فى المستقبل عن حلول الحوادث فيه وان كان قد خلا منها فى الأزل. وهذا نظير قول اصحاب الهيولى إن الهيولى كانت فى الازل جوهرا خاليا من الاعراض ثم حدثت الاعراض فيها وهى لا تخلو منها فى المستقبل. واختلفت الكرامية فى جواز العدم على أجسام العالم فأحال ذلك اكثرهم وضاهوا بذلك من زعم من

الدهرية والفلاسفة أن الفلك والكواكب طبيعة خامسة لا تقبل الفساد والفناء. وكان الناس يتعجبون من قول المعتزلة البصرية إن الله تعالى يقدر على افناء الاجسام كلها دفعة واحدة ولا يقدر على افناء بعضها مع بقاء بعض منها. وزال هذا التعجب بقول من زعم من الكرامية انه لا يقدر على إعدام جسم بحال. وأعجب من هذا كله أن ابن كرام وصف معبوده بالثقل وذلك انه قال فى كتاب عذاب القبر فى تفسير قول الله عزوجل (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (الانفطار ١) انها انفطرت من ثقل الرحمن عليها ثم إن ابن كرام واكثر أتباعه زعموا ان الله تعالى لم يزل موصوفا باسمائه المشتقة من افعاله عند أهل اللغة مع استحالة وجود الافعال فى الأزل. فزعموا أنه لم يزل خالفا رازقا منعما من غير وجود خلق ورزق ونعمة منه. وزعموا أنه لم يزل خالقا بخالقيّة فيه ورازقا برازقية فيه. وقالوا ان خالقيته قدرته على الخلق ورازقيته قدرته على الرزق. والقدرة قديمة والخلق والرزق حادثان فيه بقدرته. وقالوا بالخلق يصير المخلوق من العالم مخلوقا. وبذلك الرزق الحادث فيه يصير المرزوق مرزوقا. وأعجب من هذا فرقهم بين المتكلم والقائل وبين الكلام والقول. وذلك أنهم قالوا ان الله تعالى لم يزل متكلما قائلا ثم فرقوا بين الاسمين فى المعنى. فقالوا انه لم يزل متكلما

بكلام هو قدرته على القول ولم يزل قائلا بقائلية لا يقول والقائلية قدرته (٨٨ ا) على القول وقوله حروف حادثة فيه. فقول الله تعالى عندهم حادث فيه. وكلامه قديم قال عبد القاهر ناظرت بعضهم فى هذه المسألة فقلت له اذا زعمت ان الكلام هو القدرة على القول والساكت عندك قادر على القول فى حال سكوته لزمك على هذا القول ان يكون الساكت متكلما فالتزم ذلك. ومن تدقيق الكرامية فى هذا الباب قولهم انا نقول ان الله تعالى لم يزل خالقا رازقا على الاطلاق ولا نقول بالإضافة ان لم يزل خالقا للمخلوقين ورازقا للمرزوقين وانما نذكر هذه الاضافة عند وجود المخلوقين والمرزوقين. وقالوا على هذا القياس ان الله تعالى لم يزل معبودا ولم يكن فى الازل معبود العابدين وانما صار معبود العابدين عند وجود العابدين ووجود عبادتهم له. ثم ان ابن كرام ذكر فى كتابه المعروف بعذاب القبر بابا له ترجمة عجيبة فقال «باب فى كيفوفية الله عزوجل» ولا يدري العاقل مما ذا يتعجب أعن جسارته على اطلاق لفظ الكيفية فى صفات الله تعالى أم من قبح عبارته عن الكيفية بالكيفوفية؟ وله من جنس هذه العبارة أشكال منها قوله فى باب الرد على أصحاب الحديث فى الايمان. فان قالوا صحوفيتهم الايمان قول وعمل قيل لهم كذا وكذا وقد عبر عن مكان معبوده فى بعض كتبه بالحيثوثية

وهذه العبارات السخيفة لائقة بمذهبه السخيف. ثم انه مع أصحابه تكلموا فى مقدورات الله تعالى فزعموا أنه لا يقدر الا على الحوادث التي تحدث فى ذاته من ارادته وأقواله وادراكاته وملاقاته لما يلاقيه. فاما المخلوقات من أجسام العالم وأعراضها فليس شيء منها مقدورا لله تعالى ولم يكن الله تعالى قادرا على شيء منها مع كونها مخلوقة. وانما خلق كل مخلوق من العالم بقوله «كن» لا بقدرته. وهذه بدعة لم يسبقوا إليها لان الناس قبلهم اختلفوا فى مقدورات الله تعالى على مذاهب أهل السنّة والجماعة كل مخلوق كان مقدورا لله تعالى قبل حدوثه وهو محدث جميع (٨٨ ب) الحوادث بقدرته. وزعم معمر أن الاجسام كلها كانت مقدورة له قبل أن خلقها وليست الاعراض مخلوقة له ولا مقدورة له. وقال اكثر المعتزلة ان الاجسام والالوان والطعوم والروائح وسائر أجناس الاعراض كانت مقدورة لله تعالى وانما امتنعوا من وصفه بالقدرة على مقدورت غيره. وقالت الجهمية الحوادث كلها مقدورة لله تعالى ولا قادر ولا فاعل غيره. وما قال أحد قبل الكرامية باختصاص قدرة الا له بحوادث تحدث فى ذاته بزعمهم. تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. ثم انهم تكلموا فى باب التعديل والتحوير بعجائب. منها قولهم يجب ان يكون اوّل شيء خلقه

الله تعالى جسما حيا يصح منه الاعتبار. وزعموا أنه لو بدأ بخلق الجمادات لم يكن حكيما وزادوا فى هذه البدعة على القدرية فى قولها. لا بد من أن يكون فى الخلق من يصح منه الاعتبار. وليس بواجب أن يكون اوّل الخلق حيا يصح منه الاعتبار وقد ردوا ببدعتهم هذه الاخبار الصحيحة. فى أن أوّل شيء خلقه تعالى اللوح والقلم ثم أجرى القلم على اللوح بما هو كائن الى يوم القيامة. وقالوا لو خلق الله تعالى الخلق وكان فى معلومه انه لا يؤمن به احد منهم لكان خلقه إياهم عبثا. وانما حسن منه خلق جميعهم لعلمه بأيمان بعضهم. وقال أهل السنة. لو خلق الكفرة دون المؤمنين او خلق المؤمنين دون الكفرة جاز ولم يقدح ذلك فى حكمته. وزعمت الكرامية أنه لا يجوز فى حكمة الله تعالى احترام الطفل الّذي يعلم أنه إن ابقاه الى زمان بلوغه آمن ولا احترام الكافر الّذي لو أبقاه الى مدة آمن. إلّا ان يكون فى احترامه إياه قبل وقت ايمانه صلاح لغيره. ويلزمهم على هذا القول ان يكون الله تعالى إنما احترم إبراهيم بن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل بلوغه لانه علم انه لو أبقاه لم يؤمن وفى هذا قدح منهم فى كل من مات من ذرارى الأنبياء طفلا. ومن جهالاتهم فى باب النبوة والرسالة قولهم بان النبوة والرسالة صفتان حالتان فى النبي (٨٩ ا)

والرسول سوى الوحى إليه وسوى معجزاته وسوى عصمته عن المعصية. وزعموا أن من فعل فيه تلك الصفة وجب على الله تعالى إرساله وفرقوا بين الرسول والمرسل بان الرسول من قامت به تلك الصفة والمرسل هو المأمور باداء الرسالة. ثم انهم خاضوا فى باب عصمة الأنبياء عليهم‌السلام فقالوا. كلّ ذنب اسقط العدالة أو أوجب حدا منهم معصومون منه وغير معصومين مما دون ذلك. وقال بعضهم لا يجوز الخطأ عليهم فى التبليغ وأجاز ذلك بعضهم. وزعم أن النبي عليه‌السلام اخطأ فى تبليغ قوله (ومناة الثالثة الأخرى حتى قال بعده (تلك الغرانيق العلى شفاعتها ترتجى) (النجم ٢٠) وقال اهل السنة ان تلك الكلمة كانت من تلاوة الشيطان القاها فى خلال تلاوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد قال شيخنا ابو الحسن الأشعرىّ فى بعض كتبه إن الأنبياء بعد النبوة معصومون من الكبائر والصغائر. وزعمت الكرامية أيضا أنّ النبىّ اذا ظهرت دعوته فمن سمعها منه او بلّغه خبره لزمه تصديقه والاقرار به من غير توقف على معرفة دليله وقد سرقوا هذه البدعة من أباضية الخوارج الذين قالوا ان قول النبي عليه‌السلام انا نبى فنفسه حجة لا يحتاج معها الى برهان. وزعمت الكرامية أيضا أن من لم تبلغه دعوة الرسل لزمه أن يعتقد موجبات العقول وأنّ يعتقد أنّ الله

تعالى أرسل رسلا الى خلقه وقد سبقهم اكثر القدرية إلى القول بوجوب اعتقاد موجبات العقول. ولم يقل احد قبلهم بوجوب اعتقاد وجود الرسل قبل ورود الخبر عنهم بوجودهم. وزعمت الكرامية أيضا. انّ الله تعالى لو اقتصر على رسول واحد من أول زمان التكليف الى القيامة وأدام شريعة الرسول الاول لم يكن حكيما. وقال أهل السنة لو فعل ذلك جاز لما قد جاز منه (٨٩ ب) لامة شريعة خاتم النبيين الى القيامة ثم ان ابن كرام خاض فى باب الامامة فأجاز كون امامين فى وقت واحد مع وقوع الجدال وتعاطى القتال. ومع الاختلاف فى الاحكام. واشار فى بعض كتبه الى أن عليّا ومعاوية كانا إمامين فى وقت واحد. ووجب على أتباع كل واحد منهما طاعة صاحبه وإن كان احدهما عادلا والآخر باغيا. وقال أتباعه إن عليا كان إماما على وفق السنة وكان معاوية إماما على خلاف السنة. وكانت طاعة كل واحد منهما واجبة على أتباعه. فيا عجبا من طاعة واجبة خلاف السنة. ثم إن الكرامية خاضوا فى باب الايمان. فزعموا انه إقرار فرد على الابتداء وان تكريره لا يكون ايمانا الا من المرتد اذا أقرّ به بقدرته. وزعموا أيضا انه هو الاقرار السابق في الذر الاوّل فى طلب النبي عليه‌السلام وهو قولهم بلى. وزعموا ان ذلك القول

باق ابدا لا يدون الا بالردة. وزعموا أيضا ان المقر بالشهادتين مؤمن حقا وان اعتقد الكفر بالرسالة. وزعموا أيضا أن المنافقين الذين انزل الله تعالى فى تكفيرهم آيات كثيرة كانوا مؤمنين حقا وأن ايمانهم كان كايمان الأنبياء والملائكة. وقالوا فى اهل الاهواء من مخالفيهم ومخالفى أهل السنة أن عذابهم فى الآخرة غير مؤبد. واهل الاهواء يرون خلود الكرامية فى النار. ثم ان ابن كرام ابدع فى الفقه حماقات لم يسبق إليها. منها قوله فى صلاة المسافر ان يكفيه تكبيرتان من غير ركوع ولا سجود ولا قيام ولا قعود ولا تشهّد ولا سلام. ومنها قوله بصحبة الصلاة فى ثوب كله نجس وعلى ارض نجسة ومع نجاسة ظاهر البدن. وانما أوجب الطهارة عن الأحداث دون الانجاس. ومنها قوله بأن غسل الميت والصلاة عليه سنتان غير مفروضتين وإنما الواجب كفنه ودفنه. ومنها قوله بصحة الصلاة المفروضة والصوم المفروض والحج المفروض بلا نيّة. وزعم ان نية الاسلام فى الابتداء كافية عن نية (٩٠ ا) كل فريضة من فرائض الاسلام. وكان فى عصرنا شيخ للكرامية يعرف بإبراهيم بن مهاجر اخترع ضلالة لم يسبق إليها. فزعم ان اسماء الله عزوجل كلها اعراض فيه. وكذلك اسم كل مسمى عرض فيه. فزعم ان الله تعالى عرض حال فى جسم

قديم والرحمن عرض آخر والرحيم عرض ثالث والخالق عرض رابع. وكذلك كل اسم لله تعالى عرض غير الآخر فالله تعالى عنده غير الرحمن والرحمن غير الرحيم والخالق غير الرازق. وزعم أيضا ان الزانى عرض في الجسم الّذي يضاف إليه الزنى والسارق عرض في الّذي يضاف إليه السرقة وليس الجسم زانيا ولا سارقا فالمجلود والمقطوع عنده غير الزانى والسارق. وزعم أيضا أن الحركة والمتحرك عرضان في الجسم وكذلك السواد والاسود عرضان في الجسم وكذلك العلم والعالم والقدرة والقادر والحىّ والحياة كل ذلك أعراض غير الاجسام. فالعلم عنده لا يقوم بالعالم وانما يقوم بمحل العالم والحركة لا تقوم بالمتحرك وانما تقوم بمحل المتحرك. قال عبد القاهر ناظرت ابن مهاجر هذا في مجلس ناصر الدولة أبى الحسن محمد بن إبراهيم بن سيمجور صاحب جيش السامانية في سنة سبعين وثلاثمائة في هذه المسألة الزمته فيها ان يكون المحدود في الزنى غير الزانى والمقطوع في السرقة غير السارق فالتزم ذلك. فالزمته أن يكون معبوده عرضا لان المعبود عنده اسم. واسماء الله تعالى عنده أعراض حالة في جسم قديم. فقال. المعبود عرض في جسم القديم وأنا اعبد الجسم دون العرض فقلت له أنت اذن لا تعبد الله عزوجل لان الله تعالى عندك عرض. وقد زعمت

أنك تعبد الجسم دن العرض. وفضائح الكرامية على الاعداد كثيرة الامداد وفيما ذكرنا منها في هذا الفصل كفاية والله اعلم

الفصل الثامن

(فى بيان مذاهب المشبهة من أصناف شتى (٩٠ ب))

اعلموا أسعدكم الله ان المشبهة صنفان صنف شبهوا ذات البارى بذات غيره وصنف آخرون شبهوا صفاته بصفات غيره. وكل صنف من هذين الصنفين مفترقون على أصناف شتى. والمشبهة الذين ضلوا فى تشبيه ذاته بغيره أصناف مختلفة. وأول ظهور التشبيه صادر عن أصناف من الروافض الغلاة. فمنهم السبّابية الذين سموا عليا إلها وشبهوه بذات الاله. ولما احرق قوما منهم قالوا له الآن علمنا انك إله لان النار لا يعذب بها الّا الله. ومنهم البيانيّة اتباع بيان بن سمعان الّذي زعم أن معبوده انسان من ثور على صورة الانسان فى اعضائه وانه يفنى كله الا وجهه. ومنهم المغيرية اتباع المغيرة بن سعيد العجلى الّذي زعم ان معبوده ذو اعضاء وأن اعضاءه على صور حروف الهجاء. ومنهم المنصورية اتباع أبى منصور العجلى الّذي شبه نفسه بربه. وزعم أنه صعد

الى السماء. وزعم أيضا أن الله مسح يده على رأسه وقال له يا نبى بلّغ عنى. ومنهم الخطابية الذين قالوا بإلهية الائمة وبإلهية أبى الخطاب الاسدى. ومنهم الذين قالوا بإلهية عبد الله بن معاوية ابن عبد الله بن جعفر. ومنهم الحلولية الذين قالوا بحلول الله في أشخاص الائمة وعبدوا الائمة لاجل ذلك. ومنهم الحلولية الحكمانية المنسوبة الى أبى حكمان الدمشقى الّذي زعم أن الاله يحل في كل صورة حسنة وكان يسجد لكل صورة حسنة. ومنهم المقنعية المبيضة بما وراء نهر جيحون فى دعواهم ان المقنع كان إلها وانه مصوّر فى كل زمان بصورة مخصوصة. ومنهم العذاقرة الذين قالوا بإلهية ابن أبى العذاقر المقتول ببغداد. وهذه الاصناف الذين ذكرناهم فى هذا الفصل كلهم خارجون عن دين الاسلام وان انتسبوا (٩١ ا) فى الظاهر إليه وسنذكر تفصيل مقالة كل صنف منهم فى الباب الرابع من أبواب هذا الكتاب اذا انتهينا إليه ان شاء الله عزوجل. وبعد هذا فرق من المشبهة عدّهم المتكلمون فى فرق الملة لاقرارهم بلزوم أحكام القرآن واقرارهم بوجوب أركان شريعة الاسلام من الصلاة والزكاة والصيام والحج عليهم واقرارهم بتحريم المحرمات عليهم وان ضلوا وكفروا فى بعض الاصول العقلية. ومن هذا الصنف هشامية منتسبة الى هشام بن الحكم الرافضى

الّذي شبه معبوده بالانسان. وزعم لاجل ذلك أنه سبعة أشبار بشبر نفسه وأنه جسم ذو حد ونهاية وأنه طويل عريض عميق وذو لون وطعم ورائحة وقد روى عنه ان معبوده كسبيكة الفضة وكاللؤلؤة المستديرة. وروى عنه أنه أشار الى ان جبل ابى قبيس أعظم منه. وروى عنه انه زعم ان الشعاع من معبوده متصل بما يراه ومقالته فى هذا التشبيه على التفصيل الّذي ذكرناه فى تفصيل أقوال الامامية قبل هذا. ومنهم الهشامية المنسوبة إلى هشام بن سالم الجواليقى الّذي زعم ان معبوده على صورة الانسان وان نصفه الأعلى مجوّف ونصفه الاسفل مصمت وأن له شعرة سوداء وقلبا تنبع منه الحكمة. ومنهم اليونسية المنسوبة الى يونس بن عبد الرحمن القمّى الّذي زعم ان الله تعالى يحمله حملة عرشه. وان كان هو أقوى منهم كما ان الكركى تحمله رجلاه وهو أقوى من رجليه. ومنهم المشبهة المنسوبة الى داود الجوارى الّذي وصف معبوده بجميع أعضاء الانسان الا الفرج واللحية. ومنهم الابراهيمية المنسوبة الى إبراهيم بن أبى يحيى الاسلمى وكان من جملة رواة الاخبار غير أنه (٩١ ب) ضل في التشبيه ونسب الى الكذب في كثير من رواياته. ومنهم الحائطية من القدرية وهم منسوبون الى احمد بن حائط وكان من المعتزلة المنتسبة الى

النظام ثم انه شبه عيسى بن مريم بربه وزعم انه الاله الثانى وأنه هو الّذي يحاسب الخلق فى القيامة. ومنهم الكرامية فى دعواها أن الله تعالى جسم له حد ونهاية وأنه محل الحوادث وأنه مماس لعرشه. وقد بيّنا تفصيل مقالاتهم قبل هذا بما فيه كفاية فهؤلاء مشبهة لله تعالى بخلقه فى ذاته. فأما المشبهة لصفاته بصفات المخلوقين فاصناف. منهم الذين شبهوا إرادة الله تعالى بإرادة خلقه. وهذا قول المعتزلة البصرية الذين زعموا ان الله تعالى عزوجل يريد مراده بإرادة حادثة. وزعموا أن ارادته من جنس ارادتنا ثم ناقضوا هذه الدعوى بأن قالوا يجوز حدوث إرادة الله عزوجل لا فى محل ولا يصح حدوث إرادتنا الا فى محل. وهذا ينقض قولهم إن ارادته من جنس ارادتنا. لأن الشيئين اذا كانا متماثلين ومن جنس واحد جاز على كل واحد منهما ما يجوز على الآخر. واستحال فى كل واحد منهما ما يستحيل على الآخر. وزادت الكرامية على المعتزلة البصرية فى تشبيه إرادة الله تعالى بإرادات عباده وزعموا ان ارادته من جنس ارادتنا وانها حادثة فيه كما تحدث ارادتنا فينا وزعموا لاجل ذلك ان الله تعالى محل للحوادث تعالى الله عن ذلك. علوا كبيرا. ومنهم الذين شبهوا كلام الله عزوجل بكلام خلقه فزعموا ان كلام الله تعالى اصوات

وحروف من جنس الاصوات والحروف المنسوبة الى العباد. وقالوا بحدوث كلامه واحال جمهورهم سوى الجبائى بقاء كلام الله تعالى وقال النظام منهم ليس في نظم كلام الله (٩٢ ا) سبحانه اعجاز كما ليس فى نظم كلام العباد اعجاز. وزعم اكثر المعتزلة ان الزنج والترك والخزر قادرون على الاتيان بمثل نظم القرآن وبما هو افصح منه وانما عدموا العلم بتأليف نظمه وذلك العلم مما يصح ان يكون مقدورا لهم. وشاركت الكرامية المعتزلة فى دعواها حدوث قول الله عزوجل مع فرقها بين القول والكلام فى دعواها ان قول الله سبحانه من جنس اصوات العباد وحروفهم وان كلامه قدرته على احداث القول وزادت على المعتزلة قولها بحدوث قول الله عزوجل فى ذاته بناء على اصلهم فى جواز كون الاله محلا للحوادث. ومنهم الزرارية اتباع زرارة بن اعين الرافضى فى دعواها حدوث جميع صفات الله عزوجل وانها من جنس صفاتنا وزعموا ان الله تعالى لم يكن فى الازل حيا ولا عالما ولا قادرا ولا مريدا ولا سميعا ولا بصيرا وانما استحق هذه الاوصاف حين احدث لنفسه حياة وقدرة وعلما وإرادة وسمعا وبصرا كما ان الواحد منا يصير حيا قادرا سميعا بصيرا مريدا عند حدوث الحياة والقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر فيه. ومنهم الذين قالوا من الروافض بأن الله

تعالى لا يعلم الشيء حتى يكون فاوجبوا حدوث علمه كما يجب حدوث علم العالم منا. وهذا باب ان اطلناه طال ونشر الاذيال. وقد بيّنا تفصيل اقوال المعتزلة والمشبهة واقوال سائر الاهواء في كتابنا المعروف بكتاب الملل والنحل وفيما ذكرنا منها في هذا الباب كفاية والله اعلم

الباب الرابع

(من ابواب هذا الكتاب)

في بيان الفرق التى انتسبت الى الاسلام وليست منها

الكلام فى هذا الباب يدور على اختلاف المتكلمين فيمن (٩٢ ب) يعدّ من امة الاسلام وملته. وقد ذكرنا قبل هذا ان بعض الناس زعم ان اسم ملة الاسلام واقع على كل مقرّ بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وان كل ما جاء به حق كائنا قوله بعد ذلك ما كان. وهذا اختبار الكعبى فى مقالته. وزعمت الكرامية ان اسم امة الاسلام واقع على كل من قال لا آله الا الله محمد رسول الله سواء أخلص فى ذلك او اعتقد خلافه. وهذان الفريقان يلزمهما ادخال العيسوية من اليهود والشاذكانية منهم فى ملة الاسلام لانهم يقولون لا آله الا الله محمد رسول الله ويزعمون ان محمدا كان مبعوثا الى العرب وقد أقروا بان ما جاء به حق. وقال بعض فقهاء اهل الحديث. اسم امة الاسلام واقع على كل من اعتقد وجوب الصلوات الخمس الى الكعبة وهذا غير صحيح لان اكثر

المرتدين الذين ارتدوا باسقاط الزكاة فى عهد الصحابة كانوا يرون وجوب الصلاة الى الكعبة وانما ارتدوا باسقاط وجوب الزكاة وهم المرتدون من بنى كنده وتميم. فاما المرتدون من بنى حنيفة وبنى اسد فانهم كفروا من وجهين. احدهما اسقاط وجوب الزكاة والثانى دعواهم نبوة مسيلمة وطليحة واسقط بنو حنيفة وجوب صلاة الصبح وصلاة المغرب فازدادوا كفرا على كفر. والصحيح عندنا ان اسم ملة الاسلام واقع على كل من أقر بحدوث العالم وتوحيد صانعه وقدمه وانه عادل حكيم مع نفى التشبيه والتعطيل عنه وأقرّ مع ذلك بنبوة جميع انبيائه وبصحة نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورسالته الى الكافة وبتأييد شريعته وبأن كل ما جاء به حق وبأن القرآن منبع احكام شريعته وبوجوب الصلوات الخمس الى الكعبة وبوجوب الزكاة وصوم رمضان وحج البيت على الجملة. فكل من أقرّ بذلك فهو داخل في اهل ملة الاسلام وينظر فيه بعد ذلك (٩٣ ا) فان لم يخلط ايمانه ببدعة شنعاء تؤدى الى الكفر فهو الموحّد السّني. وان ضمّ الى ذلك بدعة شنعاء نظر فان كان على بدعة الباطنية أو البيانية أو المغيرية أو المنصورية أو الجناحية أو السبابية أو الخطابية من الرافضة. أو كان على دين الحلولية أو على دين أصحاب التناسخ أو على دين الميمونية أو

اليزيدية من الخوارج أو على دين الحائطية أو الحمارية من القدرية. أو كان ممن يحرّم شيئا مما نصّ القرآن على إباحته باسمه. أو أباح ما حرّم القرآن باسمه فليس هو من جملة امة الاسلام. وان كانت بدعته من جنس بدع الرافضة الزيدية أو الرافضة الامامية أو من جنس بدع اكثر الخوارج أو من جنس بدع المعتزلة أو من جنس بدع النجارية أو الجهمية أو الضرارية أو المجسمة من الامة كان من جملة امة الاسلام في بعض الاحكام وهو ان يدفن في مقابر المسلمين ويدفع إليه سهمه من الغنيمة إن غزا مع المسلمين ولا يمنع من دخول مساجد المسلمين ومن الصلاة فيها ويخرج في بعض الاحكام عن حكم امة الاسلام. وذلك أنه لا تجوز الصلاة عليه ولا الصلاة خلفه ولا تحل ذبيحته ولا تحل المرأة منهم للسنى (١) ولا يصح نكاح السنية من احد منهم. والفرق المنتسبة الى الاسلام في الظاهر مع خروجها عن جملة الامة عشرون فرقة هذه ترجمتها. سبابية وبيانية وحربية ومغيرية ومنصورية وجناحية وخطابية وغرابية ومفوّضية وحلولية واصحاب التناسخ وحائطية وحمادية ومقنعية ورزامية ويزيدية وميمونية

__________________

(١) كيف لا تحل المرأة منهم للسنى مع انهم يسمون مسلمين ومع ان المسلم السنى يصح ان يتزوج غير مسلمة ما دامت مؤمنة؟

وباطنية وحلاجية وعذافرية. واصحاب إباحة. ربما انشعبت الفرقة الواحدة من هذه الفرق (٩٣ ب) اصنافا كثيرة نذكرها على التفصيل في فصول مهدية ان شاء الله عزوجل

الفصل الأوّل

(من فصول هذا الباب)

فى ذكر قول السبابية وبيان خروجها عن ملة الاسلام

السبابية اتباع عبد الله بن سبا الّذي غلا في على رضى الله عنه وزعم انه كان نبيا ثم غلا فيه حتى زعم انه إله ودعا الى ذلك قوما من غواة الكوفة ورفع خبرهم الى على رضى الله عنه فامر باحراق قوم منهم في حفرتين حتى قال بعض الشعراء في ذلك لترم بى الحوادث حيث شاءت إذا لم ترم بى في الحفرتين

ثم ان عليا رضى الله عنه خاف من احراق الباقين منهم شماتة أهل الشام وخاف اختلاف اصحابه عليه فنفى ابن سبا الى ساباط المدائن فلما قتل على رضى الله عنه زعم ابن سبا ان المقتول لم يكن عليا وإنما كان شيطانا تصور للناس في صورة على وان عليا صعد

الى السماء كما صعد إليها عيسى بن مريم عليه‌السلام. وقال كما كذبت اليهود والنصارى في دعواها قتل عيسى كذلك كذبت النواصب والخوارج في دعواها قتل على وإنما رأت اليهود والنصارى شخصا مصلوبا شبهوه بعيسى كذلك القائلون بقتل على رأوا قتيلا يشبه عليا فظنوا انه على. وعلى قد صعد الى السماء وانه سينزل الى الدنيا وينتقم من أعدائه. وزعم بعض السبابية أنّ عليا في السحاب وان الرعد صوته والبرق صوته ومن سمع من هؤلاء صوت الرعد قال عليك السلام يا أمير المؤمنين وقد روى عن عامر بن شرجيل الشعبى ان ابن سبا قيل له ان عليا قد قتل فقال إن جئتمونا بدماغه في صرّة لم نصدق بموته لا يموت حتى ينزل من السماء ويملك الارض بحذافيرها وهذه (٩٤ ا) الطائفة تزعم ان المهدي المنتظر إنما هو عليّ دون غيره وفي هذه الطائفة قال اسحاق بن سويد العدوى قصيدته بريء فيها من الخوارج والروافض والقدرية منها هذه الابيات

برئت من الخوارج لست منهم

من الغزّال منهم وابن باب

ومن قوم اذا ذكروا عليا

يردون السلام على السحاب

ولكنى أحبّ بكل قلبى

واعلم ان ذاك من الصواب

رسول الله والصديق حبا

به أرجو غدا حسن الثواب

وقد ذكر الشعبى ان عبد الله بن السوداء كان يعين السبابية على قولها. وكان ابن السوداء في الاصل يهوديا من اهل الحيرة فاظهر الاسلام واراد ان يكون له عند اهل الكوفة سوق ورئاسة فذكر لهم انه وجد في التوراة ان لكل نبى وصيا وان عليّا وصيّ محمد وانه خير الأوصياء كما ان محمدا خير الأنبياء. فلما سمع ذلك منه شيعة عليّ قالوا لعلىّ انه من محبيك فرفع عليّ قدره واجلسه تحت درجة منبره. ثم بلغه عنه غلوه فيه فهم بقتله فنهاه ابن عباس عن ذلك وقال له ان قتلته اختلف عليك اصحابك وانت عازم على العود الى قتال اهل الشام وتحتاج الى مداراة اصحابك. فلما خشى من قتله ومن قتل ابن سبا الفتنة التى خافها ابن عباس نفاهما الى المدائن فافتتن بهما الرعاع بعد قتل على رضى الله عنه وقال لهم ابن السوداء والله لينبعنّ لعلى في مسجد الكوفة عينان تفيض إحداهما عسلا والاخرى سمنا ويغترف منهما شيعته. وقال المحققون من أهل السنة ان ابن السوداء كان على هوى دين اليهود واراد ان يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته في على واولاده (٩٤ ب) لكي يعتقدوا فيه ما اعتقدت النصارى في عيسى عليه‌السلام فانتسب الى الرافضة السبابية حين وجدهم أعرف أهل الاهواء في الكفر. ودلس ضلالته في تأويلاته قال عبد القاهر.

كيف يكون من فرق الاسلام قوم يزعمون أنّ عليّا كان آلها او نبيّا؟ ولئن جاز ادخال هؤلاء فى جملة فرق الاسلام جاز ادخال الذين ادعوا نبوة مسيلمة الكذاب فى فرق الاسلام. قلنا للسبابية. ان كان مقتول عبد الرحمن بن ملجم شيطانا تصور للناس في صورة عليّ فلم لعنتم ابن ملجم. وهلّا مدحتموه. فإنّ قاتل الشيطان محمود على فعله غير مذموم به. وقلنا لهم كيف يصح دعواكم ان الرعد صوت عليّ والبرق صوته وقد كان صوت الرعد مسموعا والبرق محسوسا في زمن الفلاسفة قبل زمان الاسلام ولهذا ذكروا الرعد والبرق في كتبهم واختلفوا في علتهما؟ ويقال لابن السوداء ليس عليّ عندك وعند الذين تميل إليهم من اليهود اعظم رتبة من موسى وهارون ويوشع بن نون وقد صح موت هؤلاء الثلاثة ولم ينبع لهم من الارض عسل ولا سمن بحال نبوع الماء العذب من الحجر الصلد لموسى وقومه في التيه فما الّذي عصم عليا من الموت وقد مات ابنه الحسين واصحابه بكربلاء عطشا ولم ينبع لهم ماء فضلا عن عسل وسمن؟

الفصل الثانى

(من فصول هذا الباب)

في ذكر البيانية من الغلاة وبيان خروجها عن فرق الاسلام

هؤلاء اتباع بيان بن سمعان التميمى وهم الذين زعموا ان الامامة صارت من محمد بن الحنفية الى ابنه ابى هاشم عبد الله ابن محمد ثم صارت من ابى هاشم الى بيان بن سمعان بوصيته إليه واختلف هؤلاء في بيان زعيمهم. فمنهم من زعم انه كان نبيا وانه نسخ بعض شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومنهم من زعم انه كان إلها. وذكر هؤلاء ان بيانا قال لهم ان روح الإله (٩٥ ا) تناسخت فى الأنبياء والائمة حتى صارت الى ابى هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفية ثم انتقلت إليه منه يعنى نفسه فادعى لنفسه الربوبية على مذاهب الحلولية وزعم أيضا انه هو المذكور فى القرآن فى قوله (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران ١٣٩) وقال انا البيان وانا الهدى والموعظة. وكان يزعم أنه يعرف الاسم الاعظم وانه يهزم به العساكر وانه يدعو به الزهرة

فتجيبه. ثم انه زعم ان الاله الازلى رجل من نور وانه يفنى كله غير وجهه وتأول على زعم قوله (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (القصص ٨٩) وقوله (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) (الرحمن ٢٦ و ٢٧) ورفع خبر بيان هذا الى خالد بن عبد الله القشرى فى زمان ولايته فى العراق فاحتال على بيان حتى ظفر به وصلبه وقال له ان كنت تهزم الجيوش بالاسم الّذي تعرفه فاهزم به اعوانى عنك. وهذه الفرقة خارجة عن جميع فرق الاسلام لدعواها الإلهية زعيمها بيان كما خرج عابدو الاصنام عن فرق الاسلام. ومن زعم منهم ان بيانا كان نبيا فهو كمن زعم ان مسيلمة كان نبيا وكلا الفريقين خارجان عن فرق الاسلام. ويقال للبيانية اذا جاز فناء بعض الاله فما المانع من فناء وجهه فاما قوله كل شيء هالك الا وجهه فمعناه راجع الى بطلان كل عمل لم يقصد به وجه الله عزوجل وقوله ويبقى معناه ويبقى ربك لانه قال بعده ذو الجلال والاكرام بالرفع على البدل من الوجه. ولو كان الوجه مضافا الى الرب لقال ذى الجلال بخفض ذى لان نعت المخفوض يكون مخفوضا وهذا واضح فى نفسه والحمد لله على ذلك

الفصل الثالث

في ذكر المغيرية من الغلاة وبيان خروجها عن جملة فرق الاسلام

هؤلاء اتباع المغيرة بن سعيد العجلى وكان يظهر في بدء امره مولاة الامامية. ويزعم ان الامامة بعد على والحسن والحسين الى سبطه محمد بن عبد الله بن (٩٥ ب) الحسن بن الحسين بن الحسن بن على. وزعم انه هو المهدى المنتظر واستدل على ذلك بالخبر الّذي ذكر ان اسم المهدى يوافق اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واسم ابيه يوافق اسم ابن النبي عليه‌السلام وقتلته الرافضة على دعوته اياهم الى انتظار محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن ابن عليّ ثم انه أظهر لهم بعد رئاسته عليهم انواعا من الكفر الصريح. منها دعواه النبوة ودعواه علمه بالاسم الاعظم وزعم انه يحيى به الموتى ويهزم به الجيوش. ومنها افراطه فى التشبيه. وذلك انه زعم ان معبوده رجل من نور على رأسه تاج من نور وله اعضاء وقلب ينبع منه الحكمة. وزعم أيضا ان اعضاءه على صور حروف الهجاء وان الألف منها مثال قدميه والعين على صورة عينه وشبه الهاء بالفرج. ومنها انه تكلم في بدء الخلق فزعم ان الله تعالى

لما اراد ان يخلق العالم تكلم باسمه الاعظم فطار ذلك الاسم ووقع تاجا على رأسه وتأول على ذلك قوله (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (سبح ١) وزعم ان الاسم الاعلى انما هو ذلك التاج ثم انه بعد وقوع التاج على رأسه كتب باصبعه على كفه اعمال عباده. ثم نظر فيها فغضب من معاصيهم فعرق فاجتمع من عرقه بحران احدهما مظلم مالح والآخر عذب نيّر. ثم اطلع فى البحر فابصر ظله فذهب ليأخذه فطار فانتزع عينى ظله فخلق منهما الشمس والقمر وافنى باقى ظله وقال لا ينبغى ان يكون معى إله غيرى. ثم خلق الخلق من البحرين فخلق الشيعة من البحر العذب النيّر فهم المؤمنون وخلق الكفرة وهم اعداء الشيعة من البحر المظلم المالح. وزعم أيضا ان الله تعالى خلق الناس قبل اجسادهم فكان اوّل ما خلق فيها ظل محمد قال فذلك قوله (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (الزخرف ٨١) قال ثم ارسل ظل محمد الى اظلال الناس ثم عرض على السماوات والجبال ان يمنعن على بن ابى طالب من ظالميه فأبين ذلك (٩٦ ا) فعرض ذلك على الناس فامر عمر أبا بكر ان يتحمل نصرة عليّ ومنعه من اعدائه وان يغدر به فى الدنيا وضمن له ان يعينه على القدرية على شرط ان يجعل له الخلافة بعده ففعل ابو بكر ذلك. قال فذلك

تأويل قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب ٧٢) فزعم ان الظلوم والجهول ابو بكر وتأول فى عمر قول الله تعالى (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) (الحشر ١٦) والشيطان عنده عمر وكان المغيرة مع ضلالاته التى حكيناها عنه يأمر أصحابه بانتظار محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن على وسمع خالد بن عبد الله القشرى يخبره وضلالاته فطلبه فلما قتل المغيرة بقى اتباعه على انتظار محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن فلما اظهر محمد هذا دعوته بالمدينة بعث إليها ابو جعفر المنصور بصاحب جيشه عيسى بن موسى مع جيش كثيف فقتلوا محمدا بعد غلبته على مكة والمدينة. وكان اخوه إبراهيم بن عبد الله قد غلب على ارض المغرب. فاما محمد بن عبد الله بن الحسن فقتل بالمدينة فى الحرب واما ابراهيم بن عبد الله بن الحسن فانه غره يسير الرحال واتباعه من المعتزلة وضمنوا له النصرة على جند المنصور فلما التقى الجمعان بناحمرى وهي على ستة عشر فرسخا من الكوفة قتل إبراهيم وانهزمت المعتزلة عنه ولحقه شؤمهم وتولى قتالهم من اصحاب المنصور عيسى بن موسى وسلم ابن قتيبة. واما أخوه الرئيس فانه

مات بارض المغرب وقيل انه سم. وذكر بعض أصحاب التواريخ ان سليمان بن جرير الزيدى سمه ثم هرب الى العراق فلما قتل محمد ابن عبد الله بن الحسين بن الحسن اختلف المغيرية فى المغيرة فهربت منه فرقة منهم ولعنوه وقالوا انه كذب فى دعواه ان محمد بن عبد الله بن الحسن هو المهدى الّذي يملك الارض لانه قتل ولم يملك الارض ولا عشرها. وفرقة ثبتت على موالاة المغيرة وقالت ان صدق فى ان محمد بن عبد الله بن (٩٦ ب) الحسن هو المهدى المنتظر وانه لم يقتل بل هو فى جبل من جبال حاجر مقيم الى ان يؤمر بالخروج فاذا خرج عقدت له البيعة بمكة بين الركن والمقام ويحيى له سبعة عشر رجلا يعطى كل رجل منهم حرفا واحدا من حروف الاسم الاعظم فيهزمون الجيوش ويملكون الارض. وزعم هؤلاء ان الّذي قتله جند المنصور بالمدينة انما كان شيطانا تمثل للناس بصورة محمد بن عبد الله بن الحسين ابن الحسن وهؤلاء يقال لهم المحمدية من الرافضة لانتظارهم محمد ابن عبد الله بن الحسين بن الحسن. وكان جابر الجعفي على هذا المذهب وادعى وصية المغيرة بن سعيد إليه بذلك فلما مات جابر ادعى بكر الاعور الهجرى القتات وصية جابر إليه وزعم انه لا يموت واكل بذلك اموال المغيرية على وجه السخرية منهم فلما

مات بكر علموا انه كان كاذبا في دعواه فلعنوه قال عبد القاهر كيف يعد في فرق الاسلام قوم شبهوا معبودهم بحروف الهجاء وادعوا نبوّة زعيمهم؟ لو كان هؤلاء من الامة لصح قول من يزعم ان القائلين بنبوة مسيلمة وطلحة كانوا من الامة. ويقال للمغيرية ان انكرتم قتل محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن على وزعمتم ان المقتول كان شيطانا تصور فى صورته فبم تنفصلون ممن يزعم ان الحسين بن على واصحابه لم يقتلوا بكربلاء بل غابوا وقتل شياطين تصوروا بصورتهم فانتظروا حسينا فانه اعلى رتبة من ابن اخيه محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن او انتظروا عليا ولا تصدقوا بقتله كما انتظرته السبابية فان عليا اجل من بنيه وهذا ما لا انفصال لهم عنه

الفصل الرابع

(من هذا الباب)

فى ذكر الحربية وبيان خروجهم عن فرق الامة

هؤلاء اتباع عبد الله بن عمر بن حرب الكندى وكان على دين البيانية فى دعواها ان روح الاله تناسخت فى الأنبياء والائمة

الى ان انتهت الى ابى هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية (٩٧ ا) ثم زعمت الحربية ان تلك الروح انتقلت من عبد الله بن محمد بن الحنفية الى عبد الله بن عمرو بن حرب وادعت الحربية فى زعيمها عبد الله بن عمرو بن حرب مثل دعوى البيانية فى بيان بن سمعان وكلتا الفرقتين كافرة بربها وليست من فرق الاسلام كما ان سائر الحلولية خارجة عن فرق الاسلام

الفصل الخامس

(من هذا الباب)

فى ذكر المنصورية وبيان خروجها عن جملة فرق الاسلام

هؤلاء اتباع ابى منصور العجلى الّذي زعم ان الامامة دارت فى اولاد على حتى انتهت الى ابى جعفر بن محمد بن على بن الحسين ابن على المعروف بالباقر وادعى هذا العجلى انه خليفة الباقر ثم الحد فى دعواه فزعم انه عرج به الى السماء وان الله تعالى مسح بيده على رأسه وقال له يا بنى بلغ عنى ثم انزله الى الارض وزعم انه الكسف الساقط من السماء المذكور فى قوله (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) (الطور ٤٤)

وكفرت هذه الطائفة بالقيامة والجنة والنار وتأولوا الجنة على نعيم الدنيا والنار على محن الناس في الدنيا واستحلوا مع هذه الضلالة خنق مخالفيهم واستمرت فتنتهم على عادتهم الى ان وقف يوسف ابن عمر الثقفي واتى العراق في زمانه على عورات المنصورية فاخذ أبا منصور العجلي وصلبه وهذه الفرقة أيضا غير معدودة في فرق الاسلام لكفرها بالقيامة والجنة والنار

الفصل السّادس

(من هذا الباب)

فى ذكر الجناحية من الغلاة وبيان خروجها عن فرق الاسلام

هؤلاء اتباع عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب وكان سبب اتباعهم له ان المغيرية الذين تبرّءوا من المغيرة بن سعيد بعد قتل محمد بن عبد الله بن الحسين بن الحسن بن على خرجوا من الكوفة الى المدينة يطلبون إماما فلقيهم عبد الله بن معاوية ابن عبد الله بن جعفر فدعاهم الى نفسه وزعم انه هو الامام بعد على واولاده من صلبه فبايعوه على إمامته ورجعوا الى الكوفة

وحكوا لا تباعهم ان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر زعم انه رب وان روح الاله كانت فى آدم ثم في شيث ثم دارت (٩٧ ب) للناس بتلك الصورة وزعموا أيضا ان كل مؤمن يوحى إليه وتأولوا على ذلك قول الله تعالى (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (آل عمران ١٤٦) اى يوحى منه إليه واستدلوا أيضا بقوله (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) (المائدة ١١٤) وادعوا في انفسهم انهم هم الحواريون وذكروا قول الله تعالى (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) (النحل ٦٨) وقالوا اذا جاز الوحى الى النحل فالوحى إلينا اولى بالجواز. وزعموا أيضا ان فيهم من هو افضل من جبريل وميكائيل ومحمد. وزعموا أيضا انهم لا يموتون وان الواحد منهم اذا بلغ النهاية في دينه رفع الى الملكوت وزعموا انهم يرون المرفوعين منهم غدوة وعشية. والفرقة الثالثة منهم عجرية اتباع عمير بن بيان العجلى قالوا بتكذيب الذين قالوا منهم انهم لا يموتون وقالوا انا نموت ولكن لا يزال خلف منا في الارض ائمة انبياء وعبدوا جعفرا وسموه ربا. والفرقة الرابعة منهم مفضلية لانتسابهم الى رجل كان يقال له مفضل الصيرفىّ قالوا بإلهية جعفر دون نبوته وتبرّءوا من ابى الخطاب لبراءة جعفر منه. والفرقة الخامسة منهم خطابية مطلقة ثبتت على موالاة أبى الخطاب في

دعاويه كلها وانكرت إمامة من بعده قال عبد القاهر ان الباضية والمنصورية والجناحية والخطابية قد اكفروا أبا بكر وعمر وعثمان واكثر الصحابة باخراجهم عليا من الامامة في عصرهم وهم قد أخرجوا الامامة عن اولاد على في اعصار زعمائهم. فيقال لهم اذا كان على في وقته اولى بالامامة من سائر الصحابة فهلا كان اولاده اولى بها من زعمائهم في اعصارهم. وليس العجب من هؤلاء الضالين وانما العجب من علوية قتلوا هؤلاء مع استبدادهم دونهم بالامامة

الفصل السابع

(من هذا الباب)

في ذكر الغرابية والمفوضة والذمية وبيان خروجهم عن فرق الامة

الغرابية قوم زعموا ان الله عزوجل (٩٨ ا) ارسل جبريل عليه‌السلام الى على فغلط فى طريقه فذهب الى محمد لانه كان يشبهه وقالوا كان اشبه به من الغراب بالغراب والذباب بالذباب. وزعموا ان عليا كان الرسول واولاده بعده هم الرسل وهذه الفرقة تقول لاتباعها العنوا صاحب الريش يعنون جبريل عليه‌السلام

وكفر هذه الفرقة اكثر من كفر اليهود الذين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من يأتيك بالوحى من الله تعالى. فقال جبريل فقالوا انّا لا نحب جبريل لانه ينزل بالعذاب وقالوا لو اتاك بالوحى ميخائيل الّذي لا ينزل الا بالرحمة لآمنا بك. فاليهود مع كفرهم بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومع عداوتهم لجبريل عليه‌السلام لا يلعنون جبريل وانما يزعمون انه من ملائكة العذاب دون الرحمة. والغرابية من الرافضة يلعنون جبريل ومحمدا عليهما‌السلام وقد قال الله تعالى (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) (البقرة ٩٩) فى هذا تحقيق اسم الكافر لمبغض بعض الملائكة ولا يجوز ادخال من سماهم الله كافرين فى جملة فرق المسلمين. واما المفوضة من الرافضة فقوم زعموا ان الله تعالى خلق محمدا ثم فوض إليه تدبير العالم وتدبيره فهو الّذي خلق العالم دون الله تعالى ثم فوض محمد تدبير العالم الى على بن أبى طالب فهو المدبر الثالث. وهذه الفرقة شر من المجوس الذين زعموا ان الاله خلق الشيطان ثم ان الشيطان خلق الشرور. وشر من النصارى الذين سموا عيسى عليه‌السلام مدبرا ثانيا فمن عد مفوّضة الرافضة من فرق الاسلام فهو بمنزلة من عد المجوس والنصارى من فرق الاسلام. واما الذمية منهم فقوم زعموا ان عليّا

هو الله وشتموا محمدا وزعموا ان عليا بعثه ليثنى عنه فادعى الامر لنفسه وهذه خارجة عن فرق الاسلام لكفرها بنبوة محمد من الله تعالى (٩٨ ب)

الفصل الثامن

(من هذا الباب)

في ذكر الشريعية والنميرية من الرافضة

الشريعية اتباع رجل كان يعرف بالشريعي وهو الّذي زعم ان الله تعالى حل في خمسة اشخاص وهم النبي وعلى وفاطمة والحسن والحسين. وزعموا ان هؤلاء الخمسة آلهة ولها اضداد خمسة واختلفوا في اضدادها فمنهم من زعم انها محمودة لانه لا يعرف فضل الاشخاص التى فيها الاله الا باضدادها. ومنهم من زعم ان الاضداد مذمومة وحكى عن الشريعى انه ادعى يوما ان الاله حل فيه. وكان بعده من اتباعه رجل يعرف بالنميرى حكى عنه انه ادعى في نفسه ان الله تعالى حل فيه فهذه ثمانى فرق من الروافض الغلاة خارجة عن جميع فرق الاسلام لاثباتهم الى غير الله. ومن اعجب الاشياء ان الخطابية زعمت ان جعفرا الصادق قد اودعهم

جلدا فيه علم كل ما يحتاجون إليه من الغيب وسموا ذلك الجلد جعفرا. وزعموا انه لا يقرأ ما فيه الا من كان منهم وقد ذكر ذلك هارون بن سعد العجلي في شعره فقال

ألم تر ان الرافضين تفرقوا

فكلهم من جعفر قال منكرا

فطائفة قالوا إله ومنهم

طوائف سمته النبي المطهّرا

ومن عجب لم افضه جلد جعفر

برئت الى الرحمن ممن يجعفرا

برئت الى الرحمن من كل رافض

يصير بباب الكفر في الدين اعورا

اذا كف اهل الحق عن بدعة مضوا

عليها وان يمضوا الى الحق قصرا

ولو قيل ان الفيل ضب لصدقوا

ولو قيل زنجى تحول احمرا

واخلف من يوم البعير فانه

اذا هو للاقبال وجّه ادبرا

فقبح اقوام رموه بعزبة

كما قال فى عيسى القرا من تنصرا

الفصل التاسع

(من هذا الباب)

في ذكر اصناف الحلولية وبيان خروجها عن فرق الاسلام

الحلولية في الجملة عشر فرق كلها كانت في دولة الاسلام وغرض جميعها القصد الى افساد القول بتوحيد الصانع وتفضيل (٩٩ ا) فرقها في الاكثر يرجع الى غلاة الروافض وذلك ان السبابية والبيانية والجناحية والخطابية والنميرية منهم باجمعها حلولية وظهر بعدهم المقنعية بما وراء نهر جيحون وظهر قوم بمرق يقال لهم رزامية وقوم يقال لهم بركوكية وظهر بعدهم قوم من الحلولية يقال لهم حلمانية وقوم يقال لهم حلاجيه ينسبون الى الحسين بن منصور المعروف بالحلّاج وقوم يقال لهم العذاقرة ينسبون الى ابن ابى العذاقرى وتبع هؤلاء الحلولية قوم من الخرمية شاركوهم في استباحة المحرمات واسقاط المفروضات ونحن نذكر تفصيلهم على الاختصار. اما السبابية فانما دخلت في جملة الحلولية لقولها بان عليا صار إلها بحلول روح الاله فيه. وكذلك البيانية زعمت ان روح الاله دارت فى الأنبياء والائمة حتى انتهت الى عليّ ثم

دارت الى محمد بن الحنفية ثم صارت الى ابنه أبي هاشم ثم حلّت بعده فى بيان بن سمعان. وادعوا بذلك إلاهية بيان بن سمعان وكذلك الجناحية منهم حلولية لدعواها ان روح الاله دارت فى على واولاده ثم صارت الى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر فكفرت بدعواها حلول روح الاله فى زعيمها وكفرت مع ذلك بالقيامة والجنة والنار. والخطابية كلها حلولية لدعواها حلول روح الاله فى جعفر الصادق وبعده فى أبى الخطاب الاسدى. فهذه الطائفة كافرة من هذه الجهة ومن جهة دعواها ان الحسن والحسين واولادهما ابناء الله واحباؤه ومن ادعى منهم فى نفسه انه من ابناء الله فهو اكفر من سائر الخطابية والشريعية. والنميرية منهم حلولية لدعواها ان روح الاله حلت فى خمسة اشخاص النبي وعلى وفاطمة والحسن والحسين لدعواها ان هؤلاء الاشخاص الخمسة آلهة. واما الرزامية فقوم بمر وافرطوا فى موالاة ابى مسلم صاحب دولة (٩٩ ب) بنى العباس وساقوا الامامة من أبى هاشم إليه ثم ساقوها من محمد ابن على الى أخيه عبد الله بن عليّ السفاح ثم زعموا ان الامامة بعد السفاح صارت الى أبى مسلم واقروا مع ذلك بقتل ابى مسلم وموته الّا فرقة منهم يقال لهم ابو مسلمية افرطوا فى ابى مسلم غاية الافراط وزعموا انه صار إلها بحلول روح الاله فيه وزعموا ان أبا مسلم خير

من جبريل وميكائيل وسائر الملائكة. وزعموا أيضا ان أبا مسلم حي لم يمت وهم على انتظاره. وهؤلاء بمرو وهرات يعرفون بالبركوكية فاذا سئل هؤلاء عن الّذي قتله المنصور قالوا كان شيطانا تصور للناس فى صورة أبى مسلم. واما المقنعية فهم المبيضة بماء وراء نهر جيحون وكان زعيمهم المعروف بالمقنع رجلا اعور فصاروا بمرو من أهل قرية يقال لها (كازه كيمن دات) وكان قد عرف شيئا من الهندسة والحيل والنيرنجات وكان على دين الرزامية بمرو ثم ادّعى لنفسه الإلهية واحتجب عن الناس ببرقع من حرير واغتر به أهل جبل ابلاق وقوم من الصعد. ودامت فتنته على المسلمين مقدار اربع عشرة سنة وعاونه كفرة الاتراك الخلجية على المسلمين للغارة عليهم وهزموا عساكر كثيرة من عساكر المسلمين فى ايام المهدى بن المنصور وكان المقنع قد اباح لاتباعه المحرمات وحرم عليهم القول بالتحريم واسقط عنهم الصلاة والصيام وسائر العبادات وزعم لاتباعه انه هو الا له وانه كان قد تصور مرة فى صورة آدم ثم تصور فى وقت آخر بصورة نوح وفى وقت آخر بصورة إبراهيم ثم تردد فى صور الأنبياء الى محمد ثم تصور بعده فى صورة على وانتقل بعد ذلك فى صور اولاده ثم تصور بعد ذلك فى صورة أبى مسلم ثم انه زعم انه فى زمانه الّذي كان فيه قد تصور بصورة

هشام بن حكيم وكان اسمه هاشم بن حكيم وقال انى انما انتقل فى الصور لان عبادى لا يطيقون رؤيتى فى صورتى التى انا عليها ومن رآنى احترق بنوري وكان له حصن عظيم وثيق بناحية كثير ويحشب فى جبل يقال له سيام وكان عرض جدار سورها اكثر من مائة آجرة دونها خندق (١٠٠ ا) كثيرة وكان معه أهل الصعد والاتراك الخلجية وجهز المهدى إليهم صاحب جيشه معاذ بن مسلم فى سبعين الف من المقاتلة واتبعهم لسعيد بن عمرو الحرش ثم افرد سعيدا بالقتال وبتدبير الحرب فقاتله سنين واتخذ سعيد من الحديد والخشب مائتى سلم ليضعها على عرض خندق المقنع ليعبر عليها رجاله واستدعى من مولتان الهند عشرة آلاف جلد جاموس وحشاها رملا وكبس بها خندق المقنع وقاتل جند المقنع من وراء خندقه فاستأمن منهم إليه ثلاثون الفا وقتل الباقون منهم واحرق المقنع نفسه فى تنوّر فى حصنه قد اذاب فيه النحاس مع السكر حتى ذاب فيه وافتتن به اصحابه بعد ذلك لما لم يجدوا له جثة ولا رمادا. وزعموا انه صعد الى السماء واتباعه اليوم فى جبال ابلاق اكره اهلها ولهم فى كل قرية من قراهم مسجد لا يصلون فيه ولكن يكترون مؤذنا يؤذن فيه وهم يستحلون الميتة والخنزير وكل واحد منهم يستمتع بامرأة غيره

وان ظفروا بمسلم لم يره المؤذن الّذي فى مسجدهم قتلوه واخفوه غير انهم مقهورون بعامة المسلمين فى ناحيتهم والحمد لله على ذلك. واما الحلمانية من الحلولية فهم المنسوبون الى ابى حلمان الدمشقى وكان اصله من فارس ومنشؤه حلب واظهر بدعته بدمشق فنسب لذلك إليها وكان كفره من وجهين. احدهما انه كان يقول بحلول الاله فى الاشخاص الحسنة وكان مع اصحابه اذا رأوا صورة حسنة سجدوا لها يوهمون ان الاله قد حل فيها. والوجه الثانى من كفره قوله بالإباحة ودعواه ان من عرف الاله على الوصف الّذي يعتقده هو زال عنه الخطر والتحريم واستباح كل ما يستلذه ويشتهيه. قال عبد القاهر رأيت بعض هؤلاء الحلمانية يستدل على جواز حلول الاله فى الاجساد بقول الله تعالى للملائكة فى آدم (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (الحجر ٢٩). وكان يزعم ان الاله انما أمر الملائكة بالسجود لآدم لانه كان قد حل فى آدم وانما حله لانه خلقه فى احسن تقويم ولهذا قال (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين ٢) فقلت له (١٠٠ ب) اخبرنى عن الآية التى استدللت بها فى امر الله الملائكة بالسجود لآدم عليه‌السلام والآية الناطقة بان الانسان مخلوق فى احسن تقويم هل اريد بهما جميع الناس على العموم أم

اريد بهما انسان بعينه. فقال ما الّذي يلزمنى على كل واحد من القولين ان قلت به. فقلت ان قلت ان المراد بهما كل الناس على العموم لزمك ان تسجد لكل انسان وان كان قبيح الصورة لدعواك ان الاله حل فى جميع الناس وان قلت ان المراد به انسان بعينه وهو آدم عليه‌السلام دون غيره فلم تسجد لغيره من اصحاب الصور الحسنة ولم تسجد للفرس الرابع والشجرة المثمرة وذوات الصور الحسنة من الطيور والبهائم وربما كان لهب الناس فى صورة فان استجزت السجود له فقد جمعت بين ضلالة الحلولية وضلالة عابدى النار واذا لم تسجد للنار ولا للماء ولا للهواء ولا للسماء مع حسن صور هذه الاشياء فى بعض الاحوال فلا تسجد للاشخاص الحسنة الصور. وقلت له أيضا ان الصور الحسنة فى العالم كثيرة وليس بعضها بحلول الاله فيه اولى من بعض وان زعمت ان الاله حال فى جميع الصور الحسنة فهل ذلك الحلول على طريق قيام العرض بالجسم او على طريق كون الجسم فى الجسم به ويستحيل حلول عرض واحد فى محال كثيرة ويستحيل كون شيء واحد فى امكنة كثيرة واذا استحال هذا استحال ما يؤدى إليه. واما الحلاجية فمنسوبون الى أبى المغيث الحسين بن منصور المعروف بالحلاج وكان من ارض فارس من مدينة يقال لها البيضاء وكان

فى بدء امره مشغولا بكلام الصوفية وكانت عباراته حينئذ من الجنس الّذي تسميه الصوفية الشطح وهو الّذي يحتمل معنيين. احدهما حسن محمود. والآخر قبح مذموم وكان يدعى انواع العلوم على الخصوص والعموم وافتتن به قوم من اهل بغداد وقوم من اهل طالقان خراسان. وقد اختلف فيه المتكلمون والفقهاء والصوفية. فاما المتكلّمون فاكثرهم على تكفيره وعلى انه كان على مذاهب الحلولية وقبله قوم من متكلمى السالمية بالبصرة ونسبوه الى حقائق معانى الصوفية. وكان القاضى ابو بكر محمد بن الطيب الاشعرى (١٠١ ا) رحمه‌الله نسبه الى معاطاة الحيل والمخاريق وذكر فى كتابه الّذي أبان فيه عجز المعتزلة عن تصحيح دلائل النبوة على اصولهم مخاريق الحلاج ووجوه حيله. واختلف الفقهاء أيضا فى شأن الحلاج فتوقف فيه ابو العباس بن سريح لما استفتى فى دمه وافتى ابو بكر بن داود بجواز قتله واختلف فيه مشايخ الصوفية فبرئ منه عمرو بن عثمان المكى وأبو يعقوب الاقطع وجماعة منهم وقال عمرو بن عثمان كنت أماشيه يوما فقرأت شيئا من القرآن فقال يمكننى ان اقول مثل هذا وروى ان الحلاج مر يوما على الجنيد فقال له انا الحق فقال الجنيد أنت بالحق أية خشبة تفسد فتحقق فيه ما قال الجنيد لانه صلب بعد ذلك وقبله جماعة من الصوفية. منهم أبو

العباس بن عطا ببغداد وأبو عبد الله بن خفيف بفارس وأبو القاسم النصرآبادي بنيسابور وفارس الدينورى بناحيته. والذين نسبوه الى الكفر والى دين الحلولية حكوا عليه انه قال من هذب نفسه فى الطاعة وصبر على اللذات والشهوات ارتقى الى مقام المقربين ثم لا يزال يصفو ويرتقى فى درجات المصافات حتى يصفو عن البشرية فاذا لم يبق فيه من البشرية حظ حل فيه روح الاله الّذي حل فى عيسى بن مريم. ولم يرد حينئذ شيئا الا كان كما اراد وكان جميع فعله فعل الله تعالى. وزعموا ان الحلاج ادعى لنفسه هذه الرتبة وذكر انه ظفروا بكتب له الى اتباعه عنوانها من الهوهو رب الارباب المتصور فى كل صورة الى عبده فلان فظفروا بكتب اتباعه إليه وفيها يا ذات اللذات ومنتهى غاية الشهوات نشهد انك المتصور فى كل زمان بصورة وفى زماننا هذا بصورة الحسين بن منصور ونحن نستجير لك ونرجو رحمتك يا علام الغيوب. وذكروا انه استمال ببغداد جماعة من حاشية الخليفة ومن حرمه حتى خاف الخليفة وهو جعفر المقتدر بالله معرة فتنته فحبسه واستفتى الفقهاء فى دمه واستروح الى فتوى أبى بكر ابن داود بإباحة دمه فقدم الى حامد بن العباس بضر به الف صوب وبقطع يديه ورجليه وصلبه بعد ذلك عند جسر بغداد (١٠١ ب)

ففعل به ذلك يوم الثلاثاء لست بقين من ذى القعدة سنة نسع وثلاثمائة ثم انزل من جذعه الّذي صلب عليه بعد ثلاث واحرق وطرح رماده فى الدجلة وزعم بعض المنسوبين إليه انه حي لم يقتل وانما قتل من ألقى عليه شبهه والذين تولوه من الصوفية وزعموا انه كشف له احوال من الكرامة فاظهرها للناس فعوقب بتسليط منكرى الكرامات عليه لتبقى حاله على التلبيس. وزعم هؤلاء ان حقيقة التصوف حال ظاهرها تلبيس وباطنها تقديس واستدلوا على تقديس باطن الحلاج بما روى انه قال عند قطع يديه ورجليه حسب الواحد افراد الواحد وبأنه سئل يوما عن ذنبه فانشأ يقول ثلاثة احرف لا عجم فيها ومعجومان ـ وانقطع الكلام وأشار بذلك الى التوحيد ـ واما العذاقرة فقوم ببغداد اتباع رجل ظهر ببغداد فى ايام الراضى بن المقتدر فى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة وكان معروفا بابن أبى العذاقر واسمه محمد بن على السلمقانى وادعى حلول روح الاله فيه وسمى نفسه روح القدس ووضع لاتباعه كتابا سماه بالحاسة السادسة وصرح فيه برفع الشريعة واباح اللواط وزعم انه ايلاج الفاضل نوره فى المفضول. واباح اتباعه له حرمهم طمعا فى ايلاجه نوره فيهنّ. وظفر الراضي بالله به وبجماعة من اتباعه منهم الحسين بن القسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب وابو عمران

إبراهيم بن محمد بن احمد بن المنجم ووجد كتبهما إليه يخاطبانه فيها بالرب والمولى ويصفانه بالقدرة على ما يشاء واقروا بذلك بحضرة الفقهاء ومنهم ابو العباس احمد بن عمر بن سريج وابو الفرح المالكى وجماعة من الائمة فاعترفوا بذلك وامر المعروف منهم بالحسين بن القسم بن عبيد الله بالبراءة من ابن أبى العذاقر بأن يصفعه ففعل ذلك واظهر التوبة وافتى ابن سريج بجواز قبول توبته على مذهب الشافعي رحمه‌الله وافتى المالكيون برد توبة الزنديق بعد العثور عليه فامر الراضى بحبسه الى ان ينظر فى امره وأمر (١٠٢ ا) بقتل ابن ابى العذاقر وصاحبه ابى عون فقال له ابن ابى العذاقر امهلنى ثلاثة ايام لينزل فيها براءتى من السماء او نقمة على اعدائى واشار الفقهاء على الراضى بتعجيل قتلهما فصلبهما ثم احرقهما بعد ذلك وطرح رمادهما فى الدجلة

الفصل الحادي عشر

(من فصول هذا الباب)

فى ذكر اصحاب الاباحة من الخرمية وبيان خروجهم

عن جملة فرق الاسلام

فهؤلاء صنفان صنف منهم كانوا قبل دولة الاسلام كالمزدكية الذين استباحوا المحرمات وزعموا ان الناس شركاء فى الاموال والنساء ودامت فتنة هؤلاء الى ان قتلهم انوشروان فى زمانه. والصنف الثانى خرمدينيّة ظهروا في دولة الاسلام وهم فريقان بابكية ومازيارية وكلتاهما معروفة بالمحمّرة. فالبابكية منهم اتباع بابك الخزى الّذي ظهر في جبل اليدين بناحية آذربيجان وكثر بها اتباعه واستباحوا المحرمات وقتلوا الكثير من المسلمين وجهز إليه خلفاء بنى العباس جيوشا كثيرة مع الفشين الحاجب ومحمد بن يوسف التّعرى وابى دلف العجلى واقرانهم وبقيت العساكر في وجهه مقدار عشرين سنة الى ان أخذ بابك واخوه إسحاق بن إبراهيم وصلبا بعين من راى في ايام المعتصم واتهم الفشين الحاجب بممالأة بابك في حربه وقتل لأجل ذلك. واما المازيارية منهم فهم اتباع

مازيار الّذي اظهر دين المحمرة بجرجان. وللبابكية في جبلهم ليلة عيد لهم يجتمعون فيها على الخمر والزمر وتختلط فيها رجالهم ونساؤهم فاذا أطفئت سرجهم ونيرانهم افتض فيها الرجال النساء على تقدير من عزّ بزّ. والبابكية ينسبون أصل دينهم الى أمير كان لهم في الجاهلية اسمه شروين. ويزعمون ان اباه كان من الزنج وأمه بعض بنات ملوك الفرس. ويزعمون ان شروين كان افضل من محمد ومن سائر الأنبياء وقد بنوا في جبلهم مساجد للمسلمين يؤذن فيها المسلمون وهم (١٠٢ ب) يعلمون أولادهم القرآن لكنهم لا يصلون في السر ولا يصومون في شهر رمضان ولا يرون جهاد الكفرة. وكانت فتنة مازيار قد عظمت في ناحيته الى ان اخذ في ايام المعتصم أيضا وصلب بسرّ من رأى بحذاء بابك الخزّى واتباع مازيار اليوم في جبلهم اكرة من يليهم من سواد جرجان يظهرون الاسلام ويضمرون خلافه والله المستعان على اهل الزيغ والطغيان

الفصل الثاني عشر

(من فصول هذا الباب)

فى ذكر اصحاب التناسخ من اهل الاهواء وبيان خروجهم

عن فرق الاسلام

القائلون بالتناسخ اصناف صنف من الفلاسفة وصنف من السمنية. وهذان الصنفان كانا قبل دولة الاسلام. وصنفان آخران ظهرا في دولة الاسلام. أحدهما من جملة القدرية. والآخر من جملة الرافضة الغالية. فاصحاب التناسخ من السمنية قالوا بقدم العالم وقالوا أيضا بابطال النظر والاستدلال. وزعموا انه لا معلوم الا من جهة الحواس الخمس وانكر اكثرهم المعاد والبعث بعد الموت. وقال فريق منهم بتناسخ الارواح في الصور المختلفة. واجازوا ان ينقل روح الانسان الى كلب وروح الكلب الى انسان وقد حكى اقلوطرخس مثل هذا القول عن بعض الفلاسفة. وزعموا ان من أذنب في قالب ناله العقاب على ذلك الذنب في قالب آخر. وكذلك القول في الثواب عندهم. ومن اعجب الاشياء دعوى السمنية في التناسخ الّذي لا يعلم بالحواس مع

قولهم انه لا معلوم الّا من جهة الحواس وقد ذهبت المانوية أيضا الى التناسخ وذلك ان مانيا قال في بعض كتبه إنّ الارواح التى تفارق الاجسام نوعان أرواح الصديقين وأرواح أهل الضلالة. فأرواح الصديقين اذا فارقت أجسادها سرت في عمود الصبح الى النور الّذي فوق الفلك فبقيت في ذلك العالم على السرور الدائم. وأرواح أهل الضلال اذا فارقت الاجساد وأرادت اللحوق بالنور الأعلى ردّت منعكسة إلى السفل. فتتناسخ في أجسام الحيوانات الى ان تصفو من شوائب الظلمة ثم تلتحق بالنور العالى (١٠٣ ا)

وذكر أصحاب المقالات عن سقراط وافلاطن واتباعهما من الفلاسفة انهم قالوا بتناسخ الأرواح على تفصيل قد حكيناه عنهم فى كتاب الملل والنحل. وقال بعض اليهود بالتناسخ. وزعم انه وجد في كتاب دانيال ان الله تعالى مسخ بخت نصّر في سبع صور من صور البهائم والسباع وعذّبه فيها كلها ثم بعثه في آخرها موحّدا. وأما أهل التناسخ في دولة الاسلام فان البيانيّة والجناحيّة والخطابيّة والرونديّة من الروافض الحلولية كلها قالت بتناسخ روح الاله في الأئمة بزعمهم. وأول من قال بهذه الضلالة السبابيّة من الرافضة لدعواهم أن عليا صار إلها حين حلّ روح الاله فيه.

وزعمت البيانيّة منهم ان روح الاله دارت في الأنبياء ثم في الأئمة الى ان صارت في بيان بن سمعان. وادّعت الجناحيّة منهم مثل ذلك في عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر. وكذلك دعوى الخطابيّة في ابن الخطاب. وكذلك دعوى قوم من الرونديّة في أبى مسلم صاحب دولة بني العباس. فهؤلاء يقولون بتناسخ روح الاله دون أرواح الناس تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. واما أهل التناسخ من القدرية فجماعة منهم أحمد بن حائط وكان معتزليّا منتسبا الى النظام. وكان على بدعته في الفطرة وفي نفى الجزء الّذي يتجزأ وفي نفى قدرة الله تعالى على الزيادة في نعيم أهل الجنّة أو في عذاب أهل النار وزاد على النظّام في ضلالته في التناسخ. ومنهم احمد بن ايّوب بن يانوش وكان تلميذ احمد بن حائط في التناسخ. لكنهما اختلفا بعد في كيفية التناسخ. ومنهم محمد بن احمد القحطي وافتخر بأنه كان منهم في التناسخ والاعتزال. ومنهم عبد الكريم بن أبى العوجاء وكان خال ممن بن زائدة. وجمع بين أربعة أنواع من الضلالة. أحدها انه كان يرى في السرّ دين المانويّة من الثنويّة. والثانى قوله بالتناسخ والثالث ميله الى الرافضة في الامامة. والرابع قوله بالقدر فى أبواب التعديل والتحوير. وكان وضع أحاديث كثيرة باسانيد

يغتر بها من لا معرفة له بالجرح والتعديل. وتلك الأحاديث التى وضعها كلها ضلالات في التشبيه (١٠٣ ب) والتعطيل وفي بعضها تغيير أحكام الشريعة وهو الذي أفسد على الرافضة صوم رمضان بالهلال وردّهم عن اعتبار الأهلة بحساب وضعه لهم ونسب ذلك الحساب الى جعفر الصادق ورفع خبر هذا الضال الى أبى جعفر بن محمد بن سليمان عامل المنصور على الكوفة فامر بقتله فقال لن يقتلونى لقد وضعت أربعة ألف حديث أحللت بها الحرام وحرمت بها الحلال وفطّرت الرافضة في يوم من أيام صومهم وصوّمتهم في يوم من أيام فطرهم. وتفصيل قول هؤلاء في التناسخ ان احمد بن حائط زعم ان الله تعالى أبدع خلقة أصحابه سالمين عقلاء بالغين في دار سوى الدنيا التي هم فيها اليوم واكمل عقولهم وخلق فيهم معرفته والعلم به واسبغ عليهم نعمه. وزعم ان الانسان المأمور المنهى المنعم عليه هو الروح التي في الجسم وان الاجسام قوالب للأرواح. وزعم ان الروح هى الحي القادر العالم وان الحيوان كله جنس واحد. وزعم أيضا ان جميع انواع الحيوان محتمل للتكليف وكان قد توجّه الامر والنهي عليهم على اختلاف صورهم ولغاتهم. وقال ان الله تعالى لما كلفهم في الدار التي خلقهم فيها شكره على ما انعم به عليهم

أطاعه بعضهم في جميع ما أمرهم به وعصاه بعضهم في جميع ما أمرهم به. فمن اطاعه في جميع ما امره به أقره في دار النعيم التي ابتدأه فيها. ومن عصاه في جميع ما أمره به أخرجه من دار النعيم الى دار العذاب الدائم وهى النار. ومن أطاعه في بعض ما أمره به وعصاه في بعض ما أمره به أخرجه الى الدنيا وألبسه بعض هذه الاجسام التى هى القوالب الكثيفة وابتلاه بالبأساء والضراء والشدة والرجاء واللذات والآلام في صور مختلفة من صور الناس والطيور والبهائم والسباع والحشرات وغيرها على مقادير ذنوبهم ومعاصيهم في الدار الاولى التى خلقهم فيها فمن كانت معاصيه في تلك الدار أقل وطاعاته اكثر كانت صورته فى الدنيا احسن. ومن كانت طاعاته فى تلك الدار أقل ومعاصيه (١٠٤ ا) اكثر صار قالبه فى الدنيا أقبح. ثم زعم ان الحيوان الّذي من الروح لا يزال في هذه الدنيا يتكرر فى قوالب وصور مختلفة ما دامت طاعاته مشوبة بذنوبه. وعلى قدر طاعاته وذنوبه يكون منازل قوالبه فى الانسانية والبيهمية ثم لا يزال من الله تعالى رسول الى كل نوع من الحيوان وتكليف للحيوان ابدا الى ان يتمحّض عمل الحيوان طاعات فيرد الى دار النعيم الدائم وهى الدار التى خلق فيها او يمحض عمله معاصى فينقل الى النار الدائم عذابها.

فهذا قول ابن حائط فى تناسخ الارواح. وقال احمد بن أيوب بن بانوش ان الله تعالى خلق الخلق كله دفعة واحدة. وحكى عنه بعض أصحابه أنّ الله تعالى خلق أولا الاجزاء المقدرة التى كل واحد منها جزء لا يتجزأ. وزعم ان تلك الاجزاء كانت أحياء عاقلة وان الله تعالى كان قد سوّى بينهم فى جميع امورهم اذ لم يستحق واحد منهم تفضيلا على غيره ولا كان من احد منهم جناية يؤخر لا جلها عن غيره. قال ثم انه خيّرهم بين ان يمتحنهم بعد اسباغ النعمة عليهم بالطاعات ليستحقوا بها الثواب عليها لان منزلة الاستحقاق أشرف من منزلة التفضيل. وبين ان يتركهم فى تلك الدار تفضلا عليه بها فاختار بعضهم المحبة واباها بعضهم. فمن اباها تركه فى الدار الاولى على حاله فيها. ومن اختار الامتحان امتحنه فى الدنيا ولما امتحن الذين اختاروا الامتحان عصاه بعضهم وأطاعه بعضهم. فمن عصاه حطه الى رتبة هى دون المنزلة التى خلقوا فيها. ومن اطاعه رفعه الى رتبة أعلى من المنزلة التى خلق عليها. ثم كرّرهم فى الاشخاص والقوالب إلى ان صار قوم منهم اناسا وآخرون صاروا بهائم أو سباعا بذنوبهم ومن صار منهم الى البهيمية ارتفع عنه التكليف. وكان يخالف ابن حائط فى تكليف البهائم. ثم قال فى البهائم انها لا تزال تترد فى الصور (١٠٤ ب)

القبيحة وتلقى المكاره من الذبح والتسخير الى ان تستوفى ما تستحق من العقاب بذنوبها ثم تعاد الى الحالة الاولى ثم يخيرهم الله تعالى تخييرا ثانيا فى الامتحان. فان اختاروه اعاد تكليفهم على الحال التى وصفناها وان امتنعوا منه تركوا على حالهم غير مكلفين. وزعم ان من المكلفين من يعمل الطاعات حتى يستحق ان يكون نبيّا او ملكا فيفعل الله تعالى ذلك به. وزعم القحطى منهم ان الله تعالى لم يعرض عليهم فى اوّل امرهم التكليف بل هم سألوه الرفع عن درجاتهم والتفاضل بينهم فاخبرهم بانهم لا يصفون بذلك الا بعد التكليف والامتحان وانهم وان كلفوا فعصوا استحقوا العقاب فابوا الامتحان. قال فذلك قوله (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب ٧٦) وزعم ابو مسلم الحرّانى ان الله تعالى خلق الارواح وكلف منها من علم انه يعطيه دون من يعصيه وان العصاة إنما عصوه ابتداء فعوقبوا بالنسخ والمسخ فى الاجساد المختلفة على مقادير ذنوبهم. فهذا تفصيل قول اصحاب التناسخ وقد نقضنا عللهم فى كتاب الملل والنحل بما فيه

الفصل الثالث عشر

(من فصول هذا الباب)

فى بيان ضلالات الحائطية من القدرية وبيان خروجهم

عن فرق الامة

هؤلاء اتباع احمد بن حائط القدرى وكان من اصحاب النظّام فى الاعتزال وقد ذكرنا قوله فى التناسخ قبل هذا ونذكر في هذا الفصل ضلالاته فى توحيد الصانع. وذلك ان ابن حائط وفضلا الحدثى زعما ان للخلق ربين وخالقين. احدهما قديم وهو الله سبحانه والآخر مخلوق وهو عيسى بن مريم. وزعما ان المسيح ابن الله على معنى النبي دون الولادة. وزعما أيضا ان المسيح هو الّذي يحاسب الخلق فى الآخرة وهو الّذي عناه الله بقوله (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (الفجر ٢٢) وهو الّذي يأتى (فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) (البقرة ٢١١) وهو الّذي خلق آدم على صورة نفسه وذلك تأويل ما روى ان الله تعالى خلق إلها على صورته. وزعم انه هو الّذي عناه (١٥ ا) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر وهو الّذي عناه بقوله ان الله تعالى خلق

العقل فقال له أقبل فأقبل وقال له أدبر فأدبر فقال ما خلقت خلقا اكرم منك وبك اعطى وبك آخذ. وقالا ان المسيح تذرع جسدا وكان قبل التذرع عقلا. قال عبد القاهر قد شارك هذان الكافران الثنوية والمجوس فى دعوى خالقين. وقولهم شر من قولهم لان الثنوية والمجوس اضافوا اختراع جميع الخيرات الى الله تعالى وانما اضافوا فعل الشرور الى الظلمة والى الشيطان. واضاف ابن حائط وفضل الحدثى فعل الخيرات كلها الى عيسى بن مريم واضافا إليه محاسبة الخلق فى الآخرة. والعجب فى قولهما ان عيسى خلق جده آدم عليه‌السلام فيا عجبا من فرع يخلق اصله ومن عد هذين الضالين من فرق الاسلام كمن عد النصارى من فرق الاسلام

الفصل الرابع عشر

(من فصول هذا الباب)

في ذكر الحمارية من القدرية وبيان خروجهم عن فرق الأمة

هؤلاء قوم من معتزلة عسكر مكرم اختاروا من بدع اصناف القدرية ضلالات مخصوصة فاخذوا من ابن حائط قوله بتناسخ الأرواح في الاجساد والقوالب واخذوا من عباد بن

سليمان الضميري قوله بان الذين مسخهم الله قردة وخنازير كانوا بعد المسخ ناسا وكانوا معتقدين للكفر بعد المسخ واخذوا من جعد بن درهم الذي ضحى به خالد بن عبد الله القسري قوله بان النظر الذي يوجب المعرفة تكون تلك المعرفة فعلا لا فاعل لها. ثم زعموا بعد ذلك ان الخمر ليست من فعل الله تعالى وإنما هي من فعل الخمار لأن الله تعالى لا يفعل ما يكون سبب المعصية. وزعموا ان الانسان قد يخلق أنواعا من الحيوانات كاللحم اذا دفنه الانسان او يضعه في الشمس فيدوّد زعموا ان تلك الديدان من خلق الانسان وكذلك العقارب التي تظهر من التبن تحت الآجرّ زعموا انها من اختراع من جمع بين الآجرّ والتبن وهؤلاء (٥. ا ب) شرّ من المجوس الذين اضافوا اختراع الحيات والحشرات والسموم الى الشيطان. ومن عدهم من فرق الامة كمن عد المجوس من فرق الامة

الفصل الخامس عشر

(من فصول هذا الباب)

في ذكر اليزيدية من الخوارج وبيان خروجهم عن فرق الاسلام

هؤلاء اتباع يزيد بن ابي أنيسة الخارجي وكان من البصرة ثم انتقل الى تون من ارض فارس وكان على رأي الاباضية من الخوارج ثم انه خرج عن قول جميع الامة لدعواه ان الله عزوجل يبعث رسولا من العجم وينزل عليه كتابا من السماء وينسخ بشرعه شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وزعم ان اتباع ذلك النبي المنتظر هم الصابئون المذكورون فى القرآن فاما المسمون بالصابئة من اهل واسط وحرّان فما هم الصابئون المذكورون في القرآن. وكان مع هذه الضلالة يتولى من شهد لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنبوة من اهل الكتاب وان لم يدخل في دينه وسماهم بذلك مؤمنين وعلى هذا القول يجب ان يكون العيسوية والرعيانية من اليهود مؤمنين لانهم أقرّوا بنبوّة محمد عليه‌السلام ولم يدخلوا في دينه وليس بجائزان يعدّ في فرق الاسلام من يعد اليهود من المسلمين وكيف يعد من فرق الاسلام من يقول بنسخ شريعة الاسلام؟

الفصل السادس عشر

(من هذا الباب)

فى ذكر الميمونية من الخوارج وبيان خروجهم

عن فرق الاسلام

هؤلاء اتباع رجل من الخوارج الشخرية كان اسمه ميمونا وكان على مذهب العجاردة من الخوارج ثم انه خالف العجاردة فى الإرادة والقدر والاستطاعة وقال في هذه الابواب الثلاثة بقول القدرية المعتزلة عن الحق. وزعم مع ذلك أن أطفال المشركين فى الجنّة ولو بقى ميمون هذا على هذه البدع التى حكيناها عنه ولم يزد عليها ضلالة سواها لنسبناه الى الخوارج لقوله بتكفير عليّ وطلحة والزبير وعائشة وعثمان. وقوله بتكفير أصحاب الذنوب والى القدرية لقوله فى باب الإرادة والقدر والاستطاعة بأقوال القدرية فيها (١٠٦ ا) ولكنه زاد على القدرية وعلى الخوارج بضلالة اشتقها من دين المجوس وذلك أنه أباح نكاح بنات الاولاد من الاجداد وبنات أولاد الاخوة والاخوات وقال انما ذكر الله تعالى فى تحريم النساء بالنسب الامهات والبنات والاخوات

والعمّات والخالات وبنات الأخ وبنات الاخوات ولم يذكر بنات البنات ولا بنات البنين ولا بنات أولاد الاخوة ولا بنات أولاد الاخوات. فان طرد قياسه فى امهات الامهات وامهات الآباء والأجداد المخض فى المجوسيّة وان لم يجر نكاح الجدّات وقاس الجدات على الامهات لزمه قياس بنات الاولاد على بنات الصلب. وان لم يطرد قياسه فى هذا الباب نقض اعتلاله. وحكى الكرابيسى عن الميمونيّة من الخوارج أنهم انكروا أن تكون سورة يوسف من القرآن ومنكر بعض القرآن كمنكر كله. ومن استحلّ بعض ذوات المحارم فى حكم المجوس. ولا يكون المجوسى معدودا فى فرق الاسلام

الفصل السابع عشر

(من فصول هذا الباب)

فى ذكر الباطنيّة وبيان خروجهم عن جميع فرق الاسلام

اعلموا اسعدكم الله ان ضرر الباطنية على فرق المسلمين اعظم من ضرر اليهود والنصارى والمجوس عليهم بل اعظم من مضرّة الدهرية وسائر أصناف الكفرة عليهم بل اعظم من ضرر

الدجّال الّذي يظهر في آخر الزمان. لأن الذين ضلوا عن الدين بدعوة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم الى يومنا اكثر من الذين يضلّون بالدجّال فى وقت ظهوره لان فتنة الدجّال لا تزيد مدتها على اربعين يوما. وفضائح الباطنية اكثر من عدد الرمل والقطر. وقد حكى أصحاب المقالات أن الذين أسسوا دعوة الباطنية جماعة. منهم ميمون بن ديصان المعروف بالقداح وكان مولى لجعفر بن محمد الصادق وكان من الاهواز. ومنهم محمد بن الحسين الملقب بذيذان وميمون بن ديصان فى سجن والى العراق اسسوا فى ذلك السجن مذاهب الباطنية ثم ظهرت دعوتهم بعد خلاصهم من السجن من جهة المعروف بذيذان وابتدأ بالدعوة من ناحية فدخل فى دينه جماعة من اكراد الجبل مع اهل الجبل المعروف بالبدين ثم رحل ميمون بن ديصان الى ناحية المغرب وانتسب فى تلك الناحية الى عقيل بن ابى طالب وزعم انه من نسله. فلما دخل فى دعوته قوم من غلاة الرفض والحلولية منهم (١٠٦ ب) ادعى انه من ولد محمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق فقبل الاغبياء ذلك منه على أصحاب الانتساب بان محمد بن اسماعيل بن جعفر مات ولم يعقب ثم ظهر فى دعوته الى دين الباطنية رجل يقال له حمدان قرمط لقب بذلك لقرمطة فى خطه او فى خطوه وكان فى

ابتداء أمره اكّارا من اكرة سواد الكوفة وإليه تنسب القرامطة ثم ظهر بعده فى الدعوة الى البدعة ابو سعيد الجنابي وكان من مستجيبة حمدان وتغلب على ناحية البحرين ودخل فى دعوته بنو سنير. ثم لما تمادت الايام بهم ظهر المعروف منهم بسعيد بن الحسين ابن احمد بن عبد الله بن ميمون بن ديصان القداح فغير اسم نفسه ونسبه. وقال لاتباعه أنا عبيد الله بن الحسن بن محمد بن اسماعيل ابن جعفر الصادق. ثم ظهرت فتنته بالمغرب واولاده اليوم مستولون على أعمال مضر. وظهر منهم المعروف بابن كرويه بن مهرويه الدندانى وكان من تلامذة حمدان قرمط وظهر مأمون اخو حمدان قرمط بارض فارس. وقرامطة فارس يقال لهم المأمونية لاجل ذلك. ودخل أرض الديلم رجل من الباطنية يعرف بابى حاتم فاستجاب له جماعة من الديلم منهم أسفار بن شرويه. وظهر بنيسابور داعية لهم يعرف بالشعرانىّ فقتل بها فى ولاية أبى بكر بن محتاج عليها. وكان الشعرانى قد دعا الحسين بن على المرورودي قام بدعوته بعده محمد بن احمد النسفى داعية أهل ما وراء النهر وابو يعقوب السجزلى المعروف ببندانه وصنف النسفى لهم كتاب المحصول وصنف لهم ابو يعقوب كتاب أساس الدعوة وكتاب تأويل الشرائع وكتاب كشف الاسرار وقتل النسفى والمعروف ببندانه

على ضلالتهما. وذكر أصحاب التواريخ ان دعوة الباطنية ظهرت أولا فى زمان المأمون وانتشرت فى زمان المعتصم. وذكروا انه دخل فى دعوتهم الافشين صاحب جيش المعتصم وكان مراهنا لبابك الخرمى وكان الخرمى مستعصيا بناحية البدين وكان أهل جبله خرمية على طريقة المزدكية فصارت الخرمية مع الباطنية يدا واحدة. واجتمع مع بابك من أهل البدين وممن انضم إليهم من الديلم مقدار ثلاثمائة الف رجل. وأخرج الخليفة لقتالهم الافشين فظنه ناصحا للمسلمين وكان فى سره مع بابك وتوانى (١٠٧ ا) فى القتال معه ودله على عورات عساكر المسلمين وقتل الكثير منهم. ثم لحقت الأمداد بالافشين ولحق به محمد بن يوسف الثغرى وابو دلف القسم بن عيسى العجلى ولحق به بعد ذلك قواد عبد الله ابن طاهر واشتدت شوكة البابكية والقرامطة على عسكر المسلمين حتى بنوا لانفسهم البلدة المعروفة ببيرزند خوفا من بيان البابكية ودامت الحرب بين الفريقين سنين كثيرة الى ان أظفر الله المسلمين بالبابكية فأسر بابك وصلب بسرّ من رأى (١) سنة ثلاث وعشرين ومائتين ثم اخذ أخوه اسحاق وصلب ببغداد مع المازيار صاحب المحمرة بطبرستان وجرجان. ولما قتل بابك ظهر للخليفة غدر

__________________

(١) موضع

الافشين وخيانته للمسلمين فى حروبه مع بابك فامر بقتله وصلبه فصلب لذلك. وذكر اصحاب التواريخ ان الذين وضعوا اساس دين الباطنيّة كانوا من أولاد المجوس وكانوا مائلين الى دين اسلافهم ولم يجسروا على إظهاره خوفا من سيوف المسلمين فوضع الأغمار منهم أساسا من قبلها منهم صار فى الباطن الى تفصيل اديان المجوس وتأوّلوا آيات القرآن وسنن النبي عليه‌السلام على موافقة اساسهم. وبيان ذلك ان الثنوية زعمت ان النور والظلمة صانعان قديمان والنور منهما فاعل الخيرات والمنافع. والظلام فاعل الشرور والمضار. وان الاجسام ممتزجة من النور والظلمة وكل واحد منهما مشتمل على اربع طبائع وهى الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. والاصلان الاولان مع الطبائع الاربع مدبرات هذا العالم. وشاركهم المجوس في اعتقاد صانعين غير أنهم زعموا ان أحد الصانعين قديم وهو الاله الفاعل للخيرات والآخر شيطان محدث فاعل للشرور. وذكر زعماء الباطنية فى كتبهم ان الاله خلق النفس فالاله هو الاول والنفس هو الثانى وهما مدبرا هذا العالم. وسموهما الاول والثانى وربما سموهما العقل والنفس. ثم قالوا انهما يدبران هذا العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الاول. وقولهم ان الاول والثانى يدبران العالم هو بعينه قول المجوس باضافة الحوادث لصانعين احدهما

قديم والآخر محدث الا أن الباطنية عبّرت عن الصانعين بالاول والثانى (١٠٧ ب) وعبّر المجوس عنهما بيزدان وأهرمن فهذا هو الّذي يدور في قلوب الباطنيّة ووضعوا اساسا يؤدى إليه ولم يمكنهم إظهار عبادة الثيران فاحتالوا بأن قالوا للمسلمين ينبغي ان تجمّر المساجد كلها وأن تكون في كل مسجد مجمرة يوضع عليها الند والعود فى كل حال. وكانت البرامكة قد زينوا للرشيد أن يتخذ فى جوف الكعبة مجمرة يتبخّر عليها العود أبدا فعلم الرشيد أنهم أرادوا من ذلك عبادة النار فى الكعبة وأن تصير الكعبة بيت نار فكان ذلك أحد أسباب قبض الرشيد على البرامكة. ثم ان الباطنية لما تأوّلت اصول الدين على الشرك احتالت أيضا لتأويل أحكام الشريعة على وجوه تؤدى الى رفع الشريعة أو الى مثل أحكام المجوس. والّذي يدل على ان هذا مرادهم بتأويل الشريعة أنهم قد أباحوا لاتباعهم نكاح البنات والاخوات وأباحوا شرب الخمر وجميع اللذات. ويؤكد ذلك ان الغلام الّذي ظهر منهم بالبحر بن والاحساء بعد سليمان بن الحسين القرمطى سنّ لأتباعه اللواط وأوجب قتل الغلام الّذي يمتنع على من يريد الفجور به وأمر بقطع يد من اطفأ نارا بيده وبقطع لسان من اطفأها بنفخة. وهذا الغلام هو المعروف بابن أبى زكريا الطامى وكان ظهوره فى سنة تسع

عشرة وثلاثمائة. وطالت فتنته الى أن سلّط الله تعالى عليه من ذبحه على فراشه ويؤكد ما قلناه من ميل الباطنيّة الى دين المجوس أنّا لا نجد على ظهر الارض مجوسيا إلا وهو موادّ لهم منتظر لظهورهم على الديار يظنون أن الملك يعود إليهم بذلك. وربما استدل أغمارهم على ذلك بما يرويه المجوس عن زرادشت أنه قال لكتتاسب ان الملك يزول عن الفرس الى الروم واليونانية ثم يعود الى الفرس ثم يزول عن الفرس الى العرب ثم يعود الى الفرس. وساعده جاماسب المنجم على ذلك. وزعم ان الملك يعود الى العجم لتمام الف وخمسمائة سنة من وقت ظهور زرادشت. وكان فى الباطنية رجل يعرف بأبى عبد الله العردىّ يدّعى علم النجوم ويتعصّب للمجوس وصنّف كتابا وذكر فيه ان القرن الثامن عشر من مولد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٠٨ ا) يوافق الألف العاشر وهو نوبة المشترى والقوس. وقال عند ذلك يخرج انسان يعيد الدولة المجوسية ويستولى على الارض كلها. وزعم انه يملك مدة سبع قرانات. وقالوا قد تحقق حكم زرادشت وجاماسب فى زوال ملك العجم الى الروم واليونانية فى ايام الاسكندر ثم عاد الى العجم بعد ثلاثمائة سنة ثم زال بعد ذلك ملك العجم الى العرب وسيعود الى العجم لتمام المدة التى ذكرها جاماسب. وقد وافق الوقت الّذي ذكروه ايام المكتفى والمقتدر

وأخلف موعودهم وما رجع الملك فيه الى المجوس. وكانت القرامطة قبل هذا الميقات يتواعدون فيما بينهم ظهور المنتظر فى القرآن السابع فى المثلثة النارية. وخرج منهم سليمان بن الحسين من الاحياء على هذه الدعوى وتعرض للحجيج وأسرف فى القتل منهم ثم دخل مكة وقتل من كان فى الطواف وأغار على استار الكعبة وطرح القتلى فى بئر زمزم وكسر عساكر كثيرة من عساكر المسلمين وانهزم فى بعض حروبه الى هجر فكتب للمسلمين قصيدة يقول فيها

أغرّكم منى رجوعى الى هجر

عما قليل سوف يأتيكم الخبر

اذا طلع المرّيخ في أرض بابل

وقارنه النجمات فالحذر الحذر

ألست أنا المذكور فى الكتب كلها

ألست أنا المبعوث فى سورة الزمر

سأملك أهل الأرض شرفا ومغربا

الى قيروان الروم والترك والخزر

وأراد بالنجمين زحل والمشترى. وقد وجد هذا القران فى منى ظهوره ولم يملك من الارض شيئا غير بلدته التى خرج منها

وطمع فى ان يملك سبع قرانات وما ملك سبع سنين بل قتل بهيت رمته امرأة من سطحها بلبنة على رأسه فدمغته وقتيل. النساء أخس قتيل واهون فقيد. وفى آخر سنة ألف ومائتين واربعين للاسكندر تمّ من تاريخ زرادشت ألف وخمسمائة سنة وما عاد فيها ملك الارض الى المجوس بل اتسع بعدها نطاق الاسلام فى الأرض وفتح الله تعالى للمسلمين بعدها بلاد بلاساغون وارض التبت واكثر نواحى الصين ثم فتح لهم بعدها جميع ارض الهند من لمفات الى قنوح وصارت أرض الهند الى سيترسيقا بحرها من رقعة الاسلام فى أيام امين الدولة أمين الملة (١٠٨ ب) محمود بن سبكتكين رحمه‌الله. وفى هذا رغم انوف الباطنية والمجوس الجاماسبية الذين حكموا بعود الملك إليهم فذاقوا وبال أمرهم وكان عاقبة امانيهم بوارا لهم بحمد الله ومنّه. ثم ان الباطنية خرج منهم عبيد الله بن الحسن بناحية القيروان وخدع قوما من كتامه وقوما من المصامدة وشرذمة من أغنام بربر بحيل ونير نجات أظهرها لهم كروية الخيالات بالليل من خلف الرداء والازار وظن الاغمار أنها معجزة له فتبعوه لا جلها على بدعته فاستولى بهم على بلاد المغرب ثم خرج المعروف منهم بابى سعيد الحسين بن بهرام على أهل الأحساء والقطيف والبحرين فأتى باتباعه على اعدائه وسبى نساءهم

وذراريهم واحرق المصاحف والمساجد ثم استولى على هجر وقتل رجالها واستعبد ذراريهم ونساءهم. ثم ظهر المعروف منهم بالصناديقى باليمن وقتل الكثير من اهلها حتى قتل الاطفال والنساء وانضم إليه المعروف منهم بابن الفضل فى اتباعه ثم ان الله تعالى سلط عليهما وعلى اتباعهما الاكلة والطاعون فماتوا بهما. ثم خرج بالشام حفيد لميمون بن ديصان يقال له ابو القاسم بن مهرويه وقالا لمن تبعهما هذا وقت ملكنا. وكان ذلك سنة تسع وثمانين ومائتين فقصدهم سبك صاحب المعتضد فقتلوا سبكا فى الحرب ودخلوا مدينة الرصافة واحرقوا مسجدها الجامع وقصدوا بعد ذلك دمشق فاستقبلهم الحمامى غلام بن طيون وهزمهم الى الرقة فخرج إليهم محمد بن سليمان كاتب المكتفى فى جند من اجناد المكتفى فهزمهم وقتل منهم الالوف فانهزم الحسن بن زكريا بن مهرويه الى الرملة فقبض عليه والى الرملة فبعث به وبجماعة من اتباعه الى المكتفى فقتلهم ببغداد فى الشارع باشدّ عذاب. ثم انقطعت بقتلهم شوكة القرامطة الى سنة عشر وثلاثمائة. وظهر بعدها فتنة سليمان بن الحسن فى سنة احدى عشرة وثلاثمائة فانه كبس فيها البصرة وقتل اميرها سبكا المقلجى ونقل اموال البصرة الى البحرين. وفى سنة اثنتى عشرة وثلاثمائة وقع على الحجيج فى المتهيبر لعشر بقين من المحرّم

وقتل اكثر الحجيج وسبى الحرم والذرارى. ثم دخل الكوفة فى سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة فقتل الناس وانتهب الاموال (١٠٩ ا) وفى سنة خمس عشرة وثلاثمائة حارب ابن أبى الساج وأسره وهزم أصحابه وفى سنة سبع عشرة وثلاثمائة دخل مكة وقتل من وجده فى الطواف. وقيل انه قتل بها ثلاثة آلاف وأخرج منها سبعمائة بكر واقتلع الحجر الاسود وحمله الى البحرين ثم ردفها الى الكوفة ورد بعد ذلك من الكوفة إلى مكة على يد أبى إسحاق إبراهيم بن محمد ابن يحيى مزكي نيسابور فى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة وقصد سليمان ابن الحسن بغداد فى سنة ثماني عشرة وثلاثمائة فلما ورد هيت رمته امرأة من سطحها بلبنة فقتلته وانقطعت بعد ذلك شوكة القرامطة وصاروا بعد قتل سليمان بن الحسن مبدرقين للحجيج من الكوفة والبصرة الى مكة فحضاة. ومال مضمون لهم إلى ان غلبهم الأصغر العقيلى على بعض ديارهم. وكانت ولاية مصر واعمالها للاخشادية وانضم بعضهم الى ابن عبيد الله الباطنى الّذي كان قد استولى على قيروان ودخلوا مصر فى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وابتنوا بها مدينة سموها القاهرة يسكنها اهل بدعته. واهل مصر ثابتون على السنة الى يومنا وان اطاعوا صاحب القاهرة فى اداء خراجهم إليه. وكان ابو شجاع فناخسرو بن بويه قد تأهب لقصد مصر وانتزاعها

من ايدي الباطنية وكتب على اعلامه بالسواد : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين الطائع لله أمير المؤمنين ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين : وقال قصيدة أولها

أما ترى الاقدار لى طوائعا

قواضيا لى بالعيان كالخبر

ويشهد الانام لى بأنى

ذاك الّذي يرجّى وذاك المنتظر

لنصرة الاسلام والداعي الى

خليفة الله الإمام المفتخر

فلما خرج مضاربه للخروج الى مصر غامضه الاجل فمضى لسبيله فلما قضى (١٠٩ ب) فناخسرو نحبه طمع زعيم مصر فى ملوك نواحى الشرق فكاتبهم يدعوهم الى البيعة له فاجاب قابوس بن وشمكين عن كتابه بقوله. انى لا اذكرك الا على المستراح. وأجابه ناصر الدولة ابو الحسن محمد بن إبراهيم بن سيمجور بان كتب على ظهر كتابه إليه (يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (الكافرون ١ و ٢) الى آخر السورة واجابه نوح بن منصور والى خراسان بقتل دعاته الى بدعته. ودخل فى دعوته بعض ولاة الجرجانية من ارض خوارزم فكان دخوله فى دينه شؤما عليه فى ذهاب ملكه وقتله اصحابه. ثم استولى يمين الدولة وامين الملة محمود بن سبكتكين على ارضهم وقتل من كان بها من دعاة الباطنية. وكان ابو على بن سيمجور قد وافقهم فى السر فذاق وبال امره

في ذلك وقبض عليه والى خراسان نوح بن منصور وبعث به الى سبكتكين فقتل بناحية غزنه وكان ابو القسم الحسن بن عليّ الملقّب بدالشمند داعية ابى على بن سيمجور الى مذهب الباطنية وظفر به بكقوزن صاحب جيش السامانية بنيسابور فقتله ودفن فى مكان لا يعرف وكان اميرك الطوسى والي ناحية ثارويه قد دخل فى دعوة الباطنية فأسر وحمل الى غزنه وقتل بها فى الليلة التى قتل فيها ابو على بن سيمجور. وكان اهل مولتان من ارض الهند داخلين فى دعوة الباطنية فقصدهم محمود رحمه‌الله فى عسكره وقتل منهم الالوف وقطع ايدى ألف منهم. وباد بذلك نصراء الباطنية من تلك الباطنية ومن هذا بيان شؤم الباطنية على منتحليها فليعتبر بذلك المعتبرون. وقد اختلف المتكلمون فى بيان اغراض الباطنية فى دعوتها الى بدعتها فذهب اكثرهم الى ان غرض الباطنية الدعوة الى دين المجوس بالتأويلات التى يتأولون عليها القرآن والسنّة واستدلوا على ذلك بان زعيمهم الاول ميمون بن ديصان كان مجوسيا من سبى الاهواز. ودعا ابنه عبد الله بن ميمون الناس الى دين ابيه واستدلوا أيضا بان داعيهم المعروف بالبزدهي قال فى كتابه المعروف بالمحصول ان المبدع (١١٠ ا) الأول أبدع النفس. ثم إن الأول والثانى مدبرا العالم بتدبير الكواكب

السبعة والطبائع الأربع وهذا فى التحقيق معنى قول المجوس ان اليزدان خلق اهرمن وانه مع اهرمن مدبران للعالم غير ان اليزدان فاعل الخيرات واهرمن فاعل الشرور. ومنهم من نسب الباطنية الى الصائبين الذين هم بحران واستدل على ذلك بان حمدان قرمط داعية الباطنية بعد ميمون بن ديصان كان من الصابئة الحرانية. واستدل أيضا بان صابئة حران يكتمون اديانهم ولا يظهرونها إلا لمن كان منهم. والباطنية أيضا لا يظهرون دينهم الا لمن كان منهم بعد احلافهم اياه على ان لا يذكر اسرارهم لغيرهم. قال عبد القاهر الذي يصح عندي من دين الباطنية انهم دهرية زنادقة يقولون بقدم العالم وينكرون الرسل والشرائع كلها لميلها الى استباحة كل ما يميل إليه الطبع. والدليل على انهم كما ذكرناه ما قرأته في كتابهم المترجم بالسياسة والبلاغ الاكيد والناموس الاعظم وهي رسالة عبيد الله بن الحسن القيرواني الى سليمان بن الحسن بن سعيد الجناني اوصاه فيها بان قال له : ادع الناس بان تتقرب إليهم بما يميلون إليه وأوهم كل واحد منهم بانك منهم فمن آنست منه رشدا فاكشف له الغطاء واذا ظفرت بالفلسفي فاحتفظ به فعلى الفلاسفة معولنا وانّا وإياهم مجمعون على ان نواميس الأنبياء وعلى القول بقدم العالم لو ما ما يخالفنا فيه بعضهم

من ان للعالم مدبرا لا يعرفه : وذكر فى هذا الكتاب إبطال القول بالمعاد والعقاب وذكر فيها ان الجنة نعيم الدنيا وان العذاب انما هو اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصيام والحج والجهاد. وقال أيضا فى هذه الرسالة. إن اهل الشرائع يعبدون إلها لا يعرفونه ولا يحصلون منه إلا على اسم بلا جسم : وقال فيها أيضا اكرم الدهرية فانهم منا ونحن منهم. وفى هذا تحقيق نسبة الباطنية الى الدهرية. والذي يؤكد هذا ان المجوس (١١٠ ب) يدعون نبوّة زرادشت ونزول الوحي عليه من الله تعالى والصائبين يدعون نبوّة هرمس وواليس ودور وتيوس وافلاطن وجماعة من الفلاسفة وسائر اصحاب الشرائع. كل صنف منهم مقرون بنزول الوحي من السماء على الذين اقروا بنبوتهم ويقولون ان ذلك الوحى شامل للامر والنهى والخبر عن عاقبة بعد الموت وعن ثواب وعقاب وجنة ونار يكون فيها الجزاء عن الاعمال السالفة. والباطنية يرفضون المعجزات وينكرون نزول الملائكة من السماء بالوحى والامر والنهى بل ينكرون ان يكون فى السماء ملك وانما يتأولون الملائكة على دعاتهم الى بدعتهم ويتأولون الشياطين على مخالفيهم والأبالسة على مخالفيهم. ويزعمون ان الأنبياء قوم أحبوا الزعامة فساسوا العامة بالنواميس والحيل طلبا للزعامة بدعوى النبوة

والامامة. وكل واحد منهم صاحب دور مسبع اذا انقضى دوره سبعة تبعهم فى دور آخر واذا ذكروا النبي والوحى قالوا ان النبي هو الناطق والوحى اساسه الفاتق والى الفاتق تأويل نطق الناطق على ما تراه يميل إليه هواه فمن صار الى تأويله الباطن فهو من الملائكة البررة ومن عمل بالظاهر فهو من الشياطين الكفرة. ثم تأوّلوا لكل ركن من اركان الشريعة تأويلا يورث تضليلا فزعموا ان معنى الصلاة موالاة امامهم والحج زيارته وادمان خدمته. والمراد بالصوم الامساك عن افشاء سر الامام دون الامساك عن الطعام. والزنى عندهم افشاء سرّهم بغير عهد وميثاق. وزعموا ان من عرف معنى العبادة سقط عنه فرضها وتأولوا فى ذلك قوله (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر ٩٩) وحملوا اليقين على معرفة التأويل. وقد قال القيروانى فى رسالته الى سليمان بن الحسن : انى اوصيك بتشكيك الناس فى القرآن والتوراة والزبور والإنجيل وبدعوتهم الى ابطال الشرائع والى ابطال المعاد والنشور من القبور وابطال الملائكة فى السماء وابطال الجن فى الارض واوصيك (١١١ ا) بان تدعوهم الى القول بانه قد كان قبل آدم بشر كثير فان ذلك عون لك على القول بقدم العالم. وفى هذا تحقيق دعوانا على الباطنية انهم دهريه يقولون بقدم العالم ويجحدون الصانع. ويدل على

دعوانا عليهم القول بابطال الشرائع ان القيروانى قال أيضا فى رسالته الى سليمان بن الحسن : وينبغى ان تحيط علما بمخاريق الأنبياء ومناقضاتهم فى اقوالهم كعيسى بن مريم قال لليهود : لا ارفع شريعة موسى ثم رفعها بتحريم الاحد بدلا من السبت واباح العمل فى السبت وابدل قبلة موسى بخلاف جهتها ولهذا قتلته البلاد لما اختلفت كلمته : ثم قال له : ولا تكن كصاحب الامة المنكوسة حين سألوه عن الروح فقال. الروح من امر ربى. لما لم يحضره جواب المسألة. ولا تكن كموسى فى دعواه التى لم يكن له عليها برهان سوى المخرقة بحسن الحيلة والشعبذة ولما لم يجد المحق فى زمانه عنده برهانا قال له لئن اتخذت إلها غيرى. وقال لقومه انا ربكم الأعلى لأنه كان صاحب الزمان فى وقته : ثم قال فى آخر رسالته : وما العجب من شيء كالعجب من رجل يدعى العقل ثم يكون له اخت او بنت حسناء وليست له زوجة فى حسنها فيحرمها على نفسه وينكحها من اجنبى. ولو عقل الجاهل لعلم انه أحق باخته وبنته من الاجنبى ما وجه ذلك الا ان صاحبهم حرّم عليهم الطيبات وخوّفهم بغائب لا يعقل وهو الاله الّذي يزعمونه واخبرهم بكون ما لا يرونه ابدا من البعث من القبور والحساب والجنة والنار حتى استعبدهم بذلك عاجلا وجعلهم له فى

حياته ولذريته بعد وفاته خولا واستباح بذلك اموالهم بقوله (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (الشورى ٢٣) فكان امره معهم نقدا وأمرهم معه نسيئة. وقد استعجل منهم بدل أرواحهم واموالهم على انتظار موعود لا يكون. وهل الجنة إلا هذه الدنيا ونعيمها؟ وهل النار وعذابها إلا ما فيه اصحاب الشرائع من التعب والنصب فى الصلاة والصيام والجهاد والحج. ثم قال (١١١ ب) لسليمان بن الحسن فى هذه الرسالة. وانت واخوانك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس وفى هذه الدنيا ورثتم نعيمها ولذاتها المحرمة على الجاهلين المتمسكين بشرائع اصحاب النواميس فهنيئا لكم ما نلتم من الراحة عن امرهم. وفى هذا الّذي ذكرناه دلالة على ان غرض الباطنية القول بمذاهب الدهرية واستباحة المحرمات وترك العبادات. ثم ان الباطنية لهم فى اصطياد الاغنام ودعوتهم الى بدعتهم حيل على مراتب سموها التفرس والتأنيس والتشكيك والتعليق والربط والتدليس والتأسيس والمواثيق بالايمان والعهود وآخرها الخلع والسلخ. فاما التفرس فانهم قالوا من شرط الداعى الى بدعتهم ان يكون قويا على التلبيس وعارفا بوجوه تأويل الظواهر ليردّها الى الباطن ويكون مع ذلك مخبرا بين من يجوز من يطمع فيه وفى اغوائه وبين من لا مطمع فيه. ولهذا

قالوا فى وصاياهم للدعاة الى بدعتهم لا تتكلموا فى بيت فيه سراج يعنون بالسراج من يعرف علم الكلام ووجوه النظر والمقاييس. وقالوا أيضا لدعاتهم لا تطرحوا بذركم فى ارض سبخة. وارادوا بذلك منع دعاتهم عن اظهار بدعتهم عند من لا يؤثر فيهم بدعتهم كما لا يؤثر البذر فى الارض السبخة شيئا. وسموا قلوب اتباعهم الاغنام ارضا زاكية لانها تقبل بدعتهم. وهذا المثل بالعكس اولى وذلك ان القلوب الزاكية هى القابلة للدين القويم والصراط المستقيم وهى التى لا تصدأ بشبه اهل الضلال كالذهب الا بريز الّذي لا يصدأ فى الماء ولا يبلى فى التراب ولا ينقص فى النار. والارض السبخة كقلوب الباطنية وسائر الزنادقة الذين لا يزجرهم عقل ولا يردعهم شرع منهم ارجاس أنجاس أموات غير أحياء (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (الفرقان ٤٤) وأقل حويلا (١١٢ ا) قد قسم لهم الحظّ من الرزق من قسم رزق الخنازير فى مراعيها وأباح طعمة العنب فى براريها (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (الأنبياء ٢٣) وقالوا أيضا من شرط الداعى الى مذهبهم ان يكون عارفا بالوجوه التي تدعى بها الاصناف. فليست دعوة الاصناف من وجه واحد بل لكل صنف من الناس وجه يدعى منه الى مذهب الباطن. فمن رآه الداعى مائلا

الى العبادات حمله على الزهد والعبادة. ثم سأله عن معانى العبادات وعلل الفرائض وشككه فيها. ومن رآه ذا مجون وخلاعة قال له العبادة بله وحماقة وانما الفطنة فى نيل اللذات وتمثل له بقول الشاعر

من راقب الناس مات همّا

وفاز باللذة الجسور

ومن رآه شاكا فى دينه او فى المعاد والثواب والعقاب صرح له بنفى ذلك وحمله على استباحة المحرمات واستروح معه الى قول الشاعر الماجن

أأترك لذة الصهباء صرفا

لما وعدوه من لحم وخمر

حياة ثم موت ثم نشر

حديث خرافة يا أمّ عمرو

ومن رآه من غلاة الرافضة كالسبابية والبيانية والمغيرية والمنصورية والخطابية لم يحتج معه الى تأويل الآيات والاخبار لأنهم يتأولونها معهم على وفق ضلالتهم. ومن رآه من الرافضة زيديّا او اماميا مائلا الى الطعن فى اخبار الصحابة دخل عليه من جهة شتم الصحابة وزيّن له بغض بنى تيم لان أبا بكر منهم وبغض بنى عدىّ. لان عمر بن الخطاب كان منهم. وحثّه على بغض بنى أميّة لانه كان منهم عثمان ومعاوية وربما استروح الباطنىّ فى عصرنا هذا الى قول اسماعيل بن عباد

دخول النار فى حب الوصىّ

وفى تفضيل أولاد النبىّ

أحبّ إليّ من جنات عدن

اخلّدها بتيم أو عدىّ

قال عبد القاهر قد أجبنا هذا القائل بقولنا فيه

أتطمع فى دخول جنات عدن

وأنت عدو تيم أو عدىّ

وهم تركوك أشقى من ثمود

وهم تركوك أفضح من دعىّ (١١٢ ب)

وفى نار الجحيم غدا ستصلى

إذا عاداك صديق النبىّ

ومن رآه الداعى مائلا الى أبى بكر وعمر مدحهما عنده وقال لهما حظّ فى تأويل الشريعة. ولهذا استصحب النبي أبا بكر الى الغار ثم الى المدينة وأفضى إليه فى الغار تأويل شريعته فاذا سأله الموالى لأبى بكر وعمر عن التأويل المذكور لأبى بكر وعمر أخذ عليه العهود والمواثيق فى كتمان ما يظهره له. ثم ذكر له على التدريج بعض التأويلات فان قبلها منه اظهر له الباقى وان لم يقبل منه التأويل الاوّل ربطه فى الباقى وكتمه عنه وشك الغر من أجل ذلك فى أركان الشريعة. والّذي يروج عليهم مذهب الباطنية أصناف. احدها العامة الذين قتلت بصائرهم بأصول العلم والنظر كالنبط والاكراد وأولاد المجوس. والصنف الثانى الشعوبية الذين يرون تفضيل العجم على العرب ويتمنّون عود الملك الى العجم. والصنف الثالث اغنام بنى ربيعة من أجل غيظهم على

مضر لخروج النبي منهم. ولهذا قال عبد الله بن خازم السلمى فى خطبته بخراسان ان ربيعة لم تزل غضابا على الله مذ بعث نبيّه من مضر. ومن أجل حسد ربيعة لمضر بايعت بنو حنيفة مسيلمة الكذّاب طمعا فى أن يكون فى بنى ربيعة نبيّ كما كان من بنى مضر نبىّ. فاذا استأنس الاعجمىّ الغرّ او الربعىّ الحاسد لمضر يقول الباطنى له قومك أحق بالملك من مضر سأله عن السبب فى عود الملك الى قومه فاذا سأله عن ذلك قال له ان الشريعة المضرية لها نهاية وقد دنا انقضاؤها وبعد انقضائها يعود الملك إليكم. ثم ذكر له تأويل إنكار شريعة الاسلام على التدريج. فاذا قبل ذلك منه صار ملحدا خرسا واستثقل العبادات واستطاب استحلال المحرمات. فهذا بيان درجة التفرّس منهم. ودرجة التأنيس قربية من درجة التفرس عندهم وهى تزيين ما عليه الانسان من مذهبه فى عينه ثم سؤاله بعد ذلك عن تأويل ما هو عليه وتشكيكه اياه (١١٣ ا) فى اصول دينه فاذا سأله المدعو عن ذلك قال. علم ذلك عند الامام ووصل بذلك منه الى درجة التشكيك حتى صار المدعو الى اعتقاد ان المراد بالظواهر والسنن غير مقتضاها فى اللغة وهان عليه بذلك ارتكاب المحظورات وترك العبادات. والربط عندهم تعليق نفس المدعو بطلب تأويل اركان

الشريعة. فإما ان يقبل منهم تأويلها على وجه يؤول الى رفعها وإما ان يبقى على الشك والحيرة فيها. ودرجة التدليس منهم قولهم للغرّ الجاهل بأصول النظر والاستدلال ان الظواهر عذاب وباطنها فيه الرحمة. وذكر له قوله فى القرآن (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) (الحديد ١٣). فاذا سألهم الغرّ عن تأويل باطن الباب قالوا جرت سنّة الله تعالى فى أخذ العهد والميثاق على رسله. ولذلك قال (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (الاحزاب ٧) وذكروا له قوله (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) (النحل ٩١) فاذا حلف الغرّ لهم بالايمان المغلّظة وبالطلاق والعتق وبسبيل الاموال فقد ربطوه بها. وذكروا له من تأويل الظواهر ما يؤدى الى رفعها بزعمهم فان قبل الاحمق ذلك منهم دخل فى دين الزنادقة باطلا واستتر بالاسلام ظاهرا. وان نفر الحالف عن اعتقاد تأويلات الباطنية الزنادقة كتمها عليهم لانه قد حلف لهم على كتمان ما اظهروه لهم من اسرارهم. واذا قبلها منهم فقد حلّفوه وسلخوه عن دين الاسلام وقالوا له حينئذ. ان الظاهر كالقشر والباطن كاللّب واللّب خير من القشر. قال عبد القاهر. حكى له بعض من

كان دخل فى دعوة الباطنية. ثم وفقه الله تعالى (١١٣ ب) لرشده وهداه الى حل ايمانهم أنهم لما وثقوا منه بايمانه قالوا له ان المسمين بالانبياء كنوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد وكل من ادعى النبوة كانوا أصحاب نواميس ومخاريق احبوا الزعامة على العامة فخدعوهم بنيرنجات واستعبدوهم بشرائعهم. قال هذا الحاكى لى ثم ناقض الّذي كشف لى هذا السر بأن قال له. ينبغى أن تعلم ان محمد بن اسماعيل بن جعفر هو الّذي نادى موسى بن عمران من الشجرة فقال له (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) (طه ١٢) قال فقلت سخنت عينك تدعونى الى الكفر برب قديم الخالق للعالم ثم تدعونى مع ذلك الى الاقرار بربوبية انسان مخلوق وتزعم انه كان قبل ولادته إلها مرسلا لموسى. فان كان موسى عندك رزاقا فالذى زعمت انه ارسله اكذب فقال لى انك لا تفلح أبدا وندم على افشاء أسراره إليّ وتبت من بدعتهم. فهذا بيان وجه حيلهم على اتباعهم. وأما ايمانهم فان داعيهم يقول للحالف جعلت على نفسك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسله وما أخذ الله تعالى من النبيين من عهد وميثاق انك تستر ما تسمعه منّى وما تعلمه من أمرى ومن أمر الامام الّذي هو صاحب زمانك وأمر أشياعه واتباعه فى هذا البلد وفى سائر البلدان وامر المطيعين

له من الذكور والاناث فلا تظهر من ذلك قليلا ولا كثيرا ولا تظهر شيئا يدل عليه من كتابة او اشارة إلّا ما أذن لك فيه الامام صاحب الزمان او أذن لك فى اظهاره المأذون له فى دعوته فتعمل فى ذلك حينئذ بمقدار ما يؤذن لك فيه. وقد جعلت على نفسك الوفاء بذلك وألزمته نفسك فى حالتى الرضاء والغضب والرغبة والرهبة قال نعم. فاذا قال نعم. قال له. وجعلت على نفسك أن تمنعنى وجميع من اسميه لك مما تمنع منه نفسك بعهد الله تعالى وميثاقه عليك (١١٤ ا) وذمّته وذمّة رسله وتنصحهم نصحا ظاهرا وباطنا. وألا تخون الامام وأولياءه وأهل دعوته فى أنفسهم ولا فى أموالهم. وأنك لا تتأوّل فى هذه الأيمان تأويلا ولا تعتقد ما يحلها. وإنك إن فعلت شيئا من ذلك فانت بريء من الله ورسله وملائكته ومن جميع ما أنزل الله تعالى من كتبه. وانك ان خالفت فى شيء مما ذكرناه لك فلله عليك ان تحج الى بيته مائة حجة ماشيا نذرا واجبا. وكل ما تملكه في الوقت الّذي أنت فيه صدقة على الفقراء والمساكين. وكل مملوك يكون فى ملكك يوم تخالف فيه او بعده يكون حرا. وكل امرأة لك الآن او يوم مخالفتك او تتزوجها بعد ذلك تكون طالقا منك ثلاث طلقات والله تعالى الشاهد على نيتك وعقد ضميرك فيما

حلفت به. فاذا قال نعم. قال له كفى بالله شهيدا بيننا وبينك فاذا حلف الغرّ بهذه الايمان ظن انه لا يمكن حلها. ولن يعلم الغرّ انه ليس لايمانهم عندهم مقدار ولا حرمة وانهم لا يرون فيها ولا فى حلها إثما ولا كفارة ولا عارا ولا عقابا فى الآخرة. وكيف يكون لليمين بالله وبكتبه ورسله عندهم حرمة؟ وهم لا يقرون بإله قديم بل يقرون بحدوث العالم ولا يثبتون كتابا منزلا من السماء ولا رسولا ينزل عليه الوحي من السماء. وكيف يكون لايمان المسلمين عندهم حرمة؟ ومن دينهم أن الله الرحمن الرحيم انما هو زعيمهم الذي يدعو إليه. ومن مال منهم الى دين المجوس زعم أن الإله نور بإزائه شيطان قد غلبه ونازعه فى ملكه. وكيف يكون لنذر الحج والعمرة عندهم مقدار؟ وهم لا يرون للكعبة مقدارا ويسخرون بمن يحج ويعتمر. وكيف يكون للطلاق عندهم حرمة؟ وهم يستحلون كل امرأة من غير عقد. فهذا بيان حكم الايمان عندهم. فأما حكم الايمان عند المسلمين. فإنا نقول. كل يمين يحلف بها الحالف ابتداء بطوع نفسه فهو على نيته. وكل يمين (١١٤ ب) يحلف بها عند قاض او سلطان يحلّفه ينظر فيها. فان كانت يمينا فى دعوى لمدع شيئا على الحالف المنكر وكان المدعى ظالما للمدعى عليه فيمين الحالف على نيته. وان كان المدعى محقا والمنكر

ظالما للمدعى فيمين المنكر على نية القاضى او السلطان الذي أحلفه. ويكون الحالف خائنا فى يمينه. وإذا صحت هذه المقدمة فالباحث عن دين الباطنية اذا قصد اظهار بدعتهم للناس او اراد النقض عليهم معذور فى يمينه وتكون يمينه على نيته. فاذا استثنى بقلبه مشيئة الله تعالى فيها لم ينعقد عليه ايمانه ولم يحنث فيها باظهاره أسرار الباطنية للناس ولم تطلق نساؤه ولا تعتق مماليكه ولا تلزمه صدقة بذلك. وليس زعيم الباطنية عند المسلمين إماما. ومن اظهر سرّه لم يظهر سر امام وانما اظهر سر كافر زنديق. وقد جاء فى ذكر الحديث المأثور : اذكروا الفاسق بما فيه يحذره الناس : فهذا بيان حيلتهم على الأغمار (١) بالايمان. فاما احتيالهم على الأغمار بالتشكيك فمن جهة أنهم يسألونهم عن مسائل من أحكام الشريعة يوهمونهم فيها خلاف معانيها الظاهرة. وربما سألوهم عن مسائل فى المحسوسات يوهمون ان فيها علوما لا يحيط بها إلّا زعيمهم فمن مسائلهم قول الداعى منهم للغرّ. لم صار للانسان أذنان ولسان واحد؟ ولم صار للرجل ذكر واحد وخصيتان؟ ولم صارت الأعصاب متصلة بالدماغ والاوراد متصلة بالكبد والشرايين متصلة بالقلب؟ ولم صار الانسان مخصوصا بنبات

__________________

(١) الأغمار. جمع غمر والغمر من لم يجرب الامور

الشعر على جفنيه الأعلى والاسفل؟ وسائر الحيوان ينبت الشعر على جفنه الأعلى دون الاسفل. ولم صار ثدى الانسان على صدره. وثدى البهائم على بطونها؟ ولما ذا لم يكن للفرس غدد (١) ولا كرش ولا كعب؟ وما الفرق بين الحيوان الّذي يبيض ولا يلد ولا يبيض وبما ذا (١١٥ ا) يميز بين السمكة النهرية والسمكة البحرية. ونحو هذا كثير يوهمون ان العلم بذلك عند زعيمهم. ومن مسائلهم فى القرآن سؤالهم عن معاني حروف الهجاء في أوائل السور كقوله الم وحم وطس ويس وطه وكهيعص. وربما قالوا ما معنى كل حرف من حروف الهجاء ولم صارت حروف الهجاء تسعة وعشرين حرفا؟ ولم عجم بعضها بالنقط وخلا بعضها من النقط؟ ولم جاز وصل بعضها بما بعدها بحرف؟ وربما قالوا للغر. ما معنى قوله (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (الحاقة ١٧)؟ ولم جعل الله تعالى أبواب الجنّة ثمانية وأبواب النار سبعة؟ وما معنى قوله (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (المدثر ٣٠)؟ وما فائدة هذا العدد؟ وربما سألوا عن آيات اوهموا فيها التناقض وزعموا انه لا يعرف تأويلها الا زعيمهم كقوله (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) (الرحمن ٣٩) مع قوله فى موضع آخر

__________________

(١) الغدد جمع غدة وهي كل عقدة في الجسد اطاف بها شحم

(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (الحجر ٩٢) ومنها مسائلهم في أحكام الفقه كقولهم. لم صارت صلاة الصبح ركعتين والظهر اربعا والمغرب ثلاثا؟ ولم صار فى كل ركعة ركوع واحد وسجدتان؟ ولم كان الوضوء على أربعة اعضاء والتيمم على عضوين؟ ولم وجب الغسل من المنىّ وهو عند اكثر المسلمين طاهر ولم يجب الغسل من البول مع نجاسته عند الجميع؟ ولم أعادت الحائض ما تركت من الصيام ولم تعد ما تركت من الصلاة؟ ولم كانت العقوبة فى السرقة بقطع اليد وفى الزنى بالجلد؟ وهلّا قطع الفرج الّذي به زنى فى الزنى كما قطعت اليد التى بها سرق فى السرقة. فاذا سمع الغرّ منهم هذه الاسئلة ورجع إليهم فى تأويلها قالوا له. علمها عند إمامنا وعند المأذون له فى كشف أسرارنا فاذا تقرر عند الغر (١١٥ ب) ان امامهم. أو ما دونه هو العالم بتأويله اعتقد ان المراد بظواهر القرآن والسنة غير ظاهرها فأخرجوه بهذه الحيلة عن العمل باحكام الشريعة. فاذا اعتاد ترك العبادة واستحل المحرّمات كشفوا له القناع وقالوا له. لو كان لنا إله قديم غنىّ عن كل شيء لم يكن له فائدة فى ركوع العباد وسجودهم ولا فى طوافهم حول بيت من حجر ولا فى سعى بين جبلين. فاذا قبل منهم ذلك فقد انسلخ عن توحيد ربه وصار جاحدا له زنديقا. قال عبد القاهر. والكلام

عليهم فى مسائلهم التي يسألون عنها عند قصدهم الى تشكيك الاغمار فى اصول الدين من وجهين. أحدهما أن يقال لهم. أنكم لا تخلون من أحد امرين. اما أن تقرّوا بحدوث العالم وتثبتوا له صانعا قديما عالما حكيما يكون له تكليف عباده ما شاء كيف شاء. وإما ان تنكروا ذلك وتقولوا بقدم العالم ونفى الصانع. فان اعتقدتم قدم العالم ونفى الصانع فلا معنى لقولكم. لم فرض الله كذا ولم حرّم كذا ولم خلق كذا ولم جعل كذا على مقدار كذا؟ اذا لم تقروا باله فرض شيئا أو حرّمه او خلق شيئا او قدّره. ويصير الكلام بيننا وبينكم كالكلام بيننا وبين الدهرية فى حدوث العالم. وإن أقررتم بحدوث العالم وتوحيد صانعه وأجزتم له تكليف عباده ما شاء من الاعمال كان جواز ذلك جوابا لكم عن قولكم لم فرض ولم حرّم كذا لاقراركم بجواز ذلك منه إن أقررتم به وبجواز تكليفه. وكذلك سؤالهم عن خاصية المحسوسات يبطل إن أقرّوا بصانع احدثها وان أنكروا الصانع فلا معنى لقولهم. لم خلق الله ذلك؟ مع انكارهم أن يكون لذلك صانع قديم. والوجه الثانى من الكلام عليهم فيما سألوا عنه من عجائب خلق الحيوان. أن يقال لهم. كيف يكون زعماء الباطنية مخصوصين بمعرفة علل ذلك. وقد ذكرته الاطباء والفلاسفة فى كتبهم وصنف

(١١٦ ا) ارسطاطاليس فى طبائع الحيوان كتابا وما ذكرت الفلاسفة من هذا النوع شيئا إلّا مسروقا من حكماء العرب الذين كانوا قبل زمان الفلاسفة من العرب القحطانية والجرهمية والطسمية وسائر الاصناف الحميرية. وقد ذكرت العرب فى اشعارها وأمثالها جميع طبائع الحيوان ولم يكن فى زمانها باطنىّ ولا زعيم للباطنية. وإنما أخذ ارسطاطاليس الفرق بين ما يلد وما يبيض من قول العرب فى أمثالها : كل شرقاء ولود وكل صكاء بيوض : ولهذا كان الخفاش من الطير ولودا لا بيوضا لان لها أذنا شرقاء. وكل ذات أذن صكاء بيوض كالحية والضب (١) والطيور البائضة وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى وعبد الملك بن قريب الأصمعىّ أن العرب قالت بتحريمها فى الجاهلية. أن كل حيوان لعينيه أهداب على الجفن الأعلى دون الاسفل إلّا الانسان فان اهدابه على الجفن الأعلى والاسفل. وقالوا كل حيوان ألقى فى الماء يسبح فيه إلّا الإنسان والقرد والفرس الاعسر فانه يغرق فيه إلّا أن يتعلم الانسان السباحة. وقالوا في الانسان انه اذا قطع رأسه وألقى فى الماء انتصب قائما فى وسط الماء. وقالوا كل طائر كفه فى رجليه وكف الانسان والقرد فى اليد. وكل ذى أربع ركبته فى يده.

__________________

(١) الضب دويبة على حد فرخ التمساح الصغير وذنبه كثير العقد ولذلك قالوا : أعقد من ذنب الضب :

وركبتا الانسان فى رجليه. وقالوا ليس للفرس غدد ولا كرش ولا طحال ولا كعب. وليس للبعير مرارة. وليس للظليم مخّ. كذلك طير الماء وحيتان البحر ليس لها ألسن ولا أدمغة. وقد يكون حوت النهر ذا لسان ودماغ. وقالوا ان السموك كلها لا رئة لها كذلك ولا تتنفس. وقالت العرب من تجاربها أنّ الضأن تضع فى السنة مرّة وتفرد ولا تتيم. والماعز تضع فى السنة مرتين وتضع الواحدة والاثنتين والثلاثة. والعدد والنماء والبركة فى الضأن اكثر منها فى الماعز. وقالوا أيضا اذا رعت الضان نبتا وفصيلا نبت ولا ينبت ما يأكله الماعز لأن الضأن تقرضه بأسنانها والماعز تقلعه من أصله. وقالوا ان الماعز اذا حملت انزلت اللبن فى (١١٦ ب) اوّل الحمل الى الضرع والضائنية لا تنزل اللبن الا عند الولادة. وقالوا إن اصوات الذكور من كل جنس أجهر من اصوات الاناث الا المعزى فان اصوات اناثها اجهر من اصوات ذكورها. ومن امثال العرب فى الحيوان فهو لهم كل ثور افطس وكل بعير اعلم وكل ذى ناب افرج. وقالوا بالتجربة ان الاسد لا يأكل شيئا حامضا ولا يدنو من النار ولا يدنو من الحامض وقالوا ان حمل الكلب ستون يوما فان وضعت حملها لأقل من ذلك لم تكد اولادها تعيش. وقالوا ان اناث الكلاب يحضن

لسبعة اشهر. ثم ان الكلبة تحيض فى كل سبعة ايام. وعلامة حيضها ورم اثغارها (١) وقالوا فى الكلب انه لا يلقى من اسنانه شيئا الا الثامن. وقالوا في الذئب انه ينام باحدى عينيه ويحترس بالاخرى. ولذلك قال فيه حميد بن ثور

ينام باحدى مقلتيه ويتقى

باخرى المنايا فهو يقظان نائم

والأرنب تنام مفتوحة العينين. وقالوا ليس في الحيوان ما لسانه مقلوب الا الفيل. وليس في ذوات الاربع ما ثديه على صدره الا الفيل. وقالوا ان الفيل تضع لسبع سنين والحمار لسنة والبقرة في ذلك كالمرأة. وقالوا في قضيب الارنب والثعلب انه عظم. وقالوا كل ذى رجلين اذا انكسرت احداهما قام على الاخرى وعرج الّا الظليم (٢) فانه اذا انكسرت احدى رجليه جثم في مكانه. ولهذا قال الشاعر في نفسه واخيه

فانى واياه كرجلى نعامة

على ما بنا من ذى غنى وذى فقر

يريد انه لا غنى لأحدهما (٣) عن صاحبه. وقالوا في النعامة أنها تبيض من ثلاثين بيضة الى اربعين لكنها تخرج ثلاثين منها تحضن عليها كخيط ممدود على الاستواء. وربما تركت بيضها وحضنت بيض غيرها. ولهذا قال فيها ابن هرمة

كتاركة بيضها بالعراء وملبسة بيض اخرى (١١٧ ا) جناحا

__________________

(١) اسنانها

(٢) الظليم الذكر من النعام

(٣) الاصل باحداهما

وقالوا فى الفرج والفروج انهما يخلقان من البياض والصفرة غذاؤهما. وقالوا فى القطا انها لا تضع الّا فردا. وفى العقاب انها تضع ثلاث بيضات فتخرج بيضتين وتطرح واحدة فيخرجها الطير المعروف بكاسى العظام. ولهذا قيل فى المثل : أبر من كاسى العظام : وقالوا فى الضب انها تضع سبعين بيضة. ولكنها تأكل ما خرج من الحسولة عن البيض إلّا الحسل (١) الذي يعدو ويهرب منها. ولهذا قالوا فى المثل : أعقّ من ضب : والضب لا يرد الماء ولهذا قالوا فى المثل : اروى من ضب : وقالوا في الضب إنه ذو ذكرين (٢) وللأنثى من الضباب فرجان من قبل. وقالوا في الحية لها لسانان ولسانها اسود على اختلاف الوان قشرها والحيات كلها تكره ريح السذاب (٣) والبنفسج وتعجب بريح التفاح والبطيخ والجرو (٤) والخردل واللبن والخمر. وقالوا في الضفادع انها لا تصيح الّا وفي أفواهها الماء ولا تصيح في دجلة بحال وان صاحت في الفرات وسائر الانهار. وقال الشاعر في الضفدع يدخل في الاشداق ما ينضفه (٥) حتى ينق والنقيق يتلفه

يعنى ان نقيقها يدل عليها الحية فتصيدها فتأكلها (٦). وقالوا

__________________

(١) الحسل ولد الضب حين يخرج من بيضه

(٢) الاصل انه ذكرين

(٣) السذاب نبات

(٤) الجرو الصغير من القثاء والصغير من الحنظل والرمان

(٥) من نضفه اذا شرب جميع ما فيه

(٦) الاصل فتصيد فتأكله

ان الضفادع لا عظام لها وقالوا في الجعل (١) انه اذا دفن في الورد سكن كالميت فاذا اعيد الى الروث (٢) تحرك

فهذا وما جرى مجراه من خواص الحيوانات وغيرها قد عرفته العرب في جاهليتها بالتجارب من غير رجوع منها الى زعماء الباطنية. بل عرفوها قبل وجود الباطنية في الدنيا باحقاب كثيرة. وفي هذا بيان كذب الباطنية في دعواها أن زعماءها مخصصون بمعرفة أسرار الاشياء وخواصها وقد بينا خروجهم عن جميع فرق الاسلام بما فيه كفاية والحمد لله على ذلك

الباب الخامس (١١٧ ب)

(من ابواب هذا الكتاب)

فى بيان اوصاف الفرقة الناجية وتحقيق النجاة لها وبيان محاسنها

هذا باب يشتمل على فصول هذه ترجمتها. فصل فى بيان اصناف فرق السنة والجماعة. فصل فى بيان تحقيق النجاة لاهل السنة والجماعة. فصل فى بيان الاصول التي اجتمع عليها اهل السنة والجماعة. فصل فى بيان قول اهل السنة فى السلف الصالح

__________________

(١) الجعل ضرب من الخنافس تضر به ريح الورد

(٢) الروث زيل الفرس وكل ذي حافر

من الامة. فصل فى بيان عصمة الله اهل السنة عن تكفير بعضهم بعضها. فصل فى بيان فضائل اهل السنة وانواع علومهم وذكر أئمتهم. فصل فى بيان آثار اهل السنة في الدين والدنيا وذكر مفاخرهم فيهما. فهذه فصول هذا الباب وسنذكر في كل منها مقتضاه (١) بعون الله وتوفيقه

الفصل الاول

(من فصول هذا الباب)

في بيان اصناف اهل السنة والجماعة

اعلموا اسعدكم الله ان اهل السنة والجماعة ثمانية اصناف من الناس. صنف منهم احاطوا العلم بابواب التوحيد والنبوّة واحكام الوعد والوعيد والثواب والعقاب وشروط الاجتهاد والامامة والزعامة وسلكوا في هذا النوع من العلم طرق الصفاتية من المتكلمين الذين تبرّءوا من التشبيه والتعطيل ومن بدع الرافضة والخوارج والجهمية والنجّارية وسائر اهل الاهواء الضالة. والصنف الثانى منهم ائمة الفقه من فريقى الرأى والحديث من الذين اعتقدوا في اصول الدين مذاهب الصفاتية في الله وفي صفاته

__________________

(١) الاصل مقتضاها

الأزلية وتبرّءوا من القدر والاعتزال واثبتوا رؤية الله تعالى بالابصار من غير تشبيه ولا تعطيل واثبتوا الحشر من القبور مع اثبات السؤال في القبر ومع اثبات الحوض والصراط والشفاعة وغفران الذنوب التى دون الشرك. وقالوا بدوام نعيم الجنة (١١٨ ا) على أهلها ودوام عذاب النار على الكفرة. وقالوا بامة ابى بكر وعمر وعثمان وعليّ واحسنوا الثناء على السلف الصالح من الامة ورأوا وجوب الجمعة خلف الأئمة الذين تبرّءوا من أهل الاهواء الضالة ورأوا وجوب استنباط احكام الشريعة من القرآن والسنّة ومن إجماع الصحابة ورأوا جواز المسح على الخفين ووقوع الطلاق الثلاث ورأوا تحريم المتعة ورأوا وجوب طاعة السلطان فيما ليس بمعصية. ويدخل في هذه الجماعة اصحاب مالك والشافعى والأوزاعىّ والثورى وابى حنيفة وابن أبى ليلى واصحاب ابى ثور واصحاب احمد بن حنبل واهل الظاهر وسائر الفقهاء الذين اعتقدوا في الابواب العقلية اصول الصفاتية ولم يخلطوا فقهه بشيء من بدع اهل الاهواء الضالة. والصنف الثالث منهم هم الذين أحاطوا علما بطرق الاخبار والسنن المأثورة عن النبي عليه‌السلام وميزوا بين الصحيح والسقيم منها وعرفوا اسباب الجرح والتعديل ولم يخلطوا علمهم بذلك بشيء من بدع اهل الاهواء الضالة.

والصنف الرابع منهم قوم احاطوا علما باكثر ابواب الادب والنحو والتصريف وجروا على سمت (١) أئمة اللغة كالخليل وابى عمرو بن العلاء وسيبويه والفراء والاخفش والأصمعى والمازنى وأبى عبيد وسائر ائمة النحو من الكوفيين والبصريين الذين لم يخلطوا علمهم بذلك بشيء من بدع القدرية او الرافضة او الخوارج. ومن مال منهم الى شيء من الاهواء الضالة لم يكن من اهل السنة ولا كان قوله حجة فى اللغة والنحو. والصنف الخامس منهم هم الذين أحاطوا علما بوجوه قراءات القرآن وبوجوه تفسير آيات القرآن وتأويلها على وفق مذاهب اهل السنة دون تأويلات اهل الاهواء الضالة. والصنف السادس منهم الزهاد الصوفية (١١٨ ب) الذين ابصروا فأقصروا واختبروا فاعتبروا ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور وعلموا ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك مسئول عن الخير والشر ومحاسب على مثاقيل الذر فاعدّوا خير الاعتداد ليوم المعاد وجرى كلامهم فى طريقى العبارة والاشارة على سمت اهل الحديث دون من يشترى لهو الحديث لا يعملون (٢) الخير رياء ولا يتركونه حياء. دينهم التوحيد ونفى التشبيه ومذهبهم التفويض الى الله تعالى والتوكل عليه والتسليم لامره والقناعة

__________________

(١) الست الطريق

(٢) الاصل يعلمون

بما رزقوا والإعراض عن الاعتراض عليه (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم). (الحديد ٢١ والجمعة ٤) والصنف السابع منهم قوم مرابطون فى ثغور المسلمين فى وجوه الكفرة يجاهدون اعداء المسلمين ويحمون حمى المسلمين ويذبون عن حريمهم وديارهم ويظهرون فى ثغورهم مذاهب أهل السنة والجماعة. وهم الذين انزل الله تعالى فيهم قوله (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (العنكبوت ٦٩) زادهم الله تعالى توفيقا بفضله ومنّه. والصنف الثامن منهم عامة البلدان التى غلب فيها شعائر اهل السنة دون عامة البقاع التى ظهر فيها شعار اهل الاهواء الضالة. وانما اردنا بهذا الصنف من العامة عامة اعتقدوا تصويب علماء السنة والجماعة فى ابواب العدل والتوحيد والوعد والوعيد ورجعوا إليهم فى معالم دينهم وقلدوهم في فروع الحلال والحرام. ولم يعتقدوا شيئا من بدع اهل الاهواء الضالة. وهؤلاء هم الذين سمتهم الصوفية حشو الجنّة. فهؤلاء اصناف اهل السنة والجماعة. ومجموعهم اصحاب الدين القويم والصراط المستقيم. ثبّتهم الله تعالى بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة انه بالإجابة جدير وعليها قدير

الفصل الثاني

(من فصول هذا الباب (١١٩ ا))

فى بيان تحقيق النجاة لاهل السنّة والجماعة

قد ذكرنا فى الباب الاول من هذا الكتاب ان النبىّ عليه‌السلام لما ذكر افتراق امته بعدة ثلاثا وسبعين فرقة وأخبر ان فرقة واحدة منها ناجية سئل عن الفرقة الناجية وعن صفتها فأشار الى الذين هم على ما عليه هو واصحابه. ولسنا نجد اليوم من فرق الامة من هم على موافقة الصحابة رضى الله عنهم غير اهل فأشار الى الذين هم على ما عليه هو واصحابه. ولسنا نجد اليوم من فرق الامة من هم على موافقة الصحابة رضى الله عنهم غير اهل السنّة والجماعة من فقهاء الامة ومتكلميهم الصفاتية دون الرافضة والقدرية والخوارج والجهمية والنجارية والمشبهة والغلاة والحلولية. اما القدرية فكيف يكونون موافقين للصحابة وقد طعن زعيمهم النظّام فى اكثر الصحابة وأسقط عدالة ابن مسعود ونسبه الى الضلال من اجل روايته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ان السعيد من سعد فى بطن أمه والشقىّ من شقى فى بطن أمه) وروايته انشقاق القمر وما ذاك منه الّا لانكاره معجزات النبي عليه‌السلام. وطعن فى فتاوى عمر رضى الله عنه من اجل انه حدّ فى الخمر ثمانين ونفي نصر بن الحجاج الى البصرة حين خاف فتنته

نساء المدينة به. وما هذا منه الا لقلة غيرته على الحرم. وطعن فى فتاوى عليّ رضى الله عنه لقوله فى امهات الاولاد. ثم رأيت أنهنّ يبعن وقال. من هو حتى يحكم برأيه وثلب عثمان رضى الله عنه لقوله فى الخرقا بقسم المال بين الجدّ والام والاخت ثلاثا بالسوية. ونسب أبا هريرة الى الكذب من اجل ان الكثير من رواياته على خلاف مذاهب القدرية. وطعن فى فتاوى كل من افتى من الصحابة بالاجتهاد وقال ان ذلك منهم انما كان لأجل امرين. إما لجهلهم بان ذلك لا يحل لهم. وإما لانهم ارادوا ان يكونوا زعماء وارباب مذاهب تنسب إليهم. فنسب اخيار الصحابة الى الجهل او النفاق. والجاهل باحكام الدين عنده كافر والمتعمد للخلاف بلا حجة عنده منافق كافر او فاسق فاجر وكلاهما (١١٩ ب) من أهل النار على الخلود. فاوجب بزعمه على أعلام الصحابة الخلود فى النار التى هو بها أولى. ثم انه أبطل اجماع الصحابة ولم ير حجة وأجاز اجتماع الامة على الضلالة. فكيف يكون على سمت الصحابة مقتديا بهم من يرى مخالفة جميعهم واجبا اذا كان رأيه خلاف رأيهم. وكان زعيمهم واصل بن عطا الغزال يشك فى عدالة عليّ وابنيه وابن عباس وطلحة والزبير وعائشة وكل من شهد حرب الجمل من الفريقين. ولذلك قال لو شهد عندي عليّ وطلحة على

باقة بقل لم احكم بشهادتهما لعلمى بان أحدهما فاسق ولا أعرفه بعينه. فجائز على اصله أن يكون عليّ واتباعه فاسقين مخلدين فى النار. وجائز أن يكون الفريق الآخر الذين كانوا أصحاب الجمل فى النار خالدين فشك فى عدالة عليّ وطلحة والزبير مع شهادة النبي عليه‌السلام لهؤلاء الثلاثة بالجنّة ومع دخولهم فى بيعة الرضوان وفى جملة الذين قال الله تعالى فيهم (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (الفتح ١٨) وكان عمرو بن عبيد يقول بقول واصل فى فريقي الجمل وزاد عليه القول بالقطع على فسق كل فرقة من الفرقتين. وذلك ان واصلا إنما قطع بفسق أحد الفريقين ولم يحكم بشهادة رجلين أحدهما من أصحاب عليّ والآخر من اصحاب الجمل وقبل شهادة رجلين من أصحاب عليّ وشهادة رجلين من أصحاب الجمل. وقال عمرو بن عبيد لا أقبل شهادة الجماعة منهم سواء كانوا من أحد الفريقين وكان بعضهم من حزب عليّ وبعضهم من حزب الجمل فاعتقد فسق الفريقين جميعا. وواجب على أصله ان يكون عليّ وابناه وابن عباس وعمار وأبو أيوب الانصارى وخزيمة بن ثابت الانصارى الّذي جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شهادته بمنزلة شهادة رجلين عدلين وسائر أصحاب عليّ مع طلحة والزبير وعائشة

وسائر اصحاب الجمل فاسقين مخلدين (١٢٠ ا) فى النار وفيهم من الصحابة ألوف. وقد كان مع على خمسة وعشرون بدريا واكثر اصحاب أحد وستمائة من الانصار وجماعة من المهاجرين الاوّلين. وقد كان أبو الهذيل والجاحظ واكثر القدرية فى هذا الباب على رأى واصل بن عطا فيهم. فكيف يكون مقتديا بالصحابة من يفسّق اكثرهم ويراهم من أهل النار : ومن لا يرى شهادتهم مقبولة كيف يقبل روايتهم؟ ومن ردّ رواياتهم وردّ شهاداتهم خرج عن سمتهم ومتابعتهم. وانما يقتدى بهم من يعمل برواياتهم ويقبل شهاداتهم كدأب اهل السنة والجماعة فى ذلك. واما الخوارج فقد اكفروا عليا وابنيه وابن عباس وأبا أيوب الانصارىّ. واكفروا أيضا عثمان وعائشة وطلحة والزبير واكفروا كل من لم يفارق عليا ومعاوية بعد التحكيم. واكفروا كل ذي ذنب من الامة. ولا يكون على سمت الصحابة من يقول بتكفير اكثرها. واما الغلاة من الروافض كالسبابية والبيانية والمغيرية والمنصورية والجناحية والخطّابية وسائر الحلولية فقد بيّنا خروجهم عن فرق الاسلام وبيّنا أنهم فى عداد عبدة الاصنام أو فى عداد الحلولية من النصارى. وليس لعبدة الاصنام ولا للنصارى وسائر الكفرة

بالصحابة اسوة ولا قدوة. واما الزيدية منهم. فالجارودية منهم يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان واكثر الصحابة. ولا يقتدى بهم من يكفر اكثرهم. والسليمانية والبشرية من الزيدية يكفّرون عثمان أو يوقفون فيه ويفسّقون ناصريه ويكفّرون اكثر اصحاب الجمل. واما الامامية منهم فقد زعم اكثرهم أن الصحابة ارتدت بعد النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سوى عليّ وابنيه ومقدار ثلاثة عشر منهم وزعمت (١٢٠ ب) الكاملية منهم أن عليا أيضا ارتدّ وكفر بتركه قتالهم. فكيف يكون على سمت الصحابة من يقول بتكفيرهم؟ ثم نقول كيف يكون الرافضة والخوارج والقدرية والجهمية والنجارية والبكرية والضرارية موافقين للصحابة؟ وهم بأجمعهم لا يقبلون شيئا مما روى عن الصحابة فى أحكام الشريعة لامتناعهم من قبول روايات الحديث والسير والمغازى من اجل تكفيرهم لأصحاب الحديث الذين هم نقلة الاخبار والآثار ورواة التواريخ والسير. ومن اجل تكفيرهم فقهاء الامة الذين ضبطوا آثار الصحابة وقاسوا فروعهم على فتاوى الصحابة. ولم يكن بحمد الله ومنّه فى الخوارج ولا فى الروافض ولا فى الجهمية ولا فى القدرية ولا فى المجسّمة ولا فى سائر اهل الاهواء الضالة قط إمام فى الفقه. ولا إمام فى رواية الحديث. ولا إمام

فى اللغة والنحو. ولا موثوق به فى نقل المغازى والسير والتواريخ. ولا إمام في الوعظ والتذكير. ولا إمام فى التأويل والتفسير. وانما كان أئمة هذه العلوم على الخصوص والعموم من اهل السنة والجماعة. واهل الاهواء الضالة اذا ردّوا الروايات الواردة عن الصحابة فى احكامهم وسيرهم لم يصح اقتداؤهم بهم متى لم يشاهدوهم ولم يقبلوا رواية اهل الرواية عنهم. وبان من هذا أن المقتدين بالصحابة من يعمل بما قد صح بالرواية الصحيحة في احكامهم وسيرهم. وذلك سنّة اهل السنة دون ذوى السنة. وصح بصحة ما ذكرناه تحقيق نجاتهم كحكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنجاة المقتدين باصحابه. والحمد لله على ذلك

الفصل الثالث

(من فصول هذا الباب)

في بيان الاصول (١٢١ ا) التى اجتمع عليها اهل السنة

قد اتفق جمهور اهل السنة والجماعة على اصول من اركان الدين كل ركن منها يجب على كل عاقل بالغ معرفة حقيقته. ولكل ركن منها شعب وفي شعبها مسائل اتفق اهل السنة فيها على قول واحد وضللوا من خالفهم فيها. واوّل الاركان التى رأوها من

اصول الدين اثبات الحقائق والعلوم على الخصوص والعموم. والركن الثانى هو العلم بحدوث العالم في اقسامه من اعراضه واجسامه. والركن الثالث فى معرفة صانع العالم وصفات ذاته. والركن الرابع في معرفة صفاته الازلية. والركن الخامس في معرفة اسمائه واوصافه. والركن السادس في معرفة عدله وحكمته. والركن السابع في معرفة رسله وانبيائه. والركن الثامن في معرفة معجزات الأنبياء وكرامات الاولياء. والركن التاسع في معرفة ما أجمعت الامة عليه من اركان شريعة الاسلام. والركن العاشر في معرفة احكام الامر والنهى والتكليف. والركن الحادى عشر في معرفة الخلافة والامامة وشروط الزعامة. والركن الثالث عشر (كذا) في احكام الايمان والاسلام في الجملة. والركن الرابع عشر في معرفة احكام الاولياء ومراتب الأئمة الاتقياء. والركن الخامس عشر في معرفة احكام الاعداء من الكفرة واهل الاهواء

فهذه اصول اتفق أهل السنّة على قواعدها وضللوا من خالفهم فيها. وفى كل ركن منها مسائل اصول ومسائل فروع وهم يجمعون على اصولها وربما اختلفوا فى بعض فروعها اختلافا لا يوجب تضليلا ولا تفسيقا

فأما الركن الاول فى اثبات الحقائق والعلوم فقد اجمعوا

على اثبات العلوم معانى قائمة بالعلماء وقالوا بتضليل نفاة العلم وسائر الاعراض وبتجهيل السوفسطائية الذين (١٢١ ب) ينفون العلم وينفون حقائق الاشياء كلها وعدوهم معاندين لما قد علموه بالضرورة وكذلك السوفسطائية الذين شكوا فى وجود الحقائق. وكذلك الذين قالوا منهم بان حقائق الاشياء تابعة للاعتقاد وصححوا جميع الاعتقادات مع تضادها وتنافيها. وهذه الفرق الثلاث كلها كفرة معاندة لموجبات العقول الضرورية. وقال أهل السنّة ان علوم الناس وعلوم سائر الحيوانات ثلاثة أنواع. علم بديهى. وعلم حسىّ. وعلم استدلالىّ. وقالوا من جحد العلوم البديهية او العلوم الحسية الواقعة من جهة الحواس الخمس فهو معاند. ومن انكر العلوم النظرية الواقعة عن النظر والاستدلال نظر فيه. فان كان من السمنية المنكرة للنظر في العلوم العقلية فهو كافر ملحد وحكمه حكم الدهرية لقوله معهم بقدم العالم وانكار الصانع مع زيادته عليهم القول بابطال الاديان كلها. وان كان ممن يقول بالنظر في العقليات وينكر القياس في فروع الاحكام الشرعية كأهل الظاهر لم يكفر بانكار القياس الشرعى. وقالوا بان الحواس التي يدرك بها المحسوسات خمس وهى حاسة البصر لادراك المرئيات. وحاسة السمع لادراك المسموعات. وحاسة

الذوق لادراك الطعوم. وحاسة الشم لادراك الروائح. وحاسة اللمس لادراك الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واللين والخشونة بها. وقالوا ان الادراكات الواقعة من جهة هذه الحواس معانى قائمة بالآلات التى تسمى حواس وضللوا أبا هاشم بن الجبائي في قوله ان الادراك ليس بمعنى ولا عرض ولا شيء سوى المدرك وقالوا ان الخبر المتواتر طريق العلم الضرورى بصحة ما تواتر عنه الخبر اذا كان (١٢٢ ا) المخبر عنه مما يشاهد ويدرك بالحس والضرورة كالعلم بصحة وجود ما تواتر الخبر فيه من البلدان التى لم يدخلها السامع المخبر عنها وكعلمنا بوجود الأنبياء والملوك الذين كانوا قبلنا. فاما صحة دعاوى الأنبياء في النبوّة فمعلوم لنا بالحجج النظرية. واكفروا من انكر من السمنية وقوع العلم من جهة التواتر. وقالوا ان الاخبار التى يلزمنا العمل بها ثلاثة انواع تواتر وآحاد ومتوسط بينهما مستفيض. فالخبر المتواتر الّذي يستحيل التواطؤ على وضعه يوجب العلم الضروري بصحة مخبره وبهذا النوع من الاخبار علمنا البلدان التى لم ندخلها وبها عرفنا الملوك والأنبياء والقرون الذين كانوا قبلنا. وبه يعرف الانسان والديه اللذين هو منسوب إليهما. وأما اخبار الآحاد فمتى صح اسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة

موجبة للعمل بها دون العلم وكانت بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم فى انه يلزمه الحكم بها فى الظاهر وان لم يعلم صدقهم فى الشهادة. وبهذا النوع من الخبر اثبت الفقهاء اكثر فروع الاحكام الشرعية فى العبادات والمعاملات وسائر ابواب الحلال والحرام وضللوا من اسقط وجوب العمل باخبار الآحاد فى الجملة من الرافضة والخوارج وسائر اهل الاهواء. واما الخبر المستفيض المتوسط بين التواتر والآحاد فانه يشارك التواتر فى ايجابه للعلم والعمل ويفارقه من حيث ان العلم الواقع عنه يكون علما مكتسبا نظريا والعلم الواقع عن التواتر يكون ضروريا غير مكتسب وهذا النوع من الخبر على اقسام منها اخبار الأنبياء فى انفسهم وكذلك خبر من أخبر النبي عن صدقه يكون العلم لصدقه مكتسبا. ومنها الخبر المنتشر من بعض الناس اذا اخبر به بحضرة قوم لا يصح منهم التواطؤ على الكذب وادعى عليهم وقوع ما اخبر عنه (١٢٢ ب) بحضرتهم. فاذا لم ينكر عليه احد منهم علمنا صدقه فيه. وبهذا النوع من الاخبار علمنا معجزة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى انشقاق القمر وتسبيح الحصا فى يده وحنين الجذع إليه لما فارقه واشباعه الخلق الكثير من الطعام اليسير ونحو ذلك من معجزاته غير القرآن المعجز نظمه فان ثبوت القرآن وظهوره عليه وعجز

العرب والعجم عن المعارضة مثله معلوم بالتواتر الموجب للعلم الضرورى. ومنها أخبار مستفيضة بين ائمة الحديث والفقه وهم مجمعون على صحتها كالاخبار في الشفاعة والحساب والحوض والصراط والميزان وعذاب القبر وسؤال الملكين فى القبر. وكذلك الأخبار المستفيضة فى كثير من أحكام الفقه كنصب الزكاة واخبار الهواء وحد الخمر فى الجملة والاخبار فى المسح على الخفين وفى الرجم وما أشبه ذلك مما اجمع الفقهاء على قبول الاخبار فيها وعلى العمل بمضمونها وضللوا من خالف فيها من أهل الاهواء كتضليل الخوارج في انكارها الرجم. وتضليل من انكر من النجدات حدّ الخمر. وتضليل من انكر المسح على الخفين. وتكفير من أنكر الرؤية والحوض والشفاعة وعذاب القبر. وكذلك ضللوا الخوارج الذين قطعوا يد السارق في القليل والكثير من الحرز وغير الحرز كردّهم الاخبار الصحاح في اعتبار النصاب والحرز في القطع. وكما ضللوا من ردّ الخبر المستفيض ضللوا من ثبت على حكم خبر اتفق الفقهاء من فريقي الرأى والحديث على نسخه كتضليل الرافضة في المتعة التى قد نسخت إباحتها واتفق أهل السنة على أن الله تعالى كلّف العباد معرفته وأمرهم بها وأنه أمرهم بمعرفة رسوله وكتابه والعمل بما يدل عليه الكتاب والسنة.

وأكفروا من زعم من القدرية والرافضة أن الله تعالى ما كلف أحدا معرفته كما ذهب إليه ثمامة (١٢٣ ا) والجاحظ وطائفة من الرافضة. واتفقوا على أن كل علم كسبىّ نظرىّ يجوز أن يجعلنا الله تعالى مضطرين الى العلم بمعلومه. واكفروا من زعم من المعتزلة أن المعرفة بالله عزوجل فى الآخرة مكتسبة من غير اضطرار الى معرفته. واتفقوا على أن اصول احكام الشريعة القرآن والسنة وإجماع السلف. واكفروا من زعم من الرافضة أن لا حجة اليوم في القرآن والسنة لدعواه فيها أن الصحابة غيروا بعض القرآن وحرفوا بعضه. واكفروا الخوارج الذين ردّوا جميع السنن التى رواها نقلة الاخبار لقولهم بتكفير ناقليها. واكفروا النظام في انكاره حجة الاجماع وحجة التواتر وقوله بجواز اجتماع الامة على الضلالة وجواز تواطؤ أهل التواتر على وضع الكذب. فهذا بيان ما اتفق عليه أهل السنة من مسائل الركن الأول

واما الركن الثانى وهو الكلام فى حدوث العالم فقد أجمعوا على ان العالم كل شيء هو غير الله عزوجل. وعلى ان كل ما هو غير الله تعالى وغير صفاته الازلية مخلوق مصنوع. وعلى أن صانعه ليس بمخلوق ولا مصنوع ولا هو من جنس العالم ولا من جنس شيء من اجزاء العالم. واجمعوا على ان اجزاء العالم قسمان

جواهر واعراض خلاف قول نفاة الاعراض فى نفيها الاعراض. وأجمعوا على ان كل جوهر جزء لا يتجزأ. واكفروا النظام والفلاسفة الذين قالوا بانقسام كل جزء الى أجزاء بلا نهاية لان هذا يقتضي الا تكون اجزاؤها محصورة عند الله تعالى وفي هذا رد قوله (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (الجنّ ٢٨) وقالوا باثبات الملائكة والجنّ والشياطين في اجناس حيوانات العالم. واكفروا من أنكرهم من الفلاسفة والباطنية. وقالوا بتجانس الجواهر والاجسام. وقالوا إن اختلافها في الصور والالوان والطعوم والروائح انما هو لاختلاف الاعراض القائمة بها. وضللوا من قال باختلاف الاجسام لاختلاف الطبائع. وضللوا أيضا من قال من الفلاسفة بخمس طبائع وزعم ان الفلك طبيعة (١٢٣ ب) خامسة لا تقبل الكون والفساد كما ذهب إليه أرسطاطاليس. وضللوا من قال من الثنوية إن الاجسام نوعان نور وظلمة. وان الخير من النور والشر من الظلمة. وان فاعل الخير والصدق لا يفعل الشر والكذب. وفاعل الشر والكذب لا يفعل الخير والصدق. وسألناهم عن رجل قال. أنا شرير وظلمة من القائل لهذا القول. فان قالوا هو النور فقد كذب وان قالوا هو الظلمة فقد صدق. وفي هذا بطلان قولهم ان النور لا يكذب والظلام لا يصدق.

وهذا الزام لهم على اصولهم. فاما نحن فانا لا نثبت النور والظلمة فاعلين قديمين. بل نقول انهما مخلوقان لا فعل لهما. واتفق أهل السنة على اختلاف اجناس الاعراض واكفروا النظام في قوله إن الاعراض كلها جنس واحد وانها كلها حركات لان هذا يوجب عليه ان يكون الايمان من جنس الكفر والعلم من جنس الجهل والقول من جنس السكوت. وان يكون فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جنس فعل الشيطان الرجيم. وينبغى له على هذا الاصل ألّا يغضب على من لعنه وشتمه لان قول القائل. لعن الله النظّام عنده من جنس قوله رحمه‌الله. واتفقوا على حدوث الاعراض فى الاجسام. واكفروا من زعم من الدهرية انها كامنة في الاجسام وانما يظهر بعضها عند كمون ضده في محله. واتفقوا على ان كل عرض حادث في محل وان العرض لا يقوم بنفسه. واكفروا من قال من المعتزلة البصرية بحدوث إرادة الله سبحانه لا في محل. وبحدوث فناء الاجسام لا في محل. واكفروا أبا الهذيل في قوله. ان قول الله عزوجل للشىء : كن : عرض حادث لا في محل. واتفقوا على أن الاجسام لا تخلو ولم تخل قط من الاعراض المتعاقبة عليها واكفروا من قال من أصحاب الهيولى ان الهيولى كانت في الازل

خالية من الاعراض ثم حدثت فيها الاعراض حتى صارت على صورة العالم. وهذا القول غاية في الاستحالة لان حلول العرض (١٢٤ ا) فى الجوهر يغير صفته ولا يزيد فى عدده. فلو كان هيولى العالم جوهرا واحدا لم يصر جواهر كثيرة بحلول الاعراض فيها. وأجمعوا على وقوف الارض وسكونها. وان حركتها انما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها خلاف قول من زعم من الدهرية أن الارض تهوى أبدا ولو كانت كذلك لوجب ألّا يلحق الحجر الّذي نلقيه من ايدينا الارض أبدا. لان الخفيف لا يلحق ما هو أثقل منه فى انحداره. وأجمعوا على أن الارض متناهية الأطراف من الجهات كلها. وكذلك السماء متناهية الاقطار من الجهات الست خلاف قول من زعم من الدهرية انه لا نهاية للارض من اسفل ولا عن اليمين واليسار ولا من خلف ولا من امام وانما نهايتها من الجهة التى تلاقى الهواء من فوقها. وزعموا ان السماء أيضا متناهية من تحتها ولا نهاية لها من خمس جهات سوى جهة السفل. وبطلان قولهم ظاهر من جهة عود الشمس الى مشرقها كل يوم وقطعها جرم السماء وما فوق الارض فى يوم وليلة. ولا يصح قطع ما لا نهاية لها من المسافة فى الامكنة فى زمان متناه. وأجمعوا على ان السماوات سبع سماوات طباق خلاف قول

من زعم من الفلاسفة والمنجمين انها تسع. واجمعوا انها ليست بكريّة تدور حول الارض خلاف قول من زعم انها كرات بعضها فى جوف بعض وان الارض فى وسطها كمركز الكرة فى جوفها ومن قال بهذا لم يثبت فوق السماوات عرشا ولا ملائكة ولا شيئا مما يثبته الموجودون فوق السماوات : وأجمعوا أيضا على جواز الفناء على العالم كله من طريق القدر والامكان. وانما قالوا بتأييد الجنّة ونعيمها وتأييد جهنم وعذابها من طريق الشرع. واجازوا أيضا فناء بعض الاجسام دون بعض. واكفروا أبا الهذيل بقوله بانقطاع نعيم الجنة وعذاب النار. واكفروا من قال من الجهمية بفناء الجنة والنار. واكفروا الجبائي وابنه ابى هاشم في قولهما ان الله لا يقدر على افناء بعض الاجسام مع ابقاء بعضها. وانما يقدر على افناء جميعها بفناء يخلقه لا في محل

وقالوا في الركن الثالث (١٢٤ ب) وهو الكلام فى صانع العالم وصفاته الذاتية التى استحقها لذاته. ان الحوادث كلها لا بد لها من محدث صانع. واكفروا ثمامة واتباعه من القدرية في قولهم ان الافعال المتولدة لا فاعل لها. وقالوا ان صانع العالم خالق الاجسام والاعراض. واكفروا معمرا واتباعه من القدرية في قولهم ان الله تعالى لم يخلق شيئا من الاعراض. وانما خلق

الاجسام. وان الاجسام هى الخالقة للاعراض في أنفسها. وقالوا ان الحوادث قبل حدوثها لم تكن أشياء ولا اعيانا ولا جواهر ولا اعراضا خلاف قول القدرية في دعواها ان المعدومات في حال عدمها اشياء. وقد زعم البصريون منهم ان الجواهر والاعراض كانت قبل حدوثها جواهر وأعراضا. وقول هؤلاء يؤدى الى القول بقدم العالم. والقول الّذي يؤدى الى الكفر كفر في نفسه وقالوا ان صانع العالم قديم لم يزل موجودا خلاف قول المجوس في قولهم بصانعين. احدهما شيطان محدث. وخلاف قول الغلاة من الروافض الذين قالوا في عليّ جوهر مخلوق محدث بانه صار إلها صانعا بحلول روح الإله فيه تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. وقالوا بنفى النهاية والحدّ عن صانع العالم خلاف قول هشام بن الحكم الرافضى في دعواه ان معبوده سبعة اشبار بشبر نفسه. وخلاف قول من زعم من الكرامية انه ذو نهاية من الجهة التى تلاقى منها العرش ولا نهاية له من خمس جهات سواها. واجمعوا على احالة وصفه بالصورة والاعضاء خلاف قول من زعم من غلاة الروافض ومن اتباع داود الحوارى أنه على صورة الانسان وقد زعم هشام بن سالم الجواليقى واتباعه من الرافضة ان معبودهم (١٢٥ ا) على صورة الانسان وعلى رأسه وفرة سوداء وهو نور

اسود. وان نصفه الاعلى مجوّف ونصفه الاسفل مصمت وخلاف قول المغيرية من الرافضة في دعواهم أن اعضاء معبودهم على صورة حروف الهجاء. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. واجمعوا على انه لا يحويه مكان ولا يجرى عليه زمان خلاف قول من زعم من الهشامية والكرامية انه مماسّ لعرشه. وقد قال امير المؤمنين على رضى الله عنه. ان الله تعالى خلق العرش اظهارا لقدرته لا مكانا لذاته. وقال أيضا. قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان. واجمعوا على نفى الآفات والغموم والآلام واللذات عنه. وعلى نفى الحركة والسكون عنه خلاف قول الهشامية من الرافضة في قولها بجواز الحركة عليه وفي دعواهم ان مكانه حدوث من حركته. وخلاف قول من اجاز عليه التعب والراحة والغم والسرور والملالة كما حكى عن ابى شعيب الناسك. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. واجمعوا على ان الله تعالى غنىّ عن خلقه لا يجتلب بخلقه الى نفسه نفعا ولا يدفع بهم عن نفسه ضررا. وهذا خلاف قول المجوس في دعواهم ان الله انما خلق الملائكة ليدفع بهم عن نفسه أذى الشيطان وأذى اعوانه. واجمعوا على ان صانع العالم واحد. خلاف قول الثنوية بصانعين قديمين. أحدهما نور. والآخر ظلمة. وخلاف قول المجوس بصانعين. احدهما إله قديم

اسمه عندهم يزدان. والآخر شيطان رجيم اسمه أهرمن. وخلاف قول المفوّضة من غلاة الروافض فى أن الله تعالى فوّض تدبير العالم الى عليّ فهو الخالق الثانى. وخلاف قول الحائطية من القدرية اتباع احمد بن حائط فى قولهم. إن الله تعالى فوّض تدبير العالم الى عيسى بن مريم وانه هو الخالق الثانى (١٢٥ ب) وقد استقصينا وجوه دلائل الموحدين على توحيد الصانع فى كتاب الملل والنحل

وقالوا في الركن الرابع وهو الكلام في الصفات القائمة بالله عزوجل أنّ علم الله تعالى وقدرته وحياته وإرادته وسمعه وبصره وكلامه صفات له أزلية ونعوت له أبدية. وقد نفت المعتزلة عنه جميع الصفات الأزلية. وقالوا ليس له قدرة ولا علم ولا حياة ولا رؤية ولا ادراك للمسموعات. واثبتوا له كلاما محدثا. ونفى البغداديون عنه الإرادة .. وأثبت البصريون منهم له إرادة حادثة لا في محل. وقلنا لهم في نفى الصفة نفى الموصوف. كما أن في نفى الفعل نفى الفاعل. وفي نفى الكلام نفى المتكلم. واجمع اهل السنة على ان قدرة الله تعالى على المقدورات كلها قدرة واحدة يقدر بها على جميع المقدورات على طريق الاختراع دون الاكتساب خلاف قول الكرامية فى دعواها أن الله تعالى انما يقدر بقدرته

على الحوادث التي تحدث فى ذاته. فاما الحوادث الموجودة فى العالم فانما خلقها الله تعالى باقواله لا بقدرته. وخلاف قول البصريين من القدرية فى دعواها ان الله سبحانه لا يقدر على مقدورات عباده ولا على مقدورات سائر الحيوانات. وأجمع اهل السنة على ان مقدورات الله تعالى لا تفنى. خلاف قول أبى الهذيل واتباعه من القدر فى دعواه ان قدرة الله تعالى تنتهى الى حال تفنى بمقدوراته فيها. ولا يقدر بعدها على شيء ولا يملك حينئذ لاحد على ضر ولا نفع. وزعم ان أهل الجنة وأهل النار فى تلك الحال يبقون جمودا فى سكون ذاتهم. تعالى الله عن قولهم علوّا كبيرا. وقد زعم الاسوارىّ واتباعه من المعتزلة أن الله تعالى إنما يقدر على أن يفعل ما قد علم انه (١٢٦ ا) يفعل. فاما ما علم أنه لا يفعله أو اخبر عن نفسه بانه لا يفعله فانه لا يقدر على فعله. تعالى الله عن قوله علوّا كبيرا. واجمع اهل السنة على أن علم الله تعالى واحد يعلم به جميع المعلومات على تفصيلها من غير حس ولا بديهة ولا استدلال عليه. وزعم معمر واتباعه من القدرية أن الله تعالى لا يقال انه عالم بنفسه. ومن العجائب عالم بغيره ولا يكون عالما بنفسه. وزعم قوم من الرافضة ان الله تعالى لا يعلم الشيء قبل كونه. وزعم زرارة بن أعين واتباعه من الرافضة أن علم الله

تعالى وقدرته وحياته وسائر صفاته حوادث وانه لم يكن حيا ولا قادرا ولا عالما حتى خلق لنفسه حياة وقدرة وعلما وإرادة وسمعا وبصرا وأجمعوا على ان سمعه وبصره محيطان بجميع المسموعات والمرئيات وان الله تعالى لم يزل رائيا لنفسه وسامعا لكلام نفسه. وهذا خلاف قول القدرية البغدادية فى دعواهم ان الله تعالى ليس براء ولا سامع على الحقيقة. وانما يقال يرى ويسمع على معنى انه يعلم المرئى والمسموع. وخلاف قول المعتزلة فى دعواها ان الله تعالى يرى غيره ولا يرى نفسه. وخلاف قول الجبائي فى فرقه بين السميع والسامع وبين البصير والمبصر حتى قال انه كان فى الأزل سميعا بصيرا. ولم يكن فى الازل سامعا ولا مبصرا. وهذا الفرق يمكن عكسه عليه فلا يجد من لزوم عكسه انفصالا. وأجمع اهل السنّة على أن الله تعالى يكون مرئيا للمؤمنين في الآخرة. وقالوا بجواز رؤيته في كل حال ولكل حىّ من طريق العقل. ووجوب رؤيته للمؤمنين خاصة في الآخرة من طريق الخبر. وهذا خلاف قول من أحال رؤيته من القدرية والجهمية. وخلاف قول من زعم أنه يرى في الآخرة بحاسة سادسة. كما ذهب إليه ضرار بن (١٢٦ ب) عمرو. وخلاف قول من زعم ان الكفرة أيضا يرونه. كما قاله ابن سالم البصرى. وقد استقصينا مسائل الرؤية فى كتاب مفرد.

واجمع اهل السنة على ان إرادة الله تعالى مشيئته واختياره وعلى ان ارادته للشىء كراهة لعدمه. كما قالوا ان امره بالشيء نهى عن تركه. وقالوا أيضا. ان ارادته نافذة فى جميع مراداته على حسب علمه بها. فما علم كونه منها اراد كونه في الوقت الّذي علم انه يكون فيه. وما علم انه لا يكون اراد ألا يكون. وقالوا إنه لا يحدث في العالم شيء الا بإرادته ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وزعمت القدرية البصرية. ان الله تعالى قد شاء ما لم يكن. وقد كان ما لم يشأ. وهذا القول يؤدى الى ان يكون مقهورا مكرها على حدوث ما كره حدوثه. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. واجمع أهل السنة على ان حياة الإله سبحانه بلا روح ولا اغتذاء وأنّ الارواح كلها مخلوقة خلاف قول النصارى في دعواها قدم أب وابن وروح. وأجمعوا على أن الحياة شرط في العلم والقدرة والإرادة والرؤية والسمع وان من ليس بحىّ لا يصح ان يكون عالما قادرا مريدا سامعا مبصرا. خلاف قول الصالحيّ واتباعه من القدرية في دعواهم جواز وجود العلم والقدرة والرؤية والإرادة في الميت. وأجمعوا على أن كلام الله عزوجل صفة له أزلية وانه غير مخلوق ولا محدث ولا حادث خلاف قول القدرية في دعواهم ان الله تعالى خلق كلامه في جسم من الاجسام وخلاف قول الكرامية في

دعواهم ان أقواله حادثة في ذاته خلاف قول أبى الهذيل. ان قوله للشىء كن لا في محل وسائر كلامه محدث في اجسام. وقلنا لا يجوز حدوث كلامه فيه. لانه ليس بمحل للحوادث ولا في غيره لانه يوجب ان يكون غيره به (١٢٧ ا) متكلما آمرا ناهيا. ولا في غير محل لان الصفة لا تقوم بنفسها فبطل حدوث كلامه وصح ان صفته له ازلية

وقالوا في الركن الخامس وهو الكلام في اسماء الله تعالى وأوصافه ان مأخذ اسماء الله تعالى التوقيف عليها إما بالقرآن. واما بالسنة الصحيحة. واما باجماع الامة عليه. ولا يجوز اطلاق اسم عليه من طريق القياس. وهذا خلاف قول المعتزلة البصرية في اجازتها اطلاق الاسماء عليه بالقياس. وقد افرط الجبائي في هذا الباب حتى سمّى الله مطيعا لعبده اذا اعطاه مراده وسماه محبّلا للنساء اذا خلق فيهنّ الحبل وضللته الامة في هذه الجسارة التى تورثه الخسارة. فقال اهل السنة قد جاءت السنة الصحيحة بان لله تعالى تسعة وتسعين اسما وان من أحصاها دخل الجنة. ولم يرد باحصائها ذكر عددها والعبارة عنها. فان الكافر قد يذكرها حاكيا لها ولا يكون من اهل الجنّة. وانما اراد باحصائها العلم بها واعتقاد معانيها من قولهم فلان ذو حصاة وأصاة (كذا)

اذا كان ذا علم وعقل. وقالوا ان اسماء الله تعالى على ثلاثة اقسام. قسم منها يدل على ذاته كالواحد والغنىّ والاوّل والآخر والجليل والجميل وسائر ما استحقه من الاوصاف لنفسه. وقسم منها يفيد صفاته الأزلية القائمة بذاته كالحىّ والقادر والعالم والمريد والسميع والبصير وسائر الاوصاف المشتقة من صفاته القائمة بذاته. وهذا القسم من اسمائه مع القسم الّذي قبله لم يزل الله تعالى بهما موصوفا. وكلاهما من اوصافه الأزلية. وقسم منها مشتق من افعاله كالخالق والرازق والعادل ونحو ذلك. وكل اسم اشتق من فعله لم يكن موصوفا به قبل وجود أفعاله. وقد يكون من اسمائه ما يحتمل معنيين. أحدهما صفة أزلية. والآخر فعل له كالحكيم إن أخذناه من الحكمة التى هى العلم كان من أسمائه الازلية. وان أخذناه من احكام افعاله واتقانها كان مشتقا (١٢٧ ب) من فعله ولم يكن من أوصافه الازلية

وقالوا في الركن السادس وهو الكلام في عدل الاله سبحانه وحكمته. ان الله سبحانه خالق الاجسام والاعراض خيرها وشرها. وانه خالق اكساب العباد ولا خالق غير الله خلاف قول من زعم من القدرية أن الله تعالى لم يخلق شيئا من اكساب العباد وخلاف قول الجهمية ان العباد غير مكتسبين ولا قادرين

على اكسابهم. فمن زعم ان العباد خالقون لاكسابهم فهو قدرىّ مشرك بربه لدعواه ان العباد يخلقون مثل خلق الله من الاعراض التى هى الحركات والسكون فى العلوم والارادات والاقوال والاصوات. وقد قال الله عزوجل فى ذم اصحاب هذا القول (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد ١٨) ومن زعم أن العبد لا استطاعة له على الكسب وليس هو معامل ولا مكتسب فهو جبرىّ والعدل خارج عن الخبر والقدر. ومن قال أن العبد مكتسب لعمله والله سبحانه خالق لكسبه فهو سنىّ عدلىّ منزه عن الجبر والقدر. وأجمع اهل السنة على ابطال قول أصحاب التولد فى دعواهم ان الانسان قد يفعل فى نفسه شيئا يتولد منه فعل فى غيره خلاف قول اكثر القدرية بان الانسان قد يفعل فى غيره افعالا تتولد عن اسباب يفعلها فى نفسه. وخلاف قول من زعم من القدرية ان المتولدات افعال لا فاعل لها كما ذهب إليه ثمامة. وأجمعوا على ان الانسان يصح منه اكتساب الحركة والسكون والإرادة والقول والعلم والفكر وما يجرى مجرى هذه الاعراض التى ذكرناها. وعلى انه لا يصح منه اكتساب الالوان والطعوم والروائح والادراكات خلاف قول بشر بن المعتمر واتباعه

من (١٢٨ ا) المعتزلة في دعواهم ان الانسان قد يفعل الالوان والطعوم والروائح على سبيل التولد. وزعموا أيضا انه يصح منه فعل الرؤية في العين وفعل ادراك المسموع فى محل السمع. وأفحش من هذا قول معمر القدريّ بان الله تعالى لم يخلق شيئا من الاعراض وان الاعراض كلها من افعال الاجسام وكفاه بهذه الضلالة خزيا. وقال اهل السنة ان الهداية من الله تعالى على وجهين. احدهما من جهة ابانة الحق والدعاء إليه ونصب الادلة عليه وعلى هذا الوجه يصح اضافة الهداية الى الرسل والى كل داع الى دين الله عزوجل لانهم يرشدون اهل التكليف الى الله تعالى. وهذا تأويل قول الله عزوجل في رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى ٥٢) اى تدعو إليه. والوجه الثانى من هداية الله سبحانه لعباده خلق الاهتداء في قلوبهم كما ذكره في قوله (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (الانعام ١٢٦) وهذا النوع من الهداية لا يقدر عليه الّا الله تعالى. والهداية الاولى من الله تعالى شاملة لجميع المكلفين والهداية الثانية من خاصته للمهتدين. وفي تحقيق ذلك نزل قول الله تعالى (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي

مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (يونس ٢٥) والاضلال من الله تعالى عند اهل السنّة على معنى خلق الضلال في قلوب اهل الضلال كقوله (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) وقالوا من أضله الله فبعدله. ومن هداه فبفضله. وهذا خلاف قول القدرية في دعواها ان الهداية من الله تعالى على معنى الارشاد والدعاء الى الحق وليس إليه من هداية القلوب شيء. وزعموا ان الاضلال منه على وجهين. احدهما التسمية بان يسمى الضلال ضلالا (١٢٨ ب) والثانى على معنى جزاء اهل الضلال على ضلالتهم. ولو صحّ ما قالوا لوجب أن يقال انه أضل الكافرين لانه سماهم ضالين ولوجب ان يقال ان ابليس أضل الأنبياء المؤمنين لانه سماهم ضالين ولزمهم ان يكون من أقام الحدود على الزناة والسارقين والمرتدين مضلّا لهم. لانه قد جازاهم على ضلالتهم. وهذا فاسد فما يؤدى إليه مثله. وقال أهل السنة في الآجال. ان كل من مات حتف انفه أو قتل فانما مات باجله الّذي جعله الله أجلا لعمره. والله تعالى قادر على ابقائه والزيادة في عمره. لكنه متى لم يبقه الى مدة لم تكن المدة التى لم يبقه إليها أجلا له. وهذا كما ان المرأة التى يتزوجها قبل موته لم تكن امرأة له وان كان الله سبحانه قادرا على ان يزوجها من قبل موته. وهذا

خلاف قول من زعم من القدرية. ان المقتول مقطوع عليه اجله وخلاف قول من زعم منهم أن المقتول ليس بميت وجحد فائدة قول الله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (آل عمران ١٨٦ والأنبياء ٣٥ والعنكبوت ٥٧) وهذه بدعة ذهب إليها الكعبىّ وكفى بها خزيا. وقال اهل السنة في الارزاق بما هى عليه الآن وان كل من أكل شيئا او شربه فانما تناول رزقه حلالا كان أو حراما خلاف قول من زعم من القدرية ان الانسان قد يأكل رزق غيره. وقالوا في ابتداء التكليف. ان الله تعالى لو لم يكلف عباده شيئا كان عدلا منه خلاف قول من زعم من القدرية. أنه لو لم يكلفهم لم يكن حكيما. وقالوا لو زاد في تكليف العباد على ما كلفهم او نقص بعض ما كلفهم كان جائزا خلاف قول من ابى ذلك من القدرية. وكذلك لو لم يخلق الخلق لم يلزمه بذلك خروج عن الحكمة وكان السابق حينئذ في علمه انه لا يخلق. وقالوا لو خلق الله تعالى الجمادات دون الاحياء جاز ذلك (١٢٩ ا) منه خلاف قول من قال من القدرية أنه لو لم يخلق الاحياء لم يكن حكيما. وقالوا لو خلق الله تعالى عباده كلهم في الجنة لكان ذلك فضلا منه. خلاف قول من زعم من القدرية انه لو فعل ذلك لم يكن حكيما. وهذا حجر منهم على الله سبحانه

ونحن لا نرى الحجر عليه بل نقول له الامر والنهى وله القضاء يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد

وقالوا في الركن السابع المفروض في النبوة والرسالة بانبات الرسل من الله تعالى الى خلقه خلاف قول البراهمة المنكرين لهم مع قولهم بتوحيد الصانع. وقالوا في الفرق بين الرسول والنبىّ ان كل من نزل عليه الوحى من الله تعالى على لسان ملك من الملائكة وكان مؤيدا بنوع من الكرامات الناقضة للعادات فهو نبىّ. ومن حصلت له هذه الصفة وخصّ أيضا بشرع جديد او بفسخ بعض احكام شريعة كانت قبله فهو رسول. وقالوا ان الأنبياء كثير والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر. واوّل الرسل أبو جميع البشر وهو آدم عليه‌السلام وآخرهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلاف قول المجوس في دعواهم ابو جميع البشر كيكومرت الملقب بكل شاة. وخلاف قولهم ان اجزاء الرسل زراذست. وخلاف قول من زعم من الخرمية ان الرسل تترى لا آخر لهم. وقالوا بنبوة موسى في زمانه. خلاف قول منكريه من البراهمة والمانوية الذين انكروه مع اقرار المانوية بعيسى عليه‌السلام. وقالوا بنبوة عيسى عليه‌السلام خلاف قول منكريه من اليهود والبراهمة. وانكروا قتل عيسى واثبتوا رفعه الى السماء. وقالوا انه ينزل الى الارض

بعد خروج الدجال فيقتل الدجال ويقتل الخنزير ويريق الخمور ويستقبل في صلاته الكعبة ويؤيد شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويحيى ما احياه القرآن ويميت ما أماته (١٢٩ ب) القرآن. وقالوا بتكفير كل متنبّ سواء كان قبل الاسلام كزراذشت ويوداسف ومانى وديصان ومزفيور ومزدك أو بعده كمسيلمة وستجارح والاسود ثم يزيد العنسى وسائر من كان بعدهم من المتنبين. وقالوا بتكفير من ادعى للانبياء الإلهية او ادعى لأئمة الخلافة نبوّة او الإلهية كالسبابية والبيانية والمغيرية والمنصورية والخطابية ومن جرى مجراهم. وقالوا بتفضيل الأنبياء على الملائكة خلاف قول الحسين بن الفضل مع اكثر القدرية بتفضيل الملائكة على الأنبياء وقالوا بتفضيل الأنبياء على الاولياء من امم الأنبياء خلاف قول من زعم ان في الاولياء من هو أفضل من الأنبياء وقالوا بعصمة الأنبياء عن الذنوب وتأولوا ما روى عنهم من زلاتهم على انها كانت قبل النبوّة خلاف قول من أجاز عليهم الصغائر. وخلاف قول الهشامية من الروافض الذين أجازوا عليهم الذنوب مع قولهم بعصمة الامام من الذنوب

وقالوا فى الركن الثامن المضاف الى المعجزات والكرامات ان المعجزة أمر يظهر بخلاف العادة على يدى مدعى النبوة مع تحديه

قومه بها ومع عجز قومه عن معارضته بمثلها على وجه يدل على صدقه فى زمان التكليف. وقالوا لا بد للنبى من معجزة واحدة تدل على صدقه فاذا ظهرت عليه معجزة واحدة تدل على صدقه وعجزوا عن معارضته بمثلها فقد لزمتهم الحجة فى وجوب تصديقه ووجوب طاعته فان طالبوه بمعجزة سواها فالأمر الى الله عزوجل إن شاء أيده بها وان شاء عاقب المطالبين له بها لتركهم الايمان بمن قد ظهرت دلالة صدقه. وهذا خلاف قول من زعم من القدرية ان النبي عليه‌السلام لا يحتاج الى معجزة اكثر من استقامة شريعته كما ذهب إليه ثمامة. وقالوا الصادق فى دعوى النبوة يجوز ظهور معجزة التصديق عليه ولا يجوز ظهور معجزة التصديق على المتنبى فى دعوى النبوة (١٣٠ ا) ويجوز أن يظهر عليه معجزة تدل على كذبه كنطق شجرة أو عضو من أعضائه بتكذيبه. وقالوا يجوز ظهور الكرامات على الاولياء وجعلوها دلالة على الصدق فى أحوالهم. كما كانت معجزات الأنبياء دلالة على صدقهم فى دعاويهم. وقالوا على صاحب المعجزة إظهارها والتحدّى بها وصاحب الكرامات لا يتحدى بها غيره وربما كتمها. وصاحب المعجزة مأمون العاقبة. وصاحب الكرامة لا يأمن تغيير عاقبته كما تغيّرت عاقبة بلعم بن باعورا بعد ظهور كراماته. وأنكرت

القدرية كرامات الاولياء لانهم لم يجدوا من فرقهم ذا كرامة. وقالوا باعجاز القرآن في نظمه خلاف قول من زعم من القدرية أن لا إعجاز في نظم القرآن كما ذهب إليه النظام. وقالوا في معجزات محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بانشقاق القمر وتسبيح الحصا في يده ونبوع الماء من بين أصابعه واشباعه الخلق الكثير من الطعام اليسير ونحو ذلك كثير وقد خالف النظام واتباعه من القدرية ذلك

وقالوا في الركن التاسع المضاف الى أركان شريعة الاسلام.إن الاسلام مبنىّ على خمسة اركان. شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحجّ البيت الحرام. وقالوا من أسقط وجوب ركن من هذه الاركان الخمسة أو تأوّلها على معنى موالاة قوم كما تأولوا عليها المنصورية والجناحية من غلاة الرافضة فهو كافر. وقالوا في الصلوات المفروضة انها خمس. وأكفروا من أسقط وجوب بعضها. وكان مسيلمة الكذاب قد أسقط وجوب صلاتى الصبح والمغرب وجعل سقوطها مهرا لامرأته سجاح المتنبية فكفر وألحد. وقالوا بوجوب عقد صلاة الجمعة. واكفروا من الخوارج والروافض من قال لا (١) جمعة اليوم حتى يظهر (١٣٠ ب) إمامهم الّذي

__________________

(١) من قال. ساقطة من الاصل

ينتظرونه. وقالوا بوجوب زكاة الاعيان فى الذهب والورق والإبل والبقر والغنم اذا كانت هذه الاصناف الثلاثة من النعم سائمة. وأوجبوها في الحبوب المقتاتة التى يزرعها الناس ويتخذونها قوتا. وأوجبوها في ثمار النخيل والأعناب. فمن قال لا زكاة في هذه الاشياء التى ذكرناها كفر. ومن أثبت زكاتها في الجملة وكان خلافه في نصبها على ما اختلف فيه فقهاء الامة لم يكفر وقالوا بوجوب صوم رمضان وحرّموا الفطر فيه إلّا بعذر صغر أو جنون أو مرض او سفر أو نحو ذلك من الأعذار وقالوا باعتبار شهر الصيام من رؤية هلال رمضان أو بكمال شعبان ثلاثين يوما. ولم يفطروا في آخره الا برؤية هلال شوّال او بكمال ايام رمضان ثلاثين يوما. وضللوا من صام من الروافض قبل الهلال بيوم وافطر قبل الفطر بيوم. وقالوا بوجوب الحج في العمرة مرة واحدة على من استطاع إليه سبيلا. واكفروا من أسقط وجوبها من الباطنية ولم يكفروا من أسقط وجوب العمرة لاختلاف الأمة في وجوبها. وقالوا من شرط صحة الصلوات الطهارة وستر العورة ودخول الوقت واستقبال القبلة على حسب الامكان. ومن اسقط اعتبار هذه الشروط أو اعتبار شيء منها مع الامكان كفر. وقالوا بوجوب الجهاد مع الاعداء للاسلام حتى يسلموا أو يؤدي الجزية

منهم من يجوز قبول الجزية منه. وقالوا بجواز البيع وتحريم الربا. وضللوا من اباح الربا فى الجملة. وقالوا بان الفروج لا تستباح إلّا بنكاح صحيح او ملك يمين. واكفروا المبعضيّة والمحمرة والخرمية الذين اباحوا الزنى. واكفروا أيضا من تأول المحرمات على قوم زعم ان موالاتهم حرام وقالوا بوجوب اقامة حدّ الزنى والسرقة والخمر والقذف (١٣١ ا) واكفروا من اسقط حدّ الخمر والرجم من الخوارج. وقالوا اصول احكام الشريعة الكتاب والسنة واجماع السلف. واكفروا من لم ير اجماع الصحابة حجة. واكفروا الخوارج فى ردهم حجج الاجماع والسنن واكفروا من قال من الروافض لا حجة فى شيء من ذلك. وانما الحجة فى قول الامام الذي ينتظرونه وهؤلاء اليوم حيارى فى التيه وكفاهم بذلك خزيا

وقالوا في الركن العاشر المضاف الى الامر والنهى أن افعال المكلفين خمسة اقسام واجب ومحظور ومسنون ومكروه ومباح. فالواجب ما أمر الله تعالى به على وجه اللزوم وتاركه مستحق للعقاب على تركه. والمحظور ما نهى الله عنه وفاعله يستحق العقاب على فعله. والمسنون ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه. والمكروه ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله. والمباح ما ليس فى فعله ثواب ولا عقاب وليس فى تركه ثواب ولا عقاب. وهذا كله فى افعال

المكلفين. فاما افعال البهائم والمجانين والاطفال فانها لا توصف بالإباحة والوجوب والحظر بحال. وقالوا ان كل ما وجب على المكلف من معرفة او قول او فعل فانما وجب عليه بامر الله تعالى اياه به. وكل ما حرم عليه فعله فبنهى الله تعالى اياه عنه ولو لم يرد الامر والنهى من الله تعالى على عباده لم يجب عليهم شيء ولم يحرم عليهم شيء. وهذا خلاف قول من زعم من البراهمة والقدرية أن التكليف يتوجه على العاقل بخاطرين يخطران بقلبه. احدهما من قبل الله سبحانه يدعوه به الى النظر والاستدلال والآخر من قبل الشيطان يدعوه به الى العصيان وينهاه به عن طاعة الخاطر الاوّل. وهذا يوجب عليهم ان يكون ذلك الشيطان مكلفا بخاطرين احدهما من قبل الله تعالى. والآخر من قبل شيطان آخر. ثم يكون القول فى الشيطان الآخر كالقول فى الاول حتى يتسلسل ذلك بشياطين لا الى نهاية. وهذا (١٣١ ب) محال وما يؤدى الى المحال محال

وقالوا فى الركن الحادى عشر المضاف الى فناء العباد واحكامهم فى المعاد ان الله سبحانه قادر على افناء جميع العالم جملة وعلى افناء بعض الاجسام مع بقاء بعضها خلاف قول من زعم من القدرية البصرية انه يقدر على افناء كل الاجسام بفناء يخلقه لا فى محل

ولا يقدر على افناء بعض الاجسام مع بقاء بعضها. وقالوا ان الله عزوجل يعيد فى الآخرة الناس وسائر الحيوانات التى ماتت فى الدنيا خلاف قول من زعم أنه انما يعيد الناس دون الاحياء الباقين وقالوا بخلق الجنة والنار خلاف قول من زعم انهما غير مخلوقتين. وقالوا بدوام نعيم الجنة على اهلها ودوام عذاب النار على المشركين والمنافقين خلاف قول من زعم انهما يفنيان كما زعم جهم وخلاف قول ابى الهذيل القدرىّ بفناء مقدورات الله تعالى فيهما وفى غيرهما وقالوا بان الخلود فى النار لا يكون الّا للكفرة خلاف قول القدرية والخوارج بتخليد كل من دخل النار فيها. وقالوا بان القدرية والخوارج يخلدون فى النار ولا يخرجون منها وكيف يغفر الله تعالى لمن يقول ليس لله ان يغفر ويخرج من النار من دخلها؟ وقالوا باثبات السؤال فى القبر وبعذاب القبر لأهل العذاب. وقطعوا بان المنكرين لعذاب القبر يعذبون فى القبر. وقالوا بالحوض والصراط والميزان ومن انكر ذلك حرم الشرب من الحوض ودحضت (١) قدمه من الصراط الى نار جهنم. وقالوا باثبات الشفاعة من النبي صلي الله عليه وسلم ومن صلحاء امته للمذنبين من المسلمين ولمن كان فى قلبه ذرة من الإيمان. والمنكرون للشفاعة

__________________

(١) دحضت رجله زلقت

يحرمون الشفاعة

وقالوا في الركن الثانى عشر المضاف الى الخلافة والامامة ان الامامة فرض واجب على الامة لاجل إقامة الامام ينصب لهم القضاة والامناء (١٣٢ ا) ويضبط ثغورهم ويغزى جيوشهم ويقسم الفيء بينهم وينتصف لمظلومهم من ظالمهم. وقالوا بأن طريق عقد الامامة للامام فى هذه الامة الاختيار بالاجتهاد. وقالوا ليس من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نصّ على إمامة واحد بعينه خلاف قول من زعم من الرافضة أنه نصّ على إمامة على رضى الله عنه نصا مقطوعا بصحته. ولو كان كما قالوه لنقل ذلك نقل مثله. ولا ينفصل من ادعى ذلك فى عليّ مع عدم التواتر فى نقله ممّن ادّعى مثله فى أبى بكر او غيره مع عدم النقل فيه. وقالوا من شرط الامامة النسب من قريش وهم بنو النضر بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان. خلاف قول من زعم من الضرارية أن الامامة تصلح فى جميع أصناف العرب وفى الموالى والعجم. وخلاف قول الخوارج بامامة زعمائهم الذين كانوا من ربيعة وغيرهم كنافع بن الازرق الحنفى ونجدة بن عامر الحنفى وعبد الله بن وهب الراسبى وحرقوص بن زهير النجلى وشبيب بن يزيد الشيبانى وأمثالهم عنادا منهم لقول

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الأئمة من قريش : وقالوا من شرط الامام العلم والعدالة والسياسة. وأوجبوا من العلم له مقدار ما يصير به من اهل الاجتهاد فى الاحكام الشرعية. وأوجبوا من عدالته أن يكون ممن يجوز حكم الحاكم بشهادته. وذلك بأن يكون عدلا في دينه مصلحا لماله وحاله غير مرتكب لكبيرة ولا مصرّ على صغيرة ولا تارك للمروءة في جلّ اسبابه. وليس من شرطه العصمة من الذنوب كلها. خلاف قول من زعم من الامامية أن الامام يكون معصوما من الذنوب كلها. وقد اجازوا له في حال النقية أن يقول لست بامام وهو إمام. وقد أباحوا له الكذب في هذا مع قولهم بعصمته من الكذب. وقالوا ان الامامة تنعقد بمن يعقدها لمن يصلح للامامة اذا كان العاقد من أهل الاجتهاد والعدالة. وقالوا لا تصلح الامامة الا لواحد فى جميع ارض الاسلام الا أن يكون بين الصقعين (١٣٢ ب) حاجز من بحر أو عدوّ لا يطاق ولم يقدر أهل كل واحد من الصقعين على نصرة أهل الصقع الآخر فحينئذ يجوز لأهل صقع عقد الامامة لواحد يصلح لها منهم. وقالوا بامامة أبى بكر الصديق بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلاف قول من اثبتها لعلىّ وحده من الرافضة وخلاف قول الروندية الذين أثبتوا إمامة العباس بعده.

وقالوا بتفضيل أبى بكر وعمر وعليّ من بعدهما وإنما اختلفوا في التفاضل بين عليّ وعثمان رضى الله عنهما. وقالوا بموالاة عثمان وتبرءوا ممن اكفره. وقالوا بامامة على في وقته. وقالوا بتصويب عليّ في حروبه بالبصرة وبصفين وبنهروان. وقالوا بان طلحة والزبير تابا ورجعا عن قتال عليّ لكن الزبير قتله عمرو بن حرمون بوادى السباع بعد منصرفه من الحرب. وطلحة لما همّ بالانصراف رماه مروان بن الحكم وكان مع أصحاب الجمل بسهم فقتله. وقالوا إن عائشة رضى الله عنها قصدت الاصلاح بعد الفريقين فغلبها بنو ضبة والأزد على رأيها وقاتلوا عليّا دون اذنها حتى كان من الأمر ما كان. وقالوا في صفين إن الصواب كان مع عليّ رضى الله عنه. وأن معاوية وأصحابه بغوا عليه بتأويل أخطئوا فيه ولم يكفروا بخطئهم. وقالوا إن عليا أصاب في التحكيم غير أن الحكمين أخطئا في خلع عليّ من غير سبب أوجب خلعه وخدع أحد الحكمين الآخر. وقالوا بمروق أهل النهروان عن الدين لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سماهم مارقين لانهم اكفروا عليا وعثمان وعائشة وابن عباس وطلحة والزبير وسائر من تبع عليا بعد التحكيم. واكفروا كلّ ذى ذنب من المسلمين. ومن اكفر المسلمين واكفر أخيار الصحابة فهو الكافر منهم (١٣٣ ا)

وقالوا في الركن الثالث عشر المضاف الى الايمان والاسلام إن أصل الايمان المعرفة والتصديق بالقلب. وانما اختلفوا في تسمية الاقرار وطاعات الاعضاء الظاهرة ايمانا مع اتفاقهم على وجوب جميع الطاعات المفروضة وعلى استحباب النوافل المشروعة خلاف قول الكرامية الذين زعموا أن الايمان هو الاقرار الفرد سواء كان معه اخلاص او نفاق. وخلاف قول من زعم من القدرية والخوارج ان اسم المؤمن يزول عن مرتكبى الذنوب. وقالوا ان اسم الايمان لا يزول بذنب دون الكفر. ومن كان ذنبه دون الكفر فهو مؤمن وان فسق بمعصيته. وقالوا لا يحل قتل امرئ مسلم الّا باحدى ثلاث من ردّة او زنى بعد احصان او قصاص بمقتول هو كفره. وهذا خلاف قول الخوارج فى إباحة قتل كل عاص لله تعالى. ولو كان المذنبون كلهم كفرة لكانوا مرتدّين عن الاسلام. ولو كانوا كذلك لكان الواجب قتلهم دون اقامة الحدود عليهم. ولم يكن لوجوب قطع يد (١) السارق وجلد القاذف ورجم الزانى المحصن فائدة لان المرتد ليس له حدّ الّا القتل

وقالوا فى الركن الرابع عشر المضاف الى الاولياء والأئمة أن

__________________

(١) يد ساقطة من الاصل

الملائكة معصومون عن الذنوب لقول الله تعالى فيهم (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (التحريم ٦). وقال اكثرهم بفضل الأنبياء على الملائكة خلاف قول من فضّل الملائكة على الأنبياء والتزم من اجل ذلك فضل الزبانية على اولى العزم من الرسل. وقالوا بفضل الأنبياء على الاولياء من الامم خلاف قول من فضّل بعض الاولياء على بعض الأنبياء من الكرامية. واختلف اهل السنة فى إمامة المفضول فأباها شيخنا أبو الحسن الاشعرى وأجازها القلانسى. وقالوا بموالاة العشرة من اصحاب النبىّ عليه‌السلام. وقطعوا بأنهم من اهل الجنة وهم (١٣٣ ب) الخلفاء الاربعة وطلحة والزبير وسعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن ثقيل وعبد الرحمن وأبو عبيدة ابن الجراح. وقالوا بموالاة كل من شهد بدرا مع النبىّ عليه‌السلام وقطعوا بانهم من اهل الجنة وكذلك القول فيمن شهد معه احدا إلّا رجلا اسمه قزمان فانه قتل باحد جماعة من المشركين وقتل نفسه وكان ينسب الى النفاق. وكذلك كل من شهد بيعة الرضوان بالحديبية من اهل الجنة. وقالوا قد صح الخبر بان سبعين الفا من هذه الامة يدخلون الجنة بلا حساب. وان كل واحد منهم يشفع فى سبعين ألفا وقد دخل في هذه الجملة

عكاشة بن محصن. وقالوا أيضا بموالاة كل من مات على دين الاسلام ولم يكن قبل موته على بدعة من ضلالات اهل الاهواء الضالة

وقالوا فى الركن الخامس عشر المضاف الى احكام أعداء الدين أن اعداء دين الاسلام صنفان. صنف كانوا قبل ظهور دولة الاسلام. وصنف ظهروا فى دولة الاسلام وتستروا بالاسلام فى الظاهر وكادوا المسلمين وابتغوا غوائلهم. فالذين كانوا قبل الاسلام اصناف تختلف فيهم الاوصاف منهم عبدة الاصنام والاوثان. ومنهم عبدة انسان مخصوص كالذين عبدوا جمشيد والذين عبدوا نمروذ بن كنعان والذين عبدوا فرعون ومن جرى مجراهم. ومنهم الذين عبدوا كل ما استحسنوا من الصور على مذاهب الحلولية فى دعواها حلول روح الإله بزعمهم فى الصور الحسنة. ومنهم الذين عبدوا الشمس أو القمر او الكواكب جملة او بعض الكواكب خصوصا. ومنهم الذين عبدوا الملائكة (١٣٤ ا) وسموها بنات الله. وفيهم نزل قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) (النجم ٢٧). ومنهم من عبد شيطانا مريدا. ومنهم قوم عبدوا البقر. ومنهم الذين عبدوا النيران. وحكم جميع عبدة الاصنام والناس

والملائكة والنجوم والنيران تحريم ذبائحهم ونكاح نسائهم على المسلمين. واختلفوا فى قبول الجزية منهم. فقال الشافعىّ لا تقبل منهم الجزية. وانما يجوز قبولها من اهل الكتاب أو ممن له شبهة كتاب. وقال مالك وأبو حنيفة بجواز قبولها منهم. غير أن مالكا استثنى القرشىّ منهم. واستثنى أبو حنيفة العربىّ منهم. ومن أصناف الكفرة قبل الاسلام السوفسطائية المنكرة للحقائق ومنهم السمنية القائلون بقدم العالم مع انكارهم للنظر والاستدلال ودعواهم انه لا يعلم شيء الّا من طرق الحواس الخمس. ومنهم الدهرية القائلون بقدم العالم. ومنهم القائلون بقدم هيولى العالم مع اقرارهم بحدوث الأعراض منها. ومنهم الفلاسفة الذين قالوا بقدم العالم وأنكروا الصانع. وبه قال منهم فيثاغورس وقاوذروس. ومنهم الفلاسفة الذين أقروا بصانع قديم. ولكنهم زعموا ان صنعه قديم معه. وقالوا بقدم الصانع والمصنوع كما ذهب إليه ابن قلس. ومنهم الفلاسفة الذين قالوا بقدم الطبائع الاربع والعناصر (١) الاربعة التى هى الارض والماء والنار والهواء. ومنهم الذين قالوا بقدم هذه الاربعة وقدم الافلاك والكواكب معها وزعم ان الفلك طبيعة خامسة وانها لا تقبل الكون والفساد لا فى الجملة ولا فى التفصيل.

__________________

(١) الاصل والصاصي

وقد اجمع المسلمون على ان هؤلاء الاصناف الذين ذكرناهم لا يحل. للمسلمين اكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم. واختلفوا فى قبول الجزية منهم فمن قبلها من اهل الاوثان قبلها منهم ومن لم يقبلها (١٣٤ ب) من اهل الاوثان لم يقبلها منهم. وبه قال الشافعىّ وأصحابه. وقالوا فى المجوس انهم اربع فرق زروانية ومسخية وخرمدينية وبهافريدية. وذبائح جميعهم حرام. وكذلك نكاح نسائهم حرام. وقد اجمع الشافعىّ ومالك وأبو حنيفة والأوزاعىّ والثورىّ على جواز قبول الجزية من الروزانية والمسخية منهم. وانما اختلفوا في مقدار دياتهم. فقال الشافعىّ. دية المجوسىّ خمس دية اليهودىّ والنصرانى. ودية اليهودىّ والنصرانىّ ثلث دية المسلم. فدية المجوسى اذا خمس دية المسلم. وقال ابو حنيفة. دية المجوسىّ واليهودىّ والنصرانىّ كدية المسلم. واما المركدية من المجوس فلا يجوز قبول الجزية منهم لانهم فارقوا دين المجوس الاصلية باستباحة المحرمات كلها وبقولهم ان الناس كلهم شركاء فى الاموال والنساء. وفى سائر اللذات. وكذلك البه آفريدية لا يجوز قبول الجزية منهم وان كانوا احسن قولا من المجوس الاصلية لان دينهم ظهر من زعيمهم به آفريد فى دولة الاسلام. وكل كفر ظهر بعد دولة الاسلام فلا يجوز اخذ الجزية من اهله. واختلف الفقهاء في

الصابئين من الكفرة. فقال اكثرهم ان حكمهم في الذبيحة والنكاح والجزية كحكم النصارى في جواز ذلك كله. ومنهم من قال إن من قال من الصابئين بقدم الهيولى فحكمه كحكم أصحاب الهيولى كما ذكرناه قبل هذا ومن قال منهم بحدوث العالم وكان الخلاف معه في صفات الصانع فحكمه حكم النصارى وبه نقول واجمع اصحاب الشافعى على ان البراهمة الذين ينكرون جميع الأنبياء والرسل لا تحل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم وان وافقوا المسلمين في حدوث (١٣٥ ا) العالم وتوحيد صانعه. والخلاف في قبول الجزية منهم كالخلاف في قبولها من اهل الاوثان. وأجمع فقهاء الاسلام على استباحة ذبائح اليهود والسامرة والنصارى وعلى جواز نكاح نسائهم وعلى جواز قبول الجزية منهم. وانما اختلفوا في مقدار الجزية. فقال الشافعى ان بذل كل حالم منهم دينارا واحدا حقن دمه. وقال ابو حنيفة على الموسر منهم ثمانية واربعون درهما وعلى المتوسط أربعة وعشرون وعلى الفقير اثنا عشر. واختلفوا في حدودهم. فقال الشافعى انها كحدود المسلمين ويرجم الزانى منهم اذا كان محصنا. وقال ابو حنيفة لا رجم عليهم. واختلفوا في دياتهم. فقال الشافعي. دية الرجل منهم ثلث دية المسلم. ودية المرأة منهم ثلث دية المرأة المسلمة. وقال مالك.

دية الكتابىّ نصف دية المسلم. وقال ابو حنيفة. كدية المسلم سواء. واختلفوا في جريان القصاص بينهم. فقال الشافعىّ. لا يقتل مؤمن بكافر بحال. وقال ابو حنيفة يقتل المسلم بالذمى ولا يقتل المستأمن. واختلفوا أيضا في وجوب الجزية على الشيخ الفانى منهم. فأوجبها الشافعى ولم يوجبها ابو حنيفة إلّا على من كان منهم ذا تدبير في الحروب. واختلفوا في الثنوية من المانوية والديصانية والمرقيونية الذين قالوا بقدم النور والظلمة وزعموا أن العالم مركب منهما. وأن الخير والنفع من النور. وأن الشر والضرر من الظلام. فزعم بعض الفقهاء ان حكمهم كالمجوس واباح اخذ الجزية منهم مع تحريم ذبائحهم ونسائهم. والصحيح عندنا ان حكمهم (١٣٥ ب) في النكاح والذبيحة والجزية كحكم عبدة الاصنام والاوثان. وقد بينا ذلك قبل هذا. واما الكفرة الذين ظهروا في دولة الاسلام واستتروا بظاهر الاسلام واغتالوا المسلمين في السر كالغلاة من الرافضة السبابية والبيانية والمغيرية والمنصورية والجناحية والخطابية وسائر الحلولية والباطنية والمقنعية المبيضة بما وراء نهر جيحون والمحمرة بآذربيجان ومحمرة طبرستان والذين قالوا بتناسخ الارواح من اتباع ابن أبى العوجاء ومن قال بقول أحمد بن حائط من المعتزلة. ومن قال بقول اليزيدية من

الخوارج الذين زعموا أن شريعة الاسلام تنسخ بشرع نبىّ من العجم. ومن قال بقول الميمونية من الخوارج الذين أباحوا نكاح بنات البنين وبنات البنات. ومن قال بمذاهب العزاقرة من أهل بغداد وقال بقول الحلاجية الغلاة فى مذهب الحلولية او قال بقول البركوكية او الرزامية المفرطة فى أبى مسلم صاحب دولة بنى العباس او قال بقول الكاملية الذين اكفروا الصحابة بتركها بيعة عليّ. واكفروا عليا بتركه قتالهم. فان حكم هذه الطوائف التى ذكرناها حكم المرتدين عن الدين ولا تحل ذبائحهم ولا يحل نكاح المرأة منهم. ولا يجوز تقريرهم فى دار الاسلام بالجزية. بل يجب استتابتهم فان تابوا والا وجب قتلهم واستغنام اموالهم. واختلفوا فى استرقاق نسائهم وذراريهم. فأباح ذلك ابو حنيفة وطائفة من اصحاب الشافعي منهم ابو اسحاق المروزى صاحب الشرح. وأباح بعضهم ومن أباح ذلك استدل بان خالد بن الوليد لما قاتل بنى حنيفة وفرغ من قتل مسيلمة الكذّاب صالح بنى حنيفة على الصفراء والبيضاء وعلى (١٣٦ ا) ربع السبى من النساء والذرية وانفذهم الى المدينة وكان منهم خولة أم محمد بن الحنيفة. وأما اهل الاهواء من الجارودية والهشامية والنجارية والجهمية والامامية الذين اكفروا أخيار الصحابة والقدرية المعتزلة

عن الحق والبكرية المنسوبة الى بكر ابن اخت عبد الواحد. والضرارية والمشبهة كلها والخوارج فانا نكفرهم كما يكفرون اهل السنة ولا تجوز الصلاة عليهم عندنا ولا الصلاة خلفهم. واختلف أصحابنا في التوارث منهم فقال بعضهم نرثهم ولا يرثوننا وبناه على قول معاذ بن جبل (ان المسلم يرث من الكافر والكافر لا يرث من المسلم). والصحيح عندنا ان أموالهم فيء ولا توارث بينهم وبين السنى. وقد روى ان شيخنا أبا عبد الله الحرث بن اسد المحاسبىّ يأخذ من ميراث ابيه شيئا لان أباه كان قدريا. وقد أشار الشافعى الى بطلان صلاة من صلى خلف من يقول بخلق القرآن ونفى الرؤية. وروى هشام بن عبد الله الرازى عن محمد ابن الحسن انه قال فيمن صلى خلف من يقول بخلق القرآن انه يعيد الصلاة. وروى يحيى بن اكثم ان أبا يوسف سئل عن المعتزلة فقال. هم الزنادقة واشار الشافعى في كتاب الشهادات الى جواز شهادة اهل الاهواء إلّا الخطابية الذين اجازوا شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم. واشار في كتاب القياس الى رجوعه عن قبول شهادة المعتزلة وسائر أهل الاهواء. وردّ مالك شهادة اهل الاهواء في رواية اشهب عن ابن القسم والحرث بن مسكين عن مالك انه قال في المعتزلة زنادقة لا يستتابون بل يقتلون. واما

المعاملة معهم بالبيع والشراء فحكم ذلك عند اهل السنة كحكم عقود (١٣٦ ب) المفاوضة بين المسلمين الذين فى اطراف الثغور وبين اهل الحرب وان كان قتلهم مباحا. ولا يجوز ان يبيع المسلم منهم مصحفا ولا عبدا مسلما في الصحيح من مذهب الشافعىّ. واختلف اصحاب الشافعى في حكم القدرية المعتزلة عن الحق. فمنهم من قال. حكمهم حكم المجوس لقول النبىّ عليه‌السلام في القدرية : انهم مجوس هذه الامة : فعلى هذا القول يجوز اخذ الجزية منهم. ومنهم من قال. حكمهم حكم المرتدين. وعلى هذا لا تؤخذ منهم الجزية بل يستتابون فان تابوا والا وجب على المسلمين قتلهم. وقد استقصينا بيان احكام اهل الاهواء فى كتاب الملل والنحل. وذكرنا في هذا الكتاب طرفا من احكامهم عند اهل السنّة وفيه كفاية والله اعلم

الفصل الرابع

(من فصول هذا الباب)

فى قولنا في السلف الصالح من الامة

أجمع اهل السنة على ايمان المهاجرين والانصار من الصحابة. هذا خلاف قول من زعم من الرافضة أن الصحابة كفرت بتركها

بيعة عليّ وخلاف قول الكاملية فى تكفير على بتركه قتالهم. واجمع اهل السنة على أن الذين ارتدوا بعد وفاة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كندة وحنيفة وفزارة وبين أسد وبنى قشير وبنى بكر ابن وائل لم يكونوا من الانصار ولا من المهاجرين قبل فتح مكة ، وانما أطلق الشرع اسم المهاجرين على من هاجر الى النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل فتح مكة. واولئك بحمد الله ومنّه درجوا على الدين القوم والصراط المستقيم. وأجمع اهل السنّة على أن من شهد مع رسول الله عليه‌السلام بدرا من اهل الجنة. وكذلك كل من شهد معه احدا غير قزمان الّذي استثناه الخبر. وكذلك كل من شهد معه بيعة الرضوان بالحديبية. وقالوا بما ورد به الخبر بان سبعين الفا من امة الاسلام يدخلون الجنة بلا حساب منهم عكاشة بن محصن. وأن كل واحد منهم (١٣٧ ا) يشفع في سبعين الفا. وقالوا بموالاة اقوام وردت الاخبار بانهم من أهل الجنة وأن لهم الشفاعة في جماعة من الامة منهم اويس القرنى. والخبر فيهم مشهور. وقالوا بتكفير كل من اكفر واحدا من العشرة الذين شهد لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنة. وقالوا بموالاة جميع ازواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. واكفروا من اكفرهنّ أو اكفر بعضهنّ. وقالوا بموالاة الحسن والحسين

والمشهورين من اسباط رسول الله عليه‌السلام كالحسن بن الحسن وعبد الله بن الحسن وعليّ بن الحسين زين العابدين ومحمد بن عليّ بن الحسين المعروف بالباقر وهو الّذي بلغه جابر بن عبد الله الانصارى سلام رسول الله عليه‌السلام عليه وجعفر بن محمد المعروف بالصادق وموسى بن جعفر وعليّ بن موسى الرضا. وكذلك قولهم في سائر اولاد عليّ من صلبه كالعباس وعمر ومحمد بن الحنفية وسائر من درج على سنن آبائه الطاهرين دون من مال منهم الى اعتزال او رفض ودون من انتسب إليهم وأسرف في عدوانه وظلمه كالبرقعى الّذي عدا على اهل البصرة ظلما وعدوانا. واكثر النسابين على أنه كان دعيا فيهم ولم يكن منهم. وقالوا بموالاة اعلام التابعين للصحابة باحسان وهم الذين قال الله تعالى فيهم (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا) (الحشر ١٠). وقالوا في كل من اظهر اصول اهل السنّة وانما تبرّءوا من أهل الملل الخارجة عن الاسلام ومن اهل الاهواء الضالة مع انتسابها الى الاسلام كالقدرية والمرجئة والرافضة والخوارج والجهمية والنجارية والمجسمة. وقد تقدم بيان تفصيل هذه الجملة في الفصل الّذي قبل هذا الفصل بما فيه كفاية

الفصل الخامس

(من فصول هذا الباب)

في بيان عصمة الله (١٣٧ ب)

الى هنا فرغت النسخة المنقول عنها أصل هذه الطبعة وهى النسخة الوحيدة في المكتبة الملوكية ببرلين ولا نعرف نسخة اخرى من هذا الكتاب في مكتبة ما.

فهرس الاعلام

بيان اسماء الرجال الوارد ذكرهم في هذا الكتاب هذا بيان أسماء الرجال الوارد ذكرهم فى كتاب

(الفرق بين الفرق)

لأبى منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادى

المتوفى سنة ٤٢٩ هجرية الموافقة سنة ١٠٣٧ ميلادية

مرتبة على ترتيب احرف الهجاء

حرف الألف

ابراهيم الأباضى ٨٧ ، ٨٨

ابراهيم ابن أبى يحيى ٢١٦

ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على ٤٣ ، ٢٣١

ابراهيم بن ملك الاشتر ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٥ ، ٣٦

ابراهيم بن مهاجر ٢٠٤ ، ٢١٢ ، ٢١٣

ابراهيم بن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ١٣١ ، ٢٠٩

أبىّ بن كعب ٥ ، ٢٠٢

أحمد بن أيوب بن بانوش ٢٥٥ ، ٢٥٨

أحمد بن حائط ١١٤ ، ٢١٦ ، ٢٥٥ ، ٢٥٦ ، ٢٥٨ ، ٢٦٠ ، ٢٦١ ، ٣٢٣ ، ٣٤٩

أحمد بن الحسن بن عبد الله الجبار ٤

أحمد بن حنبل ١٣٣ ، ٣٠١

أحمد بن شميط ٣٦

أحمد بن فهر ١٥٩

أحمد بن نصر المروزى ١٥٩

الأحنف بن قيس ٣٦

الأخفش ٣٠٢

الأخنس ٨١

ادريس بن عبد الله ٤٣

ارسطاطاليس ٢٩٥ ، ٣١٦

إسحاق بن ابراهيم أخو بابك الخزّى ٢٥١ ، ٢٦٨

اسحاق بن سويد العبدري ٩٩ ، ٢٢٤

اسفار بن شرويه ٢٦٧

أسماء بن خارجة ٣٤ ، ٣٥

اسماعيل بن ابراهيم الشيرازي ٢٠٠

إسماعيل بن جعفر ٤٦

اسماعيل بن عباد ٢٨٤

اسماعيل بن عباس ٤

الأسواري ١١٤

الأسود بن زيد العنسي ١٤

الأسود المتنبى ٣٣٣

أشرس بن عوف ٦١

الأشهب بن بشر العرنى ٦١

أشهب ٣٥١

الأصغر العقيلي ٢٧٥

الأصمعي ٢٩٥ ، ٣٠٢

الأصمّ من المعتزلة ٩٥ ، ٩٦ ، ١٥٠ أعشى همدان ٣٧

الأفشين صاحب جيش المعتصم ٢٦٨ ، ٢٦٩

افلاطون ٢٥٤ ، ٢٧٩

اقلوطرخس ٢٥٣

أميرك الطوسى ٢٧٧

أنس بن مالك ٥ ، ١٥

الاوزاعىّ ٥ ، ٢٠ ، ٣٠١ ، ٣٤٧

أويس القرنى ٣٥٣

أيّوب الازرق ٦٦

حرف الباء

بابك الخزى ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩

البرقعىّ ٣٥٤

البزدهى ٢٧٧

بشر المريسى ١٩٢

بشر بن مروان أخو عبد الملك بن مروان ٨٩

بشر بن المعتمر ١١٢ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٥٢ ، ١٨٧ ، ٣٢٨ ،

بشار بن برد ٣٩ ، ٤١ ، ٤٢

بكر بن أخت عبد الواحد ١٦ ، ٢٠٠ ، ٢٣٣ ، ٣٥١

بكفوزن صاحب جيش السامانية ٢٧٧

بلعم بن باعورا ٣٣٤

بها فريد صاحب مذهب البه آفريدية ٣٤٧

بيان بن سمعان ٢٨ ، ٢١٤ ، ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، ٢٣٤ ، ٢٤٢ ، ٢٥٥

حرف الثاء

ثعلبة بن مشكان ٨٠ ، ٨١

ثمامة بن أشرس النميري ٩٥ ، ١٥٧ ، ١٥٨ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ٣١٥ ، ٣١٩ ، ٣٢٨ ، ٣٣٤

الثورىّ ٢٠ ، ٣٠١ ، ٣٤٧

حرف الجيم

جابر ٥

جابر بن عبد الله الانصارى ٤٥ ، ٣٥٤

جابر بن عبد الله ١٥

جابر بن يزيد الجعفى ٤٤ ، ٢٣٢

الجاحظ ٤٩ ، ١٠١ ، ١١٤ ، ١٢٦ ، ١٣٣ ، ١٥٨ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٣ ، ٣٠٧ ، ٣١٥

الجبائي ٩٥ ، ١٠٢ ، ١١١ ، ١١٥ ، ١٤٤ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٥ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٦٩ ، ٧٠ ، ١٨٨ ، ٢١٨ ، ٣١٩ ، ٣٢٤ ، ٣٢٦

جبراءيل ٩

جاماسب ٢٧١

جحظة ١٦٢

الجعد بن درهم ١٤ ، ٢٦٢

جعفر بن حرب ١٠٢ ، ١١٥ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٨٨

جعفر بن جعفر بن حرب ١٥٣

جعفر بن محمد الصادق ٤٧ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤٢ ، ٢٥٦ ، ٢٦٦ ، ٣٥٤

جعفر بن عمر ٣٢

جعفر بن مبشر ١٥٣ ، ١٥٤

جعفر المقتدر بالله ٢٤٨ ، ٢٧١

جعفر ٢٣٦

جميع بن جشم الكندى ٦٠

الجنيد ٢٤٧

جهم بن صفوان ١٦ ، ١٩ ، ١٠٣ ، ١٠٥ ، ١٩٠ ، ١٩٩ ، ٢٠٠

جهيزة زوجة شبيب ٩٠ ، ٩١

جيويه بن معبد ٧٧

حرف الحاء

حارث بن مزيد الاباضى ٨٤

حارثة بن بدر الفدانى ٦٤

حامد بن العباس ٢٤٨

حبيب بن عاصم الاودى ٦٠

الحجاج بن يوسف الثقفى ٦٥ ، ٦٦

حرف الثاء

ثعلبة بن مشكان ٨٠ ، ٨١

ثمامة بن أشرس النميري ٩٥ ، ١٥٧ ، ١٥٨ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ٣١٥ ، ٣١٩ ، ٣٢٨ ، ٣٣٤

الثورىّ ٢٠ ، ٣٠١ ، ٣٤٧

حرف الجيم

جابر ٥

جابر بن عبد الله الانصارى ٤٥ ، ٣٥٤

جابر بن عبد الله ١٥

جابر بن يزيد الجعفى ٤٤ ، ٢٣٢

الجاحظ ٤٩ ، ١٠١ ، ١١٤ ، ١٢٦ ، ١٣٣ ، ١٥٨ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٣ ، ٣٠٧ ، ٣١٥

الجبائي ٩٥ ، ١٠٢ ، ١١١ ، ١١٥ ، ١٤٤ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٥ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٦٩ ، ٧٠ ، ١٨٨ ، ٢١٨ ، ٣١٩ ، ٣٢٤ ، ٣٢٦

جبراءيل ٩

جاماسب ٢٧١

جحظة ١٦٢

الجعد بن درهم ١٤ ، ٢٦٢

جعفر بن حرب ١٠٢ ، ١١٥ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٨٨

جعفر بن جعفر بن حرب ١٥٣

جعفر بن محمد الصادق ٤٧ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤٢ ، ٢٥٦ ، ٢٦٦ ، ٣٥٤

جعفر بن عمر ٣٢

جعفر بن مبشر ١٥٣ ، ١٥٤

جعفر المقتدر بالله ٢٤٨ ، ٢٧١

جعفر ٢٣٦

جميع بن جشم الكندى ٦٠

الجنيد ٢٤٧

جهم بن صفوان ١٦ ، ١٩ ، ١٠٣ ، ١٠٥ ، ١٩٠ ، ١٩٩ ، ٢٠٠

جهيزة زوجة شبيب ٩٠ ، ٩١

جيويه بن معبد ٧٧

حرف الحاء

حارث بن مزيد الاباضى ٨٤

حارثة بن بدر الفدانى ٦٤

حامد بن العباس ٢٤٨

حبيب بن عاصم الاودى ٦٠

الحجاج بن يوسف الثقفى ٦٥ ، ٦٦

٨٩ ، ٩١ ، ٩٢

الحرث بن مسكين ٣٥١

حرقوص بن زهير البجلي ٥٧ ، ٦٠ ٧١ ، ٣٤٠

الحسن البصرى ١٥ ، ٥٦ ، ٩٧ ، ٩٨

الحسن بن الحسن ٣٥٤

الحسن بن عليّ ٢٢ ، ٢٣ ، ٤٥ ، ١٠٠ ٢٢٩ ، ٢٣٩ ، ٢٤٢ ، ٣٥٤

الحسن بن صالح بن حيّ ٢٤

الحسن بن زكريا بن مهرويه ٢٧٤

الحسين بن عليّ ٢٢ ، ٢٣ ، ٢٥ ، ٢٦ ٢٧ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٣٧ ، ٤٥ ، ١٠٠ ، ٢٢٦ ، ٢٢٩ ، ٢٣٣ ، ٢٣٩ ، ٢٤٢ ، ٣٥٤

الحسين بن محمد النجار ١٩٥ ، ١٩٦ ، ١٩٧ ، ٢٠١

الحسين بن منصور المعروف بالحلاج ٢٤١ ، ٢٤٦ ، ٢٤٨ ، ٢٤٩

الحسين بن القسم من اتباع ابى العزاقر ٢٤٩ ، ٢٥٠

الحسين بن على المرورودي ٢٦٧

الحسين بن الفضل ٣٣٣

الحصين بن نمير السكوتى ٣١ ، ٣٣

حفص بن أبى المقدام ٨٣

حفص القرد ٢٠٢

الحكم بن العاص ١٣٣

حمدان قرمط ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، ٢٧٨

حمزة بن اكرك الخارجى ٧٥ ، ٧٦ ، ٧٨ ، ٧٩ ، ٨٠

حماد عجرد ٤٢

الحمامى غلام بن طيون ٢٧٤

حميد بن ثور ٢٩٧

حوثرة بن وداع الاسدى ٦٢

حوشب ١٠١

حرف الخاء

خالد بن عبد الله القسرى ٤ ، ٢٢٨ ، ٢٣١ ، ٢٦٢

خالد بن الوليد ٣٥٠

الخالدى من المعتزلة ١٩ ، ٩٦

خلف صاحب مذهب الخلفية ٧٥

الخليل صاحب كتاب العين ٣٠٢

خولة أمّ محمد بن الحنفية ٣٥٠

حرف الدال الدجال ٢٦٦ ، ٣٢٣

داود الحوارى ٢١٦ ، ٣٢٠

دويبية بن وبرة البجلي ٦٠

ديصان المتنبي ٣٣٣

حرف الذال

ذو النونين ٢٩

حرف الراء

راشد الطويل ٦٦ ، ٦٩

الراضى بن المقتدر ٢٤٩

رافع بن ليث بن نصر بن سيان ٧٩

الرئيس أخو ابن قتيبة ٢٣١

رشيد صاحب مذهب الرشيدية ٨٢

رقانة بن وائل الارجى ٦٠

روح بن زنباع ٩٠

الراوندي ١٤٥

حرف الزاى

الزبير بن العوام ٧٣ ، ٧٤ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ٢٠١ ، ٢٦٤ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٣٤٢ ، ٣٤٤

زحاف بن رحر الطائي ٦٢ ، ٧١

زرادشت ١٨٥ ، ٢٧١ ، ٢٧٣ ، ٢٧٩ ، ٣٣٢ ، ٣٣٣ ،

زرارة بن أعين ١٧ ، ٥٢ ، ٢١٨ ، ٣٢٣

زرعة بن مسلم العامرىّ ٧١

الزعفرانى صاحب مذهب الزعفرانية بالرّى ١٦ ، ١٩٧

زرقان ٥٠ ، ٥١ ، ١٩٤

زياد ابن أبيه ٦٢

زياد بن الأصفر ٧٠

زياد بن عبد الرحمن ٨١ ، ٨٢

زيد بن على بن الحسين بن على أبى طالب ١٦ ، ٢٥ ، ٢٦

الزنديق ٢٥٠

حرف السين

سبك صاحب المعتضد ٢٧٤

سجاح المتنبية ١٤ ، ٣٣٣ ، ٣٣٥

سراقة بن مرادس البارقىّ ٣٥

سعد بن عبادة الخزرجى ١٣

سعد بن قفل ٦١

سعد بن مجالد السبيعي ٦٠

سعد بن معاذ ٥٩

سعد بن أبى وقاص ١٣ ، ٣٤٤

سعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون بن ديصان القداح ٢٦٧

سعيد بن زيد بن عمرو بن ثقيل ٣٤٤

سعيد بن العاص ١٣٤

سعيد بن عمرو الحرش ٢٤٤

سعيد بن المسيب ١٣٢

سفين بن الابرد الكلبى ٦٦ ، ٩١ سقراط ٢٥٤

سلم بن أجون المازنى ٢٠٠

سليمان بن الحسن بن سعيد الجناني ٢٧٨ ، ٢٨٠ ، ٢٨١

سليمان بن الحسين القرمطى ٢٧٠ ، ٢٧٢ ، ٢٧٤ ، ٢٧٥

سليمان بن جرير الزيدى ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٣٢

سماك بن حرب ٢٤

سنان الجعفى ٢٦

سيبويه ٣٠٢

السيد الحميرى ٣٠

سهيل بن عمرو ٥٩

حرف الشين

شاركان ٩

الشافعى ٢٠ ، ١٢٩ ، ١٣٢ ، ١٣٣ ، ١٥٤ ، ١٥٦ ، ٢٥٠ ، ٣٠١ ، ٣٤٦ ،

٣٤٧ ، ٣٤٨ ، ٣٤٩ ، ٣٥٠ ، ٣٥١ ، ٣٥٢

شبت بن ربعى ٥٧

شبيب بن يزيد الشيبانى (المكنى بأبى الصحارى) ٨٩ ، ٩٠ ، ٩١ ، ٣٤٠

شريح بن الحرث ٢٠٠

الشريعى ٢٣٩

شروين ٢٥٢

الشعبى ١٥٤ ، ٢٢٥

الشعرانى ٢٦٧

شعيب ٧٤ ، ٧٥

شيبان بن سلمة الخارجى ٨١

شيطان الطاق ١٧ ، ٥٢

حرف الصاد

صالح قبة المرجئ ١٨ ، ٩٣ ، ١٩٣

صالح بن مشرح الخارجى ٨٩

الصالحى من المعتزلة ٩٥ ، ٩٦ ، ١٦٤ ١٩٤ ، ٣٢٥

صفوان الانصارىّ ٣٩

صلت بن عثمان ٧٦

صلت بن أبى الصلت ٧٦

حرف الضاد

ضرار بن عمرو ١٣ ، ١٦ ، ٢٠١ ، ٣٢٤

حرف الطاء

طارف بن عبد الله بن دجاجة ٣٧

طاهر بن الحسين ٧٩

طريف بن عبد الله بن دجاجة ٣٧ طلحة ٧٤ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ٢٠١ ، ٢٦٤ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٣٤٢ ، ٣٤٤

طلحة بن فهد الشاعر ٧٧

طليحة المتنبي ١٣ ، ٧٣ ، ٢٢١

حرف العين عائشة أم المؤمنين ٩٢ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ٢٦٤ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٣٤٢

عامر بن شراحيل ٢٢٤

عامر بن وائلة الكنانى ٣٨

عباد بن أخضر التميمي ٧١

عباد بن الحصين الخيطي ٦٢

عباد بن سليمان العمرى ١٤٧ ، ١٤٨ ، ٢٦١

العباس بن علي ٣٤١ ، ٣٥٤

عبد الله بن أباض ٨٢ ، ٨٤

عبد الله بن أبىّ ١٥

عبد الله بن جعفر ٥٢

عبد الله بن جوش الطائى ٦٢

عبد الله بن الحارث الخزاعى ٦٤

عبد الله بن حباب بن الأرت ٥٧ ، ٥٨

عبد الله بن الحسن بن الحسين ٤٣ ، ٣٥٤

عبد الله بن حماد الجهيرى ٦٠

عبد الله بن خازم السلمى ٢٨٦

عبد الله بن الزبير ٣١ ، ٣٢ ، ٣٨ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٩٢

عبد الله بن سبأ ٢٢٣ ، ٢٢٤ ، ٢٢٥

عبد الله بن السوداء ٢٢٥

عبد الله بن طاهر ٢٦٨

عبد الله بن على السفاح ٢٤٢

عبد الله بن عمر ١٥

عبد الله بن عمرو بن حرب ٢٨ ، ٢٣٣ ، ٢٣٤

عبد الله بن عمرو بن العاص ٤ ، ٥

عبد الله بن كوا ٥٧

عبد الله بن مسلم بن قتيبة ١٣٦ ، ١٥٨

عبد الله بن مطيع العدوى ٣٢

عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ٢١٥ ، ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، ٢٤٢ ، ٢٥٥

عبد الله بن ميمون بن ديصان ١٦ ، ٢٧٧

عبد الله بن ناجية ٤

عبد الله بن الوضين ٦٣

عبد الله بن وهب الراسبي ٥٧ ، ٦٠ ، ٧١ ، ٣٤٠

عبد الله بن يزيد الانصارى ٣١ ، ٣٢

عبيد الله بن الحر ٣٢ ، ٣٦

عبيد الله ابن زياد ٢٦ ، ٣١ ، ٣٣ ، ٦٢ ، ٧١

عبيد الله بن الحسن القيروانى ٢٧٣ ، ٢٧٨ ، ٢٨٠ ، ٢٨١

عبيد الله بن الحسن بن محمد بن

اسماعيل بن جعفر الصادق ٢٦٧

عبيد الله بن مأمون التميمى ٦٥

عبيد الله بن معمر التيمى ٣٦

عبد ربه الصغير ٦٣ ، ٦٦

عبد ربه الكبير ٦٣ ، ٦٥ ، ٦٦

عبد الرحمن بن زياد بن الفم ٤

عبد الرحمن أخو عائشة أم المؤمنين ٩٢

عبد الرحمن بن عوف ٣٤٤

عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ٩٠

عبد الرحمن بن ملجم ٤٥ ، ٧٢ ، ٨٤ ، ٢٢٦

عبد الرحمن النيسابورى ٧٩

عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادى ٥ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٩ ، ٤٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٧٢ ، ٨٥ ، ٩٢ ، ١١٠ ، ١٥٥ ، ٢٠٧ ، ٢١٣ ، ٢٢٥ ، ٢٣٣ ، ٢٣٧ ، ٢٤٥ ، ٢٦١ ، ٢٧٨ ، ٢٨٥ ، ٢٨٧ ، ٢٩٣

عبد القيس ١٠٢

عبد الكريم بن عجرد ٧٢ ، ٧٤ ، ٨٠ عبد الكريم بن أبى العوجاء ٢٥٥ ، ٣٤٩

عبد الملك بن مروان ٣٣ ، ٣٨ ، ٦٥ ، ٦٧ ، ٧٠ ، ٨٩ ، ٩٠

عبد الواحد بن زياد ١٦

عبيد بن أبى المخارق المتنبى ٩٠

عبيدة بن هلال اليشكري ٦٦

عتبة بن عبيد الخولانى ٦٠

عتاب بن ورقاء التميمى ٩٠

عثمان بن عبيد الله بن معمر التميمى ٦٤

عثمان بن عفان ١٤ ، ٢٣ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٦١ ، ٦٧ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٨٣ ، ١٣٣ ، ١٤٩ ، ٢٣٧ ، ٢٦٤ ، ٢٨٤ ، ٣٠١ ، ٣٠٥ ، ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، ٣٤٢

عثمان بن مأمون ٦٥

عدى بن حاتم الطائى ٥٨

عروة بن حدير أخو مرداس الخارجى ٥٦ ، ٧١ ، ٧٢

عطية الحنفى ٦٦ ، ٦٧ ، ٧٢

عكاشة بن محصن ٣٤٥ ، ٣٥٣

عقبة بن عامر الجهني ١٥

عقيل بن أبى طالب ٢٦٦

على الأسوارى ١٨٦ ، ١٨٥

على بن أبى طالب ٦ ، ١١ ، ١٤ ، ١٥ ، ٢٠ ، ٢٣ ، ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٩ ، ٤١ ، ٤٥ ، ٤٧ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٧ ،

٥٨ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٨٣ ، ٩٢ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٣٤ ، ١٥٠ ، ٢٠١ ، ٢١١ ، ٢١٤ ، ٢٢٣ ، ٢٢٤ ، ٢٢٥ ، ٢٢٦ ، ٢٢٩ ، ٢٣٠ ، ٢٣٣ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٤١ ، ٢٤٢ ، ٢٥٤ ، ٢٦٤ ، ٣٠١ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، ٣٢١ ، ٥٤٠ ، ٣٤١ ، ٣٤٢ ، ٣٥٠ ، ٣٥٣ ، ٣٥٤ ،

على بن الحسين زين العابدين ٢٨ ، ٤٥ ، ٣٥٤

على بن عيسى بن هاديان ٧٨

على بن موسى الرضا ٤٧ ، ٣٥٤

على بن ميثم ٥٢

عمرو بن حرمون قاتل الزبير بن العوام ١٠١ ، ٣٤٢

عمرو بن صاعد ٧٧

عمرو بن العاص ١٤ ، ٥٩ ، ٩٢ ، ١٢٥ عمرو بن عبيد بن باب ١٥ ، ٩٨ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ٢٢٤ ، ٣٠٦

عمرو بن عثمان المكى ٢٤٧

عمرو بن يزيد الأزدى ٧٨

عمر بن الخطاب ١٣ ، ١٤ ، ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٢٩ ، ٨٣ ، ١٣٣ ، ٢٣٠ ، ٢٣١ ،

٢٣٧ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، ٣٠١ ، ٣٠٤ ، ٣٠٨ ، ٣٤٢

عمر بن سعد ٣٢

عمر بن عليّ ٣٥٤

عمران بن حطان السرويسى ٧١ ، ٧٢

عمار بن ياسر ١٠٠ ، ٣٠٦

عمير بن بيان العجلى ٢٣٦

عيسى بن موسى صاحب جيش المنصور ٤٣ ، ٤٤ ، ٢٣١

حرف الغين

غزالة أم شبيب ٨٩ ، ٩٠ ، ٩١ ، ٩٢ الغزال ٢٢٤

غسان المرجئ ١٩١

غيلان الدمشقى المرجئ ١٤ ، ٩٦ ، ١٩٠ ، ١٩٣ ، ١٩٤

حرف الفاء

فاطمة بنت النبي (ص) ١٣٣ ، ٢٣٩ ، ٢٤٢

الفراء اللغوى ٣٠٢

الفشين الحاجب ٢٥١

فضل الحدثى ١١٤ ، ٢٦١

الفياض بن خليل الأزدى ٦٠

فيثاغورس ٣٤٦

حرف القاف

قابوس بن وشمكين ٢٧٦

قاسم الدمشقى من المعتزلة ١٨٥

قاوذروس ٣٤٦

قتادة ٥

قريب بن مرة ٦٢ ، ٧١

قزمان ٣٤٤ ، ٣٥٣

قطرىّ بن الفجاءة ٦٥ ، ٦٦

قروة بن نوفل الاشجعى ٦٢

حرف الكاف

كثير الشاعر ٢٨ ، ٢٩

كثير النّوّاء الملقب بالأبتر صاحب مذهب البترية ٢٤

الكعبي ٥٥ ، ٥٦ ، ٩٤ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ١٣٨ ، ١٤١ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ، ٢٢٠ ، ٣٣١ كيسوم بن سلمة الجهني ٦٠

حرف الميم

المأمون ١٦ ، ٧٧ ، ٧٩ ، ١٥٧ ، ١٥٨ ، ٢٦٨

مأمون أخو حمدان قرمط ٢٦٧

مالك الإمام ٢٠ ، ١٢٩ ، ١٥٦ ، ٣٤٦ ، ٣٤٧ ، ٣٤٨ ، ٣٥١

المازنى ٣٠٢

مازيان صاحب المذهب ٢٥٢ ، ٢٦٨ مانى ٣٣٣

المتوكل ١٥٩

محمد بن أحمد القحطى ٢٥٥ ، ٢٥٩

محمد بن أحمد النسفى ٢٦٧

محمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق ٤٦ ، ٤٧ ، ٢٦٦ ، ٢٨٨

محمد بن اسماعيل النجارى ٢٤

محمد بن الأشعث الكندى ٣٦ ، ٣٧

محمد بن الحسن سبط على بن موسى الرضا ٤٧ ، ١٥٦ ، ٣٥١

محمد بن الحنفية ١٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٣٠ ،

٣١ ، ٣٣ ، ٣٤ ، ٣٧ ، ٣٨ ، ٢٢٧ ،

٢٤٢ ، ٣٥٤

محمد بن سليمان كاتب المكتفى ٢٧٤

محمد بن أبى شبيب البصرى ١٩ ، ٩٦ ، ١٩٠ ، ١٩٣ ، ١٩٤

محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر ١٦ ، ٢٠٣

محمد بن عبد الله الاسكافى ١١٥ ، ١٥٥ ، ١٥٦ ، ١٨٨

محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن الحسن بن على ٢٣ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٢٢٩ ، ٢٣١ ، ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، ٢٣٥

محمد بن على بن الحسن المعروف بالباقر ٤٥ ، ٣٥٤

محمد بن على ٢٤٢

محمد بن على السلقمانى الملقب بابن أبى العذاقر ٢١٥ ، ٢٤١ ، ٢٤٩ ، ٢٥٠ محمد بن عمر ٢٣

محمد بن عمرو ٤

محمد بن عيسى الملقب ببرغوث ١٩٧ محمد بن القاسم ٢٣

محمد بن كرام صاحب مذهب الكرامية ٢٠٢ ، ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، ٢٠٦ ٢١٢

محمد بن النعمان الرافض الملقب بشيطان الطاق ٥٣

محمد بن يوسف الثغرى ٢٥١ ، ٢٦٨ محمود بن سبكتكين ٢٧٣ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ المرداد راهب المعتزلة ١٠٢ ، ١٠٣ ،

١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٤ ، ١٨٧

مرداس الخارجىّ ٥٦ ، ٧٢

مروان بن الحكم ١٠١

مزدك ٣٣٣

مزقيور ٣٣٣

المستورد بن علقمة التميمى ٦٢

مسعود بن قيس ٧٨

مسلم بن الحجاج ٢٤

مسلم بن عقيل ٣١

مسلم بن عيسى بن كريز بن حبيب ابن عبد شمس ٦٤

مسلم بن أخى المازنى ٢٦

مسمع بن قدلى ٥٧

مسيلمة الكذاب ١٣ ، ٢٢١ ، ٢٢٦ ، ٣٣٣ ، ٣٣٥ ، ٣٥٠

مصعب بن الزبير ٣٥ ، ٣٦ ، ٣٧

مضمون ٢٧٥

معاذ بن جبل ٣٥١

معاذ بن جرير ٦٢

معاذ بن مسلم صاحب جيش المهدى ابن المنصور ٢٤٤

معاوية بن اسحاق بن يزيد بن حارثة ٢٥

معاوية بن أبى سفيان ٢٦ ، ٥٦ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٩٢ ، ٩٩ ، ١٥٠ ، ٢١١ ، ٢٨٤ ، ٣٠٧ ، ٣٤٢

معاوية بن أبى طالب ١٤

معبد ٨١

معبد الجهنى ١٤ ، ٩٦ ، ٩٨

المعتصم ١٥٧ ، ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٦٨

المعتضد ٢٧٤

معمر من المعتزلة ٩٥ ، ٩٦ ، ١٠١ ، ١١٥ ، ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤١ ، ١٨١ ، ٢٠٨ ، ٣١٩ ، ٣٢٩

معن بن زائدة ٢٥٥

المغيرة بن سعيد العجلى ٤٣ ، ٤٤ ، ٢١٤ ، ٢٢٩ ، ٢٣١ ، ٢٣٢ ، ٢٣٥ ، المغيرة بن شعبة ٦٢

مفضل الصيرفى ٢٣٦

مقلاص ٦٦

المقنع ٢١٥ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤

المكتفى ٢٧١ ، ٢٧٤

مكرم ٢٦١

المنصور ٢٥٦

المهدى بن المنصور ٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤

المهدى المنتظر ١٧ ، ٢٨ ، ٣٣ ، ٣٤ ،

٣٨ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٧ ، ٢٢٤ ، ٢٢٩ ، ٢٣٢

المهلب بن أبى صفرة ٣٦ ، ٦٥ ، ٦٦

موسى بن جعفر ٤٦ ، ٤٧ ، ٥٣ ، ٣٥٤

موسى بن شيطان الطاق ٥٣

ميمون ٧٤ ، ٧٥ ، ٨٧ ، ٨٨

ميمون الخارجى ٢٦٤

ميمون بن ديصان المعروف بالقداح ٢٦٦ ، ٢٧٤ ، ٢٧٧ ، ٢٧٨

حرف النون

نافع بن الأزرق الحنفى (المكنى أبا راشد) ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٣٤٠

نجدة بن عامر الحنفى ٦٦ ، ٦٧ ، ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٣٤٠

نصر بن الحجاج ١٣٣ ، ٣٠٤

نصر بن بشار ٢٦ ، ٢٠٠

نصر بن حريمة العنسى ٢٥

النظام ٥١ ، ١٠١ ، ١١٣ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١١٧ ، ١٢٢ ، ١٢٦ ، ١٢٧ ، ١٢٩ ، ١٣١ ، ١٣٣ ، ١٣٥ ، ١٣٦ ، ١٤٤ ، ١٥١ ، ١٥٣ ، ١٦٢ ، ١٦٦ ، ١٨٥ ،

١٨٦ ، ١٨٧ ، ١٨٩ ، ٢٠٠ ، ٢١٧ ، ٢١٨ ، ٢٥٥ ، ٢٦٠ ، ٣٠٤ ، ٣١٥ ، ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣٣٤

النميرى من اتباع الشريعىّ ٢٣٩

نوح بن منصور والى خراسان ٢٧٦ ، ٢٧٧

حرف الهاء

هارون الرشيد ٧٧ ، ٧٩ ، ١٥٦ ، ٢٧٠

هارون بن سعد العجلى ٢٤٠

هاشم الأوقص ١٠١

هشام بن حكيم ٢٤٤

هشام بن الحكم ١٧ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٤٩ ، ٥٠ ، ٥١ ، ٥٣ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١٢٢ ، ١٤٥ ، ١٤٦ ، ١٤٧ ، ٢١٥ ، ٣٢٠

هشام بن سالم الجواليقى ١٧ ، ٤٧ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٢١٦ ، ٣٢٠

هشام بن عبد الملك ١٦ ، ٢٥

هشام بن عبيد الله الرازى ١٥٦ ،

٣٥١

هشام بن عمر القوطى ١٤٥ ، ١٤٦ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥١

الهيثم بن خارجة ٤

هيصم الشارى ٧٨

حرف الواو

الواثق ١٥٧ ، ١٥٨

واثلة بن الاسقع ٥

واصل بن عطا الغزال رأس المعتزلة ١٥ ، ١٦ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٨ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٥٠ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧

الوليد بن مسلمة ٥

الوليد بن عقبة ١٣٣

وهب بن بقية ٤

حرف الياء

يحيى بن اكثم ١٥٦ ، ٣٥١

يحيى بن زيد ٢٥ ، ٢٦

يزيد بن أبى أنيسة الخارجىّ ٢٦٣

يزيد بن عاصم المحاربيّ ٥٦

يزيد بن على بن الحسين ٢٦

يزيد العنسى ٣٣٣

يزيد بن معاوية ٢٦ ، ٢٧ ، ٣١ ، ٣٧ ، ٣٨ ، ٧١

يزيد بن المهلب ٦٦

يعقوب صاحب مذهب اليعقوبية ٢٤

يعمر بن عبيد الله بن معمر ٧٠

يوداسف ٣٣٣

يوسف بن عمر الثقفى ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٣٥

يونس بن عبد الرحمن القمى ١٧ ، ٤٦ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٢١٦

يونس بن عون ١٩١

باب الكنى

حرف الألف

أبو اسحاق ابراهيم بن محمد بن يحيى مزكى نيسابور ٢٧٥

أبو اسحاق المختار بن أبى عبيد الثقفى

٢٧ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٤ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٣٧

أبو اسحاق المروزى صاحب الشرح ٣٥٠

أبو أمامة ٥

أبو أيوب الانصارى ١٠٠ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧

ابن أبى زكريا الطامى ٢٧٠

ابن أبى الساج ٢٧٥

ابن أبي ليلى ٣٠١

ابن الاخشيد ١٨٠

ابن أروى ٢٩

حرف الباء

أبو بكر بن داود ٢٤٧ ، ٤٨

أبو بكر الصديق ١٢ ، ١٣ ، ١٤ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ٢٩ ، ٤١ ، ٨٣ ، ٨٧ ، ٢٢٤ ، ٢٣٠ ، ٢٣١ ، ٢٣٧ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، ٣٠١ ، ٣٠٨ ، ٣٤٠ ، ٣٤١ ، ٣٤٢ أبو بكر محمد بن أبى الطيب الاشعرى ١١٥ ، ٢٤٧

أبو بكر بن محتاج والى نيسابور ٢٦٧

أبو بلال مرداس الخارجى ٧١

أبو بيهس هيصم بن عامر ٦٩ ، ٨٧

ابن بسام ١٦٢

حرف الثاء

أبو ثوبان المرجئ ١٩٢

أبو ثور ٣٠١

حرف الجيم

أبو الجارود ٢١

أبو جعفر بن محمد بن سليمان عامل المنصور ٢٥٦

أبو جعفر بن محمد بن على بن الحسين ابن على المعروف بالباقر ٢٣٤

أبو جعفر المنصور ٤٣ ، ٢٣١ ، ٢٤٣

أبو الجلندى الشاعر ٧٧

حرف الحاء

أبو حاتم ٢٦٧

أبو الحسن ٥٥

أبو الحسن الاشعرى ٢٤ ، ٥١ ، ١١٥ ، ١٤٤ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٦٩ ، ٢٠٠ ، ٢١٠ ، ٣٤٤

أبو الحسن محمد بن ابراهيم بن سيمجور ٢١٣ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧

أبو الحسين الخياط ١٠٣ ، ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٢٦ ، ١٤٥ ، ١٥٢ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٥

أبو حلمان الدمشقى ٢١٥ ، ٢٤٥

أبو حنيفة الامام ١٠ ، ٢٠ ، ٢٣ ، ١٢٩ ١٣٢ ، ١٣٣ ، ١٩١ ، ٣٠١ ، ٣٤٦ ،

٣٤٧ ، ٣٤٨ ، ٣٤٩ ، ٣٥٠

ابن الحسين ٣٢

حرف الخاء

أبو الخطاب ٢٣٦

أبو الخطاب الأسدى ١٥ ، ٢٤٢

ابن الخطاب ٢٥٥

ابن خولة ٣٠

حرف الدال

أبو الدرداء ٥

أبو دلف العجلى ٢٥١ ، ٢٦٨

ابن داود ١٥٩

حرف الراء

ابن الراوندي ٤٩ ، ١٢٦ ، ١٩٣

حرف الزاي

ابن الزيات ١٥٩

حرف السين

أبو سعيد الجنانى ٢٦٧

أبو سعيد الحسين بن بهرام ٢٧٣

أبو سعيد الخدرى ٥

أبو سلمة ٤

أبو سهل بشر بن أحمد بن بشار الأسفرائيني ٤

ابن سيارة ١٥

حرف الشين

أبو شجاع فنا خسرو بن بويه ٢٧٥ ، ٢٧٦

أبو شعيب الناسك ٣٢١

أبو الشمراخ ٦٩

أبو شمر المرجئ ١٩ ، ١٤٤ ، ١٩٠ ، ١٩٣ ، ١٩٤

ابن شهاب ٣٤

حرف العين أبو العباس بن سريح ٢٤٧ ، ٢٥٠

أبو العباس بن عطا ٢٤٧

أبو العباس القلانسى ١١٥ ، ١٤٥ ، ٣٤٤

أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبى ٣٥١

أبو عبد الله بن خفيف ٢٤٨

أبو عبد الله العردى ٢٧١

أبو عبيد اللغوى ٣٠٢

أبو عبيدة بن الجرّاح ٣٤٤

أبو عبيدة معمر بن المثنى ٢٩٥

أبو عمرو بن العلاء اللغوى ٣٠٢

أبو عمران ابراهيم بن محمد المنجم ٢٤٩

أبو عون صاحب بن أبى العذاقر ٢٥٠

أبو عيسى الورّاق ٤٩ ، ٥١

ابن عباد وزير آل بويه ١٦٩

ابن عباس ١٥ ، ٣٨ ، ١٠٠ ، ٢٢٥ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٣٤٢

ابن عبيد الله الباطنى ٢٧٥

حرف الفاء

أبو فديك ٦٩ ، ٧٠

أبو الفرج المالكى ٢٥٠

ابن الفضل ٢٧٤

حرف القاف

أبو القاسم الحسن بن على الملقب بدالشمند ٢٧٧

أبو القاسم الكعبى ٨ ، ٩

أبو القاسم بن مهرويه ٢٧٤

أبو القاسم النصرآبادي ٢٤٨

أبو قديل ٦٦ ، ٧٧

ابن قتيبة ٢٣١

ابن القسم ٣٥١

ابن قلس ٣٤٦

حرف الكاف

أبو كامل ١٧ ، ٣٩

أبو كرب الضرير ٢٧

ابن كرويه بن مهرويه الدندانى ٢٦٧

حرف الميم

أبو مالك الحضرمى ٥٢

أبو محمد عبد الله بن محمد بن على بن زياد السمندى ٤

أبو محمد بن على بن عبد الله بن عباس ٢٨

أبو مريم السعدى ٦١

أبو مسعود ١٣٤ ، ١٣٥ ، ٣٠٤

أبو مسلم الحرانى ٢٥٩

أبو مسلم صاحب دولة بنى العباس ٨١ ، ٨٢ ، ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٥٥ ، ٣٥٠

أبو معاذ التومنى ١٩٢

أبو منصور العجلى ٢١٤ ، ٢٣٤ ، ٢٣٥ أبو موسى الاشعرى ١٤ ، ١٢٥ ، ١٣٢ ابن مسعود ٢٠٢

ابن مبشر ١٩٣

حرف الهاء

أبو هاشم بن الجبائي ١٨ ، ٩٣ ، ٩٥ ، ١١١ ، ١٤٤ ، ١٦٤ ، ١٦٨ ، ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧٢ ، ١٧٤ ، ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨١ ، ١٨٢ ، ١٨٨ ، ٣١٢ ، ٣١٩

أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ٢٨ ، ٢٢٧ ، ٢٣٤ ، ٢٤٢

أبو الهذيل ٤٨ ، ٨٤ ، ١٠٢ ، ١٠٣ ، ١٠٤ ، ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١١ ، ١١٣ ، ١١٥ ، ١٢٧ ، ١٤٤ ، ١٥٢ ، ١٦٣ ، ١٨٦ ، ١٨٧ ، ٣٠٧ ، ٣١٧ ، ٣١٩ ، ٣٢٣ ، ٣٢٦ ، ٣٣٩

أبو هريرة ٤ ، ٥ ، ١٥ ، ١٣٣ ، ٣٠٥

ابن هرمة ٢٩٧

حرف الياء

أبو يحيى يوسف بن بشار ٧٧

أبو يوسف ١٥٦ ، ٣٥١

أبو يوسف القاضى ١٩٢

أبو يعقوب الأقطع ٢٤٧

أبو يعقوب السجزلى ٢٦٧

أبو يعقوب الشحام ١٦٣

ابن يزيد بن أنيس ١٨

الفهرست

بيان الابواب والفصول والفرق التي اشتمل عليها كتاب

(الفرق بين الفرق) لأبى منصور عبد القاهر

ابن طاهر بن محمد البغدادى

٢

خطبة المؤلف

٤

الباب الاول فى بيان الحديث المأثور فى افتراق الامة

٨

الباب الثانى في كيفية افتراق الامة ثلاثا وسبعين وفى ضمنه بيان الفرق الذين يجمعهم اسم ملة الاسلام فى الجملة

٨

الفصل الاول من الباب الثانى فى بيان المعنى الجامع للفرق المختلفة فى اسم ملة الاسلام على الجملة

١٢

الفصل الثانى من الباب الثانى فى بيان كيفية اختلاف الامة وتحصيل عدد فرقها الثلاث والسبعين

١٥

الروافض من السبابية

١٦

الزيدية من الرافضة

١٧

الامامية المفارقة للزيدية والكيسانية والغلاة ـ الخوارج

١٨

القدرية المعتزلة عن الحق

١٩

المرجئة

٢١

الباب الثالث فى بيان تفصيل مقالات فرق الاهواء وبيان فضائح كل فرقة منها على التفصيل

٢٢

الفصل الاول من الباب الثالث فى بيان مقالات فرق الرفض

٢٢

الجارودية من الزيدية

٢٣

السليمانية والحريرية

٢٤

البترية

٢٧

الكيسانية من الرافضة

٣٨

الامامية من الرافضة

٤٢

المحمدية

٤٥

الباقرية

٤٦

الموسوية

٤٧

المباركية ـ القطيعية ـ الهشامية

٥٢

الزرارية ـ اليونسية

٥٣

الشيطانية

٥٤

الفصل الثاني من الباب الثالث فى بيان مقالات فرق الخوارج

٥٦

المحكمة الاولى

٦٢

الازارقة

٦٦

النجدات

٧٠

الصفرية من الخوارج

٧٢

العجاردة من الخوارج

٧٣

الخازمية

٧٤

الشعيبية

٧٥

الخلفية

٧٦

المعلومية والمجهولية ـ الصلتية ـ الحمزية

٨٠

الثعالبة

٨١

الاخنسية ـ الشيبانية

٨٢

الرشيدية ـ المكرمية ـ الاباضية وفرقها

٨٣

الحفصية

٨٤

الحارثية ـ أصحاب طاعة لا يراد الله بها

٨٩

الشبيبية

٩٣

الفصل الثالث من الباب الثالث فى بيان مقالات فرق الضلال من القدرية المعتزلة عن الحق

٩٦

الواصلية

١٠٠

العمرية

١٠٢

الهذيلية

١١٣

النظامية

١٤١

البشرية

١٤٥

الهشامية

١٥٣

الجعفرية

١٥٤

الاسكافية

١٥٧

الثمامية

١٦٠

الجاحظية

١٦٣

الشحامية ـ الخياطية

١٦٥

الكعبية

١٦٧

الجبائية

١٦٩

البهشمية

١٩٠

الفصل الرابع من الباب الثالث فى بيان فرق المرجئة وتفصيل مذاهبهم

١٩١

اليونسية ـ الغسانية

١٩٢

التومنية ـ الثوبانية ـ المريسية

١٩٥

الفصل الخامس من الباب الثالث فى ذكر مقالات فرق النجارية

١٩٧

البرغوثية ـ الزعفرانية

١٩٨

المستدركة

١٩٩

الفصل السادس من الباب الثالث فى ذكر الجهمية والبكرية والضرارية وبيان مذاهبها ـ الجهمية

٢٠٠

البكرية

٢٠١

الضرارية

٢٠٢

الفصل السابع من الباب الثالث فى ذكر مقالات الكرامية وبيان اوصافها

٢١٤

الفصل الثامن من الباب الثالث فى بيان مذاهب المشبهة من أصناف شتى

٢٢٠

الباب الرابع فى بيان الفرق التى انتسبت الى الاسلام وليست منها

٢٢٣

الفصل الاول من الباب الرابع فى ذكر قول السبابية وبيان خروجها عن ملة الاسلام

٢٢٧

الفصل الثانى من الباب الرابع فى ذكر البيانية من الغلاة وبيان خروجها عن فرق الاسلام

٢٢٩

الفصل الثالث من الباب الرابع فى ذكر المغيرية من الغلاة وبيان خروجها عن جملة فرق الاسلام

٢٣٣

الفصل الرابع من الباب الرابع فى ذكر الحربية وبيان خروجهم عن فرق الامة

٢٣٤

الفصل الخامس من الباب الرابع فى ذكر المنصورية وبيان خروجها عن جملة فرق الاسلام

٢٣٥

الفصل السادس من الباب الرابع فى ذكر الجناحية من الغلاة وبيان خروجها عن فرق الاسلام

٢٣٧

الفصل السابع من الباب الرابع فى ذكر الغرابية والمفوضة والذمية وبيان خروجهم عن فرق الأمة

٢٣٩

الفصل الثامن من الباب الرابع فى ذكر الشريعية والنميرية من الرافضة

٢٤١

الفصل التاسع من الباب الرابع فى ذكر اصناف الحلولية وبيان خروجها عن فرق الاسلام

٢٥١

الفصل الحادي عشر من الباب الرابع فى ذكر اصحاب الاباحة من الخرمية وبيان خروجهم عن جملة فرق الاسلام

٢٥٣

الفصل الثاني عشر من الباب الرابع فى ذكر اصحاب التناسخ من أهل الاهواء وبيان خروجهم عن فرق الاسلام

٢٥٤

مذهب سقراط وافلاطون

٢٦٠

الفصل الثالث عشر من الباب الرابع فى بيان ضلالات الحائطية من القدرية وبيان خروجهم عن فرق الامة

٢٦١

الفصل الرابع عشر من الباب الرابع فى ذكر الحمارية من القدرية وبيان خروجهم عن فرق الامة

٢٦٣

الفصل الخامس عشر من الباب الرابع في ذكر اليزيدية من الخوارج وبيان خروجهم عن فرق الاسلام

٢٦٤

الفصل السادس عشر من الباب الرابع في ذكر الميمونة من الخوارج وبيان خروجهم عن فرق الاسلام

٢٦٥

الفصل السابع عشر من الباب الرابع في ذكر الباطنية وبيان خروجهم عن جميع فرق الاسلام

٢٩٩

الباب الخامس في بيان اوصاف الفرقة الناجية وتحقيق النجاة لها وبيان محاسنها

٣٠٠

الفصل الأول من الباب الخامس في بيان اصناف أهل السنة والجماعة

٣٠٤

الفصل الثانى من الباب الخامس في بيان تحقيق النجاة لاهل السنة والجماعة

٣٠٩

الفصل الثالث من الباب الخامس في بيان الاصول التى اجتمع عليها أهل السنة

٣٥٢

الفصل الرابع من الباب الخامس في قولنا فى السلف الصالح من الأمة

٣٥٥

الفصل الخامس من الباب الخامس في بيان عصمة الله

الفَرق بين الفِرق

المؤلف: عبدالقاهر بن طاهر البغدادي
الصفحات: 381
  • خطبة المؤلف
  • التومنية ـ الثوبانية ـ المريسية
  • الفصل الثامن من الباب الثالث فى بيان مذاهب المشبهة من أصناف شتى
  • الفصل السابع من الباب الثالث فى ذكر مقالات الكرامية وبيان اوصافها
  • الضرارية
  • البكرية
  • الفصل السادس من الباب الثالث فى ذكر الجهمية والبكرية والضرارية وبيان مذاهبها ـ الجهمية
  • المستدركة
  • البرغوثية ـ الزعفرانية
  • الفصل الخامس من الباب الثالث فى ذكر مقالات فرق النجارية
  • اليونسية ـ الغسانية
  • الفصل الاول من الباب الرابع فى ذكر قول السبابية وبيان خروجها عن ملة الاسلام
  • الفصل الرابع من الباب الثالث فى بيان فرق المرجئة وتفصيل مذاهبهم
  • البهشمية
  • الجبائية
  • الكعبية
  • الشحامية ـ الخياطية
  • الجاحظية
  • الثمامية
  • الاسكافية
  • الباب الرابع فى بيان الفرق التى انتسبت الى الاسلام وليست منها
  • الفصل الثانى من الباب الرابع فى ذكر البيانية من الغلاة وبيان خروجها عن فرق الاسلام
  • الهشامية
  • الفصل الرابع عشر من الباب الرابع فى ذكر الحمارية من القدرية وبيان خروجهم عن فرق الامة
  • الفصل الرابع من الباب الخامس في قولنا فى السلف الصالح من الأمة
  • الفصل الثالث من الباب الخامس في بيان الاصول التى اجتمع عليها أهل السنة
  • الفصل الثانى من الباب الخامس في بيان تحقيق النجاة لاهل السنة والجماعة
  • الفصل الأول من الباب الخامس في بيان اصناف أهل السنة والجماعة
  • الباب الخامس في بيان اوصاف الفرقة الناجية وتحقيق النجاة لها وبيان محاسنها
  • الفصل السابع عشر من الباب الرابع في ذكر الباطنية وبيان خروجهم عن جميع فرق الاسلام
  • الفصل السادس عشر من الباب الرابع في ذكر الميمونة من الخوارج وبيان خروجهم عن فرق الاسلام
  • الفصل الخامس عشر من الباب الرابع في ذكر اليزيدية من الخوارج وبيان خروجهم عن فرق الاسلام
  • الفصل الثالث عشر من الباب الرابع فى بيان ضلالات الحائطية من القدرية وبيان خروجهم عن فرق الامة
  • الفصل الثالث من الباب الرابع فى ذكر المغيرية من الغلاة وبيان خروجها عن جملة فرق الاسلام
  • مذهب سقراط وافلاطون
  • الفصل الثاني عشر من الباب الرابع فى ذكر اصحاب التناسخ من أهل الاهواء وبيان خروجهم عن فرق الاسلام
  • الفصل الحادي عشر من الباب الرابع فى ذكر اصحاب الاباحة من الخرمية وبيان خروجهم عن جملة فرق الاسلام
  • الفصل التاسع من الباب الرابع فى ذكر اصناف الحلولية وبيان خروجها عن فرق الاسلام
  • الفصل الثامن من الباب الرابع فى ذكر الشريعية والنميرية من الرافضة
  • الفصل السابع من الباب الرابع فى ذكر الغرابية والمفوضة والذمية وبيان خروجهم عن فرق الأمة
  • الفصل السادس من الباب الرابع فى ذكر الجناحية من الغلاة وبيان خروجها عن فرق الاسلام
  • الفصل الخامس من الباب الرابع فى ذكر المنصورية وبيان خروجها عن جملة فرق الاسلام
  • الفصل الرابع من الباب الرابع فى ذكر الحربية وبيان خروجهم عن فرق الامة
  • الجعفرية
  • البشرية
  • الباب الاول فى بيان الحديث المأثور فى افتراق الامة
  • الفصل الاول من الباب الثالث فى بيان مقالات فرق الرفض
  • الموسوية
  • الباقرية
  • المحمدية
  • الامامية من الرافضة
  • الكيسانية من الرافضة
  • البترية
  • السليمانية والحريرية
  • الجارودية من الزيدية
  • الباب الثالث فى بيان تفصيل مقالات فرق الاهواء وبيان فضائح كل فرقة منها على التفصيل
  • الزرارية ـ اليونسية
  • المرجئة
  • القدرية المعتزلة عن الحق
  • الامامية المفارقة للزيدية والكيسانية والغلاة ـ الخوارج
  • الزيدية من الرافضة
  • الروافض من السبابية
  • الفصل الثانى من الباب الثانى فى بيان كيفية اختلاف الامة وتحصيل عدد فرقها الثلاث والسبعين
  • الفصل الاول من الباب الثانى فى بيان المعنى الجامع للفرق المختلفة فى اسم ملة الاسلام على الجملة
  • الباب الثانى في كيفية افتراق الامة ثلاثا وسبعين وفى ضمنه بيان الفرق الذين يجمعهم اسم ملة الاسلام فى الجملة
  • المباركية ـ القطيعية ـ الهشامية
  • الشيطانية
  • النظامية
  • الاخنسية ـ الشيبانية
  • الهذيلية
  • العمرية
  • الواصلية
  • الفصل الثالث من الباب الثالث فى بيان مقالات فرق الضلال من القدرية المعتزلة عن الحق
  • الشبيبية
  • الحارثية ـ أصحاب طاعة لا يراد الله بها
  • الحفصية
  • الرشيدية ـ المكرمية ـ الاباضية وفرقها
  • الثعالبة
  • الفصل الثاني من الباب الثالث فى بيان مقالات فرق الخوارج
  • المعلومية والمجهولية ـ الصلتية ـ الحمزية
  • الخلفية
  • الشعيبية
  • الخازمية
  • العجاردة من الخوارج
  • الصفرية من الخوارج
  • النجدات
  • الازارقة
  • المحكمة الاولى
  • الفصل الخامس من الباب الخامس في بيان عصمة الله